مصباح الفقاهه

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

المجلد 1:مکاسب المحرمة

اشارة

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

****

البحث فی مکاسب المحرمة

**کلمة المؤلف**

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه الذی هدانا إلی حقائق الایمان،و أنار قلوبنا بأنوار العلم و العرفان،و الصلوات الزاکیات علی سیدنا و نبینا محمد الصادع بالدین الحنیف،و الشرع المنیف،و علی آله الأطهار الدعاة الی اللّه و الناشرین لأحکام اللّه،(و بعد)فلما کان کتاب المکاسب الذی هو من مصنفات الشیخ الأعظم الصناع الفذ و العلم الفرد المحقق المؤسس شیخ مشایخنا الأنصاری قدس اللّه روحه من أعظم الکتب الفقهیة شأنا و أکثرها مادة و أمتنها استدلالا و أجزلها عبارة کان هو المعول علیه فی الدراسة الخارجیة عند البحث عن المعاملات و قد جمع قدس اللّه روحه و أکرم مثواه بین دفتی کتابه زبدة أفکار العلماء المتقدمین و خلاصة أنظارهم الدقیقة و أضاف إلیها من فکرته الوقادة و قریحته النقادة تحقیقات أنیقة و تأملات رشیقة و بذلک کان الکتاب صحیفة ناصعة تمثل سداد الرأی و نتاج المجهود الفکری فی مراتبه الراقیة و علماؤنا الأعلام قدس اللّه أسرارهم قد أبدوا اهتماما خاصا بهذا الکتاب و عنوا به عنایة فائقة

ص:3

و تعرضوا الیه و أوسعوه دراسة و شرحا و تعلیقا حسب اختلاف أذواقهم فی الشرح و التعلیق و بذلک تکونت مجموعة نفیسة من الشروح لا یستغنی عنها الباحث و لا یتجاوزها المراجع المتأمل الی ان ألقت العلوم الدینیة زعامتها و أسندت رئاستها الی سیدنا و استاذنا علم الأعلام آیة اللّه الملک العلام فقیه العصر و فرید الدهر البحر اللجی واسطة قلادة الفضل و التحقیق محور دائرة الفهم و التدقیق إمام أئمة الأصول و زعیم أساتذة المعقول و المنقول المبین لاحکام الدین و المناضل عن شریعة جده سید المرسلین قدوة العلماء الراسخین أسوة الفقهاء العاملین المولی الأعظم و الحبر المعظم مولانا و ملاذنا الحاج السید أبو القاسم الموسوی الخویی النجفی أدام اللّه أیام إفاضاته و متع اللّه المسلمین بطول بقائه و هو أدامه اللّه قد تعرض الی الکتاب أثناء الدراسة الخارجیة فی الحوزة المقدسة العلویة و أوسعه تهذیبا و تنقیحا و کشف النقاب عن غوامضه و أبان الموارد المعضلة منه و أخذ بتلک المسائل و الآراء التی قیلت أو یمکن أن یقال فصهرها فی بوتقة خیاله الواسع و فکره الجامع و أفرغها فی قوالب رصینة و شیدها علی أسس متینة و کان النتاج درة لماعة علی مفرق التشریع الإسلامی و الفقه الجعفری و کنت ممن وفقه اللّه للاستفادة من محضره الشریف و الارتواء من منهلة العذب فجمعت فی هذا المختصر ما استفدته من تلک الأبحاث ثم عرضت ذلک علی السید الأستاذ دام ظله فراجعه مراجعة کاملة و کرر النظر فی أبحاثه و فصوله و ها أنا ذا أقدم کتابی هذا مصباح الفقاهة إلی أرباب العلم و الفضیلة آملا أن یقع ذلک منهم موقع القبول و جعلت عملی هذا خالصا لوجهه الکریم سائلا منه أن یجعل ذلک ذخرا الیوم لا ینفع مال و لا بنون.و قد کان المؤلفون القدماء کثیرا یقولون ان أسواق العلوم کاسدة و تجارتها غیر مربحة و ان الناس قد رغبت عنها الی ملاذ الدنیا و شهواتها و قصرت بأنظارها الی الخطام العاجل و العرض الزائل و انهم قد استأثروا الکسل علی الجد و النوم علی السهر و الراحة علی العمل و ان الدنیا قد أدبرت عن ورثة الرسالة و أصحاب الامانة و أمثال هذه الکلمات صارت عنوانا لفواتح الکتب و مستهلات الخطب و الرسائل و اما نحن فلنا أن نفتخر بحمد اللّه و إفضاله علی هذا العهد الزاهی الذی ازدهرت فیه أنوار العلوم و أشرقت فیه شموس المعارف و أصبحت الأمم من کل حدب و صوب یتجهون الی هذه المدینة المقدسة مدینة سید العلماء علی الإطلاق بعد النبی صلی الله علیه و آله و سلم و ازدحمت المدارس بطلابها و ضاقت بهم أرجاؤها نحمده تعالی علی هذه الموهبة الجلیلة و النعمة الجسیمة و نسأله أن یوفقنا لخدمات الدین و إحیاء شریعة سید المرسلین و أن یجعلنا من المشمولین لقوله عز من قائل (یَرْفَعِ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) - وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ .

ص:4

(فیما یرجع الی روایة تحف العقول)

اشارة

قوله ره:و روی فی ئل (1) أقول المذکور فی تحف العقول (2)و البحار (3)یشتمل علی زیادات و قد أسقطها المصنف و ربما یخل بالمقصود و ما فی حاشیة العلامة الطباطبائی «ره»من انه لا یتغیر بها المعنی المراد فیظهر لک ما فیه مما سیأتی(بحث و تحقیق)اعلم ان هذه الروایة و ان کانت حاویة للضوابط الکلیة و القواعد الکبرویة الراجعة إلی اعاشة عالم البشریة من حیث تدینهم بالأحکام الشرعیة إلا انه لا یمکن تصدیر الکتاب بها لأجل أخذها مدرکا للابحاث الآنیة و دلیلا لأحکام التجارة جزئیها و کلیها بل لا بد فی کل مسألة من ملاحظة مدارکها بالخصوص فان کان فیها ما یدل علی المنع أخذ به و إلا فالعمومات الدالة علی صحة المعاملات محکمة(الوجوه الدالة علی عدم جواز التمسک بها)و إنما لم یجز التمسک بهذه الروایة لوجوه«الأول»قصورها من ناحیة السند و عدم استیفائها لشروط حجیة اخبار الآحاد فان راویها أبو محمد بن الحسن بن علی بن الحسین بن شعبة الحرانی أو الحلبی و إن کان رجلا وجیها فاضلا جلیل القدر رفیع الشأن و کان کتابه مشتملا علی الدرر و الیواقیت.من مواعظ أهل البیت«ع»و قد اعتمد علیه جملة من الأصحاب[4]إلا انه لم یذکرها مسندة بل

ص:5


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 2 جوار التکسب بالمباحات من أبواب ما یکتسب به
2- 2) ص 80
3- 3) ج 23 المکاسب المحرمة ص 14.

أرسلها عن الصادق«ع»فلا تکون مشمولة لأدلة حجیة خبر الواحد لاختصاصها بالخبر الموثوق بصدوره و دعوی قیام القرینة علی اعتبار رواتها المحذوفین جزافیة لأن القرینة علی اعتبارهم ان کانت هی نقله عنهم فذلک ممنوع لکون النقل أعم من الاعتبار فالالتزام بالأعم لا یدل علی الالتزام بالأخص و ان کانت شیئا آخر غیر النقل فلم یصل إلینا ما یدل علی اعتبارهم و لو سامنا ذلک فإنه لا یفیدنا بوجه بل حتی مع تصریحه باعتبارهم عنده لأن ثبوت الاعتبار له لا یدل علی ثبوته لنا ما لم یذکر سببه من التوثیق لنلاحظه حتی یوجب ثبوته عندنا فلعله یعتمد علی غیر خبر الثقة أیضا.

وهم و دفع

و ربما یتوهم انجبار ضعفها بعمل المشهور إلا انه مدفوع لکونه فاسدا کبری و صغری اما الوجه فی منع الکبری فلعدم کون الشهرة فی نفسها حجة فکیف تکون موجبة لحجیة الخبر و جابرة لضعف سنده و إنما الشهرة بالنسبة الی الخبر کوضع الحجر فی جنب الإنسان فلا بد من ملاحظة نفس الخبر فان کان جامعا لشرائط الحجیة عمل به و إلا فإن ضم غیر حجة الی مثله لا ینتج الحجیة.

(لا یقال)إذا عمل المشهور بخبر کشف ذلک عن احتفافه بقرائن توجب الوثوق قد اطلعوا علیها و لم تصل إلینا فیکون الخبر موثوقا به کما ان إعراضهم عن الخبر الصحیح یوجب وهنه و سقوطه عن الاعتبار و من هنا اشتهر فی الألسن ان الخبر کلما ازداد صحة ازداد باعراض المشهور عنه و من هنا.

(فإنه یقال)مضافا الی کون ذلک دعوی بلا برهان و رجما بالغیب و عملا بالظن الذی لا یغنی من الحق شیئا ان المناط فی حجیة خبر الواحد هی وثاقة الراوی و یدل علی ذلک للموثقة[1]التی ارجع الامام«ع»السائل فیها إلی العمری و ابنه حیث علل هذا الحکم فیها

ص:6

بأنهما ثقتان و یدل علیه أیضا الروایات المتواترة (1)التی أرجع فیها إلی أشخاص موثقین فان من المعلوم انه لا خصوصیة لهؤلاء الرواة إلا من حیث کونهم موثقین اذن فالمناط هی الوثاقة فی الراوی و علی هذا فان کان عمل المشهور راجعا الی توثیق رواة الخبر و شهادتهم بذلک فبها و إلا فلا یوجب انجبار عفة و من هنا یعلم انه بعد ثبوت صحة الخبر لا یضره إعراض المشهور عنه إلا أن یرجع الی تضعیف رواته،و بالجملة ان الملاک فی حجیة أخبار الآحاد هو وثاقة رواتها و المناط فی عدم حجیتها عدم وثاقتهم و لأجل ذلک نهی (2)عن الرجوع الی من لا وثاقة له و تفضیل الکلام فی الأصول،و اما الوجه فی منع الصغری فهو عدم ثبوت عمل المتقدمین بها و اما عمل المتأخرین فهو علی تقدیر ثبوته غیر جابر لضعفها مضافا الی ان استنادهم إلیها فی فتیاهم ممنوع جدا کما سیأتی فإن المظنون بل الموثوق به هو اعتمادهم فی الفتیا علی غیرها،و إنما ذکروها فی بعض الموارد تأییدا للمرام لا تأسیا للکلام.

(لا یقال)ان شرائط الحجیة و ان کانت غیر موجودة فیها إلا أن موافقتها فی المضمون مع الروایات الأخیر الصحیحة أو الموثقة توجب حجیتها علی ان آثار الصدق منها ظاهرة.

(فإنه یقال)إذا لم تستوف الروایة شرائط الحجیة فمجرد موافقتها مع الحجة فی المضمون لا تجعلها حجة،و اما قوله ان آثار الصدق منها ظاهرة فلا تدری ماذا یرید هذا القائل من هذه الآثار أ هی غموض الروایة و اضطرابها أم تکرار جملها و ألفاظها أم کثرة ضمائرها و تعقیدها أم اشتمالها علی أحکام لم یفت بها أحد من الأصحاب و من أهل السنة کحرمة بیع جلود السباع و الانتفاع بها و إمساکها و جمیع التقلب و التصرف فیها مع ان الروایات المعتبرة إنما تمنع عن الصلاة فیها فقط لا عن مطلق الانتفاع بها کموثقة سماعة[3] و غیرها و کحرمة الانتفاع بالمیتة و لو کانت طاهرة و سیأتی خلاف ذلک فی بیع المیتة و کحرمة التصرف و الإمساک فیما یکون فیه وجه من وجوه الفساد و سیظهر لک خلاف ذلک من المباحث الآتیة و مما ذکرنا ظهر عدم انجبارها بالإجماع المنقول علی تقدیر حجیته(الوجه الثانی)ان فتاوی أکثر الفقهاء ان لم یکن کلهم لا تطابق بعض جمل الروایة فکیف ینجبر

ص:7


1- 1) راجع الباب المذکور من ئل.
2- 2) راجع أبواب القضاء من ج 3 ئل

ضعفها بالشهرة الفتوائیة بینهم فان مقتضی بعض فقرانها حرمة بیع النجس مطلقا مع انه لم یلتزم به إلا النادر من الفقهاء بل فی بعض فقراتها حرمة إمساکه و التقلب فیه و لم یفت بهذا أحد فیما نعلم مضافا الی ان ظاهر الروایة هو حرمة بیع الأمور المذکورة تحریما تکلیفیا و یدل علی ذلک من الروایة قوله«ع»(فهو حرام بیعه و شرائه و إمساکه و ملکه و هبته و عاریته و التقلب فیه)فان الإمساک و التقلب یشمل جمیع أنواع التصرف حتی الخارجی منه و لا معنی لحرمته وضعا و الفقهاء رضوان اللّه علیهم لم یلتزموا فی أکثر المذکورات بذلک و إنما ذهبوا الی الحرمة الوضعیة و استفادوا ذلک من النهی فی أبواب المعاملات نظیر النهی عن البیع الغرری فإن معناه الإرشاد إلی بطلان ذلک البیع کما یأتی فی محله ان شاء اللّه،نعم لو توجه النهی بذات المعاملة مع ارادة ما یظهر منه من المولویة لتوجه الالتزام بالحرمة التکلیفیة کالنهی عن بیع الخمر و سیأتی(الوجه الثالث)ان التقسیم المذکور فیها لا یرجع الی أمر محصل و ذلک یکشف عن اضطرابها فان تربیع أقسام المعاملة المعاشیة بجعل کل واحد من الولایات و الصناعات قسما مستقلا من تلک الأقسام فی قبال التجارات و الإجارات لا یسلم عن التکرار،أما الولایة فهی علی قسمین لأنها اما عامة ثبتت من اللّه کالنبوة و الإمامة أو خاصة ثبتت من قبل الولاة العامة أما الولایة العامة فهی خارجة عن حدود الروایة فإن التقسیم فیها باعتبار المعاملة المعاشیة فالولایة العامة خارجة عنها تخصصا و إنما هی من المناصب الإلهیة التی جعلت للعصمة الطاهرة و اما الولایة الخاصة فمن حیث جواز ارتزاق الولاة من بیت المال تدخل تحت الإجارة المذکورة فی الروایة فلا تکون الولایة فی مقابل الإجارة قسما آخر فان المراد من الإجارة فیها لیس هی الإجارة المصطلحة بین الفقهاء و یدل علی ذلک إدخال الجعالة تحتها و عدم ذکرها فی الروایة استقلالا،و اما الصناعات فان کان المقصود منها الصناعات المصطلحة من البنایة و الخیاطة و التجارة و نحوها فمن الواضح انها لیست قسما من المعاملات المشرعة للاعاشة و إنما هی موضوع من الموضوعات و ان کان النظر فیها إلی الطواری و العوارض من حیث ان من یتصف بها اما أن یوجر نفسه للغیر لأجل ما عنده من الصناعة و اما أن یجعل ما یحصله منها ثمنا أو مثمنا فی البیع فعلی الأول تدخل تحت الإجارة و علی الثانی تحت التجارة فلا تکون وجها آخر فی قبالهما إلا أن یراد منها نفس الحرفة و الصنعة مع تعمیم المقسم الی کل ما یکون وسیلة إلی المعاش فحینئذ یشملها المقسم لکونها من أعظم الوسائل إلی التعیش،و فیه انه بناء علیه لا یکون التقسیم المذکور فی الروایة حاصرا لخروج کثیر من وسائل الاعاشة عن المقسم کالحیازات و النتاجات و الاصطیاد و احیاء الموات و اجراء القنوات و الضیافات و أخذ الخمس و الزکاة و الصدقات و قد رد هذا الإشکال بأن الحصر فی الروایة إضافی و لکن هذا الرد

ص:8

فاسد فإنه ناشئ من الاغترار بما اشتهر فی ألسنة الأدباء من حسبان الحصر الإضافی قسما آخر یقابل الحصر الحقیقی مع ان الحصر لا یکون إلا حقیقیا بل الالتزام بالحصر فی مورد مع الالتزام بکونه إضافیا لا حقیقیا التزام بالمتناقضین کما هو واضح للناقد البصیر.

نعم قد یکون الحصر فی حصة خاصة کما یقال:زید أعلم من فی النجف،و قد یکون غیر مقید بحصة خاصة فیسمی الأول إضافیا و الثانی حقیقیا و هذا غیر ما توهم(و توهم بعضهم) ان التقسیم فیها باعتبار المعاملات و حینئذ فلا یوجب حصرها فی الأربع حصر کل طرق المعاش الیه و لکن هذا التوهم مما لا یصغی الیه بعد القطع بأن المعاملات المنقسمة إلی الأقسام المذکورة لیست هی المعاملات المصطلحة کما عرفت.

نعم لا یبعد أن یقال ان التقسیم فی الروایة بحسب المعاملات المعاشیة المعروفة کما یدل علی ذلک صدرها[1]و قد أسقطه المصنف تبعا لصاحب الوسائل و قد تحصل من مطاوی بعض ما ذکرنا عدم جواز الاستناد إلی شیء من روایات تحف العقول فی شیء من الأحکام الشرعیة و مع ذلک لا ینقضی تعجبی من الشیخ حسین البحرانی«ره»کیف رضی القول بأنه کتاب لم یسمح الدهر بمثله مع ان الکتب المعتمدة للشیعة نصب عینیه.

تذییل

لا یخفی علیک ان المناسب تقسیم المعایش العباد الی قسمین التجارة بالمعنی الأعم و العمل فان الاعاشة العقلائیة لا تخلو منهما،و اما مثل التسؤل و نحوه فلیس من الطرق العقلائیة للاعاشة(کشف حقیقة و لطف قریحة)لا یخفی علیک ان الإضافات الموجودة بین المال و مالکه المسماة بالاضافات المالکیة تکون علی أنحاء لأنها فی دار تقررها أما إضافة ذاتیة تکوینیة و اما إضافة عرضیة أی متکونة بواسطة الأمور الخارجیة.

أما الأولی فکالاضافات الموجودة بین الأشخاص و أعمالهم و أنفسهم و ذممهم فإن إعمال کل شخص و نفسه و ذمته مملوکة له ملکیة ذاتیة و له واجدیة لها فوق مرتبة الواجدیة الاعتباریة و دون مرتبة الواجدیة الحقیقة التی لمکون الموجودات ثم انه لیس المراد من الذاتی هنا الذاتی فی باب البرهان و هو المنتزع من مقام الذات المسمی بخارج المحمول و لا الذاتی فی باب الکلیات الخمس بل المقصود منه هنا ما لا یحتاج فی تقرره و ظهوره فی صفحة الوجود إلی شیء آخر وراء نفسه من الاعتبارات الملکیة و لا إلی إعدام موجود و لا الی

ص:9

إیجاد معدوم و لا الی ضم ضمیمة و إنما شأنها شأن الذاتیات التی لا تحتاج إلا الی علة فی الوجود ثم ان معنی الملکیة هنا لیس إلا القدرة و السلطنة بمعنی ان کل أحد مسلط علی عمله و نفسه و ما فی ذمته بأن یؤجر نفسه للغیر أو یبیع ما فی ذمته و یأتی لذلک زیادة توضیح فی أول البیع ان شاء اللّه،و من هنا یندفع ما ربما یتوهم من ان عمل الإنسان لا یعد من الأموال و وجه الاندفاع انه لیس من الأموال بالإضافة الاعتباریة لا بالإضافة التکوینیة.

و اما الإضافة العرضیة فهی اما أن تکون إضافة أولیة و اما أن تکون إضافة ثانویة و الأولیة إما أصلیة استقلالیة أو تبعیة غیریة فالأولیة الأصلیة کالإضافة المالیة الحاصلة بالعمل أو بالحیازة أو بهما معا فالأول کالأعمال التی یعملها الإنسان فیحصل منها المال و الثانی کحیازة المباحات و الثالث کمن یحوز أشجارا فیجعلها سریرا فإن الصورة السریریة توجب.تحقق إضافة مالیة أخری فی المادة الخشبیة وراء المالیة المتقومة بالخشبة فتلک المالیة القائمة فی السریر حاصلة من العمل و الحیازة معا فإطلاق الأولیة علیها باعتبار عدم سبق اضافة ذلک المال الی الغیر و الأصلیة باعتبار عدم تبعها للغیر.

و اما الإضافة الأولیة التبعیة فهی ما تکون بین المالک و بین نتاج أمواله کالنتاج التی تنتج الحیوانات المملوکة و البیوض التی تبیضها الطیور المملوکة و الثمار التی تثمرها الأشجار المملوکة الی غیر ذلک فإنها تضاف الی مالک الأصول اضافة أولیة تبعیة اما إطلاق التبعیة فلکونها تابعة لما تحصل منه و اما إطلاق الأولیة فلعدم سبق أضافه إلیها.

و اما الإضافة الثانویة فالمراد بها ما قابل الإضافة الأولیة و ان کانت طارئة علی الأموال مرارا عدیدة فهی نظیر المعقولات الثانویة فی مقابلتها للمعقولات الأولیة،و هی علی قسمین لأنها تارة تکون قهریة و اخری اختیاریة.

(أما الأولی)فکالاضافة التی تحصل بسبب الإرث أو الوقف بناء علی کونه من الإیقاعات کما اخترناه فی محله و وجه کونها قهریة هو حصول المالکیة فی هذه الموارد للوارث و الموقوف علیه و الموصی له بالقهر لا بالفعل الاختیاری.

(و اما الثانیة)فکالاضافة الحاصلة من المعاملات و منها ما یحصل من المکاسب التی نحن بصدد بحثها و تأسیس أصولها و مبانیها بعون اللّه و حسن توفیقه،و غیر خفی علی الناقد ان ما ذکرناه من تلک الإضافات علی أقسامها من البدیهیات التی لا تحتاج الی المقدمات النظریة الخفیة قوله علیه السلام:کذلک المشتری أقول هو اسم فاعل مقابل البائع و لیس باسم مفعول لیکون المراد منه المبیع کما توهم.

قوله علیه السلام:فیجعل ذلک الشیء أقول یمکن أن یراد منه الحمل أی یحمل

ص:10

أو الأخذ أی یأخذ أو الوصف أی یوصف فی مقام الإیجار و لیس بمعناه المعروف لیکون الشیء مفعولا أولا و قوله«ع»(فی عمل)مفعولا ثانیا کما احتمله بعض الأعاظم.

قوله«ع»:حلالا أقول لیس منصوبا علی الحالیة و لا مجرورا لکونه وصفا لقوله ع (فی عمل)کما تخیل بل إنما هو مرفوع للخبریة فإن أصل النسخة هکذا(فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال).

قوله«ع»:أو سوقة أقول فی المجمع السوقة بالضم الرعیة و من دون الملک و منه الحدیث:ما من ملک و لا سوقة یصل الی الحج إلا بمشقة.

قوله«ع»:أو عمل التصاویر أقول فی تحف العقول(أو حمل التصاویر)و علی هذا فعطف الخنازیر و المیتة و الدم فی الروایة علی التصاویر لا یحتاج إلی عنایة.

قوله«ع»:اجارة نفسه فیه أو له أقول المراد من الأول هو الإیجار لنفس الشیء بأن یؤجر نفسه لصنع الخمر کایجار نفسه فی هدم المساجد،و من الثانی الإیجار للمقدمات،و لیس المراد من الأول إیجار نفسه فی المصنوع کحمل الخمر و من الثانی إیجار نفسه لصنعه،و لا ان المراد من الأول المباشریة و من الثانی التسبیبیة،و لا ان المراد من الأول الإیجار للمقدمات و من الثانی الإیجار لنفس المحرم،فان کل ذلک خلاف الظاهر من الروایة و من هنا ظهر المقصود من قوله«ع»(أو شیء منه أو له)غایة الأمر ان المراد منهما جزء العمل و جزء المقدمات و الضمائر الأربعة کلها ترجع الی الأمر المنهی عنه.

قوله«ع»:و ینحیها أقول فی المجمع نحی الشیء أزاله و نح هذا عنی أی أزله و أبعده عنی قوله«ره»:و حکاه غیر واحد أقول لیس فی کتاب السید من روایة تحف العقول عین و لا اثر و لم تذکر حتی بمضمونها فیه.

(نعم)ذکرت[1]فیه معائش الخلق علی خمسة أوجه(وجه الامارة و وجه العمارة

ص:11

و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات)إلا ان ذلک غیر مربوط بما فی تحف العقول سنخا و حکما و لعل هذه الجملة صدرت من المصنف اما من سهو القلم أو من جهة الاعتماد علی ما فی ئل فإنه قال بعد نقل روایة تحف العقول(و رواه المرتضی فی کتاب المحکم و المتشابه) و لا یخفی ان کتاب المحکم و المتشابه هذا هو بعینه تفسیر النعمانی المعروف.

فی الفقه الرضوی

اشارة

قوله«ره»:و فی الفقه المنسوب الی مولانا الرضا«ع» أقول تحقیق الکلام هنا یقع فی جهتین الاولی فی صحة نسبة هذا الکتاب الی الرضا«ع»و عدم صحتها و الثانیة فی دلالة

ص:12

هذه الروایة علی مقصد المصنف و عدم دلالتها

(اما الجهة الأولی) فی صحة نسبة هذا الکتاب الی الرضا«ع»

اشارة

فقد تمسک القائلون باعتباره بوجوه کثیرة و لکنها تؤل الی وجهین:

(الأول)و هو عمدة ما تمسک به المثبتون

ان ظهوره و ان کان فی زمن المجلسی الأول و لکن الذی أخبرنا بالکتاب و رواه المجلسی هو الثقة الفاضل و المحدث الکامل القاضی السید أمیر حسین طاب ثراه[1]فإنه أول من اطلع علیه و استنسخه و قد استنسخه المجلسی من نسخته و هو ثقة فیصدق فی قوله لشمول أدلة الخبر الواحد لخبره هذا.

(و فیه)ان اخباره هذا اما أن یکون مستندا إلی القرائن التی أوجبت حصول العلم العادی له من الخطوط الموجودة فیه للإمام«ع»و الإجازات المدونة فیه للاعلام علی ما نقله المحدث المتبحر النوری فی المستدرک (1)عن المجلسی الأول.

و اما ان یکون مستندا الی اخبار ثقتین عدلین من أهل قم للسید المذکور بکون الکتاب للرضا«ع»کما فی المستدرک (2)أیضا حیث قال:ان السید الثقة الفاضل القاضی أمیر حسین أخبر بأن هذا الکتاب له«ع»و أخبره بذلک أیضا ثقتان عدلان من أهل قم و هذا خبر صحیح داخل فی عموم ما دل علی حجیة خبر العدل.

اما الطریق الأول فضعفه بین لان حصول العلم للسید الأمجد و السند الأوحد من تلک القرائن علی صحة النسبة لدیه لا یوجب حصول العلم لنا باعتباره و عامه بذلک لا یفید غیره بوجه و من الغرائب أن یتمسک لحجیة خبره هذا بعموم أدلة أخبار الآحاد فان هذه العمومات لا تشمل الأخبار الحدسیة و لو کان المخبر بها من الثقات و أغرب منه أن یقال ان المتیقن من الاخبار الحدسیة الخارجة عن هذه العمومات هی ما لا تعتمد علی مبادئ محسوسة یلزم من العلم بها العلم بمضمون الخبر و اما لو اعتمد علی مبادئ محسوسة یلزم من العلم بها العلم بصدق الخبر کما فی الشجاعة و السخاوة و العدالة بناء علی تفسیرها بمعنی الملکة فلا یظن بأحد أن یتوقف فی عموم أدلة خبر العدل لها و اخبار السید باعتبار الفقه الرضوی من قبیل الثانی لا الأول و وجه الغرابة فی هذه القول ان الاخبار بالأمور الحدسیة بواسطة أسبابها الحسیة إنما یکون مشمولا لأدلة الحجیة إذا کان بین الأسباب و مسبباتها ملازمة عادیة بحیث یلزم من العلم بها العلم بالمسببات کما فی الأمثلة المذکورة و اما إذا انتفت الملازمة العادیة فأدلة حجیة الخبر لا تشمله کما حقق ذلک فی علم الأصول و هذا الشرط مفقود فی موضوع البحث فان

ص:13


1- 1) راجع ج 3 ص 337.
2- 2) راجع ج 3 ص 339

الأمور التی استند إلیها السید فی اخباره قابلة للمنع فإنه کیف یعلم احد ان الخطوط فی النسخة للإمام«ع»و ان الإجازات للاعلام إلا من طریق الحدس الشخصی إذن فإن الأمور المذکورة حدسیة لا حسیة،و أیضا فلا ملازمة بینها و بین العلم بالنتیجة.

(فإن قلت)کیف یصح إنکار ما یدل علی صدق نسبة الکتاب للإمام«ع»مع ان فیه عبارات تنطق بکونه له«ع»مثلما قال فی أول الکتاب یقول عبد اللّه علی بن موسی الرضا و فی بعض کلماته نحن معاشر أهل البیت و أمرنی أبی وجدنا أمیر المؤمنین«ع»و أروی عن أبی العالم،الی غیر ذلک من العبائر التی لا ینبغی صدورها إلا عن الحجج(علیه السلام)و قد ذکر المحدث النوری جملة منها فی المستدرک (1)هذا مضافا الی القرائن التی اعتمد علیها السید المذکور (قلت)أولا ان احتمال الکذب لا دافع له مع الجهل بمؤلفه و انفتاح باب الجعل و الفریة من المشمرین عن ساق الجد للکذب علی العترة الطاهرة.

أ فنسیت الأخبار المجعولة فی أمر الولایة کیف قامت و ان لکل واحد من الأئمة علیهم السلام من یدس علیه من الکذابین.

و من هذا ظهر فساد توهم الصدق فی نسبة الکتاب من جهة موافقة تاریخه لزمان الرضا علیه السلام،و ثانیا لنفرض ان الکتاب لیس من مجعولات الوضاعین فهل یصح أن نتمسک بقوله:نحن معاشر أهل البیت،أو جدنا أمیر المؤمنین،لتصحیح کون الکتاب للإمام علیه السلام أ لیس احتمال کون مؤلفه رجلا علویا بمکان من الإمکان(و اما الطریق الثانی) أعنی استناد اخبار السید بصدق الکتاب الی أخبار ثقتین بذلک من أهل قم.

(ففیه)أولا انه محض اشتباه من المحدث المتبحر النوری فإنه مع نقله کلام المجلسی الأول بطوله الذی هو الأصل فی السماع عن السید غفل عنه و سلک مسلکا آخر فقد قال المجلسی الأول کما فی المستدرک (2)ثم حکی-أی السید-عن شیخین فاضلین صالحین ثقتین انهما قالا:ان هذه النسخة قد أتی بها من قم إلی مکة المشرفة و علیها خطوط العلماء و إجازاتهم و خط الامام علیه السلام فی عدة مواضع قال:و القاضی أمیر حسین قد أخذ من تلک النسخة و أتی بها الی بلدنا و انی استنسخت نسخة من کتابه.و هذا الکلام کما تری یعلن بمخالفته لما أفاده النوری.

و ثانیا فننقل الکلام الی اخبار هذین العدلین فإن غایة ما یحصل لنا من أخبارهما کون الفقه الرضوی من جملة الأخبار المرسلة فیتوجه علیه ما قدمناه فی روایة تحف العقول.

و مما یوهن حجیة خبر أمیر حسین بصدق الکتاب مع کونه ثقة قول المجلسی الأول بعد

ص:14


1- 1) راجع ج 3 ص 343.
2- 2) راجع ج ص 337.

کلامه المتقدم و العمدة فی الاعتماد علی هذا الکتاب مطابقة فتاوی علی بن بابویه فی رسالته و فتاوی ولده الصدوق لما فیه من دون تغییر أو تغییر یسیر فی بعض المواضع و من هذا الکتاب تبین عذر قدماء الأصحاب فیما أفتوا به.

و وجه الوهن انه لو کان اخبار السید بذلک جامعا لشرائط الحجیة فی الخبر الواحد فلا وجه لقول المجلسی الأول:ان العمدة فی إثباته هی مطابقته لفتوی الصدوقین،و بالجملة لم یتحصل لنا من الوجه المذکور ما یوجب اعتبار الکتاب.

(الأمر الثانی)مما تمسک به المثبتون

لنسبة الکتاب موافقته لرسالة علی بن بابویه الی ولده الصدوق و هی الکتاب المعروف بشرائع الصدوق و قد استند الی هذا الوجه بعض الأصحاب و عرفت ان المجلسی الأول من هؤلاء فقد جعل العمدة فی تصحیح الکتاب موافقته لفتوی الصدوقین فلا بد من ان یکون الکتاب موجودا فی زمان الصدوق و معتمدا علیه عنده و لذا نقل عنه و ان لم یسم به.

(و فیه)ان هذا لا یوجب اعتبار الکتاب لاحتمال أخذ مؤلفه ذلک من الرسالة المذکورة بل هذا هو الظاهر إذ من المستبعد جدا بل من المستحیل عادة ان یسند علی بن بابویه کتاب الرضا علیه السلام الی نفسه من دون ان یشیر هو أو ابنه الصدوق الذی کتب لأجله هذه الرسالة الی ان هذا الکتاب من تألیف الرضا و هل یرضی احد ان ینسب مثل هذه السرقة إلی الصدوقین فلا بد و ان یکون الأمر بالعکس بأن یکون هذا الکتاب مأخوذا من رسالة علی بن بابویه.

(و ربما قیل (1)ان فقه الرضا علیه السلام هذا هو الذی کتبه الرضا لأحمد بن السکین الذی کان مقربا عنده و هو بخطه«ع»موجود فی الطائف بمکة المعظمة فی جملة کتب السید علیخان و علیه إجازات العلماء و خطوطهم و هذه النسخة بالخط الکوفی و تاریخها عام مائتین من الهجرة و بعد ان نقل المحدث النوری هذا الوجه عن الریاض قال ما حاصله:و من هنا یتضح ان من عدم الاطلاع و من قلة الخبرة ان یقال ظهور الکتاب إنما کان فی زمن أمیر حسین اما قبل ذلک الزمان فلم یکن منه عین و لا أثر.

(أقول)نحن لا ندعی انه لم یکن للرضا«ع»کتاب و آثار حتی ینقض علینا بما کتبه لأحمد بن سکین بل نقول انه لا مدرک لنا لإثبات ان هذا الکتاب الذی عندنا کان له علیه السلام و انه هو الذی کان موجودا فی مکتبة السید علیخان خصوصا مع ملاحظة أن ظهوره کان من قم کما عرفت و من هنا یعلم ان نقد النوری للقول بظهوره فی زمن أمیر حسین

ص:15


1- 1) ملخص ما نقله النوری فی ج 3 المستدرک ص 340 عن کتاب ریاض العلماء.

ناشئ من عدم التأمل.

ثم انه مع الغض عن جمیع ما ذکرناه فان فی الکتاب قرائن قطعیة تدل علی عدم کونه لمثل مولانا الرضا«ع»بل هو رسالة عملیة ذکرت فیها الفتاوی و الروایات بعنوان الإفتاء کما یظهر لمن یلاحظه کیف و أکثر روایاته اما بعنوان روی و راوی و نحوهما،و اما نقل عن الرواة خصوصا فی آخر الکتاب فإنه ینقل فیه کثیرا عن ابن ابی عمیر و زرارة و الحلبی و صفوان و محمد بن مسلم و منصور و غیرهم.

علی ان فیه عبارات یقبح صدورها عن الامام«ع»نظیر قوله جعلنی اللّه من السوء فداک و قوله فی باب القدر (1)صف لی منزلتین فان هذا القول ظاهر فی جهل القائل و هو مستحیل فی حق الامام«ع»الی غیر ذلک و قد نقل جملة منها فی المستدرک (2)مع انه ذکر فیه[1] من الاحکام المتناقضة و ما یخالف مذهب الشیعة بکثیر و حملها علی التقیة بدیهی الفساد لما ورد فی هذا الکتاب أیضا مما یخالفها بل تکذیبهم و الإزراء علیهم کما فی المتعة[2]و الالتزام بالتفصیل (3)بأن بعض الکتاب إملاء منه«ع»و بعضه الآخر لأحمد بن محمد بن عیسی الأشعری و ان موارد التقیة فی الکتاب إنما هی فیما سمع منه علیه السلام تکلف فی تکلف و قول بلا علم هذا کله ما یرجع الی نفس الکتاب،و قد أجاد صاحب الفصول فی بعض ما افاده[3]هنا فلیراجع إذن فقد حق القول انه لو أنیطت الأحکام الشرعیة بمثل هذه المدارک

ص:16


1- 1) ص 48.
2- 2) ج 3 ص 350.
3- 3) راجع ج 3 المستدرک ص 353.

فبین أیدینا البخاری و مسند احمد و صحیح مسلم و علی هذا فعلی الفقه السلام.

و اما توهم انجبار روایاته بالشهرة إذا قامت علی وفقها فقد عرفت ما فیه فی روایة تحف العقول(و ربما یتخیل)اعتبار الکتاب لأجل عمل جملة من الأکابر علیه کالمجلسیین و غیرهما و لکنه فاسد لأنهم قد استندوا فی عملهم هذا بما ذکر من الوجوه التی عرفت جوابها بما لا مزید علیه.

(و اما الجهة الثانیة) عدم إمکان الاستناد بهذه الروایة

فمع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه و الالتزام باعتبار الکتاب لا یمکن الاستناد بهذه الروایة[1]التی نقلها العلامة الأنصاری«ره»فی شیء من المباحث و ذلک لوجوه (الأول)عدم وجدان فتوی من فتاوی أعاظم الأصحاب علی طبقها فإن الروایة صریحة بحرمة استعمال ما نهی عنه مما فیه الفساد بجمیع الاستعمالات حتی الإمساک مع انه لم یفت به أحد فیما نعلم و کیف یفتوه فقیه أو متفقة بحرمة إمساک الدم و المیتة و لحوم السباع کما ان ذلک مقتضی الروایة إذن فلا یمکن الفتوی علی طبقها.

(الثانی)ان مقتضی قوله(فحرام ضار للجسم و فساد للنفس)أن الضابطة فی تحریم هذه الأمور المذکورة فی الروایة هو أضرارها للجسم کما ان المناط فی جوازها عدم اضرارها له مع ان جلها لیس بضار للجسم کالملابس و المناکح و أکثر المشارب و المآکل ان لم یکن کلها کذلک و علی فرض تسلیم ذلک فلا نسلم انضباط القاعدة فإنه لا شبهة ان کثیرا من هذه الاستعمالات للأشیاء المحرمة لا تکون مضرة قطعا کوضع الید علیها مثلا أو الأکل منها قلیلا أو شد الید بجلد المیتة و شعر الخنزیر و إنما المضر هی مرتبة خاصة من الاستعمالات بجمیع الأشخاص و الأزمان و الأمکنة و الکمیة فلو کان ذلک موجبا لحرمة جمیع الاستعمالات بجمیع

ص:17

مراتبها فتکون نظیر قول النبی«ص» (1):(فما أسکر کثیره فقلیله حرام)للزم من ذلک القول بحرمة جمیع ما خلق اللّه فی الأرض من المباحات فان کل واحد من هذه المباحات لا بد و أن یکون مضرا فی الجملة و لو باستعمال الشیء الکثیر منه.

علی ان الأحکام الشرعیة بناء علی مسلک العدلیة تدور مدار ملاکاتها الواقعیة من المصالح و المفاسد و اما المنافع و المضار فهی خارجة عن حدودها،نعم ربما یکون الضرر أو النفع موضوعا للأحکام إلا ان ذلک غیر مربوط بباب ملاکات الأحکام.

(الثالث)ان ظاهر الروایة هو حرمة بیع الأمور المذکورة تحریما تکلیفیا کما تقدم نظیر ذلک فی روایة تحف العقول و کلامنا فی الحرمة الوضعیة.

فی اعتبار کتاب دعائم الإسلام

اشارة

قوله و عن دعائم الإسلام أقول أقصی ما قیل أو یمکن أن یقال فی وجه اعتبار هذا الکتاب ان صاحبه أبا حنیفة النعمان حیث کان رجلا إمامیا اثنی عشریا جلیلا فاضلا فقیها و من جملة النوابغ فی عصره بل کان فریدا فی دهره کما یظهر من کتابه کانت روایاته مشمولة لأدلة حجیة خبر العدل الإمامی.

(و الذی)ینبغی أن یقال انه لا شبهة فی علو مکانة أبی حنیفة النعمان صاحب کتاب دعائم الإسلام و غیره من الکتب الکثیرة و نبوغه فی العلم و الفضل و الفقه و الحدیث علی ما نطقت به التواریخ و کتب الرجال و کتابه هذا کما لا شبهة فی کونه إمامیا فی الجملة فإنه کان مالکی الأصل فتبصر و صار شیعیا إمامیا کما اتفقت علیه کلمات أکثر المترجمین الذین تعرضوا لترجمته و تاریخه کالبحار[1]و تنقیح المقال للمامقانی (2)و سفینة البحار[2]

ص:18


1- 1) راجع ج 11 الوافی باب 156 ان کل مسکر حرام ص 82.
2- 2) ج 3 ص 273.

و المستدرک (1)و تأسیس الشیعة للسید حسن الصدر (2)و غیرها و قد نقلوا عن أئمة التاریخ و الرجال کونه إمامیا و علی هذا فلا یصغی الی قول ابن شهرآشوب فی المعالم انه لم یکن إمامیا علی ما فی تنقیح المقال.

إلا أن الذی یقتضیه الإنصاف إنا لم نجد بعد الفحص و البحث من یصرح بکونه ثقة و لا اثنی عشریا و إن کان المحدث النوری قد أتعب نفسه فی إثباتهما و بالغ فی اعتبار الکتاب و مع هذا الجهد و المبالغة لم یأتی بشیء ترکن الیه النفس و یطمئن به القلب و لعل کلام السید فی الروضات (3)ینظر الی ما ذکرناه حیث قال:و لکن الظاهر عندی انه لم یکن من الإمامیة الحقة و حینئذ فکیف یمکن إثبات حجیة روایاته بأدلة حجیة خبر العدل.

و علی تقدیر تسلیم وثاقته و کونه إمامیا اثنی عشریا فلا یخرج بذلک ما احتواه کتابه عن سلک الأخبار المرسلة فتسقط حجیته للإرسال.

و أما توهم انجباره بالشهرة أو بموافقة أکثر روایاته لروایات الکتب المعتبرة فقد تقدم جوابهما فی ذیل روایة تحف العقول.

(فان قلت)إذا سلمنا وثاقة أبی حنیفة النعمان فلا مناص عن الالتزام بحجیة کتابه لأنه قال فی أوله:نقتصر فیه علی الثابت الصحیح مما رویناه عن الأئمة من أهل بیت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله)فیکون کلامه هذا توثیقا إجمالیا لما أسقطه من الرواة.

(قلت)نعم و لکن ثبوت الصحة عنده لا یوجب ثبوتها عندنا لاحتمال اکتفائه فی تصحیح الروایة بما لا نکتفی به نحن و الحق فیه ما ذکره المجلسی فی البحار (4)ان روایاته إنما تصلح للتأکید و التأیید فقط.

(إزاحة شبهة)و قد التجأ المحدث النوری (5)فی تنزیه أبی حنیفة النعمان عن اتهامه

ص:19


1- 1) ج 3 خاتمة الکتاب فی الفائدة الثانیة ص 313.
2- 2) ص 382.
3- 3) ص 727.
4- 4) ج 1 ص 15.
5- 5) ج 3 المستدرک ص 215

بمذهب الإسماعیلیة و إثبات کونه ثقة اثنی عشریا الی بیان نبذة من عقائد الإسماعیلیة الفاسدة کقولهم بأن محمد بن إسماعیل حی لم یمت و یبعث برسالة و شرع جدید ینسخ به شریعة محمد و انه من اولی العزم و أولو العزم عندهم سبع لأن السماوات سبع و الأرضین سبع و بدن الإنسان سبع و الأئمة سبع و قلبهم محمد بن إسماعیل الی غیر ذلک من الخرافات التی تنزه عنها النعمان و کتابه ثم انه صرح فی کتابه بکفر الباطنیة و أثبت إمامة الأئمة الطاهرة و کونهم مفترضی الطاعة و لم یصرح بإسماعیل و لا بابنه محمد و مع ذلک کله فکیف یرضی المنصف بعدة من من الإسماعیلیة،انتهی ملخص کلامه.

(و فیه)ان تنزه النعمان من تلک الأقاویل الکاذبة و العقائدة الفاسدة و تصریحه بکفر الباطنیة لا یستلزم عدم کونه من الإسماعیلیة لأن الباطنیة قسم منهم و لیس کل اسماعیلی من الباطنیة و ان عدم ذکره إسماعیل و ابنه فی عداد الأئمة لا یکشف عن عدم عقیدته بإمامتهما مع ان عقائده الاسماعیلین لم تصل إلینا بحقیقتها حتی نلاحظها مع ما ذکره النعمان لیتضح لنا انه منهم أو لیس منهم و لقد صادفت زعیما من زعمائهم فی الحضرة الشریفة فسألته عن ولی الأمر و الحجة المنتظر«ع»هل هو حی أو میت فقال هو لا حی و لا میت بل یولد من امرأة قرشیة لا تحیض فیعلم من ذلک انهم لا یرون ما تذهب إلیه الباطنیة فی محمد بن إسماعیل.

(کشف حقیقة)لا ینقضی تعجبی من المحدث المتبحر النوری حیث قال فی المستدرک (1)ما ملخصه:ان الکتاب المذکور لم یخالف فی فرع غالبا إلا و معه موافق معروف من الشیعة إلا فی إنکار المتعة فلیس له موافق علیه،ثم حمل إنکاره هذا علی التقیة و جعل القرینة علی ذلک ما ذکره فی باب الطلاق من عدم وقوع التحلیل بالمتعة للمطلقة ثلاثا و ما ذکره فی باب الحد فی الزنا من ان الإحصان لا یتحقق بالمتعة فإن المتعة لو لم تکن جائزة عنده لکان ذکرها فی البابین بلا وجه و تکون من قبیل ذکر الزنا فیهما و لا معنی لأن یقول أحد ان الزنا لا یتحقق به التحلیل و الإحصان.

(و وجه العجب)أولا ان الکتاب یشتمل علی فروع کثیرة تخالف مذهب الشیعة الاثنی عشریة و لم یوافقه علیها أحد من علماء الشیعة و قد ذکرنا فی الحاشیة[1]أنموذجا من هذه المخالفات لتکون حجة علی منکرها.

ص:20


1- 1) ج 3 ص 318.

(و ثانیا)ان نقل روایتین فی الکتاب یظهر منهما جواز المتعة لا یدل علی التزامه بالجواز و نسبة ذلک إلیه محتاجة إلی علم الغیب بأنه کان حین ما نقلهما ملتفتا الی ما یستفاد منهما من مشروعیة المتعة فإن من المحتمل القریب أن یکون نظره فی الروایتین مقصورا علی نفی التحلیل و الإحصان بالمتعة کنفیهما بالشبهة مع عدم التفاته إلی جهة أخری لأنه لیس بمعصوم لا یمکن فی حقه مثل هذا الاحتمال.

(اما)ان المتعة بناء علی عدم جوازها کالزنا فیکون ذکرها فی البابین من قبیل ذکر الزنا و لا معنی له.

(فیدفعه)ان ذکر المتعة یکون من قبیل ذکر الشبهة فی البابین و لا خفاء فیه و لا معنی للتهویل به.

تذییل

لا یخفی علیک انا لو قطعنا النظر عن جمیع ما ذکرناه فی عدم اعتبار الکتاب فالروایة التی

ص:21

ذکرها المصنف[1]هنا لا یمکن الاستناد إلیها بالخصوص لأن قوله فیها(و ما کان محرما أصله منهی عنه لم یجز بیعه)یقتضی حرمة بیع الأشیاء التی تعلق بها التحریم من جهة ما مع انه لیس بحرام قطعا علی ان الظاهر منه هی الحرمة التکلیفیة مع أنها منتفیة جزما فی کثیر من الموارد التی نهی عن بیعها و شرائها و إنما المراد من الحرمة فی تلک الموارد هی الحرمة الوضعیة لیس إلا فلا تکون الروایة معمولة بها.

القول فی صحة النبوی المشهور و سقمه

اشارة

قوله و فی النبوی المشهور أقول توضیح الکلام فی صحة الحدیث و سقمه یقع فی مقامین الأول فی سنده و الثانی فی دلالته،

أما الأول فی سنده

اشارة

فالکلام فیه من جهتین الاولی فی حجیته عند العامة و الثانیة فی حجیته عند الخاصة.

اما الکلام فی الجهة الأولی حجیته عند العامة

فإن هذا النبوی لم یذکر فی أصول حدیثهم إلا فی قضیة الشحوم المحرمة علی الیهود التی نقلت بطرق متعددة کلها عن ابن عباس إلا فی روایتین إحداهما عن جابر و الثانیة عن عمر و قد ذکر فی ذیل بعض الروایات[2]التی عن ابن عباس قوله«ص»:(ان اللّه إذا حرم علی قوم أکل شیء حرم علیهم ثمنه)مع اضافة لفظ (أکل)و علی هذا فیکون غیر النبوی المشهور.

(نعم)ورد فی مسند أحمد[3]بإسناده عن ابن عباس فی بعض روایات تلک القضیة (ان اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه)بإسقاط لفظ(أکل)إلا ان أصول حدیثهم کلها مطبقة علی ذکره حتی ابن حنبل نفسه نقل ذلک فی موضع آخر من کتابه عن

ص:22

ابن عباس کما أشرنا إلی مصدره فی الحاشیة،نعم قد أورده الفقهاء من العامة[1]و الخاصة[2]فی کتبهم الاستدلالیة کثیرا مع إسقاط کلمة أکل تأییدا لمرامهم.

و حاصل ما ذکرناه ان اتحاد القضیة فی جمیع روایاتها و إطباق أصول حدیثهم علی ذکر لفظ الأکل و اتصال السند فیما یشتمل علیه و فیما لا یشتمل علیه الی ابن عباس و موافقة أحمد علی ذکر لفظ أکل فی مورد آخر کلها شواهد صدق علی اشتباه أحمد و ان النبوی مشتمل علی کلمة أکل.

و اما الجهة الثانیة حجیته عند الخاصة

فالنبوی و إن اشتهرت روایته فی ألسنة أصحابنا فی کتبهم قدیما و حدیثا متضمنة لکلمة أکل تارة و بدونها أخری إلا ان کلهم مشترکون فی نقله مرسلا و العذر فیه أنهم أخذوه من کتب العامة لعدم وجوده فی أصولهم.

و حیث أثبتنا فی الجهة الاولی ان الصحیح عندهم هو ما اشتمل علی کلمة أکل کان اللازم علینا ملاحظة ما ثبت عندهم و إذن فلم یبق لنا وثوق بکون النبوی المشهور روایة فکیف بانجبار ضعفه بعمل المشهور.

و اما المقام الثانی فی دلالته

فبعد ما عرفت ان الثابت عند العامة و الخاصة اشتمال الروایة علی کلمة أکل کان عمومه متروکا عند الفریقین فان کثیرا من الأمور یحرم أکله و لا یحرم بیعه و من هنا قال فی جوهر النقی حاشیة البیهقی فی ذیل الحدیث المشتمل علی کلمة«أکل»:قلت عموم هذا الحدیث متروک اتفاقا بجواز بیع الآدمی و الحمار و السنور و نحوها.

ص:23

(تبیین)لو فرضنا ثبوت النبوی علی النحو المعروف لم یجز العمل به أیضا للإرسال و عدم انجباره بالشهرة و غیرها و ذلک لأن تحریم الشیء الذی یستلزم تحریم ثمنه اما أن یراد به تحریم جمیع منافع ذلک الشیء و اما تحریم منافعه الظاهرة و اما تحریم منافعه النادرة و لو من بعض الجهات فعلی الاحتمالین الأولین فالمعنی و إن کان وجیها و موافقها لمذهب الشیعة لقولهم بأن ما یحرم جمیع منافعه أو منافعه الظاهرة یحرم بیعه إلا ان إثبات اعتمادهم فی فتیاهم بذلک علی النبوی مشکل و ذلک للوثوق بأن مستندهم فی تلک الفتیا لیس هو النبوی بل هو ما سیأتی فی البیع من اعتبار المالیة فی العوضین لأن مالیة الأشیاء إنما هی باعتبار المنافع الموجودة فیها الموجبة لرغبة العقلاء و تنافسهم فیها فما یکون عدیما لجمیع المنافع أو للمنافع الظاهرة لا تکون له مالیة و إذن فلیست هنا شهرة فتوائیة مستندة الی النبوی لتوجب انجباره لأنه بناء علی انجبار ضعف الخبر بعمل الأصحاب إنما یکون فیما انحصر الدلیل لفتیاهم بذلک الخبر الضعیف و لم یکن فی البین ما یصلح لاستنادهم الیه.

(و اما علی الثالث)فالحرمة لا توجب فساد البیع عند المشهور لیحتمل انجبار النبوی بفتیاهم «فتحمل»انه لا یکون شیء من الروایات العامة التی ذکرها المصنف دلیلا فی المسائل الآتیة بل لا بد فی کل مسألة من ملاحظة مدارکها فان کان فیها ما یدل علی المنع أخذ به و إلا فالعمومات الدالة علی صحة العقود کقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ محکمة کما تقدمت الإشارة الی ذلک فی أول الکتاب.

بطلان المعاملة علی الأعمال المحرمة

«تمهید»لا یخفی علیک ان محل کلامنا فی المسائل الآتیة انما هو فی الأعیان المحرمة من الخمر و الخنزیر و المیتة و نحوها.

و اما الأعمال المحرمة کالزنا و النمیمة و الکذب و الغیبة فیکفی فی فساد المعاملة علیها الأدلة الدالة علی تحریمها لان مقتضی وجوب الوفاء بالعقود هو وجوب الوفاء بالعقد الواقع علی الأعمال المحرمة و مقتضی أدلة تحریم تلک الاعمال هو وجوب صرف النفس عنها و إیقاف الحرکة نحوها فاجتماعهما فی مراحلة الامتثال من المستحیلات العقلیة و علی أقل التقادیر فإن أدلة صحة العقود و وجوب الوفاء بها مختصة بحکم العرف بما إذا کان العمل سائغا فی نفسه فلا وجه لرفع الید بها عن دلیل حرمة العمل فی نفسه.

و بما ذکرنا یظهر ان الوجه فی فساد المعاملة علی الأعمال المحرمة هو استحالة الجمع بین وجوب الوفاء بهذه المعاملة و بین حرمة هذه الأعمال أو الحکومة العرفیة المذکورة.

ص:24

و ربما یظهر من کلام شیخنا الأستاذ (1)فی حکم الأجرة علی الواجبات ان الوجه فی ذلک هو عدم کون الأعمال المحرمة من الأموال أو عدم إمکان تسلیمها شرعا حیث قال الأول ان یکون العمل الذی یأخذ الأجیر أو العامل بإزائه الأجرة و الجعل ملکا له بأن لا یکون مسلوب الاختیار بإیجاب أو تحریم شرعی علیه،و بملاحظة ما تقدم یظهر لک ما فیه فإنک قد عرفت ان صحة المعاملة علیها و وجوب الوفاء بها لا یجتمعان مع الحرمة النفسیة سواء اعتبرنا المالیة أو القدرة علی التسلیم فی صحة العقد أم لم نعتبر شیئا من ذلک.

تقسیم المکاسب إلی الثلاثة أو الخمسة

قوله قد جرت عادة غیر واحد علی تقسیم المکاسب أقول المکاسب جمع مکسب و هو مفعل من الکسب اما مصدر میمی بمعنی الکسب أو التکسب أو اسم مکان من الکسب قوله مما ندب الیه الشرع أقول أی أمر به بالأمر الاستحبابی و قد أشار بذلک الی الأخبار الواردة فی استحباب الرعی[1]و الزرع[2].

قوله فتأمل أقول لعله إشارة الی ان وجوب الصناعات لیس بعنوان التکسب بل

ص:25


1- 1) ج 1 منیة الطالب ص 15.

لکون ترکها یؤدی الی اختلال النظام کما سنبینه.

«أقول»ملخص کلامه ان الفقهاء رضوان اللّه علیهم کالمحقق فی الشرائع و غیره فی کتبهم قسموا المکاسب الی محرم کبیع الخمر و مکروه کبیع الأکفان و مباح کبیع الأشیاء المباحة و أهملوا ذکر الواجب و المستحب بناء علی عدم وجودهما فی المعاملات مع انه یمکن التمثیل للمستحب بمثل الزرع و الرعی و للواجب بالصناعات الواجبة کفایة إذا وجد أکثر من واحد ممن یقوم بها أو عینا إذا لم یوجد غیر واحد.

(و فیه)ان الأمثلة المذکورة لا تدل علی شیء من مراده،إما الزراعة فاستحبابها إنما هو من جهة إیکال الأمر الی اللّه و انتظار الفرج منه کما فی روایة العیاشی[1].

و اما الرعایة فاستحبابها لما فیها من استکمال النفس و تحصیل الأخلاق الحسنة و تمرین الطبع علی ادارة شؤن الرعیة و ازالة الأوصاف الرذیلة من السبعیة و البهیمیة فان من مصرف برهة من الزمان فی تربیة الحیوان صار قابلا لإدارة الإنسان و من هنا کان الأنبیاء قبل بعثتهم رعاة للاغنام کما فی روایة عقبة المتقدمة(ما بعث اللّه نبیا قط حتی یسترعیه الغنم و یعلمه بذلک رعیة الناس)و فی النبوی المتقدم(ما من نبی إلا و قد رعی الغنم قیل و أنت یا رسول اللّه قال و أنا)و علی کل حال فالزراعة و الرعی مستحبان فی أنفسهما بما انهما فعلان صادران من

ص:26

المکلف لا بعنوان التکسب بهما کما هو محل الکلام فلا یصلحان مثلا لما نحن فیه.

(و اما)الصناعات بجمیع أقسامها فهی من الأمور المباحة و لا تتصف بحسب أنفسها بالاستحباب فضلا عن الوجوب فلا یکون التکسب بها إلا مباحا،نعم إنما یطرء علیها الوجوب إذا کان ترکها یوجب إخلالا بالنظام و حینئذ یکون التصدی لها واجبا کفائیا أو عینیا و هذا غیر کونها واجبة بعنوان التکسب.

(ازالة شبهة)قد یقال ان وجوب الصناعات من جهة أداء ترکها ان اختلال النظام یقتضی أن یکون التکسب بها مجانیا و لکن هذا یفضی الی الإخلال بالنظام أیضا و مقتضی الجمع بین الأمرین أن یلتزم بوجوبها مع الأجرة و علی ذلک فتکون مثالا لما نحن فیه.

(و لکن یرد علیه)أولا ان هذا لیس إلا التزاما بوجوبها لأجل حفظ النظام و علیه فلا یکون التکسب بعنوانه واجبا.

(و ثانیا)ان الواجب من الصناعات إنما هو الطبیعة المطلقة العاریة عن لحاظ المجانیة و غیرها و ما یخل بالنظام إنما هو إیجاب العمل مجانا لا ما هو الجامع بینه و بین غیره و لا ملازمة بین عدم وجوب الصناعات مجانا و بین وجوب الجامع غیر المقید بحصة خاصة من الطبیعة و من هنا نقول یجب الاقدام علیها عینا أو کفایة من حیث هی صناعة یختل بترکها النظام سواء کانت علیها أجرة أم لا.

(و التحقیق)ان التقسیم ان کان باعتبار نفس التکسب فلا محیص عن تثلیث الأقسام کما تقدم و إن کان بلحاظ فعل المکلف و العناوین الثانویة الطاریة علیه فلا مانع من التخمیس و لا یخفی علیک انه إذا کان التقسیم بحسب فعل المکلف لا یختص المثال بالصناعات بل یصح التمثیل بما وجب بالنذر أو الیمین أو العهد و بالکسب لقضاء الدین أو الإنفاق علی العیال و نحو ذلک.

(لا یقال)إذا ملک الکافر عبدا مسلما وجب بیعه علیه و یکون بیعه هذا من قبیل الاکتساب بالواجب.

(فإنه یقال)الواجب هنا فی الحقیقة هو إزالة ملکیة الکافر للمسلم و بیع العبد المسلم إنما وجب لذلک و یدلنا علی ذلک انه لو زال ملکه بغیر البیع کالعتق و الهبة أو بالقهر کموت الکافر لا یجب البیع.

ص:27

معنی حرمة الاکتساب تکلیفا

اشارة

قوله:و معنی حرمة الاکتساب. أقول الحرمة المتعلقة بالمعاملة اما أن تکون وضعیة و اما أن تکون تکلیفیة و بینهما عموم من وجه،فالبیع وقت الندی لصلاة الجمعة حرام تکلیفا و البیع الغرری حرام وضعا و بیع الخمر حرام وضعا و تکلیفا و کلام المصنف هنا مسوق لبیان خصوص الحرمة التکلیفیة فی البیع.

(إذا عرفت هذا)

فاعلم ان حرمة البیع تکلیفا تتصور علی وجوه.

الأول ما أفاده المحقق

الایروانی فی حاشیته

و هو ان معنی حرمة الاکتساب هو إنشاء النقل و الانتقال بقصد ترتب أثر المعاملة أعنی التسلیم و التسلیم للمبیع و الثمن فلو خلا عن هذا القصد لم یتصف الإنشاء الساذج بالحرمة.

(و فیه)ان تقیید موضوع الحرمة بالتسلیم و التسلم إنما یتم فی الجملة لا فی جمیع البیوع المحرمة،و تحقیقه ان النواهی المتعلقة بالمعاملات علی ثلاثة أقسام:الأول أن یکون النهی عنها بلحاظ انطباق عنوان محرم علیها کالنهی عن بیع السلاح لأعداء الدین عند حربهم مع المسلمین فإن النهی عنه إنما هو لانطباق عنوان تقویة الکفر علیه و یدل علی ذلک جواز بیع السلاح علیهم إذا لم یفض ذلک الی تقویتهم علی المسلمین و لهذا حرم نقل السلاح إلیهم بغیر البیع أیضا کإجارته علیهم و هبته لهم و إعارته إیاهم إذا لزم منه المحذور المذکور.

و من هنا یتضح ان بین عنوان بیع السلاح منهم و بین عنوان تقویة الکفر و إعانته عموما من وجه إذ قد یباع السلاح علیهم و لا یلزم منه تقویتهم کبیعه منهم حال الصلح مثلا أو حال حربهم مع الکفار الآخرین أو مع المسلمین و لکن بشرط تأخیر التسلیم الی ما بعد الحرب أو بدون الشرط المذکور و لکن یؤخذ التسلیم قهرا علیهم فان هذه الموارد لا یلزم من البیع فیها اعانة کفر علی إسلام،و قد تحصل تقویة الکفر علی الإسلام بغیر البیع کالإجارة السلاح علیهم أو هبته منهم،و قد یجتمعان و إذن فتعلق النهی بتقویة الکفر علی الإسلام لا یستلزم حرمة بیع السلاح لأعداء الدین إلا فی مادة الاجتماع،نعم لو کان بین العنوانین تلازم خارجا لتوجه الالتزام بحرمة بیع السلاح منهم مطلقا و لکنک عرفت ان الأمر علی خلافه.

(و الثانی)أن یتوجه النهی إلی المعاملة من جهة تعلقها بشیء مبغوض کالنهی عن بیع الخمر و الخنزیر و الصلیب و الصنم و آلات القمار و غیرها من الآلات المحرمة فإن النهی عن بیع تلک الأمور إنما هو لمبغوضیتها لا بلحاظ عنوان طارئ علی المعاملة کما فی القسم الأول.

(و الثالث)أن یکون النهی عن المعاملة باعتبار ذاتها کالنهی عن البیع وقت النداء

ص:28

لصلاة الجمعة و النهی عن بیع المصحف و المسلم من الکافر بناء علی حرمة بیعهما منه فإن النهی عن البیع فی هذا القسم لیس بلحاظ العناوین الطاریة علیه و لا بلحاظ مبغوضیة متعلقة بل لأجل مبغوضیة نفسه.

إذا عرفت ما تلونا علیک ظهر لک ان تقیید موضوع حرمة البیع بالتسلیم و التسلم المستلزم لتقید أدلة تحریمه إنما یتم فی القسم الأول فقط دون الثانی و الثالث فلا بد فیهما من الأخذ بإطلاق أدلة التحریم لعدم ثبوت ما یصلح لتقییدها،نعم لو کان دلیلنا علی التحریم هو عموم ما دل علی حرمة الإعانة علی الإثم أو الملازمة بین حرمة الشیء و حرمة مقدمته لجاز تقیید موضوع حرمة البیع بالتسلیم و التسلم فإن الإعانة علی الإثم و المقدمیة إلی الحرام لا یتحققان إلا بالتسلیم و التسلم.

(الوجه الثانی)أن یراد من حرمة البیع حرمة إیجاده بقصد ترتب إمضاء العرف

و الشرع علیه

بحیث لا یکفی مجرد صدوره من البائع خالیا عن ذلک القصد.

(و فیه)انه لا وجه لتقیید موضوع حرمة البیع بذلک أیضا لما مر من إطلاق أدلة تحریم البیع مع عدم وجود ما یصلح لتقییدها و من هنا لو باع أحد شیئا من الأعیان المحرمة کالخمر مثلا مع علمه بکونه منهیا عنه فقد ارتکب فعلا محرما و إن کان غافلا عن قصد ترتب إمضاء الشرع و العرف علیه فإنه لا دلیل علی دخالة قصد امضائهما فی حرمة بیع الخمر.

(الوجه الثالث)ما أفاده العلامة الأنصاری

و حاصل کلامه ان المراد من حرمة البیع حرمة النقل و الانتقال مقیدة بقصد ترتب الأثر المحرم علیه کبیع الخمر للشرب و آلات القمار للعب و الصلیب و الصنم للتعبد بهما.

(و فیه)ان تقیید ما دل علی تحریم البیع بالقصد المذکور تقیید بلا موجب له إذا البیع کغیره من الأفعال إذا حکم الشارع بحرمته وجب التمسک بإطلاق دلیله حتی یثبت له المقید، نعم لو کان الدلیل علی حرمة البیع هو ما تقدمت الإشارة إلیه من الملازمة بین حرمة الشیء و حرمة مقدمته أو عموم ما دل علی تحریم الإعانة علی الإثم لتم ما ذکره فی الجملة لکن الکلام أعم من ذلک.

(و اما)ما فی المتن من دعوی انصراف الأدلة إلی صورة قصد ترتب الآثار المحرمة فهی دعوی جزافیة،و نظیرها أن یدعی انصراف أدلة تحریم الزنا مثلا الی ذات البعل و الالتزام بمثل هذه الانصرافات یستدعی تأسیس فقه جدید،نعم لدخالة قصد ترتب الأثر المحرم أو المحلل فی حرمة البیع و حلیته فی مثل بیع الصلیب و الصنم وجه کما سیأتی فی النوع الثانی مما یحرم التکسب به.

ص:29

(لا یقال)انه لا مناص عن تقیید حرمة البیع بقصد ترتب الأثر المحرم علیه فان من الجائز قطعا إعطاء الدرهم للخمار و أخذ خمره للاهراق مثلا.

(فإنه یقال)ان ذلک و إن کان جائزا إلا انه لا یرتبط بأصل المعاملة بل هو من أنحاء النهی عن المنکر و قطع مادة الفساد.

و الذی یقتضیه النظر الدقیق ان ما یکون موضوعا لحلیة البیع بعینه یکون موضوعا لحرمته،بیان ذلک ان البیع لیس عبارة عن الإنشاء الساذج سواء کان الإنشاء بمعنی إیجاد المعنی باللفظ کما هو المعروف بین الأصولیین أم کان بمعنی إظهار ما فی النفس من الاعتبار کما هو المختار عندنا و إلا لزم تحقق البیع بلفظ بعت خالیا عن القصد،و لا ان البیع عبارة عن مجرد الاعتبار النفسانی من دون أن یکون له مظهر و إلا لزم صدق البائع علی من اعتبر ملکیة ماله لشخص آخر فی مقابل الثمن و ان لم یظهرها بمظهر کما یلزم حصول ملکیة ذلک المال للمشتری بذاک الاعتبار الساذج الحالی من المبرز،بل حقیقة البیع عبارة عن المجموع المرکب من ذلک الاعتبار النفسانی مع إظهاره بمبرز خارجی سواء تعلق به الإمضاء من الشرع و العرف أم لم یتعلق بل سواء کان فی العالم شرع و عرف أم لم یکن،و إذن فذلک المعنی هو الذی یکون موضوعا لحرمة البیع و هو الذی یکون موضوعا لحلیته و هکذا الکلام فی سائر المعاملات کما حققناه فی الأصول و سیأتی التعرض له فی أول البیع ان شاء اللّه.

قوله:فهو متفرع علی فساد البیع. أقول بعد أن أثبتنا ان موضوع الحلیة و الحرمة فی المعاملات شیء واحد و ان ترتب الأثر علی المعاملة من النقل و الانتقال أو غیر ذلک خارج عن حقیقتها،و بعد أن أوضحنا عند التکلم فی الروایات العامة المتقدمة ان الحرمة التکلیفیة لا تستلزم الحرمة الوضعیة ظهر لک بطلان ما ذهب الیه المشهور من ان حرمة المعاملة تستلزم فسادها،کما ظهر بطلان ما نسب الی أبی حنیفة من ان حرمة المعاملة تستلزم صحتها،و انه لا بد فی إثبات صحتها و فسادها من التماس دلیل آخر غیر ما دل علی الحرمة التکلیفیة و قد أوضحناه فی الأصول،و تترتب علی ذلک ثمرات مهمة فی المباحث الآتیة.

قوله:اما لو قصد الأثر المحلل. أقول قد بینا ان البیع المحرم لا یخرج بقصد الأثر المحلل عن الحرمة المتعلقة به بعنوان البیع،و ان قصد الأثر المحرم لا یکون مأخوذا فی موضوع تحریم البیع فلا مجال لدعوی انه لو قصد الأثر المحلل فلا دلیل علی تحریم المعاملة، نعم لو قصد حلیته شرعا مع کونه محرما لتوجه علیه التحریم من جهة التشریع أیضا کما ان الأمر کذلک فی سائر المحرمات المعلومة إذا أتی بها بعنوان الإباحة.

ص:30

معنی حرمة الاکتساب وضعا

لا یخفی علیک ان معنی الحرمة الوضعیة فی العقود عبارة عن فساد المعاملة و بطلانها بحیث لا یترتب علیها أثر من الآثار،و ان الفاسد و الباطل عندنا و عند غیر الحنفیة بمعنی واحد و هو ما اختل فی تلک المعاملة شیء من الشروط التی اعتبرها الشارع رکنا لها بحیث یلزم من انتفائها انتفاء المشروط فی نظر الشارع.

و اما عند الحنفیة (1)فان الباطل و الفاسد فی البیع مختلفان فلکل واحد منهما معنی یغایر معنی الآخر،فالباطل هو ما اختل رکنه أو محله و رکن العقد هو الإیجاب و القبول کما تقدم،فإذا اختل ذلک الرکن کأن صدر من مجنون أو صبی لا یعقل کان البیع باطلا غیر منعقد،و کذلک إذا اختل المحل و هو المبیع کأن کان میتة أو دما أو خنزیرا فان البیع یکون باطلا.

و اما الفاسد فهو ما اختل فیه غیر الرکن و المحل کما إذا وقع خلل فی الثمن بأن کان خمرا، فإذا اشتری سلعة یصح بیعها و جعل ثمنها خمرا انعقد البیع فاسدا ینفذ بقبض المبیع،و لکن علی المشتری أن یدفع قیمته غیر الخمر،و کذلک إذا وقع الخلل فیه من جهة کونه غیر مقدور التسلیم کما إذا باع شیئا مغصوبا منه لا یقدر علی تسلیمه،أو وقع الخلل فیه من جهة اشتراط شرط لا یقتضیه العقد کما سیأتی،فإن البیع فی کل هذه الأحوال یکون فاسدا لا باطلا،و یعبرون عن الباطل بما لم یکن مشروعا بأصله و وصفه،و یریدون بأصله رکنه و محله کما عرفت،و یریدون بوصفه ما کان خارجا عن الرکن و المحل،و حکم البیع الفاسد انه یفید الملک بالقبض بخلاف البیع الباطل فإنه لا یفید الملک أصلا.

و قال ابن الهمام الحنفی فی شرح فتح القدیر (2):و أیضا فإنه مأخوذ فی مفهومه-الفاسد- أو لازم له انه مشروع بأصله لا وصفه،و فی الباطل غیر مشروع بأصله فبینهما تباین فان المشروع بأصله و غیر المشروع بأصله متباینان فکیف یتصادقان.إلا ان أمثال تلک الأقاویل لا تبتنی علی أساس صحیح من العقل و الشرع و العرف و اللغة.

ص:31


1- 1) راجع ج 2 الفقه علی المذاهب الأربعة ص 224.
2- 2) راجع ج 5 ص 185.

الاکتساب المحرم أنواع

النوع الأول الاکتساب بالأعیان النجسة

جواز المعاوضة علی أبوال ما لا یؤکل لحمه
اشارة

قوله:و یحرم المعاوضة علی أبوال[1]ما لا یؤکل لحمه. أقول فی کلام العلامة الأنصاری هنا و فی المسائل الآتیة خلط بین الحرمة التکلیفیة و الحرمة الوضعیة فقد جعل هنا کلا من النجاسة و الحرمة و عدم جواز الانتفاع بها دلیلا علیهما مع ان الأولین دلیلان علی الحرمة التکلیفیة و الثالث دلیل علی الحرمة الوضعیة.

قوله:فیما عدا بعض أفراده کبول الإبل الجلالة. أقول قال المحقق الایروانی:

لعل هذا استثناء من صدر الکلام أعنی قوله یحرم المعاوضة علی بول غیر مأکول اللحم بتوهم شمول الإجماع المنقول علی جواز بیع بول الإبل له.

(و فیه)أولا ان المصنف لم یستثن بول الإبل الجلالة فیما یأتی من أبوال مالا یؤکل لحمه لا فی حرمة شربه و لا فی نجاسته،و ثانیا ان الفارق بین بول الإبل الجلالة و بین أبوال ما لا یؤکل لحمه لیس إلا کون الأول نجسا بالعرض و کون الثانیة نجسة بالذات و مجرد هذا لا یکون فارقا بینهما حتی یصح الاستثناء،و الظاهر انه استثناء من قوله(و عدم الانتفاع به) أی لیس لأبوال ما لا یؤکل لحمه نفع ظاهر إلا بول الإبل الجلالة فإنه کبول الإبل غیر الجلالة لها منفعة ظاهرة.

تنقیح و تهذیب

قد انتقت کلمات الأصحاب علی حرمة بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه بل فی بعضها دعوی الإجماع بقسمیه علی ذلک،و فی المراسم (1)حکم بحرمة بیع الأبوال مطلقا إلا بول الإبل، و فی الغنیة (2)منع عن بیع کل نجس لا یمکن تطهیره،و فی نهایة الشیخ (3)و جمیع النجاسات محرم التصرف فیها و التکسب بها علی اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة و الأبوال

ص:32


1- 1) أول المکاسب.
2- 2) أوائل البیع.
3- 3) باب المکاسب المحظورة.

و غیرهما،و فی المبسوط (1):فاما نجس العین فلا یجوز بیعه کالبول،و فی التذکرة (2):

الإجماع علی عدم صحة بیع نجس العین مطلقا،و فی المستند (3):تحریم بیع الأبوال مما لا یؤکل لحمه شرعا موضع وفاق،و فی الجواهر (4):ادعی قیام الإجماع المحصل علی الحرمة و ان نقل الإجماع بین الأصحاب مستفیض علیها،و علی هذا الضوء المذاهب الأربعة،و فی الفقه علی المذاهب الأربعة (5):و من البیوع الباطلة بیع النجس،و فی شرح فتح القدیر (6)إذا کان أحد العوضین أو کلاهما محرما فالبیع فاسد.

ثم انه قد استدل المصنف علی حرمة بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه وضعا و تکلیفا بالإجماع و الحرمة و النجاسة و عدم جواز الانتفاع بها،و جمیعا لا یصلح لإثبات الحرمة التکلیفیة و لا الوضعیة.

أما الجماع و ان نقله غیر واحد و من أعاظم الأصحاب إلا أن إثبات الإجماع التعبدی هنا مشکل جدا للاطمئنان بل العلم بأن مستند المجمعین إنما هو الروایات العامة المتقدمة، و الروایات الخاصة المذکورة فی بیع الأعیان النجسة،و الحکم بحرمة الانتفاع بها،مضافا الی ان المحصل منه غیر حاصل و المنقول منه غیر حجة.

أما الحرمة فإن أراد منها حرمة الأکل و الشرب فالکبری ممنوعة لعدم الدلیل علی ان کلما یحرم أکله أو شربه یحرم بیعه،و لو فرضنا وجود دلیل علی ذلک فلا بد من تخصیص أکثر أفراده فإن کثیرا من الأشیاء یحرم أکلها و یجوز بیعها و ذلک مستهجن یوجب سقوط الدلیل عن الحجیة،و ان أراد منها حرمة الانتفاع بها بجمیع منافعها أو بالمنافع الظاهرة فهو و ان استلزم حرمة البیع کما تقدم فی النبوی المشهور و لکن الصغری ممنوعة لعدم الدلیل علی تحریم جمیع المنافع أو المنافع الظاهرة لتلک الأبوال و سیأتی تفصیلها.

و اما النجاسة فإن روایة تحف العقول و ان دلت علی حرمة بیع النجس لقوله«ع»فیها (أو شیء من وجوه النجس فهذا کله حرام محرم لأن ذلک کله منهی عن اکله و شربه و لبسه و ملکه و إمساکه و التقلب فیه فجمیع تقلبه فی ذلک حرام)إلا ان ذلک فیما تکون منافعه کلها محرمة کما هو مقتضی التعلیل المذکور فیها،و اما إذا کان للنجس منفعة محللة فلا دلیل علی حرمة بیعه و أبوال ما لا یؤکل لحمه مما له منفعة محللة و مقتضی ذلک جواز بیعها،اللهم إلا ان یقال ان کل نجس یحرم الانتفاع به بجمیع منافعه فإذا کان کذلک حرم بیعه

ص:33


1- 1) فصل فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
2- 2) ج 1 شرائط العوضین.
3- 3) ج 2 ص 334.
4- 4) ج متاجر أوائل المکاسب المحرمة.
5- 5) ج 2 ص 231
6- 6) ج 5 ص 186.

و شرائه و لکنه دعوی بلا دلیل،هذا مضافا الی ضعف سندها و عدم انجبارها بعمل الأصحاب کما عرفت.

علی انه لو سلمنا دلالة الحرمة و النجاسة علی حرمة البیع لدلتا علی الحرمة التکلیفیة دون الوضعیة کما تقدم فی أول المسألة.

و مما ذکرنا ظهر أن المشهور لم یستندوا فی فتیاهم بحرمة بیع النجس إلی روایة تحف العقول،و لا الی غیرها من الروایات العامة المتقدمة کروایة فقه الرضا«ع»الدالة علی أن کلما یکون محرما من جهة یحرم بیعه،و لو کان مستندهم ذلک لم یکن الحکم بحرمة البیع مختصا بالنجس بل کان یعم سائر المحرمات و لو کانت من الأعیان الطاهرة کأبوال ما لا یؤکل لحمه بناء علی حرمة شربها.

و أما عدم جواز الانتفاع بها فربما قیل بأنه یستلزم فساد البیع و إن لم یقم دلیل علی حرمة ذلک البیع تکلیفا لأن حرمة الانتفاع بها یستلزم نفی مالیتها التی لا بد منها فی تحقق البیع و فیه أولا انه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی البیع و إنما المناط صدق عنوان المعاوضة علیه و أما ما عن المصباح من أنه مبادلة مال بمال فلا یکون دلیلا علی ذلک لعدم حجیة قوله.

و ثانیا إذا سلمنا اعتبار المالیة فی البیع فلا نسلم أن أبوال ما لا یؤکل لحمه لیست بمال فی جمیع الأزمنة و الأمکنة کیف و أن الانتفاع بها باستخراج الأدویة أو الغازات أو استعمالها فی العمارة عند قلة الماء ممکن جدا فتکون مالا باعتبار تلک المنافع الظاهرة،و مثلها أکثر المباحات التی تختلف مالیتها بحسب الأزمنة و الأمکنة کالماء و الحطب و نحوهما،و من هنا یعلم أن الشرب لیس من منافعها حتی یلزم من حرمته سقوط مالیتها،اللهم إلا أن یقال ان الشارع قد ألغی مالیتها بتحریم جمیع منافعها،و لکنه أول الکلام.

و ثالثا إذا سلمنا اعتبار المالیة فی البیع فیکفی أن یکون المبیع مالا بنظر المتبایعین إذا کان عقلائیا و لا یجب کونه مالا فی نظر العقلاء أجمع.

و رابعا لو سلمنا عدم کون الأبوال المذکورة مالا حتی فی نظر المتبایعین فإن غایة ما یلزم کون المعاملة علیها سفهیة و لا دلیل علی بطلانها بعد شمول أدلة صحة البیع لها،و الفاسد شرعا إنما هو معاملة السفیه لا المعاملة السفهائیة،و الدلیل علی الفساد فیها أن السفیه محجور شرعا عن المعاملات،هذا کله مضافا الی صحة المعاملة علیها بمقتضی آیة التجارة و إن لم یصدق علیها البیع،و قد اتضح مما قدمناه جواز بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه وضعا و تکلیفا کما اتضح جواز بیع أبوال ما یؤکل لحمه مطلقا بل الجواز هنا بالأولویة إبلا کان أو غیرها جلالا کان أو غیره قلنا بجواز شربه اختیارا أو لم نقل لأن جواز الشرب لا یعد من منافع

ص:34

البول لیکون مالا باعتباره و یدور الحکم بجواز البیع مداره.

وهم و دفع

قد استدل المحقق الایروانی«ره»علی فساد المعاملة علیها بقوله تعالی (1): «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ» علی أن یراد من الباطل ما یعم الباطل العرفی و الشرعی،و مراد المستدل أن أخذ المال عوضا عن أبوال مالا یؤکل لحمه أکل للمال بالباطل.

(و فیه)أن دخول باء السببیة علی الباطل و مقابلته فی الآیة للتجارة عن تراض-و لا ریب ان المراد بالتجارة هی الأسباب-قرینتان علی کون الآیة ناظرة إلی فصل الأسباب الصحیحة لا معاملة عن الأسباب الباطلة کما نبه علیه المستدل فی أول البیع و غیره،و علی ذلک فیکون الغرض من الباطل الأسباب الباطلة فلا یکون لها تعلق بما لا مالیة له من العوضین کما یرومه المستدل،کما أن المراد من الأکل فیها لیس هو الازدراد علی ما هو معناه الحقیقی بل هو کنایة عن تملک مال الغیر من غیر استحقاق و إن کان ذلک المال من غیر المأکولات کالدار و نحوها،و قد تعارف استعماله بذلک فی القرآن و فی کلمات الفصحاء بل و فی غیر العربیة أیضا.

و علی هذا فان کان الاستثناء متصلا کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة،فیکون مفاد الآیة نفی تملک أموال الغیر بالأسباب الباطلة من القمار و الغصب و الغزو و بیع المنابذة و الحصاة و التقسیم بالأزلام و الأقداح،إلا بسبب یکون تجارة عن تراض فتفید حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض،و إن کان الاستثناء منقطعا فظهور الآیة البدوی و إن کان هو بیان القاعدة الکلیة لکل واحد من أکل المال بالباطل و التجارة عن تراض و لا تعرض لها للحصر،و تظهر ثمرة ذلک فیما لا یعد فی العرف من الأسباب الباطلة و لا من التجارة عن تراض فیکون مهملا،إلا أنه تعالی حیث کان بصدد بیان.الأسباب المشروعیة للمعاملات و تمیز صحیحها عن فاسدها و کان الإهمال مما یخل بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة بالقرینة المقامیة،و تکون النتیجة أن الآیة مسوقة لبیان حصر الأسباب الصحیحة بالتجارة عن تراض سواء کان الاستثناء متصلا أم منقطعا،و مما یدل علی کون الآیة راجعة إلی أسباب المعاملات تطبقها فی بعض الروایات[1]علی القمار.

ص:35


1- 1) راجع سورة النساء آیة 33.

قوله:کبول الإبل الجلالة. أقول بعد ما عرفت جواز الانتفاع بالأبوال مطلقا و جواز بیعها کذلک فلا وجه لهذا الاستثناء.

قوله:إن قلنا بجواز شربها اختیارا کما علیه جماعة. أقول قد ظهر مما تقدم ان جواز الشرب أو حرمته لیسا مناطین فی جواز بیعا و حرمته لعدم کون الشرب من المنافع

ص:36

الظاهرة لیدور الحکم علیه وجودا و عدما،إذن فلا فرق بین أبوال ما یؤکل لحمه و ما لا یؤکل لحمه.

استطراد فی حرمة شرب أبوال ما یؤکل لحمه لغیر التداوی

قد وقع الخلاف بین أعاظم الأصحاب فی جواز شرب أبوال ما یؤکل لحمه حال الاختیار و عدم جوازه،و ذهب جمع کثیر الی الجواز،و جماعة أخری إلی الحرمة و هو الحق، لمفهوم موثقة عمار[1]فإنه یدل علی حرمة شربها لغیر التداوی،کما تدل علی ذلک أیضا عدة روایات اخری من الخاصة[2]و العامة[3].

ص:37

نعم هناک روایتان[1]إحداهما روایة قرب الاسناد تدل علی جواز شرب أبوال مأکول اللحم علی وجه الإطلاق و الثانیة روایة الجعفری تدل علی جواز شرب بول الإبل مطلقا و انه خیر من لبنه.

(و فیه)مضافا الی ضعف سندیهما،انه لا بد من تقییدهما بمفهوم موثقة عمار المتقدمة، و حینئذ فیختص جواز شربها بالتداوی فقط،علی أن روایة الجعفری لیست بصدد بیان.الجواز التکلیفی بل هی مسوقة إلی بیان الوجهة الطیبة و ان أبوال الإبل مما یتداوی بها الناس و یدل علی ذلک قوله«ع»فی ذیل الروایة«و یجعل اللّه الشفاء فی ألبانها».

دفع توهم

قد استدل بعض الأعاظم (1)علی حرمة شربها بقوله تعالی (2): «وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ» حیث قال:و عندی ان هذا القول هو الأقوی و فی آیة تحریم الخبائث غنی و کفایة بعد القطع بکون البول مطلقا من الخبائث.

(و فیه)ان المقصود من الخبائث کل ما فیه مفسدة و ردائه و لو کان من الافعال المذمومة

ص:38


1- 1) المامقانی فی حاشیته علی المتن.
2- 2) سورة الأعراف آیة 156.

المعتبر عنه فی الفارسیة لفظ«پلید»و یدل علی ذلک إطلاق الخبیث علی العمل القبیح فی قوله تعالی (1): وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ» و یساعده العرف و اللغة[1] و إذن فالآیة ناظرة إلی تحریم کل ما فیه مفسدة و لو من الأعمال القبیحة فلا تعم شرب الأبوال الطاهرة و نحوها مما تتنفر عنها الطبائع.

قوله:لا یوجب قیاسه علی الأدویة. أقول هذا الکلام بظاهره مما لا یترقب صدوره من المصنف،و ذلک لان التداوی بها لبعض الأوجاع یجعلها مصداقا لعنوان الأدویة،فکما

ص:39


1- 1) سورة الأنبیاء آیة 72.

یجوز بیعها حتی إذا کانت نجسة،فکذلک یجوز بیع الأبوال مطلقا لکونها مصداقا للادویة و انطباق الکلی علی أفراده غیر مربوط بالقیاس،و توضیح ذلک ان مالیة الأشیاء تدور علی رغبات الناس بلحاظ حاجاتهم إلیها علی حسب الحالات و الأزمنة و الأمکنة،و لا شبهة ان المرض من الحالات التی لأجلها یحتاج الإنسان إلی الأدویة و العقاقیر طاهرة کانت أم نجسة و لأجل ذلک یجلبها الناس من أقاصی البلاد،فإذا کانت الأبوال عند العرف من الأدویة و یعد من الأموال فی غیر حال المرض کانت کسائر الأدویة التی یحتاج إلیها الناس فی حال المرض و لا مجال لتفریقها عنها.

اللهم إلا أن یکون مراد المصنف سقوط مالیة الأبوال لکثرتها.

(و فیه)مضافا الی کونه خلاف الظاهر من کلامه،و الی منع کثرتها فی جمیع البلاد ان الکثرة لا توجب سقوط مالیتها بعد إمکان الانتفاع بها فی بعض الأمکنة و إلا لزم سلب المالیة عن أکثر المباحات،نعم لا یبعد الالتزام بسقوط مالیتها إذا لم ینتفع بها فی محلها و لم یمکن نقلها الی محل ینتفع بها فیه.

و مما ذکرنا علم ان التداوی بالابوال من المنافع الظاهرة لها فلا وجه لعدها فیما لا نفع فیه کما لا وجه للنقض علی ذلک بأنه لو کان التداوی بها موجبا لصحة بیعها لجاز بیع کل شیء من المحرمات لقوله«ع»[1]:«لیس شیء مما حرمه اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر الیه» و ذلک لما بینا من ان المرض من الأحوال المتعارفة للإنسان فلا یقاس بالاضطرار الذی لا یتفق فی العمر إلا نادرا.

و من هنا یتضح الفرق بین الأبوال و بین المیتة و لحوم السباع و غیرهما من المحرمات التی یحتاج إلیها الإنسان عند الاضطرار،و لذلک فلا یتجر أحد بلحوم السباع و نحوها لاحتمال الحاجة إلیها و هذا بخلاف الأدویة فإن بیعها و شرائها من التجارات المهمة.

قوله:و لو عند الضرورة المسوغة للشرب. أقول لا تعرض فی شیء من الروایات العامة و غیرها للتعلیق جواز بیع الأبوال الطاهرة غیر بول الإبل علی جواز شربها.

قوله:و لا ینتقص أیضا بالأدویة المحرمة. أقول قوله:لأجل الإضرار تعلیل للحرمة،و حاصل النقض إن الأبوال الطاهرة تکون بحکم الأدویة،فکما أن الأدویة محرمة الاستعمال فی غیر حال المرض لاضرارها بالنفس و مع ذلک یجوز بیعها و استعمالها عند المرض

ص:40

فی حال المرض لأجل تبدل عنوان الإضرار بعنوان النفع،و هذا بخلاف الأبوال فان حلیتها لیست إلا لأجل الضرورة فالنقض فی غیر محله.

و لکن الإنصاف أن ما أفاده المصنف نقضا و جوابا غیر تام،أما الجواب فلأنا لا نجد فرقا بین الأبوال و سائر الأدویة،و إذا کان الاحتیاج إلی الأدویة موجبة لتبدل عنوان الضرر الی النفع فلیکن الاحتیاج إلی الأبوال فی حال المرض کذلک،مع أن الأمر لیس کذلک فان من الواضح جدا ان الاحتیاج إلی الأدویة و العقاقیر حال المرض لیس من قبیل تبدل موضوع الضرر بموضوع النفع کانتقال موضوع التمام الی موضوع القصر،و إنما هو کالاحتیاج إلی سائر الأشیاء بحسب الطبع.

و أما النقض ففیه(أولا)انه لا یجوز أن تعلل حرمة الأدویة فی غیر حال المرض بالإضرار،لأنه من العناوین الثانویة فلا یمکن أن یکون علة لثبوت الحرمة للشیء بعنوانه الأولی،و لو صح ذلک لم یوجد شیء یکون حلالا بعنوانه الأولی إلا نادرا،و ذلک لانه لا بد من عروض عنوان الضرر علیه فی مرتبة من مراتب استعماله فیکون حراما.

و(ثانیا)ان عنوان الإضرار لیس مما تکون الحرمة ثابتة علیه بالذات،أو بعنوان غیر منفک عنه لانه لیس أمرا مضبوطا بل یختلف بالإضافة إلی الأشخاص و الأزمنة و الأمکنة و المقدار،و ربما یکون الشیء مضرا بالإضافة إلی شخص جار المزاج دون غیره،و بالنسبة إلی منطقة دون منطقة،أو بمقدار خاص دون الأقل منه،بل لو کان عنوان الإضرار موجبا لحرمة البیع لما جاز بیع شیء من المشروبات و المأکولات،إذ ما من شیء إلا و هو مضر للمزاج أزید من حده،نعم لو دل دلیل علی أن ما أضر کثیره فقلیله حرام کما ورد (1)فی الخمر(فما أسکر کثیره فقلیله حرام)لتوجه ما ذکره من النقض،و قد تمسک بعض العامة بذلک عند بحثنا معه فی حرمة شرب التتن،و أجبنا عنه بأنه لو صح ما أضر کثیره فقلیله حرام للزم الالتزام بحرمة جمیع المباحات فان من الواضح أنه ما من شیء فی العالم إلا و تکون مرتبة خاصة منه مضرة لامزاج.

(حرمة ببیع شحوم ما لا یؤکل لحمه)

قوله:و لا ینافیه النبوی[1]لعن اللّه الیهود. أقول وجه التنافی هو توهم الملازمة

ص:41


1- 1) قد تقدم فی ص 18.

بین حرمة الأکل و حرمة البیع،و أجاب عنه المصنف بأن الظاهر أن الشحوم کانت محرمة الانتفاع علی الیهود بجمیع الانتفاعات لا کتحریم شحوم غیر مأکول اللحم علینا.

(و فیه)أنه لا منشأ لهذا الظهور لا من الروایة و لا من غیرها بل الظاهر منها حرمة أکلها فقط،کما هو المستفاد من الآیة[1]أیضا فإن الظاهر من تحریم الشحوم فیها تحریم أکلها لکونه منفعة ظاهرة لها،إلا انک عرفت (1)فی البحث عن النبوی المشهور أن حرمة الأکل لا یستلزم حرمة البیع وضعا و تکلیفا باتفاق من الشیعة و من العامة.

قوله:و الجواب عنه مع ضعفه. أقول قال المحقق الایروانی ظاهر النبوی ما حرم أکله من المأکولات أعنی ما یقصد للأکل دون ما حرم أکله مطلقا لیخالف غرض المصنف و یلزم تخصیص الأکثر حتی یضطر الی تضعیفه سندا و دلالة.

(و فیه)مضافا الی کونه حملا تبرعیا انه یلزم تخصیص الأکثر أیضا لجواز بیع المأکولات و المشروبات المحرمة إذا کانت لها منافع محللة،ثم ان الظاهر من ذیل کلامه استظهار ضعف الروایة من عبارة المصنف من غیر جهة تخصیص الأکثر،إلا انه ناشئ من غلط النسخة و من زیادة کلمة مع قبل کلمة ضعفه.

(لا یقال)لو سلمنا حرمة الإعانة علی الإثم لکان الظاهر من الروایة هو بیع الیهود شحومهم من غیرهم،و لم یعلم حرمته علی غیر الیهود،بل الظاهر من الآیة المبارکة اختصاص التحریم بهم،مع انه لو قطع النظر عن هذا الظهور لکان تقیید الروایة بما إذا کان البیع للأکل بلا موجب.

ص:42


1- 1) ص 23.
جواز بیع العذرة

قوله:یحرم بیع العذرة النجسة من کل حیوان علی المشهور. أقول المعروف بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم حرمة بیع العذرة النجسة من کل حیوان،بل فی التذکرة (1)لا یجوز بیع سرجین النجس إجماعا منا،و فی الجواهر ادعی الإجماع بقسمیه علی حرمة بیع أرواث مالا یؤکل لحمه،و فی النهایة (2)جعل بیع العذرة من المکاسب المحظورة،و فی الغنیة (3)منع عن بیع سرقین ما لا یؤکل لحمه،و فی المراسم (4)حکم بحرمة بیع العذرة، و فی المستندة (5)انه موضع وفاق،و علی هذا اتفاق المذاهب الأربعة[1]ثم ان تحقیق هذه المسألة فی ضمن مقامین الأول من حیث القواعد و الإجماعات و الروایات العامة،و الثانی من حیث الروایات الخاصة الواردة فی خصوص هذه المسألة.

أما المقام الأول من حیث القواعد و الإجماعات و الروایات العامة فقد ظهر من المسألة السابقة و ما قبلها انه لا یجوز الاستدلال بشیء من تلک الأمور علی حرمة البیع و فساده.

و أما المقام الثانی من حیث الروایات الخاصة فالروایات الواردة هنا علی ثلث طوائف الأولی[2]ما یدل علی حرمة بیع العذرة و کون ثمنها سحتا،الثانیة[3]ما یدل علی جواز بیعها و هی روایة ابن مضارب

ص:43


1- 1) ج 1 ص 3 من البیع.
2- 2) باب المکاسب المحظورة.
3- 3) ص 2 من البیع.
4- 4) ص 1 من المکاسب.
5- 5) ج 2 ص 334.

الثالثة[1]ما یدل علی جواز بیعها و حرمته معا و هی روایة سماعة.

و للجمع بینها وجوه للاعلام،الأول ما ذکره شیخ الطائفة(ره)من حمل روایة المنع علی عذرة الإنسان،و روایة الجواز علی عذرة البهائم مما یؤکل لحمه،و استشهد علی ذلک بروایة سماعة،قال فی التهذیب بعد ما نقل روایة الجواز انه و لا ینافی ذلک ما رواه یعقوب ابن شعیب،لان هذا الخبر محمول علی عذرة الإنسان،و الأول محمول علی عذرة البهائم من الإبل و البقر و الغنم،و لا تنافی بین الخبرین،و الذی یکشف عما ذکرناه روایة سماعة، و فی المبسوط (1)فلا یجوز بیع العذرة و السرجین مما لا یؤکل لحمه،و فی الخلاف (2)فالسرجین النجس محرم بالإجماع فوجب أن یکون بیعه محرما.

إذا عرفت مسلکه من کتبه الثلاثة فلا تغتر بإطلاق کلامه فی الاستبصار،حیث حمل روایة الجواز علی عذرة غیر الآدمیین،و روایة المنع علی عذرة الناس،ثم استشهد علیه بروایة سماعة فإن مراده من غیر الآدمیین إنما هو ما یؤکل لحمه فقط فلا یعم غیر المأکول.

(و فیه)أولا انه ثبت فی محله أن کون الدلیل نصا فی مدلوله غیر کون بعض أفراده متیقنا فی الإرادة من الخارج علی تقدیر صدور الحکم،فما هو الموجب لرفع الید عن الحکم هو الأول دون الثانی،ففی مثل الأمر[2]بغسل الثوب من بول الخفاش الصریح فی المحبوبیة و الظاهر فی الوجوب،و ما ورد[3]من ان بول الخفاش لا بأس به،الصریح فی جواز

ص:44


1- 1) فصل فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
2- 2) ج 1 ص 225.

الترک،و الظاهر فی الإباحة الخاصة،برفع الید عن ظهور کل منهما بصریح الآخر فیثبت الاستحباب،و أما فی أمثال المقام حیث لا صراحة للدلیل فی شیء،فلا موجب للجمع المذکور فإنه تبرعی محض و خارج عن صناعة الجمع الدلالی العرفی فلا یوجب رفع التعارض بوجه،إذن فلا بد إما من طرحهما و إما الرجوع الی المرجحات السندیة،أو الخارجیة من موافقة الکتاب أو مخالفة العامة.

و بعبارة اخری أن الجمع العرفی بین الدلیلین بطرح ظهور کل منهما بنص الآخر إنما یجری فیما کانت لکل منهما قرینیة لرفع الید عن ظهور الآخر،کالجمع بین الأمر و الترخیص،بحمل الأول علی الاستحباب و الثانی علی الکراهة،و هذا بخلاف ما إذا ورد النفی و الإثبات علی مورد واحد کما فیما نحن فیه،فإنه من أوضح موارد المتعارضین.

(و ثانیا)سلمنا ذلک إلا أن إطلاق العذرة علی مدفوعات ما یؤکل لحمه ممنوع جدا، و إنما یطلق علیها لفظ الأرواث أو السرقین و هذا واضح لمن کان له انس بالعرف و اللغة[1] (و ثالثا)سلمنا جواز الإطلاق و صحته إلا ان أخذ المتیقن من الدلیلین المتنافیین لا یعد

ص:45

من الجموع العرفیة،لعدم ابتنائه علی أساس صحیح،بل لو جاز أحد المتیقن من الدلیل لانسد باب حجیة الظواهر و لم یجز التمسک بها،إذ ما من دلیل إلا و له متیقن فی إرادة المتکلم إلا ان یقال بتخصیص ذلک بصورة التعارض و هو کما تری.

(و رابعا)سلمنا ذلک أیضا إلا ان أخذ المتیقن من دلیلی الجواز و المنع لا ینحصر بما ذکر،بل یجوز أخذه منهما بوجه آخر أوجه منه،بأن تحمل روایة الجواز علی فرض کون العذرة المبیعة یسیرة،و روایة المنع علی فرض کونها کثیرة،أو تحمل روایة الجواز علی بلاد تعارف فیها بیع العذرة لأجل التسمید و نحوه،و روایة المنع علی بلاد لم یتعارف فیها بیعها أو غیر ذلک.

(الثانی)أن تحمل روایة الجواز علی بلاد ینتفع بها،و روایة المنع علی بلاد لا ینتفع بها، و قد حکمی المصنف هذا الوجه من المجلسی ثم استبعده.(و فیه)مضافا الی کونه جمعا تبرعیا ان إمکان الانتفاع بها فی مکان یکفی فی صحة بیعها علی وجه الإطلاق،علی أنک عرفت فی بیع الأبوال ان غایة ما یلزم هو کون المعاملة علی أمثال تلک الخبائث سفهیة،و لم یقم دلیل علی بطلانها و صرف العمومات عنها،مع ان الظاهر من قول السائل فی روایة سماعة(انی رجل أبیع العذرة)هو کونه بیاع العذرة و أخذه ذلک شغلا لنفسه،و إنما سئل عن حکمه الشرعی،و هذا کالصریح فی کون بیع العذرة متعارفا فی ذلک الزمان ثم ان هذا الوجه و ان نسبه المصنف إلی المجلسی و لکن لم نجده فی کتبه،بل الموجود فی مرآة العقول (1)نفی البعد عن حمل روایة الجواز علی الکراهة.

(الثالث)ما احتمله السبزواری (2)من حمل روایة المنع علی الکراهة،و روایة الجواز علی الترخیص المطلق،و قد استبعده المصنف أیضا:و لعل الوجه فیه هو أن استعمال لفظ السحت فی الکراهة غیر جار علی المنهج الصحیح،فان السحت فی اللغة[1]عبارة عن الحرام

ص:46


1- 1) ج 3 باب جامع ما یحل الشراء و البیع ص 411.
2- 2) راجع الکفایة المقصد الثانی من التجارة.

إذن فروایة المنع آبیة عن الحمل علیها.

(و فیه)أولا ان لفظ السحت قد استعمل فی الکراهة فی عدة من الروایات[1]فإنه أطلق فیها علی ثمن جلود السباع،و کسب الحجام،و اجرة المعلمین الذین یشارطون فی تعلیم القرآن،و قبول الهدیة مع قضاء الحاجة،و من الواضح جدا انه لیس شیء منها بحرام قطعا،و إنما هی مکروهة فقط،و قد نص بصحة ذلک الاستعمال غیر واحد من أهل اللغة[2]بل الروایات[3]الکثیرة تصرح بجواز بیع جلود السباع و أخذ الأجرة للحجام

ص:47

و تعلیم القرآن حتی مع الاشتراط،و الجمع العرفی یقتضی حمل المانعة علی الکراهة،و علیها فتاوی الأصحاب و إجماعهم،بل فتاوی أکثر العامة[1]إذن فلا وجه للتهویل علی السبزواری بأن کلمة السحت غیر مستعملة فی الکراهة الاصطلاحیة.

(و ثانیا)لو سلمنا حجیة قول اللغوی فغایة ما یترتب علیه ان حمل لفظ السحت علی

ص:48

المکروه خلاف الظاهر،و لا بأس به إذا اقتضاه الجمع بین الدلیلین.

(لا یقال)و ان صح إطلاق کلمه السحت علی الکراهة کصحة إطلاقها علی الحرام،إلا أن نسبته الی الثمن صریحة فی الحرمة،فإنه لا معنی لکراهة الثمن.

(فإنه یقال)ان عنایة تعلق الکراهة بالثمن لا تزید علی عنایة تعلق الحرمة به،فارادة الثانی من کلمة السحت دون الأول مع صحة استعمالها فیهما تحتاج إلی قرینة معینة،و من هنا ذکر فی لسان العرب السحت یرد فی الکلام علی المکروه مرة،و علی الحرام اخری،و یستدل علیه بالقرائن،غایة الأمر انه إذا تعلقت الحرمة بالثمن فیستفاد من ذلک الحرمة الوضعیة أعنی بها فساد البیع زائدا علی حرمة التصرف فی الثمن،بخلاف تعلق الکراهة به،فإنه متمحض فی الدلالة علی الحکم التکلیفی کما فی ثمن جلود السباع و نحوه.

(الرابع)أن تحمل روایة الجواز علی الجواز التکلیفی لظهور کلمة لا بأس فی ذلک، و روایة المنع علی الحرمة الوضعیة،فتصیر النتیجة ان بیع العدة فاسد و غیر حرام.

(و فیه)مضافا الی کونه جمعا تبرعیا ان استعمال لا بأس فی الجواز التکلیفی و مقابله فی البأس الوضعی من الغرابة بمکان کاد أن یلحق بالأغلاط و لم نسمع الی الآن نظیر ذلک الاستعمال،بل هما متمحضان لبیان الحکم الوضعی و ان کان یستفاد منهما الحکم التکلیفی أحیانا بالالتزام،و من هنا ترون ان الفقهاء رضوان اللّه علیهم یتمسکون بالأمر بشیء و بالنهی عن شیء فی الصلاة لإثبات الجزئیة و المانعیة فیها،علی أن قوله«ع»فی روایة سماعة(حرام بیعها و ثمنها)ظاهر فی الحرمة التکلیفیة لو لم یکن نصا فیها فلا وجه لرفع الید عنها و حملها علی الحرمة الوضعیة.

(الخامس)ما اختاره العلامة المامقانی«ره»و قال الأقرب عندی حمل قوله«ع» لا بأس ببیع العذرة علی الاستفهام الإنکاری.و لعل هذا مراد المحدث الکاشانی حیث قال و لا یبعد أن یکون اللفظتان مختلفتین فی هیئة التلفظ و المعنی و ان کانتا واحدة فی الصورة.

(و فیه)مضافا الی کونه محتاجا الی علم الغیب،انه خلاف الظاهر من الروایة فلا یجوز المصیر الیه بمجرد الاحتمال.

و التحقیق انه لا یجوز العمل بروایات المنع لوجهین،الأول عدم استیفائها شرائط الحجیة بنفسها،أما روایة ابن شعیب فلضعف سندها،لا للإرسال کما زعمه صاحب الجواهر، اغترارا بإرسال العلامة فی المنتهی،بل لجهالة علی بن مسکین أو سکن،و کذا روایة دعائم الإسلام،و توهم انجبارهما بعمل المشهور توهم فاسد،فإنه مضافا الی فساد الکبری،ان الحکم غیر مختص بالعذرة،بل شامل لغیرها من النجاسات،و أما روایة سماعة فهی و إن کانت

ص:49

موثقة،إلا انه لا یجوز الاعتماد علیها،اما لإجمالها لمعارضة صدرها مع ذیلها إن کانت روایة واحدة،و إما للتعارض و التساقط لو کانت روایتین،و لکن یدل علی التعدد من الروایة أمور:الأول اقتران کلمة قال فیها بالواو،و الثانی وضع المظهر فیها موضع المضمر،فإنها لو کانت روایة واحدة لکان للإمام«ع»أن یقول و لا بأس ببیعها بدل قوله(لا بأس ببیع العذرة)الثالث انها لو کانت روایة واحدة لکانت مجملة کما عرفت،إذن فلزم للسائل أن یسأل عن بیع العذرة ثانیا فینکشف من تلک القرائن تعددها و ان سماعة لما نقل روایة المنع ألحقها بروایة الجواز تفهیما للمعارضة و علی هذا فیحکم بالتساقط.

(إن قلت)ان السائل لما فهم مقصوده من القرائن الحالیة أو المقالیة و إن لم تصل إلینا ترک التعرض للسؤال،فلا یلزم من ذلک تعدد الروایة.

(قلت)احتمال انه فهم المراد من القرائن و إن کان موجودا إلا أن أصالة عدم القرینة التی من الأصول المسلمة عند العقلاء تدفع ذلک الاحتمال،ثم لو صحت روایة ابن مضارب کما هی کذلک و ان رماها المجلسی (1)بضعف السند لوجب الأخذ بها،و إلا فالمرجع فی الجواز التکلیفی هی أصالة الإباحة،و فی الجواز الوضعی هی العمومات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و أحل اللّه البیع،و تجارة عن تراض.

(الوجه الثانی)انک بعدها عرفت تعدد روایة سماعة و کونها روایتین فتنحصر الروایات هنا فی طائفتین،المانعة عن بیع العذرة،و المجوزة لبیعها،و علی هذا فإن أمکن الجمع بینهما بإحدی الوجوه المتقدمة فنأخذ بهما،و إلا فلا بد من الرجوع الی المرجحات الخارجیة لتساوی روایتی سماعة من حیث المرجحات السندیة،و لما کان القول بحرمة بیع العذرة مذهب العامة بأجمعهم فنأخذ بالطائفة المجوزة لبیعها،و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف حیث استبعد حمل الطائفة المانعة عن بیعها علی التقیة،و العجب من الفاضل المامقانی«ره»فإنه وجه کلام المصنف و قال ان مجرد کونه مذهب أکثر العامة لا یفید مع کون فتوی معاصر الإمام الذی صدر منه الحکم هو الجواز کما فیما نحن فیه حیث ان الجواز فتوی أبی حنیفة المعاصر لمن صدر منه أخبار المنع و هو الصادق«ع»فخبر الجواز أولی بالحمل علی التقیة،و وجه العجب ان أبا حنیفة قد أفتی بحرمة بیع العذرة کما عرفت.

و أعجب من ذلک ما نسبه إلیه العلامة فی التذکرة (2)من تجویز بیع السرجین النجس لأن أهل الأمصار یتبایعونه لزروعهم من غیر نکیر،فإنه«ره»مع اطلاعه علی مذهب العامة

ص:50


1- 1) ج 3 مرآة العقول باب 103 جامع فیما یحل الشراء من المکاسب ص 411.
2- 2) ص 3 من البیع.

و آرائهم کیف خفی علیه مذهب أبی حنیفة فی هذه المسألة،نعم لا ینکر تجویز أبی حنیفة (1)بیع العذرة إذا اختلطت بالتراب،و بیع الزبل الذی یسمی بالسرجین،و بیع البعر للانتفاع به و جعله وقودا.

قوله:فروایة الجواز لا یجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفی. أقول الوجوه المشار إلیها فی کلامه هی الإجماعات المنقولة،و الشهرة الفتوائیة،و الروایات العامة المتقدمة،و ضعف سند ما یدل علی الجواز،إلا أنها مخدوشة بأجمعها،و لا یصلح شیء منها لترجیح ما یدل علی المنع أما الإجماعات المنقولة فلیست بتعبدیة،بل مدرکها هی الوجوه المتقدمة،و لو کانت تعبدیة لکانت حجة مستقلة،و ضمها إلی روایة المنع لا یزید اعتبارها بل هی بنفسها لو کانت حجة لوجب الأخذ بها،و إلا فضم الإجماعات إلیها لا یوجب حجیتها.

و أما الشهرة الفتوائیة فهی و إن کانت مسلمة،إلا أن ابتنائها علی روایة المنع ممنوع جدا،فان تلک الشهرة غیر مختصة ببیع العذرة،بل هی جاریة فی مطلق النجاسات،و لو سلمنا ابتنائها علیها لا توجب انجبار ضعف سند الروایة،علی أن ما یوجب ترجیح احدی الروایتین علی الأخری عند المعارضة هی الشهرة فی الروایة دون الشهرة الفتوائیة.

و أما الروایات العامة فقد تقدم الکلام فیها،علی أن النجاسة لم تذکر فی شیء منها إلا فی روایة تحف العقول،و الذی یستفاد منها لیس إلا حرمة الانتفاع بالنجس مطلقا،و هی و إن کانت مانعة عن البیع،إلا انه لم یقل بها أحد،و أما مانعیة النجاسة من حیث هی نجاسة فلا یستفاد من تلک الروایات،و لا من غیرها،نعم لا شبهة فی حرمة الانتفاعات المتوقفة علی الطهارة،و من هنا یظهر الجواب عمن ذهب الی حرمة الانتفاع بالعذرة فی التسمید و نحوه،و تمسک فی ذلک بقوله«ع»فی روایة تحف العقول(أو شیء یکون فیه وجه من وجوه الفساد)بدعوی ان التسمید و نحوه من التصرفات فیها من وجوه الفساد،بل قد ورد فی بعض الروایات[1]جواز طرح العذرة فی المزارع.

و اما تخیل ضعف روایة الجواز من ناحیة السند،ففیه أولا انه محض اشتباه قد نشأ من خلط ابن مضارب بابن مصادف و توهم ان الأول غیر موجود فی کتب الرجال فاسد فإنه مضافا الی کونه مذکورا فیها و منصوصا بحسنه،انه قد اتفقت أصول الحدیث علی نقل

ص:51


1- 1) ج 2 فقه المذاهب الأربعة ص 232.

روایة الجواز عنه،و لم یحتمل فیها نقلها عن ابن مصادف.

و ثانیا ان اختصار الکلینی بنقل روایة الجواز فقط دون غیرها یشیر الی اعتبارها کما هی کذلک لکون رواتها بین ثقات و حسان.

جواز بیع الأرواث

قوله:الأقوی جواز بیع الأرواث الطاهرة. أقول المشهور بین أصحابنا جواز بیع الأرواث الطاهرة،و فی المستند (1)یجوز الاکتساب بها مطلقا وفاقا للأکثر بل عن السید الإجماع علیه لطهارتها و عظم الانتفاع بها فیشملها الأصل و العمومات،و فی الخلاف (2)سرجین ما یؤکل لحمه یجوز بیعه دلیلنا علی جواز ذلک انه طاهر عندنا و من منع منه فإنما منع لنجاسته و یدل علی ذلک بیع أهل الأمصار فی جمیع الأعصار لزروعهم و ثمارهم و لم نجد أحدا أکره ذلک و لا خلاف فیه فوجب أن یکون جائزا،نعم حکم فی النهایة (3)بحرمة بیع العذرة و الأبوال إلا بول الإبل خاصة فإنه لا بأس بشربه و الاستشفاء به عند الضرورة و فی المراسم (4)حکم بحرمة التکسب بالعذرة و البول إلا بول الإبل خاصة،و کذلک ذهبت الشافعیة (5)إلی نجاسة فضلة مأکول اللحم بلا تفصیل بین الطیور و غیرها،مع ذهابهم (6)الی عدم صحة بیع کل نجس إلا إذا کان مخلوطا بشیء طاهر لا یمکن فصله منه.

و الظاهر انه لا فرق بین العذرة و الأرواث فی جواز البیع و عدمه من جهة مدرک الحکم إلا نجاسة الاولی و طهارة الثانیة،فإن الأخبار الخاصة الواردة فی حرمة بیع العذرة لم تتم کما عرفت،و الاخبار العامة المتقدمة إنما تدل علی حرمة بیع ما یکون منهیا عن أکله فتکون شاملة للارواث و العذرة کلتیهما،و حیث عرفت انه لا یصلح شیء من ذلک لإثبات حرمة بیع العذرة فتعرف عدم جریانه فی الأرواث أیضا،و أما ما فی روایة تحف العقول من قوله «ع»:(أو شیء من وجوه النجس)فلا تدل علی مانعیة النجاسة عن البیع،لما عرفت فی بیع الأبوال أن مقتضی التعلیل المذکور فیها هو کون منافع النجس بأجمعها محرمة،و أما إذا کانت له منفعة محللة فلا تدل الروایة علی حرمة بیعه،إذن فلا وجه لما التزم به شیخنا الأنصاری من التفریق بین العذرة و الأرواث.

و أما دعوی الإجماع علی التفریق بینهما فهی دعوی جزافیة للاطمئنان بأن مدرک المجمعین

ص:52


1- 1) ج 2 ص 334.
2- 2) ج 1 ص 225.
3- 3) باب المکاسب المحظورة.
4- 4) باب المکاسب.
5- 5) ج 1 فقه المذاهب ص 12.
6- 6) ج 2 فقه المذاهب ص 232.

تلک الوجوه المذکورة لمنع بیع العذرة دون الأرواث،و إلا فالإجماع التعبدی الکاشف عن رأی الحجة معلوم العدم،و قیام السیرة علی جواز الانتفاع و المعاوضة لا یختص بالارواث بل یعم العذرة أیضا،کشمول العمومات لهما،و ما فی الجواهر من الاستدلال علی جواز بیع الأرواث فقط بخبر ابن مضارب،و بذیل روایة سماعة،بعد ما حملهما علیها فاسد لما عرفت من انه لا یصح إطلاق العذرة علی الأرواث بوجه،و ان الأرواث فی اللغة[1]لا تطلق إلا علی رجیع ذی الحافر.

و قد یتوهم تحریم بیعها لآیة تحریم الخبائث بدعوی ان عموم التحریم المستفاد من الجمع المحلی باللام یشمل البیع أیضا.

(و فیه)أولا ما أجاب به المصنف من أن المراد من تحریم الخبائث هو تحریم أکلها، لا مطلق الانتفاعات بها.

و ثانیا انه قد تقدم فی بیع الأبوال ان الخبیث عبارة عن مطلق ما فیه نقص و دنائة و لو کان من قبیل الافعال و یرادف فی الفارسیة بلفظ(پلید)فمثل الزنا و الافتراء و الغیبة و النمیمة و غیرها من الأفعال المحرمة التی عبر عنها فی قوله تعالی (1)بالفواحش،من الخبائث أیضا،إذن فلیس المراد من تحریم الخبائث فی الآیة إلا بیان الکبری الکلیة من تحریم ما فیه مفسدة،و أما تشخیص الصغری و بیان ان فی هذا مفسدة أو فی ذاک فخارج عن حدود الآیة،و إلا فیلزم التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة و هو لا یجوز کما نقح فی الأصول، و ان أبیت إلا عن اختصاصها بما یکون الطبع متنفرا عنه،فندفعه بعدم الملازمة بین تحریم الأکل و حرمة البیع،کما سبق فی بیع الأبوال و غیره،إلا إذا کان الأکل من المنافع الظاهرة

جواز بیع الدم نجسا کان أم طاهرا
اشارة

قوله:یحرم المعاوضة علی الدم بلا خلاف. أقول المشهور بین أصحابنا شهرة عظیمة حرمة بیع الدم النجس کما فی النهایة (2)و المراسم (3)و المبسوط (4)و فی التذکرة (5)

ص:53


1- 1) سورة الأعراف آیة 31: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ .
2- 2) المکاسب المحظورة.
3- 3) أول المکاسب.
4- 4) فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح
5- 5) ج 1 ص 3 من البیع.

یشترط فی المعقود علیه الطهارة الأصلیة و لو باع نجس العین لم یصح إجماعا.

و علی هذا المنهج ابن الهمام الحنفی فی شرح فتح القدیر (1)و عن المالکیة (2)لا یصح بیع النجس،و عن الحنابلة لا یصح بیع النجس کالدم،و عن الشافعیة لا یصح بیع کل نجس،و عن الحنفیة لا یصح بیع الدم،و فی أخبارهم[1]أیضا شهادة علی ذلک إذا عرفت ذلک فاعلم ان المصنف قد فصل بین الدم النجس فحکم بحرمة المعاوضة علیه للإجماع و الاخبار السابقة أی الروایات العامة،و بین الدم الطاهر فقد قوی جواز المعاوضة علیه إذا فرضت له منفعة محللة کالصبغ و نحوه،لکونه من الأعیان التی یجوز الانتفاع بها منفعة محللة.

(و فیه)انه بعد اشتراکهما فی حرمة الأکل،و جواز الانتفاع بهما منفعة محللة کالصبغ و التسمید و نحوهما،فلا وجه للتفکیک بینهما،و أما النجاسة فقد عرفت مرارا انه لا موضوعیة لها،فلا تکون فارقة بین الدم الطاهر و النجس،و أما الاخبار السابقة فمضافا الی ضعف سندها أنها شاملة لهما،فلو تمت لدلت علی حرمة بیعهما معا و إلا فلا،علی ان المستفاد من روایة تحف العقول هو تحریم مطلق منافع النجس،و حینئذ فإن وفقنا علی ظاهرها فلازمه الإفتاء بما لم یفت به أحد،و ان اقتصرنا علی خصوص تحریم البیع فلا دلیل علیه.

و أما الإجماع فهو لا یختص بالمقام،و إنما هو الذی ادعی قیامه علی حرمة مطلق بیع النجس،و مدرکه هی الوجوه المذکورة لحرمة بیعه من الروایات العامة و غیرها،و إلا فلیس هنا إجماع تعبدی لیکشف عن رأی المعصوم،إذن فلا دلیل علی حرمة بیع الدم سواء کان نجسا أم طاهرا لا وضعا و لا تکلیفا.

وهم و إزالة

و قد استدل علی حرمة بیع الدم مطلقا بمرفوعة أبی یحیی الواسطی[2]فإن فیها نهی

ص:54


1- 1) ج 5 ص 186.
2- 2) راجع ج 2 فقه المذاهب ص 231 و ص 232.

علی«ع»عن بیع سبعة منها الدم،فتدل علی ذلک وضعا و تکلیفا بعد ملاحظة انجبارها بالشهرة،بل بعدم الخلاف بین الأصحاب.

(و فیه)أولا انها ضعیفة السند،و غیر منجبرة بعمل المشهور صغری و کبری،و الوجه فی ذلک هو ما تقدم (1)و لا انها منجبرة بعدم الخلاف و إن ذکره المامقانی«ره»فإنه علی تقدیر عدم کونه حجة فضمها لغیر الحجة لا یفید اعتبارها فلا یجوز الاستدلال بها علی حرمة بیع الأمور المذکورة فیها.نعم إذا قلنا بشمول أدلة التسامح فی السنن للمکروهات لا بأس من الالتزام بکراهة بیعها.

(و ثانیا)ان الظاهر من الدم المذکور فی المرفوعة هو الدم النجس الذی تقذفه الذبیحة المسمی بالمسفوح لکثرته و مرسومیة أکله فی زمن الجاهلیة،دون الطاهر المتخلف فیها الذی یباع بتبع اللحوم کثیرا،فإنه من القلة بمکان لم یکن مورد الرغبة لأهل الجاهلیة لینجر ذلک الی أن یمر علی«ع»بالقصابین و ینهاهم عن بیعه،و لعله لذلک لم یذکر اللّه تعالی فی القرآن (2)إلا الدم المسفوح،إذن فالروایة لا تشمل الدم الطاهر فلا تدل علی حرمة بیعه مطلقا لکونها أخص من المدعی.

و لکن یمکن أن یقال ان تعارف أکل الدم النجس و غلبته فی الخارج لا یوجب اختصاص المنع المذکور فی الروایة،بل یعم الدم الطاهر أیضا،و یدل علی ذلک من الروایة ذکر الطحال فیها،فإن الإمام علیه السلام بین کونه من الدم،و فی روایة[1]

ص:55


1- 1) ص 6.
2- 2) سورة الانعام آیة 146أَوْ دَماً مَسْفُوحاً .

أخری لأنه دم إلا أنه مع ذلک لا نسلم دلالة المرفوعة علی أزید من حرمة بیعه للأکل فقط تکلیفا،أو وضعا أیضا،کما نبه علی ذلک العلامة الأنصاری«ره»و قال فالظاهر إرادة حرمة البیع للأکل و لا شک فی تحریمه لما سیجیء من أن قصد المنفعة المحرمة فی المبیع موجب لحرمة البیع بل بطلانه،و اما حرمة بیعه لغیر الأکل فلا دلالة علیه من الروایة لا وضعا و لا تکلیفا،و الشاهد لذلک انه لا ریب فی جواز بیع الأمور المذکورة فیها لغیر الأکل کإطعام الحیوان و نحوه.

تذکرة

ربما یتوهم ان بیع الدم لما کان اعانة علی الإثم فیکون محرما لذلک،و فیه مضافا الی ما سیأتی من عدم الدلیل علی حرمتها،ان النسبة بینها و بین بیع الدم هو العموم من وجه، فإنه قد یشتریه الإنسان لغیر الأکل کالصبغ و التسمید و نحوهما،فلا یلزم منه إعانة علی الإثم بوجه،و علی تقدیر کونه اعانة علی الإثم فالنهی إنما تعلق بعنوان خارج عن البیع فلا یدل علی الفساد.

تذکرة اخری

قد استدل العلامة المامقانی علی حرمة بیعه بما دل من الکتاب (1)و السنة (2)علی تحریم الدم بضمیمة قوله«ع»ان اللّه إذا حرم شیئا حرم ثمنه.

(و فیه)مضافا الی ما تقدم فی النبوی،ان المراد من تحریم الدم فی الکتاب و السنة إنما هو تحریم أکله و قد عرفت مرارا انه لا ملازمة بینه و بین حرمة الثمن.

فی حرمة بیع المنی

قوله:الرابعة لا إشکال فی حرمة بیع المنی. أقول قبل التعرض لبیان جهات المسألة و أحکامها لا بد و أن یعلم ان المنی إنما یطلق علی ما خرج من المخرج و أریق کما ذکره بعض

ص:56


1- 1) سورة البقرة آیة 169 إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ .و سورة المائدة آیة 5حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ .
2- 2) راجع ج 11 الوافی ص 20،و ج 3 ئل باب 30 ما یحرم من الذبیحة من الأطعمة المحرمة،و ج 2 کا ص 153،و ج 2 التهذیب ص 300.

أهل اللغة[1]فی وجه تسمیته،و هذا بخلاف عسیب الفحل فان له معان عدیدة،و الذی یناسب منها المقام أربعة،الطروقة،و ماء الفحل فی الأصلاب،و اجرة الضراب،و إعطاء الکراء علی الضراب،فإن أرید منه المعنیین الأخیرین فیکون ذلک بنفسه موردا للنهی فی الروایات الناهیة عنه،و ان أرید المعنیین الأولین فیکون الذی فی الحدیث بتقدیر المضاف، فالتقدیر فی نهی رسول اللّه،ص عن عسیب الفحل انه نهی عن بیعه أو عن کرائه،و قد نص علی ذلک کثیر من اللغویین[2]و لکن الغرض فی ما نحن فیه هو الکسب کما أشیر إلیه فی النبوی الآتی و لعل الوجه فی افراد المصنف و بعض آخر عسیب الفحل عن المنی هو الفرق المذکور بینهما.

ص:57

ثم ان تحقیق الکلام فی هذه المسألة یقع فی ثلاث جهات:الاولی فی بیع المنی إذا وقع فی خارج الرحم،و الثانیة فی بیعة بعد وقوعه فیه و یسمی بالملاقیح،و الثالثة فی بیع ماء الفحول فی أصلابها و یسمی بعسیب الفحل.

أما الجهة الأولی فحکم المصنف بحرمة بیعه لنجاسته،و عدم الانتفاع به إذا وقع فی خارج الرحم،و کذلک یحرم بیعه عند کل من یری النجاسة مانعة عن البیع،و منهم المالکیة و الحنابلة (1)غیر الشافعیة فإنهم و إن ذهبوا الی مانعیة النجاسة عن البیع إلا انهم یرون طهارة المنی فی بعض الصور[1]أما النجاسة فظهر ما فی مانعیتها عن البیع من المسائل المتقدمة،و اما عدم الانتفاع به فمانعیته عنه تتوقف علی أمرین:الأول إثبات حرمة الانتفاع به إذا وقع فی خارج الرحم،و الثانی اعتبار المالیة فی البیع،فبانتفاء أحدهما یثبت جواز بیعه،و حیث عرفت و ستعرف عدم اعتبار المالیة فیه فیحکم بجواز بیعه فی هذه الصورة،علی انه لو تم ذلک لمنع عن بیعه وضع فقط کما هو واضح.

و اما الجهة الثانیة ففی التذکرة (2)لا نعرف خلاف بین العلماء فی فساد بیع الملاقیح للجهالة و عدم القدرة علی التسلیم.

و لکن التحقیق أن یقال انه ان قلنا بتبعیة النماء للحیوان کما هو الحق فبمجرد وقوع المنی فی الرحم یصیر ملکا لمالک الحیوان بالتبعیة لکونه جزء منه،کما کان قبل ذلک جزء من الفحل و ملکا لمالکه بالتبع،و علی هذا فلا یجوز بیعه لا من صاحب الأنثی،و لا من غیره،و ان قلنا بعدم الجزئیة و التبعیة،بل بکونه کالبذر المغروس فی أرض الغیر، فالظاهر جواز بیعه مطلقا سواء کان من صاحب الأنثی أو من غیره حتی بناء علی اعتبار المالیة فی العوضین،لکونه ما لا فی هذه الصورة فتجوز المعاوضة علیه،و أما منع جواز بیعه حینئذ لنجاسته کما فی المتن فمن العجائب کیف فإنها منتفیة قطعا إذا خرج من الباطن الی الباطن،علی انها لو کانت مانعة لمنعت عن بیعه لأجل المنافع التی تتوقف علی عدمها لا مطلقا علی انک عرفت عدم مانعیتها عن البیع،و ستعرف اعتراف المصنف بذلک فی بیع المیتة فإنه قال

ص:58


1- 1) ج 3 فقه المذاهب ص 331 و ص 232.
2- 2) ج 1 ص 7 من البیع.

فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البیع لو لا الإجماع علی حرمة بیع المیتة.

و اما الجهالة و عدم القدرة علی التسلیم فلا تکونان مانعتین عن بیع الملاقیح،لأنها لا تختلف قیمتها باختلاف الکم و الکیف،و أن تسلیم کل شیء بحسب حاله و هو فی المنی وقوعه فی الرحم فهو حاصل علی الفرض،و بعبارة اخری ان الجهالة و عدم القدرة علی التسلیم إنما تمنعان عن البیع لأجل الغرر المنهی عنه فی البیع کما یأتی فی البیع الغرری،ففی بیع الملاقیح لیس غرر لا من ناحیة الجهالة و لا من ناحیة عدم القدرة علی التسلیم.

و لکن الذی یسهل الخطب ان السیرة القطعیة من العقلاء و المتشرعة قائمة علی تبعیة النتاج للأمهات فی الحیوانات،و قد أمضاها الشارع فلا یمکن التخطی عنها،کما ان الولد للفراش فی الإنسان بالنص و الإجماع القطعیین،و من هنا یعاملون مع نتاج الحیوانات معاملة الملک حتی مع العلم بأن اللقاح حصل من فحل شخص آخر،و إلا فکان اللازم علیهم اما رد النتاج الی صاحب الفحل ان کان معلوما أو المعاملة معه معاملة مجهول المالک ان کان المالک مجهولا و هذا شیء لا یتفوه به ذو مسکة،و اما دعوی الإجماع التعبدی علی البطلان فدعوی جزافیة بعد العلم و لا أقل من الاحتمال بکونه مستندا الی الوجوه المذکورة لبطلان بیع الملاقیح و قیاس ذلک بالبذر المغروس فی أرض الغیر باطل بعد قیام الدلیل علی الفرق.

و أما الجهة الثالثة فقد وقع الخلاف بین الفقهاء فی حرمة بیع عسیب الفحل،قال فی التذکرة بعد کلامه المتقدم فی الجهة الثانیة یحرم بیع عسیب الفحل و هو نطفته لانه غیر متقوم و لا معلوم و لا مقدور علیه و لا نعلم فیه خلافا.و قال فی الخلاف (1)اجارة الفحل للضراب مکروه و لیس بمحظور و عقد الإجارة علیه غیر فاسد،ثم ادعی الإجماع علی الکراهة.و فی المستند (2)حکم بکراهة أجرة الضراب و حمل علیها الاخبار الناهیة عنها للإجماع و هکذا وقع الخلاف فی ذلک بین العامة[1].

ص:59


1- 1) ج 1 ص 222.
2- 2) ج 2 ص 330.

ثم ان تحقیق هذه الجهة یقع فی مقامین:الأول من حیث القواعد و الثانی بحسب الروایات أما الأول فقد استدل علی بطلان المعاملة علی عسیب الفحل بالبیع أو بالإجارة بوجوه الأول بجهالته.و فیه انه لم یرد نص و لا انعقد إجماع علی اعتبار العلم بعوضی المعاملة لیلزم من جهالتهما بطلانها بل إنما نعتبر ذلک فیها من جهة الغرر المرتفع بالعلم بالطروقة و الاجتماع فان الغرض من المعاملة علی عسیب الفحل هو ذلک.

الثانی بعدم القدرة علی التسلیم بدعوی أن إحبال الحیوان غیر مقدور علیه فلا تصح الإجارة علیه لان ذلک لیس فی وسعه و الموجود فی أصلاب الفحول أیضا غیر مقدور علی تسلیمه فلا یصح بیعه.و فیه ان اعتبار ذلک فی المعاملة أیضا من جهة الغرر فحیث کان النظر فی ذلک الی الطروقة و الاجتماع فیرتفع الغرر عنها فان تسلیم کل شیء بحسبه کما عرفت فی الجهة الثانیة و الثالث بعدم کون ما فی أصلاب الفحول مالا لکونه ماء مهینا لا قیمة له فیکون العقد علیه باطلا،و فیه مضافا الی عدم اعتبار المالیة فی عوضی المعاملة.أن قوامها إنما هو باعتبار العقلاء و رغبتهم،فلا شبهة فی ترتب الغرض المهم علی ما فی أصلاب الفحول،علی انه لو تم شیء من تلک الوجوه لدل علی الحرمة الوضعیة دون التکلیفیة،و أما توهم مانعیة النجاسة عنها هنا لتکون دلیلا علی الحرمة التکلیفیة فما لا یصغی إلیه،فإنه مع تسلیم مانعیتها عن المعاملة فلا دلیل علی نجاسة ما فی الأصلاب.

و أما المقام الثانی فالروایات الواردة هنا علی طائفتین:الأولی[1]تدل علی حرمة بیع

ص:60

عسیب الدابة و إکرائها علی الضراب،و ان ثمن ذلک سحت،و یدل علیه بعض الروایات من طرق العامة أیضا[1].

الثانیة[2]تدل علی جواز إکراء التیوس و نفی البأس عن أخذ اجورها،فمقتضی الجمع بینهما هو حمل الطائفة الأولی المانعة علی الکراهة،و لا یمنع عن ذلک إطلاق السحت علی ثمن عسیب الفحل فی روایة الجعفریات،فإنک قد عرفت فی بیع العذرة إطلاقه علی الکراهة الاصطلاحیة فی مواضیع شتی.

لا یقال ان النبوی و روایة الجعفریات بنفسهما ظاهرتان فی الکراهة المصطلحة لاشتمالهما علی ما لیس بمحرم قطعا،فإنه ذکر المنع فی الجعفریات عن بیع جلود السباع و أجر القاری مع أنهما لیسا بمحرمین جزما،و فی النبوی نهی عن لبس ثیاب ینسج بالشام مع عدم ثبوت حرمته، علی أن النبوی کمرسلة الصدوق و دعائم الإسلام و المنقول من طرق العامة ضعیفة السند.

فإنه یقال إن ثبوت الترخیص فی بعض الأمور المذکورة فیهما بدلیل خارجی لا یوجب ثبوته فی غیره،کیف و قد ثبت فی الشرعیة المقدسة استحباب بعض الأغسال کغسل الجمعة

ص:61

و العیدین و غیرهما مع انها ذکرت فی جملة من الروایات[1]فی عداد الأغسال الواجبة کغسل الجنابة و المیت و مس المیت،نعم لم تثبت من تلک الروایات المانعة إلا وثاقة روایة الجعفریات علی ان النهی عن بیع عسیب الفحل فی النبوی لا یوجب حرمة المعاملة وضعا بل التکسب به حرام تکلیفا،و الشاهد علی ذلک ان فی الروایة نهی عما هو حرام بذاته مثل ثمن الکلب و ما هو حرام بالعرض مثل خاتم الذهب فإنه لیس بذاته من المحرمات بل لبسه و التختم به حرام ثم لا وجه لحمل الطائفة المانعة علی التقیة لما عرفت من کون المسألة محل الخلاف بین العامة أیضا

جواز الانتفاع بالمیتة و حرمة بیعها
اشارة

قوله:یحرم المعاوضة علی المیتة. أقول

تحریر هذه المسألة فی مقامین

و قد خلط المصنف بینهما،الأول فی جواز الانتفاع بالمیتة،و الثانی فی حرمة بیعها،و تقدیم الأول للبحث عنه أول من تقدیم الثانی و إن عکسه المصنف.

أما المقام الأول فی جواز الانتفاع بالمیتة

فإن مقتضی الأصل الأولی هو جواز الانتفاع بالمیتة إلا أن المشهور إنما هی حرمة الانتفاع بها ففی النهایة (1)بیع المیتة و التصرف فیها و التکسب بها حرام،و فی المراسم (2)التصرف فی المیتة ببیع و غیره حرام،و فی الجواهر لا یجوز الانتفاع بشیء من المیتة مما تحله الحیاة فضلا عن التکسب،و علیه فتاوی أکثر العامة[1].

ثم ان المهم هنا صرف عنان الکلام الی الروایات الخاصة الواردة فی ذلک و هی علی طائفتین الأولی تدل علی حرمة الانتفاع بالمیتة،و الثانیة علی جواز الانتفاع بها.

أما الطائفة الأولی فهی متظافرة،منها مکاتبة قاسم الصیقل[2]فإنه سأل الإمام«ع»

ص:62


1- 1) فی المکاسب المحظورة.
2- 2) فی أول المکاسب.

عن جواز جعل أغماد السیوف من جلود الحمر المیتة.فکتب«ع»فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس،فإن مفهومها یدل علی حرمة الانتفاع بجلود غیر الذکی،و فیه مضافا إلی ضعف سندها،أن مناط المنع فیها عن عمل أغماد السیوف من جلود الحمر المیتة،لیس إلا من جهة إصابتها الثوب الذی یصلی فیه السائل،و من هنا أمره الرضا(علیه السلام)بأن یتخذ ثوبا لصلاته، و أما أصل الانتفاع بها بعمل الاغماد منها فهو مسکوت عنه فیبقی تحت أصالة الإباحة،بل یمکن أن یقال أن الروایة تدل علی جواز الانتفاع بالمیتة،و ذلک لأن السؤال فیها إنما وقع عن أمرین:أحدهما عمل الأغماد من جلود الحمر المیتة،و الثانی اصابتها الثوب فجوابه(علیه السلام) عن الثانی دون الأول لیس إلا تقریرا لجواز الانتفاع بالمیتة،و إلا فکان سکوته عنه مع کونه فی مقام البیان مخلا بالمقصود،و من هنا یعلم الوجه فی قول أبی جعفر الثانی(علیه السلام)(فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس)إذن فلا بد من جعلها من جملة ما یدل علی جواز الانتفاع بها دون العکس.

و منها روایة الوشاء[1]فإنه(علیه السلام)قد منع فیها عن استصباح الالیات المبانة من الغنم الحی فإنه یستلزم اصابتها الید و الثواب و هو حرام.

(و فیه)انه لما لم یکن اصابة الید و الثوب للمیتة،و سائر النجاسات،بل تلویث تمام البدن فهما،حراما قطعا،فلا بد إما من أخذ التحریم فی قوله ع(و هو حرام)إرشادا إلی النجاسة کما فی الحدائق،أو إلی المانعیة عن الصلاة،أو إلی صورة المعاملة معها معاملة المذکی بل عدم تعرضه ع لحکم الانتفاع بها بالاستصباح المسئول عنه،و تصدیه لبیان نجاستها أو مانعیتها عن الصلاة أدل دلیل علی جواز الانتفاع بها دون العکس،سلمنا ذلک و لکن

ص:63

لا بد من الاقتصار فیها علی موردها أعنی صورة اصابتها الید و الثوب،إلا أن یتمسک فی غیر موردها بعدم القول بالفصل.نعم و فی دلالة الروایات المرویة عن الکاهلی[1]و علی بن المغیرة[2]و الجرجانی[3]و سماعة[4]و غیرها[5]علی حرمة الانتفاع بالمیتة غنی و کفایة، و قد ذکر ذلک فی أحادیث أهل السنة[6]أیضا.

ص:64

و أما الطائفة الثانیة فهی أیضا کثیرة مستفیضة منها روایتی الصیقل و الوشاء المتقدمتین و منها روایة أبی القاسم الصیقل و ولده[1]و قد ظهر وجه الاستدلال بها من روایة الصیقل المتقدمة،علی أن إصرار السائل فی هذه الروایة علی الجواب بقوله(و نحن محتاجون الی جوابک فی هذه المسألة یا سیدنا لضرورتنا إلیها)أدل دلیل علی جواز الانتفاع بالمیتة،فإن سکوته(علیه السلام)عن حکم المسألة مع إصرار السائل علی الجواب تقریر علی ذلک بلا ارتیاب.

و منها روایة البزنطی[2]التی تدل علی جواز الاستصباح بما قطع من ألیات الغنم.

و منها[3]ما عن علی بن الحسین(علیه السلام)فإنه کان یلبس الفرو المجلوب من العراق و ینزعه وقت الصلاة،ففعله هذا یدل علی جواز الانتفاع بالمیتة إلا فیما یکون مشروطا بالطهارة، و الوجه فی کون ذلک الفرو العراقی من جلود المیتة هو نزعه فی الصلاة،إلا أن یقال ان

ص:65

لبسه سلام اللّه علیه إنما کان فی مورد الأخذ من ید المسلم و معه یحکم بالتذکیة و عدم کون الجلد من المیتة،إذن فلان مانع من الصلاة فیه فضلا عن لبسه فی غیرها،فلا مناص من حمل فعله علیه السلام علی الاحتیاط من جهة عدم اقتران صلاته التی هی معراج المؤمن بلبس المیتة الواقعیة،و علیه فلا تبقی للروایة دلالة علی جواز الانتفاع بالمیتة فی نفسها،إلا أن یقال ان الاحتیاط إنما یجری فی حق من کان جاهلا بالأحکام الواقعیة و الموضوعات الخارجیة و أما العالمین بالواقعیات بل بحقائق الأشیاء،و الأمور الکائنة و العوالم الکونیة،فلا یجری الاحتیاط فی حقهم کالأئمة المعصومین علیهم السلام.

علی ان العمل بالاحتیاط یقتضی أن لا یلبسه فی غیر حال الصلاة أیضا.فإن الانتفاع بالمیتة لو کان حراما فإنما هو حرام واقعی تکلیفی فلا یختص بحال الصلاة فقط،نعم ان ما یختص بالصلاة هی الحرمة الوضعیة و أنها تبطل إذا وقعت فی المیتة،إلا أن یتوهم أن عمدة غرضه«ع»من ذلک الاحتیاط هو انخفاظ صلاته عن احتمال البطلان،و اما الاحتیاط فی غیر حال الصلاة فلیس بمحط لنظره«ع»و لکنه مما لا یمکن التفوه به فی حق الملتزم بالشرع من غیر المعصومین فکیف ممن کان معدن العصمة،إلا أن الذی یسهل الخطب أن الروایة ضعیفة السند فلا تکون قابلة للبحث عن دلالتها علی المطلوب و عدمها.

و منها روایة سماعة[1]فإنها تدل علی جواز الانتفاع بالکیمخت و هو جلد المیتة إذا کان مملوحا.

إذا عرفت هاتین الطائفتین المانعة عن جواز الانتفاع بالمیتة و المجوزة له فتعرف وقوع المعارضة بینهما،و بما ان هذه الروایات المجوزة لذلک صریحة فی جواز الانتفاع بها فی غیر ما اشترطت فیه التذکیة،فنرفع الید بها عن ظهور تلک الروایات المانعة،فتقید بغیر ذلک و بصورة الانتفاع بها مثل المذکی،أو تحمل الطائفة المانعة علی الکراهة کما هو مقتضی الجمع العرفی بین الدلیلین المتنافیین،و یدل علی الوجه الأول من الطائفة المرخصة خبر أبی القاسم الصیقل،فان فیه قرر الامام«ع»جواز الانتفاع بجلود المیتة فی غیر الصلاة حیث أمر السائل باتخاذ الثوب لصلاته،و أما دعوی اختصاص موارد الطائفة المجوزة بالجلود و الالیات فهی دعوی جزافیة لعدم القول بالفصل فی أجزاء المیتة قطعا.

(تلویح)قد توهم بعضهم حملها علی التقیة لتخیل ذهاب العامة إلی جواز الانتفاع بها.

ص:66

و فیه انک عرفت فی أول المسألة تصریح بعضهم بذهاب أکثرهم إلی حرمة الانتفاع بالمیتة.

حتی بجلودها قبل الدبغ،و قد ورد ذلک فی أخبارهم أیضا کما عرفت عند التعرض للطائفة المانعة،و من هنا منعوا عن بیع المیتة و جلودها قبل الدبغ و أیضا عللوا (1)حرمة بیع المیتة بانعدام رکن البیع فیه الذی هو مبادلة مال بمال بدعوی أنها لا تعد ما لا عند من له دین سماوی فلو کان الانتفاع بها جائزا عندهم لما تفوهوا بذلک التعلیل العلیل لدوران مالیة الأشیاء وجودا و عدما مدار جواز الانتفاع بها و حرمته.

(تلویح آخر)قال المحقق الایروانی«ره»و أحسن جمع بینها و بین الطائفة المانعة عن الانتفاع حمل المانعة علی صورة التلویث.

و فیه أنک قد عرفت عند التکلم فی روایة الوشاء أن تلویث الید بل تلویث جمیع البدن بالنجاسات لیس من المحرمات،إذن فلا وجه لحمل الطائفة المانعة علی صورة التلویث،و أما ما تخلیة بعضهم من تخصیص المجوزة بالأجزاء التی لا تحلها الحیاة کالصوف و القرن و الانفحة و الناب و الحافر و غیرها من کل شیء یفصل من الشاة و الدابة فهو ذکی،و حمل المانعة علی غیرها،فهو تخیل فاسد و ذلک لأن صدق المیتة علیها ممنوع جدا،علی أن هذا الجمع منافع لصراحة ما یدل علی جواز الانتفاع بها کما عرفت.

المقام الثانی حرمة بیع المیتة

و أما المقام الثانی فالمشهور بل المجمع علیه بین الخاصة و العامة هی حرمة بیع المیتة وضعا و تکلیفا قال فی المستند (2)حرمة بیعها و شرائها و التکسب بها إجماعی و کذلک فی التذکرة (3)بل فی رهن الخلاف (4)أنها لا تملک،و قد تقدم فی المقام الأول تحریم بیعها،من النهایة، و المراسم،و الجواهر.و شرح فتح القدیر،و سبل السلام،و فی الفقه علی المذاهب (5)المالکیة قالوا:لا یصح بیع النجس کعظم المیتة و جلدها و لو دبغ لانه لا یطهر بالدبغ.و الحنابلة قالوا:لا یصح بیع المیتة و لا بیع شیء منها،و کذلک عند الشافعیة،و الحنفیة.

و الذی استدل أو یمکن الاستدلال به علی هذا الرأی وجوه،الأول قیام الإجماع علی ذلک کما سمعته عن بعضهم،و فیه لو سلمنا قیام الإجماع المحصل فی المقام أو حجیة المنقول منه فلا نسلم کونه تعبدیا محضا و کاشفا عن رأی الحجة«ع»أو عن دلیل معتبر،للاحتمال بل الاطمئنان بأن مدرک المجمعین هو الوجوه المذکورة لعدم جواز بیعها و بیع کل نجس

ص:67


1- 1) راجع ج 5 شرح فتح القدیر ص 186.
2- 2) ج 2 ص 333.
3- 3) ج 1 ص 3 من البیع.
4- 4) ج 1 ص 233.
5- 5) ج 2 ص 231.

کما عرفت فی المسائل المتقدمة.

الثانی دعوی حرمة الانتفاع بها فإنها تستلزم سلب المالیة عنها المعتبرة فی العوضین بالإجماع إذن فتدخل المعاملة علیها تحت عموم النهی عن أکل المال بالباطل،و فیه انه بعد ما أثبتنا فی المقام الأول جواز الانتفاع بها،و عرفت فی بیع الأبوال و ستعرف فی أول البیع عدم اعتبار المالیة فی العوضین،و کفایة الأغراض الشخصیة العقلائیة فی صدق المالیة علی تقدیر اعتبارها لکون تلک الأغراض موجبة لخروج المعاملة من السفهائیة،مع عدم الدلیل علی بطلانها،فلا وجه لهذا التوهم،و أما عموم آیة النهی عن أکل المال بالباطل فغیر شامل لشرائط العوضین لکونها ناظرة إلی بیان أسباب التجارة کما تقدم فی بیع الأبوال.

الثالث انه قامت الضرورة من المسلمین علی نجاسة میتة ماله نفس سائلة،و بیع النجس محظور،و فیه أنها و إن ذکرت فی روایة تحف العقول،و لکن مضافا الی ما تقدم فیها من الوهن،أنها لا تدل إلا علی حرمة بیع المیتة النجسة و المدعی أعم من ذلک،و قد اعترف المصنف هنا بعدم مانعیة النجاسة عن البیع علی خلاف ما تکرر منه سابقا من جعلها مانعة عنه و قال(فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البیع لو لا الإجماع علی حرمة بیع المیتة).

الرابع الروایات العامة المتقدمة،و فیه أنها و إن کانت تدل علی حرمة بیعها،و لکنها لمکان ضعف أسانیدها لا تفی بالمقصود کما عرفت.

الخامس الروایات الخاصة الواردة فی المسألة منها روایة البزنطی المذکورة فی المقام الأول فإن الإمام«ع»و ان رخص فیها الانتفاع بالمیتة،و لکنه«ع»منع فیها أیضا عن بیعها بقوله(و لا یبیعها).

و منها روایات السکونی[1]و الصدوق[2]و الجعفریات[3]فان جمیعها تدل علی أن ثمن المیتة من السحت فیکون بیعها فاسدا.

ص:68

و منها روایة علی بن جعفر[1]حیث سأل أخاه«ع»عن بیع جلود میتة الماشیة و لبسها و(قال«ع»لا و لو لبسها فلا یصل فیها)فان الظاهر ان المنع فیها راجع الی البیع و اللبس، و لکنه«ع»بین المانعیة عن الصلاة زائدا علی المنع فی نفسه،و قد ورد النهی عن بیع المیتة فی بعض روایات العامة[2]أیضا.

و فیه ان هذه الروایات و إن کانت ظاهرة فی المنع عن بیعها،و لکنها معارضة مع ما هو صریح فی الجواز کمکاتبة الصیقل المتقدمة فإن فیها قرر الامام أسئلتهم عن جواز بیع المیتة من جلود الحمیر و البغال و شرائها و مسها فلو لا جوازها لکان تقریره«ع»لتلک الأسئلة و سکوته عن بیان حکمها إغراء بالجهل و تأخیرا للبیان عن وقت الحاجة،و بضمیمة عدم القول بالفصل بین مورد المکاتبة و غیره یتم المطلوب،و یؤید ذلک فعل علی بن الحسین«ع» حیث کان یبعث الی العراق و یجلب الفرو منهم فان الظاهر انه«ع»کان یأخذ ذلک منهم بالشراء،إلا أن یقال ان مقتضی السوق و ید المسلم هی التذکیة،و کیف کان فلا بد فی رفع المعارضة بینهما إما من طرح المانعة لموافقتها مع العامة لاتفاقهم علی بطلان بیع المیتة کما عرفت فی أول المسألة،و إما من حملها علی الکراهة برفع الید عن ظهورها بما هو صریح فی الجواز أو علی صورة البیع لیعامل معها معاملة المذکی إذا بیعت بغیر إعلام،و إن أبیت عن هذه المحامل کلها فلا بد من الحکم إما بالتخییر فنختار ما یدل علی الجواز،و اما بالتساقط فیرجع الی العمومات و الإطلاقات و یحکم بصحة بیعها.

(لا یقال)أن تقریر الامام«ع»أسئلتهم عن الأمور المذکورة و إن کان لا ینکر إلا أنه لأجل اضطرارهم الی جعل أغماد السیوف من جلود المیتة من الحمیر و البغال مع عدم وجود معیشة لهم من غیر ذلک العمل کما یصرح بذلک ما فی سؤالهم(لا یجوز فی أعمالنا غیرها)و لا ریب أن الضرورات تبیح المحظورات،إذن فلا دلالة فی المکاتبة علی جواز بیعها فی غیر حال الاضطرار.

ص:69

(فإنه یقال)لا منشأ لهذا الکلام إلا توهم إرجاع ضمیر غیرها فی قول السائل(لا تجوز فی أعمالنا غیرها)الی جلود المیتة و لکنه فاسد،إذ لا خصوصیة لها حتی لا یمکن جعل الأغماد من غیرها،بل مرجع الضمیر إنما هی جلود الحمیر و البغال سواء کانت من المیتة أم من الذکی و یدل علی ذلک قوله«ع»فی روایة القاسم الصیقل(فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس) إذ لو کانت لجلود الحمر المیتة خصوصیة فی جعل الأغماد منها لکان هذا الجواب لغوا.

نقد و دفع

قد أشکل المصنف علی الروایة بوجهین:

الأول أن الجواب لا ظهور فیه فی الجواز إلا من حیث التقریر الغیر الظاهر فی الرضا خصوصا فی المکاتبات المحتملة للتقیة.و فیه أولا أن التقیة فی المکاتبات و إن کانت کثیرة لکونها معرضا لها من جهة البقاء،و لکنها فی خصوص هذه الروایة غیر محتملة لورودها علی غیر جهة التقیة لذهاب أهل السنة بأجمعهم إلی بطلان البیع المیتة کما عرفت،و أعجب من ذلک تشکیکه فی کاشفیة التقریر عن الرضا و فی کونه من الحجج الشرعیة،مع أنه کسائر الامارات مشمول لأدلة الحجیة.

و ثانیا ان فعلیة التقیة إنما هی بفعلیة موضوعها،و أما مجرد الاحتمال فغیر قابل لأن یکون موضوعا لها و سببا لرفع الید عن الأدلة الشرعیة،نعم إذا صارت فعلیة وجب رفع الید عما یخالفها مکاتبة کان أم غیرها.

الثانی ان مورد السؤال فیها عمل السیوف و بیعها و شرائها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا فی ضمن السیف علی أن یکون جزء من الثمن فی مقابل عین الجلد فغایة ما یدل علیه جواز الانتفاع بجلد المیتة بجعله غمدا للسیف و هو لا ینافی عدم جواز معاوضته بالمال،و قد تبعه بعض و قال لکن مع احتمال کون المبیع هو السیف و الغلاف تابع له بنحو الشرط.

و فیه ان هذا من الغرائب،فإن منشأ ذلک حسبان أن الضمائر فی قول السائل(فیحل لنا عملها و شرائها و بیعها و مسها بأیدینا)إلی السیوف.و لکنه فاسد فإنه لا وجه لأن یشتری السیاف سیوفا من غیره،کما لا وجه لسؤاله عن مسها و إصراره بالجواب عن کلما سأله،بل هذه الضمائر إنما ترجع الی جلود الحمر و البغال میتة کانت أم غیرها،کما یظهر ذلک لمن یلاحظ الروایة،مع أن من المستبعد جدا بل من المستحیل عادة أن یجدوا جلود المیتة من الحمیر و البغال بمقدار یکون وافیا بشغلهم بلا شرائها من الغیر،علی أن مقتضی ذلک هی حرمة بیع الغلاف مستقلا مع انه فاسد إذ ربما تکون قیمة الغلاف أکثر من السیف فکیف یحکم بالتبعیة

ص:70

دائما،نعم تبعیة مثل الجل و المسامیر للفرس و الجدران فی بیع الفرس و الدار من الوضوح بمکان و ربما ترمی الروایة بالتقیة لذهاب العامة إلی جواز بیع جلود المیتة بعد الدبغ لطهارتها به[1]و أما قبل الدبغ فلا تصلح للاغماد،و فیه أولا ان أمره«ع»بأن یجعلوا ثوبا لصلاتهم علی خلاف التقیة،و ثانیا لو کانت الروایة موردا للتقیة لکان الألیق أن یجاب بحرمة البیع و الشراء و یدفع محذور التقیة عند الابتلاء بها بإرادة حرمة بیعها قبل الدبغ،فان فیه بیان الحکم الواقعی مع ملاحظة التقیة،و ثالثا ان الروایة خالیة عن کون البیع أو الشراء بعد الدبغ لتحمل علیها،و مجرد عدم صلاحیة الجلود للغلاف قبل الدبغ لا یوجب تقییدها لإمکان دبغها عند جعلها غمدا،إذن فالروایة أیضا علی خلاف التقیة،و أما توهم أن الأخبار المانعة تشتمل علی کلمة السحت التی تأبی عن حملها علی الکراهة فهو توهم فاسد لما مر فی بیع العذرة من أن إطلاق السحت علی المکروه فی الروایات و اللغة کثیر جدا.

هذا کله مع قصر النظر علی المکاتبة،و لکنها ضعیفة السند فلا تقاوم الروایات المانعة لأن فیها روایة الجعفریات و هی موثقة،إذن فلا مناص من الحکم بحرمة بیع المیتة و أجزائها التی تحلها الحیاة،إلا أن یتمسک فی تجویز بیعها بحسنة الحلبی و صحیحة الواردتین فی بیع المیتة المختلطة بالمذکی ممن یستحلها،فإنهما بعد إلغاء خصوصیتی الاختلاط و المستحل تدلان علی جواز بیعها مطلقا،إلا أن الجزم بذلک مشکل جدا فلا مناص من اختصاص جواز البیع بالمستحل کما سیأتی.

فرعان
الأول حکم بیع المذکی المختلط بالمیتة

قوله:انه کما لا یجوز بیع المیتة منفردة کذلک لا یجوز بیعها منضمة إلی المذکی. أقول تارة تمتاز المیتة من المذکی و اخری لا تمتاز،أما الصورة الاولی فلا إشکال فی جواز البیع و صحته بالنسبة الی غیر المیتة،سواء کانت ممتازة عند المتبایعین أم عند المشتری فقط لعدم ترتب الأثر علی علم البائع و جهله،و أما بالنسبة إلی المیتة فیجری فیها جمیع ما تقدم فی بیعها منفردة لأن انضمام المیتة إلی المذکی لا بغیر حکمها،نعم بناء علی حرمة بیعها یکون المقام من مصادیق بیع ما یجوز و ما لا یجوز فیسقط الثمن بالنسبة إلیهما و یحکم بالصحة فیما یجوز و بالفساد

ص:71

فیما لا یجوز،و لا خیار للمشتری بالنسبة الی ما یجوز لأجل تبعض الصفقة لعلمه بالحال کما هو المفروض.

و أما الصورة الثانیة فهی محل الکلام و مورد النقض و الإبرام،و تحقیقها فی مقامین:

الأول من حیث القواعد العامة.و الثانی من حیث الروایات الخاصة الواردة فی خصوص ذلک.

أما المقام الأول فإن کان المدرک فی حرمة بیع المیتة منفردة هی النصوص و الإجماعات فلا شبهة فی أنهما لا تشملان صورة الاختلاط لانه لا یصدق بیع المیتة علی ذلک مع قصد المذکی حتی مع تسلیمها إلی المشتری لکونه مقدمة لا قباض المبیع،و علی هذا فلا وجه لما ذهب الیه المصنف من المنع علی الإطلاق بناء علی وجوب الاجتناب عن کلا المشتبهین،نعم لا یجوز أن ینتفع بهما فیما کان مشروطا بالطهارة و التذکیة و إن کان المدارک فی المنع هی حرمة الانتفاع بالمیتة لکونها فی نظر الشارع مسلوب المالیة نظیر الخمر و الخنزیر و قلنا بتنجیز العلم الإجمالی،فغایة ما یترتب علیه هو عدم جواز بیعهما من شخص واحد للعلم الإجمالی بوجود ما لا یجوز الانتفاع به فیهما فان العلم الإجمالی یوجب وجوب الاجتناب عن کلا المشتبهین، إذن فیجری هنا ما جری فی المیتة المعلومة تفصیلا من الأحکام التکلیفیة و الوضعیة،و أما بیعهما من شخصین فلا بأس فیه لأن حرمة الانتفاع لم تثبت إلا علی المیتة المعلومة أما إجمالا أو تفصیلا علی سبیل منع الخلو و إذا انتفی أحد العامین انتفت حرمة الانتفاع أیضا فلم یبق فی البین إلا الاحتمال فیندفع بالأصل،فإن هذا نظیر انعدام أحد المشتبهین أو خروجه عن محل الابتلاء الموجب لسقوط العلم الإجمالی عن التأثیر.

قوله:فأکل المال بإزائه أکل المال بالباطل. أقول قد عرفت ما فیه فی بیع الأبوال قوله:و جوز بعضهم البیع بقصد بیع المذکی. أقول قد عرفت أن هذا هو الصحیح بناء علی أن المانع عن بیع المیتة هو الإجماع أو النص،فیبیعهما بقصد المذکی ثم یسلمهما إلی المشتری فینتفع بهما فی غیر ما یشترط فیه التذکیة،نعم لو کان المانع هی حرمة الانتفاع فیجری فیه ما ذکرناه.

قوله:و جواز ارتکاب أحدهما. أقول لا دخل للقول بجواز ارتکاب أحدهما فی جواز البیع بقصد المذکی،فإنه بناء علی هذا المنهج یجوز بیع أحدهما معینا أیضا لو کان المانع عن البیع عدم جواز انتفاع المشتری إذ المفروض حینئذ جواز انتفاع کل شخص بما یشتریه، نعم بناء علی کون المانع من بیع المیتة هو النص أو الإجماع لا یصح البیع إلا بقصد المذکی کما عرفت.

ص:72

قوله:لکن لا ینبغی القول به فی المقام. أقول قد منع المصنف عن جواز بیع أحد المختلطین حتی مع القول بأنه یجوز ارتکاب أحد المشتبهین و عدم تنجیز العلم الإجمالی،و ذلک لأصالة عدم التذکیة الجاریة فی اللحوم،فإنها أصل موضوعی حاکم علی سائر الأصول من أصالتی الحل و الطهارة،و فیه ان أصالة عدم التذکیة لا تثبت المیتة التی هی أمر وجودی إلا علی القول بالأصول المثبتة،لا یقال ان المیتة عبارة عما لم تلحقه الذکاة کما فی القاموس،إذن فلا شبهة فی ثبوتها بالأصل بلا أن یلزم منه المحذور و المذکور،فإنه یقال ان الأصل المذکور و إن کان متکفلا لإثبات ذلک العنوان إلا أنه أمر یغایر المیتة و یلازمها و لیس متحدا معها،لأنها فی عرف الشرع و اللغة[1]إما عبارة عما مات حتف أنفه،و إما عبارة عما فارقته الروح بغیر ذکاة شرعیة و علی هیئة غیر مشروعة إما فی الفاعل أو فی المفعول،فلا یثبت شیء منهما بأصالة عدم التذکیة إلا علی القول بحجیة الأصل المثبت فالمحذور فی محله،و أما ما فی القاموس فأمر لم تثبت صحته،و کذلک ما عن أبی عمرو من أنها ما لم تدرک تذکیته.

و أما المقام الثانی فالروایات الواردة هنا علی طائفتین أما الطائفة الأولی[2]فتدل علی حرمة بیع المذکی المختلط بالمیتة،و حرمة الانتفاع بهما،بل یرمی بهما الی الکلاب.و فیه أولا ان الرمی بهما الی الکلاب کنایة عن حرمة الانتفاع بهما علی نحو الانتفاع بالمذکی،کما حملنا علی ذلک قوله«ع»فی روایة الوشاء المتقدمة(أما علمت أنه یصیب الید و الثوب و هو حرام)و إلا فلا مناص من الالتزام بالوجوب النفسی للرمی،و هو بدیهی البطلان،إذ عمدة ما یکون محط النظر و مورد الرغبة من المیتة هو جلدها و لیس هذا مما تأکله الکلاب،و هذا نظیر ما سیأتی فی بیع الدراهم المغشوشة من أمره«ع»بکسر درهم من طبقتین طبقة من نحاس و طبقة من فضة فإن المراد بذلک لیس إلا إعدام الهیئة الدرهمیة لئلا یعامل علیها معاملة الدراهم الرائجة و إلا فکسر الدرهم المغشوش لیس من الواجبات النفسیة کالصوم و الصلاة،و من هذا القبیل

ص:73

أیضا أمره«ع»بإراقة الإنائین المشتبهین،و بإراقة المرق المتنجس کما سیأتی فی الانتفاع بالمتنجس و ثانیا ان حرمة الانتفاع بهما بحسب أنفسهما لا ینافی جواز بیعهما ممن هو فی حکم الکلب أو أضل سبیلا،و یؤیده ما ورد فی بعض الروایات[1]من إطعام المرق المتنجس أهل الذمة أو الکلاب فإنه«ع»قد جعل سبیلهما واحدا،و أما غیر الذمی فهو مثله بل أولی.

و ثالثا لو أغمضنا عن جمیع ما ذکرناه فغایة ما یستفاد من الروایة لیس إلا حرمة الانتفاع بکلا المختلطین لوجود المیتة فیهما فتکون مما تدل علی حرمة الانتفاع بهما و قد تقدم الکلام فی ذلک و أما الطائفة الثانیة[2]فهی تدل علی جواز بیع المذکی المختلط بالمیتة ممن یستحلها،و بهما ترفع الید عن ظاهر روایة الجعفریات لو سلم لها ظهور فی حرمة البیع علی الإطلاق،بل یمکن أن یقال ان تخصیص الحکم بالمستحل لیس إلا لعدم رغبة غیره إلیهما فیکونان مسلوبی المالیة خصوصا إذا لم یکن المراد بالمستحل إلا مستحل الأکل فقط کما هو الظاهر دون مستحل البیع و ان کان یحرم أکله،و اما إذا وجد من یرغب إلیهما و ینتفع بهما فی غیر ما اعتبرت فیه التذکیة و الطهارة کمن یشتریهما لینتفع بهما فی مثل التسمید أو سد الساقیة،أو یصرفهما فی أکل السابع و الطیور،أو کان المشتری ممن لا یبالی بأکل المیتة کفساق المسلمین،فیجوز بیعهما من غیر المستحل أیضا،إلا أن الجزم بذلک مشکل جدا فلا مناص من تخصیص جواز البیع بالمستحل،نعم لا یبعد القول بجواز بیع المیتة منفردة و مع التمیز من المستحل أیضا،ضرورة أن الاختلاط و الاشتباه لا دخل له فی الجواز،و علیه فیخصص بهاتین الروایتین ما دل علی حرمة بیع المیتة علی الإطلاق.

ص:74

قوله:و عن العلامة (1)حمل الخبرین علی جواز استنقاذ مال المستحل للمیتة بذلک برضاه. أقول یرد علیه أولا ان النسبة بین الکافر المستحل و بین ما یجوز استنقاذ ماله عموم من وجه،فإنه قد یکون المستحل ممن لا یجوز استنقاذ ماله إلا بالأسباب الشرعیة کالذمی، و قد یکون غیر المستحل ممن یجوز استنقاذ ماله.

و ثانیا انه لم یکن فی مکان صدور تلک الأخبار و زمانه کافر حربی یجوز استنقاذ ماله فإنها إنما صدرت من الصادق«ع»فی الکوفة فکانت هی و نواحیها فی ذلک الوقت خالیة عن الحربیین لدخول غیر المسلمین فیها بأجمعهم تحت الذمة و الأمان.

قوله:و یمکن حملهما علی صورة قصد البائع المسلم أجزائها التی لا تحلها الحیاة. أقول الظاهر أن هذا الرأی إنما نشأ من عدم ملاحظة الروایتین،فإنه مضافا الی إطلاقهما و عدم وجود ما یصلح لتقییدهما،إن الحسنة إنما اشتملت علی اختلاط المذکی بالمیتة من الغنم و البقر فبدیهی انه لیس فی البقر من الأجزاء التی لا تحلها الحیاة شیء لیمکن الانتفاع به حتی یتوهم حمل الروایتین علی ذلک. قوله:و الروایة شاذة. أقول لا یضر شذوذها بحجیتها بعد فرض صحتها و الإجماع المحصل علی حرمة التصرف فی المیتة غیر ثابت،و المنقول منه مع تصریح جماعة من الفقهاء بالجواز غیر حجة،و أما دعوی معارضتها بما دل علی المنع فقد عرفت الحال فیها.

قوله:یرجع الی عموم ما دل علی المنع عن الانتفاع بالمیتة. أقول قد تقدم حمل الروایات المانعة علی صورة الانتفاع بها کالمذکی بقرینة الروایات المجوزة أو علی الکراهة.

إزاحة وهم

ربما یتخیل الغافل انه بناء علی تکلیف الکفار بالفروع کتکلیفهم بالأصول کما هو الحق و المشهور یکون بیع المذکی المختلط بالمیتة اعانة علی الإثم فهی محرمة،و فیه مضافا الی منع کون المقام من صغریات الإعانة علی الإثم،و منع قیام الدلیل علی حرمتها لو کان منها و إنما هو کبیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یعلم انه یجعلها خمرا الذی لا شبهة فی جوازه کما سیأتی انه لا ریب فی جواز مثل هذا النحو من الإعانة علی الإثم،و إلا فلم یجز سقی الکافر أیضا لتنجس الماء بمجرد مباشرته إیاه ببشرته فیحرم علیه شربه فیکون سقیه إعانة علیه،مع أنه لم یقل أحد بحرمته من جهة الإعانة علی الإثم،کیف و قد ورد (2)جواز إبراد الکبد

ص:75


1- 1) فی ج 4 المختلف ص 131.
2- 2) ضریس عن أبی جعفر«ع»قال ان اللّه یجب إبراد الکبد الحری،و من سقی کبدا حری من بهیمة أو غیرها أظله اللّه یوم لا ظل إلا ظله.موثقة.فی القاموس مادة حر الحران العطشان و الأنثی الحری مثل عطشی،مسمع عن أبی عبد اللّه«ع»أفضل الصدقة إبراد کبد حری.ضعیفة لعبد اللّه.و فی روایة أخری أمر«ع»بسقی نصرانی من قبیلة الفراسین عند ضعفه من العطش.راجع ج 1 کا باب 41 سقی الماء من الزکاة ص 178 إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه ان علیا«ع»کان یقول و لا تصدقوا بشیء من نسککم إلا علی المسلمین و تصدقوا بما سواه غیر الزکاة علی أهل الذمة.موثقة.راجع ج 2 ئل باب 20 استحباب الصدقة من أبواب الصدقات.

الحری،و جواز تصدق غیر النسک و الزکاة علی أهل الذمة،و جواز سقی النصرانی، و أیضا مقتضی ذلک التوهم تحریم بیع المأکولات و المشروبات من الکفار،و لا یلزم من تکلیف الکفار بالاجتناب عن المأکولات و المشروبات لتنجسها بالمباشرة تکلیف بما لا یطاق فان الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار.خلاف بداهة عن أول الشهیدین فی الدروس احتمال الرجوع فی المقام الی ما ورد[1]فی اللحم الغیر المعلوم کونه ذکیا أو میتا،من أنه یطرح علی النار فکلما انقبض فهو ذکی و کلما انبسط فهو میت.

و فیه مضافا الی ضعف السند فیه،ان ذلک علی خلاف البداهة من الوجدان،فان من المقطوع انه لا تأثیر لانقباض اللحم و لا لانبساطه إذا طرح علی النار فی وقوع الذکاة علیه و عدم وقوعها،إذن فرد علمه إلی أهله طریق الاحتیاط و سبیل النجاة،و ان ادعی الشهید(ره)قیام الشهرة القریبة من الإجماع علی العمل به فی مورده.

الثانی جواز بیع میتة ما لیس له دم سائل

قوله:الثانی ان المیتة من غیر ذی النفس السائلة یجوز المعاوضة علیها. أقول المشهور بین الأصحاب شهرة عظیمة بل الإجماع علی جواز المعاوضة علی میتة غیر ذی النفس السائلة

ص:76

و قد ذهب الی ذلک أکثر العامة و ان کان قد یظهر من بعضهم الآخر خلافه[1]و ما ذهب الیه المشهور هو الوجیه،فإن المقتضی لجواز بیعها أعنی الانتفاع بها بالمنافع المحللة موجود خصوصا فی بعض أقسامها کالسمک فان دهنه من المنافع المهمة المقصودة للعقلاء،و المانع عنه مفقود لعدم ما یصلح للمانعیة عن المعاوضة علی المیتة الطهارة وضعا و تکلیفا،إذن فلا مانع من التمسک بالعمومات لإثبات صحتها،بل یمکن التمسک بها حتی مع الشک فی وجود المنافع فیها لما عرفته مرارا و ستعرفه من عدم اعتبار المالیة فی المعاوضات،و توهم ان بیعها ممن یعلم البائع أنه یأکلها إعانة علی الإثم فیکون حراما،توهم فاسد فإنها کبیع التمر و العنب و العصیر ممن یجعلها خمرا و سیأتی جوازه و ورود الاخبار علیه و ان صدق علیه عنوان الإعانة علی الإثم،و أما الروایات الخاصة التی تدل علی حرمة بیع المیتة فلا ریب فی ظهورها بل صراحة بعضها فی المیتة النجسة،و أما الروایات العامة المتقدمة فمضافا الی ما تقدم فیها،أن الشهرة بل الإجماع علی خلافها هنا،فلا یکون ضعفها منجبرا بعمل الأصحاب.

حرمة التکسب بالکلب الهراش
اشارة

قوله:یحرم التکسب بالکلب الهراش و الخنزیر البریین إجماعا. أقول وجه التقیید بالبریین هو أن المشهور و المختار عنده طهارة البحریین منهما،و استدل علی ذلک فی کتاب الطهارة فی مسألة نجاسة الکلب بصحیحة ابن الحجاج[2]بل الظاهر أنهما من أقسام السمک الغیر المأکول فیکونان خارجین عما نحن فیه تخصصا،ثم ان تحریر البحث هنا یقع فی جهتین:الجهة الاولی فی بیع الکلب الهراش[3]الظاهر بل المجمع علیه بین أصحابنا حرمة

ص:77

بیعه و کون ثمنه سحتا،قال فی التذکرة (1)الکلب ان کان عقورا حرم بیعه عند علمائنا، بل عند أکثر العامة[1]لا یصح بیع الکلب مطلقا و لو کان کلب صید.

و تدل علی حرمة بیعه الروایات المتظافرة[2]إلا أن أکثرها ضعیفة السند،و جملة منها و إن کانت مطلقة تشمل جمیع أقسام الکلاب و لکنها مقیدة بالأخبار الآتیة فی جواز بیع کلب الصید التی هی صریحة فی جواز بیع الصیود منها،و علی هذا المنوال روایات العامة[3] علی کثرتها،و علیه فدعوی الإجماع التعبدی علی حرمة بیعه فی غیر محله،لأنه إن کان المراد بالحرمة هی الحرمة الوضعیة فهی و إن کانت مسلمة و لکن المدارک لها لیس إلا تلک الأخبار المتکثرة فیحکم بفساد بیعها لأجلها لا للإجماع التعبدی و ان کان المراد بها هی الحرمة التکلیفیة،ففیه ان الظاهر هو انحصار معقد الإجماع بالحرمة الوضعیة،بل یکفینا الشک فی

ص:78


1- 1) ج 1 ص 3 من البیع.

ذلک لکونه دلیلا لبیا لا یؤخذ من إلا المقدار المتیقن.

حرمة التکسب بالخنزیر

و الجهة الثانیة فی بیع الخنزیر المشهور بل المجمع علیه بین الخاصة و العامة[1]هو عدم جواز بیعه،قال فی التذکرة (1)لو باع نجس العین کالخنزیر لم یصح إجماعا.ثم ان الروایات الواردة فی هذه المسألة علی طائفتین:الأولی ما دل علی حرمة بیعه وضعا و تکلیفا،منها قوله«ع»فی روایة قرب الاسناد[2]فی نصرانیین باع أحدهما الخنزیر إلی أجل ثم أسلما (إنما له الثمن فلا بأس أن یأخذه)فإن مفهومه أن غیر أخذ الثمن لا یجوز له بعد الإسلام، و علیه فیستفاد من الروایة أمران:الأول حرمة بیع الخنزیر بعد الإسلام و إلا لکان الحصر فیها لغوا،و الثانی صحة المعاملة علیه قبل الإسلام و إلا لکان أخذ ثمنه بعد الإسلام حراما و أکلا للمال بالباطل.

و منها روایتی الجعفریات و دعائم الإسلام (2)حیث جعل الامام«ع»ثمن الخنزیر فیهما من السحت.و منها جملة من الروایات[3]الدالة علی حرمة بیعه بل فی بعضها نهی عن إمساکه.

ص:79


1- 1) ج 1 ص 3 من البیع.
2- 2) راجع ج 2 المستدرک باب 5 مما یکتسب به ص 426.

و قد ذکر ذلک فی أحادیث أهل السنة أیضا[1].

و الثانیة[2]ما دل علی صحة بیع الخنزیر وضعا،بدعوی أنها صریحة فی جواز استیفاء الدین من ثمن الخنزیر،فلازم ذلک هو نفوذ بیعه وضعا و ان کان للبائع حراما تکلیفا و إلا فیلزم استیفاء الدین من مال الغیر فهو حرام لکونه أکلا للمال بالباطل.

و من هنا یظهر الوجه فی دلالة قوله ع فی روایة محمد بن مسلم(أما للمقتضی فحلال و أما للبائع فحرام)علی صحة بیع الخنزیر وضعا و حرمته تکلیفا.

و جمع بینهما فی الوسائل بحمل المجوزة علی فرض کون البائع ذمیا،و استشهد علیه بموثقة منصور[3]لدلالتها علی جواز خصوص بیع الذمی الخنزیر،فتکون مقیدة لما یدل علی جواز بیعه مطلقا

ص:80

و فیه ان حمل المطلق علی المقید و ان کان من المسلمات،إلا أنه فیما کان بینهما تناف و تعاند نظیر أعتق رقبة و لا تعتق رقبة کافرة،و لو لم یکن بینهما تناف کما فی المقام فلا وجه لذلک الحمل و الصحیح أن یقال ان الظاهر من خبر منصور،و من قوله«ع»فی روایة قرب الاسناد (إنما له الثمن فلا بأس أن یأخذه)و من روایة عمار بن موسی[1]هو جواز بیع الذمی الخنزیر قبل الإسلام،فیقید بها ما یدل علی حرمة بیعه مطلقا،إذن فتنقلب النسبة و تصیر المانعة أخص من المجوزة و مقیدة لها،و علیه فلا یجوز لغیر الذمی بیع الخنزیر،و قد اتضح مما ذکرناه حکم بیع الخمر أیضا لأنها مذکورة فی الأخبار المتقدمة مع الخنزیر.ثم انه استدل غیر واحد من الأعاظم علی حرمة بیعه بالأخبار العامة المذکورة فی أول الکتاب،و قد عرفت ما فیها من ضعف السند و الدلالة،ثم لا ینقضی العجب من المصنف حیث اقتصر فی الاستدلال علی حرمة بیع الخنزیر بالإجماع فقط و لم یتعرض للروایات و هو أعرف بالحال.

قوله:و کذلک أجزائهما. أقول ظاهر النصوص و الإجماعات أنما تمنعان عن بیع الکلب و الخنزیر بوصفهما العنوانی و بصورتهما النوعیة التی بها شیئیة الأشیاء فی دار تحققها و صقع تکونها،و بما أن الأحکام الشرعیة إنما تترتب علی الموضوعات العرفیة فلا مانع من شمول المنع للمیتة منهما،لصدق عنوان الکلب و الخنزیر علیها و لو بالمسامحة العرفیة،إذن فتکون المعاملة علیها أیضا حراما،و أما أجزائهما فلا شبهة فی أنه لا یصدق علیها عنوان الکلب و الخنزیر لا بالدقة العقلیة و لا بالمسامحة العرفیة،و علیه فان کانت مما تحله الحیاة شملتها أدلة حرمة بیع المیتة لصدقها علیها و ان جاز الانتفاع بها فی غیر ما هو مشروط بالطهارة و التذکیة،و إن کانت مما لا تحله الحیاة کالشعر و نحوه فحرمة البیع و الانتفاع هنا متوقفة علی مانعیة النجاسة عنهما،إذ من الواضح جدا ان نجاسة الکلب و الخنزیر لا تختض بما تحله الحیاة فقط،و حیث علمت أنها لا تصلح للمانعیة عن البیع و لا عن الانتفاع،فلا مانع عن بیعها للعمومات و لا عن الانتفاع بها بالمنافع المحللة لأصالة الإباحة،و من هنا أفتی بعضهم بجواز بیع شعر الخنزیر و الانتفاع به فی غیر ما هو مشروط بالطهارة،و ان منع عن بیعه بعض

ص:81

فقهاء العامة (1)لأنه نجس العین فلا یجوز بیعه إهانة له،نعم بناء علی طهارة الخنزیر کما ذهب الیه المالک[1]یجوز بیع شعره لعدم نجاسته المانعة عنه.

علی أنه ورد فی جملة من الأحادیث[2]جواز الانتفاع بشعر الخنزیر فی غیر ما هو مشروط بالطهارة،و علی هذا فهو من الأموال عند الشارع أیضا.

حرمة التکسب بالخمر و کل مسکر مائع
اشارة

قوله:یحرم التکسب بالخمر و کل مسکر مائع و الفقاع إجماعا نصا و فتوی. أقول قد قامت الضرورة من المسلمین[3]و أطبقت الروایات من الفریقین علی حرمة بیع الخمر و کل

ص:82


1- 1) ج 5 شرح فتح القدیر ص 202.

مسکر مائع مما یصدق علیه عنوان الخمر من النبیذ و الفقاع و غیرهما،أما الخمر فشربها من أعظم الکبائر و أشد الجرائم فی نظر الشارع المقدس،لما فیه من المضار الدینیة و الخلقیة

ص:83

و البدنیة و الاجتماعیة،و یدل علی حرمة جمیع شؤنها الخیر المشهور بین الخاصة و العامة من أن رسول اللّه ص«لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و مشتریها و ساقیها آکل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إلیه». و أما النبیذ المسکر فیدل علی حرمة بیعه کلما دل علی حرمة بیع الخمر وضعا و تکلیفا لکونه خمرا واقعا،لقوله ع[1]«فما فعل فعل الخمر فهو خمر»و لقوله ع«فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»فمن البدیهی أن النبیذ یفعل ما تفعله الخمر و یسکر کاسکار الخمر،إذن فیکون ذلک مثلها فی جمیع الأحکام،و من هنا ورد فی بعض الروایات[2]«شه شه تلک الحمرة المنتنة»أی النبیذ المسکر،علی أنه جعل الامام ع من أقسام السحت ثمن النبیذ المسکر فی روایة عمار الآتیة،و هذه الروایة و ان لم یکن فیها دلالة علی حرمة البیع تکلیفا لظهورها فی الحکم الوضعی فقط إلا ان فی غیرها کفایة،فإنه بعد ما صدقت الخمر علیه حقیقة فیترتب علیه جمیع أحکامها التی منها حرمة البیع،و هکذا الفقاع لکونه خمرا مجهولا استصغرها الناس و قد نزل ذلک منزلة الخمر فی عدة من الروایات[3]بل فی بعضها ما یدل علی

ص:84

مبغوضیة بیعه کقوله ع:لو أن الدار داری لقتلت بایعه.

تذکرة

هل تختص حرمة البیع بالمائعات المسکرة کما یظهر من المصنف أم نعم جمیع المسکرات و لو کانت من الجوامد خلاف،ربما یقال بالثانی لوجوه:

الأول ان المستفاد من کلام بعض اللغویین[1]هو أن الخمر ما یخامر العقل و یخالطه فتشمل المسکرات الجامدة أیضا.

و فیه انه لا نسلم اعتبار قول اللغوی خصوصا فی مثل المقام من جهة العلم بعدم صحة صدق الخمر علی المجامد،علی أن الظاهر من کلام تاج العروس[2]هو ذلک أیضا فإنه ذکر الخلاف فی اختصاص الخمر بما أسکر من عصیر العنب خاصة و فی عمومه المسکر من عصیر کل شیء،و أما المسکر الجامد فخارج عن محل الخلاف.

الثانی أن الظاهر من التنزیل فی قوله«ص»[3]«کل مسکر خمر»ترتب جمیع آثار الخمر أو آثارها الظاهرة علیه التی منها حرمة البیع.

ص:85

و فیه أن الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بعمل المشهور و ان قلنا بالانجبار فی موارد عمل المشهور فان مقتضی العمل بعموم التنزیل الحکم بنجاسة المسکر الجامد،مع أنه لم یقل به أحد و أما التزام الفقهاء رضوان اللّه علیهم بإجراء جمیع أحکام الخمر علی کل مسکر مائع فهو لیس لأجل الأخذ بعموم التنزیل بل للروایات الخاصة کما عرفت.

الثالث روایة عمار بن مروان[1]فإنها تدل علی أن ثمن المسکر من السحت إلا أنها ظاهرة فی الحکم الوضعی.

و فیه أن الاستدلال بها متوقف علی أن تکون الروایة کما نقله التهذیب المطبوع و بعض نسخ الوسائل بأن یکون لفظ المسکر معطوفا علی النبیذ،و أما إذا کان وصفا له بإسقاط الواو بینهما کما فی غیر نسخة التهذیب و بعض نسخ الوسائل فهی لا محالة تسقط عن الدلالة، إذا عرفت ذلک فاعلم انه و إن کان لفظ المسکر معطوفا علی النبیذ فی روایة التهذیب إلا أنها مذکورة فی الوافی و الکافی بدون العطف بل بالتوصیف،فترجیحهما علی نسخة التهذیب من الوضوح بمکان و لو مع دوران الأمر بین الزیادة و النقیصة،و یؤید ذلک ما فی روایة الخصال علی ما فی الوسائل من جعل لفظ المسکر وصفا للنبیذ.

تبصرة

لا یخفی علیک أنه لا یبعد اختصاص الروایات بما کان المطلوب منه الشرب و الإسکار، و أما لو کان الغرض منه شیء آخر و لم یکن معدا للإسکار عند العرف و لو کان من أعلی مراتب المسکرات کالمایع المتخذ من الخشب أو غیره المسمی بلفظ(أکل)لأجل المصالح النوعیة و الأغراض العقلائیة،فلا یحرم بیعه لانصراف أدلة حرمة بیع الخمر عنه وضعا و تکلیفا کانصراف أدلة عدم جواز الصلاة فیما لا یؤکل لحمه عن الإنسان.

قوله:و فی بعض الأخبار یکون لی علی الرجال دراهم. أقول قد ورد فی جملة من

ص:86

الروایات جواز تخلیل الخمر بمعالجتها بالملح و نحوه،و علیه تحمل الروایة ابن أبی عمیر[1] الظاهرة فی جواز أخذ الخمر من الغریم لاستیفاء الدین منه و إفسادها بعد الأخذ،و یؤید ذلک الحمل تفسیر علی بن حدید الإفساد فیها بالتخلیل.

قوله:و المراد به إما أخذ الخمر مجانا. أقول حمل الروایة بنحو المانعة الخلو إما علی أخذ الخمر مجانا ثم تخلیلها،أو أخذها و تخلیلها لصاحبها ثم أخذ الخل وفاء عن الدراهم، لا یستقیم،أما الوجه الأول فلأن أخذها مجانا ثم تخلیلها لا یوجب سقوط الدین عن الغریم و هی صریحة فی حصول الوفاء بمجرد الأخذ،و أما الوجه الثانی فهو خلاف ظاهر الروایة فإن الموجود فیها لیس إلا کون استیفاء الدین بالخمر نفسها،علی أن المالک لم یعط الخل وفاء عن الدراهم و إنما أعطی الخمر لذلک فقط،إذن فیحتاج أخذ الخل کذلک إلی إذن جدید من المالک،و الروایة صریحة فی خلافه.

لا یتوهم أن الروایة ظاهرة فی جواز اشتراء الخمر بقصد التخلیل فنرفع الید بها عن ظهور ما یدل علی حرمة بیعها مطلقا وضعا و تکلیفا،و علیه فتختص حرمة بیع الخمر بغیر هذه الصورة،فإن هذا التوهم فاسد لکونها أجنبیة عن قضیة البیع و الشراء و إنما هی راجعة إلی جواز أخذ الخمر من المدیون مسلما کان أو کافرا وفاء عن الدین إذا کان الأخذ بقصد التخلیل و الإفساد،نعم لو التزامنا بما التزم به المصنف فیما تقدم من أن(معنی حرمة الاکتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الأثر)و أن(ظاهر أدلة تحریم بیع مثل الخمر منصرف الی ما لو أراد ترتیب الآثار المحرمة أما لو قصد الأثر المحلل فلا دلیل علی تحریم المعاملة) لتوجه القول بجواز بیع الخمر و شرائها بقصد التخلیل و لکنک عرفت ما فیه من الوهن.

تنبیه

قد تقدم فی بیع الخنزیر ظهور روایة منصور و غیرها فی صحة بیع الذمی خمره و خنازیره

ص:87

من ذمی آخر،فیقید بها ما یدل علی حرمة بیع الخمر و کون ثمنها سحتا،و علیه فتنقلب النسبة و یکون ما یدل علی المنع أخص مما یدل علی الجواز مطلقا کروایتی محمد بن مسلم و زرارة المتقدمتین فی ذلک البحث،إذن فنحمل المطلق علی المقید فتصیر النتیجة أنه یجوز للذمی أن یبیع خمره من ذمی آخر.

جواز بیع المتنجس
اشارة

قوله:یحرم المعاوضة علی الأعیان المتنجسة الغیر القابلة للطهارة. أقول المشهور بین الخاصة و العامة[1]حرمة المعاوضة علی الأعیان المتنجسة الغیر القابلة للتطهیر،قال فی التذکرة (1)ما عرضت له النجاسة ان قبل التطهیر صح بیعه و یجب إعلام المشتری بحاله، و ان لم یقبله کان کنجس العین.

و قال فی المبسوط (2)ما حاصله ان کان المتنجس جامدا و کان النجاسة العارضة رقیقة و غیر مانعة عن النظر الیه جاز بیعه و إلا فلا یجوز،و ان کان مائعا فإن قبل التطهیر صح بیعه و إلا فلا یصح.بل فی بعض الحواشی ان هذا الحکم مما لا خلاف فیه بل هو مما قام علیه الإجماع و الاشکال فی کونه مجمعا علیه.

ثم ان محصل کلام المصنف ان المتنجس إذا توقف الانتفاع به بالمنافع المحللة علی الطهارة نظیر المائعات المتنجسة المعدة للشرب و المأکولات المتنجسة المعدة للأکل،فإن بیعه لا یجوز للأخبار العامة المتقدمة،لظهورها فی أن حرمة الشیء تستلزم حرمة بیعه و ثمنه و من هذا القبیل المتنجس،و ان لم یتوقف الانتفاع به علی الطهارة أو کان قابلا للتطهیر مع توقف الانتفاع به علیها فان بیعه یجوز،نعم لا یجوز الاستدلال بقوله«ع»فی روایة تحف العقول (أو شیء یکون فیه وجه من وجوه النجس)علی حرمة بیعه،لان الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة فإن وجه الشیء إنما هو عنوانه فلا یشمل الأعیان المتنجسة فإن النجاسة فیها لیست إلا أمرا عرضیا فلا تکون وجها و عنوانا لها.

ص:88


1- 1) ج 1 ص 3 من البیع.
2- 2) فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.

و فیه مضافا الی ما تقدم فی تلک الروایات من ضعف السند و الدلالة و عدم انجبارهما بشیء انه إن کان المراد بالحرمة فیها هی الحرمة الذاتیة فلا تشمل المتنجس،بداهة أنها مختصة بالأعیان النجسة،إذن فیکون المتنجس خارجا عنها بالتخصص،و إن کان المراد بها ما یعم الحرمة الذاتیة و الحرمة العرضیة فیلزم علی المصنف أن لا یفرق حینئذ بینما یقبل التطهیر و ما لا یقبله،فان موضوع حرمة البیع علی هذا التقدیر ما یتصف بالنجاسة سواء کانت ذاتیة أم عرضیة،فإمکان التطهیر لا یؤثر فی زوال الحرمة الفعلیة عن موضوعها الفعلی،و مع الإغضاء غما ذکرناه لا دلالة فیها علی حرمة بیع المتنجس لأنه ان کان المراد بالحرمة فیها حرمة جمیع منافع الشیء أو منافعه الظاهرة فلا نشمل المتنجس،ضرورة جواز الانتفاع به فی غیر ما یتوقف علی الطهارة کاطعامه الصبی لو قلنا بجوازه أو البهائم أو ینتفع به فی غیر ذلک من الانتفاعات المحللة،و إن کان المراد بها حرمة الأکل و الشرب فقط فإنها لا نستلزم حرمة البیع لما عرفت مرارا من أنه لا ملازمة بین حرمة الأکل و الشرب و بین حرمة البیع فان کثیرا من الأشیاء یحرم أکلها و شربها و مع ذلک یجوز بیعها،و أما دعوی الإجماع التعبدی علی ذلک فجزافیة فان مدرک المجمعین هی الوجوه المذکورة علی حرمة بیع المتنجس.

جواز بیع السباع و المسوخ الا القرد

قوله:قیل بعدم جواز بیع المسوخ من أجل نجاستها. أقول أما المسوخ فالمشهور بین أصحابنا و بین العامة[1]حرمة بیعها،بل فی المبسوط (1)ادعی الإجماع علیها و علی حرمة الانتفاع بها،و فی الخلاف (2)دلیلنا علی حرمة بیعها إجماع الفرقة و قوله(صلی الله علیه و آله):ان الله إذا حرم شیئا حرم ثمنه و هی محرمة الأکل فیحرم ثمنها،و عن بعض فقهائنا انه لا یجوز بیعها لنجاستها،فالمتحصل من کلماتهم انه لا یجوز بیع المسوخ،لحرمة لحمها،و عدم وجود النفع فیها،و نجاستها و قیام الإجماع علی حرمة التکسب بها،و الکل ضعیف،أما الحرمة فلا ملازمة بینها و بین حرمة البیع کما تقدم،و أما النجاسة فأیضا کذلک لو سلمنا نجاسة جمیع أفراد المسوخ،و أما عدم النفع فیها ففیه مضافا الی عدم اعتبار المالیة فی العوضین و کفایة

ص:89


1- 1) فی التجارة فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
2- 2) ج 1 ص 225.

الأغراض الشخصیة فی خروجها عن السفهیة،أنه لا شبهة فی جواز الانتفاع بها منفعة محللة أما الإجماع فنمنع کونه تعبدیا و کاشفا عن رأی الحجة«ع»بل هو کسائر الإجماعات المنقولة فی المسائل المتقدمة فی استناده الی المدارک المعلومة،و یؤید ذلک ما ورد فی بعض الروایات[1] من جواز بیع عظام الفیل.

(نعم)ورد النهی[2]عن بیع القرد و کون ثمنه سحتا،فان ثبت عدم الفصل فهو و إلا فلا بد من الحکم بعدم الجواز فی خصوص القرد.

و أما السباع فلا شبهة فی جواز بیعها لجواز الانتفاع بها بالاصطیاد و نحوه و کذلک الانتفاع بجلودها علی ما ورد فی جملة من الروایات (1)بل فی حدیث[3]جواز بیع الفهود و فی آخر (2)جواز بیع الهر و فی الثالث[4]جواز بیع جلود النمر و فی روایة علی بن جعفر[5] جواز بیع جلود السباع و الانتفاع بها مطلقا.

ص:90


1- 1) منها موثقة سماعة المتقدمة فی ص 7.
2- 2) فی موثقة عبد الرحمن لا بأس بثمن الهر.و سنذکرها فی بیع کلاب الصید.

و بهذا نحمل ما یدل[1]علی حرمة بیع جلود السباع علی الکراهة،نعم ذکر فی بعض روایات العامة[2]انه لا یجوز بیع السنور و من هنا وقع الخلاف بینهم فی ذلک.

أما المستثنی من الأعیان المتقدمة
جواز بیع العبد الکافر

قوله:یجوز بیع المملوک الکافر أصلیا کان أم مرتدا ملیا. أقول إن الممالیک من الکفار علی أقسام ثلاث،فان کفرهم إما أصلی أو عرضی،و علی الثانی فاما أن یعرضهم الکفر بارتدادهم عن الملة و إما أن یعرضهم ذلک بارتدادهم عن الفطرة،أما الکافر الأصلی و المرتد الملی فیجوز بیعهما بلا اشکال بل فی المتن(بلا خلاف ظاهر بل ادعی علیه الإجماع و لیس ببعید)و لا یتوجه الاشکال علی هذا الرأی من ناحیة الأخبار العامة المتقدمة لما عرفت من وهنها،و لا من ناحیة النجاسة فإن الکافر و إن کان من الأعیان النجسة و یشمله قوله«ع»فی روایة تحف العقول(أو شیء من وجوه النجس)إلا أن جمیع منافعه غیر متوقفة علی الطهارة بل یجوز الانتفاع به فی غیر ما اعتبرت فیه الطهارة،و الروایة لضعف سندها لا تصلح للمانعیة، و توهم قیام الإجماع علی عدم الجواز،إنما هو توهم فاسد،إذ مع کثرة المخالف و دعوی انعقاد الإجماع علی الجواز لا یبقی مجال لهذا التخیل،بل من القریب جدا أن یکون مدرک توهم الإجماع تلک الأخبار العامة،إذن فتکون المعاوضة علی المملوک الکافر الأصلی و المرتد الملی مشمولة للعمومات و هذا مضافا الی ما یظهر من جملة من الروایات[3]جواز بیع المملوک الکافر

ص:91

و أما المرتد الفطری ففی التذکرة (1)المرتد إن کان عن فطرة ففی صحة بیعه نظر ینشأ من تضاد الحکمین و من بقاء الملک فان کسبه لمولاه.و مراده ان الحکم بالقتل و الحکم بوجوب الوفاء بالعقد متضادان.و التحقیق إن ما یظهر من مطاوی کلمات الأصحاب تصریحا أو تلویحا فی منشأ الاشکال هنا وجهان،الأول من جهة نجاسته،و الثانی من جهة عدم صدق المال علیه أما الوجه الأول فهو یظهر من بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد حیث بنی جواز بیع المرتد علی قبول توبته بل بنی جواز بیع مطلق الکافر علی قبوله للطهر بالإسلام.

و فیه مضافا الی منع مانعیة النجاسة عن البیع،انه لو کان جواز بیعه مبنیا علی زوال نجاسته بالتوبة لما کان فرق بین أقسام الکفار فی ذلک،سواء کان کفرهم أصلیا أم عرضیا و سواء کان عروضه بالارتداد عن الملة أم عن الفطرة،و سواء تقبل توبتهم أم لم تقبل، و ذلک لما عرفت فی بیع المتنجس ان فعلیة الحکم إنما هی بفعلیة موضوعه،فإذا قلنا بمانعیة النجاسة عن البیع کانت مانعة عنه بوجودها الفعلی سواء کانت قابلة للزوال أم لا کیف فإنه بعد صیرورة الموضوع فعلیا من جمیع الجهات فتلک القابلیة لا تؤثر فی انفکاک الحکم عنه علی أن إمکان طهره بالتوبة لا یستلزم تحقق الطهارة لاحتمال أن لا یتوب و لا یخرج الإمکان الاستقبالی من القابلیة إلی الفعلیة.إذن فلا تمنع النجاسة عن بیع العبد إذا ارتد عن الفطرة.

و أما الوجه الثانی فربما یقال بأن النجاسة و إن لم تکن مانعة عن البیع إلا أن العبد بارتداده عن الفطرة یخرج عن الملیة لوجوب قتله و إن تاب،إذن فیکون فی معرض التلف، و کذلک المرتد الملی إذا لم یتب،و من هنا استشکل غیر واحد من أعاظم الأصحاب فی رهن الفطری بدعوی أن الغرض من الرهانة هی الوثاقة فهی منتفیة فیه.

و فیه أن عدم سقوط القتل عنه لا یخرجه عن حدود المالیة،فإن الانتفاع به بالعتق بمکان من الإمکان،و لذا لو قتله غیر الحاکم بدون إذنه لضمنه،کیف فإنه من هذه الجهة لیس إلا کالمملوک المریض المشرف علی الموت،فهل یتوهم أحد سقوطه بذلک عن المالیة بحیث لا یوجب

ص:92


1- 1) ص 4 من البیع.

إتلافه الضمان،و مع الغمض عن جمیع المذکورات ان هذا الوجه إنما یصلح للمانعیة إذا حصل الجزم بالقتل لبسط ید الحاکم الشرعی علیه و علی إجراء الحدود لا مطلقا،إذن فیکون الدلیل أخص من المدعی.

جواز بیع کلب الصید

قوله:یجوز المعاوضة علی غیر کلب الهراش فی الجملة بلا خلاف ظاهر. أقول حیث لم یکن غیر کلب الهراش من أقسام الکلاب علی إطلاقه مما قام الإجماع علی جواز بیعه، فجعل المصنف الجواز المقید بالإجمال موردا لعدم الخلاف.فإنک ستعرف وقوع الخلاف فی بیع کلب الماشیة و الحائط و الزرع.

ثم ان تحقیق هذه المسألة فی ضمن جهات الجهة الأولی الظاهر أنه لا خلاف بین الإمامیة فی جواز بیع کلب الصید الذی اتصف بملکة الاصطیاد،و یطلق علیه الصیود بالحمل الشائع ففی الخلاف (1)دلیلنا إجماع الفرقة،بل دعوی الإجماع المحصل علیه فضلا عن الإجماع المنقول غیر جزافیة،إلا ما نسب الی ابن أبی عقیل من المنع عن بیع الکلب علی إطلاقه استنادا الی العمومات،و ما یظهر من النهایة (2)من قصر جواز التکسب به علی السلوقی و الماشیة و الزرع،إلا أنک قد عرفت فی بیع الکلب الهراش أن المطلقات و إن کانت متظافرة و لکنها قیدت بالروایات الخاصة التی تدل علی جواز بیع الصیود من الکلاب سلوقیا کان أم غیر سلوقی و سنذکرها فی الجهة الثانیة،نعم عن أکثر العامة انه لا یجوز بیع الکلب و لو کان کلب صید کما تقدم.

و قد ورد النص (3)من طرقهم عن النبی(صلی الله علیه و آله)علی خلافه.و ربما یتوهم تخصیص روایات الجواز بالسلوقی بدعوی انه هو المنساق منها لانصراف کلب الصید إلیه لکثرة وقوع الاصطیاد به فی الخارج أو أنه لا یتبادر و لا ینساق غیره من تلک الروایات،فیبقی غیر السلوقی تحت مطلقات المنع عن التکسب بالکلاب.

و فیه مضافا الی کون الروایات خالیة عن ذکر السلوقی،و کثرة الاصطیاد بغیره و ان کان أقل بالنسبة الیه،و ان المراد بالسلوقی هو مطلق کلب الصید و ان کان من غیر جنسه کما صرح به غیر واحد من الأعاظم،أنه یرد علیه ما فی المتن من(عدم الغلبة المعتد بها علی فرض تسلیم

ص:93


1- 1) ج 1 ص 224.
2- 2) أول المکاسب.
3- 3) فی ج 6 سنن البیهقی ص 6 عن جابر نهی عن ثمن الکلب و السنور إلا کلب الصید.

کون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف)و علیه فلا مجال لتخصیص جواز البیع بالسلوقی فقط.

ثم أجاب عنه المصنف ثانیا و قال(مع أنه لا یصح فی مثل قوله ثمن الکلب الذی لا یصید أو لیس بکلب الصید لأن مرجع التقیید إلی إرادة ما یصح عنه سلب صفة الاصطیاد) و حاصل کلامه ان الکلب و ان کان طبیعة واحدة نعم جمیع افراد الکلاب و تصدق علیها صدق الکلی علی جزئیاته و الطبیعی علی أفراده،إلا أن لحاظ تلک الطبیعة عند جعلها موردا للحکم مع وصف الاصطیاد تارة و بدونه اخری،یستلزم انقسامها الی قسمین متضادین، و علی هذا فیتقابل کلب الصید و کلب الهراش تقابل التضاد کما هو الشأن فی کل ماهیة ملحوظة مع الأوصاف الخارجیة المشخصة تارة و بدونها أخری،إذن فلا یصغی الی دعوی الانصراف بوجه لاستلزامه اتحاد المتضادین و وحدة المتقابلین فهو محال.

و فیه ان کلامه هذا إنما یصح فی أمثال قوله«ع»فی روایة محمد بن مسلم(ثمن الکلب الذی لا یصید سحت)فان ظاهر التوصیف ان وصف الاصطیاد قد أخذ قیدا للموضوع إلا انه لا یتم فی قوله«ع»فی مرسلة الفقیه(ثمن الکلب الذی لیس بکلب الصید سحت) فان من القریب جدا ان لا یصدق کلب الصید و لو بحسب نوعه علی غیر السلوقی،و لکن المرسلة ضعیفة السند،ثم ان السلوق قریة فی ناحیة الیمن نسبت إلیها کلاب الصید إما لأجل أخذ أصلها منها أو لکون کلابها صیودا.

الجهة الثانیة انک قد عرفت ان مورد الروایات و معقد الإجماعات إنما هو الکلب المتصف بملکة الاصطیاد و صار صیودا بالفعل،و حیث ان تلک الملکة التی هی مناط صحة بیع الکلاب و ملاکها لم تصر فعلیة فی الجر و القابل للتعلیم من السلوقی و الکبیر الغیر المعلم منه فیشکل الحکم بجواز بیعهما.

و ربما یقال فی وجه الصحة فیهما.بأن الأخبار الواردة فی بیع الکلاب علی ثلاث طوائف أما الطائفة الأولی فتدل علی حرمة بیع الکلاب علی وجه الإطلاق کالمطلقات و قد تقدمت جملة منها فی بیع الکلب الهراش و سمعت ان أکثرها ضعیفة السند.

و أما الطائفة الثانیة[1]فتدل علی جواز بیع ما کان صیودا بالفعل و متصفا بملکة

ص:94

الاصطیاد سواء کان سلوقیا أم غیر سلوقی.

و أما الطائفة الثالثة[1]فتدل علی جواز بیع کلب الصید کمرسلة الصدوق و غیرها، و المحتمل فی الطائفة الأخیرة منها ثلاثة:الأول ان یکون المراد بکلب الصید ما کان صیودا بالفعل و کلب صید بشخصه و واجدا للملکة الاصطیاد بنفسه،فیکون الغرض من المرکب هی اضافة الشخص الی وصفه،و حینئذ فترجع هذه الطائفة إلی الطائفة الثانیة و یجری فیها الاشکال المتقدم أیضا من دعوی انصرافها إلی السلوقی مع جوابها،و علیه فنقید بها و بالطائفة الثانیة الطائفة الأولی،فتصیر النتیجة ان غیر الصیود من الکلاب لا یجوز بیعه.

الثانی أن یراد به نوع کلب الصید و ان لم یتصف بعض أفراده بملکة الاصطیاد، و علیه فتختص هذه الطائفة الأخیرة بالسلوقی فقط،فتکون النسبة بینها و بین الطائفة الثانیة هو العموم من وجه،إذ قد یکون الکلب صیودا و لا یکون من أفراد الکلاب السلوقیة و قد یکون من أفرادها و لا یکون صیودا بالفعل کالغیر المعلم من السلوقی،و قد یجتمعان و حینئذ فیجوز تخصیص العمومات بکل من الطائفة الثانیة و الثالثة بناء علی ما نقحناه فی الأصول من جواز تخصیص العام بالخاصین بینهما عموم من وجه،کما إذا ورد أکرم العلماء ثم ورد لا تکرم الفساق منهم و لا تکرم النحویین منهم،فإنه جاز تخصیص أکرم

ص:95

العلماء بکلا الخاصین و ان کانت النسبة بینهما هو العموم من وجه،و علیه فیجوز بیع الصیود من غیر السلوقی و بیع غیر الصیود من السلوقی.

الثالث أن یراد به ما یکون بینه و بین الصید نسبة و علاقة،بدعوی کفایة أدنی الملابسة فی صحة الإضافة کما هو الظاهر و الموافق للاستعمالات الدائرة بین المحاورین،ضرورة ان جملة کلب الصید فی اللغة العربیة لم توضع لمعنی خاص بل أطلقت علی حصة من الکلاب بوجه من المناسبة و بعلاقة الملابسة،کیف فإنها ترادف فی اللغة الفارسیة بلفظ(سک شکاری) و لا یعتبرون فی صحة ذلک الإطلاق أزید من تلک المناسبة الإجمالیة،و علیه فالنسبة بینها و بین الطائفة الثانیة هو العموم المطلق فإنه علی هذا یصح إطلاق کلب الصید علی الصیود مطلقا سلوقیا کان أم غیره و علی السلوقی کذلک صیودا کان أم غیره،و علی ذلک أیضا فیجوز تخصیص العمومات بهما بناء علی جواز تخصیص العام بالخاصین بینهما عموم مطلق کما هو الظاهر علی ما حققناه فی محله.

و أظهر المحتملات الثلاث هو الاحتمال الأخیر لما عرفت من کفایة أدنی الملابسة فی صحة الإضافة ثم الثانی لکثرة إضافة الموصوف الی وصف نوعه و بهذا صح جعله موضوعا للأحکام الشرعیة،و أما الاحتمال الأول فغیر سدید جزما فان من المستبعد جدا اعتبار الانصاف الفعلی فی صحة إضافة الموصوف إلی الصفة و أن لا یکتفی فیها بأدنی المناسبة،هذا غایة ما یمکن أن یقال فی جواز بیع السلوقی علی الإطلاق.

و لکنه فاسد إذ العمل بما ذکرناه علی کلام الاحتمالین إنما یجوز فیما إذا لم یکن کل من الخاصین مقیدا بقید به،یوافق العام و یسانخه،و إلا فینفی ذلک القید بمفهومه أو منطوقه ما اختص به الخاص الآخر من مادة الافتراق،فیکونان من أفراد الدلیلین المتعارضین فیسقطان للتعارض.

و فی المقام ان الظاهر من قوله«ع»فی الطائفة الثانیة(ثمن الکلب الذی لا یصید سحت) (و أما الصیود فلا بأس)هو ان غیر الصیود من الکلاب یحرم بیعه و ان کان سلوقیا، فیشارک العام بمقتضی اشتماله القید العدمی،کما ان الظاهر من قولهم علیهم السلام فی الطائفة الثالثة(و لا بأس بثمن کلب الصید و الآخر لا یحل ثمنه)هو انه کلما کان کلب صید بنوعه جاز بیعه صیودا کان أم لم یکن،و أما غیر کلب الصید فلا یجوز بیعه و إن کان صیودا،فیتعارضان فی الصغیر و الکبیر غیر المعلمین من السلوقی علی الاحتمال الثالث من دعوی العموم المطلق بین الخاصین،و فی الصیود من غیر السلوقی أیضا علی الاحتمال الثانی من دعوی العموم من وجه بینهما،فصارت النتیجة علی الاحتمال الثالث ان غیر الصیود من

ص:96

الکلاب لا یجوز بیعه و إن کان سلوقیا،و علی الثانی فالصیود من غیر السلوقی أیضا لا یجوز بیعه هذا کله مع الإغضاء عن سند الطائفة الثالثة،و إلا فهی لا تقاوم الطائفة الثانیة لضعف سندها،و عدم انجبارها بعمل المشهور،و حینئذ فینحصر المخصص لتلک العمومات فی الطائفة الثانیة،فترتفع الغائلة من أصلها.

حرمة بیع کلب الحراسة

قوله الثالث کلب الماشیة. أقول:هذه هی الجهة الثالثة من الکلام،الظاهر انه لا شبهة فی حرمة بیع الکلاب الثلاثة:أی کلب الماشیة،و کلب الحائط،و کلب الزرع، و یسمی کل واحد منهما بالکلب الحارس،و هذا هو المشهور بین القدماء،و قد دلت علیه العمومات المتقدمة،کما ان المشهور بین الشیخ(ره)و من تأخر عنه الجواز.

و قد استدل علیه بوجوه:الوجه الأول،دعوی الإجماع علیه کما یظهر من العلامة فی التذکرة علی ما حکاه المصنف(ره)قال:(یجوز بیع هذه الکلاب عندنا)و لکنا لم نجد ذلک فی التذکرة.نعم ذکر الشیخ(ره)فی الخلاف (1):ان(بیع هذه الکلاب یجوز عندنا و ما یصح بیعه یصح إجارته بلا خلاف).و المحکی عن حواشی الشهید:(ان أحدا لم یفرق بین الکلاب الأربعة).و ظاهر هذه العبارة عدم وجود القول بالفرق بین الکلاب الأربعة فی جواز البیع و عدمه.

و فیه ان ذلک معارض بدعوی الإجماع علی حرمة بیعها،علی ان دعواه فی مثل هذه المسألة المختلف فیها من الصعب المستصعب خصوصا مع عدم کونه إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی الحجة لاحتمال ان المجمعین قد استندوا الی المدارک المعلومة المذکورة فی المقام.

و لا ینقضی العجب من الشهید(ره)کیف یدعی:ان أحدا لم یفرق بین الکلاب الأربعة فی حرمة البیع و جوازه،مع کثرة الاختلاف فی المسألة!!.

إلا أن یکون نظره الشریف فی ذلک الی العامة،فقد عرفت فی بیع کلب الهراش:ان طائفة منهم کالحنابلة و الشافعیة و بعض فرق المالکیة ذهبوا الی ان بیع الکلاب مطلقا لا یصح حتی کلب الصید و طائفة أخری منهم کالحنفیة و بعض آخر من المالکیة ذهبوا الی صحة بیعها مطلقا حتی کلب الحراسة.أو یکون نظره الی جواز الانتفاع بها مطلقا و عدم جوازه کذلک،فان الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم لم یفرقوا فی ذلک بین الکلاب الأربعة.

الوجه الثانی:ان ثبوت الدیة علی قاتلها فی الشریعة المقدسة یدل علی جواز المعاوضة علیها و الی هذا أشار العلامة فی المختلف (2)و قال:(و لأن لها دیات منصوصة،فتجوز المعاوضة

ص:97


1- 1) ج 1 کتاب الإجارة ص 276.
2- 2) ج 2 ص 163.

علیها).و قدرت هذه الدیة فی کلب الماشیة بکبش،أو بعشرین درهما،و فی کلب الحائط بعشرین درهما،و فی کلب الزرع بقفیز من طعام.

و فیه ان ثبوت الدیة لها فی الشریعة لا یدل علی ملکیتها فضلا عن جواز المعاوضة علیها فقد ثبتت الدیة فی الحر مع انه غیر مملوک قطعا،بل لا یبعد ان یکون ثبوت الدیة کاشفا عن عدم الملک مع فرض کون الشیء محترما،و إلا لکان الثابت نقص القیمة،أو تخییر المالک بینه و بین الدیة کما فی العبد و الأمة.

الوجه الثالث:انه لا شبهة فی جواز إجارتها لحفظ الماشیة و الحائط و الزرع اتفاقا کما فی المتن،فیجوز بیعها لوجود الملازمة بینهما،و الی هذا الدلیل أشار العلامة أیضا فی المختلف (1)و قال:(و لأنه یجوز إجارتها فیجوز بیعها) و فیه انه لا ملازمة شرعیة بین صحة الإجارة و صحة البیع،فإن إجارة الحر و أم الولد جائزة بالاتفاق و لا یجوز بیعهما،کما لا ملازمة بین صحة البیع و صحة الإجارة،فإن بیع الشعیر و الحنطة و عصیر الفواکه و سائر المأکولات و المشروبات جائز اتفاقا،و لا تصح إجارتها فإن من شرائط الإجارة ان العین المستأجرة مما یمکن الانتفاع بها مع بقاء عینها،و الأمور المذکورة لیست کذلک.

و بعبارة اخری ان جواز بیع الکلاب و عدمه من الأحکام الشرعیة و هی أمور توقیفیة فلا محیص عن اتباع أدلتها،فإن کان فیها ما یدل علی جواز بیعها أخذ به،و إلا فالعمومات الدالة علی المنع متبعة.

الوجه الرابع:ما ذکره العلامة أیضا فی المختلف (2)من انه(إذا جاز بیع کلب الصید جاز بیع باقی الکلاب الأربعة،و الأول ثابت إجماعا فکذا الثانی،بیان الشرطیة:ان المقتضی للجواز هناک کون المبیع مما ینتفع به،و ثبوت الحاجة الی المعاوضة،و هذان المعنیان ثابتان فی صورة النزاع فیثبت الحکم علماء بالمقتضی السالم عن المعارض إذا الأصل انتفائه).و زاد علیه بعض أصحابنا:ان ما یترتب علی الکلاب الثلاثة من المنافع أکثر مما یترتب علی کلب الصید،فإذا جاز بیعه کان بیع تلک الکلاب الثلاثة أولی بالجواز.

و فیه انه قیاس واضح،فقد نهینا عن العمل به فی الشریعة المقدسة،بالأدلة القاطعة، و علیه فلا وجه لرفع الید عن العمومات إلا فی الکلب الصیود.

الوجه الخامس:ان الحکم بجواز بیعها هو مقتضی الجمع بین الروایات،لأنا إذا لاحظنا للعمومات الدالة علی المنع،مع قوله(علیه السلام)فی روایة تحف القول:(و کل شیء یکون لهم

ص:98


1- 1) الموضع المتقدم.
2- 2) الموضع المتقدم.

فیه الصلاح من جهة من الجهات فهذا کله حلال بیعه و شراؤه و إمساکه و استعماله و هبته و عاریته)وجدنا ان النسبة بینهما هی العموم من وجه،فان العمومات تقتضی حرمة بیع الکلاب کلها،و إنما خرج منها بیع کلب الصیود فقط للروایات الخاصة،و هذه الفقرة من روایة تحف العقول تقتضی صحة بیع کلما کان فیه جهة صلاح،فتشمل بیع کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع أیضا،لجواز الانتفاع بها فی الحراسة،و بعد سقوطهما المعارضة یرجع فی إثبات الجواز التکلیفی إلی أصالة الإباحة،و فی إثبات الجواز الوضعی إلی عمومات صحة البیع و التجارة عن تراض.

و فیه أولا:انا لو أغمضنا عما تقدم فی روایة تحف العقول.فإنها لا تقاوم العمومات المذکورة فی خصوص المقام،لأن کثرة الخلاف هنا مانعة عن انجبار ضعفها بعمل المشهور.

و ثانیا:انه لا مناص من ترجیح العمومات علیها،إذ قد بینا فی علم الأصول:ان من جملة المرجحات عند معارضة الدلیلین بالعموم من وجه ان یلزم من العمل بأحدهما إلغاء الآخر من أصله،و إسقاط ما ذکر فیه من العنوان عن الموضوعیة،و حینئذ فلا بد من العمل بالآخر الذی لا یلزم منه المحذور المذکور،و فی المقام لو عملنا بروایة تحف العقول للزم من ذلک إلغاء العمومات علی کثرتها،و لسقط عنوان الکلب المذکور فیها عن الموضوعیة لخروج الکلب الصیود منها بالروایات الخاصة کما عرفت،و لو خرجت الکلاب الثلاثة منها بالروایة المذکورة لما بقی تحتها إلا الکلب الهراش فقط.و یکفی فی المنع عن بیعه عدم وجود النفع فیه،فلا یحتاج الی تلک العمومات المتظافرة،و یلزم المحذور المذکور،و اما إذا علمنا بالعمومات،و رفعنا الید عن الروایة فإن المحذور لا یتوجه أصلا،لأن ما فیه جهة صلاح من الأشیاء لا ینحصر فی الکلاب الثلاثة.

و نظیر ذلک المعارضة بین ما ورد[1]من الأمر بغسل الثوب من أبواب ما لا یؤکل لحمه و ما ورد[2]من نفی الیأس عن بول الطیر و خرئه،فإنا لو قدمنا الخبر.الأول،و حکمنا

ص:99

بسببه بنجاسة خرء الطیور التی لا یؤکل لحمها لکان ذکر الطیر فی الخبر الثانی لغوا محضا،إذ لا یبقی تحته إلا ما یؤکل لحمه من الطیور،و یکفی فی طهارة ذرقها ما یدل[1]علی طهارة بول مأکول اللحم،و هذا بخلاف العکس،فانا إذا عملنا بالخبر الثانی لم یلزم المحذور لکثرة أفراد غیر المأکول من غیر جنس الطیور.

و من هذا القبیل أیضا معارضة ما یدل (1)علی انفعال الماء القلیل بملاقاته النجاسة لما یدل (2)علی عدم انفعال الجاری بذلک،فان العمل بالطائفة الاولی،و الحکم بانفعال الجاری بملاقاته النجاسة إذا کان قلیلا یوجب کون ذکر الجاری فی الطائفة الثانیة لغوا،إذ لا یبقی فیها إلا الکر،و یکفی فی عدم انفعاله بملاقاته النجاسة ما یدل[2]علی عدم انفعال الکر بذلک علی الإطلاق،و لو انعکس الأمر لم یلزم المحذور لکثرة أفراد القلیل من غیر الجاری.

الوجه السادس:ما فی المتن من حکایة روایة ذلک عن الشیخ فی المبسوط،قال:(إنه روی ذلک یعنی جواز البیع فی کلب الماشیة و الحائط المنجبر قصور سنده و دلالته-لکون المنقول مضمون الروایة،لا معناها،و لا ترجمتها-باشتهاره بین المتأخرین).

و فیه أن الشهرة بین المتأخرین لا تجبر ضعف الروایة،بل و لم یعلم استنادهم إلیها فی فتیاهم بالجواز،فلعلهم استندوا فی ذلک الی الوجوه المذکورة،کما یظهر ذلک ممن یلاحظ کلماتهم علی أنه لم یثبت لنا کون المحکی عن الشیخ روایة فضلا عن انجباره هنا بالاشتهار،و توضیح ذلک:أن ناقل الروایة تارة ینقلها بألفاظها الصادرة عن المنقول عنه،و اخری بترجمتها بلغة اخری غیر لغة المروی عنه،و ثالثة بمعناها،کما هو المتعارف بین الرواة،خصوصا فی الأحادیث الطوال التی یعسر حفظ ألفاظها عادة،و رابعة بمضمونها،کما هو المرسوم بین الفقهاء فی مرحلة الإفتاء.

ص:100


1- 1) راجع ج 1 ئل باب 8 نجاسة ما نقص عن الکر من أبواب ماء المطلق.
2- 2) راجع ج 1 ئل باب 5 عدم نجاسة الماء الجاری من أبواب ماء المطلق.

أما غیر القسم الأخیر فلا شبهة فی شمول أدلة اعتبار الخبر له،کما هو واضح،و أما القسم الأخیر فلا تشمله تلک الأدلة قطعا،لانحصارها فی الاخبار الحسیة،و رأی الفقیه من الأمور الحدسیة،فلا یکون حجة لغیره و لغیر مقلدیه،کما حقق فی علم الأصول.

و إذا عرفت ذلک اتضح لک أن المحکی عن الشیخ(ره)لا یکون مشمولا لأدلة اعتبار الخبر لأن ظاهره أنه(ره)فهم باجتهاده جواز البیع من الروایات،و أشار إلیه بلفظ الإشارة بداهة أن الامام«ع»لم یبین الحکم علی النحو المذکورة فی العبارة،و بلفظ الإشارة ابتداء من دون أن یکون مسبوقا أو ملحوقا بکلام آخر یدل علیه،و علیه فلم یثبت کون المحکی روایة حتی ینجبر ضعفها بعمل المشهور،و تکون حجة لنا فی مقام الفتوی،نعم لو کانت الروایة بأصلها و أصله إلینا،و قلنا بانجبار ضعف الخبر بشیء لکان لهذه الدعوی مجال واسع هذا کله علی تقدیر أن یکون المنقول فی المتن هو عین عبارة الشیخ(ره).

و لکنها لیست کک،فإنه قال فی تجارة المبسوط (1):(و روی ان کلب الماشیة و الحائط کذلک)و علی هذا فهی روایة مرسلة،و قابلة للانجبار.

و مع ذلک لا یجوز الاستناد إلیها أیضا،لما عرفت فی البحث عن روایة تحف العقول من منع انجبار ضعف الروایة بشیء صغری و کبری.علی أن من البعید جدا بل من المستحیل عادة أن تکون هناک روایة،و لم یظفر علیها غیر الشیخ من علماء الحدیث،أو وصلوا إلیها و لکنهم لم یوردوها فی أصولهم المعدة للروایة،حتی هو(ره)فی تهذیبیه.

و المظنون أن الشیخ(ره)اطلع علیها فی کتب العامة،و أوردها فی کتابه للمناسبة إلا أن أحادیثهم عن النبی(صلی الله علیه و آله)فی النهی عن بیع الکلاب خالیة أیضا عن استثناء کلب الماشیة و کلب الحائط.

لا یقال:إن عدم اشتهار المرسلة بین القدماء لا یمنع انجبار ضعفها بعمل المشهور من المتأخرین،فإن ظهورها إنما کان من زمان الشیخ(ره)،فیکون هذا عذرا لعدم عمل القدماء بها،و إنما یضر ذلک فیما إذا کانت الروایة بمرأی منهم و مسمع،ثم لم یعملوا بها لإعراضهم عنها.

فإنه یقال:إن ضعف الروایة إنما ینجبر بالشهرة إذا عمل بها المشهور مع نقلهم إیاها فی کتبهم من دون أن یستندوا فی ذلک الی نقل شخص واحد،و أما إذا انتهی سند الناقلین الی شخص واحد فنسبتها إلی النقلة و غیرهم سیان،فمثل هذه الشهرة لا توجب الانجبار.

ص:101


1- 1) راجع فصل حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.و ج 2 ئل باب 42 تحریم بیع الکلاب مما یکتسب به.

ضرورة عدم اختصاص النقلة بقرینة زائدة لیمتازوا بها علی غیرهم.و إذن فنسبة المرسلة الی العاملین و الناقلین کنسبتها إلینا،لأن مستندهم أجمع هو نقل الشیخ(ره)فقط:فلا یکون عملهم هذا جابرا لوهنها.

و یضاف الی ذلک ما قد عرفته مرارا من فساد البناء و المبنی،و أن الشهرة لا تجبر ضعف الروایة صغری و کبری.

تذییل

المستفاد من أخبار الباب إنما هو حرمة بیع کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع و أما المعاملات الأخری غیر البیع فلا بأس فی إیقاعها علیها،کاجارتها،و هبتها،و الصلح علیه بناء علی عدم جریان أحکام البیع علیه إذا کانت نتیجته المبادلة بین المالین،فان المذکور فی تلک الأخبار هی حرمة ثمن غیر الصیود من الکلاب،و لا یطلق الثمن علی ما یؤخذ بدلا بغیر عنوان البیع من المعاملات.

ثم لا یخفی:أن اقتناء تلک الکلاب و لو فی غیر أو ان الاصطیاد و الحراسة مما لا إشکال فیه لأنها من الأموال و لو باعتبار الانتفاع بها فی وقت الاصطیاد و الحراسة،و حرمة بیع هذه الکلاب لا یضر بجواز اقتنائها،إذ لا ملازمة بین حرمة بیع شیء و حرمة اقتنائه و الانتفاع به کیف و إن الانتفاع بها أکثر من الانتفاع بالکلب الصیود،خصوصا لأهل البادیة،و أصحاب الماشیة و البساطین و الزروع و نحوها،و لم یستشکل أحد فی جواز ذلک فیما نعلم،بل ورد فی أخبار الفریقین[1]جواز اقتناء الکلاب الأربعة،إلا أن تلحق بالکلب الهراش.

ص:102

و قد یقال:بجواز بیع کلب الماشیة لقول علی«ع»فی روایة قیس[1]:(لا خیر فی الکلاب إلا کلب صید أو کلب ماشیة).فإن جواز البیع من الخیر الثابت فیه.

و فیه أن غایة ما یستفاد من الروایة هو جواز اقتنائه للانتفاع به فی حراسة الماشیة و اتصافه بالمالیة بهذا الاعتبار،و أما جواز بیعه فلا یستفاد منها،لأنک قد عرفت عدم الملازمة بین کون الشیء مالا،و بین جواز بیعه،و إذن فالروایة من جملة ما یدل علی جواز اقتناء کلب الماشیة.و من هنا اتضح:أنه لا وجه لقیاس ما یحرم بیعه من الکلاب الثلاثة بالخمر لإثبات عدم المالیة فیها،لا وجه لذلک لان الشارع قد ألغی مالیة الخمر،بخلاف الکلاب الثلاثة،فإن مالیتها محفوظة فی نظر الشارع و إن حرم بیعها.

جواز بیع العصیر العنبی إذا غلی و لم یذهب ثلثاه

قوله الأقوی جواز المعاوضة علی العصیر العنبی إذا غلی،و لم یذهب ثلثاه. أقول:

الغلیان عبارة عن القلب،کما فی روایة الحماد[2]،قال:(قلت:أی شیء الغلیان؟قال:

القلب).و المراد به حصول النشیش فیه بحیث یصیر أعلاه أسفله،ثم ان العصیر إذا غلی بنفسه حکم بنجاسته بمجرد ظهور النشیش فیه عند بعض القدماء،و قد شید أرکان هذا القول البطل البحاثة شیخ الشریعة(ره)فی رسالته العصیریة،و تبعه جملة ممن تأخر عنه و علی هذا فلا تحصل الطهارة و الحلیة فیه إلا بصیرورته خلا.

و یمکن تأیید هذا القول بروایة الکلبی النسابة المتقدمة فی بیع النبیذ(قال:سألت أبا عبد اللّه«ع»عن النبیذ؟فقال:حلال،قلت:إنا ننبذه فنطرح فیه العکر و ما سوی ذلک فقال«ع»:شه شه تلک الخمرة المنتنة):و قد کنا نجزم بذلک القول فی سالف الأیام،ثم عدلنا عنه،و تحقیق الحق فی محله.

ص:103

و ان کان غلیانه بالنار فهو محل الکلام فی المقام،و مورد النقض و الإبرام من جهة طهارته و عدمها،و جواز شربه و بیعه و عدمهما،و فصل بعضهم بین العصیر العنبی و التمری و حکم بنجاسة الأول و طهارة الثانی،و تحقیق ذلک و تفصیله فی کتاب الطهارة،و وجهة الکلام هنا فی خصوص البیع فقط،و الظاهر جوازه.

و لنمهد لبیان ذلک مقدمة،و هی أنه لا إشکال فی ان العصیر العنبی سواء غلی أم لم یغل من الأموال المهمة فی نظر الشارع و العرف،و علیه فلو أتلفه أحد ضمن قیمته لمالکه،کما لو أغلاه الغاصب،فإنه یضمنه بنقصان قیمته إذا کان الغلیان موجبا للنقص،کأن أخذ للتداوی فی غیر أو ان العنب،فإنه لا قصور فی شمول دلیل الید لذلک مع قیام السیرة القطعیة علیه و إن کان غلیانه لا یوجب نقصان قیمته،أو کان سببا لزیادتها فلا وجه للضمان،کأن أخذ للدبس و نحوه فغصبه الغاصب فأغلاه،و الوجه فی ذلک هو أن الغاصب و إن أحدث فی العصیر المغصوب وصفا جدیدا،إلا أن تصرفه هذا لم یحدث عیبا فی العصیر لیکون موجبا للضمان،بل صار وسیلة لازدیاد القیمة.

و من هنا ظهر لک ضعف قول المتن:(لو غصب عصیرا فأغلاه حتی حرم و نجس لم یکن فی حکم التالف،بل وجب علیه رده،و وجب علیه غرامة الثلثین،و اجرة العمل فیه حتی یذهب الثلثان)فقد عرفت عدم صحة ذلک علی إطلاقه.

إذا علمت ذلک وقع الکلام فی ناحیتین،الناحیة الاولی:فی جواز بیع العصیر العنبی و عدمه بحسب القواعد،و الناحیة الثانیة:فی جواز بیعه و عدم جوازه بحسب الروایات.

أما الناحیة الأولی:فقد یقال:بحرمة بیعه إذا غلی من جهة النجاسة،و الحرمة،و انتفاء المالیة،و لا یرجع شیء من هذه التعلیلات الی معنی محصل،أما النجاسة فإنها لم تذکر إلا فی روایة تحف العقول،و المراد بها النجاسات الذاتیة،فلا تشمل المتنجسات،لأن نجاستها عرضیة،و لو سلمنا شمولها للمتنجسات فالنهی عن بیعها لیس إلا من جهة عرائها عن المنفعة المحللة،و لا شبهة فی أن العصیر العنبی المغلی لیس کذلک،لوجود المنافع المحللة فیه بعد ذهاب ثلثیه،علی أن مانعیة النجاسة عن البیع ممنوعة کما تقدم.

و أما الحرمة فقد یقال:إن الروایات العامة المتقدمة دلت علی وجود الملازمة بین حرمة الشیء و حرمة بیعه،إلا أنه فاسد،فقد تقدم أنها ضعیفة السند،و أشرنا أیضا الی عدم الملازمة بین حرمة الشیء و حرمة بیعه،علی أن المراد بالحرمة فیها ما یعرض علی الشیء بعنوانه الذاتی الأولی،فلا تشمل الأشیاء المحرمة بواسطة عروض أمر خارجی،و إلا للزم القول بحرمة بیع الأشیاء المباحة إذا عرضتهم النجاسة أو غیرها مما یوجب حرمتها العرضیة

ص:104

و أما انتفاء المالیة ففیه أن العصیر العنبی المغلی من الأموال الخطیرة فی نظر الشارع و العرف و لذا لو أتلفه أحد لضمنه کما عرفته.علی أن الظاهر ان المالیة لا تعتبر فی صحة المعاوضة علی الشیء و أما الناحیة الثانیة:فقد استدل علی حرمة بیعه بروایات:منها قوله«ع»فی روایة محمد ابن الهیثم[1]:إنه(إذا تغیر عن حاله و غلی فلا خیر فیه حتی یذهب ثلثاه).فان البیع من جملة الخبیر منفی فلا یجوز.و فیه أولا:انها روایة مرسلة،فلا تصلح للاستناد إلیها فی الأحکام الشرعیة.و ثانیا:إنها بعیدة عن حرمة البیع الظهور السؤال فی حرمة الشرب فقط،فلا تشمل البیع.

و منها قوله«ع»فی روایة أبی کهمس[2]:(و إن غلی فلا یحل بیعه)فان ظاهرها نفی الحلیة المطلقة تکلیفیة کانت أم وضعیة،فتدل علی حرمة بیع العصیر إذا غلی و لم یذهب ثلثاه و فیه أولا:انها ضعیفة السند.و ثانیا:ان ظهورها فی غلیان العصیر بنفسه لا بالنار، فتکون غریبة عما نحن فیه،و راجعة إلی القسم الأول من العصیر،و قد عرفت من بعض القدماء و من شیخ الشریعة أن الطهارة و الحلیة فیه لا تحصلان إلا بصیرورته خلا،علی أن الظاهر من الحلیة فیها بقرینة الصدر و الذیل هی التکلیفیة فقط دون الوضعیة وحدها،أو ما هو

ص:105

أغم منها و من التکلیفیة،إذن فالروایة ناظرة إلی حرمة بیع العصیر للشرب،فان إشراب النجس أو المتنجس للمسلم حرام،و أما حرمة بیعه للدبس و نحوه فلا یستفاد منها.

ثم لا یخفی:ان قوله«ع»فی ذیل الروایة:(هو ذا نحن نبیع تمرنا ممن نعلم انه یصنعه خمرا).إنما هو لدفع وسوسة السائل من تجویز الامام«ع»بیع العصیر قبل الغلیان،و إن کان المشتری ممن یصنعه خمرا،و سیأتی فی مبحث بیع العنب ممن یجعله خمرا تعلیل الامام«ع» جواز البیع بقوله بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه)و قد تکرر ذلک فی جملة من الروایات و منها ما فی روایة أبی بصیر[1]من قوله«ع»:(إذا بعته قبل ان یکون خمرا و هو حلال فلا بأس).فإن منطوقها یدل علی جواز بیع العصیر قبل صیرورته خمرا،و مفهومها یدل علی عدم جواز البیع بعد حرمة العصیر بالغلیان.

و فیه أولا:انها ضعیفة السند.و ثانیا:ان روایها أبا بصیر مشترک بین اثنین،و کلاهما کوفی،و من أهل الثقة،و من المقطوع به ان بیع العصیر العنبی لم یتعارف فی الکوفة فی زماننا هذا مع نقل العنب إلیها من الخارج فضلا عن زمان الراوی الذی کان العنب فیه قلیلا جدا،و علیه فالمسؤول عنه هو حکم العصیر التمری الذی ذهب المشهور الی حلیته حتی بعد الغلیان ما لم یصر خمرا،فلا یستفاد من الروایة إلا حرمة بیع الخمر و جواز بیع العصیر التمری قبل کونه خمرا،فتکون غریبة عن محل الکلام،و إن أبیت عن ذلک فلا إشکال انها غیر مختصة بالعصیر العنبی،فغایة الأمر أن تکون الروایة شاملة لکلا العصیرین،إلا أنه لا بد من التخصیص بالتمری،لان ظاهر قوله«ع»:(و هو حلال)هو أن العصیر قبل کونه خمرا حلال و لو کان مغلیا،و من الواضح ان هذا یختص بالتمری دون العنبی.

قوله و الظاهر أنه أراد بیع العصیر للشرب من غیر التثلیث. أقول:قد حکی المصنف عن المحقق الثانی فی حاشیة الإرشاد:انه(لو تنجس العصیر و نحوه فهل یجوز بیعه علی من یستحله فیه اشکال؟)ثم ذکر المحقق الثانی:(ان الأقوی العدم،لعموم و لا تعاونوا علی الإثم و العدوان).

و قد استظهر المصنف من کلامه هذا:أنه أراد بیع العصیر للشرب من غیر التثلیث،إلا أن الذی یظهر لنا منه:أنه أراد من العصیر مطلق المعتصرات کعصیر الفواکه و غیره، و یدل علی أن هذا هو المراد من کلامه وجهان:الوجه الأول:عطف کلمة(نحوه)علی

ص:106

العصیر،فان الظاهر أن المراد منها مطلق المائعات المضافة،فلا بد و أن یکون المراد من العصیر مطلق المعتصرات،إذ لا خصوصیة العصیر العنبی فی المقام.و الوجه الثانی:تقییده جواز البیع بمن یستحل،إذ لو کان مراده خصوص العصیر العنبی فقط لکان ذلک التقیید لغوا،لجواز بیعه من غیر المستحل أیضا،فقد عرفت حلیته و طهارته و جواز الانتفاع به علی وجه الإطلاق بعد ذهاب ثلثیه.

و یؤید ذلک ما استدل به المحقق الثانی علی حرمة البیع من حرمة الإعانة علی الإثم.فان العصیر العنبی و إن کان یتنجس و یحرم بمجرد الغلیان،إلا أنه یطهر و یحل بذهاب ثلثیه، فلا یکون بیعه من غیر المستحل إعانة علی الإثم،و یستکشف من ذلک أن غرضه من العصیر هو ما ذکرناه.

جواز المعاوضة علی الدهن المتنجس

قوله یجوز المعاوضة علی الدهن المتنجس. أقول:المعروف بین الأصحاب هو جواز المعاوضة علی الدهن المتنجس،لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة،بل فی الخلاف (1)دعوی الإجماع علی ذلک،قال:(یجوز بیع الزیت النجس لمن یستصبح به تحت السماء،و قال أبو حنیفة[1]:یجوز بیعه مطلقا،و قال مالک و الشافعی:لا یجوز بیعه بحال،دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم).و عن الحنابلة أیضا لا یجوز،إلا ان الظاهر من أخبار العامة (2)جواز ذلک،لاطباقها علی جواز الانتفاع به.بل فی بعضها[2]ذکر

ص:107


1- 1) ج 1 کتاب البیوع ص 225.
2- 2) راجع ج 9 سنن البیهقی ص 354.

جواز البیع صریحا.

قوله و جعل هذا من المستثنی عن بیع الأعیان النجسة. أقول:حاصل کلامه أن مسألة المعاوضة علی الدهن للاستصباح إنما یمکن جعله من المستثنی من حرمة بیع الأعیان النجسة إذا قلنا بحرمة الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدلیل،أو قلنا بحرمة بیع المتنجس و إن جاز الانتفاع به منفعة محللة مقصودة،و إلا فیکون الاستثناء منقطعا،لعدم دخول بیع الدهن المتنجس و لا غیره من المتنجسات القابلة للانتفاع بها فی المستثنی منه،و قد تقدم أن المنع عن بیع النجس فضلا عن المتنجس لیس إلا من حیث حرمة المنفعة المقصودة،فإذا فرض حلها فلا مانع من البیع.

و فیه أولا:أنه قد تقدم مرارا عدیدة أن النجاسة بما هی نجاسة لا تمنع عن البیع إلا إذا استلزمت حرمة الانتفاع بالنجس من جمیع الجهات و قد اعترف المصنف هنا و فی مسألة بیع المیتة الحکم الأول،و قد تقدم أیضا أن النجاسة لا تمنع عن الانتفاع بالنجس لو کان له نفع محلل،بل و ستعرف أن مقتضی الأصل إنما هو جواز الانتفاع بالأعیان النجسة فضلا عن المتنجسات،و إذن فلا مناص عن کون الاستثناء منقطعا لا متصلا.

و ثانیا:أنا لا نعرف وجها لابتناء کون الاستثناء متصلا علی حرمة الانتفاع بالمتنجس، إذا العنوان فی المستثنی منه إنما هو حرمة بیع النجس،أو المتنجس من حیث هما کذلک و لم یقید بحرمة الانتفاع بهما،نعم یجوز تعلیل جواز البیع،أو حرمته بجواز الانتفاع بهما أو حرمته،و علیه فتکون حرمة الانتفاع بهما من علل التشریع لحرمة بیعهما،و من قبیل الواسطة فی الثبوت لذلک،و قد ظهر مما ذکرناه:أن القاعدة الأولیة تقتضی جواز بیع الدهن المتنجس بلا احتیاج الی الروایات،کما أنها تقتضی حرمة بیعه،و عدم جواز الانتفاع به لو قلنا بمانعیة النجاسة عن البیع،و عدم جواز الانتفاع بالمتنجس.

و ثالثا:أن جعل المصنف المعاوضة علی الأعیان المتنجسة من جملة المسائل الثمانیة و ان کان یقتضی اتصال الاستثناء و شمول المستثنی منه للنجس و المتنجس کلیهما،إلا أن تخصیصه الکلام فی عنوان هذه المسائل الثمانیة بالاکتساب بالأعیان النجسة عدا ما استثنی یقتضی انقطاع الاستثناء،سواء قلنا بجواز الانتفاع بالمتنجس أم لم نقل،و علیه فذکر مسألة المعاوضة علی الأعیان المتنجسة فی عداد المعاوضة علی الأعیان النجسة من باب الاستطراد.

ص:108

تأسیس

لا یخفی أن الروایات الواردة فی بیع الدهن المتنجس علی طوائف،الأولی[1]:ما دل علی جواز بیعه مقیدا بإعلام المشتری.الثانیة[2]:ما دل علی جواز البیع من غیر تقیید بالإعلام کروایة الجعفریات الدالة علی جواز بیع الدهن المتنجس لجعله صابونا.الثالثة[3]:ما دل علی

ص:109

عدم جواز بیعه مطلقا،و مقتضی القاعدة تخصیص الطائفة الثالثة الدالة علی عدم الجواز بما دل علی جواز البیع مع الإعلام،و بعد التخصیص تنقلب:نسبتها إلی الطائفة الثانیة الدالة علی جواز البیع مطلقا،فتکون مقیدة لها لا محالة،فیحکم بجواز بیعه مع الإعلام دون عدمه، و علی هذا فیجب الإعلام بالنجاسة مقدمة لذلک.

و لا یخفی أن وجوب الاعلام علی ما یظهر من دلیله إنما هو لأجل أن لا یقع المشتری فی محذور النجاسة،إذ قد یستعمل الدهن المتنجس فیما هو مشروط بالطهارة لجهله بالحال، و علیه فلو باع المتنجس الذی لیس من شأنه أن یستعمل فیما یشترط بالطهارة کاللحاف و الفرش فلا یجب الاعلام فیه.

قوله منها الصحیح عن معاویة بن وهب. أقول:لا دلالة فی الروایة علی جواز البیع و لا علی عدمه،بل هی دالة علی جواز إسراج الزیت المتنجس.

قوله و منها الصحیح عن سعید الأعرج. أقول:الروایة للحلبی،و هی أیضا دالة علی الإسراج،فلا إشعار فیها بحکم البیع بوجه.

قوله و زاد فی المحکی عن التهذیب. أقول:بعد ما نقل الشیخ(ره)روایة ابن وهب المشار إلیها الدالة علی جواز إسراج الزیت المتنجس قال:(و قال:فی بیع ذلک الزیت تبیعه و تبینه لمن اشتراه لیستصبح به)فأشار به الی روایة أخری لابن وهب،و هی الروایة المتقدمة الدالة علی جواز بیع ذلک الزیت مع الإعلام،إذن فلا وجه لجعل هذه العبارة روایة کما صنعه المصنف،و إنما هی من کلام الشیخ(ره).

عدم اشتراط الاستصباح فی صحة بیع

الدهن المتنجس

قوله إذا عرفت هذا فالإشکال یقع فی مواضع:الأول) أقول:ما قیل أو یمکن ان یقال فی حکم بیع الدهن المتنجس وجوه بل أقوال،

الأول:جواز بیعه علی أن یشترط

علی المشتری الاستصباح،

کما استظهره المصنف من عبارة السرائر الثانی:جوازه مع قصد المتبایعین الاستصباح و إن لم یستصبح به بالفعل،کما استظهره المصنف من الخلاف.الثالث جواز بیعه بشرط أن لا یقصد المتبایعان فی جواز بیعه المنافع المحرمة و إن کانت نادرة سواء

ص:110

قصدا مع ذلک المنافع المحللة أم لا.الرابع:صحة بیعه مع قصد المنفعة المحللة إلا إذا کانت شایعة،فلا یعتبر فی صحة البیع ذلک القصد.الخامس:جواز بیعه علی وجه الإطلاق من غیر اعتبار شیء من القیود المذکورة.السادس:اشتراط تحقق الاستصباح به خارجا فی جواز بیعه،کما استظهره المحقق الایروانی من عبارتی الخلاف و السرائر،و جعلهما أجنبیتان عما ذکره المصنف(ره).

و قد اختار فی المتن الوجه الرابع فی مطلق کلامه،و قال:یمکن أن یقال باعتبار قصد الاستصباح،و اختار الوجه الثالث فی آخر کلامه،و قال نعم یشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة،و الذی تقتضیه القواعد مع الإغماض عن الروایات هو الوجه الخامس.

و لنبدأ بذکر ما اختاره المصنف،و ذکر ما یرد علیه من الاشکال،و سیظهر من ذلک وجه القول المختار،فنقول:ملخص کلامه:أن مالیة الأشیاء عند العرف و الشرع إنما هی باعتبار منافعها المحللة الظاهرة المقصودة منها لا باعتبار مطلق الفوائد و لو کانت غیر ملحوظة فی مالیتها،أو کانت نادرة الحصول،و لا باعتبار المنافع الملحوظة إذا کانت محرمة،و علیه فإذا فرض أن الشیء لم تکن له فائدة محللة ملحوظة فی مالیته فلا یجوز بیعه،لا مطلقا لانصراف الإطلاق إلی کون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه،و المفروض حرمتها،فیکون أکلا للمال بالباطل.و لا مع قصد الفائدة المحللة النادرة،فإن قصدها لا یوجب المالیة مع حرمة منفعته الظاهرة،نعم لو دل نص خارجی علی جواز بیعه کما فیما نحن فیه لوجب حمله علی ما إذا قصد المتبایعان المنفعة النادرة،فإنها و إن لم توجب المالیة بحسب نفسها،و لکن توجبها بحکم الشارع،فلا یکون أکلا للمال بالباطل،کما أن حکمه قد یوجب سلب المالیة فی بعض الأحیان کما فی الخمر و الخنزیر،فیکون أکل المال فی مقابلهما أکلا له بالباطل، و هکذا لو لم تقصد المنفعة النادرة فی الصورة المتقدمة،فإن المال فی هذه الصورة یقع فی مقابل المنفعة الظاهرة المحرمة.

و فیه أن جمیع الأدهان و لو کانت من العطور مشترکة فی أن الإطلاء و الاستصباح بها أو جعلها صابونا من منافعها المحللة الظاهرة،و أنها دخیلة فی مالیة الدهن،غایة الأمر ان توفق بعض منافعها کالأکل فیما قصد منه أکله،و الشم فیما قصد منه شمه أوجب لها زیادة فی المالیة،و أوجب إلحاق المنافع الأخر المغفول عنها بالمنافع النادرة و إن کانت فی نفسها من المنافع الظاهرة،لأن اختلاف المرتبة فی المنفعة بمجرده لا یجعل المرتبة النازلة من المنافع نادرة فی حد ذاتها و إن خفیت فی نظر أهل العرف،و علیه فالمرتفع من منافع الدهن إذا تنجس إنما هو خصوص إباحة اکله،و اما ما سواها من المنافع فهو باق علی حاله.

ص:111

و علی الجملة انتفاء بعض المنافع الظاهرة المعروفة عن الأشیاء،کذهاب رائحة الأدهان العطریة،و عروض حرمة الأکل لما قصد منه اکله من الادهان لا یوجب انتفاء مالیتها بالکلیة،بل هی موجودة فیها باعتبار منافعها الأخر الظاهرة و إن کانت غیر معروفة.

و من هنا یتوجه الحکم بالضمان إذا غصبها غاصب أو أتلفها متلف،للسیرة القطعیة العقلائیة،و لدلیل الید،و إذن فلا وجه لجعل الاستصباح من المنافع النادرة للدهن،بل هو کغیره من المنافع الظاهرة،فإن اعتبر قصدها فی صحة البیع اعتبر مطلقا،و ان لم یعتبر ذلک لم یعتبر مطلقا.

و أما المنافع النادرة للشیء فإنها لا توجب مالیته،فکیف یقال:باعتبار قصدها فی صحة بیعه،و لا نظن ان أحدا یلتزم بمالیة الکوز المصنوع من الطین المتنجس بلحاظ الانتفاع بخزفة فی البناء!!علی أنه لا دلیل علی اعتبار أصل القصد وجودا و عدما فی صحة البیع.

قوله نعم یشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة. أقول:أشار به الی الوجه الثالث.

و یرد علیه:أن مالیة الأشیاء قائمة بها بما لها من المنافع حسب رغبات العقلاء،إذ الرغبة فیها لا تکون إلا لأجل منافعها،فالمنافع المترتبة علیها من قبیل الجهات التعلیلیة:بمعنی أن رغبة العقلاء فیها لیس إلا لأجل منافعها الموجودة فیها،و حینئذ فبذل المال إنما هو بإزاء نفس العین فقط،و علة ذلک البذل هی المنافع،و علیه فلو قصد البائع المنفعة المحرمة لم یلزم منه بطلان البیع،فقد عرفت أن مالیة الأشیاء قائمة بذواتها،و أن المنافع المترتبة علیها من قبیل العلل و الدواعی،فحرمة بعض المنافع لا توجب حرمة المعاملة علی الأشیاء إذا کانت حلالا بلحاظ المنافع الأخر،و مثال ذلک صحة بیع العنب ممن یجعله خمرا،و سیأتی البحث فیه و بعبارة واضحة الثمن إنما یقع بإزاء العین دون المنافع،غایة الأمر ان ترتب المنفعة علیها غایة للشراء وداع الیه،فحرمة المنفعة المشروطة علیه لا توجب بطلان البیع ما لم یکن الثمن بإزائها،و مما یدلنا علی ذلک أنه إذا استوفی المشتری منافع المال الأخری غیر هذه التی اشترطت علیه فی البیع،أو التی انصرف إلیها الإطلاق لم یبطل البیع،و لا یکون هذا التصرف منه بغیر استحقاق،و مما ذکرناه تجلی:ان أکل الثمن فی مقابله لیس أکلا للمال بالباطل کما فی المتن فإنه مضافا الی ما تقدم من کون الآیة أجنبیة عن شرائط العوضین،و إنما هی ناظرة إلی حصر المعاملات الصحیحة بالتجارة عن تراض،و ناهیة عن الأسباب الباطلة لها.ان اشتراط المنفعة المحرمة لا یوجب کون الثمن بإزائها،لکی یکون أکل المال فی مقابلها أکلا له بالباطل إذ الشروط لا تقابل بالثمن،و سیأتی ذلک فی مبحث الشروط ان شاء اللّه.

قوله و إلا فسد العقد بفساد الشرط. أقول:یرد علیه أن العقد لا یفسد باشتراط

ص:112

الشرط الفاسد فیه،و قد اختاره المصنف فی باب الشروط،و الوجه فیه أن الالتزام الشرطی أمر آخر وراء الالتزام العقدی،فلا یستلزم فساده فساد العقد،و علیه فلا وجه للالتزام ببطلان العقد فی المقام باشتراط المنفعة المحرمة فیه،لانه من صغریات الکبری المذکورة.

قوله بل یمکن القول بالبطلان بمجرد القصد و إن لم یشترط فی متن العقد. أقول:یرد علیه ما ذکرناه سابقا من أن بذل المال إنما هو بإزاء نفس العین،و المنافع المترتبة علیها من قبیل الجهات التعلیلیة،ثم لتسلم أنا قد التزمنا ببطلان العقد باشتراط المنفعة المحرمة.فلا مجال للالتزام بالبطلان بمجرد القصد بعد ما لم یکن مذکورا فی العقد،إذ لا عبرة بالقصد الساذج إذا لم یکن شرطا فی ضمن العقد،و قد انجلی مما حققناه بطلان سائر الوجوه و الأقوال بأجمعها.هذا کله بحسب ما تقتضیه القواعد.

و أما بحسب الروایات فقد یقال:بلزوم قصد الاستصباح فی بیع ذلک الدهن.لقول الصادق«ع»فی روایة ابن وهب:(بعه و بینه لمن اشتراه لیستصبح به).و لقوله«ع» فی روایة إسماعیل بن عبد الخالق:(أما الزیت فلا تبعه إلا لمن تبین له فیبتاع للسراج).

فإنهما ظاهرتان فی تقیید جواز البیع بقصد الاستصباح،بل بالغ بعضهم و قال:إن الروایة الثانیة صریحة فی ذلک بدعوی حصر جواز البیع فیها بصورة الشراء للإسراج فقط.

و فیه أولا:أن الروایة الثانیة ضعیفة السند کما تقدم.و ثانیا:أن الظهور البدوی فی الروایتین و إن کان ذلک،و لکن الذی یظهر بعد التأمل فی مدلولهما هو أن الاستصباح و الإسراج من فوائد التبیین و متفرعاته،و قد أخذ غایة لذلک لکی لا یقع المشتری فی محذور النجاسة باستعماله الدهن المتنجس فیما هو مشروط بالطهارة کالأکل و نحوه،إذن فلا دلالة فی الروایتین علی أن اعتبار قصد الاستصباح من شرائط البیع.

و ثالثا:أن التوهم المذکور مبنی علی جعل الأمر بالبیان فی الروایتین للإرشاد إلی الاستصباح بالدهن،و لیس کذلک،لأن الأوامر و النواهی إنما تحمل علی الإرشاد إذا اکتنفت بالقرائن الصارفة عن ظهور الأمر فی الوجوب،و عن ظهور النهی فی التحریم، سواء أ کانت القرائن حالیة أم مقالیة،و سواء أ کانت عامة أم خاصة،کالأوامر و النواهی المتعلقة بأجزاء الصلاة و شرائطها،و کالأوامر و النواهی الواردة فی أبواب المعاملات، کقوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ،و کالنهی عن بیع ما لیس عندک،و النهی عن بیع الغرر، و سیأتی البحث عنها فی مواضعها،و أما فیما نحن فیه فلا قرینة توجب رفع الید عن ظهور الأمر بالبیان فی الوجوب النفسی،و حمله علی الإرشاد.

قوله کما یومئ إلی ذلک ما ورد فی تحریم شراء الجاریة المغنیة و بیعها. أقول:وجه

ص:113

الإیماء دلالتها علی بطلان بیع الجاریة المغنیة إذا کان لأجل الغناء،فتکون مؤیدة لما ذکره من کون قصد المنفعة المحرمة موجبا لبطلان البیع و إن لم یشترط فی ضمن العقد،و سیأتی الکلام فی تلک الروایات.

قوله فی روایة الأعرج المتقدمة. أقول:لیست الروایة للأعرج،و لیس متنها هو الذی ذکره المصنف(ره)،و قد عرفت ذلک فی أول المسألة.

وجوب الإعلام بنجاسة الدهن عند البیع

قوله الثانی:أن ظاهر بعض الاخبار وجوب الإعلام. أقول:قد وقع الخلاف بین الفقهاء فی وجوب إعلام المشتری بنجاسة الدهن و عدم وجوبه،و علی الأول فهل یجب مطلقا،أو فیما إذا کان المشتری بصدد الاستعمال للدهن فیما هو مشروط بالطهارة؟و علی التقدیرین فهل الوجوب المذکور نفسی،أم شرطی بمعنی اعتبار اشتراطه فی صحة البیع؟ وجوه:المصرح به فی کلامهم هو الوجوب مطلقا،و قد تقدم فی عنوان المسألة نقل صاحب الحاشیة علی سنن البیهقی عن بعض العامة دعوی الإجماع علی ذلک،و استشهد علی ذلک أیضا بما نقله من الروایة[1].

ثم لا یخفی أن موضوع البحث فی الاشکال السابق یرجع إلی اشتراط البیع بالاستصباح أو بقصده،و أما هنا فموضوع البحث متمحض فی بیان وجوب الإعلام و عدم وجوبه مطلقا أو فی الجملة نفسیا أو شرطیا،إذن فالنسبة بینهما هی العموم من وجه،لانه قد یکون البیع للاستصباح مع جهل المشتری بالنجاسة،و قد یبیعه لغرض آخر غیر الاستصباح مع الاعلام بها،و قد یجتمعان بأن یبیعه للاستصباح مع الاعلام بها،و علیه فدعوی اتحاد الشرطین مجازفة قوله و الذی ینبغی أن یقال:إنه لا إشکال فی وجوب الإعلام) أقول:ظاهر کلامه أنا إذا اعتبرنا الشرط السابق فی بیع الدهن المتنجس فلا مناص لنا عن القول بوجوب الاعلام بنجاسته،لتوقف قصد الاستصباح أو اشتراطه علی العلم بها،و عدم انفکاک أحدهما عن الآخر.و فیه أن کلا من الأمرین مستقل بنفسه لا یرتبط بالآخر،نعم قد یجتمعان، لما عرفته من النسبة المذکورة.

إذا عرفت ذلک فاعلم،أنه ربما یقال:بأن الاعلام بنجاسة الدهن واجب شرطی للبیع، لقوله«ع»فی روایة أبی بصیر:(و أعلمهم إذا بعته).و فیه أن ظهور الروایة فی ذلک

ص:114

و إن کان لا ینکر،و لکن یجب رفع الید عنه،لقوله«ع»فی روایة إسماعیل:(أما الزیت فلا تبعه إلا لمن تبین له).و لقوله«ع»فی روایة ابن وهب:(بعه و بینه لمن اشتراه لیستصبح به).إذ الأمر بالبیان فیها ظاهر فی الوجوب النفسی،و لا یجوز المصیر إلی إرادة الوجوب الشرطی منه إلا بالقرینة،و هی هنا منتفیة.و هکذا الحال فی مطلق الأوامر.

علی انا و إن قلنا بظهور الأمر بالبیان فی الوجوب الشرطی ابتداء،فإن روایة ابن وهب ظاهرة فی الوجوب النفسی لوجهین:الأول ان الظاهر من قوله«ع»فیها:(بعه و بینه لمن اشتراه).ان الاعلام بالنجاسة إنما هو بعد وقوع البیع و تحققه کما یقتضیه التعبیر بالماضی بقوله«ع»(لمن اشتراه).و من الواضح جدا ان البیان بعد البیع لا یکون من شرائطه إلا بنحو الشرط المتأخر،و هو فی نفسه و إن کان جائزا کما حقق فی علم الأصول،و لکن لم یقل به أحد فی المقام،و علیه فلا محیص عن إرادة الوجوب النفسی من الأمر بالبیان فی الروایة،إذ لیس فیها احتمال ثالث.

الثانی:أن الاستصباح قد جعل فیها غایة للبیان و فائدة له،و لیس هذا إلا لبیان منفعة ذلک الدهن و مورد صرفه،لئلا یستعمل فیما هو مشروط بالطهارة،و إلا فلا ملازمة بینهما بوجه من الوجوه الشرعیة و العقلیة و العادیة،و هذا المعنی کما تری لا یناسب إلا الوجوب النفسی،و یختص وجوب الإعلام بصورة التسلیم،فلا یجب مع عدمه،أو مع العلم بأن المشتری لا ینتفع به فی غیر الاستصباح و نحوه مما هو غیر مشروط بالطهارة،فتحصل أن بیع الدهن المتنجس مشروط بالإعلام،فیکون من صغریات ما ورد فی الحدیث[1]:أن شرط اللّه قبل شرکم،فلا یجوز البیع بدون الإعلام.

حرمة تغریر الجاهل و إلقائه فی الحرام الواقعی

قوله و یشیر إلی هذه القاعدة کثیر من الأخبار. أقول:لما کان بیع الدهن المتنجس من المسلم قد یوجب إلقاء له فی الحرام الواقعی حکم بحرمته فی الشریعة المقدسة،فإنه یستفاد من مذاق الشارع حرمة إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی.

و یدل علی صدق هذه الکبری الکلیة مضافا إلی ما ذکرناه من وجوب الإعلام ما ورد

ص:115

فی الأخبار الکثیرة فی مواضع شتی الدالة علی حرمة تغریر الجاهل بالحکم أو الموضوع فی المحرمات.

منها ما دل[1]علی حرمة الإفتاء بغیر علم،و لحوق وزر العامل به للمفتی،فإن ثبوت ذلک علیه،و استحقاق العقوبة الإلهیة و المهلکة الأبدیة إنما هو لوجهین:أحدهما:افتراؤه علی اللّه فهو بالضرورة من المحرمات الذاتیة و المبغوضات الإلهیة،و قد توافق العقل و النقل علی حرمته.و ثانیهما التغریر و التسبیب و إلقاء المسلم فی الحرام الواقعی،و هو أیضا حرام فی الشریعة المقدسة.

و منها ما دل[2]علی ثبوت أوزار المأمومین و إثمهم علی الإمام فی تقصیر نشأ من تقصیر الامام،فیدل علی حرمة تغریر الجاهل بالحکم و إلقائه فی الحرام الواقعی.

ص:116

و منها الروایات[1]المتضمنة لکراهة إطعام الأطعمة و الأشربة المحرمة للبهیمة،فقد استشعر منها المصنف حرمة ذلک بالنسبة إلی المکلف،فتکون مؤیدة للمدعی.

و فیه أنا إذا قلنا بالتعدی عن مورد الروایات لثبتت الکراهة أو الکراهة المغلظة فی ذلک بالنسبة إلی المکلف بالأولویة القطعیة،و أما الحرمة فلا.

و منها ما دل[2]علی ضمان الإمام صلاة المأمومین إذا صلی بهم جنبا أو علی غیر طهر، و معنی الضمان هنا هو الحکم بوجوب الإعادة علی الامام دون المأمومین،و تحمله کل وزر یحدث علی المأمومین من جهة النقص إذا کان عالما.

و منها ما دل[3]علی حرمة سقی الخمر للصبی و الکفار،و أن علی الساقی کوزر من شربها،

ص:117

و إذا کان التسبیب و التغریر بالإضافة إلی الصبی و الکفار حراما فهو أولی بالحرمة فی غیر الصبی و الکفار.

و منها الأخبار الآمرة بإهراق المائعات المتنجسة،و سیأتی التعرض لها فی حکم الانتفاع بالمتنجس.

و منها الأخبار الدالة علی حرمة ارتکاب المحرمات،فإنه لا فرق فی إیجاد المحرم بین الإیجاد بالمباشرة أو بالتسبیب.و یؤید ما ذکرناه ما ورد[1]فی جواز بیع العجین المتنجس من مستحل المیتة دون غیره.و ما ورد من الاخبار الدالة علی حرمة بیع المذکی المختلط بالمیتة،و انه یرمی بهما إلی الکلاب،و قد تقدم ذکرها فی مبحث بیع المیتة،و ما یدل علی جواز إطعام المرق المتنجس لأهل الذمة أو الکلاب،و قد تقدم ذلک أیضا فی المبحث المذکور.

قوله و یؤیده ان أکل الحرام و شربه من القبیح و لو فی حق الجاهل. أقول:

توضیح کلامه:ان الاحکام الواقعیة کما حقق فی محله لیست مقیدة بعلم المکلفین،و إلا لزم التصویب المستحیل أو الباطل،فالأحکام الواقعیة و ملاکاتها شاملة لحالتی العلم و الجهل،ثم إن غرض الشارع من بعث المکلفین نحوها و تکلیفهم بها لیس إلا امتثالها بالإتیان بالواجبات و ترک المحرمات،حتی لا یوجد ما هو مبغوض للشارع،و لا یترک ما هو مطلوب.

و نتیجة المقدمتین ان المکلف الملتفت کما یحرم علیه مخالفة التکالیف الإلزامیة من ارتکاب المحرمات و ترک الواجبات،فکذلک یحرم علیه التسبیب إلی مخالفتها بإلقاء الجاهل فی الحرام الواقعی،لأن مناط الحرمة فی ذلک إنما هو تفویت غرض المولی بإیجاد المفسدة و ترک المصلحة الملزمتین،و هذا المناط موجود فی کلتا الصورتین،فالأدلة الأولیة کما تقتضی حرمة

ص:118

مخالفة التکالیف الإلزامیة بالمباشرة،فکذلک تقتضی حرمة مخالفتها بالتسبیب.

و بعبارة أخری قد ذکرنا فی علم الأصول فی الکلام علی حدیث الرفع:ان المرفوع عن المکلفین عند جهلهم بالتکالیف الواقعیة لیس إلا خصوص الإلزام الظاهری و العقاب الذی تستلزمه مخالفة الواقع،و أما الأحکام الواقعیة و ملاکاتها فهی باقیة علی حالها،و علیه فتغریر الجاهل بالأحکام الواقعیة و إن لم یوجب مخالفة المغرور التکالیف الإلزامیة،إلا انه یوجب تفویت غرض الشارع فهو حرام،و مثال ذلک فی العرف ان المولی إذا نهی عبیده عن الدخول علیه فی وقت خاص عینه لفراغه،فان نهیه هذا یشمل المباشرة و التسبیب،و لذلک لو سبب أحد العبید لدخول أحد علی مولاه فی ذلک الوقت لصح عقابه،کما یصح عقابه لو دخل هو بنفسه لاتحاد الملاک فی کلتا الصورتین بحکم الضرورة و البدیهة،و مما ذکرناه ظهر لک ان فی تعبیر المصنف تسامحا واضحا،فإنه أتی بلفظ القبیح بدل لفظ الحرمة،و من الضروری ان القبیح یرتفع عند الجهل بالتکلیف،و لا یلزمه ارتفاع الحرمة،اللهم إلا إذا أراد بالقبیح الحرمة، و لکنه لا یرفع التسامح.

ثم إن الوجوه المتقدمة إنما تقتضی حرمة تغریر الجاهل بالأحکام الواقعیة فیما إذا کان المغرور فی معرض الارتکاب للحرام،و إلا فلا موضوع للإغراء،و یترتب علی ذلک تقیید وجوب الإعلام فی بیع الدهن المتنجس بذلک أیضا،فإنه إنما یجب فیما إذا کان المشتری فی معرض الانتفاع به فیما هو مشروط بالطهارة،و إلا فلا دلیل علی وجوبه.

قوله بل قد یقال:بوجوب الاعلام و إن لم یکن منه تسبیب. أقول:قد عرفت بما لا مزید علیه حرمة إلقاء الجاهل فی الحرام الواقعی،و أما لو ارتکبه الجاهل بنفسه من دون تغریر و لا تسبیب من الغیر،فهل یجب علی العالم بالواقع إعلامه بالحال؟فیه وجهان:

فعن العلامة(ره)فی أجوبة المسائل المهنائیة التصریح بوجوب الاعلام،حیث سأله السید المهنا عمن رأی فی ثوب المصلی نجاسة؟فأجاب بأنه یجب الاعلام لوجوب النهی عن المنکر.

و لکن یرد علیه أن أدلة وجوب النهی عن المنکر مختصة بما إذا کان صدور الفعل من الفاعل منکرا،و فی المقام لیس کذلک،لأنا قد فرضنا جهل الفاعل بالواقع.

و قد یقال:بعدم الوجوب فی غیر موارد التسبیب،لروایة ابن بکیر[1]فإنها صریحة

ص:119

فی عدم وجوب الإعلام بنجاسة ثوب المصلی.و فیه ان الروایة أجنبیة عما نحن فیه،لان عدم وجوب الإعلام بالنجاسة إنما هو لأن الطهارة الخبیثة لیست من الشرائط الواقعیة للصلاة،و إنما هی من الشرائط العلمیة،لأن تنبیه الجاهل و إعلامه لیس بواجب علی العالم، و یرشدک الی ذلک ان الروایة مختصة بصورة الجهل،و لا تشمل صورة النسیان.

نعم یمکن الاستدلال علیه علی وجه الإطلاق بخبرین آخرین،الأول:خبر محمد بن مسلم[1]فإن الإمام«ع»نهی فیه عن الاعلام بالدم فی ثوب المصلی،و(قال:لا یؤذنه حتی ینصرف)من صلاة.و لا یرد علیه الاشکال المتقدم فی روایة ابن بکیر،فقد عرفت أن مورد السؤال فیها مختص بصورة الجهل بالواقع فقط،و هذا بخلاف مورد السؤال فی هذه الروایة فإنه مطلق یشمل صورتی الجهل و النسیان،و من الواضح ان الطهارة الخبیثة فی صورة النسیان من الشرائط الواقعیة للصلاة.

الثانی:خبر عبد اللّه بن سنان[2]فإنه صریح فی عدم وجوب الاعلام فی صورة الجهل فی غیر الصلاة أیضا،و فی هذا الخبر کفایة و إن لم یسلم الخبر السابق من الاشکال المذکور و مع الإغضاء عما ذکرناه فالمرجع فی المقام هو أصالة البراءة،إذ لیس هنا ما یدل علی وجوب الاعلام،لنخرج به عن حکم الأصل.

ثم ان هذا کله إذا لم یکن ما یرتکبه الجاهل من الأمور التی اهتم الشارع بحفظها من کل احد کالدماء و الفروج و الأحکام الکلیة الإلهیة،کما إذا اعتقد الجاهل ان زیدا مهدور الدم شرعا،فتصدی لقتله و هو محترم الدم فی الواقع أو اعتقد ان امرأة یجوز له نکاحها فأراد التزویج بها،و کانت فی الواقع محرمة علیه،أو غیر ذلک من الموارد،فإنه یجب علی الملتفت إعلام الجاهل فی أمثال ذلک،لکی لا یقع فی المحذور،بل تجب مدافعته لو شرع فی العمل و ان کان فعله من غیر شعور و التفات،و اما فی غیر تلک الموارد فلا دلیل علیه،بل ربما لا یحسن لکونه إیذاء للمؤمن.

قوله و الحاصل:ان هنا أمورا أربعة). أقول:ملخص کلامه:ان إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی علی أربعة أقسام،الأول:ان یکون فعل احد الشخصین علة تامة لصدور

ص:120

الحرام من الآخر،کإکراه الغیر علی الحرام،و هذا مما لا إشکال فی حرمته علی المکره بالکسر،و ثبوت وزر الحرام علیه،الثانی:أن یکون فعل أحدهما سببا لصدور الحرام من الآخر،کإطعام الشیء المحرم للجاهل بحرمته و هذا أیضا مما لا إشکال فی حرمته، فان استناد الفعل إلی السبب أولی من استناده إلی المباشر،فتکون نسبة الحرام إلی السبب أولی،کما یستقر الضمان أیضا علی السبب دون المباشر فی موارد الإتلاف.

و من هذا القبیل ما نحن فیه أعنی بیع الدهن المتنجس ممن لا یعلم بنجاسته من دون بیان.

الثالث:أن یکون فعل أحدهما شرطا لصدور الحرام من الآخر،و هذا علی وجهین:لأن عمل الشخص الأول تارة یکون من قبیل إیجاد الداعی للثانی علی المعصیة،سواء کان باثارة الرغبة إلی الحرام فی نفس الفاعل بالتحریض و التوصیف و نحوهما،أو بإیجاد العناد فی قلبه، کسب آلهة الکفار الموجب لالقائهم فی سب الحق عنادا،و اخری یکون من قبیل إیجاد مقدمة من مقدمات الحرام غیر إیجاد الداعی کبیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمرا.الرابع:

أن یکون من قبیل رفع المانع،و هو أیضا علی وجهین:لأن حرمة العمل الصادر من الفاعل إما أن تکون فعلیة علی أی تقدیر،کسکوت الشخص عن المنع من المنکر،و لا إشکال فی حرمة السکوت إذا اجتمعت شرائط النهی عن المنکر،و إما أن تکون غیر فعلیة علی تقدیر وجود المانع،کسکوت الملتفت إلی الحرام عن منع الجاهل الذی یرید أن یرتکبه،فان الجاهل ما لم یلتفت إلی الحرام لا یکون ارتکابه محرما لیجتمع سکوت الملتفت عن المنع مع الحرمة الفعلیة،کما فیما نحن فیه،و هذا الأخیر إن کان من الأمور المهمة فی نظر الشارع حرم السکوت،و وجب رفع الحرام،و إلا ففیه إشکال.

أقول:هذا التقسیم الذی أفاده المصنف(ره)لا یرجع إلی محصل،مضافا إلی جریه فی إطلاق العلة و المعلول علی غیر ما هو المصطلح فیهما،و المناسب فی المقام تقسیم إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی علی نحو یمکن تطبیقه علی القواعد،و استفادة حکمه من الروایات.

فنقول:إن الکلام قد یقع فی بیان الأحکام الواقعیة،و قد یقع فی إضافة فعل أحد الشخصین إلی الشخص الآخر من حیث العلیة أو السببیة أو الداعویة،أما الأول فقد یکون الکلام فی الأحکام الکلیة الإلهیة،و قد یکون فی الأحکام الجزئیة المترتبة علی الموضوعات الشخصیة.

أما الأحکام الکلیة الإلهیة فلا ریب فی وجوب إعلام الجاهل بها،لوجوب تبلیغ الأحکام الشرعیة علی الناس جیلا بعد جیل إلی یوم القیامة،و قد دلت علیه آیة النفر[1]

ص:121

و الروایات (1)الواردة فی بذل العلم و تعلیمه و تعلمه.

و أما الأحکام الجزئیة المترتبة علی الموضوعات الشخصیة فان لم نقل بوجود الدلیل علی نفی وجوب الإعلام-کالروایة المتقدمة الدالة علی صحة الصلاة فی الثوب النجس جهلا،و أنه لا یجب علی المعیر إعلام المستعیر بالنجاسة-فلا ریب فی عدم الدلیل علی وجوبه،و علی هذا فلو رأی أحد نجاسة فی طعام الغیر فإنه لا یجب علیه إعلامه،کما أنه لا یجب تنبیه المصلی إذا صلی بالطهارة الترابیة مع الغفلة عن وجود الماء عنده،إلا إذا کان ما ارتکبه الجاهل من الأمور المهمة،فإنه یجب إعلام الجاهل بها کما عرفت.

و أما الثانی:(أعنی إضافة فعل أحد الشخصین إلی الشخص الآخر)فقد یکون فعل أحد الشخصین سببا لوقوع الآخر فی الحرام،و اخری لا یکون کذلک،أما الأول:فلا شبهة فی حرمته،کإکراه الغیر علی الحرام،و قد جعله المصنف من قبیل العلة و المعلول، و الدلیل علی حرمة هی الأدلة الأولیة الدالة علی حرمة المحرمات،فان العرف لا یفرق فی إیجاد مبغوض المولی بین المباشرة و التسبیب.

و أما الثانی:فإن کان الفعل داعیا إلی إلی إیجاد الحرام کان حراما،فإنه نحو من إیقاع الغیر فی الحرام،و مثاله تقدیم الطعام المتنجس أو النجس أو المحرم من غیر جهة النجاسة إلی الجاهل لیأکله،أو توصیف الخمر بأوصاف مشقوقة لیشربها،و من هذا القبیل بیع الدهن المتنجس من دون إعلام بالنجاسة،و سب آلهة المشرکین الموجب للجرأة علی سب الإله الحق،و سب آباء الناس الموجب لسب أبیه،و قد جعل المصنف بعض هذه الأمثلة من قبیل السبب،و بعضها من قبیل الشرط،و بعضها من قبیل الداعی،و لکنه لم یجر فی جعله هذا علی المنهج الصحیح و قد أشیر إلی حرمة التسبیب إلی الحرام فی بعض الآیات[1]و الروایات[2]

ص:122


1- 1) راجع ج 1 أصول الکافی بهامش مرآت العقول.و ج 1 الوافی ص 47.

و إن لم یکن الفعل داعیا إلی الحرام فاما أن یکون مقدمة له،و إما أن لا یکون کذلک أما الأول:فکاعطاء العصا لمن أراد ضرب الیتیم،فإن إعطاءه و إن کان مقدمة للحرام، إلا أنه لیس بداع الیه،و الحکم بحرمته یتوقف علی أمرین،الأول:کونه إعانة علی الإثم، و الثانی:ثبوت حرمة الإعانة علی الإثم فی الشریعة المقدسة،و سیأتی الکلام علی ذلک فی مبحث بیع العنب ممن یجعله خمرا.

و أما الثانی:فکمن ارتکب المحرمات و هو بمرأی من الناس،فإن رؤیتهم له عند الارتکاب لیست مقدمة لفعل الحرام،نعم لا بأس بإدخاله تحت عنوان النهی عن المنکر فیجب النهی عنه إذا اجتمعت شرائطه.

لا یخفی أن فی کلام المصنف تهافتا واضحا،حیث جعل ما نحن فیه تارة من القسم الثانی، و اخری من القسم الرابع،و یمکن توجیهه بوجهین،الأول:أن یراد بالفرض الذی أدخله فی القسم الثانی هو فرض الدهن المتنجس،فإن إعطائه للغیر لا یخلو عن التسبیب إلی الحرام الذی سیق هذا القسم لبیان حکمه،و أن یراد بالفرض الذی جعله من القسم الرابع هو فرض الثوب المتنجس،کما تقدم فی مسألة السید المهنا عن العلامة عمن رأی فی ثوب المصلی النجاسة، فإن القسم الرابع لم یفرض فیه کون فعل شخص سببا لصدور الحرام من الشخص الآخر، بل المفروض فیه کونه من قبیل عدم المانع کسکوت العالم عن إعلام الجاهل،و لا شبهة فی مناسبة الثوب المتنجس لذلک.الوجه الثانی:أن یراد من کلامه الدهن المتنجس فی کلا الموردین مع الالتزام فیهما باختلاف الجهتین،بأن یکون الملحوظ فی القسم الثانی کونه تسبیبا لإیقاع الجاهل فی الحرام،و الملحوظ فی إلحاقه بالقسم الرابع هو الحرمة النفسیة مع قطع النظر عن التسبیب.

قوله ثم إن بعضهم استدل علی وجوب الإعلام بأن النجاسة عیب خفی فیجب إظهارها. أقول:أشکل علیه المصنف(ره)بوجهین،الأول:(أن وجوب الإعلام علی القول به لیس مختصا بالمعاوضات،بل یشمل مثل الإباحة و الهبة من المجانیات).و الثانی:

(أن کون النجاسة عیبا لیس إلا لکونه منکرا واقعیا و قبیحا،فان ثبت ذلک حرم الإلقاء فیه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العیب،و إلا لم یکن عیبا فتأمل).

أقول:إن ما أفاده أولا و إن کان وجیها،إلا أن الثانی غیر وجیه،فإن النجاسة.

ص:123

لا ینکر کونها عیبا فی الأعیان النجسة و المتنجسة.سواء کانت من القبائح الواقعیة أم لم تکن بل ربما یوجب جهل المشتری بها تضرره،کما إذا اشتری الدهن المتنجس مع جهله بنجاسته و مزجه بدهنه الطاهر،ثم اطلع علیها،و لعله لذلک أمر بالتأمل.

و الذی یسهل الخطب أنه لا دلیل علی وجوب إظهار العیب الخفی فی المعاملات،و إنما الحرام هو غش المؤمن فیها،کما سیأتی فی البحث عن حرمة الغش،و علیه فالعیب الخفی إن استلزم الغش فی المعاملات وجب رفع الغش،و إلا فلا دلیل علی وجوبه،و من المعلوم أن رفع الغش هنا لا ینحصر بإظهار العیب الخفی،بل یحصل بالتبری عن العیوب،أو باشتراط صرفه فیما هو مشروط بالطهارة،و من هنا یعلم أنه لا وجه لتوهم:أن النجاسة عیب خفی وجب إظهارها حتی لا یکون غشا للمسلم.

ثم إن وجوب الإعلام بالنجاسة فیما إذا کان المشتری مسلما مبالیا فی أمر الطهارة و النجاسة و أما إذا کان کافرا أو مسلما غیر مبال فی الدین فلا یجب الإعلام،لکونه لغوا،و إن کان الجمیع مکلفین بالفروع کتکلیفهم بالأصول.

جواز استصباح الدهن المتنجس تحت الظلال

قوله الثالث:المشهور بین الأصحاب وجوب کون الاستصباح تحت السماء. أقول:

المشهور بین الأصحاب هو جواز الاستضاءة بالدهن المتنجس علی وجه الإطلاق،و ذهب بعضهم إلی جواز الإسراج به تحت السماء،و ذهب المشهور من العامة (1)إلی جواز الاستصباح به فی غیر المسجد ففی أطعمة السرائر:و قال شیخنا أبو جعفر فی مبسوط فی کتاب الأطعمة:روی أصحابنا أنه یستصبح به تحت السماء دون السقف،و هذا یدل علی أن دخانه نجس غیر أن عندی أن هذا مکروه،إلی أن قال:و أما ما یقطع بنجاسته فقال قوم:دخانه نجس،و هو الذی دل علیه الخیر الذی قدمناه من روایة أصحابنا.و قال آخرون-و هو الأقوی-:إنه لیس بنجس و قال ابن إدریس بعده:و لا یجوز الاستصباح به تحت الظلال لأجل التعبد.ثم قال:و لا یجوز الإدهان به و لا استعماله فی شیء من الأشیاء سوی الاستصباح به تحت السماء،ثم قال:ما ذهب أحد من أصحابنا إلی أن الاستصباح به تحت الظلال مکروه،بل محظور بغیر خلاف بینهم،و قول شیخا أبی جعفر محجوج بقوله فی جمیع کتبه إلا ما ذکره هنا،فالأخذ بقوله و قول أصحابنا أولی من الأخذ بقوله المتفرد من أقوال أصحابنا.

ص:124


1- 1) فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 و ص 232.

أقول:إن الروایات و إن استفاضت من الفریقین علی جواز إسراج الدهن المتنجس إلا أنها خالیة عن ذکر الاستصباح به تحت السماء فقط،و ستأتی الإشارة إلی هذه الروایات المستفیضة فی البحث عن جواز الانتفاع بالمتنجس.نعم استدل علی ذلک بوجوه:الأول دعوی غیر واحد من أعاظم الأصحاب الإجماع علیه.و فیه أن دعواه فی المقام مجازفة لمخالفة جملة من الأعاظم کالشیخ و العلامة و غیرهما،علی أن الإجماع التعبدی هنا ممنوع لاحتمال استناد المجمعین إلی الوجوه المذکورة فی المسألة.

الثانی:الشهرة الفتوائیة.و فیه أنها و إن کانت مسلمة إلا أنها لیست بحجة.

الثالث:مرسلة الشیخ المتقدمة،المنجبر ضعفها بعمل المشهور،و هی صریحة فی کون الإسراج به تحت السماء.

و فیه أن من المظنون أنها صدرت من سهو القلم،فإن أصحاب الحدیث لم ینقلوها فی أصولهم حتی الشیخ بنفسه فی تهذیبیه،و ظاهره قوله(ره):(روی أصحابنا:أنه یستصبح به تحت السماء)یقتضی کون الروایة مشهورة فی المقام،فلا وثوق بوجود الروایة المذکورة نعم لو کانت العبارة أنه(روی:أنه یستصبح به تحت السماء)کانت حینئذ روایة مرسلة.

و إذا سلمنا کون العبارة المذکورة روایة مرسلة،فإن العمل بها لا یجوز للإرسال،و توهم انجبارها بعمل المشهور بها ممنوع صغری و کبری،کما هو واضح،خصوصا مع مخالفة الشیخ(ره)،فإنه حملها علی الکراهة،و مخالفة العلامة(ره)،فإنه أعرض عنها،و جعل العلة فی تحریم الإسراج به تحت الظلال هی حرمة تنجیس السقف،قال فی المختلف (1):

(نعم لو کان صعود بعض الأجزاء الدهنیة بواسطة الحرارة موجبا لتنجس السقف فلا یجوز الاستصباح به تحت الظلال،و إلا فیجوز مطلقا).

الرابع:ما نقلناه عن العلامة من أن الاستصباح به تحت الظلال یوجب تنجیس السقف لتصاعد بعض الأجزاء الدهنیة قبل إحالة النار إیاه إلی أن تلاقی السقف،فهو حرام.

و لکن یرد علیه أولا:أن دخان النجس کرماده لیس بنجس للاستحالة،و مجرد احتمال صعود الأجزاء الدهنیة إلی السقف قبل الاستحالة لا یمنع عن الإسراج به تحت الظلال لکونه مشکوکا.

و ثانیا:أن الدلیل أخص من المدعی،لأن الدخان قد لا یؤثر فی السقف،إما لعلوه، أو لقلة الزمان،أو لخروجه من الأطراف،أو لعدم وجود دخان فیه.

و ثالثا:إذا سلمنا جمیع ذلک فلا دلیل علی حرمة تنجیس السقف،نعم لا یجوز تنجیسه فی

ص:125


1- 1) ج 4 کتاب الأطعمة ص 133.

المساجد و المشاهد،و علیه فلا وجه للمنع عن الاستصباح به تحت السقف من جهة حرمة تنجیسه قوله لکن الأخبار المتقدمة علی کثرتها. أقول:محصل کلامه:أن المطلقات حیث کانت متظافرة،و واردة فی مقام البیان فهی آبیة عن التقیید،و لو سلمنا جواز تقییدها إلا انه لیس فی المقام ما یوجب التقیید عدا مرسلة الشیخ،و هی غیر صالحة لذلک،لأن تقیید المطلقات بها یتوقف علی ورودها للتعبد،أو لحرمة تنجیس السقف،کما فهمها الشیخ، و کلا الوجهین بعید،فلا بد من حمل المرسلة علی الإرشاد إلی عدم تنجس السقف بالدخان.

و فیه أن غایة ما یترتب علی کون المطلقات متظافرة أن تکون مقطوعة الصدور لا مقطوعة الدلالة،و إذن فلا مانع عن التقیید،إذ هی لا تزید علی مطلقات الکتاب القابلة للتقیید حتی بالأخبار الآحاد،و أوهن من ذلک دعوی إبائها عن التقیید من جهة ورودها فی مقام البیان فان ورودها فی مقام البیان مقوم لحجیتها،و من الواضح أن مرتبة التقیید متأخرة عن مرتبة الحجیة فی المطلق،و نسبة حجیته إلی التقیید کنسبة الموضوع إلی الحکم،و لا یکون الموضوع مانعا عن ترتب الحکم علیه.

و أما ما ذکره من أن المرسلة غیر صالحة لتقیید المطلقات ففیه أنه بناء علی جواز العمل بها و انجبار ضعفها بعمل المشهور لا مانع من حملها علی التعبد المحض فتصلح حینئذ لتقیید المطلقات،و مجرد الاستبعاد لا یکون مانعا عن ذلک،و إنما الإشکال فی أصل وجود المرسلة کما تقدم.

و أما تقیید المطلقات بها من جهة أن المرسلة تدل علی حرمة تنجیس السقف فبعید غایته.

قوله لکن لو سلم الانجبار. أقول:قد أشار به إلی أنها غیر منجبرة بشیء،کما أشرنا إلیه،لأن الشهرة إنما تجبر الخبر الضعیف إذا علم استنادها الیه،و من المحتمل أن تکون فتوی المشهور بعدم جواز الإسراج به تحت السقف مستندة إلی ما ذهب إلیه العلامة من حرمة تنجیس السقف،لا إلی المرسلة المذکورة.

قوله و لو رجع إلی أصالة البراءة حینئذ لم یکن إلا بعیدا عن الاحتیاط و جرأة علی مخالفة المشهور. أقول:لا یکون البعد عن الاحتیاط مانعا عن الرجوع إلی البراءة فی شیء من الموارد،و أما الجرأة علی خلاف المشهور فلا محذور فیها لأن الشهرة لیست بحجة.

ص:126

جواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی

غیر الاستصباح

قوله هل یجوز الانتفاع بهذا الدهن فی غیر الاستصباح؟. أقول:حاصل کلامه:

أنه حیث إن جواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح لم ترد فیه إلا روایة ضعیفة فی جعله صابونا،فلا بد من الرجوع فیه إلی القواعد.ثم قرب الجواز.و عن الحنفیة[1] التصریح بذلک.

و قد یتوهم عدم جواز استعماله فی غیر الاستصباح مطلقا استنادا إلی روایة قرب الاسناد[2]الدالة علی عدم جواز التدهن به.و لکن الروایة ضعیفة السند.

لا یقال:إن هذه الروایة لا یجوز العمل بها و إن کانت صحیحة،لأنها غیر معمول بها بین الأصحاب،لفتواهم بجواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح أیضا.فإنه یقال قد ذکرنا فی علم الأصول:أن إعراض المشهور عن الروایة الصحیحة لا یوجب الوهن فیها و قد أشرنا إلیه فی الکلام علی روایة تحف العقول.

لا یقال:إن هذه الروایة مجملة لا تفی بإثبات المقصود فإنه یحتمل أن یکون قوله«ع»:

(لا تدهن به)من باب الافتعال بالتشدید،فیکون دالا علی عدم جواز تنجیس البدن، أو من باب الإفعال،فلا یمکن الاستناد إلیها فی عدم جواز الاستعمال مطلقا.فإنه یقال:

إن ظاهر الروایة هو النهی عن طلبی البدن بالدهن المتنجس،و من الواضح أن الأدهان من الإفعال بمعنی الخدعة،و أن الذی بمعنی الطلی هو من باب الافتعال.

و الذی ینبغی أن یقال:إن جواز الانتفاع بهذا الدهن فی غیر الموارد المنصوصة و عدم جوازه مبنی علی تحقیق الأصل فی الانتفاع بالمتنجس،فهل الأصل یقتضی جواز ذلک أو حرمته حتی یخرج الخارج بالدلیل؟فذهب جمع من الأصحاب إلی الثانی،و قال جمع من المتأخرین:بالأول،و هو الأقوی،و هو مقتضی أصالة البراءة الثابتة بالأدلة المستفیضة، و یدل هذا الأصل علی إباحة ما لم یرد فیه نهی و حلیته،و من البین أن الانتفاع بالمتنجس فی

ص:127

غیر ما هو مشروط بالطهارة من صغریات ذلک.

قوله و قاعدة حل الانتفاع بما فی الأرض. أقول:لا وجه لهذه القاعدة إلا قوله تعالی[1] هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً .

و لکن الآیة لیست بدالة علی جواز الانتفاع بجمیع ما فی الأرض لیکون الانتفاع بالمتنجس من صغریاته،بل هی إما ناظرة إلی بیان أن الغایة القصوی من خلق الأجرام الأرضیة و ما فیها لیس إلا خلق البشر و تربیته و تکریمه،و أما غیر البشر فقد خلقه اللّه تعالی تبعا لخلق الإنسان و مقدمة له،و من البدیهی أن هذا المعنی لا ینافی تحلیل بعض المنافع علیه دون بعض.

و إما ناظرة إلی أن خلق تلک الأجرام و تکوینها علی الهیئات الخاصة و الاشکال المختلفة و الأنواع المتشتتة من الجبال و الأودیة و الأشجار و الحیوانات علی أنواعها،و أنحاء المخلوقات من النامی و غیره،لبیان طرق الاستدلال علی وجود الصانع و توحید ذاته و صفاته و فعاله و علی إتقان فعله و علو صنعه و کمال قدرته و سعة علمه،إذن فتکون اللام للانتفاع،فإنه أی منفعة أعظم من تکمیل البشر،و لعل هذا هو المقصود من قوله«ع»فی دعاء الصباح:

(یا من دل علی ذاته بذاته).

الأصل جواز الانتفاع بالمتنجس

قوله و لا حاکم علیها سوی ما یتخیل) أقول:قد استدل علی حرمة الانتفاع بمطلق المتنجس بجملة من الآیات و الروایات.

اما الآیات فمنها قوله تعالی (1): (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) .فان المتنجس رجس فیجب الاجتناب عنه.

و فیه ان الرجس و إن أطلق علی الأعیان النجسة کثیرا،کما أطلق علی الکلب فی صحیحة البقباق[2]إلا ان الآیة لا ترتبط بالمدعی لوجوه،الأول:ان الظاهر من الرجس

ص:128


1- 1) سورة المائدة آیة 92.

هی الأشیاء التی یحکم علیها بالنجاسة بعناوینها الأولیة،فیختص بالأعیان النجسة،و لا یشمل الأعیان المتنجسة،لأن النجاسة فیها من الأمور العرضیة.

الثانی:أن الرجس فی الآیة لإیراد منه القذارة الظاهریة لکی ینازع فی اختصاصه بالأعیان النجسة،أو شموله الأعیان المتنجسة أیضا.بل المراد منه القذارة المعنویة:أی الحسة الموجودة فی الأمور المذکورة فی الآیة،سواء کانت قدرة بالقذارة الحسیة أیضا أم لم تکن،و الذی یدل علی ذلک من الآیة إطلاق الرجس علی المیسر و الأنصاب و الأزلام، فان من البدیهی أن قذارة هذه الأشیاء لیست ظاهریة،و لا شبهة فی صحة إطلاق الرجس فی اللغة[1]علی ما یشمل القذارة الباطنیة أیضا،و علیه فالآیة إنما تدل علی وجوب الاجتناب عن کل قذر بالقذارة الباطنیة التی یعبر عنها فی لغة الفرس بلفظ(پلید)فتکون المتنجسات خارجة عنها جزما.

الثالث:أن جعل المذکورات فی الآیة من عمل الشیطان،إما من جهة کون الأفعال المتعلقة بالخمر و الأنصاب و الأزلام رجسا من عمل الشیطان،کما یشیر الیه قوله تعالی[2]:

(إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ) .فان الرجس قد یطلق علی مطلق القبائح و المعاصی،و قد عرفت ذلک فی الهامش من القاموس و غیره.

و إما من جهة کون تلک الأمور نفسها من عمل الشیطان،فعلی الأول تکون الآیة دالة

ص:129

علی وجوب الاجتناب عن کل عمل قبیح یصدق علیه أنه رجس،و أما ما لم یحرز قبحه فلا تشمله الآیة،و علی الثانی یکون موضوع الحکم فیها کل عین من الأعیان صدق علیها أنها من عمل الشیطان،و علیه فکل عین محرمة صدق هذا العنوان علیها تکون مشمولة للآیة و من الواضح أن الخمر من عمل الشیطان باعتبار صنعها،أو بلحاظ أن أصل تعلیمها کان من الشیطان،و کذلک النصب بلحاظ جعلها صلیبا،و الأزلام بلحاظ التقسیم،کالحظ و النصیب فی الزمن الحاضر المعبر عنه فی لغة الفارس بکلمة(بلیط آزمایش بخت)و أما ما لا یصدق علیه ذلک و إن کان من الأعیان النجسة کالکلب و الخنزیر فضلا عن المتنجسات فلا تشمله الآیة الرابع:إذا سلمنا شمول الآیة للنجاسات و المتنجسات فلا دلالة فیها علی حرمة الانتفاع بالمتنجس،فان الاجتناب عن الشیء إنما یکون بالاجتناب ما یناسب ذلک الشیء،فالاجتناب عن الخمر عبارة عن ترک شربه إذا لم یدل دلیل آخر علی حرمة الانتفاع بها مطلقا،و الاجتناب عن النجاسات و المتنجسات عبارة عن ترک استعمالها فیما یناسبها،و من القمار عن ترک اللعب، و من الأمهات و البنات و الأخوات و الحالات و بقیة المحارم عبارة عن ترک تزویجهن،کما أن الاجتناب عن المسجد هو ترک العبادة فیه،و الاجتناب عن العالم ترک السؤال عنه، و الاجتناب عن التاجر ترک المعاملة معه،و الاجتناب عن أهل الفسوق ترک معاشرتهم و هکذا و علی الجملة نسبة الاجتناب إلی ما یجب الاجتناب عنه تختلف باختلاف الموارد،و لیست فی جمیعها علی نسق واحد،و علیه فلا دلالة فی الآیة علی حرمة الانتفاع بالمتنجس مطلقا،بل الأمر فی ذلک موقوف علی ورود دلیل خاص یدل علی وجوب الاجتناب مطلقا.

قوله مع أنه لو عم التنجیس لزم أن یخرج عنه أکثر الأفراد. أقول:لا یلزم من خروج المتنجسات کلها من الآیة تخصیص الأکثر فضلا عما إذا کان الخارج بعضها،فان الخارج منها عنوان واحد ینطبق علی جمیع أفراد المتنجس انطباق الکلی علی أفراده نعم لو کان الخارج من عموم الآیة کل فرد فرد من أفراده للزم المحذور المذکور.

و منها قوله تعالی (1): (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) .بناء علی شمول الرجز للأعیان النجسة و المتنجسة،و قد ظهر الجواب عنها من کلامنا علی الآیة السابقة،ثم إن نسبة الهجر إلی الأعیان الخارجیة لا تصح إلا بالعنایة و المجاز،بخلاف نسبته إلی الأعمال،فإنها علی نحو الحقیقة،و علیه فالمراد من الآیة خصوص الهجر عن الأعمال القبیحة و الأفعال المحرمة، و لا تشمل الأعیان المحرمة.

و یحتمل أن یراد من الرجز العذاب،کما فی قوله تعالی (2): (فَأَنْزَلْنا عَلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ)

ص:130


1- 1) سورة المدثر،آیة:5.
2- 2) سورة البقرة،آیة:56.

و قد صرح بذلک بعض أهل اللغة،کصاحب القاموس و غیره،و علی هذا فالمراد من هجر العذاب هجر موجباته،کما أرید من المسارعة إلی المغفرة،و من الاستباق إلی الخیرات المسارعة و الاستباق إلی أسبابهما فی آیتهما (1).

و منها قوله تعالی (2): (وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ) بناء علی صدق الخبائث علی المتنجسات و حیث إن التحریم فی الآیة لم یقید بجهة خاصة فهی تدل علی عموم تحریم الانتفاع بالمتنجسات.

و أجاب عنها المصنف بأن المراد من التحریم خصوص حرمة الأکل بقرینة مقابلته بحلیة الطیبات.و فیه أن مقتضی الإطلاق هو حرمة الانتفاع بالخبائث مطلقا،فتدل علی حرمة الانتفاع بالمتنجس کذلک.

و الحق أن یقال:إن متعلق التحریم فی الآیة إنما هو العمل الخبیث و الفعل القبیح، فالمتنجس خارج عن مدلولها لانه من الأعیان.

لا یقال:إذا أرید من الخبیث العمل القبیح وجب الالتزام بالتقدیر،و هو خلاف الظاهر من الآیة.

فإنه یقال:إنما یلزم ذلک إذا لم یکن الخبیث بنفسه بمعنی العمل القبیح،و قد أثبتنا فی مبحث بیع الأبوال (3)صحة إطلاقه علیه بدون عنایة،و خصوصا بقرینة قوله تعالی:

(وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) .فإن المراد من الخبائث فیها اللواط.

و أما الأخبار فهی کثیرة:منها ما تقدم من روایة تحف العقول،حیث علل النهی فیها عن بیع وجوه النجس بأن(ذلک کله محرم أکله و شربه و إمساکه و جمیع التقلب فی ذلک حرام و محرم).فان الظاهر منها أن جمیع الانتفاعات من المتنجس حرام،لکونه من وجوه النجس.

و فیه أولا:ما تقدم فی أول الکتاب من ضعف سند الروایة،و عدم انجباره بشیء.

و ثانیا:أن الظاهر من وجوه النجس هی الأعیان النجسة،فإن وجه الشیء هو عنوانه الاولی،فلا تشمل المتنجسات،لأنها لیست نجسة بعناوینها الاولی.

و منها روایة السکونی[1]الآمرة بإهراق المرق المتنجس بموت الفارة فیه فتدل علی حرمة

ص:131


1- 1) سورة آل عمران،آیة:127 (وَ سارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ) .سورة البقرة آیة:143 (فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ) .
2- 2) سورة الأعراف،آیة:156.
3- 3) ص 39.

الانتفاع به،إذ لو لا ذلک لجاز الانتفاع به بإطعامه الصبی و نحوه و بضمیمة عدم القول بالفصل یتم المطلوب.و أجاب عنها المصنف بأن الأمر بالإهراق کنایة عن خصوص حرمة الأکل.و فیه أن الظاهر من الأمر بالإهراق هو عدم جواز الانتفاع بالمرق مطلقا،إلا أنها لا تدل علی المدعی لخصوصیة المورد،فان المرق غیر قابل للانتفاع به إلا فی إطعام الصبی و نحوه بناء علی ما هو الظاهر من جواز ذلک،و من الواضح أن ذلک إنما یکون عادة إذا کان المراق قلیلا،لا بمقدار القدر و نحوه.

و منها الأخبار[1]الدالة علی أن الفأرة إذا ماتت فی السمن الجامد و نحوه وجب أن تطرح الفارة و ما یلیها من السمن،لأنه لو جاز الانتفاع بالمتنجس لما أمر الإمام«ع» بطرحه،لإمکان الانتفاع به فی غیر ما هو مشروط بالطهارة،کتدهین السفن (1)و الأجرب (2)و نحوهما،فتدل علی المدعی بضمیمة عدم القول بالفصل بین أفراد المتنجسات و قد أجاب عنها المصنف بأن الطرح کنایة عن حرمة الأکل فقط،فان الانتفاع بالاستصباح به جائز إجماعا.و لکن یرد علیه ما تقدم من ظهور الأمر بالطرح فی حرمة الانتفاع به مطلقا،و أما الاستصباح به فإنما خرج بالنصوص الخاصة کما عرفت.

ص:132


1- 1) السفن محرکة جلد خشن یجعل علی قوائم السیوف.
2- 2) فی المنجد:الجرب و هو داء یحدث فی الجلد بثورا صغارها لها حکة شدیدة.

و الصحیح فی الجواب ما أشرنا إلیه من أن الأمر بطرح ما تلی الفأرة من السمن للإرشاد إلی عدم إمکان الانتفاع به بالاستصباح و نحوه لقلته،فتکون الروایة غریبة عن المقام.

و من هنا ظهر ما فی روایة زکریا بن آدم[1]التی تدل علی إهراق المرق المتنجس،فإن الأمر بالهراقة فیها إرشاد إلی ما ذکرناه من قلة نفعه،مضافا إلی أنها ضعیفة السند.

و منها قوله«ع»فی روایتی سماعة و عمار[2]الواردتین فی الإنائین المشتبهین:(یهریقها جمیعا و یتیمم)فإن أمره«ع»بهراقة الإنائین مع إمکان الانتفاع بهما فی غیر ما هو مشروط بالطهارة ظاهر فی حرمة الانتفاع بالماء المتنجس،و بضمیمة عدم القول بالفصل بین أفراد المتنجسات یتم المطلوب.

و فیه أن خصوصیة المورد تقتضی کون الأمر بالإهراق إرشادا إلی مانعیة النجاسة عن الوضوء،ثم إذا سلمنا کون الأمر فیهما للمولویة التکلیفیة فمن المحتمل القریب أن یکون الغرض من الأمر هو تتمیم موضوع جواز التیمم،لأن جوازه فی الشریعة المقدسة مقید بفقدان الماء،و قبل إراقة الإنائین لا یتحقق عنوان الفقدان لوجود الماء الطاهر عنده و إن لم یعرفه بعینه،و لذلک أفتی بعض الفقهاء بعدم جواز التیمم قبل إهراق الإنائین.

و منها الأخبار الواردة[3]فی إهراق الماء المتنجس،فإنه لو لا حرمة الانتفاع به فی

ص:133

غیر ما هو مشروط بالطهارة لم یؤمر بذلک،و فیه أولا:ما عرفت من أن خصوصیة المورد تقتضی ذلک،لقلة نفعه فی العادة.و ثانیا:أن الأمر بالهراقة فی تلک الأخبار إرشاد إلی عدم جواز التوضی من ذلک الماء للنجاسة المشتبهة،و لا یجوز التعدی من موردها إلی غیره من الاستعمالات إلا إذا کان مشروطا بالطهارة،و إذن فلا دلالة فیها علی المطلوب أیضا.

و منها الأخبار المستفیضة عند الخاصة[1]و العامة[2]الواردة فی استصباح الدهن المتنجس،فإنها ظاهرة فی أن الانتفاع به منحصر فی الإسراج،فإنه لو جاز الانتفاع به فی غیره أیضا لتعرض له الامام«ع»فیها أو فی غیرها.

و فیه أن وجه التخصیص أن النفع الظاهر للدهن هو الا کل و الإسراج فقط،فإذا حرم أکله للتنجس اختص الانتفاع به بالإسراج،فلذا لم یتعرض الامام«ع»لغیر الاستصباح،و إذن فلا دلالة فیها أیضا علی المدعی.

علی أنه قد ورد فی بعض الروایات جواز الانتفاع به بغیر الاستصباح،کقوله«ع»فی روایة قرب الاسناد[3]:(و لکن ینتفع به کسراج و نحوه).و کقوله علی«ع»المروی

ص:134

عنه بطرق شتی[1]:(الزیت خاصة یبیعه لمن یعلمه صابونا).فان الظاهر أنه لا خصوصیة للمورد فیهما،و نتیجة التعدی عنه هو جواز الانتفاع بکل متنجس بجمیع الانتفاعات المحللة.

بل ورد فی أحادیث العامة[2]جواز الانتفاع به مطلقا من غیر تقیید بنوع خاص من المنافع و قد یخطر بالبال أن الأمر فی الروایات بخصوص الاستصباح دون غیره إنما هو فیما لا یتمکن الإنسان من الانتفاع به بغیر الاستصباح و لو فی الوجوه النادرة من المنافع،و إلا فلا خصوصیة للتقیید بالاستصباح،کما لا خصوصیة للتقیید بجعله صابونا،و لذا جوز الامام«ع»أن ینتفع به بغیرهما أیضا فی روایة قرب الاسناد کما عرفت،و لکنها ضعیفة السند و قد یقال:بانعقاد الإجماع علی حرمة الانتفاع بالمتنجس مطلقا،فیکون مقتضی الأصل هو حرمة الانتفاع به فی المقام.إلا أن ذلک ممنوع،فإن الإجماع المنقول ممنوع الحجیة، و قد حققناه فی علم الأصول.علی أن دعوی الإجماع فی المسألة موهونة بکثرة المخالفین فیهما

ص:135

و أما الإجماع المحصل علی ذلک فهو ممنوع التحقق أیضا.

و یضاف إلی ما ذکرناه کله أنه لا ظهور لعبارات الفقهاء المحتویة لنقله فی ذلک المدعی، قال فی الغنیة (1)بعد أن اشتراط فی البیع أن یکون مما ینتفع به منفعة محللة:(و قیدنا بکونها«المنفعة»مباحة تحفظا من المنافع المحرمة،و یدخل فی ذلک کل نجس لا یمکن تطهیره إلا ما أخرجه الدلیل من بیع الکلب المعلم للصید،و الزیت النجس للاستصباح به تحت السماء،و هو إجماع الطائفة).

و هذه العبارة و إن کانت صریحة فی نقل الإجماع،إلا أن الظاهر رجوعه إلی مطلع کلامه:أعنی حرمة بیع النجس،فلا دلالة فیها علی حرمة الانتفاع بالمتنجس،و یحتمل قریبا أن یرجع إلی آخر کلامه:أعنی استثناء الکلب المعلم للصید،و الزیت المتنجس للاستصباح من حرمة البیع.

و قال الشیخ فی الخلاف (2):(إذا مات الفأرة فی سمن أو زیت أو شیرج أو بزر نجس کله،و جاز الاستصباح به،و لا یجوز أکله،و لا الانتفاع به لغیر الاستصباح).ثم ذکر المخالفین فی المسألة من العامة و غیرهم إلی أن قال:(دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم).

و فیه أن محط کلامه إنما هو الدهن المتنجس فقط،فلو صح ما ادعاه من الإجماع لدل علی حرمة الانتفاع به خاصة،لکونه هو المتیقن من مورد الإجماع،فلا یشمل سائر المتنجسات و قد أجاب المصنف عما ادعاه الشیخ من الإجماع بأن(معقده ما وقع الخلاف فیه بینه و بین من ذکر من المخالفین،إذ فرق بین دعوی الإجماع علی محل النزاع بعد تحریره و بین دعواه ابتداء علی الاحکام المذکورات فی عنوان المسألة،فإن الثانی یشمل الاحکام کلها، و الأول لا یشمل إلا الحکم الواقع مورد الخلاف،لانه الظاهر من قوله دلیلنا إجماع الفرقة) و فیه أن ما أفاده و إن کان صحیحا بحسب الکبری،إلا أنه خلاف ما یظهر من کلام الشیخ(ره)،فان ظاهره دعوی الإجماع علی جمیع الأحکام المذکورة.فالصحیح فی الجواب هو ما ذکرناه.

علی أنا لو سلمنا قیام الإجماع علی ذلک فلا نسلم کونه إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی المعصوم«ع».إذ من المحتمل القریب جدا،بل المظنون عادة أن مدرکه هو الوجوه المذکورة فی المقام لحرمة الانتفاع بمطلق المتنجس.

قوله أن بل الصبغ و الحناء. أقول:الصبغ و الحناء لیسا من محمل النزاع هنا فی شیء،و لم یتقدم لهما ذکر سابق،فلا تری وجها صحیحا لذکرهما.

ص:136


1- 1) ص 2 من البیع.
2- 2) ج 2 ص 212.

(قوله و مراده بالنص ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف).

أقول:قد عرفت عدم ورود النص بذلک.

قوله و الذی أظن و إن کان الظن لا یغنی لغیری شیئا. أقول:بل لا یغنیه أیضا، لعدم کونه من الظنون المعتبرة،اللهم إلا أن یکون مراده من ذلک هو الظن الاطمئنانی، فیکون حجة له،لا لغیره.

قوله و الروایة إشارة إلی ما عن الراوندی فی کتاب النوادر. أقول:قد عرفت:

أنها روایة واحدة نقلت بطرق ثلاثة،و لم یقع السؤال عن الشحم فی شیء منها،فما نقل فی المتن ناشئ عن سهو القلم.

قوله ثم لو قلنا بجواز البیع فی الدهن)، أقول:کما یصح الانتفاع بالمتنجس علی وجه الإطلاق،فکذلک یصح بیعه للعمومات المقتضیة لذلک من قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ،و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و علیه فلا نحتاج فی ذلک إلی التمسک بقوله«ع»فی روایة تحف العقول:(و کل شیء یکون لهم فیه الصلاح من جهة من الجهات فهذا کله حلال بیعه و شراؤه و إمساکه و استعماله)کما تمسک به المصنف هنا.

قوله و هذا هو الذی یقتضیه استصحاب الحکم قبل التنجیس)، أقول:إذا سلمنا جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیة الإلهیة،و أغمضنا عن معارضته دائما بأصالة عدم الجعل کما نقحناه فی الأصول،فلا نسلم جریانه فی المقام،لأن نمحل الکلام هو الجواز الوضعی بمعنی نفوذ البیع علی تقدیر وجوده،و علیه فاستصحاب الجواز بعد التنجس یکون من الاستصحاب التعلیقی الذی لا نقول به.

قوله و أما قوله تعالی: فَاجْتَنِبُوهُ ،و قوله تعالی: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ . أقول:قد یتوهم أن إیراد المصنف(ره)الآیات المذکورة هنا لا یخلو من الاشتباه و سهو القلم،لأنه قد استدل بها فیما مضی علی حرمة الانتفاع بالمتنجس،و کلامنا هنا مختص بجواز البیع فقط،و لکنه توهم فاسد،فان ذکر الآیات هنا لیس إلا لدفع توهم الاستدلال بها علی بطلان بیع المتنجس و القرینة علی ذلک قوله(ره)فی مقام الجواب عنه: (فقد عرفت أنها لا تدل علی حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البیع) .

قوله و أما مثل بیع الصابون المتنجس فلا یندفع الاشکال عنه. أقول:وجه عدم الاندفاع هو أن الثوب المغسول بالصابون المتنجس و إن کان یقبل الطهارة بالغسل،إلا انه لیس معنی ذلک أن الصابون رجع إلی حالة یقبل معها الطهارة،فإن الأجزاء الصابونیة تنفصل عن الثوب بالغسل و إن کانت فی غایة النجاسة و الخباثة.

ص:137

الأصل جواز الانتفاع بالأعیان النجسة

قوله بقی الکلام فی حکم نجس العین. أقول:الظاهر ان الأصل جواز الانتفاع بالأعیان النجسة أیضا إلا ما خرج بالدلیل کما اختاره بعض الأعاظم و إن ذهب المشهور إلی حرمة الانتفاع بها،بل ادعی علیه الإجماع.

قال فی أول المکاسب من المراسم:التصرف فی المیتة و لحم الخنزیر و شحمه و الدم و العذرة و الأبوال ببیع و غیره حرام.و فی المکاسب المحظورة من النهایة.جمیع النجاسات محرم التصرف فیها.و فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح من المبسوط،نجس العین لا یجوز بیعه و لا إجارته و لا الانتفاع به و لا اقتناؤه بحال إجماعا إلا الکلب فان فیه خلافا،و علی هذا النهج مذاهب فقهاء العامة[1].

و کیف کان فقد استدل علی عدم الجواز بوجوه،منها الآیات المتقدمة من قوله تعالی (فَاجْتَنِبُوهُ) و قوله تعالی: (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ،و قد عرفت الجواب عن ذلک آنفا.

و منها قوله تعالی (1): (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ) .فان عموم التحریم فیها یقتضی حرمة الانتفاع بما ذکر فیها،و بعدم القول بالفصل بین أفراد النجس یتم المطلوب و فیه ان تحریم أی شیء إنما هو بحسب ما یناسبه من التصرفات،فما یناسب المیتة و الدم و لحم الخنزیر إنما هو تحریم الأکل،لا جمیع التصرفات،کما أن المناسب لتحریم الام و البنت

ص:138


1- 1) سورة المائدة،آیة:3.

فی قوله تعالی (1): (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ) إنما هو تحریم النکاح فقط دون النظر و التکلم و منها ما أشار إلیه المصنف بقوله و یدل علیه أیضا کلما دل من الأخبار و الإجماع علی عدم جواز بیع نجس العین بناء علی أن المنع من بیعه لا یکون إلا مع حرمة الانتفاع به) و لکنا لم نجد فیما تقدم،و لا فیما یأتی ما دل من الاخبار علی عدم جواز بیع النجس بعنوانه فضلا عن کون المنع عن البیع من جهة عدم جواز الانتفاع به.

نعم تقدم فی مبحث بیع المیتة ما دل علی حرمة الانتفاع بالمیتة،إلا أنک عرفت هناک معارضتها بما دل علی جواز الانتفاع بها،و أن الترجیح للروایات المجوزة،علی أنا إذا أخذنا بالروایات المانعة فهی أخص من المدعی لأنها مختصة بالمیتة،و موضوع کلامنا أعم منها و من سائر النجاسات.

نعم روایة تحف العقول صریحة فی المدعی،فان دلالة قوله«ع»فیها:(أو شیء من وجوه النجس فهذا کله حرام محرم لان ذلک کله منهی عن أکله و شربه و لبسه و ملکه و إمساکه و التقلب فیه فجمیع تقلبه فی ذلک حرام)،صریحة لا تکاد تنکر و لا وجه لحملها علی الإمساک و التقلب لأجل الأکل و الشرب کما فی المتن،إلا أن الروایة لا یجوز الاعتماد علیها لضعف سندها و عدم انجباره بعمل المشهور بها.

منها قوله«ع» (2)فی دعائم الإسلام:(و ما کان محرما أصله منهیا عنه لم یجز بیعه و لا شراؤه)بدعوی أن حرمة البیع فی الروایة قد علقت علی حرمة الشیء من أصله،فلا بد و أن یکون الانتفاع به محرما مطلقا،إذ لو جاز الانتفاع به لجاز بیعه لا ملازمة بینهما.

و فیه مضافا إلی ضعف السند فیها،أن المراد بالحرمة فی الروایة حرمة التصرفات المناسبة لذلک الشیء المحرم،لا حرمة جمیع التصرفات،و علیه فلا یستفاد منها حرمة جمیع الانتفاعات علی أنا لو سلمنا دلالتها علی حرمة جمیع التصرفات فغایة ما یستفاد منها:أن کلما لا یجوز الانتفاع به بوجه فلا یجوز بیعه،لا أن کل ما لا یجوز بیعه فلا یجوز الانتفاع به،کما هو المدعی و مما ذکرناه تجلی ما فی النبوی المشهور المجعول:(إن اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه)و بالجملة:أنا لم نجد آیة و لا روایة تدل علی حرمة الانتفاع بنجس العین مطلقا إلا فی موارد خاصة کالخمر.

و منها الإجماع المدعی علی حرمة الانتفاع بها،و تقریره بوجهین،الأول:دعوی الإجماع علی حرمة بیعها،و بما أن حرمة البیع تستلزم حرمة الانتفاع للملازمة بینهما(و قد عرفت

ص:139


1- 1) سورة النساء،آیة:23.
2- 2) قد تقدم فی ص 22.

ذلک فی الحاشیة عن بعض العامة)فیکون الثانی أیضا موردا للإجماع.

و فیه منع الملازمة بین الحرمتین،لجواز کون النهی عن بیعه تعبدا محضا،و علیه فإذا قام الإجماع علی حرمة البیع فلا یمکن أن یستدل به علی حرمة الانتفاع إلا بالحدس الظنی،و من الواضح أن الظن لا یغنی من الحق شیئا،بل اللازم أن یقتصر من الإجماع علی مورده المتیقن من دون أن یتعدی إلی غیر.

الثانی:دعوی الإجماع علی حرمة الانتفاع بها ابتداء کما هو الظاهر من فخر الدین و الفاضل المقداد.و فیه أن دعواه فی مثل هذه المسألة مع ذهاب الأکثر إلی جواز الانتفاع بها من الأمور الصعبة،و لو سلمت هذه الدعوی فلا یمکن إثبات کونه إجماعا تعبدیا، لإمکان استناد المجمعین فی ذلک إلی الوجوه المذکورة.

قوله الجابر لروایة تحف العقول. أقول:قد تقدم فی أول الکتاب عدم انجبار ضعف الروایة بشیء من الشهرة و الإجماع و غیرهما.

قوله مع احتمال أن یراد من جمیع التقلب جمیع أنواع التعاطی لا الاستعمالات) .

أقول:إذا فرضنا اعتبار الروایة فلا مناص من القول بحرمة التصرف فی الأعیان النجسة علی وجه الإطلاق و لو بالإمساک،و لا وجه لتقییدها بخصوص التعاطی،کما لا وجه لتقیید النهی عن الإمساک بالإمساک علی وجه محرم.

قوله نعم یمکن أن یقال:أن مثل هذه الاستعمالات. أقول:توضیحه أن النهی عن الانتفاع بشیء ینصرف إلی النهی عن الانتفاع به فی منافعه الظاهرة لأن المنفعة النادرة لا تعد من المنافع عرفا،فهی خارجة عن حدود النهی و إن کان الإطلاق فی نفسه شاملا لها، لا یقال:إن النهی عن الانتفاع بشیء یدل علی تحریم جمیع منافعه،لأن النهی عن الطبیعة یقتضی الانزجار عن جمیع أفرادها،و لذلک کان دالا علی العموم.

فإنه یقال:إن الدلالة علی العموم إنما تسلم بمقدار ما ینصرف الیه اللفظ فقط،و نظیر ذلک العمومات الناهیة عن الصلاة فی أجزاء ما لا یؤکل لحمه،فإنه ینصرف إلی غیر الإنسان، فلا ینعقد للعموم ظهور إلا به.

و لا یخفی:أن القول بحرمة الانتفاع بالنجس مطلقا لا یقتضی حرمة اقتنائه و إن کان الاقتناء لغیر الغرض العقلائی،و من هنا ورد فی جملة من الأحادیث[1]جواز اقتناء الخمر،

ص:140

بل أخذها للتخلیل،مع أنها من الخبائث الشدیدة،و ورد أیضا جواز اقتناء بعض الکلاب و قد تقدم ذلک فی البحث عن بیعها (1).

قوله و العذرة للتسمید. أقول:التسمید فی اللغة[1]ما یصلح به الزرع.

قوله کما یدل علیه وقوع السؤال فی بعض الروایات[2]عن الجص. أقول:

قال المحدث القاسانی فی کتاب الوافی:(لعل المراد بالماء الماء الممزوج بالجص،أو بالماء ماء المطر الذی یصیب أرض المسجد المجصص بذلک الجص،و کأنه کان بلا سقف،فإن السنة فیه ذلک.و المراد بالنار ما یحصل من الوقود التی یستحیل بها أجزاء العذرة و العظام المختلطة بالجص رمادا،فإنها تطهر بالاستحالة،و الغرض أنه قد ورد علی ذلک الجص أمران مطهران:

هما النار و الماء فلم یبق ریب فی طهارته،فلا یرد السؤال بأن النار إذا طهرته أولا فکیف یحکم بتطهیره الماء له ثانیا!!إذ لا یلزم من ورود المطهر الثانی تأثیره فی التطهیر).

و قال فی الوسائل:تطهیر النار للنجاسة بإحالتها رمادا أو دخانا،و تطهیر الماء:أعنی ما یجبل به الجص یراد به حصول النظافة و زوال النفرة.

أقول:یمکن أن یراد من الماء ماء المطر الذی یصیب الموضوع المجصص بذلک الجص المتنجس لکون المسجد مکشوفا و بلا سقف کما احتمله القاسانی،و أن یراد من النار الشمس فان الشمس إذا جففت شیئا طهرته.

و یمکن أن یراد من التطهیر التنظیف مجازا کما احتمله فی المستند (2)مطلقا،و صاحب الوسائل فی خصوص الماء،و مع الإغماض عما ذکرناه فالروایة مجملة یرد علمها إلی أهلها، فإن الثابت فی الشریعة أن النار إنما تطهر من النجاسات ما أحالته رمادا،و هذا الشرط غیر

ص:141


1- 1) ص 102.
2- 2) راجع ج 1 ص 57.

حاصل فی الجص.و أن الماء القلیل إنما یطهر الموضع المغسول إذا ورد علیه ثم انفصلت غسالته عنه،و کلا الأمرین منتف هنا،إلا أن یقال:بعدم انفعال الماء القلیل بامتزاجه الجص،و عدم اشتراط انفصال الغسالة فی التطهیر به کما أشار إلیه المحدث القاسانی فی کلامه المتقدم،قال:(لعل المراد بالماء الممزوج بالجص)و کلا الأمرین مخدوش،و تفصیل الکلام فی محله.

و کیف کان فالمستفاد من الروایة أمران،أحدهما:اعتبار الطهارة فیما یسجد علیه و ثانیهما:جواز السجود علی الجص و لو کان مطبوخا.

قوله ثم إن منفعة النجس المحللة للأصل أو للنص قد جعلها ما لا عرفا إلا أنه منع الشرع عن بیعه کجلد المیتة. أقول:قد ظهر مما ذکرناه أنه لا ملازمة بین حرمة بیع الأعیان النجسة و بین حرمة الانتفاع بها و سقوطها عن المالیة،بل لا بد من ملاحظة دلیل الحرمة،هل یوجد فیه ما یدل علی إلغاء المالیة من قبل الشارع کما فی الخمر و الخنزیر؟ فان کان فیه ما یدل علی ذلک أخذ به و حکم بعدم ترتب آثار المالیة علیها من الإرث و الضمان و غیرهما،و إلا فلا یصح أن یحکم بحرمة الانتفاع بها لمجرد حرمة بیعها،کیف و قد علمت جواز الانتفاع بالمیتة و العذرة و شعر الخنزیر و کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع و غیرها من أنواع النجاسات مع ذهاب الأکثر إلی حرمة بیعها!! و علی ذلک یجب أن تترتب علیها جمیع آثار المالیة،فإذا أتلفها أحد ضمنها لمالکها، و إذا مات مالکها انتقلت إلی وراثه،و لا یجوز للغیر أن یزاحم الورثة فی تصرفاتهم، و کذلک تجوز إعارتها و إجارتها وهبتها و لو هبة معوضة،لأن حقیقة الهبة متقومة بالمجانیة، و اشتراط العوض فیها أمر زائد علی حقیقتها،و فائدته جواز فسخ الواجب إیاها إذا لم یف له المتهب بالشرط.

لا یقال:إن الشیء إذا حرم بیعه حرمت سائر المعاملات علیه بطریق الأولویة القطعیة.

فإنه یقال:ان الاحکام الشرعیة توقیفیة محضة.فلا یجوز التعدی عن مورد ثبت فیه التعبد إلی غیره إلا بدلیل،و الموجود فی أدلة النهی عن بیع الأعیان النجسة فی غیر ما ألغی الشارع مالیته إنما هو حرمة ثمنها،فلا تشمل العوض فی سائر المعاملات،لعدم إطلاق الثمن علیه إلا فی الصلح بناء علی کونه بیعا و من قبیل المبادلة بین المالین.

قال المحقق الایروانی:(أن المالیة لا تدور مدار المنفعة،فإن الجواهر النفیسة و منها النقود أموال،و لا فائدة فیها،و فی الماء علی الشط أهم المنافع،و لا یعد مالا،و التراب ینتفع به أهم الانتفاع من اصطناع آجر أو خزف أو أناة و لیس بمال).

ص:142

و فیه أنه لا شبهة فی دوران المالیة الشرعیة مدار المنفعة المحللة،و دوران المالیة العرفیة مدار مطلق المنافع و إن کانت محرمة،و لکن الانتفاع بالأشیاء لیس علی نسق واحد،بل یختلف باختلاف ذی النفع،فنفع الجواهر و النقود بیعها و شرائها،و جعلها أثمانا للأمتعة و العروض،و أما عدم کون الماء علی الشط و التراب فی البر من الأموال مع الانتفاع بها أهم الانتفاع فلکون الناس فی الانتفاع بهما شرعا سواء،و لذا لو اختصا بشخص واحد کبعض أقسام التراب فان الناس یبذلون بإزائهما المال المهم.و علی الإجمال مالیة الأشیاء إنما هی باعتبار منافعها فعدیم المنفعة لیس من الأموال.

حقیقة حق الاختصاص و منشأ ثبوته

قوله و الظاهر ثبوت حق الاختصاص فی هذه الأمور. أقول:قد قامت السیرة القطعیة الشرعیة و العقلائیة علی ثبوت حق الاختصاص و الأولویة للمالک فی أموالهم التی سقطت عن المالیة للعوارض و الطواری کالماء علی الشط،و الحیوان المملوک إذا مات، و الأراضی المملوکة إذا جعلها الجائر بین الناس شرعا سواء کالطرق و الشوارع المغصوبة، بدیهة عدم جواز مزاحمة الأجانب عن تصرف الملاک فی أمثال تلک الموارد ما لم یثبت الإعراض و هذا مما لا ریب فیه.

و إنما الکلام فی منشأ ذلک الحق،و قد استدل علیه بوجوه،الأول:أن حق الاختصاص سلطنة ثابتة فی الأموال و هی غیر الملکیة،فإذا زالت الملکیة بقی الحق علی حاله،لأن کل واحد منهما ناشئ عن سبب خاص به.

و فیه أن ذلک و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت،إلا أنه ممنوع فی مقام الإثبات لعدم الدلیل علیه.

الثانی:أن حق الاختصاص مرتبة ضعیفة من الملکیة،فإذا زالت الملکیة بحدها الأقوی بقیت منها المرتبة الضعیفة التی نسمیها بحق الاختصاص لعدم الملازمة بینهما فی الارتفاع، و یتضح ذلک بملاحظة الألوان و الکیفیات الخارجیة.

و فیه ان الملکیة الحقیقة من أیة مقولة کانت،جدة أو إضافة لیست قابلة للشدة و الضعف حتی تعتبر بحدها الضعیف تارة،و بحدها القوی تارة أخری،بل هی أمر بسیط فإذا زالت زالت بأصلها.

و لو سلمنا کون الملکیة الحقیقة ذات مراتب لم یجر ذلک فی الاعتباریة فإن اعتبار کل مرتبة منها مغایر لاعتبار المرتبة الأخری،و إذا زال اعتبار المرتبة القویة لم یبق بعده اعتبار

ص:143

آخر للمرتبة الضعیفة،و علیه فلا یبقی هناک شیء آخر لکی یسمی بالحق.

و هذا لا ینافی ما هو المعروف من أن الحق فی نفسه مرتبة ضعیفة من الملک.فان معنی هذا الکلام:أن الملک و الحق کلیهما من مقولة السلطنة،و أن الملک سلطنة قویة،و الحق سلطنة ضعیفة،و هو أمر آخر غیر اختلاف حقیقة الملک بالشدة و الضعف،و الکمال و النقص نظیر الألوان کما توهم.

و نظیر ما نحن فیه تسمیة الرجحان الضعیف فی باب الأوامر بالاستحباب و الرجحان الشدید بالوجوب،و هو أمر وراء کون الاستحباب مرتبة ضعیفة من الوجوب.

الثالث:قد ثبت فی الشریعة المقدسة أنه لا یجوز لأحد أن یتصرف فی مال غیره إلا بطیب نفسه،و قد دلت علی ذلک السیرة القطعیة و جملة من الاخبار[1]فإذا زالت الملکیة،و شککنا فی زوال ذلک الحکم کان مقتضی الاستصحاب الحکم ببقائه.

و فیه مضافا إلی عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام،لمعارضته دائما بأصالة عدم الجعل کما نقحناه فی علم الأصول.أن موضوع الحکم محرمة التصرف هو مال الغیر فإذا سقط

ص:144

الشیء عن المالیة سقطت عنه حرمة التصرف حتی إذا کان باقیا علی صفة المملوکیة.إذ لا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر،فکیف إذا زالت عنه الملکیة أیضا!! الرابع:دعوی الإجماع علی ذلک.و فیه أن دعوی الإجماع التعبدی فی المسألة بعیدة جدا،فان من الممکن استناد المجمعین إلی الوجوه المذکورة.

الخامس:دلالة المرسلة المعروفة بین الفقهاء«من جاز ملک»و قوله«ص»:[1](من سبق إلی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو أحق به).علی وجود ذلک الحق فی الأشیاء التی سقطت عنها المالیة.

و فیه أن حدیث الحیازة و إن اشتهر فی ألسنة الفقهاء و کتبهم الاستدلالیة،و لکنا لم نجده فی أصول الحدیث من الخاصة و العامة.و الظاهر انه قاعدة فقهیة متصیدة من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفة،کإحیاء الموات و التحجیر و غیرهما کسائر القواعد الفقهیة المضروبة لبیان الأحکام الجزئیة.

و لو سلمنا کون ذلک روایة،أو کان بناء الفقهاء علی الاستدلال بالقاعدة فلا دلالة فیها علی ثبوت حق الاختصاص بعد زوال الملکیة،فإن الظاهر منها لیس إلا ثبوت مالکیة المحیز للمحاز،و أما الزائد عن ذلک فلا دلالة لها علیه.

علی انها ضعیفة السند،و غیر منجبرة بشیء،فإن الشهرة إنما تکون جابرة لضعف سند الروایة إذا علم استناد المشهور إلی الروایة الضعیفة،و لا ریب ان استناد أکثرهم هنا أو کلهم الی غیرها،و إنما ذکروها للتأیید و التأکید.و یضاف الی ذلک:ان جبر الروایة الضعیفة بالشهرة ضعیف المبنی،و قد أشرنا إلیه فی أول الکتاب.

و أما حدیث السبق ففیه أولا:انه ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء صغری و کبری، و ثانیا:ان ما نحن فیه خارج عن حدود هذا الحدیث،فان مورده الموارد المشترکة بین المسلمین بأن یکون لکل واحد منهم حق الانتفاع بها،کالأوقات العامة من المساجد و المشاهد و المدارس و الرباط و غیرها،فإذا سبق إلیها أحد من الموقوف علیهم و اشغلها بالجهة التی انعقد علیها الوقف حرمت علی غیره مزاحمته و ممانعته فی ذلک.و لو عممناه الی موارد الحیازة فإنما یدل علی ثبوت الحق الجدید للمحیز فی المحاز،و لا یدل علی بقاء العلقة

ص:145

بین المالک و ملکه بعد زوال الملکیة.

و من جمیع ما ذکرناه ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی من الوهن،حیث قال:(و الظاهر ثبوت حق الاختصاص:اما فی الحیازة فلعموم دلیل من سبق الی ما لم یسبقه احد«مسلم» فهو أولی به«أحق به»و اما فیما إذا کان أصله ملکا للشخص فلاستصحاب بقاء العلقة).

فقد علمت ان المورد لیس مما یجری فیه الاستصحاب.و ان الحدیث لا یدل علی المدعی.

قوله ثم انه یشترط فی الاختصاص بالحیازة قصد الحائز للانتفاع. أقول:محصل کلامه انه یشترط فی الاختصاص قصد الحائز الانتفاع بالمحاز،فلو خلت حیازته عن ذلک القصد لم یثبت له حق الاختصاص فی المحاز،و جاز لغیره مع العلم بذلک ان یزاحمه فی التصرفات و لا فرق فی ذلک بین الأوقات العامة و المباحات الأصلیة،و علیه فیشکل الأمر فیما یتعارف فی أکثر البلاد من جمع العذرة و بیعها لتسمید البساطین و الزروع،فان الظاهر بل المقطوع به انه لیس للشخص قصد الانتفاع بفضلاته،و لم یحرزها للانتفاع بها،فیکون أخذ المال بإزائها أخذا محرما.

و لکن التحقیق ان یقال:ان المحاز قد یکون من الأمکنة المشترکة کالاوقات العامة، و قد یکون من المباحات الأصلیة،اما الأول فلا ریب فی ان اختصاص الحائز به مشروط بقصد الانتفاع علی حسب ما أوقفه أهله و إلا فلا یثبت له الاختصاص لکونه علی خلاف مقصود الواقف،و من هنا لم یجز بیعه،و لا هبته،و لا إجارته،و لا استملاکه.

علی انا لو قلنا:بعدم الاشتراط بذلک لجاز إشغال المساجد و معابد المسلمین بنحو من الحیازة و لو بإلقاء السجادة و وضع التربة ثم بیعها من المصلین،و من البدیهی ان هذا علی خلاف وجهة الوقف،نعم لو اکتفینا فی ثبوت الاختصاص بمجرد قصد الحیازة،و لم نشترط فیه قصد الانتفاع،و قلنا بأن حق الاختصاص بما تجوز المعاوضة علیه لارتفع الاشکال و أما الثانی:کالاحتطاب و الاصطیاد فالظاهر أن الاختصاص به غیر مشروط بشیء، بل یکفی فیه مجرد الحیازة الخارجیة لعدم الدلیل علی التقیید،و من هنا ذهب جمع من الأصحاب و من العامة الی عدم الاشتراط.و یظهر ذلک لمن یلاحظ الموارد المناسبة لما نحن فیه قال الشیخ فی الخلاف (1):(الأرضون الموات للإمام خاصة لا یملکها أحد بالإحیاء إلا أن یأذن له الإمام.و قال الشافعی:من أحیاها ملکها أذن له الإمام أو لم یأذن.

و قال أبو حنیفة:لا یملک إلا بإذن،و هو قول مالک.دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم).و لو کان لتقیید الاختصاص بقصد الانتفاع وجه لکان ذلک موردا للخلاف کالتقیید بإذن الإمام

ص:146


1- 1) راجع ج 2 ص 2.

و یؤیده عموم روایة:(من سبق إلی ما لا یسبقه الیه مسلم فهو أحق به)و قاعدة الحیازة المتقدمتین،بل یمکن استفادة الإطلاق من الإخبار المتظافرة الواردة فی إحیاء الموات من الأراضی،کصحیحة محمد بن مسلم:(أیما قوم أحیوا شیئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و هی لهم).و کحسنة زرارة لإبراهیم بن هاشم عن أبی جعفر«ع»:(قال:قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)من أحیا مواتا فهو له).و غیر ذلک من الروایات من طرق الشیعة (1)و من طرق العامة[1].

النوع الثانی مما یحرم التکسب به ما یحرم لتحریم ما یقصد به

الأول:ما لا یقصد من وجوده علی نحوه الخاص إلا الحرام
حرمة بیع میاکل العبادة المبتدعة

قوله النوع الثانی مما یحرم التکسب به ما یحرم لتحریم ما یقصد به و هو علی أقسام:

الأول:ما لا یقصد من وجوده علی نحوه الخاص إلا الحرام و هی أمور،منها هیاکل العبادة المبتدعة. أقول:المشهور بل المجمع علیه بین الشیعة و السنة[2]هو تحریم بیع هیاکل[3] العبادة المبتدعة،و فی المتن(بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الإجماع علیه).

ص:147


1- 1) راجع ج 1 کا ص 409،و ج 2 التهذیب ص 158،و ج 10 الوافی ص 131، و ج 3 ئل إحیاء الموات ص 149،و ج 3 المستدرک إحیاء الموات ص 149.

و قد استدل علی ذلک أولا:بما فی روایة تحف العقول من قوله«ع»:(فکل أمر یکون فیه الفساد مما هو منهی عنه)و قوله«ع»فیها:(إنما حرم اللّه الصناعة التی هی حرام کلها التی یجیء منها الفساد محضا نظیر البرابط و المزامیر و الشطرنج و کل ملهو به و الصلبان و الأصنام)و قوله«ع»أیضا فیها:(أو علی التصاویر و الأصنام).

و فیه أولا:ان روایة تحف العقول ضعیفة السند فلا یمکن الاستناد إلیها فی الأحکام الشرعیة،و قد تقدم ذلک فی أول الکتاب.و ثانیا:أن النهی فیها ظاهر فی الحرمة التکلیفیة فلا دلالة فیها علی الحرمة الوضعیة،و هذا أیضا تقدم فی أول الکتاب.

و ثانیا:بأن أکل المال بإزائها أکل له بالباطل،لآیة التجارة عن تراض،و فیه أنک عرفت مرارا عدیدة:أن الآیة لیست عن شرائط العوضین فی شیء،و إنما هی راجعة إلی بیان أسباب المعاملات،و ستعرف ذلک أیضا فیما یأتی.

و ثالثا:بقوله تعالی (1): (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) و بقوله تعالی (2):

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) و بقوله تعالی (3)(وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) .بناء علی أن بیع هیاکل العبادة و الاکتساب بها مناف للاجتناب المطلق، کما أن المراد من الأنصاب هی الأوثان و الأصنام[1]و المراد من الرجز الرجس،و من الهجر الاجتناب.

و رابعا:بالنبوی المشهور المجعول(إن اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه).

و بقوله«ع»فی دعائم الإسلام (4):(نهی عن بیع الأصنام).

ص:148


1- 1) سورة الحج،آیة:32.
2- 2) سورة المائدة،آیة 90.
3- 3) سورة المدثر،آیة:5.
4- 4) راجع ج 2 المستدرک ص 427.

و فیه مضافا إلی ضعف السند فیهما،و عدم ثبوت النبوی علی النحو المعروف أن الظاهر من النهی فی روایة الدعائم هی الحرمة التکلیفیة،و المراد إثبات ما هو أعم منها و من الحرمة الوضعیة.

و خامسا:بأنه قد ورد المنع[1]عن بیع الخشب ممن یجعله صلیبا أو صنما فإذا حرم بیع الخشب لذلک فان بیع الصلیب و الصنم أولی بالتحریم،و هذا هو الوجه الوجیه،و یؤیده قیام السیرة القطعیة المتصلة إلی زمان المعصوم«ع»علی حرمة بیع هیاکل العبادة،و یؤیده أیضا وجوب إتلافها حسما لمادة الفساد کما أتلف النبی(صلی الله علیه و آله)و علی«ع»أصنام مکة[2] فإنه لو جاز بیعها لما جاز إتلافها.

ص:149

بحث و تتمیم

إن کیفیات الأشیاء و أوصافها محسوسة کانت أم غیر محسوسة و إن کانت بحسب الدقة الفلسفیة من مقولة الأعراض،إلا أنها فی نظر العرف المبنی علی المسامحة و المساهلة منقسمة إلی قسمین،الأول:أن یکون النظر إلی الأشیاء أنفسها بالأصالة،و إلی أوصافها بالتبع، لفنائها فی المعروض و اندکاکها فیه،و مثال ذلک الأعراض التی هی من لوازم الوجود کالالوان،و من هذا القبیل أیضا اللیرات العثمانیة التی ألغیت عن الرواج،و الذهب و الفضة غیر المسکوکین.

الثانی:أن یکون النظر فیها إلی الهیئة و الصورة بالأصالة،و إلی المادة و الهیولی بالتبع، لکون الأوصاف معدودة من الصور النوعیة فی نظر العرف،و ذلک کالإشکال التی یکون علیها مدار التسمیة و العنوان فی الخارج،کما فی الکأس و الکوز و نحوهما مع أن موادها من جنس واحد،و من هذا القبیل الفرش و الثوب و نحوهما.

أما القسم الأول:فالمالیة فیها من ناحیة المواد،لان أوصافها خارجة عن حدود الرغبات التی هی من علل ثبوت المالیة فی المرغوب فیه.

و أما القسم الثانی:فالمالیة فیها لخصوص الهیئات،لخروج موادها عن حریم المالیة و حدودها،لکونها إما مرغوبا عنها کالنقود الرائجة المضروبة من القراطیس،أو مغفولا عنها فی قبال الهیئة للتبعیة و الاندکاک،و من هنا اتضح أن المالیة إنما تقوم بمواد الأشیاء، أما للرغبة فیها أنفسها،و إما للمیل إلی هیئاتها،و إما للاشتیاق إلیهما معا،و لا تضر بذلک استحالة عراء المادة عن هیئة ما کما لا یخفی.

و قد انضح:ان المراد بالصورة النوعیة هنا هی العرفیة دون العقلیة المبحوث عنها فی طبیعیات الفلسفة،و ان بینهما عموما من وجه،إذ قد یکون الوصف من الصور النوعیة العرفیة مع کونه فی نظر العقل من الاعراض،کالرجولة و الأنوثة،فإنهما و إن کانا عرضین للإنسان،إلا انهما فی نظر العرف من الصور النوعیة،فالعبد و الأمة نوعان فی نظر العرف و إن کانا بالنظر الدقیق صنفین من طبیعة واحدة.و قد ینعکس الأمر،فیکون ما هو من الصور النوعیة فی نظر العقل من الاعراض فی نظر العرف،و ذلک کالثوبین المنسوج أحدهما من الحریر و الآخر من الفنتاز،فإنهما عند العقل ماهیتان متباینتان،و فی نظر العرف

ص:150

حقیقة واحدة لا تعدد فیها،و قد یجتمعان کالفراشین المنسوجین بنسج واحد و من جنس واحد،و الکأسین المصوغین بصیاغة واحدة،و من فلز واحد.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک نقول:الملحوظ استقلالا فی بیع الصلیب و الصنم إن کانت هی الهیئات العاریة عن المواد-إما لعدم مالیة المواد کالمصنوع من الخزف،أو لکونها مغفولا عنها-فلا شبهة فی حرمة بیعها وضعا و تکلیفا،لوقوع البیع فی معرض الإضلال و لتمحض المبیع فی جهة الفساد،و انحطاطه عن المالیة لحرمة الانتفاع مهما بالهیئة الوثنیة، و لذا وجب إتلافها.

و ان کان الملحوظ فی بیعهما هی المواد مجردة عن الصورة الوثنیة إلا باللحاظ التبعی غیر المقصود فلا إشکال فی صحة بیعهما،لآیة التجارة و سائر العمومات،لان البیع و المبیع لم یتصفان بجهة من الجهات المبغوضة المنهی عنها.

و إن کان المقصود من البیع هی المواد و إلهیة معا-کما إذا کانا مصنوعین من الجواهر النفیسة أو الأشیاء الثمینة-فلا إشکال فی حرمة البیع وضعا و تکلیفا کالصورة الأولی، لعموم أدلة المنع عن البیع لهذا الغرض أیضا.

لا یقال:إذا کان کل من الهیئة و المادة ملحوظا فی البیع کان المورد من صغریات بیع ما یملک و ما لا یملک،کبیع الخل مع الخمر،و بیع الشاة مع الخنزیر فی صفقة واحدة،و حکم ذلک أن یقسط الثمن علیهما،و سیأتی،و یثبت للمشتری خیار تخلف الشرط لفوات الانضمام، و علی ذلک فلا وجه للحکم بالبطلان.

فإنه یقال:إن الانحلال و التقسیط و إن کلما بحسب الکبری موافقین للتحقیق،إلا ان الاشکال فی صحة الصغری،لأن الهیئة الوثنیة فی الصلیب و الصنم کالصورة النوعیة للمادة فی نظر العرف،فلا تکونان فی الخارج إلا شیئا واحدا،فلا موضع هنا للانحلال و التقسیط،کما لا موضع لهما فی المادة و الصورة العقلیتین عند التخلف بأن یحکم بالصحة فی المادة السیالة المسماة بالهیولی الأولی،لأنها محفوظة فی جمیع الأشیاء و إن تبادلت علیها الصور و بالبطلان فی الهیئة،لأن المقصود منها غیر واقع،و الواقع منها غیر مقصود،و یتبع ذلک تقسیط الثمن علیها بالنسبة.

و وجه الفساد ان المادة و الهیئة لیستا من الاجزاء الخارجیة لکی تنحل المعاملة الواحدة إلی معاملات متکثرة حسب تکثر أجزاء المبیع،فالمعاملة علیهما واحدة لاتحاد متعلقها خارجا و الکثرة إنما هی تحلیلیة عقلیة.و لازم ذلک ان المعاملة إذا بطلت فی جزء بطلت فی الجمیع فلا منشأ للانحلال و التقسیط،و لا فرق فی ذلک بین ان تکون الصورة عقلیة أو عرفیة.

ص:151

لا یقال:ان بیع المادة مع قصد الصورة الوثنیة و ان کان موجبا للبطلان إلا أن اشتراط إعدام الهیئة و فنائها یوجب صحة البیع و ترتب الأثر علیه،لجواز الانتفاع بأجزائها بعد الکسر،لأنها لیست بأصنام.

فإنه یقال:إذا تحقق موضوع الحرمة و ترتب علیه الحکم لم یؤثر هذا الاشتراط فی الجواز،لأن الشیء لا ینقلب عما هو علیه.

ثم لا یخفی:أنه لو اتصف شیء من آلات الصنائع کالمکائن و نحوها بصورة الوثنیة لکان داخلا فی الأعیان ذات المنافع المحللة و المحرمة،و سیأتی الکلام علیها،و لو قلنا:بجواز بیعها باعتبار منافعها المحللة فإنما هو فیما إذا أوجبت هذه المنافع مالیتها مع قطع النظر عن المنافع الأخری المحرمة و عن لحاظ الجهة الوثنیة،و إلا فلا وجه لتوهم جواز البیع.

قوله لو أتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها. أقول:قد عرفت أنه یجب إعدام الصورة الوثنیة،و علیه فان کانت لأبعاضها المکسورة قیمة کما إذا کانت مصوغة من الذهب أو الفضة فلا یجوز إتلافها بمواردها،بل یجب إتلافها بهیئتها فقط،و لو أتلفت بموادها ضمنها المتلف لمالکها،إلا أن یتوقف إتلاف الهیئة علی إتلاف المادة.و ان لم تکن لرضاضها قیمة فلا مانع من إتلاف المادة أیضا مع الهیئة.

لا یقال:إن توقف إتلاف الهیئة علی إتلاف المادة لا ینافی ضمان المادة إذا کانت لها قیمة، کما أن جواز أکل طعام الغیر بدون إذنه فی المجاعة و المخمصة لا ینافی ضمان ذلک الطعام.

فإنه یقال:الفرق واضح بین المقامین،إذ الباعث إلی أکل طعام الغیر فی المخمصة إنما هو الاضطرار الموجب لإذن الشارع فی ذلک،و أما هیاکل العبادة فإن الباعث الی إتلافها لیس إلا خصوص أمر الشارع بالإتلاف فلا یستتبع ضمانا.

حرمة بیع آلات القمار

قوله و منها آلات القمار. أقول:قد اتفقت کلمات الأصحاب علی حرمة بیع آلات القمار،بل فی المستند (1)دعوی الإجماع علیها محققا بعد أن نفی عنها الخلاف أولا.ثم إن مورد البحث هنا-سواء کان من حیث حرمة البیع أم من حیث وجوب الإتلاف- ما یکون معدا للمقامرة و المراهنة کالنرد و الشطرنج.و نحوهما مما بعد آلة قمار بالحمل الشائع، و إلا فلا وجه لحرمة بیعه و إن أنفقت المقامرة به فی بعض الأحیان،کالجواز و البیض و نحوهما،کما لا یجوز إتلافه،لکونه تصرفا فی مال الغیر بغیر إذن منه،و لا من الشارع،

ص:152


1- 1) ج 2 ص 335.

نعم یجب نهی المقامرین بذلک عن المقامرة إذا اجتمعت فیه شرائط النهی عن المنکر.

و یظهر حکم هذه المسألة مما أسسناه فی المسألة السابقة من الضابطة الکلیة فی حرمة بیع ما قصدت منه الجهة المحرمة،فلا یحتاج الی التکرار.علی أن حرمة البیع هنا قد دلت علیها جملة من الاخبار[1]منها روایة أبی الجارود الدالة علی حرمة بیع آلات القمار،و حرمة الانتفاع بها.و منها قوله«ع»فی روایة أبی بصیر:(بیع الشطرنج حرام و أکل ثمنه سحت) و منها ما فی حدیث المناهی:(نهی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)عن بیع النرد).و مورد الخبرین الأخیرین و إن کان خصوص بعض الآلات،و لکن یتم المقصود بعدم القول بالفصل بین آلات القمار

ص:153

المعدة لذلک.ثم انه قد ورد فی جملة من أحادیث العامة (1)الأمر بکسر النرد و إحراقها.

فتدل علی حرمة بیعها،لان ما لا یجوز الانتفاع به لا یجوز بیعه عندهم.و قد تقدم ذلک فی البحث عن جواز الانتفاع بالنجس،و سیأتی التعرض له فی المسألة الآتیة.

قوله و فی المسالک إنه لو کان لمکسورها قیمة. أقول:قال فی التذکرة (2):

(ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له فیحرم بیعه،کآلات الملاهی و هیاکل العبادة المبتدعة، کالصلیب و الصنم،و آلات القمار،کالنرد و الشطرنج إن کان رضاضها لا یعد مالا،و به قال الشافعی،و إن عد مالا فالأقوی عندی الجواز مع زوال الصفة المحرمة).و ذکر المصنف:إن أراد بزوال الصفة زوال الهیئة فلا ینبغی الإشکال فی الجواز،و لا ینبغی جعله محلا للخلاف بین العلامة و الأکثر).و فی حاشیة السید:(لعله أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به و ترکهم له بحیث خرج عن کونه آلة القمار و ان کانت الهیئة باقیة).

و یرد علی التوجیهین:أن ظاهر عبارة العلامة أن الحرمة الفعلیة لبیع الأمور المذکورة تدور مدار عدم صدق المالیة علی اکسارها،و توجیهها بما ذکره المصنف أو بما ذکره السید رحمهما اللّه بعید عن مساق کلامه جدا،نعم یحتمل وقوع التحریف فی کلامه بالتقدیم و التأخیر:بأن تکون العبارة(و إن عد مالا مع زوال الصفة المحرمة فالأقوی عندی الجواز)فیکون ملخص کلامه جواز البیع إذا کانت المادة من الأموال.أو یوجه بتقدیر المضاف بین کلمة مع و کلمة زوال:بأن یکون التقدیر(فالأقوی عندی الجواز مع اشتراط زوال الصفة المحرمة).و کیف کان فهو أعرف بمرامه،و لا ندری ما الذی فهم منه المسالک حتی استحسنه.

قوله ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض. أقول:فی مجمع البحرین:أصل القمار الرهن علی اللعب بشیء،و ربما أطلق علی اللعب بالخاتم و الجواز،و سیأتی التعرض لحقیقة القمار و المیسر و الأزلام،و التعرض لبیان أن المحرم هو مطلق المراهنة و المغالبة أو المغالبة مع العوض فی مسألة حرمة القمار.

حرمة بیع آلات الملاهی

قوله و منها آلات اللهو علی اختلاف أصنافها. أقول:اتفق فقهائنا بل الفقهاء

ص:154


1- 1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 216.
2- 2) ج 1 ص 4 من البیع.

کافة ظاهرا[1]علی حرمة بیع آلات الملاهی وضعا و تکلیفا،بل فی المستند (1)دعوی الإجماع علی ذلک محققا.

و قد یستدل علی ذلک بالروایات العامة المتقدمة فی أول الکتاب و لکنه فاسد لما فیها من ضعف السند و الدلالة،و ظهورها فی الحرمة التکلیفیة کما عرفت.

و الذی ینبغی ان یقال:ان الروایات (2)قد تواترت من طرقنا و من طرق العامة علی حرمة الانتفاع بآلة اللهو فی الملاهی و المعازف،و أن الاشتغال بها و الاستماع إلیها من الکبائر الموبقة و الجرائم المهلکة،و أن ضربها ینبت النفاق فی القلب کما ینبت الماء الخضرة،و یتسلط علیه شیطان ینزع منه الحیاء،و أنه من عمل قوم لوط،و فی سنن البیهقی:یخسف اللّه بهم الأرض و یجعل منهم القردة و الخنازیر،بل من الوظائف اللازمة کسرها و إتلافها حسما لمادة الفساد،و لیس فی ذلک ضمان بالضرورة،و فی بعض أحادیث العامة (3)ان رجلا کسر طنبورا لرجل فرفعه الی شریح فلم یضمنه.

إذن فالمسألة من صغریات الضابطة الکلیة التی ذکرناها فی البحث عن حرمة بیع هیاکل العبادة المبتدعة،و علیه فالحق هو حرمة بیع آلات اللهو وضعا و تکلیفا،علی أنه ورد فی الحدیث[2]ما یدل علی حرمة بیع آلات الملاهی و شرائها و حرمة ثمنها و التجارة فیها.

ص:155


1- 1) راجع ج 2 ص 335.
2- 2) سنتعرض لهذه الأخبار المنقولة من الفریقین فی البحث عن حرمة الغناء.
3- 3) راجع ج 6 سنن البیهقی ص 101.

و لکنه ضعیف السند.

لا یخفی:أن موضوع الحرمة هنا هی آلة اللهو،و قد حقق فی محله أن المضاف الیه خارج عن حدود المضاف،فلا یعد جزء له،إلا أنه داخل فیه بنحو الاشتراط و التقیید، و حیث إن معرفة الحکم فرع معرفة الموضوع بقیوده و شؤونه فلا بد هنا من العلم بحقیقة اللهو،و سیأتی التعرض له فی محله،و من أوضح مصادیقه ما هو مرسوم الیوم من تغنی أهل الفسوق و لهوهم بالرادیوات و غیرها من آلات الملاهی.

حکم بیع آنیة الذهب و الفضة

قوله و منها أوانی الذهب و الفضة. أقول:مفهوم الإناء أمر معلوم لکونه من المفاهیم العرفیة،و هو ما یکون معدا للأکل و الشرب،جمعه آنیة و أوان،و الظرف أعم منه،و مجمل القول هنا أن النهی عن آنیة الذهب و الفضة إن کان مختصا بالأکل أو الشرب فیها،و کانت محرمة الاستعمال فی خصوصهما،کما أنفق علیه الفقهاء کافة[1]و استفاضت الروایات بینهم من الفریقین (1)فلا شبهة فی جواز بیعها لسائر الجهات المحللة،و منها اقتناؤها لأنحاء الاستعمالات و أقسام التزینات غیر الأکل و الشرب فیها،و هکذا الحکم لو کان المستفاد من الروایات هو حرمة استعمالها علی وجه الإطلاق،کما ادعی علیه الإجماع أیضا،و ذکر النهی عنه فی بعض الأحادیث[2]إذ لا یعم ذلک مثل التزین لعدم صدق الاستعمال علیه، فیجوز بیعها لذلک.

و إن کان المستفاد حرمة جمیع منافعها و جمیع أنحاء التقلب و التصرف فیها حتی التزین

ص:156


1- 1) راجع ج 2 کا ص 187،و ج 2 التهذیب ص 305،و ج 11 الوافی ص 75 و ج 1 ئل باب 65 عدم جواز استعمال أوانی الذهب و الفضة و من أبواب النجاسات،و ج 1 المستدرک ص 166،و ج 14 البحار ص 923 الی ص 925،و ج 1 سنن البیهقی ص 27

بها فلا ریب فی حرمة المعاوضة علیها مطلقا،لکونها مما یجیء منها الفساد محضا،و تکون من صغریات الکبری المتقدمة فی البحث عن حرمة بیع هیاکل العبادة المبتدعة.

و قد استدل علی هذا الاحتمال الأخیر بقوله«ع»[1]:(آنیة الذهب و الفضة متاع الذین لا یوقنون).و فیه مضافا الی ضعف السند فی الروایة،أنها ناظرة إلی الجهة الأخلاقیة فلا تکون مدرکا فی الأحکام الفرعیة،و تفصیل الکلام فی کتاب الطهارة.

حکم بیع الدراهم المغشوشة

قوله و منها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس. أقول:لا شبهة فی حرمة غش المؤمن فی البیع و الشراء وضعا و تکلیفا،و سنذکر ذلک عند التعرض لحرمة الغش، و إنما الکلام هنا یقع فی ناحیتین:الاولی جواز الانتفاع بها فی التزین و فی دفعه الی العشار فی المکوس و الکمارک،و إلی الظالم،و عدم جوازه.الثانی جواز المعاوضة علیها و عدم جوازها أما الناحیة الأولی فقد استدل علی الحرمة بروایات،منها ما فی روایة الجعفی[2]من الأمر بکسر الدرهم المغشوش،فإنه لا یحل بیعه و لا إنفاقه.

و فیه أن الأمر فیها لیس تکلیفیا لیجب کسره،و یحرم ترکه،بل هو إرشاد الی عدم صحة المعاوضة علیها،و عدم جواز أداء الحقوق الواجبة منها،و یدل علی ذلک من الروایة تعلیل الامام«ع»الأمر بالکسر بأنه لا یحل بیعه و لا إنفاقه،إذ من البدیهی أن الصد عن

ص:157

عن بیعه و إنفاقه فی الخارج لا ینحصر فی الکسر بل یحصل بغیره أیضا.

و منها ما فی روایة موسی بن بکر[1]من أن الامام«ع»قطع الدینار المغشوش بنصفین و أمره بإلقائه فی البالوعة حتی لا یباع ما فیه غش،إذ لو جاز الانتفاع به فی وجه لما قطعه بنصفین.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند،و غیر منجبرة بشیء.و ثانیا:أن فعله«ع»و إن کان حجة کسائر الأمارات الشرعیة کما حقق فی محله،إلا أن ذلک فیما تکون وجهة الفعل معلومة،و علیه فلا یستفاد من الروایة أکثر من الجواز الشرعی،و یکون مؤداها الإرشاد الی عدم نفوذ المعاملة علیه،لوجود الغش فیه،و الشاهد علی ذلک من الروایة قوله«ع»:

(حتی لا یباع شیء فیه غش).بل الظاهر أنه کان غشا محضا،و إلا لما أمر الإمام«ع» بإلقائه فی البالوعة،لکون هذا الفعل من أعلی مراتب الإسراف و التبذیر.و من هنا ظهر ما فی روایة دعائم الإسلام[2]من حکمه«ع»بقطع الدرهم المغشوش.

و أما الناحیة الثانیة فتوضیح الکلام فیها أن للدراهم المغشوشة حالتین،الاولی:أن تکون رائجة بین الناس حتی مع العلم بالغش،کالدراهم الرائجة فی زماننا.و الثانیة:أن لا تکون رائجة بینهم.

أما الصورة الاولی فلا شبهة فی جواز المعاوضة علی الدراهم المذکورة لأن الفرض الأصیل منها أعنی الرواج غیر تابع لخلوص المواد و نقائها من الغش،بل هو تابع لاعتبار سلطان الوقت لها،و جریان القانون الحکومی علیه من غیر فرق بین اغتشاش المادة و خلوصها نعم إذا سقطت عن الاعتبار فلا تجوز المعاوضة علیها من دون إعلام.

و أما الصورة الثانیة فإن المعاوضة قد تقع علی الدرهم الکلبی ثم یدفع البائع الدرهم المغشوش عند الإقباض،و قد تقع علی شخص الدرهم الخارجی المغشوش،فعلی الأول لا وجه للبطلان أیضا،و لا خیار للمشتری،بل یجبر البائع علی التبدیل،فان حصل التبدیل فیها،

ص:158

و إلا کان للمشتری الخیار.

و علی الثانی فقد یکون المتعاملان کلاهما عالمین بالغش،و قد یکونان جاهلین به،و قد یکونان مختلفین،أما الصورة الاولی فلا ریب فی إباحة البیع تکلیفا و نفوذه وضعا للعمومات و دعوی أن الغش مانع عن صحة البیع للأخبار المتظافرة الآتیة فی البحث عن حرمة الغش دعوی جزافیة،ضرورة خروج هذه الصورة عن موردها خروجا تخصیصا،إذ الغش إنما یتقوم بعلم الغار و جهل المغرور،و قد فرضنا علم المتبایعین بالحال،و التمسک لذلک روایتی الجعفی و موسی بن بکر المتقدمتین بدعوی ظهورهما فی رحمة بیع الدراهم و الدنانیر المغشوشة توهم فاسد،فان الروایتین و إن کانا ظاهرتین فی ذلک،و لکن یجب حملها علی الکراهة لصراحة ما دل من الروایات[1]علی جواز البیع مع علم المتبایعین بالحال.

و أما للصورة الثانیة فالتحقیق فیها أن الکلام تارة یقع فی الحرمة التکلیفیة،و اخری فی الحرمة الوضعیة،أما الحرمة التکلیفیة فمنفیة جزما،لفقد موضوعا(و هو الغش)مع جهل المتبایعین.

و أما الحرمة الوضعیة بمعنی عدم نفوذ البیع فتوضیح الحال فیها یتوقف علی مقدمة قد أوضحناها فی البحث عن بیع هیاکل العبادة،و تعرض المصنف لها فی خیار تخلف الشرط، و لا بأس هنا بالإشارة إلیها إجمالا،و ملخصها:أن القیود فی المبیع-سواء کانت من قبیل الأوصاف أو الشروط-إما صور نوعیة عرفیة،أو جهات کمالیة.

فإن کانت من القبیل الأول فلا ریب فی بطلان البیع مع التخلف،کما إذا اشتری جاریة علی أنها شابة جمیلة فظهرت عبدا شائبا کریه الوجه،أو اشتری صندوقا فظهر أنه طبل.

و وجه البطلان أن ما جری علیه العقد غیر واقع،و ما هو واقع لم یجر علیه العقد،فان ما تعلقت به المعاملة و إن اتحد فی الحقیقة مع ما تسلمه المشتری،إلا انهما فی نظر العرف

ص:159

متباینان،و لا یتقسط الثمن علی المادة و الهیئة،لتبطل المعاملة فیما قابل الهیئة،و تنفذ فیما قابل المادة،کما یتجزأ فیما إذا باع ما یملک و ما لا یملک صفقة واحدة،کالشاة مع الخنزیر،و ذلک لما عرفت من فساد الانحلال و التقسیط فیما إذا کانت الکثرة تحلیلیة عقلیة.

و إن کانت من القبیل الثانی فلا وجه للبطلان،بل یثبت خیار تخلف الشرط،کما إذا باع عبدا علی أنه کاتب فان أنه غیر کاتب أو باع کبشا فظهر أنه نعجة.و الوجه فی ذلک هو أن الفائت لیس إلا من الأوصاف الکمالیة،فلا یوجب تخلفه إلا الخیار.

ففی المقام إذا باع درهما علی أنه مسکوک بسکة السلطان فبان أنه مسکوک بسکة التاجر بطل البیع،لکون الاختلاف بینهما من الاختلاف فی الصور النوعیة.و أما لو باع درهما علی أنه طازج فبان أنه عتیق فان البیع صحیح،و إنما یثبت المشتری خیار تخلف الشرط.

و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف من الوهن حیث أثبت خیار التدلیس مع تفاوت السکة،و وجه الوهن هو أن الملحوظ إن کان هی المادة المجردة فلا بطلان و لا خیار، و إن کان هی مع الهیئة أو الهیئة المحضة فلا مناص عن البطلان،نعم لو کان الملحوظ هی المادة المجردة،و کان التفاوت بکثرة الخلیط و قلته لثبت خیار العیب،إلا أنه غیر مفروض المصنف.و أما الصورة الثالثة فتارة یفرض علم البائع بالغش دون المشتری و اخری بالعکس،أما الأولی فهو من أوضح مصادیق الغش فی المعاملة،و یجری فیه جمیع ما ذکرناه فی الصورة الثانیة،و أما الثانی فلا مانع من نفوذ البیع فیه وضعا و إباحته تکلیفا للعمومات و توهم أن الغش مانع عن النفوذ مندفع بما ذکرناه من تقومه بعلم البائع و جهل المشتری، و المفروض عکسه.

قوله و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات. أقول:أراد بذلک إبداء الفرق بین بیع آلات اللهو و القمار و بیع الدراهم المغشوشة،بدعوی استحالة صحته فی الآلات،لأن المادة و الهیئة اجزاء تحلیلیة عقلیة فلا تقابل المادة بجزء من الثمن و الهیئة بجزء آخر منه، لیحکم بصحة البیع فی المادة و بفساده فی الهیئة،بل إذا بطل فی جزء بطل فی الجمیع و إذا صح فی جزء صح فی الجمیع،و التقسیط إنما یکون فی الاجزاء الخارجیة کتقسیط الثمن علی الخل و الخمر إذا بیعا صفقة واحدة،و هذا بخلاف الدراهم المغشوشة لنفوذ المعاملة فیها مع الخیار إلا إذا وقع عنوان المعاوضة علی الدراهم المنصرف إطلاقه إلی المسکوک بسکة السلطان فان البیع حینئذ یبطل إذا بان الخلاف.

و فیه ان التزامه بالانحلال و التقسیط فی الاجزاء الخارجیة إذا ظهر الخلاف،و عدم التزامه بهما فی آلات اللهو و القمار و سائر ما کان التعدد فیه بالتحلیل العقلی متین و من الوضوح

ص:160

بمکان،إلا أن الحال فی الدراهم أیضا کذلک،فإذا کان الاختلاف من جهة السکة لا یمکن التصحیح من جهة المادة و الابطال من جهة الهیئة،و أما الصورة الأخری التی یصح البیع فیها مع الخیار أو مع عدمه فلا جامع بینها و بین آلات القمار لیحتاج إلی إبداء الفارق بینهما، و من المحتمل أن هذه العبارة قد حررها النساخ فی غیر موضعها اشتباها و اللّه العالم.

قوله و هذا الکلام مطرد فی کل قید فاسد. أقول:الشروط سواء کانت صحیحة أم فاسدة لا تقابل بجزء من الثمن کما سیأتی بیان ذلک فی بابها،و علیه فتخلفها لا یوجب إلا الخیار حتی علی مسلک المصنف،و دعوی الخصوصیة فی المورد جزافیة.

القسم الثانی ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.
حکم بیع العنب علی أن یعمل خمرا

قوله القسم الثانی ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة. أقول:أراد به تقسیم ما یقصد من بیعه الحرام إلی ثلاثة أقسام،و بیان حکم کل منها علی حدة،و منشأ القسمة هو أن المنفعة المحرمة التی یقصدها المتعاملان إما أن تکون تمام الموضوع فی المعاوضة بحیث یرجع مفادها إلی بذل المال بإزاء تلک المنفعة المحرمة لا غیر،کالمعاوضة علی العنب بشرط التخمیر فقط،و علی الخشب بشرط صنعه صنما فحسب،و إما أن تکون بنحو الداعی إلی المعاوضة من دون اشتراط فیها کالمعاملة علی العنب لیجعله خمرا من غیر اشتراط لذلک فی المعاوضة، و إما أن تکون جزء الموضوع بحیث یرجع مفاد المعاوضة إلی ضم الغایة المحرمة للغایة المحللة، و بذل المال بإزائهما،کبیع الجاریة المغنیة إذا لو حظ بعض الثمن بإزاء صفة الغناء،فهنا مسائل ثلاث.ثم إن الوجوه المذکورة جاریة فی الإجارة أیضا،بل هی تزید علی البیع بوجه رابع،و هو أن یؤجر نفسه لفعل الحرام کالزنا و النمیمة و الغیبة و القتل و الافتراء، و من هذا القبیل إجارة الجاریة المغنیة للتغنی.

قوله الأولی بیع العنب علی أن یعمل خمرا و الخشب علی أن یعمل صنما. أقول:ادعی فی المستند (1)و فی متاجر الجواهر و غیرهما عدم الخلاف بل الإجماع علی حرمة الإجارة و البیع،بل کل معاملة و تکسب للمحرم سواء اشترطاه فی العقد أم حصل اتفاق المتبایعین علیه،کإجارة المساکن و الحمولات للخمر و رکوب الظلمة و إسکانهم للظلم،و بیع العنب و التمر و غیرهما مما یتخذ منه المسکر لیعمل خمرا أو الخشب لیعمل صنما أو بربطا،و إلی هذا القول ذهب بعض أهل الخلاف[1]بل هو ظاهر جمیعهم،لنصهم علی حرمة الإجارة للأمور

ص:161


1- 1) راجع ج 2 ص 336.

المحرمة،و سیأتی،و لا فرق فی ذلک بین الإجارة و سائر المعاملات.

و کیف کان فالکلام یقع فی ناحیتین:

الاولی فی جواز بیع المباح علی أن یجعل حراما و عدم جوازه.و الثانیة:فی بیان أقسام ما یقصد من إجارته الحرام و ذکر أحکامه.

أما الناحیة الاولی فی جواز بیع المباح علی أن یجعل حراما و عدم جوازه

فالذی یمکن الاستدلال به علی حرمة البیع وجوه،الوجه الأول:

أن بیع الأشیاء المباحة علی أن تصرف فی الحرام-کبیع العنب للتخمیر،و بیع الخشب لجعله صنما أو آلة لهو-إعانة علی الإثم،بل فی المستند (1)أنه معاونة علی الإثم المحرم کتابا و سنة و إجماعا.

و فیه أولا:أن الکبری ممنوعة إلا فی موارد خاصة،کما سیأتی.و ثانیا:أنک علمت فی بعض المباحث أن بین عنوان البیع و عنوان الإعانة علی الإثم عموما من وجه،لتقوم مفهوم الإعانة بالإقباض و التسلیط الخارجی علی العین و لو بغیر عنوان البیع،مع العلم بصرفها فی الحرام و إن کان ینطبق عنوان الإعانة علی البیع فی بعض الأحیان،و علیه فلا تستلزم حرمة الإعانة علی الإثم حرمة البیع فی جمیع الموارد.

و ثالثا:أن حرمة المعاوضة لو سلمت لا تدل علی فساد المعاملة وضعا،لأنها حرمة تکلیفیة محضة.

و رابعا:لو قلنا:بدلالة النهی التکلیفی علی فساد المعاملة فإن ذلک فیما إذا کانت المعاملة بعنوانها الاولی موردا للنهی،کبیع الخمر،لا بعنوانها العرضی کما فی المقام.و هذا لا ینافی ما سلکناه فی بعض المباحث،و أشرنا إلیه فیما سبق من کون النواهی فی باب المعاملات إرشادا إلی الفساد کالنهی عن البیع الغرری،کما أنها فی أبواب الصلاة إرشاد إلی المانعیة،فإن ذلک فیما لم تقصد المولویة التکلیفیة من النهی کالنهی عن بیع الخمر.

و خامسا:أن تخلف الشروط الصحیحة إنما یوجب الخیار للمشترط،لان الشروط لا تقابل بجزء من الثمن،و قد حققناه فی محله،و التزم به المصنف فی باب الشروط،و من الواضح أن الشروط الفاسدة لا تزید علی الصحیحة فی ذلک،فلا یسری فساد الشرط إلی العقد و دعوی امتیاز الموارد عن بقیة الشروط الفاسدة موهونة جدا.

و لو سلمنا أن للشروط حصة من الثمن فیقسط علیها و علی المشروط فإنما هو فی الشروط التی تجعل علی البائع:کأن یشترط المشتری علیه فی ضمن العقد خیاطة ثوبه أو بنائه داره أو نجارة بابه و نحوها مما یوجب زیادة الثمن.و أما الشروط التی تجعل علی المشتری:کأن

ص:162


1- 1) راجع ج 2 ص 336.

یشترط البائع علیه صرف المبیع فی جهة خاصة سواء أ کانت محرمة أم محللة فلا تقابل بشیء من الثمن.و إذن فاشتراط البائع علی المشتری صرف المبیع فی الحرام لا یوجب فساد البیع حتی علی القول بالتقسیط.

الوجه الثانی:أن ذلک أکل للمال بالباطل فهو حرام لآیة التجارة.و فیه أولا:

ما عرفته مرارا و ستعرفه من أن الآیة الشریفة مسوقة لبیان الضابطة الکلیة فی الأسباب الصحیحة و الأسباب الفاسدة للمعاملات،و أن شرائط العوضین خارجة عن حدودها.

و ثانیا:ما عرفته مرارا أیضا من أن الشروط لا تقابل بجزء من الثمن لیلزم من فسادها أکل المال بالباطل،و إنما هی مجرد التزامات لا یترتب علی مخالفتها إلا الخیار.

الوجه الثالث:دعوی الإجماع علی الحرمة.و فیه مضافا إلی عدم حجیة الإجماع المنقول.أن دعوی الإجماع التعبدی فی المقام موهونة جدا،لإمکان استناد المجمعین الی الوجوه المذکورة فی المسألة.

الوجه الرابع:ما ذکره فی المستند (1)من کونه بنفسه فعلا محرما لما بینا فی موضعه:

أن فعل المباح بقصد التوصل به إلی الحرام محرم.و فیه أنا لو قلنا:بحرمة مقدمة الحرام فإنما ذلک فی المقدمات التی لا یمکن التفکیک بینها و بین ذی المقدمة بحیث لا یتمکن المکلف بعد إیجاد المقدمة عن ترک ذی المقدمة،فیعاقب علی ذلک.و من الضروری أن بیع المباح بقصد التوصل به إلی الحرام أو بشرط صرفه فیه لیس علة لإیجاده،و إنما هو من الدواعی و التخلف فیها لیس بعزیز.

الرابع:ما توهم من شمول أدلة النهی علی المنکر للمقام،بدعوی أنه إذا وجب النهی عن المنکر لرفعه فإن النهی عنه لدفعه أولی بالوجوب.

و فیه أنا لو استفدنا من الأدلة وجوب النهی عن المنکر لدفعه فلامکن الالتزام و بوجوب النهی عنه لرفعه بالفحوی،و أما العکس فلا.و لو أغمضنا عن ذلک فهو إنما یتم إذا علم البائع بأن المشتری یصرف المبیع فی الحرام علی حسب الاشتراط،و إلا فلا مقتضی للوجوب،علی أن مقتضاه إنما هو مجرد التکلیف،و النهی التکلیفی فی المعاملات لا یقتضی الفساد.

قوله خبر جابر. أقول:لا وجه لذکره فی المقام إلا من جهة اتحاد حکم البیع و الإجارة فیما نحن فیه،و إلا فهو أجنبی عن البیع،و صریح فی حرمة الإجارة للغایة المحرمة کما سیأتی.

ص:163


1- 1) راجع ج 2 ص 336.
و أما الناحیة الثانیة حکم ما یقصد من إجارته الحرام

و أما الناحیة الثانیة فقد علمت أن ما یقصد من إجارته الحرام یکون علی أربعة أقسام الأول:ان یکون متعلق الإجارة من الأمور المحرمة،کأن یؤجر نفسه للعمل الحرام، و هذا لا شبهة فی حرمته من حیث الوضع و التکلیف،بل لا نعرف فیه خلافا من الشیعة و السنة[1]إلا ما یظهر مما نسب إلی ابی حنیفة فی بعض الفروع[2]و قد عرفت فی معنی حرمة البیع أن نفس أدلة المحرمات کافیة فی حرمة هذا القسم من الإجارة،إذ هی تقتضی الانزجار عنها،و مقتضی العمومات هو وجوب الوفاء بالعقد،و هما لا یجتمعان،و لعل المقصود من خبر جابر الآتی هو هذا القسم أیضا.

الثانی:أن یشترط المؤجر علی المستأجر أن ینتفع بالعین المستأجرة بالمنافع المحرمة من دون ان یکون أصل الإیجار للحرام،کاستئجار الثیاب و الحلی و الأمتعة و الخیام و السیارات و سائر المحمولة بشرط الانتفاع بها بالجهات المحرمة،المشهور بیننا و بین العامة[3]عدم جواز

ص:164

ذلک،إلا ان الظاهر ان المسألة من صغریات الشرط الفاسد،و بما أنک علمت إجمالا و ستعلم تفصیلا ان فساد الشرط لا یستلزم فساد العقد و لا یسری إلیه،فلا موجب لفساد الإجارة من ناحیة الشرط المذکور.

و قد یستدل علی الفساد بروایة جابر[1]حیث حکم الامام«ع»فیها بحرمة الأجرة فی رجل آجر بیته فیباع فیه الخمر.

و فیه مضافا إلی ضعف السند فیها.أولا:أنها أجنبیة عن اشتراط الانتفاع بالعین المستأجرة فی الحرام،إذ لا داعی للمسلم ان یؤاجر بیته و یشترط علی المستأجر ان ینتفع منها بالمنافع المحرمة،بل موردها فرض العلم بالانتفاع المحرم من غیر شرط.

و ثانیا:انها محمولة علی الکراهة لمعارضتها بحسنة ابن أذینة[2]الدالة علی جواز إیجاز الحمولة لحمل الخمر و الخنازیر.

و جمع المصنف بینهما بأن روایة ابن أذینة محمولة علی ما إذا اتفق الحمل من غیر أن یؤخذ رکنا أو شرطا فی العقد،بتقریب ان خبر جابر نص فیما نحن فیه و ظاهر فی هذا،و أن حسنة ابن أذینة بالعکس،فیطرح ظاهر کل منهما بنص الآخر.

و فیه أنه قد تقدم فی البحث عن بیع العذرة ان المتیقن الخارج عن مقام التخاطب من

ص:165

الدلیلین لا یصحح الجمع الدلالی بینهما ما لم یساعده شاهد من النقل و الاعتبار،و إنما هو تبرعی محض.

و من هنا اندفع ما فی التهذیب من انه(إنما حرّم إجارة البیت لمن یبیع الخمر لأن بیع الخمر حرام و أجاز إجارة السفینة یحمل فیها الخمر،لأن حملها لیس بحرام،لأنه یجوز ان یحمل لیجعل خلا،و علی هذا لا تنافی بین الخبرین).علی انه ذکر فی الحسنة جواز حمل الخمر و الخنازیر،و ما ذکره من التوجیه فی حمل الخمر لا یجری فی حمل الخنازیر.

و قد یتوهم عدم نفوذ الإجارة وضعا و حرمتها تکلیفا لروایة دعائم الإسلام[1]الظاهرة فیهما،و لکنه توهم فاسد لأن هذه الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء فلا تفی لإثبات المقصود.علی انها معارضة بالحسنة المذکورة،فتحمل علی الکراهة.

ثم انه بفحوی ما ذکرناه ظهر حکم القسم الثالث و الرابع،أعنی صورة العلم بترتب الحرام علی الإجارة من غیر ان یجعل شرطا فی العقد أو داعیا إلیها،و صورة ان یکون ترتب الحرام داعیا لإنشاء المعاملة.و یتضح ذلک وضوحا من المسألة الثانیة و الرابعة.

(قوله بل الأظهر فساده و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد). أقول:قد سمعت کون المسألة من صغریات الشرط الفاسد،و دعوی الخصوصیة فیها و امتیازها عن سائر الشروط الفاسدة مجازفة.

قوله مع ان الجزء اقبل للتفکیک بینه و بین الجزء الآخر من الشرط و المشروط) .

أقول:جواز الانحلال و التقسیط فی الاجزاء الخارجیة و إن کان صحیحا کما أشرنا الیه، و سیأتی تفصیله فی بیع ما یملک و ما لا یملک،إلا انه غیر صحیح فی الاجزاء التحلیلیة العقلیة فإن الانحلال فی ذلک باطل جزما،و من ذلک یظهر ان بطلان بیع الآلات اللهویة لا یستلزم بطلان البیع فیما إذا کان الشرط؟؟؟؟الشرط إنما جعل بإزاء نفس المال فقط،و لیس للشرط حصة من الثمن،لیقاس ببیع الآلات المحرمة.

حکم بیع الجاریة المغنیة

قوله المسألة الثانیة یحرم المعاوضة علی الجاریة المغنیة. أقول:محصل کلامه:ان الصفات سواء کانت محللة أم محرمة قد تکون داعیة الی المعاوضة،و لا دخل لها فی المعاوضة

ص:166

بأکثر من ذلک،و قد تکون دخیلة فی ازدیاد الثمن فیها،و قد تکون أجنبیة عنها أصلا، أما الأول و الثالث فلا ریب فی صحة المعاوضة فیهما،لأن المفروض أن الصفة المحرمة لم توجب زیادة فی الثمن،و کذا الثانی لو کانت الصفة الموجبة لازدیاد الثمن هی الصفة المحللة، و أما لو کان الموجب للزیادة هی الصفة المحرمة فلا شبهة فی فساد المعاوضة حینئذ،کملاحظة صفة التغنی فی بیع الجاریة المغنیة،و المهارة فی القمار و السرقة و اللهو فی بیع العبد،و وجه الفساد أن بذل شیء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أکل للمال بالباطل،و أما التفکیک بین القید و المقید فیحکم بصحة العقد فی المقید و بطلانه فی القید بما قابله من الثمن فتوهم فاسد، لأن القید أمر معنوی لا یوزع علیه شیء من المال.

أقول:تحقیق المسألة فی جهتین،الاولی:من حیث القواعد،و الثانیة:من حیث الروایات.أما الجهة الأولی:فالقاعدة تقتضی صحة المعاوضة فی جمیع الوجوه المذکورة، لوجهین،الوجه الأول:أن بعض الأعمال کالخیاطة و نحوها و إن صح أن تقع علیه المعاوضة و أن یقابل بالمال إذا لو حظ علی نحو الاستقلال،إلا أنه إذا لوحظ وصفا فی ضمن المعاوضة فإنه لا یقابل بشیء من الثمن،و إن کان بذل المال بملاحظة وجودها.و علیه فحرمة الصفة لا تستلزم حرمة المعاوضة فی الموصوف،و إنما هی کالشروط الفاسدة لا توجب إلا الخیار.

الوجه الثانی:لو سلمنا أن الأوصاف تقابل بجزء من الثمن فان ذلک لا یستلزم بطلان المعاملة،إذ الحرام إنما هی الأفعال الخارجیة من التغنی و القمار و الزنا دون القدرة علیها التی هی خارجة عن اختیار البشر.

علی أنه قد ورد فی الآیات و الأحادیث (1):أن قدرة الإنسان علی المحرمات قد توجب کونه أعلی منزله من الملائکة،فإن الإنسان یحتوی علی القوة القدسیة التی تبعث إلی الطاعة، و القوة الشهویة التی تبعث إلی المعصیة،فإذا ترک مقتضی الثانیة و انبعث بمقتضی الاولی فقد حصل علی أرقی مراتب العبودیة.و هذا بخلاف الملک،فإنه لاختصاصه بالقوة الروحیة و الملکة القدسیة الباعثة إلی الطاعة و الرادعة عن المعصیة،و لعرائه عن القوة الأخری الشهویة لا یعصی اللّه،فیکون الإنسان الکامل أفضل من الملک،و تفصیل الکلام فی محله.

و أما الجهة الثانیة فقد استفاضت الروایات من الشیعة[1]

ص:167


1- 1) راجع ج 14 البحار ص 256-366.

و السنة[1]علی حرمة بیع الجواز المغنیات،و کون ثمنهن سحتا کثمن الکلب،و أکثر هذه الروایات و إن کان ضعیف السند،و لکن فی المعتبر منها غنی و کفایة.

و قد یتوهم وقوع المعاوضة بینها و بین ما دل علی جواز البیع و الشراء للتذکیر بالجنة

ص:168

و طلب الرزق کروایتی الدینوی و الصدوق[1].

و فیه أولا:أنهما ضعیفتا السند و غیر منجبرتین بشیء.و ثانیا:أن روایة الصدوق خارجة عن محل الکلام أصلا،فإن المفروض فیها شراء الجاریة التی لها صوت،و مورد البحث هنا بیع الجاریة المغنیة و بینهما بون بعید،و أما روایة الدینوری فهی راجعة إلی البیع و الشراء لطلب الرزق و تحصیله فقط لا سوی ذلک،فلا یکون حراما علی أن المحرم إنما هو التغنی الخارجی،و أما مجرد القدرة علیه فلیس بحرام جزما.

ثم الظاهر من الأخبار المانعة هو أن الحرام إنما هو بیع الجواری المغنیة المعدة للتلهی و التغنی کالمطربات اللاتی یتخذن الرقص حرفة لهن،و یدخلن علی الرجال،إذ من الواضح جدا ان القدرة علی التغنی کالقدرة علی بقیة المحرمات لیست بمبغوضة ما لم یصدر الحرام فی الخارج کما عرفت.علی أن نفعها لا ینحصر بالتغنی لجواز الانتفاع بها بالخدمة و غیرها.

و مع الإغضاء عن جمیع ذلک أن بیعها بقصد الجهة المحرمة لا یکون سببا لوقوع الحرام، لبقاء المشتری بعد علی اختیاره فی أن ینتفع بها بالمنافع المحرمة إن شاء أو بالمنافع المحللة، و علیه فلا موجب لحرمة البیع إلا من جهة الإعانة علی الإثم،و هی بنفسها لا تصلح للمانعیة قال السید(ره)فی حاشیته علی المتن:(و یمکن الاستدلال بقوله«ع»فی حدیث تحف العقول أو شیء یکون فیه وجه من وجوه الفساد خصوصا بقرینة تمثیله بالبیع بالربا، و ذلک لأن المبیع فی بیع الربا لیس مما لا یجوز بیعه،بل الوجه فی المنع هو خصوصیة قصد الربا،ففی المقام أیضا الجاریة من حیث هی لیست مما لا یجوز بیعها،لکن لو قصد بها الغناء یصدق أن فی بیعها وجه الفساد).

و فیه مضافا إلی وهن الحدیث من حیث السند،أنه لا مورد للقیاس،لأن البیع الربوی

ص:169

حرام لذاته،و بیع الجاریة لو کان حراما فإنما هو حرام لأجل قصد التغنی،فالحرمة عرضیة و القیاس مع الفارق.

حرمة کسب المغنیة

لا بأس بالإشارة إلی حکم کسب المغنیة و إن لم یتعرض له المصنف.فنقول:إنه ورد فی جملة من الروایات[1]عدم جواز کسب المغنیة،و أنها ملعونة،و ملعون من أکل من کسبها،فیدل ذلک علی حرمة کسبها وضعا و تکلیفا،علی أنه یکفی فی الحرمة جعلهن الأفعال المحرمة موردا للتکسب،کالتغنی و الدخول علی الرجال و غیرهما،لما علمت سابقا، من أن أدلة صحة العقود،و وجوب الوفاء بها مختصة بما إذا کان العمل سائغا فی نفسه، فلا وجه لرفع الید بها عن دلیل حرمة العمل فی نفسه،نعم لو دعین لزف العرائس،و لم یفعلن شیئا من الأفعال المحرمة فلا بأس بکسبهن،و قد ورد ذلک فی روایة أبی بصیر، و ذکرناها فی الهامش.و من جمیع ما ذکرناه ظهر حکم الرجل المغنی أیضا.

حکم بیع العنب ممن یجعله خمرا

قوله المسألة الثالثة یحرم بیع العنب ممن یعمله خمرا بقصد أن یعمله إلخ. أقول:

ص:170

قد وقع الخلاف بین الفقهاء فی جواز بیع الأشیاء المباحة ممن یعلم البائع أنه یصرفه فی الحرام و عدم جوازه،ففی المختلف (1):(إذا کان البائع یعلم ان المشتری یعمل الخشب صنما أو شیئا من الملاهی حرم بیعه و إن لم یشترط فی العقد ذلک،لنا أنه قد اشتمل علی نوع مفسدة،فیکون محرما،لأنه إعانة علی المنکر).و نقل عن ابن إدریس جواز ذلک، لأن الوزر علی من یجعله کذلک،لا علی البائع،و فصل المصنف(ره)بین ما لم یقصد منه الحرام فحکم بجواز بیعه،و بینما یقصد منه الحرام فحکم بحرمته،لکونه إعانة علی الإثم، فتکون محرمة بلا خلاف.و قد وقع الخلاف فی ذلک بین العامة أیضا[1].

أما ما ذکره المصنف(ره)من التفصیل فیرد علیه أولا:أن مفهوم الإعانة علی الإثم و العدوان کمفهوم الإعانة علی البر و التقوی أمر واقعی لا یتبدل بالقصد،و لا یختلف بالوجوه و الاعتبار.

و ثانیا:لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم ما لم یکن التسبیب و التسبب فی البین کما سیأتی.

و ثالثا:أنا إذا سلمنا حرمة البیع مع قصد الغایة المحرمة لصدق الإعانة علی الإثم علیه فلا بد من الالتزام بحرمة البیع مع العلم بترتب الحرام أیضا،لصدق الإعانة علی الإثم علیه أیضا.و إن قلنا بالجواز فی الثانی من جهة الأخبار المجوزة فلا بد من القول بالجواز فی الأول أیضا،لعدم اختصاص الجواز الذی دلت علیه الاخبار بفرض عدم القصد.

و رابعا:أنا لم نستوضح الفرق بین القسمین،فان القصد بمعنی الإرادة و الاختیار یستحیل ان یتعلق بالغایة المحرمة فی محل الکلام،لأنها من فعل المشتری،إذ هو الذی یجعل العنب خمرا و الخشب صنما،فلا معنی لفرض تعلق القصد بالغایة المحرمة،و أما القصد بمعنی

ص:171


1- 1) ج 1 ص 165.

العلم و الالتفات فهو مفروض الوجود فی القسمین فلا وجه للتفصیل بینهما،نعم یمکن ان یکون الداعی إلی بیع البائع هو ترتب الغایة المحرمة تارة،و غیر ذلک تارة أخری،مع العلم بترتبها فی الخارج،و لکن هذا لا یکون سببا فی اختلاف صدق الإعانة علیهما،لأن دعوة الحرام الی الفعل لیست شرطا فی صدق الإعانة علی الإثم،و هو واضح،إذن فلا وجه للتفصیل المذکور فی کلام المصنف.

ثم إن تحقیق هذه المسألة یقع تارة من حیث الروایات،و اخری من حیث القواعد،
أما الصورة الأولی

فالکلام فیها من جهتین،الاولی:فی الحرمة الوضعیة،و الثانیة:فی الحرمة التکلیفیة.

أما الجهة الأولی:فربما یقال بفساد المعاوضة مع العلم بصرف المبیع أو الانتفاع بالعین المستأجرة فی الجهة المحرمة.لخبر جابر المتقدم(عن الرجل یؤاجر بیته فیباع فیه الخمر؟قال حرام أجرته).فإنه لا وجه لحرمة الأجرة إذا کانت المعاملة صحیحة،و بعدم القول بالفصل بین الإجارة و البیع یتم المقصود.

و فیه مضافا الی ضعف السند فیه،و اختصاصه بالإجارة،انه لا بد من حمله علی الکراهة لمعارضته بحسنة ابن أذینة المتقدمة التی دلت علی جواز إجارة الحمولة لحمل الخمر و الخنازیر.

و أما الجهة الثانیة فقد یقال:بحرمة البیع تکلیفا،لما دل من الاخبار علی حرمة بیع الخشب ممن یتخذه صلبانا،و قد تقدم ذکرها فی البحث عن بیع آلة اللهو،و بعدم القول بالفصل بین موردها و غیره یتم المطلوب.

و لکن یعارضها ما ورد من الاخبار المتظافرة[1]الدالة علی جواز بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یجعلها خمرا،بدعوی عدم الخصوصیة فی مواردها،لعدم القول بالفصل بین

ص:172

هذه الموارد و بین غیرها،إذ لو قیل:بالجواز قیل به مطلقا،و إلا فلا.

و قد یوجه ما ذکر فی روایتی رفاعة و أبی کهمس المذکورتین فی الحاشیة من بیعهم«ع» تمرهم ممن یجعله خمرا:بأن یراد من لفظ الخمر فیهما العصیر المغلی،و لم یذهب ثلثاه فان

ص:173

ظاهر غیر واحدة من الروایات ان شربه کان متعارفا فی زمان الصادق«ع».إذن من المستبعد جدا انهم علیهم السلام یبیعون تمرهم فی کل سنة ممن یصنعه خمرا.

و فیه أن استعمال الخمر فی العصیر المغلی مجازا و ان صح إلا أنه لا یمکن الالتزام به مع عراء الکلام عن القرینة المجوزة علی أن هذا الحمل إنما یصح علی القول بنجاسة عصیر التمر أو بحرمته بعد غلیانه،و لم یثبت شیء منهما،بل الظاهر طهارته و إباحته ما لم یکن مسکرا و علیه فلا مجوز لإطلاق لفظ الخمر أو الشراب الخبیث علیه.

قال المصنف: (فالأولی حمل الأخبار المانعة علی الکراهة لشهادة غیر واحد من الأخبار علی الکراهة،کما أفتی به جماعة و یشهد له روایة رفاعة[1]عن بیع العصیر ممن یصنعه خمرا قال:بعه ممن یطبخه أو یصنعه خلا أحب إلی و لا أری به-بالأول-بأسا).

و فیه أولا:أنه معارض بما فی بعض الروایات من بیعهم علیهم السلام تمرهم ممن یجعله شرابا خبیثا علی ما أشرنا إلیه،لبعد صدور الفعل المکروه منهم«ع»دفعة واحدة فضلا عن الدفعات،و بما فی بعض روایات الباب من تعلیل جواز البیع بأنه قد وقع علی العنب الحلال و إنما المشتری جعله حراما أبعده اللّه و أسحقه،فلا تزر وازرة وزر اخری،و قد ذکرنا الروایات فی الحاشیة.

و ثانیا:أن کون بیع العصیر ممن یجعله خلا أحب الی الامام«ع»لا یدل علی کراهة بیعه ممن یجعله خمرا،خصوصا مع تصریحه«ع»فیها بالجواز ب قوله و لا أری بالأول بأسا نعم لو کان لفظ الروایة:إنی لا أحب بیعه ممن یجعله خمرا،لکان دالا علی کراهة البیع.ثم إنه لم نجد روایة تدل علی الکراهة غیر روایة الحلبی التی نسبها المصنف إلی رفاعة و قد عرفت عدم دلالتها علی ذلک و إذن فلا وجه لقول المصنف:(لشهادة غیر واحد من الأخبار علی الکراهة).

قال السید فی حاشیته ما ملخصه:أنه یمکن الجمع بحمل الأخبار المجوزة علی صورة العلم بأن ذلک عمل المشتری و إن لم یعلم بصرف هذا المبیع الخاص فی المحرم،و حمل الأخبار المانعة علی صورة العلم بصرفه فی الحرام.و یمکن الجمع أیضا بحمل المانعة علی العلم بقصد المشتری صرفه فی الحرام،و حمل المجوزة علی العلم بالتخمیر مع عدم العلم بأن قصده ذلک.

و یرد علی الوجهین:أنهما من الجموع التبرعیة،فلا شاهد لهما.

ص:174

و فی المتن(و قد یجمع بینها و بین الاخبار المجوزة بحمل المانعة علی صورة اشتراط جعل الخشب صلیبا أو صنما أو تواطئهما علیه).

و فیه مضافا الی إطلاق الروایات المانعة،و عدم تقیدها بصورة الاشتراط،و إطلاق الروایات المجوزة،و عدم تقیدها بصورة عدم الاشتراط.أنه یرد علیه أولا:ما فی المتن من أنه لا داعی للمسلم الی هذا النحو من البیع ثم سؤاله عن حکمه.

و ثانیا:أن ذکر جواز بیع الخشب ممن یجعله برابط،و عدم جواز بیعه ممن یجعله صلبانا فی روایتی ابن أذینة و المقنع[1]لا یلائم هذا الجمع ضرورة أن حمل روایة واحدة علی جهتین متنافیتین من غیر تقیید شبیه بالجمع بینهما،فإن السؤال إن کان عن جواز البیع مع اشتراط الصرف فی جهة الحرام فلا یلائمه الجواب بجواز البیع فیما جعله برابط،و إن کان السؤال عن الجواز مع عدم الاشتراط فلا یلائمه الجواب بعدم الجواز فیما جعله أصناما أو صلبانا و الذی ینبغی أن یقال:إنه إذا تم عدم الفصل بین موارد الروایات المجوزة و المانعة کان من قبیل تعارض الدلیلین،فیؤخذ بالطائفة المجوزة،لموافقتها لعمومات الکتاب، کقوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) ،(و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ،و إن لم یثبت عدم الفصل بین مواردها کما احتمله المصنف وجب أن یقتصر بکل طائفة علی موردها و لا تصل النوبة إلی التعارض بینهما،و العمل بقواعده،و هذا هو الظاهر من الروایات، و تشهد له أیضا روایة ابن أذینة المفصلة بین الأصنام و البرابط.

و یقربه:أن شرب الخمر و صنعها،أو صنع البرابط و ضربها و إن کانت من المعاصی الکبیرة و الجرائم الموبقة،إلا أنها لیست کالشرک باللّه العظیم،لان اللّه لا یغفر أن یشرک به و یغفر ما دون ذلک،و علیه فیمکن اختلاف مقدمة الحرام من حیث الجواز و عدمه باختلاف ذی المقدمة من حیث الشدة و الضعف.و دعوی الإجماع علی عدم الفصل دعوی جزافیة،لذهاب صاحبی الوسائل و المستدرک فی عناوین الأبواب من کتابیهما الی التفصیل مضافا الی عدم حجیة الإجماع المنقول فی نفسه.

هذا کله بحسب الروایات،و حاصل جمیع ما ذکرناه:أنه لیس فی الروایات ما یدل علی

ص:175

حرمة بیع المباح ممن یجعله حراما.

و أما الصورة الثانیة(أعنی التکلم فی حکم المسألة من حیث القواعد)

فالکلام فیها من نواحی شتی،الاولی:فی تحقیق مفهوم الإعانة و بیان ما یعتبر فیه،الثانیة:فی حکم الإعانة علی الإثم،الثالثة:أنه علی القول بحرمة الإعانة علی الإثم فهل هی کحرمة الظلم لا تختلف بالوجوه و الاعتبار،و لا تقبل التخصیص و التقیید،أو هی کحرمة الکذب التی تختلف بذلک و علیه فتتصف بالأحکام الخمسة.

حقیقة الإعانة و مفهومها

ما حقیقة الإعانة و مفهومها؟الظاهر أن مفهوم الإعانة کسائر المفاهیم التی لا یمکن تحدیدها إلا بنحو التقریب،فمفهوم الماء مثلا مع کونه من أوضح المفاهیم ربما یشک فی صدقه علی بعض المصادیق علی ما اعترف به المصنف فی أول کتاب الطهارة.

و قد وقع الخلاف فی بیان حقیقة الإعانة علی وجوه،الأول:ما استظهره المصنف من الأکثر،و هو أنه یکفی فی تحققها مجرد إیجاد مقدمة من مقدمات فعل الغیر و إن لم یکن عن قصد،و الثانی:ما أشار إلیه فی مطلع کلامه من أن الإعانة هی فعل بعض مقدمات فعل الغیر بقصد حصوله منه،لا مطلقا،ثم نسبه الی المحقق الثانی و صاحب الکفایة،و الثالث:

ما نسبه الی بعض معاصریه،من أنه یعتبر فی تحقق مفهومها وراء القصد المذکور وقوع الفعل المعان علیه فی الخارج،و الرابع:ما نسبه الی المحقق الأردبیلی من تعلیقه صدق الإعانة علی القصد أو الصدق العرفی،بداهة أن الإعانة قد تصدق عرفا فی موارد عدم وجود القصد مثل أن یطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فیعطیه إیاها،أو یطلب القلم لکتابة ظلم فیعطیه أباه،و نحو ذلک مما یعد معونة عرفا،و الخامس:الفرق بین الإعانة فی المقدمات القریبة فتحرم و بین المقدمات البعیدة فلا تحرم،السادس:عدم اعتبار شیء فی صدق الإعانة إلا وقوع المعان علیه فی الخارج.

و أوجهها هو الوجه الأخیر،و تحقیق ذلک ببیان أمرین:الأول فی بیان عدم اعتبار العلم و القصد فی مفهوم الإعانة،و الثانی فی بیان اعتبار وقوع المعان علیه فی صدقها.

أما الأمر الأول:فإن صحة استعمال کلمة الإعانة و ما اقتطع منها فی فعل غیر القاصد بل و غیر الشاعر بلا عنایة و علاقة تقتضی عدم اعتبار القصد و الإرادة فی صدقها لغة، کقوله«ع»فی دعاء أبی حمزة الثمالی:(و أعاننی علیها شقوتی)و قوله تعالی (1):

ص:176


1- 1) سورة البقرة،آیة:42.

(وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ).و فی بعض الروایات[1]أن المراد بالصبر هو الصوم.

و فی أحادیث الفریقین[2]:(من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه).و من البدیهی أن آکل الطین لم یقصد موته بذلک،بل یری أن حیاته فیه.و فی روایة أبی بصیر[3]:

(فأعینونا علی ذلک بورع و اجتهاد).و من المعلوم أن المعین علی ذلک بالورع و الاجتهاد لا یقصد الإعانة علیه فی جمیع الأحیان،و کذلک ما فی بعض الأحادیث[4]من قوله«ع»:

(من أعان علی قتل مؤمن و لو بشطر کلمة).و کذلک قوله(صلی الله علیه و آله) (1):(من تبسم علی وجه مبدع فقد أعان علی هدم الإسلام).و فی روایة أبی هاشم الجعفری (2):(و رزقک

ص:177


1- 1) راجع ج 2 المستدرک ص 389.
2- 2) راجع ج 3 الوافی باب تذاکر الاخوان ص 116.

العافیة فأعانتک علی الطاعة).و فی الصحیفة الکاملة السجادیة فی دعائه علیه السلام فی طلب الحوائج(و اجعل ذلک عونا لی)و أیضا یقال:الصوم عون للفقیر،و الثوب عون للإنسان،و سرت فی الماء و أعاننی الماء و الریح علی السیر،و أعانتنی العصا علی المشی، و کتبت باستعانة القلم،الی غیر ذلک من الاستعمالات الکثیرة الصحیحة،و دعوی کونها مجازات جزافیة لعدم القرینة علیها.

و نتیجة جمیع ذلک أنه لا یعتبر فی تحقق مفهوم الإعانة علم المعین بها.و لا اعتبار الداعی إلی تحققها،لبدیهة صدق الإعانة علی الإثم علی إعطاء العصا لمن یرید ضرب الیتیم و ان لم یعلم بذلک،أو علم و لم یکن إعطاؤه بداعی وقوع الحرام کما لا یخفی.

و یدل علی ما ذکرناه ما تقدمت الإشارة إلیه من أن القصد سواء کان بمعنی الإرادة و الاختیار أم بمعنی الالتفات لا یعتبر فی مفهوم الإعانة.

و علی الجملة لا نعرف وجها صحیحا لاعتبار القصد بأی معنی کان فی صدق الإعانة، و من هنا لا نظن أن أحدا ینکر تحقق الإعانة بإعطاء السیف أو العصا لمن یرید الظلم أو القتل و لو کان المعطی غیر ملتفت الی ضمیر مرید الظلم أو القتل،أو کان غافلا عنه.نعم لو نسب ذلک الی الفاعل المختار انصرف الی صورة العلم و الالتفات.

و أما الأمر الثانی فالذی یوافقه الاعتبار و یساعد علیه الاستعمال هو تقیید مفهوم الإعانة بحسب الوضع بوقوع المعان علیه فی الخارج،و منع صدقها بدونه.و من هنا لو أراد شخص قتل غیره بزعم أنه مصون الدم،و هیأ له ثالث جمیع مقدمات القتل،ثم أعرض عنه مرید القتل،أو قتله ثم بان أنه مهدور الدم فإنه لا یقال:إن الثالث أعان علی الإثم بتهیئة مقدمات القتل،کما لا تصدق الإعانة علی التقوی إذا لم یتحقق المعان علیه فی الخارج،کما إذا رأی شبحا یغرق فتوهم أنه شخص مؤمن فأنقذه إعانة منه له علی التقوی فبان أنه خشبة و قد یمنع من اعتبار وقوع المعان علیه فی الخارج فی مفهوم الإعانة و صدقها،بدعوی أنه لو أراد رجلا التهجم علی بیضة الإسلام أو علی قتل النفوس المحترمة فهیأ لهما آخران جمیع مقدمات القتال فمضی أحدهما و ندم الآخر،فإنه لا شبهة فی استحقاق کل من المهیئین الذم و اللوم من جهة الإعانة علی الإثم و إن تحقق الفعل المعان علیه فی أحدهما و لم یتحقق فی الآخر،فلو کان ذلک شرطا فی صدق الإعانة لم یتوجه الذم إلا علی الأول.

و فیه أن الصادر من النادم لیس إلا التجری،و هو علی تقدیر الالتزام بقبحه و استحقاق العقاب علیه لا یصدق علیه الإثم لتکون الإعانة علیه إعانة علی الإثم.و أما إذا قلنا بعدم استحقاق العقاب علیه فان الأمر أوضح،مع أنه لا مضایقة فی صحة ذم معینة،بل فی صحة

ص:178

عقابه أیضا بناء علی حرمة الإعانة علی الإثم و صحة العقاب علی التجری،فإن المعین حینئذ یری نفسه عاصیا لتخیله أنه معین علی الإثم فهو متجر فی فعله،و المفروض أن التجری یوجب استحقاب العقاب.

و قد تجلی من جمیع ما ذکرناه ما فی بقیة الوجوه و الأقوال المتقدمة من الوهن و الخلل.

کما اتضح ضعف ما أورده المصنف علی بعض معاصریه من أن(حقیقة الإعانة علی الشیء هو الفعل بقصد حصول ذلک الشیء سواء حصل فی الخارج أم لا،و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر من الغیر بقصد التوصل الیه فهو داخل فی الإعانة علی الإثم.

ثم لا یخفی:أن عنوان الإعانة کما یتوقف علی تحقق الفعل المعان علیه فی الخارج فکذلک یتوقف علی تحقق المعین و المعان:بأن یکونا مفروضی الوجود مع قطع النظر عن تحقق الإعانة فی الخارج لیقع فعل المعین فی سلسلة مقدمات فعل المعان،فیکون عنوان الإعانة بهذا الاعتبار من الأمور الإضافیة،و علیه فإیجاد موضوع الإعانة کتولید المعین مثلا خارج عن حدودها.و إلا لحرم التناکح و التناسل.للعلم العادی بأن فی نسل الإنسان فی نظام الوجود من یرتکب المعاصی،و تصدر منه القبائح.

و أما مسیر الحاج و متاجرة التاجر مع العلم بأخذ المکوس و الکمارک،و هکذا عدم التحفظ علی المال مع العلم بحصول السرقة کلها داخل فی عنوان الإعانة،فإنه لا وجه لجعل أمثالها من قبیل الموضوع للإعانة و خروجها عن عنوانها،کما زعمه شیخنا الأستاذ و المحقق الایروانی،کما لا وجه لما ذهب الیه المصنف(ره)من إخراجها عن عنوان الإعانة من حیث إن التاجر و الحاج غیر قاصدین لتحقق المعان علیه،لما عرفت من عدم اعتبار القصد فی صدقها.

و قد ظهر من مطاوی جمیع ما ذکرناه:أن المدار فی عنوان الإعانة هو الصدق العرفی، و علیه فلا یفرق فی ذلک بین المقدمات القریبة و المقدمات البعیدة،و لذلک صح إطلاق المعین علی من تسبب فی قضاء حوائج الغیر و لو بوسائط بعیدة.

حکم الإعانة علی الإثم

ما حکم الإعانة علی الإثم؟الظاهر جواز ذلک لانه مقتضی الأصل الاولی،و لا دلیل یثبت حرمة الإعانة علی الإثم و إن ذهب المشهور و بعض العامة[1]إلی الحرمة،و علیه

ص:179

فالحکم هو جواز الإعانة علیه إلا ما خرج بالدلیل،کإعانة الظالمین و إعانة أعوانهم و تهیئة مقدمات ظلمهم،لاستفاضة الروایات علی حرمة إعانتهم و تقویتهم و تعظیم شوکتهم و لو بمدة قلم أو بکتابة رقعة أو بجبایة خراج و نحوها،و سیأتی هذه الروایات فی البحث عن معونة الظالمین،بل الحرمة فی هذا النحو من الإعانة مما استقل به العقل،و قامت علیه ضرورة العقلاء،بل قال فی العروة فی مسألة 29 من صلاة المسافر:إنه لو کانت تبعیة التابع إعانة للجائر فی جوره وجب علیه التمام و إن کان سفر الجائر طاعة فإن التابع حینئذ یتم مع أن المتبوع یقصر.

قوله بعموم النهی عن التعاون علی الإثم و العدوان. أقول:استدلوا علی حرمة الإعانة علی الإثم بوجوه،الوجه الأول:قوله تعالی (1): (وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ) .فان ظاهرها حرمة المعاونة علی الإثم و العدوان مطلقا.

و فیه أن التعاون عبارة عن اجتماع عدة من الأشخاص لإیجاد أمر من الخیر أو الشر لیکون صادرا من جمیعهم،کنهب الأموال و قتل النفوس و بناء المساجد و القناطر.و هذا بخلاف الإعانة فإنها من الافعال،و هی عبارة عن تهیئة مقدمات فعل الغیر مع استقلال ذلک الغیر فی فعله،و علیه فالنهی عن المعاونة علی الإثم لا یستلزم النهی عن الإعانة علی الإثم فلو عصی أحد فأعانه الآخر فإنه لا یصدق علیه التعاون بوجه،فان باب التفاعل یقتضی صدور المادة من کلا الشخصین،و من الظاهر عدم تحقق ذلک فی محل الکلام.

نعم قد عرفت فیما سبق حرمة التسبیب الی الحرام و جعل الداعی إلیه،لکن حرمة ذلک لا تستلزم الحرمة فی المقام.

الوجه الثانی:ادعاء الإجماع علی ذلک.و فیه أنها دعوی جزافیة،لاحتمال کون مدرک المجمعین هی الوجوه المذکورة فی المسألة،فلا یکون إجماعا تعبدیا.مضافا الی عدم حجیة الإجماع المنقول فی نفسه.

الوجه الثالث:أن ترک الإعانة علی الإثم دفع للمنکر،و دفع المنکر واجب کرفعه، و الیه أشار المحقق الأردبیلی فی محکی کلامه،حیث استدل علی حرمة بیع العنب فی المسألة

ص:180


1- 1) سورة المائدة،آیة:3.

بأدلة النهی عن المنکر،و استشهد له المصنف بروایة أبی حمزة[1]عن أبی عبد اللّه«ع» من أنه لو لا أن بنی أمیة وجدوا لهم من یکتب و یجبی لهم الفیء و یقاتل عنهم و یشهد جماعتهم لما سلبوا حقنا).

و فیه أولا:أن الاستدلال بدفع المنکر هنا إنما یتجه إذا علم المعین بانحصار دفع الإثم بترکه الإعانة علیه،و أما مع الجهل بالحال،أو العلم بوقوع الإثم بإعانة الغیر علیه فلا یتحقق مفهوم الدفع.

و ثانیا:أن دفع المنکر إنما یجب إذا کان المنکر مما اهتم الشارع بعدم وقوعه،کقتل النفوس المحترمة،و هتک الاعراض المحترمة،و نهب الأموال المحترمة،و هدم أساس الدین و کسر شوکة المسلمین،و ترویج بدع المضلین و نحو ذلک،فان دفع المنکر فی هذه الأمثلة و نحوها واجب بضرورة العقل و اتفاق المسلمین،و قد ورد الاهتمام به فی بعض الأحادیث[2] و أما فی غیر ما یهتم الشارع بعدمه من الأمور فلا دلیل علی وجوب دفع المنکر،و علی کلا الوجهین فالدلیل أخص من المدعی.

و أما النهی عن المنکر فإنه و إن کان سبیل الأنبیاء و منهاج الصلحاء و فریضة عظیمة بها تقام الفرائض و تحل المکاسب و ترد المظالم،إلا أنه لا یدل علی وجوب دفع المنکر،فان معنی دفع المنکر هو تعجیز فاعله عن الإتیان به و إیجاده فی الخارج سواء ارتدع عنه باختیاره أم لم یرتد،و النهی عن المنکر لیس إلا ردع الفاعل و زجره عنه علی مراتبه المقررة فی الشریعة المقدسة.و علی الإجمال:إنه لا وجه لقیاس دفع المنکر علی رفعه.و أما روایة أبی حمزة فمضافا الی ضعف السند فیها أنها أجنبیة عن رفع المنکر فضلا عن دفعه،لاختصاصها بحرمة إعانة الظلمة.

قال المحقق الایروانی:(الرفع هنا لیس إلا الدفع فمن شرع بشرب الخمر فبالنسبة إلی جرعة شرب لا معنی للنهی عنه و بالنسبة الی ما لم یشرب کان النهی دفعا عنه).

ص:181

و فیه أن مرجع الرفع و إن کان الی الدفع بالتحلیل و التدقیق إلا أن الاحکام الشرعیة و موضوعاتها لا تبتنی علی التدقیقات العقلیة،و لا شبهة فی صدق رفع المنکر فی العرف و الشرع علی منع العاصی عن إتمام المعصیة التی ارتکبها بخلاف الدفع.

قوله و توهم أن البیع حرام علی کل أحد فلا یسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو ترکه لفعله غیره. أقول:محصل الاشکال ما ذکره المحقق الایروانی:من أن النهی عن الطبیعة ینحل إلی نواهی متعددة حسب تعدد أفراد تلک الطبیعة علی سبیل العموم الاستغراقی فکان کل فرد تحت نهی مستقل،و علی هذا فترک بیع فرد من العنب دفع لتخمیر هذا الفرد و إن علم أن عنبا آخر یباع و یخمر لو لم یبع هو هذا،فإذا تراکمت التروک بترک هذا للبیع و ترک ذاک له و هکذا حصل ترک التخمیر رأسا،و کان کل ترک مقدمة لترک فرد من الحرام،لا أن مجموع التروک یکون مقدمة لترک حرام واحد.

و فیه أن النهی إنما ینحل إلی أفراد الطبیعة،لأن معنی النهی عن الشیء عبارة عن الزجر عنه،لما فیه من المفسدة الإلزامیة،فإذا توجه النهی إلی طبیعة ما و کان کل واحد من أفرادها مشتملا علی المفسدة الإلزامیة فلا محالة ینحل ذلک النهی إلی نواهی عدیدة حسب تعدد الافراد،و أما فی مثل المقام فإن منشأ النهی فیه هو أن لا یتحقق الإثم فی الخارج، فالغرض منه إنما هو الوصول الی ذلک،فإذا علم صدور الإثم فی الخارج و لو مع ترک الإعانة من شخص خاص فلا موجب لحرمتها،و هذا کما إذا نهی المولی عبیده عن الدخول علیه فی ساعة عینها لفراغه،فان غرضه یفوت إذا دخل علیه واحد منهم،فترتفع المبغوضیة عن دخول غیره.

و یدلنا علی ذلک ما فی الروایات المتقدمة من تجویزهم علیهم السلام بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یصنعها خمرا،إذ لو لم تدل تلک الروایات علی عدم حرمة الإعانة علی الإثم مطلقا فلا أقل من دلالتها علی عدم الحرمة فیما إذا علم المعین تحقق الحرام فی الخارج علی کل حال.

إذن فما نحن فیه من قبیل رفع الحجر الثقیل الذی لا یرفعه إلا جماعة من الناس،فان الوجوب یرتفع عن الجماعة بمخالفة شخص واحد منهم،و هکذا ما نحن فیه،لان عدم تحقق المعصیة من مشتری العنب یتوقف علی ترک کل أرباب العنب للبیع،لان ترک المجموع سبب واحد لترک المعصیة،کما أن بیع أی واحد منهم علی البدل شرط لتحقق المعصیة من المشتری.

ص:182

تتمیم و فیه تأسیس

قد عرفت فیما تقدم:أن جواز الإعانة علی الإثم هو مقتضی الأصل لعدم الدلیل علی التحریم،و یمکن الاستدلال علیه مضافا الی ذلک بأمور:

الأول:انه لو لم تجز الإعانة علی الإثم لما جاز سقی الکافر،لکونه إعانة علی الإثم، لتنجس الماء بمباشرته إیاه،فیحرم علیه شربه،لکن السقی جائز،لقوله«ع»:(إن اللّه یحب إیراد الکبد الحرا).علی ما تقدم تفصیله فی البحث عن بیع المیتة المختلطة مع المذکی (1)فتجوز الإعانة علی الإثم.و الاعتذار عن ذلک بعدم قدرتهم علی شرب الماء الطاهرة فی حال الکفر اعتذار غیر موجه،إذ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار.

الثانی:أنک علمت سابقا استفاضة الروایات علی جواز بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یجعلها خمرا،و جواز بیع الخشب ممن یجعله برابط،و من الواضح جدا کون هذا البیع إعانة علی الإثم،و من أنکره فإنما أنکره بلسانه،أو هو مکابر لوجدانه،و بعدم القول بالفصل یثبت الجواز فی غیر موارد الروایات.

علی أن فی بعضها إشعارا إلی کلیة الحکم،و عدم اختصاصه بالأمور المذکورة فیها، کقول الصادق«ع»فی روایة أبی بصیر:(إذا بعته قبل أن یکون خمرا فهو حلال فلا بأس به).و فی روایة الحلبی عن بیع العصیر ممن یجعله حراما(فقال:لا بأس به تبیعه حلالا فیجعله حراما أبعده اللّه و أسحقه).و فی روایة ابن أذینة عن بیع العنب و التمر ممن یعلم أنه یجعله خمرا(فقال:إنما باعه حلالا فی الإناء الذی یحل شربه أو أکله فلا بأس ببیعه).فان الظاهر من هذه الروایات أن المناط فی صحة البیع هی حلیة المبیع للبائع حین البیع و إن کان بیعه هذه إعانة علی المحرم،و مثل هذه الروایات غیرها أیضا.

الثالث:قیام السیرة القطعیة علی الجواز،ضرورة جواز المعاملة مع الکفار و غیر المبالین فی أمر الدین من المسلمین ببیع الطعام منهم و لو کان متنجسا کاللحم و إعارة الأوانی إیاهم للطبخ و غیره،مع أنه إعانة علی أکل الطعام المتنجس بمباشرتهم إیاه،و وجوب تمکین الزوجة للزوج و إن علمت بعدم اغتساله عن الجنابة،فیکون التمکین إعانة علی الإثم، و أیضا قامت السیرة القطعیة علی جواز تجارة التاجر و مسیر الحاج و الزرار و إعطائهم الضربة المعینة للظلمة،مع أنه من أظهر مصادیق الإعانة علی الإثم.

و أیضا قضت الضرورة بجواز إجارة الدواب و السفن و السیارات و الطیارات من

ص:183


1- 1) ص 75.

المسافرین،مع العلم إجمالا بأن فیهم من یقصد فی رکوبه معصیة.و أیضا قامت السیرة القطعیة علی جواز عقد الأندیة و المجالس لتبلیغ الاحکام،و إقامة شعائر الافراح و الأحزان بل علی وجوبها فی بعض الأحیان إذا توقف علیها إحیاء الدین و تعظیم الشعائر،مع العلم بوقوع بعض المعاصی فیها من الغیبة و الاستهزاء و الکذب و الافتراء و نظر کل من الرجال و النساء الی من لا یجوز النظر الیه و غیرها من المعاصی.

قوله ثم إنه یمکن التفصیل فی شروط الحرام المعان علیها بین ما ینحصر فائدته و منفعته عرفا فی المشروط المحرم. أقول:قد ظهر مما ذکرناه أن المیزان فی حرمة المقدمة هو کونها سببا لوقوع ذی المقدمة،و إلا فلا وجه للتحریم و ان انحصرت فائدته فی الحرام.

قوله و إنما الثابت من العقلاء و العقل القاضی بوجوب اللطف وجوب رد من هم بها أقول:إن کان المنکر مثل قتل النفس و نحوه مما یهتم الشارع بعدم تحققه فلا ریب فی وجوب رفعه،بل دفعه شرعا و عقلا کما تقدم،و أما فی غیر الموارد التی یهتم الشارع بعدم تحققها فلا وجه لدعوی الوجوب العقلی فیها و ان ادعاه المشهور مطلقا،لمنع استقلال العقل بذلک فی جمیع الموارد،و لذا ذهب جمع من المحققین[1]الی الوجوب الشرعی.

حرمة الإعانة علی الإثم کحرمة الکذب

تقبل التخصیص

إن حرمة الإعانة علی الإثم علی فرض ثبوتها هل تقبل التخصیص و التقیید أم لا؟قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أن حرمة ذلک علی فرض ثبوتها إنما هی کحرمة الکذب تقبل التخصیص و التقیید،و تختلف بالوجوه و الاعتبار،و لیست هی کحرمة الظلم التی لا تختلف بذلک قال شیخنا الأستاذ:(لا إشکال فی عدم إمکان تخصیصها بعد تحقق موضوعها.لان هذه من العناوین الغیر القابلة للتخصیص،فإنها کنفس المعصیة و کالظلم،فإنه کما لا یمکن أن یکون معصیة خاصة مباحة فکذلک لا یمکن أن تکون الإعانة علی المعصیة مباحة،فما عن الحدائق بعد ما حکی عن الأردبیلی(ره)من القول بالحرمة فی مسألتنا من جهة کونها إعانة علی الإثم من أنه جید فی حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز لا وجه له لانه لو کان بیع العنب ممن یعلم بأنه یعمله خمرا داخلا فی عنوان الإعانة فلا یمکن أن یدل دلیل

ص:184

علی جواز فمع ورود الدلیل علی الجواز نستکشف بأنه لیس داخلا فی هذا العنوان).

و لکن الوجوه المتقدمة الدالة علی الجواز حجة علیه،و من هنا لو أکره الجائر أحدا علی الإعانة علی الإثم أو اضطر إلیها فإنه لا شبهة حینئذ فی جوازها،و لو کانت حرمتها کحرمة الظلم لا تختلف بالوجوه و الاعتبار،و لا تقبل التخصیص و التقیید لما کانت جائزة فی صورتی الإکراه و الاضطرار أیضا.

قوله و قد تلخص مما ذکرنا أن فعل ما هو من قبیل الشرط لتحقق المعصیة من الغیر من دون قصد توصل الغیر به الی المعصیة غیر محرم أقول:بعد ما علمت أنه لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم،و لا علی اعتبار القصد فی مفهوم الإعانة،و لا فی حکمها فلا وجه لما ذهب الیه المصنف و أتعب به نفسه من التطویل و التقسیم.ثم علی القول:بحرمة الإعانة علی الإثم فلا وجه للحکم بحرمة البیع فی شیء من الشقوق التی ذکرها المصنف،إذا الإعانة علی الإثم إنما تتحقق بالتسلیم و التسلم فی الخارج،و من الواضح أن بینهما و بین البیع عموما من وجه.

قوله و إن علم أو ظن عدم قیام الغیر سقط عنه وجوب الترک. أقول:إذا کان البیع علی تقدیر ترک الآخرین محرما فلا إشکال فی ارتفاع الحرمة عند العلم ببیع غیره، و أما مع الشک فیه فلا مانع من استصحاب ترکه.و الحکم بحرمة البیع،و أما الظن ببیع الغیر فما لم تثبت حجیته لا یغنی من الحق شیئا.

قوله ثم کل مورد حکم فیه بحرمة البیع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البیع. أقول:توضیح کلامه:أنه لا ملازمة بین الحرمة التکلیفیة و الحرمة الوضعیة فی المعاملات،فالبیع وقت النداء لصلاة الجمعة مثلا صحیح و إن کان محرما بالاتفاق.

و لو سلمنا الملازمة بینهما فلا نسلمها فیما إذا تعلق النهی بعنوان عرضی ینطبق علی البیع، کتعلقه بعنوان الإعانة فی بیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمرا،إذ بین عنوان الإعانة علی الإثم و بین البیع عموم من وجه.و علی القول بالفساد مطلقا أو فی الجملة فلا یفرق فی ذلک بین علم المتبایعین بالحال و بین علم أحدهما مع جهل الآخر،فان حقیقة البیع عبارة عن المبادلة بین العوض و المعوض فی جهة الإضافة،فإذا بطل من أحد الطرفین بطل من الطرف الآخر أیضا،إذ لا یعقل التبعیض من حیث الصحة و الفساد فی بیع واحد،کما هو واضح.

ص:185

القسم الثالث حرمة بیع السلاح من أعداء الدین
اشارة

قوله القسم الثالث ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأنا بمعنی أن من شأنه أن یقصد منه الحرام. أقول:هذا العنوان یعم جمیع الأشیاء و لو کانت مباحة،إذ ما من شیء إلا و له شأنیة الانتفاع به بالمنافع المحرمة،فلا یصح أن یجعل عنوانا للبحث،و لا بد من تخصیصه بالموارد المنصوصة،و لذا خصه الفقهاء ببیع السلاح من أعداء الدین.

ثم إن تحقیق هذه المسألة یقع فی ناحیتین،الناحیة الاولی:فی حرمة بیعه و جوازه فی الجملة أو مطلقا،و الأقوال فی ذلک و إن کانت کثیرة قد أنهاها السید فی حاشیته الی ثمان إلا أن الأظهر منها هی حرمة بیعه من الکفار مطلقا و من المخالفین عند محاربتهم مع الشیعة الناجیة.و ذهب بعض العامة[1]إلی حرمة بیعه فی حال الفتنة.

و فصل المصنف(ره)بین حالتی الحرب و الصلح،فذهب إلی الحرمة فی الاولی،و الی الجواز فی الثانیة،و ملخص کلامه:أن الروایات الواردة فی المقام علی طوائف،الاولی[2]

ص:186

ما دل علی جواز بیعه من أعداء الدین فی حال الهدنة الثانیة[1]ما دل علی جواز بیعه منهم مطلقا،الثالثة[2]ما دل علی حرمة بیعه منهم کذلک.

و یمکن الجمع بینها بحمل الطائفة المانعة علی صورة قیام الحرب بینهم و بین المسلمین،و حمل الطائفة المجوزة علی صورة الهدنة فی مقابل المبائنة و المنازعة،و شاهد الجمع الطائفة الأولی المفصلة بین الحالتین«الهدنة و المنازعة».

و عن الشهید فی حواشیه انه لا یجوز مطلقا،لان فیه تقویة الکافر علی المسلم،فلا یجوز

ص:187

علی کل حال،و یرد علیه أولا:أنه لا یمکن المساعدة علی دلیله،لان بیع السلاح علیهم قد لا یوجب تقویتهم علی المسلمین،لإمکان کونه فی حال الصلح،أو عند حربهم مع الکفار الآخرین،أو کان مشروطا بأن لا یسلمه إیاهم إلا بعد الحرب.

و ثانیا:أن رأیه هذا شبه اجتهاد فی مقابل النص،فإنه أخذ بظهور المطلقات الدالة علی المنع،و ترک للعمل بالمقید الذی هو نص فی مفهومه،و هو و إن لم یکن اجتهادا فی مقابل النص،و لکنه شبیه بذلک.انتهی حاصل کلام المصنف.

و لکن الظاهر أن ما ذهب الیه الشهید(ره)وجیه جدا،و لا یرد علیه شیء مما ذکره المصنف لوجوه،الأول:أن ما جعله وجها للجمع بین المطلقات لا یصلح لذلک،فان مورده هم الجائرون من سلاطین الإسلام،کما دل علیه السؤال فی روایتی الحضرمی و هند السراج عن حمل السلاح الی أهل الشام،«و قد ذکرناهما فی الهامش»إذ لا شبهة فی إسلامهم فی ذلک الزمان و إن کانوا مخالفین،فتکون الطائفة الأولی المفصلة بین الهدنة و قیام الحرب مختصة بغیر الکفار من المخالفین فلا یجوز بیعه منهم عند قیام الحرب بینهم و بین الشیعة،و اما فی غیر تلک الحالة فلا شبهة فی جوازه خصوصا عند حربهم مع الکفار،لان اللّه یدفع بهم أعداءه،و أما المطلقات فأجنبیة عن الطائفة المفصلة لاختصاصها بالمحاربین من الکفار و المشرکین الثانی:أنه لا وجه لرد کلام الشهید تارة برمیه الی شبه الاجتهاد فی مقابل النص، و اخری بتضعیف دلیله،أما الأول فلانه لا مناص هنا من العمل بالمطلقات لما عرفت من عدم صلاحیة الطائفة المفصلة للتقیید،فلا یکون ترک العمل بها و الأخذ بالمطلقات شبه اجتهاد فی مقابل النص،و أما الثانی فلان تقویة شخص الکافر بالسقی و نحوه و إن کان جائزا، إلا أن تقویته لجهة کفره غیر جائزة قطعا،و من الواضح أن تمکین المشرکین و المحاربین من السلاح یوجب تقویتهم علی المسلمین،بل ربما یستقل العقل بقبح ذلک،لان تقویتهم تؤدی الی قتل النفوس المحترمة.

ثم إن هذا کله لو تقارن البیع مع التسلیم و التسلم الخارجی،و إلا فلا شبهة فی جوازه، لما عرفت من أن بین البیع و عنوان الإعانة عموما من وجه،فلا یلزم من البیع المجرد تقویة الکافر علی الإسلام.

الثالث:أنه قد أمر فی الآیة الشریفة (1)بجمع الأسلحة و غیرها،للاستعداد و التهیئة الی إرهاب الکفار و قتالهم،فبیعها منهم و لو فی حال الهدنة نقض للغرض،فلا یجوز.

ص:188


1- 1) سورة الأنفال،آیة 62،قوله تعالی: (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ) .

و أما ما دل علی الجواز فإنه لضعف سنده لا یقاوم الروایات المانعة،و یضاف إلیه أنه ظاهر فی سلاطین الجور من أهل الخلاف.

ثم إن السید(ره)فی حاشیته احتمل دخول هذا القسم الذی هو مورد بحثنا تحت الإعانة علی الإثم بناء علی عدم اعتبار القصد فیها،و کون المدار فیها هو الصدق العرفی،لحصول الصدق فی المقام،و حینئذ فیتعدی الی کل ما کان کذلک،و یؤیده قوله«ع»:یستعینون به علینا.

و فیه أن الإعانة علی الإثم و إن لم یعتبر فی مفهومها القصد،إلا انک قد عرفت أنها لیست محرمة فی نفسها و علی القول بحرمتها فبینها و بین ما نحن فیه عموم من وجه کما هو واضح، و أما قوله«ع»فی روایة هند السراج المتقدمة فی الهامش:(فمن حمل الی عدونا سلاحا یستعینون به علینا فهو مشرک).فخارج عن حدود الإعانة علی الإثم.و إنما یدل علی حرمة إعانة الظلمة،و لا سیما إذا کانت علی المعصومین علیهم السلام الموجبة لزوال حقوقهم.

قوله بل یکفی مظنة ذلک بحسب غلبة ذلک مع قیام الحرب. أقول:قد علمت أن الروایات المانعة تقتضی حرمة بیع السلاح من أعداء الدین و لو مع العلم بعدم صرفه فی محاربة المسلمین،أو عدم حصول التقوی لهم بالبیع،و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف من تقیید حرمة البیع بوجود المظنة بصرف السلاح فی الحرب لغلبة ذلک عند قیامها بحیث یصدق حصول التقوی لهم بالبیع.

الناحیة الثانیة:الظاهر شمول التحریم لمطلق آلة الحرب و حدیدتها سواء کانت مما یدفع به فی الحرب أم مما یقاتل،و ذلک لوجوه:

الأول:أن السلاح فی اللغة[1]اسم لمطلق ما یکن.فیشمل مثل:المجن (1)و الدرع

ص:189


1- 1) فی القاموس:المجن و المجنة بکسرهما الترس،و الجنة بالضم کل ما وقی.

و المغفر (1)و سائر ما یکن به (2)فی الحرب.

الثانی:أنه تعالی أمر فی الآیة المتقدمة بالتهیئة و الاستعداد الی قتال الکفار و إرهابهم، فبیع السلاح منهم و لو بمثل المغفر و الدرع نقض لغرضه تعالی.

الثالث:أن تمکین الکفار من مطلق ما یکن به فی الحرب تقویة لهم فهو محرمة عقلا و شرعا کما علمت.

الرابع:أنه یحرم حمل السروج و أداتها الی أهل الشام،و بیعها منهم و الإعانة لهم عند قیام الحرب بینهم و بین الشیعة،لروایتی الحضرمی و هند السراج،فبیعها من الکفار أولی بالتحریم و لکن هذا الوجه یختص بحال الحرب،علی أن کلتا الروایتین ضعیفة السند.

وهم و دفع

قد یتوهم أن المراد بالسروج المذکورة فی روایة الحضرمی هی السیوف السریجیة،فلا تکون لها دلالة و لو بالفحوی علی حرمة بیع ما یکن من أعداء الدین.

و لکن هذا التوهم فاسد،فإنه مضافا الی أن الظاهر من کون السائل سراجا أن سؤاله متصل بصنعته(و هی عمل السروج و نقلها)فلا ربط له بالسیوف و بیعها،أن حمل السروج بالواو علی السیوف السریجیة لا تساعده القواعد اللغویة،لان السریجی یجمع علی سرجیات، لا علی سروج،و إنما السروج جمع سرج.علی أنه لا یساعده صدر الروایة،لاشتماله علی کلمة الأداة و لیست للسیف أدوات بخلاف السرج،و حملها علی أدوات السیف من الغمد و نحوه بعید جدا.

قوله بمقتضی أن التفصیل قاطع للشرکة. أقول:قد یقال:بجواز بیع ما یکن من الکفار لصحیحة محمد بن قیس[1]عن بیع السلاح من فئتین تلتقیان من أهل الباطل؟ فقال:بعهما ما یکنهما.

ص:190


1- 1) فی القاموس:المغفر کمنبر زرد من الدرع یلبس تحت القلنسوة،أو حلق یتقنع بها المتسلح.
2- 2) فی ج 9 تاج العروس ص 323:الکن بالکسر وقاء کل شیء و ستره،و کن أمره عنه أخفاه،و قال بعضهم:أکن الشیء ستره،و فی التنزیل العزیز:(أو أکننتم فی أنفسکم)أی أخفیتم.

و فیه ما ذکره المصنف من عدم دلالتها علی المطلوب،و توضیح ذلک:أن الامام«ع» فصل بین السلاح و بین ما یکن،فلا بد و أن یکون بیع السلاح حراما بعد ما جوز الامام بیع الثانی،لأن التفصیل قاطع للشرکة فی الحکم،و إلا لکان التفصیل لغوا،و علیه فترتفع الید عن ظهور الصحیحة،و تحمل علی فریقین محقونی الدماء من أهل الخلاف،إذ لو کان کلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم یکن وجه لمنع بیع السلاح منهم،و حینئذ فیجب ان یباع منهما ما یکن لیتحفظ کل منهما عن صاحبه،و یتترس به عنه،بل لو لم یشتروا وجب إعطاؤهم إیاه مجانا،فان اضمحلالهم یوجب اضمحلال وجهة الإسلام فی الجملة،و لذا سکت علی«ع»عن مطالبة حقه من الطغاة خوفا من انهدام حوزة الإسلام،و من هنا أفتی بعض الأعاظم فی سالف الأیام بوجوب الجهاد مع الکفار حفظا للدولة العثمانیة.

قوله ثم إن مقتضی الاقتصار علی مورد النص عدم التعدی الی غیر أعداء الدین کقطاع الطریق. أقول:بیع السلاح من السرقة و قطاع الطریق و نحوهم خارج عن حریم بحثنا،و إنما هی من صغریات المسألة المتقدمة،فإن قلنا بحرمة الإعانة علی الإثم فلا یجوز بیعه منهم،و إلا جاز کما هو الظاهر.

قوله إلا أن المستفاد من روایة تحف العقول إباطه الحکم بتقوی الباطل و وهن الحق. أقول:لم یذکر ذلک فی روایة تحف العقول بل المذکور فیها هی حرمة و هن الحق و تقویة الکفر،و علیه فلا یمکن التمسک بها علی حرمة بیع السلاح من قطاع الطریق و نحوهم،نعم یجوز الاستدلال علی ذلک بقوله«ع»فیها:(أو شیء فیه وجه من وجوه الفساد).إلا أنک علمت فی أول الکتاب ان الروایة ضعیفة السند.

قوله ثم النهی فی هذه الاخبار لا یدل علی الفساد. أقول:لا شبهة فی ان الحرمة الوضعیة متقومة بکون النهی إرشادیا إلی الفساد،و لا نظر له إلی مبغوضیة المتعلق،کما ان قوام الحرمة التکلیفیة بکون النهی مولویا تکلیفیا ناظرا إلی مبغوضیة متعلقة،و لا نظر له الی فساده،و عدم تأثیره،فهما لا یجتمعان فی استعمال واحد.

و أیضا النهی من حیث هو تحریم بحت لا یقتضی الفساد لا شرعا.و لا عرفا،و لا عقلا، سواء تعلق بذات المعاملة،أو بوصفها،أو بأمر خارج منطبق علیها،إذن فلا ملازمة بین الحرمة الوضعیة و الحرمة التکلیفیة علی ما عرفت مرارا عدیدة.

ص:191

و علیه فان کان المراد بالنهی المتوجه إلی المعاملة هو النهی التکلیفی المولوی کما هو الظاهر منه بحسب الوضع و اللغة لدل علی خصوص الحرمة التکلیفیة،کالنهی عن البیع وقت النداء لصلاة الجمعة،إذ لیس الغرض منه إلا بیان مبغوضیة البیع.

و ان لم ترد منه المولویة التکلیفیة کان إرشادا إلی الفساد،کالنهی المتوجه إلی سائر المعاملات،أو الی المانعیة،کالنهی المتوجه الی أجزاء الصلاة.

إذا عرفت ذلک فنقول:ان النهی عن بیع السلاح من أعداء الدین لیس إلا لأجل مبغوضیة ذات البیع فی نظر الشارع،فیحرم تکلیفا فقط،و لا یکون دالا علی الفساد، و یتضح ذلک جلیا لو کان النهی عنه لأجل حرمة تقویة الکفر،لعدم تعلق النهی به،بل بأمر خارج یتحد معه.

النوع الثالث مما یحرم الاکتساب به ما لا منفعة فیه محللة معتدا بها عند العقلاء.

اشارة

جواز بیع ما لا نفع فیه قوله النوع الثالث مما یحرم الاکتساب به مالا منفعة فیه محللة معتدا بها عند العقلاء. أقول:البحث فی هذا النوع لیس علی نسق البحث فی الأنواع السابقة لنمحضه هنا لبیان الحرمة الوضعیة بخلافه فی المسألة السابقة فإن البحث فیها کان ناظرا إلی الحرمة التکلیفیة و من ذلک یعلم انه لا وجه لهذا البحث هنا إلا استطرادا فان المناسب لهذا ذکره فی شرائط العوضین و العجب من المصنف(ره)حیث ذکر عدم جواز بیع المصحف من الکافر فی شروط الصحة،مع انه اولی بالذکر هنا،لإمکان دعوی کونه حراما تکلیفا!.

ثم ان مالا نفع فیه تارة یکون لقلته کحبة من الشعیر و الحنطة و غیرهما،فان هذه الأمور و ان کانت تعد عند العرف و الشرع من الأموال،بل من مهماتها،إلا ان قلتها أخرجتها عن حدودها،و حدود إمکان الانتفاع بها.و اخری یکون لخسته و ردائته، کحشرات الأرض من العقارب و الحیات و الخنافس و الجعلان و الضفادع و الدیدان، و کبعض اقساط الطیور من بغائها (1)و النسر و الغربان و الرخم (2)و نحوها.

تحقیق و تکمیل

قد تطابقت کلمات الأصحاب علی فساد المعاملة علی ما لا نفع فیه نفعا یعتد به.قال

ص:192


1- 1) فی القاموس:البغاث مثلثة طائر أغبر ج کغزلان و شرار الطیور.
2- 2) فی القاموس:الرخم طائر من الجوارح الکبیرة الجثة الوحشیة الطباع،الواحدة رخمة ج رخم.

الشیخ فی المبسوط (1):(و إن کان مما لا ینتفع به فلا یجوز بیعه بلا خلاف مثل الأسد و الذئب و سائر الحشرات).

و فی التذکرة (2)منع عن بیع تلک الأمور لحستها،و عدم التفات نظر الشرع الی مثلها فی التقویم،و لا یثبت لأحد الملکیة علیها،و لا اعتبار بما یورد فی الخواص من منافعها، فإنها مع ذلک لا تعد مالا،و کذا عند الشافعی.

و فی الجواهر ادعی الإجماع محصلا و منقولا علی حرمة بیع ما لا ینتفع به نفعا مجوزا للتکسب به علی وجه یرفع السفه عن ذلک.و علی هذا المنهج فقهاء العامة أیضا[1]و ان جوز بعضهم بیع الحشرات و الهوام إذا کانت مما ینتفع بها.

إذا عرفت ذلک فنقول:المتحصل من کلمات الفقهاء لفساد بیع ما لا نفع فیه وجوه:

الوجه الأول:أن حقیقة البیع کما عن المصباح عبارة عن مبادلة مال بمال،فلا یصح بیع ما لیس بمال.

و فیه أولا:انه لا یعتبر فی مفهوم البیع و صدقه لغة و عرفا عنوان المبادلة بین المالین، و من هنا ذکر فی القاموس:أن کل من ترک شیئا و تمسک بغیره فقد اشتراه،و من الواضح جدا عدم تحقق الاشتراء بدون البیع،للملازمة بینهما،و لذا قال الراغب الأصفهانی الشراء و البیع یتلازمان،بل کثر فی الکتاب[2]العزیز استعمال البیع و الشراء فی غیر المبادلة المالیة.

و أما ما عن المصباح فمضافا الی عدم حجیة قوله.أنه کسائر التعاریف لیس تعریفا حقیقیا،بل لمجرد شرح الاسم.فلا یبحث فیه طردا و عکسا نقضا و إبراما.

و ثانیا:أنه لو ثبت ذلک فغایة ما یلزم منه أنه لا یمکن تصحیح البیع بالعمومات الدالة

ص:193


1- 1) فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح من فصول البیع.
2- 2) ج 1 ص 4 من البیع.

علی صحة البیع،و هو لا یمنع عن التمسک بالعمومات الدالة علی صحة العقد و التجارة عن تراض،بداهة صدقها علی تبدیل مالا نفع فیه بمثله،أو بما هو مال.

الوجه الثانی:ما عن الإیضاح من أن المعاملة علی ما لیس له نفع محلل أکل المال بالباطل فتکون فاسدة.

و فیه ما سمعته مرارا من أن الآیة أجنبیة عن بیان شرائط العوضین،بل هی ناظرة إلی تمییز الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الفاسدة لها،و علیه فلا یکون الأکل فی محل الکلام من أکل المال بالباطل بعد کون سببه تجارة عن تراض.

الوجه الثالث:أن بیع مالا نفع فیه من المعاملات السفهیة فهی فاسدة.و فیه أنه ممنوع صغری و کبری،أما الوجه فی منع الصغری فهو أن المعاملة إنما تکون سفهیة إذا انتفت عنها الأغراض النوعیة و الشخصیة کلتیهما،و لیس المقام کذلک،إذ ربما تتعلق الأغراض الشخصیة باشتراء مالا نفع فیه من الحشرات و غیرها،و هی کافیة فی خروج المعاملة عن السفهیة،و أما الوجه فی منع الکبری فلانه لا دلیل علی فساد المعاملة السفهیة بعد أن شملتها العمومات کما أشرنا الی ذلک مرارا،نعم قام الدلیل علی فساد معاملة السفیه،لکونه محجورا عن التصرف،و المعاملة السفهیة غیر معاملة السفیه.

الوجه الرابع:ما استدل به المصنف(ره)من قوله«ع»فی روایة تحف العقول:(و کل شیء یکون لهم فیه الصلاح من جهة من الجهات فذلک کله حلال بیعه و شراؤه).إذ لا یراد منه مجرد المنفعة و إلا لعم الأشیاء کلها.و قوله«ع»فی آخرها(إنما حرم اللّه الصناعة التی یجیء منها الفساد محضا نظیر کذا و کذا).الی آخر ما ذکره،فان کثیرا من الأمثلة المذکورة هناک لها منافع محللة،فالاشربة المحرمة مثلا کثیرا ما ینتفع بها فی معالجة الدواب بل الأمراض،فجعلها مما یجیء منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها.

و فیه أن هاتین القطعتین من الروایة إنما سیقتا لبیان حکم الأشیاء التی تمحضت للصلاح أو للفساد،أو تساوت فیها الجهتان،أو غلبت إحداهما علی الأخری،فیحکم بصحة بیعها أو فساده حسب ما اقتضته تلک الجهة التعلیلیة المکنونة فیها،و أما الأشیاء التی لها نفع محلل نادر فخارجة عن حدود الروایة،إذ لیس فیها تعرض لذلک بوجه،لا من حیث صحة البیع و لا من حیث فساده،و علیه فلا مانع من صحة المعاملة علیها للعمومات.

علی أنها لو تمت فإنما تدل علی فساد بیع ما لا نفع فیه لخسته،لکونه مما یجیء منه الفساد محضا،و لا تشمل ما لا نفع فیه لقلته کحبة من الحنطة،إذ لیست فیه جهة فساد أصلا.

و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه فهی مختصة بالحرمة التکلیفیة علی ما تقدم فی أول الکتاب

ص:194

فلا تشمل الحرمة الوضعیة،و یضاف الی ما ذکرناه کله أنها ضعیفة السند فلا یصح الاستدلال بها.

الوجه الخامس:دعوی غیر واحد من الأعاظم الإجماع علی ذلک.و فیه أن المحصل منه غیر حاصل و المنقول منه لیس بحجة،علی أنا لا تطمئن بوجود الإجماع التعبدی الکاشف عن الحجة المعتبرة،لاحتمال استناد المجمعین الی الوجوه المذکورة فی المسألة.

و ربما یؤید القول بالجواز بصحیحة محمد بن مسلم[1]الصریحة فی جواز بیع الهر،مع أنه مما لا نفع فیه،بل کثیرا ما یضر الناس،و فی التذکرة (1):لا بأس ببیع الهر عند علمائنا و به قال ابن عباس و الحسن و ابن سیرین و الحکم و حماد و الثوری و مالک و الشافعی[2] و إسحاق و أصحاب الرأی.

و العجب من المصنف حیث منع عن بیع القرد لکون المصلحة المقصودة منه:أعنی حفظ المتاع نادرة بخلاف الهرة،لورود غیر واحد من الروایات علی جواز بیعها،و وجه العجب أن منافع القرد المحللة لیست بنادرة،بل هی من مهمات المنافع!!و إنما الوجه فی المنع عن بیع القرد هو الروایات التی تقدمت فی بیع المسوخ.

قوله و لو فرض الشک فی صدق المال علی مثل هذه الأشیاء المستلزم للشک فی صدق البیع. أقول:العلم بعدم صدق المال علی شیء لا یمنع عن وقوع البیع علیه فضلا عن الشک فی صدقه علیه،و إذن فلا وجه لرفع الید عن عموم ما دل علی صحة البیع و التمسک بعمومات التجارة و الصلح و العقود و الهبة المعوضة و غیرها کما صنعه المصنف.

قوله لان ظاهر تحریمها علیهم تحریم أکلها أو سائر منافعها المتعارفة. أقول:

ص:195


1- 1) ج 1 ص 3 من البیع.

هذا ینافی ما تقدم منه فی بیع الأبوال من حمل النبوی علی کون الشحوم محرمة الانتفاع علی الیهود بجمیع الانتفاعات.

قوله و منه یظهر أن الأقوی جواز بیع السباع بناء علی وقوع التذکیة علیهما .

أقول:یجوز بیع جلود السباع و الانتفاع بها علی وجه الإطلاق لجملة من الاخبار التی ذکرناها فی بیع المسوخ و السباع،و علیه فلا وجه لدعوی ان النص إنما ورد ببعضها فقط،فیجب تقیید جواز البیع به کما فی المتن.

ثم ان السباع مما یقبل التذکیة کما هو المشهور،بل عن السرائر الإجماع علیه.و تدل علیه موثقة سماعة التی تقدمت فی مبحث جواز الانتفاع بالمیتة،عن جلود السباع ینتفع بها؟ قال«ع»:(إذا رمیت و سمیت فانتفع بجلده).إلا أنه لا وجه لتعلیق جواز بیعها علی قبول التذکیة إلا علی القول بحرمة الانتفاع بالمیتة،و إلا فلا مانع من بیعها فی حال الحیاة للانتفاع بجلودها بعد الموت.

قوله و لو غصبه غاصب کان علیه مثله إن کان مثلیا. أقول الدلیل علی الضمان إنما هو السیرة القطعیة من العقلاء و المتشرعة،و علیه فلا بد و أن یخرج من عهدة الضمان إما برد عینه أو مثله،و مع فقدهما لا یمکن الخروج منها بأداء القیمة،بل أصبح الغاصب مشغول الذمة لصاحب العین الی یوم القیامة مثل المفلس،إذ الانتفاع إلی القیمة إنما هو فیما إذا کان التالف من الأموال.فلا ینتقل إلیها إذا لم یکن التالف مالا.

و ربما یتمسک للقول بالضمان بقاعدة ضمان الید،لشمولها لمطلق المأخوذ بالغصب سواء کان من الأموال أو من غیرها.

و فیه ان القاعدة و إن ذکرت فی بعض الأحادیث[1]و استند إلیها المشهور فی موارد الضمان.و لکنها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء کما سیأتی التعرض لها فی المقبوض بالعقد الفاسد.

ص:196

و قد یتمسک للضمان بقاعدة الإتلاف(من أتلف مال الغیر فهو له ضامن)و لکنه واضح الفساد لاختصاص موردها بالأموال،فلا تشمل غیرها.نعم لو انفصلت کلمة ألما عن اللام و أرید من الأول الموصول و من الثانی حرف الجر بحیث تکون العبارة هکذا:(من أتلف ما للغیر إلخ)لشملت هذه القاعدة صورة الإتلاف و غیره،إلا انه بعید جدا.علی ان القاعدة المذکورة متصیدة و لیست بمتن روایة.و کیف کان فموردها.خصوص الإتلاف، فلا تدل علی الضمان عند عدمه،فلا دلیل علی الضمان إلا السیرة کما عرفت.

قوله خلافا للتذکرة فلم یوجب شیئا کغیر المثلی )أقول:ضعفه بعضهم بأن اللازم حینئذ عدم الغرامة فیما لو غصب صبرة تدریجا.و یرد علیه ان نظر العلامة(ره)لیس إلا عدم الضمان مطلقا،بل فیما إذا لم یکن المغصوب مقدارا یصدق علیه عنوان المال،و من البدیهی ان کل حبة من الصبرة و إن لم تکن مالا بشرط لا و مجردة عن الانضمام إلی حبة أخری،إلا انها إذا انضمت الی غیرها من الحبات صارت مالا،فتشملها أدلة الضمان.

فرع

لو حاز مالا نفع له کالحشرات لثبت له الاختصاص به،فیکون أولی به من غیره، فلیس لأحد ان یزاحمه فی تصرفاته فیه للسیرة القطعیة.علی ان أخذ المحاز من المحیز قهرا علیه ظلم،فهو حرام عقلا و شرعا.و أما حدیث(من سبق الی ما لم یسبق إلیه أحد من المسلمین فهو أحق به)فقد تقدم انه ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء.

النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملا محرما فی نفسه

حکم تدلیس الماشطة

قوله النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملا محرما فی نفسه. أقول:

قد جرت عادة الأصحاب بالبحث عن جملة من الأعمال المحرمة فی مقدمة أبحاث التجارة و تبعهم المصنف بذکر أکثرها فی مسائل شتی بترتیب حروف أوائل عنواناتها،و نحن أیضا نقتفی أثرهم.

ثم إنک قد علمت فی البحث عن معنی حرمة البیع تکلیفا انه یکفی فی عدم جواز المعاملة علی الأعمال المحرمة ما دل علی حرمتها من الأدلة الأولیة،إذ مقتضی أدلة صحة العقود لزوم الوفاء،بها و مقتضی أدلة المحرمات حرمة الإتیان بها،و هما لا یجتمعان.و علیه فلا موجب المبحث فی کل مسألة من المسائل الآتیة عن صحة المعاملة علیها و فسادها،بل فی جهات اخری،و أما ما فی حاشیة السید من عدم جواز أخذ الأجرة علی العمل المحرم لقوله«ع»:

إن اللّه إذا حرم شیئا حرم ثمنه،فان المراد من الثمن مطلق العوض،فهو فاسد،فإنه مضافا

ص:197

الی ضعف سند هذا الحدیث،أنا نمنع صدق الثمن علی مطلق العوض.

قوله المسألة الأولی:تدلیس الماشطة المرأة التی یراد تزویجها أو الأمة التی یراد بیعها حرام. أقول:الماشطة و المشاطة التی تحسن المشط.و تتخذ ذلک حرفة لنفسها.

و الظاهر انه لا خلاف فی حرمة تدلیسها إذا أظهرت فی المرأة التی یراد تزویجها،أو الأمة التی یراد بیعها ما لیس فیهما من المحاسن،بل ادعی علیه الإجماع کما فی الریاض و غیره، قال فی تجارة المقنع:(و لا بأس بکسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها).و فی المکاسب المحظورة من النهایة:(کسب المواشط حلال إذا لم یغششن و لا یدلسن فی عملهن فیصلن شعر النساء بشعر غیرهن من الناس و یوشمن الخدود و یستعملن ما لا یجوز فی شریعة الإسلام)و فی فتاوی العامة[1]انه لا یجوز وصل شعر الإنسان بشعر المرأة.

و تحقیق هذه المسألة فی ثلاث جهات،الجهة الاولی:فی تدلیس الماشطة.الظاهر انه لا دلیل علی حرمة التدلیس و الغش من حیث هما تدلیس و غش إلا فی بیع أو شراء أو تزویج للروایات الخاصة التی سنتعرض لها فی البحث عن حرمة الغش،بل ربما یکونان مطلوبین للعقلاء، کتزیین الدور و الألبسة و الأمتعة،لإظهار العظمة و الشوکة و حفظ الکیان و إراءة انها جدیدة،نعم لو قلنا بحرمة الإعانة علی الإثم لکان تزیین المرأة التی فی معرض التزویج أو الأمتعة التی فی معرض البیع حراما،لکونه مقدمة للغش المحرم.

و قد أجاد المحقق الایروانی حیث قال:(إن الماشطة لا ینطبق علی فعلها غش و لا تدلیس و إنما الغش یکون بفعل من یعرض المغشوش و المدلس فیه علی البیع،نعم الماشطة أعدت المرأة لأن یغش بها،و حالها کحال الحائک الذی بفعله تعد العامة لأن یدلس بلبسها، و کفعل صانع السبحة لان یدلس بالتسبیح بها ریاء.و اما نفس التمشیط فلا دلیل یدل علی المنع عنه بقول مطلق،بل الاخبار رخصت فیه).

الجهة الثانیة:فی تمشیط الماشطة.الظاهر انه لا دلیل علی المنع عنه بقول مطلق و إن

ص:198

ورد النهی عن خصوص وصل الشعر بالشعر،بل یتجلی من الاخبار[1]الکثیرة جوازه

ص:199

مطلقا سواء اشترت فیه الأجرة أ لم تشترط،بل فی روایة قاسم بن محمد صرح بجواز تعیش الماشطة بالتمشیط إذا لم تصل الشعر بالشعر.

و قد یقال:بتقییدها بمفهوم مرسلة الفقیه و فقه الرضا[1]فإنهما تدلان علی جواز کسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطی،إذ مفهومهما یدل علی حرمة کسبها مع انتفاء القیدین أو أحدهما،فتقید به المطلقات،و علیه فالنتیجة انه لا بأس بکسب الماشطة إذا لم تشارط الأجرة و قبلت ما تعطی،و الا فیحرم کسبها.

و فیه أولا:انهما ضعیفتا السند،فلا یجوز الاستدلال بهما علی الحرمة.نعم لا بأس بالاستدلال بهما علی الکراهة بناء علی شمول اخبار من بلغ للمکروهات.و ما ذکره المصنف من ان(المراد بقوله«ع»:إذا قبلت ما تعطی البناء علی ذلک حین العمل و إلا فلا یلحق العمل بعد وقوعه ما یوجب کراهته).بین الخلل،فإنه لا موجب لهذا التوجیه بعد إمکان الشرط المتأخر و وقوعه.فلا غرو فی تأثیر عدم القبول بعد العمل فی کراهة ذلک العمل،کتأثیر الأغسال اللیلیة فی صحة الصوم علی القول به.

و ثانیا:ما ذکره المصنف(ره)،و ملخص کلامه:أن الوجه فی أولویة قبول ما تعطی و عدم مطالبتها بالزیادة إنما هو أحد أمرین علی سبیل منع الخلو:

الأول:ان ما یعطی للماشطة و الحجام و الختان و الحلاق و أمثالهم لا ینقص غالبا عن اجرة مثل عملهم،إلا أنهم لکثرة حرصهم و دناءة طباعهم یتوقعون الزیادة،خصوصا من أولی المروة و الثروة،بل لو منعوا عما یطلبونه بادروا الی السب و هتک العرض،و لذا أمروا فی الشریعة المقدسة بالقناعة بما یعطون و ترک المطالبة بالزائد عنه.

الثانی:ان المشارطة و المماکسة فی مثل تلک الأمور لا تناسب المحترمین من ذوی المجد و الفخامة،کما أن المسامحة فیها ربما توجب المطالبة بأضعاف أجرة المثل،فلذلک أمر الشارع أصحاب هذه الاعمال بترک المشارطة و الرضا بما یعطی لهم،و هذا کله لا ینافی جواز المطالبة بالزائد،و الامتناع عن قبول ما یعطی إذا اتفق کونه أقل من اجرة المثل،إذ لا یجوز الإعطاء أقل من ذلک لاحترام عملهم.

ص:200

قوله و لأن الاولی فی حق العامل قصد التبرع. أقول:المرسلة إنما دلت علی عدم المشارطة المستلزمة لعدم تحقق الإجارة المعتبر فیها تعیین الأجرة،و هذا لا یستلزم قصد التبرع،لجواز ان یکون إیجاد العمل بأمر الآمر،فیکون امره هذا موجبا للضمان بأجرة المثل،کما هو متعارف فی السوق کثیرا.

قوله:«فلا ینافی ذلک ما ورد». أقول:إن تم ما ذکره المصنف من حمل المرسلة علی ان الاولی بالعامل ان یقصد التبرع کانت المرسلة خارجة عن حدود الإجارة موضوعا.

و إن لم یتم ذلک فلا بد و ان یلتزم بتخصیص ما دل[1]علی اعتبار تعیین الأجرة قبل العمل بواسطة المرسلة إذا کانت حجة،و إلا فیرد علمها إلی أهلها.

الجهة الثالثة:قد ورد فی بعض الاخبار[2]لعن الماشطة علی خصال أربع:الوصل،

ص:201

و النمص،و الوشم،و الوشر.أما الوصل فان کان المراد به ما هو المذکور فی روایتی سعد الإسکاف و الاحتجاج المتقدمتین فی الحاشیة من تفسیر الواصلة بالفاجرة و القوادة فحرمته من ضروریات الإسلام،و سیأتی التعرض لذلک فی البحث عن حرمة القیادة.

و إن کان المراد به ما فی تفسیر علی بن غراب من أن(الواصلة التی تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها).فقد یقال بحرمته أیضا لظهور اللعن فیها.

و لکن یرد علیه أولا:أنه لا حجیة فی تفسیر ابن غراب،لعدم کونه من المعصوم،مع ورود الرد علیه فی روایتی سعد الإسکاف و الاحتجاج،و تفسیر الواصلة و الموصولة فیها بمعنی آخر،و یحتمل قریبا أنه أخذ هذا التفسیر من العامة فإن مضمونه مذکور فی سنن البیهقی (1).

و ثانیا:لو سلمنا اعتباره فإنه لا بد و أن یحمل علی الکراهة،کما هو مقتضی الجمع بین الروایات،و توضیح ذلک أن الروایات الواردة فی وصل الشعر بشعر امرأة علی ثلاث طوائف الأولی:ما دل علی الجواز مطلقا کروایة سعد الإسکاف المتقدمة(عن القرامل التی تضعها النساء فی رؤوسهن یصلنه بشعورهن؟فقال:لا بأس علی المرأة بما تزینت به لزوجها) و کروایة الاحتجاج[1].

الثانیة:ما دل علی التفصیل بین شعر المرأة و شعر غیرها،و جوّز الوصل فی الثانی دون الأول،کقوله«ع»فی مرسلة الفقیه المتقدمة:(لا بأس بکسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها و أما شعر المعر فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة) الثالثة:ما تظهر منه الحرمة فی مطلق وصل الشعر بالشعر کجملة من الروایات المتقدمة من الفریقین،و کروایتی عبد اللّه بن الحسن[2]

ص:202


1- 1) ج 7 ص 312.

و ثابت بن أبی سعید[1]و هاتان الروایتان تدلان أیضا علی جواز وصل الصوف بالشعر.

و مقتضی الجمع بینهما أن یلتزم بجواز وصل شعر المعز بشعر المرأة فلا کراهة،و بجواز وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری مع الکراهة،فإن ما دل علی المنع مطلقا یقید بما دل علی جواز الوصل بشعر المعز،و ما دل علی حرمة وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری یحمل علی الکراهة،لما دل علی جواز تزین المرأة لزوجها مطلقا،فإن روایة سعد الإسکاف و ان کانت بصراحتها تدفع توهم السائل من حیث الموضوع و هو إرادة وصل الشعر بالشعر من الواصلة و الموصولة،و لکنها ظاهرة أیضا فی جواز وصل الشعر بالشعر مطلقا،إذ لو لم یکن جائزا لکان علی الامام«ع»أن یدفع توهم السائل من حیث الحکم،فیقول له مثلا:

إن وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری حرام،علی أن روایتی عبد اللّه بن الحسن و ثابت غیر ظاهرتین فی الحرمة کما هو واضح لمن یلاحظهما.

بقی هنا أمران،الأول:أن روایة سعد مختصة بزینة المرأة لزوجها.فلا تدل علی جواز الوصل مطلقا.

و فیه أنها و إن کانت واردة فی ذلک إلا أن من المقطوع به أن جواز تزین المرأة لزوجها لا یسوغ التزیین بالمحرم کما تقدم،فیعلم من ذلک أن وصل الشعر بالشعر و لو بشعر امرأة کان من الأمور السائغة فی نفسها.

الثانی:أن روایة سعد مطلقة تدل علی جواز وصل الشعر بالشعر مطلقا و لو کان شعر امرأة أخری،فتقید بما اشتمل علی النهی عن وصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها.

و فیه أن روایة سعد و إن کانت مطلقة و لکن السؤال فیها کان عن خصوص وصل الشعر بالشعر،فلو کان فی بعض أفراده فرد محرم لوجب علی الامام«ع»أن یتعرض لبیان حرمته فی مقام الجواب،فیعلم من ذلک أنه لیس بحرام،هذا کله مع صحة الروایات، و لکنها جمیعا ضعیفة السند،و إذن فمقتضی الأصل هو الجواز مطلقا.

و ربما یقال:إن لعن الواصلة فی النبوی صریح فی الحرمة،فلا یجوز حمله علی الکراهة،

ص:203

و فیه مضافا الی ضعف سنده،و استعمال اللعن فی الأمور المکروهة فی بعض الأحادیث[1] أن اللعن لیس بصریح فی الحرمة حتی لا یجوز حمله الکراهة.و إنما هو دعاء بالابعاد المطلق الشامل للکراهة أیضا،نظیر الرجحان المطلق الشامل للوجوب و الاستحباب کلیهما،غایة الأمر أن یدعی کونه ظاهرا فی التحریم،لکنه لا بد من رفع الید عن ظهوره و حمله علی الکراهة إذا تعارض بما یدل علی الجواز کما عرفت.

و من هنا ظهر جواز بقیة الأمور المذکورة فی النبوی کالمص و الوشم و الوشر و إن کانت مکروهة،بل ربما یشکل الحکم بالکراهة أیضا،لضعف الروایة إلا أن یتمسک فی ذلک بقاعدة التسامح فی أدلة السنن بناء علی شمولها للمکروهات أیضا.بل ورد جواز المص:أعنی حف الشعر من الوجه فی الخبر[2]و من جمیع ما ذکرناه ظهر الجواب أیضا عن روایة عبد اللّه بن سنان[3]المشتملة علی اللعن علی الواشمة و الموتشمة.

ص:204

و قد یتوهم أنه ثبت بالأخبار المستفیضة المذکورة فی أبواب النکاح،و بالسیرة القطعیة جواز تزین المرأة لزوجها،بل کونها من الأمور المستحبة.و مقتضی ما دل علی حرمة الوصل و النمص و الوشم و الوشر هو عدم جواز التزین بها سواء کان ذلک للزوج أو لغیره فیتعارضان فیما کان التزین بالأمور المذکورة للزوج،و یتساقطان،فیرجع الی الأصول العملیة و فیه أنه لو تم ما دل علی حرمة الأمور المزبورة فالنسبة بینه و بین ما دل علی جواز التزین هو العموم المطلق.فیحکم بجواز التزین مطلقا إلا بالأشیاء المذکورة.بیان ذلک:

أن المذکور فی الروایات و إن کان هو جواز تزین الزوجة لزوجها فقط،و لکنا نقطع بعدم مدخلیة الزوجیة فی الحکم بحیث لولاها لکان التزین للنساء حراما،بل هو أمر مشروع للنساء کلها،کما علیه السیرة القطعیة،إذن فلا بد من تخصیص الحکم بما دل علی حرمة الأمور المذکورة فی النبوی.

قوله خصوصا مع صرف الإمام للنبوی الوارد فی الواصلة عن ظاهره. أقول:

صرف النبوی عن ظاهره بالتصرف فی معنی الواصلة و المستوصلة بإرادة القیادة من الواصلة یقتضی حرمة الوصل و النمص و الوشم و الوشر المذکورة فی النبوی،لاتحاد السیاق، دون الکراهة.

نعم لو کان معنی اللعن فی الروایة هو مطلق الابعاد الذی یجتمع مع الکراهة لصار مؤیدا لحمل ما عدا الوصل علی الکراهة.

قوله نعم یشکل الأمر فی وشم الأطفال من حیث إنه إیذاء لهم بغیر مصلحة) .

أقول:لا شبهة أن الوشم لا یلازم الإیذاء دائما،بل بینهما عموم من وجه،فإنه قد یتحقق الإیذاء حیث یتحقق الوشم کما هو الکثیر،و قد یتحقق الوشم حیث لا یتحقق الإیذاء،لأجل استعمال بعض المخدرات المعروفة فی الیوم،و قد یجتمعان.و علی تقدیر الملازمة بینهما فالسیرة القطعیة قائمة علی جواز الإیذاء إذا کان لمصلحة التزین،کما فی ثقب الآذان و الآناف قوله ثم إن التدلیس بما ذکرنا إنما یحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتری) .

أقول:التدلیس فی اللغة (1)عبارة عن تلبیس الأمر علی الغیر،أو کتمان عیب السلعة عن المشتری و إخفائه علیه بإظهار کما لیس فیها،و أما ما یوجب رغبة المشتری و الخاطب فلیس بتدلیس ما لم یستلزم کتمان عیب،أو إظهار ما لیس فیه من الکمال،و إلا لحرم تزیین السلعة،لکون ذلک سببا لرغبة المشتری،و لحرم أیضا لبس المرأة الثیاب الحمر

ص:205


1- 1) فی القاموس:التدلیس کتمان عیب السلعة عن المشتری.و فی المنجد دلس البائع کتم عیب ما یبیعه عن المشتری.

و الحضر الموجبة لظهور بیاض البدن و صفائه،بداهة کونه سببا لرغبة الخاطبین،و لا نظن أن یلتزم بذلک فقیه أو متفقة.

تزیین الرجل بما یحرم علیه
اشارة

قوله المسألة الثانیة تزیین الرجل بما یحرم علیه من لبس الجریر و الذهب حرام).

أقول:اتفق فقهائنا و فقهاء العامعة[1]و استفاضت الاخبار و من طرقنا (1)و من طرق السنة (2)علی حرمة لیس الرجل الحریر و الذهب إلا فی موارد خاصة،و لکن الأخبار خالیة عن حرمة تزین الرجل بهما،فعقد المسألة بهذا العنوان کما صنعه المصنف(ره)فیه مسامحة واضحة،نعم ورد فی بعض الأحادیث (3):(لا تختم بالذهب فإنه زینتک فی الآخرة) و فی بعضها الآخر (4):(جعل اللّه الذهب فی الدنیا زینة النساء فحرم علی الرجال لبسه و الصلاة فیه).و لکن مضافا الی ضعف السند فیهما،أنهما لا تدلان علی حرمة تزین الرجل بالمذهب حتی یشمل النهی غیر صورة اللبس أیضا،بل تفریعه«ع»فی الروایة الثانیة حرمة لیس الذهب علی کونه زینة النساء فی الدنیا لا یخلو عن الاشعار بجواز تزین الرجل بالذهب ما لم یصدق علیه عنوان اللبس.

ص:206


1- 1) راجع ج 2 کا باب 13 لبس الحریر ص 206.و باب 23 الخواتیم من التجمل ص 210.و ج 11 الوافی باب 186 الخواتیم ص 103.و باب 176 أجناس اللباس من التجمل ص 98.و ج 1 ئل 11 عدم جواز صلاة الرجل فی الحریر.و باب 30 عدم جواز لبس الرجل الذهب من لباس المصلی.
2- 2) راجع ج 2 سنن البیهقی ص 422 و ص 424.
3- 3) ضعیفة لغالب بن عثمان.راجع أبواب الخواتیم المتقدمة من کا و الوافی و ئل.
4- 4) مرسلة.راجع ج 3 ئل باب 30 عدم جواز لیس الرجل المذهب من لباس المصلی.

و قد یقال:إن عنوان التزین بالذهب و الفضة و إن لم یذکر فی الاخبار،إلا أن لیس الحریر و الذهب یلازم التزین بهما،فالنهی عن لبسهما یلازم النهی عن التزین بهما.

و فیه أنها دعوی جزافیة،لمنع الملازمة،بل بین العنوانین عموم من وجه.فان التزین قد یصدق حیث لا یصدق اللبس،کما إذا جعلت أزرار الثوب من الذهب،أو من الحریر، و کما إذا خیط بهما الثوب،کما تتعارف خیاطة الفراء بالحریر و الدیباج،و کما إذا صاغ الإنسان أسنانه من الذهب،و قد یصدق اللبس و لا یصدق التزین،کلبس الحریر و الذهب تحت سائر الألبسة،و تختم الرجل بالذهب للتجربة و الامتحان،و قد یجتمع العنوانان، و تفصیل الکلام فی البحث عن لباس المصلی فی کتاب الصلاة.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لما ذهب إلیه فی العروة فی المسألة 22 من مسائل الباس المصلی قال:(نعم إذا کان زنجیر الساعة من الذهب و علقه علی رقبته أو وضعه فی جیبه لکن علق رأس الزنجیر یحرم لانه تزین بالذهب و لا تصلح الصلاة فیه أیضا).

تشبه الرجل بالمرأة و تشبه المرأة بالرجل

هل یجوز تشبه الرجل بالمرأة و بالعکس أولا:بأن یلبس الرجل ما یختص بالنساء من الألبسة،و تلبس المرأة ما یختص بالرجل منها،کالمنطقة و العمامة و نحوهما،و لا ریب ان ذلک یختلف باختلاف العادات؟.

فنقول:إنه ورد النهی عن التشبه فی الاخبار المتظافرة[1]و لعن اللّه و رسوله المتشبهین

ص:207

من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال،و لکن هذه الاخبار کلها ضعیفة السند، فلا تصلح دلیلا للقول بالحرمة.

و مع الإغضاء عن ذلک فلا دلالة فیها علی حرمة التشبه فی اللباس،لان التشبه فیها إما ان یراد به مطلق التشبه أو التشبه فی الطبیعة،کتأنث الرجل و تذکره المرأة،أو التشبه الجامع بین التشبه فی الطبیعة و التشبه فی اللباس.

أما الأول فبدیهی البطلان،فان لازمه حرمة اشتغال الرجل بأعمال المرأة،کالغزل و غسل الثوب و تنظیف البیت و الکنس و نحوها من الأمور التی تعملها المرأة فی العادة، و حرمة اشتغال المرأة بشغل الرجال،کالاحتطاب و الاصطیاد و السقی و الزرع و الحصد و نحوها،مع انه لم یلتزم به احد،بل و لا یمکن الالتزام به.

و اما الثالث فلا یمکن أخذه کذلک،إذ لا جامع بین التشبه فی اللباس و التشبه فی الطبیعة فلا یکون امرا مضبوطا،فیتعین الثانی،و یکون المراد من تشبه کل منهما بالآخر هو تأنث الرجل باللواط،و تذکر المرأة بالسحق،و هو الظاهر من لفظ التشبه فی المقام.

و یؤید ما ذکرناه تطبیق الامام«ع»النبوی علی المخنثین و المساحقات فی جملة روایات من الخاصة[1]

ص:208

و طرق العامة[1]و لکنها ضعیفة السند.

و قد اتضح مما تلوناه بطلان ما ادعاه المحقق الایروانی من(أن إطلاق التشبه یشمل التشبه فی کل شیء،و دعوی انصرافه الی التشبه فیما هو من مقتضیات طبع صاحبه، لا ما هو مختص به بالجعل کاللباس فی حیز المنع،بل کون المساحقة من تشبه الأنثی بالمذکر ممنوع،بل التخنث أیضا لیس تشبها بالأنثی).و کذلک ما فی حاشیة السید من:(عدم اختصاص النبوی بالتشبه فی التأنث و التذکر،لإمکان شموله للتشبه فی اللباس أیضا).

و العجب من المحقق الایروانی حیث قال فی توجیه روایة العامل:(لعل الرجل الذی أخرجه علی«ع»من المسجد کان متزینا بزینة النساء کما هو الشائع فی شبان عصرنا و کان هو المراد من التأنث،لا التخنث)و هو أعرف بمقاله.

ص:209

ثم إنه قد ورد فی بعض الأحادیث[1]النهی عن التشبه فی اللباس،کروایة سماعة فی الرجل یجر ثیابه(قال:إنی لأکره أن یتشبه بالنساء).و فی روایة اخری:کان رسول اللّه ینهی المرأة أن تتشبه بالرجال فی لباسها.فإنه یستفاد منهما تحریم التشبه فی اللباس.

و فیه أنه لیس المراد من التشبه فی الروایتین مجرد لبس کل من الرجل و المرأة لباس الآخر،و إلا لحرم لبس أحد الزوجین لباس الآخر لبعض الدواعی کبرد و نحوه،بل الظاهر من التشبه فی اللباس المذکور فی الروایتین هو أن یتزیی کل من الرجل و المرأة بزی الآخر،کالمطربات اللاتی أخذن زی الرجال،و المطربین الذین أخذوا زی النساء،و من البدیهی أنه من المحرمات فی الشریعة،بل من أخبث الخبائث و أشد الجرائم و أکبر الکبائر.

علی ان المراد فی الروایة الأولی هی الکراهة،إذ من المقطوع به أن جر الثوب لیس من المحرمات فی الشریعة المقدسة.

و قد تجلی مما ذکرناه أنه لا شک فی جواز لبس الرجل لباس المرأة لإظهار الحزن، و تجسم قضیة الطف،و إقامة التعزیة لسید شباب أهل الجنة علیه السلام،و توهم حرمته لاخبار النهی عن التشبه ناشئ من الوساوس الشیطانیة،فإنک قد عرفت عدم دلالتها علی حرمة التشبه.

و قد علم مما تقدم أیضا أنه لا وجه لاعتبار القصد فی مفهوم التشبه و صدقه،بل المناط فی صدقه وقوع وجه الشبه فی الخارج مع العلم و الالتفات،کاعتبار وقوع المعان علیه فی صدق الإعانة،علی أنه قد أطلق التشبه فی الاخبار،علی جر الثوب و التخنث و المساحقة مع أنه لا یصدر شیء منها بقصد التشبه،و دعوی أن التشبه من التفعل الذی لا یتحقق إلا بالقصد دعوی جزافیة،لصدقه بدون القصد کثیرا.

قوله و فیها خصوصا الأولی بقرینة المورد ظهور فی الکراهة. أقول:قد علم مما ذکرناه أنه لا وجه لحمل ما ورد فی التشبه فی اللباس علی الکراهة،بدعوی ظهوره فیها، إذ لا نعرف منشأ لهذه الدعوی إلا قوله«ع»فی روایة سماعة فی رجل یجر ثیابه:(إنی لأکره أن یتشبه بالنساء)و من الواضح جدا أن الکراهة المذکورة فی الروایات أعم من

ص:210

الکراهة الاصطلاحیة.

علی أن روایة الصادق«ع»عن آبائه عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)إنه(کان یزجر الرجل أن یتشبه بالنساء و ینهی المرأة أن تتشبه بالرجال فی لباسها).کالصریحة فی الحرمة،لعدم إطلاق الزجر فی موارد الکراهة الاصطلاحیة.

قوله ثم الخنثی یجب علیها ترک الزینتین إلخ. أقول:اختلفوا فی الخنثی هل هو من صنف الرجال،أو من صنف الإناث،أو هو طبیعة ثالثة تقابل کلا من الصنفین علی أقوال؟قد ذکرت فی محلها،و ما ذکره المصنف(ره)من أنه(یجب علیها ترک الزینتین المختصتین بکل من الرجل و المرأة)مبنی علی کونه داخلا تحت أحد العنوانین«الذکر و الأنثی)و إلا فأصالة البراءة بالنسبة إلی التکالیف المختصة بهما محکمة.

قوله و یشکل بناء علی کون مدرک الحکم حرمة التشبه بأن الظاهر عن التشبه صورة علم المتشبه. أقول:لا إشکال فی اعتبار العلم بصدور الفعل فی تحقق عنوان التشبه، إلا أنه لا یختص بالعلم التفصیلی،بل یکفی فی ذلک العلم الإجمالی أیضا،فهو موجود فی الخنثی

التشبیب بالمرأة الأجنبیة
اشارة

قوله المسألة الثالثة:التشبیب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة و هی کما فی جامع المقاصد ذکر محاسنها و إظهار حبها بالشعر حرام. أقول:لا شبهة فی حرمة ذکر الأجنبیات و التشبیب بها،کحرمة ذکر الغلمان و التشبیب بهم بالشعر و غیره إذا کان التشبیب لتمنی الحرام و ترجی الوصول إلی المعاصی و الفواحش،کالزنا و اللواط و نحوهما،فان ذلک هتک لاحکام الشارع،و جرأة علی معصیته،و من هنا حرم طلب الحرام من اللّه بالدعاء،و لا یفرق فی ذلک بین کون المذکورة مؤمنة أو کافرة،و علی کل حال فحرمة ذلک لیس من جهة التشبیب.

و أما التشبیب بالمعنی الذی ذکره المحقق الثانی فی جامع المقاصد مع القیود التی اعتبرها المصنف ففی حرمته خلاف،فذهب جمع من الأکابر إلی الحرمة،و ذهب بعض آخر الی الجواز،و ذهب جمع من العامة إلی حرمة مطلق التشبیب[1].

ص:211

و قد استدل القائلون بالحرمة بوجوه،الوجه الأول:أن التشبیب هتک للمشبب بها و إهانة لها،فیکون حراما.

و فیه أولا:لو سلمنا کون التشبیب هتکا لها فان ذلک لا یختص بالشعر کما لا یختص بالمؤمنة المعروفة المحترمة،فإنه لا فرق فی حرمة الهتک بین أفراد الناس من المحرم و غیر المحرم،و الزوجة و غیر الزوجة،و المخطوبة و غیر المخطوبة،فإن هتک جمیعها حرام عقلا و شرعا و أیضا لا فرق فی الشعر بین الإنشاء و الإنشاد.

و ثانیا:أن النسبة بین عنوانی الإهانة و التشبیب هی العموم من وجه،فان الشاعر أو غیره قد یذکر محاسن امرأة أجنبیة فی حال الخلوة بحیث لا یطلع علیه أحد لیلزم منه الهتک،أو یکون التوصیف و إظهار محاسنها و ذکر جمالها مطلوبا،سواء کان ذلک بالنظم أم بغیره،کما إذا سأل سائل عن بنات أحد الأعاظم و الملوک لیخطب منهن واحدة،فهل یقوم أحد أن توصیفها بالجمال و الکمال و الأدب و الأخلاق حرام؟؟و کثیرا ما یتحقق عنوان الهتک من دون تحقق التشبیب،و قد یجتمعان،و علیه فلا ملازمة بینهما دائما.

و ثالثا:أن کلامنا فی المقام فی حرمة التشبیب بعنوانه الأولی،فإثبات حرمته لعنوان آخر عرضی-کعنوان الهتک أو الإهانة أو غیرهما-خروج عن محل الکلام.

الوجه الثانی:أنه إیذاء للمشبب بها،و هو حرام.

و فیه أنه لا دلیل علی حرمة فعل یترتب علیه أذی الغیر قهرا إذا کان الفعل سائغا فی نفسه،و لم یقصد العامل أذیة الغیر من فعله.و إلا لزم القول بحرمة کل فعل یترتب علیه أذی الغیر و إن کان الفعل فی نفسه مباحا أو مستحبا أو واجبا،کتاذی بعض الناس من اشتغال بعض آخر بالتجارة و التعلیم و التعلم و العبادة و نحوها،و کثیرا ما یتأذی بعض التجار باستیراد البعض الآخر مال التجارة،و یتأذی الجار بعلو جدار جاره أو من کثرة أمواله،مع أن أحدا لا یتفوه بحرمة ذلک.

علی أن النسبة بین التشبیب و الإیذاء أیضا عموم من وجه،إذ قد یتحقق التشبیب و لا یتحقق الإیذاء کالتشبیب بالمتبرجات،و قد یتحقق الإیذاء حیث لا یتحقق التشبیب،و هو واضح،و قد یجتمعان.

ص:212

ما استدل به علی حرمة التشبیب

و الجواب عنه

قوله و یمکن أن یستدل علیه بما سیجیء. أقول:بعد أن أشکل المصنف علی الوجوه المتقدمة،و اعترف بعدم نهوضها لإثبات حرمة التشبیب أخذ بالاستدلال علیه بوجوه أضعف من الوجوه الماضیة:

الوجه الأول:أن التشبیب من اللهو و الباطل،فیکون حراما،لما سیأتی من دلالة جملة من الآیات و الروایات علی حرمتها.

و فیه أن هذه الدعوی ممنوعة صغری و کبری:أما الوجه فی منع الصغری فلانه لا دلیل علی کون التشبیب من اللهو و الباطل،إذ قد یشتمل الکلام الذی یشبب به علی المطالب الراقیة و المدائح العالیة المطلوبة للعقلاء خصوصا إذا کان شعرا کما هو مورد البحث.

و أما الوجه فی منع الکبری فلعدم العمل بها مطلقا،لان اللهو و الباطل لو کان علی إطلاقهما من المحرمات لزم القول بحرمة کل ما فی العالم،فان کل ما أشغل عن ذکر اللّه- و ذکر الرسول و ذکر القیامة و ذکر النار و الجنة و الحور و القصور-لهو و باطل،و قد نطق بذلک القرآن الکریم أیضا فی آیات عدیدة[1]و سیأتی من المصنف الاعتراف بعدم حرمة اللهو إلا علی نحو الموجبة الجزئیة.

الوجه الثانی:أنه ورد النهی فی الکتاب العزیز[2]عن الفحشاء و المنکر،و منهما التشبیب فیکون حراما.

و فیه أنا نمنع کون التشبیب من الفحشاء و المنکر،علی ان هذا الوجه،مع الوجه السابق، و سائر الوجوه الآتیة لو دلت علی الحرمة لدلت علیها مطلقا،سواء أ کان بالشعر أم بغیره و سواء أ کان التشبیب بأنثی أم بذکر،و سواء أ کانت الأنثی مؤمنة أم غیر مؤمنة،فلا وجه لتخصیص الحرمة بالشعر.

ص:213

و یضاف الی ذلک ان النسبة بین التشبیب و بین تلک العناوین المحرمة هی العموم من وجه فلا تدل حرمتها علی حرمة التشبیب دائما،مع ان الکلام فی التشبیب بعنوانه الاولی، فحرمته بعنوان اللهو أو الفحشاء أو غیرهما من العناوین المحرمة خارج عن حدود البحث و محل النزاع.

الوجه الثالث:انه مناف للعفاف الذی اعتبر فی العدالة بمقتضی بعض الروایات[1]و حیث إن العفاف واجب،فیحرم الإخلال به.

و فیه انا نمنع اعتبار أی عفاف فی العدالة،و إنما المعتبر فیها العفاف عن المحرمات، و کون التشبیب منها أول الکلام.

الوجه الرابع:الأخبار الدالة علی حرمة ما یثیر الشهوة الی غیر الحلیلة حتی بالأسباب البعیدة و هی کثیرة قد ذکرت فی مواضع شتی:منها ما دل[2]علی النهی عن النظر إلی الأجنبیة لأنه سهم مسموم من سهام إبلیس:و النکتة فی إطلاق لفظ السهم علی النظر هی تأثیره فی قلب الناظر و إیمانه،کتأثیر السهم الخارجی فی الغرض،و من هنا أطلق علیه زنا العین کما فی روایة أبی جمیلة و وجه دلالة هذه الاخبار علی حرمة التشبیب هو ان النظر الی

ص:214

الأجنبیات إذا کان سهما مسموما مؤثرا فی هدم الایمان و قلعه عن قلوب الناظرین،فالتشبیب أولی بالتحریم،فإن تأثیر الکلام أشد من تأثیر النظر.

و فیه انک قد عرفت عدم الملازمة بین التشبیب و بین سائر العناوین المحرمة،و کذلک فی المقام،إذ قد یکون التشبیب مهیجا للقوة الشهویة.فلا یکون حراما کالتشبیب بالزوجة،و قد یکون التشبیب غیر مهیج للشهوة کما إذا شبب بإحدی محارمه،و قد یجتمعان فلا ملازمة بینهما.

و منها الأخبار الدالة علی المنع عن الخلوة بالأجنبیة،و هی کثیرة[1]منها قوله«ع»فی

ص:215

روایة مسمع فی قضیة أخذ الرسول ص البیعة علی النساء:و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء، و هکذا فی روایة مکارم الأخلاق،و منها ما فی روایة موسی بن إبراهیم من قوله ع:

من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فلا یبیت فی موضع یسمع نفس امرأة لیست له بمحرم، و منها قوله(علیه السلام)فی روایة محمد بن الطیار:فان الرجل و المرأة إذا خلیا فی بیت کان ثالثهما

ص:216

الشیطان.الی غیر ذلک من الروایات التی دلت علی حرمة الخلوة مع الأجنبیة،ففی بعضها:

لا یخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشیطان،و فی بعضها:إن الشیطان لا یغیب عن الإنسان فی موضع خلوّ الرجال مع امرأة أجنبیة.و علی هذا النهج أحادیث العامة (1)فیستفاد من جمیعها حرمة خلو الرجل مع امرأة أجنبیة،لأن الشیطان لا یغیب عنه فی هذه الحالة، فیهیج قوته الشهویة لیلقیه الی المهلکة و المضلة،و بما أن التشبیب بالمرأة الأجنبیة یهیج الشهوة أزید مما تهیجه الخلوة بها فیکون أولی بالتحریم.

و فیه أنه لا دلالة فی شیء من تلک الأخبار علی حرمة الخلوة مع الأجنبیة فضلا عن دلالتها علی حرمة التشبیب،أما روایتا مسمع و مکارم الأخلاق فالمستفاد منهما حرمة قعود الرجل مع المرأة فی بیت الخلاء،فقد کان من المتعارف فی زمان الجاهلیة أنهم یهیئون مکانا لقضاء الحاجة،و یسمونه بیت الخلاء،و یقعد فیه الرجال و النساء و الصبیان،و لا یستتر بعضهم عن بعض،کبعض أهل البادیة فی الزمن الحاضر،و لما بعث نبی الرحمة نهی عن ذلک، و أخذ البیعة علی النساء أن لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء،علی أن الخلوة مع الأجنبیة إذا کانت محرمة فلا تختص بحالة القعود،بل هی محرمة مطلقة و إن کانت بغیر قعود.

و یؤید ما ذکرناه من المعنی أن النهی فی الروایتین قد تعلق بقعود الرجال مع النساء فی الخلاء مطلقا و إن کن من المحارم،و من الواضح أنه لا مانع من خلوة الرجل مع محارمه، و إن لم یکن للروایتین ظهور فیما ادعیناه،فلا ظهور لهما فی حرمة الخلوة أیضا،و لا أقل من الشک،فتسقطان عن الحجیة.

علی ان من جملة ما أخذ رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)البیعة به علی النساء أن لا یزنین،و لعل أخذ البیعة علیهن أن لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء من جهة عدم تحقق الزنا،فان حالة الخلوة مظنة الوقوع علی الزنا،و علیه فلا موضوعیة لعنوان الخلوة بوجه،و الغرض المهم هو النهی عن الزنا،و إنما تعلق بالخلوة لکونها من المقدمات القریبة له.

و یدل علی ما ذکرناه أیضا ما ورد فی جملة من الروایات من تعلیل النهی عن الخلوة بأن الثالث هو الشیطان،فان الظاهر منها هو أنه لو خلا الرجل مع المرأة الأجنبیة فإن الشیطان یکاد أن یوقعهما فی البغی و الزنا،و من هنا ظهر أنه لا یجوز الاستدلال أیضا بهذه الروایات المشتملة علی التعلیل المذکور.و قد ذکرنا جمیع هذه الروایات فی الحاشیة.

و أما روایة موسی بن إبراهیم فهی خارجة عما نحن فیه،فإنها دلت علی حرمة نوم الرجل فی موضع یسمع نفس الامرأة الأجنبیة،و لا ملازمة بین سماع النفس و الخلوة دائما،بل

ص:217


1- 1) راجع ج 7 سنن البیهقی ص 90.

بینهما عموم من وجه،کما أن النهی عن نوم الرجل مع المرأة تحت لحاف واحد کما فی بعض الأحادیث (1)لا یدل علی حرمة عنوان الخلوة.

و یمکن أن یکون نهی الرجل عن النوم فی مکان یسمع نفس المرأة الأجنبیة من جهة کون سماع نفس المرأة من المقدمات القریبة للزنا،کما أن النهی عن النوم تحت لحاف واحد کذلک،فان سماع النفس فی الأشخاص العادیة لا یکون إلا مع نومهم فی محل واحد، و من القریب جدا أن هذا یوجب الزنا کثیرا.

بل یمکن أن یقال:إنه لو ورد نص صریح فی النهی عن الخلوة مع الأجنبیة فلا موضوعیة لها أیضا،و إنما نهی عنها لکونها من المقدمات القریبة للزنا،فان أهمیة حفظ الاعراض فی نظر الشارع المقدس تقتضی النهی عن الزنا،و عن کل ما یؤدی إلیه عرفا.

و أما الروایات المشتملة علی أن إبلیس لا یغیب عن الإنسان فی مواضع منها موضع خلوة الرجل مع امرأة أجنبیة،فإن المستفاد منها أن الشیطان یقظان فی تلک المواضع یجر الناس الی الحرام،فلا دلالة فیها علی المدعی.و علی الجملة فلا دلیل علی حرمة الخلوة بما هی خلوة، و إنما النهی عنها للمقدمیة فقط.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه أن الروایات الواردة فی النهی عن الخلوة بالأجنبیة کلها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء.

و لو سلمنا وجود الدلیل علی ذلک فإنه لا ملازمة بین حرمة الخلوة و حرمة التشبیب و لو بالفحوی،إذ لا طریق لنا الی العلم بأن ملاک الحرمة فی الخلوة هو إثارة القوة الشهویة حتی یقاس علیها کل ما یوجب تهیجها.و من هنا علی أنه لا وجه لقیاس التشبیب علی شیء یوجب تهیج القوة الشهویة.

قوله و کراهة جلوس الرجل فی مکان المرأة حتی یبرد المکان. أقول:استدل المصنف علی حرمة التشبیب بفحوی أمور مکروهة:منها ما ورد[1]فی کراهة الجلوس فی

ص:218


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 13 تحریم خلوة الرجال بالمرأة تحت لحاف واحد من أبواب النکاح المحرم ص 41.و ج 2 کا باب 5 ما یوجب الجلد من الحدود ص 287.و ج 9 الوافی باب المجردین وجدا فی لحاف واحد من الحدود ص 47.

مجلس المرأة حتی یبرد المکان،و منها ما ورد[1]فی رجحان تستر المرأة عن نساء أهل الذمة و منها ما ورد[2]فی التستر عن الصبی الممیز الی غیر ذلک من الموارد التی نهی الشارع عنها تنزیها،لکونها موجبة لتهیج الشهوة.فتدل بالفحوی علی حرمة التشبیب،لکونه أقوی فی إثارة الشهوة.

و لکنها لا نعرف وجها صحیحا لهذا الاستدلال،إذ لا معنی لإثبات الحرمة لموضوع لثبوت الکراهة لموضوع آخر حتی بناء علی العمل بالقیاس.علی أنا لا نعلم أن مناط الکراهة فی تلک الأمور هو تهیج الشهوة حتی یلتزم بالحرمة فیما إذا کان التهیج أشد و أقوی،و قد تقدم نظیر ذلک من المصنف فی البحث عن حرمة إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی (1)،حیث استدل علی الحرمة بکراهة إطعام النجس للبهیمة.

علی أن رجحان التستر عن نساء أهل الذمة إنما هو لئلا یطلعن رجالهن علی محاسن نساء المسلمین،و رجحان التستر عن الصبی الممیز إنما هو لکونه ممیزا فی نفسه،کما یظهر من الروایة الدالة علی ذلک.

قوله و النهی فی الکتاب العزیز) أقول:قد ورد النهی فی الکتاب الشریف (2)عن خضوع النساء بالقول لئلا یطمع اَلَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ .و عن أن یضربن بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ (3).

إلا أنه لا دلالة فی شیء من ذلک علی حرمة التشبیب،کما لا دلالة علیها فی حرمة التعریض بالخطبة لذات البعل و لذات العدة الرجعیة،و التعریض هو الإتیان بلفظ یحتمل الرغبة فی النکاح مع کونه ظاهرا فی النکاح،کأن یقول:رب راغب فیک،و حریص علیک،

ص:219


1- 1) ص 117.
2- 2) سورة الأحزاب،آیة 32.
3- 3) سورة النور،آیة:31.

أو انی راغب فیک،أو أنت علی کریمة،أو عزیزة،أو إن اللّه لسائق إلیک خیرا، أو رزقا،أو نحو ذلک.

قوله سواء علم السامع إجمالا بقصد معینة أم لا ففیه إشکال. أقول:إذا ثبتت حرمة التشبیب و حرمة سماعه فلا یحرم سماعة إذا کان المشبب بها امرأة غیر معینة،لعدم علم السامع بها حتی یترتب علیه ما تقدم من الأمور.

قوله و فیه إشکال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحریم. أقول:قد عرفت عدم دلالة شیء من الوجوه المتقدمة علی حرمة التشبیب.و لو سلم ذلک فلا دلالة فیها علی حرمة التشبیب بامرأة مبهمة أو خیالیة إلا إذا کان مرجعه إلی تمنی الحرام.و قد عرفت أنه خارج عما نحن فیه.

قوله أما التشبیب بالغلام فهو محرم علی کل حال. أقول:التشبیب بالغلام إن کان داخلا فی عنوان تمنی الحرام فلا ریب فی حرمته،لکونه جرأة علی حرمات المولی کما تقدم و إلا فلا وجه لحرمته فضلا عن کونه حراما علی کل حال.بل ربما یکون التشبیب به مطلوبا.و لذا یجوز مداح الابطال و الشجعان،و مدح الشبان بتشبیههم بالقمر و النجوم، و لا شبهة فی صدق التشبیب علیه لغة[1]و عرفا.

قوله لأنه فحش محض. أقول:لا شبهة فی حرمة الفحش و السب کما سیأتی، إلا أنه لا یرتبط ذلک بالتشبیب بعنوانه الأولی الذی هو محل الکلام فی المقام.

حرمة التصویر
اشارة

قوله المسألة الرابعة تصویر صور ذوات الأرواح حرام إذا کانت الصورة مجسمة بلا خلاف. أقول:لا خلاف بین الشیعة و السنة[2]فی حرمة التصویر فی الجملة.

ص:220

ففی المستند (1)ادعی الإجماع علی حرمة علی الصور لذوات الأرواح إذا کانت الصورة مجسمة،و ذکر الخلاف فی غیر هذا القسم.

و فی المختلف (2):(مسألة:قال ابن براج:یحرم التماثیل المجسمة و غیر المجسمة،و قال ابن إدریس:و سائر التماثیل و الصور ذوات الأرواح مجسمة کانت أو غیرها.و أبو الصلاح قال:یحرم التماثیل و أطلق).و عن المحقق الثانی إنه قسم التصویر إلی أربعة أقسام،و قال:أحدها محرم إجماعا،و هو عمل الصور المجسمة لذوات الأرواح،و باقی الأقسام مختلف فیها.

فالمتحصل من کلمات الأصحاب أن الأقوال فی حرمة التصویر أربعة،الأول:أن التصویر حرام إذا کانت الصورة مجسمة لذی روح،و هذا مما لا خلاف فی حرمته بین الأصحاب،بل ادعی علیه الإجماع.

الثانی:أن تصویر ذوات الأرواح حرام سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة، و قد اختاره المصنف وفاقا لما ذهب إلیه الحلی و القاضی و غیرهما من الأصحاب.

الثالث:حرمة التصاویر مطلقا إذا کانت مجسمة.الرابع:القول بحرمتها علی وجه الإطلاق سواء کانت مجسمة أم غیرها،و سواء کانت لذوات الأرواح أم غیرها،و القولان الأخیران و إن کانا أیضا مورد الخلاف بین الفقهاء کما أشار إلیه النراقی و المحقق الثانی:إلا أنا لم نجد قائلا بهما عدا ما یستفاد من ظاهر بعض العبائر.

و کیف کان فالمهم فی المقام هو التکلم فی مدرک الأقوال،فنقول:الظاهر من بعض المطلقات المنقولة من طرق الشیعة[1]

ص:221


1- 1) ج 1 ص 337.
2- 2) ج 2 ص 163.

و من طرق العامة (1)حرمة التصاویر مطلقا و لو کانت لغیر ذوات الأرواح.و لم تکن مجسمة،کقول علی«ع»:(إیاکم و عمل الصور فإنکم تسألون عنها یوم القیامة)و کالنبوی

ص:222


1- 1) راجع ج 7 سنن البیهقی ص 268.

المذکور فی سنن البیهقی:(إن أشد الناس عذابا عند اللّه یوم القیامة المصورون).

و لکن لا بد من تقیید هذه المطلقات بما دل[1]علی جواز التصویر لغیرها ذوات الأرواح و علیه فتحمل المطلقات علی تصویر ذوات الأرواح.و یحکم بجواز التصویر لغیرها سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة،و هو الموافق للأصل و الإطلاقات و العمومات من الآیات و الروایات الواردة فی طلب الرزق و جواز الاکتساب بأی کیفیة کان إلا ما خرج بالدلیل.

و یضاف الی ما ذکرناه أن المطلقات المذکورة بأجمعها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء.

علی ان مقتضی السیرة القطعیة المستمرة إلی زمان المعصوم«ع»جواز التصویر لغیر ذوات الأرواح،و لم نر و لم نسمع من أنکر جواز تصویر الأشجار و الفواکه و الجبال و البحار و الشطوط و الحدائق،بل السیرة المذکورة ثابتة فی تعلم بعض الأشیاء،خصوصا فی بعض العلوم الریاضیة حیث یعملون الصور لتسهیل التفهیم.

و یؤید ما ذکرناه ما ورد فی بعض الأحادیث[2]من ان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بعث علیا(علیه السلام)

ص:223

فی هدم القبور و کسر الصور،و أیضا قال له:لا تدع صورة إلا محوتها.فإنه لیس من المعهود ان علیا(علیه السلام)کسر الصور التی لغیر ذوات الأرواح،و ان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)أمره أیضا علی ذلک.

و یضاف الی ما ذکرناه ان الصورة فی اللغة[1]و إن کانت مساوقة للشکل و شاملة لصور ذوات الأرواح و غیرها،إلا ان المراد بها فی المقام صور ذوات الأرواح فقط،لما ورد فی جملة من الروایات التی سنذکرها:ان من صور صورة کلفه اللّه تعالی یوم القیامة ان ینفخ فیها و لیس بنافخ.

و من الواضح ان الأمر بالنفخ و لو کان تعجیزا إنما یمکن إذا کان المورد قابلا لذلک، و لا شبهة ان نفس الأشجار و الأحجار و البحار و الشطوط و نحوها غیر قابلة للنفخ فضلا عن صورها،فان عدم القدرة علی النفخ فیها لیس من جهة عجز الفاعل فقط،بل لعدم قابلیة المورد.

و اما القول الثانی-أعنی حرمة تصویر الصور لذی الروح سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة-فتدل علیه الاخبار المستفیضة من الفریقین[2]التی تقدمت الإشارة إلیها،

ص:224

فإنه قد ذکر فیها أن من صور صورة یعذب یوم القیامة،و یکلف أن ینفخ فیها و لیس بنافخ،و فی بعضها (1):(أحیوا ما خلقتم).و لکنها مع کثرتها صعیفة السند.و غیر منجبرة بشیء،فلا تکون صالحة للاستناد إلیها فی الحکم الشرعی.

و یضاف الی ما ذکرناه ما تقدم فی الحاشیة من الروایات الدالة علی حرمة خصوص التصویر لذوات الأرواح،کصحیحة البقباق عن أبی عبد اللّه(علیه السلام):(فی قول اللّه یَعْمَلُونَ لَهُ ما یَشاءُ من محاریب و تماثیل؟فقال:و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه).

فان ذکر الرجال و النساء فیها من باب المثال،و یدل علی ذلک من الروایة قوله(علیه السلام)(و لکنها الشجر و شبهه).و غیرها من الروایات المعتبرة.

ما استدل به علی اختصاص الحرمة

بالصور المجسمة

و قد یقال:إن التحریم مختص بالصور المجسمة لوجوه قد أشار الی جملة منها فی متاجر الجواهر:

الوجه الأول:أن الأخبار المشتملة علی نفخ الروح ظاهرة فی ذلک،

فان الظاهر منها أن الصورة التی صنعها المصور جامعة لجمیع ما یحتاج الیه الحیوان سوی الروح،و هذا إنما یکون فی الصورة إذا کانت مجسمة،و واجدة للجثة و الهیکل،و مشتملة علی الأبعاد الثلاثة، إذ یستحیل الأمر بنفخ الروح فی النقوش الخالیة عن الجسم،فإن الأمر بالنفخ لا یکون إلا فی محل قابل له،و الصور المنقوشة علی الألواح و الأوراق و نحوهما غیر قابلة لذلک، لاستحالة انقلاب العرض الی الجوهر.و دعوی إرادة تجسیم النقش مقدمة للنفخ ثم النفع فیه خلاف الظاهر من الروایات.

و أجاب عنه المصنف بوجهین،الأول:

ص:225


1- 1) راجع ج 2 المستدرک ص 457.و ج 7 سنن البیهقی ص 168.

(أن النفخ یمکن تصوره فی النقش بملاحظة محله،بل بدونها،کما فی أمر الإمام(علیه السلام)[1]الأسد المنقوش علی البساط بأخذ الساحر فی مجلس الخلیفة).

و فیه أن هذا خلاف ظواهر الأخبار،فإن الظاهر منها أن التکلیف إنما هو بإحیاء نفس الصور دون محلها،و أما أمر الإمام(علیه السلام)الأسد المنقوش علی البساط بأخذ الساحر فسیأتی الجواب عنه.

الثانی:أن النفخ إنما هو(بملاحظة لون النقش الذی هو فی الحقیقة أجزاء لطیفة من الصبغ،و الحاصل:أن مثل هذا لا یعد قرینة عرفا علی تخصیص الصورة بالمجسمة).

و هذا الجواب متین،و بیان ذلک:أنه إذا کان المقصود من النفخ هو النفخ فی النقوش الخالیة عن الجسم التی هی لیست إلا أعراضا صرفة،فإنه لا مناص عن الاشکال المذکور، و هو واضح.و إذا کان المقصود من النفخ فیها بملاحظة لون النقش،و أجزاء الصبغ اللطیفة فهو متین،إذ النفخ حینئذ إنما هو فی الأجزاء الصغار،و لا ریب فی قابلیتها للنفخ لتکون حیوانا،و لا یلزم منه انقلاب العرض الی الجوهر،بل هو من قبیل تبدل جوهر بجوهر آخر.و علیه فلا یتوجه الاشکال المذکور علی شمول الروایات المتقدمة(أعنی الأخبار المشتملة علی نفخ الروح)لصور ذی الروح مطلقا و إن کانت غیر مجسمة.و لکن قد عرفت أنها ضعیفة السند.

و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه ففی ما دل علی حرمة تصویر الصور لذوات الأرواح مطلقا غنی و کفایة کما عرفت.

و یضاف الی ذلک کله ما تقدم من المطلقات التی دلت علی حرمة التصویر،فان الخارج عنها لیس إلا تصویر الصور لغیر ذی الروح،فیبقی الباقی تحتها.و لکن قد عرفت أن تلک المطلقات ضعیفة السند.

و من هنا یعلم أنه لا استحالة فی صیرورة الصورة الأسدیة المنقوشة علی البساط أسدا

ص:226

حقیقیا و حیوانا مفترسا بأمر الإمام(علیه السلام)،غایة الأمر أنه من الأمور الخارقة للعادة، لکونه إعجازا منه(علیه السلام)،و قد حققنا فی مبحث الاعجاز من مقدمة التفسیر أن الإعجاز لا بد و أن یکون خارجا عن النوامیس الطبیعیة،و خارقا للعادة.

و توضیح ذلک أن الخلق و الإیجاد علی قسمین،الأول:أن یکون بحسب المقدمات الإعدادیة و النوامیس الطبیعیة،فإنه تعالی و إن کان قادرا علی خلق العوالم بمجرد الإرادة التکوینیة،إلا أن حکمته قد جرت علی أن یخلقها بالسیر الطبیعی،و طی المراتب المختلفة بلبس الصور و خلعها حتی تصل الی المقصد الأقصی و الغایة القصوی.

مثلا إذا تعلقت المشیة الإلهیة بخلق الإنسان بحسب المقدمات الإعدادیة و السیر الطبیعی جعل اللّه موادة الأصلیة فی کمون الأغذیة فیأکلها البشر فتحللها القوی المکنونة فیه الی أن تصل الی حد المنویة،ثم یستقر المنی فی الرحم،فیکون دما ثم علقة ثم مضغة ثم لحما ثم عظما ثم إنسانا،و هذا هو الخلق بالنوامیس الطبیعیة.و کذلک الحال فی سائر المخلوقات.

الثانی:أن یکون الخلق غیر جار علی النوامیس الطبیعیة،بل أمرا دفعیا و خارقا للعادة، و تکون المقدمات الطبیعیة کلها مطویة فیه،کجعل الحبوب أشجارا و زروعا،و الأحجار لؤلؤا و یواقیتا دفعة واحدة،و یسمی ذلک بالاعجاز،و هذا من المواهب الإلهیة التی خص اللّه بها أنبیاءه و رسله(صلی الله علیه و آله)و الأئمة الطاهرین(علیه السلام).و صیرورة الصورة الاسدیة حیوانا مفترسا بأمر الإمام(علیه السلام)من القبیل الثانی.

الوجه الثانی:ما ذکره فی متاجر الجواهر،

و هو أن(فی بعض النصوص التی تقدمت فی کتاب الصلاة من أنه لا بأس إذا غیر رؤوسها[1]و فی آخر[2]قطعت و فی ثالث[3]

ص:227

کسرت نوع إشعار بالتجسم).

و فیه أولا:أنه لا إشعار فی شیء من هذه الروایات بکون الصور المنهی عنها مجسمة إلا فی روایة قرب الاسناد(تکسر رؤوس التماثیل و تلطخ رؤوس التصاویر)و هی ضعیفة السند،و الوجه فی عدم إشعار غیرها بذلک هو أن قطع الرأس أو تغییره کما یصدق فی الصور المجسمة،فکذلک یصدق فی غیرها.

و ثانیا:أن الکلام فی المقام فی عمل الصور،و هو لا یرتبط بالصلاة فی بیت فیه تماثیل، بل الصلاة فیه کالصلاة فی الموارد المکروهة.

الوجه الثالث:ما فی الجواهر أیضا

من أنه(یظهر من مقابلة النقش للصورة فی خبر المناهی ذلک أیضا)أی کون الصور المحرمة مجسمة.

و فیه أولا:أن خبر المناهی ضعیف السند و مجهول الراوی،کما عرفت مرارا.

و ثانیا:ما ذکره السید فی حاشیته:و هو أن ما اشتمل علی کلمة النقش(خبر آخر عن النبی(صلی الله علیه و آله)نقله الامام(علیه السلام):فلا مقابلة فی کلام النبی،و الامام أراد أن ینقل اللفظ الصادر عنه(علیه السلام)).

فروع مهمة
تصویر الملک و الجن

الأول:هل یلحق الجن و الملک بالحیوان فیحرم تصویرهما أولا؟ففیه قولان،و قد یقال بالثانی،کما فی الجواهر،و حکاه عن بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد.

و الوجه فیه أن المطلقات المتقدمة و ان اقتضت حرمة التصویر مطلقا إلا أنک قد عرفت أنها مقیدة بالروایات المعتبرة کصحیحة محمد بن مسلم:(لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان) و غیرها،و قد عرفت ذلک آنفا،و علیه فنفی البأس عن تصویر غیر الحیوان یقتضی اندراج الملک و الجن تحت الحکم بالجواز،فان من الواضح أنهما لیسا من جنس الحیوان.

و فیه أن المراد من الحیوان هنا ما هو المعروف فی مصطلح أهل المعقول من کونه جسما حساسا متحرکا بالإرادة،و من البدیهی أن هذا المفهوم یصدق علی کل مادة ذات روح سواء کانت من عالم العناصر أم من عالم آخر هو فوقه،و علیه فلا قصور فی شمول صحیحة محمد بن مسلم للملک و الجن و الشیطان،فیحکم بحرمة تصویرهم.

ص:228

و دعوی أن الملک من عالم المجردات فلیس له مادة،کما اشتهر فی ألسنة الفلاسفة،دعوی جزافیة.فإنه مع الخدشة فی أدلة القول بعالم المجردات ما سوی اللّه کما حقق فی محله.انه مخالف لظاهر الشرع.و من هنا حکم المجلسی(ره)فی اعتقاداته بکفر من أنکر جسمیة الملک.و تفصیل الکلام فی محله.

و إن أبیت إلا إرادة المفهوم العرفی من الحیوان فاللازم هو القول بانصرافه عن الإنسان أیضا،کانصرافه عن الملک و الجن،و لذا قلنا:إن العمومات الدالة علی حرمة الصلاة فی أجزاء ما لا یؤکل لحمه منصرفة عن الإنسان قطعا،مع أنه لم یقل أحد هنا بالانصراف، فتحصل أنه لا یجوز تصویر الملک و الجن.

و فی حاشیة السید(ره)ما ملخصه:أن کلا من صحیحة ابن مسلم،و ما فی خبر تحف العقول(و صنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثل الروحانی)مشتمل علی عقدین عقد ترخیصی و عقد تحریمی،فلا یکونان من الأعم و الأخص المطلقین،لوجود التعارض بین منطوق الصحیحة و بین مفهوم الخبر بالعموم من وجه فی الملک و الجن،فان مقتضی الصحیحة هو جواز تصویرهما،و مقتضی مفهوم روایة تحف العقول هو حرمة تصویرهما،و حیث إن الترجیح بحسب الدلالة غیر موجود،و المرجح السندی مع الصحیحة،فلا بد من ترجیح ما هو أقوی من حیث السند.

و فیه أولا:أن خبر تحف العقول ضعیف السند،و مضطرب الدلالة،فلا یجوز العمل به فی نفسه فلا عما إذا کان معارضا لخبر صحیح،و قد تقدم ذلک.

و ثانیا:أنا سلمنا جواز العمل به،و لکنا قد حققنا فی باب التعادل و الترجیح من الأصول أن أقوائیة السند لا تکون مرجحة فی التعارض بالعموم من وجه،بل لا بد من الرجوع الی المرجحات الأخر،و حیث لا ترجیح لکل منهما علی الآخر،فیحکم بالتساقط و یرجع الی المطلقات الدالة علی حرمة التصویر مطلقا،و علیه فیحرم تصویر الملک و الجن لهذه المطلقات،إلا أنک قد عرفت آنفا أن المطلقات بأجمعها ضعیفة السند،فلا تکون مرجعا فی المقام،فلا بد و أن یرجع الی البراءة.

و سیأتی ان صحیحة محمد بن مسلم غریبة عن حرمة التصویر.

اللهم إلا أن یقال:إن المتعارف من تصویر الملک و الجن ما یکون بشکل أحد الحیوانات فیحرم من هذه الجهة،و لکن یرد علیه أن من یصور صورة الملک و الجن إنما یقصد صورتهما لا صورة الحیوان،و لا بما هو أعم منهما و من الحیوان،إلا أن یکونا معدودین من أفراد الحیوان کما عرفت.

نعم یمکن استفادة الحرمة من صحیحة البقباق المتقدمة،بدعوی أن الظاهر من قوله(علیه السلام)

ص:229

فیها:(و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه هو المقابلة بین ذی الروح و غیره من حیث جواز التصویر و عدمه،و ذکر الأمور المذکورة فیها إنما هو من باب المثال و اللّه العالم.

ان حرمة التصویر غیر مقیده

بکون الصورة معجبة

الفرع الثانی:ما ذکره المصنف و حاصله:انا إذا عممنا الحکم لغیر الحیوان مطلقا أو مع التجسیم فالظاهر أن المراد به ما کان مخلوقا للّه سبحانه علی هیئة خاصة معجبة للناظر،و إلا فلا وجه للحرمة،و علی هذا فلا یحرم تصویر الصور لما هو من صنع البشر و إن کان علی هیئة معجبة کالسیوف و الابنیة و القصور و السیارات و الطیارات و الدبابات و غیرها.

و کذلک لا یحرم تصویر الصور لما هو مخلوق للّه و لکن لا بهیئة معجبة کالخشب و القصب و الشطوط و البحار و الأودیة و العرصات و نحوها.و من هنا ظهر الاشکال فیما حکاه المصنف عن کاشف اللثام فی مسألة کراهة الصلاة فی الثوب المشتمل علی التماثیل من أنه (لو عمت الکراهة لتماثیل ذی الروح و غیرها کرهت الثیاب ذوات الأعلام لشبه الأعلام بالأخشاب و القصبات و نحوها،و الثیاب المحشوة لشبه طرائقها المخیطة بها،بل الثیاب قاطبة أشبه خیوطها الأخشاب و نحوها).

و فیه أولا:أن ما دل علی حرمة التصویر لم یقید بکون الصورة أو ذی الصورة معجبة فلا وجه لجعل الإعجاب شرطا فی حرمة التصویر.

و ثانیا:ما ذکره المحقق الایروانی من أن(الإعجاب الحاصل عند مشاهدة الصورة إنما هو من نفس الصورة لکشفها عن کمال مهارة النقاش و لو کانت صورة نمل أو دود، و لذا لا یحصل ذلک الإعجاب من مشاهدة ذی الصورة).

و أما ما حکاه عن کاشف اللثام فیرد علیه أولا:أن مورد البحث هنا إنما هو الشبه الخاص بحیث یقال فی العرف:إن هذا صورة ذاک،و من البدیهی أن مجرد کون الاعلام و الطرائق و الخیوط فی الثیاب علی هیئة الأخشاب و القصب لا یحقق الشبه المذکورة،و إلا فلا محیص عن الاشکال حتی بناء علی اختصاص الحکم بذوات الأرواح لشبه أعلام الثیاب و طرائقها المخیط بالحیات و الدیدان و نحوهما.

و ثانیا:أنه یعتبر فی حرمة التصویر قصد الحکایة کما سیأتی فی الفرع الآتی،فصانع الثوب لم یقصد شباهته بشیء من ذوات الأرواح و غیرها،بل غرضه نسج الثوب فقط،

ص:230

و علیه فلا بأس بشباهته بشیء من الحیوانات و غیرها شباهة اتفاقیة.

نعم إذا قلنا بتعمیم الحکم الغیر الحیوان مطلقا أو فی الجملة فلا مناص من الالتزام بانصرافه الأدلة عما هو مصنوع للعباد بدیهة أن إیجاد نفس ذی الصورة جائز فإیجاد صورته أولی بالجواز.

اعتبار قصد الحکایة فی حرمة التصویر

الفرع الثالث:ما ذکره المصنف ب قوله هذا کله مع قصد الحکایة و التمثیل،فلو دعت الحاجة الی عمل شیء یکون شبیها بشیء من خلق اللّه و لو کان حیوانا من غیر قصد الحکایة فلا بأس قطعا).

و توضیح کلامه:أنه لا شبهة فی اعتبار قصد حکایة ذی الصورة فی حرمة التصویر، لأن المذکور فی الروایات النهی عن التصویر و التمثیل،و لا یصدق ذلک إذا حصل التشابه بالمصادفة و الاتفاق من غیر قصد للحکایة،و هذا نظیر اعتبار قصد الحکایة فی صحة استعمال الألفاظ فی معانیها،و بدون ذلک لیس هناک استعمال.

و علیه فإذا احتاج أحد إلی عمل شیء من المکائن أو آلاتها أو غیرهما من الأشیاء اللازمة علی صورة حیوان فلا یکون ذلک حراما،لعدم صدق التصویر علیه بوجه.و المثال الواضح لذلک الطائرات المصنوعة فی زماننا،فإنها شبیهة بالطیور و مع ذلک لم یفعل صانعها فعلا محرما،و لا یتوهم أحد حتی الصبیان أن صانع الطائرة یصور صورة الطیر،بل إنما غرضه صنع شیء آخر للمصلحة العامة،و لکونه علی هیئة الطیر إنما هو اتفاقی.و من هنا لا وجه لما توهمه کاشف اللثام علی ما عرفت من أنه(لو عمت الکراهة لتماثیل ذی الروح و غیره کرهت الثیاب ذوات الاعلام لشبه الأعلام بالأخشاب).فان النساج لم یقصد الحکایة فی فعله.

و توهم بعضهم أن مراد المصنف من کلامه فی هذا الفرع هو أن یکون الداعی إلی التصویر هو الاکتساب دون التمثیل بأن یکون غرض المصور نظر الناس الی الصور و التماثیل و إعطاء شیء بإزاء ذلک.

و فیه أنه من العجائب،لکونه غریبا عن کلام المصنف،علی أنه من أوضح أفراد التصویر المحرم فکیف یحمل کلام المصنف علیه!!.

ص:231

اعتبار الصدق العرفی فی حرمة التصویر

الفرع الرابع:ما ذکره المصنف أیضا،و هو (أن المرجع فی الصورة إلی العرف، فلا یقدح فی الحرمة نقص بعض الأعضاء). و توضیح ذلک:أنه یعتبر فی تحقق الصورة فی الخارج الصدق العرفی،فإن الأدلة المتقدمة التی دلت علی حرمة التصویر إنما تقتضی حرمة الصورة العرفیة التامة الأعضاء و الجوارح بحیث یصدق علیها أنها مثال بالحمل الشائع و علیه فإذا صور أحد نصف حیوان من رأسه الی وسطه أو بعض أجزائه فإن قدر الباقی موجودا فهو حرام،کما إذا صور إنسانا جالسا لا یتبین نصد بدنه،أو کان بعض أجزائه ظاهرا و بعضه مقدرا بأن صور إنسانا وراء جدار أو فرس أو یسبح فی الماء و رأسه ظاهر و إن قصد النصف فقط فلا یکون حراما،فان الحیوان لا یصدق علی بعض أجزائه کرجله و یده و رأسه.نعم إذا صدق الحیوان علی هذا النصف کان تصویره حراما، و علی هذا فإذا صور صورة حیوان متفرق الأجزاء فلا یکون ذلک حراما،فإذا راکبها کان حراما لصدق التصویر علی الترکیب،و إذا کان الغرض تصویر بعض الأجزاء فقط ثم بدئ له الإکمال حرم الإتمام فقط،فإنه مع قطع النظر عن الإتمام لیس تصویرا لذی روح و مما ذکرناه ظهر بطلان قول المحقق الایروانی:(إن من المحتمل قریبا حرمة کل جزء جزء أو حرمة ما یعم الجزء و الکل،فنقش کل جزء حرام مستقل إذا لم ینضم الیه نقش بقیة الاجزاء،و إلا کان الکل مصداقا واحدا للحرام)الی أن قال:(و یحتمل أن یکون کل فاعلا للحرام،کما إذا اجتمع جمع علی قتل واحد.فإن الهیئة تحصل بفعل الجمیع،فلو لا نقش السابق للأجزاء السابقة لم تتحصل الهیئة بفعل اللاحق).

علی أن المقام لا یقاس باجتماع جمع علی قتل واحد،فإن الإعانة علی القتل حرام بالروایات المستفیضة بل المتواترة،بخلاف ما نحن فیه،فان التصویر المحرم إنما یتحقق بفعل اللاحق، و تحصل الهیئة المحرمة بذلک.

غایة الأمر أن نقش السابق للأجزاء السابقة یکون إعانة علی الإثم،و هی لیست بحرام کما عرفت فیما سبق.

ص:232

جواز أخذ العکس المتعارف

الفرع الخامس:الظاهر من الأدلة المتقدمة الناهیة عن التصویر و التمثیل هو النهی عن إیجاد الصورة،کما أن النهی عن سائر الأفعال المحرمة نهی عن إیجادها فی الخارج،و علیه فلا یفرق فی حرمة التصویر بین أن یکون بالید أو بالطبع أو بالصیاغة أو بالنسج،سواء أ کان ذلک أمرا دفعیا کما إذا کان بالآلة الطابعة أم تدریجیا.

و علی هذا المنهج فلا یحرم أخذ العکس المتعارف فی زماننا،لعدم کونه إیجادا للصورة المحرمة،و إنما هو أخذ للظل،و إبقاء له بواسطة الدواء،فإن الإنسان إذا وقت فی مقابل المکینة العکاسة کان حائلا بینها و بین النور،فیقع ظله علی المکینة،و یثبت فیها لأجل الدواء فیکون صورة لذی ظل،و این هذا من التصویر المحرم؟.

و هذا من قبیل وضع شیء من الأدویة علی الجدران أو الأجسام الصیقلیة لتثبت فیها الاظلال و الصور المرتسمة،فهل یتوهم أحد حرمته من جهة حرمة التصویر،و إلا لزمه القول بحرمة النظر إلی المرآة،إذ لا یفرق فی حرمة التصویر بین بقاء الصورة مدة قلیلة أو مدة مدیدة!!.

و قد اشتهر انطباع صور الأشیاء فی شجرة الجوز فی بعض الأحیان،و لا نحتمل أن یتفوه أحد بحرمة الوقوف فی مقابلها فی ذلک الوقت،بدعوی کونه تصویرا محرما.

و علی الاجمال لا نتصور حرمة أخذ العکس المتعارف،لا من جهة الوقوف فی مقابل المکینة العکاسة،و لا من جهة إبقاء الظل فیها کما هو واضح.

الفرع السادس:قد عرفت آنفا أن المناط فی حرمة التصویر قصد الحکایة و الصدق العرفی،و علیه فیحرم تصویر الصورة للحیوانات مطلقا سواء ما کان منها فرد لنوع من الحیوانات الموجودة،و ما لم یکن کذلک کالعنقاء و نحوه من الحیوانات الخیالیة،و ذلک لإطلاق الأدلة.

الفرع السابع:إذا صور صورة مشترکة بین الحیوان و غیره لم یکن ذلک حراما إلا إذا قصد الحکایة عن الحیوان،ثم إذا اشترک أشخاص عدیدة فی صنعة صورة محرمة،فان قصد کل واحد منهم التصویر المحرم فهو حرام،و إلا فلا یحرم غیر ترکیب الاجزاء المتشتتة الفرع الثامن:قد عرفت فی البحث عن حرمة تغریر الجاهل:أن إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی حرام،و علیه فلا فرق فی حرمة التصویر بین المباشرة و التسبیب.بل قد عرفت فی المبحث المذکور:أن نفس الأدلة الأولیة تقتضی عدم الفرق بین المباشرة و التسبیب فی

ص:233

إیجاد المحرمات،و علی هذا فلا نحتاج فی استفادة التعمیم إلی القرینة و ملاحظة المناط کما فی حاشیة السید(ره).

ما استدل به علی حرمة

اقتناء الصور المحرمة و الجواب عنه

قوله بقی الکلام فی جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور. أقول:هل یجوز اقتناء الصور المحرمة أو لا؟ففیه قولان:فالمحکی عن شرح الإرشاد للمحقق الأردبیلی،و عن جامع المقاصد للمحقق الثانی هو الجواز،إلا أن المعروف بین القدماء حرمة بیع التماثیل و ابتیاعها و التکسب بها.بل حرمة اقتنائها.

و قد استدل علی حرمة اقتنائها بوجوه،

الوجه الأول:أن الوجود و الإیجاد فی الحقیقة

شیء واحد و إنما یختلفان بالاعتبار،

فان الصادر من الفاعل بالنسبة إلیه إیجاد،و بالنسبة إلی القابل وجود،فإذا حرم الإیجاد حرم الوجود.

و فیه أن حرمة الإیجاد و إن کان ملازما لحرمة الوجود إلا ان الکلام هنا لیس فی الوجود الاولی الذی هو عین الإیجاد أو لازمه،بل فی الوجود فی الآن الثانی الذی هو عبارة عن البقاء،و من البدیهی انه لا ملازمة بین الحدوث و البقاء،لا حکما،و لا موضوعا،و علیه فما یدل علی حرمه الإیجاد لا یدل علی حرمة الوجود بقاء،سواء کان صدوره من الفاعل عصیانا أو نسیانا أم غفلة إلا إذا قامت قرینة علی ذلک،کدلالة حرمة تنجیس المسجد علی وجوب إزالة النجاسة عنه.

بل ربما یجب إبقاء النتیجة و إن کان الفعل حراما،کما إذا کتب القرآن علی ورق مغصوب،أو بحبر مغصوب،أو کتبه العبد بدون إذن مولاه،أو بنی مسجدا بدون إذنه أو تولد احد من الزنا،فان فی ذلک کله یجب حفظ النتیجة و إن کانت المقدمة محرمة.

و علی الجملة ما هو متحد مع الإیجاد لیس موردا للبحث،و ما هو مورد للبحث لا دلیل علی اتحاده مع الإیجاد.

لا یقال:إن النهی عن الإیجاد کاشف عن مبغوضیة الوجود المستمر فی عمود الزمان، کما أن النهی عن بیع العبد المسلم من الکافر حدوثا یکشف عن حرمة ملکیته له بقاء.

فإنه یقال:إن النهی عن بیع العبد المسلم من الکافر إن تم فهو یدل علی وجوب إزالة علاقة الکافر عنه کما سیأتی بیان ذلک فی محله،و لا یفرق فی ذلک بین الحدوث و البقاء، بخلاف ما نحن فیه،إذ قد عرفت:أن مجرد وجود الدلیل علی حرمة الإیجاد لا یدل علی

ص:234

حرمة الإبقاء إلا إذا کان محفوفا بالقرائن المذکورة.

علی أنا إذا سلمنا الملازمة بین مبغوضیة الإیجاد و بین مبغوضیة الوجود فإنما یتم بالنسبة إلی الفاعل فقط فیجب علیه إتلافه دون غیره،مع أن المدعی وجوب إتلافه علی کل احد فالدلیل أخص منه.

الوجه الثانی:أن صنعة التصاویر لذوات الأرواح من المحرمات الشرعیة،

و قد دل علیه قوله«ع»فی روایة تحف العقول:(و صنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثال الروحانی) و کل صنعة یجیء منها الفساد محضا من دون أن یکون فیها وجه من وجوه الصلح فهی محرمة،و قد دل علی ذلک ما فی روایة تحف العقول من الحصر:(إنما حرم اللّه الصناعة التی هی حرام کلها التی یجیء منها الفساد محضا و لا یکون منه و فیه شیء من وجوه الصلاح) و کل ما یجیء منه الفساد محضا یحرم جمیع التقلب فیه،و منه الاقتناء و البیع،و قد دل علیه قوله«ع»فیها:(و جمیع التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلها).و قوله«ع»فیها أیضا:(فکل أمر یکون فیه الفساد مما هو منهی عنه،الی ان قال:فهو حرام محرم بیعه و شراؤه و إمساکه و ملکه و هبته و عاریته و جمیع التقلب فیه).

و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند فلا یجوز الاستناد إلیها فی شیء من المسائل الشرعیة کما عرفته فی أول الکتاب.

و ثانیا:قد عرفت انه لا ملازمة بین حرمة عمل شیء و بین حرمة بیعه و اقتنائه و التصرف فیه و التکسب به،و من هنا نقول بحرمة الزنا،و لا نقول بحرمة تربیة أولاد الزنا،بل یجب حفظهم لکونهم محقونی الدماء.

و ثالثا:لا نسلم أن عمل التصاویر مما یجیء منه الفساد محضا،فإنه کثیرا ما تترتب علیه المنافع المحللة من التعلیم و التعلم و حفظ صور بعض الأعاظم و نحوه ذلک من المنافع المباحة.

الوجه الثالث:قوله(صلی الله علیه و آله)فی الخبر المتقدم:(لا تدع صورة إلا محوتها).

و فیه أولا:أنه ضعیفة السند.و ثانیا:ما ذکره المحقق الایروانی من انه(وارد فی موضوع شخصی فلعل تصاویر المدینة کانت أصناما و کلابها مؤذیات و قبورها مسنمات).

الوجه الرابع:ما دل1علی عدم صلاحیة اللعب بالتماثیل.

و فیه أولا:انه ضعیف السند.و ثانیا:ان عدم الصلاحیة أعم من الحرمة،فلا یدل

ص:235

علیها.و ثالثا:لو سلمنا دلالته علی حرمة اللعب بها فلا ملازمة بین حرمته و حرمة اقتنائها،فإن حرمة اللعب أعم من حرمة الاقتناء.

و رابعا:انه غریب عما نحن فیه،إذ من المحتمل القریب ان یراد من التماثیل فی هذه الطائفة من الروایة الشطرنج و الوجه فی صحة إطلاق التماثیل علیه هو ان القطع التی یلعب بها فی الشطرنج علی ستة أصناف،و کل صنف علی صورة،کالشاة و الفرزان (1)و الفیل و الفرس و الرخ (2)و البیذق (3)و قد صور هذه القطع فی کتاب المنجد فراجع.

و یؤید ما ذکرناه من إرادة الشطرنج من التماثیل انا لا نتصور معنی لحرمة اللعب بالتصاویر المتعارفة کما هو واضح،و علیه فما دل علی حرمة اللعب بها إنما هو من أدلة حرمة اللعب بالشطرنج،و لا أقل من الاحتمال،فلا یبقی له ظهور فی إرادة الصور المتعارفة.

الوجه الخامس:صحیحة البقباق-المتقدمة عند الاستدلال علی حرمة التصویر

(عن أبی عبد اللّه«ع»فی قول اللّه تعالی (4): یَعْمَلُونَ لَهُ ما یَشاءُ مِنْ مَحارِیبَ وَ تَماثِیلَ ؟فقال:

و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه).و بدعوی ان ظاهر الروایة ان الامام«ع»أنکر ان شاء سلیمان«ع»هذا الصنف من التماثیل،فتکون دالة علی مبغوضیة وجود التماثیل،و حرمة اقتنائها.

و فیه ان الظاهر من الروایة رجوع الإنکار إلی کون التصاویر المعمولة لسلیمان«ع» تصاویر الرجال و النساء،فلا تدل الروایة علی مبغوضیة العمل فضلا عن مبغوضیة المعمول و الوجه فیه هو ان عمل تصاویر الرجال و النساء و اقتنائها من الأمور اللاهیة غیر اللائقة بمنصب الأعاظم و المراجع من العلماء و الروحانیین فضلا عن مقام النبوة،فإن النبی(صلی الله علیه و آله) لا بد و ان یکون راغبا عن الدنیا و زخرفها،و اما عمل الصور و جمعها فمن لعب الصبیان و شغل المجانین و السفهاء،فلا یلیق بمنصب النبوة،بخلاف تصاویر الشجر و شبهه،فإنها

ص:236


1- 1) الفرزان بضم الفاء و سکران الراء المهملة الملکة فی لعب الشطرنج ج فرازین بفتح الفاء،و الکلمة من الدخیل.
2- 2) الرخ بضم الراء المهملة و الخاء المعجمة طائر و همی کبیر،الواحدة رخة قطعة من قطع الشطرنج ج رخاخ و رخخة بکسر الراء.
3- 3) البیذق بفتح الباء و سکون الیاء الماشی راجلا و منه بیذق الشطرنج ج بیاذق.
4- 4) سورة سبأ،آیة:12.

غیر منافیة لذلک.

و قد یقال:ان الصانعین للتماثیل هم الجن،و إنما یتم الاستدلال بالروایة علی حرمة اقتناء الصور إذا قلنا بحرمة التصویر علی الجن کحرمته علی الانس،و هو أول الکلام.

و فیه ان الکلام لیس فی عمل الصور،بل فی اقتنائها،و من الواضح انه یعود الی سلیمان.

الوجه السادس:حسنة زرارة المتقدمة فی الحاشیة(لا بأس بأن یکون التماثیل فی البیوت

إذا غیرت رؤوسها منها و ترک ما سوی ذلک).

فإنها بمفهومها دالة علی ثبوت البأس إذا لم یغیر الرأس.

و فیه ما ذکره المصنف من حمل البأس فیها علی الکراهة للصلاة.و علیه فتدل الروایة علی جواز اقتناء الصور مع قطع النظر عن الصلاة.

و یؤیده ما فی روایة قرب الاسناد[1]من انه(لیس فیما لا یعلم شیء فإذا علم فلینزع الستر و لیکسر رؤوس التماثیل).فان الظاهر ان الأمر بکسر رؤوس التصاویر لأجل کون البیت معدا للصلاة.و مع الإغضاء عما ذکرناه و تسلیم ان البأس ظاهر فی المنع فالروایة معارضة بما دل علی جواز الاقتناء کما سیأتی.و یضاف الی جمیع ذلک انها ضعیفة السند و مجهولة الراوی.

الوجه السابع:ما دل2علی کراهة علی«ع»وجود الصور فی البیوت،

فإنه بضمیمة ما دل[3]علی ان علیا«ع»لم یکن یکره الحلال یدل علی حرمة اقتناء الصور فی البیوت.

و فیه ان المراد من الحلال الذی کان علی«ع»لا یکرهه المباح المتساوی طرفاه، لا ما یقابل الحرمة،لأن علیا«ع»کان یکره المکروه أیضا.و من هنا یظهر ان الکراهة المذکورة فی الروایة الأولی أعم من الحرمة و الکراهة المصطلحة.و إذن فلا دلالة فیها أیضا علی حرمه اقتناء الصور.

ص:237

الوجه الثامن:روایة الحلبی1فقد أمر الإمام«ع»فیها بتغییر رأس الصورة و جعلها

کهیئة الشجر،

فتدل علی حرمة إبقاء الصور من غیر تغییر فیها.

و فیه ان أمر الإمام«ع»بتغییر الصورة فی الطنفسة التی أهدیت إلیه لیس إلا کفعله بنفسه،و من الواضح ان فعل الامام«ع»لا یدل علی الوجوب،و لا یقاس ذلک بسائر الأوامر الصادرة منه«ع»الدالة علی الوجوب،و قد تقدم نظیر ذلک فی البحث عن بیع الدراهم المغشوشة من أمره«ع»بکسر الدرهم المغشوش،و إلقائه فی البالوعة،علی ان الروایة مرسلة،فلا یجوز الاستناد إلیها.

الوجه التاسع،صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة(عن تماثیل الشجر و الشمس و القمر؟

فقال:لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان).

فإنها ظاهرة فی حرمة اقتناء الصور المحرمة، فإن التماثیل جمع تمثال بالفتح،و یجمع علی تمثالات.و علیه فالسؤال عن التماثیل إنما هو سؤال عن الصور الموجودة فی الخارج،فلا بد و أن یحمل علی الأمور المناسبة لها من البیع و الشراء و الاقتناء و التزین و نحوها،لا علی نفس عمل الصور،کما أن السؤال عن بقیة الأشیاء الخارجیة-من المأکولات و المشروبات و المرکوبات و المنکوحات و نحوها-سؤال عن الأفعال المناسبة لها،و الطارئة علیها بعد کونها موجودة فی الخارج.و إذن فالصحیحة دالة علی حرمة اقتناء الصور المحرمة و بیعها و شرائها و التزین بها،کما هو واضح.

قال المحقق الایروانی:(و الجواب أما عن الصحیحة فبعد تسلیم السؤال فیها عن حکم الاقتناء و کون اقتنائها من منافعها.أن غایة ما یستفاد منهما ثبوت البأس،و هو أعم من التحریم.

و فیه أن کلمة البأس ظاهرة فی المنع ما لم یثبت الترخیص من القرائن الحالیة أو المقالیة، کما أن مقابلها:أعنی کلمة لا بأس ظاهر فی الجواز المطلق.

فالإنصاف أنها ظاهرة فی التحریم،إلا أنها معارضة بما دل[2]علی جواز اقتناء الصور

ص:238

فلا بد من حملها علی الکراهة،کغیرها من الأخبار المتقدمة لو سلمت دلالتها علی الحرمة،

ص:239

بل الظاهر من بعضها ان النهی عن اقتناء الصور فی البیوت إنما هو من جهة کراهة الصلاة إلیها،و علیه فلا یکره الاقتناء فی غیر بیوت الصلاة.و قد ذکر المصنف هنا جملة من الروایات[1]و لکنها ضعیفة السند.

ثم ان مقتضی العمومات الدالة علی حلیة البیع و نفوذه هو جواز بیع الصور و ان کان عملها حراما،لعدم الدلیل علی حرمة بیعها وضعا و تکلیفا،بل الظاهر من بعض الأحادیث الدالة علی جواز إبقاء الصور هو جواز بیعها،فان المذکور فیها جواز اقتناء الثیاب و البسط و الوسائد التی فیها الصور،و من الواضح جدا انها تبتاع من السوق غالبا،و قد ذکرنا جملة منها فی الحاشیة،و المتحصل من جمیع ما ذکرناه:أن المحرم هو خصوص تصویر الصور لذوات الأرواح فقط،و أما اقتناؤها و تزیین البیوت بها و بیعها و شراؤها فلا إشکال فی جوازها.

قوله و یؤید الکراهة الجمع بین اقتناء الصور و التماثیل فی البیت. أقول:قد عرفت

ص:240

أنه لا دلیل علی حرمة اقتناء الصورة المحرمة،و أن مقتضی الجمع بین ما دل علی جواز الاقتناء و بین ما دل علی الحرمة هو حمل الثانی علی الکراهة.

و یؤید ذلک أیضا الأخبار المستفیضة[1]المصرحة بأن الملائکة لا تدخل بیتا فیه صورة أو کلب أو إناء یبال فیه،و فی بعض أحادیث العامة (1):لا تدخل الملائکة بیتا فیه کلب و لا صورة تماثیل.و فی بعض أحادیثنا[2]إضافة الجنب إلی الأمور المذکورة.

و وجه التأیید أن وجود الجنب و الکلب و الإناء الذی یبال فیه فی البیوت لیس من الأمور المحرمة فی الشریعة المقدسة،بل هو مکروه،و اتحاد السیاق یقتضی کون اقتناء الصور فیها أیضا مکروها.

ثم إنه لا فرق فیما ذکرناه من جواز اقتناء الصور و بیعها و شرائها بین کونها مجسمة و غیر مجسمة،لاتحاد الأدلة نفیا و إثباتا کما عرفت.

ص:241


1- 1) راجع ج 7 ص 268.
حرمة التطفیف و البخس
اشارة

قوله الخامسة التطفیف حرام): أقول:التطفیف[1]مثل التقلیل و زنا و معنی، و المراد به هنا أن یجعل الإنسان نفسه کیالا أو وزانا،فیقلل نصیب المکیل له فی إیفائه و استیفائه علی وجه الخیانة.و البخس[2]نقص الشیء عن الحد الذی یوجبه الحق علی سبیل الظلم.و کیف کان فلا إشکال فی حرمتهما عند المسلمین قاطبة.و تدل علی ذلک الأدلة الأربعة.

أما الکتاب فقوله تعالی[3]: (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ) .و قوله تعالی: (1)(وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْیاءَهُمْ) .و قوله تعالی (2): (وَ لا تَنْقُصُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ) .و أما السنة فقد ورد النهی عن البخس و التطفیف فی جملة من الروایات[4]و أما الإجماع فإنه و إن کان

ص:242


1- 1) راجع سورة الأعراف،آیة:83.و سورة هود،آیة 86.و سورة الشعراء آیة:180.
2- 2) سورة هود،آیة:85.

قائما علی حرمة التطفیف و البخس،إلا أنه لیس إجماعا تعبدیا،بل من المحتمل القریب أن یکون مدرکه الکتاب و السنة،و أما العقل فلأن تنقیص حق الناس و عدم الوفاء به ظلم.

و قد استقل العقل بحرمته.

و مما ذکرناه ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی من الوهن حیث قال:الظاهر بل المقطوع به أن التطفیف بنفسه لیس عنوانا من العناوین المحرمة:أعنی الکیل بالمکیال الناقص و کذا البخس فی المیزان مع وفاء الحق کاملا).و وجه الوهن أن التطفیف قد أخذ فیه عدم الوفاء بالحق،و البخس هو نقص الشیء علی سبیل الظلم،و هما بنفسهما من المحرمات الشرعیة و العقلیة.

علی أنه قد ثبت الذم فی الآیة الشریفة علی نفس عنوان التطفیف،فان الویل کلمة موضوعة للوعید و التهدید،و تقال لمن وقع فی هلاک و عقاب،و کذلک نهی فی الآیات المتعددة عن البخس کما عرفت آنفا.و ظاهر ذلک کون التطفیف و البخس بنفسهما من المحرمات الإلهیة

ص:243

قوله ثم إن البخس فی العدد و الذرع یلحق به حکما و إن خرج عن موضوعه) .

أقول:قد عرفت أن التطفیف و البخس مطلق التقلیل و النقص علی سبیل الخیانة و الظلم فی إیفاء الحق و استیفائه.و علیه فذکر الکیل و الوزن فی الآیة و غیرها إنما هو من جهة الغلبة،فلا وجه لإخراج النقص فی العدد و الذرع عن البخس و التطفیف موضوعا، و إلحاقهما بهما حکما.

صحة المعاملة المطفف فیها و فسادها

قوله و لو وازن الربوی بجنسه فطفف فی أحدهما فإن جرت المعاوضة إلخ. أقول قد عرفت أنه لا إشکال فی حرمة التطفیف تکلیفا،فإجارة نفسه علیه-کإجارة نفسه علی سائر الأفعال المحرمة-محرمة وضعا و تکلیفا،کما عرفت مرارا.

و أما الکلام فی صحة المعاملة المطفف فیها و فسادها فنقول:إن المعاملة قد تقع علی الکلی فی الذمة،و قد تقع علی الکلبی فی المعین الخارجی،و قد تقع علی الشخص المعین الموجود فی الخارج المشار إلیه بالإشارة الحسیة.

أما علی الصورتین الأولتین فلا إشکال فی صحة المعاملة و عدم فسادها بالتطفیف الخارجی فإن المعاملة قد انعقدت صحیحة،و لکن البائع،أو من یباشر الإقباض و التسلیم طفف فی الکیل و الوزن،أو فی الذرع و العدد،و هو لا یوجب فسادها،بل یکون الدافع مشغول الذمة بما نقص عن الحق،و لا یفرق فی ذلک بین کون المعاملة ربویة أو غیر ربویة کما هو واضح.

و علی الجملة:إن هاتین الصورتین خارجتان غما نحن فیه.

و أما علی الصورة الثالثة فربما یقال:ببطلان المعاملة إذا وقعت علی المتاع الخارجی بما أنه مقدر بمقدار کذا فظهر عدم انطباق العنوان الملحوظ فی البیع علی المشار إلیه الخارجی و وجه البطلان أن ما هو معنون بعنوان کذا غیره موجود فی الخارج،و ما هو موجود فی الخارج غیر معنون بذلک العنوان،و توهم إلغاء الإشارة أو الوصف فاسد،فان اللازم هو الأخذ بکلیهما،لتعلق قصد المتبایعین بهما.

و فیه أنه لا وجه للبطلان إذا تخلف العنوان،فإنه لیس من العناوین المقومة،بل هو إما أن یکون مأخوذا علی نحو الشرطیة،أو علی نحو الجزئیة کما سیجیء.و لا یقاس ذلک بتخلف العناوین التی تعد من الصور النوعیة عند العرف،کما إذا باع صندوقا فظهر أنه طبل،أو باع ذهبا فظهر أنه مذهب،أو باع بغلا فظهر أنه حمار فان البطلان فی أمثالها لیس

ص:244

من انفکاک العنوان عن الإشارة،بل من جهة عدم وجود المبیع أصلا،و قد تقدم ذلک فی البحث عن بیع هیاکل العبادة و عن بیع الدراهم المغشوشة.

و ربما یقال:إن المورد من صغریات تعارض الإشارة و العنوان،و تقدیم أحدهما علی الآخر یختلف بحسب اختلاف الموارد.

و فیه أن الکبری و إن کانت مذکورة فی کتب الشیعة و السنة[1]إلا أنها لا تنطبق علی ما نحن فیه،فان البیع من الأمور القصدیة،فلا معنی لتردد المتبایعین فیما قصداه.نعم قد یقع التردد منهما فی مقام الإثبات من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات.

و الذی ینبغی أن یقال:إن الصور المتصورة فی المقام ثلاث،الاولی:أن یکون إنشاء البیع معلقا علی کون المبیع متصفا بصفة خاصة،بأن یقول:بعتک هذا المتاع الخارجی علی أن یکون منا فظهر الخلاف،و هذا لا إشکال فی بطلانه،لا من جهة التطفیف،و لا من جهة تخلف الوصف،بل لقیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی الإنشاء.

الثانیة:أن ینشأ البیع منجزا علی المتاع الخارجی بشرط کونه کذا مقدار ثم ظهر الخلاف،و هذا لا إشکال فی صحته،فان تخلف الأوصاف غیر المقومة للصورة النوعیة لا یوجب بطلان المعاملة،غایة الأمر أنه یوجب الخیار للمشتری.

الثالثة:أن یکون مقصود البائع-من قوله:بعتک هذا المتاع الخارجی بدینارین علی أن یکون کذا مقدار-بیع الموجود الخارجی فقط،و کان غرضه من الاشتراط الإشارة إلی تعیین مقدار العوضین،و وقوع کل منهما فی مقابل الآخر بحیث یقسط الثمن علی أجزاء المثمن،و علیه فإذا ظهر الخلاف صح البیع فی المقدار الموجود و بطل فی غیره،نظیر بیع ما یملک و ما لا یملک،کالخنزیر مع الشاة و الخمر مع الخل.

و الظاهر هی الصورة الأخیرة،فإن مقصود البائع من الاشتراط المذکور لیس إلا بیان مقدار المبیع فقط،من غیر تعلیق فی الإنشاء،و لا اعتبار شرط فی المعاملة کما هو واضح، هذا کله إذا لم یکن البیع ربویا.

و أما إذا کان ربویا،فان کان من قبیل الصورة الأولی بطل البیع للتعلیق،مع قطع النظر

ص:245

عن التخلف،و کون المعاملة ربویة،و إن کان من قبیل الصورة الثانیة بطل البیع،لکونه ربویا،مع قطع النظر عن تخلف الشرط.و إن کان من قبیل الصورة الثالثة قسط الثمن علی الاجزاء،و صح البیع فی المقدار الموجود،و بطل فی غیره.

التنجیم
اشارة

قوله السادسة:التنجیم (1)حرام،و هو کما فی جامع المقاصد الإخبار عن أحکام النجوم. أقول:

تحقیق المرام یبتنی علی مقدمتین:
المقدمة الاولی فی بیان أمرین:
الأمر الأول:أن أصول الإسلام أربعة:
الأول:الایمان باللّه،و الإقرار بوجوده،و کونه صانعا للعالم،

و بجمیع ما یحدث فیه من غرائب الصنع،و آثار الرحمة،و عجائب الخلق،و اختلاف الموجودات من الشمس و القمر و النجوم و الریاح و السحاب و الجبال و البحار و الأشجار و الاثمار،و اختلاف اللیل و النهار،فمن أنکر ذلک کان کافرا،کالدهریة القائلین:بکون الأمور کلها تحت سلطان الدهر بلا احتیاج الی الصانع،و کفره ثابت بالضرورة من المسلمین،بل و من جمیع الملیین،و قد دلت الآیات الکثیرة علی أن من لم یؤمن باللّه و أنکره فهو کافر.

الثانی:الإقرار بتوحیده تعالی،

و یقابله الشرک،و القول:بأن للعالم أکثر من صانع واحد،کما یقوله الثنویة و غیرهم،و کفر منکر التوحید ثابت بکثیر من الآیات-کقوله تعالی (2): (إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ) -و الروایات.

الثالث:الإیمان بنبوة محمد(صلی الله علیه و آله)و الاعتراف بکونه نبیا مرسلا:

(لا ینطق عن الهوی إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی) و من أنکر ذلک-کالیهود و النصاری و أشباههم-کان کافرا یحکم الضرورة من المسلمین،و قد دلت علیه جملة من الآیات و الروایات.و أما الإقرار بالأنبیاء السابقین فهو داخل فی الإقرار بما جاء به النبی(صلی الله علیه و آله)،فإنکاره یوجب الکفر من جهة التکذیب النبی(صلی الله علیه و آله).

الرابع:الایمان بالمعاد الجسمانی،و الإقرار بیوم القیامة و الحشر و النشر،

و جمع العظام البالیة،و إرجاع الأرواح فیها،فمن أنکر المعاد أو أنکر کونه جسمانیا فهو کافر بالضرورة و لا بد و أن یعلم أن الإقرار بهذه الأمور الأربعة له موضوعیة فی التلبس بحلیة الإسلام، و إنکار أی واحد منها فی حد نفسه موجب للکفر،سواء کان مستندا الی العناد و اللجاج

ص:246


1- 1) نجم من التفعیل رعی النجوم و راقبها لیعلم منها أحوال العالم.
2- 2) سورة التوبة،آیة:28.

أم کان مستندا إلی الغفلة و عدم الالتفات الناشئ عن التقصیر أو القصور،و قد دلت الآیات الکثیرة أیضا علی کفر منکر المعاد.

الأمر الثانی:أنه یجب علی العباد الاعتراف بفرائض اللّه و سنن رسوله(صلی الله علیه و آله)،و بما جاء

به النبی(صلی الله علیه و آله)،

فمن ترکها جاحدا و هو عالم بأن إنکاره هذا یستلزم تکذیب النبی(صلی الله علیه و آله) فهو کافر،و إلا فلا ملازمة بین الإنکار و بین الکفر،و من هنا لا یحکم بکفر المخالفین فی الظاهر مع إنکارهم الولایة.

و قد دلت الآیات و روایات الفریقین علی اعتبار الأمور المذکورة فی الإسلام،و حقن الدماء،و حفظ الأموال،ففی موثقة سماعة (1):(الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه و التصدیق برسول اللّه به حقنت الدماء و علیه جرت المناکح و المواریث و علی ظاهره جماعة الناس).و فی روایة داود بن کثیر الرقی (2):(إن اللّه تعالی فرض فرائض موجبات علی العباد فمن ترک فریضة من الموجبات و جحدها کان کافرا).و من طرق العامة (3)عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):(أقاتل الناس حتی یشهدوا أن لا إله إلا اللّه و یؤمنوا بی و ما جئت به فإذا فعلوا ذلک عصموا منی دماءهم و أموالهم).

المقدمة الثانیة:أنه لا إشکال فی اختلاف الأجرام العلویة

و الکیفیات الخاصة الحاصلة بین الفلکیات بعضها مع بعض،و تأثیرها فی الأوضاع الأرضیة و الأجسام العنصریة، کتأثیر قرب الشمس من خط الاستواء و بعدها عنه فی اختلاف الفصول،و کزیادة الرطوبة فی الأبدان بزیادة نور القمر و نقصانها بنقصانه،و زیادة أدمغة الحیوانات و ألبانها بزیادة نوره و نقصانها بنقصانه،و زیادة البقول و الثمار نموا و نضجا احمرارا و اخضرارا عند زیادة نور القمر،بل ذکر المحقق البهائی فی الحدیقة الحلالیة ان المزاولین لها یسمعون صوتا من القثّاء و القرع و البطیخ عند تمدده وقت زیادة النور،و کزیادة المیاه فی البحار و الشطوط و الینابیع فی کل یوم من النصف الأول من الشهر و نقصانها یوما فیوما فی النصف الأخیر منه،الی غیر ذلک من الآثار الواضحة التی یجوز الاعتقاد بها،و الإخبار عنها، من دون أن یترتب علیه محذور شرعا.

و أیضا لا إشکال فی جواز النظر إلی أوضاع الکواکب و سیرها،و ملاحظة اقتران بعضها مع بعض،و الإذعان بها و الإخبار عنها،کالإخبار عن سیر الکواکب حرکة سریعة من المشرق الی المغرب فی یوم و لیلة التی بها یتحقق طلوعها و غروبها،و یتحقق اللیل

ص:247


1- 1) راجع ج 3 الوافی ص 18.
2- 2) راجع ج 3 الوافی ص 40.
3- 3) راجع ج 8 سنن البیهقی ص 202.

و النهار،کما حقق فی الهیئة القدیمة،و کالإخبار عن الخسوف و الکسوف،و عن ممازجات الکواکب و مقارناتها،و اختفائها و احتراقها،و نحوها من الأمور الواضحة المقرة فی علم معرفة التقویم و علم الهیئة،فإن الإخبار عنها-نظیر الإخبار عن طلوع الشمس فی أول الیوم و عن غروبها فی آخره-مبنی علی التجربة و الامتحان و الحساب الصحیح الذی لا یتخلف غالبا،و من الواضح جدا أنه لا یرتبط شیء منها بما نحن فیه،بل هی خارجة عن علم النجوم.

نعم إذا استند المخبر عن تلک الأمور إلی الظنون غیر المعتبرة عقلا،و کان کلامه ظاهرا فی الإخبار الجزمی کان الإخبار حراما من جهة الکذب،و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف من تجویز الأخبار عن سیر الکواکب مع الاستناد إلی الأمارات الظنیة.

إذا عرفت هاتین المقدمتین فنقول:قد اختلفت الأقوال فی جواز تعلم النجوم و تعلیمها و النظر فیها مع عدم اعتقاد تأثیرها أصلا و عدم جوازه.

و تنقیح المسألة و تهذیبها یقع فی أمور:
الأول:قال جمع من الفلاسفة:إن للأفلاک نفوسا ترتسم فیها صور المقدرات،

و یقال لها:لوح المحو و الإثبات،و إن الأفلاک متحرکة علی الاستدارة و الدوام حرکة إرادیة اختیاریة للشبه بعالم العقول:و الوصول الی المقصد الأقصی،و إنما مؤثرة فی ما یحدث فی عالم العناصر من الموت و المرض و الصحة و الفقر و الغنی،و إن نظام الکل بشخصیته هو الإنسان الکبیر،و العقول و النفوس بمنزلة القوی العاقلة و العاملة التی هی مبادی الإدراکات و التحریکات و النفوس مفوضة إلی النفوس المنطبعة بمنزلة الروح الحیوانی.و علی الجملة التزموا بأن الموجودات الممکنة برمتها مفوضة إلی النفوس الفلکیة،و العقول الطولیة،و أن اللّه تعالی بعد خلقه العقل الأول منعزل عن التصرف فی مخلوقة.

و فیه أنه علی خلاف ضرورة الدین،و إجماع المسلمین،و الاعتقاد به کفر و زندقة، لکونه إنکارا للصانع،فإن الأدلة العقلیة و السمعیة من الآیات و الروایات مطبقة علی إثبات الصانع،و إثبات القدرة المطلقة له تعالی،و أن أزمة المخلوقات کلها فی قبضة قدرته،یفعل فیها ما یشاء،و لا یسئل عما یفعل و هم یسألون.

إلا أن یکون مراد الفلاسفة أن الفیاض علی الإطلاق فی جمیع الحالات هو الباری تعالی و لکن إفاضة الوجود بواسطة النفوس الفلکیة،و هی طرق لوصول الفیض،و لیست مؤثرة فی عالم العناصر لیلزم منه إنکار الصانع.و یظهر هذا من کلام جماعة منهم.

علی أن الظاهر من الآیات و الروایات أن حرکة الأفلاک إنما هی حرکة قسریة،

ص:248

و بمباشرة الملائکة،فالاعتقاد علی خلافه مخالف للشرع،و تکذیب النبی الصادق(صلی الله علیه و آله)فی إخباره،فیکون کفرا،و إرادة النفوس الفلکیة من الملائکة من تأویلات الملاحدة،کما صرح به المجلسی(ره)فی اعتقاداته.

ثم إن الاعتقاد بالأمور المذکورة إنما یوجب الکفر إذا علم المعتقد بالملازمة بینها و بین إنکار الصانع،أو تکذیب النبی(صلی الله علیه و آله)،و إلا فلا محذور فیه،کما عرفت فی المقدمة الثانیة.

الأمر الثانی:أن یلتزم بتأثیر الأوضاع الفلکیة و الکیفیات الکوکبیة بنفسها فی حوادث

العوالم السفلیة،

کتوسعة الرزق و أنوثة الولد و رجولته و صحة المزاج و سقمه و ازدیاد الأموال و نقصانها و غیرها من الخیرات و الشرور،سواء قلنا بالنفوس الفلکیة أم لم نقل.

و هو علی وجهین،الأول:أن یکون ذلک علة تامة لحدوث الحوادث.و الثانی:أن یکون شریکا للعلة فی الأمور المذکورة.

و کلا الوجهین باطل،لأنه إنکار للصانع،أو لتوحیده جل و علا،و الظاهر أنه لا خلاف فی ذلک بین الشیعة و السنة[1]بل قامت الضرورة بین المسلمین علی کفر من اعتقد بذلک.

قال العلامة المجلسی فی مرآة العقول:(إن القول باستقلال النجوم فی تأثیرها کفر و خلاف لضرورة الدین،و أن القول بالتأثیر الناقص إما کفر أو فسق).و قال المحقق البهائی فی الحدیقة الهلالیة:إن الالتزام بأن(تلک الأجرام هی العلة المؤثرة فی تلک الحوادث بالاستقلال أو أنها شریکة فی التأثیر فهذا لا یحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنی علی هذا کفر.الی غیر ذلک من کلمات الأعاظم الصریحة فیما ذکرناه.

ص:249

الأمر الثالث:أن یلتزم بکون أوضاع الکواکب علامة علی حوادث عالم العناصر

من التقارن و التباعد و الاتصال و التربیع و الاختفاء و غیرها من الحالات-علامة علی حوادث عالم العناصر التی تحدث بقدرة اللّه و إرادته:بأن یجعل الوضع الفلانی علامة رجولة الولد،و الوضع الفلانی علامة أنوثته و هکذا،کما أن سرعة حرکة النبض علامة علی الحمی،و اختلاج بعض الأعضاء علامة علی بعض الحوادث المستقبلة،و نصب العلم علامة علی التعزیة و الرثاء.

و هذا الوجه قد اختاره السید بن طاوس فی محکی کلامه فی رسالته النجومیة،و وافقه علیه جمع من الأعاظم،کالمحقق البهائی فی الحدیقة الهلالیة،و السید الجزائری فی شرح الصحیفة السجادیة (1).و المحدث النوری فی المستدرک (2)و غیرهم،و حملوا علیه ما روی من صحة علم النجوم و جواز تعلمه.

الأمر الرابع:أن یلتزم بأن اللّه تعالی قد أودع فی طبائع أوضاع الکواکب

خصوصیات تقتضی حدوث بعض الحوادث

من غیر أن یکون لها استقلال فی التأثیر و لو بنحو الشرکة،و تلک الخصوصیات کالحرارة و البرودة المقتضیتین للإحراق و التبرید.

و هذان الوجهان و إن لم یکن الاعتقاد بهما موجبا للکفر بأنفسهما،إلا أنهما باطلان لوجوه الأول:أنه لا طریق لنا الی کشف هذا المعنی فی مقام الإثبات و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت.

الثانی:أن ذلک مناف لإطلاق الروایات[1]الدالة علی حرمة العمل بعلم النجوم و جعلها

ص:250


1- 1) ص 181.
2- 2) ج 2 ص 433.

علامة علی الحوادث،و ظاهر جملة من

ص:251

الروایات[1]ان لعلم النجوم حقیقة واقعیة،و لکن لا یحیط بها غیر علام الغیوب،و من

ص:252

ارتضاه لغیبة،فلا یجوز لغیره أن یجعلها علامة علی الحوادث.

و من هنا قال الشهید فی محکی قواعده:(و أما ما یقال:من أن استناد الأفعال إلیها کاستناد الإحراق إلی النار،و غیرها من العادیات.الی أن قال:فهذا لا یکفر معتقده، و لکنه مخطئ أیضا).

الثالث:أن ذلک مناف للاخبار المتواترة الواردة فی الحث علی الدعاء و الصدقات و سائر وجوه البر،و الدلالة علی أنها ترد القضاء الذی نزل من السماء،و أبرم إبراما،و أنها ترد البلاء المبرم،و من الواضح جدا أن الالتزام بالوجهین المذکورین إنکار لذلک،و هو مستلزم للکفر من حیث إنه تکذیب النبی(صلی الله علیه و آله)،و لا یفرق فی ذلک بین کون الالتزام بأن أوضاع الکواکب مجرد علامة علی الحوادث،أو مؤثرة فیها و لو بغیر شعور و اختیار نظیر الحرارة و البرودة.

لا یقال:قد ورد فی بعض الأحادیث[1]أنه یکره التزویج فی بعض الإیلام و الساعات لنحوستها کمحاق الشهر،و عند کون القمر فی برج العقرب،فیستفاد من ذلک أن سیر الکواکب و أوضاعها علامة علی بعض الحوادث.

فان ذلک لا ینافی ما قدمناه بعد أن کان المبین له هو الشارع علی ألسنة أمنائه،و قد عرفت دلالة بعض الأخبار علی أن لعلم النجوم حقیقة،و لکن لا یعلم بها غیر علام الغیوب،و من ارتضاه لغیبة.

علی أن ذلک أجنبی عما نحن فیه،فان کراهة التزویج فی تلک الأوقات ککراهة الصلاة فی المواضع المکروهة،و کراهة الجماع فی الأوقات المخصوصة،فلا دلالة فی ذلک علی المطلوب الأمر الخامس:هل یجوز تعلم علم النجوم فی حد ذاته من غیر إذعان بتأثیر الکواکب أم لا؟نسب الشهید فی محکی الدروس القول بالحرمة الی بعض الأصحاب،و لکن الظاهر

ص:253

من بعض الأحادیث[1]هو الجواز إذا کان ذلک لمجرد معرفة سیر الکواکب و أوضاعها الخاصة وفاقا لجمع من الأعاظم رضوان اللّه علیهم.و أما ما یوهم حرمة تعلم النجوم من أحادیث الشیعة (1)و السنة (2)فمحمول علی غیر هذه الصورة و اللّه العالم.

حفظ کتب الضلال
اشارة

قوله السابعة حفظ کتب الضلال حرام فی الجملة بلا خلاف. أقول:قال الشیخ فی غنائم المبسوط:إذا وجد فی المغنم کتب نظر فیها-الی أن قال-:و إن کانت کتبا لا یحل إمساکه کالکفر و الزندقة و ما أشبه ذلک لا یجوز بیعه.ثم حکم بوجوب تمزیقها و إتلافها،و حکم بکون التوراة و الإنجیل من هذا القبیل،لوقوع التحریف فیهما.و نحوه العلامة فی غنائم التذکرة.

ثم إن المراد بکتب الضلال کل ما وضع لغرض الإضلال و إغواء الناس،و أوجب الضلالة و الغوایة فی الاعتقادات أو الفروع.فیشمل کتب الفحش و الهجو و السخریة، و کتب القصص و الحکایات و الجرائد المشتملة علی الضلالة،و بعض کتب الحکمة و العرفان و السحر و الکهانة و نحوها مما یوجب الإضلال.

و قد استدل علی حرمة الحفظ بوجوه:
الأول:حکم العقل بوجوب قلع مادة الفساد.

و فیه أن مدرک حکمه إن کان هو حسن العدل و قبح الظلم-بدعوی أن قلع مادة الفساد حسن،و حفظها ظلم و هتک للشارع-فیرد علیه أنه لا دلیل علی وجوب دفع الظلم فی جمیع الموارد،و إلا لوجب علی اللّه و علی الأنبیاء و الأوصیاء الممانعة عن الظلم تکوینا، مع أنه تعالی هو الذی أقدر الإنسان علی فعل الخیر و الشر،و هداه السبیل إما شاکرا، و إما کفورا.

ص:254


1- 1) راجع المصادر المذکورة و ج 14 البحار ص 145-156.
2- 2) راجع ج 8 سنن البیهقی ص 138.

و إن کان مدرک حکمه وجوب الإطاعة و حرمة المعصیة،لأمره تعالی بقلع مادة الفساد فلا دلیل علی ذلک إلا فی موارد خاصة،کما فی کسر الأصنام و الصلبان و سائر هیاکل العبادة.و أما التمسک بروایة تحف العقول فی استفادة کلیة الحکم فسیأتی الکلام فیه.

نعم إذا کان الفساد موجب لوهن الحق و سد بابه،و إحیاء الباطل و تشیید کلمته وجب دفعه،لأهمیة حفظ الشریعة المقدسة،و لکنه أیضا وجوب شرعی فی مورد خاص،فلا یرتبط بحکم العقل بقلع مادة الفساد.

الوجه الثانی:قوله تعالی : (وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ) .

(1)

فقد قیل 2فی تفسیر الآیة:أن یشتری کتابا فیه لهو الحدیث،فتشمل حفظ کتب الضلال أیضا.

و فیه أولا:أن المذموم فی ظاهر الآیة هو اشتراء لهو الحدیث للإضلال،و من الواضح ان هذا المعنی أجنبی عن حفظ کتب الضلال،لعدم العلم بترتب الغایة المحرمة علیه،غایة الأمر احتمال ترتب الإضلال علی الحفظ.

و ثانیا:أنا إذا سلمنا ذلک فالمستفاد من الآیة حرمة اشتراء کتب الضلال،و لا دلالة فیها علی حرمة إبقائها و حفظها بعد الشراء،کما أن التصویر حرام،و أما اقتناؤه فلیس بحرام،و الزناء حرام و تربیة أولاد الزناء لیس بحرام.و قد تقدم ذلک فی البحث عن جواز اقتناء الصور المحرمة.

و ثالثا:أنه قیل 3:إن الآیة قد نزلت فی النضر بن الحارث بن کلدة،فإنه کان یشتری کتبا فیها احادیث الفرس من حدیث رستم و إسفندیار،و کان یلهی الناس بذلک، و یظرف به لیصدهم عن سماع القرآن و تدبر ما فیه.نظیر الجرائد المعروفة فی هذا الزمان فإنها مشتملة علی الأمور اللاهیة التی تصد الناس عن الحق.

و رابعا:ما ذکره المحقق الایروانی من ان المراد من الاشتراء هو التعاطی،و هو کنایة عن التحدث به،و هذا داخل فی الإضلال عن سبیل اللّه بسبب التحدث بلهو الحدیث و لا إشکال فی حرمة الإضلال،و ذلک غیر ما نحن فیه من إعدام ما یوجب الإضلال.

ص:255


1- 1) سورة لقمان،آیة:5.
الوجه الثالث:قوله تعالی : (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) .

(1)

و فیه ان قول الزور قد فسر بالکذب[1].و سیأتی فی مبحث حرمة الغناء تفسیر قول الزور بالغناء فی جملة من الروایات،و لا منافاة بین التفسیرین،فان کلا منهما لبیان المصداق،و قد ذکرنا فی مبحث التفسیر ان القرآن لا یختص بطائفة،و لا بمصداق و إلا لنفد بنفاد تلک الطائفة و انعدم ذلک المصداق،بل القرآن یجری مجری الشمس و القمر،کما فی عدة من الروایات،و قد ذکرنا جملة منها فی مقدمات التفسیر،و جمعها فی مشکاة الأنوار المعروف بمقدمة تفسیر البرهان، و کیف کان فالآیة غریبة عما نحن فیه.

لا یقال:إن الآیة تدل علی إعدام کتب الضلال،لکونها من أظهر مصادیق الکذب بل فی کذب علی اللّه و رسوله.

فإنه یقال:غایة ما یستفاد من الآیة وجوب الاجتناب عن التکلم بالکذب،و أما إعدامه فلا،و إلا لوجب إعدام جمیع ما فیه کذب کأکثر التواریخ و نحوها،و لم یلتزم به احد من المحصلین فضلا عن الفقهاء.

الوجه الرابع:ان جملة من فقرات روایة تحف العقول تدل علی حرمة حفظ کتب

الضلال:

منها قوله«ع»:(إنما حرم اللّه الصناعة التی یجیء منها الفساد محضا)بدعوی أن مفهوم الحصر یقتضی حرمة الصناعة المحرمة بجمیع منافعها،و منها الحفظ.

و فیه ان حرمة الصناعة لا تلازم حرمة إبقاء المصنوع کما تقدم فی مبحث إبقاء الصور المحرمة،فغایة ما تدل علیه الروایة ان تألیف کتب الضلال أو استنساخها من المحرمات، لصدق الصناعة علیهما،و لا تدل علی حرمة الإبقاء.

و منها قوله«ع»:(و ما یکون منه و فیه الفساد محضا-الی قوله«ع»-و جمیع التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلها).و فیه ان صدق التقلب علی الحفظ ممنوع خصوصا إذا کان غرض الحافظ عدم وقوع کتب الضلال فی أیدی الناس لتوجب إضلالهم.

و منها قوله«ع»:(أو یقوی به الکفر و الشرک فی جمیع وجوه المعاصی أو باب یوهن به الحق فهو حرام محرم بیعه و شراؤه و إمساکه).

و فیه ان الکبری و ان کانت مسلمة،و لکن للمناقشة فی الصغری مجالا واسعا،لمنع کون الحفظ تقویة للکفر و اهانة للحق،کما هو واضح،الا ان یکون بهذا الداعی.

ص:256


1- 1) سورة الحج،آیة:31.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه من الأجوبة أنها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء کما تقدم، فلا تصلح أن تکون مستندا لشیء من الأحکام الشرعیة.

الوجه الخامس:حسنة عبد الملک بن أعین التی تقدمت فی مبحث التنجیم،

حیث سأل عن ابتلائه بالنجوم(فقال لی:تقضی؟قلت:نعم،قال:أحرق کتبت).

و فیه أن مقتضی التفصیل فیها القاطع للشرکة هو جواز الحفظ مع عدم الحکم.

الوجه السادس:الإجماع.

و فیه أولا:أنا لا نسلم تحققه علی المطلوب،و لذا قال فی الحدائق،ما حاصله:أنه لا دلیل علی حفظ کتب الضلال.و أما الوجوه التی أقاموها علی حرمته فهی تخمینیة اعتباریة لا یجوز الاعتماد علیها فی الأحکام الشرعیة.

و ثانیا:لو سلمنا تحققه علی المطلوب فلیس إجماعا تعبدیا،لاحتمال استناده الی الوجوه المذکورة فی المسألة.و لو سلمنا جمیع ذلک فالمتیقن من الإجماع ما یترتب علیه الإضلال خارجا،و لا ریب أن حرمة إضلال الناس عن الحق من الضروریات بین المسلمین،فلا یحتاج فی إثباتها إلی الإجماع.

ثم لو سلمنا حرمة حفظ کتب الضلال فإنه لا بأس بحفظها لردها،أو إظهار ما فیها من العقائد الخرافیة و القصص المضحکة و الأحکام الواهیة،و مما ذکرناه ظهر حکم المعاملة علیها وضعا و تکلیفا،و کذلک ظهر حکم کتب المخالفین المدونة فی الفقه و العقائد و الأخبار و غیرها.

حرمة حلق اللحیة
اشارة

و لا بأس بالتعرض لحرمة حلق اللحیة إجابة لالتماس بعض الأفاضل.فنقول:المشهور بل المجمع علیه بین الشیعة و السنة[1]هو حرمة حلق اللحیة،

و قد استدل علیها بوجوه:

ص:257

الوجه الأول:قوله تعالی فی التحدث عن قول الشیطان: (وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) .

(1)

بدعوی أن حلق اللحیة من تغییر الخلقة،و کل ما یکون تغییرا لها فهو حرام.

و فیه أنه إن کان المراد بالتغییر فی الآیة المبارکة تغییرا خاصا فلا شبهة فی حرمته علی إجماله،و لکن لا دلیل علی کون المراد به ما یعم حلق اللحیة،و إن کان المراد به مطلق التغییر فالکبری ممنوعة،ضرورة عدم الدلیل علی حرمة تغییر الخلقة علی وجه الإطلاق، و إلا لزم القول بحرمة التصرف فی مصنوعاته تعالی حتی بمثل جری الأنهار و غرس الأشجار و حفر الآبار و قطع الأخشاب و قلم الأظفار و غیرها من التغییرات فی مخلوقاته سبحانه.

و الظاهر أن المراد به تغییر دین اللّه الذی فطر الناس علیها وفاقا للشیخ الطوسی(ره) فی تفسیره[1].و یدل علیه قوله تعالی (2): (فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ) .و قد نقل الشیخ(ره)فی تفسیر الآیة أقوالا شتی،و لیس منها ما یعم حلق اللحیة.

الوجه الثانی:ما فی جملة من الروایات2من الأمر بإعفاء اللحی و حف الشوارب،

و النهی عن التشبه بالیهود و المجوس.

ص:258


1- 1) سورة النساء،آیة:118.
2- 2) سورة الروم،آیة:29.

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أنها لا تدل علی الوجوب،فان من الواضح جدا أن إعفاء اللحی لیس واجبا،بل الزائد عن القبضة الواحدة مذموم.نعم غایة الأمر أنه یستفاد منها الاستحباب. أقول:الظاهر أن الأمر بالإعفاء عقیب الإحفاء ثم النهی عن التشبه بالیهود ما ذکره المحدث القاسانی«ره»بعد نقل الحدیث من أن(الیهود لا یأخذون من لحاهم،بل یطیلونها، فذکر الإعفاء عقیب الإحفاء ثم النهی عن التشبه بالیهود دلیل علی أن المراد بالاعفاء أن لا یستأصل و یؤخذ منها من دون استقصاء،بل مع توفیر و إبقاء بحیث لا یتجاوز القبضة فتستحق النار).و علی هذا فلا دلالة فی ذلک علی حرمة حلق اللحیة،لأن المأمور به حینئذ هو الاعفاء و إبقاء اللحیة بما لا یزید علی القبضة،و هو لیس بواجب قطعا.

و أما النهی عن التشبه بالمجوس عقیب الاعفاء و الإحفاء فالمراد به أن لا تحلق اللحیة، و تترک الشوارب،کما یصنعون(قال رسول اللّه:إن المجوس جزوا الحاهم و وفروا شواربهم و أما نحن نجز الشوارب و نعفی اللحی و هی الفطرة) و علیه فلا یدل هذا النهی علی حرمة حلق اللحیة و ترک الشوارب معا،فان نفی التشبه یحصل بفعل أی منهما.

و أما ما یقال:من أن الروایات لا تدل علی وجوب الاعفاء:لاشتمالها علی قص الشوارب، و هو مستحب اتفاقا.

ففیه أن ظهور الأمر فی الوجوب إنما ترفع الید عنه بمقدار ما ثبت فیه الترخیص،و قد حققنا ذلک فی موضعه.

الوجه الثالث:روایة الجعفریات1الدالة علی أن حلق اللحیة من المثلة،و من مثل

فعلیه لعنة اللّه.

و فیه أولا:أنها مجهولة السند.و ثانیا:أن المثلة هو التنکیل بالغیر بقصد هتکه و إهانته

ص:259

بحیث تظهر آثار فعل الفاعل بالمنکل به،و علیه فتکون الروایة دالة علی حرمة هتک الغیر بإزالة لحیته،لکون ذلک مثلة و المثلة محرمة،فلا ترتبط بحلق اللحیة بالاختیار،سواء أ کان ذلک بمباشرة نفسه أم بمباشرة غیره.

و ثالثا:أن اللعن کما یجتمع مع الحرمة فکذلک یجتمع مع الکراهة أیضا،فترجیح أحدهما علی الآخر یحتاج إلی القرینة المعینة.و یدل علی هذا ورود اللعن علی فعل المکروه فی موارد عدیدة،و قد تقدمت فی مسألة الوصل و النمص (1)و من تلک الموارد ما فی وصیة النبی«ص»لعلی«ع»(قال:یا علی لعن الله ثلاثة:آکل زاده وحده و راکب الفلاة وحده و النائم فی بیت وحده).

و من ذلک یظهر بطلان الفرق بین اللعن المطلق و بین کون اللعن من الله أو من رسوله بتوهم أن الأول یجتمع مع الکراهة،لکونه ظاهرا فی العبد المطلق،بخلاف الثانی،فإنه یختص بالحرمة،لکونه ظاهرا فی إنشاء الحرمة.اللهم إلا أن یقال:إن الروایة المذکورة ضعیفة السند،و لم نجد فی غیرها ورود اللعن من الله علی فعل المکروه،و علیه فلا بأس فی ظهور ذلک فی الحرمة.

الوجه الرابع:ما دل1علی عدم جواز السلوک مسلک أعداء الدین.

و من شعارهم حلق اللحیة.

و فیه أولا:أنه ضعیف السند.و ثانیا:أن السلوک مسلک أعداء الدین عبارة عن اتخاذ سیرتهم شعارا و زیا،و هذا لا یتحقق بمجرد الاتصاف بوصف من أوصافهم.

الوجه الخامس:قوله ص لرسولی کسری(ویلکما من أمرکما بهذا؟

(2)

قالا:أمرنا بهذا ربنا یعنیان کسری فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله):(لکن ربی أمرنی بإعفاء لحیتی و قص شواربی).

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:ما تقدم من أن المأمور به إنما هو الإعفاء و هو لیس بواجب قطعا.

ص:260


1- 1) ص 204.
2- 2) راجع ج 1 المستدرک ص 59.
الوجه السادس:قوله«ع»1:(أقوام حلقوا اللحی و فتلوا الشوارب فمسخوا).

و فیه أن الروایة و إن کانت ظاهرة فی الحرمة،إلا أنها ضعیفة السند.

الوجه السابع:و هو العمدة صحیحة البزنطی[2]الدلالة علی حرمة حلق اللحیة و أخذها و لو بالنتف و نحوه.و تدل علی ذلک أیضا السیرة القطعیة بین المتدینین المتصلة إلی زمان النبی(صلی الله علیه و آله)،فإنهم ملتزمون بحفظ اللحیة،و یذمون حالقها،بل یعاملونه معاملة الفساق فی الأمور التی تعتبر فیها العدالة.و یؤید ما ذکرناه دعوی الإجماع علیه،کما فی کلمات جملة من الأعلام،و عدم نقلهم الخلاف فی المقام من الشیعة و السنة،کما هو کذلک و اللّه العالم.

ص:261

و موضوع حرمة حلق اللحیة هو إعدامها،و علیه فلا یفرق فی ذلک بین الحلق و النتف و غیرهما مما یوجب إزالة الشعر عن اللحیة.أما مقدار اللحیة فی جانب الفلة فلم یرد فی تحدیده نص خاص،فالمدار فی ذلک هو الصدق العرفی،و علی هذا فإذا أخذت بمثل المکینة و المقراض أو غیرهما-بحیث لم تصدق اللحیة علی الباقی-کان حراما.

موضوع الرشوة و حقیقتها
اشارة

قوله الثامنة الرشوة حرام. أقول:لم نجد نصا من طرق الخاصة و من طرق العامة یحقق موضوع الرشوة،و یبیّن حقیقتها،غیر أنه ورد فی بعض الروایات أنها تکون فی الأحکام،و لکنها لم توضح أن الرشوة هل هی بذل المال علی مطلق الحکم،أو علی الحکم بالباطل؟بل لا یفهم منها الاختصاص بالأحکام،و إلا لما صح إطلاقها فی غیرها.

و کیف کان فلا بد فی تحقیق مفهومها من الرجوع الی العرف و اللغة و کلمات الأصحاب.

ففی المستند (1)أن مقتضی کلام الأکثر و المتفاهم فی العرف أن الرشوة عامة لکل ما یدفع من المال للحاکم،سواء أ کان لحق أم کان لباطل،و حکی ذلک عن تصریح والده،ثم قال و هو الظاهر من القاموس و الکنز و مجمع البحرین.

و یدل علیه استعمالها فیما أعطی للحق فی الصحیح عن رجل یرشو الرجل علی أن یتحول عن منزله فیسکنه غیره؟قال:لا بأس فإن الأصل فی الاستعمال إذا لم یعلم الاستعمال فی غیره الحقیقة،کما حقق فی موضعه.انتهی ملخص کلامه،و سنذکر الروایة فی البحث عن حکم الرشوة فی غیر الاحکام و عن حاشیة الإرشاد إن الرشوة ما یبذله المتحاکمان.و فی کلمات جماعة ان الرشوة ما یبذله المحقق لیحکم له بحق بحیث لو لم یبذله لأبطل حقه،و لحکم علیه بالباطل،الی غیر ذلک من کلمات الأصحاب بمضامین مختلفة.

و المتحصل من کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم،و من أهل العرف و اللغة[1]مع ضم

ص:262


1- 1) ج 2 ص 526.

بعضها الی بعض أن الرشوة ما یعطیه أحد الشخصین للآخر لإحقاق حق أو تمشیة باطل أو للتملق،أو الوصلة إلی الحاجة بالمصانعة،أو فی عمل لا یقابل بالأجرة و الجعل عند العرف و العقلاء و إن کان محطا لغرضهم و موردا لنظرهم.

بل یفعلون ذلک العمل للتعاون و التعاضد فیما بینهم،کإحقاق الحق،و إبطال الباطل، و ترک الظلم و الإیذاء أو دفعهما،و تسلیم الأوقاف-من المدارس و المساجد و المعابد و نحوها- الی غیره،کأن یرشو الرجل علی ان یتحوله عن منزله فیسکنه غیره،أو یتحوله عن مکان فی المساجد فیجلس فیه غیره،الی غیر ذلک من الموارد التی لم یتعارف أخذ الأجرة علیها.

نعم ما ذکره فی القاموس من تفسیر الرشوة بمطلق الجعل محمول علی التفسیر بالأعم،کما هو شأن اللغوی أحیانا،و إلا لشمل الجعل فی مثل قول القائل:من رد عبدی فله ألف درهم،مع انه لا یقول به أحد.

حرمة الرشوة

ما حکم الرشوة؟الظاهر بل الواقع لا خلاف بین الشیعة و السنة[1]فی الجملة للآخذ و المعطی،بل عن جامع المقاصد أجمع أهل الإسلام علی تحریم الرشا فی الحکم،سواء أ کان الحکم لحق أم لباطل،و سواء أ کان للباذل أم علیه.و فی تجارة المسالک علی تحریمه إجماع المسلمین.

و تدل علی حرمتها فی الجملة الروایات المتظافرة«و سنذکرها فی الحاشیة».و قوله تعالی (1): (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ) .

ص:263


1- 1) سورة البقرة،آیة:184.

و وجه الدلالة انه تعالی نهی عن الأدلاء بالمال الی الحکام لإبطال الحق و إقامة الباطل حتی یأکلوا بذلک فریقا من أموال الناس بالإثم و العدوان.و هذا هو معنی الرشوة،و إذا حرم الإعطاء حرم الأخذ أیضا،للملازمة بینهما.

لا یقال:إن الآیة إنما نزلت فی خصوص أموال الیتامی و الودیعة و المال المتنازع فیه، و قد نهی اللّه تعالی فیها عن إعطاء مقدار من تلک الأموال للقضاء و الحکام لأکل البقیة بالإثم و العدوان،و علی هذا فهی أجنبیة عن الرشوة.

فإنه یقال:نعم قد فسرت الآیة الشریفة بکل واحد من الأمور المذکورة[1]إلا أن هذه التفاسیر من قبیل بیان المصداق،و القرآن لا یختص بطائفة،و لا بمصداق،بل یجری کجری الشمس و القمر،کما دلت علیه جملة من الروایات،و قد ذکرناها فی مقدمة التفسیر علی أن فی مجمع البحرین عن الصحاح إن قوله تعالی: (وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ) یعنی الرشوة و قد یتوهم ان الآیة لیست لها تعرض لحکم الرشوة،فإن قوله تعالی: (وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ) ظاهر فی ان المحرم هو الأدلاء بأموال الناس الی الحکام لیستعین بهؤلاء علی أکل فریق آخر من أموال الناس بالإثم،و من المعلوم ان الرشوة هی ما یعطیها الراشی من مال نفسه لإبطال حق أو إحقاق باطل.

و فیه أولا:ان الرشوة فی العرف و اللغة أعم من ذلک،کما تقدم،فلا وجه للتخصیص بقسم خاص.

و ثانیا:انه لا ظهور فی الآیة المبارکة فی کون المدفوع الی الحکام مال الغیر،بل هی أعم من ذلک،أو ظاهرة فی کون المدفوع مال المعطی.و مجمل القول ان حرمة الرشوة فی الجملة من ضروریات الدین،و مما قام علیه إجماع المسلمین،فلا حاجة الی الاستدلال علیها.

ثم ان تفصیل الکلام فی أحکام الرشوة ان القاضی قد یأخذ الرشوة من شخص لیحکم له بالباطل مع العلم ببطلان،الحکم،و قد یأخذها لیحکم للباذل مع جهله،سواء طابق حکمه الواقع أم لم یطابق،و قد یأخذها لیحکم له بالحق مع العلم و الهدی من اللّه تعالی.

اما الصورتان الأولیان فلا شبهة فی حرمتهما،فان الحکم بالباطل،و الإفتاء و القضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدین و إجماع المسلمین،بل هما من الجرائم

ص:264

الموبقة و الکبائر المهلکة.

و یدل علی حرمتها أیضا العقل و الکتاب[1]و السنة[2].

و علی هذا فمقتضی القاعدة حرمة الرشوة فی کلتا الصورتین لما عرفت فی أوائل الکتاب من حرمة المعاملة علی الأعمال المحرمة وضعا و تکلیفا،علی أن الروایات من الشیعة[3]

ص:265

و السنة[1]قد أطبقت علی حرمة الرشاء فی الحکم.

و أما الصورة الثالثة فمقتضی القاعدة فیها جواز أخذ المال علی القضاء و الإفتاء،فإن عمل المسلم محترم فلا یذهب هدرا،و أما الآیة المتقدمة فلا تشمل المقام،لاختصاصها بالحکم بالباطل کما عرفت.نعم الحرمة فیها هی مقتضی إطلاق الروایات المتقدمة الدالة علی ذلک، و هذا المعنی هو الذی تقتضیه مناسبة الحکم و الموضوع،فان القضاء من المناصب الإلهیة التی جعلها اللّه للرسول،فلا ینبغی لمن یتفضل علیه اللّه بهذا المنصب الرفیع أن یأخذ علیه الأجرة.

و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه ففی الروایات الدالة علی حرمة أخذ الأجرة علی القضاء غنی و کفایة«و سنتعرض لهذه الروایات فی البحث عن حکم أخذ الأجرة علی القضاء» إذ الظاهر من الأجرة فیها الجعل المأخوذ للقضاء دون الأجر المقرر من قبل السلطان و لو کان جائزا،فإنه لا شبهة فی جواز أخذه إذا کان الدخول فیه بوجه محلل کعلی بن یقطین و النجاشی و أمثالهما.

لا یقال:إن الرشوة فی اللغة ما یؤخذ لإبطال حق أو إحقاق باطل،فلا تصدق علی ما یؤخذ للقضاء بما یحق.

فإنه یقال:إن مفهوم الرشوة أعم من ذلک کما عرفت،فلا وجه للحصر،و تقیید المطلقات.علی أن الأمور التی یکون وضعها علی المجانیة فإن أخذ الأجرة علیها بعد رشوة فی نظر العرف،و من هذا القبیل القضاوة و الإفتاء.نعم لو فرضنا قصور الأدلة المتقدمة عن إثبات الحرمة کان مقتضی أصالة الحل هو الإباحة،بل و هو مقتضی عمومات صحة المعاملات،کأوفوا بالعقود،و تجارة عن تراض،و أحل اللّه البیع،و غیرها.

قوله و ظاهر روایة حمزة بن حمران. أقول:ربما یقال بجواز أخذ الأجرة علی القضاوة الحقة،لقوله«ع»فی روایة حمزة بن حمران[2]عن المستأکلین بعلمهم:إنما

ص:266

ذلک الذی یفتی الناس بغیر علم،و لا هدی من اللّه لیبطل به الحقوق طمعا فی حطام الدنیا، فان الظاهر منها حصر الاستیکال المذموم فیما کان لأجل الحکم بالباطل،أو مع عدم معرفة الحق،فیجوز الاستیکال مع العلم بالحق.

و قد یدعی کون الحصر إضافیا بالنسبة إلی الفرد الذی ذکره السائل،فلا یدل إلا علی عدم الذم علی هذا الفرد المخصوص دون سائر الأفراد التی لا تدخل فی الحصر إلا أن هذه الدعوی خلاف الظاهر.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أنها مسوقة لدفع توهم السائل أن من تحمل علوم الأئمة و بثها فی شیعتهم و وصل الیه منهم البر و الإحسان بغیر مطالبة کان من المستأکلین بعلمه.فأجاب الإمام«ع»بأن هذا لیس من الاستیکال المذموم،و إنما المستأکلون الذین یفتون بغیر علم لإبطال الحقوق.و علی هذا فمفهوم الحصر هو العقد السلبی المذکور فی الروایة صریحا و لیس فیها تعرض لأخذ الأجرة علی الحکم بالحق، لا مفهوما و لا منطوقا.

و أما ما ذکره أخیرا من کون الحصر لیس إضافیا فهو متین،و لکن لا من جهة کونه خلاف الظاهر،بل من جهة أنه لا معنی للحصر الإضافی فی قبال الحصر الحقیقی،غایة الأمر أن دائرة الحصر تختلف سعة و ضیقا،و قد تقدم ذلک فی أول الکتاب (1).

و قال العلامة فی المختلف (2):(إن تعین القضاء علیه-إما بتعیین الامام«ع»أو بعقد غیره،أو بکونه الأفضل،و کان متمکنا-لم یجز الأجر علیه.و إن لم یتعین-أو کان محتاجا-فالأقرب الکراهة.لنا الأصل الإباحة علی التقدیر الثانی،و لأنه فعل لا یجب علیه فجاز أخذ الأجر علیه.أما مع التعیین فلأنه یؤدی واجبا،فلا یجوز أخذ الأجرة علیه کغیره من العبادات الواجبة).

و فیه أنه لا وجه لذکر هذا التفصیل فی المقام،فإن حرمة الأجرة علی القضاء لکونه واجبا عینیا أو کفائیا من صغریات البحث عن أخذ الأجرة علی الواجب الذی سیأتی الکلام فیه.و کلامنا هنا فی حکم أخذ الرشوة علی القضاء من حیث هی رشوة،لا عن جهات

ص:267


1- 1) ص 9.
2- 2) ج 2 ص 164.

أخر،و علیه فمقتضی الإطلاقات الدالة علی حرمة أخذ الأجرة علی الحکم هو عدم الفرق بین صورتی الاحتیاج إلی أخذ الأجرة و الانحصار و بین عدمهما،کما هو واضح.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لقول المصنف:(و أما اعتبار الحاجة فلظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء).

ثم الظاهر أنه لا یجوز أخذ الأجرة و الرشوة علی تبلیغ الأحکام الشرعیة و تعلیم المسائل الدینیة،فقد عرفت فیما تقدم:أن منصب القضاوة و الإفتاء و التبلیغ یقتضی المجانیة.

و یدل علی الحرمة أیضا ما فی روایة یوسف بن جابر[1]من أنه لعن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) رجلا احتاج الناس الیه لفقهه فسألهم الرشوة.و لکن الروایة ضعیفة السند،و العمدة فی المقام التمسک بالإطلاقات المتقدمة الناهیة عن أخذ الرشوة علی الحکم.

جواز ارتزاق القاضی من بیت المال

قوله و أما الارتزاق من بیت المال فلا إشکال فی جوازه للقاضی. أقول:الفرق بین الأجرة و الارتزاق ان الأجرة تفتقر الی تقدیر العمل و العوض و ضبط المدة.و أما الارتزاق من بیت المال فمنوط بنظر الحاکم من غیر ان بقدر بقدر خاص.

و لا إشکال فی جواز ارتزاق القاضی من بیت المال فی الجملة کما هو المشهور.لأن بیت المال معد لمصالح المسلمین و القضاء من مهماتها.و لما کتبه علی أمیر المؤمنین«ع»الی مالک الأشتر فی عهد طویل (1)فقد ذکر«ع»فیه صفات القاضی ثم قال:(و افسح له فی البذل ما یزیل علته و تقل معه حاجته الی الناس).و العهد و إن نقل مرسلا إلا ان آثار الصدق منه لائحة،کما لا یخفی للناظر الیه.و یدل علی ذلک أیضا بعض الفقرات من مرسلة الحماد[2]الطویلة.

ص:268


1- 1) راجع ج 3 نهج البلاغة فی العهد 53 الذی کتبه للأشتر النخعی.و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القاضی.و ج 2 المستدرک ص 447.

ثم إن القاضی قد یکون جامعا لشرائط القضاوة علی النحو المقرر فی الشریعة،و منصوبا من قبل الامام«ع»خاصا أو عاما.و قد یکون جامعا لشرائط القضاء،و لکنه کان منصوبا من قبل سلطان الجور،و لم یکن له غرض فی قبولها إلا التوادد و التحبب الی فقراء الشیعة و قضاء حوائجهم و إنفاذ أمورهم و إنقاذهم من المهلکة و الشدة،و قد لا یکون جامعا للشرائط سواء کان منصوبا من قبل الجائر أم لا.

أما الأولان فلا شبهة فی جواز ارتزاقهم من بیت المال،لما عرفت من انه معد لمصالح المسلمین و القضاء من مهماتها،و لا مجال فی هاتین الصورتین للبحث عن خصوصیات المسألة من انه یجوز مطلقا أو مع الاحتیاج و عدم التعیین،لأن الفرض ان القاضی أعرف بموارد مصرف بیت المال،و عدالته المفروضة تمنعه عن الحیف.

و أما الثالث فیحرم ارتزاقه من بیت المال،لعدم قابلیته لمنصب القضاوة،کخلفاء الجور،فلا یکون من موارد المصرف لبیت المال.

و قد یستدل علی حرمة ارتزاق القاضی بحسنة عبد اللّه بن سنان (1):(عن قاض بین قریتین یأخذ من السلطان علی القضاء الرزق؟فقال:ذلک السحت).

و فیه ان الروایة محمولة علی الصورة الثالثة من عدم کونه قابلا للقضاوة،لأنه إذا کان جامعا للشرائط لا یحرم ارتزاقه من بیت المال أو من جوائز السلطان،و هو واضح، و یمکن حملها علی کون الرزق اجرة علی القضاء،فقد عرفت:ان أخذ الأجرة علی القضاء حرام.

جواز أخذ القاضی للهدیة

قوله و اما الهدیة فهی ما یبذله علی وجه الهبة. أقول:قد عرفت حکم الرشوة و الأجرة علی الحکم و القضاء،و اما الهدیة ففی حرمتها خلاف:و هی کما عن المصباح

ص:269


1- 1) راجع ج 2 کا باب 5 أخذ الأجرة علی الحکم من القضاء ص 358.و ج 9الوافی باب أخذ الرشوة من القضاء ص 135.و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القضاء ص 396.

العطیة علی سبیل الملاطفة.

ثم إنها قد تکون للملاطفة و التودد فقط بحیث لا مساس لها للدواعی الأخری.و قد تکون علی وجه الهبة لتورث المودة التی توجب الحکم له حقا کان أم باطلا،إذا علم المبذول له ان ذلک من قصد الباذل و إن لم یقصد هو إلا الحکم بالحق.و قد تکون لأجل الحکم للباذل و لو باطلا،و لکن المبذول له لم یکن ملتفتا الی ذلک و إلا لکان رشوة محرمة و قد تکون متأخرة عن الفعل المحرم و لکنها بداعی المجازاة و أداء الشکر.

و مقتضی القاعدة جواز أخذها للقاضی فی جمیع الصور و إن حرم الدفع علی المعطی إذا کان غرضه الحکم له.و قد استدل علی حرمة الأخذ بوجوه،الأول:قوله«ع»فی روایة الأصبغ[1]:(و ان أخذ هدیة کان غلولا).

و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أنها واردة فی هدایا الولاة دون القضاة،فتکون أجنبیة عن المقام،و بما أن الهدیة إلی الولاة جائزة فلا بد من حمل الروایة علی غیر ذلک من الوجوه الممکنة:

الأول:ان تحمل علی الکراهة،لأن إهداء الهدیة إلی الوالی قد یحبب إلیه أخذ الرشوة المحرمة.

الثانی:ان تحمل علی ظاهرها،و لکن یقید الإعطاء بکونه لدفع الظلم،أو إنقاذ الحق أو لأجل أن یظلم غیره،فإنها فی هذه الصور کلها محرمة علی الوالی،و فی الصورة الأخیرة محرمة علی المعطی أیضا.

الثالث:ان تحمل علی کون ولایتهم من قبل السلطان مشروطة بعدم أخذ شیء من الرعیة،لأنهم یرتزقون منه.و علی الجملة لا یمکن الاستدلال بها علی المطلوب.

الوجه الثانی:ما ورد[2]من ان هدایا العمال أو الأمراء غلول أو سحت.

و فیه أولا:انه ضعیف السند.و ثانیا:انه أجنبی عما نحن فیه لوروده فی هدایا العمال

ص:270

و هم غیر القضاة،و وجه کونها محرمة قد علم من الوجوه المتقدمة.و ثالثا:انه یمکن ان یراد من إضافة الهدایا الی العمال إضافة المصدر الی الفاعل دون المفعول:بمعنی أن الهدایا التی تصل إلی الرعیة من عمال سلاطین الجور غلول،فتکون الروایة راجعة إلی جوائز السلطان و عماله،و سنتکلم علیها.و هذا الوجه الأخیر و إن کان فی نفسه جیدا،إلا أنه إنما یتم فیما إذا علم کون الهدیة من الأموال المحرمة،و إلا فلا وجه لکونها غلولا.علی أنه بعید عن ظاهر الروایة.

الوجه الثالث:ما استدل به فی المستند[1]علی حرمة أخذ القاضی للهدیة من أن النبی زجر عمال الصدقة عن أخذهم الهدایا.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند،لکونها منقولة من طرق العامة.و ثانیا:أنها وردت فی عمال الصدقة فلا ترتبط بما نحن فیه،و لعل حرمتها علیهم من جهة الوجوه التی ذکرناها فی حرمتها علی الولاة.

الوجه الرابع:ما تقدم فیما سبق (1):(عن الرضا عن آبائه عن علی«ع»فی قوله تعالی (2): أَکّالُونَ لِلسُّحْتِ ؟قال:هو الرجل یقضی لأخیه الحاجة ثم یقبل هدیته).

و فیه أولا:أن الروایة مجهولة.و ثانیا:أنها وردت فی خصوص الهدیة بعد قضاء حاجة المؤمن،و لم یقل أحد بحرمتها هناک،لما دل علی جواز قبول الهدیة من المؤمن،بل من الکافر،و لما دل علی استحباب الاهداء علی المسلم،و إذن فلا بد من حمل الروایة علی الکراهة،و رجحان التجنب عن قبول الهدایا من أهل الحاجة إلیه لئلا یقع یوما فی الرشوة الوجه الخامس:أن المناط فی حرمة الرشوة للقاضی هو صرفه عن الحکم بالحق الی الحکم بالباطل،و هو موجود فی الهدیة أیضا،فتکون محرمة.و فیه أن غایة ما یحصل من تنقیح المناط هو الظن بذلک،و الظن لا یغنی من الحق شیئا.

ص:271


1- 1) ص 48.
2- 2) سورة المائدة،آیة:46.
الرشوة فی غیر الاحکام

قوله و هل یحرم الرشوة فی غیر الحکم. أقول:الرشوة فی غیر الأحکام قد تکون لإتمام أمر محرم،و قد تکون لإصلاح أمر مباح،و قد تکون لإنهاء أمر مشترک الجهة بین المحلل و المحرم.

أما الأول فلا شبهة فی حرمته من غیر احتیاج إلی أدلة حرمة الرشوة،لما عرفت من حرمة أخذ المال علی عمل محرم.

و أما الثانی فلا شبهة فی جوازه،لعدم الدلیل علی الحرمة مع کون العمل سائغا فی نفسه و صالحا لأن یقابل بالمال و إن کان کثیرون یفعلونه للتعاضد و التعاون،و لا یأخذون علیه مالا و اما الثالث:فان قصدت به الجهة المحرمة فهو حرام،و إن قصدت به الجهة المحللة فهو حلال،و إن بذل المال علی إصلاح أمره حلالا أم حراما فقد استظهر المصنف حرمته، لوجهین،الوجه الأول:أنه أکل للمال بالباطل،فیکون حراما.

و فیه أن أخذ المال علی الجهة المشترکة بین المحلل و المحرم لیس من أکل المال بالباطل، فإن أکل المال إنما یکون باطلا إذا کان بالأسباب التی علم بطلانها فی الشریعة،کالقمار و الغزو و نحوهما،و لم یعلم بطلان أخذ المال علی العمل المشترک بین الحلال و الحرام،فلا یکون من مصادیق أکل المال بالباطل.

الوجه الثانی:إطلاق فحوی ما تقدم فی هدیة الولاة و العمال.

و فیه أولا:أن الروایات المتقدمة فی هدیة الولاة و العمال ضعیفة السند.و قد عرفت ذلک آنفا.و ثانیا:أن حرمة الهدیة لهما إنما تقتضی حرمة إعطاء الرشوة لهما،و لا دلالة لهما علی حرمة الرشوة علی غیرهما من الناس.

و قد یقال:بحرمة الرشوة مطلقا حتی فی غیر الأحکام،لإطلاق بعض الروایات المتقدمة فی الحاشیة من طرق الخاصة،و من طرق العامة.

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند،و قد عرفت ذلک آنفا.و ثانیا:أنها منصرفة إلی الرشا فی الحکم کما فی المتن.و ثالثا:أنها مقیدة بما دل[1]علی جواز الرشوة لأمر مباح

ص:272

و للتحویل[1]عن المنزل المشترک،کالأوقاف العامة.

و قد یتوهم أن موضوع الرشوة مختص بالأحکام،لما ورد فی جملة من الروایات الماضیة من أن الرشا فی الحکم حرام،أو کفر،أو سحت.

و فیه أولا:أن المستفاد منها لیس إلا حرمة الرشوة فی الحکم،لاختصاص موضوعها به،و هو واضح.بل قد یدعی أنها مشعرة بعموم مفهوم الرشوة لغیر الأحکام،و إلا للزم إلغاء التقیید فی قوله«ع»:(و أما الرشا فی الحکم فهو الکفر باللّه العظیم).

و ثانیا:أن مفهوم الرشوة فی اللغة غیر مختص بما یؤخذ فی الحکم،بل هو أعم من ذلک

من الرشوة فی الحکم

المعاملة المحاباتیة مع القاضی

قوله و مما یعد من الرشوة أو یلحق بها المعاملة المشتملة علی المحاباة. أقول:

الکلام فی المعاملة المشتملة علی المحاباة بعینه هو الکلام فیما تقدم من الرشوة،فإذا باع من القاضی ما یساوی عشرة دراهم بدرهم کان الناقص من الرشا المحرم،و إن کان غرضه من ذلک تعظیم القاضی-أو التودد المحض أو التقرب الی اللّه-فلا وجه للحرمة.

ثم إن فی حکم بذل العین له بذل المنافع کسکنی الدار و رکوب المراکب و نحوهما من المنافع کما لا یخفی.و أما ما یرجع الی الأقوال کمدح القاضی و الثناء علیه فلا یعد رشوة فضلا عن کونه محرما لذلک.نعم لو کان ذلک إعانة علی الظلم کان حراما من هذه الجهة.

قوله و فی فساد المعاملة المحابی فیها وجه قوی. أقول:لا وجه لفساد المعاملة المشتملة

ص:273

علی المحاباة المحرمة إلا إذا کان الحکم للمحابی شرطا فیها،و قلنا:بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد،فیحکم بالبطلان.

فائدة

الظاهر من الأخبار المتقدمة أن منزلة الرشوة منزلة الربا،فکما أن الربا حرام علی کل من المعطی و الآخذ و الساعی بینهما،فکذلک الرشوة،فإنها محرمة علی الراشی و المرتشی و الرائش أی الساعی بینهما یستزید لهذا و یستنقص لذاک.

نعم لا بأس بإعطائها إذا کان الراشی محقا فی دعواه،و لا یمکن له الوصول الی حقه إلی بالرشوة،کما استحسنه فی المستند (1)(لمعارضة إطلاقات تحریمها مع أدلة نفی الضرر، فیرجع الی الأصل لو لم یرجح الثانی)بل یتعین ترجیحه لحکومة أدلة نفی الضرر علی أدلة الأحکام بعناوینها الأولیة کما هو واضح.

حکم الرشوة وضعا

قوله ثم إن کلما حکم بحرمة أخذه وجب علی الآخذ رده ورد بدله مع التلف).

أقول:قد ذکرنا أن الباذل قد یعطی الرشوة للقاضی أو غیره لیحکم له علی خصمه،و قد یحابیه فی معاملة لیحکم له فی الخصومات و الدعاوی،و قد یرسل الیه هدیة بداع الحکم له أما الأول فلا شبهة فی ضمان القابض المال الذی أخذه من الدافع بعنوان الرشوة،کما لا شبهة فی الحرمة علیهما تکلیفا،فیجب علی الآخذ رد المال أو رد بدله من المثل أو القیمة مع التلف.

قال فی الجواهر:(لا خلاف و لا إشکال فی بقاء الرشوة علی ملک المالک،کما هو مقتضی قوله«ع»:إنها سحت،و غیره من النصوص الدالة علی ذلک-الی أن قال-:فإذا أخذ ما لم ینتقل الیه من مال غیره کان ضامنا).

و وجه الضمان أن الرشوة فی هذه الصورة إنما وقعت فی مقابل الحکم،فتکون فی الحقیقة إجارة فاسدة،أو شبیهة بها،فیحکم بالضمان،لکونها من صغریات کل عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده،و هذه القاعدة و إن لم یرد علیها نص بالخصوص،و لکنها متصیدة من الأخبار الواردة فی موارد الضمان،فتکون حجة،و سیأتی ذکرها فی محلها.و من هنا ظهر بطلان القول بعدم الضمان إذا علم الدافع بالحرمة،لکون التسلیط حینئذ مجانیا.

ص:274


1- 1) ج 2 ص 526.

و أما الثانی فهو کالأول من حیث الحرمة التکلیفیة،و لکن لا وجه للضمان لما نقص من القیمة،فإن غایة الأمر أن المعاملة کانت المشروطة بالشرط الفاسد،و قد عرفت إجمالا، و ستعرف تفصیلا:أن الشروط مطلقا لا تقابل بجزء من الثمن،و أن الفاسد منها لا یوجب فساد المعاملة،و إنما یثبت الخیار فقط للمشروط له.

و أما الثالث فالظاهر أنه لا ضمان فیه أیضا،لأن الدافع لم یقصد المقابلة بین الحکم و المال المبذول للقاضی،و إنما إعطاء مجانا لیحکم له،فیکون مرجعه إلی هبة مجانیة فاسدة،لأن الداعی لیس قابلا للعوضیة،و لا مؤثرا فی الحکم الشرعی وضعا،و لا تکلیفا.و علیه فیکون المورد من صغریات الضابطة الکلیة(کل عقد لا یضمن بصحیحة لا یضمن بفاسده).

و قد یقال:بالضمان لقاعدة الضمان بالید.و فیه أن عموم علی الید مختص بغیر الید المتفرعة علی التسلیط المجانی،و لذا لا یضمن بالهبة الفاسدة فی غیر هذا المقام.

قوله و فی کلام بعض المعاصرین ان احتمال عدم الضمان فی الرشوة مطلقا غیر بعید) أقول:علله القائل فی محکی کلامه بوجهین:الأول أن المالک قد سلطه علیها تسلیطا مجانیا فلا موجب للضمان.و الثانی:أنها تشبه المعاوضة،و ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده أما الأول فیرد علیه أن التسلیط فی المقام لیس بمجانی،بل هو فی مقابل الحکم للباذل کما عرفت.

و أما الثانی فیرد علیه أن عملهم هذا إما إجارة فاسدة أو شبیهة بها،و علی أی حال یکون موجبا للضمان،لقاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده.

اختلاف الدافع و القابض

قوله فروع فی اختلاف الدافع و القابض. أقول:ذکر المصنف هنا فروعا ثلاثة و تعرض لحکمها.و تحقیق الکلام فی مسألة المترافعین فی الدفع و القبض،و بیان الضابطة الکلیة فیها أن الفروض المتصورة فیها أربع کلها تنطبق علی المقام غیر الصورة الرابعة.

و لعل المصنف لذلک أهملها.

الصورة الاولی أن یتوافق المترافعان علی فساد الأخذ و الإعطاء و لکن الدافع یدعی کون المدفوع رشوة علی سبیل الإجارة و الجعالة،فتکون موجبة للضمان،لأن الإجارة الصحیحة توجب الضمان،فکذلک الإجارة الفاسدة،و القابض یدعی أنه علی سبیل الهدیة إلا أنها فاسدة،فلا تکون موجبة للضمان،لأن الهبة الصحیحة لا ضمان فیها،فکذا الهبة الفاسدة

ص:275

و قد رجح المصنف القول الأول(لأن عموم خبر علی الید یقضی بالضمان إلا مع تسلیط المالک مجانا و الأصل عد تحققه،و هذا حاکم علی أصالة عدم سبب الضمان فافهم).

و فیه أن موضوع قاعدة الضمان بالید إنما هو التسلیط غیر المجانی،و التسلیط هنا محرز بالوجدان،و عدم کونه مجانیا محرز بالأصل(فلیتم الموضوع بضم الوجدان الی الأصل، و یترتب علیه الحکم،و لا یلزمه المحذور المذکور.نعم یرد علیه أن خبر علی الید ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء،فلا یجوز الاستناد الیه،و قد عرفته فیما سبق (1)و یأتی التعرض له فی أحکام الضمان.

و التحقیق أنه ثبت فی الشریعة المقدسة عدم جواز التصرف فی مال امرئ مسلم إلا بطیب نفسه،و قد تقدمت الإشارة إلیه فیما سبق (2).و ثبت فیها أیضا أن وضع الید علی مال الغیر بدون رضی مالکه موجب للضمان،للسیرة القطعیة،و من الواضح جدا ان وضع الید علی مال الغیر فی المقام محرز بالوجدان،فإذا ضممنا إلیه أصالة عدم رضی المالک بالتصرف المجانی تألف الموضوع من الوجدان و الأصل،و حکم بالضمان،و لا یلزم شیء من المحاذیر، و لیس المراد من الأصل المذکور استصحاب العدم الأزلی لیرد علیه ما أورده فی علم الأصول بل المراد به استصحاب العدم المحمولی،و هو واضح،و إن قلنا بحجیة الأول أیضا.

الصورة الثانیة:أن یتسالم المترافعان علی شیء واحد،و لکن القابض یدعی صحته علی وجه لا یمکن معه الرجوع،و یدعی الباذل فساده،کما إذا ادعی الباذل کون المبذول هدیة علی سبیل الرشوة،و ادعی القابض کونها هبة صحیحة لازمة.

و هذا النزاع إنما یکون له أثر فیما إذا کانت الدعوی قبل تلف العین،مع عدم کون الهبة لذی رحم أو علی وجه قربی،فإنه یترتب علی النزاع ح استرجاع العین من الموهوب له و أما إذا کان النزاع بعد التلف فلا أثر له بوجه،فإنه لا ضمان للهبة بعد التلف،سواء أ کانت فاسدة أم صحیحة،و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف(ره)من قوله و لأصالة الضمان فی الید إذا کانت الدعوی بعد التلف).

و قد یقال هنا:بالضمان،لعموم قاعدة علی الید،لأن وضع القابض یده علی مال الدافع محرز بالوجدان،و عدم کونه بالهبة الصحیحة الناقلة محرز بالأصل فیلتئم الموضوع منهما، و یترتب علیه الحکم بالضمان،و لا یعارض ذلک الأصل بأصالة عدم الهبة الفاسدة.لأنها لا أثر لها.

و التحقیق هو القول بعدم الضمان،لأن أصالة الصحة فی العقود تتقدم علی جمیع الأصول

ص:276


1- 1) ص 196.
2- 2) ص 144.

الموضوعیة،و علیه اتفاق کافة العلماء،و بناء العقلاء.

لا یقال:الدافع إنما یدعی ما لا یعلم إلا من قبله فیقدم قوله فی دعواه،لأنه أعرف بضمیره.فإنه یقال:لا دلیل علی ثبوت هذه القاعدة فی غیر الموارد الخاصة،کإخبار المرأة عن الحمل أو الحیض أو الطهر،فلا یجوز التعدی إلی غیرها.

الصورة الثالثة:أن یکون مصب الدعوی أمرا مختلفا،کما إذا ادعی الباذل أنها رشوة محرمة أو اجرة علی الحرام،و ادعی القابض کونها هبة صحیحة.و الظاهر هنا تقدیم قول الدافع،لأصالة عدم تحقق الهبة الصحیحة الناقلة،فإنها أمر وجودی و موضوع للأثر،فالأصل عدمها.و لا تعارضها أصالة عدم تحقق الرشوة المحرمة أو الإجارة الفاسدة لأنهما لا أثر لهما،و إنما الأثر مترتب علی عدم تحقق السبب الناقل،سواء تحقق معه شیء من الأسباب الفاسدة أم لم یتحقق.

و ربما یقال:بتقدیم أصالة الصحة علی الأصول الموضوعیة،لحکومتها علیها فی باب المعاملات علی حذو ما تقدم.

و فیه أن مدرک أصالة الصحة هو الإجماع و بناء العقلاء کما عرفت،و هما من الأدلة اللبیة فلا بد من الأخذ بالقدر المتیقن،و هو ما کان مصب الدعوی أمرا واحدا معلوما للمترافعین و کان الاختلاف فی الخصوصیات،و قد فرضنا أن المقام لیس کذلک.

الصورة الرابعة:ان یدعی کل منهما عنوانا صحیحا غیر ما یدعیه الآخر،کأن یدعی الباذل کونه بیعا لیتحقق فیه الضمان،و یدعی القابض کونه هبة مجانیة لکی لا یتحقق فیه الضمان،فإن أقام أحدهما بینة أو حلف مع نکول الآخر حکم له،و إلا وجب التحالف، و ینفسخ العقد،و علیه فیجب علی القابض رد العین مع البقاء،أو بدلها مع التلف،و هذه الصورة لا تنطبق علی ما نحن فیه.

حرمة سب المؤمن

قوله التاسعة سب المؤمن حرام فی الجملة بالأدلة الأربعة. أقول:قد استقل العقل بحرمة سب المؤمن فی الجملة،لکونه ظلما و إیذاء،و علی ذلک إجماع المسلمین من غیر نکیر و قد تعرض الغزالی لذلک فی إحیاء العلوم[1].

ص:277

و قد استفاضت الروایات من طرقنا[1]و من طرق العامة[2]علی حرمته.

ص:278

نعم المراد هنا من المؤمن فی روایاتنا غیر ما هو المراد فی روایات العامة،و من هنا منعوا عن سب أبی حنیفة[1]و أشباهه،و یدل علی الحرمة أیضا قوله تعالی (1): (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فان سبب المؤمن من أوضح مصادیق قول الزور،و لا ینافی ذلک ما ورد من تطبیق الآیة علی الکذب کما سیأتی.

قوله و روایة ابن الحجاج عن أبی الحسن فی الرجلین یتسابان قال:البادی منهما أظلم و وزره علی صاحبه ما لم یعتذر الی المظلوم.و فی مرجع الضمائر اغتشاش،و یمکن الخطأ من الراوی. أقول:محصول کلامه:أن الظاهر وقوع الاغتشاش فی مرجع الضمائر فی روایة بحسب المعنی،فإنه إذا رجع الضمیر ان المجرور ان فی قوله«ع»:(و وزره علی صاحبه)الی الراد لزم کون الوزرین کلیهما علی البادی،و لیس علی الراد شیء،و یمکن ان یکون لفظ الروایة(مثل وزره علی صاحبه)فتکون دالة علی ان البادی یستحق وزرین:أحدهما للمباشرة.و الثانی للتسبیب من غیر ان یخفف عن الراد شیء،و لکن الراوی أخطأ فحذف کلمة مثل.

و علیه فشأن الروایة شأن ما عن ابی جعفر«ع»(قال أیما عبد من عباد اللّه سن سنة هدی کان له مثل أجر من عمل بذلک من غیر ان ینقص من أجورهم شیء و أیما عبد من عباد اللّه سن سنة ضلال کان علیه مثل وزر من فعل ذلک من غیر ان ینقص من أوزارهم شیء).و غیر ذلک من الروایات المستفیضة (2)الواردة بهذا المضمون.

و لکن ما أفاده المصنف علی خلاف الظاهر من الروایة،فإن الظاهر منها ان الضمیر المضاف إلیه فی کلمة(وزره)یرجع الی السب المستفاد من قوله«ع»:(یتسابان)،نظیر قوله تعالی (3): (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی) فالمعنی ان وزر کل سب علی فاعله،و لا یرتفع عنه إلا بالاعتذار من المسبوب،لهتک کل من المتسابین صاحبه و ظلمه إیاه،و علی هذا فلا اغتشاش فی الضمائر.

و لکن الذی یسهل الخطب انا لم نجد الروایة علی النحو الذی نقله المصنف،بل هی مرویة هکذا:(و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یعتذر الی المظلوم.و فی روایة أخری:

ص:279


1- 1) سورة الحج آیة:31.
2- 2) راجع ج 2 ئل باب 16 إقامة السنن الحسنة من الأمر بالمعروف ص 496.
3- 3) سورة المائدة آیة:11.

(ما لم یتعد المظلوم)أی ما لم یتجاوز عن الاعتداء بالمثل.و قد ذکرنا هما فی الحاشیة آنفا، أما الأولی فتدل علی ان البادی منهما یستحق وزرین:أحدهما بالأصالة و الآخر بالتسبیب.

و إلقاء غیره فی الحرام الواقعی،و قد عرفت فی البحث عن حرمة تغریر الجاهل ان التسبیب الی الحرام حرام بالأدلة الأولیة،مع قطع النظر عن الروایات الخاصة.

و اما الثانیة فتدل علی جواز الاعتداء بالمثل،و کون وزر الاعتداء علی البادی من دون ان یکون للمظلوم شیء من الوزر ما لم یتجاوز و إذا تجاوز کان هو البادی فی القدر الزائد و قد ذهب الی ذلک جمع من الأکابر،قال العلامة المجلسی (1):إن أثم سباب المتسابین علی البادی،اما إثم ابتدائه فلأن السب حرام و فسق،لحدیث:سباب المؤمن فسوق و قتاله کفر،و اما إثم سب الراد فلأن البادی هو الحامل له علی الرد-الی ان قال-:

لکن الصادر عنه هو سب یترتب علیه الإثم،إلا ان الشرع أسقط عنه المؤاخذة،و جعلها علی البادی،للعلة المتقدمة،و إنما أسقطها عنه ما لم یتعد،فان تعدی کان هو البادی فی القدر الزائد.

و عن المحقق الأردبیلی فی آیات الاحکام بعد ذکر جملة من الآیات الظاهرة فی الاعتداء بالمثل قال:فیها دلالة علی جواز القصاص فی النفس و الطرف و الجروح،بل جواز التعویض مطلقا حتی ضرب المضروب و شتم المشتوم بمثل فعلهما-الی أن قال-و تدل علی عدم التجاوز عما فعل به و تحریم الظلم و التعدی.و من هنا ظهر أن هذا الرأی لا بعد فیه خلافا لما استظهرناه فی الدورة السابقة.و قد وقع التصریح بذلک فی جملة من أحادیث العامة،و تقدم بعضها فی الهامش.

قوله ثم إن المرجع فی السب الی العرف. أقول:الظاهر من العرف و اللغة[1] اعتبار الإهانة و التعبیر فی مفهوم السب،و کونه تنقیصا و إزرءا علی المسبوب،و أنه متحد مع الشتم،و علی هذا فیدخل فیه کلما یوجب إهانة المسبوب و هتکه کالقذف و التوصیف بالوضیع و اللاشیء و الحمار و الکلب و الخنزیر و الکافر و المرتد و الأبرص و الأجذم و الأعور و غیر ذلک من الألفاظ الموجبة للنقص و الإهانة،و علیه فلا یتحقق مفهومه إلا بقصد الهتک

ص:280


1- 1) راجع ج 2 مرآة العقول ص 311.

و اما مواجهة المسبوب فلا تعتبر فیه.

قوله فالنسبة بینه و بین الغیبة عموم من وجه. أقول:ذکر المصنف فی البحث عن مستثنیات الغیبة ما هذا نص عبارته:(نعم لو تأذی من ذمه بذلک دون ظهوره لم یقدح فی الجواز و لذا جاز سبه بما لا یکون کذبا و هذا هو الفارق بین السب و الغیبة حیث إن مناط الأول المذمة و التنقیص فیجوز و مناط الثانی إظهار عیوبه فلا یجوز إلا بمقدار الرخصة) و التحقیق ان النسبة بینهما هی العموم من وجه،فإنه قد یتحقق السب و لا یتصف بعنوان الغیبة،کأن یخاطب المسبوب بصفة مشهورة مع قصد الإهانة و الإذلال،فإن ذلک لیس إظهارا لما ستره اللّه،و قد تتحقق الغیبة حیث لا یتحقق السب،کأن یتکلم بکلام یظهر به ما ستره اللّه من غیر قصد للتنقیص و الإهانة،و قد یجتمعان،و یتعدد العقاب فی مورد الاجتماع،لکون کل من العنوانین موضوعا للعقاب،فلا وجه للتداخل،و لعل هذا مراد المصنف هنا و فی مبحث الغیبة.

و قال المحقق الایروانی:ان النسبة بین السب و الغیبة(هو التباین فان السب هو ما کان بقصد الإنشاء و اما الغیبة فجملة خبریة).

و فیه انه لا دلیل علی هذه التفرقة فان کلا منهما یتحقق بکل من الإنشاء و الإخبار.

قوله ثم إنه یستثنی من المؤمن المتظاهر بالفسق. أقول:یجوز سب المتجاهر بالفسق بالمعصیة التی تجاهر فیها،لزوال احترامه بالتظاهر بالمنکرات،کما فی بعض الأحادیث،و سیأتی ذکره فی البحث عن مستثنیات الغیبة،و اما المعاصی التی ارتکبها العاصی و لکن لم یتجاهر فیها فلا یجوز السب بها،و اما السب بما لیس فی المسبوب فافتراء علیه فیحرم من جهتین.

قوله و یستثنی منه المبدع أیضا. أقول:قد دلت الروایات المتظافرة[1]علی جواز سب المبدع فی الدین و وجوب البراءة منه و اتهامه،و لکن الظاهر أنه لا وجه لجعله من

ص:281

المستثنیات باستقلاله،فإنه إن کان المراد به المبدع فی الأحکام الشرعیة فهو متجاهر بالفسق، و إن کان المراد به المبدع فی العقائد و الأصول الدینیة فهو کافر باللّه العظیم،فیکون خارجا عن المقام موضوعا،لعدم کونه متصفا بالایمان.

قوله و یمکن أن یستثنی من ذلک ما إذا لم یتأثر المسبوب عرفا. أقول:مقتضی الإطلاقات المتقدمة أن سب المؤمن حرام مطلقا سواء تأثر أم لم یتأثر،نعم إذا لم یوجب إهانة المسبوب فی نظر العرف کان خارجا عن عنوان السب موضوعا،لما عرفت من اعتبار الإهانة و الاستنقاص فی مفهوم السب.

و علیه فلا وجه لاستثناء بعض الأمثلة عن مورد البحث کسب الوالد ولده،و سب المعلم متعلمه،و سب المولی عبده،لأنه إن کان موجبا لإهانتهم فلا یجوز للاستثناء و إن لم یکن موجبا لذلک فهو خارج عن السب موضوعا.

و قد ظهر أیضا فساد ما یقال:من أن السب فی الأمثلة المذکورة فخر للمسبوب و تأدیب له فلا یحرم.و وجه الفساد أن مفهوم السب ینافی مفهوم الفخر و التأدیب،فلا یجتمعان فی مورد واحد،و أضعف من جمیع ذلک دعوی السیرة علی الجواز فی الموارد المزبورة،فإنا لو سلمنا تحقق السیرة من المتدینین فإنما هی فی غیر موارد الهتک و الظلم،فلا تکون إلا علی جواز التأدیب دون السب.

قوله و أما الوالد فیمکن استفادة الجواز فی حقه مما ورد من مثل قولهم«ع»أنت و مالک لأبیک. أقول:قد وردت هذه الجملة المبارکة فی الروایات المتظافرة (1)الصحیحة و غیرها،و لکنها راجعة إلی الجهات الأخلاقیة الناشئة من الجهات التکوینیة،فإن الولد بحسب التکوین من المواهب الإلهیة للوالد فلا یناسبه أن یعارض أباه فی تصرفاته.

و یؤید ذلک المعنی ما فی روایة محمد بن سنان الضعیف،من تعلیل حلیة مال الولد لأبیه بأن الولد موهب للوالد فی قوله تعالی (2): (یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ) و علیه فلیس لفظ اللام فی قوله«ع»:(أنت و مالک لأبیک)إلا للاختصاص فقط الناشئ من المحبة الجبلیة و المعطوفة الغریزیة المنافیة للإیذاء و الإذلال و لو بالسب و الشتم.

نعم لو دلت هذه الروایات علی الملکیة حقیقیة کانت أم تنزیلیة،أو علی الولایة المطلقة و السلطنة التامة کان لکلام المصنف وجه.

و لکن کلا الاحتمالین بدیهی البطلان.أما الأول فلأنه لو تم لجاز للأب أن یتصرف

ص:282


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 107 حکم الأخذ من مال الولد و الأب مما یکتسب به ص 559
2- 2) سورة الشوری آیة:49.

فی ما یرجع الی أولاده،و یتصرف فی شؤونهم تصرف الموالی فی عبیدهم و أمورهم مع أنه لم یلتزم به أحد.

علی أنه مخالف للروایات (1)المعتبرة الصریحة فی أن للأب أن یستقرض من مال ابنه، و یقوم جاریته بقیمة عادلة،و یتصرف فیها بالملک،فان من الواضح أنه لو کان الابن و ماله للأب لما احتاج فی جواز التصرف فی ماله و جاریته الی الاستقراض و التقویم.

و أما الثانی فأیضا فاسد،لأن مورد بعضها الولد الکبیر،و من المقطوع به أنه لا ولایة للأب علیه،و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه فهی معارضة بما دل علی حرمة سب المؤمن بالعموم من وجه،ففی مورد التعارض یرجع الی عمومات ما دل علی حرمة الظلم،و هو واضح

حرمة السحر
اشارة

قوله العاشرة السحر حرام فی الجملة بلا خلاف. أقول:لا خلاف فی حرمة السحر فی الجملة،بل هی من ضروریات الدین،و مما قام علیه إجماع المسلمین،و قد استفاضت بها الروایات من طرقنا[1].

ص:283


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 107 و باب 108 مما یکتسب به ص 160.

و من طرق العامة[1]و هذا لا شبهة فیه،و إنما الکلام فی تحقیق موضوع السحر و بیان حقیقته.

و قد اختلفت کلمات أهل اللغة[2]فی ذلک،فذکر بعضهم أنه الخدعة و التمویه،

ص:284

و قال بعضهم:إنه إظهار الباطل بصورة الحق.و قیل:هو الأخذة فی العین.و فی القاموس:إنه ما لطف مأخذه و دق.و قال بعضهم:إنه صرف الشیء عن وجهه الی غیر حقیقته بالأسباب الخفیة علی سبیل الخدعة و التمویه،الی غیر ذلک من التعاریف.

و قد وقع الخلاف بین الأصحاب فی ذلک أیضا،فعن العلامة فی القواعد إنه کلام یتکلم به،أو یکتبه أو رقیة،أو یعمل شیئا یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غیر مباشرة.

و عن المنتهی إنه زاد أو عقد،و فی المسالک إنه زاد أو أقسام و عزائم یحدث بسببها ضرر علی الغیر،و عن الدروس إنه زاد الدخنة و التصویر و النفث و تصفیة النفس الی غیر ذلک من کلماتهم.

و التحقیق أن المتبادر عند أهل العرف من کلمة السحر-و الظاهر من استقراء موارد استعمالها و ما اشتق منها عند أهل اللسان،و المتصید من مجموع کلمات اللغویین فی تحدید معناها-أن السحر هو صرف الشیء عن وجهه علی سبیل الخدعة و التمویه،بحیث إن الساحر یلبس الباطل لباس الحق،و یظهره بصورة الواقع فیری الناس الهیاکل الغریبة و الاشکال المعجبة المخوفة.

ص:285

و الوجه فی ذلک أن السحر عمل خفی یحصل بالأسباب الخفیة،و یصور الشیء علی خلاف صورته الواقعیة،و یصرفه عن وجهه بالخدعة و التمویه،و یقلبه من جنسه فی الظاهر،لا فی الحقیقة،بحیث إن الساحر یسحر الناظرین حتی یتخیلوا أنه یتصرف فی الأمور التکوینیة، و یغیرها عن حقیقتها إلی حقیقة أخری،فیریهم البر بحرا عجابا تجری فیه السفن و تتلاطم فیه الأمواج،من غیر أن یلتفتوا الی کونه خدعة و تمویها.و إظهارا للباطل بصورة الحق و قصة السحرة مع موسی«ع»مذکورة فی القرآن (1)حین ألقوا (فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعی) .

لا یقال:قد تکون للسحر حقیقة واقعیة کالتصرف فی عقل المسحور أو بدنه،أو ما یرجع الیه،و علیه فلا یتم تعریفه المذکور.

فإنه یقال:لیست للسحر حقیقة واقعیة،و لکن قد یترتب علیه أمر واقعی،فقد یظهر الساحر للمسحور شیئا مهولا،فیخاف هذا و یصبح مجنونا،أو یریه بحرا و فیه سفینة جاریة،فیحاول المسحور أن یرکبها فیقع من شاهق و یموت،فان الجنون و الموت و إن کانا من الأمور الواقعیة،إلا أنهما ترتبا علی الأمور التخیلی الذی هو السحر،و یقرب ما ذکرناه ما عن صاحب العین من أنه(یقلب الشیء من جنسه فی الظاهر،و لا یقلبه عن جنسه فی الحقیقة).و قد أشیر الی ما ذکرناه فی خبر الاحتجاج[1]حیث سئل الإمام علیه السلام عن الساحر أ یقلب الواقع الی الواقع آخر؟؟فقال«ع»:هو أضعف من ذلک.

و علی ما ذکرناه من المعنی قد استعملت کلمة السحر فی مواضع شتی من الکتاب العزیز[2] و أطلق المشرکون صفة الساحر علی النبی الصادق المصدق،فقد زعموا أن محمدا(صلی الله علیه و آله)یظهر الباطل بصورة الحق بکلمات فصیحة و خطب بلیغة حتی یسحر بها أعین الناظرین و قلوبهم،

ص:286


1- 1) سورة طه آیة:69.

و من هنا أیضا أطلق السحر علی البیان الجید[1]بلحاظ المدح و الذم،فإنه یصرف حواس الحاضرین و آذان السامعین الی المتکلم.

و بهذا الاعتبار أیضا أطلق السحر علی تمویه الفضة بالذهب.و علی الجملة أن الناظر الی کلمات أهل اللغة و موارد الاستعمال یقطع بأن السحر لیست له حقیقة واقعیة،و إنما هو ما ذکرناه،و من جمیع ما تقدم ظهر ما هو المراد من الأخیار المتظافرة الدالة علی حرمة السحر و قد ذکرناه بعضها فی الهامش.

و أما ما ذکره فی القاموس من أن السحر ما لطف مأخذه و دق فإنه و إن انطبق علی ما ذکرناه،لأن صرف الشیء عن وجهه علی سبیل التمویه له مأخذ دقیق جدا،إلا أنه تعریف بالأعم،فإن الأمور التی یلطف مأخذها-و هی لیست من السحر فی شیء-کثیرة جدا،کالقوی الکهربائیة،و الرادیوات،و الطائرات،و بعض أقسام أدوات الحرب، و غیر ذلک مما لا یعرفه أکثر الناس،خصوصا الصناعات المستحدثة.

و قد ظهر مما ذکرناه الفرق بین السحر و بین المعجزة و الشعوذة،فإنک قد عرفت فی البحث عن حرمة التصویر (1)إجمالا أن الإعجاز أمر حقیقی له واقعیة،إلا أنه غیر جار علی السیر الطبیعی،بل هو أمر دفعی خارق للعادة،و اما المقدمات الطبیعیة فکلها مطویة فیه، کجعل الحبوب أشجارا و زروعا،و الأحجار لؤلؤا و یواقیت دفعة واحدة،و منه صیرورة عضا موسی«ع»ثعبانا،و صیرورة الأسد المنقوش علی البساط حیوانا مفترسا بأمر الإمام علیه السلام فی مجلس الخلیفة،و قد تقدم ذلک فی المبحث المذکور،و اما السحر فقد عرفت انه لیست لها حقیقة واقعیة أصلا.

ص:287


1- 1) ص 227.

و أما الشعوذة فسیأتی انها عبارة عن الخفة فی الید و السرعة فی الحرکة المعبر عنها فی لغة الفارس بکلمة(تردستی و تند کاری)فان المشعوذ الحاذق یفعل الأمور العادیة،و الأفعال المتعارفة بتمام السرعة،بحیث یشغل أذهان الناظرین بأشیاء،و یأخذ حواشیهم إلیها،ثم یعمل شیئا آخر بسرعة شدیدة و بحرکة خفیفة فیظهر لهم غیر ما انتظروه،و یتعجبون منه و لکن الصادر منه أمر واقعی،کأخذ الأشیاء من موضع و وضعها فی موضع آخر بالسرعة التامة حتی یتخیل الناظر إلیها أنها انتقلت بنفسها،فالنقل و الانتقال أمر حقیقی،و لکن الناظر لا یلتفت الی الناقل،و هذا بخلاف السحر،فإنه أمر خیالی محض کما عرفت التنبیه علیه و من هنا اتضح الفرق بین الشعوذة و المعجزة أیضا.و اما ما ذکره الأصحاب من بیان حقیقة السحر و أسبابه و اقسامه فکلها تقریبیة،فإن انطبق علی ما ذکرناه فهو،و إلا فیرد الی قائله،و هو أعرف بمقاله.

أقسام السحر

و لا بأس بالتعرض لما ذکره الأصحاب من أقسام السحر لیعلم هل انما مشمولة لما دل علی حرمة السحر أم لا؟و قد تکلم علیها العلامة المجلسی فی البحار (1)و أطال الکلام فیها موضوعا و حکما،نقضا و إبراما.

و حاصل کلامه فی تحقیق أقسام السحر:انه علی أنواع شتی،

النوع الأول:سخر

الکذابین(أو الکلدانیین)الذین کانوا من قدیم الدهر،و هم قوم یعبدون الکواکب،

و یزعمون کونها مدبرة للعالم السفلی،و مبادی لصدور الخیرات و الشرور،و قد بعث اللّه إبراهیم«ع»مبطلا لمقالتهم و هدم أساس مذهبهم،و هم علی فرق ثلاث:

فان منهم من یزعم ان الکواکب هی الواجبة الخالقة للعالم،و منهم من یزعم أنها قدیمة لقدم العلة المؤثرة فیها،و منهم من یزعم أنها حادثة مخلوقة،و لکنها فعالة مختارة فوض خالقها أمر العالم إلیها.

و الساحر من هذه الفرق الثلاثة من یعرف القوی العالیة الفعالة:بسائطها و مرکباتها، و یعرف ما یلیق بالعالم السفلی و حوادثه،و یعرف معدات هذه الحوادث لیعدها،و عوائقها لیرفعها بحسب الطاقة البشریة،فیکون متمکنا من استحداث ما یخرق العادة.انتهی ملخص کلام المجلسی فی النوع الأول.

أقول:قد عرفت ان السحر هو صرف الشیء عن وجهه علی سبیل الخدیعة و التمویه

ص:288


1- 1) راجع ج 14 ص 251.

من دون أن یکون له واقعیة،فاستحداث الأمور الخارقة للعادة لیس من السحر،و لو تمکن أحد من إحداث الأمور الغریبة بواسطة القوة النفسانیة الحاصلة بالریاضة،أو بصرف المقدمات فلا یقال له:إنه ساحر،بل لا دلیل علی حرمته،فان هذا شعار أهل الکرامة.

نعم لا شبهة فی کفر الفرق المذکورة،کما اعترف به المجلسی(ره)حتی الفرقة الثالثة القائلة:بتفویض أمر العالم الی الکواکب،فان قولهم هذا مخالف لضرورة الدین،فان اللّه هو الذی یحیی و یمیت،و یهب لمن یشاء ذکورا،و یهب لمن یشاء إناثا،و یصور فی الأرحام کیف یشاء.

النوع الثانی:سحر أصحاب الأوهام و النفوس القویة،

فقد ثبت بالوجوه العدیدة إمکان تسلط النفوس علی جوارح الغیر و أعضائه،فتسخره للقیام بحرکات و تأدیة أعمال علی غیر ارادة منه،و من دون وساطة شیء آخر.

و هذه النفوس قد تکون لریاضاتها قویة صافیة عن الکدورات البدنیة،فتستغنی فی تأثیرها عن الاستعانة بأدوات من خارجها،و تصدر عنها الأمور الغریبة الخارقة للعادة، و قد تکون ضعیفة و ممزوجة بأوساخ المواد،فتحتاج فی إتمام تأثیرها إلی الاستعانة بأدوات سحریة أخری،انتهی حاصل کلامه فی النوع الثانی.

أقول:لا شبهة أن بعض النفوس لصفائها بالریاضات تؤثر فی الأمور التکوینیة،و تصرفها عن وجهها صرفا حقیقیا،کإیقاف الماشی عن المشی،و المیاه الجاریة عن الجریان،بل قیل إن هذا المعنی مکنون فی الأسد بحسب الغریزة و الطبیعة،فإنه إذا نظر الی حیوان أوقفه عن المشی و الحرکة،إلا أنه لا دلیل علی حرمته بعنوان الأولی ما لم یترتب علیه شیء من العناوین المحرمة،بل نمنع عن صدق السحر علیه،و إنما هو نحو من الکرامة إن کان بطریق حق،و من الکفر أو الفسق إن کان بطریق الباطل.

و لا نظن أن یتوهم أحد أن تصفیة النفس بالریاضات الحقة حتی تصیر مؤثرة فی الأمور التکوینیة من المحرمات،بل هو مطلوب فی الشریعة المقدسة إذا کان بالإطاعة و التقوی، و من المعروف المشهور أن سلمان رضی اللّه عنه قد وصل بمجاهداته و تقواه و عظیم طاعته لمولاه الی حد أن انقادت الأمور التکوینیة لإرادته و التزمت فرض طاعته.

النوع الثالث:من السحر الاستعانة بالأرواح الأرضیة،

و اعلم أن القول بوجود الجن مما أنکره بعض المتأخرین من الفلاسفة و المعتزلة.و أما أکابر الفلاسفة فإنهم لم ینکروا القول بوجود الجن،و لکنهم سموها بالأرواح الأرضیة.

و هی بأنفسها مختلفة الأصناف،فإن منها خیرة و منها شریرة.و قد شاهد أهل الصنعة

ص:289

و التجربة أن الاتصال بها یحصل بأمور خفیفة و بأفعال سهلة لا مشقة فی إیجادها،کالرق و الدخن و التجرید،و قد سموا هذا النوع بالعزائم و عمل تسخیر الجن،انتهی حاصل کلام المجلسی فی النوع الثالث.

أقول:لا ریب فی خروج هذا النوع أیضا من السحر موضوعا و حکما،تعلیما و تعلما، بل لا دلیل علی حرمته فی نفسه إلا إذا ترتب علیه عنوان محرم من إیذاء إنسان و الإضرار به،أو کانت مقدماتها محرمة،فیحرم الاشتغال بها،و إلا فلا یحرم استخدام الجن، و کشف الغائبات بواسطتهم،بل لا دلیل علی حرمة إیذاهم.

النوع الرابع:مما ذکره المجلسی(ره)من أقسام السحر:التخیلات و الأخذ بالعیون،

و هذا النوع یتضح بأمور:

الأول:وقوع الاغلاط فی البصر کثیرا،فان الساکن قد یری متحرکا و بالعکس، کما أن راکب السفینة إذا نظر الی البحر یری السفینة ساکنة و یری الماء متحرکا،و القطرة النازلة من السماء تری خطا مستقیما،و الشعلة الجوالة تری دائرة من النار،و الأشیاء الصغیرة تری فی الماء کبیرة،و غیر ذلک من أغلاط البصر.

الثانی:أن المحسوسات قد یختلط بعضها ببعض إذا کانت مدرکة بسرعة النظر،لأن القوة الباصرة إذا وقفت علی محسوس وقوفا تاما فی زمان معتد به أدرکته علی نحو لا یشتبه بغیره کثیرا،و أما إذا أدرکته فی زمان قلیل،ثم أدرکت محسوسا آخر و هکذا،فإنه یختلط بعضه ببعض.

الثالث:أنه قد تشغل النفس بشیء فلا تشعر حینئذ بشیء و إن کان حاضرا عند الإنسان کالوارد علی السلطان،فإنه قد یلقاه شخص فیتکلم معه،و لکن لا یلتفت الیه،و الناظر فی المرآة یری القذارة فی عینیه و لا یری أکبر منها.

إذا عرفت هذه الأمور اتضح لک تصویر هذا النوع من السحر،فان المشعبذ الحاذق یشغل أذهان الناظرین بأمور،و یأخذ بأبصارهم،ثم یعمل شیئا آخر بسرعة شدیدة، و بحرکة خفیفة،فیظهر لهم غیر ما انتظروه،فیتعجبون منه.

أقول:هذا النوع هو المعروف بالشعوذة،فلا یرتبط بالسحر،و سیأتی أنه لا دلیل علی حرمتها،فإنها لیست إلا الحرکة السریعة فی الأعضاء،فلا معنی لحرمتها فی نفسها،إلا إذا اقترنت بعناوین محرمة.نعم أطلق علیها السحر فی خبر الاحتجاج المتقدم فی الحاشیة، فإنه قد ذکر الامام«ع»فیه:(و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاریق و خفة)إلا أنه علی سبیل المجازیة،فقد عرفت الفرق بین السحر و الشعوذة،و عدم صدق کل منهما علی الآخر

ص:290

النوع الخامس:الاعمال العجیبة التی تظهر من ترکیب الآلات علی النسب الهندسیة،

کراقص یرقص،و کفارسین یقتتلان،و کراکب علی فرسه،و فی یده بوق کلما مضی ساعة من النهار ضرب البوق من غیر أن یمسه أحد،و من هذا القبیل الصور المصنوعة لأهل الروم و الهند بحیث یراها الناظر إلیها إنسانا علی کیفیات مختلفة ضاحکة و باکیة حتی یفرق فیها بین ضحک السرور و ضحک الخجل و ضحک الشامت،فهذه الوجوه کلها من لطائف التخایل، و کان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب.

و من ذلک أیضا ترکیب صندوق الساعات،و علم جر الأثقال و الأجسام العظیمة بآلات خفیفة،و هذا النوع فی الحقیقة لا ینبغی أن یعد من السحر،فان لها أسبابا معلومة معینة، و من اطلع علیها قدر علی إیجادها،و حیث لم یصل إلیها إلا الفرد النادر لصعوبتها عدها أهل الظاهر من السحر،انتهی ملخص کلامه.

أقول:إن إیجاد الصنائع المعجبة و ترکیب الأمور الغریبة-کما هو المعروف کثیرا فی العصر الحاضر،کالطائرات و القطارات و السیارات و سائر أدوات النقل و الآلات العجیبة المعدة للحرب-لیس من المحرمات بعناوینها الأولیة إلا إذا انطبقت علیه عناوین محرمة اخری،و لیس من مقولة السحر،کما اعترف به المجلسی،و لم یثبت کون سحر سحرة فرعون من هذا القبیل.

النوع السادس من السحر:الاستعانة بخواص الأدویة

مثل أن تجعل فی الطعام بعض الأدویة المبدلة،أو المزیلة للعقل،أو الدخن المسکر«البخور»أو عصارة البنج المجعول فی الملبس،و هذا مما لا سبیل إلی إنکاره،فإن أثر المغناطیس شاهد.انتهی ملخص کلام المجلسی.

أقول:هذا النوع أیضا خارج عن السحر موضوعا و حکما،و إنما هی أسرار یکتشفها علم الکیمیاء،و قد یستعان بها فی علم الطب،و لو کانت الاستعانة بالأدویة محرمة للزم القول بحرمة علم الطب،و لم یلتزم به أحد،بل وجوبه من الضروریات عند الملل و عقلاء العالم

النوع السابع من السحر:تعلیق القلب،

و هو أن یدعی الساحر علم الکیمیاء و علم اللیمیا و الاسم الأعظم،و یدعی أن الجن یطیعونه،فإذا کان السامع ضعیف العقل قلیل التمیز اعتقد بذلک و تعلق قلبه به،و یلزم ذلک أن یحصل فیه الرعب و الخوف،و یفعل فیه الساحر ما یشاء،مع أن تلک الدعاوی لیس لها أصل،و من جرب هذا المعنی و أهله علم أن لتعلیق القلب أثرا عظیما من حیث الخوف و الرجاء کلیهما.

و فیه أنه لا وجه لجعله من أقسام السحر،و إنما هو قسم من الکذب،إذا لم یکن له

ص:291

واقع،علی أن تعلیق القلب لو کان سحرا لکانت الاستمالة بمطلقها سحرا محرما،سواء کانت بالأمور الواقعیة أم بغیرها.

النوع الثامن:النمیمة.

و فیه أنها و إن کانت محرمة بالضرورة عند الفریقین،بل عند العقلاء،إلا أنها أجنبیة عن السحر و عن مورد الأخبار الدالة علی کفر الساحر و وجوب قتله،فان من البدیهی أن التمام لیس بکافر و لا یجوز قتله.

و علی الجملة لم یتحصل لنا من الأقسام المذکورة ما یکون سحرا و محرما بعنوانه،فانحصر السحر المحرم بما ذکرناه:أعنی صرف الشیء عن وجهه علی سبیل الخدعة و التمویه.و قد تقدم أن هذا هو المورد للأخبار الدالة علی حرمة السحر.

ثم إنه ورد فی جملة من الروایات المتقدمة ما دل علی کفر الساحر.و فی الروایات الأخری المتقدمة فی الحاشیة أنه یقتل.

أما الحکم بالکفر فلا یمکن أن یراد به الکفر المصطلح فی الشرعیة المقدسة.ضرورة عدم جریان أحکام الکفر علیه،و من قسمة الأموال،و بینونة زوجته و الحکم بنجاسته، فیشمله ما دل علی إسلام من أقر بالشهادتین و المعاد،علی أنا لم نر و لم نسمع من یعامل الساحر معاملة الکافر حتی فی زمن النبی(صلی الله علیه و آله)و الأئمة.

و یؤید ما ذکرناه ما سیأتی فی البحث عن جواز دفع السحر بالسحر من قوله«ع»للساحر الذی أخذ السحر صناعة لنفسه:(حل و لا تعقد).فلو کان السحر موجبا للکفر لحکم أبو عبد اللّه بکفره،و لکن الروایة مجهولة.

و کیف کان فما دل علی کفر الساحر لا بد من حمله إما علی مستحل السحر،و إما علی من یعارض به القرآن و النبوة،و یدعی به الرسالة أو الإمامة،أو یدعی ما لا یقدر علیه إلا اللّه،و یدل علی الأخیر ما فی روایة العسکری«ع»فی قصة هاروت و ماروت من قوله علیه السلام:(فلا تکفر باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار و دعاء الناس الی أن یعتقدوا أنک تحیی و تمیت و تفعل ما لا یقدر علیه إلا اللّه فان ذلک کفر).

و لکن الروایة ضعیفة السند.و سنتعرض لها فی البحث عن جواز دفع السحر بالسحر و أما الحکم بقتله فهو المشهور بین الأصحاب،بل فی کلمات غیر واحد منهم دعوی الإجماع علیه من دون فرق بین المستحل و غیره.

و فی حدود الریاض:(یقتل الساحر إذا کان مسلما،و یعزر إذا کان کافرا،بلا خلاف فتوی و نصا،ثم قال:إن مقتضی إطلاق النص و الفتوی بقتله عدم الفرق فیه بین کونه مستحلا أم لا،و به صرح بعض الأصحاب،و حکی آخر من متأخر المتأخرین قولا بتقییده

ص:292

بالأول،و وجهه غیر واضح).

أقول:(قد ورد فی الروایات العدیدة المتقدمة فی أول المسألة أن حد الساحر هو القتل، إلا أنها روایات ضعیفة،و غیر منجبرة بالشهرة الفتوائیة،فقد عرفت مرارا أنها لا تجبر ضعف الروایة.و علیه فان تم الإجماع و التسالم علی ذلک أخذ به،و إلا فعمومات ما دل علی حرمة قتل النفس محکمة.

نعم إذا کان الساحر مستحلا للسحر،أو کان یعارض به بعض المناصب الإلهیة وجب قتله،إلا أن القتل لم یجب علیه بما أنه ساحر،بل بما أنه منکر لما هو من ضروریات الإسلام.

قوله و بعضها قد ذکر فیما ذکره فی الاحتجاج. أقول:قد ظهر مما تقدم أن إطلاق السحر علی بعض الأمور المذکورة فی خبر الاحتجاج-کالسرعة و الخفة و النمیمة- إنما هو بنحو من العنایة و المجاز،علی أن الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بشیء.

قوله و أما الأقسام الأربعة المتقدمة من الإیضاح إلخ. أقول:قال فی محکی الإیضاح:إن استحداث الخوارق إما بمجرد التأثیرات النفسانیة:و هو السحر،أو بالاستعانة بالفلکیات فقط:و هو دعوة الکواکب،أو بتمزیج القوی السماویة بالقوی الأرضیة:و هی الطلسمات،أو علی سبیل الاستعانة بالأرواح الساذجة:و هی العزائم، و یدخل فیه النیرنجات،و الکل حرام فی شریعة الإسلام و مستحله کافر.

و تبعه المصنف فی ذلک،لوجهین:الأول شهادة المجلسی(ره)فی البحار بدخولها فی السحر عند أهل الشرع،فتشملها الإطلاقات.

الثانی:دعوی فخر الدین فی الإیضاح کون حرمتها من ضروریات الدین،و هذا الوجه یوجب الاطمئنان بالحکم،و باتفاق العلماء علیه فی جمیع الأعصار.

أما الوجه الأول:فیرد علیه أولا انه لا حجیة فی شهادة المجلسی،لاستناده الی اجتهاده و قد اعترف به المصنف أیضا فیما سیأتی.فقد قال:(لکن الظاهر استناد شهادتهم الی الاجتهاد).

و ثانیا:أنا لم نجد فی کلام المجلسی شهادة علی کون الأقسام المذکورة من السحر عند عرف الشارع،فإنه قال:(إن لفظ السحر فی عرف الشرع مختص بکل مخفی سببه، و یتخیل علی غیر حقیقته،و یجری مجری التمویه و الخداع).ثم ذکر الأنواع المتقدمة، و أی شهادة فی ذلک علی مقصود المصنف.

و ثالثا:أنک قد عرفت خروج کثیر من الأقسام المزبورة بل کلها عن حقیقة السحر.

ص:293

بل یکفی الشک فی منع شمول الإطلاقات لها،لعدم جواز التمسک بها عند الشک فی الصدق.

و رابعا:ما ذکره المصنف فیما سیأتی من معارضة شهادة المجلسی بما ذکره الفخر من إخراج علمی الخواص و الحیل من السحر،و بما ذکره صاحب لک و غیره من تخصیصهم السحر بما یحدث ضررا،و بما ذکره العلامة من تخصیصه السحر بما یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله،و هذه الشهادات من هؤلاء الأعیان تکشف عن عدم العموم فی لفظ السحر لجمیع ما تقدم،و عن کون الإطلاق فی جملة منها مجازا.

و من هنا ظهر الجواب عن الوجه الثانی أیضا.علی أن الدعوی المذکورة لا توجب الاطمئنان بالحکم إلا فی المورد المتیقن،کالإضرار بالمسحور فی عقله أو بدنه أو ماله أو ما یرجع الیه من شؤونه،و أما فی غیر الموارد المتیقنة فإنه لا دلیل علی حرمة الاستعانة بالأمور المتقدمة،بل ربما تکون مطلوبة لإبطال سحر مدعی النبوة و الإمامة،و مع الشک فیه فأصالة البراءة محکمة.

عدم اختصاص حرمة السحر

بالمضر منه هل تختص حرمة السحر بالمضر منه أو تعم غیر المضر أیضا؟فیه خلاف.فالمحکی عن الشهیدین فی الدروس و لک ان المعتبر فی السحر الإضرار،و عن شارح النخبة أن ما کان من الطلسمات مشتملا علی إضرار أو تمویه علی المسلمین أو الاستهانة بشیء من حرمات اللّه فهو حرام،سواء عد من السحر أم لا،و عن جملة من الأکابر انه حرام مطلقا سواء أ کان مضرا أم لا تمسکا بظاهر الإطلاقات المتقدمة،و من هنا ظهر أنه لا وجه لتقیید السحر بما کان مؤثرا فی بدن المسحور أو عقله أو قلبه من غیر مباشرة کما عرفته عن العلامة فی القواعد.

و قد یستدل علی اختصاص حرمة السحر بالمضر منه ببعض الروایات الواردة فی قصة هاروت و ماروت،و سیأتی ذکرها.

و فیه أولا:أن هذه الروایات ضعیفة السند.و ثانیا:أنه لا تنافی بینها و بین المطلقات الدالة علی حرمة السحر مطلقا.

قوله فمثل احداث حب مفرط فی الشخص بعد سحرا. أقول:الوجه فیه ما ورد

ص:294

فی بعض الأحادیث[1]من تشدید النبی(صلی الله علیه و آله)المرأة التی صنعت ذلک لزوجها،و استقباله إیاها باللعن و التوبیخ،و حکمه علیها بعدم قبول التوبة.

و فیه أولا:أنه لیس فی الروایة ما یدل علی کون المصنوع سحرا.و ثانیا:أن العمل بها یقتضی حرمة إدخال الزوجة حبها فی قلب الزوج و إن کان ذلک بالأخلاق الحسنة و الأفعال المرضیة،مع انه مطلوب فی الشریعة المقدسة،و قد أمر به فی الأخبار المتظافرة،بل المتواترة المذکورة فی أبواب مقدمات النکاح،و علیه فلا بد من حمل الروایة علی کون المصنوع أمرا غیر مشروع یوجب تکدر البحار و الطین،و استحقاق المرأة باللعن و ثالثا:ان الروایة مخالفة للقواعد،فإنها مشتملة علی عدم قبول التوبة من المرأة التی صنعت لزوجها شیئا یوجب المحبة و العطف،مع ان الثابت فی الإسلام جواز توبة المرأة المرتدة،سواء أ کانت فطریة أو ملیة،و من المقطوع به ان سحرها لا یزید علی الارتداد، و یضاف الی جمیع ما ذکرناه ان الروایة ضعیفة السند.

جواز دفع ضرر السحر بالسحر

قوله بقی الکلام فی جواز دفع ضرر السحر بالسحر. أقول:و قد یستدل علی الجواز بالروایات[2]الواردة فی قصة هاروت و ماروت و غیرها،فإنها تدل علی جواز

ص:295

دفع ضرر السحر بالسحر.و فیه انها و إن کانت ظاهرة الدلالة علی ذلک،و لکنها ضعیفة السند،فلا یمکن الاستناد إلیها.

نعم یمکن الاستدلال علی الجواز بالآیة الواردة فی قصة هاروت و ماروت[1]بتقریب أن السحر لو لم یکن جائز الاستعمال حتی فی مقام دفع الضرر لم یجز تعلیمه أصلا،فجواز التعلیم یدل علی جواز العمل به فی الجملة،و القدر المتیقن منه هو صورة دفع ضرر الساحر، و کیف کان فلا ریب فی انه قد یجب إذا توقفت علیه مصلحة ملزمة،کما إذا ادعی الساحر منصبا من المناصب الإلهیة،کالنبوة و الإمامة.

التسخیر لیس من السحر

و قد یقال:بأن من السحر التسخیرات بأقسامها حتی تسخیر الحیوانات،بدعوی أن تعاریف السحر صادقة علیها،حتی ان الشهیدین مع أخذهما الإضرار فی تحریم السحر ذکروا ان استخدام الملائکة و الجن من السحر،و علیه فتشملها الإطلاقات المتقدمة الدالة علی حرمة السحر بجمیع شؤونه.

و فیه أنک قد عرفت خروج الاستعانة بالأرواح الأرضیة و استخدام الجن من السحر موضوعا و حکما.و حینئذ فإن انطبق علی ذلک شیء من العناوین المحرمة حکم علیه بالحرمة لتلک الجهة المحرمة،لا لکونه سحرا،کما إذا اشتملت التسخیرات علی المقدمات المحرمة،

ص:296

أو کان المسخر بالکسر لعمله ذلک عرضا للتضرر أو التلف أو الجنون،أو لارتکاب شیء آخر من الأمور غیر المشروعة،أو کان المسخر بالفتح مؤمنا من الإنس أو ملکا،و کان التسخیر ظلما علیهم،و مع انتفاء العناوین المحرمة فلا وجه للحرمة،کتسخیر الکفار من الانس و الجن و إن اشتمل ذلک علی إیذائهم،و إلا لما جاز قتل الکفار،و أخذ الجزیة منهم و هم صاغرون.

و کذلک یجوز تسخیر الحیوانات مطلقا،خصوصا المؤذیات منهم کالعقارب و الحیات و السباع،و إلا لما جاز استخدام الحمولة،و قتل المؤذیات منها،و قد أجاد المحقق الایروانی و قال:(فالأمر فی تسخیر الحیوانات أوضح،فهل یمکن الالتزام بجواز تسخیر الحیوانات بالقهر و الغلبة و الضرب،و مع ذلک لا یجوز تسخیرها بما یوجب دخولها تحت الخدمة طوعا)

الشعوذة

قوله الحادیة عشرة الشعبذة حرام بلا خلاف. أقول:الشعوذة[1]هی اللعبة المعروفة:أعنی الخفة فی الحرکة المعبر عنها فی لغة الفرس بکلمة(تردستی)و أما الذی یترتب علی الشعوذة فهو أمر واقعی،فان المشعوذ یفعل ما یفعله سائر الناس من الأمور العادیة، إلا أنه یشغل أذهان الناظرین بسرعة حرکته و خفة یده بحیث یتعجبون من أفعاله من غیر أن تکون تلک الأفعال الصادرة منه خیالیة محضة کما فی السحر أو غیر جاریة علی السیر الطبیعی کما فی المعجزات،علی ما عرفت من التفرقة بینها و بین السحر و المعجزة فی المسألة السابقة.و یمکن أن تکون الشعوذة أعم من السحر،و یظهر ذلک من ملاحظة ما ذکره

ص:297

بعض اللغویین مع ملاحظة ما ذکرناه فی معنی الشعوذة بحسب المتفاهم العرفی.و لکن الظاهر هو ما ذکرناه من المبائنة بینهما.

و قد استدل المصنف(ره)علی حرمة الشعوذة بأمور:

الأول:الإجماع.و فیه أنه لیس هنا إجماع تعبدی،لاحتمال استناده إلی سائر الوجوه المذکورة فی المسألة.

الثانی:أنه من اللهو و الباطل.و فیه أنه ممنوع صغری و کبری،أما الوجه فی منع الصغری فلأنا لا نسلم کونها من اللهو و الباطل إذا ترتب علیها غرض عقلائی.و أما الوجه فی منع الکبری فلأنه لا دلیل علی حرمتهما علی الإطلاق،بل الحرام منهما هو القسم الخاص.

الثالث:قوله«ع»فی خبر الاحتجاج:(و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاریق و خفة).و فیه أولا:إنه ضعیف السند و غیر منجبر بشیء و قد تقدم ذلک آنفا.و أما جبره بالإجماع المحکی،فإن الإجماع إن کان حجة فی نفسه لزم اتباعه لذلک،و إلا فإن ضم غیر الحجة إلی مثله لا یفید الاعتبار.

الرابع:صدق بعض تعاریف السحر علی الشعوذة،فتکون مشمولة لما دل علی حرمة السحر.و فیه أنک قد عرفت خروجها عن حدود السحر موضوعا،و عدم صدقة علیها.

الغش الحرام
اشارة

قوله الثانیة عشرة الغش حرام بلا خلاف. أقول:لا شبهة فی حرمة غش المسلم فی الجملة بلا خلاف بین الشیعة و أهل السنة[1]لتواتر الروایات من طرقنا[2]

ص:298

و من طرق العامة (1)بل هی من ضروریات مذهب المسلمین.

و العجب من المحقق الایروانی حیث ألغی عنوان الغش عن الموضوعیة و التزم بحرمته للعناوین الثانویة من الکذب و أکل أموال الناس بلا رضی منهم!.

و لا ریب أن الروایات حجة علیه،لظهورها فی حرمة الغش فی نفسه،فإذا تحقق موضوعه فی مورد ترتب علیه حکمه،کسائر القضایا الحقیقیة،و سیأتی أن موضوع الغش أمر عرفی.

فقد ظهر أنه لا وجه لما ارتکبه المحقق المذکور من السیر و التقسیم فی نفی موضوعیة الغش بدعوی أنه لا دلیل علی حرمة شوب اللبن بالماء و لا علی حرمة عرض المشوب علی البیع،و لا علی حرمة مجرد الإنشاء،فتعین أن یکون الغش المحرم أخذ قیمة غیر المغشوش بإزاء المغشوش

ص:299


1- 1) راجع ج 5 سنن البیهقی ص 320.
موضوع الغش

لا شک فی أن الغش لیست له حقیقة شرعیة،و لا متشرعیة،بل المراد به ما جری علیه العرف و اللغة[1]من کونه بمعنی الکدر و الخدیعة و الخیانة،و یعبر عنه فی لغة الفرس بکلمة(گول زدن)و لا یتحقق ذلک إلا بعلم الغاش و جهل المغشوش،فإذا کان کلاهما عالمین بالواقع،أو جاهلین به،أو کان الغاش جاهلا و المغشوش عالما انتفی مفهوم الغش.

ثم إنه لا یعتبر فی مفهوم الغش انحصار معرفته بالغاش،فإن أکثر أفراد الغش یعرفه نوع الناس بإمعان النظر،خصوصا من کان من أهل الفطانة و التجربة،و من کان شغله الغش،فإنه لا شبهة أن من الغش جعل الجید من الحبوب علی ظاهر الصبرة و ردیه فی باطنها و بیع الأمتعة فی الظلال،و من الواضح أن نوع الناس یلتفتون الی الغش فی أمثال ذلک بتدقیق النظر،و لو اختص مفهوم الغش بما انحصر طریق معرفته بالغاش لم یبق له إلا مورد نادر.

نعم قد تنحصر معرفته بالغاش کمزج اللبن بالماء،و خلط الدهن الجید بالدهن الردی، و وضع الحریر و نحوه فی مکان بارد لیکتسب ثقلا،و بیع الحیوان مسموما لا یبقی أزید من یوم و یومین،و غیر ذلک من الموارد التی لا یطلع علی الغش إلا خصوص الغاش فقط، و لکن هذا لا یوجب اختصاص الغش بتلک الموارد،و عدم تحقق مفهومه فی غیرها.

و قد ظهر مما ذکرناه أن الغش لا یصدق لغة و لا عرفا علی الخلط الظاهر الذی لا تحتاج معرفته إلی إمعان النظر،فإذا مزج الردی بالجید مزجا یعرفه أی ناظر الیه من الناس-بغیر تدقیق النظر،و جعل الردی فی ظاهر الصبرة و الجید فی باطنها-فان ذلک لا یکون غشا، و یدل علی ذلک بعض الأحادیث[2].

ص:300

تذییل

إن ظاهر المطلقات المتقدمة هو حرمة الغش علی وجه الإطلاق سواء أ کان فی المعاملة أم فی غیرها،إلا أنه لا بد من صرفها الی خصوص المعاملات فی الجملة،بداهة أنه لا بأس بتزیین الدور و الألبسة و الأمتعة لإراءة أنها جدیدة،مع أنها عتیقة،و کذلک لا بأس بإطعام الطعام المغشوش و سقی اللبن الممزوج للضیف و غیره،و بذل الأموال المغشوشة للفقراء.بل یمکن دعوی عدم صدق الغش فی هذه الموارد،أو فی بعضها.نعم لو أخبر بموافقة الظاهر فی ذلک للواقع کان حراما من جهة الکذب،سواء کان إخباره قولیا أم فعلیا،و هو أجنبی عما نحن فیه.

لا یعتبر فی صدق الغش قصد مفهومه

قوله و یمکن أن یمنع صدق الاخبار المذکورة إلا علی ما قصد التلبیس. أقول:

ظاهر المصنف أنه یعتبر فی حقیقة الغش قصد مفهومه من التلبیس و الخدیعة.و أما ما یکون ملتبسا فی نفسه فلا یجب علیه الإعلام به.

و فیه أنه لا دلیل علی اعتبار القصد بمعنی الداعی فی مفهوم الغش.بداهة کونه من الأمور الواقعیة،و هی لا تختلف باختلاف الدواعی کالأمور القصدیة،و إنما المعتبر فیه علم البائع بالخلط مع جهل المشتری إیاه.

و علیه فإذا اختلط الجید بالردی أو امتزج اللبن بالماء بغیر اختیار من المالک،و لا رضی و باعهما بدون التنبیه کان ذلک أیضا غشا محرما،لإطلاق الروایات،و عدم دلالة شیء منها علی اعتبار القصد فی تحقق الغش.

و مما ذکرناه ظهر بطلان ما فی الریاض من قوله ثم لو غش لا بقصده بل بقصد إصلاح المال لم یحرم للأصل و اختصاص ما مر من النص بحکم التبادر بصورة القصد).

ص:301

حکم المعاملة المشتملة علی الغش

من حیث الصحة أو الفساد

قوله ثم إن فی جامع المقاصد ذکر فی الغش بما یخفی بعد تمثیله له بمزج اللبن بالماء وجهین فی صحة المعاملة و فسادها. أقول:ضابط الصحة و الفساد فی المقام هو ما حققناه فی البحث عن بیع الدراهم المغشوشة و غیره،و إجماله:أن المبیع إما أن یکون کلیا، و یکون الغش فی الفرد المقبوض،کما إذا باع منا من الحنطة الجیدة.و دفع عنها حنطة مغشوشة فإنه لا شبهة فی صحة البیع فی هذه الصورة،لعدم کون الغش فی البیع،و إنما هو فی تطبیق المبیع الکلی علی الفرد الخارجی،فللمشتری تبدیله بغیره.

و إما أن یکون المبیع شخصیا،و هو علی أقسام،لأن الأوصاف المأخوذة فی المبیع قد تکون من قبیل الصور النوعیة فی نظر العرف،و لا شبهة فی بطلان البیع فی هذه الصورة إذا ظهر المبیع مغشوشا،کما إذا باع فلزا علی أنه ذهب فبان مذهبا.و وجه البطلان أن ما وقع علیه العقد لیس بموجود،و ما هو موجود لم یقع علیه العقد.

و قد تکون الأوصاف المأخوذة فیه من قبیل وصف الکمال أو الصحة،کما إذا باع عبدا علی أنه کاتب أو نجار أو بصیر فبان أنه لا یحسن الکتابة و التجارة أو أنه أعمی،و حینئذ فإن کان العقد معلقا علی الوصف بحیث ینتفی البیع مع انتفاء الوصف فهو باطل،للتعلیق المجمع علی کونه مبطلا للعقد،و إن کان مشروطا بالوصف حکم بالصحة.

و علیه فإذا کان التخلف فی الأوصاف الکمالیة ثبت خیار تخلف الشرط للمشتری.و إذا کان التخلف فی وصف الصحة کان المشتری مخیرا بین الأمور الثلاثة الفسخ،أو الإمضاء بدون الأرش،أو الإمضاء معه.

و قد یکون المبیع المجموع المرکب من جزئین،أو من أجزاء،و هو علی قسمین:

أحدهما:أن یکون للهیئة الاجتماعیة دخل فی ازدیاد الثمن،بأن کانت واسطة فی زیادة مالیة المبیع و إن لم یقابلها بنفسها جزء من الثمن،کما هو الشأن فی عامة الأوصاف حتی ما کان من قبیل الصور النوعیة.

و علیه فلا شبهة فی بطلان البیع فی الجزء الفائت و کون المشتری مخیرا فی الباقی بین الفسخ و الإمضاء.و مثاله أن یبیع دورة البحار،فیظهر ان احد الأجزاء التی وقع علیها البیع کتاب لغة،أو یبیع مصراعی الباب،فیبین أنه مصراع واحد،أو یبیع زوجی

ص:302

الخف فیبین أنه فرد واحد،أو یبیع عدلی الغرارة-أی الجوالق-فیبین أنه عدل واحد.

و غیر ذلک من الأمثلة.فإنه لا شبهة فی دخل الهیئة الاجتماعیة فی زیادة المالیة فی الأمور المذکورة،فیترتب علیها الحکم المزبور.

و ثانیهما:ان لا یکون للهیئة الاجتماعیة مساس فی زیادة مالیة المبیع أصلا،بل کان الانضمام کوضع الحجر فی جنب الإنسان،و علیه فلا شبهة فی صحة البیع و لزومه بالنسبة إلی الجزء الموجود،من دون ان یثبت للمشتری خیار تخلف الوصف،کما إذا باع صبرة حنطة بدینارین علی انها وزنتان فوجد نصفها ترابا،فیصح البیع فی الوزنة الموجودة و یبطل فی الأخری،فإن مرجع ذلک الی بیع کل وزنة من هذه الحنطة بدینار.و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف من أن الغش(إن کان من قبیل التراب الکثیر فی الحنطة کان له حکم تبعض الصفقة و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد).

و من جمیع ما ذکرناه یظهر ضعف کلام الشهید حیث قال فی شرائط الاقتداء من الذکری:(الثالث یشترط القصد الی إمام معین)الی ان قال:(و لو نوی الاقتداء بالحاضر علی أنه زید فبان عمروا ففی ترجیح الإشارة علی الاسم،فیصح،أو بالعکس،فیبطل نظر،نظیر ان یقول المطلق لزوجة اسمها عمرة:هذه-هنا-زینب طالق،و یشیر البائع إلی حمار،فیقول:بعتک هذا الفرس).و منشأ للتردد فی ذلک تغلیب الإشارة أو الوصف و یضاف الی ما ذکرناه انک قد عرفت فی مبحث التطفیف:ان البیع من الأمور القصدیة فلا معنی لتردد المتبایعین فیما قصداه.

و کذلک ظهر بطلان ما استدل به القائلون بالفساد مطلقا من أن العقد لم یتعلق بذات المبیع بأی عنوان اتفق،بل تعلق بالمبیع بعنوان انه غیر مغشوش،فإذا ظهور الغش فقد ظهر ان ما هو المبیع غیر موجود،و ما هو موجود غیر المبیع.

و وجه البطلان انه إنما یتم فیما إذا کانت الأوصاف المختلفة من قبیل الصور النوعیة لا مطلقا،و قد أوضحنا ذلک فیما تقدم.

و قد یستدل علی الفساد بوجوه أخر،قد أشار إلیها المصنف:

الأول:النهی الوارد عن بیع المغشوش،فإنه یدل علی فساده.و فیه انا لم نجد ما یدل علی النهی عن بیع المغشوش فی نفسه غیر خبر موسی بن بکر،و خبر الجعفی،و سیجیء الکلام علیهما.

الثانی:النهی عن الغش الوارد فی الروایات الکثیرة،و قد تقدم ذکرها فی الحاشیة، و من الواضح ان الغش متحد مع البیع،کما تدل علیه روایة هشام المتقدمة(أما علمت ان

ص:303

البیع فی الظلال غش).فیدل علی الفساد.

و فیه ان النهی إنما تعلق بالغش،و هو أمر خارج عن البیع،و النهی إذا تعلق بأمر خارج عن الشیء لا یدل علی فساد ذلک الشیء،و قد حقق ذلک فی محله.و اما روایة هشام فهی لا تدل علی أزید من ذلک،خصوصا بعد ملاحظة قوله«ع»فی ذیلها:(و الغش لا یحل) فإنه ظاهر فی الحکم التکلیفی فقط.

الثالث:خبر موسی بن بکر عن أبی الحسن«ع»فإنه(أخذ دینارا من الدنانیر المصبوبة بین یدیه فقطعها بنصفین ثم قال:ألقه فی البالوعة حتی لا یباع شیء فیه غش).فان تعلیله علیه السلام ذلک بأن لا یقع بیع علی شیء فیه غش یدل علی فساد هذه المعاملة.

و نظیر ذلک خبر الجعفی،و قد تقدم الکلام علیهما فی البحث عن البیع الدراهم المغشوشة (1)مع انهما ضعیفتا السند کما تقدم فی المبحث المذکور.

حرمة الغناء
اشارة

قوله الثالثة عشرة الغناء،لا خلاف فی حرمته فی الجملة. أقول:لا خلاف فی حرمة الغناء فی الجملة بین الشیعة،و اما العامة فقد التزموا (2)بحرمته لجهات خارجیة،و إلا فهو بنفسه أمر مباح عندهم.

قال فی المستند (3)بعد ان ذکر موضوع الغناء:(فلا خلاف فی حرمة ما ذکرناه انه غناء قطعا،و لعل عدم الخلاف بل الإجماع علیه مستفیض،بل هو إجماع محقق قطعا،بل

ص:304


1- 1) ص 157 و ص 158.
2- 2) فی ج 2 فقه المذاهب ص 42:فالتغنی من حیث کونه تردید الصوت بالألحان مباح لا شیء فیه.و لکن قد یعرض له ما یجعله حراما أو مکروها.و علی هذا المنهج تفصیل المذاهب الأربعة.ثم قال:فما عن أبی حنیفة من انه یکره الغناء و یجعل سماعة من الذنوب فهو محمول علی النوع المحرم منه.و فی ص 43 نقل الغزالی فی الإحیاء عن الشافعی:لا أعلم أحدا من علماء الحجاز کره السماع.و قد استدل الغزالی علی الجواز برقص الحبشة و الزنوج فی المسجد النبوی یوم عید و أقرهم الرسول(صلی الله علیه و آله).ثم ذکر ان حرمة الغناء من جهة المحرمات الخارجیة.أقول قد تظافرت الأحادیث من طرقهم فی حول الغناء إثباتا و نفیا.راجع ج 10 سنن البیهقی ص 221-230.
3- 3) ج 2 ص 340.

ضرورة دینیة).

و فی متاجر الریاض:(بل علیه إجماع العلماء،کما حکاه بعض الأجلاء،و هو الحجة).

و غیر ذلک من کلمات الأصحاب المشتملة علی دعوی الإجماع و الضرورة علی حرمة الغناء.

و یدل علی حرمته وجوه،الوجه الأول:قیام الإجماع علیها محصلا و منقولة.

و فیه أن دعوی الإجماع علی الحرمة فی الجملة و إن لم تکن جزافیة،بل فی کلمات غیر واحد من الأعلام دعوی الضرورة علیها،إلا أنه لیس إجماعا تعبدیا،فان من المحتمل القریب استناد المجمعین الی الآیات و الروایات الدالة علی حرمة الغناء.

الوجه الثانی:جملة من الآیات الکریمة و لو بضمیمة الروایات،منها قوله تعالی (1):

(وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) و منه الغناء،للروایات[1]الواردة فی تطبیقه علیه،و لا فرق فی هذه النتیجة بین کون الغناء نفسه من مقولة الکلام،أو هو کیفیة مسموعة تقوم به، لاتحادهما فی الخارج علی کل حال،فلا وجه للخدشة فی الروایات الواردة فی تفسیر الآیة:

بأن مقتضاها أن الغناء من مقولة الکلام،مع أنه کیفیة تقوم به.

و منها قوله تعالی (2): (وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ) فقد ذکرت عدة من الروایات[2]أن الغناء من مصادیق لهو الحدیث الذی حرمته الآیة

ص:305


1- 1) سورة الحج آیة:31.
2- 2) سورة لقمان آیة:5.

الکریمة،بل نسبه الطبرسی (1)الی أکثر المفسرین،و لفظ الاشتراء فی الآیة یجری علی ضرب من المجاز،أو علی بعض التعاریف التی یذکرها فریق من اللغویین،و قد تقدم ذلک فیما سبق (2)،فلا ضیر فی أن یتعلق بلهو الحدیث و بالغناء کما ذکرته الروایات و إن لم یکونا من الأعیان.

و منها قوله تعالی (3): (وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) بضمیمة ما فی تفسیر القمی (4)من تطبیق الآیة علی الغناء.

و منها قوله تعالی (5): (وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ) فإنه قد ورد فی بعض الأحادیث[1] تفسیر الزور فی الآیة بالغناء،و یؤیده ما تقدم من الروایات فی قوله تعالی: (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) .و الروایات المذکورة فی تفسیر الآیات المزبورة و إن کان أکثرها ضعیف السند إلا أن فی المعتبر منها غنی و کفایة.

و قد أورد فی المستند علی دلالة الآیات علی حرمة الغناء بأن الروایات الواردة فی تفسیرها بالغناء معارضة بما ورد فی تفسیرها بغیره.

و فیه أن الأحادیث المذکورة فی تفسیر القرآن کلها مسوقة لتنقیح الصغری و بیان المصداق،فلا تدل علی الانحصار بوجه حتی تقع المعارضة بینهما،و قد أشرنا الی هذا

ص:306


1- 1) ج 4 مجمع البیان ط صیدا ص 312.
2- 2) ص 193.
3- 3) سورة المؤمنین آیة:3.
4- 4) ص 444 وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ،عن الغناء و الملاهی.
5- 5) سورة الفرقان آیة:72.

فیما سبق مرارا،و تکلمنا علیه فی البحث عن مقدمات التفسیر مفصلا.

الثالث:الروایات[1]الدالة علی حرمة الغناء،و حرمة تعلیمه و تعلمه،و حرمة التکسب به و استماعه.و أنه ینبت النفاق فی القلب کما ینبت الماء الخضرة.و أنه یورث الفقر و القساوة و ینزع الحیاء.و أنه رقیة الزناء،و یرفع البرکة،و ینزل البلاء،کما نزل البلاء علی المغنین من بنی إسرائیل.و أنه مما وعد الله علیه النار و بئس المصیر.و أنه غش النفاق و أن الغناء مجلس لا ینظر الله الی أهله.و أن استماع الغناء نفاق و تعلمه کفر.و أن صاحب الغناء یحشر من قبره أعمی و أخرس و أبکم.و أن من ضرب فی بیته شیئا من الملاهی أربعین یوما فقد باء بغضب من الله فان مات فی أربعین مات فاجرا فاسقا مأواه النار و بئس المصیر.و أن من أصغی الی ناطق یؤدی عن الشیطان فقد عبد الشیطان.و أن الغناء أخبث ما خلق الله و شر ما خلق الله و أنه یورث الفقر و النفاق.و أن من استمع الی الغناء یذاب فی اذنه الإفک.

و غیر ذلک من المضامین المدهشة التی اشتملت علیها الأخبار المتواترة.و الروایات الواردة فی حرمة الغناء و إن کان أکثرها ضعیف السند،و لکن فی المعتبر منها غنی و کفایة.

و العجب من المحقق الأردبیلی،حیث قال فی محکی شرح الإرشاد:ما رأیت روایة صحیحة صریحة فی التحریم.و هو أعرف بمقاله.

رأی المحدث القاسانی فی حرمة الغناء

و الجواب عنه

قال فی الوافی (1)ما حاصله:الذی یظهر من مجموع الأخبار الواردة فی الغناء هو اختصاص حرمته،و حرمة التکسب به،و حرمة تعلیمه و تعلمه و استماعه بما کان متعارفا من بنی أمیة و بنی العباس،من دخول الرجال علی النساء،و تکلمهن بالأباطیل،و لعبهن بالملاهی علی أقسامها،و أما غیر ذلک فلا محذور فیه،و علیه فلا بأس بسماع الغناء بما یتضمن ذکر الجنة

ص:307


1- 1) ج 10 ص 33.

و النار،و التشویق الی دار القرار،و الترغیب الی الله،و الی عبادته و طاعته.

ثم حمل علی هذا کلام الشیخ فی الاستبصار.و قد استشهد علی رأیه هذا بوجوه:

الأول:مرسلة الفقیه(سأل رجل علی بن الحسین«ع»عن شراء جاریة لها صوت؟ فقال:ما علیک لو اشتریتها فذکرتک الجنة).

الثانی:روایة أبی بصیر(قال:قال أبو عبد الله«ع»:أجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس و لیست بالتی یدخل علیها الرجال).

الثالث:الروایات (1)المشتملة علی مدح الصوت الحسن.و علی استحباب قراءة القرآن به و بألحان العرب،و أن لکل شیء حلیة و حلیة القرآن الصوت الحسن.و أن الامام علی ابن الحسین«ع»کان أحسن الناس صوتا بالقرآن.فان المستفاد من جمیعها جواز الغناء فی نفسه،بل استحبابه فی خصوص القرآن،و أن حرمته إنما تکون للأمور الخارجیة التی قد تقارنه فی الوجود.

أقول:یرد علیه أمور،الأول:أن الظاهر من الروایات المتظافرة،بل المتواترة (من حیث المعنی)الناهیة عن الغناء،و عن جمیع ما یتعلق به هو تحریمه بنفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوین المحرمة،و قد عرفت جملة منها فی الهامش،و عرفت مصادرها،فراجع.

الثانی:أنه إذا کان تحریم الغناء إنما هو للعوارض المحرمة کان الاهتمام بالمنع عنه فی هذه الروایات لغوا محضا،لورود النهی عن سائر المحرمات بأنفسها.

الثالث:ان ما استشهد به علی مقصده لا یفی بمراده،أما مرسلة الفقیه فمضافا الی ضعف السند فیها انها أجنبیة عن الغناء نفیا و إثباتا،کما تقدم فی بیع الجاریة المغنیة (2).

و اما روایة أبی بصیر فإنها و إن کانت صحیحة إلا انها لا دلالة فیها علی مقصد المحدث المذکور،فإن غایة ما یستفاد منها و من روایة أخری لأبی بصیر (3)انه لا بأس بأجر المغنیة التی تدعی إلی العرائس،و لا یدخل علیها الرجال،اما الغناء فی غیر زف العرائس فلا تعرض فی الروایتین لحکمه.

و اما الروایات الواردة فی قراءة القرآن بصوت حسن فلا صلة لها بالمقام،إذ لا ملازمة بین حسن الصوت و بین الغناء،بل بینهما عموم من وجه،فیقع التعارض فی مورد الاجتماع، و تحمل الطائفة المجوزة علی التقیة،لما عرفت من ذهاب العامة إلی جواز الغناء فی نفسه.

علی ان هذه الروایات ضعیفة السند،و ستأتی الإشارة الی ذلک.

ص:308


1- 1) سنشیر الی مصادرها فی البحث عن مستثنیات الغناء.
2- 2) ص 169.
3- 3) قد تعرضنا لهاتین الروایتین فی ص 170.

و یضاف الی ذلک کله ان ما ذهب الیه المحدث المذکور مخالف للإجماع بل الضرورة من مذهب الشیعة و قد عرفت ذلک فی أول المسألة.

ثم إن هذا القول نسب الی صاحب الکفایة،و لکنه بعید،فإن المتأخرین عنه نسبوا الیه استثناء الغناء فی القرآن،و من الواضح ان ذلک فرع الالتزام بحرمة الغناء.

و قد یستدل علی ما ذهب إلیه القاسانی بروایة قرب الاسناد (1):(عن علی بن جعفر عن أخیه قال:سألته عن الغناء هل یصلح فی الفطر و الأضحی و الفرع؟قال:لا بأس به ما لم یعص به)و هی و إن کانت مجهولة لعبد الله بن الحسن،و لکن رواها علی بن جعفر فی کتابه،إلا انه قال:ما لم یزمر به،و علیه فهی صحیحة.فتدل علی جواز الغناء فی نفسه و حرمته إذا اقترن بالمعاصی الخارجیة.

و فیه ان الظاهر من قوله«ع»:ما لم یزمر به،ان الصوت بنفسه صوت مزماری، و لحن رقصی،کألحان أهل الفسوق:و یعبر عنها فی الفارسیة بکلمة(پسته و سرود و دو بیت و آوازه خواندن)لا أنه صوت یکون فی المزمار،و إلا لقال ما لم یکن فی المزمار أو بالنفخ فی المزمار،و علیه فتدل الروایة علی تحقق الغناء بالصوت المزماری، و اللحن الرقصی لا مطلقا،و سیأتی،و علی هذا یحمل قوله«ع»:ما لم یعص به،فی روایة قرب الاسناد علی تقدیر صدورها من المعصوم.

و اما إطلاق الغناء علی غیر هذا القسم فی هاتین الروایتین فی قول السائل:(سألته عن الغناء)،و تقریر الامام«ع»صحة الإطلاق بالجواب عن حکمه ب قوله لا بأس به)، فهو کإطلاق نوع أهل اللغة لفظ الغناء علی المعنی الأعم.

تحقیق موضوع الغناء

قوله و إن اختلف فیه عبارات الفقهاء و اللغویین. أقول:عرفوا الغناء بتعاریف مختلفة[1]إلا انها لیست تعاریف حقیقیة،لعدم الاطراد و الانعکاس،بل هی بین إفراط

ص:309


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 43 تحریم کسب المغنیة مما یکتسب به ص 541.

و تفریط،فقد عرفه فی المصباح بأنه مد الصوت المشتمل علی الترجیع المطرب،و علی قوله هذا یخرج أکثر أفراد الغناء مما لم یحتوی علی القیدین المذکورین،فان من أظهر أفراده الألحان التی یستعملها أهل الفسوق،و هی لا توجب الطرب إلا أحیانا،و لذا التجأ الطریحی فی المجمع و بعض آخر فی غیره إلی توسعة التعریف المذکور بقولهم(أو ما یسمی فی العرف غناء)نعم قد یحصل الطرب لحسن الصوت و إن لم یشتمل علی ترجیع.

و عرفه آخرون بأنه مجرد مد الصوت،أو رفعه،مع الترجیح أو بدونه،و بأنه تحسین الصوت فقط،أو ترجیعه کذلک،و یلزم من هذه التعاریف أن یدخل فی الغناء ما لیس من أفراده قطعا،کرفع الصوت لنداء أحد من البعید،و رفع الصوت أو تحسینه لقراءة القرآن و المراثی و المدائح و الخطب،بل التکلم العنیف،مع أن الشارع قد ندب الی قراءة القرآن بصوت حسن،و بألحان العرب.

بل فی بعضها(کان علی بن الحسین«ع»أحسن الناس صوتا بالقرآن).و فی بعضها:

إنه(کان یقرء القرآن فربما مر به المار فصعق من حسن صوته)و فی بعضها:(و رجع بالقرآن صوتک فان اللّه تعالی یحب الصوت الحسن یرجع به ترجیعا)و ستأتی الإشارة الی هذه الروایات،فان جمیع هذه الأفراد مما یصدق علیه الغناء علی التفاسیر المذکورة،و هی لیست منه قطعا.

و أیضا ثبت فی الشریعة المقدسة استحباب رفع الصوت بالأذان،و لم یتوهم أحد أنه غناء

ص:310

و قد ورد (1)أنه(ما بعث اللّه نبیا إلا حسن الصوت)و من الواضح جدا أن حسن الصوت لا یعلم إلا بالمد و الرفع و الترجیع.

و قد دلت السیرة القطعیة المتصلة إلی زمان المعصوم«ع»علی جواز رفع الصوت بقراءة المراثی،بل ورد الحث علی قراءة الرثاء للأئمة و أولادهم،و دلت الروایات علی مدح بعض الراثین کدعبل و غیره،فلو کان مجرد رفع الصوت غناء لما جاز ذلک کله.و توهم خروج جمیع المذکورات بالتخصیص تکلف فی تکلف.

و التحقیق أن المستفاد من مجموع الروایات بعد ضم بعضها الی بعض هو ما ذکره المصنف من حیث الکبری.و توضیح ذلک:أن الغناء المحرم عبارة عن الصوت المرجع فیه علی سبیل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق سواء تحقق فی کلام باطل أم فی کلام حق، و سماه فی الصحاح بالسماع،و یعبر عنه فی لغة الفرس بکلمة:(دو بیت و سرود و پسته و آوازه خواندن).

و یصدق علیه فی العرف أنه قول زور و صوت لهوی.فان اللهو المحرم قد یکون بآلة اللهو من غیر صوت کضرب الأوتار.و قد یکون بالصوت المجرد،و قد یکون بالصوت فی آلة اللهو کالنفخ فی المزمار و القصب،و قد یکون بالحرکات المجردة کالرقص،و قد یکون بغیرها من موجبات اللهو.

و علی هذا فکل صوت کان صوتا لهویا و معدودا فی الخارج من ألحان أهل الفسوق و المعاصی فهو غناء محرم،و من أظهر مصادیقه الأغانی الشائعة بین الناس فی الرادیوات و نحوها،و ما لم یدخل فی المعیار المذکور فلا دلیل علی کونه غناء فضلا عن حرمته و إن صدق علیه بعض التعاریف المتقدمة.

ثم إن الضابطة المذکورة إنما تتحقق بأحد أمرین علی سبیل مانعة الخلو،الأول:أن تکون الأصوات المتصفة بصفة الغناء مقترنة بکلام لا یعد عند العقلاء إلا باطلا،لعدم اشتماله علی المعانی الصحیحة،بحیث یکون لکل واحد من اللحن و بطلان المادة مدخل فی تحقق معنی السماع و الغناء.

و مثاله الألفاظ المصوغة علی هیئة خاصة المشتملة علی الأوزان و السجع و القافیة،و المعانی المهیجة للشهوة الباطلة و العشق الحیوانی من دون أن تشتمل علی غرض عقلائی،بل قد لا تکون کلماتها متناسبة،کما تداول ذلک کثیرا بین شبان العصر و شاباته،و قد یقترن

ص:311


1- 1) راجع کا بهامش ج 2 مرآة العقول ص 532،و ج 5الوافی ص 267.مرسلة و ضعیفة لسهل،و موسی بن عمر الصیقل.

بالتصفیق،و ضرب الأوتار،و شرب الخمور،و هتک الناس،و غیرها من الأمور المحرمة.

و علیه فلو وجد اللحن المذکور فی کلام له معنی صحیح عند العقلاء لما کان غناء.

و مثاله قراءة القرآن و الأدعیة و الخطب و الأشعار المشتملة علی الحکم و المواعظ،و مدائح الأنبیاء و الأوصیاء و أعاظم الدین و مصائبهم و رثائهم.

نعم قد یتوهم صدق الغناء علی رفع الصوت و ترجیعه بالأمور المذکورة لجملة من التعاریف المتقدمة،فیکون مشمولا لإطلاقات حرمة الغناء.

و لکنک قد عرفت:أنها تعاریف لفظیة،و إنما سیقت لمجرد شرح الاسم فقط و إن کان بلفظ أعم،فلا تکون مطردة،و لا منعکسة.و علیه فلا وجه لما ذکره بعضهم من عد المرائی من المستثنیات من حرمة الغناء،فإنها خارجة عنه موضوعا کما عرفت.و إذا ثبت کونها غناء فلا دلیل علی الاستثناء الذی یدعیه هؤلاء القائلون،و سیأتی بیانه إنشاء اللّه.

الثانی:أن یکون الصوت بنفسه مصداقا للغناء و قول الزور و اللهو المحرم،کألحان أهل الفسوق و الکبائر التی لا تصلح إلا للرقص و الطرب،سواء تحققت بکلمات باطلة أم تحققت بکلمات مشتملة علی المعانی الراقیة،کالقرآن و نهج البلاغة و الأدعیة.نعم و هی فی هذه الأمور المعظمة و ما أشبهها أبغض،لکونها هتکا للدین،بل قد ینجر الی الکفر و الزندقة،و من هنا نهی فی بعض الأحادیث[1]عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق و الکبائر،أو بألحان أهل الکتابین کما فی بعض الأحادیث (1).و یریدون بأهل الکتابین الیهود و النصاری.

و من هذا القبیل ما ذکر فی غناء جواری الأنصار[2]:(جئناکم جئناکم حیونا حیونا

ص:312


1- 1) راجع ج 1 المستدرک ص 295.

نحیکم)،و منه أیضا الرجز[1]الذی یشبه ما جاء فی غناء جواری الأنصار،فان التکلم العادی بذلک لیس من المحرمات فی الشریعة المقدسة،بل هو مطلوب،لکونه مصداقا للتحیة و الإکرام،و إنما یکون حراما إذا تکیف فی الخارج بکیفیة لهویة،و ظهر فی صورة السماع و الغناء.

و علی الجملة لا ریب أن للصوت تأثیرا فی النفوس،فان کان إیجاده للحزن و البکاء و ذکر الجنة و النار بقراءة القرآن و نحوه لم یکن غناء لیحکم بحرمته،بل یکون القاری مأجورا عند اللّه،و إن کان ذلک للرقص و التلهی کان غناء و سماعا،و مشمولا للروایات المتواترة الدالة علی حرمة الغناء و اللّه العالم.

مستثنیات حرمة الغناء
منها رثاء الحسین علیه السلام

منها رثاء الحسین و سائر المعصومین«ع»،قال المحقق الأردبیلی(ره)فی محکی شرح الإرشاد:(و قد استثنی مراثی الحسین«ع»أیضا،و دلیله أیضا غیر واضح)ثم قرب الجواز،لعدم الدلیل علی حرمة الغناء مطلقا،ثم قال:(و یؤیده أن البکاء و التفجع علیه علیه السلام مطلوب و مرغوب،و فیه ثواب عظیم،و الغناء معین علی ذلک،و أنه متعارف دائما فی بلاد المسلمین فی زمن المشایخ الی زماننا هذا من غیر نکیر،و هو یدل علی الجواز غالبا).ثم أید رأیه هذا بما دل علی جواز النیاحة فی الشریعة المقدسة،و بأن التحریم إنما هو للطرب،و لیس فی المراثی طرب،بل لیس فیها إلا الحزن.و استدل بعض متأخر المتأخرین علی ذلک بعمومات أدلة البکاء و الرثاء.

أقول:قد عرفت آنفا ان المراثی خارجة عن الغناء موضوعا،فلا وجه لذکرها من مستثنیات حرمة الغناء،و لو سلمنا إطلاق الغناء علیها لشملتها إطلاقات حرمة الغناء المتقدمة و لا دلیل علی الاستثناء،و وجود السیرة علی الرثاء و إقامة التعزیة علی المعصومین«ع»

ص:313

فی بلاد المسلمین و إن کان مسلما،و لکنها لا تدل علی جواز الغناء فیها الذی ثبت تحریمه بالآیات و الروایات.

و أما ما دل علی ثواب البکاء علی الحسین«ع»،أو ما دل علی جواز النوح علی المیت، فلا یعارض بما دل علی حرمة الغناء،و سیأتی.

و أما ما ذکره الأردبیلی من أنه معین علی البکاء فهو ممنوع،فان الغناء علی ما حققنا من مفهومه لا یجتمع مع البکاء و التفجع.و أما ما ذکره من أن التحریم إنما هو للطرب، و لیس فی المراثی طرب فهو یدل علی خروج الغناء عن المراثی موضوعا،لا حکما.

جواز الحداء لسوق الإبل

و منها الحداء لسوق الإبل،و قد اشتهر فیه استثناء الغناء،و لکنه ممنوع،لعدم الدلیل علیه،نعم ذکر فی جملة من النبویات المنقولة من طرق العامة (1)جواز ذلک.و لکنها ضعیفة السند،و غیر منجبرة بشیء.و لو سلمنا انجبارها فلا دلالة فیها علی کون الحداء الذی جوزه النبی(صلی الله علیه و آله)غناء،فإن القضیة التی ذکرت فیها لم یعلم وقوعها بأی کیفیة،نعم الظاهر خروجه من مفهوم الغناء موضوعا،و قد مال الیه صاحب الجواهر،قال:(بل ربما ادعی أن الحداء قسیم للغناء بشهادة العرف،و حینئذ یکون خارجا عن الموضوع، لا عن الحکم،فلا بأس به).

جواز الغناء فی زف العرائس

و منها غناء المغنیة فی زف العرائس،و قد استثناه جمع کثیر من أعاظم الأصحاب،و هو کذلک،للروایات الدالة علی الجواز،کصحیحة أبی بصیر(قال:قال أبو عبد اللّه«ع» أجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس،و لیست بالتی یدخل علیها الرجال).و غیرها من الروایات المتقدمة فی البحث عن بیع الجاریة المغنیة (2).

ثم إن هذا فیما لم یطرأ علیه عنوان آخر محرم،و إلا کان حراما،کالتکلم بالأباطیل و الکذب و ضرب الأوتار و دخول الرجال علیهن و غیرها من الأمور المحرمة،و قد صرح

ص:314


1- 1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 227 و ص 228.
2- 2) ص 169 و ص 170.

بذلک المحقق الأردبیلی فی محکی شرح الإرشاد.

لا یقال:إن الظاهر من قوله«ع»:(و لیست بالتی یدخل علیها الرجال)أن الغناء إنما یکون حراما للمحرمات الخارجیة،کما ذهب الیه المحدث القاسانی(ره).و لذا جوزه الامام«ع»فی زفاف العرائس مع عدم اقترانه بها.

فإنه یقال:الظاهر من هذه الروایة،و من قوله«ع»فی روایة أخری:(لا بأس بمن تدعی إلی العرائس أن الغناء علی قسمین،أحدهما:ما یختلط فیه الرجال و النساء.و الثانی:

ما یختص بالنساء.أما الأول فهو حرام مطلقا.و أما الثانی فهو أیضا حرام إلا فی زف العرائس.

الغناء فی قراءة القرآن

و منها الغناء فی قراءة القرآن،و قد اشتهر بین المتأخرین نسبة استثناء الغناء فی قراءة القرآن الی صاحب الکفایة،قال فی تجارة الکفایة:(إن غیر واحد من الاخبار[1]یدل علی جواز الغناء فی القرآن،بل استحبابه،بناء علی دلالة الروایات علی استحباب حسن الصوت و التحزین و الترجیع به،و الظاهر أن شیئا منها لا یوجد بدون الغناء علی ما استفید من کلام أهل اللغة و غیرهم،علی ما فصلنا فی بعض رسائلنا).

و فیه أن مفاد هذه الروایات خارج عن الغناء موضوعا کما عرفت،فلا دلالة فی شیء منها علی جواز الغناء فی القرآن،بل بعضها صریح فی النهی عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق و الکبائر الذین یرجعون القرآن ترجیع الغناء،و قد ذکرنا هذه الروایة فی البحث عن موضوع الغناء.

و علی الجملة أن قراءة القرآن بالصوت الحسن و إن کان مطلوبا للشارع،و لکنها محدودة

ص:315

بما إذا لم تنجر الی الغناء،و إلا کانت محرمة.نعم لا شبهة فی صدق الغناء علیه علی تعاریف بعض أهل اللغة،و لکنک قد عرفت:أنها لیست بجامعة،و لا مانعة.

و لقد أجاد صاحب الکفایة فی الوجه الأول من الوجهین الذین جمع بهما بین الأخبار، قال:(أحدهما:تخصیص تلک الأخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن،و حمل ما یدل علی ذم التغنی بالقرآن علی قراءة تکون علی سبیل اللهو کما یصنعه الفساق).ثم أیده بروایة عبد اللّه بن سنان الناهیة عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق.

و قد یقال:بجواز الغناء فی القرآن،بدعوی أن أخبار الغناء معارضة بالأخبار الکثیرة المتواترة الدالة علی فضل قراءة القرآن و الأدعیة و الأذکار بالعموم من وجه،و بعد التساقط فی مورد الاجتماع یرجع الی أصالة الإباحة،و قد ذکر المصنف هذا الوجه فی خلال کلام صاحب الکفایة،و لکن لیس فی تجارة الکفایة من ذلک عین و لا أثر،و لا لما نسبه الیه المصنف من جملة من العبارات،و لا تأیید مذهبه بروایة علی بن جعفر.

و قد أشکل علیه المصنف بما حاصله:أن أدلة الأحکام غیر الإلزامیة لا نقاوم أدلة الأحکام الإلزامیة.و الوجه فی ذلک أن الفعل إنما یتصف بالحکم غیر الإلزامی إذا خلا فی طبعه عما یقتضی الوجوب أو الحرمة.

و مثاله أن إجابة دعوة المؤمن-و قضاء حاجته و إدخال السرور فی قلبه و کشف کربته- من الأمور المستحبة فی نفسها،و لکن إذا استلزم امتثالها ترک واجب کالصوم و الصلاة، أو إیجاد حرام کالزنا و اللواط-تخرج عن الاستحباب،و تکون محرمة.

و فیه أن ما ذکرناه لا یرتبط بکلام المستدل،و تحقیق ذلک أن ملاحظة اجتماع الأحکام الإلزامیة مع الاحکام غیر الإلزامیة یتصور علی وجوه:

الأول:أن تقع المزاحمة بین الطائفتین فی مرحلة الامتثال من دون أن ترتبط إحداهما بالأخری فی مقام الجعل و الإنشاء،کالمزاحمة الواقعة بین الإتیان بالواجب و بین الإتیان بالأمور المستحبة،فإنه لا شبهة حینئذ فی تقدیم أدلة الأحکام الإلزامیة علی غیرها و کونها معجزة عنه،کما ذکره المصنف.

الثانی:أن یکون الموضوع فیهما واحدا من دون أن یکون بینهما تماس فی مرحلتی الثبوت و الإثبات،و لا یقع بینهما تزاحم و تعارض أصلا.کما إذا حکم الشارع بجواز شیء فی نفسه و طبعه،و بحرمته بلحاظ ما یطرأ علیه من العناوین الثانویة.

و مثال ذلک إباحة الشارع أکل لحم الضأن مثلا فی حد نفسه،و حکمه بحرمته إذا کان الحیوان جلالا أو موطوءا،فإنه لا تنافی بین الحکمین ثبوتا و إثباتا،إذ لا إطلاق لدلیل

ص:316

الحکم غیر الإلزامی حتی بالنسبة إلی العناوین الثانویة لتقع المعارضة بینهما.

الثالث:أن یتحد موضوع الحکمین أیضا،و لکن یقید الحکم غیر الإلزامی بعدم المخالفة للحکم الإلزامی.

مثاله أن قضاء حاجة المؤمن و إجابة دعوته و إدخال السرور فی قلبه و تفریج غمه من الأمور المرغوبة فی الشریعة المقدسة.إلا أنها مقیدة بعدم ترک الواجب،و فعل الحرام، لما ورد[1]من أنه لا طاعة للمخلوق فی معصیة الخالق.فتقدیم دلیل الوجوب أو الحرمة فی هذه الصورة علی أدلة الأمور المذکورة و إن کان مسلما إلا انه لدلیل خارجی،لا لما ذکره المصنف.فهذه الصور الثلاثة کلها غریبة عن کلام المستدل.

نعم لو صحت روایة عبد اللّه بن سنان المتقدمة-التی دلت علی استحباب قراءة القرآن بألحان العرب،و حرمة قراءته بألحان أهل الفسوق و الکبائر-لوجب تقیید ما دل علی استحباب قراءة القرآن بصوت حسن بغیر الغناء.و لکن الروایة ضعیفة السند.

الرابع:أن یکون الحکم متحدا فی مقام الثبوت.و لکن الأدلة متعارضة فی إثبات کونه إلزامیا أو غیر إلزامی.

الخامس:ان یکون الحکمان الإلزامی و غیر الإلزامی فی مرحلة جعلهما مطلقین.بحیث لا یرتبط أحدهما بالآخر،و لکنهما قد یتصادقان علی مورد فی الخارج،و یتعارضان بالعموم من وجه،لا بنحو التباین،و فی هاتین الصورتین لا وجه لدعوی أن أدلة الأحکام غیر الإلزامیة لا تقاوم أدلة الأحکام الإلزامیة،بل لا بد من ملاحظة المرجحات فی تقدیم إحداهما علی الأخری،و قد حقق ذلک فی محله.

و ما ذکره المستدل إنما هو من قبیل الصورة الرابعة،و علیه فلا وجه للحکم بالتساقط، و الرجوع الی أصالة الإباحة،بل یقدم ما دل علی حرمة الغناء،لکونه مخالفا للعامة، و یترک ما دل علی الجواز لموافقته لهم.و نتیجة ذلک أنه لا دلیل علی استثناء الغناء فی القرآن و الأدعیة و الأذکار.

ص:317

تنبیه

هل یجوز تعلم الغناء و تعلیمه أولا؟قد یکون ذلک بالتغنی و استماعه و قد یکون بالتوصیف و السؤال عن قواعده.أما الأول فلا شبهة فی حرمته،فان التغنی و الاستماع الیه کلاهما حرام.و أما الثانی فقد ذکر تحریمه فی بعض الروایات[1]و لکنها ضعیفة السند.فمقتضی الأصل هو الجواز،إلا أن یطرأ علیه عنوان محرم.

حرمة الغیبة
اشارة

قوله الرابعة عشرة الغیبة حرام بالأدلة الأربعة. أقول:لا إشکال فی حرمة الغیبة فی الجملة،للآیة و الروایات المتظافرة المتواترة من طرق الشیعة (1)و من طرق العامة (2)و أکثر هذه الروایات و إن کان ضعیف السند،و لکن فی المعتبر منها غنی و کفایة.علی أنها متواترة معنی.بل حرمتها من ضروریات الدین،و مما قام علیه إجماع المسلمین.و قد حکم العقل بحرمتها أیضا،لکونها ظلما للمغتاب بالفتح و هتکا له.

و یکفی فی إثبات الحرمة قوله تعالی (3): (وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ) .فإنه تعالی بعد نهیه عن الغیبة صریحا أراد بیان کونها من الکبائر الموبقة و الجرائم المهلکة.فشبه المغتاب بالکسر بآکل المیتة،إما لأنه یأکل

ص:318


1- 1) راجع کا بهامش ج 2 مرآة العقول ص 341-350.و ج 3 الوافی باب الغیبة ص 163.و ج 2 ئل باب 152 تحریم اغتیاب المؤمن من العشرة ص 237. و ج 2 المستدرک باب 132 تحریم اغتیاب المؤمن من العشرة ص 105-107.و ج 15 البحار العشرة ص 177.
2- 2) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 245-247.و ج 3 إحیاء العلوم للغزالی ص 124.
3- 3) سورة الحجرات آیة:12.

الجیف فی الآخرة کما فی بعض الروایات[1]أو لتشبیهه بالسباع و الکلاب،أو لکون حرمة الغیبة کحرمة أکل المیتة،بل أعظم،کما فی روایة العسکری«ع»[2].

و قد شبه عرض المؤمن باللحم،فإنه ینتقص بالهتک،کما ینتقص اللحم بالأکل.و شبه الاغتیاب بالأکل،لحصول الالتذاذ بهما،و وصف المؤمن بأنه أخ،فإن المؤمنین إخوة، و من طبیعة الإخوة أن یکون بینهم تحابب و توادد.

و شبه المغتاب(بالفتح)بالمیت،لعدم حضوره فی أکثر حالات الاغتیاب.و صدر سبحانه و تعالی الجملة بالاستفهام الإنکاری إشعارا للفاعل بأن هذا العمل یقبح أن یصدر من أحد،إذ کما لا یجب أحد أن یأکل لحم أخیه المیت،لاشمئزاز طبعه عنه،و شدة رأفته به.و کذلک لا بد و أن یشمئز عقله عن الغیبة،لکونها هتکا لعرض أخیه المؤمن.

و قد استدل علی حرمة الغیبة بآیات أخر،و لکن لا دلالة فی شیء منها علی ذلک إلا بالقرائن الخارجیة،فلا یکون الاستدلال بها بالآیات،بل بتلک الأمور الخارجیة.

منها قوله تعالی (1): (لا یُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) .و فیه أو لا أنه لیس فی الآیة ما یدل علی أن الغیبة من الجهر بالسوء إلا بالقرائن الخارجیة.و ثانیا:لا یستفاد منها التحریم،فان عدم المحبوبیة أعم منه و من الکراهة المصطلحة.

و منها قوله تعالی (2): (وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) .و فیه أن الهمزة و اللمزة بمعنی کثیر الطعن علی غیره بغیر حق،سواء کان فی الغیاب أم فی الحضور.و سواء کان باللسان أم بغیره،و سیأتی أن الغیبة عبارة عن إظهار ما ستره اللّه.و بین العنوانین عموم من وجه.

و منها قوله تعالی (3): (إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) .و فیه أن الآیة تدل علی أن حب شیوع الفاحشة من المحرمات.و قد أوعد اللّه

ص:319


1- 1) سورة النساء آیة:147.
2- 2) سورة الهمزة آیة:1.
3- 3) سورة النور آیة:18.

علیه النار،و الغیبة إخبار عن الفاحشة و العیب المستور،و هما متباینان.إلا أن یکون الإخبار عن العیوب المستورة بنفسه من الفواحش،کما هو مقتضی الروایات الدالة علی حرمة الغیبة.

بل فی بعض الروایات[1]عن أبی عبد اللّه«ع»(قال:من قال فی مؤمن ما رأته عیناه و سمعته أذناه فهو من الذین قال اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ ،الآیة).

و یرد علیه أولا:أنه خروج عن الاستدلال بالآیة إلی الروایة.

و ثانیا:أنه أخص من المدعی،فان الآیة لا یندرج فیها حینئذ إلا نشر الغیبة لا مطلقا و یضاف الی ذلک أن الروایة ضعیفة السند.

الغیبة من الذنوب الکبیرة

قوله ثم ظاهر هذه الاخبار کون الغیبة من الکبائر. أقول:وجه الظهور ما ذکره فی مبحث الکبائر من رسالته فی العدالة،و أن عد المعصیة کبیرة یثبت بأمور:قال:(الثانی النص المعتبر علی أنها مما أوجب اللّه علیها النار سواء أوعد فی الکتاب،أو أخبر النبی ص أو الإمام بأنه مما یوجب النار،لدلالة الصحاح المرویة فی الکافی و غیرها علی أنها مما أوجب اللّه علیه النار).و من الواضح أن الغیبة کذلک.

و توضیح المسألة علی نحو الإجمال أنه اشتهر بین الفقهاء التفصیل بین الکبیرة و الصغیرة حکما و موضوعا.و اختلف کلماتهم فی تفسیرهما علی نحو لا یمکن الجمع بینها.

فقیل:إن الکبیرة کل ذنب توعد اللّه علیه بالعذاب فی کتابه العزیز،بل ربما نسب هذا القول الی المشهور.و قیل:إنها کل ذنب رتب الشارع المقدس علیه حدا، أو صرح فیه بالوعید.و قیل:إنها کل معصیة تؤذن بقلة اعتناء فاعلها بالدین.و قیل:

کلما علمت حرمته بدلیل قاطع فهو من الکبائر.و قیل:کلما توعد علیه توعدا شدیدا فی الکتاب أو السنة فهو من الکبائر.الی غیر ذلک من التفاسیر.ثم قالوا:إن الکبائر تنافی العدالة دون الصغائر.

و التحقیق ما ذکرناه فی مبحث العدالة من کتاب الصلاة من أن المعاصی کلها کبیرة

ص:320

و إن کان بعضها أکبر من بعضها الآخر،کالشرک باللّه العظیم،فإنه من أعظم المعاصی و قتل النفوس محترمة،فإنه أعظم من بقیة الذنوب.و هکذا و إنما أطلقت الکبیرة علیها بالتشکیک علی اختلاف مراتبها شدة و ضعفها.و علیه فلا وجه للنزاع فی أن الغیبة من الکبائر أم من الصغائر.

و قد اختار هذا الرأی جمع من الأصحاب،بل ظاهر ابن إدریس فی کتاب الشهادة من السرائر دعوی الإجماع علیه،فإنه بعد ما نقل کلام الشیخ فی المبسوط الظاهر فی أن الذنوب علی قسمین:صغائر و کبائر قال:(و هذا القول لم یذهب الیه(ره)إلا فی هذا الکتاب أعنی المبسوط،و لا ذهب إلیه أحد من الأصحاب،لأنه لا صغائر عندنا فی المعاصی إلا بالإضافة إلی غیرها).

و من هنا یتضح أن الاخبار الواردة فی عد الکبائر إنما هی مسوقة لبیان عظمها بین سائر الذنوب:لحصر المعاصی الکبیرة بالأمور المذکورة،و علیه یحمل قوله تعالی (1): (إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ) .

و مع الإغضاء عما ذکرناه فلا ثمرة للنزاع فی الفرق بین الکبائر و الصغائر،فإن الذنوب کلها تضر بالعدالة و تنافیها،فإن العدالة هی الاعتدال فی الدین،و الاستقامة علی طریقة سید المرسلین،و ارتکاب أیة معصیة و إن کانت صغیرة یوجب الانحراف فی الدین، و الخروج عن الصراط المستقیم،لکون ذلک هتکا للمولی و جرأة علیه،کما أن الخروج عن الطرق التکوینیة انحراف عنها.

و لو سلمنا أن الصغائر لا تنافی العدالة إلا ان الغیبة من الکبائر،فإن الکبیرة لیست لها حقیقة شرعیة لنبحث فیها،بل المراد بها هو معناها اللغوی،و هو الذنب العظیم عند الشارع و یعرف عظمه تارة بالنص علی کونه من الکبائر کالشرک و الزناء و قتل النفس المحترمة و غیرها من الکبائر المنصوصة.و اخری بالتوعد علیه فی الکتاب أو السنة المعتبرة.

و ثالثة بترتیب آثار الکبیرة علیه.و رابعة بالقیاس الی ما ثبت کونه من الکبائر الموبقة، کقوله تعالی (2): (وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) .و قد ثبت فی السنة المعتبرة التوعید علی الغیبة،فتکون من الکبائر.

و تدل علی ذلک أیضا الروایات الدالة علی أن الخیانة من الکبائر،و بدیهی أن الغیبة من أعظم الخیانات.و یدل علی کون الغیبة من الخیانة قول النبی ص[1]فی وصیته

ص:321


1- 1) سورة النساء آیة:35
2- 2) سورة البقرة آیة:187.

لأبی ذر:(یا أبا ذر المجالس بالأمانة و إفشاء سر أخیک خیانة فاجتنب ذلک و اجتنب مجلس العشرة).و لکنها ضعیفة السند.

و قد یستدل أیضا علی کون الغیبة کبیرة بالروایات[1]الدالة علی أن الغیبة أشد من الزناء،و هو من الکبائر،فالغیبة أولی منه بأن تکون کبیرة.

و لکن یرد علیه أولا:أن ما ورد بهذا المضمون کله ضعیف السند.و ثانیا:أن هذه الروایات عللت ذلک بأن الغیبة لا نغفر حتی یغفرها صاحبها بخلاف بعض أقسام الزناء.

و یؤید ما ذکرناه أن کل واحد من الذنوب فیه جهة من المبغوضیة لا توجد فی غیره من المعاصی،فلا عجب فی کونه أشد من غیره فی هذه الخصوصیة و إن کان غیره أشد منه من جهات شتی،و اختلافها فی ذلک کاختلاف المعاصی فی الآثار.

نعم هذه الأخبار صالحة لتأیید ذلک.و یصلح لتأییده أیضا ما روی مرسلا[2]:أن أربی الربا عرض المؤمن،فیکون تناول عرضه بالغیبة کبیرة.فإنه ثبت فی الشریعة المقدسة أن الربا من الذنوب الکبیرة.بل فی جملة من الروایات (1)أنه أشد من ثلاثین أو سبعین زنیة کلها بذات محرم.

ص:322


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 1 تحریم الربا ص 597.
حرمة الغیبة مشروطة بالإیمان

قوله ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن. أقول:المراد من المؤمن هنا من آمن باللّه و برسوله و بالمعاد و بالأئمة الاثنی عشر علیهم السلام:أولهم علی بن أبی طالب«ع»،و آخرهم القائم الحجة المنتظر عجل اللّه فرجه،و جعلنا من أعوانه و أنصاره و من أنکر واحدا منهم جازت غیبته لوجوه:

الوجه الأول:أنه ثبت فی الروایات (1)و الأدعیة و الزیارات جواز لعن المخالفین، و وجوب البراءة منهم،و إکثار السب علیهم،و اتهامهم،و الوقیعة فیهم:أی غیبتهم، لأنهم من أهل البدع و الریب[1].

بل لا شبهة فی کفرهم،لأن إنکار الولایة و الأئمة حتی الواحد منهم،و الاعتقاد بخلافة غیرهم،و بالعقائد الخرافیة،کالجبر و نحوه یوجب الکفر و الزندقة.و تدل علیه الأخبار (2)المتواترة الظاهرة فی کفر منکر الولایة،و کفر المعتقد بالعقائد المذکورة،و ما یشبهها من الضلالات.

و یدل علیه أیضا قوله«ع»فی الزیارة الجامعة:(و من جحدکم کافر).و قوله«ع» فیها أیضا:(و من وحده قبل عنکم).فإنه ینتج بعکس النقیض أن من لم یقبل عنکم لم یوحده،بل هو مشرک باللّه العظیم.

و فی بعض الأحادیث (3)الواردة فی عدم وجوب قضاء الصلاة علی المستبصر(إن الحال

ص:323


1- 1) راجع ج 1 الوافی باب البدع و الرأی ص 56.و کا بهامش ج 1 مرآة العقول باب البدع ص 38 و ج 2 ئل باب 39 وجوب البراءة من أهل البدع من الأمر بالمعروف ص 510.
2- 2) راجع ج 3 ئل باب 6 جملة ما یثبت به الکفر و الارتداد من أبواب المرتد ص 457
3- 3) راجع ج 1 ئل باب 31 عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر من مقدمات العبادة ص 20.

التی کنت علیها أعظم من ترک ما ترک من الصلاة).

و فی جملة من الروایات (1)الناصب لنا أهل البیت شر من الیهود و النصاری،و أهون من الکلب،و أنه تعالی لم یخلق خلقا أنجس من الکلب،و أن الناصب لنا أهل البیت لأنجس منه.و من البدیهی أن جواز غیبتهم أهون من الأمور المذکورة.بل قد عرفت جواز الوقیعة فی أهل البدع و الضلال،و الوقیعة هی الغیبة.نعم قد ثبت حکم الإسلام علی بعضهم فی بعض الاحکام فقط تسهیلا للأمر،و حقنا للدماء.

الوجه الثانی:أن المخالفین بأجمعهم متجاهرون بالفسق.لبطلان عملهم رأسا،کما فی الروایات المتظافرة (2).بل التزموا بما هو أعظم من الفسق،کما عرفته،و سیجیء أن المتجاهر بالفسق تجوز غیبته.

الوجه الثالث:أن المستفاد من الآیة و الروایات هو تحریم غیبة الأخ المؤمن،و من البدیهی أنه لا أخوة و لا عصمة بیننا و بین المخالفین.و هذا هو المراد أیضا من مطلقات أخبار الغیبة،لا من جهة حمل المطلق علی المقید،لعدم التنافی بینهما،بل لأجل مناسبة الحکم و الموضوع.

علی ان الظاهر من الاخبار الواردة فی تفسیر الغیبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط و سیأتی،فتکون هذه الروایات مقیدة للمطلقات.فافهم.و قد حکی عن المحقق الأردبیلی تحریم غیبة المخالفین.و لکنه لم یأت بشیء ترکن الیه النفس.

الوجه الرابع:قیام السیرة المستمرة بین عوام الشیعة و علمائهم علی غیبة المخالفین،بل سبهم و لعنهم فی جمیع الأعصار و الأمصار.بل فی الجواهر أن جواز ذلک من الضروریات

حرمة غیبة الصبی الممیز

قوله ثم الظاهر دخول الصبی الممیز المتأثر بالغیبة لو سمعها. أقول:لم یشترط فی حرمة الغیبة کون المغتاب بالفتح مکلفا،بل المستفاد من الروایات المتقدمة و غیرها ان المناط فی حرمة الغیبة صدق المؤمن علی المغتاب بالفتح،کما أن الظاهر من معنی الغیبة هی کشف

ص:324


1- 1) راجع ج 1 ئل باب 11 کراهة الاعتسال بغسالة الحمام من أبواب الماء المضاف ص،3.
2- 2) راجع ج 1 ئل باب 29 بطلان العبادة بدون ولایة الأئمة من مقدمات العبادات ص 19.

أمر قد ستره اللّه،و سیأتی و من الضروری ان الصبی الممیز ممن یصدق علیه عنوان المؤمن إذا أقر بما یعتبر فی الایمان،بل قد یکون أکمل إیمانا من أکثر البالغین.

و أیضا لا شبهة ان اللّه قد ستر عیوب الناس حتی الصبیان الممیزین،فذکرهم بالمساوی الموجودة فیهم کشف لما ستره اللّه علیهم.نعم لا بأس بذکر الأمور التی هی من مقتضیات الصباوة بحیث لا تعد من العیوب و المساوی،کاللعب بالجواز و الکعاب و الکرة و نحوها.

أما الصبیان أو المجانین غیر الممیزین فلا شبهة فی جواز اغتیابهم،لأن الأمور الصادرة منهم لا تعد عیبا حتی یکون ذکرها کشفا لما ستره اللّه علیهم.

موضوع الغیبة

قوله بقی الکلام فی أمور،الأول:الغیبة اسم مصدر لاغتاب. أقول:وقع الخلاف فی تحدید مفهوم الغیبة،و بیان حقیقتها،فالمروی من الخاصة[1]و العامة[2]، و المعروف بیننا و بین السنة (1)و بعض أهل اللغة ان الغیبة ذکر الإنسان بما یکرهه و هو حق.بل حکی المصنف عن بعض من قارب عصره ان الإجماع و الأخبار متطابقان علی ان حقیقة الغیبة ذکر غیره بما یکرهه لو سمعه.

و لکن هذا التعریف لا یرجع الی معنی محصل،فان المراد من الموصول فیه إن کان هو الذکر-بحیث یکون حاصله ان الغیبة ذکر غیره بذکر لا یرضی به لو سمعه-دخل فی التعریف ما لیس بغیبة قطعا إذا کره المقول فیه کذکره بفعل بعض المباحات.بل و بعض المستحبات من المواظبة علی الأدعیة و الأذکار،و القیام علی النوافل و العبادات،و الالتزام

ص:325


1- 1) راجع ج 3 إحیاء العلوم للغزالی ص 116.

بالزیارات و إعطاء الصدقات،و علیه فالتعریف المذکور تعریف بالأعم.کما ان تعریف المصباح بقوله(اغتابه إذا ذکره بما یکرهه من العیوب و هو حق و الاسم الغیبة)یکون تعریفا بالأخص.

و إن کان المراد من الموصول فی التعریف الأوصاف المذمومة و الأفعال القبیحة الصادرة من المقول فیه-و یقربه التعریف المتقدم من المصباح-خرج عن الغیبة ما لا یشک أحد کونه منها،کذکر الغیر بالأمور المحرمة التی ارتکبها عن رغبة و شهوة من غیر ان یشمئز منها،و من ذکرها،و علیه فلا یکون التعریف المذکور جامعا للأفراد.

و التحقیق ان یقال:إنه لم یرد نص صحیح فی تحدید مفهوم الغیبة،و لا تعریف من أهل اللغة کی یکون جامعا للأفراد و مانعا للأغیار،و علی هذا فلا بد من أخذ المتیقن من مفهوم الغیبة و ترتیب الحکم علیه:و هو ان تقول فی أخیک ما ستره اللّه علیه،و اما فی المقدار الزائد فیرجع الی الأصول العملیة.و قد ذکر هذا فی جملة من الروایات[1]و هی و إن کانت ضعیفة السند.و لکن مفهومها موافق للذوق السلیم و الفهم العرفی.

و یؤیده ما فی لسان العرب و غیره من ان الغیبة(ان تتکلم خلف إنسان مستور بسوء أو بما یغمه لو سمعه).بل ینطبق علیه جمیع تعاریف الفقهاء و أهل اللغة،لکونه المقدار المتیقن من مفهوم الغیبة،کما عرفت.

و قد أشیر إلیه فی بعض أحادیث العامة[2].

و توضیح ما ذکرناه من المعنی ان ذکر الناس.و التعرض لأوصافهم لا یخلو عن صور ثلاث،الصورة الأولی:ذکر الإنسان بما یوجب تعظیمه و ترفیعه بین الناس،کأن

ص:326

یقول:إن فلانا عالم زاهد مجتهد،یصلی النوافل،و یعطی الفقراء،و یهتم بأمور المسلمین و حوائجهم،و نحو ذلک من المدائح،و لا نظن ان یعد احد هذه الصورة من الغیبة.

نعم فی لسان العرب و تاج العروس عن ابن الأعرابی(غاب إذا ذکر إنسانا بخیر أو شر) إلا انه أجنبی عن المقام،فإنه غیر الاغتیاب.و الوجه فی خروج هذه الصورة عن مفهوم الغیبة ان هذه المذکورات لیست من السوء،سواء کره ذکرها المقول فیه أم لا.

الصورة الثانیة:ان یذکر إنسانا بشیء من صفاته العادیة المتعارفة التی لا توصف بالمدح أو الذم.و لا ریب فی عدم اندراج هذه الصورة أیضا تحت الغیبة،فإن الأمور العادیة لیست مما سترها اللّه علی المقول فیه،و ذکرها لا یوجب نقصه و افتضاحه سواء أ کان کارها لها أم لا.

الصورة الثالثة:ان یذکر إنسانا بالأوصاف الذمیمة و الأفعال القبیحة الموجودة فیه التی قد سترها اللّه علیه،و موضوع الغیبة هو هذه الصورة.و ما ذکرناه من الصور المذکورة یشمل ما لو نفی عن المقول فیه بعض الأوصاف.

تنبیهات موضوع الغیبة

و لا بد من التنبیه علی أمور:

الأول:انه لا یفرق فی صدق الغیبة بین ان یکون المقول نقصا فی دین المقول فیه

أو بدنه،أو نسبه،.

أو أخلاقه،أو فعله،أو قوله،أو عشیرته،أو ثوبه،أو داره أو دابته،أو خادمه،أو تعیشه أو فی أی شأن من شؤونه.

إلا ان الظاهر من روایة داود بن سرحان المتقدمة فی الحاشیة أن الغیبة ذکر الإنسان بما یکون نقصا فی دینه فقط.

و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند،و قد عرفت.و ثانیا:ان روایة ابن سیابة المتقدمة فی البحث عن معنی الغیبة صرحت بأن الغیبة قولک فی أخیک ما ستره اللّه علیه، و هذا الإطلاق یشمل ما إذا کان المقول نقصا دینیا و غیر دینی،و توهم حمل المطلق علی المقید هنا فاسد،لعدم التنافی بینهما،علی ان روایة ابن سیابة فصلت بین ذکر الأمور المستورة و الأمور الظاهرة،و صرحت بخروج الثانیة عن حدود الغیبة،و من الواضح ان مقتضی التفصیل القاطع للشرکة هو عموم مفهوم الغیبة بذکر مطلق العیوب غیر الأمور الظاهرة.

و لکنک عرفت:ان هذه الروایة أیضا ضعیفة السند.

ص:327

و قد یتوهم اعتبار قصد الانتقاص فی موضوع الغیبة.و لکنه توهم فاسد،إذ لا دلیل علیه،فان صدق عنوان العیب علی المقول أمر عرفی لا یرتبط بالقصد،و لا یقاس هذا بالتعظیم و الهتک المتقومین بالقصد.

الثانی:أن ذکر أحد بالأوصاف العادیة أو نفیها عنه إنما لا یکون غیبة إذا لم یستلزم

نقصا فی الجهات المزبورة فی التنبیه السابق،

و إلا فلا شبهة فی کونه غیبة،کنفی العدالة عنه،فإنه یدل بالملازمة علی ارتکابه المعاصی.و کقوله:إن فلانا یقرء علم النحو منذ ثلاثین سنة،فإنه یدل بالملازمة علی بلادة المقول فیه و بلاهته،أو مماطلته و بطالته.

الثالث: ان یکون المقول أمرا قد ستره اللّه علی المقول فیه

ان مقتضی ما ذکرناه من التعریف(بل المتیقن من مفهوم الغیبة،و مورد الروایات الدالة علی حرمة الغیبة)ان یکون المقول أمرا قد ستره اللّه علی المقول فیه و اما ذکر الأمور الظاهرة فلیس من الغیبة.و قد ذکره الأصحاب فی مستثنیاتها،و سیأتی ذکره.و تدل علی ذلک روایة ابن سیابة المتقدمة،و روایة الأزرق[1]،إلا أنهما ضعیفتا السند.

نعم فی إحیاء العلوم (1)عن عائشة إنها(دخلت علینا امرأة فلما ولت أومأت بیدی انها قصیرة فقال«ص»:اغتبتها)فان الظاهر منها تحقق الغیبة بحکایة الأمور الظاهرة.و لکنها ضعیف السند.

نعم قد یکون ذکر الأمور الظاهرة حراما،لانطباق شیء من العناوین المحرمة علیه، کالتعییر و الهجاء و السب و الهتک و الظلم و نحوها،و علیه فیکون حراما من غیر جهة الغیبة

الرابع:قد تحقق الغیبة بالتعریض و الإشارة قولا،

کأن یقول:الحمد للّه الذی لم یبتلینی بالسلطان و بالمیل الی الحکام،أو فعلا،کأن یحکی مشیة الغائب،بل هو أشد من الذکر باللسان،لکونه أعظم فی الانتقاص،أو کتابة،فقد قیل:ان القلم احد اللسانین فان المناط فی تحقق الغیبة کشف ما ستره اللّه،و لا خصوصیة للکاشف.

الخامس:لا بد فی صدق الغیبة من وجود احد یقصد بالتفهیم.

فقد عرفت:أنها إظهار ما ستره اللّه،و هو لا یتحقق بمجرد حدیث النفس،فإنه لا یزید علی الصور العلمیة

ص:328


1- 1) راجع ج 3 باب الغیبة ص 127.

و الملکات النفسانیة.و من هنا علم عدم تحقق الغیبة أیضا بذکر الإنسان بعیوب یعلمها المخاطب نعم قد یحرم ذلک من جهة أخری.

السادس:لا تتحقق الغیبة إلا بکون المغتاب(بالفتح)معلوما بالتفصیل عند المخاطبین،

فلو کان مرددا عندهم بین أشخاص،سواء کانوا محصورین أم غیر محصورین فذکره بالنقائص و المعایب المستورة لا یکون غیبة،فإنه لیس کشفا لما ستره اللّه.

و مثاله أن تقول:رأیت الیوم رجلا بخیلا،أو جاءنی الیوم شارب الخمر أو تارک الحج أو عاق الوالدین،أو من یعیش معیشة ضنکا،فکل ذلک لا یکون من الغیبة فی شیء،و لا یکون حراما إلا إذا انطبق علیه عنوان محرم آخر،و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون کل واحد من المحصورین کارها لذلک الذکر أم لا،لما عرفت من أن کراهة المقول فیه لیست شرطا فی تحقق الغیبة.

نعم لو عرفنا الغیبة بأنها ذکر الغیر بما یکرهه کما علیه المشهور کان ذلک من الغیبة، و شملته أدلة تحریمها.و لکنک قد عرفت ضعفة فیما سبق.

و لا یخفی أن ما ذکرناه من اشتراط العلم التفصیلی بالمغتاب فی مفهوم الغیبة إنما هو بالإضافة الی الإفراد.أما إذا کان المذکور نقصا للعنوان الکلی-و کشفا لما ستره اللّه علی النوع بحیث یکون المصداق المردد إنما ذکر من باب تطبیق الکلی علی الفرد-کان ذلک غیبة لجمیع أفراد الکلبی الموجودة فی الخارج،لانحلاله إلیها کسائر القضایا الحقیقة،بل بالنسبة الی الأفراد الماضیة أیضا،بل ربما یکون ذلک بالنسبة الی بعض الأفراد بهتانا.و مثاله أن یذکر إنسانا بالسوء المستور لکونه عجمیا أو عربیا أو بقالا،أو لکونه من أهل البلد الفلانی أو من الصنف الفلانی و هکذا.

السابع: فی موارد الشک فی تحقق الغیبة و عدمه

قد عرفت أنه لیس فی المسألة ما یعتمد علیه فی تعریف الغیبة و تفسیرها إلا بعض الروایات الضعیفة.و علیه فکلما شککنا فی تحقق موضوع الغیبة للشک فی اعتبار قید فی المفهوم أو شرط فی تحققه یرجع الی أصالة العدم.

الثامن:أن مقتضی ما ذکره المشهور من أن الغیبة ذکرک أخاک بما یکرهه لو سمعه عدم

صدق الغیبة مع حضور المغتاب(بالفتح)،

بل هذا هو الظاهر من الآیة،فإن تشبیه المغتاب بالمیتة إنما هو لعدم شعوره بما قیل فیه.و أما علی ما ذکرناه فی تعریف الغیبة فلا فرق فی انطباقها بین حضور المغتاب و عدمه ما دام یصدق علی القول أنه إظهار لما ستره اللّه.

قوله نظیر ما إذا نفی عنه الاجتهاد. أقول:نفی الاجتهاد لیس نقصا فی حق أحد کما ذکره المصنف،و لکنه فیما إذا لم یستلزم تعریضا بغباوة المنفی عنه،لطول اشتغاله

ص:329

بالتحصیل،و إلا فلا شبهة فی کونه غیبة.

قوله لعموم ما دل علی حرمة إیذاء المؤمن. أقول:قد دلت الروایات المتواترة (1)علی حرمة إیذاء المؤمن و إهانته و سبه،و علی حرمة التنابز بالألقاب،و علی حرمة تعییر المؤمن بصدور معصیة منه فضلا عن غیر المعصیة،إلا أنها خارجة عن المقام کما ذکره المصنف، فإن النسبة بین ما نحن فیه و بین المذکورات هی العموم من وجه.و قد أشرنا الی ذلک فی البحث عن حرمة سب المؤمن.

دواعی الغیبة

قوله ثم إن دواعی الغیبة کثیرة. أقول:الأسباب التی ذکروها باعثة للغیبة عشرة.و قد أشیر إلیها فی ما روی عن الصادق«ع»فی مصباح الشریعة (2)و لکن الروایة ضعیفة السند.و تکلم علیها الشهید الثانی رضوان اللّه علیه فی کشف الریبة بما لا مزید علیه و تذکر منها اثنین،فان لهما مأخذا دقیقا لا یلتفت الیه نوع الناس فیقعون فی الغیبة،و من حیث لا یشعرون.

الأول:أن یرفع نفسه بتنقیص غیره،بأن یقول:فلان ضعیف الرأی و رکیک الفهم، و ما ذکره بدیهی البطلان و نحوها من الکلمات المشعرة بالذم.و أکثر من یبتلی به هم المزاولون للبحث و التدریس و التألیف فیما إذا أخذهم الغرور و العجب.

الثانی:أن یغتم لأجل ما یبتلی به أحد فیظهر غمه للناس،و یذکر سبب غمه،و هو شیء ستره اللّه علی أخیه،فیقع فی الغیبة من حیث إنه یقصد الاهتمام بشأنه،فان اغتمامه له رحمة، و لکن ذکره سبب ذلک علیه شر.و قد یتصنع ذلک بعض المنافقین،و یأخذه وسیلة لهتک أعراض الناس و کشف عوراتهم:بأن یظهر الاغتمام و التحسر لابتلاء شخص محترم،ثم یذکر فیه ما یوجب افتضاحه فی الأنظار و انحطاطه عن درجة الاعتبار.فیلقی نفسه فی جهنم و بئس المصیر،و بذلک یکون إداما لکلاب النار،کما فی بعض الأحادیث[1]أستعیذ باللّه من الحقد و الحسد و غیظ القلوب.

ص:330


1- 1) راجع ج 2 ئل أبواب العشرة من الحج.
2- 2) راجع ج 2 المستدرک ص 105.
کفارة الغیبة

قوله الثانی:فی کفارة الغیبة الماحیة لها. أقول:الذی قیل أو یمکن أن یقال فی بیان کفارة الغیبة وجوه،الأول:الاستحلال من المغتاب(بالفتح).الثانی:الاستغفار له فقط.الثالث:کلا الأمرین معا.الرابع:أحدهما علی سبیل التخییر.الخامس:

التفصیل بین وصول الغیبة إلی المغتاب فکفارتها الاستحلال منه،و بین عدم وصولها الیه فکفارتها الاستغفار له فقط.السادس:التفصیل بین إمکان الاستحلال منه،و بین عدمه لموت،أو بعد مکان،أو کون الاعتذار موجبا لإثارة الفتنة و الإهانة،فعلی الأول یجب الاستحلال منه،و علی الثانی یجب الاستغفار له.السابع:عدم وجوب شیء منهما فی جمیع الصور،بل الواجب علی المغتاب(بالکسر)الاستغفار لنفسه و التوبة من ذنبه.

أقول:قبل التکلم فی الوجوه المذکورة لا بد و أن یعلم أنه إذا شک فی وجوب شیء منها فإن أصالة البراءة محکمة للشک فی ثبوت التکلیف المقتضی للامتثال.

و قال المصنف(ره):إن(أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب بالفتح علی المغتاب بالکسر یقتضی عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة).

و فیه أنه لم یثبت هنا للمقول فیه حق حتی یستصحب بقاؤه،و یجب الخروج عن عهدته فان من حق المؤمن علی المؤمن أن لا یغتابه،و إذا اغتابه لم یحفظ حقه فلم یبق موضوع للاستصحاب،و لم یثبت بذلک حق آخر للمغتاب حتی یستصحب.و علیه فلا وجه لما أفاده المحقق الایروانی من أن الأصل فی المسألة هو الاحتیاط،و الإتیان بکل ما احتمل دخله فی رفع العقاب من الاستحلال و التوبة و الاستغفار للمغتاب(بالفتح)و غیر ذلک.

إذا عرفت ذلک فنقول:أما الاستحلال من المغتاب مطلقا فذهب الی وجوبه جمع من الأصحاب.قال الشهید فی کشف الریبة:(اعلم أن الواجب علی المغتاب ان یندم و یتوب علی ما فعله لیخرج من حق اللّه سبحانه و تعالی ثم یستحل المغتاب لیحله فیخرج عن مظلمته) و یمکن الاستدلال علی ذلک بأن الغیبة من حقوق الناس،و حقوق الناس لا ترتفع إلا بإسقاط ذی الحق منهم.أما الوجه فی الصغری فلأنها ظلم للمغتاب.و لما ورد فی الاخبار الکثیرة من أن حق المؤمن علی المؤمن أن لا یغتابه.

و أما الوجه فی الکبری فهو جملة من الروایات:منها ما دل علی أن الغیبة لا تغفر حتی یغفرها صاحبها.و قد تقدمت هذه الروایة فی البحث انها صغیرة أو کبیرة.و فیه انها

ص:331

و إن کانت واضحة الدلالة علی المقصود.و لکنها ضعیفة السند.

و منها ما عن الکراجکی (1)عن علی«ع»فی روایة قال فیها:إن للمؤمن علی المؤمن ثلاثین حقا،و ذکرها علی التفصیل(ثم قال«ع»:سمعت رسول اللّه یقول:إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه یوم القیامة فیقضی له و علیه).

و فیه أولا:انها ضعیفة السند.و ثانیا:انها لا تدل علی وجوب الاستحلال،لاشتمالها علی حقوق لا قائل بوجوب أدائها،کعیادة المریض،و حضور المیت،و قضاء الحاجة و غیرها و لم یتوهم احد و لا یتوهم ان من لم یعمل بالحقوق المذکورة فی هذه الروایة و غیرها من الروایات المتواترة الواردة فی حقوق الاخوان وجب علیه ان یستحل من ذی الحق مع التمکن،و من ولیه مع عدمه،نظیر الحقوق المالیة،و إنما هی حقوق اخلاقیة ینبغی للإنسان أن یراعیها،و یواظب علیها،لکونها مقومة لاجتماعهم،بل هی فی الجملة من مقتضیات طبع البشر و العقلاء مع قطع النظر عن الشریعة.و علیه فالمراد من القضاء بموجبها یوم القیامة هو ما ذکره المصنف من(المعاملة معه معاملة مر لم یراع حقوق المؤمن لا العقاب علیها).

و منها النبوی (2):(من کانت لأخیه عنده مظلمة فی عرض أو مال فلیستحلها).

و فیه انه ضعیف السند.و لا بأس بحمله علی الاستحباب للتسامح فی أدلة السنن.نعم قد ثبت بالأدلة القطعیة الضمان فی الحقوق المالیة فقط.

و منها ما عن عائشة (3)انها قالت لامرأة:(قالت لأخری:إنها طویلة الذیل:قد اغتبتها فاستحلها).و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:ان ما ذکر فیها لیس من الغیبة،لأنه من الأمور الظاهرة.و ثالثا:انه لا حجیة فی قول عائشة.

و منها ما دل (4)علی ان من اغتاب مسلما أو مسلمة لم یقبل اللّه صلاته و لا صیامه أربعین یوما و لیلة إلا ان یغفر له صاحبه.

و فیه أولا:انه ضعیف السند.و ثانیا:انه لا بد من حمل نظائر هذه الأخبار علی

ص:332


1- 1) ضعیفة للحسین بن محمد بن علی السیرافی البغدادی.راجع ج 2 ئل باب 222حقوق المؤمن من العشرة ص 229.
2- 2) راجع ج 2 سنن البیهقی ص 83.و کشف الریبة ص 87.و ج 2 مرآة العقول ص 349.و ج 3 إحیاء العلوم ص 134.
3- 3) راجع ج 3 إحیاء العلوم ص 134.
4- 4) کروایة جامع الأخبار.مرسلة.راجع ج 2 المستدرک ص 106.

الاحکام الأخلاقیة،فإنه لم یتفوه احد ببطلان عبادة المغتاب بالکسر،و وجوب القضاء علیهم بعد التوبة.

و منها ما دل (1)علی انتقال الأعمال الصالحة باغتیاب الناس الی المغتاب بالفتح،فإذا استحل منه رجعت الی صاحبها.و فیه مضافا الی کونه ضعیف السند.انه لا دلالة له علی وجوب الاستحلال.

و قد ذکر المصنف ان«فی الدعاء التاسع و الثلاثین من أدعیة الصحیفة السجادیة و دعاء یوم الاثنین من ملحقاتها ما یدل علی هذا المعنی أیضا».

و فیه ان ما فیهما أجنبی عما نحن فیه،أما الأول فهو مسوق لطلب العفو و الرحمة لذی الحق و المظلمة فی حال عدم التمکن من استحلاله،و لا تعرض فیه لوجوب الاستحلال منه أصلا.و اما الثانی فیدل علی طلب المغفرة له مع عدم التمکن من التحلل و الرد من غیر تعرض لوجوب الاستحلال،کما سیأتی.

و أما الاستغفار للمغتاب بالفتح فذهب الی وجوبه غیر واحد من الأصحاب،و یمکن الاستدلال علیه بأمور:

الأول:ما تقدم من دعاء السجاد«ع»فی طلب العفو و الرحمة لذوی الحقوق و المظلمة، و فیه أن الفعل الصادر من المعصوم«ع»لا یدل علی الوجوب لکونه أعم منه و من المستحب الثانی:روایة(حفص بن عمر[1]عن ابی عبد اللّه«ع»قال:سئل النبی ص ما کفارة الاغتیاب؟قال:تستغفر اللّه لمن اغتبته کلما ذکرته).

و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:ان مقتضی العمل بها هو وجوب الاستغفار للمغتاب بالفتح کلما ذکره،أو کل وقت ذکر الاغتیاب،و من الواضح ان هذا خلاف الضرورة،و لم یلتزم به فقیه فیما نعلم و ان ذکره بعض أهل الأخلاق،و علیه فتحمل الروایة علی الجهات الأخلاقیة.

نعم بناء علی کون النسخة«کما ذکرته»بدل«کلما ذکرته»علی ما ذکره المجلسی فی مرآة العقول (2)لا یتوجه علیها الإشکال الثانی.

ص:333


1- 1) کروایة جامع الأخبار.مرسلة.راجع ج 2 المستدرک ص 106.
2- 2) ج 2 ص 348.

الثالث:ما فی روایة السکونی[1]من قول الإمام«ع»:(من ظلم أحد ففاته فلیستغفر اللّه له فإنه کفارة له).بدعوی أن الضمیر المنصوب فی کلمة فاته یرجع الی الظلم المفهوم من کلمة ظلم نظیر قوله تعالی: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی) .و من الواضح أن الغیبة من الظلم،فیجب علی من اغتاب أحدا أن یستغفر له.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أن الظاهر منها رجوع الضمیر الی المظلوم کما جزم به المجلسی(ره)فی مرآة العقول (1)،فالمعنی أن من لم یدرک المظلوم لیطلب منه براءة الذمة،و یسترضیه عن المظلمة فلیستغفر اللّه له،و علیه فتدل الروایة علی وجوب طلب المغفرة للمظلوم مع عدم التمکن من الوصول الیه،لا مطلقا.

و مما ذکرناه فی الروایة الثانیة و الثالثة ظهر الجواب عن روایتی الجعفریات[2]أیضا.

و من جمیع ما حققناه فی عدم وجوب الاستحلال و الاستغفار تکلیفا ظهر الجواب عن القول بوجوب کلا الأمرین تعیینا أو تخییرا.و علم أیضا أنه لا وجه لما نقله المامقانی عن بعض مشایخه من العمل بطائفتی الأخبار الدالة إحداهما علی الاستغفار،و الأخری منهما علی الاستحلال،فیلزم المغتاب(بالکسر)الجمع بینهما:بأن یستغفر للمقول فیه،و یستحل منه و أما التفصیل بین وصول الغیبة للمقول فیه و بین عدم وصولها الیه،فیجب الاستحلال منه فی الصورة الاولی،و یجب الاستغفار له فی الصورة الثانیة،فقد ذهب الیه جمع من أعاظم الأصحاب کالشهید الثانی و المجلسی و غیرهما.

قال المحقق الطوسی فی مبحث التوبة من التجرید:(و یجب الاعتذار عن المغتاب مع بلوغه)و تبعه العلامة و القوشجی فی شرحهما علی التجرید.

و یدل علی هذا التفصیل ما عن مصباح الشریعة[3]و هو قوله«ع»:(إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه و لم تلحقه فاستغفر اللّه له).

ص:334


1- 1) ج 2 ص 320.

و فیه أولا:أنه ضعیف السند.و ثانیا:أن الغیبة إن کانت من حقوق الناس وجب الاستحلال من المقول فیه سواء علم بذلک أم لا،و إلا بقی المغتاب(بالکسر)مشغول الذمة إلی الأبد،و یکون شأن الغیبة فی ذلک شأن الحقوق المالیة،و إن لم تکن من حقوق الناس فلا وجه لوجوب الاستحلال من المقول فیه و إن بلغته الغیبة.و علی کل حال فلا وجه للتفصیل المذکور و لا بد إما من حمل الروایة علی الجهات الأخلاقیة،أورد علمها إلی قائلها و مما ذکرناه ظهر ما فی کلامی الشهید فی کشف الریبة و المجلسی فی مرآة العقول (1)من الضعف حیث جعلا التفصیل المذکور وجه الجمع بین الروایات.

و أما التفصیل بین إمکان الاستحلال و عدمه فألحقه الشهید فی کشف الریبة بالتفصیل المتقدم حکما،و قال:(و فی حکم من لم یبلغه من لم یقدر علی الوصول الیه بموت أو غیبة) و یمکن الاستدلال علیه بما فی دعاء السجاد«ع»یوم الاثنین[1]من طلب العفو و المغفرة لذوی الحقوق و المظلمة مع عدم إمکان الخروج عنها.

و فیه أولا:أن الأدعیة الواردة فی أیام الأسبوع لم یثبت کونها من زین العابدین«ع» و لذا عدوها من الملحقات للصحیفة المعروفة.

و ثانیا:أن فعل المعصوم و إن کان حجة کسائر الأمارات المعتبرة،إلا أنه مجمل لا یدل علی الوجوب.کما عرفته آنفا.

و أما الاکتفاء بالتوبة فی محو تبعات الغیبة،کما یکتفی بها فی محو تبعات سائر المعاصی فهو المتعین،لقیام الضرورة،و دلالة الآیات المتظافرة،و الروایات المتواترة من الفریقین علی أن التائب عن ذنبه کمن لا ذنب له.

و فی إحیاء العلوم (2)عن مجاهد:أن کفارة أکلک لحم أخیک أن تثنی علیه و تدعو له بخیر.و فیه أنه و إن کان حکما أخلاقیا،و لکن قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أنه لا دلیل علیه.

و کذلک لا وجه لما حکاه عن عطا من أنه سئل(عن التوبة من الغیبة؟قال:أن تمشی

ص:335


1- 1) ج 2 ص 348.
2- 2) ج 3 ص 134.

الی صاحبک فتقول له:کذبت فیما قلت و ظلمتک و أسأت و إن شئت أخذت بحقک و إن شئت عفوت و هذا هو الأصح).

علی أن ما ذکره فی طریق الاعتذار من أن یقول المغتاب(بالکسر)لصاحبه:(کذبت فیما قلت)کذب محرم،لما عرفت أن الغیبة کشف العیوب المستورة الموجودة فی المقول فیه فلا یکون الاغتیاب من الأکاذیب.

قوله و الانصاف أن الاخبار الواردة فی هذا الباب کلها غیر نقیة السند. أقول:

ربما قیل:إنه لا وجه لمناقشة المصنف فی اعتبار الروایات،فإنه قد اعترف بکونها مستفیضة علی أنه(ره)جعل من أدلة وجوب الاستحلال الدعاء التاسع و الثلاثین من الصحیفة،و من البدیهی أن الصحیفة وصلت إلینا بسند معتبر عن الامام الرابع علیه و علی آبائه ألف تحیة و سلام و فیه أن مراد المصنف من الأخبار التی ناقش فی اعتبارها غیر الدعاء المزبور کما هو الظاهر،و إنما لم یلتزم بوجوب الاستحلال،لأن الدعاء غیر تام الدلالة علیه،و أما الاستفاضة فهی لا تنافی عدم الاعتبار،فان الخبر المستفیض قسم من الاخبار الآحاد کما حقق فی محله،و لذا یجعلونه فی مقابل المتواتر.

مستثنیات الغیبة
جواز غیبة المتجاهر بالفسق

قوله الثالث:فیما استثنی من الغیبة و حکم بجوازها بالمعنی الأعم. أقول:ذکر المصنف تبعا لجامع المقاصد أن المستفاد من الاخبار أن الغیبة المحرمة هی ما کان الغرض منها انتقاص المؤمن و هتک عرضه،أو التفکه به،أو إضحاک الناس منه.

و أما إذا کان الاغتیاب لغرض صحیح راجع الی المغتاب بالکسر أو الفتح،أو الی ثالث بحیث یکون هذا الغرض الصحیح أعظم مصلحة من احترام المؤمن وجب العمل علی طبق أقوی المصلحتین،و هذا کنصح المستشیر و التظلم و نحوهما،و علیه فموارد الاستثناء لا تنحصر بعدد معین،بل المدار فیها وجود مصلحة أهم من مصلحة احترام المؤمن.و علی هذا المنهج جمیع موارد التزاحم فی الواجبات و المحرمات،سواء کانت من حقوق اللّه أم من حقوق الناس.

و أقول:مقتضی الأدلة المتقدمة هو تحریم الغیبة بعنوانها الأولی،سواء انطبقت علیها سائر العناوین المحرمة أم لا.و علیه فلا وجه لجعل حرمة الغیبة تابعة لقصد هتک المؤمن،

ص:336

أو التفکه به،أو انطباق غیرهما من العناوین المحرمة.

نعم ما ذکره المصنف تبعا لجامع المقاصد فی ضابطة ترجیح الأهم علی المهم فهو فی غایة المتانة و الجودة علی ما نقحناه فی علم الأصول،و لا تحصی ثمراته فی علم الفقه،إلا أنه لا وجه لذکر هذه الضابطة فی المقام،فان الکلام هنا متمحض لبیان مستثنیات الغیبة بحسب التعبد بالأدلة الخاصة،فلا مساس له بلحاظ المناط و العمل بطبق أقوی الملاکین،و کیف کان فقد عدوا من مستثنیات الغیبة أمورا:

الأول:المتجاهر بالفسق فإنه یجوز اغتیابه بلا خلاف بین الشیعة و السنة (1)و تدل علی جواز غیبته جملة من الروایات.منها روایة هارون بن جهم[1]عن الصادق(قال:إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غیبة).و فیه أن الروایة و إن کانت ظاهرة الدلالة علی المدعی.و لکنها ضعیفة السند.

و منها النبوی (2):(من ألقی جلباب الحیاء فلا عیبة له.أقول:لیس المراد فی الحدیث من ألقی جلباب الحیاء بینه و بین ربه حتی قام فی صف المتمردین علیه،و إلا لدل الخبر علی جواز اغتیاب کل مذنب،لهتکهم الستر المرخی بینهم و بین ربهم.و لیس المراد به أیضا من لا یبالی بارتکاب الأمور العادیة غیر المناسبة لنوع الناس،کالأکل فی السوق، و الجلوس فی المقاهی،و الاعتیاد علی الأکل فی الضیافة زائدا علی المتعارف.بل المراد منه هو الفاسق المعلن بفسقه غیر المبالی بالتمرد علی الشارع و الجرأة علی مخالفته بالإقدام علی القبائح و المعاصی علنا،فیدل علی المقصود،إلا أنه ضعیف السند.

و منها الروایات[2]الدالة علی أن الفاسق المعلن بفسقه لا غیبة له و لا حرمة،إلا أنها ضعیفة السند.

ص:337


1- 1) راجع ج 3 إحیاء العلوم ص 134.
2- 2) راجع ج 2 المستدرک ص 108.و ج 10 سنن البیهقی ص 210.و ج 3 إحیاء العلوم ص 134.

و منها ما روی عنه«ع»[1]بطرق عدیدة:«من عامل الناس فلم یظلمهم و حدثهم فلم یکذبهم و وعدهم فلم یخلفهم کان ممن حرمت غیبته و کملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته».فهذه الروایة دلت بمفهومها علی أن من ارتکب الأمور المذکورة فهو جائز الغیبة.و من الواضح أن من ظلم الناس فی معاملاتهم و کذبهم فی حدیثهم کان متجاهرا بالفسق و لکن الروایة بجمیع طرقها ضعیفة السند.علی أن الظاهر من هذه الروایة و من صحیحة ابن أبی یعفور و روایة علقمة الآتیتین اعتبار العدالة فی حرمة الغیبة،و لم یلتزم به أحد و منها صحیحة ابن أبی یعفور (1)فقد دلت علی أن حرمة التفتیش عن أحوال الناس مترتبة علی الستر و العفاف منهم،و مقتضی ذلک أن حرمة التفتیش تنتفی إذا انتفت الأمور المذکورة.

و فیه ان التفتیش غیر الغیبة،و حرمة أحدهما لا تستلزم حرمة الآخر.نعم قد یجتمعان ثم لو سلمنا اتحادهما فان مقتضی ذلک اعتبار العدالة فی حرمة الغیبة.

و منها ما فی روایة علقمة[2]عن الصادق«ع»و هو قوله:«فمن لم تره بعینک یرتکب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و إن کان

ص:338


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 41 ما یعتبر فی الشاهد من أبواب الشهادات ص 417.

فی نفسه مذنبا و من اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة اللّه و داخل فی ولایة الشیطان».

قال المصنف:«دل علی ترتب حرمة الاغتیاب و قبول الشهادة علی کونه من أهل الستر و کونه من أهل العدالة علی طریق اللف و النشر،أو علی اشتراط الکل یکون الرجل غیر مرئی منه المعصیة و لا مشهودا علیه بها،و مقتضی المفهوم جواز الاغتیاب مع عدم الشرط خرج منه غیر المتجاهر».

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أن ظاهرها اعتبار العدالة فی حرمة الغیبة،و هو بدیهی البطلان،کما عرفت آنفا.

و ثالثا:أن ظاهر مفهومها هو أن غیبة الرجل جائزة لمن یشاهد صدور المعصیة منه، أو إذا شهد علیه بها شاهدان،و علیه فتنحصر موارد الأدلة الدالة علی حرمة الغیبة بالعیوب البدنیة و الأخلاقیة،فان المغتاب«بالکسر»لا بد له من العلم حین یغتاب،و إلا کان من البهتان،لا من الغیبة،و هذا خلاف صراحة غیر واحد من الروایات الدالة علی حرمتها، علی أنه لم یلتزم به احد.

نعم لو أرید من الخطاب فی قوله«ع»:«فمن لم تره بعینک»العنوان الکلی و القضیة الحقیقیة-و کان معناه أن صدور المعصیة منه بمرأی من الناس و مسمع منهم بحیث یر الناس و یرونه و هو یوقع المعصیة-لسلم عن هذا الاشکال.

و منها ما فی روایة أبی ابن یعفور[1]المتقدمة من قوله«ع»:(و قال رسول اللّه«ص»:

لا غیبة إلا لمن صلی فی بیته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمین وجبت علی المسلمین غیبته).فإنه یدل علی جواز غیبة من رغب عن الجماعة،بل علی وجوبها.

و فیه أولا:أن أصل الروایة و إن کانت صحیحة کما عرفت إلا أن هذه القطعة قد زیدت علیها فی روایة الشیخ،و هی مشتملة علی ضعف فی السند.و ثانیا:أنها مختصة بمن رغب عن الجماعة،فلا تعم غیره.

و ثالثا:أن ظاهر الروایة هو دوران الغیبة و العدالة إثباتا و نفیا مدار حضور الجماعة، و الرغبة عنها.و یدل علی هذا من الروایة أیضا قوله«ع»بعد القطعة المذکورة:(و سقطت بینهم عدالته و وجب هجرانه و إذا رفع الی إمام المسلمین أنذره و حذره فان حضر جماعة المسلمین و إلا أحرق علیه بیته و من لزم جماعتهم حرمت علیهم غیبته و ثبتت عدالته بینهم).

و حاصل ما تقدم:أنه لم یدل دلیل معتبر علی جواز غیبة المتجاهر بالفسق،لیکون مقیدا

ص:339

للإطلاقات الدالة علی حرمة الغیبة مطلقا.

نعم قد ذکرنا فی معنی الغیبة أنها عبارة عن کشف ما ستره اللّه علی العباد،و أیدناه ببعض الروایات،فیکون المتجاهر بالفسق خارجا عن حدود الغیبة تخصصا و موضوعا،لأنه قد کشف ستره بنفسه قبل أن یکشفه المغتاب(بالکسر).

فروع
الأول:هل یعتبر فی جواز غیبة المتجاهر بالفسق قصد الغرض الصحیح من النهی عن

المنکر و ردعه عن المعاصی،أو لا؟

مقتضی العمل بالإطلاقات المتقدمة الدالة علی نفی الغیبة عن المتجاهر بالفسق هو الثانی،إذ لم تقید بالقصد المذکور،کما أن ذلک أیضا مقتضی ما ذکرنا من خروج ذکر المتجاهر بالفسق عن تعریف الغیبة موضوعا.إذا لم یتقید عنوان الغیبة بأکثر من کونها کشفا لما ستره اللّه.

الثانی:هل تجوز غیبة المتجاهر فی جمیع ما ارتکبه من المعاصی

و إن لم یتجاهر إلا فی بعضها کما عن الحدائق،أولا تجوز إلا فیما تجاهر فیه کما عن الشهید الثانی(ره)؟.

و فصل المصنف بین المعاصی التی هی دون ما تجاهر فیه فی القبح و بین غیرها،فیجوز اغتیابه فی الأول،و لا یجوز اغتیابه فی الثانی.

و مثاله:من تجاهر باللواط جاز اغتیابه بالتعرض للاجنبیات،و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتیابه بالسرقة.و من تجاهر بکونه جلاد سلطان الجور-یقتل الناس،و یمثل بهم، و ینکل-جاز اغتیابه بشرب الخمر و الزناء و اللواط.و من تجاهر بنفس المعصیة جاز اغتیابه فی مقدماتها.و من تجاهر بالمعاصی الکبیرة جاز اغتیابه بالتعرض لجمیع القبائح.و لعل هذا هو المراد من قوله(صلی الله علیه و آله):(من ألقی جلباب الحیاء فلا غیبة له).لا من تجاهر بمعصیة خاصة و عد مستورا فی غیرها،کبعض عمال الظلمة.انتهی ملخص کلامه.

أقول:أما القول بالتفصیل المذکور فلا دلیل علیه بوجه،فان بعض الناس قد یتجاهر بالذنوب الکبیرة،کقتل النفوس المحترمة،و شرب الخمور،و أکل أموال الناس،و مع ذلک یتستر فیما هو دونها،کإیذاء الجار،و النظر إلی الأجنبیات،و ترک العبادات الواجبة.

نعم إذا تجاهر فی معصیة جاز اغتیابه بها و بلوازمها،فإذا تجاهر بشرب الخمر جاز اغتیابه بتهیئة مقدمات الشرب من الشراء و الحمل،أو الصنع،فان الالتزام بالشیء التزام بلوازمه.

و من ألقی جلباب الحیاء فی معصیة ألقی جلبابه فی لوازمه أیضا.و علیه فیدور الأمر بین

ص:340

القول بالجواز مطلقا،و بین القول بعدم الجواز کک.

و قد یقال:إن الظاهر هو جواز اغتیاب المتجاهر مطلقا،کما عن الحدائق.بل استظهره من کلام جملة من الأعلام،بل ذکر المصنف تصریح بعض الأساطین بذلک.

و الوجه فیه هو إطلاق الروایات المتقدمة،فإنه دال علی جواز غیبة المتجاهر بالفسق حتی بذکر المعاصی التی لم یتجاهر فیها.فکأن تجاهره بمعصیة واحدة أسقط احترامه فی نظر الشارع بحیث صار مهدور الحرمة.کما أن المرتد بارتداده یصبح مهدور الدم،و لکنک قد عرفت ضعف الروایات المذکورة،فلا یمکن التمسک بإطلاقها.و علیه فالاقتصار علی المقدار المتیقن یقتضی عدم جواز غیبة المتجاهر بغیر ما تجاهر فیه و فی لوازمه.

الثالث:ظهر من مطاوی ما ذکرناه أنه یعتبر فی صدق التجاهر بالفسق أن یکون

المتجاهر به مما یوجب الفسق و الخروج عن العدالة،

فلو ارتکب أحد الحرام الواقعی لشبهة حکمیة أو موضوعیة،فإنه لیس بمذنب فضلا عن کونه متجاهرا بالفسق.

أما الشبهة الحکمیة فکما إذا شرب العصیر التمری المغلی قبل ذهاب ثلثیه-أو أکل لحم الأرنب،لأنه یعتقد إباحتهما بحسب اجتهاده أو اجتهاد من یقلده-فإنه یکون معذورا فی هذا الارتکاب إذا تمت له أو لمقلده مقدمات الاجتهاد.

و اما الشبهة الموضوعیة فکشرب الخمر باعتقاد انها ماء،و کوطی امرأة أجنبیة باعتقاد انها زوجته،و کقتل المؤمن باعتقاد انه مهدور الدم.فإنه أیضا معذور فی هذه الأعمال إلا إذا کان مقصرا فیها.

الرابع:قد عرفت:ان مقتضی العمل بالمطلقات هو جواز غیبة المتجاهر مطلقا بمجرد

تجاهره بمعصیة من المعاصی،

فیکون التجاهر و لو فی معصیة واحدة علة تامة لجواز الغیبة، و علیه فلا یفرق فی ذلک بین ان یکون معروفا بالتجاهر فی الفسق بین جمیع الناس،و فی جمیع الأمکنة و الأصقاع،أو بین بعضهم و فی بعض البلاد و القری.

و علی هذا فلا وجه لما استشکله المصنف من دعوی(ظهور روایات الرخصة فیمن لا یستنکف عن الاطلاع علی عمله مطلقا،فرب متجاهر فی بلد متستر فی بلاد الغربة أو فی طریق الحج و الزیارة لئلا یقع عن عیون الناس).نعم لو تجاهر بذلک بین جماعة هم أصحاب سره و رفقائه فی العمل فإنه لا یعد متجاهرا بالفسق.

و لکن قد عرفت ضعف المطلقات المذکورة،فلا یمکن الاستناد إلیها فی تجویز هتک عرض المؤمن و افتضاحه بین الناس،و لا تصلح لتقیید المطلقات الدالة علی حرمة الغیبة.

و إذن فلا تجوز غیبة المتجاهر إلا لمن تجاهر بالمعصیة عنده،لا من جهة الروایات،بل لعدم

ص:341

تحقق مفهوم الغیبة مع التجاهر،علی ما ذکرناه فی تفسیرها،و اللّه العالم.

و لقد أجاد المصنف حیث قال:(و بالجملة فحیث کان الأصل فی المؤمن الاحترام علی الإطلاق وجب الاقتصار علی ما تیقن خروجه).

قوله و هذا هو الفارق بین السب و الغیبة. أقول:قد تقدم توضیح ذلک فی البحث عن حرمة سباب المؤمن،و قلنا:إن النسبة بین الغیبة و سب المؤمن هی العموم من وجه.

جواز تظلم المظلوم

قوله الثانی:تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم و إن کان متسترا به. أقول:

ذکر الشیعة و السنة (1)من مستثنیات حرمة الغیبة تظلم المظلوم،و إظهار ما أصابه من الظالم و إن کان مستترا فی ظلمة إیاه.کما إذا ضربه أو شتمه أو أخذ ما له أو هجم علی داره فی مکان لا یراهما أحد أو لا یراهما من یتظلم إلیه،فإنه یجوز للمظلوم أن یتظلم بها الی الناس.

و یدل علیه قوله تعالی (2): (لا یُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ) .فقد ثبت من الخارج ان الغیبة من الجهر بالسوء،فإنها إظهار ما ستره اللّه من العیوب الموجبة لهتک المقول فیه و إهانته،کما عرفت.و علیه فتنطبق الآیة علی ما نحن فیه.و تکون النتیجة ان اللّه لا یحب الاغتیاب إلا للمظلوم،فان له ان یتظلم الی الناس بذکر مساوی الظالم و إن لم یرج ارتداعه عن ظلمه إیاه.

و أما الروایة (3)المفسرة للجهر بالسوء بأن المراد به الشتم فمضافا الی ضعف السند فیها أن انطباقه علی ذلک لا ینافی انطباقه علی الغیبة أیضا،لما عرفت مرارا من ان الروایات الواردة فی تفسیر القرآن کلها لبیان المصداق و تنقیح الصغری.

و قید الشهید فی کشف الریبة و جمع ممن تأخر عنه جواز الغیبة هنا بکونها عند من یرجو منه إزالة الظلم عنه اقتصارا فی مخالفة الأصل الثابت بالعقل و النقل علی المتیقن،إذ لا عموم فی الآیة لیتمسک به فی إثبات الإباحة مطلقا.و ما ورد فی تفسیر الآیة من الأخبار

ص:342


1- 1) راجع ج 3 إحیاء العلوم للغزالی ص 133.
2- 2) سورة النساء،آیة:148.
3- 3) راجع ج 2 مجمع البیان ط صیدا ص 131.

لا ینهض للحجیة،مع أن المروی عن الباقر«ع»فی تفسیرها المحکی عن مجمع البیان:أنه لا یحب الشتم فی الانتصار إلا من ظلم.

و فیه أن الآیة و إن لم تشتمل علی شیء من ألفاظ العموم و أدواته إلا ان قوله (إِلاّ مَنْ ظُلِمَ) مطلق فبمقتضی مقدمات الحکمة فیه یفید العموم.و علیه فیجوز للمظلوم اغتیاب الظالم سواء احتمل ارتداعه أم لا.

و یدل علی الحکم المذکور ما فی تفسیر القمی (1)من الرخصة للمظلوم فی معارضة للظالم و کذلک یدل علیه ما ورد[1]فی تطبیق الآیة علی ذکر الضعیف إساءة المضیف إیاه،و لکن جمیع ذلک ضعیف السند.

ثم إن المراد من إساءة الضیافة هو هتک الضعیف و عدم القیام بما یلیق بشأنه و بما تقتضیه وظائف الضیافة و المعاشرة المقررة فی الشریعة المقدسة،و یسمی ذلک فی لغة الفرس بکلمة(پذیرایی)و لیس المراد بها ترک ما یشتهیه الضیف و یتمناه زائدا علی المقدار المتعارف.

و بعبارة أخری حق الضیف علی المضیف أن یکرمه و یحترمه بالحد الأوسط،فلا تجوز له مطالبته بالحد الأعلی،و لا یجوز للمضیف ان یعامل ضیفه بالحد الأدنی،و إلا لجاز لأی منهما ان یذکر ما فعله الآخر معه من المساءة،لأنه نوع من التظلم،فیکون مشمولا للآیة من دون احتیاج إلی الروایة،و حینئذ فیکون تطبیق الآیة علی إساءة الضیافة مؤیدة لما ذکرناه.

و قد یستدل علی الجواز هنا بأمور غیر ناهضة للدلالة علی المقصود:
الأول:قوله تعالی : (وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ) .

(2)

و قوله تعالی:

(وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ) .بدعوی ان ذکر المظلوم ما فعله الظالم معه من السوء نحو من الانتصار فیکون مشمولا للآیتین.

و فیه ان الآیتین أجنبیتان عما نحن فیه،بل هما راجعتان الی جواز الاعتداء و الانتقام

ص:343


1- 1) ص 145.
2- 2) سورة الشوری،آیة:37.

بالمثل،نظیر قوله تعالی (1): (فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ) .

و قد ذهب الی هذا جمع من الأکابر حتی صرح الأردبیلی فی محکی کلامه بجواز اعتداء المضروب بالضرب و المشتوم بالشتم کما عرفته إجمالا فی البحث عن حرمة السب.

و یدل علی ما ذکرناه من حمل الآیتین علی الانتقام بالمثل قوله تعالی بینهما: (وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها) .و دعوی أن الغیبة نحو من الاعتداء،دعوی جزافیة،فإنه لا إطلاق للآیتین بالنسبة إلی المجازات بالمحرمات،و إلا لجاز الاعتداء بالزناء و نحوه،و لم یلتزم به احد، بل هو ضروری البطلان.

الثانی ان فی منع المظلوم من التظلم حرجا عظیما،

بل ربما لا یتحمله إلا الأوحدی من الناس.و فیه ان هذا لا یتم فی جمیع الموارد،فان رب شخص یتحمل ما لا یحصی من المصائب الشدیدة و النوائب العسرة حتی من الأشخاص الدنیة بغیر حرج و مشقة.

علی أن فی شمول دلیل الحرج للمقام إشکالا،بل منعا،لأنه مناف للامتنان فی حق المغتاب(بالفتح)و قد حققنا فی معنی أدلة الحرج و الضرر انها أدلة امتنانیة،و إنما تجری إذا لم یلزم من جریانها خلاف الامتنان فی حق الآخرین.

الثالث:ان فی تشریع الجواز مظنة ردع الظالم،

و هی مصلحة خالیة عن المفسدة، فتوجب الجواز،فإن الأحکام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد علی مسلک العدلیة.

و فیه أن الاحکام الشرعیة و إن کانت تابعة للملاکات الواقعیة،إلا ان المصلحة المظنونة لا تقاوم المفسدة المقطوعة،لأن الظن لا یغنی من الحق شیئا.علی انه ربما لا یرتدع الظالم باغتیابه،بل قد لا یرتدع بما هو أعظم من الاغتیاب،علی ان لازم هذا الوجه هو جواز اغتیابه حتی من غیر المظلوم،فان الظن بالارتداع موجود فیهما،بل قد یکون ذکر غیر المظلوم آکد فی ردع الظالم.

الرابع:ما فی روایة قرب الاسناد المتقدمة

فی البحث عن جواز غیبة المتجاهر بالفسق و هو قوله«ع»:(ثلاثة لیس لهم حرمة صاحب هوی مبتدع و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بالفسق).بدعوی ان عدم احترام الإمام الجائر إنما هو لجوره،لا لتجاهره بالفسق و إلا لم یکن قسیما للفاسق المعلن بفسقه.

و فیه أولا:انها ضعیفة السند کما عرفته فی المبحث المذکور.و ثانیا:یمکن ان یراد من الامام الجائر من یتقمص بقمیص الخلافة علی غیر استحقاق،و ینتصب منصب الإمامة بغیر رضی من اللّه و رسوله.و یمکن ان یراد به مطلق القاعد الذی یجوز علی الناس

ص:344


1- 1) سورة البقرة،آیة:190.

و بظلمهم،سواء ادعی الخلافة مع ذلک أم لا،و یعبر عنه فی لغة الفرس بلفظ(زمامدار) و علیه فیدخل فیه من یقضی بین الناس،أو یفتیهم علی غیر هدی من اللّه و رسوله.

و علی کل حال،فلا دلالة فی توصیف الإمام بالجور علی علیته لجواز الغیبة،فإن عطف الفاسق علیه من قبیل عطف العام علی الخاص.علی أن الروایة المذکورة مرویة عن النبی بسند آخر[1]و هی تشتمل علی توصیف الامام بالکذاب.علی أن هذا الوجه لو دل علی الجواز لم یختص بخصوص المظلوم.فإن الإمام الجائر یجوز اغتیابه لکل أحد.فعموم العلة:أعنی الجور یقتضی عموم الحکم.

الخامس:قوله«ص»2:(و لصاحب الحق مقال).

و فیه أولا:أنه ضعیف السند و غیر منجبر بشیء.و ثانیا:أنه لا دلیل إلا علی ثبوت المقال لصاحب الحق من حیث الکبری:أی فی موارد ثبوت الحق له بالفعل.و أما إحراز الصغری فلا بد و ان یکون بأدلة أخری.

و معنی الحدیث أن کل من ثبت له حق فعلی علی أحد من الحقوق المالیة و العرضیة و البدنیة و غیرها فله مقال فی المطالبة به،و المرافعة علیه.و علی هذا فلا تشمل المظلوم الذی أضیع حقه،و فات بالظلم علیه،إذ لیس له حق فعلی حتی یکون له مقال فی المطالبة به، و المرافعة علیه.

و یحتمل اختصاصه بالدین فقط،فیکون مساوقا لقوله«ص»[3]:(لی الواجد بالدین

ص:345

یحل عرضه و عقوبته ما لم یکن دینه فیما یکره اللّه عز و جل).

عدم جواز الغیبة فی ترک الاولی

لا یجوز للمظلوم أن یغتاب الظالم بترک الأولی،لعدم الدلیل علیه.و قد یستدل علی الجواز بروایتین،الأولی:روایة حماد بن عثمان[1]الواردة فی استقضاء الدین،فإنها ظاهرة فی جواز الشکوی من الدائن لترکه الأولی،لأن الإمهال فی قضاء الدین من الأمور المستحبة و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أن ظاهر الفرض فی الروایة أن الدائن قد تعدی علی المدیون،فطلب منه أداء الدین مع عدم وجوب الأداء علیه لعسر أو لغیره، و لا شبهة ان ذلک ظلم تباح معه الغیبة.

و یؤید ذلک أن الامام«ع»لم یوجب علی المدیون أداء الدین،و لو کان واجدا،و لم یکن له عذر لکان أداء الدین واجبا علیه بلا ریب،لما ورد(أن لی الواجد یحل عرضه و عقوبته).و قد عرفت ذلک آنفا.

هذا کله علی النسخة المعروفة التی تبعها صاحب الوسائل و المصنف فی النقل.و أما علی نسختی الوافی و المستدرک،و ما ذکره المجلسی (1)عن بعض النسخ القدیمة.من تبدیل الضاد المعجمة فی استقضیت فی الموضعین بالصاد المهملة فالروایة تکاد تکون نصا فیما ذکرناه فان معنی الاستقصاء فی الحق البلوغ إلی الغایة فی المطالبة.و من الواضح ان ذلک قد یؤدی الی الهتک و الظلم،فیکون حراما.و علیه فتکون الروایة من جملة ما دل علی جواز اغتیاب

ص:346


1- 1) راجع ج 3 مرآة العقول باب 25 آداب قضاء الدین ص 389.

الظالم من قبل المظلوم بذکر أوصافه المحرمة کما تقدم.

و من تأمل الروایة،و تشدید الامام«ع»فیها علی المشکو علیه،و استشهاده بالآیة یطمئن بصحة نسخة الوافی.علی ان المحدث القاسانی دقیق فی نقله.و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه.و تسلیم عدم ظهور الروایة فیما یقول فلیس لها لظهور فیما ذکره المصنف أیضا،فتکون مجملة.

الثانیة مرسلة ثعلبة بن میمون[1]:(قال:کان عنده قوم یحدثهم إذ ذکر رجل منهم رجلا فوقع فیه و شکاه فقال له أبو عبد اللّه(علیه السلام):و أنی لک بأخیک کله و أی الرجال المهذب) فان الظاهر من الجواب ان الشکوی إنما کانت من ترک الأولی الذی لا یلیق بالأخ الکامل المهذب.

و فیه أولا:انها ضعیفة السند.و ثانیا:ان جواب الامام(علیه السلام)ظاهر فی ان الصنع الذی شکی منه الرجل أمر یصیب به جمیع الناس،و لیس یوجد من لا یصیب به إلا الأوحدی و علیه فیخرج هذا عن موضوع الغیبة،فقد عرفت انها کشف ما ستره اللّه.

و قد یستدل علی جواز الغیبة بترک الأولی بما ورد فی ذکر الضیف مساوی ضیافة المضیف،فان ذلک لیس إلا من ترک الأولی.

و فیه مضافا الی ضعف السند فیه.انک قد عرفت:ان المراد من إساءة الضیافة فی الروایة هو الهتک و الظلم و الإهانة،و إلا لما صح تطبیق الآیة علی الموارد.و اما ما فی حاشیة الایروانی من دعوی ان ترک الأولی نوع من الظلم فلا وجه له.

نصح المستشیر

قوله و یبقی من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها،منها نصح المستشیر. أقول:مستثنیات الغیبة التی ذکروها تندرج فی واحد من ثلاثة عناوین:

الأول:ما کان خارجا عنها موضوعا کذلک التجاهر بالفسق إذا خصصنا الجواز

ص:347

بذکر ما تجاهر فیه من المعاصی،و قد تکلمنا علیه مفصلا.و من هذا القبیل ذکر الأشخاص بالأوصاف الظاهرة کالأعمش و الأحول و الأعرج و نحوها،بل من المتعارف فی کل زمان ذکر الناس بالأوصاف الواضحة.کما هو کذلک فی کثیر من الرواة.و الوجه فی ذلک هو ما تقدم فی معنی الغیبة من کونها إظهارا لما ستره اللّه علی المقول فیه،فذکر الأمور الظاهرة لیس منها شیء.

الثانی:أن تکون فی الغیبة مصلحة تزاحم المفسدة فی ترکها،کما إذا توقف حفظ النفس المحترمة أو الأموال الخطیرة أو صیانة العرض عن الخیانة علی الغیبة.و لا بد ح من ملاحظة قواعد التزاحم،و العمل علی طبق أقوی الملاکین.و علیه فتتصف الغیبة بالأحکام الخمسة کما هو واضح.

الثالث:ما کان خارجا عن الغیبة بالتخصص و هو علی قسمین،الأول:أن یکون الخروج بدلیل مختص بالغیبة کتظلم المظلوم،و قد تقدم الکلام فیه.الثانی:أن یکون الخروج بدلیل عام جار فی أبواب الفقه،و لا یختص بالغیبة فقط.کأدلة نفی الحرج و الضرر هذا کله بحسب الکبری.

و أما بحسب الصغری فقد ذکروا لها موارد عدیدة،الأول:نصح المستشیر،قال المصنف:(فإن النصیحة واجبة للمستشیر فان خیانته قد تکون أقوی مفسدة من الوقوع فی المغتاب،و کذلک النصح من غیر استشارة).و علیه فالنسبة بینه و بین الغیبة عموم من وجه،لأن الغیبة قد تتحقق بإظهار العیوب المستورة حیث لا یتحقق النصح،کما هو الکثیر،و قد یتحقق النصح حیث لا تتحقق الغیبة،کما إذا لم یتوقف علی ذکر أحد بالسوء و قد یجتمعان،کما إذا استشاره أحد فی التزوج بامرأة معلومة،و هو یعلم أنها فأجرة و متبرجة أو استشاره فی مصاحبة رجل فی السفر أو التجارة أو المجالسة،و هو یعلم أنه خائن و شیء الخلق و شارب الخمر و مرتکب الفجور و آکل أموال الناس بالظلم و العدوان،أو استشاره فی التلمذة عند شخص و هو یعلم أنه شیء العقیدة أو شیء العمل،فان النصح فی الموارد المذکورة یتوقف علی الغیبة.و علی هذا فان کان دلیل وجوب النصح و دلیل حرمة الغیبة من قبیل المتعارضین تساقطا معا فی مادة الاجتماع.و کان المرجع إلی أصالة الإباحة.و إن کانا من قبیل تزاحم المقتضیین فلا بد فی ترجیح أحدهما علی الآخر من ملاحظة أقوی الملاکین.

و لکن الظاهر أن ما نحن فیه من صغریات باب التزاحم،لا التعارض،فإن الغیبة فی موارد الاجتماع مأخوذة فی مقدمات النصح.و أنه یتولد منها و یتوقف علیها،نظیر توقف

ص:348

إنقاذ الغریق و الإتیان بالصلاة علی التصرف فی ملک غیره.و علیه فیتصف کل من النصح و الغیبة بالأحکام الخمسة حسب اختلاف الموارد بقوة الملاک و ضعفه علی ما تقدمت الإشارة إلیه،فإن تساوی الملاکان کان النصح و الغیبة مباحین،و إن زاد أحدهما علی الآخر کان الزائد متصفا بالوجوب أو الاستحباب بقدر ما فیه من زیادة الملاک،و کان الناقص محرما أو مکروها بمقدار ما فیه من نقصه،هذا کله مع تسلیم وجوب النصح.

و لکن بعد التأمل فی الأخبار الموهمة لوجوب النصح لم نجد فیها ما یدل علی الوجوب، فإنها علی أربع طوائف:

الأولی[1]:ما دل علی حرمة خیانة المؤمن لأخیه.و من المعلوم أنها أجنبیة عما نحن فیه.لعدم الملازمة بین الخیانة و ترک النصیحة حتی مع الاستشارة،لإمکان رده الی غیره سواء کان ذلک الغیر أعرف منه بحال المستشیر أم لا،و من الواضح أنه لو کان النصح واجبا لما جاز رده.

الثانیة:الأخبار[2]الدالة علی وجوب نصح المؤمن ابتداء بدون سبق استشارة

ص:349

و استهداء،و هی و إن کانت کثیرة و معتبرة،و لکنها راجعة إلی الجهات الأخلاقیة، فتحمل علی الاستحباب.

و الوجه فی ذلک هو لزوم العسر الأکید و الحرج الشدید من القول:بوجوب النصح علی وجه الإطلاق،و تقییده بمورد الابتلاء،أو بمن یفی بحقوق الاخوة من غیر أن یضیع منها شیئا و إن کان یرفع العسر و الحرج،و لکن قامت الضرورة علی عدم وجوبه هنا أیضا.

الثالثة:الأخبار الواردة فی خصوص نصح المستشیر،و قد ادعی غیر واحد من المحدثین و غیرهم ظهورها فی الوجوب.منها قوله«ع»[1]:فی روایة ابن عمر عن أبی عبد اللّه«ع» (قال:من استشار أخاه فلم ینصحه محض الرأی سلبه اللّه عز و جل رأیه).و منها قوله«ع»[2]فی روایة النوفلی:(من استشاره أخوه المؤمن فلم یمحضه النصیحة سلبه اللّه لبه).

و فیه أن التوعید فی هاتین الروایتین بالعقوبة الدنیویة من سلب اللب و الرأی لا یدل علی أزید من الاستحباب و رجحان العمل،فان العقل من أعظم النعم الإلهیة،و قد من به سبحانه علی عباده لهدایتهم،فصرفه الی غیر ما خلق لأجله یوجب الزوال و هو من النقمات الشدیدة.کما أن صرفه الی ما خلق لأجله یوجب المزیة و الاستکمال،و لا شبهة فی رجحانه و من هنا ظهر أن قوله«ع»فی روایة عبایة[3]:(و أنصح لمن استشارک).إرشاد الی ما ذکرناه.فیکون محمولا علی الاستحباب.علی أن الروایات المذکورة کلها مجهولة الرواة.و یدل علی عدم الوجوب أیضا ما أشرنا إلیه سابقا من جواز إرجاع المستشیر الی

ص:350

غیره،فإنه ینافی وجوب النصح.

الرابعة:الروایات (1)الآمرة بإعانة المؤمن و کشف کربته و قضاء حاجته،و من الواضح أن نصح المؤمن نوع منها،فیکون واجبا.

و فیه أن جمیع ما ورد فی حقوق الإخوان محمول علی الجهات الأخلاقیة،فیحمل علی الاستحباب،إلا ما ثبت وجوبه فی الشریعة،کرد السلام و نحوه،ضرورة أنه لم یلتزم أحد فیها بالوجوب،بل قامت الضرورة علی عدم الوجوب فتکون الضرورة قرینة علی رفع الید عن ظهورها فی الوجوب.

و حاصل جمیع ما قدمناه:أنه لا دلیل علی وجوب النصح بعنوانه الأولی مطلقا،إلا إذا کان ترکه موجبا لتلف النفس،و هتک العرض،و ذهاب المال الخطیر،فإنه یجب ح لأهمیة الأمور المذکورة.

جواز الاغتیاب فی مواضع الاستیفاء

الثانی:الاستفتاء إذا توقف علی ذکر الظالم بالخصوص بأن یقول للمفتی:ظلمنی فلان فی حقی فکیف طریقی فی الخلاص.

و الذی تقتضیه القاعدة هو الجواز إذا کان السؤال موردا للابتلاء مع عدم تمکن السائل منه بغیر تسمیة المغتاب.و الوجه فی ذلک هو قیام الأدلة النقلیة و العقلیة و ضرورة المذهب علی وجوب تعلم الأحکام الشرعیة التی تکون فی معرض الابتلاء بها،و علیه فإذا توقف ذلک علی ترک واجب أو ارتکاب حرام فان العمل ح یکون علی طبق أقوی الملاکین،و من الواضح أن التعلم أهم من ترک الغیبة.فإن ترک التعلم ینجر الی اضمحلال الدین و أما بحسب الروایات فقد استدل علی الجواز بروایتین.

الاولی:شکایة هند[1]زوجة أبی سفیان الی الرسول(صلی الله علیه و آله)حیث قالت:إن أبا سفیان رجل شحیح لا یعطینی ما یکفینی و ولدی،و لم یزجرها النبی(صلی الله علیه و آله)عن قولها.

ص:351


1- 1) راجع مصادقة الاخوان للصدوق.و ج 3 الوافی الفصل الخامس أبواب ما یجب علی المؤمن من الحقوق فی المعاشرة.و ج 2ئل أبواب العشرة فی السفر و غیره من کتاب الحج.

و فیه أولاد:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أن القضیة شخصیة،فیحتمل أن یکون عدم الردع لفسق أبی سفیان و نفاقه،أو لمعروفیته بالبخل،حتی قیل:إنه کان مضرب المثل فی البخل.

علی أن مورد الروایة من صغریات تظلم المظلوم،فقد عرفت جواز ذکر الظالم فیه،فلا تدل علی جواز الغیبة فی مورد الاستفتاء مطلقا.و من هنا ظهر الجواب عما ورد (1)فی قصة بیعة النساء من أن هند رمت زوجها أبا سفیان إلی أنه رجل ممسک،و لم یردعها الرسول(صلی الله علیه و آله).

الثانیة صحیحة ابن سنان[1]المشتملة علی ذکر الرجل امه بأنها لا تدفع یدل لا مس،و لم یردعه رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)،فتدل علی جواز الغیبة عند الاستفتاء.

و فیه أولا:أنه لم یظهر لنا من الروایة کون المرأة معروفة عند النبی(صلی الله علیه و آله)،و قد عرفت فیما سبق اعتبار العلم بالمغتاب(بالفتح)فی تحقیق الغیبة،و ذکرها بعنوان الأمومة لا یستلزم التعیین،و یتفق نظیر ذلک کثیرا للمراجع و المجتهدین.

و ثانیا:أن المذکور فی الروایة قضیة شخصیة،و خصوصیاتها مجهولة لنا،فیحتمل أن تکون الام متجاهرة بالزناء کما هو الظاهر من قول ابنها:(إن أمی لا تدفع ید لامس إلخ)و علی هذا فلا مجال لاستصحاب عدم التجاهر کما صنعه المصنف،علی أنه لا یترتب علیه أثر إلا علی القول:بالأصل المثبت.

ص:352


1- 1) راجع ج 5 مجمع البیان ط صیدا ص 276.
جواز الاغتیاب لردع المقول فیه

عن المنکر الثالث:قصد ردع المغتاب(بالفتح)عن المنکر الذی یفعله،و قد استدل المصنف علی الجواز هنا بوجهین،الأول:أن الغیبة هنا إحسان فی حقه،فإنها و إن اشتملت علی هتکه و إهانته إلا أنه توجب إنقاذه من المهلکة الأبدیة و العقوبة الأخرویة.الثانی:أن عمومات النهی عن المنکر شاملة لذلک.

أما الوجه الأول ففیه أولا:أن الدلیل أخص من المدعی،إذ ربما لا یرتدع المقول فیه عن فعل المنکر.

و ثانیا:أن الغیبة محرمة علی المغتاب بالکسر،و لا یجوز الإحسان بالأمر المحرم،فإنه إنما یتقبل اللّه من المتقین،و هل یتوهم أحد جواز الإحسان بالمال المغصوب و المسروق إلا إذا کان أعمی البصیرة،کبعض المنحرفین عن الصراط المستقیم،و دعوی رضی المقول فیه حینئذ بالغیبة جزافیة.فإنها مضافا الی بعدها،أن رضاه لا یرفع الحرمة التکلیفیة.

و أما الوجه الثانی:ففیه أنه لا یجوز ردع المنکر بالمنکر لانصراف أدلته عن ذلک، و إلا لجاز ردع الزناة بالزناة بأعراضهم،و ردع السراق بسرقة أموالهم.

نعم قد ثبت جواز دفع المنکر بالمنکر فی موارد خاصة کما یتضح ذلک لمن یلاحظ أبواب النهی عن المنکر و أبواب الحدود،و قد تقدم فی البحث عن حرمة السب جواز شتم المبدع و الوقیعة فیه،و البهت علیه،بل وجوبها،کما یظهر من بعض الروایات المتقدمة فی المبحث المذکور.

هذا کله فیما إذا لم یکن ردع ذلک المنکر مطلوبا من کل أحد و إلا وجب ردعه علی کل من اطلع علیه بأی نحو اتفق،کمن تصدی لقتل النفوس المصونة،و هتک الاعراض المحترمة،و أخذ الأموال الخطیرة،فإن منعه واجب بما هو أعظم من الغیبة فضلا عنها، لأن حفظ الأمور المذکورة أهم فی نظر الشارع من ترک الغیبة و نحوها،و قد تقدمت الإشارة إلی حکم مزاحمة ترک الغیبة بما هو أهم منه.

ص:353

جواز الاغتیاب لحسم مادة الفساد

الرابع:قصد حسم مادة الفساد عن الناس کاغتیاب المبدع فی الدین الذی یخاف إضلاله للناس،و قوده إیاهم الی الطریقة الباطلة.

و یدل علی جواز الغیبة هنا أمور:

الأول:أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولی من الستر علیه،بل ربما یجب هتکه و حطه عن الانظار إذا لم یرتدع بالغیبة وحدها،فإن حرمة الدین فی نظر الشارع أهم من حرمة هذا المبدع فی الدین.

الثانی:قوله«ع»فی صحیحة داود بن سرحان المتقدمة فی البحث عن حرمة سبب المؤمن (إذا رأیتم أهل الریب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و أکثروا من سبهم و القول فیهم و الواقعیة-الغیبة-و باهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام).

الثالث:ما تقدم فی البحث عن جواز غیبة المتجاهر بالفسق(ثلاثة لیس لهم حرمة صاحب هوی مبتدع).و لکنه ضعیف السند.

جواز جرح الشهود

الخامس:جرح الشهود،و قد اتفق الأصحاب علی جواز جرحهم و إظهار فسقهم، بل إقامة البینة علی ذلک صونا لأموال الناس و أعراضهم و أنفسهم،إذ لو لا ذلک لبغی الفساق فی الأرض و أظهروا فیها الفساد،فیدعی الواحد منهم علی غیره حقا مالیا أو عرضیا أو بدنیا،أو یدعی زوجیة امرأة أجنبیة لنفسه،أو یدعی نسبا کاذبا لیرث من میت،ثم یقیم الشهود علی دعواه من أشباه الهمج الرعاع فیصیب من أموال الناس و أعراضهم و دمائهم ما یشاء.

و أولی بالجواز من ذلک جرح الرواة الضعفاء،إذ یتوقف علیه حفظ الدین، و صیانة شریعة سید المرسلین،و قد جری علیه دیدن الأصحاب فی جمیع الأمصار و الأعصار و دونوا فی ذلک کتابا مفصلة للتمییز الموثق منهم عن غیره،بل علی هذا سیرة الأئمة«ع».

و یومئ الی هذا قوله تعالی (1): (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) فان التبین عن حال

ص:354


1- 1) سورة الحجرات،آیة:6.

الفاسق الحامل للخبر لا یخلو عن الجرح غالبا.و من هنا یظهر حکم الشهادة علی الناس -بالقتل و الزناء و السرقة و القذف و شرب الخمر و نحوها-لإقامة الحد علیهم،و قد ثبت جواز الشهادة،بل وجوبها بالکتاب و السنة المعتبرة،کما یظهر ذلک لمن یراجع أبواب الشهادات.

جواز الاغتیاب لدفع الضرر

عن المقول فیه السادس:جواز الاغتیاب لدفع الضرر عن المغتاب(بالفتح)کما إذا أراد احد ان یقتله أو یهتک عرضه،أو یأخذ أمواله،أو یضره بما یرجع إلیه فإن غیبته جائزة لدفع الأمور المذکورة عنه،فان حفظها أهم فی الشریعة المقدسة من ستر ما فیه من العیوب،بل لو اطلع علیها المقول فیه لرضی بالاغتیاب طوعا.

و قد حمل المصنف علی هذا ما ورد فی ذم زرارة بن أعین(ره)من الأحادیث المذکورة فی کتب الرجال،و استوضح ذلک من صحیحة الکشی (1)الصریحة فی تنزیه زرارة و تقدیسه عن المطاعن و المعایب،و ان ذم الامام«ع»إیاه فی بعض الأحیان إنما هو کتعییب الخضر«ع»سفینة المساکین لئلا یأخذ الغاصب من ورائهم.بل تبقی صالحة لأهلها.

و قد أورد الکشی(ره)فی رجاله روایات عدیدة مشتملة علی اعتذار الامام«ع»عن قدح زرارة و ذمه و التبری منه لکی یصان زرارة عن کید الخائنین،و لا تصیبنه فتنة المعاندین و لکن الظاهر انه لا دلالة فی شیء من الروایات المذکورة علی مقصود المصنف من جواز الغیبة لدفع الضرر عن المقول فیه،فإنک قد عرفت:ان الغیبة إظهار ما ستره اللّه علیه و من الواضح انه لم یکن فی زرارة عیب دینی لیکون ذکره غیبة،و إنما ذمة الإمام«ع» و تبرأ منه لحفظ دمه و شؤونه عن الأخطار،کما عرفت التصریح بذلک فیما أشرنا إلیه من الأخبار المتقدمة.

بل الظاهر منها ان قدح الامام«ع»فیه یدل علی رفعة شأنه و عظم مقامه و جلالة مرتبته بحیث لا یرضی الامام«ع»ان تمسه أیدی الظالمین.

ص:355


1- 1) راجع رجال الکشی ص 91.و قد ذکرها المصنف فی المتن.
جواز الاغتیاب بذکر الأوصاف الظاهرة

السابع:أن یکون الإنسان معروفا بوصف یدل علی عیب،کالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول و الأصم،فإنه لا محذور فی ذکر المقول فیه بالأوصاف المذکورة،و ما یجری مجراها.

فقد کثر بین الفقهاء و علماء الرجال ذکر الرواة و حملة الأحادیث بالأوصاف الظاهرة المعربة عن العیوب،بل و علیه السیرة القطعیة من حدیث الأیام و قدیمها،بل و کان هذا مرسوما بین الأئمة«ع»أیضا،کما یومئ الیه بعض الأحادیث[1]الواردة فی توثیق بعض الرواة.

و فی بعض الأحادیث(جاءت زینب العطارة الحولاء الی نساء رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)و قد تقدم ذلک فی البحث عن حرمة الغش.

و الوجه فی جواز ذلک ان ذکر الأوصاف الظاهرة خارج عن تعریف الغیبة کما تقدم، لأنها لیست مما ستره اللّه،إلا إذا کان ذکرها بقصد التنقیص و التعبیر،فإنه حرام من غیر جهة الاغتیاب.

الثامن:قال الشهید فی کشف الریبة:(قیل:إذا علم اثنان من رجل معصیة شاهداها فأجری أحدهما ذکرها فی غیبة ذلک العاصی جاز،لأنه لا یؤثر عند السامع شیئا).ثم قال:

الأولی تنزیه النفس عن ذلک بغیر غرض صحیح خصوصا مع احتمال النسیان و لکن الظاهر خروج هذا القسم عن الغیبة موضوعا.و هو واضح.

التاسع:رد من ادعی نسبا لیس له،و قد استدل علیه المصنف(بأن مصلحة حفظ الأنساب أولی من مراعاة حرمة المغتاب).

أقول:أهمیة حفظ الأنساب ثابتة فیما إذا ترتب علی النسب أثر شرعی من التوارث، و النظر الی النساء و نحوهما،و اما إذا لم یترتب علیه أثر شرعی،أو ترتب الأثر علی دعوی النسب:کأن ادعاه لصیانة نفسه أو عرضه أو ماله من إصابة الظالم إیاها فلا تجوز الغیبة برد هذه الدعوی.و مع الشک فی مورد یرجع الی المطلقات الدالة علی حرمة الغیبة

ص:356

علی وجه الإطلاق،لأن الشبهة و إن کانت مصداقیة،إلا أن التخصیص من جهة المزاحمة فلا بد من الاقتصار علی المتیقن.

العاشر:القدح فی مقالة باطلة،فإن وجوب حفظ الحق و إضاعة الباطل أهم من احترام المقول فیه.و أما ما وقع من بعض المتجاهرین بالنسبة إلی الأعاظم أحیاء کانوا أم أمواتا من الجهر بالسوء کالطلاق الغبی و البله و نحوهما من الألفاظ القبیحة فلا شبهة فی حرمته، لکونه من الفحش و الشتم،کما تقدمت الإشارة إلیه فی البحث عن حرمة السب.

قوله ثم إنهم ذکروا موارد للاستثناء لا حاجة الی ذکرها. أقول:منها تفضیل بعض العلماء علی بعضهم و إن استلزم انتقاص الآخر،و لا ریب فی جوازه،لتوقف الغرض الأهم علیه،و قد جری علی هذا دیدن الأصحاب فی جمیع الازمان و الأقطار،خصوصا فی تعیین مراجع التقلید.و لکن هذه مرحلة کم زلت فیها الاقدام،عصمنا اللّه من الزلل.

حرمة استماع الغیبة

قال المصنف(ره):(یحرم استماع الغیبة بلا خلاف فقد ورد أن السامع للغیبة أحد المغتابین،و الأخبار فی حرمته کثیرة،إلا أن ما یدل علی کونه من الکبائر کالروایة المذکورة و نحوها ضعیفة السند).

أقول:الظاهر أنه لا خلاف بین الشیعة و السنة (1)فی حرمة استماع الغیبة،و لکنا لم نجد دلیلا صحیحا یدل علیها بحیث یکون استماع الغیبة من المحرمات فضلا عن کونه من الکبائر،إذ ما ورد فی حرمته من طرق الخاصة[1]و من طرق العامة[2]کله لا یخلو عن الإرسال و ضعف السند،فلا یکون قابلا للاستناد إلیه.

ص:357


1- 1) راجع ج 3 إحیاء العلوم ص 126.

نعم قال فی کتاب الاختصاص (1):(نظر أمیر المؤمنین«ع»الی رجل یغتاب رجلا عند الحسن ابنه«ع»فقال:یا بنی نزه سمعک عن مثل هذا فإنه نظر الی أخبث ما فی وعائه فأفرغه فی وعائک).فإنه ربما یدعی کونه روایة مسندة،قد أرسلها صاحب الاختصاص للاختصار،فیدل ذلک علی وثاقة رواتها المحذوفین عنده،إذ فرق بین کلمة روی عنه کذا و بین کلمة قال فلان کذا،فان القول الأول ظاهر فی کون المنقول مرسلا دون الثانی، و علیه فهی روایة معتبرة تدل علی حرمة استماع الغیبة.

و لکن یرد علیه أن ثبوت الاعتبار عنده لا یستلزم ثبوته عندنا،إذ لعله یعتمد علی ما لا نعتمده.

و قد یستدل علی الحرمة مطلقا بحدیث المناهی[1]،فإن رسول اللّه ص(نهی عن الغیبة و الاستماع إلیها و نهی عن التمیمة و الاستماع إلیها).

و فیه أولا:أنه ضعیف السند کما عرفته مرارا.و ثانیا:أن صدره و إن کان ظاهرا فی الحرمة مطلقا،إلا أن ذیله قرینة علی حرمة الاستماع مع عدم الرد فقط،و هو قوله(صلی الله علیه و آله) (و من تطوع علی أخیه فی غیبة سمعها فیه فی مجلس فردها عنه رد اللّه عنه ألف باب من الشر فی الدنیا و الآخرة فإن و هو لم یردها و هو قادر علی ردها کان علیه کوزر من اغتابه سبعین مرة).

و حملها علی السماع القهری خلاف الظاهر منها.علی أنه أمر نادر.

و قد یجاب عن حدیث المناهی بعدم ظهوره فی الحرمة التکلیفیة،فإن النهی فیه عن استماع الغیبة نهی تنزیهی،و إرشاد إلی الجهات الأخلاقیة.و یدل علیه من الحدیث ذکر الأمور الأخلاقیة فیه من آثار الغیبة ککونها موجبة لبطلان الوضوء (2)و الصوم.

و فیه أن ما ثبت کونه راجعا الی الاخلاقیات ترفع الید فیه عن ظهور النهی فی الحرمة، و أما غیره فیؤخذ بظهوره لا محالة کما حقق فی محله.

و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه و تسلیم صحة الروایات المتقدمة الظاهرة فی حرمة استماع الغیبة مطلقا،فلا بد من تقییدها بالروایات المتکثرة[2]الظاهرة فی جواز استماعها

ص:358


1- 1) راجع ج 2 المستدرک ص 108.
2- 2) راجع مکارم الأخلاق ص 238.

لردها عن المقول فیه،و تخصیصها بصورة السماع القهری قد تقدم الجواب عنه آنفا،و علیه فإنما یحرم استماع الغیبة مع عدم الرد.

و قد یقال:إن النسبة بین الاخبار الواردة فی سماع الغیبة للرد و بین المطلقات المتقدمة الدالة علی حرمة سماع الغیبة هی العموم من وجه.فإن الطائفة الأولی أعم من الثانیة من حیث شمولها للسماع القهری الاتفاقی،و أخص منها من حیث اختصاصها بصورة الاستماع للرد فقط.و الطائفة الثانیة أعم من حیث شمولها للاستماع بغیر داعی الرد،و أخص من حیث اختصاصها بالاستماع الاختیاری،فیقع التعارض بینهما فی مورد الاجتماع،و یؤخذ بالطائفة الأولی لکونها صحیحة السند دون الطائفة الثانیة بناء علی ان صحة السند من المرجحات،کما هو المشهور بین المتأخرین.

و لکن یرد علیه ان مجرد صحة السند لا یکون من المرجحات فی معارضة الدلیلین(و قد حققناه فی علم الأصول)و علیه فتسقطان للمعارضة،و یرجع الی عمومات ما دل علی رجحان إعانة المؤمن،و إلا فیرجع الی البراءة.

علی انک قد عرفت:ان الطائفة الثانیة ضعیفة السند،فلا تعارض الطائفة الأولی

ص:359

فضلا عن وصول النوبة إلی الترجیح.

و علی ما ذکرناه من عدم الدلیل الصحیح علی حرمة استماع الغیبة فإنما یلتزم بالجواز إذا لم یرض السامع بالغیبة،أو لم یکن سکوته إمضاء لها أو تشجیعا للمتکلم علیها،أو تسبیبا للاغتیاب من آخر،و إلا کان حراما من هذه الجهات.

و قد ورد فی أحادیث عدیدة[1]أن الراضی بفعل قوم الداخل معهم.و تقدم فی البحث عن بیع المتنجس حرمة التسبیب لوقوع الجاهل فی الحرام الواقعی.بل تحرم مجالسته للاخبار المتظافرة الدالة علی حرمة المجالسة مع أهل المعاصی(و سنشیر الی مصادرها) کما تحرم مجالسة من یکفر بآیات اللّه للآیة[2].

و قد یستدل علی حرمة الاستماع بأدلة حرمة الغیبة،بدعوی عدم تحققها إلا بالمستمع.

و فیه ان حرمة الغیبة لا تلازم حرمة الاستماع و إن کان بینهما تلازم خارجا،فان التلازم فی الخارج لا یستدعی التلازم فی الحکم.و قد جاز سماع الغیبة للرد جزما.

قوله و الظاهر ان الرد غیر النهی عن الغیبة. أقول:الغرض من رد الغیبة هو نصرة المغتاب و تنزیهه عن تلک الواقعة و إن أفاد النهی عن المنکر أیضا،و أما النهی عن الغیبة فهو من صغریات النهی عن المنکر،فیجری علیه حکمه سواء قلنا بوجوب رد الغیبة أملا.

ثم إن نصره الغائب برد الغیبة عنه تختلف باختلاف المعایب،فان کان العیب راجعا إلی الأمور الدنیویة فنصرته بأن یقول مثلا:العیب لیس إلا ما عابه اللّه من المعاصی.

و إن کان راجعا إلی الأمور الدینیة وجهه بما یخرجه عن کونه معصیة،و إذا لم یقبل التوجیه رده بأن المؤمن قد یبتلی بالذنوب،فإنه لیس بمعصوم،و هکذا ینصره فی ذکر سائر العیوب.

ص:360

حرمة الغیبة لا تلازم حرمة استماعها

قوله ثم إن المحرم سماع الغیبة المحرمة دون ما علم حلیتها. أقول:إذا سلمنا حرمة سماع الغیبة بالإرادة و الاختیار فهل هو حرام مطلقا حتی مع جواز الاغتیاب کما فی الموارد المتقدمة؟أو أنه یحرم مع حرمة الاغتیاب فقط؟أو یفصل بین علم السامع بالحلیة،فیلتزم بالجواز و بین جهله بها،فیلتزم بالحرمة؟ و ظاهر المصنف جواز الاستماع ما لم یعلم السامع حرمة الغیبة،لأنه قول غیر منکر فلا یحرم الإصغاء إلیه للأصل.و أما حدیث السامع أحد المغتابین فمع تسلیم صحته یدل علی أن السامع لغیبة کالمتکلم بتلک الغیبة فی الحرمة و الحلیة،فیکون دلیلا علی الجواز هنا.

إلا أن یقال:إن الحدیث ینزل السامع للغیبة منزلة المتکلم بها.فإذا جاز للسامع التکلم بالغیبة جاز له سماعها،و إلا فلا،و لکنه خلاف الظاهر من الحدیث.

و التحقیق أن جواز الغیبة قد یکون حکما واقعیا،و قد یکون حکما ظاهریا.أما الجواز الواقعی فلا ملازمة فیه بین جواز الغیبة و جواز الاستماع إلیها،لأنه یتصور علی أنحاء ثلاثة:

الأول:أن یکون المقول فیه جائز الغیبة عند الناس من غیر اختصاص بشخص دون شخص:بأن کان متجاهرا فی الفسق و متظاهرا فی مخالفة المولی،فان مثل هذا تجوز غیبته واقعا لکل أحد إما مطلقا أو فی خصوص ما تجاهر فیه من الذنوب علی الخلاف المتقدم.

بل قد عرفت خروجه عن موضوع الغیبة رأسا،و علیه فالاستماع إلیها أولی بالجواز.

و کذلک الکلام فی غیبة المبدع فی الدین،و الإمام الجائر.

الثانی:أن یکون جواز الغیبة الواقعی مختصا بالمغتاب(بالکسر)کالصبی الممیز، و المکره علی اغتیاب الناس،و علیه فلا یجوز استماعها مطلقا لمن یحرم علیه الاغتیاب،لعدم الملازمة بینهما،فان ارتفاع الحکم عن أحدهما لا یستلزم ارتفاعه عن الآخر.

و علی الجملة جواز السماع یدور مدار الرد عن المغتاب(بالفتح)و مع عدمه کان حراما و إن لم یکن المغتاب(بالکسر)مکلفا.فتحصل:أن الاغتیاب جائز و الاستماع حرام، کما أنه قد یکون السماع جائزا و الاستماع حراما.نظیر ما إذا کان المغتاب(بالکسر)ممن لا یمکن رده،و لا الفرار عنه کالسلطان الجائر و نحوه،و لذا سکت الامام المجتبی«ع» عند سب أبیه.

ص:361

و نظیر ذلک ما إذا تصدی أحد لقتل شخص محقون الدم بزعم أنه کافر حربی،و نحن نعلم أنه محقون الدم،فإنه یحرم علینا السکوت و إن جاز له القتل،و نظائره کثیرة فی باب الرشوة و غیره.

الثالث:أن تکون هنا ملازمة عرفیة بین جواز الغیبة و جواز الاستماع إلیها،کتظلم المظلوم،فان مناط جواز الغیبة هنا هو ظهور ظلامته،و اشتهارها بین الناس.و هذا المعنی لا یتحقق فی نظر العرف إلا بسماع التظلم منه،و کذلک الشأن فی سماع الغیبة فی موارد الاستفتاء.

و علی الجملة فجواز الغیبة واقعا لا یلازم جواز السماع ملازمة دائمیة،بل النسبة بینهما عموم من وجه،فقد تحرم الغیبة دون الاستماع،کالمکره علی السماع،و قد یحرم الاستماع دون الغیبة،کما إذا کان القائل معذورا فی ذلک دون السامع،و قد یجتمعان.

و أما الجواز الظاهری للغیبة فهل یلازم جواز استماعها أم لا،کما إذا احتمل السامع، أو صرح القائل بأن المقول فیه مستحق للغیبة.ففی کشف الریبة عند ذکر مستثنیات الغیبة إنه(إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا یعلم استحقاق المقول عنه للغیبة،و لا عدمه قیل:لا یجب نهی القائل،لإمکان استحقاق المقول عنه،فیحمل فعل القائل علی الصحة ما لم یعلم فساده،لأن ردعه یستلزم انتهاک حرمته و هو أحد المحرمین).

و أجاب الشهید(ره)عن ذلک فی الکتاب المذکور:بأن(الأولی التنبیه علی ذلک الی أن یتحقق المخرج منه،لعموم الأدلة،و ترک الاستفصال فیها،و هو دلیل إرادة العموم، حذرا من الإغراء بالجهل،و لأن ذلک لو تم لتمشی فیمن یعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلی السامع،لاحتمال اطلاع القائل علی ما یوجب تسویغ مقاله،و هو هدم قاعدة النهی عن الغیبة).

و رده المصنف بأن فی ذلک خلطا بین رد الغیبة و النهی عنها،و الذی نفاه القائل بعدم وجوب النهی هو الثانی الذی هو من صغریات النهی عن المنکر دون الأول.

و تحقیق مراد المصنف أن النسبة بین وجوب رد الغیبة و وجوب النهی عنها عموم من وجه،فإنه قد یجب النهی عن الغیبة،لوجوب النهی عن المنکر حیث لا یجب ردها و لو من جهة کون المقول فیه جائز الغیبة عند السامع،مع کونه مستورا عند القائل،و مع ذلک یجب نهی القائل عنها من باب وجوب النهی عن المنکر،و قد یجب رد الغیبة حیث لا مورد النهی عن المنکر،کما إذا کان المغتاب(بالکسر)صبیا،فان فعله لیس بمنکر لکی یجب النهی عنه،إلا أنه یجب علی السامع حینئذ رد الغیبة حفظا لاحترام أخیه المؤمن.و قد

ص:362

یجتمعان،کما إذا علم السامع بکون الاغتیاب حراما،فإنه من حیث کونه من المنکرات فی الشریعة یجب النهی عنه،و من حیث کونه هتکا للمؤمن و کشفا لعورته یجب رده.

و إذا شک فی استحقاق المقول فیه الغیبة و عدم استحقاقه حرم سماعها علی القول بحرمته و وجب ردها علی النحو الذی تقدم من توجیه فعل المقول فیه علی نحو یخرجه عن المعصیة و مع هذا لا یجب نهی القائل،بل لا یجوز،لإمکان استحقاق المقول فیه،فیحمل فعل القائل علی الصحة ما لم یعلم فساده،فان ردعه یستلزم انتهاک حرمته،و هو حرام علی أن إثبات وجوب الردع بأدلة النهی عن المنکر تمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة،و هو لا یجوز لا یقال:کما لا یجب نهی القائل عن الغیبة فکذلک لا یجب ردها،لاحتمال کون المقول فیه مستحقا للغیبة عند القائل،و مسلوب الاحترام فی عقیدته،و علیه فإثبات وجوب الرد فی الفرد المشکوک بالأدلة الدالة علی وجوب احترام المؤمن،و وجوب رد غیبته تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

فإنه یقال:أولا:أنه لا شبهة فی کون المقول فیه مؤمنا وجدانا،و عدم وجود المجوز لاغتیابه محرز بأصالة العدم،فان المقول فیه کان فی زمان و لم یکن فیه ما یجوز غیبته، و الأصل بقاؤه فی تلک الحالة.

و قد ذکرنا فی محله أن عنوان المخصص إذا کان أمرا وجودیا،فإنه ینفی بالأصل الموضوعی فی مورد الشک،و ینقح به موضوع التمسک بالعام،و لا یلزم منه التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.و کذلک فی المقام.إذا شککنا أن المقول فیه جائز الغیبة عند القائل أم لا نستصحب عدمه،و ینقح به موضوع التمسک بعموم ما دل علی حرمة استماع الغیبة علی تقدیر ثبوته،و بعموم ما دل علی وجوب رد الغیبة.

و ثانیا:أن المتعارف من أفراد الغیبة هو أن السامع لا یعلم نوعا بحال المقول فیه، و الظاهر من الروایات الدالة علی وجوب رد الغیبة أن ذلک هو المراد،إذ لو حملناها علی خصوص ما إذا علم السامع بکون المقول فیه غیر جائز الغیبة کان ذلک حملا لها علی المورد النادر

حرمة کون الإنسان ذا لسانین

قوله ثم إنه قد یتضاعف عقاب المغتاب إذا کان ممن یمدح المغتاب فی حضوره).

أقول:توضیح کلامه أنه إذا کان للإنسان لسان مدح فی الحضور،و لسان ذم فی الغیاب استحق بذلک عقابین:أحدهما للاغتیاب.و الثانی:لکونه ذا لسانین،و یسمی هذا منافقا

ص:363

أیضا.و إذا مدح المقول فیه فی حضوره بما لیس فیه عوقب بثلاثة عقاب:للاغتیاب، و الکذب،و النفاق.

ثم إن المدح فی الحضور بالأوصاف المباحة و إن کان جائزا فی نفسه،بل ربما یکون مطلوبا للعقلاء،و لکنه إذا کان مسبوقا بالذم أو ملحوقا به کان من الجرائم الموبقة و الکبائر المهلکة.و قد ورد فی الأخبار المستفیضة (1)أن ذا لسانین یجیء یوم القیامة و له لسانان من النار،فان لسانه المدح فی الحضور و إن لم یکن لسانا من النار،إلا أنه إذا تعقبه أو تقدمه لسان الذم فی الغیاب صار کذلک.

ثم إن النسبة بین المغتاب(بالکسر)و بین ذی اللسانین هی العموم من وجه،فإنه قد توجد الغیبة و لا یوجد النفاق،و قد یوجد النفاق حیث لا توجد الغیبة،کأن یمدح المقول فیه حضورا،و یذمه بالسب و البهتان غیابا.و قد یجتمعان کما عرفت.

قوله و قد یطلق الاغتیاب علی البهتان. أقول:قد عرفت:أن الغیبة هی أن تقول فی أخیک ما ستره اللّه علیه،و أما البهتان فهو علی ما تقدم فی بعض أخبار الغیبة ذکرک أخاک بما لیس فیه،فهما متباینان مفهوما و مصداقا.نعم بناء علی مقالة المشهور من أن الغیبة ذکرک أخاک بما یکرهه فیمکن اجتماعهما فی بعض الموارد.

و أما إطلاق الغیبة علی البهتان فی روایة علقمة[1]فبنحو من المسامحة و التجوز.

علی أنها ضعیفة السند.و أما کون عقاب التهمة أشد من الغیبة فلاشتمالها علی الفریة و الهتک معا

حقوق الاخوان

قوله خاتمة فی بعض ما ورد من حقوق المسلم علی أخیه. أقول:قد ورد فی الروایات (2)المتظافرة،بل المتواترة أن للمسلم علی أخیه حقوقا کثیرة،و فی روایة

ص:364


1- 1) راجع ج 3 الوافی باب مخالفة السر و العلن ص 158.و ج 2 ئل باب 143 تحریم کون الإنسان ذا وجهین من العشرة ص 235.و ج 2 المستدرک ص 102.
2- 2) راجع مصادقة الاخوان للصدوق.و کا بهامش ج 2 مرآة العقول باب حق المؤمن علی أخیه ص 171.و ج 3 الوافی باب حقوق الاخوة ص 101 و باب صفة الأخ ص 103.و ج 2 ئل باب 122 وجوب أداء حق المؤمن من العشرة ص 227. و ج 15 البحار العشرة ص 61.و ج 2 المستدرک ص 92.و غیر ذلک من الأبواب من الکتب المذکورة و غیرها.

الکراجکی أن للمؤمن علی أخیه ثلاثین حقا،و عدها واحدا بعد واحد،ثم قال«ع»:

(سمعت رسول اللّه یقول:و إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه به یوم القیامة فیقضی له و علیه).و قد عرفت فی البحث عن کفارة الغیبة أنها ضعیفة السند.

و فی صحیحة مرازم عن أبی عبد اللّه«ع»قال:(ما عبد اللّه بشیء أفضل من أداء حق المؤمن).

و قد خص المصنف هذه الأخبار(بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدی لها بحسب الیسر.

أما المؤمن المضیع لها فالظاهر عدم تأکد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة الیه،و لا یوجب إهمالها مطالبته یوم القیامة لتحقق المقاصة،فإن التهاتر یقع فی الحقوق کما یقع فی الأموال) و استشهد المصنف(ره)علی رأیه هذا بعدة روایات قاصرة الدلالة علیه.منها ما رواه الصدوق و الکلینی عن أبی جعفر«ع»[1]،و قد ذکر فیها إخوان الثقة و إخوان المکاشرة و قال فی إخوان المکاشرة:(و أبذل لهم ما بذلوا لک من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان).

و فیه أن هذه الروایة غریبة عما ذکره المصنف،فإنها مسوقة لبیان وظیفة العمل بحقوق الاخوان علی حسب مراتب الإخوة،فإن منهم من هو فی أرقی مراتب الاخوة فی أداء

ص:365

حقوقها حتی یطمئن به الإنسان علی عرضه و ماله،و سائر شؤنه،و هذا الأخ کالکف و الجناح،فیبذل له المال و الید،و یعادی من عاداه،و یصافی من صافاه،و منهم إخوان الانس و الفرح و المجالسة و المفاکهة،فلا یبذل لهم إلا ما یبذلون من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان،و لا یطمأن إلیهم فی الأمور المذکورة.

و منها روایة عبید اللّه الحلبی[1]فإنها تدل علی أن للصداقة حدودا،و لا یلیق بها إلا من کانت فیه هذه الحدود.و وجه الاستدلال هو ما ذکره المصنف من أنه(إذا لم تکن الصداقة لم تکن الاخوة،فلا بأس بترک الحقوق المذکورة بالنسبة الیه).

و فیه أن الصداقة المنفیة عمن لا یفی بحدودها غیر الإخوة الثابتة بین المؤمنین بنص الآیة[2] و الروایات،و من الواضح أن الحقوق المذکورة إنما ثبتت للاخوة المحضة،سواء أ کانت معها صداقة أم لا.و علیه فنفی الصداقة فی مورد لا یدل علی نفی الإخوة،لأن الصداقة فوق الاخوة،و نفی المرتبة الشدیدة لا یدل علی نفی المرتبة الضعیفة.علی أن الروایة ضعیفة السند.

و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بما فی نهج البلاغة[3]من نفی الصداقة عمن لا یحفظ أخاه فی ثلاث.مع أنه ضعیف للإرسال.

و منها ما دل[4]علی سلب الاخوة عمن لا یلبس المؤمن العاری،کروایتی الوصافی و ابن أبی عمیر.

ص:366

و فیه أن المراد من سلب الاخوة فی الروایتین کنایة عن سلب الاخوة الکاملة.فقد تعارف بین المتجاورین نفی المحمول بلسان نفی الموضوع لأجل المبالغة فی التعبیر،کما یقال یا أشباه الرجال و لا رجال،و لا صلاة لجار المسجد إلا فیه،و لا شک لکثیر الشک،و یقال لمن لا یعمل بعلمه:إنه لیس بعالم،الی غیر ذلک من الإطلاقات الفصیحة.و علیه فلا دلالة فی الروایتین علی نفی الاخوة حقیقة الذی هو مفاد لیست التامة.

و یدل علی ما ذکرناه أنه لو أرید من السلب نفی الاخوة حقیقة لزم القول بعدم وجوب مراعاة سائر الحقوق الثابتة.من رد الاغتیاب و نحوه،و هو بدیهی البطلان.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه أن الروایتین ضعیفتا السند.

و منها روایة یونس بن ظبیان[1]الدالة علی اختبار الاخوان بإتیانهم بالصلاة فی وقتها و برهم فی الاخوان،و إذا لم یحفظوهما فأعزبوا عنهم.

و فیه أن ظاهر الروایة کونها راجعة إلی ترک العشرة و المجالسة مع من لا یهتم بالإتیان بالصلاة فی أوقاتها،و الإحسان للإخوان فی الیسر و العسر،فان المجالسة مؤثرة کتأثیر النار فی الحطب،و لذا نهی[2]عن المجالسة مع العصاة و الفساق.

ص:367

و أمر (1)بمجالسة العلماء و الصلحاء،و علیه فلا دلالة فیها علی نفی الاخوة عمن لا یقوم بحقوق الاخوان.علی أن الروایة مجهولة.

و علی الجملة فلا وجه لتقیید المطلقات الواردة فی حقوق الإخوان بصورة قیامهم بذلک.

و لا یخفی أن المیزان فی تأدیة حقوق الاخوة هو المیزان فی الامتثال فی بقیة الأعمال المستحبة من أن الإتیان بجمیعها تکلیف بما لا یطاق،فتقع المزاحمة بینها فی مرحلة الامتثال،فیؤتی الأهم فالأهم.

حرمة القمار
اشارة

قوله الخامسة عشرة القمار حرام إجماعا. أقول:تحقیق الکلام فی حرمة القمار یقع فی جهتین،الاولی:فی حرمة بیع الآلات المعدة للقمار وضعا و تکلیفا،و قد تقدم الکلام فیه تفصیلا فی النوع الثانی.

الثانیة فی حرمة اللعب بها،و تنقیح الکلام هنا فی ضمن مسائل أربع،المسألة الاولی أنه لا خلاف بین الفقهاء من الشیعة و السنة[1]فی حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار مع المراهنة،و من هذا القبیل الحظ و النصیب المعروف فی هذا الزمان المعبر عنه فی الفارسیة بلفظ(بلیط آزمایش بخت)نظیر اللعب بالأقداح فی زمن الجاهلیة«و سنتعرض لتفسیر اللعب بالأقداح فی الهامش»بل علی حرمة القمار ضرورة مذهب الإسلام.

و تدل علیها الآیات[2]المتظافرة و الروایات المتواترة من طرقنا[3]

ص:368


1- 1) راجع ج 1 الوافی باب مجالسة العلماء ص 42.

و من طرق السنة (1)و قد أشیر الی حکمة التحریم فی قوله تعالی (2): (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) .فإن أخذ مال الناس بغیر تجارة و مشقة موجب لإلقاء العداوة و البغضاء، و الاشتغال بلعب القمار یصد عن ذکر اللّه،و عن امتثال الأحکام الإلهیة.

حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار

بدون الرهن

المسألة الثانیة:فی اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن:بأن کان الغرض منه مجرد الانس و الفرح،کما هو المرسوم کثیرا بین الأمراء و السلاطین.و هذا أیضا لا إشکال فی حرمته،بل فی المستند (3)بلا خلاف فیها،و قد وقع الخلاف فی ذلک بین العامة[1].

و کیف کان فقد استدل المصنف علی حرمته بوجهین:

الأول:قوله«ع»فی روایة تحف العقول:(إن ما یجیء منه الفساد محضا لا یجوز التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات).

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند،و قد تقدم.و ثانیا:أنها لا تدل إلا علی صدق الکبری من حرمة التقلب و التصرف فی کل ما یجیء منه الفساد محضا.و أما إحراز الصغری فلا بد

ص:369


1- 1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 213.
2- 2) سورة المائدة آیة:93.
3- 3) ج 2 ص 337.

و أن یثبت من الخارج،و من الواضح أن کون الآلات المعدة للقمار کذلک أول الکلام، إذ لو کان اللعب بها بدون مراهنة جائزا لم تکن کذلک،فلا یمکن إثبات الحرمة به، فإنه دور ظاهر.

الثانی:ما فی روایة أبی الجارود[1]من تفسیر المیسر بالنرد و الشطرنج و بکل قمار الی أن قال«ع»:(و کل هذا بیعه و شراؤه و الانتفاع بشیء من هذا حرام من اللّه محرم).

فإنها تشمل بإطلاقها اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن.

و قد یقال:إن المراد بالقمار المذکور فی الروایة هو المعنی المصدری«أعنی العمل الخارجی»،و علیه فتکون الروایة منصرفة إلی اللعب بالآلات المذکورة مع الرهن، کما أن المطلقات منصرفة إلیه أیضا،و لکنها دعوی جزافیة،فإن المراد من القمار فیها هو نفس الآلات.و یدل علیه من الروایة قوله«ع»:(بیعه و شراؤه)و قوله«ع»:

(و أما المیسر فالنرد و الشطرنج).

و فیه أن الروایة و إن کانت صریحة الدلالة علی المقصود،و لکنها ضعیفة السند.

ثم إن المصنف(ره)ذکر جملة من الروایات للتأیید،و ادعی عدم انصرافها الی اللعب الخارجی:منها ما عن مجالس المفید الثانی ولد الشیخ الطوسی«ره»[2]و هو قوله«ع»:

(کلما ألهی عن ذکر اللّه فهو من المیسر).

و فیه أولا:أن هذه الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أنها محمولة علی الکراهة،فإن کثیرا من الأمور یلهی عن ذکر اللّه و لیس بمیسر،و لا بحرام،و إلا لزم الالتزام بحرمة کثیر من الأمور الدنیویة،لقوله تعالی (1): (إِنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ) .

بل قد أطلق اللهو علی بعض الأمور المستحبة فی جملة من الروایات[3]کسباق الخیل،

ص:370


1- 1) سورة محمد،آیة:38.

و مفاکهة الاخوان،و ملاعبة الرجل أهله،و متعة النساء،فإنها من الأشیاء المندوبة فی الشریعة،و مع ذلک أطلق علیها اللهو،و توهم أن الملاهی غیر المحرمة خارجة عن الحدیث توهم فاسد،فإنه مستلزم لتخصیص الأکثر،و هو مستهجن.

و منها روایة الفضیل[1]عن النرد و الشطرنج و غیرهما من آلات القمار التی یلعب بها (فقال«ع»:إذا میز اللّه بین الحق و الباطل فی أیهما یکون؟قلت:مع الباطل؟قال«ع» فمالک و الباطل).

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أنه لا ملازمة بین البطلان و الحرمة.

و منها روایة زرارة[2]عن لعبة بعض أقسام القمار(فقال«ع»:أ رأیتک إذا میز اللّه الحق و الباطل مع أیهما یکون؟قال:قلت:مع الباطل؟قال«ع»:فلا خیر فیه).و فیه أن نفی الخیر أعم من الحرمة و الکراهة.

و منها روایة عبد الواحد بن المختار[3]إنه سأل الإمام«ع»عن اللعب بالشطرنج؟ قال«ع»:(إن المؤمن لمشغول عن اللعب).فان إباطه الحکم باللعب تقتضی عدم اعتبار الرهن فی حرمة اللعب بالآلات المزبورة.

و فیه أن الروایة غریبة عما نحن فیه،فان الظاهر منها أخذ عنوان المؤمن موضوعا للاجتناب عن اللعب المطلق،و بما أنه لا دلیل علی حرمته علی وجه الإطلاق حتی اللعب بالید و الأصابع و اللحیة و السبحة و نحوها،فتکون الروایة إرشادا إلی بیان شأن المؤمن من أنه لا یناسبه الاشتغال بالأمور اللاغیة،فإنها غیر مفیدة له فی دینه و دنیاه.

و قد استدل علی حرمة القمار بدون الرهن بالمطلقات الناهیة عن المیسر و القمار من الآیات و الروایات(و قد أشرنا إلی مصادرها فی هامش ما تقدم).

و أجاب عنه المصنف بوجهین،الأول:ان المطلقات منصرفة إلی الفرد الغالب،و هو

ص:371

اللعب بالآلات المذکورة مع الرهن.

و فیه أولا:ان اللعب بآلات القمار من غیر رهن کثیر فی نفسه لو لم یکن أکثر من اللعب بها مع المراهنة،أو مساویا له فی الکثرة.

و ثانیا:ان مجرد غلبة الوجود فی الخارج لا توجب الانصراف،نعم ان دعوی الانصراف إنما تصح إذا کان لها منشأ صحیح،کأن یکون الفرد النادر أو غیر الغالب علی نحو لا یراه العرف فردا للعمومات و المطلقات،کانصراف الحیوان عن الإنسان فی نظر العرف،مع انه من أکمل افراده،و لذا قلنا بانصراف الروایات المانعة عن الصلاة فی غیر المأکول عن الإنسان.و الوجه فی ذلک ان العرف یری الإنسان مباینا للحیوان حتی انه لو خوطب احد بالحیوان فان العرف یعد ذلک من السباب.

الثانی:ما أشار إلیه ب قوله و فی صدق القمار علیه نظر لما عرفت) .و توضیح ذلک ان المستفاد من کلمات أهل العرف و اللغة[1]ان القمار و کک المیسر موضوع للعب بأی شیء مع الرهان،و یعبر عنه فی لغة الفارس بکلمة(برد و بأخت)و علیه فاللعب بالآلات بدون الرهن خارج عن المطلقات موضوعا و تخصصا.

ص:372

نعم فی الجواهر(عن ظاهر الصحاح و المصباح و التکملة و الذیل انه قد یطلق علی اللعب بها مطلقا مع الرهن و دونه).و الظاهر انه من باب المجاز،لعلاقة المشابهة و المشاکلة، و لا أقل من الشک فی صدق مفهوم القمار علیه،و من المعلوم انه مع الشک فی الصدق لا یجوز التمسک بالمطلقات.

و کذلک لا یجوز التمسک بقوله تعالی (1): «إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ» .فان العداوة إنما تتحقق مع الرهان،لا بدونه.

و التحقیق أن یستدل علی الحرمة بالمطلقات (2)الکثیرة الناهیة عن اللعب بالنرد و الشطرنج و بکل ما یکون معدا للتقامر،فإنه لا شبهة أن اللعب بالأمور المذکورة یعم بما کان مع المراهنة أو بدونها.

و قد ناقش المصنف فی ذلک بانصراف المطلقات المذکورة إلی صورة اللعب بآلات القمار مع الرهن.و قد عرفت جوابه.و العجب منه(ره)أنه استبعد الانصراف فی روایة أبی الربیع الشامی[1]الناهیة عن الاقتراب من النرد و الشطرنج.ثم التزم به فی المطلقات المذکورة!مع أنهما من باب واحد،فإن النهی عن الاقتراب من النرد و الشطرنج کنایة عن حرمة اللعب بهما.فشأن روایة أبی الربیع شأن المطلقات فی الانصراف و عدمه،و لکن الروایة ضعیفة السند.

ص:373


1- 1) سورة المائدة آیة:91.
2- 2) فی ج 2 کا ص 201.و ج 10 الوافی ص 36.و ج 2 ئل باب 63 تحریم کسب القمار ص 546،و باب 132 تحریم اللعب بالنرد و باب 130 تحریم اللعب بالشطرنج ص 567 مما یکتسب به.و ج 2 المستدرک ص 459.
حرمة المراهنة علی اللعب

بغیر الآلات المعدة للقمار المسألة الثالثة:المراهنة علی اللعب بغیر الآلات المعدة للقمار،کالمراهنة علی حمل الحجر الثقیل،و علی المصارعة،و نطاح الکباش،و صراع البقر،و مهارشة الدیکة و مضاربتها، و المراهنة علی الطیور،و علی الطفرة و نحو ذلک مما عدوها فی باب السبق و الرمایة من غیر الأفراد التی نص علی جوازها.

و الظاهر أنه لا خلاف فی الجملة بین الشیعة و أکثر العامة[1]فی حرمة المراهنة علی اللعب مطلقا و إن کان بغیر الآلات المعدة للقمار،نعم یظهر من الجواهر اختصاص الحرمة بما إذا کان اللعب بالآلات المعدة له،و أما مطلق الرهان و المغالبة بغیرها فلا حرمة فیه.نعم تفسد المعاملة علیه،و لا یملک الراهن الجعل،فیحرم علیه التصرف فیه.

و ذکر المصنف(ره)أن الظاهر إلحاقه بالقمار فی الحرمة و الفساد،بل صرح العلامة الطباطبائی(ره)فی مصابیحه بعدم الخلاف فی ذلک،ثم قال المصنف:(و هو ظاهر کل من نفی الخلاف فی تحریم المسابقة فیما عدا المنصوص مع العوض،و جعل محل الخلاف فیها بدون العوض).

و توضیح کلامه أن الخلاف فی حکم المسابقة بدون الرهن فی غیر الموارد المنصوصة لا معنی له إلا فی الحرمة التکلیفیة،فإن الحرمة الوضعیة عبارة عن فساد المعاملة و عدم انتقال المال الی غیر مالکه،و المفروض أنه لیس هنا رهن لیقع الاختلاف فی انتقاله الی غیر مالکه و عدم انتقاله،فتعین أن یکون الخلاف فی هذه الصورة فی الحرمة التکلیفیة فقط دون الحرمة الوضعیة.

و علیه فمقابلة مورد الوفاق-أعنی حرمة المسابقة مع الرهن فی غیر الموارد المنصوصة- بمورد الخلاف تقتضی أن یکون مورد الوفاق هو خصوص الحرمة التکلیفیة،أو الأعم منها و من الحرمة الوضعیة.و أما تخصیص مورد الوفاق بخصوص الحرمة الوضعیة کما عرفته من ظاهر الجواهر فلا یلائم کلماتهم.

ص:374

و کیف کان فقد استدل القائلون بالحرمة و الفساد بوجوه:

الأول:الإجماع.و فیه أن دعواه فی المقام علی الحرمة و إن لم تکن جزافیة کما عرفت،و لکنا لا نطمئن بکونه إجماعا تعبدیا،بل من المحتمل القریب استناده إلی سائر الوجوه المذکورة فی المسألة.

الثانی:صدق مفهوم القمار علیه بغیر عنایة و علاقة،فقد عرفت أن الظاهر من أهل العرف و اللغة أن القمار هو الرهن علی اللعب بأی شیء کان.و تفسیره باللعب بالآلات المعدة للقمار دور ظاهر.

و یدل علی ما ذکرناه ترادف کلمة القمار فی لغة الفرس لکلمة(برد و بأخت)بأی نحو تحقق،و من أوضح أفراده فی هذا الزمان الحظ و النصیب المعبر عن ذلک فی الفارسیة بلفظ (بلیط آزمایش بخت)و إذا صدق علیه مفهوم القمار شملته المطلقات الدالة علی حرمة القمار و المیسر و الأزلام،و حرمة ما أصیب به من الأموال،غایة الأمر أن الموارد المنصوصة فی باب السبق و الرمایة قد خرجت عن هذه المطلقات.

الوجه الثالث:الروایات الکثیرة الظاهرة فی حرمة الرهان علی المسابقة فی غیر الموارد المنصوصة:منها ما دل[1]علی نفار الملائکة عند الرهان و لعنها صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الریش و النصل،و لکن جمیعه ضعیف السند.

ص:375

و منها ما عن تفسیر العیاشی[1]من أن المیسر هو الثقل الخارج بین المتراهنین،فیدل علی الحرمة وضعا و تکلیفا،و علیه فلا وجه لحمله علی الحرمة الوضعیة فقط،کما صنعه المحقق الایروانی،و لکنه ضعیف السند.

و منها ما دل[2]علی أن کل ما قوم به فهو من المیسر حتی اللعب بالجوز و اللوز و الکعاب،و معنی المقامرة هو المراهنة علی اللعب کما عرفته فی الهامش آنفا.

و منها روایة إسحاق بن عمار[3]الصریحة فی حرمة المقامرة بالجوز و البیض و حرمة أکلهما،فإنها دلت علی تحقق القمار باللعب بغیر الآلات المعدة له.

و تدل علی هذا أیضا الروایة المشتملة علی قی الإمام«ع»البیض الذی قامر به الغلام «و سیأتی الکلام فی هذه الروایة و بیان أنها ضعیفة السند».

ص:376

و الحاصل:أن الرهن علی اللعب بغیر الآلات المعدة للقمار حرام وضعا و تکلیفا،فلا وجه لإنکار الحرمة التکلیفیة،و الالتزام بخصوص الفساد،کما صنعه صاحب الجواهر.

و قد یستدل علی ما ذهب الیه صاحب الجواهر بما فی صحیحة محمد بن قیس[1]الواردة فی مؤاکلة الشاة من أنه قال«ع»:(لا شیء فی المؤاکلة من الطعام ما قل منه أو کثر و منع غرامة فیه).بدعوی أن الامام«ع»لم یتعرض فیها لغیر فساد المراهنة فی الطعام،و أنه لیس لها أثر یترتب علیها،و لو کانت المراهنة المزبورة محرمة تکلیفا لردع عنها أیضا.

و أجاب المصنف عن ذلک بأن(هذا وارد علی تقدیر القول بالبطلان و عدم التحریم، لأن التصرف فی هذا المال مع فساد المعاملة حرام أیضا فتأمل).و توضیح کلامه:أن سکوت الامام«ع»عن بیان الحرمة فی جهة لا یستلزم ثبوت الجواز فیها،و إلا لکانت الروایة دالة علی جواز التصرف فی مال الغیر بناء علی فساد هذه المعاملة،لأن الإمام«ع» قد سکت عن بیان حرمته أیضا.

أقول:الظاهر أن الروایة أجنبیة عن المقام،و إنما هی مسوقة لبیان حکم عقد المؤاکلة فی الطعام،فان مالک الشاة قد أباحها لأشخاص معینین بشرط متأخر،و هو قوله إن أکلتموها فهی لکم) .و اشترط علیهم الضمان إذا تخلف الشرط المذکور،و قال:(و إن لم تأکلوها فعلیکم کذا و کذا).و قد حکم الامام«ع»بفساد هذه المعاملة،و عدم ترتب الأثر علیها ب قوله لا شیء فی المؤاکلة).و أنها لیست من المعاملات التی أمضاها الشارع کما أمضی المزارعة و المضاربة و المساقاة و غیرها.

و علی هذا فمفاد الروایة ینحل الی قضیتین:إحداهما موجبة،و هی إباحة الشاة بشرط متأخر إباحة مالکیة.و الثانیة سالبة،و هی عدم تحقق الإباحة المالکیة مع تخلف الشرط المذکور.و حکم القضیة الاولی هو الجواز وضعا و تکلیفا من غیر غرامة علی الآکلین.

و حکم القضیة الثانیة هو عدم الجواز وضعا،لا تکلیفا.فتثبت علیه غرامة الأکل،لکونه مشمولا لعمومات أدلة الضمان،لا لأنها معاملة خاصة توجب الضمان بنفسها.

و یدل علی ذلک من الروایة أمران،أحدهما:قوله«ع»:(لا شیء فی المؤاکلة).

ص:377

فإن ظاهره ان الصادر بین مالک الشاة و أصحابه إنما هو عقد المؤاکلة فی الشاة.

و ثانیهما:قول المالک:(إن أکلتموها فهی لکم،و إن لم تأکلوها فعلیکم کذا و کذا) فان ظاهره أن هذا القول من المالک صیغة لعقد المؤاکلة،و أن المتعاملین بها یحاولون إیجاد معاملة خاصة کسائر المعاملات المقررة فی الشریعة المقدسة.

و قد علم من الوجهین المذکورین:أن کلمة(آکل)فی قول السائل:(فی رجل آکل و أصحاب له شاة).إنما هو فعل ماض من باب المفاعلة،و لیس باسم فاعل من الثلاثی المجرد،و لا فعل ماض منه کما هو واضح.و نظیر هذه المعاملة کثیر الوقوع بین أهل العرف،فیقول أحدهم لصاحبه:إن أکلت کذا مقدارا من الثمرة أو إن سکنت فی هذه الدار سنة واحدة فلیس علیک شیء،و إلا فعلیک کذا و کذا.

قوله ثم إن حکم العوض من حیث الفساد حکم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة) .

أقول:حکم المأخوذ بالقمار و کذلک حکم المأخوذ بسائر المعاملات الفاسدة هو وجوب رد عینه مع البقاء،ورد بدله من المثل أو القیمة مع التلف،و یأتی الکلام إنشاء اللّه علی هذا فی البحث عن المقبوض بالعقد الفاسد.

قوله و ما ورد[1]من قی الإمام(علیه السلام)البیض الذی قامر به الغلام. أقول:لم یتوهم أحد و لا موقع للتوهم أیضا ان القی من جهة رد البیض الی المالک،فان آکل الحرام لا یجب علیه رد عینه و لو کان عالما عامدا فضلا عما إذا تناوله جاهلا،لأن الطعام بعد المضغ یعد فی العرف تالفا،خصوصا بعد وصوله إلی المعدة،أما بعد القی فإنه یعد من القذارات العرفیة،و إنما الوجه فی ذلک هو تنزه الامام(علیه السلام)ان لا یصیر الحرام الواقعی جزءا من بدنه،بل الظاهر من الروایة ان البیض قد اشتراه الغلام للإمام(علیه السلام)و لکنه قامر به فی الطریق،فلا موضوع هنا للضمان.

و لو سلمنا ان الامام(علیه السلام)لم یکن مالکا للبیض فیمکن ان یقال:إن الأموال کلها للإمام(علیه السلام)،لأنه أولی بالناس من أنفسهم،و یؤیده ما دل علی ان الأرض و ما یخرج منها له(علیه السلام).و علی هذین الوجهین ففی الامام البیض إنما هو لئلا یکون ما أصیب به

ص:378

القمار جزءا من بدنه.

و کیف کان فقد أورد المصنف علی الروایة(بأن ما کان تأثیره کذلک یشکل أکل المعصوم له جهلا بناء علی عدم إقدامه علی المحرمات الواقعیة الغیر المتبدلة بالعلم،لا جهلا، و لا غفلة،لأن ما دل علی عدم جواز الغفلة علیه فی ترک الواجب و فعل الحرام دل علی عدم جواز الجهل علیه فی ذلک).

و یمکن ان یقال:إن الاعتراض علی الروایة مبنی علی کون علم الأئمة بالموضوعات حاضرا عندهم من غیر توقف علی الإرادة،و قد دلت علیه جملة من الروایات،کما أن علمهم بالأحکام کذلک.

و أما بناء علی ان علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم و اختیارهم(کما دلت علیه جملة أخری من الروایات)فلا یتوجه الاشکال علی الروایة،لإمکان صدور الفعل عنهم(علیه السلام) جهلا قبل الإرادة.و لکن الذی یسهل الخطب أن البحث فی علم الامام من المباحث الغامضة،و الأولی رد علم ذلک الی أهله،کما ذکره المصنف(ره).علی ان الروایة المذکورة ضعیفة السند.

حکم المسابقة بغیر رهان

فی ما عدا الموارد المنصوصة

قوله الرابعة المغالبة بغیر عوض فی غیر ما نص علی جواز المسابقة فیه. أقول:

المشهور بین الأصحاب هو عدم جواز المسابقة بغیر رهان فی ما عدا الموارد المنصوصة، کالمصارعة،و حمل الأثقال،و الجری علی الاقدام،و کالمسابقة علی السفن و البقر و الکلاب و الطیور،و المکث فی الماء،و حفظ الأخبار و الأشعار،و رمی البنادق،و الوقوف علی رجل واحدة و غیرها.و قد ذهب بعض الأصحاب و جمع من العامة[1]إلی الجواز.

و یمکن الاستدلال علی الحرمة بوجوه:

الأول:دعوی الإجماع علیها،و قد ادعاه غیر واحد من الأصحاب.

و فیه أن من المحتمل القریب استناده الی الوجوه الآتیة،فلیس هنا إجماع تعبدی، و من هنا علله بعض الأعاظم من الأصحاب بعموم النهی عن المسابقة إلا فی ثلاثة.

ص:379

الثانی:ما ورد فی جملة من الأحادیث[1]من نفی السبق إلا فی خف أو حافر أو نصل بدعوی أن السبق بالسکون مصدر لکلمة سبقه الی کذا أی تقدمه و خلفه و غلبه علی کذا فیراد من نفیه نفی مشروعیة المسابقة و المغالبة و إن لم یکن فیها رهان.فیکون مفاده کمفاد لا رهبانیة و لا نجش فی الإسلام.

و فیه أن ذلک إنما یتم لو کان المذکور هو السبق بسکون الباء،و لم یثبت ذلک،بل فی المسالک أن قراءة الفتح هی المشهور.و السبق بالفتح هو العوض الذی یتراهن علیه المتسابقون و علیه فلا تدل الروایة إلا علی تحریم المراهنة فقط.بل قال المصنف:إنها(غیر ظاهرة فی فی التحریم أیضا،لاحتمال إرادة فسادها.بل هو الأظهر،لأن نفی العوض ظاهر فی نفی استحقاقه،و إرادة نفی جواز العقد علیه فی غایة البعد).و مع الإغضاء عن ثبوت قراءة الفتح،فالروایة مجملة،فلا یجوز التمسک بها إلا فی الموارد المتیقنة علی أنها ضعیفة السند.

ثم إنه أورد المصنف علی قراءة السکون بأنه(علی تقدیر السکون فکما یحتمل نفی الجواز التکلیفی فیحتمل نفی الصحة،لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علی العوض).

و فیه أولا:أن المسابقة بدون المراهنة کثیرة فی نفسها.و ثانیا:أن غلبة الوجود بمجردها لا توجب الانصراف.

الثالث:أن مفهوم القمار صادق علی مطلق المغالبة و لو بدون العوض،کما یدل علیه ما تقدم فی بعض الروایات من تسمیة اللعب بالشطرنج بدون المراهنة قمارا،و علیه فتشمله الإطلاقات الدالة علی حرمة القمار.

و فیه أنک قد عرفت فیما سبق آنفا:أن الرهان مأخوذ فی مفهوم القمار،سواء کان اللعب بالآلات المعدة له أم لا،فالمسابقة بغیر المراهنة خارجة عن القمار موضوعا.و إطلاق القمار علیها أحیانا لا یدل علی الحقیقة،فإنه أعم من الحقیقة و المجاز،و حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج من جهة الأدلة الخاصة،لا من جهة صدق مفهوم القمار علیه.

ص:380

و لو سلمنا أن إطلاق القمار علی المسابقة الخالیة عن العوض علی سبیل الحقیقة فإن السیرة القطعیة قائمة علی جوازها،کالسباحة و المصارعة و المکاتبة و المشاعرة و غیرها،خصوصا إذا کان الفعل أمرا قریبا،کبناء المساجد و القناطر و المدارس،فان فی ذلک فلیتنافس المتنافسون.

الرابع:أنه قد علل تحریم اللعب بالنرد و الشطرنج فی بعض الأخبار المتقدمة فی الهامش آنفا:بأنه من اللهو و الباطل،و هو جار فیما نحن فیه أیضا،بل ورد من طرق الخاصة و العامة أن کل لهو المؤمن باطل إلا فی ثلاث(و قد تقدم فی الحاشیة)و هو بإطلاقه شامل للمقام،و قد تقدم أیضا أن(کلما ألهی عن ذکر اللّه فهو من المیسر).و من الواضح ان المسابقة و إن کانت بغیر عوض تلهی عن ذکر اللّه.

و فیه أنه لا دلیل علی حرمة مطلق اللهو کما عرفت،و ستعرفه فی البحث عن حرمة اللهو فان کثیرا من الأمور لهو و هو لیس بحرام کاللعب بالأحجار و الأشجار و السبحة و اللحیة و أزرار الثوب و نحوها.علی أنه لا ملازمة بین ما نحن فیه و بین اللهو،فإن النسبة بینهما هی العموم من وجه،إذ کثیرا ما تکون المسابقة للأغراض العقلائیة من تربیة البدن و معالجته و التنزه و التفریح کما هو واضح.

حرمة القیادة

قوله السادسة عشرة القیادة حرام. أقول:و هی فی اللغة السعی بین الشخصین لجمعهما علی الوطی المحرم،و قد یعبر عنها بکلمة الدیاثة،و لا شبهة فی حرمتها وضعا و تکلیفا بل ذلک من ضروریات الإسلام،و هی من الکبائر الموبقة و الجرائم المهلکة.

و فی مرسلة الشیخ الورام (1)عن النبی(صلی الله علیه و آله)عن جبرئیل قال:(اطلعت علی النار فرأیت فی جهنم و أدیا یغلی فقلت:یا مالک لمن هذا؟فقال:لثلاثة:المحتکرین و المدمنین للخمر و القوادین).و قد تقدم فی روایة سعد الإسکاف و غیرها (2)تفسیر الواصلة و المستوصلة بذلک.

و فی روایة ابن سنان (3)عن حد القواد؟قال«ع»:(یضرب ثلاثة أرباع حد الزانی

ص:381


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 27 تحریم الاحتکار من آداب التجارة ص 579.
2- 2) ص 199.
3- 3) راجع ج 3 ئل باب 5 من حد القیادة ص 438.

خمسة و سبعین سوطا و ینفی من المصر الذی هو فیه).و فی بعض الأحادیث (1):(لا یدخل الجنة عاق و لا منان و لا دیوث).و فی عیون الأخبار (2):(و أما التی کانت تحرق وجهها و بدنها و هی تجر أمعاؤها فإنها کانت قوادة).و قد ورد اللعن و التوعید علی القواد فی بعض الأحادیث[1].

حرمة إتیان القائف

و ترتیب الأثر علی قوله

قوله السابعة عشرة القیافة حرام فی الجملة. أقول:القیافة فی اللغة[2]معرفة الآثار و شبه الرجل بأخیه و أبیه،و الظاهر أنه لا شبهة فی جواز تحصیل العلم أو الظن بأنساب الأشخاص بعلم القیافة و بقول القافة،و لم یرد فی الشریعة المقدسة ما یدل علی حرمة ذلک.و ما ورد فی حرمة إتیان العراف و القائف لا مساس له بهذه الصورة،و إنما المراد منه حرمة العمل بقول القافة،و ترتیب الأثر علیه کما سیأتی،و مع الشک فی الحرمة و الجواز فی هذه الصورة یرجع الی الأصول العملیة.

ثم إنه لا شبهة فی حرمة الرجوع الی القائف و ترتیب الآثار علی قوله،و فی الکفایة لا أعرف فیها الخلاف.و فی المنتهی الإجماع علی ذلک.خلافا لأکثر العامة[3]فإنهم جوزوا

ص:382


1- 1) راجع ج 2 المستدرک باب 23 تحریم إتیان العراف مما یکتسب به ص 435.
2- 2) راجع ج 3 ئل باب 117 جملة ما یحرم علی النساء من مقدمات النکاح ص 27.

العمل بقول القافة استنادا إلی جملة من الروایات الواردة من طرقهم«و سنشیر إلیها».

و تدل علی حرمة العمل بقول القافة الآیات الدالة علی حرمة العمل بغیر علم،و علی حرمة اتباع الظنون،و أنها لا تغنی من الحق شیئا«و قد تقدمت هذه الآیات (1)»فان نفی النسب عن شخص أو إلحاقه به بالاستحسانات الحاصلة من ملاحظة أعضاء البدن علی النحو الذی تقرر فی علم القیافة لا یتفق و القواعد الشرعیة،فإنه هدم لأحکام الإرث المترتبة علی التوالد الشرعی،و أیضا قد ثبت فی الشریعة أن الولد للفراش،بل هو من القواعد المسلمة بین الفریقین،و العمل بالقیافة ینافیها فی کثیر من الموارد.

و یضاف الی ما ذکرناه أن النسب إذا لم تقم علی ثبوته أمارة شرعیة فإن الاستصحاب یقتضی نفیه،و لا یجوز رفع الید عنه إلا بالأمارات المعتبرة شرعا،و لیست القیافة منها.

و أما ما ورد فی أحادیث العامة[1]من العمل بقول القافة فلا یصلح أن یکون رافعا للاستصحاب،فإنه مضافا الی ضعف السند فیها أنه مناف لما ورد فی المنع عن العمل بعلم

ص:383


1- 1) فی البحث عن حرمة الرشوة ص 265

القیافة فی بعض أحادیث الشیعة[1].و فی روایة الجعفریات (1)جعل من السحت أجر القافی و قد استشهد المصنف(ره)علی حرمة العمل بقول القافة بروایة زکریا بن یحیی[2] الواردة فی قصة أبی الحسن الرضا«ع»،و إثبات بنوة ابنه الجواد«ع»و إمامته بالرجوع إلی القافة حیث زعموا ما کان فینا إمام قط حائل اللون.

و لکن لم نجد فی الروایة ما یستشهد به لذلک،بل الظاهر منها أن الشیعة أیضا کانوا یعتقدون بقضاء رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بقول القافة،و أن الرضا«ع»لم ینکر علیهم ذلک.

نعم یرد علی الروایة وجوه،الأول:أنها ضعیفة السند.

الثانی:أنها مخالفة لضرورة المذهب،فإنها اشتملت علی عرض أخوات الإمام و عماته علی القافة،و هو حرام لا یصدر من الإمام«ع».و توهم أن ذلک من جهة الاضطرار و هو یبیح المحظورات توهم فاسد،إذ لم تتوقف معرفة بنوة الجواد للرضا«ع»علی إحضار النساء.

الثالث:أن الجماعة الذین بغوا علی الرضا«ع»لینفوا بنوة الجواد«ع»عنه لو کانوا معتقدین بامامة الرضا«ع»لما احتاجوا إلی القافة بعد إخباره بالبنوة.

ص:384


1- 1) راجع ج 2 المستدرک باب 23 تحریم إتیان القافة مما یکتسب به ص 434.
حرمة الکذب
اشارة

قوله الثامنة عشرة:الکذب حرام بضرورة العقول و الأدیان،و یدل علیه الأدلة الأربعة. أقول:لا شبهة فی حرمة الکذب،فإنه من قبائح الذنوب،و فواحش العیوب بل هو مفتاح الشرور،و رأس الفجور،و من أشد الجرائم،و أکبر الکبائر و حرمته من ضروریات مذهب الإسلام،بل جمیع الأدیان،و قد استدل علیها المصنف بالأدلة الأربعة.

أما الکتاب و السنة الواردة لدی الخاصة (1)و العامة (2)فی ذلک فذکرهما مما لا یحصی.

و أما الإجماع فمن المحتمل القریب،بل المقطوع به أنه مستند الی الکتاب و السنة،فلا یکون هنا إجماع تعبدی،کما هو واضح.

و أما العقل فإنه لا یحکم بحرمة الکذب بعنوانه الأولی مع قطع النظر عن ترتب المفسدة و المضرة علیه،و کیف یحکم العقل بقبح الإخبار بالأخبار الکاذبة التی لا تترتب علیها مفسدة دنیویة أو أخرویة.نعم إذا ترتب علیه شیء من تلک المفاسد،کقتل النفوس المحترمة و هتک الأعراض المحترمة،و نهب الأموال،أو إیذاء الناس و ظلمهم،و نحوها من العناوین المحرمة،فإن ذلک محرم بضرورة العقل،و لکنه لا یختص بالکذب،بل یجری فی کل ما استلزم شیئا من الأمور المذکورة و لو کان صدقا.

الکذب من الکبائر

قوله أحدهما فی أنه من الکبائر. أقول:قد عرفت فی مبحث الغیبة تحقیق الحال فی کون معصیة کبیرة.و قد استدل المصنف علی کون الکذب من الکبائر فی الجملة بعدة من الروایات:

منها روایتا الأعمش و عیون الأخبار (3)حیث جعل الامام«ع»الکذب من الکبائر

ص:385


1- 1) راجع أصول الکافی بهامش ج 2 مرآة العقول ص 324.و ج 3 الوافی ص 157.و ج 2 ئل باب 138 تحریم الکذب من عشرة الحج ص 233.و ج 2 المستدرک ص 100.
2- 2) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 195.و ج 3 إحیاء العلوم ص 93.
3- 3) راجع ج 2 ئل باب 45 تعیین الکبائر من جهاد النفس ص 465.

فی هاتین الروایتین.و فیه أنهما و إن کانتا ظاهرتین فی المقصود،و لکنهما ضعیفة السند[1] و منها قوله«ع»فی روایة عثمان بن عیسی[2]:(إن اللّه جعل للشر أقفالا و جعل مفاتیح تلک الأقفال الشراب و الکذب شر من الشراب).

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أنها مخالفة للضرورة،إذ لا یلتزم فقیه،بل و لا متفقة بأن جمیع أفراد الکذب شر من شرب الخمر،فإذا دار الأمر فی مقام الاضطرار بین ارتکاب طبیعی الکذب-و لو بأن یقول المکره(بالفتح):إن عمر فلان مائة سنة مع أنه ابن خمسین-و بین شرب الخمر فلا یحتمل أحد ترجیح شرب الخمر علی الکذب.

و مما ذکرناه ظهر الجواب عما دل[3]علی أن المؤمن إذا کذب بغیر عذر کتب اللّه علیه بتلک الکذبة سبعین زنیة أهونها کمن یزنی مع أمه.و من الواضح أن الزناء بالأم من أکبر الکبائر،فکک،علی أن هذه الروایة أیضا ضعیفة السند.و یضاف الی ذلک ما ذکرناه فی مبحث الغیبة،و هو أن کل واحد من الذنوب مشتمل غالبا علی خصوصیة لا توجد فی غیره،و کونه أشد من غیره فی هذه الخصوصیة لا یستلزم کونه أشد منه فی جمیع الجهات.

نعم قد یکون بعض أفراد الکذب أشد من شرب الخمر و الزناء،کالکذب علی اللّه، و علی رسوله،و کالکذب لقتل النفس المحترمة،و لإثارة الفتنة و نحوها،و لا مضایقة فی جعله حینئذ من الکبائر.

و منها ما عن العسکری«ع» (1)فإنه قال:(جعلت الخبائث کلها فی بیت و جعل مفتاحها الکذب).بدعوی أن ما یکون مفتاحا للخبائث کلها لا بد و أن یکون کبیرة.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:لا ملازمة بین کون الشیء مفتاحا للخبائث و بین کونه معصیة فضلا عن کونه من الکبائر،فإنه قد یکون الشیء غیر محرم،و مع ذلک یکون مفتاحا للحرام،کالشبهات و مقدمات الحرام،و علیه فشأن هذه الروایة شأن الروایات الآمرة بالاجتناب عن الشبهات،فهی غیر دالة علی حرمة الکذب فضلا عن

ص:386


1- 1) راجع ج 3 من ج 15 البحار ص 43.

کونه من الکبائر.

قوله و یمکن الاستدلال علی کونه من الکبائر بقوله تعالی (1): «إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللّهِ». أقول:وجه الدلالة أنه تعالی جعل الکاذب غیر مؤمن بایات اللّه کافرا بها.

و فیه أن الآیة و إن کانت ظاهرة الدلالة علی کون الکذب المذکور فیها من الکبائر، و لکن الظاهر من ملاحظة الآیة و ما قبلها أن المراد بالکاذبین فی الآیة الشریفة هم الذین یفترون علی اللّه و علی رسوله فی آیات اللّه،کالیهود و المشرکین،لزعمهم أن ما جاء به النبی(صلی الله علیه و آله) کله من تلقاء نفسه و مفتریات شخصه،و قد رد اللّه کلامهم علیهم بقوله عز من قائل: (إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ) .و علی هذا فالکذابون المذکورون فی الآیة لم یؤمنوا باللّه و برسوله و بالمعاد من الأول،لا أن الکذب أوجب خروجهم عن الإیمان لکی تدل الآیة علی مقصد المصنف.

قوله کونه من الکبائر من غیر فرق بین أن یترتب علی الخبر الکاذب مفسدة و أن لا یترتب علیه شیء أصلا. أقول:ذهب المصنف تبعا لظاهر الفاضلین و الشهید الثانی الی أن الکذب مطلقا من الکبائر،سواء ترتبت علیه مفسدة أم لا،و استند فی رأیه هذا إلی الإطلاقات المتقدمة التی استدل بها علی کون الکذب من الکبائر،ثم أیده بقول النبی(صلی الله علیه و آله) فی وصیته[1]لأبی ذر رضوان اللّه علیه:(ویل للذی یحدث فیکذب لیضحک به القوم ویل له ویل له ویل له).بدعوی أن الأکاذیب المضحکة لا یترتب علیها الإیقاع فی المفسدة إلا نادرا.

و الوجه فی جعلها من المؤیدات ما ذکره المصنف فی مبحث الکبائر من رسالته فی العدالة و هو أن من الموازین التی تعد به الخطیئة کبیرة ورود(النص المعتبر علی أنها مما أوجب اللّه علیها النار).و من الواضح أن الوصیة المذکورة ضعیفة السند.

أقول:قد عرفت أن الإطلاقات المتقدمة لا تنهض لإثبات المطلوب،إما لضعف السند فیها،أو لضعف الدلالة،و کذلک الشأن فی روایة أبی ذر،فهی و إن کانت ظاهرة فی المقصود،و لکن قد عرفت أنها ضعیفة السند.

و التحقیق أنه لا دلیل علی جعل الکذب مطلقا من الکبائر،بل المذکور فی روایة أبی

ص:387


1- 1) سورة النمل،آیة:107.

خدیجة[1]:(الکذب علی اللّه و علی رسوله و علی الأوصیاء(صلی الله علیه و آله)من الکبائر)فإن الظاهر منها أنها مسوقة للتحدید،و بیان أن الکذب الذی یعد کبیرة إنما هو الکذب الخاص،و علیه فتقید بها المطلقات المتقدمة الظاهرة فی کون الکذب بمطلقه من الکبائر بناء علی صحتها من حیث السند و الدلالة،و لکن روایة أبی خدیجة المذکورة ضعیفة السند.

و فی مرسلة الفقیه (1):(من قال علی ما لم أقله فلیتبوأ مقعده من النار).فان الظاهر منها أن الکذب علی الرسول من الکبائر بناء علی تفسیر الکبیرة بما أوعد اللّه علیه النار فی الکتاب العزیز أو فی السنة المعتبرة.و علیه فیدخل فیه الکذب علی اللّه و علی أوصیائه«ع» لملازمتهما للکذب علی النبی(صلی الله علیه و آله)،و لکن الروایة ضعیفة السند.

و فی بعض الأحادیث (2)أن شهادة الزور و الیمین الغموس«الکاذبة التی یتعمدها صاحبها» من الکبائر.

و مما یؤید أن الکذب لیس مطلقا من الکبائر ما ورد فی مرسلة سیف بن عمیرة (3)من التحذیر عن الکذب الصغیر و الکبیر،فان انقسام الکذب الی الصغیر و الکبیر یدل علی عدم کونه مطلقا من الکبائر إلا أن الروایة مرسلة.

و فی روایة ابن الحجاج[2]ما یشعر بعدم کون الکذب مطلقا من الکبائر.

ص:388


1- 1) راجع المصدر المزبور من ج 2 ئل ص 234.
2- 2) راجع الباب 45 المتقدم من ج 2 ئل ص 463.
3- 3) راجع کا بهامش ج 2 مرآة العقول ص 324.و ج 3 الوافی ص 157.و ج 2 ئل باب 140 تحریم الکذب فی الصغیر و الکبیر من عشرة الحج ص 234.

و لکن الذی یعظم الخطب ما تقدمت الإشارة إلیه فی مبحث الغیبة من أنه لا أثر لهذه المباحث،فان الذنوب کلها کبیرة و إن کان بعضها أکبر من بعض،و لذا اختلفت الاخبار فی تعدادها.و لو سلمنا انقسامها إلی الصغیرة و الکبیرة فإن جمیعها مضرة بالعدالة،فإن العدالة هی الاستقامة و الاعتدال،فأی ذنب ارتکبه المکلف فإنه یوجب الخروج عنها.

حرمة الکذب فی الهزل و الجد

هل یحرم الکذب مطلقا و إن کان صادرا بعنوان الهزل،أو تختص حرمته بالکذب الجدی؟فنقول:إن الکذب المسوق للهزل علی قسمین:فإنه قد یکون الهازل بکذبه مخبرا عن الواقع،و لکن بداع المزاح و الهزل من دون أن یکون إخباره مطابقا للواقع،کأن یخبر أحدا بقدوم مسافر له أو حدوث حادث أو وصول حاجة لیغتر المخاطب بقوله، فیرتب علیه الأثر،فیضحک منه الناس،و هذا لا شبهة فی کونه من الکذب،فإنه عبارة عن الخبر غیر الموافق للواقع،و اختلاف الدواعی لا یخرجه عن واقعه و حقیقته،و إذن فیکون مشمولا لما دل علی حرمة الکذب.

و قد یکون الکلام بنفسه مصداقا للهزل،بحیث یقصد المتکلم إنشاء بعض المعانی بداعی الهزل المحض من غیر أن یقصد الحکایة عن واقع لیکون إخبارا،و لا یستند الی داع آخر من دواعی الإنشاء.

و مثاله أن ینشئ المتکلم وصفا لأحد من حضار مجلسه بداعی الهزل،کإطلاق البطل علی الجبان و الزکی علی الأبله و العالم علی الجاهل،و هذا لا دلیل علی حرمته مع نصب القرینة علیه کما استقر به المصنف.

و الوجه فی ذلک هو أن الصدق و الکذب إنما یتصف بهما الخبر الذی یحکی عن المخبر به، و قد عرفت:أن الصادر عن الهازل فی المقام لیس إلا الإنشاء المحض،فیخرج عن حدود الخبر موضوعا.

و قد یقال:بالحرمة هنا أیضا،لإطلاق جملة من الروایات:منها مرسلة سیف المتقدمة، فإنها ظاهرة فی وجوب الاتقاء عن صغیر الکذب و کبیره فی الجد و الهزل علی وجه الإطلاق و فیه مضافا الی کونها ضعیفة السند،أن إنشاء الهزل خارج عن الکذب موضوعا کما عرفت،فلا یشمله ما دل علی حرمة الکذب.و من هنا ظهر الجواب عن التمسک بروایة

ص:389

أبی ذر المتقدمة من إثبات الویل لمطلق الکاذب،کما ظهر الجواب عن روایة الحارث الأعور[1] علی أن کلمة(لا یصلح)فیها ظاهرة فی الکراهة المصطلحة دون الحرمة،کما أن قوله«ع» فی روایة الأصبغ[2]:(لا یجد العبد طعم الإیمان حتی یترک الکذب هزله وجده).

لا یستفاد منه أزید من الکراهة،فإن المکروهات مانعة أیضا عن وجدان المؤمن طعم إیمانه و کذلک ظهر الجواب عن روایة الخصال[3].

بیان حقیقة الوعد و اقسامه

قوله و کیف کان فالظاهر عدم دخول خلف الوعد فی الکذب)، أقول:لا بأس بتوضیح حقیقة الوعد،و بیان حکم الخلف فیه.أما حقیقة الوعد فإنه یتحقق بأحد أمور ثلاثة،الأول:أن یخبر المتکلم عن عزمه علی الوفاء بشیء،کأن یقول لواحد:إنی عازم علی أن أعطیک درهما،أو انی ملتزم بالمجیء الی ضیافتک،أو علی إعظامک و إکرامک، و لا شبهة فی کون هذا من أفراد الخبر،غایة الأمر أن المخبر به من الأفعال النفسانیة أعنی العزم علی الفعل الخارجی نظیر الإخبار عن سائر الأمور النفسانیة من العلم و الظن و الشک و الوهم.و علیه فان کان حین الإخبار عازما فهو صادق و إلا فهو کاذب،فتشمله أدلة حرمة الکذب،و یکون خارجا عن المقام.

الثانی:أن ینشئ المتکلم ما التزمه بنفس الجملة؟؟ التی تکلم بها بأن یقول:لک علی کذا درهما أو دینارا أو ثوبا،و نظیره صیغ النذر و العهد،کقولک للّه علیّ ان أفعل کذا،و لا ریب ان مثل هذه الجمل إنشائیة محضة،فلا تتصف بالصدق،و لا بالکذب بالمعنی المتعارف، بل الصدق و الکذب فی ذلک بمعنی الوفاء بهذا الالتزام و عدم الوفاء به.

الثالث:ان یخبر المتکلم عن الوفاء بأمر مستقبل،کقوله:أجیئک غدا،أو أعطیک

ص:390

درهما بعد ساعة،أو أدعوک إلی ضیافتی بعد شهر،و هذه جمل خبریة بالحمل الشائع و لکنها مخبرة عن أمور مستقبلة،کسائر الجمل الخبریة الحاکیة عن الحوادث الآتیة،کالإخبار عن قدوم المسافر غدا،و عن نزول الضیف یوم الجمعة،و عن وقوع الحرب بین السلاطین بعد شهر.و لا شبهة فی انصاف هذا القسم من الوعد بالصدق و الکذب،فإنها عبارة عن موافقة الخبر للواقع و عدم موافقته له من غیر فرق بین أنواع الخبر،و هو واضح.

و أما حرمة الکذب هنا فان تنجزها یتوقف علی عدم إحراز تحقق المخبر به فی ظرفه، فیکون النهی عنه منجزا ح.و أما لو أحرز حین الإخبار تحقق الوفاء بوعده فی ظرفه، و لکن بدا له،أو حصل له المانع من باب الاتفاق،و أصبح مسلوب الاختیار عن الإتمام و الإنهاء لم تکن الحرمة منجزة و إن کان إخباره هذا فی الواقع کذبا.و أما حکم المقام من حیث خلف الوعد فسیأتی التکلم علیه.

و من هنا اتضح أن النسبة بین حرمة الکذب و بین خلف الوعد هی العموم من وجه، فإنه قد یتحقق الکذب المحرم حیث لا مورد لخلف الوعد،و قد یوجد خلف الوعد حیث لا یوجد الکذب المحرم،و قد یجتمعان.

و قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه ان الإخبار إذا کان عن الأمور المستقبلة کان صدق الخبر و کذبه منوطین بتحقق المخبر به فی ظرفه علی نحو الشرط المتأخر و عدم تحققه فیه.

و علیه فإذا کان عازما علی الوفاء بوعده حین الإخبار فهل یجب علیه البقاء علی عزمه هذا ما لم یطرأ علیه العجز صونا لکلامه عن الاتصاف بالکذب،أو لا یجب علیه ذلک؟ الظاهر هو الثانی،فإنه لا دلیل علی وجوب إتمام العزم،و علی حرمة العدول عنه لکی لا یتصف کلامه السابق بالکذب،و نظیر ذلک الإخبار عن عزمه علی إیجاد فعل فی الخارج،کإرادة السفر و نحوه،و لم یتوهم احد وجوب البقاء علی عزمه السابق لئلا یتصف کلامه بالکذب علی نحو الشرط المتأخر،و اما الأدلة الناهیة عن الکذب فهی مختصة بالکذب الفعلی،فلا تشمل غیره کما سیأتی.

ص:391

خلف الوعد

قد عرفت:ان حقیقة الوعد إنما تتحقق بأحد أمور ثلاثة.و اما المراد من خلفه فهو نقض ما التزم به و ترک ما وعده و عدم إنهائه و إتمامه.فهل هذا حرام أم لا؟قد یقال بالحرمة بدعوی انه من افراد الکذب،فیکون مشمولا لعموم ما دل علی حرمته.

و لکنها دعوی جزافیة،فإن ما دل علی حرمة الکذبة یختص بالکذب الفعلی الابتدائی، فلا یشمل الکذب فی مرحلة البقاء،و إن شئت قلت:المحرم إنما هو إیجاد الکلام الکاذب لا إیجاد صفة الکذب فی کلام سابق.

و نظیر ذلک ما حققناه فی کتاب الصلاة فی البحث عن معنی الزیادة فی المکتوبة،و قلنا:

إن المراد بها هو الزیادة الابتدائیة:أی الشیء الذی لا یطابق المأمور به حین صدوره من الفاعل،بحیث إذا وجد لم یوجد إلا بعنوان الزیادة.

و علیه فإذا أوجد المصلی شیئا فی صلاته بعنوان الجزئیة أو الشرطیة،ثم بدا له ما أخرجه عن عنوانه الأولی،و ألحقه بالزیادة لم یکن محکوما بحکم الزیادة فی الفریضة،فلا تشمله قوله«ع» (1):(من زاد فی صلاته فعلیه الإعادة).

و کذلک فی المقام،فان ما دل علی حرمة الکذب مختص بالکذب الابتدائی الفعلی المعنون بعنوان الکذب حین صدوره من المتکلم.اما إذا وجد کلام فی الخارج،و هو غیر متصف بالکذب،و لکن عرض له ما ألحقه بالکذب بعد ذلک فلا یکون حراما،لانصراف ما دل علی حرمة الکذب عنه و إن صدق علیه مفهوم الکذب حقیقة من حیث مخالفة المتکلم لوعده و عدم جریه علی وفق عهده،و لذا یطلق علیه وعد کاذب و وعد مکذوب،کما یطلق علی الوفاء به وعد صادق و وعد غیر مکذوب.

و قد استدل علی حرمة مخالفة الوعد علی وجه الإطلاق بالأخبار الکثیرة[1]الدالة

ص:392


1- 1) راجع ج 1 ئل باب 19 بطلان الفریضة بالزیادة من الخلل ص 514.

علی وجوب الوفاء به.

أقول:الروایات الواردة فی هذا المقام کثیرة جدا،و کلها ظاهرة فی وجوب الوفاء بالوعد،و حرمة مخالفته،و لم نجد منها ما یکون ظاهرا فی الاستحباب.و لکن خلف الوعد حیث کان یعم به البلوی لجمیع الطبقات فی جمیع الأزمان،فلو کان حراما لاشتهر بین الفقهاء کاشتهار سائر المحرمات بینهم،مع ما عرفت من کثرة الروایات فی ذلک،و کونها بمرأی منهم و مسمع،و مع ذلک کله فقد أفتوا باستحباب الوفاء به و کراهة مخالفته حتی المحدثین منهم کصاحبی الوسائل و المستدرک و غیرهما مع جمودهم علی ظهور الروایات،و ذلک یدلنا علی أنهم اطلعوا فی هذه الروایات علی قرینة الاستحباب،فأعرضوا عن ظاهرها.

و لکنا قد حققنا فی علم الأصول أن إعراض المشهور عن العمل بالروایة الصحیحة لا یوجب وهنها،کما أن عملهم بالروایة الضعیفة لا یوجب اعتبارها،إلا إذا رجع إعراضهم الی تضعیف الروایة،و رجع عملهم الی توثیقها.و إذن فلا وجه لرفع الید عن ظهور الروایات المذکورة علی کثرتها،و حملها علی الاستحباب.

و لکن الذی یسهل الخطب أن السیرة القطعیة بین المتشرعة قائمة علی جواز خلف الوعد، و علی عدم معاملة من أخلف بوعده معاملة الفساق.و لم نعهد من أعاظم الأصحاب ان ینکروا علی مخالفة الوعد کانکارهم علی مخالفة الواجب و ارتکاب الحرام،فهذه السیرة القطعیة تکون قرینة علی حمل الأخبار المذکورة علی استحباب الوفاء بالوعد،و کراهة مخالفته نعم الوفاء به و الجری علی طبقه من مهمات الجهات الأخلاقیة،بل ربما توجب مخالفته سقوط الشخص عن الاعتبار فی الأنظار،لحکم العقل و العقلاء علی مرجوحیته.

و مع ذلک کله فرفع الید عن ظهور الروایات،و حملها علی الاستحباب یحتاج إلی الجرأة و الأوفق بالاحتیاط هو الوفاء بالوعد.

و قد یستدل علی الحرمة أیضا بقوله تعالی (1): (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) .حیث قیل (2):(کبر أن تعدوا من أنفسکم ما لا تفون

ص:393


1- 1) سورة الصف،آیة:2.
2- 2) ج 5 مجمع البیان ط صیدا ص 278.

به مقتا عند اللّه).و قد استشهد الامام«ع»بهذه الآیة أیضا علی ذلک فی بعض الروایات المتقدمة فی الحاشیة.

و فیه ان الآیة أجنبیة عن حرمة مخالفة الوعد فإنها راجعة إلی ذم القول بغیر العمل و علیه فموردها أحد الأمرین علی سبیل مانعة الخلو.

الأول:ان یتکلم الإنسان بالأقاویل الکاذبة بأن یخبر عن أشیاء مع علمه بکذبها و عدم موافقتها للواقع و نفس الأمر،فإن هذا حرام بضرورة الإسلام کما تقدم.

الثانی:موارد الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر:بأن یأمر الناس بالمعروف،و یترکه هو،و ینهاهم عن المنکر،و یرتکبه،و هذا هو الظاهر من الآیة،و من الطبرسی فی تفسیرها (1).

و علیه فشأن الآیة شأن قوله تعالی (2): (أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ) .

و هذا أیضا حرام بالضرورة بل هو أقوی من الأمر بالمنکر و النهی عن المعروف بالقول، لکونه ترویجا للباطل بالعمل،و من البدیهی أن تأثیره فی الترویج أقوی من تأثیر القول فیه و اما الوعید فمن حیث القاعدة یجری فیه ما جری فی الوعد إنشاء و إخبارا،و اما من حیث الروایات فلا تشمله الأحادیث المتقدمة فی الحاشیة الظاهرة فی الوجوب،بداهة انه لا یجب الوفاء بالوعید قطعا،بل قد یحرم ذلک فی بعض الموارد جزما.

خروج المبالغة عن الکذب موضوعا

قوله ثم إنه لا ینبغی الإشکال فی أن المبالغة فی الادعاء و إن بلغت ما بلغت لیست من الکذب. أقول:إذا کانت المبالغة بالزیادة علی الواقع کانت کذبا حقیقة،کما إذا اعطی زیدا درهما فیقول:أعطیته عشرة دراهم،أو إذا زار الحسین(علیه السلام)أو بقیة المشاهد المشرفة أو الکعبة المکرمة مرة واحدة فیقول:زرت عشرین مرة،و من هذا القبیل تأدیة المعنی بلفظ واحد موضوع للکثرة و المبالغة،کإطلاق الضراب علی الضارب،فإنه إخبار عن الکثرة بالهیئة.نعم لو قامت قرینة خارجیة علی إرادة الواقع،و کون استعمال اللفظ فیه لأجل المبالغة فقط لما کان کذبا.

و مثله ما هو متعارف بین المتحاورین من استعمال بعض الفصول من الاعداد فی مقام

ص:394


1- 1) ج 5 مجمع البیان ص 278.
2- 2) سورة البقرة،آیة:41.

التکثیر و الاهتمام،کلفظ سبع أو سبعین أو ألف،فیقول المولی لعبده مثلا:لو اعتذرت منی ألف مرة لما قبلت عذرک،و من ذلک قوله تعالی (1): (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ) .کما ذکره الطبرسی[1]فإن الغرض من الآیة هو نفی الغفران رأسا.

و تجوز المبالغة أیضا بالتشبیه و الاستعارة،کتشبیه الرجل العالم بالبحر المواج،و تشبیه الوجه الحسن بفلقة القمر،و کالکنایة عن الجود بکثرة الرماد،و هزال الفصیل،و جبن الکلب،و استعارة الأسد و السیف البتار للرجل الشجاع،و لا یعد شیء منها کذبا،و کیف و القرآن الکریم و خطب الأئمة و کلمات الفصحاء مشحونة بذلک،بل ربما تکون هذه الخصوصیات و أمثالها موجبة لقوة الکلام،و وصوله الی حد الاعجاز أو ما یقرب منه.

و الوجه فی خروج المبالغة بأقسامها عن الکذب هو أن المتکلم إنما قصد الإخبار عن لب الواقع فقط،إلا أنه بالغ فی کیفیة الأداء،فتخرج عن الکذب موضوعا،نعم إذا انتفی ما هو ملاک المبالغة من وجه الشبه و نحوه کان الکلام کاذبا.

خروج التوریة عن الکذب

قوله و أما التوریة و هو أن یرید بلفظ معنی مطابقا للواقع. أقول:المعروف بین أهل اللغة و غیرهم أن الکذب نقیض الصدق فصدق الکلام بالمطابقة،و کذبه بعدم المطابقة و إنما الکلام فی بیان معنی المطابق(بالکسر)-و أنه عبارة عما یظهر من کلام المتکلم أو عبارة عن مراده منه-و بیان المطابق(بالفتح):و أنه عبارة عن الواقع و النسبة الخارجیة،أو عن اعتقاد المخبر،أو عن کلیهما.

فذهب المشهور الی أن صدق الخبر مطابقته بظهوره للواقع،و کذبه عدم مطابقته للواقع بدعوی أن هیئة الجملة الخبریة إنما وضعت لتحقق النسبة فی الخارج،سواء کانت النسبة ثبوتیة أو سلبیة،کما أن ألفاظ أجزائها موضوعة للمعان التصوریة من الموضوع و المحمول و متعلقاتها،فمطابقة الخبر لتلک النسبة الخارجیة الواقعیة صدق،و عدمها کذب،فإذا قیل:

ص:395


1- 1) سورة التوبة:آیة 81.

زید قائم فإن هذا القول یدل علی تحقق النسبة الخبریة فی الخارج أعنی اتصاف زید بالقیام، فان طابقها کان صادقا،و إن خالفها کان کاذبا.

و فیه أولا:أنه قد لا تکون للنسبة خارجیة أصلا کقولنا شریک الباری ممتنع،و اجتماع النقیضین محال،و الدور أو التسلسل باطل،و ما سوی اللّه ممکن،إذ لا وجود للامتناع و الإمکان و البطلان فی الخارج.إلا أن یقال:إن المراد بالخارج ما هو أعم منه و من نفس الأمر،و من البین أن الأمثلة المذکورة مطابقة للنسبة فی نفس الأمر،و تفسیر الخارج بذلک ظاهر المحقق التفتازانی حیث قال فی المطول بعد تفسیره الصدق بمطابقة الخبر للواقع، و الکذب بعدم مطابقته للواقع:(و هذا معنی مطابقة الکلام للواقع و الخارج و ما فی نفس الأمر).

و ثانیا:أن الالتزام المذکور لا یتفق مع تعریف القضیة بأنها تحتمل الصدق و الکذب، فإن دلالة الجملة علی وقوع النسبة فی الخارج تقتضی الجزم بالوقوع،و مقتضی التعریف المذکور هو الشک فی ذلک،و هما لا یجتمعان.

و ثالثا:لو کانت الجمل الخبریة بهیئاتها موضوعة للنسبة الخارجیة لکانت دلالتها علیها قطعیة.کما أن دلالة الألفاظ المفردة علی معانیها التصوریة قطعیة،فإن الشک لا یتطرق إلی الدلالة بعد العلم بالموضوع له و إرادة اللافظ،مع أنه لا یحصل للمخاطب بعد سماع الجمل الخبریة غیر احتمال وقوع النسبة فی الخارج،و قد کان هذا الاحتمال حاصلا قبل سماعها.

لا یقال:قد یحصل العلم بوقوع النسبة فی الخارج من إخبار المتکلم لقوة الوثوق به، فإنه یقال:لیس موضع بحثنا إذا اشتملت الجملة الخبریة علی قرائن خارجیة تدل علی صدقها، بل مورد الکلام هو نفس الخبر العاری عن القرائن،علی أنه لا یتم إلا مع الوثوق بالمتکلم، و مورد البحث أعم من ذلک.

لا یقال:إن المخاطب یحصل له من سماع الخبر ما لم یحصل قبله من العلوم،فکیف یسوغ القول:بأن استماع الخبر لم یفده غیر ما کان یعرفه أولا.

فإنه یقال:إن ما یحصل للمخاطب من المعانی التصوریة و غیرها فیما سنذکره غیر مقصود للقائل بوضع الجمل الخبریة للنسب الخارجیة،و ما هو مقصوده لا یحصل من ذلک.

و عن النظام و من تابعه:إن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر،و کذبه عدمها و إن کان الاعتقاد خطأ،و استدل علیه بآیة المنافقین (1)بدعوی أن اللّه سجل علیهم بأنهم

ص:396


1- 1) سورة المنافقین،آیة:1.

لکاذبون فی قولهم:إنک لرسول اللّه،لعدم اعتقادهم بالرسالة المحمدیة و إن کان قولهم مطابقا للواقع.

و أجابوا عنه بأن المنافقین لکاذبون فی شهادتهم للرسالة،لعدم کونها عن خلوص الاعتقاد.و توضیح ذلک یحتاج الی مقدمتین:

الاولی:أن الشهادة فی العرف و اللغة (1)بمعنی الحضور سواء کان حضورا خارجیا -کقوله تعالی (2): (فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ) .و کقول المسافر:شاهدت البلد الفلانیة و أقمت فیها-أم حضورا ذهنیا،کحضور الواقعة فی ذهن الشاهد.

الثانیة:أن المخبر به قد یکون أمرا خارجیا،و قد یکون أمرا اعتباریا،و قد یکون أمرا ذهنیا کالإخبار عن الصور النفسانیة.

فیتجلی من هاتین المقدمتین أن الأخبار عن الشهادة بالرسالة مبنی علی حضور المخبر به و المشهود به فی صقع الذهن،لأن الشهادة لیست من الأعیان الخارجیة،و حیث إن المنافقین غیر معتقدین بالرسالة،و لم یکن المخبر به و هو الاعتقاد بالنبوة موجودا فی أذهانهم فرماهم اللّه الی الکذب و الفریة،فلا دلالة فی الآیة علی مقصود النظام.

و یضاف الی ذلک انه لو أخبر أحد عن قضیة لم یعتقد بوقوعها فی الخارج و هی واقعة فیه،فإنه علی مسلک النظام خبر کاذب،مع أنه صادق بالضرورة.

و عن الجاحظ أن صدق الخبر مطابقته للواقع و الاعتقاد معا،و کذبه عدم مطابقته لهما معا،و غیر ذلک لا صدق و لا کذب،و استدل علی رأیه هذا بقوله تعالی (3): (أَفْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) .فإن الأخبار حال الجنة غیر الکذب،لأنهم جعلوه قسیما للافتراء و غیر الصدق،لعدم مطابقته للواقع فی عقیدتهم.

و فیه أنا نری بالعیان،و نشاهد بالوجدان و بحکم الضرورة انحصار الخبر بالصدق و الکذب و عدم الواسطة بینهما.و أما الآیة المذکورة فهی غریبة عن مقصود الجاحظ، لأن الظاهر منها أن المشرکین نسبوا أخبار النبی(صلی الله علیه و آله)الی الافتراء الذی هو کذب خاص، أو الی الإخبار حال الجنة الذی لا أثر له عند العقلاء.

و التحقیق أن الجمل بأجمعها خبریة کانت أم إنشائیة قد وضعت بهیئاتها النوعیة لابراز الصور الذهنیة،و إظهار الدعاوی النفسانیة(ما شئت فعبر)فان الواضع(أی شخص کان) إنما تعهد(و تابعه بقیة الناس)بأنه متی أراد ان یبرز شیئا من دعاویه و مقاصده ان یتکلم

ص:397


1- 1) فی المنجد:شهد المجلس حضره.
2- 2) سورة البقرة،آیة:181.
3- 3) سورة سبأ،آیة:8.

بجملة مشتملة علی هیئة خاصة تفی بمراده و أداء دعواه فی مقام المحادثة و المحاورة،و هذه الجهة:أعنی إبراز المقاصد النفسانیة بمظهر إنما هی فی مرحلة دلالة اللفظ علی معناه الموضوع له،فیشترک فیها جمیع الجمل خبریة کانت أم إنشائیة،بل یشترک فیها جمیع الألفاظ الموضوعة مفردة کانت أم مرکبة.

و الوجه فیه أن دلالة اللفظ علی معناه بحسب العلقة الوضعیة أمر ضروری،فلا یعقل الانفکاک بینهما فی مرحلة الاستعمال إلا بانسلاخ اللفظ عن معناه بالقرائن الخارجیة.

و هذه الدعاوی النفسانیة علی قسمین:

الأول:ان تکون أمرا اعتباریا محضا و قائما بنفس المعتبر:بأن یعتبر فی نفسه شیئا ثم یظهره فی الخارج بمبرز من لفظ أو غیره من دون قصد للحکایة عن شیء،و هذا یسمی إنشاء،و لا یتصف بالصدق و الکذب بوجه،لأنه شیء یقوم بالاعتبار الساذج کما عرفت.

الثانی:ان تکون حاکیة عن شیء آخر،سواء کان هذا المحکی من القضایا الخارجیة کقیام زید فی الخارج أم من الأوصاف النفسانیة کالعلم و الشجاعة و السخاوة و نحوها، و هذه الحکایة إن طابقت للواقع المحکی اتصفت الدعاوی المذکورة بالصدق،و إلا فهی کاذبة و أما اتصاف الجمل الخبریة بهما فمن قبیل اتصاف الشیء بحال متعلقة،کرجل منیع جاره و مؤدب خدامه،و رحب فناؤه.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه ان المراد من المطابق(بالکسر)هو مراد المتکلم:أی الدعاوی النفسانیة،لا ظهور کلامه کما توهم،و ان المراد من المطابق(بالفتح)هو الواقع و نفس الأمر المحکی بالدعاوی النفسانیة.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک فنقول:لا شبهة فی خروج التوریة عن الکذب موضوعا فإنها فی اللغة[1]بمعنی الستر،فکأن المتکلم واری مراده عن المخاطب بإظهار غیره،و خیل إلیه انه أراد ظاهر کلامه،و قد عرفت آنفا ان الکذب هو مخالفة الدعاوی النفسانیة للواقع، لا مخالفة ظاهر الکلام له،و یتفرع علی هذا ان جواز التوریة لا یختص بمورد الاضطرار و نحوه،لأنها لیست من مستثنیات الکذب،بل هی خارجة عنه موضوعا،و من هنا ذهب الأصحاب«فیما سیأتی من جواز الکذب عند الضرورة»إلی وجوب التوریة مع التمکن منها،و عللوا ذلک بتمکن المتکلم مما یخرج به کلامه عن الکذب.

ثم إن الکلام الذی یوری به قد یکون ظاهرا فی بیان مراد المتکلم،و لکن المخاطب

ص:398

لغباوته و قصور فهمه لا یلتفت الیه،و هذا خارج عن التوریة،بل هو کسائر الخطابات الصادرة من المتکلم فی مقام المحادثة و المحاورة،و من هذا القبیل ما نقل عن بعض الأجلة ان شخصا اقترح علیه ان یعطیه شیئا من الدراهم،و کان یراه غیر مستحق لذلک،فألقی السبحة من یده،و قال:و اللّه إن یدی خالیة،و تخیل السائل من کلامه انه غیر متمکن من ذلک و قد یکون الکلام ظاهرا فی غیر ما اراده المتکلم،و هو مورد التوریة،کما إذا أراد احد ان ینکر مقالته الصادرة منه فیقول:علم اللّه ما قلته،و یظهر کلمة الموصول علی صورة أداة النفی،و یخیل الی السامع انه ینکر کلامه.

و من هذا القبیل ما ذکره سلطان المحققین فی حاشیة المعالم فی البحث عن المجمل.من (انه سئل احد العلماء عن علی«ع»و أبی بکر أیهما خلیفة رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فقال:من بنته فی بیته،و منه قول عقیل«ع»أمرنی معاویة أن ألعن علیا ألا فالعنوه).

و من هذا القبیل أیضا ما سئل بعض الشیعة عن عدد الخلفاء فقال:أربعة أربعة أربعة، و إنما قصد منها الأئمة الاثنی عشر،و زعم السائل انه أراد الخلفاء الأربع.

و مما یدل علی جواز التوریة،و خروجها عن الکذب الأمور:

الأول:نقل ابن إدریس فی آخر السرائر (1)من کتاب عبد اللّه بن بکیر عن أبی عبد اللّه «ع»(فی الرجل یستأذن علیه فیقول للجاریة:قولی لیس هو ههنا؟قال:لا بأس لیس بکذب).

الثانی:روی سوید بن حنظلة[1]:(قال:خرجنا و معنا و إبل بن حجر یرید النبی(صلی الله علیه و آله) فأخذه أعداء له فخرج القوم ان یحلفوا و حلفت باللّه انه أخی فخلی عنه العدو فذکرت ذلک للنبی(صلی الله علیه و آله)فقال:صدقت المسلم أخو المسلم).و هی و إن کانت ظاهرة الدلالة علی جواز التوریة،و عدم کونها من الکذب،و لکنها ضعیفة السند.

الثالث:ما ورد[2]من نفی الکذب عن قول إبراهیم«ع»:(بل فعله کبیرهم هذا).

ص:399


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 141 جواز الکذب فی الإصلاح من عشرة الحج ص 234.

مع أن کبیرهم لم یفعله،و عن قوله«ع»: (إِنِّی سَقِیمٌ) و ما کان سقیما،و عن قول یوسف (أیتها العیر إنکم لسارقون)و ما کانوا سراقا،فیدل ذلک کله علی کون الأقوال المذکورة من التوریة،و أن التوریة خارجة عن الکذب موضوعا.

نعم یمکن أن یقال:إن نفی الکذب عن قول إبراهیم و یوسف«ع»إنما هو بلحاظ نفی الحکم،و أنهما قد ارتکبا الکذب لإرادة الإصلاح.

و یدل علی قوله«ع»فی روایة الصیقل:(إن إبراهیم إنما قال:بل فعله کبیرهم هذا، إرادة الإصلاح و قال یوسف إرادة الإصلاح).و قوله«ع»فی روایة عطا:(لا کذب علی مصلح،ثم تلا:أیتها العیر إلخ).و قد تقدمت الروایتان فی الحاشیة.

و یؤیده ما فی بعض أحادیث العامة (1):(إن إبراهیم کذب ثلاث کذبات:قوله: إِنِّی سَقِیمٌ ،و قوله: بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا ،و قوله فی سارة:إنها أختی).

و لکن الروایات المذکورة کلها ضعیفة السند،کما أن بقیة الأحادیث التی اطلعت علیها فی القصص المزبورة مشتملة علی ضعف فی السند أیضا و جهالة فی الراوی،فلا یمکن الاستناد إلیها بوجه.

ص:400


1- 1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 198.و ج 4 مجمع البیان ط صیدا ص 450.
رفع غشاوة

قد یتوهم أنه لا محیص أن تکون أقوال إبراهیم و یوسف المذکورة کاذبة،غایة الأمر أنها من الأکاذیب الجائزة،أما قول إبراهیم«ع»: (إِنِّی سَقِیمٌ) .و قول یوسف«ع»:

(أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ) .فصدق الکذب علیهما واضح.

و أما قول إبراهیم«ع»:(بل فعله کبیرهم هذا فاسألوهم إن کانوا ینطقون).فلأن الشرط فیه إما أن یرجع الی السؤال المذکور فیه،و إما أن یرجع الی الفعل،فان کان راجعا إلی السؤال انحلت الآیة الکریمة إلی قضیتین:إحداهما حملیة:و هی قوله تعالی (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا) و الثانیة إنشائیة مشروطة،و هی قوله تعالی (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ کانُوا یَنْطِقُونَ) أما القضیة الأولی فهی کاذبة لکونها غیر مطابقة للواقع.و أما القضیة الثانیة فهی إنشائیة لا تتصف بالصدق و الکذب.

و إن کان راجعا الی الفعل الذی نسبه الی کبیرهم کانت الآیة مسوقة لبیان قضیة شرطیة مقدمها قوله تعالی: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا) و تالیها قوله تعالی: (کانُوا یَنْطِقُونَ) فقد دخلت علیها أداة الشرط،و جعلتهما قضیة واحدة شرطیة،و من البدیهی أنها أیضا کاذبة، فإن الصدق و الکذب فی القضایا الشرطیة یدوران مدار صحة الملازمة و فسادها،و لا شبهة أنها منتفیة فی المقام،بداهة أنه لا ملازمة بین نطق کبیر الأصنام و بین صدور الفعل منه، بل الفعل قد صدر من إبراهیم علی کل تقدیر،سواء نطق کبیرهم أم لم ینطق.

أقول:أما رمی قول إبراهیم: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا) بالکذب فجوابه أنا قد حققنا فی مبحث الواجب المشروط من علم الأصول أن الشروط فی الواجبات المشروطة إما أن ترجع إلی الإنشاء:أعنی به إبراز الاعتبار النفسانی.و إما أن ترجع الی متعلق الوجوب:أی المادة المحضة کما فی الواجب المعلق علی ما نسب الی المصنف فی التقریرات.و إما أن ترجع إلی المنشأ،و هو ما اعتبره فی النفس ثم أبرزه بالإنشاء،فیکون مرجع القید فی قولنا:إن جاءک زید فأکرمه هو وجوب الإکرام،فیصیر مقیدا بمجیء زید.

أما الأول فهو محال،لأن الإنشاء من الأمور التکوینیة التی یدور أمرها بین الوجود و العدم،فإذا أوجده المتکلم استحال أن یتوقف وجوده علی شیء آخر،لاستحالة انقلاب الشیء عما هو علیه.

و أما الثانی فهو و إن کان ممکنا فی مرحلة الثبوت،و لکنه خلاف ظاهر الأدلة فی مقام

ص:401

الإثبات،و لا یمکن المصیر الیه بدون دلیل و قرینة،و إذن فیتعین الاحتمال الثالث.

و هذا الکلام بعینه جار فی القضایا المشروطة من الجمل الخبریة أیضا،فإن إرجاع القید فیها الی نفس الإخبار:أی الألفاظ المظهرة للدعاوی النفسانیة غیر معقول،لتحققه بمجرد التکلم بالقضیة الشرطیة،و لا یعقل بعد ذلک أن تکون موقوفة علی حصول قید أو شرط.

و اما إرجاعه إلی متعلق الخبر و هو و إن کان سائغا فی نفسه،و لکنه خلاف ظاهر القضایا الشرطیة.و ح فیتعین إرجاعه إلی المخبر به،و هو الدعاوی النفسانیة،مثلا إذا قال أحد:إن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود،فان معناه أن دعوی تحقق النهار مقیدة بطلوع الشمس،و مع عدم طلوعها فالدعوی منتفیة.

و علیه فتقدیر الآیة(بل فعله کبیرهم إن نطقوا فاسألوهم)فقد علقت الدعوی علی نطق کبیرهم،و لما استحال نطقه انتفت الدعوی،فلا تکون کاذبة.و نظیر ذلک قولک:

فلان صادق فیما یقول إن لم یکن فوقنا سماء،و کقولک أیضا:لا اعتقد إلاها إن کان له شریک،و لا اعتقد خلیفة للرسول(صلی الله علیه و آله)إن لم یکن منصوبا من اللّه.هذا فاغتنم.

و یؤید ما ذکرناه خبر الاحتجاج[1]عن الصادق«ع»إنه قال:(ما فعله کبیرهم و ما کذب إبراهیم،قیل:و کیف ذلک؟فقال:إنما قال إبراهیم:إن کانوا ینطقون،فان نطقوا فکبیرهم فعل و إن لم ینطقوا فلم یفعل کبیرهم شیئا فما نطقوا و ما کذب إبراهیم).

و قد ذکر المفسرون وجوها لتفسیر الآیة (1)فراجع.

و أما رمی قول إبراهیم:(إنی سقیم)بالکذب فجوابه ان المراد به کونه سقیما فی دینه أی مرتادا و طالبا فی دینه.و یؤیده ما فی خبر الاحتجاج المتقدم عن الصادق«ع»من قوله (ما کان إبراهیم سقیما و ما کذب و إنما عنی سقیما فی دینه:أی مرتادا).و معنی المرتاد فی اللغة هو الطلب و المیل:أی إنی طالب فی دینی و مجد لتحصیل الاعتقاد بالمبدإ و المعاد، فقد خیل بذلک الی عبدة الأصنام و النجوم انه مریض لا یقدر علی التکلم،فتولوا عنه مدبرین،و أخروا المحاکمة إلی وقت آخر،و للعلماء فیه وجوه اخری قد ذکرها المفسرون فی تفاسیرهم.

و أما رمی قول یوسف«ع»:(أیتها العیر انکم لسارقون)بالکذب فقد ذکروا فی الجواب عنه وجوها:أظهرها ان المؤذن لم یقل:أیتها العیر انکم لسرقتم صواع الملک،بل قال:انکم لسارقون،و لعل مراده انکم سرقتم یوسف من أبیه،ألا تری انهم لما سألوا:

ص:402


1- 1) راجع ج 4 مجمع البیان ط صیدا ص 53.

ماذا تفقدون؟قالوا لهم:نفقد صواع الملک،و لم یقولوا:سرقتم ذلک.

و یؤیده ما فی خبر الاحتجاج المتقدم عن الصادق«ع»من قوله انهم سرقوا یوسف من أبیه ألا تری إلخ).

مسوغات الکذب
جواز الکذب لدفع الضرورة

قوله فاعلم انه یسوغ الکذب لوجهین:أحدهما الضرورة إلیه فیسوغ معها بالأدلة الأربعة. أقول:لا شبهة فی کون الکذب حراما فی نفسه و مبغوضا بعینه،لظاهر الأدلة المتقدمة المطبقة علی حرمته.و علی هذا فلا وجه لما زعمه الغزالی (1)من(ان الکذب لیس حراما بعینه،بل فیه من الضرر علی المخاطب أو علی غیره،فإن أقل درجاته أن یعتقد المخبر الشیء علی خلاف ما هو علیه فیکون جاهلا،و قد یتعلق به ضرر غیره).

نعم الظاهر ان حرمة الکذب لیست ذاتیة کحرمة الظلم،و لذا یختلف حکمه بالوجوه و الاعتبارات،و علیه فإذا توقف الواجب علی الکذب،و انحصرت به المقدمة وقعت المزاحمة بین حرمة الکذب و بین ذلک الواجب فی مقام الامتثال،و جرت علیهما أحکام المتزاحمین.

مثلا إذا توقف إنجاء المؤمن و دفع الهلکة عنه علی الکذب کان واجبا.

و قد استدل المصنف علی جواز الکذب فی مورد الاضطرار بالأدلة الأربعة:اما الإجماع فهو و إن کان محققا،و لکنه لیس إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی المعصوم،فان الظاهر ان المجمعین قد استندوا فی فتیاهم بالجواز الی الکتاب و السنة،فلا وجه لجعله دلیلا مستقلا فی المسألة،و قد مر نظیر ذلک مرارا.

و أما العقل فهو و إن کان حاکما بجواز الکذب لدفع الضرورات فی الجملة،کحفظ النفس المحترمة و نحوه،إلا انه لا یحکم بذلک فی جمیع الموارد،فلو توقف علی الکذب حفظ مال یسیر لا یضر ذهابه بالمالک فان العقل لا یحکم بجواز الکذب ح.

و اما الکتاب فقد ذکر المصنف منه آیتین:الاولی قوله تعالی (2): (مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ) .و تقریر الاستدلال ان الآیة الشریفة تدل بالمطابقة علی جواز

ص:403


1- 1) راجع ج 3 إحیاء العلوم بیان ما رخص فیه من الکذب ص 121.
2- 2) سورة النحل،آیة:108.

التکلم بکلمة الکفر و الارتداد عن الإسلام عند الإکراه و الاضطرار بشرط ان یکون المتکلم معتقدا باللّه و مطمئنا بالایمان،فتدل علی جواز الکذب فی غیر ذلک للمکره بطریق أولی الثانیة:قوله تعالی (1): (لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) أی لا یجوز للمؤمنین أن یتخذوا الکافرین أولیاء لأنفسهم یستعینون بهم،و یلتجؤن إلیهم،و یظهرون المحبة و المودة لهم إلا ان یتقوا منهم تقاة،فإنه ح یجوز إظهار مودتهم تقیة منهم،فتدل هذه الآیة أیضا علی جواز الکذب فی سائر موارد التقیة بالأولی.

و لکن لا دلالة فی الآیتین علی جواز الکذب فی جمیع موارد الاضطرار غیر مورد الخوف و التقیة.

و أما الأخبار المجوزة للکذب فی موارد الخوف و التقیة فهی أکثر من ان تحصی، و قد استفاضت،بل تواترت علی جواز الحلف کاذبا لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو عن أخیه،و ستأتی الإشارة إلی جملة منها.

قوله إنما الاشکال و الخلاف فی انه هل یجب ح التوریة لمن یقدر علیها أم لا؟. أقول:

قد وقع الخلاف بین الاعلام فی ان جواز الکذب هل هو مقید بعدم التمکن من التوریة أم لا؟ فنسب المصنف القول الأول إلی ظاهر المشهور.

و لکن العبارات التی نقلها عنهم إما غیر ظاهرة فی مقصوده،و إما ظاهرة فی خلافه.

أما الأول:فکالمحکی عن الغنیة و السرائر و ئع وعد و اللمعة و شرحها و جامع المقاصد و غیرها من الکتب،فان مفروض الکلام فیها إنما هو اشتراط جواز الحلف الکاذب بعدم التمکن من التوریة.و أما جواز مطلق الکذب فهو خارج عن مورد کلامهم،فإنهم قالوا فی مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الودیعة:انه یجوز الحلف کاذبا إذا لم یحسن التوریة،و إلا فیوری بما یخرجه عن الکذب.

و اما الثانی:فکالمحکی عن المقنعة حیث قال:(من کانت عنده امانة فطالبها ظالم فلیجحد و إن استحلفه ظالم علی ذلک فلیحلف،و یوری فی نفسه بما یخرجه عن الکذب-الی ان قال-:

فان لم یحسن التوریة و کانت نیته حفظ الأمانة أجزأته النیة و کان مأجورا).

اما ان هذه العبارة ظاهرة فی خلاف مقصود المصنف فلان المذکور فیها أمران:

الأول:إذا طلب الظالم الودیعة من الودعی جاز له إنکارها مطلقا سواء تمکن من التوریة أم لا.

ص:404


1- 1) سورة آل عمران،آیة:27.

الثانی:إذا استحلف الظالم الودعی علی إنکار الودیعة جاز له الحلف مع عدم التمکن من التوریة.و لو کان نظر صاحب المقنعة إلی اعتبار التمکن من التوریة فی جواز مطلق الکذب لم یفصل بین الحلف و غیره.و علی الاجمال فلا دلالة فی شیء من هذه العبارات المنقولة عن الأصحاب علی مقصود المصنف.ثم إن المصنف وجه ما نسبه الی المشهور بوجهین،و سنتعرض لهما فیما بعد إنشاء اللّه.

قوله إلا ان مقتضی إطلاقات أدلة الترخیص فی الحلف کاذبا لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو أخیه عدم اعتبار ذلک) .أقول:بعد ما نسب المصنف القول المذکور الی ظاهر المشهور،و وجهه بوجهین آتیین حاول استفادة حکم المسألة من الاخبار و جعل اعتبار عدم التمکن من التوریة فی جواز الحلف کاذبا موافقا للاخبار و ذکر جملة منها و ترک جملة أخری،و أحال بعضها الی ما یأتی من جواز الکذب فی الإصلاح،و هی بأجمعها[1] ظاهرة فی جواز الحلف الکاذب لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو عن أخیه علی وجه الإطلاق،و لیست مقیدة بعدم التمکن من التوریة،و هی تدل بطریق الأولویة علی جواز الکذب بغیر حلف لدفع الضرر.

و قد استحسن المصنف عدم اعتبار القید المزبور،لأن إیجاب التوریة علی القادر لا یخلو

ص:405

عن الإلزام بالعسر و الخرج(فلو قیل:بتوسعة الشارع علی العباد بعدم ترتیب الآثار علی الکذب فیما نحن فیه و إن قدر علی التوریة کان حسنا).

ثم انه(ره)احتاط فی المسألة،و رجع الی ما نسبه الی ظاهر المشهور،و جعله مطابقا للقاعدة،و قال:(إلا ان الاحتیاط فی خلافه،بل هو المطابق للقواعد لو لا استبعاد التقیید فی هذه المطلقات،لأن النسبة بین هذه المطلقات و بین ما دل کالروایة الأخیرة و غیرها علی اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه مطلقا عموم من وجه،فیرجع الی عمومات حرمة الکذب فتأمل).فمراده من التقیید ما ذکره قبیل هذا بقوله یصعب علی الفقیه التزام تقییدها بصورة عدم القدرة علی التوریة).و مراده من المطلقات ما ذکره من الأخبار الواردة فی جواز الحلف الکاذب لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو عن أخیه،و ما یأتی من الأخبار الواردة فی جواز الکذب للإصلاح.

و توضیح مرامه:أنه إذا قطعنا النظر عن استبعاد التقیید فی هذه المطلقات فان ما ذهب الیه المشهور هو الموافق للاحتیاط،و المطابق للقواعد،لأن النسبة بین المطلقات المزبورة و بین روایة سماعة[1]و ما فی معناها[2]هی العموم من وجه،فان بعض المطلقات ظاهرة فی جواز الکذب لمجرد إرادة الإصلاح،و بعضها ظاهر فی جواز الحلف الکاذب لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو عن أخیه،سواء بلغ ذلک حد الاضطرار أم لا،و روایة سماعة و ما یساویها فی المضمون ظاهرة فی اختصاص جواز الحلف کاذبا بصورة الخوف و الاضطرار و الإکراه،فتدل بمفهومها علی حرمته فی غیر الموارد المذکورة.و ح فتقع المعارضة بین مفهوم روایة سماعة و بین مطلقات الحلف الکاذب فی غیر الموارد المذکورة،کما تقع المعارضة بینها و بین مطلقات الکذب لإرادة الإصلاح فی غیر الموارد المذکورة أیضا.فیتساقطان فی مورد الاجتماع،و یرجع الی عمومات حرمة الکذب.

و لا بعد فی تقیید المطلقات،فإنها واردة بلحاظ حال عامة الناس الذین لا یلتفتون إلی التوریة لیقصدوها،و یلتجئوا إلیها عند الخوف و التقیة.و علیه فلا بأس بتقییدها بمن یتمکن من التوریة.

ص:406

و قد أورد المحقق الایروانی علی المصنف بوجهین:

الوجه الأول:أنه لا مفهوم لروایة سماعة،فإنها ناظرة إلی جواز الکذب لأجل الإکراه و الاضطرار.و أما جوازه فی غیر مورد الضرورة أو حرمته فیه فخارج عن الروایة.

و فیه أن الظاهر من المحقق المذکور أنه إنما نفی المفهوم عن الروایة،لأنه لم ینظر إلا الی ذیلها،و هو مسوق لضرب قاعدة کلیة لیس لها مفهوم،و من المعلوم أن المصنف إنما أثبت المفهوم للروایة نظرا الی صدرها،و لا شبهة أنه قضیة شرطیة مشتملة علی عقد شرطی إیجابی،و هو المنطوق،و علی عقد شرطی سلبی و هو المفهوم.

الوجه الثانی:أنا لو سلمنا المعارضة المذکورة التی أبداها المصنف بین مفهوم روایة سماعة و بین المطلقات المزبورة،فإنه لا وجه للرجوع الی مطلقات حرمة الکذب،إذ النسبة بین الإطلاقین هی العموم من وجه،و بعد تعارضهما فی مادة الاجتماع و تساقطهما فیها یرجع الی أصالة الحل.

و فیه أنه لم یظهر لنا مراده من هذا الإشکال،فإن النسبة بین الإطلاقین هی العموم المطلق،لأن ما دل علی جواز الکذب أخص مما دل علی حرمته،و إذن فلا مناص عن تقیید مطلقات حرمة الکذب بما دل علی جوازه فی موارد خاصة.

و التحقیق أنه لا وجه لرفع الید عن المطلقات الدالة علی جواز الحلف کاذبا لإنجاء النفس المحترمة من الهلکة،و لحفظ مال نفسه أو مال أخیه عن التلف،فقد ذکرنا فی مبحث التعادل و الترجیح من علم الأصول أن من المرجحات فی الدلیلین المتعارضین بالعموم من وجه ان یلزم من تقدیم أحدهما إلغاء العنوان المأخوذ فی الدلیل الآخر علی سبیل الموضوعیة بخلاف العکس،و قد مثلنا له فی بعض المباحث السابقة (1)بأمثلة متعددة،و واضح أن ما نحن فیه من هذا القبیل،فان المطلقات المذکورة دلت علی جواز الحلف کاذبا لإنجاء النفس المحترمة،و لحفظ مال نفسه أو مال أخیه،و هی مشترکة مع روایة سماعة و ما فی معناها فی تجویز الحلف کاذبا للإکراه و الاضطرار،و إنما تمتاز المطلقات عن روایة سماعة و ما یساویها فی المضمون باشتمالها علی جواز الحلف الکاذب فی غیر موارد الخوف و الاضطرار أیضا.

و علیه فلو قدمنا روایة سماعة و ما فی مضمونها علی المطلقات المزبورة،و حکمنا لذلک بحرمة الحلف کاذبا فی غیر موارد الإکراه و الاضطرار لکانت العناوین المأخوذة فی تلک

ص:407


1- 1) ص 99 و ص 100.

المطلقات:أعنی حفظ النفس و المال لنفسه أو لأخیه کلها لاغیة.

و اما لو قدمنا المطلقات و حفظنا العناوین المذکورة فیها فإنه لا یلزم منه إلا إلغاء المفهوم فقط عن روایة سماعة و ما فی معناها.و نتیجة ذلک أنه یجوز الحلف کاذبا لإنجاء النفس المحترمة،و لحفظ مال نفسه أو مال أخیه علی وجه الإطلاق،فیقید بها ما دل علی حرمة الکذب علی وجه الإطلاق.

لا یقال:إن حرمة الکذب ذاتیة،لاستقلال العقل بقبحه،فلیست قابلة للتخصیص، و أما ارتکابه فی موارد الضرورة فلأن العقل یستقل بوجوب ارتکاب أقل القبیحین.

فإنه یقال:قد عرفت آنفا أن العقل لا یستقل بقبح الکذب فی نفسه إلا إذا ترتبت علیه المفسدة،فلا تکون حرمته ذاتیة لا تقبل التخصیص،فیکشف من تجویز الشارع الکذب فی بعض الموارد أنه لیس بقبیح،لا أنه من باب حکم العقل بارتکاب أقل القبیحین.

و قد وجه المصنف کلام المشهور بوجهین:الأول:أن الکذب حرام،و مع التمکن من التوریة لا یحصل الاضطرار الیه،فیدخل تحت العمومات.

الثانی:أن قبح الکذب عقلی،فلا یسوغ إلا مع عروض عنوان حسن علیه یغلب علی قبحه،و هذا لا یتحقق إلا مع العجز عن التوریة.و لکن قد ظهراک مما قدمناه آنفا ضعف الوجهین المذکورین.

و أما المطلقات الدالة علی جواز الکذب للإصلاح فلا معارضة بینها و بین روایة سماعة و ما فی معناها،و وجه ذلک أن تلک المطلقات انما دلت علی جواز الکذب للإصلاح، و روایة سماعة و ما فی مضمونها انما دلت علی حرمة الحلف کاذبا فی غیر موارد الإکراه و الاضطرار و الخوف،فلا وجه لوقوع المعارضة بینهما کما یرومه المصنف.

لا یقال:ان ما دل علی جواز الحلف کاذبا لحفظ النفس و المال دل علی جواز الکذب لهما بطریق الأولویة کما أشرنا إلیه سابقا،و علیه فتقع المعارضة بینهما و بین روایة سماعة و ما فی مضمونها فی مطلق الکذب أیضا.

فإنه یقال:لا منافاة بین جواز الکذب لحفظ النفس و المال و بین مفهوم روایة سماعة من تخصیص حرمة الحلف کاذبا بغیر موارد الإکراه و الاضطرار.

قوله ثم ان أکثر الأصحاب مع تقییدهم جواز الکذب بعدم القدرة علی التوریة إلخ) أقول:حاصل کلامه:أن أکثر الأصحاب قیدوا جواز الکذب بعدم التمکن من التوریة و مع ذلک فقد أطلقوا القول بفساد ما اکره علیه من العقود و الإیقاعات،و لم یقیدوا ذلک بعدم القدرة علی التوریة،و صرح الشهید الثانی(ره)فی الروضة و لک فی باب الطلاق

ص:408

بعدم اعتبار العجز عنها،بل فی کلام بعضهم دعوی الاتفاق علیه.

و قد أورد المصنف علی ذلک بأن المکره علی البیع انما أکره علی التلفظ بصیغة البیع،و لم یکره علی حقیقته،فالإکراه علی البیع الحقیقی یختص بغیر القادر علی التوریة،کما ان الاضطرار علی الکذب مختص بالعاجز عنها،و علیه فإذا أکره علی البیع فلم یورّ مع قدرته علی التوریة فقد أوجد البیع بإرادته و اختیاره،فیکون صحیحا.

و أجاب عن هذا الإیراد بوجود الفارق بین المقامین،و حاصله:أن ما أکره علیه فی باب المعاملات إنما هو نفس المعاملة و واقعها،و الأخبار الدالة علی رفع ما استکره علیه کحدیث الرفع و نحوه لم تقید ذلک بعدم القدرة علی التوریة،فإذا أوجد المکره المعاملة فقد أوجد نفس ما أکره علیه،و یرتفع أثره بالإکراه.و هذا بخلاف الکذب،فإنه لا یجوز إلا فی مورد الاضطرار،و من المعلوم أن الاضطرار لا یتحقق مع التمکن من التوریة.

و فیه أولا:أنه لا فارق بین الإکراه و الاضطرار،لأن الإکراه فی اللغة حمل المکره علی أمر و إجباره علیه من غیر رضی منه،و لا شبهة فی أن هذا المعنی لا یتحقق إذا أمکن التفصی،کما هو الحال فی الاضطرار.

و ثانیا:أنا لو لم نعتبر فی مفهوم الإکراه أن لا یتمکن المکره من التفصی فإن لازم ذلک جواز ارتکاب المحرمات إذا أکره علیها و إن کان قادرا علی التخلص،کما إذا أکرهه أحد علی شرب الخمر،و کان متمکنا من هراقتها علی جیبه.و کما إذا أکرهه جائر علی أخذ أموال الناس بالظلم و العدوان،و کان متمکنا من أن یدفع مال الظالم الیه،و یوهمه أنه إنما یعطیه من مال غیره،و لا شبهة فی حرمة الارتکاب فی أمثال هذه الصور.هذا کله بناء علی المشهور،کما نسبه المصنف الی ظاهرهم من تقیید جواز الکذب بعدم القدرة علی التوریة و التحقیق أن یفصل بین الأحکام التکلیفیة و بین الأحکام الوضعیة فی باب المعاملات العقود منها و الإیقاعات.أما الأحکام التکلیفیة وجوبیة کانت أم تحریمیة فان تنجزها علی المکلفین،و وصولها إلی مرتبة الفعلیة لتبعثهم علی الإطاعة و الامتثال مشروطة بالقدرة العقلیة و الشرعیة،و اختلاف الدواعی فی ترک الواجبات و ارتکاب المحرمات لا یؤثر فی تبدیلها أو فی رفعها بوجه.

و مثال ذلک:أن شرب الخمر مع التمکن من ترکه حرام و إن کان شربه بداعی رفع العطش أو غیره من الدواعی عدا الإسکار،کما أن المناط فی رفع الأحکام التکلیفیة هو عدم القدرة علی الامتثال و لو بالتوریة و نحوها.مثلا إذا أکره الجائر أحدا علی شرب الخمر و لم یتمکن المجبور من ترکه بالتوریة أو بطریق آخر،فإن الحرمة ترتفع بحدیث الرفع

ص:409

و نحوه.و أما إذا تمکن من موافقة التکلیف بالتوریة،أو بجهة أخری فلا موجب لسقوط الحرمة.

نعم ظاهر جملة من الروایات الماضیة،و جملة أخری من الروایات الآتیة هو جوار الکذب و الحلف الکاذب فی موارد خاصة علی وجه الإطلاق حتی مع التمکن من التوریة،و علیه فیمتاز حکم الکذب بذلک عن بقیة الأحکام التکلیفیة.و من هنا ظهر ضعف قول المصنف (إن الضرر المسوغ للکذب هو المسوغ لسائر المحرمات).

و أما الأحکام الوضعیة فی المعاملات،کصحة العقود و الإیقاعات أو فسادهما فهی تدور من حیث الوجود و العدم مدار أمرین:الأول:کون المتعاملین قادرین علی المعاملة بالقدرة التی هی من الشرائط العامة المعتبرة فی جمیع الأحکام.

الثانی:صدور إنشاء المعاملة عن الرضی و طیب النفس،لآیة التجارة عن تراض، و الروایات الدالة علی حرمة التصرف فی مال غیره إلا بطیب النفس و الرضی،فإذا انتفی أحد الأمرین فسدت المعاملة،و لم تترتب علیها الآثار.

و علیه فلو أکره الظالم أحدا علی بیع أمواله فباعها بغیر رضی و طیب نفس کان البیع فاسدا سواء تمکن المکره فی دفع الإکراه من التوریة أم لم یتمکن،و إذا باعها عن طیب نفس کان البیع صحیحا.و علی الاجمال فالمناط فی صحة المعاملات صدورها عن طیب النفس و الرضی.

تذییل

لا شبهة فی عدم ثبوت أحکام المکره علی المضطر فی باب المعاملات،و وجه ذلک أن حدیث الرفع إنما ورد فی مقام الامتنان علی الأمة.و علی هذا فلو اضطر أحد إلی بیع أمواله لأداء دینه،أو لمعالجة مریضة،أو لغیرهما من حاجاته فان الحکم بفساد البیع ح مناف للامتنان،و أما الإکراه فلیس کک.کما عرفت.

قوله نعم یستحب تحمل الضرر المالی الذی لا یجحف. أقول:حاصل کلامه:

أنه یستحب تحمل الضرر المالی الذی لا یجحف،و التجنب عن الکذب فی موارد جوازه لحفظ المال،و حمل علیه قول أمیر المؤمنین«ع»فی نهج البلاغة (1):(علامة الإیمان أن تؤثر الصدق حیث یضرک علی الکذب حیث ینفعک).

ص:410


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 141 جواز الکذب فی الإصلاح من عشرة الحج ص 235.

و فیه أنه لا دلیل علی ثبوت هذا الاستحباب،فان الضرر المالی إن بلغ إلی مرتبة یعد فی العرف ضررا جاز الکذب لدفعه،و إلا فهو حرام،لانصراف الأدلة المجوزة عن ذلک، فلا دلیل علی وجوب الواسطة بینهما لکی تکون مستحبة،و أما قوله«ع»فی نهج البلاغة فأجنبی عن الکذب الجائز الذی هو مورد کلامنا،بل هو راجع الی الکذب المحرم،و أن یتخذه الإنسان وسیلة لانتفاعه،و من الواضح جدا أن ترک ذلک من علائم الایمان.

و یؤید ما ذکرناه تقابل الصدق المضر مع الکذب النافع فیه،لأن الظاهر من الکذب النافع هو ما یکون وسیلة لتحصیل المنافع،و یکون المراد من الصدق المصرح عدم النفع، لکثرة إطلاق الضرر علیه فی العرف.

و علیه فشأن الحدیث شأن ما ورد (1)من أنه(لا یزنی الزانی حین یزنی و هو مؤمن و لا یسرق السارق حین یسرق و هو مؤمن).

نعم یمکن الاستدلال علی الاستحباب بناء علی التسامح فی أدلة السنن بقوله«ع» (2):

(اجتنبوا الکذب و إن رأیتم فیه النجاة.فإن فیه الهلکة).و لکن مفاد الحدیث أعم مما ذکره المصنف.

الأقوال الصادرة عن الأئمة(علیهم السلام)تقیة

لا خلاف بین المسلمین،بل بین عقلاء العالم فی جواز الکذب لإنجاء النفس المحترمة.

قال الغزالی (3):(فمهما کان فی الصدق سفک دم امرئ مسلم فالکذب فیه واجب).و قد تقدمت (4)دلالة جملة من الآیات و الروایات علی هذا.بل هو من المستقلات العقلیة،و من الضروریات الدینیة التی لا خلاف فیها بین المسلمین،و علی ذلک فمن أنکره کان منکرا لإحدی ضروریات الدین،و لحقه حکم منکر الضروری من الکفر،و وجوب القتل،و بینونة الزوجة،و قسمة الأموال.

ص:411


1- 1) راجع ج 1 کا باب 40 القمار من المعیشة ص 362.و ج 10 الوافی باب القمار ص 36.و ج 3 ئل باب تحریم الزناء من النکاح المحرم ص 39 و 40.و ج 2 ئل باب 45تعیین الکبائر من جهاد النفس ص 463 و ص 464،و ج 2 مرآة العقول ص 256 و ص 260.
2- 2) مرسلة.راجع ج 2 المستدرک باب 120 تحریم الکذب من عشرة الحج ص 100
3- 3) راجع ج 3 إحیاء العلوم بیان ما رخص فیه من الکذب ص 121.
4- 4) فی البحث عن جواز الکذب لدفع الضرورة ص 403 و ص 404 و 405.

و إذا عرفت ذلک فقد اتضح لک الحال فی الأقوال الصادرة عن الأئمة«ع»فی مقام التقیة،فإنا لو حملناها علی الکذب السائغ لحفظ أنفسهم و أصحابهم لم یکن بذلک بأس،مع أنه یمکن حملها علی التوریة أیضا کما سیأتی.

و بذلک یتجلی لک افتضاح الناصبی المتعصب إمام المشککین،حیث لهج بما لم یلهج به البشر،و قال فی خاتمة محصل الأفکار حاکیا عن الزندیق سلیمان بن جریر:إن أئمة الرافضة وضعوا القول بالتقیة لئلا یظفر معها أحد علیهم،فإنهم کلما(أرادوا شیئا تکلموا به فإذا قیل لهم هذا خطأ أو ظهر لهم بطلانه قالوا:إنما قلناه تقیة).

علی أن التفوه بذلک افتراء علی الأئمة الطاهرین الذین أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا.قال اللّه تعالی (1): (إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ) .

قوله الأقوال الصادرة عن أئمتنا فی مقام التقیة. أقول:حاصل مراده أن ما صدر عن الأئمة«ع»تقیة فی بیان الأحکام و إن جاز حمله علی الکذب الجائز حفظا لأنفسهم و أصحابهم عن الهلاک.و لکن المناسب لکلامهم و الألیق بشأنهم حمله علی إرادة خلاف ظاهره من دون نصب قرینة علی المراد الجدی،کأن یراد من قولهم (2):لا بأس بالصلاة فی ثوب أصابه خمر جواز الصلاة فی الثوب المذکور مع تعذر غسله و الاضطرار الی لبسه.

و یؤیده تصریحهم«ع»بإرادة المحامل البعیدة فی بعض المقامات،ففی روایة عمار عن أبی عبد اللّه«ع» (3):(فقال له رجل:ما تقول فی النوافل؟قال:فریضة،قال:ففزعنا و فزع الرجل فقال أبو عبد اللّه:إنما أعنی صلاة اللیل علی رسول اللّه«ص»).

و فیه أنک قد عرفت آنفا عدم استقلال العقل بقبح الکذب فی جمیع الموارد،و إنما هو تابع للدلیل الشرعی،و علیه فمهما حرمه الشارع یکشف منه أنه قبیح،و مهما ورد الدلیل علی جوازه یکشف منه أنه لیس بقبیح.و حینئذ فالکذب الجائز و التوریة سواء فی الإباحة و لا ترجیح لحمل الأخبار الموافقة للتقیة علی الثانی.

قوله و من هنا یعلم أنه إذا دار الأمر فی بعض المواضع إلخ. أقول:ملخص کلامه:أنه إذا ورد عن الأئمة«ع»أمر و ترددنا بین أن نحمله علی الوجوب بداعی التقیة

ص:412


1- 1) سورة النحل،آیة:107.
2- 2) راجع ج 1 ئل باب 38 نجاسة الخمر من أبواب النجاسات ص 200.
3- 3) راجع ج 1 ئل باب 16 جواز ترک النوافل من أبواب أعداد الفرائض و النوافل ص 220.و ج 5 الوافی ص 20.

أو علی الاستحباب بداعی بیان الواقع تعین الحمل علی الثانی:بأن یراد من الأمر معناه المجازی أعنی الاستحباب من دون نصب قرینة ظاهرة.

و مثاله أن یرد أمر بالوضوء عقیب ما یعده العامة (1)حدثا و ناقضا للوضوء،کالمذی و الودی و مس الفرج و الأنثیین و غیرها من الأمور التی یراها العامة إحداثا ناقضة للوضوء فإنه یدور الأمر ح بین حمله علی الوجوب بداعی التقیة و بین حمله علی الاستحباب بداعی بیان الواقع،و من المعلوم أن الحمل علی الثانی أولی،إذ لم یثبت من مذهب الشیعة عدم استحباب الوضوء عقیب الأمور المذکورة،و لکن ثبت عندهم أنها لا تنقض الوضوء جزما،و علیه فتتأدی التقیة بإرادة المجاز و إخفاء القرینة.

أقول:للّه در المصنف حیث أشار بکلامه هذا إلی قاعدة کلیة و ضابطة شریفة،تتفرع عنها فروع کثیرة،و من شأنها أن یبحث عنها فی علم الأصول فی فصل من فصول أبحاث الأوامر.

و تحقیق الکلام فیها أن ما یدور أمره بین الحمل علی التقیة و بین الحمل علی الاستحباب علی ثلاثة أقسام،الأول:أن یکون ظهوره فی بیان الحکم الوضعی المحض،کما إذا ورد عنهم«ع»أن الرعاف أو الحجامة مثلا من النواقض للوضوء،فإنه لا ریب فی حمل هذا القسم علی التقیة:بأن یکون المراد أنها ناقضة حقیقة للوضوء،و لکن صدور هذا الحکم بداعی التقیة،لا بداعی الإرادة الجدیة.

الثانی:أن یدل بظهوره علی الحکم التکلیفی المولوی المحض،کما إذا فرضنا أن قراءة الدعاء عند رؤیة الهلال واجبة عند العامة و مستحبة عندنا،و وردت روایة من أئمتنا«ع» ظاهرة فی الوجوب،فإن الأمر حینئذ یدور بین حمل هذه الروایة علی الوجوب بداعی التقیة و بین حملها علی الاستحباب بداعی الجد.غایة الأمر أن الامام«ع»لم ینصب قرینة علی مراده الجدی.

و علی هذا فبناء علی مسلک المصنف من کون الأمر حقیقة فی الوجوب و مجازا فی غیره یدور الأمر بین حمله علی التقیة فی بیان الحکم،و رفع الید عن المراد الجدی:أعنی الاستحباب أو حمله علی الوجوب الخاص أعنی الوجوب حال التقیة،و رفع الید عن ظهور الأمر فی الوجوب المطلق بأن یکون المراد أن قراءة الدعاء عند رؤیة الهلال واجبة حال التقیة،أو حمله علی الاستحباب و رفع الید عن ظهور الکلام فی الوجوب من دون نصب قرینة علی ذلک، و حیث لا مرجح لأحد الأمور الثلاثة بعینه،فیکون الکلام مجملا.

ص:413


1- 1) راجع ج 1 سنن البیهقی جماع أبواب الحدث.

و أما بناء علی ما حققناه فی محله من أن الأمر موضوع لواقع الطلب:أعنی إظهار الاعتبار النفسانی علی ذمة المکلف،فما لم یثبت الترخیص من الخارج فان العقل یحکم بالوجوب و إذا ثبت الترخیص فیه من القرائن الخارجیة حمل علی الاستحباب،و علیه فلا مانع من حمل الأمر بقراءة الدعاء عند رؤیة الهلال علی الاستحباب،للقطع الخارجی بعدم وجوبها عند رؤیة الهلال،فیتعین الاستحباب،إذ لیس هنا احتمال آخر غیره لکی یلزم الاجمال.

الثالث:ان یکون الکلام الصادر عن الامام«ع»ظاهرا فی بیان الحکم التکلیفی،إلا انه فی الواقع بیان للحکم الوضعی الصرف،کما إذا ورد الأمر بالوضوء عقیب المذی و الودی و مس الفرج و الأنثیین أو غیرها من الأمور التی یراها العامة إحداثا ناقضة للوضوء فإن الأمر فی هذه الموارد إرشاد إلی ناقضیة الأمور المذکورة للوضوء،کما ان الأمر بالوضوء عقیب البول و النوم إرشاد الی ذلک أیضا،و ح فیدور الأمر بین حمله علی ظاهره من الناقضیة بداعی التقیة،لا الجد،و بین حمله علی الاستحباب،فالظاهر هو الأول،فإن حمله علی الثانی یستلزم مخالفة الظاهر من جهتین:

الاولی:حمل ما هو ظاهر فی الإرشاد إلی الناقضیة علی خلاف ظاهره من إرادة الحکم التکلیفی.الثانیة:حمل ما هو ظاهر فی الوجوب علی الاستحباب.و أما لو حملناه علی التقیة فلا یلزم منه إلا مخالفة الظاهر فی جهة واحدة،و هی حمل الکلام علی غیر ظاهره من المراد الجدی.

جواز الکذب لإرادة الإصلاح

قوله الثانی من مسوغات الکذب إرادة الإصلاح. أقول:لا شبهة فی جواز الکذب للإصلاح بین المتخاصمین فی الجملة عند الفریقین نصا[1]و فتوی،و تفصیل ذلک

ص:414

ان النزاع و البغضاء بین المتخاصمین تارة یکون من کلا الطرفین:بأن یکون کل منهما حربا للآخر،و قاصدا لإیقاع الضرر به،و اخری یکون الحقد و النفاق من طرف واحد، کأن وشی الیه تمام علی أخیه کاذبا فحقد علیه،و کلا القسمین مشمولان لإطلاق ما دل علی جواز الکذب فی مورد الإصلاح.

و یمکن الاستدلال علی جواز الکذب للإصلاح بقوله تعالی (1): (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ) أی أصلحوا بین المؤمنین إذا تخاصموا و تقاتلوا (وَ اتَّقُوا اللّهَ) فی ترک العدل و الإصلاح (لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ) فإن إطلاق الآیة یشمل الإصلاح بالکذب أیضا و ح فتکون الآیة معارضة لعموم ما دل علی حرمة الکذب بالعموم من وجه،و بعد تساقطهما فی مادة الاجتماع:أعنی الکذب للإصلاح یرجع الی البراءة،أو الی عموم المصلح لیس بکذاب،فإنه ینفی الکذب عن المصلح علی سبیل الحکومة.

و لا فرق فی جواز الکذب للإصلاح بین ان یکون المصلح احد المتخاصمین أو غیرهما، و یدل علی تأکد الحکم فی الأول بعض الأحادیث الواردة فی حرمة هجران المؤمن فوق ثلاثة أیام.کقوله«ع»فی روایة حمران[1]:(ما من مؤمنین اهتجرا فوق ثلاث إلا برأت منهما فی الثالثة قیل:هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟فقال:ما بال المظلوم لا یصیر الی الظالم فیقول:أنا الظالم حتی یصلحا).

و من الواضح جدا ان قول المظلوم:انا الظالم کذب،و قد ذمة الإمام«ع»علی ترکه فیکون مستحبا مؤکدا.

قوله ورد فی أخبار کثیرة جواز الوعد الکاذب مع الزوجة،بل مطلق الأهل) .

أقول:إن کان الوعد علی سبیل الإنشاء فهو خارج عن الکذب موضوعا علی ما عرفته سابقا.و إن کان علی سبیل الإخبار،و لم یحرز المتکلم تحقق المخبر به فی ظرفه فهو

ص:415


1- 1) سورة الحجرات،آیة:10.

کذب محرم علی صورة الوعد،کما عرفت فی البحث عن حکم خلف الوعد.

و لکن ظاهر جملة من الروایات التی تقدم بعضها فی البحث عن جواز الکذب للإصلاح هو جواز الوعد الکاذب للزوجة،بل لمطلق الأهل،و علیه فیقید بها ما دل علی حرمة الکذب،کما یقید بها أیضا ما دل علی وجوب الوفاء بالوعد لو قلنا به،و اللّه العالم.إلا أن یقال بعدم صلاحیة ذلک للتقیید،لضعف السند.

حرمة الکهانة
اشارة

قوله التاسعة عشرة:الکهانة). أقول:ما هی الکهانة؟و ما حکم الرجوع الی الکاهن؟و ما حکم الإخبار عن الأمور المستقبلة؟.

أما الکهانة فهی فی اللغة[1]الإخبار عن الکائنات فی مستقبل الزمان،و قیل هی عمل یوجب طاعة الجان للکاهن،و من هنا قیل:إن الکاهن من کان له رأی من الجن یأتیه الأخبار.و هی قریبة من السحر أو أخص منه.و العراف[2]هو المنجم و الکاهن،و قیل:

العراف کالکاهن،إلا ان العراف یختص بمن یخبر عن الأحوال المستقبلة،و الکاهن بمن یخبر عن الأحوال الماضیة.

و کیف کان فالکهانة علی قسمین:

الأول:ان یخبر الکاهن عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالشیاطین القاعدین مقاعد

ص:416

استراق السمع من السماء،فیطلعون علی إسرارها،ثم یرجعون إلی أولیائهم لکی یؤدوها إلیهم.

الثانی:ان یخبر الکاهن عن الکائنات الأرضیة،و الحوادث السفلیة لاتصاله بطائفة من الجن و الشیاطین التی تلقی إلیه الأخبار الراجعة إلی الحوادث الأرضیة فقط،لأن الشیاطین قد منعت عن الاطلاع الی السماء و أخبارها بعد بعثة النبی(صلی الله علیه و آله).

و فی خبر الاحتجاج[1]أطلق لفظ الکاهن علی کلا القسمین،أما إطلاقه علی القسم الأول فهو صریح جملة من فقراته.و أما إطلاقه علی القسم الثانی فقد وقع منه فی فقرتین:

الأولی:قوله«ع»:(لأن ما یحدث فی الأرض من الحوادث الظاهرة فذلک یعلم الشیاطین و یؤدیه إلی الکاهن و یخبره بما یحدث فی المنازل و الأطراف).

الثانیة:قوله:«ع»بعد ما ذکر أن الشیاطین کانوا یسترقون أخبار السماء،و یقذفونها الی الکاهن:(فمنذ منعت الشیاطین عن استراق السمع انقطعت الکهانة و الیوم إنما یؤدی الشیطان الی کهانها أخبارا للناس مما یتحدثون به-الی أن قال-:ما یحدث فی البعد من الحوادث).

فقد أطلق الکاهن فی هاتین الفقرتین علی المخبر عن الکائنات السفلیة بواسطة الشیاطین.

و لا ینافیه قوله«ع»:(انقطعت الکهانة).فإن المراد منها هو الکهانة الکاملة:أعنی القسم الأول.

و تدل علی حرمة کلا القسمین مضافا الی خبر الاحتجاج المتقدم جملة من الروایات من طرق الخاصة[2].

ص:417

و من طرق العامة (1)و قد تقدم بعضها فی البحث عن حرمة التنجیم و السحر.

حرمة الرجوع الی الکاهن

و أما الرجوع الی الکاهن،و العمل بقوله،و ترتیب الأثر علیه فی الأمور الدینیة، و الاستناد إلیه فی إثبات أمر أو نفیه فلا شبهة فی حرمته،بل لا خلاف فیها بین المسلمین، لکونه افتراء علی اللّه،و عملا بالظن الذی لا یغنی من الحق شیئا.

و تدل علی الحرمة أیضا جملة من روایات الفریقین الناهیة عن إتیان الکاهن و العراف فإن الإتیان إلیهم کنایة عن تصدیقهم،و العمل بقولهم،کما فی تاج العروس قال:(من أتی کاهنا أو عرافا إلخ:أی صدقهم).و قد عرفت أن العراف یصدق علیه الکاهن.

و فی روایة الخصال أن(من تکهن أو تکهن له فقد بریء من دین محمد«ص»):أی من جاء الی الکاهن و أخذ منه الرأی فلیس بمسلم«و قد تقدمت الإشارة الی هذه الروایات فی الحاشیة».

حکم الاخبار عن الأمور المستقبلة

و أما الإخبار عن الأمور المستقبلة جزما فیقع البحث عن حکمه تارة من حیث القاعدة، و اخری من حیث الروایة.

أما الأول فقد یکون المخبر عن الحوادث الآتیة شاکا فی وقوعها فی مستقبل الزمان.

و قد یکون جازما بذلک.أما الأول فلا شبهة فی حرمته،لکونه من الکذب المحرم و من القول بغیر علم.و قد عرفت فی البحث عن حکم خلف الوعد أن المخبر ما لم یکن جازما بوقوع المخبر به فی الخارج فهو کاذب فی إخباره.نعم لو صادف الواقع فی هذه الحال کان حراما من جهة التجری.

و أما الثانی فلا وجه لحرمته،فإنه خارج عن الکذب و عن القول بغیر علم موضوعا و حکما و لکن المصنف التزم بحرمته لأمور:

الأول:خبر الهیثم[1]:(قال:قلت لأبی عبد اللّه«ع»:إن عندنا بالجزیرة رجلا ربما

ص:418


1- 1) راجع ج 8 سنن البیهقی باب ما جاء فی النهی عن الکهانة ص 138.

أخبر من یأتیه یسأله عن الشیء یسرق أو شبه ذلک فنسأله؟فقال:قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):من مشی الی ساحر أو کاهن أو کذاب یصدقه فیما یقول فقد کفر بما أنزل اللّه من کتاب) بدعوی أن الإخبار عن الغائبات علی سبیل الجزم محرم مطلقا،سواء أ کان بالکهانة أم بغیرها،لأنه«ع»حصر المخبر بالشیء الغائب بالساحر و الکاهن و الکذاب،و جعل الکل حراما.

و فیه أولا:أن الروایة بقرینة السؤال ظاهرة فی الإخبار عن الأمور الماضیة من السرقة و الضالة و نحوها،و لا إشکال فی جواز الإخبار عن الأمور الماضیة إذا کان المخبر جازما بوقوعها،و إنما الکلام فی الإخبار علی سبیل الجزم علی الحوادث الآتیة،فمورد الروایة أجنبی عن محل الکلام.

و ثانیا:لا دلالة فی الروایة علی انحصار المخبر عن الأمور المغیّبة بالکاهن و الساحر و الکذاب،بل الظاهر منها أن الإخبار المحرم منحصر بإخبار هذه الطوائف الثلاث.

فالإمام«ع»بیّن ضابطة حرمة الإخبار عن الغائبات،و نظیره ما إذا سئل أحد عن حرمة شرب العصیر التمری؟فأجاب بأن الحرام من المشروبات إنما هو الخمر و النبیذ و العصیر العنبی إذا غلی،فان هذا الجواب لا یدل علی حصر جمیع المشروبات بالمحرم،و إنما یدل علی حصر المشروبات المحرمة بالأمور المذکورة.و إذن فلا دلالة فی الروایة علی حرمة مطلق الإخبار عن الأمور المستقبلة و لو من غیر الکاهن و الساحر و الکذاب.

و ثالثا:أن غایة ما تدل علیه الروایة أن تصدیق المخبر فی إخباره حرام،لأنه غیر حجة و أما حرمة إخبار المخبر فلا تدل الروایة علی حرمته،کما هو الحال فی إخبار الفاسق و غیره فیما لا یکون قوله حجة.

الثانی:قوله«ع»فی حدیث المناهی المتقدم فی الهامش:(إنه نهی عن إتیان العراف و قال:من أتاه و صدقه فقد بریء مما أنزل اللّه علی محمد«ص»).بدعوی أن المخبر عن الغائبات فی المستقبل کاهن و یختص باسم العراف.

و فیه أولا:أنه ضعیف السند.و ثانیا:أن إتیان العراف کنایة عن العمل بقوله، و ترتیب الأثر علیه،کما عرفته آنفا،فلا دلالة فیه علی حرمة الإخبار عن الأمور المستقبلة بأی نحو کان.

الثالث:قوله«ع»:فی بعض الأحادیث[1]:(لئلا یقع فی الأرض سبب یشاکل الوحی إلخ).فإن الإخبار عن الغائبات و الکائنات فی مستقبل الزمان من الأمور تشاکل الوحی

ص:419

و من المقطوع به أنه مبغوض للشارع.

و فیه أن الممنوع فی الروایة هو الإخبار عن السماء بوساطة الشیاطین،فإنهم کانوا یقعدون مقاعد استراق السمع من السماء،و یطلعون علی مستقبل الأمور،و یحملونها إلی الکهنة،و یبثونها فیهم،و قد منعوا عن ذلک بالشهاب الثاقب لئلا یقع فی الأرض ما یشاکل الوحی.و أما مجرد الإخبار عن الأمور الآتیة بأی سبب کان فلا یرتبط بالکهانة.

قوله فتبین من ذلک إلخ. أقول:حاصل کلامه:أن المتحصل مما ذکرناه هو حرمة الإخبار عن الغائبات من غیر نظر فی بعض ما صح اعتباره،کنبذ من الرمل و الجفر و فیه أن المناط فی جواز الإخبار عن الغائبات فی مستقبل الزمان إنما هو حصول الاطمئنان بوقوع المخبر به کما عرفت.و علیه فلا فرق بین الرمل و الجفر و غیرهما من موجبات الاطمئنان.

ثم إن ظاهر عبارة المصنف هو اعتبار بعض أقسام الرمل و الجفر.و لکنه عجیب منه (ره)!!إذ لم یقم دلیل علی اعتبارهما فی الشریعة المقدسة غایة الأمر أنهما یفیدان الظن، و هو لا یغنی من الحق شیئا.

حرمة اللهو فی الجملة
اشارة

قوله العشرون:اللهو حرام. أقول:لا خلاف بین المسلمین قاطبة فی حرمة اللهو فی الجملة،بل هی من ضروریات الإسلام،و إنما الکلام فی حرمته علی وجه الإطلاق.

فظاهر جملة من الأصحاب،بل صریح بعضهم،و ظاهر بعض العامة أن اللهو حرام مطلقا، فعن المحقق فی المعتبر:(قال علمائنا:اللاهی بسفره کالمتنزه بصیده بطرا لا یترخص،لنا أن اللهو حرام،فالسفر له معصیة).

و قال العلامة (1):حرم الحلبی(الرمی عن قوس الجلاهق و الإطلاق لیس بجید،بل ینبغی التقیید بطلب اللهو و البطر).و فی کلمات غیر واحد من الأصحاب إن من سفر المعصیة طلب الصید للهو و البطر.

و فی الریاض (2)قد استدل علی حرمة المسابقة فی غیر الموارد المنصوصة بما دل علی حرمة مطلق اللهو.

ص:420


1- 1) راجع ج 2 المختلف ص 164.
2- 2) ج 2 ص 41.

و عن المالکیة (1)(إن کان الغرض من المسابقة المغالبة و التلهی فیکون حراما).

و قد استظهر المصنف من الأخبار الکثیرة حرمة اللهو علی وجه الإطلاق،ثم قال:

(و لکن الإشکال فی معنی اللهو فإن أرید به مطلق اللهو کما یظهر من الصحاح و القاموس فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السیرة،فإن اللعب هی الحرکة لا لغرض عقلائی،و لا خلاف ظاهرا فی عدم حرمته علی الإطلاق،نعم لو خص اللهو بما یکون من بطر و فسر بشدة الفرح کان الأقوی تحریمه).

و لکن الأخبار لا دلالة لها علی حرمة اللهو علی وجه الإطلاق فإنها علی أربع طوائف:

الأولی (2):هی الروایات الدالة علی وجوب الإتمام علی المسافر إذا کان سفره للصید اللهوی،فقد یقال:إن هذه الطائفة تدل بالالتزام علی حرمة اللهو أیضا،إذ لا نعرف وجها لإتمام الصلاة هنا إلا کون السفر معصیة للصید اللهوی.

و لکنه ضعیف،إذ غایة ما یستفاد من هذه الأخبار أن السفر للصید اللهوی لا یوجب القصر،فلا دلالة فیها علی کون السفر معصیة،إذ لا ملازمة بین وجوب الإتمام فی السفر و بین کونه معصیة،بل هو أعم من ذلک.و الی هذا ذهب المحقق البغدادی(ره).

الثانیة:ما دل علی أن اللهو من الکبائر،کما فی حدیث شرائع الدین عن الأعمش[1] قال المصنف:(حیث عد فی الکبائر الاشتغال بالملاهی التی تصد عن ذکر اللّه کالغناء و ضرب الأوتار،فإن الملاهی جمع الملهی مصدرا أو الملهی وصفا،لا الملهاة آلة،لأنه لا یناسب التمثیل بالغناء).

و لکن یرد علیه أولا:أن هذه الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:لا دلالة فیها علی حرمة اللهو المطلق،بل الظاهر منها أن الحرام هو اللهو الذی یصد عن ذکر اللّه کالغناء و ضرب الأوتار و نحوهما.

و ثالثا:أن الظاهر من اللغة أن الملاهی اسم الآلات،فالأمر یدور بین رفع الید عن

ص:421


1- 1) راجع ج 2 فقه المذاهب ص 51.
2- 2) راجع ج 5 الوافی باب من کان سفره باطلا ص 32.و ج 1 ئل باب 9 من خرج الی الصید للهو من صلاة المسافر ص 548.و ج 1 التهذیب أبواب الزیادات صلاة المسافر ص 184.و ج 1 المستدرک ص 502.

ظهوره و حملها علی الفعل و بین رفع الید عن ظهور الغناء و حمله علی الغناء فی آلة اللهو،و لا وجه لترجیح أحدهما علی الآخر،فتکون الروایة مجملة.بل ربما یرجح رفع الید عن ظهور الغناء،کما یدل علیه عطف ضرب الأوتار علی الغناء.

ثم إن روایة الأعمش لم یذکر فیها إلا عد الملاهی التی تصد عن ذکر اللّه من الکبائر.

و أما زیادة کلمة الاشتغال قبل کلمة الملاهی فهی من سهو قلم المصنف(ره)،و لو کانت النسخة کما ذکره لما کان له حمل الملاهی علی نفس الفعل،فان الاشتغال بالملاهی من أظهر مصادیق الغناء.

الثالثة:الأخبار المستفیضة.بل المتواترة الدالة علی حرمة استعمال الملاهی و المعازف، و فی روایة العیون[1]:(الاشتغال بها من الکبائر).و فی روایة عنبسة:(استماع اللهو و الغناء ینبت النفاق کما ینبت الماء الزرع).و قد تقدمت الإشارة إلی جملة منها،و الی مصادرها فی مبحث حرمة الغناء.

و فیه أن هذه الروایات إنما تدل علی حرمة قسم خاص من اللهو:أعنی الاشتغال بالملاهی و المعازف و استعمالها،و لا نزاع فی ذلک،بل حرمة هذا القسم من ضروریات الدین،بحیث یعد منکرها خارجا عن زمرة المسلمین،و إنما الکلام فی حرمة اللهو علی وجه الإطلاق، و واضح أن هذه الأخبار لا تدل علی ذلک.

الرابعة:الأخبار الظاهرة ظهورا بدویا فی حرمة اللهو مطلقا،کقوله«ع»فی خبر العیاشی:(کلما ألهی عن ذکر اللّه فهو من المیسر).و فی بعض روایات المسابقة (1):

(کل لهو المؤمن باطل إلا فی ثلاث).و فی روایة أبی عباد:إن السماع فی حیز الباطل و اللهو«و سنذکرها».و فی روایة عبد الأعلی (2)فی رد من زعم ان النبی(صلی الله علیه و آله) رخص فی أن یقال:جئناکم جئناکم إلخ:(کذبوا إن اللّه یقول:لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتّخذناه من لدنا إلخ).و فی جملة من روایات الغناء أیضا ما یدل علی أن اللهو من الباطل فإذا ضممنا ذلک الی ما یظهر من الأدلة من حرمة الباطل کجملة من الروایات الدالة علی حرمة الغناء (3)کانت النتیجة حرمة اللهو مطلقا.

و یرد علیه أن الضرورة دلت علی جواز اللهو فی الجملة،و کونه من الأمور المباحة، کاللعب بالسبحة أو اللحیة أو الحبل أو الأحجار و نحوها،فلا یمکن العمل بإطلاق هذه

ص:422


1- 1) قد تقدما فی ص 370.
2- 2) قد تقدم فی ص 312.
3- 3) قد أشرنا إلی مصادرها فی ص 307.

الروایات علی تقدیر صحتها،و قد أشرنا إلیه فی مبحث حرمة القمار (1)و علیه فلا بد من حملها علی قسم خاص من اللهو أعنی الغناء و نحوه،کما هو الظاهر،أو حملها علی وصول الاشتغال بالأمور اللاغیة إلی مرتبة یصد فاعله عن ذکر اللّه،فإنه ح یکون من المحرمات الإلهیة.

و الحاصل:أنه لا دلیل علی حرمة اللهو علی وجه الإطلاق،و مما ذکرناه ظهر أیضا أنا لا نعرف وجها صحیحا لما ذکره المصنف(ره)من تقویة حرمة الفرح الشدید.

اللعب و اللغو

قوله و اعلم أن هنا عنوانین. أقول:قد فرق جمع من أهل الفروق بین اللهو و اللعب،و لا یهمنا التعرض لذلک،و إنما المهم هو التعرض لحکمهما،و قد عرفت:أنه لا دلیل علی حرمة مطلق اللهو،و أما اللعب فان کان متحدا فی المفهوم مع اللهو فحکمه هو ذلک،و إن کانا مختلفین مفهوما فلا بد من ملاحظة الأدلة الشرعیة،فإن کان فیها ما یدل علی حرمة اللعب أخذ به،و إلا فیرجع الی الأصول العملیة.

و أما اللغو فذکر المصنف(ره)أنه إن أرید به ما یرادف اللهو کما یظهر من بعض الاخبار[1]کان فی حکمه.و إن أرید به مطلق الحرکات اللاغیة فالأقوی فیها الکراهة أقول:لا دلیل علی حرمة مطلق اللغو سواء قلنا بکونه مرادفا للهو و الباطل کما هو الظاهر من أهل اللغة أم لا،لما عرفت من عدم الدلیل علی حرمة اللهو علی وجه الإطلاق و أما ما ذکره من ظهور الروایات فی مرادفة اللغو مع اللهو ففیه أن الروایات المذکورة ناظرة إلی اتحاد قسم خاص من اللغو مع قسم خاص من اللهو،و هو القسم المحرم،فلا دلالة فیها علی اتحاد مفهومهما مطلقا.علی انها ضعیفة السند.

ص:423


1- 1) ص 370.

و قد یقال:بحرمة اللغو علی وجه الإطلاق لروایة الکابلی[1]فإن الإمام(علیه السلام)جعل فیها اللغو المضحک من جملة الذنوب التی تهتک العصم.

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند،و مجهولة الرواة.و ثانیا:أن موضوع التحریم فیها هو اللغو الذی یکون موجبا لهتک عصم الناس و أعراضهم من الاستهزاء و السخریة و التعییر و الهجاء و نحوها من العناوین المحرمة.

علی أنه لا دلیل علی حرمة إضحاک الناس و إدخال السرور فی قلوبهم بالأمور المباحة و الجهات السائغة،بل هو من المستحبات الشرعیة و الأخلاق المرضیة فضلا کونه موجبا لهتک العصم،و إثارة للعداوة و البغضاء.

و قد ذکر ابن أبی الحدید فی مقدمة شرح النهج فی علی بن أبی طالب«ع»:(و أما سجاحة الأخلاق و بشر الوجه و طلاقة المحیا و التبسم فهو المضروب به المثل فیه حتی عابه بذلک أعداؤه).و کان الأصل فی هذا التعییب عمر بن الخطاب و عمرو بن العاص.

و قد ظهر مما ذکرناه أنه لا یمکن الاستدلال علی حرمة اللغو مطلقا بوصیة النبی(صلی الله علیه و آله) لأبی ذر[2].

ثم إن روایة الکابلی عدت شرب الخمر و اللعب بالقمار من جملة الذنوب التی تهتک العصم أما الأول فلأنه یجر الی التعرض لإعراض الناس،بل نفوسهم،فان شارب الخمر فی حال سکره کالمجنون الذی لا یبالی فی أفعاله و حرکاته.

و أما اللعب بالقمار فلأنه یورث العداوة بین الناس،حیث تؤخذ به أموالهم بغیر عوض و استحقاق.و قد أشیر إلی کلا الأمرین فی الآیة[3].

ص:424

مدح من لا یستحق المدح

قوله الحادیة و العشرون:مدح من لا یستحق المدح أو یستحق الذم. أقول:حکی المصنف أن العلامة عد مدح من لا یستحق المدح أو یستحق الذم فی عداد المکاسب المحرمة ثم وجه کلامه بوجوه:

الأول:حکم العقل بقبح ذلک.الثانی:قوله تعالی (1): (وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النّارُ) .الثالث:ما رواه الصدوق عن النبی ص[1]:(من عظم صاحب دنیا و أحبه لطمع فی دنیاه سخط اللّه علیه و کان فی درجة مع قارون فی التابوت الأسفل من النار).الرابع:ما فی حدیث المناهی[2]من قوله(صلی الله علیه و آله):(من مدح سلطانا جائرا أو تحفف أو تضعضع له طمعا فیه کان قرینه فی النار).

و لکن الظاهر أن الوجوه المذکورة لا تدل علی مقصود المصنف:أما العقل فإنه لا یحکم بقبح مدح من لا یستحق المدح بعنوانه الأولی ما لم ینطبق علیه عنوان آخر مما یستقل العقل بقبحها،کتقویة الظالم،و إهانة المظلوم و نحوهما.و أما الآیة فهی تدل علی حرمة الرکون الی الظالم و المیل الیه،فلا ربط لها بالمقام.و سیأتی الاستدلال بها علی حرمة معونة الظالمین.

و اما النبوی الذی رواه الصدوق فإنه یدل علی حرمة تعظیم صاحب المال و إجلاله طمعا فی ماله،فهو بعید عما نحن فیه.و اما حدیث المناهی ففیه أولا:انه ضعیف السند.

و ثانیا:انه دال علی حرمة مدح السلطان الجائر،و حرمة تعظیمه طمعا فی ماله،أو تحصیلا لرضاه.

ص:425


1- 1) سورة هود،آیة:115.

و علی الجملة أن الوجوه التی ذکرها المصنف لا تدل علی حرمة مدح من لا یستحق المدح فی نفسه،فإن النسبة بینه و بین العناوین المحرمة المذکورة هی العموم من وجه،و علیه فلا وجه لجعل العنوان المذکور من المکاسب المحرمة،کما صنعه العلامة و تبعه غیره.

ثم إن مدح من لا یستحق المدح قد یکون بالجملة الخبریة،و قد یکون بالجملة الإنشائیة أما الأول فهو کذب محرم إلا إذا قامت قرینة علی إرادة المبالغة.و اما الثانی فلا محذور فیه ما لم ینطبق علیه شیء من العناوین المحرمة المذکورة،أو کان المدح لمن وجبت البراءة منه،کالمبدء فی الدین،و قد تقدم ذلک فی مبحث الغیبة و مبحث حرمة سب المؤمن.

لا یخفی ان حرمة مدح من لا یستحق المدح علی وجه الإطلاق أو فیما انطبق علیه عنوان محرم إنما هی فیما إذا لم یلتجئ الی المدح لدفع خوف أو ضرر بدنی أو مالی أو عرضی، و إلا فلا شبهة فی الجواز.

و یدل علیه قولهم(علیهم السلام)[1]فی عدة روایات:(إن شر الناس عند اللّه یوم القیامة الذین یکرمون اتقاء شرهم).و کک تدل علیه أخبار التقیة،فإنها تدل علی جوازها فی کل ضرورة و خوف.

حرمة معونة الظالمین
اشارة

قوله الثانیة و العشرون:معونة الظالمین فی ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة،و هو من الکبائر. أقول:ما هو حکم معونة الظالمین؟و ما هو حکم أعوان الظلمة؟و ما هو حکم إعانتهم فی غیر جهة الظلم من الأمور السائغة کالبنایة و النجارة و الخیاطة و نحوها؟.

أما معونة الظالمین فی ظلمهم فالظاهر انها غیر جائزة بلا خلاف بین المسلمین قاطبة،بل بین عقلاء العالم،بل التزم جمع کثیر من الخاصة و العامة[2]بحرمة الإعانة علی مطلق الحرام،و حرمة مقدماته.

ص:426

و یدل علی حرمته العقل.و الإجماع المستند الی الوجوه المذکورة فی المسألة.و قوله تعالی (1): (وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النّارُ) .فان الرکون المحرم هو المیل إلیهم،فیدل علی حرمة إعانتهم بطریق الأولویة.أو المراد من الرکون المحرم هو الدخول معهم فی ظلمهم.

و اما الاستدلال علی حرمتها بقوله تعالی: (وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ) .کما فی المستند و غیره فقد تقدم جوابه فی البحث عن حکم الإعانة علی الإثم،و قلنا:إن التعاون غیر الإعانة،فإن الأول من باب الإفعال،و الثانی من باب التفاعل،فحرمة أحدهما لا تسری الی الآخر.

و تدل علی حرمة معونة الظالمین أیضا الروایات[1]المستفیضة،بل المتواترة.

و اما دخول الإنسان فی أعوان الظلمة فلا شبهة أیضا فی حرمته،و یدل علیها جمیع ما دل علی حرمة معونة الظالمین فی ظلمهم،و غیر ذلک من الأخبار الناهیة عن الدخول فی حزبهم و تسوید الاسم فی دیوانهم.و قد أشرنا إلی مصادرها فی الهامش.

ص:427


1- 1) سورة هود،آیة:115.
حرمة إعانة الظالمین فی غیر جهة ظلمهم

و أما إعانة الظالمین فی غیر جهة ظلمهم.بالأمور السائغة،کالبنایة و الخبازة و نحوهما فلا بأس بها،سواء أ کان ذلک مع الأجرة أم بدونها،بشرط ان لا یعد بذلک من أعوان الظلمة عرفا،و إلا کانت محرمة کما عرفت.

و قد یستدل علی حرمتها بروایات:

منها روایة محمد بن عذافر عن أبیه[1]الظاهرة فی حرمة المعاملة مع الظلمة.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أن قوله«ع»:(یا عذافر نبئت أنک تعامل أبا أیوب و الربیع فما حالک إذا نودی بک فی أعوان الظلمة).ظاهر فی أن عذافر کان یدأب علی المعاملة مع الظلمة،بحیث ألحقه بأعوانهم،و علیه فمورد الروایة أجنبی عن المقام.

و منها روایة ابن أبی یعفور[2]الظاهرة فی ردع السائل عن إعانة الظالمین فی الجهات السائغة و فیه أن الظاهر من قول السائل:(ربما أصاب الرجل منا الضیق و الشدة فیدعی إلی البناء إلخ).أن الرجل منهم تصیبه الشدة،فیلتجئ الی الظالمین،و یتدرج به الأمر حتی یکون من أعوان الظلمة،بحیث یکون ارتزاقه من قبلهم،و لذلک طبق الامام«ع»علیهم قوله إن أعوان الظلمة یوم القیامة فی سرادق من نار حتی یحکم اللّه بین العباد).فهذه الروایة أیضا خارجة عن مورد الکلام.علی أنها ضعیفة السند.

و مع الإغضاء عن ذلک فقوله«ع»:(ما أحب أنی عقدت لهم عقدة إلخ)لو لم یکن ظاهرا فی الکراهة فلا ظهور له فی الحرمة،فتکون الروایة مجملة.

و منها روایة العیاشی[3]الدالة علی أن السعی فی حوائج الظالمین عدیل الکفر.و النظر إلیهم علی العمد من الکبائر التی یستحق بها النار.

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أن الظاهر من إضافة الحوائج إلی الظالمین و لو بمناسبة الحکم و الموضوع کون السعی فی حوائجهم المتعلقة بالظلم.

ص:428

و من هنا ظهر الجواب عن روایة السکونی[1]عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)قال:(إذا کان یوم القیامة نادی مناد أین أعوان الظلمة و من لاق لهم دوات أو ربط کیسا أو مد لهم مدة فاحشروهم معهم).و کک ظهر الجواب عن روایة أبی حمزة عن علی بن الحسین«ع» قال:(إیاکم و صحبة العاصین و معونة الظالمین).و قد تقدمت هذه الروایة فی الحاشیة.

و منها روایة الشیخ[2]عن ابن أبی عمیر عن یونس بن یعقوب قال:قال لی أبو عبد اللّه «ع»:(لا تعنهم علی بناء مسجد).

و فیه أن المنع عن إعانتهم علی بناء المسجد لهم نحو من تعظیم شوکتهم،فیکون کمسجد الضرار الذی ذکره اللّه فی الکتاب[3]و تبعد الروایة عما نحن بصدده.

و منها روایة صفوان[4]الظاهرة فی ردعه عن إکراء الجمال من هارون الرشید.

و فیه أولا:أنها ضعیفة السند.و ثانیا:أن الروایة أدل علی الجواز،فإن الإمام«ع» إنما ردعه عن محبة بقائهم،و یدل علی هذا من الروایة قوله«ع»:(أ تحب بقاءهم حتی یخرج کراؤک؟قلت:نعم،قال:من أحب بقائهم فهو منهم و من کان منهم کان وروده الی النار).

و مع الإغضاء عن جمیع ذلک،و تسلیم دلالة الروایات المذکورة علی الحرمة فالسیرة القطعیة قائمة علی جواز إعانة الظالمین بالأمور المباحة فی غیر جهة ظلمهم،فتکون هذه السیرة قرینة لحمل الروایات علی غیر هذه الصورة.

و الحاصل:أن المحرم من العمل للظلمة علی قسمین،الأول،إعانتهم علی الظلم.و الثانی:

صیرورة الإنسان من أعوانهم،بحیث یعد فی العرف من المنسوبین إلیهم،بأن یقال:هذا کاتب الظالم.و هذا معماره.و ذاک خزانة.و قد عرفت حرمة کلا القسمین بالأدلة المتقدمة.و أما غیر ذلک فلا دلیل علی حرمته.

ثم إن المراد من الظالم المبحوث عن حکم إعانته لیس هو مطلق العاصی الظالم لنفسه، بل المراد به هو الظالم للغیر،کما هو ظاهر جملة من الروایات التی تقدم بعضها،بل هو صریح

ص:429

جملة أخری منها،و علیه فمورد الحرمة یختص بالثانی.

علی أنه قد تقدم فی البحث عن حکم الإعانة علی الإثم أنه لا دلیل علی حرمتها علی وجه الإطلاق ما لم یکن فی البین تسبیب،و قلنا فی المبحث المذکور:إن الإعانة علی الظلم حرام للأدلة الخاصة،فلا ربط لها بمطلق الإعانة علی الإثم.

حرمة النجش

قوله الثالثة و العشرون:النجش بالنون المفتوحة و الجیم الساکنة أو المفتوحة حرام) أقول:الظاهر أنه لا خلاف بین الشیعة و السنة[1]فی حرمة النجش فی الجملة،و قد فسروه بوجهین کما یظهر من أهل اللغة[2]:الأول:أن یزید الرجل فی البیع ثمن السلعة و هو لا یرید شراءها.و لکن لیسمعه غیره.فیزید بزیادته و هذا هو المروی عن الأکثر.

الثانی:أن تمدح سلعة غیرک و تروجها لیبیعها،أو تذمها لئلا تنفق عنه.و ظاهر الوجهین هو تحقق النجش بهما،سواء أ کان ذلک عن مواطاة مع البائع أم لا.

أما الوجه الأول فإن کان غرض الناجش غش المشتری و تغریره فی المعاملة فإن مقتضی القاعدة حینئذ هو حرمة الغش مع تحقق المعاملة فی الخارج.فقد عرفت فی البحث عن

ص:430

حرمة الغش:أن غش المؤمن فی المعاملة حرام،لاستفاضة الروایات علیه،و إن لم تقع المعاملة فی الخارج أو وقعت فیه بغیر غش و تغریر فلا دلیل علی حرمته إلا من حیث التجری و قد یقال بحرمة النجش بهذا المعنی،لکونه إضرارا للمشتری،و هو حرام.

و فیه أولا:أن المشتری إنما أقدم علی الضرر بإرادته و اختیاره و إن کان الدافع له علی الإقدام هو الناجش.

و ثانیا:أن الدلیل أخص من المدعی،فان الناجش إنما یوقع المشتری فی الضرر إذا کان الشراء بأزید من القیمة السوقیة،و أما إذا وقعت المعاملة علی السلعة بأقل من القیمة السوقیة أو بما یساویها فان النجش لا یوجب إضرارا للمشتری.إلا أن یمنع من صدق مفهوم النجش علی ذلک کما یظهر من غیر واحد من أهل اللغة کالمصباح و تاج العروس و غیرهما،و قد تقدمت کلماتهم فی الهامش. و قد یستدل علی حرمة النجش فی هذه الصورة بقول النبی«ص» (1):(لعن الناجش و المنجوش له).و بقوله«ص»:(و لا تناجشوا[1].

و فیه أولا:ان هذین النبویین ضعیفا السند.و دعوی انجبارهما بالإجماع المنقول کما فی المتن دعوی غیر صحیحة،فإنه إن کان حجة وجب الأخذ به فی نفسه،و إلا فإن ضم غیر الحجة إلی مثله لا یفید الحجیة.

و ثانیا:انهما مختصان بصورة مواطاة الناجش مع البائع علی النجش،کما هو الظاهر من لعن المنجوش له فی النبوی الأول،و النهی عن التناجش فی النبوی الثانی،و کلامنا أعم من ذلک.

و اما الوجه الثانی(أعنی مدح السلعة لترغیب الناس فیها)فان کان المدح بما لیس فیها من الأوصاف کان حراما من جهة الکذب،و إن کان مدحه للسلعة بما فیها من الأوصاف و لکن بالغ فی مدحها مع قیام القرینة علی إرادة المبالغة فلا بأس به،فقد ذکرنا فی مبحث حرمة الکذب:أن المبالغة جائزة فی مقام المحاورة و المحادثة ما لم تجر الی الکذب.

و اما الروایتان المتقدمتان فمضافا الی ضعف السند فیهما کما عرفت،انهما راجعتان إلی الصورة الأولی،إذ لا وجه لحرمة مدح السلعة إلا إذا انطبق علیه عنوان محرم من الکذب

ص:431


1- 1) قد تقدم فی البحث عن وصل شعر المرأة بشعر غیرها ص 204.

أو الغش أو غیرهما من العناوین المحرمة.فیکون محرما من تلک الجهة،لا من جهة کونه مدحا للسلعة.

و الحاصل:انه لا دلیل علی حرمة النجش فی نفسه،إلا إذا انطبق علیه عنوان آخر محرم فإنه یکون حراما من هذه الجهة.

حرمة النمیمة

قوله الرابعة و العشرون:النمیمة[1]محرمة بالأدلة الأربعة. أقول:لا خلاف بین المسلمین فی حرمتها،بل هی من ضروریات الإسلام،و هی من الکبائر المهلکة،و قد تواترت الروایات من طرق الشیعة[2]و من طرق العامة (1)علی حرمتها،و علی کونها من الکبائر،بل یدل علی حرمتها جمیع ما دل علی حرمة الغیبة،و قد استقل العقل بحرمتها، لکونها قبیحة فی نظره.

و اما الإجماع فهو بقسمیه و إن کان منعقدا علی حرمتها.و لکن الظاهر ان مدرک المجمعین هو الوجوه المذکورة فی المسألة،و لیس إجماعا تعبدیا.و قد تقدم نظیره مرارا.

و قد یستدل علی حرمتها بجملة من الآیات:منها قوله تعالی (2): «وَ یَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ أُولئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ» .بدعوی ان النمام قاطع لما أمر اللّه بصلته،و یفسد فی الأرض فسادا کبیرا،فتلحق له اللعنة و سوء الدار.

و فیه ان الظاهر من الآیة و لو بمناسبة الحکم و الموضوع هو توجه الذم الی الذین أمروا

ص:432


1- 1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 246.
2- 2) سورة الرعد،آیة:25.

بالصلة و التوادد فأعرضوا عن ذلک.و من هنا قیل (1)إن معنی الآیة:أنهم أمروا بصلة النبی و المؤمنین فقطعوهم.و قیل:أمروا بصلة الرحم و القرابة فقطعوها.و قیل:

أمروا بالایمان بجمیع الأنبیاء و الکتب ففرقوا و قطعوا ذلک.و قیل:أمروا أن یصلوا القول بالعمل ففرقوا بینهما.

و قیل:معنی الآیة أنهم أمروا بوصل کل من أمر اللّه بصلته من أولیائه و القطع و البراءة من أعدائه،و هو الأقوی لأنه أعم،و یدخل فیه جمیع المعانی،و علی کل حال فالنمام لم یؤمر بإلقاء الصلة و التوادد بین الناس لکی یحرم له قطع ذلک فالآیة غریبة عنه.

و أما الاستدلال علی الحرمة بقوله تعالی: (وَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ إلخ).فإنه و إن کان صحیحا فی الجملة،کما إذا کانت النمیمة بین العشائر و السلاطین،فإنها کثیرا ما تترتب علیها مفسدة مهمة.

و لکن الاستدلال بها أخص من المدعی،إذ لا تکون النمیمة فسادا فی الأرض فی جمیع الموارد و إن أوجبت العداوة و البغضاء غالبا.

و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بقوله تعالی (2): (وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) .

فإن النمیمة قد تجر الی قتل النفوس المحترمة،و هتک الأعراض،و نهب الأموال.

و لکنها لیست کک فی جمیع الأحوال،بل المراد من الفتنة هو الشرک کما ذکره الطبرسی (3)إنما سمی الشرک فتنة،لانه یؤدی الی الهلاک،کما أن الفتنة تؤدی الی الهلاک ثم إن النسبة بین النمیمة و الغیبة هی العموم من وجه،و یشتد العقاب فی مورد الاجتماع و قد تزاحم حرمة النمیمة عنوان آخر مهم فی نظر الشارع،فتجری فیها قواعد التزاحم المعروفة،فقد تصبح جائزة إذا کان المزاحم أهم منها،و قد یکون واجبة إذا کانت أهمیته شدیدة،و یتضح ذلک بملاحظة ما تقدم (4).

ص:433


1- 1) راجع ج 1 مجمع البیان ط صیدا ص 70.
2- 2) سورة البقرة،آیة:187.
3- 3) راجع ج 1 مجمع البیان ص 286.
4- 4) فی نصح المستشیر من مستثنیات الغیبة ص 348.
النیاحة

قوله الخامسة و العشرون:النوح بالباطل. أقول:اختلفت کلمات الأصحاب فی هذه المسألة علی ثلاثة أقوال،الأول:القول بحرمة النوح مطلقا،و قد ذهب الیه جمع من الأصحاب،الثانی:القول بالکراهة مطلقا،و هو المحکی عن مفتاح الکرامة.الثالث القول بالتفصیل بین النوح بالباطل فیحرم و النوح بالحق فیجوز،و قد اختاره المصنف.

ثم إنه اختلف أصحاب القول بالتفصیل فذهب بعضهم الی جواز النوح بالحق من غیر کراهة،و ذهب بعضهم الی جواز ذلک علی کراهة،و ذهب بعضهم الی أن النوح بالحق إذا اشترطت فیه الأجرة کان مکروها و إلا فلا بأس به.

و التحقیق أن الاخبار الواردة فی مسألة النیاحة علی طوائف شتی،الاولی[1]ما دل علی المنع من النیاحة مطلقا،سواء کانت بالباطل أم بالحق.

الثانیة[2]:ما دل علی جوازها و جواز أخذ الأجرة علیها کک مطلقا.الثالثة[3]:

ص:434

ما دل علی جواز کسب النائحة إذا قالت صدقا و عدم جوازه إذا قالت کذبا.

الرابعة[1]:ما یدل بظاهره علی الکراهة و هی روایتان:تضمنت إحداهما أن السائل سأل عن النیاحة.و الأخری عن کسب النائحة،فکرههما الامام«ع»،علی أنهما غیر ظاهرتین فی الکراهة المصطلحة،فکثیرا ما یراد بالکراهة فی الأخبار التحریم،و ح فتکون هاتان الروایتان من الطائفة الأولی الدالة علی المنع مطلقا.

و مقتضی الجمع بینها حمل الأخبار المانعة علی النوح بالباطل،و حمل الأخبار المجوزة و ما هو ظاهر فی الکراهة علی النوح بالصدق،و علیه فالنتیجة هی جواز النیاحة بالصدق علی کراهة محتملة.

و بتقریب آخر أن قوله«ع»:(لا بأس بکسب النائحة إذا قالت صدقا).و ما فی معناه یدل بالالتزام علی جواز نفس النوح بالحق،فیقید به إطلاق الروایات المانعة.و بعد تقییدها تنقلب نسبتها الی الروایات الدالة بإطلاقها علی الجواز،فتکون مخصصة لها،فیکون النوح بالباطل حراما،و النوح بالحق جائزا علی الکراهة المحتملة،هذا ما یرجع الی حکم النیاحة و قد یقال:بأنها حینئذ معارضة بما دل علی حرمة الکذب،و حرمة الغناء،و حرمة إسماع المرأة صوتها للأجانب،و حرمة النوح فی آلات اللهو،و المعارضة بینها بنحو العموم من وجه.

و لکنها دعوی جزافیة،فإن هذه الروایات تدل علی جواز النوح بعنوانه الأولی،مع قطع النظر عن انطباق العناوین المحرمة علیه،فلا تکون معارضة لها یوجه.

و أما کسب النائحة فما دل علی جوازه مطلقا مقید بمفهوم ما دل علی جوازه إذا کان النیاح بالحق.و لکن هذه الروایة الظاهرة فی تقیید ما دل علی جواز کسب النائحة مطلقا ضعیفة السند.نعم یکفی فی التقیید ما تقدم مرارا من أن حرمة العمل بنفسه یکفی فی حرمة الکسب،مع قطع النظر عن الأدلة الخارجیة.

و قد یقال بتقیید المطلقات بقوله«ع»فی روایة حنان بن سدیر[2]:(لا تشارط و تقبل ما أعطیت).و علیه فالنتیجة أن کسب النائحة جائز إذا قالت حقا،و لم تشارط.

ص:435

و فیه أنه قد تقدم فی البحث عن کسب الماشطة أن النهی عن الاشتراط فی أمثال هذه الصنائع،و الأمر بقبول ما یعطی صاحبها إنما هو إرشاد الی أن الاشتراط فیها لا یناسب شؤون نوع الناس،و أن المبذول لهؤلاء لا یقل عن أجرة المثل،و هذا لا ینافی جواز رد المبذول إذا کان أقل من أجرة المثل،و علی هذا فلا دلالة فیها علی التقیید.

هذا کله مع الإغضاء عن أسانید الروایات و صونها عن الطرح،و إلا فإن جمیعها ضعیف السند غیر ما هو ظاهر فی جواز النیاح علی وجه الإطلاق،و ما هو ظاهر فی الکراهة،و ما هو ظاهر فی جواز کسب النائحة إذا لم تشارط،کروایة حنان المتقدمة.و إذن فتبقی هذه الروایات سلیمة عن المعارض.

حرمة الولایة من قبل الجائر
اشارة

قوله السادسة و العشرون:الولایة من قبل الجائر،و هی صیرورته والیا علی قوم منصوبا من قبله محرمة. أقول:الظاهر أنه لا خلاف بین الأصحاب فی حرمة الولایة من قبل الجائر فی الجملة.

و تدل علیها الأخبار المستفیضة،بل المتواترة (1)و قد تقدم بعضها فی البحث عن حرمة معونة الظالمین،کقوله«ع»:(من سود اسمه فی دیوان ولد سابع«مقلوب عباس» حشره اللّه یوم القیامة خنزیرا).و غیر ذلک من الروایات.

و یدل علی الحرمة أیضا ما فی روایة تحف العقول من قوله«ع»:(إن فی ولایة الوالی الجائر دروس (2)الحق کله و إحیاء الباطل کله و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الکتب و قتل الأنبیاء و هدم المساجد و تبدیل سنة اللّه و شرائعه فلذلک حرم العمل معهم و معونتهم و الکسب معهم إلا بجهة الضرورة نظیر الضرورة إلی الدم و المیتة).و هذه الروایة و إن کانت ضعیفة السند،کما تقدم الکلام علیها فی أول الکتاب،إلا أن تلک التعلیلات المذکورة فیها تعلیلات صحیحة،فلا بأس بالتمسک بها.

ثم إن ظاهر جملة من الروایات کون الولایة من قبل الجائر بنفسها محرمة،و هی أخذ

ص:436


1- 1) راجع ج 1 کا باب 30 عمل السلطان من المعیشة ص 257.و ج 2 التهذیب ص 100.و ج 10 الوافی ص 25.و ج 2ئل باب 74 تحریم الولایة من قبل الجائر مما یکتسب به ص 549.و ج 2 المستدرک ص 438.
2- 2) فی نسخة تحف العقول ص 80:(دوس الحق):أی وطئه برجله.

المنصب منه،و تسوید الاسم فی دیوانه و إن لم ینضم إلیها القیام بمعصیة عملیة أخری من الظلم و قتل النفوس المحترمة،و إصابة أموال الناس و أعراضهم،و غیرها من شؤون الولایة المحرمة،فأی وال من ولاة الجور ارتکب شیئا من تلک العناوین المحرمة یعاقب بعقابین:

أحدهما من جهة الولایة المحرمة.و ثانیهما:من جهة ما ارتکبه من المعاصی الخارجیة.

و علیه فالنسبة بین عنوان الولایة من قبل الجائر و بین تحقق هذه الأعمال المحرمة هی العموم من وجه،فقد یکون أحد والیا من قبل الجائر،و لکنه لا یعمل شیئا من الأعمال المحرمة و إن کانت الولایة من الجائر لا تنفک عن المعصیة غالبا،و قد یرتکب غیر الوالی شیئا من هذه المظالم الراجعة إلی شؤون الولاة تزلفا إلیهم،و طلبا للمنزلة عندهم،و قد یجتمعان بأن یتصدی الوالی نفسه لأخذ الأموال و قتل النفوس،و ارتکاب المظالم.

ما استثنی من حرمة الولایة
منها

أخذها للقیام بمصالح العباد

قوله ثم إنه یسوّغ الولایة المذکورة أمران:أحدهما القیام بمصالح العباد بلا خلاف إلخ. أقول:قد استثنی من الولایة المحرمة أمران،الأول:أن یتولاها للقیام بمصالح العباد.الثانی:أن یتولاها مکرها علی قبولها و العمل بأعمالها.

أما الأمر الأول فقد استدل المصنف علیه بوجوه:

الأول:(أن الولایة إن کانت محرمة لذاتها کان ارتکابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التی هی أهم من مفسدة انسلاک الشخص فی أعوان الظلمة بحسب الظاهر و ان کانت لاستلزامها الظلم علی الغیر فالمفروض عدم تحققه هنا).

و فیه إن کان المراد من المصالح حفظ النفوس و الأعراض و نحوهما فالمدعی أعم من ذلک و إن کان المراد منها أن القیام بأمور المسلمین،و الاقدام علی قضاء حوائجهم،و بذل الجهد فی کشف کرباتهم من الأمور المستحبة،و الجهات المرغوب بها فی نظر الشارع المقدس فلا شبهة أن مجرد ذلک لا یقاوم الجهة المحرمة،فإن المفروض أن الولایة من قبل الجائر حرام فی نفسها،و کیف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوین المستحبة علیها.

علی أنه(ره)قد اعترف آنفا بأن الولایة عن الجائر لا تنفک عن المعصیة،و علیه فلا یجوز الإقدام علی المعصیة لرعایة الأمور المستحبة.و قد اعترف أیضا فی البحث عن جواز الغناء فی قراءة القرآن بأن أدلة الأحکام الإلزامیة لا تزاحم بأدلة الأحکام الترخیصیة،و قد

ص:437

أوضحنا المراد فی المبحث المذکور.

الثانی:الإجماع.و فیه أنه و إن کان موجودا فی المقام،و لکنه لیس بتعبدی.

الثالث:و هو العمدة الأخبار[1]المتظافرة الظاهرة فی جواز الولایة من الجائر للوصول الی قضاء حوائج المؤمنین.و بعضها و إن کان ضعیف السند،و لکن فی المعتبر منها غنی و کفایة،و بهذه الأخبار نقید المطلقات الظاهرة فی حرمة الولایة من قبل الجائر علی وجه الإطلاق.

لا یقال:إن الولایة عن الجائر محرمة لذاتها کالظلم و نحوه،فلا تقبل التخصیص بوجه و لا ترفع الید عنها إلا فی موارد الضرورة.

فإنه یقال:إن غایة ما یستفاد من الأدلة هی کون الولایة بنفسها محرمة،و أما الحرمة الذاتیة فلم یدل علیها دلیل من العقل أو النقل،و إن ذهب إلیه العلامة الطباطبائی فی محکی الجواهر.

و قد یستدل علی جواز الولایة عن الجائر فی الجملة بقوله تعالی (1)حاکیا عن یوسف«ع» (اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ) .

و فیه أولا:أنه لم یظهر لنا وجه الاستدلال بهذه الآیة علی المطلوب.

و ثانیا:أن یوسف«ع»کان مستحقا للسلطنة،و إنما طلب منه حقه،فلا یکون والیا من قبل الجائر.

ص:438


1- 1) سورة یوسف،آیة:55.
أقسام الولایة من قبل الجائر

إذا جازت الولایة عن الجائر فهل تتصف بالکراهة و الرجحان أم هی مباحة؟فنقول:

قد عرفت:أنه لا إشکال فی جواز الولایة عن الجائر إذا کان الغرض منه الوصول الی قضاء حوائج المؤمنین،فشأنها ح شأن الکذب للإصلاح علی ما تقدم الکلام علیه،و إنما الکلام فی اتصافها بالرجحان تارة،و بالمرجوحیة أخری.

الذی ظهر لنا من الاخبار:أن الولایة الجائزة قد تکون مباحة،و قد تکون مکروهة و قد تکون مستحبة،و قد تکون واجبة.

أما المباح فهو ما یظهر من بعض الروایات[1]المسوغة للولایة عن الجائر فی بعض الأحوال،کما ذکره المصنف.

و أما المکروه فیستفاد من روایة أبی نصر[2]الدالة علی أن الوالی عن الجائر الذی یدفع اللّه به عن المؤمنین أقل حظا منهم یوم القیامة.فإن الظاهر منها أن الولایة الجائزة عن الجائر مکروهة مطلقا.

و أما المستحب فتدل علیه جملة من الروایات،إذ الظاهر من روایة محمد بن إسماعیل[3]

ص:439

و غیرها أن الولایة الجائزة عن الجائر مستحبة علی وجه الإطلاق،فیقع التنافی بینها و بین ما تقدم من دلیل الکراهة.

و جمعهما المصنف(ره)بحمل روایة أبی نصر علی(من تولی لهم لنظام معاشه قاصدا للإحسان فی خلال ذلک الی المؤمنین و دفع الضرر عنهم)و حمل ما هو ظاهر فی الاستحباب علی(من لم یقصد بدخوله إلا الإحسان إلی المؤمنین).إلا أنه لم یذکر وجهه.

و التحقیق أن روایة أبی نصر ظاهرة فی مرجوحیة الولایة الجائزة مطلقا،سواء کانت لنظام المعاش مع قصد الإحسان إلی المؤمنین،أم کانت لخصوص إصلاح شئونهم،و روایة محمد بن إسماعیل ظاهرة فی محبوبیة الولایة عن الجائر إذا کانت لأجل إدخال السرور علی المؤمنین من الشیعة،و یدل علی ذلک من الروایة قوله«ع»:(فهنیئا لهم ما علی أحدکم أن لو شاء لنال هذا کله،قال:قلت:بما ذا جعلنی اللّه فداک؟قال:تکون معهم فتسرنا بإدخال السرور علی المؤمنین من شیعتنا فکن معهم یا محمد).

و علیه فتقید هذه الروایة روایة أبی نصر و ح فتختص الکراهة بما إذا قصد بالولایة عن الجائر حفظ معاشه،و کان قصد الإحسان إلی الشیعة ضمنا فی خلال ذلک،و إذا فتنقلب النسبة،و تصبح روایة أبی نصر مقیدة لما هو ظاهر فی رجحان الولایة الجائزة، سواء کانت لحفظ المعاش،أم لدفع الضرر عن المؤمنین من الشیعة،کروایتی المفضل و هشام ابن سالم[1]و تکون النتیجة أن الولایة من قبل الجائر إن کانت لحفظ المعاش مع قصد الإحسان إلی المؤمنین فهی مکروهة،و إن کانت للإحسان إلیهم فقط فهی مستحبة هذا.

و لکن روایة أبی نصر لضعف سندها قاصرة عن إثبات الکراهة،إلا علی القول بشمول

ص:440

قاعدة التسامح لأدلة الکراهة.و أما روایتا المفضل و هشام فإنهما و إن کانتا ضعیفتی السند إلا أنهما لا تقصران عن إثبات الاستحباب علی وجه الإطلاق،بناء علی قاعدة التسامح فی أدلة السنن المعروفة.

و قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه ما فی کلام المحقق الایروانی حیث حمل الروایات الدالة علی أن فی أبواب السلاطین و الجائرین من یدفع اللّه بهم عن المؤمنین علی غیر الولاة(من وجوه البلد و أعیانه الذین یختلفون إلیه لأجل قضاء حوائج الناس)!.

و أعجب من ذلک دعواه أن العمال فی الغالب لا یستطیعون التخطی عما نصبوا لأجله و فوض إلیهم من شؤون الولایة!!.

و وجه العجب أنه لا شبهة فی تمکنهم من الشفاعات و اقتدارهم علی المسامحة فی المجازات و اطلاعهم علی طریق الإغماض عن الخطیئات،و لا سیما من کان من ذوی المناصب العالیة و أما الواجب من الولایة فهو علی ما ذکره المصنف ما یتوقف علیه الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر الواجبان،فان ما لا یتم الواجب إلا به واجب مع القدرة.ثم استظهر من کلمات جماعة عدم الوجوب فی هذه الصورة أیضا،بل فی الجواهر إنه لم یحک عن أحد التعبیر بالوجوب إلا عن الحلی فی سرائره.

و الذی یهمنا فی المقام هو بیان مدرک الحکم بالوجوب،و الکلام یقع فیه تارة من حیث القواعد،و اخری من حیث الروایات:أما الناحیة الأولی ففی الجواهر یمکن أن یقال و لو بمعونة کلام الأصحاب بناء علی حرمة الولایة فی نفسها:(إنه تعارض ما دل علی الأمر بالمعروف و ما دل علی حرمة الولایة من الجائر و لو من وجه،فیجمع بینهما بالتخییر المقتضی للجواز رفعا لقید المنع من الترک مما دل علی الوجوب و المنع من الفعل مما دل علی الحرمة).

و فیه أن ملاک التعارض بین الدلیلین هو ورود النفی و الإثبات علی مورد واحد بحیث یقتضی کل منهما نفی الآخر عن موضوعه.و مثاله أن یرد دلیلان علی موضوع واحد، فیحکم أحدهما بوجوبه و الآخر بحرمته،و حیث إنه لا یعقل اجتماع الحکمین المتضادین فی محل واحد،فیقع بینهما التعارض،و یرجع الی قواعده.و من المقطوع به أن الملاک المذکور لیس بموجود فی المقام.

و الوجه فیه أن موضوع الوجوب هو الأمر بالمعروف أو النهی عن المنکر،و موضوع الحرمة هو الولایة من قبل الجائر،و کل من الموضوعین لا مساس له بالآخر بحسب طبعه الأولی،فلا شیء من أفراد أحد الموضوعین فردا للآخر.

ص:441

نعم المقام من قبیل توقف الواجب علی مقدمة محرمة،و علیه فیقع التزاحم بین الحرمة المتعلقة بالمقدمة و بین الوجوب المتعلق بذی المقدمة،نظیر الدخول إلی الأرض المغصوبة لإنقاذ الغریق،أو إنجاء الحریق،و یرجع الی قواعد باب التزاحم المقررة فی محله،و علی هذا فقد تکون ناحیة الوجوب أهم فیؤخذ بها،و قد تکون ناحیة الحرمة أهم فیؤخذ بها، و قد تکون إحدی الناحیتین بخصوصها محتمل الأهمیة فیتعین الأخذ بها کذلک،و قد یتساویان فی الملاک،فیتخیر المکلف فی اختیار أی منهما شاء،هذا ما تقتضیه القاعدة،إلا أن کشف أهمیة الملاک و العلم بوصوله الی حد الإلزام فی غایة الصعوبة.

و أما الکلام فی الناحیة الثانیة فقد دلت الآیات المتظافرة و الروایات المتواترة من الفریقین علی وجوب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر،و کک دلت الروایات المستفیضة،بل المتواترة علی أنه لا بأس بالولایة من قبل الجائر إذا کانت لإصلاح أمور المؤمنین من الشیعة و قد تقدم بعضها،و بها قیدنا ما دل علی حرمة الولایة عن الجائر مطلقا،و من الواضح أن الأمور الجائزة إذا وقعت مقدمة للواجب کانت واجبة شرعا،کما هو معروف بین الأصولیین،أو عقلا کما هو المختار،و علیه فلا مانع من اتصاف الولایة الجائزة بالوجوب المقدمی إذا توقف علیها الواجب،کالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.

علی أنه إذا جازت الولایة عن الجائر لا صلاح أمور المؤمنین جازت أیضا للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر،إما بالفحوی،أو لأن ذلک من جملة إصلاح أمورهم،و قد أشار المحقق الایروانی الی هذا.و قد اتضح ان المقام من صغریات باب التزاحم دون التعارض،کما یظهر من صاحب الجواهر بعد کلامه المتقدم.

ثم إن الظاهر من بعض الروایات ان الدخول فی الولایة غیر جائز ابتداء،إلا أن الإحسان إلی المؤمنین یکون کفارة له.و مما یدل علی ذلک قوله«ع»فی مرسلة الصدوق (1)عن الصادق«ع»قال:(کفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان).و قوله«ع» فی روایة زیاد بن أبی سلمة[1]:(فإن ولیت شیئا من أعمالهم فأحسن إلی إخوانک تکون واحدة بواحدة).

و لکن هذا الرأی علی إطلاقه ممنوع،فان الظاهر من هاتین الروایتین و من غیرهما من

ص:442


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 75 جواز الولایة من قبل الجائر مما یکتسب به ص 550.

الاخبار هو اختصاص ذلک بما إذا کان الدخول فی الولایة حراما ابتداء ثم أصبح جائزا بعد ذلک،ثم تبدل قصده إلی إصلاح أمور المؤمنین و الإحسان إلی إخوانه فی الدین، کیف و قد عرفت إطباق الروایات علی استحباب الولایة عن الجائر لقضاء حوائج المؤمنین و إصلاح شؤونهم.علی أن الروایتین ضعیفتا السند.

و لا یخفی ان کلمات الأصحاب هنا فی غایة الاختلاف،حیث ذهب بعضهم الی الوجوب و بعضهم الی الاستحباب،و بعضهم الی مطلق الجواز،و قد جمع المصنف(ره)بین شتات آرائهم بأن من عبر بالجواز مع التمکن من الأمر بالمعروف إنما أراد به الجواز بالمعنی الأعم، فلا ینافی الوجوب،و من عبر بالاستحباب إنما أراد به الاستحباب التعیینی،و هو لا ینافی الوجوب الکفائی،نظیر قولهم:یستحب تولی القضاء لمن یثق بنفسه مع انه واجب کفائی أو کان مرادهم ما إذا لم یکن هنا معروف متروک أو منکر مفعول لتجب الولایة مقدمة للأمر بالمعروف أو النهی عن المنکر.و علی الجملة لا شبهة فی وجوب الولایة عن الجائر إذا توقف علیها الأمر بالمعروف أو النهی عن المنکر الواجبین.

قبول الولایة من قبل الجائر مکرها

و أما الأمر الثانی و هو قبول الولایة من قبل الجائر مکرها فلا خلاف فیه،و لا شبهة فی أن هذه المسألة من المسائل المهمة التی یبتلی بها أکثر الناس،و یتفرع عنها فروع کثیرة و هی من صغریات جواز مخالفة التکلیف بالإکراه أو الاضطرار بحیث یشق علی المکره أو المضطر ان یتحمل الضرر المتوعد به،سواء کان مالیا أم عرضیا أم نفسیا أم اعتباریا و سواء تعلق بنفسه أم بعشیرته الأقربین.

و هذه الکبری مما لا خلاف فیها بین الفریقین نصا و فتوی.و یدل علی صدقها فی الجملة قوله تعالی: (إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) .و قوله تعالی: (إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ) .و قد تقدم الکلام علیهما فی البحث عن جواز الکذب لدفع الضرورة.

أما الصغری فتدل علیها جملة من الروایات الخاصة (1)الواردة فی قبول الولایة عن الجائر مکرها.

ص:443


1- 1) راجع ج 1 کا باب 30 عمل السلطان من المعیشة ص 357.و ج 2 التهذیب ص 113.و ج 10 الوافی ص 26.و ج 2 ئل باب 77 جواز قبول الولایة من الجائر مع الخوف مما یکتسب به ص 551.
تنبیهات المسألة
حکم الإضرار بالناس مع الإکراه

قوله و ینبغی التنبیه علی أمور:الأول. أقول:قد عرفت انه لا شبهة فی أن الإکراه یسوغ الدخول فی الولایة من قبل الجائر،و کذلک لا شبهة فی جواز العمل للمکره بما یأمره الجائر من المحرمات ما عدا هراقة الدم،فإن التقیة إنما شرعت لتحقن بها الدماء فإذا بلغت الدم فلا تقیة فیه،و إنما الإشکال فی انه هل یجوز الإضرار بالناس إذا أکره علی الإضرار بهم،کنهب أموالهم،و هتک أعراضهم،و إیقاع النقص فی شؤونهم و عظائم أمورهم،سواء کان الضرر الذی توعد به المکره أقل من الضرر الذی یوجهه الی الغیر أم أکثر،أو لا بد من الإقدام علی أقل الضررین و ترجیحه علی الآخر.

ذکر المصنف(ره)انه قد یقال بالأول استنادا إلی أدلة الإکراه،و لأن الضرورات تبیح المحظورات،و قد یقال بالثانی،إذ المستفاد من أدلة الإکراه ان تشریع ذلک إنما هو لدفع الضرر،و واضح انه لا یجوز لأحد ان یدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغیره حتی فیما إذا کان ضرر الغیر أقل فضلا عما إذا کان أعظم.

و الوجه فی ذلک ان حدیث رفع الإکراه و الاضطرار مسوق للامتنان علی الأمة، و من المعلوم ان دفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغیره علی خلاف الامتنان،فلا یکون مشمولا للحدیث،ثم إنه(ره)اختار الوجه الأول،و استدل علیه بوجوه سنذکرها.

و تحقیق المقام یقع فی ثلاث نواحی،الناحیة الاولی:ان یتوجه الضرر ابتداء الی أحد من غیر ان یکون لفعل الآخر مدخل فیه،کتوجه السیل الی داره أو بستانه، و کتوجه الظلمة أو السراق الی نهب أمواله أو هتک إعراضه،و لا شبهة فی ان هذا القسم من الضرر لا یجوز دفعه بالإضرار بغیره تمسکا بأدلة نفی الإکراه و الضرر و الحرج،بداهة انها مسوقة للامتنان علی جنس الأمة،و بدیهی ان دفع الضرر المتوجه الی احد بالإضرار بغیره خلاف الامتنان علی الأمة،فلا یکون مشمولا للأدلة المذکورة.

علی انه لو جاز لأحد ان یدفع الضرر عن نفسه و لو بالإضرار بالغیر لجاز للآخر ذلک أیضا،لشمول الأدلة لهما معا،فیقع التعارض فی مضمونها،و ح فالتمسک بها لدفع الضرر عن احد الطرفین بالإضرار بالآخر ترجیح بال مرجح،و علیه فلا بد من رفع الید عن إطلاقها فی مورد الاجتماع،و یرجع فیه الی أدلة حرمة التصرف فی أموال الناس و اعراضهم و شؤونهم.

ص:444

نعم إذا کان الضرر المتوجه الی الشخص مما یجب دفعه علی کل احد،کقتل النفس المحترمة و ما یشبهه،و أمکن دفعه بالإضرار بالغیر کان المقام حینئذ من صغریات باب التزاحم فیرجع الی قواعده.

الناحیة الثانیة:أن یتوجه الضرر ابتداء الی الغیر علی عکس الصورة السابقة،و قد ظهر حکم ذلک من الناحیة الأولی کما هو واضح.

الناحیة الثالثة:أن یتوجه الضرر الی الغیر ابتداء،و الی المکره علی تقدیر مخالفته لما أمر به الجائر،و کان الضرر الذی توعده المکره(بالکسر)أمرا مباحا فی نفسه،کما إذا أکرهه الظالم علی نهب مال غیره و جلبه الیه،و إلا فیحمل أموال نفسه الیه،و فی هذه الصورة لا بد للمکره من تحمل الضرر بترک النهب،و من الواضح أن دفع المکره أمواله للجائر مباح فی نفسه حتی فی غیر حال الإکراه،و نهب أموال الناس و جلبه إلی الجائر حرام فی نفسه،و لا یجوز رفع الید عن المباح بالإقدام علی الحرام.

و قد استدل المصنف(ره)علی عدم وجوب تحمل الضرر بوجوه،الأول:أن دلیل نفی الإکراه یعم جمیع المحرمات حتی الإضرار بالغیر ما لم یجر إلی إراقة الدم.الثانی:

أن تحمل الضرر حرج عظیم،و هو مرفوع فی الشریعة المقدسة.و جواب الوجهین یتضح مما قدمناه فی الجهة الاولی.

الثالث:الأخبار[1]الدالة علی أن التقیة إنما جعلت لتحقن بها الدماء،فإذا بلغت الدم فلا تقیة،فإن ظاهرها جواز التقیة فی غیر الدماء بلغت ما بلغت.

و فیه أن الظاهر من هذه الأخبار أن التقیة إنما شرعت لحفظ بعض الجهات المهمة، کالنفوس و ما أشبهها،فإذا أدت الی إتلاف ما شرعت لأجله فلا تقیة،لأن ما یلزم من وجوده

ص:445

عدمه فهو محال،و لیس مفاد الروایات المذکورة هو جواز التقیة فی غیر تلف النفس لکی یترتب علیه جواز إضرار الغیر لدفع الضرر عن نفسه.

و الغرض من تشریع التقیة قد یکون حفظ النفس،و قد یکون حفظ العرض،و قد یکون حفظ المال و نحوه،و ح فلا یشرع بها هتک الأعراض،و نهب الأموال،لانتهاء آمادها بالوصول الی هذه المراتب.و بعبارة أخری المستفاد من الروایات المذکورة أن الغرض من التقیة هو حفظ الدماء و إن توقف ذلک علی ارتکاب بعض المعاصی ما لم یصل الی مرتبة قتل النفس.

علی أنه لو جازت التقیة بنهب مال الغیر و جلبه الی الظالم لدفع الضرر عن نفسه لجاز للآخر ذلک أیضا،لشمول أدلة التقیة لهما معا،فیقع التعارض فی مضمونها،و ح فلا یجوز الاستناد إلیها فی دفع الضرر عن أحد الطرفین بإیقاع النقص بالطرف الآخر،لانه ترجیح بلا مرجح،و علیه فنرفع الید عن إطلاقها فی مورد الاجتماع،و یرجع فیه الی عموم حرمة التصرف فی مال الغیر و شؤونه.

الرابع ما ذکره من الفرق بین الإکراه و الاضطرار،حیث التزم بحرمة دفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغیره فی مورد الاضطرار دون الإکراه،و حاصل کلامه:أن الضرر فی موارد الاضطرار قد توجه ابتداء الی الشخص نفسه،کما إذا توجه السیل الی داره فلا یجوز له دفعه بالإضرار بغیره،لأن دفع الضرر عن النفس بالإضرار بالغیر قبیح،و لا یصح التمسک بعموم رفع ما اضطروا إلیه،فإن حدیث الرفع قد ورد فی مورد الامتنان، و لا شبهة أن صرف الضرر عن نفسه الی غیره مناف له،فیختص الحدیث بغیر الإضرار بالغیر من المحرمات.

و أما فی موارد الإکراه فإن الضرر قد توجه الی الغیر ابتداء بحسب إلزام الظالم و إکراهه و من المعلوم أن مباشرة المکره(بالفتح)لإیقاع الضرر بالغیر لیست مباشرة استقلالیة لیترتب علیها الضمان،کما یترتب علی بقیة الأفعال التولیدیة،بل هی مباشرة تبعیة،و فاعلها بمنزلة الآلة،فلا ینسب الیه الضرر،نعم لو تحمل الضرر و لم یضر بالغیر فقد صرف الضرر عن الغیر الی نفسه عرفا.و لکن الشارع لم یوجب هذا.

و لکن ما أفاده المصنف غیر تام صغری و کبری،أما عدم صحة الصغری فلأن الضرر فی کلا الموردین إنما توجه الی الشخص نفسه ابتداء،فإن الإکراه لا یسلب الاختیار عن المکره لیکون بمنزلة الآلة المحضة،بل الفعل یصدر منه بإرادته و اختیاره،و یکون فعله کالجزء الأخیر من العلة التامة لنهب مال الغیر مثلا حتی أنه لو لم یأخذه و لم یجلبه الی الظالم

ص:446

لکان المال مصونا،و ان توجه الضرر ح الی نفسه فمباشرته للإضرار بالغیر لدفع الضرر المتوعد به عن نفسه مباشرة اختیاریة.فتترتب علیها الأحکام الوضعیة و التکلیفیة.

و بعبارة اخری أن مرجع الإکراه إلی تخییر المکره بین نهب مال الغیر و بین تحمل الضرر فی نفسه علی فرض المخالفة،و حیث کان الأول حراما وضعا و تکلیفا فتعین علیه الثانی.نعم لو کان الضرر متوجها الی الغیر ابتداء،و لم یکن له مساس بالواسطة أصلا فلا یجب علیه دفعه عن الغیر بإضرار نفسه،و من هنا ظهر الجواب عما ذکره المصنف أخیرا من أن الفارق بین المقامین هو أدلة الحرج.

و أما عدم صحة الکبری فلأنه لا وجه للمنع عن وجوب دفع الضرر عن الغیر بإیقاعه بنفسه بل قد یجب ذلک فیما إذا أوعده الظالم بأمر مباح فی نفسه و کان ما أکرهه علیه من إضرار الغیر حراما،فإنه ح یجب دفع الضرر عن غیره بالإضرار بنفسه کما عرفته آنفا،لأنه بعد سقوط أدلة نفی الضرر و الإکراه و الحرج فأدلة حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه محکمة.

الخامس:ما أفاده المصنف أیضا من أن أدلة نفی الحرج کافیة فی الفرق بین المقامین، فان الضرر إذا توجه الی المکلف ابتداء،و لم یرخص الشارع فی دفعه عن نفسه بتوجیهه إلی غیره فان هذا الحکم لا یکون حرجیا،أما إذا توجه الضرر الی الغیر ابتداء فإن إلزام الشارع بتحمل الضرر لدفعه عن الغیر حرجی قطعا،فیرتفع بأدلة نفی الحرج.

و فیه أنه ظهر جوابه مما ذکرناه من المناقشة فی الصغری،و وجه الظهور هو عدم الفارق بین توجه الضرر الی الغیر ابتداء و عدمه.

الناحیة الرابعة:أن یتوجه الضرر ابتداء الی الغیر،و الی المکروه علی تقدیر مخالفته حکم الظالم،کما إذا أکرهه علی أن یلجئ شخصا آخر الی فعل محرم کالزنا،و إلا أجبره علی ارتکابه بنفسه،و حینئذ فلا موضع لأدلة نفی الإکراه و الاضطرار و الحرج و الضرر بداهة أن الإضرار بأحد الطرفین مما لا بد منه جزما،فدفعه عن أحدهما بالإضرار بالآخر ترجیح بلا مرجح،و إذن فتقع المزاحمة و یرجع الی قواعد باب التزاحم.

الناحیة الخامسة:أن یتوجه الضرر الی أحد شخصین ابتداء،و الی المکروه علی فرض مخالفته الظالم،و لکن فیما إذا کان الضرر المتوعد به أعظم مما یترتب علی غیره،کما إذا أکرهه علی أن یأخذ له ألف دینار إما من زید،و إما من عمرو،و إلا أجبره علی إراقة دم محترم مثلا،و فی هذه الصورة یجب علی المکروه أن یدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بأحد الشخصین،فان حفظ النفس المحترمة واجب علی کل احد،و یدور الأمر بین الإضرار

ص:447

بأحد الشخصین،و یرجع فی ذلک الی قواعد باب التزاحم.

جواز قبول الولایة من الجائر

لدفع الضرر عن الغیر

قوله الثانی:أن الإکراه یتحقق بالتوعد بالضرر. أقول:الکراهة فی اللغة هی ضد الحب،و الإکراه هو حمل الرجل علی ما یکرهه،و هذا المعنی یتحقق بحمل الشخص علی کل ما یکرهه بحیث یترتب علی ترکه ضرر علیه،أو علی عشیرته،أو علی الأجانب من المؤمنین،و إذا انتفی التوعد بما یکرهه انتفی الإکراه،و علیه فلا نعرف وجها صحیحا لما ذکره المصنف من تخصیص الإکراه ببعض ما ذکرناه.

قال:(إن الإکراه یتحقق بالتوعد بالضرر علی ترک المکره علیه ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه،أو بأهله ممن یکون ضررا راجعا الی تضرره و تألمه،و أما إذا لم یترتب علی ترک المکره علیه إلا الضرر علی بعض المؤمنین ممن یعد أجنبیا من المکره بالفتح فالظاهر أنه لا یعد ذلک إکراها عرفا،إذ لا خوف له یحمله علی فعل ما أمر به).

نعم یختلف موضوع الکراهة باختلاف الأشخاص و الحالات،فان بعض الأشخاص یکره مخالفة أی حکم من الأحکام الإلهیة فی جمیع الحالات،و بعضهم یکره ذلک فی الجهر دون الخفاء،و بعضهم یکره مخالفة التکالیف المحرمة دون الواجبات،و بعضهم بالعکس، و بعضهم لا یکره شیئا من مخالفة التکالیف حتی قتل النفوس فضلا عن غیره.

ثم إن الفارق بین الأمرین أن الضرر المتوعد به متوجه الی المکره(بالفتح)فی الأول و الی غیره من الأجانب فی الثانی الذی أنکر المصنف(ره)تحقق مفهوم الإکراه فیه.

و تحقیق الکلام هنا فی جهات ثلاث،کلها مشترکة فی عدم ترتب الضرر علی المکره لو ترک ما اکره علیه،ولایة کانت أم غیرها.

الجهة الاولی:ان یخشی من توجه الضرر الی بعض المؤمنین،و یتوقف دفعه علی قبول الولایة من الجائرین،و الدخول فی أعمالهم،و الحشر فی زمرتهم للتقیة فقط،من دون ان یکون هناک إکراه علی قبول الولایة،و لا ضرر یتوجه علیه لو لم یقبلها،و من دون ان یتوقف دفع الضرر عن المؤمنین علی ارتکاب أمر محرم.

و الظاهر أنه لا شبهة فی جواز الولایة عن الجائر حینئذ تقیة،فإن التقیة شرعت لحفظ المؤمنین عن المهالک و المضرات،بل تعد التقیة فی مواردها من جملة العبادات التی یترتب

ص:448

علیها الثواب،و لا ریب أن تلک الغایة حاصلة فی المقام،و مما یدل علی جواز الولایة هنا لأجل التقیة الروایات الکثیرة (1)الآمرة بالتقیة صونا لنفوس المؤمنین و أعراضهم و أموالهم عن التلف،بل ورد فی عدة من الروایات (2)جواز التقیة بالتبری عن الأئمة«ع»لسانا إذا کان القلب مطمئنا بالایمان،و مما یدل علی ذلک أیضا تجویز الأئمة«ع»فی جملة من الأحادیث (3)لعلی بن یقطین و غیره أن تقلبوا الولایة عن الجائر تقیة لإصلاح أمور المؤمنین و دفع الضرر عنهم.

و یضاف الی ذلک کله أن ظاهر غیر واحدة من الروایات مشروعیة التقیة لمطلق التوادد و التحبب و إن لم یترتب علیها دفع الضرر عن نفسه أو عن غیره،فیدل بطریق الأولویة علی جواز الولایة عن الجائر تقیة لدفع الضرر عن المؤمنین.

قوله لکن لا یخفی أنه لا یباح بهذا النحو من التقیة الإضرار بالغیر. أقول:الوجه فیه هو ما تقدم آنفا من کون الأدلة الواردة فی نفی الإکراه و شبهه واردة فی مقام الامتنان علی الأمة بعمومها،فلا یصح التمسک بها لدفع الضرر عن أحد بتوجیه الضرر الی غیره،لأن ذلک علی خلاف الامتنان فی حق ذلک الغیر،و لیس الوجه فیه هو ما ذکره المصنف من عدم تحقق الإکراه إذا لم یتوجه الضرر علی المکره،فقد عرفت أن مفهوم الإکراه أوسع من ذلک الجهة الثانیة:أن یکون قبول الولایة من الجائر عاصما عن توجه الضرر إلی المؤمنین، و سببا لنجاح المکروبین منهم من دون أن یلحق المکره ضرر لو لم یقبلها و مثاله ما لو أکره الجائر علی قبول الولایة من قبله،و أوعده علی ترکها بإضرار المؤمنین و هتکهم و التنکیل بهم و ما أشبه ذلک،و لا شبهة هنا أیضا فی جواز الولایة عن الجائر لدفع الضرر عن المؤمنین.

و تدل علی الروایات المقدمة الدالة علی جواز الولایة عن الجائر لإصلاح أمور المؤمنین، بل دلالتها علی الجواز هنا أولی من وجهین،الأول:وجوده الإکراه.و الثانی:القطع بتوجه الضرر علی المؤمنین مع رد الولایة.

الجهة الثالثة:أن یکره الظالم أحدا علی ارتکاب شیء من المحرمات الإلهیة،سواء کانت هی الولایة أم غیرها من غیر أن یترتب علیه فی ترکها ضرر أصلا،و لکن الظالم أو عده علی ترک ذلک العمل بإجبار غیره علی معصیة من حرمات اللّه،و مرجع ذلک فی الحقیقة إلی دوران

ص:449


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلی مصادرها فی ص 445.
2- 2) راجع ج 2 ئل باب 29 جواز التقیة فی إظهار کلمة الکفر من الأمر بالمعروف ص 504.
3- 3) قد تقدمت الإشارة إلیها و الی مصادرها فی ص 438.

الأمر بین إقدام المکره(بالفتح)علی معصیة لا یتضرر بترکها،و بین إقدام شخص آخر علیها.

و مثاله ما إذا أکرهه الجائر علی شرب الخمر،و إلا أکره غیره علیه،و الظاهر أنه لا ریب فی حرمة ارتکاب المعصیة فی هذه الصورة فإنه لا مجوز للإقدام علیها من الأدلة العقلیة و النقلیة،إلا أن یترتب علی ارتکاب المعصیة حفظ ما هو أهم منها،کصیانة النفس عن التلف و ما أشبه ذلک،و ح یکون المقام من صغریات باب التزاحم،فتجری فیه قواعده.

قوله و کیف کان فهنا عنوانان:الإکراه و دفع الضرر المخوف إلخ. أقول:

توضیح کلامه:أن الشارع المقدس قد جعل الإکراه موضوعا لرفع کل محرم عدا إتلاف النفوس المحترمة کما تقدم،بخلاف دفع الضرر المخوف علی نفسه أو علی غیره من المؤمنین، فإنه من صغریات باب التزاحم،و لکنک قد عرفت أن دلیل الإکراه لا یسوغ دفع الضرر عن النفس بالإضرار بغیره،و علیه فکاد العنوانین من صغریات باب التزاحم،و علی کل حال فتجوز الولایة عن الجائر فی کلا المقامین لدفع الضرر عن نفسه و عن سائر المؤمنین.

و أما إحراز ملاکات الأحکام و کشف أهمیة بعضها من بعض فیحتاج الی الاطلاع علی أبواب الفقه،و الإحاطة بفروعه و أدلته،و قد تعرض الفقهاء رضوان اللّه علیهم لعدة من فروع المزاحمة فی الموارد المناسبة،و لا یناسب المقام ذکره.

حکم اعتبار العجز عن التفصی فی الإکراه

قوله الثالث:أنه قد ذکر بعض مشایخنا المعاصرین إلخ. أقول:حاصل کلامه أن بعض المعاصرین استظهر من کلمات الأصحاب فی اعتبار العجز عن التخلص أن لهم فی ذلک أقوالا ثلاثة،ثالثها التفصیل بین الإکراه علی الولایة فلا یعتبر فیه العجز عن التخلص و بین غیرها من المحرمات،فیعتبر فیه ذلک.و لعل منشأ الخلاف ما ذکره فی لک فی شرح قول المحقق:(إذا أکراه الجائر علی الولایة جاز له الدخول،و العمل بما یأمره مع عدم القدرة علی التفصی).

و حاصل ما ذکره فی لک:أنه یمکن أن یکون غرض المحقق هو تعدد الشرط و المشروط بأن تکون الولایة عن الجائر بنفسها مشروطة بالإکراه فقط و یکون العمل بما یأمر الجائر بانفراده مشروطا بعدم قدرة المأمور علی التفصی.

و یرد علیه أنه لا وجه لاشتراط الولایة مطلقا بالإکراه،فإن جواز قبولها لا یتوقف

ص:450

علی الإکراه إذا انفردت عن العمل بما یأمره الجائر،و لذا قد تکون مباحة،و قد تکون مستحبة،و قد تکون مکروهة،و قد تکون واجبة،و أما العمل بما یأمر به الجائر فقد صرح الأصحاب فی کتبهم أنه مشروط بالإکراه خاصة،و لا یشترط فیه الإلجاء إلیه بحیث لا یقدر علی خلافه.

و یمکن أن یکون المشروط فی کلام المحقق أمرا وحدانیا مرکبا من أمرین(الولایة و العمل بما یأمره الجائر)و یکون مشروطا بشرطین:(الإکراه و عدم القدرة علی التفصی) و یرد علیه أنه یکفی الإکراه بانفراده فی امتثال أمر الجائر مع خوف الضرر حتی فی فرض التمکن من التخلص،فلا وجه للشرط الثانی.

و قد تجلی من ذلک أن مرجع ما ذکره فی لک إلی ثلاثة محتملات،الأول:أن الولایة عن الجائر غیر مشروطة بالإکراه،و إنما المشروط به هو العمل بما یأمره الجائر.الثانی:

أن المجموع المرکب من الأمرین مشروط بالإکراه فقط دون العجز عن التخلص بحیث لا یقدر علی خلافه.الثالث:التفصیل بین الولایة و بین العمل بما یأمره الجائر،فیقید الأول بالإکراه و الثانی بالإلجاء الیه،و العجز عن التخلص،و کأن المتوهم جعل کل محتمل قولا برأسه.

أقول:یرد علی هذا المتوهم أولا:أن مجرد الاحتمال لا یستلزم وجود القائل به.

و ثانیا:أنا لا نعرف وجها صحیحا للقول بالتفصیل.فان الظاهر من کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم فی باب الإکراه أنه لا خلاف بینهم فی اعتبار العجز عن التفصی فی ترتب أحکام الإکراه،أما إذا أمکن التفصی فلا تترتب تلک الأحکام،إلا إذا کان التفصی حرجیا، و لم یفرقوا فی ذلک بین الولایة المحرمة،و بین العمل بما یأمره الجائر من الأعمال المحرمة المترتبة علی الولایة،و بین بقیة المحرمات،فإن أدلة المحرمات محکمة،و لا تحتمل أن یجوز أحد شرب الخمر بمجرد الإکراه حتی مع القدرة علی التخلص،و کذلک لا خلاف بین الفقهاء أیضا فی أنه لا یعتبر فی باب الإکراه العجز عن التفصی إذا کان فی التفصی ضرر کثیر علی المکره،کما انهم لم یشترطوا فی ترتب الأحکام أن یلجأ إلی المکره علیه بحیث لا یقدر علی خلافه کما صرح به فی المسالک،فان مرجع ذلک الی العجز العقلی،و لم یعتبره أحد فی الإکراه جزما.

نعم قد تترتب علی المعصیة التی أکره علیها مصلحة هی أهم منها،و لا یعتبر فی هذه الصورة العجز عن التفصی.و مثاله ما إذا أکره الجائر أحدا علی معصیة،و کان المجبور متمکنا من التخلص منها بخروجه عن المکان الذی یعصی اللّه فیه،إلا ان ارتکابه لتلک

ص:451

المعصیة مع الظالم یتیح له الدخول فی أمر یترتب علیه حفظ الإسلام،أو النفس المحترمة، أو ما أشبه ذلک.

ان جواز الولایة عن الجائر

مع الضرر المالی رخصة لا عزیمة قوله الرابع:ان قبول الولایة مع الضرر المالی الذی لا یضر بالحال رخصة لا عزیمة) أقول:إذا أجبر الجائر أحدا علی الولایة من قبله،أو علی عمل محرم،و کان المجبور متمکنا من التخلص و لو بتحمل الضرر المالی و إن بلغ ما بلغ جاز له ذلک.فإن أدلة نفی الإکراه إنما هی مسوقة لرفع الإلزام فقط عن مورد الإکراه،و لیست ناظرة إلی بیان حکم المورد.

و علیه فلا بد من تعیین حکمه من الرجوع الی القواعد الأخری،فقد یکون المکره علیه من قبیل قتل النفس و ما یشبهه،فیحرم الإقدام علیه،و قد یکون من قبیل الضرر المالی علی نفسه فیجوز تحمله،لأن الناس مسلطون علی أموالهم (1).و من هنا یعلم ان تقیید الضرر المالی بعدم إضراره بالحال کما فی المتن لا یخلو عن مسامحة.

و بعبارة اخری:ان أدلة الإکراه لا تشمل المقام،و علیه فان کان المورد کقتل النفوس و نحوه مما اهتم الشارع بحفظه فیحرم الاقدام علیه،بل یجب دفعه،و إن کان من قبیل الضرر المالی فیجوز التحمل به لدلیل السلطنة.

لا یقال:إن بذل المال للجائر دفعا للولایة المحرمة إعانة علی الإثم.

فإنه یقال:لا وجه له صغری و کبری،أما الاولی فلأن ذلک من قبیل مسیر الحاج و الزوار و تجارة التجار مع إعطاء المکوس و الکمارک و الضرائب،و لا یصدق علی شیء منها عنوان الإعانة علی الإثم،و اما الثانیة فقد تقدم فی البحث عن بیع العنب ممن یجعله خمرا أنه لا دلیل علی حرمة علی الإعانة علی الإثم.

ص:452


1- 1) راجع ج 1 البحار ص 154.
حرمة قتل المؤمن بالإکراه أو بالتقیة

قوله:الخامس:لا یباح بالإکراه قتل المؤمن و لو توعد علی ترکه بالقتل إجماعا).

أقول:هل یشرع بالتقیة أو بالإکراه قتل النفوس المحترمة أو لا؟اما التقیة فهی فی اللغة اسم لا تقی یتقی بمعنی الخوف و التحذیر و التجنب،و المراد بها هنا التحفظ عن ضرر الظالم بموافقته فی فعل أو قول مخالف للحق.

و الظاهر انه لا خلاف فی جوازها لحفظ الجهات المهمة الشرعیة،بل قد عرفت فی مبحث الکذب عند البحث عن أقوال الأئمة الصادرة تقیة إجماع الفریقین و ضرورة العقلاء و تظافر الآیات و الروایات علی جواز الکذب لانجاء النفس المحترمة.

علی انه ورد فی بعض الأحادیث (1):(إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغت التقیة الدم فلا تقیة).فإن الظاهر من ذلک انه إذا توقف حفظ النفس علی ارتکاب أی محرم فإنه یصبح مباحا مقدمة لصیانة النفس المحترمة عن التلف،إلا ان التقیة إذا اقتضت إراقة دم محترم لحفظ دم آخر فإنها لا تشرع ح،لما عرفت آنفا ان کلا من الشخصین مشمول للحدیث،فترجیح أحدهما علی الآخر ترجیح بلا مرجح.

بل قد عرفت سابقا ان الغرض الأقصی من جعل التقیة فی الشریعة المقدسة إنما هو حفظ أموال المؤمنین و اعراضهم و نفوسهم و ما أشبه ذلک من شؤونهم،فإذا توقف حفظ شیء منها علی إتلاف عدیله من شخص آخر ارتفعت التقیة ح لارتفاع الغایة منها.

و مثاله ما إذا اقتضت التقیة إتلاف مال شخص لحفظ مال شخص آخر فإنه لا یجوز إتلافه تقیة.و الوجه فیه ان شمول أخبار التقیة لهما علی حد سواء،و إذن فترجیح أحدهما علی الآخر ترجیح بلا مرجح کما عرفت،فیرجع فی ذلک الی الأدلة الدالة علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه،و هکذا الحال فی جمیع الموارد التقیة.

غایة الأمر ان ما دل علی ان التقیة إنما شرعت لیحقن به الدم ناظر الی بیان المرتبة العلیا من التقیة،و لیس فیه ظهور فی اختصاص الحکم بهذه المرتبة فقط.

و من هنا ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی،حیث قال:(و یقرب عندی ان المراد من هذه الأحادیث أمر وجدانی یدرکه العقل،و هو ان التقیة لما شرعت لغایة حفظ النفس فإذا لم تکن هذه الغایة موجودة،بل کان الشخص مقتولا لا محالة اتقی أو لم یتق فلا تقیة

ص:453


1- 1) قد تقدمت الروایة فی البحث عن الإضرار بالناس مع الإکراه علیه ص 445.

لانتفاء ما هو الغرض من تشریع التقیة).

و مع الإغضاء عما ذکرناه فان ما أفاده إنما یلائم قوله«ع»فی روایة محمد بن مسلم:(إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلیس تقیة).فإنه یمکن ان یتوهم منها أن الغایة من التقیة هی حفظ الدم و إذا کان لا بد للظالم من إراقة الدم فلا موضوع للتقیة.

و لکن یباینه قوله«ع»فی روایة أبی حمزة الثمالی:(إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغت التقیة الدم فلا تقیة).فإن هذه الروایة ظاهرة،بل صریحة فی أن التقیة إذا توقفت علی إراقة الدم فلا تقیة،فتکون هذه الروایة قرینة لبیان المراد من الروایة الأولی أیضا.

ثم إنه لا فرق بین افراد المؤمنین من حیث الصغر و الکبر،و لا من حیث الرجولة و الأنوثة،و لا من حیث العلم و الجهل،و لا من حیث الحریة و العبودیة،لإطلاق قوله«ع» (إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغت التقیة الدم فلا تقیة).

و أما الإکراه-و قد تقدم معناه فی الأمر الثانی-فهو لا یسوغ قتل النفس المحترمة بلا خلاف بین الفریقین،و الوجه فیه هو ما تقدم من أن الأدلة الدالة علی نفی الإکراه و الضرر و الحرج واردة فی مقام الامتنان،و من الواضح ان الإضرار بالغیر مناف للامتنان،فلا یکون مشمولا لها،فتبقی الأدلة الدالة علی حرمة قتل النفس المحترمة سلیمة عن المزاحم.

نعم إذا أجبر الظالم أحدا علی قتل أحد شخصین محقونی الدم،أو اضطر الیه نفسه، کما إذا وقع من شاهق،و کان لا بد له من الوقوع علی رأس أحدهما،فلا بد حینئذ من الرجوع الی قواعد التزاحم،و یتضح ذلک بلحاظ ما حققناه فی دوران الأمر بین إنقاذ أحد الغریقین،فإنه لم یستشکل أحد فی وجوب المبادرة لإنقاذ الأهم منهما و ترک الآخر.

و هذا نظیر الإکراه علی إیقاع الضرر المالی علی أحد الشخصین،و قد تقدم الکلام فیه.

لا یقال:قد نطق القرآن الکریم فی آیة محکمة[1]بالتکافؤ بین الدماء المحترمة و معه فأی معنی لملاحظة الأهم و المهم فی ذلک،و قد ورد ذلک فی الاخبار المستفیضة المذکورة فی أبواب القصاص.

فإنه یقال:نعم و لکن مورد التکافؤ الذی دلت علیه الآیة و الروایات إنما هو القصاص فقط،فلا مساس له بما نحن فیه،و من هنا اتضح حکم ما لو أکره الجائر أحدا إما علی قتل نفسه و إما علی قتل غیره.و قد انجلی الصبح،و انکشف الظلام،و ظهر الفارق بین التقیة و الإکراه موضوعا و حکما،و الله العالم بالحقائق و الاسرار.

ص:454

ان المستحق للقتل قصاصا

محقون الدم بالنسبة الی غیر ولی الدم

قوله و أما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الی غیر ولی الدم).

أقول:مستحق القتل قد یکون مهدور الدم لکل أحد،لکونه مسلوب الاحترام، کالنواصب الذین یظهرون العداوة و البغضاء لآکل محمد(صلی الله علیه و آله)،و قد یکون مهدور الدم بالنسبة الی جمیع الناس،و لکن بإجازة حاکم الشرع،کمن ثبت علیه الحد الشرعی الموجب للقتل،و قد یکون مهدور الدم لفریق معین،کمن قتل مؤمنا عن عمد و اختیار.

أما الأول فلا شبهة فی خروجه عن حد النفوس المحترمة قطعا،لأن الشارع المقدس سلب احترام دمه عند کل من اطلع علی خبثه و رذالته،فیکون مهدور الدم لجمیع الناس و لا یکون مشمولا لقوله«ع»:(فإذا بلغت التقیة الدم فلا تقیة).و علیه فلو اقتضت التقیة أو الإکراه قتل ناصبی فلا محذور فی الاقدام علیه،لثبوت جوازه قبل التقیة و الإکراه فمعهما یکون أولی بالجواز،إلا أن تترتب الفتنة علی قتله،فإنه لا یجوز ح الاقدام علی قتله،لوجوب سد أبواب الفتن.

و أما الثانی فحکمه حکم بقیة النفوس المحترمة،فلا یجوز قتله بدون إذن الحاکم الشرعی حتی مع التقیة و الإکراه،لکونه محقون الدم بالنسبة الی غیر الحاکم الشرعی،و من هنا یعلم حکم الثالث أیضا.فإن الکتاب العزیز[1]إنما أثبت السلطنة علی دم القاتل لولی المقتول،فلا یسوغ لغیره الاقدام علیه فی حال من الحالات،إلا مع الإذن الشرعی،و قد انجلی مما ذکرناه ما فی کلام المحقق الایروانی،فإنه(ره)استظهر من الروایات أن المراد من محقون الدم ما یکون محقونا بقول مطلق،و یرجع فی غیره الی عموم رفع ما استکرهوا علیه (1).

ص:455


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 55 جملة مما عفی عنه من جهاد النفس ص 469.
حکم التقیة و الإکراه فی قتل المخالفین

قوله و مما ذکرنا ظهر سکوت الروایتین عن حکم دماء أهل الخلاف. أقول:

قد أشرنا آنفا الی أن الغرض الأقصی من التقیة هو حفظ دماء الشیعة،و إن حدها بلوغ التقیة إلی الدم،و حینئذ فما دل علی عدم جریان التقیة فی الدماء المحترمة ساکت عن حکم التقیة فیما إذا أدت إلی قتل غیر الشیعة من أی فرق المسلمین،و علیه فحکم قتل المخالفین بالتقیة أو بالإکراه حکم سائر المحرمات التی ترتفع حرمتها بهما.

قوله بقی الکلام فی أن الدم یشمل الجرح و قطع الأعضاء أو یختص بالقتل وجهان) أقول:إن الظاهر من قوله«ع»:(إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم).و إن کان هو الدم الذی کان علة لبقاء الحیاة،إلا أنه مع ذلک لا یمکن الحکم بجواز جرح الغیر أو قطع أعضائه للتقیة،فإن دلیل جواز التقیة کدلیل رفع المستکره علیه إنما ورد فی مقام الامتنان فلا یشمل ما إذا کان شموله منافیا له،و علیه فیجری فی موردها ما ذکرناه فی مورد الإکراه فراجع.

قوله فیما ینبغی للوالی العمل به فی نفسه و فی رعیته. أقول:قد ورد فی الروایات الکثیرة[1]حکم الوالی فی نفسه،و حکمه مع رعیته،فلا بد و أن یلاحظها المتقمص بمنصب الولایة لکی لا یکون فی عداد الظالمین،بل یتصدی لإعمال الولایة بالقسط و العدل

حرمة هجاء المؤمن

قوله السابعة و العشرون:هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة. أقول:الهجو فی اللغة عد معائب الشخص،و الوقیعة فیه،و شتمه،و لا خلاف بین المسلمین فی حرمة هجاء المؤمن،و إن اختلفت الشیعة مع غیرهم فی ما یراد بکلمة المؤمن،بل فی کلام بعض العامة (1)تعمیم الحرمة إلی هجاء أهل الذمة أیضا.

ص:456


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 78 ما ینبغی للوالی العمل به فی نفسه مما یکتسب به ص 552 و ج 2 المستدرک باب 42 ما ینبغی للوالی العمل به نفسه مما یکتسب به ص 441.

و قد استدل المصنف علی حرمته بالأدلة الأربعة بدعوی أنه ینطبق علیه عنوان الهمز و اللمز و أکل اللحم و التعییر و إزاعة الستر،و کل ذلک کبیرة موبقة،و جریمة مهلکة، بالکتاب و السنة و العقل و الإجماع.

و تحقیق المقام أن الهجو قد یکون بالجملة الإنشائیة،و قد یکون بالجملة الخبریة،أما الأول فلا شبهة فی حرمته،لکونه من اللمز و الهمز،و الإهانة و الهتک،و قد دلت الروایات (1)المتواترة علی حرمة هتک المؤمن و إهانته،و نطق القرآن الکریم بحرمة الهمز و اللمز (2).

و أما الثانی فإن کان الخبر مطابقا للواقع کهجو المؤمن بما فیه من المعایب کان حراما من جهة الغیبة و الهتک و الإهانة و التعییر و الهمز،و إن کان الخبر مخالفا للواقع کان حراما أیضا من نواحی شتی،لکونه کذبا و بهتا،و إهانة و ظلما،و همزا و لمزا.

و لا فارق فی أفراد المؤمن بین العادل و الفاسق غیر المعلن و قد تقدم الکلام علیه فی مبحث الغیبة،بل یمکن أن یقال بحرمة هجو الفاسق المعلن بفسقه،فقد تقدم فی البحث عن مستثنیات الغیبة أن عمدة الدلیل علی جواز غیبة المتجاهر فی الفسق خروج ذلک عن دائرة الغیبة موضوعا،فإنها أن تقول فی أخیک ما ستره اللّه علیه،و ما ارتکبه الفاسق المتجاهر الهجو لانتقاص المتجاهر،و ذکره بما فیه من العیوب عدا ما دل علی حرمته من حیث کونه غیبة.

نعم یجوز هجو الفاسق المتجاهر فی الفسق إذا ترتبت علی هجوه مصلحة أهم من مصلحة احترامه،أو کان ممن لا یبالی بما قیل فیه،و بذلک یحمل ما ذکره المصنف من الخبر(محصوا ذنوبکم بذکر الفاسقین).

و أما هجو المخالفین أو المبدعین فی الدین فلا شبهة فی جوازه،لأنه قد تقدم فی مبحث الغیبة (3)أن المراد بالمؤمن هو القائل بإمرة الأئمة الاثنی عشر،و کونهم مفترضی الطاعة و من الواضح أن ما دل علی حرمة الهجو مختص بالمؤمن من الشیعة،فیخرج غیرهم عن حدود حرمة الهجو موضوعا،و قد تقدم فی المبحث المذکور ما یرضیک فی المقام،و یقنعک

ص:457


1- 1) راجع ج 2 ئل أبواب عشرة الحج.و ج 3 الوافی الفصل الثانی أبواب ما یجب علی المؤمن اجتنابه فی المعاشرة.
2- 2) سورة الهمزة آیة:1،قوله تعالی: (وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) .
3- 3) فی البحث عن اشتراط الایمان فی حرمة الغیبة ص 323.

بتخصیص حرمة الهجو بما ذکرناه.

و هل یجوز هجو المبدع فی الدین أو المخالفین بما لیس فیهم من المعایب أو لا بد من الاقتصار فیه علی ذکر العیوب الموجودة فیهم؟هجوهم بذکر المعایب غیر الموجودة فیهم من الأقاویل الکاذبة،و هی محرمة بالکتاب و السنة،و قد تقدم ذلک فی مبحث حرمة الکذب،إلا أنه قد تقتضی المصلحة الملزمة جواز بهتهم و الإزراء علیهم،و ذکرهم بما لیس فیهم افتضاحا لهم،و المصلحة فی ذلک هی استبانة شؤونهم لضعفاء المؤمنین حتی لا یغتروا بآرائهم الخبیثة و أغراضهم المرجفة،و بذلک یحمل قوله«ع» (1):(و باهتوهم کی لا یطمعوا فی الإسلام) و کل ذلک فیما إذا لم تترتب علی هجوهم مفسدة و فتنة،و إلا فیحرم هجوهم حتی بالمعائب الموجودة فیهم.

و قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أن هجو المخالفین قد یکون مباحا،و قد یکون مستحبا و قد یکون واجبا و قد یکون مکروها،و قد یکون حراما،و بهذا الأخیر یحمل قوله«ع»فی روایة أبی حمزة (2)عن قذف المخالفین:(الکف عنهم أجمل).

حرمة الهجر

قوله الثامنة و العشرون:الهجر. أقول:الهجر بالضم هو الفحش،و القبیح من القول،و لا خلاف بین المسلمین،بل بین العقلاء فی مبغوضیته و حرمته،و قد ورد فی الروایات المتواترة (3)إن البذاء و الفحش علی المؤمن حرام،و فی روایة سلیم بن قیس:

(إن اللّه حرم الجنة علی کل فحاش بذیء قلیل الحیاء لا یبالی ما قال و لا ما قیل له).و فی

ص:458


1- 1) قد تقدمت هذه الروایة فی البحث عن حرمة سب المؤمن ص 281،و فی البحث عن جواز الاغتیاب لحسم مادة الفساد ص 354.
2- 2) فی ج 1 کا کتاب الخمس باب أن الأرض کلها للإمام«ع»ص 427.و ج 6 الوافی باب 39 تحلیل الخمس للشیعة من أبواب الخمس ص 45.عن أبی حمزة عن أبی جعفر«ع»قال:قلت له:إن بعض أصحابنا یفترون و یقذفون من خالفهم؟فقال لی:الکف عنهم أجمل،الحدیث.مجهولة للحسن بن عبد الرحمن،و ضعیفة لعلی بن العباس.
3- 3) راجع ج 3 الوافی ص 160.و ج 2 ئل باب 69 تحریم السفه،و باب 70 تحریم الفحش،و باب 71 تحریم البذاء من جهاد النفس ص 476.و ج 2 المستدرک ص 339. و کا بهامش ج 2 مرآة العقول ص 312 و 313 و 314.

صحیحة عبد اللّه بن سنان(و من خاف الناس لسانه فهو فی النار).و فی صحیحة أبی عبیدة(البذاء من الجفاء و الجفاء فی النار).و فی موثقة ابن فضال(من علامات شرک الشیطان الذی لا شک فیه أن یکون فحاشا لا یبالی ما قال و لا ما قیل فیه).و فی بعض الأحادیث:(من فحش علی أخیه المسلم نزع اللّه منه برکة رزقه و وکله الی نفسه و أفسد علیه معیشته).

و فی أصول الکافی بسند صحیح عن أبی عبد اللّه«ع»قال:(کان فی بنی إسرائیل رجل فدعا اللّه أن یرزقه غلاما ثلاث سنین،فلما رأی أن اللّه لا یجیبه فقال:یا رب أ بعید أنا منک فلا تسمعنی،أم قریب أنت منی فلا تجیبنی؟؟قال:فأتاه آت فی منامه فقال:إنک تدعو اللّه منذ ثلاث سنین بلسان بذیء و قلب عات«الجبار المتجاوز عن حده فی الاستکبار» غیر تقی،و نیة غیر صادقة،فأقلع عن بذائک،و لیتق اللّه قلبک،و لتحسن نیتک قال:ففعل الرجل ذلک،ثم دعا اللّه فولد له غلام).

و فی وصیة النبی(صلی الله علیه و آله)لعلی«ع»قال:(یا علی أفضل الجهاد من أصبح لا یهم بظلم أحد،یا علی من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار،یا علی شر الناس من أکرمه الناس اتقاء شره و أذی فحشه،یا علی شر الناس من باع آخرته بدنیاه و شر منه من باع آخرته بدنیا غیره).

النوع الخامس:مما یحرم التکسب به أخذ الأجرة علی الواجبات

اشارة

قوله:الخامس:مما یحرم التکسب به ما یجب علی الإنسان فعله عینا أو کفایة تعبدا أو توصلا علی المشهور. أقول:اختلفت کلمات الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال:

الأول:ما ذکره المصنف من المنع مطلقا.الثانی:ما حکاه المصنف عن المصابیح عن فخر المحققین من التفصیل بین التعبدی فلا یجوز،و بین التوصلی فیجوز.الثالث:ما نقله المصنف عن فخر المحققین فی الإیضاح من التفصیل بین الکفائی التوصلی فیجوز و بین غیره فلا یجوز.

الرابع:ما ذکره فی متاجر الریاض من التفصیل بین الواجبات التی تجب علی الأجیر عینا أو کفایة وجوبا ذاتیا فلا یجوز،و بین الواجبات الکفائیة التوصلیة فیجوز کالصناعات الواجبة کفایة لانتظام المعاش.الخامس:ما نسب الی السید المرتضی من القول بالجواز فی الکفائی کتجهیز المیت،و هذه النسبة موهونة بما ذکره المصنف من أن السید مخالف فی وجوب تجهیز المیت علی غیر الولی،لا فی حرمة أخذ الأجرة علی تقدیر الوجوب علیه،فهو

ص:459

مخالف فی الموضوع،لا فی الحکم.

السادس:التفصیل بین ما کان الغرض الأهم منه الآخرة فلا یجوز،و بین ما کان الغرض الأهم منه الدنیا فیجوز،و قد ذهب الیه مفتاح الکرامة.

السابع:ما حکاه فی البلغة عن جده فی المصابیح من التفصیل بین التعبدی منه و التوصلی فمنع فی الأول مطلقا،و فصل فی الثانی بین الکفائی منه و العینی،فجوز فی الأول مطلقا، و فصل فی الثانی بین ما کان وجوبه للضرورة أو لحفظ النظام،فجوز فی الأول،و منع فی الثانی مطلقا،سواء کان الواجب ذاتیا أم غیریا.

الثامن:ما یظهر من المصنف من التفصیل بین العینی التعیینی و الکفائی التعبدی،فلا یجوز و بین الکفائی التوصلی و التخییری،فیجوز و یظهر منه التردد فی التخییری التعبدی.

التاسع:ما هو المختار عندنا من جواز أخذ الأجرة علی الواجب مطلقا،و قد وقع الخلاف أیضا فی هذه المسألة بین فقهاء العامة[1].

و لا یخفی أن غیر واحد من أرباب الأقوال المذکورة قد ادعی الإجماع علی رأیه، و لکنه لیس من الإجماع التعبدی،فإنه من المحتمل القریب إن المجمعین قد استندوا فی فتیاهم بالحرمة الی غیر الإجماع من الوجوه المقررة فی المسألة.

علی أنه یصعب علی الفقیه دعوی الإجماع علی نحو الموجبة الکلیة،مع ما اطلعت علیه من الاختلافات و التفاصیل.نعم قد نقل الإجماع تلویحا أو تصریحا فی بعض الموارد الجزئیة، کالقضاء و الشهادة و تعلیم صیغة النکاح أو إلقائها علی المتعاقدین.

ص:460

مقدمة نافعة

فی بیان موضوع أخذ الأجرة علی الواجب

قبل التعرض لحکم المسألة،و بیان الحقیقة فیها تقدم أمرا لبیان موضوعها،و إجماله أن موضوع البحث فی المقام إنما هو جهة العبادة،و جهة الوجوب فقط،و مانعیتهما عن صحة الإجارة و عدمها بعد الفراغ عن سائر الجهات و الحیثیات التی اعتبرها الشارع المقدس فی عقد الإجارة،کأن لا یکون العمل المستأجر علیه مما اعتبرت المجانیة فیه عند الشارع.

و هذا لا یختص بالواجب،بل یجری فی المستحبات أیضا،کاستئجار المؤذن للأذان، و استئجار المعلم للتدریس،و استئجار الفقیه للإفتاء،و استئجار القاری لقراءة القرآن.

و قد یجری فی المکروهات أیضا،کاستئجار فحل الضراب للطروقة.و هذه الأمثلة مبنیة علی تعلق غرض الشارع بمجانیة الأمور المذکورة،و حرمة أخذ الأجرة علیها، أو کراهته.

ثم إن بعضهم ذکر أن من شرائط الإجارة أن تکون منفعة العین المستأجرة عائدة إلی المستأجر،و رتب علیه بطلان إجارة المکلف لامتثال فرائضه من الصلاة و الصوم و الحج و غیرها،و بطلان الإجارة للإتیان بالمستحبات لنفسه،کالنوافل الیومیة و اللیلیة،و غیر ذلک من الموارد التی یکون النفع فیها راجعا إلی الأجیر أو الی شخص آخر غیر المستأجر.

و الوجه فی ذلک أن حقیقة الإجارة هی تبدیل منفعة معلومة بعوض معلوم،فلا بد من وصول المنفعة إلی المستأجر،لأنه الدافع للعوض المعلوم،و إلا انتفت حقیقة الإجارة، إذ یعتبر فی التبدیل أن یقوم کل من العوض و المعوض مکان الآخر بحیث یدخل کل منهما فی المکان الذی خرج منه الآخر،و سیأتی اعتبار ذلک أیضا فی حقیقة البیع.

و فی البلغة أن الإجارة بدون هذا الشرط سفهیة،و أکل للمال بالباطل،و لذا لا تصح الإجارة علی الأفعال العبثیة،و إبداء الحرکات اللاغیة،کالذهاب إلی الأمکنة الموحشة، و رفع الأحجار الثقیلة،انتهی ملخص کلامه.

و التحقیق أن یقال:إن حقیقة الإجارة لا تقتضی إلا دخول العمل فی ملک المستأجر قضاء لقانون المبادلة،و أما کون المنفعة راجعة إلیه فلا موجب له.

و أما حدیث سفهیة المعاملة فیرد علیه أولا:أنک قد عرفت مرارا،و ستعرف فی مبحث البیع إنشاء اللّه:أنه لا دلیل علی بطلان المعاملة السفهیة،و إنما الدلیل علی بطلان

ص:461

معاملة السفیه،و الدلیل هو کونه محجور التصرف فی أمواله.

و ثانیا:قد تقدم فی البحث عن بیع الأبوال و غیره،و سنعود علیه فی مبحث البیع أن آیة التجارة غریبة عن شرائط العوضین،بل هی راجعة إلی حصر أسباب المعاملة فی الصحیح و الباطل.هذا مع أن الدلیل أخص من المدعی،فان المستأجر قد ینتفع بعود النفع الی غیره،کما إذا استأجر شخصا علی امتثال فرائض نفسه لکی یتعلم المستأجر منه أحکام فرائضه،أو کان المستأجر من الآمرین بالمعروف،و الناهین عن المنکر،و أراد باستئجار المکلفین علی امتثال فرائضهم إظهار عظمة الإسلام و إخضاع المتمردین و العاصین.

و علی الجملة أن البحث هنا یتمحض لبیان أن صفة الوجوب أو صفة العبادیة مانعة عن انعقاد الإجارة أم لا،بعد الانتهاء عن سائر النواحی التی اعتبرت فی عقد الإجارة.

ان صفة العبادیة لا تنافی الإجارة

مقتضی القاعدة جواز أخذ الأجرة علی مطلق العبادات،سواء أ کان الأخذ بعنوان الإجارة أم بعنوان الجعالة إذا تم سائر الشروط المعتبرة فیهما،و لا شبهة أن صفة العبادیة لا تنافی الإجارة،و الجعالة،و إذن فعمومات صحة المعاملات محکمة.

و قد أورد علی هذا الرأی بوجوه:

الوجه الأول:أن العبادات لا بد و أن تؤتی بقصد القریة،و أخذ الأجرة علیها ینافی القربة و الإخلاص.

و الوجه فیه أن عقد الإجارة یوجب انقلاب داعی الإخلاص فی العمل المستأجر علیه إلی داعی أخذه الأجرة،و من الواضح أن قید الإخلاص مأخوذ فی العمل المستأجر علیه فیلزم من صحة الإجارة فسادها.

و فیه أن هذا الوجه لا یرجع عند التحقیق الی محصل،و توضیح ذلک:أنه یدعی تارة أن العمل الخارجی إنما یؤتی به بداعی تملک الأجرة و هو ینافی قصد الإخلاص.و اخری یدعی أنه یؤتی به بداعی تسلم الأجرة خارجا.و ثالثة:یدعی أنه یؤتی به بداعی استحقاق مطالبتها.

أما الدعوی الأولی فهی واضحة البطلان ضرورة ان تملک الأجرة إنما یکون بنفس الإیجار،لا بالعمل الخارجی،فالعمل أجنبی عنه بالمرة.

ص:462

و أما الدعوی الثانیة فهی أیضا کک ضرورة أنه یتمکن الأجیر من التسلم بغیر العمل فی بعض الموارد،و بالعمل الخالی من قصد القربة فی جمیعها،فلا یکون الداعی إلی العمل بما هو عبادی غیر قصد القربة و لو من جهة خوفه من العذاب لأجل عدم تسلیمه العمل الی مالکه.

و أما الدعوی الثالثة فهی و إن کانت صحیحة فی بعض الموارد،و هو ما إذا امتنع المستأجر من التسلیم قبل العمل،إلا ان الإتیان به لأجل ذلک(أی لأجل أن یستحق المطالبة شرعا)لا ینفک عن قصد القربة فی العمل،و ذلک من جهة تمکن المکلف من الإتیان به بغیر قصد القربة و إلزامه المستأجر تسلیم الأجرة،فإتیانه بالعمل لأجل الاستحقاق شرعا لا ینفک عن قصد القربة.

و علی الجملة بعد ما کان الأجیر متمکنا من المطالبة و تسلیم الأجرة بغیر العمل الصحیح فلا یکون داعیه الی الإتیان بالعمل الصحیح غیر قصد القربة،و لعله الی ذلک نظر من أجاب عن الاشکال المزبور بأن دعوة أخذ الأجرة فی طول دعوة الأمر لغو من باب الداعی إلی الداعی.

الوجه الثانی:أنه یعتبر فی دواعی امتثال العبادات کونها جهات قریبة بحیث تنتهی سلسلة العلل و الدواعی فیها بجمیع حلقاتها الی اللّه تعالی،و متی کان فیها داعی غیر قربی خرج العمل عن العبادیة و عن تمحضه للّه و إن لم یکن الداعی غیر القربی فی عرض الداعی الإلهی.

الوجه الثانی:أنه یعتبر فی دواعی امتثال العبادات کونها جهات قربیة بحیث تنتهی سلسلة العلل و الدواعی فیها بجمیع حلقاتها الی اللّه تعالی،و متی کان فیها داعی غیر قربی خرج العمل عن العبادیة و عن تمحض للّه و إن لم یکن الداعی غیر القربی فی عرض الداعی الإلهی.

و فیه أنا قد حققنا فی مبحث النیة من کتاب الصلاة أنه یشذ فی العباد من یأتی بالعبادة بجمیع مقدماتها و مقارناتها و مؤخراتها و دواعیها خالصة لوجه اللّه الکریم،و طلبا لرضاه، و کونه أهلا للعبادة و الإطاعة،بل یقصد غالب الناس فی عباداتهم الجهات الراجعة إلیهم من المنافع الدنیویة و الأخرویة،و لا تنافی هذه الدواعی الراجعة إلیهم عبادیة العبادة، إلا إذا دل دلیل علی إبطال بعضها للعبادة کما فی الریاء،فقد ورد فی الاخبار المتظافرة (1)ان الریاء لا یدخل عملا إلا و أفسده.

و توضیح الجواب إجمالا:ان الغایة القصوی من العبادة قد تکون هی اللّه فقط من دون ان یشوبها غرض آخر من الأغراض الدنیویة أو الجهات الأخرویة،و ضروری ان هذا النمط من الامتثال منحصر فی الأئمة الطاهرین«ع»و الأنبیاء المرسلین(صلی الله علیه و آله).

ص:463


1- 1) راجع ج 1 ئل باب 12 بطلان العبادة بالریاء من مقدمة العبادة ص 11.و ج 1 المستدرک ص 11.

فقد قال أمیر المؤمنین«ع» (1):(ما عبدتک خوفا من نارک و لا طمعا فی جنتک لکن وجدتک أهلا للعبادة فعبدتک).

و قد تکون الغایة من العبادة هی اللّه،و لکن بداعی التملق و الخضوع لحفظ الجهات الدنیویة،بأن یجعلها العبد وسیلة لازدیاد النعمة و العزة،و سببا لارتفاع الشأن و المنزلة، و ترسا لدفع النقمة و الهلکة،و قد أشیر الی هذا فی الکتاب بقوله تعالی (2): (لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَ لَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ) .

و قد تکون الغایة من العبادة هی اللّه بداعی الخشیة من غضبه و الخوف من ناره التی أعدت للعاصین،و بداعی التعرض لرحمته الواسعة،و الوصول الی الحور و القصور و الجنة التی عرضها کعرض السماوات و الأرض،و هذه المرتبة أرقی من المرتبة الثانیة.

و قد أشار الی هذا بقوله تعالی (3): (وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً) .و بقوله تعالی (4):

(وَ یَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً) .

و قد ورد فی کثیر من الأدعیة کدعاء أبی حمزة الثمالی و غیره تعلیل الایمان باللّه و العبادة له بالخوف و الخشیة و الطمع،و هذا واضح لا غبار علیه.

و قد تکون الغایة من العبادة هی التقرب الی اللّه،و تحصیل رضاه من غیر ان یقترن بها غرض آخر من الأغراض الدنیویة أو الأخرویة،و هذه المرتبة أرقی من المرتبة الثانیة و الثالثة،و هی مختصة بالعارفین باللّه و السالکین الیه،و لا یناله إلا القلیل من الموحدین، کسلمان و المقداد و ابی ذر و فریق من الأکابر.

و قد اتضح مما ذکرنا ان الغرض من العبادة فی هذه الدرجات الثلاث الأخیرة هو انتفاع العبد حتی فی الدرجة الأخیرة:أعنی المرتبة الرابعة،فإن مآل تحصیل رضی اللّه و التقرب الیه هو صیرورة العبد محبوبا لدی اللّه لکی یجیب دعوته و یدفعه شدته و یقضی حوائجه.

و علی هذه المناهج المذکورة فی السیر الی الله و التوجه الی رحمته و غفرانه و الفوز بنعمة و رضوانه لا تخلو عبادة إلا و قد قصد العبد فیها ان یصل الیه نفع من المنافع حسب اختلافها باختلاف الأغراض و قد عرفتها.نعم الدرجة الاولی و هی عبادة الأئمة خالیة عن هذا القصد.و لکنها مختصة بهم علیهم السلام.

و قد انجلی ان رجوع شیء من دواعی العبادة لغیر اللّه لا ینافی الإخلاص فیها،

ص:464


1- 1) راجع ج 2 مرآة العقول ص 101.و ج 15البحار کتاب الخلق ص 82.
2- 2) سورة إبراهیم آیة:7.
3- 3) سورة الأعراف آیة:54.
4- 4) سورة الأنبیاء آیة:90.

و التقرب الی اللّه بها.و یشیر الی ما ذکرناه ما رواه الکلینی[1]عن أبی عبد اللّه«ع»(قال:العباد ثلاثة:

قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلک عبادة العبید.و قوم عبدوا اللّه تبارک و تعالی طلب الثواب فتلک عبادة الأجراء.و قوم عبدوا اللّه حبا له فتلک عبادة الأحرار و هی أفضل العبادة).و من هنا اتضح بطلان ما ذهب الیه بعضهم[2]من فساد العبادة المأتی بها لأجل الثواب و دفع العقاب.

الوجه الثالث:أن دلیل صحة الإجارة هو عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و یستحیل شموله للمقام لأن الوفاء بالشیء عبارة عن إتمامه و إنهائه،فالوفاء بعقد الإجارة هو الإتیان بالعمل المستأجر علیه أداء الحق المستأجر،و واضح أن هذا لا یجتمع مع الإتیان به أداء لحق اللّه و امتثالا لأمره،و إذن فلا بد من قصد أحد الأمرین:إما الوفاء بالعقد.أو الامتثال لأمر المولی و حیث لا یعقل اجتماعهما فی محل واحد فلا بد من رفع الید من الأمر بالوفاء فتصبح الإجارة بلا دلیل علی الصحة.

و فیه أولا:أن الوفاء بالعقد و إن کان عبارة عن إتمامه و إنهائه،إلا أن هذا المعنی لا یتوقف علی عنوان خاص،بل یکفی فیه إیجاد متعلق العقد فقط فی الخارج بأی نحو اتفق و علیه فلا مانع فی کون العمل الواحد الذی تعلقت به الإجارة مصداقا لعنوانی العبادة و العمل المستأجر علیه معا،نعم لو کان الظاهر من دلیل وجوب الوفاء بالعقد هو إیجاد العمل المستأجر علیه فی الخارج بداعی اختصاصه بالمستأجر من جمیع الجهات لاستحال اجتماع قصد الوفاء بالعقد مع قصد التقرب الی اللّه،و لکنه دعوی جزافیة.

و ثانیا:ان دلیل صحة الإجارة لا ینحصر بآیة الوفاء بالعقد لکی یلزم من عدم شمولها للمقام بقاؤه خالیا عن دلیل الصحة،بل فی آیة التجارة عن تراض غنی و کفایة.

ص:465

فان قیل:إن الأمر الإجاری المتعلق بالفعل المستأجر علیه توصلی،و الأمر العبادی المتعلق به عبادی،و علیه فیلزم أن یکون فعل واحد مأمورا به بأمرین متخالفین و هو محال قلنا:إن الأمر الإجاری المتعلق بالعبادة أیضا أمر عبادی،فإن وجوب تسلیم العمل المستأجر علیه الی مالکه حکم کلی انحلالی من غیر أن یکون له شأن من التعبدیة أو التوصلیة بل یتصف بهما بلحاظ وصف متعلقة،و علیه فان کان متعلق الأمر الإجاری توصلیة فهو توصلی،و إن کان تعبدیا فهو تعبدی،و علی هذا فإذا تعلقت الإجارة بعبادة کان الأمر الناشئ منها عبادیا أیضا،فأصبح مؤکدا للأمر العبادی المتعلق بها فی نفسها مع قطع النظر عن الإیجار،کما ذهب الیه کاشف الغطاء و تلمیذه صاحب الجواهر.

و توضیح ذلک:أنا قد ذکرنا فی البحث عن التعبدی و التوصلی من علم الأصول أن قصد القربة مأخوذ فی متعلق الأمر الأول علی ما قویناه،و فی متعلق الأمر الثانی علی ما اختاره شیخنا الأستاذ،و علی کل حال فالأمر قد تعلق بامتثال العمل بقصد القربة،و من الواضح ان الأمر الإجاری قد تعلق بهذا أیضا،إذ المفروض کون العمل المذکور موردا للإجارة،فمتعلق الأمرین شیء واحد،فلا محالة یندک أحدهما فی الآخر و یکون الوجوب مؤکدا کما فی غیر المقام.

و قد اتضح مما ذکرناه انه فلا وجه لما ذکره بعض مشایخنا المحققین من استحالة التأکد حتی فی النذر و نحوه.و حاصل ما ذکره:ان الأمر الصلاتی متعلق بذات العمل،و الأمر الإجاری أو النذری أو نحوهما متعلق بالعمل الواجب المقید بقصد القربة و الامتثال،و من الواضح انه لا یعقل التأکد فی ذلک(الذی معناه خروج الطلب فی موضوعه عن مرتبة الضعف إلی مرتبة الشدة)لأن الالتزام به یستلزم تعلق الأمر بالوفاء بما هو غیر وفاء، بداهة انه لا یعقل ان یکون الأمر الإجاری بمنزلة صلّ،بل هو بمنزلة صل عن قصد القربة فیکون توصلیا دائما.

و یدل علی ما اخترناه من صحة تعلق الإجارة بالعبادة أمور:

الأول:ان الموجر کما عرفت إنما یملک الأجرة بعقد الإجارة من غیر ان یتوقف ذلک علی إیجاد العمل المستأجر علیه فی الخارج،و إنما اشتغلت ذمة الأجیر بإیجاد متعلق الإجارة و لو کان الغرض فی الإتیان بالعمل المستأجر علیه هو تملک الأجرة فقط لکان إیجاد العمل لأجل ذلک تحصیل للحاصل.

و علیه فالداعی إلی الإتیان بما اشتغلت به ذمة الأجیر من العبادة لیس إلا أمر المولی و الخوف الإلهی،دون تملک الأجرة.و لا یفرق فی ذلک بین مراقبة المستأجر علی الأجیر

ص:466

للإتیان بالعمل و عمل مراقبته علیه،فان شأن العبادات لیس شأن الأفعال الخارجیة المحضة کالخبازة و البنایة و النجارة و نحوها لکی یکون حضور المستأجر دخیلا فی تحقق العمل و إتقانه،بل العبادات مشروطة بالنیة،و هی أمر قلبی لا یطلع علیها فی أفق النفس إلا علام الغیوب،أو من ارتضاه لغیبة.

الثانی:انه لا شبهة فی صحة تعلق النذر أو العهد أو الیمین بالنوافل،و صیرورتها لازمة بذلک،کما لا شبهة فی صحة اشتراطها فی العقود اللازمة و کونها واجبة بذلک،و لم یستشکل أحد فی کون هذه الأوامر الطاریة علیها منافیة للإخلاص المعتبر فیها،و واضح انه لا فارق بین ذلک و بین ما نحن فیه.

الرابع:قد ورد فی الاخبار المستفیضة،بل المتواترة الترغیب الی العبادات بذکر فوائدها و مثوباتها،و الترهیب عن ترکها بذکر مستتبعاتها من الهلکة و العقوبة،و یتجلی لک من هذه الاخبار انه لا بأس بامتثال العبادات الجلب المنافع المترتبة علی فعلها و دفع المضرات المترتبة علی ترکها،و لا فرق فی هذه الجهة بین المقام و بینها.

و من هذا القبیل ما وردت فی الشریعة المقدسة عبادات من الأدعیة و النوافل لشتی الأغراض الدنیویة،کسعة الرزق،و قضاء الحوائج،و أداء الدین،و ارتزاق الولد، و دفع الشرور،و علاج المصاب.و غیرها من الجهات الدنیویة،و لم یتوهم احد منافاتها للإخلاص،مع انها من المنافع الدنیویة.و الظاهر انه لا فارق بینها و بین المقام.

و قد أشکل علیه المصنف(ره)بأنه(فرق بین الغرض الدنیوی المطلوب من الخالق الذی یتقرب الیه بالعمل،و بین الغرض الحاصل من غیره،و هو استحقاق الأجرة،فإن طلب الحاجة من اللّه سبحانه و لو کانت دنیویة محبوب عند اللّه،فلا یقدح فی العبادة، بل ربما یؤکدها).و قد سجل هذا الإشکال غیر واحد من الأعاظم کصاحب البلغة و غیره.

و فیه ان غرض المکلف من الإتیان بالصلاة مثلا قد یکون سعة الرزق و غیرها بحیث لا یتوسط التقرب فی البین أصلا،فلا شبهة فی بطلان هذا النحو من العبادة من غیر فرق بین ما نحن فیه،و بین العبادات ذات النتائج الدنیویة کصلاة جعفر«ع»و غیرها.و قد تکون غایة المکلف غایة من العبادة و التقرب من اللّه بحیث یکون طالبا لها بعبادته و تقربه من المولی،فهذا لا ینافی العبادیة،و ما نحن فیه من هذا القبیل،و علیه فلا فارق بین المقامین.

و قد یتوهم أن قصد التقرب إنما یتمشی فی خصوص الإجارة،لأنک قد عرفت أن الأجرة فیها تملک بمجرد العقد،و أن امتثال العبادات المستأجر علیها یستند إلی أمر المولی

ص:467

إلا أن ذلک لا یجری فی الجعالة،إذ العامل فیها لا یستحق الجعل،و لا یملکه إلا بإتمام العمل فیستند امتثال العبادة إلی داعی تحصیل الجعل و هو مناف للإخلاص فیها.

و جوابه یظهر مما تقدم،فان تحصیل الجعل و إن کان داعیا الی الامتثال،و لکن الداعی إلی الإتیان بالعبادة علی وجهها الصحیح هو أمر الشارع،و الخوف الإلهی،إذ لو لا ذلک فان العامل یمکنه أن یأتی بالعمل خالیا عن بعض الشرائط التی لا یطلع علیها غیر علام الغیوب،و یخیل الی الجاعل انه امتثله علی وجه صحیح.

و علی الجملة لا نعرف وجها صحیحا لبطلان العبادات التی تنتهی بالآخرة إلی استحقاق الأجرة،و لا نری فیها جهة مخالفة للإخلاص و التقرب.

ان صفة الوجوب لا تنافی الإجارة

قد انقسم الواجب إلی تخییری،و کفائی،و عینی،فإن وقع احد القسمین الأولین موضوعا للإجارة أو الجعالة،و کان مصب الإجارة أو الجعالة هو مصب الوجوب کان المقام من صغریات أخذ الأجرة علی الواجب،و سیتضح لکم حکمه،و إن کان مصب الإجارة أو الجعالة هو خصوص الفرد بحیث یعین فرد من أفراد التخییری أو شخص من أشخاص المکلفین للامتثال فإنه لا شبهة فی جواز أخذ الأجرة و الجعل علیه،بل هو خارج عن موضوع أخذ الأجرة علی الواجب.

و الوجه فی ذلک أن ما تعلق به الوجوب فی الواجبین التخییری و الکفائی إنما هو الجامع أعنی عنوان أحد الأفراد فی الأول،و عنوان أحد المکلفین فی الثانی،و من الواضح أن إیقاع الإجارة أو الجعالة علی الإتیان بفرد خاص،أو علی مباشرة شخص معین،و أخذ الأجرة أو الجعل علی تلک الخصوصیة لیس من قبیل أخذ الأجرة علی الواجب،فان ما أخذت علیه الأجرة لیس بواجب،و ما هو واجب لم تؤخذ علیه الأجرة.

و بما ذکرناه یظهر الحال فیما إذا انحصر الواجب الکفائی فی شخص أو الواجب التخییری فی نوع،فإنهما و إن تعینا فی ذلک النوع،أو علی ذلک الشخص حینئذ،و لکن الواجب علی المکلف هو طبیعی الدفن مثلا فی الکفائی و طبیعی العتق مثلا فی التخییری بحیث له أن یدفن المیت فی أی مکان یرید،و له أن یعتق أی فرد من أفراد الرقاب،فإذا وقعت الإجارة أو الجعالة علی تعیین فرد خاص منهما صح ذلک،و لم یکن أخذ الأجرة علیه من قبیل أخذ الأجرة علی الواجب.

ص:468

ثم إنه لا فارق فیما ذکرناه بین کونهما تعبدیین،و کونهما توصلیین،و قد اتضح من ذلک کله أنه لا جدوی لتطویل الکلام فی تحقیق الواجبین التخییری و الکفائی،کما فعله بعض مشایخنا المحققین و غیره.

و قد یقال:إن الخصوصیات الفردیة و إن لم تکن واجبة بالأصالة علی الفرض،إلا أنها واجبة بوجوب تبعی مقدمی،فیکون أخذ الأجرة علیها من قبیل أخذ الأجرة علی الواجب و فیه أنا قد حققنا فی علم الأصول أن وجوب المقدمة إنما هو وجوب عقلی،فلا یقاس بالوجوب الشرعی،و یضاف الی ذلک أن مقدمیة الفرد للکلی لیست من المقدمیة المصطلحة کما هو واضح.

و أما الواجب العینی فإن کان مصب الإجارة أو الجعالة فیه الخصوصیة الفردیة صح ذلک بلا شبهة،و قد تقدم نظیره فی الواجبین:التخییری و الکفائی،و إن کان مصبهما مصب الوجوب فقد علمت اختلاف فقهائنا و فقهاء العامة فی حکم أخذ الأجرة علی الواجب فمقتضی القاعدة هو الجواز مطلقا،للعمومات الدالة علی صحة العقود و المعاملات.

و لکن أشکل علیه بوجوه:

الأول:أن عمل الحرفی حد ذاته لیس بمال،و إنما یقابل بالمال لاحترام عمل المسلم و مع الوجوب یسقط عن الاحترام.

و لکنک قد عرفت فی أول الکتاب:أن أعمال کل شخص مملوکة له ملکیة ذاتیة تکوینیة،و له واجدیة له فوق مرتبة الواجدیة الاعتباریة،و دون مرتبة الواجدیة الحقیقیة لمکون الموجودات،و علیه فدعوی أن عمل الحر لیس بملک دعوی جزافیة،و لا شبهة أن هذه الأعمال المضافة إلی الحر موضع لرغبات العقلاء و منافساتهم،فتکون أموال فی نفسها،و تجوز مقابلتها بالمال،و مع الإغضاء عن ذلک فإنها تکون أموال بمجرد وقوع المعاملة علیها،و شأنها ح شأن الکلی،إذ الکلی قبل إضافته إلی شخص خاص لا یتصف بالمملوکیة و المالیة کلتیهما،و إذا أضیف الیه و لو حین قوله بعتک منا من الحنطة مثلا أنصف الکلی بالمالیة و الملکیة،و من هنا یجوز بیع الکلی فی الذمة،و یحکم بضمان عمل الحر إذا فوته أحد بعد أن ملکه الغیر بالإجارة و غیرها.

الثانی:ما ذکره المصنف من أن عمل الحر و إن کان مالا،و لکن الإنسان إذا تکلف بذلک العمل من قبل الشارع فقد زال احترامه،لأنه عامله مقهور علی إیجاده،فیکون أخذ الأجرة علیه أکلا للمال بالباطل.

و فیه أولا:أن آیة النهی عن أکل المال بالباطل غریبة عن شرائط العوضین،

ص:469

و قد تقدم بیان ذلک مرارا عدیدة.

و ثانیا:أن المقهوریة علی الفعل من قبل الشارع و کونه واجبا بأمره لا تنافی المقهوریة علیه من قبل الإجارة أیضا،فیکون لازم الامتثال من ناحیتین،و هذا نظیر شرط امتثال الواجب فی ضمن العقد،و تظهر الثمرة فیما إذا خالف الأجیر عن أمر ربه،و لم یمتثل الواجب و لم یمکن إجباره علی الامتثال من ناحیة الأمر بالمعروف،فإنه یجوز للمستأجر أن یجبره علی الامتثال و لو بمراجعة المحاکم المختصة.

الثالث:ما أفاده شیخنا الأستاذ من أن الإجارة و الجعالة قد اعتبر فیهما أن لا یکون العامل أو الأجیر مسلوب الاختیار بإیجاب أو تحریم شرعی،بل لا بد من أن یکون الفعل أو الترک تحت سلطنته و اختیاره،و إلا فلا یکون مالا فی نظر العرف.

و لکنک قد عرفت فی البحث عن معنی حرمة البیع:أنه لا تجوز المعاملة علی الأفعال المحرمة،کالکذب و الغیبة و الزناء و غیرها،فإن الأدلة الدالة علی حرمتها لا تجتمع مع العمومات الدالة علی صحة المعاملات و لزومها،فان مقتضی هذه العمومات نفوذ المعاملة الواقعة علی الأفعال المحرمة و لزومها،و أدلة المحرمات تقتضی المنع عن إیجادها فی الخارج، فهما متناقضان،و مع الإغضاء عن ذلک فهما لا یجتمعان فی نظر العرف.

و هذا المحذور لا یجری فی الواجبات.فإنه لا تنافی بینهما و بین العمومات المذکورة،کما لا منافاة بینها و بین الأوامر العبادیة،و قد أوضحنا ذلک آنفا،و علیه فالتکالیف التحریمیة و إن کانت تسلب القدرة الشرعیة عن المکلف،و لکن التکالیف الوجوبیة لا تنافیها،بل تساعدها و تضاعفها.

و قد یتوهم أنه لا فارق فی عدم القدرة علی التسلیم بین تعلق الإجارة بالمحرمات و الواجبات فان المکلف فی کلیهما یکون عاجزا شرعا عن إیجاد متعلق التکلیف،إذ القدرة لا بد و أن تکون متساویة النسبة إلی الطرفین:الفعل أو الترک.

و فیه أن اعتبار القدرة علی التسلیم إن کان مدرکه الإجماع فإنه علی فرض تحققه فان المتیقن منه إمکان وصول العمل المستأجر علیه إلی المستأجر،فلا یدل علی اشتراط کونه تحت اختیار الأخیر فعلا و ترکا،و إن کان مدرکه اقتضاء العقد بداهة وجوب الوفاء بتسلیم العمل فقد عرفت أن الوجوب لا ینافیه،بل یتأکد کل منهما بالآخر،و إن کان مدرکه النبوی المشهور(نهی النبی عن بیع الغرر).

ففیه أولا:أن الاستدلال به غیر تام من حیث السند و الدلالة،و سیأتی بیان ذلک فی البحث عن بیع الغرر.

ص:470

و ثانیا:أنه لا غرر فی المقام،لأن العمل ممکن الوصول إلی المستأجر،و لا دلیل علی اعتبار القدرة علی التسلیم أزید من ذلک.

الرابع:ما نسب الی شیخ المشایخ کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد من أن التنافی بین صفة الوجوب و أخذ العوض علی الواجب ذاتی،لأن العمل الواجب مملوک للّه،کالعمل المملوک للغیر،فلا یصح أن یکون موردا للإجارة،لأن تملیک المملوک ثانیا غیر معقول، و لذا لا یجوز أخذ الأجرة علی عمل خاص قد وقعت علیه الإجارة قبل ذلک.

و فیه أنا لو سلمنا استحالة توارد الملکین علی مملوک واحد فإنما هی فی الملکیتین العرضیتین بأن یکون شیء واحد مملوکا لاثنین فی زمان واحد علی نحو الاستقلال.و لا تجری هذه الاستحالة فی الملکیتین الطولیتین:بأن تکون سلطنة أحد الشخصین فی طول سلطنة الآخر،فان هذا لا محذور فیه،بل هو واقع فی الشریعة المقدسة،کسلطنة الأولیاء و الأوصیاء و الوکلاء علی التصرف فی مال المولی علیهم و الصغار و الموکلین،فإن ملکیة هؤلاء فی طول ملکیة الملاک و من هذا القبیل مالکیة العبید علی أموالهم بناء علی جواز تملک العبد فان مالکیتهم فی طول مالکیة موالیهم.و کذلک فی المقام،فإن مالکیة المستأجر للعمل المستأجر علیه فی طول مالکیته تعالی لها،بل مالکیة الملاک لأموالهم فی طول مالکیته تعالی لها،فإنه تعالی مالک لجمیع الموجودات ملکیة تکوینیة إیجادیة،و هی المعبر عنها فی اصطلاح الفلاسفة بالإضافة الإشراقیة،و قد سلط الإنسان علی سائر الموجودات،و جعله مالکا لها،إما مالکیة ذاتیة کملک الشخص لأعماله و ذمته،و إما مالکیة اعتباریة،کمالکیته لأمواله، و لعل الی ما ذکرناه یرجع ما أفاده المصنف(ره)من أنه(لیس استحقاق الشارع للفعل و تملکه المنتزع من طلبه من قبیل استحقاق الآدمی و تملکه الذی ینافی تملک الغیر و استحقاقه) الخامس:ما نسب الی الشیخ الکبیر أیضا،و هو أن من لوازم الإجارة أن یملک المستأجر العمل المستأجر علیه،بحیث یکون له الإبراء و الإقالة و التأجیل،لدلیل السلطنة و کل ذلک مناف لوجوب العمل المستأجر علیه.

و فیه أنک قد عرفت من مطاوی ما ذکرناه:أن للواجب المستأجر علیه ناحیتین، إحداهما:حیثیة وجوبه من قبل اللّه بأمر مولوی تکلیفی.و ثانیتهما حیثیة تعلق الأمر الإجاری به،و من المقطوع به أن عدم صحة الإقالة و الإبراء و التأجیل فی الواجب إنما هو من ناحیته الاولی،و لا ینافی ذلک أن تجری فیه تلک الأمور من ناحیته الثانیة.

السادس:ما ذکره شیخنا الأستاذ ثانیا من أن الإجارة أو الجعالة الواقعة علی الواجب العینی من المعاملات السفهیة،فتکون باطلة من هذه الجهة،فإن من شرائط الإجارة أو الجعالة

ص:471

ان یکون العمل ممکن الحصول للمستأجر،و فی الواجب العینی لیس کذلک.

و لکنک قد عرفت مرارا:انه لا دلیل علی بطلان المعاملة السفهیة،فتکون العمومات محکمة،علی انه لا شبهة فی إمکان الانتفاع بالواجب المستأجر علیه،و إذن فتخرج المعاملة عن السفهیة،و قد تقدم بیان ذلک فی المقدمة التی مهدناها للبحث عن أخذ الأجرة علی الواجب السابع:ما احتمله بعض مشایخنا المحققین،و نسبه الی أستاذه فی مبحث القضاء،و هو أن بذل العوض بإزاء ما تعین فعله علی الأجیر لغو محض،فلا یکون مشمولا للعمومات الثامن:ما نسبه الی بعض الاعلام من ان الإیجاب ینبعث عن مصلحة تعود الی المکلف و أخذ الأجرة علی ما یعود نفعه إلیه أکل للمال بالباطل.

و قد ظهر جواز هذین الوجهین من الأجوبة المتقدمة.و قد تجلی مما حققناه أن الإشکالات المذکورة لا ترجع الی معنی محصل ترکن الیه النفس.و العجب من هؤلاء الأعلام،فإنهم ناقشوا فی جواز أخذ الأجرة علی الواجب،و أضافوا إلیه شبهة بعد شبهة و نقدا بعد نقد حتی تکونت منها أمواج متراکمة.و یندهش منها الناقد البصیر فی نظرته الاولی!!(فأما الزید فیذهب جفاء و اما ما ینفع الناس فیمکث فی الأرض).و قد ظهر من جمیع ما ذکرناه سقوط جمیع الأقوال المتقدمة غیر ما بنینا علیه من القول بالجواز علی وجه الإطلاق.و اللّه العالم.

قوله ثم إن صلح ذلک الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإیجاب المذکور أو إسقاطه به أو عنده سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة،و إن لم یصلح استحق الأجرة و بقی الواجب فی ذمته لو بقی وقته،و إلا عوقب علی ترکه) .أقول:لا یخفی ما فی هذه العبارة من القلق و الاضطراب،و حاصل مرامه:ان الإتیان بالواجب المستأجر علیه قد یترتب علیه امتثال أمر المولی و استحقاق الأجرة کلاهما،کما إذا استأجر أحدا لتطهیر المسجد فطهره بقصد امتثال أمر المولی،فإنه ح یستحق الأجرة،و یعد ممتثلا،و کذلک الحال فی الواجبات التعبدیة علی مسلکنا،إذ قد عرفت ان أخذ الأجرة علیها لا ینافی جهة عبادیتها و قد یکون الإتیان بالواجب المستأجر علیه موجبا لاستحقاق الأجرة و سقوط الوجوب بغیر امتثال،کتطهیر المسجد و إنقاذ الغریق و الجهاد و غیرها من الواجبات التوصلیة فإن الأجیر حین ما یأتی بها بغیر داعی الأمر یستحق الأجرة.و لا یکون عمله هذا امتثاله للواجب علی الفرض،نعم یسقط عنه الواجب،لفرض کونه توصلیا،کما انه یسقط عن بقیة المکلفین إذا کان الواجب کفائیا.

و قد یکون الإتیان بذلک العمل موجبا لاستحقاق الأجرة و سقوط الوجوب لا من

ص:472

جهة الإتیان بالواجب،بل لارتفاع موضوع الوجوب،کما إذا أوجب الشارع عملا بعنوان المجانیة فأتی به العبد مع الأجرة،و هذا کدفن المیت بناء علی أنه واجب علی المکلفین مجانا فلو أتی به لا مجانا لم یتحقق الواجب،فلا یکون مصداقا للواجب فی الخارج،لأن المفروض أنه مقید بالمجانیة،و قد أتی به مع الأجرة،إلا أن الوجوب یسقط عند ذلک، لارتفاع موضوعه،ففی جمیع هذه الصور یتحقق سقوط الوجوب،و استحقاق الأجرة.

و هناک صورة رابعة لا یسقط الوجوب بالإتیان بالعمل المستأجر علیه فیها و إن کان الآتی بالعمل مستحقا لأخذ الأجرة علی عمله،لکونه محترما،و هذا کالعبادات الواجبة علی المکلفین عینا،فإنه إذا أتی بها المکلف بإزاء الأجرة و قلنا بمنافاتها لقصد القربة و الإخلاص کما علیه المصنف و جمع آخر لم یمتثل الواجب و ان کان یستحق الأجرة لاحترام عمله،و علیه فان بقی وقت الواجب وجبت علیه الإعادة و إلا عوقب علی ترکه إذا لم یدل دلیل علی تدارکه بالقضاء.

حقیقة النیابة علی العبادات

قد ذکرنا فی مبحث التعبدی و التوصلی من علم الأصول أن الأصول اللفظیة و العملیة تقتضی عدم سقوط التکالیف العبادیة عن کل مکلف بإتیان غیره بها،فلا بد لکل مکلف أن یمتثل تکالیفه العبادیة بالمباشرة.

و علیه فنیابة الشخص عن غیره فی امتثال عباداته مع التقرب و الإخلاص تحتاج الی الدلیل و إن ثبت إمکانها فی مقام الثبوت،و لا شبهة فی وقوع النیابة فی العبادات الواجبة و المستحبة بضرورة الفقه نصا و فتوی،و لا بأس بالتعرض للبحث عن تصویر إمکانها فی ذلک دفعا لما توهمه بعض الأجلة من استحالة التقرب من النائب و حصول القرب للمنوب عنه،نظرا الی أن التقرب المعنوی کالتقرب الحسی المکانی لا یقبل النیابة.

و قد ذکر غیر واحد من الأعلام وجوها فی تصویر النیابة عن الغیر فی امتثال وظائفه بقصد التقرب و الإخلاص:

الأول:ما ذکره المصنف و حاصله:أن الأجیر یجعل نفسه بدلا عن المیت فی الإتیان بتکالیفه متقربا بها الی اللّه تعالی،فالمنوب عنه یتقرب الیه تعالی بفعل نائبه و تقربه،و لا شبهة أن هذا التنزیل فی نفسه مستحب،و إنما یصیر واجبا بالإجارة وجوبا توصلیا من غیر أن یعتبر فیه قصد القربة فی ذاته،بل اعتباره فیه من جهة اعتباره فی وظیفة المنوب عنه،

ص:473

لأن الأجیر لا یخرج عن عهدة التکلیف إلا بالإتیان بالعمل المستأجر علیه بقصد الإخلاص فالأجیر یجعل نفسه نائبا عن الغیر فی امتثال وظائفه متقربا بها الی اللّه،و إنما یأخذ الأجرة للنیابة فقط دون الإتیان بالعبادات،فان للنائب حین ما یأتی بالعمل فعلین:أحدهما قلبی من أفعال الجوانح،و هو النیابة.و ثانیهما خارجی من أفعال الجوارح،و هو العمل المنوب فیه کالصلاة مثلا،و إذا تعدد الفعل ذاتا و وجودا فإنه لا بأس بتعدد الغایة المترتبة علیهما،و لا تنافی بین أخذ الأجرة علی النیابة و بین الإتیان بالعبادات متقربا بها الی اللّه تعالی.

و فیه أن أخذ الأجرة إما لتنزیل نفسه منزلة المیت و نیابته عنه فی الإتیان بوظائفه، و إما للإتیان بالعمل فی الخارج،فعلی الأول یلزم استحقاق الأجرة بمجرد النیابة القلبی، سواء أتی بالعمل فی الخارج أم لا،و هو بدیهی البطلان.و علی الثانی فیعود المحذور، و هو أخذ الأجرة علی الأمر العبادی،فإن الموجود فی الخارج لیس إلا نفس العبادة.

الثانی:ما ذکره المصنف فی رسالة القضاء من أن(النیة مشتملة علی قیود منها کون الفعل خالصا للّه سبحانه،و منها کونه أداء و قضاء عن نفسه أو عن الغیر بأجرة أو بغیرها،و کل من هذه القیود غیر مناف لقصد الإخلاص،و الأجرة فیما نحن فیه إنما وقعت أولا و بالذات بإزاء المقید الثانی،أعنی النیابة عن زید،بمعنی أنه مستأجر علی النیابة عن زید بالإتیان بهذه الفریضة المتقرب بها،و قید القربة فی محله علی حاله،لا تعلق للإجارة إلا من حیث کونه قیدا للفعل المستأجر علیه،نعم لو اشتراط فی النیابة عن الغیر التقرب زیادة علی التقرب المشروط فی صحة العبادة اتجه منافاة الأجرة لذلک،إلا أنه لیس بشرط إجماعا).

و فیه أولا:أن أخذ الأجرة فی مقابل العمل المقید بقصد القربة یستلزم وقوع الأجرة بإزاء نفس العمل أیضا،و علیه فیعود المحذور المذکور.

و ثانیا:ما ذکره بعض مشایخنا المحققین من(أن الفعل القلبی و الفعل الخارجی و إن کانا متغایرین ماهیة و وجودا،و لکل منهما غایة خاصة،إلا أنه لا شک فی أنه لو لا الفعل القلبی بما له من الغایة و هی استحقاق الأجرة لم یصدر الفعل الخارجی بما له من الغایة،و هی القربة فالإخلاص الطولی غیر محفوظ بمجرد تعدد الفعل مع ترتب الفعل الخارجی بغایته علی الفعل القلبی بغایته.

الثالث:ما ذکره شیخنا الأستاذ توجیها لکلام المصنف فی المکاسب.و ملخصه:أنه لا شبهة فی عدم اعتبار المباشرة فی فعل المنوب عنه،بل جاز للغیر الإتیان بالفعل عنه نیابة، و یجوز التبرع عنه فی ذلک من دون أن یعتبر قصد القربة فی الأمر التبرعی،بل اعتباره فی فعل النائب لأجل اعتباره فی المنوب فیه.

ص:474

ثم إنه لا ریب فی أن هذا الأمر التبرعی یصبح واجبا إذا وقعت علیه الإجارة،و ح لا یخرج النائب عن عهدته بامتثاله بقصد القربة و الإخلاص،و واضح أنه لا تنافی بین اعتبار التقرب فیه،و بین جواز أخذ الأجرة للنیابة،فإن الأجرة إنما هی بإزاء قصد النائب النیابة فی عمله عن المنوب عنه،لا علی نفس العمل بحیث إذا قصد النائب الإتیان بذات العمل المستأجر علیه للأجرة،أو قصد الإتیان به بداعی أمره سبحانه بإزاء الأجرة کان عمله باطلا و لکن یرد علیه أولا:ما ذکرناه فی جواب المصنف.و ثانیا:أن الأوامر المتوجهة إلی شخص غریبة عن شخص آخر،و علیه فلا معنی لسقوطها عن المنوب عنه بامتثال النائب کما أنه لا معنی لاعتبار قصد التقرب فی الأمر المتوجه إلی النائب بلحاظ اعتباره فی الأمر المتوجه الی المنوب عنه.و التوجیه المذکور أشبه شیء بدعوی سقوط الأمر بالصوم بامتثال الأمر المتعلق بالصلاة،و أشبه شیء أیضا بدعوی اعتبار قصد التقرب فی الأمر بغسل الثوب بلحاظ الأمر العبادی المتعلق بالحج.

و ثالثا:أنا لو سلمنا صحة ذلک،و لکنه إنما یجری فی النیابة عن الاحیاء،فان الأوامر المتوجهة إلی الأموات فی حیاتهم قد انقطعت بالموت.فلا یبقی هنا أمر لکی یقصد النائب فی امتثال العمل المنوب فیه،و یأتی به بقصد التقرب و الإخلاص،و هذا لا ینافی اشتغال ذمة المیت بالعبادات الفائتة کما هو واضح.

و رابعا:أنا لو أغمضنا عن ذلک أیضا،و لکنه إنما یتم مع توجه الأمر إلی المنوب عنه مع أنا نری بالعیان،و نشاهد بالوجدان صحة النیابة عنه حتی فیما لم یتوجه إلیه أمر أصلا، کنیابة أشخاص غیر محصورین عن المیت أو عن غیره فی جهات مستحبة،کالطواف و نحوه،بداهة انتفاء الأمر ح عن المنوب عنه،فان توجهه علیه مشروط بالقدرة،و واضح أن المنوب عنه لا یقدر علی الإتیان بأمور غیر محصورة،و کک تجوز النیابة فی الحج عمن لا یقدر علیه،مع أنه لا أمر حینئذ للمنوب عنه أصلا.

و التحقیق أن الأمر الاستحبابی (1)متوجه الی جمیع الناس للنیابة فی العبادة عن المیت بل الحی فی بعض الموارد،و لا شبهة أن هذا الأمر الاستحبابی المتوجه الی کل أحد أمر عبادی،فیعتبر فیه قصد التقرب و الإخلاص،و قد یکون واجبا إذا تعلقت به الإجارة، و قد تقدم بیان ذلک آنفا،و علیه فالنائب عن الغیر فی امتثال عباداته إنما یتقرب الی اللّه تعالی بالأمر المتوجه الی نفسه من دون أن یکون له مساس بالأمر العبادی المتوجه الی

ص:475


1- 1) راجع ج 1 ئل باب 12 استحباب التطوع بجمیع العبادات عن المیت من أبواب القضاء من کتاب الصلاة ص 520.

المنوب عنه،بل لا یعقل أن یقصد النائب تقرب المنوب عنه،و یمتثل أمره،أو یتقرب الی اللّه بأمر المنوب عنه،و یمتثله،و علی ما ذکرناه فمورد الإجارة هو الواجبات،أو العبادات المنوب فیها،و قد تقدم أن صفة الوجوب أو صفة العبادة لا تنافی الإجارة

جواز أخذ الأجرة علی المستحبات

قوله و أما المستحب. أقول:العمل المستأجر علیه قد یکون حراما،و قد یکون واجبا،و قد یکون مکروها،و قد یکون مباحا،و قد یکون مستحبا.أما الحرام و الواجب فقد تقدم الکلام علیهما،و أما المکروه و المباح فلم یستشکل أحد فی صحة الإجارة لهما.

و أما المستحب فالمعروف بین الشیعة و السنة[1]هو جواز أخذ الأجرة علیه،بل هو مقتضی القاعدة الأولیة،إذ لا نری مانعا عن شمول العمومات الدالة علی صحة المعاملات لذلک،فقد عرفت آنفا:أن صفة العبادیة و کذا صفة الوجوب لا تنافی الإجارة أو الجعالة و کذلک صفة الاستحباب،فإنها لا تنافیهما بطریق الأولویة.

و علی هذا فلا وجه لتطویل الکلام فی تصویر النیابة فی المستحبات،کما لا وجه للفرق فیها بین ما یتوقف ترتب الثواب علی قصد التقرب و الإخلاص،کالاتیان بالنوافل و الزیارات و بین ما لا یتوقف ترتب الثواب علی ذلک،کبناء المساجد و القناطر و نحوهما.

من کان أجیرا لغیره فی الطواف

لم یجز له أن یقصده لنفسه

قوله فلو استؤجر لإطافة صبی أو مغمی علیه فلا یجوز الاحتساب فی طواف نفسه. أقول:قد ذکر الأصحاب هنا وجوها،بل أقوالا:الأول:جواز الاحتساب

ص:476

مطلقا،و قد استظهره المصنف من الشرائع و القواعد علی الإشکال فی الثانی.الثانی:عدم جواز الاحتساب مطلقا حتی فی صورة التبرع،و قد حکاه بعض الأعاظم عن بعض الشافعیة الثالث:عدم جواز الاحتساب عن نفسه فیما إذا استؤجر للإطافة بغیره،أو لحمله فی الطواف،و قد نسبه المصنف إلی جماعة منهم الإسکافی.الرابع ما ذکره العلامة فی المختلف من الفرق بین الاستئجار للطواف به،و بین الاستئجار لحمله فی الطواف،فإنه منع عن احتساب ذلک لنفسه فی الأول دون الثانی.و الخامس:ما ذکره فی المسالک من انه إذا کان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو کان مستأجرا للحمل فی طوافه أمکن ان یحتسب کل منهما طوافه عن نفسه.و أما لو کان مستأجرا للحمل مطلقا لم یحتسب،لأن الحرکة المخصوصة قد صارت مستحقة علیه لغیره،فلا یجوز صرفها الی نفسه.

و التحقیق ان المؤجر قد یکون أجیرا عن الغیر فی الطواف و نائبا عنه فی إیجاد العمل المعین فی الخارج،و قد یکون أجیرا للإطافة به،و قد یکون أجیرا لحمله فی الطواف.

أما الصورة الأولی فإنه لا یجوز للأجیر ان یقصد الطواف لنفسه حین ما یأتی بالعمل المستأجر علیه،لأن الإجارة تقتضی اختصاص العمل المستأجر علیه بالمستأجر،و لذا لو فوته احد یضمنه له،و الأمر بالطواف المتوجه إلی الأجیر یقتضی الإتیان به عن نفسه و عدم إجزائه عن غیره،کما هو مقتضی القاعدة فی جمیع الأوامر المسوقة لبیان الأحکام التکلیفیة.

و بعبارة اخری ان المستأجر إنما یستحق الحرکات المخصوصة علی الأجیر،لکونها مملوکة له،فلا یجوز للأجیر أن یحتسبها عن نفسه.و لعله الی هذا أشار فی المسالک فی عبارته المتقدمة.

و اما إذا کان أجیرا لحمل غیره فی الطواف أو للإطافة به فهل یجوز له ان یقصد الطواف لنفسه حین ما یحمل المستأجر للطواف أم لا؟فقد یقال بالثانی،لأن الحرکات المخصوصة الصادرة من الأجیر مملوکة للمستأجر،فلا تقع عن الأجیر،نظیر الصورة السابقة.

و لکن الظاهر هو الجواز تبعا لجم غفیر من الأصحاب،و قد تقدم رأیهم.و الوجه فی ذلک أن ما یستحق به المستأجر علی الأجیر إنما هو الحمل فقط،و من الواضح أنه حاصل علی کل حال،لأن شأن الأجیر فی هذه الصورة شأن الدابة التی یرکبها العاجز عن المشی للطواف،و علیه فلا تنافی بین کون شخص أجیرا لحمل غیره فی الطواف،و بین أن یقصد الطواف لنفسه فی هذه الحالة.

و الذی یدلنا علی ذلک أمران:الأول:أنه إذا لم یتصف الحامل فی هذه الصورة بما

ص:477

اعتبر فی الطائف من الشرائط-کالمشی علی القهقری مثلا-لم یضر بطواف المحمول إذا کان واجدا لشرائط الطواف،و من المقطوع به أنه لو کان مصب الإجارة هو الطواف عن الغیر بعنوان النیابة لما حصل العمل المستأجر علیه فی الخارج.

الثانی:أنه ورد فی جملة من الاخبار[1]جواز حمل الغیر فی الطواف مع العجز عنه، فهی بإطلاقها تدل علی ما ذکرناه.علی أنه لو کان مورد هذه الاخبار غیر الإجارة فإنها تدل أیضا علی صحة ذلک،لأنها ظاهرة فی أن حمل غیره فی الطواف لا ینافی قصد الحامل الطواف لنفسه،لکون کل منهما بعیدا عن الآخر

حرمة أخذ الأجرة علی الأذان

قوله لا یجوز أخذ الأجرة علی أذان المکلف لصلاة نفسه. أقول:المعروف بین الأصحاب حرمة أخذ الأجرة علی الأذان،بل فی المستند حکی الإجماع علیها،و علی هذا النهج بعض فقهاء العامة (1).

و التحقیق أن مقتضی القاعدة هو جواز أخذ الأجرة علی الواجبات و علی المستحبات تعبدیة کانت أم توصلیة،لکونها من الأعمال المحترمة التی تقابل بالمال،فتکون المعاملة علیها مشمولة للعمومات،و أن صفة الوجوب أو صفة العبادیة أو اقتران العمل العبادی بالدواعی غیر القریبة لا تنافی التقرب و الإخلاص إلا مع الدلیل الخارجی،کامتثال العبادات بداعی الریاء،و قد عرفت ذلک کله آنفا.

ص:478


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلی آرائهم فی ص 460

و من هنا یتجلی لک جواز أخذ الأجرة علی الأذان و علی الإمامة إذا کانا مما یرجع نفع من ذلک الی الغیر بحیث یصح لأجله الاستئجار،کالاعلام بدخول الوقت أو الاجتزاء به فی الصلاة،و الاقتداء بالإمام.

و لکن قد سمعت فی مقدمة البحث عن أخذ الأجرة علی الواجب أن مورد الکلام فیما إذا کان العمل المستأجر علیه حاویا لشرائط الاستئجار مع قطع النظر عن کونه واجبا أو مستحبا و عن کونه تعبدیا أو توصلیا،و علیه فلو منع الشارع عن أخذ الأجرة علی عمل خاص، و تعلق غرضه بکونه مجانیا فإنه خارج عن حریم البحث،و لا یختص ذلک بالعبادات،و لا بالواجبات و المستحبات،و من الواضح جدا أنه ثبت فی الشریعة المقدسة[1]عن أهل بیت العصمة«ع»حرمة أخذ الأجرة علی الأذان و علی الإمامة.

قوله و علی الأشهر کما فی الروضة. أقول:هذا سهو من قلمه الشریف،فإنه ذکر الشهید(ره)فی الروضة:(و الأجرة علی الأذان و الإقامة علی أشهر القولین).

ص:479

أخذ الأجرة علی الشهادة

قوله ثم إن من الواجبات التی یحرم أخذ الأجرة علیه عند المشهور تحمل الشهادة بناء علی وجوبه. أقول:ذهب المشهور من فقهائنا و فقهاء العامة إلی وجوب الشهادة تحملا و أداء کما یظهر لمن یراجع الی کلماتهم فی مواردها.و هذا هو الظاهر من الکتاب الکریم[1]و من الروایات المذکورة فی أبواب الشهادات،و علیه فأخذ الأجرة علی الشهادة من صغریات أخذ الأجرة علی الواجب،و قد عرفت سابقا ذهاب المشهور إلی حرمة أخذها علیه.

و لکن قد علمت فیما تقدم أن مقتضی القاعدة هو جواز أخذ الأجرة علی الواجبات مطلقا ما لم یثبت منع من الخارج،و من المعلوم أنا لم نجد فی أدلة وجوب الشهادة ما یمنع عن ذلک.

بل الظاهر من بعض الروایات (1)الواردة فی قوله تعالی: (وَ لا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) .أن المنفی فی الآیة هو ان یقول المدعو إلی الشهادة:لا أشهد علی الواقعة، و واضح ان هذا لا ینافی جواز أخذ الأجرة علی الشهادة.نعم لو امتنع المشهود له عن إعطاء الأجرة وجب علی الشاهد ان یشهد بالواقعة مجانا.

هذا کله إذا کان تحمل الشهادة أو أدائها واجبا عینیا.و اما إذا کان کل منهما واجبا کفائیا فقد تقدم ان أخذ الأجرة علی الواجب الکفائی مع عدم الانحصار خارج عن محل الکلام،فإنه واجب علی جمیع المکلفین،لا علی شخص واحد معین.ثم إنه لا یستفاد من أدلة وجوب الشهادة إلا کونها واجبة علی نهج بقیة الأحکام التکلیفیة الکفائیة أو العینیة من غیر ان یستفاد منها کون التحمل أو الأداء حقا للمشهود له.

ثم إنه قد یقال بحرمة أخذ الأجرة علی مطلق التعلیم أو علی تعلیم القرآن.و لکنه فاسد.

فقد ثبت جواز ذلک فی جملة من الاخبار[2]و فی بعضها وقع الإزراء علی القائلین بالحرمة

ص:480


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 1 وجوب تحمل الشهادة من أبواب الشهادات ص 407.

و رمیهم الی الکذب و عداوة الحق.نعم لا نضایق من القول بالکراهة،لورود النهی عن ذلک فی بعض الأخبار المحمول علی الکراهة،و علی هذا المنهج المشهور من العامة (1)علی أن الروایات الواردة فی حرمة کسب المعلم و جوازه ضعیفة السند،فیرجع الی عمومات ما دل علی جواز الکسب.

ثم إنه لا یجوز أخذ الأجرة علی القضاء للروایات الخاصة[1]و أن الظاهر من آیة.النفر (2)الآمرة بالتفقه فی الدین،و إنذار القوم عند الرجوع إلیهم أن الإفتاء أمر مجانی فی الشریعة المقدسة.فیحرم أخذ الأجرة علیه.و یؤیده قوله تعالی (3): (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) .

ص:481


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلی آرائهم فی ص 48
2- 2) سورة التوبة،آیة:123.
3- 3) سورة الشوری،آیة:22.
الارتزاق من بیت المال

قوله بقی الکلام فی شیء إلخ. أقول:حاصل کلامه أن معظم الأصحاب قد صرحوا بجواز الارتزاق من بیت المال لکل من یحرم علیه أخذ الأجرة علی الإتیان بالواجبات کالقضاء و الإفتاء و تجهیز المیت،أو الإتیان بالمستحبات کالأذان و نحوه.و الوجه فی ذلک أن بیت المال معد لمصالح المسلمین،و هذه الموارد من جملتها،لعود النفع إلیهم،فإن أی شخص إذا أتی بأی شیء یرجع الی الجهات الراجعة إلی مصالح المسلمین کالأمور المذکورة و غیرها جاز لولی الأمر أن یدر علیه من بیت المال ما یرفع به حاجته.

و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون المقدار المقرر لهم أقل من أجرة المثل أو مساویا لها أو أکثر منها،و لا بین أن یکون تعیین ذلک قبل قیام هؤلاء بالوظائف المقررة علیهم أو بعده،بل یجوز لولی المسلمین أن یقول لأحد منهم:اقض فی البلد،أو أذن و أنا أکفیک مؤنتک من بیت المال،و لا یکون ذلک إجارة و لا جعالة.

نعم یشترط فی جواز الارتزاق من بیت المال أن یکون المتصدی للمناصب المذکورة و الوظائف المقررة من ناحیة الشرع محتاجا الیه بحیث لا یقدر علی قوت نفسه و عیاله و لو بالتکسب،و إلا فلا یجوز له الارتزاق من بیت المال،فإنه تضییع لحقوق المسلمین.

أقول:لو قلنا بحرمة أخذ الأجرة علی الواجبات أو المستحبات فإن الأدلة الدالة علی الحرمة مختصة بعنوان الأجرة و الجعل فقط،فلا تشمل بقیة العناوین المنطبقة علی المتصدین لتلک الوظائف،کالارتزاق من بیت المال،فإنه معد لمصالح المسلمین،فیجوز صرفه فی أی جهة ترجع إلیهم و تمس بهم،بل یجوز لهؤلاء المتصدین للجهات المزبورة أن یمتنعوا عن القیام بها بدون الارتزاق من بیت المال إذا کان العمل من الأمور المستحبة،و علیه فلا وجه لاعتبار الفقر و الاحتیاج فی المرتزقة کما ذهب الیه جمع کثیر من أعاظم الأصحاب.

لا یقال:إذا صار القضاء و أمثاله من الواجبات العینیة کان شأن ذلک شأن الواجبات العینیة الثابتة علی ذمم أشخاص المکلفین،کالصلاة و الصوم و الحج و نحوها،و من الواضح جدا أنه لا یجوز الارتزاق من بیت المال بإزائها.

فإنه یقال:إن القضاوة و نحوها و ان کانت من الواجبات العینیة فیما إذا انحصر القاضی بشخص واحد،و لکنها مما یقوم به نظام الدین،فتکون من الجهات الراجعة إلی مصالح المسلمین،فقد عرفت:أن مصرف بیت المال إنما هو تلک المصالح،فلا یقاس القضاء و أمثاله

ص:482

بالواجبات العینیة ابتداء خصوصا إذا أراد القاضی أن ینتقل من بلده الی بلد آخر،بل الأمر کذلک فی جمیع الواجبات العینیة إذا توقف علی الإتیان بها ترویج الدین و مصلحة المسلمین

خاتمة تشتمل علی مسائل

الأولی بیع المصحف

اشارة

قوله خاتمة تشتمل علی مسائل:الأولی-صرح جماعة. أقول:ذهب المشهور من أکابر أصحابنا إلی حرمة بیع المصحف،و ذهب جمع آخر کصاحب الجواهر و غیره الی الجواز.و المراد بالمصحف الأوراق المشتملة علی الخطوط،کبقیة الکتب،دون الخط فقط،کما اختاره المصنف(ره)تبعا للدروس،فان الخط بما هو خط غیر قابل للبیع، لکونه عرضا محضا تابعا لمعروضه،فلا یمکن انفکاکه عنه حتی یبحث فیه بأنه یقابل بالثمن أم لا.و علی تقدیر کونه من قبیل الجواهر،کالخطوط المخطوطة بالحبر و نحوه، فإنه لا یقبل النقل و الانتقال،و کیف کان فلا وجه للبحث عن جواز بیع الخط الخالی عن الأوراق و عدم جوازه.

نعم شأن الخطوط بالنسبة إلی الأوراق شأن الصور النوعیة العرفیة التی یلزم من انتفائها انتفاء المبیع رأسا کما سیأتی.

و أما حسن الخط و جودته فذلک من قبیل الأوصاف الکمالیة،فتوجب زیادة فی الثمن و لا یلزم من انتفائها انتفاء المبیع لکی یترتب علیه بطلان البیع،بل یثبت الخیار للمشروط له،إلا إذا کان الخط بمرتبة من الجودة صار مباینا لسائر الخطوط فی نظر العرف،کخط المیر المعروف،و ح فتکون صفة الحسن أیضا من الصور النوعیة العرفیة،و یلزم من انتفائها انتفاء المبیع،فیحکم ببطلان البیع.

و نظیر ذلک ما إذا باع فراشا علی أنه منسوج بنسج قاسان فبان أنه منسوج بنسج آخر فإن الأول لجودة نساجته یعد فی نظر العرف مباینا للثانی،فیبطل البیع،لان ما جری علیه العقد غیر واقع،و ما هو واقع غیر ما جری علیه العقد.و علی الجملة متعلق البحث فی بیع المصحف أما الأوراق المجردة عن الخطوط،أو العکس،أو هما معا،و حیث لا سبیل إلی الأول و الثانی فیتعین الثالث.

ثم إن الروایات الواردة فی بیع المصحف علی طائفتین:

الأولی:ما دل[1]علی حرمة بیعه،أی الأوراق المقیدة بالخطوط،و تدل هذه الطائفة

ص:483

علی جواز بیع غلافه و حدیدته و حلیته.الثانیة ما دل[1]علی جواز بیعه فتقع المعارضة بینهما.

و قد جمع المصنف بینهما بأن الطائفة المجوزة و ان کانت ظاهرة فی جواز البیع،و لکنها

ص:484

لم تتعرض لبیان کیفیته،فلا تعارض ما دل علی حرمة بیعه المتضمن للبیان.

و احتمل فی الجواهر حمل الأخبار المجوزة(علی إرادة شراء الورق قبل أن یکتب بها علی أن یکتبها،فیکون العقد فی الحقیقة متضمنا لمورد البیع و مورد الإجارة بقرینة قوله علیه السلام:و ما عملته یدک بکذا،ضرورة عدم صلاحیة العمل موردا للبیع،فلا بد من تنزیله علی الإجارة).

و یرد علی الوجهین أن کلا من النفی و الإثبات فی الروایات الواردة فی بیع المصاحف إنما ورد علی مورد واحد،و علیه فلا ترتفع المعارضة بین الطائفتین بشیء من الوجهین،لأنهما من الجمع التبرعی المحض،و لا شاهد لهما من العقل و النقل.

و یرد علی خصوص ما فی الجواهر أنه لا وجه لجعل العقد الواحد متضمنا لموردی الإجارة و البیع معا تمسکا بروایة عبد الرحمن بن سلیمان المذکورة فی الحاشیة،فإنه مضافا الی کونها ضعیفة السند.أنه لا دلالة فیها علی مقصود صاحب الجواهر،إذ الظاهر من عمل الید فی قوله(علیه السلام):(فقل إنما أشتری منک الورق و ما فیه من الأدم و حلیته و ما فیه من عمل یدک بکذا و کذا).هو الأثر الحاصل من العمل،لا نفس الفعل،فإنه لا وجه لکون العمل بعد وقوعه متعلقا للإجارة.

و التحقیق أن تحمل الطائفة المانعة من الروایات علی الکراهة بدعوی أن الغایة القصوی من النهی عن بیع المصحف إنما هو التأدب و الاحترام لکلام اللّه عز و جل،فإنه أجل من أن یجعل موردا للبیع،کسائر الکتب و الأمتعة،و أرفع من أن یقابل بثمن بخس دراهم معدودة،إذ الدنیا و ما فیها لا تساوی عند الله جناح بعوضة،فکیف یمکن أن یقع جزء من ذلک ثمنا للقرآن الذی اشتمل علی جمیع ما فی العالم و یدور علیه مدار الإسلام!! و من هنا تعارف من قدیم الأیام أن المسلمین یعاملون علی المصاحف معاملة الهدایا، و یسمون ثمن القرآن هدیة،و علیه فیحمل النهی الوارد عن بیعه علی الکراهة،لإرشاده الی ما ذکرناه.

و یدلنا علی ذلک قوله(علیه السلام)فی روایة روح بن عبد الرحیم:(أشتری أحب إلی من أن أبیعه).و قوله(علیه السلام)فی صحیحة أبی بصیر:(أشتریه أحب إلی من أن أبیعه).و قد ذکرناهما فی الهامش.فان کون الشراء أحب عند الإمام من البیع یدل علی کراهة البیع و کونه منافیا لعظمة القرآن،و لو کان النهی تکلیفیا لم یفرق فیه بین البیع و الشراء.

و لو سلمنا دلالة الروایات المانعة علی الحرمة،و لکنها ظاهرة فی الحرمة التکلیفیة،فلا دلالة فیها علی الحرمة الوضعیة:أعنی فساد البیع و عدم نفوذه،لعدم الملازمة بینهما.و قد تقدم ذلک

ص:485

مرارا.و یضاف الی جمیع ما ذکرناه أن الطائفة المانعة کلها ضعیفة السند.و غیر منجبرة بشیء،فلا یجوز الاستناد إلیها.

لا یقال:إن ما دل علی جواز بیع الورق أیضا معارض بما دل علی عدم جواز بیعه کروایة سماعة المتقدمة فی الحاشیة المصرحة بحرمة بیع الورق الذی فیه القرآن،فإنه یرد علیه مضافا الی ضعف السند فی روایة سماعة أنها صریحة فی المنع عن بیع الورق الذی فیه القرآن،لا الورق المجرد،فلا معارضة بینهما.

ثم إذا قلنا بحرمة بیع المصحف أو بکراهته،للروایات المتقدمة فإنه لا إشعار فیها بأن القرآن لا یملک،و أنه لا یقبل النقل و الانتقال مطلقا،و علیه فمقتضی القاعدة أنه کسائر الأموال یجری علیه حکمها من أنحاء النقل و الانتقال حتی الهبة المعوضة،لوقوع العوض فی مقابل الهبة دون المصحف،إلا البیع فقط.

و یدل علی ما ذکرناه جریان السیرة القطعیة علی معاملة المصاحف معاملة بقیة الأموال، و تدل علی ذلک أیضا الروایات (1)الدالة علی أن المصحف من الحبوة ینتقل الی الولد الأکبر بموت الوالد،و إذا لم یکن للمیت ولد أکبر ینتقل إلی سائر الورثة،فلو لم یکن المصحف مملوکا،أو لم یکن قابلا للانتقال لم تصح الأحکام المذکورة،و یدل علی ما ذکرناه أیضا أنه لو أتلف أحد مصحف غیره،أو أحدث فیه نقصا ضمن ذلک لصاحبه.و من الواضح أنه لو لم یکن مملوکا فإنه لا وجه للحکم بالضمان.

و مما تقدم یظهر ضعف ما قاله المحقق الایروانی:من أن(مورد الأخبار المانعة هو البیع و یمکن جعلها کنایة عن مطلق النواقل الاختیاریة،بل إشارة الی عدم قبوله للنقل و لو بالأسباب الغیر الاختیاریة کالإرث).

ثم إنه علی القول:بحرمة بیع المصحف،أو بکراهته فلا یجری ذلک فی مبادلة مصحف بمصحف آخر،لانصراف أدلة المنع عن هذه الصورة کما ذکره السید(ره)،لإمکان منعه بإطلاق الأدلة،علی أنه لا منشأ للانصراف المذکور.بل لما عرفت سابقا من أن المنع عن بیع القرآن إنما هو لعظمته،و أنه یفوت عن الإنسان متاع ثمین بإزاء ثمن بخس،فإذا کانت المبادلة بین المصحفین لم یجر ذلک المحذور موضوعا.

ثم إنه لا ملازمة بین بیع المصحف،و بین أخذ الأجرة علی کتابته،فلا یلزم من حرمة

ص:486


1- 1) راجع ج 2 کا باب 12 ما یرث الکبیر من الولد دون غیره ص 258.و ج 13 الوافی باب 121 ما یختص به الکبیر ص 114.و ج 3 ئل باب 3 ما یحبی به الولد الذکر الا کبر من ترکة أبیه دون غیره.من أبواب میراث الأبوین و الأولاد ص 343.

الأول أو کراهته حرمة الثانی أو کراهة،بل مقتضی القاعدة هو الإباحة.و تدل علیه جملة من الروایات[1].

معنی حرمة بیع المصحف و شرائه

قوله بقی الکلام فی المراد من حرمة البیع و الشراء. أقول:حاصل کلامه:انه لا شبهة فی أن القرآن یملک و لو بکتابته فی الأوراق المملوکة،و علیه فاما ان تکون النقوش من الأعیان المملوکة أولا،و علی الثانی فلا حاجة الی النهی عن بیع الخط،إذ لم یقع بإزائه جزء من الثمن لیکون ذلک بیعا،و علی الأول فاما ان یبقی الخط فی ملک البائع أو ینتقل إلی المشتری و علی الأول فیلزم ان یکون المصحف مشترکا بین البائع و المشتری، و هو بدیهی البطلان،و مخالف للاتفاق.و علی الثانی فإن انتقلت هذه النقوش إلی المشتری فی مقابل جزء من الثمن فهو البیع المنهی عنه،و إن انتقلت الیه تبعا لغیره-کسائر ما یدخل فی المبیع قهرا من الأوصاف التی تتفاوت قیمته بوجودها و عدمها-فهو خلاف مفروض المتبایعین و التحقیق ان نقوش القرآن و خطوطه من قبیل الصور النوعیة العرفیة،و هی مملوکة للمالک الأوراق ملکیة تبعیة،و دخیلة فی مالیة الورق کبقیة الأوصاف التی هی من الصور النوعیة فی نظر العرف،و علیه فمورد الحرمة أو الکراهة هو بیع الورق الذی کتب فیه کلام اللّه.

و توضیح ذلک انک قد عرفت فی بعض المباحث السابقة و ستعرف إنشاء اللّه تعالی فی مبحث الشروط ان کیفیات الأشیاء و ان کانت بحسب الدقة الفلسفیة من مقولة الاعراض و لکنها تختلف فی نظر أهل العرف،فقد یکون نظرهم إلی الأشیاء أنفسها بالأصالة و الی أوصافها بالتبع،کالأوصاف التی هی من لوازم الوجود.و قد یکون نظرهم فیها إلی الهیئة بالأصالة و الی المادة بالتبع.لکون الهیئة من الصور النوعیة فی نظرهم،کما فی الکأس و الکوز المصنوعین من الخزف،فإنهما فی نظر العرف نوعان متباینان و إن کانا من مادة واحدة،و قد یکون نظرهم الی کلتیهما کالفراش المنسوج من الصوف،فان الاعتبار فی

ص:487

نظر أهل العرف بمادته و هیئته،فهو مباین فی نظرهم مع العباءة المنسوجة من الصوف، و مع الفراش المنسوخ من القطن.

أما القسم الأول فالمالیة فیه من ناحیة المواد لخروج أوصافها عن الرغبات،و أما القسم الثانی فالمالیة فیه لخصوص الهیئات لکون المادة ملحوظة بالتبع،و أما القسم الثالث فالمالیة فیه للهیئة و المادة معا،فان النظر فیه الی کل منهما،و علیه فإذا تخلفت أوصاف المبیع فان کانت من الصور النوعیة بطل البیع،کما إذا باع کوزا فبان کأسا،أو باع فراشا فظهر عبادة، و وجه البطلان هو أن الواقع غیر مقصود و المقصود غیر واقع،و ان کانت من الأوصاف الکمالیة فإن کان لوجودها دخل فی زیادة الثمن ثبت عند تخلفها الخیار،و إلا فلا یترتب علیه شیء،نعم لا یجوز للبائع تغییر الهیئة،لکونه تصرفا فی مال الغیر بدون إذنه،و هو حرام،إلا إذا کانت الهیئة مبغوضة،کهیاکل العبادة الباطلة.

و إذا عرفت ذلک فنقول:إن النقوش فی المصاحف سواء کانت من الاعراض الصرفة أم من الجواهر و إن لم تکن مالا،و لا مملوکة بنفسها،و لکنها دخیلة فی مالیة الأوراق، فإن هذه النقوش فی نظر أهل العرف من الصور النوعیة التی یدور علیها مدار التسمیة، بحیث لو باع احد مجموع ما بین الدفتین علی أنه مصحف فبان أوراقا خالیة عن الخطوط، أو کتاب آخر بطل البیع،لعدم وجود المبیع فی نظر العرف،فالمصحف و کتاب المفاتیح مثلا نوعان،و الجواهر و البحار متباینان،و قد ظهر من جمیع ما ذکرناه ان مورد الحرمة أو الکراهة فی بیع المصحف هو الورق المنقوش الذی یسمی مصحفا،و یؤید ذلک ما فی روایة سماعة من قوله(علیه السلام):(و إیاک ان تشتری الورق و فیه القرآن مکتوب).

ثم إذا قلنا بحرمة بیع المصحف فیمکن توجیه المعاملات الواقعة علیه فی الخارج بأحد وجهین،و هما اللذان یمکن استفادتهما من الروایات المانعة:

الأول:ان یکون المبیع هو الجلد و الغلاف و الحدید و الحلییة،و لکن یشترط المشتری علی البائع فی ضمن العقد ان یملکه الأوراق-التی کتب فیه القرآن-مجانا،و لا یلزم التصریح بذلک الشرط،فإنه بعد البناء علی حرمة بیعه فالقرینة القطعیة قائمة علی اعتبار ذلک الشرط فی العقد،بداهة ان غرض المشتری لیس هو شراء الأدیم و الحدید و الغلاف فقط، و إلا لا اشتری غیرها،بل غرضه تملک المصحف.

الثانی:ان یکون المبیع بالأصالة هو الأمور المذکورة،و لکن تنتقل الخطوط إلی المشتری تبعا و قهرا،فتکون مملوکة له ملکیة تبعیة،إذ لا یعقل انفکاک الصورة عن المادة لکی تبقی الهیئة فی ملک البائع و تنتقل المادة إلی المشتری.

ص:488

لا یقال:إذا کان المبیع هو الأمور المذکورة لزم القول بصحة بیع المصحف و لزومه علی وجه الإطلاق حتی إذا ظهر عیب فی النقوش الموجودة فی الأوراق.

فإنه یقال:لا بأس بالالتزام بذلک إلا إذا اشترط المشتری علی البائع صحة الخطوط، فیثبت للمشتری حینئذ خیار تخلف الشرط.

حکم بیع أبعاض المصحف

إذا قلنا بحرمة بیع المصحف أو بکراهته فهل یختص الحکم بمجموع ما بین الدفتین، أو یسری إلی الأبعاض أیضا؟ربما قیل بالثانی،لقوله«ع»فی روایة سماعة المتقدمة:

(و إیاک أن تشتری الورق و فیه القرآن مکتوب فیکون علیک حراما و علی من باعه حراما فان هذه الروایة ظاهرة فی شمول الحکم لأی ورق کتب فیه القرآن،و علیه فیشمل الحکم لکتب التفسیر،و لکل کتاب رقم فیه بعض الآیات للاستشهاد و الاستدلال،ککتب الفقه و اللغة و النحو و غیرها،أو ذکرت فیه لمناسبة الأبواب،کبعض کتب الحدیث.

و لکن الذی یسهل الخطب أن السیرة القطعیة قائمة علی جواز بیع الکتب المزبورة و شرائها من غیر نکیر حتی من المتورعین فی أفعالهم و معاملاتهم.بل لم نر و لم نسمع من متفقة أنه أفتی فیها بکراهة البیع فضلا عن الفقیه،و إذن فلا بأس بالالتزام بجواز بیع کل کتاب مشتمل علی الآیات القرآنیة،کالکتب المزبورة و غیرها،بل قد یقال:إنه إذا جاز بیع کتاب مشتمل علی أبعاض القرآن جاز بیع أبعاض القرآن بنفسها،لاتحاد الملاک فیهما،بل یجوز بیع مجموع القرآن ح،فان دلیل المنع:أعنی به روایة سماعة لم یفرق فیه بین مجموع القرآن و أبعاضه،و حیث قامت السیرة القطعیة علی جواز البیع فی الأبعاض کان ذلک کاشفا عن جواز بیع المجموع،و یکون ذلک وجها آخر لحمل الأخبار المانعة علی الکراهة.

و لکن الذی یعظم الخطب أن السیرة دلیل لبی فیؤخذ منها بالمقدار المتیقن،فلو تمت الأدلة المانعة عن بیع المصحف لم یجز الخروج عنها إلا بمقدار ما قامت علیه السیرة:أعنی به الکتب المشتملة علی الآیات القرآنیة،و لا یمکن التعدی منها إلی الأبعاض المأخوذة من المصحف فضلا عن التعدی إلی مجموع ما بین الدفتین و الحکم بجواز بیعه

ص:489

بیع المصحف من الکافر

قوله ثم إن المشهور بین العلامة ره و من تأخر عنه عدم جواز بیع المصحف من الکافر علی الوجه الذی یجوز بیعه من المسلم. أقول:تحقیق الکلام هنا یقع فی ناحیتین:

الاولی:جواز تملک الکافر للمصحف و عدم جوازه.الثانیة:أنه بناء علی جواز بیعه من المسلم فهل یجوز بیعه من الکافر أولا؟و أما علی القول بحرمة بیعه منه فیحرم بیعه من الکافر بالأولویة القطعیة.

إما الناحیة الأولی فالظاهر هو الجواز للأصل،فان مقتضاه جواز تملک کل شخص لأی شیء إلا ما خرج بالدلیل،و من الواضح جدا أنا لم نجد ما یدل علی حرمة تملک الکافر للمصحف،بل الظاهر مما ذکرناه آنفا هو جواز ذلک لأی أحد من الناس.

و یلوح ذلک أیضا من کلام الشیخ(ره)فی فصل ما یغنم و ما لا یغنم من المبسوط،أن ما یوجد فی دار الحرب من المصاحف و الکتب التی لیست بکتب الزندقة و الکفر داخل فی الغنیمة،و یجوز بیعها.إذ مع عدم تملک الکافر للمصاحف فلا وجه لدخولها فی الغنیمة، بل تکون من قبیل مجهول المالک.و أما الوجوه المذکورة لحرمة بیع المصحف من الکافر فلا دلالة فیها علی عدم تملکه إیاه،کما سیأتی.

و أما الناحیة الثانیة فقد استدل المصنف علی حرمة بیع المصحف من الکافر بوجوه:

الأول:فحوی ما دل علی عدم تملک الکافر للمسلم.

و فیه أولا:أنه لا دلیل علی ذلک،بل ما دل علی وجوب بیعه یدل بالالتزام علی تملکه إیاه،إذ لا بیع إلا فی ملک،و أیضا ذکر الفقهاء أنه لو اشتری الکافر أحد عمودیه المسلم فإنه ینعتق علیه،مع أنه لا عتق إلا فی ملک،و سیأتی تفصیل ذلک فی البحث عن شرائط العوضین.

و ثانیا:لو سلمنا ثبوت الحکم فی العبد المسلم فلا نسلم قیاس المصحف علیه،فإنه مضافا الی بطلان القیاس فی نفسه،أن فی تملک الکافر للمسلم ذلا علیه،بخلاف تملکه للمصحف فإنه ربما یزید فی احترامه،کما إذا جعله فی مکتبة نظیفة للاطلاع علی آیاته و براهینه،بل قد تترتب علی ذلک هدایته إلی الإسلام.

الثانی:النبوی (1)المعروف(الإسلام یعلو و لا یعلی علیه).بدعوی أن تملک الکافر

ص:490


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 1 ان الکافر لا یرث المسلم من کتاب الإرث.و رواه فی کنز العمال ج 1 ص 17 عن الدارقطنی و البیهقی و الضیاء عن عائذ بن عمر.

للمصحف یوجب الاستعلاء علی الإسلام،فلا یجوز.

و فیه أولا:أن النبوی المذکور ضعیف السند.و ثانیا:أنه مجمل فلا یجوز الاستدلال به علی المطلوب،إذ یمکن أن یراد به أن الإسلام یغلب علی بقیة الأدیان فی العالم.و یمکن أن یراد به أن الإسلام أشرف من سائر المذاهب.و یمکن أن یراد به علو حجته و سمو برهانه،لأن حقیقة الإسلام مستندة الی الحجج الواضحة و البراهین اللائحة بحیث یفهمها کل عاقل ممیز حتی الصبیان،و یتضح ذلک جلیا لمن یلاحظ الآیات القرآنیة،و کیفیة استدلاله تعالی علی المبدء و المعاد و غیرهما ببیان واضح یفهمه أی أحد،بلا احتیاج الی مقدمات بعیدة بخلاف سائر الأدیان،فإنها تبتنی علی خیالات واهیة.و توهمات باردة تشبه بأضغاث الأحکام الثالث:أن بیع المصحف من الکافر یوجب هتکه،لعدم مبالاته بهتک حرمات اللّه.

و فیه أن بین هتک القرآن،و بین بیعه من الکافر عموما من وجه،فقد لا یوجب بیعه من الکافر هتکا له،کما إذا اشتراه و جعله فی مکتبة نظیفة،و احترامه فوق ما یحترمه نوع المسلمین.و قد یتحقق الهتک حیث لا یتحقق بیعه من الکافر،کما إذا کان تحت ید مسلم لا یبالی بهتک حرمات اللّه،فیجعله فی مکان لا یناسبه،و یعامله معاملة المجلات و القراطیس الباطلة،و قد یجتمعان،کما إذا اشتراه الکافر و نبذه وراء ظهره.

علی أن الهتک إنما یترتب علی تسلیط الکافر علی المصحف خارجا،لا علی مجرد بیعه منه، و علیه فإذا و کل مسلما فی بیعه و شرائه و التصرف فیه و الانتفاع به فإنه لا یترتب علیه الهتک من ناحیة تملک الکافر إیاه.

الرابع:أن بیع المصحف من الکافر یستلزم تنجسه،للعلم العادی بمس الکافر إیاه بالرطوبة،فیکون حراما من هذه الجهة.

و فیه أولا:أن بیعه منه لا یلازم تنجسه،فان بینهما عموما من وجه،کما هو واضح.

و ثانیا:أن ذلک من صغریات الإعانة علی الإثم،و قد علمت فی البحث عن بیع العنب ممن یجعله خمرا أنه لا دلیل علی حرمتها إلا فی موارد خاصة.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه أن المستفاد من الوجوه المذکورة هو حرمة البیع تکلیفا، و قد تقدم مرارا أنه لا ملازمة بینها و بین الحرمة الوضعیة.

ثم إن الوجوه المذکورة لو تمت دلالتها علی حرمة بیع المصحف من الکافر فإنها تقتضی حرمة بیع الأدعیة و الروایات منه أیضا،خصوصا إذا کانت مشتملة علی أسماء اللّه و أسماء الأنبیاء و الأئمة.

ص:491

ثم إن المصنف(ره)ذکر:(أن أبعاض المصحف فی حکم الکل إذا کان مستقلا،و أما المتفرقة فی تضاعیف غیر التفاسیر من الکتب للاستشهاد بلفظه أو معناه فلا یبعد عدم اللحوق،لعدم تحقق الإهانة و العلو).

و یرد علیه أن لازم ذلک جواز بیع المصحف منه تماما إذا کان جزء من کتاب آخر، و المفروض حرمته.

الثانیة جوائز السلطان

جواز أخذ المال منه مع الشک فی وجود الحرام فی أمواله

قوله الثانیة:جوائز السلطان و عماله،بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا) أقول:إن مورد البحث هنا کل مال أخذ من أی شخص یأکل فریقا من أموال الناس بالظلم و العدوان،و تخصیص الکلام بجوائز السلطان و عماله إنما هو من جهة الغلبة،و علیه فیعم البحث المال المأخوذ منهم بعنوان المعاملة،و المال المأخوذ ممن یأخذ أموال الناس بالسرقة و الغصب.

ثم إن المال المأخوذ من الجائر لا یخلو من أربعة أقسام،لأن الآخذ إما أن لا یعلم-و لو إجمالا-بوجود مال محرم فی أموال الجائر أو هو یعلم بذلک،و علی الثانی فاما أن لا یعلم بوجود الحرام فی خصوص المال المأخوذ،أو هو یعلم بذلک،و علی الثانی فاما أن یعلم بوجود الحرام فیه تفصیلا أو إجمالا،فهنا أربع صور:

الصورة الاولی:أن یأخذ المال من الظالم مع الشک فی وجود الحرام فی أمواله،و لا شبهة فی جواز ذلک،لعموم قاعدة الید المتصیدة من الاخبار الکثیرة الواردة فی موارد عدیدة،و للروایات الخاصة[1]الواردة فی خصوص المقام.

ص:492

و قد استدل المصنف(ره)علی ذلک مضافا الی الروایات الخاصة بالأصل و الإجماع،أما الإجماع فیحتمل قریبا أن یکون مستنده قاعدة الید،و الاخبار الخاصة الواردة فی المقام، فلا یکون إجماعا تعبدیا.

و أما الأصل فإن کان المراد به قاعدة الید-و إنما عبر عنها بالأصل للمساهلة و المسامحة- فهو متین،لأنها من القواعد المسلمة بین الفقهاء،فحال الجائر فی هذه الصورة حال بقیة الناس فان الاحتمال المذکور موجودة حتی فی أموال العدول من المسلمین،بل یمکن شمول قاعدة الید للکفار أیضا،و إن أراد بالأصل غیر قاعدة الید فلا نعلم له وجها صحیحا.

و قد یقال:إن المراد به أصالة الصحة،فإن القاعدة تقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة، و المفروض أن الجائر من المسلمین،فیعامل معاملة بقیة المسلمین.

و لکن یرد علیه أنه لم یقم دلیل لفظی علی اعتبار أصالة الصحة،لکی یتمسک بإطلاقه فی کل مورد یشک فیه،و دلیلها إنما هو السیرة،و هی من الأدلة اللبی،فیؤخذ بالمقدار المتیقن منها،و هو نفس العقود و الإیقاعات.مع إحراز أهلیة المتصرف للتصرف،و علیه المتیقن منها،و هو نفس العقود و الإیقاعات.مع إحراز أهلیة المتصرف للتصرف،و علیه فإذا شک فی أن العقد الفلانی تحقق صحیحا أو فاسدا لخلل فی إیجابه أو قبوله فإنه یحمل علی الصحة،و أما إذا شک فیه من جهة أخری فلا دلیل علی حمل فعل المسلم علی الصحة.

و من هنا لو أشار أحد إلی دار معینة و قال بعتک هذه الدار بکذا فإنه لا یمکن الحکم بصحة هذه المعاملة اعتمادا علی أصالة الصحة إذا انتفت قاعدة الید،أو إذا قطعنا النظر عنها.

و من هنا أیضا لو شک فی أن البائع أصیل أو فضولی فإنه لا وجه لحمله علی الأول بمقتضی أصالة الصحة.

و قد یقال:إن المراد بالأصل هو أصالة الإباحة الثابتة بالأدلة العقلیة و النقلیة.و فیه أن أصالة الإباحة إنما تجری فی الأموال إذا لم تکن مسبوقة بید اخری،کالمباحات الأصلیة التی ملکها الجائر بالحیازة.و أما إذا کانت مسبوقة بید أخری فإن أصالة الإباحة محکومة بأصل آخر،و هو عدم انتقال الأموال المذکورة إلی الجائر من مالکها السابق،فیحرم تناول تلک الأموال من الجائر،إذ لیس هنا أصل موضوعی یثبت مالکیته لما فی یده إلا

ص:493

قاعدة الید،و المفروض أنها لا تجری فی المقام.

و قد احتمل المصنف(ره)أنه لا یجوز أخذ الجوائز من الجائر إلا مع العلم باشتمال أمواله علی مال حلال لکی یحتمل أن یکون المال المأخوذ من المال الحلال،و قد استند فی ذلک الی روایة الحمیری[1].

و یرد علیه أولا:أن الروایة مرسلة فلا یجوز الاستناد إلیها.و ثانیا:إنها غریبة عن محل البحث،فان مورد کلامنا هی الصورة الاولی،و هی ما إذا لم یعلم باشتمال أموال الجائر علی مال محرم.و مفروض الروایة عکس ذلک.فتکون راجعة إلی الصورة الآتیة.

و لعل ذلک اشتباه من الناسخ فکتبها فی غیر موضعها،و قد وقع نظیره فی کتب الشیخ و اللّه العالم.

جواز أخذ المال من الجائر
اشارة

مع العلم الإجمالی بوجود الحرام فی أمواله

الصورة الثانیة:أن یعلم الآخذ إجمالا باشتمال أموال السلطان علی الحرام،و لکن لا یعلم باشتمال الجائزة علیه،فیقع الکلام هنا فی ناحیتین:

الاولی:أن لا تکون الأصول و الأمارات معارضة فی أطراف العلم الإجمالی.و الثانیة:

أن تقع المعارضة بینهما فی ذلک.

أما الناحیة الاولی فذکر المصنف ان التصرف فی المال المأخوذ من السلطان الجائر فی هذه الصورة جائر بأحد شرطین علی سبیل مانعة الخلو،الأول:أن تکون الشبهة فی أطراف العلم الإجمالی غیر محصورة.و الثانی:أن یکون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء و ان کانت الشبهة محصورة،کما إذا دفع الجائر الی أحد جاریة،و علم المدفوع إلیه بأن إحدی الجاریتین مغصوبة إما هذه الجاریة و إما الجاریة الأخری التی اختص بها الجائر بحیث أصبحت أم ولد له و من خواص نسائه،و من الواضح أن أم ولد الجائر خارجة عن

ص:494

محل ابتلاء غیره فلا یکون العلم الإجمالی منجزا فی أمثال ذلک.

و قد استدل علی هذا الرأی فی فرائده بوجوده شیء،و أشار هنا الی واحد منها.

و حاصله:أن العلم الإجمالی إنما یوجب التنجیز إذا کان التکلیف المتعلق بالواقع فعلیا علی کل تقدیر من غیر ان یکون مشروطا بالابتلاء فی بعض الأطراف،و إلا فتکون الشبهة بدویة بالنسبة الی ما هو فی معرض الابتلاء.

و یرد علیه ما ذکرناه مفصلا فی علم الأصول،و حاصله:أن کون الشبهة محصورة أو غیر محصورة،أو خروج بعض أطرافها عن محل الابتلاء لیس مناطا فی تنجیز العلم الإجمالی،لعدم الدلیل علیه من العقل أو النقل،بل الحجر الاساسی فی تنجیزه ان یکون ارتکاب کل فرد من أطراف الشبهة مقدورا للمکلف بالقدرة العقلیة،و إلا فهو لا یوجب التنجیز،لقبح التکلیف بأمر غیر مقدور للمکلف،و علیه فان کان جمیع أطراف الشبهة هنا مقدورا للمکلف کان العلم الإجمالی منجزا للتکلیف،و إلا فلا،سواء أ کانت الشبهة محصورة أم غیر محصورة،و سواء أ کان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء أم لا، و علی هذا فلا وجه لتفصیل المصنف فی المقام.

و التحقیق أنه لا مانع من التصرف فی هذه الصورة أیضا سواء کان أخذ المال من الجائر مجانا أم مع العوض،و ذلک من جهة الاعتماد علی قاعدة الید،فان من المحتمل ان یکون الحرام منطبقا علی ما بید الجائر دون ما أعطاه للغیر،و لا فرق فیما ذکرناه بین ما کان المناط فی تنجیز العلم الإجمالی نفس العلم أو تعارض الأصول.

و الوجه فی ذلک ان جریان قاعدة الید فی المال المأخوذ لا مانع عنه.و أمال المال الآخر الباقی تحت ید الجائر فهو غیر مشمول للقاعدة للعلم بحرمة التصرف فیه علی کل من تقدیری کونه غصبا و عدمه،و سیجیء بیان ذلک قریبا،و من هنا ظهر انه لو کان للجائر مرکوبان،و کان أحدهما غصبا فأباح أحدهما لشخص و أبقی الآخر فی یده فإنه جاز للمباح له ان یتصرف فی ذلک،و اما لو أباح أحدهما و ملکه الآخر ببیع و نحوه فإنه یحرم علیه التصرف فی کلیهما.

ص:495

ما استدل به علی کراهة أخذ المال

من الجائر مع العلم بوجود الحرام فی أمواله و الجواب عنه

قوله ثم إنه صرح جماعة بکراهة الأخذ. أقول:کره جماعة أخذ الجائزة من الجائر مع قیام الحجة علی الجواز،و استدلوا علیه بوجوه:

الأول:انه یحتمل ان یکون المأخوذ منه حراما واقعا،لکن قام الدلیل علی جواز

تناوله ظاهرا،فیکون مکروها.

و فیه انه لو کان الاحتمال موجبا لکراهة التصرف فی المأخوذ من الجائر لوجب الالتزام بکراهة التصرف فیما أخذ من أی أحد من الناس حتی المتورعین فی أمورهم،لوجود الاحتمال المذکور فی أموالهم،مع انه لم یلتزم بها أحد فی غیر جوائز السلطان.

الوجه الثانی:الاخبار الکثیرة الدالة علی حسن الاحتیاط،

(1)

کقوله«ع»:(دع ما یریبک الی مالا یریبک)و قولهم«ع»:(فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات)و کقوله «ع»:(الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة)و کقول علی«ع»لکمیل بن زیاد:(أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت).و فی الحدیث(إن لکل ملک حمی و حمی اللّه محارمه فمن رتع حول الحمی أو شک ان یقع فیه).و غیر ذلک من الروایات.

و فیه انه إن کان المراد بالریب أو الشبهة التی جعلت موضوعا للحکم فی هذه الاخبار الریب فی الحکم الظاهری-بأن کانت واقعة خاصة مشتبهة فی حکمها الظاهری-فهو ممنوع فی المقام،لارتفاعه بقاعدة الید التی ثبت اعتبارها فی الشریعة المقدسة،و ان کان المراد به الریب فی الحکم الواقعی فالاموال کلها إلا ما شذ و ندور مشتبهة من حیث الحکم الواقعی حتی الأموال المشتبهة فی أیدی عدول المؤمنین،لوجود احتمال الحرمة الواقعیة فی جمیع ذلک،و لازم ذلک ان یحکم بکراهة التصرف فی جمیع الأموال غیر ما أخذ من المباحات الأصلیة،و علی هذا فطریق التخلص من الکراهة ان یعامل بها معاملة مجهول المالک،کما کان ذلک دأب بعض الاعلام من السادة.

نعم یختلف الاحتیاط من حیث الشدة و الضعف بحسب الموارد،فالاحتیاط فی أموال الجائرین أشد من الاحتیاط فی أموال بقیة الناس.و علی الجملة لا طریق لنا إلی إثبات

ص:496


1- 1) راجع ج 3 ئل باب 12 وجوب التوقف و الاحتیاط من أبواب صفات القاضی ص 387-389.

الکراهة فی جوائز السلطان،لأنه إن کان المراد بالکراهة الکراهة الشرعیة فالأخبار المذکورة غریبة عنها،و إن کان المراد بها الکراهة الإرشادیة الناشئة من حسن الاحتیاط فلا اختصاص لها بالمقام.

الوجه الثالث:أن أخذ المال منهم یوجب محبتهم،

فان القلوب مجبولة علی حب من أحسن إلیها.و قد نهی فی الاخبار المتواترة عن موادتهم و معاشرتهم،و قد أشرنا إلیها فی البحث عن حرمة معونة الظالمین.

و فیه أنه لا شبهة فی ورود النهی-إما تحریمیا کما فی جملة من الاخبار أو تنزیهیا کما فی جملة أخری منها-عن صحبة الظالمین و موادتهم و مجالستهم،و لکن بین ذلک و بین أخذ جوائزهم عموما من وجه،إذ قد یکون احد محبا للظلمة و أعوانهم من دون ان یأخذ شیئا منهم،کالذین استحوذ علیهم الشیطان فأنساهم ذکر اللّه حتی صاروا من أولیاء الظلمة و محبیهم،و قد یأخذ أحد جوائزهم و أموالهم،و هو لا یحبهم،بل ربما أوجب ذلک بغضهم و عدائهم،کما إذا کان أجیرا للظالم و أعطاه أقل من اجرة المثل.و دعوی کون الإجارة خارجة عن مورد البحث دعوی جزافیة.فقد عرفت أن مورد البحث أعم من ان یکون الأخذ مجانا أو مع العوض.

الوجه الرابع:قوله«ع»فی روایة الفضل1:(و اللّه لو لا اننی أری من أزوجه بها من

عزاب بنی أبی طالب لئلا ینقطع نسله ما قبلتها ابدا).

فان هذه الروایة صریحة فی ان الإمام(علیه السلام)إنما قبل هدیة الرشید لیزوج بها العزاب من آل أبی طالب لئلا ینقطع نسله و لو لا هذه الناحیة المهمة لکان الرد أولی،فتدل علی الکراهة ما لم تکن فی الأخذ مصلحة راجحة.

و لکن یرد علیه ان اشمئزاز الإمام(علیه السلام)عن قبول هدیة الرشید لیس من جهة کونها من أموال الظلمة،بل لاستلزامها المنة،فإن من أشق الأحوال ان یغصب احد حق غیره، ثم یهدی الیه هدیة بعنوان التفضل و إظهار العظمة.

و الوجه فیما ذکرناه ان ما أعطاه الرشید للإمام(علیه السلام)لا یخلو إما ان یکون من أمواله الشخصیة،أو من بیت المال،أو من مجهول المالک،أو من معروف المالک،فان کان من الأول فلا شبهة فی جواز أخذه،و هو واضح،و کذلک إن کان من الثانی أو الثالث، فإن ولایة بیت المال و مجهول المالک للإمام(علیه السلام)،و إن کان من الرابع فللإمام(علیه السلام)،

ص:497

ان یأخذه و یوصله الی مالکه،و له ان لا یأخذه أصلا.اما ان یأخذه و یزوج به عزاب بنی أبی طالب فذلک غیر جائز،اللهم إلا ان یقال:إنه من جهة کون الامام(علیه السلام)أولی بالمؤمنین من أنفسهم،و لکن هذا بعید عن مراد الامام(علیه السلام)فی الروایة.

ما استدل به علی رفع الکراهة

عن جوائز السلطان و الجواب عنه

قوله ثم إنهم ذکروا ارتفاع الکراهة بأمور:منها إخبار المجیز). أقول:ذکر الفقهاء رضوان اللّه علیهم موارد لارتفاع الکراهة بناء علی ثبوتها فی جوائز الظالمین.منها إخبار الظالم بحلیة الجائزة و کونها من أمواله الشخصیة،کأن یقول:هذه الجائزة من تجارتی أو من زراعتی أو نحو ذلک مما یحل للآخذ التصرف فیه.

و یرد علیه أن ارتفاع الکراهة بذلک بناء علی ثبوتها و إن کان مشهورا بین الأصحاب، بل مما لا خلاف فیه علی ما حکاه المصنف عن ظاهر الریاض تبعا لظاهر الحدائق،إلا أنا لم نجد له مستندا صحیحا،و قد اعترف بذلک صاحب المناهل.

و قد یتوهم أن المستند فی رفع الکراهة هنا ما دل علی حجیة قول ذی الید،فیکون إخباره بذلک کسائر الأمارات المعتبرة شرعا.

و فیه أن إخباره بحلیة ماله لا یزید علی یده،فکما أن إخباره یدل علی الملکیة الظاهریة فکذلک یده.و احتمال مخالفة الواقع متحقق فی کلیهما،و علیه فحسن الاحتیاط یقتضی الاجتناب فی کلا الموردین،و لکنه لا تثبت به الکراهة المصطلحة الناشئة من الحزازة فی الفعل.الثانی:إخراج الخمس،نقل المصنف حکایته عن المنتهی و المحقق الأردبیلی،بل عن ظاهر الریاض عدم الخلاف فیه.و قد استدل علی کونه رافعا للکراهة عن الجوائز بوجوه الوجه الأول:فتوی النهایة و السرائر باستحباب الخمس فی الجوائز،بدعوی أن أخبار من بلغ تشمل ما کان بلوغه بفتوی الفقیه،بل ذکر المصنف أن فتوی النهایة و السرائر کالروایة و علیه فلا نحتاج الی ذلک التعمیم.

و فیه أن استحباب الخمس فیها لا یلازم رفع الکراهة عن التصرف فی البقیة.

الوجه الثانی:ما حکاه المصنف عن المنتهی من أن المال الذی اختلط بالحرام قطعا یطهر بالتخمیس،فما احتمل وجود الحرام فیه یطهر به بالأولویة القطعیة.

و یرد علیه أولا:ما ذکره المصنف من أن إخراج الخمس من المال المختلط بالحرام بمنزلة

ص:498

البدل عن الحرام الواقعی،فیکون ذلک نظیر المصالحة فی نظر الشارع فیرتفع به أثر الحرام أعنی به وجوب الاجتناب.و أما المال الذی یحتمل أن یکون حراما کله و قذرا فی ذاته فلا معنی لتطهره بإخراج خمسة،فإنه لو کان المال بمجموعه حراما فی الواقع لم یصح أن یکون الخمس بدلا عنه لکی یکون ذلک بمنزلة المصالحة فی نظر الشارع.

و ثانیا:أن مقتضی القیاس هو وجوب الخمس فیما یشک فی حرمته و حلیته من الأموال لا استحبابه،فان اتحاد الملاک فی الموردین یقتضی اتحاد الحکم فیهما،و علیه فتوهم وجوب الخمس فی مورد و استحبابه فی مورد آخر مع فرض وحدة الملاک فیهما شبیه بالمتناقضین.

و ثالثا:أن هذا الوجه قیاس لا یفید إلا الظن بالواقع،و هو لا یغنی من الحق شیئا.

و رابعا:لو سلمنا جمیع ذلک فإنما یدل علی طهارة المال بإخراج الخمس،و لا منافاة بین ذلک،و بین کراهة التصرف فی الباقی.

الوجه الثالث:الأخبار الدالة علی وجوب الخمس فی مطلق الجوائز،و حیث إن المشهور لم یلتزموا بوجوب الخمس فیها فتحمل تلک الأخبار علی الاستحباب.

و فیه أولا:أن اعراض المشهور عن الروایة المعتبرة لا یوجب رفع الید عنها،و علیه فمقتضی العمل بتلک الروایات إنما هو وجوب الخمس فی الجائزة،لا استحبابه.

و ثانیا:أن الظاهر من هذه الأخبار إنما هو وجوب الخمس فی الهدایا،لکونها من الغنائم و الفوائد و الأرباح التی تحصل للإنسان یوما فیوما.فشأنها شأن أرباح المکاسب التی یجب فیها الخمس بعد إخراج المؤنة و مضی السنة،و لازم ذلک أن نقول بوجوب الخمس أو باستحبابه فی الجائزة بعنوانها،لا من حیث اندراجها فی الأرباح،فلا بد من الالتزام بثبوته فیها مرتین،و لم یلتزم بذلک فقیه.

علی أن إخراج الخمس عن الجوائز لا یرفع احتمال الحرمة عن الباقی إلا مع الالتزام بکون التخمیس بمنزلة المصالحة فی نظر الشارع،و قد عرفت جوابه آنفا.

و یضاف الی ما ذکرناه أنا لم نجد فی الروایات ما یدل علی وجوب الخمس فی الجائزة بعنوانها حتی نحمله علی الاستحباب،نعم ذکرت الجائزة و الهدیة فی بعض الأحادیث[1]

ص:499

و لکن لا علی نحو الموضوعیة،بل لکونهما من أفراد الغنائم و الفوائد و من الأرباح الحاصلة یوما فیوما.و من جمیع ما ذکرناه ظهر الجواب عن الموثقة[1]الدالة علی وجوب الخمس فیما حصل للإنسان من خصوص عمل السلطان.

الوجه الرابع:ما ذکره المصنف من(أن المستفاد مما تقدم-من اعتذار الکاظم(علیه السلام) من قبول الجائزة بتزویج عزاب الطالبیین لئلا ینقطع نسلهم،و من غیره-أن الکراهة ترتفع بکل مصلحة هی أهم فی نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة).و قد تقدم أن الوجه فی إبائه(علیه السلام)عن قبول هدیة الرشید لزوم المنة،و إلا فلا شبهة فی جواز أخذ الإمام علیه السلام إیاها.

ثم إنا لو سلمنا کراهة أخذ الجائزة من الجائر فلا رافع لها إلا معاملتها معاملة مجهول المالک،کما هو کک فی جمیع الأموال التی لم تثبت حلیتها بالعلم الوجدانی،و قد کان ذلک دأب بعض الأعاظم من السادة(ره).

و أما الناحیة الثانیة-و هی ما کانت الأصول معارضة فی أطراف الشبهة-فتفصیل الکلام فیها یقع تارة من حیث القواعد،و اخری من حیث الروایات،أما من حیث القواعد أن الجائر قد یحیز التصرف فی شیء معین من أمواله أو یعطیه لأحد مجانا أو مع العوض، و قد یجیز التصرف فی جمیع أمواله علی نحو العموم الاستیعابی،و قد یجیز التصرف فی شیء منها علی نحو العموم البدلی.

أما القسم الأول فلا شبهة فی انحلال العلم الإجمالی فیه الی شک بدوی و علم تفصیلی،لأن الآخذ یعلم تفصیلا بحرمة التصرف فی بقیة أموال الجائر،إما لکونها مغصوبة،أو لأنه لم یجز التصرف فیها.و أما خصوص ما أخذه من الجائر فیجوز له التصرف فیه استنادا الی ید الجائر التی هی أمارة الملکیة،و لا تکون معارضة بیده فی الطرف الآخر،لما عرفت

ص:500

من حرمة التصرف فیه علی کل تقدیر،و مع الإغضاء عن الاستناد إلی قاعدة الید فلا بد من التفصیل بین الأموال التی کانت مسبوقة بید اخری،و بین الأموال التی أخذت من المباحات الأصلیة،فإن أصالة عدم الانتقال فی الأول حاکمة علی أصالة الحل.

و أما القسم الثانی فلا ریب فی تنجیز العلم الإجمالی فیه،لتعارض الأصول و تساقطها فی أطرافه،و کون التکلیف منجزا علی کل تقدیر.کما إذا کان للجائر عشرون دینارا فأجاز لأحد ان یتصرف فی جمیعها،و کان المجاز یعلم ان احد هذه الدنانیر حرام،فإنه یحرم علیه التصرف فی جمیعها.

و أما القسم الثالث فقد یتوهم فیه انحلال العلم الإجمالی إلی شک بدوی و علم تفصیلی علی التقریب المتقدم فی القسم الأول و مثاله إذا أعطی الجائر کیسه لشخص،و قال له:خذ منه دینارا،و کان الآخذ یعلم إجمالا باشتمال الکیس علی دینار محرم،فان اختیاره دینارا خاصا إنما یعین متعلق إذن الجائر،فکأنه من الأول إنما أذن فی التصرف فی ذلک الدینار المعین، فیجری فی هذا القسم جمیع ما ذکرناه فی القسم الأول.

و لکن التحقیق انه لا فرق فی تنجیز العلم الإجمالی بین القسم الثانی و الثالث.و الوجه فی ذلک ما فصلناه فی علم الأصول.و مجملة ان العلم الإجمالی بالتکلیف الثابت بین الأطراف المعینة التی هی بأجمعها فی معرض الابتلاء یقتضی الاجتناب عن الجمیع،و علیه فالترخیص فی ارتکاب ما یختاره المکلف ترخیص فی مخالفة الحکم المنجز من غیر وجود مؤمن فی البین، و أصالة عدم کون ما یختاره المجاز حراما معارضة بأصالة عدم کون الباقی حراما،و إذن فیجب الاجتناب عن الجمیع.

و بعبارة اخری ان المناط فی تنجیز العلم الإجمالی إنما هو تعارض الأصول فی أطرافه، سواء أ کان المکلف مع ذلک متمکنا من ارتکابها علی نحو العموم الشمولی،أو علی نحو العموم البدلی:بأن لا یتمکن من ارتکاب المجموع،کما إذا قال المولی لعبده:یحرم علیک السکنی فی الدار المعینة عند طلوع الفجر فاشتبه علیه متعلق التکلیف بین دارین فإنه یجب علیه الاجتناب من کلتا الدارین،مع أنه غیر متمکن من السکنی فیهما معا عند طلوع الفجر، فان عدم تمکن المکلف من ارتکاب مجموع الأطراف لا یمنع عن تنجیز العلم الإجمالی إذا تمکن من ارتکابها علی البدل.

و قد یقال بانحلال العلم الإجمالی أیضا فی هذا القسم لوجوه:

الأول:قاعدة الید،و فیه أن قاعدة الید إنما توجب الانحلال إذا أجاز الجائر التصرف فی مال معین کما تقدم فی القسم الأول،و أما إذا أذن فی التصرف فی مال غیر معین علی نحو

ص:501

العموم البدلی فإن قاعدة الید فی أی فرد اختاره المجاز معارضة لها فی الطرف الآخر،فلا توجب انحلال العلم الإجمالی.

الثانی:قاعدة من ادعی شیئا و لم یعارضه أحد فی دعواه یحکم بکون الشیء ملکا له.

و فیه أن القاعدة المذکورة و إن وردت فی بعض الأحادیث[1]و لکنها غریبة عن المقام للعلم بوجود الحرام فیما بید الجائر.علی أن الروایة واردة فی قضیة شخصیة،فلا یمکن التعدی منها الی غیرها،للجهل بخصوصیاتها.

الثالث:أن حمل فعل المسلم علی الصحة یقتضی معاملة ما بید الجائر معاملة الملکیة.و فیه مضافا الی ما أوردناه علی الوجه الأول.أنه قد یراد من أصالة الصحة حمل فعل المسلم علی الصحیح فیما إذا کان ذا وجهین(الحلال و الحرام)و لا شبهة أن حمله علی الوجه الحلال لا یوجب ترتب آثاره علیه،کما إذا تکلم المسلم بکلام احتملنا أنه سلام أو سباب،فحمل فعله علی الصحة یقتضی أن لا یکون سبابا،و لکن ذلک لا یثبت کونه سلاما فیجب رد جوابه،فإذا حملنا فعل الجائر علی الصحة بهذا المعنی لم یفد ذلک شیئا و لم تترتب علیه آثار الصحة من الحکم بملکیة المأخوذ،و جواز التصرف فیه.

و قد یراد بها أصالة الصحة فی العقود،و لا ریب أنها لا تثبت کون العوضین ملکا للمتبایعین،و إنما تثبت بها صحة العقود إذا شک فیها لأمر یرجع الی الصیغة،لعدم الدلیل عن أزید من ذلک،فأصالة الصحة إما أن لا تکون جاریة،أو لا نثبت بها لوازمها.

و أما من حیث الروایات فقد استدل علی جواز التصرف فی المأخوذ إذا علم إجمالا باشتمال مال الجائر علی الحرام بطوائف من الروایات،الأولی:الأخبار (1)الواردة فی باب الربا الدالة علی وجوب رد الزائد عن رأس المال الی مالکه إذا کان معلوما،و أما إذا کان المالک مجهولا فهو حلال للآخذ.

و قد استدل بها السید فی حاشیته علی جواز التصرف فی الجائزة و لو مع العلم إجمالا باشتمالها علی الحرام.

ص:502


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 5 حکم من أکل الربا بجهالة ثم تاب من أبواب الربا ص 598 و ج 10 الوافی باب 55 الربا ص 53.و ج 1 کا باب 51 من المعیشة ص 369.

و فیه أن هذه الأخبار غریبة عما نحن فیه،لأنها راجعة إلی حلیة الربا بعد التوبة، و دالة علی عفو اللّه عن ذلک تسهیلا للمکلفین و ترغیبا فی التوبة.و علیه فالتوبة شرط متأخر لحلیة الربا مع الجهل بصاحبه.و قد ورد (1)فی تفسیر قوله تعالی (2): (فَلَهُ ما سَلَفَ) ما یدل علی العفو عن الربا وضعا و تکلیفا بعد التوبة.و ح فشأن الربا شأن الموارد التی أذن الشارع فی التصرف فی أموال الناس بدون إذنهم،کأکل طعام الغیر فی المجاعة،و التصرف فی اللقطة بعد التعریف،و فی الأراضی المتسعة و الأنهار الکبار، و کالتصرف فی الأراضی المغصوبة لإنقاذ الغریق،الی غیر ذلک من الموارد.

الطائفة الثانیة:الأخبار (3)الدالة علی حلیة الأشیاء ما لم تثبت حرمتها،فإنها تدل بإطلاقها علی جواز التصرف فیما أخذ من الظالم ما لم تعلم حرمته تفصیلا.

و لکن یرد علیها أن العمل بإطلاقها یقتضی الحکم بجواز ارتکاب جمیع الشبهات،سواء کانت مقرونة بالعلم الإجمالی أم لا،و سواء کانت الشبهة محصورة أم لا،و من الضروری أن هذا مما لا یمکن الالتزام به،و علیه فلا بد من حمل تلک الأخبار علی فرض کون الشبهة بدویة.

و بعبارة اخری أن تلک الأخبار منصرفة عن موارد العلم الإجمالی إذا کانت فی معرض الابتلاء،فان شمولها لجمیع الأطراف یستلزم المخالفة القطعیة،و لأحدهما المعین ترجیح بلا مرجح،و عنوان أحدهما من غیر تعیین لیس له مصداق غیر الأفراد الخارجیة،و الفرد المردد لا وجود له حتی فی علم اللّه،علی أن القائلین بجواز أخذ الجائزة من الجائر کالشهیدین و المحقق و غیرهم لم یقولوا بجواز المخالفة القطعیة فی أطراف العلم الإجمالی.

قوله و قد تقرر حکومة قاعدة الاحتیاط علی ذلک. أقول:العجب من المصنف فإنه قد أسس المبانی الأصولیة،و شید أساس تقدیم أدلة البراءة علی أدلة الاحتیاط،و مع ذلک التزم هنا بحکومة قاعدة الاحتیاط علی البراءة.

قوله علی أن الید لا تؤثر فیه. أقول:الوجه فی ذلک ما تقدم من أن جریان قاعدة الید فی بعض الأطراف معارض بجریانها فی الطرف الآخر،للعلم بمخالفتها للواقع فی أحد الطرفین.

ص:503


1- 1) راجع البابین المتقدمین من الوافی و ئل.
2- 2) سورة البقرة،آیة:276.
3- 3) راجع ج 3 ئل باب 35 حکم السمن و الجبن و غیرهما من أبواب الأطعمة المحرمة ص 262.و ج 2 التهذیب ص 302.و ج 1 البحار ص 156.و ج 2 ئل باب 31 عدم جواز الإنفاق من الحرام مما یکتب به ص 537.

قوله فهو علی طرف النقیض مما تقدم عن لک. أقول:الوجه فیه أن القول بعدم وجوب الاحتیاط یناقض القول بوجوبه،کما أن القول بخروج جوائز الظالم عن مورد الشبهة المحصورة تخصصا یناقض القول بخروجها عن ذلک تخصیصا.

الطائفة الثالثة:الأخبار الدالة علی جواز أخذ الجوائز من الجائر سواء کان الأخذ مع العوض أم بدونه،و قد تقدمت (1)جملة من هذه الروایات.

و فیه أن المستدل بهذه الاخبار إما ان یدعی ظهورها فی الحلیة الواقعیة،أو یدعی ظهورها فی الحلیة الظاهریة أما الدعوی الاولی فحاصلها ان الشارع قد حکم بأن أخذ المال من الجائر یوجب حلیته واقعا نظیر تخمیس المال المختلط بالحرام بناء علی کونه مطهرا للمال المذکور واقعا و هذه الدعوی و إن کانت لا غرابة فیها فی نفسها لأن الشارع قد أباح التصرف فی مال الغیر بدون إذنه إباحة واقعیة فی موارد کثیرة،کأکل طعام الغیر فی المجاعة،و التصرف فی أرضه لإنجاء الغریق،و أکل المارة من ثمرته،و أکل اللقطة بعد التعریف المقرر فی الشریعة،و التصرف فی الأراضی المتسعة و الأنهار الکبار،و کالتصرف فیما یؤخذ ممن لا یعتقد الخمس،فإن الأئمة قد جعلوا شیعتهم فی حل من ذلک واقعا لیطیب نسلهم و لکن لا یمکن الذهاب الی ذلک فی مقام الإثبات إلا فیما دل الدلیل علیه کما فی الموارد المذکورة.نعم یظهر ذلک من إطلاق جملة من الروایات،کقوله«ع»فی روایة أبی ولاد المتقدمة (2):(فلک المهنأ و علیه الوزر)و غیر ذلک من الاخبار.و لکن العمل بإطلاقها یقتضی إباحة أخذ الجائزة من الجائر حتی مع العلم التفصیلی باشتمالها علی الحرام،و لم یتفوه به احد،و علیه فلا بد من رفع الید عن إطلاقها و حمله علی الشبهات البدویة،أو المقرونة بالعلم الإجمالی الذی لا یوجب التنجیز.

و لنا ان نمنع دلالة تلک الروایات علی جواز أخذ الجائزة من الجائر مطلقا،فإن السؤال فیها من جهة ما هو مرتکز فی أذهان الناس من أن الجائر لا یبالی بالحرام،و ح فتکون أمواله مشتبهة بالحرام،إذ لیست أموال الجائرین مقطوعة الحرمة لیکون ذلک احتمالا موهونا فی حقهم.

و یلوح هذا المعنی من بعض تلک الروایات،کصحیحة أبی ولاد التی تقدمت،بل الظاهر من بعضها تقیید الحکم بصورة الشک فقط،کروایة إسحاق بن عمار[1].

ص:504


1- 1) فی البحث عن أخذ المال من الجائر مع الشک فی وجود الحرام فی أمواله ص 492
2- 2) فی ص 492.

و أما الدعوی الثانیة فحاصلها أن المال المأخوذ من الجائر علی تقدیر کونه حراما فهو باق علی حرمته الواقعیة،و لکنه حلال فی الظاهر بترخیص الشارع،کبقیة الأحکام الظاهریة.

و یرد علی ذلک أن تلک الأخبار لا یمکن شمولها لجمیع الأطراف،فإنه ترخیص فی مخالفة حکم الشارع فهو حرام،و لبعضها دون بعض ترجیح بلا مرجح،و إذن فتخرج موارد العلم الإجمالی الذی یوجب التنجیز عن حدود تلک الأخبار تخصصا.

فیما علم تفصیلا کون الجائزة محرمة
اشارة

الصورة الثالثة:و هی ما علم تفصیلا بکون الجائزة محرمة،و قد ظهر حکمها من الصورة السابقة،فلا تحتاج إلی الإعادة،و إنما المهم هو التعرض للأمور التی ذکرها المصنف فی ذیل هذه الصورة.

الأمر الأول:ما هو حکم الجائزة إذا علم الآخذ تفصیلا بأنها مغصوبة؟أقول:إن علم الآخذ بحرمة الجائزة تارة یکون قبل استقرارها فی یده و اخری بعده.أما الجهة الأولی فیحرم علیه أخذها اختیارا بقصد التملک،للعلم بکونها مال الغیر،و أنه یحرم التصرف فی مال الغیر بدون إذن صاحبه،بل یحرم التصرف حتی مع قصد إرضاء مالکه بعده،فان التصرف فی مال الغیر إنما یجوز إذا کان المالک راضیا به حال التصرف.و أما الرضاء المتأخر فلا یؤثر فی مشروعیة التصرف المتقدم،فیکون الآخذ ضامنا للمالک مع التلف،لأن یده ید عدوان.نعم یجوز أخذه لإیصاله إلی مالکه إذا کان معلوما،أو لیطبق علیه حکم مجهول المالک إذا کان المالک مجهولا.هذا کله إذا لم یخش ضررا من الجائر لعدم أخذه،و إلا فلا شبهة فی جوازه،للأخبار (1)الدالة علی مشروعیة التقیة عند کل ضرورة.

ثم إنه هل یجوز أخذ الجائزة عند التقیة مطلقا،أم لا یجوز أخذها إلا بنیة الرد الی مالکها؟ذهب المصنف الی الثانی بدعوی أن أخذه بغیر نیة الرد تصرف فی مال الغیر بدون إذنه.و أما التقیة فلا ریب أنها تتأدی بقصد الرد.

و توضیح مرامه:أن عدم المندوحة و إن لم یعتبر فی التقیة بالنسبة إلی أصل العمل، و لکن لا شبهة فی اعتباره حال العمل،مثلا إذا اقتضت التقیة أن یکفر فی صلاته مع سعة

ص:505


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلی مصادرها فی ص 445.

الوقت،و تمکن المکلف من الإتیان بها بغیر تکفیر فی بیت مظلم لا یراه أحد لصحت صلاته لإطلاق الروایات الدالة علی مشروعیة التقیة،فإن موضوعها متحقق حین الإتیان بالعمل علی وجه التقیة.

و أما إذا کانت له مندوحة حال العمل،فتمکن من إیقاعه علی غیر وجه التقیة فلا شبهة فی فساد عمله إذا أوقعه علی وجه التقیة،فإذا تمکن المصلی مثلا من السجود علی الأرض و علی الفراش کلیهما فلا ریب فی وجوب السجود علی الأرض،و عدم کفایة السجود علی الفراش،و کذلک إذا تمکن المتوضی من المسح علی الرجل و علی الخف کلیهما،بأن کانت عنده فرقتان من العامة،فرقة تجوّز المسح علی الخف،و فرقة لا تجوزه علیه،فإنه لا ریب فی وجوب المسح علی الرجل،لوجود المندوحة.و الوجه فی ذلک أنه لا یکون مشمولا لأخبار التقیة،لعدم تحقق موضوعها إذا وجدت المندوحة حال العمل.

و أما الإکراه علی أخذ الجائزة من الجائر فقد تقدم فی البحث عن الإکراه علی الولایة من الجائر أن الإکراه لا یتحقق مع وجود المندوحة،فإذا أکره الجائر شخصا علی شرب أحد إنائین:أحدهما خل،و الآخر خمر،فإنه لا یجوز للمکره(بالفتح)أن یشرب الخمر بتوهم أنه مکره علیه،إذ الإکراه إنما هو علی الجامع،لا علی الفرد الخاص.و من هنا ظهر حکم الاضطرار أیضا.

و علی هذا فإذا اقتضت التقیة،أو الإکراه و الاضطرار أخذ الجائزة من الجائر مع العلم التفصیلی بکونها مغصوبة جاز أخذها،بل وجب فی بعض الأحیان،و لکن التقیة و أمثالها تتأدی بأخذها بنیة الرد الی مالکها،فلا یسوغ أخذها بغیر هذه النیة.

ثم إذا أخذت لا بنیة الرد ضمن الآخذ ما أخذه و وجب علیه عند التلف أداء مثلها أو قیمتها لمالکها،لأن یده مشمولة لقاعدة الید الحاکمة بضمان ما أخذت.

و أما إذا کان الأخذ بنیة الرد الی المالک فهو لا یخلو عن إحدی ثلاث صور،لأن الآخذ قد یکون عالما بعدم رضاء المالک بأخذ ماله من الجائر،و قد یکون عالما برضاه بذلک و قد یکون شاکا فیه،فعلی الأول لا یجوز أخذ المال من الجائر،فإن دلیل سلطنة الناس علی أموالهم یقتضی کون زمام المال بید مالکه،و لیس لغیره أن یعارضه فی سلطنته علی ماله،مثلا إذا أطلق أحد عنان فرسه لیذهب الی البیداء لغرض عقلائی،و لم یرض برده فإنه لا یجوز لأحد أن یأخذه و یحفظه لمالکه بزعم أنه إحسان إلیه،لأنه تصرف فی مال الغیر بدون إذنه،فهو حرام.و علی هذا فلو أخذه أحد وجب علیه أن یرده الی صاحبه، لقاعدة ضمان الید.

ص:506

و علی الثانی لا شبهة فی جواز الأخذ بنیة الرد الی المالک،و لا یکون الأخذ حینئذ منافیا لسلطنته،و یکون المال المأخوذ أمانة مالکیة،لا شرعیة کما یظهر من المصنف.و الوجه فی ذلک أن أخذ المال من الجائر مع العلم برضاء المالک یکون شأنه شأن الودیعة المأخوذة من نفس المالک.

ثم لا یخفی أنه لیس لقصد الرد الی المالک و عدمه موضوعیة لعنوانی الإحسان و الظلم، کسائر الموارد التی یکون القصد موضوعا للحکم،و لیس مأخوذا علی نحو الطریقیة کما هو واضح.

و علی الثالث لا ریب فی جواز الأخذ بنیة الرد الی صاحبه،لکونه عدلا و إحسانا.

و یکون المأخوذ ح أمانة شرعیة عند الآخذ،فلا یضمنه مع التلف بغیر تفریط،لأنه محسن،و ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ،و لا یکون المورد مشمولا لقاعدة ضمان الید،لا من جهة اعتبار التعدی فی مفهوم الأخذ،کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ،لکون مفهوم الأخذ أوسع من ذلک،بل من جهة تخصیص القاعدة بالروایات الدالة علی عدم الضمان فی الأمانة، نعم لو أخذه بغیر قصد الرد الی المالک فتلف عند الآخذ ضمن للمالک،لأن الأخذ ح تعد علی مال الغیر،و معارضة لسلطانه،فهو حرام وضعا و تکلیفا.

و قد یقال:بحرمة التصرف فیما أخذ من الجائر مع العلم بکونه مغصوبا،سواء کان الأخذ بنیة الرد الی المالک أم لا،لقوله لا یحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطیبة نفس منه).و لقوله«ع»:(فلا یحل لأحد أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه) (1).فان الأخذ تصرف فی مال الغیر مع عدم إحراز إذنه فیه،فهو حرام و ظلم،لا عدل و إحسان.

و نظیر ذلک ما إذا أراد المالک بیع متاعه من شخص بخمسة دنانیر،و أراد غیره بیع ذلک المتاع من شخص آخر بثمانیة دنانیر مع عدم رضی المالک فان ذلک لا یجوز بزعم أنه إحسان الیه و هو ضعیف،أما الروایة الأولی فإن الحلیة و الحرمة فیها حکمان لموضوع واحد، و سبب الاختلاف إنما هو إذن المالک و عدمه،و من الواضح أن الموضوع المذکور إنما هو منافع المال التی تعود الی المتصرف من الأکل و الشرب و البیع و الهبة و نحوها،فوضع الید علی مال الغیر بنیة الرد الی المالک خارج عن حدود الروایة،فإنه لیس من المنافع العائدة إلی الآخذ،بل هو من المنافع التی تعود الی المالک،و لیس للآخذ منها إلا العناء و الکلفة.

و أما الروایة الثانیة فإنا نمنع صدق التصرف علی مجرد الأخذ بنیة الرد الی المالک، إذ التصرف عبارة عن التقلیب و التقلب،و لا نسلم صدقه علی ذلک،و إذا سلمنا صدقه علیه

ص:507


1- 1) قد تقدمت الروایتان فی ص 144.

لغة،فإنه منصرف عنه عرفا،فیکون المأخوذ أمانة شرعیة عند الآخذ،فتترتب علیه أحکامها الوضعیة و التکلیفیة.

و علی الجملة إن وضع الید علی مال الغیر لحفظه و إیصاله إلی مالکه خارج عن الروایتین موضوعا و حکما،و هذا معنی یحکم به الوجدان و أهل العرف،و یؤیده ما فی موثقة أبی بصیر (1)من أن(حرمة مال المؤمن کحرمة دمه).نعم إذا منع المالک عن وضع الید علی ماله حتی بقصد الرد الیه کان ذلک حراما أیضا.کما أن دق أبواب الناس جائز للسیرة القطعیة فإذا منع المالک عنه کان حراما.و أما قیاس المقام ببیع مال الغیر بدون إذنه فواضح البطلان و أما الجهة الثانیة:-و هی ما إذا أخذ المال من الجائر ثم علم بعد ذلک بکونه مغصوبا- فظاهر المصنف و صریح السید فی حاشیته أن هنا مسألتین،الأولی:هل الأخذ من الجائر بنیة التملک مع الجهل بکون المأخوذ من أموال الغیر موجبا للضمان أم لا.الثانیة:إذا حکمنا بالضمان بذلک فهل یبقی هذا الحکم حتی إذا نوی الآخذ حفظ المال و إیصاله إلی مالکه بعد العلم بالحال،أم لا یبقی ذلک الحکم،بل یتغیر بتغیر العنوان.

أما المسألة الأولی فالظاهر أن القول بالضمان هو المشهور بین الأصحاب،و ظاهر المسالک عدم الضمان مع القبض جاهلا،قال:(لأنه ید أمانة فیستصحب).إلا أنه لا یفهم وجها صحیحا لهذا الاستصحاب،إذ لیس ذلک مسبوقا بید الامانة حتی نستصحبها.

و یمکن توجیه کلامه بأحد وجهین،الأول:أن معنی الضمان عندنا عبارة عن انتقال القیمة أو المثل إلی ذمة الضامن،و من الضروری أن هذا المعنی لا یتحقق إلا بالتلف،و حیث إن ید الآخذ کانت ید أمانة لا توجب الضمان،لکونه جاهلا بالحال،فإذا شک فی تغیر الحکم بعد حصول العلم کان مقتضی القاعدة هو الاستصحاب.

و هذا التوجیه بدیهی البطلان،و لا یناسب مقام الشهید،بداهة أن الضمان یتحقق بالاستیلاء علی مال الغیر بدون سبب شرعی من غیر فرق بین العلم و الجهل.و بین کون المستولی کبیرا أو صغیرا،عاقلا أو مجنونا،نعم تنتقل العین الی المثل أو القیمة حین التلف و لکن هذا الانتقال أجنبی عن أصل الضمان،و لم یثبت فی المقام کون الید ید أمانة حتی تستصحب.

الوجه الثانی:أن الشارع قد رخص فی أخذ الجائزة عند الجهل بکونها مغصوبة، فتکون ید الآخذ ید أمانة شرعیة،فإذا شک فی ضمان العین بعد تلفها کان المرجع هو استصحاب ید الامانة.

ص:508


1- 1) قد تقدم هذه الروایة فی البحث عن حرمة سب المؤمن ص 278.

و لکن یرد علیه أن ترخیص الشارع فی ذلک ترخیص ظاهری فی ظرف الجهل لا ترخیص واقعی،أما حکم الشارع بالضمان فهو حکم واقعی ثابت فی حالتی العلم و الجهل،و لا منافاة بین الحکمین علی ما حققناه فی علم الأصول،و علیه فوضع الید علی مال الغیر بنیة التملک یوجب الضمان.فإذا انکشف الواقع فان کانت العین باقیة فلا بد من ردها الی مالکها،و إلا فلا بد من رد مثلها،أو قیمتها الیه.و یدل علی ما ذکرناه حکمهم بالضمان فی مسألة تعاقب الأیدی علی المال المغصوب مع الجهل بالحال،و لم یقل أحد فیها بعدم الضمان حتی صاحب المسالک(ره) و أما المسألة الثانیة:-و هی أنه إذا کان وضع الید علی المال موجبا للضمان-فهل یرتفع هذا الحکم بنیة الرد الی المالک بعد العلم بالحال أم لا؟فیه وجهان:الضمان،کما ذهب الیه المصنف (ره).و عدمه،کما ذهب الیه السید فی حاشیته.

و قد استدل المصنف(ره)علی الضمان بما حاصله:أن أخذ الجائزة من الجائر بنیة التملک و إن کان جائزا بمقتضی الحکم الظاهری،إلا أنه یوجب الضمان واقعا،لقاعدة ضمان الید، فإذا انکشف الخلاف-و تبدل قصد الآخذ.و بنی علی حفظ المال للمالک و رده الیه- شککنا فی ارتفاع الضمان الثابت بقاعدة ضمان الید و عدمه،فنستصحب بقاءه.

و أشکل علیه السید بأن علة الضمان و إن کانت هی الأخذ العدوانی،إلا أنها قد زالت بنیة الرد الی المالک فی مسألتنا و أمثالها،لأن الید قد انقلبت من العدوان و الخیانة إلی الإحسان و الامانة،فیکون المال أمانة شرعیة عند الآخذ،فلا یترتب علیه الضمان عند التلف،لأن قاعدة ضمان الید مخصصة بما دل علی عدم الضمان فی الامانة،و بأن الودعی محسن،و ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ،و علیه فلا مجال لاستصحاب الضمان لعدم بقاء موضوعه و التحقیق هو ما ذکره المصنف(ره)من الضمان،و لیس الوجه فیه هو الاستصحاب، لما بنینا علیه من عدم جریانه فی الشبهات الحکمیة،بل الوجه فی ذلک أن وضع الید علی مال الغیر بقصد التملک علة لحدوث الضمان و بقائه،سواء تبدلت بعد ذلک بید الامانة أم لا،لان ضمان الید لا یرتفع إلا بحصول غایته،و هی الأداء،فما لم تتحقق الغایة لم یسقط الضمان.

و علیه فکون الید الفعلیة الحادثة ید أمانة لا تزاحم الید السابقة المقتضیة للضمان بقاء،فان ید الأمین لا تقتضی الضمان،لا أنها تقتضی عدم الضمان،و من البدیهی أن مالا اقتضاء له لا یزاحم ماله الاقتضاء،و مجرد نیة الرد الی المالک لا یرفع الضمان الثابت بالید ابتداء،کما أن الاحکام الثابتة علی الأشیاء بعناوینها الأولیة لا تنافی الأحکام الثابتة علیا بعناوینها الثانویة

ص:509

رد المأخوذ من الجائر إلی أهله

الأمر الثانی:فی رد ما أخذ من الجائر إلی أهله.و تحقیق الکلام هنا یقع فی ناحیتین:

الاولی:أن یکون المأخوذ من الجائر معلوم المالک.و الثانیة:أن یکون مجهول المالک.

أما الناحیة الاولی فلا شبهة فی وجوب رد المأخوذ منه الی مالکه المعلوم،لکونه أمانة فی ید الآخذ،و قد دلت الآیة[1]علی وجوب رد الأمانات إلی أهلها،و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون علم الآخذ بالحال قبل وقوع المال فی یده أو بعده و إنما الکلام فی معنی الأداء فهل هو مجرد إعلام المالک بذلک و التخلیة بینه و بین ماله،أم حمله الیه و إقباضه منه.

قد یستظهر الثانی من الآیة،فإن الظاهر من رد الأمانات إلی أهلها هو الرد الحقیقی، أی حملها إلیهم و إقباضها منهم و لکن المرتکز فی أذهان عامة أهل العرف،و الظاهر من ملاحظة موارد الأمانات أن المراد بأداء الأمانة إنما هو التخلیة بینها و بین صاحبها،کما علیه أکثر الفقهاء.

و یؤید ما ذکرناه،بل یدل علیه أن المودع إذا طلب من الودعی حمل الودیعة إلیه ذمه العقلاء،خصوصا إذا بعد موضع أحدهما عن الآخر،و احتاج النقل الی المؤنة،بل ربما یستلزم الحمل الحرج و الضرر،و هما منفیان فی الشریعة المقدسة.فافهم.

نعم لو نقلها الودعی من بلد الإیداع إلی بلد آخر بغیر داعی الحفظ،و بدون إذن المالک وجب علیه ردها الی بلد الودیعة.

و أما الناحیة الثانیة:-أعنی ما إذا کان المالک مجهولا-فیقع الکلام فیها من جهات شتی الجهة الأولی:هل یجب الفحص عن المالک أم لا؟قد یقال بعدم الوجوب،کما احتمله المصنف،فیجوز التصدق بمجهول المالک بغیر فحص عن مالکه،استنادا إلی إطلاق جملة من الروایات[2].

ص:510

وجوب الفحص عن المالک

و قد یقال بوجوب الفحص لوجهین:الوجه الأول:الاخبار الدالة علی وجوب الفحص عن المالک،فان مقتضی القاعدة تقیید المطلقات بهذه الاخبار.

ص:511

فمنها ما ورد[1]فی إبداع اللص دراهم أو متاعا عند مسلم،فإنه دل علی أن الودیعة بمنزلة اللقطة،فیعرفها الودعی حولا،فإن أصاب صاحبها ردها الیه،و إلا تصدق بها عنه و منها ما دل[2]علی وجوب الفحص عن الأجیر لإیصال حقه الیه.و منها الأخبار (1)الواردة فی وجوب تعریف اللقطة.و منها ما دل[3]علی وجوب الفحص عن رجل کان له علی رجل حق ففقده الرجل المدیون.

ص:512


1- 1) راجع ج 10 الوافی باب 51 اللقطة ص 47.و ج 1 کا باب 49 اللقطة ص 367 و ج 3 ئل باب 2 وجوب تعریف اللقطة من کتابها ص 330.و ج 2 التهذیب ص 116.

و منها روایة یونس بن عبد الرحمن[1]:(قال:سئل أبو الحسن الرضا«ع»و أنا حاضر الی أن قال:فقال:رفیق کان لنا بمکة فرحل منها إلی منزله لو رحلنا الی منازلنا فلما أن صرنا فی الطریق أصبنا بعض متاعه معنا فأی شیء نصنع به؟قال:تحملونه حتی تحملوه إلی الکوفة،قال:لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف کیف نصنع؟قال:إذا کان کذا فبعه و تصدق بثمنه،قال له:علی من جعلت فداک؟قال:علی أهل الولایة).فإن قوله(علیه السلام):(إذا کان کذا فبعه و تصدق بثمنه)مترتب علی الیأس من الوصول الی المالک و یدل مفهومه علی عدم جواز التصدق به قبل الیأس.و هذه الروایات و إن کانت خاصة بحسب الموارد،إلا أن الملاک فیها هو عدم إمکان إیصال المال الی مالکه،فیتعدی منها الی مطلق مجهول المالک.

و لکن الظاهر أنها بعیدة عما نحن فیه،أما ما ورد فی قضیة إیداع اللص ففیه أولا:

أنه ضعیف السند،و دعوی انجباره بعمل المشهور کما فی الجواهر دعوی غیر صحیحة، لما حققناه فی علم الأصول،و أشرنا إلیه مرارا فیما تقدم من أن الشهرة الفتوائیة لا تجبر ضعف الروایة.و ثانیا:أنه وارد فی قضیة خاصة،فلا وجه للتعدی منها الی غیرها.

و أما ما ورد فی تعریف اللقطة حولا،و التصدق بها بعده فهو مخصوص باللقطة،و لا یعم غیرها.و أما بقیة الروایات فهی واردة فی معلوم المالک الذی یتعذر الوصول الیه، و مورد بحثنا إنما هو مجهول المالک.و علی الجملة لا نعرف وجها للتعدی عن مورد الروایات الی غیره.و دعوی اتحاد الملاک بین مواردها و بین مجهول المالک-و هو عدم الوصول الی المالک-دعوی جزافیة،إذ لا طریق لنا الی کشف ذلک.

الوجه الثانی:أن الآیة المتقدمة فی أول المسألة تقتضی وجوب الفحص عن المالک مقدمة للرد الواجب،سواء أ کانت الأمانة مالکیة،کالودیعة و العاریة و نحوهما أم شرعیة،کاللقطة و مجهول المالک،و مال السرقة و الخیانة و الغصب،و المال المأخوذ من الجائر مع العلم بکونه مغصوبا،و لکنه مقید بالتمکن العقلی من الأداء و الفحص،لقبح التکلیف بغیر المقدور، و علیه فلا یجب الفحص مع عدم التمکن منه،و المطلقات المتقدمة ظاهرة فی وجوب التصدق بمجهول المالک علی وجه الإطلاق حتی مع التمکن من الفحص،و إذن فالنسبة بینهما هی العموم من وجه،فإن الآیة أعم من حیث المورد،لشمولها الأمانات المالکیة و الشرعیة،و أخص

ص:513

من حیث وجوب الفحص،لاختصاصها بصورة التمکن منه،و المطلقات المتقدمة أعم من جهة الفحص،لشمولها صورتی التمکن من الفحص و عدمه،و أخص من حیث المورد، لاختصاصها بمجهول المالک،فتقع المعارضة بینهما فی مجهول المالک مع التمکن من الفحص، فمقتضی الآیة هو وجوب الفحص عن المالک مع التمکن منه،و مقتضی الروایات هو جواز التصدق به قبل الفحص عنه،سواء تمکن منه أم لا،و قد حققنا فی مبحث التعادل و الترجیح من علم الأصول أنه إذا تعارض الخبر مع الکتاب معارضة العموم من وجه ترفع الید عن الخبر،و یؤخذ بعموم الکتاب أو بإطلاقه،و علیه فلا بد من الأخذ بإطلاق الآیة و الحکم بوجوب الفحص مع التمکن منه،و رفع الید عن المطلقات الظاهرة فی عدم وجوبه.و مع الإغضاء عما ذکرناه،و الحکم بالتساقط یرجع الی ما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه.

لا یجوز إعطاء مجهول المالک لمن یدعیه

إلا بعد الثبوت شرعا

الجهة الثانیة:هل یجوز أو یجب إعطاء مجهول المالک لمن یدعیه بعد الفحص عن مالکه، و الیأس من العلم به استنادا الی ما دل علی سماع قول المدعی إذا لم یعارضه أحد فی دعواه، أو لا یجوز إعطاؤه إلا مع التوصیف إلحاقا له باللقطة،أو یعتبر الثبوت الشرعی،لبطلان الوجهین المتقدمین،فإنه بعد وضع الید علی مال لا یجوز دفعه إلا الی مالکه الواقعی،أو الی مالکه الشرعی،و الوجهان المذکوران لا یفیدان ذلک.

أما الوجه الأول:فیرده أن ترتیب الأثر علی دعوی المدعی إذا کانت بلا معارض إنما هو فیما لم تثبت ید علی المال،أما إذا ثبتت علی المال ید فلا تسمع دعوی أحد علیه إلا بالطرق الشرعیة،ضرورة أن ذا الید قد اشتغلت ذمته بالمال بمجرد وضع یده علیه،فلا یخرج من عهدته إلا بإیصاله إلی مالکه،أو صرفه فیما قرره الشارع،و علی هذا جرت السیرة القطعیة.

علی أنه لا دلیل علی هذه القاعدة إلا روایة منصور (1)و قد تقدم الاشکال فیها.

و أما الوجه الثانی:فیرده أن التوصیف لیس له موضوعیة لإعطاء اللقطة لمن یدعیها.

بل هو لحصول الاطمئنان بصدق المدعی فی دعواه.

و أما الاکتفاء بالتوصیف أو بالدعوی المجردة و إن لم تقارن بالتوصیف فلا دلیل علیه،

ص:514


1- 1) قد تقدمت الروایة و الجواب عن الاستدلال بها فی ص 502.

و ح فلا یترتب الأثر علی توصیف المدعی إلا بعد حصول الاطمئنان بصدق دعواه.

و أما حمل فعل المسلم علی الصحة فغایة ما یفیده أن لا یعامل المدعی معاملة الکاذب،لا أن تترتب علی دعواه آثار الواقع.

و أما الوجه الأخیر فهو الموافق للتحقیق،لاشتغال ذمة ذی الید بمجرد وضع یده علی مال الغیر،فلا تبرأ ذمته إلا بإیصاله إلی مالکه الواقعی أو الشرعی،و قد عرفت ذلک کله آنفا

مقدار الفحص عن المالک و کیفیته

الجهة الثالثة:فی مقدار الفحص عن المالک،و بیان کیفیته،أما مقدار الفحص فهل یکفی فیه طبیعی الفحص عن المالک،أم یجب ذلک بمقدار یقطع الواجد أو یطمئن بعدم إمکان الوصول الیه،أو یجب الفحص عنه سنة کاملة؟.

أما الوجه الأول فهو و إن کان غیر بعید فی نفسه،لکفایة الإتیان بصرف الوجود من الطبیعة فی امتثال الأمر،و لکنه بعید عن المتفاهم العرفی و المرتکز الشرعی،علی أن الأمر قد ورد بتکرار الطلب عن المالک فی روایة ابن وهب المتقدمة (1).

و أما تقدیر الفحص بالسنة و بالأقل فلا موجب له بعد وجود الإطلاقات الواردة فی جواز التصدق بمجهول المالک أو وجوبه.علی أن تقدیره بزمان خاص دون غیره ترجیح بلا مرجح.نعم ورد تحدید التعریف بالنسبة فی جملة من روایات اللقطة و فی روایة حفص المتقدمة (2).

إلا أنها غریبة عن مطلق مجهول المالک،أما روایات اللقطة فهی مختصة بها،فلا یجوز التعدی منها الی غیرها.و أما روایة حفص بن غیاث ففیها أولا:أنها ضعیفة السند،و غیر منجبرة بشیء کما تقدم.

و ثانیا:أنها واردة فی خصوص إیداع اللص،فلا یتعدی إلی غیره.و إن سلمنا عدم اختصاصها بموردها فإنه لا یجوز التعدی عنه إلا الی خصوص إیداع الغاصب،أو الی کل ما یؤخذ منه و لو بغیر عنوان الودیعة،و أما التعدی عن موردها الی مطلق مجهول المالک فلا وجه له أصلا.

ص:515


1- 1) ص 512.
2- 2) ص 512.
تنبیه

قد ذکرنا أنه ورد فی جملة من روایات اللقطة وجوب التعریف بها سنة کاملة،و قد أفیدت ههنا أمور ثلاثة،الأول:ما ذکره السید فی حاشیته من أن تحدید الفحص بالسنة تحدید للمنتهی،بمعنی أنه لا یجب الفحص أکثر من سنة و إن لم یحصل الیأس من وجدان المالک، و علیه فلو حصل الیأس من الأول،أو فی أثناء التعریف لم یجب الفحص.

الوجه الثانی:أن المناط فی تعریف اللقطة إنما هو حصول الیأس عن الوصول الی المالک.و أما التحدید بالسنة فمحمول علی الغالب،لحصول الیأس عن الوصول الی المالک بعد السنة غالبا.

الوجه الثالث:أن التحدید بالسنة أمر تعبدی،فلا بد من العمل به سواء حصل الیأس عن الظفر بالمالک قبل مضی السنة أم بعده.

أما الأول و الثانی فلا وجه لهما،إذ لا مجوز لرفع الید عن الروایة الظاهرة فی اعتبار السنة فی تعریف اللقطة.و إذن فیتعین الوجه الثالث،سواء حصل الاطمئنان بالیأس عن الظفر بالمالک قبل مضی السنة أم بعده،فإن الاطمئنان حجة عقلائیة فیما إذا لم تقم أمارة شرعیة علی خلافه.و قد عرفت أن الشارع قد اعتبر السنة فی وجوب الفحص عن مالک اللقطة.

ثم إنه قد ذکر فی بعض الروایات[1]أن اللقطة یعرف بها ثلاثة أیام،و ظاهره المعارضة مع الروایات الدالة علی اعتبار السنة،و لکن لا بد من جمله إما علی صورة الیأس عن المالک أو علی جواز التصدق به مع الالتزام بالمال،و وجوب التعریف به الی سنة،فإذا مضت السنة و لم یجد المالک سقط الضمان عنه.و یمکن أن یقال:إن تعریفها ثلاثة أیام مقدمة للتصدیق و وجوب التعریف إلی سنة کاملة مقدمة لجواز التملک.علی أن ما دل علی کفایة ثلاثة أیام فی التعریف ضعیف السند.

ص:516

ان اجرة الفحص عن المالک

هل هی علی ذی الید أو علی المالک؟

الجهة الرابعة:إذا احتاج الفحص عن المالک الی بذل أجرة فهل هی علی من وضع یده علی مجهول المالک،أو علی المالک؟قال المصنف:(لو احتاج الفحص الی بذل کأجرة دلال صائح علیه فالظاهر عدم وجوبه علی الواجد،بل یتولاه الحاکم ولایة عن صاحبه، و یخرج عن العین أجرة الدلال،ثم یتصدق الباقی إن لم یوجد صاحبه،و یحتمل وجوبه علیه،لمتوقف الواجب علیه).

و تحقیق المسألة أن الاستیلاء علی مجهول المالک قد یستند إلی أسباب غیر شرعیة:بأن یأخذ أحد أموال الناس بغیر سبب شرعی،کالغصب و السرقة و الخیانة و نحوها ثم یندم، و لکن لا یقدر علی إیصاله إلی ملاکه.و قد یستند الی وجه شرعی،کأخذ المال من السارق،أو الجائر،أو الصبی الذی لا یعرف له ولی،و کأخذ المال المشرف علی التلف، و کاللقطة و نحوها.فإن أخذ المال فی جمیع هذه الموارد لحفظه لمالکه و إیصاله إلیه جائز من جهة الحسبة.

أما الصورة الاولی فلا شبهة فی أن مؤنة الفحص علی الغاصب،لوجوب رد المغصوب الی مالکه و إن توقف ذلک علی بذل الأجرة.و دعوی أن إیجاب أجرة الفحص علی ذی الید ضرر علیه،و هو منفی فی الشریعة دعوی جزافیة،لأن حدیث نفی الضرر إنما ورد فی مقام الامتنان،و من الضروری أن کون مؤنة الفحص علی المالک علی خلاف الامتنان فلا یکون مشمولا للحدیث.و حیث إن الغاصب وضع یده علی مال الغیر بسوء اختیاره علی سبیل الظلم و العدوان فان الشارع یلزمه رغما لأنفه برد المغصوب الی مالکه حتی مع الاحتیاج الی بذل الأجرة.و قد ورد فی بعض الروایات[1]أنه لو غصب أحد حجرا و وضعه فی أساس البناء فإنه یجب علیه رده الی مالکه و إن توقف ذلک علی هدم البناء و تضرر الغاصب و من هنا اشتهر أن الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال.

و أما الصورة الثانیة-و هی أن یستند الاستیلاء علی مجهول المالک الی سبب شرعی- فالظاهر أن مؤنة الفحص علی المالک،بمعنی أن الواحد یصرفها من کیسه عن المالک،فإذا

ص:517

وجده أخذها منه،و إلا فمن المال الذی فی یده.و الوجه فیه أن یده ید أمانة و إحسان و ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ .علی أن کون اجرة الفحص علی الواجد ضرر علیه،و هو منفی و لا یقاس ذلک بالصورة الأولی،فإن الید فیها کانت ید عدوان،لا ید أمانة و إحسان کما عرفت.

لا یقال:إن الفحص عن المالک واجب علی الواجد،و من الواضح أن إعطاء و الأجرة من مقدماته،فتحسب علیه.

فإنه یقال:الفحص واجب علی الواجد،و مقدمته طبیعی بذل المال،سواء کان من کیسه،أم من کیس المالک.و إذن فلا یتعین البذل علی الواجد إلا بدلیل خاص،و هو منفی فی المقام،و علیه فإذا بذل الواجد اجرة الفحص من کیسه رجع علی المالک مع الإمکان و إلا أخذها من المال الذی هو تحت یده،و إن امتنع الواجد من بذل اجرة الفحص رجع الی الحاکم الشرعی،فیعطیها من بیت المال،أو من مجهول المالک.

هذا مع ان دلیل المقدمیة المذکور لو تم فإنما یتم فیما لو کان الفحص یتوقف دائما علی بذل المال،مع أنه لیس کذلک،بل هو أمر قد یکون،و قد لا یکون،و علیه فإذا توقف الفحص علی بذل المال ارتفع وجوبه عن الواجد بدلیل نفی الضرر،کسائر التکالیف الضرریة التی ترتفع به.

هذا کله إذا لم تقم قرینة علی عدم رضاء المالک بأخذ ماله و حفظه له،و إلا فلا یجوز لأحد ان یضع یده علیه،و یحفظه لمالکه،لأن الناس مسلطون علی أموالهم.

مصرف مجهول المالک

الأمر الثالث:ما هو مصرف مجهول المالک؟فهل یتصدق به،أو یحفظه الواجد ما دام حیا لمالکه،و یوصی به بعد مماته،أو یتملکه،أو یعطیه للحاکم الشرعی،أو هو للإمام«ع»؟؟ وجوه:الأول:ان یکون ذلک للإمام،لقوله«ع»فی روایة بن أبی یزید (1):(و اللّه ماله صاحب غیری).

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.و ثانیا:أنها وردت فی قضیة شخصیة،فلا تکون مستندا لکبری کلیة،إذ من المحتمل ان یکون المال فی تلک الواقعة مفقودا من

ص:518


1- 1) راجع ج 10 الوافی باب 51 اللقطة ص 48.و ج 3 ئل باب 7 جواز الصدقة باللقطة من أبوابها ص 331.و ج 1 کا باب 49 اللقطة من المعیشة ص 367

الإمام نفسه.فیکون حلفه«ع»فی محله،لکون المال له واقعا.و أما أمره(علیه السلام) بتقسیم ذلک المال فلعله دفع للتهمة عن نفسه،أو إحسان منه الی الفقراء.و یحتمل أن یکون حلفه علی ان المال له،لعلمه بموت مالکه،و أنه لم یترک وارثا غیر الامام،و یحتمل ان یکون المال المذکور من صفو دار الحرب الذی هو خاص للإمام(علیه السلام)،و من الواضح انه مع هذه الاحتمالات لا یبقی مجال للاستدلال بهذه الروایة علی المقصود.

الوجه الثانی:ان یکون مجهول المالک لمن وضع یده علیه،لقوله(علیه السلام)فی صحیحة علی بن مهزیار (1)التی تبین موارد الخمس:(و مثل مال یؤخذ و لا یعرف له صاحب).

و قد استظهر هذا الرأی من الروایة المذکورة المحقق الهمدانی،بل ذکر المحقق الایروانی أن(هذه الصحیحة صریحة فی جواز تملک مجهول المالک بعد إخراج الخمس).

و فیه أولا:ان هذه الروایة واردة فی بیان موارد الخمس علی نحو القضیة الحقیقیة، فیکون مفادها انه کلما تحقق شیء من تلک الموارد وجب فیه الخمس.و علیه فلا دلالة فیها علی جواز تملک مجهول المالک لکی یتمسک بإطلاقها،نعم لا ننکر دلالتها علی وجوب إخراج الخمس فیما جاز فیه تملک المجهول المالک کباب اللقطة.فقد دلت الروایات الکثیرة المذکورة فی أبواب اللقطة علی ان واجدها مخیر بین تملکها،و بین التصدق بها عن مالکها بعد ان یعرف بها سنة واحدة.

و من هذا القبیل ما ورد فی بعض الروایات (2)من انه إذا وجد المشتری مالا فی بطن حیوان اشتراه من شخص،فإنه یرجع فی ذلک المال إلی البائع،و إذا لم یدعه لنفسه تملکه المشتری،و اعطی خمسه،و کذلک ما ورد فی جملة من الأحادیث (3)من انه إذا وجد مالا فی بطن سمک اشتراه من الصیاد فإنه یتملکه و یعطی خمسه من غیر مراجعة إلی المالک.

و ثانیا:انا إذا لو سلمنا کون الروایة فی مقام البیان من هذه الجهة أیضا فلا نسلم کونها صریحة فی جواز تملک مجهول المالک بعد إخراج خمسه،و إنما هی مطلقة بالنسبة إلیه، فتقید بالروایات الدالة علی لزوم التصدق بمجهول المالک.

الوجه الثالث:انه یجوز للواجد ان یعمل فی مجهول المالک،و یخرجه صدقه قلیلا قلیلا

ص:519


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 8 وجوب الخمس فیما یفضل عن مؤنة السنة من کتاب الخمس ص 61.
2- 2) راجع ج 3 ئل باب 9 من أبواب اللقطة ص 331.و ج 10 الوافی باب 51 اللقطة ص 48.و ج 1 کا باب 49 اللقطة من المعیشة ص 367.
3- 3) راجع ج 3 ئل باب 10 من وجد مالا فی جوف سمکة من اللقطة ص 332.

حتی یخرج،و یدل علیه بعض الأحادیث[1].

و فیه انه لا دلالة فی هذه الروایة علی جریان الحکم المذکور فی مجهول المالک،فمن المحتمل ان صاحب المال قد مات،و لم یترک وارثا غیر الإمام،فانتقل میراثه الیه، و أنه(علیه السلام)بما هو وارث و مالک أجاز لصاحب الخان ان یتصرف فی ذلک المال،و یتصدق به قلیلا قلیلا حتی یخرج،و احتمال وجود وارث له غیر الأب و الأم مدفوع بالأصل.

و جریانه فی الشبهات الموضوعیة غیر محتاج الی فحص،و أما احتمال وجود الأب و الأم فلعله کان مقطوع العدم،لمضی مدة لا یحتمل بقاؤهما فیها،و لذا لم یأمر الإمام(علیه السلام) بالفحص عنهما،و یؤید ما ذکرناه قول السائل فی هذه الروایة:(و لم أعرف له ورثة) فإن ظاهر هذه العبارة أنه تفحص عن الوارث،و لم یجده فافهم.و مع الإغضاء عما ذکرناه و تسلیم دلالتها علی المقصود فالنسبة بینها،و بین الروایات الدالة علی التصدق بمجهول المالک هی العمومات المطلق،فلا بد من تقییدها بهذه الروایات.

لا یقال:إن هذه الروایة تنافی روایة الهیثم[2]صاحب الفندق الدالة علی عدم جواز التصرف فی مال مات عنه صاحبه.

فإنه یقال:لا منافاة بینهما،فان الظاهر من هذه الروایة أن صاحب الفندق لم یفحص عن ورثة المیت،و هذا بخلاف الروایة الأولی،فإنک قد عرفت ظهورها فی أن السائل تفحص عن الورثة،و لم یصل إلیهم،فمورد کل من الخبرین غیر مورد الآخر.و الذی یسهل الخطب أن کلتا الروایتین مجهولة.

ص:520

الوجه الرابع:انه یجب حفظ مجهول المالک لمالکه،و الإیصاء به عند الوفاة للروایات (1)الواردة فی مستأجر فقد أجیره،و لم یقدر علی إیصال حقه الیه.

و یرد علیه أولا:أن هذه الروایات إنما وردت فی معلوم المالک الذی لا یمکن الوصول الیه،فلا صلة لها بمجهول المالک.و دعوی أن الملاک بین الموردین واحد-و هو تعذر إیصال المال الی مالکه-دعوی جزافیة،فإنه لا طریق لنا الی کشف هذا الملاک کما عرفت.

و ثانیا:أنها وردت فی الحق الکلی الثابت فی الذمة،و هو لیس فی معرض التلف لکی یخاف علیه من بقائه،و کلامنا فی العین الخارجیة.

و ثالثا:أنها وردت فی قضیة شخصیة،فلا یمکن التعدی عن موردها الی غیرها.

و إذن فلا دلالة فیها علی وجوب حفظ مجهول المالک لصاحبه و لو بالإیصاء به.نعم لا بأس بالالتزام بذلک قبل الیأس عن الوصول الی المالک.

لا یقال:إن التصرف فی مال الغیر حرام مطلقا،فیکون الأمر بالتصدق بمجهول المالک قد وقع بعد الحظر،فلا یدل علی الوجوب.و علیه فلا مانع من کون الواجد مخیرا بین التصدق به،و بین حفظه لصاحبه و لو بالإیصاء به عند الموت.

فإنه یقال:المیزان فی ورود الأمر مورد توهم الحظر هو ان یتعلق الأمر بعنوان تعلق به النهی،أو کان معرضا له کالصید الذی نهی عنه فی الإحرام،و أمر به بعد الإحلال و ما نحن فیه لیس کذلک،فإن النهی قد تعلق بالتصرف فی أموال الناس بدون إذنهم، و الأمر قد تعلق بالتصدق بمجهول المالک بعد الفحص و الیأس من الظفر بصاحبه،فلا یرتبط أحد الأمرین بالآخر.

و لئن سلمنا ذلک فی الروایات التی وقع السؤال فیها ابتداء عن الصدقة فهو لا یجری فی روایة ابن أبی حمزة التی وردت فی قصة الفتی الذی کان من کتاب بنی أمیة،فإنها صریحة فی عدم ورود الأمر بالتصدق فی مقام توهم الحظر،إذ الفتی انما طلب التخلص عما اشتغلت به ذمته من أموال الناس،فأجاب الإمام(علیه السلام)بقوله فاخرج من جمیع ما اکتسبت من دیوانهم فمن عرفت منهم ردت علیه ماله و من لم تعرف تصدقت به).و لکن قد عرفت انها ضعیفة السند.

الوجه الخامس:وجوب التصدق بمجهول المالک،و هذا الوجه هو الموافق للتحقیق، و تدل علیه المطلقات المتقدمة،بل الروایات الخاصة الواردة فی موارد عدیدة التی تقدمت الإشارة إلیها آنفا.لأنها و إن وردت فی المال المفقود صاحبه إلا انها تدل علی ثبوت

ص:521


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلی مصادرها فی ص 512.

التصدق بمجهول المالک بالأولویة القطعیة.و لا بد من تقییدها بالیأس عن الوصول الی المالک فقد عرفت فیما سبق ان مقتضی الآیة وجوب رد الأمانة إلی أهلها مع التمکن منه.

و أما صورة الیأس عن الظفر بالمالک فلا تکون مشمولة للآیة،بل تبقی تحت الروایات المذکورة.

الوجه السادس:وجوب دفعه الی الحاکم،فإنه ولی الغائب،و قد استقربه المصنف(ره) و لکن قد عرفت أن الروایات المتقدمة ظاهرة فی أن من وضع یده علی مجهول المالک ابتداء وجب علیه التصدق به،و إذا تصرف فیه تصرفا آخر و لو بدفعه الی الحاکم ضمنه.و دعوی أن الحاکم ولی الغائب دعوی غیر صحیحة،لأن ولایته علی الغائب إنما هی من جهة الحسبة، فلا بد من الاقتصار فیها علی المورد المتیقن،و هو ما إذا لم یکن له ولی آخر غیر الحاکم و قد عرفت أن الروایات المتقدمة قد أثبت ولایة مجهول المالک لمن وضع یده علیه،فلا تصل النوبة إلی غیره،کما أنه لا تثبت للحاکم ولایة علی الیتیم مع وجود الجد له.

لا یقال:یجب دفع مجهول المالک الی الحاکم من حیث إن مصرفه الفقراء و المساکین، و من الواضح أن الحاکم ولیهم.أو من حیث إنه أعرف بموارده من وضع یده علیه.

فإنه یقال:أما الاحتمال الأول فلا دلیل علیه خصوصا مع ما عرفت من دلالة الروایات هنا علی ثبوت الولایة للواجد.و أما الاحتمال الثانی فإن کان المراد أن الحاکم أعرف بمصرف مجهول المالک من حیث الشبهة الحکمیة فهو مسلم،لأن ذلک وظیفة العالم،إلا أن ذلک لا یدل علی وجوب دفعه الیه،بل الواجب علی العامی أن یسأل العالم عن حکم الواقعة،و یعمل علی طبق ما أفتی به.و إن کان المراد کونه أعرف من حیث الشبهة الموضوعیة فهو ممنوع، إذ قد یکون الواجد أعرف به لکثرة معاشرته للفقراء،و اطلاعه علی أحوالهم.و کما لا یجب دفع مجهول المالک الی الحاکم،فکذلک لا یجب تحصیل الإجازة منه فی إیصاله إلی موارده،لإطلاق الروایات المتقدمة.نعم الأولی اختیار أحد الأمرین،لوجود القائل بوجوبه.لکن لا بد و أن یکون الدفع الی الحاکم بعنوان أنه یوصله الی موارده،و إلا ضمنهم الواجد کما عرفت.

و قد یتوهم وجود الفرق بین الحق الکلی،فیجب إما دفعه الی الحاکم،و إما تحصیل الإذن منه فی التصدق به عن المالک،لأن الکلی لا یتعین إلا بإذن المالک أو ولیه،و بین الحق الشخصی،فلا یجب فیه ذلک،لتعینه فی نفسه.

و لکنه توهم فاسد،لأن مقتضی الإطلاقات المتقدمة هو عدم الفرق بینهما،و أن الولایة لمن علیه الحق علی وجه الإطلاق.

ص:522

قوله ثم إن حکم تعذر الإیصال إلی المالک. أقول:المال الذی لا یمکن إیصاله الی صاحبه قد یکون مجهول المالک من جمیع الجهات،و هو مورد المطلقات المتقدمة (1)، و قد یکون معلوم المالک مع کونه مشتبها بین أفراد غیر محصورین.و هو أیضا مورد روایات اخری قد تقدمت (2)و حکم کلا القسمین قد تقدم مفصلا.و قد یکون المالک معلوما من جمیع الجهات.و لکن یتعذر إیصال المال الیه لمانع خارجی،فأن یکون المالک فی سجن،أو مکان بعید یتعذر الوصول الیه.و یجری علیه حکم القسم الثانی،للروایات المتقدمة أیضا،لأن المستفاد منها أن المناط فی ذلک إنما هو تعذر إیصال المال الی مالکه.

قوله ثم إن مستحق هذه الصدقة هو الفقیر. أقول:حکی عن صاحب الجواهر جواز التصدق بمجهول المالک علی الفقراء و غیرهم عملا بإطلاق الروایات المتقدمة.و بهذا المناط جواز إعطاء مال الإمام«ع»للفقراء و الأغنیاء،بدعوی أن الإمام و إن کان معلوما إلا أنه یتعذر إیصال ماله الیه،للعوارض الخارجیة.و قد عرفت أن حکمه حکم مجهول المالک.

و فیه أولا:أن المتبادر من مفهوم الصدقة و إطلاق الأمر بها أنه لا یجوز إعطاؤها للأغنیاء،کما ذهب الیه المصنف.

و ثانیا:أن قوله تعالی (3): (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ) قد بین مصرف الصدقات و لم یجعل الغنی من ذلک،فیکون خارجا عن حدود أخبار التصدق موضوعا.

ثم إن وجوب التصدق بمجهول المالک إنما هو مع عدم التمکن من تحصیل رضی المالک بصرف ماله فی مورد خاص،و إلا فلا تصل النوبة إلی التصدق به.و علیه فلا وجه لقیاس مال الإمام«ع»بمجهول المالک،لأنا نقطع برضاء الإمام بإعطاء ماله لأهل العلم و الجهات التی توجب ترویج الدین،و مع ذلک لا یمکن صرفه فیما نشک فی رضاه.

قوله و فی جواز إعطائها للهاشمی قولان. أقول:لا دلیل علی حرمة مطلق الصدقات علی الهاشمیین،و إنما تحرم علیهم الصدقة الخاصة،أعنی زکاة المال و البدن،و لا یبعد أن تحرم علیهم أیضا الصدقات التی تعطی لدفع البلاء ورد القضاء،فان فی ذلک مذلة و مهانة لا تناسب الذریة الطاهرة.و من هنا کانت زینب الکبری علیها السلام تأخذ الطعام من أطفال أبی عبد اللّه«ع»و ترمیه الی أهل الکوفة و تقول:ویلکم یا أهل الکوفة إن الصدقة علینا حرام.و علیه فلا بأس بالتصدق بمجهول المالک علی الهاشمیین،لکونه خارجا عن

ص:523


1- 1) ص 510.
2- 2) ص 512.
3- 3) سورة التوبة،آیة:60.

القسمین المذکورین.و یضاف الی ما ذکرناه أن قوله«ع»فی روایة ابن أبی یزید المتقدمة (1)قسم بین إخوانک).یقتضی عدم الفرق بین الهاشمی و غیره.و أما الصدقة التی تحرم علی بنی هاشم فهی الصدقة الخاصة،أعنی بها الزکاة المفروضة.

التصدق بمجهول المالک لا یوجب الضمان

قوله ثم إن فی الضمان لو ظهر المالک. أقول:هل یضمن مجهول المالک لصاحبه إذا ظهر بعد التصدق به أم لا؟فیه وجوه،ثالثها:التفصیل بین ما إذا طلب المالک ماله من المتصدق فیضمن له،و بین ما إذا لم یطلبه فلا ضمان.و رابعها:التفصیل بین ما یکون المال مسبوقا بالید العادیة،فیحکم بالضمان،و بین عدمه،فیحکم بعدمه.

و قبل التعرض للوجوه المذکورة لا بأس بالإشارة إلی الفرق بین اللقطة و مجهول المالک.

فنقول:الفارق بین مجهول المالک و اللقطة جهات کثیرة،و نحن نشیر هنا الی جهتین منها:

الاولی:أنه یجوز للملتقط أن یقصد حین الالتقاط تملک المال بعد انتهاء مدة الفحص عن المالک.و قد دلت الروایات الکثیرة المذکورة فی أبواب اللقطة علی أن آخذ اللقطة یعرفها سنة فان جاء لها طالب،و إلا فهی کسبیل ماله.و لا یجوز ذلک فی مجهول المالک،فقد عرفت:أنه لا یجوز أخذه ابتداء إلا بنیة الإحسان إلی المالک بحفظه له و إیصاله إلیه،ثم یتصدق به عن مالکه بعد التعریف.و من هنا یتجلی لک أنه لا یجوز أخذ المغصوب من الغاصب إلا بنیة الرد الی المالک.

الثانیة:أن اللاقط إذا تملک اللقطة بعد التعریف،أو تصدق بها عن مالکها ضمنها له مع المطالبة بها،للروایات الکثیرة المذکورة أیضا فی أبواب اللقطة الدالة علی ذلک.أما مجهول المالک فقد عرفت أن فیه وجوها شتی تقدمت الإشارة إلیها.

إذا عرفت ذلک فاعلم أن الکلام هنا یقع فی مقامین،الأول:أن تکون الید الموضوعة علی مجهول المالک ابتداء ید أمانة.الثانی:أن تکون هذه الید مسبوقة بالضمان،ثم تنقلب الی ید أمانة و إحسان،کمن أخذه بنیة التملک،ثم نوی بعد ذلک حفظه لمالکه،و کمن غصبه من المالک،ثم تاب،و عزم علی إیصاله الیه،و لم یتمکن من ذلک،لفقد المالک، أو لکونه مجهولا بین أشخاص غیر محصورین.

أما المقام الأول فالظاهر هو عدم الضمان فیها،و لیس ذلک من جهة أن الشارع قد أذن

ص:524


1- 1) ص 518.

فی التصدق بمجهول المالک،و هو ینافی الحکم بالضمان،لأن إذن الشارع فی التصرف بمال الغیر یرفع حرمته التکلیفیة،و لا ینافی ذلک ضمانه.بل من جهة أن دلیل الضمان هو أحد الأمور الثلاثة:إما قاعدة ضمان الید،و إما قاعدة الإتلاف،و إما قیام دلیل خاص علیه.

أما الأولی فهی منتفیة هنا قطعا،إذ المفروض أن الید کانت ید أمانة و إحسان،و ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ .

و أما قاعدة الإتلاف فهی مردودة لوجوه عدیدة،الأول:أنها لیست بروایة لکی یتمسک بها و إنما هی قاعدة متصیدة من موارد شتی.فلا یمکن التمسک بها فی غیر الموارد المسلمة.الثانیة:أن الإتلاف إنما یقتضی الضمان إذا لم یکن التصرف لنفع المالک،و إلا فلا یوجب الضمان،و من هنا إذا أشرف أحد علی الهلکة،و توقف إنجاؤه منها علی بذل مقدار من ماله فان ذلک یکون واجبا من غیر ضمان.الثالث:أن التصدق بمجهول المالک لو کان موجبا للضمان ببدله لکان البدل أیضا مجهول المالک و مشمولا لما دل علی وجوب التصدق به و هکذا،فیلزم التسلسل،و من الضروری أن ذلک مقطوع العدم.

و أما الدلیل الخاص فلم نجد فی المقام ما یدل علی الضمان إلا روایة حفص المتقدمة الواردة فی إیداع اللص،فإنها ظاهرة فی أن التصدق بالودیعة التی هی بمنزلة اللقطة یوجب الضمان مع مطالبة المالک،إلا أنها ضعیفة السند،و واردة فی قضیة شخصیة،فلا یمکن التعدی منها الی غیرها،کما عرفته سابقا.

و الحاصل أن التصدق بمجهول المالک لا یوجب الضمان.علی أن الإطلاقات الدالة علی وجوب التصدق به بعد التعریف تقتضی عدم الضمان.و مع الشک فی الإطلاق یرجع الی البراءة.

و أما المقام الثانی-أعنی ما إذا کانت ید الأمانة مسبوقة بالضمان-فقد یقال:إن الید الموضوعة ابتداء علی مجهول المالک حیث کانت ید ضمان،کما هو المفروض فتکون موجبة للضمان بقاء أیضا ما لم تؤد،لما ذکرناه سابقا من أن الشارع قد جعل ضمان الید منوطا بالأداء،فما لم تتحقق الغایة لم یسقط الضمان.و عرفت أیضا أن نیة الرد الی المالک و إن کانت توجب صیرورة الید ید أمانة،إلا أنه هذه الید لا توجب ضمانا،لا أنها لا تقتضی عدم الضمان.و واضح أن مالا اقتضاء فیه لا یزاحم ما فیه الاقتضاء.

و لکن یرد علیه أولا:ما عرفته آنفا من أن التصدق بمجهول المالک لو کان موجبا للضمان للزم منه التسلسل فیکون ذلک تخصیصا عقلیا لقاعدة ضمان الید.و ثانیا:أن روایة

ص:525

ابن أبی حمزة المتقدمة (1)کالصریحة فی عدم الضمان،فان الفتی قد طلب المخرج عما أخذه من أموال الناس،فأجابه الإمام«ع»بالتصدق بجمیع ما تحت یده،و ضمن له بذلک الجنة، و لو کان التصدق به موجبا للضمان لما جعله الامام مخرجا له عن ظلامته،و قد جعل اللّه التصدق بمجهول المالک وسیلة للتوبة و سببا لفراغ الذمة تسهیلا للأمر علی الغاصبین التائبین و لکن الروایة ضعیفة السند.

و یدل علی عدم الضمان أیضا إطلاق الروایات المتقدمة-کروایة ابن أبی حمزة و غیرها- الآمرة بالتصدق بمجهول المالک،و لا فرق فی ذلک بین ما کان مجهول المالک عینا خارجیة أو دینا ثابتا فی الذمة،فإن الدین و ان کان کلیا فی الذمة،إلا أنه یتشخص بالتصدق، و تبرأ به ذمة المدیون.و توهم أن نفوذ التصدق یتوقف علی إذن المالک،توهم فاسد، لإطلاق تلک الروایات المتقدمة،ثم إنه لا یجوز للمالک أن یرجع علی الفقیر لو کانت العین باقیة عنده،لأن آخذ الصدقة هو اللّه،و ما کان للّه لا یرجع.

و علی الجملة لا یجری علی مجهول المالک حکم اللقطة لعدم الدلیل علیه،إلا فی إیداع اللص و قد عرفت أن النص الوارد فیه ضعیف السند،و وارد فی قضیة شخصیة.

و من جمیع ما ذکرناه ظهر ضعف ما ذهب الیه المصنف من أن الأوجه هو الضمان مطلقا (إما تحکیما للاستصحاب حیث یعارض البراءة و لو بضمیمة عدم القول بالفصل،و إما للمرسلة المتقدمة عن ئر)و هی ما روی من أنه بمنزلة اللقطة(و إما لاستفادة ذلک من خبر الودیعة).

و وجه الضعف أنه لا موضوع للأصل بعد أمر الشارع بالتصدق بمجهول المالک،و أنک قد عرفت أنه لا دلیل علی الضمان فیما کانت الید مسبوقة به فضلا عن إثباته فی مطلق مجهول المالک بعدم القول بالفصل.و أما استفادة حکم المسألة مما ورد فی إیداع اللص فقد عرفت جوابه.و أما مرسلة السرائر فهی غیر قابلة للاعتماد علیها.علی أن من المظنون أنها بعینها روایة حفص الواردة فی إیداع اللص.فیتوجه علیه ما وجهناه علی الاستدلال بهذه الروایة قوله ثم الضمان هل یثبت بمجرد التصدق) ،أقول:قد ظهر مما تقدم أن التصدق بمجهول المالک لا یوجب الضمان.فإذا أغمضنا النظر عن ذلک و قلنا بالضمان،أو ثبت ذلک بدلیل خاص کما فی اللقطة فهل یحکم بثبوته من حین الأخذ،أو من حین التصدق،أو من حین مطالبة المالک بماله و عدم رضاه بالتصدق؟وجوه.

و التحقیق أن یقال:إن الحکم بالضمان ان کان لقاعدة الضمان بالإتلاف فاللازم هو الحکم

ص:526


1- 1) فی ص 510 الواردة فی قصة الفتی الذی کان من کتاب بنی أمیة.

بثبوته من حین التصدق،إلا أنک قد عرفت آنفا أن القاعدة لا تشمل المقام.و ان کان مدرک الضمان هو ما ورد فی اللقطة من أن المالک إذا جاء و طلب ماله فله الغرم،أو الرضا بالأجر فاللازم هو ثبوته من حین مطالبة المالک.و ان کان مدرک الضمان هو قاعدة ضمان الید فاللازم ثبوته من حین الأخذ إذا کانت الید الموضوعة علیه ید ضمان.

قوله و لو مات المالک. أقول:توضیح المقام أن الکلام قد یقع فی موت المالک، و قد یقع فی موت المتصدق.و علی الأول فقد یکون موت المالک بعد التصدق،و قد یکون قبل التصدق،فإذا کان التصدق بعد موت المالک فإذا جاء الوارث،و لم یرض بالتصدق خیره المتصدق بین الغرم و الأجر،لقوله(علیه السلام)فی روایة حفص المتقدمة فی البحث عن رد المأخوذ من الظالم إلی أهله:(فإن جاء طالبها بعد ذلک خیره بین الأجر و الغرم).

و ان کان التصدق قبل موت المالک فإنه لا شیء للورثة إذا المالک لم یبق حیا بعد التصدق حتی یتخیر بین الغرم و الأجر،و الورثة لیسوا بملاک حتی یجری فیهم هذا الحکم.

لا یقال:إذا وجد المالک بعد التصدق کان مخیرا بین الغلام و الأجر،فیکون هذا حقا من حقوقه،فإذا مات انتقل إلی الورثة،لأن ما ترکه المیت لوارثه.

فإنه یقال:لا دلیل علی أن کل حق یقبل النقل و الانتقال أو الإسقاط،إلا فی موارد خاصة،و مع الشک فی ذلک فالأصل عدمه.

و أما إذا مات المتصدق ثم وجد المالک فالظاهر من قوله(علیه السلام):(خیره بین الأجر و الغرم).أنه لا شیء للمالک ح إذ لا وجود للمتصدق حتی یخیر المالک بین الأمرین.

نعم یمکن أن یقال:بخروج الغرامة من ترکته،لان ضمان الصدقة من الحقوق المالیة اللازمة علیه بفعله،و لا غرامة فی ذلک فقد ثبت نظیره فی الفقه کثیرا کما إذا رمی أحد رجلا بحجر و مات الرامی قبل وصول الحجر،ثم أصاب الحجر الرجل فقتله،فإن دیة المقتول تؤخذ من ترکة القاتل،لاستناد القتل الیه.بل قد یملک المیت من جهة إیجاده سبب الملک قبل موته،کما إذا نصب شبکة،و وقع فیها السمک بعد موته،فإنه یکون من ترکته.

قوله و لو دفعه الی الحاکم فتصدق به بعد الیأس. أقول:ظاهر کلام المصنف أن دفع المال الی الحاکم إن کان بعنوان کونه وکیل الغائب،أو ولیه فلا ضمان علی الدافع لأن دفعه الی الولی،أو الوکیل کدفعه الی نفس الأصیل.و ان کان دفعه الیه بعنوان أنه کبقیة الناس فلا تبرأ ذمته بذلک.

و تحقیق الکلام هنا یکون فی جهتین،الاولی:هل للحاکم ولایة علی الغائب أم لا؟ الثانیة:إذا ثبت للحاکم ولایة علی الغائب فهل یعتبر قصد هذا العنوان فی دفع مال الغائب إلیه

ص:527

أم لا؟أما الجهة الأولی فهی ممنوعة صغری و کبری،أما الصغری فلأنه لم یحرز کون المالک غائبا،بل یحتمل کونه حاضرا عند الواجد.و ان لم یعرفه بعینه.و یتفق کثیرا أن الملتقط یتفحص عن المالک،و هو ینادی یا صاحب المال،و یسمعه المالک،و لا یلتفت الی کون اللقطة له.و أما الکبری فلعدم الدلیل اللفظی علی ولایة الحاکم علی الغائب لکی یتمسک بإطلاقه،و إنما هی ثابتة بالحسبة،فلا بد من الاقتصار علی المقدار المتیقن،و هو أخذ مال الغائب لحفظه و إیصاله الیه،و لا یجوز إتلافه و لو بالتصدق عنه.

و ان سلمنا ولایة الحاکم علی الغائب مطلقا فإنما هی فیما لم یکن للغائب ولی خاص، و الظاهر من الروایات أن من وضع یده علی اللقطة له الولایة علی مالکها فی التصدق بها.

و أما الجهة الثانیة فإذا سلمنا ثبوت ولایة الحاکم علی الغائب فإنه لا دلیل علی دخل قصد الولایة فی دفع اللقطة إلی الحاکم،فان اعتبار القصد فی ذلک کاعتبار قصد المالک فی دفع ماله الیه،و لا نحتمل أن یلتزم بذلک أحد.

و یتضح ما ذکرناه بمراجعة الوجدان،و بالنظر الی سیرة العقلاء،فإنهم لا یعتبرون القصد المذکور فی دفع أموال الموکلین و المولی علیهم إلیهم،أو الی و کلائهم و أولیائهم.

ثم إنه إذا جاز دفع اللقطة إلی الحاکم کان الحاکم مکلفا بجمیع أحکاها من وجوب الفحص و غیره.و إذا ظهر مالکها بعد التصدق أعطی بدلها من بیت المال.فقد ثبت فی الشریعة أن ما أخطأت القضاة فهو من بیت المال،و ما نحن فیه من صغریاته.

فیما علم إجمالا اشتمال الجائزة
اشارة

علی الحرام

الصورة الرابعة:ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علی الحرام.قد ذکر المصنف هنا أن ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علی الحرام یقع علی وجوه،لأن الاشتباه إما أن یکون موجبا للشرکة و الإشاعة،کخلط الخل بالخل و السمن بالسمن و الحنطة بالحنطة،و إما أن لا یکون موجبا لذلک،کما إذا اشتری فراشا و غصب فراشا آخر و اشتبه أحدهما بالآخر.و علی الأول فإما ان یکون المالک و مقدار المال معلومین،و إما ان یکونا مجهولین،و إما ان یکونا مختلفین.فإذا کانا معلومین فلا شبهة فی وجوب رد المال الی صاحبه.و ان کانا مجهولین فالمورد من صغریات المال الحلال المختلط بالحرام،فیجب فیه الخمس.و إن کانا مختلفین فان کان القدر معلوما و المالک مجهولا فقد تقدم تفصیله فی الصورة السابقة.

ص:528

و ان کان القدر مجهولا و المالک معلوما وجب التخلص عن اشتغال الذمة بالمصالحة مع المالک و علی الثانی-و هو ما لا یوجب الاشتباه الشرکة-فلا بد من الرجوع الی القرعة، لأنها لکل أمر مشکل.أو یباع المأخوذ من الحائر،و یشترک فی ثمنه.ثم ذکر ان تفصیل ذلک کله فی کتاب الخمس.

أقول:فی کلامه نظر من وجهین،الأول:أنه لا وجه للرجوع إلی المصالحة مطلقا فیما إذا کان المالک معلوما و القدر مجهول،لأن المال المذکور قد یکون فی ید أحد،و قد لا یکون کذلک.و علی الأول فالمقدار الذی یعلم صاحبه یرد الیه،و المقدار الذی لا یعلم صاحبه فهو لذی الید،لأنها أمارة الملکیة.و علی الثانی فما هو معلوم المالک أیضا یرد الی صاحبه،و فی المقدار المشتبه یرجع الی القرعة.و یحتمل الحکم بالتنصیف للمصالحة القهریة و یستأنس حکم ذلک مما ورد (1)فی الودعی.و لکن الظاهر أن الروایة غیر نقیة السند.

الثانی:أن ظاهر کلام المصنف عدم جریان التقسیم المذکور فی القسم الثانی-أعنی ما لا یکون الاشتباه موجبا للشرکة و الإشاعة-و لذا اکتفی فیه بالرجوع إلی القرعة، أو بیع المال المشتبه و الاشتراک فی ثمنه.و لکن الظاهر أن الأقسام المذکورة کلها جاریة فی القسم الثانی أیضا.و تقریبه أن المأخوذ من الجائر إذا کان مشتبها بالحرام مع عدم کونه موجبا للشرکة فاما أن یکون المالک و القدر کلاهما معلومین،فلا بد من رد المال الی صاحبه و إما أن یکون القدر معلوما و المالک مجهولا،و قد تقدم حکمه فی الصورة الثالثة.و إما أن یکون القدر مجهولا و المالک معلوما،فیرجع الی القرعة،أو یباع،و یشترک فی ثمنه، کما ذکره المصنف.و إما أن یکون القدر و المالک کلاهما مجهولین،فیجب فیه الخمس علی المشهور،و ذکرنا تفصیل ذلک فی کتاب الخمس،و ظاهر المصنف عدم وجوبه هنا.و لکنه مدفوع بإطلاق ما دل (2)علی وجوب الخمس فی المال المختلط بالحرام علی القول به،و دعوی اختصاصه بصورة الإشاعة لا شاهد له

ص:529


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 12 حکم من أودعه إنسان دینارین من الصلح ص 633.
2- 2) راجع ج 2 ئل باب 1 وجوب الخمس فی الحلال إذا اختلط بالحرام من الخمس ص 61.
فرع

قال السید(ره)فی حاشیته:(مقتضی إطلاق أخبار الخمس عدم الفرق بین ما لو شک فی کون الحرام بمقدار الخمس،أو أقل أو أکثر.و ما لو علم بنقصانه عنه أو زیادته علیه مع عدم العلم بمقداره،و هو الأقوی وفاقا لسید المناهل علی ما نقل.و ذهب بعضهم الی الاختصاص بالصورة الاولی،و أنه لو علم النقص لا یجب إعطاء الخمس،و لو علم الزیادة لا یکفی،بل یجب دفع الأزید) و لکن الظاهر هو ما ذهب الیه ذلک البعض،لأن مورد ما دل علی ثبوت الخمس فی المختلط بالحرام إنما هو ما لم یعلم کون الحرام زائدا علی مقدار الخمس،أو ناقصا عنه،أما فی صورة العلم بالنقصان فلأن الظاهر من قوله«ع»فی روایة الحسن بن زیاد (1):(فان اللّه تعالی قد رضی من ذلک المال بالخمس).أن الرضا بالخمس للامتنان علی العباد،و التسهیل علیهم، و من الواضح أنه لا امتنان الا مع احتمال زیادة الحرام علی الخمس،و یضاف الی ذلک أنه لا قائل بوجوب الخمس فی هذه الصورة،ذکر ذلک المحقق الهمدانی قدس سره.

و أما فی صورة العلم بزیادة الحرام عنه فان الجزء الزائد کبقیة المحرمات،فلا ترتفع الحرمة عنه،و إلا کان ذلک حلیة لأکل أموال الناس.و یضاف الی ذلک عدم القول بالفصل بین صورتی العلم بالزیادة و العلم بالنقیصة،و حیث عرفت عدم وجوب الخمس مع العدم بالنقیصة فلا بد من القول بعدم وجوبه أیضا مع العلم بالزیادة.

و علی الجملة إن ظاهر الروایة وقوع المصالحة الشرعیة بین الحرام و الخمس،و لا یجری ذلک إلا مع احتمال کونه بمقدار الحرام.

أخذ المال من الجائر

لیس له بنفسه حکم من الأحکام الخمسة

قوله و اعلم أن أخذ ما فی ید الظالم ینقسم باعتبار نفس الأخذ إلی الأحکام الخمسة) أقول:حاصل کلامه:أن أخذ المال من الجائر ینقسم بلحاظ نفس الأخذ إلی الأحکام

ص:530


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 1 وجوب الخمس فی الحلال إذا اختلط بالحرام من الخمس ص 61

الخمسة،و بلحاظ نفس المال الی المحرم و المکروه و الواجب.فالحرم ما علم أنه مال الغیر مع عدم رضاه بأخذه.و المکروه هو المال المشتبه.و الواجب هو ما یجب استنقاذه من ید الجائر من حقوق الناس،و حقوق السادة و الفقراء و لو کان ذلک بعنوان المقاصة.

أقول:الظاهر أن الأخذ بنفسه لا یتصف بشیء من الأحکام الخمسة حتی بالإباحة،بل شأنه شأن سائر الأفعال التی لا تتصف بها إلا باعتبار العوارض و الطوارئ،فإن الأخذ قد یتصف بالحرمة،کأخذ مال الغیر بدونه إذنه،و قد یتصف بالوجوب،کأخذ حقوق الناس من الجائر،و قد یتصف بالکراهة،کأخذ المال المشتبه منه بناء علی کراهته،کما ذهب الیه بعض الأصحاب،و قد تقدم ذلک فی البحث عن کراهة أخذ الجائزة من الجائر مع عدم اشتمال أمواله علی الحرام و قد یتصف بالاستحباب،کأخذ المال منه مع عدم العلم بحرمته لزیارة المشاهد و التوسعة علی العیال و نحو ذلک من الغایات المستحبة.و قد یتصف بالإباحة،کأخذ المال منه لغیر الدواعی المذکورة.

وظیفة الجائر فی نفسه

بالنسبة الی ما أخذه من أموال الناس

قوله و کیف کان فالظاهر أنه لا إشکال فی کون ما فی ذمته من قیم المتلفات غصبا من جملة دیونه). قد فصلنا الکلام فی حکم أخذ المال من الجائر.و أما وظیفته فی نفسه فلا شبهة فی اشتغال ذمته بما أتلفه من أموال الناس،لقاعدة الضمان بالإتلاف،فیجب علیه أن یخرج من عهدته.و لا شبهة أیضا فی أن ما أخذه من الناس بالظلم یجب علیه رده إلیهم لقاعدة ضمان الید.هذا إذا کان الجائر حیا.و أما إذا مات کانت الأموال المذکورة من جملة دیونه،فتخرج من أصل الترکة،لقوله تعالی (1): (مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ) و للروایات الواردة فی هذه المسألة.

و قد خالف فی ذلک الشیخ الکبیر کاشف الغطاء(ره)،فحکم بکونه من الثلث مع الإیصاء به،و منع کونه من الدیون.و استدل علی رأیه هذا بعدم المقتضی،و بوجود المانع،أما الأول فبأن ذمة الظالم و إن اشتغلت بالحقوق،و وجب علیه الخروج من عهدتها إلا ان الدین الذی یخرج من أصل الترکة منصرف الی الدیون المتعارفة،فلا یکون مورد البحث مشمولا للآیة و ما بمعناها.

ص:531


1- 1) سورة النساء،آیة:12.

و أما المانع فلأن الآیة الشریفیة و إن دلت علی إخراج دیون المیت من أصل الترکة، و بها خصص ما دل علی أن ما ترکه المیت ینتقل الی وارثة.و لکن السیرة القطعیة قائمة علی أن الضمانات الثابتة بقاعدة ضمان الید لا تخرج من أصل الترکة،بل تخرج من الثلث مع الإیصاء به،و إلا بقی المیت مشغول الذمة به الی یوم القیامة.و علیه فالآیة قد خصصت بالسیرة.

أقول:أما منع المقتضی فقد أشکل علیه المصنف بوجوه،الأول:(منع الانصراف، فإنا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بین ما أتلفه هذا الظالم عدوانا،و بین ما أتلفه شخص آخر من غیر الظلمة)فکما أن الأول یخرج من أصل الترکة فکذا الثانی.

و ثانیا:أنه(لا إشکال فی جریان أحکام الدین علیه فی حال حیاته من جواز المقاصة من ماله کما هو المنصوص (1)و عدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غیر ذلک).

و ثالثا:انه(لو تم الانصراف لزم إهمال الأحکام المنوطة بالدین وجودا من غیر فرق بین حیاته و موته).و دعوی إطلاق الغنی علیه عرفا لا شاهد علیها لأن أهل العرف لیسوا مشرعین لکی تکون إطلاقاتهم حجة شرعیة.کما أنهم یرون القمار و بیع المنابذة و الحصاة و المعاملة الربویة من المعاملات الصحیحة،و قد نهی الشارع عنها،و أزری علیهم بها.

و أما وجود المانع فأشکل علیه المصنف أیضا بأن السیرة المذکورة ناشئة(من قلة مبالاة الناس،کما هو دیدنهم فی أکثر السیر التی استمروا علیها،و لذا لا یفرقون فی ذلک بین الظلمة و غیرهم ممن علموا باشتغال ذممهم بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء، أو من جهة العلم بفساد أکثر معاملاته).و غیرها من حقوق الناس.فلا یمکن رفع الید عن القواعد المنصوصة المجمع علیها فی الشریعة المقدسة بمثل هذه السیر الواهیة،بل سیرة المتدینین علی عکس السیرة المذکورة فإنهم لا یفرقون فی الدیون بین المظالم و غیرها.

ما یأخذه الجائر من الناس

اشارة

یجوز احتسابه من الزکاة

قوله.(الثالثة:ما یأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج. أقول:الحقوق الشرعیة الثابتة فی أموال الناس،أو فی ذممهم أربعة:الخمس و الزکاة و الخراج و المقاسمة.و لا بأس

ص:532


1- 1) راجع ج 2 ئل باب 112 جواز استیفاء الدین من مال الغریم الممتنع مما یکتسب به ص 561 و ج 2 التهذیب ص 105.

یجعل الأخیرین قسما واحدا،و إذن فهی ثلاثة.أما الخمس فقد أسقطه عمر بن الخطاب، و تبعه قومه.و ذکر بعض المفسرین من العامة أن عمر قد أسقط الخمس فی شریعة الإسلام و تبعه أصحابه،فصارت المسألة إجماعیة،و علی ذلک فلا جدوی فی البحث عن الخمس لعدم اعتقاد الجائر به لکی یأخذه من الناس حتی نبحث فی أحکامه،فیختص الکلام ببقیة الحقوق ثم لا یخفی أن مورد تلک الحقوق الثلاثة هی الغلات الأربع،و الأنعام الثلاثة،و أراضی المسلمین.و أما الأراضی التی أحیاها العامل فلا شیء علیه و إن کان المحبی من غیر المسلمین علی ما ذهب الیه بعض الأصحاب.

ثم إن الکلام هنا یقع فی ثلاث نواحی:
الناحیة الأولی:إذا أخذ الجائر الحقوق المذکورة من المسلمین فهل تبرء دممهم عنها أم لا؟

مقتضی القاعدة الأولیة هو العدم،فان الشارع قد حکم بثبوت تلک الحقوق فی ذم هؤلاء فلا تبرء عنها إلا بصرفها فیما عینه الشارع.و واضح أن الجائر خارج عنه.علی أنها لا تتعین فی خصوص ما یأخذه الجائر حتی تسقط عن ذممهم،إلا أن الظاهر من الروایات الآتیة فی الناحیة الثالثة هو جواز أخذ الصدقات و المقاسمات من الجائر،بل الظاهر من السؤال فی روایة الحذاء الآتیة هو جواز أخذ الصدقات و المقاسمات من الجائر،بل الظاهر من السؤال فی روایة الحذاء الآتیة أن ذلک من المسلمات،فتدل تلک الروایات بالملازمة علی أن الأموال التی یأخذها الجائر من الناس یجوز احتسابها من الصدقات و المقاسمات،و إلا لکان علی الآخذ أن یرده الی صاحبه.فیدل ذلک علی تنزیل ید الجائر فی زمان الغیبة منزلة ید السلطان العادل و یضاف الی ما ذکرناه ما فی جملة من الروایات[1]من أن العشور التی تؤخذ من الرجل یجوز احتسابها من الزکاة،إلا إذا استطاع الرجل دفع الظالم،کما أشار إلیه الإمام«ع» فی روایة عیص ب قوله لا تعطوهم شیئا ما استطعتم).و أما ما ورد فی صحیحة أبی أسامة زید الشحام (1)من منع الاحتساب،لأنهم قوم غصبوا ذلک فیمکن حمله علی استحباب الإعادة،کما صنعه الشیخ فی التهذیب.

ص:533


1- 1) راجع البابین المزبور بن من ج 2 ئل ص 33.و ج 6الوافی ص 21.
لا یجوز للجائر أخذ الصدقات و المقاسمات

من الناس

الناحیة الثانیة:هل یجوز للجائر أخذ الصدقة و الخراج و المقاسمة من الناس أم لا؟ و علی القول بالجواز فهل تبرء ذمته إذا أعطاها لغیر أهلها أم لا؟قد یقال:إن الولایة فی زمان الغیبة و ان کانت راجعة إلی السلطان العادل الذی وجبت علی الناس طاعته،و حرمت علیهم معصیته،فإذا غصبها غاصب و تقمصها متقمص کان عاصیا و آثما،إلا أن هذه الولایة الجائرة تترتب علیها الأحکام الشرعیة المترتبة علی الولایة الحقة من حفظ حوزة الإسلام،و جمع الحقوق الثابتة فی أموال الناس،و صرفها فی محلها،و غیر ذلک،لأن موضوع تلک الاحکام هو مطلق السلطنة،سواء أ کانت حقة أم باطلة،کما إذا وقف أحد أرضا،و جعل تولیتها لسلطان الوقت.

و علی الجملة إن المحرم إنما هو تصدی الجائر لمنصب السلطنة،لا الأحکام المترتبة علیها، فإنها لا تحرم علیه بعد غصبه الخلافة و تقمصها،هذا غایة ما یمکن أن یقال فی جواز تصدی الجائر للأمور العامة.

و لکن یرد علیه أن هذا الاحتمال و ان کان ممکنا فی مقام الثبوت إلا أنه لا دلیل علیه، و علی هذا فالجائر مشغول الذمة بما یأخذه من حقوق المسلمین ما لم یخرج من عهدتها.

و ذهب السید فی حاشیته إلی براءة ذمة الجائر لوجه آخر و حاصله:أن الأئمة«ع» -و هم الولاة الشرعیون-قد أذنوا لشیعتهم فی شراء الصدقة و الخراج و المقاسمة من الجائر و یکون تصرفه فی هذه الحقوق الثلاثة کتصرف الفضولی فی مال الغیر إذا انضم إلیه إذن المالک،و ح فیترتب علیه أمران،أحدهما:براءة ذمة الزارع بما دفع الی الجائر من الحقوق المذکورة.و ثانیهما:براءة ذمة الجائر من الضمان و إن ترتب علیه الإثم من جهة العصیان و العدوان،و نظیر ذلک ما إذا غصب الغاصب مال غیره فوهبه لآخر،و أجازه المالک.

و یرد علیه أولا:أن إذن الشارع فی أخذ الحقوق المذکورة من الجائر إنما هو لتسهیل الأمر علی الشیعة لئلا یقعوا فی المضیقة و الشدة،فإنه یأخذون الأموال المذکورة من الجائر،و أن إذنه هذا و إن کان یدل بالالتزام علی براءة ذمة الزارع و إلا لزم منه العسر و الحرج المرفوعین فی الشریعة،إلا أنه لا اشعار فیه ببراءة ذمة الجائر فضلا عن الدلالة علیها،و علی هذا فتصدیه لأخذ تلک الحقوق ظلم و عدوان،فتشمله قاعدة ضمان الید

ص:534

و تلحقه جمیع تبعات الغصب وضعا و تکلیفا.

و أما تنظیر المقام بهبة الغاصب المال المغصوب مع لحقوق إجازة المالک فهو قیاس مع الفارق،إذ المفروض أن الجائر لم یعط الحقوق المذکورة لأهلها حتی تبرء ذمته بل أعطاها لغیرهم إما مجانا،أو مع العوض،و علی الأول فقد أتلف المال،فیکون ضامنا له و إن جاز للآخذ التصرف فیه،و علیه فالعوض یکون للآخذ،و ینتقل المال إلی ذمة الجائر،و علی الثانی فالمعاملة و إن صحت علی الفرض،إلا أن ما یأخذه الجائر بدلا عن الصدقة یکون صدقة،و یضمنه الجائر لا محالة.

و نظیر ذلک أن الأئمة قد أذنوا لشیعتهم فی أخذ ما تعلق به الخمس أو الزکاة ممن لا یعطیها أو لا یعتقد بهما مع ان ذلک یحرم علی المعطی وضعا و تکلیفا.

جواز أخذ الصدقات و المقاسمات

من الجائر المستحل لذلک

الناحیة الثالثة:هل یجوز أخذ مال الصدقة و الخراج و المقاسمة من الجائر المستحل لذلک أم لا یجوز؟و علی القول بالجواز فهل یملکها الآخذ أم لا؟.المشهور،بل المجمع علیه بین الأصحاب هو الأول.و عن المسالک انه أطبق علیه علمائنا،و لا نعلم فیه مخالفا.و عن المفاتیح انه لا خلاف فیه.و فی الریاض انه استفاض نقل الإجماع علیه.و قد خالف فی ذلک الفاضل القطیفی.و المحقق الأردبیلی.

و لکن التحقیق یقتضی الأول،لإطلاق الروایات الکثیرة الدالة علی إباحة أخذ الجوائز من الجائر،و قد تقدمت الإشارة إلیها فی البحث عن جوائز السلطان.و تدل علیه أیضا الروایات الخاصة الواردة فی خصوص المقام،منها روایة الحذاء[1]و هی تدل علی المقصود بثلاث فقرات:الفقرة الاولی:ان السائل جعل جواز أخذ الصدقات من السلطان الجائر مفروغا عنه،و إنما سأل عما إذا أخذ الجائر من الناس أکثر من الحق الذی یجب علیهم.فقال الامام«ع»:(لا بأس به حتی تعرف الحرام بعینه).

و قد أورد علیه المحقق الأردبیلی فی محکی کلامه(بأن قوله«ع»:لا بأس به حتی نعرف الحرام منه لا یدل إلا علی جواز شراء ما کان حلالا،بل مشتبها،و عدم جواز

ص:535

ما کان معروفا أنه حرام بعینه،و لا تدل علی جواز شراء الزکاة بعینها صریحا.نعم ظاهرها ذلک.لکن لا ینبغی الحمل علیه،لمنافاته العقل و النقل.و یمکن ان تکون سبب الإجمال منه التقیة).

و یرد علیه أولا:ان الروایة صریحة فی المطلوب،فان الضمیر فی قوله«ع»:(لا بأس به)یرجع الی شراء إبل الصدقة و غیرها،فلا وجه لإنکار الأردبیلی صراحة هذه الفقرة فی المقصود.

و ثانیا:ان حکم العقل بقبح التصرف فی مال الغیر بدون إنه و ان کان ما لا ریب فیه و کذا لا شبهة فی دلالة جملة من الروایات (1)علی حرمته،إلا ان إذن الشارع فیه أحیانا یوجب ارتفاع القبح،و تخصیص العمومات،و علیه فجواز أخذ الصدقات من الجائر لا ینافی حکم العقل و النقل،لأن أخذ الجائر هذه الحقوق من المسلمین و ان کان علی وجه الظلم و العدوان،إلا ان الشارع أجاز لغیر الجائر ان یأخذها منه،و من هنا لم یتوهم احد ان إذن الشارع فی التصرف فی الأراضی المتسعة و الأنهار الکبار و غیرهما ینافی حکم العقل و النقل و ثالثا:انه لا وجه لإنکاره صراحة هذه الفقرة فی المطلوب،و دعواه ظهورها فیه، ثم إنکاره الظهور أیضا،لمنافاته العقل و النقل.نعم له إنکار حجیتها من الأول سواء کانت صریحة فی المطلوب أم ظاهرة فیه،کما هو کک فی کل دلیل ینافی العقل و النقل.

و رابعا:انه لا وجه لاحتمال التقیة فی الروایة و جعلها سبب الاجمال فیها،لأن مجرد معارضة الروایة لعموم آیة أو روایة،أو إطلاقهما لا یسوغ حملها علی التقیة،بل یلتزم بالتخصیص أو التقیید.

لا یقال:لا وجه لحمل لفظ السلطان الوارد فی الروایة علی السلطان الجائر،و لماذا لا یحمل علی السلطان العادل،فتعبد الروایة عما نحن فیه.

فإنه یقال:ظاهر قول السائل:(و هو یعلم انهم یأخذون منهم أکثر من الحق الذی یجب علیهم)انه فرض الکلام فی الجائر،لأن العادل لا یعمل ذلک.و یضاف الی ما ذکرناه انا لم نسمع بوجود السلطان العادل فی زمان السائل و ما یقاربه.

الفقرة الثانیة:ان السائل قد احتمل حرمة شراء الإنسان صدقات نفسه من الجائر.

مسائل الامام«ع»عنها،فقال«ع»:(إن کان قد أخذها و عزلها فلا بأس)فهذه الفقرة أیضا صریحة فی المطلوب.و إنما قید الإمام«ع»جواز شراء الصدقات بالأخذ و العزل معا،و لم یکتف بالعزل فقط،لأن الصدقات لا تتعین بأمر الجائر بالعزل،فإذا

ص:536


1- 1) قد تقدم التعرض لها فی ص 144

اشتراها قبل الأخذ و العزل فقد اشتری مال نفسه،و هو بدیهی البطلان،فان البیع تبدیل المالین فی طرفی الإضافة،و هو غیر معقول فی شراء الإنسان مال نفسه.و سنتعرض لذلک فی أوائل البیع إنشاء اللّه.

و قد یقال:إن المراد من المصدق فی قول السائل:(فما تری فی مصدق یجیئنا إلخ).

هو العامل من قبل السلطان العادل،و وجه السؤال هو احتمال أن لا یکون العامل وکیلا فی بیعها،فتکون الروایة أجنبیة عن المقام.و یرده أن الروایة واردة فی الجائر،و قد تقدم ما یدل علی ذلک.

الفقرة الثالثة:أن السائل قد احتمل عدم کفایة الکیل السابق فی الشراء،فسأل الإمام«ع»عن ذلک فقال:(إن کان قبضه بکیل و أنتم حضور ذلک فلا بأس بشرائه منه من غیر کیل).لأن الکیل إنما اعتبر طریقا الی تعیین مقدار المکیل بأی نحو اتفق، و لا دلیل علی اعتباره عند البیع.فهذه الفقرة أیضا صریحة فی جواز شراء الصدقات من الجائر و لا یقال:المراد من القاسم المذکور فی السؤال هو المزارع أو وکیله،فلا مدخل للروایة فیما نحن فیه.

فإنه یقال:اتحاد السیاق یقتضی أن یراد من القاسم عامل الصدقة،لا المزارع أو وکیله علی أن الظاهر من إطلاق لفظ القاسم(الذی هو من المشتقات)هو من کانت القسمة حرفة له،و لا یطلق ذلک علی المزارع للأرض بقسمة حاصله.

و قد یتوهم أن الروایة إنما تعرضت لحکم الصدقة فقط،فلا تشمل الخراج و المقاسمة.

و لکن یرد علیه أولا:أن مقابلة القاسم بالمصدق فی الروایة تدل علی إرادة کل من المقاسمة المصطلحة و الصدقات.و ثانیا:أن إطلاق لفظ القاسم یشمل الخراج و المقاسمة الزکاتیة، فلا وجه لصرفه الی الثانی.و ثالثا:یکفینا تعرض الروایة لخصوص الصدقات،فیثبت الحکم فی غیرها بعدم القول بالفصل،لأن کل من قال بجواز أخذ الصدقات من الجائر قال:

بجواز أخذ الخراج و المقاسمة منه.

و منها روایة إسحاق بن عمار (1)قال:سألته عن الرجل یشتری من العامل و هو یظلم قال:(یشتری منه ما لم یعلم أنه ظلم فیه أحدا).فإن ظاهر الشراء من العامل هو شراء الحقوق المذکورة منه،فتدل هذه الروایة أیضا علی المطلوب.

و أشکل علیها الفاضل القطیفی بأن المراد من العامل هو عامل الظلمة،و قد عرفت فیما سبق أنه لا مانع من أخذ أموالهم ما لم یعلم أنها من الحرام،فتکون الروایة بعیدة عن المقام

ص:537


1- 1) قد ذکرنا هذه الروایة فی ص 504.

و فیه أن هذه الدعوی و ان لم تکن بعیدة فی نفسها،و لکن یدفعها إطلاق الروایة،و عدم تفصیل الامام«ع»بین المقامین.

و منها روایة أبی بکر الحضرمی[1]فإنها ظاهرة فی حل ما یعطیه الجائر للناس من بیت المال،سواء کان ذلک بعنوان البذل،أم الأجرة علی عمل.و قد ذکر المحقق الکرکی أن هذا الخبر نص فی الباب.و قد تعجب منه الأردبیلی و قال:(أنا ما فهمت منه دلالة ما، و ذلک لأن غایتها ما ذکر ذلک،و قد یکون شیء من بیت المال،و یجوز أخذه و إعطاؤه للمستحقین،بأن یکون منذورا،أو وصیة لهم،و یعطیهم ابن أبی شمال و غیر ذلک).

و لکن یرد علیه أنه إذا تحقق للروایة ظهور فان مجرد الاحتمال علی خلافه لا یسوغ رفع الید عنه،و إلا لانسد باب الاجتهاد،فان کان ظاهر یحتمل خلافه،نعم لا یجوز الاستدلال بالروایة المذکورة علی المقصود من جهة أخری،و هی أن الامام«ع»قد علل التعریض علی ابن أبی شمال بأنه لم یبعث الی أبی بکر الحضرمی بعطائه حیث قال:(أما علم أن لک فی بیت المال نصیبا).و ظاهر هذا التعلیل أن جواز الأخذ من جهة ثبوت الحق فی بیت المال،فیجوز له الأخذ بمقدار حقه،إلا أنه لا دلالة فیها علی جواز أخذ الحقوق الثلاثة من الجائر مطلقا،لکون الدلیل أخص من المدعی.

و منها الأخبار[2]الواردة فی جواز تقبل الأراضی الخراجیة،و تقبل خراجها،

ص:538

و خراج الرجال و الرؤوس من الجائر،فإنها تدل بالملازمة علی جواز شراء الخراج و المقاسمة و الصدقة منه.

و توضیح الدلالة أن التقبل قد یتعلق بالأرض،و قد یتعلق بالخراج.أما الأول فتشهد به جملة من الروایات.و لعل الوجه فی تجویز الشارع ذلک أن لا تبقی الأرض معطلة، و لا شبهة أن هذه الجهة لا ترتبط بما نحن فیه.و أما تقبل الخراج فتدل علیه جملة أخری من الرایات.و لا ریب فی دلالة هذه الجملة علی المطلوب،إذ لا فارق بین شراء الحقوق المذکورة من الجائر،أو أخذها منه مجانا،و بین تقبلها،فان الغرض هو مطلق الأخذ، و لذا نوهنا فی صدر المسألة بأن الأخذ أعم من أن یکون مع العوض أو بدونه.

تنبیهات المسألة
لا یجوز للجائر قطاع شخص خاص شیئا

من الأراضی الخراجیة

و ینبغی التنبیه علی أمور،الأول:هل یجوز للجائر إقطاع شخص خاص شیئا من الأراضی الخراجیة و تخصیصها به أم لا؟الظاهر هو الثانی،لدلالة الأخبار (1)الکثیرة علی أن الأراضی الخراجیة للمسلمین،فلا یجوز لأحد أن یتولی التصرف عنهم،إلا الإمام«ع» أو من کان مأذونا من قبله.و علیه فان قلنا بکون الجائر ولی الأمر فی زمان الغیبة، أو قلنا بکونه مأذونا من قبل الامام(علیه السلام)فی التصدی للأمور العامة فلا بأس بتصرفه فی تلک الأراضی من قبل المسلمین علی أی نحو شاء،و ان لم نقل بهما کما هو الظاهر لعدم الدلیل علیهما فیحرم علیه التصرف فیها وضعا و تکلیفا.

ص:539


1- 1) راجع ج 10 الوافی ص 133.و ج 2 ئل باب 71 شراء أرض الخراج من الجهاد ص 438.
شراء الصدقات من الجائر

قبل أخذه إیاها من الناس

الأمر الثانی:هل یجوز شراء الصدقات مر الجائر قبل أخذها إیاها من الناس أم لا یجوز ذلک إلا بعد الأخذ؟ظاهر عبارات الأکثر،بل الکل أن الحکم مختص بما یأخذه السلطان من المسلمین،فلا یجوز شراء ما فی ذمة مستعمل الأراضی الخراجیة أو الحوالة علیه، و صریح جماعة جواز ذلک لأخبار الواردة فی تقبل الأراضی الخراجیة و تقبل خراجها و جزیة الرؤوس من الجائر قبل أخذه إیاها(و قد تقدمت الإشارة إلیها آنفا)فان تقبل الخراج من الجائر لیس إلا شراؤه منه.

و أما اختصاص عبارات الفقهاء بصورة الشراء بعد الأخذ فمبنی علی الغالب.

لا یقال:ان قوله(علیه السلام)فی روایة الحذاء المتقدمة:(ان کان قد أخذها و عزلها فلا بأس).یدل علی حرمة الشراء قبل الأخذ و العزل،و لا اختصاص لذلک بالصدقات، لعدم القول بالفصل بینهما،و بین الخراج و المقاسمة.

فإنه یقال:ان الروایة و ان کانت ظاهرة فی ذلک،الا أنه ظهور بدوی یزول بالتأمل فیها،فإنها بعیدة عما نحن فیه.لأن الظاهر من قول السائل:(فما تری فی مصدق یجیئنا فیأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول:بعناها إلخ).أن الجابی هو العامل من قبل الجائر، إذ لم یتعارف تصدی الجائر لذلک بنفسه،و علی هذا فکلما أخذه العامل من حقوق المسلمین جاز شراؤه منه،لقاعدة الید المقتضیة لحمل معاملاته علی الصحة،فإنه من المحتمل أن یکون العامل مأذونا فی البیع کما هو مأذون فی الجبایة.

و لکن ذلک لا یجری فیما قبل الأخذ،لأن حمل فعل المسلم علی الصحة فی المعاملات إنما هو فی الشرائط العائدة إلی العقد فقط.و أما شرائط العوضین و أشباهها فلا بد من إحرازها بدلیل آخر من قاعدة الید و نحوها،و هی منتفیة فی هذه الصورة،فإذا باع أحد شیئا،و لم نحرز مالکیته له،أو کونه وکیلا مفوضا فی البیع فإن الأثر لا یترتب علی بیعه،و قد ظهر مما تقدم أن الروایة إنما وردت علی طبق القواعد.و یضاف الی ذلک ما تقدم سابقا من أن الروایة ناظرة الی عدم جواز الشراء قبل الأخذ،لأن الصدقات لا تتعین بأمر الجائر بالعزل فإذا اشتراها قبل الأخذ فقد اشتری مال نفسه،و هو واضح البطلان.

ص:540

حکم الأراضی الخراجیة حال الغیبة

الأمر الثالث:لا شبهة فی أن الأراضی الخراجیة ملک لجمیع المسلمین،کما عرفت فی الأمر الأول،فلا بد من صرف أجرتها فی مصالحهم العامة،کما لا شبهة فی أن أمر التصرف فیها و فی خراجها الی الامام(علیه السلام)،و إنما الإشکال فی حکم حال الغیبة.و قد اختلفوا فی ذلک علی أقوال قد تعرض لها السید فی حاشیته،و لا یهمنا ذکره،و الذی یهمنا أمره أنه لم یستشکل أحد من الأصحاب فی أن السلطان الجائر غاصب للخلافة.و قائم فی صف المعاندة للّه،إلا أنه ذهب جمع منهم إلی حرمة التصرف فی تلک الأراضی و فی خراجها بدون إذنه بتوهم أنه ولی الآمر فی ذلک بعد غصبه الخلافة،لأن موضوع التصرف فیها هو السلطنة و ان کانت باطلة فإذا تحققت یترتب علیها حکمها.

إلا أنک قد عرفت سابقا عدم الدلیل علی ذلک،بل غایة ما ثبت لنا من الأخبار الکثیرة -التی تقدم بعضها-هو نفوذ تصرفات الجائر فیما أخذه من الناس باسم الخراج و المقاسمة و الصدقة،بمعنی أن الشارع قد حکم بجواز فیما أخذها منه،و ببراءة ذمة الدافع منها و ان بقی الجائر مشغول الذمة بها ما لم یؤدها إلی أهلها،و قد عرفت ذلک فیما سبق.

و تقدم أیضا أن حکم الشارع بنفوذ معاملة الجائر علی النحو المذکور إنما هو لتسهیل الأمر علی الشیعة لکیلا یقعوا فی العسر و الحرج فی معاملاتهم،و أمور معاشهم،و لم یدل دلیل علی أزید من ذلک حتی أنه لو أمکن إنقاذ الحقوق المذکورة من الجائر و لو بالسرقة و الخیانة،و إیصالها إلی أهلها وجب ذلک فضلا عن أن ترد الیه.

ثم لا یخفی أن المستفاد من بعض الاخبار (1)إنما هو حرمة دفع الصدقات إلی الجائر اختیارا،و بعدم القول بالفصل بینها و بین الخراج و المقاسمة نحکم بحرمة دفعهما إلیه أیضا اختیارا،بل یمکن استیناس التعمیم من روایة علی بن یقطین[1]حیث انه کان یأخذ أموال الشیعة علانیة،و یردها إلیهم سرا.و أیضا یمکن استیناس التعمیم من صحیحة زرارة (2)فإنها تدل علی أنه اشتری ضریس من هبیرة أرزا بثلثمائة ألف،و أدی المال إلی

ص:541


1- 1) قد تقدمت الإشارة إلیها فی ص 523.
2- 2) راجع ج 2 ئل باب 81 شراء ما یأخذه الظالم باسم المقاسمة مما یکتسب به ص 554.

بنی أمیة،و عض الإمام«ع»إصبعه علی ذلک،لأن أمرهم کان فی شرف الانقضاء،و کان أداء المال إلیهم بغیر إکراه منهم،بل کان ذلک باختیار ضریس،فیستفاد من ذلک أنه لا یجوز دفع الخراج إلی الجائر مع الاختیار.و قال المصنف:(فإن أوضح محامل هذا الخبر أن یکون الأرز من المقاسمة)

حکم شراء ما یأخذه الجائر

من غیر الأراضی الخراجیة

الأمر الرابع:هل یختص جواز شراء الخراج و المقاسمة بما أخذه الجائر من الأراضی الخراجیة،أو یعم مطلق ما أخذه من الأراضی باسم الخراج و المقاسمة و ان لم تکن الأرض خراجیة،و توضیح ذلک أن الأرض قد تکون خراجیة،کالأراضی التی فتحت عنوة أو صلحا.فهی لجمیع المسلمین.و قد تکون شخصیة،کالأراضی المحیاة،فإنها ملک للمحیی،و کالأراضی التی أسلم أهلها طوعا،فإنها لمالکها الأول،و قد تکون من الأنفال، کالجبال،و بطون الأودیة و نحوها.

أما القسم الأول فلا ریب فی کونه مشمولا للأخبار المتقدمة الدالة علی جواز شراء الحقوق الثلاثة من الجائر علی النحو الذی عرفته آنفا.

و أما القسم الثانی فهو خارج عن حدود تلک الاخبار قطعا،و لم یقل أحد بثبوت الخراج فیها.و علیه فإذا أخذ الجائر منها الخراج کان غاصبا جزما،و لا یجوز شراؤه منه.

و أما القسم الثالث فهو و ان لم یکن من الأراضی الخراجیة،إلا أن ما یأخذه الجائر من هذه الأراضی لا یبعد أن یکون محکوما بحکم الخراج المصطلح،و مشمولا للروایات الدالة علی جواز شراء الخراج من الجائر بعد ما کان أخذ الجائر إیاه بعنوان الخراج و لو کان ذلک بجعل نفسه.

و یرد علیه أن هذه القسم خراج عن موضوع الأخبار المذکورة،فإنها مسوقة لبیان جواز المعاملة علی الحقوق الثلاثة من التقبل و الشراء و نحوهما،و لیس فیها تعرض لموارد ثبوت الخراج و کیفیته و مقداره،بل لا بد فی ذلک کله من التماس دلیل آخر،و لا دلیل علی إمضاء ما جعله الجائر خراجا و ان لم یکن من الخراج فی الشریعة المقدسة.

ص:542

اختصاص الحکم بالسلطان المدعی للرئاسة العامة

الأمر الخامس:ذکر المصنف أن(ظاهر الأخبار و منصرف کلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعی للرئاسة العامة و عماله،فلا یشمل من تسلط علی قریة أو بلدة خروجا علی سلطان الوقت،فیأخذ منهم حقوق المسلمین).فلا یکون ذلک مشمولا للأخبار المتقدمة،و لا یجوز شراؤها منه.و الوجه فی ذلک أن الاخبار المذکورة لم ترد علی سبیل القضایا الحقیقیة،فلیس مفادها أن کل متصد لمنصب الخلافة و السلطنة تترتب علی دعواه الأحکام المزبورة،بل موردها القضایا الخارجیة،أعنی السلاطین الذین یرون أنفسهم أولیاء الأمور للمسلمین بحیث لا یمکن التخلص عن مکرهم،و یدعون علیهم الولایة العامة فی الظاهر و ان کانت عقیدتهم علی خلاف دعواهم،کجملة من الخلفاء السابقین.و من الواضح أن المسؤول عنه فی تلک الروایات إنما هو تصرفات هؤلاء الخلفاء فی الحقوق الثابتة علی المسلمین و علیه فلیس فی تلک الروایات عموم،و لا إطلاق لکی یتمسک به فی الموارد المشکوکة و فی کل متزعم أطلق علیه لفظ السلطان،و ح فلا بد من الاقتصار فی الأحکام المذکورة علی المقدار المتیقن،و هی القضایا الشخصیة الخارجیة،و لا یجوز التعدی منها إلا الی ما شاکلها فی الخصوصیات.و من هنا یظهر عدم شمول الأخبار المزبورة لسلاطین الشیعة الذین اتصفوا بأوصاف المخالفین فضلا عن شمولها لمن تسلط علی قریة أو بلدة خروجا علی سلطان الوقت،و أخذ من أهلها أموالهم باسم الخراج و المقاسمة و الصدقة،فلا تبرء بذلک ذمم الزارعین،و لا یجوز شراؤها من هؤلاء الظالمین،لأن ذلک یدخل فیما أخذ علی سبیل الظلم و العدوان.

و قد یقال بشمول الأحکام المتقدمة لکل من یدعی الرئاسة و منصب الخلافة و لو علی علی قریة أو بلدة،لقاعدة نفی العسر و الحرج.و لکن یرد علیه أنه قد یراد بذلک لزوم الحرج علی الذین یأخذون الأموال المذکورة من هؤلاء الظلمة المدعین للخلافة،و هو واضح البطلان،و أی حرج فی ترک شراء ما فی ید السراق و الغصاب مع العلم بکونه غصبا و سرقة.علی أن ذلک لو صح لجاز أخذ الأموال المحرمة من أی شخص کان،و هو بدیهی البطلان.

و قد یراد بذلک لزوم الحرج علی الزارعین و أولیاء الأراضی،إذا وجب علیهم أداء تلک الحقوق ثانیا،فیرتفع بدلیل نفی الحرج،و لکنه أیضا بین الخلل،فان لازم ذلک أن

ص:543

الإنسان إذا أجبره سارق أو غاصب علی إعطاء حقوق اللّه أو حقوق الناس أن تبرء ذمته بالدفع الیه،لتلک القاعدة،و لم یلتزم بذلک فقیه،و لا متفقة.

عدم اختصاص الحکم بمن یعتقد

کون الجائر ولی الأمر

الأمر السادس:قد عرفت أنه لا شبهة فی جواز أخذ الصدقة و الخراج من الجائر، فهل یختص ذلک بالحقوق التی أخذها من المعتقدین بخلافته و ولایته،أم یعم غیرها؟الظاهر أنه لا فارق بینهما،لإطلاق الروایات المتقدمة،بل ورد بعضها فیما کان المأخوذ منه مؤمنا کروایتی الحذاء و إسحاق بن عمار،و بعض ما ورد فی تقبل الأرض-و قد تقدمت الإشارة الی هذه الروایات آنفا-و من الواضح أن المؤمن لا یعتقد بخلافة الجائر و کونه ولی أمر المسلمین.

تقدیر الخراج منوط برضی الموجر و المستأجر

الأمر السابع:لیس للخراج قدر معین،بل المناط فیه ما رضی به السلطان و مستعمل الأرض بحیث لا یکون فیه ضرر علی مستعمل الأرض،فإن الخراج هو اجرة الأرض، فیناط تقدیره برضی الموجر و المستأجر،کالنصف و الثلث و الرابع و نحوها،فان زاد علی ذلک فالزائد غصب یحرم أخذه من الجائر.و یدل علی ما ذکرناه قوله«ع»فی مرسلة حماد الطویلة (1)(و الأرضون التی أخذت عنوة بخیل و رجال فهی موقوفة متروکة فی ید من یعمرها و یحییها و یقوم علیها علی صلح ما یصالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من الحق:النصف و الثلث و الثلثین و علی قدر ما یکون صالحا و لا یضرهم).

شراء الصدقة من الجائر علی

علی وجه الإطلاق

الأمر الثامن:المستفاد من الروایات المتقدمة هو جواز شراء الصدقة و الخراج و المقاسمة من الجائر علی وجه الإطلاق،سواء کان المأخوذ بقدر الکفاف و الاستحقاق،أم أزید.

ص:544


1- 1) راجع ج 1 کا ص 424.و ج 6 الوافی ص 40.

و أما الأخذ المجانی فیحرم من أصله إن کان الآخذ غیر مستحق لذلک،و إلا یحرم الزائد علی قدر الاستحقاق.و یشعر بما ذکرناه قوله«ع»فی روایة الحضرمی(أما علم أن لک فی بیت المال نصیبا).و قد تعرضنا لها سابقا (1)و رمیناها إلی الجهالة.

نعم لا بأس بأخذها للاستنقاذ،و ح فلا بد من إیصالها إلی الحاکم الشرعی مع التمکن منه،و إلا أوصلها إلی المستحقین.

و قد یتوهم جواز الأخذ مطلقا،للأخبار الدالة علی حلیة أخذ الجوائز من السلطان.

و قد تقدمت جملة منها فی البحث عن ذلک.و لکن هذا التوهم فاسد،فان تلک الأخبار غیر متعرضة لحکم الحقوق الثلاثة نفیا و إثباتا.

شرائط الأراضی الخراجیة

الأمر التاسع:الأراضی الخراجیة إنما تثبت بشرائط ثلاثة،

الشرط الأول:أن تکون

الأرض مفتوحة عنوة أو صلحا أو تکون من الأنفال علی الاحتمال المتقدم

(2)

و یثبت ذلک بالشیاع المفید للعلم،و بشهادة العدلین،و کذا یثبت بالشیاع المفید للظن المتاخم للعلم إذا قلنا بکفایته فی کل ما تعسرت إقامة البینة علیه،کالنسب و الوقف و الملک المطلق و نحوها، و بقول العدل الواحد إذا قلنا بحجیته فی الموضوعات،و هذه الأمارات حاکمة علی أصالة عدم کون الأرض مفتوحة عنوة.

و قد یقال بثبوت الفتح عنوة بالسیرة و بحمل فعل الجائر علی الصحة فإن أصالة الصحة لا تختص بفعل العادل،أما السیرة فإن کان المراد بها سیرة الجائرین فهی مقطوعة البطلان لأنهم لا یلتزمون بالأحکام الشرعیة،بل یرتکبون الأفعال الشنیعة،و لا یفرقون بین الحلال و الحرام، فکیف یبقی مع ذلک اطمئنان بالسیر الدائرة بینهم،و یزداد ذلک وضوحا بمراجعة التواریخ و ملاحظة أحوال الخلفاء السابقین و أفعالهم.

و إن کان المراد بها سیرة الفقهاء علی معاملة جملة من الأراضی کمعاملة الأراضی الخراجیة فهو متین.و لکن الإشکال فی الصغری،فأی أرض ثبتت کونها مفتوحة عنوة أو صلحا لکی یحکم بکونها خراجیة.

و من هنا یتضح أن البحث فی ذلک خال عن الفائدة،فان الجائرین فی یومنا هذا لا یأخذون الخراج بعنوان الولایة و الاستحقاق،بل لا یعتقدون بذلک،و معه یأخذون

ص:545


1- 1) فی ص 545.
2- 2) فی ص 542.

فریقا من أموال الناس باسم الخراج،کالمکوس و الکمارک و غیرهما.

و أما حمل فعل الجائر علی الصحة فسیأتی التعرض له عند بیان الضابطة للأراضی.

و التحقیق أن تحریر البحث فی المقام یقع فی ثلاث نواحی،الناحیة الاولی:أن الأرض التی تکون بید الزارع قد توجد فیها علامة تدل علی کونها مسبوقة بالید،و قد لا تکون کذلک،و علی الأول فقد تمضی مدة یطمئن الزارع بعدم بقاء المالک عادة،و قد لا یکون کذلک.فعلی الأول تکون الأرض و خراجها للإمام«ع»لأنه وارث من لا وارث له،و مع الشک فی وجود الوارث فالأصل عدمه إذا کان هنا علم عادی بموت الأبوین.

و علی الثانی تعامل الأراضی و خراجها معاملة مجهول المالک،و من هنا یتضح ما فی کلام المصنف من إثبات عدم الفتح عنوة،و عدم تملک المسلمین و غیرهم بأصالة العدم.و وجه الضعف هو أن کون الأرض معلمة بما یدل علی أنها مسبوقة بالید مانع عن الرجوع الی الأصل.

و علی الثالث-و هو ما إذا لم تکن فی الأرض علامة تدل علی کونها مسبوقة بالید-فان ثبت کونها خراجیة فلا کلام لنا فیه،و إن لم یثبت ذلک فهل یمکن إثبات ذلک بحمل فعل الجائر علی الصحة أم لا؟الظاهر هو الثانی،فقد عرفت فیما سبق أن معنی حمل فعل المسلم علی الصحة فی غیر المعاملات هو أن لا یعامل معاملة الکاذب،و من المعلوم أنه لا دلالة فی ذلک علی ترتیب آثار الصدق علیه.

علی أن الحمل علی الصحة إنما هو فیما إذا کان الفاعل علی الصلاح و السداد،و إلا فلا موجب له،کما فی الخبر[1]و لکنه ضعیف السند.

و قد یقال بحمل فعل الجائر علی الصحة من ناحیة وضع یده علیها و أخذه الخراج منها.

و لکن یرد علیه أن وضع الید إنما یحمل علی الصحة فیما إذا احتملت صحته،و أحرز واضع الید جواز ذلک،و من المعلوم جزما أن الجائر لم یحرز کون الأراضی التی هی تحت تصرفه خراجیة،فتکون یده علیها ید غصب و عدوان.و علی هذا فمقتضی القاعدة أن الأرض ملک للزارع،لأن من أحیی أرضا فهی له.

الناحیة الثانیة:أن الأرض التی بید الزارع إما أن تکون معمورة قبل أخذها من

ص:546

الجائر أو مواتا،و علی الثانی فهی لمن أحیاها،للأخبار الدالة علی أن من أحیی أرضا فهی له(و قد ذکرت هذه الاخبار فی کتاب إحیاء الموات)و علی الأول فاما أن یحتمل بقاء المالک أولا،و علی الأول تکون الأرض من مجهول المالک،و علی الثانی فهی ملک للإمام لأنه وارث من لا وارث له،و احتمال وجود وارث غیره مدفوع بالأصل،إلا إذا احتمل بقاء العمودین فتکون الأرض أیضا من مجهول المالک.

الناحیة الثالثة:أخذ الخراج ممن أخذه من الجائر حکمه حکم أخذه من نفس الجائر فإن احتمل فی حقه أنه یعرف الأراضی الخراجیة،و یعلم أن ما أخذه الجائر من تلک الأراضی حمل فعله علی الصحة،و عوامل معاملة المالک،و إلا کان المقام من قبیل تعاقب الأیدی علی المال المغصوب.

الشرط الثانی:أن یکون الفتح بإذن الإمام(علیه السلام)،

و اعتبار هذا الشرط هو المشهور بین الفقهاء،و ذهب صاحب المستند و بعض آخر الی عدم اعتباره فی کون الأرض خراجیة.و تحقیق ذلک أن الکلام قد یقع فی الشبهة الحکمیة،بمعنی أنه هل یعتبر إذن الإمام(علیه السلام)فی الفتح أم لا؟و قد یقع فی الشبهة الموضوعیة،و أنه بعد اعتبار إذن الامام فی ذلک فبأی طریق یثبت کون الأرض خراجیة عند الشک فی ذلک.

أما اعتبار إذن الإمام(علیه السلام)فی الفتح فتدل علیه روایة الوراق[1].

و یرد علیه أولا:أن الروایة مرسلة لا یصح الاعتماد علیها.و ثانیا:أن النسبة بینها و بین الروایات (1)الدالة علی أن الأرض الخراجیة التی فتحت بالسیوف للمسلمین هی العموم من وجه،لأن المرسلة أعم من حیث شمولها للمنقولات،و تلک الروایات أعم،لإطلاقها من ناحیة إذن الامام(علیه السلام)،فتقع المعارضة بینهما فی الأراضی التی أخذت بغیر إذن الإمام فتکون بمقتضی المرسلة ملکا للإمام(علیه السلام)،و بمقتضی تلک الروایات ملکا للمسلمین،فیحکم بالتساقط،و یرجع الی عموم قوله تعالی (2): (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) و الحاصل أنه لا دلیل علی اعتبار الشرط الثانی فی کون الأراضی المفتوحة للمسلمین.

و یضاف الی ذلک خبر محمد بن مسلم[2]فان ظاهرها أن الأراضی المفتوحة بعد رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)

ص:547


1- 1) تقدمت الإشارة إلیها فی ص 539.
2- 2) سورة الأنفال،آیة:42.

حکمها حکم أرض العراق،و أنها ملک للمسلمین.

و أما الکلام من حیث الشبهة الموضوعة فمقتضی الأصل هو عدم کون الفتح بإذن الإمام«ع»،و لا یکون هذا مثبتا،فان الفتح محرز بالوجدان،و عدم کونه بإذن الإمام محرز بالأصل،فیترتب الأثر علی الموضوع المرکب.نعم لو قلنا بأن الأثر-أعنی کون المفتوح ملکا للمسلمین-یترتب علی الفتح المستند إلی إذن الامام«ع»کان الأصل مثبتا.

و نتمسک مع ذلک بالعدم الأزلی،و نقول:إن الأصل عدم الاستناد.

و قد ذکرت وجوه للخروج عن الأصل المذکور.الوجه الأول:أن المفتوحات الإسلامیة کلها کانت بإذن الإمام«ع».و تدل علی ذلک روایة الخصال[1]الدالة علی أن عمر کان یشاور أمیر المؤمنین(علیه السلام)فی غوامض الأمور،و من الواضح أن الخروج الی الکفار،و دعائهم إلی الإسلام من أعظم تلک الأمور،بل لا أعظم منه.

و یرد علی هذا الوجه أولا:أن الروایة ضعیفة السند فلا یصح الاعتماد علیها.و ثانیا:

أن عمر کان مستقلا فی رأیه،و لم یشاور الإمام فی کثیر من الأمور المهمة بل فی جمیعها الراجعة إلی الدین.و ثالثا:أن هذا الوجه إنما یجری فی الأراضی التی فتحت فی خلافة عمر و لا یجری فی غیرها.

الوجه الثانی:أن الأئمة(علیهم السلام)راضون بالفتوحات الواقعة فی زمن خلفاء الجور،لکونها موجبة لقوة الإسلام و عظمته.

و فیه أن هذه الدعوی و ان کانت ممکنة فی نفسها،إذ المناط فی ذلک هو الکشف عن رضاء المعصوم(علیهم السلام)بأی طریق کان،و لا موضوعیة للاذن الصریح.و لکنها أخص من المدعی،فإنه لیس کان فتح مرضیا للأئمة حتی ما کان من الفتوح موجبا لکسر الإسلام و ضعفه

ص:548

الوجه الثالث:ما ذکره المصنف من أنه(یمکن أن یقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علی وجه الصحیح،و هو کونه بأمر الإمام).

و فیه مضافا الی أن مورد حمل فعل المسلم علی الصحة ما إذا کان الفعل ذا وجهین:الصلاح و الفساد،و دار الأمر بین حمله علی الصحیح أو الفاسد فإنه یحمل علی الأول،للقاعدة المذکورة،و أما إذا کان کلا وجهی الفعل صحیحا کما فی المقام فلا مورد لها أصلا،فإن الغزوات الواقعة إن کانت بإذن الإمام«ع»فالغنائم للمسلمین،و إلا فهی لإمام،و لا شبهة أن کلا الوجهین صحیح،فلا مورد لنفی أحدهما و إثبات الآخر بتلک القاعدة.

الشرط الثالث:أن تکون الأراضی المفتوحة محیاة حال الفتح لتدخل فی الغنائم،

و یخرج منها الخمس أولا علی المشهور،و یبقی الباقی للمسلمین،و إن کانت مواتا حین الفتح فهی للإمام(علیه السلام)،و قد أباحها للمسلمین.

و یدل علی ذلک مضافا الی الشهرات و الإجماعات المنقولة أمران،الأول:أنه ورد فی الشریعة المقدسة أن أموال الکفار الحربیین من الغنائم،فیخرج منها الخمس،و یبقی الباقی للمسلمین،و لا شبهة أن هذا الحکم لا یشمل أموال المسلمین المودعة عند الکفار،أو المعامرة لهم،أو المغصوبة عندهم،لأنها لیست من أموالهم،و قد ثبت أیضا أن الأراضی الموات للإمام(علیه السلام)،و قد أباحها للمسلمین،أو لمن أحیاها و لو کان کافرا.و نتیجة المقدمتین أن الأراضی المفتوحة إنما تکون ملکا للمسلمین إذا کانت محیاة حال الفتح،و إلا فهی للإمام(علیه السلام).

الأمر الثانی:أن الأراضی کلها کانت بید الکفار،و قد أخذها المسلمون بالحرب و نحوه فلو لم تکن الموات من تلک الأراضی ملکا للإمام(علیه السلام)لم یبق مورد للروایات الدالة علی أن موات الأرض للإمام فتکون ملغاة.(و قد ذکرت هذه الاخبار فی أبواب الأنفال).

قوله نعم لو مات المحیاة حال الفتح فالظاهر بقاؤها علی ملک المسلمین. أقول:

الأراضی الموات علی ثلاثة أقسام،الأول:ما کانت مواتا فی الأصل بحیث لم تکن محیاة فی وقت ما.الثانی:ما کانت محیاة حال الفتح،ثم ماتت بعد و لم یحیها أحد.الثالث:

ما کانت مواتا حال الفتح،ثم أحیاها أحد المسلمین،ثم ترکها فصارت مواتا.

و الظاهر أن هذه الأقسام کلها مشمولة للأخبار الدالة علی أن الأراضی الموات کلها للإمام ضرورة صدق المیت بالفعل علیها من غیر فرق بین ما کان میتا بالأصل أو بالعرض.

لا یقال:الأراضی التی کانت محیاة حال الفتح باقیة فی ملک المسلمین،سواء عرضها الموت بعد ذلک أم لا،کما أن کل أرض کانت مواتا حال الفتح،ثم أحیاها أحد فهی باقیة فی

ص:549

ملک من أحیاها و إن عرضها الموت بعد ذلک،لأن خروجها بالموت عن ملکه یحتاج الی دلیل،و مع الإغضاء عن ذلک یرجع الی الاستصحاب.

فإنه یقال:الأحکام المجعولة علی الموضوعات المقدرة إنما تکون فعلیة بفعلیة موضوعاتها فإذا انتفی الموضوع سقط الحکم عن الفعلیة،کما ینعدم المعلول بانعدام علته.و من الواضح أن موضوع الملکیة الفعلیة حدوثا و بقاء فیما دل علی أن من أحیی أرضا فهی له إنما هو الأرض مع قید الحیاة،فإذا زالت الحیاة زالت الملکیة أیضا.فلا یشمل إطلاق ذلک لما بعد الموت أیضا.و اما الاستصحاب فهو محکوم بالإطلاقات الدالة علی أن کل أرض میت فهی للإمام(علیه السلام)مع أنه لا یجری فی الشبهات الحکمیة،کما حققناه فی علم الأصول.

علی أن شمول بعض الروایات-الدالة علی أن موات الأرض للإمام-للأراضی التی کانت محیاة ثم ماتت بالعموم،و شمول الروایات-الدالة علی أن من أحیی أرضا فهی له-لذلک بالإطلاق،فیتعارضان بالعموم من وجه،فیقدم ما کانت دلالته بالعموم علی ما کانت دلالته بالإطلاق،و قد حققنا ذلک فی علم الأصول.

ثم إن الأمور التی تثبت بها الحیاة حال الفتح من الشیاع المفید للعلم و غیره مما قدمناه آنفا یثبت بها الفتح عنوة.و مع الشک فی ذلک یرجع الی الأصل.

ثم إذا علم إجمالا باشتمال الأراضی التی بید أحد المسلمین علی أرض محیاة حال الفتح بأن کانت لأحد أراضی متعددة فی نقاط العراق،کالبصرة و الکوفة و کربلاء،و علم إجمالا باشتمالها علی أرض محیاة حال الفتح-فان ادعی من بیده الأراضی ملکیة جمیعها مع احتمال کونها له عوامل معاملة المالک،إذ یحتمل أن المحیاة حال الفتح ماتت بعد ذلک،ثم طرأت علیها الحیاة ثانیا و إن لم یدع ملکیة کلها،أو بعضها رجع فیها الی حکام الشرع.إلا أنه لا یوجد لهذه الصورة مصداق فی الخارج.

ثم إذا أحرزنا کون أرض مفتوحة عنوة بإذن الإمام(علیه السلام)و کانت محیاة حال الفتح فإنه لا یمکن الحکم أیضا بکونها أرض خراج و ملکا للمسلمین مع ثبوت الید علیها،لأنا تحتمل خروجها عن ملکهم بالشراء و نحوه.و علی هذا فلا فائدة لتطویل البحث فی المقام إذ لا یترتب علیه أثر مهم.و قد تم الجزء الأول من کتاب مصباح الفقاهة فی المعاملات بعون اللّه و حسن توفیقه،و یتلوه الجزء الثانی إنشاء اللّه.و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا،و صلی اللّه علی محمد و آله الطیبین الطاهرین المعصومین،و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین.و کان الفراغ من ذلک صبیحة یوم الثلاثاء 16 ربیع الأول سنة 1373 ه.

ص:550

المجلد 2:کتاب البیع

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

کتاب البیع

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

المعاملات و حکمة البحث عن حقیقتها

لا شبهة فی ان الإنسان مدنی بالطبع لا یمکنه الاستقلال بحوائجه کلها.

و إذن فیتوقف حفظ نظام النوع،و صیانة کیانه علی الاجتماع و تشریع المبادلة بین الأموال،بداهة أنه لو لم یشرع ذلک لاحتاج کل واحد فی حاجاته إلی التغالب، و التکالب،و المقاهرة،کما هو الحال فی سائر الحیوانات،و علیه فلا بد فی حفظ النظام من تشریع المعاملات.و علی هذا الضوء فلا مناص من معرفة أحکام المعاملات و تنقیح قواعدها و تبویب أبوابها.و بما أن اشتغال جمیع أفراد المکلفین بذلک یوجب اختلال النظام.وجب التصدی لها علیهم کفایة.

المال و حقیقته

ما هو حقیقة المال؟و ما هو الفارق بینه و بین الملک؟المال فی اللغة[1] ما ملکه الإنسان من الأشیاء،و فی العرف أن المالیة إنما تنتزع من الشیء بملاحظة کونه فی حد ذاته مما یمیل إلیه النوع،و یدخرونه للانتفاع به وقت الحاجة،

ص:3

و یتنافسون فیه،و یبذلون بإزائه شیئا مما یرغب فیه من النقود و غیرها،ضرورة أن منا من الحنطة لیس کالمن من التراب،فإن الأول ینتزع منه عنوان المالیة دون الثانی.

و أما عند الشرع فمالیة کل شیء باعتبار وجود المنافع المخللة فیه،فعدم المنفعة المحلّلة(کالخمر و الخنزیر)لیس بمال.

ثم إن النسبة بین المال و الملک هی العموم من وجه،بدیهة أنه قد یوجد الملک و لا یوجد المال،کالحبة من الحنطة المملوکة،فإنها ملک و لیست بمال،و قد یتحقق المال،و لا یتحقق الملک.کالمباحات الأصلیة قبل حیازتها،فإنها أموال،و لیست بمملوکة لأحد،و قد یجتمعان،و هو کثیر.

ثم إنه لا وجه لتخصیص المال بالأعیان،کما یظهر من الطریحی فی مجمع البحرین[1]بل المال فی اللغة و العرف یعم المنافع أیضا،و لعل غرضه من التخصیص هو بیان الفرد الغالب.

الإضافة الحاصلة بین المال و مالکه

و حقیقة هذه الإضافة و أقسامها

ما هو حقیقة الإضافة بین المال و مالکه؟لا ریب فی أن الإضافة الموجودة بین المال و مالکه المسماة بالإضافة المالکیة علی أقسام،لأنها فی الواقع و نفس الأمر إما إضافة ذاتیة تکوینیة،أو إضافة عرضیة حاصلة بالأمور الخارجیة.

أما الأولی فکالاضافات الکائنة بین الأشخاص،و أعمالهم،و أنفسهم، و ذممهم،فإن إعمال کل شخص،و نفسه،و ذمته مملوکة له ملکیة ذاتیة،

ص:4

و هو واجد لها فوق مرتبة الواجدیة الاعتباریة،و دون مرتبة الواجدیة الحقیقة التی هی للّه جل و علا.

و المراد من الذاتی هنا ما لا یحتاج تحققه إلی أمر خارجی تکوینی،أو اعتباری،و لیس المراد به الذاتی فی باب البرهان:أی ما ینتزع من مقام الذات، و لا الذاتی فی باب الکلیات الخمس:أعنی به الجنس،و الفصل.و هذا واضح لا ریب فیه.

و المراد من الملکیة الذاتیة لیس إلا سلطنة الشخص علی التصرف فی نفسه، و شؤونها،بداهة أن الوجدان،و الضرورة،و السیرة العقلائیة کلها حاکمة بأن کل أحد مسلط علی عمله،و نفسه،و ما فی ذمته:بأن یؤجر نفسه لغیره،أو یبیع ما فی ذمته،و من البین الذی لا ستار علیه:أن الشارع المقدس قد أمضی هذه السلطنة،و لم یمنع الناس عن التصرفات الراجعة إلی أنفسهم.

و لیس المراد من الملکیة هنا:الملکیة الاعتباریة،لکی یتوهم أن عمل الإنسان،أو نفسه لیس مملوکا له بالملکیة الاعتباریة.

و من هنا یتجلی لک:أنه لا شبهة فی صدق المال علی عمل الحر.و علیه فاستیفاؤه قهرا علیه موجب للضمان جزما.و کذلک الحال فی ضمان نفسه.غایة الأمر أن الشارع المقدس قد سلک فی ضمان النفس المحترمة،و ما یرجع إلیها من الأعضاء و الأطراف غیر ما سلکه فی ضمان الأموال،و جعل فی ذلک حدا خاصا و دیة مخصوصة.

و أما الثانیة(أعنی بها الإضافة العرضیة)فهی إما أن تکون إضافة أولیة و إما أن تکون إضافة ثانویة و الأولویة إما أصلیة استقلالیة،أو تبعیة غیریة.

فالأولیة الأصلیة،کالإضافة المالیة الحاصلة بالعمل،أو بالحیازة،أو بهما معا،فالأول کالأعمال التی یعملها الإنسان فیحصّل منها المال،کحیازة المباحات، بناء علی عدم اعتبار قصد التملک فیها،کما هو الحق،و أما بناء علی اعتبار القصد فی ذلک فحصول الملکیة فیها یحتاج إلی العمل القلبی.

ص:5

و قد حکم العقلاء بحصول المالیة بمجرد الحیازة.بل اشتهر بین الفقهاء مرسلا أن(من حاز ملک[1].

و قد روی عن النبی ص من طرق العامة[2]و من طرق الخاصة[3]أن(من سبق إلی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو أحق به)و لکنه ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء.

و المهم فی المقام هو بناء العقلاء،فإنه قائم علی حصول الإضافة المالکیة بین المحیز،و المحاز.

و الثالث:کمن یحوز أشجارا،فیجعلها سریرا،أو یجوز ترابا،فیجعله کوزا،أو یجوز نباتا،فیجعله ثوبا أو حصیرا،أو غیرهما،فإن الصورة السریریة، و الکوزیة،و الثوبیة و الحصیریة توجب تحقق إضافة مالیة أخری فی تلک الموارد وراء المالیة المتقومة بها،فتلک المالیة القائمة بها إنما حصلت من العمل و الحیازة معا.

ثم إن الوجه فی إطلاق الأول علی هذه الإضافة هو أنه لم تسبق إضافة ذلک المال الی غیره.و الوجه فی إطلاق الأصلیة علیها إنما هو بلحاظ عدم تبعیتها لغیرها.

و أما الإضافة الأولویة التبعیة فهی ما تکون بین المالک،و بین نتاج أمواله،

ص:6

فان هذا النتاج یضاف الی مالک الأصول إضافة أولیة تبعیة.أما إطلاق التبعیة فلکونها ثابتة لما تحصل منه.و أما إطلاق الأولیة فلعدم سبق إضافة أخری إلیها.

و أما الإضافة الثانویة فالمراد بها ما قابل الإضافة الأولیة و إن طرأت علی الأموال مرارا عدیدة،نظیر المعقولات الثانویة من جهة مقابلتها للمعقولات الأولیة.

و هی علی قسمین:لأنها تارة تکون قهریة،و اخری اختیاریة.

أما الأولی فکالاضافة التی تحصل بسبب الإرث،أو الوقف،أو الوصیة بناء علی کونها:(أی الوصیة)من الإیقاعات،و قد اخترناه فی محله.و وجه کونها قهریة هو حصول الملکیة للوارث،و الموقوف علیه.و الموصی له بالقهر، لا بالفعل الاختیاری.

و أما الثانیة فکالاضافة الحاصلة من المعاملات.و من ذلک ما یحصل بالبیوع التی نحن فی صدد بحثها.

و لا یخفی علی الفطن العارف أن ما ذکرناه من أقسام الإضافات المالکیة من الأمور البدیهیة التی قیاساتها معها.

الثمن و وجه اختصاصه بالنقود

قوله:(البیع و هو فی الأصل کما فی المصباح[1]مبادلة مال بمال). أقول قد کان دیدن الناس من لدن آدم ع أبی البشر الی زمان خاص،بل الی زماننا هذا فی بعض النقاط و الأصقاع(کالقری و أشباهها)قد کان دیدنهم علی تبدیل المتاع

ص:7

بالمتاع عند المعاملة و المعاوضة،و کان ذلک من الأمور الصعبة جدا،خصوصا فی تعیین الأروش و قیم المتلفات.و لهذا بنی العقلاء علی تخصیص الثمن بالنقود، و تخصیص المثمن بالامتعة.و إلا فإنه لا محذور قطعا فی صحة تحقق المبادلة بین المتاعین عند المعاملة و المعاوضة.و علیه فقد تقع المبادلة بین المتاعین و قد تقع بین النقدین، و قد تقع بین عرض و نقد.

ثم إنه هل یشمل مفهوم البیع لجمیع هذه الأقسام المذکورة،أم هو مختص ببعض دون بعض؟لا شبهة فی أن مفهوم البیع فی الجملة من المفاهیم الواضحة البدیهیة الارتکازیة-التی یعرفها کل احد-کمفاهیم سائر العقود و الإیقاعات،إلا أنه لا یوجد مفهوم فی العالم إلا و یعرضه الاشتباه فی بعض مصادیقه.و من هنا ذکر المصنف(ره)فی أول کتاب الطهارة:أن مفهوم الماء المطلق من أوضح المفاهیم العرفیة.و مع ذلک ذکر:أنه قد یقع الشک فی صدقه علی بعض الموارد،لعدم ضبط المفهوم تحقیقا فیرجع الی الأصول العملیة.و علی هذا الضوء فلا بد من بیان حقیقة البیع علی وجه یمتاز عن جمیع ما عداه لکی تترتب علیه أحکامه الخاصة من شرائط المتعاقدین،و شرائط العوضین و الخیارات و غیرها.

و تحقیق ذلک:ان مفهوم البیع لا یساوق مفهوم المبادلة بین شیئین،بل یطلق البیع علی قسم خاص من المبادلة.و ضابطه:ان امتیاز البیع عن بقیة أقسام المبادلة بأحد وجهین:

الوجه الأول:أن یکون أحد العوضین متاعا،و العوض الآخر نقدا.

فالذی یعطی المتاع یسمی بائعا،و الذی یعطی النقد یسمی مشتریا.سواء أ کان نظر کل من المتعاملین فی مبادلتهم هذه الی تحصیل الربح،و حفظ مالیة ماله معا،أم کان نظر کل منهما الی رفع حاجته فقط،کأن یشتری المأکولات للأکل،و یشتری المشروبات للشرب،و یشتری الملبوسات للبس،و هکذا.أم کان نظر أحدهما إلی حفظ مالیة ماله و تحصیل الربح معا،و نظر الآخر الی دفع الضرورة و الاحتیاج فقط.

الوجه الثانی:أن یکون کلا العوضین نقدا أو من العرض،و لکن کان نظر

ص:8

أحد المتعاملین من المبادلة إلی حفظ مالیة ماله فی ضمن أی متاع کان،مع تحصیل الربح -کأهل التجارة-و نظر الآخر الی رفع حاجته فقط،فالأول یسمی بائعا.و الثانی یسمی مشتریا.و علی هذا النهج یکون الملحوظ فیما یعطیه المشتری هو المالیة الخالصة، لکی یکون ذلک قائما مقام النقود،و یعنون بعنوان الثمنیة.

و لا ریب فی أن هذا المعنی هو المتبادر من مفهوم البیع عند أهل العرف.بل هو أمر ارتکازی فی ذهن کل بشر من أهل أیة لغة کان.و یعرف ذلک کل منهم و لو من غیر العارف باللغة العربیة،بدیهة أن الغرض الأقصی و الغایة القصوی إنما هو معرفة مفهوم البیع،لا لفظه،و مادته.لکی یختص البحث بلفظ دون لفظ.

و إذا کان کلا العوضین عرضا،أو نقدا،و کان الغرض لکل من المتعاملین هو تحصیل الربح،و المنافع،مع حفظ مالیة ماله فی ضمن أی متاع کان،أو کان نظر کلیهما الی رفع الاحتیاج،و دفع الضرورة فقط.و إذا کان کذلک فان ذلک لا یسمی بیعا جزما.بل هو معاملة خاصة و یدل علی صحة ذلک عموم آیة التجارة عن تراض[1].

نعم یظهر من بعض کتب العامة[2]جواز إطلاق البیع علی مطلق المبادلة، و المعاوضة،و لکن قد عرفت قریبا أن هذا الإطلاق علی خلاف المرتکزات العرفیة.

ص:9

و علی هذا الضوء فإذا أراد أحد تبدیل کتابه بکتاب شخص آخر،أو تبدیل ثوبه بثوب غیره لمجرد دفع الاحتیاج فإنه لا یتوهم أحد أن أیا منهما باع کتابه بکتاب غیره،أو باع ثوبه بثوب غیره.کما أنه لا یتوهم أحد أیضا أن باذل النقد هو البائع، و باذل العرض هو المشتری.و من هنا ذکر الفیومی فی المصباح:أنه(إذا أطلق البائع فالمتبادر الی الذهن باذل السلعة).

و أما ما ذکره فی المصباح من أن(الأصل فی البیع مبادلة مال بمال)فهو و إن کان شاملا لجمیع أقسام المبادلة،و لکنه لیس تعریفا حقیقیا،لقضاء الضرورة بأن البیع لیس هو مطلق المبادلة بین شیئین،بل هو تعریف لفظی،و تبدیل لفظ بلفظ آخر أوضح منه،کقول أهل اللغة:السعدان نبت.و کذلک الحال فیما ذکره بعض العامة من أن البیع فی اللغة مقابلة شیء بشیء.

ثم إنه یمکن أن یراد من لفظة الأصل فی تعریف المصباح ما کان هو المتعارف فی الأیام السالفة من کون البیع عبارة عن مطلق المبادلة بین الأموال،بدیهة أنه لو کان غرض الفیومی من هذه الکلمة هو اللغة لوجب علیه أن یصدر کلامه بلفظة الأصل عند شرح کل مادة ترد علیه.و قد وقع التصریح بما ذکرناه فی لسان العرب.و مجمع البحرین:فی مادة المال و ذکرا أن المال فی الأصل الملک من الذهب،و الفضة،ثم أطلق علی کل ما یقتنی و یتملک من الأعیان.

المبیع و اختصاصه بالأعیان

هل یجوز أن یکون المبیع من المنافع أم لا بدّ و أن یکون من الأعیان؟ الظاهر أنه لا ریب فی اشتراط کونه من الأعیان،بداهة اختصاص مفهوم البیع عند أهل العرف بتملیک الأعیان،فلا یعم تملیک المنافع و إذن فتختص الأدلة الواردة فی إمضاء البیع بنقل الأعیان.و تبعد عن تملیک المنافع رأسا.

ص:10

نعم یظهر من المحکی عن المالکیة و الحنابلة[1]جواز إطلاق البیع علی تملیک المنافع و لکنه علی خلاف المرتکزات العرفیة.

و مع الإغضاء عما ذکرناه ان مجرد الشک فی صدق مفهوم البیع علی تملیک المنافع یکفینا فی المنع عن شمول أدلة إمضاء البیع له.

و حینئذ فدعوی أن المتبادر من مفهوم البیع تملیک العین فقط،و أن هذا المفهوم یصح سلبه عن تملیک المنفعة دعوی صحیحة.و لا ریب فی أن التبادر و صحة السلب من علائم الحقیقة.و علیه فیکون البیع حقیقة فی تملیک العین و مجازا فی غیره.

و إذا ثبتت هذه الدعوی فی العصر الحاضر ثبتت فی محاورات أبناء الأزمنة السالفة أیضا بأصالة عدم النقل المعبر عنها بالاستصحاب القهقری و قد ذکرنا فی مبحث الاستصحاب من علم الأصول،أنه لا دلیل علی حجیة هذا الاستصحاب إلا فی مورد واحد،و هو أن یکون المتبادر الفعلی من اللفظ معنی خاصا،و شک فی کونه کذلک فی العهود البائدة،و الأیام السالفة،فإن الاستصحاب القهقری یقتضی بقاء اللفظ علی معناه الأولی،و عدم انتقاله منه إلی معنی آخر یغایره.

و الدلیل علی حجیة الاستصحاب المزبور فی هذا المورد إنما هو بناء العقلاء، و سیرة العلماء،و دیدن الفقهاء،لأنه لو لا ذلک لا نسد علیهم باب الاجتهاد،و طریق الاستنباط،إذ من المحتمل القریب أن تکون الروایات فی عرف الأئمة علیهم السلام ظاهرة فی معانی مغایرة لما هی ظاهرة فیه فعلا.و من البین الذی لا ریب فیه أنه لا سبیل إلی دفع هذا الاحتمال إلا الاستصحاب المذکور.

ص:11

و یؤید ما ذکرناه من اختصاص المبیع بالأعیان أمران:

الأول:ما استقرت علیه آراء الفقهاء من تخصیص المعوض-فی البیع- بالأعیان، الثانی:ما ذکره بعض العامة (1)من أن البیع فی اللغة إخراج ذات عن الملک بعوض.فتملیک المنفعة بالإجارة لا یسمی بیعا.قیل:

إن ما ذکره الفیومی فی المصباح من أن البیع فی الأصل مبادلة مال بمال یشمل نقل المنافع،کشموله لنقل الأعیان،و علیه فلا وجه لتخصیص مفهوم البیع بتملیک الأعیان.و الجواب عن ذلک:

أنک قد عرفت قریبا أن هذا التعریف لیس بتعریف حقیقی لکی یلزم الأخذ بإطلاقه،و الحکم بشمول مفهوم البیع لتملیک العین و المنفعة.بل هو تعریف لفظی مبنی علی المسامحة و المساهلة.

و بما أوضحناه ظهر لک الفارق بین البیع و الإجارة:و هو أن صیغة الإجارة و إن کانت تتعلق بالعین المستأجرة.کقولک:آجرتک المتاع الفلانی إلخ إلا أن أثرها تملیک المنفعة.و هذا بخلاف البیع،فإن الأثر المترتب علیه إنما هو تملیک العین کما أن صیغته أیضا تتعلق بالعین.و هذا المعنی هو السر فیما استظهره المصنف ره من اختصاص المعوض-فی البیع-بالأعیان و قال: (و الظاهر اختصاص المعوض بالعین،و علیه استقر اصطلاح الفقهاء فی البیع) .

و المتحصل من جمیع ذلک:أن إطلاق کلمة البیع علی تملیک المنافع مبنی علی العنایة،و المجاز و قد ورد هذا الإطلاق فی کلمات الفقهاء.و فی الروایات العدیدة

ص:12


1- 1) راجع الفقه علی المذاهب الأربعة ج 2 ص 147.

الواردة فی مواضیع شتی:منها الأخبار[1]الدالة علی بیع خدمة المدبر.و منها الروایة الواردة فی بیع سکنی الدار[2]و منها الأخبار الواردة فی بیع الأراضی الخراجیة

ص:13

و شرائها[1]و قد ورد فی جملة من الأحادیث[2]إطلاق لفظ الشراء علی غیر نقل الأعیان.

و قد ظهر لک مما أسلفناه الفارق بین البیع،و الهبة المعوضة،بداهة أن البیع -علی ما عرفته آنفا-عبارة عن تبدیل عین بشیء آخر،بخلاف الهبة المعوضة،فإن حقیقتها،و قوامها بالمجانیة المحضة،و إنما اعتبر فیها العوض بالاشتراط.و الشاهد علی ذلک أنها لا تبطل بامتناع الموهوب له عن العوض،بل إنما یثبت له خیار تخلف الشرط، و سیأتی لک توضیح ذلک عند التعرض لتعریف البیع،و دفع النقوض عنه.

ص:14

بحث استطرادی فی تعریف الإجارة و مناقشته و جوابها

قد اشتهر بین الأصحاب تعریف الإجارة بأنها تملیک المنفعة بعوض.و نوقش فیه بوجهین:

1 أن المنفعة معدومة حال الإجارة،و من البین الذی لا ریب فیه أن المعدوم غیر قابل للتملیک.و الجواب عن ذلک:

أن الملکیة الشرعیة لیست من المقولات الحقیقة التکوینیة،لکی یستحیل تعلقها بالأمور المعدومة،بل قوامها بالاعتبار الساذج.و من المعلوم أن الأمور الاعتباریة بما أنها خفیفة المؤنة جاز تعلقها بالأمور المعدومة إذا کانت مقدورة التسلیم.و بدیهی أن المنفعة و إن کانت معدومة،و لکنها مقدورة بتبع العین الخارجیة.و إذن فلا محذور فی تعلق الملکیة الاعتباریة فی الإجارة بالمنفعة المعدومة الملحوظة مع العین المستأجرة.کما یصح تعلقها بالذمة.و من هنا حکم الفقهاء رضوان اللّه علیهم بصحة بیع الکلی فی الذمة.

2 أن منفعة الدار مثلا إنما هی سکناها،و لا ریب أن السکنی من اعراض الساکن دون الدار.و علیه فإذا صح تملک السکنی کان مالکها هو الساکن،لأنه موضوعها،لا صاحب الدار.و من البین أن ما لم یملکه المؤجر-و هو المالک-کیف یملکه للمستأجر.و قد ثبت فی محله أنّ فاقد الشیء لا یکون معطیا له هذا ملخص ما أفاده بعض المدققین و لذا التجأ إلی تعریف الإجارة بأنها تملیک العین المستأجرة فی جهة خاصة.

و یقابلها البیع،فإنه تملیک العین من جمیع الجهات.و الجواب عن ذلک بوجهین:

1 أن لسکنی الدار إضافتین:و هما إضافتها إلی نفس الدار،و إضافتها إلی ساکنها،و من البین أن تلک الدار مملوکة لمالکها بجمیع شؤونها،و جهاتها،و ما یضاف إلیها،و إذن فمالک الدار مسلط علی تملیک الدار نفسها،و تملیک جهاتها التی منها سکناها

ص:15

و علی الجملة إن المستأجر إنما یتملک من المؤجر الجهة المتعلقة بالعین المستأجرة.

و تلک الجهة تختلف حسب اختلاف الأعیان،و الأغراض.و علیه فلا محذور فی تعریف الإجارة بأنها تملیک المنفعة بعوض.

2 ما ذکره بعض مشایخنا المحققین فی کتاب الإجارة من أنه لا یمکن جعل الإجارة تملیکا للعین فی جهة خاصة.و الوجه فی ذلک:(أن معروض الملکیة إن کان نفس تلک الجهة عاد محذور تعلق الملکیة بالمنفعة.و إن کان هی العین المخصصة بجهة،و العین المتحیثة بحیثیة مخصوصة بما هی مقیدة بها لزم اجتماع ملکین استقلالیین علی عین واحدة.

و تقییدها بالجهة تارة،و إطلاقها أخری لا یوجب تعدد الموضوع).

نظرة فی بیع الکلی فی الذمة

ما هو المراد من العین التی نعتبرها فی المثمن؟

المراد من العین ما إذا وجد فی الخارج کان جسما مشتملا علی الأبعاد الثلاثة:

العرض،و الطول،و العمق.و لا شک فی أن هذا المعنی للعین یقابل المنفعة،و الحق، و جمیع الاعراض المقولیة.و إذن فلا یصدق مفهوم البیع علی تبدیل منفعة بمنفعة، و لا علی تبدیل حق بحق.و قد عرفت ذلک آنفا.

و لیس المراد من العین ما یتعلق البیع بشخصه،بداهة شمولها للأعیان الشخصیة، و للکلی المشاع-کثلث الدار-و للکلی فی المعین-کصاع من الصبرة المعینة-و للکلی فی الذمة-کبیع منّ من الحنطة سلما،أو حالاّ-و للکلی الثابت فی ذمة غیره،فان هذه الأمور یصدق علیها عنوان العین،و یتعلق بها البیع مع أنها أمور قابلة للانطباق علی أفراد کثیرة بل علی أفراد غیر متناهیة،فالصاع من الصبرة یمکن انطباقه علی یمین الصبرة و یسارها و وسطها،و ناحیة أخری غیر تلک النواحی.

و هذا بین لا ریب فیه.

ص:16

و علی هذا فشأن الملکیة شأن الوجوب و الحرمة.فکما انهما یتعلقان بکلی الصلاة و الزناء من غیر لحاظ خصوصیة فی متعلقهما-بحیث یکون متعلق الأمر و النهی هو الکلی،و یکون الموجود الخارجی مصداقا له-کذلک الملکیة،فإنها قد تتعلق بالکلی و إن کانت قد تتعلق بالجزئی الحقیقی أیضا.کما عرفته قریبا.

ثم إن بیع الکلی فی الذمة علی قسمین:

لأنه قد یتعلق بالکلی الثابت فی الذمة قبل البیع-کبیع الدین ممن هو علیه،أو من غیره-و قد یتعلق بالکلی الثابت فی الذمة بنفس البیع،من غیر أن یکون فیها شیء قبله.کما هو المتعارف فی بیع السلم و غیره من البیوع الکلیة.

و قد نوقش فیه بوجهین:

1 أن البیع مبادلة مال بمال،و لا تتحقق هذه المبادلة إلا بعد تحقق العوض و المعوض فی الوعاء المناسب لهما من الخارج،أو الذمة،و بما أنه لا وجود للکلی فی أی وعاء من الأوعیة قبل البیع،فلا یصح بیعه بوجه و قد یتوهم:

أن الکلی و إن لم یکن موجودا فی الذمة قبل البیع،إلا أنه یوجد فیها بنفس البیع،و لکن هذا التوهم فاسد.

بداهة أن نسبة البیع إلی متعلقة کنسبة الحکم إلی موضوعه،فکما یستحیل تکفل الحکم بموضوعه،و کذلک یستحیل تکفل البیع بإیجاد متعلقة.و الجواب عن ذلک:

أن البیع لیس إلا مبادلة فی التملیک.و قد عرفت قریبا و ستعرف أیضا:أن الملکیة من الأمور الاعتباریة التی لا تتوقف علی وجود موضوع لها فی الخارج،أو فی الذمة.نعم لا بد و أن یکون متعلق الملکیة قابلا لتعلق الاعتبار به فی نظر العقلاء.

و علیه فالکلی قبل إضافته إلی الذمة و إن کان من المفاهیم الخیالیة،و غیر قابل لتعلق

ص:17

البیع به رأسا.إلا أنه بعد إضافته إلی الذمة بعد من الأموال و یصیر موردا لرغبات العقلاء،و محطا لتنافسهم.

و إذن فلا فرق فی صحة بیع ما فی الذمة بین أن یکون الکلی مملوکا قبل البیع-کبیع الدین ممن هو علیه،أو من غیره-و بین أن یکون مملوکا بالملکیة الاعتباریة بنفس البیع.

و فی الحقیقة أنه یحصل بالبیع هنا أمران:

1-اتصاف الکلی بالملکیة.

2-صیرورته ملکا للمشتری.و قد یجاب عن المناقشة المذکورة:

بأن البائع قبل تصدیه للبیع یعتبر الکلی فی ذمة نفسه،ثم یبیعه من المشتری، و حینئذ فلا یکون الکلی غیر قابل لتعلق البیع به.و الجواب عن ذلک:

أن الاعتبار المزبور لا یغیر الکلی عن واقعه،و لا یزید فیه علی حقیقته.بل هو بعد باق علی حالته الأولیة،من دون أن یتصف بصفة الملکیة،و من هنا لا یطلق ذو أملاک علی من اعتبر أمتعة کلیة فی ذمة نفسه،نعم یتصف ذلک بصفة الملکیة بعد البیع،و قد عرفته قریبا.و هذا واضح لا خفاء فیه.

2 أن الملکیة من مقولة الأعراض،و من البدیهی أن مقولة الأعراض لا توجد إلا فی المحل الموجود،و الکلی الذمی لا وجود له قبل البیع لکی یکون محلا للملکیة،و معروضا لها.و الجواب عن هذه المناقشة بوجوه شتی:

1 ما ذکره العلامة الطباطبائی فی حاشیته،و حاصل کلامه:أن الملکیة و إن کانت من قبیل الأعراض الخارجیة،إلا أن حقیقتها متقومة باعتبار الشارع، أو العقلاء،و علیه فیمکن أن یکون موضوع هذه الملکیة موجودا أیضا باعتبار الشارع،أو العقلاء.کما أن الوجوب و الحرمة عرضان خارجیان،مع أنهما لا یتعلقان إلا بالأمور الکلیة الاعتباریة.کالصلاة و الزناء قبل أن یوجدا فی الخارج،و علی هذا

ص:18

النهج فللشارع،أو للعقلاء أن یعتبروا الکلی الذمی شیئا موجودا فی الذمة لکی یکون موضوعا للملکیة و معروضا لها.و الجواب عنه:

أنه قد یراد من العرض المذکور فی کلامه العرض المقولی.و علیه فلا یسوغ له أن یجمع بین کون الملکیة من الأعراض،و بین کونها من الأمور الاعتباریة المتقومة بالاعتبار الساذج،ضرورة أن الأعراض المقولیة من الأمور الواقعیة المتأصلة،و هذا بخلاف الأمور الاعتباریة،إذ لا واقع لها سوی الاعتبار المحض.و سیتضح لک أن الأمور الاعتباریة لا تدخل تحت أیة مقولة من المقولات المتأصلة.

و قد یراد من العرض المزبور فی کلامه المفهوم العام الصادق علی المقولات التسع العرضیة،و علی الأمور الاعتباریة الخالصة،بداهة أن لفظ العرض من العروض، و هو بمعنی اللحوق.و علیه فلا تکون الملکیة عنده من المقولات المتأصلة بل تکون زائدة علی الماهیة.کما أن الوجود زائد علیها.و إذن فیرجع ما أفاده السید من الجواب المتقدم إلی ما سیأتی من کون الملکیة أمرا اعتباریا لا تأصلیا و من هنا ظهرت الحال فی الوجوب و الحرمة أیضا.

2-ما حکی عن الفاضل النراقی فی عوائده.و ملخصه:أن البیع عبارة عن نقل المالک ملکه إلی غیره نقلا فعلیا.سواء أ کان مالکا له بالفعل،أم کان مالکا له فی المستقبل کما إذا قال:بعتک منا من الحنطة بکذا مع أن الحنطة لم توجد الآن لدیه، فیکون معناه أنی نقلت إلیک المنّ الذی سأملکه من الحنطة بعد مدّة-و إذن فالنقل و إن کان فعلیا،إلا أنه لیس بعرض لکی یحتاج إلی موضوع و ما هو عرض -و هو الملک-لیس بفعلی حتی یناقش فیه بعدم وجود الموضوع له،و یتوجه علیه:

أولا:أن البیع لیس عبارة عن نقل الملک.و سیأتی.و لا أن الملک من الأعراض المصطلحة.و قد تقدمت الإشارة إلیه و سنتعرض له تفصیلا.

و ثانیا:أن نقل الملک بنفسه لیس من العناوین الاستقلالیة،و إنما هو بلحاظ

ص:19

الإضافة أو المکان.و من البین الذی لا ریب فیه أنه إذا استحالت إضافة الملکیة إلی المعدوم فان النقل الحاصل بلحاظ تلک الملکیة أولی بالاستحالة.

3-أن الملکیة أمر اعتباری صرف،فلا یحتاج إلی محل موجود.

و توضیح ذلک:

أن الملکیة لها أربع مراتب:

1-الملکیة الحقیقیة،و هی السلطنة التامة،بحیث یکون اختیار المملوک تحت سلطنة المالک حدوثا و بقاء،و هی مخصوصة باللّه تعالی،لأنه سبحانه مالک لجمیع الموجودات-بالإضافة الإشراقیة-ملکیة تامة،و محیط بها إحاطة قیومیّة.

و هذه المرتبة من الملکیة هی علیا مراتب الملکیة و لأجل ذلک لا تدخل تحت مقولة من المقولات.و نظیر ذلک فی الممکنات إحاطة النفس بصورها.بداهة أن النفس مالکة لصورها-بالإضافة الإشراقیة-ملکیة حقیقیة.

2-مالکیة الإنسان لنفسه و أعضائه و أفعاله و ذمته،فان هذه الأمور مملوکة له بالإضافة الذاتیة الأولیة-و قد عرفت ذلک فی أول الکتاب-و من هذا القبیل قوله تعالی حاکیا عن نبیه الأکرم موسی(علیه السلام) إِنِّی لا أَمْلِکُ إِلاّ نَفْسِی (1).

و لا شبهة أن هذه المرتبة من الملکیة أیضا غیر داخلة تحت المقولات العرضیة و إنما هی عبارة عن سلطنة الشخص علی أفعاله سلطنة تکوینیة.

3-الملکیة المقولیة الخارجیة:و هی عبارة عن الهیئة الحاصلة من إحاطة جسم بجسم آخر-کالهیئة الحاصلة من التعمم و التقمص و التنعل و نحوها-و هذه المرتبة تسمی بمقولة الجدة،و هی من الأعراض الخارجیة القائمة بالموجود الخارجی.

4-الملکیة الاعتباریة التی یعتبرها العقلاء لشخص خاص لمصالح تدعوهم إلی

ص:20


1- 1) المائدة 5:25.

ذلک،و ربما یمضی الشارع اعتبارهم هذا لأجل تلک المصلحة.بل قد یعتبر الشارع ملکیة شیء لشخص و إن لم یعتبرها العقلاء.کما یتفق ذلک فی بعض أقسام الإرث.

و من البین الذی لا ریب فیه أن هذا النحو من الملکیة لیست من الأعراض لکی تحتاج الی وجود الموضوع فی الخارج.

و مثال ذلک:أن الزکاة و الخمس یملکهما طبیعی الفقیر و السید،مع أنه لم یعتبر وجودهما فی الخارج.

و أیضا قام الإجماع علی صحة تملیک الکلی الذمی فی بیع السلف و نحوه،مع أن الأعراض لا بد لها من موضوع خارجی.

و علی الجملة إن الملکیة الاعتباریة لا مانع من کون طرفها من المملوک أو المالک کلیا.فیستکشف منه أنها لیست من الأعراض المقولیة[1]بل تمام قوامها باعتبار من بیده الأمر.

ص:21

و إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم أن مورد البحث إنما هو المرتبة الرابعة من الملکیة القائمة بالاعتبار الساذج بلا احتیاج الی محلّ موجود أصلا و رأسا.

و علیه فلا وجه للمناقشة فی جواز بیع الکلی الذمی بما عرفته قریبا من أن الملکیة من مقولة الأعراض التی لا توجد إلا فی محل موجود،و الکلی فی الذمة لیس بموجود لکی یکون محلا للملکیة.

البیع مبادلة شیء من الأعیان بعوض فی جهة الإضافة

ما هو المراد من کلمة المبادلة المأخوذة فی تعریف البیع؟

قد عرفت آنفا:أن التعاریف اللغویة إنما هی تعاریف لفظیة.و قد سیقت لشرح الاسم،و الإشارة إلی المعرف-بالفتح-بوجه من الوجوه،لا بتمام الوجوه

ص:22

لکی یمتاز عن جمیع ما عداه.و علی هذا فغرض الفیومی من ذکر کلمة المبادلة فی تعریف البیع-أنه فی الأصل مبادلة مال بمال-لیس إلا الإشارة الی أن البیع من سنخ المبادلة.

إلا أن تلک المبادلة لیست مبادلة فی المکان.کرفع شیء من مکانه،و وضعه فی مکان آخر.

و لا مبادلة فی اللبس،کتبدیل عباءة بعباءة اخری.

و لا مبادلة فی السکنی.کتبدیل دار بدار اخری.

و لا مبادلة فی الرکوب کتبدیل فرس بفرس آخر.

و لا غیر ذلک من أقسام المبادلة الخارجیة التکوینیة.

بل المراد من تلک المبادلة هی المبادلة فی الإضافة المالیة،بدیهة أن کلّ من المتبایعین یبدل ماله فی الإضافة المالیة-عند المبایعة-بمال آخر.و للإشارة الی هذه النکتة القیمة الدقیقة قد أخذ الفیومی-فی مصباحه-قید المال فی تعریف البیع.

و التحقیق أن مفهوم البیع فی الجملة من المفاهیم البدیهیة الارتکازیة التی یعرفها کل أحد:و هو التبدیل بین شیئین فی جهة الإضافة أیة اضافة کانت:أی سواء أ کانت إضافة ملکیة،أم کانت إضافة مالیة،أم إضافة حقیة،أم غیرها من أنحاء الإضافات.

و لا تختص هذه الإضافة بالإضافة الملکیة،و لا بالإضافة المالیة:

أما الوجه فی عدم اختصاصها بالإضافة الملکیة فلأن سهم سبیل اللّه من الزکاة لیس ملکا لشخص خاص.و لا لجهة معینة.و لذا صدر فی آیة الصدقات[1]بلفظة (فی)الظاهرة فی بیان المصرف.و مع ذلک کله یجوز بیع السهم المزبور،و صرف ثمنه فی سبیل اللّه.کما یجوز بیع نماء العین الموقوفة فی سبیل اللّه و صرف ثمن ذلک فی

ص:23

قربات اللّه.مع أن تلک العین لیست بملک لأحد،و لا لجهة.و کذا نماؤها.

فیستوضح من جمیع ذلک أن مفهوم البیع لیس تبدیل شیئین فی الإضافة الملکیة.

و لو سلمنا مالکیة الجهة فی المثالین المذکورین فرضنا الکلام فیمن أوصی بصرف ماله فی سبیل اللّه،و نص علی عدم صیرورته ملکا لأحد،فإنه إذا بیع المال المزبور لکی یصرف ثمنه فی قربات اللّه لم یقع التبدیل بین العوضین فی الإضافة الملکیة، بل فی إضافة أخری غیرها.

أما الوجه فی عدم اختصاص الإضافة المذکورة بالإضافة المالیة فلأنه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی البیع.و إنما المناط فی تحقق مفهومه هو صدق عنوان المعاوضة علیه.و أما ما ذکره صاحب المصباح-من أن(الأصل فی البیع مبادلة مال بمال)- فلا یکون دلیلا علی ذلک لعدم حجیة قوله.

و علی هذا فإذا کان المبیع موردا لغرض المشتری-سواء أ کان مالا عند العقلاء أم لا کالحشرات-و اشتراه بأغلی الثمن صدق علیه مفهوم البیع.و هذا بین لا ریب فیه.

غایة ما یلزم کون المعاملة علی ما لیس بمال عرفا سفهیة.و لا دلیل علی بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البیع.و الفاسد شرعا إنما هو معاملة السفیه و الدلیل علی الفساد فیها أن السفیه محجور شرعا عن المعاملات و إذن فلا وجه لأخذ قید المال فی تعریف البیع.قیل:

إذا تعلق غرض المشتری باشتراء ما لا یعد مالا فی نظر أهل العرف کان ذلک الغرض موجبا لعروض المالیة له.لما عرفته آنفا من أن مالیة الأشیاء متقومة بنظر العقلاء،و رغبتهم فیها.و من البدیهی أن المشتری من أفرادهم.و الجواب عن ذلک:

أن مالیة الأشیاء و إن کانت متقومة برغبة العقلاء و تنافسهم فیها إلا أن المراد من العقلاء نوعهم،دون الشخص الواحد.و لأجل ذلک أن من اعتبر المالیة فی البیع فقد رتب علی اعتباره هذا فساد بیع الحیات و العقارب و الدیدان و الخنافس،و أشباهها

ص:24

من هوام الأرض و صغار دوابها،و غیر ذلک مما لا یعد مالا فی نظر نوع العقلاء و إن کان ذا رغبة لدی بعضهم لغرض ما.

و یضاف الی ذلک أنا لو سلمنا وجود الدلیل علی اعتبار المالیة فی البیع.إلا أن ذلک حکم شرعی غیر مربوط بمفهوم البیع حتی یؤخذ فی تعریفه.و لو صح أخذ ذلک فی تعریف البیع لحسن بنا أن نأخذ أحکام البیع برمتها فی تعریفه.مع أنه واضح الفساد.

ثم لا یخفی علی الفطن العارف أن مفهوم البیع لا یتحقق إلا بدخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه:بان یفکّ البائع إضافته القائمة بالمتاع،و یجعلها قائمة بالثمن.و یفکّ المشتری إضافته القائمة بالثمن،و یجعلها قائمة بالمتاع.

و مثال ذلک أنه إذا باع زید طعامه من عمرو بدینار صار الدینار ملکا لزید.و لو صار الدینار ملکا لبکر لما صدق علیه مفهوم البیع بوجه.

و یستوضح هذا المعنی من الکتاب العزیز[1]و من کلمات الفصحاء و أهل

ص:25

العرف و اللغة[1].قیل:

قد تعارف بین الناس إعطاء الدراهم للخباز أو للبزاز.و الأمر بإعطاء مقابلها من الخبز و الثوب للفقیر،و لا شبهة فی کون ذلک بیعا بالحمل الشائع.مع أن المثمن لم یدخل فی ملک من خرج الثمن عن ملکه.و الجواب عنه:

أن المثمن-فی أشباه ما ذکر-قد دخل فی ملک من خرج الثمن عن ملکه.

نهایة الأمر أن المشتری قد و کلّ البائع فی إعطاء المبیع لشخص آخر.و ان أبیت عن هذا التوجیه فانّا لا نبالی فی المنع عن صدق مفهوم البیع علی ذلک،و حمله علی الصلح،أو علی الهبة المعوضة.

مفهوم المفاعلة و عدم صدقه علی البیع

ما هو مفهوم المفاعلة،و هل یصدق ذلک علی البیع الذی هو تبدیل شیء بشیء؟

الظاهر أن وزن(فاعل)للدلالة علی المشارکة فی الغالب:و المشارکة هی أن یفعل الواحد بالآخر ما یفعله الآخر به حتی یکون کل منهما فاعلا و مفعولا:نحو ضارب زید عمروا و علیه فذکر المبادلة فی تعریف البیع یقتضی أن یکون البیع عبارة عن مجموع فعل البائع و المشتری.

و لکن هذا واضح البطلان،ضرورة أن البیع لیس إلا عبارة عن فعل البائع فقط:و هو تبدیل ماله بمال صاحبه،و من البدیهی أن هذا المعنی غریب عن معنی المفاعلة.و لا صلة بینهما بوجه بل لو فرضنا صدق مفهوم البیع علی کل من فعل البائع و المشتری لکان الصادر

ص:26

من کل منهما بیعا بنفسه.و إذن فلا وجه لذکر کلمة المبادلة فی تعریف البیع-کما صنعه صاحب المصباح،و تلقاه جماعة بالقبول-بل لا بد من تبدیل لفظ المبادلة فی تعریف البیع بکلمة التبدیل،فان التبدیل هو الذی یتحقق بفعل البائع.

نعم یشترط رضا المشتری بفعل البائع،و تحقق عنوان التبدیل.و لکنه أجنبی عن قیامه بالمشتری،کقیامه بالبائع،و هذا بخلاف مفهوم المبادلة،فإنه معنی قائم بشخصین،کما هو الشأن فی باب المفاعلة علی ما عرفته فی طلیعة البحث.

رأی بعض مشایخنا المحققین فی معنی المفاعلة و الجواب عنه

قد سلک بعض مشایخنا المحققین مسلکا آخر فی معنی المفاعلة.و حاصله:أنه قد اشتهر بین الأدباء و غیرهم أن الفارق بین الهیئات المجردة،و بین هیئة المفاعلة إنما هو تقوم المعنی فی باب المفاعلة بطرفین.

إلا أن المستوضح من الکتاب الکریم.و من الاستعمالات الصحیحة خلاف ذلک.کقوله تعالی یُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا (1)فان الغرض من الآیة الشریفة تصدی المنافقین لخدیعة اللّه و خدیعة المؤمنین فقط.و غیر ذلک من الآیات الکثیرة الظاهرة فی خلاف ما اشتهر بین الناس من معنی المفاعلة.

و یقال فی الاستعمالات العرفیة الصحیحة:عاجلة بالعقوبة.و خالع المرأة.و بارزه بالحرب.و ساعده التوفیق.و واراه فی الأرض.و غیر ذلک،فان جمیع ذلک بین ما لا تصح نسبة المادة فیه الی الاثنین،و بین ما لم یقصد فیه ذلک و ان صحت النسبة المزبورة.

و علیه فلا بد من بیان الفارق بین هیئة الفعل المجرّد،و بین هیئة المفاعلة.

و توضیح ذلک:أن الهیئات المجردة لم یلحظ فیها تجاوز المادة عن الفاعل الی غیره بحسب وضع الواضع.بل التجاوز فیها إما ذاتی-کجملة من الأفعال المتعدیة:نظیر ضرب،

ص:27


1- 1) البقرة 2:9.

و خدع،و نصر،و نحوها-أو بواسطة الأداة:کما فی الأفعال اللازمة-مثل جلس، و ذهب،و أمثالهما-و قسم من الأفعال المتعدیة-کلفظ کتب و نظائره-بدیهة أن تجاوز المادة فی القسمین الأخیرین الی غیر الفاعل إنما هو بواسطة الأداة.فیقال:

جلس إلیه.و کتب إلیه.

نعم لا شبهة فی أن کلمة(کتب)تدل علی تجاوز المادة-و هی الکتابة-إلی المکتوب فقط،دون المکتوب إلیه-الذی هو مورد بحثنا-و إذا أرید تجاوز تلک المادة إلی المکتوب الیه فلا بد من الاستعانة بکلمة إلی و أما هیئة المفاعلة-کخادع و ضارب و قامر و نحوها-فإن حیثیة تعدیة المادة عنها الی غیرها ملحوظة فیها مطابقة فی مقام افادة النسبة،و هذا بخلاف الأفعال المجرّدة المتعدیة-کضرب و نصر و خدع و نحوها-فإن التعدیة فیها من ذاتیات مفادها.

و علیه فإذا صدر فعل من أحد کان أثره خداع غیره صدق علیه أنه خدعه.

و لا یصدق علیه أنه خادعه إلا إذا تصدی لخدیعة غیره و کذلک الحال فی ضرب و ضارب و نصر و ناصر و أشباهها من الأفعال المتعدیة.

و من هنا یفرق بین ضار،و مضار،فان سمرة بن جندب لما أبی عن الاستئذان من الأنصاری-عند الدخول علی عذقه من منزل الأنصاری-قال له النبی ص:

انک رجل مضار (1):أی متصد لإضرار الأنصاری.و الجواب عن ذلک:

أن هیئة المفاعلة لا تتقوم إلا بصدور الفعل من الاثنین،لما عرفته آنفا من دلالة المفاعلة علی المشارکة فی الغالب:و هی أن یفعل الواحد بالآخر مثلما یفعله الآخر به لکی یکون کل منهما فاعلا و مفعولا:نحو ضارب زید عمرا.

و من الواضح أن هذا المعنی لا یتحقق بمجرد تصدی أحدهما لإیجاد المادة دون صاحبه.فلا یقال:ضارب زید عمروا،أو صارعه،أو جادله،فیما إذا تصدی زید

ص:28


1- 1) راجع فروع الکافی ج 1 ص 414.

لضرب عمرو،أو حربه،أو صراعه،أو جداله،من دون أن یصدر منه أحد هذه الأمور،بل لو لم یصدر الفعل منه و من صاحبه معا لعدّ مثل هذا الاستعمال من الأغلاط الواضحة.

نعم قد تکون هیئة المفاعلة بمعنی الفعل المجرد:نحو سافر زید.و قاتله اللّه.

و واراه فی الأرض.و بارک فی أمره.و أشباه ذلک من الأمثلة.

و قد تکون بمعنی الکثرة و المبالغة.و لعل من القبیل الثانی قول النبی(صلی الله علیه و آله) لسمرة بن جندب:إنک رجل مضّار،و لا ضرر،و لا ضرار علی مؤمن.

الإجارة و عدم استعمالها فی نقل العین

قوله:(کما أن لفظ الإجارة یستعمل عرفا فی نقل بعض الأعیان،کالثمرة علی الشجرة). أقول:إن کان مراده من الثمرة علی الشجرة وجودها علیها فعلا-کما هو الظاهر من کلمة علی-فلا شبهة أن الثمرة لیست موردا للإجارة.بل استعمال لفظ الإجارة فی نقل الثمرة غلط فاحش.

و إن کان مراده من الثمرة علی الشجرة شأنیة ظهورها علیها فلا ریب حینئذ فی صحة تعلق الإجارة بالشجرة،و تکون الثمرة منفعتها المقصودة من إجارتها.و علی هذا فیجوز استعمال لفظ الإجارة فی نقل الثمرة استعمالا حقیقیا.

نعم قد یتوهم فی بعض الروایات[1]إسناد الإجارة إلی نفس الثمرة قبل ظهورها علی الشجرة.و لعله الی هذا نظر المصنف فی کلامه[2]قبل:

ص:29

إن ظهور الثمرة علی الشجرة فعلا لا یمنع عن صحة تعلق الإجارة بالشجرة،فإن الثمرة الموجودة علی الشجرة هی منفعتها المقصودة منها،کما أن منفعة الدابة رکوبها،و منفعة الدار سکناها.و الجواب عن ذلک:

أن الإجارة و إن کانت تملیکا للمنفعة إلا أن تلک المنفعة لا بد و أن تکون معلومة بوجه.و من البین الذی لا ریب فیه أن الثمرة الموجودة علی الشجرة مجهولة المقدار.و إذن فتبطل الإجارة من ناحیة الجهالة.قیل:

إذا اقتضت الجهالة بطلان إجارة الشجرة بعد ظهور ثمرتها اقتضت بطلان إجارتها قبل ظهور ثمرتها بالأولویة القطعیة،لشدة الجهالة هنا.و الجواب عنه:

أن جهالة الثمرة قبل ظهورها علی الشجرة لا تضر بإجارة الشجرة.بدیهة أن المناط فی ارتفاع الجهالة عن المنفعة-التی هی مورد للإجارة فی العین المستأجرة-العلم باشتمال العین المستأجرة علی حیثیة الانتفاع بها:بأن تکون معدّة لذلک.

و من المعلوم أن اشتمال الأشجار المثمرة علی حیثیة الاثمار أمر معلوم،و إذن فلا تبطل الإجارة من ناحیة الجهالة.و هذا بخلاف الثمرة الموجودة علی الشجرة فإنها مجهولة المقدار.و علیه فتبطل الإجارة من ناحیة الجهالة.

و یضاف إلی ذلک أن إجارة الشجرة لثمرتها الموجودة خارجة عن مفهوم الإجارة جزما.إذ لا نحتمل أن یتوهم أحد صدق مفهومها علی استئجار عین لأجل عین أخری موجودة.کاستئجار الشاة للبنها المحلوب.و استئجار الأشجار لأغصانها الفعلیة.

و استئجار المزرعة لزرعها الموجود.و هکذا فی نظائرها.

نعم قد تکون منفعة العین المستأجرة ما یوجد من الأعیان و لکنها غیر موجودة

ص:30

حال الإجارة.کاستئجار المنائح و البقرات و الشیاة للبنها غیر المحلوب.و استئجار المرضع لیرتضع الطفل من لبنها.و استئجار الشجرة لثمرتها المعدومة.و السر فی ذلک ما أشرنا إلیه من کون المنفعة فی أمثال هذه الموارد معلومة بوجه.

الثمن و جواز کونه من المنافع

قوله:(و أما العوض فلا إشکال فی جواز کونه منفعة). أقول:لا ریب فی جواز کون الثمن من المنافع.سواء أقلنا باعتبار المالیة فی العوضین،أم لم نقل به، ضرورة أن المنافع من أظهر مصادیق الأموال،لرغبة العقلاء إلیها،و تنافسهم فیها.

نعم حکی عن بعض الأعیان:أن شأن العوض شأن المعوض.فکما یعتبر کون الثانی من الأعیان.و کذلک الأول.

و یمکن الاستدلال علی هذا الرأی بوجوه:

1-ما اشتهر بین الفقهاء من أن البیع نقل الأعیان.و یرد علیه:

أن غرض الفقهاء رضوان اللّه علیهم من هذه العبارة هو المبیع،لأنهم ذکروها فی مقابل الإجارة التی هی لنقل المنافع.مع أن الأجرة فیها تکون من الأعیان غالبا.

و لعل النکتة فی عبارتهم هذه هی ملاحظة ناحیة الإیجاب،بداهة أن العقد إنما یتم بفعل الموجب.و أما القابل فلیس له إلا الارتضاء بذلک الفعل،و نسبته الی نفسه.

2-أن الأدلة الدالة علی صحة البیع و نفوذه إنما هی منصرفة إلی البیوع المتعارفة.و من البدیهی أنه لم یتعارف جعل العوض فی البیع من المنافع.و علی فرض وجوده فی مورد فهو من الأفراد النادرة التی تنصرف عنه الإطلاقات.و الجواب عن ذلک

ص:31

أن مفهوم البیع-علی ما عرفته آنفا-تبدیل شیء بعوض فی جهة الإضافة.

و لا یفرق فی تحقق هذا المفهوم بین أن یکون کلا العوضین عینا،أو کلاهما منفعة،أو أحدهما عینا و الآخر منفعة.

و لکنا قد ذکرنا فیما سبق:أن المتبادر من الاستعمالات العرفیة عدم صدق البیع علی تملیک المنفعة.بل یعتبر فی تحقق مفهومه أن یکون المبیع عینا.و أما العوض فلم یدل دلیل علی اعتبار کونه من الأعیان.فیبقی تحت مفهوم البیع:و هو تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة.فتشمله العمومات الدالة علی صحة العقود.

و یضاف الی ذلک أن غلبة الأفراد الخارجیة لا تمنع عن شمول أدلة الإمضاء للفرد النادر.

3-أن المنافع أمور معدومة،فلا یقع علیها البیع،ضرورة أن الملکیة من مقولة الأعراض،و هی لا تتقوم إلا بالمحل الموجود.و من المفروض أن المنافع أمور معدومة.فیستحیل أن تکون موضوعا للملکیة.و یرد علیه:

أن الملکیة من الأمور الاعتباریة التی لا تتوقف علی وجود موضوع لها فی الخارج.بل لا بد و أن یکون متعلقها قابلا لتعلق الاعتبار به فی نظر العقلاء،و قد عرفت ذلک فیما تقدم.

4-ما ذکره الطریحی فی مجمع البحرین،من أن المال فی الأصل الملک من الذهب و الفضة.ثم أطلق علی کل ما یقتنی،و یتملک من الأعیان.و علیه فلا تکون المنفعة ثمنا فی البیع،لأنه مبادلة مال بمال.و المفروض أن المنفعة لیست من الأموال.

و یرد علیه:

أن المال ما یبذل بإزائه شیء حسب رغبة العقلاء و تنافسهم،و من الواضح أن هذا المعنی أعم من العین و المنفعة.بداهة أن المنفعة من مهمات ما یرغب فیه العقلاء.

ص:32

عمل الحر و جواز وقوعه ثمنا فی البیع

قوله:(و أما عمل الحر فان قلنا إنه قبل المعاوضة علیه من الأموال فلا إشکال و إلا ففیه إشکال). أقول:هذا الکلام استدراک عما تقدم منه(ره):و هو قوله:

(و أما العوض فلا إشکال فی جواز کونه منفعة).

و توضیح ذلک:أن عمل الحر تارة یلاحظ بعد وقوع المعاوضة علیه-کما إذا استأجره لبنائه داره،أو لنجارة بابه،أو لخیاطة ثوبه،أو لغیر ذلک من الأغراض العقلائیة-و أخری یلاحظ قبل وقوع المعاوضة علیه.

و علی الأول فلا إشکال فی جعل العمل المزبور ثمنا فی البیع،بداهة کونه مالا مملوکا للمستأجر.و له أن یتصرف فیه أی تصرف،لأن الناس مسلطون علی أموالهم.

کما أن عمل العبد و الدابة مال مملوک لصاحبها.

و الدلیل علی مالیة عمل الحر فی هذه الصورة أمور:

1-أنه یصح إطلاق ذی المال علی المستأجر الذی ملک عمل الحر بالإجارة أو الصلح.

2-أنه یجب علی المستأجر المزبور حجّ البیت،لأنه قد استطاع الیه سبیلا، إذا کان عمل أجیره وافیا بزاده و راحلته.

3-أنه یخرج المستأجر بعمل أجیره عن عنوان الفقراء،و یعامل معه معاملة الأغنیاء،إذا کفی ذلک العمل مئونة سنته.و إذن فیحرم علیه أخذ الزکاة.و سائر الوجوه الشرعیة المقررة للفقراء و المساکین.

4-أنه إذا أتلف أحد عمل أجیر ضمنه لمستأجره،لقاعدة الضمان بالإتلاف.

و لأجل هذه الأمور کلها نستکشف صدق مفهوم المال علی عمل الحر بعد وقوع المعاوضة علیه.و السر فی ذلک کله:أن عمله حینئذ مورد لرغبة العقلاء و میلهم.

ص:33

و علی الثانی فإن قلنا باعتبار المالیة فی الثمن و المثمن فلا یقع عمل الحر عوضا فی البیع،لأنه لا یعد مالا عرفا.و إن لم نقل بهذا الاعتبار فلا بأس بجعله ثمنا فیه.

و الشاهد علی عدم کونه مالا فی هذه الصورة:أن الحر لا یکون مستطیعا بلحاظ عمله لکی یجب علیه الاکتساب،و تحصیل الزاد و الراحلة.ثم السیر الی بیت اللّه الحرام.

و أیضا لو حبسه أحد لم یضمن عمله.مع أن تفویت منافع العبد أو الدابة أو سائر الحمولة موجب للضمان.

هذا کله فیما إذا جعل عمل الحر ثمنا فی البیع.و أما جعله مثمنا فیه فلیس بجائز قطعا،لأنه من المنافع.و قد عرفت فیما سبق أن المبیع لا بد و أن یکون من الأعیان،إذ لا یصدق مفهوم البیع علی تملیک المنفعة بعوض.

و الحق:أنه لا یفرق فی صدق مفهوم المال علی عمل الحر بین وقوع المعاوضة علیه و عدمه.و الوجه فی ذلک ما ذکرناه سابقا من أن مالیة الأشیاء متقومة برغبة الناس فیها رغبة عقلائیة.و لا یعتبر فی ذلک صدق الملک علیها،لأن النسبة بینهما هی العموم من وجه.إذ قد یوجد المال و لا یتحقق الملک.کالمباحات الأصلیة قبل حیازتها،فإنها مال و لیست بمملوکة لأحد.و قد یوجد الملک،و لا یصدق علیه مفهوم المال.کحبة من الحنطة،فإنها ملک لصاحبه،و لیست بمال،إذ لا یبذل بإزائها شیء.و قد یجتمعان.

و هو کثیر.و من المعلوم أن عمل الحر-قبل وقوع المعاوضة علیه-من مهمات الأموال العرفیة و إن لم یکن مملوکا لأحد بالملکیة الاعتباریة.بل هو مملوک لصاحبه بالملکیة الذاتیة الأولیة علی ما عرفته فی أول الکتاب.

نعم ربما یناقش فی ذلک بأن البیع-کما سبق-تبدیل شیء من الأعیان بعوض فی الإضافة الاعتباریة.و من الواضح أن عمل الحر فاقد لهذه الإضافة.و إذن فلا یصلح لأن یکون طرفا للتبدیل الاعتباری فی جهة الإضافة.

و فیه أن عمل الحر و إن لم یکن مملوکا لصاحبه بالإضافة الاعتباریة قبل البیع،

ص:34

و لکنها تعرض علیه بنفس البیع.و قد تقدم نظیر ذلک فی البحث عن إمکان بیع الکلی فی الذمة.

و دعوی أن کلا من العوض و المعوض لا بد و أن یکون مالا مملوکا قبل البیع دعوی جزافیة،إذ لم یدل علی ذلک دلیل من النقل و الاعتبار.

و أما الوجه فی عدم وجوب الحج علی الحر-بلحاظ استطاعته من ناحیة عمله- فلأن الاستطاعة إنما تتحقق بمالکیة المکلف-بالفعل-لما یحج به من الزاد و الراحلة.

و بمالکیته لمئونة عیاله بالفعل أو بالقوة.و قد فسرت الاستطاعة بهذا المعنی.و بأمن الطریق فی بعض الأخبار[1].

و علیه فعمل الحر قبل وقوع المعاوضة علیه و إن کان مملوکا له بالملکیة الفعلیة التکوینیة.و کذا بالملکیة الشأنیة الاعتباریة.إلا أنه لا یترتب علیهما ما هو أثر للملکیة الفعلیة الاعتباریة.

نعم إذا آجر نفسه بنقد مقبوض بعد العقد،بحیث یکفی ذلک مئونة حجه و عیاله،کان مستطیعا.و السر فیه هو ما ذکرناه من کون المدار فی الاستطاعة علی الملکیة الفعلیة الاعتباریة،دون الاقتضائیة.

و قد اتضح لک مما بیناه أنه لا یصح إطلاق ذی المال علی الحر باعتبار عمله،

ص:35

إذ المناط فی صحة هذا الإطلاق کون الإنسان مالکا لأمواله بالملکیة الفعلیة الاعتباریة.

و قد عرفت قریبا:أن عمل الحر-قبل وقوع المعاوضة علیه-غیر مملوک له کذلک، لأن ثبوت شیء لشیء بالإضافة الاعتباریة إنما یصح فی غیر موارد الثبوت الحقیقی.

و إلا کان الاعتبار لغوا محضا،و تحصیلا للحاصل.و من المفروض أن عمل الحر مملوک له بالإضافة الذاتیة.کما أن اللّه تعالی مالک لمخلوقاته بالإضافة الذاتیة الإشراقیة.

و أما الوجه فی أن إتلاف عمل الحر لا یوجب ضمانه علی المتلف فهو أن قاعدة الضمان بالإتلاف لیست بروایة لکی یتمسک بإطلاقها فی الموارد المشکوکة.بل هی قاعدة متصیدة من الموارد الخاصة.و إذن فلا بد من الاقتصار فیها علی المواضع المسلمة المتیقنة.

و مع الإغضاء عن ذلک،و تسلیم کونها روایة أنها غریبة عن عمل الحر.إذ المستفاد منها أن إتلاف مال غیره موجب للضمان.و من الواضح أن الظاهر من کلمة (المال)هو المال المضاف الی مالکه بالإضافة الاعتباریة.و قد عرفت:أن عمل الحر -قبل وقوع المعاوضة علیه-لیس کذلک.و علیه فلا یکون مشمولا لقاعدة الضمان بالإتلاف.

نعم إذا کان الحر کسوبا:و له عمل خاص یشتغل به کل یوم-کالبنایة و التجارة و الخیاطة و غیرها-فان منعه عن ذلک موجب للضمان،للسیرة القطعیة العقلائیة.

نظره فی الحقوق

اشارة

قوله:(و أما الحقوق الأخر). أقول:لا وجه لتوصیف کلمة(الحقوق) بلفظ(الأخر)إذ لم تتقدم طائفة من الحقوق لیکون المذکور هنا طائفة أخری منها.

و علیه فالوصف المزبور مستدرک جزما.و قد ضرب علیه فی بعض النسخ الصحیحة.

و یحتمل قریبا وقوع التصحیف فی عبارة المصنف بالتقدیم و التأخیر.و صحیحها هکذا

ص:36

و أما الحقوق فان لم تقبل المعاوضة بالمال فلا إشکال.و کذا لو لم یقبل النقل.و أما الحقوق الآخر القابلة للانتقال إلخ.

و قد ذکر السید فی حاشیته وجها آخر لتصحیح العبارة.و إلیک نصه بلفظه:

(یمکن أن یکون الوصف توضیحیا،و یمکن أن یکون تقییدیا بعد اعتبار کون العین و المنفعة أیضا من الحقوق بالمعنی الأعم).و یرد علیه:

أن الحق المبحوث عن جواز جعله ثمنا لیس من سنخ العین،و لا من سنخ المنفعة لکی یحتاج تمییزه عنهما الی قید احترازی.بل هو أمر یباین العین و المنفعة،فإنه عبارة عن الإضافة الخاصة المتعلقة بالعین تارة،و بالمنفعة أخری.و من هنا قد ناقش المصنف فی جعل حق التحجیر ثمنا فی البیع بدعوی أنه لیس بمال-و سیأتی ذلک قریبا- مع أن الأرض المحجرة مال بالحمل الشائع قطعا.

نعم لو کان مورد البحث فی العین أو المنفعة هو نفس الإضافة بین المالک و المملوک،أو کان مورد البحث فی الحقوق هو متعلقها،لکان الحق شبیها بالعین و المنفعة،و احتاج تخصیص البحث بالحقوق الی قید احترازی.و لکن قد اتضح لک خلاف ذلک مما ذکرناه.

قوله:(کحق الشفعة و حق الخیار) .أقول:الظاهر وقوع التحریف فی هذه العبارة،ضرورة أن حق الشفعة و حق الخیار من أمثلة القسم الثانی للحق الذی أشار إلیه المصنف بقوله:(و کذا لو لم یقبل النقل) .

و الوجه فی ذلک أن القسم الثانی من الحق هو ما لا یقبل النقل الاختیاری و ان کان مما یقبل الانتقال بالسبب القهری کالإرث-أو کان یقبل الاسقاط مجانا،أو مع العوض و من الظاهر أن حق الشفعة و حق الخیار یقبلان الانتقال و الاسقاط مجانا أو مع العوض،فیکونان من مصادیق القسم الثانی.

ص:37

أقسام الحقوق و أحکامها

قد قسم المصنف(ره)الحقوق إلی ثلاثة أقسام:

1-ما لا یقبل المعاوضة بالمال و حکم فیه بأنه لا یجوز جعله ثمنا فی البیع.

2-ما لا یقبل النقل-و إن قبل الانتقال بغیر اختیار مع وجود سببه کالإرث- کحق الشفعة و حق الخیار.و حکم فیه أیضا بأنه لا یجوز جعله ثمنا فی البیع.

و استدل علی أن هذا القسم من الحق لا یقبل النقل بما ذکره بعض الأصحاب من أن البیع تملیک من الطرفین(البائع و المشتری)فما لا یقبل النقل لا یقبل التملیک لا محالة،و إن قبل السقوط و الاسقاط.

و ناقش فی هذا الرأی صاحب الجواهر،و إلیک نص عبارته:(و فیه أن من البیع بیع الدین علی من هو علیه.و لا ریب فی اقتضائه حینئذ الإسقاط و لو باعتبار أن الإنسان لا یملک علی نفسه ما یملکه غیره علیه الذی بعینه یقرر فی نحو حق الخیار و الشفعة و اللّه اعلم).و قد أجاب المصنف عن النقض المذکور بوجود الفارق بین بیع الدین ممن هو علیه،و بین ما نحن فیه بتقریب أن الملکیة علاقة خاصة بین المالک و المملوک.و لا حاجة لها إلی وجود المملوک علیه.و علیه فلا مانع من تملک الإنسان لما فی ذمته،و یترتب علیه سقوطه.و لذلک جعل الشهید فی قواعده الإبراء مرددا بین التملیک و الاسقاط.مع أنه لو کان تملک الإنسان لما فی ذمته محالا لما جعل أمر الإبراء مرددا بینهما.و هذا بخلاف حق الشفعة و حق الخیار و أشباههما من الحقوق التی تتقوم بطرفین(المسلط و المسلط علیه)فان ذلک سلطنة فعلیة محتاجة إلی المسلط علیه.و علی هذا النهج فلو نقلت هذه السلطنة ممن له الحق إلی من علیه الحق لزم منه اجتماع عنوانین متقابلین:(المسلط و المسلط علیه)فی شخص واحد و هو محال.

3-ما یقبل النقل و الانتقال و یقابل بالمال فی الصلح کحق التحجیر.و مع ذلک

ص:38

ناقش المصنف فی وقوعه ثمنا فی البیع،لأنه-لغة و عرفا-مبادلة مال بمال.و من البین أن الحق لیس بمال لکی یقع عوضا فی البیع.نعم إذا قلنا بعدم اعتبار المالیة فی کل من الثمن و المثمن أمکن جعل الحق ثمنا فی البیع.هذا تفصیل ما ذکره المصنف فی المقام.

أقول:أما القسم الأول(ما لا یقبل المعاوضة بالمال)فقد یراد منه ما یقبل النقل و الانتقال،و السقوط و الاسقاط قبولا مجانیا من دون أن یقابل بالمال-کحق القسم للضرة علی ما قیل-و علیه فما ذکره قدس سره و إن کان وجیها من حیث الکبری:

و هی أن مثل هذا الحق لا یجوز جعله ثمنا فی البیع.و لکن لم یدلنا دلیل علی وجود صغری لهذه الکبری فی الخارج.و أما حق القسم فلا دلیل علی کونه من هذا القبیل.

و قد یراد من ذلک ما لا یقبل النقل و الانتقال،و لا السقوط و الاسقاط -کحق الولایة و الحضانة و أشباههما-و هو أیضا متین من حیث الکبری المزبورة، لأنه لا تصح مقابلة الحقوق بالمال إلا بلحاظ الجهات المذکورة.فإذا استحال عروض تلک الجهات علی الحقوق لم تجز المعاوضة علیها.

و لکن مثل هذا لا یسمی حقا مصطلحا،إذ المعروف بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم:أن الفرق بین الحق و الحکم أن الحق نوع من السلطنة التی یکون أمرها بید ذی الحق بخلاف الحکم،فإنه لا یقبل شیئا من ذلک.و إذن فالأمثلة المذکورة غریبة عن حدود الحق.و إنما هی من مصادیق الحکم المصطلح.

و أما القسم الثانی(ما لا یقبل النقل)فیقع البحث عنه فی جهات شتی:

1-مالکیة الإنسان لما فی ذمته.

ذکر المصنف(ره):أن جواز ملک الإنسان لما فی ذمته معقول عقلا،و جائز شرعا.

و هذا موافق للتحقیق،لما ذکرناه فی أول الکتاب من مالکیة الإنسان لنفسه و فعله و ذمته بالإضافة التکوینیة الذاتیة الأولیة.

ص:39

نعم لا یتصف ذلک بالملکیة الاعتباریة.لا من جهة استحالة اتحاد المالک و المملوک علیه.بل لأن الثبوت الاعتباری إنما یصح فیما لم یکن هناک ثبوت تکوینی حقیقی.

و إلا لکان الاعتبار لغوا محضا،و تحصیلا للحاصل.و قد مرّ فیما سبق أن مالکیة الإنسان لذمته أمر تکوینی حقیقی،فلا یحتاج إلی الثبوت الاعتباری.و هذا واضح لا ریب فیه.

و قد یتوهم أن المالک و المملوک علیه من المتضائفین،و هما متقابلان.و إذن فیستحیل اتحاد المالک و المملوک علیه.

و لکن هذا التوهم فاسد،بدیهة أن النسبة بین المالک و المملوک علیه و إن کانت هی التضایف.و لکن المتضائفین لا یستحیل اجتماعهما فی محل واحد دائما فاللّه تبارک و تعالی عالم بذاته،و هو معلوم له و کل شاعر یحبّ نفسه.و إنما الاستحالة فیما کان بین المتضائفین تغایر وجودی کالعلیة و المعلولیة.و من البدیهی أن المالک و المملوک علیه لم یعتبر بینهما التغایر الوجودی.فلا مانع من صدقهما علی شیء واحد.

2-الفارق بین الملکیة و السلطنة:

ذکر المصنف:أن الملکیة لا تتوقف علی المملوک علیه.و السلطنة تتوقف علی المسلط علیه.

و التحقیق:أن هذا المعنی و إن کان صحیحا بالإضافة إلی الملکیة المضافة إلی الأعیان الخارجیة.إلا انها لا تصح فی الملکیة المضافة إلی الذمم.فإن الکلی ما لم یضف إلی ذمة شخص خاص لا یبذل بإزائه شیء.و لا یرغب فیه العقلاء.

3-اتحاد المسلط و المسلط علیه:

ذکر المصنف:أن مثل حق الشفعة و حق الخیار سلطنة فعلیة،فلا یعقل قیام طرفیها بشخص واحد.

و التحقیق:أن حق الشفعة لا تجوز المعاوضة علیه.لا من ناحیة المحذور الذی

ص:40

ذکره المصنف،فإنه واضح الاندفاع،(و سیأتی قریبا)بل من جهة أن حق الشفعة إما أن یباع من المشتری،أو من غیره.و علی الأول فیکون البیع لغوا محضا، إذ المشتری مالک للحصة المبیعة قبل انتقال حق الشفعة إلیه و علیه فلا معنی لاستحقاقه تملک تلک الحصة ثانیا بحق الشفعة.و علی الثانی فلأن حق الشفعة استحقاق الشریک للحصة المبیعة فی شرکته لکی یضمها الی حقه.فالشریک قد أخذ موضوعا لهذا الحق.و من البین الذی لا ریب فیه أنه لا یعقل ثبوت الحکم لغیر موضوعه،بدیهة أن نسبة الحکم الی موضوعه کنسبة المعلول الی علته،فکما یستحیل انفکاک المعلول عن علته کذلک یستحیل انفکاک الحکم عن موضوعه.

و بتعبیر آخر:أنا إذا لاحظنا آثار حق الشفعة وجدنا خصوصیة فی مورده.

و تلک الخصوصیة هی العلة التامة لثبوته للشریک فقط،دون غیره.

نعم تجوز المعاوضة علی حق الشفعة من حیث الإسقاط بأن یجعل إسقاطه ثمنا فی البیع،أو اجرة فی الإجارة،أو عوضا فی الصلح و الهبة،أو صداقا فی النکاح، و لکن هذا أجنبی عما نحن فیه،فان مورد بحثنا إنما هو جواز المعاوضة علی حق الشفعة، و جعله عوضا فی العقود المعاوضیة،لا المعاوضة علی إسقاطه،فإن الإسقاط بنفسه عمل.و قد عرفت سابقا:أن عمل الحر یجعل عوضا فی البیع و غیره من العقود المعاوضیة.

و أما حق الخیار فجواز المعاوضة علیه من حیث الاسقاط خارج عن موضوع بحثنا-و قد عرفته قریبا-و أما نقله الی غیره بالعقود المعاوضیة،و جعله عوضا فیها فقد منعه المصنف من ناحیة استلزامه اتحاد المسلط و المسلط علیه.

و الجواب عن ذلک:

أولا:أن هذا إنما یتم فیما إذا نقل حق الخیار الی من علیه الخیار.و أما إذا نقل الی غیره فلا یلزم منه المحذور المذکور.و إذن فالدلیل أخص من المدعی.

ثانیا:أن هذا إنما یلزم فیما إذا کان متعلق السلطنة فی الخیار هو البائع.دون

ص:41

العقد.و لکن سیأتی فی مبحث الخیارات أن الخیار إنما یتعلق بالعقد لا بالمتبایعین و إلا لسقط خیار کل منهما بموت صاحبه.

و علی هذا الضوء فثبوت حق الخیار لا یحتاج الی وجود المسلط علیه لکی یلزم من نقله الیه اتحاد المسلط و المسلط علیه.بل شأنه شأن حق التحجیر المتعلق بالأرض المحجرة.

ثالثا:أنه لو استحال بیع حق الخیار ممن علیه الخیار-لاستحالة اتحاد المسلط و المسلط علیه-لاستحال ملک الإنسان لما فی ذمته بالأولویة القطعیة،لاستحالة تملک الکلی بدون المملوک علیه.و حیث عرفت إمکان الثانی فکان الأول أولی بالإمکان.

رابعا:أن مفهوم السلطنة و إن کان من المفاهیم الإضافیة.إلا أن عنوان التضایف لا یقتضی استحالة صدق المتضایفین علی شیء واحد.کما عرفته قریبا.

و صفوة ما ذکرناه:أنه لا مانع من نقل حق الخیار الی شخص آخر من الناحیة التی ذکرها المصنف قدس سره.

نعم ان الخیار المجعول بجعل المتبایعین،أو بجعل شرعی ترجع حقیقته-علی ما حققناه فی مبحث الخیارات-الی تحدید الملکیة فی البیع الی زمان فسخ من له الخیار.و من الظاهر أن هذا غیر قابل للنقل إلی غیر من له الخیار.نعم هو قابل للإسقاط،و الانتقال إلی الوارث بأدلة الإرث.و تمام الکلام موکول الی مبحث الخیارات.و یأتی الکلام فیه إن شاء اللّه.

و أما القسم الثالث:فهو ما یقبل النقل و الانتقال-کحق التحجیر و نحوه-و قد عرفت اعتراض المصنف علی وقوعه ثمنا فی البیع،لعدم صدق المال علیه.

و یرد علیه ما ذکرناه فی أول الکتاب من أن المال ما یرغب فیه العقلاء، و یبذلون بإزائه شیئا.و من البین أن حق التحجیر مورد لرغبة العقلاء و تنافسهم.

فیکون مالا بالحمل الشائع.و إذن فلا محذور فی جواز المعاوضة علیه من هذه الناحیة.

ص:42

نعم یتوجه علیه أن الحق و إن کان قابلا للنقل و الانتقال،أو السقوط و الاسقاط،مجانا،أو بعوض.إلا أنه لا یمکن جعله ثمنا فی البیع،بداهة أن الحق حکم شرعی غیر قابل لأن تتعلق به إضافة ملکیة أو غیرها.

و قد عرفت سابقا (1):أن البیع لا بد فیه من التبدیل:بأن یقوم أحد العوضین مقام الآخر.نعم نقل الحق أو إسقاطه فعل من أفعال المکلف.فیصح جعله ثمنا.و إذن فیملک البائع علی المشتری هذا الفعل.و یلزم علیه تسلیمه الی البائع بعد البیع.کما هو الحال فی بقیة الأفعال المجعولة ثمنا.

و قد نوقش فی جعل الحق ثمنا فی البیع بمناقشة اخری.و حاصلها:أن البیع -فی الواقع و نفس الأمر-لیس إلا إزالة الإضافة المالکیة عن کل من العوضین، و إیجاد إضافة أخری مالکیة فیه.و علیه فلا یمکن جعل الحق ثمنا فی البیع.

و السر فی ذلک أن الملکیة من المفاهیم الإضافیة.فأحد طرفیها قائم بالمالک، و طرفها الآخر قائم بالمملوک.و من آثار هذه الإضافة أن یفکّ المالک-عند التبدیل- إضافته القائمة بالمتاع،و یجعلها قائمة بالثمن،و یفکّ مالک الثمن إضافته القائمة بالثمن، و یجعلها قائمة بالمتاع.و هذا هو البیع بالحمل الشائع.و یقابله باب الإرث،فإن فیه یتبدل المالک مع بقاء المملوک علی حاله.

و من الظاهر أن التبدیل فی باب الحقوق من القبیل الثانی.ضرورة أنه إذا جعل الحق عوضا فی معاملة کان معناه زوال الحق من ذی الحق و ثبوته لشخص آخر، کما أن مال المورث ینتقل منه الی وارثه.

و لیس معناه وقوع التبدیل بین المعوض و بین متعلق الحق کالأرض المحجرة مثلا.

و لا أن معناه وقوع المعاوضة بین المعوض و نفس الحق ضرورة أن الحق لیس إلا إضافة خالصة و من البدیهی أن مقابلة هذه الإضافة بشیء تحتاج إلی إضافة أخری

ص:43


1- 1) ص 25

لکی یقع التبدیل فی تلک الإضافة.و یلزم منه التسلسل.

و علی هذا فلا یصدق مفهوم البیع علی تبدیل حق بحق.و لا علی تبدیله بغیره.

کما أنه لا یصدق علی قیام النائب مقام المنوب عنه فی الجهات الراجعة إلیه -کالامامة،و القضاوة.و الوزارة،و السلطنة،و أشباهها-و لأجل هذه المناقشة یلزمنا أن نمنع عن جواز تبدیل حق بحق.أو تبدیله بغیره،منعا مطلقا:أی سواء أصدق علیه مفهوم المال أم لم یصدق علیه ذلک.و أنت خبیر بأن المانع من تبدیل الحقوق، و جعله ثمنا هو ما ذکرناه من استحالة تعلق الملکیة بالحکم الشرعی.و إلا فلو أمکن تعلقها به لم یکن مانع من تبدیله،و جعله ثمنا.و بذلک تنقطع السلسلة کما فی مبادلة الأعیان و المنافع.

الملک و الحق و بیان الفارق بینهما

ما هی حقیقة الملک،و حقیقة الحق،و ما هو الفارق بینهما؟ أن الثابت فی نظام الوجود لا یخلو عن أربعة أقسام:لأنه إما واجب،أو ممکن.و الثانی:إما جوهر،أو عرض،أو أمر اعتباری قائم بنفس الاعتبار.

و لا ریب فی أن الأحکام کلها من قبیل الأمور الاعتباریة.سواء فیها الأحکام الشرعیة،و العقلائیة،و الوضعیة،و التکلیفیة،و الإلزامیة و الترخیصیة.

فمعنی الوجوب اعتبار الفعل علی ذمة المکلف.

و معنی الزوجیة اعتبار کل من الزوجین عدلا للآخر.

و معنی الملکیة اعتبار إحاطة المالک بالمملوک.و علی هذا النمط کلما ورد علیک حکم من الأحکام.

و علیه فحقیقة الملکیة إنما هی السلطنة و الإحاطة:و هی مقولة بالتشکیک علی مراتبها الأربع المتقدمة (1)و لا ریب فی أن هذه السلطنة إنما تتعلق بالأعیان الخارجیة

ص:44


1- 1) ص 2.

تارة،و بالأفعال اخری.فیقال:له السلطنة علی المملکة.و هو سلطان الرعیة،و الناس مسلطون علی أموالهم.و زید مسلط علی الخیاطة و البنایة و التکلم و الکتابة و نحو ذلک من الأفعال.

و هذا بخلاف الحق و الحکم،فإنهما لا یتعلقان إلا بالافعال.فیقال:یباح للإنسان أکل الخبز و شرب الماء.و یستحب له أکل الرمان و یجب علی المکلف الإتیان بالصلاة الواجبة،و ترک المحرمات.و یحرم علیه شرب المسکر و أکل الربا، و استماع الغناء.و یکره له أکل لحم الحمیر و البغال.

و أیضا یقال:إن صاحب الخیار له حق فسخ العقد.و المرتهن له حق بیع العین المرهونة،و استیفاء حقه من ثمنها إذا امتنع الراهن من أدائه.و الزوجة لها حق المطالبة للمسکن و النفقة و المضاجعة من زوجها.و الأولیاء لهم حق القیام بأمور المولی علیهم.

و حق المؤمن علی المؤمن أن یدفع غیبته و یقضی حاجته.و یحضر جنازته.و یکشف کربته.

و علی الجملة:إن الفارق بین الحق و الحکم،و بین الملک:أن الأولین لا یتعلقان إلا بالأفعال.بخلاف الملک فإنه یتعلق بالأعیان تارة و بالأفعال اخری.و إلیک ملاحظة الاستعمالات الصحیحة الفصیحة.

الحق و الحکم و عدم وجود الفارق بینهما

ما هو الفارق بین الحق و الحکم؟ لا ینبغی الریب فی أن الحکم و الحق متحدان حقیقة،لأن قوامها بالاعتبار الصرف.

و توضیح ذلک:أن المجعولات الشرعیة علی ستة أقسام:

1-التکلیفی الإلزامی،کالواجبات و المحرمات.

2-التکلیفی غیر الإلزامی.کالمستحبات و المکروهات و المباحات.

3-الوضعی اللزومی الذی یقبل الانفساخ.کالبیع و الإجارة و الصلح و نحوها،

ص:45

فإنها و إن کانت لازمة فی نفسها.و لکنها تنفسخ بالإقالة و نحوها.

4-الوضعی اللزومی الذی لا یقبل الانفساخ،کالزواج،فإنه لا ینفسخ إلا فی موارد خاصة.

5-الوضعی الترخیصی الذی یقبل الاسقاط،کحق الشفعة و حق الخیار، فلصاحب الحق أن یرفع یده عن حقه و یسقطه.

6-الوضعی الترخیصی الذی لا یقبل الاسقاط،کالجواز فی الهبة،فإنه حکم مجعول للشارع.و لا یرتفع بالإسقاط.

و هذه الأمور الاعتباریة و إن اختلفت من حیث الآثار اختلافا واضحا، و لکنها تشترک فی أن قوامها بالاعتبار المحض و إذن فلا وجه لتقسیم المجعول الشرعی أو العقلائی إلی الحق و الحکم لکی نحتاج إلی بیان الفارق بینهما.بل کلها حکم شرعی، أو عقلائی قد اعتبر لمصالح خاصة.بناء علی مسلک العدلیة من تبعیة الأحکام للملاکات الواقعیة.

نعم تختلف هذه الأحکام فی الأثر-کما أشرنا إلیه قریبا-اختلافا ظاهرا.

فبعضها یقبل الاسقاط.و بعضها لا یقبله و السر فی هذا الاختلاف هو أن زمام تلک الأمور بید الشارع حدوثا و بقاء فقد یحکم ببقائه،کما حکم بحدوثه،و قد یحکم بارتفاعه و لو کان ذلک باختیار أحد المتعاملین أو کلیهما.نعم المتبع فی ذلک-فی مقام الإثبات-هو الأدلة الشرعیة.

و علی الجملة:إن الجواز و اللزوم الوضعیین.کالجواز و اللزوم التکلیفیین،فان جمیعها من الأحکام الشرعیة و لا تفاوت فی ماهیتها و ذواتها و إن اختلفت آثارها.

فاعطف نظرک هل تری فارقا بین جواز قتل المشرک-الذی یسمی حکما شرعیا-و بین سلطنة ولی الدم علی قتل القاتل الذی یسمی حقا شرعیا،لقبوله الاسقاط.

ثم أرجع البصر کرتین هل تری فارقا بین حق الحضانة و الأبوة،و الولایة و أشباهها مما لا یقبل الاسقاط،و بین حق الشفعة و حق الخیار القابلین للإسقاط،فافهم و اغتنم.

ص:46

و من الغریب أن جمعا من الفقهاء تصدوا لبیان الفارق بین الحق و الحکم،حتی أن بعضهم قد ألحقه بالبدیهیات،زعما منه أن الاختلاف بینهما أظهر من الشمس، و أبین من الأمس، و ذکر جماعة:أن الحق مرتبة ضعیفة من الملکیة،و صاحبه مالک لشیء یرجع أمره إلیه،بخلاف الحکم،فإنه مجرد جعل الرخصة فی فعل شیء أو ترکه،أو الحکم بترتب أثر علی فعل أو ترک.

و ذکر طائفة:أن الحق ما یقبل السقوط و الإسقاط،أو النقل و الانتقال، بخلاف الحکم،فإنه لا یقبل شیئا من هذه الأمور.إلی غیر ذلک مما ذکروه فی هذا المقام.و لکنک قد عرفت:أنه لا یرجع شیء من ذلک إلی محصل.

نعم لا مانع من تخصیص إطلاق الحق اصطلاحا بطائفة من الأحکام:و هی التی تقبل الإسقاط،إذ لا مشاحة فی الاصطلاح.و أظن-و إن کان الظن لا یغنی من الحق شیئا-أن هذا الإطلاق صار سببا لاختلاف العلماء فی حقیقة الحق و الحکم.

و بیان الفارق بینهما.و اللّه العالم.

و مما یدل علی اتحاد الحق و الحکم أن لفظ(الحق)فی اللغة بمعنی الثبوت.و لذا یصح إطلاقه علی کل أمر متقرر فی وعائه المناسب له،سواء أ کان تقررا تکوینیا أم کان اعتباریا.و هو بهذا المعنی قد استعمل فی عدة موارد من الکتاب العزیز[1]

ص:47

و من هنا یصح إطلاق کلمة(الحق)علی الخبر الصادق،لثبوت مضمونه فی الواقع.

و لهذا أیضا یطلق الحق-بقول مطلق-علی اللّه تعالی،لبطلان غیره فی جنبه سبحانه.

و من هنا قیل:إن أصدق شعر أنشئ فی الجاهلیة هو قوله ألا کل شیء ما خلا اللّه

باطل

.و إذن فمفهوم الحق یعم جمیع المجعولات الشرعیة.بل جمیع الأمور الثابتة فی أی صقع من الأصقاع،فلا وجه لتخصیصه بالأحکام فضلا عن تخصیصه بحصة خاصة منها.

المجعول الشرعی و الشک فی أنه حق أو حکم

إذا شک فی أن المجعول الشرعی حق اصطلاحی یقبل الإسقاط،أو أنه حکم اصطلاحی لا یقبله،فان کان هنا ما یدل علی تعیین أحدهما بالخصوص أخذ به.و إلا فإن کان لدلیل المشکوک فیه عموم أو إطلاق أخذ بذلک،و یثبت به کونه حکما.

و مثال ذلک:أنه إذا شک فی أن جواز أکل المارة من الشجرة التی تمر علیها،أو جواز الفسخ فی الهبة حق أو حکم فإنه یتمسک بإطلاق ما دل علی جوازهما.

و یثبت بذلک کونه حکما،فلا یسقط بالإسقاط.

و أنه إذا شککنا فی بقاء حق التحجیر بعد إسقاطه رجعنا إلی إطلاق قوله(صلی الله علیه و آله):

(من سبق إلی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو له) (1)و أنه إذا شککنا فی بقاء حق القصاص بعد إسقاطه رجعنا إلی إطلاق قوله تعالی (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً) (2).و مع عدم الإطلاق فی ذلک

ص:48


1- 1) قد أشرنا إلی مصادر الحدیث فی ص 6.
2- 2) الاسراء 17:35.

رجعنا إلی الآیات[1]و الروایات[2]الدالة علی حرمة قتل النفس المحترمة.

و إن لم یکن هناک عموم أو إطلاق فإن قلنا بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة استصحابنا الجواز المشکوک فیه بعد إسقاطه.و نحرز بذلک کونه حکما.و إلا فیرجع إلی ما یقتضیه سائر الأصول اللفظیة أو العملیة.فقد تکون نتیجة ذلک السقوط بالإسقاط.فیکون حقا.

و علیه فإذا شک فی أن حق الشفعة و حق الخیار من قبیل الحقوق،أو من قبیل الأحکام لم یجز إعمالهما بعد الاسقاط،لعدم الإطلاق فیما دل علی ثبوتها لذی الخیار و الشفیع.

و إذن فإن قلنا بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة رجعنا إلیه.و إلا فإن العمومات الدالة علی حرمة أکل مال الناس من دون رضاه محکمة.

و إذا شک فی حق أنه یقبل الانتقال إلی الوارث أولا-کحق الحضانة و الولایة و أمثالهما-فإن کان هنا دلیل علی قبوله النقل فإنه یحکم بقبوله الانتقال أیضا،إذ یستکشف من ذلک عدم وجود الخصوصیة لمورد المشکوک فیه.و إلا فإنه یحکم بعدم انتقاله.و یأتی تفصیل ذلک فی مبحث أحکام الخیار.

و إذا شککنا فیما یطلق علیه الحق اصطلاحا أنه یقبل النقل أولا فإن الأصل عدم قبوله إیاه،إذ الظاهر من الأدلة المثبتة لذلک هو اختصاصه بذی الحق فقط.فثبوته لغیره یحتاج إلی دلیل.

و دعوی أن الأصل جواز نقله تمسکا بالعمومات الدالة علی صحة العقود و نفوذها

ص:49

دعوی جزافیة،فإن تلک العمومات ناظرة إلی بیان الحکم الوضعی:و هو إمضاء المعاملات العرفیة:أعنی بها ما یکون مورد المعاملة فیها قابلا للانتقال إلی غیره.و مع الشک فی ذلک کان التمسک بتلک العمومات تمسکا بها فی الشبهة المصداقیة.و قد ثبت فی محله عدم جواز التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.

و إلی هنا وقف القلم فی مبحث الحق و الحکم.و اللّه ولی التوفیق،و علیه التوکل،و به الاعتصام.

مفهوم الإنشاء و تعریفه

قوله:(فالأولی تعریفه بأنه إنشاء تملیک عین بمال). أقول:إن واقع الإنشاء المقابل للاخبار و إن کان من الأمور الواضحة التی یعرفها الصبیان و المجانین حسب مرتکزاتهم فضلا عن البالغین،إلا أنه وقع الکلام فی حقیقته و فیما به یمتاز عن الأخبار،فالمعروف بین العلماء:أن الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ.

و لکن هذا التعریف مزیف،لأنا ذکرنا فی مبحث المشتقات من مدخل علم الأصول:أن المراد من إیجاد المعنی باللفظ إما إیجاد خارجی،أو إیجاد اعتباری:

أما الإیجاد الخارجی فهو ضروری البطلان،بداهة أن الموجودات الخارجیة برمتها مستندة إلی عللها الخاصة،و أسبابها المعینة،و مقدماتها الإعدادیة،و من الواضح الذی لا ریب فیه أن اللفظ أجنبی عنها.

نعم قد یکون بعض الألفاظ من مبادئ الوجود الخارجی،کالکلام العنیف المؤثر فی اصفرار وجه الوجل.إلا أن هذا غریب عن إیجاد المعنی باللفظ فی نظام الوجود.کما یبعد عن إیجاد المعنی باللفظ ما هو المعروف بین أهل المعقول من أن اللفظ وجود للمعنی فی عالم اللفظ.و وجه البعد:أن ذلک لا یختص بالجمل الإنشائیة.بل یعم الجمل الخبریة و المفردات أیضا.

ص:50

و أما الإیجاد الاعتباری فإن کان المراد به وجوده فی نفس المتکلم فهو واضح الفساد،فان الاعتبار النفسانی من أفعال النفس،و من المعلوم أن أفعال النفس توجد فیها بفاعلیتها بلا احتیاج الی عالم الألفاظ أصلا و رأسا.

و إن کان المراد من الإیجاد الاعتباری وجود المعنی فی اعتبار العقلاء فیتوجه علیه أن الإنشاء و إن کان موضوعا لاعتبار العقلاء.إلا أن هذا الاعتبار مترتب علی تحقق الإنشاء فی الخارج.و کلامنا فی تصویر حقیقته،سواء أ کان ذلک موردا لاعتبار العقلاء أو الشرع،أم لم یکن.

و علی الجملة:إنا لا نعقل معنی محصلا لتعریف الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ،سواء فی ذلک الإیجاد الاعتباری و الإیجاد الخارجی.

و التحقیق:أن الإنشاء إبراز الاعتبار النفسانی بمبرز خارجی.کما أن الخبر إبراز قصد الحکایة عن الثبوت أو السلب بالمظهر الخارجی.

و السر فی ذلک أنا ذکرنا فی مبحث الوضع من مدخل علم الأصول:أن حقیقة الوضع هی التعهد و الالتزام النفسی بجعل لفظ خاص،أو هیئة خاصة مبرزا لقصد تفهیم أمر تعلق غرض المتکلم بتفهیمه.و من البدیهی أن هذا المعنی أمر اختیاری لکل من التزم بذلک و تعهد به.و الارتباط الحاصل بین الدال و المدلول أمر قهری و منتزع من الالتزام المذکور.

و لا یخفی علی الفطن العارف أن هذا المعنی للوضع موافق للوجدان و الذوق السلیم،و الارتکاز العقلائی،و الفهم العرفی،و المعنی اللغوی،بدیهة أن الوضع فی اللغة بمعنی الجعل و الإقرار و الإثبات و ما یراد منها من ألفاظ أیة لغة کانت.و علیه فالتزام المتکلم بابراز مقاصده-عند التفهیم-بالألفاظ الخاصة نوع من الوضع.و من هنا یطلق الواضع علی مقنن القوانین فی المحاکم العرفیة.

و علی هذا النهج فکل من تعهد بابراز مقاصده بالألفاظ المتداولة بین أهل اللسان

ص:51

لتفهیم أمر تعلق به غرضه-فهو واضع حقیقة.نهایة الأمر أن إطلاق الواضع علی الجاعل الأول إنما هو لسبق زمانه،و قدم عهده.و لا فارق فیما ذکرناه بین الجمل الخبریة و الجمل الإنشائیة،و غیرهما من الألفاظ المفردة و المرکبة التی هی من الامارات الجعلیة.

نعم تفترق الجمل الإنشائیة عن الجمل الخبریة بأن الجمل الإنشائیة إنما وضعت بهیئاتها الإنشائیة لابراز أمر ما من الأمور النفسانیة:و هذا الأمر النفسانی قد یکون اعتبارا من الاعتبارات،کما فی الأمر و النهی و العقود و الإیقاعات.و قد یکون صفة من الصفات،کما فی التمنی و الترجی.و لأجل ذلک أن الجمل الإنشائیة لا تتصف بالصدق تارة و بالکذب أخری.إذ لیس فی مواردها خارج تطابقه النسبة الکلامیة،أو لا تطابقه.

و هذا بخلاف الجمل الخبریة،فإنها موضوعة لابراز قصد الحکایة عن الثبوت أو السلب.و علیه فالهیئات الترکیبیة للجمل الخبریة أمارة علی قصد المتکلم للحکایة عن النسبة،و هذه الحکایة قد تطابق الواقع فتکون الجملة صادقة،و قد تخالفه فتکون کاذبة.و قد اتضح لک مما ذکرناه أن المتصف بدء بالصدق و الکذب-فی الجمل الخبریة-إنما هو الحکایة عن الواقع.و أما اتصاف الجملة الخبریة بهما إنما هو من قبیل وصف الشیء بحال متعلقة.

و المتحصل مما بیناه أن استعمال اللفظ فی المعنی لیس إلا إظهار المقاصد النفسانیة بمبرز خارجی سواء فی ذلک الجمل و غیرها.و إذن فالإنشاء من مصادیق استعمال اللفظ فی المعنی بلا ارتباط له بإیجاد المعنی باللفظ.

حقیقة البیع و تعریفه

لا یخفی علی الناقد البصیر أن البیع لیس إنشاء ساذجا-و إن علم عدم تحقق الاعتبار النفسانی-و إلا لصدق مفهوم البیع علی بیع الهازل و الساهی و النائم و السکران و أمثالهم،و لا أنه صرف الاعتبار النفسانی-و إن لم یقترن به المظهر الخارجی-

ص:52

و إلا لصدق مفهوم البیع علی الاعتبار النفسانی المحض من دون إبرازه بمبرز خارجی.

و هو باطل بالضرورة.

بل حقیقة البیع هی الاعتبار النفسانی المظهر بمظهر خارجی،سواء أ کان ذلک ممضی للشارع أو للعقلاء أم لم یکن کذلک.و علیه فإذا اعتبر أحد تبدیل ماله بمال غیره فی أفق نفسه،ثم أظهر ذلک بمبرز خارجی صدق علیه مفهوم البیع جزما.و کذلک الحال فی سائر الأمور الإنشائیة من العقود و الإیقاعات،و الأوامر و النواهی،فإن معنی الأمر-مثلا-لیس إنشاء خالصا،و لا اعتبارا ساذجا.بل هو الاعتبار النفسانی المظهر بمبرز خارجی.

و إذا اطلعت علی ما ذکرناه فی معنی الإنشاء،و لاحظت ما بیناه فی معنی المبادلة (1)جاز لک تعریف البیع بأنه إنشاء تبدیل شیء من الأعیان بعوض فی جهة الإضافة.و لا یتوجه علیه لزوم أخذ الإنشاء فی المنشأ.کما سجله المصنف علی ما ذکره المحقق الثانی من أن البیع نقل العین بالصیغة المخصوصة.و ذلک لأن هذه المناقشة واضحة الدفع نقضا و حلا،و سیأتی قریبا.

قوله:(ثم الظاهر أن لفظ البیع لیس له حقیقة شرعیة،و لا متشرعیة بل هو باق علی معناه العرفی). أقول:قد عرف الفقهاء البیع بتعاریف شتی غیر ما ذکرناه:

1-ما ذکره الشیخ فی المبسوط،و العلامة فی التذکرة من أن البیع انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوض مقدر علی وجه التراضی.و رماه المصنف الی التسامح الواضح،و لم یبین سره.و لعل الوجه فیه أن الانتقال أثر للبیع،فلا یسوغ تعریف الشیء بأثره.إلا علی سبیل العنایة و المجاز.

و أضف إلی ذلک أن البیع أمر قائم بالبائع،کالتملیک و التبدیل.و الانتقال

ص:53


1- 1) قد عرفت ذلک مفصلا فی ص 22.

صفة للعوضین،فلا وجه لتعریف البعض بذلک.نعم لا بأس بتوصیفه بالانتقال مجازا، لأن ذلک من قبیل توصیف الشیء بحال متعلقة[1].

2-ما أشتهر بین الفقهاء من أن البیع هو الإیجاب و القبول الدالین علی الانتقال.

و ناقش فیه المصنف(ره)بأن البیع من مقولة المعنی دون اللفظ،فلا وجه لتفسیره به.علی أن البیع ینشأ باللفظ.و لا معنی لإنشاء الإیجاب و القبول باللفظ.و لکن هذه المناقشة متوجهة إلی تعریف المصنف أیضا،لأنه أخذ الإنشاء فی تعریف البیع.

و سیأتی قریبا.قیل:

إن اللفظ سبب و البیع مسبب.فیستحیل تعریف المسبب بسببه.

و یرد علیه:أن البیع لیس من الأمور التولیدیة لکی یتسبب إلیه بالألفاظ، و یضاف إلیه أن من عرف البیع بالتعریف المذکور فقد التزم بکونه اسما للسبب دون المسبب.

3-ما حکی عن المحقق الکرکی فی جامع المقاصد من أن البیع نقل العین بالصیغة المخصوصة.

و ناقش فیه المصنف،و حاصل مناقشته:أنه إن کان غرض المحقق الثانی من هذا التعریف ان البیع نقل العین المنشأ بالصیغة المخصوصة فیرد علیه:أن النقل بنفسه و إن کان أمرا یمکن إنشاؤه بالصیغة.إلا أن النقل مقیدا بکونه منشأ بالصیغة غیر قابل لتعلق الإنشاء به.و هو ظاهر.

و إن کان غرضه من ذلک أن البیع نفس النقل الخاص المرادف للبیع،و جعله

ص:54

مدلول الصیغة إشارة إلی تعیین ذلک الفرد من النقل الذی تکون الصیغة سببا له.لا أن یکون التقیید مأخوذا فی مفهوم البیع لکی یکون مدلول بعت نقلت بالصیغة،و إن کان غرضه هذا فإن أراد من الصیغة خصوص کلمة بعت فقد لزم منه الدور،إذ الغرض من التعریف معرفة مادة بعت،فلا یمکن تعریف تلک المادة بما یشمل علیها.و إن أراد من الصیغة ما هو الأعم من کلمة بعت وجب الاقتصار علی مجرد النقل و التملیک.و الجواب عن ذلک:

أن لفظ البیع-علی ما تقدم بیانه قریبا-لم یوضع للاعتبار النفسانی الصرف:

أعنی به اعتبار التبدیل بین المالین.کما أنه لم یوضع لمجرد الإنشاء من دون أن یکون هناک اعتبار نفسانی.بل هو موضوع للاعتبار المبرز فی الخارج بمبرز ما.و هذا المعنی کما یمکن أن یتحقق بغیر صیغة بعت من الألفاظ الکاشفة عن اعتبار التبدیل بین العوض و المعوض.کذلک یمکن أن یتحقق بصیغة بعت.

و هذا نظیر لفظ الاذن و الإجازة و غیرهما مما وضع لابراز الرضا النفسی بمبرز ما، فإنه کما یمکن إبراز الرضا بلفظ آخر ینطبق علیه مفهوم الاذن.کذلک یمکن إبرازه بلفظ الإذن أیضا.فإذا قال:أذنت لک فی أن تفعل کذا فقد أبرز رضاه بهذه اللفظة، و یکون ذلک مصداقا للإذن فی الخارج.

و علی الجملة:لا مانع من أن یکون البیع اسما للنقل بالصیغة المخصوصة.و معه فکما یمکن إنشاء البیع بسائر الصیغ کذلک یمکن إنشاؤه أیضا بصیغة بعت.و لا یفرق فی ذلک بین القول:بأن الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ-کما هو المشهور-و بین القول:

بأنه إظهار ما فی النفس من الاعتبار،کما هو المختار عندنا.

و یضاف إلی ذلک:أن ما وجهه المصنف علی المحقق الثانی یتوجه علی تعریفه حذو النعل بالنعل،و القذة بالقذة،لأن المصنف(ره)قد عرف البیع-و سیأتی- بأنه إنشاء تملیک عین بمال و من الواضح أن إنشاء التملیک لیس إلا إنشاء البیع بالصیغة المخصوصة.

نعم یتوجه علی التعریف المزبور أمران،و قد تعرض لهما المصنف

ص:55

1-أن لفظ النقل لیس مرادفا للبیع.بل هو من الکنایات.و قد ثبت فی محله أنه لا یجوز استعمال الألفاظ الکنائیة فی التعاریف.

2-أن التعریف المذکور غیر جامع لأفراد المحدود،بداهة أن المعاطاة بیع عند المحقق الثانی،مع أنها لم تنشأ بالصیغة أصلا فضلا عن الصیغة المخصوصة.

4-ما حکی عن الحلبی من أن البیع عقد یقتضی استحقاق التصرف فی المبیع و الثمن.و یرد علیه وجوه:

1-أن العقد مرکب من الإیجاب و القبول.و إذن فیتوجه علی هذا التعریف ما یتوجه علی تعریف البیع بالإیجاب و القبول 2-أن هذا التعریف لا یشمل البیع الفاسد،لأنه لا یقتضی استحقاق التصرف فی العوضین.مع أنه بیع جزما.و علیه فلا یکون جامعا لأفراد المحدود.

3-أن التعریف المذکور مشتمل علی الدور،لمکان ذکر المبیع فیه،بداهة أن الغرض منه معرفة مادة بعت.و من الواضح أن ذکر ما یقتطف منها فی تعریفها دور واضح 5-ما ذکره المصنف من أن البیع إنشاء تملیک عین بمال.و یتوجه علیه وجوه:

1-أن لفظ العین یشمل الأعیان المتمولة و غیرها.مع أنه(ره)اعتبر المالیة فی العوضین.فلا یکون تعریفه هذا مانعا عن دخول الأغیار فی المحدود.

2-أنه لو کان البیع إنشاء تملیک عین بمال لزم منه أن یکون التبدیل فیه فی الإضافة الملکیة فقط.و قد عرفت خلاف ذلک فیما تقدم (1)و قلنا:إن البیع تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة.لا فی الإضافة الملکیة و لا فی الإضافة المالیة.

3-أنه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی الثمن.و إنما المناط فی تحقق مفهوم البیع صدق عنوان المعاوضة علیه.و قد مرّ تفصیل ذلک فیما سبق (2)کما اتضح لک ان الصحیح هو ما ذکرناه فی تعریف البیع من أنه إنشاء تبدیل عین بعوض فی جهة الإضافة.

ص:56


1- 1) ص 23.
2- 2) ص 24.

أوهام حول تعریف البیع

اشارة

قوله:(و لا یلزم علیه شیء مما تقدم.نعم یبقی علیه أمور) أقول:بعد ما عرف المصنف البیع بإنشاء تملیک عین بمال تصدی لذکر جملة من النقوض المتوجهة علی التعریف المزبور.و الجواب عنها.و یحسن بنا التعرض لتلک النقوض و أجوبتها تأسیا له(ره).

منها:

1-أن تعریف البیع بإنشاء تملیک عین بمال موقوف علی جواز الإیجاب

بلفظ ملکت.و إلا لم یکن التملیک مرادفا للبیع.

و قد أجاب عنه المصنف بصحة الإیجاب بلفظ ملکت،لأن التملیک بالعوض لیس معنی آخر غیر البیع.و قد صرّح بذلک أیضا فی البحث عن ألفاظ العقود.و سیأتی.

و التحقیق:أنه لا ریب فی جواز إنشاء البیع بلفظ ملکت.و لکن هذا بعید عن قضیة مرادفة التملیک للبیع.ضرورة أنه ربما یتحقق مفهوم البیع و لا یکون هناک تملیک أصلا.و مثال ذلک:أنه إذا أوصی أحد بصرف ماله فی سبیل اللّه،و نص علی عدم صیرورته ملکا لأحد،فإنه إذا بیع المال المزبور-لکی یصرف ثمنه فی قربات اللّه- لم یقع التبدیل بین العوضین فی الإضافة الملکیة.بل فی إضافة أخری غیرها (1).

و أضف إلی ذلک أن الإنشاء بصیغة ملکت إنما یصح فیما إذا کان المشتری أصیلا.و أما إذا کان فضولیا،أو أحد الأولیاء من قبل الأشخاص المحجورین فإنه لا یصح خطابه بلفظ ملکتک.بل لا بد حینئذ من إنشاء البیع بلفظ آخر غیر لفظ ملکت.

و من النقوض.

2 أنه إذا کان البیع إنشاء تملیک عین بمال لم یشمل ذلک بیع الدین ممن

هو علیه،إذ الإنسان لا یملک مالا علی نفسه.

ص:57


1- 1) قد تقدم تفصیل ذلک فی ص 23.

و أجاب عنه المصنف بوجهین.و حاصل الوجه الأول:أنه یمکن أن یتملک الإنسان مالا علی نفسه.و تکون نتیجته سقوط ذلک المال عن ذمته.و نظیر ذلک:

أن یکون أحد مدیونا لغیره دینارا و اشتری الدائن متاعا من المدیون بدینار کلی فی الذمة فإن الدینارین یسقطان بالتهاتر.

و حاصل الوجه الثانی:أنه إذا لم یعقل تملک الإنسان لما فی ذمته لم یعقل بیعه أیضا،إذ لیس للبیع لغة و عرفا معنی غیر المبادلة و النقل و التملیک،و ما یساویها من الألفاظ سواء أ کانت من اللغة العربیة أم کانت من غیرها و من هذه الناحیة قال فخر المحققین:(إن معنی بعت فی لغة العرب ملکت غیری،فإذا لم یعقل ملکیة ما فی ذمة نفسه لم یعقل شیء مما یساویها فلا یعقل البیع).

و التحقیق:أنه لا بأس بما ذکره فی الوجه الثانی.و أما الوجه الأول فیرد علیه أنه إذا صح ملک الإنسان لما فی ذمته حدوثا صح ذلک بقاء أیضا،بدیهة أن الموانع العقلیة لا یفرق فیها بین الحدوث و البقاء.إلا إذا کان المانع عن البقاء هو الحکم الشرعی،کما فی شراء العمودین فإنه حینئذ لا بأس من الالتزام بالملکیة الآنیة حدوثا لا بقاء.و لکن هذا فیما إذا کان ملک الإنسان لما فی ذمته بالملکیة الاعتباریة لا بالملکیة الذاتیة.

و قد عرفت ذلک سابقا فی البحث عن أقسام الحقوق و ستعرفه قریبا عند الجواب عن النقض[1].

ص:58

و التحقیق:أن مالکیة الإنسان لذمته أمر ذاتی تکوینی من غیر أن یحتاج إلی الثبوت الاعتباری،بدیهة أن الثبوت الاعتباری إنما یصح فیما إذا لم یکن هناک ثبوت تکوینی حقیقی.و إلا لکان الاعتبار لغوا محضا،و تحصیلا للحاصل.

و علیه فإذا ملک شخص شیئا فی ذمة غیره فقد ملکه بالملکیة الاعتباریة.و إذا انتقل ذلک المملوک إلی المملوک علیه تبدلت الملکیة الاعتباریة بالملکیة الذاتیة التکوینیة، لما عرفته من لغویة الثبوت الاعتباری فی موارد الثبوت الحقیقی.و إذن فلا مجال

ص:59

للمناقشة فی بیع الدین ممن هو علیه باستحالة ملک الإنسان لما فی ذمته.کما لا مجال لتوهم سقوط ذلک بعد التملک.بل یوجب البیع تبدل الإضافة الاعتباریة بالإضافة الذاتیة.فالحجر الاساسی للمناقشة فی بیع الدین ممن هو علیه إنما هو خلط الملکیة الذاتیة بالملکیة الاعتباریة.و قد علمت الفارق بینهما.

و من النقوض:

3-أن تعریف البیع بإنشاء التملیک إلخ یشمل التملیک بالمعاطاة.

مع أن المشهور بین الأصحاب أن المعاطاة لیست ببیع.بل ادعی بعضهم الإجماع علی ذلک.و إذن فینتقض ذلک التعریف بالمعاطاة.

و یرد علیه:أن المعاطاة بیع حقیقة لغة و عرفا.و أن غرض النافین إنما هو نفی الصحة أو اللزوم عن البیع المعاطاتی.و الذی یوضح ذلک أنه لا وجه لدعوی الإجماع علی عدم کونها بیعا.لأن صدق مفهوم البیع علیها أمر عرفی و لا معنی لقیام الإجماع التعبدی علی أمثال ذلک.و إنما مورد الإجماع التعبدی هو المسألة الشرعیة و یضاف إلی ذلک أن جما غفیرا من أکابر الفقهاء ذهبوا إلی ان المعاطاة بیع صحیح.بل جملة من المحققین ذهبوا إلی کونها بیعا لازما.و مع ذلک کیف یمکن دعوی الإجماع علی عدم کونه بیعا

و من النقوض.

4-انه إذا کان البیع إنشاء تملیک عین بمال انتقض منعه بالشراء،

فإن المشتری بقبوله للبیع یملک ماله بعوض المبیع.

و أجاب عنه المصنف و إلیک نصه (و فیه ان التملیک فیه ضمنی و انما حقیقته التملک بعوض.و به یظهر اندفاع الإیراد بانتقاضه بمستأجر العین بعین حیث ان الاستئجار یتضمن تملیک العین بمال:أعنی المنفعة.

و لکنا لم نفهم معنی محصلا للتملیک الضمنی إذ یرد علیه أولا انه ان کان مراده من التملیک الضمنی التملیک التبعی:(بمعنی ان البائع یملک ماله للمشتری أولا و یملک المشتری ماله للبائع ثانیا)فیرد علیه:ان لازم ذلک ان ینعکس الأمر فیما إذا

ص:60

تقدم القبول علی الإیجاب:بأن یکون التملیک من ناحیة المشتری أولا،و البیع من ناحیة البائع ثانیا.

و ان کان مراده من التملیک الضمنی:ان ألفاظ الإیجاب و القبول انما تدل بالدلالة المطابقیة علی تملیک المشتری ماله للبائع،سواء فی ذلک تقدم القبول علی الإیجاب و عدمه،ان کان مراده هذا فیرد علیه:ان هذا یرجع الی جهة الدلالة،و مقام الإثبات.فلا یوجب فرقا بین التملیکین لبا،و فی مقام الثبوت،بداهة ان البیع تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة.و من الضروری أنه یستحیل تحقق التبدیل بین شیئین الا ان ینتقل کل منهما الی محل الآخر فی آن واحد،و فی مرتبة واحدة.و علیه فلا یعقل وجود التملیک من ناحیة البائع إلا فی آن وجود التملیک من ناحیة المشتری.

و بتعبیر آخر:أن البائع إنما ینشئ التبدیل بین الثمن و المثمن فی جهة الإضافة فی مرتبة واحدة.نعم یشترط رضا المشتری و قبوله لفعل البائع فی تحقق عنوان التبدیل،و نتیجة ذلک:أن التملیکین(تملیک البائع و تملیک المشتری)یتحققان فی مرتبة واحدة.و إذن فلا أصالة و لا تبعیة فی المقام.

و أضف إلی ذلک:أنا سلمنا کون التملیک من ناحیة البائع أصلیا استقلالیا، و من ناحیة المشتری ضمنیا تبعیا.الا أن إطلاق التعریف شامل لکلا التملیکین و اذن فلا وجه لصرفه عن الثانی،و حصره فی الأول.قیل:

ان مفهوم البیع یوجد بالإیجاب الساذج،و یتحقق به التملیک و التملک فی عالم الاعتبار.و علیه فلا یبقی مجال لتملیک المشتری لکی ینتقض به تعریف البیع.و اذن فلا شأن للمشتری الا قبول الإیجاب من البائع و نسبة فعله الی نفسه فتکون منزلة القبول فی البیع منزلة الإمضاء فی المعاملات الفضولیة و فیه أن قبول الإیجاب و ان کان شرطا فی البیع،لا جزء مقوما له الا أن شروط البیع علی ثلاثة أقسام

ص:61

1-أن یکون شرطا لإمضاء الشارع.

2-أن یکون شرطا لإمضاء العقلاء.

3-أن یکون شرطا لأصل الاعتبار:بأن یدور علیه مفهوم البیع وجودا و عدما.و من الواضح أن تعقب الإیجاب بالقبول من القبیل الثالث.بداهة انتفاء حقیقة البیع بانتفاء القبول.فکما ان التملیک و التملک یستندان إلی البائع کذلک یستندان إلی المشتری.

و من النقوض:

5-أنه إذا کان البیع إنشاء تملیک عین بمال انتقض طرده بالصلح علی

تملک عین بمال

و یتوجه علیه وجوه:

1-أن مفهوم الصلح هو التسالم،و یعبر عنه فی لغة الفارس بلفظ(سازش و سازکاری)و علیه فالمدلول المطابقی لکلمة الصلح انما هو إنشاء التسالم علی أمر معلوم.

و من الظاهر أن هذا العنوان یغایر عناوین سائر العقود،إذ المنشأ فیها(أولا و بالذات)عنوان آخر غیر عنوان التسالم،بدیهة ان کل معاملة و ان کانت لا تصدر الا عن تسالم بین الطرفین علی تلک المعاملة.لکنه غیر عقد الصلح الذی یکون المنشأ فیه نفس هذا العنوان.فکم فرق بین إنشاء الصلح،و بین معاملة وقع التسالم علیها من الطرفین.

نعم ان نتیجة إنشاء الصلح بعقده قد تکون تملیک عین بعوض،فتتحد مع نتیجة البیع.و قد تکون تملیک عین مجانا فتتحد مع نتیجة الهبة.و قد تکون تملیک منفعة بعوض فتتحد مع نتیجة الإجارة.و قد تکون تملیک منفعة مجانا،فتتحد مع نتیجة العاریة.و قد تکون نتیجة الصلح غیر ذلک من الأمور:کما إذا کان الصلح علی حق غیر قابل للبیع،أو علی إسقاط لحق الدعوی.و علی کل حال لا یکون الصلح مصداقا للبیع،و لا لغیره من العقود.

و مما یدل علی مغایرة البیع و الصلح مفهوما هو أن الصلح-کما عرفته قریبا-

ص:62

التسالم.و من الواضح أن مفهوم التسالم یستحیل تعلقه بالأعیان.بل لا بد و أن یتعلق ذلک إما بالفعل-کالإسقاط و العفو و التملیک و أشباهها-أو بالحکم الوضعی کالملکیة و نحوها.بخلاف البیع،فإنه تبدیل شیء من الأعیان بعوض (1).

و من هنا أن الصلح یتعدی إلی متعلقة بلفظ(عن أو علی)فیقال:صالحتک عما علم بما علم.أو یقال:صالحتک علی أن یکون هذا لک و ذلک لی.بخلاف البیع، فإنه یتعدی إلی متعلقة بنفسه،فیقال:بعتک المتاع الفلانی بکذا.فیستوضح من ذلک:أن مفهوم أحدهما غیر مفهوم الآخر.

و علی الجملة:إن مفهوم التسالم و إن صدق علی جمیع العقود حتی النکاح، إلا أن المنشأ فی کل عقد بدء غیر ما هو المنشأ فی الصلح.و إذن فلا سبیل إلی انتقاض تعریف البیع بالصلح،لأنهما متغایران مفهوما[1]

ص:63


1- 1) قد تقدم تفصیل ذلک فی ص 23.

و من النقوض:6-أنه إذا کان البیع تملیک عین بمال انتقض طرده بالهبة المعوضة.

و التحقیق:أن الهبة علی ثلاثة أقسام:

1-أن تکون مجانیا من غیر أن تقابل بالعوض سواء أ کان ذلک بالاشتراط أم بإرادة المتهب.

2-أن لا یشترط الواهب عوضا فی هبته إلا أن المتهب یعطی العوض من تلقاء نفسه قضیة لمقابلة الإحسان بالإحسان.

3-أن یشترط الواهب عوضا فی هبته بأن یهب شیئا للمتهب و یشترط علیه فعلا من الافعال.و یسمی هذا هبة معوضة.و قد توهم انتقاض تعریف البیع بذلک.

و یتوجه علیه ما ذکره المصنف و توضیحه:أن حقیقة الهبة متقومة بتملیک الواهب ماله للمتهب تملیکا مجانیا من دون أن یعتبر العوض فی ماهیتها.نهایة الأمر أنه قد یشترط فیها العوض،فتسمّی هبة معوضة.و من الظاهر أن اشتراط العوض فیها لا یخرجها عن حقیقتها،إذ الشرط لیس عوضا للتملیک،و لا بدلا عن المال الموهوب بل شأن العوض المشروط فی الهبة شأن سائر الشروط المشروطة فی بقیة العقود.

و الشاهد علی صدق مقالنا:أنه لو تخلف المتهب عن العمل بالشرط لم تبطل الهبة.بل یثبت للواهب خیار تخلف الشرط.

و یتضح ما ذکرناه وضوحا حلیا بملاحظة التعویض غیر المشروط فی ضمن الهبة الأولی الصادرة من الواهب،بداهة أن التعویض الصادر من المتهب هبة أخری غیر دخلیة فی حقیقة الهبة الأولی الصادرة من الواهب.فیستکشف من ذلک أن حقیقة الهبة متقومة بالتملیک المجانی و هذا بخلاف البیع،فإنه متقوم باعتبار التبدیل بین العوض

ص:64

و المعوض،و إظهاره بمبرز خارجی.و علیه فیستحیل تحقق مفهوم البیع بتملیک البائع فقط،أو بتملیک المشتری فقط[1].

ص:65

ثم إنه ذکر السید فی حاشیته قسمین آخرین للهبة غیر ما تقدم:

1-أن تقع الهبة فی مقابل الهبة،کما إذا قال الواهب:

ملکتک کذا بهبتک کذا،و یقصد بذلک وقوع الهبة بإزاء الهبة:بأن تکون کلمة(الباء)متعلقة بالتملیک بلحاظ نفسه لا بلحاظ متعلقة و الفارق بین هذا القسم،و بین ما یشترط فیه العوض:أنه إذا لم یهب المتهب هنا بطلت الهبة الأولی،إذ المفروض أن کلا من التملیکین وقع فی مقابل الآخر.و من الظاهر أن مقتضی المقابلة هو انتفاء کل منهما بانتفاء الآخر.بخلافه هناک،فإن مخالفة الشرط فیه یوجب الخیار فقط.

و أما الفارق بینه و بین البیع فإن المقابلة هنا بین الفعلین.بخلاف البیع فإن المقابلة فیه بین العوضین.

2-أن تقع المقابلة بین المال و الهبة:بأن یقول الواهب ملکتک کذا بمقابل ما أعطیتنی.نظیر أن یقول:أکرمتک بعوض ما أعطیتنی.و یقصد فی هذا القسم وقوع المال بإزاء الهبة:بأن تکون کلمة(الباء)متعلقة بالتملیک بلحاظ نفسه أیضا.

و السر فی أن هذا القسم من أقسام الهبة دون البیع:أن العوض فیه لم یقابل بالعین لکی یکون ذلک من أفراد البیع،بل فی مقابل الفعل و هو التملیک.و أما المال فهو مجانی صرف و لم یقع بإزائه شیء.

ص:66

و التحقیق:أنا لا نعقل مقابلة الهبة بالهبة أو بالمال مقابلة معاوضیة بصیغة وهبته،لأن هذه الصیغة إنما تکفلت بإنشاء تملیک متعلقها(العین الموهوبة)للمتهب و مع ذلک یستحیل أن یتکفل بإنشاء تملیک نفسها له إلا بإنشاء آخر بأن یقول:

ملکتک هبتی لک کذا بهبتک إیای کذا.

و علیه فیکون کل من المتعاملین مالکا لعمل الآخر:أعنی به الهبة المذکورة فی العقد.

و من النقوض:

7-أنه إذا کان البیع إنشاء تملیک عین بمال انتقض طرده بالقرض،

لأنه أیضا إنشاء تملیک عین بمال.

و أجاب عنه المصنف: (بأن مفهومه لیس نفس المعاوضة بل هو تملیک علی وجه ضمان المثل أو القیمة،لا معاوضة للعین بهما).

و ناقش فیه المحقق الایروانی و إلیک نصه«فإما هو مجرد تغییر للعبارة مع، کون واقعه هو المعاوضة،أو هو غیر معقول،فان التملیک علی وجه ضمان المثل أو القیمة إن کان بمعنی المقابلة علی أن یکون تملیکا بإزاء عوض فی الذمة فذلک هو الأول، فإنه تملیک بعوض فی الذمة.و إن کان لا بمعنی المقابلة.بل کان التملیک مجانیا و قد اشترط فی تملیکه أن تکون الذمة مشغولة بحکم الشارع،کما تکون مشغولة فی موارد الضمانات فذلک هو الثانی).

و لکن هذه المناقشة غریبة عن مقصود المصنف،فان غرضه-علی ما یظهر من مبحث ضمان العین بالمثل أو القیمة و سیأتی-أن الإنسان إذا وضع یده علی مال غیره ضمنه لمالکه بجمیع خصوصیاته النوعیة و الصنفیة و الشخصیة-سواء أ کانت تلک الخصوصیات دخیلة فی المالیة أم لا-بدیهة أن الثابت فی ذمة الضامن ابتداء إنما هو نفس العین.فیجب ردها إلی مالکها لقاعدة ضمان الید.و إذا تلفت العین وجب مثلها

ص:67

علی الضامن،لأنه أقرب إلی التالف و إن لم یوجد مثلها وجب علیه أداء قیمتها، لاحتوائها علی جمیع ما هو دخیل فی مالیة العین.

و علی هذا الضو.فمعنی القرض هو تملیک المقرض ماله للمقترض علی وجه ضمان المثل.و حینئذ فیملک الدائن علی المدیون أمرا کلیا منطبقا علی کل فرد من الأفراد الخارجیة المساویة لما أخذه من القرض فی الخصوصیات النوعیة و الصنفیة الدخیلة فی المالیة.و أما الخصوصیات الشخصیة غیر الدخیلة فی المالیة فهی لا تدخل تحت الضمان لأن الإنسان إنما یستقرض شیئا لدفع حاجته به.فلزوم إبقائه علی حاله نقض للغرض و علیه فلیس للمقرض ان یجبر المقترض علی رد العین المأخوذة قرضا تمسکا بدلیل ضمان الید،بداهة ان قاعدة ضمان الید لا تجری فی المقام،إذ المفروض ان ید المقترض لم تتعلق بمال غیره.و أما الضمان بالاقدام فلا یترتب علیه أزید مما ثبت فیه التعهد.و قد عرفت قریبا:أن العهدة لم تثبت-فی باب القرض-إلا بالنسبة إلی مالیة العین المأخوذة قرضا،لا بالنسبة إلی خصوصیاتها الشخصیة.فیستوضح من ذلک أن القرض خارج عن حدود البیع.

و یتضح ما ذکرناه جلیا بقیاس القرض بالغصب،إذ لا فارق بینهما إلا من ناحیة أن المغصوب یضمن علی الغاصب بجمیع خصوصیاته النوعیة و الصنفیة و الشخصیة و هذا بخلاف القرض فان المال المأخوذ قرضا غیر مضمون بالخصوصیات الشخصیة کما عرفته قریبا.و علی هذا فکما لا یتوهم انتقاض تعریف البیع بالغصب،کذلک لا یتوهم انتقاضه بالقرض أیضا.و هذا واضح لا ریب فیه.

ثم إن المصنف قد استشهد علی خروج القرض عن مفهوم البیع بأمور عدیدة.

1-أنه لو کان القرض من أفراد البیع لجری فیه رباء المعاوضة مع أنه لا یجری فیه.

ص:68

و أوضحه السید فی حاشیته بما هذا نصه(لا یشترط فی تحقق الربا فیه (القرض)ما یعتبر فی تحققه فی سائر المعاوضات من اعتبار کون العوضین من جنس واحد،و اشتراط کونهما من المکیل و الموزون.بل یحرم فیه الزیادة مطلقا و إن لم یکونا من جنس واحد،کما فی قرض القیمیات،و کذا إن کان معدودا أیضا هذا).

ثم ناقش فی ذلک و إلیک لفظه:(و لکن یمکن أن یمنع دلالة ذلک علی عدم کونه معاوضة و إن کان أصل المطلب حقا،لوضوح أن القرض تملیک بالضمان، لا بعوض.و ذلک لإمکان اختصاص بعض المعاوضات بسعة دائرة الربا فیه لدلیل خاص فتدبر).

و الظاهر:أن المصنف(ره)یرید من قوله:(لا یجری فیه رباء المعاوضة) مطلبا آخر غیر ما فهمه السید منه.و هو:أن اقتراض نقد مسکوک من الذهب أو الفضة،و دفع نقد آخر منهما-حین الأداء-الذی یساوی القرض فی المالیة و إن زاد علیه فی المقدار لا یستلزم الربا و مثال ذلک:أن یقترض أحد من صاحبه ریالا عراقیا و یدفع عن بدله إلی المقرض أربعة دراهم.فان هذه الدراهم و إن کانت مساویة للرایات فی المالیة،و لکنها زائدة علیها فی المقدار.و مع ذلک لا یکون هذا رباء.

إلا إذا استلزم زیادة فی المالیة.و هذا بخلاف المعاملات المعاوضیة فإن شراء الریال الواحد بأربعة دراهم معاملة ربویة قطعا.

و السر فی ذلک ما ذکرناه آنفا من ان معنی الفرض تملیک العین علی وجه ضمان المثل أو القیمة.و من البین ان هذا العنوان أمر کلی قابل الانطباق علی أفراده الخارجیة المساویة للعین المأخوذة قرضا فی المالیة و ان زادت علیها فی القدر.فیستکشف من ذلک ان باب القرض غریب عن باب المعاملات المعاوضیة.و الا لاتحدا فی الآثار.

قوله:(و لا الغرر المنفی فیها). أقول:توضیح کلامه:أنه یجوز اقتراض شیء

ص:69

مع الجهل بمقداره و أوصافه.و من الظاهر انه لو کان القرض من قبیل المعاملات المعاوضیة لاعتبر فیه العلم بالمقدار و الأوصاف،لنهی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر (1)و علیه فلو أخذ المقرض قبضة من الدراهم المصبوبة بین یدیه،و أقرضها لشخص من غیر علم بمقدارها صح القرض.نعم لا بد للمقترض أن یعرف مقدار ذلک لکی یتمکن من الأداء.إلا أنه أجنبی عن حقیقة القرض و من هنا لا بأس باقتراض الطعام بصخرة مجهولة،لإمکان الأداء بتلک الصخرة و إن لم یعلم مقدارها إلی الأبد.

نعم ظاهر جمع من الفقهاء فی باب القرض وجوب العلم بمقدار القرض،و أنه لا یجوز الاقتراض بالکیل و الوزن المجهولین.و لکن ناقش فی ذلک بعض الأعاظم و نقل فیه القول بالجواز عن ظاهر جماعة آخرین بدعوی أن دلیل نفی الغرر مختص بالبیع.غایة الأمر أنه یجوز التعدی منه إلی مطلق المعاملات المعاوضیة،للقطع بعدم الخصوصیة للبیع،إذ المناط فی النهی عن بیع الغرر إنما هو رفع النزاع،و قطع المرافعة.

و من البدیهی أن هذا المناط موجود فی مطلق المعاملات المعاوضیة،و أما القرض فلا دلیل علی اعتبار نفی الغرر فیه،و لا أنه من قبیل المعاملات المعاوضیة.لکی یعتبر فیه نفی الغرر من هذه الناحیة و إذن فلا وجه لاعتبار العلم بمقدار القرض.

و هذه المناقشة فی غایة المتانة.و لکن یحسن بنا أن نقول:إن القرض خارج عن موضوع الغرر حتی مع وجود الدلیل علی نفی الغرر بقول مطلق،لأنا ذکرنا سابقا:أن الثابت فی ذمة المقترض إنما هو مالیة العین المأخوذة قرضا،سواء أ کانت تلک العین معلومة المقدار و الأوصاف،أم کانت مجهولة کذلک.

نعم یعتبر العلم بمقدار القرض مقدمة للأداء.و من الواضح أن ذلک یمکن بعد الاقتراض أیضا.و إذن فما ذکره المصنف من تأیید خروج القرض عن حد البیع متین.

و قد اتضح لک من جمیع ذلک انه لا یعتبر ذکر العوض أیضا فی القرض.

ص:70


1- 1) سنن البیهقی ج 5 ص 338

بحث فی بعض معان البیع

اشارة

قوله:(و یظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله فی معان أخر غیر ما ذکر).

أقول:لعل مراده من البعض هو المحقق صاحب المقابیس.و ذکر السید فی حاشیته:أن (الظاهر انه الشیخ الکبیر الشیخ جعفر فی شرح القواعد).و مراده من غیر ما ذکر غیر ما ذکره هو(ره)و اختاره.و إلا فقد ذکر بعض هذه المعانی فیما تقدم.و إلیک هذه المعانی التی تعرض لها المصنف:

1-الإیجاب المتعقب بالقبول،و إلیه نظر کل من أخذ قید التعقب بالقبول فی تعریف البیع المصطلح،و لعل هذا هو المتبادر من لفظ البیع،و لذا لا یطلق لفظ البائع علی من أوجب البیع فقط من غیر اقترانه بالقبول.

2-الأثر الحاصل من الإیجاب و القبول،و هو الانتقال،و یظهر هذا من المبسوط و غیره.

3-نفس العقد المرکب من الإیجاب و القبول.و إلیه ینظر کل من عرف البیع بالعقد.

المعنی الأول:إنشاء التملیک المتعقب بالقبول.

و قد ناقش فیه المصنف،و حاصل مناقشته:أن الإیجاب المتعقب بالقبول من أفراد البیع.و إنما انصرف إلیه اللفظ لقیام القرینة الخارجیة علی ان المراد من الإیجاب إنما هو الإیجاب المثمر.و من الواضح ان الأثر لا یترتب إلا علی الإیجاب المتعقب بالقبول،دون الإیجاب الساذج.و لو لا هذه القرینة لکان المقصود من لفظ البیع الإیجاب المحض.

ص:71

و أضف الی ذلک أنه لم یقل أحد:أن تعقب الإیجاب بالقبول دخیل فی معنی البیع،و إن التزموا بکونه شرطا للانتقال الخارجی.

و الوجه فی ذلک:أن البیع و ما یساویه فی المعنی من قبیل الإیجاب و الوجوب لا من قبیل الکسر و الانکسار،إذ کما ان الآمر قد یأمر بشیء،و لا یکون ذلک واجبا فی الخارج،کذلک البائع،فإنه قد ینشئ البیع،و هو لا یوجد فی الخارج.

و هذا بخلاف الکسر و الانکسار،فإن أحدهما لا ینفک عن الآخر.و یتوجه علی هذه المناقشة وجوه.

1-ما ذکره السید فی حاشیته.و صفوته:أن کل تملیک إنشائی لیس ببیع بل المراد من البیع هو الإیجاب المتعقب بالقبول علی سبیل الشرط المتأخر.و الدلیل علی ذلک هو التبادر.و صحة السلب.و من هنا لو أخبر أحد عن بیع داره،مع انه لم یتحقق فی الخارج إلا الإیجاب الساذج من دون ان یقبله المشتری لکان کاذبا فی اخباره.کما أنه إذا أخبر عن بیع داره.و أخبر أیضا عن عدم قبول المشتری ذلک کان مناقضا فی کلامه.و هذا بخلاف ما إذا أخبر عن البیع ثم أخبر عن فقدان شرط من شرائط صحته فإنه لا یعد مناقضا فی اخباره،و قد یتوهم ان ذلک من ناحیة الانصراف و لکنه توهم فاسد،إذ لو صح هذا لجری مثله عند فقدان سائر الشرائط أیضا.مع انه لو تحقق البیع بإیجابه و قبوله،و لکن کان فاقدا لبعض شرائط الصحة لصدق علیه مفهوم البیع قطعا.

و أضف الی ذلک:ان البیع من قبیل العقود،و من البین الذی لا ریب فیه انه لو کان الإیجاب الصرف بیعا من دون تعقبه بالقبول للزم منه ان یکون البیع من الإیقاعات،لا من العقود،و هو بدیهی البطلان.

و علی الجملة:إن قوام العقود برمتها بالإیجاب المتعقب بالقبول لانه لا یتحقق

ص:72

أی عقد من العقود بالإیجاب الساذج.سواء أ کان هذا الإیجاب متوجها إلی قابل شاعر،و لکنه لم یقبله،أم کان متوجها إلی جسم غیر شاعر،کالجدار و نحوه.

2-أنه لا وجه صحیح لتفرقة المصنف بین الإیجاب و الوجوب،و بین الکسر و الانکسار،بدیهة أن الفعل الصادر من الفاعل أمر وحدانی لا تعدد فیه بوجه،و إنما التعدد فیه بحسب الاعتبار فقط.کالإیجاد و الوجود،فإنهما شیء واحد.

غایة الأمر أن هذا الشیء الواحد بالنسبة إلی جهة الإصدار یسمی إیجادا،و بالنسبة إلی جهة الصدور یسمی وجودا.و کذا الحال فی التملیک و الملک.و الإیجار و الإجارة.

و الإیجاب و الوجوب.و الکسر و الانکسار.و أشباه ذلک.

و دعوی أن الوجوب ینفک عن الإیجاب.و لکن الکسر لا ینفک عن الانکسار دعوی جزافیة،إذ الإیجاب أیضا لا ینفک عن الوجوب.إلا أن عدم انفکاک أحدهما عن الآخر فی نظر الآمر فقط،لا فی الخارج،و فی جمیع الأنظار.

3-أن البیع (1)إنشاء تبدیل عین بعوض فی جهة الإضافة.و من الظاهر أن هذا المعنی لا یتحقق إلا بتعقب الإنشاء بالقبول.و علیه فلا یوجد مفهوم البیع بالإیجاب إلا عند تعقبه بالقبول بنحو الشرط المتأخر،أو علی سبیل القضیة الحینیة.

و إذن فینحل البیع فی الحقیقة إلی قضیة شرطیة أو حینیة.فمعنی قول البائع بعت المتاع الفلانی من زید:أنه بعته إیاه إن قبله،أو حین قبوله.

و قد یتوهم أن ذلک یرجع إلی التعلیق و هو مبطل للعقود بالضرورة.

و لکن هذا التوهم بدیهی الفساد،لأن بطلان العقود بالتعلیق لیس من ناحیة الاستحالة العقلیة لکی لا یقبل التقیید،أو التخصیص.بل إنما هو من ناحیة الإجماع.

و من الظاهر أن الإجماع دلیل لبی فلا یؤخذ منه إلا بالمقدار المتیقن.و القدر المتیقن هنا ما یکون التعلیق فیه علی الأمور الخارجة عن صمیم العقد و مفهومه.

ص:73


1- 1) قد تقدم ذلک فی ص 53.

و یضاف إلی ذلک أن العقود المتعارفة لا تخلو عن مثل هذا التعلیق.

و المفروض أنها ممضاة للشارع.

فیستوضح من ذلک أن التعلیق المذکور لا یضر بالعقود فی نظر الشارع.

و بتعبیر آخر أن البیع له أربعة أقسام:

1-الإنشاء الساذج من غیر أن ینضم إلیه القبول.و لا شبهة فی أن هذا لا یسمی بیعا حتی فی نظر الموجب فلا یترتب علیه أی أثر من آثار البیع.

2-الإیجاب و القبول من غیر أن یلحق بهما الإمضاء من العرف أو الشرع فان ذلک یسمی بیعا فی نظر کل من الموجب و القابل،و لا یسمی بیعا عند العرف و الشرع.

3-الإیجاب و القبول مع کونهما موردا لإمضاء أهل العرف دون الشرع.

کبیع ما لا یصح بیعه شرعا،نظیر المیتة و الخمر و الخنزیر و أشباهها،فإن هذا یعد بیعا فی نظر المتبایعین و أهل العرف دون الشرع.

4-الإیجاب و القبول مع التحاق الإمضاء من أهل العرف و الشرع بهما.

و لا شک فی أن هذا بیع بالحمل الشائع فی جمیع الانظار.و قد اتضح لک مما بیناه أنه لا یوجد البیع فی أی وعاء من الأوعیة بالإیجاب الخالص.و من هنا لا یطلق البائع علی من أوجب البیع،و لم یتعقب ذلک بالقبول.و کذلک الحال فی سائر العقود برمتها.

قوله:(و کذلک لفظ النقل و الابدال و التملیک و شبهها.مع أنه لم یقل أحد بأن تعقب القبول له دخل فی معناها). أقول:حاصل کلامه:أن شأن البیع شأن النقل و الابدال و التملیک،فکما لا یعتبر فی صدق مفاهیم تلک الکلمات قید التعقب بالقبول کذلک لا یعتبر ذلک أیضا فی صدق مفهوم البیع.

و فیه أنک قد عرفت قریبا:أن اعتبار القبول فی مفهوم البیع أمر واضح.

ص:74

بل هو کالنور علی المنار.و علیه فلا وجه لقیاسه بما لا یعتبر فی مفهومه قید التعقب بالقبول.

و أما النقل فهو موضوع لمفهوم عام:و هو کل ما صدق علیه عنوان النقل، سواء أ کان ذلک نقلا خارجیا کنقل شیء من مکان إلی مکان آخر،أم کان نقلا اعتباریا و من هنا تطلق کلمة الناقلة علی آلة النقل.کالحمولة و السفن و السیارات و الطیارات و غیرها.و من الواضح جدا أنه لا یعتبر قید التعقب بالقبول فی هذا المفهوم الوسیع.و من هنا ظهر لک أنه لا وجه لقیاس البیع بکلمة الإبدال أیضا،ضرورة أن المبادلة أعم من المبادلة الخارجیة،و من المبادلة الاعتباریة.کما أن المبادلة الاعتباریة أعم من البیع و غیره (1).

و أما التملیک فإن النسبة بینه و بین البیع هی العموم من وجه،إذ قد یوجد التملیک و لا یصدق علیه مفهوم البیع،کما فی الهبة،و الوصیة،و الإرث،و تملیک اللّه سبحانه الزکاة للفقراء و الخمس لبنی هاشم،و غیر ذلک.و قد یوجد البیع و لا یکون هناک تملیک.کبیع المتاع بسهم سبیل اللّه من الزکاة فإن هذا بیع و لیس فیه تملیک من ناحیة البائع (2)و قد یجتمعان و هو کثیر.

و إذن فعدم اعتبار قید التعقب بالقبول فی مفهوم کل من النقل و الابدال و التملیک لا یلازم عدم اعتباره فی مفهوم البیع الذی هو أخص من مفاهیم تلک الکلمات مطلقا،أو من وجه.

المعنی الثانی:الأثر الحاصل من الإیجاب و القبول،و هو الانتقال.

و التحقیق أنه إن أرید من الانتقال اعتبار المالکیة بنظر العرف و الشرع فلا شبهة أن ذلک متأخر عن البیع تأخرا رتبیا-و إن أخذ البیع بمعنی المبیعة-لأن نسبة

ص:75


1- 1) تقدم ذلک فی ص 9.
2- 2) تقدم ما یرجع إلی هذا المثال فی ص 23.

البیع إلی الاعتبار المزبور نسبة الموضوع إلی حکمه،و من البدیهی أن الموضوع یتقدم علی حکمه تقدما رتبیا.

و علی هذا فاستعمال کلمة البیع فی الانتقال من الأغلاط الواضحة،و معه لا یمکن تعریف البیع بالانتقال و إن أرید من الانتقال اعتبار الملکیة بنظر المتبایعین فإنه یجوز تعریف البیع بذلک،لأن الانتقال متحد مع البیع وجودا-لما عرفت قریبا من اتحاد الإیجاد و الوجود-و إن تغایرا اعتبارا.و لکنه لیس معنی آخر یغایر المعنی الأول.

المعنی الثالث:نفس العقد المرکب من الإیجاب و القبول.

أقول:قد حکی المصنف عن بعض من قارب عصره ما هذا نصه: (الظاهر اتفاقهم علی إرادة هذا المعنی فی عناوین أبواب المعاملات حتی الإجارة و شبهها التی لیست هی فی الأصل اسما لأحد طرفی العقد). و یتوجه علی ذلک.

أنا لم نجد موردا یستعمل فیه لفظ البیع و غیره فی الإیجاب و القبول و إذن فلا وجه صحیح لحمل الألفاظ المذکورة فی طلیعة عناوین المعاملات علی ذلک.بل إن ألفاظ العقود برمتها أسماء لأحد طرفی العقد.و هو الإیجاب.

و أما الإجارة و الوکالة فلا یبعد أن تکونا أیضا من أسماء فعل الموجب:

أما الإجارة فلأنها بمعنی الأجر.و الأجر قد یستعمل و یراد به الجزاء و الأجرة.

و قد یستعمل مصدرا من أجر:بمعنی أکری.بداهة أن أجر مجردا قد یستعمل بمعنی آجر-کما فی القاموس و مجمع البحرین-و علی ذلک فالإجارة تکون مصدرا لأجر، کالکتابة التی هی مصدر لکتب.

و أما الوکالة فهی أیضا فعل الموجب،کالتوکیل،لأن الأفعال المجردة و المزید فیها و إن اختلفت بالاعتبار،لکنها متحدة وجودا.

و السر فی ذلک:أن نسبة المصادر المجردة إلی المصادر المزید فیها نسبة الوجود إلی الإیجاد.فکما أن الوجود و الإیجاد متحدان حقیقة،و مختلفان اعتبارا.کذلک

ص:76

المصادر المجردة.و المصادر المزید فیها و علی هذا فاستعمال لفظ التوکیل فی الفعل الصادر من الموجب إنما هو بلحاظ جهة الصدور.و استعمال لفظ الوکالة فیه إنما هو بلحاظ نفس الفعل.

و قد یستدل علی صحة استعمال لفظ الإجارة فی الإیجار بقوله(تعالی)فی التحدث عن قصة تزویج موسی(علیه السلام)من بنت شعیب(علیه السلام) (قالَ:إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُنْکِحَکَ إِحْدَی ابْنَتَیَّ هاتَیْنِ عَلی أَنْ تَأْجُرَنِی ثَمانِیَ حِجَجٍ) (1).

و وجه الاستدلال:أن معنی الآیة هو أن تأجرنی نفسک.

و لکن هذا الاستدلال فاسد،لأن کلمة أن تأجرنی فی الآیة الکریمة مستعملة فی معنی الجزاء و الثواب.أو أن المراد من ذلک أن تکون أجیرا لی-علی سبیل شرط النتیجة-و هذا الأخیر قد ذکر فی مجمع البحرین و لسان العرب.

ثم إنه قد نسب المصنف إلی الشهید الثانی-و إن لم تثبت النسبة-أن إطلاق لفظ البیع علی العقد مجاز لعلاقة السببیة.

ثم وجه کلامه،و حاصل توجیهه:أنه لیس مراد الشهید من المسبب النقل الحاصل من الإیجاب الصرف،لأنه حاصل بنفس الإنشاء من دون توقفه علی القبول، کما أن وجوب الضرب یتحقق فی نظر الآمر بالأمر فقط و إن لم یصر واجبا فی نظر غیره.

بل مراد الشهید الثانی من المسبب إنما هو الأثر الحاصل من العقد فی نظر الشارع:و هو النقل و الانتقال و من الواضح أن ذلک لا یحصل إلا بالعقد المرکب من الإیجاب و القبول.و علیه فاستعمال لفظ البیع-الذی وضع للمسبب-فی نفس السبب إنما هو بعلاقة السببیة و المسببیة.و حینئذ فإضافة العقد إلی البیع بمعنی الأثر الحاصل من

ص:77


1- 1) القصص 28.الآیة:27.

العقد إضافة لامیة.و من قبیل إضافة السبب إلی المسبب-:أی عقد للبیع-لا إضافة بیانیة.

و علی هذا التوجیه فیتوجه علی الشهید الثانی ما وجهه المصنف علی المعنی الثانی المتقدم من أن البیع بمعنی الانتقال لم یوجد فی اللغة،و لا فی العرف،و إنما وقع ذلک فی تعریف جماعة تبعا للمبسوط.

و یرد علی المصنف أیضا:أن معنی البیع لیس هو الأثر الحاصل منه فی نظر الشارع:أعنی به الانتقال لکی یصح إطلاقه علی سببه مجازا.بل ذلک الأثر حکم من أحکام البیع.و من الظاهر أنه لا یصح إطلاق البیع علی حکمه و لو إطلاقا مجازیا بل معنی البیع کما عرفت هو الاعتبار النفسانی المبرز بمبرز خارجی (1).

نعم لو ثبت هذا الإطلاق لأمکن تصحیحه بما اشتهر بین العلماء من أن الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ،فإنه علی هذا یتسبب البائع بالإیجاب و القبول إلی إیجاد البیع.و حینئذ فإطلاق کلمة البیع علی الأثر الحاصل من الإیجاب و القبول-و هو الانتقال-من قبیل إطلاق السبب علی المسبب،لعلاقة السببیة و قد عرفت بطلان ذلک آنفا.

و أما ما نسب إلی الشهید الثانی(ره)من صحة إطلاق البیع علی العقد المرکب من الإیجاب و القبول فلم نجده فی لغة،و لا فی عرف بل إرادة هذا المعنی من العناوین المذکورة فی طلیعة أبواب المعاملات غلط واضح.إذ لا معنی لان یراد من قول الفقهاء:

کتاب البیع-مثلا-کتاب الإیجاب و القبول.

و الذی یحسن بنا أن نفهمه:أنه إذا صح إطلاق کلمة البیع علی الإیجاب و القبول کان ذلک من ناحیة أخری.و تحقیق ذلک:أنه قد یطلق البیع،و یراد به ما ذکرناه

ص:78


1- 1) قد تقدم ذلک فی ص 53.

سابقا من أنه إنشاء تبدیل شیء من الأعیان بعوض.و قد عرفت فیما تقدم:أن البیع بهذا المعنی هو الإیجاب الساذج المتعقب بالقبول.کما أن الأمر کذلک فی سائر العقود برمتها (1).

و قد یطلق البیع و یراد به المعاهدة الخاصة الحاصلة بین المتبایعین.و لعل إطلاقه علی هذا المعنی أکثر من إطلاقه علی الإیجاب المتعقب بالقبول.و إلیه ینظر جمیع ما ورد فی النصوص و الفتاوی من أنه لزم البیع،أو وجب،أو لا بیع.و هو الذی یفرض له البقاء و یتعلق به الفسخ و الإمضاء.و ترد علیه الشروط و الاحکام.و إذن فیمکن أن یقال:انه لم یوجد مورد یستعمل فیه لفظ البیع فی العقد الذی هو سبب للبیع.بل کل ما یتوهم کونه من هذا القبیل-کقولهم کتاب البیع،أو عقد البیع- فهو مستعمل فی المعاهدة الخاصة.و حینئذ فإضافة العقد إلی البیع من قبیل الإضافة البیانیة،لا الإضافة اللامیة.

و المتحصل من جمیع ذلک:أن إطلاق کلمة البیع علی الإیجاب و القبول من الأغلاط الواضحة،لا من الاستعمالات المجازیة.

ألفاظ المعاملات أسماء للأعم

قوله:(ثم إن الشهید الثانی نص فی کتاب الیمین من لک). أقول:یقع البحث هنا فی ناحیتین:

1-أن ألفاظ المعاملات هل هی موضوعة للصحیح،أم للأعم منه و من الفاسد.؟ 2-أنه إذا قلنا بأنها موضوعة للصحیح فما هو الفارق بین العبادات،و بین

ص:79


1- 1) تقدم فی ص 72.

المعاملات،حیث إن الفقهاء لا یتمسکون بالإطلاق فی الأولی،و یتمسکون به فی الثانیة؟.

الناحیة الأولی:أنه ذکر الشهید الثانی(ره)فی کتاب الایمان من المسالک:

(أن إطلاق البیع و غیره من العقود حقیقة فی الصحیح مجاز فی غیره،لوجود خواص الحقیقة و المجاز فیهما.کمبادرة المعنی إلی ذهن السامع عند إطلاق قولهم:باع فلان داره.و من ثم حمل الإقرار به علیه حتی لو ادعی إرادة الفاسد لم یسمع إجماعا.و لو کان مشترکا بین الصحیح و الفاسد لقبل تفسیره بأحدهما،کغیره من الألفاظ المشترکة و انقسامه إلی الصحیح و الفاسد أعم من الحقیقة).

و قد نوقش فی ذلک بأن مفهوم البیع أمر عرفی،و هو الذی یمضیه الشارع تارة،و یرده أخری.و علیه فلا یعقل أخذ الصحة الشرعیة فی مفهومه،إلا علی القول بالحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العقود،و هو بدیهی البطلان،إذ علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العبادات فلا وجه لثبوتها فی ألفاظ المعاملات،و إنما هی موضوعة للمفاهیم العرفیة التی أمضاها الشارع تارة،و ردها اخری.و تفصیل الکلام فی محله.

و أجاب المصنف عن هذه المناقشة،و حاصل کلامه:أنه یمکن أن یوضع لفظ البیع-مثلا-لما هو المؤثر فی الملکیة واقعا،و یکون الإمضاء من الشرع،أو العرف طریقا إلی ذلک نعم قد حکم الشارع-فی بعض الموارد-بعدم حصول الملکیة إلا أن ذلک من ناحیة تخطئة الشارع أهل العرف و إذن فلا منافاة بین أن یکون البیع مفهوما عرفیا،و بین أن یکون موضوعا لخصوص الحصة الصحیحة.

و علی الجملة:إن البیع بمعنی الاسم المصدری حقیقة فیما هو المؤثر فی الملکیة واقعا.

و من الظاهر أن هذا لا یتوقف علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فی المفاهیم العرفیة.

و یرد علی المصنف:أن الملکیة من الأمور الاعتباریة الخالصة،لا من الأمور التکوینیة الواقعیة.و من الظاهر أن الأمور الاعتباریة تدور من حیث الوجود و العدم مدار الاعتبار المحض.و علیه فلا نتصور التخطئة فی الملکیة:بأن یوجد مورد توجد

ص:80

فیه الملکیة،و لم یلتفت إلیها أهل العرف،و إنما یکشف عنها الشارع تخطئة للعرف و علی هذا المنهج فإذا قلنا بوضع لفظ البیع لما هو المؤثر فی الملکیة فإن کان المراد من الاعتبار هو الاعتبار العقلائی،أو الأعم منه و من الاعتبار الشرعی فلا بد من الالتزام بوضع البیع للأعم،و لما هو المؤثر فی الجملة و لو کان بعض أفراده غیر مؤثر شرعا،کالبیع الربوی-مثلا-لأن ألفاظ العقود-علی هذا المسلک-موضوعة للطبیعة الکلیة،دون خصوص المؤثر شرعا.

و إن کان المراد من الاعتبار هو خصوص الاعتبار الشرعی فلا بد من القول بالحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العقود.و حینئذ فیعود المحذور المتقدم:أعنی به أخذ الصحة الشرعیة فی المفهوم العرفی.

نعم یمکن الالتزام بجواز التخطئة فی نفس الاعتبار،إذ الاعتبار لا بد و أن یکون ناشئا من المصلحة الواقعیة الداعیة إلیه فإذا اعتبر العقلاء ملکیة شیء-کالخمر و الخنزیر و المیتة-مع عدم وجود مصلحة فی ذلک،و حکم الشارع بعدم الملکیة هنا کشفنا عن خطاء العقلاء فی اعتبارهم.و بهذا یصح الالتزام بوضع ألفاظ العقود للصحیح بأن یوضع لفظ البیع-مثلا-لما هو المؤثر فی الملکیة الناشئ اعتبارها من منشأ صحیح و حینئذ فیکون عدم إمضاء الشارع لما أمضاه العرف من العقود من باب التخطئة.و المتحصل مما ذکرناه:أن ألفاظ العقود موضوعة للأعم من الصحیح و الفاسد،لا للصحیح فقط.

التمسک بالإطلاق فی المعاملات

قوله:(و أما وجه تمسک العلماء بإطلاق أدلة البیع و نحوه). أقول:قبل بیان التمسک بإطلاق أدلة المعاملات یحسن بنا أن نبین أمرا:و هو أن التمسک بالإطلاق

ص:81

یتوقف علی إحراز انطباق الطبیعة-التی أخذت فی موضوع الحکم،أو متعلقة-علی الفرد المشکوک فیه بحیث یتمحض الشک فی شمول الحکم للفرد المشکوک فیه.

و أما لو کان الشک فی أصل الصدق فإنه لا یجوز معه التمسک بالإطلاق.و هذا واضح لا شک فیه.

و أیضا یتوقف التمسک بالإطلاق علی أن یکون المتکلم فی مقام البیان،و لو فرض أنه کان فی مقام الإهمال و الاجمال لم یجز التمسک بالإطلاق.و لیعلم أنه لیس المراد من کون المتکلم فی مقام البیان أن یکون فی مقام بیان الأجزاء و الشرائط للمأمور به.

بل المراد به أن یکون فی مقام بیان تعلق الحکم بموضوعه الکلی،أو متعلقة:کما إذا قال المولی لعبده إن فعلت کذا فأعتق رقبة مؤمنة،أو قال:أحل اللّه البیع،إذ لو کان المولی فی مقام بیان الاجزاء و الشرائط کما فی روایة حماد الواردة فی مقام بیان ماهیة الصلاة (1)،فإنه لا شبهة و لا کلام فی جواز التمسک بالإطلاق لنفی ما تحتمل جزئیته أو شرطیته.و لکن هذا إطلاق أحوالی،لا إطلاق لفظی الذی هو مورد بحثنا.

و بعد هذا التمهید أنا إذا قلنا بوضع ألفاظ المعاملات للأعم من الصحیح و الفاسد فلا ریب فی جواز التمسک بالإطلاقات الواردة فی إمضاء المعاملات،و نفی ما یحتمل دخله فی صحتها.و إذا قلنا بوضع ألفاظها لخصوص الصحیح فإنه لا یجوز التمسک بتلک الإطلاقات فی الموارد المشکوکة،و ذلک من جهة الشک فی الانطباق،و عدم إحراز صدق عنوان البیع-مثلا-علی ما یکون فاقدا لما یحتمل کونه جزءا أو شرطا.

و قد انجلی لک مما بیناه ضعف ما أفاده السید فی حاشیته،و حاصله:أنه کلما صح التمسک بالإطلاق فی مورد من المعاملات علی الأعمی صح التمسک به فی ذلک علی الصحیحی أیضا،بداهة أنه لیس الموضوع له عند الصحیحی عنوان الصحیح،بل ما یکون جامعا للشرائط الشرعیة حسب ما یستفاد من الأدلة.

ص:82


1- 1) الوافی ج 5 ص 127.

و علیه فکل دلیل ورد فی بیان أصل الحکم من الوجوب أو الحرمة أو غیرهما فإنه لا یصح التمسک بإطلاقه علی کلا القولین.لعدم کون المتکلم فی مقام البیان من غیر الجهة المزبورة.و کل دلیل ورد فی بیان ماهیة الواجب من الأجزاء و الشرائط فإنه یجوز التمسک بإطلاقه،لکون المتکلم فی مقام البیان.و هذا هو الحجر الأساسی فی بیان الفارق بین التمسک بالإطلاق و عدمه.

و وجه الضعف:أن ما ذکره السید و إن کان متینا فی مورده،لأنه لا یصح التمسک بالإطلاق مع عدم کون المتکلم فی مقام البیان مطلقا،کما أنه إذا کان فی مقام بیان أجزاء الماهیة و شرائطها صح التمسک بالإطلاق کذلک.إلا أنه راجع إلی الإطلاق المقامی.و من الواضح أن ذلک خارج عن الإطلاق اللفظیّ الذی یصح معه التمسک بالإطلاق علی الأعمی،و قد وقع الإشکال فی التمسک به علی الصحیحی.

ثم إن المصنف(ره)قد أشار إلی إمکان التمسک بالإطلاق علی الصحیحی بنحوین:

1-الإطلاق المقامی.و توضیحه:أن لفظ البیع-مثلا-و إن کان اسما للمسبب الحاصل من السبب الخاص الذی یراه الشارع مؤثرا فی الملکیة،إلا أنه لم یبین أسباب تلک المسببات التی أمضاها بالعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و لزومها.و علیه فیدور الأمر بین القول بأن المولی قد أهمل تلک العمومات و المطلقات.و بین القول بأنها ناظرة إلی إمضاء الأسباب العرفیة للمعاملات.و إذن فیکون المؤثر عند العرف مؤثرا عند الشرع أیضا.و من الواضح الذی لا ریب فیه أن الدلالة الاقتضائیة،و صیانة کلام الشارع عن اللغویة تقتضی الثانی.

و هذا هو الفارق بین العبادات و المعاملات،لأن العبادات ماهیات جعلیة، و حقائق غیر مغروسة فی أذهان أهل العرف لکی نستکشف من إطلاق کلام الشارع موافقته للمفاهیم العرفیة.

ص:83

و لا یخفی علی الناقد البصیر أن المراد من التمسک بالإطلاق هو هذا المعنی دون الإطلاق اللفظی لکی یناقش فیه بعدم ورود الحکم علی المقسم الذی هو من جملة مقدمات التمسک بالإطلاق.و الجواب عن ذلک:

أن التمسک بالإطلاق المقامی إنما یجوز فیما إذا لم یکن للمطلق أفراد متیقنة، و إلا فینصرف إلیها الإطلاق من دون أن تلزم اللغویة من الإهمال.و من البین أن مقامنا من هذا القبیل،لأنا کشفنا من مذاق الشارع کشفا قطعیا-و لو من غیر ناحیة الإطلاقات الواردة فی إمضاء العقود-أن بعض ما هو سبب للبیع عرفا مؤثر فی الملکیة جزما،و إذن فلا یبقی مجال للتمسک بالإطلاق المقامی صیانة لکلام الشارع عن اللغویة.

2-أن تحمل المطلقات الواردة فی مقام إمضاء البیع علی المعنی المصدری الذی یراد من لفظ بعت،و حینئذ فیستدل بحکم الشارع علی نفوذ العقود مطلقا علی أن ما هو بیع بالمعنی المصدری عند العرف مؤثر عند الشارع أیضا.

و یتوجه علیه أن هذا النحو من التمسک بالإطلاق و إن کان صحیحا.و لکنه عبارة أخری عن القول بوضع ألفاظ المعاملات للأعم،بداهة أن ما یصدق علیه لفظ البیع بالمعنی المصدری أعم من الصحیح و الفاسد،و علیه فلا محذور لنا فی التمسک بإطلاقات المعاملات فی الموارد المشکوکة.

و التحقیق:أن لفظ البیع لیس اسما للسبب،و لا أنه اسم للمسبب،بل إنما هو اسم للاعتبار المبرز بمبرز خارجی فعلی أو قولی (1)و إذن فلا مانع عن التمسک بالإطلاقات و العمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه.و علی هذا فلا مناص لنا عن الالتزام بوضع ألفاظ المعاملات للأعم من الصحیح و الفاسد.

و لا یخفی علیک أن ما ذکرناه جار فی سائر العقود،بل الإیقاعات أیضا.

ص:84


1- 1) قد تقدم تفصیله فی ص 53.

و مع الإغضاء عما ذکرناه:و القول بوضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحیح أمکن لنا إثبات الصحة و اللزوم فی الموارد المشکوکة بقوله تعالی وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (1)ضرورة أن البیع و إن کان حقیقة فی الصحیح الشرعی.و لکن المراد من البیع الذی تعلق به الحل فی الآیة الکریمة إنما هو البیع الإنشائی،إذ الظاهر من إحلال البیع إنما هو إمضاؤه المولوی-کما هو الظهور الابتدائی أیضا من أدلة سائر الأحکام-و من الواضح أنه لو کان المراد من البیع هو البیع الشرعی لکان ذلک الإمضاء لغوا محضا، و تحصیلا للحاصل،لأنه لا معنی للقول بأن معنی الآیة أحل اللّه البیع الممضی.الا أن یلتزم بکون الآیة إرشادا إلی البیع الصحیح و لکن ذلک مخالف لظاهرها.بل لا معنی لحملها علی الإرشاد،إذ المفروض أن انکشاف صحة البیع و نفوذه عند الشارع انما هو بهذه الآیة.و من البین أن حملها علی الإرشاد یقتضی أن یکون إمضاؤه بغیرها و هو خلف ظاهر.

و قد اتضح لک مما ذکرناه جواز التمسک بإطلاق قوله(علیه السلام):و المسلمون عند شروطهم (2)علی صحة البیع فی الموارد المشکوکة مع القول بوضع ألفاظ العقود للصحیح بدعوی أن مقتضی الإسلام انما هو وفاء المسلم بشرطه.و من البدیهی أن الحدیث بهذا المعنی إمضاء تشریعی للشروط المتعارفة.و حکم مولوی بلزوم العمل بها و انهائها و إتمامها.

الکلام فی المعاطاة

المعاطاة و حقیقتها

قوله:(اعلم أن المعاطاة علی ما فسره جماعة:أن یعطی کل من اثنین عوضا عما یأخذه من الآخر).

ص:85


1- 1) سورة البقرة الآیة 274
2- 2) راجع الوافی ج 10 باب 80 ص 68

أقول:[1]لما کان تنقیح البحث فی المعاطاة و بیان مورد الأقوال فیها متوقفا علی بیان ما نتصور به حقیقتها تصدی المصنف بدءا لبیان ذلک ثم عقبه بذکر الأقوال فیها و حاصل کلامه:أن المعاطاة تتصور علی وجهین:

1-أن یبیح کل من المتعاطیین للآخر التصرف فیما یعطیه إیاه من دون نظر الی تملیکه.

2-أن یتعاطیا علی وجه التملیک و التملک،لا بعنوان الإباحة المحضة،و قد ذکر بعضهم فی تصویر ذلک وجهین آخرین:

1-أن یتعاط کل من المتعاطیین بغیر قصد البیع،و لا التصریح بالإباحة، بل یعطی أی منهما شیئا لیتناول شیئا آخر.

2-أن یقصد کل منهما الملک المطلق،لا البیع فقط،و لا الإباحة الخالصة.

و یتوجه علی الوجه الأول:أن الفعل الصادر من المتعاطیین لیس من الأفعال غیر الاختیاریة-کحرکة المرتعش-لکی یکون ذلک خالیا عن القصد و الإرادة.

و انما هو فعل اختیاری صادر من فاعله بالإرادة و الاختیار.و علیه فإذا قصد کل من المتعاطیین-من إعطائه ماله لصاحبه-خصوص اباحة التصرف کان ذلک اباحة

ص:86

مصطلحة،کما فی الضیافة و نحوها،و إذا قصد من ذلک جواز الانتفاع من العین -مع حفظها عن التلف-انتفاعا مجانیا کان ذلک عاریة.و إذا قصد من ذلک الانتفاع من العین مع العوض کان ذلک بیعا.و حینئذ فلا یوجد عنوان آخر فی مورد المعاطاة غیر العناوین المذکورة و بذلک یظهر بطلان الوجه الثانی،و إذن فینحصر البحث فی المعاطاة بالوجهین الأولین.

ثم إن مورد البحث فی الوجه الأول ما تقصد منه الإباحة المحضة،کما فی الضیافة و أشباهها.و مورد البحث فی الوجه الثانی ما یقصد منه الملک.و علیه فلا وجه صحیح لما اختاره صاحب الجواهر(ره)من بقاء الإباحة فی کلمات الأصحاب علی ظاهرها و الطعن علی من جعل محل النزاع عندهم ما یقصد منه التملیک،و ذلک لأن کلماتهم عاصیة عن الحمل علی الإباحة الخالصة،و یتضح ذلک جلیا لمن تأمل فی کلماتهم.

و کذلک لا نعرف وجها معقولا للالتزام بحصول الملکیة من التعاطی -لازمة کانت أم جائزة-مع قصد المتعاطیین الإباحة المصطلحة.بل لا یصدر ذلک من أصاغر الطلبة فضلا عن الفقهاء العظام.

و أیضا لا وجه لما ارتکبه المحقق الثانی من حمل کلمات القائلین بالإباحة علی الملک المتزلزل.

المعاطاة و بیان الأقوال فیها

اشارة

قوله:(فالأقوال فی المعاطاة علی ما یساعده ظواهر کلماتهم ستة).

أقول:الظاهر أن الأقوال حول المعاطاة سبعة:

1-اللزوم علی وجه الإطلاق،سواء أ کان الدال علی التراضی لفظا،أم کان غیره.

ص:87

و قد نسبه غیر واحد من أصحابنا إلی المفید[1]و إلی بعض العامة[2].

2-اللزوم إذا کان الدال علی التراضی أو علی المعاملة لفظا

و قد حکاه الشهید الثانی عن بعض مشایخه،ثم استجوده.إلا أنه عقبه بأنه مخالف لمقتضی الأصل[3].

ص:88

و التحقیق:أنه إن کان الغرض من الاشتراط المزبور أن المعاطاة لا تکون بیعا إلا بالقرینة الخاصة-و إلا فهی أعم من البیع و غیره-فهو متین،و إن کان الغرض من ذلک بیان الفارق بین القرینة اللفظیة و غیرها فهو فاسد،لعدم الدلیل علی الفرق بینهما[1].

3-أن المعاطاة تفید الملکیة الجائزة و إنما تصیر لازمة بذهاب إحدی

العینین.

و قد اخترع هذا الرأی المحقق الثانی.و شید أرکانه فی محکی تعلیقته علی القواعد بما لا مزید علیه.و حمل علیه کلمات القائلین بأن المعاطاة تفید الإباحة.و هذا الرأی و إن لم یکن بعیدا فی نفسه،إلا أنه غریب عن مساق کلمات القائلین بالإباحة.

4-أن المعاطاة تفید إباحة جمیع التصرفات حتی التصرفات المتوقفة علی الملک،

مع بقاء کل من العینین علی ملک صاحبه،إلا أنه یحصل الملک اللازم بتلف إحدی العینین،أو بما هو بمنزلة التلف.بل فی المسالک:أن کل من قال بالإباحة قال بإباحة جمیع التصرفات.

ص:89

5-أنها تفید إباحة جمیع التصرفات إلا ما یتوقف علی الملک،

کالوطی و العتق و البیع.و هذا هو المحکی عن حواشی الشهید علی القواعد.و ینطبق علیه ما فی المبسوط من المنع عن وطی الجاریة المهداة بالهدیة الخالیة عن الإیجاب و القبول اللفظیین.

6-أن المعاطاة معاملة فاسدة،

و هذا الرأی نسب إلی العلامة فی نهایته.

و لکن حکی رجوعه عن ذلک فی کتبه المتأخرة.بل لم یوجد له موافق فی هذا الرأی.علی أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

7-ما ذکره السید فی حاشیته و إلیک نص عبارته:

(أنها معاملة مستقلة مفیدة للملکیة.

و لیست بیعا و إن کانت فی مقامه حکی عن الشیخ الکبیر الشیخ جعفر قده).

الأقوال فی المعاطاة و مدارکها

لا شبهة فی فساد المعاملة المعاطاتیة إذا لم یقم دلیل علی صحتها،أو علی إفادتها الإباحة الشرعیة.و ستعرف قریبا قیام الدلیل علی کونها بیعا.

ثم إن مقتضی الإطلاقات و العمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه هو القول بأن المعاطاة بیع لازم،لأن البیع-کما تقدم-هو الاعتبار النفسانی المبرز بمظهر خارجی سواء فی ذلک کون المظهر فعلا و کونه قولا و علیه فالمعاطاة بیع عرفی بالحمل الشائع، فتکون مشمولة لتلک العمومات و الإطلاقات.و إذن فلا وجه للمناقشة فیما نسب إلی المفید من أن المعاطاة تفید الملکیة اللازمة.و علی هذا الضوء فلا وجه لما وجه به شیخنا الأستاذ کلام جمع من الأصحاب القائلین بترتب الإباحة علی التعاطی المقصود منه التملیک.من(أن البیع علی ما عرفت هو التبدیل،و حیث إن التبدیل لیس تبدیلا

ص:90

خارجیا،بل تبدیل أحد طرفی الإضافة بمثله،و هذا أمر اعتباری من سنخ المعانی.

و ما هو موجده و آلة إیجاده هو القول فقط).

و بعد ذلک إن قلنا بقیام الإجماع التعبدی علی نفی اللزوم عن البیع المعاطاتی فتارة نفرض قیامه علی نفی اللزوم مطلقا.و أخری نفرض قیامه علی نفیه إجمالا.

و علی الأول فیثبت ما ذهب إلیه المحقق الثانی من أن المعاطاة تفید الملکیة الجائزة و علی الثانی فیثبت ما ذهب إلیه بعض مشایخ الشهید الثانی و الأردبیلی و صاحب الحدائق و غیرهم من أنها تفید الملکیة اللازمة فیما إذا کانت القرینة القائمة علی تراض المتعاطیین بالمعاملة المعاطاتیة لفظا.بداهة أن الإجماع دلیل لبی فلا یؤخذ منه إلا بالمقدار المتیقن و هو ما ذکرناه.و لکن الذی یسهل الخطب أن ثبوت الإجماع التعبدی-فی المقام- علی نفی اللزوم إجمالا أو تفصیلا ممنوع.

و لا یخفی علیک أن الالتزام بهذا الرأی فیما إذا کان مدلول القرینة اللفظیة هو التراضی بالمعاملة.و أما إذا کان مدلولها نفس المعاملة کان ذلک خارجا عن حدود المعاطاة،بل یصیر مصداقا للبیع اللفظی.و تتوقف صحته علی عدم اعتبار اللفظ الخاص فی إنشاء البیع و لعل هذا هو غرض المصنف مما کتبه فی الهامش،و هذا نصه:

(و لکن فی عد هذا من الأقوال فی المعاطاة تأمل) .

ثم لو فرضنا خروج المعاطاة عن مورد الإطلاقات و العمومات الدالة علی نفوذ البیع و لزومه.أو فرضنا قیام الإجماع علی أنها لا تفید الملکیة-و إن قصدها المتعاطیان-إلا أنه قامت السیرة القطعیة علی جواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة.

و علیه فان کان مفاد تلک السیرة هو مطلق التصرفات حتی التصرفات المتوقفة علی الملک ثبت القول بالإباحة المطلقة.و إن کان مفادها هو جواز التصرف فی الجملة ثبتت الإباحة الخاصة أی التصرفات غیر المتوقفة علی الملک،ضرورة أن ذلک هو

ص:91

القدر المتیقن من السیرة المزبورة.

و إذن فمدرک القول بالإباحة-سواء أ کانت الإباحة مطلقة أم کانت خاصة- إنما هو الإجماع،و علیه فالمراد من الإباحة المزبورة هی الإباحة الشرعیة،لا الإباحة المالکیة لکی یتوقف تحققها فی الخارج علی کونها مقصودة للمتعاطیین.

و من هنا یندفع ما أورده المحقق الثانی علی القائلین بأن المعاطاة تفید الإباحة من أن القول بها ینافی قاعدة تبعیة العقود للقصود،فإن الملک المقصود حصوله بالتعاطی غیر واقع بالفرض.و الواقع-و هو الإباحة الخالصة-غیر مقصود و وجه الاندفاع:

أن هذا الاشکال إنما یتوجه علی هؤلاء القائلین بالإباحة إذا کان مرادهم من ذلک الإباحة المالکیة،لا الإباحة الشرعیة.و قد عرفت کونها شرعیة.و موضوعها التعاطی الخارجی المقصود به الملک و قد حکم بها الشارع عند تحقق موضوعها.کما حکم بإباحة أموال الناس للمضطرین عند المخمصة و المجاعة.

و قد اتضح لک مما بیناه:أن ما ارتکبه صاحب الجواهر من حمل کلمات القائلین بالإباحة علی فرض قصد المتعاطیین الإباحة المصطلحة إنما هو ناشئ من الغفلة عن مدرک الأقوال فی المعاطاة.

ثم إذا قلنا بکون المعاطاة معاملة مستقلة،کما حکاه السید عن الشیخ الکبیر کان ذلک خارجا عن حدود البیع المعاطاتی الذی هو مورد بحثنا.و تدل علی صحته آیة التجارة عن تراض.

ما استدل به علی أن المعاطاة تفید الملکیة

قوله:(و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثانی إلی حصول الملک و لا یخلو عن قوة أقول:یقع البحث هنا تارة فی أن المعاطاة تفید الملکیة.و أخری فی أن الملکیة

ص:92

الحاصلة بالمعاطاة هل هی ملکیة لازمة أم هی ملکیة جائزة؟.و سیأتی الکلام فی الجهة الثانیة.

أما الجهة الأولی فیمکن الاستدلال علیها بوجوه شتی:

1-السیرة القطعیة المستمرة القائمة علی معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملک فی التصرف فیه بالعتق و البیع و الوطی و الإیصاء و التوریث و غیر ذلک من آثار الملک.

و أجاب عنه المصنف،و إلیک لفظه (و أما ثبوت السیرة و استمرارها علی التوریث فهی کسائر سیراتهم الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة فی الدین مما لا یحصی فی عباداتهم و معاملاتهم و سیاساتهم کما لا یخفی.) و یرد علیه:أنه لا ریب فی قیام السیرة-بین المسلمین بل بین عقلاء العالم- علی صحة المعاملة المعاطاتیة و ترتیب آثار الملکیة علی المأخوذ بها.و بما أن الشارع المقدس لم یردع عن هذه السیرة فتکون حجة شرعیة.و لو شککنا فی ثبوت الردع فالأصل عدمه.قیل:

إن ثبوت الردع عن ذلک من الوضوح بمکان،لقیام الإجماع علی أن المعاطاة لا تفید الملکیة.و إذن فتسقط السیرة عن الاعتبار.

و یرد علیه:أنه لم یقم إجماع تعبدی علی ذلک.غایة الأمر أنه نقل الإجماع علیه.و قد نقحنا فی علم الأصول عدم حجیته،إلا إذا حصل العلم باستناد المجمعین إلی رأی المعصوم(علیه السلام)و من المحتمل القریب أن یکون استنادهم فی فتواهم بعدم لزوم البیع المعاطاتی إلی الروایات المشعرة باعتبار اللفظ فی البیع.و سیأتی التعرض لها.

2-قوله(تعالی) وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا .البقرة.الآیة 274.

و تقریب الاستدلال بهذه الآیة علی أن المعاطاة تفید الملکیة بوجهین:

الوجه الأول أنها تدل علی صحة البیع المعاطاتی بالدلالة المطابقیة،لأن معنی الحل

ص:93

فی اللغة هو الإطلاق و الإرسال.و یعبر عنه فی لغة الفارس بکلمة(بازداشتن)و یقابله التحریم،فإنه بمعنی المنع و الحجر.و لا ریب أن الحل بهذا المعنی یناسب الحلیة الوضعیة و التکلیفیة کلتیهما.و علیه فکما یصح استعمال لفظ الجل فی خصوص الحلیة الوضعیة،أو التکلیفیة کذلک یصح استعماله فی کلتیهما معا.و یختلف ذلک حسب اختلاف الموارد و القرائن.و هکذا الحال فی لفظ التحریم-الذی هو مقابل الحل- فإنه یعم التحریم الوضعی و التحریم التکلیفی کلیهما،و إرادة خصوص أحدهما دون الآخر فی بعض الموارد من ناحیة القرائن الحالیة أو المقالیة.

و إذن فلا وجه للمناقشة فی شمول لفظ الحل للحلیة الوضعیة و التکلیفیة معا بعدم وجود الجامع بینهما.و هذا واضح لا ریب فیه.

ثم إن الحل قد یتعلق بالأعیان الخارجیة.و قد یتعلق بالأفعال الخارجیة.و قد یتعلق بالأمور الاعتباریة المبرزة بمبرز خارجی.

و علی الأول فلا یصح الکلام إلا بالتقدیر،للدلالة الاقتضائیة،و صیانة لکلام المتکلم عن اللغویة.و من هذا القبیل قوله(تعالی) (أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ،وَ طَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ،وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) (1)فإن متعلق الحل فی هذه الآیة إنما هو المطاعم و المآکل و المناکح.

و من الواضح أنه لا معنی لحلیة هذه الأمور بنفسها،بل المراد من حلیتها إنما هو حلیة ما تعلق بها من الأفعال المناسبة لها من الأکل و الشرب و النکاح.

و علی الثانی فلا شبهة فی صحة الکلام بلا احتیاج إلی التقدیر،و منه قوله (تعالی) (أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِکُمْ) (2).و کذلک الحال فی الثالث،و مثاله:أن یتعلق الحل بالمعاملات-التی هی الاعتبارات النفسانیة المظهرة بمبرز

ص:94


1- 1) المائدة:الآیة:5
2- 2) البقرة الآیة:187

خارجی-فإنها بنفسها قابلة للحلیة وضعا و تکلیفا من دون احتیاج إلی التقدیر و من ذلک قوله(تعالی) (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ).

و لا یخفی علیک أن هذه الصور الثلث-التی ذکرناها فی استعمالات کلمة الحل -جاریة بعینها فی استعمالات کلمة التحریم أیضا طابق النعل بالنعل و القذة بالقذة.

و المتحصل من جمیع ما بیناه:أن معنی قوله(تعالی) (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) هو أن اللّه قد رخص فی إیجاد البیع،و أطلقه،و أرسله،و لم یمنع عن تحققه فی الخارج و إذن فتدل الآیة الکریمة دلالة مطابقیة علی جواز البیع تکلیفا،و علی نفوذه وضعا.

و من الواضح الذی لا خفاء فیه أن المعاطاة بیع فتکون مشمولة للآیة.

و إذن فلا یتوجه علیه أی محذور من المحاذیر و اللّه العالم.

و قد ذکر بعض مشایخنا المحققین:أنه لا شبهة فی(دلالة الآیة بالمطابقة علی الصحة.نظرا إلی أن الحلیة أمر یناسب التکلیف و الوضع،و لذا ورد فی باب الصلاة حلّت الصلاة فیه:أی جازت،و وقعت فی محلها،فالحلیة منسوبة إلی نفس البیع بما هو تسبب إلی الملکیة.و المراد:-و اللّه العالم-أنه تعالی أحله محله،و أقره مقره،و لم یجعله کالقمار بحکم العدم.و أما جعله من الحل فی قبال الشد:-بمعنی أنه لم یصد عنه،و جعله مرخی العنان فی تأثیره-فغیر وجیه،لأن الحل فی قبال الشد یتعدی بنفسه بخلاف أحل من الحلول).

و یرد علیه:أن أحل من الحلول و إن وقع فی الاستعمالات العرفیة الصحیحة الفصیحة،بل فی الکتاب المجید[1]إلا أن هذا المعنی لا یناسب الحل بمعنی الإطلاق و الإرسال الذی ورد فی الآیات التی تقدمت الإشارة إلیها قریبا.و ورد أیضا فی استعمالات أهل العرف و اللغة کثیرا.و تتأکد إرادة هذا المعنی الثانی فیما إذا استعمل

ص:95

لفظ الحل فی مقابل کلمة التحریم،کما فی قوله(تعالی) (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) و وجه التأکد:أن الحل إذا أخذ بمعنی الحلول کان مقابله الإزالة، لا التحریم.

الوجه الثانی:ما ذکره المصنف،و حاصله:أن المراد من حلیة البیع فی الآیة الکریمة إنما هو الحلیة التکلیفیة،لمقابلتها مع حرمة الربا الظاهرة فی الحرمة التکلیفیة و من الواضح أن الحلیة التکلیفیة لا یصح تعلقها بالبیع،لأنه إنشاء تملیک عین بمال.

و حلیة ذلک لا تحتاج إلی البیان.و علیه فلا بد من الالتزام بتعلق الحل فی الآیة بالتصرفات المترتبة علی البیع.و حینئذ فتدل الآیة علی حلیة التصرفات بالمطابقة و علی حلیة البیع بالالتزام و من هنا ظهر أنه لا یمکن أن یراد من قوله تعالی (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) الحلیة الوضعیة،لکی تدل الآیة علی صحة البیع دلالة مطابقیة.و بما أن المعاطاة من أفراد البیع عرفا فتکون مشمولة للآیة و علیه فالحلیة فی الآیة الشریفة لا تدل علی حصول الملکیة بل إنما تدل علی إباحة جمیع التصرفات حتی المتوقفة علی الملک -کالبیع و العتق و الوطی و الإیصاء-و من البین الذی لا ریب فیه أن إباحة هذه التصرفات إنما تستلزم الملک فی غیر مورد المعاطاة من ناحیة الإجماع علی وجود الملازمة بینهما.و أما المعاطاة فالقائلون بعدم إفادتها الملک قد حکموا بإفادتها الإباحة علی وجه الإطلاق حتی صرح الشهید الثانی فی المسالک بأن من أجاز المعاطاة قد سوغ جمیع التصرفات.غایة الأمر أن الالتزام بإباحة جمیع التصرفات یقتضی الالتزام بسبق الملک آنا ما علی التصرفات الموقوفة علی الملک.و لا یقتضی ذلک الالتزام بسبق الملک من أول الأمر لکی بتوهم أن مرجع هذه الإباحة أیضا إلی الملک.

و قد اتضح لک من ذلک فساد ما قیل من أنه لا وجه للالتزام بالملکیة التقدیریة،إذ لو کانت المعاطاة مؤثرة فی الملکیة لأثرت فیها من أول الأمر و إلا فلا

ص:96

و وجه الفساد:أن الالتزام بالملکیة التقدیریة انما هو من جهة الجمع بین الأدلة،و الا فإن المعاطاة لا تؤثر إلا فی الإباحة المطلقة.

و لکن یرد علی المصنف وجوه.

1-أنه لا ملزم لتخصیص الحل فی الآیة بالحل التکلیفی فقط،بل یعم ذلک الحلیة التکلیفیة و الوضعیة،بمعنی واحد و قد عرفته قریبا.

2-أنه لا وجه صحیح لصرف الحل فی الآیة إلی حلیة التصرفات.و منع تعلقه بنفس البیع بدعوی أن حلیة إنشاء البیع أمر واضح لا یحتاج الی البیان، و ذلک لأنا ذکرنا فیما سبق:أن البیع هو الاعتبار النفسانی المبرز بمبرز خارجی، سواء أ تعلق به الإمضاء من ناحیة الشرع و العرف،أم لم یتعلق به ذلک،بل سواء أ کان فی العالم عرف و شرع أم لم یکن.و هذا المعنی هو الذی قد یکون موضوعا للحرمة و قد یکون موضوعا للحلیة.کما ان الأمر کذلک فی سائر المعاملات.

3-ما ذکره شیخنا الأستاذ و حاصله:ان اباحة جمیع التصرفات إذا اقتضت الملک فی سائر المعاملات و التجارات اقتضته فی المعاطاة أیضا،إذ لا فارق بینهما الا من ناحیة توهم الإجماع فی سائر المقامات دون المعاطاة و لکن هذا التوهم فاسد، بداهة أن الإجماع دلیل لبی فلا یؤخذ منه إلا بالمقدار المتیقن،و هو حصول الملکیة آنا ما فی سائر المقامات أیضا.و إذن فلا بد إما من الالتزام بحصول الملکیة من أول الأمر فی المعاطاة و غیرها،و إما من الالتزام بعدم حصولها فیهما إلا آنا ما قبل التصرف.

4-أنه إذا دلت الآیة علی جواز مطلق التصرفات حتی المتوقف منها علی الملک أستفید من ذلک حصول الملکیة من الأول.و علیه فلا وجه لعدول المصنف عن ذلک،و التجائه إلی القول بالملکیة التقدیریة.

قیل:إن جواز التصرف شرعا لا یلازم حصول الملکیة،کما أن الشارع قد

ص:97

حکم بجواز التصرف فی أموال الناس عند الضرورة و المجاعة من غیر أن یکون ذلک ملکا للمتصرف.نعم التصرفات المتوقفة علی الملک تکشف عن تحقق الملک آنا ما قبل التصرف لأجل الجمع بین الأدلة.و الجواب عن ذلک:

أن التصرفات التی حکم بحلیتها فی الآیة المبارکة هی التصرفات المترتبة علی البیع،و من الواضح أن التصرف المترتب علی البیع تصرف مالکی،و جواز التصرف المالکی یکشف عن الملکیة کشفا قطعیا.و علیه فدلیل حلیة البیع یدل علی حلیة التصرف بالدلالة المطابقیة،و علی حصول الملکیة من أول الأمر بالدلالة الالتزامیة.

و أما الالتزام بالملکیة آنا ما قبل التصرف فلازمه الالتزام بجواز التصرفات المتوقفة علی الملک بغیر عنوان المالکیة مع فرض تحقق البیع فی الخارج.و هذا بعید عن مدلول الآیة حسب ما یفهمه أهل العرف من الکلام.

قیل:إن الآیة لا دلالة فیها علی تأثیر البیع فی الملکیة أصلا،إذ المفروض أن الحل قد تعلق بالتصرف و من الواضح أنه إذا أرید من التصرف المزبور التصرف المالکی لزم منه تعرض الحکم لإثبات موضوعه و هو أمر غیر معقول.و الجواب عنه:

أن الحل فی الآیة و إن تعلق بالتصرف ابتداء-علی رأی المصنف-إلا أن إحلال التصرف یکشف عن حصول الملکیة و لا یلزم من ذلک تعرض الحکم لإیجاد موضوعه.نعم إذا قلنا بتحقق الملکیة من ناحیة جواز التصرف لزم منه تکفل الحکم بإثبات موضوعه و لکنه بعید عما نحن فیه.قیل:

إنا لو سلمنا دلالة الآیة علی جواز البیع وضعا و تکلیفا،أو قلنا بدلالتها علی حلیة التصرفات،و استکشفنا منها الملکیة من أول الأمر،لکنها لا تشمل المعاطاة، لعدم صدق البیع علیه،إذ البیع إما من مقولة اللفظ-کما عن بعض الاعلام-بدعوی أنه لو کان من قبیل المعنی لزم منه القول بالکلام النفسی الذی هو مدلول الکلام اللفظی،و هو باطل بالضرورة،أو أنه من مقولة المعنی بدعوی أنه لو کان من قبیل

ص:98

اللفظ لم یعقل إنشاؤه باللفظ،و علی کلا التقدیرین لا یصدق مفهوم البیع علی المعاطاة:

أما علی الأول فواضح.و أما علی الثانی فلأن البیع و إن کان من قبیل المعنی،و لکن صدق عنوان البیع علیه یحتاج إلی إبرازه باللفظ،إذ المفروض أن الکلام النفسی مدلول للکلام اللفظی،و من الواضح جدا أن المعاطاة لم تبرز باللفظ فتکون خارجة عن حدود البیع جزما.و الجواب عن ذلک:

أن البیع لیس اسما لمجرد اللفظ،و إلا لزم تحققه بالتکلم بلفظ بعت و إن لم یتحقق به الإنشاء،و لا أنه اسم للاعتبار النفسانی غیر المبرز بمظهر خارجی،و إلا لزم تحققه بالاعتبار الساذج و إن لم یکن مبرزا فی الخارج.بل هو اسم للاعتبار النفسانی المظهر بمبرز خارجی.و من الواضح أنه لا یعتبر فی المبرز أن یکون من قبیل الألفاظ.

بل کما یصح إبراز الاعتبار النفسانی باللفظ،کذلک یصح إبرازه بغیره.و علی کل حال لا صلة للمقام بالکلام النفسی الذی ذکرنا بطلانه فی محله:و مما استدل به علی أن المعاطاة تفید الملکیة.

3-قوله(صلی الله علیه و آله):(إن الناس مسلطون علی أموالهم) (1)و وجه الاستدلال:أن الحدیث المزبور قد دل علی أن کل أحد مسلط علی التصرف فی أمواله بأنحاء التصرفات،سواء فی ذلک التصرفات الخارجیة و الاعتباریة.و من التصرفات الاعتباریة البیع المعاطاتی،و إذن فالمنع عن جواز البیع المعاطاتی مناف لعموم الحدیث.

و یتوجه علی هذا الاستدلال أولا:أن النبوی المزبور ضعیف السند،و غیر مذکور فی کتب الشیعة إلا مرسلا و من الواضح أنا لا نعتمد علی المراسیل فی شیء من الأحکام الشرعیة،لأنها غیر مشمولة لأدلة حجیة الخبر.قیل:

إن النبوی المزبور و إن کان ضعیفا من ناحیة الإرسال،و لکن قد عمل به

ص:99


1- 1) البحار ج 1 ص 154.

المشهور،بل أرسله الفقهاء فی کتبهم الاستدلالیة إرسال المسلمات حتی جعلوا مفاده من القواعد الفقهیة المسلمة،و یلتجئون إلیها فی موارد شتی.و إذن فیکون عملهم هذا جابرا لوهن الخبر و ضعفه.و الجواب عن ذلک:

أن هذا التوهم فاسد کبری و صغری:أما الوجه فی فساد الکبری فلأنه لا دلیل علی انجبار ضعف الروایة بعمل المشهور،لأن الشهرة إن کانت حجة فی نفسها أخذ بها و إلا فإن ضمها إلی غیر الحجة لا یفید الاعتبار و قد اشتهر فی الألسنة أن فاقد الشیء لا یکون معطیا له نعم إذا کان عملهم وسیلة إلی توثیق الروایة کان ذلک قرینة علی حجیتها.بل قد یکون عمل شخص واحد بروایة سببا لتوثیقها.إلا أنه غریب عن انجبار ضعف الخبر بعمل المشهور،فان هذا فیما لم تعلم وثاقة الرواة،بل لم تعلم رواة الخبر-کما فی المراسیل-و من البدیهی أن عمل المشهور فی أشباه ذلک لا یکشف عن وثاقة الرواة.نعم یحتمل أنهم اطلعوا علی قرائن لم نظفر بها.و لکن هذا الاحتمال لا یغنی من الحق شیئا.مع أنه منقوض بما صرحوا به من عدم انجبار ضعف الدلالة بعمل المشهور،و الملاک فیهما واحد.و احتمال الاطلاع علی القرائن مشترک بینهما و أما الوجه فی منع الصغری فلأن من المحتمل القریب أن المشهور قد استندوا فی فتیاهم بصحة البیع المعاطاتی بغیر النبوی من الوجوه التی استدل بها علی ذلک.و من البین الذی لا ریب فیه انه بناء علی انجبار ضعف الروایة بعمل المشهور فإن الشهرة إنما تکون جابرة لوهن الروایة إذا علم استناد المشهور إلیها.علی أن المشهور بین القدماء هو القول بالإباحة.و إذن فلا شهرة فی المقام لکی تکون جابرة لضعف النبوی و أما الشهرة بین متأخری المتأخرین فلیست بجابرة اتفاقا.

ثانیا:أنا لو سلمنا اعتبار النبوی من حیث السند لکن لا نسلم دلالته علی المقصود،فان المحتمل فی معناه وجوه ثلاثة:

1-أن یراد من الحدیث تسلط الناس علی کل تصرف من أنحاء التصرفات

ص:100

کمّا و کیفا.و علیه فإذا شککنا فی جواز تصرف خارجی أو اعتباری من حیث الوضع و التکلیف تمسکنا بالحدیث المزبور لإثبات مشروعیة ذلک.و لکن یرد علیه:

أولا:أن الالتزام بهذا الوجه یقتضی أن یکون النبوی فی مقام التشریع:

بأن یدل علی جواز کل تصرف لم تثبت مشروعیته من ناحیة الشارع.و علی هذا فإذا شککنا فی جواز تصرف تکوینی-کالأکل و الشرب-أو اعتباری-کالبیع المعاطاتی و نحوه-تمسکنا بالنبوی لإثبات مشروعیة ذلک التصرف،و من البدیهی أنه لم یقل به متفقة فضلا عن الفقیه.

ثانیا:أن هذا الوجه یقتضی الالتزام بمشروعیة غیر واحد من المحرمات الإلهیة-کأکل جملة من الأطعمة المحرمة و شرب جملة من الأشربة المحرمة و لبس جملة من الألبسة المحرمة التی هی مملوکة للمتصرف-فإن النسبة بین دلیل السلطنة و بین أدلة بعض المحرمات هی العموم من وجه،فیتعارضان فی مورد الاجتماع و یتساقطان فیرجع إلی أصالة الإباحة،مع أن هذا ضروری البطلان.و المتحصل من ذلک أن الوجه المزبور لا یمکن الالتزام به.

2-ما ذکره المصنف و حاصله:أن عموم الحدیث إنما هو باعتبار أنواع السلطنة-کالبیع و الإجارة و الهبة و الصلح و غیرها-و إذا شککنا فی مشروعیة نوع منها-کالمزارعة و المضاربة و المساقاة مثلا-تمسکنا بعموم الحدیث و نحکم بثبوت السلطنة هنا أیضا.و أما إذا علمنا بمقدار السلطنة و کمیتها بأن قطعنا بأن سلطنة خاصة نافذة فی حق شخص کبیع ماله من غیره و لکن شککنا فی کیفیة هذه السلطنة و أن هذا البیع هل یوجد بالتعاطی أم لا بد فیه من القول الدال علیه فإنه حینئذ لا یجوز لنا أن نتمسک بدلیل السلطنة لإثبات مشروعیة المعاطاة فی الشریعة المقدسة.و قد اتضح لک من توضیح کلام المصنف الفارق بین هذا الوجه و بین سابقه حیث ان

ص:101

العموم فی الوجه الأول باعتبار الکمیة و الکیفیة و فی الوجه الثانی باعتبار الکمیة فقط و یرد علیه:أن الالتزام بهذا الوجه یقتضی أیضا أن تکون الروایة فی مقام التشریع و علیه فیجوز التمسک بعموم النبوی فی أی مورد شککنا فی جواز نوع خاص من السلطنة-کالشک فی جواز أکل لحم الأرنب و نحوه و هذا خلاف الظاهر من الروایة حسب المتفاهم العرفی و لأجل ذلک لم یتمسک به أحد فی أمثال ذلک.و من هنا ذکروا:أن دلیل السلطنة لم یرد فی مقام التشریع بل إنما ورد لإثبات السلطنة للمالک فی الجهات المشروعة.

3-ما هو التحقیق من أن دلیل السلطنة یتکفل ببیان استقلال المالک فی التصرف فی أمواله فی الجهات المشروعة،و عدم کونه محجورا عن التصرف فی تلک الجهات، و لیس لغیره أن یزاحمه فی ذلک،و علیه فشأن دلیل السلطنة شأن الأوامر المسوقة لبیان أصل الوجوب من غیر نظر فیها إلی تعیین الواجب من حیث الکم و الکیف.

و علی الجملة:إن دلیل السلطنة لا یدل علی استقلال الملاک فی التصرف فی أموالهم من جمیع الجهات بحیث لو منع الشارع عن التصرف فیها من ناحیة خاصة کان ذلک مخصصا لعموم الحدیث.و قد تجلی لک من ذلک أنه لو شک فی جواز تصرف خاص-کالبیع المعاطاتی أو جواز الاعراض عن مال معین-فإنه لا یجوز التمسک فی مشروعیة ذلک بدلیل السلطنة.و مما استدل به علی أن المعاطاة تفید الملکیة:

4-(قوله تعالی) (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ) النساء الآیة:28.

فإن الآیة الشریفة قد دلت علی انحصار جواز التصرف فی أموال الناس بما یکون تجارة عن تراض عرفا.و البیع المعاطاتی کذلک و بیان ذلک بوجهین:

1-أن المراد من الأکل فی الآیة الکریمة لیس هو الازدراد-علی ما هو معناه الحقیقی-بل إنما هو کنایة عن التملک-و إن لم یکن ذلک المال من

ص:102

جنس المأکولات کالدار و البستان و الدکان و أشباه ذلک-و قد تعارف هذا النحو من الاستعمال فی القرآن الکریم و فی کلمات الفصحاء،بل فی غیر لغة العربیة أیضا ثم ان دخول کلمة الباء السببیة علی کلمة الباطل،و مقابلتها فی الآیة مع التجارة عن تراض قرینتان علی توجه الآیة إلی فصل الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الفاسدة.

و علیه فان کان الاستثناء متصلا-کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة کان مفاد الآیة أنه لا یجوز تملک أموال الناس بسبب من الأسباب فإنه باطل إلا أن یکون ذلک السبب تجارة عن تراض و إذن فتفید الآیة حصر الأسباب الصحیحة للمعاملة بالتجارة عن تراض و إن کان الاستثناء منقطعا کانت الآیة ظاهرة ابتداء فی بیان الکبری الکلیة لکل واحد من أکل المال بالباطل و التجارة عن تراض من غیر أن تتعرض للحصر،و علیه فلا یمکن التمسک بها فیما لا یعد فی العرف من الأسباب الباطلة،و لا من التجارة عن تراض.بل تکون الآیة بالنسبة إلیه مهملة.و لکن یمکن إثبات دلالة الآیة علی الحصر حینئذ بالقرینة المقامیة بدعوی أن اللّه(تعالی) بصدد بیان الأسباب المشروعة للمعاملات،و تمییز وجهها الصحیح عن وجهها الباطل، و لا ریب أن الإهمال مما یخل بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة بالقرینة المقامیة و إذن فالآیة مسوقة لبیان حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات فی التجارة عن تراض سواء أ کان الاستثناء متصلا أم کان منقطعا و علی کلا التقدیرین فتدل الآیة بالمطابقة علی صحة البیع المعاطاتی،و کونه مفیدا للملک،فان عنوان التجارة عن تراض ینطبق علیه عرفا.و مما یؤید کون الآیة راجعة إلی بیان أسباب المعاملات تطبیقها فی بعض الروایات علی القمار باعتبار کونه من الأسباب الباطلة (1)2 أن یراد من الأکل فی الآیة الکریمة التصرف:أی لا تتصرفوا فی أموال الناس بالأسباب الباطلة،فإنه حرام إلا أن یکون ذلک السبب تجارة عن

ص:103


1- 1) راجع الوسائل ج 2 باب 63 تحریم کسب القمار من أبواب ما یکتسب به.

تراض.و علیه فتدل الآیة بالمطابقة علی حلیة التصرفات تکلیفا-التی تترتب علی التجارة عن تراض-و تدل علی حصول الملکیة من أول الأمر بالملازمة العرفیة، لما عرفت عند الاستدلال بآیة حل البیع علی المقصود من أن السلطنة التکلیفیة علی جمیع التصرفات فی شیء کاشفة عرفا عن مالکیة المتصرف لرقبة هذا الشیء و إن کانت الملکیة تنفک عن السلطنة أحیانا-کما فی المحجور-و لکن السلطنة المطلقة لا تنفک عن الملکیة عرفا.و لا یخفی علیک:أنه یجری فی هذا الوجه جمیع ما تقدم من النقض و الإبرام حول الوجه الثانی من وجهی الاستدلال علی أن المعاطاة تفید الملکیة.

و قد ذکر المحقق صاحب البلغة:أنه لو کان الاستثناء فی آیة التجارة عن تراض متصلا لزم من ذلک إما القول بالنسخ أو القول بکثرة التخصیص المستهجن،بداهة أن أسباب حل الأکل لیس منحصرا بالتجارة عن تراض،بل یحل ذلک بالهبات و الوقوف و الصدقات و الوصایا و أروش الجنایات و سائر النواقل الشرعیة و الإباحات.سواء أ کانت الإباحة مالکیة،أم کانت شرعیة و إذن فلا ملازمة بین أکل المال بالباطل،و بین ما لا یکون تجارة عن تراض انتهی ملخص کلامه.

و یتوجه علیه أن جملة من الأمور التی ذکرها المحقق المزبور لیست مقابلة للتجارة عن تراض،بل هی قسم منها،کالهبات التی منها الصدقات المستحبة و الوصایا بناء علی اعتبار القبول فیها،و سائر النواقل الشرعیة کالإجارة و الجعالة و نحوهما.و جملة منها و إن کانت خارجة عن حدود التجارة عن تراض-کالوقوف و الإباحات و الوصایا بناء علی عدم اعتبار القبول فیها-و لکن الالتزام بخروجها عن ذلک لا یستلزم کثرة التخصیص،بداهة أن الباقی تحت العام أکثر من الخارج.

و یضاف إلی ما ذکرناه:أن المستثنی منه فی الآیة إنما هو أکل مال غیره بعنوان التملک:بأن یتملک الإنسان باختیاره مال غیره بغیر التجارة عن تراض،و ما لا یکون کذلک-کالوقوف و الزکوات و الأخماس و المال الموصی به وصیة تملیکه بناء علی

ص:104

عدم اعتبار القبول فیها و أروش الجنایات-خارج عن حدود المستثنی و المستثنی منه تخصصا لا تخصیصا[1].

کلام بعض الأساطین حول المعاطاة لتأسیس قواعد جدیدة

اشارة

قوله:(و لذا ذکر بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد فی مقام الاستبعاد أن القول بالإباحة المجردة مع قصد المتعاطیین التملیک و البیع مستلزم لتأسیس قواعد جدیدة).

ص:105

أقول:یحسن بنا أن نبحث حول کلامه لکی یتضح لنا أن القول بالإباحة مع قصد الملک من التعاطی هل یستلزم تأسیس قواعد جدیدة أم لا.و تلک القواعد ما یلی.

منها:
اشارة

1-أن العقود و ما قام مقامها تابعة للقصود من حیث الإیجاب و السلب:

أی وقوع ما یقصد،و عدم وقوع ما لم یقصد.و من البین أن القول بالإباحة مخالف لهذه القاعدة إیجابا و سلبا.لأن ما قصده المتعاطیان لم یحصل فی الخارج،و ما حصل فی الخارج لم یقصده المتعاطیان.

و قد أجاب عنه المصنف بوجهین:
الأول:أن تبعیة العقود للقصود فیما إذا دل الدلیل علی صحة العقد:

بمعنی ترتب الأثر المقصود منه علیه.و علی هذا فلا یعقل الحکم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المزبور علیه.و هذا بخلاف ما إذا لم یدل دلیل علی ذلک-کالعقد المعاطاتی-و لکن حکم الشارع المقدس فی مورده بالإباحة،فإنه لا یلزم منه تخلف العقد عن القصد، بداهة أن الإباحة المذکورة لیست إباحة عقدیة لکی یلزم من ثبوتها المحذور المزبور بل إنما هی إباحة شرعیة مترتبة علی المعاطاة ترتب الحکم علی موضوعه.و علیه فمنزلة ذلک منزلة حکم الشارع بجواز الأکل من أموال الناس فی المخمصة و المجاعة،و بجواز أکل المارة من ثمرة الشجرة التی تمر بها و إن لم یرض المالک بذلک.انتهی ملخص کلامه فی الوجه الأول[1].

ص:106

الثانی:أن تخلف العقود عن القصود لا غرابة فیه.

و قد وقع فی جملة من الموارد:

الأول:(أنهم أطبقوا علی أن عقد المعاوضة إذا کان فاسدا یؤثر فی ضمان

کل من العوضین القیمة،

لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فیما یقتضیه صحیحه،مع أنهما لم یقصدا إلا ضمان کل منهما بالآخر.و توهم أن دلیلهم علی ذلک قاعدة الید مدفوع بأنه لم یذکر هذا الوجه إلا بعضهم معطوفا علی الوجه الأول،و هو إقدامهما علی الضمان،فلاحظ المسالک).

و یرد علیه:أن سبب الضمان فی العقود الفاسدة-علی ما سیأتی-إنما هو الید نهایة الأمر أن الاقدام یکون منقحا لموضوع ضمان الید.و قد ذکرنا فی محله:أن الاقدام بنفسه لو کان موجبا للضمان،لتحقق الضمان بتحقق المعاملة فی الخارج بالإیجاب و القبول،مع عدم تحقق القبض و الإقباض،إذ المفروض تحقق الاقدام علی المعاملة من ناحیة المتعاملین،مع أنه باطل بالضرورة.فیستکشف من ذلک أن سبب الضمان فی أمثال الموارد هو الید دون الاقدام.

الثانی:أن الشرط الفاسد لا یفسد العقد المشروط به عند أکثر القدماء،

مع أن ما قصد-و هو العقد المقید بالشرط الفاسد-غیر واقع.و الواقع الذی هو ذات العقد لم یقصد.نعم إذا قلنا بأن الشرط الفاسد یفسد العقد لم یتوجه هذا النقض علی بعض الأساطین.و لکن التحقیق خلافه.و یأتی تفصیل ذلک فی مبحث.الشروط إنشاء اللّه.

ص:107

و التحقیق:أن الشرط قد یکون قیدا لأصل العقد بحیث یکون الإنشاء معلقا علی حصول الشرط:بأن قال البائع:بعتک المتاع الفلانی إن قدم الحاج.و إلا فلا أبیع،و قد یکون الشرط التزاما آخر فی ضمن الالتزام العقدی من دون أن یکون الملتزم به قیدا لأصل العقد.و علی الأول فالتعلیق یوجب فساد العقد و إن لم یکن الشرط فاسدا لقیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود.و علی الثانی فالالتزام بصحة العقد مع فساد الشرط لا یستلزم تخلف المقصود عن القصد و تفصیل الکلام فی محله.

الثالث:أنه إذا باع الإنسان ما یملکه مع ما لا یملکه:

بأن ضم مال نفسه إلی مال غیره و باعهما من شخص واحد فی صفقة واحدة-فإنه لا شبهة فی صحة هذا البیع عند المحققین.مع أن ما هو مقصود للمتبایعین لم یقع فی الخارج،و ما هو واقع فیه غیر مقصود لهما.و الجواب عن ذلک:

أن البیع المذکور و إن کان واحدا بحسب الصورة و لکنه منحل إلی بیعین غایة الأمر أن أحدهما صحیح منجزا،و الآخر صحیح مشروطا بإجازة المالک.

و السر فی ذلک أن حقیقة البیع متقومة بإنشاء تبدیل شیء من الأعیان بعوض فی جهة الإضافة کما تقدم (1)و من البدیهی الذی لا ریب فیه أن هذا المعنی لا ربط له بقصد المالکین و معرفتهما.و علیه فقصد البائع کون العقد لنفسه أو لغیره خارج عن حدود البیع.و إذن فلا یوجب ذلک تخلف العقد عن القصد بوجه.نعم مع عدم إجازة المالک یثبت للمشتری خیار تبعض الصفقة.و لکنه بعید عن تخلف العقد عن القصد الذی هو محل الکلام فی المقام.

الرابع:بیع الغاصب المال المغصوب لنفسه.

فقد ذکر جمع کثیر أن البیع یقع عن المالک فضولا،و تتوقف صحته علی إجازته.مع أن المقصود-و هو کونه

ص:108


1- 1) راجع ص 53.

للبائع-لم یقع،و الواقع-و هو وقوع البیع عن المالک-غیر مقصود.و الجواب عن ذلک:

ما أشرنا إلیه آنفا من أن البیع إنشاء تبدیل عین بعوض فی جهة الإضافة.

و من الظاهر أن قصد وقوعه عن المالک،أو عن البائع خارج عن حدوده.

و سیأتی التعرض لهذه المسألة فی البحث عن بیع الفضولی.نعم لو کان شأن المالکین فی البیع شأن الزوجین فی عقد الزواج لکان ما ذکره المصنف من النقض -علی بعض الأساطین-صحیحا،و لکن الأمر لیس کذلک.

الخامس:أن العاقد إذا ترک ذکر الأجل فی نکاح المتعة کان ذلک زواجا

دائمیا

و قد ذکر هذا فی موثقة ابن بکیر[1].و أفتی به جمع من الفقهاء رضوان اللّه علیهم.مع أن المقصود-و هو نکاح المتعة-لم یقع.و الواقع-و هو نکاح الدائم- غیر مقصود.

و التحقیق:أنه إذا کان بناء العاقد-قبل مباشرته بإیقاع العقد-علی إنشاء نکاح المتعة،و لکن نسی ذکر الأجل عند الإنشاء و قصد الزواج الدائم فلا شبهة فی أن الواقع حینئذ یکون نکاحا دائمیا و علیه فلا یلزم منه تخلف العقد عن القصد.

و إذا کان بناء العاقد علی إیقاء عقد المتعة حتی فی مقام الإنشاء،و الاشتغال بإجراء الصیغة،و مع ذلک نسی ذکر الأجل فی مقام التلفظ،أو ترکه عمدا فان الظاهر حینئذ بطلان العقد،بداهة أن الزواج الدائم لم یقصد،و لم ینشأ،لأن الإنشاء -کما عرفته مرارا-عبارة عن إبراز الأمر النفسانی فی الخارج.و إذا لم یقصد العاقد الزواج الدائم لم یکن ذلک مبرزا باللفظ.و أما الزواج المنقطع فلا یقع أیضا فی

ص:109

الخارج،إذ یعتبر فی صحته ذکر الأجل علی ما نطقت به الروایات (1)،و المفروض أنه مفقود فی المقام.و هذا بین لا ریب فیه.

و من القواعد الجدیدة اللازمة علی

القول بالإباحة:

2-أن القول بالإباحة یلزمه الالتزام بأحد أمرین علی سبیل مانعة الخلو:

و هما الالتزام بأن إرادة التصرف-فی المأخوذ بالمعاطاة-مملکة،و الالتزام بأن التصرف بنفسه من المملکات،و کلا الأمرین بعید جدا،بداهة أن المالک لم یقصد إلا تملیک ماله من الأول،و علیه فالالتزام بحصول الملکیة بتصرف غیر المالک، أو بإرادته التصرف من دون أن یکون ذلک مقصودا للمالک بعید غایته.

و یتوجه علیه ما أفاده المصنف.و حاصله:أنه لا مانع من الالتزام بحصول الملکیة بإرادة التصرف،فان الجمع بین الأدلة یقتضی ذلک،ضرورة أن الأصل یقتضی بقاء المأخوذ بالمعاطاة فی ملک مالکه الأول.و قد قامت السیرة القطعیة علی جواز التصرف لکل من المتعاطیین فیما انتقل إلیه.و قد ثبت فی الشریعة المقدسة أن بعض التصرفات -کالعتق و البیع و الوطی-لا یسوغ لغیر المالک.و من البین الذی لا ریب فیه أن الجمع بین هذه الأدلة یقتضی الالتزام بالملکیة حین إرادة التصرف.و علیه فیکون شأن التصرف فی المقام شأن تصرف ذی الخیار و الواهب فیما انتقل عنهما تصرفا بالعتق و البیع و الوطی و أشباهها[1].

ص:110


1- 1) راجع الوافی ج 12 ص 95.
و من القواعد الجدیدة اللازمة علی القول بالإباحة:3-أنه إذا قیل بأن المعاطاة-المقصود بها الملک-تفید الإباحة لزمت
اشارة

منه مخالفة القواعد المتسالم علیها فی موارد شتی:

منها تعلق الخمس بما فی ید أحد المتعاطیین،

مع أنه لیس بمالک له.

و توضیح ذلک:أنه إذا أعطی أحد المتعاطیین دینارا لصاحبه،و أخذ منه متاعا یساوی أحد عشر دینارا فإنه قد ربح فی هذه المعاملة المعاطاتیة عشرة دنانیر و إذا بقی هذا الربح الی أن مضی علیه حول کامل-و لم یحصل مملک فی البین، کتصرف المشتری فی المتاع،أو تصرف البائع فی الثمن،أو تلف أحد العوضین -ثبت فیه الخمس.و علیه فیلزم تعلق الخمس بغیر الاملاک،و هو فقه جدید.

و قد یتوهم:أن غرض بعض الأساطین من ذلک هو استبعاد تعلق الخمس بالأرباح و المنافع الحاصلة من الاتجار بالمأخوذ بالمعاطاة و لکنه توهم فاسد،فإنه مخالف لصراحة کلامه بدیهة أنه(ره)قد فرض مورد الاستبعاد فیما إذا کان العوضان باقیین،مع عدم تحقق التصرف من أحد المتعاطیین،و من البین الذی لا ریب

ص:111

فیه أن حصول الربح بالتجارة لا یخلو عن أحد أمرین علی سبیل مانعة الخلو:و هما التصرف،و تلف العین و لو حکما.و حینئذ فلا یتوجه علی بعض الأساطین ما ذکره شیخننا المحقق و إلیک نصه(أما خمس ربح التجارة بالمأخوذ بالمعاطاة فلا محالة یکون حصول الربح مسبوقا بالتکسب و التصرف فی المال،فیکون مملکا له و لأصله.و لیس هذا غریب آخر زیادة علی غرابة مملکیة التصرف).

و منها أنه یعامل مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملک،

و تترتب علیه جمیع آثار الملکیة من الاستطاعة و تعلق الزکاة و حق الدیان به و کونه إرثا للورثة و وجوب الإنفاق منه و جواز الوصیة به،و لو کانت المعاطاة مفیدة للإباحة لزم من ذلک تعلق الأمور المذکورة بالمباحات،مع أنها لا تتعلق بغیر الاملاک.

و منها أنه إذا باع أحد الشریکین حصته من غیر شریکه بالبیع المعاطاتی تعلق به

حق الشفعة،

مع أنه لا یتعلق إلا بالبیع المؤثر فی الملکیة.و من هنا لو أباح أحد الشریکین حصته لغیره لم یتعلق به حق الشفعة.

و منها تعلق حق المقاسمة بذلک،و مثاله:أنه إذا باع أحد الشریکین حصته من شخص آخر بالبیع المعاطاتی جاز للمشتری أن یطالب المقاسمة من الشریک الآخر.

و علیه فان قلنا بأن المعاطاة تفید الملکیة فلا محذور فیه.و إن قلنا بأنها لا تفید إلا الإباحة الخالصة لزم منه ثبوت حق المقاسمة لغیر الملاک.

و منها:أن الربا یجری فی البیع المعاطاتی،

کما یجری فی البیع اللفظی.و علیه فان قلنا بأن المعاطاة تفید الملکیة کان ذلک موافقا للقواعد الشرعیة.و إن قلنا بأنها تفید الإباحة لزم من ذلک جریان الربا فی المباحات.و من الواضح أن ذلک تأسیس فقه جدید.

و منها أنه لو کانت المعاطاة مفیدة الإباحة لزم من ذلک أن یتصف الآخذ بالمعاطاة بصفة الفقر

و لو کان المأخوذ بذلک یکفی مئونته و مئونة عیاله سنة واحدة-إذا لم یکن

ص:112

عنده مال آخر یکفیه و لعیاله حولا کاملا.

و لزم أیضا أن لا تزول صفة الغنی عن المعطی،لکونه مالکا لما أعطاه لصاحبه بالمعاملة المعاطاتیة.و إذن فیجوز للأول أخذ الحقوق الشرعیة المقررة للفقراء و المساکین، و لا یجوز ذلک للثانی و إن لم یکن عنده ما یکفیه و لعیاله سنة واحدة.و من الظاهر أن هذا أمر عجیب.

و قد أجاب المصنف عن جمیع الأمور المذکورة بما هذا لفظه: (و أما ما ذکره من تعلق الأخماس و الزکوات إلی آخر ما ذکره فهو استبعاد محض،و دفعه بمخالفته للسیرة رجوع إلیها)[1].

ص:113

و یحسن بنا أن نتعرض لأجوبة تلک الأمور،و إلیک ما یلی:

أما الأخماس فهی لا تتعلق إلا بالملک،کما هو الظاهر من الأدلة الشرعیة، و علیه فلا محذور فی الالتزام بعدم تعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة علی القول بکونها مفیدة للإباحة و أما الزکوات فلا شبهة فی تعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة مع تمام النصاب،و مضی الحول علیه،و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون المأخوذ بالمعاطاة ملکا للآخذ و بین عدمه لإطلاق الأدلة،مثلا إذا اشتری أحد-بالبیع المعاطاتی-خمسا من الإبل،و لم یوجد مملک فی البین إلی أن مضی علیها حول کامل تعلقت بها الزکاة جزما و تکون العین مشترکة بین المالک و بین المستحقین للزکاة بناء علی تعلق الزکاة بالعین[1].نعم إذا کان عند الآخذ بالمعاطاة ما تعلقت به الزکاة و لکن کان أقل من النصاب إلا أنه وصل

ص:114

إلی حد النصاب مع ضم المأخوذ بالمعاطاة إلیه فإنه لا تجب فیه الزکاة،بداهة أن ما هو مملوک للآخذ لم یصل إلی حد النصاب و المأخوذ بالمعاطاة لیس ملکا له علی الفرض لکی یتم به النصاب.

و أما صفة الغنی المانعة عن أخذ الحقوق الشرعیة فهی غیر متوقفة علی الملک، بل کل من تمکن من مئونة نفسه و عیاله سنة واحدة-و لو من المباحات-فهو غنی.

و أما الاستطاعة فهی إنما تتحقق بکون المکلف واجدا-بالفعل-لما یحج به من الزاد و الراحلة،و بمالکیته لمئونة عیاله بالفعل أو بالقوة.و قد فسرت الاستطاعة بهذا المعنی و بأمن الطریق فی بعض الأخبار (1).و من البین أن هذا المعنی من الاستطاعة کما یتحقق بالملک کذلک یتحقق بالمباحات أیضا التی منها المأخوذ بالمعاطاة علی القول بالإباحة،و قد انجلی مما بیناه أنه یصح تعلق حق النفقات و الدیون بالمأخوذ بالمعاطاة.

و أما حق الشفعة فلا یصح تعلقه بالمأخوذ بالمعاطاة لأنه استحقاق الشریک

ص:115


1- 1) قد تقدم ذلک فی ص 35.

للحصة المبیعة فی شرکته لکی یضمها إلی حقه.و المفروض أن المعاطاة لم تؤثر فی الملکیة بل فی الإباحة فقط.و علیه فلم یحصل النقل و الانتقال بالتعاطی حتی یثبت به حق الشفعة للشریک[1].

و أما حق المقاسمة و المفارزة فهو لا یختص بالمالک بل یثبت لکل من جاز له التصرف فی المال المشاع و إن لم یکن مالکا لجزء منه.

و أما الإرث فهو أیضا لا یتوقف علی الملک،بل موضوعه ما ترکه المیت و من الظاهر أن المأخوذ بالمعاطاة مما ترکه المیت،فیکون لوارثه.

و یضاف إلی ذلک:أن موت أحد المتعاطیین یؤثر فی لزوم المعاطاة.و هذا واضح.و من هنا اتضح لک جواز الوصیة بالمأخوذ بالمعاطاة.ضرورة أنها تصیر لازمة بموت الموصی.

و أما ما ذکره من استلزام القول بالإباحة جریان الربا فی المباحات فهو من العجائب.بدیهة أن مورد البحث فی المقام إنما هو المعاطاة الواجدة لجمیع شرائط البیع إلا الصیغة الخاصة.و علیه فإذا کانت المعاطاة ربویة لم تؤثر فی شیء من الملکیة و الإباحة،لفسادها من ناحیة الربا،و إذن فلا إباحة فی المقام لکی یلزم جریان

ص:116

الربا فیها.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

و من القواعد الجدیدة اللازمة علی القول بالإباحة:

4-ما ذکره بعض الأساطین من«کون التصرف من جانب مملکا

للجانب الآخر.مضافا إلی غرابة استناد الملک إلی التصرف».

و قال المصنف:

(و أما کون التصرف مملکا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه).

و وجه الظهور:أنه لما کان التصرف من جانب مملکا للمتصرف لزم کونه مملکا للجانب الآخر أیضا،الذی لم یصدر منه التصرف و إلا لزم اجتماع العوض و المعوض فی ملک المتصرف.

و علیه فکما أن الجمع بین الأدلة یقتضی کون التصرف مملکا للمتصرف کذلک یقتضی کونه مملکا للطرف الآخر أیضا،

و مما ذکره بعض الأساطین:
اشارة

5-أن القول بالإباحة یستلزم مخالفة القواعد المتسالم علیها فی نواحی شتی:

الناحیة الأولی:کون التلف السماوی من جانب مملکا للجانب الآخر،

لاتفاق الفقهاء علی أن کلا من المتعاطیین یملک لما بیده من المأخوذ بالمعاطاة مع تلف بدله من الجانب الآخر و علیه فان قلنا بأن المعاطاة تفید الملک فلا محذور فیه و إن قلنا بأنها تفید الإباحة فیلزم أن یکون التلف من جانب مملکا للجانب الآخر،بدیهة أنه لم یحدث فی المقام إلا أمران،و هما التعاطی و التلف و المفروض أن الأول لا یفید إلا الإباحة،و علیه فلا بد لنا إما من القول بکون التلف مؤثرا فی الملکیة فهو غریب، أو القول بحصول الملکیة بغیر سبب فهو محال.

الناحیة الثانیة:أنه إذا تلف أحد العوضین تلفا قهریا فان قلنا بأن من تلف المال عنده

یملک التالف قبل تلفه فهو عجیب،

بدیهة أنه ملکیة لو حصلت بغیر سبب لزم تحقق المعلول بدون علته.و إن حصل ذلک بسبب التلف لزم تقدم المعلول علی علته،و من البین أن کلیهما غیر معقول.و إن قلنا بحصول الملکیة مع التلف فهو بعید،إذ لا موجب للالتزام بالملکیة فی خصوص زمان التلف دون ما قبله.علی أن زمان التلف هو زمان

ص:117

انعدام الملکیة،لا زمان حدوثها،و من ذلک یظهر بطلان الالتزام بالملکیة بعد التلف فان من الواضح أن تملک المعدوم غیر معقول.علی أن ذلک لغو محض،إذ لا یترتب علیه أی أثر من آثار الملکیة.و إن قلنا بعدم کون التالف ملکا للآخذ لزم أن یکون بدله ملکا للجانب الآخر مجانا فهو غریب،و إذن فلا مناص عن الالتزام بحصول الملکیة-فی البیع المعاطاتی-من أول الأمر.

الناحیة الثالثة:أنه إذا قلنا بأن المعاطاة تفید الإباحة کان التلف من الجانبین معینا

للمسمی من الطرفین.

و علیه فلا یرجع کل من المتعاطیین إلی المثل أو القیمة لکی یکون لأحدهما حق الرجوع إلی ما به التفاوت بین العوضین،مع أن القاعدة-علی القول بعدم الملک-تقتضی الضمان بالمثل أو القیمة،دون المسمی،بدیهة أن الضمان بالمسمی یقتضی کون التالف ملکا للمتلف،و علیه فیعود الاشکال المتقدم:أعنی حصول الملکیة بلا سبب،أو بسبب التلف.

الناحیة الرابعة:أنه إذا وضع الغاصب یده علی المأخوذ بالمعاطاة أو تلف ذلک

عنده.

فان قلنا بأن المعاطاة تفید الملکیة فلا محذور فیه،لأن الغاصب یکون ضامنا للمغصوب منه.و إن قلنا بأنها تفید الإباحة فإن قلنا بأن الغاصب ضامن للمغصوب منه:

أعنی المباح له دون المالک الأصلی الذی هو المبیح-لزم أن یکون الغصب أو التلف عند الغاصب مملکا.و هو غریب،و إن قلنا بعدم الملک و أنه لیس له حق المطالبة، و إنما هو ثابت للمبیح فهو بعید،و مناف للسیرة القطعیة.

و قد أجاب المصنف عن تلک النواحی غیر الناحیة الأخیرة بما حاصله:أن دلیل ضمان الید یقتضی کون کل من العوضین مضمونا لمالکه الأصلی بعوضه الواقعی أعنی به المثل أو القیمة.لکن مقتضی الإجماع و السیرة علی عدم الضمان بالعوض الواقعی یکشف عن أن التلف من مال من تلف عنده،و بضمیمة أصالة عدم حصول الملکیة إلا بالمقدار المتیقن تثبت الملکیة قبل زمان التلف بآن،و علیه فالجمع بین

ص:118

هذه الأدلة یقتضی کون کل من العوضین ملکا لکل من المتعاطیین آنا ما قبل التلف،و حینئذ فیکون التلف موجبا لتعین المسمی من الجانبین.سواء فی ذلک کون التلف من جانب واحد و کونه من جانبین.

و السر فی الالتزام بالملکیة التقدیریة:أنه یدور الأمر بین تخصیص دلیل الید بالإجماع المزبور و القول بعدم الضمان بالمثل أو القیمة فی مورد التعاطی،و بین التخصص:أی الالتزام بحصول الملکیة-فی ذلک-من أول الأمر حفظا لعموم دلیل الید عن التخصیص.و قد حقق فی محله أنه کلما دار الأمر بین التخصیص و التخصص فیقدم الثانی.و علیه فمقتضی القاعدة أن نحکم بحصول الملکیة-فی مورد المعاطاة من أول الأمر.و لکن الأصل المذکور یقتضی عدم تحقق الملکیّة إلا آنا ما قبل التلف و علیه فشأن المقام شأن تلف المبیع قبل قبضه فی ید البائع.

ثم إن غرض المصنف من تقدیم التخصص علی التخصیص لیس هو إثبات الضمان بالمسمی من ناحیة الدلیل الدال علی ضمان الید،بل غرضه من ذلک إنما هو حفظ الدلیل المزبور عن التخصیص،و إبقائه علی عمومه.و أما الضمان بالمسمی فإنما یثبت بحصول الملکیة فی مورد المعاطاة.و إذن فلا یتوجه علی المصنف ما ذکره السید و هذا نصه:(أن الحکم بالضمان بعوض المسمی لیس عملا بعموم علی الید،لأن مقتضاه وجوب المثل أو القیمة،لا المسمی،فمع فرض الإجماع علی الملکیة لا بد من الالتزام بتخصیص قاعدة الید إذا لم نحکم بالملکیة من أول الأمر).

و أجاب المصنف عن الناحیة الأخیرة بما هذا لفظه: (و أما ما ذکره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر-علی القول بالإباحة-أن لکل منهما المطالبة ما دام باقیا،و إذا تلف فظاهر إطلاقهم التملک بالتلف تلفه من مال المغصوب منه). ثم قال:

(نعم لو لا قام إجماع کان تلفه من مال المالک لو لم یتلف عوضه قبله).

و غرضه من هذه العبارة الأخیرة:أنه لو لا الإجماع علی الملکیة قبل تلف

ص:119

العین کان مقتضی القاعدة اختصاص الملک بالمطالبة،لأن العین قد تلفت فی ملکه نعم لو تلفت العین الأخری قبل تلف المغصوب اختص المغصوب منه بالمطالبة، و وجهه ظاهر.

و لکن النسخة المشهورة هکذا (نعم لو قام إجماع إلخ) و علیه فغرض المصنف من هذه العبارة:أنه إذا قام الإجماع علی عدم حصول الملکیة-فی البیع المعاطاتی- بتلف أحد العوضین-عند الغاصب،مع بقاء العوض الآخر-کان التلف فی ملک المالک الأصلی،فیکون له حق المطالبة من الغاصب،و لا یثبت ذلک الحق للمغصوب منه:أعنی المباح له.إلا أن هذا لیس بصحیح،بدیهة أن عدم کون التلف-عند الغاصب-مملکا لا یحتاج إلی الإجماع،بل یستغنی عنه باستصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة فی ملک مالکه الأصلی.و هذا واضح لا شک فیه.

و مما ذکره بعض الأساطین

من القواعد الجدیدة اللازمة علی القول بالإباحة:

6-أنه یجوز للآخذ بالمعاطاة أن یتصرف فی النماء الحادث من المأخوذ

بالمعاطاة قبل التصرف فیه،

و علیه فجواز التصرف فی النماء إما من ناحیة أن حدوث النماء مملک للنماء،و إما من ناحیة أن المالک الأصلی قد أذن للمباح له أن یتصرف فی النماء،کإذنه فی التصرف فی أصله.و علی الأول فإن قلنا بأن حدوث النماء مملک للنماء فقط،لا لأصله فهو بعید،إذ لا وجه للتفکیک-فی ذلک-بین النماء و أصله خصوصا فی النماء المتصل.علی أنه لم یعهد من مذاق الشارع المقدس أن یکون حدوث النماء فی العین من جملة الأسباب لتملک النماء.و إن قلنا بأن حدوث النماء مملک لنفسه و لأصله معا،أو قلنا بأنه مملک لأصله بالأصالة و لنفسه بالتبعیة فهو غریب، فان ذلک مناف لظاهر أکثر الفقهاء القائلین بعدم حصول الملکیة فی المأخوذ بالمعاطاة من دون التصرف فیه المتوقف علی الملک،و علی الثانی-و هو أن یکون التصرف فی النماء مستندا إلی إذن المالک-فشمول الاذن فی التصرف فی النماء أمر خفی لا یمکن

ص:120

الالتزام به،بدیهة أن المالک الأصلی لم یأذن للمباح له إلا فی التصرف فی نفس المأخوذ بالمعاطاة،لا فی متفرعاته الحاصلة بعد التعاطی.انتهی حاصل ما أفاده بعض الأساطین و قد أجاب عنه المصنف«ره»بوجهین:

الأول:أن حکم النماء-الحاصل من المأخوذ بالمعاطاة-حکم أصله،فکما أن الأصل لیس ملکا للآخذ،کذلک النماء.نعم یجوز للمباح له أن یتصرف فی النماء،کما کان له أن یتصرف فی أصله.

الوجه الثانی:أنه یمکن أن یکون النماء حادثا فی ملک المباح له بمجرد إباحة أصله:بأن یکون إباحة الأصل موضوعا لحکم الشارع بملکیة النماء انتهی ملخص کلامه فی الوجهین.

و لکن یتوجه علی الأول:أن المالک الأصلی إذا فرض أنه لم یأذن للمباح له إلا فی التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة،کان تصرف المباح له فی النماء تصرفا فی مال غیره بدون إذنه،فهو حرام عقلا و شرعا.

و یتوجه علی الثانی:أنه لا دلیل علی حدوث النماء فی ملک المباح له،إذ لم یحدث فی البین مملک لذلک النماء،و لا لأصله،و لا لهما معا.و لا یقاس هذا بما تقدم سابقا من تصویر ترتب الإباحة الشرعیة علی التعاطی،مع قصد المتعاطیین الملکیة، لما عرفته من أن ذلک من ناحیة الجمع بین الأدلة،و لا شبهة أن هذا لا یجری فی المقام[1].

ص:121

و یمکن الجواب عن بعض الأساطین بوجهین علی سبیل الانفصال الحقیقی:

1-أن النماء و إن لم یصر ملکا للمباح له و لکن یجوز له التصرف فیه، بداهة أن الاذن فی التصرف فی شیء یلازم عرفا الاذن فی التصرف فی توابعه و لوازمه فجواز التصرف فی النماء من لوازم جواز التصرف فی الأصل.

2-أن یکون کل واحد من النماء و أصله ملکا للمباح له،ضرورة أن المعاطاة بیع عرفی،فتکون مشمولة للعمومات الدالة علی صحة البیع و نفوذه.و لا ریب فی أن مقتضی ذلک إنما هو حصول الملکیة فی البیع المعاطاتی من أول الأمر.

کما هو کذلک فی موار البیع بالصیغة و لکنا قد التزمنا بعدم حصول الملکیة فی مورد البیع المعاطاتی من ناحیة الإجماع.و من الظاهر أن الإجماع دلیل لبی فیقتصر فیه بالمقدار المتیقن،و هو قبل حصول النماء فی المأخوذ بالمعاطاة.و إذن فلا مانع من التمسک بتلک العمومات و الحکم بصیرورة ذلک ملکا للآخذ بمجرد حصول النماء فیه.

و من القواعد الجدیدة اللازمة علی القول بالإباحة:

7-أنه إذا قلنا بأن المعاطاة تفید الإباحة لزم منه«قصر التملیک علی التصرف

مع الاستناد فیه إلی أن إذن المالک فیه إذن فی التملیک.فیرجع إلی کون المتصرف فی تملیکه نفسه موجبا قابلا.و ذلک جار فی القبض،بل هو أولی منه،لاقترانه بقصد

ص:122

التملیک دونه».

و یتوجه علیه:أنه لا مانع من اتحاد الموجب و القابل فی العقود،کما هو واضح علی أنک قد عرفت فیما تقدم:أن الجمع بین الأدلة یقتضی کون التصرف بنفسه مملکا للمتصرف بلا احتیاج فی ذلک إلی إذن المالک الأصلی لکی یلزم منه اتحاد الموجب و القابل.و أما القبض فهو لا یتوقف علی الملک حتی یلزم کونه مملکا من جهة الجمع بین الأدلة.و هذا بخلاف بعض أقسام التصرف،کالبیع و العتق و الوطی،فإن ذلک متوقف علی الملک جزما.کما عرفته قریبا.

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بالأصل

اشارة

هل الأصل فی المعاطاة و سائر العقود هو اللزوم،أم هو الجواز؟الظاهر هو الأول و قد استدل علیه المصنف بوجوه شتی منها:

1-أصالة اللزوم فی الملک،
اشارة

لأنا إذا فرضنا حصوله بالبیع المعاطاتی ثم شککنا فی زواله بفسخ أحد المتعاطیین و عدم زواله اقتضی الاستصحاب بقاءه.

و توضیح ذلک یقع فی نواحی ثلث:الناحیة الأولی أن المراد من الاستصحاب المذکور هو الاستصحاب الشخصی،لا الکلی.الناحیة الثانیة:أنا لو سلمنا کونه کلیا،إلا أنه لا محذور فی جریانه فی المقام الناحیة الثالثة:ما هو مقتضی القاعدة فیما إذا لم یتضح لنا أحدهما،بل دار الأمر بین کون الاستصحاب المزبور کلیا،و بین کونه شخصیا؟ثم إن الکلام فی هذه النواحی مع الأعضاء عن عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیة الإلهیة،و إلا فلا مورد للاستصحاب فی أمثال الموارد،علی ما حققناه فی علم الأصول.

الناحیة الأولی:أن المراد من استصحاب الملکیة فی المقام هو الاستصحاب الشخصی،

ص:123

لأن الملکیة لها حقیقة واحدة فإذا ترتبت علی البیع و نحوه من العقود المعاوضیة و شککنا فی بقائها و زوالها حکمنا ببقائها من ناحیة الاستصحاب.

و لیست لهذه الملکیة حقائق متعددة لکی یکون استصحابها کلیا،و أما التزلزل و الاستقرار فلیسا من ناحیة الاختلاف فی حقیقة الملک و ماهیته،بل هما منتزعان من حکم الشارع بجواز فسخ العقد و عدمه.و منشأ هذا الاختلاف إنما هو اختلاف عناوین المعاملات التی هی موضوع لحکم الشارع بالملکیة لا اختلاف حقیقة الملک.

و بتعبیر آخر:أن مورد الاستصحاب الکلی ما یکون المشکوک فیه مرددا بین الفرد الزائل و الفرد الباقی بحیث یکون الشک من ناحیة تردد المشکوک فیه بینهما، فإنه حینئذ یستصحب الکلی الجامع بین هذین الفردین،و مثال ذلک:الحیوان المردد بین ما یعیش سنة،و ما لا یعیش إلا یوما واحدا.و کالحدث المردد بین الأصغر الزائل بالوضوء،و الأکبر الذی لا یرتفع إلا بالغسل،و غیر ذلک من الأمثلة.

و أما لو کان الشک من ناحیة بقاء الفرد الحادث و ارتفاعه فی نفسه،لا من ناحیة کون الحادث مرددا بین الزائل و الباقی فإن المورد حینئذ إنما هو مورد الاستصحاب الشخصی،و ذلک کالشک فی بقاء الأمور الشخصیة و زوالها.و لا شبهة أن الملکیة من القبیل الثانی،مثلا إذا وهب أحد ماله لشخص ثم رجع عن هبته و شککنا فی أنها هبة جائزة لکی تنفسخ بالفسخ،أو هبة لازمة حتی لا تزول بالفسخ إذا شک فی ذلک استصحبنا الملکیة،لأن الشک فی بقاء شخص الملکیة و زوالها من ناحیة احتمال اقترانها بالرافع،لا من جهة تردد هذه الملکیة بین الفرد الزائل و الفرد الباقی.

و من الواضح أنه لو کان مجرد الشک فی بقاء شیء و زواله لاحتمال تحقق الرافع من الاستصحابات الکلیة لکان جل الاستصحابات لو لم یکن کلها من قبیل الاستصحاب الکلی و هو واضح البطلان.و اذن فلا یتوجه علی استصحاب الملکیة فی المقام

ص:124

ما یتوجه علی الاستصحاب الکلی من المناقشات[1].

ص:125

ثم إن المصنف«ره»قد أید ما أفاده من أن اللزوم و الجواز من أحکام السبب المملک،لا من خصوصیات الملکیة-بما حاصله:

أنه لو کان اللزوم و الجواز من ناحیة حقیقیة الملک لکان تخصیص القدر المشترک بإحدی الخصوصیتین إما بجعل المالک،أو بحکم الشارع،و علی الأول فیلزم تأثیر قصد المالک فی الرجوع و عدمه،و هو واضح البطلان.و علی الثانی فیلزم إمضاء الشارع العقد علی غیر ما قصده المنشئ،و هو أیضا بدیهی الفساد،لما عرفته فیما تقدم قریبا من أن العقود تابعة للقصود،فیستحیل أن یکون إمضاء الشارع من حیث هو إمضاء علی خلاف ما قصده المنشئ.

نعم یمکن أن یکون إنشاء المنشئ موضوعا لحکم الشارع علی خلاف مقصود المنشئ.

و لکنه غریب عن قاعدة تبعیة العقود للقصود.

و لکن یرد علیه أن الملکیة المنشئة فی کل عقد إنما هو ملکیة أبدیة فی غیر موارد جعل الخیار،و ذلک لما بیناه فی محله من استحالة الإهمال فی الواقعیات،

ص:126

و علیه فالمجعول فی الواقع إما مطلق أو مقید،و بما أنه غیر مقید علی الفرض لعدم جعل الخیار فیه،فلا مناص عن کونه مطلقا،و إذن فیلزم من إمضاء الشارع العقد مقیدا تخلف العقد عن القصد،سواء أ قلنا بأن اللزوم و الجواز من خصوصیات الملکیة، أم قلنا بأنهما من أحکام السبب المملک.و لکن لا محذور فی تخلف العقد عن القصد.

و قد وقع نظیره فی موارد شتی-کبیع الصرف و السلم و غیره-و قد أشرنا إلی ذلک فی البحث عن کلام بعض الأساطین:

الناحیة الثانیة:أنا لو سلمنا کون استصحاب الملکیة من الاستصحاب الکلی

و لکن لا محذور فی جریانه فی المقام،

لأنه من القسم الثانی من أقسام استصحاب الکلی الذی أثبتنا حجیته فی مبحث الاستصحاب من علم الأصول.و قد أشار المصنف إلی جریانه هنا بقوله:(مضافا إلی إمکان دعوی کفایة تحقق القدر المشترک فی الاستصحاب فتأمل).

و قد ناقش فیه المحقق الخراسانی بما هذا نصه:(لا مجال لدعوی الکفایة علی مختاره من عدم حجیة الاستصحاب مع الشک فی المقتضی.کما لا شبهة فی صحتها علی ما هو المختار من حجیته).

و ذکر السید:(أن ما ذکره المصنف(قده)لا وجه له فیما إذا کان الشک فی المقتضی أصلا،إذ حینئذ لا ارتفاع حتی یقال:إن الشک فیه مسبب عن وجود الفرد القصیر مثلا و الأصل عدمه).

و لکن التحقیق:أن ما نحن فیه لیس من موارد الشک فی المقتضی لکی یتوجه علی المصنف منافاة ما ذکره هنا لما بنی علیه فی الأصول.

و تحقیق:المقام و بیان أن الشک هنا لیس من موارد الشک فی المقتضی:أن الاحکام المجعولة علی ثلاثة أقسام:

1-ما یکون معلوم الدوام فی نفسه ما لم یطرأ علیه رافع،کالملکیة و الزوجیة

ص:127

و الطهارة و النجاسة و غیرها من الأمور الاعتباریة،فإنها بنفسها مقتضی للبقاء ما لم یطرأ علیه رافع.

2-ما یکون مغیا بغایة معینة بحیث ینعدم ذلک بنفسه بعد حصول تلک الغایة من غیر أن یکون له استعداد البقاء فی عمود الزمان،کالزوجیة المنقطعة،فإن ذلک ینصرم بنفسه بعد تحقق غایته بلا استناد إلی عروض عارض له.

3-ما یکون مشکوک الغایة،کما إذا تحققت زوجیة بین رجل و امرأة، و لم یعلم کونها دائمیة أو منقطعة.

أما القسم الأول فلا شبهة فی أن الشک فی بقائه من قبیل الشک فی الرافع فیجری فیه الاستصحاب علی مسلک المصنف و غیره.

و أما القسم الثالث فلا شبهة فی أن الشک فیه من قبیل الشک فی المقتضی فلا یجری فیه الاستصحاب علی مسلک المصنف،لأن المتیقن إذا لم یکن بنفسه مقتضیا للبقاء و قابلا للجری العملی علی طبقه،لاحتمال کونه محدودا بحد معین لم یکن عدم ترتیب الآثار علیه عند الشک فی بقائه من مصادیق نقض الیقین بالشک.و هذا الذی ذکرناه هو مراد المصنف مما أفاده فی فرائده حول هذا البحث،مع ما ذکره فی مبحث الخیارات من مکاسبه عند البحث عن أن خیار الغبن هل هو فوری،أم لا.و لکن لم یصل إلی مقصده غیر واحد من الأعلام.

و أما القسم الثانی فمع العلم بتحقق الغایة لا مجال لأن یجری فیه الاستصحاب.

کما أنه لا شبهة فی جریان الاستصحاب فیه مع الشک فی بقائه قبل تحقق الغایة،لأن ذلک من موارد الشک فی الرافع.

و إذا شک فی حصول الغایة فحینئذ قد یکون الشک فیه من ناحیة الشبهة الحکمیة،کالشک فی أن الغایة لوجوب صلاتی المغرب و العشاء هل هی نصف اللیل أم هی طلوع الفجر و قد یکون الشک فی ذلک من ناحیة الشبهة المفهومیة،کالشک

ص:128

فی أن الغروب الذی جعل غایة لوجوب صلاتی الظهر و العصر هل هو استتار القرص أم هو ذهاب الحمرة المشرقیة.و قد یکون الشک فی ذلک من ناحیة الشبهة الموضوعیة کالشک فی طلوع الشمس الذی جعل غایة لوجوب صلاة الصبح.

أما القسمان الأولان فالشک فی موردهما من الشک فی المقتضی فلا یجری فیهما الاستصحاب علی مسلک المصنف.

و أما الثالث فلا شبهة فی جریان الاستصحاب فیه،لأن الشک فی طلوع الشمس و عدمه و إن لم یکن شکا فی الرافع حقیقة،إذ الرافع إنما یکون زمانیا،لا نفس الزمان و لکنه بمنزلة الرافع فی أنظار أهل العرف.و إذن فیکون ذلک مشمولا لأدلة حجیة الاستصحاب هذا.و تفصیل الکلام فی مبحث الاستصحاب من علم الأصول.

و المتحصل من جمیع ما ذکرناه:أنا لو سلمنا عدم کون استصحاب الملکیة من الاستصحاب الشخصی.و لکنه من قبیل القسم الثانی من أقسام الاستصحاب الکلی الذی لا شبهة فی جریانه.و لیس ذلک من موارد الشک فی المقتضی لکی یحکم بعدم جریان الاستصحاب فیه بناء علی مسلک المصنف.

ثم إن المناقشات المتوجهة علی القسم الثانی من أقسام الاستصحاب الکلی و إن کانت کثیرة.و لکن المهم منها أمران:

1-أن وجود الکلی بوجود فرده،و عدم الکلی بعدم فرده.و علیه فالکلی فی ضمن الحصة الزائلة مقطوع الزوال.و هو فی ضمن الحصة الأخری مشکوک فیه من أول الأمر.و إذن فالکلی مردد بین مقطوع الزوال و مشکوک الحدوث و الجواب عن ذلک:

أن وجود الکلی لیس إلا عین وجود فرده.غایة الأمر أن الفرد ملحوظ بشرط شیء.و الکلی ملحوظ لا بشرط:أی عاریا عن الخصوصیات الفردیة و المشخصات الوجودیة.و علیه فإذا کان وجود الکلی أمرا یقینیا،و کان التردد فی

ص:129

خصوصیاته صح أن یقال:إنه متیقن الوجود،و یشک فی بقائه.و إذن فتکون أرکان الاستصحاب فی نفس الکلی تامة.

2-أن الشک فی بقاء الکلی،و فی ما هو القدر المشترک بین الفردین مسبب عن الشک فی حدوث الفرد الذی یبقی معه القدر المشترک علی تقدیر حدوثه.و إذا حکم بأصالة عدم حدوثه لزم منه ارتفاع القدر المشترک،بدیهة أن الأصل السببی حاکم علی الأصل المسببی علی ما حقق فی محله.و الجواب عنه:

أن الشک فی بقاء الکلی و ارتفاعه لیس مسببا عن الشک فی حدوث ذلک الفرد الذی نشک فی حدوثه.بل إنما هو من لوازم کون الحادث ذلک الفرد الذی لا یحتمل بقاؤه،أو الفرد الذی لا یحتمل ارتفاعه.و من الواضح أنه لیس هنا أصل یعین أحدهما.

و مثال ذلک:أنه إذا تردد الحدث الصادر من المکلف بین الأکبر و الأصغر ثم توضأ فإنه حینئذ یشک فی ارتفاع ذلک الحدث و بقائه.و علیه فلا یترتب علی أصالة عدم حدوث الأکبر ارتفاع کلی الحدث إلا بضمیمة القطع بأن الحادث هو الحدث الأصغر.و من البین أن هذا لا یثبت بأصالة عدم حدوث الأکبر.

و أضف إلی ذلک:أن أصالة عدم حدوث أی واحد من الفردین معارض بدء بأصالة عدم حدوث الفرد الآخر.و تسقطان بالمعارضة.فیبقی استصحاب کلی الحدث سلیما عن المعارض.و فی المقام أن استصحاب عدم الفرد اللازم من الملکیة یعارض استصحاب عدم الفرد الجائز منها الذی یرتفع بالفسخ.فیسقطان للمعارضة.فیرجع إلی استصحاب نفس الکلی الذی هو متیقن سابقا،و مشکوک فیه لاحقا.و لعل المصنف رحمه اللّه قد أشار إلی هذین الإشکالین مع جوابهما بالأمر بالتأمل.

الناحیة الثالثة:أنه إذا قلنا بعدم جریان الاستصحاب فی القسم الثانی من

الکلی،

و شککنا فی أن الاستصحاب فیما نحن فیه هل هو من الاستصحاب الشخصی

ص:130

لکی یحکم بجریانه،أم هو من الاستصحاب الکلی لکی یحکم بعدم جریانه،إذا کان الأمر کذلک فان کان المانع عن جریان الاستصحاب فی الکلی هو المناقشة الأولی المتقدمة قریبا-:أعنی بها تردد الکلی بین کونه فی ضمن الفرد الذی لا یحتمل بقاؤه،و بین کونه فی ضمن الفرد الآخر الذی هو مشکوک الحدوث من الأول فلا یجری الاستصحاب هنا،لأنه إذا خرج القسم الثانی من الکلی عن أدلة الاستصحاب و شککنا فی أن المورد من القبیل الخارج،أو من القبیل الباقی تحت العام،کان التمسک بعموم تلک الأدلة تمسکا بالعموم فی الشبهة المصداقیة.و هو لا یجوز علی ما حقق فی محله.

و إن کان المانع عن ذلک هو المناقشة الثانیة المتقدمة أیضا-:أعنی بها حکومة الأصل السببی علیه-فلا مانع عن استصحاب الملکیة،لأنه إن کان الاستصحاب کلیا فالمانع موجود:و هو الأصل الحاکم.و إن کان شخصیا فالمانع غیر موجود.

و حینئذ فیقع الشک فی وجود المانع عن استصحاب الملکیة،و عدم وجوده.و من البین الذی لا ریب فیه أنه ما لم یحرز الأصل الحاکم لا مانع عن جریان الأصل المحکوم و إذن فلا مانع عن استصحاب الملکیة فی المقام.و لعل هذا هو مراد المصنف من قوله:(مع أنه یکفی فی الاستصحاب الشک فی أن اللزوم و الجواز من خصوصیات الملک،أو من لوازم السبب المملک) بل هذا هو أمس بکلامه،فان الإیراد المهم علی جریان الاستصحاب فی القسم الثانی من الکلی هو الإیراد الثانی.

و یمکن أن یکون غرضه من هذه العبارة:أن المنع عن جریان استصحاب الملکیة مبنی علی إحراز أن اللزوم و الجواز من خصوصیات الملک و من الظاهر أنا إذا لم نحرز ذلک لم یکن مانع عن الاستصحاب المذکور.

و قد ذکر شیخنا الأستاذ بما حاصله:أن المورد و إن کان من موارد التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة،إلا أنه لا بأس به فی المقام،بداهة أن المانع عن جریان الاستصحاب فی

ص:131

القسم الثانی من أقسام الکلی إنما هو العقل من ناحیة أن الکلی إن کان فی ضمن الفرد الزائل فهو مقطوع الزوال.و إن کان فی ضمن الفرد الآخر فهو مشکوک الحدوث و علیه فإذا شککنا فی مورد أنه من مصادیق الاستصحاب الشخصی لیجری فیه الاستصحاب،أو من مصادیق الاستصحاب الکلی لکی لا یجری فیه ذلک،حکمنا بجریانه فیه،ضرورة أن المخصص لعموم لا تنقض الیقین بالشک دلیل لبی فیقتصر فیه بالأفراد المتیقنة،و یتمسک فی غیرها بعموم أدلة الاستصحاب انتهی ملخص کلامه.و الجواب عن ذلک:

أن هذه الکبری التی أفادها و إن کانت مسلمة فی نفسها علی ما نقحناه فی علم الأصول،و لکنها لا تنطبق علی ما نحن فیه،بداهة أن التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة فیما إذا کان هناک فرد معلوم،و دار أمره بین دخوله فی أفراد المخصص،و عدم دخوله فی ذلک من ناحیة شبهة خارجیة.کما إذا ترددت الید الموضوعة علی مال الناس بین کونها ید ضمان و کونها ید أمانة.و کالماء المردد بین کونه معتصما،و کونه غیر معتصم و کالعام المردد بین دخوله تحت الخاص و دخوله تحت العام،فإن أشباه هذه الأمثلة من صغریات التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.و أما إذا شک فی صدق عنوان العام علی فرد فهو لیس من موارد التمسک بالعام قطعا.و المقام من هذا القبیل.

و السر فی ذلک:أن قوام الاستصحاب إنما هو باتحاد القضیة المتیقنة مع القضیة المشکوکة لکی یکون رفع الید عن الیقین السابق من نقض الیقین بالشک.و من الظاهر أن هذا المعنی لم یحرز فی المقام،إذ بناء علی المناقشة الأولی التی وجهوها علی الاستصحاب الکلی کانت القضیة المتیقنة غیر القضیة المشکوکة.فإذا احتمل کون الاستصحاب من الاستصحاب الکلی لم یمکن التمسک بأدلة الاستصحاب،لعدم إحراز انطباق العنوان المأخوذ فیها علی مورد الشک.

ثم إنه ذکر السید فی حاشیته:(أن التحقیق إمکان استصحاب الفرد الواقعی المردد

ص:132

بین الفردین،فلا حاجة إلی استصحاب القدر المشترک حتی یستشکل علیه بما ذکرنا).

و یرد علیه:أنه إن کان المراد من الفرد المردد ما هو مردد فی الواقع حتی فی علم اللّه(تعالی)فهو بدیهی البطلان،إذ لا وجود للفرد المردد فی أی وعاء من الأوعیة.و إن کان المراد منه الموجود المعین علی تردده:بمعنی أن المستصحب هو الوجود الخارجی مع قطع النظر عن الخصوصیات المفردة فهو عین الکلی،لا شیء آخر وراءه.

قوله:(و کذا لو شک فی أن الواقع فی الخارج هو العقد اللازم،أو الجائز، کالصلح من دون عوض و الهبة.نعم لو تداعیا احتمل التحالف فی الجملة). أقول حاصل کلامه:أنه کما تجری أصالة اللزوم فی أی عقد شک فی لزومه و عدمه.کذلک تجری فی أی عقد وقع فی الخارج،و شک فی أنه من القسم الجائز أو اللازم،لأنه حینئذ یشک فی أن العقد الموجود فی الخارج هل یرتفع بالفسخ،أم لا یرتفع بذلک فیستصحب بقاؤه.و تثبت به نتیجة اللزوم.و علیه فتأثیر الفسخ فی العقد یتوقف علی إحراز أنه عقد جائز،و إلا فلا یؤثر فیه الفسخ.و هذا واضح لا شک فیه.

و مثال ذلک:أنه إذا وقع عقد فی الخارج،و دار أمره بین الصلح بلا عوض لکی یکون لازما،و بین الهبة غیر المعوضة لکی یکون جائزا،إذا کان کذلک فان کان النزاع هنا فی لزوم العقد و جوازه من غیر نظر إلی عنوانی الصلح و الهبة بأن یدعی أحد المتعاقدین لزوم العقد،و یدعی صاحبه جوازه-فیجب تقدیم دعوی مدعی اللزوم،لأن دعواه موافقة للأصل فیکون منکرا.و إن کان النزاع فی أن الواقع فی الخارج هل هو الصلح بلا عوض،أم هو الهبة غیر المعوضة فیحکم بالتحالف إذ لا أصل لنا فی المقام حتی یعین أحد الأمرین.و الجواب عن ذلک:

أولا:أن هاتین الصورتین کلتیهما من صغریات المدعی و المنکر،لا التداعی ضرورة أن مصب الدعوی فیهما لیس إلا اللزوم و الجواز،لا کل واحد من عنوانی

ص:133

الصلح و الهبة،لأن الغرض من دعوی الصلح هو إثبات لزوم العقد و عدم تأثیر الفسخ فیه.کما أن الغرض من دعوی الهبة هو إثبات جواز العقد،و تأثیر الفسخ فیه.و إذن فمرجع النزاع فی المقام إلی اللزوم و الجواز.فیکون ذلک خارجا عن مورد التداعی.

و بتعبیر آخر:أن النظر فی باب المرافعات إنما هو إلی الغرض الأقصی،و إلی النتیجة المترتبة علی الدعوی.و علیه فان کان قول کل من المترافعین موافقا للأصل من ناحیة،و مخالفا له من ناحیة أخری فهو من موارد التداعی.و إن کان قول أحدهما موافقا للأصل دون الآخر فهو من موارد المدعی و المنکر.و أما کیفیة ترتیب الدعوی من دون أن تکون هذه الکیفیة موردا للغرض فلا یترتب علیها أثر مهم فی باب المرافعات.و إذن فلا ثمرة لإثبات أن العقد الموجود فی الخارج صلح بلا عوض،أو هبة غیر معوضة.

ثانیا:أنا لو سلمنا تعلق الغرض بأی واحد من عنوانی الصلح و الهبة،و لکن لا نسلم انتهاء الأمر إلی التحالف،إذ یترتب الأثر علی الأصل الجاری فی ناحیة الهبة و هو عدم جواز الرجوع إلی العین الموهوبة،ضرورة أن جواز الرجوع إلیها من آثار الهبة و من الظاهر أن أصالة عدم کون العقد-الواقع فی الخارج-هبة تنفی ذلک ابتداء،و تثبت عدم جواز الرجوع بالمطابقة،بلا احتیاج إلی الواسطة العقلیة فی ترتب الأثر.و أما الأصل الجاری فی ناحیة الصلح فلا یترتب علیه جواز الرجوع إلا علی القول بالأصل المثبت،لأن جواز الرجوع إلی العین من اللوازم العقلیة لعدم الصلح.و من البین أنه لا معارضة بین الأصلین الذین ترتب الأثر الشرعی علی أحدهما دون الآخر[1].

ص:134

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بدلیل السلطنة

و مما استدل به المصنف علی لزوم المعاطاة:

2-قوله(صلی الله علیه و آله):إن الناس مسلطون علی أموالهم.البحار ج 1 ص 154

ص:135

و بیان الاستدلال بذلک علی لزوم المعاطاة:أنک قد عرفت فیما تقدم أن المعاطاة تفید الملکیة.و من الظاهر أن الملکیة لا تنفک عن السلطنة الفعلیة علی التصرف فی المملوک بأنحاء التصرفات إلا مع قیام الدلیل الخارجی علی الانفکاک-کما فی موارد الحجر و علیه فسلطنة کل مالک تقتضی بقاء ماله فی ملکه،و لا یجوز لغیره أن یزاحمه فی تصرفاته،و یخرجه عن ملکه،فان ذلک مناف لسلطنة المالک الفعلیة.

و من هنا یندفع ما توهم من أن غایة ما یستفاد من الحدیث أن المالک له السلطنة علی ماله فعلا.و هذا لا ینافی زوالها برجوع المالک الأصلی إلی ما أعطاه لصاحبه

ص:136

بالبیع المعاطاتی.نعم یمکن إثبات الملکیة للمالک الثانی بعد رجوع المالک الأول إلی العین بالاستصحاب إلا أنه رجوع عن التمسک بدلیل السلطنة إلی التمسک بالأصل الذی تقدم البحث عنه تفصیلا.

و وجه الاندفاع أن الحکم بعدم جواز انتزاع ملک المالک الثانی إنما هو بهذه السلطنة الفعلیة.و لا شبهة فی أنها مانعة عن تأثیر رجوع المالک الأول فی إزالة ملکیته.

و علی هذا فلا نحتاج إلی الاستصحاب لکی یکون ذلک رجوعا عن التمسک بدلیل السلطنة إلی التمسک بالاستصحاب.

و یتوجه علی هذا الاستدلال أولا:أن النبوی المذکور ضعیف السند و غیر منجبر بشیء،و لا أنه مذکور فی کتب الشیعة إلا مرسلا.و من البین أنا لا نعتمد علی المراسیل فی شیء من الأحکام الشرعیة.

ثانیا:أن المقصود من النبوی المذکور بیان استقلال المالک فی التصرف فی أمواله فی الجهات المشروعة،و عدم کونه محجورا عن التصرف فی تلک الجهات.و لیس لغیره أن یزاحمه فی ذلک.

و علیه فلا دلالة فی الحدیث علی استقلال الملاک فی التصرف فی أموالهم من جمیع الجهات.و بأی تصرف من أنحاء التصرفات.و أیضا لا دلالة فیه علی استمرار السلطنة الفعلیة للمالک و بقائه حتی بعد رجوع المالک الأول فی مورد المعاطاة.و قد تقدم تفصیل ذلک عند الاستدلال علی إفادة المعاطاة الملکیة.

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بحرمة التصرف فی مال غیره

و مما استدل به المصنف علی لزوم المعاطاة:

3-قوله(علیه السلام)لا یحل مال امرئ إلا عن طیب نفسه[1].و وجه

ص:137

الاستدلال به علی ذلک:أن سبب حلیة التصرف فی أموال الناس إنما هو منحصر برضی المالک فلا یحل شیء من التصرفات المالکیة فیها إلا باذنه و رضاه.قیل:

إن المستفاد من الروایة إنما هو حرمة التصرف فی أموال الناس بدون رضاهم.

و لا ریب فی أنه بعد رجوع المالک الأول إلی ما أعطاه لصاحبه بالمعاطاة لم یبق موضوع لحرمة التصرف فی مال غیره.و الجواب عنه:

أن تعلق عدم الحل بمال غیره یشمل التملک أیضا.و من الواضح أنه لا معنی

ص:138

لحرمة التملک إلا فساده و عدم تأثیره فی الملکیة.و علیه فمفاد الروایة أنه لا یحل التصرف فی مال أحد و لا تملکه بأی سبب من الأسباب إلا بطیب نفسه.

و لکن یتوجه علی الاستدلال المزبور:أن الحل فی اللغة هو الإطلاق و الإرسال.

و یقابله التحریم،فإنه بمعنی المنع و الحجر.و قد تقدم فی البحث عن إفادة المعاطاة الملکیة أن الحل بهذا المعنی یناسب الحلیة الوضعیة و التکلیفیة کلتیهما.و علیه فکما یصح استعمال لفظ الحل فی خصوص الحلیة الوضعیة أو التکلیفیة.کذلک یصح استعماله فیهما معا.و یختلف ذلک حسب اختلاف القرائن و الموارد.مثلا:إذا أسند لفظ الحل إلی الأمور الاعتباریة-کالبیع و نحوه-أرید منه الحل الوضعی و التکلیفی معا.و إذا أسند ذلک إلی الأعیان الخارجیة أرید منه الحل التکلیفی فقط:أعنی به الترخیص فی الفعل.کقوله(تعالی) (وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ) (1)و هکذا الحال فی لفظ التحریم.و علیه فلفظ الحل فی الروایة الشریفة إنما نسب الی المال.و هو إما من الأعیان الخارجیة،أو من المنافع.و علی کلا التقدیرین فلا معنی لحلیة ذلک إلا باعتبار ما یناسبه-کالتصرف-و إذن فیراد من حلیة المال حلیة التصرف فیه.کما أن المراد من حلیة المأکولات حلیة استعمالها و هکذا فی کل مورد من الموارد حسب ما تقتضیه مناسبة الحکم و الموضوع.و علی هذا فمعنی الروایة:أن الشارع المقدس لم یرخص فی التصرف فی مال امرئ إلا بطیب نفسه.و إذن فهی أجنبیة عما نحن فیه.

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بآیة التجارة عن تراض

و مما استدل به المصنف(ره)علی لزوم المعاطاة:

4-قوله(تعالی) «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ» (2)و ملخص کلامه:أن الاستدلال بهذه الآیة علی لزوم البیع المعاطاتی-بل علی لزوم مطلق التجارة عن تراض-تارة بعقد

ص:139


1- 1) سورة الأعراف.الآیة:157.
2- 2) سورة النساء.الآیة:33.

المستثنی:و هو قوله(تعالی) إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ. و اخری بعقد المستثنی منه:و هو قوله(تعالی) لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ أما العقد الأول فمفاده:أنه لا یجوز لأحد أن یتملک أموال الناس بسبب من الأسباب الباطلة التی لم یمضها الشارع-کالقمار و الغزو و البیع الربوی و بیع المنابذة و الملامسة و الحصاة و أشباه ذلک-إلا أن یکون هذا السبب تجارة عن تراض.و علی هذا فالأکل فی الآیة الشریفة کنایة عن التملک و التصرف.کما هو المتعارف فی کلمات الفصحاء،بل فی کل لغة.و إذن فتدل الآیة علی أن حلیة تملک أموال الناس بالأسباب الصحیحة منحصرة فی التجارة عن تراض،فأن غیرها من أسباب المعاملات التی منها التملک بالفسخ فاسدة.و لا یفرق فی انفهام الحصر من الآیة الشریفة بین کون الاستثناء متصلا -کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة-و بین کونه منقطعا.و قد تقدم تفصیل ذلک عند الاستدلال بالآیة علی کون المعاطاة مفیدة للملک.

و أما العقد الثانی فمفاده:أن تملک أموال الناس بغیر رضی منهم تملک بالباطل عرفا و شرعا.إلا أن یأذن به الشارع الذی هو المالک الحقیقی،و علیه فیکون تملک المال بالفسخ أکلا له بالباطل،إلا أن یثبت جواز الفسخ بتعبد شرعی:بأن یحکم الشارع بجواز التملک بالفسخ و نحوه من دون رضی المالک.و حینئذ فیکون التملک بالفسخ خارجا عن الأکل بالباطل.و علی هذا فشأن التملک بالفسخ الثابت شرعا شأن أکل المارة من ثمرة الشجرة الممرور بها،و الأخذ بالشفعة،و غیرهما من الموارد التی قد أذن الشارع فی التصرف فی أموال الناس بدون إذنهم.

و من هنا أتضح لک جلیا أن التوهم المتقدم فی التکلم علی الروایتین-و هما دلیل السلطنة.و دلیل حرمة التصرف فی أموال الناس غیر جار فی المقام لکی نحتاج الی جوابه،لأن المستفاد من الآیة-کما عرفته-إنما هو حصر تملک أموال الناس -علی الوجه الشرعی-فی التجارة عن تراض.و أن غیر ذلک یعد من الأسباب

ص:140

الباطلة.و إذن فلا یبقی مجال لتوهم أن کون المأخوذ بالمعاطاة مال الآخذ بعد رجوع المالک الأول إلیه أول الکلام.و هذا واضح لا خفاء فیه.

و فی بعض نسخ المتن هکذا:(أن التوهم المتقدم جار هنا)و لکنه سهو من قلم النساخ بدیهة أن صریح کلام المصنف علی خلافه و یمکن أن یکون الغرض من هذه العبارة:أن التوهم المتقدم جار هنا مع جوابه و لکنه خلاف الظاهر منها.

و یرد علیه:أن هذا الاستدلال مبنی علی أن یکون المراد من الباطل هو الباطل العرفی لکی یکون ذلک أمرا معلوما فی نظر أهل العرف و متمیزا عن السبب الصحیح.

و أما لو أرید منه الباطل الواقعی-کما هو الظاهر لأن الألفاظ موضوعة للمفاهیم الواقعیة-أو احتملت إرادة ذلک من کلمة الباطل فی الآیة فلا یمکن الاستدلال بها علی المقصود،لأنا نحتمل احتمالا عقلائیا أن یکون الفسخ من الأسباب الصحیحة للأکل لا من الأباطیل الواقعیة.و علیه فیکون التمسک بالآیة فی المقام من قبیل التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.و هذا ظاهر.

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بدلیل وجوب الوفاء بالشرط

و مما استدل به المصنف رضوان اللّه علیه علی لزوم المعاطاة:

5-قوله(صلی الله علیه و آله):المؤمنون عند شروطهم[1]و حاصل کلامه هنا:أن

ص:141

الشرط فی اللغة عبارة عن مطلق الالتزام.فیشمل الالتزامات المعاملیة.سواء أ کانت مبرزة بمظهر قولی،أم کانت مبرزة بمظهر فعلی.و علیه فمعنی الروایة:هو أن المؤمن ملزم بشرطه،و أن شرطه لا یزول بالفسخ.و الجواب عن هذا الاستدلال:

أولا:أن الشرط فی اللغة بمعنی الربط بین شیئین.و قد أشیر إلیه فیما حکی عن القاموس من أن الشرط هو الالتزام فی بیع و نحوه.و فی أقرب الموارد:شرط علیه فی البیع و نحوه شرطا:ألزمه شیئا فیه.و إذن فالشروط الابتدائیة خارجة عن حدود الروایة.

ثانیا:أنا لو سلمنا شمول الروایة للشروط الابتدائیة.و لکن لیس المراد من الالتزام هو الالتزام الوضعی:بمعنی أن ما التزم به المؤمن لا یزول بفسخه،بل المراد من ذلک إنما هو الالتزام التکلیفی:أی یجب علی کل مؤمن الوفاء بشرطه،لأنه من علائم الایمان.و علی هذا فشأن الروایة شأن قولنا:إن المؤمن عند عدته.

الاستدلال علی لزوم المعاطاة بدلیل وجوب الوفاء بالعقد

و مما استدل به المصنف علی لزوم المعاطاة:

6-قوله(تعالی) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

لا ریب فی دلالة هذه الآیة الکریمة علی لزوم البیع المعاطاتی،بل علی لزوم کل عقد،لأن معنی الوفاء هو التمام.و من هنا یقال:الدرهم الوافی:أی الدرهم التام.

و معنی العقد إما العهد المطلق کما صرح به بعض أهل اللغة أو العهد الوثیق کما صرح به بعض آخر من أهل اللغة أیضا.

و المراد من الأمر بالوفاء بالعقد هو الإرشاد إلی لزومه،و عدم انفساخه بالفسخ، إذ لو کان الأمر بالوفاء تکلیفیا لکان فسخ العقد حراما و هو واضح البطلان.و علیه فمفاد الآیة:أنه یجب الوفاء بکل ما صدق علیه عنوان العقد عرفا.و من الواضح جدا أن المعاطاة عقد عرفی کسائر العقود،فتکون مشمولة لعموم الآیة.

ص:142


1- 1) سورة المائدة الآیة:1.
الاستدلال علی لزوم المعاطاة بأدلة خیار المجلس

و مما استدل به المصنف علی لزوم المعاطاة:

7-الأخبار (1)الدالة علی لزوم البیع و وجوبه بعد تفرق المتبایعین.و قد عرفت أن المعاطاة بیع بالحمل الشائع،فتکون مشمولة لعموم تلک الروایات.قیل:

إن هذه الروایات و إن دلت علی لزوم البیع بعد تفرق المتبایعین عن مجلس العقد.إلا أن المراد من اللزوم إنما هو اللزوم من ناحیة خیار المجلس فقط،لا من جمیع النواحی،و علی وجه الإطلاق.و إذن فتبعد تلک الروایات عما نحن فیه.و الجواب عن ذلک:

أن هذا الاحتمال و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت،و لکنه خلاف الظاهر من الروایات المزبورة فی مقام الإثبات،فإن إطلاقها یقتضی اللزوم-علی وجه الإطلاق- بعد التفرق.فلا موجب لصرفها الی اللزوم من ناحیة خیار المجلس.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

تتمة البحث عما یرجع الی لزوم المعاطاة

ربما یتوهم:أن الظاهر-فیما نحن فیه-قیام الإجماع علی عدم لزوم المعاطاة.بل ادعاه صریحا بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد.و تعاضده الشهرة المحققة بین الأصحاب.بل لم یوجد قائل باللزوم إلی زمان بعض متأخری المتأخرین.

نعم نسب هذا الرأی إلی المفید(ره)إلا أن العبارة المحکیة عنه لا تدل علی ذلک.

بل ادعی فی الغنیة الإجماع علی عدم کون المعاطاة بیعا.و لا شبهة فی أن هذه الدعوی صریحة فی عدم لزوم المعاطاة.

ص:143


1- 1) راجع الوافی ج 10 ص 68.

و لکن هذا التوهم فاسد،إذ لا یرجع شیء من الأمور المذکورة إلی معنی محصل:

أما الإجماع المحصل فهو غیر حاصل جزما،لأن مدرکه إنما هو القطع بقول الامام(علیه السلام) و من الظاهر أن منشأ هذا القطع إما العلم بوجود الامام(علیه السلام)بین المجمعین.أو قاعدة اللطف التی أسسها الشیخ الطوسی(ره)،أو الحدس القطعی.

أما الأول فهو بدیهی الفساد،لعدم العلم بوجود الامام(علیه السلام)بین القائلین:

بأن المعاطاة تفید الملکیة الجائزة.و أما الثانی فلأن قاعدة اللطف غیر تامة،کما حقق ذلک فی محله.و أما الثالث فلأن من المحتمل القریب،بل و من المظنون قویا أن کثیرا من القائلین بکون المعاطاة مفیدة للملکیة الجائزة إنما استندوا فی رأیهم هذا الی وجوه أخر.و إذن فلیس لنا فی المقام إجماع محصل تعبدی.

و أما الإجماع المنقول فلا دلیل علی حجیته و قد ذکرنا ذلک فی علم الأصول.

و یضاف إلیه:أنه لا أساس لنقل الإجماع إلا حصوله فی زمان،فإذا اضمحل الإجماع المحصل-لما ذکرناه قریبا-اضمحل الإجماع المنقول أیضا.

و أما ما ذکره فی الغنیة من قیام الإجماع علی أن المعاطاة لیست ببیع فهو واضح البطلان،لأن المعاطاة بیع بالحمل الشائع.و مفهوم البیع من المفاهیم العرفیة.و من البدیهی أنه لا معنی لقیام الإجماع التعبدی علی المفاهیم العرفیة إثباتا أو نفیا إلا أن یکون مراده من ذلک نفی الصحة أو اللزوم،و علیه فیجاب عنه بأن الإجماع المنقول لا دلیل علی حجیته.

و أما الشهرة فقد ذکرنا فی علم الأصول أنه لم یقم دلیل علی حجیتها لأنها لا تفید إلا الظن.و الظن لا یغنی من الحق شیئا.و مع الإغضاء عن ذلک:أن الشهرة قد قامت علی أن المعاطاة تفید الإباحة،و لم تقم علی أنها تفید الملکیة الجائزة،ضرورة أن القول بالملکیة لم یکن مغروسا بین قدماء الأصحاب.و إنما ذهب الیه المحقق الکرکی،و شید أساسه،ثم تبعه جمع من متأخری المتأخرین حتی اشتهر بینهم.و إذن فتبعد الشهرة عن

ص:144

دعوی الملکیة،فضلا عن کونها مؤیدة لحصولها إلا أن یکون غرض المدعی-من الشهرة هو الشهرة بین متأخری المتأخرین.و لکن هذه الشهرة معارضة مع الشهرة بین القدماء القائمة علی أن المعاطاة تفید الإباحة.

و علی الجملة:إنا لو فرضنا ثبوت الاتفاق من العلماء علی عدم لزوم المعاطاة لم یکشف ذلک عن الدلیل المعتبر،بدیهة أن قیام الإجماع علی نفی اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع.کما نبه علیه المصنف إذ القول باللزوم فرع الملکیة و من الظاهر انه لم یقل بها الا المحقق الثانی و جمع ممن تأخر عنه.و أما قدماء الأصحاب فذهبوا الی أن المعاطاة تفید الإباحة.

قوله:(بل یمکن دعوی السیرة علی عدم الاکتفاء فی البیوع الخطیرة التی یراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضی) أقول:حاصل کلامه:أن السیرة قائمة علی عدم الاکتفاء بالتعاطی فی الأشیاء الخطیرة و الأمتعة المهمة.بل الناس ینشؤون فیها البیع بالألفاظ المتداولة بینهم.نعم یکتفون بالتعاطی فی الأشیاء الزهیدة.و الأمتعة المحقرة و لا یلتزمون فیها بعدم جواز الرجوع.

و یرد علیه:ان السیرة المزبورة لا تصلح لتقیید الأدلة المتقدمة الدالة علی لزوم المعاطاة،بدیهة أن عدم اکتفاء الناس بالتعاطی فی المعاملات المهمة لیس من ناحیة السیرة بل إنما هو من جهة تقلیدهم لعلمائهم القائلین بکون المعاطاة مفیدة للإباحة.

و أضف الی ذلک:ان الالتزام بهذه السیرة یقتضی الفرق بین المعاطاة فی الأشیاء الخطیرة.و بین المعاطاة فی الأشیاء الحقیرة و من الواضح انه لم یلتزم به المشهور من الأصحاب و ان ذهب الیه بعض العامة[1]و لکنه مخالف لإطلاق الأدلة الدالة

ص:145

علی لزوم المعاطاة

نظرة فی الاخبار المذکورة حول المعاطاة

قوله:(و قد یظهر ذلک من غیر واحد من الاخبار). أقول:قد ذکر السید فی شرح هذه العبارة ما هذا نصه:(یعنی یظهر اشتراط اللزوم بکون إنشاء المعاملة باللفظ فی الجملة.و لعل نظره فی ذلک الی ما أشرنا إلیه سابقا(أی عند الاستدلال علی صحة المعاطاة)من الخبر الوارد فی بیع المصحف و الوارد فی بیع أطنان القصب.و یمکن ان یکون نظره الی ما سینقله من الاخبار التی ادعی إشعارها أو ظهورها).

و التحقیق:انه ان کان نظر المصنف-من العبارة المتقدمة-الی ما أفاده السید فلا نعقل له وجها صحیحا،بدیهة أنه لا دلالة فی الخبر الوارد فی بیع المصحف،و لا فی الخبر الوارد فی بیع أطنان القصب،و لا فی الروایات الآتیة-الواردة فی أن المحلل و المحرم هو الکلام-لا دلالة فی شیء من هذه الروایات[1]علی اعتبار اللفظ فی لزوم البیع،فإنها غیر ناظرة إلی کیفیة إنشاء البیع.و ان کان نظره الی غیرها من الروایات فلم نجدها فی أصول الحدیث و لا فی کتب الاستدلالیة.

و أضف الی ذلک:انه لو کانت هنا روایة تدل علی اعتبار اللفظ فی لزوم البیع لتمسک بها المصنف بها فی المقام.و لم یحتج الی التمسک بالسیرة.بل لم یبق مجال لقوله(بل یظهر منها ان إیجاب البیع باللفظ دون مجرد التعاطی کان متعارفا بین أهل السوق و التجار) ضرورة أنه بعد وجود الروایة المعتبرة الدالة علی اعتبار اللفظ فی لزوم البیع لا تصل النبوة إلی الأمور الاستحسانیة.

و لکن نحتمل قویا أن تکون کلمة ذلک فی قوله:(و قد یظهر ذلک من غیر

ص:146

واحد من الاخبار) إشارة الی ما ذکره قبل هذه العبارة من جعل اللفظ من جملة القرائن علی قصد التملیک بالتقابض فان هذا المعنی یظهر من الروایات العدیدة[1]بل یظهر من جملة منها[2]ان إنشاء البیع باللفظ کان متعارفا بین التجار و أهل السوق.

و علی هذا فلا وهن فی کلام المصنف(ره).

قوله:(بقی الکلام فی الخبر[3]الذی تمسک به فی باب المعاطاة).

أقول:قد استدل بهذا الخبر تارة علی ان المعاطاة لا تفید اباحة التصرف.و تارة أخری علی انها لیست بلازمة جمعا بینه،و بین ما دل علی صحة مطلق البیع،کما صنعه فی الریاض.

ثم انه قد احتمل المصنف فی قوله«ع»انما یحلل الکلام،و یحرم الکلام.

وجوها أربعة:

1-أن یراد من الکلام فی المقامین اللفظ الدال علی التحریم و التحلیل بأن یختص التحلیل و التحریم بالنطق.

ص:147

2-ان یراد به اللفظ مع مضمونه.و یکون الغرض ان المطلب الواحد من حیث الحکم الشرعی یختلف باختلاف المضامین المؤداة بالکلام.

3-أن یراد من الکلام فی الفقرتین الکلام الواحد و یکون الاختلاف فی التحریم و التحلیل باعتبار الوجود و العدم و قد بنی المحدث القاسانی علی هذا المعنی فی الوافی و قال:(الکلام هو إیجاب البیع و انما یحلل نفیا.و انما یحرم إثباتا.) 4-أن یراد من الکلام المحلل خصوص المقاولة و من الکلام المحرم إیجاب البیع لانه بیع قبل الشراء.و هو لیس بجائز.

و لا یخفی علیک ان أساس الاستدلال بالخبر المذکور علی عدم لزوم المعاطاة أو علی عدم إفادتها الملکیة،أو علی عدم إفادتها إباحة التصرف مبنی علی الوجه الأول.

و بیان ذلک:انه یستفاد من ذلک الخبر ان المحلل و المحرم-فی الشریعة المقدسة-انما هو منحصر فی الألفاظ المبرزة للمقاصد.و انه لا یقع التحلیل و التحریم بالقصد الساذج غیر المبرز بمبرز،و لا بالقصد المبرز بغیر الألفاظ.و علی هذا فلا وجه لما التزم به صاحب الریاض من الاستدلال بالخبر المزبور علی عدم لزوم المعاطاة جمعا بینه و بین ما دل علی صحة مطلق البیع.

و یرد علیه أولا:أن حصر المحلل و المحرم فی الکلام یستلزم التخصیص بالأکثر لکثرة المحلل و المحرم-فی الشریعة المقدسة-من غیر الألفاظ ضرورة ان تنجس المأکولات و المشروبات محرم.و تطهیرها محلل و التذکیة محللة،و عدمها محرم و غلیان العصیر العنبی محرم و ذهاب ثلثیه محلل.و صیرورة العصیر خمرا محرم و تخلیلها محلل.

و الجلل محرم لما یؤکل لحمه.و استبراؤه محلل.و خلط المال الحرام بالمال الحلال محرم.

و تخمیسه محلل.و أیضا وطی الحیوان الذی یؤکل لحمه محرم.و الدخول بالمرأة محرم لتزویج بنتها و الإیقاب فی الغلام محرم لتزویج أمه و بنته و أخته.

ص:148

و أیضا قد جوز الشارع المقدس التصرف فی أموال الناس فی موارد شتی من دون أن یکون فیها محلل کلامی.و ذلک کالتصرف فی الأراضی الواسعة و الأنهار الکبار و کأکل المارة من ثمرة الشجرة الممرور بها بل ورد فی القرآن الکریم جواز الأکل من بیوت الأصدقاء و الأحباء و إن لم یدل علیه أذن لفظی (1).

و أیضا قد اتفق المسلمون من الشیعة و أهل السنة علی انثلام ذلک الحصر فی فی باب العقود أیضا،فإنهم قد التزموا بجواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة.سواء أ کانت المعاطاة مفیدة للملک،أم کانت مفیدة للإباحة.و لم ینسب الی احد فساد ذلک إلا إلی العلامة فی بعض کتبه،و قد ثبت رجوعه عن هذا الرأی فی بعض کتبه الأخری و دعوی انصراف الخبر عن الأمور المذکورة لکیلا تلزم کثرة التخصیص دعوی جزافیة.

ثانیا:أن الروایة لا تنطبق علی هذا الوجه،إذ المستفاد منها أن السائل قد سأل الإمام(علیه السلام)عن الرجل یقاوله،و یقول له:اشتر هذا الثوب أربحک کذا و کذا.

و أجاب الإمام(علیه السلام)عن هذا السؤال:بأنه أ لیس إن شاء أخذ و إن شاء ترک قال السائل:بلی.قال الامام(علیه السلام):لا بأس به إنما یحلل الکلام،و یحرم الکلام.و علیه فهذه الروایة-سؤالا و جوابا-أجنبیة عن مورد المعاطاة،و إنما هی تبین حکم البیع قبل الاشتراء.

و الذی نفهمه من الروایة-و لو بقرینة الروایات التی ذکر فیها قوله(علیه السلام):

إنما یحرم الکلام-و سیأتی قریبا التعرض لها فی الحاشیة-أن المضمون الواحد إذا أنشئ بکلام کان محللا.و إذا أنشئ بکلام آخر کان محرما.أو أن الکلام الواحد یکون محللا فی مورد و محرما فی مورد آخر.و ذلک لأن الکلام من قبیل الاعراض.و قد ثبت فی محله أن الزمان و المکان مفردان للأعراض.و هذان الوجهان صرح بهما المصنف عند التکلم علی المعنی الثانی و الثالث.

ص:149


1- 1) سورة النور 24.الآیة:60.

و توضیح ذلک:أنه ثبت فی الشریعة المقدسة أن إیجاب الطلاق ببعض الألفاظ الدالة علی بینونة الزوج عن الزوج لا یکون محرما و لا محللا.مثلا:إذا قال الرجل لزوجة:أنت بریة أو خلیة أو طلقتک لم یؤثر ذلک فی البینونة و لا یحل للمرأة التزویج بزوج آخر.و إذا قال الرجل لزوجة:أنت طالق.أو هی طالق،أو زوجتی طالق بانت عنه زوجته و یحل لها التزویج بزوج غیره.و إذن فالمضمون الواحد و هو بینونة الزوج عن الزوج إذا أبرز بکلام کان محرما و محللا و إذا أبرز بکلام آخر لم یکن محرما و لا محللا.

و هذه بین یدینا الأخبار الواردة فی المزارعة.[1]فإنها تصرح بأن جعل أجرة الزرع للبذر و البقر محرم.و عدمه محلل.

و یضاف إلی ذلک ما رواه البجلی قال:قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام):الرجل یجیئنی یطلب المتاع،فأقاوله علی الربح،ثم أشتریه فأبیعه منه؟فقال:أ لیس إن شاء أخذ

ص:150

و إن شاء ترک؟قلت بلی قال:لا بأس به فقلت:إن عندنا من یفسده قال:و لم قلت:باع ما لیس عنده.قال فما تقول فی السلف قد باع صاحبه ما لیس عنده؟فقلت بلی.قال:فإنما صلح من قبل أنهم یسمونه سلما.إن أبی کان یقول:لا بأس ببیع کل متاع کنت تجده فی الوقت الذی بعته فیه (1)فان الظاهر من هذه الروایة و ما یساویها فی المضمون أن إیجاب البیع محلل فی محل،و محرم فی محل آخر.

قیل:إن هذه الروایة غریبة عن المعنی المذکور.و انما هی ظاهرة فی صحة بیع ما لیس عنده.کما یستوضح ذلک بملاحظة قول الامام(علیه السلام)(فما تقول فی السلف قد باع صاحبه ما لیس عنده)و اذن فلا إشعار فیها باتصاف الکلام بصفة المحرمیة تارة و بصفة المحللیة أخری بل یکون محللا فقط.و الجواب عن ذلک:

أن بیع ما لیس عند البائع قد یکون شخصیا.و قد یکون کلیا:أما الأول فلا شبهة فی بطلانه من ناحیة الجهالة،و للروایات الخاصة.و أما الثانی فلا شبهة فی صحته لأن الکلی أمر معلوم فلا جهالة فیه لکی توجب بطلان البیع.و من الواضح:أن السلف من القبیل الثانی.و علیه فغرض الامام(علیه السلام)من ذکر السلف-فی الروایة المزبورة-إنما هو بیان أن السلف و ان کان من بیع ما لیس عنده إلا أنه لیس من القسم الباطل،بل هو من القسم الصحیح.و قد أشار الإمام(علیه السلام)الی ذلک بقوله (إن أبی کان یقول:لا بأس ببیع کل متاع کنت تجده فی الوقت الذی بعته فیه):أی تقدر علی أدائه ثم لا یخفی علیک:أن المراد من الحلیة و الحرمة إنما هو الوضعی دون التکلیفی ضرورة أن جعل الثلث للبذر و البقر لیس من المحرمات التکلیفیة قطعا.

و قد یتوهم:أن المراد من الکلام هو الالتزام النفسی دون اللفظ الصادر من المنشئ لصحة إطلاق الکلام و القول علی الالتزام النفسی.و منه قوله(تعالی) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ و قوله:(تعالی) وَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ بل کثر ذلک فی الاستعمالات

ص:151


1- 1) الوافی ج 10 ص 94.

الصحیحة الفصیحة.و من ذلک ما یقال:أعطیته قولا:أی العهد و الالتزام،و أیضا یقال:

إن کلام اللیل یمحوه النهار:أی الالتزامات النفسانیة.و علیه فکون الکلام محرما و محللا بلحاظ أن المثمن یکون حراما علی البائع و حلالا للمشتری.و أن الثمن یکون حراما علی المشتری و حلالا للبائع.

و لکن هذا التوهم فاسد إذ الظاهر من الروایة أن المحرمیة و المحللیة من أوصاف الکلام اللفظی دون الالتزام النفسی.علی أن هذا المعنی لا یجتمع مع الروایات الواردة فی المزارعة الظاهرة فی أن الکلام المحرم غیر الکلام المحلل و قد تقدمت هذه الروایات قریبا فی الحاشیة.

و قد تجلی لک من جمیع ما ذکرناه فساد الوجه الرابع الذی ذکره المصنف:بأن یراد من الکلام المحلل خصوص المقاولة.و من الکلام المحرم خصوص إنشاء البیع.

و وجه الفساد:أن الکلام المحرم غیر مربوط بإنشاء البیع کما فی روایات المزارعة.علی أن لازمه أن یراد من الکلام فی الفقرتین الکلام المعهود لکی یکون کل من الکلام المحلل و الکلام المحرم ممتازا عن الآخر و من الواضح أنه لا قرینة علی هذه الدعوی لا فی هذه الروایة التی هی مورد بحثنا.و لا فی روایات المزارعة،و لا فی غیرهما من الروایات.

و أما الوجه الثالث الذی ذکره المصنف-بأن یکون الکلام الواحد باعتبار وجوده محرما و باعتبار عدمه محللا-فهو و ان کان یناسب ما نحن فیه و روایات المزارعة أیضا کما هو ظاهر.و لکن یرد علیه:

أولا:أن الظاهر من قوله(علیه السلام)إنما یحرم الکلام و یحلل الکلام ان المؤثر التام فی الحرمة و الحلیة إنما هو وجود الکلام.لا أن وجوده محرم و عدمه محلل.علی أن ذلک یستلزم التفکیک بین الفقرتین فهو أمر مستهجن فلا یصدر من المعصوم.

و أضف الی ذلک ما ذکره بعض مشایخنا المحققین و إلیک نصه:(أن إطلاق

ص:152

المحلل علی عدم الکلام لا یخلو عن مسامحة إذ بقاء کل من العینین علی ملک صاحبه ببقاء علته،لا بعدم علة ضده کما أن إطلاق المحرم علی الإیجاب المتعلق بما لیس عنده:أی الإیجاب فی غیر محله ففیه أیضا مسامحة،إذ عدم حلیة المال بعدم حصول الإیجاب الصحیح،لا بحصول الإیجاب الفاسد).

ثم إنه قد استظهر المصنف من الروایة اعتبار الکلام فی إیجاب البیع بوجه آخر.

و هذا لفظه: (نعم یمکن استظهار اعتبار الکلام فی إیجاب البیع بوجه آخر بعد ما عرفت من أن المراد بالکلام هو إیجاب البیع:بأن یقال:إن حصر المحلل و المحرم فی الکلام لا یتأتی إلا مع انحصار إیجاب البیع فی الکلام.إذ لو وقع بغیر الکلام لم ینحصر المحلل و المحرم فی الکلام.إلا أن یقال:إن وجه انحصار إیجاب البیع فی الکلام فی مورد الروایة هو عدم إمکان المعاطاة فی خصوص المورد إذ المفروض أن المبیع عند مالکه الأول فتأمل) و الجواب عن ذلک:

أولا:أنه لو تم هذا کان لازمه أن لا تترتب الإباحة علی المعاطاة.و من البین أن هذا خلف الفرض،لأن المفروض جواز التصرف فی مورد المعاطاة.و إنما البحث فی أنها تفید الملک اللازم أولا.

ثانیا:أن الحصر فی الروایة غیر ناظر إلی المعاطاة نفیا و إثباتا و إنما هو باعتبار مورد الروایة إذ فرض فیه صدور الکلام من المشتری،و قد ذکر الامام(علیه السلام)أنه ینقسم الی قسمین،و بین أن قسما منه محلل،کالمقاولة علی متاع لیس عند البائع و قسم منه محرم کإیجاب البیع علیه.و إذن فالإنشاء الفعلی خارج عن حدود الروایة موضوعا و أما ما ذکره من أن وجه انحصار إیجاب البیع فی الکلام إلخ فیتوجه علیه.

أولا:أنا لا نسلم عدم إمکان المعاطاة فی مورد الروایة.بدیهة أن الظاهر منها وجود المتاع عند الدلال.و لذا أشار الیه الرجل بکلمة(هذا)و قال لصاحبه:اشتر هذا الثوب أربحک کذا،و لا أقل من الاحتمال و معه لا یتم الاستدلال.

ص:153

ثانیا:أنا لو سلمنا غیاب المتاع-فی مورد الروایة-عن المتعاملین.و لکنا لا نسلم اختصاص المعاطاة بالتعاطی من الطرفین.ضرورة أن المعاطاة کما تتحقق بالتعاطی من الطرفین،کذلک تتحقق بالإعطاء من جانب و الأخذ من جانب آخر.و سیأتی ذلک فی تنبیهات المعاطاة.و لعل المصنف قد أشار الی هذین الإشکالین أو إلی أحدهما بالأمر بالتأمل.

و المتحصل من جمیع ما ذکرناه:أنه لا دلالة فی روایة ابن نجیح علی اعتبار اللفظ فی صحة البیع أو لزومه لکی تدل علی فساد المعاطاة أو علی عدم لزومه.

علی أن هذه الروایة التی بین یدینا مجهولة فلا یمکن الاستدلال بها علی الحکم الشرعی[1].

ص:154

تنبیهات المعاطاة

اعتبار شروط البیع فیها
اشارة

قوله:(و ینبغی التنبیه علی أمور). أقول:لما فرغ المصنف من بیان صحة البیع المعاطاتی و لزومه نبه علی أمور یحسن بنا التعرض لها:

الأمر الأول:أنه هل یعتبر فی البیع المعاطاتی ما یعتبر فی البیع بالصیغة من الشروط؟

و تحقیق هذه المسألة یقع فی نواحی شتی:

ص:155

الناحیة الأولی:أن المعاطاة المقصود بها الإباحة هل تفید إباحة التصرف فی

المأخوذ بالمعاطاة عند ما فقدت شیئا من شروط البیع؟.

قد ذکر المصنف: (أن المتعاطیین إذا قصدا مجرد الإباحة فلا إشکال فی عدم کونها بیعا عرفا و لا شرعا.و علی هذا فلا بد عند الشک فی اعتبار شرط فیها من الرجوع الی الأدلة الدالة علی صحة هذه الإباحة العوضیة من خصوص أو عموم،و حیث إن المناسب لهذا القول التمسک فی مشروعیته بعموم الناس مسلطون علی أموالهم کان مقتضی القاعدة هو نفی شرطیة غیر ما ثبت شرطیته کما أنه لو تمسک لها بالسیرة کان مقتضی القاعدة العکس).

ص:156

لأن السیرة دلیل لبی فلا بد من الاقتصار فیها بالمقدار المتیقن.

و یتوجه علیه:أن المقصود من دلیل السلطنة إنما هو بیان استقلال المالک فی التصرف فی أمواله فی الجهات المشروعة،و عدم کونه محجورا عن التصرف فیها فی تلک الجهات، و لیس لأحد أن یزاحم المالک فی ذلک.و علیه فدلیل السلطنة لا یتکفل بإثبات السلطنة للمالک علی أی تصرف،سواء ثبتت مشروعیته مع قطع النظر عن دلیل السلطنة أم لا.

و أضف إلی ذلک:أن دلیل السلطنة ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء فلا یمکن الاعتماد علیه فی إثبات الحکم الشرعی و قد تقدم ذلک عند الاستدلال به علی لزوم المعاطاة.

ص:157

أما السیرة فإن کان المراد بها السیرة العقلائیة فلا شبهة فی قیامها علی إباحة التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة حتی التصرفات المتوقفة علی الملک.و لکن لا یمکن الاعتماد علی هذه السیرة مع قطع النظر عن کونها ممضاة للشارع.و إن کان المراد بها السیرة المتشرعیة فلا ریب فی قیامها علی إباحة التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة.و لکن لا یمکن الاعتماد علیها أیضا فیما إذا شک فی جواز أصل التصرف-کالتصرفات المتوقفة علی الملک من البیع و العتق و الوطی و نحوها-بل لا بد و أن یرجع هنا الی دلیل کل تصرف یشک فی جوازه و عدمه.

و مثال ذلک:أنه إذا شک أحد المتعاطیین فی جواز أکل المأخوذ بالمعاطاة -التی قصد بها الإباحة-رجع الی ما دل علی جواز أکله أو حرمته.و هکذا لو شک فی ناحیة أخری غیر جواز الأکل.و لا یرجع فی شیء من تلک الموارد إلی أدلة حرمة التصرف فی مال غیره إذ المفروض أن المالک قد أذن للآخذ أن یتصرف فی المأخوذ بالمعاطاة و معه لا یبقی مجال للرجوع الی تلک الأدلة.و إن شئت قلت:إن جواز التصرف فی نفسه إنما ثبت بما دل علیه من أمارة أو أصل و من الظاهر أن حرمة التصرف فیه بما أنه مال غیره مرتفعة بإجازة المالک و اذنه علی الفرض.و إذن فالمقتضی موجود و المانع مفقود.و علی هذا فلا یعتبر فی المعاطاة المقصود بها الإباحة أی شرط من شروط البیع.و حینئذ فلو أعطی أحد لغیره ألف دینار بإزاء دینار واحد لم یلزم منه الربا.

الناحیة الثانیة:أنه إذا قصد المتعاطیان بالأخذ و الإعطاء التملیک و التملک،و لم

تحصل الملکیة فی الخارج،

و لکن حکم الشارع بجواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة فهل یعتبر فیها شروط البیع؟ قد ذکر المصنف:أن المعاطاة المقصود بها الملک بیع عرفی و ان ترتبت علیه الإباحة الشرعیة.و حینئذ فیعتبر فیها ما یعتبر فی البیع من الشروط کلها.نعم قد وقع فی بعض الکلمات أن هذا لیس ببیع إلا ان المراد من ذلک نفی اللزوم،لا نفی البیع

ص:158

حقیقة انتهی ملخص کلامه.

و تحقیق ما أفاده المصنف بوجهین:

1-أنا ذکرنا مرارا عدیدة:أن المعاطاة المقصود بها الملک بیع عرفی فتکون مشمولة للعمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه.و علیه فلا بد من الالتزام بکونها مفیدة للملک من أول الأمر،نعم قام الإجماع التعبدی علی أن الشارع المقدس لم یمض البیع المعاطاتی علی النحو الذی قصده المعاطیان بمجرد حصول التعاطی الخارجی،بل أمضاه بعد تحقق شیء ما من التصرف و غیره و علیه فالمعاطاة بیع حقیقة،فیعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی البیع اللفظی من الشروط غیر الصیغة،بدیهة أن الشارع و إن لم یمض الملکیة المنشئة بالمعاطاة إلی زمان خاص و حکم بإباحة التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة فی هذا الزمان.إلا أن ذلک لا یخرج المعاطاة عن کونها بیعا عرفا و شرعا،کما أن حکمه بتوقف حصول الملکیة علی القبض فی بیع الصرف و السلم لا یخرجهما عن حقیقة البیع.

2-أن مقصود کل من المتعاطیین إنما هو تملیک ماله لصاحبه بإزاء ما یأخذه منه و لیس غرضهما من هذا التملیک بالعوض إلا إیجاد البیع،و حیث إنه فاقد للصیغة فیحکم بفساده،کسائر المعاملات الفاقدة لشروطها.و لکن قام الإجماع علی جواز التصرف للآخذ فیما أخذه بالمعاطاة،و لم یقم دلیل علی ذلک فی سائر المعاملات الفاسدة.و بما أن الإجماع دلیل لبی فیقتصر فیه بالمقدار المتیقن و هو أن تکون المعاطاة واجدة لجمیع شرائط البیع-حتی الشروط التی وقع الخلاف فی اعتبارها فیه-إلا الصیغة.

و علی الجملة:إن ما قصده المتعاطیان لم یقع فی الخارج.و قد قام الإجماع علی جواز التصرف لکل منهما فیما أخذه من صاحبه.و أیضا قد اقتضت الضرورة الشرعیة حرمة التصرف فی مال غیره بدون إذنه.فالجمع بین هذه الأمور یقتضی جواز التصرف فی المورد المتیقن،و هو البیع الجامع للشرائط.

و قد اتضح لک مما بیناه:أنه لا یفرق فیما ذکرناه بین أن یکون اعتبار الشرط

ص:159

فی البیع من ناحیة الدلیل اللفظی،و بین أن یکون ذلک من ناحیة الإجماع،فإنه علی کل تقدیر لا یجوز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة إلا مع احتواء المعاطاة جمیع شرائط البیع إلا الصیغة.

الناحیة الثالثة:أنا إذا قلنا بأن المعاطاة المقصود بها الملک تفید الملکیة من أول

الأمر فهل یعتبر فیها شروط البیع؟

الظاهر:انه لا شبهة حینئذ فی کون المعاطاة بیعا عرفا و شرعا.

و علیه فیعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی البیع من الشروط.و یجری علیها ما یجری علی البیع من الأحکام.

و قد یفصل فی المقام بین الشروط التی ثبت اعتبارها فی البیع بدلیل لفظی، و بین الشروط التی ثبت اعتبارها فیه بدلیل لبی،فان ما هو من القبیل الأول فیعتبر فی المعاطاة أیضا،و ما هو من القبیل الثانی فیختص بالبیع اللفظی.و هذا التفصیل لیس من ناحیة أن الإجماع دلیل لبی فیقتصر فیه بالمقدار المتیقن،بل من ناحیة ان الإجماع متصید من فتاوی الأصحاب و من البین ان المتبادر من فتاواهم هو العقد اللفظی اللازم من غیر جهة الخیار دون المعاطاة المترتب علیها الملکیة الجائرة.

و لکن لا مجال لهذا التوهم بعد صدق البیع علی المعاطاة،و کونها مشمولة للعمومات الدالة علی صحة البیع،فإن المناقشة فی ذلک من قبیل المناقشة فی الأمور البدیهیة.

قوله:(و بما ذکرنا یظهر وجه تحریم الربا فیه أیضا) أقول:ملخص کلامه:

أنه إذا حکمنا بکون المعاطاة بیعا عرفیا-و إن لم تفد الإباحة الشرعیة-حرم فیها الربا و کذلک إذا قلنا بأنها لیست بیعا،لأنها حینئذ معاوضة مستقلة شرعیة-سواء أ کانت جائزة أم کانت لازمة-کما اعترف به الشهید فی موضع من الحواشی.بل یمکن الحکم بحرمة الربا فی المعاطاة إذا قصد منها المتعاطیان الإباحة،لا الملک،فان ذلک

ص:160

أیضا معاوضة عرفا فتأمل.

جریان الخیار فی المعاطاة

قوله:(و أما حکم جریان الخیار فیها قبل اللزوم). أقول:قبل التعرض لحکم المسألة لا بد و أن یعلم أنه وقع الاشتباه فی موضعین من عبارة المصنف:

الأول:أنه حکم بعدم جریان الخیار فی المعاطاة قبل لزومها و علل ذلک بأن المعاطاة معاملة جائزة عند الأصحاب،فلا معنی لجریان الخیار فیها.و جهة الاشتباه هی أن الخیار لا ینافی جواز المعاطاة.و إنما ینافی الإباحة.و علیه فلا بد و أن تکون عبارة المصنف هکذا (لأنها إباحة عندهم) و الشاهد علی صدق مقالنا أمران الأول:أن المشهور بین القدماء هو أن المعاطاة تفید الإباحة،لا الملک الجائز،الثانی:ما ذکره المصنف عقیب التعلیل المذکور من أنه (و إن قلنا بإفادة الملک فیمکن القول بثبوت الخیار فیه مطلقا). و یضاف الی ذلک کله أنا وجدنا فی بعض النسخ الصحیحة لفظ(اباحة) بدل کلمة(جائزة).

الثانی:أن المصنف حکم بثبوت الخیار فی المعاطاة بناء علی صیرورتها بیعا بعد اللزوم و جهة الاشتباه هی أن المعاطاة المفیدة للملک بیع من الأول.غایة الأمر أنها بیع جائز.

ثم إن تحقیق الکلام هنا یقع فی جهات شتی:

الجهة الاولی:أنه هل یثبت الخیار فی المعاطاة المقصود بها الإباحة؟.

الظاهر:أنه لا یثبت فیها الخیار لا فی مقام الثبوت،و لا فی مقام الإثبات:

أما الأول فلأن معنی الخیار إنما هو ملک فسخ العقد-کما یأتی فی مبحث الخیارات-و من الواضح أن المعاطاة المقصود بها الإباحة لیست من العقود لکی یثبت فیها الخیار،بل هی تفید إباحة خالصة و یجوز لکل من المتعاطیین التصرف فیما أخذه من

ص:161

صاحبه،و لا یکون هذا التصرف تصرفا محرما،إذ المفروض أن مالکه الأصلی قد أذن فی ذلک.

أما الثانی فلأنه إذا لم یمکن ثبوت الخیار فی المعاطاة لم تکن مشمولة لأدلة الخیار إثباتا و هذا واضح لا ریب فیه.

ثم إن المصنف قد أغفل التعرض لهذه الجهة کما أنه أغفل التعرض للمعاطاة التی ترتب علیها الملک اللازم من أول الأمر.و یجری فیه الخیار المصطلح جزما.و لعل عدم تعرضه لهاتین الجهتین لأجل الوضوح.

الجهة الثانیة:أن المعاطاة المقصود بها الملک التی تترتب علیها الملکیة الجائزة هل یثبت فیها الخیار مطلقا،أم لا یثبت فیها ذلک مطلقا،أم یفصل بین الخیارات الثابتة بدلیل خاص فیحکم بعدم ثبوتها فی المعاطاة-کخیاری المجلس و الحیوان-لأن أدلتها مختصة بالمعاملة التی تکون لازمة من غیر ناحیة الخیار.و المفروض أن المعاطاة لیست کذلک.و بین الخیارات الثابتة بدلیل عام-کخیار الغبن و نحوه-لأن أدلتها غیر مختصة بالمعاملات التی تکون لازمة من غیر ناحیة الخیار.

فقد التزم المصنف بالوجه الأول فی مطلع کلامه،و أنه یحکم بثبوت الخیار فی المعاطاة و إن کان یظهر أثره بعد لزومها.و علیه فیصح إسقاطه و المصالحة علیه قبل اللزوم.

و احتمل التفصیل المتقدم فی آخر کلامه.و ذهب بعضهم الی القول الثانی،و أن الخیارات مطلقا لا تجری فی المعاطاة.بدیهة أن اثر الخیار إنما هو جواز العقد.و من الواضح أن المعاطاة جائزة بالذات فلا معنی لجوازها بالعرض و إذن فجعل الخیار فی المعاطاة لغو محض و تحصیل للحاصل.

و التحقیق:أن الخیارات مطلقا تجری فی المعاطاة،بناء علی أنها تفید الملک الجائز،ضرورة أن الجواز الثابت فی المعاطاة التی تفید الملک الجائز إما جواز حقی کان

ص:162

أمره بقاء و ارتفاعا بید المتعاملین،أو جواز حکمی کان أمره بید الشارع.دون المتعاملین،کالجواز فی الهبة.و علی کلا التقدیرین فمتعلق الجواز إما هو العقد،أو العین المأخوذة بالمعاطاة.

فإن کان جواز المعاطاة جوازا حقیا،و قلنا بتعلقه بالعقد المعاطاتی کان ذلک مشمولا لأدلة الخیارات.و علیه فیثبت الخیار فی البیع المعاطاتی لکل من المتعاطیین بسببین.و من الظاهر أنه لا محذور فی ذلک،لأن نظائره کثیرة فی الفقه.و حینئذ فیمتاز البیع المعاطاتی عن بقیة البیوع باختصاصه بخیار خاص.و ان شئت فسمه بخیار المعاطاة و علی هذا فیجوز ارتفاع أحدهما و بقاء الآخر:کما إذا تلفت احدی العینین فی المجلس،فإنه حینئذ یرتفع خیار المعاطاة،و یبقی خیار المجلس،و إذا تفرقا عن مجلس العقد قبل تحقق الملزم سقط خیار المجلس،و بقی خیار المعاطاة.

و إذا قلنا بتعلق خیار المعاطاة بالعین کان الأمر أوضح،لأن متعلق خیار المعاطاة أجنبی عن متعلق الخیار المصطلح،فلا یجتمعان فی مورد واحد لکی یناقش فیه بلزوم اللغویة.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

و ان کان جواز المعاطاة جوازا حکمیا،و قلنا بتغایر متعلقة مع متعلق الخیارات المصطلحة فلا شبهة فی ذلک أیضا و ان قلنا باتحاد متعلقهما فربما یتوهم ان ذلک یوجب اللغویة و تحصیل الحاصل.و لکن هذا التوهم فاسد.لأنه انما تلزم اللغویة فیما إذا لم یمکن انفکاک أحد الخیارین عن الآخر مع ان الانفکاک بینهما من الوضوح بمکان،بدیهة ان النسبة بینهما هی العموم من وجه،إذ قد یسقط خیار المعاطاة و یبقی الخیار المصطلح،و قد یسقط الثانی و یبقی الأول،و قد یجتمعان سقوطا و بقاء و اذن فلا محذور فی اجتماع خیار المعاطاة مع الخیارات المصطلحة ثبوتا و إثباتا و هذا واضح لا ریب فیه.

أما التفضیل المتقدم الذی احتمله المصنف فهو واضح الاندفاع نقضا و حلا:

أما الأول فلأنه لو تم ذلک التفضیل فی المعاطاة لجری مثله فی البیع بالصیغة أیضا

ص:163

طابق النعل بالنعل،و القذة بالقذة،لأنه إذا اجتمعت فیه عدة من أسباب الخیار-و قد فرض أن دلیل کل واحد منها مخصوص بعقد کان وضعه علی اللزوم من غیر ناحیة هذا الخیار-لزم الحکم بعدم اجتماع الخیارات فیه أیضا.مع أنه لم یلتزم بذلک أحد.

أما الثانی فلأن أدلة الخیارات و إن اختصت بعقد کان طبعه علی اللزوم و لکن لزومه إنما هو مع قطع النظر عن ثبوت خیار آخر فیه:بمعنی أنه إذا وجد عقد فی الخارج و لم یقترن بما یقتضی جوازه کان ذلک العقد لازما فی نفسه.و هذا لا ینافی جوازه من الجهات الأخر العارضة.

و قد أشیر الی هذه النکتة القیمة فی أخبار خیار المجلس التی تدل علی ان المتبایعین بالخیار ما لم یفترقا،فإذا افترقا وجب البیع (1)فان الظاهر من وجوب البیع و لزومه-فی تلک الروایات-إنما هو لزومه من ناحیة خیار المجلس فقط.و هو لا ینافی جواز البیع من ناحیة خیار آخر.

الجهة الثالثة:أنه هل یجری الخیار فی المعاطاة المقصود بها الملک-التی لا تؤثر إلا فی الإباحة-أم لا؟ لا شبهة فی صدق البیع علیها عرفا،نهایة الأمر أنه قام الإجماع علی عدم تأثیرها فی الملکیة عند الشارع الی زمان معین الا ان ذلک لا یمنع عن صدق البیع علیها بالحمل الشائع و اذن فتکون المعاطاة مشمولة للعمومات الدالة علی صحة البیع،فیحکم بکونها بیعا فی نظر الشارع.کما أن حصول الملکیة فی بیع الصرف و السلم یتوقف علی القبض الخارجی و علیه فان کان المقصود من ثبوت الخیار فی العقد هو تسلط ذی الخیار علی فسخه فسخا فعلیا:بان یتمکن من إرجاع ما انتقل عنه الی نفسه فلا شبهة فی أن المعاطاة -بناء علی الإباحة-غیر مشمولة لأدلة الخیارات،بدیهة ان الثابت بالفعل لکل من المتعاطیین لیس إلا إباحة التصرف فیما أخذه من صاحبه،و انما تحصل الملکیة فی ذلک

ص:164


1- 1) الوافی ج 10 ص 70.

بعد تحقیق احدی الملزمات و من الظاهر أن اباحة التصرف ترتفع بعدم رضی المالک بالتصرف فی المأخوذ بالمعاطاة بلا احتیاج الی فسخ المعاطاة بالخیار المصطلح.الا ان یتوهم أن الإباحة المترتبة علی المعاطاة لیست إباحة مالکیة لکی ترتفع بعدم رضی المالک بالتصرف،و انما هی إباحة شرعیة.و من الظاهر أن الإباحة الشرعیة باقیة ما لم یحکم الشارع برفعها و لکن هذا التوهم فاسد،بدیهة أن الإباحة هنا إنما ثبتت بالإجماع، و المتیقن منه إنما هو بقاء الباذل فی اذنه السابق،فلا یشمل صورة رجوعه عن إذنه.

و علی الجملة:إنه لو کان الغرض من جعل الخیار فی العقد ترتب الأثر الفعلی علیه لم یجر ذلک فی المعاطاة المقصود بها الملک-التی تفید الإباحة-و لکنه بدیهی البطلان ضرورة اجتماع الخیارات العدیدة فی البیع و غیره من العقود.

و ان کان المقصود من ثبوت الخیار فی العقد تمکن ذی الخیار من إلغاء ما هو مؤثر فی النقل و الانتقال فلا شبهة حینئذ فی جریان الخیار المصطلح فی المعاطاة-المقصود بها الملک التی تفید الإباحة-لأنها قابلة للتأثیر فی الملکیة فإذا حکمنا بثبوت الخیار للمتعاطیین کان لکل منها أن یرفع تلک القابلیة برفع موضوعها لکی لا تلحق بها الملکیة، و إذن فیکفی فی صحة جعل الخیار فی المعاطاة التمکن من إلغائها عن قابلیة التأثیر فی الملکیة.

بیان مورد المعاطاة
اشارة

الأمر الثانی:أن المتیقن من مورد المعاطاة إنما هو تحقق الأخذ و الإعطاء من الطرفین-کما یقتضیه مفهوم المفاعلة و لا شبهة فی صدق البیع علی ذلک،و کونه مشمولا للعمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه.

و لو تحقق الإعطاء من طرف و الأخذ من طرف آخر فهل یصدق علیه مفهوم البیع؟و تحقیق ذلک یقع فی نواحی شتی:

ص:165

الناحیة الاولی:أن یکون الغرض من الأخذ و الإعطاء مجرد الإباحة،

و لا شبهة فی أن ذلک لیس بیعا.نعم جاز للآخذ أن یتصرف فی المأخوذ بالمعاطاة.

الناحیة الثانیة:أن یکون الغرض من التعاطی هو التملیک و التملک،

و تترتب علیه الملکیة فی الخارج،فلا شبهة فی أن ذلک بیع عرفا،فیکون مشمولا للعمومات الدالة علی صحة البیع،و یحکم بکونه بیعا فی نظر الشارع أیضا.

و الوجه فی ذلک:أن عنوان المعاطاة لم یرد فی روایة،و لا فی آیة،و لا أنه معقد للإجماع التعبدی لکی یحفظ علی هذا العنوان و یؤخذ منه بالمقدار المتیقن.بل محور البحث فی المقام هو أن البیع یتحقق بالإنشاء الفعلی کما أنه یتحقق بالإنشاء القولی.

و علیه فلا بد من ملاحظة الفعل الذی ینشأ به البیع،فان صدق علیه مفهوم البیع حکم بکونه بیعا،و إلا فلا،و من الواضح أن الإعطاء من أحد المتعاطیین مع قصد التملیک یعد إیجابا للبیع عرفا،و یکون الأخذ الخارجی من الطرف الآخر قبولا له.بل أکثر المعاملات المعاطاتیة الواقعة فی الخارج من هذا القبیل،لتحققها فی الخارج بالإعطاء من جانب و بالأخذ من جانب آخر.و علیه فیکون الإعطاء المتأخر من جانب الآخذ وفاء بالعقد ضرورة أنه لو کان العطاء من قبله مطاوعة للزم الانفکاک بین الإیجاب و القبول فی المعاطاة الواقعة نسیئة بل لزم کون الإنشاء مراعی بالإعطاء المتأخر من ناحیة الآخذ نهایة الأمر أنه یجوز للآخذ أن یتصرف فیما أخذه من صاحبه علی سبیل التضمین و لا ریب فی ان ذلک کله بدیهی البطلان،و خلاف السیرة المتشرعیة و العقلائیة.

و ذکر شیخنا الأستاذ:أن البیع تبدیل أحد طرفی الإضافة بإضافة أخری،و من المعلوم ان الإعطاء من طرف واحد و الأخذ من الطرف الآخر لیس مصداقا لذلک.بل نسبته الیه و الی الهبة المعوضة متساویة.و هذا بخلاف ما إذا تحقق الإعطاء من الطرفین فان التبدیل المکانی هنا بطبعه الأصلی انما هو تبدیل لأحد طرفی الإضافة الاعتباریة بإضافة أخری کذلک فهو بیع حقیقة.و علیه فإخراجه من دائرة البیع،و إدخاله فی

ص:166

دائرة الهبة یحتاج الی مئونة زائدة.

و علی الجملة:إن التبدیل الاعتباری فی باب المعاطاة یدور مدار التبدیل الخارجی و حیث إن التبدیل الخارجی متحقق فی فرض حصول التعاطی من الطرفین،فیترتب علیه التبدیل الاعتباری انتهی ملخص کلامه.

و یرد علیه:أن البیع و ان کان تبدیل مال بمال،و لکن المراد من التبدیل هنا لیس هو التبدیل الخارجی المکانی بل المراد به هو التبدیل الاعتباری و من الظاهر ان هذا المعنی یتحقق بالاعتبار النفسانی المبرز بمبرز خارجی فعلی أو قولی.

الناحیة الثالثة:أن یقصد کل من المعطی و الآخذ التملیک و التملک،

و لکن لم یحصل فی الخارج إلا الإباحة إلی زمان حصول الملک.و الظاهر أن هذا من افراد البیع الحقیقی،لأن تأخیر الملکیة لا یخرجه عن کونه بیعا،کما أن بیع الصرف و السلم لا یخرجان عن حدود البیع بتأخر الملکیة فیهما الی زمان القبض.نعم قد یناقش فی جواز التصرف قبل حصول المملک،لانه لم یثبت إلا بالإجماع،و من الظاهر أن المتیقن منه ما یکون التعاطی من الطرفین،لا من طرف واحد إلا أن یتمسک فی إثبات جواز التصرف هنا بدلیل السلطنة،و قد عرفت فیما تقدم أنه غیر تام.لا من حیث السند،و لا من حیث الدلالة قیل:

إنکم حکمتم-فی الناحیة الأولی-بجواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة و إن کان التعاطی من طرف واحد-فلما ذا لا تحکمون بذلک فی هذه الناحیة.و الجواب عنه:

أن الإباحة المترتبة علی التعاطی فی الناحیة الأولی إباحة مالکیة و من الواضح أن المالک إذا رضی بجواز التصرف فی ماله لم یلزم منه محذور أصلا و أما الإباحة المترتبة علی التعاطی فی هذه الناحیة فهی إباحة شرعیة.و علیه فلا بد من ملاحظة دلیلها.و قد عرفت أن الدلیل علی هذه الإباحة انما هو الإجماع.و الإجماع دلیل لبی فلا یؤخذ منه الا بالمقدار المتیقن.

و لکن الذی یسهل الخطب:أن الإجماع-بل السیرة أیضا-قائم علی جواز

ص:167

التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة-و إن کان التعاطی من طرف واحد-و لذا نری بالعیان،و نشاهد بالوجدان أن الناس علی اختلاف طبقاتهم و تشتت أصنافهم یتعاملون فیما بینهم بالمعاملة المعاطاتیة فی الأشیاء الحقیرة و الخطیرة.و لم نر و لم نسمع -الی الان-أن یتوقف أحد فی جواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة،حتی مع تحقق التعاطی من طرف واحد مع أن المغروس فی أذهان القدماء،و المشهور فیما بینهم أن أغلب المعاملات المعاطاتیة إنما تنعقد بالتعاطی من طرف واحد و یکون الإعطاء من ناحیة الآخذ وفاء بالتزامه،لا قبولا للإیجاب المتقدم-و قد تقدم ذلک آنفا-نعم لو شک فی دخوله فی معقد الإجماع لاتجه الحکم بعدم دخوله فیه کما هو واضح.

و قد یتوهم انعقاد البیع المعاطاتی بمجرد وصول المثمن إلی المشتری و وصول الثمن إلی البائع بأی نحو اتفق و ان لم یصدق علیه الإعطاء فضلا عن التعاطی.

و الوجه فی ذلک ما أسلفناه سابقا من أن عنوان المعاطاة لم یرد فی آیة،و لا فی روایة،و لا فی معقد إجماع لکی ندور مدار هذا العنوان و نجعله موردا للنقض و الإبرام و مرکزا للنفی و الإثبات.بل انما عبر بها عن المعاملة الخاصة المتعارفة بین الناس.

و اذن فیکون المدار فی ذلک هو الصدق العرفی و علیه فأی فعل کان قابلا لابراز ما فی النفس من اعتبار الملکیة صدق علیه عنوان المعاملة المعاطاتیة و تشمله العمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه سواء أ کان ذلک الفعل تعاطیا من الطرفین أم من طرف واحد أم لم یکن هنا تعاط أصلا،بل کان مجرد وصول الثمن إلی البائع و وصول المثمن إلی المشتری بأی نحو اتفق.

و قد مثل المصنف لذلک بأمور:

1-أن یرتوی الظامی من قربة السقاء مع غیبته و یجعل عوضه فی المکان المعدلة مع علمه بأن السقاء راض بذلک.

2-أن یلتقط شخص شیئا حقیرا من مخازن الخضارین أو البقالین أو العطارین

ص:168

مع غیبتهم عن دکاکینهم،و یجعل عوض ما یأخذه فی صندوقهم،مع العلم أو الاطمئنان العادی برضا المالک بذلک.

3-أن یرد أحد الحمام و لا یجد فیه صاحبه،و یغتسل فیه،و یضع أجرته فی المکان المعد لها مع علم الوارد بأن الحمامی راض بذلک.

و لکن الظاهر:أن الأمثلة المزبورة کلها غریبة عن مقصود المتوهم:أعنی به تحقق المعاطاة بمجرد أخذ المثمن و وضع الثمن مکانه-بل تلک الأمثلة إما من صغریات الأقسام الماضیة،أو أنها خارجة عن حدود المعاطاة بالکلیة:

أما المثال الأول فلأن شرب الماء یختلف حسب اختلاف الأشخاص و الحالات إذ قد یکون المشرف علی الماء من الأشخاص الظمأ شدید الظمآن،و قد یکون عطشانا عادیا.أما الأول فلا یرتوی إلا بشرب مقدار کثیر من الماء و أما الثانی فیصیر ریانا بشرب المقدار الیسیر منه.و من الواضح أن هذا الاختلاف الفاحش یوجب غرریة البیع و إذن فلا محیص الا عن جعل أشباه ذلک من قبیل الإباحة بالعوض.و الدلیل علی صحة هذه الإباحة هو السیرة القطعیة،لأنها قائمة علی ذلک فی الأشیاء الحقیرة و الأمتعة الزهیدة.بل یمکن أن یکون المثال المذکور من قبیل المعاوضة الخاصة التملیکیة.فتکون مشمولة لآیة التجارة عن تراض.نهایة الأمر أنها غرریة و من الواضح أن دلیل نفی الغرر و هو النبوی[1]مختص بالبیع،فلا یجری فی غیره.

و أما المثال الثانی فهو من مصادیق البیع المعاطاتی المتعارف غایة الأمر أن إیجابه لیس بمباشرة المالک،بل انما هو بمباشرة وکیله.و ذلک لان الخضار و البقال و العطار و أمثالهم من سائر أصناف التجار انما یوکلون الأشخاص الواردین علی دکاکینهم فی بیع أمتعتهم بالقیمة المتعارفة و وضع أثمانها فی الموضع المعد للنقود کما أنهم یوکلون غالبا

ص:169

الأشخاص المعینین فی ذلک و علیه فکل من یأخذ متاعا من دکاکین هؤلاء الکاسبین فهو ینشئ البیع بأخذه هذا من قبل المالک،و یقبله من نفسه بوضع ثمن ذلک المتاع فی المکان المعدلة.و اذن فیتحقق البیع المعاطاتی هنا بالتعاطی من الطرفین-الذی هو المقدار المتیقن من مورد المعاطاة-و یکون ذلک نظیر قول القائل:أعتق عبدک عنی.و علی الجملة:إنه لا بأس بالالتزام بکون هذا المثال من البیوع التوکیلیة،کسائر البیوع الصادرة من أولیاء الملاک و وکلائهم.

و قد ناقش فی ذلک شیخنا الأستاذ،و إلیک نص مقررة:(لا یمکن تصحیحه بکونه وکیلا من الطرفین فی تبدیل أحد طرفی الإضافة بمثله،لوضوح عدم توکیل المالک شخصا معینا).و الجواب عن ذلک:

أن تعیین الوکیل إنما یعتبر فی الوکالات الشخصیة دون الوکالات النوعیة فلو قال أحد إنی وکلت شخصا من أهل النجف المحترم فی بیع متاعی أو إیجار داری لکان عقد الوکالة باطلا جزما.و إذا قال:إن علماء النجف وکلائی فی بیع کتبی،أو تعمیر مدرستی.أو بنائه المساجد من خالص مالی کان ذلک صحیحا قطعا بدیهة أن تعیین عنوان کلی فی التوکیل الذی ینطبق علی أشخاص معینین کتوکیل شخص معین، لا انه کتوکیل شخص غیر معلوم.

و اما المثال الثالث فهو أیضا غریب عن البیع المعاطاتی،بل هو بعید عن الإجارة المعاطاتیة أیضا:

اما بعده عن البیع المعاطاتی فلأن الماء الذی یستعمله الوارد علی الحمام غیر معلوم المقدار.و إذن فلا یصح بیعه لکونه غرریا.و أما بعده عن الإجارة المعاطاتیة فلانه یشترط فی الإجارة إمکان الانتفاع من العین المستأجرة مع بقاء عینها.و من الواضح ان الماء المستعمل فی الحمام لا تبقی عینه بعد الاستعمال.و علیه فلا یصح وقوع الإجارة علیه.قیل:

ص:170

إن العین المستأجرة انما هی نفس الحمام و المیاه المستعملة فیه تعد منفعة له.و إذن فیکون مورد المثال الثالث من موارد الإجارة المعاطاتیة.و الجواب عن ذلک:

أن من أرکان الإجارة انما هو تعیین المدة فیها فإذا انتفی ذلک بطلت الإجارة من أصلها.و من البدیهی أن المغتسلین فی الحمامات یختلفون بحسب الحالات،فإنه یتوقف فیها بعضهم ساعة و یلبث فیها آخر ساعتین و هکذا.و مع ذلک لا یمکن الالتزام بکون ما نحن فیه من قبیل الإجارة المعاطاتیة.

و علی هذا الضوء فالمثال الثالث أیضا من قبیل الإباحة بالعوض،أو من قبیل المعاوضة الخاصة التملیکیة کما جعلنا المثال الأول أیضا من هذا القبیل.و المتحصل من جمیع ما ذکرناه انا لم نتصور من تلک الأمثلة قسما آخر للمعاطاة غیر الاقسام الماضیة.

نعم یمکن تصویر قسم آخر لها:و هو أن یکون مال کل من الجانبین عند الجانب الآخر إما بعنوان الودیعة أو بالغصب،أو بإطارة الریح أو بغیر ذلک.ثم قصد کل منهما کون ما بیده عوضا عما فی ید صاحبه.و حینئذ فلا یبعد صدق مفهوم البیع علی ذلک،لأنا ذکرنا مرارا أن البیع هو الاعتبار النفسانی المبرز بمبرز خارجی.و من الظاهر أنه لم ترد آیة و لا روایة،و لا انعقد إجماع علی اختصاص ذلک المبرز بشیء خاص و لا أن عنوان المعاطاة قد ورد فی دلیل لکی یؤخذ به و یحکم بعدم صدقه علی ما نحن فیه و علیه فإبقاء کل من الجانبین ماله عند الجانب الآخر مبرز خارجی لاعتبار الملکیة.

نعم إذا قلنا بأن المعاطاة المقصود بها الملک لا تفید إلا الإباحة الشرعیة لم یجز التصرف لکل من الجانبین فیما عنده من المال،بدیهة أن هذه الإباحة إنما ثبتت بالإجماع،و هو دلیل لبی فلا یشمل هذا القسم من المعاطاة.

ثم إن للمصنف هنا کلاما لم نحققه الی الآن،و إلیک لفظه: (ثم إنه لو قلنا بأن اللفظ الغیر المعتبر فی العقد کالفعل فی انعقاد المعاطاة أمکن خلو المعاطاة من الإعطاء و الإیصال رأسا فیتقاولان علی مبادلة شیء بشیء من غیر إیصال،و لا یبعد صحته مع

ص:171

صدق البیع علیه بناء علی الملک و اما بناء علی القول بالإباحة فالإشکال المتقدم هنا آکد) و الوجه فی کون الاشکال المتقدم هنا آکد هو العلم بعدم قیام السیرة هنا علی اباحة التصرف دون الصورة السابقة و هی أن یکون التعاطی من طرف واحد.

أقول:إن کان غرضه من اللفظ المزبور الصیغة الخاصة الفاقدة لبعض شرائطها فلا یترتب علیه أثر بوجه،بل شأنها شأن تسمیة الأجرة للبذر و البقر فی عقد المزارعة.

و علیه فلا وجه صحیح للمصنف أن یلتزم بحصول النقل و الانتقال بذلک اللفظ-بناء علی أن المعاطاة تفید الملکیة-و أن یناقش فی جواز التصرف فی العوضین علی القول بأنها تفید الإباحة.

و ان کان غرضه من ذلک أن اللفظ إذا کان فاقدا لبعض شرائط الصیغة- فی مقام الإنشاء-کان ذلک مقاولة و من الواضح أن المقاولة تکشف عن اعتبار الملکیة،کما أن صیغة بعت تکشف عن ذلک.و إذن فتشمله العمومات الدالة علی صحة البیع،إن کان مراده من اللفظ هو هذا فیتوجه علیه أن المبرز بالمقاولة إنما هو التبانی علی البیع و المبرز بصیغة بعت و نحوها إنما هو نفس البیع.و من الواضح أن أحدهما یباین الآخر.و اذن فلا یعقل ان یجعل احد المتباینین مصداقا لصاحبه،و لا ان إبراز البناء علی البیع یستلزم إبراز ما علیه البناء،و هو اعتبار الملکیة.

تمییز البائع عن المشتری فی البیع المعاطاتی

الأمر الثالث:أنه بما ذا یتمیز البائع عن المشتری فی البیع المعاطاتی؟لا شبهة فی أن الغرض من هذا الأمر لیس هو تمییز مفهوم البائع عن مفهوم المشتری،لأنهما من الأمور الواضحة التی لا یحتاج الی البیان،ضرورة أن من أنشأ البیع یسمی بائعا،و من یقبل ذلک یسمی مشتریا.و لا أن الغرض من ذلک هو تمیز أحدهما عن الآخر فی

ص:172

موارد الشبهات المصداقیة:بأن یوجد بیع معاطاتی فی الخارج و لم یمیز فیه البائع عن المشتری من جهة الأمور الخارجیة،بدیهة أن ذلک راجع الی باب المرافعات، و لا صلة له بالمقام.بل الغرض الأقصی من عقد هذا الأمر إنما هو التعرض لمفهومی البائع و المشتری سعة و ضیقا لکی یتوضح مقدار صدقهما.و قد سمی المصنف أشباه ذلک فی أول کتاب الطهارة بالشبهة فی الصدق،و مرجعه فی الحقیقة إلی الشبهة المفهومیة و لذا أن الأصحاب لم یجعلوها قسما آخر وراء الشک فی أصل المفهوم.

و إذا عرفت ذلک فاعلم أنه إذا کان أحد العوضین نقدا و العوض الآخر عرضا فالذی یعطی العرض یسمی بائعا،و الذی یعطی النقد یسمی مشتریا لقیام سیرة العقلاء و دیدنهم علی ذلک.و إذا کان کلا العوضین نقدا،أو کان کلاهما متاعا و لکن کان نظر أحد المتعاملین من المبادلة إلی حفظ مالیة ماله فی ضمن أی متاع کان مع کون غرضه فی ذلک هو تحصیل الربح و المنفعة-کأهل التجارة و الکسب-و کان نظر الآخر الی رفع حاجته و کشف نوائبه و کرباته فقط فإن الأول یسمی بائعا و الثانی یسمی مشتریا و علی هذا فیکون الملحوظ فیما یعطیه المشتری هو المالیة الخالصة لکی یکون ذلک قائما مقام النقود،و یعنون بعنوان الثمنیة و مثال ذلک:أن یعطی أحد مقدارا من الحنطة لیأخذ لحما و کان غرضه من إعطاء الحنطة أنها تساوی درهما فان هذا یسمی مشتریا،و باذل اللحم یسمی بائعا.و إذا انعکس الأمر انعکس الصدق أیضا.

و ان کان کلا العوضین عرضا،أو نقدا-من غیر سبق مقاولة تدل علی کون أحدهما بائعا و الآخر مشتریا و کان الغرض لکل من المتعاملین هو تحصیل الربح و المنافع مع حفظ مالیة ماله فی ضمن أی متاع کان،أو کان نظر کلیهما الی رفع الاحتیاج و دفع الضرورة فقط-کتبدیل عباءة بعباءة أو کتاب بکتاب-إن کان کذلک فذکر المصنف فیه وجوها أربعة:

1-أن یکون ذلک بیعا و شراء بالنسبة الی کل من المتبایعین،لأن البیع

ص:173

مبادلة مال بمال،کما فی المصباح.و الاشتراء ترک شیء و التمسک بغیره کما فی القاموس و لا شبهة فی تحقق هذین العنوانین بفعل کل واحد من المتعاطیین.و علیه فلو حلف أی منهما علی عدم الاشتراء حنث بذلک.نعم لا یترتب علیهما أحکام البائع،و لا أحکام المشتری،لانصرافهما-فی أدلة تلک الأحکام-الی من کان بائعا محضا،أو مشتریا محضا فلا تثبت تلک الأحکام لمن کان-فی معاملة واحدة-مصداقا لهما باعتبارین.

و لکن یتوجه علیه:ان عنوان البائع و عنوان المشتری بالمعنی المزبور العام کما یصدق علی کل منهما فی المقام،کذلک یصدق علی کل من المتبایعین فی کل بیع،حتی فیما إذا کان أحد العوضین نقدا و العوض الآخر عرضا،و لازم ذلک أن لا یختص أحد المتبایعین فی البیوع المتعارفة بکونه بائعا،و ثانیهما بکونه مشتریا،و هذا بدیهی البطلان.

2-أن یکون ذلک بیعا بالنسبة الی من یعطی متاعه أو لا،لصدق الموجب علیه،و شراء بالنسبة إلی الآخذ،لکونه قابلا.

و یتوجه علیه:أن هذا الوجه و إن کان صحیحا فی الجملة الا أنه لا یتم فی جمیع الموارد،بدیهة أنه لا شبهة فی جواز تقدیم القبول علی الإیجاب فی البیوع اللفظیة.و علیه فیمکن أن یقصد المعطی أولا-فی البیع المعاطاتی-قبول الإیجاب المتأخر.و إذن فلا دلیل علی الحکم بکون الباذل أولا بائعا،و کون الباذل ثانیا مشتریا علی وجه الإطلاق.

3-أن یکون ذلک صلحا معاطاتیا،لان المصالحة بمعنی التسالم،و من الواضح أن کل واحد من المتعاطیین یتسالم علی تبدیل ماله بمال صاحبه و من هنا حملوا الروایة الواردة فی قول أحد الشریکین لصاحبه لک ما عندک و لی ما عندی علی الصلح (1).

و لکن یرد علیه:أنه إن کان المراد من الصلح ما هو مصداق لمفهوم التسالم بالحمل الشائع فهو حسن،لأن مفهوم التسالم أمر وسیع یشمل جمیع العقود حتی النکاح،الا

ص:174


1- 1) قد تقدمت هذه الروایة فی ص 156.

أن المنشأ فی کل عقد بدء غیر ما هو المنشأ فی الصلح،بدیهة أن کل معاملة و إن کانت لا تصدر الا عن تسالم من الطرفین علی تلک المعاملة لکنه غیر عقد الصلح الذی یکون المنشأ فیه نفس عنوان الصلح.فکم فرق بین إنشاء الصلح و بین إنشاء معاملة وقع التسالم علیها من الطرفین.نعم ان نتیجة إنشاء الصلح بعقده قد تتحد مع نتیجة بعض العقود الآخر.

و إن کان المراد من الصلح ما هو إنشاء لمفهوم المصالحة التی تتمیز عن بقیة العقود فهو واضح البطلان،ضرورة أن التعاطی المذکور بعید عن مفهوم الصلح و حقیقته.

و أما الروایة المزبورة فلا وجه لحملها علی الصلح بل هی تناسب الهبة المعوضة.و هذا واضح لا ریب فیه.

4-ان یکون ذلک معاوضة مستقلة من غیر أن یدخل هذا تحت أحد العناوین المتعارفة.و هذا هو الصحیح عندنا.و تدل علی صحته آیة التجارة عن تراض (1)و لا ریب أن أمثال هذه المعاملة کثیرة فی العرف.

أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطیین
اشارة

الأمر الرابع:فی أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطیین.

و لا ریب فی أن أصل المعاطاة-و هی إعطاء کل من المتعاطیین ماله لصاحبه- یتصور علی وجوه.

و یحسن بنا قبل التعرض لحکم تلک الوجوه أن نقدم ما لا یستغنی عنه،و هو بیان الفارق بین هذا الأمر،و بین الأمر الثانی.و حاصله:ان جهة البحث فی الأمر الثانی إنما هی متمحضة فی بیان مورد المعاطاة.و بیان ما هو المبرز الخارجی لما قصده المتعاطیان.

و لذا ذکر المصنف فی طلیعة البحث عنه: (أن المتیقن من مورد المعاطاة حصول التعاطی فعلا من الطرفین).

ص:175


1- 1) سورة النساء 4 الآیة:33.

و جهة البحث فی الأمر الرابع إنما هی بیان ما قصده المتعاطیان، و لذا ذکر المصنف فی مطلع کلامه هنا ان أصل المعاطاة یتصور بحسب قصد المتعاطیین علی وجوه شتی و إذن فمرجع البحث فی أحد الأمرین غیر ما هو مرجع البحث فی الأمر الآخر،فلا تنافی بینهما و علیه فلا وجه لما أورده شیخنا الأستاذ علی المصنف،و إلیک نص مقرر بحثه:(أن الإیجاب و القبول یتحقق بدفع العین أولا من البائع و قبضها من المشتری،و خروج ما یدفعه المشتری ثانیا و یقبضه البائع عن حقیقة المعاوضة،فیلزم أن یکون المعاملة حاصلة دائما بدفع العین أولا و قبضها،و یکون دفع المشتری دائما خارجا عن حقیقة المعاوضة و علی هذا فلا وجه لما التزم به فی الأمر الثانی من ان المتیقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطی فعلا من الطرفین.لان المفروض أن العطاء الثانی لا اثر له،و لا یتحقق به الا عنوان الوفاء بالمعاطاة).

و وجه عدم المنافاة بین الأمرین:انه لا تنافی بین الالتزام بأن الإیجاب و القبول یحصلان بالإعطاء و القبض أولا،و ان دفع العین ثانیا خارج عن حقیقة المعاطاة،بل هو وفاء بالعقد،و بین القول بأن المتیقن من مورد المعاطاة هو ما إذا حصل التعاطی من الطرفین،فان العقد و ان تم بالإقباض و القبض أولا الا ان المتیقن منه قبال العقد اللفظی هو ما تعقبه الإعطاء من الطرف الثانی أیضا و اذن فلا تنافی بین الأمرین.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک

فاعلم انه قسم المصنف المعاطاة-بحسب قصد

المتعاطیین-علی أربعة أقسام:

1-ان یقصد کل من المتعاطیین تملیک ماله بمال الآخر

و علیه فیتم الإیجاب و القبول بدفع العین الاولی و قبضها،و یکون دفع العین الثانیة خارجا عن حقیقة المعاطاة بل یکون ذلک وفاء لما التزم به بإزاء ما تملکه و علی هذا فلو مات القابل بعد المطاوعة و قبل دفع العوض لم تبطل المعاطاة،لأنه مات بعد تحققها فی نظام الوجود.

2-ان یقصد کل من المتعاطیین تملیک ماله للآخر بإزاء تملیک الآخر ماله إیاه

ص:176

بحیث تکون المعاطاة متقومة بالعطاء من الطرفین مع کون التملیک بإزاء التملیک و علیه فلو مات الثانی قبل أن یملک ماله للأول لم تتحقق المعاطاة،إذ المفروض أن المقابلة بین التملیکین،لا الملکین.و لا ریب أن هذا المعنی بعید عن مفهوم البیع،لما عرفته فی أول الکتاب من أنه یعتبر فی مفهوم البیع ان یکون المبیع من الأعیان،و من الواضح ان نفس التملیک من الأفعال،فلا یقع مبیعا.نعم هو قریب من الهبة المعوضة من ناحیة،و بعید عنها من ناحیة اخری:أما قربه منها فمن جهة أن کلا من المالین خال عن العوض،إذ المفروض أن المقابلة قد وقعت بین التملیکین،لا بین الملکین،فتکون کالهبة المعوضة،لأجل وقوع التملیک بإزاء التملیک و أما بعده عنها فمن جهة أن حقیقة الهبة-معوضة کانت أم غیرها-عبارة عن العطیة بلا بدل فقوامها بالمجانیة.و أما اعتبار العوض فی الهبة المعوضة فإنما هو علی نحو الداعویة و الاشتراط،لا علی نحو المقابلة و المعاوضة.

و من الظاهر أن المفروض فی المقام إنما هو وقوع التملیک بإزاء التملیک،لا علی نحو المجان،و بلا بدل.و الاولی أن یجعل هذا القسم من التعاطی إما من قبیل المصالحة علی أمر معین،أو من قبیل المعاملة المستقلة و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

3-أن یقصد الباذل أولا إباحة ماله للآخذ بإزاء أن یملک الآخذ ماله إیاه

فتقع المبادلة بین الإباحة و التملیک.

4-أن یقصد کل من المتعاطیین إباحة ماله للآخر بإزاء إباحة الآخر ماله إیاه

فتقع المقابلة بین الاباحتین،أو تکون الإباحة الاولی بداعی الإباحة الثانیة انتهی ملخص کلام المصنف.

و لا یخفی علی الفطن العارف:أن الوجوه المتصورة فی المقام و إن کانت کثیرة -کما أوضحها-غیر واحد من المحشین-و لکن یتضح حکمها من الأقسام المذکورة.

و من هنا أغفل المصنف التعرض لجمیع الأقسام المتصورة فی المقام.

ص:177

أما القسم الأول-:أعنی به وقوع المقابلة بین المملوکین-فهو المصداق الواضح للبیع المعاطاتی،فیکون مشمولا للعمومات الدالة علی صحة البیع و لزومه، و تترتب علیه أحکامه و آثاره.و قد فصلنا ذلک فی الأمر الأول.

و اما القسم الثانی:-أعنی به وقوع المبادلة بین التملیکین-فلا نعقل له معنی محصلا،بدیهة أن حقیقة البیع عبارة عن إعدام إضافة مالکیة عن کل من العوضین،و إیجاد إضافة أخری مالکیة فی کل منهما من دون أن یلزم منه تبدیل سلطنة المالک بسلطنة اخری لکی یحتاج ذلک الی وجود سلطنة ثالثة.و هکذا حتی یلزم منه التسلسل.و هذا بخلاف مقابلة التملیک بالتملیک،فإنها تحتاج الی وقوع المقابلة بین السلطنتین،و هو یحتاج إلی سلطنة أخری،و هکذا الی غیر النهایة.و اذن فمقابلة التملیک بالتملیک بعید عن حدود البیع.

و أضف الی ذلک:ان مفهوم البیع انما هو إنشاء تبدیل عین بعوض-و قد تقدم ذلک عند البحث عن تعاریف البیع-و من المعلوم ان التملیک بنفسه من قبیل الافعال،فلا یقع مبیعا.

ثم ان من المستحیل نقل التملیک الی غیره بدء بإعطاء العین،أو بقبول ملکیتها بل لا بد فی نقل التملیک من إنشاء آخر یتضمن ذلک،کقوله ملکتک تملیکی العین الفلانیة،أو بأن یشترط التملیک فی ضمن عقد لازم:بأن باع داره من شخص، و اشترط فی ضمن البیع ان یملکه ماله الفلانی بحیث یکون متعلق الشرط نفس التملیک دون المملوک.

و علی الجملة إن الملکیة الشرعیة اعتبار شرعی غیر قابل للتملیک،و التملیک العقدی فعل من أفعال العاقد،و هو و إن کان قابلا للتملیک،الا انه غیر قابل له بتملیک المال لفظا بمثل ملکت،أو بإعطاء المال فعلا.و قد اتضح لک مما أوضحناه حکم القسم الثالث و القسم الرابع أیضا،و انه لا تتصور الإباحة بإزاء الإباحة،و لا الإباحة بإزاء

ص:178

التملیک بإعطاء العین و قبضها.

ثم ان المصنف قد ناقش فی القسمین الآخرین-الثالث و الرابع-من ناحیتین:الأولی:ان الإباحة من حیث هی إباحة لا تسوغ التصرفات المتوقفة علی الملک،الا علی نحو التشریع.الثانیة:ان الإباحة بإزاء التملیک-التی ترجع الی عقد مرکب من اباحة و تملیک-خارجة عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا،و لا شبهة فی أن صدق التجارة علی هذه المعاوضة محل تأمل،فضلا عن صدق البیع علیها:و اذن فلا تکون مشمولة لآیة التجارة عن تراض،و لا غیرها.ثم أطال الکلام حول ذلک نقضا و إبراما و لکن قد ظهر لک مما أسلفناه انه لا موضوع لهاتین المناقشتین أصلا و رأسا الا انه لا بأس بالتعرض لهما تأسیا للمصنف(ره).

فنقول:اما المناقشة الأولی فحاصل ما ذکره فیها:ان المالک و ان کان له ان یبیح التصرف فی أمواله لشخص آخر الا انه لا ینفذ إذنه إلا فی التصرفات المشروعة مع قطع النظر عن اذن المالک،بدیهة ان اذن المالک لیس مشرعا لکی یوجب جواز التصرف فی ماله للمجاز له علی وجه الإطلاق.و علیه فلا یجوز للمالک ان یأذن لغیره فی بیع ماله لنفسه،لإنه لا بیع إلا فی ملک.بل یستحیل عقلا صدق مفهوم البیع علیه لان مفهومه مبادلة مال بمال،و من الواضح انه لا یتحقق هذا المفهوم الا برفع الإضافة المالکیة عن احد العوضین و وضعها علی العوض الآخر.و علیه فإذا لم یدخل الثمن فی فی ملک من خرج المثمن عنه کان ذلک خارجا عن مفهوم البیع قطعا.و لا یعقل صدق مفهوم البیع علی ما هو خارج عنه.

نعم

لا بأس بالإذن فی التصرفات المتوقفة علی الملک بوجوه شتی:
1-ان یکون غرض المبیح من قوله:أبحت لک ان تبیع مالی لنفسک توکیل

المباح له فی نقل ماله-المبیح-الی نفسه-المباح له-

ثم بیع ذلک المال لنفسه -المباح له-أو ان المبیح یوکل المباح له فی بیع ماله،ثم نقل ثمنه الی نفسه-المباح له

ص:179

أو یقصد المبیح تملیک ماله للمباح له بقوله:أبحت لک مالی إلخ بحیث تکون الإباحة بمنزلة إنشاء الهبة،و یکون بیع المباح له بمنزلة القبول.و علیه فیکون ذلک نظیر قول القائل:أعتق عبدک عنی بکذا،حیث إن القول المزبور استدعاء لتملیک المولی عبده لذلک الرجل،و إعتاق المولی عبده جواب للاستدعاء المزبور فیتحقق هنا بیع ضمنی.

و علیه فیکون العبد ملکا للمستدعی آنا ما،ثم ینعتق عن قبله.

و فیه أن ما نحن فیه بعید عن هذا الوجه بجمیع شقوقه،إذ لیس المقصود هنا اذن المالک للمباح له فی نقل المال الی نفسه أولا،و لا فی نقل الثمن الیه ثانیا،و لا أن المالک قصد التملیک بقوله:أبحت لک إلخ،و لا أن المخاطب قصد التملک عند البیع،لکی یتحقق هنا تملیک ضمنی مقصود للمتکلم و المخاطب بالدلالة الاقتضائیة.کما کان کذلک فی قضیة أعتق عبدک عنی.

2-أن یدل دلیل خاص علی کون مال المبیح ملکا للمباح له بمجرد الإباحة

فیستکشف من ذلک الدلیل ان البیع الذی أوقعه المباح له قد وقع فی ملکه،أو قام دلیل خاص علی صیرورة الثمن ملکا للمباح له،فإنه یستکشف من ذلک الدلیل دخول الثمن فی ملک المبیح آنا ما-لکی لا یستحیل صدق مفهوم البیع علیه-ثم انتقاله من ملک المبیح الی ملک المباح له.و علیه فیکون ما نحن فیه بمنزلة شراء العمودین،فإنهما یدخلان فی ملک المشتری آنا ما،ثم ینعتقان علیه جمعا بین ما دل علی أنه لا عتق إلا فی ملک، و بین ما دل علی أن الإنسان لا یملک عمودیه.

و هذا الوجه أیضا لا یجری فی المقام،إذ لم یدلنا دلیل خاص علی صحة هذه الإباحة العامة.و أما دلیل السلطنة فلا تزاحم الأدلة الدالة علی توقف بعض التصرفات علی الملک-کالعتق و البیع و الوطی و نحوها-بل هی حاکمة علی دلیل السلطنة.

و السر فی ذلک:أن دلیل السلطنة قد أثبت السلطنة علی الأموال،دون الاحکام،فیکون ناظرا الی نفوذ سلطنة المالک فی التصرفات التی ثبت جوازها-فی

ص:180

الشریعة المقدسة-مع قطع النظر عن دلیل السلطنة.و من هنا اتضح لک الفارق بین ما نحن فیه،و بین شراء العمودین.

3-ما أشار إلیه فی آخر کلامه،و هو أن یکون ما نحن فیه من قبیل رجوع

الواهب عن هبته لکی یقع البیع فی ملک الواهب.

فکما أن بیع الواهب یقتضی دخول العین الموهوبة فی ملکه،کذلک أن تصرف المباح له تصرفا یتوقف علی الملک یقتضی دخول المال المباح فی ملکه.

و هذا الوجه أیضا غریب عما نحن فیه إذ لم یثبت جواز مثل هذا التصرف لکی تکشف صحته عن الملکیة آنا ما ملکیة تحقیقیة قبل تحقق ذلک التصرف.انتهی ملخص کلام المصنف.

أقول

یقع الکلام فی التصرفات المتوقفة علی الملک فی ناحیتین:
الناحیة الاولی:أنه هل تشرع هذه التصرفات لغیر المالک.

لا ریب فی أنها قد تکون تکوینیة،و قد تکون اعتباریة:أما التصرفات التکوینیة فلا تجوز لغیر المالک و ان کان صدورها عنه بعنوان النیابة عن المالک.

و بیان ذلک:أنه إذا دل دلیل بالخصوص علی جواز تلک التصرفات التکوینیة لغیر المالک أخذ به-کوطی الجاریة المملوکة الثابت جوازه بالتحلیل-و إن لم یدل دلیل خاص علی ذلک فلا یمکن إثباته بدلیل السلطنة،لأنه ناظر الی جواز التصرفات التی هی مشروعة للمالک مع قطع النظر عن دلیل السلطنة و أن هذا الدلیل یثبت عدم کون المالک ممنوعا عن تلک التصرفات.و أما التصرفات التی نشک فی مشروعیتها،أو نعلم بعدم مشروعیتها فلا تکون مشمولة لدلیل السلطنة،لعدم کونه مشرعا.و علی هذا فلو أذن المالک لأحد فی التصرف فی ماله تصرفا متوقفا علی الملک لم یمکن إثبات مشروعیته بدلیل السلطنة هذا کله فی التصرفات التکوینیة.

أما التصرفات الاعتباریة فلا تتوقف صحتها علی الملک،بل لا تتوقف صحتها

ص:181

علی اذن المالک و توکیله،لما سیأتی من الحکم بصحة العقود الفضولیة التی لحقتها اجازة المالک.

نعم ربما یتوهم قیام الإجماع علی بطلان العتاق الصادر من غیر المالک،سواء أ کان ذلک باذن المالک،أم کان فضولیا،ضرورة أن إذن المالک لا یؤثر فی مشروعیة التصرفات المتوقفة علی الملک،و انما یؤثر اذنه فی رفع الحرمة التکلیفیة فقط.و إذن فمنزلة العتاق منزلة الطلاق.فکما أن الطلاق لا یصح من غیر الزوج،کذلک ان العتاق لا یصح من غیر المالک،الا أن یعد فعل غیر المالک فعلا للمالک،کالوکیل.

و لکن هذا التوهم فاسد،بدیهة أنه لیس فی المقام إجماع تعبدی،بل من المحتمل القریب ان یکون مستند المجمعین ما دل علی عدم نفوذ العتق إلا فی ملک،و سیأتی عدم ارتباطه بمقصود المستدل و اذن فلا محذور فی صحة العتق من غیر المالک.و هذا لا یقاس بالطلاق،لدلالة الدلیل علی انه لا یصح من غیر الزوج،بخلاف العتاق،فإنه لم یدل دلیل علی عدم صحته من غیر المالک.قیل:

انه لا یصح العتاق من غیر المالک،لا من جهة الإجماع کما توهم،بل من جهة ما دل علی انه لا عتق إلا فی ملک (1)و الجواب عن ذلک:

ان سبیل ذلک سبیل ما دل علی انه لا بیع إلا فی ملک و المراد بهما أحد الأمرین:

الأول:اعتبار الملک الفعلی فی صحة البیع و العتق،فلا یصح بیع أو عتق ما یملکه بعد ذلک الثانی:اعتبار الانتساب الی المالک فی نفوذ البیع و العتق،فلا ینفذ علی المالک بیع الأجنبی، و علی کلا التقدیرین فالروایة لا تنافی صحة البیع الفضولی،و لا صحة العتق الصادر من غیر المالک مستندا إلی اذن المالک و المتحصل من جمیع ما بیناه هو صحة العتاق باذن المالک

الناحیة الثانیة:أنه إذا قلنا بجواز التصرفات المتوقفة علی الملک لغیر المالک فهل

ترجع نتیجتها الی المتصرف،أم یرجع ذلک الی المالک؟

ص:182


1- 1) راجع الوافی ج 6 ص 83.

لا ریب فی ان التصرفات التکوینیة خارجة عن مورد بحثنا،إذ لا یشک احد من العقلاء فی ان نتیجة أی فعل یصدر من أی فاعل ترجع الی فاعل هذا الفعل،لا الی غیره،بدیهة انه لا معنی لأن یشرب أحد ماء فیرتوی غیره،أو یأکل أحد طعاما فیشبع الآخر،أو ینام واحد فیستریح صاحبه،أو یشتغل احد بالعلوم فیکون غیره عالما.و هکذا سائر الأفعال التکوینیة.

و اما التصرفات الاعتباریة-کالبیع و نحوه-فترجع نتیجتها الی المالک لا الی غیره،لما عرفته مرارا من ان حقیقة البیع تبدیل عین بعوض فی جهة الإضافة،و مقتضی ذلک هو انتقال المثمن من ملک مالکه الی ملک مالک الثمن و بالعکس:بأن یفک البائع إضافته القائمة بالمتاع و یجعلها قائمة بالثمن،و یفک المشتری إضافته القائمة بالثمن، و یجعلها قائمة بالمتاع.

و مثال ذلک:أنه إذا باع زید طعامه من بکر بدینار صار الدینار ملکا لزید، و لو صار ذلک الدینار ملکا لخالد لما صدق علیه مفهوم البیع بوجه.و اذن فیستحیل ان ترجع نتیجة البیع الی غیر المالک.و من هنا اتضح لک ان قول القائل:(بع مالی لنفسک)إن رجع الی ما ذکره المصنف من الوجوه الثلثة المتقدمة فلا بأس به و الا فلا مناص عن الحکم بکونه من الاغلاط.

و قد تجلی لک مما أوضحناه حکم سائر العقود و المعاوضات التملیکیة.و أیضا ظهر لک مما ذکرناه حکم شراء العمودین،کما ظهر لک من ذلک وجه الالتزام فیه بالملکیة الآنیة التحقیقیة.و وجه الظهور:أنه قد ورد فی الشریعة المقدسة أن الإنسان لا یملک عمودیه (1)و ورد فیها أیضا انه یجوز للابن أن یشتری عمودیه.و قد عرفت قریبا:انه یستحیل صدق مفهوم البیع علی التبدیل الساذج من غیر أن یکون التبدیل فی

ص:183


1- 1) راجع الوافی ج 6 ص 96.

جهة الإضافة و من الواضح ان الجمع بین هذه الأمور یقتضی الالتزام بدخول العمودین فی ملک الابن آنا ما،ثم انعتاقهما علیه من غیر ان یکون لهذه الملکیة دوام و ثبات.بل حصولها مقدمة لزوالها.و اذن فالالتزام بهذه الملکیة یقتضی تخصیص ما دل علی ان الإنسان لا یملک عمودیه،و لا یمکن الالتزام بتخصیص ما ذکرناه-و هو انه لا یمکن صدق مفهوم البیع علی ضده-بدیهة ان الاحکام العقلیة غیر قابلة للتخصیص.و هذا واضح لا ریب فیه.

و قد ظهر لک من مطاوی ما ذکرناه ان الإنسان یملک عمودیه آنا ما ملکیة تحققیة لا ملکیة تقدیریة فرضیة علی ما اشتهر فی ألسنة المحصلین،لعدم ترتب الأثر علی الملکیة التقدیریة بوجه.و علی هذا فلا وجه للمصنف ان یفرق بین شراء العمودین.و بین بیع الواهب عبده الموهوب أو عتقه حیث التزم بالملکیة الآنیة التقدیریة فی الأول و بالملکیة التحقیقیة فی الثانی مع أنهما من واد واحد.

و قد اتضح لک أیضا مما بیناه ان المراد من الجمع بین الأدلة-الذی یوجب الالتزام بالملکیة الآنیة التحقیقیة-إنما هو الجمع بین الدلیل العقلی-:اعنی استحالة صدق مفهوم البیع علی ضده-و بین ما دل علی جواز شراء العمودین،و بین ما دل علی ان الإنسان لا یملک عمودیه،و لیس المراد من الجمع بین الأدلة الجمع بین ما دل علی انه لا عتق إلا فی ملک و بین ما دل علی جواز شراء العمودین،و بین ما دل علی ان الابن لا یملک عمودیه،ضرورة انه لو کان المانع عن شراء العمودین هو نفی جواز العتق إلا فی ملک لأمکن تخصیصه بما دل علی جواز شرائهما و انعتاقهما من دون ان یترتب علیه محذور لعدم استحالة العتاق فی غیر الملک.و هذا بخلاف ما کان المانع هو الدلیل العقلی،فإنه غیر قابل للتخصیص هذا کله فی البیع.

و اما العتاق فهل یمکن ان ترجع نتیجته الی غیر المالک أم لا بد و ان ترجع الی المالک فقط؟

ص:184

الظاهر أنه لا ریب فی صحة العتق عن غیر المالک،إذ لم یرد فی آیة و لا فی روایة و لا فی معقد إجماع عدم جواز ذلک و لم یقم دلیل عقلی أیضا علی استحالته.بل لو التزمنا- فی الناحیة الأولی باشتراط صدور العتق من المالک لما دل علی نفی جواز العتق إلا فی ملک،فان هذا لا یکون وجها للالتزام بعدم الجواز هنا،إذ المفروض أن المتصدی للعتق إنما هو المالک،لانه بنفسه أعتق عبده عن غیره تبرعا.

و نتیجة البحث:أن المالک إذا أعتق أحد ممالیکه عن نفسه أو عن غیره،أو أذن لأحد أن یعتقه عن نفسه أو عن المالک أو عن ثالث کان العتاق نافذا،إذ لا نری مانعا عقلیا و لا مانعا شرعیا عن ذلک.بل یدل علی نفوذه و لزومه قوله(تعالی) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،إذ لیس المراد بالعقد فی الآیة الکریمة هو العقد المصطلح الذی یحتاج إلی الإیجاب و القبول لکی تخرج الإیقاعات عن حدودها،بل المراد منه العقد المشدد أو مطلق العقد علی ما أسلفناه فی البحث عن لزوم المعاطاة.و من الظاهر أن العقد بأحد هذین المعنیین یشمل الإیقاعات أیضا.

و قد تبین لک مما تلوناه علیک:أنا لا نحتاج فی تصحیح قول الرجل لصاحبه أعتق عبدک عنی الی ما ذکره الأصولیون من دلالته علی التملیک دلالة اقتضائیة-التی تتوقف علیها صحة الکلام عقلا أو شرعا-و وجه عدم الاحتیاج الی ذلک ما ذکرناه قریبا من أن عتق المالک عبده عن غیره بمکان من الإمکان.و علیه فقول القائل لأخیه:أعتق عبدک عنی محمول علی استدعاء العتق التبرعی المجانی.هذا کله ما یرجع الی بیان الکبری الکلیة فی حکم التصرف فی مال غیره مع إذن المالک فیه تصرفا تکوینیا أو اعتباریا.

ثم إنه یحسن بنا أن نصرف الکلام الی بیان انطباق تلک الضابطة علی بعض الأمثلة المعروفة فی الألسنة:و هو قول القائل:أعتق عبدی عن نفسک.و قوله أعتق عبدک عنی:

أما المثال الأول فإن رجع الی توکیل غیره فی تملک العبد ببیع و نحوه ثم عتقه

ص:185

عن نفسه فإنه لا یخالف القواعد الشرعیة.و إن لم یرجع ذلک الی التوکیل،بل أخذنا بظاهره،و هو العتاق المجانی،فإن قلنا بأن العتق لا یصدر الا من المالک-و ان کانت نتیجته راجعة إلی غیره-کان الکلام المذکور لغوا محضا فی نظر الشارع.و إن قلنا بجواز صدور العتق من غیر المالک،مع إذن المالک فی ذلک صح الکلام المزبور بظاهره بلا احتیاج إلی التأویل.

أما المثال الثانی:-أعنی به أعتق عبدک عنی-فإن رجع الی توکیل المالک فی شراء عبده للمستدعی ثم عتقه عنه فلا محذور فیه بوجه.و إن أخذنا بظاهره و قلنا بجواز العتق عن غیره تبرعا و مجانا-سواء أسبقه الاستدعاء،أم لم یسبقه ذلک-کان المثال المزبور صحیحا بظاهره بلا احتیاج إلی التأویل،و الا فیکون لغوا محضا.

ثم إنه بقی هنا أمران،و یهمنا التعرض لهما:
الأمر الأول انه إذا قلنا بجواز

العتق عن غیره فهل یجزی ذلک عن العتق الواجب-کالکفارة و نحوها-أم لا؟

التحقیق:أنه لو قلنا بجواز العتق عن شخص آخر لم یجز ذلک عن العتق الواجب لأنا ذکرنا فی مبحث التعبدی و التوصلی:أن إطلاق الأوامر المتوجهة إلی المکلفین یقتضی مباشرتهم بامتثالها،و من هنا لا تسقط الواجبات العبادیة-کالصوم و الصلاة و الحج و نحوها-عن أی مکلف بامتثال غیره،و لا یقاس ذلک بالدیون المالیة التی یجوز أداؤها لکل أحد مجانا،إذ علم فی الشریعة المقدسة ضرورة أنه یجوز لأی شخص أن یؤدی دین أخیه المؤمن تبرعا،بل هو أمر استحبابی جزما.

الأمر الثانی:أنه هل یحکم بضمان المعتق عنه للمالک إذا استدعی منه عتاق

عبده أم لا؟

لا شبهة فی عدم ضمانه بذلک إذا کان عتق المالک عبده عن غیره تبرعا و مجانا.

و إن لم یکن قصد المالک العتق المجانی فإن علم من حال المستدعی التماس العتاق مجانا فلا شبهة فی عدم الضمان أیضا،کما هو کذلک فی موارد التسؤل،و الا فیحکم بالضمان.

ص:186

و نظیر ذلک قول القائل لأحد احمل هذا المتاع الی محل فلانی،أو احلق رأسی،أو غیر ذلک،فان الآمر فی جمیع هذه الموارد یضمن عمل المأمور جزما.

بحث فی جهات

قوله:(و عرفت أیضا:أن الشهید فی الحواشی لم یجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة فی الخمس و الزکاة و ثمن الهدی). أقول:بقیت هنا جهات من البحث لا بد من التعرض لها:

الجهة الاولی:أنه قد یناقش فی إخراج المأخوذ بالمعاطاة فی ثمن الهدی

و لکن لا وجه لهذه المناقشة،لان الهدی قد یشتری بالثمن الکلی،ثم یعطی ذلک من مال المبیح و قد یشتری بالثمن الشخصی،و هو مال المبیح:أما الأول فلا شبهة فی صحته ،إذ لا مانع من أداء الدین من مال شخص آخر مع اذنه فی ذلک أما الثانی فلا وجه له أیضا،إذ لم یدلنا دلیل علی اعتبار کون الهدی ملکا لمن یجب علیه.

الجهة الثانیة:أنه هل یجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة فی الخمس و الزکاة؟

تارة نقول بتعلق الخمس و الزکاة بالعین،کما هو الظاهر.و أخری نقول بتعلقهما بالذمة،و علی کلا التقدیرین یقع الکلام فی ناحیتین:

الناحیة الاولی:أنه هل یجوز لأحد أن یعطی الخمس أو الزکاة المتعلقین بذمة

غیره أو ماله؟

الظاهر هو عدم الجواز:أما بناء علی تعلقهما بالعین فواضح.أما بناء علی تعلقهما بالذمة فلان الأوامر ظاهرة فی ثبوت المکلف به فی ذمة نفس المکلف،و عدم سقوطه عنه بامتثال غیره إیاه إلا بدلیل خاص.

و من الظاهر ان الدلیل و ان دل علی جواز أداء الدین الثابت فی ذمة شخص

ص:187

آخر الا ان شموله لما یعتبر فیه قصد القربة غیر معلوم.و أصالة الإطلاق یندفع بها احتمال سقوطه.

الناحیة الثانیة:أنه هل یجوز لمن تعلق الخمس أو الزکاة بماله أو بذمته أن یؤدیهما

بمال شخص آخر؟

ان قلنا بتعلق الخمس أو الزکاة بالعین لم یجز للمالک ان یعطیهما من مال غیره.

نعم یجوز له تبدیلهما بغیره من ماله فقط لدلیل خاص.و ان قلنا بتعلقهما بالذمة إما ابتداء-کما ذهب الیه جمع من الأصحاب-أو قلنا بتعلقهما بالعین بدء،و لکنهما قد انتقلا إلی الذمة بعد إتلافهما فإن الظاهر انه لا شبهة فی أدائهما من مال شخص آخر مع الاذن فیه،لا من ناحیة اعتبار قصد القربة فی ذلک و لا من ناحیة تعلقهما بالعین:

اما عدم الشبهة فی ذلک من الناحیة الاولی فلأن ما یعطی بدل الخمس و الزکاة و ان کان ملکا لغیره،و لکن المتصدی للأداء إنما هو نفس المکلف،فله ان یضیف ذلک الی المولی،و یأتی به امتثالا لأمره تبارک و تعالی.

اما عدم الشبهة فی ذلک من الناحیة الثانیة فلأن حق السادة و الفقراء إذا فرضنا تعلقه بالذمة ابتداء أو انه انتقل إلی الذمة بقاء لتلف العین کان لصاحب الذمة ان یطبقه علی ای فرد یرید.

الجهة الثالثة:انه قد التزم المصنف-علی ما هو ظاهر کلامه-بالملکیة التقدیریة

فی دیة المیت.

و لعله من ناحیة الجمع بین ما دل علی توقف الإرث علی الملک،و بین ما دل علی ان دیة المیت للوارث.

و التحقیق:انه ان قلنا بعدم توقف إرث الدیة علی الملک فلا مجال للالتزام بالملک التقدیری.و ان قلنا بتوقفه علی الملک-کما هو مبنی کلام المصنف-فلا مناص عن الالتزام بالملکیة التحقیقیة،إذ لا یترتب اثر علی الملکیة الفرضیة.

ص:188

أقسام الإباحة المعوضة

قوله:(و اما الکلام فی صحة الإباحة بالعوض سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة علی الملک،أم خصصنا الإباحة بغیرها). أقول:محصل کلامه:أن البحث هنا یقع فی ناحیتین:

الاولی:فی صحة الإباحة بالعوض،

و قد نوقش فی ذلک بأنها خارجة عن المعاوضات المتعارفة المعهودة شرعا.علی أنه یتأمل فی صدق عنوان التجارة علیها فضلا عن البیع.

نعم یمکن الاستدلال علی صحتها بدلیل السلطنة،و دلیل وجوب الوفاء بالشرط و یمکن ان یکون ذلک نوعا من الصلح،لان الصلح هو التسالم،و من البین أن ما نحن فیه مصداق للتسالم.

و دعوی:أن ذلک لم ینشأ بلفظ الصلح لکی یکون مصدقا له دعوی جزافیة، إذ لم یشترط فی حقیقة المصالحة إنشاؤها بلفظ الصلح.و من هنا حمل الأصحاب ما ورد فی الروایة (1)قول أحد الشریکین لصاحبه:لک ما عندک و لی ما عندی علی المصالحة مع أنه لم ینشأ بمادة الصلح أو التسالم.و من ذلک أیضا ما ورد (2)فی مصالحة الزوجین

الناحیة الثانیة:أنه إذا قلنا بکون الإباحة بالعوض معاوضة مستقلة فهل یحکم

بلزومها مطلقا،أم من طرف المباح له،أم یحکم بجوازها مطلقا وجوه؟.

أقواها أولها، لعموم المؤمنون عند شروطهم،ثم أوسطها،لأن المباح له قد أخرج ماله عن ملکه دون المبیح،فان ماله باق علی ملکه،و أنه مسلط علیه.

ص:189


1- 1) قد تقدمت هذه الروایة فی ص 156.
2- 2) راجع الوافی ج 12 ص 147.

و التحقیق:أن الإباحة بالعوض خارجة عن حدود الصلح،بداهة أنها مغایرة لمفهوم الصلح.و مجرد انطباق مفهوم التسالم علیها لا یجعلها من مصادیق المصالحة.

و الا لزم إرجاع جمیع العقود-حتی النکاح-الی الصلح بل الإباحة بالعوض تتصور علی وجوه شتی:

1-أن تجعل نفس الإباحة عوضا فی المعاملة:بأن یقول أحد لصاحبه:بعتک هذا الکتاب بإزاء أن تبیحنی کتابک الآخر و هذا لا شبهة فی صحته و لزومه للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها.

و دعوی:أن الإباحة من قبیل الاعمال و الأفعال،فهی لا تکون عوضا فی العقود المعاوضیة دعوی جزافیة لأنا ذکرنا فی أول الکتاب:ان عمل الحر و إن لم یکن مبیعا فی البیع،و لکن یصح جعله عوضا فیه.و اذن فلا نعرف وجها صحیحا لما ذکره المصنف من التأمل فی صدق التجارة عن تراض علی الإباحة المعوضة.

و أما الاستدلال علی صحة ذلک بقوله(صلی الله علیه و آله):المؤمنون عند شروطهم (1)فیرد علیه أولا:أن الشرط فی اللغة بمعنی الربط بین شیئین.و من الواضح أن الشروط الابتدائیة لا یصدق علیها عنوان الشرط.فتکون خارجة عن حدود الروایة.

ثانیا:أنا لو سلمنا شمول الروایة للشروط الابتدائیة.و لکن لیس المراد من الالتزام هو الالتزام الوضعی:بمعنی أن ما التزم به المؤمن لا یزول بفسخه،بل المراد من ذلک إنما هو الالتزام التکلیفی:أی یجب علی کل مؤمن الوفاء بشرطه،لانه من علائم إیمانه.

2-أن تکون الإباحة مشروطة بالتملیک:بأن یبیح ماله لزید علی أن یملکه زید ماله.

3-أن تکون الإباحة معلقة بالتملیک:بأن یبیح ماله لزید إذا ملکه زید ماله.

ص:190


1- 1) راجع الوافی ج 12 ص 80.

4-أن یکون التملیک عنوانا للموضوع بأن یقول:أبحت مالی هذا لمن یملکنی عشرة دنانیر.

5-أن یبیح ماله لزید بداعی أن یملک زید ماله إیاه.

أما الوجه الثانی فإن کان الشرط فیه من قبیل شرط النتیجة فبقبول المباح له ینتقل ماله إلی المبیح.و إن کان ذلک من قبیل شرط الفعل فیجب علیه التملیک، لوجوب الوفاء بالشرط.

أما الوجه الثالث فلا شبهة فی أن الإباحة فیه بمنزلة الحکم و ما علقت به الإباحة بمنزلة الموضوع.و علیه فإذا تحقق الموضوع-بأن ملک المباح له ماله للمبیح- تثبت الإباحة،کترتب وجوب الحج علی وجود الاستطاعة الخارجیة.و من هنا ظهر حکم الوجه الرابع أیضا.

أما الوجه الخامس فهو خارج عن حریم الإباحة المعوضة.إذ الداعی لا یعتبر عوضا،و لا یضر تخلفه فی المعاوضات و غیرها.

جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات
اشارة

الأمر الخامس:هل تجری المعاطاة فی غیر البیع من العقود و الإیقاعات؟.

تحقیق المقام:أنه إذا قلنا بأن مقتضی القاعدة هو انحصار العقود و الإیقاعات بالألفاظ لم تجر المعاطاة إلا فی مورد قام دلیل خاص-من نص أو إجماع أو سیرة- علی جریانها فیه،و ذلک لأن المعاطاة حینئذ علی خلاف القاعدة،فیقتصر فی مخالفتها علی مورد الدلیل.

و إذا قلنا بأن القاعدة تقتضی صحة إنشاء العقود و الإیقاعات بکل ما هو صالح لابراز الاعتبار النفسانی جرت المعاطاة فی جمیعها إلا إذا قام دلیل خاص علی عدم جریانها فی فرد خاص،أو قام دلیل خاص علی انحصار مبرزه بشیء خاص.

ص:191

و لکن الظاهر أنه لم یرد-فی آیة و لا فی روایة و لا فی معقد إجماع-انحصار المبرز فی جمیع العقود و الإیقاعات بمبرز معین.و علیه فلا بأس بالالتزام بجریان المعاطاة فی جمیعها إلا ما خرج بالدلیل.و إذن فیکون ما هو المنشأ بالافعال من المعاملات مشمولا للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات و لزومهما.

ثم إنه منع شیخنا الأستاذ عن جریان المعاطاة فی النکاح و الوصیة و التدبیر و الضمان:

أما الوجه فی عدم جریانها فی النکاح فلأن الفعل فیه ملازم لضده-و هو الزناء- بل هو مصداق له حقیقة و من البین الذی لا ریب فیه أنه لا یمکن إنشاء شیء من الأمور الإنشائیة بضده.

أما الوجه فی عدم جریان المعاطاة فی الوصیة و التدبیر و الضمان فلأنها أمور لا تنشأ إلا بالقول،ضرورة أنه لیس فی مواردها فعل یکون مصداقا لأحد هذه العناوین المذکورة،بداهة أن انتقال الدین من ذمة إلی ذمة-الذی هو معنی الضمان- لا یمکن أن یتحقق بأی فعل من الأفعال،و کذلک العتق و الملکیة و القیمومة بعد موت الموصی.انتهی ملخص کلامه.

و یتوجه علیه:أن کون الفعل ضدا للنکاح إنما هو من ناحیة أن الشارع قد اعتبر فی عقد النکاح مبرزا خاصا-و هو اللفظ-و لا ریب فی أن مورد البحث فی المقام إنما هو مع قطع النظر عن ذلک.و علیه فالزوجیة فی نفسها-مع قطع النظر عن اعتبار الشارع فیها مبرزا خاصا-قابلة للإنشاء بالفعل.و علیه فیکون الفعل بنفسه مصداقا للنکاح بالحمل الشائع.

و یضاف إلی ذلک:أنا لو سلمنا ما أفاده شیخنا الأستاذ و لکنه مختص بالفعل الخاص،و لا یعم کل فعل من إشارة و نحوها.

فغایة الأمر:أنه لا تحصل الزوجیة فی نظر الشارع فیما إذا أنشأت بالفعل، لا أن الفعل لا یکون مصداقا للتزویج عرفا و فی نظر العقلاء.

ص:192

أما الضمان فلعل وجه المناقشة فی عدم حصوله بالمعاطاة أنه نقل المال من ذمة إلی ذمة،فلا یتحقق بالفعل الخارجی.

و لکن یتوجه علیه:أن النقل إنما هو فی عالم الاعتبار-کالتملیک فی البیع و غیره-و الاعتبار أمر قائم بالنفس،و اللفظ أو الفعل مبرز له،و لا مانع من أن یکون الفعل مبرزا لاعتبار الانتقال و إن کان هو الإشارة و نحوها.

أما التدبیر و الوصیة فمنشأ المناقشة فیهما إنما هو حصر الإنشاء المعاطاتی بالإعطاء و الأخذ الخارجیین،فإنه لا یعقل إنشاء العناوین المذکورة بذلک،بداهة أنهما أمران استقبالیان،فیستحیل إنشاؤهما بفعل یتحقق قبل الموت.

و علیه فکل ما یوجد فی الخارج من الأفعال لا یکون مصداقا للتدبیر أو الوصیة.

و الجواب عن ذلک:

أن عنوان المعاطاة لم یرد فی دلیل خاص لکی یقتصر علی تحقق التعاطی من الطرفین حفظا لذلک العنوان،بل إنما التزمنا بمشروعیة المعاملات المعاطاتیة من ناحیة قیام الفعل مقام القول فی إبراز الأمور النفسانیة.و علی هذا فلا یختص الإنشاء الفعلی بالإعطاء و الأخذ الخارجیین.بل یجری ذلک فی جمیع ما هو قابل لابراز الاعتبار النفسانی من الإشارة و غیرها،و من هنا یصح طلاق الأخرس بالإشارة المفهمة.

و علی الجملة:إن القاعدة الأولیة تقتضی جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات.بداهة أنها لیست إلا الاعتبارات النفسانیة المبرزة بمبرز خارجی فعلی أو قولی.فإنه علی کل حال یصدق علی المنشأ عنوان العقد أو الإیقاع.فیکون مشمولا للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات،نعم ثبت اعتبار مطلق اللفظ فی إنشاء عقد النکاح،و اعتبار لفظ خاص فی إنشاء الطلاق.و علیه فیکون ذلک تخصیصا للقاعدة المذکورة کما لا یخفی.

و قد اتضح لک مما حققناه فساد القول بالتفصیل بین العقود و الإیقاعات.

ص:193

بدعوی أن بعض الأفعال یصدق علیه عنوان المعاملة کالاعطاء و الأخذ الخارجیین، فإنه یصدق علیهما عنوان البیع و نحوه.و بعض الأفعال لا یصدق علیه ذلک،کإخراج الرجل زوجته من بیته،فإنه لا یصدق علیه عنوان الطلاق.کما اتضح لک أیضا:أنه لا احتیاج الی تطویل الکلام هنا بالنقض و الإبرام،کما ارتکبه بعض مشایخنا المحققین.

ثم إنه نوقش فی جریان المعاطاة-علی القول بکونها مفیدة للملک-فی الهبة، لقیام الإجماع علی أن الهبة لا تفید الملکیة إلا بالإیجاب و القبول اللفظیین و علیه فجریان المعاطاة فی الهبة متوقف علی القول بإفادة المعاطاة الإباحة،و هذا مخالف لمذهب المحقق الثانی فبناء علی مسلکه لا تجری المعاطاة فی الهبة.

و لکن هذه المناقشة واضحة الاندفاع،بداهة أنه لیس هنا إجماع آخر غیر الإجماع الذی توهم قیامه علی اعتبار اللفظ فی إنشاء مطلق العقود و الإیقاعات-کما نبه علیه السید فی حاشیته-و من الواضح أن هذا الإجماع لیس بتمام.

ثم إنه وقع الخلاف بین الأصحاب رضوان اللّه علیهم فی جریان المعاطاة فی

طائفة من العقود و الإیقاعات:

1-القرض حیث إنه و إن کان مقتضیا،إلا أن تأثیره مشروط بالقبض

الخارجی.

و علیه فلو انعقد القرض بمجرد الفعل:أعنی به القبض و الإقباض لزم منه اتحاد المقتضی و الشرط،و هو محال،ضرورة أن المقتضی یغایر الشرط فی الوجود،و إذا فرضنا اتحادهما لزم منه اجتماع الضدین،و هذا واضح لا ریب فیه.

و أضف الی ذلک:أن رتبة الشرط متأخرة عن رتبة المقتضی،فلو فرض اتحادهما لزم منه أن یکون شیء واحد متقدما و متأخرا.و الجواب عن ذلک:

أن الحکم الشرعی إنما یتحقق بجعل الشارع،و یستحیل أن یؤثر فیه موجود خارجی بنحو الاقتضاء أو الاشتراط.و التعبیر عن موضوع الحکم بالسبب أو الشرط اصطلاح من العلماء.و واقع الأمر أنه لا سببیة و لا شرطیة،بل الحکم قد جعل علی

ص:194

نحو القضیة الحقیقیة علی الموضوع المقدر وجوده بخصوصیاته المعتبرة فیه.فقد اعتبر فی صحة القرض تحقق الإنشاء و حصول القبض،فقد یتعددان وجودا و قد یتحدان.نعم الشرط العقلی-الذی هو عبارة عما تتم به فاعلیة الفاعل،أو قابلیة القابل-یستحیل اتحاده مع المقتضی،لاستلزامه ما تقدم من المحذور.

و یکشف عما ذکرناه أنه لو تمت المناقشة المذکورة لجری مثلها فی الهبة و بیع الصرف و السلم،مع أن وضوح تحققها بالقبض الساذج کالشمس فی کبد السماء.

2-الرهن حیث إن المعاطاة إما تفید الإباحة المجردة،أو الملکیة الجائزة،

و من البین أن کلتیهما لا تلائم الرهان،بداهة أن العین المرهونة وثیقة للمرتهن.و بدیهی أن جواز الرهن ینافی الاستیثاق.و الجواب عن ذلک:

أن القول بالإباحة أو الملکیة الجائزة إنما هو من ناحیة توهم الإجماع علی أن المعاطاة لا تفید الملکیة أصلا،أو الملکیة اللازمة من أول الأمر،و إلا لکانت المعاطاة مشمولة للأدلة الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات و لزومهما و من الظاهر أن الإجماع دلیل لبی،فلا یؤخذ منه الا بالمقدار المتیقن،و هو العقود التی تتصف باللزوم تارة و بالجواز أخری و اما العقود التی هی لازمة فی ذاتها-کالرهن-فهی خارجة عن معقد الإجماع،و لا أقل من الشک فی ذلک.فهو کاف فی إثبات مقصودنا.

و الذی یدلنا علی هذه النکتة القیمة:أن کلمات أغلب المجمعین ظاهرة،بل صریحة فی أن المعاطاة مفیدة للإباحة أو الملک الجائز.و لیس معقد الإجماع فی کلماتهم أن ما لیس فیه لفظ من العقود و الإیقاعات فهو غیر لازم و إذن فلا بأس بجریان المعاطاة فی الرهن و یکون لازما من أول الأمر إذ لا نطمئن بدخوله فی معقد الإجماع المتقدم.

و یضاف إلیه:أن ذلک الإجماع لیس بحجة،لعدم العلم بکشفه عن رأی المعصوم علیه السلام.و ما هذا شأنه لا یکون دلیلا علی إثبات الحکم الشرعی.

3-الوقف حیث إنه صدقة فی سبیل اللّه،فیکون لازما،

لانه لو کان جائزا

ص:195

لأمکن رجوعه،و ما کان للّه لا یرجع،و علیه فلا تحری فیه المعاطاة التی هی جائزة فی نفسها.

و لکن قد اتضح جوابه مما ذکرناه فی الرهن.علی أنه لم یثبت کون الوقف من الأمور القربیة و یضاف الی ذلک قیام السیرة القطعیة علی تحقق الوقف بالمعاطاة، إذ کثیرا ما یوقفون الأمتعة بالمعاطاة،کالفراش و السراج و الظرف و غیرها.

و قد ظهر مما ذکرناه-من جریان المعاطاة فی الوقف-جریانها فی العتق أیضا.

کما اتضح لک من جمیع ما بیناه جریانها فی کل عقد و إیقاع،و أن الإنشاء الفعلی فی جمیع ذلک قائم مقام الإنشاء القولی،إلا ما خرج بالدلیل،کالطلاق و النکاح.

ملزمات المعاطاة

الأمر السادس:فی ملزمات المعاطاة علی کل من القول بالملک و القول بالإباحة.

قد ذکرنا-فی الأمر السابق و غیره-أن الإنشاء الفعلی قائم مقام الإنشاء القولی فی جمیع المعاملات،و أن هذا الإنشاء الفعلی یصدق علیه عنوان المعاطاة،و یکون مشمولا للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات و لزومهما.و علیه فلا مجال للبحث عن ملزمات المعاطاة.و هذا بین لا ریب فیه.

نعم یحسن بنا البحث عن ذلک تبعا للمصنف.و قد أسس هو(ره)أصلا أمام البحث عن ملزمات المعاطاة،و حاصله:أنه بناء علی إفادة المعاطاة الملک فالأصل فیها اللزوم،لما أسلفناه من الوجوه الثمانیة الدالة علی لزوم جمیع العقود التی منها المعاطاة.

و علی هذا فالأصل فی المعاطاة هو اللزوم،أما بناء علی القول بالإباحة فمقتضی الأصل فیها هو عدم اللزوم،لأنه یجوز للمبیح أن یرجع عن إباحته،لأن الناس مسلطون علی أموالهم

ص:196

و قد یتوهم:أن الإباحة الثابتة قبل رجوع المبیح عن إباحته ثابتة بعد رجوعه أیضا،إذ الأصل بقاؤها علی حالها.

و لکن هذا التوهم فاسد،فان دلیل السلطنة حاکم علی الأصل المذکور و یضاف الی ذلک:أن الاستصحاب لا یجری فی الشبهات الحکمیة.

ثم إنک قد عرفت-فی البحث عن لزوم المعاطاة-أن ما نظمه المصنف من الوجوه الثمانیة التی استدل بها علی لزوم المعاطاة لا یتم إلا بعضه.و قد تقدم أیضا-فی الأمر السابق و غیره-أن دعوی الإجماع علی عدم لزوم المعاطاة-لکی یکون ذلک تخصیصا للأدلة الدالة علی لزوم المعاملات-دعوی جزافیة،لعدم العلم بوجود الإجماع التعبدی علی ذلک.و علی هذا فلا وجه للبحث عن ملزمات المعاطاة،لأنها لازمة من أصلها.نعم بناء علی ثبوت الإجماع علی جوازها-کما هو مبنی المصنف-فلا بد من التکلم فی ملزماتها.

و لا یخفی علیک:أن الإجماع علی جواز المعاطاة-علی تقدیر تمامیته-لیس مفاده هو الجواز فی زمان دون زمان حتی یقال:إنه بعد ثبوت الجواز من أول الأمر لا معنی للرجوع الی العمومات و إنما المرجع حینئذ هو استصحاب حکم المخصص،بل معقد الإجماع هو حصة خاصة من الجواز.و هی حل العقد بتراد العینین،و هذا أمر ثابت غیر محدود الی زمان.أما الجواز من دون تراد فهو لم یثبت من أول الأمر.

و المراد من الملزم-هنا-ما لا یتمکن معه المتعاطیان من حل المعاطاة،لانتفاع موضوع الجواز،و هو تراد العینین.

و بذلک یظهر:أنه لا وجه لما أفاده السید فی حاشیته،و إلیک نصه بلفظه:

(لا یخفی أن هذا الأصل إنما ینفع مع قطع النظر عن الإجماع علی الجواز فی الجملة، و اشتراط اللزوم بالصیغة،و المفروض فی المقام إنما هو بعد الإجماع المذکور.إذ الکلام فی الملزمات،و الملزم فرع ثبوت الجواز.و معه لا یتم من الوجوه الثمانیة إلا استصحاب

ص:197

الملکیة منها،إذ لا یجوز التمسک بالعمومات بعد کون المورد خارجا عنها من أول الأمر).

و علی الجملة:إنا إذا قلنا بإفادة المعاطاة الملکیة فلا شبهة فی أصالة اللزوم مع الشک فی ارتفاع الملکیة و بقائها و إذا قلنا بإفادتها الإباحة فقد ذکر المصنف:ان الأصل فیه هو الجواز.

و لکن الظاهر:أن الأصل فیه هو اللزوم و تفصیل ذلک:أنه إذا لم یتحقق فی الخارج ما یحتمل معه اللزوم فلا بأس بما ذکره المصنف من التمسک بدلیل السلطنة لإثبات جواز الرجوع لکل من المتعاطیین الی ماله،إذ المفروض أنه لم یتحقق فی الخارج ما یمنع المالک عن إعمال سلطنته فیما أعطاه لصاحبه بعنوان المعاملة المعاطاتیة -و ان وقع فی الخارج ما یحتمل معه اللزوم-فلا یجوز التمسک بدلیل السلطنة لجواز رجوع المالک الی ماله،لان القدر المتیقن من الإباحة الثابتة بالإجماع و السیرة ما لم یتحقق فی الخارج ما یحتمل معه اللزوم.و الا فنتمسک بالأدلة الدالة علی صحة المعاطاة و لزومها،فیحکم بترتب الملکیة علیها ملکیة لازمة.

و أورد شیخنا الأستاذ علی المصنف بأن(ما اختاره هنا ینافی ما ذکره فی الأمر الرابع فی الإباحة بالعوض من أن الأقوی اللزوم،فان مدرک الأقوال الثلاثة جار فی مطلق ما یفید الإباحة،سواء کان قصد المتعاطیین الإباحة أو التملیک مع ترتب الإباحة علی فعلهما،فان وجه الجواز مطلقا هو أن العقود التسلیطیة دائرة مدار الاذن و التسلیط.

و وجه اللزوم مطلقا کفایة عموم المؤمنون عند شروطهم لإثبات اللزوم.

و وجه التفصیل أن المباح له أخرج ماله عن ملکه،فلا دلیل علی إمکان إرجاعه إلیه ثانیا دون المبیح،فإنه باق علی سلطنته،فإذا کان مختار المصنف اللزوم فکیف یصح قوله:و اما علی القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم).

و یرد علیه:أن مورد البحث فی المقام انما هو المعاطاة المقصود بها الملک و علیه

ص:198

فلا وجه للتمسک بقوله(صلی الله علیه و آله):المؤمنون عند شروطهم (1)لان ما التزم به المتعاطیان -و هو الملک-لم یتحقق فی الخارج،و ما حصل فی الخارج-و هو الإباحة الشرعیة- لم یقصداه،و لم یلتزما به.

و هذا بخلاف ما أفاده المصنف فی الأمر الرابع،فان کلامه هناک مسوق لبیان المعاطاة المقصود بها الإباحة المعوّضة و علیه فیمکن التمسک فیها بدلیل وجوب الوفاء بالشرط،و یکون ذلک حاکما علی دلیل السلطنة.

ثم ذکر المصنف (أن تلف العوضین ملزم إجماعا علی الظاهر المصرح به فی بعض العبائر:أما علی القول بالإباحة فواضح،لان تلفه من مال مالکه،و لم یحصل ما یوجب ضمان کل منهما مال صاحبه.و توهم جریان قاعدة الضمان بالید هنا مندفع.بأن هذه الید قبل تلف العین لم یکن ید ضمان،بل و لا بعده إذا بنی مالک العین الموجودة علی إمضاء المعاطاة،و لم یرد الرجوع.إنما الکلام فی الضمان إذا أراد الرجوع،و لیس هذا من مقتضی الید قطعا).

و یرد علیه:أن هذا البیان إنما یتم علی القول بکون الإباحة المترتبة علی المعاطاة -المقصود بها الملک-إباحة مالکیة.و لکن قد ذکرنا مرارا انها إباحة شرعیة و علیه فیجری هنا ما أفاده المصنف-عند التکلم علی کلام بعض الأساطین-من الالتزام بحصول الملکیة آنا ما قبل التلف و انما التزم بذلک هناک من ناحیة الجمع بین الأدلة و إذن فاللازم علیه أن یحکم هنا بکون التلف فی ملک المالک الثانی،و کونه ضامنا بالمسمی،بدیهة أن الإجماع یقتضی عدم ثبوت الضمان بالمثل أو القیمة،إذ المفروض أن المعاطاة لم تفد إلا الإباحة،و قاعدة ضمان الید تقتضی کون التلف من ذی الید.و أصالة بقاء المال فی ملک مالکه الأول یقتضی عدم تحقق الملکیة إلا آنا ما قبل التلف.و إذا حصلت الملکیة فلا مناص عن الحکم بالضمان بالمسمی و هذا واضح لا ریب فیه.

ص:199


1- 1) قد تقدم هذا الخبر فی ص 141.

قوله:(و اما علی القول بالملک). أقول:حاصل کلامه:أنه لا شبهة فی ثبوت الفارق بین جواز المعاطاة،و بین جواز البیع الخیاری،ضرورة أن متعلق الجواز فی المعاطاة إنما هو العین بحیث إن لکل من المتعاطیین أن یسترد ما أعطاه لصاحبه-نظیر الجواز فی الهبة المتعلق برد العین الموهوبة-فإن هذا هو المتیقن من جواز المعاطاة الثابت بالإجماع و لم یثبت جواز المعاطاة علی نحو جواز العقد الخیاری لکی نستصحبه بعد التلف.و هذا بخلاف متعلق الجواز فی البیع الخیاری فإنه نفس العقد و من هنا قد عرف غیر واحد من العلماء الخیار بملک فسخ العقد،و علی هذا فلا موضوع لجواز التراد فی المعاطاة بعد تلف العینین،بخلاف جواز الفسخ فی البیع الخیاری،فإنه باق بعد تلف العینین أیضا،إذ المفروض بقاء متعلقة،و هو العقد.

و یرد علیه:أنه إن کان المراد من التراد هو التراد الخارجی فهو غیر مفید، بدیهة أن مجرد رد العین خارجا مع بقائها فی ملک الآخذ بالمعاطاة لا یترتب علیه أثر و إن کان المراد من التراد هو أن فسخ العقد لا یکون إلا بتراد العین خارجا،أو بعد تحقق التراد فی الخارج فهو متین:و لکنه لیس شیئا آخر وراء تعلق الخیار بنفس العقد،لأن الأدلة الدالة علی لزوم العقود إنما تدل علی لزوم کل عقد و قد قام الإجماع علی أن المعاطاة المقصود بها الملک تفید الإباحة إلی زمان معین،و من الواضح أن الإجماع دلیل لبی،فلا یؤخذ منه إلا بالمقدار المتیقن،و هو ما إذا أمکن تراد العینین.و فی غیر هذه الصورة یتمسک بعموم العام و اذن فلا بد للمصنف أن یعلل لزوم المعاطاة مع تلف العینین بأن المأخوذ بالمعاطاة إنما تلف من ملک المالک الثانی،فلا یجوز للمالک الأول أن یرجع إلیه،إذ المتیقن من جواز الرجوع انما هو صورة الفسخ بتراد العینین و هو غیر ممکن مع تلفهما.

قوله:(و منه یعلم حکم ما لو تلف احدی العینین أو بعضها علی القول بالملک) أقول:حاصل کلامه:أنه لا شبهة فی لزوم العقد مع تلف احدی العینین علی القول

ص:200

بالملک،لأن جواز المعاطاة إنما یبقی مع إمکان تراد العینین،و المفروض أن إحداهما قد تلفت،و إذن فتصیر المعاطاة لازمة.

أما علی القول بالإباحة فربما یتوهم أن الأصل هنا عدم اللزوم،لأن الأصل أن سلطنة مالک العین الموجودة باقیة علی حالها و لکن هذا التوهم فاسد،إذ الأصل المذکور معارض بأصالة براءة ذمة المالک المزبور عن مثل العین التی تلفت عنده و عن قیمته و علیه فهذه المعارضة معارضة بالعرض،لا معارضة بالذات.و دعوی ثبوت الضمان هنا لقاعدة الضمان بالید دعوی جزافیة،ضرورة أن الید هنا لیست بید ضمان،لا قبل تلف العین و لا بعده.

نعم یمکن أن یقال:إن أصالة بقاء السلطنة حاکمة علی أصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة،لأن الشک فی الضمان مسبب عن الشک فی السلطنة،و من الظاهر أنه لا مجال لجریان الأصل المسببی مع جریان الأصل السببی.

و أضف الی ذلک:أن مالک العین الموجودة ضامن ببدل العین التالفة جزما.

و إنما الاختلاف فی أن البدل المضمون هل هو البدل الحقیقی-:أعنی به المثل أو القیمة- أو البدل المسمی-:أعنی به العین الموجودة-و علیه فلا تجری هنا أصالة عدم الضمان لکی یتوهم تعارضها بأصالة بقاء السلطنة،بدیهة أن أصالة براءة الذمة مخالفة للعلم الإجمالی بالضمان و من البین أن العلم المذکور مانع عن جریان أصالة براءة الذمة:و إذن فتصبح أصالة بقاء السلطنة سلیمة عن المعارض.

و یضاف الی ذلک کله:أن عموم دلیل السلطنة کما یقتضی تسلط مالک العین الموجودة علی ماله:بأن یأخذه من صاحبه.کذلک یقتضی تسلط مالک العین التالفة علی ماله:بأن یأخذ بدله الحقیقی-من المثل أو القیمة-من الطرف الآخر.و علی هذا فلا یختص دلیل السلطنة بطرف واحد،بل یجری ذلک فی کلا الطرفین.و حینئذ فلا مجال للتمسک بالدلیل الفقاهی-:أعنی به استصحاب براءة الذمة عن المثل و القیمة

ص:201

مع وجود الدلیل الاجتهادی-:أعنی به دلیل السلطنة-انتهی ملخص کلام المصنف.

و فیه مواقع للنظر و المناقشة و یتضح لک ذلک فی ضمن أسئلة و أجوبتها:

1-أن الید الموضوعة علی المأخوذ بالمعاطاة-علی القول بالإباحة-هل توجب الضمان؟.

الظاهر:أن الید هنا ید ضمان،ضرورة أن المعاطاة و إن کانت مفیدة للإباحة إلا أن الأخذ و الإعطاء فیها لیسا بمجانیین،بل فی مقابل العوض المسمی.و علیه فإذا تلفت احدی العینین و بقیت الأخری کانت العین الباقیة بدلا جعلیا عن العین التالفة و من هنا قد التزم المصنف-عند البحث عن کلام بعض الأساطین-بالضمان المعاوضی فی المأخوذ بالمعاطاة،و انما التزم بذلک من ناحیة الجمع بین الأدلة و إذا لم تکن العین الباقیة بدلا جعلیا عن العین التالفة وجب الخروج عن عهدتها بإعطاء المثل أو القیمة.

نعم لا تکون الید موجبة للضمان فی موردین:

الأول:أن یسلط المالک غیره علی التصرف فی ماله مجانا و بلا عوض،فتلف المال عند المتصرف،فان الید هنا لیست مضمنة،لان المالک قد ألغی احترام ماله بتسلیط غیره علیه بلا عوض.و هذا هو الحجر الاساسی للقاعدة المعروفة:و هی کل ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده.

الثانی:أن تکون الید ید أمانة-سواء فی ذلک الأمانة الشرعیة و الأمانة المالکیة-فإن ید الامانة لا توجب الضمان،ضرورة أنه لیس علی الأمین سبیل.و لا ریب أن کلا الوجهین بعید عما نحن فیه.و إذن فلا مناص-فی المقام-عن القول بالضمان، لقاعدة ضمان الید.

2-إذا تلفت احدی العینین و بقیت الأخری فهل تبقی سلطنة المالک فی العین الباقیة علی القول بالإباحة؟.

ص:202

لا نعقل وجها صحیحا لبقاء سلطنة المالک فی العین الباقیة علی القول بالإباحة:أما علی مسلکنا فلأن الأدلة قد دلت علی صحة المعاطاة و لزومها من أول الأمر،و قد خرجنا عن ذلک حسب الفرض-من قیام الإجماع علی عدم الملکیة من أول الأمر-فی المقدار المتیقن و هو ما إذا کانت العینان موجودتین.أما إذا تلفت إحداهما فلا إجماع علی عدم الملکیة فی الآن المتصل بالتلف فیتمسک بتلک الأدلة،و تثبت بها الملکیة اللازمة فی ذلک الآن.

أما علی مسلک المصنف فلأن الجمع بین الأدلة-علی ما صرح به فی جواب الشیخ کاشف الغطاء رضوان اللّه علیه حین ما ادعی أن القول بالإباحة یستدعی تأسیس قواعد جدیدة-یقتضی الالتزام بالملکیة فی آن قبل تلف احدی العینین.و علی کل حال فقد تلفت العین فی ملک مالکها الثانی.و انتقل ماله الی الطرف الآخر.و مع ذلک کیف یمکن أن یلتزم ببقاء سلطنته مع ارتفاع موضوعها.بل لو قلنا ببقاء السلطنة-فی العین الموجودة-للمالک الأول لزم منه الجمع بین العوض و المعوض علی مسلکنا و مسلک المصنف کلیهما.

بل لزم منه الجمع بین المتنافیین،ضرورة أن الحکم بالملکیة مع تلف احدی العینین یقتضی انقطاع سلطنة المالک الأول عن العین الموجودة و من الواضح أن القول بثبوتها له مناف لذلک.

و قد انجلی لک مما بیناه:أنه لا وجه للقول باستصحاب سلطنة المالک الأول فی العین الموجودة،بداهة أن جریان الاستصحاب مشروط باتحاد الموضوع فی القضیة المتیقنة و القضیة المشکوکة،و إذا تلفت احدی العینین استکشفنا منه دخول کل من العوضین فی ملک أی من المتعاطیین.و إذن فیتعدد موضوع الاستصحاب بتعدد القضیة المتیقنة و القضیة المشکوکة،و معه لا مجال للاستصحاب.

نعم إذا قطعنا النظر عن الدلیل الاجتهادی کان مقتضی الأصل بقاء العین الموجودة فی ملک مالکها الأول.و یترتب علیه جواز انتزاعها من یدمن هی بیده بقاعدة

ص:203

السلطنة،کما أن مقتضی الأصل بقاء العین التالفة فی ملک الآخر الی زمان تلفها، و یترتب علیه الضمان بالمثل أو القیمة.

و لکن هذا مقطوع العدم،لأنا نعلم بأن ذمة من تلف عنده المال غیر مشغولة بشیء ما لم یطالبه الآخر و علیه فبقاء کل من المالین فی ملک مالکه الأول معلوم البطلان و اذن فلا مجال لاستصحاب السلطنة،لا فی العین الباقیة.و لا فی العین التالفة.

و مما ذکرناه یظهر عدم جواز التمسک لإثبات سلطنة المالک الأول علی العین الباقیة بقاعدة السلطنة.و علیه فلا وجه لتمسک المصنف بها لإثبات السلطنة لکل من الطرفین،سواء فیه مالک العین الموجودة و مالک العین التالفة بل لو أغمضنا عما ذکرناه من الجزم بثبوت الملکیة للآخذ قبل التلف-و لو بآن-لم یمکن التمسک بقاعدة السلطنة فی المقام،لأن التمسک بها لإثبات السلطنة لأحد المتعاطیین أو لکلیهما من قبیل التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة،فإن التمسک بدلیل السلطنة إنما یصح فیما إذا أحرزنا موضوع السلطنة،و هو المال المضاف الی المالک،و من المحتمل خروج المال الذی انتقل الی غیره-ببیع و نحوه- عن حدود ذلک الموضوع بحیث صار موضوعا لسلطنة المنقول الیه.و بدیهی أنه مع الشک فی ذلک لا مجال للتمسک بدلیل السلطنة.و کذلک الحال فی إثبات السلطنة بدلیلها فی العین التالفة.و علیه فان جری استصحاب الملکیة ترتب علیه جواز رجوع المالک بماله و إلا لم یمکن التمسک بقاعدة السلطنة لإثبات جواز الرجوع،لأن الشبهة مصداقیة.

3-أن أصالة بقاء السلطنة علی تقدیر جریانها هل تکون حاکمة علی أصالة البراءة عن الضمان بالمثل أو القیمة؟.

ذهب المصنف(ره)الی ذلک.و یمکن تقریر الحکومة بوجهین:

الأول:أن یقال إن الشک فی ثبوت الضمان بالمثل و عدمه مسبب عن الشک فی بقاء سلطنة المالک الأول و عدم بقائه،و الأصل الجاری فی الشک السببی حاکم علی الأصل الجاری فی الشک المسببی.

ص:204

الثانی:أن یقال إن الاستصحاب الجاری فی طرف یتقدم علی البراءة الجاریة فی الطرف الآخر،لحکومة دلیل الاستصحاب علی دلیل البراءة،فإذا علمنا بعدم مطابقة أحدهما للواقع-کما هو الحال فی المقام-تعین العمل بالاستصحاب،و یرتفع بذلک موضوع البراءة.و قد ذهب الی هذا جمع من المحققین.و علیه فیجری استصحاب السلطنة،فیحکم بالضمان بالبدل الواقعی دون المسمی.

أما الوجه الأول فیرد علیه:أنا ذکرنا فی محله أن مجرد کون أحد الأصلین سببیا و الآخر مسببیا لا یسوّغ حکومة الأول للثانی،بل لا بد فی ذلک أن یکون ارتفاع الثانی أو ثبوت ضده أثرا شرعیا للأول،و من البدیهی أن عدم البراءة عن الضمان بالمثل-أو القیمة لیس من الآثار الشرعیة لاستصحاب السلطنة لکی یترتب علیه ارتفاع أصالة البراءة عن الضمان بالبدل الواقعی.و إنما الأثر الشرعی المترتب علی استصحاب السلطنة هو جواز رجوع مالک العین إلیها.

و من لوازمه العقلیة ضمانه بالبدل الواقعی للعین التالفة،ضرورة قیام القرینة الخارجیة علی أن مالک العین التالفة لم یعطها لمالک العین الباقیة إعطاء مجانیا،و من البدیهی أن هذه الملازمة الخارجیة لا تدلّ علی ارتفاع الأصل المسببی بالأصل السببی إلا علی القول بالأصل المثبت.و هذا واضح لا ریب فیه.

أما الوجه الثانی فیرد علیه أولا:أن دلیل الاستصحاب إنما یکون حاکما علی أصالة البراءة فیما إذا کان مجراهما واحدا،فان الواقع حینئذ یحرز بالاستصحاب فلا یبقی مجال للرجوع إلی البراءة.أما إذا تعدد المجری فلا موجب للتقدیم،فإذا علمنا إجمالا بوقوع نجاسة فی الماء أو علمنا بکون المائع الآخر بولا کان استصحاب عدم وقوع النجس فی الماء معارضا بقاعدة الطهارة فی المائع الآخر،لا أن الاستصحاب یجری و تثبت به نجاسة ذلک المائع،و المقام من هذا القبیل إلا أن یلتزم بحجیة الأصل المثبت،فإنه لا مانع حینئذ من جریان الاستصحاب و حکومته علی أصالة الطهارة أو أصالة البراءة.

ص:205

و علیه فالعمل باستصحاب السلطنة،و تقدیمه علی أصالة براءة الذمة عن الضمان منوط بحجیة الأصل المثبت،فیحکم بعدم براءة الذمة عن البدل الواقعی،لأنه من اللوازم العقلیة لبقاء السلطنة.

ثانیا:أنه یمکن قلب أصالة البراءة عن الضمان بالمثل أو القیمة إلی استصحاب براءة الذمة عن المثل أو القیمة فإن ذمة مالک العین الموجودة لم تکن مشغولة بالبدل الواقعی للعین التالفة قبل التلف،فالأصل عدم اشتغالها بذلک بعد التلف أیضا.و إذن فیقع التعارض بین الاستصحابین،و بعد ذلک یرجع الی أصالة البراءة.

و علی الجملة لم نعقل وجها صحیحا لتقدیم استصحاب السلطنة فی العین الموجودة علی أصالة البراءة عن البدل الواقعی فی العین التالفة.نعم إذا تمسکنا فی المقام باستصحاب الملکیة فی کلا المالین الی زمان تلف أحدهما لم یبق مجال للتمسک بأصالة البراءة،فإن الحکم باشتغال ذمة الطرف الآخر بالمثل أو القیمة من الآثار الشرعیة لبقاء ما تلف فی یده علی ملک مالکه الأول.لکن قد عرفت ما فی هذا الاستصحاب آنفا.

و قد ظهر لک مما أوضحناه:أن أدلة صحة البیع و لزومه إنما تدل علی ترتب الملکیة علی المعاطاة من أول الأمر غایة الأمر أنه علی تقدیر تحقق الإجماع لزم منه الالتزام بالإباحة الی أن تتلف احدی العینین.و أما مع التلف فیحکم بالملکیة قبله آنا ما، لعدم الإجماع حینئذ.

و لو أغضمنا عن الأدلة الاجتهادیة الا أن استصحاب بقاء کل من المالین علی ملک مالکه الأول قاض بضمان المثل أو القیمة،و معه لا تصل النوبة إلی أصالة البراءة عن الضمان بالمثل و القیمة،و لا الی استصحاب السلطنة فی العین الباقیة فضلا عن جریانه فی العین التالفة.

قوله:(و لو کان أحد العوضین دینا فی ذمة أحد المتعاطیین فعلی القول بالملک

ص:206

یملکه من فی ذمته فیسقط عنه،و الظاهر انه فی حکم التلف،لان الساقط لا یعود.

و یحتمل العود و هو ضعیف). أقول:قد ذکرنا سابقا-عند البحث عن النقوض المتوجهة علی تعریف البیع،و عند البحث عن الحق و الحکم-ان کل احد مالک لذمته و ما فیها بالملکیة الذاتیة التکونیة،لا بالملکیة الاعتباریة العرضیة،بداهة انه لا معنی للثبوت الاعتباری فی موارد الثبوت التکوینی،فإن الاعتبار فی أمثال الموارد لغو محض و تحصیل للحاصل.و علیه فإذا ملک الإنسان شیئا فی ذمة غیره فقد ملکه بالملکیة الاعتباریة،فإذا انتقل ذلک المملوک الی المملوک علیه-و هو المدیون-تبدلت الإضافة الاعتباریة بالإضافة التکوینیة.و علیه فلا مجال للقول باستحالة مالکیة الإنسان لما فی ذمته و لو کانت الملکیة ملکیة ذاتیة.کما لا مجال لدعوی ملک الإنسان لما فی ذمته حدوثا و سقوطه بقاء إذ لو أمکن ملکه له ملکیة اعتباریة حدوثا أمکن ذلک بقاء أیضا و علی کل حال فالظاهر لزوم المعاطاة حینئذ من أول الأمر،و ذلک للعمومات الدالة علی لزومها.و قد خرجنا عن ذلک بالإجماع و لکنه-علی تقدیر تسلیمه-مختص بما إذا أمکن التراد،و هو لا یمکن مع فرض کون أحد العوضیین دینا و بذلک یظهر أنه إذا کان أحد العوضین-دینا-و لو کان علی ذمة غیر المتعاطیین-حکم بلزوم المعاطاة من أول الأمر.

قوله:(و الظاهر أن الحکم کذلک علی القول بالإباحة فافهم) أقول:ربما یتوهم من ظاهر عبارة المصنف أنه إذا کان أحد العوضین دینا فی ذمة أحد المتعاطیین حکم بلزوم المعاطاة علی القول بالإباحة،کما حکم بلزومها أیضا علی القول بالملک.

و لکن هذا التوهم فاسد،بداهة أن کون الإباحة موجبة لسقوط ما فی الذمة من الدین لا یزید علی التلف الحقیقی-علی القول بالإباحة-و قد عرفت قریبا أن المصنف لم یلتزم باللزوم فی فرض التلف الحقیقی-علی القول بالإباحة-بل التزم بجریان أصالة السلطنة فی العین الباقیة و الرجوع الی البدل الواقعی فی العین التالفة.و المظنون قویا أن غرض المصنف من تنزیل القول بالإباحة-هنا-علی القول بالملک هو أن الإباحة

ص:207

توجب سقوط الدین.کما أن التملیک یوجب سقوطه.

و قد ناقش فیه شیخنا الأستاذ بأن(إباحة الدین علی من هو علیه لا یستلزم السقوط،لان کون الدین مباحا لمن علیه الدین معناه أنه تجوز له التصرفات فیه بإسقاطه عما فی ذمته و المصالحة علیه و سائر أنحاء التصرفات الجائزة علی القول بالإباحة فیرجع مالک ما فی الذمة إلی ملکه الذی أباحه لمن علیه،لعموم الناس مسلطون و سائر الأدلة).

ثم أجاب عن هذه المناقشة بأن(الإباحة التی هی محل البحث فی باب المعاطاة لیست بالمعنی الذی حملها علیه صاحب الجواهر من أن إفادة المعاطاة الإباحة إنما هو فیما إذا کان قصد المتعاطیین الإباحة،بل المراد منها التسلیط المالکی علی التقریب المتقدم، فإذا أوجدا مصداق التسلیط فلا فرق بینه و بین الملک،فکما انه لا یعقل ان یتملک الإنسان ما فی ذمته فکذلک لا یمکن ان یکون مسلطا علیه.فنتیجة التسلیط أیضا السقوط و التلف،و التالف لا یعود).

و الصحیح ان القول باللزوم-فیما کان احد العوضین دینا-لا یتوقف علی استحالة تملک الإنسان لما فی ذمته،أو سلطنته علیه،و إلا فقد عرفت:ان مالکیة الإنسان لما فی ذمته.بمرتبة من الإمکان،بل هی من أعلی مراتب المالکیة،غایة الأمر ان قوام هذه المالکیة بالإضافة الذاتیة،لا بالإضافة الاعتباریة العرضیة،و کذلک تسلط الإنسان علی ما فی ذمته،فإنه بمکان من الإمکان،بل القول باللزوم مبنی علی ما ذکرناه من ان الأدلة قد دلت علی صحة المعاطاة و لزومها من أول الأمر،فلو قلنا بالملکیة،و سلمنا الإجماع علی الجواز لم نقل به فی المقام،لان المتیقن من معقد الإجماع غیر ما إذا کان احد العوضین دینا،کما أنا لو قلنا بالإباحة من جهة الإجماع علی عدم الملکیة بالمعاطاة کان المتیقن من معقده غیر ذلک أیضا.

فیلتزم بالملکیة و بلزومها بالمعاطاة من الأول فیما إذا کان احد العوضین دینا

ص:208

فی الذمة،لاستحالة تراد العینین حینئذ،فلا یشمله الإجماع القائم علی الجواز أو الإباحة.

قوله:(و لو نقل العینان أو إحداهما بعقد لازم إلخ) أقول:إذا نقلت العینان أو إحداهما بعقد لازم فلا شبهة فی لزوم المعاطاة،ضرورة أن انتقال المأخوذ بالمعاطاة إلی غیره کالتلف،سواء فی ذلک القول بالملک و القول بالإباحة.و علی هذا فلو عادت العین ثانیا الی ملک الآخذ بالمعاطاة لم یثبت بذلک حق الرجوع لمالکها الأول، لسقوطه بنقل العین الی غیره،فعوده الیه ثانیا یحتاج الی دلیل،و هو منفی.و کذلک الحال فی سائر التصرفات المتوقفة علی الملک.

و قد اتضح لک مما ذکرناه انه لا فارق فی لزوم المعاطاة بنقل العین الی غیره بین أن یکون ذلک بعقد لازم و بین کونه بعقد جائز[1].

ص:209

أما تغیر العین المأخوذة بالمعاطاة فهو أیضا یوجب لزوم المعاطاة بناء علی ما ذکرناه من أن القاعدة تقتضی لزوم المعاطاة من حین العقد،فلو تم إجماع فالقدر المتیقن منه هو الجواز قبل وقوع ما یحتمل معه اللزوم،و أما بعده فیتمسک بإطلاق ما دل علی اللزوم.

أما علی مسلک المصنف(ره)فلا تصیر المعاطاة لازمة بذلک،بدیهة أن التغیر لا یتوقف علی الملک لکی نلتزم به من ناحیة الجمع بین الأدلة،و نحکم بلزوم المعاطاة.

قوله:(و لو باع العین ثالث فضولا). أقول:حاصل کلامه:أنه إذا باع العین ثالث فضولا،و قلنا بأن المعاطاة تفید الملکیة لم یبعد أن تکون إجازة المالک الأول رجوعا کبیعه و سائر تصرفاته المتوقفة علی الملک و لکنه لا یخلو عن إشکال.و إن أجازه المالک الثانی لزمت المعاطاة بغیر إشکال و إذا قلنا بأن المعاطاة تفید الإباحة انعکس الحکم إشکالا و وضوحا:بمعنی أنه تنفذ إجازة المالک بغیر شبهة،و لکن یتردد فی نفوذ إجازة المباح له فإذا أجاز العقد الواقع علی العین فضولا نفذت إجازته.و أن العین باقیة فی ملک المالک،فإذا أجاز المباح له العقد الفضولی الواقع علی العین لم تنفذ إجازته،

ص:210

لأنه کغیره من الأجانب.

و التحقیق:أنه إذا قلنا بأن المعاطاة تفید الإباحة،و أجاز المالک الأول العقد الفضولی الواقع علی العین کانت إجازته رجوعا عن المعاطاة،لأن المفروض أن العین باقیة علی ملکه،و الناس مسلطون علی أموالهم،فتکون إجازته للبیع الواقع علی ملکه فضولا کبیعه له بنفسه،فیکون فسخا للمعاطاة.و من هنا یظهر أن له رد العقد الفضولی أیضا،لأنه هو المالک،فله الإجازة و الرد.

و هل یکون رده-علی القول بالإباحة رجوعا-عن المعاطاة؟قد یقال بعدمه نظرا الی أن رد العقد الفضولی لا یترتب علیه إلا بقاء ماله علی ما کان علیه مملوکا له.

و هذا لا ینافی إباحته للمتعاطی فتبقی الإباحة علی حالها.

و لکن فی هذا خلطا بین المعاطاة المقصود بها الإباحة و بین المعاطاة المقصود بها الملکیة مع ترتب الإباحة علیها بالتعبد ففیما إذا أعطی المالک ماله و قصد به الإباحة لم یکن رد العقد الواقع علیه فضولا رجوعا عن الإباحة بخلاف إجازته.و أما إذا أعطی ماله قاصدا به التملیک فهو أجنبی عن ذلک المال فی اعتباره.و الإباحة الشرعیة مترتبة علی هذا الاعتبار حدوثا و بقاء فما دام هذا الاعتبار کان باقیا فهو أجنبی عن المال، فلیس له رد العقد الواقع علیه فرده یکشف بالدلالة الالتزامیة عن رجوعه فی المعاطاة و إرجاع مملوکه الی نفسه،فکان الرد کالإجازة فی أنه یکون رجوعا عن المعاطاة.

و إن أجاز المباح له ذلک العقد الفضولی صارت المعاطاة لازمة.فإن شأن الإجازة الصادرة منه شأن البیع الصادر منه.فکما أن البیع توجب لزوم المعاطاة، کذلک الإجازة.

أما إشکال المصنف(ره)فی تأثیر إجازته فلعله مبنی علی أن الجمع بین الأدلة -کما أفاده قدس سره-یقتضی الالتزام بالملکیة آنا ما قبل التصرف المتوقف علیها و هذا لا یتحقق فی فرض الإجازة.و إنما یتحقق فی فرض بیعه بنفسه،و ذلک فان

ص:211

الصحیح أن الإجازة کاشفة لا ناقلة.و علیه فلا بد من الالتزام بدخول المال المعطی فی ملک المباح له قبل البیع الفضولی آنا ما،و هذا مناف للقول بالإباحة،کما هو المفروض نعم لو کانت الإجازة ناقلة صحت إجازة المباح له کبیعه بلا إشکال.

و یندفع هذا الاشکال بما ذکرناه من أن القول بالإباحة لم یدل علیه دلیل غیر الإجماع المدعی علی عدم تأثیر المعاطاة فی الملکیة.و إلا فالاطلاقات وافیة بإفادتها لها -کما فی العقد اللفظی-و المتیقن من الإجماع علی تقدیر تسلیمه إنما هو ما قبل صدور العقد الفضولی المتعقب بإجازته.و أما فی غیره فیتمسک بالإطلاقات،و تثبت بذلک الملکیة من حین صدور العقد،فیصح بإجازته،و ینتقل البدل الیه.

نعم لا یؤثر رده فی إبطال العقد الفضولی،إذ المفروض أن العین باقیة فی ملک مالکها.و أما المباح له فلیس له إلا جواز التصرف فیها دون رد العقد الواقع علیها.و إن شئت قلت:إن غایة ما یترتب علی رد المباح له أنه لا یضاف إلیه العقد الفضولی.فتکون العین باقیة علی حالها من عدم تصرف المباح له فیها.و هذا لا ینافی جواز تصرف المالک فیها بإجازته للعقد المترتب علیها فیکون هذا رجوعا عن المعاملة المعاطاتیة هذا کله علی القول بالإباحة.

أما علی القول بالملک فان أجازه المالک الثانی کانت الإجازة نافذة بلا إشکال، لأنها إجازة من المالک،و لزمت المعاطاة،لانتقال العین الی شخص آخر.و إن رده سقط العقد الفضولی عن قابلیته للإجازة منه أو من المالک الأول،إذ المفروض أن الرد قد صدر من المالک،فیلغو العقد الواقع علی ماله،علی هو المعروف من عدم تأثیر الإجازة بعد الرد.

و لکنه مع ذلک لا تخرج المعاطاة من التزلزل الی اللزوم،بدیهة أن رده هذا لیس إلا هدما للعقد الفضولی،و جعله کالعدم،و هذا لا یلازم المعاطاة بوجه.و إن أجازه المالک الأول أورده کان ذلک فسخا للمعاطاة،لما عرفته قریبا من دلالة الإجازة أو الرد

ص:212

علی رجوعه عن عقد المعاطاة و الا فهو أجنبی عن إجازة العقد الواقع علی ملک غیره و رده فالإجازة أو الرد کاشفة عن الرجوع بالدلالة الالتزامیة.

أما إشکال المصنف فی تأثیر إجازته فلعله مبنی علی أن فسخ المالک الأول و رجوعه عن المعاطاة إنما یؤثر من حینه،فالمبیع یرجع الیه من حین الفسخ.و هذا لا یمکن الالتزام به هنا،فإن الإجازة إذا صحت لا بد من أن تکشف عن الملکیة حال العقد، و المفروض أنه لا یمکن الالتزام به هنا،لفرض أنه لا موجب لرجوع المال الی مالکه الأول غیر فسخه،و هو متأخر عن العقد الفضولی زمانا.نعم لا بأس بالالتزام بتأثیر الإجازة-علی القول بالنقل-إلا أنه خلاف المبنی.

و یمکن دفع الإشکال أولا:بأنه لو تم فإنما یترتب علیه عدم صحة العقد الفضولی بإجازة المالک الأول و لا یترتب علیه بقاء المعاطاة علی حالها و عدم انفساخها بتلک الإجازة،ضرورة أن الإجازة-کما عرفته-کاشفة عن رجوع المالک الأول لا محالة، سواء فی ذلک تأثیرها فی صحة العقد الفضولی و عدمه.

ثانیا:أن الکشف الذی التزم به المصنف(ره)هو الکشف الحکمی،دون الکشف الحقیقی،و الکشف الحکمی نقل حقیقة.و إنما یفترق عن النقل بلزوم ترتیب ما هو الممکن من آثار الملکیة السابقة من حین الإجازة.و بما أنه لا یمکن ترتیب آثار الملکیة السابقة-حال العقد-من حین الإجازة فلا یحکم بترتبها.بل یحکم بترتب الملکیة حال الإجازة.

ثم انه ذکر المصنف(ره):أنه (لو رجع الأول فأجاز الثانی فإن جعلنا الإجازة کاشفة لغی الرجوع.و یحتمل عدمه،لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فینفذ.

و یلغوا الإجازة.و ان جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا) و التحقیق:أن الإجازة-علی القول بالکشف و یأتی فی مبحث البیع الفضولی- قد تکون منزلة المعرف المحض لصحة العقد الفضولی من الأول من دون دخل لها فی

ص:213

صحة العقد أصلا.و قد تکون دخیلة فی تأثیر الإنشاء السابق:إما علی سبیل الشرط المتأخر.و إما علی سبیل کونه قیدا علی أن یکون المؤثر فی الملکیة هو الإنشاء السابق المقید بتعقب الإجازة.

و علی المعنی الأول فیمکن الالتزام بأن الإجازة الصادرة من المالک الثانی-و إن تأخرت-تؤثر فی العقد الفضولی و اما رجوع المالک الأول-و إن تقدم-فلا یؤثر فی ذلک،إذ الإجازة تکشف عن انتقال المال عن مالکه الأول إلی غیره من حین العقد و حینئذ فالرجوع الصادر من المالک الأول لغو محض،فإنه رجوع بعد انتقال العین الی ثالث،فلا موضوع له.و الجواب عن ذلک:

أولا:أن هذا المعنی للکشف و إن کان محتملا فی مقام الثبوت،و لکن لا دلیل علیه فی مقام الإثبات.بل الأدلة الدالة علی اعتبار الرضا فی صحة العقد تدل علی عدمه.

ثانیا:أنا لو سلمنا أن الإجازة المتأخرة معرفة لصحة العقد من دون أن یکون لها دخل فیها،إلا أنها إنما تکون کذلک إذا صدرت من المالک الذی ینتسب إلیه العقد بالإجازة،لا من کل أحد.و من الواضح أن رجوع المالک الأول یرفع موضوع الإجازة من المالک الثانی،فلا تکون إجازته صادرة من المالک لکی تکون معرفة لصحة العقد من أول الأمر.

و بتعبیر آخر:أن الإجازة المعرفة إنما هی الإجازة التی تصدر ممن یرجع إلیه أمر العین-التی وقع علیه العقد-بحیث یصح له أن یبیعها.و إذا فرض أنه خرج عن دائرة اختیاره بفسخ المعاطاة لم تصح الإجازة لکی تکون کاشفة.و بما ذکرناه یظهر حکم ما لورد المالک الأول،ثم أجاز المالک الثانی،حیث ذکرنا ان الرد رجوع منه فی عقد المعاطاة بالدلالة الالتزامیة.

و علی المعنی الثانی فالأمر أوضح،بداهة أن المؤثر فی تأثیر الإنشاء انما هو

ص:214

الإجازة اللاحقة الصادرة من المالک الثانی،لا کل اجازة-و إن صدرت من غیر المالک-و قد عرفت آنفا أن المالک الثانی قد انقطعت علاقته عن المال المعطی له برجوع المالک الأول.و علیه فلا تؤثر إجازته فی انتساب العقد إلیه لکی یکون مشمولا للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها.و اذن فالإجازة المتأخرة الصادرة من المالک الثانی لاغیة.

ثم لو رجع المالک الأول صریحا أو بالدلالة الالتزامیة-کما إذا أجاز العقد الفضولی أورده-و قارنته الإجازة من المالک الثانی فإن قلنا بشمول الإجماع-القائم علی جواز المعاطاة-لصورة رجوعه حال إجازة المالک الثانی فلا یبقی مجال لإجازة المالک الثانی.و ان لم نقل بذلک کان رجوع المالک الأول-فی تلک الحالة-لاغیا.

هذا کله فی حکم المثمن.و قد ظهر من جمیع ما تلوناه علیک حکم الثمن أیضا.

قوله:(و لو امتزجت العینان أو إحداهما سقط الرجوع علی القول بالملک، لامتناع التراد و یحتمل الشرکة و هو ضعیف.أما علی القول بالإباحة فالأصل بقاء التسلط علی ماله الممتزج بمال الغیر،فیصیر المالک شریکا مع مالک الممتزج به). أقول:

التحقیق:أنه لا قصور فی شمول العمومات-الدالة علی لزوم المعاطاة المقصود بها الملک-لمحل الکلام نهایة الأمر انه یحکم بجوازها للإجماع.و من البین الذی لا شک فیه أن الإجماع-علی تقدیر تحققه-دلیل لبی فلا بد من الاقتصار فیه علی المقدار المتیقن،و هو ما کان المأخوذ بالمعاطاة موجودا عند الآخذ بالمعاطاة و متمیزا عن غیره من جمیع الجهات.و علیه فإذا امتزج ذلک بغیره لم نطمئن بوجود الإجماع علی الجواز.و اذن فلا بد من الحکم بلزوم المعاطاة فی هذه الصورة.سواء فی ذلک القول بالملکیة و القول بالإباحة.و علی هذا فلا وجه لما احتمله المصنف من الالتزام بالشرکة علی القول بالملک.کما لا وجه لاستصحاب بقاء السلطنة علی القول بالإباحة.

و أضف الی ذلک قیام السیرة القطعیة علی عدم جواز الرجوع مع امتزاج

ص:215

المأخوذ بالمعاطاة بغیره،إذ لو أخذ أحد دهنا من بقال-بالبیع المعاطاتی-فمزجه بدهن آخر فإنه لا یشک أحد فی أنه لیس للآخذ ان یرده إلی البائع.و احتمال أن تکون المعاطاة حینئذ لازمة من طرف المشتری و جائزة من طرف البائع بعید غایته هذا کله فیما إذا لم یکن المزج موجبا لصدق التلف علی المال المأخوذ بالمعاطاة،و الا کان الحکم باللزوم مع الامتزاج أوضح.

و قد اتضح لک مما بیناه حکم التصرف المغیر للعین،کطحن الحنطة و فصل الثوب بل دعوی السیرة المتقدمة هنا بمکان من الوضوح.و اذن فلا مجال لاستصحاب جواز التراد علی القول بالملک.کما لا وجه للقول بعدم اللزوم علی القول بالإباحة.

قوله:(لیس جواز الرجوع فی مسألة المعاطاة نظیر الفسخ فی العقود اللازمة حتی یورث بالموت،و یسقط بالإسقاط ابتداء أو فی ضمن المعاملة.بل هو علی القول بالملک نظیر الرجوع فی الهبة.و علی القول بالإباحة نظیر الرجوع فی إباحة الطعام إلخ). أقول:

لا شبهة فی أن جواز الرجوع فی المعاطاة جواز حکمی،کجواز الرجوع فی الهبة و کجواز الرجوع فی إباحة الطعام-کما ذکره المصنف-الا أن جواز الرجوع فی العقود الخیاریة أیضا من قبیل الحکم،لما عرفته فی البحث عن الحکم و الحق من أنه لا فارق بینهما بحسب الواقع،بل الفارق بینهما بحسب الاصطلاح فقط باعتبار أن أی حکم کان رفعه بید المکلف یسمی حقا،و ما لا یکون کذلک یسمی حکما و الا فالحق أیضا حکم شرعی غایته أنه یقبل الارتفاع باختیار المکلف له و من الظاهر أن الجواز فی البیع الخیاری من هذا القبیل،بخلاف الجواز فی الهبة،و المتبع فی کل مورد هو دلالة الدلیل.

ثم ان الجواز فی بیع المعاطاة انما ثبت لخصوص المتعاطیین،و لا یثبت لوارثهما و الوجه فی ذلک:أن العمومات الدالة علی لزوم العقد تقتضی لزوم المعاطاة من أول الأمر لکونها عقدا بالحمل الشائع.و لکن الإجماع-علی تقدیر تسلیمه-قد انعقد

ص:216

علی جوازها.و بما أنه دلیل لبی فلا بد من الأخذ بالمقدار المتیقن منه.و من المعلوم أن المقدار المتیقن من الإجماع هو ثبوت الجواز فی المعاطاة ما دام المتعاطیان باقیین فی الحیاة و لا إجماع علی الجواز فیما إذا مات أحدهما أو کلاهما و إذن فتصیر المعاطاة لازمة للعمومات المزبورة و علیه فلا مجال لتوهم انتقاله الی الوارث بأدلة الإرث.و لا یفرق فی ذلک بین القول بأن المعاطاة تفید الملکیة أو الإباحة:أما علی الأول فواضح أما علی الثانی فلان الإباحة الثابتة هنا لیست إباحة مالکیة.و إنما هی إباحة شرعیة قد ثبتت بالإجماع،فإن الکلام إنما هو فی المعاطاة المقصود بها الملک.و قد انعقد الإجماع-علی تقدیر تسلیمه-علی عدم تأثیرها فی الملکیة،و ترتب إباحة التصرف علیها.

لکن القدر المتیقن من ذلک ثبوت الإباحة لنفس المتعاطیین،و عدم ترتب الملک علی المعاطاة فی زمان حیاتهما الی آن قبل موت أحدهما،و حیث لا إجماع بعد ذلک فالمرجع هی الإطلاقات.و بذلک تثبت الملکیة لهما فینتقل المال من المیت الی وارثه.

و إذن فمنزلة ما نحن فیه منزلة نقل العین المأخوذة بالمعاطاة إلی غیره بشیء من النواقل الاختیاریة فکما أن الثانی ملزم للمعاطاة،کذلک الأول.

و أضف الی ذلک قیام السیرة القطعیة علی لزوم المعاطاة بموت أحد المتعاطیین، إذ لم نر و لم نسمع الی الان رجوع الوارث إلی المأخوذ بالمعاطاة بعد موت مورثه.بل إذا أراد الرجوع الی ذلک عده الناس خارجا عن سلک العقلاء.و کذلک الحال فی رجوع الحی إلی ورثة المیت فیما أخذه منه بالمعاطاة،فالسیرة کاشفة عن انتقال المأخوذ بالمعاطاة إلی وارث المیت و لزومه بلا فرق بین القول بأن المعاطاة تفید الملک،و القول بأنها تفید الإباحة.

و قد تبین لک مما أوضحناه أنه لو جن أحد المتعاطیین لم یجز الرجوع الی الآخر سواء فیه القول بالملک و القول بالإباحة،فإن الدلیل علی جواز المعاطاة إنما هو الإجماع -علی تقدیر تحققه-و لا نطمئن بوجوده فی هذه الصورة،بل یرجع الی أدلة اللزوم

ص:217

علی کلا القولین و إذن فلا وجه صحیح لما أفاده المصنف من ثبوت حق الرجوع لولی المجنون علی کلا القولین.

جریان الخیارات المصطلحة فی المعاطاة
اشارة

الأمر السابع:فی جریان الخیارات المصطلحة فی المعاطاة و عدم جریانها فیها.

قد تکلمنا فی ذلک إجمالا فی الأمر الأول،و أو کل المصنف-هناک-البحث عن ذلک الی ما سیأتی،و هنا موعده فنقول:

لا ینبغی الشک فی عدم جریان الخیار و لا غیره من أحکام البیع علی المعاطاة المقصود بها الإباحة،إذ لا صلة بین هذا القسم من المعاطاة و بین البیع بوجه لکی تجری علیها أحکامه بل شأن المعاطاة المقصود بها الإباحة شأن إباحة الطعام و نحوه فی الضیافات و غیرها.و هل یسوغ لأحد أن یتوهم جریان الخیارات-مثلا-فی الضیافات و أشباهها من أقسام الإباحات؟.

و أیضا لا ینبغی الشک فی جریان الخیار و سائر أحکام البیع علی المعاطاة المقصود بها الملک إذا قلنا بإفادتها الملک اللازم من أول الأمر،بداهة أنها علی هذا الرأی لا یقصر عن البیع اللفظی بشیء فتکون موضوعا للأحکام الجاریة علیه حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة،إذ لا نعرف وجها صحیحا لاختصاص الأحکام المزبورة بالبیع اللفظی.و إنما الإشکال فی جریان الخیار و سائر أحکام البیع علی المعاطاة المقصود بها الملک إذا قلنا بإفادتها الملک الجائز أو الإباحة.

و قبل تحقیق ذلک لا بد و أن یعلم أن الخیار علی ثلاثة أقسام:
1-أن یثبت فیه بالاشتراط و الجعل

و لو من جهة اشتراط فعل علی أحد المتبایعین أو اشتراط صفة فی أحد العوضین،فان مرجع الاشتراط فی هذه الموارد الی

ص:218

جعل الخیار أیضا،لأنا لا نعقل وجها صحیحا لجعل الشرط فی البیع إلا ثبوت الخیار فیه للمشروط له علی تقدیر التخلف،بداهة أن مرجع الاشتراط إما الی توقف أصل العقد علی تحقق الشرط،أو الی توقف لزومه علیه.و علی الأول فیلزم التعلیق فی العقود، و هو مبطل للبیع إجماعا.و علی الثانی فلزوم العقد متوقف علی الوفاء بالشرط،و الا فهو جائز.و هذا هو معنی کون العقد خیاریا.

2-أن یثبت الخیار فی البیع بالشرط الضمنی حسب ما یقتضیه بناء العقلاء

و الارتکاز العرفی

من غیر تصریح بالشرط فی ضمن العقد.و مثاله:أن یشتری أحد من غیره عرضا خاصا بدینار مع الجهل بقیمته الواقعیة فبان أنه لا یسوی إلا بدرهم،فإنه لا ریب فی ثبوت الخیار للمشتری،للارتکاز القطعی،و بناء العقلاء علی اشتراط البیع بکون العوضین متساویین فی المالیة و إذا تخلف ذلک ثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط الضمنی الثابت بالارتکاز.

3-أن یکون الخیار ثابتا فی البیع بالدلیل الشرعی التعبدی

بحیث یکون البیع بنفسه و عنوانه موضوعا لذلک الخیار تعبدا من غیر احتیاج الی الاشتراط الصریح فی متن العقد،أو الی الارتکاز العقلائی.و ذلک کخیاری الحیوان و المجلس،فإنهما ثابتان للبیع بدلیل خاص تعبدی و إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم أنه لا وجه للمناقشة فی جریان الخیار فی القسمین الأولین علی المعاطاة بناء علی إفادتها الملک الجائز،فإنها بیع عرفا و شرعا.بل لو لم تکن بیعا أیضا لجری علیها الخیار فی هذین القسمین،بداهة أن دلیل ثبوت الخیار فی هذین القسمین غیر مختص بالبیع،بل یعم کل معاوضة و إن لم یکن بیعا.

و قد نوقش فی جریان الخیار علیها حینئذ بأن أثر الخیار إنما هو جواز العقد، و من الواضح أن المعاطاة جائزة بالذات فلا معنی لجوازها بالعرض.و علیه فجعل الخیار فی المعاطاة لغو محض،و تحصیل للحاصل کما نوقش-أیضا-فی جریان الخیار المختص

ص:219

بالبیع-کخیاری المجلس و الحیوان-علی المعاطاة بأن الظاهر من دلیل جعل الخیار اختصاصه بعقد کان وضعه علی اللزوم من غیر ناحیة هذا الخیار،فلا یشمل المعاطاة، لکونها جائزة بطبعها الاولی.

أما المناقشة الأولی فقد تقدم جوابها عند التکلم علی الأمر الأول،و یأتی -أیضا-فی مبحث الخیارات.

أما المناقشة الثانیة فقد تقدم جوابها-أیضا-فی الأمر الأول و أضف إلیه أنه إن أرید-من ظهور دلیل الخیار فی الاختصاص بعقد کان مبناه علی اللزوم- اللزوم عند المتعاقدین فلا شبهة فی أن المعاطاة أیضا کذلک.و إن أرید من ذلک اللزوم عند الشارع فهو غیر صحیح فی البیع اللفظی أیضا،إذ قد یجتمع خیار المجلس و الحیوان، و هما مع خیار آخر.و قد اتضح لک مما أوضحناه جریان الأرش هنا أیضا،إذ لا قصور فی شمول دلیله لما نحن فیه.هذا کله علی القول بإفادة المعاطاة الملک.

أما علی القول بإفادتها الإباحة فلا مانع من ثبوت الخیار لها الذی لا یختص دلیله بالبیع فقط-کما فی القسمین الأولین علی ما عرفته آنفا-إلا أن أثر ثبوت الخیار حینئذ لیس رجوع الملک الی مالکه الأول،إذ المفروض أن المال بعد باق علی ملکه.و لم ینتقل منه الی غیره لیرجع الیه بالفسخ،بل أثره سقوط العقد عن قابلیته للتأثیر بفسخ المعاملة و عدم بقاء أحد المتعاطیین علی التزامه.و قد بینا ذلک فی الأمر الأول.

نعم یشکل ذلک فی مقام الإثبات و إقامة الدلیل،فان دلیل نفوذ الشرط یختص بالعقد الممضی شرعا.فإذا فرضنا أن الشارع لم یمض عقد المعاطاة،و کان کل من المالین باقیا علی ملک مالکه-غایة الأمر أنه أباح لکل من المتعاطیین التصرف فی مال الآخر-فکیف یمکن القول بصحة الشرط الواقع فی ضمنه بدلیل وجوب الوفاء بالشرط،أو بدلیل وجوب الوفاء بالعقد بماله من القیود؟.

و المتحصل:أن دلیل ثبوت الخیار و ان لم یشمل جعل الخیار فی المعاطاة-بناء

ص:220

علی إفادتها الإباحة-إلا أنه لا إشکال فی إمکان ثبوته فیها:و یترتب علیه سقوط العقد عن قابلیته للتأثیر بفسخه.

و انما الإشکال فی ثبوت الخیار الذی اختص دلیله بالبیع.

قد یقال:بعدم ثبوت ذلک فی المعاطاة-علی القول بإفادتها الإباحة-لعدم کونها بیعا،بل هی معاوضة مستقلة،کما احتمله الشهید الثانی فی المسالک.

و یرد علیه:أنها بیع عرفی.و إمضاء الشارع لها مشروط بتحقق الملزم.و علیه فهی کبیع الصرف الذی اشترطت صحته بالقبض فی المجلس فکما أن حصول الملکیة فی بیع الصرف متأخر عن البیع،کذلک المعاطاة.نعم تفترق المعاطاة-عن غیرها بجواز تصرف کل من المتعاطیین قبل حصول الملکیة،و لا یجوز ذلک فی غیرها.و الفارق بینهما إنما هو قیام الإجماع علی جواز التصرف فی المعاطاة.و علیه فلا مانع من ثبوت الخیار -المختص دلیله بالبیع-فی المعاطاة علی القول بترتب الإباحة علیها دون الملک.نعم إن دلیل خیاری المجلس و الحیوان لا یعم ما إذا لم یصح العقد شرعا.و لم یتعلق به الإمضاء خارجا.و علیه فلا یبقی مجال لثبوت مثل هذا الخیار فی المعاطاة علی هذا القول هذا کله قبل أن یتحقق شیء من الملزمات التی تقدمت.

أما بعد تحققه فعقد المعاطاة عقد صحیح یجری علیه خیار المجلس و خیار الحیوان فإنه بیع نافذ،فیعمه دلیل الخیار الثابت فیه.و یترتب علی ذلک أن غایة خیار المجلس -حینئذ-هو الافتراق عن مجلس تحقق فیه البیع بتحقق شیء من الملزمات،کما أن مبدء الثلاثة فی خیار الحیوان إنما هو حین تحققه.

و بما ذکرناه یظهر جریان الخیار الثابت فی القسمین الأولین-أیضا-علی المعاطاة بعد تحقق شیء من الملزمات بل هذا أولی بالجریان،فإنها لو سلمت أنها لیست ببیع کانت معاوضة مستقلة،و قد رتب علیها الشارع ابتداء خلاف ما قصده المتعاطیان الی زمان تحقق الملزم.و رتب علیها ما قصده المتعاطیان بعد تحقق الملزم،و من الظاهر

ص:221

أن ذلک لا یمنع عن جریان الخیار-الذی لم یختص دلیله بالبیع-علیها

العقد الفاقد لبعض شرائط الصیغة هل یرجع الی المعاطاة أم لا

الأمر الثامن:أنه لا ریب فی تحقق المعاطاة المصطلحة-التی هی معرکة الآراء بین الخاصة و العامة-بما إذا تحقق إنشاء التملیک أو الإباحة بالفعل،و هو قبض العینین.أما إذا حصل ذلک بالقول غیر الجامع للشرائط فهل یترتب علیه ما یترتب علی المعاطاة؟.

الأقوال فی المقام ثلاثة:

1-القول برجوع ذلک الی المعاطاة.

2-القول برجوعه إلیها إذا تعقبه القبض و الإقباض.

3-القول بعدم رجوعه إلیها،بل یکون ذلک من البیوع الفاسدة.و قد أطال المصنف الکلام-هنا-و لکن الظاهر أنه لا یترتب ثمر مهم علی هذه الإطالة.

و التحقیق:أن حقیقة کل أمر إنشائی من الأوامر و النواهی و العقود و الإیقاعات متقومة بالاعتبار النفسانی المبرز بمظهر خارجی،سواء أ کان هذا المبرز فعلا من الأفعال الجوارحیة،أم کان قولا.و علیه فلا وجه لتخصیص ذلک المبرز بالقول،أو بحصة خاصة منه،بل یعم القول و الفعل کلیهما.إلا أن یدل دلیل خاص علی اعتبار مبرز معین فی صحة عقد أو إیقاع و نفوذه شرعا،کما هو الحال فی اعتبار اللفظ فی صحة عقد النکاح و فی اعتبار اللفظ الخاص فی صحة الطلاق.و علی هذا الضوء فیصح إنشاء عقد البیع و غیره بأی مبرز کان من غیر أن یکون مشروطا بصیغة خاصة فضلا عن أن تکون هذه الصیغة مشروطة بشرط لکی یتکلم فی أنه إذا وقع خلل فی بعض ما یرجع الی هذه الصیغة من الشرائط هل تشمله العمومات و المطلقات الدالة علی صحة ذلک

ص:222

العقد و لزومه و مع الإغضاء عن هذا المنهج الصحیح،و الالتزام باعتبار قیود معینة فی صیغة البیع أو غیره فهل یحکم بفساد الصیغة مع الإخلال ببعض قیودها،أم یحکم علیها بحکم المعاطاة؟ التحقیق:أن ما یدل علی اعتبار الصیغة الخاصة فی البیع-مثلا-قد یکون ظاهرا فی اعتبارها فی لزومه،فیحکم بکون البیع بالصیغة الفاقدة لتلک الخصوصیة بیعا صحیحا جائزا،إذ المفروض أن المشروط بتلک الخصوصیة إنما هو لزوم العقد دون صحته،و علیه فان کان لدلیل الاشتراط إطلاق أخذ به،و یحکم بأن العقد الفاقد لها جائز دائما،کسائر العقود الجائزة و مع وجود الإطلاق لا موضوع للتمسک باستصحاب الجواز،إذ لا مجال لجریان الأصل العملی مع وجود الأصل اللفظی.و علیه فیکون الأصل فی هذه المعاملة-التی هی مورد بحثنا-هو الجواز.فلا یحکم بلزومها بما یوجب لزوم المعاطاة،لا من ناحیة الجمع بین الأدلة-کما هو مذهب المصنف-و لا من ناحیة الأخذ بالمقدار المتیقن من دلیل الجواز-کما هو المختار عندنا-بل المتبع هو إطلاق دلیل الاشتراط إلا أن یدل دلیل بالخصوص علی اللزوم فیما إذا کان إطلاق،و أما إذا لم یکن إطلاق فی دلیل الاشتراط فیتمسک فی غیر المقدار المتیقن بعموم أدلة اللزوم فی العقود و معه-أیضا-لا وجه للرجوع الی استصحاب الجواز،کما کان الأمر کذلک علی القول بإفادة المعاطاة الملکیة الجائزة.

و قد یکون ما یدل علی اعتبار الصیغة الخاصة ظاهرا فی اعتبارها فی صحة العقد، لا فی لزومه،فیحکم بفساد العقد مع الإخلال بها،أو بشیء من شرائطها،و حینئذ فلا یجوز لکل من المتعاطیین أن یتصرف فیما أخذه من العوض مستندا الی هذا العقد، سواء أ حصل فیه قبض و إقباض،أم لم یحصل فیه ذلک،فإن شأن المقبوض بذلک شأن المقبوض بسائر العقود الفاسدة.و لا یقاس ذلک بالمعاملة المعاطاتیة علی القول بعدم

ص:223

إفادتها الملک،فان جواز تصرف کل من المتعاطیین فیما انتقل الیه إنما ثبت بالإجماع، و بالسیرة القطعیة،و لا إجماع فی محل الکلام فتحصل أن الصیغة الفاقدة للخصوصیة- المعتبرة فی ترتب الملکیة و نفوذ المعاملة-وجودها کالعدم،فلا یترتب علیها إباحة التصرف أیضا.

نعم إذا کان القبض و الإقباض،لا علی سبیل الوفاء بالعقد الفاسد،بل علی سبیل المعاملة المعاطاتیة مع قطع النظر عن العقد السابق بحیث یکون الفعل مع قطع النظر عن ذلک العقد مبرزا للاعتبار النفسانی إذا کان کذلک کان ذلک مصداقا للبیع المعاطاتی ،و یترتب علیه جمیع ما یترتب علی المعاطاة من الاحکام و الآثار،إذ لیس من شرائط صحة المعاملة المعاطاتیة أن لا یسبقها عقد فاسد و مثل ذلک ما إذا رضی المالک بجواز التصرف فی ماله غیر مبنی علی العقد الفاسد،فإنه یجوز التصرف فیه حینئذ.لکن الإباحة فی هذا الفرض إباحة مالکیة.و أما الإباحة المترتبة علی المعاطاة-علی القول بإفادتها ذلک- إباحة شرعیة و قد نقدم تفصیل ذلک فی الأبحاث السابقة.و هذان الموردان خارجان عن دائرة حرمة التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد خروجا تخصیصا.

و علی الجملة:إنا إذا اعتبرنا لفظا خاصا فی صحة البیع کان الفاقد لذلک بیعا فاسدا،و لا یجری علیه حکم المعاطاة.و أما فرض تحقق المعاطاة بالقبض و الإقباض بعد فساد هذا العقد فهو أجنبی عن محل الکلام،لأن ما هو صحیح لا صلة له بالعقد اللفظی و ما هو عقد لفظی قد فسد من أصله و کذلک الحال فی فرض العلم برضا المالک بالتصرف لا من جهة الوفاء بالعقد الفاسد.

قوله:(و لا یکفی فیه عدم العلم بالرجوع،لأنه کالإذن الحاصل من شاهد الحال). أقول:قد یناقش فی المنع عن جواز التصرف مع الشک فی بقاء الرضا السابق بتوهم أن استصحاب الرضا یترتب علیه جواز التصرف ما لم یعلم بارتفاعه.

ص:224

و لکن تندفع هذه المناقشة بأن حرمة التصرف فی مال غیره بدون إذنه و رضاه حکم انحلالی بحسب الأفراد العرضیة و الطولیة.و علیه فکل فرد من تلک الافراد محکوم بحرمة التصرف ما لم یحرز فیه إذن المالک.و من الواضح أن إسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر غیر داخل فی الاستصحاب.بل هو داخل فی القیاس.

و علی الجملة:إن الإباحة الثابتة فی محل الکلام إباحة مالکیة،و هی تدور مدار الرضا فی کل فرد من الأفراد العرضیة أو الطولیة للتصرف،فما أحرز به رضا المالک فهو.و إلا لم یجز لعموم ما دل علی عدم جوازه.و قد ظهر لک مما ذکرناه بطلان قیاس المقام بما إذا شک فی رجوع المالک فی المعاملة المعاطاتیة،حیث إنه لا شک فی جواز التصرف-حینئذ-علی القول بإفادتها الإباحة دون الملک تمسکا باستصحاب عدم الرجوع و وجه الظهور:أن الإباحة الثابتة فی مورد المعاملة المعاطاتیة إباحة شرعیة.غایتها رجوع المالک فإذا شک فی تحقق الغایة استصحب عدمه.

أما الإباحة فی محل الکلام فهی إباحة مالکیة التی تدور مدار رضا المالک فی کل فرد من أفراد التصرف،فان لم یحرز فی فرد لم یجز التصرف فیه و لا یمکن الحکم بجوازه مع الشک فی ثبوت الجواز لفرد آخر غیره.نعم إذا کان المالک قد أذن فی تصرف ما بالخصوص أو بالعموم،و شک فی بقائه،لاحتمال رجوعه عن إذنه صح استصحاب إذنه فی جواز ذلک التصرف فی ظرف الشک لکن أین ذلک من الشک فی الاذن بالنسبة الی ذلک التصرف حدوثا الذی هو مورد الکلام و الی هنا وقف القلم فی مبحث المعاطاة.

و بذلک قد تم الجزء الثانی من کتابنا مصباح الفقاهة فی المعاملات.و یتلوه الجزء الثالث إنشاء اللّه.الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

ص:225

المجلد 3:تتمة کتاب البیع

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

اشارة

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

ص :3

تتمة کتاب البیع

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه رب العالمین،و الصلاة علی خیر خلقه محمد و آله الطاهرین، و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین.

و بعد فهذا هو المجلد الثالث من کتابنا-مصباح الفقاهة فی المعاملات-الذی کتبته تقریرا لبحث سیدنا الأستاذ الزعیم الدینی الأوحد،و رائد النهضة العلمیة الأکبر،طود العلم الشامخ،و علمه الراسخ،آیة اللّه العظمی الحاج السید أبو القاسم الخویی متع اللّه المسلمین بطول بقائه.

و قد کان للإقبال العظیم الذی حظی به المجلد الأول،و الثانی من هذا الکتاب،و التقدیر الذی نوّه به رواد العلم و الفضیلة باعث قوی علی مواصلة العمل،و إجهاد الفکر إلی أن وفقنی اللّه تعالی لابراز هذا المجلد الثالث و تقدیمه إلی الجامعة العلمیة الکبری.و أسأل اللّه سبحانه أن یوفقنا لنشر بقیة مجلداته و یجعل عملی هذا خالصا لوجهه الکریم،و موجبا لرضاه الموصل إلی جنات النعیم،إنه سمیع مجیب.

النجف الأشرف محمد علی التوحیدی التبریزی

ص:4

مقدمة فی خصوص ألفاظ عقد البیع

هل یعتبر اللفظ فی العقود؟

قوله:(مقدمة فی خصوص ألفاظ عقد البیع). أقول:حاصل کلام المصنف رضوان اللّه علیه:أن اعتبار اللفظ فی البیع،بل فی جمیع العقود من الأمور الواضحة-التی لا ریب فیها-و ذلک للإجماع المنقول و الشهرة العظیمة،مع الإشارة إلیه فی بعض النصوص (1).

و لکن المقدار المتیقن من الإجماع المزبور إنما هو تمکن المتعاقدین من اللفظ،و إذا عجز أحدهما أو کلاهما عن التلفظ،لخرس و نحوه لم یشمله الإجماع،و إن کان قادرا علی توکیل غیره.

و هذا التعمیم لیس من ناحیة أن الأصل هو عدم وجوب التوکیل-کما قیل-لأن الوجوب بمعنی الاشتراط هو الأصل فی المقام،بل الدلیل علی التعمیم إنما هو فحوی الروایات[2]الدالة علی عدم اعتبار اللفظ فی طلاق

ص:5


1- 1) المذکورة فی الجزء الثانی ص 155.

الأخرس،لأن حملها علی صورة العجز عن التوکیل حمل للمطلق علی الفرد النادر و إذا جاز للأخرس إنشاء الطلاق بغیر اللفظ جاز له إنشاء سائر العقود بغیره أیضا،و علیه فیحکم بلزوم العقد الصادر منه حتی المعاطاة،ضرورة أن العمومات الدالة علی لزوم العقد تدل علی لزوم المعاطاة أیضا،لکونها عقدا بالحمل الشائع.

و لکن قام الإجماع علی جوازها ما لم تتحقق احدی الملزمات-التی ذکرناها فی مبحث المعاطاة-و من الواضح أن المتیقن من الإجماع المزبور هو أن یکون المتعاطیان قادرین علی اللفظ.أما مع العجز عن ذلک فلا علم لنا بوجود الإجماع علی جواز المعاملة المعاطاتیة.

ثم إن الظاهر هو کفایة الکتابة أیضا مع العجز عن الإشارة،لفحوی ما ورد من النص-الذی ذکرناه فی الحاشیة-علی جوازها فی الطلاق و إذا ثبت ذلک فی الطلاق ثبت فی غیره بالأولویة القطعیة.

أما مع القدرة علی الإشارة فهل هی تتقدم علی الکتابة أم یجوز العکس؟ ذهب بعضهم إلی ترجیح الإشارة علی الکتابة،لصراحة الإشارة فی الإنشاء.و لکن فی بعض الروایات-التی ذکرناها فی الحاشیة-ما یدل علی

ص:6

العکس.انتهی ملخص کلام المصنف(ره).

تحقیق المقام یقع فی نواحی شتی:

الناحیة الاولی:أن الأصل الأولی فی العقود و الإیقاعات هل یقتضی

الصحة أم یقتضی الفساد؟

ذهب جمع إلی الأول،و ذهب جمع آخر إلی الثانی و هو الحق،کما علیه المصنف(ره).

و الوجه فی ذلک:أن نتائج العقود و الإیقاعات-من الملکیة و الزوجیة و العتاق و الفراق-أمور حادثة،و مسبوقة بالعدم،کما أن نفس العقود و الإیقاعات کذلک،فإذا شککنا فی تحققها فی الخارج من ناحیة بعض ما یعتبر فیها من الشروط کان الأصل عدمه و حینئذ فیحکم بفسادها.

و قد ناقش فی ذلک المحقق الایروانی بأنه لا مانع من جریان أصالة البراءة من الشروط التی یشک فی اعتبارها فی تأثیر العقود و الإیقاعات.و قال (لا مانع من هذه الأصالة بناء علی جریان البراءة فی الأحکام الوضعیة،کما یظهر من استدلال الامام(علیه السلام)بحدیث الرفع علی فساد طلاق المکره و عناقه، فینفی بأصالة عدم الوجوب وجوب کل خصوصیة شک فیها:بمعنی عدم دخلها فی تأثیر السبب.و عدم کونها من أجزاء السبب.و لا یبقی معها مجال الرجوع الی استصحاب عدم تحقق النقل و الانتقال،لأن هذا فی مرتبة السبب و ذاک فی مرتبة المسبب،و الاستصحاب إنما یقدم علی أصالة البراءة حیث یکونان فی مرتبة واحدة).

و تندفع هذه المناقشة:بأن حدیث الرفع و إن کان یشمل الأحکام الوضعیة-کشموله للأحکام التکلیفیة-إلا انه لا یعم خصوص الجزئیة و الشرطیة و المانعیة،ضرورة أن هذه الأمور الثلاثة أمور غیر قابلة للوضع، فلا تکون قابلة للرفع أیضا إلا برفع منشأ انتزاعها.و علیه فإذا شک فی شرطیة

ص:7

شیء أو جزئیته أو مانعیته لم یجز الرجوع فیها إلی البراءة.

و بیان ذلک إجمالا:أنا ذکرنا فی بحث الاستصحاب من علم الأصول أن الأحکام الوضعیة علی ثلاثة أقسام:

1-أن یکون مجعولا بنفسه،کالملکیة و الزوجیة و الرقیة و نحوها، فإنها أمور متأصلة:أی مجعولة بنفسها،و غیر منتزعة من التکالیف الشرعیة بدیهة أن انتزاعها من الأحکام التکلیفیة و ان کان ممکنا فی مقام الثبوت و لکن لا دلیل علیه فی مقام الإثبات،إذ النسبة بین الملکیة-مثلا-و بین جواز التصرف،أو عدم جوازه،هی العموم من وجه،لأنه قد توجد الملکیة و لا یترتب علیها جواز التصرف فی المملوک،کالأشخاص المحجورین عن التصرف فی أموالهم لسفه أو فلس أو صغر.و قد یتحقق جواز التصرف و لا توجد الملکیة،کالمباحات الأصلیة،فإنها غیر مملوکة لأحد،و یجوز التصرف فیها لکل شخص.و کأولیاء السفهاء و المجانین و الصغار،فإنه یجوز لهم التصرف فی أموال هؤلاء المحجورین،و لیسوا بملاک.و قد یجتمعان، و هو کثیر،و اذن فلا نعقل وجها صحیحا لانتزاع الملکیة من الحکم التکلیفی دائما أضف إلی ذلک:أن المستفاد من الأدلة أن الاحکام التکلیفیة تترتب علی الملکیة و الزوجیة و الرقیة و أمثالها ترتب الحکم علی موضوعه.و من الواضح جدا أن مرتبة الموضوع متقدمة علی مرتبة الحکم،فیستحیل انتزاع الأمر المتقدم من الأمر المتأخر.

و مثال ذلک:أن جواز تصرف الإنسان فی ماله مستفاد من قوله(صلی الله علیه و آله) إن الناس مسلطون علی أموالهم (1)و حرمة تصرفه فی مال غیره بدون إذنه

ص:8


1- 1) البحار ج 1 ص 154.

مستفادة من الروایات المستفیضة الدالة علی ذلک (1)و من الضروری أن جواز التصرف أو حرمته مترتب علی المال المملوک.فلا بد من فرض وجوده قبل الحکم علیه بجواز التصرف و عدمه،بحیث یکون هذا الحکم من آثار المال المملوک،و بدیهی أنه لا یمکن الالتزام بانتزاع الملکیة من آثار نفسها و هذا واضح لا ریب فیه.

2-أن یکون الحکم الوضعی راجعا إلی الحکم نفسه،کالشرطیة و السببیة و المانعیة للوجوب-مثلا-فان الحکم الشرعی إذا لوحظ بالإضافة إلی شیء فاما أن یکون مطلقا أو مقیدا بوجوده،أو بعدمه.

لا کلام لنا فی فرض الإطلاق.

أما علی فرض التقیید فان کان الحکم الشرعی مقیدا بقید وجودی فیکون القید معتبرا فی موضوعه.و عندئذ تنتزع منه الشرطیة تارة،و السببیة أخری لأن مرجعهما إلی شیء واحد،و إنما الفرق بینهما اصطلاح محض.

و ان کان الحکم الشرعی مقیدا بقید عدمی-کتقید وجوب الصلاة بعدم الحیض- فتنتزع منه المانعیة،و إذن فالشرطیة و السببیة و المانعیة کلها منتزعة من جعل الحکم و لحاظه مقیدا بقید وجودی أو عدمی.

3-أن یرجع الحکم الوضعی إلی متعلق التکلیف کالشرطیة و الجزئیة و المانعیة للمأمور به،فإنها منتزعة من کیفیة الأمر.

و ذلک لأنه إذا تعلق الأمر بالمرکب من الأشیاء العدیدة انتزعت منه الجزئیة.

و إذا تعلق بشیء مقیدا بوجود شیء آخر-کالأمر بالصلاة مقیدة باستقبال القبلة و الستر-انتزعت منه الشرطیة.

ص:9


1- 1) قد ذکرنا هذه الروایات فی الجزء الثانی ص 138.

و إذا تعلق بشیء مقیدا بعدم شیء آخر-کتقید الصلاة بعدم استصحاب المصلی أجزاء ما لا یؤکل لحمه فی الصلاة-انتزعت منه المانعیة.و إذن فالجزئیة و الشرطیة و المانعیة للمأمور به منتزعة من کیفیة الأمر.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک اتضح لک عدم جریان البراءة فی الشرطیة و السببیة و المانعیة و الجزئیة،لعدم کونها مجعولة بالذات،بل هی مجعولة بتبع منشأ انتزاعها،و علیه فهی غیر قابلة للوضع بنفسها.فلا تکون قابلة للرفع أیضا.سواء أ قلنا بشمول حدیث الرفع للأحکام الوضعیة،أم لم نقل بذلک نعم ترتفع هذه الأمور بإجراء البراءة فی مناشئ انتزاعها،ضرورة أنها کما تثبت تبعا لثبوت مناشئها،کذلک ترتفع بارتفاع مناشئها.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

أما استدلال الامام(علیه السلام)-فی بعض الروایات[1]-بحدیث الرفع علی فساد طلاق المکره و عتاقه،فهو بعید عما نحن فیه بداهة أن صحة العقود و الإیقاعات بنفسها قابلة للوضع،فتکون قابلة للرفع أیضا بحدیث الرفع، و من هنا یحکم بفسادها إذا صدرت کرها.و اذن فلا وجه لقیاس الصحة و الفساد بالجزئیة و الشرطیة و المانعیة.

و علی الجملة إذا کانت الجزئیة أو الشرطیة أو السببیة من الأمور الانتزاعیة فهی غیر قابلة للجعل إلا بجعل مناشئ انتزاعها،و علیه فإذا شک فی شرطیة

ص:10

شیء للمأمور به کان ذلک بعینه شکا فی تعلق الأمر بالمقید به،فیدفع بأصالة البراءة.و أما الأقل:-أعنی به الطبیعی الجامع بین المطلق و المقید فهو مأمور به قطعا.

أما إذا شک فی شرطیة شیء لصحة عقد أو إیقاع انعکس الأمر،لأن ترتب الأثر-کالملکیة،أو براءة الذمة-علی العقد أو الإیقاع الواجد لذلک الشرط معلوم و ترتبه علی الفاقد مجهول.فیدفع بالأصل،و هذا هو الفارق بین الشک فی شرطیة شیء للمأمور به،و بین الشک فی شرطیته للعقد أو الإیقاع هل یجوز التمسک بالعمومات عند الشک فی العقود

الناحیة الثانیة:أنه لا شبهة فی أن مقتضی العمومات و المطلقات هو
اشارة

صحة العقود و الإیقاعات.

و لکن إذا شک فی اعتبار قید فی تلک المعاملات -کاللفظ مثلا-فهل یصح التمسک بالعمومات المذکورة لنفی ذلک القید أم لا الظاهر هو الأول:بدیهة أن القاعدة الأولیة تقتضی صحة الإنشاء بکل ما هو قابل لابراز الاعتبار النفسانی،سواء فیه الفعل و اللفظ،و لکن المغروس فی کلمات الأصحاب،و المودع فی کتبهم هو قیام الإجماع علی اعتبار اللفظ فی العقود و الإیقاعات.و قد ذکرنا مرارا:أن الإجماع دلیل لبی فلا بد و أن یؤخذ منه بالمقدار المتیقن.و من البدیهی أن القدر المسلم من الإجماع- علی تقدیر تحققه هنا-إنما هو فرض تمکن المتعاقدین من الإنشاء اللفظی و مع عدم التمکن من ذلک یرجع إلی القاعدة الأولیة،و یحکم بعدم اعتبار اللفظ فی العقود و الإیقاعات.إلا مع قیام الدلیل الخاص علی الاعتبار المزبور، کقیامه علی اعتبار مطلق اللفظ فی عقد الزواج،و علی اعتبار لفظ خاص فی إنشاء الطلاق.

ص:11

و علی هذا الضوء فإذا شککنا فی صحة عقد الأخرس المنشأ بالإشارة مع تمکنه من التوکیل،أو شککنا فی صحة عقده المنشأ بالکتابة مع تمکنه من الإشارة-بناء علی تقدیمها علی الکتابة-رجعنا الی العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و نفوذها.

و قد ظهر لک مما ذکرناه:أن مقتضی القاعدة هو الحکم بلزوم معاطاة الأخرس-من حین العقد-حتی علی القول بأنها تفید الإباحة مع التمکن من اللفظ،و أنها لا تفید الملکیة.و ذلک لعدم العلم بشمول الإجماع-الذی توهم قیامه علی جواز المعاطاة،أو إفادتها الإباحة-لصورة عدم التمکن من اللفظ و هذا هو السر فی تعرض المصنف لمسألة المعاطاة هنا فی طی کلامه،مع أنه قضی أمرها قریبا.و هذا نصه فی المقام:(ثم لو قلنا بأن الأصل فی المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها للملکیة فالقدر المخرج صورة قدرة المتبایعین علی مباشرة اللفظ).و اذن فلا نحتاج فی إثبات صحة عقد الأخرس إلی التمسک بفحوی الروایات الواردة فی طلاقه-ذکرناها قریبا فی الحاشیة-و لا الی التمسک بفحوی الروایة الواردة فی قراءته[1]نعم تلک الروایات مؤکدة للقاعدة الأولیة.

و علی الإجمال:ان مقتضی القاعدة الأولویة،و فحوی الروایات الخاصة الواردة فی طلاق الأخرس و قراءته،هو کفایة إشارته فی مقام الإنشاء،ما لم یدل دلیل خاص علی خلاف ذلک.من غیر فارق بین أقسام الإشارة و کیفیاتها.و لا بین ما یکون معتادا للاخرسین،أو للأشخاص

ص:12

الآخرین،و بین ما لم یکن کذلک.

بل الضابطة الکلیة فی ذلک:أن تکون الإشارة مفهمة للمراد بالنسبة إلی نوع المخاطبین و الحاضرین.و لو کان الانفهام بمئونة القرائن کما هو الشأن فی الإنشاء اللفظی،بداهة أن الأفعال و الأقوال سیان فی حجیة ظواهرها من ناحیة بناء العقلاء و من هنا اتضح لک جلیا:أن إنشاء الأخرس بالإشارة محکوم بالصحة،و إن لم یفد القطع بالمراد.

إشارة الأخرس و حکمها

قد ذکرنا فی الجزء الثانی:أن البیع عبارة عن الاعتبار النفسانی المبرز بمبرز خارجی و علیه فابراز الاعتبار النفسانی بالإشارة المفهمة للمراد مصداق لمفهوم البیع بالحمل الشائع،فیکون مشمولا للعمومات،و عندئذ لا یلزم علی الأخرس أن یستحضر الصیغة اللفظیة فی ذهنه،لکی تکون إشارته إلیها أولا،و إلی مدلولها ثانیا حتی یکون إبراز ما فی النفس بتلک الصیغة الحاضرة فی الذهن.کما لا یلزم علیه أن یحرک لسانه علی النهج الذی یحرکه عند التکلم بالصیغة،نعم یعتبر أحد الأمرین فی القراءة الصلاتیة، إذ المطلوب هناک قراءة نفس الألفاظ،لا إبراز مدالیلها.

و أیضا قد ذکرنا فی الجزء الثانی-عند البحث عن أصالة اللزوم فی العقود-:أن العقد اما بمعنی العهد المطلق کما فی بعض الروایات[1]أو بمعنی العهد المشدد،و علی کل تقدیر فالمعاملة المعاطاتیة من مصادیق العقود و علیه

ص:13

فلا وجه لما ارتکبه بعض مشایخنا المحققین من بیان مقدمة لاستیضاح کفایة الإشارة من الأخرس،و إلیک نصه:(أن الأخرس کغیره له عهد مؤکد و عهد غیر مؤکد،فالتعاطی منه فی الخارج فقط کالتعاطی من غیره عهد غیر مؤکد فله حکمه،فالإشارة المفهمة الرافعة للاشتباه منه عهده المؤکد کاللفظ الرافع للاشتباه الذی یتطرق الی الفعل نوعا عهد مؤکد من القادر).

ثم إذا قلنا بجواز مباشرة الأخرس للعقود و الإیقاعات،و لم یدلنا دلیل علی اعتبار اللفظ فی ذلک لکی نحکم بوجوب التوکیل علیه،فهل له أن یتصدی لذلک مخیرا فی إبراز ما فی نفسه-من الاعتبار-بین الإشارة،و بین الکتابة أم یجب علیه تقدیم الأول علی الثانی.

ذکر بعضهم:أن الإشارة تتقدم علی غیرها،لکونها أصرح، و ذهب آخر إلی أن الکتابة تتقدم علی غیرها،لکونها أضبط.و لکن أشباه هذه الوجوه أمور استحسانیة فلا یمکن الاعتماد علیها فی استنباط الحکم الشرعی إذ لو سلمنا أصرحیة الإشارة أو اضبطیه الکتابة،الا أنه لا دلیل علی تقدیم أحدهما علی الآخر.

و یضاف إلی ذلک:أنه لو کانت أضبطیة الکتابة موجبة لتقدیمها علی الإشارة لکانت موجبة لتقدیمها علی اللفظ أیضا.و لم یلتزم الفقهاء بذلک.و إذن فمقتضی القاعدة هو الاکتفاء فی الإنشاء بکل ما یصلح لابراز ما فی النفس من الاعتبار،و إظهاره بمبرز خارجی-و إن کان بعض المبرزات أصرح من بعضها الآخر أو أضبط-إلا إذا ورود دلیل خاص علی تقدیم بعضها علی بعض کما یظهر ذلک من بعض الروایات (1)الواردة فی طلاق الأخرس،فإن الظاهر من ذلک أن الکتابة تتقدم علی الإشارة.

ص:14


1- 1) کحسنة البزنطی المتقدمة فی ص 5.

بحث فی مادة الصیغة و هیئتها و ترتیبها

الناحیة الثالثة:فی مادة الصیغة و هیئتها و ترتیبها-التی ینشأ بها العقد-
اشارة

و تحقیق هذه الناحیة یقع فی ضمن جهات:

الجهة الأولی فی مادة الصیغة.

و قد اختلفت فیها کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم،و تشتت فیها أقوالهم،و هی کما یلی:

1-الاقتصار فی مادة الصیغة علی المقدار المتیقن،فلا یجوز إنشاء العقود و الإیقاعات بغیره من الصیغ المشکوکة.

2-الاقتصار فیها علی الألفاظ المنقولة عن الشارع المقدس و الظاهر رجوع هذا الوجه إلی الوجه الأول،فإن هذا هو المقدار المتیقن مما ینشأ به العقد أو الإیقاع.

3-الاقتصار فیها علی الألفاظ التی تعنونت بها عناوین العقود و الإیقاعات و أسماء المعاملات.و علیه فیجب إنشاء البیع بصیغة بعت،و إنشاء النکاح بصیغة أنکحت و إنشاء الإجارة بلفظة آجرت.و إنشاء المصالحة بکلمة صالحت و إنشاء الطلاق بجملة هی طالق،و هکذا فی سائر العقود و الإیقاعات،و إذن فلا ینعقد أی عقد أو إیقاع بغیر ما عنون به هذا العقد.

4-الاقتصار فیها علی الألفاظ الحقیقیة،و علیه فلا ینعقد شیء من العقود و الإیقاعات بشیء من الألفاظ الکنائیة و المجازیة.

5-أن یفرق فی الألفاظ المجازیة بینما یکون مقرونا بالقرائن اللفظیة فیحکم بجواز إنشاء العقد به،و بین ما لا یکون کذلک،فیحکم بعدم جواز الإنشاء به.

6-جواز الاکتفاء بکل لفظ یکون صریحا فی إنشاء العقد،أو ظاهرا

ص:15

فیه و لو کان ذلک بمئونة القرائن الحالیة أو المقالیة.

ثم انه ذکر المصنف:أن المشهور بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم هو عدم وقوع العقد بالألفاظ الکنائیة.و لکنه لم یأت بشیء یطمئن به القلب و ترکن الیه النفس.نعم نقل فی ذلک جملة من کلمات الأصحاب.

و لکن هذه الکلمات مبنیة علی اجتهاداتهم و آرائهم.و من البین الذی لا ریب فیه أن رأی فقیه لا یکون حجة علی فقیه آخر.و عندئذ لا بد من ملاحظة دلیل المسألة،فإن کان هناک ما یدل علی اعتبار لفظ خاص فی الإنشاء أخذ به،و إلا فمقتضی القاعدة هو انعقاد جمیع العقود و الإیقاعات بکل ما یصلح للإنشاء،و إبراز الاعتبار النفسانی،سواء فیه الفعل و القول،و سواء فی القول الحقیقة و المجاز،و الصریح و غیره،و سواء فی المجاز کون القرینة لفظیة و غیر لفظیة.

و الوجه فی ذلک کله:أنه لم یرد دلیل علی اعتبار مظهر خاص و مبرز معین فی إنشاء العقود و الإیقاعات إلا الإجماع علی اعتبار اللفظ فی صحة العقود أو لزومها،و القدر المتیقن منه-علی تقدیر قبوله-انما هو مطلق اللفظ.أما اللفظ الخاص فلا إجماع علی اعتباره جزما.

و یضاف الی ذلک:أن الإجماع المنقول لیس بحجة،لعدم کونه مشمولا لأدلة حجیة الخبر.أما الإجماع المحصل فهو غیر حاصل جزما،لعدم العلم بوجود الامام(علیه السلام)بین المجمعین.و قد تقدم تفصیل ذلک عند البحث عن المعاطاة.و حینئذ فلا بأس بإنشاء العقود و الإیقاعات بأی مبرز من المبرزات لأنها مشمولة للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة البیع و غیره من العقود المملکة و لو کان إنشاء الملکیة بلفظ مجازی.و هذا واضح لا ریب فیه.

و توضیح المقام:أن اللفظ الذی ینشأ به العقد قد یکون صریحا فی

ص:16

مدلوله،و موافقا لما قصده المنشئ من دون أن یتطرق الیه احتمال آخر و هذا مما لا شبهة فی صحة الإنشاء به.

و قد یکون ظاهرا فی مدلوله بحسب الإطلاق مع احتمال أن یراد منه معنی آخر.و هذا کإنشاء الزوجیة بلفظ یحتمل الدوام و الانقطاع فإنه لا فارق بینهما إلا بذکر الأجل و عدمه،فإذا أهمله العاقد-فی مقام الإنشاء-اقتضی إطلاقه ارادة الزوجیة الدائمة.

و قد یکون ذلک من الألفاظ الکنائیة أو المجازیة:و المراد من الکنایة هو استعمال اللفظ فی الملزوم للانتقال منه الی لازمه و حینئذ فیراد منه الملزوم بالإرادة الاستعمالیة،کما أنه یراد منه اللازم بالإرادة الجدیة.أو أن المراد من الکنایة هو استعمال اللفظ فی اللازم للانتقال منه الی ملزومه، و علیه فیراد منه اللازم بالإرادة الاستعمالیة،کما أنه یراد منه الملزوم بالإرادة الجدیة.و علی کلا التقدیرین فقد استعمل اللفظ فی معناه الحقیقی:-أعنی به الملزوم أو اللازم-و لکن قصد منه المتکلم تفهیم معنی آخر.

و علی هذا الضوء فمثل زید کثیر الرماد أو طویل النجاد أو مهزول الفصیل انما استعمل فی معناه الحقیقی و لکن قصد منه المتکلم سخاء زید،أو شجاعته من غیر أن یکون استعمال اللفظ فیه مجازا و هذا واضح کما حقق فی محله و إذا عرفت معنی الکنایة و المجاز فاعلم:أنه إن کانت الألفاظ الکنائیة أو المجازیة ظاهرة فی إفادة المطلوب ظهورا عرفیا فلا شبهة فی صحة الإنشاء بهما مطلقا:أی سواء أ کان اللازم و الملزوم-فی الکنایة-متساویین أم لا و سواء أ کان المجاز قریبا أم لا.و إن لم یکن لتلک الألفاظ ظهور عرفی فی إفادة المقصود،و إبراز الاعتبار النفسانی،و لم ینطبق علیها شیء من عناوین العقود عرفا فلا یصح بها الإنشاء أصلا.

ص:17

و من هنا تجلی لک:أنه لا وجه للفرق بین المجاز القریب و المجاز البعید بأن یلتزم بصحة الإنشاء بالأول،و بفساده بالثانی.کما أنه لا وجه صحیح لما أفاده المصنف من الالتزام بصحة الإنشاء بالألفاظ المجازیة إذا کانت محفوفة بالقرینة اللفظیة.و بعدم الصحة إذا کانت محفوفة بالقرینة غیر اللفظیة.

بل العجب منه(ره)فإنه بعد ما فسر اعتبار الحقائق فی العقود باعتبار الدلالة اللفظیة الوضعیة.و إن کان الدال علی الإنشاء من الألفاظ المجازیة.

قال:(و هذا بخلاف اللفظ الذی یکون دلالته علی المطلب لمقارنة حال،أو سبق مقال خارج عن العقد،فان الاعتماد علیه فی متفاهم المتعاقدین-و إن کان من المجازات القریبة جدا-رجوع عما بنی علیه من عدم العبرة بغیر الأقوال فی إنشاء المقاصد،و لذا لم یجوزوا العقد بالمعاطاة،و لو مع سبق مقال،أو اقتران حال تدل علی إرادة البیع جزما).

و وجه العجب:أن احتفاف اللفظ بالقرینة غیر اللفظیة لا یخرج دلالته علی معناه عن الدلالة اللفظیة،بدیهة أن الدلالة اللفظیة عبارة عن انفهام المعنی من اللفظ،سواء أ کانت حیثیة الدلالة مکتسبة من القرائن-لفظیة کانت أو غیرها-أم کان اللفظ بنفسه دالا علی المقصود فإنه علی کلا التقدیرین تنسب الدلالة إلی اللفظ،فتکون الدلالة لفظیة.

و لیس فی الالتزام بصحة ذلک أیة منافاة لما بنی علیه من اعتبار اللفظ فی صحة العقد،أو فی لزومه.و کیف یقاس ذلک بما إذا کان الإنشاء بغیر اللفظ،و کانت القرینة الدالة علی إرادة البیع منه هی اللفظ.

نعم یمکن أن یکون مراد المصنف(ره)من العبارة المزبورة:أن الفقهاء رضوان اللّه علیهم قد تسالموا علی بطلان الإنشاء بلفظ لا یکون ظاهرا فی المعنی الذی قصده المنشئ،بل یعد استعماله فیه عند أهل العرف من

ص:18

الأغلاط و لکن المنشئ یفهم مراده بالقرائن الحالیة أو المقالیة فإن مثل هذا خارج عن المتفاهم العرفی،فلا یصدق علی المشاء بذلک عنوان العقد،لکی یکون مشمولا للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و نفوذها.

و ذلک کإنشاء الزوجیة بمثل ملکت،و آجرت،و کإنشاء التملیک بمثل زوجت،و أبحت،و أشباه ذلک،و هذا المعنی و إن کان صحیحا فی نفسه، إلا أنه بعید عن سیاق عبارة المصنف.

ثم إن الأعجب من ذلک:أنه(ره)قد منع عن جواز الإنشاء بالألفاظ المشترکة مع احتفافها بالقرائن الحالیة،کإنشاء البیع بالتملیک المشترک بینه و بین الهبة،مع أنه لیس بمجمل،و لا مجاز،و لا کنایة،بدیهة أن الظهور العرفی قد تم فیه من جمیع الجهات.

و علی الإجمال:أن المیزان الکلی فی صحة إنشاء العقود و الإیقاعات إنما هو صدق عنوان العقد أو الإیقاع علی المعنی المبرز بأی مبرز،و علیه فلا وجه لتخصیص ذلک المبرز بلفظ دون غیره،فضلا عن تخصیصه بلفظ خاص إذ لا دلیل علی اعتبار الصیغة فی العقود و الإیقاعات علی وجه الإطلاق.

نعم قد ادعی الإجماع[1]علی اعتبار اللفظ فی النکاح و أوجب هذا الإجماع افتراق النکاح عن غیره من العقود،حیث یجوز إنشاؤها بکل من القول و الفعل،أما النکاح فلا یجوز إنشاؤه إلا باللفظ.کما أن جملة من

ص:19

الروایات (1)قد دلت علی اعتبار لفظ خاص فی الطلاق.

بحث فی ألفاظ الإیجاب و فی الإنشاء ببعت

قوله:(إذا عرفت هذا فلنذکر ألفاظ الإیجاب و القبول:منها لفظ بعت فی الإیجاب). أقول:لا شبهة فی أن لفظ بعت و إن کان من الأضداد بالنسبة إلی البیع و الشراء،و أنه مشترک لفظی بینهما-کما صرح به أهل اللغة کافة-إلا أن کثرة استعماله فی البیع فقط توجب انصرافه الیه عند الإطلاق، بلا احتیاج فی ذلک إلی القرائن الحالیة أو المقالیة،و عندئذ لا بأس بإنشاء البیع بلفظ بعت.

و ذکر السید فی حاشیته ما هذا لفظه:(یمکن أن یقال:إنه مشترک معنوی بین البیع و الشراء.فیکون بمعنی التملیک بالعوض أعم من التصریح کما فی البیع،أو الضمنی کما فی الشراء).

و یتوجه علیه:ما ذکرناه آنفا من أن لفظ بعت من الأضداد،و أنه مشترک لفظی،و لیس بمشترک معنوی.

أضف الیه:أن التملیک الضمنی خارج عن حدود البیع،و قد عرفته فی البحث عن تعریف البیع.

هل یجوز إنشاء البیع بشریت

قوله:(و منها لفظ شریت). أقول لا ریب فی جواز إنشاء البیع بلفظ شریت،لتصریح أهل اللغة[2]بأنه موضوع للبیع تارة،و للشراء اخری،فیکون من الأضداد.بل قیل:ان لفظ الشراء لم یستعمل فی

ص:20


1- 1) المرویة فی الوافی ج 12 باب 161.ص 155.

القرآن الکریم،إلا فی البیع،و هو کذلک کما یظهر لمن راجع القرآن العظیم مراجعة تامة.

ثم إن المصنف مع اعترافه بما ذکرناه ناقش فی جواز الإنشاء بلفظ شریت،و قال: (ربما یستشکل فیه بقلة استعماله عرفا فی البیع،و کونه محتاجا إلی القرینة المعینة،و عدم نقل الإیجاب به فی الأخبار،و کلام القدماء و لا یخلو عن وجه).

و تندفع هذه المناقشة بأنا لم نفهم معنی محصلا لهذا الکلام بعد الاعتراف بأن لفظ شریت لم یستعمل فی القرآن المجید إلا فی البیع،لأنا لا نسلم وقوع الاستعمالات العرفیة علی خلاف الاستعمالات القرآنیة.

و لو سلمنا ذلک و لکن لا نسلم تقدیم الاستعمالات العرفیة علی الاستعمالات القرآنیة.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

هل یجوز إنشاء البیع بملکت

قوله:(و منها لفظ ملکت بالتشدید). أقول:لا ریب فی صحة وقوع البیع بکلمة ملکت مشددة،بل استظهر المصنف من نکت الإرشاد الاتفاق علی ذلک،بل الظاهر أن مفهوم التملیک بالعوض یتحد مع مفهوم البیع،و إنما الفرق بینهما بالبساطة و الترکیب،و بالإجمال و التفصیل،حیث إن لفظ البیع ببساطته یدل علی تبدیل مال بمال،و لفظة التملیک بالعوض تدل مرکبة علی ذلک.

کما أن لفظ الإنسان یدل علی الجنس و الفصل دلالة إجمالیة،و لفظی الحیوان و الناطق یدلان علیهما دلالة تفصیلیة.

ص:21

و علی هذا الضوء فقول المنشئ بعت هذا بهذا تصریح بمصداق العوض -الذی کان مکنونا فی لفظ بعت-لا أنه قید زائد مذکور فی الصیغة.

و قد یتوهم أن لفظ التملیک مشترک معنوی بین البیع و الهبة،و من الواضح أنه لا یصح الإنشاء بالألفاظ المشترکة معنی.

و لکن هذا التوهم فاسد،بدیهة أن التملیک المطلق و إن کان جامعا بینهما،الا أن تقییده بالعوض یقطع الاشتراک،و یخصه بالبیع فقط، لأن حقیقة الهبة متقومة بالتملیک المجانی،و انما یؤخذ فیها العوض بعنوان الاشتراط.و من الضروری أنه لم یدل دلیل علی بطلان إنشاء البیع بالألفاظ المشترکة معنی،مع قیام القرینة علی التعیین.

و من هنا قیل:إن إیجاب البیع بکلمة ملکت بالعوض أصرح من إیجابه بکلمة بعت،ضرورة أن البیع موضوع للنقل بالعوض،و حینئذ ففی مقام الإنشاء بلفظ بعت لا بد من تجریده من العوض لکی لا یکون ذکر العوض تکرارا،أو یتکلف بجعله تفصیلا لما أجمل فی مفهوم البیع.

و علی هذا فلا وجه لما ذکره بعض مشایخنا المحققین،و حاصل کلامه:

أن التملیک له حصص کثیرة:

1-تملیک عین بعوض.و یسمی هذا بیعا.

2-تملیک منفعة بعوض.و یسمی هذا اجارة.

3-التملیک المجانی.و یسمی هذا هبة.

و من البین أن لفظ البیع إنما وضع لحصة من طبیعی التملیک الذی یتحصص بتعلقه بالعین بمقابلة شیء لا أنه موضوع لمجموع التملیک بالعوض بحیث یکون قید العوض مأخوذا فی مفهوم البیع.انتهی ملخص کلامه.

ثم قال المصنف نصا: (قد عرفت سابقا أن تعریف البیع بذلک

ص:22

تعریف بمفهومه الحقیقی،فلو أراد منه الهبة المعوضة،أو قصد المصالحة بنی صحة العقد به علی صحة عقد بلفظ غیره مع النیة.و یشهد لما ذکرنا قول فخر الدین-فی شرح الإرشاد-:ان معنی بعت فی لغة العرب ملکت غیری) و ناقش فیه السید،و إلیک نصه:(لا فرق بین الهبة المجانیة و المعوضة فی کونهما من التملیک حقیقة،و انما الفرق ذکر العوض و عدمه،فدعوی أن استعماله فی خصوص الهبة المعوضة مبنی علی صحة عقد بلفظ غیره،کما تری.نعم فی المصالحة یمکن أن یقال بالابتناء المذکور،لعدم دلالة لفظ ملکت علی معنی المسالمة المعتبرة فی حقیقة الصلح فتدبر).

و لکن الظاهر:أن السید لم یصل الی غرض المصنف فان الظاهر أن مراده- من کلامه المتقدم-:أن مفهوم التملیک بالعوض یساوق مفهوم البیع و علیه فإذا أنشئت به الهبة-التی هی متقومة بالتملیک المجانی-توقفت صحتها علی جواز إنشاء العقود بغیر ألفاظ عناوینها،و کذلک الکلام فی إنشاء البیع بصیغة و هبت و الذی یدل علی أن مراد المصنف هو ما ذکرناه:ما ذکره قبل عبارته المتقدمة،و هذا نصه: (و ما قیل من أن التملیک یستعمل فی الهبة بحیث لا یتبادر عند الإطلاق غیرها.فیه:أن الهبة انما یفهم من تجرید اللفظ عن العوض،لا من مادة التملیک،فهی مشترکة معنی بین ما یتضمن المقابلة،و بین المجرد عنها،فان اتصل بالکلام ذکر العوض أفاد المجموع المرکب بمقتضی الوضع الترکیبی البیع،و ان تجرد عن ذکر العوض اقتضی تجریده الملکیة المجانیة). ثم ساق العبارة المتقدمة.

و علی هذا فشأن إنشاء الهبة بصیغة ملکت بالعوض شأن إنشاء العقود المعاوضیة بل غیرها بصیغة سالمت،أو صالحت،و بالعکس،لأن مفهوم الصلح و إن کان یتفق مع العقود المعاوضیة و غیرها،الا أن صدق مفهوم الصلح علیها

ص:23

من قبیل صدق الکلی علی مصادیقه.

و من المعلوم أنه لا یمکن إنشاء مفهوم الصلح:-أعنی به التسالم علی أمر-إلا بلفظ سالمت،أو صالحت،لا بلفظ البیع،و لا التملیک، و لا الشراء،و لا شبهها،بدیهة أن المنشأ بهذه الألفاظ لیس عنوان المصالحة و المسالمة.

نعم توجد حقیقة المسالمة و مصداقها عند تحقق أی عقد من العقود،کما أن عناوین سائر العقود لا تنشأ إلا بألفاظها،لا بألفاظ أخری،الا علی القول بجواز إنشاء العقود بغیر ألفاظ عناوینها.

هل یجوز إنشاء البیع باشتریت

قوله:(و أما الإیجاب باشتریت). أقول:فی مفتاح الکرامة (أنه قد یقال:انه یصح الإیجاب باشتریت.کما هو موجود فی بعض نسخ التذکرة).

و قد استظهره المصنف من عبارة کل من عطف علی بعت و ملکت لفظ شبههما،أو لفظ ما یقوم مقامهما،بدعوی أن المعطوف یعم شریت و اشتریت کلیهما،بدیهة أن إرادة خصوص شریت من المعطوف المزبور بعید جدا،کما أن ارادة ما یقوم مقامهما فی سائر اللغات للعاجز عن العربیة أبعد.

قوله:(لکن الاشکال المتقدم فی شریت أولی بالجریان هنا،لأن شریت استعمل فی القرآن الکریم فی البیع،بل لم یستعمل فیه إلا فیه،بخلاف اشتریت) .

أقول:قد نوقش فی هذا الکلام بأن کثیرا من المفسرین قد صرحوا

ص:24

باستعمال لفظ الاشتراء فی البیع فی قوله(تعالی) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ یَکْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ (1).

بدعوی:أن البیع و الشراء إزالة الملک إلی غیره بعوض یعتاضه منه،ثم استعمل ذلک فی کل معتاض من عمله عوضا.سواء أ کان ذلک العوض خیرا.أم کان شرا.

و علیه فالیهود لما أو بقوا أنفسهم و أهلکوها بکفرهم بمحمد(صلی الله علیه و آله) سجل اللّه تعالی علیهم الذم و التوبیخ،و قال بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ :

أی بئس شیئا باعوا به أنفسهم،و رضوا به عوضا عن أنفسهم،حیث ألقوها فی المهلکة الأبدیة،و العذاب الدائم.

و تندفع هذه المناقشة:بأن الإزراء و التوبیخ-فی الآیة الکریمة -لیس علی کل واحد من الیهود،مع قطع النظر عن غیره،لکی یتوهم:

أنه لا معنی لنسبة الاشتراء إلیهم إلا بإرادة البیع،و أن کل فرد منهم قد باع نفسه بالکفر و الزندقة و الإلحاد.

بل الإزراء و التوبیخ راجع إلی جمیعهم بلحاظ معاملة بعضهم مع بعض حیث اشتری جمع منهم دین جمع آخر منهم بثمن بخس،فصار کل واحد منهم بائعا من جهة،و مشتریا من جهة أخری.و حین ذاک فلا دلالة فی الآیة الکریمة علی إرادة البیع من الاشتراء بل یمکن أن یراد من لفظ الاشتراء فیها معناه المتعارف.

و توضیح ذلک إجمالا:أن عوام الیهود قد عرفوا علماءهم بالکذب الصریح،و أکل الحرام،و تغییر الأحکام و تحریفها عن وجهها بآرائهم المرجفة،و أهوائهم الفاسدة،و أفکارهم المضلة.

و عرفوهم بالأقوال الکاذبة،و الأعمال الخبیثة،و البضاعة الزهیدة

ص:25


1- 1) سورة البقرة 2،الآیة:90.

و عرفوهم بالتعصب الشدید،و التغالب و التکالب علی حطام الدنیا و زخرفها،و بالجرأة علی هتک حرمات اللّه و عرفوهم بغیر ذلک من الصفات الخبیثة،و الأخلاق الرذیلة.

و مع ذلک فوضوا إلیهم دینهم،و أخذوا منهم أحکامهم و نبذوا الحق وراء ظهورهم.و لیس عملهم هذا إلا أن هؤلاء العوام من الیهود قد باعوا أنفسهم من علمائهم بما ینالونه منهم من التحابب و التوادد،و التمشی معهم حسب میولهم و أهوائهم،و الزلفة إلیهم و إلی شیاطینهم.

أما علماؤهم فقد تجلی لهم الحق،و اتضحت لهم بنوة محمد(صلی الله علیه و آله)، و مع ذلک باعوا أنفسهم من عوامهم بما ینالونه منهم من التعظیم و الإکرام، و حفظ کیانهم و زعامتهم،و رئاستهم،فعاندوا الحق،و جحدوه.

و إذن فأصبح الیهود قد أقاموا السوق السوداء،و أنفقوا علیها من دینهم و أنفسهم و أموالهم،حتی احتشدت فیها البضائع الزائفة،و وضعت فیها الأراجیف التی شوهت وجه التاریخ،ففی هذه السوق السوداء قد اشتری عوامهم أنفس علمائهم بثمن بخس.و اشتری علماؤهم أنفس عوامهم بعوض زهید.و إذن فلفظ(اشتروا)لم یستعمل-فی الآیة الکریمة-إلا فی معنی الابتیاع فقط.

و ذکر شیخنا الأستاذ:أن الاشتراء من الافعال،و من الواضح أن باب الافتعال انما هو للقبول و المطاوعة،و علیه فلا یناسب استعماله فی الإیجاب،بل یختص استعماله بالقبول فقط.أما أخذه بمعنی شریت کأخذ اکتسبت بمعنی کسبت فهو علی خلاف ما وضع له،أو علی خلاف الظاهر من محاورات أهل العرف و محادثاتهم.

و یرد علیه:أن الاشتراء و ان کان من الافتعال،و قد أخذ فیه

ص:26

مفهوم المطاوعة.و لکن هذه المطاوعة لیست مطاوعة لفعل غیره بل المراد من ذلک انما هو مطاوعة الذات للمبدء.سواء أ کان المبدء صادرا من نفس الذات-کالاتجار و الاکتساب و الاحتطاب-أم کان صادرا من شخص آخر کالابتیاع و الاتهاب و أشباه ذلک.

و علی هذا فلفظ اشتریت ان ذکر فی الإیجاب فتتخذ الذات المبدء من نفسه،و یدل علی تملیک البائع ماله لغیره بعوض معلوم.و ان ذکر فی القبول فتتخذ الذات المبدء من غیره،و یدل علی تملک مال غیره بعوض معلوم فیصیر بذلک مصداقا للقبول الحقیقی.

و علیه فإیجاب البیع بلفظ اشتریت مناسب لمفهومه اللغوی لاستعماله فیه لغة[1]بلا احتیاج الی ابتناء ذلک علی کونه من الأضداد،کما توهم.

و دعوی:أنه لا یجوز إنشاء الإیجاب به لعدم تعارفه بین الناس دعوی جزافیة،لأن مجرد عدم تعارف الإنشاء به لا یمنع عن ذلک،بعد صحة استعماله فی البیع لغة.

ثم إنه إذا جاز الإنشاء بلفظ اشتریت فما هو المائز بین استعماله فی الإیجاب و بین استعماله فی القبول.

قال المصنف: (ان دفع الإشکال فی تعیین المراد منه بقرینة تقدیمه الدال علی کونه إیجابا إما بناء علی لزوم تقدیم الإیجاب علی القبول،و إما لغلبة ذلک غیر صحیح،لأن الاعتماد علی القرینة الغیر اللفظیة فی تعیین المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فیه).

و یتوجه علیه:ما ذکرناه سابقا من صحة الإنشاء بکل ما یصح أن

ص:27

ان یکون مبرزا لما فی النفس من الاعتبار و ان کانت مبرزیته بما یقترن به من القرائن الحالیة أو المقالیة.

نعم ادعی الإجماع علی اعتبار اللفظ الصریح فی صحة الإنشاء و لکن المتیقن منه-علی تقدیر تسلیمه-إنما هو اعتبار الصراحة فی اللفظ لأجل دلالته علی تعین عقد خاص،و تمیزه عما عداه من العقود،لا من حیث تمیز إیجاب کل عقد عن قبوله.

ما هی ألفاظ القبول؟

قوله:(و أما القبول إلخ). أقول:لا شبهة فی جواز القبول بلفظ قبلت و رضیت و تملکت و ملکت مخففا و اشتریت و ابتعت و شریت و لا یضر الاشتراک اللفظی فی بعض هذه الألفاظ مع قیام القرینة المقالیة أو الحالیة علی تعیین المراد.و هذا واضح لا خفاء فیه.و أما أمضیت و أنفذت و أجزت فذکر المصنف فیها وجهین و لم یرجح أحدهما.

و ذکر شیخنا المحقق:أن جواز القبول بهذه الألفاظ مبنی علی جواز العقد بالکنایات بدعوی:(أن عنوان الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ لا یتعلق إلا بما له مضی و جواز و نفوذ.و ما یترقب منه ذلک هو السبب التام،و هو العقد لتقوم السبب المترقب منه التأثیر فی الملکیة بالإیجاب و القبول معا،فلا معنی للتسبب بقوله أمضیت و أجزت و أنفذت إلا فی مثل العقد الفضولی، لا بالإضافة إلی الإیجاب فقط إلا بنحو الکنایة).

و یرد علیه:أن المعاملة الفضولیة و الإیجاب الساذج سیان فی عدم تأثیرهما فی المنشأ مع قطع النظر عن الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ،ففعلیة التأثیر فیهما تتوقف علی تحقق الإجازة و القبول فکما لا مانع من تتمیم العقد

ص:28

الفضولی و إضافته إلی نفسه بالألفاظ المذکورة کذلک لا مانع من قبول الإیجاب بها.و علیه فیکون مضی العقد و نفوذه بنفس أمضیت و أنفذت و أجزت فی کلا المقامین.غایة الأمر أن دلالتها علی الرضاء بالعقد الفضولی و بالإیجاب کلیهما بالالتزام،لأن لازم إمضاء العقد أو الإیجاب،و إنفاذه و إجازته هو الرضاء به و هذا لا محذور فیه مع قیام القرینة علیه.

قوله:(أما بعت فلم ینقل إلا من الجامع(لابن سعید)). أقول المحکی عن جماعة من أهل اللغة هو اشتراک لفظ بعت بین البیع و الشراء،و من هنا ذکر فی المصباح:أن البیع فی الأصل مبادلة مال بمال،و علیه فلا محذور فی استعماله فی القبول،غایة الأمر:أنه یتمیز بینهما بالقرائن الحالیة أو المقالیة،کما أن الأمر کذلک فی اشتریت،و شریت.

و لو سلمنا اختصاصه بالإیجاب-و لو بالوضع التعینی لکثرة استعماله فیه-لکان استعماله فی القبول مجازا،و من الواضح أنه لا مانع عن استعمال الألفاظ المجازیة فی القبول،کما لا مانع عن استعمالها فی الإیجاب.

نعم إذا کان الاستعمال علی نحو یعد فی نظر أهل العرف من الأغلاط -و ان کان صحیحا بحسب القواعد العربیة-لم یجز استعماله فی مقام الإنشاء سواء فیه الإیجاب و القبول.و قد تقدمت الإشارة الی جمیع ذلک فیما سبق.

و مع الإغضاء عن ذلک:أنه لم یرد فی آیة،و لا فی روایة،و لم یذکر فی معقد إجماع لزوم توقف العقد علی القبول،لکی یباحث فی کیفیة ذلک،بل المتحصل من کلمات أهل اللغة.و المتفاهم من محاورات أهل العرف و محادثاتهم هو أنه لا یتحقق عنوان العقد و لا التجارة عن تراض إلا بین شخصین،من غیر نظر إلی اعتبار خصوصیة خاصة فی الصیغة و المبرز.

و علیه فلو أوجد المتعاملان معاملة فی الخارج بصیغة بعت-بأن تکلم

ص:29

کل منهما بهذه الصیغة فی مقام الإنشاء-کان ذلک مشمولا لما دل علی صحة العقود،و نفوذها من العمومات و المطلقات،إذ یصدق علی المنشأ بذلک عنوان العقد،و عنوان التجارة عن تراض بالحمل الشائع،فیحکم بصحته و لزومه و قد ذکرنا فی مبحث المعاطاة أنه إذا وقعت معاملة فی الخارج،و لم یتمیز فیها الموجب عن القابل حکم بکونها معاوضة مستقلة صحیحة،لآیة التجارة عن تراض (1)و إن لم تدخل تحت أحد العناوین المتعارفة.و هذا واضح لا ستار علیه.

و علی الجملة:إن الحجر الأساسی،و الرکن الرصین-فی تحقق عناوین العقود و الإیقاعات،و ترتب الآثار علیها فی الخارج-إنما هو اعتبارها فی صقع النفس،و إظهارها بمظهر خارجی،و لا شبهة فی أن هذا یصدق علیه عنوان العقد أو الإیقاع بالحمل الشائع.فیکون مشمولا لما دل علی صحة العقود و لزومها.و بعد هذا لا یهمنا البحث عن الصغریات.فأما الزبد فیذهب جفاء.و أما ما ینفع الناس فیمکث فی الأرض.

الاختلاف فی تعیین الموجب و القابل

ثم إن المصنف قد ذکر هنا فرعا،و إلیک نصه بلفظه: (لو أوقعا العقد بالألفاظ المشترکة بین الإیجاب و القبول،ثم اختلفا فی تعیین الموجب و القابل-إما بناء علی جواز تقدیم القبول،و إما من جهة اختلافهما فی المتقدم فلا یبعد الحکم بالتحالف،ثم عدم ترتب الآثار المختصة بکل من البیع و الشراء علی واحد منهما).

و یرد علیه:أنه لا وجه لاحتمال التحالف فی المقام،ضرورة أن التحالف إنما یستقر فیما إذا ثبت لکل من عنوان البائع و عنوان المشتری

ص:30


1- 1) سورة النساء 4 الآیة:33.

أثر خاص،و حکم مخصوص.و من البدیهی أنه لا یترتب أثر خاص ظاهر علی خصوص عنوان البائع،بل الأثر البارز إما یترتب علی کلا العنوانین -کخیار المجلس-و إما یترتب علی عنوان المشتری فقط-کخیار الحیوان-فإنه -علی المشهور-مختص بالمشتری.

و عندئذ یقع النزاع فی ثبوت ذلک الأثر لأی منهما من حیث کونه مشتریا،و علیه فیتوجه الحلف علی منکر الخیار فقط.نعم قد یترتب بعض الآثار النادرة علی خصوص عنوان البائع،و لکن لا یصح معه القول بالتحالف و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

قیل:إنه ثبت فی محله أن کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من من مال بائعه،و من البین الذی لا ریب فیه أن هذا الحکم الاتفاقی أثر ظاهر لعنوان البائع.

و الجواب عن ذلک:أن الأثر المزبور کما یترتب علی عنوان البائع، کذلک یترتب علی عنوان المشتری أیضا.فیحکم بکون ضمان المثمن و الثمن کلیهما-مع التلف قبل القبض-علی کل من البائع و المشتری.

و هذا التعمیم لیس من ناحیة أن لفظ المبیع-الذی ذکر فی النبوی الآتی-یصدق علی کل من العوض و المعوض.

و لا من ناحیة إلغاء الخصوصیة من اللفظ المزبور،لأجل مناسبة الحکم و الموضوع.

و لا من ناحیة قوله(علیه السلام)-فی روایة عقبة بن خالد الآتیة-:

(فالمبتاع ضامن لحقه حتی یرد ماله الیه).بناء علی أن الضمیر المجرور-فی کلمة لحقه-یرجع إلی البائع.

إذ لا یرجع شیء من هذه الوجوه إلی معنی محصل.ضرورة أن

ص:31

الروایتین ضعیفتا السند.و عنوان المبیع لا یصدق علی الثمن.و الضمیر المجرور لا یرجع إلی البائع.و لا أقل من الاجمال.

بل التعمیم إنما هو من ناحیة السیرة القطعیة،و تحقیق المقام علی وجه الإجمال:أنه قد استدل علی کون تلف المبیع قبل قبضه من مال بائعه بوجوه شتّی:

1-الإجماع علی ذلک،کما عن السرائر و کشف الرموز و جامع المقاصد و الروضة.و عن التذکرة فی باب القبض أنه لا خلاف عندنا فی أن الضمان علی البائع قبل القبض مطلقا،فلو تلف حینئذ انفسخ العقد و سقط الثمن.

و یرد علیه:أن المدرک فی حجیة الإجماع إنما هو القطع برأی الامام(علیه السلام) و من الظاهر أن منشأ القطع به إما العلم بدخوله بنفسه فی المجمعین،و هو غیر معلوم.أو قاعدة اللطف،و هی غیر ثابتة فی محلها،أو الحدس القطعی، و هو مقطوع العدم فی هذه المسألة،و إذن فلا إجماع تعبدی فی المقام لکی یکون کاشفا عن رأی المعصوم(علیه السلام).و نحتمل قریبا أن مستند المجمعین -هنا-هو الوجوه الآتیة.

2-ما عن عوالی اللئالی عن النبی(صلی الله علیه و آله):أنه قال:کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (1).

و یتوجه علیه:أن الحدیث المذکور،و إن کان یدل علی المقصود دلالة واضحة،الا أنه لم یذکر فی کتب الشیعة إلا مرسلا.و قد ذکرنا مرارا عدیدة:أن الأحادیث المرسلة لیست بحجة.

و دعوی:أن ضعفه منجبر بعمل الأصحاب دعوی جزافیة بداهة أن عملهم بروایة ضعیفة لا یجبر ضعفها،کما أن إعراضهم عن العمل بروایة

ص:32


1- 1) المروی فی المستدرک ج 2 باب 9 من أبواب الخیار ص 473.

صحیحة لا یوجب وهنها.و قد ذکرنا ذلک فی علم الأصول مفصلا،و أشرنا إلیه فی أوائل الجزء الأول إجمالا.

3-روایة عقبة بن مالک[1]فإنها ظاهرة فی أن التلف قبل القبض من مال بائعه.

و لکن هذه الروایة و إن کانت ظاهرة فی المقصود،إلا أنها ضعیفة السند،و غیر منجبرة بعمل المشهور،لا صغری،و لا کبری،و هذا واضح لا ریب فیه.

و التحقیق أن الحکم المزبور قد ثبت بالسیرة القطعیة،لأن بناء العقلاء و المتشرعة قائم علی أن التسلیم و التسلم من متممات الملکیة المترتبة علی البیع بحیث إن العقلاء لا یرون حصول الملکیة التامة قبل القبض و الإقباض.بل یرون أن الحاصل قبلهما إنما هو الملکیة الناقصة،و من هنا یعبر عن البیع کثیرا بالأخذ و الإعطاء.

و لا نقول بکون القبض و الإقباض من شرائط حصول الملکیة فی مطلق البیع،لکی لا یفرق فی ذلک بین الصرف و السلم،و بین بقیة البیوع بل أقول:إن الإیجاب قد أثر فی الملکیة الناقصة المحدودة بالانفساخ بالتلف،کما أنها محدودة بالفسخ-فی البیع الخیاری-و إنما تصیر هذه الملکیة

ص:33

مطلقة و تامة-من جمیع الجهات فی نظر العقلاء،و لا تنفسخ بالتلف السماوی- بالقبض و الإقباض.

و لا ریب:أن هذه السیرة کما أنها جاریة فی ناحیة المبیع.کذلک أنها جاریة فی ناحیة الثمن أیضا حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.و إذن فالحکم بأن التلف قبل القبض من مال مالکه لا یختص بالبائع،بل یعم المشتری أیضا،فالمتحصل أنا لا نعقل وجها صحیحا لدعوی التحالف فی المقام.

نعم یمکن أن یقال:إن ذکر المصنف هنا احتمال التحالف مبنی علی المسألة المعروفة فی کتاب القضاء من أن المناط فی تعیین المدعی و المنکر هل هو متعلق الدعوی ابتداء أم المناط فیه هو الغایة المترتبة علی الدعوی.

و مثال ذلک:أنه إذا تلف مال عمرو عند زید،و ادعی زید أنه کان عاریة-فلا ضمان فیه-و ادعی عمرو أنه کان قرضا-فلا بد من أداء عوضه- کان هذا من قبیل التداعی علی المناط الأول،و من قبیل المدعی و المنکر علی المناط الثانی.و حیث ان وضع الید علی مال غیره موجب للضمان إلا فی موارد الأمانات الشرعیة أو المالکیة،فلا بد لمدعی العاریة من إثبات مدعاه.

و علی هذا الضوء فإذا کان مصب الدعوی-فیما نحن فیه-هو عنوان البائع،و عنوان المشتری کان المورد من صغریات التداعی.فیتعین التحالف و إذا کان مصب الدعوی هو الغایة المترتبة علی الدعوی کان المورد من صغریات المدعی و المنکر،و علیه فیتوجه الحلف علی المنکر.و لعل المصنف حیث لم یتضح فی نظره ترجیح إحدی الناحیتین علی الناحیة الأخری فاکتفی-فی المقام-بذکر احتمال التحالف،و اللّه العالم.

ص:34

بحث فی هیئة الصیغة و عدم اعتبار العربیة فیها

الجهة الثانیة فی هیئة الصیغة،

قد ذکر المصنف رضوان اللّه علیه:

أن (المحکی عن جماعة منهم السید عمید الدین و الفاضل المقداد و المحقق و الشهید الثانیان اعتبار العربیة فی العقد).

أقول:ذهب جمع کثیر من أعاظم الأصحاب رضوان اللّه علیهم إلی اعتبار العربیة فی صیغ العقود لوجوه شتی:

1-التأسی و الاقتداء بالنبی(صلی الله علیه و آله)ضرورة أنه(صلی الله علیه و آله)کان ینشئ العقود و الإیقاعات بالألفاظ العربیة،و من الواضح أن فعله حجة،کما أن قوله و تقریره حجتان.

و الجواب عنه:أن النبی(صلی الله علیه و آله)و إن کان قادرا علی إنشاء العقود و الإیقاعات بأی لفظ،و بأیة لغة،إلا أن قومه کانوا عربی اللسان،و لم یکونوا عارفین بسائر اللغات غالبا.و حینئذ فعدم صدور الإنشاءات العربیة منه(صلی الله علیه و آله)بغیر اللغة العربیة إنما هو لعدم ابتلائه بذلک.کعدم ابتلائه بذلک -غالبا-فی سائر محاوراته و محادثاته،و علیه فلا یکشف فعله هذا عن عدم جواز الإنشاء بغیر اللغة العربیة.

و الذی یدل علی صدق مقالنا:أنه لو کانت العربیة معتبرة فی صحة الإنشاء لظهر لنا ذلک،و بان،بل صار بدیهیا کالشمس فی کبد السماء، لکثرة ابتلاء الناس بذلک،بل کان من الوظائف اللازمة علی کل متدین بدین الإسلام أن یتعلم الصیغ العربیة للعقود و الإیقاعات،کما أنه یجب علی کل مسلم أن یتعلم ما یبتلیه من الأحکام الشرعیة.و من الواضح أنه لم یذکر ذلک

ص:35

فی شیء من الأدلة الشرعیة.

نعم یجب التأسی بالنبی(صلی الله علیه و آله)فی فعله الصادر منه علی سبیل المولویة و التشریع إلا أنه بعید عن مورد بحثنا.

2-أن عدم صحة الإنشاء بالعربی غیر الماضی یستلزم عدم صحته بغیر العربی بطریق أولی.

و یرد علیه.أن دعوی الأولویة فی المقام ممنوعة،إذ لا صلة بین المقامین بوجه.علی أنه لا دلیل علی اعتبار الماضویة فی العقود.و ستعرفه قریبا 3-أن مفهوم العقد لا یتحقق فی الخارج إلا بالإنشاء بالألفاظ العربیة و علیه فالإنشاء بغیرها خارج عن حدود العقد موضوعا و الجواب عن ذلک أن العربیة غیر معتبرة فی مفهوم العقد بوجه،و لیس علیه دلیل عقلی،و لا نقلی،و لا شاهد علیه من العرف و اللغة.بل کل ذلک یساعد علی صدق مفهوم العقد علی المنشأ بغیر الألفاظ العربیة،فیکون مشمولا للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و لزومها.

و السر فی ذلک ما ذکرناه مرارا من أن حقیقة کل أمر إنشائی-من الأوامر و النواهی.و العقود و الإیقاعات-متقومة بالاعتبار النفسانی المظهر بمظهر خارجی،سواء أ کان ذلک المظهر فعلا من الأفعال الجوارحیة أم کان قولا و سواء أ کان القول عربیا،أم کان غیر عربی و إذن فلا وجه لتخصیص المظهر بالقول،فضلا عن تخصیصه بحصة خاصة منه.و علیه فیصح الإنشاء بالألفاظ غیر العربیة.

نعم لو أغمضنا عن العمومات و المطلقات لحکمنا بفساد کل عقد نشک فی صحته و فساده-و لو کان ذلک من ناحیة الشک فی اعتبار العربیة فیه-إلا أن هذا فرض محض لا واقعیة له.لما ذکرناه قریبا من أن المنشأ بغیر الألفاظ

ص:36

العربیة عقد بالحمل الشائع فتشمله العمومات و المطلقات.

و حینئذ فلیس لک أن ترجع إلی أصالة الفساد فی العقود،لأن موردها إنما هو العقد الذی یشک فی صحته و فساده من غیر أن یکون مشمولا لأدلة الإمضاء و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

ثم إذا قلنا باعتبار العربیة فی الصیغة وجب اعتبارها فی جمیع ما هو دخیل فی حقیقة الصیغة و ماهیتها،و هذا واضح.

نعم لا بأس بذکر الشروط-التی اعتبرت فی العقود-بغیر الألفاظ العربیة،لأنها غیر معتبرة،فی ماهیة العقود و حقیقتها،کما أنه لا بأس بذکر متعلقات الصیغة-من العوض و غیره-بغیر الألفاظ العربیة،لأن ذکر تلک المتعلقات،و حذفها-مع قیام القرینة علی الحذف-سیان،و من البدیهی أنه إذا لم یضرّ حذفه بصحة العقد لم یضر ذکره بها أیضا.

فکما لا بأس بقول القائل:بعت،أو قبلت من دون ذکر الثمن أو المثمن،کذلک لا بأس بقوله:بعت(این کتاب را به ده درهم)و لا نحتمل أن یکون ذکر اللفظ غیر العربی مخلا بصحة العقد.

و یؤید ما ذکرناه ما عن العلاء من أنه قال:قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام) الرجل یرید أن یبیع بیعا فیقول:أبیعک بده دوازده؟فقال:لا بأس إنما هذه المراوضة،فإذا جمع البیع جعله جملة واحدة (1).

و قد اتضح لک مما حققناه حکم العربی الملحون من حیث المادة أو الهیئة أو الاعراب،فإنه لا یصح الإنشاء بذلک بناء علی أن الوجه فی اعتبار العربیة فی العقود هو کون العربی الصحیح متیقنا من أسباب النقل و الانتقال و الیه أشار المصنف بقوله:

ص:37


1- 1) رواه فی الوافی ج 10 فی الباب 107 ص 94.

(الأقوی ذلک،بناء علی أن دلیل اعتبار العربیة هو لزوم الاقتصار علی المتیقن من أسباب النقل). و علیه فلا وجه لما ذکره السید من أن(المتعین خلافه-:أی خلاف ما أفاده المصنف-ما لم یتغیر المعنی علی وجه یخرجه عن حقیقته).

و لکن الذی یسهل الخطب هو ما بیناه مرارا من جواز الإنشاء بکل ما هو قابل لابراز الاعتبار النفسانی ما لم یدل دلیل خاص علی خلافه.

و وقتئذ لا بد من التفصیل فی الملحون بین ما یعد غلطا فی نظر أهل العرف -کلفظ بغت بدل بعت-و بین ما لا یعد غلطا فی نظرهم و إن کان غلطا بحسب القواعد العربیة-کاللغات الدارجة-فإنه یصح الإنشاء بالثانی،لکونه صالحا لابراز الاعتبار النفسانی دون الأول.إلا أن الاحتیاط یقتضی إنشاء العقود بالألفاظ العربیة الصحیحة.

هل یعتبر علم المتکلم بمعنی الصیغة؟

قوله:(هل یعتبر کون المتکلم عالما تفصیلا بمعنی اللفظ) أقول:ظاهر کلام المصنف:أن اعتبار علم المتکلم بمعنی اللفظ تفصیلا متفرع علی اعتبار العربیة فی الصیغة.و من هنا قال فی وجه ذلک: (لأن عربیة الکلام لیست باقتضاء نفس الکلام،بل یقصد المتکلم منه المعنی الذی وضع له عند العرب،فلا یقال:إنه تکلم و أدی المطلب علی طبق لسان العرب إلا إذا میز بین معنی بعت و أبیع،و أوجدت البیع و غیرها).

و التحقیق:أن اعتبار الشرط المذکور-فی الصیغة-لا یتفرع علی اعتبار العربیة فیها،بل إنما هو من ناحیة أخری التی سنتضح لک قریبا.

و تفصیل الکلام فی المقام:أن الجهل بمضمون الصیغة علی قسمین:

1-أن یلتفت المنشئ إجمالا إلی معنی الصیغة و لکن لا یلتفت تفصیلا

ص:38

إلی وقوع أی جزء منها بإزاء أی جزء من معناها،کما یتفق ذلک غالبا فی غیر العارف باللغة العربیة،فإنه یلتفت إجمالا إلی معنی جملة خاصة عربیة،إلا أنه لا یلتفت إلی کیفیة الدلالة فیها.و مقابلة أی جزء من تلک الجملة بأی جزء من معناها.

2-أن یکون المنشئ جاهلا بمضمون الصیغة رأسا،و لا یکون عالما به،لا إجمالا،و لا تفصیلا.بل ربما یکون المرتکز فی ذهن المنشئ من تلک الصیغة غیر ما یفهمه أهل العرف منها.

أما القسم الأول فالظاهر هو جواز الإنشاء به،لعدم الدلیل علی اعتبار العلم بمضمون الصیغة علی النهج المذکور،بل اعتبار العلم بذلک مقطوع العدم،لقیام السیرة القطعیة علی خلافه،إذ لا یطلع علی خصوصیات الصیغة علی النحو المزبور إلا الأفاضل و العلماء،بل ربما یوجد بعض الألفاظ لا یلتفت إلی کیفیة دلالته علی معناه إلا الأوحدی من الناس،مثل کلمة(بی هوده)فان کثیرا من الناس یتخیل أنها کلمة واحدة فارسیة،مع أن لفظة (بی)نافیة،و لفظة(هوده)بمعنی الفائدة،فقد ضمت إحداهما إلی الأخری فصارت کلمة واحدة.

أما عوام الناس-حتی العارفین باللغات-فلا یلتفتون إلی خصوصیاتها علی الکیفیة المتقدمة،و مع ذلک ینشؤن بها العقود و الإیقاعات،و لا ریب أن هذا متعارف بینهم قدیما و حدیثا،و لم یثبت عنه ردع فی الشریعة المقدسة و الا لظهر و بان،و صار من الأمور الواضحة،ضرورة ابتلاء الناس بالمعاملات أکثر من ابتلائهم بالعبادات الضروریة التی اتضح حکمها فی الشریعة المقدسة کالصوم و الصلاة و الحج و أمثالها.

أما القسم الثانی فلا یصح الإنشاء به جزما،فإن شأنه فی نظر المنشئ

ص:39

شأن استعمال کلمة أکلت و شربت و ضربت مکان بعت،فکما لا یصح الإنشاء بتلک الألفاظ،کذلک لا یصح الإنشاء بما یکون المنشئ جاهلا بمضمونه رأسا

هل تعتبر الماضویة فی الإیجاب و القبول؟

قوله:(المشهور کما عن غیر واحد اشتراط الماضویة،بل فی التذکرة الإجماع علی عدم وقوعه بلفظ أبیعک،أو اشتر منی). أقول:اشتراط الماضویة فی الإیجاب و القبول محکی عن الوسیلة و الشرائع و الإرشاد و شرحه لفخر الإسلام و الدروس و التنقیح و المسالک،و عن جمع آخر.

بل قال فی التذکرة:الثانی-أی من شروط الإیجاب و القبول- الإتیان بهما بلفظ الماضی،فلو قال:أبیعک أو أشتری لم یقع إجماعا، لانصرافه الی الوعد.و لو تقدم القبول بلفظ الطلب،بأن قال:بعنی بدل قوله:اشتریت فقال البائع:بعتک لم ینعقد.لأنه لیس صریحا فی الإیجاب،فقد یقصد أن یعرف أن البائع هل یرغب فی البیع.نعم لو قال المشتری بعد ذلک:اشتریت،أو قبلت صح إجماعا و لو تقدم بلفظ الاستفهام فیقول أ تبیعنی؟فیقول:بعتک لم یصح إجماعا لأنه لیس بقبول و لا استدعاء انتهی کلامه و وجهه بعضهم بأن الإنشاء بغیر الماضی خارج عن العقود المتعارفة فلا تشمله العمومات.

و بأن الماضی صریح فی الإنشاء بخلاف غیره من الأمر و المضارع،فإن الأول استدعاء.و الثانی أشبه شیء بالوعد.

و التحقیق:ما عن الکامل و المهذب.من جواز الإنشاء بالمضارع و الأمر،لأنه یصدق عنوان العقد علی المنشأ بهما فیکون مشمولا للعمومات

ص:40

و توهم:أن المضارع و الأمر لیسا بصریحین فی الإنشاء،توهم فاسد إذ لو أرید من ذلک عدم صراحتهما فی الإنشاء-و لو بالقرائن الحالیة أو المقالیة-فهو جار فی الماضی أیضا،لأنه لیس بصریح فی الإنشاء،ضرورة أنه یستعمل تارة فی الاخبار،و أخری فی الإنشاء،و علیه فلا یکون صریحا فی الثانی،بل هو و غیره سیان فی عدم الدلالة علی الإنشاء صریحا بحسب الوضع الأولی.

و لو أرید من ذلک عدم صراحتهما فی الإنشاء حتی مع اقترانهما بالقرائن فهو ممنوع جزما.

نعم لا شبهة فی أن العقود و الإیقاعات تنشأ بالماضی غالبا،إلا أن مجرد هذا لا یوجب عدم صحة الإیجاب و القبول بغیر الماضی،و هذا واضح لا شبهة فیه.

و دعوی الإجماع علی عدم جواز الإنشاء بالمضارع و الأمر،دعوی جزافیة.

لأن المدرک فی حجیة الإجماع إنما هو العلم بکشفه عن قول المعصوم،و من البین أنه لا سبیل لنا إلی العلم بذلک هنا،إذ من المحتمل القریب أن یکون مدرکه هو الوجوه الاعتباریة،التی ذکروها فی المقام.

علی أن مورد الإجماع-فی عبارة التذکرة التی ذکرناها آنفا-إنما هو خصوص المضارع.و علیه فلا وجه لما فی عبارتی المصنف و مفتاح الکرامة من نسبة الإجماع إلی التذکرة فی کل من المضارع و الأمر.

و یضاف إلی ذلک کله:أنه قد ورد-فی جملة من الروایات[1]

ص:41

-الإنشاء بالمضارع.کما یدل علی جواز ذلک مطلقا فحوی ما دل علیه فی خصوص النکاح[1].

ص:42

و قد اتضح لک مما بیناه بطلان ما ذهب الیه شیخنا الأستاذ من أن الإنشاء لا یکون إلا بالماضی،لصراحته فی تحقق الأمر الاعتباری،بخلاف المضارع،فإنه أشبه شیء بالوعد،کما أن الأمر أشبه شیء بالمقاولة.و إذن فلا یصح الإنشاء بهما.انتهی ملخص کلامه.

ثم إنا ذکرنا مرارا:أن الأمور الإنشائیة متقومة بالاعتبار النفسانی المبرز بمظهر خارجی بحیث یکون ذلک المظهر صالحا لابراز ما فی النفس من الاعتبار-و لو بمئونة القرائن-و علیه فلا بأس بإنشاء العقود بالجمل الاسمیة -کإنشاء البیع بجملة(هذا لک بعوض)و إنشاء الإجارة بجملة(منفعة هذه الدار لک بکذا)و هکذا ضرورة أنها-مع اقترانها بالقرائن-صالحة لابراز الاعتبار النفسانی،فیکون المنشأ بها مشمولا لما دل علی صحة العقود و لزومها نعم لا یصح الإنشاء بمثل قولنا أنا بائع،أو أنت مشتر،أو هذا مبیع،و نحوها فإن الإنشاء بأشباه هذه الجمل یعد فی نظر أهل العرف من الأغلاط.و قد أسلفنا أنه لا یسمح الإنشاء بما لا ینطبق علیه عنوان البیع أو غیره فی نظر أهل العرف.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

أما جواز إنشاء الطلاق بجملة(هی طالق)و إنشاء العتق بجملة(أنت حر لوجه اللّه)فإنما هو من ناحیة دلیل خاص.

ص:43

هل یعتبر تقدیم الإیجاب علی القبول؟

الجهة الثالثة فی الترتیب بین الإیجاب و القبول.

قوله:(الأشهر-کما قیل لزوم تقدیم الإیجاب علی القبول). أقول:

قد اختلف الأصحاب فی ذلک.

فقال الشیخ فی بیع المبسوط:عقد النکاح ینعقد بالإیجاب و القبول، سواء تقدم الإیجاب.أو تأخر.بلا خلاف:فأما البیع فان تقدم الإیجاب.صح بلا خلاف و إن تقدم القبول.صح، و الأقوی عندی:أنه لا یصح.

و عن الوسیلة،و السرائر:اشتراط تقدیم الإیجاب علی القبول و عن المختلف أنه الأشهر.

و عن التذکرة،و الإیضاح،و التنقیح:أنه الأقوی.

و عن جامع المقاصد،و صیغ العقود:أنه الأصح.

و عن تعلیق الإرشاد:أنه الأظهر.

بل عن غایة المراد،و المسالک حکایة الإجماع علی ذلک عن الخلاف و لکن الموجود فی بیع الخلاف:أنه إذا قال:بعنیه بألف،فقال بعتک لم یصح البیع حتی یقول المشتری بعد ذلک:اشتریت،أو قبلت.

دلیلنا:أن ما اعتبرناه مجمع علی ثبوت العقد به (1).

و غیر خفی علی الناقد البصیر أن هذه العبارة التی بین یدی القاری غیر ظاهرة فی الاشتراط المزبور.و إن کانت توهمه للمستعجل.

ص:44


1- 1) الخلاف ج 2 ص 199.

و قد خالف فی ذلک جمع من الأعاظم.

فقال العلامة فی القواعد:و فی اشتراط تقدیم الإیجاب نظر.

و فی الشرائع:أنه أشبه.و اختاره الشهید فی حواشیه.

و فی اللمعة و الروضة:أنه لا یشترط تقدیم الإیجاب و إن کان تقدیمه أحسن.

و عن نهایة الأحکام،و المیسیة،و المسالک:أنه الأقوی.

و عن التحریر،و الدروس،و الکفایة:أنه الأقرب.

و عن مجمع البرهان:أنه الأظهر.

بل قال الشیخ(ره)فی نکاح المبسوط:فأما إن تأخر الإیجاب فسبق القبول،فان کان فی النکاح.صح.بلا خلاف،لخبر الساعدی.

و إن کان هذا فی البیع،فقال:بعنیها،فقال:بعتکها صح عندنا،و عند قوم من المخالفین.

ثم إنه قال الشهید الثانی فی الروضة:إن(محل الخلاف ما لو وقع القبول بلفظ اشتریت.أو ابتعت،أو تملکت.لا بقبلت و شبهه.

لأنه صریح فی البناء علی أمر لم یقع).

و حکاه-فی مفتاح الکرامة-عن جماعة من الفقهاء.

و قد أطنب المصنف فی البحث هنا من حیث النقض و الإبرام و صفوة کلامه:أن القبول قد یقع بلفظ قبلت و رضیت و نحوهما،و قد یقع بلفظ الأمر:بأن یقول المشتری بعنی المتاع الفلانی بألف،و یقول البائع بعته إیاک بکذا،و قد یقع بلفظ اشتریت و ابتعت و ملکت-مخففا.

فإذا وقع القبول بالقسم الأول لم یجز تقدیمه علی الإیجاب،للإجماع و لأن العمومات محمولة علی العقود المتعارفة،و من الواضح أنه لم یتعارف

ص:45

تقدیم القبول بلفظ قبلت أو رضیت علی الإیجاب.

أضف الی ذلک:أن القبول-الذی هو أحد رکنی العقد-فرع الإیجاب فلا یعقل تقدمه علیه،بدیهة أن القبول لیس هو مجرد الرضاء بالإیجاب لکی یلتزم بإمکان تعلق الرضاء بالأمر المتأخر،بل المراد من القبول إنما هو الرضاء بالإیجاب المتضمن لنقل المال من الموجب الی القابل نقلا فعلیا.و من الواضح أن هذا المعنی لا یتحقق إلا بتأخر الرضاء عن الإیجاب.

إذ مع تقدمه لا یتحقق النقل فی الحال.ضرورة أن الراضی بمعاوضة ینشئها الموجب فی المستقبل لم ینقل ماله فی الحال الی الموجب.و السر فی ذلک أن کلمة قبلت و أشباهها قد أخذ فیها مفهوم المطاوعة،و لا یتحقق ذلک فی الخارج الا بتقدیمها علی الإیجاب.

و إذا وقع القبول بالقسم الثانی لم یجز تقدیمه علی الإیجاب أیضا،لأنه لا یعد قبولا للإیجاب المتأخر،و انما هو استدعاء و استئجاب.بل لو قلنا بجواز التقدیم بلفظ قبلت لأمکن المنع هنا،بناء علی اعتبار الماضویة فی الإیجاب و القبول.و قد نص جمع کثیر بعدم جواز التقدیم هنا.

و إذا وقع القبول بالقسم الثالث-أعنی به ابتعت و اشتریت و ملکت مخففا-جاز تقدیمه علی الإیجاب،لأنه عندئذ لم یؤخذ فیه عنوان المطاوعة لکی یستحیل تقدیمه علیه.و انما استفیدت المطاوعة من القرائن المقامیة:و هی أن النقل یتحقق-غالبا-من قبل البائع قبل تحققه من قبل المشتری.و من البین أن هذه القرینة غیر مانعة عن تقدیم القبول علی الإیجاب.بدیهة أن المشتری قد أنشأ بالألفاظ المذکورة ملکیة المثمن لنفسه بإزاء الثمن.و لا یفرق فی ذلک تقدمها علی الإیجاب و تأخرها عنه.

ثم انه(ره)تکلم فی سائر العقود الی أن قال: و أما المصالحة المشتملة

ص:46

علی المعاوضة فلما جاز ابتداء الالتزام بها لکل من المتصالحین-لتساوی نسبتها إلیهما-کان البادی منهما موجبا،لصدق عنوان الموجب علیه لغة و عرفا.

و لکن لما انعقد الإجماع علی توقف العقد علی القبول لزم أن یکون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول،إذ لو کان ذلک أیضا بلفظ الصلح للزم ترکب العقد من إیجابین،و حینئذ فلا یجوز تقدم القبول علی الإیجاب فی الصلح أیضا. انتهی ملخص کلامه.

و یرد علیه أولا:أنه لا وجه لحمله العمومات علی العقود المتعارفة، بل هی تشمل جمیعها،سواء فیها المتعارف و غیر المتعارف.

ثانیا:أنه لا وجه لما ذکره فی آخر کلامه من قیام الإجماع علی توقف العقد علی القبول،لعدم الدلیل علی اعتبار القبول فی مفهوم العقد،و لا فی صحته،و لا فی لزومه.

بل المتحصل من کلمات أهل اللغة و أهل العرف،هو أن العقد لا یوجد إلا بین شخصین،سواء أ کان الصادر منهما مرکبا من الإیجاب و القبول،أم کان ذلک مرکبا من إیجابین فقط،فإنه-علی کلا التقدیرین-یکون مشمولا للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها.و قد أشرنا الی ذلک آنفا.

ثالثا:أنه لا وجه لمنعه عن تقدیم القبول-الذی وقع بلفظ الأمر- علی الإیجاب،لأنا ذکرنا مرارا:أن حقیقة العقد هی الاعتبار النفسانی المبرز بمظهر خارجی،من غیر أن تعتبر فی ذلک أیة خصوصیة من الخصوصیات و دعوی:أن إنشاء القبول بلفظ الأمر مخالف لاعتبار الماضویة فی العقود،دعوی فاسدة،لما عرفته قریبا من عدم الدلیل علی اعتبار الماضویة بوجه رابعا:أنه لا وجه لتفصیله(ره)بین قبلت،و رضیت،و أمضیت و أنفذت،و بین اشتریت،و تملکت،و ملکت مخففا،حیث التزم بعدم

ص:47

الجواز فی القسم الأول،و بالجواز فی القسم الثانی و بیان ذلک:أن العقود قد یعتبر فیها القبول،و قد لا یعتبر فیها الا الرضاء بفعل الموجب بلا حاجة الی إنشاء آخر غیر ما صدر من الموجب:

أما القسم الثانی فیما أنه لا یعتبر فیه القبول،و یکفی فیه مجرد الرضاء، لم یفرق فیه بین تقدم الرضاء و تأخره فلو استدعی زید عمروا فی بیع داره فأذن له صح لزید بیعها،و ان لم یتحقق منه إنشاء لقبول الوکالة.

نعم هذا القسم من الوکالة الإذنیة-التی تتقوم بالاذن الساذج-لا یترتب علیه حکم الوکالة العهدیة-التی تتقوم بالإلزام و الالتزام من الطرفین-و علیه فإذا رجع عمرو عن اذنه لم یصح بیع زید بعده،و ان لم یبلغه الرجوع.

و من هذا القبیل العاریة و الودیعة،فإنهما أیضا لا یحتاجان الی القبول و یکفی فی تحققهما مجرد رضاء المستعیر و المستودع بإنشاء المالک.

بل و کذلک الحال فی الوصیة،فإذا أوصی بمال لزید،لم یعتبر فی صحتها الا رضاء زید بالتملیک،من دون حاجة الی القبول.

و علی الجملة:ان الحاجة الی الرضاء فی هذه العقود،کالحاجة إلی رضاء الزوجة فی صحة التزویج علی بنت أختها،أو بنت أخیها.و معه لا موجب لاعتبار تأخر القبول فی العقود المزبورة،لأنه یکفی فیها مجرد الرضاء سواء تأخر عن الإیجاب،أم تقدم علیه.

أما القسم الأول-أعنی به العقود العهدیة-فهو لا یوجد فی الخارج إلا بإنشاء المعاهدة و المعاقدة من الجانبین.و لکن لا دلیل علی کون أحد الانشائین معنونا بعنوان الإیجاب،و کون الآخر معنونا بعنوان القبول-بمعناه المطاوعی- لکی یستحیل تقدم الثانی علی الأول.

بل ذکرنا قریبا:أنه إذا صدق علی المنشأ بهما عنوان من عناوین

ص:48

المعاملات-کالعقد و البیع و التجارة عن تراض و الشرط علی القول بصدقه علی الشروط الابتدائیة و غیر ذلک-حکم بصحته و لزومه،للعمومات و المطلقات و إذن فلا محذور من ترکب عقد خاص من إنشائین یتضمن أحدهما تملیک أحد المالین بعوض،و یتضمن ثانیهما تملکه به،سواء أ کان ذلک بلفظ التملک و ما یرادفه،أم کان بلفظ القبول مع قیام قرینة علی إنشاء التملک به.و علیه فلم یبق وجه لاعتبار القبول-بمعناه المطاوعی-فی مفهوم العقود لکی یمنع من تقدمه علی الإیجاب.

و لو سلمنا احتیاج العقد إلی القبول،و سلمنا أیضا أخذ المطاوعة فی مفهوم القبول،و لکنا لا نسلم استحالة تقدم القبول علی الإیجاب،ضرورة أن القبول یتعلق تارة بالمعنی المصدری:أعنی به إنشاء البائع.و یتعلق أخری باسم المصدر:أعنی به نفس المبادلة بین المالین مع قطع النظر عن إضافته إلی البائع.

و علی الأول فلا یعقل فیه تعلق القبول به قبل تحقق الإیجاب فی الخارج کما یستحیل تحقق الانکسار قبل تحقق الکسر.

و علی الثانی فلا محذور فیه من تحقق المطاوعة قبل تحقق الإیجاب و ذلک لأن مفهوم المطاوعة هو الأخذ،و من البین أن المشتری إذا أنشأ تملک مال غیره بإزاء مال نفسه،بقوله:قبلت مالک بمالی صدق علی إنشائه هذا أنه أخذ المبدء-کالبیع مثلا-لنفسه.

و إذن فلا یفرق فی تحقق مفهوم العقد،بین تقدیم القبول علی الإیجاب و عدمه،و حینئذ فیکون ذلک مشمولا للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها و قد ظهر لک مما بیناه بطلان ما ذکره المصنف.من أن القبول فرع الإیجاب،و تابع له،فیستحیل تقدم التابع علی المتبوع.

ص:49

و نتیجة ما حققناه هی جواز تقدم القبول علی الإیجاب،من غیر فارق بین ألفاظ القبول،و لا بین أفراد العقود.نعم یحسن بنا تقدیم الإیجاب علی القبول خصوصا فی النکاح.

ثم إنه تدل علی جواز تقدیم القبول علی الإیجاب الروایات المتقدمة الواردة فی بیع العبد الآبق،و بیع المصحف،و بیع الثمر. (1).و أیضا یدل علیه فحوی الأخبار السابقة الواردة فی نکاح المتعة (2)و فحوی ما ورد فی جواز جعل المهر تعلیم شیء من القرآن[3].

ص:50


1- 1) راجع ص 41 و 42.
2- 2) راجع ص 42 و 43.

هل تعتبر الموالاة بین الإیجاب و القبول؟

قوله:(و من جملة شروط العقد الموالاة بین إیجابه و قبوله). أقول:

قد حکی المصنف عن الشهید فی قواعده:(أن الموالاة معتبرة فی العقد و نحوه و هی مأخوذة من اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه.

و قال بعض العامة:لا یضر قول الزوج-بعد الإیجاب-:الحمد للّه، و الصلاة علی رسول اللّه،قبلت نکاحها.و منه الفوریة فی-استتابة المرتد، فیعتبر فی الحال و قیل:إلی ثلثة أیام.و منه السکوت فی أثناء الأذان،فإن کان کثیرا أبطله.

و منه السکوت الطویل فی أثناء القراءة،أو قراءة غیرها خلالها.و کذا التشهد.و منه تحریم المأمومین فی الجمعة قبل الرکوع،فان تعمدوا،أو نسوا

ص:51

حتی رکع فلا جمعة.

و اعتبر بعض العامة تحریمهم معه قبل الفاتحة.و منه الموالاة فی التعریف بحیث لا ینسی أنه تکرار.و الموالاة فی سنة التعریف.فلو رجع فی أثناء المدة استؤنف لیتوالی).

و التحقیق:أنه لا شبهة فی اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه، ضرورة أن الاستثناء من النفی یفید الإثبات،کما أن الاستثناء من الإثبات یفید النفی و علیه فإذا اتصل أحدهما بالآخر،کان لهما ظهور واحد.و مضمون فارد،و إذا انفصل أحدهما عن الآخر،کان لکل منهما ظهور خاص، و مضمون مستقل.

و من هنا لو اعترف شخص لصاحبه بخمسین دینارا،ثم استثنی من ذلک -بعد مدة طویلة-خمسة دنانیر لم یسمع منه هذا الاستثناء لأنه عندئذ لا یعد المستثنی و المستثنی منه-فی نظر أهل العرف-کلاما واحدا،بل یعدون المستثنی نقضا للمستثنی منه.و کذلک إذا قال أحد:لا إله،و لم یعقبه بقوله:إلا اللّه،إلا بعد مدة طویلة حکم بکفره،لأن أهل العرف لا یرونهما کلاما واحدا.

و علی الإجمال:إن اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه أمر بدیهی و ربما یکون التأمل فی ذلک سببا لاعتبار الاتصال فی کل أمر تدریجی،الذی ثبتت له الصورة الاتصالیة فی نظر أهل العرف.و هذا هو المراد من قول الشهید:

(الموالاة معتبرة فی العقد و نحوه،و هی مأخوذة إلخ).

ثم إن الفوریة فی استتابة المرتد لا تترتب علی اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه،بدیهة أن الاتصال المعتبر بینهما أمر عرفی ارتکازی و لکن وجوب الاستمرار فی الإسلام و عدم قطعه بالکفر أمر ثابت بالدلیل الشرعی،فلا بد من الاستتابة فورا ففورا،و إذن فلا صلة بینهما بوجه.

ص:52

و هکذا الکلام فی لزوم تحریم المأمومین فی الجمعة قبل رکوع الإمام، فإن ذلک لا یرتبط بالفوریة العرفیة،بل یحتاج إلی الدلیل الشرعی،و علیه فان کان-هناک-ما یدل علی الفوریة أخذ به،و إلا فیرجع إلی أصالة البراءة.

و الحاصل:أن الأمر التدریجی المتصل إذا أخذ موضوعا للحکم،لم یترتب علیه ذلک الحکم فی غیر حال الاتصال،ضرورة أن فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه،و من البین الذی لا ریب فیه أن الأمر التدریجی المتصل لا یکون فعلیا إلا بفعلیة هیئته الاتصالیة و إذا انتفت هذه الهیئة انتفی الحکم المترتب علی ذلک الأمر التدریجی المتصل،لانتفاء موضوعه و هذا لا شبهة فیه بحسب الکبری و لکن البحث فی أنه هل تنطبق تلک الکبری علی العقد المرکب من الإیجاب و القبول،أم لا؟.

لا خفاء فی أن الاتصال-بحسب الدقة-یساوق الوحدة،فإذا انفصل أحد الأمرین عن الآخر-و لو آنا ما-لم یصدق علیهما عنوان الواحد.

نعم قد یتحقق الاتصال العرفی فی الأمور التدریجیة مع تخلل العدم فی البین،و من هنا یقال-للکلام الطویل-:إنه کلام واحد متصل،مع تخلل السکوت فیه قلیلا.

و لا یخفی علیک أن هذا الإطلاق إنما هو بحسب التشکیک،إذ الاتصال المتحقق بین المستثنی و المستثنی منه أشد من الاتصال المتحقق بین بقیة أجزاء الجمل،و الاتصال المتحقق بینها أشد من الاتصال المتحقق بین جملة و جملة أخری،و الاتصال المتحقق بین حروف الکلمات أشد من الاتصال المتحقق بین الأمور المذکورة کلها،و جمیع ذلک واضح لا شبهة فیه.

إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم أنه قد استدل علی اعتبار الاتصال بین إیجاب العقد و قبوله بوجهین

ص:53

1-ما ذکره المصنف(ره)و إلیک لفظه: (أن الأمر المتدرج شیئا فشیئا إذا کان له صورة اتصالیة فی العرف فلا بد فی ترتب الحکم المعلق علیه فی الشرع من اعتبار صورته الاتصالیة،فالعقد المرکب من الإیجاب و القبول-القائم بنفس المتعاقدین-بمنزلة کلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فیقدح تخلل الفصل المخل بهیئته الاتصالیة،و لذا لا یصدق المعاقدة إذا کان الفصل مفرطا فی الطول،کسنة أو أزید،و انضباط ذلک إنما یکون بالعرف فهو فی کل أمر بحسبه). و إذن فلا یشمله دلیل وجوب الوفاء بالعقد،و هذا الذی ذکره المصنف هو ملخص ما أفاده الشهید(ره).

و یتوجه علیه أولا:أن دلیل صحة المعاملات و لزومها لا ینحصر بآیة وجوب الوفاء بالعقد بل تدل علی ذلک أیضا آیة التجارة عن تراض و من البدیهی أنا لا ندور فی دلالتها علی المقصود مدار تحقق العقد،بل یکفی فی ذلک تحقق التجارة عن تراض.

و قد أشار المصنف إلی هذا الجواب بقوله (و ما ذکره حسن لو کان حکم الملک و اللزوم فی المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا،کما هو مقتضی التمسک بآیة الوفاء بالعقود.أما لو کان منوطا بصدق البیع،أو التجارة عن تراض،فلا یضره عدم صدق العقد). نعم لا یمکن التمسک بآیة التجارة عن تراض فی خصوص النکاح.

ثانیا:أنا لا نری وجها صحیحا للمنع عن کون العقد الفاقد للموالاة مشمولا لآیة وجوب الوفاء بالعقد،ضرورة أن العقد لیس اسما للفظ المرکب من الإیجاب و القبول،بل هو عبارة عن العهد المطلق أو العهد المشدد،و هذا المعنی أمر نفسانی قائم باعتبار الموجب و القابل معا،و من الواضح أنه لا ینفصم بتخلل الفصل بین الإیجاب و القبول اللفظین.

نعم لا بد و أن یعد ذلک مظهرا-فی نظر أهل العرف-لذلک الاعتبار

ص:54

النفسانی،و إذن فلا یکون الوجه المزبور دلیلا علی اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول.

و علی الإجمال:إن العقد عبارة عن اتصال أحد الالتزامین بالالتزام الآخر،و شده به،مع وجود مظهر لکل منهما فی الخارج،فإذا فرضنا أن البائع قد اعتبر المبادلة فی نفسه،و أبرزه فی الخارج،و بقی علی اعتباره حتی انضم الیه اعتبار المشتری المبرز بقبوله،فکیف لا یصدق علیهما العقد؟و هل الانفصال بین حدوثی الاعتبارین،أو بین اللفظین یضر بصدق العقد مع فرض بقاء البائع علی اعتباره؟ نعم إذا فرض أن البائع رجع عن اعتباره قبل قبول المشتری لم یتحقق العقد فی الخارج،لکنه خارج عن محل کلامنا.و علیه فالفصل بین الإیجاب و القبول اللفظیین لا یمنع عن کون العقد المبرز بهما مشمولا لآیة وجوب الوفاء بالعقد.و هذا ظاهر.

2-ما أفاده شیخنا الأستاذ من(أنه لما کان فیها-:أی فی العقود العهدیة المعاوضیة کالبیع،و ما یلحق بها کالنکاح-خلع و لبس،أو إیجاد علقة، فلا بد أن یکون مقارنا للخلع لبس،و هکذا مقارنا لإیجاد العلقة قبول،و إلا یقع الإضافة،أو العلقة بلا محل و مضاف الیه).

و یرد علیه:أن هذا الوجه یقتضی استحالة تحقق العقد مع وجود الفصل بین الإیجاب و القبول،و لازم ذلک أن لا یوجد عقد فی العالم،لأنه لا یتحقق إلا بوجود الفصل بین إیجابه و قبوله-و لو بزمان قلیل-و من البین أنه لا یفرق-فی استحالة الفصل بینهما-بین أن یکون الفاصل هو الزمان القصیر،و بین أن یکون ذلک هو الزمان الطویل.و هذا بین لا ریب فیه.

و الحل أن الخلع و اللبس-فی اعتبار البائع-لیس علی وجه الإطلاق

ص:55

و إلا لتحقق ذلک قبل تحقق القبول،مع أنه لا یتحقق قبله حتی فی اعتبار نفس البائع فضلا عن إمضاء العقلاء،أو الشارع.

بل الخلع و اللبس فی اعتبار البائع معلق علی قبول المشتری،و علی فرض تحققه.و علیه فالخلع مقارن باللبس دائما،سواء أ تحققت الموالاة بین الإیجاب و القبول،أم لم تتحقق.

أضف إلی ذلک قیام السیرة القطعیة علی عدم اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول،لأنا نری بالعیان.و نشاهد بالوجدان:أن بعض الناس یرسل هدیة إلی صاحبه من البلاد النائیة و أن تلک الهدیة إنما تصل إلی المهدی الیه بعد مدة طویلة-کشهر أو شهرین-و لا شبهة فی أن هذه هبة قد وقع الفصل الطویل بین إیجابها و قبولها،و لم نسمع من أحد أن یناقش فی صحتها،مع أنها من العقود.

و تدل أیضا علی عدم اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول قصة ماریة القبطیة علیها السلام الموهوبة للنبی(صلی الله علیه و آله)[1]حیث إنه وقع فی تلک القصة فصل طویل بین إیجاب الهبة و قبولها،و مع ذلک لم یحکم النبی(صلی الله علیه و آله)بفسادها فیکشف من ذلک عدم اعتبار الموالاة بینهما،و إذا جاز ذلک فی الهبة جاز فی غیرها،لعدم القول بالفصل ظاهرا.

و دعوی:أن الهبة فی القصة المزبورة هبة معاطاتیة،و بحثنا هنا فی العقود اللفظیة،دعوی جزافیة،إذ لا وجه للتفکیک بینهما فی ذلک.کما أن دعوی کون الإیجاب من رسول المالک،و القبول من النبی(صلی الله علیه و آله)دعوی فاسدة لأن

ص:56

الظاهر أن الموجب هو نفس المالک لا غیره.

و قال شیخنا الأستاذ:إن(جمیع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة کأنها صادرة من الموجب،فهو بمنزلة من کان فی المشرق،و کانت یده طویلة تصل إلی المغرب.فمد یده و أعطی شیئا لمن کان فی المغرب فان فعله یتم فی زمان وصول یده إلی المغرب).

و لکن هذا لا یستقیم،للفرق الواضح بین ما نحن فیه،و بین المثال المزبور،بداهة أن المهدی-فی مورد السیرة-ربما یغفل عن هدیته فی زمان وصولها إلی المهدی إلیه،و عندئذ لا یمکن تنزیل فعل الرسول و الواسطة منزلة فعل المرسل.

و هذا بخلاف المثال المزبور،فإن المهدی-فی ذلک-بنفسه متصد لإیجاد العقد،و إنشائه،من دون أن یفصل فاصل بین إیجابه و قبوله،لأن طول الید لا یخرج الفعل الواحد عن وحدته.

و أیضا یدل علی عدم اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول قیام السیرة بین التجار المتدینین علی معاملة بعضهم بعضا بالکتابة و البرقیة،مع تخلل الفصل الطویل بین إیجابها و قبولها.و لم یناقش أحد فی صحتها.

و دعوی وجود الفارق بینها و بین المعاملات الشفاهیة،و أن السیرة غیر جاریة فی الثانیة،دعوی جزافیة.

و أیضا یدل علی جواز الفصل بین الإیجاب و القبول فحوی ما ورد (1)فی جواز جعل المهر شیئا من القرآن.بناء علی أن القبول-فی الروایة-هو قول الصحابی:زوجنیها،و الإیجاب هو قوله(صلی الله علیه و آله)بعد فصل طویل:

زوجتکها علی ما معک من القرآن.و إذا جاز ذلک فی النکاح جاز فی غیره بالألویة

ص:57


1- 1) قد تقدم ذلک فی ص 50.

و یضاف إلی ذلک کله:أنه لا دلیل علی اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول.و دعوی الإجماع علیه،دعوی باطلة،إذ لا علم لنا بوجود إجماع تعبدی-هنا-لکی یکون کاشفا عن رأی المعصوم(علیه السلام).

و علیه فإذا تحقق الإیجاب و القبول فی الخارج مع وجود الفصل بینهما و صدق علیهما عنوان العقد کان ذلک مشمولا للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها.و هذا بدیهی لا خفاء فیه.

هل یعتبر التنجیز فی العقود؟

اشارة

قوله:(و من جملة الشرائط التی ذکرها جماعة التنجیز فی العقد). أقول:

تعلیق العقد علی الشرط قد یکون صریحا.کاقتران العقد بما یدل علی التوقف صریحا بأن یقول:البائع بعتک هذا إن جاء زید،أو إن کان هذا الیوم یوم الجمعة.

و قد یکون ضمنیا،کما إذا لم یذکر فی الکلام ما یدل بصراحته علی الاشتراط و التوقف و لکن یستفاد ذلک منه ضمنا:کقول البائع بعتک داری یوم الجمعة،فإن الصیغة و إن کانت خالیة عن التعلیق ظاهرا،و لکنه مطوی فیها ضمنا،لأن تقدیرها بعتک داری إذا جاء یوم الجمعة.و عندئذ لا ینحصر مورد البحث بما یکون الکلام مشتملا علی أداة الشرط و نحوها مما یدل علی التعلیق.بل مدار البحث-هنا-علی استفادة التعلیق من الصیغة بأی وجه کانت الاستفادة.

ثم إن مرکز البحث فی المقام إنما هو تعلیق المنشأ علی شیء،کقول أحد الشخصین لصاحبه:أنت وکیلی فی بیع داری إن قدم زید من سفره،

ص:58

حیث إن الوکالة لیست بمطلقة بل هی معلقة علی قدوم زید من سفره.

أما إذا کان الإنشاء و المنشأ کلاهما مطلقین،و کان التعلیق فی متعلق العقد فقط،فهو خارج عن محل البحث جزما.

و مثال ذلک:أن یوکل أحد غیره-فی أمر-مطلقا و منجزا،و لکن کان متعلق الوکالة أمرا خاصا،یتوقف حصوله-فی الخارج-علی تحقق شیء آخر،کأن یقول الموکل لوکیله:أنت وکیلی فی بیع داری یوم الجمعة بأن کان یوم الجمعة قیدا للبیع،لا للوکالة.و مثله:أن یقول:أنت وکیلی علی وجه الإطلاق،و لکن لا تتصرف فی أموالی إلی وقت معین-کقدوم الحاج مثلا-أو إلی حصول شرط خاص.

و من هنا یجوز للزوجة أن تشترط علی زوجها-فی عقد الزواج-أن تکون وکیله فی طلاق نفسها مطلقا و منجزا و یکون إعمال الوکالة مشروطا بعدم الإنفاق أو بالمسافرة إلی بلد کذا أو غیر ذلک فان هذا کله لا یرتبط بالعقود المعلقة.

ثم إن المغروس فی کلمات الفقهاء،و المسطور فی کتبهم:أن التعلیق فی الجملة مجمع علی بطلانه،و إنما الکلام بینهم فی تعیین معقد الإجماع.

فقد صرّح باعتبار التنجیز فی العقود الشیخ،و العلامة،و المحقق، و الشهیدین،و غیرهم.

بل عن العلامة-فی التذکرة-:أنه یجب کون الوکالة منجزة عند علمائنا و حکی عنه أیضا دعوی الإجماع علی عدم صحة أن یقول الموکل:أنت وکیلی فی یوم الجمعة أن تبیع عبدی.و علی صحة قوله:أنت وکیلی،و لا تبع عبدی إلا فی یوم الجمعة مع کون المقصود واحدا.

و فرق بین هاتین الصورتین جمع من الفقهاء-بعد اعترافهم بأن الصورة الثانیة أیضا فی معنی التعلیق-:بأن العقود المتلقاة من الشارع منوطة بضوابط

ص:59

فلا تقع بدونها و إن أفادت فائدتها.

و عن المحقق و الشهید الثانیین-فی جامع المقاصد و المسالک فی مسألة إن کان لی فقد بعته-:أن التعلیق ینافی الإنشاء فی العقود و الإیقاعات،حیث یکون المعلق علیه مجهول الحصول.

و عن فخر الإسلام-فی شرح الإرشاد-:أن تعلیق الوکالة علی الشرط لا یصح عند الإمامیة،و کذا سائر العقود،جائزة کانت،أو لازمة.

و عن غایة المرام:أنه لا خلاف فیه.

و فی الجواهر:شرطها-أی الوکالة-أن تقع منجزة کغیرها من العقود بلا خلاف أجده،بل الإجماع بقسمیه علیه.

و فی مفتاح الکرامة:و الدلیل علی ذلک-بعد الإجماع نقلا و تحصیلا- أن الأصل عدم جواز الوکالة،خرجت المنجزة بالإجماع،و بعض الأخبار و بقی الباقی.

و قد أشار الشیخ-فی الخلاف-إلی الأصل الذی ذکره فی مفتاح الکرامة،و قال:إذا قال:إن قدم الحاج أو جاء رأس الشهر فقد وکلتک فی البیع،فان ذلک لا یصح،دلیلنا:أنه لا دلیل علی صحة هذا العقد،و عقد الوکالة یحتاج إلی دلیل.

و لکن حکی التأمل فی ذلک عن الکفایة،لأنه غیر مرتبط بدلیل واضح و لعله تبع فی تأمله هذا للمحقق الأردبیلی.

بل صرح المحقق القمی-فی جامع الشتات-بأن التعلیق فی الوکالة لا یضر بصحة عقد الوکالة.

و علی الإجمال.إن ظاهر جملة من العبائر:هو بطلان التعلیق فی العقود و الإیقاعات علی وجه الإطلاق،و ظاهر جملة أخری منها:أنه یحکم ببطلان

ص:60

التعلیق فیما إذا کان المعلق علیه أمرا مجهولا،کما عرفته عن المحقق و الشهید الثانیین و لاستیضاح هذا الاختلاف،و بیان حکم التعلیق،قد تصدی المصنف لذکر أقسام التعلیق.

و حاصل کلامه:أن المعلق علیه إما أن یکون معلوم الحصول،أو محتمل الحصول.

و علی کلا التقدیرین،فاما أن یکون ظرف الحصول هو الحال،أو الاستقبال.

و علی التقادیر الأربعة.فاما أن یکون الشرط-الذی یذکر فی العقد تصریحا أو تلویحا-مما لا تتوقف علیه صحة العقد،کالتعلیق علی الصفة التی لا دخل لها فی تحقق عنوان العقد،و سیأتی.

و إما أن یکون الشرط مما تتوقف علیه صحة العقد:

کأن یکون المبیع مما یصح تملکه شرعا:بأن لا یکون خمرا،و لا خنزیرا أو یکون مما یصح إخراجه عن الملک:بأن لا یکون وفقا،و لا أم ولد أو یکون المشتری ممن یصح تملکه:بأن لا یکون عبدا.

أو یکون البائع،أو المشتری ممن یجوز معه العقد:بأن لا یکون صبیا و لا مجنونا،و لا سفیها،-و هو الذی یصرف أمواله فی المصارف اللاغیة- و إذن فأقسام التعلیق ثمانیة.انتهی ملخص کلام المصنف مع التوضیح الإجمالی و الصحیح:أن یقسم التعلیق إلی اثنی عشر قسما:بأن یقال:إن المعلق علیه إما أن یکون معلوم التحقق،أو یکون محتمل التحقق.

و علی کلا التقدیرین،فاما أن یکون المعلق علیه أمرا حالیا،أو أمرا استقبالیا.

و علی التقادیر الأربعة،فاما أن یکون الشرط-الذی علق علیه العقد-

ص:61

دخیلا فی مفهوم العقد،أو یکون دخیلا فی صحته،أو لا یکون دخیلا فی شیء منهما،و یعبر عنه بالتعلیق بالصفة.

ما هو حکم التعلیق فی العقود؟
اشارة

أما التعلیق علی ما یتوقف علیه مفهوم العقد فلا شبهة فی صحته:بأن یقول البائع:إن کان هذا مالی فقد بعته بکذا،و یقول المشتری:قبلت، فإنه لا یتحقق مفهوم البیع إلا بکون المبیع ملکا للبائع،فهذا النحو من التعلیق أمر ضروری،و غیر مضر بصحة العقد،سواء أ کان مذکورا فیه صریحا،أم لا.و علیه فلا شبهة فی صحة التعلیق فی أربعة من تلک الأقسام المذکورة:

1-أن یکون المعلق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول،کقول الزوج لزوجته:إن کانت هذه زوجتی فهی طالق،و من الواضح أن عنوان الزوجیة دخیل فی صدور الطلاق من الزوج.

2-أن یکون المعلق علیه أمرا استقبالیا و معلوم الحصول فی ظرفه، کما إذا قال البائع للمشتری:بعتک داری إن قبلت مع علمه بأن المشتری یقبله.

3-أن یکون المعلق علیه أمرا حالیا مع الجهل بتحققه،کما إذا قال رجل لامرأة:ان کانت هذه زوجتی فهی طالق مع جهله بأنها زوجته.

4-أن یکون المعلق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقق فی ظرفه،کما إذا قال أحد المتبایعین لصاحبه:بعتک هذا المتاع بکذا ان قبلت مع احتماله أن لا یقبله صاحبه.

و لا ریب فی صحة التعلیق فی جمیع هذه الصور الأربع،بدیهة أن

ص:62

ذکر الشرط فی الصیغة بصورة التعلیق و عدمه سیان،لأن التعلیق فی الکلام لا یزید علی الواقع بشیء،ضرورة أن واقع العقد و مفهومه معلق علی الأمور المذکورة بحیث لولاها لم یتحقق-فی الخارج-مفهوم العقد أو الإیقاع أصلا و رأسا.

أما التعلیق علی ما یکون دخیلا فی صحة العقد دون مفهومه فهو أیضا علی أربعة أقسام.

1-أن یکون المعلق علیه معلوم الحصول فی الحال،کقول البائع:إن کان هذا الشیء مما یملک فقد بعته بکذا درهما،مع علم البائع بکون ذلک الشیء مما یملک.

2-أن یکون المعلق علیه معلوم التحقق فی المستقبل،کالتسلیم و التسلم فی بیع الصرف و السلم،کقول البائع للمشتری بعتک هذه الشذرة من الذهب بکذا درهما إن أخذتها و سلمت إلیّ الثمن.

3-أن یکون المعلق علیه حالیا و مجهول التحقق،کالبلوغ و العقل و عدم الفلس.

4-أن یکون المعلق علیه استقبالیا.و مجهول التحقق،و لا ریب فی أن هذه الأقسام الأربعة من أقسام التعلیق لا توجب بطلان العقد أیضا،لأن صحة العقد واقعا متوقفة علی الجهات المزبورة.و اذن فذکر المعلق علیه-فی تلک الأقسام-و حذفه سیان.

و علی الجملة:إنه لا شبهة فی صحة العقد الذی کان معلقا علی ما تتوقف علیه صحته.بل هذا هو المتعارف بین الناس کثیرا.و لا سیما فیما إذا کان المعلق علیه مشکوک الحصول،لأن ذلک العقد مشمول للعمومات،و لم یدل دلیل علی بطلان التعلیق-هنا-لکی یکون ذلک الدلیل مخصصا لتلک العمومات

ص:63

و هذا هو الحجر الأساسی،و الرکن الوثیق فی صحة التعلیق فی الموارد المزبورة لا ما ذکره الشیخ فی المبسوط.من أن المنشئ لم یشترط الا ما یقتضیه إطلاق العقد،فإذا اقتضاه الإطلاق لم یضر إظهاره بصورة الشرط،کما لو شرط کل من المتبایعین علی صاحبه تسلیم الثمن أو المثمن،أو ما أشبه ذلک، لأن ما أفاده و ان کان لا بأس به فی نفسه،و لکنه لا یدفع محذور التعلیق -لو کان فیه محذور-و من هنا أورد علیه المصنف،و قال نصا: (ان المعلق علی ذلک الشرط فی الواقع هو ترتب الأثر الشرعی علی العقد،دون إنشاء مدلول الکلام-الذی هو وظیفة المتکلم-فالمعلق فی کلام المتکلم غیر معلق فی الواقع علی شیء،و المعلق علی شیء لیس معلقا فی کلام المتکلم علی شیء، بل و لا منجزا،بل هو شیء خارج عن مدلول الکلام).

أما التعلیق علی الصفة-التی لا دخل لها فی تحقق عنوان العقد،و لا فی صحته-فهو أیضا علی أربعة أقسام.

1-أن یکون المعلق علیه معلوم الحصول فعلا،کأن یقول البائع للمشتری:ان کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک داری،مع علمه بأن هذا الیوم یوم الجمعة،و هذا لا شبهة فی صحته،و لا نظن أن یتفوه أحد بفساد البیع فی هذه الصورة من ناحیة التعلیق.فان المضر بالعقد انما هو واقع التعلیق، لا التعلیق الصوری.و ما نحن فیه من القبیل الثانی،دون الأول.

2-أن یکون المعلق علیه معلوم الحصول فی المستقبل،و هو علی قسمین،لأن إیقاف البیع علیه قد یکون من قبیل الاشتراط:بمعنی أن البائع ینشئ المبادلة فی ظرف تحقق ذلک الأمر المتأخر:بأن یقول:بعتک داری إذا دخل شهر رمضان،و یرید من ذلک تحقق البیع من حین دخول شهر رمضان،لا من الآن.

ص:64

و قد یکون من قبیل التعلیق-لا الاشتراط-نظیر الواجب المعلق.کما إذا علق البائع بیعه من الآن علی تحقق ذلک الأمر المتأخر فی ظرفه أما الأول فهو مشمول للإجماع القائم علی بطلان التعلیق فی العقود و الإیقاعات.

أما الثانی فهو لا یزید علی الواقع بشیء.للعلم بتحقق المعلق علیه فی ظرفه ففی الحقیقة لیس هنا تعلیق فی الکلام-و إن کانت الصورة صورة التعلیق- و إذن فیکون ذلک خارجا عن حدود الإجماع القائم علی بطلان التعلیق.

3-أن یکون المعلق علیه محتمل التحقق فی الحال:بأن یقول أحد لغیره:إن کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک فرسی حیث إن البائع قد علق بیع فرسه علی کون هذا الیوم یوم الجمعة.

4-أن یکون المعلق علیه محتمل الحصول فی المستقبل و لا یخفی علیک أن هذین القسمین أیضا باطلان لدخولهما فی معقد الإجماع المزبور.

و المتحصل مما بیناه:هو أن الإجماع الذی ادعاه الفقهاء علی بطلان التعلیق إنما هو فی الأقسام الثلاثة الأخیرة.

أما العقود المشتملة علی غیر هذه الأقسام فلا مجال لتوهم تحقق الإجماع فیها علی البطلان،فهی مشمولة للعمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها، و إذن فلا بد من البحث-هنا-فی هذه الأقسام الثلاثة،و ملاحظة ما استدل به علی بطلان العقود مع التعلیق فیها من إجماع أو غیره،فان کان فی تلک الأدلة ما یصلح لتخصیص العمومات المزبورة أخذ به،و إلا فهی محکمة فی المقام.

ص:65

ما استدل به علی بطلان التعلیق فی العقود

قد استدل الفقهاء علی بطلان التعلیق فی العقود بوجوه شتی:

الوجه الأول:دعوی الإجماع علی ذلک،

حیث ادعاه غیر واحد من الفقهاء،و قد عرفت کلماتهم قریبا.

و یتوجه علیه:أن الإجماع إنما یکون حجة مع القطع بکونه مستندا إلی رأی الإمام(علیه السلام)و من المحتمل القریب أن المجمعین قد استندوا فی دعواهم الإجماع-هنا-إلی الوجوه الاعتباریة التی استدل بها الفقهاء علی بطلان التعلیق

الوجه الثانی:أن التعلیق فی العقود أمر غیر معقول،

و عندئذ لا یوجد عقد تعلیقی-فی الخارج-لکی یبحث عن صحته و فساده،فلا بد من إیجاده منجزا.

و یتوجه علیه:أن المستحیل إنما هو التعلیق فی الإنشاء،بدیهة أن الإنشاء-بأی معنی کان-قد فرض وجوده فی الخارج،و علیه فلا یعقل تعلیقه علی شیء ما،لأن ما وجد فی الخارج یمتنع عدمه،فکیف یمکن أن یکون موجودا علی تقدیر،و معدوما علی تقدیر آخر.

و علی الجملة:إن الإنشاء أمر لا یقبل التعلیق،بل هو إما أن یوجد، و إما أن لا یوجد.و لکن هذا خارج عن مرکز بحثنا،لأن کلامنا لیس فی التعلیق فی الإنشاء.

أما التعلیق فی المنشأ-الذی هو محلّ البحث فی المقام-فلا شبهة فی إمکانه.بل إن وقوعه فی الأحکام العرفیة و الشرعیة فوق حد الإحصاء، ضرورة أن الأحکام الشرعیة و القوانین العرفیة أکثرها من قبیل القضایا الحقیقیة،و من سنخ الأحکام التی هی مشروطة بوجود موضوعها.و قد وقع

ص:66

ذلک فی العقود و الإیقاعات علی نحو الإیجاب الجزئی،کالوصیة،و التدبیر، و النذر،و العهد،و الیمین.

و الحاصل:أن إمکان تقیید المنشأ،و تعلیقه بشیء،و وقوع ذلک من البدیهیات.و إنما الکلام فی صحة العقد أو الإیقاع فیما إذا کان المنشأ فیه مقیدا

الوجه الثالث:أن الظاهر من آیة وجوب الوفاء بالعقد-کسائر الخطابات

الوضعیة و التکلیفیة-أن الحکم بوجوب الوفاء یترتب علی تحقق موضوعه خارجا،

و لا ینفک عنه زمانا و هذا یقتضی وجوب الوفاء بکل عقد فعلی لا تعلیق فیه إذ لا یتصور الوفاء فعلا بالعقود التعلیقیة،و علیه فیکون ذلک خارجا عن حدود مدلول الآیة.و المفروض أنه لیس هنا خطاب آخر یقتضی وجوب الوفاء بالعقود التعلیقیة،فتکون باطلة.

و قد أجاب المصنف عن ذلک بوجوه عدیدة:

1-أن ما دل علی صحة العقود و لزومها غیر منحصر بآیة وجوب الوفاء بالعقد،بل تدل علی ذلک أیضا آیة حلیة البیع،و دلیل السلطنة،انتهی حاصل کلامه.

و یرد علیه أولا:أن آیة حلیة البیع مختصة بالبیع،فیبقی غیره-من العقود التعلیقیة-خالیا عن دلیل الصحة.

أما دلیل السلطنة فهو ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء،علی أنه لا یجری فی مثل النکاح.

ثانیا:أن ما ادعاه المستدل-من ظهور آیة وجوب الوفاء بالعقد فی ترتب الأثر من حین تحقق العقد-یجری فی آیة حل البیع،و دلیل السلطنة أیضا،فهما یدلان علی ترتب الملکیة من حین تحقق البیع،أو عقد آخر، و لا یدلان علی صحة البیع أو غیره من العقود المعلقة.

ص:67

2-أن المراد من العقد هو العهد المطلق أو العهد المشدد و علیه فوجوب الوفاء بالعقد تابع لکیفیته فان کان العقد منجزا وجب الوفاء به منجزا و ان کان معلقا لم یجب الوفاء به إلا بعد حصول المعلق علیه کما هو الشأن فی وجوب الوفاء بالنذر و العهد و غیرهما و السر فی ذلک:أن أدلة وجوب الوفاء بالعقد أو النذر ناظرة إلی وجوب الوفاء بهما بأی نحو تحقق فی الخارج،سواء فیه المنجز و المعلق.

و علی الجملة.أن الإمضاء الشرعی للعقد تابع لجعل المتعاقدین،فإذا کان البیع-مثلا-مطلقا فأثره الشرعی الملکیة المنجزة غیر المشروطة بشیء.فإذا کان معلقا فأثره الشرعی الملکیة المعلقة،و هذا واضح لا ستار علیه.انتهی ملخص ما أفاده.و هذا الوجه متین جدا.

3-أنه قد وقع فی الشریعة المقدسة تخلف الأثر عن العقد فی موارد شتی:کبیع الصرف و السلم و الوصیة،و المعاملات المعاطاتیة بناء علی إفادتها الإباحة مع قصد الملکیة.فلتکن العقود المعلقة من تلکم المذکورات و عندئذ لا یفسد العقد من تأخیر ترتب الأثر علیه،و إلا لزم القول بفساد المعاملات المزبورة،انتهی حاصل کلامه.

و یرد علیه:أنه لا وجه لقیاس ما نحن فیه بتلک العقود،لأن صحتها من ناحیة الدلیل الخاص،فلا مورد للنقض.

4-أن الدلیل المذکور أخص من المدعی،لأنه إنما یلزم تخلف الأثر عن العقد فیما إذا کان التعلیق علی أمر خارجی غیر دخیل فی تحقق العقد کقولک بعتک کتابی هذا بدینار إن قدم الحاج.

أما إذا کان التعلیق علی أمر حالی،کقولک بعتک هذا الکتاب بدرهم إن قبلت،فإنه حینئذ لا یلزم تخلف الأثر عن العقد.انتهی حاصل ما أفاده.

و هذا الوجه أیضا متین علی تقدیر أن یلتزم القائل-بإبطال التعلیق-

ص:68

بالبطلان فی مثل ذلک أیضا.و لکنک قد عرفت أن مثل هذا التعلیق خارج عن محل الکلام،و علیه فلا یتوجه ما أفاده المصنف(ره).

5-أن الدلیل المذکور أیضا أخص من المدعی،من جهة أنه لا یجری فی التعلیق علی الشرط الذی یشک فی تحققه فی الحال فان تحقق العقد عندئذ یکون مراعی بالعلم بظهور الواقع.و علیه فان انکشف وجود المعلق علیه فی الواقع فیحکم بصحة العقد من حین تحققه،و إلا فیحکم بفساده من غیر أن یکون العقد موقوفا علی الشرط،لکی یلزم منه تخلف الأثر عن العقد.انتهی الملخص من کلامه.و هذا الوجه أیضا لا بأس به.

6-أن ذلک الدلیل لا یجری فی غیر البیع من العقود-التی یتأخر مقتضاها عنها بحسب طبعها-کالوصیة و التدبیر و السبق و الرمایة و الجعالة،و من البین أن مورد البحث-هنا-لا ینحصر بالبیع و لا أن دلیل وجوب الوفاء بالشرط فی کل عقد دلیل مستقل لکی یلتزم فی بعضه بجواز التعلیق،و فی بعضها الآخر بعدم جوازه.انتهی الحاصل من کلامه.و هذا الوجه أیضا لا بأس به.

الوجه الرابع:أن أسباب العقود و الإیقاعات أمور توقیفیة،

فلا بد و أن یقتصر فیها بالمقدار المتیقن،و هو السبب الخالی عن التعلیق.

و یتوجه علیه:أنه لا وجه لأخذ القدر المتیقن فی أمثال الموارد بدیهة أن العمومات و المطلقات إنما تدل علی صحة کل ما صدق علیه عنوان العقد.

نعم لو کان الدلیل علی صحة العقود هو الإجماع أو السیرة لکان للتوهم المزبور وجه وجیه.

الوجه الخامس:ما ذکره شیخنا الأستاذ

من أن العمومات الدالة علی صحة العقود منصرفة عن العقد المعلق إلی العقد المنجز بدیهة أن التعلیق لیس مما جری علیه أهل العرف و العادة فی عهودهم المتعارفة و عقودهم المرسومة بین عامة الناس-و إن

ص:69

مست الحاجة إلیه أحیانا فی العهود الواقعة بین الدول و الملوک-و علیه فلا تکون العهود المعلقة مشمولة لأدلة صحة العقود،للشک فی صدق عنوان العقد علیها عرفا.

و الجواب عن ذلک:أن هذا الوجه ممنوع کبری و صغری:أما الوجه فی منع الکبری فلأن الانصراف لو صح-فإنما یتم فی المطلقات،بدعوی أن ثبوت الإطلاق فیها إنما هو بمقدمات الحکمة،فإذا لم یکن بعض أفراد المطلق متعارفا فی الخارج،و متساوی الأقدام مع بقیة الأفراد کان ذلک قادحا فی انعقاد الإطلاق للمطلق،بدیهة أن عدم تساوی الأفراد شیء یصلح للقرینیة علی عدم إرادة الإطلاق،و إذن فلا یصح التمسک به فی أمثال ذلک.

الا أن هذه الدعوی لا تجری فی العمومات الدالة علی صحة کل عقد، لأن التمسک بها غیر مشروط بوجود مقدمات الحکمة،إذ العموم فیها إنما هو بحسب الوضع-علی ما حقق فی محله-و علیه فلا مانع من کون العقود المعلقة مشمولة لتلک العمومات.

أما الوجه فی منع الصغری فلانا لو سلمنا وجود الانصراف،و لکن لا نسلم کون العقود المعلقة من العقود غیر المتعارفة،ضرورة أنها واقعة فی العرف کثیرا،کتعلیق البیع علی إجازة الأب،أو الصدیق،أو الجار أو غیر ذلک.و قد تقدمت الإشارة إلی هذا قریبا.

و نتیجة البحث:أنه لا دلیل علی بطلان العقود بالتعلیق،لکی یکون ذلک الدلیل مخصصا لأدلة صحة العقود،و علیه فالعمدة فی المقام هو الإجماع فإن تم فهو،و إلا فالمرجع هو العمومات و الإطلاقات.و قد عرفت عدم تمامیة الإجماع فی المقام،و من هنا جزم المحقق القمی بصحة الوکالة المعلقة.

و حکی التأمل فی بطلانها عن المحقق الأردبیلی و الکفایة علی ما عرفته فی

ص:70

طلیعة البحث.

هل یعتبر التطابق بین الإیجاب و القبول؟

اشارة

قوله:(و من جملة شروط العقد التطابق بین الإیجاب و القبول) أقول التطابق بین الإیجاب و القبول یتصور علی أنحاء:

1-أن یکون ذلک من ناحیة عنوان المعاملة:

بأن یقول أحد المتعاملین لصاحبه:بعتک داری بکذا،و یقول صاحبه:قبلت البیع بکذا،فلو قال:

قبلت الهبة بکذا لبطل العقد،بدیهة أن العقد أمر وحدانی مرکب من الإیجاب و القبول،فإذا إنشاء أحد المتعاملین البیع،و قبل الآخر الهبة،لم یرتبط کلام أحدهما بالآخر،فلا تتحقق بینهما معاقدة و معاهدة،بل یکون عهد کل منهما بعیدا عن عهد الآخر،ضرورة أن ما أنشأه الموجب لم یقبله القابل،و ما قبله القابل لم ینشئه الموجب.

و من هنا قال شیخنا الأستاذ:إن اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول من القضایا التی قیاساتها معها.

2-التطابق بین الإیجاب و القبول من ناحیة المبیع:

بأن یقول أحد المتبایعین لصاحبه:بعتک عبدی بکذا،و یقول الآخر قبلت هکذا.و لو قال قبلت بیع الجاریة بکذا لبطل العقد،لما عرفته قریبا من أنه مع الاختلاف -بین الإیجاب و القبول-لا یرتبط عهد أحدهما بعهد الآخر،لکی یتحقق هنا عقد مرکب من الإیجاب و القبول.

3-التطابق بین الإیجاب و القبول من ناحیة البائع و المشتری،

فلو قال زید لعمرو:بعتک داری بکذا،و یقول عمرو:قبلت البیع لخالد،أو یقول

ص:71

خالد:قبلت البیع لنفسی بکذا لبطل العقد،لعدم ورود الإیجاب و القبول علی مورد واحد،کما عرفته فی القسمین السابقین.

و قد یتوهم:أن اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول فی الصورة الثالثة ینافی لما أسلفناه فی تعریف البیع،من أنه تبدیل عین بعوض فی جهة الإضافة ضرورة أن مقتضی هذا التعریف هو أن لا یلاحظ البائع الخاص،و لا أن یلاحظ المشتری المعین فی تحقق مفهوم البیع،بل مقتضی التعریف المزبور أن لا یلاحظ فی ذلک کون البائع مالکا للمبیع،و کون المشتری مالکا للثمن و من هنا نحکم بصحة المعاملة الفضولیة.

و لا یقاس البیع-فی ذلک-بالنکاح،إذ لا بد فی النکاح من التطابق بین الإیجاب و القبول بالنسبة إلی الزوجین،فان منزلتهما-فی عقد الزواج- منزلة العوضین-فی البیع-و قد عرفت اعتبار التطابق فیه بین الإیجاب و القبول من ناحیة العوضین.

و لکن هذا التوهم فاسد،ضرورة أن التعریف المذکور إنما یقتضی عدم اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول بالنسبة إلی البائع الخاص و المشتری الخاص فیما إذا کان العوضان من الأعیان الخارجیة.

أما إذا کان أحدهما کلیا فی الذمة،فإنه عندئذ لا بد من اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول من ناحیة البائع و المشتری،ضرورة أن ذمم الأشخاص مختلفة بحسب قوة الوثاقة و ضعفها،إذ رب شخص لا یعتمد علیه فی الأمور الحقیرة،و رب شخص تطمئن إلیه النفس فی الأمور الخطیرة.

و علیه فإذا باع زید متاعه من عمر بخمسین دینارا فی الذمة،فإنه لیس لعمرو أن یقبل هذا البیع لغیره،و لا لغیره أن یقبله لنفسه،ضرورة أن ذمة عمرو غیر ذمم بقیة الأشخاص،فالارتضاء بالأولی لا یستلزم الارتضاء

ص:72

ببقیة الذمم،و إذن فالإخلال بالتطابق فی الصورة الثالثة أیضا موجب للبطلان ففی الحقیقة یرجع اعتبار التطابق فی هذه الصورة إلی اعتبار التطابق فی الصورة الثانیة.

4-التطابق بین الإیجاب و القبول من ناحیة الشروط المذکورة فی العقد

فإذا خالف الإیجاب القبول فی ذلک قیل بصحة العقد حینئذ،و ثبوت الخیار للمشروط له،نظرا إلی أن الشرط لا یرتبط بالعقد،و إنما هو التزام فی التزام آخر.

الا أن الصحیح بطلان العقد مع عدم التطابق فی هذه الصورة أیضا.

و الوجه فی ذلک:ما نذکره فی مبحث الشروط من أن مرجع اعتبار الشرط فی العقد إما إلی تعلیق العقد علی التزام المشروط علیه بشیء،أو إلی تعلیق لزومه علی شیء،أو تعلیقهما معا أما الأول فکاشتراط شرط فی عقد الزواج أما الثانی فکاشتراط الکتابة فی العبد المبیع،أما الثالث فکاشتراط عمل فی البیع و نحوه.

و نذکر فی المبحث المذکور:أن تعلیق اللزوم یرجع الی جعل الخیار، و جعل الخیار إنما یرجع إلی تحدید المنشأ،و فی جمیع ذلک یکون عدم التطابق موجبا للبطلان.

5-التطابق بین الإیجاب و القبول فی أجزاء المبیع و الثمن،

و علیه فلو قال البائع:بعتک داری بخمسین دینارا،و قال المشتری:قبلت البیع فی نصف المبیع بخمسة و عشرین دینارا فقد حکم شیخنا الأستاذ ببطلان البیع فی هذه الصورة أیضا.

و إلیک نص مقرر بحثه:(و مما ذکرنا ظهر أنه لا بد من اتحاد المنشأ حتی بالنسبة إلی التوابع و الشروط،فلو أنشأ أحدهما مع شرط.و قبل الآخر بلا

ص:73

شرط،أو باع البائع عبدین،و قبل المشتری أحدهما و غیر ذلک مما هو نظیر ما ذکرناه لم یصح أیضا،لعدم ارتباط کلام أحدهما بالآخر).

أقول:إن مرجع بیع الدار بخمسین دینارا إلی بیع کل نصف منها بخمسة و عشرین دینارا،مع اشتراط کل منهما بوجود الآخر،فإذا قبل المشتری أحدهما دون الآخر رجع ذلک إلی عدم المطابقة من جهة الشرط،و قد مر حکمه

هل یجوز الإنشاء لأحد المتعاقدین

اشارة

حال کون الآخر فاقدا لشرائطه؟

قوله:(و من جملة الشروط فی العقد أن یقع کل من إیجابه و قبوله فی حال یجوز لکل واحد منهما الإنشاء). أقول:قد اعتبر المصنف-فی صحة العقد-وقوع کل من الإیجاب و القبول فی حال یجوز لکل من المتبایعین الإنشاء فی تلک الحال،و علیه فلو کان المشتری فی حال إیجاب البائع غیر قابل للقبول،أو خرج البائع-حال قبول المشتری-عن قابلیة الإیجاب لم ینعقد العقد بینهما،لأنه عندئذ لا یرتبط عهد أحدهما بعهد الآخر،فلا تتحقق المعاهدة و المعاقدة بینهما بوجه.

و قال شیخنا الأستاذ:إن هذا الشرط-کسابقه-من القضایا التی قیاساتها معها،بدیهة أن العقد لا ینعقد إلا بفعل شخصین،فإذا انتفی شرط من شرائط العقد حین إنشاء أحدهما بطل العقد.و لا أثر لوجود الشرط قبل العقد أو بعده و علی هذا فلو نام المشتری حین إنشاء البائع أو بالعکس لم یصح العقد و دعوی الصحة فی العقود الجائزة،دعوی جزافیة،لأن القول بالصحة إنما هو فی العقود الإذنیة فقط،دون العقود العهدیة.انتهی ملخص کلامه.

ص:74

و یتوجه علیه:أن العقد لیس من مقولة الأفعال و لا من مقولة الألفاظ الخارجیة،و لا من الاعتبارات النفسیة المحض،بل هو عبارة عن ارتباط التزام أحد المتعاقدین بالتزام الآخر،و إظهاره بمبرز خارجی،و لا شبهة فی صدق عنوان العقد علی هذا،فیکون مشمولا للعمومات و المطلقات،و لم یدل دلیل من الکتاب،و السنة،و الإجماع،و السیرة علی کون کل من المتعاقدین واجدا لشرائط الإنشاء عند إنشاء الآخر،بل الدلیل إنما هو علی اعتبار صدور الإنشاء من الواجد لشرائط الإنشاء،دون الفاقد لها.

و قال الفقیه الطباطبائی-عند قول المصنف:و من جملة الشروط فی العقد أن یقع کل من إیجابه و قبوله فی حال یجوز لکل منهما الإنشاء-:إنه(لا دلیل علی هذه الکلیة،و عدم صدق المعاقدة و المعاهدة انما یتم فی بعض الفروض، کما لو کان المشتری فی حال إیجاب البائع غیر قابل للتخاطب من جهة الإغماء أو النوم أو الجنون،و أما فی بقیة الصور فنمنع عدم الصدق خصوصا فیما إذا نام البائع بعد الإیجاب مع علمه بذلک،و أن المشتری یقبل لا محالة،و کذا فیما إذا کان المانع هو الفلس أو السرقة أو السفه).

و لکن التحقیق یقتضی الالتزام بالصحة إذا فقد المشتری شرائط صحة الإنشاء حال إنشاء البائع،و بالفساد فی عکسه.و الوجه فی ذلک:أن المناط فی تحقق العقد إنما هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری-و قد عرفته سابقا- و علیه فإذا أنشأ البائع حال کون المشتری نائما-أو غافلا أو مغمی علیه،ثم التفت المشتری إلی هذا الإنشاء فقبله قبل صدور ناسخه من البائع-صدق علیه عنوان العقد جزما،و یحکم بصحته للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود.

بل تدل علی ذلک السیرة الواقعة بین التجار،لأن المتعارف فیما بینهم

ص:75

-غالبا-أن یکتب بعضهم إلی بعض بیع متاعه الخاص بقیمة معینة،و یقبله المکتوب الیه،مع أنه ربما یکون-عند کتابه البائع-نائما أو غافلا أو مجنونا،و لا شبهة فی صحة هذه المعاملة.

أما إذا لم یبق البائع علی الشرائط حین قبول المشتری حکم بفساد العقد إذ یرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الإنشاء عنه،و لا یتصل التزامه بالتزام المشتری،إلا فی مثل النوم و الغفلة،فإنهما لا ینافیان بقاء التزام البائع للسیرة المزبورة.و هذا واضح لا شک فیه.

بحث استطرادی فی لحوق الرضاء

بالبیع الإکراهی

قوله:(ثم إنهم صرحوا بجواز لحوق الرضاء لبیع المکره). أقول:

حاصل کلامه:أن ما ذکرناه-من اعتبار أن یکون کل من المتعاقدین واجدا للشرائط عند تحقق الإنشاء من الآخر-یقتضی بطلان عقد المکره سواء ألحق به الرضاء من المکره-بالفتح-أم لا،و لکن التزم الأصحاب بصحة ذلک مع لحوق الرضاء به.و لعل هذا من جهة الإجماع القائم علی خلاف الأصل و القاعدة.

و یتوجه علیه:أن بیع المکره المتعقب بالرضاء-و إن خرج من القاعدة المزبورة-إلا أن خروجه عنها لیس من جهة الإجماع،بدیهة أن الإجماع لا یصحح صدق عنوان العقد علی ما لیس بعقد عرفا.

و إنما الوجه فی صحة بیع المکره-مع لحوق الرضاء به-هو أن الاختیار له معنیان:

ص:76

1-أن یستند الفعل الصادر من الفاعل إلی إرادته،و یقابله صدور الفعل منه بلا اختیار و شعور،کحرکة المرتعش.

2-أن یراد من الاختیار تسلط الفاعل علی فعله،و یقابله کونه مجبورا فی فعله و مکرها علیه من ناحیة شخص آخر.

أما الاختیار بالمعنی الأول فلا شبهة فی اعتباره فی العقود،لأنا ذکرنا مرارا:أن حقیقتها-بل حقیقة جمیع الأمور الإنشائیة-متقومة بالاعتبار النفسانی المظهر بمبرز خارجی و من الواضح جدا أنه إذا انتفی القصد و الالتفات من المتعاقدین انتفی منهما الاعتبار النفسانی،و إذن فیکون اللفظ الصادر منهما لفظا ساذجا،و غیر مظهر للاعتبار النفسانی.و من البیّن الذی لا ریب فیه أن اللفظ الساذج بعید عن مفهوم العقد.

أما الاختیار بالمعنی الثانی فلا دلیل علی اعتباره فی حقیقة العقد ضرورة أن الإرادة و الاختیار-بهذا المعنی-من الأمور النفسانیة التی لا تطلع علیها غیر علام الغیوب،و علیه فلا یعقل أن تقع موردا للإجبار.

و من هنا ذکر المصنف-فی البحث عن جواز الکذب عند الضرورة- أن المکره علی إنشاء العقود إنما أکره علی التلفظ بصیغة البیع،و لم یکره علی إنشاء حقیقة البیع،فالإکراه علی البیع الحقیقی یختص بغیر القادر علی التوریة،کما أن الاضطرار علی الکذب مختص بالعاجز عنها.

و علیه فإذا کان شخص مکرها علی البیع،و لم یورّ-مع قدرته علی التوریة-فقد أوجد البیع بإرادته و اختیاره.انتهی ملخص کلامه.

أما ما أجاب به المصنف عن ذلک فی المبحث المذکور فهو لا یرجع إلی معنی محصل فراجع هناک.

و کیف کان أن المکره علی البیع-مثلا-إنما أکره علی التکلم بکلمة

ص:77

بعت من غیر أن یجبر علی قصد معناه.و حینئذ فإذا تکلم بذلک مع القصد و الالتفات إلی المعنی کان هذا بیعا حقیقة،لأن شأن الأمور الإنشائیة فی ذلک شأن الأفعال التکوینیة.فکما أن المکره علی إیجاد فعل تکوینی فی الخارج لا یخلو عن القصد و الإرادة،-و لا یکون الفعل الصادر منه کالفعل الصادر من النائم و الساهی و المجنون و أمثالهم-کذلک الحال فی الأفعال الإنشائیة.

نعم صحة العقود و الإیقاعات تدور مدار صدورها من المنشئ فی حال الرضاء،و طیب النفس،للأدلة الدالة علی ذلک،و إذا انتفی الرضاء فسدت العقود و الإیقاعات،و لم یترتب علیها أثر شرعی أصلا.

و علی الإجمال:إن اعتبار الرضاء فی صحة العقود و الإیقاعات اعتبار شرعی،و لیس ذلک من جهة دخله فی مفهوم العقد و إلا لم یلتزم بعض العامة (1)بصحة عقد المکره،ضرورة أن ما لا یصدق علیه مفهوم العقد لا یعقل أن یکون عقدا صحیحا.

و علی هذا الضوء فصحة بیع المکره مع لحوق الرضاء به لیست من جهة الإجماع،بل من جهة موافقته للقاعدة.

حیث إنه لا یستفاد من دلیل اعتبار الرضاء إلا اعتباره علی النحو الجامع بین المقارن و اللاحق،و سیأتی توضیح ذلک فی البحث عن بیع المکره و هذا بخلاف المعاملات الصادرة من المجنون و الغافل و المغمی علیه و أشباههم،فإنه لا یمکن تصحیحها بلحوق رضاهم بها،إذ لا یصدق علیها أی عنوان من عناوین المعاملات،و لا ینطبق علیها أی مفهوم من مفاهیمها.بل لا یصح أن یطلق علیها أی اسم من أسماء العقود و الإیقاعات،إلا أن یکون الإطلاق بنحو من العنایة و المجاز.

ص:78


1- 1) سنذکر ما ذهب الیه هذا البعض فی البحث عن بیع المکره.

و أیضا یدلنا أمران علی دخل الرضاء-بالمعنی الثانی-فی صحة العقد، لا فی مفهومه:

1-أنه لو کان شخص مکرها علی إجراء الصیغة لعقد خاص لحکم بصحة ذلک العقد،و من الظاهر أنه لو کان فعل المکره کفعل المجنون و شبهه لحکم بفساده،بل حکم بعدم صدق عنوان العقد علیه.

2-أنه قد استدل الامام(علیه السلام)-فی صحیحة البزنطی (1)-بحدیث الرفع علی بطلان طلاق المکره و عتاقه و صدقته،و من البیّن الذی لا ریب فیه أنه لو لم تصدق علیها هذه العناوین لحکم الامام(علیه السلام)بالبطلان من جهة عدم تحقق العناوین المذکورة فی الخارج،و لم یحکم بعدم صحتها من جهة حدیث الرفع،بدیهة أن التعلیل بالأمر الذاتی أولی من التعلیل بالأمر العرضی و سیأتی تفصیل هذه المسألة فی البحث عن بیع المکره إنشاء اللّه تعالی.

بحث فی اختلاف المتعاقدین فی شروط العقد

قوله:(فرع لو اختلف المتعاقدان-اجتهادا أو تقلیدا-فی شروط الصیغة). أقول:إذا اختلف المتعاقدان فی شروط الصیغة فهل یصح اکتفاء کل منهما بما یقتضیه مذهبه أم لا بد من أن یأتی کل منهما علی طبق ما یقتضیه مذهب کلیهما؟.

أم یعتبر فی ذلک أن لا یکون العقد الصادر منهما مما لا قائل بکونه سببا للنقل و الانتقال؟.

ص:79


1- 1) تقدمت هذه الصحیحة فی ص 10.

مثلا:إذا فرضنا أنه لا قائل بجواز تقدیم القبول علی الإیجاب-مع القول بجواز إنشاء العقد بالألفاظ الفارسیة-حکم بفساد العقد الفارسی إذا تقدم قبوله علی إیجابه،و فی غیر ذلک یحکم بالصحة.

و یتوجه علی الوجه الأخیر:أن عدم وجدان القائل بالصحة لا یوجب الجزم بالبطلان،إذ من المحتمل القریب أن یکون العقد الفارسی-الذی تقدم فیه القبول علی الإیجاب-موافقا للواقع،و علیه فیکون اجتهاد کل من المتعاقدین صحیحا فی نفس الأمر.

أما الوجهان الأولان فقد ذکر المصنف(ره)أنهما مبنیان علی أن الأحکام الظاهریة هل هی بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة لکی تکون نسبة الأمارات القائمة علیها نسبة الأسباب إلی مسبباتها،و نسبة الموضوعات إلی أحکامها؟.

أم هی أحکام عذریة:بمعنی أن العامل بها یکون معذورا فی عمله لا أنها أحکام حقیقیة قبال الأحکام الواقعیة،غایة الأمر یکون العامل بها معذورا فی عمله قبل کشف الخلاف؟.

و علی الأول فالمؤثر عند أحدهما مؤثر عند صاحبه أیضا و لو کان أحدهما مخالفا للآخر.

و علی الثانی فلا یترتب علیه أثر أصلا و رأسا،لأن المنشئ و إن رأی ترتب الأثر علی إنشائه،إلا أن صاحبه یراه مخطأ فی اجتهاده،و لاغیا فی إنشائه،و حینئذ فلا یترتب علیه الأثر فی نظره.هذا کله فیما إذا کان بطلان العقد عند کل من المتعاقدین المتخالفین مستندا إلی فعل الآخر،کالعربیة و الصراحة و الماضویة و الترتیب.

أما الموالاة،و التنجیز،و بقاء المتعاقدین علی صفات صحة الإنشاء إلی

ص:80

آخر العقد،فالظاهر أن اختلافهما فی ذلک یوجب فساد العقد،ضرورة أن فساد العقد من ناحیة الأمور المذکورة یسری من أحد الجانبین الی الجانب الآخر.

و ذلک من جهة أن قبول الإنشاء التعلیقی تعلیقی،و أن القبول المنفصل عن الإیجاب بزمان-عند من لا یعتبر التوالی-یوجب الانفصال بینهما عند من یعتبر ذلک،و أن قبول الإیجاب الصادر ممن لیست له أهلیة الإنشاء یکون معاملة مع شخص خارج عن أهلیة الإنشاء.

و علی الإجمال إن فساد أحد جزئی العقد و إن کان لا یسری الی الجزء الآخر.إلا أن منشأ الفساد ربما یسری من جزء الی آخر.و هذا واضح لا خفاء فیه.انتهی ملخص کلامه.

و یرد علیه أولا:أنه لا وجه لجعل الترتیب مثل الماضویة و العربیة و الصراحة،بل هی مثل الموالاة و التنجیز،بدیهة أن التقدم و التأخر من الأمور المتضائفة،فإذا تقدم القبول علی الإیجاب فقد تأخر الإیجاب عن القبول ثانیا:أن الأحکام الظاهریة الاجتهادیة لیست بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة،و إلا لزم التصویب.و هذا ظاهر.

ثالثا:أن الاختلاف فی طریقیه الأمارات،أو موضوعیتها إنما هو بالنسبة الی من قامت عنده الأمارة،فإنه علی القول بالطریقیة لا یجوز الاجتزاء بما أتاه المکلف بعد انکشاف الخلاف و علی القول بالموضوعیة یلتزم بالاجزاء.و قد تقرر هذا فی مبحث الاجزاء من علم الأصول.

أما بالنسبة الی غیر من قامت عنده الأمارة فالاکتفاء بمفادها یحتاج الی دلیل لیدل علی أن الحکم الظاهری فی حق کل أحد حکم واقعی نافذ فی حق غیره:بأن یقال:إن من کانت صلاته صحیحة ظاهرا-عند نفسه فللآخر

ص:81

أن یرتب علیها آثار الصحة الواقعیة،فیجوز الایتمام به.

و لکن لا دلیل علی هذه الکبری الکلیة إلا فی جملة من الموارد:

منها ما إذا أسلم الزوجان،أو زوج الکتابیة حکم ببقاء النکاح السابق للأخبار الکثیرة (1).

و منها ما إذا اعتقد أحد بصحة العقد الفارسی،و تزوج امرأة به لم یجز لغیره أن یتزوج بهذه المرأة ما دامت فی حبال الزوج الأول،للسیرة القطعیة المتصلة بزمان المعصومین(علیه السلام).

و منها غیر ذلک من الموارد التی دل الدلیل علی أن فعل العامل بالحکم الظاهری موضوع للحکم بالنسبة إلی غیره.

و من هنا لم یناقش أحد من الفقهاء-الملتزمین باعتبار العربیة فی الصیغة فی نکاح الأشخاص القائلین بجواز الإنشاء بغیر اللغات العربیة.و کذلک لم یناقش القائل باعتبار الماضویة فیها فی نکاح القائل بجواز الإنشاء بغیر الماضی.

و هکذا فی سائر شرائط العقد التی هی مورد لاختلاف الفقهاء رضوان اللّه علیهم و المتحصل من جمیع ما ذکرناه:هو أن مجرد کون مفاد الأمارة حکما حقیقیا فی حق الموجب،أو القابل لا یجدی شیئا فی المقام.بل لا بد و أن یکون ذلک حکما حقیقیا فی حق غیره أیضا،لأنه أحد طرفی العقد.

و قد ناقش فی ذلک بعض مشایخنا المحققین،و ملخص کلامه:هو أن الأمارة إذا قامت علی حکم تکلیفی فأقصی ما هناک هو تبدل الواقع بالنسبة الی من قامت الأمارة عنده علی الخلاف دون غیره.

و علیه فیمکن أن یکون الشیء حلالا بالإضافة الی أحد و حراما بالإضافة إلی شخص آخر-مثلا-إذا قامت الأمارة علی حلیة العصیر التمری بالغلیان

ص:82


1- 1) المرویة فی الوافی ج 12 ص 91

عند أحد لم یوجب هذا إلا الحلیة الواقعیة بالإضافة الی من قامت عنده الأمارة علی الحلیة دون غیره ممن لم تقم الأمارة عنده.و إذن فلیس لغیره ترتیب أثر الحلیة إذا کان من فی یده العصیر یری حلیته.

و هذا بخلاف الأحکام الوضعیة،فإنها إذا تحققت فی حق أحد-و لو من جهة قیام الأمارة عنده-تحققت فی حق الجمیع.فإذا اشتری-من یری جواز العقد بغیر العربی-شیئا بالعقد الفارسی حکمنا بکونه ملکا له واقعا، بناء علی القول بالسببیة و الموضوعیة.و مع تحقق الملکیة واقعا فی اعتبار الشارع-کما هو المفروض-جاز لکل أحد ترتیب الأثر علی تلک الملکیة.

و حینئذ فیکون اجتهاد أحد نافذا فی حق غیره أیضا.

و من هنا لا یکون-فی هذه الموارد-کشف خلاف أصلا،بل بتبدل الرأی یتبدل الموضوع لا محالة.

و قد اتضح مما بیناه الفارق بین المقام،و بین ما إذا قامت الأمارة علی وجوب صلاة الجمعة-مثلا-فان قیام الأمارة و إن کان یوجب-علی الفرض- أن تکون صلاة الجمعة واجدة للمصلحة الإلزامیة،إلا أنه لا یقتضی أن تکون المصلحة الموجودة فیها بدلا عن المصلحة الواقعیة.

و علی هذا فإذا انکشف الخلاف علم منه أن المصلحة الواقعیة باقیة علی حالها،فیجب تحصیلها.و لیست-فی باب المعاملات-مصلحة لازمة التحصیل لکی یجری فیها هذا البیان.انتهی ملخص کلامه.

أقول:هذا الذی أفاده المحقق المزبور و إن کان متینا بناء علی السببیة إلا أنا ذکرنا-فی مبحث الجمع بین الأحکام الظاهریة و الأحکام الواقعیة من علم الأصول-أن الالتزام بالموضوعیة و السببیة حتی السببیة السلوکیة-التی اخترعها المصنف فی رسائله-مستلزم للتصویب،و إذن فلا یمکن الالتزام

ص:83

بذلک.فلا مناص وقتئذ عن القول بالطریقیة المحض فی جعل الأمارات، و لازم ذلک هو عدم جواز اکتفاء أحد المتعاقدین بما یراه الآخر صحیحا فیحکم بالصحة من جانب،و بالفساد من جانب آخر.

و قد یقال إن العقد فعل واحد تشریکی یحصل من الإیجاب و القبول، و علیه فلا بد و أن یکون صحیحا فی مذهب کل منهما لکی یمکن ترتب الأثر علیه فلا یجوز الاکتفاء بالعقد الفارسی لمن یری بطلانه.

و قد یقال أیضا:إن العقد مرکب من الإیجاب و القبول،فلا یتحقق مفهومه إلا بهما،و حینئذ فإذا صح من طرف الموجب صحّ من طرف القابل أیضا إذ لا یعقل وقوعه صحیحا من جانب و فاسدا من جانب آخر.

و لکن التحقیق:هو ما ذکرناه-من الحکم بالصحة من جانب و بالفساد من جانب آخر-ضرورة أن العقد و إن کان متقوما بالإیجاب و القبول،إلا أن ذلک لا یقتضی إلا التلازم-فی الصحة أو الفساد-بحسب الحکم الواقعی، لأنه لا یمکن فی الواقع أن ینتقل المبیع إلی المشتری،و لا ینتقل الثمن إلی البائع أما بالنسبة إلی الحکم الظاهری فلا مانع من الالتزام بالتفکیک:بأن یعمل کل من الموجب و القابل بما تقتضیه وظیفته الظاهریة.

مثلا:إذا کان البائع مقلدا لمن یقول بصحة العقد بالفارسی و کان المشتری مقلدا لمن یقول ببطلان ذلک جاز للبائع أن یتصرف فی الثمن،لأنه یراه ملکا لنفسه،و لا یجوز له أن یتصرف فی المبیع،لأنه خارج عن ملکه فی نظره.

أما المشتری فلا یجوز له التصرف فی المبیع،لأنه لا یراه ملکا لنفسه بل یراه ملکا لمالکه الأول.

و لا عجب فی ذلک،لأن التفکیک فی الأحکام الظاهریة مما لا یحصی،

ص:84

فان الماء القلیل ینفعل بالنجاسة عند بعض،و لا ینفعل بها عند بعض آخر،و ماء البئر ینفعل بملاقاة النجس عند قوم،و لا ینفعل بها عند قوم آخرین و الغسالة محکومة بالنجاسة عند فقیه،و بالطهارة عند فقیه آخر.و إلی غیر ذلک من الموارد الکثیرة التی وقع فیها التفکیک فی الأحکام الظاهریة.

بحث فی المقبوض بالعقد الفاسد و فروعه

اشارة

قوله:(لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم یملکه،و کان مضمونا علیه) أقول:قد طفحت عبارات الأصحاب بأن المقبوض بالعقد الفاسد غیر مملوک للقابض،بل هو مضمون علیه:

فعنی غصب المسالک:الاتفاق علی أن المقبوض بالعقد الفاسد یضمن.

و عن غصب الکفایة.أنه مقطوع به فی کلام الأصحاب.

و عن التذکرة:البیع الفاسد لا یفید ملکیة المشتری للمعقود علیه.

و لو قبضه لم یملکه بالقبض،و لو تصرف فیه لم ینفذ تصرفه فیه عند علمائنا أجمع.

و عن کشف الحق:أنه ذهبت الإمامیة أن الشراء الفاسد لا یملک بالقبض و لا ینفذ عتقه،و لا یصح شیء من تصرفه.

و عن السرائر:أن البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب و الضمان.و إلی غیر ذلک من کلماتهم المذکورة فی هذه المسألة.

و ذکر المصنف:أنه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم یملکه،و کان مضمونا علیه

ص:85

أما العقد السلبی-:أعنی به عدم الملک-فلأن المؤثر فی حصول الملکیة إنما هو العقد،فإذا حکم بفساده و صیرورته کالمعدوم لم یؤثر فی الملکیة.

أما العقد الإیجابی-:أعنی به ثبوت الضمان علی القابض-فهو المعروف بین الأصحاب.بل ادعی الشیخ-فی باب الرهن،و فی موضع من البیع- الإجماع علیه صریحا.انتهی ملخص کلامه.

ثم إنه ربما یستظهر من قول المصنف: (و لیس استیلادها من قبیل إتلاف النماء،بل من قبیل إحداث إنمائها غیر قابل للملک،فهو کالتالف،لا کالمتلف). اختصاص محل البحث بالتلف،و عدم شموله للإتلاف،بدیهة أن الضمان فی صورة الإتلاف أمر واضح،و غیر خفی علی طلبة العلم فضلا عن الفقیه المتضلع من الفقه.

و وجه الاستظهار:هو أن الظاهر کون العبارة المذکورة جوابا عن سؤال مقدر.و هو أن مورد الخبر الآتی-الوارد فی الأمة المبتاعة-من قبیل الإتلاف،فیخرج عن مورد بحثنا-فی المقام-لأن البحث-هنا-مختص بالتلف السماوی.أما الإتلاف فلا شبهة فی کونه موجبا للضمان،لقاعدة من أتلف و أجاب المصنف عن ذلک بقوله:و لیس استیلادها إلخ.

و یرد علیه:أنه لا وجه للفرق بین التلف و الإتلاف،ضرورة أن تسلیط المالک غیره علی ماله مع فرض فساد العقد إذا کان مانعا عن ثبوت الضمان بالید کان مانعا عن ثبوت الضمان بالإتلاف أیضا،و علیه فلا وجه للتفرقة بین صورتی الإتلاف و التلف بالالتزام بالضمان فی الثانیة،دون الاولی

ص:86

ما هو مدرک الضمان فی قاعدة ما یضمن؟
اشارة

قد ذکر المصنف: (أن هذه المسألة-:أعنی بها مسألة المقبوض بالعقد الفاسد-من جزئیات القاعدة المعروفة:کل عقد یضمن بصحیحة یضمن بفاسده،و ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده.فالمهم بیان معنی القاعدة أصلا و عکسا) ثم أطال الکلام فی ذلک من حیث الشرح و التفسیر و من حیث النقض و الإبرام.و من حیث الاطراد و الانعکاس.

و لکن التحقیق:أنه لا یهمنا البحث فی شیء من هذه النواحی ضرورة أن هذه القاعدة بألفاظها المذکورة لم ترد فی آیة،و لا فی روایة،و لا أنها جعلت موردا للإجماع،لکی یبحث عنها،و عن مفردات ألفاظها،و عن سعة دلالتها.

بل هذه القاعدة غیر مغروسة-بالألفاظ المزبورة-فی کلمات القدماء و إنما وجدت و حدثت فی کلمات المتأخرین.و إذن فیحسن بنا أن نصرف عنان البحث إلی ما یمکن أن یجعل مدرکا لهذه القاعدة و دلیلا علی ضمان المقبوض بالعقد الفاسد لکی یتضح من ذلک ما هو المدرک لقاعدة ضمان الید أیضا.

فنقول:إنه استدل علی الضمان-فی محل الکلام الذی سیتضح لک قریبا-بوجوه شتی:

1-النبوی المعروف:

أعنی به قوله(صلی الله علیه و آله):علی الید ما أخذت حتی تؤدیه[1] و یرد علیه:أن هذا الحدیث ضعیف السند لأنه لم یذکر فی أصولنا

ص:87

المعدة لضبط الأحادیث،و إنما أخذه الأصحاب من أصول العامة،و استدلوا به علی مقصودهم فی کتبهم الاستدلالیة،و إذن فلا یمکن الاستناد إلیه فی شیء من الأحکام الشرعیة،فضلا عن جعله من القواعد المسلمة بین الفقهاء،و تسمیته بقاعدة ضمان الید.

و دعوی أن الحدیث المزبور و إن کان ضعیف السند،و لکن ضعفه منجبر بعمل المشهور به،و إرسالهم إیاه إرسال المسلمات.

دعوی فاسدة،لأنا ذکرنا مرارا:أن عمل المشهور بروایة ضعیفة لا یوجب اعتبارها.کما أن إعراضهم عن العمل بالروایة الصحیحة لا یوجب

ص:88

وهنها،لأن الشهرة فی نفسها لیست بحجة،فلا تکون موجبة لحجیة الخبر، و جابرة لضعف سنده.و علیه فلا بد من ملاحظة نفس الخبر،فان کان جامعا لشرائط الحجیة أخذ به،و إلا فإن ضم غیر حجة إلی مثله لا ینتج الحجیة.

و تفصیل ذلک فی علم الأصول.

و یضاف إلی ذلک:أنه لم یتضح لنا استناد المشهور إلی الحدیث المزبور فی فتاویهم بالضمان فی موارد ضمان الید،إذ من المحتمل أنهم استندوا فی ذلک إلی السیرة-التی سنتعرض لها قریبا-أو استندوا فی ذلک إلی وجه آخر و إنما ذکروا حدیث ضمان الید تأییدا لمرامهم.فافهم.

2-الروایات1الدالة علی أن الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة

بعد أن أولدها المشتری-أخذها صاحبها،

ص:89

و أخذ المشتری ولده بالقیمة حیث إن ضمان الولد بالقیمة-مع کونه نماءا لم یستوفه المشتری-یستلزم ضمان الأصل بالأولویة.

و یتوجه علیه:أن الروایات المذکورة غریبة عن مرکز بحثنا،إذ المفروض-هنا-أن یکون البائع مالکا أما المذکور فی الروایة فهو کون البائع غاصبا،و من الواضح الذی لا ریب فیه أنه لم یتوهم أحد عدم الضمان فی هذه الصورة حتی فیما إذا کان العقد غیر معاوضی کالهبة.و حکمنا بعدم الضمان فی مورد بحثنا.

3-الروایات الدالة علی عدم حلیة مال امرئ مسلم إلا بطیب نفسه،

(1)

فإنها تشمل المقام أیضا.

و یرد علیه:أن نسبة الحل إلی الأموال و الأعیان إنما هی باعتبار التصرف،إذ لا معنی لحلیة الأعیان الخارجیة.کما أن نسبة الحرمة إلیها بهذا اللحاظ،ضرورة أنه یراد من حرمة الخمر حرمة شربه،و من حرمة المال حرمة التصرف فیه.و من حرمة الأمهات و البنات و الأخوات حرمة نکاحهن و هکذا فی سائر الموارد.

و علیه فالغرض من تلک الروایات إنما هو الحرمة التکلیفیة دون الحرمة الوضعیة.و إذن فهی بعیدة عن إثبات الضمان و حینئذ فشأنها شأن ما دل علی حرمة التصرف فی مال غیره بدون إذنه (2)فکما أن الطائفة الثانیة

ص:90


1- 1) قد ذکرناها فی الجزء الثانی فی ص 138.
2- 2) قد ذکرناه فی الجزء الثانی فی ص 138.

ظاهرة فی الحکم التکلیفی فقط،کذلک الطائفة الأولی.فلا تعرض فیها للضمان.

4-قوله(علیه السلام)(حرمة ماله-:أی المؤمن-کحرمة دمه1

فان الظاهر من هذه الجملة هو أن إتلاف مال المؤمن موجب للضمان،و أنه لا یذهب هدرا،کما أن دمه لا یذهب هدرا.

و یتوجه علیه:أن هذه الجملة المبارکة-لو دلت علی الضمان-فإنما تدل علیه فی فرض الإتلاف،دون التلف،إذ لا یتوهم عاقل أنه إذا تلف مال مؤمن بآفة سماویة ضمن به سائر المؤمنین،و علیه فیکون الدلیل أخص من المدعی.

و یضاف إلی ذلک:أن هذه الجملة الشریفة مذکورة فی عداد جمل اخری التی هی ظاهرة فی الحکم التکلیفی،و هی ما یلی:سباب المؤمن فسوق،و قتاله کفر،و أکل لحمه معصیة،و من الواضح أن اتحاد السیاق یقتضی إرادة الحکم التکلیفی من هذه الجملة أیضا.و إذن فهی بعیدة عن إثبات الحکم الوضعی:أعنی به الضمان.

بل الظاهر أن المراد من کلمة الحرمة-فی قوله(علیه السلام):حرمة ماله کحرمة دمه-هو مقابل الحل،فیکون راجعا إلی الحکم التکلیفی،لا بمعنی الاحترام

ص:91

لکی یدل علی الحکم الوضعی،و علیه فمنزلة هذه الجملة منزلة الروایات المتقدمة الدالة علی عدم حلیة مال امرئ مسلم إلا بطیب نفسه،و قد عرفت-قریبا- عدم دلالتها علی الضمان.

و إن أبیت عن ظهورها فی ذلک فلا ظهور لها فی إثبات الضمان أیضا، فتکون مجملة.

و قد تفسر حرمة المال-فی الجملة المزبورة-بأنه لا تجوز مزاحمة صاحبه بوجه حدوثا و بقاء،و هذا و إن کان لا یفید إلا الحکم التکلیفی ما دامت العین باقیة،إلا أن عدم تدارک العین بعد إتلافها إبقاء للمزاحمة المحرمة فلا بد من رفعها،و لا یمکن رفعها إلا بأداء مثله أو قیمته،و علیه فتدل الروایة علی الحکم التکلیفی بالمطابقة،و علی الحکم الوضعی بالالتزام.

و لکن یرد علیه:أن البحث-هنا-إنما هو فی أصل اشتغال الذمة، و هو مشکوک فیه-فی المقام-و من الظاهر أن حرمة المزاحمة لا تثبت إلا بعد إثبات أصل الضمان.

5-ما ورد فی جملة من الروایات1أنه:لا یصلح ذهاب حق أحد

ص:92

فإنه یشمل المقام أیضا.

و الجواب عن ذلک:أن الاستدلال بهذه الجملة علی الضمان یتوقف علی أن یراد بالحق المال،و أن یکون عدم صلوح ذهابه کنایة عن ضمانه،و لم یثبت شیء من الأمرین.

بل إن تلک الجملة واردة فی مورد الوصیة،و أن للمسلم أن یوصی بماله، و هذا حق له،و لا یصلح أن یذهب حقه،و علیه فان أمکن الإشهاد علیه من المسلمین فهو،و إلا تجوز شهادة غیرهم أیضا و هذا معنی أجنبی عما نحن فیه بالمرة.

و یضاف إلی ذلک أنها لا تشمل صورة التلف،فیکون الدلیل أخص من المدعی.

6-الروایات1الدالة علی نفی الحکم الضرری فی الشریعة المقدسة

ص:93

و من الظاهر أن الحکم بعدم ضمان القابض لما قبضه بالعقد الفاسد ضرر علی المالک،فینفی بأدلة نفی الضرر.

و الجواب عن ذلک أولا:أنه لا دلالة فی هذه الروایات علی الضمان -هنا-سواء أرید منها نفی الحکم الضرری بداءة،کما علیه المصنف،أم أرید منها نفی الحکم الضرری بلسان نفی موضوعه،کما علیه جمع من المحققین.

و الوجه فی عدم دلالتها علی ذلک:هو ما ذکرناه فی محله من اختصاص أدلة نفی الضرر برفع الأحکام المجعولة فی الشریعة.أما إذا کان الضرر ناشئا من عدم جعل حکم-کالضمان فی المقام-فأدلة نفی الضرر لا تفی بنفیه لیثبت الجعل الشرعی:أی الضمان.

ثانیا:أن محل الکلام-فی المقام-هو الضمان بالبدل الواقعی،فإن الضمان بالمسمی غیر ثابت قطعا،و علیه فتقع المعارضة فی شمول أدلة نفی الضرر لکلا الطرفین،إذ قد یزید البدل الواقعی علی المسمی بکثیر.و وقتئذ الحکم بضمان القابض له مع عدم إقدامه علیه بوجه یوجب تضرره لا محالة.

ثالثا:أن هذه الروایات لو دلت علی الضمان فإنما تدل علیه فی موارد الإتلاف،أو فی موارد استیفاء المنافع،أو فیما کان العمل بأمر الآمر.أما

ص:94

فی فرض التلف السماوی-مع تحفظ القابض علیه-فلا موجب لاضراره دفعا لتضرر المالک.

و علی الجملة:انه لا دلالة فی شیء من الوجوه المتقدمة علی الضمان فی المقبوض بالعقد الفاسد.نعم الدلیل علی الضمان-هنا-إنما هو السیرة،فإنها قائمة علی ضمان الید فی أمثال ذلک،و لم یثبت ردعها من ناحیة الشارع المقدس و سیأتی تفصیل ذلک فی الوجه الآتی.

7-قاعدة الإقدام التی ذکرها الشیخ فی المبسوط،

حیث إنه علل الضمان -فی موارد کثیرة من البیع و الإجارة الفاسدین-بدخول القابض علی أن یکون المال مضمونا علیه بالمسمی،فإذا لم یسلم،له المسمی رجع إلی المثل أو القیمة.

و من تلک الموارد ما ذکره فی فصل تفریق الصفة من البیع،و قال نصا (و إنما وجب الضمان علیه،لأنه أخذ الشیء بعوض،فإذا لم یسلم العوض المسمی وجب عوض المثل لما تلف فی یده).

و قد ناقش المصنف فی هذا الوجه أولا:بان ما أقدم علیه المتعاقدان غیر ممضی للشارع،و حینئذ فإذا ثبت الضمان بالمثل أو القیمة فقد ثبت بدلیل خاص،لا بقاعدة الإقدام.

ثانیا:بأن ما ذکره من التعلیل لیس بمطرد،و لا بمنعکس،إذ قد یتحقق الاقدام و لا یترتب علیه الضمان.کما فی صورة تلف المبیع قبل القبض فی البیع الصحیح،فإن المشتری قد أقدم علی الضمان-هنا-و لکن لا ضمان علیه.

و قد لا یکون إقدام فی العقد الفاسد،و مع ذلک یتحقق فیه الضمان، کما إذا اشترط المشتری-فی عقد البیع-أن یکون ضمان المبیع-مع تلفه فی یده-علی البائع.

ص:95

أو قال البائع للمشتری:بعتک متاعی هذا بلا ثمن.

أو قال المؤجر للمستأجر:آجرتک داری هذه بلا اجرة.انتهی ملخص کلامه.

و الظاهر أن ما ذکره شیخ الطائفة موافق للتحقیق،فلا یتوجه علیه شیء مما ذکره المصنف:

أما الوجه الأول-الذی ذکره المصنف-فیرد علیه:أن الاقدام فی نفسه لیس علة تامة للضمان لکی یدور الضمان مدار الاقدام وجودا و عدما، و إنما هو متمم لسبب الضمان الذی هو الاستیلاء علی مال الغیر بلا تسلیط من المالک مجانا.و قد قامت السیرة القطعیة العقلائیة الممضاة للشارع علی أن التسلط علی مال الغیر تسلطا غیر مجانی موجب للضمان،و حیث إن الشارع المقدس لم یمض الضمان بالمسمی فیثبت الضمان بالمثل أو القیمة.و إذن فثبوت الضمان انما هو بالاقدام المنضم الی الاستیلاء من جهة السیرة العقلائیة غیر المردوعة من قبل الشارع لا بالاقدام الساذج لکی یناقش فیه بما ذکره المصنف.

أما الوجه الثانی-الذی ذکره المصنف-فیرد علیه:أنه لا وجه له لنقض اطراد القاعدة و انعکاسها بالأمثلة المذکورة:

أما ما ذکره من عدم الضمان فی بعض موارد الاقدام-کتلف المبیع قبل القبض فی البیع الصحیح-فلما عرفته من أن الاقدام بنفسه لا یوجب الضمان و إنما الموجب له الاقدام المنضم الی القبض.

بل قد تقدم فیما سبق (1)و یأتی فی أحکام القبض:أن التسلیم و التسلم من متممات الملکیة المترتبة علی البیع بمعنی:أن المرتکز فی أذهان العامة هو أن ضمان المشتری للمبیع،و ضمان البائع للثمن انما هو مشروط بالقبض

ص:96


1- 1) فی ص 33

فکل منهما إنما أقدم علی ضمان مال الآخر بشرط أن یقبضه، لا مطلقا،و علیه فالحکم بعدم الضمان قبل القبض حکم علی طبق الارتکاز العقلائی.

أما ما ذکره-من تحقق الضمان مع اشتراطه علی البائع-فیرد علیه:

أنه لا صلة له بما نحن فیه،لأن المشتری قد أقدم علی ضمان المسمی من جهة البیع،غایة الأمر أنه شرط علی البائع ضمانا من دون سبب یقتضیه،و علیه فان قلنا بفساد هذا الشرط مع إفساده،أو عدمه،أو قلنا بصحته کان ذلک خارجا عما أراد المصنف من ثبوت الضمان بلا إقدام.

أما ما ذکره-من نقض القاعدة بالبیع بلا ثمن،أو بالإجارة بلا اجرة فهو غریب عما نحن فیه،لأنهما و إن کانا بحسب الصورة بیعا و إجارة،إلا أنهما-فی الحقیقة-من قبیل الهبة و العاریة،نهایة الأمر أنهما قد انشئتا بلفظی البیع و الإجارة.

و من الظاهر أن أمثال هذه الإنشاءات تعد فی نظر أهل العرف من الأغلاط،إذ لم یتعارف بینهم استعمال کلمة(بعتک المتاع الفلانی بلا ثمن).

فی إنشاء الهبة،و لا استعمال کلمة(آجرتک الشیء الفلانی بلا اجرة)فی إنشاء العاریة.

و قد عرفت فی البحث عن ألفاظ العقود أن إنشاء العقد بالألفاظ المغلطة فی نظر أهل العرف لا یعد إنشاء صحیحا عندهم.و إذن فیحکم بفساد الهبة و العاریة المذکورتین،و لا یحکم بالضمان عندئذ،لعدم الموجب له.

فتحصل من جمیع ما حققناه:أن ثبوت الضمان-فی المقام-إنما هو بالاقدام المنضم الی الاستیلاء من جهة السیرة القطعیة العقلائیة المتصلة بزمان المعصومین(علیه السلام)و غیر المردوعة من قبلهم.أما بقیة الوجوه المتقدمة فقد

ص:97

عرفت أن الاستدلال بها علی الضمان-هنا-لا یرجع الی معنی محصل.

و علیه فیحکم بالضمان فی المقبوض بالعقد الفاسد مطلقا من ناحیة السیرة المزبورة.سواء فی ذلک التلف و الإتلاف.

و اذن فمدرک الضمان فی قاعدة ضمان الید،و فی المقبوض بالعقد الفاسد انما هو هذه السیرة.هذا ما ساقنا الیه نظرنا القاصر،و اللّه العالم بالواقع.

بحث فی بعض الأعمال المضمونة

قوله:(و یبقی الکلام حینئذ فی بعض الأعمال المضمونة) أقول:قد عرفت أن المقبوض بالعقد الفاسد مضمون علی القابض.و هل یحکم بضمان الأعمال التی لا ترجع نفعها الی الضامن،و لم تقع فی الخارج بأمره-کالسبق مثلا فی المسابقة الفاسدة-أم لا؟.

قد حکم الشیخ و المحقق و غیرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل.

و حکم قوم آخرون بالاستحقاق.

و التحقیق هو الأول،لأن مناط الضمان إما الاستیلاء علی أموال الناس أو استیفاء منافعها،أو الأمر بعمل محترم مع صدوره من المأمور فی الخارج،سواء أوصل نفع ذلک العمل الی الآمر أم لم یصل الیه.

و من الظاهر أن هذه الجهات کلها منتفیة فی المسابقة الفاسدة،بدیهة أن الصحیح منها انما یوجب الضمان من جهة إمضاء الشارع هذه المغالبة،لأجل الاهتمام بأمر الجهاد مع الکفار،حیث ان فی المسابقة و المراماة تمرینا للحرب،و تهیئا إلیها،و لو لا هذه الناحیة لم تفترق المسابقة و المراماة من سائر أنواع القمار الذی نهی عنه وضعا و تکلیفا بالآیات المتظافرة،و الروایات

ص:98

المتواترة من طرقنا،و من طرق العامة.و قد تعرضنا لها و لحرمة القمار بأنواعه تفصیلا فی الجزء الأول.

و علی هذا الضوء فإذا فقد شرط من شرائط عقد المسابقة و صار فاسدا کان ذلک مصداقا للقمار المحرم،فیکون أکل المال به أکلا له بالباطل،إذ المفروض أنه لم یتحقق-فی مورد المسابقة الفاسدة-ما یوجب الضمان ضرورة أنه لم یوجد فیها الا سبق السابق و من البدیهی أن هذا السبق لیس بأمر المسبوق،و لا أن نفع هذا العمل قد وصل الیه،و لا أنه أتلف شیئا من أموال السابق،و اذن فکیف یحکم-هنا-بالضمان.

و بتعبیر آخر:أن حرمة القمار من ضروریات الدین الإسلامی،و قد خرجت منها المسابقة الصحیحة فقط لمصالح خاصة،أما غیرها فهو باق علی حرمته.

هل یفرق فی الضمان بین علم الدافع و جهله؟

قوله:(ثم انه لا فرق فیما ذکرنا من الضمان فی الفاسد بین جهل الدافع بالفساد،و بین علمه مع جهل القابض). أقول:الوجه فی ذلک هو ما ذکرناه آنفا من قیام الدلیل علی الضمان علی وجه الإطلاق،و هو السیرة العقلائیة القائمة علی ضمان الید مع الاقدام.

و قد یتوهم عدم الضمان مع علم الدافع بالفساد،ضرورة أن المالک مع علمه بالفساد-قد سلط القابض علی ماله،و علیه فیصبح المال أمانة مالکیة عند القابض،و حینئذ فإذا تلف عنده لم یحکم بضمانه،للروایات (1)الدالة علی

ص:99


1- 1) المرویة فی الوافی ج 10 ص 118،و 125.

عدم ضمان الأمین مع عدم التفریط.

و یرد علیه:أن المالک-عندئذ-و ان سلط القابض علی ماله،الا أن هذا التسلیط لا یجعل المقبوض أمانة مالکیة عند القابض،لکی لا یحکم بضمانه مع التلف،بل انما هو تسلیط بإزاء العوض،و من الواضح أنه إذا أقدم القابض علی أخذ مال غیره-علی النهج المزبور-حکم بضمانه للمالک ما لم یسقط ضمانه بمسقط،و المفروض عدم سقوطه بذلک،فلا صلة له بموارد الاستیمان حتی یحکم بعدم الضمان-هنا-من ناحیة ما دل علی عدم الضمان هناک و دعوی:أن الاذن المتحقق فی ضمن العقد مسقط للضمان.

دعوی جزافیة،بداهة أن الاذن المتحقق فی ضمن العقد لیس إذنا مطلقا و انما هو اذن مقید بدفع عوض المقبوض.

و قد یتخیل عدم الضمان مع علم الدافع و جهل القابض،لقاعدة الغرور.

و لکن هذا التخیل باطل،لأن الغرر بمعنی الخدیعة،و من الظاهر أنه لا یتحقق إلا بأمرین أحدهما علم الغار،و ثانیهما جهل المغرور.و بدیهی أن القابض و ان کان-هنا-جاهلا بفساد العقد،الا أنه عالم بأن أخذه هذا لیس أخذا مجانیا،بل إنما هو أخذ بإزاء العوض.

نعم لا بأس بالتمسک بهذه القاعدة فی الزائد عن العوض المسمی ضرورة أن الدافع غار بالنسبة الی هذا الزائد.فیرجع الیه،لا الی القابض المغرور و سیأتی تفصیل ذلک فی البحث عن بیع الغاصب مع علم المشتری بالغصب.

ثم انه لا وجه لإثبات الضمان-هنا-بإطلاق النص و الفتوی-کما فی المتن-لما عرفته آنفا من عدم تمامیة النص-أعنی به حدیث علی الید-فضلا عن التمسک بإطلاقه.

ص:100

هل تضمن العین المستأجرة فی الإجارة؟

قوله:(ثم إن مقتضی ذلک عدم ضمان العین المستأجرة فاسدا،لأن صحیح الإجارة غیر مفید لضمانها)، أقول المحکی عن القواعد و التحریر و التذکرة:أن صحیح الإجارة غیر مفید لضمان العین المستأجرة،و مقتضی ذلک أن فاسدها أیضا لا یفید الضمان.

و عن جامع المقاصد-فی باب الغصب-:أن الذی یلوح من کلامهم هو عدم ضمان العین المستأجرة فاسدا باستیفاء المنفعة.

و فی الریاض:(العین مضمونة فی ید المستأجر مطلقا،کما نسب الی المفهوم من کلمات الأصحاب).و قال المصنف:الظاهر أن المحکی عنه هو المحق الأردبیلی فی مجمع الفائدة.

و التحقیق:أن العین المستأجرة قد تکون تحت ید مالکها و لا یتسلط علیها المستأجر،کما إذا استأجر دابة لکی یحمل المکاری متاعه معها الی مکان خاص،و لا ریب:أن ضمان الدابة حینذاک علی المالک،لا علی المستأجر فإن الإجارة المجردة لا توجب ضمان متعلقها.

و قد تکون العین المستأجرة عند المستأجر،لا من جهة اقتضاء الإجارة ذلک،بل من جهة خارجیة،کما إذا فرضنا أن المکاری قد فوض حمل المتاع فی فرض المثال إلی المستأجر،فإن الدابة عندئذ تکون أمانة عند المستأجر و هذا أیضا لا یوجب ضمانه،فإنه أمین.

و قد تکون العین المستأجرة عند المستأجر من جهة اقتضاء الإجارة ذلک کما إذا استأجر دارا لیسکنها فانهدمت الدار،و هذا هو مورد الخلاف بین

ص:101

الأصحاب،حیث ذهب جمع منهم الی الضمان-هنا-و ذهب جمع آخر منهم الی عدمه.

ثم انه قد استدل علی الضمان بوجهین:

1-أن قاعدة ضمان الید تقتضی الضمان،و قاعدة ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده تقتضی عدم الضمان فتخصص الثانیة بالأولی.

و الجواب عن ذلک:أن القاعدة الثانیة واردة فی مورد القاعدة الأولی و علیه فلا وجه لتوهم المعارضة،کما لا وجه لتوهم التخصیص.

2-أن العین-فی الإجارة-خارجة عن مورد العقد خروجا موضوعیا ضرورة أن الإجارة تملیک للمنفعة،دون العین،فالضمان فی مورد الإجارة علی طبق القاعدة،بداهة أن المراد بما یضمن فی العقود،و ما لا یضمن هو ما یرد علیه العقد-کالعوضین فی البیع،و المنفعة،و بدلها فی الإجارة-لا ما هو خارج عنه،کالعین فی الإجارة،غایة الأمر:أن تسلیمها إلی المستأجر-فی فرض صحة الإجارة-انما کان لأجل استیفاء المنفعة،فتکون أمانة عنده و یلحقها حکمها أما إذا کانت الإجارة فاسدة فإن المؤجر و ان دفع بنفسه العین إلی المستأجر،الا أن دفعه هذا لأجل بنائه علی استحقاق المستأجر للانتفاع من العین المستأجرة.و المفروض أنه غیر مستحق لذلک،فتکون یده علی العین ید عدوان موجبة للضمان،لا ید أمانة،و علیه فلا یرد النقض علی عکس القاعدة بالإجارة الفاسدة.

و الجواب عن ذلک:أن مورد الإجارة و ان کان هو المنفعة،دون العین،الا أنها داخلة فی عقد الإجارة بالشرط الضمنی،و علیه فیحکم بعدم الضمان فی صحیح الإجارة و فاسدها،بناء علی صحة عکس القاعدة.

و من هنا اتضح لک جلیا:أنه لا نحتاج فی إدخال العین المستأجرة فی

ص:102

عقد الإجارة الی ما ارتکبه صاحب الکفایة من التکلف فی حاشیته علی المتن و إلیک نصه:

(التحقیق:أن مورده-:أی العقد-فیها-:أی فی الإجارة-نفس العین،و لذا یقال:آجرت الدار،و استأجرتها،و أن الإجارة عبارة عن إضافة خاصة بین العین المؤجرة و المستأجر،و من آثارها تملک منفعتها.

و التعریف بالتملیک تعریف بالرسم.مع أنه لو سلم أنه بالحد کان مورد عقدها أیضا نفس العین،فإنها تملیک المنفعة،و لا یکاد یکون مورده و متعلقة الا العین) و یضاف الی ذلک:أن الإجارة و ان تعلقت بالعین،الا أن مدلولها تملیک المنفعة،و لذا تتعلق بما لا یقبل نحوا من التملک و التملیک،کالحر و علیه فالمنشأ هو تملیک المنفعة،و العین المستأجرة خارجة عن موردها و ان کان یلزم تسلیمها إلی المستأجر لاستیفاء المنفعة،و علیه فعقد الإجارة تملیک للمنفعة مع اشتراط تسلیم العین إلی المستأجر أمانة،و حیث لا ضمان فی صحیح الأمانة -کما إذا کانت الإجارة صحیحة-لا یکون ضمان فی فاسدها أیضا.

قیل:ان تمکین المستأجر من استیفاء المنفعة من العین المستأجرة انما یکون مقدمة لاستیفاء المنفعة،و من باب اللابدیة جریا علی ما یقتضیه عقد الإجارة من تملک المستأجر المنفعة،فإذا فرض فساد الإجارة انتفی الاستیمان لانتفاء منشئه،و ما کان یتوقف علیه و هو تملک المستأجر المنفعة.و علیه کانت العین مضمونة علی المستأجر.

قلنا:ان تسلیم العین للمستأجر و ان کان مبنیا علی صحة الإجارة،و ناشئا من البناء علیها،الا أن التسلیم قد تحقق فی الخارج علی الفرض،فلا معنی لتوقفه علی صحة الإجارة،فلا محالة یکون البناء علی صحتها،أو اعتقادها داعیا

ص:103

الی التسلیم الخارجی.

و تخلف الداعی لا یضر بتحقق التسلیم أمانة،و لا یوجب ارتفاع حکم الامانة،و هو عدم الضمان مع التلف.

ألا تری أن المالک إذا قدم طعاما للضیف باعتقاد أنه عالم لم یجز له أکله إذا لم یکن عالما؟.

أو أن ذلک من قبیل تخلف الداعی؟.

لا ینبغی الإشکال فی أن الصحیح هو الثانی،فإن الإقدام علی إتلاف المال مجانا قد تحقق وجدانا غایة الأمر أنه نشأ من اعتقاد غیر مطابق للواقع.

و قد ظهر مما ذکرناه:أنه لا فرق-فی عدم الضمان فی موارد الإجارة- بین علم الموجر بفساد العقد،و جهله به.

ثم أنه یشکل اطراد القاعدة فی موارد
هل تنتقض القاعدة بالصید الذی

استعاره المحرم؟

قوله:(ثم انه یشکل اطراد القاعدة فی موارد:منها الصید الذی استعاره المحرم من المحل بناء علی فساد العاریة). أقول:لا شبهة فی أن المستعیر إذا استعمل العین المعارة فی غیر الجهة التی استعارها لأجلها ضمنها مطلقا و ان لم یشترط ضمانها علیه،و لا أنها کانت من الذهب و الفضة.

کأن استعار عباءة لیلبسها،و لکن استعملها فی إطفاء الحریق.

أو استعار فراشا لیفترش به الا انه استعمله فی سد الساقیة و لا ریب فی خروج هذه الصورة عن مورد البحث.

ص:104

بل مورد البحث إنما هو استعارة الشیء لجهة خاصة،و استعماله فی تلک الجهة من دون أن یکون فیه تعد و تفریط.

إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم:أنه ذهب غیر واحد من الأصحاب إلی ضمان الشخص المحرم بقیمة الصید الذی استعاره من المحل،و ذلک لفساد العاریة،مع أنه لا ضمان فی العاریة الصحیحة و إذن فیکون ذلک نقضا لاطراد القاعدة.

و من هنا ناقش الشهید الثانی(ره)فی القول بالضمان علی تقدیری الصحة و الفساد.

و أجاب عنه المصنف،و قال: (إن وجه ضمانه-بعد البناء علی أنه یجب علی المحرم إرساله،و أداء قیمته-أن المستقر علیه قهرا بعد العاریة هی القیمة،لا العین،فوجوب دفع القیمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذی هو مسبب لضمان ملک الغیر فی کل عقد،لا بسبب التلف).

و حاصل کلامه:أنه یجب علی المحرم المستعیر أن یرسل الصید الذی استعاره من المحل،و لا شبهة فی أن الإرسال لا ینفک عن الإتلاف،و من المعلوم أنه متی ما تحقق وجوب الإتلاف تحقق معه وجوب دفع البدل،لمکان الملازمة بین التسبیب تشریعا إلی السبب،و بین التسبیب إلی مسببه،لاستحالة انفکاک السبب عن المسبب.فإذا کان التسبیب المزبور موجودا قبل تحقق التلف فی الخارج کان المسبب أیضا موجودا قبله،و علیه فلا یکون ذلک نقضا لاطراد القاعدة.

نعم لو کان الموجب للضمان هو التلف لتوجه النقض المزبور و قد عرفت خلافه.

و یتوجه علیه:أن وجوب الإرسال لا یترتب علیه إلا لزوم إیجاد

ص:105

سبب الضمان،و این هذا من ثبوت نفس الضمان مع عدم تحقق سببه.و من هنا لو عصی المحرم المستعیر،ورد الصید إلی مالکه لم یکن ضامنا قطعا.

و نظیر المقام ما إذا وجب علی المستعیر إتلاف العاریة لسبب آخر،کما إذا توقف علیه حفظ نفس محترمة أ فهل یحتمل الحکم بالضمان بمجرد الإیجاب ما لم یتحقق الإتلاف فی الخارج،بل و إن ردها علی المعیر؟لا شک فی عدم احتماله،و لیس ذلک إلا من جهة أنه لم یتحقق فیه ما هو موجب للضمان.

و قد انجلی مما ذکرناه فساد القول بالضمان من جهة أن إیجاب الإرسال یوجب امتناع أداء المال إلی مالکه،و الامتناع الشرعی کالامتناع العقلی.و علیه فعدم التمکن من أداء المال إلی مالکه یقتضی دفع بدل الحیلولة.

و قد ذکر شیخنا الأستاذ وجها آخر للضمان،و حاصله:أن الصید -بأخذ المحرم له-یخرج عن ملک مالکه،فیکون أخذ المحرم له إتلافا له علی المالک،فیضمنه.

و الجواب عن ذلک:أنه لا دلیل علی خروج الصید عن ملک مالکه بأخذ المحرم له.و إنما الثابت:أن المحرم لا یملک الصید،لا حدوثا،و لا بقاء فلو صاد و هو محل ثم أحرم خرج الصید عن ملکه،و بین الأمرین بون بعید.

فتحصل مما حققناه:أن الصحیح هو القول بعدم الضمان بتلف الصید عند المحرم المستعیر،کما هو الحال فی غیر المحرم.

ثم إنه یظهر من صاحب الجواهر عدم وجود المصرح بالضمان فی صورة التلف السماوی الذی هو مورد البحث-فی المقام-و أن حکمهم بالضمان إنما هو فی صورة الإرسال بعد الاستعارة،فیکون ذلک داخلا فی الإتلاف.

نعم یظهر من المحقق فی عاریة الشرائع الضمان مطلقا،و إلیک لفظه:(و لا یجوز

ص:106

للمحرم أن یستعیر من محل صیدا،لأنه لیس له إمساکه،فلو أمسکه ضمنه و إن لم یشترط علیه ذلک فی العاریة).

و ظاهر کلامه هذا:هو الحکم بالضمان فی فرض التلف،فان تعمیم الحکم بالضمان للاشتراط و عدمه ظاهر فی أن موضوع کلامه هو التلف، دون الإتلاف.

و لکن السید-بعد ما نقل کلام المحقق-قال:و هذه العبارة-کما تری-مختصة بصورة الإتلاف بالإرسال،فلا تشمل ما نحن فیه.

و یرد علیه:أن هذا ناشئ من إضافة کلمة(ثم أرسله)قبل کلمة(ضمنه) إلی عبارة المحقق.إلا أنها غیر مذکورة فی عبارته،بل زادها صاحب الجواهر سهوا.

ثم هل یثبت الضمان مع الإرسال مطلقا،أم یختص ذلک بصورة جهل المعیر بالحال؟.

فذهب السید إلی الثانی،بدعوی أن الدافع مع علمه بالحال یعد متلفا لما له بدفعه إلی من هو مکلف بالإتلاف،فلا وجه لاستقرار القیمة فی ذمته.

و الجواب عن ذلک:أن المعیر و إن کان عالما،إلا أن الإتلاف مستند إلی المستعیر،لأنه-بعد ما استعار الصید من المحل-فقد أتلفه بإرادته و اختیاره،و حینئذ فیثبت علیه الضمان،لا علی المعیر.و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

هل تنتقض القاعدة بالبیع الفاسد؟

قوله:(و یشکل اطراد القاعدة أیضا فی البیع فاسدا بالنسبة إلی المنافع التی لم یستوفها،فان هذه المنافع غیر مضمونة فی العقد الصحیح مع أنها مضمونة

ص:107

فی العقد الفاسد) أقول:لم نفهم وجها صحیحا لتقیید المنافع بغیر المستوفاة و ذلک،لأن لمنافع المستوفاة أیضا غیر مضمونة فی العقد الصحیح،مع أنها مضمونة فی العقد الفاسد و لعل وجه تقییدها بغیر المستوفاة:أن المنافع إذا کانت من الأعیان -کاللبن و الصوف-فاستیفاؤها إتلاف لها،و إذا کانت من غیر الأعیان فالاستیفاء بمنزلة التلف.و علی کل حال فالحکم بالضمان مع الاستیفاء لا یمکن أن یکون نقضا للقاعدة بناء علی أن موردها التلف،دون الإتلاف.

و کیف کان فقد یورد علی القاعدة بضمان المنافع غیر المستوفاة مع أنها لم تکن مضمونة فی العقد الصحیح.

و قال السید فی الجواب عن النقض:إن(المنافع و ان لم تکن مقابلة بالمال،الا أنها ملحوظة فی القیمة،و زیادة الثمن،و هذا المقدار یکفی فی صدق کونها مضمونة.

و من هنا یعرف حال الشروط،فإنه لو فرض شرط الخیاطة فی عقد فاسد،فعمل بالشرط یکون من له الشرط ضامنا،لأن فی الصحیح و ان لم یکن الشرط مقابلا بالمال،الا أنه ملحوظ فی زیادة الثمن و نقصانه،فکأنه مقابل بالمال،و لذا اشتهر أن للشرط قسطا من الثمن:یعنی فی اللب).

و یرد علیه:أن دخل المنافع فی زیادة الثمن لا یستلزم ضمانها وراء ضمان العین.کما أن الشروط لها دخل فی زیادة القیمة،مع أنها خارجة عن حول القاعدة.

أما ثبوت الضمان فیما ذکر من مثال الخیاطة فلأجل احترام العمل، و استناد تحققه فی الخارج إلی أمر المشروط له،و علیه فلا صلة له بالمقام.

و قال شیخنا المحقق:(ربما یتصور ضمان العین بنحو تکون متضمنا لضمان المنافع الفائتة فی الصحیح و الفاسد،کما إذا کانت العین لها أمد خاص،

ص:108

و عمر مخصوص،فإذا مضی منه شهر مثلا نقصت قیمة العین،و هذا النقص ملحوظ فی الصحیح و الفاسد).

و یتوجه علیه:أن مضیّ مدة خاصة من عمر العین و ان أوجب نقصانا فیها،الا أن الضمان-هنا-بالعین،لا بالمنافع غیر المستوفاة،و لذا اعترف فی آخر کلامه بأنه(لا فرق حینئذ بین القول بضمان العین و المنافع، أو ضمان العین تامة).

و قال شیخنا الأستاذ:(إن المدار علی مورد العقد،و مورده فی البیع هو نفس العین،و انما المنافع فی الصحیح تابع للعین بحکم الشارع،و فی الفاسد حیث ان العین لم تنقل الی القابض فیضمن منافعها).

و یرد علیه:أنه لو صح ذلک فلازمه الحکم بالضمان فیما لا یضمن بصحیحه کالهبة الفاسدة،بدیهة أن المنافع فی الهبة الصحیحة تابعة للعین.و حیث ان العین لم تنقل الی المتهب فی الهبة الفاسدة فتضمن منافعها.

و التحقیق:أن النقض غیر وارد علی القاعدة.و توهم انتقاضها بما ذکر انما نشأ من عدم تطبیق الکبری علی الصغری.

و توضیح ذلک:أن النسبة بین تملک المنافع،و تملک العین هی العموم من وجه،إذ قد تملک المنافع دون العین-کما فی الإجارة-و قد تملک العین دون المنافع-کما إذا باعها مسلوبة المنفعة-و قد تملکان معا،و علیه فملکیة العین لا تلازم ملکیة المنافع،و انما تملک المنافع فی البیع بنفس السبب لملکیة العین،ففی الحقیقة کان الثمن بإزاء العین بالأصالة،و بإزاء منافعها بالتبع.

و علی هذا فکل من العین و المنفعة مورد للعقد،نهایة الأمر أن العین مورد للعقد بالأصالة،و المنافع مورد له بالتبعیة،و من الواضح أن عقد البیع مما یضمن بصحیحه و فاسده.سواء فی ذلک نفس المبیع و منافعه.و اذن فلا

ص:109

وجه لتوهم انتقاض القاعدة طردا بالبیع الفاسد.

نعم إذا ارتفع العقد بالفسخ،أو بالإقالة لم تضمن المنافع الفائتة،أو المنافع المستوفاة قبل الارتفاع،ضرورة أن هذه المنافع انما حصلت فی ملک المشتری،فیکون المشتری مسلطا علیها.

نعم إذا تعیبت العین بتصرف المشتری کانت مضمونة علیه،فان الإقالة و ان کانت عقدا جدیدا،الا أنها تقتضی رجوع العین بخصوصیاتها التی وقع علیها العقد،و المفروض أن العقد قد وقع علی العین الصحیحة،فلا بد و أن ترجع کما کانت.و مع التخلف یحکم بالضمان.

هل تنتقض القاعدة بحمل المبیع فاسدا؟

قوله:(و یمکن نقض القاعدة أیضا بحمل المبیع فاسدا).

أقول:قد حکی عن الشیخ فی المبسوط،و المحقق فی الشرائع،و العلامة فی التحریر انتقاض القاعدة بحمل المبیع فی البیع الفاسد،حیث انه مضمون علی المشتری،مع أنه غیر مضمون علیه فی البیع الصحیح بناء علی أنه للبائع.

و عن الدروس توجیه کلام العلامة بما إذا اشترط دخول الحمل فی البیع،و هذا هو المحتمل القریب،و حینئذ فلا نقض علی القاعدة.و علیه فالنزاع-هنا- لفظی،فإن القائل بالضمان انما أراد صورة کون الحمل جزءا من المبیع.و أن القائل بعدمه انما أراد صورة خروج الحمل عنه،فیکون شأن الحمل-هنا- شأن نفس العین فی الإجارة،و کما أن العین خارجة عن مورد عقد الإجارة، کذلک الحمل-هنا-و اذن فلا تنتقض القاعدة بذلک.

ص:110

هل تنتقض القاعدة بالشرکة الفاسدة؟

قوله:(و یمکن النقض أیضا بالشرکة الفاسدة بناء علی أنه لا یجوز التصرف بها،فأخذ المال المشترک حینئذ عدوانا موجب للضمان). أقول:غیر خفی علی الناقد البصیر،و المتأمل الخبیر:أن تفریع الضمان علی الحکم التکلیفی -:أعنی به حرمة التصرف فی مال الغیر-واضح الفساد،إذ لا ملازمة بینهما أصلا و رأسا،لأنه بناء علی أن عقد الشرکة لا یقتضی جواز التصرف فی المال المشترک-کما هو الظاهر-فإنه عندئذ و ان کان لا یجوز لکل من الشریکین أن یتصرف فی المال المشترک فیه بدون اذن صاحبه.الا انه لو تلف المال المزبور بغیر تفریط من أحدهما لم یحکم بالضمان،لأن کلا منهما قد فوض زمام ماله الی شفیعه،و جعله أمینا فی ذلک،و من الواضح أنه لا ضمان علی الأمین،و لا یفرق فی ذلک بین الشرکة الصحیحة و الشرکة الفاسدة.و اذن فلا وجه لتوهم انتقاض القاعدة بذلک.

هل ینتقض أصل القاعدة بالنکاح الفاسد؟

قد یتوهم أن أصل القاعدة ینتقض بالنکاح الفاسد،ضرورة أن النکاح الصحیح یوجب ضمان الصداق للمرأة دون فاسده إذا کانت المرأة عالمة بالفساد فإنها وقتئذ زانیة،فلا مهر لبغی.

و لکن هذا التوهم فاسد،فان ضمان المهر فی عقد النکاح انما هو بإزاء الزوجیة،دون البضع،فالضمان-هنا-ثابت بنفس العقد،فإذا انتفی

ص:111

العقد من ناحیة حکم الشارع بالفساد انتفی الضمان أیضا.و محل الکلام-فی المقام-هو ما کان سبب الضمان أمرا آخر وراء العقد،کالقبض فی العقد فان التلف قبله من مال البائع.

و علی الجملة:أن البضع و سائر الاستمتاعات لا مالیة لها فی حکم الشارع،و من هنا لو حبس أحد زوجة غیره،و فوّت علیه جمیع الاستمتاعات لم یضمن بشیء،و لیس ذلک إلا لأجل أن البضع و سائر الاستمتاعات لا تقابل بالمال.

نعم قد ثبت مهر المثل فی موارد الوطی بالشبهة تعبدا،لاحترام الاعراض و صفوة الکلام:أن مورد البحث فی قاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده انما هو العقود الصحیحة و الفاسدة التی یکون الضمان فیها مستندا الی غیر العقد و علیه فثبوت الصداق فی النکاح الصحیح،و عدم ثبوته فی الزناء بعید عن محل الکلام رأسا.

و بذلک تظهر الحال فی العقد المنقطع-أیضا-فإن الأجرة فیه -أیضا-بإزاء نفس الزوجیة،دون البضع.و تبعض الأجرة مع عدم التمکین فی بعض المدة انما هو من جهة النص الخاص.أما فی موت المرأة أثناء المدة فالتبعض علی القاعدة.و اذن فلا تنتقض القاعدة بالنقض المزبور.

ما هو المدرک لعکس القاعدة؟

قوله:(ثم ان مبنی هذه القضیة السالبة علی ما تقدم من کلام الشیخ فی المبسوط هی الأولویة). أقول:قد عرفت-فیما سبق-أن المدرک الصحیح لأصل القاعدة انما هو ضمان الید الثابت بالسیرة العقلائیة الممضاة من قبل

ص:112

الشارع.و قد عرفت-أیضا فیما تقدم-أن مناط الضمان فی ذلک هو التسلیط غیر المجانی.

أما المدرک لعکس القاعدة-أعنی به ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده-فقد ذکر المصنف:أن مدرکه-علی ما تقدم من کلام الشیخ فی المبسوط-هو الأولویة،لأن دلیل الضمان عنده انما هو الاقدام،و إذا لم یوجب الاقدام الضمان فی العقد الصحیح-کالرهن الصحیح مثلا-لم یوجب ذلک فی العقد الفاسد-أیضا-بالأولویة،ضرورة أن العقد الفاسد لغو محض و أنه بمنزلة المعدوم.انتهی ملخص کلامه.

و یرد علیه:أن عدم الضمان فی العقد الصحیح-کالهبة الصحیحة مثلا- انما هو من جهة کون المال ملکا مجانیا للقابض،و من الواضح أنه لم تحصل له الملکیة فی العقد الفاسد-کالهبة الفاسدة مثلا-و اذن فلا وجه لدعوی الأولویة -هنا-بوجه.و هذا واضح لا ستار علیه.

و یضاف الی ذلک:ما ذکرناه-سابقا-من أن الاقدام الساذج لیس دلیلا علی الضمان،بل الدلیل علیه انما هو السیرة مع الاقدام.

و قد یتوهم:أن قاعدة ضمان الید و ان کانت مقتضیة للضمان فی العقود الفاسدة-التی لا ضمان فی صحیحها-الا أنها مخصصة بأدلة الاستیمان.

و لکن هذا التوهم فاسد،لأن قاعدة ضمان الید لا تشمل موارد التسلیط المجانی لکی نحتاج الی تخصیصها بأدلة الاستیمان.و علیه فمورد الکلام خارج عن قاعدة ضمان الید،و عن مورد أدلة الاستیمان-أیضا-خروجا تخصیصیا و هذا ظاهر.

و قد ظهر لک مما حققناه:أنه لا وجه لإثبات عدم الضمان فی الهبة الفاسدة بفحوی ما دل علی عدم الضمان فی موارد الاستیمان،کما صنعه المصنف

ص:113

فی المتن.

أضف الی ذلک:أن المالک لم یسلط غیره علی ماله فی موارد الاستیمان لیتصرف فیه أی تصرف،بل سلطه علیه لیحفظه عن التلف.بخلافه فی الهبة الفاسدة،و علیه فلا یمکن قیاس أحدهما بالآخر.

و التحقیق:أن الدلیل علی عکس القاعدة إنما هو عدم الدلیل علی الضمان فی موارده،لا شیء آخر.

هل یجوز التصرف فی المقبوض
اشارة

بالعقد المعاوضی الفاسد؟

قوله:(الثانی:من الأمور المتفرعة علی عدم تملک المقبوض بالبیع الفاسد وجوب رده فورا إلی المالک). أقول:تحقیق البحث-هنا-یقع فی ضمن جهات:

الجهة الأولی:أنه هل یجوز التصرف فی المقبوض بالعقد المعاوضی

الفاسد تکلیفا،أم لا یجوز ذلک؟.

لا شبهة فی حرمة التصرف فی مال الغیر-بحسب الکبری-شرعا و عقلا.و إنما البحث-فیما نحن فیه-إنما هو من ناحیة الصغری:

و هی أن تصرف القابض فی المقبوض بالعقد المعاوضی الفاسد هل هو تصرف فی مال غیره بدون إذنه لکی یکون حراما،کما علیه المصنف؟.

أم أنه تصرف فیه باذن مالکه حتی یکون ذلک جائزا؟.

و فصل السید-فی المقام-و قال نصا:(لا ینبغی الإشکال فی عدم

ص:114

جواز التصرف فیه مع جهل الدافع.و أما مع علمه فیمکن الاشکال فیه و إن کان باقیا علی ملکه،و ذلک للاذن فیه فی ضمن التملیک).

لا إشکال فی عدم جواز التصرف فی المقبوض مع جهل الدافع بالفساد.

أما مع علمه به فقد یقال بالجواز نظرا إلی أن الدافع-عندئذ-قد أذن للقابض فی التصرف فی ماله.فلا یکون حراما.

و لکن الظاهر هو عدم جواز التصرف فیه،لأن القاعدة الأولیة إنما تقتضی حرمة التصرف فی أموال الناس إلا بإذن ملاکها،و من الواضح أن الدافع إنما جوّز التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد من حیث کونه ملکا للقابض،لا علی وجه الإطلاق،و لما لم تحصل الملکیة للقابض،و لا أن المالک قد أذن له فی ذلک إذنا جدیدا حرم علی القابض التصرف فیه وضعا و تکلیفا.

نعم لو أذن المالک للقابض إذنا جدیدا فی التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد لم یحرم له التصرف فیه،لا وضعا،و لا تکلیفا،ضرورة أن فساد العقد لا یمنع عن إذن المالک جدیدا فی التصرف فی المقبوض.

و علی الجملة:إن الاذن الحاصل فی ضمن التملیک بالعقد الفاسد لا یکون منشأ لجواز التصرف فیما وقع علیه العقد،إلا أن یکون-هنا-إذن آخر غیر الاذن الحاصل فی ضمن العقد الفاسد.

ثم إن السید قد استدل-فی حاشیته-علی جواز التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد بأن(هذا التملیک له حیثیتان،فهو إذن من حیثیة،و تملیک من اخری،و لما کان التملیک محتاجا شرعا إلی صیغة صحیحة-و المفروض عدمها-فهو غیر مؤثر من هذه الجهة،لعدم حصول شرط.و أما من الحیثیة الأخری فهو غیر مشروط شرعا،فیجوز العمل به،فإن الإذن مؤثر فی جواز

ص:115

التصرف من غیر اشتراط بصیغة خاصة،فیشمله عموم ما دل علی جواز التصرف مع الاذن،و طیب النفس.و إذا جاز التصرف فلا یجب الرد الی المالک فضلا عن کونه فوریا.نعم لو رجع عن إذنه و طلبه وجب الرد الیه فورا).

و یرد علیه:أن جواز التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد متوقف علی أحد أمرین علی سبیل مانعة الخلو:إما کون ذلک ملکا للقابض.و إما إذن المالک فی التصرف فیه:

أما الأول فهو منفی علی الفرض.

أما الثانی فکذلک،إذ لم یأذن فیه المالک بوجه.

و الوجه فی ذلک:أن الأفعال تارة تتعلق بالعناوین الکلیة-کبیع کلی الفرس و نحوه-و اخری تتعلق بالجزئیات الخارجیة و الأفراد المشخصة -کالأکل،و الشرب،و النوم،و الضرب،و القیام،و القعود و أشباهها:

فإذا کان الفعل مما یتعلق بالشخص کان اعتقاد الفاعل بانطباق کلی ما علیه داعیا إلی إیجاده،فإذا ضرب شخصا باعتقاد أنه کافر فتبین أنه کان مؤمنا کان هذا من التخلف فی الداعی،فإن الضرب قد وقع-فی الخارج-علی واقع المؤمن حقیقة،و التخلف إنما هو فی اعتقاد أنه کافر الذی کان داعیا إلی إیجاده.

أما إذا کان الفعل متعلقا بالکلی فلا یسری الی غیر مصداقه-و إن کان الفاعل یعتقد أنه مصداقه-فلو رضی المالک بدخول العلماء داره،و أذن به لم یجز الدخول لغیر العالم و إن اعتقد الآذن أنه عالم.

و لا شبهة فی أن متعلق الاذن فی قوله عجل اللّه فرجه:(فلا یحل لأحد

ص:116

أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه (1)إنما هو العنوان الکلی:أعنی به عنوان التصرف فی مال الغیر.و علیه فإنما یجوز التصرف فی أموال الناس فیما إذا أحرز أن المالک قد أذن فی التصرف فی ماله لکی یکون ذلک مشمولا للعنوان الکلی الذی ذکر فی التوقیع المزبور،و من البین الذی لا ریب فیه أن هذا المعنی بعید عن المقبوض بالعقد الفاسد،بدیهة أن المالک لم یأذن للقابض أن یتصرف فی ماله،و إنما سلمه إلیه باعتباره أنه ملک له،و حیث إنه لم یصر ملکا للقابض،و لا أن الدافع قد أذن له فی التصرف،فلا یجوز للقابض أن یتصرف فیه.

و قد اتضح لک مما بیناه:أنه لا یجوز الاستدلال علی جواز التصرف فی ذلک بالتوقیع الشریف المذکور،و لا بالروایات الدالة علی حرمة التصرف فی مال امرئ مسلم الا بطیب نفسه:کما اتضح لک من ذلک-أیضا-:أنه لا وجه للتفصیل بین علم الدافع بالفساد،و جهله به،لأنه بعد فرض أن المالک لم یصدر منه الا التملیک،و هو لم یحصل فی الخارج علی الفرض فلا یبقی مجال للقول بجواز التصرف فیه حتی مع علمه بالفساد.

و بما ذکرناه-من أنه لم یصدر من المالک فی المقام الا التملیک،و تسلیم المال بما أنه ملک للقابض-یظهر فساد ما قد یتوهم من أن العقد الفاسد و إن لم یؤثر فی الملکیة،و لکن إذن الدافع فی التصرف فی ماله باق علی حاله، فیکون الاذن منفکا عن الملکیة.

و وجه الظهور:أن إذن المالک لم یکن مطلقا لکی یبقی بعد فساد العقد -أیضا-بل کان بعنوان أن المقبوض ملک للقابض،و المفروض أنه لم یصر ملکا له،فینتفی الإذن أیضا.

ص:117


1- 1) قد نقلنا هذه الروایات فی الجزء الثانی فی ص 138.

قیل:إن المالک قد أذن للقابض فی التصرف فی نفس العین الخارجیة و علیه فیبقی الاذن ما دامت العین باقیة علی حالها مع بقاء المالک علی إذنه السابق و عدم رجوعه عنه.

و یرد علیه:أن الاذن لم یتعلق بالتصرف فی مال الدافع.و إنما تعلق بالتصرف فی مال القابض من جهة استلزام التملیک إیاه،لا أنه إذن جدید وراء التملیک،إذ المفروض أن الدافع یری نفسه أجنبیا عن ذلک المال، فکیف یأذن فی التصرف فیه،و من المفروض أن الملکیة لم تحصل فلا معنی لبقاء الاذن فی التصرف فیه.و هذا واضح لا شبهة فیه.

نعم لو أذن المالک-إذنا جدیدا-فی التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد-بعد علمه بفساد العقد-جاز التصرف فیه جزما.و لکنه غیر مربوط بما نحن فیه.

و یضاف الی ذلک:أنه ینتقض بأنه لو قدّم شخص طعاما لغیره باعتقاد أنه من مال صدیقه مع علم المعطی له بکون ذلک الطعام للمعطی،لا لصدیقه فإنه-عندئذ-لا یجوز للمعطی له أن یأخذه،و یتصرف فیه بتخیل أن الاذن قد تعلق بذات الطعام الخارجی الشخصی،فیجوز العمل علی طبقه.

و الوجه فیه:هو أنه لا أثر للإذن الساذج ما لم یتعلق بعنوان مال نفسه بحیث ینطبق ذلک العنوان الکلی علی الشخص الخارجی انطباق الکلی علی أفراده.

هل یجوز التصرف فی المقبوض بالعقد غیر المعاوضی الفاسد؟

الجهة الثانیة:أن حرمة التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد هل تشمل

المقبوض بالعقد غیر المعاوضی الفاسد-أیضا-کالهبة و العاریة،أم لا؟

ص:118

لا شبهة فی اختصاص الحکم بالعقود المعاوضیة إذا قلنا بثبوت الملازمة بین حرمة التصرف،و بین ثبوت الضمان.

و قد یقال:إن حرمة التصرف فی المقبوض بعقد یضمن بصحیحه و فاسده لا یلازم حرمة التصرف فی المقبوض بما لا ضمان فیه-کالهبة و العاریة- فإنه کما لا ضمان فی صحیحهما و فاسدهما،کذلک لا یحرم التصرف فی المأخوذ بهما ضرورة أن رافع الضمان فیهما هو الرافع للحرمة،لأن إعطاء المالک ماله مجانا للمتهب،و بعنوان العاریة للمستعیر لو رفع الضمان رفع الحرمة-أیضا- و إذن فلا وجه للتفکیک بین الحرمة الوضعیة،و بین الحرمة التکلیفیة.

أما إذا لم نقل بثبوت الملازمة بین الضمان،و بین حرمة التصرف فلا وجه لاختصاص الحکم بالعقود المعاوضیة،بل یعم العقود غیر المعاوضیة أیضا.

و هذا هو الحق،بداهة أن کلا من حرمة التصرف فی المقبوض بالعقد الفاسد،و الضمان أجنبی عن الآخر،فان التسلط المجانی-فی العقود غیر المعاوضیة الفاسدة-لا یؤثر إلا فی عدم ضمان العین المأخوذة بها.

أما جواز التصرف فیها فلا یترتب علی التسلیط المزبور.و إنما یترتب علی إذن المالک.و من المفروض أنه لا إذن فی موارد التملیک-کالهبة-علی ما عرفته قریبا.

أما فی غیر تلک الموارد-کالعاریة-فالإذن من المالک و ان کان موجودا الا أن المفروض أن الشارع لم یمضه،فوجوده کعدمه.و اذن فلا یجوز التصرف فی المقبوض بالهبة و العاریة الفاسدتین.

ص:119

هل یجب رد المقبوض الی مالکه فورا؟

الجهة الثالثة:أنه إذا بنینا علی عدم جواز التصرف فی المقبوض بالعقد

الفاسد فهل یجب رده الی مالکه فورا،أم لا یجب ذلک؟

ذهب المصنف إلی الأول،لأن الإمساک آنا ما تصرف فی مال غیره بدون اذنه،فلا یجوز.بل قال: (ان الظاهر أنه مما لا خلاف فیه علی تقدیر عدم جواز التصرف فیه).

و التحقیق:أن القابض بالعقد الفاسد تارة یمتنع عن رد المقبوض الی مالکه حتی مع مطالبته.و اخری لا یمتنع عن ذلک،و انما المالک لا یطالب ماله، أو یطالب إقباضه إیاه،و تفویضه الیه.

و علی الأول فلا شبهة فی حرمة إمساکه،لکونه من أظهر أفراد الغصب.بل إذا تلف المقبوض ضمنه القابض،و لو کان العقد مما لا یضمن بصحیحه.سواء أ کان التلف بالتفریط،أم کان بغیر التفریط،و علیه فلا شبهة فی وجوب رده الی مالکه فورا،ضرورة أن إمساکه حینئذ تصرف فی مال غیره،و مزاحمة لسلطنته علی ماله،و هو حرام عقلا و شرعا.

و علی الثانی فلا یجب رده الی مالکه فضلا عن کون الرد فوریا،بدیهة أنه لا یجب علی القابض إلا التخلیة بین المال و مالکه،أما الزائد علی ذلک فلم یقم علیه دلیل.

و نظیر ذلک ما لو أطار الریح ثوب أحد إلی دار جاره فان بقاءه فی تلک الدار لا یعد تصرفا فیه لصاحب الدار قطعا،لأنه لم یضع یده علیه،و لا أنه حال بینه،و بین مالکه.

ص:120

و إذن فلا یجب علی القابض رد ما قبضه بالعقد الفاسد إلی مالکه فورا فضلا عن کون مئونة الرد علیه.کما أن بقاء المقبوض فی ید القابض لا یعد تصرفا فی ملک غیره حتی مع عدم مطالبة المالک ذلک،أو مطالبته إقباض العین إیاه،و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

و قد ظهر لک مما حققناه:أن مجرد بقاء مال شخص عند غیره لا یعد تصرفا محرما،لا من جهة أن ذلک خارج عن أدلة حرمة التصرف فی مال غیره بدون اذنه خروجا تخصیصیا بالسیرة العقلائیة،بل من جهة خروجه عنها موضوعا و تخصصا،لعدم صدق التصرف علیه.کما لا یصدق التصرف علی مس الید أو الثوب أو أشباههما بحائط غیره فی الشوارع و الأزقة.

ثم إن المصنف قد استدل علی وجوب رد المقبوض إلی مالکه،و علی حرمة إمساکه و إبقائه بقوله(علیه السلام):(لا یجوز لأحد أن یتصرف فی مال غیره إلا بإذنه[1]).

ثم قال:(و لو نوقش فی کون الإمساک تصرفا کفی عموم قوله(علیه السلام) لا یحل مال امرئ مسلم لأخیه إلا عن طیب نفسه[2]حیث یدل علی تحریم جمیع الأفعال المتعلقة به التی منها کونه فی یده).

أقول:أما الروایة الأولی فقد عرفت عدم دلالتها-علی ما یرومه المصنف-مما بیناه من عدم صدق التصرف علی مجرد بقاء مال أحد تحت ید

ص:121

غیره فان ذلک نظیر النظر إلی مال غیره،و مسه.

أما الروایة الثانیة فیتوجه علی الاستدلال بها أن الحلیة أو الحرمة إذا أسندت إلی الأعیان فلا بد من أن یراد بها الحلیة التکلیفیة،و أن یکون الاسناد باعتبار تقدیر فعل یناسب المقام،فیراد من حلیة المأکولات حلیة أکلها،و من حرمة الأمهات،و العمات،و الخالات حرمة نکاحهن،و هکذا فی کل مورد من الموارد التی ترد علیک،فإنه لا بد و أن تلاحظ فیها مناسبة الحکم و الموضوع.

و إذن فلا بد و أن یراد من عدم حلیة المال مع عدم طیب نفس مالکه عدم جواز تملکه،أو عدم جواز الانتفاع به،و علی هذین التقدیرین لا تدل الروایة علی حرمة إمساک مال شخص آخر بوجه.

نعم یحتمل أن یکون المقدر مطلق التصرف.لکن قد عرفت قریبا أن مجرد الإمساک لا یعد تصرفا بوجه،و علی کل تقدیر فالروایة بعیدة عن الدلالة علی حرمة الإمساک بمجرده.

و قد استدل بعضهم علی حرمة إمساک المقبوض بالعقد الفاسد،-و علی وجوب رده إلی مالکه فورا-بالنبوی المعروف:علی الید ما أخذت حتی تؤدیه (1).

و تقریب الاستدلال به علی ذلک بوجهین:

1-ما ذکره شیخنا الأستاذ،و إلیک نص مقرر بحثه:(و یدل علیه (أی علی الرد الفوری)أیضا عموم علی الید ما أخذت حتی تؤدی،فإنه و إن لم یکن متعرضا للحکم التکلیفی بالدلالة المطابقیة،إلا أنه متعرض له بالدلالة

ص:122


1- 1) قد تقدم ما یرجع إلی هذا النبوی فی ص 87.

الالتزامیة،فإن استقرار الضمان علی عهدة القابض ملازم لوجوب الرد لأنه لا أثر لاستقرار الضمان علی العهدة إلا وجوب رد العین ما دامت باقیة،ورد المثل،أو القیمة لو کانت تالفة،فحرمة إمساک مال الغیر من غیر إذنه، و وجوب رده الیه فورا بالفوریة العرفیة لا إشکال فیه).

و یرد علیه:أن دعوی الملازمة بین الحکم التکلیفی و الوضعی و إن کانت صحیحة،و لکن الحکم التکلیفی الملازم للحکم الوضعی-هنا-لیس هو وجوب رد العین إلی صاحبها لکی تترتب علیه حرمة الإمساک.و إنما الواجب علی القابض هو وجوب التخلیة بین المال و مالکه،أما الزائد علی ذلک فلم یدل علیه دلیل شرعی،و لا عقلی.

2-ما أفاده المحقق الایروانی و هذا لفظه:(فالأولی تبدیل الاستدلال به(:أی بقوله(علیه السلام)لا یحل إلخ)بالاستدلال بعموم علی الید،فإنه إن لم یکن مقصورا ببیان التکلیف فلا أقل من أن یعم الوضع و التکلیف جمیعا:

بتقریب أن مؤداه وجوب دفع العین مع قیامها،و دفع البدل مع التلف).

و الجواب عن ذلک أولا:أن إرادة الحکم التکلیفی من حدیث علی الید یحتاج إلی تقدیر فعل من الأفعال،فإن الحکم التکلیفی لا یتعلق بالمال نفسه، و إرادة الحکم الوضعی منه لا یحتاج إلی تقدیر شیء أصلا و رأسا.و من الواضح أن المراد بکلمة الماء الموصولة هو المال،و لا یمکن الجمع بین إرادة الحکم التکلیفی و الوضعی،إذ لا یمکن الجمع بین التقدیر و عدمه.

ثانیا:أن حدیث(علی الید ما أخذت حتی تؤدیه)بظاهره آب عن إرادة الحکم التکلیفی منه،ضرورة أن الحکم المستفاد من ذلک مغیا بوجوب الرد.و من الواضح أن الغایة لا تناسب إلا مع الحکم الوضعی فقط،لا الحکم التکلیفی فحسب،و لا الحکم الوضعی و التکلیفی معا.

ص:123

و ذلک،لأنه إذا أرید من النبوی المزبور الحکم التکلیفی کان معناه أنه یجب رد المال المأخوذ من مالکه بدون إذنه حتی تؤدیه أی حتی ترده إلی صاحبه و حینئذ فیکون ذلک نظیر ما یقال:یجب علیک الإتیان بالصلاة حتی تصلی.و لا شبهة فی أن هذا الاستعمال مستهجن جدا،و غیر معهود عند أهل المحاورة.

و هذا بخلاف ما إذا أرید من الحدیث الحکم الوضعی فقط،فإنه وقتئذ یکون معناه هو ثبوت ضمان المأخوذ علی الآخذ حتی یرده إلی صاحبه.و لا ریب أنه لا استهجان فیه بوجه.

و یضاف إلی ذلک:أن حدیث علی الید ضعیف السند،فلا یمکن الاستدلال به علی شیء من المسائل الفقهیة.و قد تقدم تفصیل ذلک قریبا.

ما هو حکم مئونة الرد؟

الجهة الرابعة:أنه إذا وجب رد المقبوض بالعقد الفاسد إلی مالکه

فهل تکون مئونة الرد علی القابض.أم تکون علی المالک؟.

قد فصل المصنف بین ما تکون مئونة الرد قلیلة فحکم بکونها علی القابض و بین ما تکون کثیرة فحکم بکونها علی المالک،و ذلک لأدلة نفی الضرر.

و فصل شیخنا الأستاذ بین ما إذا کانت المئونة مما یقتضیها طبع الرد فهی علی القابض،و بین غیره فهی علی المالک.

و توضیح کلامه:أن الحکم الشرعی إذا اقتضی فی نفسه و بحسب جعله مقدرا من الضرر-نظیر وجوب الخمس،و الزکاة.و الصوم،و الجهاد،و أمثالها

ص:124

من الأحکام الشرعیة-کان الحکم المذکور تخصیصا لقاعدة نفی الضرر.و إذا کان الضرر زائدا علی المقدار الذی یقتضیه طبع الحکم الشرعی لم یکن ذلک تخصیصا لأدلة نفی الضرر،بل أدلة نفی الضرر تکون حاکمة علی دلیل ذلک الحکم،و موجبا لاختصاصه بغیر موارد الضرر.

و علی هذا الضوء فان کانت مئونة الرد بمقدار ما یقتضیه طبع رد المال إلی مالکه فهی علی القابض.و إن کانت زائدة علی ذلک فهی علی المالک، لأدلة نفی الضرر.

و یرد علیه:أن وجوب الرد فی نفسه لا یقتضی أی ضرر،إذ قد یکون الرد غیر محتاج إلی المئونة أصلا،فالمئونة أمر قد یحتاج الیه الرد،و قد لا یحتاج الیه ذلک،و إذن فدلیل نفی الضرر یقتضی اختصاص وجوب الرد بما لا یحتاج إلی مئونة.

و من هنا تظهر الحال فی تفصیل المصنف-أیضا-فإن تحمل الضرر مرفوع فی الشریعة المقدسة.و لا فرق بین قلیله و کثیره.

نعم لا بأس بالالتزام بکون المئونة علی القابض فیما إذا کانت المئونة من القلة بمرتبة لا تعد ضررا عرفا.و لعل هذا هو مراد المصنف من التفصیل الذی نقلناه عنه قریبا.

هل یجب رد المقبوض إلی مالکه مطلقا؟

الجهة الخامسة:أنا إذا بنینا علی أن الواجب علی القابض هو التخلیة بین

المالک و ماله،دون رده الیه فهل هو کذلک علی وجه الإطلاق،و فی جمیع

الموارد،

أم یجب ذلک فی بعض الموارد دون بعض؟.

ص:125

و تفصیل ذلک:أنه قد یکون المالک و المشتری کلاهما فی بلد القبض، و قد یکونان فی بلدین.

و علی الثانی فتارة ینتقل البائع إلی بلد آخر غیر بلد القبض.

و اخری ینقل المشتری المقبوض من بلد القبض إلی بلد آخر.

و ثالثة ینتقل منه البائع إلی بلد،و ینتقل منه المشتری إلی غیر ذلک البلد أما إذا کانا فی بلد القبض فقد عرفت أنه لا یجب حینئذ رد المقبوض إلی مالکه،بل تکفی-فی هذه الصورة-التخلیة بینه و بین ماله،فإذا أراد المالک أن یأخذ ماله-فی أی وقت-أخذه بنفسه.

أما إذا کان القابض فی بلد القبض،و لکن انتقل المالک إلی بلد آخر ثم طالبه بما له لم یجب علیه الرد-عندئذ-قطعا حتی إذا قلنا بوجوب الرد فی الشق الأول،فإنه لا دلیل علی جواز مطالبته بما له بأزید من مطالبته فی بلد القبض.

أما إذا نقله القابض من بلد القبض إلی بلد آخر،و طالب به المالک فوجب رده إلی بلد القبض،سواء فی ذلک کون المالک فی بلد القبض،و انتقاله الی بلد آخر،و علیه فمئونة الرد علی القابض،ضرورة أن نقل المقبوض إلی غیر بلد القبض لم یکن باذن مالکه لکی تکون مئونة الرد علیه،بل کان ذلک باختیار القابض،و حینذاک فیجب علیه رده إلی بلد القبض،و ذلک للسیرة العقلائیة المحکمة فی أمثال المقام،أو لدلیل ضمان الید.

و قد اتضح لک مما بیناه حکم ما إذا انتقل المالک الی بلد.و نقل القابض المال الی بلد آخر،فان المالک إذا طالب القابض بنقل المال الی البلد الذی هو فیه لم تجب علی القابض اجابته.و إذا طالبه برده الی بلد القبض وجب علی القابض رده.

ص:126

ما هو حکم المنافع المستوفاة؟
اشارة

قوله:(الثالث:أنه لو کان للعین المبتاعة منفعة استوفاها قبل الرد کان علیه عوضها علی المشهور). أقول المشهور بین الفقهاء:أن القابض بالعقد الفاسد یضمن المنافع التی استوفاها من المقبوض.

بل الظاهر من عبارة الحلی المحکیة عنه من(أن البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب و الضمان).هو قیام الإجماع علی ذلک.

و قد نسب الخلاف فی ذلک إلی ابن حمزة،حیث إنه حکم بعدم الضمان -هنا-محتجا بأن الخراج بالضمان،کما فی النبوی المرسل.

و یحسن بنا أولا بیان الوجوه التی استدل بها علی الضمان،ثم صرف الکلام إلی بیان ما استدل به ابن حمزة علی رأیه.

فنقول:إنه قد استدل علی الضمان بوجوه شتی.
1-النبوی المعروف:

علی الید ما أخذت حتی تؤدیه (1)فان عمومه یشمل المنافع المستوفاة أیضا.

و یتوجه علیه أولا:أنه ضعیف السند،و غیر منجبر بعمل المشهور به لا صغری،و لا کبری:

أما الوجه فی منع الصغری فلعدم الاطمئنان باعتماد القائلین بالضمان علی الحدیث المزبور،بل اعتمد أکثرهم علی الوجوه الأخر التی سنذکرها قریبا.

أما الوجه فی منع الکبری فهو ما ذکرناه فی علم الأصول،و أشرنا

ص:127


1- 1) قد تقدم ما یرجع إلی هذا الحدیث فی ص 87.

الیه آنفا من أن الشهرة لیست بحجة فی نفسها،فکیف تکون سببا لحجیة الخبر الضعیف،و جابرة لوهن سنده و تفصیل الکلام فی محله.

ثانیا:أنا لو سلمنا شمول صدر الحدیث للأعیان المأخوذة،و المنافع المستوفاة إلا أنه لا ینفعنا-فی المقام-لأن الظاهر من ذیله هو اختصاصه بالأعیان فقط.

بداهة أن الظاهر من الأداء هو رد المأخوذ بعینه بدءا.و مع عدم التمکن منه ینوب عنه رد المثل أو القیمة.و من الواضح أن رد المأخوذ بعینه لا یعقل فی المنافع،لأنها ما لم توجد فی الخارج لیست بمضمونة،و بعد وجودها فیه تنعدم و تنصرم.و حینئذ فلا یمکن أداؤها إلی المالک لکی یشملها دلیل ضمان الید.

علی أن للمناقشة فی شمول مفهوم الأخذ للمنافع مجال،إذ قد یقال:

إن مفهوم الأخذ لا یصدق علی استیفاء المنافع،خصوصا إذا کانت المنفعة من قبیل الأعمال:کمن أمر غیره بخیاطة ثوبه،أو بنائه داره،أو نجارة بابه و لم یعط أجرته،فإنه لا تطلق کلمة الأخذ علی شیء من ذلک.

و من هنا ذکر المصنف فیما تقدم:(أن مورده(أی خبر الید)مختص بالأعیان،فلا یشمل المنافع و الأعمال المضمونة فی الإجارة الفاسدة).

و لکن الصحیح:أن مفهوم کلمة الأخذ أوسع من ذلک،لعدم اختصاصه بالأخذ الخارجی،و الا لزم منه خروج کثیر من الأعیان عن مورد الحدیث کالدار،و الأرض،و البستان،و الحدیقة،و أشباهها مما لا یقبل الأخذ الخارجی.

و مما یدل علی صحة ما ذکرناه:أن مفهوم الأخذ یصح انتسابه إلی الأمور المعنویة کالعهد،و المیثاق،و الرأی،و أمثالها،کما أنه یصح انتسابه إلی الأمور الخارجیة و اذن فلا وجه لتخصیص مفهوم الأخذ بالأعیان الخارجیة.و انما هو کنایة

ص:128

عن الاستیلاء علی الشیء،کما أن کلمة بسط الید کنایة عن الجود،و السخاء.

و کلمة قبض الید کنایة عن البخل،و لا ریب أن استعمال لفظ الأخذ فی هذا المعنی-الذی ذکرناه-کثیر فی القرآن و غیره،و منه قوله(تعالی) لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ،وَ لا نَوْمٌ 1 و إذن فالصحیح فی وجه المنع عن شمول الحدیث للمنافع هو الوجه الثانی،و هو اختصاص ذیل الحدیث بالأعیان،و عدم شموله للمنافع

2-قوله(علیه السلام):حرمة ماله-:أی المؤمن-کحرمة دمه

(1)

فان الظاهر من هذه الجملة أن إتلاف مال المؤمن موجب للضمان،و من الواضح أنها کما تشمل الأعیان کذلک تشمل المنافع المستوفاة-أیضا-لصدق المال علیها جزما.

و یتوجه علی الاستدلال بها:أن الظاهر منها هو الحکم التکلیفی،بمعنی:

أنه لا یجوز إتلاف مال المؤمن بغیر إذنه،کما لا تجوز إراقة دمه.

و علی تقدیر أن تکون الحرمة بمعنی الاحترام.فغایة ما تدل علیه هذه الجملة المبارکة هی لزوم حفظ مال المؤمن عن التلف،و عدم جعله فی معرض الهلاکة،فإن ذلک هو مقتضی الاحترام.أما الضمان فلا یستفاد من ذلک، و إلا یلزم علی کل واحد من المؤمنین ضمان مال المؤمن الآخر مع التلف بآفة سماویة،و لا شبهة فی أن هذا المعنی لا یمکن الالتزام به بوجه.

3-الروایات الدالة علی عدم حلیة مال امرئ مسلم الا بطیب نفسه،

و علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون اذنه.و قد عرفت صدق المال علی المنافع.و لذا تقع ثمنا فی البیع،و عوضا فی الخلع،و صداقا فی النکاح و هکذا و یتوجه علی الاستدلال بها:أن المستفاد منها لیس

ص:129


1- 2) قد تقدم ما یرجع إلی هذه الجملة فی ص 91.

الا الحکم التکلیفی:أعنی به حرمة التصرف فی أموال الناس بدون إذنهم،أما الحکم الوضعی:أعنی به الضمان فلا یستفاد منها.و قد تقدم تفصیل ذلک قریبا (1).

4-قاعدة نفی الضرر،

فان استیفاء منفعة مال المالک،و جعله مسلوب النفع ضرر علیه،و هو منفی فی الشریعة المقدسة.

و یتوجه علی هذا الاستدلال:أن أدلة نفی الضرر لیست مسوقة لإثبات الحکم الشرعی،و انما هی مسوقة لبیان نفی الحکم الضرری.

أضف الی ذلک:أن القاعدة لا تفی بإثبات ضرر علی أحد لنفی الضرر عن غیره،فکما أن الحکم بعدم الضمان فیه ضرر علی المالک،کذلک الحکم بالضمان فیه ضرر علی القابض.

بل یمکن أن یقال:إن المنافع تتصرم،و تنعدم بنفسها،سواء فی ذلک استیفاء المالک و عدمه،فالحکم بعدم الضمان لیس فیه ضرر علی المالک،بل إنه من قبیل عدم النفع،فلا موضوع للقاعدة أصلا،و قد تقدم الکلام فیما یرجع الی الاستدلال بهذه القاعدة فی أمثال الموارد قریبا (2).

و علی الجملة:انه لا دلالة فی شیء من الوجوه المتقدمة علی ضمان المنافع المستوفاة.

نعم یمکن الاستدلال علی الضمان-هنا-بأمرین:
1-السیرة القطعیة العقلائیة،

فإنها قائمة علی أن أموال الناس لا تذهب هدرا،و علیه فإذا استولی أحد علی مال غیره-سواء أ کان ذلک بعنوان الغصب،أم کان بعنوان آخر-ضمنه بجمیع الخصوصیات التی هی دخیل فی

ص:130


1- 1) راجع ص 90.
2- 2) راجع ص 93.

المالیة،و حیث ان الشارع المقدس لم یردع عن هذه السیرة فتکون دلیلا علی ضمان المنافع المستوفاة.

2-قاعدة من أتلف مال غیره فهو له ضامن.

و هی بهذه الکیفیة و الخصوصیة و ان لم تذکر فی روایة خاصة،و لکنها قاعدة کلیة متصیدة من الموارد الخاصة التی نقطع بعدم وجود الخصوصیة لتلک الموارد،و علیه فتکون هذه القاعدة متبعة فی کل مورد تمس بها الحاجة.و الموارد التی أخذت منها هذه القاعدة هی الرهن،و العاریة،و المضاربة،و الإجارة،و الودیعة، و غیر ذلک من الموارد المناسبة لها فإنه قد وردت فیها الأخبار الکثیرة[1]الدالة

ص:131

علی أن إتلاف مال الغیر موجب للضمان،و قد استفاد منها الفقهاء رضوان اللّه علیهم قاعدة کلیة:أعنی بها قاعدة من أتلف مال غیره فهو له ضامن،فتحصل مما ذکرناه:أن المنافع المستوفاة مضمونة علی القابض.

ص:132

ما استدل به علی عدم ضمان

المنافع المستوفاة

قد استدل ابن حمزة علی عدم ضمان المنافع المستوفاة بالنبوی المشهور الخراج بالضمان[1].

و یرد علیه أولا:أن الحدیث المزبور ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء ثانیا:أن الاستدلال المذکور منتقض بالمغصوب،-حیث إن ضمان المنافع المستوفاة فیه أمر بدیهی لا یعرضه الشک.خلافا للحنفیة[2].

ثالثا:أنه لا دلالة فی ذلک الحدیث علی ما یرومه المستدل،و ذلک لأنه یحتمل وجوها.

1-أن یکون المراد من کلمة الخراج فیه ما هو المعروف فی باب الخراج و المقاسمة،و یکون المراد من کلمة الضمان فیه هو ضمان الأراضی الخراجیة بسبب التقبل و الإجارة.

و لا یخفی علیک:أن هذا الاحتمال-و ان لم نره فی کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم،و لکنه أقرب المحتملات للإرادة من الحدیث،و وقتئذ یکون النبوی خارجا عما نحن فیه،و لا یکون مربوطا بالمقام أصلا و رأسا.

ص:133

2-أن یراد من الخراج مطلق المنافع أعم من الخراج المصطلح و غیره.و یراد من الضمان المعنی اللغوی:أعنی به مطلق العهدة،سواء أ کان ذلک أمرا اختیاریا مترتبا علی العقود الصحیحة،أو الفاسدة،أم کان امرا غیر اختیاری مترتبا علی الغصب و علیه فیکون المراد من الباء فی کلمة(بالضمان)هو السببیة أو المقابلة.

و حینذاک فمعنی الحدیث:أن المنافع الحاصلة من الأموال المأخوذة بالعقود الصحیحة أو الفاسدة،أو المأخوذة بالغصب مملوکة للضامن،و أن ضمان العین سبب لملکیة المنافع.و علیه فتدل الروایة علی عدم ضمان المنافع المستوفاة کما علیه ابن حمزة.

و لکن من البعید جدا،بل من المستحیل عادة ذهاب ابن حمزة-الذی هو من أعظم فقهائنا الإمامیة-إلی مثل هذا الرأی،بل هو یناسب مثل أبی حنیفة الذی افتی بعدم ضمان المنافع مع ضمان العین.و قد نقلنا رأیه قریبا فی الحاشیة.

3-أن یراد من الخراج المنافع المستوفاة،و یراد من الضمان خصوص الضمان الاختیاری المترتب علی العقود الصحیحة التی أمضاها الشارع المقدس -کالبیع و الإجارة و نحوهما-و علیه فلا یکون النبوی المزبور مربوطا بما أفتی به ابن حمزة،ضرورة أن مورد کلامه البیع الفاسد،لا البیع الصحیح 4-أن یراد من الخراج المنافع المستوفاة،و یراد من الضمان الضمان المعاملی الاختیاری،سواء أ کان ذلک ممضی للشارع المقدس،أم لم یکن ممضی له،فیشمل البیع الصحیح و الفاسد کلیهما.و علی هذا فیصلح النبوی أن یکون مدرکا لابن حمزة.

و یتوجه علیه:أنه لا قرینة فی الحدیث علی أن یراد منه هذا الاحتمال، دون سائر الاحتمالات،بل قد عرفت قریبا أن الاحتمال الأول أظهر المحتملات

ص:134

للإرادة من الحدیث و یضاف الی ذلک:أن لازم الأخذ بالاحتمال الأخیر هو أن کل من استوفی شیئا من منافع العین فلا بد و أن یرد ذلک الی الضامن و ان کان المستوفی هو المالک للعین،و من الواضح أن هذا أمر لا یمکن الالتزام به بوجه.

ثم انه ربما یستنبط ما ذهب الیه ابن حمزة من جملة من الروایات[1]

ص:135

الواردة فی مواضیع شتی:مثل قوله(علیه السلام)-فی مقام الاستشهاد علی کون منفعة الدار المبیعة فی زمان الخیار للمشتری-:(ألا تری أنها لو أحرقت لکانت من ماله؟).و تفضل(علیه السلام)بنظیر ذلک أیضا فی روایة أخری.و کقوله(علیه السلام)-فی الرهن-:(و کذلک یکون علیه ما یکون له).

و یتوجه علیه:أن الروایات المذکورة لیست مسوقة لبیان الکبری الکلیة،بل الغرض منها هو التنبیه علی أن الدار ملک للمشتری،و الرهن ملک للراهن،فیکون نماء الدار مملوکا لمالکها،و نماء الرهن مملوکا لمالکه، و هذا ظاهر.

ما هو حکم المنافع غیر المستوفاة؟

قوله:(و أما المنفعة الفائتة بغیر استیفاء فالمشهور فیها أیضا الضمان).

أقول:المشهور بین الفقهاء هو أن المنافع الفائتة بغیر استیفاء-أیضا- مضمونة علی القابض،بل الظاهر من الحلی هو حکایة الإجماع علی ذلک حیث حکی عن السرائر فی آخر باب الإجارة الاتفاق علی ضمان منافع المغصوب الفائتة،مع قوله فی باب البیع:إن البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب و الضمان.

بل یقتضی الحکم بالضمان صدق عنوان المال علی تلک المنافع فإنها عندئذ تکون مشمولة لقاعدة من أتلف مال غیره فهو له ضامن.

و لکن التحقیق هو عدم الضمان-هنا-لعدم الدلیل علیه،و سیتضح

ص:136

لک وجهه.

ثم لا یخفی علیک:أن التکلم-هنا-فی الضمان و عدمه انما هو بعد الفراغ عن الحکم بالضمان فی المنافع المستوفاة،أما إذا لم نقل به-هناک-فعدمه -هنا-بالأولویة القطعیة.

و أیضا لا یخفی علیک ما فی کلام المصنف من الاضطراب،فإنه تارة یفتی بالضمان،و اخری یفتی بعدمه.و ثالثة یتوقف فی المسألة.

ثم إن مورد البحث-هنا-ما إذا لم یکن فوت المنافع من ناحیة وضع القابض یده علی المقبوض بالعقد الفاسد،و إلا یکون ذلک من مصادیق المغصوب و یجری علیه حکمه.

ثم إن الأقوال فی المسألة-ظاهرا-خمسة:

1-الضمان مطلقا،و قد ذهب الیه المشهور.

2-عدم الضمان کذلک،کما عن فخر المحققین فی الإیضاح.

3-التفصیل بین علم البائع بالفساد،و بین جهله به،فیحکم بعدم الضمان فی الأول،و بالضمان فی الثانی.

4-القول بالتوقف فی الصورة الثالثة.

5-التوقف علی وجه الإطلاق.

أما القول بالتفصیل فحیث إنا لم نقل به فی المنافع المستوفاة،فلا نقول به-هنا-أیضا،لأن القائل بعدم الضمان-فی صورة العلم بالفساد-انما توهم ذلک من جهة أن المالک قد سلط القابض علی ماله لکی یتصرف فیه کیف یشاء و لکنا ذکرنا فیما سبق أن اذن المالک-فی مورد بحثنا-انما کان مشروطا بحصول الملکیة الشرعیة،و هی لم تحصل،و المفروض أنه لم یحصل

ص:137

-هنا-اذن آخر جدید.و اذن فالمسألتان من حیث الضمان و عدمه سیان.

أما القول بالتوقف فالظاهر أنه لا یعد رأیا خاصا فی المسألة،بدیهة أن واقع التوقف لیس إلا إظهار الجهل بالحکم،و من البیّن الذی لا ریب فیه أن الجهل بالحکم لا یعد قولا برأسه.و اذن فیبقی القولان الأولان:أعنی بهما القول بالضمان علی وجه الإطلاق،و القول بعدمه کذلک.

و یحسن بنا أولا أن نقدم مقدمة أمام البحث عن هذین القولین.

و حاصلها:أن الغاصب انما یضمن العین المغصوبة للمغصوب منه بجمیع خصوصیاتها الشخصیة و النوعیة،للسیرة القطعیة العقلائیة،فإنها قائمة علی أن الإنسان إذا وضع یده علی مال غیره علی سبیل القهر و العدوان لزم علیه رده علی مالکه بجمیع خصوصیاته و شؤونه،و من الواضح أن منافع المال تعد من شؤونه،سواء أ کانت مستوفاة،أم لم تکن کذلک،فتکون مضمونة علی القابض.

و یضاف الی هذه السیرة أمران:

1-قاعدة من أتلف مال غیره فهو له ضامن.و قد عرفت قریبا:

أن هذه القاعدة مأخوذة من الأخبار الکثیرة الواردة فی مواضیع شتی،و من الواضح أن الغاصب قد أتلف المنافع المترتبة علی المغصوب فتکون مضمونة علیه 2-الأخبار (1)الدالة علی وجوب رد المغصوب علی المغصوب منه فان الظاهر منها هو رد ذلک علیه مع جمیع شؤونه و خصوصیاته،و لم نجد مخالفا فی ذلک من الخاصة و العامة.إلا الحنفیة (2).

ص:138


1- 1) الوسائل ج 3 باب 1 من أبواب الغصب.ص 325.
2- 2) قد أشرنا إلی رأیهم فی ص 133.

نعم قد عرفت ذهاب ابن حمزة الی عدم الضمان فی منافع العین المقبوضة بالعقد الفاسد،سواء فی ذلک المنافع المستوفاة و غیرها و لکن ذلک غریب عن المغصوب.

و علی هذا فیجب علی الغاصب رد العین المغصوبة علی المغصوب منه بجمیع منافعها حتی المنافع الفائتة بغیر استیفاء،و إذا تلفت العین انتقل الضمان الی المثل أو القیمة،و لعل هذا المعنی هو المقصود من العبارة المعروفة بین المحصلین من أن الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال.و الا فلا وجه لها بوجه.

نعم لا یحکم بکون المغصوب مضمونا علی الغاصب بالخصوصیات الشخصیة التی لا دخل لها فی زیادة المالیة،ضرورة أنه لا دلیل علی الضمان فی أمثال ذلک.

ثم لا یخفی علیک أن الغاصب انما یضمن المنافع الفائتة إذا استند فوتها الیه.أما لو استند ذلک الی المالک فلا ضمان علیه لعدم الدلیل علی ضمان الغاصب.فی أمثال ذلک.

و مثاله:أنه إذا کان من طبع المالک الانتفاع من ماله فی زمان دون زمان،و غصبه الغاصب،و ترکه علی حالته الأولیة لم یضمن إلا بمنافعه المستوفاة،دون منافعه الفائتة بغیر استیفاء،فالمنافع التی لا تکون العین معدة لاستیفائها لا تضمن بغیر استیفاء.

إذا عرفت ما تلوناه علیک

فاعلم أنه ذهب جمع من الأصحاب إلی ضمان

المنافع مطلقا،لوجوه:

1-حدیث ضمان الید،

بدعوی أنه شامل للمنافع الفائتة بغیر استیفاء لکونها مقبوضة بتبع قبض العین،و من هنا یتحقق قبض المنفعة بقبض العین المستأجرة،فتدخل المنفعة-بذلک-فی ضمان المستأجر.و یتحقق قبض

ص:139

الثمن فی السلم بقبض الجاریة التی جعلت خدمتها ثمنا،و کذلک یتحقق قبضه بقبض الدار التی جعل سکناها ثمنا.

و یرد علیه أولا:أن حدیث ضمان الید ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء،و قد عرفته فیما تقدم (1).

ثانیا:أنه لا یشمل المنافع المستوفاة فضلا عن شموله للمنافع غیر المستوفاة،و قد تقدم ذلک قریبا (2).

ثالثا:أنا لو سلمنا شموله للمنافع المستوفاة،إلا أنه لا یشمل المنافع الفائتة بغیر استیفاء،لأن لفظ الأخذ-فی الحدیث المزبور-و إن کان کنایة عن الاستیلاء علی الشیء،و لکن لا یصح تعلقه بالمنافع الفائتة بغیر استیفاء، لعدم تحققها بالفعل و إن کانت موجودة بالقوة،إلا أن الوجود الاستعدادی لا یصحح صدق الاستیلاء الموجب للضمان.

نعم إذا قدرت هذه المنافع المعدومة بتقدیر خاص-کما فی الإجارة- صح تعلق الاستیلاء بها.

قیل:ان المنافع غیر المستوفاة کما لا تقبل الأخذ،کذلک لا تقبل القبض-أیضا-لأن قبضها عبارة عن استیفائها،و معه تخرج عن حدّ العدم و تصیر من قبیل المنافع المستوفاة،و إذن فتکون خارجة عن مرکز بحثنا، لأن مورد بحثنا-هنا-إنما هو المنافع الفائتة بغیر استیفاء،لا المنافع المستوفاة و الجواب عن ذلک:أن القبض یختلف حسب اختلاف الموارد،لأنه قد یتحقق بالتخلیة بین المال و مالکه،و قد یتحقق بالأخذ،و قد یتحقق بإرجاع أمر الشیء إلی شخص.و من البیّن أن قبض المنافع غیر المستوفاة انما یتحقق

ص:140


1- 1) ص 88.
2- 2) ص 128.

بإرجاع زمام العین و رقبتها الی مالک منافع العین،و هذا المعنی لا یستلزم استیفاء المنافع.

و قال المحقق الخراسانی:إن(مورده(أی حدیث ضمان الید)و إن کان مختصا بالأعیان،إلا أن قضیة کونها مضمونة ضمان منافعها.فضمان المنافع فی الإجارة الفاسدة انما یکون بتبع ضمان العین المستأجرة.

و بالجملة:قضیة ضمان الید ضمان المنافع فیما کانت العین مضمونة بها.فاختصاص مورده بالأعیان لا یوجب اختصاص الضمان بها).

و یتوجه علیه:أنه ان کان غرضه من هذه العبارة:أن مالیة الأعیان باعتبار منافعها المرغوبة للعقلاء-فضمان العین یستلزم ضمان مالیتها المتقومة بالمنافع-فهو متین،لأن العین بما هی هی لیست لها مالیة بوجه،بل مالیتها بلحاظ منافعها،و لکن لا دلالة فی ذلک علی ضمان المنافع المستوفاة فضلا عن ضمان المنافع غیر المستوفاة،و هذا واضح.

و إن کان غرضه من العبارة المذکورة:أن ضمان الأعیان علة لضمان منافعها فهو مصادرة واضحة.

أضف الی ذلک:أن ضمان المنافع المستوفاة أمر بدیهی و ان لم تکن العین مضمونة،کما إذا استوفی عمل حر،حیث إن الحر بنفسه غیر مضمون و لکن عمله مضمون.

2-قوله عجل اللّه فرجه:(فلا یحل لأحد أن یتصرف فی مال غیره

بغیر اذنه ).

(1)

و یتوجه علیه أولا:أنه ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء،فلا یمکن الاستناد إلیه فی شیء من المسائل الفقهیة.

ثانیا:أن نسبة عدم الحل الی التصرف فی مال الغیر ظاهرة فی الحکم

ص:141


1- 1) قد ذکرناه فی الجزء الثانی فی ص 138.

التکلیفی،لا فی الحکم الوضعی،و لا فی الأعم منهما،و علیه فلا دلالة فی الروایة علی ضمان الأعیان فضلا عن دلالتها علی ضمان المنافع.

و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بالروایات (1)-الدالة علی عدم حلیة مال امرئ مسلم الا بطیب نفسه-علی الضمان-هنا-ضرورة أن الظاهر من نسبة الحل الی المال انما هو إرادة حرمة التصرف فیه،علی ما ذکرناه مرارا.و من البین أن هذا لا یناسب إلا الحرمة التکلیفیة،لا الحرمة الوضعیة کما أن المراد من حرمة الأمهات و البنات و الخالات حرمة نکاحهن.و اذن فتبعد الروایات المزبورة عن الدلالة علی الحکم الوضعی:أعنی به الضمان.

3-قوله(علیه السلام)فی جملة من الروایات :حرمة ماله(أی المؤمن)

کحرمة دمه،

(2)

بدعوی أن مالیة الأعیان باعتبار تنافس العقلاء فیها.و علیه فنفس المنافع من الأموال،بل من مهماتها،و إذا ثبت کونها من الأموال شملتها الجملة الشریفة المذکورة،فیثبت بذلک احترامها و ضمانها.

و یتوجه علی هذا الاستدلال:أن الجملة المزبورة و إن وردت فی موثقة ابن بکیر و غیرها،و لکن لا دلالة فیها علی الضمان بوجه (3).

4-قاعدة نفی الضرر،

حیث ان الحکم بعدم ضمان القابض منافع ما قبضه من الأعیان ضرر علی المالک (4).

و یتوجه علیه:أن الحکم بضمان القابض ضرر علیه أیضا،فتقع المعارضة فی شمول القاعدة لکلا الطرفین.

ص:142


1- 1) قد ذکرناها فی الجزء الثانی فی ص 138.
2- 2) قد ذکرناها فی ص 91.
3- 3) قد عرفت تفصیل ذلک فی ص 91.
4- 4) قد تقدم ما یرجع إلی هذه القاعدة فی ص 94.

و یضاف الی ذلک:أن القاعدة المذکورة انما تنفی الأحکام الضرریة، و لا دلالة فیها علی إثبات حکم آخر الذی یلزم الضرر من عدم جعله.

5-قاعدة من أتلف،

و قد استدل بها السید فی حاشیته-عند قول المصنف:فالمشهور فیها أیضا الضمان و إلیک نصه:(هذا هو الأقوی بمعنی:

أن حالها حال العین،لقاعدة الإتلاف،فإن الاستیلاء علی العین،و منع المالک عن الانتفاع بها تفویت لمنافعها،و یصدق علیه الإتلاف عرفا،و لذا نحکم بالضمان لها فی الغصب).

و یتوجه علیه:أنا نمنع صدق التفویت علی المنافع الفائتة بغیر استیفاء إلا إذا استند الفوت الی القابض بأن وضع یده علی مال الغیر و حبسه بحیث لا یتمکن مالکه من التصرف فیه.و حینئذ فیکون شأن المقبوض بالعقد الفاسد شأن المغصوب

6-الإجماع،

و قد استظهره المصنف من السرائر و التذکرة،و استند الیه فی الحکم بالضمان هنا.

و یرد علیه:أنه لا وجه لدعوی الإجماع فی أمثال هذه المسائل الخلافیة إذ من المحتمل القریب أن یکون مدرک القائلین بالضمان-هنا-ما ذکرناه من الوجوه الماضیة،و یتضح هذا المعنی لمن أعطف النظر علی کلماتهم فی المقام.

و من هنا ناقش السید فی کلام المصنف،و قال:(الإنصاف أنا لو فرضنا عدم تامیة ما ذکرنا من الأدلة علی الضمان لا وجه للقول به من جهة هذین الإجماعین المنقولین بعد عدم حجیة الإجماع المنقول،و عدم معلومیة الشمول للمقام).

و العجب من شیخنا الأستاذ حیث دفع المناقشة المزبورة بأن(اختیاره (أی المصنف)الضمان أخیرا لیس لاعتماده علی الإجماع المنقول،مع أنه قده منکر لحجیته فی الأصول،بل اعتمد علی نقل الإجماع من جهة کشف

ص:143

اتفاق الأعلام علی شمول قاعدة الید و الاحترام للمنافع).

و وجه العجب:أن المصنف قد ناقش فی کلتا القاعدتین صریحا فی صدر کلامه،و حکم بعدم إمکان التمسک بهما-هنا-و معه کیف یعتمد علیهما فی ذیل کلامه.

و المصنف و ان ناقش فی حجیة نقل الإجماع فی فرائده،الا أنه اعتمد علیه فی محل البحث و غیره.

و نتیجة البحث الی هنا:هی أن المقبوض بالعقد الفاسد لا یضمن بمنافعه غیر المستوفاة،لعدم الدلیل علیه.

و یؤید ما ذکرناه-من عدم الضمان هنا-ما ورد من الروایات (1)فی ضمان المنافع المستوفاة من الجاریة المسروقة المبیعة،فإن هذه الأخبار -مع ورودها فی مقام البیان-غیر متعرضة للضمان بمنافعها غیر المستوفاة.

و أیضا یؤید ذلک خبر محمد بن قیس (2)الذی ورد فیمن باع ولیدة أبیه بغیر اذنه،فقال الامام(علیه السلام):الحکم أن یأخذ الولیدة و ابنها،و سکت (علیه السلام)عن بیان الضمان فی المنافع غیر المستوفاة.

و یضاف الی ذلک کله:أن المنافع غیر المستوفاة-فی المقبوض بالعقد الفاسد-مورد لقاعدة ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده،ضرورة أن صحیح البیع لا یوجب ضمان المنافع الفائتة بغیر استیفاء لأنها ملک للمشتری مجانا،کذلک البیع الفاسد.

و هذا لا ینتقض بالقول بالضمان فی المنافع المستوفاة،و ذلک لصدق

ص:144


1- 1) قد ذکرناها فی ص 89.
2- 2) راجع التهذیب ج 2 ص 138.و سیأتی التعرض لهذا الخبر فی البحث عما استدل به علی صحة البیع الفضولی.

الإتلاف علی استیفائها،فتکون مندرجة تحت قاعدة من أتلف مال غیره فهو له ضامن.

قیل:ان المقبوض بالعقد الفاسد،و المغصوب سیان فی ذلک،و الالتزام بالتفکیک بینهما لا یتفق و القواعد الفقهیة.

و الجواب عن ذلک:أن الفارق بینهما کالشمس فی کبد السماء،لأن الغاصب إنما یأخذ المال من المغصوب منه بالقهر و العدوان،فیکون مضمونا علیه بجمیع خصوصیاته و هذا بخلاف المقبوض بالعقد الفاسد.فان المالک قد دفعه إلی القابض باختیاره،و المفروض أنه لا یمنع المالک عن التصرف فیه بوجه.و علیه ففوت المنافع إنما استند إلی نفس الدافع،لا إلی القابض و اذن فلا وجه لقیاس المقبوض بالعقد الفاسد بالمغصوب،و علیه فتصبح المنافع الفائتة بغیر استیفاء غیر مضمونة فی المقبوض بالعقد الفاسد.

ما هو الدلیل علی ضمان المثل
اشارة

فی المثلی،و ضمان القیمة فی القیمی

قوله:(الرابع إذا تلف المبیع فان کان مثلیا وجب مثله بلا خلاف، إلا ما یحکی عن ظاهر الإسکافی). أقول:لا یخفی علیک:أن ظاهر عبارة المصنف هو ذهاب الإسکافی إلی ضمان القیمة فی المثلی،و هذا مناف لما سیأتی منه قریبا[1]من نسبته ضمان المثل فی القیمی إلی الإسکافی.

و المظنون قویا-و اللّه العالم-هو وقوع السقط فی عبارته-هنا-

ص:145

فکأنه قال:إذا تلف المبیع فان کان مثلیا وجب مثله،و إن کان قیمیا وجبت قیمته بلا خلاف فی ذلک بین الأصحاب،إلا عن الإسکافی،فإنه حکم بضمان المثل فی القیمی أیضا.

و کیف کان

فقد استدل علی ضمان المثل فی المثلی و ضمان القیمة فی القیمی

بوجوه شتی:

1-قوله(صلی الله علیه و آله)علی الید ما أخذت حتی تؤدیه .

(1)

و یرد علیه أنه لا دلالة فیه علی مذهب المشهور:أعنی به الحکم بضمان المثل فی المثلی،و ضمان القیمة فی القیمی،لأن الظاهر منه هو ثبوت العین بدءا فی عهدة الآخذ،و إذا تعذر أداؤها بعینها انتقل الضمان إلی المثل.و إذا تعذر المثل أیضا انتقل إلی القیمة،من غیر فرق فی ذلک بین المثلی و القیمی.

و لا ریب فی أن هذا المعنی لا ینطبق علی مذهب المشهور انطباقا تاما، بل مقتضاه أن ضمان القیمة فی طول ضمان المثل،کما أن ضمان المثل فی طول الضمان بنفس العین التی أخذت من مالکها بغیر سبب شرعی.

و قد ظهر لک مما ذکرناه فساد ما قیل من أن حدیث ضمان الید غیر متعرض لأداء البدل،بل هو ظاهر فی وجوب رد العین إلی مالکها،و لا شک فی أن هذا الوجوب یسقط بتلف العین.

کما أنه ظهر لک مما بیناه-أیضا-فساد ما ذکره شیخنا الأستاذ من أن وجوب رد العوض مشروط بکون التالف(مما یتمول عرفا و شرعا،فمثل الخنفساء و الخمر و إن وجب ردهما حین بقائهما لجهة حق الاختصاص الثابت لمن أخذ منه إلا أنه بعد تلفهما لا یتعلق بهما ضمان).

و وجه الفساد:هو أن وضع الید علی متعلق حق الغیر.بدون سبب

ص:146


1- 1) قد تقدم ما یرجع إلی هذا النبوی فی ص 88.

شرعی یوجب ضمانه،و إذا تلف ذلک انتقل ضمانه إلی المثل نعم إذا تعذر المثل أیضا بقی التالف فی عهدة الضامن،إذ المفروض أنه لیس بمال لکی ینتقل ضمانه -مع تعذر مثله-إلی قیمته.

و لکن الذی یسهل الخطب هو أن حدیث ضمان الید ضعیف السند و غیر منجبر بشیء،کما سمعته مرارا،فلا یمکن الاستناد إلیه فی شیء من الأحکام الفرعیة

2-ما دل علی احترام مال المؤمن،و أن حرمة ماله کحرمة دمه

(1)

و لکن قد عرفت فیما سبق عدم دلالته علی الضمان بوجه،بل الظاهر منه هو الحکم التکلیفی،و علیه فیدل علی حرمة التصرف فی مال المؤمن بدون إذنه و طیب نفسه.

و یضاف إلی ذلک:أنا لو سلمنا دلالته علی ثبوت الضمان و لکن لا نسلم دلالته علی ضمان المثل فی المثلی،و علی ضمان القیمة فی القیمی،بل مفاده انما هو ثبوت الضمان بالبدل الواقعی.

3-الروایات الدالة علی أن الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة

-بعد أن أولدها المشتری-أخذها صاحبها،و أخذ المشتری ولده بالقیمة،

(2)

حیث إن حکم الامام(علیه السلام)بضمان قیمة الولد ظاهر فی أن ضمان القیمی بالقیمة و الجواب عن ذلک:أن هذه الروایات و إن کانت صریحة فی الضمان إلا أنها غیر ظاهرة فی ضمان المثل فی المثلی،و فی ضمان القیمة فی القمی،نعم هی غیر خالیة عن الاشعار بذلک و قد تقدم ما یرجع إلی هذه الروایات عند البحث عن مدرک الضمان فی قاعدة ما یضمن.

4-دعوی الإجماع علی ضمان المثل فی المثلی،و علی ضمان القیمة فی القیمی

ص:147


1- 1) قد عرفت ما یرجع إلی ذلک فی ص 91.
2- 2) قد تقدمت هذه الروایات فی ص 89.

و یتوجه علیه:أنا ذکرنا مرارا أن الإجماع لا یکون حجة إلا مع القطع بکشفه عن رأی المعصوم(علیه السلام)و من البین الذی لا ریب فیه أن العلم بذلک مشکل جدا،بل المظنون قویا هو استناد المجمعین-هنا-إلی الوجوه المتقدمة و لا یفرق فیما ذکرناه بین الإجماع المنقول،و الإجماع المحصل.

أضف إلی ذلک:أن الإجماع-هنا-قد انعقد علی مفهوم مجمل، لا مفهوم مبیّن لکی یکون النزاع-عند الشک فی أن الضمان بالمثل أو القیمة- فی تطبیق المفهوم المبین علی المشکوک فیه،و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

5-قوله تعالی فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ

(1)

و عن الشیخ أنه استدل بهذه الآیة-فی المبسوط و الخلاف-علی ضمان المثل فی المثلی،و ضمان القیمة فی القیمی،بدعوی أن المماثلة إنما تقتضی ذلک.

و لکن الظاهر أنه لا دلالة فیها علی ما یرومه المستدل،إذ الاستدلال بها علی ذلک یتوقف علی أمور ثلاثة:

الأول:أن تکون کلمة(ما)فی الآیة الکریمة موصولة،لا مصدریة.

الثانی:أن یراد من هذه الکلمة الموصولة الشیء المعتدی به:بأن یکون المعنی فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ الشیء الذی اِعْتَدی به عَلَیْکُمْ .

الثالث:أن یراد من کلمة المثل فی الآیة الشریفة المثل فی المثلی،و القیمة فی القیمی،و أنی للمستدل إثبات هذه الأمور کلها.

أما الأمر الأول فیرده أنه لا قرینة علی أن یراد من کلمة(ما)کونها موصولة،بل یحتمل أن تکون مصدریة غیر زمانیة،و علیه فتکون معنی الآیة:أنه اعتدوا علیه بمثل اعتدائه علیکم،و إذن فتختص الآیة بالاعتداء بالأفعال.و تبعد عن مورد البحث،بداهة أن مماثل الإتلاف هو الإتلاف،

ص:148


1- 1) سورة البقرة،الآیة:194.

دون الضمان،و من الواضح أن هذا الاحتمال یمنع عن الاستدلال بالآیة الکریمة علی المقصود.

بل المحکی عن المحقق الأردبیلی فی آیات أحکامه هو تعین هذا الاحتمال فإنه بعد ما ذکر جملة من الآیات-التی منها الآیة المتقدمة-الظاهرة فی جواز الاعتداء بالمثل قال:فیها دلالة علی جواز القصاص فی النفس،و الطرف، و الجروح.بل جواز التعویض مطلقا حتی ضرب المضروب،و شتم المشتوم بمثل فعلهما-إلی أن قال-و تدل علی عدم التجاوز عما فعل به و تحریم الظلم و التعدی أما الأمر الثانی فیرده أنه لا قرینة علی أن المراد من الشیء هو المعتدی به:أعنی به الأعیان الخارجیة من النقد و العرض،بل یحتمل أن یراد به الفعل أعنی به الاعتداء،و علیه فتکون الآیة غریبة عن غرض المستدل حتی مع جعل کلمة(ما)فیها موصولة.

و یحتمل أن یراد من الشیء ما هو الأعم من الفعل و المعتدی به و حینئذ فتدل الآیة علی جواز اعتداء المضروب بالضرب،و اعتداء المشتوم بالشتم و علی جواز إتلاف المال فی مقابل الإتلاف،و علی جواز أخذ الحنطة بدل الحنطة و أخذ الفضة بدل الفضة و هکذا.

و علی هذا الاحتمال لا یستفاد من الآیة الضمان-أیضا-بل و لا جواز تملک المغصوب منه شیئا مما أخذه من الغاصب،بل غایة ما یستفاد منها حینئذ إنما هو جواز التصرف فی أموال الغاصب علی سبیل التقاص،بلا کونها ملکا للمتصرف،ضرورة أنه لا ملازمة بین جواز التصرف فی شیء و بین کونه ملکا للمتصرف،و من هنا یجوز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة مع عدم کونه ملکا للآخذ بناء علی أنها تفید الإباحة فقط.

و لو أغمضنا عن جمیع ذلک،و سلمنا اختصاص لفظ الموصول بالشیء

ص:149

المعتدی به،و لکن لا نسلم انطباق الآیة علی مسلک المشهور من جمیع الجهات بدیهة أن مفاد الآیة علی هذا المنهج إنما هو الاعتداء بمثل المعتدی به،و علیه فتکون الآیة ظاهرة فی ضمان المثل فی کل من المثلی و القمی،و حینئذ فإذا تعذر المثل کان دفع القیمة بدلا عن المثل الثابت فی الذمة،لا بدلا عن العین التالفة ابتداء کما یرومه المستدل.

أما الأمر الثالث فیرده عدم وجود القرینة علی إرادة ضمان المثل من الآیة فی المثلی،و إرادة ضمان القیمة فی القیمی،لأن المماثلة لا تقتضی هذا المعنی بل هی أعم من ذلک.

و تحصل من جمیع ما ذکرناه:أنه لا دلالة فی شیء من الوجوه الماضیة علی مسلک المشهور:أعنی به ضمان المثل فی المثلی و ضمان القیمة فی القیمی.

و التحقیق:أن یستدل علی ذلک بالسیرة،کما أنا اعتمدنا علیه فی القول بالضمان فی أصل المسألة:أعنی بها مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

و بیان ذلک:أن العقلاء متفقون علی أن الإنسان إذا أخذ مال غیره، و وضع یده علیه بغیر سبب شرعی ضمنه بجمیع خصوصیاته الشخصیة و المالیة و النوعیة،و أنه لا یخرج عن عهدته إلا برد عینه علی مالکه و إذا تلفت العین وجب علی الضامن رد ما هو أقرب إلیها،لأن تلفها لا یسقط الضمان عنه جزما،و من الواضح أن الأقرب إلی العین التالفة إنما هو المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی،و علی هذا فلا یکتفی برد أحدهما فی موضع الآخر إلا برضی المالک،و هذا واضح لا شک فیه.

و یؤید ذلک:أن المرتکز فی أذهان العقلاء هو أنه لا یحصل فراغ الذمة إلا بأداء المثل فی المثلی،و بأداء القیمة فی القیمی.

ص:150

ما هو الفارق بین المثلی و القیمی

قد اختلفت کلمات الفقهاء فی ذلک:

فعن الشیخ و الحلی و المحقق و العلامة و جمع آخر:أن المثلی ما تتساوی أجزاؤه من حیث القیمة.بل هذا هو المشهور بین الأصحاب.

و عن التحریر:أنه ما تمالت أجزاؤه،و تقاربت،صفاته.

و عن الدروس و الروضة:أنه المتساوی الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات و عن غایة المراد:أنه ما تتساوی أجزاؤه فی الحقیقة النوعیة.

و عن بعض العامة:أنه ما قدر بالکیل و الوزن.

و عن آخر منهم:زیادة جواز بیعه سلما.

و عن ثالث منهم:زیادة جواز بیع بعضه ببعض،و إلی غیر ذلک من التعاریف.

أما القیمی فعرفوه بعکس ما عرفوا به المثلی.

ثم إنه قد کثر النقض و الإبرام حول التعاریف المذکورة تارة بعدم الاطراد و اخری بعدم الانعکاس،و ثالثة من سائر الجهات.

و لکن لا یهمنا التعرض لشیء من تلک التعاریف،و لا التعرض لما یتوجه علیها من المناقشات،ضرورة أن لفظی المثلی و القیمی لم یردا فی آیة، و لا فی روایة،و لا انعقد علیهما إجماع:لا المحصل،و لا المنقول لکی نبحث عنهما تارة من حیث الشرح و التفسیر،و اخری من حیث الاطراد و الانعکاس،و ثالثة من سائر الجهات،بل ذکرهما الفقهاء لتعیین ما وجب علی الضامن حین الأداء،و لعل هذا هو المقصود من التعاریف المذکورة من غیر

ص:151

أن یجعلونها تعاریف حقیقیة و لعله من هذه الجهة أضیف إلی تعریف المثلی أنه یجوز بیعه سلما،أو بعضه ببعض کما عرفته قریبا،إذ لو کان الغرض من تلک التعاریف التعاریف الحقیقیة لما جاز ذکرهما فیها،لأنهما من الأحکام الشرعیة فلا معنی لأخذها فی التعریف و إذن فالتعاریف المذکورة و غیرها کلها تعاریف لفظیة و انما ذکرت هنا لبیان غرض وحدانی،فاللازم علینا هو بیان هذا الغرض الوحید.

و توضیح ذلک إجمالا:أن أوصاف الأشیاء علی قسمین،إذ قد یکون لها دخل فی المالیة،و قد لا یکون لها دخل فی المالیة بوجه:

أما القسم الثانی فهو خارج عن مرکز بحثنا،لعدم دخله فی مالیة الموصوف فلا یکون تفویته موجبا للضمان.

أما القسم الأول فإن کانت للموصوف أفراد متماثلة بحسب النوع أو الصنف فهو مثلی،ضرورة أن أفراد الکلی مع فرض تماثلها متساویة الأقدام و متقاربة الأوصاف من دون تفاوت بینها فی نظر العرف،و ان کان بینها فرق بالدقة العقلیة،و ان لم یکن الموصوف کذلک فهو قیمی.

و علی هذا فالمراد من کلمة الأجزاء التی ذکرت فی التعاریف المتقدمة انما هو أفراد الطبیعة،لا أجزاء المرکب،کما هو واضح،و هذا هو الحجر الأساسی و الضابط الکلی فی المقام و قد اتضح لک مما بیناه:أن التماثل بین أفراد الموصوف یختص-فی الخارج-بالاتحاد النوعی و الصنفی،أما الاتحاد الجنسی فهو بنفسه لا یصحح التماثل فی جمیع الموارد،و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

ثم لا یخفی علیک:أن المثلی و القیمی یختلفان بحسب الأزمنة و الأمکنة فان الأثواب و ان کانت من القیمیات فی الأیام السالفة،و لکنها أصبحت من المثلیات-غالبا-فی العصر الحاضر،لأن أکثرها منسوج بنسج واحد و أنها متماثلة الأفراد فی الخارج غالبا.

ص:152

و من هنا ظهر:أن النقود الرائجة من المثلیات،لتساوی أفرادها علی النهج المزبور.أما الجواهر فهی قیمیة،لاختلاف أفرادها-غالبا-إذ قد یساوی مقدار حمصة من الیاقوت-مثلا-ربع دینار،و یسوی فرد آخر منه بالمقدار المزبور مأة دینار.و هکذا الفیروزج و أشباهه.

و علی الجملة:أن التأمل فیما بیناه من الضابط الکلی للمثلی و القیمی یوضح لنا الشبهات الواردة علی تعاریفهما فافهم و اغتنم.

ما هو الضابط فیما شک فی کونه مثلیا أو قیمیا؟

قد وقع الخلاف بین الفقهاء فی کثیر من الأشیاء إنها مثلیة أو قیمیة:

منها الذهب و الفضة المسکوکان،فقد حکی التصریح-عن الشیخ فی المبسوط-بکونهما قیمیین،و ظاهر غیر واحد من الفقهاء أنهما مثلیان.

و منها الحدید،و النحاس،و الرصاص،فان الظاهر من العبائر المحکیة عن المبسوط و الغنیة و السرائر أنها من قبیل القیمیات،و لکن حکی التصریح عن العلامة-فی التحریر-بأن أصولها مثلیة،الا أن المصوغ منها قیمی.

و منها الرطب،و العنب،و الزبیب،و التمر،حیث حکی التصریح عن الشیخ-فی المبسوط-بکون الأولین قیمیین،و کون الأخیرین مثلیین،و عن العلامة-فی المختلف-أن فی الفرق إشکالا،بل ذکر المصنف أنه صرح بعض من قارب عصرنا بکون الرطب و العنب مثلیین.

و إلی غیر ذلک من الموارد الکثیرة التی لم یستوضح کونها مثلیة أو قیمة.و کذلک لم یستوضح أن الأصل اللفظی-فی الموارد المشکوکة-هل یقتضی کونها مثلیة إلا ما خرج بالدلیل،أم یقتضی کونها قیمیة إلا ما خرج بالدلیل.

و لعل الوجه فی ذلک:أن الأئمة(علیه السلام)قد أغفلوا هذه الجهات،و لم

ص:153

یتفضلوا بما هو الضابط الکلی فی ذلک،بل إنما تعرضوا لبیان أصل الضمان فی موارد شتی،و لم یتعرضوا لکیفیة الضمان إلا فی موارد قلیلة.

و علیه فإذا علمنا بکون شیء مثلیا أو قیمیا لانطباق ما ذکرناه-من الضابط الکلی-علیه فهو،و إن شک فی ذلک فلا بد من الرجوع إلی الأصول العملیة،و قرروا ذلک بوجوه شتی:

1-القول بضمان المثل فقط،لا غیر.

2-القول بضمان القیمة فقط،لا غیر.

3-القول بتخییر المالک بین المثل و القیمة.

4-القول بتخییر الضامن بینهما.

أما الوجه فی الحکم بضمان المثل فقط فلأن الواجب علی الضامن ابتداء إنما هو أداء المثل حتی فی القیمیات،لکونه أقرب إلی التالف من غیره.أما أداء القیمة فی القیمیات فإنما هو من باب الإرفاق للضامن،إذ لا یوجد-غالبا- مثل للقیمیات فی الخارج.

ثم إن فراغ الذمة بأداء ما یحتمل تعینه قطعی،و بأداء غیره مشکوک فیه،فالأصل هو عدم سقوط ما فی ذمة الضامن إلا بأداء المثل لأنه إذا دار الأمر بین التعیین و التخییر وجب الأخذ بما احتمل تعینه.

و یرد علیه:أن الواجب علی الضامن ابتداء إنما هو أداء القیمة فی القیمیات،دون أداء المثل،و قد عرفت ذلک قریبا.

و یضاف إلی ذلک:أنا لو سلمنا صحة المبنی،إلا أنا لا نسلم صحة البناء و ذلک لأن القاعدة تقتضی الالتزام بالتعیین تارة،و بالتخییر اخری،لا الحکم بالأخذ بما احتمل تعینه.

و بیان ذلک:أنه إذا کان-هنا-حکم واحد،و دار أمره بین التعیین

ص:154

-لاحتمال الأهمیة-و بین التخییر حکم بالتخییر،و لم یؤخذ بمحتمل الأهمیة و إذا کان-هنا-حکمان،و دار أمرهما بین التعیین و التخییر-فی مرحلة الامتثال و الفعلیة من ناحیة المزاحمة-وجب الأخذ بما احتمل تعینه.

و الوجه فی ذلک:أن المزاحمة بین الحکمین-فی باب المزاحمة-إنما نشأت من شمول الإطلاق-فی کل من الحکمین-لحال الإتیان بمتعلق الآخر، و إذا استحال امتثالهما معا فی مورد المزاحمة لم یبق کلا الإطلاقین-معا-علی حالهما.و علیه فان کان أحد الحکمین بالخصوص أهم من الآخر أخذ به،و سقط الإطلاق فی ناحیة المهم،و إذا کان ملاک کل منهما مساویا لملاک الآخر سقط کلا الإطلاقین،لبطلان الترجیح بلا مرجح،و إذا کان أحد الحکمین محتمل الأهمیة وجب الأخذ به،و سقط الإطلاق فی غیره قطعا.

و الوجه فی ذلک:أنه لا یجوز للمکلف تفویت الغرض الملزم-بعد إحرازه-إلا بعجزه عن الامتثال تکوینا أو بتعجیز المولی إیاه:بأن یأمره بما لا یجتمع معه فی الخارج و إذا لم یوجد شیء من الأمرین حکم العقل بقبح التفویت و استحقاق العقوبة علیه.

و علی هذا فإذا کان أحد الحکمین المتزاحمین معلوم الأهمیة فلا شبهة فی وجوب الأخذ به،لأن الملاک فی الطرف الآخر و ان کان ملزما فی نفسه، الا أن تفویته مستند الی تعجیز المولی،ضرورة أن المولی قد أمر المکلف بصرف قدرته فی الأهم،فإذا أتاه المکلف کان معذورا فی ترک المهم،و تفویت ملاکه،و هذا بدیهی لا ریب فیه.

و إذا کان أحد الحکمین المتزاحمین محتمل الأهمیة فأیضا لا شبهة فی لزوم الأخذ به،و ذلک لما عرفته-قریبا-من أنه لا یجوز للمکلف عقلا أن یترک الملاک الملزم-بعد إحرازه-الا بالعجز عن الامتثال تکوینا،أو تشریعا و من الواضح أن المکلف قادر علی الامتثال بمحتمل الأهمیة،و لو بترک الآخر

ص:155

و اذن فلا یجوز ترک محتمل الأهمیة،لحکم العقل بالاشتغال،و استحقاق العقاب علی تحرکه من غیر عذر.

و لا یخفی علیک:أن هذه الکبری التی قد مناها فی المتزاحمین لا تجری فی فرض اتحاد الحکم الذی دار أمره بین التعیین و التخییر،کالشک فی أن تقلید الأعلم واجب تعیینی،أو أن المکلف مخیر بینه و بین تقلید غیر الأعلم حیث ان-هنا-حکما واحدا یحتمل تعلقه بالمعین،و یحتمل تعلقه بالجامع،بینه و بین غیره،و حینئذ فتعلقه بالجامع معلوم،و بالخصوص مجهول،فیدفع بالبراءة.

و بعبارة اخری:أنا نعلم-فی أمثال ذلک-بتعلق التکلیف فی الجملة بالجامع الانتزاعی الذی یعبر عنه بعنوان أحد الشیئین،و لکنا نشک فی کونه مأخوذا علی نحو الإطلاق،أو متقیدا،بقید خاص،و من الواضح أن الشک فی أمثال ذلک و ان کان شکا فی الامتثال،الا أن منشأ ذلک هو الشک فی إطلاق الحکم و تقیده،فإذا رفعنا احتمال التقید بأصالة البراءة ارتفع الشک فی الامتثال أیضا،و اذن فیحکم بالتخییر و بجواز الاکتفاء بکل واحد من الطرفین فی مرحلة الامتثال.

و مقامنا من هذا القبیل،لأن ثبوت مالیة التالف فی ذمة الضامن معلوم الا أن ثبوت تعینها بخصوص المثل مشکوک فیه،فیدفع بالبراءة،و اذن فاحتمال تعین المثل من ناحیة لزوم الأخذ بمحتمل الأهمیة عند دوران الأمر بین التعیین و التخییر ضعیف جدا.

و لکن التحقیق مع ذلک:هو تعین الضمان بالمثل-عند الشک فی ضمان المثل أو القیمة-و الوجه فی ذلک:هو قیام السیرة القطعیة علی أن وضع الید علی مال الغیر بلا سبب شرعی موجب للضمان،و علیه فان کان المال المزبور موجودا بعینه فلا بد من رده علی مالکه علی النحو الذی أخذه

ص:156

منه:أی بجمیع خصوصیاته النوعیة و الشخصیة و المالیة.و إذا تعذر ذلک -لتلف و نحوه-سقط عنه وجوب رد العین،و انتقل الضمان الی المثل:أعنی به الکلی الجامع لجمیع الأوصاف التی هی دخیل فی مالیة الشیء،و موجبة لزیادتها،لا الأوصاف التی لا دخل لها فی مالیة الشیء أصلا و رأسا،و انما هی دخیل فی التشخص فقط.

و علی هذا الضوء فمقتضی القاعدة هو الضمان بالمثل،إلا إذا ثبت کون التالف قیمیا،أو کان التالف مثلیا و لکن تعذر مثله فی الخارج،فإنه عندئذ یجب علی الضامن أداء القیمة،و کل ذلک من ناحیة السیرة العقلائیة غیر المردوعة من قبل الشارع،و هکذا الحال إذا قلنا بأن مدرک الضمان-فی المقبوض بالعقد الفاسد-هو حدیث ضمان الید.

أما الوجه فی الحکم بضمان القیمة فقط-عند الشک فی کون التالف مثلیا أو قیمیا-فهو أن المقام من موارد دوران الأمر بین الأقل و الأکثر فلا بد من الأخذ بالأقل،و یدفع وجوب أداء الأکثر بالأصل.

و بیان ذلک:أن المراد من القیمة هنا انما هو المالیة المشترکة بین جمیع الأموال.سواء أ کانت تلک الأموال مثلیة،أم کانت قیمیة،و علیه فما نحن فیه من قبیل دوران الأمر بین الأقل و الأکثر لأن اشتغال الذمة بالجهة المشترکة معلوم،و اشتغالها بغیر ذلک من الخصوصیات مشکوک فیه.و قد ذکرنا فی محله أن المرجع فی أمثال ذلک هو البراءة،و علی هذا فلا یجب علی الضامن إلا أداء القیمة،إلا إذا رضی بأداء المثل.فإنه وقتئذ یکون مخیرا بین أداء القیمة و أداء المثل.

و یرد علیه:أن الوجه المزبور مبنی علی أن یکون المراد من القیمة التی نبحث عنها فی المقام هو مطلق المالیة الساریة فی الأموال کلها،فإنه علی هذا

ص:157

جاز للضامن أن یؤدی عن التالف أی شیء أراده من الأموال إذا کانت قیمته تساوی قیمة التالف.

و لکن هذا خلاف المتسالم علیه،بل خلاف ما هو المرتکز فی الأذهان لأن المتبادر من کلمة القیمة إنما هو المالیة الخالصة،کالنقود الرائجة بین الناس، و أمثالها مما یتمحض فی المالیة من دون أن تلاحظ فیها أیة خصوصیة من الخصوصیات التی تتفاوت بها الرغبات،و علیه فیکون دوران الأمر بین وجوب رد المثل و رد القیمة من قبیل دوران الأمر بین المتبائنین،فلا بد فی ذلک من الاحتیاط و لیس هذا من قبیل دوران الأمر بین الأقل و الأکثر لکی یؤخذ بالأول، و یترک الثانی.

أما الوجه فی تخییر الضامن بین أداء المثل و القیمة فهو أن الضامن یعلم إجمالا باشتغال ذمته بأحد أمرین:إما المثل،أو القیمة.و مقتضی الاحتیاط هو تحصیل القطع بالبراءة،لما عرفته-الآن-من أن المورد من قبیل دوران الأمر بین المتبائنین،و من الواضح أن القطع بفراغ الذمة-فی أمثال هذه الموارد- لا یحصل إلا بأداء کلا الأمرین لکی تحصل الموافقة القطعیة.

و لکن مقتضی الإجماع،بل الضرورة،بل مقتضی قاعدة نفی الضرر هو أن الضامن لا یلزم بأداء کلا الأمرین،و اذن فیکون مخیرا بین أداء المثل و أداء القیمة.

أما الوجه فی تخییر المالک بین مطالبة المثل و مطالبة القیمة فهو ما ذکره بعض من أن ذمة الضامن و ان کانت مشغولة إما بالمثل أو بالقیمة،الا أن ما یختاره المالک اما هو البدل الواقعی أو أنه بدل البدل،و علی کلا التقدیرین فیکون ذلک مسقطا لما فی ذمة الضامن:أما علی الأول فواضح،أما علی الثانی فلرضاء المالک بذلک علی الفرض و اذن فما یختاره المالک مسقط لما فی ذمة الضامن قطعا

ص:158

دون غیره،لأنه مشکوک فیه،فالأصل عدم سقوطه الا بما یختاره المالک.

و یرد علی کلا الوجهین:أن اشتغال الذمة بالمثل أو بالقیمة واقعا و قیام الإجماع و الضرورة علی عدم وجوب أدائهما معا لا یقتضیان تخییر الضامن بین أداء المثل و القیمة و لا تخییر المالک فی استیفاء أیهما شاء،بل یمکن تعیین ما فی الذمة بالصلح القهری:بأن یرجع الضامن و المالک کلاهما الی الحاکم الشرعی و یحکم الحاکم بذلک.

و یمکن أن یرجع فی تعیین أحد الأمرین إلی القرعة،بناء علی جریانها فی کل أمر مشکل و لو کان فی الشبهات الحکمیة.

و لکن الظاهر تسالمهم علی عدم جریانها فی الشبهات الحکمیة،و علیه فلا مناص عن الرجوع إلی الحاکم،فیلزمهما بالصلح ان لم یکن-هنا-ما یتعین به الضمان بالمثل أو القیمة.

ثم انه یحسن بنا التنبیه علی أمر لا غناء عنه فی مورد بحثنا،و هو أن القابض بالعقد الفاسد لا یلزم الا بأداء مثل المقبوض أو القیمة،و لا یکلف بأزید من ذلک،لما ذکرناه آنفا من أن نفس العین باقیة فی عهدة القابض ما لم یؤدها إلی مالکها،دون عوضها،و إذا تعذر رد العین بنفسها-لتلف و نحوه وجب علیه رد بدلها،و هو المثل فی المثلی،و القیمة فی القیمی،و لا یفرق فی ذلک بین کون المثل حین الأداء مساویا لقیمة العین حین الأخذ و عدمه.

و یدل علی ما ذکرناه:أن نقص القیمة السوقیة لا یضمن عند أداء نفس العین،فکیف یضمن عند أداء مثلها،و علیه فإذا أخذ شیئا بالبیع الفاسد،ثم نزلت قیمته لم یجب علیه شیء زائدا علی رد نفس المبیع.فإذا تعذر ردّه-لتلف و نحوه-انتقل الضمان إلی مثله من دون زیادة.

ص:159

و یؤید ذلک ما ورد[1]فی استقراض الدراهم-التی أسقطها السلطان و أجاز غیرها-من أنه لیس لصاحب الدراهم الا الدراهم الأولی الساقطة عن الرواج، لا الدراهم الجائزة بین الناس.نعم یعارضه خبر آخر[2]و لکنه ضعیف السند.

ثم لا یخفی علیک:أنه إذا سقطت العین عن المالیة بالمرة-کالجمد فی الشتاء-لم یکف أداء المثل،بل یجب علی الضامن أداء قیمته،لأنا و ان حکمنا بثبوت المثل فی الذمة بعد تلف العین،الا أنه لیس علی وجه الإطلاق،بل بما أنه مال،و علیه فإذا سقط المثل عن المالیة انتقل الضمان إلی القیمة.و هذا المعنی هو الذی تقتضیه السیرة العقلائیة غیر المردوعة من قبل الشارع و حدیث ضمان الید.

ص:160

قیل:إن ما ورد فی الدراهم الساقطة عن الرواج یدل بإطلاقه علی جواز ردها إلی مالکها الأول و إن سقطت عن المالیة.و إذا ثبت هذا المعنی فی الدراهم ثبت فی غیرها،لعدم القول بالفصل.

و الجواب عن ذلک:أن الدرهم لا یصاغ إلا من الفضة،و علیه فلا معنی لسقوطه عن المالیة بالمرة،فلا إشعار فی ذلک بجواز رد الدراهم الساقطة عن المالیة إلی مالکها الأول،فضلا عن الدلالة علیه.

هل یجب شراء المثل مع قلته و زیادة قیمته؟

قوله:(الخامس:ذکر فی القواعد أنه لو لم یوجد المثل إلا بأکثر من ثمن المثل ففی وجوب الشراء تردد). أقول:إذا تلف المقبوض بالعقد الفاسد أو ما فی حکمه عند القابض،و ترقت قیمة مثله-إما لعزته،و عدم وجوده إلا عند من یطلب بأکثر من قیمته،أو لکثرة الراغبین فیه-فهل یجب علی القابض شراؤه ورده إلی المالک؟أم لا یجب ذلک،بل لا بد و أن یصبر المالک إلی أن یکثر المثل،أو تنزل قیمته السوقیة؟أم یفصل بین ما کانت زیادة القیمة من جهة الرواج فیحکم بوجوب الشراء،و بین ما کانت الزیادة لمطالبة من عنده بالزیادة،فیحکم بعدم وجوب الشراء؟.

و هذا هو الحق،و الوجه فی ذلک ما ذکرناه سابقا من أن الثابت فی ذمة القابض ابتداء لیس إلا نفس العین بجمیع خصوصیاتها النوعیة و المالیة و الشخصیة و إذا تلفت العین وجب علیه أداء مثلها،و هو الکلی الجامع لجمیع الخصوصیات الدخیل فی المالیة،لا الخصوصیات الدخیل فی التشخص الخارجی و إذن فزیادة القیمة السوقیة لا تؤثر فی جواز تأخیر الأداء تمسکا

ص:161

بأدلة نفی الضرر،ضرورة أنه لم یتوجه علی الضامن ضرر آخر غیر الضرر المتوجه علیه من ناحیة حکم الشارع بضمان المثل،و من الظاهر أن الحکم بالضمان لوروده مورد الضرر لا یرتفع بدلیل نفی الضرر.

و یضاف إلی ذلک:أن أدلة نفی الضرر مسوقة للامتنان،و لا ریب أن رفع الضمان خلاف الامتنان علی الأمة،بل الامتنان فی ثبوته.

نعم لو استلزم أداء المثل ضررا آخر ارتفع وجوبه بدلیل نفی الضرر و علیه فلا یجب شراء المثل ممن لا یبیعه إلا بأکثر من قیمته السوقیة ثم إن المصنف-بعد ما نفی الاشکال عن وجوب شراء المثل فی الصورة المتقدمة، و نقل علیه الإجماع عن المبسوط-قال:(و وجهه عموم النص و الفتوی بوجوب المثل فی المثلی.و یؤیده فحوی حکمهم بأن تنزل قیمة المثل حین الدفع عن یوم التلف لا یوجب الانتقال إلی القیمة)،و غرضه من الفحوی هو أن عدم الانتقال إلی القیمة-عند نزول قیمة المثل حین الدفع-إنما هو لصدق المماثلة،و من الواضح أنه إذا صدقت المماثلة مع نقص القیمة-مع أن المثل عندئذ لا یساوی العین فی المالیة-صدقت مع زیادة القیمة السوقیة-أیضا- بالأولویة.

و لکن لا یتم شیء مما أفاده:أما الإجماع فلعدم العلم بکونه إجماعا تعبدیا لکی یستکشف به قول المعصوم(علیه السلام).

أما النصوص فقد عرفت عدم تمامیتها إما من حیث السند،و إما من حیث الدلالة،أما الفتوی فلا اعتبار بها.

أما الفحوی فلأن کلامنا لیس فی صدق المماثلة و عدم صدقها لکی نتمسک فی ذلک بالفحوی،بل محل بحثنا إنما هو لزوم شراء المثل بالقیمة العالیة و عدم لزوم شرائه بذلک،و قد عرفت لزومه من ناحیة السیرة.

ص:162

أما إذا کانت زیادة القیمة لقلة الوجود،و عدم وجدانه إلا عند من یبیعه بأکثر من قیمته السوقیة.فقد ذکر المصنف-هنا-:أن (الأقوی مع ذلک وجوب الشراء وفاقا للتحریر،کما عن الإیضاح و الدروس و جامع المقاصد بل إطلاق السرائر،و نفی الخلاف المتقدم عن الخلاف لعین ما ذکر فی الصورة الأولی) و یرد علیه:أن ما استند الیه-من الوجوه-فی الصورة الأولی لا یرجع إلی معنی محصل کما عرفته-لکی نعتمد علیه فی الصورة الثانیة،و إنما التزمنا بوجوب شراء المثل فی الصورة الأولی من جهة السیرة،و من الواضح أنها لا تجری فی الصورة الثانیة،بدیهة أن زیادة القیمة-هنا-لم تنشأ من ناحیة ثبوت المثل فی الذمة،بل إنما نشأت من ناحیة الأمور الخارجیة.و من الظاهر أن إلزام الضامن بهذه الزیادة ضرر غیر مربوط ببناء حکم الشارع-بأداء المثل-علی الضرر،و إذن فوجوب أداء المثل یدفع بأدلة نفی الضرر.

و من هنا اتضح لک:أنه إذا بقی المقبوض بالعقد الفاسد عند الضامن، و توقف رده إلی مالکه علی تضرر الضامن لم یجب رده لأدلة نفی الضرر.

قیل یجب شراء المثل فی الصورة الثانیة-أیضا-و إن کان الشراء بقیمة عالیة،لأن الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال.

و یرد علیه:أن هذا الوجه یختص بالغصب،فلا یجری فی المقبوض بالعقد الفاسد.

أضف إلی ذلک:أنه لا دلیل علی أخذ الغاصب بأشق الأحوال،و علیه فإلحاق الصورة الثانیة بصورة الإعواز-التی سنتکلم فیها-وجیه جدا.

و علی الجملة:إنه لا یجب شراء المثل مع عزة وجوده بحیث لا یوجد إلا بأکثر من القیمة السوقیة،لقاعدة نفی الضرر.

قیل:إن الضرر هنا لیس فی متعلق التکلیف:أعنی به أداء المثل،و إنما

ص:163

هو فی مقدماته:أعنی بها شراء المثل بأزید من القیمة السوقیة،و من الظاهر أن أدلة نفی الضرر لا تشمل مقدمات التکلیف،لأن وجوب المقدمة عقلی لا شرعی.

و الجواب عن ذلک:أن أدلة نفی الضرر مسوقة لرفع التکالیف الضرریة سواء أ کان التکلیف أصلیا أم کان مقدمیا،و من هنا لا نحکم بوجوب الصلاة قائما علی من یقدر علی القیام،و لکن کان النهوض ضرریا،و کذلک لا نحکم بوجوب الحج علی من یقدر علی الإتیان بمناسک الحج،و لکن کانت مقدماته ضرریة.و هکذا،و هکذا،و لیس ذلک کله إلا من ناحیة أدلة نفی الضرر هذا بناء علی وجوب المقدمة شرعا.

أما بناء علی عدم وجوب المقدمة إلا عقلا-کما هو الحق-فالتحقیق أن یقال:إن أدلة نفی الضرر-علی ما ذکرناه فی محله-إنما هی تنفی الحکم الناشئ من قبله الضرر،و إذن فکل حکم ضرری مرتفع فی عالم التشریع سواء أ کان الحکم بنفسه ضرریا،أم کان الضرر ناشئا من قبله،و علیه فوجوب المقدمة و إن کان عقلیا،إلا أنه إذا کان ضرریا کان مشمولا لأدلة نفی الضرر بداهة أن الضرر-هنا-إنما نشأ من قبل حکم الشارع بوجوب ذی المقدمة.

ما هو حکم تعذر المثل؟
اشارة

قوله:(السادس لو تعذر المثل فی المثلی فمقتضی القاعدة وجوب دفع القیمة مع مطالبة المالک)، أقول:إذا لم یتمکن الضامن من تحصیل المثل وجب علیه دفع القیمة،و هذا لا شبهة فیه.

و إنما البحث فی أن القیمة التی یجب دفعها هل هی قیمة یوم التلف،أم

ص:164

قیمة یوم الدفع،أم قیمة یوم الأخذ،أم أعلی القیم من زمان التلف إلی زمان الأخذ،أم أعلی القیم من زمان الأخذ إلی زمان الدفع،أم غیر ذلک من الوجوه؟.

لا یهمنا التعرض لهذه الوجوه نقضا و إبراما،کما تعرض لها المصنف و غیره،و أطالوا الکلام فیها و فی أدلتها،و فی المناقشة فیها.

و أیضا لا یهمنا التعرض لتأسیس الأصل فی المقام لکی یکون ذلک مرجعا فیما لم یتعین أحد الوجوه المذکورة،أو غیرها،کما صنعه شیخنا المحقق لأن ذلک کله فیما إذا التزمنا بانتقال الضمان إلی القیمة،فإنه عندئذ یصح النزاع فی تعیین زمان الانتقال.

أما إذا أنکرنا ذلک،و التزمنا ببقاء المثل فی عهدة الضامن بعد تلف العین،و شیدنا أساس هذا القول فلا وجه لتوهم انتقال الضمان إلی القیمة -بعد تلف العین-قبل یوم الأداء.

قیل:ان الضمان لا بد و أن ینتقل إلی القیمة عند إعواز المثل فی الخارج و الا لم ینتقل الی المثل أیضا عند تلف العین الشخصیة.

و الجواب عن ذلک:أن انتقال الضمان الی المثل بعد تلف العین أمر قهری،لأنه لا معنی لبقائها فی الذمة بعد التلف،و هذا بخلاف المثل،فإنه أمر کلی قابل للبقاء فی الذمة إلی حین الأداء،و علیه فلا یجب علی الضامن إلا قیمة وقت الأداء،و هذا ظاهر.

ص:165

هل یجوز للضامن إجبار المالک

علی أخذ القیمة؟

هل یجوز للضامن أن یجبر المالک علی أخذ القیمة مع تعذر المثل و إعوازه أم لا؟.

الظاهر أنه لا یجوز ذلک،لأن متعلق الضمان لیس هو نفس القیمة، بل انما هو المثل،و من الواضح أنه لیس للمدیون إجبار ذی الحق علی قبول شیء آخر بدلا عن حقه الخاص،بل هو مخیر بین أخذ البدل و بین الصبر الی أن یتمکن المدیون من أداء حقه،سواء أ کان ذو الحق مأیوسا من وجدان المثل أم لم یکن مأیوسا من ذلک،کما أنه لیس للضامن إجبار المالک علی قبول شیء آخر بدل العین قبل تلفها،لأن الناس مسلطون علی أموالهم.

هل یجوز للمالک إجبار الضامن

علی إعطاء القیمة؟

هل یجوز للمالک إجبار الضامن علی إعطاء القیمة مع تعذر المثل،أم لا؟ لا شبهة فی جواز ذلک لأن المالک مسلط علی حقه و هو مخیر بین مطالبة بدله مع الإعواز و بین الصبر الی تمکن الضامن من أداء المثل نفسه.

قیل:ان إجبار الضامن علی إعطاء القیمة ضرر علیه،فیرتفع بأدلة نفی الضرر.

و الجواب عن ذلک:أن إعطاء القیمة لا ضرر فیه علی الضامن بوجه،

ص:166

و انما هو رضاء من المالک بإلغاء الخصوصیات التی هی دخیل فی متعلق الضمان و هو المثل،ففیه إرفاق للضامن،لا أنه ضرر علیه لکی یرتفع بأدلة نفی الضرر و قد ظهر لک مما بیناه:أنه لا فارق فی جواز الإجبار و عدمه فی کلتا الصورتین-:أعنی بهما صورة إجبار الضامن،و صورة إجبار المالک-بین تعذر المثل ابتداء،و بین تعذره بعد مدة.کما أنه لا فارق فی ذلک بین التعذر الاستمراری،و بین التعذر فی وقت دون وقت.و کل ذلک واضح لا ستار علیه

ما هو المناط فی صدق التعذر و الإعواز؟

المحکی عن العلامة فی التذکرة أن المراد من إعواز المثل هو أن لا یوجد ذلک فی البلد و ما حوله.

و عن المسالک:أنه زاد قوله:مما ینقل عادة منه الیه،کما ذکروا ذلک فی انقطاع المسلم فیه.

و عن جامع المقاصد:الرجوع فیه الی العرف.

و لکن الظاهر:أن المیزان فی تعذر المثل و إعوازه هو التعذر الشخصی و عدم إمکان الوصول الیه بشخصه و علیه فإذا تمکن الضامن من الوصول الی المثل و لو کان ذلک فی البلاد النائیة لم یصدق علیه الإعواز،بل وجب علیه تحصیله،کما أنه إذا لم یتمکن الضامن من تحصیل المثل و لو کان موجودا فی البلد،و أمکن تحصیله لغیره وجب علیه دفع القیمة.

و الوجه فی ذلک:أن تقدیر تعذر المثل بحد خاص لم یرد فی دلیل خاص لکی نجعله مرجعا فی البحث،بل لا بد من الرجوع فی ذلک الی الاعتبار العقلی،و من الواضح أن الاعتبار العقلی لا یساعد الا علی ما ذکرناه.

ص:167

نعم لو کان نقل المثل من البلاد النائیة الی بلده محتاجا الی مئونة زائدة بحیث یتضرر بها الضامن لم یجب علیه النقل فی هذه الصورة لقاعدة نفی الضرر و من هنا اتضح لک جلیا:ما هو الفارق بین ما نحن فیه و بین السلم،فان الضمان فیه اختیاری ثابت بالعقد،و لا یبعد انصرافه الی وجود المبیع الثابت فی الذمة-فی بلد المعاملة و ما حوله.

و یضاف الی ذلک:أن ظاهر جملة من الروایات[1]هو أن العبرة فی

ص:168

باب السلم بوجود المبیع فی بلد المعاملة و ما حوله و علی هذا فلا یمکن قیاس ما نحن فیه بباب السلم.

ثم إن المدار-حین الأداء مع تعذر المثل-علی قیمة المثل فی بلد المطالبة و إن کانت أزید من قیمته فی بلد الضمان،و لا یفرق فی ذلک بین تعذره قبل وقت الأداء و عدمه،لأن هذا هو مقتضی بقاء المثل فی ذمة الضامن إلی حین الأداء،علی ما عرفته سابقا.

ثم إنه ذکر بعضهم-فی صورة تعذر المثل-أنه یقدّر وجوده لا علی نحو العزة فیقوّم.

و لکن الظاهر:أنه یقدّر وجوده حتی علی نحو العزة،لأن المفروض أن الثابت فی الذمة هو المثل،و القیمة هی قیمته بلا زیادة.

نعم إذا فرضنا أن دفع الزائد کان من جهة أخری،کما إذا طالب من عنده المثل بقیمة زائدة علی القیمة السوقیة لم یجب الدفع لنفی الضرر.

ما هو حکم سقوط العین عن المالیة؟

ثم إنک قد عرفت آنفا-ثبوت المثل فی الذمة إلی وقت الأداء،و عدم انتقاله إلی القیمة إلا حینه.و هذا مما لا شبهة فیه.کما لا شبهة فی وجوب أداء القیمة عند سقوط المثل عن المالیة بالمرة،کالماء علی الشاطئ إذا أتلفه فی المفازة،و الثلج فی الشتاء إذا أتلفه فی الصیف،لأن خروجه عن القیمة یعد من التالف عرفا.

و إنما البحث فی أن المراد من هذه القیمة هل هو قیمة یوم الأخذ،أم قیمة یوم التلف،أم قیمة یوم سقوط المثل عن المالیة،أم أعلی القیم من

ص:169

زمان الأخذ إلی زمان التلف.أم أعلی القیم من زمان التلف إلی زمان سقوط المثل عن المالیة،أم غیر ذلک من الوجوه؟.

الظاهر هو الوجه الثالث،لما ذکرناه مرارا من أن الثابت فی ذمة الضامن-بعد تلف العین-إنما هو المثل،و أنه باق فیها إلی حین الأداء و علیه فیحکم-فیما نحن فیه-ببقاء المثل فی الذمة إلی زمان سقوطه عن المالیة،و حینئذ فینتقل الضمان إلی القیمة لکون المثل-عندئذ-کالتالف فی نظر أهل العرف کما أن تلف العین یوجب انتقال الضمان منها إلی مثلها،و هذا واضح لا خفاء فیه

ما هو حکم التمکن من المثل بعد تعذره؟

قوله:(فرع لو دفع القیمة فی المثل المتعذر ثم تمکن من المثل فالظاهر عدم عود المثل فی ذمته) أقول:إذا طلب المالک حقه مع تعذر المثل فی الخارج وجب علی الضامن أداؤ قیمته-کما عرفته قریبا-فان لم یؤد حتی وجد المثل وجب علیه أداؤ المثل،لما عرفته من عدم الانتقال إلی القیمة بالمطالبة.

کما لا إشکال فی أن المالک إذا رضی بإسقاط حقه بأخذ القیمة لم یجب أداؤ المثل حتی مع التمکن منه من أول الأمر.

و إنما الإشکال فیما إذا طالب المالک بالقیمة من جهة الضرورة و اللابدیة لأجل عدم التمکن من المثل،و دفع الضامن القیمة،ثم وجد المثل،و لم یرض بها المالک فهل یجب علی الضامن إعطاء المثل ثانیا و إرجاع القیمة أم لا یجب ذلک؟.

قد ذکر المصنف:أنه إذا دفع الضامن القیمة بدلا عن المثل المتعذر ثم تمکن منه فان قلنا ببقاء المثل فی الذمة و عدم انتقاله إلی القیمة إلا حین الأداء

ص:170

فلا وجه لعوده ثانیا،لأنه دین فی الذمة،فقد سقط بأداء عوضه مع التراضی فلا یجوز لصاحب الدین أن یرجع الی الساقط ثانیا،لأن الساقط لا یعود.

و ان قلنا بأن تعذر المثل أوجب تبدل العین المضمونة من المثلی إلی القیمی بمعنی:أنها کانت مثلیة،و بعد تعذر المثل انقلبت قیمیة ان قلنا بذلک فعدم عود المثل إلی الذمة ثانیا أولی منه فی الفرض الأول،لأن المدفوع وقتئذ انما هو نفس الموجود فی الذمة،لا عوضه.

و ان قلنا بأن تعذر المثل قد أوجب انقلاب المثل-الثابت فی الذمة- إلی القیمة،فکأنه تلف بتعذره،فلزمت قیمته،ان قلنا بذلک احتمل وجوب المثل عند وجوده.لأن القیمة-حینئذ-بدل الحیلولة عن المثل،و سیأتی أن حکمه انما هو عود المبدل عند انتفاء الحیلولة.انتهی حاصل کلامه.

و یرد علیه:أن الالتزام بأن دفع القیمة-فی هذا الفرض-انما کان من باب دفع البدل من جهة الحیلولة لا یجتمع مع الانقلاب،کما هو المفروض، فان المدفوع علی فرض الانقلاب انما هو نفس ما اشتغلت به الذمة،لا أنه بدله.و اذن فلا فرق بین أن تنقلب العین التالفة قیمیة،و بین أن ینقلب المثل -الثابت فی الذمة-قیمیا.

نعم لا یبعد أن یلتزم بأن دفع القیمة-علی القول بعدم الانقلاب، و بقاء المثل فی الذمة-انما کان من جهة دفع البدل،و علیه فیجب دفع نفس ما اشتغلت به الذمة عند التمکن منه.

و علیه فلا وجه لما ذکره السید و شیخنا المحقق من الإیراد علی المصنف من أن بدل الحیلولة مختص بالأعیان،و محل البحث-هنا-فی الذمم،فلا صلة بینهما بوجه.

و ذلک لأن مدرک وجوب بدل الحیلولة انما هو قاعدة الجمع بین الحقین

ص:171

و من الواضح أنه لا اختصاص لهذه القاعدة بالأعیان،بل تعم الذمم أیضا.

و علی ما ذکرناه کان علی المصنف أن یحتمل،بل یستظهر وجوب دفع المثل عند وجوده،دون ما إذا قلنا بالانقلاب.

و لکن الصحیح هو عدم وجوب دفع المثل مطلقا و ذلک لما سنبینه فی محله من أنه لم یثبت وجوب دفع بدل الحیلولة من أصله و لم یدل علیه دلیل شرعی و لا عقلی.

ثم انه إذا اختلف الضامن و المضمون له فی تعیین المثل-الذی تؤخذ قیمته-فالمدار علی تعین الضامن،لأنه المکلف بأداء کلی المثل،فیتخیر فی تعیین أفراده،الا أن یکون ما اختاره الضامن من الفرد خارجا عن مصادیق ذلک الکلی فی نظر أهل العرف،فإنه عندئذ لا یجب علی المضمون له قبول ما اختاره الضامن،و هذا ظاهر.

هل یضمن القیمی التالف بالقیمة؟
اشارة

قوله:(السابع:لو کان التالف المبیع فاسدا قیمیا فقد حکی الاتفاق علی کونه مضمونا بالقیمة). أقول:المشهور بین الأصحاب،أن المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف و کان قیمیا حکم بضمان قیمته.

و لکن حکی الخلاف فی ذلک عن الإسکافی،و عن الشیخ و المحقق فی الخلاف و الشرائع فی باب القرض.

إلا أن المحکی عن الإسکافی هو أنه(ان تلف المغصوب دفع قیمته، أو مثله إن رضی به صاحبه).و من الظاهر أن هذه العبارة غیر ظاهرة فی الخلاف المزبور.

و أیضا ان الموجود فی باب الغصب من الخلاف.و فی بابی الغصب

ص:172

و المقبوض بالعقد الفاسد من الشرائع هو الحکم بضمان القیمة فی القیمی.

و لعل الحکم بضمان المثل فی القیمی مختص عند الشیخ و المحقق بالقرض فقط،و اللّه العالم.

و التحقیق:أن یحکم بضمان المثل فی القیمی-أیضا-کما حکمنا بذلک فی المثلی،و علیه فإذا تلف المقبوض بالعقد الفاسد،و لم یمکن رده انتقل الضمان الی مثله:و هو الکلی المتحد مع العین التالفة من جمیع الخصوصیات،الا الخصوصیات غیر الدخیل فی المالیة،بل فی التشخص الخارجی فقط،و حینئذ فلا ینتقل الضمان إلی القیمة إلا مع تعذر المثل،و علی هذا فلو وجد المثل للتالف،أو اشتغلت ذمة المالک-للضامن-بما یماثل التالف لوجب علی الضامن أداء المثل فی الصورة الأولی،و سقط ما فی ذمتی المالک و الضامن بالتهاتر فی الصورة الثانیة.

نعم لو تعذر أداء المثل علی الإطلاق تلغی الصفات النوعیة أیضا،فإن اعتبار اشتغال الذمة بها مع تعذر الوفاء بها من اللغو الظاهر.

و من هنا ظهر فساد ما اختاره السید فی حاشیته من المنع عن الانتقال إلی القیمة علی وجه الإطلاق.

أضف الی ذلک:أن لازم ما اختاره هو جواز امتناع المضمون له عن قبول القیمة فی فرض تعذر المثل علی الإطلاق،و هذا مما لا یمکن الالتزام به.

و یؤید ما ذکرناه-من الضمان بالمثل فی فرض إمکانه-ما ورد فی باب القرض من الروایات[1]الدالة علی جواز أداء المثل عن القیمی هذا ما

ص:173

تقتضیه القاعدة.

و لکن الظاهر من الروایات الکثیرة[1]هو ضمان القیمة فی القیمیات

ص:174

و أیضا قد عرفت-سابقا-أن المرتکز فی أذهان العقلاء،و ما جرت علیه سیرتهم هو ضمان المثل فی المثلی،و ضمان القیمة فی القیمی.و علیه فلا یجوز للمضمون له أن یجبر الضامن علی إعطاء المثل فی القیمی،سواء أ کان ذلک

ص:175

متیسرا اتفاقا،أم کان متعذرا،کما هو الغالب،نعم یجوز للضامن إجبار المالک بقبول القیمة.علی عکس ما تقدم فی المثلی الذی تعذر مثله فی الخارج.

فبالنظر الی هذه الروایات،و ما جرت علیه السیرة العقلائیة یصح ما ذهب الیه المشهور من ضمان القیمی بالقیمة،و تکون النتیجة:أن ما تعذر مثله فی نوعه کان ضمانه بالقیمة-و ان وجد له مثل اتفاقا-و ما لم یتعذر مثله نوعا یضمن بالمثل و ان تعذر ذلک اتفاقا،و فی بعض الأحیان.

أما الروایات المتقدمة الدالة علی الضمان بالمثل فی القیمی فهی مختصة بالقرض فلا ربط لها بما نحن فیه.علی أنها ضعیفة السند.

ثم ان المصنف(ره)قد حمل الروایات الدالة علی ضمان القیمی بالقیمة علی صورة تعذر المثل،و لکنه خلاف الظاهر منها.و لا یمکن المصیر الیه إلا بالقرینة،و من الواضح أنها منتفیة فی المقام.

و علی الجملة:ان القاعدة الأولیة و ان اقتضت الضمان بالمثل فی القیمی و لکن قد دلت الروایات المتقدمة علی ضمان خصوص القیمة فی القیمی،فلا بد من الأخذ بها فی المقام،و اذن فیقع البحث فی تعیین هذه القیمة.

ما هو الملاک فی تعیین القیمة فی القیمی

قد اختلف الأصحاب فی تعیین قیمة المقبوض بالعقد الفاسد إذا کان قیمیا، علی أقوال شتی:

1-أن العبرة فی ذلک بقیمة یوم القبض لصحیحة أبی ولاد الآتیة بالتقریب الذی سیأتی قریبا.

2-أن العبرة فی ذلک بقیمة یوم التلف،کما حکی ذلک عن الشیخین

ص:176

و أتباعهما،بل عن الدروس نسبته إلی الأکثر.

و الوجه فیه:أن انتقال الضمان إلی البدل إنما هو فی یوم التلف،إذ الواجب علی الضامن کان رد نفس العین،فإذا تلفت ضمن قیمتها.

3-أن العبرة فی ذلک بقیمة یوم الأداء،و هذا هو الوجه الذی اختاره السید فی حاشیته،بدعوی(أن نفس العین باقیة فی الذمة و العهدة،و یجب الخروج عن عهدتها،لکن لما لم یمکن رد نفسها وجب دفع عوضها و بدلها، فهی بنفسها باقیة فی العهدة إلی حین الأداء،و إعطاء البدل إنما هو من باب الوفاء،کما فیما إذا کان له علیه منّ من الحنطة،و لم یمکنه أداؤه،فإن الذمة مشغولة بالحنطة حتی حین التعذر،و دفع البدل من باب الوفاء بغیر الجنس، و لا ینتقل إلی البدل من حین التعذر.و البدل الواجب أداؤه هو المثل فی المثلیات،و القیمة فی القیمات،بمعنی:أنه لو أراد أحدهما غیر ذلک لم یجبر علیه).

و قال فی موضع آخر:(التحقیق:أن الذمة مشغولة بنفس العین إلی حال الأداء،إذ هو المستفاد من أدلة الضمان حسبما أشرنا إلیه سابقا و التعذر لا ینافی ذلک،لعدم إناطة الأحکام الوضعیة بالقدرة).

أو یقال:إن هذا الوجه مبنی علی اشتغال الذمة بالمثل حتی فی القیمی، فالانتقال إلی القیمة إنما یکون وقت الأداء.

4-أن العبرة فی ذلک بأعلی القیم من یوم القبض الی یوم التلف، و قد قیل إن هذا القول هو الأشهر.

5-أن العبرة فی ذلک بأعلی القیم من یوم التلف إلی زمان الأداء.

6-أن العبرة فی ذلک بأعلی القیم من یوم القبض إلی یوم الأداء.

ص:177

ثم الظاهر من هذه الوجوه فی نفسها هو الوجه الثانی،لما عرفته من أن زمان الانتقال إلی القیمة إنما هو زمان التلف،و إذن فلا مناص عن الالتزام به إلا مع تعبد شرعی،أما بقیة الوجوه غیر الوجه الأول فسیأتی البحث فیها قریبا.

أما الوجه الأول فقد استدل علیه بصحیحة أبی ولاد الحناط[1]فان

ص:178

تم فهو و إلا فمقتضی القاعدة هو الالتزام بالوجه الثانی،و إذن فلا بد من التکلم فی دلالة الصحیحة علی ذلک.

ص:179

ثم لا یخفی علیک:أن الصحیحة و إن وردت فی المغصوب،و لکنه إذا تم الاستدلال بها علی ضمان المغصوب بقیمة یوم الغصب صح الاستدلال بها بالأولویة القطعیة علی ضمان المقبوض بالعقد الفاسد بقیمة یوم القبض، ضرورة أن.العین التالفة قد تکون قیمتها یوم الأداء أکثر من قیمتها یوم القبض،فإذا التزمنا بضمان المغصوب بقیمة یوم الغصب،و التزمنا بضمان المقبوض بالعقد الفاسد بقیمة یوم الأداء لزم أن یکون الثانی أسوء حالا من الأول،و هو واضح البطلان.

ثم أنه لا شبهة فی صحة روایة أبی ولاد سندا و علیه فیختص البحث-هنا- بدلالتها فنقول:إنه سأل أبو ولاد الامام(علیه السلام)عن ضمان البغل فی فرض تلفه،و قال:أ رأیت لو عطب البغل و نفق[1]أ لیس یلزمنی؟فأجاب عنه

ص:180

الامام(علیه السلام)بقوله:نعم قیمة بغل یوم خالفته.

و قد استدل بهذه الجملة-علی أن العبرة فی تعیین القیمة بقیمة یوم الغصب-بوجهین:

الوجه الأول:أن الظرف و هو لفظ(یوم)قید لکلمة(قیمة)، و تقریب ذلک بأنحاء شتی:

1-أن یکون الظرف متعلقا بکلمة(قیمة)بدعوی أنها و إن لم تکن معنی حدیثا و لکن فیها شائبة الحدثیة،لأنها لیست من الجوامد المحض حتی لا یصح تعلق الظرف بها،و علیه فینون لفظ(بغل)علی الجر بإضافة القیمة الیه،و یؤید هذا التقریب أن لفظ(البغل)فی نسخة الوافی،و فی بعض نسخ التهذیب محلی بلام التعریف،و حینئذ فلا یصلح للإضافة إلی ما بعده، و إذن فمفاد الصحیحة هو أن الثابت علی الغاصب إنما هو قیمة یوم المخالفة، فتدل علی ضمان المغصوب بقیمة یوم الغصب.

2-أن تضاف جملة قیمة بغل-:أی المضاف و المضاف إلیه-إلی قوله یوم خالفته،و حینئذ فیکون الغرض من تلک الجملة المبارکة هو أن القیمة المتخصصة بإضافتها إلی البغل الثابتة یوم المخالفة لازمة علی الغاصب.و لا بعد فی هذه الإضافة،لوقوعها کثیرا فی لغة العرب و غیرها فیقال:ماء ورد خالد و حب رمان زید و إن لم یکن ورد لخالد،و لا رمان لزید إلی غیر ذلک من الاستعمالات المتعارفة.و لا محذور من الالتزام بهذا التقریب،إلا أنه لا یتفق و نسخة الوافی و بعض نسخ التهذیب من اقتران لفظ(بغل)بلام التعریف،

ص:181

فان ذلک مانع عن إضافته إلی ما بعده.

3-ما أفاده المصنف،و إلیک نصه: (أن الیوم قید للقیمة إما بإضافة القیمة المضافة إلی البغل الیه ثانیا:یعنی قیمة یوم المخالفة للبغل،فیکون إسقاط حرف التعریف من البغل للإضافة،لا لأن ذا القیمة بغل غیر معین حتی توهم الروایة مذهب من جعل القیمی مضمونا بالمثل،و القیمة إنما هی قیمة المثل).

و ظاهر هذه العبارة أن لفظ القیمة قد أضیف مرتین:مرة إلی کلمة (بغل)و مرة أخری إلی کلمة(یوم)،و حینئذ فیکون المراد من قوله:

(فیکون إسقاط حرف التعریف من البغل للإضافة) :أن تعریف کلمة بغل إنما هو للإشارة إلی بغل معین خارجی الذی وقعت علیه الإجارة،و من الواضح أن هذا حاصل بالإضافة المسوقة لبیان العهد الخارجی،و إذن فیکون ذکر اللام فیها لغوا محضا،و خالیا عن الفائدة.

و یرد علیه:أن المضاف إلی شیء أولا لا یضاف إلی غیره ثانیا،لأن ذلک مخالف لطریقة أهل المحاورة و الاستعمال.

و یمکن أن یکون مراد المصنف من العبارة المذکورة هو أن کلمة القیمة قد أضیفت إلی کلمة بغل أولا،ثم أضیف المجموع-:أی القیمة بما هی مضافة إلی بغل-إلی یوم المخالفة،و هذا یستلزم سقوط حرف التعریف من کلمة بغل،فیکون ذلک نظیر قولک ماء رمان زید،فان الغرض من هذه العبارة إنما هو إفهام أن ماء الرمان لزید و إن لم یکن له رمان،و هکذا قولنا ماء ورد بکر و نظائره،و علیه فیرجع هذا الوجه إلی الوجه الثانی المزبور.

و لکنک قد عرفت آنفا:أن الموجود فی بعض النسخ هو اقتران لفظ بغل بلام التعریف و من الظاهر أن هذا ظاهر فی انقطاع الإضافة بین قوله(علیه السلام):

نعم قیمة البغل و بین قوله(علیه السلام)یوم خالفته.

ص:182

4-ما ذکره المصنف ثانیا،و حاصله:أن لفظ یوم قید للاختصاص المفهوم من إضافة لفظ القیمة إلی کلمة البغل فیکون الظرف منصوبا للاختصاص و علیه فالمعنی:أنه تلزم علی الغاصب القیمة المختصة بالبغل یوم المخالفة.

و یرد علیه:أن العامل فی الظرف لا یکون إلا الفعل أو شبهه دون الحرف.

و یضاف إلی ذلک:أن الاختصاص الحاصل من الإضافة معنی حرفی لا یمکن أن یکون محکوما به و لا محکوما علیه،و إذن فلا معنی لتقییده أصلا.

5-أن تضاف کلمة القیمة إلی کلمة البغل و تضاف کلمة البغل الی کلمة الیوم و علیه فیکون معنی الروایة:أنه تلزم علی الغاصب قیمة هی قیمة بغل یوم المخالفة.

و یرد علیه:أنا لا نعرف وجها صحیحا لإضافة لفظ بغل الی لفظ یوم إذ لا یمکن أن یتخصص لفظ البغل بجملة یوم المخالفة،کما لا یصح أن یقال:

دار یوم،و أرض أمس،و غرفة غد.

أضف الی ذلک:أن هذا الوجه لا یتم علی نسخة الوافی و بعض نسخ التهذیب،من اقتران لفظ(بغل)بلام التعریف،ضرورة أن الاسم المحلی باللام لا یضاف الی ما بعده،و هذا ظاهر.

و قد یناقش فی هذا الوجه بأنه یستلزم تتابع الإضافات و هو مذموم فی کلمات الفصحاء.

و یرد علیه:أن هذه المناقشة فاسدة،لأن تتابع الإضافات واقع فی الکلمات الفصیحة،و من ذلک قوله تعالی مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ (1)الوجه الثانی-من وجهی الاستدلال بقوله(علیه السلام):نعم قیمة بغل یوم خالفته علی ضمان المغصوب بقیمة یوم الغصب-أن یکون الظرف متعلقا

ص:183


1- 1) سورة المؤمن الآیة:31.

بقوله(علیه السلام):نعم،لأن لفظ نعم من جهة قیامه مقام الفعل:أعنی به یلزمک شبیه بالفعل.

و علی هذا فلا دلالة فی الروایة علی الضمان بقیمة یوم المخالفة دلالة مطابقیة،لأن معناها عندئذ:أنه تلزمک القیمة یوم المخالفة من غیر تعرض لبیان أن هذه القیمة هل هی قیمة یوم المخالفة،أم هی قیمة یوم الدفع،أم هی قیمة یوم التلف،أم غیر ذلک.

نعم لا بأس بدلالتها علی ذلک التزاما،فان ذکر القیمة فیها،ثم إضافتها إلی کلمة بغل،ثم ذکر یوم المخالفة بعد ذلک من القرائن الظاهرة علی أن الامام(علیه السلام)إنما قدّر مالیة المغصوب،و بیّن أن ضمانها بقیمة یوم المخالفة إذ لا معنی لکون الضمان یوم الغصب فعلیا،و یکون المدار فیه علی قیمة یوم آخر.

و علی الجملة:ان تعلق الضمان-بالقیمة یوم الغصب-بمالیة المغصوب ظاهر فی أن الضمان بقیمة ذلک الیوم.

و یرد علی هذا الوجه:أنه لا معنی لجعل الظرف متعلقا بلفظ نعم من جهة قیامه مقام الفعل ضرورة أن ذلک یقتضی الحکم بضمان القیمة من یوم الغصب،مع أنه واضح البطلان،لأن الضمان لا یتعلق بالقیمة قبل تلف العین إذ الانقلاب إلی القیمة انما یکون بعد تلفها.

ص:184

ما نوقش به علی الاستدلال بالصحیحة

و جوابه

قد نوقش فی الاستدلال بالصحیحة المزبورة علی المقصود بوجوه مستفادة من نفس الصحیحة:

1-أنه لو کان المناط فی الضمان هو قیمة یوم المخالفة و الغصب

لما تعرض الامام(علیه السلام)لقیمة یوم الاکتراء بقوله:أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أن قیمة البغل حین أکری کذا و کذا)،فیعلم من هذه الجملة الشریفة أنه لا خصوصیة لقیمة یوم المخالفة لکی یکون المدار فی الضمان علیها.

و الجواب عن ذلک:أن هذه الجملة لا تنافی الجملة السابقة فی الدلالة علی المقصود بل تساعدها و توافقها،و ذلک لأن اکتراء المراکب و استئجارها قد یکون للمسیر الی مسافات بعیدة،و أمکنة نائیة:نظیر مکة،و المدینة، و سائر الأعتاب المقدسة بالنسبة إلی أهل إیران.و أفغان،و هند،و أمثالها.

و قد یکون ذلک للذهاب إلی مسافة قریبة،کالمشی من النجف الأشرف إلی الکوفة.

و علی الأول فقد جرت العادة علی اکتراء الحمولة قبل الخروج إلی المقصد بعدة أیام،و علی الثانی فلا یکون الاستئجار الا یوم الخروج.

و حیث أن أبا ولاد-بمقتضی الظاهر-قد اکتری البغل الی قصر ابن هبیرة یوم خروجه من الکوفة،لقلة المسافة بینهما،فلم یفصل بین زمان مخالفته -حین ما وصل الی قرب قنطرة الکوفة-و بین اکترائه البغل إلا ساعة أو ساعتان و اذن فیوم المخالفة یتحد مع یوم الاکتراء،فالإمام(علیه السلام)قد عبّر عن یوم المخالفة بیوم الاکتراء،لأجل أن یوم الاکتراء انما هو یوم یعرفه الشهود

ص:185

-غالبا-و من الظاهر أنه لا تتفاوت قیمة البغل فی ساعة أو ساعتین.

2-أنه قال أبو ولاد:قلت:(فإن أصاب البغل کسر أو دبر أو غمز

فقال(علیه السلام):علیک قیمة ما بین الصحة و العیب یوم ترده علیه)

حیث ان الظاهر من هذه الجملة المبارکة هو أن الضمان بقیمة یوم الرد،لأن الظرف متعلق بلفظ(علیک)لتضمنه معنی یلزمک،و علیه فتکون هذه الجملة منافیة لما ذکرناه من دلالة الجملة المتقدمة علی الضمان بقیمة یوم المخالفة.

و یرد علیه أن الالتزام بذلک یقتضی استقرار الضمان علی الغاصب فی زمان الرد مع أنه واضح البطلان،لأن ضمان المغصوب یستقر علی الغاصب من زمان الغصب.

و یضاف الی ذلک:أن الظاهر من الصحیحة علی الاحتمال المذکور هو أن التفاوت فیما بین الصحة و العیب یثبت علی الغاصب یوم الرد من غیر تعرض فیها لبیان أن هذا التفاوت هل یلاحظ من یوم الغصب،أم هل یلاحظ من یوم التلف،أم یلاحظ من یوم الرد،و علیه فلیکن تعیین أن العبرة بقیمة یوم الغصب فی الفقرة السابقة قرینة علی المراد فی هذه الفقرة.

قیل:ان الظرف-فی الجملة المزبورة متعلق بلفظ قیمة،و علیه فالمعنی أنه علیک تفاوت ما بین الصحة و العیب یوم الرد،و اذن فتدل الصحیحة علی أن رد البغل فقط لا یکفی فی رفع الضمان،بل لا بد و أن یرد معه تفاوت ما بین الصحیح و المعیب أیضا،و علی هذا فتبعد هذه الجملة عن مورد البحث.

و قد ناقش فیه المصنف،و هذا نصه: (فالظرف متعلق بعلیک،لا قید للقیمة،إذ لا عبرة فی أرش العیب بیوم الرد إجماعا،لأن النقص الحادث تابع فی تعیین یوم قیمته لأصل العین).

و لکن هذه المناقشة واضحة الاندفاع،لأن قیام الإجماع علی تبعیة

ص:186

الأرش لضمان العین فی تعیین القیمة لا یدفع هذا الاحتمال،إذ لو کانت العبرة بیوم الرد فی تعیین الأرش کشف ذلک عن أن العبرة فی تعیین قیمة العین أیضا بیوم الرد،و لا إجماع علی خلاف ذلک بین الأصحاب.

و الصحیح فی الجواب أن یقال:انه لا ملزم للالتزام بکون الظرف قیدا للقیمة من دون قرینة تدل علیه،بل ان ظهور الجملة السابقة-فی أن العبرة بیوم الغصب-یدفع هذا الاحتمال.

و مع الغض عن ذلک فالظاهر أن الظرف متعلق بلفظ العیب،لاقتران أحدهما بالآخر،و علیه فتدل الصحیحة علی أن العیب الحادث انما یوجب الضمان بالأرش فیما إذا استمر العیب الی زمان رد العین،و الا فلا ضمان فی ذلک،و اذن فلا تعرض فیها لتعیین قیمة یوم الغصب،و لا لتعیین قیمة یوم التلف،و لا لتعیین قیمة یوم الرد،و لا شبهة فی أن هذا الاستظهار موافق للقواعد العربیة و کلمات أهل اللسان.

و ناقش فیه المصنف،و قال نصا (لکن یحتمل أن یکون العیب قد تناقص إلی یوم الرد،و العبرة حینئذ بالعیب الموجود حال حدوثه،لأن المعیب لو ردّ إلی الصحة أو نقص لم یسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علی مقتضی الفتوی،فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعیف أیضا).

و یرد علیه أولا:أن عدم سقوط الضمان لیس مقتضی فتوی الکل، بل المسألة خلافیة،لأنه قیل بسقوط الضمان مطلقا،و قیل بعدم سقوطه کذلک،و قیل بالتفصیل بین الوصف القابل للزیادة کالسمن و بین ما لم یکن کذلک،کوصف الصحة،فإذا زال السمن حکم بالضمان،بخلاف ما حدثت نقطة فی عین الدابة ثم ارتفعت،فان ذلک لا یوجب الضمان.

بل قال السید فی حاشیته،و إلیک لفظه:(أن الواجب رد العین کما

ص:187

کانت،و هو متحقق مع العود إلی الصحة،و الظاهر أن فتواهم أیضا علی هذا لا علی ما ذکره المصنف،بل لم أجد من صرح بما ذکره و إن لم أتتبع،نعم صرح فی المسالک بما ذکرنا من سقوط الضمان.بل مقتضی ما ذکره فی مسألة زیادة القیمة لزیادة صفة و نقصانها بزوالها و عودها بعودها من عدم ضمانه لذلک الوصف ما ذکرنا،إذ لا فرق بین وصف الکمال و الصحة).

و قال فی غصب المبسوط:(و إن کانت الزیادة من جنس الأول:مثل أن سمنت(أی الجاریة)فبلغت ألفا،ثم هزلت فعادت إلی مائة،ثم سمنت فعادت إلی الألف،أو تعلمت القرآن فبلغت ألفا،ثم نسیت فعادت إلی مائة ثم تعلمت القرآن فعادت إلی الألف قیل فیه:وجهان:أحدهما:لا یضمن شیئا.الثانی:علیه الضمان.و الأول أقوی،لأن الأصل براءة الذمة) بل فی الجواهر:(أن ملاحظتها(:أی الزیادة التالفة)مع الموجودة حال التلف غیر معقولة،ضرورة کونه بمنزلة ملاحظتها مرتین إذ لیست هی إلا صنعة واحدة،و المتجددة لیست غیرها علی وجه تضم معها.و علی کل حال فلا ضمان،للأصل،و صدق الأداء لما أخذ.و قاعدة نفی الضرر،و أن الظالم لا یظلم،و غیر ذلک).

بل الظاهر من إطلاق المحقق فی غصب الشرائع هو عدم الفرق بین وصف الصحة،و بین وصف الکمال،و هذا نصه:(لو زادت القیمة لزیادة صفة،ثم زالت الصفة،ثم عادت الصفة و القیمة لم یضمن قیمة الزیادة التالفة لأنها انجبرت بالثانیة،و لو نقصت الثانیة عن قیمة الأولی ضمن التفاوت).

فتحصل مما ذکرناه:أنه لا یسمح للمصنف أن ینسب عدم سقوط الضمان-هنا-إلی مقتضی الفتوی.

ثانیا:أن مقتضی السیرة،و دلیل ضمان الید هو أن المغصوب مضمون

ص:188

علی الغاصب ما لم یرده إلی المغصوب منه صحیحا فإذا رده الیه کذلک سقط عنه الضمان،سواء أحدث فیه عیب قبل الرد و ارتفع،أم لا،و المفروض-هنا- أن المغصوب صحیح حال الرد،و إذن فلا یلزم تدارک النقص الحاصل فی زمان العیب.

3-أنه سأل أبو ولاد الامام(علیه السلام)عن المقوم الذی یعرف تفاوت ما

بین الصحة و العیب،

و قال:(قلت فمن یعرف ذلک؟قال(علیه السلام):أنت و هو اما أن یحلف هو علی القیمة فتلزمک،فان رد الیمین علیک فحلفت علی القیمة لزمه ذلک،أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أن قیمة البغل حین أکری کذا و کذا فیلزمک).

و قد ذکر المصنف:أن هذه الفقرة من الصحیحة مؤیدة لکون المدار -فی تعیین قیمة القیمی-علی قیمة یوم التلف.

و حاصل کلامه:أنه إذا اختلف الغاصب و المالک فی قیمة العین المغصوبة و کانت العبرة-فی تعیین القیمة-بقیمة یوم المخالفة کان المالک مدعیا،لدعواه زیادة القیمة المخالفة للأصل و کان الغاصب منکرا،لإنکاره تلک الزیادة، و علیه فمقتضی القاعدة أن یتوجه الحلف علی الغاصب،لا علی المالک،بل تجب علی المالک إقامة البینة علی دعواه و الحال أن الصحیحة قد دلت علی کون کل من الیمین و اقامة البینة وظیفة للمالک،مع أنه ان کان مدعیا فما هو الوجه فی توجه الحلف علیه و ان کان منکرا فما هو الوجه فی طلب البینة منه،بدیهة أنهما لا یجتمعان فی مورد واحد.

و علی الجملة:انا إذا حملنا الروایة علی أن الملاک فی تعیین القیمة انما هو یوم المخالفة کانت الصحیحة مخالفة للقواعد من ناحیتین:

الاولی:أن دعوی الزیادة من المالک مخالفة للأصل،فلا تتوجه إلیه

ص:189

الیمین بوجه.

الثانیة:أن الیمین إذا توجهت الی المالک لم تسمع منه البینة،و اذن فکیف حکم الامام(علیه السلام)بقبول کلا الأمرین من المالک.

و علی هذا فلا بد من حمل الصحیحة علی أن الملاک-فی تعیین القیمة-انما هو یوم التلف،لا یوم المخالفة فإنه عندئذ یصح توجه کلا الأمرین علی المالک و بیان ذلک:أن الامام(علیه السلام)قد تعرض-فی الفقرة المذکورة- لصورتین من صور التنازع بین المالک و الغاصب.

الصورة الاولی:أن یتفق المالک و الغاصب علی أن قیمة البغل یوم الاکتراء کذا و کذا،و لکن اختلفا فی تنزله عن تلک القیمة یوم التلف و عدم تنزله عن ذلک فإنه حینذاک وجب الأخذ بقول المالک،لأن الغاصب یدعی نقصان القیمة و المالک ینکره فیقدم قول المالک مع یمینه،لکونه موافقا للأصل.

مثلا:إذا اتفقا علی أن قیمة البغل یوم الاکتراء کانت عشرین دینارا و لکن ادعی الغاصب نقصانها الی یوم التلف،و ادعی المالک بقاءها علی حالها و لا شبهة فی أن قول المالک حینئذ موافق للأصل،فیقدم مع یمینه،بخلاف قول الغاصب،فإنه مخالف للأصل،فتلزمه إقامة البینة.

الصورة الثانیة:أن یتفق المالک و الغاصب علی أن قیمة یوم التلف متحدة-إجمالا-مع قیمة یوم المخالفة،و لکنهما اختلفا فی تعیین تلک القیمة بأن ادعی المالک کونها یوم المخالفة عشرین دینارا،و ادعی الغاصب کونها عشرة دنانیر،و من الواضح أن المالک-عندئذ-یدعی زیادة القیمة فتجب علیه إقامة البینة علی ذلک.أما الغاصب فهو منکر لتلک الزیادة فتتوجه علیه الیمین.

و علی الإجمال:انا إذا حملنا الصحیحة علی کون المناط-فی تعیین القیمة -هو قیمة یوم التلف أمکن لنا تصویر التغایر بوجه قریب بین إلزام المالک

ص:190

بالحلف،و بین إلزامه بإقامة البینة و إذا حملنا الصحیحة علی کون المناط-فی ذلک-هو قیمة یوم الغصب فتصویر التغایر بین الأمرین بعید جدا،لأنه علی هذا لا بد من حملها علی صورة اتفاق المالک و الغاصب علی قیمة الیوم السابق علی یوم المخالفة أو علی قیمة الیوم اللاحق بیوم المخالفة،ثم ادعی الغاصب نقصان القیمة السابقة.

و لکنه خلاف الظاهر من الصحیحة،فلا یمکن الالتزام به مع عدم القرینة علیه،هذا غایة ما یمکن أن یقال فی توجیه کلام المصنف.

و یرد علیه:أن حمل الصحیحة علی ارادة یوم التلف ثم حمل توجه الحلف علی المالک علی صورة،و توجه البینة علیه علی صورة أخری خلاف الظاهر منها جدا ضرورة أن الظاهر منها هو تخیر المالک بین الوظیفتین فی إثبات مقصوده:

إما إقامة البینة،أو الحلف،کما یقتضیه عطف احدی الوظیفتین علی الوظیفة الأخری بأو و إذن فلا وجه لجعل الجملة المتقدمة-التی هی-مورد بحثنا فعلا-مؤیدة لإرادة یوم التلف،دون یوم المخالفة و الغصب.

بل الظاهر-و اللّه العالم-هو الأخذ بظاهر الصحیحة من توجه کلا الأمرین-:أی الحلف و إقامة البینة-علی المالک فی خصوص الدابة المغصوبة أو فی مطلق القیمی المغصوب،و إذن فتکون الصحیحة مخصصة لقاعدة البینة علی المدعی،و الیمین علی المنکر،فلا غرو فی ذلک،لأن تلک القاعدة لیست من القواعد العقلیة حتی لا تقبل التخصیص أو التقیید،بل هی قاعدة فقهیة قابلة لذلک،کما أن سائر القواعد الفقهیة کذلک.

و علیه فالمستفاد من الصحیحة أنه إذا اختلف المالک و الغاصب فی زیادة القیمة و نقصانها جاز للمالک أن یحلف علی ما یدعیه من زیادة القیمة،أو یرده إلی الغاصب،أو یقیم بینة علی ذلک.فکأن هذا الحکم تفضل من الشارع

ص:191

المقدس للمالک علی رغم من الغاصب.

و قال المحقق الایروانی:(إن قضیة البینة علی المدعی،و الیمین علی من أنکر قضیة واردة فی المخاصمات،و فی مورد الروایة لم تفرض مخاصمة بل الراوی سأل عن أنه من یعرف قیمة البغل و هو تالف،فقال(علیه السلام):إما أنت أو هو،فیکون الحلف من کل منهما لأجل أن یذعن الطرف المقابل الجاهل بالقیمة،لا لأجل إلزام خصمه المنکر له).

و یرد علیه:أن حمل الحلف-هنا-علی الحلف المتعارف الذی یرضی به المحلوف له،و یصدقه فی دعواه من دون محاکمة خلاف الظاهر من الصحیحة لأنها واردة فی مورد المخاصمة،فلا یجوز حملها علی غیر موردها و هذا ظاهر.

ما استدل به علی الضمان بأعلی القیم

قد استدل علی الضمان بأعلی القیم من حین الغصب الی حین التلف بوجوه:

1-ما عن الشهید الثانی من الاستشهاد بالصحیحة المتقدمة علی ذلک.

و قال المصنف نصا: (لم یعلم لذلک وجه صحیح،و لم أظفر بمن وجّه دلالتها علی هذا المطلب).

و لکن یمکن توجیه دلالتها علی ذلک:بأن المغصوب مضمون علی الغاصب فی جمیع أزمنة الغصب التی منها زمان ارتفاع القیمة،إذ یصدق علی ذلک زمان المخالفة أیضا ضرورة أن المراد من یوم المخالفة-فی الصحیحة- انما هو طبیعی یوم المخالفة الذی یصدق علی کل یوم من أیام الغصب،لا الیوم الخاص.

و علیه فان ردّ الغاصب نفس المغصوب فهو،و الا فإن رد أعلی القیم

ص:192

فقد رد قیمة یوم المخالفة بقول مطلق،لدخول القیمة السفلی فی القیمة العلیا بدیهة أنه لا یجب علی الغاصب قیم متعددة حسب تعدد أیام المخالفة،کما أنه لو ردّ القیمة النازلة لما ردّ قیمة یوم المخالفة بقول مطلق،بل أدی قیمة بعض أیام المخالفة.

و الجواب عن هذا التوجیه:ان الظاهر من قوله(علیه السلام)فی الصحیحة:

(نعم قیمة بغل یوم خالفته)،هو أول یوم حدثت فیه المخالفة،لا مطلق أیام المخالفة،إذ یوجد الطبیعی فی الخارج بأول وجود فرده،لأن موضوع الضمان فی الصحیحة انما هو صرف وجود المخالفة.

و نظیر ذلک:ما إذا قال المولی لعبده:إذا خالفتنی فی الأمر الفلانی وجب علیک أن تصوم یوم مخالفتک،فان الظاهر من هذه العبارة أنه یجب علی العبد صوم أول یوم من أیام مخالفته،لا جمیع أیامها.

أضف الی ذلک:أن ذیل الصحیحة شاهد صدق علی عدم إرادة الطبیعة الساریة من یوم المخالفة،بل المراد منه هو الیوم الخاص المعهود،و ذلک الذیل هو قوله(علیه السلام):(أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أن قیمة البغل حین أکری کذا و کذا).إذ لو کان المراد من یوم المخالفة هو الطبیعی لما کان وجه لتعیین ذلک الیوم بیوم الاکتراء فی هذه الفقرة،و لا لتعیین قیمة المغصوب -فی ذلک الیوم-بالشهود.و قد عرفت فیما سبق أن المراد من یوم الاکتراء هو یوم المخالفة.

2-أن الغاصب إذا وضع یده علی المغصوب اشتغلت ذمته به،

و علیه فلو أدی المغصوب بعینه مع بقائه،أو أدی قیمته العلیا مع تلفه لفرغت ذمته یقینا،و لو أدی قیمته المتوسطة أو قیمته السفلی لما حصل العلم بفراغ ذمته.

و یرد علیه:أن المورد من موارد دوران الأمر بین الأقل و الأکثر

ص:193

فیؤخذ بالأقل،لأنه متیقن،و الزائد علیه تجری عنه البراءة.

3-أن العین المغصوبة مضمونة علی الغاصب بقاعدة ضمان الید،

فنستصحب ضمانها الی زمان دفع أعلی القیم من زمان الغصب الی زمان التلف للشک فی ارتفاع الضمان بدفع ما هو أقل من ذلک.

و یرد علیه:أن المراد من استصحاب الضمان ان کان استصحاب ضمان نفس العین فلازمه أن یدفع الغاصب قیمة یوم الرد،الا أن هذا لا یحتاج الی الاستصحاب،لأن القاعدة الأولیة تقتضی ذلک علی ما عرفته قریبا.

و ان کان المراد منه استصحاب ضمان القیمة ففیه أن اشتغال الذمة لم یثبت إلا بالقیمة النازلة،أما الزائد علیها فهو مشکوک فیه فتجری عنه البراءة فما هو المتیقن قد ارتفع یقینا،أما غیره فلم یتعلق به الیقین من الأول.

و علی الجملة:ان الاستصحاب-فی محل الکلام-إما أنه غیر جار أصلا أو أنه یجری و لکن لا یثبت الا الاشتغال بقیمة یوم الرد،دون أعلی القیم

4-أن العین المغصوبة بنفسها مضمونة علی الغاصب من ابتداء اغتصابها

إلی نهایة بقائها فی نظام الوجود،

و من الواضح أن اختلاف قیمتها بالصعود و النزول دخیل فی اختلاف مالیتها من جهة الزیادة و النقیصة.و علیه فان حکمنا باشتغال ذمة الغاصب بأعلی القیم فهو،و الا یتضرر المالک بفوت مقدار من مالیة ماله،و الضرر منفی بقاعدة نفی الضرر.

و یرد علیه أولا:أن أدلة نفی الضرر إنما تنفی الأحکام الضرریة فقط و لا تثبت حکما آخر لکی یدفع به الضرر.

ثانیا:أن زیادة القیمة السوقیة غیر مضمونة علی الغاصب و الا یلزم الحکم بضمانها أیضا-فی صورة بقاء العین-مع نقصان قیمتها السوقیة یوم الأداء عن قیمتها السابقة،و لم یلتزم به أحد فیما نعلم.

ص:194

و بتعبیر آخر:أنا قد ذکرنا فی محله أن الضرر عبارة عن النقص فی الأموال،أو الأعراض أو الأعضاء و الأطراف،أو الأنفس و من البین الذی لا ریب فیه أن نزول القیمة السوقیة بعید عن تلک الجهات کلها و من هنا یجوز لأی تاجر استیراد مال التجارة و ان أوجب ذلک نقصا فی قیمة أموال التجار الآخرین.

ثالثا:أن أدلة نفی الضرر واردة فی مقام الامتنان علی الأمة،و من الظاهر أن الحکم بکون أعلی القیم مضمونا علی الغاصب مناف للامتنان علیه، فلا یکون مشمولا لأدلة نفی الضرر.

5-ما أفاده المصنف،

و حاصل کلامه:أن الغاصب قد أزال ید المالک عن المغصوب بماله من المالیة فی کل زمان من أزمنة بقاء المغصوب تحت ید الغاصب،و من تلک الأزمنة ارتفاع قیمته السوقیة و علی هذا فان رد الغاصب نفس العین المغصوبة علی مالکها فقد خرج عن عهدتها بداهة أن المأخوذ بالغصب انما هو نفسها،لا مالیتها الخالصة،و إذا تلفت لم یمکن الخروج عن عهدتها إلا برد کل مالیة زالت عنها ید المالک،لأن حیلولة الأجانب بین الأموال و ملاکها توجب الضمان بمجموع المالیة الفائتة،و من الظاهر أنه لا یحصل الفراغ عن ذلک الا برد أعلی القیم،کما أنه لو تلفت العین عند ارتفاع القیمة السوقیة لوجب تدارکها بأداء تلک القیمة.

و یرد علیه:أنه لا صلة بین موارد بدل الحیلولة،و بین ما نحن فیه، ضرورة أن القائلین ببدل الحیلولة إنما التزموا به من جهة الجمع بین الحقین، بمعنی:أن تکلیف الغاصب برد العین حین التعذر تکلیف بما لا یطاق،و هو غیر جائز عقلا و نقلا،و منع المالک عن حقه مع مطالبته إیاه ظلم و عدوان، و مخالفة لمقتضی دلیل السلطنة،و لا شبهة فی حرمته عقلا و نقلا،و اذن فالجمع

ص:195

بین الحقین یقتضی الالتزام بوجوب أداء بدل الحیلولة إلی المالک،و سیأتی التعرض لذلک تفصیلا.

و هذا بخلاف ما نحن فیه،فان کلامنا-هنا-فی أصل ضمان الغاصب القیمة العلیا،لا فی وجوب أداء ما هو ثابت فی ذمة الضامن مع مطالبة المالک إیاه.

أضف الی ذلک:أن بدل الحیلولة انما ثبت فی مورد لم تتلف العین تلفا حقیقیا،بل تعذر الوصول الیه من ناحیة الموانع الخارجیة و من الظاهر أن هذه الکبری لا تنطبق علی مورد بحثنا،لأن العین فی زمان وصولها إلی القیمة العلیا لم یتعذر ردها علی مالکها،لأن حیلولة الغاصب بین المالک و ماله غیر مستندة الی التعذر النازل منزلة التلف،بل هی اختیاریة للغاصب.أما فی زمان تلفها حقیقة فقد انتقل ضمانها إلی القیمة،فما هو الموجب لضمانه أعلی القیم.

و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

6-ما ذکره المحقق الایروانی،

و إلیک لفظه(فالأحسن فی الاستدلال علی ضمان أعلی القیم:أنه یصدق عند صعود القیمة أن الغاصب معتد یوم صعود القیمة بمالیة صاعدة،و مقتضی فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی جواز أخذ تلک المالیة منه بعد التلف مجازاة لاعتدائه).

و یتوجه علیه:أنه لا دلالة فی الآیة الکریمة علی أصل الضمان-علی ما عرفته فی أوائل المسألة-فضلا عن دلالتها علی الضمان بأرفع القیم.

7-أن العین مضمونة علی الغاصب فی جمیع أوقات الغصب التی منها

زمان وصولها إلی القیمة العلیا.

و یرد علیه:أنه ان کان الغرض من هذا الوجه هو کون العین بنفسها مضمونة علی الغاصب ما دامت باقیة فهو صحیح،و لکن لا دلالة فی ذلک علی

ص:196

الضمان بأعلی القیم،بداهة أن الضمان إنما ینتقل إلی القیمة-بعد تلف العین- إما فی زمان التلف،أو فی زمان الأداء علی الخلاف فی ذلک،و علیه فلا یمکن الالتزام بضمان القیمة قبل تلف العین،و قبل انتقال الضمان منها إلی القیمة و إن کان الغرض من هذا الوجه هو إثبات الضمان بالقیمة العلیا ضمانا فعلیا منجزا-سواء أ کانت العین باقیة بعد انتهائها إلی تلک القیمة،أم کانت تالفة-فهو خلاف ما تسالموا علیه من أن ارتفاع القیمة السوقیة مع عدم تلف العین-غیر مضمونة علی الغاصب علی أن ذلک یستلزم الجمع بین العوض و المعوض أحیانا إذ المفروض أن العین باقیة فی ملک مالکها،و لو التزمنا-معه- بانتقال الضمان إلی بدلها للزم المحذور المذکور.

و إن کان الغرض من ذلک أن الضمان بأرفع القیم فعلی،و لکن استقراره فی ذمة الغاصب مراعی بالتلف فهو مصادرة واضحة،و لا یساعده النقل و لا الاعتبار،بل هو مخالف لأصالة البراءة من غیر دلیل شاغل.

ثم إنا لو سلمنا دلالة هذه الوجوه الاعتباریة المتقدمة علی الضمان بأعلی القیم،و لکن لا یمکن الاستناد إلیها فی ذلک،لأنه اجتهاد فی مقابل الصحیحة المتقدمة الدالة علی الضمان بقیمة یوم المخالفة.

و دعوی أن الصحیحة مجملة،فلا یتضح لنا المراد.منها دعوی غیر مسموعة لما عرفته قریبا من ظهورها فی الضمان بقیمة یوم الغصب.

و قد ظهر لک مما حققناه:أنه لا دلالة فی الصحیحة علی القول بضمان قیمة یوم الدفع،و لا علی القول بضمان قیمة یوم التلف،و لا علی غیر ذلک من الوجوه،بل هی ظاهرة فی خصوص ما ذکرناه فقط.و علیه فلا یصغی إلی الاستدلال علی الأول بقاعدة ضمان الید،فإنها محکومة بالصحیحة المتقدمة

ص:197

نعم ربما یتوهم الاستدلال علی الثانی بجملة من الأخبار[1]الواردة فی باب الرهن الظاهرة فی أن القیمی إذا تلف انتقل ضمانه بمجرد التلف إلی القیمة،لأنها تدل علی لزوم رعایة قیمة العین المرهونة حین تلفها،و ملاحظة نسبتها مع الدین،فان کانت مساویة له فلا شیء علی الراهن،و إن زادت علیه أخذ الزیادة،و إن نقصت عنه ردّ علی المرتهن مقدار ما نقص.

و لکن یتوجه علیه:أن مورد هذه الروایات إنما هو الإتلاف أو

ص:198

التفریط،إذ لا ضمان-فی تلف الرهن-علی المرتهن من دون تعد و تفریط و الشاهد علی ذلک جملة أخری من روایات الرهن (1)و علیه فزمان التلف و الضمان واحد فی صورة الإتلاف،فلا منافاة عندئذ بین روایات الرهن و بین الصحیحة الدالة علی أن العبرة بقیمة یوم المخالفة.

أما فی صورة التفریط فیمکن أن یتغایر یوم التلف مع یوم الضمان، و لکن الذی یسهل الخطب أنه لا دلالة فی روایات الرهن علی الضمان بقیمة یوم التلف،و لا بقیمة یوم المخالفة،و لا بقیمة أخری غیرهما،بل الظاهر منها هو ثبوت أصل الضمان بالقیمة فی فرض التعدی و التفریط،و قد عرفت دلالة الصحیحة علی الضمان بقیمة یوم المخالفة،و إذن فلا منافاة بینها و بین روایات الرهن فی فرض التفریط أیضا.

و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بما ورد فی العتق[2]علی الضمان بقیمة یوم التلف،لأن ذلک ورد فی الإتلاف،و قد عرفت أن زمان التلف و الضمان واحد فی صورة الإتلاف.

ص:199


1- 1) قد نقلناها فی ص 131.
ختام البحث فی القیمی

قد یتوهم:أن الالتزام بانتقال القیمی التالف إلی القیمة ینافی لما تسالم علیه الأصحاب من صحة المصالحة بین التالف و بین أی مقدار من الدراهم و الدنانیر و الوجه فی ذلک:أنه لو کان التلف موجبا لانتقال التالف إلی القیمة لما صحت المصالحة إلا علی المقدار الذی یساوی قیمة التالف،فإن المصالحة علی الزائد علیه یستلزم الربا.

و لکن هذا التوهم فاسد،بداهة أن القیمة الثابتة فی ذمة الضامن لیست هی خصوص الدراهم،و لا أنها خصوص الدنانیر،بل إنما هی أمر کلی تتقوم به الأشیاء،و أنه أعم من الدراهم و الدنانیر،و إذن فمصالحة التالف علی الدراهم،أو علی الدنانیر لا تستلزم وقوع المصالحة بین المتجانسین الربویین لکی یلزم منها الربا.

قوله:(ثم إنه حکی عن المفید،و القاضی،و الحلبی الاعتبار بیوم البیع فیما کان فساده من جهة التفویض إلی حکم المشتری). أقول:لم یتضح لنا وجه صحیح لما ذکره هؤلاء الأعاظم،إلا أن یوجه رأیهم هذا بما وجهه به المصنف من إرادة یوم القبض من یوم البیع،لغلبة اتحادهما زمانا،کما وقع التعبیر-فی صحیحة أبی ولاد-عن یوم المخالفة بیوم الاکتراء.

و کیف کان فلا وجه لتقیید فساد المعاملة بخصوص تفویض الثمن إلی المشتری،ضرورة أن مورد البحث إنما هو المقبوض بالعقد الفاسد،بل المغصوب أیضا،و علیه فأیة خصوصیة للتقیید المزبور.

قوله(فافهم) أقول:لعله إشارة إلی أن إرادة یوم القبض من یوم

ص:200

البیع و إن کان بعیدا فی نفسه،و لکنه لا بد من ذلک صونا لکلام هؤلاء الأکابر عن اللغویة،و لعلهم تبعوا فی هذا التعبیر للصحیحة المتقدمة،حیث عرفت -قریبا-أن الامام علیه السلام قد عبر-فیها-عن یوم المخالفة بیوم الاکتراء و اللّه العالم بالضمائر.

ثم قال المصنف: (إنه لا عبرة بزیادة القیمة بعد التلف علی جمیع الأقوال،إلا أنه تردد فیه فی الشرائع،و لعله-کما قیل-من جهة احتمال کون القیمی مضمونا بمثله،و دفع القیمة إنما هو لإسقاط المثل،و قد تقدم أنه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوی).

أقول:قد عرفت فیما سبق-أن مقتضی القاعدة هو بقاء العین-بعد تلفها-فی الذمة علی نحو الکلی الذی یعبر عنه بالمثل،و لا تنتقل إلی القیمة إلا یوم الرد،و اذن فلا مناص عن الالتزام بضمان القیمة الزائدة للعین بعد تلفها.

و دعوی أن هذا مخالف للإجماع دعوی جزافیة،لعدم العلم بوجود الإجماع التعبدی فی المقام.

و لکن الذی یسهل الخطب هو دلالة الصحیحة المتقدمة علی الاعتبار بقیمة یوم المخالفة،و علیه فلا مجال للأخذ بمقتضی القاعدة:أعنی به الضمان بقیمة یوم الرد.

قوله:(ثم إن ما ذکرنا من الخلاف إنما هو فی ارتفاع القیمة بحسب الأزمنة). أقول:لما بنی المصنف علی الاعتبار بقیمة یوم التلف فی ضمان التالف بنی علی اعتبار محل التلف أیضا فی ذلک،ضرورة أن الأشیاء کما تختلف قیمتها باختلاف الأزمنة،کذلک تختلف قیمتها باختلاف الأمکنة،فالمالیة

ص:201

إذا قدرت بقیمة یوم التلف قدرت بقیمة مکان التلف-أیضا-فإن العین إنما تضمن بجمیع خصوصیاتها حین التلف،و من جملتها خصوصیة بلد التلف.

و لکنا لما بنینا علی الاعتبار بقیمة یوم المخالفة،لدلالة الصحیحة المتقدمة علی ذلک فلا مناص عن الاعتبار بقیمة مکان المخالفة أیضا،لأن الإمام علیه السلام -مع کونه فی مقام البیان-لم یفکک بینهما.علی أن التفکیک بینهما خلاف المرتکز العرفی.

و یدل علی ما ذکرناه قوله علیه السلام فی نفس الصحیحة:(أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أن قیمة البغل حین أکری کذا و کذا فیلزمک).فان الظاهر من هذه الجملة المبارکة هو اختیار الشهود من أهل الکوفة-التی هی مکان المخالفة-ضرورة أن الإتیان بالشهود من أهل بغداد-التی کانت نهایة لسیر أبی ولاد-بعید جدا.و من الواضح أنه إذا کان الشهود من أهل الکوفة لم یشهدوا إلا علی ما هو قیمة البغل فی الکوفة،لا علی قیمته فی مکان آخر،لأن شهادتهم علی الثانی تحتاج إلی عنایة زائدة و هی غیر مذکورة فی الصحیحة.

قوله:(ثم إن جمیع ما ذکرنا من الخلاف إنما هو فی ارتفاع القیمة السوقیة الناشئة من تفاوت رغبة الناس). أقول:الزیادات الحاصلة فی العین تارة تکون منفصلة،و اخری تکون متصلة:

أما الأولی فحکمها حکم نفس العین،و علیه فان کانت باقیة فوجب ردها علی مالکها،و إن کانت تالفة فوجب رد بدلها علیه من المثل،أو القیمة.

أما الثانیة فلا شبهة فی کونها مضمونة علی الضامن-أیضا-سواء أ کانت هذه الزیادات من قبیل الکیف،کوصف الکتابة،و النجارة،و البنایة،و أمثالها أم کانت من قبیل الکم،کالسمن و نحوه،أم کانت من قبیل وصف الصحة.

ص:202

و بتعبیر آخر کما أن العین مضمونة علی الغاصب،کذلک أوصافها الدخیل فی مالیة العین،فإنها-أیضا-مضمونة علی الغاصب،سواء فی ذلک أوصاف الصحة و أوصاف الکمال،و هذا ظاهر.

ثم إن الخلاف المتقدم فی الضمان بقیمة العین المغصوبة یجری فی الضمان بقیة الزیادات الفائتة-أیضا-و قد عرفت-فیما تقدم قریبا-أن الاعتبار فی ضمان العین التالفة بقیمة یوم الغصب،و هکذا فی المقام طابق النعل بالنعل و القذة بالقذة.

و الوجه فی ذلک:أن العین إنما تکون مضمونة علی الغاصب مع أوصافها الدخیل فی مالیتها،لا مجردة عنها،و علیه فتحدید العین بقیمة وقت خاص تحدید لأوصافها-أیضا-بقیمة ذلک الوقت،و قد عرفت دلالة الصحیحة علی أن الاعتبار فی الضمان إنما هو بقیمة یوم الغصب،و مقتضی إطلاقها -و اللّه العالم-هو الالتزام بضمان العین مع أوصافها من یوم المخالفة و إن کانت الأوصاف حاصلة بعد ذلک،و علیه فتقدر العین موصوفة بتلک الأوصاف حین المخالفة،فتقوم،و یضمن بتلک القیمة،و إذن فلا عبرة بالقیمة حین حدوث الأوصاف.

ما استدل به علی ثبوت بدل الحیلولة

قوله:(ثم إن فی حکم تلف العین فی جمیع ما ذکر من ضمان المثل أو القیمة حکم تعذر الوصول الیه و إن لم یهلک،کما لو سرق أو غرق،أو ضاع،أو أبق). أقول:تحقیق البحث عن بدل الحیلولة و نواحیه یقع فی ضمن أسئلة و أجوبتها:

ص:203

1-ما هو الدلیل علی الالتزام ببدل الحیلولة عند تعذر الوصول إلی العین؟

قد استدل علی ذلک بوجوه شتی:

الوجه الأول:قاعدة نفی الضرر،

بدعوی أن تکلیف المالک بالصبر إلی أن یعود المال إلی یده ضرر علیه.

أو یقال:إن عدم الحکم بضمان البدل ضرر علی المالک.

أو یقال:إن امتناع الضامن عن أداء البدل ضرر علی المالک.

و یرد علیه:أن الاستدلال بقاعدة نفی الضرر علی إثبات بدل الحیلولة یتوقف علی مقدمتین:

الأولی:أن قاعدة نفی الضرر مسوقة لرفع الأحکام الضرریة،لا رفع الموضوعات الضرریة.و قد ذکرنا فی محله أن هذه المقدمة صحیحة لا شک فیها.

الثانیة:أن یلتزم بأن أدلة نفی الضرر کما تشمل الأحکام الوجودیة کذلک تشمل الأحکام العدمیة أیضا:أی کلما توجه ضرر علی المکلفین من ناحیة حکم الشارع بشیء،أو عدم حکمه به فأدلة نفی الضرر تقتضی ارتفاع الحکم فی الأول،و جعله فی الثانی.

و هذه المقدمة مخدوشة بما ذکرناه فی محله،و حاصله:أن أدلة نفی الضرر ناظرة إلی نفی الضرر فی عالم التشریع:أی الضرر الناشئ من تشریع الأحکام فی الشرع المقدس الإسلامی،و علیه فتلک الأدلة غیر ظاهرة فی تدارک الضرر المتوجه علی المکلفین من غیر ناحیة تشریع الحکم الشرعی،و إلا فیلزم الحکم بوجوب تدارک الضرر المتوجه علی أحد المسلمین من بیت المال،أو من أموال سائر المسلمین،و حینئذ فلا یمکن التمسک بالقاعدة المزبورة لإثبات بدل الحیلولة.

و بعبارة اخری:أنه لا استحالة فی حکومة قاعدة نفی الضرر ثبوتا

ص:204

و إمکانا علی الأحکام الوجودیة و العدمیة.و لکن لا دلیل علیه فی مرحلة الإثبات و الوقوع،بدیهة أن أدلة نفی الضرر قاصرة عن إثبات هذا المعنی.

و یضاف إلی ذلک:أن النسبة بین موارد بدل الحیلولة،و موارد تضرر المالک هی العموم من وجه،إذ قد لا یتضرر المالک بصبره إلی زمان التمکن من الوصول إلی ماله،لاستغنائه عنه،و مع ذلک یحکم بلزوم أداء بدل الحیلولة و قد یتضرر المالک من حیلولة الغاصب بینه و بین ماله مدة قلیلة کساعة أو ساعتین مع أنه لا یکون موردا لبدل الحیلولة،لأن الفقهاء رضوان اللّه علیهم قد اعتبروا فی ثبوت بدل الحیلولة تعذر وصول المالک إلی ماله مدة طویلة.و سیأتی ذلک قریبا.و اذن فلا یمکن الاستدلال علی إثبات بدل الحیلولة بقاعدة نفی الضرر.

و یؤید ما ذکرناه:أنا لم نجد أحدا یستدل بقاعدة نفی الضرر علی ثبوت بدل الحیلولة فیما إذا حال أحد بین المالک و ماله بمنعه عن التصرف فیه.و دعوی ثبوت الفارق بین هذا و بین ما نحن فیه دعوی جزافیة.

و لو أغمضنا عن جمیع ذلک،و لکن تضرر المالک بالصبر إلی زمان الوصول إلی ماله معارض بتضرر الضامن برد بدل الحیلولة،فیتساقطان و علیه فلا یکون مورد بدل الحیلولة مشمولا لقاعدة نفی الضرر.

و دعوی أن الضامن قد أقدم-بنفسه-علی الضرر فلا یعارض بضرر المالک دعوی فاسدة،ضرورة أن الضامن لم یقدم إلا علی ضمان العین فقط، لا علی ضمان سائر الجهات الخارجة عن العین.

الوجه الثانی:قوله(صلی الله علیه و آله):إن الناس مسلطون علی أموالهم .

(1)

و تقریب الاستدلال بهذا الحدیث علی المقصود هو أن السلطنة علی العین و إن کانت ممنوعة بالتعذر،إلا أن السلطنة علی مالیتها غیر ممنوعة،و علیه

ص:205


1- 1) البحار ج 1 ص 154.

فیجب علی الضامن رد البدل علی المالک حفظا لسلطنته علی مالیة ماله.

و یرد علیه أولا:أن دلیل السلطنة ضعیف من جهة الإرسال،و غیر منجبر بشیء ثانیا:أن مفاده إنما هو إثبات السلطنة للمالک فیما یجوز له التصرف فی ماله-کالبیع و اللبس و السکنی و أمثال ذلک-و من الواضح أنه لیس لأحد أن یزاحم المالک فی أشباه هذه التصرفات.و أما بقیة الجهات فهی بعیدة عن دلیل السلطنة.

و ببیان آخر:أن دلیل السلطنة إنما یدل علی عدم محجوریة المالک عن ماله فی التصرفات السائغة،فلا دلالة فیه علی إثبات السلطنة له فی التصرفات غیر السائغة فی ماله.

و علی هذا الضوء فیجوز للمالک أن یطالب ماله من الغاصب بمقتضی دلیل السلطنة،و لکن لا یستفاد من ذلک جواز مطالبة بدل الحیلولة منه،إذ لا صلة بینهما بوجه.کما أنه لا یستفاد من الدلیل المزبور جواز إیذاء الغاصب بالضرب و الشتم و الحبس و نحوها.

أضف إلی ذلک:أن النسبة بین دلیل السلطنة،و بین موارد بدل الحیلولة هی العموم من وجه.و حینئذ فلا یصح الاستدلال به علی ثبوت بدل الحیلولة فی جمیع الموارد،بل إنما یصح ذلک فی بعض الموارد و علی سبیل الإیجاب الجزئی.علی أنا لو جوزنا ثبوت بدل الحیلولة مع تعذر وصول المال إلی مالکه للزم القول بثبوته مع تعذر وصول المالک إلی ماله من جهة الحبس و نحوه، ضرورة أنه لا یفرق فی ذلک بین أن یکون التعذر بحبس المالک و منعه عن الوصول إلی ماله،و بین إلقاء المال فی مکان لا یصل إلیه مالکه-عادة-إلا بعد مدة طویلة،مع انه لم یلتزموا الفقهاء بثبوت البدل فی الصورة الأولی،و هذا ظاهر.

الوجه الثالث:قاعدة الضمان بالإتلاف،

بدعوی ان الغاصب قد فوّت

ص:206

سلطنة المالک علی ماله فی موارد بدل الحیلولة،فحیث إنه غیر قادر علی اعادة تلک السلطنة بعینها،فلا بدله من اعادة مثلها،و من الواضح أن هذا لا یمکن إلا بأداء بدل الحیلولة.

و یرد علیه أولا:أن التمسک بهذا الوجه یقتضی الحکم بلزوم بدل الحیلولة فیما کان تعذر الوصول إلی المال من جهة حبس المالک و منعه عن التصرف فیه،کما أن التمسک به یقتضی الالتزام ببدل الحیلولة فیما کانت مدة الحیلولة قلیلة،مع أن القائلین ببدل الحیلولة لم یلتزموا به فی کلا الموردین.

ثانیا:أنه إن کان المراد من فوت السلطنة فوت منافع العین فلا شبهة فی کونها مضمونة علی الغاصب،کما أن نفس العین مضمونة علیه،و لکن هذا بعید عن بدل الحیلولة.

و إن کان المراد من ذلک فوت نفس السلطنة علی العین فلا دلالة فی القاعدة المزبورة علی کون السلطنة الفائتة مضمونة علی الغاصب بداهة أن مفاد القاعدة هو أن العین التالفة مضمونة علی المتلف دون سائر الجهات.

أضف الی ذلک:أن هذه القاعدة لیست بمدلول آیة أو روایة لکی نتمسک بإطلاقها،بل هی متصیدة من أدلة الضمان الواردة فی موارد خاصة، و علیه فلا بد من الاقتصار علی الموارد المتیقنة:أعنی بها نفس العین التالفة.

الوجه الرابع.قوله(صلی الله علیه و آله):علی الید ما أخذت حتی تؤدیه،

فإن أداء العین کما یکون بأداء البدل فی صورة التلف،کذلک یکون بأداء البدل فی فرض الحیلولة.

و یرد علیه أولا:أن الحدیث المزبور ضعیف السند،و غیر منجبر بشیء و قد عرفته فیما تقدم (1).

ص:207


1- 1) ص 88.

ثانیا:أنه لو جاز التمسک به-هنا-لما یفرق فیه بینما کانت مدة التعذر قلیلة،و بینما کانت مدته طویلة مع أن الفقهاء لم یلتزموا ببدل الحیلولة فی الصورة الأولی ثالثا:أنا ذکرنا فی مبحث المقبوض بالعقد الفاسد أن قاعدة ضمان الید انما تدل علی ثبوت العین فی عهدت الغاصب بجمیع خصوصیاتها الفردیة و الصنفیة و النوعیة التی هی دخیل فی المالیة.و ذکرنا-أیضا-أن فقدان أیة خصوصیة من تلک الخصوصیات لا یوجب اضمحلال غیرها.

و علیه فإذا کانت العین موجودة لزم علی الغاصب ردها مع تلک الخصوصیات بأجمعها،لاستحالة أدائها بدون تلک الخصوصیات.

و إذا تلفت حقیقة،کالاحتراق و نحوه،أو صارت فی حکم التلف فی نظر أهل العرف،کالسرقة و الإباق و الاغتراف و الضیاع و أشباهها مما یوجب الیأس عن الوصول إلیها،إذا کان کذلک انتقل الضمان الی المثل.

و إذا تعذر المثل-أیضا-مع مطالبة المالک حقه وجب علی الغاصب أداء القیمة:أعنی بها المالیة الخالصة،و وقتئذ لا یجوز للمالک مطالبة المثل، و لا مطالبة العین بعد ارتفاع المانع عن الوصول إلیها،و الا یلزم الجمع بین العوض و المعوض.

و هذا بخلاف ما إذا لم یوجب التعذر التحاق العین بالتالف،فإنه حینئذ لیس للمالک مطالبة البدل،و لا للغاصب أداء غیر العین المغصوبة إلا مع التراضی نعم یجوز للمالک أن یطالب بالمنافع الفائتة،فیکون المأخوذ بإزاء تلک المنافع بمنزلة الأجرة للعین فی مدة غیابها عن المالک،و لا شبهة فی أن هذا کله غیر مربوط ببدل الحیلولة،و اذن فلا وجه لإثباته بحدیث ضمان الید.

و قد اتضح لک مما تلوناه علیک:أنه لا یمکن الاستدلال علی ثبوت

ص:208

بدل الحیلولة بالروایات[1]الدالة علی ضمان التالف فی الأمانات المضمونة، کما صنعه المصنف.لأنها راجعة إلی صورة التلف،و محل بحثنا غیر هذه الصورة

الوجه الخامس:دعوی الإجماع علی ثبوت بدل الحیلولة مع تعذر وصول

المالک الی ماله.

و یرد علیه:أنا لو سلمنا وجود الإجماع فی المقام و لکن یحتمل قریبا أن یکون مستنده هی الوجوه المتقدمة و اذن فلا علم لنا بوجود الإجماع التعبدی فی المقام.

ص:209

ما هو مورد بدل الحیلولة؟

2-هل یقید ثبوت بدل الحیلولة بما إذا حصل الیأس من الوصول إلی

العین الغائبة،

أم یقید بعدم رجاء وجدانها،أم لا یقید بشیء منهما،بل یحکم بثبوت بدل الحیلولة بمجرد التعذر الفعلی،سواء أ علمنا بإمکان الوصول إلیها بعد مدة طویلة،أم علمنا بالوصول إلیها بعد مدة قصیرة یتضرر المالک بعدم الوصول إلی ماله فی هذه المدة؟.

ذکر المصنف رحمه اللّه:أن ظاهر الأدلة التی استدلوا بها علی ثبوت بدل الحیلولة هو اختصاص الحکم بإحدی الصورتین الأولیین.

و لکن المستفاد من فتاوی الأصحاب رضوان اللّه علیهم هو الصورة الثالثة.و یظهر ذلک من إطلاق قولهم:إن اللوح المغصوب فی السفینة إذا کان نزعه معرضا لتلف مال لغیر الغاصب انتقل إلی القیمة حتی تصل السفینة إلی الساحل.و یؤید هذا المعنی:أن فیه جمعا بین الحقین،انتهی ملخص کلامه.

و یرد علیه:أن ما استظهره من کلمات الفقهاء فی مسألة اللوح المغصوب فی السفینة و إن کان استظهارا وجهیا،و لکن لا دلیل علی حجیة فتواهم للفقهاء الآخرین.

أما التأیید المزبور فلا فائدة فیه،إذ لم یتضح لنا من الأدلة المتقدمة جواز مطالبة المالک الغاصب ببدل الحیلولة فی مدة انقطاعه عن ماله و قد عرفته قریبا.

و لو أغمضنا عن ذلک،و لکن الصورة الأولی-:أعنی بها صورة یأس المالک من الوصول إلی ماله-لاحقة بالتلف الحقیقی،و قد تقدمت الإشارة الی ذلک قریبا،و إذن فلا وجه لجعل هذه الصورة من موارد بدل الحیلولة.

ص:210

أما الصورتین الأخریین فیختلف الحکم فیهما باختلاف مدارک بدل الحیلولة،لأنه إن کان الدلیل علی ثبوت بدل الحیلولة هو الإجماع فالمتیقن منه إنما هو الصورة الأولی التی قد عرفت خروجها عن مورد البحث.و إن کان الدلیل علیه هو قاعدة السلطنة،أو قاعدتی لا ضرر،و ضمان الید فقد عرفت أن مفادها ثبوت بدل الحیلولة بمجرد التعذر،سواء أ کان زمان التعذر طویلا، أم کان قصیرا،و علیه فجمیع الصور المتقدمة داخلة فی محل البحث مع أنه بدیهی البطلان،فان الفقهاء لم یلتزموا بثبوت بدل الحیلولة إلا فیما تعذر الوصول الی العین فی مدة طویلة،لا مطلقا.

هل یعتبر التعذر العقلی فی ثبوت بدل الحیلولة؟

3-هل یعتبر التعذر العقلی فی ثبوت بدل الحیلولة،أم لا؟.

لما فرغ المصنف من البحث عن الصور الثلاث السالفة نهض الی البحث عن اعتبار التعذر العقلی و عدمه فی ثبوت بدل الحیلولة.

و حاصل کلامه مع التوضیح الإجمالی:أن الظاهر من دلیل السلطنة،و حدیث ضمان الید و قاعدة نفی الضرر هو عدم اعتبار التعذر العقلی فی ثبوت الضمان ببدل الحیلولة:بحیث لا یتمکن الضامن عقلا من الوصول الی العین،بل یکفی فی ذلک مجرد التعذر العرفی -و ان تمکن الغاصب من الوصول الی العین بالسعی فی مقدمات الوصول-و علیه فیحکم بثبوت بدل الحیلولة فی زمان السعی أیضا.

و لعله لأجل هذا المعنی قد أفتی الفقهاء رضوان اللّه علیهم بالانتقال إلی القیمة فی اللوح المغصوب فی السفینة مع إمکان الوصول الیه و لو بالسعی فی مقدمات إیصال السفینة إلی الساحل.

نعم قد عبر بعض الفقهاء عن عدم الوصول الی العین بکلمة(التعذر)

ص:211

و لا شبهة فی ظهورها فی التعذر العقلی،و هذا هو الأوفق بأصالة عدم تسلط المالک علی أزید من إلزام الغاصب برد العین.ثم أمر بالتأمل.

و لعله إشارة الی أن الأصل المذکور محکوم بدلیل السلطنة،و قاعدتی نفی الضرر،و ضمان الید،و انه لا یفرق فی أدلة بدل الحیلولة بین الزمان الیسیر و الزمان القلیل.

و قد ظهر لک مما تلوناه علیک فساد ما ذکره السید رحمه اللّه فی حاشیته و إلیک نصه:

(لا یخفی أن هذا لیس مطلبا آخر،بل هو نفس الوجه الأخیر الذی أیده بأن فیه جمعا بین الحقین،کما أن تعبیر البعض بالتعذر هو نفس الوجه الأول و هو الیأس من الوصول فلا وجه للتکرار).

و وجه الفساد:أن الیأس من الوصول الی العین أعم من التعذر العقلی فإذا اعتبر الثانی فی سقوط التکلیف برد نفس العین،فمجرد الیأس-الذی هو الصورة الأولی من الصور الثلاث المتقدمة-لا یوجب سقوطه.کما أن اعتبار التعذر العرفی فی سقوط التکلیف برد العین أعم من الصورة الأخیرة-و هی الحکم بثبوت بدل الحیلولة بمجرد التعذر الفعلی-و اذن فلا تکرار فی عبارة المصنف ما هو حکم القیمة مع تعذر الوصول الی العین

4-ما هو شأن القیمة مع تعذر الوصول الی العین،و هل للضامن إجبار

المالک حینئذ علی أخذها؟.

لا شبهة فی أن العین إذا تلفت انتقل الضمان الی بدلها من المثل أو القیمة کما لا شبهة فی أن بقاء الضامن مشغول الذمة ضرر علیه،و اذن فیجوز له إجبار المالک علی قبول حقه.

ص:212

و لکن شیئا من ذلک لا یجری فیما نحن فیه،لأنا لو سلمنا تمامیة الأدلة المتقدمة الدالة علی ثبوت بدل الحیلولة،الا أنه لا دلالة فیها علی جواز إجبار الضامن المالک علی قبول البدل.و لیس هنا دلیل آخر یدل علی ذلک غیر تلک الأدلة.

و علیه فیتخیر المالک بین قبول البدل و بین الصبر الی زمان زوال العذر.

بل هذا المعنی هو الذی تقتضیه قاعدة السلطنة،ضرورة أن المالک یستحق علی الضامن العین بنفسها،و من الظاهر أن إجبار الضامن إیاه علی قبول بدلها خلاف سلطنته.

و هذا هو الذی أراده المصنف من تمسکه بقاعدة السلطنة فی المقام.

و لیس مراده من التمسک بها هو سلطنة المالک علی امتناع قبول البدل مع کونه ملکا له لکی یتوجه علیه أنه لیس للمالک الامتناع من قبول ماله بدلیل السلطنة و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

قوله:(و کما أن تعذر رد العین فی حکم التلف،و کذا خروجه عن التقویم) أقول:قد تقدم حکم الخروج عن التقویم فی الأبحاث السابقة (1)و قلنا إن المدار فی ذلک علی انتهاء أمد المالیة،غایة الأمر انه یحکم فی القیمیات بضمان قیمة یوم الغصب،لصحیحة أبی ولاد المتقدمة.

هل یصیر البدل المبذول ملکا لمالک العین؟

5-ما هو حکم البدل المبذول فهل یکون ذلک ملکا لمالک العین أم لا؟

ذکر المصنف ان المال المبذول یملکه المالک بلا خلاف،کما فی المبسوط و الخلاف و الغنیة و التحریر و ظاهرهم ارادة نفی الخلاف بین المسلمین.

ص:213


1- 1) ص 168

ثم قال: (و لعل الوجه فیه أن التدارک لا یتحقق الا بذلک،و لو لا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة فی الملکیة لاحتملنا أن یکون مباحا له إباحة مطلقة و ان لم یدخل فی ملکه،نظیر الإباحة المطلقة فی المعاطاة علی القول بها فیها،و یکون دخوله فی ملکه مشروطا بتلف العین.و حکی الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمی رحمه اللّه فی أجوبة مسائله).

و لکن ناقش فی هذا الرأی المحقق و الشهید الثانیان.

فقال الأول فی محکی جامع المقاصد:(ان هنا إشکالا،فإنه کیف یجب القیمة و یملکها الآخذ و یبقی العین علی ملکه،و جعلها فی مقابل الحیلولة لا یکاد یتضح معناه).

و قال الثانی:(ان هذا لا یخلو من اشکال من حیث اجتماع العوض و المعوض علی ملک المالک من دون دلیل واضح.و لو قیل بحصول الملک لکل منهما متزلزلا،و توقف تملک المغصوب منه للبدل علی الیأس من العین و ان جاز له التصرف کان وجها فی المسألة).

و التحقیق:ان حکم هذه المسألة یختلف باختلاف مدرک بدل الحیلولة:فإن قلنا بأن مدرکه قاعدة نفی الضرر،فإنها تقتضی کون البدل مباحا للمالک،لا ملکا له،لأنا لو سلمنا شمول أدلة نفی الضرر للأحکام العدمیة،و لکنها لا تقتضی التشریع الا بالمقدار الذی یرتفع به ضرر المالک،و من البدیهی أن تضرره انما کان من ناحیة عدم تمکنه من التصرف فی ماله،و هذا یرتفع بإباحة التصرف فی بدل الحیلولة مثلما یتصرف فی ملکه،فان دخول البدل فی ملک المالک لیس بدخیل فی ارتفاع ضرره.

و ان قلنا بأن مدرک بدل الحیلولة انما هو دلیل السلطنة،أو قلنا بأن الغاصب قد فوّت علی المالک سلطنته علی ماله فیجب علیه تدارک هذه السلطنة

ص:214

للمالک ان قلنا بذلک فلا یثبت للمالک أیضا إلا إباحة التصرف فی البدل علی النحو الذی یتصرف فی ملکه،لأنه لا دلالة فی دلیل السلطنة الا علی لزوم إعادة سلطنة المالک،الزائلة و لا ریب فی حصول هذا المعنی بجواز تصرفه فی بدل الحیلولة و إن لم یصر البدل ملکا له.

و یتضح ذلک جلیا بأن الملکیة أو السلطنة من الأحکام الوضعیة.و من البین أن الأحکام الشرعیة لا تقابل بالمال.

نعم مقتضی ذلک هو الالتزام بالملکیة الآنیة قبل التصرف المتوقف علی الملک.و قد تقدم نظیر ذلک فی المعاطاة علی القول بإفادتها الإباحة المطلقة.

و قد یتوهم أن سلطنة المالک قد زالت مع المالیة القائمة بالعین.و من الواضح أنه لا یمکن إعادة السلطنة المزبورة إلا بإعادة نفس العین أو بإعادة ما یقوم مقامها فی المالیة،و علیه فلا بد من الالتزام بملکیة المالک تحقیقا للبدلیة.

و لکن هذا التوهم فاسد،إذ لا دلیل علی الملازمة بین إعادة السلطنة و بین إعادة العین أو إعادة مالیتها،بل تمکن اعادة السلطنة الزائلة فی ضمن مال الغاصب ضرورة أن السلطنة عبارة عن القدرة علی تصرف المالک تصرفا سائغا،و لا ریب فی تحقق ذلک فی شیء آخر یقوم مقام ملک المالک.

و ان کان المدرک لبدل الحیلولة هو الإجماع فلا شبهة فی أن المتیقن منه انما هو قیام البدل مقام المبدل فی خصوص التصرفات المالکیة،لا فی الملکیة.

و ان کان المدرک لذلک هو قاعدة من أتلف فهی تقتضی صیرورة البدل ملکا للمالک،بدیهة أن الضمان لا یرتفع الا بذلک.

و ان کان المدرک لذلک هو قاعدة ضمان الید.فإنها تقتضی وجوب رد العین الی مالکها،و مع تلفها یلزم علی الآخذ رد بدلها من المثل أو القیمة، و من الواضح أن مقتضی البدلیة هو کون البدل ملکا لمالک المبدل.

ص:215

و بیان ذلک:أن المستفاد من قاعدة ضمان الید انما هو ثبوت العین فی عهدة الضامن بجمیع شؤونها.و أنه یجب ردها الی مالکها،و مع العجز عن ذلک من جهة التلف أو لتعذر الوصول إلیها وجب علی الضامن رد بدلها مع مطالبة المالک،و هذا البدل و ان لم یکن عین المبدل من جمیع الجهات،و لکنه مثله فی بعض الجهات،لما ذکرناه سابقا من أن المضمون علی الضامن ابتداء بقاعدة ضمان الید انما هو العین الخارجیة بجمیع خصوصیاتها،و مع انتفاء بعض الخصوصیات یبقی بعضها الآخر مضمونا علیه،لأن اضمحلال أیة خصوصیة منها لا یوجب اضمحلال غیرها،و علیه فردّ المأخوذ بالغصب و ان لم یمکن بتمام خصوصیاته الا انه یمکن ذلک فاقدا لبعض الخصوصیات غیر الدخیل فی المالیة،و لا محذور فیه لکونه برضی المالک و إذن فلا یتحقق عنوان البدلیة بأداء بدل الحیلولة إلا بقیام البدل مکان المبدل فی الإضافة الملکیة.

و علی الجملة:ان مقتضی قاعدة ضمان الید هو أن البدل-:أعنی به المثل أو القیمة-أمر کلی ینطبق علی المبدل و البدل کلیهما انطباق الکلی علی أفراده و الطبیعی علی مصادیقه،و علیه فلا مناص عن الالتزام بصیرورة بدل الحیلولة ملکا للمالک،و هذا واضح لا شبهة فیه.

هل یکون المبدل ملکا للضامن بإعطاء البدل؟

6-هل تنتقل العین الی الضامن بإعطاء البدل أم لا؟.

قد یقال بأن المضمون له یملک بدل الحیلولة،و الضامن یملک العین المتعذرة،لاستحالة بدلیة شیء عن شیء إلا بقیام البدل مکان المبدل فی جهة من الجهات،و تلک الجهة فی المقام هی الإضافة الملکیة.

ص:216

و قد یقال بأن المالک یملک البدل،أما الضامن فلا یملک المبدل،لأن المأخوذ بعنوان البدلیة لیس عوضا حقیقیا حتی تستحیل البدلیة إلا بدخول العین المتعذرة فی ملک الضامن،بل هو غرامة خالصة نظیر دیة المقتول أو المجروح و کالمبذول عند تلف العین.و من البین أن عنوان الغرامة لا یستلزم خروج البدل من ملک الضامن و لا دخول العین المتعذرة فی ملکه لکی یکون ذلک معاوضة قهریة شرعیة.

و لکن التحقیق:أن کون العین المتعذرة ملکا للضامن متفرع علی کون البدل ملکا للمالک،فإنه بناء علی صیرورة البدل ملکا للمضمون له-کما تقتضیه قاعدتا من أتلف،و ضمان الید-صار المبدل ملکا للضامن بالمعاوضة القهریة الشرعیة،إذ لو لا ذلک لزم اجتماع العوض و المعوض فی ملک مالک العین.

و من هنا ناقش المحقق و الشهید الثانیان فی الالتزام بکون البدل غرامة خالصة من غیر أن یکون المبدل ملکا للضامن،و لا أن یکون البدل ملکا للمالک.و قد تقدم کلامهما قریبا.

و یؤید ذلک ما ورد[1]فی الدابة الموطوئة من إلزام الواطی بأخذ الدابة و إعطاء ثمنها لمالکها.

ص:217

بحث فی فروع مهمة

ثم إنه تستخرج مما ذکرناه فروع مهمة،و هی ما یلی:

1-أنه إذا توضأ أحد غفلة بماء مغصوب،أو مقبوض بالعقد الفاسد.

و التفت بعد الغسلات،و قبل المسحات بغصبیة الماء،فإنه بناء علی دخول الماء فی ملک الضامن بعد أداء بدله یصح المسح بما بقی من رطوبة یده و یصح وضوؤه،و بناء علی عدم دخول الماء فی ملک الضامن لا یصح مسحه بتلک الرطوبة،و لا یصح وضوؤه.هذا علی تقدیر أن الرطوبة الباقیة باقیة علی کونها ملکا بل مالا.أما إذا فرض أن الماء المستعمل فی الوضوء یعد من التالف عرفا جاز المسح بالرطوبة الباقیة من غیر فرق فی ذلک بین إمکان انتفاع المالک بتلک الرطوبة و عدم إمکانه.

2-أنه إذا غصب أحد خمرا محترمة لغیره،أو غصب دابة،و ماتت

الدابة و انقلبت الخمر خلا،

فإنه علی القول بوقوع المعاوضة القهریة بین البدل و المبدل کان الخل و میتة الدابة للضامن بعد أداء البدل،و إلا فهما للمضمون له.

3-أنه إذا خاط أحد ثوبه بخیوط مغصوبة،

فإنه علی القول بدخول الخیوط فی ملک الغاصب بعد أداء البدل جازت له الصلاة فی ذلک الثوب.

و کذلک التصرفات الأخر،و الا فلا.

و یمکن التحاق تلک الخیوط بالتلف الحکمی،إذ لا یمکن ردها-غالبا-إلا بعد سقوطها عن المالیة بالنزع.

و قد حکی الجزم بعدم وجوب النزع عن مجمع البرهان،بل قال یمکن أن لا یجوز.

ص:218

و لعله من جهة کون النزع إتلافا للمال علی مالکه فهو لا یجوز.و یتضح الحکم بالتحاق ذلک بالتلف الحکمی فیما إذا کان المخیط بالخیوط المغصوبة جرح النفس المحترمة،أو ثوب غیره بحیث کان النزع موجبا للتلف أو الضرر.

4-أنه لو غصب أحد دهنا و خلطه بطعامه

فإنه بناء علی دخول المبدل فی ملک الغاصب-بعد رد بدله-جاز له التصرف فی ذلک الطعام،و إلا فلا یجوز التصرف فیه إلا برضی مالک الدهن.و إلی غیر ذلک من الفروع التی ترد علیک فی مواضیع شتی.

خلاصة البحث فی بدل الحیلولة

و صفوة الکلام من أول البحث عن بدل الحیلولة إلی هنا هی أن القاعدة الأولیة تقتضی ثبوت العین المغصوبة أو ما فی حکمها فی عهدة الغاصب بجمیع خصوصیاتها الدخیل فی المالیة.و إذا تلفت العین أو التحق بالتالف انتقل الضمان إلی المثل أو القیمة،فیکون ذلک بدلا حقیقیا عن العین التالفة،أو النازلة منزلة التالف.

و حینئذ فتخرج العین عن ملک مالکها،و تدخل فی ملک الغاصب.

و إذا لم تتلف العین لا حقیقة و لا حکما،و لکن تعذر الوصول إلیها فإن القاعدة تقتضی ثبوتها فی عهدة الغاصب الی زمان التمکن من أدائها.و إذن فلیس للمالک إلا مطالبة اجرة العین فی مدة الحیلولة من الغاصب،إلا إذا رضیا بالبدل فإنه علی هذا تتحقق المعاوضة الشرعیة بین البدل و المبدل،فیکون المدفوع بدلا حقیقیا عن العین.

نعم إذا دل دلیل علی کونه غرامة لا بدلا عن العین أخذ به،نظیر دیة المقتول.

ص:219

و لکنک قد عرفت المناقشة فی الأدلة التی استدل بها علی إثبات بدل الحیلولة بعنوان الغرامة.

و قد تجلی لک مما ذکرناه انحلال المناقشة المعروفة التی أوردوها علی مسألة تعاقب الأیدی،و حاصل تلک المسألة:هو أن المغصوب منه یتخیر فی أخذ البدل لماله بین الرجوع الی أی شخص من هؤلاء الغاصبین الذین تعاقبت أیدیهم و لکن إذا رجع الی الغاصب الأول رجع الأول أیضا الی الثانی و هکذا حتی تنتهی سلسلة الغصاب:و تثبت الغرامة علی الغاصب الأخیر الذی تلفت العین فی یده.

أما إذا رجع المالک فی ذلک الی الغاصب المتوسط لم یرجع هذا المتوسط الی الغاصبین السابقین،بل یرجع الی الغصاب اللاحقین.

و حاصل تلک المناقشة هو سؤال الفارق بین الصورتین.

و ملخص الجواب عنها:أن الغاصب الأول إذا أعطی البدل عن العین المغصوبة التالفة ملکها علی الغاصب الثانی فیجوز له الرجوع الیه.و إذا رجع المالک الی الغاصب المتوسط لم یرجع هذا المتوسط الی سابقه لأنه لا یملک علیه شیئا،بل یرجع الی لاحقه.

و دعوی أن التالف أمر معدوم،أو بمنزلة المعدوم فلا یقبل الملکیة دعوی جزافیة،لأن الملکیة من الأمور الاعتباریة،فلا محذور فی تعلقها بالأمور العدمیة مع ترتب الأثر علیه کتعلقها بالأمور الوجودیة کذلک،و قد ذکر الفقهاء أجوبة أخری عن تلک المناقشة،و لکن لا یرجع شیء منها الی معنی محصل یطمئن به القلب،و ترکن الیه النفس،و سیأتی التعرض لتلک المسألة و أجوبتها.

ص:220

ما هو حکم تمکن الغاصب من العین بعد إعطاء بدلها؟

7-لو تمکن الغاصب من العین المغصوبة بعد أداء بدلها لمالکها فهل یجوز

له الرجوع إلیها أم لا.

الظاهر أن جواز الرجوع-هنا-الی العین و عدمه متوقف علی أن ملکیة البدل لمالک العین ملکیة لازمة أو ملکیة جائزة،و علی الأول فلا یجوز له ذلک،و علی الثانی فلا بأس به.و قد تقدم نظیره فی مبحث البیع المعاطاتی و ذکرنا-هناک-أن القاعدة تقتضی أن لا یرجع کل من المتعاطیین الی صاحبه فی المأخوذ بالمعاطاة،لکونه أکلا للمال بالباطل.و من البین أن ما ذکرناه-هناک-جار فی المقام أیضا.

نعم إذا لم نقل بصیرورة العین ملکا للضامن لا بالمعاوضة القهریة الشرعیة و لا بمعاوضة غیر قهریة جاز للمغصوب منه أن یرجع الی العین المغصوبة بعد خروجها عن التعذر.و لکن قد عرفت فساده قریبا.و قد اتضح لک مما ذکرناه فساد ما ذکره شیخنا الأستاذ من أنه(إذا ارتفع العذر و تمکن من رد العین الی مالکه وجب الرد فورا حتی علی القول بالمعاوضة القهریة الشرعیة،لأن حکم الشارع بالمعاوضة مترتب علی عنوان التعذر و یدور مداره.

ما هو حکم ارتفاع القیمة السوقیة

8-ما هو حکم ارتفاع القیمة السوقیة بعد أداء البدل؟

ذکر المصنف (أن مقتضی صدق الغرامة علی المدفوع خروج الغارم عن عهدة العین و ضمانها فلا یضمن ارتفاع قیمة العین بعد الدفع سواء أ کان للسوق أو للزیادة المتصلة، بل المنفصلة کالثمرة،و لا یضمن منافعه فلا یطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلک).

و عن العلامة فی التذکرة و عن بعض آخر هو کون المنافع مضمونة علی

ص:221

الضامن،و قد قواه فی المبسوط بعد أن جعل الأقوی خلافه.

و التحقیق:أن المأخوذ بعنوان الغرامة إن کان بدلا عن العین المتعذرة -کما یقتضیه دلیل ضمان الید-فلا شبهة فی انقطاع علاقة المالک عن العین، و صیرورتها ملکا للضامن بجمیع شؤونها حتی النماءات المنفصلة فضلا عن زیادة القیمة السوقیة.و إن کان المأخوذ بدلا عن السلطنة الفائتة-کما تقتضیه قاعدة السلطنة-ضمن الغاصب جمیع شؤون العین سواء أ کانت تلک الشؤون فائتة أم لا.و حینئذ فالالتزام بکون المأخوذ بدلا عن السلطنة الفائتة دون العین یناقض الحکم بعدم ضمان المنافع الفائتة بعد دفع الغرامة و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

بحث فی أسباب الضمان

قوله:(سواء کان الذاهب نفس العین کما فی التلف الحقیقی). أقول:ملخص کلامه أن أسباب الضمان أمور أربعة:

الأول:أن یکون الضامن سببا لتلف العین حقیقة فیجب علیه أن یخرج من عهدتها لأدلة الضمان.

الثانی:أن یکون سببا لانقطاع سلطنة المالک عن ماله-کالاغتراق و الإباق و الضیاع و أشباه ذلک-و قد عرفت أن هذا مورد لبدل الحیلولة.

الثالث:أن یکون سببا لزوال الأوصاف التی هی دخیل فی مالیة العین مع انحفاظ العین بنفسها فی ملک مالکها و تسلطه علیها تسلط الملاک علی أملاکهم و علیه فالضمان-هنا-بالمالیة الخالصة فقط دون العین المغصوبة.

الرابع:أن یکون سببا لسقوط العین عن المالیة و الملکیة معا،بحیث لم یبق فیها للمالک إلا حق الاختصاص و الظاهر هو وجوب رد العین مع القیمة فی جمیع الصور الثلاث الأخیرة.و أن صیرورة البدل ملکا للمغصوب منه

ص:222

لا تقتضی خروج العین المغصوبة عن ملکه أو متعلق حقه و دخولها فی ملک الضامن أو متعلق حقه فی جمیع موارد الضمان انتهی ملخص کلامه.

أقول:أما القسم الأول فالحکم فیه ظاهر،فإنه إذا تلفت العین و انعدمت من أصلها لم یبق-هنا-مورد للملکیة،بل یکون اعتبارها لغوا محضا.سواء أ قلنا بعدم انعدام الأشیاء عن حقیقتها،بل إنما تتبدل صورها النوعیة بصور نوعیة أخری کما علیه جمع من الفلاسفة أم قلنا بانعدامها رأسا،بداهة أن الأحکام الشرعیة غیر مبتنیة علی التدقیقات الفلسفیة.

نعم یصح اعتبار الملکیة علی المعدوم مع ترتب الأثر علی الاعتبار المزبور کما أشرنا إلیه قریبا.

أما القسم الثانی فقد عرفت فیما تقدم أنه لا حق بالتلف الحقیقی،فلا وجه لجعله موردا لبدل الحیلولة،کما صنعه المصنف.

أما القسم الثالث فظاهر المصنف رحمه اللّه:أن مالیة العین المغصوبة تزول بزوال أوصافها الدخیل فی المالیة،و لکن العین لا تخرج بذلک عن ملک مالکها.و حینئذ فیتوجه علیه ما ذکره السید و إلیک نصه:

(لا یخفی أنه مع الخروج عن التقویم لا معنی لبقائها علی صفة الملکیة فإن الرطوبة الباقیة نظیر القصعة المکسورة.فإنه لا یقال:إن أجزائها باقیة علی ملک مالکها مع عدم فائدة فیها إلا نادرا).

و التحقیق:أن یوجه کلام المصنف بأن العین المضمونة إما أن یفوت بعض منافعها عند الضامن،أو جمیعه.

و علی الأول فیلزم علی الضامن أداء قیمة المنافع الفائتة،لقاعدة ضمان الید.

نعم قد دلت الروایة المعتبرة-تقدمت هذه الروایة قریبا-علی ضمان

ص:223

الواطی للدابة بقیمتها،مع أنها لا تسقط بذلک عن المالیة.و لکن لا یجوز التعدی عن موردها الی غیره.

و علی الثانی فقد یزول الانتفاع من العین علی وجه الإطلاق،بحیث لا یمکن الانتفاع منها بوجه.و قد یزول الانتفاع منها مستقلا:أی لا یمکن الانتفاع من العین بنفسها بلا انضمامها إلی شیء آخر،أما إذا ضممناها إلی غیرها أمکن الانتفاع منها کحبة من الحنطة المغصوبة،فإنه لا یمکن الانتفاع منها بنفسها،و لکن یمکن الانتفاع منها مع ضمها الی غیرها.

و من ذلک أیضا الورق الذی کتبت فیه قصیدة راقیة،فإنه إذا غصبه الغاصب و مزّقه لم یمکن الانتفاع من قطعاته الممزّقة،إلا أن فیها أهم الانتفاع إذا انضم بعضها الی بعض.

و علی الأول فاعتبار الملکیة فی العین لغو محض کما هو واضح.

و علی الثانی فلا یکون الاعتبار المذکور لغوا،و هذا هو مراد المصنف و اللّه العالم.و حینئذ فالعین المغصوبة ملک للضامن،لا للمالک لما عرفته قریبا من تحقق المعاوضة القهریة الشرعیة بینها و بین البدل الذی أعطاه الضامن للمالک.

بحث فی حق الاختصاص و وجه ثبوته

أما القسم الرابع-:أعنی به سقوط العین عن المالیة و الملکیة معا-فلا شبهة فی أن المتلف یضمن بدل العین من المثل أو القیمة.و هذا ظاهر.

ثم انه إذا سقطت العین عن المالیة و الملکیة معا فلا شبهة فی بقاء حق الاختصاص فی تلک العین للضامن کما هو المختار عندنا،أو للمالک کما هو المختار عند المصنف.و انما البحث فی منشأ هذا الحق،مع ان العلاقة الثابتة بین المال و مالکه-و هی الإضافة الملکیة-قد زالت علی الفرض،و لم تحدث هنا علاقة أخری لکی نسمیها بحق الاختصاص.و مع الشک فی حدوثها فأصالة

ص:224

العدم محکمة.

و تحقیق البحث هنا یقع فی نواحی شتی:
الناحیة الأولی:فیما استدل به علی منشأ حق الاختصاص.

و قد استدل علیه بوجوه عدیدة:

الوجه الأول:أن حق الاختصاص سلطنة خاصة فی الأموال فی عرض

الملکیة و قبالها،

فإذا زالت الملکیة عن مستقرها بقی الحق علی حاله،ضرورة أن کلا منهما ناشئ من سبب خاص،لا صلة لأحدهما بالآخر.

و یتوجه علیه:أن هذه الدعوی و إن کانت ممکنة فی مقام الثبوت و لکن لا دلیل علیها فی مقام الإثبات.

الوجه الثانی:أن حق الاختصاص مرتبة ضعیفة من الملکیة،

فإذا ارتفعت الملکیة بحدها الأقوی بقیت منها المرتبة الضعیفة التی نسمیها بحق الاختصاص،بدیهة أن المرتبة القویة و إن کانت تستلزم المرتبة الضعیفة فی الثبوت،و لکنها لا تستلزمها فی الزوال،و یتضح ذلک بملاحظة الألوان و الکیفیات،حیث تزول عنها المرتبة الشدیدة،و تبقی المرتبة الضعیفة علی حالها.

و یرد علیه:أن الملکیة سواء أ کانت حقیقیة أم کانت اعتباریة لیست بقابلة للشدة و الضعف،و إنما هی أمر بسیط،فإذا زالت زالت برأسها،و علیه فلا یبقی-هنا-شیء لکی یسمی بحق الاختصاص.

أما ما ذکره غیر واحد من الأعلام کالسید و غیره من أن الحق مرتبة ضعیفة من الملک.فلعل مرادهم من ذلک هو أن الملک و الحق کلیهما من مقولة السلطنة،و لکن الملک سلطنة قویة،و الحق سلطنة ضعیفة،بمعنی:أن صاحب الحق مالک لشیء یرجع أمره إلیه کمالکیة الملاک لأملاکهم.و بدیهی أن هذا

ص:225

المعنی أمر آخر وراء اختلاف حقیقة الملک بالشدة و الضعف،و الکمال و النقص نظیر اختلاف الألوان و الکیفیات بذلک،و إذن فشأن المقام شأن تسمیة الرجحان الضعیف-فی مبحث الأوامر-استحبابا و الرجحان الشدید وجوبا،و هکذا تسمیة المرجوحیة الضعیفة-فی باب النواهی-کراهة، و المرجوحیة الشدیدة حرمة،و هذا شیء آخر غیر کون الاستحباب مرتبة ضعیفة من الوجوب،و کون الکراهة مرتبة ضعیفة من الحرمة و هذا ظاهر.

الوجه الثالث:أنه ثبت فی الشریعة المقدسة حرمة التصرف فی مال

غیره إلا بطیب نفسه و رضاه.

و قد دلت علی ذلک السیرة القطعیة و جملة من الأخبار (1)فإذا ارتفعت الملکیة و المالیة،و لکنا شککنا فی ارتفاع الحکم المذکور،فان الاستحباب یقتضی الحکم ببقائه.

و لکن یتوجه علیه:أن موضوع الحکم بحرمة التصرف فی مال غیره -فی السیرة و الروایات-إنما هو عنوان مال الغیر و عنوان مال المسلم.و من الواضح أن الشیء إذا سقط عن المالیة سقطت عنه حرمة التصرف أیضا.

لاستحالة بقاء الحکم بعد زوال موضوعه،بل یرتفع الحکم المزبور و إن کان ذلک الشیء باقیا علی ملکیته،إذ لم یدلنا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک غیره کدلالته علی حرمة التصرف فی ماله،و علیه فیسقط الحکم المذکور عن الشیء مع بقائه علی صفة الملکیة،و کیف إذا زالت عنه الملکیة أیضا.

نعم إذا کان الموضوع فی الاستصحاب ذات المال المضاف الی الغیر أعنی به المادة و الهیولی جری الاستصحاب هنا،ضرورة بقاء الهیولی بعد تبدل الصورة النوعیة الأولی بصورة نوعیة اخری.

و لکن یتوجه علیه:أن مثل هذه الموضوعات لیست بأمور عرفیة

ص:226


1- 1) قد ذکرنا هذه الروایات فی الجزء الثانی ص 138.

لکی یجری فیها الاستصحاب،بل هی أمور فلسفیة،و من الظاهر أن الأحکام الشرعیة لا تبتنی علی التدقیقات الفلسفیة.

و من هنا اتضح لک فساد ما ذکره المصنف،فإنه بعد ما ناقش فی الاستصحاب قال: (إلا أن یقال:إن الموضوع فی الاستصحاب أمر عرفی).

أضف الی ذلک:أن الاستصحاب لا یجری فی الأحکام الکلیة الإلهیة لمعارضتها دائما بأصالة عدم الجعل،و قد حققناه فی علم الأصول.

الوجه الرابع:دعوی الإجماع علی بقاء حق الاختصاص فی الأعیان

بعد زوال ملکیتها.

و لکن هذه الدعوی جزافیة،لأن إثبات الإجماع التّعبدی هنا مشکل جدا،إذ من المحتمل أن المجمعین قد استندوا فی ذلک الی الوجوه المزبورة، و اذن فلا یکون الإجماع-هنا-إجماعا تعبدیا مستندا إلی رأی المعصوم علیه السلام

الوجه الخامس:دلالة المرسلة المعروفة بین الفقهاء(من حاز ملک)و قوله(صلی الله علیه و آله)

(من سبق الی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو أحق به)

علی ثبوت حق الاختصاص فی الأشیاء التی سقطت عنها المالیة.

و الجواب عن هذا الوجه:أن حدیث الحیازة و ان اشتهر بین الفقهاء و لکنا لم نجدها فی أصول الحدیث للخاصة و العامة و الظاهر أنه قاعدة فقهیة متصیدة من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفة کإحیاء الموات و التحجیر و غیرهما.

و لو سلمنا کون ذلک روایة و لکن لا دلالة فیه الا علی ثبوت مالکیة المحیز للمحاز فلا صلة له بما نحن فیه.

و یضاف الی ذلک أنه مرسل فلا یمکن الاستناد إلیه فی إثبات الحکم الشرعی أما حدیث السبق فیتوجه علی الاستدلال به أولا أنه ضعیف السند

ص:227

و غیر منجبر بشیء.

ثانیا:انه مختص بالمباحات الأصلیة،و بالأموال التی أعرض عنها ملاکها -علی القول بجواز اعراض المالک عن ماله-و بسائر الموارد المشترکة بین المسلمین،بأن یکون لکل واحد منهم حق الانتفاع بها-کالأوقاف العامة من المساجد و المشاهد و المدارس و الرباط و غیرها-فإذا سبق إلیها أحد من الموقوف علیهم،و أشغلها بالجهة التی انعقد علیها الوقف حرمت علی غیره مزاحمته فی ذلک.

و إذا عممناه إلی موارد الحیازة فإنما یدل علی ثبوت الحق الجدید للمحیز فی المحاز،و لا یدل علی بقاء العلقة بین المالک و ملکه بعد زوال الملکیة.

فتحصل أن الحدیث المذکور أجنبی عما نحن فیه بالکلیة لأن شیئا من موارده لم یحرز فی المقام و علی هذا فلو حاز أحد میتة حیوان لأحد و شک فی کونها ملکا له أم لا فإن الأصل عدم صیرورته ملکا له.

إلا أن یقال:إن موضوع دلیل السبق إنما هو الشیء الذی لا یکون موردا لحق أحد أو ملکه فإنه حینئذ یمکن إحراز ذلک بالأصل.و لکن دون إثباته خرط القتاد.

و التحقیق:أن حق الاختصاص أمر ثبت بالسیرة الشرعیة و العقلائیة فإنها قائمة علی ثبوت ذلک للمالک فی أملاکهم التی سقطت عن المالیة و الملکیة بالجهات العارضة،کالماء علی الشط و الحیوان المملوک إذا مات،و الأراضی المملوکة إذا جعلها الجائر بین الناس شرعا سواء،کان یأخذها من ملاکهم غصبا و یجعلها طرائق و شوارع،کما هو مرسوم البلدان فی العصر الحاضر.و قد قامت السیرة الشرعیة و العقلائیة علی المنع عن مزاحمة الأجانب عن تصرف الملاک فی أشباه الأمور المزبورة ما لم یعرض عنها ملاکها.

ص:228

و من هنا لو مات حیوان أحد ثم احتیی بدعاء نبی أو وصیه،فإنه لا یتوهم أحد کونه من المباحات الأصلیة،و ان المالک و غیره متساویان فیه،بل یحکم العقلاء و المتشرعة بأن ذلک الحیوان ملک لمالکه الأصلی.و کذلک الخل إذا صار خمرا ثم عاد خلا و هذا واضح لا یحتاج إلی مزید بیان و إقامة برهان.

ما هو حکم المغصوب إذا خرج عن صورتها النوعیة ثم رجع إلیها؟

الناحیة الثانیة:أنه إذا أخذ الغاصب مال غیره.ثم أخرجه عن صورته

النوعیة الأولی إلی الصورة النوعیة الأخری.ثم أرجعه إلی سیرته الأولی،

فهل یضمن بدله من المثل أو القیمة،أم یجب علیه وقتئذ رد العین المغصوبة بنفسها؟.

و مثال ذلک هو أن یغصب خل غیره فصیره خمرا،ثم انقلبت الخمر خلا.

قد یقال بضمان البدل بداهة أن المغصوب غیر موجود بعینه،لانعدامه بزوال صورته النوعیة،و الموجود ثانیا غیره،لتخلل العدم بینهما،و من البین أن المعدوم لا یعاد.

و قد یقال بضمان العین نفسها،لأن الموجود ثانیا عین الأول فی نظر أهل العرف.

و التحقیق:أن-هنا-مسألتین:إحداهما قبل أداء البدل.و الثانیة بعد أدائه.

أما المسألة الأولی فالظاهر انه یجب علی الغاصب أداء العین نفسها،لما ذکرناه مرارا من أن الثابت فی الذمة ابتداء إنما هو نفس العین،فیجب علیه ردها علی مالکها،و إذا تلفت العین انتقل الضمان الی بدلها من المثل أو القیمة و من الظاهر أنه إذا عادت العین ثانیا فثبوت الضمان فیها أولی من ثبوته فی بدلها لکونها جامعة لجمیع الخصوصیات التی کانت موجودة فی العین المغصوبة بداءة و لا یفرق فی ذلک بین کون العائد عین الأول أو غیره.

ص:229

أما المسألة الثانیة فالظاهر أنها من صغریات ما أسلفناه قریبا من أن العین إذا تلفت و أعطی الغاصب بدلها للمالک سقط ضمانه بنفس العین علی وجه الإطلاق و ان رجعت ثانیا الی نظام الوجود.

و الوجه فی ذلک:هو أن أدلة الضمان من السیرة و غیرها قد سقطت کلها بمجرد أداء البدل.و لیس-هنا-دلیل آخر یقتضی الضمان بالعین ثانیا.

ما هو حکم حق الاختصاص بعد أداء البدل؟

الناحیة الثالثة:أنک قد عرفت قریبا ثبوت حق الاختصاص فی العین

التی سقطت عن المالیة،و خرجت عن الملکیة،

و لا ریب فی أن هذا الحق للمالک قبل أن یأخذ البدل من الغاصب.و انما البحث فی أن الحق المزبور هل ینتقل الی الغاصب بعد أداء البدل أم یبقی للمالک فقط؟.

ظاهر المصنف هو الثانی و أید رأیه هذا بأنه لو صار الخل المغصوب خمرا ثم انقلبت الخمر خلا لوجب رده الی مالکه بلا خلاف فی ذلک.

و وجه التأیید،أن لزوم رد الخل المزبور الی مالکه لیس إلا من جهة بقاء حقه فیه الذی یسمی بحق الاختصاص.

و قد أجاب شیخنا المحقق عن هذا التأیید بأن وجوب رد الخل الی مالکه لا یکشف عن بقاء حق الأولویة فیه،بل لیس هذا إلا من قبیل عود الملک الی مالکه،فیکون من باب رد الملک،لا من باب رد ما یکون المالک أولی به.

و السر فی ذلک أن الملکیة یتسبب من الأسباب العدیدة-کالإرث و البیع و الهبة و الصلح و الحیازة-و من المعلوم أن هذه الأسباب إذا اقترنت بمانع سقطت عن التأثیر،و إذا ارتفع ذلک المانع أثرت أثرها و علیه فما یقتضی

ص:230

حدوث الملکیة-فی المثال المزبور-من العقد و غیره باق علی حاله،و لکنه سقط عن التأثیر بقاء لاقترانه بالمانع و هو انقلاب الخل خمرا،فإذا زال المانع أثر المقتضی أثره من دون أن یثبت-هنا-حق الأولویة عند سقوط المقتضی عن التأثیر.انتهی ملخص کلامه.

و الجواب عن ذلک:أن الملکیة من الأحکام الشرعیة و هی غیر مسببة عن الموجودات الخارجیة،و إنما هی فعل اختیاری للمولی و تابع لکیفیة جعله من حیث السعة و الضیق،و علیه فاسراء أحکام المقتضیات الخارجیة و الموانع التکوینیة إلی الأحکام الشرعیة بلا موجب،بل المتبع فی هذه الموارد دلالة الدلیل،و من الواضح أن الدلیل قد دل علی أن الخل یملک بالهبة و الإرث و نحوهما،و لکنه إذا انقلب خمرا خرج عن الملکیة و حینئذ فلو عاد الی حالته الاولی کان الحکم بملکیته للمالک الأول محتاجا الی دلیل و هو منفی فی المقام.

هل یعود البدل الی الضامن بعد تمکنه من المبدل؟

9-هل الغرامة المدفوعة تعود الی الغارم بمجرد طرو التمکن؟.

ذکر المصنف أنه إذا تمکن الغاصب من رد العین المغصوبة إلی مالکها وجب علیه ذلک وجوبا تکلیفیا فقط.و لا تکون علیه عهدة جدیدة بالنسبة إلی العین وراء العهدة السابقة التی أفرغها بأداء البدل و إذا أعطاها لمالکها الأول عادت الغرامة إلی ملک الضامن ثانیا،لأنها کانت بدلا عن السلطنة الفائتة، و المفروض عودها إلی مالکها برد العین،و لو تسامح الضامن فی دفع العین بعد تمکنه منها لجاز للمالک مطالبتها،لعموم قوله(صلی الله علیه و آله):إن الناس مسلطون علی أموالهم و لا یجوز للضامن حبس العین و مطالبته بالغرامة من المالک لأن

ص:231

البدل انما کان بدلا عن السلطنة الفائتة لا عن القدرة علی دفع العین فمتی ما لم ترجع السلطنة لا یکون للضامن حق فی مطالبة الغرامة.و إذا تلفت العین قبل دفعها الی مالکها استقر ملک مالکها علی الغرامة.

أقول:قد عرفت فیما سبق آنفا:أن الالتزام بصیرورة الغرامة بدلا عن نفس العین لا یتفق مع الالتزام بجواز مطالبة المالک العین من الغاصب بعد التمکن منها،فان ذلک التزام بالمتناقضین،فإذا کان دلیل بدل الحیلولة ما یقتضی تحقق المعاوضة بینه و بین العین-کدلیل ضمان الید و نحوه-فلا شبهة عندئذ فی انقطاع حق المالک عن العین انقطاعا دائمیا،و لا یجوز له أن یطالبها من الضامن فی أی وقت من الأوقات.

نعم إذا کان المدرک لذلک ما یقتضی وقوع البدل بإزاء السلطنة دون العین وجب علی الغاصب رد العین علی مالکها بمجرد تمکنه منها،و جاز للمالک أن یطالبه بنفس العین،لعدم تحقق المعاوضة بینها و بین البدل لکی یمنع ذلک عن وجوب رد العین علی مالکها.

و لکنه مع ذلک لا یجوز للمالک أن یتصرف فی البدل فی فرض جواز مطالبته بنفس العین،لأنا لو سلمنا کون البدل بدلا عن السلطنة الفائتة،إلا انه بدل عنها حال التعذر من مطالبة العین،لا مطلقا،فإذا ارتفع التعذر زالت البدلیة.و من ثم إذا حصل التعذر ثم ارتفع قبل أداء البدل لم یکن للمالک مطالبة البدل بلا إشکال.

و علی ذلک فلا بد من الالتزام برجوع البدل الی ملک الغاصب،و ضمان الغاصب العین بضمان جدید بالمثل أو القیمة.

ص:232

ختام البحث فی بدل الحیلولة

قوله:(و لذا لا یباح لغیره بمجرد بذل الغرامة). أقول:غرضه من هذه العبارة أن بدل الحیلولة إنما هو بدل عن السلطنة علی الانتفاع من العین التی فاتت بتعذر العین،لا أنه بدل عن مطلق السلطنة حتی السلطنة علی المطالبة لکی یسقط ذلک-أیضا-بعد تمکن الضامن من رد العین.و لذا لا یجوز لغیر المالک أن یتصرف فیها بمجرد بذل الغرامة و بدل الحیلولة.

و علی هذا فلا تنافی هذه العبارة مع ما ذکره رحمه اللّه سابقا من أن البدل بدل عن السلطنة،فإن مراده فی کلا الموضعین هو ما ذکرناه.

ثم إنک قد عرفت أنه علی القول بثبوت بدل الحیلولة فإنه لا یثبت إلا فی الموارد التی یتعذر الوصول الی العین،بحیث لا یتمکن المالک من الانتفاع بها،و قد تقدم ذلک قریبا.و هذا لا یجری فی صورة امتزاج العین بعین أخری، ضرورة إمکان الانتفاع بها،غایة الأمر کون العین الممتزجة مشترکة بین المالکین و علیه فیجب علی الغاصب إعطاء الأرش للمالک،لأن الشرکة عیب فی العین المغصوبة.

ثم إن المناط فی ثبوت بدل الحیلولة-علی القول به-إنما هو عدم تمکن الغاصب من رد العین علی مالکها سواء أ کان المالک بنفسه متمکنا من ذلک أم لا،ضرورة أن وضع الید علی مال الغیر سبب لثبوت ضمانه علی الآخذ، لقاعدة ضمان الید،و إذا تلف وجب علیه بدله الحقیقی من المثل أو القیمة، و مع ضیاعه أو اغترافه فی البحر وجب علیه بدل الحیلولة.و اذن فتمکن المالک من الوصول الی ماله لا یرفع الضمان عن الغاصب و هذا واضح لا ریب فیه.

ص:233

الکلام فی شروط المتعاقدین

البحث حول الصبی و أحکامه

نقل الأقوال حول تصرفات الصبی

قوله:(المشهور کما عن الدروس و الکفایة بطلان عقد الصبی).

أقول:المشهور بین أصحابنا رضوان اللّه علیهم هو بطلان عقد الصبی:

فعن الشیخ فی المبسوط و الخلاف:أنه لا یصح بیع الصبی،و لا شراؤه أذن له الولی أم لم یأذن.

و عن الغنیة دعوی الإجماع علی ذلک.

و عن العلامة فی التذکرة:أن الصبی محجور علیه بالنص و الإجماع، سواء أ کان ممیزا أم لا،و هو محجور عن جمیع تصرفاته الا ما استثنی،کعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبیره و وصیته و إیصال الهدیة و اذنه فی الدخول علی خلاف فی ذلک.

و عن الشهید:أنه نسب الی المشهور بطلان معاملات الصبی.

نعم عن الشیخ و بعض آخر:أنه یجوز بیع الصبی إذا بلغ عشر سنین.

أما جواز تصرفه عند العامة ففیه تفصیل المذاهب[1].

ص:234

بحث فی إسلام الصبی

هل یقبل إسلام الصبی،و أنه یخرج بذلک عن تبعة العمودین الکافرین أم لا؟.

قد ذهب الی هذا الرأی جمع من الأصحاب.و خالف فیه صاحب الجواهر،حیث أنکر توجه الواجبات العقلیة الأصولیة علی الطفل،کما أن الواجبات الشرعیة لا تتوجه علیه،بل نسب القول بذلک الی الاجتهاد فی مقابل النص،ثم قال:و أما قبول إسلام علی(علیه السلام)فهو من خواصه.انتهی ملخص کلامه.

و قد عرفت-فی الحاشیة-عن الشافعیة:أنه إذا نطق ولد الکافر بالإسلام لم ینفع إسلامه.

و لکن الظاهر هو الأول.و ذلک لأن الکفر و الإسلام أمران واقعیان یصدران من کل ممیز و إن لم یکن بالغا،و من هنا یعنون ولد الکافر

ص:235

بعنوان أبیه،و یطلق المجوسی علی ولد المجوسی.و یقال النصر انی لولد النصرانی.

و یطلق الیهودی علی ولد الیهودی.و هکذا کما أنه یطلق المسلم علی ولد المسلم.

و یضاف الی ذلک:أن الإسلام یدور مدار الإقرار بالشهادتین، و بذلک یحرم ماله و دمه.و الروایات الدالة علی هذا متظافرة من الفریقین[1]

ص:236

فإن إطلاق هذه الروایات یشمل البالغ و غیره.إذ لا ینبغی الإشکال فی قبول إسلام الصبی الممیز،و الحکم بترتب أحکام الإسلام علیه،لأن المدار فی ذلک إنما هو إظهار الشهادتین،بل قد یکون بعض الأطفال أقوی ایمانا من أکثر البالغین،و متمکنا من الاستدلال علی وجود الصانع،و إرساله الرسل و إنزاله الکتب علی نحو لا یتمکن منه إلا الخواص.

نعم لا تترتب الأحکام الإلزامیة علی صغارهم و ان کانوا ممیزین،و هکذا طفل المسلم إذا ارتد عن دینه،و ذلک لرفع القلم عن الصبی حتی یحتلم،کما ارتفع قلم التکلیف عن أولاد المسلمین ما لم یصلوا الی حد البلوغ.

و علی الجملة:إن مقتضی الإطلاقات هو الحکم بإسلام الصبی الممیز إذا أظهر الإسلام،کما أن مقتضاها هو الحکم بکفر ولد المسلم إذا أظهر الکفر،و کان ممیزا.نعم لا یحکم علیه بأحکام الارتداد،لرفع القلم عنه.

قیل:ان الحکم بإسلام ولد المسلم و کفر ولد الکافر لیس من جهة الاعتناء بإسلام الأول،و لا من جهة الاعتناء بکفر الثانی،بل لأجل التبعیة التی هی من المسلمات بین الفقهاء،و من محکمات الفقه التی لا تشوبها شائبة خلاف،بل ادعی غیر واحد من الأعلام الإجماع علی ذلک.

و یضاف الی ذلک قیام السیرة المستمرة علی ترتب آثار الکفر علی أولاد الکفار من الأسر و التملک و نحوهما.

علی أن ذلک مقتضی جملة من الروایات[1].

ص:237

و الجواب عن ذلک:أن المقدار المتیقن من الإجماع و السیرة إنما هو الطفل غیر الممیز،و الذی لا یتمشی منه الإسلام و الکفر.

أما ولد الکافر الممیز المظهر للإسلام فلا إجماع و لا سیرة علی المعاملة معه معاملة الکفر.و کذلک ولد المسلم إذا أظهر الکفر و هو ممیز،فإنه لا دلیل علی المعاملة معه معاملة الإسلام من الحکم بطهارته،و وجوب تجهیزه إذا مات.

أما الروایات المتقدمة فهی لا تتفق و مذهب الإمامیة،بدیهة أن کل أحد إنما یؤاخذ بعمل نفسه:إن خیرا فخیر،و إن شرا فشر،فاللّه تعالی لا یؤاخذ عبدا بمجرد علمه بأنه یعمل المعاصی،و یرتکب الخبائث،بل لا بد و أن یترکه حتی یبلغ،و یختبر،ثم یؤاخذه بعمله لکی لا تکون له علی اللّه حجة، بل تکون للّه علیه الحجة البالغة،و یهلک من هلک عن بینة،و یحی من حی عن بینة.

ص:238

و من هنا قد ورد فی روایات کثیرة[1]أن اللّه تعالی یمتحن الأطفال

ص:239

الذین ماتوا قبل أن یبلغوا بالنار.و لا یلحقون بآبائهم بغیر حجة و امتحان لأنه تعالی لا یعذب خلقا بلا حجة.

و لو سلمنا موافقة الأخبار المذکورة مع مذهب الإمامیة.و لکن لا نسلم دلالتها علی کون أولاد الکفار کفارا،و أولاد المسلمین مسلمین من جهة التبعیة،بل مفادها أن مداخل أولاد الکفار مداخل آبائهم فی دار الآخرة،و أنهم یعاقبون معهم فی الجحیم،لأن اللّه تعالی یعلم أن أولاد الکفار کآبائهم فی خبث الباطن،و سوء السریرة،و فساد النیة،و ارتکاب القبائح،کما أن أولاد المؤمنین مداخلهم مداخل آبائهم،لأنه تعالی یعلم أنهم کآبائهم فی حسن نیاتهم،و صفاء باطنهم،و صدور الخیر منهم.و لا شبهة فی أن هذا المعنی غیر مربوط بالتبعیة المزبورة.

و ربما یتوهم:أن حدیث رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم(سنذکره قریبا)کما یدل علی رفع الأحکام الفرعیة-کوجوب الصوم و الصلاة و الحج و غیرها-کذلک یدل بإطلاقه علی رفع الأحکام الأصلیة-أیضا-و علیه فلا اعتبار بکفر الأطفال،و لا بإسلامهم.

و الجواب عن ذلک:أن حدیث رفع القلم عن الصبی إنما یدل علی رفع الأحکام الإلزامیة عن الصبی امتنانا علیه،فلا یشمل إسلامه،إذ لیس فی رفعه منة علیه،و کذلک کفره فإنه لا یرتفع بحدیث الرفع،فان الحکم بکفره و نجاسته-مثلا-موضوع لأحکام إلزامیة بالنسبة إلی المکلفین،و لا ترتفع تلک الأحکام بحدیث الرفع.

نعم الأحکام الإلزامیة المترتبة علی الکفر ترتفع عن الصبی لا محالة.

ص:240

و من هنا لا یحکم علیه بأحکام الارتداد،فلا تبین زوجته منه-مثلا-ما لم یبلغ مرتدا.

و مما ذکرناه ظهر لک:أنه لو ارتد ولد المسلم ثم مات لم یجب تغسیله، و لا سائر تجهیزاته،فإنها مترتبة علی الإسلام،و المرتد لیس بمسلم.

هل ترتفع-عن الصبی بحدیث الرفع-الأحکام الفرعیة التی هی کالأسباب بالنسبة إلی مسبباتها-کالنجاسة و الجنابة و نحوهما-أم لا.

الظاهر أنها لا ترتفع بالحدیث المزبور،لأن الحکم المرفوع بذلک لا بد و أن یکون مترتبا علی فعل الصبی بما هو فعله،و حینئذ فلا یشمل ذلک أمثال الأمور المذکورة،لأنها مترتبة علی عنوان خاص.کالنجاسة المترتبة علی عنوان الملاقاة،و الجنابة المترتبة علی عنوان الوطی.

و علیه فإذا لاقی بدن الإنسان جسما نجسا جهلا لم یمکن الحکم بعدم تأثیر النجاسة فیه من ناحیة حدیث الرفع،فان تنجس الملاقی لم یترتب علی الملاقاة بما هو فعل الإنسان،لکی یرتفع ذلک بحدیث الرفع،بل هو مترتب علی نفس الملاقاة.

و من هنا لا یفرق فی تحقق النجاسة بین کون الملاقاة بالإرادة و الاختیار و بین کونها بالجهل،أو الغفلة،أو النسیان،أو بالقهر.

هل تصح عبادات الصبی؟
اشارة

العبادات إما واجبة أو مستحبة:

أما العبادات المستحبة

فلا شبهة فی صحتها عن الأطفال لأن أدلتها تشملهم کشمولها للبالغین،و هذا ظاهر لا شبهة فیه.

ص:241

و إنما البحث فی أنه هل-هنا-تناف بین أدلة المستحبات،و بین ما دل علی رفع القلم عن الصبی لکی یقدم الثانی علی الأول بالحکومة أم لا؟الظاهر أنه لا تنافی بینهما.ضرورة أن المراد من رفع القلم إنما هو قلم التکلیف،و من البین أنه لا تکلیف فی المستحبات حتی یرتفع بذلک.

و قد یتوهم:أن المراد من رفع القلم هو رفع الکتابة و الجعل بمعنی:

أنه لم یکتب علیهم حکم من الأحکام الشرعیة،فالحکومة علی حالها.

و لکنه توهم فاسد،لأنه خلاف الظاهر من دلیل رفع القلم عن الصبی لأنه إنما ورد فی مقام الامتنان،و من الظاهر أنه لا امتنان فی رفع المستحبات

أما العبادات الواجبة

فربما یتوهم:أن المرتفع منها بدلیل رفع القلم عن الصبی إنما هو الإلزام فقط،و أما مطلوبیتها فهی باقیة علی حالها،و علیه فتصح عبادات الصبی.

و لکن یتوجه علیه:أن قلم الرفع إنما تعلق بما تعلق به قلم الوضع، و من الواضح أن المجعول أمر بسیط غیر قابل للتقسیط.و کذلک المرفوع.

بل قد ذکرنا فی محله:أن صیغة الأمر و ما فی معناها موضوعة لابراز اعتبار المادة علی ذمة المکلف فقط،و أما الوجوب فإنه نشأ من ناحیة العقل الحاکم بوجوب إطاعة المولی ما لم یرخص فی الترک.فما هو قابل للرفع و الوضع شرعا هو نفس الاعتبار،دون الوجوب المترتب علیه.

و التحقیق:أن یستدل علی مشروعیة عبادات الصبی بالروایات[1]

ص:242

الدالة علی الأمر بأمر الصبیان بالصلاة و الصوم،و قد ذکرنا فی مبحث الأوامر من علم الأصول أن الأمر بالأمر أمر بالفعل حقیقة،إذ الغرض منه لیس إلا تحقق ذلک الفعل فی الخارج،فیکون الأمر بالأمر طریقا الیه،إلا أن تکون هنا قرینة حالیة أو مقالیة تدل علی الموضوعیة،و لکنها منتفیة فی تلک الروایات.

و یضاف الی ذلک:أنه ورد فی جملة أخری من الروایات[1]تکلیف

ص:243

الصبیان بالصلاة و الصوم و الحج بغیر عنوان الأمر بأمرهم بها،فتدل علی مشروعیة عباداته.

نعم قامت القرینة الخارجیة علی عدم إرادة الوجوب من تلک الروایات و هذه القرینة هی الأدلة الدالة علی رفع التکلیف عن الصبی حتی یحتلم.و إذن فالصبیان مأمورون بالعبادات کالبالغین،فتکون عباداته مشروعة مستحبة.

بحث فی تصرفات الصبی مستقلا
اشارة

یقع الکلام فی معاملات الصبی-أعم من العقود و الإیقاعات-فی أربع جهات:

الجهة الاولی-فی جواز تصرفاته فی أمواله مستقلا علی وجه الإطلاق

الظاهر أنه لا خلاف و لا إشکال فی أنه لا یجوز للصبی الاستقلال فی

ص:244

التصرفات فی أمواله بدون إذن الولی،و لم یخالف فی ذلک أحد فیما نعلم،إلا الحنفیة فإنهم ذهبوا الی جواز استقلال الصبی فی بعض التصرفات.و قد ذکرنا رأیهم فی الحاشیة آنفا.

و یدل علی رأینا هذا قوله تعالی «وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (1).

و وجه الدلالة هو أن اللّه تعالی سجل اعتبار الرشد فی جواز تصرفات الصبی فی أمواله مستقلا بعد تسجیله اعتبار البلوغ فیه،و من الواضح جدا أنه لو کان الرشد بوحدته کافیا فی جوازها بدون إذن الولی لکان اعتبار البلوغ فی ذلک قبل الرشد لغوا محضا،فیعلم من ذلک أن نفوذ تصرفات الصبی یتوقف علی أمرین:البلوغ،و الرشد.

و إذن فالآیة الکریمة دالة علی المنع عن تصرفات الصبی قبل البلوغ و ان کان رشیدا.

و قد ظهر مما ذکرناه أن ما ذکره المحقق الایروانی علی خلاف الظاهر من الآیة و إلیک نصه:(لا یبعد استفادة أن المدار فی صحة معاملات الصبی علی الرشد من الآیة «وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ» علی أن تکون الجملة الأخیرة استدراکا عن صدر الآیة و أنه مع استیناس الرشد لا یتوقف فی دفع المال و لا ینتظر البلوغ و أن اعتبار البلوغ طریقی اعتبر أمارة إلی الرشد بلا موضوعیة له).

و قد استدل بهذه الآیة المبارکة علی نفوذ تصرفات الصبی قبل البلوغ بدعوی أن قوله تعالی «وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ» یقتضی أن الابتلاء إنما یحصل قبل البلوغ،و المراد من هذا الابتلاء اختبار حاله فی أنه هل له

ص:245


1- 1) سورة النساء،الآیة:6.

تصرف صالح أم لا،و انما یحصل هذا المعنی بإعطاء شیء من المال لیتصرف فیه فیری تصرفه کیف یکون،فإن أحسن فیه کان راشدا و إلا کان علی سفهه.

و هذا الاختبار یحصل بأی تصرف من التصرفات السائغة فی نفسها بدلیل صحة الاستثناء،ضرورة أنه یصح أن یقال:و ابتلوا الیتامی إلا فی التصرف الفلانی،و إذن فتدل الآیة الشریفة علی جواز تصرفات الصبی مستقلا علی وجه الإطلاق.

و یرد علیه:أن اختبار الصبی لا یتوقف علی دفع ماله الیه لیستقل بالتصرف فیه.بل یمکن ذلک بمباشرة البیع و الشراء بنظارة الولی،أو بنظارة شخص منصوب من قبله،أو بمباشرته مقدماتهما لیتصدی الولی إیقاعهما بنفسه و بتعبیر آخر:أن الممنوع قبل العلم بالرشد إنما هو إعطاء الیتیم جمیع ماله لیستقل بالتصرف فیه،أما إعطاؤه طائفة من ماله لکی یتصرف فیها تحت مراقبة الولی و نظارته لأجل الاختبار و الابتلاء فلا منع فیه بوجه، بل هذا هو المأمور به فی هذه الآیة المبارکة.

و السر فی أن الاختبار لا بد و أن یکون قبل البلوغ هو أنه لو کان ذلک بعد البلوغ لزم حجرهم عن أموالهم فی زمان الاختبار،و هو مناف لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم،و سبب لمنع تصرف المالک فی ماله بلا موجب.

و تدل علی ما ذکرناه-من عدم جواز تصرف الصبی فی ماله بدون إذن الولی-الروایات الآتیة،فإنها تدل علی أن أمر الصبی لا یجوز ما لم یبلغ الحلم.

ثم إن المذکور فی الآیة المبارکة و إن کان هو الیتیم إلا أن تعلیق جواز دفع ماله الیه علی بلوغه و رشده یدل علی أن المنع عن دفع المال الیه إنما هو لأجل عدم البلوغ،و علیه فیعم الحکم غیر الیتیم-أیضا.

ص:246

علی أن الآیة الکریمة تشمل لمن کان له الجد و لکن مات أبوه.

و کذلک یعم الحکم من کان أبوه حیا-أیضا-لعدم الفصل جزما.

هل یجوز تصرف الصبی مستقلا بإذن الولی؟

الجهة الثانیة-فی جواز تصرفات الصبی فی أمواله مستقلا مع إذن الولی

بذلک.

قد ظهر حکم هذه الجهة من الجهة الأولی،بدیهة أن الولی لا یجوز له أن یدفع مال الصبی الیه،و یأذن له فی البیع و الشراء و أمثالهما،فإن جواز ذلک یتوقف علی بلوغه و رشده و إلا فهو محجور علیه فی التصرف فی أمواله هل تجوز مباشرة الصبی اجراء العقود؟

الجهة الثالثة-فی صحة مباشرة الصبی العقود أو الإیقاعات فی أمواله

بإذن الولی،أو یکون وکیلا من قبله فی ذلک،و عدم صحتها.

لا إشکال فی أن الآیة المبارکة لا تدل علی عدم جواز ذلک،فان الممنوع فیها هو دفع مال الیتیم الیه لیکون هو المتصرف فیه باستقلاله،فلا تعم ما إذا باشر إنشاء عقد أو إیقاع فی ماله باذن من الولی.

فی الاستدلال بالروایات علی عدم جواز ذلک و جوابه

و مع ذلک فقد یقال:بأن الصبی مسلوب العبارة،للروایات الواردة فی عدم نفوذ أمره،و فی رفع القلم عنه،و فی کون عمده و خطأه واحدا.

و لکن لا دلالة فی شیء من هذه الروایات علی الرأی المذکور.

و توضیح ذلک:أن هذه الروایات علی ثلاث طوائف:

ص:247

الطائفة الأولی:الروایات1الدالة علی أن أمر الصبی لا ینفذ

و لکن الظاهر أن هذه الروایات بعیدة عن مقصود المستدل،لأنها صریحة فی المنع

ص:248

عن نفوذ أمر الصبی فی البیع و الشراء و غیرهما،و من البین أن الظاهر من عدم نفوذ أمر الصبی المنع عن استقلاله فی أمر المعاملة،و تسلطه علیها نحو تسلط البالغین علی أموالهم و شؤونهم،إذ لا یقال لمجری الصیغة فقط:إن أمر المعاملة تحت یده.و من هنا لا یجری علیه ما جری علی المتعاملین من الشرائط و الأحکام و بتعبیر آخر:أن لفظ الأمر المذکور فی هذه الطائفة و إن کان بمفهومه اللغوی شاملا لأی فعل یصدر من الصبی،و لکن اسناد لفظ(یجوز) -الذی ذکر فیها-الیه و مناسبته له یقتضی أن یراد منه سلطنة الصبی علی أمواله،و تصرفه فیها کیف یشاء،و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون تصرفه فیها باذن ولیه،أو بدونه،و من الظاهر أن هذا المعنی لا یتحقق بمجرد إجراء الصیغة.

و إذن فالطائفة المزبورة تمنع عن کون الصبی مستقلا فی معاملاته و لو کان ذلک باذن ولیه،و علیه فلا ظهور فیها-بوجه-فی سلب عبارات الصبی.

بل المعاملة الصادرة من الصبی فی أمواله إذا وقعت علی نحو استقلاله فیها لم یحکم بفسادها مطلقا،لأنه غیر مسلوب العبارة.فإذا أجازها الولی حکم بصحتها،لأن العقد المزبور و إن کان صادرا من الصبی حدوثا،و لکنه عقد للولی بقاء.و من الظاهر أن عدم نفوذها من حیث صدورها من الصبی لا ینافی نفوذها من جهة إضافتها إلی الولی.

و إلی ذلک أشار المصنف،و إلیک نصه: (لکن الإنصاف أن جواز الأمر فی هذه الروایات ظاهر فی استقلاله فی التصرف،لأن الجواز مرادف للمضی،فلا ینافی عدمه ثبوت الوقوف علی الإجازة.کما یقال:بیع الفضولی غیر ماض،بل موقوف).

و الذی یدل علی صدق مقالنا من نفس تلک الروایات هو وقوع

ص:249

الاستثناء فی جملة منها بقوله(علیه السلام):إلا أن یکون سفیها أو ضعیفا.

و وجه الدلالة:هو أن السفیه لیس مسلوب العبارة،و إذن فیعلم من الاستثناء أن المراد من عدم نفوذ أمر الصبی فیها إنما هو عدم استقلاله فی التصرف.

الطائفة الثانیة:ما دل1علی رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم.

و قال المصنف: (و أما حدیث رفع القلم ففیه أولا:أن الظاهر منه قلم المؤاخذة،لا قلم جعل الأحکام،و لذا بنینا-کالمشهور-علی شرعیة عبادات الصبی).

و یرد علیه:أن العقوبة و المؤاخذة-کالمثوبة و الأجرة-من الأمور التی لا صلة لها بعالم الجعل بوجه،بل هی مترتبة علی الجعل ترتب الأثر علی ذی الأثر و علیه فلا معنی لتعلق الرفع بما لم یتعلق به الجعل.

نعم ترتفع العقوبة بارتفاع منشئها:أعنی به التکالیف الإلزامیة.

و لکنه غیر رفع المؤاخذة ابتداء.

أما مشروعیة عبادات الصبی فغریبة عن الحدیث بالکلیة،و إنما هی من جهة الروایات الخاصة،و قد عرفتها قریبا.

و التحقیق فی الجواب أن یقال:إن حدیث رفع القلم عن الصبی إنما یدل علی رفع الأحکام الإلزامیة المتوجهة إلی الصبیان کتوجهها الی غیرهم، فان هذا هو الموافق للامتنان،و من الواضح أن مجرد إجراء الصیغة لیس من

ص:250

الأحکام الإلزامیة،و لا موضوعا لها لکی یرتفع بحدیث الرفع،و إنما الموضوع لها هو نفس المعاملة التی أوجدها المتعاملان،و إذن فما هو موضوع للاحکام الإلزامیة لم یصدر من الصبی لکی یشمله حدیث الرفع،و ما هو صادر منه لیس بموضوع لها.و هذا ظاهر.

و علی الجملة:أن ارتفاع قلم التکلیف عن الصبی لا ینافی الالتزام بصحة العقود و الإیقاعات الصادرة منه،بل إن رفع القلم عن الصبی لا یدل علی أزید من رفع إلزامه بشخصه ما دام صبیا،فهو لا یدل علی رفع إلزام البالغین بفعله أو علی إلزامه بفعله بعد بلوغه،کما هو الحال فی جنابته،أو فی إتلاف مال غیره و الی هذا أشار المصنف فی ثالث أجوبته،و قال: (لو سلّمنا اختصاص الأحکام-حتی الوضعیة-بالبالغین،لکن لا مانع من کون فعل غیر البالغ موضوعا للأحکام المجعولة فی حق البالغین،فیکون الفاعل کسائر غیر البالغین خارجا عن ذلک الحکم الی وقت البلوغ). و إذن فلا دلالة فی حدیث الرفع علی بطلان معاملة الصبی فضلا عن دلالته علی سلب عبارته.

ثم ان المصنف قد ذکر فی الجواب الثانی: (أن الأحکام الوضعیة لیست مختصة بالبالغین،فلا مانع من أن یکون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ،أو علی الولی إذا وقع بإذنه أو إجازته،کما یکون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ،و حرمة تمکینه من مس المصحف).

و لکنه یناقض ما قد بنی علیه فی أصوله من أن الأحکام الوضعیة منتزعة من الأحکام التکلیفیة،و إذا فرضنا انتفاء الحکم التکلیفی عن الصبی فلا منشأ-هنا-لانتزاع الحکم الوضعی.

الطائفة الثالثة:ما دل علی أن عمد الصبی و خطأه واحد،

و هذه الطائفة علی ثلاثة أقسام

ص:251

1-ما دل[1]علی ذلک مطلقا من غیر أن یکون مقیدا بشیء.

2-ما دل[2]علی الحکم المزبور مقیدا بکون دیة الجنایة الصادرة من الصبی خطأ علی عاقلته.

3-ما دل علی هذا الحکم مع قید آخر،و هو رفع القلم عن الصبی، کروایة أبی البختری،عن جعفر،عن أبیه،عن علی(علیه السلام):أنه کان یقول فی المجنون المعتوه الذی لا یفیق،و الصبی الذی لم یبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة،و قد رفع عنهما القلم[3].

قیل:إن القسم الأول من هذه الطائفة یدل علی عدم الاعتناء بأقوال الصبی و أفعاله،ضرورة دلالة صحیحة محمد بن مسلم علی نزول ذلک منزلة الخطأ

ص:252

و علیه فلا یعتنی بصیغ العقود و الإیقاعات الصادرة منه،کما لا یترتب الأثر علیها إذا صدرت من البالغین نسیانا،أو غفلة،أو فی حالة النوم،أو خطأ.

و لا تنافی بین هذا القسم،و بین القسم الثانی و القسم الثالث لکی یحمل المطلق علی المقید،بدیهة أنه لا تنافی بین أن یکون عمد الصبی بمنزلة الخطأ فی الجنایات،و بین کون عمده بمنزلة الخطأ فی غیر موارد الجنایات،و إذن فلا موجب لرفع الید عن الإطلاق،فإنه منحصر بالتنافی،کما قرر فی محله.

نعم لا یبعد أن یستأنس-بما اشتمل علی التقیید-اختصاص الحکم بالجنایة فیکون ذلک قرینة علی انصراف المطلق إلیها.

کما أنه یمکن أن یستأنس ذلک بما ورد[1]فی الأعمی من أن عمد الصبی خطأ و لکن مجرد الاستیناس لا یوجب تقیید القسم الأول الذی هو مطلق.

و الجواب عن ذلک:أن دلالة الروایة علی تنزیل عمد الصبی منزلة خطأه من جمیع الجهات إنما تتم إذا کان الظاهر منها هو نفی الحکم بلسان نفی الموضوع بأن یقول الامام(علیه السلام)عمد الصبی لیس بعمد أو کلا عمد.

نظیر قوله(علیه السلام):لیس بین الرجل و ولده ربا،و لیس بین السید

ص:253

و عبده ربا (1).

و کقوله(علیه السلام):لیس علی الامام سهو،و لا علی من خلف الامام سهو و لا علی السهو سهو (2).

و کقوله(علیه السلام):لا ضرر و لا ضرار (3)فان الظاهر من أمثال هذه التنزیلات أن المنزل کالمنزل علیه فی جمیع الآثار،و علیه فیترتب علی عمد الصبی ما یترتب علی خطأه.

و السر فی ذلک:أن تنزیل شیء منزلة عدمه لا یقتضی وجود الأثر للمنزل علیه لکی یکون التنزیل باعتبار ذلک الأثر،بل التنزیل-هنا-باعتبار عدم الأثر،لأجل أن ما هو عدیم النفع ینزل منزلة العدم،و هذا بخلاف تنزیل أحد الأمرین الوجودیین منزلة صاحبه،فان ذلک لا یتحقق إلا بلحاظ وجود الأثر للمنزل علیه.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم أنه لا یمکن أن یراد الإطلاق من تلک الروایات لوجود المانع و عدم المقتضی.

أما وجود المانع فلأن الأخذ بإطلاقها مخالف لضرورة المذهب، و موجب لتأسیس فقه جدید،بدیهة أن لازم العمل بإطلاقها هو أن لا یبطل صوم الصبی مع عدم الاجتناب عن مبطلات الصوم،فان ارتکابه بها خطأ لا ینقض الصوم و المفروض أن عمد الصبی خطأ.

و أیضا لزم من ذلک القول بصحة صلاة الصبی إذا ترک عمدا أجزاءها التی لا یضر ترکها خطأ بصلاة البالغین،و هکذا الکلام فی ناحیة الزیادة العمدیة فیها.

ص:254


1- 1) الوافی باب 56 من یجوز له الربا ج 10 ص 54.
2- 2) الوافی باب من لا یعتد بسهوه ص 150.
3- 3) قد تقدم ذلک فی ص 93.

بل یلزم منه الالتزام بصحة صلاة الصبیان إذا اقتصروا فیها بالنیة و التکبیر للإحرام و الرکوع و السجدة الواحدة و السلام،فان ترک ما سوی ذلک خطأ لا یضر بصلاة البالغین،و المفروض أن عمد الصبی خطأ.

بل یلزم من العمل بإطلاق تلک الروایات أن لا تصح عبادات الصبیان أصلا،فإن صحتها متوقفة علی صدورها من الفاعل بالإرادة و الاختیار،و قد فرضنا أن عمد الصبی خطأ فلا یعقل صدور عبادة صحیحة منه،و لا أظن أحدا أن یلتزم بشیء من هذه اللوازم.

و دعوی انصراف تلک الروایات عن هذه الموارد دعوی جزافیة.

أما عدم المقتضی للإطلاق فلأن تنزیل عمد الصبی منزلة خطأه علی وجه الإطلاق یقتضی أن یکون-هنا-أثر خاص لکل منهما عند صدورهما من البالغین،لکی یکون تنزیل عمد الصبی منزلة خطأه بلحاظ ذلک الأثر.

کما أن الأمر کذلک فی تنزیل الطواف منزلة الصلاة فی قوله(صلی الله علیه و آله) الطواف بالبیت صلاة[1].

و من الواضح أنه لا مصداق لهذه الکبری إلا الجنایات،فإنها ان صدرت من الجانی عمدا فیقتص منه،و ان صدرت منه خطأ فدیتها علی عاقلته، و علی هذا فیصح تنزیل جنایة الصبی عمدا منزلة جنایته خطأ،فتکون دیتها مطلقا علی عاقلته،أما فی غیر الجنایات فلا مورد لمثل هذا التنزیل أصلا.

نعم قد ثبت أثر خاص لکل من العمد و الخطأ فی الصلاة و فی تروک الإحرام،فإن من ترک جزء من صلاته عمدا فتبطل صلاته،و ان ترکه خطأ

ص:255

فتجب علیه سجدتا السهو.

و أن المحرم إذا صاد حیوانا عمدا ثبتت علیه الکفارة زائدة علی ما إذا صاده خطأ.

و لکن أمثال هذه الموارد خارجة عن حدود الروایات الواردة فی تنزیل عمد الصبی منزلة خطأه،ضرورة أن الآثار المذکورة انما تترتب علی الخطأ-فی تلک الموارد-إذا صدر من غیر الصبی.أما إذا صدر من الصبی ارتفع أثره بحدیث الرفع.

و بتعبیر أوضح:أن تنزیل عمد الصبی منزلة خطأه متقوم بأمرین:

(الأول)ثبوت الأثر لکل منهما.

(الثانی)أن یکون أثر الخطأ ثابتا لغیر الفاعل.و لا ریب أنه لا مصداق لهذه الکبری الا باب الجنایات،و هذا المعنی هو الموافق للذوق الفقاهی.

و مما یدل علی اختصاص تلک الروایات بباب الجنایات قوله(علیه السلام)فی بعضها:عمد الصبیان خطأ،تحمله العاقلة،إذ من المعلوم أن العاقلة لا تحمل سجدتی السهو،و لا الکفارة فی الحج،و انما تحمل الدیة فی الجنایات،و اذن فلا دلالة فی شیء من تلک المطلقات-أیضا-علی کون الصبی مسلوب العبارة.

بحث فی ذیل روایة أبی البختری

بقی الکلام فی ذیل روایة أبی البختری،و هو قوله(علیه السلام):و قد رفع عنهما القلم.و قد استظهر المصنف(ره)من هذه الجملة دلالتها علی کون الصبی مسلوب العبارة،و کون عقده و إیقاعه مع القصد کعقد الخاطی و الغالط و الهازل و ایقاعاتهم.

و حاصل کلامه:أن هذه القطعة من الروایة لا تتصل بسابقتها الا

ص:256

بأخذها علة لثبوت الدیة علی العاقلة،أو معلولا لقوله علیه السلام:عمدهما خطأ:

بمعنی:أن علة رفع القلم عن الصبی و المجنون هو کون قصدهما بمنزلة عدم القصد فی نظر الشارع،و من البیّن أن اتخاذها علة لثبوت الدیة علی العاقلة أو معلولا لتنزیل عمد الصبی منزلة الخطأ لا یستقیم إلا بأن یراد من رفع القلم رفع المؤاخذة عن الصبی و المجنون،سواء أ کانت المؤاخذة دنیویة أم کانت أخرویة، و سواء أ تعلقت المؤاخذة الدنیویة بالنفس-کالقصاص-أم تعلقت بالمال -کغرامة الدیة-و علیه فلا یؤخذ الصبیان و المجانین بأفعالهم و أقوالهم-الصادرة حال الصبوة و الجنون-بعد البلوغ و الإفاقة،سواء أ کان صدور الأقوال و الأفعال منهم-فی تلک الحال-بإذن الولی أم لم یکن کذلک.

و علی الجملة:إن الروایة و إن وردت فی باب الجنایة،و لکن مقتضی التعلیل هو تنزیل قصد الصبی و المجنون منزلة عدمه.و أنه لا اعتبار بشیء مما یصدر منهما قولا و فعلا،بل هما مسلوبان-فی عالم الاعتبار-من جهة الفعل و العبارة ضرورة أن ذکر العلة فی مورد خاص لا یقتضی اختصاصها به.بل هو من باب تطبیق الکبری علی الصغری.و إذن فلا محذور لنا فی الأخذ بعموم العلة فی سائر الموارد أیضا.

و یتوجه علیه:أنه لا وجه لجعل رفع القلم علة لکون الدیة علی العاقلة لعدم العلیة بینهما لا شرعا،و لا عرفا،و لا عقلا،بل نسبة أحدهما إلی الآخر کوضع الحجر فی جنب الإنسان.و العجب من المصنف،فإنه قد التزم بثبوت العلیة و المعلولیة بین رفع القلم عن الصبی،و بین ثبوت الدیة علی العاقلة و لکن لم یستوضح المناسبة و السنخیة بینهما.

غایة الأمر:أنه ثبت فی الشریعة المقدسة:أن دم المسلم لا یذهب هدرا،و من الظاهر أن هذا الحکم-مع ما دل علی أن عمد الصبی خطأ-یلازم

ص:257

ثبوت دیة الجنایة-الصادرة من الصبی-علی عاقلته.

و الصحیح:أنه لا ملازمة بینهما-أیضا-لأن الحکمین المذکورین لا یدلان علی ثبوت الدیة علی خصوص العاقلة،إذ یمکن أن تکون الدیة علی جمیع المسلمین أو من بیت المال،أو غیر ذلک،کما أنه لا وجه لجعل رفع القلم معلولا لقوله علیه السلام عمدهما خطأ،فإن رفع القلم مقوم لتنزیل العمد بمنزلة الخطأ.لا أنه معلول له.

و التحقیق:أن وجه المناسبة بین قوله علیه السلام:رفع عنهما القلم،و بین قوله علیه السلام:عمدهما خطأ هو أن تنزیل عمد الصبی منزلة خطائه متقوم بأمرین:

أحدهما:حکم سلبی،و هو أنه لا یترتب علیه أحکام العمد،و لا یلزم الصبی بشیء من أفعاله.

ثانیهما:حکم إیجابی و هو أنه یترتب علیه أحکام الفعل الخطائی،و قد بیّن علیه السلام الأمر الثانی بقوله علیه السلام:تحمله العاقلة،و بیّن الأمر الأول بقوله علیه السلام رفع عنهما القلم،و اذن فلا دلالة فی هذه الجملة علی أزید مما دل علیه قوله علیه السلام:رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم (1).

و یضاف الی ذلک:أن الروایة ضعیفة السند بأبی البختری،فلا یصح الاستدلال بها علی شیء من المسائل الفقهیة.

فتحصل مما ذکرناه:أنه لا دلیل علی أن عبارة الصبی مسلوبة بحیث لا یترتب علی ما أنشأه من العقود و الإیقاعات أثر أصلا.

هل یجوز کون الصبی وکیلا عن غیره؟

الجهة الرابعة:فی جواز کونه وکیلا عن غیره فی عقد أو إیقاع

و لو کان التوکیل علی نحو التفویض سواء أ کان الموکل ولیا أم کان غیره.و حینئذ

ص:258


1- 1) قد تقدم الکلام فیه مفصلا فی ص 250.

فیوقع الصبی العقد أو الإیقاع و لو کان علی نحو الاستقلال،و بدون إذن الولی فضلا عما إذا أوقعه بإذنه أو کان وکیلا فی إجراء الصیغة فقط.

و التحقیق:هو نفوذ تصرفات الصبی فی هذه الصورة،للعمومات و الإطلاقات مع عدم دلیل علی التخصیص أو التقیید،و ذلک لأن الآیة المتقدمة لا إشعار فیها بعدم الجواز أصلا فضلا عن الدلالة علیه ضرورة أن قوله تعالی:

(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ 1) کالصریح فی أن الآیة راجعة إلی تصرفات الیتامی فی أموال أنفسهم،لا فی أموال غیرهم.

و علیه فمقتضی الأصل هو جواز تصرفات الصبی فی مال غیره وکالة عنه فان المنع عن ذلک لا بد و أن یکون بدلیل،و من المعلوم أن الدلیل علی المنع إما عدم القول بالفصل بین التصرف فی مال نفسه،و التصرف فی مال غیره و إما الأخبار المتقدمة الدالة علی عدم نفوذ أمر الصبی قبل البلوغ:

أما دعوی عدم الفصل فعهدتها علی مدعیها.

أما الأخبار فلا دلالة فی شیء منها علی عدم نفوذ تصرفات الصبی فی هذه الصورة،إذ قد عرفت:أن ما دل علی رفع القلم عن الصبی،أو أن عمده خطأ لا دلالة فیه علی بطلان عقده أو إیقاعه.و أنه مسلوب العبارة.

فإذا کان صدوره منه وکالة عن ولیه،أو غیر ولیه و لو کان التوکیل بنحو التفویض و الاستقلال-فالعقد عقد للموکل حقیقة،و حیث إن المفروض أن ما وقع علیه العقد لیس بمال الصغیر فلا مانع عن شمول أدلة صحة البیع و نحوه له.

أما ما دل علی عدم نفوذ تصرف الصبی و أمره من الروایات المتقدمة فقد یتوهم دلالتها علی عدم النفوذ فی هذه الصورة-أیضا-نظرا إلی الإطلاق

ص:259

و لکن الصحیح هو عدم صحة ذلک أما أولا:فلاختصاص تلک الروایات بالیتیم،و أنه ما لم یذهب یتمه لا یجوز أمره،و لا یدفع الیه ماله،فهی لا تدل إلا علی عدم نفوذ تصرف الصبی فی ماله،دون ما إذا کان فی مال غیره باذنه نعم قد علمنا أنه لا خصوصیة للیتیم-فی الحکم-و إنما ذکر ذلک لأجل أنه هو المورد المتوهم لدفع ماله الیه.فنتعدی منه إلی غیر الیتیم-أیضا-من الصغار،أما خصوصیة أن موضوع المنع هو تصرف الصغیر فی مال نفسه فلا مقتضی لرفع الید عنها.

أما ثانیا فلأجل أنا لو سلمنا الإطلاق فغایة ما یستفاد منها هو عدم نفوذ تصرف الصبی بما أنه عقده،و هذا لا ینافی نفوذ ذلک التصرف بما أنه مضاف إلی الموکل،سواء فیه الولی و غیره.

و من هنا أن الصبی إذا باع ماله،ثم أجازه الولی حکم بصحة البیع، لأنه بیع الولی بقاء.

نعم قد عرفت أنه لا یجوز أن یأذن الولی فی تصرف الصبی استقلالا، و لا یکون تصرفه ماضیا للمنع عنه فی الآیة المبارکة.

فالمتحصل مما ذکرناه:أنه لا مانع من مباشرة الصبی العقد و الإیقاع فی مال نفسه إذا کان ذلک بإذن الولی،و کان الصبی وکیلا فی إجراء الصیغة فقط کما لا مانع من مباشرته لهما علی نحو الاستقلال فیما إذا توکل عن أجنبی من ولی أو غیره.

ص:260

هل یؤخذ الصبی بإتلافه مال الغیر؟

قوله:(ثم إن مقتضی عموم هذه الفقرة بناء علی کونها علة للحکم عدم مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما). أقول:إذا أتلف الصبی مال غیره وجب علیه الخروج من عهدته بعد بلوغه،لقاعدة من أتلف.

و قد یتوهم عدم الضمان،لأن عمد الصبی خطأ.

و لأن قلم التکلیف قد ارتفع عنه حتی یحتلم.

و لکن هذا التوهم فاسد.إذ لا شهادة فی شیء من الوجهین المزبورین علی عدم الضمان:

أما الأول فلأن الظاهر:أن تنزیل عمد الصبی منزلة خطائه انما هو فی الأفعال التی لا تکون موضوعا للأحکام الشرعیة إلا إذا صدرت من الفاعل بالإرادة و الاختیار،و مع القصد و العمد،لا فی الأفعال التی هی بنفسها موضوع للأحکام الشرعیة من غیر أن یعتبر فیها القصد و العمد:

کالجنابة فإنها توجب الغسل و ان تحققت حال النوم.

و کمباشرة النجاسات،فإنها توجب نجاسة البدن و إن کانت المباشرة بغیر التفات إلی النجاسة.

و کالإحداث الناقضة للطهارة و إن صدرت جهلا،أو غفلة،أو بغیر اختیار،فإن شیئا من تلک الأمور لا یتوقف تأثیرها علی صدورها بالإرادة و الاختیار،و لا ریب فی أن إتلاف مال الغیر من القبیل الثانی،فإنه یوجب الضمان و ان صدر حال الغفلة و الجهل،و بدون الإرادة و الاختیار،ضرورة أنه لم یؤخذ فی قاعدة من أتلف عنوان آخر غیر صدق الإتلاف.

و یضاف الی ذلک:ما ذکرناه آنفا من اختصاص الحدیث بما إذا کان

ص:261

للفعل العمدی أثر،و للفعل الخطائی أثر آخر بالنسبة إلی غیر الفاعل، فیحکم علی فعل الصبی-عندئذ-بحکم الخطأ.و من الظاهر أن حکم العمد و الخطأ لا یختلف فی الإتلاف و اذن فلا یکون الإتلاف مشمولا للحدیث.

أما الوجه الثانی فقد عرفت آنفا:أن المراد من دلیل رفع القلم عن الصبی انما هو رفع الأحکام الإلزامیة عنه منذ نعومة أظفاره إلی حد بلوغه.

و هذا لا ینافی توجه تلک الأحکام علیه بعد زمان البلوغ.و قد تقدم أن فعل الصبی قد یکون موضوعا لتوجه الأحکام الإلزامیة علیه بعد بلوغه.

و السر فی ذلک:أن دلیل رفع القلم و التکلیف قد تعلق بالصبی،فیدور مدار صبوته.و علی هذا الضوء فإتلاف الصبی مال غیره سبب للضمان جزما و لکنه لا یستبتع الحکم الإلزامی إلا بعد بلوغه،و إذا بلغ توجه علیه التکلیف و وجب علیه الخروج عن عهدته.لأنه-وقتئذ-یصدق علیه أنه أتلف مال غیره کما یتوجه علیه-عندئذ-وجوب الاغتسال مع تحقق الجنابة منه قبل البلوغ.

قوله:(فإذا لم یلزمه شیء بالتزاماته و لو کانت بإذن الولی فلیس ذلک الا لسلب قصده.و عدم العبرة بإنشائه) أقول:قد عرفت فیما سبق أن أمر الصبی و ان کان غیر نافذ و لو باذن ولیه.و لکنه غیر مربوط بسلب عباراته لکی یترتب علیه بطلان إنشائه،بدیهة أن معنی عدم نفوذ أمره هو عدم ترتب الأثر علی معاملاته.و هذا لا ینافی جواز مباشرته إنشاء الصیغة،إذ لا صلة بینهما بوجه.

هل ترتفع تعزیرات الصبیان

بحدیث الرفع؟

قوله:(ثم ان القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علی البالغین فلا ینافی ثبوت بعض العقوبات للصبی کالتعزیر). أقول:ان کان الغرض

ص:262

من حدیث رفع القلم عن الصبی هو رفع التکالیف الإلزامیة الثابتة فی حق البالغین کما هو غیر بعید فالتعزیرات الثابتة فی حق الصبیان خارجة عن ذلک موضوعا فان تلک التعزیرات لم تثبت فی حق البالغین و إنما هی ثابتة فی حق الصبیان لحکمة خاصة،و هی تأدیبهم علی ارتکاب القبائح،و صیانتهم من اغواء المضلین،و سوقهم الی تهذیب الأخلاق.فإن تعوّد الأفعال الشنیعة داء عضال.

و ان کان الغرض من الحدیث المزبور هو رفع مطلق الأحکام الإلزامیة فیشمل عمومه لتعزیرات الصبیان أیضا.و لأجل ذلک توهم بعضهم أنها ترتفع عنهم بدلیل رفع القلم.

و التحقیق:أن التعزیرات الثابتة فی الشریعة المقدسة ان أخذ فی موضوعها البلوغ فهی ترتفع عن الصبیان لعدم موضوعه.و ان أخذ فی موضوعها الصباء فهی غیر قابلة للارتفاع عن الصبیان،لأن المصلحة الملزمة قد اقتضت ثبوتها فی حقهم بعنوان الصبوة،فلا یعقل ارتفاعها عنهم بحدیث الرفع،و لعل تلک المصلحة ارتداعهم عن رکوب القبائح،و تجنبهم عن ارتکاب المنکرات.و حینئذ فیختص حدیث الرفع بما إذا کان التعزیر أو غیره من الأحکام الإلزامیة ثابتا للطبیعی الجامع بین البالغ و الصبی فهی ترتفع عن الصبی

ما هو حکم فعل الصبی المعتبر فیه

قصد الفاعل؟

قوله:(عدم الاعتبار بما یصدر من الصبی) أقول:ملخص کلامه:

أن المتحصل من الأدلة المتقدمة-من الإجماع و غیره-هو عدم الاعتبار بما

ص:263

یصدر من الصبی من الأفعال التی یعتبر فیها قصد الفاعل الی مقتضاها.کإنشاء العقود و الإیقاعات أصالة و وکالة،و التصدی للقبض و الإقباض،و کذلک کل ما یلتزم به من قبل نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إیجار أو غیر ذلک.

ثم ساق عبارة العلامة فی التذکرة تأییدا لمرامه.

و لکن یرد علیه ما ذکرناه قریبا من أنه لا دلیل لنا علی سقوط فعل الصبی و قوله عن الاعتبار،بل الدلیل انما دل علی عدم جواز استقلاله فی التصرف فی أمواله.و علیه فأی فعل من أفعاله لا یعد فی العرف تصرفا فی أمواله استقلالا لا مانع عن جوازه فیحکم بصحة تحجیره،و حیازته،و التقاطه و صیده،و إحیائه الموات،و ما شاکل ذلک.

و قد یتوهم أن الأمور المذکورة غیر جائزة لأن عمد الصبی خطأ.

و لکنه توهم فاسد لما ذکرناه من عدم دلالة الحدیث علی إلغاء قصد الصبی،و أنه کعدمه علی ما تقدم بیانه.

علی أنه یتوقف علی اعتبار القصد فی هذه الأمور و هو لم یثبت.

بل إن مقتضی قوله علیه السلام-مثلا-أیما قوم أحیوا شیئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها،و هی لهم (1)هو ثبوت الملکیة بنفس الاحیاء،سواء أقصد المحیی التملک،أم لم یقصده.

هل یصح قبض الصبی؟

قد حکی عن العلامة فی التذکرة:أنه کما لا یصح تصرفاته اللفظیة،کذا لا یصح قبضه،و لا یفید حصول الملک فی الهبة.

ص:264


1- 1) الوافی ج 10 باب 158 إحیاء الأرض الموات ص 131.

و هذا المعنی یظهر من المصنف-أیضا-حیث انه نقل کلام العلامة تأییدا لمرامه و لم یناقش فیه أصلا.

و لکن الظاهر أن قبض الصبی یفید الملکیة فی الهبة و غیرها،لقیام السیرة علی ذلک.

بل مقتضی جملة من الروایات[1]الواردة فی جواز إعطاء الصدقة و الکفارة للصبیان هو صیرورتهما ملکا بمجرد القبض.

ص:265

هل تنفذ وصیة الصبی؟

قد وقع الخلاف بین الأصحاب فی نفوذ أمر الصبی فی مواضیع شتی:
1-الوصیة.

قال العلامة فی القواعد:یشترط فی الموصی البلوغ و العقل و الحریة، فلا تنفذ وصیة الصبی و إن کان ممیزا فی المعروف و غیره.

و هذا الرأی هو المحکی عن السرائر و الإیضاح و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و غیرهم.

و عن ظاهر التذکرة و اللمعة و النافع و الدروس:التوقف.

و عن المقنعة و المراسم و النهایة و المهذب و الغنیة و کشف الرموز و الإرشاد و الروض و الکفایة و المفاتیح و أبی الصلاح و أبی علی:أنه تجوز وصیة من بلغ عشرا ممیزا فی البر و المعروف.

و هذا هو الحق،للروایات[1]الدالة علی أن الصبی إذا بلغ عشرا -

ص:266

تجوز وصیته.فتکون هذه الروایات مخصصة للروایات الدالة علی عدم نفوذ أمر الصبی.و هذا ظاهر.

نعم فی صحة وصیته للغرباء إشکال،و ذلک من جهة التصریح بعدم نفوذها فی صحیحة محمد بن مسلم.

هل یتبع قول الصبی فی الاذن

بدخول الدار؟

الثانی:ما ذکره العلامة فی التذکرة من أنه:(لو فتح الصبی الباب،و أذن فی الدخول عن إذن أهل الدار،و أوصل الهدیة إلی إنسان عن إذن المهدی فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فیه).

و لکن لا وجه لاستثناء هذین الأمرین من الأدلة المانعة عن نفوذ أمر الصبی أما الأول فلأن جواز الدخول فی الدار مع إذن الصبی من جهة حصول الاطمئنان به نوعا،فلا صلة له باعتبار قول الصبی فی ذلک.و الشاهد

ص:267

علی هذا انه:لو أذن البالغ فی ذلک و لم یحصل منه الاطمئنان به حرم الدخول فیها أما الثانی فلأن إیصال الهدیة الی المهدی الیه لا ربط له-أیضا-بما نحن فیه،فان الصبی آلة فی إیصالها إلیه،کایصال الهدیة الی المهدی الیه بواسطة حیوان معلم.

و علی الإجمال:أن أمثال هذه الموارد خارجة عن العمومات المانعة عن نفوذ أمر الصبی خروجا تخصیصا لا تخصیصیا.

هل تنفذ معاملات الصبی فی المحقرات؟

الثالث:ما عن صاحب المفاتیح،و إلیک نصه:(الأظهر جواز بیعه و شرائه فیما جرت العادة به منه فی الشیء الدون دفعا للحرج فی بعض الأحیان)[1] و قال المحقق التستری بعد نقل هذه العبارة:و یمکن أن یستأنس لذلک -مضافا الی السیرة المستمرة و قضاء الحاجة و الضرورة فی کل من المعاملة و دفع العوض و أخذه منه-بما رواه الشیخ فی الموثق کالصحیح عن عبید بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن شهادة الصبی و المملوک فقال:علی قدرها یوم اشهد تجوز فی الأمر الدون،و لا تجوز فی الأمر الکثیر (1).

ص:268


1- 2) التهذیب ج 2 باب البینات ص 77.و الوافی ج 9 ص 145.

و الجواب عن ذلک:أن استقرار السیرة علی معاملات الصبی فی الأمور الحقیرة و إن کان غیر قابل للإنکار،و لکنه لا یکشف عن نفوذ معاملاتهم فی ذلک استقلالا،بل إنما هو من جهة ما ذکرناه فی البیع المعاطاتی من جریان المعاطاة بین الناس فی المحقرات بوضع الثمن فی الموضع المعد له و أخذ المتاع بإزائه و مثلنا لذلک بأمثلة فراجع.و مقامنا من القبیل المذکور،و إذن فلا وجه لجعل ذلک من المستثنیات من عدم نفوذ أمر الصبی،إذ لا صلة بینهما بوجه.

و أما الروایة المذکورة فهی غریبة عما نحن فیه،و إنما هی راجعة الی باب الشهادة و من الظاهر أنه لا ملازمة بین قبول شهادته فی المحقرات و بین نفوذ معاملاته فیها.

و لو سلمنا قیام السیرة علی نفوذ معاملات الصبی فی الأمور الیسیرة، و سلمنا دلالة الروایة علی ذلک فلا بد من الالتزام بتخصیص العمومات المانعة عن معاملات الصبی.

و من هنا لا ینقضی العجب من المحقق التستری حیث قال بعد کلامه المتقدم:

(و هذا القول لا یخلو عن قوة إلا أن الأصحاب ترکوا العمل بالخبر،و أما السیرة و الضرورة فالتمسک بها فی مقابل إطلاق الآیة و الروایة و فتوی الإمامیة و غیرهم خروج عن جادة الصواب،و عدول عن طریق الاحتیاط).

و الحاصل:أنه إن کان المراد من السیرة هو السیرة العقلائیة فهی مردوعة بالروایات الدالة علی عدم نفوذ أمر الصبی.و قد تقدمت هذه الروایات سابقا،و إن کان المراد بها هو السیرة الشرعیة فهی قائمة علی کون الصبی آلة لا علی صحة معاملاته الصادرة منه استقلالا و لا أقل من الشک فی ذلک.

و إذن فلا وجه لنا للحکم بصحة معاملات الصبی و لو فی الأمور المحقرة.

ص:269

و ربما یستدل علی نفوذ معاملات الصبی مطلقا أو فی المحقرات بروایة السکونی عن الصادق علیه السلام قال:نهی رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله)عن کسب الإماء، فإنها إن لم تجد زنت،إلا أمة قد عرفت بصنعة ید و نهی عن کسب الغلام الصغیر الذی لا یحسن صناعة بیده،فإنه ان لم یجد سرق (1).

و وجه الاستدلال بها علی المقصود هو أن المراد من النهی فی الروایة هو النهی التنزیهی،فیدل علی نفوذ معاملات الصبی لا علی فسادها.

و الشاهد علی ذلک أنه لو کانت معاملات الصبی فاسدة لما حصل النقل و الانتقال بینه و بین غیره.و کان التصرف فیما بیده تصرفا فی مال غیره بدون إذنه،و علیه فکان تعلیل الفساد بذلک أولی من تعلیله بصدور السرقة من الصبی لأن التعلیل بالأمر الذاتی أولی من التعلیل بالأمر العرضی.

و الجواب عن ذلک:أن هذه الروایة ضعیفة السند بالنوفلی،و غیر منجبرة بشیء،فلا یمکن الاستناد إلیها فی الأحکام الشرعیة.

و یضاف الی ذلک:أن المراد من کلمة(کسب)المضافة إلی کلمة(الغلام) فی الروایة إما المعنی المصدری،أو یراد منها المکسوب المعبر عنه باسم المصدر و علی الأول فالمراد من الکسب هو الکسب المتعارف:أعنی به مباشرة الصبی التجارة عند احتیاج ولیه الی ذلک،إلا أن هذه المباشرة لیست مباشرة استقلالیة،بل مباشرة تبعیة،و أن الصبی-وقتئذ-بمنزلة الآلة لولیه فی إیجاد المعاملة بینه و بین المشتری.و قد تعارف هذا المعنی فی الخارج کثیرا،الا أن الامام علیه السلام قد نهی عنه تنزیها معللا بأنه إذا لم یحصل من تجارته شیء سرق خوفا من ولیه.

ص:270


1- 1) المرویة فی الوسائل فی باب 33 من أبواب ما یکتسب به.

و القرینة علی هذه الدعوی:قوله(علیه السلام)فی صدر الروایة:نهی رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله)عن کسب الإماء،فإنها ان لم تجد زنت،مع انه لا شبهة فی نفوذ کسب الأمة بإذن مولاها.

و یؤید ما ذکرناه:أن النبی(صلی الله علیه و آله)قد قید النهی عن کسب الأمة و الغلام بعدم معرفتهما صناعة الید،فإنه مع العلم بذلک لا یقع الصبی علی السرقة،و لا أن الأمة تقع علی الزناء،لأنه-وقتئذ-ینتفی ما یوجب السرقة و الزناء:أعنی به الفقر،ضرورة أنهما متمکنان من تحصیل المال.

و علی الثانی فالمراد من کسب الغلام ما یتحصله من الأموال بطریق الالتقاط،أو الاستعطاء،أو الحیازة من المباحات الأصلیة،کما أن المراد من کسب الأمة علی هذا الاحتمال ما تتحصله بإحدی الطرق المذکورة.

و علیه فحکمة النهی عن کسب الغلام صیانته عن الاستراق من الناس کما أن حکمة النهی عن کسب الأمة محافظتها عن الفجور.

و حینئذ فلا دلالة فی تلک الروایة علی نفوذ معاملات الصبی.

هل یصح طلاق الصبی الممیز؟

الرابع:طلاق الصبی الممیز.

قد وقع الخلاف فی ذلک بین الخاصة و العامة[1].

ص:271

فذهب جمع من أصحابنا القدماء و المتأخرین إلی صحته.

و ذهب المشهور من متأخریهم إلی فساده.

و منشأ الخلاف فی ذلک انما هو اختلاف الروایات.

و قد یقال:إن جملة منها تدل علی نفوذ طلاقه،و جملة أخری منها تدل علی عدم نفوذه،و بعد تعارض کلتا الطائفتین و تساقطهما یرجع الی العمومات الدالة علی عدم نفوذ أمر الصبی حتی یحتلم.

و التحقیق:أن الذی ظهر لی من النظر فی الروایات أن الأخبار الواردة فی طلاق الصبی علی أربعة أنحاء:

منها ما دل[1]علی نفوذ طلاق الصبی.

و منها ما دل[2]علی عدم نفوذه.

ص:272

و منها ما دل[1]علی نفوذه إذا عقل.

و منها ما دل[2]علی نفوذه إذا بلغ عشر سنین.

و حیث لا یحتمل أن یکون طلاق من بلغ عشرا و لم یعقل صحیحا فلا بد من تقیید ما دل علی نفوذ طلاق الصبی إذا عقل بما دل علی نفوذ طلاقه إذا بلغ عشرا و بذلک یقید ما دل علی عدم النفوذ بغیر من بلغ عشرا،و علیه فیرتفع التعارض.

و لو سلمنا التعارض،و لکن لا بد من تقدیم روایات النفوذ،لأنها مخالفة لأکثر العامة.

ص:273

ثم انه یظهر من روایتی السراد و الکناسی[1]أنه یجوز طلاق الغلام البالغ عشر سنین إذا أقر بذلک و أمضاه بعد البلوغ.

و لکن لا یمکن العمل بهما:

أما روایة السراد فهی روایة الفقیه عن محمد بن موسی المتوکل،و هو لم یثبت توثیقه من القدماء،نعم وثقه العلامة فی رجاله،إلا انه اجتهاد منه و هذا ظاهر.

أضف الی ذلک:أنها مخالفة للإجماع القطعی،فإن الفقهاء بین قائل بالصحة،و بین قائل بالفساد،و اذن فلا واسطة بینهما.

ص:274

أما روایة الکناسی المفصلة بین الدخول و عدمه فهی-مع أنها أیضا لا قائل بمضمونها-ضعیفة السند،لأن الکناسی لم یثبت توثیقه.

هل یعتبر فی صحة العقد القصد الی مدلوله؟ قوله:

(مسألة و من جملة شرائط المتعاقدین قصدهما لمدلول العقد الذی

اشارة

یتلفظان به).

أقول:قد اتفقت کلمات الأصحاب رضوان اللّه علیهم علی هذا الشرط حتی أرسلوه فی کتبهم الفقهیة إرسال المسلمات،و لذا لم ینقل الخلاف -هنا-من أحد.بل فی التذکرة ادعی الإجماع علی ذلک.

و لا یخفی علیک:أن الفقهاء و إن أصابوا فی أصل اعتبار القصد فی العقد،إلا انهم قد أخطأوا فی أخذه من شرائط المتعاقدین أو العقد بل انما هو من مقوماته بحیث لا یتحقق مفهومه بدون القصد.

و توضیح ذلک إجمالا:أنا ذکرنا فی المباحث السابقة أن البیع-مثلا- لیس عبارة عن الإنشاء الساذج.سواء أ کان الإنشاء بمعنی إیجاد المعنی باللفظ -کما هو المعروف بین الأصولیین و غیرهم-أم کان عبارة عن إظهار أمر نفسانی بمبرز-کما هو المختار عندنا.

و لا أن البیع عبارة عن مجرد الاعتبار النفسانی من دون إظهاره فی الخارج بمبرز،و إلا لزم تحققه بمجرد اعتبار البائع ملکیة ماله لشخص آخر بإزاء الثمن و إن لم یظهر اعتباره بمظهر خارجی و لا ریب أن کل ذلک بدیهی البطلان.

ص:275

بل حقیقة البیع عبارة عن الاعتبار النفسانی المظهر بمبرز خارجی، سواء أمضاه العرف و الشرع أم لا،و سواء أ کان فی العالم شرع و عرف أم لا و هکذا الکلام فی سائر الأمور الإنشائیة برمتها من العقود و الإیقاعات و الأوامر و النواهی و غیرها،و إذن فلا یوجد أی عقد أو إیقاع إلا بالقصد الذی هو فعل نفسانی مع إظهاره بمبرز خارجی،و إذا انتفی أحدهما انتفی الآخر فان المرکب ینتفی بانتفاء أحد أجزائه.

أما ما أفاده صاحب المسالک من عدم تحقق القصد فی العقد الصادر من المکره أو الفضولی فسیأتی فساده فی أول بیع المکروه.

هل یعتبر تعیین المالک فی صحة البیع؟
اشارة

هل یعتبر فی صحة البیع تعیین المالک،و هل یلزم ذلک علی المتبایعین؟ تارة یقع الکلام فی المعاملة بالأعیان الشخصیة،و اخری فی المعاملة بالأمور الکلیة:بأن یکون المبیع أو الثمن کلیا.

أما الجهة الأولی المعاملة بالأعیان الشخصیة

فلا شبهة فی أن تعیین المالک لیس من مقومات البیع و لا من شرائطه،بداهة أن البیع اعتبار تبدیل شیء بشیء فی أفق النفس و إظهاره بمبرز خارجی من اللفظ و غیره.و لا ریب فی أن هذا المعنی یتحقق بدخول العوض فی ملک من خرج عن ملکه المعوض و بالعکس،بلا احتیاج الی تعیین مالک الثمن،أو تعیین مالک المثمن،و لم یقم دلیل تعبدی علی ذلک.

و لا یفرق فیما ذکرناه بین صدور العقد من نفس المالکین و بین صدوره من غیرهما-کالوکیل و الولی و الفضولی-و علی هذا الضوء فالقصد الی العوض و تعیینه یغنی عن القصد الی المالک و تعیینه.

ص:276

نعم یعتبر فی مفهوم البیع قصد المتبایعین دخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه و بالعکس،و الا فلا یصدق علیه البیع،ضرورة أنه لیس الا تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة،و علیه فلو اشترط علی البائع دخول الثمن فی ملک الأجنبی أو اشترط علی المشتری دخول المبیع فی ملک غیره کان ذلک موجبا لبطلان المعاملة.لکونه علی خلاف مقتضی العقد.

نعم لو کان ذلک من قبیل الفوائد المترتبة علی العقد لما کان الاشتراط، أو القصد المزبورین من الأمور اللاغیة.

و مثال ذلک أن یشتری أحد من الخباز خبزا و یشترط علیه أن یعطیه للفقیر،أو یتصدی هو بنفسه الإعطاء له،فان الخبز یدخل فی ملک المشتری بالشراء و ان کان ینتقل بعد ذلک الی الفقیر بهبة و نحوها.

ثم لا یخفی علیک:أن ما ذکرناه من عدم اعتبار تعیین من یقع له العقد فی صحة البیع انما یجری فی کل عقد لا یکون القصد الی المالک رکنا من أرکان العقد،و الا یبطل العقد بعرائه عن ذلک.کالزوجین فی عقد الزواج،فإنهما بمنزلة العوضین فی البیع،ضرورة عدم حصول الغرض بصیرورة المرأة زوجا لرجل مبهم.و عدم صیرورة الرجل زوجا لامرأة مبهمة.و کذلک الموقوف علیه و الموهوب له و الموصی له و الوکیل،فإنهم من الأرکان فی الوقف و الهبة و الوصیة و الوکالة،فلا ینعقد شیء منها بدون القصد إلی هؤلاء و من غیر تعیینهم

أما الجهة الثانیة المعاملة بالأمور الکلیة

فالکلی بما هو کلی لا یمکن بیعه فی مقام الثبوت إلا بإضافته إلی ذمة خاصة من الذمم،إذ البیع-کما عرفته عند البحث عن تعریف البیع-تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة.و من البین الذی لا ریب فیه أن الکلی بما هو کلی غیر مضاف الی أحد لکی یکون تبدیله بشیء من قبیل تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة.

ص:277

أضف الی ذلک أن الکلی ما لم یضف إلی ذمة شخص لا یکون مالا، و لا ملکا،و اذن فلا تقع المبادلة بین المالین.و لا یقاس ذلک بطلاق زوج من الأزواج.أو بعتاق مملوک من الممالیک،لصحة تعلق الطلاق و العتق بالجامع و هو عنوان احدی الزوجات،أو أحد العبید،و علیه فیستخرج الواقع بالقرعة،لأنها لکل أمر مشتبه.هذا کله فی مقام الثبوت.

أما فی مقام الإثبات فلا ریب فی إضافة الکلی إلی البائع و انتساب البیع الیه بمجرد تکلمه بصیغة بعت،لانصراف الإطلاق إلی المنشئ انصرافا عقلائیا لأن فعل کل فاعل ینسب الیه،و یحکم بوقوعه عنه ما لم ینصب قرینة حالیة أو مقالیة علی خلافه.

و قد اتضح لک مما تلوناه علیک وقوع الخلط بین مقامی الثبوت و الإثبات فی کلام شیخنا الأستاذ،و إلیک نص مقرر بحثه:(و أما إذا کان أحدهما کلیا فان کان الشخصی ملک شخصه وجب تعیین من یقع الکلی فی ذمته،و اما لو انعکس فلا یجب التعیین،و ذلک لأنه لو کان الشخصی ملک غیره تعلق الکلی بذمة نفسه،لأن ذمة الغیر یحتاج الی التعیین،و الا انصرف الی النفس حتی فیما لو کان وکیلا عن الغیر).

هل یعتبر فی العقود تعیین من له العقد؟
اشارة

هل یعتبر فی العقود تعیین من له العقد إثباتا بناء علی اعتبار قصده ثبوتا بأن یکون البائع عالما بمن یقع الشراء له و المشتری عالما بالبائع؟.

یقع البحث هنا فی جهات شتی،و قد تعرض المصنف لبعضها و أغفل التعرض لبعضها الآخر.

ص:278

الجهة الاولی:فی أنه إذا کان من له العقد مقصودا للمتعاقدین،و لم

یتعین فی مقام العقد للآخر

فالظاهر أن یحکم بصحة العقد،لأن قصد المالک لبا و ان کان رکنا فی العقد،کما هو المفروض،و لکن تعیینه للطرف فی المعاملة لیس برکن فیه،لحصول الغرض الأقصی مع إبهامه-أیضا-فی مقام الإثبات و علیه فیصح أن یتوجه الموجب الی القابل،و یخاطبه بقوله:بعتک منا من الحنطة بلا تصریح باسم من تکون الحنطة فی ذمته،و انما یصرح باسمه بعد تمامیة العقد.

أو یقول:وهبت هذا المال لمن قصدته،ثم یبین الموهوب له.

أو یقول:زوجتک المرأة المعهودة عندی،و یعینها بعد تمامیة عقد الزواج.و هکذا الکلام فی ناحیة القبول.

و الوجه فی ذلک هو أن حقیقة البیع عبارة عن اعتبار التبدیل بین شیئین و حقیقة الهبة عبارة عن اعتبار ملکیة العین الموهوبة للمتهب،و حقیقة الزواج عبارة عن اعتبار عدلیة أحد الزوجین للآخر،و لا شبهة فی تحقق تلک الحقائق بالصیغ المذکورة،و لا یعتبر فیها معرفة الموجب لمن هو مقصود القابل و لا معرفة القابل لمن هو مقصود الموجب،بدیهة أن خصوصیات الأشخاص و ان کانت دخیلا فی الأغراض الشخصیة،و لکنها غیر دخیل فی حقیقة العقود، و لا فی صحتها.

الجهة الثانیة:أن یقصد الموجب وقوع العقد لشخص خاص،و قصد

القابل وقوعه لغیره،

و الظاهر أنه لا ریب فی بطلان ذلک،لأن ما أنشأه الموجب لم یتعلق به القبول،و ما تعلق به القبول لم ینشئه الموجب،سواء فی ذلک أن یکون من له العقد رکنا فیه-کالنکاح و ما حذا حذوه،و ما لم یکن کذلک کالبیع و ما تلا تلوه.

ص:279

و السر فی ذلک ما عرفته قریبا من أن العقود عبارة عن الاعتبار النفسانی المقرون بالمظهر الخارجی من اللفظ و غیره،فبانعدام أحد الأمرین تنعدم حقیقة العقد.

ثم لا یخفی علیک:أن البحث فی هذه الجهة من صغریات البحث عن اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول،و قد تقدم فی محله أنه إذا لم یرد الإیجاب و القبول علی محل واحد لم یکن أحدهما مطاوعة للآخر حینئذ فلا تتحقق المعاقدة بین المتعاقدین بل یکون-هنا-أمران لا یتصل أحدهما بالآخر.

الجهة الثالثة:هل یجوز توجیه الإنشاء إلی المخاطب و قبوله لغیره مع عدم

علم الموجب لذلک

أو إسناد الإیجاب إلی نفسه فی ظاهر الکلام و قصد وقوعه عن غیره مع عدم علم القابل لذلک،للمسألة صور.

الاولی:ان یعلم من الخارج عدم ارادة خصوص المخاطب لکل من المتعاملین کما هو الحال فی غالب البیوع و الإجارات و نحوها،ففی مثل ذلک لا یعتبر علم کل من الطرفین لمن یقع له العقد واقعا،فلو قال بعتک هذه الدار بکذا ثم انکشف ان المشتری کان وکیلا لم یضر ذلک بالتطابق و بصحة العقد.

الثانیة:ان یعلم من الخارج ارادة خصوص المخاطب،کما فی النکاح و الوقف و الوصیة و نحوها،ففی مثلها لا بد من اعتبار ذلک،فلو قال زوجتک فلانة و قبل المخاطب لغیره بطل النکاح بلا إشکال،لعدم المطابقة بین الإیجاب و القبول الثالثة:ان لا یعلم من الخارج لا إرادة الخصوصیة،و لا إرادة عدمها، فالظاهر فی هذه الصورة أنه لا بد من الاعتبار،کما اختاره المصنف قدس سره و ذلک لعدم إحراز التطابق المعتبر فی صحة العقد فیما إذا قصد المخاطب شخصا آخر مع عدم اعلام ذلک لطرف العقد،فإذا لم یعلم ان الموجب-مثلا-قصد تملیک ماله للأعم من المخاطب و غیره لم یجز للمخاطب قبول التملیک لغیره.

ص:280

بحث فی عقد المکره قوله:

(مسألة و من شرائط المتعاقدین الاختیار).

اشارة

أقول:الفارق بین هذه المسألة و المسألة السابقة هو أن الکلام-هناک-مسوق لاعتبار قصد المعنی فی العقود،إذ الإخلال به یوجب الإخلال بعناوین العقود کما عرفته آنفا.

بخلاف المقام،فان البحث-هنا-فی لزوم کون القصد ناشئا من الاختیار و إذن فالمسألتان متغایرتان.

ثم إن المراد من الاختیار الذی نبحث عن اعتباره فی العقد-هنا-هو صدور الفعل من العاقد عن الرضاء و طیب النفس مقابل الکراهة و عدم الرضاء لا الاختیار مقابل الجبر و الإلجاء،و إلا لکان عقد المکره خارجا عن العقد موضوعا،لخلوه عن القصد المعتبر فی حقیقة العقد.

ثم إنه قد جرت عادة الفقهاء علی البحث عن عقد المکره فی کتاب الطلاق و لعله لورود الروایات الکثیرة علی بطلان طلاق المکره.و إلا فلا اختصاص لذلک بالطلاق.

إذا عرفت ذلک فاعلم:أنه اتفق الأصحاب علی بطلان عقد المکره أما عند العامة فلا یصح بیع المکره[1].

ص:281

و لإطلاقه[1]علی تفصیل فی المذاهب.

ص:282

هل المکره قاصد الی اللفظ دون المعنی؟

قبل الاستدلال علی المقصود یحسن بنا التعرض لما ذکره فی المسالک من أن المکره و الفضولی قاصدان إلی اللفظ،لا إلی إلی مدلوله.و قد أشرنا إلیه فی مطلع المسألة السابقة.و وعدنا لک-هناک-التعرض له فی هذه المسألة -و هنا-موعده.

و ربما یستظهر رأی صاحب المسالک من کلام العلامة-أیضا-فی التحریر من أنه لو اکره الزوج علی الطلاق فطلق ناویا فالأقرب وقوعه،إذ لا إکراه علی القصد.

و لکنه لا وجه صحیح لهذا الاستظهار،فان الظاهر من العلامة هو التفصیل فی المکره بالفتح بین المتمکن من التوریة،و بین غیر المتمکن منها بأنه إن کان

ص:283

الزوج قادرا علی التوریة و طلق زوجته من غیر أن یوری فی إنشائه فیحکم بصحة طلاقه،و إن لم یکن قادرا علیها و طلق زوجته-وقتئذ-فیحکم بفساد طلاقه.و من البیّن أن هذا المعنی غیر مربوط بما تضمنه کلام الشهید الثانی فی المسالک.

و کیف کان فقد ذکر جمع من الأصحاب وجوها فی توجیه ما فی المسالک و نقتطف منها ما یلی:

1-أن الصادر من المکره و الفضولی إنما هو مجرد اللفظ بلا توجه إلی معناه.أما المکره فلأنه لا یقصد وقوع النقل و الانتقال خارجا.و إنما غرضه الإنشاء الساذج دفعا للخوف المتوعد علیه من ناحیة الجائر.

أما الفضولی فلأنه یعلم جزما عدم ترتب الأثر علی عقده مع قطع النظر عن إمضاء المالک،و علیه فیکون إنشاؤه خالیا عن قصد المعنی.

أما ما ذکر فی المکره فیتوجه علیه:أن عقد المکره کسائر أفعاله التکوینیة الصادرة منه کرها،کالأکل و الشرب و القیام و القعود و نحوها، و لا نظن أن یتفوه أحد بصدورها من المکره بغیر قصد.و کذلک العقد.

غایة الأمر أنه لم ینشأ من الرضاء و طیب النفس.

علی أن المکره لا یقدر غالبا علی قصد خصوص اللفظ دون المعنی،لعدم الالتفات الیه.

و یضاف إلی ذلک أن انتفاء قصد المعنی یقتضی انتفاء حقیقة العقد،لما عرفته فی المسألة السابقة من استحالة تحقق العقد بدون القصد،و معه لا مجال للبحث عن اعتبار الاختیار فیه.لأن موضوع البحث فی عقد المکره إنما هو العقد الجامع للشرائط غیر الرضاء بالعقد.و لأجل ذلک یحکم علیه بالصحة

ص:284

إذا لحق به الرضاء و إذا کان خالیا عن القصد لم یکن قابلا للحکم علیه بالصحة أبدا لأنک عرفت أن عنوان العقد لا یتحقق بدون القصد و إذا تحقق فی الخارج ما لیس بعقد لم یکن ذلک عقدا بالرضاء المتعقب-أیضا-لأن الشیء لا ینقلب عما هو علیه.مع أن المشهور حکموا بصحة عقد المکره بالرضاء المتعقب.

نعم قد یتعلق قصد المکره بخصوص اللفظ کما فی التوریة.و لکنه خارج عن مورد البحث.

أما ما ذکر فی الفضولی فیتوجه علیه:أن عقد الفضولی-أیضا-مقترن بالقصد و إلا لأستحال تأثیره بالإجازة-أیضا-علی ما عرفته قریبا.

و مع الإغضاء عن ذلک:أن ما ذکر من التوجیه لکلام الشهید انما یتم فی غیر الفضولی المعتقد لمالکیة نفسه،أما فیما إذا اعتقد الفضولی أنه مالک فلا شبهة فی حصول القصد الی المعنی.

و علی الجملة فلا إشکال فی تحقق القصد فی المکره و الفضولی کتحققه فی غیرهما.

2-ما ذکره المصنف و هذا نصه: (المراد بعدم قصد المکره عدم القصد الی وقوع مضمون العقد فی الخارج.و أن الداعی له إلی الإنشاء لیس قصد وقوع مضمونه فی الخارج،لا أن کلامه الإنشائی مجرد عن المدلول).

و یرد علیه أنه ان کان مراده من عدم القصد الی وقوع مضمون العقد فی الخارج هو عدم وجود الاعتبار النفسانی فهو بدیهی البطلان،لما عرفته قریبا من تحقق القصد فی المکره.و أن عقده من هذه الناحیة کسائر العقود الصادرة من المختارین.

و ان کان مراده من ذلک هو عدم القصد إلی إمضاء الشارع و حکمه بصحة

ص:285

العقد،لکی یترتب علیه الأثر.بل قصده إلی الحصة الفاسدة.

فیتوجه علیه أولا:أن هذا أخص من المدعی،لأن المکره قد لا یلتفت الی فساد العقد شرعا.بل یتخیل صحته.و علیه فهو قاصد لترتب الأثر الشرعی أیضا.

ثانیا:أن ذلک لا یضر بصحة العقد،فان قوام البیع-کما ذکرناه-انما هو باعتبار المبادلة بین المالین فی أفق النفس،و إظهاره فی الخارج بمظهر-سواء أ أمضاه الشارع،أم لم یمضه و سواء أ التفت المنشئ الی ذلک أم لم یلتفت الیه.

و علی الجملة:ان الأحکام الشرعیة المترتبة علی العقود و الإیقاعات خارجة عن حقیقتها.

و لأجل ذلک لو أنشأ عقدا فاسدا باعتقاده-کما إذا تعامل مع أبیه معاملة ربویة،ثم انکشف جواز ذلک-لم یحکم بفساده،و اذن فلا أثر لقصد الإمضاء الشرعی و عدمه.

3-ما ذکره شیخنا الأستاذ من(أن المکره لم یقصد ما هو ظاهر إنشاء کل منشئ من رضائه بوقوع المدلول فی الخارج،کما أن الفضولی لم یقصد ما هو ظاهر المعاملة من وقوعها لنفسه).

و بتعبیر آخر:ان ظاهر کلام العاقد هو وقوع إنشائه بالرضاء و طیب النفس،و أن ما أنشأه من العقد مستند الی نفسه.و لکن الأول منفی فی المکره و الثانی منفی فی الفضولی،لأنهما لم یقصدا ذلک.

و یرد علیه أولا:أن هذا أخص من المدعی،فان هذا لو سلم فإنما یسلم مع عدم التفات الناس الی حال المکره و الفضولی و الا لم یکن القصد مخالفا لظهور کلامه ثانیا:أن عدم ظهور عقد المکره فی طیب نفسه،و عدم ظهور عقد الفضولی فی البیع لنفسه أجنبیان عن قصد العاقد للفظ دون معناه.

ص:286

و علی الجملة إنه:لم یتحصل لنا معنی معقول من کلام الشهید من أن المکره و الفضولی قاصدان إلی اللفظ دون مدلوله.و هو(ره)أعرف بمقاله.

و قد ظهر لک مما تلوناه علیک:فساد ما ذکره النراقی فی المستند من أن الوجه فی بطلان البیع الإکراهی هو عدم وجود ما یدل علی قصد البیع،حیث ان اجراء الصیغة مع الإکراه غیر کاشف عن القصد،فلا یکون من البیع العرفی،لأنه یعتبر فیه أن یکون-هناک-کاشف عن کونه مریدا لنقل الملک و کونه مکرها قرینة علی عدم ارادة ظاهر اللفظ.

ما استدل به علی بطلان بیع المکره
اشارة

قد ظهر لک من مطاوی ما ذکرناه:أن مقتضی القاعدة هو صحة بیع المکره فإنه عقد عرفی فیشمله ما دل علی وجوب الوفاء بالعقد.و لکن استدل علی فساده بوجوه و هی ما یلی:

الوجه الأول:الإجماع.

و یرد علیه:أن الإجماع و إن کان مسلما و لکنا لا نطمئن بکونه إجماعا تعبدیا،إذ من المحتمل القریب أن یکون مدرک المجمعین الوجوه الآتیة.

الوجه الثانی:قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

(1)

و قد ذکرنا فی المباحث السالفة أن دخول الباء المفیدة للسببیة فی کلمة الباطل،و مقابلتها فی الآیة مع التجارة عن تراض قرینتان علی أن الآیة الشریفة فی مقام تمییز الأسباب الصحیحة عن الأسباب الفاسدة.

ثم إن المراد من الأکل فی الآیة المبارکة لیس هو الازدراد-علی ما هو

ص:287


1- 1) سورة النساء الآیة:29.

معناه الحقیقی-و إنما هو کنایة عن تملک مال الناس من غیر استحقاق شرعی.

سواء أ کان المال المزبور من المأکولات أم کان من غیرها.و قد تعارف استعمال کلمة الأکل فی التملک فی الکتاب الکریم و فی کلمات الفصحاء.بل و فی غیر العربیة أیضا.و من ذلک قوله تعالی وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 1.

ثم إن الاستثناء فی الآیة المبارکة سواء أ کان متصلا-کما هو الظاهر- أم کان منقطعا یفید حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض:

أما علی الأول فواضح.

و أما علی الثانی فلأن الاستثناء المنفصل و ان کان لا یفید الحصر بنفسه و لکن اللّه تعالی حیث کان فی مقام بیان الأسباب المشروعة للمعاملات-و فصل صحیحها عن فاسدها،و کان الإهمال مخلا بالمقصود-فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة بالقرینة المقامیة.

و نتیجة ما ذکرناه حول الآیة الکریمة:أنه لا یجوز تملک أموال الناس بسبب من أسباب المعاملات إلا أن یکون السبب المملک هو التجارة عن تراض و من الواضح الذی لا ریب فیه أن بیع المکره لا یعد من التجارة عن تراض، فیکون فاسدا.

ثم لا یخفی علی الفطن العارف:أن المراد من الرضاء المذکور فی الآیة المتقدمة هو طیب النفس،لا الرضاء بمعنی القصد و الإرادة،أو الملازم لهما، فان ما هو شرط لصحة التجارة هو الأول.أما الثانی فإنه مقوم للعقد،فقد عرفت أن اللّه تعالی فی مقام بیان المیز بین السبب الصحیح و السبب الباطل للمعاملات.و مع عدم تحقق العقد لا یبقی مجال لتقسیم أسباب المعاملات إلی الصحیح و الفاسد.

ص:288

أضف الی ذلک:أن العقد من الأمور القصدیة المظهرة بمظهر خارجی فلا یعقل صدوره من غیر القاصد.و علیه فلو کان المراد من الرضاء فی الآیة القصد و الإرادة،أو ما یلازمهما لکان ذکره فیها مستدرکا.لأن کلمة التجارة المذکورة فیها تغنی عن ذکر کلمة الرضاء.تعالی کلامه سبحانه عن ذلک علوا کبیرا.و علیه فالمراد من الرضاء فی الآیة الشریفة انما هو طیب النفس، لا القصد و الإرادة.

و یحسن بنا توضیح ذلک إجمالا فنقول:ان الأفعال الاختیاریة الصادرة من الأشخاص المختارین انما تستند الی مقدمات طولیة کلها موجودة فی أفق النفس:منها التصور.و منها التصدیق بالفائدة.و منها المیل،و منها الشوق المؤکد المعبر عنه غالبا بالإرادة التی هی تأثیر النفس فی حرکة العضلات.و لا شبهة فی أن الفعل إذا عری عن القصد و الاختیار لحق بالأفعال غیر الاختیاریة ثم ان الفائدة المترتبة علی الفعل الاختیاری علی ثلاثة أقسام:

الأول:الفائدة الخالصة المترتبة علی الفعل الخارجی.و ذلک کالربح المترتب علی التکسب و الاتجار.و کالتلذذ المترتب علی أکل المطعومات.

و کحرارة البدن المترتبة علی لبس الألبسة،و الی غیر ذلک من الأمثلة.

الثانی:أن تکون الفائدة المترتبة علی الفعل مما یدفع به الضرر الخارجی المتوجه الی الشخص،بأن یکون اختیار هذا الفعل لأجل قضاء الضرورة من دون أن تکون هذه الضرورة من ناحیة الظالم و نحوه.

و مثال ذلک:أن یضطر أحد إلی بیع داره لصرف ثمنها فی علاج مریضه المشرف علی الهلاک أو للإنفاق علی عیاله،أو لأداء الدین الواجب أو لدفع جریمة تثبت علیه فی المحکمة الخاصة.و من هذا القبیل أن یطلب الجائر من شخص مالا لا یتمکن منه الا بیع داره أو کتبه أو متاع بیته أو

ص:289

أشباه ذلک،فإن الإجبار انما یکون بالنسبة إلی دفع المال،لا بالنسبة إلی بیع ما ذکر.

الثالث:أن تکون الفائدة المترتبة علی الفعل دفعا لضرر الظالم الناشئ من ترک الفعل-لا من الجهات الخارجیة.و مثال ذلک أن یحمل الجائر أحدا علی فعل خاص مع الإیعاد علی ترکه بالضرب أو القتل أو نحوهما،فان نفس الفعل-هنا-و ان صدرت بمقدماته الاختیاریة التی أشرنا إلیها قریبا.

و لکن الفاعل لم یرض به.

و یتضح الفارق بین هذا القسم و بین سابقه بملاحظة ما یلی:و هو أن الظالم إذا أکره أحدا علی بیع داره،و أوعده بالضرب علی ترکه حکم بفساد البیع لخلوه عن الرضا المعتبر فی صحة البیع.و هذا بخلاف ما إذا أکرهه بداءة علی إعطاء ألف دینار.و کان سبیل نجاته عن هذه الغرامة هو بیع داره فإنه حینئذ یحکم بصحة البیع لوقوعه برضا المالک و طیب نفسه.غایة الأمر أن الداعی إلی البیع انما هو الاضطرار.و أیضا أن الفارق بینهما کالفارق بین من فسد جزء من أجزاء بدنه بحیث انحصر علاجه بقطعه و الا یهلکه.و بین من أجبره الجائر علی قطع إصبعه،و إلا یقتله،فان الشخص الأول مبتهج بقطع عضوه بخلاف الثانی.و هذا واضح.

و قد اتضح لک مما بیناه:أن ما نحن فیه من القبیل الثالث،لأن البیع الصادر من المکره کرها کسائر أفعاله الاختیاریة مسبوق بالمقدمات،من التصور و التصدیق بالفائدة و المیل و الإرادة التی هی بمعنی الاختیار.و لکن هذا البیع الصادر من المکره فاقد للرضا و طیب النفس.و علی هذا فعنوان التجارة لا یتحقق إلا بالإرادة و الاختیار.فبیع المکره تجارة غایته تجارة عن غیر تراض.

ص:290

الوجه الثالث:مما استدل به علی فساد بیع المکره-الروایات

الدالة علی حرمة التصرف فی مال غیره الا بطیب نفسه،

(1)

و من الظاهر أنه لو کان بیع المکره نافذا لکان سببا لحلیة ماله للمشتری بغیر الرضاء و طیب النفس

الوجه الرابع:الروایات2الدالة علی بطلان طلاق المکره و عتاقه

فإنها و ان وردت فی الطلاق و العتاق،و لکنها بضمیمة عدم القول بالفصل بینهما و بین غیرهما من العقود و الإیقاعات تدل علی المقصود.

الوجه الخامس:ما دل2علی رفع الإکراه فی الشریعة المقدسة.

ص:291


1- 1) قد تقدمت هذه الروایات فی الجزء الثانی فی ص 138.

و وجه الاستدلال به علی بطلان عقد المکره هو ما ذکرناه فی علم الأصول من أنه لا اختصاص لحدیث الرفع بالأحکام التکلیفیة.بل یعم الأحکام الوضعیة-أیضا-کما أنه لا اختصاص له بمتعلقات الأحکام،بل هو یجری فی الموضوعات أیضا،فإن فعل المکلف کما یقع متعلقا للتکلیف کذلک یقع موضوعا له،و علیه فإذا أکره المکلف علی إیجاد الموضوع لحکم،کالافطار فی شهر رمضان،أو إنشاء بیع ارتفع حکمهما.

و علی هذا فلا احتیاج فی الاستدلال بحدیث الرفع علی بطلان بیع المکره الی التمسک باستدلال الامام علیه السلام بذلک علی بطلان الیمین بالطلاق و العتاق[1]

ص:292

مع ضمیمة عدم القول بالفصل-بینهما و بین سائر العقود و الإیقاعات-إلی الاستدلال المزبور.

کما لا نحتاج الی القول بأن اعراض الامام علیه السلام عن الحکم ببطلان العتاق و الطلاق بدءا الی التمسک بحدیث الرفع شاهد صدق علی شمول ذلک الحدیث لأمثال الموارد.

و لا احتیاج إلی شیء منهما و إن کان کل منهما تاما فی نفسه.

و علی الجملة:إنه لا شبهة فی دلالة حدیث الرفع علی بطلان عقد المکره ما هو حکم المعاملة الصادرة من المضطر؟

بقی هنا أمران یحسن بنا التعرض لهما:
الأول:أنه قد یتوهم أنه إذا ثبت بطلان بیع المکره من جهة حدیث

الرفع

فلا بد و أن یحکم بفساد العقود و الإیقاعات الصادرة من المضطر-لأجل الاضطرار-لعین ذلک الحدیث،و قد تقدم مثاله قریبا.

و لکنه یندفع بأن حدیث الرفع وارد فی مقام الامتنان،و من الواضح أن الحکم بفساد معاملة المضطر علی خلاف الامتنان،و علیه فلا تکون المعاملة الاضطراریة مشمولة لحدیث الرفع.

ما هو حکم المعاملة الصادرة من المکره بحق؟

الثانی:أن حدیث الرفع انما یدل علی بطلان عقد المکره فیما إذا کان

المکره(بالکسر)من سنخ البشر.

أما إذا کان المکره(بالکسر)هو

ص:293

اللّه تعالی بلسان سفرائه الطاهرین،فإنه-وقتئذ-لا یحکم بفساد العقد الواقع کرها،و لا یکون ذلک مشمولا لحدیث الرفع فان ذلک اکراه بحق فلا یمنع عن نفاذ البیع و إلا لزم أن یکون حکمه سبحانه بوقوع العقد الإکراهی لغوا محضا تعالی عن ذلک علوا کبیرا.و قد تحقق هذا المعنی فی موارد شتی،و نذکر منها ما یلی:

1-أن یحکم القاضی ببیع ملک المدیون لإیفاء الغرماء حقوقهم،فإنه اکراه بحق لا یمنع عن نفاذ البیع،بل یقع معه صحیحا نافذا.

2-الظاهر أنه لا خلاف بین الأصحاب رضوان اللّه علیهم فی إجبار المحتکر علی بیع ما احتکره من الطعام فیما إذا لم یوجد الباذل.بل عن المهذب البارع الإجماع علیه.و عن التنقیح عدم الخلاف فی ذلک و قد وردت جملة من الروایات فی ذم المحتکر،و حرمة الاحتکار.و کونه من الجرائم الموبقة و یأتی البحث عن ذلک فی أواخر کتاب البیع إنشاء اللّه.

3-أن لا ینفق الرجل علی من تجب نفقته علیه من الأب و الام و الأولاد و الأزواج و غیرهم،فإنه حینئذ یجبر هذا الشخص الممسک علی بیع أمواله و صرف ثمنها فی نفقة هؤلاء.و لا یؤثر هذا الإکراه فی بطلان بیعه،لما عرفته قریبا فی المحتکر.

4-أنه إذا امتنع الراهن من أداء دینه فإنه یجبره الحاکم علی بیع العین المرهونة و أداء دین المرتهن من ثمنها.فلا یؤثر الإکراه فی فساد بیعه.

ثم انه بقی هنا شیء آخر لا بأس بالتعرض له.و هو أن المحقق الایروانی قد استدل علی فساد عقد المکره بما حاصله:أن عنوان المعاملة لا یتحقق عرفا بإنشاء المکره،بداهة أنه و ان قصد المعنی قلبا،و تکلم باللفظ لسانا،إلا أنه لا رابطة بینهما لبا،ضرورة أنه لم یأت باللفظ لأجل المقدمیة و التوصل

ص:294

الی المعنی لکی یکون ذلک وسیلة إلی تحقق عنوان المعاملة،بل انما أتی به بداع آخر.و علیه فقصد المکره للمعنی،کالقصد الساذج الخالی عن الإنشاء.

کما أن إنشاءه کالإنشاء الساذج الخالی عن القصد.و إذا لم یتحقق-هنا-عنوان المعاملة لم یترتب علیه أثر شرعی.

و لکن یتوجه علیه ما عرفته مرارا من أن عنوان أی عقد أو إیقاع انما یتحقق بالاعتبار النفسانی،و إبرازه بمبرز خارجی من اللفظ و غیره، و لا ریب فی أن هذا المعنی متحقق فی عقد المکره،غایة الأمر أنه فاقد لطیب النفس،إلا أنه غیر دخیل فی عنوان العقد،و انما هو دخیل فی صحته.

و یضاف الی ذلک:أنه لو لم یکن إنشاء المکره مربوطا بالقصد و کان کل منهما غریبا عن الآخر کما یرومه المستدل کان عقد المکره فاسدا من ناحیة انتفاء موضوع العقد،لا من ناحیة الکره.و قد عرفت آنفا أن محل بحثنا انما هو فیما یکون العقد واجدا لسائر ما یعتبر فیه غیر طیب النفس و الرضاء.

هل یعتبر فی الإکراه وجود حامل

علی المکره علیه؟

قوله:(إن حقیقة الإکراه لغة و عرفا حمل الغیر علی ما یکرهه).

أقول:هل یعتبر فی مفهوم الإکراه وجود شخص حامل علی الفعل المکره علیه بحیث لولاه لما کان-هنا-اکراه کما هو الظاهر من المصنف أم لا یعتبر ذلک فی مفهومه،بل یکفی فیه مجرد الاعتقاد بوجود المکره (بالکسر)و ان کان الاعتقاد المزبور مخالفا للواقع؟.

ص:295

و یحسن بنا أولا:أن نقدم مقدمة فی طلیعة البحث عن ذلک و ملخصها:

أن النسبة بین عنوان الکراهة و عدم طیب النفس هی العموم المطلق،ضرورة أنه کلما تحقق-هنا-کره تحقق عدم طیب النفس.بخلاف العکس،فإنه قد لا یوجد الکره و لکن یتحقق عدم الرضاء و عدم طیب النفس-کما إذا تخیل أحد أن الجائر أجبره علی بیع داره أو طلاق زوجه أو عتاق عبده-و فعل ذلک ثم تبیّن أنه لیس هنا مکره(بالکسر)-فان عنوان الإکراه و ان کان غیر متحقق فی المقام واقعا و لکن لم یوجد هنا رضاء أیضا بالمعاملة.

و قد یتوهم أن النسبة بین عنوان الإکراه و بین عدم الرضاء هی العموم من وجه،إذ قد یتحقق الإکراه و لا یتحقق عدم الرضاء،کما إذا باع أحد داره برضاه ثم علم بوجود المکره فی الواقع بحیث لو لم یفعله لقتله.

و لکنه توهم فاسد بدیهة أن حقیقة الإکراه متقومة بوجود المکره (بالکسر)واقعا،و علم المکره(بالفتح)به فإذا انتفی أحدهما انتفی عنوان الإکراه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن کان الدلیل علی بطلان معاملة المکره هو حدیث الرفع فلا مناص عن التکلم فی حقیقة الإکراه،و بیان ما یعتبر فیها من القیود و الشرائط،لکی یتضح ما هو المقصود من الحدیث المزبور.

و ان کان الدلیل علی بطلان معاملة المکره هو عدم اقترانها بالرضاء و طیب النفس فلا نحتاج الی البحث عن حقیقة الإکراه فإن المدار فی صحة معاملات المکره و فسادها-وقتئذ-انما هو وجود طیب النفس و عدمه، و علیه فیحکم بفساد العقد الصادر من شخص بتوهم أن الجائر قد أمره بذلک، و أوعده علی ترکه بالضرب و القتل و نحوهما-و ان کان اعتقاده هذا موافقا للواقع-فان العقد المزبور فاقد لطیب النفس.نعم إذا طابق اعتقاده الواقع

ص:296

اجتمعت حقیقة الإکراه مع عدم طیب النفس.

و علی الجملة:أن المیزان فی بطلان بیع المکره انما هو عراؤه عن طیب النفس،سواء أ استند ذلک الی مجرد الخوف من دون أن یکون-هناک- مخوّف،أم استند الی جوف مستند إلی الجائر.

هل یعتبر فی تحقق الإکراه الوعید

من الآمر؟

قوله:(و یعتبر فی وقوع الفعل من ذلک الحمل اقترانه بوعید منه) أقول:هل یعتبر فی تحقق الإکراه الوعید من الآمر،أم یکفی فی ذلک توجه الضرر علی المکره(بالفتح)و لو من ناحیة غیر الآمر؟.

الظاهر من المصنف هو الأول.

و قال السید-عند قول المصنف:اقترانه بوعید منه-:(فعلی هذا لا یصدق علی ما أشرنا إلیه سابقا من طلب الغیر منه فعلا إذا خاف من ترکه الضرر السماوی،أو ضررا من جانب شخص آخر إذا اطلع علی ذلک مع عدم توعیده.بل و کذا إذا فعل الفعل لا بأمر الغیر لکن خاف منه الضرر.

و حینئذ فالإقدام علی الفعل قبل اطلاع الجائر بتخیل أنه إذا اطلع علی الترک أو صل الیه الضرر لا یعد من الإکراه).

و تبعهما فی ذلک شیخنا الأستاذ،و إلیک نص مقرر بحثه:(یعتبر توعید الطالب علی الترک،ثم یعتبر الظن أو الاحتمال العقلائی علی ترتب ذلک الوعید علی الترک فمجرد أمر الغیر مع عدم اقترانه بتوعید منه لا یدخل فی موضوع البحث و إن خاف من ترکه ضررا سماویا أو الضرر من شخص آخر غیر الآمر).

ص:297

و لکن التحقیق:أن یحکم بفساد العقد إذا ترتب علی ترکه الضرر و لو من ناحیة غیر الآمر،کما إذا أمره ابن السلطان ببیع ماله فباعه خوفا من الضرر المتوجه الیه من ناحیة السلطان إذا علم بمخالفة أمر ولده.

و لا یفرق فی ذلک بین کون المدرک لبطلان عقد المکره هو حدیث الرفع،و بین کونه عدم طیب النفس:

أما علی الثانی فواضح.

أما علی الأول فلما عرفته من أن حقیقة الإکراه حمل الغیر علی فعل مع الإیعاد علی ترکه بالضرر سواء أ کان الضرر متوجها الیه من الآمر،أم کان متوجها الیه من غیره.

نعم إذا کان الوعید بالضرر السماوی،کما إذا أمر أحد من أولیاء اللّه شخصا خاصا ببیع داره،و إلا طلب من اللّه تعالی أن یمطر علیه حجارة من السماء،أو یرسل علیه ریحا عاصفة فباعها خوفا من الغضب الإلهی،فإن البیع المذکور یحکم بصحته،لما عرفته-قریبا-من أن المرفوع بحدیث الرفع إنما هو الإکراه من ناحیة العباد،لا الإکراه من ناحیة اللّه سبحانه.و هذا ظاهر.

هل یعتبر فی الإکراه العلم بترتب الضرر

علی ترک المکره علیه؟

هل یعتبر فی صدق الإکراه العلم أو الظن بترتب الضرر علی ترک المکره علیه،أم یکفی فی ذلک مجرد الاحتمال؟.

ذکر المصنف:أنه یعتبر فی ذلک کون الضرر مظنون الترتب علی ترک ذلک الفعل بحیث یضر بحال الفاعل،أو بحال من یتعلق به،أو یضر بماله.

ص:298

و قد اکتفی شیخنا الأستاذ فی صدق الإکراه علی ذلک باحتمال ترتب الضرر علی ترک المکره علیه،و قد عرفت عبارة مقرر بحثه آنفا.

و هذا هو الصحیح،لما عرفته-قریبا-من أن المدار-فی فساد عقد المکره-علی انتفاء طیب النفس،و هو حاصل بمجرد الخوف النفسانی الحاصل من وعید الآمر،و معه لا دلیل علی اعتبار العلم بالترتب أو الظن به،بل یکفی فی ذلک مجرد الاحتمال العقلائی.

ثم ذکر السید:(أنه لا بد فی صدق الإکراه من کون الضرر المتوعد به مما لم یکن مستحقا علیه،فلو قال:افعل کذا و إلا قتلتک قصاصا.

أو و إلا طالبتک بالدین الذی لی علیک و نحو ذلک لا یصدق علیه الإکراه).

و قد یناقش فیه بأن المعاملة-عندئذ-فاقد لطیب النفس و الرضاء.

فتکون فاسدة.

و لکن الظاهر:أن ما ذکره السید هو الصحیح،و ذلک من جهة أن أن الإکراه ینصرف عرفا الی غیر ذلک،و علی فرض عدم الانصراف فالحدیث لا یشمله،لأنه علی خلاف الامتنان.

و توهم:أن المعاملة-حینئذ-فاقدة لطیب النفس مدفوع بان دفع الضرر المستحق علیه أقوی سبب لتحقق الرضاء بالمعاملة،فإن الضرر إذا کان مستحقا علیه لزمه الالتزام به بحکم الشارع،أو دفعه عن نفسه باختیاره و بالتراضی بینه و بین من یستحق علیه.

ص:299

هل یعتبر فی الإکراه عدم إمکان

التفصی عن الضرر؟

قوله:(ثم إنه هل یعتبر فی موضوع الإکراه أو حکمه عدم إمکان التفصی عن ذلک الضرر المتوعد بما لا یوجب ضررا آخر). أقول:هل یعتبر فی موضوع الإکراه عدم إمکان التفصی عن الضرر المتوعد به بتوریة أو بغیرها أم لا یعتبر ذلک فی موضوعه،بل یعتبر فی حکمه:أعنی به الأثر المترتب علی الإکراه من بطلان المعاملة و غیره.أم یفصل بین المعاملات و غیرها، و یلتزم بعدم الاعتبار فی الأول دون الثانی،أم یفصل بین التوریة و غیرها، و یلتزم-فی تحقق مفهوم الإکراه-باعتبار العجز عن غیر التوریة دونها، أم لا یعتبر شیء من المذکورات؟.

و قبل التعرض لتلک الوجوه یحسن بنا أن نقدم أمام البحث بیان حقیقة التوریة:و هی فی اللغة بمعنی الستر و الإخفاء و إلقاء کلام ظاهر فی معنی و إرادة خلاف ظاهره.مع إخفاء القرینة علی المراد،فکأن المتکلم واری مراده عن المخاطب بإظهار غیره.و خیّل إلیه أنه أراد ظاهر کلامه.

و قد ذکر الطریحی فی مجمع البحرین ورّیت الخبر بالتشدید توریة إذا سترته و أظهرت غیره،حیث یکون للفظ معنیان أحدهما أشیع من الآخر و تنطق به و ترید الخفی.

و فی القاموس:ورّاه توریة أخفاه.

و فی تلخیص المفتاح:و منه التوریة و تسمی الإیهام-أیضا-و هو أن یطلق لفظ له معنیان قریب و بعید و یراد البعید.إلخ.

ص:300

و لکن لا یخفی علیک:أن التوریة کما تتحقق فی الأقوال کذلک تتحقق فی الأفعال-أیضا-و لا وجه لتخصیصها بالأولی کما یلوح من ظاهر تفاسیر القوم أما جریانها فی الأقوال فکما إذا أراد أحد أن ینکر مقالته الصادرة منه فیقول:علم اللّه ما قلته،حیث یظهر کلمة الموصول علی صورة أداة النفی.

و یخیّل الی السامع أنه ینکر کلامه الصادر منه.

و من هذا القبیل ما ذکره سلطان العلماء و المحققین فی حاشیته علی المعالم عند البحث عن المجمل من أنه سئل أحد العلماء عن علی علیه السلام و أبی بکر بأنه أیهما خلیفة الرسول صلّی اللّه علیه و آله فقال:من بنته فی بیته.

و منه قول عقیل علیه السلام:أمرنی معاویة أن ألعن علیا ألا فالعنوه.

و من القبیل المذکور ما سئل بعض الشیعة عن عدد الخلفاء فقال:أربعة أربعة أربعة،و قصد من ذلک الأئمة الاثنی عشر،و زعم السائل أنه أراد الخلفاء الأربع.

ثم لا یخفی علیک:أن الکلام الذی یورّی به قد یکون ظاهرا فی بیان مراد المتکلم،و لکن المخاطب لغباوته و قصور فهمه لا یلتفت الیه،و لا ریب أن مثل ذلک خارج عن حدود التوریة موضوعا.و إنما هو کسائر الخطابات الصادرة من المتکلم فی محاوراته و محادثاته.

و منه ما نقل عن بعض الأجلة أن شخصا اقترح علیه أن یعطیه شیئا من الدراهم و یعینه بذلک،و کان المسؤول یری السائل غیر مستحق لذلک فالقی السبحة من یده علی الأرض و قال:و اللّه ان یدی خالیة،و تخیل السائل من کلامه أنه غیر متمکن من إعطاء سؤله و قضاء حاجته.

أما جریان التوریة فی الأفعال فهو من الوضوح بمکان و ان لم یتعرض له من فسر التوریة و بیّن حقیقتها.

ص:301

و مثال ذلک:أن یکره الجائر أحدا علی شرب الخمر،فأخذها المکره (بالفتح)و أهرقها علی جیبه،و خیّل إلی الجائر أنه شربها.

و أن یکره أحدا علی أخذ أموال الناس بالظلم و العدوان.فأخذ المکره (بالفتح)مال الظالم سرا و دفعه الیه جهرا،و یخیّل إلیه أنه أخذه من الناس و أعطاه إیاه.

و أن یأمر أحد عماله أن یضرب مظلوما فی اللیل المظلم،فیوری العامل فی فعله بضرب سوطه علی الجدار،و یأمر المظلوم بالنیاحة و البکاء لکی یفهم الظالم أنه یضربه.و الی غیر ذلک من الأمثلة.

و علیه فإذا قلنا بوجوب التوریة فی الکلام مع التمکن منها قلنا به فی الأفعال-أیضا-فإن سبیلهما واحد.و هذا واضح لا ستار فیه.

ثم انه فصّل المصنف-هنا-بین المعاملات و غیرها،حیث اعتبر العجز عن التفصی فی حقیقة الإکراه فی الثانی دون الأول.

و ملخص کلامه:أن المناط فی الإکراه الرافع لأثر المعاملات إنما هو عدم طیب النفس بمفاد المعاملة.و لا ریب أن هذا المعنی قد یتحقق مع إمکان التفصی.

و مثاله:أنه لو جلس أحد فی مکان خاص فاکرهه الجائر علی بیع داره فان المکره بالفتح و ان کان له فی غیر هذا المکان خدم یکفونه عن شر المکره (بالکسر)إلا أنه یکره الخروج عن مکان جلوسه و لا یتمکن فی هذه الحالة من دفع ضرر الجائر عن نفسه،و علیه فالإکراه بمعنی عدم طیب النفس متحقق هنا،و حینئذ فیحکم بعدم ترتب الأثر علی هذه المعاملة الصادرة من المکره.

و هذا بخلاف الإکراه علی أمر محرم کالکذب و شرب الخمر و الزناء

ص:302

و أشباهها فإن الشخص المزبور فی المثال المذکور لا یعذر بمجرد کراهة الخروج عن ذلک المنزل فان المناط فی الإکراه-المعتبر فی تسویغ المحرمات-هو الإکراه بمعنی الجبر.و المناط فی الإکراه-المعتبر فی رفع الأثر عن المعاملات-هو عدم طیب النفس کما عرفته قریبا و کم فرق بینهما.

و یدل علی التفرقة بین المقامین خبر ابن سنان قال:قال أبو عبد اللّه علیه السلام:لا یمین فی غضب و لا فی قطیعة رحم،و لا فی جبر،و لا فی إکراه قال:قلت أصلحک اللّه فما فرق بین الإکراه و الجبر؟قال:الجبر من السلطان یکون،و الإکراه من الزوجة و الأب و الام و لیس ذلک بشیء (1)حیث ان الظاهر من هذا الخبر هو أن ما یرفع أثر المعاملات انما هو الإکراه بمعنی عدم طیب النفس و ان لم یتوجه علی ترک المکره علیه ضرر-کما فی إکراه الأب و الام و الزوجة-فیکون أوسع دائرة من الإکراه المسوغ لسائر المحرمات.

و لکن یتوجه علیه أولا:أن معنی الإکراه هو حمل الغیر علی ما یکرهه مع الإیعاد علی ترکه.و لا ریب أن هذا المعنی ینطبق علی جمیع موارد الإکراه بنسق واحد من دون فارق بین المعاملات و المحرمات.و علیه فمجرد مقابلة الإکراه مع الإجبار-فی الروایة-لا تدل علی التفرقة بین المعاملات و المحرمات بل غایة ما یستفاد منها أن دائرة الإکراه الرافع لأثر المعاملات أوسع من دائرة الإجبار المسوغ للمحرمات،فإنه یتسامح فی الأول بما لا یتسامح فی الثانی.

و یضاف الی ذلک:أنه لم یذکر فی الروایة أن الإجبار یکون فی

ص:303


1- 1) الفقیه ج 3 من طبعة النجف باب 98 الایمان ص 235.و فروع الکافی ج 7 من ط 2 باب ما لا یلزم من الایمان ص 442.و التهذیب ج 2 کتاب الایمان ص 328.و الوافی ج 7 ص 92.

المحرمات فقط،بل المذکور فیها هو بیان الفارق بین السلطان.و بین الأب و الام و الزوجة و علیه فما ذکره المصنف-فی المثال المزبور من بیان المائز بین المعاملات و بین المحرمات-لا یبتنی علی أساس صحیح،بل کما لا یسوغ مع الإکراه -المذکور فی المثال-ارتکاب المحرمات کذلک یحکم-معه-بنفوذ المعاملات بدیهة أن الإکراه إنما یؤثر فی فساد المعاملة إذا کانت المعاملة المکره علیها فاقدة لطیب النفس من ناحیة الخوف المستتبع لترتب الضرر علی الترک،و لم یقدر المکره(بالفتح)علی دفعه عادة و من البیّن الذی لا ریب فیه أن طیب النفس متحقق فی المثال،لتمکن البائع من عدم البیع،و لو بالاستنصار من خدمه و عشیرته لکی یدفعوا عنه الضرر.

ثانیا:أنه لا دلالة فی الروایة المذکورة علی التفرقة بین المقامین، ضرورة توجه الضرر علی ترک المکره علیه فی الأمثلة التی ذکرت فی الروایة کیف فان ترک ما یریده الأب أو الأم أو الزوجة قد یوجب اختلال العیش و اضطراب الفکر،بل ربما ینجر ذلک الی ما هو أعظم من ذلک،و إذن فتبعد الروایة عن إثبات صدق الإکراه بدون توجه الضرر علی ترک المکره علیه.

أضف الی ذلک:أن الروایة ضعیفة السند،فإن الراوی عن ابن سنان هو عبد اللّه بن القاسم،و هو اما مجهول أو ضعیف.

ثم ان المصنف قد فصل-هنا-تفصیلا آخر و هو التفصیل بین العجز عن التفصی بالتوریة و غیرها،حیث اعتبر الثانی فی مفهوم الإکراه دون الأول و حاصل کلامه:أن الظاهر من النصوص و الفتاوی هو عدم اعتبار العجز عن التوریة فی موضوع الإکراه أو حکمه،إذ من البعید جزما أن یحمل عموم حدیث الرفع،و خصوص النصوص-الواردة فی طلاق المکره

ص:304

و عتقه و الشهرات المدعاة فی حکم المکره-علی صورة العجز عن التوریة، لجهل أو دهشة،بل مورد بعضها یأبی عن الحمل المذکور،کما یتضح ذلک لمن یراجعها.

و یضاف الی ذلک:أن القدرة علی التوریة لا یخرج الکلام عن حیز الإکراه عرفا،بداهة أن الأصحاب-وفاقا للشیخ فی المبسوط-جعلوا من شروط تحقق الإکراه علم المکره أو ظنه بوقوعه فی الضرر المتوعد به مع الامتناع عن إیجاد المکره علیه،و من البیّن أنه لا شبهة فی وجود الملازمة بین امتناع المکره(بالفتح)عن الفعل المکره علیه،و بین وقوعه فی الضرر- الذی هو المعتبر فی صدق الإکراه-مع التمکن من التوریة،کما لا شبهة فی انتفاء هذه الملازمة مع التمکن من غیرها.و إذن فموضوع الإکراه متحقق فی الأول فیلحقه حکمه،دون الثانی مع أن العجز عنها لو کان معتبرا لأشیر إلیها فی قضیة عمار و أبویه[1].

و لکن یتوجه علی ذلک:أنه لم یتضح لنا الفارق بین إمکان التفصی بالتوریة و غیرها،فکما لا یتحقق مفهوم الإکراه فی الثانی،کذلک لا یتحقق مفهومه فی الأول-أیضا.

ص:305

و من هنا لو أکره أحد علی شرب الخمر مع تمکنه من هراقته علی جیبه حرم علیه شربها جزما و قد تقدم أن التوریة کما تجری فی الأقوال تجری فی الأفعال-أیضا.

و کذا لو أکره الجائر أحدا علی ارتکاب محرم أو ترک واجب ثم غاب عنه بحیث لا یلتفت الی حاله.و أنه یفعل الفعل المکره علیه أو لا یفعله، فإن أحدا لم یتوهم تحقق الإکراه-هنا-مع أن الملازمة المزبورة متحققة-هنا- فی مورد المثالین جزما.

و یضاف الی ذلک:ما ذکرناه سابقا من أن المناط فی بطلان معاملة المکره إنما هو انتفاء طیب النفس و الرضاء کما بنی علیه المصنف فیما سبق،و من الواضح أن طیب النفس متحقق فیمن تمکن من التفصی بالتوریة،و معه کیف یتحقق الإکراه.

أما ما ذکره من التمسک بإطلاق حدیث الرفع و سائر الروایات الواردة فی طلاق المکره،و عتاقه و النصوص الواردة فی تجویز الحلف الکاذب بدعوی أن الظاهر منها هو عدم اعتبار العجز عن التفصی فی حکم المکره علیه.

فیتوجه علیه:أن التمسک بذلک إنما هو بعد إحراز الموضوع:

أعنی به تحقق الإکراه،و قد عرفت عدم تحققه مع التمکن من التفصی.

أما ما ذکره من أن العجز عن التوریة لو کان معتبرا فی رفع الأثر عن الفعل المکره علیه لأشیر إلیه فی قضیة عمار و أبویه من جهة شفقة النبی صلّی اللّه علیه و آله علیه.

فیتوجه علیه أولا:أن عظمة عمار و نبوغه فی العلم و التقوی مانعة عن تکلمه بکلمة الکفر مع قصده الی معناها،بل هو لم یتکلم بکلمة الکفر إلا ظاهرا بلسانه،و کان قلبه مطمئنا بالایمان،و علیه فشأن تکلمه بکلمة الکفر

ص:306

شأن تکلم الکفار بکلمة الشهادة عند الخوف و الدهشة من غیر إرادة جدیة، و إذن فلم تکن حاجة الی التنبیه.

ثانیا:أن الرسول صلّی اللّه علیه و آله و ان لم ینبه عمارا علی التوریة،و أغفل تعلیمه إیاها و لکنه من جهة عدم مشروعیتها فی أمثال المقام،فإن إظهار الکفر-و لو مع التوریة-محرم فی نفسه،لأنه هتک للّه سبحانه و تجاسر لعظمته.و کذلک التکلم بکلمة الفحش و أشباهها.و من البدیهی أنه لو جازت التوریة فی إظهار کلمة الکفر عند التقیة لجازت مطلقا و لو فی غیر حال التقیة.

و من العجب:أن المصنف ذکر أنه لو سلم اعتبار العجز عن التفصی بالتوریة فی موضوع الإکراه و حقیقته کان مقتضی عموم حدیث الرفع و خصوص النصوص الواردة فی طلاق المکره و عتاقه و معاقد الإجماعات و الشهرات المدعاة إلحاق القادر بالعاجز حکما،إذ من البعید جدا حمل جمیع ذلک علی صورة العجز عن التوریة لجهل أو دهشة،بل لا یمکن الالتزام بهذا الحمل فی بعضها من جهة المورد،کما لا یخفی علی من راجعها.

و وجه العجب:أنا لم نجد روایة تدل علی إلحاق غیر المکره بالمکره حکما.

أما حدیث الرفع و ما ورد فی طلاق المکره فلم یذکر فی هذه الروایات إلا مادة الکراهة و ما یقتطف منها،و لا تعرض فیها لبیان موضوع الإکراه و لا لتنزیل غیر المکره منزلة المکره حکما.

و أعجب من الکل دعواه الإجماع علی التنزیل مع أنا لم نر من ذلک فی کلمات الفقهاء عینا و لا أثرا.

ص:307

بحث فی الإکراه علی أحد الأمرین

العرضیین

قوله:(أما لو کانا عقدین أو إیقاعین کما لو اکره علی طلاق احدی زوجتیه فقد استشکل غیر واحد) أقول:تحقیق البحث-فی المقام-أنه إذا کان المکره علیه أحد الأمرین علی سبیل التخییر دون الواحد المشخص فهل یتحقق الإکراه باختیار کل منهما،و یترتب علیه أثره أم لا؟ تحقیق ذلک یقع فی ناحیتین:

الاولی فی الأفراد العرضیة.

و الثانیة فی الأفراد الطولیة.

أما الناحیة الأولی فقد ادعی بعض الأصحاب عدم تحقق الإکراه فیما إذا کان المکره علیه هو الجامع بین الأمرین أو أمور کثیرة،بداهة أن الفاعل مخیر فی اختیار أیهما،فیکون صدوره منه بطیب نفسه و رضاه،فیحکم بصحته إن کان ذلک معاملة،و بحرمة الإتیان به إن کان من المحرمات.

و قد ناقش فیه المصنف بالنقض ب(أنه لو لم یکن هذا مکرها علیه لم یتحقق الإکراه أصلا،إذ الموجود فی الخارج دائما إحدی خصوصیات المکره علیه،إذ لا یکاد یتفق الإکراه بجزئی حقیقی من جمیع الجهات.نعم هذا الفرد مختار فیه من حیث الخصوصیة و ان کان مکرها علیه من حیث القدر المشترک بمعنی:أن وجوده الخارجی ناشئ عن اکراه و اختیار،و لذا لا یستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل،و یستحقه باعتبار الخصوصیة).

و الجواب عن هذه المناقشة:أنه فرق بین وقوع الإکراه علی بیع الدار

ص:308

و بین وقوعه علی طلاق احدی الزوجتین،أو عتاق أحد العبدین،فان المکره علیه و إن کان کلیا فی کلا الموردین،إذ لم یلاحظ بیع الدار من شخص خاص و لا فی وقت معین،إلا أن خصوصیة کل فرد من طلاق احدی الزوجتین أو عتاق أحد العبدین محط نظر المکره(بالکسر)و هذا بخلاف الخصوصیات الموجودة فی بیع الدار،فإنها عوارض فردیة و خارجة عن مورد الإکراه، فالقیاس مع الفارق.

و التحقیق فی المقام:أنا قد ذکرنا-فی مبحث الواجب التخییری من علم الأصول:أن الواجب-هنا-هو الجامع العنوانی الانتزاعی،و هو مفهوم أحدهما الصادق علی کل منهما،إذ لا ریب فی إمکان تعلق الطلب بأحد الفعلین أو الأفعال علی البدل،ضرورة أنه لا یعتبر فی متعلق الوجوب أن یکون من الکلیات المتأصلة،بل یجوز أن یکون من الکلیات الانتزاعیة،و إذا فرض ترتب الغرض الواحد علی أحد الفعلین،أو الأفعال علی البدل،فإنه لا بد و أن یکون متعلق الإیجاب-أیضا-کذلک.

أضف إلی ذلک:أنه لا شبهة فی إمکان تعلق الصفات الحقیقیة ذوات الإضافة بأحد الأمرین أو الأمور،کما إذا علمنا بفسق أحد الرجلین مع احتمال فسق الآخر-أیضا-و کان کلاهما فاسقا فی الواقع،فان متعلق العلم -هنا-هو أحد الفسقین علی نحو الإبهام و الاجمال،لعدم تعینه فی الواقع.

و إذا أمکن تعلق الصفات الحقیقیة ذوات الإضافة بأحد الأمرین أو الأمور أمکن ذلک فی الأمور الاعتباریة-أیضا-جزما.

و مقامنا هذا نظیر الواجب التخییری،فإنه إذا أکره أحد علی الإتیان بأحد الأمرین أو اضطر الی ذلک کان الإکراه أو الاضطرار علی الجامع، لا علی خصوص کل فرد من الأفراد،و هذا المعنی لا ینافی وجود الطبیعة الکلیة

ص:309

فی ضمن کل فرد من الأفراد فإن لازم ذلک أن کل فرد مصداق للمکره علیه لا أن یکون بنفسه مکرها علیه،للفرق الواضح بین تعلق الإکراه بشیء بداءة و بین تعلقه به بواسطة الکلی،فإن اختیار أی فرد من الأفراد بعد تعلق الإکراه بالکلی من باب الاضطرار.

و من هنا اتضح لک الفارق بین الإکراه علی بیع الدار،و بین الإکراه علی تطلیق احدی الزوجتین،أو عتاق أحد العبدین،بدیهة أن الأول بنفسه مورد للإکراه دون الثانی،فإن مورد الإکراه فیه هو الجامع،و أما کل من الخصوصیتین فهو غیر واقع تحت الإکراه.

و قد ظهر لک مما بیناه فساد ما ذکره المحقق الایروانی من أن الأشخاص تعد مکرها علیها بالإکراه علی القدر المشترک.

و إذا عرفت ما تلوناه علیک فاعلم:أنه إذا تعلق الإکراه بالقدر المشترک بین الفعلین،فاما أن یکون کلاهما من المحرمات التکلیفیة أو یکون کلاهما عقدا أو یکون أحدهما عقدا و الآخر محرما،أو یکون أحدهما عقدا و الآخر مباحا أو یکون أحدهما محرما و الآخر مباحا.

فان کان کلا الأمرین حراما تکلیفیا-و کانا متساویین فی ملاک التحریم و لم یکن أحدهما أشد مبغوضیة من الآخر فی نظر الشارع-کان المکره(بالفتح) مخیرا فی اختیار أی منهما،ضرورة أن نسبة المکره علیه-و هو الجامع- الی کل منهما علی حد سواء.

و إن اختلفت الأفراد و لم تکن متساویة الإقدام فی ملاک التحریم، فإنه-وقتئذ-لا بد و أن یختار ما کان أقل مبغوضیة.

و مثال ذلک ما إذا أکره شخص علی شرب أحد الإنائین،و کان أحدهما نجسا و الآخر نجسا و مغصوبا-معا-فإن الإکراه-هنا-انما یتعلق بشرب النجس

ص:310

فلا یجوز للمکره(بالفتح)أن یشرب ما هو مغصوب و نجس.

و هکذا لو أکره شخص علی شرب أحد المائعین،و کان أحدهما خمرا و الآخر متنجسا،فإنه لا یسوغ له أن یختار شرب الخمر،لعدم کونه بالخصوص موردا للإکراه،بل لا بد له من اختیار ما یکون ملاک المبغوضیة فیه أقل و أخف و قد انجلی لک مما ذکرناه أنه إذا أکره شخص علی أحد الفعلین و کان أحدهما مباحا و الآخر حراما لم یکن المکره علیه مخیرا فی الإتیان بأی منهما بل لا بد له من اختیار المباح،کما إذا أکره شخص علی شرب أحد الکأسین و کان أحدهما ماء و الآخر خمرا لم یجز له شرب الخمر-حینئذ-بزعم تعلق الإکراه به بواسطة تعلقه بالقدر المشترک بینهما.

و إن کان کلا الأمرین عقدا أو إیقاعا،أو کان أحدهما عقدا و الآخر إیقاعا فإن کان الأثر مترتبا علی أحدهما دون الآخر-بأن أکره علی البیع الصحیح أو الفاسد،و اختار المکره(بالفتح)إنشاء البیع الصحیح-حکم بصحته،لأنه لم یصدر من المکره کرها بل إنما صدر منه باختیاره و طیب نفسه،فلا وجه لبطلانه.

و إن کان الأثر مترتبا علی کل منهما-من غیر أن یختص أحدهما بخصوصیة زائدة-کان الجامع بالنسبة إلیهما متساوی الأقدام،-و حینئذ-فیصیر کل واحد من الأمرین مصداقا للمکره علیه:أعنی به الجامع.و قد عرفت أن مجرد کون الشیء مصداقا للمکره علیه و إن لم یوجب ارتفاع الحکم،و لکن حیث کان المکره(بالفتح)مضطرا إلی اختیار أحدهما فارتفع عنه الحکم من من جهة الاضطرار.

و بعبارة اخری:أن الإکراه قد تعلق بداءة بالقدر المشترک بین الأمرین،و القدر المشترک لا یتحقق إلا فی ضمن أحدهما،لاستحالة وجود

ص:311

الطبیعی فی الخارج بدون أفراده و إذن فالمکره مضطر إلی إیجاد أحد الأمرین لا علی التعیین،لأن ترکهما معا یستلزم توجه الضرر علیه،و من الظاهر أن الاضطرار یوجب ارتفاع الحکم الوضعی و التکلیفی،کما أن الإکراه یوجب ذلک.

لا یقال:إن الاضطرار إلی إیقاع عقد أو معاملة لا یوجب ارتفاع أثره-کما تقدم-فکیف یحکم بالبطلان فی المقام من جهة الاضطرار.

فإنه یقال:فرق واضح بین ما نحن فیه،و بین ما تقدم،حیث إن الاضطرار-هناک-انما نشأ من الجهات الخارجیة،کالإنفاق للزوجة،و علاج المریض،و بنائه الدار،و خیاطة الثوب،و أشباه ذلک،و بیع الدار-مثلا- وسیلة إلی دفع الاضطرار.

و هذا بخلاف المقام،فان الاضطرار فیه قد نشأ من الإکراه،و هو متفرع علیه،و من ثم کان الحکم بالبطلان فی المقام موافقا للامتنان بخلاف ما تقدم.

و إذا أکره علی أحد الفعلین،و کان أحدهما مباحا-کشرب الماء- و الآخر معاملة-کبیع الدار-و اختار المکره(بالفتح)المعاملة لم یحکم ببطلانها بداهة أنها لم تکن بخصوصها موردا للاضطرار.و لا متعلقا للإکراه،إذ کان للمکره أن یختار شرب الماء،فاختیاره بیع الدار ناشئ من الرضاء و طیب النفس.

و من هنا اتضح لک حکم ما لو اکره علی الجامع بین البیع الصحیح و البیع الفاسد،فان ما تعلق به الإکراه-أعنی به الجامع-لا أثر له لکی یرتفع بالإکراه و ماله الأثر-و هو الصحیح-لا إکراه علیه حتی یوجب ارتفاع أثره و إن کان هو أو مقابله مما لا بد من تحققه،و لکنک قد عرفت أن مجرد اللابدیة لا یوجب تحقق الإکراه،و إنما یوجب تحقق الاضطرار،و من الواضح أن الاضطرار

ص:312

کما یندفع باختیار الفرد الصحیح کذلک یندفع باختیار الفرد الفاسد أیضا.

و علیه فاختیار الفرد الصحیح إنما نشأ من الرضاء و طیب النفس، فیحکم بصحته.

و قد اتضح لک مما ذکرناه:أنه لو اکره شخص علی إیجاد أحد الأمرین،إما بیع شیء من أمواله،أو أداء مال مستحق علیه فاختار المکره (بالفتح)البیع لما حکم ببطلانه.

و کذا لو اکره الراهن-عند حلول أجل الدین-علی بیع العین المرهونة أو بیع غیرها مما لا یستحقه المرتهن و اختار الراهن الثانی لحکم بصحته.

و من هنا علم انه لو أکره أحد إما علی بیع داره أو علی بیع دار صاحبه فضولا فباع دار نفسه،فإنه لا یحکم بفساده،إذ لا محذور علیه-هنا-فی إنشاء البیع الفضولی،لأن هذا لا یعد تصرفا فی مال غیره لکی یکون من قبیل الإکراه علی أحد الأمرین الذین یکون أحدهما مباحا و الآخر محرما بل هو بمنزلة الإکراه إما علی بیع الدار،أو علی شرب الماء،فإذا اختار بیع الدار و ترک شرب الماء حکم بصحته،لأنه لم یصدر إلا من الرضاء و طیب النفس لا من الجبر و الإکراه.

و إذا أکره علی أحد الأمرین مع کون واحد منهما معاملة-کبیع الدار- و الآخر حراما-کشرب الخمر أو ترک واجب کالصلاة و نحوها-فالکلام فیه یقع فی جهتین:الاولی فی الحکم التکلیفی.و الثانیة فی الحکم الوضعی:

أما الجهة الاولی فلا شبهة فی حرمة الإقدام علی الحرام و ترک المعاملة بداهة أن البیع بنفسه أمر مباح کسائر المباحات الشرعیة و من الواضح أنه لا یسوغ ترک المباح و الاقدام علی الحرام عند دوران الأمر بین ارتکاب أحدهما،إذ الحرام لیس بنفسه موردا للاضطرار و لا متعلقا للإکراه،

ص:313

بل یمکن التفصی عنه بفعل المباح،و قد عرفت ذلک فیما سبق.

أما الجهة الثانیة فالظاهر أن یحکم ببطلان البیع مع الاقدام علیه لصدوره من المکره کرها،لا من الرضاء و طیب النفس فیشمله دلیل رفع الإکراه.

و بعبارة اخری أنه إذا أکره أحد إما علی فعل الحرام أو علی بیع داره -مثلا-و ترتب الضرر علی ترک المکره علیه-کان متعلق الإکراه هو البیع فقط،بداهة أن الاقدام علی الحرام بنفسه ضرر مترتب علی ترک البیع، و اذن فیرتفع أثر ذلک البیع بحدیث الرفع.و الی هنا انتهی الکلام فی الأفراد العرضیة

بحث فی الإکراه علی أحد الأمرین الطولیین

أما الناحیة الثانیة-:أی البحث فی الأفراد الطولیة-فهل یجری فیها جمیع ما أسلقناه فی الأفراد العرضیة أم کان حکم الإکراه و الاضطرار -هنا-منحصرا بالفرد الأخیر أم یفصل بین المعاملات و المحرمات، فیحکم بحرمة المبادرة إلی فعل المحرمات و بجواز الاقدام علی المعاملات؟.

ذهب شیخنا الأستاذ إلی الأخیر و إلیک نص مقرر بحثه:(و الظاهر فی هذه الصورة(:أی فی الإکراه علی الافراد الطولیة)الفرق بین المحرمات و المعاملات،فلو کان مکرها،أو مضطرا الی شرب الخمر موسعا فلا یجوز له المبادرة إلیه فی أول الوقت،سواء احتمل التخلص منه لو أخره أم لم یحتمل إذ لا بد من ارتکاب المحرم من المسوّغ له حین الارتکاب،فإذا لم یکن حین الشرب ملزما فاختیاره فعلا لا مجوّز له.و أما لو کان مکرها فی بیع داره موسعا فلو کان مأیوسا من التخلص عنه فإقدامه علی البیع فی أول الوقت لا یخرجه عن الإکراه،و أما لو احتمل التخلص فلو باع أول الوقت فهو مختار و الفرق واضح).

و قد ذکر فی مبحث التزاحم من علم الأصول:أنه إذا کانت القدرة فی

ص:314

کل من الواجبین شرطا عقلیا و کان أحد الواجبین أهم من الآخر،فیقدم فیه الأهم علی غیره.

و السر فیه أن الأهم بما هو کذلک یصلح أن یکون معجزا مولویا للمکلف عن الطرف الآخر،دون العکس،فتکون نسبة الأهم إلی غیره کنسبة الواجب الی المستحب أو المباح،فکما لا یمکن أن یکون المباح أو المستحب مزاحما للواجب کذلک لا یمکن أن یکون المهم مزاحما للأهم،و لا یفرق فی ذلک بین کون المتزاحمین عرضیین،و بین کونهما طولیین،کما لا فرق بین کون خطاب کل من المتزاحمین الطولیین فعلیا و بین کون أحدهما فعلیا،دون الآخر مع تمامیة ملاکه.

أقول:أما ما أفاده من القاعدة الکلیة فی مزاحمة الأهم و المهم فهو متین جدا.و قد قررناه فی المبحث المذکور من علم الأصول.

أما ما ذکره من التفصیل بین المعاملات و غیرها فلا یرجع الی معنی محصل بداهة أن الإتیان بالفرد المتقدم مع سعة الوقت لا ینطبق علیه عنوان المکره علیه و لا المضطر إلیه لکی یرتفع حکمه،سواء أ کان ذلک من قبیل المعاملات، أم کان من قبیل الأمور المحرمة،فإن الذی یترتب علیه الضرر انما هو ترک المجموع،لا ترک خصوص الفرد الأول،و علیه فلا ملزم له فی فعله.

نعم إذا ترکه لزمه الإتیان بالفرد الأخیر من جهة ترتب الضرر علی ترکه.

و علی هذا فلو أکره أحد علی بیع داره إما یوم الجمعة،أو یوم السبت فبادر الی بیعها یوم الجمعة فإنه یحکم بصحة هذا البیع،لصدوره عن الرضاء و طیب النفس.

و کذا إذا أکره علی فعل المحرم اما یوم الجمعة،أو یوم الخمیس،فإنه

ص:315

لا تجوز المبادرة إلی فعل ذلک یوم الخمیس،إذ لا مانع عن توجه النهی إلی المکره -عندئذ-و علیه فمتعلق الاضطرار فی الأفراد الطولیة انما هو الفرد المتأخر فقط،سواء فی ذلک المعاملات و غیرها.

ما هو حکم الإکراه علی ترک احد

الواجبین؟

لا یخفی علیک:ان ما ذکرناه فی الأفراد العرضیة و الطولیة جار فی الواجبات أیضا.

و مثال ذلک:أنه إذا اضطر أحد إلی الإفطار،أو أکره علیه إما فی الیوم الأول من شهر رمضان،أو فی الیوم الثانی منه،فإنه لا تجوز له المبادرة إلی الإفطار فی الیوم الأول منه لعدم کونه موردا للإکراه لکی یکون مشمولا لحدیث الرفع،إذ لا یترتب الضرر علی ترکه،و انما یخاف من ترتب الضرر علی ترک الإفطار فی الیوم الثانی بعد فرض انه صام فی الیوم الأول،فالصوم فی الیوم الثانی هو الذی لا یقدر المکلف علیه،دون الصوم فی الیوم الأول.

و ببیان آخر:أن کل یوم من أیام شهر الصیام له حکم خاص، و وجوب مستقل لا یمس بوجوب یوم آخر من تلک الأیام،و من الواضح أن عجز المکلف عن صوم یوم لا یرفع التکلیف عن صوم یوم آخر،و علیه فلا بد فی کل یوم من ملاحظة حال المکلف،فان تمکن من صومه وجب علیه ذلک،لفعلیة الأمر بفعلیة موضوعه،و الا فلا.

و من هنا إذا أکره أحد علی الإفطار فی شهر رمضان اما فی العشرة الأولی أو فی العشرة الثانیة لم یقل أحد بکون المکلف مخیرا فی ذلک،بل

ص:316

یجب علیه الصوم الی أن یتعین علیه إفطار یوم خاص.

ثم ان ما ذکرناه من عدم جواز ترک الواجب فعلا-عند دوران الأمر بین ترکه و ترک الواجب المتأخر-یختص بالواجبات الاستقلالیة.

أما الواجبات الضمنیة فلا یجری فیها ذلک.

و بیانه:أنه متی تعذر الإتیان بأحد إجزاء الواجب أو قیوده سقط أصل الواجب،لکون وجوب الأجزاء ارتباطیا،و عدم تمکن المکلف من الإتیان بالواجب بتمامه.و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الجزء المتعذر متعینا،أو مرددا بین أمرین أو أمور.

فإذا أکره المکلف علی ترک جزء فی الرکعة الأولی،أو الرکعة الثانیة کان مقتضی القاعدة هو سقوط وجوب أصل الصلاة،لعدم التمکن من الإتیان بتمام اجزائها.

و لکن حیث علمنا بأن الصلاة لا تسقط بحال[1]فقد علمنا بوجوبها فی الجملة،و علیه فیدور الأمر بین أن یکون الساقط هو الجزء الأول،و بین أن یکون هو الجزء الثانی.و حینئذ فإن استفدنا من دلیل الجزئیة أن العبرة -فی اعتباره فی الواجب-بالقدرة علیه فی ظرف اعتباره فلا بد من أن یکون الساقط هو الجزء المتأخر،و ذلک کما إذا دار الأمر بین ترک القیام فی الرکعة الاولی،و ترکه فی الرکعة الثانیة،فإنه-عندئذ-یلزم القیام فی الأولی لما ورد[2]من أن المصلی إذا قوی فلیقم.

ص:317

و إن لم یثبت ذلک وصلت النوبة الی الأصل العملی،و هو یقتضی التخییر لأنا نعلم باعتبار أحد الأمرین لا محالة،و لکن نشک فی اعتبار خصوص الأول فیدفع احتمال اعتباره بأصالة البراءة.

و هذا الذی ذکرناه جار فی جمیع موارد دوران الأمر بین ترک جزء و ترک جزء آخر،و کذلک بین ترک جزء و ترک شرط،أو ترک شرط و ترک شرط آخر.

هذا کله فیما إذا لم یعلم من الخارج تعین الأخذ بأحدهما،و إلا لزم الأخذ به،و یسقط الآخر.و ذلک کما إذا دار الأمر بین الوقت و غیره،أو بین الطهور و غیره،فإنه حینئذ لا إشکال فی أن الساقط یکون غیر الوقت و الطهور.

کما أنه إذا دار الأمر بین الطهور و الوقت کان الساقط هو الوقت و تمام الکلام فی محله

ما هو حکم إکراه أحد الشخصین

علی فعل واحد؟

قد ذکر المصنف: (أن اکراه أحد الشخصین علی فعل واحد بمعنی إلزامه علیهما کفایة و ایعادهما علی ترکه کإکراه شخص واحد علی أحد الفعلین فی کون کل منهما مکرها). تحقیق ذلک:أن الإکراه قد یتعلق بفعل محرم،و قد یتعلق بمعاملة أما الأول فکاکراه أحد الشخصین علی فعل محرم و الإیعاد علی ترکه بالضرر،فان علم أحدهما أو اطمأن بأن الآخر لا یفعله-إما لتمکنه من دفع الضرر المتوجه علیه،أو لتوطین نفسه علیه-جاز له الإتیان بالمکره علیه لخوفه من توجه الضرر علیه بل لو احتمل احتمالا عقلائیا بأن الآخر یفعله، فخاف من الضرر علی ترکه جاز له الارتکاب لدفع الضرر عن نفسه.أما إذا

ص:318

علم أو اطمأن بأن الآخر یرتکب المکره علیه إما لعدم مبالاته فی الدین أو لخوفه من توجه الضرر علیه حرم علیه ارتکابه.

و السر فی ذلک أن الأحکام الشرعیة و إن کانت مجعولة علی نحو الکلیة و لکنها منحلة إلی الأحکام الجزئیة باعتبار تعدد موضوعاتها الشخصیة.و علیه فکل فرد من أفراد المکلفین له حکم مستقل غیر مربوط بحکم المکلفین الآخرین،و حینئذ ففی ما نحن فیه إن خاف کل واحد من الشخصین من ترتب الضرر علی ترکه ارتکاب الحرام شمله حدیث الرفع،و یحکم بإباحة الفعل الصادر منه و الا یکون مشمولا لدلیل التحریم،فیحکم بحرمة ما ارتکبه من الفعل.

أما الثانی فقد یکون متعلق الإکراه عقدا واحدا،و قد یکون متعلقة عقدین:

أما الأول فلا شبهة فی بطلانه-کما إذا أکره الجائر أحدا من الوکیل أو الموکل علی بیع خاص.

و وجه البطلان:أن الوکیل و الموکل و إن کانا متعددین خارجا و لکن الصادر من أی منهما مملوک لشخص واحد،و هو الموکل،و علیه فمتعلق الإکراه أمر وحدانی غیر متعدد بتعدد الأشخاص،و إذن فشأن ذلک شأن إکراه الشخص الواحد علی ارتکاب فعل فارد.

و من هنا اتضح لک الفارق بین ما نحن فیه و بین ما تقدم:أعنی به إکراه شخص واحد علی أحد العقدین،بداهة أن بطلان العقد-هناک-من جهة الاضطرار الی أحد البیعین بخلافه-هنا-فان البطلان فیه من جهة الإکراه و هذا واضح.

أما الثانی فیأتی فیه ما ذکرناه فی إکراه أحد الشخصین علی فعل محرم، و علیه فان علم کل منهما أو اطمأن بصدور العقد من الآخر حکم بصحته إذا

ص:319

صدر منه،لعدم کونه مکرها فی فعله و ترتب علیه جمیع آثاره الوضعیة و التکلیفیة.

و إن علم أو اطمأن أو احتمل احتمالا عقلائیا بأن الآخر لا یفعله حکم ببطلانه،لأنه صدر منه کرها،فیکون مشمولا لحدیث الرفع.

و قد ظهر لک مما ذکرناه:أنه لا وجه للأخذ بإطلاق کلام المصنف، و الحکم بأن إکراه أحد الشخصین علی فعل واحد کإکراه شخص واحد علی أحد الفعلین فی کون کل منهما مکرها،فلاحظ و تأمل.

بحث فی بیان متعلق الإکراه

قوله:(و اعلم ان الإکراه قد یتعلق بالمالک). أقول:قد یتعلق الإکراه بالمالک العاقد،و قد یتعلق بالمالک،دون العاقد،و قد یتعلق بالعاقد دون المالک.

أما الأول فقد تقدم تفصیله-آنفا-و عرفت-أنه یحکم ببطلان العقد الإکراهی،لحدیث الرفع.

أما الثانی-کالإکراه علی التوکیل بطلاق زوجه،و وقع الطلاق من الوکیل من غیر اکراه-فلا شبهة فی عدم استناد الطلاق-عندئذ-الی الزوج لحدیث الرفع،و علیه فیکون التوکیل بمنزلة العدم،لتحققه بدون رضاء الموکل.

و علی هذا فان لم تلحق الإجازة بالطلاق حکم بفساده جزما،و إن لحقت به الإجازة فإن قلنا بصحة الإیقاعات الفضولیة حکم بصحة الطلاق، و إلا فلا.

ص:320

و لا یفرق فی ذلک بین لحوق الرضاء و الإجازة بالتوکیل الإکراهی و عدمه أما بناء علی کون الإجازة ناقلة فواضح،بدیهة أن التصرفات الصادرة من الوکیل قبل اجازة الموکل بمنزلة التصرفات الصادرة من الأجانب،غایة الأمر أنه بعد التحاق الإجازة بالوکالة حکم بصحة الوکالة،و لا تحتاج الی التوکیل ثانیا.

أما بناء علی کون الإجازة کاشفة فإن الطلاق و ان لم یکن فضولیا بالمعنی المصطلح علیه إلا أنه فضولی حقیقة،فإنه قد صدر ممن تتوقف وکالته علی الإجازة،و قد فرضنا أن الإیقاع لا یصح بالإجازة.

و علی الجملة:أن صدور العقد أو الإیقاع من الوکیل بالرضاء و طیب النفس لا یکفی فی صحة ذلک مع کون التوکیل إکراهیا.

أما الثالث-و هو إکراه العاقد-فقد ذکر المصنف رحمه اللّه:أن (الأقوی-هنا-الصحة لأن العقد-هنا-من حیث إنه عقد لا یعتبر فیه سوی القصد الموجود فی المکره إذا کان عاقدا،و الرضاء المعتبر من المالک موجود بالفرض.فهذا اولی من المالک المکره علی العقد إذا رضی لاحقا).

و التحقیق:أن-هنا-صورا:

الأولی:أن یکون الإکراه من المالک،و کان العاقد مکرها علیه فی إنشائه.و الظاهر أنه لا إشکال فی صحة العقد-حینئذ-فإن المعتبر فی صحة العقد أن یصدق علیه أنه تجارة عن تراض من المالکین،کما یدل علیه قوله تعالی:

«لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ 1» فلا أثر لرضاء الأجنبی و عدمه و العاقد غیر المالک أجنبی،فلا أثر لعدم رضاه،و کونه مکرها فی إنشاء العقد و قد یتوهم:أن حدیث الرفع یدل علی عدم ترتب الأثر علی هذا العقد

ص:321

و لکنه توهم فاسد،ضرورة أنه لیس-هنا-أثر مترتب علی فعل المکره علیه بالإضافة إلیه حتی یرتفع بحدیث الرفع.أما بالنسبة إلی المالک فلا اکراه علی أن رفع الأثر بالإضافة إلی المکره علیه خلاف الامتنان.

الثانیة:أن یکون الإکراه من غیر المالک لغیر الوکیل من المالک، و العقد فی هذه الصورة فضولی،فتتوقف صحته علی الإجازة و الوجه فیه ظاهر.

الثالثة:أن یکون الإکراه من غیر المالک،و لکن المکره یکون وکیلا مفوضا من قبل المالک،و الظاهر:أن یحکم ببطلان المعاملة فی هذه الصورة فیما إذا لم یعلم رضاء المالک بالعقد،و ذلک لأن المعتبر فی صحة العقد هو استناده الی المالک،فلو لم یکن الوکیل مکرها کان رضاه بمنزلة رضاء المالک و انتسب العقد الیه.أما إذا کان الوکیل مکرها فهو غیر راض بالعقد،و المفروض أنه لا کاشف آخر عن رضاء المالک.

نعم إذا علم رضاء المالک حکم بصحة العقد،لأن رضاء الوکیل انما یعتبر بما أنه طریق و کاشف عن رضاء الموکل من جهة توکیله،فلو علم رضاء الموکل مع صدور العقد من الوکیل حکم بصحته.

و من هنا اتضح لک:أنه لا وجه لقیاس ما نحن فیه بالمجنون،لأن المجنون مسلوب العبارة،فلا تأثیر فی عقده،و هذا بخلاف المکره،فإنه لیس بمسلوب العبارة

بحث فی الإکراه علی بیع عبد من عبدین

قوله:(فرع و لو أکرهه علی بیع واحد غیر معین من عبدین فباعهما أو باع نصف أحدهما ففی التذکرة إشکال). أقول:العقد الصادر من المکره(بالفتح)قد یکون متحدا مع ما تعلق به الإکراه،و قد یباینه،و قد یزید علیه،و قد ینقص منه فهنا صور

ص:322

أما الصورة الأولی فقد تقدم الکلام فیه.

أما الصورة الثانیة فلا ینبغی الإشکال فی صحة العقد فیها لأن ما تعلق به الإکراه لم یتحقق فی الخارج،و ما تحقق فیه لیس بمکره علیه،و ذلک کما إذا أکرهه علی بیع داره فباعه کتابه.

نعم إذا کان بیع الکتاب لأجل احتمال أن یقنع المکره(بالکسر) به فیرفع الید عن إکراهه کان باطلا لا محالة،و ذلک لفقدانه طیب النفس، و أنه من جهة الاضطرار.

و بعبارة اخری:أنه إذا کان بیع الکتاب لأجل أن یرفع المکره یده عن الإکراه علی بیع الدار تعیینا-و رضی ببیع أحد الأمرین من الدار و الکتاب،و قد رضی المکره(بالکسر)-أیضا-بذلک-کان البیع -الواقع-بغیر طیب النفس لا محالة،فیحکم بفساده.

أما الصورة الثالثة فقد یقع العقد فیها تدریجا-کما إذا أکرهه علی بیع أحد عبدیه فباع أحدهما،ثم باع الآخر-و قد یقع دفعیا،کما إذا باعهما دفعة واحدة:

أما إذا باعهما تدریجا فلا شبهة فی بطلان البیع الواقع أولا،ضرورة أن المکره علیه انما هو عنوان أحدهما،و من الواضح أن انطباقه علی أول أمر قهری.

أما البیع الثانی فیحکم بصحته جزما،إذ الإکراه قد ارتفع بالبیع الأول فیقع الثانی برضاء المالک،و طیب نفسه.و هذا ظاهر.

و لکن احتمل المصنف:أنه یرجع الی البائع فی استیضاح المکره علیه و میزه عن غیره،سواء أ ادعی البائع العکس أم لا.

و یتوجه علیه:أنه لم یبق موضوع للإکراه بعد تحقق العقد الأول

ص:323

لکی یحتمل وقوع العقد الثانی عن کره حتی یرجع الی البائع فی التعیین،بل لا یبعد صحة البیع الثانی حتی فیما إذا کان بیعه متفرعا علی الإکراه،و من تبعات البیع الأول کما إذا أکرهه الجائر علی بیع أحد مصراعی الباب فباعه،ثم باع المصراع الثانی فإن بیع المصراع الثانی و ان کان لأجل عدم الانتفاع به وحده،و من تبعات البیع الأول،لکنه حیث وقع عن الرضاء،و بغیر الکره فیحکم بصحته.

أما إذا باع المکره علیه و غیره دفعة-کما إذا باع العبدین مرة واحدة- فان لم یکن البیع من جهة الإکراه،بل کان من جهة طیب النفس-کما إذا فرضنا أنه کان راغبا الی بیع عبدیه فأکرهه الجائر علی بیع أحدهما فاغتنم الفرصة فباعهما-فلا إشکال فی صحة البیع.

أما إذا کان البیع من جهة الإکراه،و لولاه لم یکن یقدم علیه ففی صحته أو فساده مطلقا،أو الصحة فی غیر المقدار المکره علیه وجوه.

قد ذهب المصنف إلی صحة البیع فی المجموع بدعوی أن ما تعلق به الإکراه لم یقع فی الخارج،و ما وقع فیه لم یتعلق به الإکراه.

و لکنه یندفع بأن بیع المجموع و ان لم یقع عن إکراه إلا أن بیع أحدهما وقع عن إکراه لا محالة،و لولاه لم یقدم علی البیع أصلا-کما هو المفروض-فلا وجه لصحة البیع فی الجمیع.

أما وجه الفساد مطلقا فهو أن المکره علیه لا تعین له فی الواقع،و أن نسبته الی کل من الفردین علی حد سواء،و الحکم بفساد أحدهما معینا دون الآخر ترجیح بلا مرجح.

و لکن الصحیح أن یحکم بفساد البیع بالنسبة إلی المقدار المکره علیه و یحکم بصحته بالنسبة إلی المقدار الزائد علیه،و یتعین الفاسد بالقرعة.

قیل:إن القرعة انما یرجع إلیها فیما إذا کان المطلوب متعینا واقعا و مجهولا

ص:324

ظاهرا،و من الواضح أن المکره علیه مردد بین الأمرین ظاهرا و واقعا من غیر أن یکون له تعین فی مرحلة من المرحلتین.

و الجواب عن ذلک:أن مورد القرعة غیر منحصر فیما ذکر،بل هی تجری فی کل أمر مشکل أو مشتبه،لإطلاق أدلتها،و من هنا أطبق الفقهاء رضوان اللّه علیهم علی الرجوع الی القرعة فیما إذا طلق شخص إحدی زوجاته من غیر تعیین،مع أن المطلقة لا تعین لها،لا واقعا،و لا ظاهرا،و مقامنا من القبیل المذکور.

و نظیر ما ذکرناه من التفصیل قد وقع فی المحرمات أیضا،کما إذا أکره الجائر أحدا علی أن یشرب اما الخمر،أو البول فشربهما،فإنه یعاقب علی أحد الشربین جزما لوقوعه بالإرادة و الاختیار.

أما الصورة الرابعة-و هی بیع ما یکون أنقص من المکره علیه- فالتحقیق فیها:أن البیع المزبور قد یکون مستندا الی الرضاء و طیب النفس بحیث لو لم یکن فی البین إکراه-أیضا-لکان راضیا ببیعه،و لا شبهة فی صحة ذلک.

و قد یکون بیع النصف لرجاء أن المکره(بالکسر)یکتفی بذلک، و لا یکرهه علی بیع مجموع الدار،و لا شبهة فی بطلان البیع-وقتئذ- لحدیث الرفع،بداهة أن الإکراه شامل لبیع کل جزء من أجزاء الدار علی سبیل الاستغراق،و علیه فیکون الإکراه علی بیع مجموع الدار اکراها علی بیع نصفها.

نظیر ما لو أکره أحد علی بیع دارین فباع أحدهما،فإنه لا شبهة فی الحکم بوقوعه عن إکراه.و لا وجه للفرق بینه و بین ما لو اکره علی بیع دار واحدة فباع نصف تلک الدار.

ص:325

و قال المصنف: (و فی سماع دعوی البائع ذلک مع عدم الأمارات نظر).

و لعل وجه النظر هو أن ما نحن فیه من قبیل ما لا یعلم إلا من قبل المدعی فتسمع دعواه.

و من أن الظاهر أن هذا العقد واقع باختیاره فلا تسمع دعواه الإکراه و لکنک قد عرفت:أن الإکراه علی المجموع إکراه علی بعضه خارجا و الإکراه بنفسه أمارة علی عدم وقوع البیع عن الرضاء و طیب النفس.

و نظیر ذلک:ما إذا أکره الجائر أحدا علی شرب کمیة خاصة من الخمر فشرب نصفه برجاء أن یقتنع المکره،و یرفع الید عن إکراهه.

بحث فیما ذکره العلامة فی التحریر

قوله:(بقی الکلام فیما وعدنا ذکره من الفرع المذکور فی التحریر، قال فی التحریر:لو اکره علی الطلاق،فطلق ناویا فالأقرب وقوع الطلاق انتهی.). أقول:قبل التعرض لشرح کلام العلامة،و بیان صحته أو بطلانه یحسن بنا التعرض لصور المسألة،و إلیک ما یلی:

1-أن یکون الطلاق الصادر من المکره(بالفتح)مقترنا بالرضاء و طیب النفس من دون أن یستند وقوعه إلی الإکراه،بل یقترن الطلاق بالإکراه زمانا فقط.و ذلک کما إذا بنی الزوج علی طلاق زوجه و أکرهه الجائر علیه مع جهله بحاله فإنه لا شبهة-حینئذ-فی صحة طلاقه لوقوعه عن الرضاء 2-أن یستند صدور الطلاق الی الکره،و أوقعه المکره(بالفتح) خوفا من الضرر المتوعد علیه.و لکن مع ذلک لیس قصد المکره إلا إیقاع

ص:326

الطلاق حقیقة.إما من ناحیة الجهل ببطلان طلاق المکره،أو من جهة الاعتقاد بصحة طلاقه (1).

و قد تردد المصنف فی الحکم بصحته و فساده،ثم قال:إلا أن تحقق الإکراه أقرب.

و الظاهر أن یحکم ببطلان الطلاق-هنا أیضا-لأن المناط فی صحة العقود و الإیقاعات صدورها عن الرضاء و طیب النفس،و من الظاهر أن الطلاق المزبور لیس کذلک.

و تدل علی ما ذکرناه صحیحة البزنطی عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یستکره علی الیمین فیحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما یملک أ یلزمه ذلک،فقال:

لا،قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله وضع عن أمتی ما أکرهوا علیه (2).

و وجه الدلالة هو أن الحلف بالطلاق و العتاق و الصدقة.و إن کان باطلا عندنا مع الاختیار-أیضا-الا أن استشهاد الامام علیه السلام-علی عدم وقوع الأمور المذکورة-بحدیث الرفع دلیل علی بطلان الطلاق الإکراهی.

و هذا ظاهر.

ثم انه لا یفرق فی بطلان الطلاق عن کره بین أن یرجع الضرر المتوعد علیه الی نفس المکره(بالفتح)،أو الی عرضه و شرفه،أو الی ماله،أو الی من یهمه أمره من عشیرته و أقاربه و نحو ذلک،کأن یقول الجائر لأحد:طلق زوجک،و الا قتلتک،أو قتلت ابنک،أو عشیرتک أو أخذت أموالک،أو یخوّفه بأشباه ذلک مما یضر المکره(بالفتح).

أما إذا لم یکن الضرر راجعا الی المکره(بالفتح)کما إذا قال له الأجنبی:

ص:327


1- 1) کما عن الحنفیة-و قد ذکرنا رأیهم فی ص 282.
2- 2) الوسائل باب 16 من أبواب کتاب الایمان.

بعنی دارک،و الا قتلت نفسی،أو أرتکب معصیة فلا یتحقق فی مثله الإکراه جزما.

ثم إن بطلان الطلاق-فی هذه الصورة-یختص بما إذا لم یتمکن من التوریة،و إلا فالأقرب وقوعه علی ما عرفته من اعتبار العجز عن التوریة فی تحقق الإکراه موضوعا و حکما،و لعل هذه الصورة هی مراد العلامة رحمه اللّه،حیث قرّب وقوع الطلاق إذا کان المکره ناویا.

نعم بناء علی عدم اعتبار العجز عن التوریة فی موضوع الإکراه أو حکمه حکم بفساد الطلاق-أیضا- 3-أن یکون الإکراه مقتضیا لوقوع الطلاق،و جزء سبب لتحققه فی الخارج،و یکون جزؤه الآخر الرضاء،و علیه فیکون صدور الطلاق من المکره(بالفتح)مستندا إلی أمرین:أحدهما الرضاء،و الآخر الإکراه و بانتفاء أحدهما ینتفی الطلاق.

و لکن الظاهر هو بطلان الطلاق فی هذه الصورة-أیضا-لأن المناط فی بطلان عقود المکره و إیقاعاته هو عدم وجود ما یقتضی الصحة لأن الأدلة الدالة علی اعتبار الرضاء فی العقود و الإیقاعات ظاهرة فی کون الرضاء سببا مستقلا لصدورها،لا جزءا لذلک و علیه فإذا اقترن الرضاء بالإکراه،و اجتمع معه استند الفعل إلیهما،لا الی الرضاء فقط.و حینئذ-فالإکراه و إن لم یقتض الفساد،الا أن ما یقتض الصحة-أیضا-غیر متحقق.لعدم صدور الطلاق عن الإرادة و الرضاء.

4-أن یکون کل واحد من الرضاء و الإکراه علة تامة و سببا مستقلا فی نفسه لوقوع الطلاق بحیث لو لم یکن-هنا-اکراه لوقع الطلاق-أیضا- و هکذا العکس.

ص:328

و الظاهر أنه لا شبهة فی صحة الطلاق-عندئذ-لوجود المقتضی:أعنی به الرضاء و طیب النفس،و لا تقاس هذه الصورة:بالصورة السابقة فی الحکم ببطلانه،لما عرفته من عدم المقتضی للصحة فی الصورة السابقة،بخلاف هذه الصورة،فإن ما یقتضی الصحة فیها موجود کما عرفته قریبا.

و قد اتضح لک مما ذکرناه فساد ما ذکره شیخنا الأستاذ من أنه:(حیث لا یمکن توارد علتین مستقلتین علی معلول واحد فیصیر کل واحدة إذا اجتمعتا جزء السبب و الفعل یستند إلیهما معا.و کل علتین مستقلتین إذا وردتا علی معلول واحد و کان بینهما تدافع،فلا یؤثر کل منهما إلخ).

و وجه الظهور أن الإکراه لا یقتضی الفساد لکی یکون المقام من قبیل توارد العلتین المستقلتین علی معلول واحد.بل مع وجود الإکراه ینعدم ما یقتضی الصحة،و إذا تحقق الرضاء وجد ما یقتضی الصحة،و علیه فیکون المقام من قبیل تعارض ما یقتضی الشیء مع ما لا یقتضیه،لا من قبیل تعارض المقتضیین.

و یضاف الی ذلک:أن الحکم ببطلان الطلاق-هنا-علی خلاف الامتنان،لکون المطلق راضیا به و غیر مهجور عن فعله،فلا یکون مشمولا لحدیث الرفع.

5-أن یکون الإکراه داعیا إلی وقوع الطلاق،لا علة تامة لذلک، و لا جزء سبب له:بأن استند الطلاق إلی الإکراه طولیا،کما إذا أکره علی الطلاق،و لکن وطّن نفسه علیه،و رضی به من جهة الإکراه تکوینا.

ففی هذه الصورة یحتمل الصحة،لأن الطلاق وقع عن إرادة و رضاء.

و یحتمل البطلان،لأن الشیء یستند إلی أسبق علله،فالطلاق مستند إلی الإکراه بالأخرة.و مع الإغماض عنه فلا شک فی الصدق العرفی،و أن

ص:329

الطلاق وقع مکرها علیه،و هذا الاحتمال هو الأقرب.و لعل هذه الصورة هی مراد العلامة،حیث حکم بصحة الطلاق ناویا.و اللّه العالم.

هل یصح عقد المکره بالرضاء المتأخر؟

قوله:(ثم المشهور بین المتأخرین أنه لو رضی المکره بما فعله صح العقد) أقول:قد وقع الخلاف بین الأعلام فی أن الرضاء اللاحق بالعقد الإکراهی یوجب صحته أم لا.

فذهب بعضهم إلی الأول،بل عن الریاض تبعا للحدائق أن علیه اتفاق العلماء،لأنه عقد حقیقی فیؤثر أثره مع اجتماع باقی شرائط البیع و هو طیب النفس.و ذهب بعضهم الی بطلان ذلک لوجوه.

1-أن الرضاء بالعقد مأخوذ فی مفهومه.فإذا فقد الرضاء لم یکن -هنا-عقد لیحکم بصحته.

و یرد علیه:أنه لا شاهد لهذه الدعوی من العرف و اللغة.علی أن لازم ذلک أن لا یکون العقد الفضولی و عقد المکره بحق من العقود حقیقة مع أنها من العقود بالحمل الشائع.

2-اعتبار رضاء العاقد فی تأثیر عقده.

و یرد علیه:أن لازمه أن لا یصح عقد المکره بحق،مع أنه صحیح جزما.کما إذا أکرهه الحاکم الشرعی علی بیع أمواله لیعطی الناس حقه،أو أو أکره المحتکر علی بیع ما احتکره عند المجاعة،فإن الإکراه فی أمثال ذلک إکراه بحق لا یمنع عن نفاذ البیع.

3-أن مقارنة الرضاء للعقد مأخوذة فی صحته.

ص:330

و یرد علیه:أن هذا و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت،و لکن لا شاهد علیه فی مقام الإثبات،لأن ما یمکن أن یستدل به علی ذلک،و تقید به المطلقات الدالة علی صحة العقود إما الإجماع أو العقل،أو آیة التجارة عن تراض، أو الروایات الدالة علی حرمة التصرف فی مال المسلم بدون اذنه و رضاه، أو حدیث الرفع.

و لکن لا دلالة فی شیء منها علی ما یرومه المستدل:

أما الإجماع و العقل فلأنهما من الأدلة اللبیة،و من الواضح أن القدر المتیقن منهما إنما هو اعتبار مطلق الرضاء فی صحة العقد أعم من المقارن و اللاحق أما الآیة المبارکة-أو الروایات الدالة علی حرمة أکل مال المسلم من دون رضاه-فلأنها تدل علی توقف حلیة المال و نقله الی غیره علی تحقق الرضاء من المالک.و من الظاهر أنا نلتزم بذلک بحیث لا نحکم بالحلیة إلا بعد الرضاء و طیب النفس،غایة الأمر أنا لا نخصص الرضاء بالرضاء المقارن،بل نعممه الی الرضاء اللاحق-أیضا-بدیهة أن التخصیص بخصوص المقارن تقیید للأدلة الدالة علی اعتبار الرضا فی حلیة المال و نقله الی غیره.

و علی الجملة:ان الظاهر من تلک الأدلة هو أن الرضاء معتبر فی أصل حلیة المال و نقله الی غیره،سواء فیه الرضاء المقارن و اللاحق،لا أنها مختصة بخصوص الرضاء المقارن،بل التخصیص بذلک تقیید لها بلا مقید.

قیل:ان ظاهر الآیة المبارکة أن التجارة لا بد و أن تکون مسببة عن الرضاء،و ناشئة منه،و علیه فلا بد من اقترانه بالعقد،و لا یکفی لحوقه به،لأنه إذا انعقد فاسدا ابتداء لم ینقلب بعد ذلک عما هو علیه.

و من هنا یظهر أنه لا وجه لقیاس المقام بالعقد الفضولی المتعقب بالرضاء و الإجازة من المالک،فان العقد الفضولی لا ینتسب الی المالک الا حین أجازته

ص:331

فهو حین ما ینتسب الی المالک ینشأ من طیب نفسه و رضاه.و هذا بخلاف عقد المکره،فإنه حین صدوره من المالک و انتسابه الیه قد حکم علیه بالفساد، و لم یصدر منه عقد ثانیا،و انما رضی بالعقد السابق،و هو لا ینقلب عما هو علیه.

و لکن الصحیح هو تأثیر الإجازة اللاحقة و الرضاء المتأخر فی المقام أیضا بیان ذلک:أن التجارة بالمعنی المصدری و ان کان أمرا یحدث و یفنی الا أنها بمعنی اسم المصدر له بقاء،و بهذا المعنی أمرنا بانهاء العقد و إتمامه، و علیه فالتجارة الصادرة من المکره إذا تعقبها الرضاء و الإجازة یصدق علیها أنها تجارة عن تراض.

و مما یدل علی ذلک:أن الآیة المبارکة واضحة الدلالة علی أن سبب أکل مال الغیر منحصر فی أمرین:الأسباب الباطلة،و التجارة عن تراض،و لا ریب فی أنه لا یکون الأکل فی محل الکلام أکلا بالباطل،فیکون من جهة التجارة عن تراض.

ثم إن المصنف قد التزم بعدم اعتبار مقارنة الرضاء للعقد بأن دلالة آیة التجارة علی ذلک إما بمفهوم الحصر،أو بمفهوم الوصف:

أما الأول فهو منفی فی المقام،بداهة أن الدلالة علی الحصر انما یکون إذا کان الاستثناء فی تلک الآیة متصلا.و من الواضح أن الاستثناء فیها منقطع إذ التجارة عن تراض لیست داخلة تحت الأسباب الباطلة للتجارة لکی یکون خروجها عنها بعنوان الاستثناء المتصل.

أما الثانی فلأن مفهوم الوصف علی القول به انما یثبت فیما إذا لم یرد الوصف مورد الغالب،و الا فلا مفهوم له.و من الواضح أن الوصف فی الآیة الشریفة قد ورد مورد الغالب،لا للاحتراز.انتهی ملخص کلامه.

ص:332

و یرد علیه أولا:أن إنکار مفهوم الحصر-هنا-مناف لما استدل هو رحمه اللّه بالآیة المذکورة علی لزوم العقود،و من المعلوم أن استدلاله بها علی ذلک لا یتم الا علی فرض دلالتها علی الحصر،لأن الأکل بفسخ العقد لا یحرم الا بعدم کونه تجارة عن تراض،و اذن فالأکل المحلل منحصر بالتجارة عن تراض.

ثانیا:أنا ذکرنا مرارا أن دخول باء السببیة علی کلمة الباطل و مقابلتها -فی الآیة-مع التجارة عن تراض قرینتان علی توجه الآیة إلی فصل الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الباطلة لها،کما أن المراد من کلمة الأکل فی الآیة لیس هو الازدراد الذی هو معناه الحقیقی،و انما هی کنایة عن تملک مال غیره من غیر استحقاق،و علیه فان کان الاستثناء فی الآیة المبارکة متصلا -کما هو الظاهر الموافق للقواعد العربیة-یکون مفاد الآیة هو المنع عن تملک أموال الناس بشیء من الأسباب الا أن یکون ذلک السبب تجارة عن تراض، فإن الأکل بغیره باطل،و بغیر حق،فتدل الآیة علی حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض.

و ان کان الاستثناء منقطعا فالآیة-وقتئذ-و ان لم تکن ظاهرة فی الحصر ابتداء،الا أنه تعالی لما کان فی مقام بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و فصل صحیحها عن فاسدها،و کان الإهمال مخلا بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة الکریمة بالقرینة المقامیة،و اذن فالآیة الشریفة تدل علی حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض،سواء أ کان الاستثناء متصلا،أم کان منقطعا،و أما غیر التجارة عن تراض من سائر أسباب المعاملات فهو باطل.

و من هنا یظهر أنه لا یتوقف الاستدلال بالآیة علی اعتبار مقارنة الرضاء للعقد علی کون الاستثناء متصلا-کما هو الظاهر-و لا علی الالتزام بمفهوم الوصف

ص:333

و أن الحکم المذکور فی القضیة لم یثبت للجامع بین واجد الوصف و فاقده، -کما هو الصحیح-و اذن فلا یبقی لمناقشة المصنف مجال،و علیه فالصحیح ما ذکرناه من أنه لا دلالة فی الآیة الا علی عدم جواز الأکل ما دام التراضی غیر موجود،فإذا وجد الرضاء من المکره انقلبت التجارة إلی التجارة عن تراض،فلا یکون الأکل بسببها أکلا بالباطل.

أما حدیث الرفع فلا یدل الا علی عدم ترتب الأثر علی بیع المکره -مثلا-ما دام الإکراه،فإذا ارتفع الإکراه،و تبدل بالرضاء لم یکن مانع من التمسک بالعمومات الدالة علی صحة العقود من بیع أو غیره،فانا حققنا فی محله:أنه إذا ورد عام ثم خصص بمخصص فی زمان خاص لم نرفع الید عن ذلک العام الا بمقدار دلالة المخصص.و علیه ففی ما نحن فیه أن عمومات صحة المعاملات قد خصصت بحدیث الرفع،و من الظاهر أنا نرفع الید عن تلک العمومات بمقدار زمان الإکراه،و یبقی الباقی تحت العام.

و مع الإغماض عن ذلک نقول:إن حدیث الرفع حیث ورد فی مقام الامتنان فلا یدل الا علی رفع حکم یکون جعله مخالفا للامتنان،و یکون رفعه موافقا له.

أما إذا کان رفع الحکم مخالفا للامتنان،و کان جعله موافقا له کصحة البیع عند الاضطرار فان رفع أثر البیع-وقتئذ-مخالف للامتنان،و وضعه موافق له،فهو لا یکون مشمولا لحدیث الرفع.

و من هنا یظهر أنه إذا کان الحکم لا یعد فی نفسه و طبعه موافقا للامتنان و لا مخالفا له،بل کانت مخالفته للامتنان و موافقته له باعتبار حصصه و أفراده فلا محالة کان المجعول ما هو موافق للامتنان،و یرفع ما هو مخالف له.

و لا شبهة فی أن ما نحن فیه من القبیل الثالث،بدیهة أن الحکم بترتب

ص:334

الأثر علی العقد المکره علیه من حین حدوثه مخالف للامتنان فیرتفع بحدیث الرفع.و لکن الحکم بترتب الأثر علیه بقاء:أی بعد لحوق الرضاء به موافق للامتنان،فلا یکون مشمولا لحدیث الرفع.

و بعبارة أخری:الحکم بصحة العقد غیر المقترن بالرضاء،و لا الملحوق به مخالف للامتنان،فهو غیر مجعول،لحدیث الرفع.

أما العقد المکره علیه الملحوق بالرضاء فلا امتنان فی رفع أثره،و الحکم بعدم صحته من حین ما رضی المالک به،فلا یشمله حدیث الرفع الوارد فی مورد الامتنان.

ثم أجاب المصنف-عن التمسک بحدیث الرفع لاعتبار الرضاء المقارن فی صحة العقد-بوجهین:

الوجه الأول:أن حدیث الرفع انما یرفع المؤاخذة،لأنه وارد فی مقام الامتنان،و رفع المؤاخذة عن المکلف منة علیه،فترتفع بحدیث الرفع أما الحکم بوقوف عقد المکره علی الرضاء راجع الی أن له أن یرضی بذلک فیکون هذا حقا له،لا علیه،و حینئذ فرفع الأثر عن عقده بعد تعقبه بالرضاء علی خلاف الامتنان،فلا یکون مشمولا لحدیث الرفع،انتهی ملخص کلامه فی الوجه الأول.

و یرد علیه:أن المرفوع بحدیث الرفع هو نفس المجعول الشرعی المتعلق بالمکره علیه،أو المترتب علیه من الحکم التکلیفی،أو الوضعی.

و علیه فدعوی:أن المرفوع هو المؤاخذة و إلزام المکره بما صدر منه،دعوی غیر صحیحة.

و إن شئت قلت:ان المرفوع بحدیث الرفع فی العقد الإکراهی هو صحة العقد،لکنه لا علی الإطلاق،لأنه علی خلاف الامتنان،بل ما دام الإکراه

ص:335

باقیا،فإذا تعقب بالرضاء کان مشمولا للإطلاقات.

أما توقف عقد المکره علی الرضاء المتأخر فهو لم یکن مجعولا حتی یقال انه حکم له،لا علیه،فلا یشمله حدیث الرفع،لأن المرفوع به المؤاخذة و الأحکام المتضمنة لإلزام المکره بشیء.

الوجه الثانی:أن أدلة صحة المعاملات تقتضی بإطلاقها ترتب الأثر علی العقد بمجرد تحققه فی الخارج،و حکومة حدیث الرفع علی الأدلة المذکورة تقتضی رفع السببیة المستقلة عن العقد المجرد عن الرضاء،و ترتیب هذه السببیة علی العقد الصادر لا عن اکراه،و لا ینافی ذلک کون العقد جزء السبب،و وقوف تأثیره علی الرضاء المتأخر.انتهی ملخص کلامه فی الوجه الثانی.

و لکنه ناقش فی ذلک بما حاصله:أن المطلقات الدالة علی السببیة المستقلة إذا قیدت بما إذا صدر العقد من غیر اکراه لم یبق-هنا-ما یدل علی صحة عقد المکره فیما إذا تعقبه الرضاء،و علیه فالمرجع-عندئذ-هو الأصل و هو یقتضی الفساد.

ثم ذکر:أن حدیث الرفع لا یمکن أن یکون حاکما علی المطلقات، فلا مانع من التمسک بها لصحة عقد المکره المتعقب بالرضاء.

و بیان ذلک:أن المطلقات قد قیدت بالأدلة الأربعة-المقتضیة لحرمة أکل المال بالباطل،و مع عدم طیب النفس-بما إذا کان العقد مرضیا به سابقا أو لاحقا،و الا کان الأکل أکلا للمال بالباطل و إذا کان کذلک فتستحیل حکومة حدیث الرفع علیها،و ذلک لأن العقد المقرون بالرضاء یستحیل عروض الإکراه علیه،و العقد الملحوق بالرضاء قد حکم علیه بالصحة بما أنه مکره علیه،و مثل ذلک غیر قابل لأن یشمله حدیث الرفع،فإنه یختص بما

ص:336

إذا کان الأثر مترتبا علی ذات الشیء من غیر دخل للاختیار و الإکراه فیه، فیرتفع أثره عند الإکراه،و ذات العقد فی المقام لا أثر له،الا أنه جزء السبب المؤثر.و لا یمکن رفع هذا الأثر بحدیث الرفع،هذا ملخص ما أفاده قدس سره.

أقول:أما ما أفاده أولا فیرد علیه:أن مقتضی الإطلاقات هو سببیة العقد مطلقا،لترتب الأثر علیه،لکن حدیث الرفع اقتضی عدمه فیما إذا لم یکن العاقد راضیا به لا سابقا و لا لاحقا علی ما عرفته،فیبقی ما لحقه الرضاء تحت المطلقات،لا أن المرجع هو الأصل الذی یقتضی الفساد.

أما ما أفاده أخیرا فهو مبنی علی الالتزام بتقیید المطلقات أولا بما دل علی حرمة أکل المال بالباطل،ثم ملاحظة النسبة بینها،و بین حدیث الرفع.

و لکن هذا غیر صحیح،فان حدیث الرفع فی عرض سائر المقیدات و نتیجة الکل:أن العقد إذا لم یکن مرضیا به،لا سابقا،و لا لاحقا لم یؤثر أثره.

أما إذا کان مکرها علیه حدوثا،و لکن رضی به المالک بعد ذلک فلا دلالة فی شیء من المقیدات علی بطلانه،فیحکم بصحته بمقتضی الإطلاقات

بحث فی أن الرضاء المتأخر کاشف

أو ناقل

قوله:(بقی الکلام فی أن الرضاء المتأخر ناقل،أو کاشف) أقول:

بعد البناء علی أن الرضاء المتأخر یوجب صحة بیع المکره قد وقع الکلام بین

ص:337

الأعلام فی أنه کاشف عن صحة العقد من أول الأمر،أو ناقل من حین تحقق الرضاء؟.

مقتضی الأصل هو القول بالنقل،فإنه یشک فی حصول الملکیة إلی زمان الرضاء،فالأصل یقتضی عدمه.

أما بحسب الدلیل الاجتهادی فقد ذهب المصنف الی القول بالکشف من جهة ما ورد فی تزویج الصغیرین[1]حیث حکم الامام(علیه السلام)بالتوارث

ص:338

بینهما إذا مات أحدهما،و لکن بعد إحلاف الحی علی أن إمضاءه لعقد النکاح لیس من ناحیة الطمع فی المال،بل من جهة رغبته فی النکاح.

و لکن یرد علیه:أن الروایة قد وردت فی النکاح الفضولی،و التعدی منه الی سائر المعاملات الفضولیة و ان کان جائزا،لعدم الفارق بینها و بین النکاح من ناحیة الفضولیة،الا أنه لا یمکن التعدی منه الی بیع المکره المتعقب بالرضاء الا بدلیل،و ذلک للفرق الواضح بینه و بین البیع الفضولی،فإن بیع المکره یستند الی المالک من أول الأمر،و قد فرضنا أنه لم یحکم بصحته إلا بعد تحقق الرضاء،و أما البیع الفضولی فهو یستند الی المالک من حین أجازته فیمکن الحکم بصحته من أول الأمر.هذا.

و الصحیح:هو القول بالکشف فی کلا المقامین،و ذلک لأن الإجازة و ان کانت متأخرة عن العقد،الا أنها متعلقة بالعقد،و إمضاء له،و لازم ذلک هو الحکم بتأثیره من أول الأمر،و سیأتی توضیح ذلک فی بحث البیع الفضولی.

و نزید علی ذلک فی المقام بأن مقتضی العمومات و الإطلاقات هو صحة العقد،و تأثیره من حین حدوثه.لکن حدیث الرفع و غیره دل علی اعتبار الرضاء الأعم من المقارن و المتأخر فی ذلک.و مقتضی الجمع بینهما هو الحکم بالصحة و ترتب الأثر علیه من أول الأمر.

فإن قلت:إذا حکم علیه بالصحة من أول الأمر فقد کان سبب الحل- و أکل المال-التجارة لا عن تراض،و قد فرضنا انحصاره بالتجارة عن تراض قلت:الحکم بالصحة إنما هو بعد الرضاء.و لکن متعلق الحکم إنما هو

ص:339

الصحة من حین العقد،فمن اکره علی بیع داره-مثلا-ثم رضی بما فعله یحکم علیه من حین رضاه بأنه مالک للثمن من حین العقد،کما أن المشتری مالک للدار.و سیجیء فی البحث عن البیع الفضولی بیان ذلک إنشاء اللّه تعالی، و أنه غیر الکشف الحکمی الذی التزم به المصنف قدس سره.

ثم إن المصنف قاس ما نحن فیه بفسخ العقد،بدعوی:أن الفسخ و إن کان حلا للعقد السابق،و جعله کأن لم یکن،إلا أنه لا ترفع به الملکیة السابقة علی الفسخ،لأن العبرة بزمان حدوث الفسخ،لا بزمان حدوث متعلقة.

و یتوجه علیه:أن هذا قیاس باطل،لوجود الفارق بین الفسخ و بین ما نحن فیه:بداهة أن الفسخ عبارة عن حل العقد،و یقابله إقراره و إمضاؤه و أما إجازة العقد فیقابله رده،فلا منافاة بین أن یکون أثر الفسخ من حینه-کما هو ظاهر أدلته-و أن یکون أثر الإجازة ترتیب أثر العقد من حینه ثم إنه هل للطرف غیر المکره فسخ العقد قبل صدور الرضاء من المکره؟.

فیه کلام سیأتی فی بحث العقد الفضولی.فإن الملاک مشترک فیه بین البابین.

و الی هنا جف القلم فی بیع المکره و توابعه.و الحمد للّه أولا و آخرا.

بحث فی معاملات العبد قوله:(مسألة:

و من شروط المتعاقدین إذن السید لو کان العاقد عبدا

اشارة

فلا یجوز للمملوک أن یوقع عقدا إلا بإذن سیده)

أقول:لا شبهة فی أن العبد لیس کالحر العاقل بحیث یکون مستقلا فی التصرف،و لا أنه مثل المجانین

ص:340

بحیث لا یترتب علی فعله و عبارته أثر بوجه،و إنما هو برزخ بینهم و بین الحر العاقل.

ثم إن الأقوال فی تصرفات العبد ثلاثة:

1-أنه محجور عن کل تصرف الا الضروریات التی بها عیشه.

2-أن جمیع تصرفاته نافذة،إلا ما یکون تصرفا فی سلطنة المولی، -و حینئذ-فلا بأس فی نفوذ تصرفاته بما لا ینافی حق المولی،کأن یتوکل عن غیره فی معاملة أو إیقاع،أو یضمن دین شخص بشرط أن یؤدیه لصاحب الدین بعد انعتاقه،أو أشباه ذلک.

3-أنه لا یجوز تصرفه فی کلما یعد شیئا معتدا به بحسب العرف و العادة من غیر فرق فی ذلک بین ما یتعلق بأموال سیده و ما یتعلق بنفسه من عقد أو إیقاع و ما یتعلق بأمواله-بناء علی کونه مالکا شرعا-و ما یتعلق بسائر الناس من التصرف فی أموالهم أو أنفسهم بعقد أو إیقاع فإن صحة جمیع ذلک یتوقف علی اذن المالک و أجازته و علی الجملة یحکم بلغویة کل تصرف یستقل العبد فیه من دون أن یتقید بقسم خاص و اذن فلا تصح وکالة العبد عن غیره أیضا حتی فی إجراء الصیغة فضلا عن کونه وکیلا مفوضا ما لم یکن ذلک باذن سیده.

ذهب المصنف الی الوجه الأخیر،حیث حکم بأنه لا یجوز للمملوک أن یوقع عقدا إلا بإذن سیده،سواء أ کان لنفسه فی ذمته،أو بما فی یده أم کان لغیره.

و استدل علی رأیه هذا بقوله تعالی «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ 1» .

ص:341

و استدل علی رأیه هذا بقوله تعالی «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ 1» .

و بصحیح زرارة عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه علیهما السلام قالا:المملوک لا یجوز طلاقه و لا نکاحه إلا بإذن سیده،قلت:فان کان السید زوّجه بید من الطلاق؟قال:بید السید. «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ» فشیء الطلاق (1).

و وجه الاستدلال بهما:أنه کلما صدق علیه أنه شیء معتد به فلا یقدر العبد علی التصرف فیه شرعا من دون اذن مولاه.و علیه فلا یجوز للعبد أن یکون وکیلا عن غیره فی إجراء الصیغة فضلا عن کونه وکیلا مفوضا،و لا علی إیجاد الملکیة أو الزوجیة لنفسه،و لا علی طلاق زوجه،و لا علی الالتزام بشیء و التعهد بدین-و ان اشترط أداءه بعد حریته-لأن کل ذلک یصدق علیه عنوان الشیء،فلا یقدر علیه العبد شرعا بدون إذن سیده.

و علی الجملة:ان الظاهر من الآیة و الروایة هو أن العبد غیر مستقل فی جمیع تصرفاته،سواء أ کانت راجعة إلی نفسه حال عبودیته،أم تعلقت برقبته،کأن یضمن الشیء لشخص بشرط أن یعطیه إیاه بعد حریته،و سواء أ کانت راجعة إلی سیده،أم کانت راجعة إلی الأشخاص الآخرین-و ان لم یکن-هناک-ما یزاحم حق المولی،کأن یتوکل عن غیره فی عقد أو إیقاع.

و السر فی ذلک:هو أن عدم قدرته علی شیء لیس الا عدم تمکنه من التصرف فیه،و أنه یحتاج فی ذلک الی الاستعانة من غیره،و من الواضح أن المحتاج الی غیره فی فعل لا یکون قادرا علی التصرف فیه استقلالا،و علیه

ص:


1- 2) الفقیه ج 3 من طبعة النجف باب طلاق العبد ص 350.

فشأن العبد شأن الصبی،فکما أن الصبی لا ینفذ تصرفه فی شیء إلا بإذن ولیه، کذلک المملوک،فإنه لا ینفذ تصرفه فی شیء إلا بإذن سیده.انتهی ملخص کلامه مع التوضیح الإجمالی.و تبعه-فی ذلک-شیخنا الأستاذ.

و التحقیق:أنه لا دلالة فی الآیة،و لا فی الروایة علی ما ذهبا الیه.

و بیان ذلک:أنه لیس المراد من عدم القدرة-فی الآیة-هو عدم القدرة عقلا،و لا أن المراد من الشیء هو الشیء التکوینی الخارجی،بداهة أن العبد مثل الحر فی قدرته علی الأمور الخارجیة.

و أیضا لیس المراد من نفی القدرة هو نفی القدرة الشرعیة التکلیفیة، ضرورة أن ما هو مباح للأحرار-فی الشریعة المقدسة الإسلامیة من المأکولات و الملبوسات و المشروبات-مباح للعبید-أیضا-و لیس لإذن المولی دخل فی ذلک بوجه.

بل المراد من قوله تعالی لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ هو عدم نفوذ تصرفات العبد فی شیء،و علی هذا فلا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من أن قوله تعالی:

لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ قید توضیحی،لأن العبد لا ینقسم الی القادر و العاجز،بل المملوکیة مساوقة للعجز.

لا وجه لذلک من جهة أن المراد من عدم القدرة هو عدم نفوذ التصرف.و لا شبهة فی أن هذا حکم وضعی،فلا معنی لأخذه قیدا للموضوع أو توضیحا له.

ثم ان لفظ(مملوکا)فی الآیة الکریمة بمنزلة العلة لقوله تعالی لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ ،فکأنه تعالی قال:ان العبد لا ینفذ تصرفه،لکونه مملوکا.

و علیه فمناسبة الحکم و الموضوع تقتضی أن یراد من عدم قدرة العبد عدم نفوذ تصرفه فیما یرجع الی نفسه و أمواله من حیث عبودیته.

ص:343

أما عدم نفوذ تصرفه فی أموال سیده،أو أموال الأشخاص الآخرین فهو لیس من جهة کونه عبدا مملوکا،بل من جهة الأدلة الدالة علی حرمة التصرف فی أموال الناس بدون إذنهم،و لا ریب فی أن هذا المعنی لا تقتضیه العبودیة،بل هو مشترک فیه بین العبد و الحر.

و لو سلمنا أن الآیة لیست بظاهرة فی هذا المعنی،الا أنه لا سبیل إلی إنکار کونه محتملا منها،و علیه فتکون الآیة مجملة،و اذن فلا یمکن الاستدلال بها علی عدم نفوذ تصرف العبد فیما یرجع الی سیده أو الی شخص آخر غیر سیده و قد اتضح لک مما بیناه:أنه لا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من جعل لفظ(مملوکا)فی الآیة قیدا توضیحیا،بدعوی أن العبد لا ینقسم الی مملوک و غیر مملوک.

و قد ظهر لک مما ذکرناه أیضا:أنه لا بد من أن یفرق بین کون العبد وکیلا عن غیره فی إنشاء عقد أو إیقاع،و بین توکیله غیره فی ذلک.أما الأول فیجوز له ذلک،لأنه لا یعد تصرفا فیما یرجع الی نفسه لکی یحکم بفساده بدون اذن مولاه،بداهة أن کون العبد مملوکا لمولاه لا یلازم سقوط ألفاظه و عباراته و العقد أو الإیقاع بما أنه للغیر فلا مانع من الحکم بصحته.

أما الثانی فلا یجوز له ذلک،إذ لیس للعبد أن یستقل فی التصرف فیما یرجع الی نفسه أو أمواله بدون اذن سیده،فإذا لم یجز له ذلک لم یجز له توکیل غیره فیه.هذا ما یرجع الی الآیة المبارکة.

أما روایة زرارة فإنها ظاهرة-أیضا-فی عدم نفوذ تصرفات العبد فیما یرجع الی نفسه،فلا اشعار فیها بکون مطلق تصرفاته متوقفا علی اذن سیده و القرینة علی هذه الدعوی من نفس الروایة هی قوله علیه السلام:المملوک لا یجوز طلاقه،و لا نکاحه إلا بإذن سیده.قلت:فان کان السید زوّجه

ص:344

بید من الطلاق؟قال علیه السلام:بید سیده.

ثم إنا إذا قلنا بعدم نفوذ تصرف العبد فیما یرجع الی غیر المولی-أیضا- إلا بإذنه فلو تصرف العبد بدون إذن سابق،و لکن لحقته الإجازة من المولی فهل یحکم بصحته؟.

فیه خلاف بین الأعلام.

قد احتمل المصنف أولا عدم نفوذه،و حاصل کلامه:أن الإجازة إنما تتعلق بمضمون العقد:أعنی به انتقال المال بعوض،و لا ریب فی أن هذا المعنی-فیما نحن فیه-لیس منوطا برضاء المولی،إذ المفروض أنه أجنبی عن العوضین،بل حق المولی من جهة کون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده،و من الواضح أن الإنشاء إذا صدر منه علی وجه الاستقلال لم یخرج عن استقلاله لأن الشیء لا ینقلب عما هو علیه.

و بتعبیر آخر:أن ما ترتبط به إجازة المولی:أعنی به الإنشاء لا یعقل أن تلحقه الإجازة،فیکون صادرا من قبل المولی،لاستلزامه الانقلاب المحال،و ما لا یستلزم المحال من تعلق الإجازة به-و هو مضمون العقد-غیر مرتبط بالمولی.و سیأتی الجواب عن هذه المناقشة قریبا.

ثم إنه رحمه اللّه قوّی صحة تصرفات العبد بالإجازة اللاحقة بوجوه:

و حاصل الوجه الأول:أن العمومات و المطلقات قد دلت علی صحة العقود و الإیقاعات،سواء أ کانت صادرة من الأحرار،أم کانت صادرة من الممالیک،و قد خرج منها العقد الصادر من العبد من دون استناده إلی اذن المولی أصلا،لا سابقا،و لا لاحقا،و یبقی الباقی تحت العمومات و المطلقات و ببیان أوضح:أن مفاد المخصص إنما هو عدم ترتب الأثر علی العقد الصادر من العبد من دون إذن سیده سابقا،أو إجازته لاحقا،و لیس مفاد

ص:345

المخصص اعتبار الاذن السابق فقط فی تصرفات العبد.

و لو أغمضنا عن ذلک،و شککنا فی أن مفاد المخصص هل هو المعنی الأول،أو المعنی الثانی وجب الأخذ بالمعنی الأول،لأن المخصص المنفصل إذا کان مجملا:-بان کان مرددا بین الأقل و الأکثر-أخذنا بالقدر المتیقن منه،و هو فی المقام العقد الصادر من العبد بلا إذن سابق،و لا إجازة لاحقة و فی غیر ذلک نتمسک بالعمومات.

و أورد علیه شیخنا الأستاذ بأن دلیل اعتبار الاذن فی تصرف العبد ظاهر فی الاذن السابق،فلا یشمل الإجازة اللاحقة لأن الإجازة غیر الاذن و علیه فلا إجمال فی المخصص لکی یتمسک بالعموم و یحکم بنفوذ تصرف العبد مع الإجازة اللاحقة أیضا.

و یرد علیه:أن دلیل اعتبار الاذن فی تصرفات العبد لا ظهور له فی إرادة الإذن السابق.

أما الآیة فواضح،لأن المستفاد منها-کما عرفته سابقا-هو عدم نفوذ تصرف العبد،لکونه مملوکا لا یقدر علی شیء،فلا بد فی نفوذه من دخل إذن المولی فیه،و لکن لا یستفاد منها أن دخله فیه بأیة کیفیة،أ هو بالاذن السابق،أم کان ذلک أعم منه و من الإجازة اللاحقة،و علیه فیدور الأمر بین الأقل و الأکثر،فمقتضی القاعدة فی أمثال ذلک هو الأخذ بالأقل، لکونه متیقن الإرادة.

أما صحیحة زرارة فلا یستفاد منها إلا بطلان نکاح العبد و طلاقه من دون اذن سیده بأن یکون مستقلا فی تصرفه.

أما بطلان تصرفه إذا لحقته الإجازة فاستفادته تتوقف علی إثبات ظهور لفظ الاذن فی الاذن السابق،و هو أول الکلام.

و حاصل الوجه الثانی:أن صحیحة زرارة المتقدمة قد دلت علی صحة

ص:346

النکاح و الطلاق بالاذن،و حیث ثبتت بالأخبار الخاصة صحة النکاح بالإجازة اللاحقة فیستکشف من ذلک أن المراد من الاذن فی الصحیحة أعم من السابق و اللاحق،-و حینئذ-فنلتزم بصحة سائر العقود-أیضا-بالإجازة اللاحقة، لعدم الفارق بین النکاح و بین بقیة العقود،و لازم هذا التعمیم و إن کان یقتضی الالتزام بصحة الطلاق-أیضا-بالإجازة اللاحقة،إلا أنه خرج ذلک بالدلیل الخارجی.

و توهم أنه یلزم-وقتئذ-تأخیر البیان عن وقت الحاجة توهم فاسد، لأن المقصود من الصحیحة هو نفی استقلال العبد فی الطلاق و أنه یبطل بدون إذن سیده،لا بیان جمیع الخصوصیات المعتبرة فی طلاق العبد،و علیه فکفایة الإذن اللاحق فیه و عدمها أمر خارج عن مقام البیان.

و یتوجه علیه:أنه یمکن نقضه باستظهار عکسه من الصحیحة بأن یقال لما کانت الصحیحة مشتملة علی الطلاق-الذی لا یصح بالإجازة اللاحقة- استکشفنا بذلک أن المراد من کلمة الاذن فیها إنما هو الاذن السابق فقط، لا الأعم منه و من الإجازة اللاحقة،و علیه فصحة النکاح بالإجازة اللاحقة إنما ثبت بالدلیل الخارجی،و لا یلزم-عندئذ-تأخیر البیان عن وقت الحاجة، لأن الإمام علیه السلام کان فی مقام بیان حکم النکاح فی الجملة،لا مطلقا،و علیه فلا بد من ملاحظة الصحیحة فی نفسها،إذ لا تعرض فیها لبیان أن المراد من الاذن هل هو الاذن السابق،أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة،فتبقی الصحیحة علی إجمالها.

الوجه الثالث:استفادة ذلک مما دل[1]علی أن اجازة المولی توجب

ص:347

صحة نکاح العبد الواقع بدون إذنه:و ذلک لوجهین:

الوجه الأول:أن مقتضی هذه الأخبار هو صحة ما عقده العبد لنفسه للعموم المستفاد من ترک الاستفصال،و علی هذا فلا یمکن حملها علی ما إذا عقد غیره له لکی یخرج بذلک عن عنوان عقد المملوک و یدخل تحت عنوان عقد الفضولی الذی لا ربط لصحته-بالإجازة اللاحقة-بصحة عقد العبد بإجازة المولی.و إذا صح نکاح العبد صحت بقیة العقود الصادرة منه بالأولویة.

فالمتحصل من هذه الأخبار هو صحة معاملات العبد إذا أجازها سیده سواء أ کان المباشر للصیغة هو العبد،أم کان غیره،و سواء أ کانت العقود للعبد،أم کانت لغیره،و إنما باشرها العبد وکالة.و کل ذلک من ناحیة ترک الاستفصال.

الوجه الثانی.أن قوله علیه السلام:«إنه لم یعص اللّه انما عصی سیده فإذا

ص:348

أجازه فهو له جائز»علة لصحة العقد الصادر من العبد،و مفاد هذه العلة هو أن المعیار فی صحة معاملة العبد بعد عدم کونها مخالفة للّه-کالمعاملة علی الخمر و الخنزیر و المیتة و نحوها-إنما هو وقوعها برضاء المولی،سواء فیه الرضاء السابق و اللاحق.

و علیه فإذا أوقع عقدا بدون رضاء سیده-الذی هو معنی عصیانه- ثم رضی به سیده صح العقد،لأن معاملة العبد-عندئذ-لیست معصیة للّه حتی یحکم بفسادها،بل هی معصیة لسیده.فیحتاج إلی إجازته،و قد فرضنا تحققها.

و اذن فالروایة فی مقام بیان الضابطة الکلیة و هی أن کل عقد کان فیه عصیان للّه فهو فاسد،کالعقد علی المحارم،و بیع الخمر و الخنزیر و کل عقد لم یکن فیه عصیان للّه فهو صحیح غایة الأمر أنه یحتاج إلی إجازة سیده هذا.

و قد ناقش شیخنا الأستاذ فی الوجه الأول،و حاصل مناقشته هو أن العبد إذا عقد لنفسه کان مضمون العقد:أعنی به المنشأ متوقفا علی الإجازة أما الإنشاء الذی-هو جهة الإصدار-فهو معنی حرفی و ملحوظ تبعی و إذا عقد لغیره فضولا،أو وکالة کان مضمون العقد راجعا الی غیر المولی، فلا یرتبط بإجازته،بل المربوط بإجازته انما هو جهة الإصدار:أعنی به الإنشاء و علیه فجهة الإصدار معنی اسمی،و ملحوظ استقلالی،-و حینئذ- فإذا قام الدلیل علی اجازة المضمون فی القسم الأول کان ذلک دلیلا علی إجازة جهة الإصدار فیه-أیضا-لکونها ملحوظة تبعا.

و لکن لا یمکن التعدی من ذلک الدلیل إلی جهة الإصدار فی القسم الثانی-أیضا-لکونه معنی اسمیا،و من الظاهر أن قیاس المعنی الاسمی بالمعنی الحرفی قیاس مع الفارق.

ص:349

و لکن لا وجه لهذه المناقشة،بدیهة أن کون متعلق الإجازة ملحوظا للمجیز استقلالا تارة و تبعا اخری لا یرتبط بجهة الاستدلال.

بیان ذلک:أن العقد الواقع علی ملک السید تتوقف صحته علی أجازته و اذنه-و لو کان صادرا من غیر عبده-کما أن عقد عبده یحتاج الی ذلک و لو تعلق بمال غیره و علیه فإذا أوقع العبد عقدا علی مال المولی-کما فی النکاح-کان ذلک مجمعا للعنوانین،و إذا ثبتت صحة ذلک-فیما إذا تعقبته اجازة المولی-ثبتت صحة عقده بمال غیر المولی إذا تعقبته الإجازة أیضا.

ثم ان التمسک بهذه الوجوه لإثبات صحة تصرفات العبد بالإجارة اللاحقة إنما یفید فی مرحلة الإثبات بعد فرض الإمکان فی مرحلة الثبوت.و إذا حکمنا بالاستحالة ثبوتا من ناحیة الانقلاب المحال لم یفد التمسک بها إثباتا.

و علیه فلا یجتمع ما احتمله المصنف فی مطلع کلامه-بدءا-من الاستحالة فی مقام الثبوت،مع حکمه بصحة تصرفات العبد بالإجازة اللاحقة من ناحیة الوجوه المتقدمة.و إلیک لفظه: (و کیف کان فانشاءات العبد لا یترتب علیها آثارها من دون اذن المولی:أما مع الاذن السابق فلا إشکال.و أما مع الإجازة اللاحقة فیحتمل عدم الوقوع،لأن المنع فیه لیس من جهة العوضین بل المنع من جهة راجعة إلی نفس الإنشاء الصادر،و ما صدر علی وجه لا یتغیر منه بعده.فإذا وقع علی وجه یستقل به العبد فلحوق الإجازة لا یخرجه عن الاستقلال الواقع علیه قطعا). «ثم انتقل الی مقام الإثبات،و قال:» الا أن الأقوی هو لحوق إجازة المولی إلخ).

إلا أن یقال:ان غرض المصنف من التمسک بالوجوه المذکورة-فی مقام الإثبات-هو ان الأدلة الدالة علی اعتبار رضاء المولی فی تصرف العبد انما هو بالمعنی الأعم من الرضاء السابق و اللاحق،و علیه فإذا صدر عقد من العبد

ص:350

من دون رضاء سیده لم یتصف ذلک-بمجرد صدوره بدون اذن المولی- بالاستقلال لکی یلزم من لحوق الإجازة به الانقلاب المحال.

بل اتصافه بالاستقلال مراعی بعدم لحوق الرضاء،و إذا اقتضت العمومات و الإطلاقات صحة عقد العبد مع الرضاء اللاحق حکمنا بها من دون استلزامه الانقلاب المحال.

و کیف کان یمکن الجواب عن المناقشة المذکورة:بأن العقد الصادر من العبد له جهتان:جهة الإنشاء،و جهة المنشأ،و من الواضح ان المحتاج إلی إذن المولی إنما هو المنشأ:أعنی به الاعتبار النفسانی المبرز بمظهر خارجی، دون الإنشاء:أعنی به إبراز ذلک الاعتبار النفسانی.

و یدل علی صحة ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة المتقدمة:(المملوک لا یجوز طلاقه،و لا نکاحه إلا بإذن سیده).

و وجه الدلالة:هو أن الطلاق و النکاح لیسا مجرد الإنشاء.بل الطلاق عبارة عن اعتبار حل العلقة المبرز بمظهر خاص خارجی.و النکاح عبارة عن اعتبار العلقة الزوجیة فی صقع الذهن المبرز بمظهر خارجی.

و علیه فشأن ما نحن فیه شأن ما ثبت فی محله من أن صحة نکاح بنت الأخ و بنت الأخت متوقفة علی إجازة العمة و الخالة،فإن المتوقف علی إجازتهما لیس هو صحة الإنشاء فقط،بل صحة ما یصدق علیه النکاح بالحمل الشائع و لا یخفی علیک:أن ما ذکرناه-من الجواب عن المناقشة المتقدمة- مبنی علی کون صحة إنشاء العبد لغیره وکالة أو فضولا متوقفة علی اجازة المولی أما بناء علی ما ذکرناه-عند التعرض للایة المتقدمة من عدم کون المولی مالکا لإنشاء العبد-فإنه لا شبهة فی صحة إنشائه لغیره وکالة أو فضولا،سواء رضی به المولی،أم لم یرض به،إذ المولی لیس مالکا لکلمات العبد و ألفاظه

ص:351

لتتوقف صحتها علی أجازته.

ثم إنه بقی-هنا-شیء لم یتعرض له المصنف،و هو أن اجازة المولی لعقد العبد هل هی کاشفة،أو ناقلة؟.

مقتضی القاعدة أنها ناقلة،لأصالة عدم تحقق الأثر إلی زمان الإجازة، و لم یرد-هنا-دلیل علی الکاشفیة لکی یخرج به عن القاعدة المزبورة،کما ورد فی الفضولی.

نعم إذا قلنا بأن الکشف علی طبق القاعدة-سیأتی الکلام فی ذلک فی البحث عن البیع الفضولی-التزمنا-هنا-بالکشف أیضا، قوله:

(فرع لو أمر العبد آمر أن یشتری نفسه من مولاه فباعه

مولاه صح و لزم

بناء علی کفایة رضاء المولی الحاصل من تعریضه للبیع من اذنه الصریح،بل یمکن جعل نفس الإیجاب موجبا للاذن الضمنی).

و لکن نوقش فیه بوجهین:

الوجه الأول:أن عبارة العبد متحدة مع عبارة سیده،فیلزم من ذلک اتحاد الموجب و القابل.و هذا یوجب بطلان العقد.

و یتوجه علیه ما ذکره المصنف،و حاصله:أن الالتزام بذلک یقتضی المنع-أیضا-عن نفوذ عقد العبد لو أذن له سیده سابقا،و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

و یضاف الی ذلک:أنه لا دلیل علی اعتبار التغایر بین الإیجاب و القبول بل یکفی التغایر بینهما اعتبارا.

علی أنه لا اتحاد فی المقام،لأن کون العبد مملوکا لمولاه لا یقتضی ذلک.

الوجه الثانی:أنه تعتبر-فی صحة العقد-قابلیة کل من المتبایعین للإنشاء عند تحقق الإیجاب و القبول کلیهما،و علیه فلو کان المشتری عند إیجاب

ص:352

البائع غیر قابل للقبول،أو خرج البائع-حال قبول المشتری-عن قابلیة إیجاب البیع لم ینعقد العقد بینهما،لأنه-وقتئذ-لا یرتبط عهد أحدهما بعهد الآخر،فلا تتحقق المعاهدة و المعاقدة بینهما بوجه،و حیث إن العبد-فیما نحن فیه-غیر قابل للقبول فی زمان الإیجاب-لعدم کونه مأذونا فی ذلک من قبل المولی-فیحکم-حینئذ-بفساد العقد.

و یتوجه علیه أنه لا أساس صحیح لهذا الشرط-علی ما ذکرناه فی محله- لأن المناط فی تحقق العقد إنما هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری-و علیه فإذا تحقق إنشاء البائع-حال کون المشتری نائما أو غافلا أو مغمی علیه،ثم التفت المشتری الی هذا الإنشاء فقبله قبل صدور ناسخه من البائع-صدق علیه العقد جزما،و حکم بصحته و لزومه،للأدلة الدالة علی نفوذ العقود و لزومها نعم إذا لم یبق البائع علی شرائط الإنشاء حین قبول المشتری حکم بفساد العقد لارتفاع التزام البائع بانتفاء الشرط عنه،و عدم اتصال التزامه بالتزام المشتری.

هذا کله فیما إذا وکل المشتری العبد فی الاشتراء من سیده.

أما لو وکله فی الاشتراء من وکیل المولی فان کان الوکیل وکیلا مفوضا فلا شبهة فی أن شأنه شأن المولی،فیعود النزاع المتقدم.و ان کان الوکیل وکیلا فی خصوص إجراء الصیغة فلا شبهة فی احتیاج الاشتراء إلی الإجازة من المولی.هذا تمام الکلام فی البحث عن معاملات العبد.

الی هنا تم الجزء الثالث من کتابنا مصباح الفقاهة فی المعاملات،و یلیه الجزء الرابع إنشاء اللّه،و أوله مبحث البیع الفضولی،و الحمد للّه رب العالمین و صلی اللّه علی محمد و آله الطاهرین.

قد وقع الفراغ من ذلک سنة 1374 هج.

ص:353

المجلد 4:تتمة کتاب البیع

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

تتمة کتاب البیع

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

تتمة الکلام فی شروط المتعاقدین

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

قوله مسألة:و من شروط المتعاقدین ان یکونا مالکین أو

اشارة

مأذونین من المالک أو الشارع

فعقد الفضولی (1)لا یصح ای لا یترتب

ص:3


1- 1) الفضولی لغة هو الاشتغال بما لا یعنی قال فی المصباح: و فضل فضلا من باب قتل زاد و خذ الفضل أی الزیادة و الجمع فضول مثل فلس و فلوس و قد استعمل الجمع استعمال المفرد فیما لا خیر فیه و لهذا نسب الیه علی لفظه فقیل فضولی لمن یشتغل بما لا یعنیه لانّه جعل علما علی نوع من الکلام فنزل منزلة المفرد و سمی بالواحد و فی أقرب الموارد:الفضول جمع الفضل کما مر و الفضول العمل الفضولی و هو مفرد هنا یقال ان ذلک فضول منه ای اشتغال بما لا یعنیه. أقول:لو لا تنزیل الجمع منزل المفرد لکان القیاس ان یقال فی مقام النسبة فضلی لا فضولی. اما فی الاصطلاح فعن الشهید:هو الکامل الغیر المالک للتصرف و لو کان غاصبا،و فی شرح فتح القدیر الفضول:جمع فضل غلب فی الاشتغال بما لا یعنیه و ما لا ولایة له فیه و کیف کان الفضولی صفة للعاقد و ما هو صفة للعقد انما هو الفضول فجعل الفضولی صفة للعقد مجاز و من قبیل توصیف الشیء بحال متعلقة.

علیه ما یترتب علی عقد غیره من اللزوم.

أقول

قبل التعرض لحکم العقود الفضولیة یحسن بنا ان نتعرض لأمرین
الأول:إذا قلنا بصحة العقود الفضولیة فهل یمکن ان یحکم

بصحة الإیقاعات الفضولیّة أم لا؟

إذا قلنا بان الالتزام بصحة العقود الفضولیة انما هو علی خلاف القاعدة أعنی بها أصالة الفساد،و ان الإطلاقات و العمومات لا تشملها حکمنا بفساد العقود و الإیقاعات- الفضولیة إلا ما خرج بالدلیل قیل:ان مقتضی القاعدة و ان کان هو الحکم بصحة العقود و الإیقاعات،و لکن قام الإجماع علی عدم جریان الفضولیة فی الطلاق و العتاق بل فی مطلق الإیقاعات.

و إذا قلنا بأن صحة العقود الفضولیة موافقة لمقتضی القاعدة حکمنا بصحة الإیقاعات الفضولیة أیضا إلا ما خرج بالدلیل لان العمومات و المطلقات کما تشمل العقود الفضولیة کذلک تشمل الإیقاعات الفضولیة أیضا و علیه فما ورد بالخصوص فی صحة العقود الفضولیة یکون مؤید لتلک العمومات و المطلقات.

و یرد علیه:أنا لو سلمنا وجود الإجماع هنا،و لکن لا نسلم کونه إجماعا تعبدیا إذ من المحتمل ان القائلین ببطلان الطلاق الفضولی قد استندوا فی ذلک الی ان بطلان طلاق المکره یقتضی بطلان طلاق الفضولی بالأولویة أو الی الروایات الدالة علی ان الطلاق لا ینفذ إلا إذا صدر من الزوج أو ممن هو مأذون من قبله أو من قبل الشارع،و ان القائلین ببطلان العتاق الفضولی قد استندوا فی ذلک الی الروایات الدالة علی انه لا عتق إلا فی ملک و ان القائلین ببطلان مطلق الإیقاعات الفضولیة قد استندوا فی ذلک الی

ص:4

عدم قابلیة الإیقاع للتعلیق واقعا،أو الی غیر ذلک عن الوجوه الاعتباریة،و اذن فیرجع البحث الی تلک الوجوه.فلا یکون هذا إجماع تعبدی أما الوجوه المزبورة فهی أیضا لیست بتامة فلا تدل علی بطلان الإیقاعات الفضولیة اما بطلان طلاق المکره کبطلان بیعه فإنما هو فی حد ذاته مع قطع النظر عن لحوق الإجازة،و یدل علی عدم تحقق الإجماع المزبور انه ذهب غیر واحد من الأصحاب إلی صحة عتق الراهن العبد المرهون متوقعا للفک أو الإجازة،و ذهب بعضهم إلی صحة عتق المرتهن عن الراهن مع أجازته ذلک و اما الروایات الواردة فی المنع عن نفوذ الطلاق الصادر من غیر الزوج، فالمراد منها هو ان الإنسان لیس له ان یطلق زوجة غیره مستقلا و بغیر اذنه و أجازته و هذا لا ینافی نفوذ الطلاق الصادر من غیر الزوج مع الإجازة من الزوج بحیث یستند الطلاق الیه لا الی مجری الصیغة،و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال ببطلان العتاق الفضولی بالروایات المانعة عن العتق الصادر من غیر المالک و یضاف الی ذلک ان أمثال هذه الروایات واردة فی البیع أیضا کقوله علیه السلام لا بیع إلا فی ملک فلو التزمنا بظاهرها فلا بد من الالتزام- ببطلان البیع الفضولی أیضا.

و اما دعوی ان التعلیق فی الإیقاعات أمر مستحیل دعوی جزافیة ضرورة أن المعانی الإیقاعات کالمعانی العقدیة فی قبولها للتعلیق و علی الجملة انه لا دلیل علی بطلان الإیقاعات الفضولیة و إذا قلنا بکون الوصیة من الإیقاعات کانت الوصیة بما زاد علی الثلث من الإیقاعات الفضولیة و لا إشکال فی صحتها مع اجازة الورثة و علی

ص:5

الجملة فلا نعقل وجها صحیحا لدعوی الإجماع التعبدی علی بطلان الإیقاعات الفضولیة مطلقا أو فی الجملة.

الأمر الثانی:انه هل یخرج العقد من عنوان الفضولی

بمجرد رضاء المالک باطنا من دون امارة علیه أم لا؟

ذهب المصنف إلی الأول و حکم بعدم توقفه علی الإجازة

اللاحقة

سواء علم العاقد بالرضاء الباطنی حین العقد أم لم یعلم به حین ذلک و سواء انکشف له بعد العقد بأن المالک کان راضیا بالعقد حین وقوعه أم لم ینکشف له ذلک أصلا.

و استدل علی رایه هذا بوجوه:
الأول:ان هذه المعاملة مشمولة لآیتی وجوب الوفاء بالعقد

و التجارة عن تراض،

و لکن لا دلالة فی الآیتین علی ذلک اما آیة وجوب الوفاء بالعقد،فلان مفادها هو ان کل مکلف یجب علیه الوفاء بعقد نفسه،و من الظاهر أن مجرد اقتران العقد برضاء المالک لا یخرج العقد الصادر من الأجنبی عن الفضولیة و لا یجعله عقدا للمالک،بل العقد انما یصیر عقدا للمالک،و یستند الیه اما بمباشرة نفسه أو بنیابة الغیر عنه بالإذن،أو بالإجازة اللاحقة-کما فی الفضولی-و شیء من ذلک لم یتحقق فی المقام،و اذن فلا یکون العقد الصادر من الفضولی مع اقترانه برضاء المالک عقدا للمالک،و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بآیة التجارة عن تراض،إذ لا تتحقق التجارة عن تراض بمجرد الرضاء الباطنی بالبیع الواقع علی ماله فضولا و لا یقال للمالک انه اتجر بماله.

و قد ظهر لک مما بیناه،انه لا یمکن الاستدلال علی ذلک بقوله

ص:6

تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ فان مفاده أحل اللّه بیوعکم و علیه فالممضی انما هو البیع المنسوب الی المالک لا مطلق البیع و ان لم ینسب الیه

الوجه الثانی:ما دل علی حرمة مال امرء مسلم الا بطیبة

نفسه،

و من الواضح ان المالک فی الصورة المفروضة راض بالتصرف فی ماله،فیکون خارجا عن الفضولیة و الا لم یجز التصرف فیه.

و فیه:ان المراد من حلیة البیع ان کانت هی الحلیة التکلیفیة کحرمة الأکل و الشرب،فالروایات المزبورة خارجة عن محل الکلام لان البحث،انما هو فی نفوذ البیع الفضولی مع الرضاء الباطنی من المالک،و ان کان المراد هو الأعم من الحلیة الوضعیة و التکلیفیة فهو و ان کان لا بأس به،و لکن لا دلالة فیها علی ان المعتبر فی حلیة المال انما هو خصوص رضاء المالک و طیب نفسه بل الظاهر منها هو ان الرضاء معتبر فی حلیة المال،و هذا لا ینافی اعتبار شیء آخر فیها کإظهار الرضاء بمبرز خارجی من الاذن،أو الإجازة و السر فی ذلک هو ان أمثال هذه الجمل و المرکبات کقوله علیه السلام لا صلاة إلا بطهور أو بفاتحة الکتاب و لا عمل إلا بنیة لا تدل علی الحصر،و أن الصلاة مثلا لا تتحقق الا بالطهور أو بفاتحة الکتاب و ان العمل لا یتحقق إلا بنیة،فإنه لا یستفاد منها الا اعتبار کون الفعل مقرونا بالنیّة أو الطهور أو بفاتحة الکتاب لا ان الفعل لا یوجد إلا بالأمور المذکورة،و کذلک الأمر فیما نحن فیه بل المستفاد منها انّما هو اعتبار المستثنی فی المستثنی منه سواء اعتبر فیه شیء آخر أم لا.

الوجه الثالث ما دل علی ان علم المولی بنکاح العبد و سکوته إقرار منه بذلک

الوجه الثالث:ما دل علی ان علم المولی بنکاح العبد

ص:7

و سکوته إقرار منه بذلک فان الظاهر من هذه الطائفة[1]هو کفایة الرضاء الباطنی فی خروج العقد عن الفضولیة.

و یرد علیه أولا:ان سکوت السید عن نکاح عبده مع اطلاعه علیه کاشف عرفی عن الرضاء بالعقد،و مورد بحثنا ما إذا لم یکن هنا کاشف عرفی عن ذلک.

و ثانیا:أن مجرّد رضاء المولی باطنا بنکاح عبده یکفی فی صحته،لما سیأتی من التفضیل بین کون الإجازة لتحقیق استناد العقد الی من یملک التصرف لیکون العقد عقدا له،و بین

ص:8

کونها بمجرد تعلق حق الغیر،حیث نلتزم بکفایة الرضاء الباطنی فی الثانی دون الأول،و من الظاهر ان نکاح العبد من قبیل الثانی، حیث ان عقد النکاح مستند الی العبد جزما و انما الاحتیاج إلی- اجازة المولی من جهة ان فعل العبد متعلق حقه فقط.

الوجه الرابع:روایة عروة،فإنها ظاهرة فی جواز الاکتفاء فی صحة العقد بالرضاء الباطنی و ان لم یقترن بالکاشف.

و یتوجه علیه أولا:ان الروایة غیر مذکور فی أصول الشیعة مسندا و انما هی مذکورة فی کتب العامة بسند ضعیف فلا یمکن الاستناد إلیها فی شیء فی الأحکام الشرعیة.

و ثانیا:انه یمکن ان البارقی کان وکیلا مفوضا عن النبی (صلی الله علیه و آله)فی أمر شراء الشاة و بیعها و اذن فتکون الروایة بعیدة عن محل بحثنا.

و ثالثا:أن إقباض عروة المبیع،و قبضه للثمن مع تقریر النبی(صلی الله علیه و آله)ذلک لا یدل الا علی رضاه(صلی الله علیه و آله)بهما فقط لا علی رضاه (صلی الله علیه و آله)بأصل البیع أیضا ضرورة انّه لا ملازمة بین جواز القبض و الإقباض و بین صحة البیع إذ قد یکون البیع صحیحا و لا یجوز القبض و الإقباض کبیع الوکیل الذی هو وکیل فی أصل المعاملة فقط،و قد یجوز القبض و الإقباض مع فساد المعاملة کما إذا کان أحد مأذونا فیهما من قبل المالک لا فی أصل المعاملة و اذن فرضاء النبی(صلی الله علیه و آله)بالقبض و الإقباض لا یدل علی صحة ما أنشأه عروة من البیع.

ثم ان المصنف قد استظهر خروج الفرض المتقدم عن الفضولیة وعد توقفه علی الإجازة اللاحقة من کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم

ص:9

کقولهم فی مقام الاستدلال علی الصحة ان الشرائط کلها حاصلة الا رضاء المالک و قولهم ان الإجازة لا یکفی فیها السکوت لأنه أعم من الرضاء و الی غیر ذلک من کلماتهم.

و یتوجه علیه أولا:انه لا حجیة فی کلماتهم فان رای فقیه لا یکون حجة علی فقیه أخر.

و ثانیا:انه لا ظهور فی کلماتهم فیما یرومه المستدل لان المراد من الرضاء المذکور فی کلماتهم هو الاختیار الذی هو فی مقابلة الکراهة و الاضطرار حیث انهم ذکروها فی بیع المکره و قالوا ان من شرائط المتعاقدین الاختیار و لیس المراد منه طیب النفس و علیه فلا ربط لها بما نحن فیه و لا أقل من الاحتمال،فتکون کلماتهم مجملة.

ثم قال لو سلم کونه فضولیا لکن لیس کل فضولی یتوقف لزومه علی الإجازة لأنه لا دلیل علی توقفه مطلقا علی الإجازة اللاحقة.

و یتوجه علیه ان هذا الکلام یعد من الغرائب لأنا إذا قلنا باحتیاج المعاملات الفضولیة إلی الإجازة اللاحقة کان ما نحن فیه من صغریاتها،فتحتاج صحته إلی الإجازة اللاحقة و لا یکفی فیها مجرد وجود الرضاء الباطنی،و ان قلنا بعدم احتیاجها إلی الإجازة اللاحقة،لکونها مشمولة للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و لزومها فلیکن المقام کذلک و اذن فلا وجه لجعله من المعاملات الفضولیة ثم الحکم بعدم احتیاجه إلی الإجازة اللاحقة.

ثم قال:مع انه یمکن الاکتفاء فی الإجازة بالرضاء الحاصل بعد البیع المذکور آنا ما إذ وقوعه برضاه لا ینفک عن ذلک مع الالتفات و یرد علیه انه إذا قلنا بکفایة الرضاء الباطنی المتأخر و لو آنا ما

ص:10

فی صحة البیع و إخراجه عن الفضولیة قلنا بذلک فی الرضاء المقارن أیضا بالأولویة،فلا وجه لتخصیص الحکم المزبور بالرضاء المتأخر.

ثم انا لو اکتفینا فی خروج العقد عن الفضولیة بالرضاء الباطنی للزم القول بکون الکراهة الباطنیة موجبة لفساد البیع مع انها لا توجب بطلانه و من هنا لو باع الغاصب العین المغصوبة مع کراهة المغصوب منه ذلک،ثم رضی به لحکم بصحته فیعلم من ذلک ان الکراهة- الباطنیة لا تؤثر فی فساد المعاملة و کذلک الرضاء الباطنی لا یکفی فی صحتهما لان سبیلهما واحد.

ثم قال:انه لو أشکل فی عقود غیر المالک فلا ینبغی الإشکال فی عقد العبد نکاحا أو بیعا مع العلم برضاء السید له لعدم تحقق المعصیة التی هی مناط المنع فی الاخبار و عدم منافاته لعدم استقلاله فی التصرف.

و یرد علیه:انه لا وجه لتخصیص الحکم بالعبد بل یجری ذلک فی کل عقد کان فضولیة من ناحیة کونه متعلقا لحق الغیر کبیع الراهن العین المرهونة مع رضاء المرتهن بذلک باطنا و نکاح الباکرة بدون اذن الولی و النکاح علی بنت الأخ أو الأخت بدون إذن العمة و الخالة فإن الرضاء الباطنی یکفی صحة العقد فیها و فی أمثالها و سیأتی ذلک تفصیلا.

ثم انه ذهب شیخنا الأستاذ الی عدم خروج العقد بالرضاء

الباطنی عن الفضولیة مطلقا

سواء کانت فضولیته لتعلق حق الغیر بذلک أم کانت فضولیته من ناحیة صدوره من غیر المالک و إلیک لفظ مقرّر بحثه.

ص:11

و الحق عدم صحة العقد الصادر من غیر من بیده زمام أمر المعقود علیه بمجرد الرضاء الباطنی من المالک و من له الحق مرتهنا کان أو مولی و ذلک لانه لو کان أمر العقد موقوفا و غیر ماض اما لعدم کون العاقد مالکا أو لعدم کونه مستقلا فلا یخرج عن التوقیف الا باستناده الی المالک أو ذی الحق و الاستناد و التنفیذ من الأمور الإنشائیة و یکونان کسائر الإیقاعات لا بد من إیجادهما إما باللفظ أو بالفعل فلا الکراهة الباطنیة رد و لا الرضاء الباطنی إجازة بل کل منهما یحتاج الی کاشف.

و التحقیق هو التفصیل فی المقام بین ما کانت الإجازة لتحقیق استناد العقد الی المالک بحیث یکون العقد الصادر من الفضولی عقدا له بالحمل الشائع و بینما کانت الإجازة لأجل کون المبیع متعلقا لحق الغیر،فکل مورد تعتبر الإجازة فی العقد لأجل استناده الی من له العقد فان الرضاء الباطنی الساذج لا یصح ذلک و فی کل مورد اعتبرت الإجازة،لا لتلک الجهة بل لجهة أخری لا شبهة فی کفایة الرضاء الباطنی فی ذلک،و علی الأول،فلا یکفی فی استناد العقد الی المالک مجرد الرضاء الباطنی و ان الاقتران برضاء المالک لا یخرج العقد عن الفضولیة ما لم یکن اذن و توکیل من المالک و الوجه فی ذلک ان العقد الصادر من الفضولی لا یکون مشمولا لقوله تعالی:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،بدیهة ان العقد لا یکون مشمولا لتلک الآیة إلا باستناده الی المالک لأن مقارنة الجمع بالجمع فی الآیة الکریمة یقتضی ان کل مکلف یجب علیه الوفاء بعقده ای أوفوا بعقودکم لا ما عقدتهم و من الواضح ان العقد لا یکون عقدا للمالک الا بالاستناد الیه اما بالمباشرة کما إذا

ص:12

أوجده بنفسه أو بالتسبیب کما إذا أوجده وکیله أو بالإضافة إلیه کما إذا رضی بالعقد الفضولی مع إظهاره ذلک بمظهر خارجی و من الظاهر ان مجرد الرضاء الباطنی بالعقد الصادر من الفضولی أجنبی عن ذلک کله و علی الثانی فیکفی فی صحة العقد مطلق الرضاء و إن کان باطنیا و غیر منکشف بکاشف و ذلک کالأمثلة التالیة.

1-انه إذا باع الراهن العین المرهونة فإن اعتبار اجازة- المرتهن فی البیع المزبور لیس من ناحیة لزوم استناد العقد الیه بل من ناحیة أن العین وثیقة عنده،فلا یجوز للراهن ان یتصرف فیها بدون اذن المرتهن،فإذا رضی به المرتهن و لو باطنا صح البیع، و بعبارة اخری:ان المناط فی صحة العقد هو کونه مشمولا- للإطلاقات و العمومات الدالة علی صحة العقود و لزومها و من الظاهر ان المناط المزبور موجود فی بیع الراهن غایة الأمر ان التصرف فی العین المرهونة موقوف برضاء المرتهن فإذا رضی بذلک لم یکن هناک مانع عن التصرف أیضا.

2-بیع المفلس فإنه مستند الیه و مشمول للعمومات الا ان المبیع متعلق لحق الغرماء فتعتبر إذنهم فی ذلک من هذه الناحیة 3-العقد علی بنت الأخ و بنت الأخت فإن صحة ذلک موقوفة علی إجازة العمة و الخالة لا من جهة عدم استناد العقد الی الزوجین إلا بإذنهما بل من جهة أخری.

4-عقد العبد لغیر سیده و بدون اذنه نکاحا کان أو غیر نکاح فان احتیاجه إلی إجازة السید لیس من ناحیة کون العقد عقدا للسید و هو لا یتحقق إلا بإجازته بل من جهة انه لیس للعبد الاستقلال

ص:13

فی التصرف فی قبال سیده.

5-الوصیة بما زاد علی الثلث فإنها تحتاج إلی اجازة الورثة لکن لا من جهة عدم استنادها الی الموصی بل لأجل نفوذ الوصیة 6-عقد الباکرة بدون اذن ولیها بناء علی اعتبار اذنه فی ذلک فان اعتباره فیه من جهة النفوذ لا من جهة الاستناد.

و علی الجملة ان فی کل مورد کانت الإجازة لأجل استناد العقد الی من له العقد بحیث یکون العقد عقدا و تشمله العمومات لا یکفی فیها الرضاء الباطنی،و فی کل مورد کانت الإجازة لأجل نفوذ العقد لا للجهة المزبورة یکفی فیها الرضاء الباطنی لأنه یکفی فی النفوذ و لا دلیل علی إظهاره بمظهر خارجی،و هذا بخلاف الاستناد الی المالک فإنه ما لم یظهر فی الخارج لا یصدق علی ما أوجده الفضولی انه عقد للمالک،و لا انه بیعه و لا انه تجارته و یتضح ذلک وضوحا بمراجعة العرف و اللغة،و اذن فلا یتم ما ذکره المصنف علی وجه الإطلاق و لا ما ذکره شیخنا الأستاذ(و أظن ان کلام المصنف لا ینافی التفصیل المذکور لانه ذکر فی آخر کلامه(ثمّ انه لو أشکل فی عقود غیر المالک فلا ینبغی الإشکال فی عقد العبد إلخ)خصوصا إذا حمل ما ذکره علی المثال و ان کان الحمل علیه بعیدا من ناحیة التعلیل فی کلامه بقوله لعدم تحقق المعصیة.

فما ذکره شیخنا الأستاذ من:(ان الاستناد و التنفیذ من الأمور الإنشائیة و یکونان کسائر الإیقاعات لا بد من إیجادهما إما باللفظ أو بالفعل)،انما یتم فی الاستناد فقط لا فی التنفیذ کما عرفته قریبا و قد ظهر لک مما ذکرناه فساد ما أفاد شیخنا الأستاذ فی

ص:14

أخر کلامه من انه ثبت من الأدلة الخارجیة عدم استقلال العبد و الراهن و الباکرة و کل من کان من قبیل هذه الطوائف الثلاث فی عقودهم و لا یخرجون عن الاستقلال بمجرد رضاء ذی الحق فإن به لا یسند العقد الیه. ثم انه ربما یستدل علی کفایة الاقتران بالرضاء الباطنی فی خروج العقد عن الفضولیة بصحیحة محمد بن مسلم[1]و روایة الحمیری [2]فإنهما تدلان علی حصر الشراء الصحیح برضاء المالک فیستفاد منهما

ص:15

ان المناط فی صحة البیع انما هو مجرد الرضاء و ان لم یبرز فی الخارج و لکن یتوجه علیه انه لا یستفاد من أمثال هذه التراکیب الا کون المستثنی شرطا فیما یقع بعد کلمة(لا)کقوله علیه السلام لا صلاة إلا بطهور لا ان حقیقة مدخول کلمة(لا)منحصرة بالمستثنی و علیه فیدل الخبران علی اعتبار الرضاء لا علی کفایته علی وجه الإطلاق،فیکون شأنهما شأن بقیة الأدلة الدالة علی اعتبار الرضاء فی العقود و الإیقاعات علی انه یمکن ان تحمل الروایتان علی الرضاء بمعنی الاختیار الذی یقابل الکراهة و قد تقدم اعتباره فی العقود و الإیقاعات قوله ثم اعلم ان الفضولی قد یبیع للمالک.

أقول

یقع البحث هنا فی مسائل ثلاث:
اشارة

الاولی:ان یبیع الفضولی للمالک.

الثانیة:ان یبیع له مع سبق المنع عنه.

الثالثة:ان یبیع لنفسه کبیع الغاصب.

أما المسألة الاولی ان یبیع الفضولی للمالک

فیقع البحث فیها من جهة انه هل یعتبر فی صحة العقود صدور إنشائها من المالک بالمباشرة أو ممن یقوم مقامه کالوکیل و المأذون أم لا یعتبر فی صحتها ذلک؟بل المناط فی صحة العقود هو استنادها الی من له العقد،و من الظاهر ان هذا المعنی کما یتحقق بالمباشرة و التسبیب کذلک یتحقق بالإجازة اللاحقة أیضا.

و لا یخفی علیک انا إذا قلنا بصحة العقد الفضولی فی هذه المسألة،فیقع الکلام فی صحته و فساده فی المسألتین الآتیتین و إذا قلنا بفساده هنا فلا شبهة بفساده فی المسألتین الآتیتین لان

ص:16

ما یبحث عنه فی المسألة الاولی هو المتیقن من العقد الفضولی فإذا حکم بفساده حکم بفساد ما یبحث عنه فی المسألتین الآتیتین بالأولویة القطعیة.

ثم انه وقع الکلام فی صحته و فساده فالمحکی عن الأکثر هو صحته-کالمقنعة و النهایة و الوسیلة و الشرائع و النافع و کشف الرموز و العلامة فی جملة من کتبه و حواشی الشهید و مسائله و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و التنقیح و تعلیق الإرشاد و إیضاح النافع و المیسیة و الروضة و المسالک و غیرها-و حکی المصنف عن غایة المراد حکایة القول بالصحة عن جمع من المذکورین و غیرهم ثم قال:و استقر علیه رأی من تأخر عدا فخر الدین و بعض متأخری المتأخرین -کالأردبیلی و السید الداماد و بعض متأخر المحدثین-و قال فی التذکرة:مسألة یشترط ان یکون البائع مالکا أو من له ولایة کالأب و الجد له و الحاکم و امینه و الوکیل فلو باع الفضولی صح و وقف علی اجازة المالک و به قال مالک و إسحاق و أبو حنیفة و الشافعی فی القدیم و احمد فی إحدی الروایتین و قال أبو ثور و ابن المنذر و الشافعی فی الجدید و احمد فی الروایة الأخری یبطل البیع و هو قول لنا و قال-بعد أسطر-:لو اشتری فضولیا فان کان بعین مال الغیر فالخلاف فی البطلان و الوقف علی الإجازة الا أن أبا حنیفة، قال:یقع للمشتری بکل حال و ان کان فی الذمة لغیره و أطلق اللفظ قال:علماؤنا یقف علی الإجازة إلخ و عن الحدائق:ان القول بالصحة کاد یکون إجماعا و ذهب جمع أخر إلی فساده فعن

ص:17

المبسوط من باع مالا یملک کان البیع باطلا و فی الخلاف ج 1 ص 222:إذا باع انسان ملک غیره بغیر اذنه کان البیع باطلا و به قال الشافعی و قال أبو حنیفة ینعقد البیع و یقف علی اجازة صاحبه و به قال قوم من أصحابنا دلیلنا إجماع الفرقة و من خالف منهم لا یعتد بقوله و لانه ممنوع من التصرف فی ملک غیره و البیع و عن الغنیة نحوه من الصراحة و حکی القول بالبطلان أیضا عن الإیضاح و اختاره فی الحدائق و أطنب فیه الکلام و لکنه لم یأت بشیء ترکن الیه النفس و یطمئن به القلب و ذکر جملة من النصوص محتجا بالعثور علیها و الاهتداء الی الاستدلال بها و ستأتی الإشارة إلیها و الی عدم دلالتها علی ما یرومه بل دلالة بعضها علی خلاف مقصوده و فی شرح فتح القدیر ج 5 ص 309:و من باع ملک غیره بغیر اذنه فالمالک بالخیاران شاء أجاز البیع و ان شاء فسخ و هو قول مالک و احمد و قال الشافعی:لا ینعقد لانه لم یصدر عن ولایة شرعیة لأنها بالمالک أو بإذن المالک و قد فقدا و لا انعقاد إلا بالقدرة الشرعیة و صار کبیع الآبق و الطیر فی الهواء فی عدم القدرة علی التسلیم و فی الفقه علی المذاهب الأربع ج 2 ص 166-عن الشافعیة-:و من شرائط المعقود علیه ان یکون للعاقد علیه ولایة فلا یصح بیع الفضولی و فی ص 240-عن الحنیفة-:امّا بیع ملک الغیر بوکالة منه فإنه صحیح نافذ و بیعه بدون وکالة فهو صحیح موقوف علی اجازة المالک و هذا هو بیع الفضولی و فی ص 224:و اما الموقوف و هو بیع ما یتعلق به حق للغیر فإنه من أقسام الصحیح و انه ینعقد بدون ان یتوقف علی القبض و فی ص 168:و من

ص:18

شروط العاقد،ان یکون مالکا أو وکیلا عن مالک فلا یلزم بیع الفضولی و فی شرح العنایة بهامش شرح فتح القدیر ج 5 ص 319:و من باع ملک غیره بغیر اذنه فالمالک بالخیار ان شاء أجاز البیع و ان شاء فسخ و هو مذهب مالک و احمد فی روایة و قال الشافعی فی الجدید و هو روایة عن احمد لم ینعقد.

و هنا قول ثالث و هو صحة البیع و بطلان الشراء و هو القول الأخر للشیخ فی الخلاف قال فی کتاب النکاح:لو اشتری لغیره بغیر اذنه لم یقف علی أجازته و کان باطلا ثم قال:و عندنا ان البیع یقف علی اجازة مالکه.

و فی المسألة وجهان آخران:أحدهما انه ان وثق برضاء المالک فأجاز صح و الا فلا.ثانیهما:انه ان لم یسبق منه منع و لم یظهر کراهة صح و إلا بطل.

و قد استدل علی القول بصحة البیع الفضولی مع توقفه علی

الإجازة بوجوه:

الأول العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود

و لزومها

و بیان ذلک انه لا شبهة فی ان صدق عنوان العقد أو- التجارة عن تراض أو البیع أو صدق ای اسم من اسما أیّة معاملة کانت لا یتوقف علی مباشرة المالک بنفسه للعقد،بل یکفی فی ذلک النیابة بأن یکون المباشر لذلک غیر المالک غایة الأمر لا بد و ان تکون هذه المباشرة بإذن المالک لکن یکون ذلک سببا لانتساب العقد الصادر من المباشر الی المالک،و من المعلوم أن انتساب العقد الی المالک کما یتحقق بمباشرة نفس المالک أو بمباشرة غیره مع الاذن منه کذلک یتحقق بالإجازة اللاحقة من المالک و حینئذ فیصدق

ص:19

علی العقد الصادر من الفضولی انه عقد للمالک أو تجارته أو بیعه و اذن فیکون ذلک مشمولا للعمومات و المطلقات المزبورة و بتعبیر آخر انا ذکرنا فیما سبق ان المراد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو أوفوا بعقودکم لا ما عقدتم و المراد من أحل اللّه البیع هو حلیة بیوعکم و المراد من التجارة عن تراض ما یصدق علیه هذا العنوان و جمیع هذه العناوین لا یتحقق فی الخارج الا بالاستناد الی المالک،و من الظاهر انها تستند إلیه بالإجازة کاستنادها الیه بالمباشرة أو بالإذن فتشملها العمومات غایة الأمر انا نشک فی اعتبار مباشرة المالک شرعا أو اقتران رضاؤه بالعقد أو وجود الاذن السابق علی العقد فحیث ان کل ذلک تقیید للمطلقات أو تخصیص للعمومات بغیر مخصص و مقید فندفعه بأصالة الإطلاق أو العموم و هذا هو مراد المصنف(ره) من الأصل فی المقام لا أصالة البراءة و ان احتمله-بعیدا-المحقق الایروانی بناء علی جریان البراءة فی الأسباب و الأوضاع.

و قد یتوهم ان التمسک بالعمومات هنا یتوقف علی حصول اضافة عقد الفضولی إلی المالک بالإجازة اللاحقة لکن الإضافة لا تحصل بذلک بعد وضوح ان المراد من عقودکم العقود الصادرة منکم،و لو بالتسبیب لا العقود المنتسبة إلیکم بایة نسبة کانت و لو نسبة کونها مجازة لکم و من المعلوم ان عقد الغیر لا یصیر عقدا صادرا من شخصی بإجازته له.

و لکن هذا التوهم فاسد إذ لا فارق فی انتساب العقد من الأجنبی إلی المالک بین الاذن السابق و الإجازة اللاحقة فکما ان الاذن السابق کاف فی صحة العقد و استناده الیه کذلک الإجازة

ص:20

اللاحقة لأنهما متساویان فی حصول الرضاء الذی هو الأصل فی ذلک و قد اتضح لک مما بیناه فساد ما نوقش به فی التمسک بالعمومات علی صحة العقد الفضولی من ان المخاطب بتلک العمومات اما العاقد الفضولی أو الملک أو غیرهما و لا سبیل الی کل منهما اما العاقد الفضول فلعدم وجوب الوفاء علیه بعقده قطعا و هذا واضح،و اما المالک فقبل أجازته کذلک و الا لوجبت علیه الإجازة و أما بعدها فهو مجیز لا عاقد،و وجه الوضوح هو ما ذکرنا قریبا من ان معنی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو أوفوا بعقودکم لا ما عقدتم و قد عرفت ان العقد الصادر من الفضولی یکون عقدا للمالک بالإجازة اللاحقة و یستند الیه استنادا تاما،فیکون مشمولا للعمومات من حین الإجازة لا من حین العقد فزمان الإجازة هو زمان شمول العمومات للعقد الفضولی.

و من هنا ظهر لک ما فی کلام المحقق الایروانی من الغرابة حیث قال:(ان التمسک بالعموم بعد الإجازة مبنی علی ثبوت عموم أزمانی فی العمومات و لیس له وجود و قد اعترف به المصنف ره فی خیار الغبن)،و وجه الظهور هو ان المصنف لم یدع شمول- العمومات للعقد الفضولی من حین العقد ثم خروجه عنها الی زمان الإجازة بالمخصص لکی یکون التمسک بها بعد الإجازة محتاجا الی ثبوت العموم الأزمانی للعمومات،بل غرضه هو ما ذکرناه من أن زمان الإجازة انما هو أول زمان صار العقد الفضولی مصداقا للعمومات الدالة علی صحة العقود.

ثم انه یمکن أن یرجع الی ما ذکرناه استدلال جمع من الفقهاء -کما عن المختلف و غیره-علی صحة البیع الفضولی بأنه عقل صدر

ص:21

من أهله فی محله،بداهة ان کون العاقد أهلا للعقد من حیث کونه بالغا عاقلا مع کون المبیع قابلا للبیع لا یثبتان الصحة إلا بضمیمة مقدمة أخری ثابتة بالعمومات بان یقال ان العقد الفضولی عقد صدر من أهله فی محله و کل ما صدر من أهله فی محله صحیح شرعا للعمومات و المطلقات.

و ان أبیت عن کون مرادهم ذلک لتوجه علیهم مما عن الشهید فی غایة المراد:من کونه مصادرة ضرورة ان تحقق الأهلیة التامة عین الدعوی و جعلها دلیلا علی المدعی صرف مصادرة و لا یمکن دفعها الا بما کرناه و اذن فلا وجه لما ذکره شیخنا المحقق من ان اشتراط تأثیر العقد بالرضاء لا ربط له بأهلیة العاقد و لا بکون المبیع قابلا لوقوع العقد علیه بل أهلیة العاقد بما هو عاقد منوطة بکونه عاقلا عقلا،و بکونه بالغا شرعا،و قبول المحل منوط بکونه مما یتمول و مما یملک،فلا قصور فی العاقد،و لا فیما وقع علیه العقد،و المفروض حصول الإجازة الکاشفة عن الرضاء و المحققة للانتساب،فلا مصادرة و کون المبیع للغیر لا یسقط العاقد بما هو عاقد عن أهلیة العاقدیة و لا المحل عن قبول وقوع العقد علیه،فما افاده المصنف فی توجیه المصادرة و أجاب عنها بإثباتها بالعموم خال عن الوجه،و الوجه فی ذلک هو ان مجرد کون العاقد عاقلا بالغا،و کون المحل مما یتمول،و حصول الرضاء بالإجازة اللاحقة الکاشفة،لا یثبت صحة العقد لاحتمال اشتراط العقد بمقارنة الرضاء أو سبق الإذن فإنه مع هذا الاحتمال لا تتم الأهلیة التامة للعاقد،فلا یمکن نفیه إلا بأصالة العموم أو الإطلاق و بذلک تثبت الأهلیة التامة للعاقد.

ص:22

و قد تحصل مما قدمناه ان عقد الفضولی صحیح علی القاعدة بمقتضی العمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و لزومها و علیه،فلا نحتاج الی الاستدلال علی صحته و نفوذه بالأدلة الخاصة إلا لمزید الوضوح و من جهة التأیید و علیه فلو ناقشنا فی الأدلة الخاصة اما من حیث السند أو من حیث الدلالة فلا یضر هذه المناقشة بصحة عقد الفضولی و نفوذه بوجه.

الوجه الثانی روایة عروة1

و وجه الاستدلال هو ان عروة قد باع احدی الشاتین بدینار من غیر إذن النبی(صلی الله علیه و آله)و أقره(صلی الله علیه و آله)و أظهر رضائه بذلک و دعا له فلو کان البیع الفضولی باطلا لم یقرره النبی (صلی الله علیه و آله)بل کان علیه(صلی الله علیه و آله)زجر عروة و الأمر برد الدینار و أخذه الشاة أو تجدید المعاملة بعد تحصیل الاذن من النبی(صلی الله علیه و آله)مع انه ص لم- بفعل شیئا من ذلک،هذا ما یرجع الی الاستدلال بالروایة من ناحیة بیع عروة احدی الشائین بدینار و اما شراؤه الشاتین بدینار مع انه کان مأذونا فی شراء شاة بدینار الظاهرة فی الشاة لواحدة فذکر المصنف

ص:23

(ره)انه یمکن توجیه شرائه علی وجه یخرج عن الفضولیة،و لکن لم یبین الوجه فی ذلک و لعل نظره فی ذلک الی ان قول النبی(صلی الله علیه و آله) لعروة اشتر به شاة یمکن ان یراد به کون الشراء الشاة الواحدة بدینار، و یمکن ان یراد به کون شراء جنس الشاة بدینار و علی الثانی فلا شبهة فی عدم کون الشراء فضولیا لأن المأذون به یشمل الواحد و الاثنین و علی الأول فإن کان الظاهر فی بادی النظر هو کون الشراء فضولیا أیضا و لکنه خارج عن ذلک جزما لان الشخص إذا کان مأذونا فی شراء شاة واحدة بدینار فیکون مأذونا فی شراء شاتین بدینار بالأولویة القطعیة،و علیه فأذن النبی(صلی الله علیه و آله)لعروة فی شراء الشاة الواحدة بدینار اذن له فی شراء شاتین أیضا بدینار،فیکون الشراء خارجا عن الفضولیة علی کل حال.

و قد ناقش المصنف فی الاستدلال بالروایة المزبورة علی صحة البیع الفضولی:بان ذلک متوقف علی دخول المعاملة المقرونة برضاء المالک فی بیع الفضولی،و قد عرفت انها خارجة عنه،و بیان ذلک أن عروة کان عالما ظاهرا برضاء النبی(صلی الله علیه و آله)بما فعله من البیع و الا لما اقبض المبیع و لم یقبض الثمن لان ذلک تصرف فی مال غیره بدون رضاه و هو حرام عقلا و نقلا،و علیه فلا بد اما من الالتزام بأن عروة فعل الحرام بقبضه الثمن و إقباضه المثمن،و هو مناف لتقریر النبی(صلی الله علیه و آله)و تبریکه(صلی الله علیه و آله)،و اما من القول بجواز التصرف قبل الإجازة مع العلم بتعقبه لها.

و سیأتی ضعفه و اذن،فیدور الأمر بین القول بخروج المعاملة المقرونة برضاء المالک عن الفضولیة،و بین القول بعلم عروة برضاء

ص:24

النبی(صلی الله علیه و آله)بإقباضه ماله للمشتری حتی یستأذن من النبی(صلی الله علیه و آله)مع علم المشتری بکون البیع فضولیا حتی یکون دفعه الثمن إلی البائع علی وجه الامانة و الا فلا یستحق الفضولی قبض المال لعدم کونه مالکا و لا وکیلا عنه و لکن الظاهر هو الوجه الأول أعنی به خروج البیع الصادر من عروة عن المعاملة الفضولیة إذ من المستبعد جدا علم المشتری بکون بیع عروة فضولیا،و یتضح ذلک بملاحظة ان الظاهر هو عدم کون المعاملة فضولیة فی مورد الروایة،بل وقعت بعنوان المعاطاة لأنها وقعت بین النبی(صلی الله علیه و آله)و بین مشتری الشاة و یکون عروة آلة محضا فی إیصال العوضین و قد عرفت فی مبحث البیع- المعاطاتی انه یکفی فی صحة المعاطاة مجرد رضا المالکین بالنقل و الانتقال مع وصول العوضین الی کل من المتعاطیین و لو کان الوصول بإطارة ریح أو بفعل صبیی أو بواسطة حیوان و من الظاهر انه یتسامح فی المعاطاة بما لا یتسامح به فی العقود اللفظیة.

و یرد علی ما ذکره المصنف أولا:ما ذکرناه أنفا من أن اقتران العقد الصادر من الأجنبی بالرضا الباطنی من المالک لا یخرجه عن الفضولیة.

و ثانیا:ان کون الصادر من عروة فضولیا أو مندرجا تحت الکبری المتقدمة متوقف علی عدم کونه وکیلا مطلقا و مفوضا من النبی (صلی الله علیه و آله)فی أمر شراء الشاة أو مطلقا الذی سمّی فی لغة فارس بکلمة (وکیل خرج)و من المحتمل ان یکون هو کذلک و علیه،فلا یمکن الاستدلال بالروایة علی صحة بیع الفضولی إذ لا قرنیة فی الروایة و لا من الخارج علی کون البیع الصادر من عروة فضولیا.

ص:25

و علی الجملة ان ما صدر من عروة قضیت شخصیة واقعة فی مورد خاص و لم یعلم جهتها فلا یمکن الاستدلال بها علی صحة البیع الفضولی و ان أصرّ علیه جمع من الفقهاء و لا حملها علی الکبری المتقدمة و ثالثا:ان تحقق القبض و الإقباض بین عروة و بین المشتری لا یکون قرینة علی عدم کون البیع الواقع بینهما فضولا بدعوی انه لو کان فضولیا لکان التصرف فی الثمن و المثمن بالقبض و الإقباض حراما و ذلک لما ذکرناه أنفا من عدم الملازمة بین کون البیع فضولیا و بین حرمة التصرف فی الثمن أو المثمن،ضرورة ان العلم بالرضا الباطنی للمالک یفید جواز التصرف تکلیفا لا جوازه وضعا.

و رابعا:انا لو سلمنا صحة المعاطاة الفضولیة لکن لا نسلم کون فعل عروة ظاهرا فی المعاطاة لعدم القرینة علی ذلک.

و دعوی ان القرینة علی ذلک هو ان الغالب المعتاد فی أمثال ذلک هو البناء علی المعاطاة،دعوی جزافیة،لأنا لو سلمنا وجود الغلبة و لکنها لا تفید الا الظن و هو لا یغنی من الحق شیئا و من هنا ذکر السید فی حاشیته بقوله:لم افهم هذه الدعوی و لم أدر من این هذا الظهور.

و خامسا:انا ذکرنا فی الجزء الثانی ان الأمثلة التی ذکروها لتحقق المعاطاة بمجرد إیصال العوضین الی کل من المالکین غیر ظاهرة فی ذلک بل هی من أمثلة المعاطاة المتعارفة راجع ج 2 ص 169.

و سادسا:ما ذکره المحقق الایروانی و إلیک نصه ان هنا خلط بین الرضا الکافی فی المعاطاة و الرضا الحاصل فی المقام فان

ص:26

الرضا الکافی فی المعاطاة عن القصد إلی إنشاء البیع بإیصال المبیع بأی وجه اتفق و بواسطة أی حامل کان و الرضا الموجود فی المقام هو الرضا بالبیع من أی بائع تحقق بلا قصد إلی إیجاد البیع فی الخارج.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه ان الروایة ضعیفة السند و قد عرفته قریبا.

الوجه الثالث:صحیحة محمد بن قیس

عن ابی جعفر(علیه السلام)قال قضی أمیر المؤمنین[1]لأن قوله علیه السلام فیها فی معالجة فک الولد بعد المناشدة:خذ ابنه حتی ینفذ لک البیع ظاهر فی نفوذ البیع الفضولی بالإجازة اللاحقة إذ لو کانت الإجازة فاسدة و غیر مؤثرة فی العبد الفضولی لما أمر الإمام علیه السلام بحبس الابن حتی یجیز الأب بیعه، فیعلم من ذلک ان اجازة بیع الفضولی تؤثر فی صحتها.

و قد نوقش فی الاستدلال بها علی ذلک من وجوه شتی:

ص:27

المناقشة الاولی:ان القائلین بصحة عقد الفضولی قد التزموا بصحة

التأهلیة

و بقائه علی حاله موقوفا علی اجازة المالک فان اجازه لزم و ان فسخه انفسخ و إذا انفسخ لم تؤثر فیه الإجازة إجماعا مع ان الصحیحة ظاهرة فی نفوذ الإجازة بعد الرد من نواحی شتی:

1-قوله:الحکم ان تأخذ الولیدة و ابنها فان هذا الحکم لا یصح الا بعد الرد.

2-قول السائل:ثم جاء سیدها الأول فخاصم سیدها الأخر فقال:ولیدتی باعها ابنی بغیر اذنی و من الظاهر ان المخاصمة ظاهرة فی الرد،إذ لولاه لما وقعت المخاصمة بین السید الأول و السید الثانی بل کانت الولیدة و ابنها للسید الثانی من دون ان تکون هناک مخاصمة و مرافعة.

3-مناشدة المشتری للإمام علیه السلام و الحاجة إلیه فی علاج فکاک ولده،و من الواضح انه لو لم یکن البیع مردودا من قبل السید الأول:لم یکن وجه لهذه المناشدة و الحاجة إلیها.

4-قول الامام علیه السلام-فی مقام تعلیم علاج فک الولد للمشتری-:خذ ابنه الذی باعک الولیدة حتی ینفذ لک البیع إذ لو لم یکن البیع مردودا لم یبق طریق للسید الأول إلی أخذ الولیدة و ابنها فهذه القطعة من الروایة صریحة فی أخذ السید الأول ابن الولیدة و أخذ الابن ظاهر فی رد البیع من حیث ان أخذ الابن لأجل کونه نماء للولیدة التی هی مملوکة له.

فتحصل ان الروایة ظاهرة فیما هو مخالف للإجماع و اذن فلا بد اما من طرحها و إرجاع علمها إلی أهلها،و اما من رفع الید عن-

ص:28

ظهور کون الإجازة بعد الرد أو یراد من الإجازة البیع الجدید أو حملها علی ما ذکره المحدث الکبیر العلامة المجلسی(ره)فی مرآت العقول ص 407 ج 3 قال:(الظاهر ان هذا من حیلة التی کان یتوسل بها الی ظهور ما هو الواقع)و لا بأس بتعلیم هذه الحیلة لکشف الواقع خصوصا مع علم الحاکم بالواقع و اقتضاء المصلحة لذلک مثل ان علیا علیه السلام کان عالما-فی مورد الروایة-بکون الابن وکیلا فی بیع ولیدة أبیه و أنکر الأب وکالة ابنه و ادعی عدم الاذن فی ذلک فاحتال علی علیه السلام حیلة لکی یصل بها الحق الی صاحبه أو تحمل الصحیحة علی غیر ذلک من المحامل.

و علی الجملة ان ما هو مسلم عند القائلین بصحة العقد الفضولی و هو عدم کون الإجازة مسبوقا بالرد،فالروایة أجنبیة عنه و ما اشتملت علیه الروایة من تأثیر الإجازة بعد الرد مخالف للإجماع و ان التزم السید بظاهرها و قال:(فالإنصاف ان الروایة لا مانع من العمل بها و تکون دلیلا علی صحة الإجازة حتی بعد الرد)،و لکن الظاهر انه لا إشعار فی الروایة بکون الإجازة بعد الرد فضلا عن الدلالة علیه اما قوله علیه السلام الحکم أن یأخذ ولیدته و ابنها فلا دلالة فیه علی ما یرومه الخصم،و ذلک لان الروایة خالیة عن تعرض المالک لفسخ العقد أو إمضائه بل غایة ما یظهر منها هو عدم رضاه بإقباض ابنه و لذا استرد الولیدة و ابنها و من الظاهر انه یجوز للمالک قبل اجازة العقد الفضولی ان یتصرف فی المبیع حتی علی القول بالکشف غایة الأمر أنه إذا أجاز العقد الفضولی انکشف بطلان تصرفه لا انه لا یجوز تصرفه فی ماله تکلیفا قبل الإجازة و لا شبهة فی ان تصرفه هذا

ص:29

قبل الإجازة لا یکشف عن رد البیع بل یمکن ان یکون ذلک من جهة تردده بین الفسخ و الإمضاء و لا یشترط فی تأثیر الإجازة وقوعها عقیب عرض البیع علی المالک من دون أن یفصل بینهما:التردد بین الفسخ و الإمضاء أو التوقف فی ذلک،بل العبرة فی تأثیر الإجازة بکونها قبل الفسخ و یدل علی ما ذکرناه ما ذهب إلیه الأصحاب من الحکم بصحة إجازة المکره بعد زوال إکراهه،فیعلم من ذلک ان الکراهة الباطنیة لا توجب فسخ المعاملة فضلا عن التردد بین الفسخ و الإمضاء اما مناشدة المشتری للإمام علیه السلام فی فکاک ولده فلا تدل أیضا علی ان المالک قد رد البیع و أخذ ابن الولیدة لکونه مملوکا له لان الولد لا یملک علی تقدیری الإجازة و الفسخ لکونه حرّا کما سیأتی بل المناشدة من حیث ان المشتری طلب من الامام علیه السلام علاجا لفک الولد و اجازة البیع فعلمه الامام(علیه السلام)طریقا لذلک و هو قوله(علیه السلام)أخذ ابنه الذی باعک الولیدة حتی ینفذ لک البیع.

و من هنا اتضح لک انه لا دلالة فی قول المشتری:حتی ترسل ابنی علی تحقق الرد قبل الإجازة نعم له ظهور فی عدم الإجازة و هو أعم من الرد کما اتضح لک انه لا دلالة فی قوله(علیه السلام):

خذ ابنه إلی.أخره علی تحقق الرد قبل الإجازة بل هو طریق علّمه الامام(علیه السلام)للمشتری لکی یتشبث به فی فکاک ولده اجازة البیع و اما المخاصمة،فلا دلالة فیها أیضا علی رد البیع غایة الأمر انها تدل علی عدم رضا المالک بالبیع و عدم اذنه فیه و هذا ظاهر.

و علی الجملة انه لا دلالة فی شیء من الوجوه المتقدمة علی تحقق الرد قبل الإجازة بل هی أعم منه و من التردد بین الإجازة

ص:30

و الرد أو التوقف فیهما.

المناقشة الثانیة:ان الامام(علیه السلام)قد حکم للسید الأول بأخذ

الولیدة و ابنها مع ان الابن حر لتولده من الشبهة،

و ذلک لان المشتری لم یعلم بکون الولیدة لغیر البائع إذ لو کان عالما بذلک لکان الوطی حراما و صار الولد رقا لتولده من الزنا فیعلم من ذلک ان المشتری لم یکن عالما بالحال و ان الولد انما تولد من الشبهة و قد حقق فی محله ان ولد الشبهة ملحق بأبیه،فیکون حرا و معه کیف یجوز للسید الأول ان یأخذه.

و قد أجیب عن هذه المناقشة بوجهین
الوجه الأول،انه لا

مانع عن کون المشتری عالما بالحال،

و علیه فیکون الولد من الزناء فیصیر رقا للسید الأول لو لا الإجازة.

و یرد علیه انه لو کان الأمر کما ذکر لما حکم الامام علیه السلام بأخذ الابن لانفاذ البیع بل یجب علی المشتری حد الزناء.

الوجه الثانی:ان الولد و ان کان حرا و لکن أخذه السید

الأول لاستحصال قیمة یوم الولادة

لأنه و ان لم یکن مالکا للولد لکونه حرا و متولدا من الشبهة و لکن له ان یطالب قیمته یوم الولادة لکونه نماء لمملوکه و هو الولیدة و قد حمل الروایة علی هذا الشیخ (ره)فی الاستبصار و إلیک لفظه:فالوجه فی هذا الخبر انما یأخذ ولیدته و ابنها إذا لم یرد علیه قیمة الولد فاما إذا بذل قیمة الولد فلا یجوز أخذ ولد الحر ج 3 ص 85 و تبعه المحقق التستری فی مقابسه و جعل هذا وجه الجمع بین الروایات حیث قال فی خلال کلامه:(و ذکر فی جملة من الاخبار ان للمالک قیمة الولد و فی بعضها

ص:31

انه رق و الجمع بین الروایات یقتضی جواز حبس الولد للتوصل إلی أخذ قیمته و ان لم یجز تملکه)ثم استشهد علی ذلک ببعض الروایات و هذه الروایات مرویة فی ج 3 یب ص 213 و الظاهر انه لا بأس بهذا الوجه بعد مساعدة الروایات علیه فراجع المقابیس.

و یرد علیه ان المطالب(بالفتح)هنا انما هو المشتری فلو جاز حبس المدیون لاستحصال الدین،فلا بد و ان یحبس المشتری دون ولده غیر المقصر.

و التحقیق أن یجاب عن المناقشة بأنه لا شبهة فی ظهور الروایة فی صحة بیع الفضولی بالإجازة المتأخرة و قد عرفته قریبا غایة الأمر انها اشتملت علی حکم آخر لا نعرف سرّه و لا ربط له بجهة الاستدلال و من الظاهر ان اشتمالها علی جهة مجهولة لا یسقطها عن الحجیة من سائر الجهات غیر المجهولة.

المناقشة الثالثة:انّه قد حکم الامام علیه السلام للمشتری

بأخذ ابن السید

مع ان ذلک لا یجوز لأن غایة الأمر کونه غاصبا و الغاصب لیس حکمه ذلک.

و أجیب عنه بأنه یمکن ان یکون ذلک لمطالبة المشتری الثمن الذی دفعه الیه و من الظاهر انه لا بأس بحبس المدیون لاستحصال الدین.

و یتوجه علیه ان هذا الحکم و ان کان صحیحا فی نفسه لأن الغرامة المتوجهة علی المشتری متوجهة علی البائع لأنه الذی غرّ المشتری و تسبب لخسرانه و قد دلت النصوص و الفتاوی علی ان المغرور یرجع الی الغار،و لکن هذا الوجه لا یناسب ذیل الروایة أعنی به

ص:32

قول المشتری للسید الأول:لا و اللّه لا أرسل إلیک ابنک حتی ترسل ابنی فلما رای ذلک أجاز البیع،فان الظاهر من هذه القطعة من الروایة هو ان حبس المشتری ابن السید الأول لم یکن لأجل استحصال الثمن بل لأجل فکاک ولده.

و التحقیق ان یجاب عن هذه المناقشة أیضا مثل ما أجبنا به عن سابقتها من ان هذا حکم آخر لا نعرف ربطه بجهة الاستدلال من الروایة علی ما نحن فیه.

و یؤید ما ذکرناه ان القضایا التی صدرت من أمیر المؤمنین علیه السلام لم تصل إلینا بجمیع خصوصیاتها الخارجیة الواقعة بین المترافعین و کذلک هذه القضیة التی بین أیدینا فإن غرض الإمام أبی جعفر علیه السلام من نقلها لیس الا بیان ان أمیر المؤمنین علیه السلام قد حکم بان البیع علی مال الغیر قابل للإجازة و لیس غرضه بیان خصوصیات القضیة بأجمعها.

ثم انا لو تنزلنا عما ذکرناه من کون الصحیحة ظاهرة فی صحة بیع الفضولی بالإجازة المتأخرة و قلنا بظهورها فی صحته بالإجازة المسبوقة بالرد الذی هو مخالف للإجماع فهل یستفاد منها تأثیر اجازة المالک فی العقد الواقع علی ملکه فضولا أم لا؟ ذکر المصنف ره (ان الانصاف ان ظهور الروایة فی أن الإجازة مجدیة فی الفضولی مع قطع النظر عن الإجازة الشخصیة فی مورد الروایة غیر قابل للإنکار،فلا بد من تأویل ذلک الظاهر لقیام القرینة و هی الإجماع علی اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد).

و ملخص کلامه ان الصحیحة و ان وردت فی قضیة شخصیة التی

ص:33

لا یمکن التعدی منها الی مثلها إجماعا و لکن یمکن ان یستنبط منها تأثیر اجازة المالک فی العقد الواقع علی ملکه فضولا فی غیر مورد الإجماع.

و یتوجه علیه:ان هذا انما یتم فیما إذا کان للروایة عموم أو إطلاق،فان فی مثل ذلک ترفع الید عن خصوصیة المورد و یؤخذ بالعموم أو الإطلاق و ذلک لان عدم انطباق الکبری المستفاد من روایة علی موردها لا یوجب رفع الید عن تلک الکبری بالکلیة و نظیر ذلک کثیر فی الروایات[1]و اما إذا لم یکن للروایة إطلاق أو عموم -کما فی المقام حیث ان الصحیحة تحکی قضیة شخصیة فی مورد خاص لا نعرف کیفیة وقوعها من جمیع الجهات-فلا یمکن التعدی من موردها الی غیره.

ص:34

الوجه الرابع:انه قد دلت النصوص المعتبر و الإجماعات

المحکیة علی صحة الزواج الفضولی[1]

و إذا صح الزواج الفضولی صح سائر العقود الفضولیة بالأولویة و ذلک لان المالیات یتسامح فیها بما لا یتسامح به فی الفروج ضرورة ان النکاح مبنی علی الاحتیاط و

ص:35

فی غیر واحد من الروایات (1)ما یدل علی شدة الاهتمام بأمر النکاح و الاحتیاط فیه و علل ذلک فی بعضها بأنه یکون منه الولد و من الظاهر انه إذا جاز العقد الفضولی فیما کان الاحتیاط فیه أشد جاز فیما کان الاحتیاط فیه أضعف بطریق اولی و قد تمسک بهذا الوجه جماعة من الفقهاء بل قال فی الریاض:(و لعمری انها من أقوی الأدلة و لولاها لا شکل المصیر الی هذا القول لحکایة الإجماعین الآتیین- ).

و یتوجه علی هذا الوجه ان اهتمام الشارع بأمر النکاح و شدة احتیاطه فیه لا یقتضی الاهتمام بسببه و الاحتیاط فیه بل یقتضی ذلک ان یکون سببه أسهل لئلا یقع الناس فی الزنا بسبب التکلیف و الضیق مثلا إذا اعتبرت العربیة فی مادة الصیغة و هیئتها و لهجتها کان ذلک سببا لعدم تمکن أکثر الناس من سبب النکاح و یقعون فی الحرام کثیرا،فالاهتمام بأمر النکاح یقتضی عدم الاحتیاط فی سببه دون- الاحتیاط فیه لکن یعتبر فیه ما لا یعتبر فی سائر العقود من الخصوصیات بل ربما یعتبر فی سائر العقود ما لا یعتبر فی عقد النکاح کالتقابض فی المجلس فإنه معتبر فی الصرف و السلم و لکنه غیر معتبر فی عقد النکاح و کثیرا تری التوسعة فی أسباب النکاح من تشریع المتعة و ملک الیمین و التحلیل و جواز الاقتصار فی مقام الاذن بالسکوت و غیر ذلک و اذن،فعدم احتیاط الشارع فی النکاح بالتوسعة فی أسبابه

ص:36


1- 1) ج 7 یب ص 67 و الوسائل باب 2 من أبواب الوکالة و روایة أخری فی ج 16 وافی ص 52 و روایة شعیب الحداد و فی ج 2 یب ص 245.

لا یدل بالفحوی علی التوسعة فی أسباب سائر العقود و علیه فلا دلالة فی الروایات الواردة فی صحة عقد النکاح الفضولی مع ضمیمة ما دل علی شدة الاحتیاط فی النکاح علی صحة سائر العقود الفضولیة لا بالأولویة و لا بغیرها و اذن فلا یمکن التعدی من موارد تلک الاخبار الی غیرها علی ان الأولویة ظنیة و الظن لا یغنی من الحق شیئا.

ثم انه ناقش المصنف فی الاستدلال بالفحوی علی صحة البیع الفضولی، و حاصل مناقشته ان الأولویة المزبورة و ان کانت ثابتة فی بادی النظر و لکنها مردودة بالنص الوارد فی الرد علی العامة فی فرقهم بین تزویج الوکیل المعزول مع جهله بالعزل و بین بیعه حیث حکموا بالبطلان فی الأول لأن البضع لیس له عوض و بالصحة فی الثانی لأن المال له عوض و قد وبخهم الامام و قبحهم برمی رأیهم السقیم و زعمهم الواهی الی الجور و الفساد و استذموا و استلاموا علی حکمهم هذا حیث قال الامام:ما أجور هذا الحکم و أفسد فإن النکاح اولی و أجدر أن یحتاج فیه لانه الفرج و منه یکون الولد (1)و علیه،فمقتضی الاحتیاط ان الحکم بصحة النکاح الواقع اولی من الحکم بصحة البیع الواقع و اذن فتدل الروایة علی کبری کلیة و هی ان الحکم بصحة المعاملة المالیة الواقعة فی کل مقام یستلزم الحکم بصحة النکاح بالأولویة دون العکس کما زعمه أهل السنة و الجماعة، و حینئذ فلا یجوز التعدی من صحة النکاح فی مسألة الفضولی إلی صحة البیع لان الحکم فی الفرع لا یستلزم الحکم فی الأصل فی باب

ص:37


1- 1) یب ج 2 ص 67 وسائل باب 2 من أبواب الوکالة.

الأولویة و الا لم تتحقق الأولویة و اذن فالاستدلال بصحة النکاح علی صحة البیع مطابق لحکم العامة من کون النکاح اولی بالبطلان من جهة ان البضع غیر قابل للتدارک بالعوض.

ثم انه ما هو الوجه فی ان الامام(علیه السلام)قد جعل الاحتیاط فی إبقاء النکاح لا فی إبطاله؟مستدلا بأنه یکون منه الولد مع ان الأمر فی الاعراض کالأموال دائر بین المحذورین ضرورة ان إبقاء النکاح الذی أوقعه الوکیل قبل وصول عزله إلیه أحد المحذورین و إبطاله هو المحذور الآخر و علیه فلا یکون احتیاط فی البین.

و لعل الوجه فی ذلک:هو ان المراد من الاحتیاط لیس هو معناه المصطلح ای:درک الواقع علی کل حال بل المراد منه هنا انما هو الأخذ بالجانب الأهم و بیان ذلک:ان الحکم بإبطال النکاح فی موارد الاشتباه التی منها مورد الروایة أعنی به مسألة عزل الوکیل مع عدم بلوغ الخبر الیه یستلزم التفریق بین الزوجین علی تقدیر صحة النکاح واقعا فتتزوج المرأة بزوج آخر و حینئذ فتتحقق الزنا بذات البعل و هذا بخلاف ما لو حکم بصحة النکاح و إبقائه فإنه حینئذ لو کان باطلا فی الواقع فلا یلزم منه الا الزنا بغیر ذات البعل و من الظاهر ان هذا أهون من الزنا بذات البعل فالإمام علیه السلام قد جعل الأخذ بأخف المحذورین احتیاطا فی الموارد المشتبهة من الاعراض انتهی ملخص کلامه.

و التحقیق ان الروایة أجنبیة عما افاده المصنف و ان کلام القوم غیر مبنی علی الاحتیاط لا فی البیع و لا فی النکاح لا من حیث- الفتوی و لا من حیث العمل،بل الروایة ناظرة إلی جهة أخری

ص:38

غیر ما یرومه المصنف و بیان ذلک:ان حکم هؤلاء بصحة البیع مع الجهل بعزل الوکیل و ان کان موافقا للواقع و لکنه حرام لأنهم لم یستندوا فیه الی الاحتیاط لکی یجیب عنه الامام(علیه السلام)بان النکاح اولی و أجدر بالاحتیاط،فیکون أولی بالصحة بل استندوا فی ذلک الی الاستحسان الذی یقتضی الصحة فی البیع و البطلان فی النکاح و لا ریب ان الاستناد الی الاستحسان فی مقام الفتوی حرام لانه، فتوی بلا علم و لا هدی من اللّه و لا کتاب منیر،و من الواضح ان- الفتوی بلا علم حرام بالأدلة الأربعة هذا من حیث الفتوی اما من حیث العمل،فلا شبهة فی ان حکمهم بصحة البیع لا یوافق الواقع دائما حتی موافقا للاحتیاط بل البیع مردد بین وقوعه و عدم وقوعه، و حینئذ فأمره دائر بین المحذورین فلا احتیاط فی البین و هکذا الحال فی النکاح أیضا طابق النعل بالنعل،ضرورة ان حکمهم ببطلانه غیر مبنی علی الاحتیاط بل انما هو مبنی علی الاستحسان و علیه فحکمهم ببطلانه حرام لکونه فتوی بلا علم و انه فی نفسه اما واقع أو غیر واقع فیکون فی مقام العمل من صغریات دوران الأمر بین المحذورین لا من موارد الاحتیاط،نعم یمکن الاحتیاط فی النکاح بأنحاء شتی:

1-طلاق المرأة،لأنها لو کانت مزوجة فی الواقع لبانت عن زوجها و الا أصبح الطلاق لغوا.

2-اجزاء العقد علیها ثانیا.

3-الإجازة مع عدم رد المرأة العقد الذی أوقعه الوکیل مع الجهل بالعزل.

ص:39

و اما معنی الخبر فغرض الامام(علیه السلام)منه-و اللّه العالم-انما هو الرد علی هؤلاء القوم الذین أفتوا بصحة البیع و بطلان النکاح الفضولیین مستندین فی ذلک الی الاستحسان و بیان ذلک ان هؤلاء قد- وضعوا أمر الدین أصولا و فروعا فی غیر محله و لم یرجعوه إلی اهله و لم یستندوا فیه الی آیة صریحة و لا سنة معتبرة و لا عقل سلیم بل استبدوا بآرائهم الواهیة و عقولهم الناقصة و انقطعوا بذلک عن العترة الطاهرة و استظهروا بالمعصیة علی الطاعة و بالفرقة علی الاجتماع و بالشتات علی الألفة و بالباطل علی الحق و استبدوا العمی من الرشد و الذل من العز حتی تمزق الاجتماع و تفرق المسلمون مثل أیادی سبا و طلعت الشمس من غیر محلها فضلوا و أضلوا فذلک هو الخسران المبین مع ان النزول علی حکم الأدلة و البراهین و التعبد بسنة سید المرسلین قد أخذ الأعناق إلی الأخذ بمذهب الأئمة الطاهرین و الانقطاع إلیهم فی فروع الدین و عقائده و أصول الفقه و قواعده و معارف السنة و الکتاب و علوم الأخلاق و السلوک و الآداب فالإمام(علیه السلام) قد رد علی هؤلاء حیث لم یحتاطوا فی المالیات و أفتوا بصحة البیع الفضولی و استندوا فی رأیهم هذا الی الاستحسان و لم یرجعوا فیه الی اهله و لم یمتنعوا عن الحکم فیه و ان کان رأیهم موافقا للواقع و لم یحتاطوا فی الاعراض أیضا حیث أفتوا ببطلان النکاح الفضولی مع ان النکاح من مهمات ما یتوقف علیه نظام الدین و الدنیا و کان الاحتیاط فیه أجدر و أحری لأن ترکه ربما یوجب التفریق بین الزوجین و الزنا بذات البعل و یکون ذلک وسیلة إلی تولد الفراعنة و الجبارة فیفسدون فی الأرض و یسفکون الدماء و قد أشار الإمام علیه السلام

ص:40

الی خطائهم و بطلان استحسانهم بقوله علیه السلام ما أجور هذا الحکم و أفسد فإن النکاح اولی و أجدر أن یحتاط فیه.

و علی الجملة ان الامام علیه السلام وبخهم و وجه الإزراء علیهم من جهة إقدامهم علی الفتوی بلا دلیل شرعی و عدم سکوتهم فیما لا بد من التوقف فیه مع ان الاحتیاط کان مقتضیا للسکوت،فقد اتضح لک مما بیناه ان الروایة بعیدة عن المعنی الذی ذکره المصنف ثم انه قد یقرر تقریب الفحوی بوجه آخر-کما فی المقابیس و غیره-و حاصله انه إذا صح تملیک البضع بالإجازة مع انه لا عوض له صح التملیک المال المتضمن للعوض بالأولویة.

و یرد علیه ان عدم مقابلته بالمال لا یدل علی الأولویة المزبورة إذ من المحتمل ان یکون ذلک لاهمیة البضع و یضاف الی ذلک ان البضع أیضا له عوض غایة الأمر انه لا یلزم ذکره فی العقد بل فی الجواهر (انه لا خلاف فی ان ذکر المهر لیس شرطا فی صحة العقد بل الإجماع بقسمیه علیه مضافا الی ظاهر آیة لا جناح و النّصوص المستفیضة أو المتواترة).

علی ان هذه الأولویة ظنیة لأن مصالح الأحکام خفیة و من الظاهر ان الأدلة الظنیة لا تصلح لإثبات الأحکام الشرعیة.

ص:41

الوجه الخامس الروایات1الدالة علی صحة نکاح العقد الواقع

بدون اذن مولاه

و قد علل هذا الحکم فی بعضها بأنه لم یعص اللّه و انّما عصی سیده فقد استدل بها علی صحة بیع الفضولی و تقریب ذلک بوجهین:

الأول من ناحیة الفحوی و الأولویة المستفاد من مجموع تلک

الاخبار

و بیان ذلک انه إذا صح نکاح العبد الواقع بدون اذن سیده بالإجازة اللاحقة مع کونه فضولیا لتصرفه فی مملوک مولاه و کونه محجورا علیه إذ لا سلطان له فی مقابل سلطنة مولاه صح العقد

ص:42

المتمرض فی الفضولیة بالأولویة.

و فیه ما عرفته آنفا من ان الأولویة لیست بقطعیة لکی یمکن الأخذ بها فی الأحکام الشرعیة بل هی ظنیة فلا یجوز الاستناد إلیها لأن مصالح الاحکام غیر معلومة لنا.

الثانی:من ناحیة عموم التعلیل المذکور فی الخبرین

فقد استدل بذلک شیخنا الأستاذ و إلیک لفظ مقرر بحثه:(ان ظاهر قوله علیه السلام انه لم یعص اللّه و انما عصی سیده ان المناط فی البطلان هو عدم تشریع اللّه سبحانه المنشأ بالعقد و اما إذا کان مشروعا من قبله سبحانه و لکنه فی عقده تصرف فی سلطان الغیر، فهو منوط بإجازته،فإذا أجاز جاز فقوله(علیه السلام)فإذا أجاز جاز بمنزلة کبری کلیة و خصوصیة کون العاقد عبدا و کون ذی حق سیدا ملغی قطعا،لانه(علیه السلام)فی مقام بیان ان کل من تصرف فی متعلق حق الغیر فأمر هذا التصرف راجع الی ذی الحق ان شاء أبطله و ان شاء اجازه و علی هذا،فلو فرض ان نکاح العبد من قبیل بیع الراهن لا من قبیل بیع مال الغیر فلا یضر بالاستدلال،لان المناط فی صحة الفضولی توقف العقد علی اجازة الغیر سواء کان جهة الوقوف کون المال مال الغیر أم کونه متعلقا لحق الغیر کتعلق حق الرهانة أو حق الغرماء و الدیان أو حق السادات و الفقراء و نحو ذلک).

و ملخص کلامه:ان الاستدلال بتلک الروایات علی صحة بیع الفضولی لا یتوقف إلی إثبات الأولویة لکی یناقش فیها بما عرفته قریبا بل یمکن الاستدلال علی ذلک بعموم العلة المنصوصة فی الخبرین المستفادة من مقابلة عصیان اللّه بعصیان السید بدعوی

ص:43

ان العبد لم یعص اللّه فی نکاحه لکی یکون قابلا للزوال بالإجازة اللاحقة کالعقد فی العدة و أشباهه کما فی أحد الخبرین لان حرام اللّه حرام الی یوم القیامة و انما عصی سیده الذی یزول عصیانه بتبدیل کراهته برضائه،فیستفاد من ذلک ان النکاح المزبور مشروع فی نفسه و انما المانع عن نفوذه هو کراهة السید فإذا رضی به صح و علیه،فیصح کل عقد مشروع فی نفسه بالإجازة اللاحقة إذ لا خصوصیة لنکاح العبد لنفسه و اذن فالإمام(علیه السلام)فی مقام بیان الضابطة الکلیة و هی ان کل عقد کان فیه عصیان للّه تعالی،فهو فاسد کالعقد فی العدة و العقد علی المحارم و بیع الخمر و الخنزیر و کل عقد لم یکن فیه عصیان للّه تعالی فهو صحیح غایة الأمر انه محتاج إلی إجازة سیده.

و قال المصنف ما هذا لفظه (و ربما یؤید المطلب بالأخبار الدالة علی عدم فساد نکاح العبد بدون اذن مولاه معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیده،أن المانع من صحة العقد إذا کان لا یرجی زواله،فهو الموجب لوقوع العقد باطلا و هو عصیان اللّه تعالی و اما المانع الذی یرجی زواله کعصیان السید فبزواله یصح العقد و رضا المالک من هذا القبیل فإنه لا یرض أولا و یرضی ثانیا بخلاف سخط اللّه عز و جل بفعل فإنه یستحیل رضاه.

و یرد علیه انه لا یمکن الاستدلال بهذه الروایات بوجه علی صحة بیع الفضولی بالإجازة اللاحقة للفرق الواضح بین مفادها و بین البیع الفضولی ضرورة إذ العقد فی موردها مستند الی من له العقد کما عرفته سابقا إذ المفروض ان العبد قد تزوج لنفسه الا انه فاقد لما

ص:44

هو معتبر فی صحته و هو رضا السید و اذن،فلا اشعار فیها بصحة البیع الفضولی فضلا عن الدلالة علیها نعم یمکن التعدی منها الی ما یماثل موردها کعقد بنت الأخ،فإن صحته متوقفة علی رضا العمة و کعقد بنت الأخت فإن صحتها متوقفة علی رضا الخالة علی ما فی بعض الروایات (1)و علیه فإذا تزوج الرجل ببنت الأخ بدون رضا العمة أو ببنت الأخت بدون رضا الخالة حکم بصحة ذلک بالرضا المتأخر منهما من جهة تلک الروایات لانه لم یعص اللّه حتی لا یزول عصیانه بل عصی المخلوق فیزول بالرضا و علیه فتدل الروایة علی کبری کلیة و هی ان کل عقد صدر من اهله و وقع فی محله و لکن یتوقف نفوذه علی اجازة الغیر فهو نافذ بالإجازة بمقتضی التعلیل المذکور فی تلک الأخیار،فلا دلالة فیها علی صحة ما یتوقف أصل انعقاده علی اجازة الغیر،نعم لو کان التعلیل بان کان کل عقد کان فیه عصیان المخلوق دون الخالق،فهو محکوم بالصحة برضا الغیر لکان شاملا للبیع الفضولی أیضا و لکن الواقع فی الروایة لیس کذلک.

و قد اتضح لک مما ذکرناه انه لا یصح الاستدلال علی صحة بیع الفضولی بالإجماع علی نفوذ بیع المفلّس مع اجازة الغرماء و علی نفوذ بیع الراهن مع اجازة المرتهن لأن شیئا من ذلک لا یرتبط بما نحن فیه.

ثم إذا سلمنا دلالة الأخبار المذکورة علی صحة عقد الفضولی لم یصح ما نسب الی ابن حمزة ره من ان نکاح العبد و کذا نکاح

ص:45


1- 1) راجع الوافی ج 12 ص 37 و یب ج 2 ص 208 و الکافی ج 5 ص 424 و الوسائل باب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة.

الحر لغیره فضولا کنکاح الولی الشرعی و العرفی انما یصح بالإجازة لخصوصیة خاصة فی کل مورد فلا یمکن التعدی من هذه الموارد الی مطلق نکاح الفضولی فضلا عن سائر العقود الفضولیة و ذلک لعدم الفارق بینها و بین سائر العقود الفضولیة لوحدة المناط فی الجمیع و لکن قد عرفت عدم دلالتها علی ذلک.

الوجه السادس:الروایات1الواردة فی إباحة المناکح

و

ص:46

المساکین و المتاجر للشیعة و ان کان ذلک بأجمعه للإمام علیه السلام فإنها تدل علی ان الأئمة علیهم السلام قد أجازوا معاملات شیعتهم علی أموالهم فتدل علی تأثیر الإجازة اللاحقة.

أقول لا یخفی علیک ان هذه الروایات یمکن الاستدلال بها علی صحة البیع الفضولی علی تقدیر و لا یمکن ذلک علی تقدیر آخر و بیانه انک قد عرفت فی طلیعة البحث عن العقد الفضولی ان اقتران رضا المالک بالعقد الصادر من الأجنبی لا یخرجه عن عنوان الفضولی إلا إذا أظهره بمظهر خارجی و هذا لا شبهة فیه.

و انما البحث فی ان الاذن الغیر الواصل هل یخرج العقد عن الفضولیة أم لا؟کما إذا اذن المالک فی بیع شیء من ماله فباعه المأذون قبل وصول الإذن إلیه فإن قلنا بتأثیر الاذن الغیر الواصل فی خروج العقد عن الفضولیة،فالإجازة المزبورة أجنبیة عن بحث الفضولی بالکلیة،ضرورة أن الأئمة(علیه السلام)قد أذنوا لشیعتهم فی المعاملة علی ما فیه حق الامام(علیه السلام)غایة الأمران المشتری لم یطلع علی ذلک الاذن و علیه،فتکون تلک المعاملة مستندة الی الأئمة

ص:47

(علیه السلام)لأجل ذلک الاذن الموجود حین العقد،و ان قلنا بان مجرّد صدور الاذن من المالک لا یخرج المعاملة الصادرة من الأجنبی عن عنوان الفضولی ما لم یصل الیه،بل الاذن المزبور انما یؤثر فی خروجها عن الفضولیة حین وصوله الی العاقدان قلنا بذلک فالروایات المذکورة تدل علی صحة العقود الفضولیة و هذا هو الحق لأن الأئمة و ان أذنوا فی المعاملة علی أموالهم و لکنه لم یصل الی المشتری و من الظاهر ان العقد انما یخرج عن الفضولیة باستناده الی المالک و لا یستند العقد الیه بمجرد صدور الاذن منه و ان لم یصل الی العاقد بل انما یستند الیه ذلک بالاذن الواصل و یکون عندئذ مشمولا للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و نفوذها و اذن فتدل تلک الروایات أیضا علی صحة العقود الفضولیة بالإجازة اللاحقة.

و دعوی ان ما اشتملت علیه تلک الروایات حکم شرعی لا یجب تطبیقه علی القواعد،و لا یمکن التعدی من موردها الی مورد آخر، دعوی فاسدة،لأن الظاهر منها هو ان الامام(علیه السلام)انّما یمضی معاملات شیعتهم الواقعة علی أمواله بعنوان انه مالک کسائر الملاک فینتج من ذلک قاعدة کلیة و هی ان کل مالک یجوز له إمضاء المعاملة الفضولیة الواقعة علی ماله و علی هذا فإذا اشتری أحد شیئا ثم علم ان البائع لم یؤد خمسة کان البیع بالنسبة إلی مقدار الخمس فضولیا و یحکم بصحته من ناحیة إجازة الإمام(علیه السلام)فلا یحتاج إلی إجازة الحاکم و علیه،فیتعلق الخمس بالثمن و لو کان ذلک جاریة بل یصح النقل بلا عوض أیضا و حینئذ فیتعلق الخمس بذمة

ص:48

الناقل و کل ذلک لأجل تلک الروایات و قد ذکرنا فی کتاب الخمس ان اخبار التحلیل کلها مطلقها و مقیدها محمولة علی هذه الجهة و ان التحلیل انما هو للمنقول الیه فقط لا للناقل بل ذمته مشغولة بحق الامام(علیه السلام)و انما التزمنا بذلک جمعا بین الاخبار الدالة علی طیب المناکح و المساکین و المتاجر للشیعة و بین ما دل علی وجوب إیصال حق الإمام إلیه کروایة الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه قال:کنت عند أبی جعفر(علیه السلام)إذ دخل علیه صالح بن محمد بن سهل إلخ،الوسائل باب 3 من أبواب الأنفال و لو أغمضنا عما ذکرناه لما جاز شراء ما فیه حق الامام(علیه السلام)و لما جاز التصرف و لما جاز و طی الأمة التی هی للإمام(علیه السلام)مع انها جائزة و أیضا یلزم ان یکون المتولد من تلک الجاریة ولد زنا مع انه لیس کذلک و جمیع ذلک لیس الا من ان الامام(علیه السلام)قد امضی هذه المعاملات تفضلا منه علی شیعتهم و قد اتضح لک مما ذکرناه فساد ما یقال:من ان مقتضی ما دل علی طیب المناکح هو اباحة و طی الجاریة التی جعلت ثمنا لما فیه الخمس مع ان مقتضی انتقال الخمس الی الثمن هو عدم الجواز و وجه الفساد هو ما ذکرناه من مقتضی الجمع بین الاخبار هو اختصاص التحلیل بالمنقول الیه فقط فلا یعم الناقل و تفصیل الکلام فی محله.

الوجه السابع:الروایات1الواردة فی عامل مال المضاربة

لو خالف ما شرط علیه

من تعیین سلعة مخصوصة فاشتری غیرها أو المنع عن السفر إلی أرض معلومة فسافر إلیها فإنها تدل علی انه

ص:49

یضمن مال المضاربة مع التلف و لکن الربح مشترک بینهما علی الشرط و هذا لا یتم الا علی القول بصحة المعاملات الفضولیة و تأثیر الإجازة اللاحقة فیها،فإنه علی هذا تکون المعاملة الصادرة من العامل فضولیة و تصح بالإجازة اللاحقة و الا فمقتضی القاعدة ان یکون مجموع الربح للمالک.

ص:50

قال المصنف-و هذا نصه-: (فإنها إن أبقیت علی ظاهرها من عدم توقف ملک الربح علی الإجازة کما نسب الی ظاهر الأصحاب و عدّ هذا خارجا عن بیع الفضولی بالنص کما فی المسالک و غیره کان فیها استیناس لحکم المسألة من حیث عدم اعتبار اذن المالک سابقا فی نقل المالک الی غیره و أم حملناها علی صورة رضا المالک بالمعاملة بعد ظهور الربح کما هو الغالب و بمقتضی الجمع بین هذه الاخبار و بین ما دل علی اعتبار رضا المالک فی نقل ماله و النهی عن أکل المال بالباطل[1]اندرجت المعاملة فی الفضولی و صحتها فی خصوص المورد و ان احتمل کونها للنص الخاص الا انها لا تخلو عن تأیید للمطلب.

و ملخص کلامه ان الروایات الدالة علی صحة المعاملة الصادرة من عامل القراض تدور علی احتمالین أحدهما:عدم لزوم الإجازة فی المعاملة المزبورة،و الثانی:دلالتها علی صحة تلک المعاملة مع الإجازة اللاحقة ضرورة ان المالک و ان لم یکن راضیا بها قبل ظهور الربح و لکنه رضی بها و علی الأول،فیستأنس بها لصحة بیع الفضولی لاشتراکه مع مورد الروایات فی عدم لزوم الاذن السابق فی نقل المال،و علی الثانی،فتدل علی صحة بیع الفضولی.

أقول:اما الاحتمال الأول فیرد علیه ان مجرد الاستیناس لا یدل علی صحة بیع الفضولی،فإنه لا یفید الا الظن فهو لا یغنی

ص:51

من الحق شیئا بل لا استیناس هنا أیضا بدیهة ان الحکم بصحة عقد الفضولی بلا احتیاجه إلی الإجازة اللاحقة فی مورد خاص للنص غیر مربوط بصحة المعاملة الفضولی مع الإجازة و ذلک لان النص قد دل عدم اعتبار اذن المالک فی الأول بخلاف الثانی فإنه تعتبر فی صحته اجازة المالک-کما هو المفروض-و اشتراک مورد النصوص مع سائر العقود الفضولیة فی عدم اقتران العقد باذن المالک لا یقتضی الاتحاد من جمیع الجهات علی انه لو صح التمسک بها فی المقام للزم الحکم بصحة بیع الفضولی بلا احتیاج الی رضا المالک لا سابقا و لا لاحقا إذ لم یفرض فی مورد الروایات احتیاج معاملة العامل إلی اجازة المالک،بل انما حکم الامام(علیه السلام)بصحتها علی وجه الإطلاق.

فتحصل ان هذه الروایات أجنبیة عن بیع الفضولیة بالکلیة فی مورد فلا استیناس بها لصحة بیع الفضولی بوجه،و اما الاحتمال الثانی فیتوجه علیه انا لو فرضنا لحوق الإجازة من المالک بالمعاملة التی أوقعها العامل و لکنها لا یتفق و مورد الروایات،بداهة ان المذکور فیها انما هو اشتراک الربح بین المالک و العامل و مقتضی لحوق الإجازة بها هو کون الربح بأجمعه للمالک و ان العامل لاستحق منه شیئا.

و دعوی ان المالک انما أجاز البیع بعنوان انه من مصادیق المضاربة و من الظاهر ان مقتضی عقد المضاربة هو اشتراک الربح بینهما،دعوی فاسدة،لأنها تکلف فی تکلف علی ان ذلک یقتضی کون التلف علی المالک لا علی العامل مع انه مخالف لصریح تلک الروایات علی ان حملها علی صورة لحوق الإجازة من المالک دعوی

ص:52

فاسدة إذ لا شاهد علیه فی شیء من تلک الاخبار و لا فی غیرها فیکون الحمل تبرعیا محضا. و علی الجملة ان الروایات المذکورة و ان کانت تنطبق علی البیع الفضولی بناء علی ما ذکره المصنف من الاحتمال الثانی و لکن لازم ذلک هو عدم کون الربح مشترکا بین العامل و المالک،ضرورة ان ما وقع علیه عقد المضاربة لم یوجده العامل و ما أوجده العامل غیر مربوط بالمضاربة بل انما هو عقد آخر فضولی،فان اجازة المالک اختص به لا انه یکون من مصادیق المضاربة و مشترکا بینه و بین العامل و ان لم یجزه بطل من أصله و العجب من المصنف فإنه کیف حمل تلک الروایات علی الفضولی بمقتضی الجمع بینها و بین ما دل علی اعتبار الرضا فی نقل الأموال فتحصل ان الحکم بصحة بیع الفضولی مع لحوق الإجازة بها من ناحیة تلک الاخبار یعد من الغرائب و انها بعیدة عن کلا الاحتمالین الذین ذکرهما المصنف.

ثم انه هل یمکن تطبیق تلک الروایات علی القاعدة أو انها محمولة علی التعبد المحض؟فربما یقال بالأول بدعوی ان غرض الامام(علیه السلام)من تلک الروایات انما هو التنبیه علی ما تقتضیه القاعدة و بیان ذلک ان غرض المالک من إیقاع عقد المضاربة لیس الا الاسترباح و تحصیل المنفعة بأی وجه اتفق الا انه نهی عن اشتراء سلعة خاصة أو عن المسافرة إلی محل معین لأجل تخیله عدم حصول الربح من ذلک أو تلف المال عندئذ،فیکون نهیه عن المعاملة الخاصة أو عن المسافرة إلی مکان مخصوص من طرق تحصیل المنفعة أیضا،و الا فلیس له غرض خاص من المنع المزبور و لا هناک مصلحة

ص:53

خفیة لا یعلمها العامل و لا انه مستند الی العناد و اللجاج و اذن فالممنوع عنه لیس بخارج عن حدود المضاربة غایة الأمران المالک قد اشترط علی العامل شرطا خارجا عما یقتضیه عقد المضاربة لأجل ذلک الخیال،و حینئذ فلو رای العامل ربحا فی البیع الذی نهی عنه المالک و أقدم علیه لکان ذلک من مصادیق عقد المضاربة،و ان لم یلتفت الیه المالک بل منع عنه صریحا ضرورة ان منعه عن ذلک لیس الا من قبیل الخطا فی التطبیق و تخیله عدم وجود النفع فی المنهی عنه مع وجوده فیه واقعا و علی هذا،فاشتراکهما فی الربح من جهة عقد المضاربة لا للإجازة اللاحقة لکی یستدل بذلک علی صحة العقود الفضولیة کما ان کون الخسران علی العامل من جهة الاشتراط،فإنه یؤثر فی کون الوضیعة علیه و به تخرج المعاملة عن المضاربة فی صورة الخسران و تدل علی ذلک قصة عباس[1]عم النبی(صلی الله علیه و آله)حیث انه کان یقارض عماله و یشترط علیهم ان لا ینزلوا بطون الوادی و الا فالضرر علیهم،فیعلم من هذه القضیة انه لا بأس باشتراط کون الوضیعة علی عامل المضاربة فی فرض المخالفة.

و یرد علیه أولا:انه لا یمکن الالتزام بالخطإ فی التطبیق فی

ص:54

جمیع الموارد بل انما یمکن الالتزام به فیما علم انه لیس غرض المالک من إیقاع عقد المضاربة إلا الاسترباح بأی وجه اتفق فإنه عندئذ یمکن القول بصحة المضاربة فی صورة المخالفة عند ظهور الربح فیها.

و اما إذا لم یعلم غرضه من ذلک فلا یمکن الالتزام بالخطإ فی التطبیق فی صورة المخالفة مثلا إذا اشترط المالک علی العامل فی عقد المضاربة ان یبیع إلا الأکفان فان فی مثل ذلک لا یمکن القول بان غرض المالک من المضاربة لیس الا تحصیل الربح.

و ثانیا:انه لا دلیل علی اتباع غرض المالک فی العقود و الإیقاعات ما لم یبرز بمظهر خارجی و الا یصح ذلک فی جمیع الموارد فیلزم منه تأسیس فقه جدید مثلا إذا و کل احد غیره فی بیع داره لم یجز للوکیل ان یبیع دابة الموکل أیضا بتخیل ان غرض الموکل من التوکیل فی بیع داره لیس الا الاتجار بماله بأی وجه اتفق، فذکر الدار انما هو لأجل تخیله ان غیر الدار لاتباع بالقیمة المناسبة و کذلک إذا وکلت المرأة أحدا فی تزویجها بالعالم الفلانی لم یجز للوکیل ان یزوجها بعالم آخر أفضل منه بتخیل ان غرض المرأة إنما التزویج بالعالم و ان تعیین شخص خاص من جهة عدم التفاتها الی من هو أفضل منه و الی غیر ذلک من الأمثلة.

و ثالثا:ان تطبیق تلک الروایات علی القاعدة علی الوجه المذکور لا یتم فی جمیع الموارد لکون ذلک أخص من المدعی لانه ربما تکون المعاملة مربحة فی صورة المخالفة کما هو مورد الاخبار، و لکنها لا تکون موافقة لغرض المالک کما إذا نهی عن المعاملة مربحة کان ربحها فی کل عشرة اثنان و رخص فی المعاملة مربحة کان

ص:55

ربحها فی کل عشرة ثمانیة فإنه عندئذ کیف یمکن الالتزام بصحة المعاملة الأدنی بقانون ان غرض المالک من المضاربة هو الاسترباح و ان النهی عن معاملة خاصة لأجل الخطا فی التطبیق،و اذن فلا یمکن تطبیق الروایات علی القواعد.

و اما کون الخسران علی العامل فی مورد الروایات فلیس ذلک من ناحیة الاشتراط و الا لکان تخلفه موجبا للخیار لا کون الوضیعة علی العامل بل هو من قبیل اشتراط کون الوضیعة علی العامل فی صورة المخالفة و هذا المعنی و إن کان یتفق أحیانا کما اتفق فی معاملات عباس عمّ النّبی(صلی الله علیه و آله)و لکن لا کلیة له قطعا و من الظاهر ان الأمور الاتفاقیة لا تکون ضابطة کلیة لکی تؤخذ بها فی جمیع الموارد و هذا ظاهر لا شک فیه.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه انه لا یمکن حمل النصوص المذکورة علی الفضولی مع تقییدها بالإجازة اللاحقة و لا حملها علی القواعد بل هی محمولة علی التعبد المحض الذی یخالف القواعد و حینئذ فلا یجوز التعدی عن موردها بل یجب الاقتصار علیه.

مع ان ورودها علی طبق القاعدة یقتضی ذکر ذلک فی غیر باب المضاربة أیضا لأن الحرکة علی طبق غرض المالک لا یختص بباب المضاربة بل تجری فی الوکالة و غیرها أیضا مع انه لم یتفوه به احد بل یقتضی ذلک الاختلاف فی مضمونها مع ان الفقهاء قد أفتوا علی طبقها بلا خلاف فی ذلک من احد.

قال العلامة فی القواعد:و لو امره بالسفر إلی جهة فسافر الی غیرها أو بابتیاع شیء معین،فابتاع غیره ضمن و لو ربح حینئذ فالربح علی شرط و حکی التصریح بذلک کلّه عن النهایة و الشرائع

ص:56

و النافع و التذکرة و التحریر و جامع المقاصد و المسالک و الکفایة و المفاتیح و قضیة الإطلاق جمع أخر بل حکی الإجماع عن الغنیة و السرائر،علی أنه یضمن فیما إذا خالف فی السفر و ابتیاع المعین و عن جامع المقاصد انه لا بحث فیه بل نسبه الی الأصحاب بل فی الریاض انه لا خلاف فیه و عن ظاهر جامع المقاصد و موضعین من المسالک ان الربح علی الشروط فیما إذا خالف فی هذین الأمرین و عن إیضاح النافع ان علیه الفتوی و عن موضع من مجمع البرهان کأنه لا خلاف فیه و فی آخر ان الخلاف فیه غیر معلوم.

و علی الجملة انه لا شبهة و لا خلاف فی حمل الروایات المتقدمة علی التعبد المحض و تفصیل الکلام فی محله.

ثم ان شیخنا الأستاذ بعد ما حکم بصحة المعاملة التی فیها ربح و دخولها تحت المضاربة و خروجها عنها فی صورة الخسران قال (ثم ان کون الوضیعة علیه مع ان فی صورة البطلان لا وضیعة محمول علی ما إذا لم یمکن استرداد المبیع فیتحقق الخسران).

و یرد علیه ان کون الوضیعة علی العامل من جهة بطلان العقد و عدم إمکان استرداد المبیع،و ان کان ممکنا فی الجملة الا ان هذا لا یجری فی جمیع الروایات،لانه حکم الإمام فی بعضها بکون الخسران علی العامل بعد فرض صحة المعاملة فیه کما یظهر ذلک لمن یلاحظها.

الوجه الثامن:الأخبار الواردة فی الاتجار بمال الیتیم

قال المصنف-و هذا نصه- (و من هذا القبیل ای من قبیل اخبار المضاربة الأخبار الواردة فی اتجار غیر الولی فی مال الیتیم و ان

ص:57

الربح للیتیم فإنها إن حملت علی صورة اجازة الولی کما هو صریح جماعة تبعا للشهید الثانی کان من افراد المسألة و ان عمل بإطلاقها کما عن جماعة ممن تقدمهم خرجت عن مسألة الفضولی لکن یستأنس لها بالتقریب المتقدم و ربما احتمل دخولها فی المسألة من حیث ان الحکم بالمضی إجازة إلهیة لاحقة للمعاملة فتأمل).

و قال فی البلغة(منها ما ورد مستفیضا و فیه الصحیح و المعتبر فیمن اتجر بمال الطفل لنفسه بغیر اذن ولیه انه یضمن المال و الربح للطفل أو الیتیم و التقریب فیه ما تقدم حرفا بحرف).

و یرد علیه أولا:جمیع ما وجهناه علی الوجه السابق طابق النعل بالنعل فلا استیناس بشیء منها لصحة بیع الفضولی مع لحوق الإجازة فضلا عن الدلالة علیها.

و ثانیا:انا لم نعثر علی خبر یکون نصا أو ظاهرا فی کون المتجر بمال الیتیم هو غیر الولی بل الروایات الواردة فی الاتجار بماله کلّها علی طائفتین.الطائفة الأولی صریحة فی تجارة نفس الولی بذلک[1]الثالثة[2]مطلقة و غیر مقیدة بالولی و لا بغیره و من

ص:58

الظاهر انه لا دلالة فی کلتا الطائفتین علی ما نحن فیه و لا استیناس بهما لذلک،اما الطائفة الاولی فلان التاجر الولی بمال الیتیم تارة یکون لنفسه بان یستقرض من الیتیم و یتجر به لنفسه بل صرح الامام (علیه السلام)بذلک فی روایة الصیقل و مفضل بأنه ان کان عندک مال و ضمنته فلک الربح و أنت ضامن للمال فان المراد من الضمان فیها هو الضمان القرض فمعنی ضمنته ای أخذته قرضا و لکن الروایة- ضعیفة،و اخری للیتیم و علی الأول فالمعاملة مختصة بالولی فلا حظّ فیها للیتیم بوجه و علیه،فیکون ربح التجارة له و خسرانها علیه و اذن فلا ربط لها بالمعاملة الفضولیة بل شأنها شأن سائر تجاراته بمال نفسه.

ص:59

و هذا واضح لا شبهة فیه و علی هذا تحمیل الروایات[1]الدالة علی جواز أخذ مال الیتیم مع الضمان و الشاهد علی هذا الحمل هو ان غیر الولی و لو کان ملیا لا یجوز له الاقتراض من مال الیتیم بدون اذن ولیه مع ان المذکور فی هذه الروایات هو الاقتراض بدون اذنه.

علی ان بعضها مقید بخصوص الولی کما یظهر ذلک لمن- یلاحظها و علی الثانی،فلا ربط للمعاملة الفضولی أیضا إذ لو کانت فضولیة لاحتاجت إلی اذن الولی فتخرج بذلک عن الفضولیة،و اما إذا کان المتصدی لها هو شخص الولی،فلا تحتاج صحتها إلی إذن احد ضرورة ان صحة تصرفات غیر الولی متوقفة علی اذن الولی فلو کانت صحة تصرفات الولی أیضا متوقفة علی اذن غیره فاما یدور أو یتسلسل و کلاهما باطل.

نعم یعتبر فی اتجار الولی بمال الیتیم ان یکون ملیا ای ذا مال فإنه حینئذ یکون الربح للیتیم و الخسران أیضا علیه.

أقول لا دلیل علی کون الخسران علی الطفل بعد ضعف الطائفة الاولی،و اما الطائفة الثانیة،فهی ظاهرة فی کون الربح للیتیم و

ص:60

الوضیعة علی التاجر مع عدم الفرق فیها بین الولی و غیره لمکان الإطلاق الا ان یقال ان هذه الطائفة المطلقة مقیدة بالطائفة الثانیة و لکنها ضعیفة السند کما ذکرناه فی الحاشیة.

و اما إذا کان فقیر فیکون الربح عندئذ للیتیم و الخسران علی الولی المتجر به کما فی روایة الصیقل و غیرها،و هذا أیضا غیر مربوط بالفضولی لما عرفته قریبا من ان مقتضی صحة المعاملة بالإجازة هو کون النفع للیتیم و الوضیعة علیه،و مقتضی عدم إمضائها هو بطلانها من أصلها و لکن الشارع حکم بکون الربح للیتیم تعبدا و لعل الحکمة فیه هو مراعاة حال الیتیم کما سیأتی قریبا الإشارة الیه علی ما فی الروایة کما أن الأمر کذلک فی اتجار غیر الولی بمال الیتیم و سیأتی قریبا علی ان هذه الطائفة من الروایات ضعیفة السند و اما الطائفة الثانیة التی تدل علی جواز الاتجار بمال الیتیم مطلقا،فهی ناظرة إلی رعایة حال الیتیم و واردة فی مقام التوسعة له و- الامتنان علیه لانه تعالی قد رخص فی الاتجار بماله لأیّ أحد مع کون ربح التجارة له و وضیعتها علی التاجر و لعل النکتة فی ذلک هو ان لا یقرب احد مال الیتیم إلا بالتی هی أحسن و لا شبهة فی ان هذا حکم تعبدی محض و غیر مربوط بالفضولی أصلا و لا تنطبق علیه القواعد،و لا أن صحة المعاملة المزبورة متوقفة علی اجازة الولی لو کان التاجر غیره حتی یتوهم انّها کیف تکون صحیحة مع عدم لحوق الإجازة بها؟إذ لو کانت هی فضولیة و موقوفة علی اجازة الولی لاختصت بالیتیم فی صورة الإجازة و کانت الوضیعة علیه و الربح له و کانت باطلة من أصلها فی صورة الرد و علی کل

ص:61

حال فلم یکن وجه لکون الربح للیتیم و الوضیعة علی التاجر فیعلم من ذلک کله ان الروایات محمولة علی التعبد الصرف.

و قد یقال:ان کون الاتجار بمال الیتیم فضولیا لا یستلزم التوقف علی اجازة الولی بل یمکن ان یکون ذلک فضولیا و مجازا من قبل اللّه تعالی و قد وصلت إلینا هذه الإجازة بواسطة سفرائه الکرام.

و علیه،فتحمل الروایات المتقدمة علی هذه الناحیة.

و یرد علیه أن إدخال التجارة بمال الیتیم فی الفضولیة بالإجازة الإلهیة یوجب خروجها عن ذلک جزما،ضرورة ان تلک الإجازة موجودة حال العقد لا انها تلحق به لکی توجب اندراج مورد- الروایات فی عقد الفضولی و لعله لأجل هذا أمر المصنف بالتأمل.

و هذا المطلب ظاهرا ینافی لما تقدم من ان الاذن غیر الواصل لا یخرج العقد عن الفضولیة و ان کان الاذن موجود أحال العقد.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه ان الروایات الواردة فی الاتجار بمال الیتیم أجنبیة عما نحن فیه بالکلیة.

الوجه التاسع:روایة موسی بن أشیم1

حیث ان الامام

ص:62

علیه السلام قد اکتفی فی الحکم بتملک العبد بثبوت وقوع الشراء بمال المدعی و من الظاهر ان اجازة المالک لو لم تکن کافیة فی صحة الفضولی لما اکتفی الامام بذلک لان تحقق العام لا یستلزم تحقق الخاص أیضا.

و لا یخفی علیک أن صریح الروایة هو أن المدعی لملکیة الأب ثلاث طوائف:

1-موالی الأب المعتق فإنهم یدعون اشتراءه بمالهم.

2-موالی العبد المأذون،فإنهم یدعون اشتراءه بمالهم.

3-ورثة المیت فإنهم یدعون اشتراءه بمالهم.

و علی الأول،فالمعاملة باطلة من أصلها لأنا ذکرنا فی محله ان البیع عبارة عن اعتبار التبدیل بین المالین فی جهة الإضافة و لا شبهة فی ان هذا المعنی لا یتحقق الا بدخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه بان یفک البائع إضافته القائمة بالمتاع و یجعلها قائمة بالثمن و یفک المشتری إضافته القائمة بالمثمن و یجعلها قائمة بالمتاع لان کلاّ من المتعاملین یبدل ماله-عند المبایعة بمال شخص أخر فی جهة الإضافة و علیه،فإذا باع احد متاعه من غیره صار الدینار ملکا للبائع و لو صار ملکا لشخص آخر لما

ص:63

صدق علیه مفهوم البیع لان الثمن لم یدخل فی ملک من خرج المثمن عن ملکه کما أنّه لو باع متاعه من نفسه لما صدق علیه عنوان البیع أیضا لعدم تحقق التبدیل فی جهة الإضافة مثلا إذا ملک احد ماله لنفسه بإزاء ماله الأخر أو ملکه لزید بإزاء تملیک زید ماله لشخص آخر لم یصدق علیه عنوان البیع و اذن فلا ربط للروایة علی هذا الوجه بالبیع الفضولی بوجه بل نسبته إلیها کوضع الحجر فی جنب الإنسان.

و علی الثانی فالمعاملة و ان کانت صحیحة و لکنها بعیدة عن بیع الفضولی إذ المفروض أن العبد مأذون فی التجارة من قبل موالیه،فیکون مأذونا فی شراء أبیه و علیه فالروایة أیضا أجنبیة عن عقد الفضولی الا أن یقال:أنّ موالی المأذون و ان أذنوا له فی التجارة و لکن الظاهر ان المراد منها هو التجارة التی فیها ربح و شراء العبد أباه لیس منها،فیکون فضولیا،فلا تکون الروایة أجنبیة عنه فتأمل.

و علی الثالث فقد یقال بدخول المعاملة فی العقد الفضولی لأن الظاهر من الروایة أن الشراء انما هو بعد موت المورث و انتقال المال إلی الورثة و حینئذ فتکون المعاملة فضولیة لعدم کون العبد مأذونا فی ذلک من قبلهم،فتکون مطالبة المبیع اجازة و اذن- فتدل الروایة علی صحة بیع الفضولی،ضرورة أنّه لو لم تکن الإجازة المتأخرة کافیة فی صحته لم یکن مجرد دعوی الشراء بالمال و اقامة البینة علیه کافیا فی تملک المبیع و لکن کون البیع فضولیا فی هذه الصورة-متوقف علی إنکار الورثة وصیة مورثهم بما فعله العبد المأذون

ص:64

و دعواهم وکالته فی ذلک من المورث فإنه عندئذ تبطل الوکالة بموت الموکل و تصح المعاملة فضولیة لما عرفته من ان الظاهر من الروایة هو کون الشراء بعد موت المورث و هذا المعنی و ان کان متینا فی نفسه و لکن یحتمل أن یستند شراء العبد إلی اذن الورثة إذ المفروض هو کون المشتری مأذونا فی التجارة و لو کانت لغیر مولاه کما هو مقتضی الإطلاق و علی هذا،فلا تکون المعاملة فضولیة حتی مع إنکار الوصیة.

و دعوی أن هذا مخالف لظاهر الروایة و إطلاقها لأن الظاهر کون العبد مأذونا فی التجارة لمولاه فقط و الا لوقع التعرض له فی الروایة،دعوی فاسدة لما ذکرناه من ان مقتضی الإطلاق هو کون العبد مأذونا فی مطلق التجارة و یضاف الی ذلک ان الروایة مسوقة لبیان حکم المخاصمة بین المدعین و لیس فیها تعرض لهذه الناحیة کما لا تعرض فیها لشرائط التجارة.

و لا یخفی علیک انه بناء علی نقل المصنف فالروایة ظاهرة فی کون الشراء قبل موت الدافع و علیه فلا تکون المعاملة فضولیة لانه عندئذ فالروایة ظاهرة بل صریحة فی کون المشتری مأذونا من قبل مولاه و مولی أبیه و من قبل أب الورثة و اذن فتبعد الروایة عن عقد الفضولی،و لکن المصنف لم ینقل الروایة بعینها و الا فلا شبهة فی ظهورها فی کون الشراء بعد موت المورّث.

ثم ان شیخنا الأستاد قد استظهر من الروایة ثبوت الوصیة بما فعله العبد المأذون و إلیک لفظ مقرر بحثه.

(ان الظاهر من الروایة أن الدافع دفع الالف بعنوان الوصیة

ص:65

فورثته یدّعون الشراء بالألف لیکون ولاء العتق لهم و یؤید ذلک قوله(علیه السلام)اما الحجة فقد مضت بما فیها لا ترد فالورثة لا ینکرون الوصیة حتی یکون شراء العبد المأذون أباه فضولیا و لا ینافی ذلک قوله(علیه السلام) ای الفریقین بعد أقاموا البینة علی انه اشتری أباه من أموالهم کان لهم رقا لإمکان حمله علی لحاظ حال الانقضاء لا التلبس،و کیف کان فظهور الروایة فی مسألة الفضولی ممنوع فضلا عن الصراحة نعم قابل للحمل علیها فتدبر). و یرد علیه أولا:انه لیس فی الروایة ما یدل علی صدور الوصیة من صاحب المال بل الشراء کان بمال الورثة لأن المأذون کان وکیلا من الدافع و تبطل وکالته بموت موکله کما عرفته قریبا نعم ربما یتوهم أن حکم الامام(علیه السلام)بمضی الحج یدل علی ان المیت قد اوصی به لانه لا یصح الحج عن الغیر الا بعد الموت و لکنه توهم فاسد لانه تصح النیابة عن الحی فی الحج المستحب کما یظهر ذلک من الروایات (1)العدیدة بل فی الحج الواجب أیضا إذا لم یقدر علیه المنوب عنه و تدل علیه الاخبار (2)الکثیرة و یضاف الی ذلک ان الامام(علیه السلام)حکم بسماع دعوی الورثة بعد إقامة البیّنة و من الظاهر انه لو کانت هناک وصیة لم یحکم به الامام(علیه السلام).

و ثانیا:أن ورثة صاحب المال یدعون أن المأذون قد اشتری أباه بمالهم و من البین الذی لا ریب فیه أن مقتضی هذه

ص:66


1- 1) الوسائل باب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه و باب 25 من أبواب النیابة فی الحج.
2- 2) الوسائل باب 43 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الدعوی هو ان یکون أباه رقا لا حرا و علیه فلا یکون الغرض من- دعواهم هو ثبوت ولاء العتق لهم.

و ثالثا:ان الحکم بمضی الحج فی الروایة لا یتفق مع القواعد و سیأتی قریبا.

ثم انه نوقش فی الروایة بأمور فعمدتها أمران.

الأول:الحکم بعود العبد الذی اشتراه المأذون رقا لمولاه و مطالبة البینة من الفریقین الآخرین مع الأول یدعی فساد البیع کما عرفته قریبا،و الآخران یدعیان صحة البیع و قد ثبت فی محله أن مدعی الصحة فی باب المعاملات مقدم علی مدعی الفساد.

و قد یتوهم أن تقدیم قول مولی الأب علی غیره لیس من قبیل تقدیم مدعی الفساد علی مدعی الصحة لکی یناقش فیه بما ذکر بل انما هو من جهة الاستصحاب لأن الأصل بقاء الأب فی ملک مولاه.

و لکنه توهم فاسد إذ لا یجری الاستصحاب فی المقام لان- الظاهر من الروایة هو أن العبد المأذون فی التجارة کان عنده المال من جمیع الفرق و الخصماء و کان مأذونا فی التجارة لمولاه و مولی أبیه و کان وکیلا أیضا من قبل صاحب المال فی شراء عبد و عتقه و تجهیزه للحج حتی یحج عن المیت،و علیه،فینفذ إقرار- العبد علی جمیع الفرق لان من ملک الشیء ملک الإقرار به و من الواضح أن الظاهر من عمله الخارجی هو اعترافه باشتراء أبیه بمال الدافع فیکون عندئذ اعترافه أو عمله الخارجی حجة علی مولی الأب و اذن،فمقتضی القاعدة هو کون العبد ملکا لصاحب الدراهم فعوده

ص:67

رقا لمولاه من جهة الاستصحاب مخالف للقاعدة فلا یجری الاستصحاب هنا.

و یرد علیه أولا:أن مدعی الصحة و ان کان یقدم علی مدعی الفساد فی باب المعاملات الا ان ذلک لا یجری فیما نحن فیه،لأنا ذکرنا فی محله ان السیرة قائمة علی صحة العمل فیما إذا أحرز أصل وجوده الجامع بین الصحیح و الفساد و شک فی صحته و فساده من النواحی الأخر و اما إذا شک فی أصل وجود العمل لم تجر أصالة الصحة لکون الشک حینئذ فی تحقق العمل فی الخارج لا فی صحته و فساده بعد إحراز وجوده،بل ذکرنا هناک انها لا تجری مع عدم إحراز قصد العنوان حتی فیما لم یکن العنوان من العناوین القصدیة کالطهارة الخبثیة مثلا إذا شاهدنا أحدا یصب الماء علی ثوب تنجس و لکنها لم نحرز انه قصد تطهیره أم لا لم تجر فیه أصالة الصحة و هکذا لکلام فی قاعدة الفراغ فإنها لا تجری مع الشک فی أصل وجود العمل أو فی قصد عنوانه بل إنما تجری مع الشک فی صحته و فساده من ناحیة الشرائط أو الموانع بعد إحراز أصل وجوده.

و لا شبهة فی أن هذه الکبری لا تنطبق علی ما نحن فیه لانه بناء علی دعوی مولی الأب لم یتحقق فی الخارج معاملة حقیقیة أصلا بل انما تحققت معاملة صوریة و علیه فیکون شأنها شأن سائر المعاملات الصوریة کبیع الهازل و الساهی و الغالط و النائم و أشباهها و اذن،فعود العبد المبتاع رقا لمولاه لا یکون مخالفا لأصالة الصحة لکی بلزم منه تقدیم مدعی الصحة علی مدعی الفساد.

اما المنع عن جریان الاستصحاب بقاعدة من ملک شیئا ملک

ص:68

الإقرار به فلا یرجع الی معنی محصل لأن القاعدة المذکورة لم ترد فی آیة و لا فی الروایة و لا انعقد علیها إجماع تعبدی لکی یؤخذ بها فی جمیع الموارد،بل هی قاعدة خاصة فقهیة مختصة بما إذا کان المالک باقیا علی حالة الإقرار بالشیء لو لا الإقرار به مثلا إذا أقر زید بکون ما فی یده من المال لبکر فهو باق علی مالکیته للمقر به لو لا الإقرار و لا شبهة أن ما نحن فیه لیس کذلک بداهة أن العبد المأذون فی التجارة لیس مالکا-وقت الإقرار-بشراء أبیه بمال الورثة لأنهم لم یأذنوا فی ذلک و علیه فلا اعتبار بإقراره رأسا و ثانیا:أن العبد الذی اشتراء المأذون و أعتقه و جهّزه الحج عن المنوب عنه اما ملک لموالیه أو لمولی المأذون أو لصاحب المال،و لا شبهة فی انه لا یصح حجه عن الغیر علی جمیع التقادیر اما علی الأولین فظاهر لانه عبد،فلا یصح حجه عن المیت بدون اذن مولاه،و علی الثالث فالبیع فضولی و من الظاهر ان العاقد فضولا لا یجوز له التصرف فی الثمن و لا فی المثمن بالقبض و الإقباض و علیه فکیف یمکن الحکم بصحة المأذون شراء الأب و عتقه عن- المیت و إرساله إلی الحج لیحج عن ذلک المیت؟و لا ریب فی أن هذا کله مخالف للقواعد الفقهیة المسلمة و الظاهر انه لا جواب عن هذه المناقشة و لکن الذی یهون الخطب أن الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بعمل الأصحاب لا صغری لعدم فتوی الأصحاب علی طبقها و لا کبری لأنا ذکرنا فی علم الأصول أن عمل المشهور بروایة ضعیفة غیر جابر لضعف سنده کما أن إعراضهم عن العمل بروایة صحیحة لا یوجب وهنها بل لا بد و ان تلاحظ الروایة فی نفسها

ص:69

فان کانت صحیحة أخذ بها و الا فلا لان ضم غیر الحجة إلی مثلها لا یوجب الحجیة.

الوجه العاشر:حسنة الحلبی1

الواردة فی رجل اشتری ثوبا بلا شرط فکرهه و اقاله البائع بوضیعة جهلا بحرمته،ثم باعه بأزید من ثمنه فإنه یجب علیه أن یرد الزائد إلی المشتری الأول فإن الحکم برد الزیادة علیه الظاهر فی الاستحقاق مبنی علی صحة بیع الفضولی لنفسه مع الإجازة اللاحقة و الا،فلا شیء للمشتری من الزیادة،لبطلان البیع إذ لم یکن البائع مأذونا فی بیع الثوب لکی یصح بدون الإجازة و علی هذا فالروایة منزلة علی الغالب من لحوق الإجازة للبیع الواقع بالزیادة علی الثمن المطلوب له برد الثوب لیستحق تلک الزیادة فلا بأس بدلالتها علی ما نحن فیه.

و یرد علیه:أن الروایة غریبة عن بیع الفضولی إذ البیع- الواقع بالزیادة لیس بفضولی لانه لو کان فضولیا لکان فضولیا من أصله من غیر فرق بین وقوعه علی ما یساوی الثمن المطلوب له برده و بین الزائد علیه لان معنی الإقالة انما هو انفساخ العقد من أصله و رجوع کل من العوضین الی صاحبه الأول،و علیه فان تحققت

ص:70

الإقالة فی مورد الروایة انفسخ العقد بالمرة و یرجع کل من العوضین الی صاحبه و الا فلا،و حیث ان المفروض فی مورد الروایة هو بقاء الثوب علی ملک المشتری لبطلان الإقالة بالوضیعة أو الزیادة فلا وجه حینئذ لکون الناقص ملکا للبائع فی فرض الوضیعة و کون الزائد ملکا للمشتری فی فرض الزیادة.

و علی هذا الضوء لو أخذ البائع المتاع بوضیعة و باعه من شخص آخر کان البیع فضولیا من أصله لا بالنسبة إلی الزائد علی الثمن المطلوب للمشتری و علیه فان اجازه المشتری حکم بصحته و الا فیحکم بفساده.

و یضاف الی ذلک انه یمکن ان یکون للمشتری غرض خاص من الاستقالة فإذا لم یقبلها البائع حین الاستقالة فاته ذلک الغرض و اذن فلا تؤثر إقالته بعد مدة طویلة خصوصا مع ترق القیمة السوقیة.

هذا کله ما یرجع الی الاستدلال بالروایة علی صحة بیع- الفضولی و اما معناها فهو ان المشتری قد اشتری ثوبا و لم یشترط علی صاحبه شیئا،فکرهه ثم رد علی صاحبه فأبی أن یقبله إلا بوضیعة فحکم الامام(علیه السلام)بعدم جواز الإقالة بالوضیعة و أما إذا کان المتبایعان جاهلین بذلک فاقالا بالوضیعة فالإقالة،و ان کانت فاسدة واقعا و لکن یستکشف منها أن المشتری قد أذن للبائع فی بیع الثوب سواء أ کان أقل من الثمن الأول أم کان مساویا له أم زائدا علیه غایة الأمر أنه إعطائه للبائع بعنوان الإقالة مع الجهل ببطلانها مع الوضیعة فباعه البائع لنفسه متخیلا انه ملکه،فتکون ذلک من قبیل الخطا فی التطبیق.

ص:71

و دعوی أن البائع لم یقصد کون البیع للمشتری فیبطل من هذه الناحیة،دعوی فاسدة لما ذکرناه فی الجزء الثالث أن حقیقة البیع انما هی اعتبار تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة و إظهاره بمظهر خارجی من اللفظ و غیره و لا شبهة فی تحقق هذا المعنی بدخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه و بالعکس بلا احتیاج الی تعیین مالک الثمن أو تعیین مالک المثمن إذ لم یقم علیه دلیل عقلی أو نقلی و علیه فتعیین العوض و القصد إلیه یغنی عن تعیین المالک و القصد الیه و لا یفرق فی ذلک بین صدور العقد من نفس المالک أو من غیره.

و بتعبیر آخر:ان اقتران العقد بالرضا و ان لم یخرج العقد عن الفضولیة کما عرفت آنفا و لکن وجود الاذن السابق علی العقد یخرجه عن الفضولیة و لا شبهة فی وجوده فی مورد الروایة للقرینة علیها منها و هی:أن الروایة قد دلت مطابقة علی أن المشتری قد اذن لشخص البائع فی أخذ الثوب بالوضیعة و دلت بالدلالة الالتزامیة علی جواز الأخذ لغیر البائع أیضا إذ لا فارق بینهما فی ذلک جزما بل قد یکون بیعه من غیر البائع أولی و ارضی لأن المشتری لما رضی ردّه علی البائع بوضیعة رضی بیعه من غیره بأکثر من ثمنه الأول بالأولویة القطعیة و المفروض فی مورد الروایة أن البائع قد باع الثوب بأکثر من ثمنه،فیکون هذا البیع مرضیا للمشتری قطعا.

فتحصل أن الروایة غیر مربوط بالبیع الفضولی بوجه.

ثم احتمل شیخنا الأستاذ ثانیا بأنه:(یحتمل أن یکون البائع قد اشتراه من المشتری ثانیا،فیکون ردّ الزائد استحبابیا و یشهد

ص:72

لهذا قوله(علیه السلام)صاحبه الأول فإن التعبیر بصاحبه الأول لا یناسب مع کون الثوب ملکا للمشتری فعلا).

و الظاهر أن منشأ هذا الاحتمال انما هو إرجاع الضمیر فی کلمة (صاحبه)الی لفظ(الثوب)،فیکون معنی الروایة حینئذ ان البائع یرد الزائد الی صاحب الثوب،و علیه فتدل الروایة علی ان من اشتری شیئا بثمن ثم باعه بإزید منه فیستحب له أن یرد الزائد علی المالک الأول.

و لکن یتوجه علیه أولا أن الظاهر من سیاق الروایة هو رجوع الضمیر الی لفظ صاحبه الذی ذکر فی السؤال مرتین و أرید منه البائع و المراد من لفظ صاحبه الذی فی الجواب هو المشتری و- علیه فمعنی الروایة هو ان البائع یرد الزائد علی رفیقه و قرینه الذی هو المشتری.

و ثانیا:أن الثوب لو کان للبائع من ناحیة البیع الثانی لم یبق مجال لقوله(علیه السلام)(لا یصلح له أن یأخذ بوضیعة فإن جهل فأخذه فباعه بأکثر من ثمنه یرد علی صاحبه الأول ما زاد)،إذا- المفروض أن الثوب ملک للبائع و قد اشتراه من المشتری الأول ثانیا بأقل من الثمن الذی باعه منه أولا و لا شبهة فی صحة هذه المعاملة لأنها لیست بإقالة،لکی لا تجوز بالوضیعة مع العلم و یرد الزائد لو أخذه جهلا و باعه بأزید من الثمن الأول.

و ثالثا:أن إرجاع الضمیر الی الثوب لا یرفع اللغویة بل یستلزمها إذ بناء علی هذا الاحتمال فالثوب له مالکان أحدهما المشتری الأول،و ثانیهما البائع،و حیث انه لا معنی لرد البائع ماله علی

ص:73

نفسه،فیکون ذلک قرینة علی ان المراد من قوله(علیه السلام)و یرد علی صاحبه هو المشتری و حینئذ فلا یبقی مجال لتوصیف ذلک بلفظ- الأول و الا فیکون لغوا و اما إذا أرجعنا الضمیر الی لفظ صاحبه المذکور فی السؤال و أرید منه البائع فإنه حینئذ لا تلزم اللغویة،لأن الثوب له صاحبان الصاحب الأول،و هو الذی اشتری الثوب من البائع أولا و الصاحب الثانی و هو الذی اشتری الثوب منه ثانیا، فإذا قید لفظ صاحبه بکلمة الأول أرید منه المشتری الأول و علیه فتکون هذه الجملة قرینة علی ما ذکرناه لا علی ما ذکره شیخنا الأستاذ.

الوجه الحادی عشر:روایة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه

(1)

قال سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن السمسار ا یشتری بالأجر فیدفع الیه الورق و یشترط علیه انک ان تأتی بما تشتری فما شئت أخذته و ما شئت ترکته فیذهب فیشتری ثم یأتی بالمتاع فیقول خذ ما رضیت ودع ما کرهت قال:لا بأس و قد جعلها المصنف مؤیدة لصحة بیع الفضولی

و حاصل کلامه أن فی الروایة احتمالات شتی:
الأول:أن یراد من الشراء شراء السمسار لنفسه،

فیکون أخذ الورق من صاحبه حینئذ بعنوان القرض لکی یبیع منه من الأمتعة ما یرضی به و یوفیه دینه و لا ینافیه قول السائل و یشترط علیه ان تأت بما تشتری فما شئت أخذته و ما شئت ترکته لان ذلک لا یزید

ص:74


1- 1) الکافی ج 5 من ط 2 ص 196 التهذیب ج 2 ص 133 و الفقیه و الوسائل باب 20 من أبواب أحکام العقود حدیث 2.

علی الوعد فلا دلالة فیه علی کون البیع لصاحب الورق کما أنه لا ینافیه توصیف لفظ السمسار بلفظ بالأجر و فرضه فی الروایة ممن یشتری به فان التوصیف المزبور انما هو بلحاظ أصل حرفته و صناعته لا بملاحظة هذه القضیة الشخصیة و حینئذ فیکون القید توضیحیا لا احترازیا.

الثانی:أن یکون الشراء لصاحب الورق

بان یکون الدلال وکیلا عنه فی ذلک الشراء و لکنه یجعل لنفسه الخیار علی بائع الأمتعة بتوسط السمسار بأن یلتزم بالبیع فیما یرضی به و یفسخه فیما یکرهه.

الثالث:ان یکون الشراء أیضا لصاحب الورق و لکن لا یکون

السمسار مأذونا من قبله فی ذلک

بل یکون البیع فضولیا و لا ینافیه دفع الورق الی الدلال لان دفعه الیه لا یعد إذنا فی الشراء و لا توکیلا فیه إذ یمکن ان یکون ذلک لمجرد تمکین الدلال من الشراء أو یکون ذلک بعنوان الأمانة أو حصول الاطمئنان للدلال بوصول ثمن ما یشتریه منه الیه و اما فائدة الشرط علیه من أخذ ما یریده و ترک ما یکرهه عدم مطالبة الأجر منه علی عمله أو حذرا من إبائه و امتناعه عن ذلک.

و علی هذا فیکون صاحب الورق مخیرا بین الرد و الإمضاء فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه کلها فترک الاستفصال مع الإجمال فی السؤال یقتضی بعموم الحکم لجمیع المحتملات التی منها- احتمال کون الشراء فضولیا.

و یرد علیه:أن ترک الاستفصال انما یفید العموم إذا کان

ص:75

مورد السؤال ذا شقوق شتی فأجاب عنها الامام(علیه السلام)بجواب واحد بلا استفصال بینها فذلک یکشف عن اتحاد جمیع تلک الشقوق فی الحکم و الا فیلزم منه الإغراء بالجهل و اما إذا لم یکن السؤال ذا شقوق شتی بل کان الجواب محتملا لها،فلا وجه لکشف العموم عن ترک الاستفصال و هذا ظاهر لا خفاء فیه.

و یضاف الی ذلک أن الروایة ظاهرة فی الاحتمال الثانی و أن الشراء انما هو باذن صاحب الورق غایة الأمر انه جعل لنفسه الخیار علی صاحب المتاع و قد عرفته آنفا و اذن فلا إشعار فی الروایة بصحة بیع الفضولی فضلا عن دلالتها علیها أو تأییدها لها.

و هنا احتمال آخر ذکر المحقق صاحب البلغة و جعله أظهر الاحتمالات و هو وقوع الاشتراء بالمساومة و إطلاقه علیه إطلاق شائع أو مجاز بالمشارفة و یکون دفع الورق لطمأنینة السمسار و هو کثیر الوقوع سیما مع الدلال و السمسار انتهی.

و هذا الاحتمال أیضا لا بأس به علی ان الروایة غیر نقیة- السند.

الوجه الثانی عشر:ما ورد فی استرباح الودعی الجاحد للودیعة

من ردها بربحها الی المالک المودع

فعن مسمع أبی سیار قال:

قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام)انی کنت استودعت رجلا مالا،فجحدنیه و حلف لی علیه ثم جاء بعد ذلک بسنین بالمال الذی کنت استودعته إیاه،فقال هذا مالک فخذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها فی مالک فهی لک مع مالک و اجعلنی فی حل فأخذت المال منه و أبیت أن آخذ الربح و أوقفت المال الذی کنت استودعته و أتیت حتی

ص:76

أستطلع رأیک فما تری؟قال:فقال:خذ الربح و أعطه النصف و أحله ان هذا رجل تائب و اللّه یحب التوابین و الروایة (1)ضعیفة بالحسن بن عمارة.

و وجه الاستدلال هو ان أخذ الربح الظاهر فی الاستحقاق لا یصح الا علی صحة بیع الفضولی مع الإجازة اللاحقة و الا فلا شیء للمالک من الربح فکان الروایة منزلة علی الغالب من لحوق الإجازة من المالک عند ظهور الربح لیستحق الربح.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند کما مر فلا یمکن الاستناد إلیها فی الحکم الشرعی.

و ثانیا:أن الاستدلال بها علی ما نحن فیه یتوقف علی وقوع المعاملة علی عین الودیعة اما بنحو المعاطاة أو بالعقد اللفظی و لکن لا قرینة فی الروایة علی ذلک.

الوجه الثالث عشر:ما ورد من التصدق بمجهول المالک

و اللقطة

من أنه إذ ارضی المالک بعد ظهوره کان له و الا ضمنه المتصدق.

و فیه:أنه لا شبهة فی صحة التصدق هناک للإذن الشرعی و ان لم یرض به المالک و انما الرضاء یؤثر فی عدم الضمان تعبدا کما أن عدمه یؤثر فی عدمه کذلک.

و اما ما ورد من نفوذ الوصیة بما زاد عن الثلث من نفوذها بإجازة الورثة،فأیضا غیر مربوط بالبیع الفضولی و انما الإجازة هناک

ص:77


1- 1) الوسائل باب 10 من الودیعة و الوافی ج 10 ص 119 و التهذیب ج 2 ص 167 و الفقیه.

شرط فی نفوذ تصرف المیت لنفسه فهذا ظاهر.

هذه هی الوجوه التی استدل بها علی صحة بیع الفضولی و قد اتضح لک مما تلوناه علیک انه لا یتم شیء منها و انما العمدة هی العمومات و المطلقات و سیتضح لک قریبا بطلان ما استدل به علی فساد بیع الفضولی و انه لا یصلح لتخصیص العمومات و تقیید المطلقات و اذن،فالحکم بصحة بیع الفضولی انما هو من ناحیة العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و لزومها علی النحو الذی عرفته سابقا.

و قد استدل علی بطلان بیع الفضولی و عدم صحته بالإجازة

اللاحقة بوجوه عدیدة من الأدلة الأربعة

الأول الکتاب

اما الکتاب فقوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

و

وجه الاستدلال بها علی المقصود بوجهین.

الأول انها قد دلت علی انحصار أکل مال الناس بالتجارة

عن تراض

فالمعنی أنه لا یتصرف بعضکم فی أموال بعضکم الآخر بوجه من الوجوه فإنه باطل الا بوجه التجارة عن تراض فإنه جائز و لا شبهة فی انه لو لم یقصد هذا المعنی لزم الاجمال و قلة- الارتباط بین المستثنی و المستثنی منه و من الظاهر ان بیع الفضولی لیس تجارة عن تراض فیکون أکل المال به الکلالة بالباطل.

و دعوی أن لحوق الإجازة به یدرجه فی التجارة عن تراض، دعوی فاسدة لأنه لم یکن حین العقد مصداقا لها فالتحاق الإجازة بها لا یجعله مصداقا لها.

الوجه الثانی:سیاق التحدید

فان کل وصف ورد فی مقام

ص:78

التحدید یدل علی اختصاص الحکم بمورد الوصف و ان لم نقل بمفهوم الوصف فان البحث عن ذلک انما هو فی ورود الوصف فی غیر مورد التحدید و الا فلا شبهة فی ثبوت مفهومه و من الظاهر ان قید- التراضی وصف ورد فی مورد التحدید فیدل علی انحصار جواز الأکل بمورد القید فقط.

اما الوجه الأول فقد ناقش فیه المصنف بأن دلالة الآیة علی الحصر متوقفة علی کون الاستثناء متصلا مع انه منقطع إذ لا یصح استثناء التجارة الصحیحة من التجارة الفاسدة،فلا یستفاد حصر أکل المال بالتجارة عن تراض لکی یستفاد منه بطلان بیع الفضولی.

و فیه أولا:أن الاستثناء المنقطع من أوضح الاغلاط إذ لا یصح أن یقال ما رأیت عالما الا الجاهل و ما اتجرت تجارة فاسدة إلا تجارة صحیحة فإنهما و أشباههما من الأغلاط الواضحة التی لا تصدر من الأخصائین فی الفصاحة و المدربین فی البلاغة بل هی لا تصدر ممن دونهم و لا توجد فی کلماتهم فضلا عن صدورها من اللّه العظیم و وجوده فی کتابه الکریم الذی نزل بعنوان الاعجاز و التحدی حیث طلب النبی(صلی الله علیه و آله)من جمیع البشر و الأمم أن یأتوا بمثله فعجزوا عن ذلک ثم تنزل عن هذه الدعوی و تحداهم الی الإتیان بعشر سور مثله مفتریات فلم یتمکنوا منه أیضا ثم تنزل عن ذلک و طالبهم أن یأتوا بسورة واحدة مثله و أمرهم أن یدعوا شهدائهم و یصرخوا لیستنصروا منهم و یستعینوا بهم و لکن لم تنفعهم صارختهم و استغاثتهم و استعانتهم ثم عجزهم بقوله عزّ من قائل قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ إلخ فما کانوا مقرنین و مع ذلک کله کیف یرض المصنف بوجود

ص:79

الغلط فی مثل هذا الکتاب الذی لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ ، تعالی کلامه عز و جل عن ذلک علوا کبیرا و اذن فلیس الاستثناء الا قسما واحدا و هو الاستثناء المتصل و علیه فالاستثناء فی الآیة- الشریفة استثناء متصل و لو کان ذلک بالعنایة. و ثانیا:لو سلمنا کون الاستثناء علی قسمین و لکن الموجود فی آیة التجارة عن تراض استثناء متصل و ذلک لان الألفاظ المذکورة لیست إلا الأکل و الأموال و الباطل و التجارة و التراضی اما اللفظ الأخر فهو المستثنی و اما البواقی فلا یصلح شیء منها لان یکون مستثنی منه و هذا ظاهر.

و اذن فلا مناص الا عن تقدیره فی الکلام و قد ذکرنا غیر مرة ان دخول الباء السببیة علی کلمة الباطل و مقابلتها فی الآیة مع التجارة عن تراض قرینتان علی کون الآیة ناظرة إلی فصل الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الباطلة کما أن المراد من الأکل لیس معناه الحقیقی أعنی به الازدراد بل هو کنایة عن تملک مال الناس من غیر استحقاق،و اذن فیکون المستثنی منه محذوفا فی الآیة المبارکة و هو أسباب التجارة،و قد حذف و أقیم لفظ بالباطل مقامه و نظیر ذلک کثیر فی القرآن و غیره و من ذلک قوله تعالی إِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنْکُمْ ،حیث حذف الجزاء و أقیمت العلة مقامه و حینئذ،فمفاد الآیة المبارکة انه لا تتملکوا أموالکم بینکم بشیء من الأسباب الا أن یکون ذلک السبب تجارة عن تراض فان التملک بغیر هذا السبب باطل و علیه فتدل الآیة علی حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض فیکون الاستثناء فیها متصلا.

ص:80

و من هنا ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی من أن الاستثناء منقطع حتی مع قطع النظر عن قید بالباطل لان المراد من لا تأکلوا لا تأکلوا أموال الغیر و بعد التجارة عن تراض لیس الأکل أکلا لمال الغیر.

و ثالثا:لو سلمنا کون الاستثناء فی الآیة منقطعا و سوق الآیة بحسب ظهورها البدوی إلی بیان القاعدة الکلیة لکل واحد من أکل المال بالباطل و التجارة عن تراض و تظهر ثمرة ذلک فیما لا یعد فی نظر العرف من التجارة عن تراض و لا من الأسباب الباطلة فیکون مجملا و لکنه تعالی حیث کان بصدد بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و تمییز صحیحها عن فاسدها و کان الإهمال مخلا بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من القرینة المقامیة و تحصل أن الآیة- المبارکة مسوقة لبیان حصر الأسباب الصحیحة بالتجارة عن تراض سواء أ کان الاستثناء متصلا أم کان منقطعا،فدلالة الآیة علی مفهوم الحصر مما لا ریب فیه و هو بطلان التجارة عن غیر تراض و منها البیع الفضولی اما الوجه الثانی،فقد ناقش فیه المصنف: بان سیاق التحدید الموجب لثبوت مفهوم القید مع تسلیمه انما یثبت فیما إذا لم یرد الوصف مورد الغالب و الا فلا مفهوم له و من الواضح ان الوصف فی الآیة الشریفة قد ورد مورد الغالب کما فی قوله تعالی وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ لا للاحتراز لکی یکون له مفهوم و یضاف الی ذلک احتمال أن یکون عن تراض خبرا،ثانیا لتکون بناء علی نصب تجارة کما هو المنقول عن قراءة الکوفیین،لا قیدا للتجارة و حینئذ فیلزم وقوع الأکل و التصرف بعد التراضی سواء تقدم علی

ص:81

التجارة أم تأخر عنها إذا المعنی حینئذ الا أن یکون سبب الأکل تجارة و یکون عن تراض انتهی ملخص کلامه.

و یتوجه علی الوجه الأول،أنه لا شبهة فی ثبوت مفهوم- الوصف و الا لکان القید لغوا و لکن فائدة القید لیست انتفاء الحکم عند انتفائه بل فائدته انما هی الدلالة علی عدم ثبوت الحکم للطبیعة الساریة مثلا إذا قال المولی لعبده أکرم العالم لیس معناه إثبات وجوب الإکرام للعالم و نفیه عن غیره،بل معناه انما هو ثبوت وجوب الإکرام للإنسان العالم لا لطبیعة الإنسان و أضف الی ذلک انا لو سلمنا عدم دلالة الوصف علی المفهوم و لکن ذلک فیما لا قرینة علی انتفاء الحکم عند انتفاء القید و الا فلا شبهة فی ثبوته کما إذا ذکر الوصف فی مقام التحدید لان وقوعه فی مقام التحدید قرینة مقامیة علی اختصاص الحکم بمورد الوصف و لو قلنا بعدم ثبوت المفهوم له.

و الوجه فی ذلک هو أن الحد لا بد و أن یکون جامعا للافراد و مانعا عن الأغیار و من الظاهر أنه لو لم یکن مفهوم للوصف لما کان کذلک و من هذا القبیل قوله علیه السلام کر من الماء فی جواب السائل عن الماء الذی لا ینجسه (1)شیء،فان الإمام(علیه السلام)ذکره فی مقام تحدید الماء الذی لا ینفعل فیدل علی انتفاء الحکم عند انتفاء القید و ذکر التراضی فی الآیة الکریمة من القبیل المذکور لما عرفته آنفا من انها متوجه الی فصل الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الباطلة لها و حصر أسبابها الصحیحة بالتجارة عن تراض و

ص:82


1- 1) الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق.

اذن فلا شبهة فی قیام القرینة علی کون قید التراضی مسوقا الی تحدید الأسباب الصحیحة للتجارة و حصرها بالتجارة عن تراض.

و یتوجه علی الوجه الثانی،انه لا یفرق فی دلالة الآیة علی اعتبار التراضی فی التجارة و تقییدها به بین کون لفظ عن تراض قیدا للتجارة و بین کونه خبر ثانیا لتکون،فإنه علی کل تقدیر تدل الآیة الشریفة علی بطلان التجارة غیر الناشئة من الرضا و طیب النفس.

نعم إذا کان لفظ عن تراض خبرا بعد خبر لتکون خرج ذلک عن دائرة مفهوم الوصف إذ المفروض أن التجارة حینئذ لم تتصف بالتراضی و لکن ذلک لا یمنع عن دلالة الآیة علی اعتبار الرضاء فی أسباب النقل و الانتقال علی النحو الذی ذکرناه.

علی ان احتمال کون عن تراض خبرا ثانیا لتکون بعید فی نفسه و مخالف لظاهر الآیة.

و من هنا ظهر الجواب عما ذکره المحقق صاحب المقابیس من انه یمکن ان یکون التقدیر علی کلتا القرائتین الا(أن تکون تجارة کاملة عن تراض أو ممضاة عن تراض فیندرج عقد الفضولی فی الآیة لأن کماله و إمضائه بالإجازة و هذا نظیر ما حکی فی المجمع عن مذهب الإمامیة و الشافعیة و عن غیرهم من ان معنی التراضی- بالتجارة إمضاء البیع بالتفرق أو التخایر بعد العقد)فان هذا أیضا بعید عن ظاهر الآیة و التزام بالتقدیر بلا ملزم.

و التحقیق فی الجواب عن الاستدلال بالآیة علی بطلان بیع الفضولی ما أشار إلیه المحقق صاحب المقابیس و تبعه المصنف من

ص:83

أن الخطاب فی الآیة الشریفة لملاک الأموال فیشترط وقوعها أی التجارة برضاهم و من البین الذی لا ریب فیه أن التجارة الصادرة من الفضولی لا یطلق علیها أنه تجارة المالک الا بعد إجازته فإذا أجازها صارت تجارة عن تراض.

و بتعبیر آخر انا ذکرنا مرارا أن حقیقة البیع و التجارة لیست إنشاء خالصا و الا لصدق مفهوم البیع علی بیع الهازل و الساهی و أشباههما،و لا أنها عبارة عن الاعتبار النفسانی المحض و الا لصدق مفهوم البیع علی الاعتبار النفسانی الصرف من دون إظهاره بمظهر خارجی،بل حقیقة البیع و التجارة هی الاعتبار النفسانی المظهر بمظهر خارجی و علیه فلو اعتبر أحد فی أفق نفسه تبدیل ماله بمال غیره و أظهره بمظهر خارجی صدق علیه مفهوم البیع و التجارة.

و من البدیهی أن هذا المعنی لا یصدر الا من المالک أو ممن هو بمنزلته کالوکیل و نحوه و اما بیع الفضولی قبل اجازة المالک، فهو لیس ببیع حقیقة بل صورة بیع الفضولی فلم یصدر منه الا الإنشاء و الصیغة و لا شبهة فی انه لا یطلق البیع و التجارة علی الإنشاء المحض کما عرفته و لا یقال أن الفضولی قد اتجر بالمال الفلانی و باعه بمجرد إجراء الصیغة،الا بالعنایة و المجاز فإذا اجازه المالک کان بیعا و تجارة حقیقة للمالک لا للفضولی،فالبیع الفضولی بما انه بیع فضولی خارج عن الآیة و عن سائر العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و لزومها خروجا تخصیصا فلا دلالة فی الآیة لا علی صحته و لا علی فساده و بما أنه مجاز للمالک فتشمله الآیة و بقیة العمومات و لا تنافی بین خروج بیع الفضولی عنها قبل الإجازة و بین

ص:84

اتصافه بالصحة التأهلیة.

و یمکن الجواب عن ذلک،بأن الآیة قد دلت علی کون المدار علی وقوع التجارة عن رضاء المتعاقدین،فتشمل جمیع أقسامها و خرج من ذلک المتعاقدان اللّذان لم یأذن لهما المالک و لا أجاز عقدهما و بقی الباقی.

و کیف کان فلا دلالة فی الآیة علی بطلان بیع الفضولی.

الثانی السنة فهی أخبار کثیرة

و اما السنة فهی اخبار کثیرة،

منها النبوی المروی مستفیضا من

الخاصة و العامة

و هو قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک[1]و وجه

ص:85

الاستدلال به علی فساد بیع الفضولی هو ان النهی فیه إرشاد الی عدم نفوذ البیع لأنا ذکرنا مرارا أن النهی عن معاملة إرشاد إلی بطلانها و المراد من عدم حضور المبیع عند البائع هو عدم تسلطه علی تسلیمه لعدم کونه مملوکا له،فیکون ذلک من قبیل ذکر الملزوم و ارادة اللازم و علیه فیدل النبوی المزبور علی بطلان بیع مال الغیر سواء أباعه البائع لنفسه أم باعه لمالکه و علیه فشأن النبوی شأن قوله (علیه السلام)لا طلاق إلا فیما یملک و لا عتق الا فیما یملک و لا بیع الا فیما یملک بناء علی قراءة لفظ(یملک)بصیغة الفاعل کما هو الظاهر من السیاق حیث ان الطلاق قبل النکاح بنفسه غیر معقول لأنه إزالة علقة- الزوجیة فقبل تحققها لا یتوجه القصد إلی إزالتها و کذلک العتق و علیه فالمراد من الروایة هو طلاق زوجة الغیر و عتق مملوکه و بیع

ص:86

ماله فضولا،فالمعنی أنه لا بیع الا فیما یملکه البائع قبل العقد و هذا موافق للأخبار المستفیضة الدالة علی عدم وقوع الطلاق و العتاق الا بعد الملک و قد ذکرناها فی الحاشیة.

و اما بناء علی قرائته بصیغة المفعول-کما توهم-فالروایة خارجة عن المقام بل هی ناظرة إلی المنع عن بیع ما لیس یملک کبیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء و کبیع الخمر و الخنزیر و کلب الهراش و طلاق الأجنبیة و عتاق الحر.

و یتوجه علیه أولا:ان النبوی المزبور غیر نقی السند و لا انه منجبر بشیء فلا یمکن الاستدلال به فی المقام.

و ثانیا:أن المراد من الموصول من قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک،انما هو بیع العین الشخصیة عن نفسه ثم یشتریها البائع من مالکها و یسلمها إلی المشتری و ذلک لقیام الإجماع و الضرورة علی بیع الکلی فی الذمة عن نفسه سلفا أو حالا و الشاهد علی ذلک من الروایة ما ذکره فی التذکرة من ان النبی(صلی الله علیه و آله)ذکر هذا الکلام جوابا لحکیم بن حزام حین سأله عن أن یبیع الشیء ثم یمضی و یشتریه و یسلمه و علیه فیختص النبوی بالبیع الشخصی و لکن قد أخطأ العامة فی تطبیقه علی بیع الکلی فی الذمة حالا.

و ثالثا:انا لو سلمنا الجمود فی ظاهر الموصول و ارادة المنع عن بیع ما لم یکن فی ید البائع سواء أ کان مملوکا له أم لا و سواء أ کان کلیا فی الذمة أم کان جزئیا خارجیا و سواء أ کان مقدور التسلیم أم لا،و لکن لا بد من تخصیصه

ص:87

بالنصوص[1]الظاهرة فی جواز بیع الکلی الذی لیس عنده المعتبرة عن کون المنع عنه مذهب العامة حیث ناقضهم الامام(علیه السلام)ببیع السلف و أن صاحبه باع ما لیس عنده و علیه فیکون المراد من النبوی بعد تقییده ما هو المراد من الروایات[2]المانعة عن بیع العین الشخصیة قبل تملکها و من هنا

ص:88

اتضح لک أن المنع عن بیع ما لیس عند البائع مطلقا سواء أ کان المبیع کلیا أم کان شخصیا انما هو مذهب العامة[1]و اذن فلا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من ان بیع الکلی سلفا أو حالا جائز باتفاق الفریقین فان هذا الکلام اما سهو من لسان شیخنا الأستاذ أو من قلم مقرر بحثه و انما العصمة لأهلها.

و رابعا:أن نهی المخاطب عن بیع ما لیس عنده دلیل

ص:89

علی عدم وقوعه مؤثرا فی حقه،فلا یدل علی الغایة بالنسبة إلی المالک و بقائه علی أهلیته لتعقب الإجازة منه،و بعبارة اخری:

ان مفاد النبوی هو عدم الصحة الفعلیة المقتضیة للقبض و الإقباض لا عدم الصحة التأهلیة الاقتضائیة التی هی مورد البحث فی بیع الفضولی.

ثم ان بیع العین الشخصیة علی قسمین الأول أن یکون المبیع شیئا معینا و مالا مشخصا عند شخص معلوم،فباعه البائع لنفسه ثم یمضی لیشتریه منه و یسلمه إلی المشتری.

الثانی:أن یکون المبیع مشخصا عند شخص معلوم کالقسم الأول-و لکن باعه البائع لمالکه فضولا.

و الظاهر أن مورد النبوی المانع عن بیع ما لیس عند البائع انما هو القسم الأول لأن إرادة القسم الثانی مبنی علی أن یکون المراد من البیع المنهی عنه فی النبوی،هو الإنشاء الساذج مع انه مخالف لظاهرة،فیحتاج ارادته الی العنایة و المجاز بل الظاهر من النبوی هو النهی عن إیجاد حقیقة البیع التی یتوقف حصولها علی النقل و الانتقال فی الخارج و اما مجرد الإنشاء الصادر من الأجنبی فلا یکون بیعا إلا بالإجازة اللاحقة.

و بتعبیر آخر:أن النبوی ظاهر فی اشتراط الملک و السلطنة لمن له البیع لا للعاقد عنه،فلا یکون شاملا للفضولی المتوقف علی اجازة المالک.

و لو تنزلنا عن ذلک و قلنا:بعدم ظهوره فی القسم الأول و لکن لا ظهور له فی القسم الثانی أیضا،فیرجع فیه الی العمومات

ص:90

الدالة علی صحة العقود،و اما القسم الأوّل فیرجع فیه الی الرّوایات الدالة علی المنع عن بیع الشخصی الّذی هو غیر موجود عند البائع.

و مع الإغماض عن ذلک،فلا دلالة فی النبوی علی بطلان بیع الفضولی و ذلک لان الظاهر من منع البائع عن بیع ما لیس عنده انما هو استناد البیع الیه و کونه له کما عرفته آنفا و من البین أن هذا لا ینافی صحة بیع الفضولی صحة تأهلیة بحیث یستند إلیه بالإجازة اللاحقة.

و لو أغمضنا عن ذلک أیضا و لکن النبوی لیس نصا فی بطلان بیع الفضولی بل دلالته علیه انّما هو بالإطلاق فنقیده بالأدلة الخاصة الدالة علی صحة بیع الفضولی و عمدتها صحیحة محمد بن قیس المتقدمة و اذن فیختص النبوی بالقسم الأول فقط.

و لو تنزلنا عن ذلک أیضا و قلنا بکون النبوی نصا فی فساد بیع الفضولی وقعت المعارضة بینه و بین ما دل علی صحة بیع الفضولی فیؤخذ بالثانی لکونه موافقا للکتاب و مع عدم المرجح فی البین- فیتساقطان و یرجع الی العمومات،و قد عرفت فی أول المسألة أن بیع الفضولی مشمول لها فیحکم بصحته من هذه الناحیة.

و قد ظهر مما ذکرناه الجواب عن الاستدلال علی بطلان بیع الفضولی بالروایات الدالة علی المنع عن بیع مالا یملک بناء علی قراءة یملک بصیغة الفاعل لا المفعول فیراد من قوله علیه السلام فی صحیحة الصفار المتقدمة قریبا لا یجوز بیع ما لیس تملک عدم استناد البیع الی العاقد غیر المالک و هذا لا ینافی استناده الی المالک بالإجازة اللاحقة فلا وجه لما ذکره فی الحدائق عند التعرّض لصحیحة

ص:91

الصفار من ان(الأصحاب قد أفتوا فی هذه المسألة التی هی مضمون هذه الروایة بلزوم البیع فیما یملک و وقوفه فیما لا یملک علی الإجازة من المالک بمعنی انه صحیح،لکونه فضولیا موقوفا فی لزومه علی اجازة المالک و الروایة کما تری تنادی بأنه لا یجوز الدال علی التحریم و لیس ثمة مانع موجب للتحریم سوی عدم صلاحیة المبیع للنقل بدون اذن مالکه)إذ یمکن أن یراد من الجواز المنفی عدم النفوذ الوضعی کما فهمه الأصحاب فان ارادة النفوذ من الجواز شائع و إذا احتمل هذا المعنی،فلا یبقی فی الصحیحة ظهور فیما ذکره صاحب الحدائق فضلا عن أن ینادی لفظ لا یجوز بأعلی صوته من المکان المرتفع بالتحریم التکلیفی.

و قال شیخنا الأستاذ:(ثم لا یخفی أنه لو سلم دلالتها،فلا یمکن تخصیصها بالأدلة الدالة علی صحة الفضولی لأن تعارضهما لیس بالعموم و الخصوص المطلق،بتقریب أن مفاد الأدلة المانعة هو ان بیع مال الغیر لا یجوز سواء قصد لنفسه أم للمالک و سواء أجاز أم لم یجز و مفاد الأدلة المجوزة صحة البیع للمالک إذا أجاز لأنه لم یکن البیع لنفسه أو للمالک بلا اجازة محلا لتوهم الصحة حتی یرد المنع بنحو العموم،بل التعارض بینهما بالتباین فإنه لو سلم إطلاق هذه الروایات و شمولها لما إذا قصد الفضولی البیع للمالک أو لنفسه مع المنع و عدمه فلا إشکال فی شمول الروایات الدالة علی الصحة لجمیع الاقسام).

و لکن یتوجه علیه:أن تخصیص الأدلة المجوزة بصورة کون البیع لمالک مع لحوق الإجازة ان التخصیص لأجل ما ذکر انما یصح فیما

ص:92

إذا لم یتعارف فی الخارج بین الإنسان مال غیره عن نفسه مع انه کان متعارفا فی زمان الجاهلیة بل فی جمیع الأزمنة،و قد جرت علیه سیرة الجهال و الفساق و غیر المبالین فی أمر الدین حیث انهم یرون الأسباب غیر المشروعة مملکة کالغرر و القمار و الغصب و السرقة و الخیانة و أشباهها بل ربما یستملکون أموال الناس بلا مملک شرعی و لا عرفی و یعاملون معها معاملة أموالهم. و قد یقال:ان النسبة بین ما دل علی صحة بیع الفضولی و بین ما دل علی فساده هی العموم من وجه-کما فی حاشیة المحقق الایروانی-و إلیک نصه:(أن المنفی فی هذه الاخبار لو کان هو البیع لنفسه کانت هذه الاخبار أخص من هذه الجهة و ان کانت أعم من حیث اجازة المالک،فتکون النسبة عموما من وجه و تقدیم تلک علی هذه لیس اولی من العکس بتقدیم هذه و الحکم ببطلان البیع لنفسه و ان أجاز المالک کما قالوه فی بیع الغاصب).

و فیه أن الاستدلال بالأخبار المانعة علی بطلان بیع الفضولی انما هو مبنی علی کون مفادها أعم من البیع لنفسه و البیع للمالک لأنها لو کانت مختصة بالبیع للمالک لکانت خارجة عما نحن فیه- بالکلیة-و لم یبق مجال للتمسک بها علی ذلک.

و قد عرفت قبل الشروع بذکر أدلة القولین أن هنا ثلاث مسائل:

الاولی أن یبیع للمالک الثانیة ان یبیع له مع سبق المنع عنه.

الثالثة ان یبیع لنفسه کبیع الغاصب.

و کلامنا فعلا فی حول المسألة الاولی و اما البیع لنفسه الذی هو المسألة الثالثة فسیأتی البحث عنه قریبا،و کیف کان فلا وجه

ص:93

لتخصیص الأدلة المانعة لصورة البیع لنفسه و یضاف الی ذلک انه لم یذکر فی الاخبار المانعة و لا فی الاخبار المجوّزة کون البیع- للمالک مع لحوق الإجازة أو کونه للبائع و لم یصرح فیهما بشیء من ذلک و اذن فلا وجه لتخصیص کل من الطائفتین بناحیة خاصة بل الظاهر منهما هو کون الطائفة المجوزة أخص من الطائفة المانعة لأن الأولی مختصة بصورة لحوق الإجازة من المالک و الثانیة أعم من ذلک.

علی ان التعارض بالعموم من وجه یقتضی التساقط و الرجوع الی العمومات لا تقدیم احد المتعارضین علی الأخر.

و منها صحیحة محمد بن القاسم بن الفضیل

قال:سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن رجل اشتری من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و کتب علیها کتابا بأنها قد قبضت المال و لم تقبضه فیعطیها المال أم یمنعها؟قال فلیقل له لیمنعها أشد- المنع فإنها باعت ما لم تملکه (1)حیث انها تدل علی المنع عن بیع الإنسان ما لا تملکه،فتشمل الفضولی أیضا.

و فیه ان الصحیحة تدل علی انه لا یجوز لبائع الفضولی ان یقبض الثمن،لا علی بطلان بیعه بل یمکن ان یقال:انها مشعرة بصحة بیع الفضولی حیث ان الامام(علیه السلام)قد علل المنع عن تسلیم المال بأنه باع ما لم تملکه و من الظاهر انه لو کان البیع فاسدا لعلله بذلک لان التعلیل بالأمر الذاتی أولی من التعلیل بالأمر

ص:94


1- 1) التهذیب باب المکاسب ج 6 ص 339 و التهذیب القدیم ج 2 ص 106 و 867 و للوسائل باب 1 من أبواب عقد البیع.

العرض.

و منها روایة الاحتجاج فإنه قد ذکر فیها الضیعة لا یجوز

ابتیاعها الا من مالکها أو بأمره أو رضی منه

(1)

فإنها تدل بمفهوم الحصر علی بطلان البیع الفضولی لأنه لم یصدر من المالک و لا بأمره و لا برضاء منه.

و فیه أولا:ان الروایة ضعیفة السند من جهة الإرسال.

و ثانیا:انه یحتمل أن یراد من عدم الجواز عدم النفوذ کما فهمه الأصحاب فیمن باع ما یملک و ما لا یملک صفقة واحدة حیث بنوا علی النفوذ فی الأول و توقفه علی اجازة المالک فی الثانی و لا ریب ان إطلاق الجواز و عدمه علی النفوذ و عدمه شائع بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم،و من ذلک قولهم إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز أو نافذ و اذن،فالروایة تدل علی عدم استناد البیع الی العاقد غیر المالک و عدم نفوذه منه و هذا لا ینافی استناده الی المالک بالإجازة اللاحقة بل قد عرفت آنفا ان البیع و الشراء لا یطلقان علی الإنشاء الساذج و علیه فالمراد من قوله(علیه السلام)لا یجوز ابتیاعها إلخ هو النهی عن ابتیاع مال الغیر حقیقة لا مجرد اجراء العقد علیه لفظا، فلا دلالة فیها علی فساد بیع الفضولی من أصله بل ربما یقال:

بدلالتها علی صحته،و ذلک لان الإمام علیه السلام قد تفصل بان ابتیاع الأرض لا یصح الا بمباشرة المالک أو بوکالة منه أو برضائه به علی سبیل مانعة الخلو و من المعلوم ان المراد من الرضاء لیس هو

ص:95


1- 1) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البیع و قد ذکرنا مجموع الروایة سابقا.

الرضاء السابق علی العقد لکنایة قوله(علیه السلام)و بأمر منه فی ذلک،و لا ان المراد منه هو الرضاء المقارن لعدم اعتباره فی صحة البیع و قد عرفته فیما سبق،فیکون المراد منه الرضاء المتأخر،و ان أبیت عن ظهور الروایة فی ذلک فلا أقل من الاحتمال فتکون الروایة- مجملة.

و کیف کان فلا ظهور لها فی فساد بیع الفضولی.

و منها صحیحة محمد بن مسلم

عن ابی جعفر علیه السلام فی حدیث قال:سأله رجل من أهل النیل عن ارض اشتراها بفم النیل و أهل الأرض یقولون هی أرضهم و أهل الأستان یقولون هی من أرضنا فقال لا تشترها الا برضاء أهلها[1]حیث ان الامام(علیه السلام) منع عن شراء الأرض الا برضاء أهلها،فیکون الشراء من الفضولی فاسدا و قد ظهر جوابه مما تقدم فان المنع عن الشراء من غیر المالک لا ینافی استناد البیع الی المالک بإجازته إذ لا دلالة فی هذه الروایة علی اعتبار الرضاء المقارن فی صحة العقد و کون الإجازة اللاحقة لاغیة،فلا وجه لما ذکره فی الحدائق،من صراحة الروایة فی تحریم الشراء قبل تقدم الرضاء ثم قال:و دعوی قیام الإجازة- المتأخرة مقام الرضا السابق مع کونه لا دلیل علیه مردود بما ینادی به الخبر من المنع و التحریم الا مع تقدم الرضاء.

ص:96

و منها الروایات الدالة علی عدم جواز شراء السرقة و الخیانة

(1)

و قد استدل بها و بغیرها فی الحدائق علی بطلان بیع الفضولی و قال فی جملة ما ساقه من الکلام و إلیک لفظ بعضه و هذه جملة من الاخبار الواضحة الظهور کالنور علی الطور فی عدم جواز بیع- الفضولی و عدم صحته،و لو کان ما یدعونه من صحة بیع الفضولی و تصرفه بالدفع و القبض صحیحا و انما یتوقف علی الإجازة لصرح به بعض هذه الاخبار أو أشیر الیه و لاجابوا بالصحة و ان کان اللزوم موقوفا علی الإجازة فی بعض هذه الاخبار ان لم یکن فی کلها مع انه لا أثر فیها لذلک و لو بالإشارة فضلا عن صریح العبارة،و قال فی موضع آخر-بعد نقل خبر سماعة-و هذا نصه:(و قد نهی عن الشراء و النهی دلیل التحریم و لیس ذلک الا من حیث ان المبیع غیر صالح للنقل لکون التصرف فیه غصبا محضا و التصرف فی- المغصوب قبیح عقلا و نقلا و الأصحاب فی مثل هذا یحکمون بالصحة و الوقوف علی الإجازة و هل هو الا رد لهذا الخبر و نحوه؟و لکنهم معذورون من حیث عدم اطلاعهم علی هذه الاخبار الا انه یشکل هذا الاعتذار بالمنع من الفتوی الا بعد تتبع الأدلة من مظانها و الاخبار المذکورة فی کتب الأخبار المتداولة فی أیدیهم مسطورة)و الی غیر ذلک من الکلمات غیر الخالیة عن التعریض و إساءة الأدب

ص:97


1- 1) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البیع و شرائه.

مع الأصحاب.

ثم قال فی آخر کلامه:و بالجملة فالقول بما علیه الشیخ و اتباعه من البطلان هو المختار کما دلت علیه صحاح الاخبار علی انا لا نحتاج فی الإبطال إلی دلیل بل المدعی للصحة علیه الدلیل کما هو القاعدة المعلومة بین العلماء جیل بعد جیل و قد عرفت ان أدلتهم لا تسمن و لا تغنی من جوع کما لا یخفی.

و یتوجه علی الاستدلال بها علی ما نحن فیه انها ظاهرة فی إرادة التملک من الابتیاع المذکور بحیث تترتب علیه الآثار نحو ترتبها علی الابتیاع من المالک،فلا إشعار فی شیء منها ببطلان بیع الفضولی فضلا عن الدلالة علیه و من نظر إلیها بعین الانصاف و جانب طریق الاعتساف یری صدق ما ذکرناه،و العجب من صاحب الحدائق مع تبحره فی الاخبار و غوره فیها قد خفی علیه ما ذکرناه مع انه من الوضوح بمکان بل هو کالنار علی المنار،و أعجب من ذلک انه مع عدم فهمه محل النزاع کما یظهر من کلامه المتقدم حیث جعل بیع الفضولی تصرفا فی المغصوب ابتهج علی ما یرومه کأنه عثر علی ما لم یعثر علیه غیره،بل لم یکتف علی ذلک حتی حمل علی الأصحاب و رماهم الی عدم العثور علی تلک الاخبار،و کونهم غیر معذورین فی ذلک لوجود کتب الاخبار بین أیدیهم و لنصب عیونهم،و لکنه غفل عن انهم سمعوها و دعوها الا انهم اطلعوا علی ما هو المقصود منها و لم یقعوا علی ما وقع علیه صاحب الحدائق من الاشتباه.

و من هنا قال فی الجواهر و هذه عبارته:(بل أطنب فیه المحدث البحرانی الا أنه لم یأت بشیء بل مقتضی جملة من کلماته

ص:98

التی أساء الأدب فیها مع مشایخه انه لم یفهم محل النزاع و تخیل أن القائل بالصحة یرید حصول أثرها من المالک و التملیک و جواز التصرف،و غیر ذلک عدا اللزوم،فأبرق و أرعد ثم ترنم و غرد و ساق جملة من النصوص الدالة علی خلاف ذلک محتجا بالعثور علیها و الاهتداء الی الاستدلال بها.

فتحصل:انه لا دلالة فی شیء من تلک الاخبار علی بطلان بیع الفضولی و لو سلمنا دلالتها علی عدم جواز بیع مال الغیر فنخصصها بما دل علی صحة بیع الفضولی،و علی تقدیر التعارض و التساقط یرجع الی العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و قد عرفت ذلک کله فیما تقدم.

قوله:اما الروایتان.

أقول:المراد بهما روایتا خالد و یحیی الآتیتان فی بیع- الفضولی لنفسه لا التوقیعان المتقدمان ای توقیع الصفار و توقیع الحمیری.

و منها ما رواه الشیخ فی المجالس

بإسناده عن زریق قال:

کنت عند الصادق علیه السلام إذ دخل علیه رجلان الی ان قال:

فقال أحدهما:أنه کان علی مال لرجل من بنی عمار و له بذلک ذکر حق و شهود،فأخذ المال و لم استرجع منه ذکر الحق و لا کتبت علیه کتابا.و وارثه حاکمونی.فیباع علی قاضی الکوفة معیشة لی و قبض القوم المال.فقال:المشتری کیف اصنع فقال:

تصنع ان ترجع بمالک علی الورثة و ترد المعیشة إلی صاحبها الحدیث الحدائق ج 5 المتاجر ص 75 قال فیها بعد نقل الحدیث:ان هذا

ص:99

الخبر و ان تضمن ان البائع هو الحاکم و هو صحیح بحسب الظاهر بناء علی ما ورد عنهم(علیه السلام)من الأخذ بأحکامهم فی زمان الهدنة و التقیة الا أنه بعد ظهور الکاشف عن بطلانه و اعتراف الورثة بقبض الدین یکون من باب بیع الفضولی و هو کما سیأتی علی قسمین:

أحدهما:ما یکون المشتری عالما بالغصب و انه لیس ملکا للبائع.

و ثانیهما:ان یکون جاهلا و ادعی البائع الاذن من المالک و ما اشتمل علیه الخبر من القسم الثانی.

و لکن یتوجه علیه ان الروایة أجنبیة عن بطلان بیع الفضولی فإنها لیست مسوقة لبیان بطلان البیع حتی مع الإجازة اللاحقة، بل هی ناظرة إلی بیان حکم الواقعة و أنه بعد کشف الخلاف، فلا بد و أن یکون یرجع المال المأخوذ بلا حق الی صاحبه.

قوله:الثالث الإجماع علی البطلان.

أقول:قد ادعاه الشیخ فی الخلاف کما عرفت فی أول المسألة و مع ذلک قد اعترف بأن الصحة مذهب جماعة من أصحابنا و لکنه اعتذر عن ذلک بعدم الاعتناء بخلافهم و هو محکی عن ابن زهرة أیضا فی الغنیة و عن الحلی فی مضاربة السرائر عدم الخلاف فی بطلان شراء الغاصب إذا اشتری بعین المغصوب.

و یرد علیه أولا:ان دعوی الإجماع علی البطلان فی هذه المسألة موهونة جدا لعدم وجود القائل به غیر مدعی الإجماع و جمع قلیل من المتأخرین خصوصا مع مخالفة الشیخ فی النهایة التی قیل انها آخر کتبه و من هذه الفتوی یمکن استکشاف ما ادعاه من

ص:100

الإجماع منقولا لا محصلا و اذن،فلا نظن وجود الإجماع فی المقام بل نطمئن بعدمه.

و یضاف الی ذلک انه لیس هنا إجماع تعبدی إذ من المحتمل القریب أن المجمعین قد استندوا فی ذلک الی بعض الوجوه المتقدمة أو جمیعها علی ان الإجماع لا یکافؤ ما تقدم من أدلة الصحة.

قوله:الرابع ما دل من العقل و النقل علی عدم جواز،

التصرف فی مال الغیر إلا بإذنه.

أقول:قد استدل علی بطلان بیع الفضولی بالدلیل العقلی

و بیانه یحتاج الی مقدمات:
الاولی

(و الظاهر انه لا احتیاج الی هذه المقدمة)ان التصرف فی مال الغیر قبیح عقلا و نقلا و هذا ظاهر لا شبهة فیه.

الثانیة:ان الفضولی متصرف فی مال الغیر بالعقد علیه

بدون إذنه

لأنه لم یقصد بعقده الهزل و الهذیان و الا کان أنشأه لغوا محضا و ساقطا عن درجة الاعتبار و انما قصد النقل و الانتقال حقیقة و لا ریب فی کون ذلک تصرفا.

الثالثة:أن التصرف فی مال الغیر حرام

للروایات الدالة علی حرمة التصرف فیها بدون اذن مالکها فنتیجة هذه المقدمات هی بطلان عقد الفضولی لأن النهی یقتضی الفساد کما حقق فی محله.

و فیه أولا:أن مجرد إنشاء البیع لا یعد تصرفا فی المبیع عند العرف لا تصرفا خارجیا و لا تصرفا اعتباریا سواء أ کان ذلک باذن المالک کالوکیل فی اجزاء الصیغة،أم کان بدون إذنه کالفضولی و ذلک

ص:101

لان التصرف فی المال عبارة عن إیجاد ما هو من شؤن المالک سواء أ کان ذلک تصرفا خارجیا کالأکل و الشرب و الاستظلال تحت الخیمة أم کان تصرفا اعتباریا کالبیع و الإجارة و نحوهما.

و هذا بخلاف الفضولی،فإنه و ان لم یکن هازلا فی إنشائه و لا غالطا و لا ساهیا و لا لاغیا و لا لاهیا و لا مستهزئا و لا سکرانا بل انما هو قصد البیع الا انه یری نفسه نائبا عن المالک و باع ما له فضولا متوقعا لإجازته بحیث لا یصدق عنوان البیع علی إنشائه صدقا حقیقیا الا بعد الإجازة التی بها یتحقق التصرف الاعتباری فی المبیع و یستند البیع الی المالک المجیز لا بالإنشاء الساذج الفضولی.

و ثانیا انا لو سلمنا کون الإنشاء الخالص تصرفا فی المبیع و لکنه لا دلیل علی حرمة التصرف فی مال الغیر علی وجه الإطلاق بقیام السیرة العقلائیة علی جواز الاستضلال بحائط الغیر و الاستضاء بضیائه و الاصطلاء بناره و دق باب داره لاستعلام حاله و أشباهها و لم یردع الشارع المقدس عنها جزما و اما أدلة حرمة التصرف فی أموال الناس فهی منصرفة عنها قطعا.

ثالثا انا لو سلمنا کون الإنشاء تصرفا فی المبیع و سلمنا حرمته أیضا،و لکن ذلک فیما لم یستکشف جوازه من القرائن الحالیة أو المقالیة و الا،فلا شبهة فی جوازه بناء علی أن مثل هذا الاذن لا یخرج العقد عن الفضولیة کما هو کذلک لأن الاذن قد تعلق- بالإنشاء لا بالمنشإ و الذی یخرج العقد عن الفضولیة انما هو الثانی دون الأول و علیه،فیکون الدلیل أخص من المدعی الا ان یلتزم بصحة بیع الفضولی فی هذا المورد لعدم کونه مشمولا للدلیل العقلی

ص:102

و ببطلانه فی سائر الموارد،و لکن الظاهر أن القائلین بالفساد انما یریدون السلب الکلی و حینئذ فیکفی فی نقضه الإیجاب الجزئی.

و رابعا:أنا لو سلمنا جمیع ما ذکر و لکن انما یحرم الإنشاء من الأجنبی مع العلم و العمد و اما مع الجهل بذلک أو مع الغفلة عنه،فلا وجه لحرمته و من الظاهر أن مورد بحثنا أعم من ذلک و اذن،فیکون الدلیل أیضا أخص من المدعی.

و خامسا:انا لو سلمنا ذلک أیضا و لکن النهی عن المعاملات لا یوجب الفساد و ان أصر علیه شیخنا الأستاذ و تفصیل ذلک فی محله نعم لو کان النهی إرشادا إلی فساد المعاملة سواء أ کان- تحریمیا أم کان تنزیهیا فلا شبهة فی دلالته علی فسادها قد تقدّم ما یمسّ بالمقام.ص 75 و سادسا:أن الفساد من قبل الفضولی و عدم استناد البیع الیه لا یستلزم الفساد من قبل المالک،و لا ینافی الصحة التأهلیة و جواز استناده الی المالک بالإجازة اللاحقة.

و قد یستدل علی بطلان بیع الفضولی بأنه انما حکم ببطلان

البیع الآبق من ناحیة تعذر التسلیم

الذی هو شرط فی صحة البیع و من الواضح أن بیع مال الغیر اولی بعدم الجواز،لفقد السبب و الشرط معا.

و فیه:انا نعتبر الملک و القدرة علی التسلیم بالنسبة إلی المالک المجیز لا العاقد و الا لم یصح عقد الوکیل فی إجراء الصیغة فقط لانه لیس بمالک و لا قادر علی التسلیم و لا فارق بینه و بین الفضولی من هذه الناحیة.

ص:103

و قد یستدل علی بطلانه بأن عقد للفضولی مشتمل علی الغرر للجهل بحصول أثره و قد نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر.

و فیه أولا:أنه انما یلزم ذلک إذا حکمنا بلزومه و لکنه لیس یلازم و علیه،فیرتفع الغرر بجواز الفسخ و ثانیا:أن عمدة الدلیل علی بطلان بیع الغرری انما هو الإجماع لأن النبوی ضعیف السند و غیر منجبر بشیء و المتیقن منه غیر ما نحن فیه.

ثم انه ذکر السید فی حاشیته عند قول المصنف(و الجواب أن العقد)لا یخفی ان الفضولی إنما یقصد النقل و الانتقال جدا مطلقا لا هزلا و لا معلقا علی الإجازة و الا لم یکن صحیحا مع الإجازة أیضا و حینئذ فلا یبعد صدقه علیه عرفا کما یصدق علی بیع الغاصب إلخ.

و یرد علیه أولا:ما ذکرناه سابقا من عدم کون ذلک تصرفا و لا یقاس ذلک ببیع الغاصب الذی یری المال لنفسه و یبیع لنفسه لکن یستند البیع الیه و این هذا من الفضولی.

و ثانیا:ان قوله و لا معلقا علیه سهو من القلم لما عرفته فی مبحث التعلیق أن التعلیق علی ما هو دخیل فی صحة العقد لا یوجب بطلانه لأن صحة العقد متوقفة واقعا علی ذلک ثم انه ذکر هنا أمور لبطلان بیع الفضولی و لکن قد أغمضنا عنها إذ لا یهمنا- التعرض لها.

حکم بیع الفضولی مع سبق منع المالک

قوله المسألة الثانیة أن یسبقه منع المالک.
اشارة

أقول:المعروف و المشهور بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم هو صحة بیع الفضولی مطلقا و حکی عن بعض التفصیل فی ذلک بین

ص:104

سبق المنع و عدمه و یشیر الیه ما عن المحقق الثانی فی بیع الغاصب حیث احتمل الفساد نظرا إلی القرینة الدالة علی عدم الرضا و هی الغصب و یشیر إلیه أیضا ما حکی عن فخر الإسلام من انه زاد بعضهم ای بعض القائلین بصحة الفضولی عدم مسبوقیة الصیغة بنهی المالک و یظهر هذا فیما حکی عن العلامة فی نکاح التذکرة من حمل النبوی أیما عبد تزوج بغیر اذن مولاه فهو عاهر،بعد ما رماه الی ضعف السند علی انه نکح بعد منع مولاه و کراهته له فإنه یقع باطلا و هذه العبارة و ان سردها فی النکاح الا أنه لم یفرق بین النکاح و غیره،فیلزم أن یقول بمثله فی البیع أیضا.

و یتوجه علیه أولا أن الظاهر من النبوی هو المنع عن مطلق الزواج الفضولی لا عن الفضولی المسبوق بالمنع فقط و علیه فلا بدّ من تخصیصه علی تقدیر صحته بما دل علی صحة عقد الفضولی.

و ثانیا:انا لو سلمنا تکافؤهما و لکن لا بدّ من تقدیم أدلة الصحة لضعف النبوی سندا و مع صحة سنده فیتساقطان فیرجع الی العمومات.

و ثالثا:أن الظاهر من النبوی انما هو المنع عن تزویجه و ترتیبه آثار الزوجیة بلا استیذان و لا استجازة من مولاه و لا شبهة فی کونه زانیا و هذا لا ربط له بالفضولی المسبوق بالمنع.

ثم انه یقع البحث هنا فی جهتین

الاولی:فی أنه هل هنا دلیل یقتضی صحة عقد الفضولی مع سبق المنع عنه من المالک؟ الثانی:فی أنه هل هنا ما یدل علی بطلان العقد بحیث یکون مانعا عن تأثیر ما یقتضی الصحة؟

ص:105

اما الجهة الأولی، أی وجود المقتضی علی صحة عقد الفضولی

فإن کان الدلیل علی صحة بیع الفضولی هو العمومات فلا یفرق فی ذلک بینما یکون مسبوقا بمنع المالک و عدمه فإنه مع لحوق الإجازة یکون مشمولا للعمومات فی کلتا الصورتین و الا فلا،و ان کان الدلیل علی صحته هو خبر البارقی المتقدم،فلا شبهة فی اختصاصه بصورة عدم المنع عن البیع إذ المفروض فیه ان النبی(صلی الله علیه و آله)قد امره باشتراء الشاة من دون نهی عن بیعها و لذا دعاه بالخیر و البرکة و قال:بارک اللّه فی صفقة یمینک،و ان کان الدلیل علی صحته صحیح محمد بن قیس فالظاهر من قول أبی البایغ(ان ولیدتی باعها ابنی بغیر اذنی)،هو عدم سبق المنع عن البیع و الا لکان الاحتجاج بذلک علی مقصده اولی و أقرب من الاحتجاج علیه بعدم الاذن فی البیع و علی هذا،فلا یبقی مجال لاستفادة العموم من الصحیحة من ناحیة ترک الاستفصال.

و دعوی أن قوله:باعها بغیر إذنی أعم من المنع و عدم الاذن،دعوی فاسدة للفرق الواضح بین أن یقول الإنسان لأحد ما أذنت لک فی الفعل الفلانی و بین أن یقول له نهیتک عن ذلک و لا ریب فی أن الثانی أقوی للاحتجاج فی مقام المخالفة و ان کان الدلیل علی صحة بیعه الروایات الواردة فی الزواج العبد بغیر اذن سیده معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیده فإذا اجازه فهو جائز،فدلالته علی صحة بیع الفضولی هنا بوجهین الأول من ناحیة الفحوی و بیان ذلک أن السید و ان لم یکن راضیا بزواج العبد بل کان یکرهه کراهة شدیدة و لکن حیث لم یکن الزواج معصیة للّه بل کان عصیانا للسید فقط،لم یخرج بذلک عن الصحة التأهلیة لرجاء

ص:106

زوال العصیان بالإجازة المتأخرة،و إذا صح الزواج بالإجازة اللاحقة مع کونه مسبوقا بکراهة السید صح مع کونه مسبوقا بالمنع أیضا لأن ما هو مناط العصیان أعنی به مبغوضیة الزواج موجود فیهما بلا فرق بین إظهارها بمظهر خارجی و عدمه و إذا صح الزواج صح غیره بالأولویة القطعیة. و یتوجه علیه:أن الروایات المزبورة خالیة عن کون الزواج مسبوقا بالنهی إذ لم یذکر فیها الا کون الزواج عصیانا للسید لا کونه منهیا عنه و المراد بالعصیان لیس هو مخالفة نهی المولی لکی یستفاد المنع الصریح من ذلک بل المراد به انما هو عدم الاستیذان منه فی النکاح بمقتضی قانون العبودیة علی ما هو صریح الروایة و اذن،فلا دلالة فی تلک الروایات علی نفوذ بیع الفضولی المتعقب بالإجازة مع المنع السابق.

و دعوی استفادة المنع منها و لو بشاهد الحال بین الموالی و العبید،دعوی فاسدة لأن حالهما تشهد علی عدم رضا المولی بفعل عبده الا بالاستجازة و الاستیذان و الا،فیکون خارجا عن زیّ الرقیة و العبودیة و هذا غیر کونه ممنوعا عن الاستقلال فی الفعل- بمنع صریح.

و یضاف الی ذلک ما ذکره المحقق الایروانی من أنه مع وجود شهادة الحال علی المنع خرج عن محل البحث إذ شهادة الحال بوجودها الاستمراری الی ما بعد العقد تکون ردا فلا تجدی بعده الإجازة.

علی انا لو سلمنا دلالة الروایات المزبورة علی صحة زواج العبد

ص:107

مع المنع السابق و لکنها بعیدة عن الفضولی المصطلح لما ذکرناه سابقا من ان عقد النکاح فی مورد الروایات مستند الی العبد و انّه بنفسه طرف للمعاقدة و المعاهدة غایة الأمر أن نفوذه متوقف علی اجازة السید و لا شبهة فی ان هذا غیر ما هو مورده البحث فی مبحث الفضولی و اذن فلا وجه لدعوی الفحوی المتقدمة.

الوجه الثانی من ناحیة عموم التعلیل المذکور فی تلک الاخبار حیث ان الامام(علیه السلام)قد علل فیها صحة نکاحه بالإجازة المولی بأن نکاحه مشروع بذاته و انه لیس معصیة للّه تعالی و من الظاهر انه لا یفرق فی مشروعیة نکاح العبد و عدم کونه معصیة للّه و نفوذه بإجازة المولی بین کونه مسبوقا بالنهی و عدمه،فإذا صح النکاح صح کل- معاملة مشروعة بذاته،فان کونه معصیة للسید مما یرجی زواله و هذا بخلاف ما إذ کان ذلک معصیة للّه فإنها غیر قابلة للزوال.

و لکن ظهر جوابه مما تقدم من ان الزواج الصادر من العبد مستند الیه و عقد له و ان کان نفوذه مشروطا برضا المولی فلا ربط له بالفضولی المصطلح،فیکون ذلک نظیر بیع الراهن العین المرهونة بدون اذن المرتهن و تزویج بنت الأخ و بنت الأخت بدون إذن العمة و الخالة و اذن،فلا یمکن التمسک بعموم التعلیل المذکور فی تلک الروایات الا فیما یسانخ مورد التعلیل و اما بقیة الوجوه،فقد عرفت انها لم تدل علی صحة بیع الفضولی مع عدم سبق المنع،فکیف إذا کان مسبوقا به و کذلک المؤیدات المتقدمة فلا وجه لاطالة البحث عن ذلک.

اما الجهة الثانیة وجود المانع علی بطلان العقد

فذکر المصنف: (أن العقد إذا وقع منهیا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما کاف فی الرد فلا ینفع الإجازة

ص:108

اللاحقة بناء علی أنه لا یعتبر فی الرد سوی عدم الرضا الباطنی بالعقد علی ما یقتضیه حکم بعضهم بأنه إذا حلف الموکل علی نفی الاذن فی اشتراء الوکیل انفسخ العقد لان الحلف علیه امارة عدم الرضا).

و فیه أولا:أن الباقی بعد العقد لیس إلا الکراهة المستمرة من زمان المنع الی بعد العقد و لکن ذلک أجنبی عن الرد بدیهة أن معنی الرد انما هو حل العقد و ابطال ما حصل به من الربط و لا شبهة فی أن هذا لا یتحقق إلا بالإنشاء الذی هو مفقود فی المقام علی الفرض کما أن الفسخ لا یوجد إلا بالإنشاء لأن الکراهة الباطنیة کالرضا الباطنی لا یؤثر ان فی الرد و الإجازة و لا فی الفسخ و الإمضاء و ثانیا:أن الرد لم یثبت بدلیل لفظی لکی یتمسک بإطلاقه و یحکم بتحققه بالکراهة الباطنیة الباقیة الی بعد العقد بل انما ثبت ذلک بالإجماع و من الواضح أنه دلیل لبّی،فلا یؤخذ به الا بالمقدار المتیقن و هو إنشاء الکراهة و عدم الرضا بمظهر خارجی من اللفظ و غیره و من هنا التزم الفقیه الطباطبائی بجواز تأثیر الإجازة بعد الرد و هذا نصه:(الحق أن الرد من المالک غیر مانع من الإجازة بعد ذلک و لا یوجب الفسخ.اما ظهور الإجماع فمضافا الی المنع منه لا دلیل علی حجیته ما لم یصل حد القطع بل أقول:لا یصح دعوی الإجماع القطعی علی بطلان العقد إذا تخلل الرد من القابل بین الإیجاب و القبول،نعم لا یبعد دعواه علی بطلانه إذا رد الموجب إیجابه قبل قبول القابل ص 159).

اما الفرع الذی حکاه المصنف عن بعض من أنه إذا حلف الموکل علی نفی الإذن إلخ،

ص:109

فتارة نفرضه فی غیر زمان الخیار و اخری فی زمانه کما فرضه کذلک شیخنا الأستاذ و إلیک لفظ مقرر بحثه:(و فسخ عقد الوکیل لو کان خیاریا بحلف الموکل علی نفی الاذن فی اشتراء الوکیل،لو سلم انما هو لأماریة الحلف علی الفسخ لا لمجرد کراهة الموکل باطنا،بل لا یبعد أن یکون نفس إنکار الوکالة فسخا کما أن إنکار الطلاق رجوع).

و ان کان فی زمان الخیار فینفسخ العقد بإنکار الوکالة بلا احتیاج الی الحلف علی نفی الاذن فی اشتراء الوکیل،و ذلک لان الموکل إذا أنکر وکالة المشتری فقد أقر بکون المبتاع للغیر و لا شبهة أن هذا إقرار علی نفسه،فیکون نافذا و هذا نظیر إنکار الطلاق فی العدة الرجعیة،فإنه یکفی فی الرجوع الی المطلقة بلا احتیاج الی الحلف علی عدم وقوع الطلاق ضرورة أن إنکار الطلاق إقرار علی الزوجیة و لوازمها من الإنفاق و غیره،فیکون إقرارا علی نفسه فینفذ علی أن الحلف لا یکشف الا عن الکراهة الباطنیة و عدم الرضا و من الظاهر أن مجرد عدم الرضا لا یکفی فی الرد بل لا بد فیه من الإنشاء و قد عرفته آنفا.

و من هنا ظهر انه لا یتم ما ذکره المصنف(ره)هذا لفظه (و ما ذکره فی حلف الموکل غیر مسلّم و لو سلّم فمن جهة الإقدام علی الحلف علی ما أنکره فی رد البیع و عدم تسلیمه له).

و أن کان ذلک فی غیر العقد الخیاری،فهو بحسب طبعه علی نحوین لأنه تارة ینکر التزامه بالعقد و ینکر الوکالة أیضا و یحلف علی ما أنکره و اخری ینکر الوکالة فقط و یحلف علی ما أنکره من دون أن

ص:110

ینکر التزامه بالعقد و علی الأول،فیحکم ببطلان المعاملة إذ المفروض أنه لیس هنا التزام عقدی أصلا و من هنا ظهر أن الصحیح هو ما ذکرناه من التعبیر بالبطلان دون الانفساخ إذ لم یتحقق هنا عقد لکی یحکم بانفساخه و علی الثانی فیحکم ببطلان الوکالة فقط دون العقد،إذ لا تحتاج صحته إلی صحة الوکالة و قد ظهر لک مما ذکرناه أن مجرد إنکار الوکالة لا یکفی فی بطلان ما أنشأه الوکیل من العقد بل لا بد فی الحکم ببطلانه من وجود القرینة الخارجیة علی إرادة الصورة الاولی و أن المنکر انما ینکر الوکالة و التزامه بالعقد الصادر من الوکیل کلیهما و الا فیحکم بصحة العقد و بطلان الوکالة فقط.

(بحث فی بیع الفضولی لنفسه)

قوله:المسألة الثالثة أن یبیع الفضولی لنفسه
اشارة

و هذا غالبا یکون فی بیع الغاصب و قد یتفق من غیره بزعم ملکیة المبیع کما فی مورد صحیحة الحلبی المتقدمة فی الإقالة بوضیعة و الأقوی فیه الصحة أیضا وفاقا للمشهور.

أقول:المعروف و المشهور بین الأصحاب هو صحة بیع الفضولی لنفسه و هذا هو الغالب فی بیع الغاصب و قد حکی عن کثیر من الأصحاب أنه یقف علی الإجازة کسائر البیوع الفضولیة و منهم العلامة فی بیع المختلف و غصب التحریر و بیع التذکرة و القواعد و غصبهما و الشهید و السیوری و الصیمری و الکرکی و حکی عن فخر الإسلام أنه اختاره بناء علی صحة الفضولی و هذا مقتضی إطلاق الباقین بل هو لازم فتوی الأصحاب فی ترتب العقود علی احد العوضین حیث حکموا

ص:111

بأن للمالک أن یجیز منها ما شاء و من الظاهر أنه لا تتم هذه الفتوی بإطلاقه الا علی القول بصحة بیع الفضولی لنفسه و عن فخر المحققین أنه علی القول ببطلان بیع الفضولی فبیع الغاصب اولی بالبطلان و علی القول بوقوف بیع الفضولی علی الإجازة فالأکثر علی أنه کذلک فی الغاصب مع جهل المشتری إلخ.

ثم انه یقع الکلام هنا أیضا فی جهتین

حذو المسألة السابقة.

الاولی:فی وجود المقتضی لصحة البیع و عدمه،

و الثانیة فی وجود المانع عن ذلک و عدمه أما الجهة الاولی فلا شبهة فی أن بیع الفضولی لنفسه مع لحوق الإجازة من المالک مشمول للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود و لزومها و هذا ظاهر.

و یضاف الی ذلک صحیحة محمد بن قیس المتقدمة فی المسألة الأولی حیث عرفت دلالتها علی صحة بیع الفضولی للمالک مع عدم کونه مسبوقا بالمنع و بضمیمة ترک الاستفصال نعم هذه المسألة أیضا ضرورة أنه لو کان هناک فرق بین المسألتین لفصل بینهما الامام(علیه السلام) مع أنه لم یفصل بینهما و ترک الاستفصال امارة العموم و اذن فتدل الصحیحة علی صحة بیع الفضولی فی کلتا المسألتین و ان ناقشنا فی دلالتها علی صحته فی المسألة الثانیة لأجل خصوصیة فیها.

و اما الاخبار الواردة فی صحة نکاح العبد لنفسه بلا اذن سیده فقد عرفت عدم دلالتها علی صحة بیع الفضولی فی المسألة الاولی و کذلک فی المسألة الثانیة،فعدم دلالتها علی صحته هنا أولی إذ المفروض أن البیع فی المسألتین المتقدمتین للمالک بخلافه هنا فإنه للبائع لأنه باع مال غیره لنفسه فالتمسک بها هنا أردء من التمسک

ص:112

بها هناک.

و أما بقیة الوجوه التی استدل بها علی صحة بیع الفضولی فقد عرفت عدم دلالتها علی صحة بیع الفضولی فی المسألتین المتقدمتین فضلا عن دلالتها علیها فی هذه المسألة.

اما الجهة الثانیة، أی وجود المانع لصحة البیع و عدمه

فقد ذکروا وجوها لبطلان بیع الفضولی لنفسه و لکن عمدتها وجهان:

الأول أنه مع علم البائع بکون المبیع لغیره لا یتمکن من قصد

البیع لنفسه

لأنها لا تتحقق الا بدخول أحد العوضین فی ملک من خرج المعوض عن ملکه و حینئذ فالصادر من الفضول لیس بیعا حقیقیا بل انما هو صورة بیع نظیر بیع الهازل و الغالط و الساهی.

و علی لجملة ان حقیقة المعاوضة التی هی عبارة عن دخول احد العوضین فی ملک مالک الآخر غیر مقصودة للعاقد و ما هو مقصود له من وقوع البیع لنفسه لیس بمعاوضة بین المالین و انما هو معاوضة صوریة و اذن،فلا سبیل لنا الی تصحیح بیع الفضولی لنفسه.

و یتوجه علیه.

أولا:أن الدلیل المذکور أخص من المدعی لانه مختص بالغاصب العالم بغصبیة المبیع فلا یجری فی الجاهل بغصبیته و لا فی الغافل عن ذلک.

و ثانیا:أن العلم بالغصبیة إنما یمنع عن قصد التبدیل بین المالین فی نظر الشارع دائما و فی نظر العرف أحیانا کبیع السرقة و الخیانة علی رؤس الاشهاد و بمرأی من الناس و مسمع منهم لا فی نظر المتبایعین لأنا ذکرنا مرارا أن حقیقة البیع عبارة عن الاعتبار-

ص:113

النفسانی المظهر بمبرز خارجی،و من الظاهر أنه یمکن تحقق هذا المعنی بمحض وجود المتبایعین،و ان لم یکن فی العالم شیء من الشرع و أهل العرف و اما کونه ممضی للعقلاء و الشرع،فهو أمر خارج عن حقیقة البیع و انما هو من الأحکام اللاحقة له و علی هذا فالبائع الغاصب مثلا،و ان قصد دخول الثمن فی ملکه مع ان المبیع قد خرج عن ملک غیره و لکن الإخلال بذلک لا یوجب الإخلال بحقیقة البیع لان قصد حقیقته،لما کان مستلزما لقصد دخول احد العوضین فی ملک من خرج الآخر عن ملکه تحققت المعاوضة حقیقة و ان انضم الی ذلک قصد وقوعه لنفسه باعتبار تنزیل نفسه منزلة المالک،لان تعیین المالک الواقعی غیر معتبر فی مفهوم تحقق حقیقة البیع بل القصد الی العوض و تعیینه یغنی عن القصد الی المالک و تعیینه.

نعم یعتبر فی مفهوم البیع قصد المتبایعین دخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه و بالعکس و الا فلا یصدق علیه البیع و علیه،فلو اشترط علی البائع دخول الثمن فی ملک الأجنبی أو اشترط علی المشتری دخول المبیع فی ملک غیره کان ذلک سببا لبطلان البیع جزما ضرورة أن الاشتراط المزبور علی خلاف مقتضی العقد و قد تقدم تفصیل ذلک فی الجزء الثالث.

و الذی یکشف عن صحة ما ذکرناه أنه لو باع احد متاعا بتخیل أنه سرقة أو خیانة فبأن أنه مال نفسه حکم بصحة البیع و کذلک إذا باع شخص مالا باعتقاد أنه لأبیه فبان أنه لنفسه صح البیع بلا خلاف فی ذلک و أوضح من الکل أنه لو تزوج شخص امرأة بتخیل أنها خامسة أو ذات بعل أو أخت زوجته فبانت انها لیست بأخت زوجته و لا انها

ص:114

ذات بعل و لا انها خامسة بل هی امرأة خلیة یجوز تزویجها حکم بصحة الزواج اتفاقا مع أن العاقد لم یقصد هناک الا الزواج الفاسد.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه أن قصد البائع الغاصب کون البیع لنفسه لا یؤثر فی فساده و هذا ظاهر و قد أشار المصنف الی ما ذکرناه بقوله:ان قصد المعاوضة الحقیقیة مبنی علی جعل الغاصب نفسه مالکا حقیقیا و ان کان هذا الجعل لا حقیقة له لکن المعاوضة المبنیة علی هذا الأمر الغیر الحقیقی حقیقیة نظیر المجاز إلا دعائی فی الأصول نعم لو باع لنفسه من دون بناء علی ملکیة المثمن و لا اعتقاد له کانت المعاملة باطلة غیر واقعة له و لا للمالک لعدم تحقق معنی المعاوضة.

و اذن فلا یتوجه علیه ما ذکره المحقق الایروانی و هذا عبارته:

کیف تکون المعاوضة المبنیة علی أمر غیر حقیقی حقیقیة و هل یزید الفرع علی أصله و لعمری أن هذه الدعوی من المصنف(ره)فی غیر محلها،لان غرض المصنف من قوله لکن المعاوضة المبنیة علی هذا الأمر الغیر الحقیقی حقیقیة، إنّما حقیقة المعاوضة مقصودة للبائع بتبع الأمر إلا دعائی و فی الحقیقة ان المقصود انما هو الأمر الواقعی.

الوجه الثانی:ان الفضولی لم یقصد الا البیع لنفسه

و علیه فان تعلقت اجازة المالک بما قصده الفضولی کان ذلک منافیا لصحة العقد لان معناها هو صیرورة الثمن لمالک المثمن بإجازته و ان تعلقت بغیر ما قصده الفضولی کانت عقدا مستأنفا لا إمضاء لنقل الفضولی فیکون النقل من المنشئ غیر مجاز و المجاز غیر منشأ و بعبارة اخری ان ما قصده الفضولی من المبیع لنفسه لیس قابلا للإجازة لما عرفته من أن دخول العوض فی ملک من خرج المعوض عن ملکه مأخوذ فی مفهوم البیع و

ص:115

ما هو قابل للإجازة لم ینشئه الفضولی و اذن فالمجاز غیر واقع و الواقع غیر مجاز.

و قد ظهر جوابه مما ذکرناه فی الجواب عن الإشکال الأول من أن حقیقة البیع عبارة عن اعتبار تبدیل مال بمال فی جهة الإضافة و إظهاره بمظهر خارجی سواء علم به المالک أم لا و سواء أقصده العاقد أم لا،فان کل ذلک خارج عن حقیقة البیع و من الظاهر أن الفضولی قد قصد هذا المعنی غایة الأمر أنه قصد کونه لنفسه من جهة الخطاء فی التطبیق و ذلک لأنه إنما قصد المعاوضة بین ملکی المالکین مع اعتقاده أو بنائه علی انه مالک فیلغی هذا البناء و یحکم بصحة العقد بالإجازة اللاحقة و اذن،فلا یتوجه ما قیل من أن المنشأ غیر مجاز و المجاز غیر منشأ بل المنشأ هو المجاز لأن الإجازة قد تعلقت بالتبدیل بین ملکی المالکین إذ المنشئ لم ینشأ إلا أصل التبدیل الذی- ینشئه نفس المالک و قصد کونه لنفسه لا یضر بذلک و هذا نظیر أن یوجه البائع خطابه الی غیر المشتری اشتباها و یقول بعتک هذا المتاع و یقول المشتری قبلت هکذا فإنه لا شبهة فی صحة البیع حینئذ ضرورة أن اقتران الإیجاب بکاف الخطاب انما هو من ناحیة الخطأ فی التطبیق فلا یضر بصحة البیع.

و من الموضحات لما ذکرناه هو أنه إذا اعطی أحد دینارا لشخص و و کله فی شراء متاع و اشتبه الوکیل،فقصد الاشتراء لنفسه ثم التفت بذلک فإنه لا شبهة فی کون البیع للموکل،و أوضح من ذلک أنه لو ابتاع زید متاعا من عمرو لموکله،فتخیل عمرو أنه اشتراه لنفسه فوجه الإنشاء الیه و قال بعتک هذا المتاع و قبله زید،ثم انکشف انه قد

ص:116

اشتراه لموکله فان ما قصده البائع من کون الاشتراء لعمرو لا یضر بحقیقة البیع.

و علی الجملة أن المقصود للبائع فی مرحلة الإنشاء أمران أحدهما حقیقة البیع المبرزة بمبرز خارجی و ثانیهما إضافته إلی نفسه و هذه الإضافة ان طابقت الواقع فهو،و الا کانت لاغیة.

ثم لا یخفی علیک أن ما ذکرناه جار فی ناحیة المشتری أیضا حذو النعل بالنعل فإنه إذا قبل الإیجاب و اضافه الی نفسه فقال-مثلا -قبلت فان کان هذه الإضافة مطابقة للواقع فهو و الا کانت فاسدة و لکن فسادها لا یضر بصحة البیع بل یقع الشراء لمالک الثمن و قد حکم المصنف بصحة الشراء حینئذ بوجه أخر و هذه عبارته: ان نسبة الملک إلی الفضولی العاقد لنفسه فی قوله تملکت منک أو قول غیره له ملکتک لیس من حیث هو بل من حیث جعل نفسه مالکا للثمن اعتقادا أو عدوانا و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء علی مالکیته للثمن التزمنا بلغویته ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة فإذا قال الفضولی الغاصب المشتری لنفسه تملکت منک کذا بکذا فالمنسوب الیه التملک انما هو المتکلم لا من حیث هو بل من حیث عد نفسه مالکا اعتقادا أو عدوانا و حیث ان الثابت للشیء من حیثیة تقییدیة ثابت لنفس تلک الحیثیة فالمسند الیه التملک حقیقة هو المالک للثمن إلخ.

و یتوجه علیه أن الثابت للشیء من حیثیة تقییدیة و ان کان ثابتا لنفس تلک الحیثیة و لکن لا علی وجه الإطلاق بل لخصوص الحصة الحاصلة من تلک الحیثیة فی ضمن ذلک الشیء سواء کانت هذه الحصة حقیقیة کما إذا کان المتبایعان مالکین حقیقة أم کانت ادعائیة

ص:117

کما فیما نحن فیه و علیه،فاجازة المعاملة الخاصة لا تقتضی إلا وقوع المعاملة لمن أنشأت له المعاملة لا لغیره لان وقوعها لغیره یستلزم تعدد الإنشاء و هو منفی هذا ما ذکرناه فی وجه الصحة.

و قد أجاب عنه المحقق القمی علی ما حکی عنه فی بعض أجوبة مسائله بأن الإجازة فی هذه الصورة مصحّحة للبیع لا بمعنی لحوق الإجازة لنفس العقد کما فی الفضولی المعهود بل بمعنی تبدیل رضی الغاصب و بیعه لنفسه برضا المالک و وقوع البیع عنه الخل و علیه فیکون ذلک عقدا جدیدا کما هو أحد الأقوال فی الإجازة.

و فیه أنه قد یراد بذلک ما حکی عن کاشف الرموز من أن الإجازة من مالک المبیع بیع مستقل بغیر لفظ البیع و هو قائم مقام إیجاب البائع و ینضم الیه القبول المتقدم من المشتری و حینئذ،فیلغو الإیجاب الصادر من الفضولی فیکون ذلک من موارد تقدم القبول علی الإیجاب المتأخر.

و یرد علیه أنا لو سلمنا جواز تقدم القبول علی الإیجاب و سلمنا أیضا جواز الفصل الطویل بین الإیجاب و القبول و أغمضنا عن مخالفة هذا الاحتمال لصریح کلام المحقق المزبور أنه لا یمکن أن تکون الإجازة اللاحقة إیجابا متأخرا للقبول المتقدم لان القبول المزبور انما هو قبول لما أنشأه الفضولی،و الإجازة المتأخرة علی تقدیر کونها إیجابا لا یمکن أن یکون إیجابا لذلک القبول لعدم المطابقة بینهما بل لا بد و ان یکون له قبول آخر و قد ذکرنا فی الجزء الثالث أن اعتبار التطابق بین الإیجاب و القبول من ناحیة البائع و المشتری من الأمور الواضحة و اذن فلا یمکن أن تجعل الإجازة اللاحقة مع القبول المتقدم عقدا

ص:118

مستأنفا و معاملة جدیدة.

و قد یراد من کلامه أن للإجازة جهتان جهة إیجاب و جهة قبول فالمالک المجیز من جهة الإیجاب غیر أصیل و من جهة القبول اما- وکیل المشتری أو ولیه.

و یرد علیه أنه لا دلیل علی کون المجیز وکیلا للمشتری و لا ولیا له أضف الی ذلک أن الإجازة اللاحقة لیست الا رضا بالعقد السابق فلا وجه لجعلها ذی جهتین جهة إیجاب و جهة قبول و هذا ظاهر و ما حکاه المصنف عن الشیخ الکبیر فی شرحه علی القواعد من (أنه ربّما یلتزم صحة أن یکون الإجازة لعقد الفضولی موجبة لصیرورة العوض ملکا للفضولی)،ثم قال(و تبعه غیر واحد من أجلاء تلامذته و ذکر بعضهم فی ذلک وجهین).

الأول أن قضیة بیع مال الغیر عن نفسه و الشراء بمال الغیر لنفسه جعل ذلک المال له ضمنا حتی انه علی فرض صحة ذلک البیع و الشراء تملکه قبل انتقاله الی غیره لیکون انتقاله الیه عن ملکه و ذلک لاستحالة دخول احد العوضین فی ملک غیر مالک الآخر نظیر ما إذا قال أعتق عبدک عنی أو قال بع مالی عنک أو اشتر لک بمالی کذا فهو تملیک ضمنی حاصل ببیعه أو الشراء و نقول فی المقام أیضا إذا أجاز المالک صح البیع و الشراء و صحته یتضمن انتقال الیه حین البیع أو الشراء فکما أن الإجازة المذکورة تصحح البیع أو الشراء کذلک یقضی بحصول الانتقال الذی یتضمن البیع الصحیح فتلک الإجازة اللاحقة قائمة مقام الاذن السابق قاضیة بتملیکه المبیع لیقع البیع فی ملکه و لا مانع منه.

ص:119

الثانی:انه لا دلیل علی اشتراط کون احد العوضین ملکا للعاقد فی انتقال بدله الیه،بل یکفی أن یکون مأذونا فی بیعه لنفسه أو الشراء به،فلو قال:بع هذا لنفسک أو اشتر لک بهذا ملک الثمن فی الصورة الأولی بانتقال المبیع عن مالکه الی المشتری و کذا ملک المثمن فی الصورة الثانیة،و یتفرع علیه أنه لو اتفق بعد ذلک فسخ المعاوضة رجع الملک الی مالکه دون العاقد.

بقی هنا أمران

الأمر الأول جریان الفضولی فی بیع الکلی
اشارة

قوله(ره)الأول:أنّه لا فرق علی القول بصحة بیع الفضولی بین کون مال الغیر عینا أو فی الذمة.

أقول:انّ البائع تارة یبیع مال شخصه فی ذمة الغیر کالدین فهو خارج عن الفضولی فإنّه نظیر بیع عین ماله الشخصی.

و اخری یبیع مال غیره فی ذمة نفسه،فالظاهر خروجه أیضا عن الفضولی فإنه لا میز لمال الغیر فی ذمة نفسه.

و ثالثة یبیع ما فی ذمة شخص لآخر أو یشتری کذلک،فهذا لا شبهة فی کونه فضولیّا و یتصوّر ذلک فی کل من البیع و الشراء علی ثلثة أنحاء.

الأول ان یصرّح البائع أو المشتری(تذکرة انّه قد وقع فی بعض الموارد فیما إذا تکون الإجازة باطلة و غیر مفیدة انّ العقد یبطل و هذا مسامحة بل المراد بطلان الإجازة و الا فلو انضم إلیه إجازة أخری نحکم بصحة العقد فانّ الرّد لا یخرج العقد عن قابلیة انضمام الإجازة إلیه فکیف ببطلان الإجازة و ان شئت فقل ان عقد الغیر لا یترتب علیه الأثر لعدم تحقق الإجازة فیه)الفضولیین بالذمة بأن یقول بعتک کرّا من الطعام مثلا فی ذمة عمرو أو اشتریته بخمسة دراهم فی ذمة بکر.

ص:120

الثانی:ان یکون کلامه ظاهرا فی کون المبیع أو الثمن فی ذمّة الغیر کان یصنف البیع إلیه،فإن ظاهر الإضافة کونه للغیر و حینئذ،فیکون الثمن أو المثمن أیضا فی ذمته لما مر مرارا انه لا یعقل دخول العوض فی ملک من لم یخرج العوض الآخر عن ملکه.

الثالث:ان لا یکون کلامه صریحا و لا ظاهرا فی کون البیع للغیر بل انما یقصده للغیر،و علی هذا،فلو أضاف الکلی إلی ذمّة الغیر أو قصد هذا المعنی،ثم أضاف البیع الی نفسه و لم یظهر ما قصده بمبرز فی الخارج أو قصد هذا المعنی و أضاف البیع الی الغیر و لکن أضاف الکلّی إلی ذمته یقع التنافی بینهما ظاهرا مثلا لو قال اشتریت هذا لفلان بدرهم فی ذمتی أو اشتریت هذا لنفسی بدرهم فی ذمّة فلان یقع التنافی کما انّه لو قصد الشراء لفلان و أضاف إلی ذمة نفسه أو قصد الشراء لنفسه و أضاف إلی ذمّة غیره یقع التنافی بینهما ظاهرا.

و هنا مسئلتان

الاولی:فی وقوع البیع للعاقد مطلقا علی تقدیر ردّ الغیر و عدم وقوعه له مطلقا أو یفصّل بین الشراء للغیر بمال نفسه فیقال بالبطلان،و بین الشراء لنفسه بمال الغیر فیقال بالصحة الثانیة:فی صحة تلک المعاملة مطلقا و عدم صحتها کذلک أو یفصّل کما تقدم.

اما المسألة الاولی، فی وقوع البیع للعاقد مطلقا

فالظاهر من صدر عبارة العلامة انّه لو اشتری بما فی ذمّة الغیر و أطلق اللفظ یقف علی أجازته و إذا ردّ یقع للمباشر،بل نسب ذلک الی العلماء.

و لکن الظاهر من ذیل کلامه ان الاشتراء انّما هو بما فی ذمّة

ص:121

نفسه للغیر حیث علّل صحة الشراء بقوله لانه تصرف فی ذمته لا فی مال الغیر.

و بالجملة یظهر منه التفصیل بین المثالین و ان کان ظاهر الصدر من کلامه ینافی ظاهر ذیله ثم نسب ذلک الی ابی حنیفة حتی فی الأعیان الشخصیّة.

و التزم شیخنا الأستاد أیضا بذلک و کونه واقعا للعاقد مطلقا.

و لکن حکم العلامة الأنصاری(ره)بالبطلان و هو الحق و ان لم نساعد بذیله.

و الوجه فی بطلانه واقعا علی تقدیر الرّد و عدم وقوعه للعاقد انّه قد عرفت فیما تقدم ان مفهوم البیع و حقیقته متقوّم بالمبادلة بین المالین بحیث یدخل کلّ من العوضین مکان العوض الآخر سواء علم المالک أو لم یعلم فانّ معرفته غیر دخیلة فی حقیقة البیع و صحته هذا فی بیع الأعیان الشخصیة،و اما فی بیع الکلّی أو شرائه فحیث ان الکلّی بما هو کلّی لیس فیه شائبة المالیة من جهة و انّما یکون متصفا بالمالیة إذا أضیف إلی ذمّة معیّنة لأن الذمة الغیر المعینة أیضا کلّی،فإضافة الکلّی إلی کلّی آخر لا یوجب التعین و التشخص.

اذن فکون الکلّی ثمنا أو مثمنا متقوّم بإضافة إلی شخص معیّن لا من جهة لزوم تعیین المالک بل لکون تعیینه مقدمة لاتصاف الکلّی بالمالیة،حتی یکون قابلا للمعاوضة علیه لانّ العوضین فی البیع بمنزلة الزوجین فی النکاح فی لزوم التعیین.

و علی هذا،فلو قصد الفضولی کون المعاملة لغیره و ان لم

ص:122

یظهر فلا یعقل کونها لنفسه و ان کان ظاهره کذلک،فان تحقق المعاملة و ظهورها فی صفحة الوجود کان معلّقا علی إضافة الکلّی إلی ذمة الغیر و مع عدم وقوعها للغیر لأجل ردّه،و عدم إمضائه ذلک کیف یعقل وقوعها عن العاقد؟و الا،فیلزم کون ما یکون مقوّما للبیع و الشراء غیر مقوّم لهما فهل هذا الا التناقض الواضح؟و بعبارة أخری اتصاف الکلّی بالمالیة و کونها طرفا للمبادلة انّما هو بالإضافة إلی الذمّة و لو فی عالم القصد،فإذا أزاله صاحب الذمة عن ذمته، فتنعزل عن المالیة،فهذه الإزالة لا یعقل ان یوجب اتصاف الکلّی أیضا بمالیة اخری لیکون قابلا للمعاوضة علیه،لأن إزالة اضافة عن ذمة لیس إضافة أخری لذمة شخص آخر فاذن کیف یمکن القول بأنّه إذا ردّ الغیر الذی کانت المعاملة له تقع ذلک للعاقد؟فهل کان ردّه سببا لإضافة الکلّی إلی العاقد أو اتصف الکلی بالمالیة بغیر اضافة؟فکلاهما غیره معقول.

و من هنا انقدح ما فی کلام العلامة الأنصاری حیث أفاد فی وجه البطلان بما حاصله انّ المال فی باب الفضولی مردد بین مالکه الأصلی و من وقع له العقد،فلا معنی لخروجه عن ملک مالکه و تردّده بین ان یدخل فی ملک الفضولی أو ملک من وقع له العقد.

و وجه انحلال:انّه بعد انحصار البیع أو الشراء بمن وقع له العقد،فلا معنی لتردد المال بینه و بین الفضولی،بل هو دائر بین ان یبقی فی ملک مالکه الأصلی و ان یدخل فی ملک من له العقد علی تقدیر أجازته العقد.

هذا کلّه فی مقام الثبوت و اما فی مقام الإثبات فظاهر الکلام

ص:123

کون العقد للمباشر الا ان یثبت ببینة و نحوها کونه للغیر.

ثم انّ شیخنا الأستاد قد تصدّی الی تصحیح العقد فی کلا المثالین ای سواء کان الشراء للغیر بمال نفسه أو العکس.

و حاصل کلامه:انّه إذا اشتری مالا لنفسه بمال الغیر أو اشتری مالا للغیر بمال نفسه،فإن أجاز الغیر فیکون له و الا فیکون للمباشر و حمل علی ذلک کلام العلامة و فسره بصورة الشراء فی ذمّة نفسه لغیره علی خلاف ما فسرناه سابقا و ان کان یساعده ذیل کلامه و الوجه فی ذلک:انّ الفضولی إذا اشتری مالا للغیر بمال نفسه فی الذمة فقد أنشأ بیعین:الأول اشتراءه لنفسه من الغیر، و الثانی بیعه لمن له العقد بلا مرابحة و وضیعة کما هو کذلک فی بیع التولیة،فیکون ذلک من مصادیقه،فکون البیع للفضولی لیس خارجا عن القاعدة مع ردّ من له العقد فانّ ردّه یوجب انحلال- البیع الثانی دون الأول.

و علی ما ذکره شیخنا الأستاذ لا یرد اشکال المصنف أیضا فإنه علی تقدیر صحته انّما هو فیما یکون هنا بیع واحدا دائرا بین کونه للفضولی أو من له العقد و امّا بناء علی ما ذکره الأستاذ فهنا بیعان أحدهما للمباشر،و الثانی لمن له العقد فبطلان الثانی للرد لا یوجب بطلان الأول.

و لکنه لیس بتمام،لأنه أوّلا لا یتم فی البیع فانّ بیع التولیة مختص بالشراء من الغیر،فلا یجری فی البیع.

و ثانیا انّه علی هذا یکون الإجازة اللاحقة قبولا للإیجاب الذی تحقق فی ضمن الشراء من الغیر،فمع الغض عن إخلال الفصل

ص:124

البعید بین الإیجاب و القبول،و عن الإشکالات الأخر،ان هذا مع الإجازة یکون عقدا مرکبا من الإیجاب و القبول الحاصلین من الاصیلین فلا یکونان مربوطین بالعقد الفضولی الذی هو محط کلا منا مع انّه لیس الأمر کذلک لانّه لو مات الفضولی،ثم أجاز المالک بیعه أو شرائه فلا شبهة فی صحته،و امّا لو مات الموجب قبل تحقق القبول فیکون باطلا بلا شبهة فیعلم من ذلک انّه لیس هنا عقدان و بیعان بل عقد واحد علی انّه خلاف الظاهر من کلام الفضولی.

و أوضح من ذلک فی البطلان البیع للغیر فإنّه لا یجری فیه ما ذکره الأستاذ من إرجاعه إلی بیعین و عقدین کما ذکرنا.

و بالجملة ما ذکره شیخنا الأستاذ لا یمکن المساعدة علیه بوجه و لا ینطبق علی بیع الفضولی،و علی خلاف الظاهر بمکان.

و امّا تصحیح ذلک بالالتزام بالنیابة،فأیضا لا وجه له لانّه علی تقدیر الالتزام بذلک فلیس معناها الالتزام بالضمان عن الغیر بحیث علی تقدیر ردّ الغیر یکون الضّمان علیه طولا،فإنّه دعوی بلا دلیل بل معناها جعل نفسه نازلا منزلة الغیر فی إیجاب العقد فکأنّه شخص تنزیلی للغیر و حینئذ،فیکون العقد مع الرد فاسدا من أصله لکونه راجعا الیه فلا یکون واقعا عن العاقد النائب کما هو الظاهر فإن النائب لیس له موضوعیّة بل هو قنطرة إلی المنوب عنه فالمناط فی الصحة و البطلان إمضائه و ردّه.

و اما المسألة الثانیة أعنی صحة المعاملة فیما جمع بین المتنافیین

اما لفظا أو قصدا بان یقصد الغیر و أضاف إلی نفسه،

فحکم شیخنا الأستاذ بکونه للعاقد أیضا و قد أفاد فی وجه ذلک وجوها.

ص:125

الأول:ان الأمور البنائیة و الأغراض المنویّة لا اثر لها ما لم تنشأ بما هو آلة لإنشائها من الفعل أو القول.

الثانی:انّ الالتزامات العقدیّة یملکها کلّ من المتعاقدین علی الآخر الا ان یجعل ملک کلا الالتزامین لواحد منهما اما بجعلهما کما فی غیر النکاح أو بالجعل الشرعی فحینئذ یثبت له الخیار.

الثالث:عدم اعتبار تعیین المالک فی البیع و انّه لیس دخیلا فی حقیقة البیع فینتج من تلک الأمور انّ العقد مع ردّ من له العقد یقع للعاقد،فیکون هو ملزما بذلک و مالکا علی التزام الآخر کما انّ الآخر یملک التزامه.

ثم قال:و اما وقوعها له لو أجاز أو أقرّ بالوکالة فلان العقد و ان لم یؤثر فی صرف الالتزامات الی الغیر الا انّه لا ینفک عن أثره التکوینی،فیجعل المعاملة کالمادة الهیولانیة القابلة لصرفها الی الغیر بإجازته أو إقراره،فیکون القصد کجعل التولیة للغیر و یکون الإجازة أو الإقرار بمنزلة قبول التولیة فالقول بأنّ المعاملة تقع لنفس المباشر واقعا إذا ردّ من قصد له منطبق علی القواعد و قیاسها علی ما إذا أسندها إلی الغیر لفظا مع الفارق.

و فیه اما ما أفاده فی وجه کونه للغیر نظیر ان یجعل للغیر تولیة فی العقد فقد ظهر جوابه فیما تقدم و اما ما أفاده فی وقوعه للغیر من المقدمات ففیه:اما عدم لزوم تعیین المالک،فإنّما هو فی الأعیان الشخصیّة و امّا فی بیع الکلّی،فعدم تعیینه مستلزم لانعدام المالیة التی بها قوام مفهوم البیع من حیث المبادلة.

و اما المقدمة الثانیة ان ملک کل من المتعاقدین التزام الآخر

ص:126

و ان کان فی محلّه الا انّه فیما یکون العقد واقعا لهما،و اما فیما یکون الشخص خارجا عن حدود العقد کیف یمکن ملک کلّ منهما التزام الآخر؟فالعاقد الفضولی نسبته الی العقد لیس إلا کنسبة الأجانب إلیه فلا وجه لملکه بالتزام الآخر.

و بعبارة اخری:ان کان المقصود من ذلک عدم کون العقد خیاریا،فهو متین،و ان کان المقصود کون العاقد مالکا لالتزام الآخر سواء کان أصیلا أو فضولیّا فهو غیر مسلّم.

و اما المقدمة الثالثة:

ان القصد بلا إظهاره بمظهر و ان کان لیس له أثر الا انّه فیما یکون الإظهار و الإبراز من المقوّمات بحیث لا یتحقق العنوان الذی یترتب علیه الأثر إلا بالإظهار کعنوان البیع و الهبة و الصلح و الإجازة و غیرها من العناوین العقودیة و الإیقاعیة،و اما فیما لا یکون إظهاره دخیلا فی التأثیر،فاظهاره و عدمه سیان،فذکر العوضین کذکر المالکین لیس من مقوّمات العقد و من هنا لو کان جمیع ذلک من الخارج معلوما و اکتفی العاقد بمجرد بعت و اشتریت لکان کافیا علی انّه قد أظهر ذلک بقوله اشتریت هذا بخمسة دراهم فی ذمّة فلان.

و بالجملة لم یتحصّل لنا شیء مما افاده بل لا بد فی صورة الجمع بین المتنافیین من الحکم بالإلغاء و قید کونه للغیر و الحکم بکونه للعاقد لانّه من قبیل الخطاء و الاشتباه نظیر شراء مال الغیر لنفسه بثمن هو مال شخص آخر بتخیل انّه ماله أو بتخیل رضایته بذلک کما إذا وعد شخص علی آخر عشرة أمنان من الحنطة و تخیّل

ص:127

الموعود له ملکیته بمجرد ذلک،فباعه من شخص فانّ فی أمثال ذلک یقع البیع للعاقد فافهم.

الأمر الثانی (جریان الفضولی فی المعاطاة).
اشارة

و قد عرفت انّ بیع الفضولی حسب دلالة الأدلة علیه لا اشکال فیه،و انّما الکلام فی انّه هل یجری فی المعاطاة مطلقا أو لا یجری فیها مطلقا أو فرق بین القول بالإباحة فلا یجری و القول بالملک- فیجری أو فرق بین کون الفضولی علی خلاف القاعدة فلا یجری مطلقا و بین کونه علی وفقها فیجری مطلقا؟وجوه.

الوجه الأول فی جریان بیع الفضولی فی المعاطاة مطلقا

قوله(ره)الثانی:الظاهر انّه لا فرق فیما ذکرنا من أقسام بیع الفضولی بین البیع العقدی و المعاطاتی.

أقول ذکر العلامة الأنصاری انّه علی القول بصحة البیع الفضولی لا یفرّق فیه بین البیع اللفظی و البیع المعاطاتی لإطلاق الأدلّة و عمومها،و عن بعضهم اختصاصه بالبیع اللفظی بدعوی أنّ الإقباض الذی یحصل به التملیک محرّم لکونه تصرّفا فی مال الغیر بدون اذنه فلا یترتب علیه اثر.

و فیه:

أوّلا:انّ الإقباض و التصرّف یمکن ان یکون مباحا کما إذا اشتبه المقبض و تخیل انّ المال لنفسه و اقبضه للمشتری بالبیع المعاطاتی فإنّ هذا التصرّف لیس بمحرّم و هکذا فی جمیع موارد السهو و النسیان فالجامع بین الجمیع هو الخطاء،و الوجه فی ذلک انه قد حققنا فی محله ان التکالیف الالتزامیة ترتفع فی موارد الخطاء حتی فی الواقع و نفس الأمر بمقتضی أدلة الرفع و اذن عدم رضائه المالک بالتصرّف لا یدل علی حرمة الإقباض.

ص:128

و ثانیا:یمکن ان یکون المالک أیضا راضیا بالتصرّف کما إذا أذن للفضولی قبل البیع ان یتصرّف فی ماله و یقبضه لشخص خاص أو یعطی الفضولی مال المالک لوکیله أو ولیّه أو من یقوم مقامه- بعنوان البیع،فإنّ الإقباض شیء من ذلک لیس بمحرّم و انّما یقصد الفضولی فی ضمن ذلک الإعطاء المباح البیع المعاطاتی و هکذا الأمر لو اعطی أحد وکلائه ماله لوکیله الأخر بعنوان البیع من غیر ان یکونا وکیلین فی البیع و الشراء.

و ثالثا:یمکن ان یکون المالک أیضا راضیا بالبیع و لکن لم یظهر رضایته بمظهر اذن،فلا یکون البیع الا واقعا برضائه المالک و قد تقدم انّ الرضا المقارن لا یخرج العقد الفضولی عن الفضولیة ما لم یظهره المالک فی الظاهر بمظهر قولی أو فعلی.

و رابعا:علی تقدیر کون الإقباض و الإعطاء تصرّفا فی مال الغیر و حراما و لکنه حرام تکلیفی یعاقب المتصرف فیه لأجله فلا یدل ذلک علی الحرمة الوضعیة الذی هو محط کلامنا.

و خامسا:علی تقدیر التسلیم انّ الحرمة التکلیفیة تدل علی الفساد فلا نسلّم أیضا بطلان ذلک العقد لما مرّ ان فساد العقد من الفضولی و عدم انتسابه الیه بحیث یکون العقد عقده لا یستلزم فساده عن المالک و عمن له العقد بل ینتسب الی المالک إذا اجازه.

و بالجملة انّ هذا الاشکال لوهنه لا یصلح لمنع جریان الفضولی فی المعاطاة.

قوله و ربّما یستدل علی ذلک.

أقول

الوجه الثانی الذی استدل به علی عدم جریان الفضولیة فی المعاطاة

ص:129

انّ المعاطاة منوطة بالتراضی و قصد الإباحة أو التملیک و هما من وظائف المالک و شئونه و لا یتصور صدورهما من غیره و لذا ذکر الشهید الثانی انّ المکره و الفضولی قاصدان اللفظ دون المعنی و ان قصد المدلول لا یتحقق من غیر المالک.

و فیه:انّ هذا الاشکال لو تمّ انّما یعمّ جمیع أقسام الفضولی و لا یختص بالمعاطاة و بعبارة اخری انّه إشکال لأصل الفضولی.

امّا الحلّ انّ الرضایة من المالک تحصل بإجازته المتأخرة فلا یکون البیع خالیا عن التراضی و هکذا قصد التملیک و الإباحة و بعبارة اخری ان الفضولی لیس له الا إیجاد المعاملة و إنشائها و بقیّة الجهات التی لا بدّ من صدورها ممن نسب العقد الیه،انّما تصدر من المالک،فلا ربط لها بالفضولی،و اما کلام الشهید فقد عرفت فیما تقدم عدم صحته و تمامیته.

قوله الا ان یقال انّ مقتضی الدلیل.

أقول

الوجه الثالث ان العقد الفضولی انّما ثبت جوازه علی

خلاف القاعدة فیختص بالعقد القولی

و قد أجاب عنه المصنف بأنه طبق القواعد للعمومات الدالة علی صحته.

و هذا الجواب منه و ان کان متینا الا ان ظاهرا انّه لو لم یکن الفضولی علی طبق القواعد لما کان جاریا فی المعاطاة و لکن الأمر لیس کذلک بل مع هذا یجری فی العقد الفعلی کجریانه فی العقد القولی بمقتضی إطلاق صحیحة محمد بن قیس و قضیّة عروة البارقی و غیر ذلک بناء علی تمامیتها فإنّها غیر مختصة بالعقد القولی بل إطلاقها محکم بالنسبة إلی المعاطاة أیضا.

ص:130

الوجه الرابع ما ذکره شیخنا الأستاذ و اختاره.

و حاصله:انّ فعل الفضولی لیس قابلا للإیجاب فی باب المعاطاة سواء قلنا بإفادتها الإباحة أو بإفادتها الملک الجائز أو اللازم.

اما علی القول بکونها مفیدة للإباحة،فمن جهة ان مجرد قصد اباحة التصرف بالإعطاء و ان کان بلا مئونة للفضولی الا انّ الإباحة التی تکون مؤثرة فی باب المعاطاة هی الإباحة الحاصلة من تسلیط غیره،فیکون تسلیط غیره لغوا محضا.

و امّا اجازة المالک،فهو و ان کان تفید الإباحة الا انّه بنفسها تکون مؤثرة فی الإباحة من غیر ربط بفعل الفضولی،و اما بناء علی الملک فلان الفعل الواقع من الفضولی لا یتصرف الا بعنوان الإعطاء و التبدیل،و امّا افادة الملکیّة التی عبارة عن تبدیل طرفی الإضافة فلا،بل هی متوقفة اما علی إیجاد المادة بالهیئة و امّا علی فعل المالک فحینئذ یکون ذلک مصداقا للبیع.

و فیه انّ انحصار إفادة الملکیّة فی البیع اما بإیجاد المادة أو بفعل المکلّف و ان کان له وجه علی المذاهب المعروفة فی الإنشاء و لو کان مع ذلک قابلا للمناقشة،الا انّه لا وجه له بناء علی ما ذکرنا من انّ الإنشاء لیس الا اعتبار النفسانی و إظهاره بمبرز فی الخارج، لأنّ الفضولی أیضا یعتبر ذلک المعنی لمکان کونه سهل المئونة و خفیف الاعتبار و یبرزه فی الخارج بمبرز سواء کان ذلک المبرز فعلا أو قولا،فإنه علی کل حال یکون مصداقا للبیع و قد تقدم ذلک منه فی المعاطاة مع جوابه.

ص:131

نعم بناء علی إفادتها الإباحة یتوجه الاشکال من جهة ان افادة المعاملات المقصود بها المالک للإباحة علی خلاف القاعدة و من هنا ذکر الشیخ الکبیر مبعدات عدیدة علی القول بالإباحة و ان أجاب عنها الشیخ الأنصاری بأنّها لیست بمبعدات إذا اقتضاه الجمع بین الأدلة،و قد عرفت ذلک مفصلا و اذن فلا بدّ من الاقتصار علی صورة تعاطی المالکین فی المعاطاة.

علی انّه لا یعقل حصول الإباحة قبل الإجازة بفعل الفضولیین و الذی ینبغی ان یقال:ان الکشف الحقیقی و ان کان یمکن جریانه فی المعاطاة الفضولیة بناء علی إفادتها الإباحة- لإمکان الالتزام بالإباحة قبل الإجازة و کون الإجازة کاشفة عنها الا انّ الکشف الحقیقی فی الفضولی مع إمکانه فی مقام الثبوت لا دلیل علیه فی مقام الإثبات و یکون الأمر دائرا بین النقل و الکشف الحکمی امّا الثانی فهو مستحیل لانّ التصرف فی مال الغیر قبل الإجازة بعقد فضولی حرام،فإنّه لا یجوز التصرف فی مال الغیر إلا باذنه و بعد الإجازة تحصل الإباحة من حینها و لا یمکن الحکم بإباحة التصریفات التی قبل الإجازة بالإباحة الحکمیة فإنّ الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه و عن وقوعه فالتصرّف الذی کان محرّما لا یعقل ان یحکم علیه بالإباحة و هذا واضح جدا.

و اما علی النقل فجریان الفضولی فی المعاطاة بناء علی- إفادتها الإباحة أیضا بمکان من الإمکان فإنّ حصول الإباحة بعد الإجازة لا نری فیه محظورا أصلا.

و اذن یتوقف حصول الملکیّة علی التصرّفات المتوقفة علی الملک

ص:132

فتحصل بها الملکیّة آنا ما قبل التصرّف.

هذا کلّه فیما إذا قصدت الملکیّة و حصلت الإباحة الشرعیة بحکم الشارع کما تقدم تفصیل ذلک فی باب المعاطاة.

و اما لو قصد الفضولیّان الإباحة من الأول فلا شبهة فی عدم جریان ذلک فی المعاطاة فإنّه لا معنی لحصول الإباحة قبل الإجازة لتکون الإجازة کاشفة عنها بل هی تحصل بنفس الإجازة و لا یعقل ان ما وقع قبل الإجازة من التصرفات المحرّمة أن تکون مباحة بالإجازة کما تقدم.

(الإجازة و الرد فی المعاملة الفضولیة)

قوله(ره)اما الکلام فی الإجازة.
اشارة

أقول:أساس القول بالکشف فی العقد الفضولی هو فرض الإجازة المتأخرة متصلة بالعقد و إلغاء الفصل الواقع بین العقد و الإجازة کما انّ أساس القول بالنقل هو فرض العقد متصلا بالإجازة بقاء و ان حصل بینهما الفصل حدوثا فکأنه وقع فی زمان الإجازة.

إذا عرفت ذلک،فالمشهور بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم:انّ الإجازة کاشفة عن تمامیّة السبب و هو العقد

و انّما الکلام فی طریق

الکشف الحقیقی و کیفیته و هو علی أنحاء.

الأول:ان یقال بالکشف الحقیقی بمعنی انّ الملکیّة إنّما

حصلت حین العقد و اثّر العقد فیها

من دون ان یکون تأثیر العقد مراعی الی زمان الإجازة و هذا یتصور علی وجوه:

الأول:ان یقال:انّ المؤثر التام فی المعاملة الفضولیة

لیس الا العقد کما هو مقتضی قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

ص:133

و انّما الإجازة معرفة لکون ذلک العقد تمام التأثیر و کاشفة عنه من غیر ان تکون لها مدخلیّة فی حصول مقتضی العقد من الملکیّة و الزوجیة و نحوهما،و الا یلزم ان لا یکون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شیء أخر و هذا الوجه هو الذی أشار إلیه المحقق و الشهید الثانیان-علی ما حکی المصنف فی المتن-و هذا المعنی بحسب مقام الثبوت و الإمکان و ان کان متصورا و ممکنا لإمکان تأثیر العقد من جمیع الجهات فی مقتضاه من غیر توقف علی شیء و لو کان ذلک الشیء رضا المالک کبیع مال المحتکر فی المخمصة فإنّه أیضا لا یکون راضیا مع انه صحیح،الا انّه لا دلیل علیه بحسب مقام الإثبات،کیف؟و قد اعتبر الشارع المقدس دخالة الرضا فی تأثیر العقد و سمّی ذلک بالتجارة عن تراض و من الواضح جدا انّ العقد الفضولی قبل الإمضاء و الإجازة لیس معاملة و تجارة عن تراض.

و بالجملة:مضافا الی عدم الدلیل فی مقام الإثبات بصحة مثل هذا العقد،فالدلیل علی عدم صحته موجود آیة التجارة و بیع مال المحتکر و ان کان صحیحا من دون رضاه و طیب نفسه،و لکنه لدلیل خاص و وجوب الوفاء بالعقد انّما فیما یکون صادرا عمن له العقد أو باذنه و الا یلزم الوفاء بکلّ ما یکون فی صورة العقد.

و الثانی مقابل القول الأول،و هو ان تکون الإجازة من جملة

شرائط العقد کالإیجاب و القبول

بحیث یکون مؤثرا فی حصول مقتضاه و هذا المعنی أی تأثیر الأمر المتأخر فی الأمر المتقدم یتصوّر علی نحوین فانّ ما یکون دخیلا فی الأمر المتقدم و شرطا فی تحققه تارة

ص:134

یکون من اجزائه و اخری من شرائطه. اما الأول:فکالمرکبات الاعتباریة کالصلاة مثلا بان یکون الجزء المتأخر دخیلا فی صحة الجزء المتقدم بحیث انّ المتقدم تحقق صحیحا و تام العیار و کان المؤثر فی ذلک هو الجزء المتأخر مع انه لم یتحقق فان کل جزء من الاجزاء اللاحقة فی الصلاة دخیلة فی صحتها و اما الثانی فککون الأمر المتأخر من شرائط الأمر المتقدم لا من اجزائه و مقوماته و هذا کدخالة أغسال المستحاضة فی صحّة صومها،فإنّ صحّة صوم الجزء المتقدم من طلوع الفجر مشروط بغسلها بعد الفجر بناء علی کونه بعد الفجر-کما هو الحق-و صحة الصوم قبل الظهر مشروط بغسلها بعد الظهر و صحة صوم الیوم مشروط بغسلها بعد المغرب عند بعض و ان کان نادرا بخلاف الأولین فان فی جمیع ذلک قد أثر الأمر المتأخر فی صحة المشروط المتقدم الا ان الکشف بهذا المعنی غیر معقول فی کلا القسمین،فإنّه کیف یعقل تحقق المشروط علی ما هو علیه من دون تطرّق نقص علیه مع عدم تحقق شرطه الا بعد مدة و لیس هذا الا التناقض الواضح فان معنی تحقق المشروط علی ما هو علیه من التمامیّة و الصحة عدم دخالة شیء فیه من الأمور المتقدمة و المتأخرة و معنی دخالته عدم تمامیّة المشروط و تحققه علی وجهه بتمامه و کماله و هل هذا الا التناقض الواضح؟و من هنا قال بعض الأکابر:انّ الالتزام بدخالة الأمر المتأخر فی الأمر المتقدم لیس الا الالتزام بعدم استحالة التناقض فی الشرعیّات و اما الأمثلة المذکورة،فشیء منها لا یکون دلیلا علی صحة ما

ص:135

توهم و سیأتی الوجه فی صحتها و عدم ارتباطها لهذا الوجه.

الثالث:ان یکون المؤثر فی الأمر المتقدم هو وصف التعقب

من غیر ان یکون المشروط متقدما و الشرط متأخرا

و یکون الأمر المتأخر کاشفا عن تحقق الأمر المتقدم صحیحا و تماما و لا یکون له تأثیر فی الأمر المتقدم بل یکون معرفا محضا نظیر الأمثلة المتقدمة من الصلاة و أغسال المستحاضة فی صحة الصوم،فانّ الدخیل فی صحة الصلاة وصف تعقب کلّ جزء السابق بالجزء اللاحق و فی صحة الصوم تعقب کلّ جزء متقدم من الیوم غسل المستحاضة و یکون ما نحن فیه أیضا کذلک فتکون تعقب العقد بالإجازة دخیلا فی صحة العقد.

و هذا المعنی و ان کان له وجه وجیه فی دخالة الأجزاء- اللاحقة فی الأجزاء السابقة فی الصلاة کما حقق ذلک فی محله،و لکنه لا دلیل علی جریانه فی المقام،فإنه لا دلیل علی دخالة الرضا المتأخر فی صحة العقد المتقدم بعنوان التعقب،فانّ مقتضی عدم جواز التصرف فی مال الغیر ما لم یکن مقرونا برضا المالک محکم فالعقد الواقع فضولا لیس مقرونا بالرضا حین وقوعه فلا یمکن القول بحصول الملکیّة قبل الإمضاء و الإجازة و الا لجاز التصرف فیه و اذن فیکون ذلک تصرفا فی مال الغیر بدون الرضا فیکون حراما.

علی انّ مقتضی قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ، عدم حصول الملکیة و التجارة إلا بالتراضی و الرضا،فلا شبهة انّ العقد الفضولی حین وقوعه و تحققه لیس واقعا عن تراض و رضائه حتی یحصل الملکیّة بذلک.

و بالجملة:ان هذه الوجوه بین ما تکون مستحیلة ثبوتا و

ص:136

إثباتا،و بین ما یکون ممکنا ثبوتا و غیر محقق إثباتا.

ثم انّ هنا وجها رابعا نقله شیخنا الأستاذ عن المحقق الرشتی

من انّ الإجازة کاشفة عن الرضا التقدیری

بمعنی انها تکشف عن رضا المالک ان التفت الی العقد و الرّضا المعتبر فی العقد هو الأعم من الحقیقی الفعلی و التقدیری.

و فیه:انّ هذا من عجائب الکلام،فإنّه مضافا الی ما تقدم من انّ الرضا المقارن للعقد لا یکون مخرجا للعقد الفضولی عن الفضولیة فکیف بالرضا التقدیری؟و من هنا قلنا انه لو التفت الفضولی برضائه المالک علی البیع أو الشراء،فلا یکون ذلک موجبا لعدم کون العقد فضولیّا فإنّه ربّما لا یکون المالک راضیا بالعقد حین تحققه بل لو کان ملتفتا الیه لکان قاهرا علی الفضولی لکونه ذا مفسدة عنده فی ذلک الوقت بخلافه حین الإجازة،فیکون العقد عنده ذا مصلحة فیرضی به اذن فکیف یمکن ان تکون الإجازة کاشفة عن الرضا التقدیری؟ علی انّه لا دلیل علی کون الإجازة کاشفة عن الرضا التقدیری بوجه بل هو تخیل محض و رجم بالغیب کما هو واضح علی المتأمل.

فتحصل:انّ الکشف الحقیقی بحیث یکون الملکیّة مثلا موجودة قبل الإجازة و تکون الإجازة مؤثرة فیه اما بنحو الشرطیة أو بنحو- التعقب أو لا تکون مؤثرة فیها بل معرّفة محضة لا وجه له بوجه.

الوجه الثانی من طرق الکشف الحقیقی أیضا ما أشار إلیه المحقق

و الشهید الثانیان

علی ما حکی عنهما-من انّ الإجازة متعلقة بالعقل فهو رضی بمضمونه و لیس الا نقل العوضین من حینه و محصل ذلک انّ الرضا من الأوصاف التعلقیة و الصفات النفسانیة ذات الإضافة

ص:137

و لها تحقق و تکوّن فی صقع النفس و لها بحسب نفسها فی ذلک العالم ماهیّة و وجود و توجد بخالقیة النفس و مع ذلک لا بدّ و ان تضاف إلی شیء و یتعلق به حتی یکون ذلک الشیء متعلقة نظیر العلم و نحوه من سائر الصفات النفسیّة ذات اضافة و الا فیلزم تحققها بدون متعلقها و هو خلف و مناقضة اذن فاصل الملکیّة التی متعلق الرضا قد تحققت و وجدت بواسطة العقد و الرضا انّما تعلق حین- الإجازة و الإمضاء من المالک بتلک الملکیّة الموجودة فی زمان العقد و الا فیلزم ان لا یکون للإجازة و الرضا متعلق مع انا فرضنا کونه من الأوصاف التعلقیّة.

و قد أورد علیه العلامة الأنصاری و تبعه جملة من الاعلام و

منهم شیخنا الأستاذ بوجهین:

الأول:ان المنشأ عبارة عن مضمون العقد من الملکیة فی

باب البیع و الزوجیة فی باب النکاح و هکذا

و هو غیر مقید بزمان لتکون الملکیّة الحاصلة بالعقد مقیدة بزمان العقد و حاصلة من حینه بل مضمونه عبارة عن طبیعی النقل،فبالإجازة تقع الملکیة فی زمان النقل،نعم حیث انّ المنشأ و الإنشاء من الأمور الزمانیة فیکون التقید بذلک بالعرض و القهر و ما نحن فیه لیس کالإیجاب فی العقود فإنّه لیس إلا إیجاب أصل الإیجاد دون الإیجاد المقیّد بزمانه و الا یلزم حصول الملکیّة مثلا قبل القبول مع انه باطل لعدم کونه من الإیقاعات بل هی کسائر مضامین العقد تحصل بعد القبول و هذا یکشف عن عدم تقیّد مضمون العقد بزمان الإیجاب.

و بالجملة انّ مضمون العقد لیس مقیّدا بزمان و انّما الزمان ظرف

ص:138

له لکون ذلک المضمون من الزّمانیّات فیکون الملکیّة بعد الإجازة.

و فیه:انّه لو کان الإنشاء بمعنی إیجاد المعنی باللفظ لکان لذلک الاشکال وجه،بدعوی انّ المنشئ انّما ینشئ مضمون العقد و یوجده علی نحو اللابشرطیّة من غیر تقیّده بقید من الزمان و غیره و اما بناء علی ما حققناه و اخترناه فی معنی الإنشاء من انّه عبارة عن الاعتبار النفسانیة و إظهاره بمبرز من المبرزات فعلیّا أو قولیّا فلا وجه لذلک الاشکال بوجه.

و ذلک لما حققناه فی الأصول من ان الإهمال فی الواقعیّات من المستحیلات الأولیّة،و انّ الأمور الواقعیة لا یعقل ان تکون عاریة عن الإطلاق أو التقیید بل لا بدّ امّا و ان تکون فی موطنها اما مطلقا أو مقیدة،فالذی یوجد امرا و یعلم بما یوجد لا یعقل ان لا یعلم بکونه مطلقا أو مقیّدا،اذن،فالمعتبر لمضمون العقد فی عالم نفسه امّا ان یعتبره مطلقة و غیر مقیدة بقید و شرط أو مقیدة بهما،فحیث لم یکن مقیّدا فقهرا یکون مطلقا من غیر ان یکون مقیّدا بحصوله بعد الإجازة بل من حین العقد فبالعقد تحصل الملکیّة المطلقة الدائمیة کما هو واضح فتکون الإجازة متعلقة بتلک الملکیّة المستمرة فیکون اعتبار الملکیّة من الأول.

و اما النقض بالقبول،فهو باطل من أصله،و غیر مربوط بالمقام فانّ مضمون العقد ما لم یتحقق القبول لا یحصل بالإنشاء و الإیجاب المحض و انّما هو بالقبول و الا فلا یتحقق عنوان العقد الذی قوامه بالإیجاب و القبول،و من هنا قلنا:انّ الإیجاب انّما یتحقق علی تقدیر القبول و التعلیق مما لا بدّ منه و ان لم یصرّح به و قلنا فی

ص:139

أحکام الصیغة انّ مثل هذا التعلیق لا یضرّ بصحة العقد لکونه راجعا الی ما یتوقف صحة العقد علیه و هذا بخلاف ما نحن فیه فانّ العقد قد تم بالإیجاب و القبول الفضولیین و انّما یتوقف نفوذه و مضیّة علی اجازة المالک،فلا یقاس ذلک بالإیجاب المحض.

و الذی یوضح ذلک انّه لو آجر الفضولی دار احد للغیر إلی سنة فاجازة المالک بعد شهرین فلا شبهة فی صحة ذلک مع انّ متعلق الإجارة مقیّد و هکذا العقد المنقطع،فیعلم من ذلک انّ المنشأ فی العقد الفضولی لیس مهملا فیکون المقام علی عکس باب الوصیة،فإنّه تحصل الملکیّة بعد الموت مع انّ الإنشاء متقدم علیه فلو کان المنشأ مطلقا لکان لازمه الالتزام بحصولها قبل الموت،و علی هذا فلا- محذور فی المقام للالتزام بحصول الملکیّة قبل الإجازة فإن باب الوصیّة مع ما نحن فیه من هذه الجهة مشترکة.

الإشکال الثانی:انّه سلّمنا کون مضمون العقد هو النقل من

حینه و لکن لا بمعنی انّ وقوعه فی الحین جزء لمدلوله

حتی یقال لیس معنی بعت،أوجدت البیع فی الحال بل بمعنی انّ وقوع الإنشاء فی الحال یقتضی تحقق منشأه حالا و تحقق مضمون العقد بالفعل و لکنه مع ذلک لا یقتضی تحقق السبب التام حال العقد و حصول مضمونه حینه،و ذلک لانّه لم یدل دلیل علی إمضاء الشارع العقد علی هذا الوجه بحیث تکون الملکیّة حاصلة قبل الإجازة لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تکلیف متوجه الی العاقدین کوجوب الوفاء بالعهد و النذر و من المعلوم انّ المالک لا یصیر عاقد أو بمنزلته الا بعد الإجازة فلا یجب الوفاء الا بعدها،و من المعلوم انّ الملک الشرعی یتبع

ص:140

الحکم الشرعی فما دام لا یجب الوفاء،فلا ملک کما انّه ما لم یتحقق القبول لا یتحقق مضمون العقد بالإیجاب المجرّد.

و بعبارة أخری لو سلمنا حصول الملکیّة من زمان العقد و تحقق النقل به الا انّ الملکیّة الشرعیة لا تحصل إلا بالإجازة فیکون النقل المالکی الشرعی من زمان الإجازة اذن،فلا معنی للکشف لحصول الملکیّة بتمام المعنی من حین الإجازة.

و فیه:انّ الإجازة تکشف عن تحقق الاعتبار حین العقد و ان الشارع یمضی بالإجازة أیضا من الأول کما هو مقتضی الإطلاقات و- العمومات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و غیرهما من غیر ان یکون بعنوان الکشف الحقیقی أو الحکمی فإنّ النقل انّما حصل بالعقد مطلقا کما عرفت فی الجواب الأول لا مهملا کما قد یکون حاصلا مقیدا أیضا کما فی الإجازة و النکاح المنقطع و لیس ذلک کشفا حقیقیا کما تقدم فإنّه لا یعقل تحقق النقل قبل تحقق سببه و لا کشفا حکمیّا-کما التزم به المصنف-من الحکم بحصول النقل حکما و تنزیلا فإنّه و ان کان صحیحا الا انّه فیما لم یکن طریق صحیح للحکم بحصول الملکیّة و النقل الصحیح قبل الإجازة غایة الأمر یکون حصولها بالإجازة و امّا مع وجوده کما سنذکره فلا ملزم للأخذ بما ذهب الیه المصنف.

و توضیح ذلک انّه ذکرنا فی الأصول انّ الأمور الاعتباریة لا وعاء لها الا ظرف اعتبارها سواء کان المعتبر من الأمور الخارجیّة أو لم یکن کذلک مثلا لو اعتبر أحد ملکیّة داره لشخص،فیکون وجوده فی عالم الاعتبار فقط و هکذا لو اعتبر زیدا موجودا فیکون ذلک موجودا فی عالم الاعتبار و قائما به و لو کان ذلک المعتبر من الأمور الخارجیّة فإن الوجود

ص:141

الاعتباری سنخ وجود غیر مربوط بالوجودات الخارجیة لأنّ الموجود الخارجی لیس واردا بعالم الاعتبار فانّ الوجود الذهنی غیر الوجود الخارجی کما حقق فی محله.

و بالجملة فوعاء الوجودات الاعتباریة لیس الا عالم الاعتبار فتوجد بمجرّد الاعتبار لکونها خفیف المئونة من غیر احتیاج إلی مبادی الوجود الخارجیة.

إذا عرفت ذلک:

فنقول:انّ الاعتبار تارة یتعلق بالأمر الحالی فیعتبر المعتبر ملکیّة داره مثلا لشخص فی الحال الحاضر کما إذا باع داره من زید بالفعل من غیر ترقب و تأخر لأنّ الاعتبار و المعتبر کلاهما فعلیّ،و اخری یتعلق بأمر استقبالی کاعتبار الملکیّة لشخص بعد مدة کما فی باب الوصیة حیث یعتبر الموصی ملکیّة الموصی به للموصی له بعد موته و وفاته فالاعتبار حالی و المعتبر استقبالی،و ثالثة یتعلق بالأمر الماضی بأن یعتبر ملکیّة ماله لزید من الأمس فلو لم تکن الارتکازات العرفیة علی خلافه لحکمنا بجواز ذلک البیع أیضا و کان المال ملک المشتری من الأمس فإنّه لیس فی ذلک محذور عقلی أو شرعی بوجه.

فإذا جاز تعلّق الاعتبار بکل من الأمور الثلثة الحالیّة و الاستقبالیة و الماضیة فلا محذور للالتزام بتعلق اعتبار الملکیّة فی باب الفضولی بأمر متقدم فیکون الإجازة اعتبارا للملکیّة من زمان العقد التی قد اعتبرها الفضولیان فهذا من حیث الإجازة من قبل تعلّق الاعتبار بالأمر المتقدم و من جهة تحقق العقد من الفضولیین فاصل اعتبار الملکیّة فعلیّ و لکن المعتبر تحقق بعد الإجازة و لا یضر التعلیق علی

ص:142

صحته.

و بعبارة أخری فحیث جاز تعلّق الاعتبار بأمر متقدم فی عالم الاعتبار کبیع الدار من أمس مثلا فجاز اعتبار الملکیّة لأحد قبل سنین، و لکن حیث قام الارتکاز علی خلافه فی البیع و الشراء فلا نقول بذلک فیهما و اما فی الإجازة،فلا محذور فیه بوجه و فی باب الفضولی حصل الاعتبار من البائع و المشتری و تحقق البیع بالحمل الشائع فی الخارج و لکن کان نفوذه متوقفا علی اجازة المالک فالمبیع أو الثمن ملک لمالکهما و بالإجازة کشفنا حصول الملکیّة لکل من البائع و المشتری من حین الاعتبار و العقد بحیث کان کلّ منهما مالکا لصاحبهما الی هذا الزمان،و فی هذا الزمان صار ملکا للآخر بالإجازة من أوّل الأمر حقیقة فإنّ بالإجازة انضم العقد السابق الذی انوجد بالفضولیین بالمالک،فصار البیع بیعه و الشراء شرائه اذن فیشمل علی ذلک البیع العمومات الدالة علی صحة البیع من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ .

و بالجملة بعد القول بتحقق الاعتبار قبل الإجازة فمقتضی- العمومات نحکم بالصحة و کونه بیعا صحیحا للمالک لانضمامه إلیه بالإجازة لا ان الإجازة کشف عن انّ الملکیّة کانت حاصلة من الأول بل الإجازة أوجبت حصول الملکیّة فعلا اذن فیترتب علیه آثار الملکیّة من الأول و علی هذا فلا تکون مضطرا للمیل الی ما ذهب الیه المصنف من الالتزام بالکشف الحکمی حیث انّه فیما لم یکن لنا طریق علی طبق ما تقتضیه القواعد و لیس هذا مثل الواجب التعلیقی فان فی الواجب التعلیقی إنشاء الوجوب فعلی و الواجب متأخر بخلافه هنا فانّ الموجود فی

ص:143

المقام لیس الا الاعتبار و امّا الملکیّة فتحصل بعد الإجازة فیکون نظیر التعلیق غایة الأمر انه باطل فی العقود لا من جهة الإجازة.

و قد أشکل علی ذلک شیخنا الأستاد بأنّه لا یعقل توجه الحکمین المتضادین الی متعلق واحد و ان کان زمان الحکم متعددا فإنّه لا یعقل ان یکون المال الواحد فی زمان واحد ملکا لشخصین و ان کان زمان الحکم بملکیّة أحدهما مغایر الزمان الحکم بملکیّة الآخر و لیس ذلک إلا مناقضة واضحة و قد ذکر ذلک أیضا فی الخروج عن الأرض المغصوبة من انّه لا یعقل الحکم بوجوب الخروج مع کونه حراما قبل الدخول لکونه متناقضة و لو کان زمان الحکم متعددا نعم یجری ذلک فی حق غیر العالم بالغیب ممّن یجری فی حقه البداء و اما فی حقه تعالی فلا یعقل ذلک بوجه.

و فیه:انّ هذا متین فی الأحکام التکلیفیّة لکونه لغوا محضا دون الأحکام الوضعیة فإنّ قوامها باعتبار المعتبر فهو خفیف المئونة فلا مانع من اعتبار ملکیّة المبیع مثلا لمالکه الأصلی إلی زمان الإجازة و باعتبار ملکیّته للمشتری من زمان العقد أیضا بالإجازة و الرضا فإنّه أیضا اعتبار الملکیّة من المالک للبائع أو المشتری و لا مانع من ذلک بوجه و ان کان نفس ذلک موضوعا للأحکام التکلیفیة أیضا فإنه لا بأس به و انما المحذور فی نفس الأحکام التکلیفیة من اللغویة و المناقضة لکونها ناشئة عن المصالح و المفاسد فی متعلقها علی المعروف أو عن المصالح فی الأغراض فلا یمکن ان یکون هنا فی شیء واحد مصلحة و مفسدة یستدعیان الحکم المتناقضین أو غرضین کذلک کما هو واضح لا یخفی.

ص:144

و بعبارة اخری ان الامورات الوجودیة علی أقسام ثلثة:

الأول:ما یکون من قبیل الجواهر التی لا تحتاج فی وجودها الی موضوع.

و الثانی:ما یکون من قبیل الأعراض التی إذا وجدت تحتاج فی ذلک الی الموضوع فهذین القسمین وجودات تاصلیة فجمیع أحکام الوجود التأصلی و أثارها یترتب علیهما فلا یمکن مع تحققها و تأصلها فی الخارج طرو العدم علیها بالاعتبار و الا یلزم اجتماع النقیضین.

الثالث:الوجودات الاعتباریة فقوامها و تحققها فی وعائها انما یکون بالاعتبار فلا یترتب علیه شیء من آثار الوجودات الخارجیة و کما وجودها بالاعتبار و هکذا عدمها و کما یمکن فرضها و اعتبارها فی وقت خاص علی نحو خاص و هکذا یمکن اعتبارها فی زمان آخر فی ذلک الوقت الخاص الذی اعتبر فیه علی نحو خاص علی نحو آخر من غیر ان یلزم فیه شیء من اجتماع النقیضین أو الضدین و هذا بخلاف الوجودات المتأصلة فإنّه بعد تحققها و تکوّنها فی الخارج علی طبق ما علیه ماهیتها و بخواصها لا یمکن الحکم علیها بالعدم أو باعتبارها علی نحو آخر و الا یلزم اجتماع النقیضین أو الضدین أو المثلین.

و السر فی ذلک انّ الامورات التاصلیة لا تختلف بالاعتبار و هذا بخلاف الاعتباریات فانّ قوامها وجودا و عدما لیس الا بالاعتبار غایة الأمر ان یکون الاعتبار فیه مصلحة لئلا یلزم اللغویة.

إذا عرفت ذلک.

فنقول:ان الملکیّة لیست من الوجودات المتأصلة جوهرا کان أو عرضا بل هی من الأمور الاعتباریة اذن فیختلف ذلک بالاعتبار

ص:145

فلا یلزم شیء من المحذورات غیر اللغویة إذا لم یکن الاعتبار عن مصلحة و علی هذا ففی باب الفضولی انّ الفضولیین إذا عاملا معاملة فاعتبرا مالکیة کلّ من العوضین الذین لغیرهما لمالکه الأخر و عقدا علی ذلک فیکون اعتبار ملکیّته فی العرف و الشرع بالفعل مع مالکهما الأصلیة لعدم کون ذلک العقد حین تحققه برضائه مالک العین مع کونها من شرائط البیع لیکون تجارة عن تراض و یکون تأثیر ذلک العقد معلقا علی اجازة المالک و لا یضرها مثل هذا التعلیق لعدم شمول الإجماع القائم علی بطلان التعلیق فی باب العقود علی مثل ذلک فإنّه من شرائط صحة العقد فان لم یجز المالک ذلک العقد فیبقی الاعتبار الأول علی حاله فیلغو العقد الذی أوقعه الفضولیّان و ان أجاز المالک ذلک فیکون حین الإجازة و الإمضاء معتبرا لملکیة ماله لشخص آخر من الأول و حین العقد علی النحو الذی اعتبره الفضولیّان بحیث لم یکن ذلک الغیر إلی الان مالکا للعین بل کانت ملکا لمالکها و بالفعل صار ذلک ملکا المشتری ان کان أصیلا أو من له الشری ان کان فضولیّا مالکا من الأول فلا مانع فی ذلک إن کان فیه مصلحة فکانت المصلحة تقتضی الی الان صحة اعتبار الملکیة للمالک الأصلی و من الآن للمشتری مثلا من الأول فإن الاعتبار بعد ما کان خفیفة المئونة و لم یکن لغوا صحّ تعلّقه علی متعلق واحد علی نحوین متنافیین فی زمانین و بعد ذلک الإمضاء یتوجه أدلّة صحة البیع من الأول فإنّ موضوع تلک الأدلة کانت متحققة الاّ من جهة انتفاع الإجازة و عدم تحققها و بعد التحقق یتم الموضوع فتکون أدلة الصحة محکمة.

و من هنا یندفع ما ذکره شیخنا الأستاذ من عدم إمکان اجتماع

ص:146

حکمین متنافیین فی متعلق واحد و ان کان الزمان متعددا بل- المناط فی صحة الاجتماع هو تعدد المتعلق و ذکر ذلک أیضا فی الخروج عن الأرض المغصوبة.

و وجه الاندفاع انّه فی باب التکالیف کما ذکر لکونها ناشئة من المصالح و المفاسد عن المتعلق أو الغرض بخلافه هنا فان قوام الأحکام الوضعیة لیس الا باعتبار المعتبر فلا محذور فی توجه اعتبارین علی متعلق واحد کما لا یخفی،و بهذا تم الکشف الذی نقول به فی باب الفضولی و هذا المعنی أوضح فی باب الإجازة و النکاح المنقطع فإنّه إذا أجاز المالک أو الزوج ذلک العقد بعد شهر،فیکون الإجارة الواقعة علی الدار مثلا سنة أو النکاح إلی سنة صحیحا من الأول فإنّه بناء علی صحة الفضولی لم یستشکل أحد فی صحة ذلک مع انّه لم یتحقق هنا بالإجازة عقد إجارة أو عقد نکاح.

و ربّما یشکل علی ما ذکرنا بأنّه انّما یتمّ ذلک فی القضایا الخارجیة سواء کانت صادرة من الموالی العرفیة أو من المولی الحقیقی و امّا فی القضایا الحقیقیة التی علی نسقها الأحکام الشرعیة،فإنّ جمیع المجعولات الشرعیة أو جلّها علی نحو القضایا الحقیقیة فلا یتم هذا البیان و ذلک فانّ کلامنا فی حصول الملکیة و اعتبارها لیس إلا فی الملکیة الشرعیة فإنّه هو الذی کان محل النزاع فی المقام من انّه حاصلة أم لا و الا فالملکیة فی اعتبار المتعاقدین الفضولیین قد حصلت قطعا. و اذن فإن کان المراد من اعتبار الملکیة الشرعیة اعتباره من حین العقد فقد حصل من الأول قطعا و ذلک لانّه بعد فرض کون

ص:147

الاعتبارات الشرعیة من قبیل القضایا الحقیقیة،فهی حاصلة قبل وجود المتعاقدین بل قبل خلق هذه الأمة أو الخلق فان علمه عند اللّه فلا یتوقف ذلک الا علی تحقق الموضوع کما فی سائر القضایا الحقیقیة الشرعیة و غیرها مثلا وجوب الحج مجعول من الأول لکلّ من یکون مستطیعا فالمکلّف انّما یکون موضوعا لذلک الحکم بالاستطاعة لا انّه یجعل الحکم له بالفعل و کذلک جعل الحکم بنجاسة البول بالقضیة الحقیقیة،فإذا وجد البول فیحکم بنجاسته و لا یترتب ذلک الحکم علی غیره کالعرف و ان کان فیه اجزاء البول أیضا و هکذا فی المقام فإذا فرضنا کون موضوع الملکیة الشرعیة هو العقد فقط من ایّ شخص تحقق مع رضائه المالک و ان کان ذلک متأخرا فیکون مثل الواجب المشروط فتکون الملکیة حاصلة حین العقد متوقفا علی الإجازة المتأخرة،و ان کان المراد من حصولها أی الملکیة بعد الإجازة فإنّ بالإجازة یتم موضوع الملکیة فتکون حاصلة من حین الإجازة دون قبلها فعلی الأول یکون کشفا و علی الثانی یکون نقلا فلا واسطة فی البین لیکون وجها آخر.

و فیه أولا انه لا دلیل لنا لإثبات الملکیة الشرعیة حتی یشکل بمثل ما مرّ بل ما للشارع هو الحکم علی الموضوع الخارج من التقدیریة الی الفعلیة فعند المعاملة و تحققها فی نظر العرف فیحکم الشارع علی طبق العرف و لا شبهة انّ العرف یری البیع الفضولی معاملة صحیحة فبالإمضاء و الرضا من المجیز المالک یتحقق الملکیة من أول الأمر نعم فی بعض الموارد یحکم الشارع علی الملکیة و ان لم یفهم العرف ذلک کما فی باب الإرث فإن الوارث یرث لما ترکه مورثه.

ص:148

و بالجملة لا حکم للشارع فی باب المعاملات تأسیسیّا بحیث- یعتبر الملکیّة عند البیع للبائع أو المشتری کاعتبار المتعاملین ذلک بل الشارع انّما یحکم علی طبق ما یحکم به العرف و المتعاملان علی حسب اعتبارهم بحیث یکون ما یرون العرف موجبا للملکیّة و محصلا لها موضوعا لحکمه بالملکیّة أیضا إلا فی مقام التخطئة کبیع المنابذة و الملامسة و الحصاة و بیع الربوی،فحیث انّ العرف لا یری بأسا فی إمضاء المجیز و اعتباره الملکیة من زمان العقد فیکون الشارع أیضا حاکما علی طبق ذلک و یتوجه عموما صحة البیع و إطلاقاته علیه لکونها ناظرة علی ما یرونه العرف معاملة،فلا شبهة فی کون بیع الفضولی مع تلک الإجازة معاملة و تجارة عن تراض عند العرف.

و بالجملة لا محذور فی ما ذکرنا إثباتا و ثبوتا.

و ثانیا سلّمنا انّ الشارع قد حکم بالملکیّة و له حکم فی ذلک و لکنه حکم بمالکیّة المجیز الثمن إذا کان بائعا و المثمن إذا کان مشتریا من زمان الإجازة علی النحو الذی ذکرنا فإنّه بعد البناء علی صحة الفضولی و إثبات عدم تمامیة الکشف الحقیقی بغیر الذی ذکرنا من المعرضیة المحضة و تأثیر الأمر المتأخر فی الأمر المتقدم أو عنوان التعقب اما لعدم معقولیتها أو لعدم تمامیة دلیل الإثبات الذی هی نتیجة القول بالکشف الحکمی فلا بدّ لنا من الالتزام بما ذکرنا و الا نلتزم- بالکشف الحکمی علی ما ذکره المصنف حتی یمکن لنا التفصی عن العجز من توجیه ما ظهوره فی الکشف صونا له من اللغویة مع انّه أیضا تمام کما سنتعرض له بخلاف ما ذکر فإنّه تمام ثبوتا و الدلیل موجود علیه إثباتا.

ص:149

بل أدلة صحة البیع الفضولی ظاهرة فی الکشف کروایة قیس و غیرها و یأتی بیان ذلک فی بیان ثمرة القول بالکشف أو النقل فی ضمن ردّ کلام شیخنا الأستاذ بناء علی تمامیّتها خصوصا الروایات الواردة فی التزویج من انّه إذا مات احد الزوجین الذی عقد علیهما فضولة سواء کانا ذلک الزوجین صغیرین أو کبیرین فمات أحدهما فیستحلف أحدهما علی رضایته بالنکاح لو لم یمت الزوج الأخر ثم یرث فان ذلک صریح فی صحة النکاح الفضولی علی الکشف غایة الأمر أنّها مطلقة بالنسبة إلی أقسام الکشف و لکن حیث عرفت انّ المعرضیة المحضة و عدم دخالة الإجازة فی صحة العقد باطل لصراحة الآیة فی اشتراط صحة التجارة بالرضایة من المالک و الالتزام بتأثیر الإجازة المتأخرة فی الملکیّة المتقدمة مستحیل و الالتزام بالتعقب لا وجه له و لا دلیل علیه فالکشف الحکمی فی نفسه غیر معقول کما سیأتی فیتعین ما ذکرنا فیکون هو المراد من الروایة مع ان أصالة عدم الإجازة جاریة هنا فأیّ شیء أوجب الخروج من هذا الأصل فان لم یکن الکشف تماما لم یکن للنقل معنی فی حال الموت کما هو واضح.

ثم بقی هنا شیء و هو انه ربّما یقال بظهور هذه الروایات الواردة فی النکاح الفضولی فی الکشف الحقیقی،فإنّه لو لم یکن کذلک لم یکن معنی لعزل النصیب من الأول و انتظار الإجازة الی ان یستحلف بأنّه لو لم یمت الزوج الأخر أیضا لکان راضیا بالعقد- فعزل النصیب قبل الإجازة ظاهر فی الکشف الحقیقی الذی فرضتم ذلک غیر معقول.

و فیه:انّ عزل النصیب لا یدل علی ذلک بل هو للاحتیاط

ص:150

فی باب الأموال فیکون ذلک مانعا عن جریان الأصل کما أشار إلیه فی المتن و له نظیر فی باب الإرث من غیر ان یکون مختصا بهذا المورد کما إذا مات احد و کانت زوجیة حاملة،فإنّه عزل هنا نصیب الذکرین احتیاطا فی الأموال مع انّه لیس هذا النصیب مملوکا الا احتمالا لعدم الیقین بأنّ الزوجة تلد ذکرین.

و بالجملة الاحتیاط الشدید فی باب الأموال لئلا یفوت حق احد علی غیر الوجه الشرعی و أهمیّة الشارع بذلک،أوجب عزل النصیب فیما ذکر و هذا لا یوجب إثبات الکشف الحقیقی فافهم.

و الحاصل انّک قد عرفت انّ الکشف الحقیقی علی أقسامها غیر ما ذکرنا اما مستحیل أولا دلیل علی صحته فی مقام الإثبات.

ثم انّ فخر المحققین حکم بالکشف الحقیقی بدعوی انّ العقد حال الإجازة معدوم،فلو قلنا بالنقل للزم تأثیر أمر المعدوم اعنی العقد فی الأمر الموجود أعنی الملکیّة و قد طبق ذلک بالفلسفة کما هو دأبه فی بعض الفروع الفقهیة.

و فیه:أولا انّ ما نحن فیه لیس من قبیل العلة و المعلول التأمین بل من قبیل جزء السبب،فیجوز فی ذلک تأثیر الأمر المعدوم فی الموجود فی التکوینیات فانّ الأسباب و المعدات للشیء توجد تدریجا و تنعدم فیترتب علیه المسبب بعد ذلک کالقتل فانّ أسبابه توجد و یترتب علیه الموت بعد مدة و هکذا غیره فإذا کان فی التکوینیات کذلک فکیف لک إنکاره فی التشریعیات؟نعم فی العلیة و المعلولیة التامتین لا یمکن الانفکاک کا التحریک بالنسبة إلی تحرّک المفتاح فانّ الفصل لا یعقل الا بتخلل الفاء فی اللفظ فقط علی انّه یرد علیه

ص:151

النقض بالإیجاب و القبول فإن الإیجاب قد یتحقق و ینعدم الی زمان القبول و بالوصیة فإنّها تنعدم عند الموت مع انّه لم یستشکل أحد فی تأثیرهما فی الملکیّة بل لازم ذلک إنکار شرطیة القبض لصحة بیع الصرف و السلم لانعدام العقد الی زمان القبض فیلزم المحذور.

و الحل فی الکل انّ العقد لا ینعدم بل یبقی اعتبار المتعاقدین إلی الأبد ما لم یطرئه مزیل فإنّه لیس عبارة عن اللفظ المجرّد- لینعدم بمجرّد الحدوث بل هو الاعتبار النفسانی مع المظهر فیبقی ذلک عندهما و عند العرف.

و اما الکشف الحکمی

الذی ذکره المصنف و قلنا إذا لم یتم ما ذکرناه من الکشف الحقیقی علی النحو الذی سلکناه فلا بد من الالتزام بما ذکره المصنف من الکشف الحکمی فمعناه کما فی المتن إجراء أحکام الکشف بقدر الإمکان مع عدم تحقق الملک فی الواقع الا بعد الإجازة بحیث یحکم بإثبات آثار الکشف من أول الأمر و حین العقد و لازم ذلک إثبات آثار الملکیّة من حین العقد و قد نقل المصنف هذا الوجه من أستاده شریف العلماء.

أقول:ان تنزیل شیء مقام شیء آخر یکون علی أنحاء.

الأول:ان ینزّل الأمر الواقعی التکوینی مقام أمر واقعی تکوینی آخر کتنزیل الفقاع منزلة الخمر و تنزیل الطواف منزلة الصلاة و نحوهما إلخ فیوجب التنزیل ترتیب آثار الصلاة علی الطواف و آثار الخمر علی الفقاع فلا یلزم المحذور فإنّه لا یلزم منه تشریع الحکم.

الثانی:ان یکون التنزیل فی بعض الآثار مع کون المنزّل و المنزل علیه کلیهما امرا تعبدیّا کتنزیل من یراد زوجیته فی جواز

ص:152

النظر إلیها،فإن کل منهما أمر تعبدی مع کون التنزیل فی بعض الآثار.

الثالث:ان یکون المنزّل علیه امرا تعبدیّا مع کون التنزیل فی جمیع الآثار نظیر المقام حیث انّ أصل الملکیة بعد اجازة المالک أمر تعبدی،فقد یحکم الشارع بإجراء آثار الملکیة علیه بعد العقد و کون جمیع آثار الکشف مترتبا علیه فهذا لغو محض حیث انّ الحکم علی هذا النحو و التنزیل کذلک لیس الا الحکم بالملکیة الحقیقیة و جعل الملکیّة فلا معنی لتسمیته باسم التنزیل و هذا نظیر تنزیل- إمساک الاعتکاف منزلة الصوم فی جمیع الآثار مع عدم تسمیته صوما و هکذا فافهم و تأمّل.

(فی ثمرة النقل و الکشف)

قوله بقی الکلام فی بیان ثمرة بین الکشف إلخ.

أقول:و قد ذکر المصنف فی ضمن أسطر ما لم نفهم معناه و لا ندری ما ذا فهمنا منه سابقا فإنّه ذکر أولا-علی ما هو ظاهر کلامه-:

انّه علی القول بالکشف الحقیقی علی نحو التعقب لو علم المشتری بإجازة مالک المبیع العقد یجوز له التصرف فی المبیع لحصول شرطه فی الواقع و فی علم اللّه و قد صرّح بذلک قبل نصف صحیفة ناقلا فی البعض و قال:و التزام کون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فیها بعدا.

و فیه:انّه بناء علی القول بالکشف الحقیقی لا معنی للفرق

ص:153

بین الالتزام بالتعقب أو تأثیر الإجازة المتأخرة فی المتقدم أو العرفیة المحضة فإنّه علی جمیع التقادیر تحصل الملکیّة من الأول کما هو معنی الکشف الحقیقی،و بعد حصولها فلا وجه لمنع جواز التصرف بل علی القول به یجوز التصرف مطلقا کما هو واضح لا یخفی ثم ذکر و اما الثمرة بین الکشف الحقیقی و الحکمی مع کون نفس الإجازة شرطا فیظهر فی مثل ما إذا وطی المشتری الجاریة قبل اجازة مالکها فأجاز فإنّ الوطی علی الکشف الحقیقی حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة و حلال واقعا لکشف الإجازة عن وقوعه فی ملکه و لو أولدها صارت أم ولد علی الکشف الحقیقی و الحکمی لانّ مقتضی جعل العقد الواقع ماضیا ترتب حکم وقوع الوطی فی الملک انتهی.

و هذا الذی لا ندری ماذا أراد منه المصنف فإنّه مع حکمه علی ما هو ظاهر کلامه بعدم جواز التصرف قبل أسطر علی القول بالکشف الحقیقی إلا فی صورة التعقب فکیف حکم بکون التصرف حلال واقعا فهل هذا الا التناقض؟و لعل و اللّه العالم انّ هذا من سهو- القلم.

و التحقیق ان یقال:انّه بناء علی الکشف الحقیقی علی جمیع أقسامها غیر ما ذکرنا یجوز التصرف فی المبیع و الثمن إذا علم انّ المجیز یجیز العقد لتحقق شرطه واقعا فلا یجری هنا أصالة عدم- الإجازة فیحکم بالجواز ظاهرا و واقعا و مع تولید الأمة فتکون أم ولد و مع عدم العلم بالإجازة فیحرم التصرف فی الظاهر و یجوز فی الواقع و یکون حلالا علی تقدیران یجیز المالک و الا فیحرم فی الظاهر و الواقع و اما علی ما ذکرنا من الکشف الحقیقی فلا یجوز التصرف فی

ص:154

الظاهر و الواقع حتی مع العلم بالإجازة فإن الفرض انّ الملکیة تحصل بالإجازة فلا معنی لجواز التصرف قبله فی مال الغیر بل یکون حراما و مع وطی الأمة فیکون زنا فیحدّ و لا تکون الأمة أم ولد و لو مع تحقق الإجازة فإنّها لا یوجب انقلاب و أوقع حراما من واقعه و الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه.

و اما علی الکشف الحکمی فأیضا لا یحکم بترتب آثار الملکیّة إلا بعد الإجازة فإنّ ما وقع من التصرفات قبل الإجازة فإنما هی تصرفات غیر مشروعة فلا ینقلب عمّا هو علیه بعد الإجازة حتی بحکم بترتب آثار الملکیّة علیه قبل الإجازة أیضا.

و الحاصل انّ الکلام فی بیان ثمرة القول بالکشف أو النقل

یقع فی جهات.

الاولی فی بیان الأحکام الخارجیة الشرعیة المترتبة علی تصرفات المشتری أو الأجنبی قبل الإجازة.

الثانیة فی حکم تصرّفات المالک المجیز فی العین التی بیعت فضولة.

الثالثة فی تصرفاته فی نماء تلک العین.

الرابعة فی تصرفات ما انتقلت العین الیه.

اما الجهة الاولی فی بیان الأحکام الخارجیة الشرعیة المترتبة علی تصرفات

المشتری أو الأجنبی قبل الإجازة.]

فإذا تصرّف المشتری أو الأجنبی فی تلک العین فهل یترتب أحکام الملکیّة علی تصرّف المشتری و أحکام العقد علی تصرّف الأجنبی أم لا أو یفرق بین الکشف الحقیقی فیحکم بالترتب و بین الکشف الحکمی فیحکم بعدم الترتب؟مثلا إذا اشتری امة فضولة فاستولدها أو زنی الأجنبی بها فهل تصیر الأمة علی الأول

ص:155

أمّ ولد و زنی الأجنبی زنا بذلت البعل فیترتب علی ذلک أحکامهما أم لا؟فامّا علی النقل فلا شبهة فی کون الزنا زنا بذات بعل و عدم کونها أم ولد بل کان وطی المشتری أیضا حراما تکلیفا فإنّ- الإجازة الحاصلة بعد الوطی الواقع عن حرام لا توجب انقلاب الحکم عن واقعه و جعل ما وقع حراما حلالا و الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه و الاستیلاد المترتب علی الوطی الحرام لا یکون موجبا لصیرورة الأمة المستولدة أم ولد کما لا شبهة فی انّه علی الکشف الحقیقی علی أنحائه غیر ما ذکرنا تکون الأمة بالاستیلاد عن وطی المشتری قبل الإجازة أمّ ولد و ان کان الواطی جاهلا بوقوع الإجازة عن المالک المجیز فانّ التصرف انّما وقع فی ملکه،فیکون نظیر ما وقع الوطی علی الأمة بزعم أنّها أجنبیّة فبانت مملوکة فإنّه لو ولدت ولدا بهذا الوطی فتصیر ذات ولد بذلک و علی هذا فیکون وطی الغیر بها زنا بذات بعل فتحرم علیه مؤیدة و هکذا الکلام فیما إذا عقد علی امرأة فضولة فزنی بها احد قبل الإجازة،فإنّه یکون ذلک زنا بذات بعل علی القول بالکشف فیترتب علیه احکامه و هذا بخلافه علی النقل و اما علی الکشف الحقیقی بالمعنی الذی ذکرنا الذی هی نتیجة الکشف الحکمی و علی الکشف الحکمی الذی ذکره المصنف فاختار بناء علی الکشف الحکمی صیرورة الأمة باستیلاد المشتری قبل الإجازة أمّ ولد لان مقتضی جعل العقد الواقع ماضیا ترتب حکم وقوع الوطی فی الملک و مع ذلک حکم بحرمة الوطی تکلیفا و علی هذا،فیکون وطی الغیر لها زنا بذات بعل لا زنا المجرد فتحرم علیه مؤبدة.

ثم احتمل تحقق الاستیلاد علی الحکمی لعدم تحقق حدوث

ص:156

الولد فی الملک و ان حکم بملکیته للمشتری بعد ذلک و أنکر ذلک شیخنا الأستاذ علیه،فحکم بتحقق الاستیلاد بذلک.

و الذی ینبغی ان یقال:انّه علی الکشف الحقیقی بالمعنی الذی نقول عدم تحقق الاستیلاد بوطی المشتری قبل الإجازة کما انّ الواطی کان محرّما کما علیه المصنف أیضا،فلا یتحقق بذلک الاستیلاد أیضا و ان زنا الغیر بها زنا بغیر ذات بعل.

و توضیح ذلک انّه و کان بحسب الثبوت و الواقع ممکنا و لیس من المستحیلات العقلیة و لکن لا دلیل علی تحقق الاستیلاد بوطی المشتری أو کون زنا الغیر بها زنا بذات بعل فی مقام الإثبات فإنّ ظاهر أدلّتها ان یکون المرأة حال الوطی مملوکة للواطی لتصیر بذلک أمّ ولد و حال الوطی زنا بذات بعل یترتب علیه أحکام الزنا بذات بعل و الأمر هنا لیس کذلک،بل انّما هی مملوکة للغیر حقیقة بالفعل کما هو المفروض،فیکون الزنا بغیر ذات بعل و الاستیلاد عن وطی واقع علی غیر مملوکة و ان کانت تصیر مملوکة بعد الإجازة حقیقة من زمان العقد علی ما ذکرنا أو فی حکم المملوکة علی الکشف الحکمی،و السرّ فی ذلک انّ الاستیلاد لم یحدث فی الملک فإنّ الوطی کان وقوعه و حدوثه فی ملک الغیر و ان کانت الأمة ملکا للمشتری بقاء و لعل هذا مراد المصنف من التعبیر بعدم حدوث الولد فی الملک فهل یتوهم أحد انّه لو زنا رجل بامرئة خلیة ثم صارت ذات بعل فیکون ذلک زنا بذات بعل أو یکون الولد المتولد منها ولده أو تصیر المرأة أمّ ولد لو کانت مملوکة فزنا بها احد ثم اشتراها فلا یختلط الحرام بالحلال.

ص:157

و قد نزّل الامام علیه السلام ذلک بالثمر الذی یبیعه الإنسان عن جزم ثم اشتری الحدیقة فإنّ حکم کلّ منهما غیر مربوط بالاخر کما لا یخفی،و مقامنا نظیر ما ذکرنا فی کتاب الصلاة فی معنی الزیادة فی الفریضة و قلنا انّ ظاهر الأدلة الدالة علی ان الزیادة فی الفریضة توجب البطلان هو ان تکون الزیادة واقعة بعنوان الزیادة حین الإتیان بها و یتصف بذلک الوصف حین وقوعها و تحققها و یکون ذلک فی ذلک الوقت وصفا عنوانیّا زائدا لها لا ما یکون متصفا بذلک الوصف بعد وقوعها فلا تشمل علیه أدلة المبطلیة مثلا إذا أراد المصلی ان یقول إیاک فبدا له و قال أیا فسکت ثم قال إیاک فانّ أیّا و ان وقعت زیادة الا انّه لم یقع کذلک حین وقوعه بهذا العنوان بل بعنوان انه واجب ثم صار کذلک و هکذا فإنّ أدلة الزیادة فی الفریضة منصرفة عن ذلک و کک فیما نحن فیه فانّ الوطی الواقع علی الأمة قبل الإجازة انّما هو متّصف بکونه علی غیر ملکه و انّما صار بعد الإجازة متصفا بکونه فی ملکه أو ذات بعل فأدلّة صیرورة الأمة مستفادة بملک المالک أو کون الزنا بها زنی بذات بعل لا تشمل ذلک لظهورها فی فعلیّة الاتصاف و کونهما کک حال الوطی لا بعده.

و اما الجهة الثانیة فهی فی حکم تصرفات مالک المجیز فی

نفس العین

فلو باع احد مال غیره فضولة و تصرف فیه المالک قبل الإجازة و العلم بذلک أو مع العلم فهل یکون تصرّفه هذا ردا فعلیا أو لم یکن ردّا أو یفصّل بین الکشف الحقیقی فیحکم بعدم نفوذ تصرفاته و بین الکشف الحکمی فیحکم بنفوذ تصرفاته؟و قد قرّب شیخنا الأستاذ نفوذ تصرّفات المالک المجیز فی العین مطلقا حتی علی الکشف-

ص:158

الحقیقی بأقسامه و لو کانت الإجازة بعنوان المعرضیة حتی مع العلم بصدور الإجازة منه و مع ذلک لا یبقی مجال لإجازة العقد الفضولی مثلا لو باع العین التی بیعت فضولة أو أعتق العبد أو غیر ذلک من التصرفات أو زوّجت الامرأة نفسها للغیر أصالة فانّ فی جمیع ذلک لا یبقی موضوع للإجازة فإنّها انّما ترد علی المحل القابل و بعد تزویج الزوجة نفسها من الغیر أصالة أو نقل المالک العین عن ملکه لا یبقی مجال لها فانّ ما هو متعلق الإجازة و موضوعها قد زالت و انعدمت فانّ هذه الإجازة لیست إلا کإجازة الأجنبی فهل یتوهم احد انّ اجازة الأجنبی العقد الفضولی الذی صدر من الغیر یکون إمضاء من قبل المالک؟فکک هنا فانّ المالک بعد نقل العین عن ملکه و ازالة علقة سلطنته صار کالأجانب فلا تکون إجازته مؤثرة فی ذلک و لا یقاس ذلک بالفسخ لانّه متعلق بالعقد و اما الإجازة فهی متعلقة بالعین فإذا ذهبت ترتفع موضوعها بخلاف الفسخ.

ثم نسب ذلک الی المصنف بناء علی کون النسخة لو باع أمّ الولد کما اختار کونها کذلک و اما بناء علی سقوط أمّ و کون النسخة لو باع الولد فلا یمکن نسبة ذلک الی الشیخ فانّ بیع الولد لا ینافی مع إمضاء عقد الفضولی الواقع علی الام.

و فیه:انّ ما أفاده انّما یتم فی الزوجة فإنّه بعد ما زوّجت المرأة نفسها لغیر الذی زوجها الفضولی إیاه،فلا شبهة فی بطلان العقد الأول و کون العقد الثانی ردا عملیا للعقد الأول و السّر فی ذلک انه بعد تزویج المرأة نفسها من الزوج الآخر لا یبقی موضوع لإجازة العقد الأول و لا یکون هنا مجیز حتی یجیز العقد الفضولی

ص:159

لانتفاء رکن العقد و قوامه و انعدام ما ینسب الیه العقد و ینضم به بحیث یکون العقد عقده و یکون منسوبا الیه.

و بعبارة أخری:قد حققنا فی الأصول فی وجه تقدم الامارات علی الأصول انّ موضوع الأصول معلّق علی عدم وجود الأمارات فإذا تحققت الامارات و صارت منجزّة لا یبقی مع ذلک موضوع للأصول و هکذا الأمر فی کل أمرین یکون الحکم فی أحدهما تنجزیا و فی الأخر تعلیقیا،فانّ موضوع التعلیقی یرتفع بوجود التنجیزی و فی المقام کذلک فانّ موضوع صحة العقد الأول الفضولی معلّق علی بقاء المجیز بحیث یکون مع قطع النظر عن الإجازة مالکا للعقد و المعاملة و یقدر علی الإجازة فإذا ارتفع ذلک الموضوع بوجود المعلّق علیه الذی یتوقف علی عدمه صحة العقد الأول فلا یبقی مجال لصحته بالإجازة فحیث انّ صحة العقد الأول متوقفة علی بقاء المجیز علی حالته الأولیة و کونه مالکا للإجازة و قد انعدم فی المقام فیحکم ببطلان العقد الأول بلا شبهة.

و بعبارة ثالثة:انّ العقد الفضولی إنّما یحکم بصحته مقتضی العمومات أو الأدلة الخاصة إذا انتسب ذلک العقد ای المالک- لیحکم علیه بأنّه یجب علیک الوفاء به و اما إذا انعدم،فلا تشمل الإطلاقات و العمومات ذلک العقد،فان معنی وجوب الوفاء بالعقد لیس انه یجب لکل شخص أن یفی بکل عقد حتی لو باع احد مال غیره فیجب علیه ان یفی بذلک بل هذا و نظائره خطاب لمالک العقد و لمن یکون العقد عقده فإذا انتفی المالک فلا یبقی موضوع لوجوب الوفاء بالعقد و غیره من الأدلة الخاصة أو العامة بل هذا

ص:160

الذی ذکرنا هو من جملة المرتکزات الشرعیة حیث انّ من البدیهیّات فی عالم الشریعة انّه لو زوج احد امرأة فضولة و لم تکن المرأة عالمة بذلک فتزوج نفسها بزوج آخر و عرض العقد الأول إلیه بعد سنین بحیث صارت کثیرة الأولاد و أجاز العقد الأول،فهل یتوهم احد انّ جمیع هذه الأولاد و الاستمتاعات وقعت شبهة؟و لیس کذلک قطعا هذا ما یرجع الی الزوجیة. و اما فی غیر الزوجیة فلا یتم ما ذکره شیخنا الأستاذ و ذلک لان تصرّف المالک فی المبیع من عتق الأمة أو العبد أو بیعهما للغیر أو غیر ذلک من التصرفات لا ینافی العقد الأول و لا یوجب انعدام موضوع ذلک العقد لبقاء المجیز علی قابلیّة أن یجیز العقد الأول و مالکا لذلک قبل الإجازة فإن قوام العقد الفضولی و بقائه لم یکن ببقاء العین و ان کان حین الحدوث من مقوّمات العقد.

و السّر فی ذلک انّ الإجازة و الرّد کالامضاء و الفسخ فی باب الخیارات یتعلقان بنفس العقد دون العین الخارجیة کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ و جعله وجه الفرق بین الإجازة و الفسخ.

غایة الأمر انّ الفسخ رفع و الرّد دفع و الإجازة تنجیز و الإمضاء و عدم الفسخ یثبت و الا فجمیع ذلک متعلق بالعقد و هو مرکز لجمیع ذلک فیظهر ثمرة ذلک فیما بعد و علی هذا فانتقال العین من ملک المالک المجیز الی غیره لا یوجب ارتفاع موضوع الإجازة و انتفاء قابلیة المجیز بل هو باق علی قابلیته الأولیّة اذن،فمقتضی الجمع بین جواز تصرفاته و نفوذه فی العین و بین وجوب الوفاء بالعقد بعد الإجازة و الإمضاء ممن له ذلک هو الحکم بانتقال المبیع الی البدل.

ص:161

و بعبارة اخری:انّ ما ذکره الأستاذ یرجع الی إبداع المانع و انّ المانع من تأثیر العقد الفضولی هو عدم تأثیر اجازة المالک لسقوطها عن التأثیر بمانعیّة انتقال العین من المالک الی غیره و هذا بخلاف ما ذکرنا فإنّه یرجع الی منع المقتضی فإنّه لا مقتضی لحصول الملکیّة قبل الإجازة حتی یتوهم ذلک النزاع و البحث لانحصار حصول الملکیّة علی القول بالکشف بالمعانی التی ذکروها و قد ذکرنا عدم صحتها لعدم وفاء الأدلة علی ذلک و ما یکون مقتضیا للصحة اعنی أدلة الصحة منعدم فی المقام.

و بعبارة أخری نحن نقول:بصحة الفضولی علی طریقة الکشف من باب عدم العلاج و الفرار عن صحة أدلة الفضولی فحیث انّ المتیقن منها صورة عدم التصرف فلا تبقی أدلة صحة الفضولی شاملة للمقام و هذا مرادنا من منع المقتضی.

و لکن الظاهر مع ذلک عدم صحة العقد الفضولی بعد تلک التصرفات و ان لم تکن موجبة لانتفاء قابلیّة المجیز عن مجیزیته و ذلک لانّ صحة ما ذکرنا متوقفة علی القول بالکشف الحقیقی علی غیر ما ذکرنا و قد قلنا انّ جمیعه بین ما یکون مستحیلا و بینما یکون خلاف ظواهر الأدلة لأنّ أدلة صحة العقد الفضولی لا تساعد علی کون الملکیّة مثلا حاصلة من الأول فتکون الإجازة المتأخرة دخیلة فی ذلک بعنوان التعقب أو معرّفا صرفا فإنّ أخذ الإجازة و الرضا من شرائط صحة العقد لیس الا ظاهرا فی کونه شرطا مقارنا لحصول التجارة و الملکیّة و الزّوجیة و نحوها کما لا یخفی و مع ذلک لا یمکن صرف أدلة صحة الفضولی إلی مثل هذا النحو من خلاف الظاهر

ص:162

هنا ما وعدناک فی بیان طرق الکشف.

و بعبارة اخری انّ أدلة صحة العقد الفضولی و ان قلنا انها ظاهرة فی الکشف الا انّها تدل علی صحة العقد الذی یکون متعارفا و علی وفق مذاق العرف و الشرع و الذی یفهم العرف من لسان الأدلة الشرعیة هو ما یکون العقد مقارنا برضا المالک و مثل ذلک العقد یکون مؤثرا فی النقل و الملکیّة و الزوجیة و حیث ان العقد الفضولی حین وقوعه عادم لذلک الشرط فیکون تأثیره مراعی علی حصوله فیکون مؤثرا عند الحصول بحیث یکون شرطا مقارنا و ان کان مؤثرا فی الملکیّة من زمان العقد.

و علی هذا،فیکون ما هو محط البحث و مورد الثمرة بین ما ذکرنا و ما ذکره شیخنا الأستاذ فی الکشف الحکمی و الکشف الحقیقی بالمعنی الذی ذکرنا الذی هو نتیجة الکشف الحکمی.

بیان ذلک انّه علی الکشف الحقیقی بما ذکرنا و الکشف الحکمی فیکون الإمضاء المتأخر موجبا لحصول النقل من حین العقد حقیقة علی ما ذکرنا أو حکما علی الکشف الحکمی و هذا بحسب القواعد فإن القاعدة تقتضی بعد تحقق الإجازة و شمول أدلة الصحة علیه لکونه عقد بالحمل الشائع بعد الانتساب الیه،حصول النقل من حین العقد فانّ دلیل وجوب الوفاء یدل علی وجوب الوفاء بذلک العقد بعد الإجازة و هو یصیر عقدا للمجیز و منتسبا الیه و هذا بخلاف ما تقدم فانّ فیه نحکم بالمقدار المتیقن من جهة انّه لم یکن لادلتها إطلاق لتشمل مثل هذه الموارد أیضا و لم یکن المقتضی تماما و لکن علی ما ذکرنا فالمقتضی تمام لکون ما ذکرنا موافقا للقواعد فإنّ القاعدة تقتضی

ص:163

ان یکون العقد صحیحا بعد الإجازة بمقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ کما ذکرنا و یکون منتسبا الی صاحب العقد بالإجازة کانتسابه إلیه فی غیر موارد الفضولی بدلیل الوفاء و هذا بخلافه علی ما ذکره شیخنا الأستاذ فإنه یبطل العقد حینئذ فلا تکون الإمضاء مؤثرا فی النقل بوجه کما هو واضح.

(الجهة الثالثة فی حکم التصرف)

الجهة الثالثة فی حکم تصرّف المالک سواء کان مالک الثمن أو مالک المثمن فی نماء المبیع،فنقول:لا إشکال فی جواز تصرّفه فیه علی القول بالنقل وضعیا و تکلیفا لانّه تصرّف فی ملکه و لا مانع من تصرف المالک فیه و انّما ینتقل العین عنه الی غیره بالإجازة و الفرض انّه قبل الإجازة و یکون بیعه لو باعه المالک من غیر و عتقه لو کان النماء عبدا لو امة نافذا و جائزا فلا یرد عنه بعد الإجازة أیضا.

و اما علی القول بالکشف الحقیقی فربّما یقال انّ تصرّفه فی- النّماء لیس الاّ تصرفا جائزا فلازم ذلک کونه فی ملکه و لازم کون النّماء فی الملک کون الأصل فی ملکه،فیدل تصرّفه فی النّماء بالدلالة الالتزامیّة علی رد البیع الفضولی فیحکم ببطلانه و قد احتمل المصنف ذلک بناء علی کون النسخة(و لو نقل المالک الولد)علی خلاف ما قربه شیخنا الأستاذ حیث قال مع احتمال کون النقل بمنزلة الرد و امّا بناء علی کون النسخة لو نقل المالک أمّ الولد فلا میل إلیه فی کلامه.

و فیه:انّ ردّ العقد الفضولی کإجازته و ان کان یصح بالفعل و القول کلیهما الا انّ مجرّد صدور الفعل لا یدل علی الرّد ما لم یکن بنفسه إنشاء الرّد فانّ تحققه یحتاج إلی الإنشاء کما ان تحقق الإجازة

ص:164

یحتاج إلی الإنشاء بحیث یکون الفعل بنفسه مصداقا للرد و هذا لا یمکن الا بالقصد اذن،فیکون الفعل بحسب نفسه أعم من الرّد لکون صدوره أعم من ان یکون بقصد الرّد أولا فالأعم لا یدل علی الأخص بوجه الاحتمال ان یکون من غیر قصد أو بقصد عدوانی مع علمه بأنّه یجیز کتصرف الغاصب و السارق و نحو ذلک.

و علی هذا فلا یکون تصرّف من انتقل عنه المال فی نمائه قبل الإجازة ردا فلا بد له من إعطاء بدله علی تقدیر الإتلاف و مع البقاء و انتقاله الی الغیر یکون المقام من صغریات تعاقب الأیدی،فله ان یرجع الی المالک و یرجع المالک الی ما [من ] انتقل الیه أو الی ما انتقل الیه ابتداء.

و اما علی الکشف الحکمی و الکشف الحقیقی بمعنی الذی ذکرنا الذی فی حکم الکشف الحکمی فلا شبهة فی کون تصرف المالک فی نماء العین تصرّفا فی ملکه لان الفرض انّه یحکم بملکیّة العین کما انتقل الیه بعد الإجازة فیکون النماء أیضا ملکا لما انتقل الیه العین بالتبع و حین تصرفه لم تصدر منه الإجازة لیکون التصرف فی ملک الغیر و هذا لا شبهة فیه و انّما الکلام فی انّه یحکم بعد الإجازة یکون ذلک النماء ملکا لما انتقل الیه العین بالتبع حتی فی صورة کون النماء تالفا بحیث یحکم للمالک ان یخرج من عهدته أم لا بل یملک ما انتقل الیه العین ثمنا کان أو مثمنا بالإجازة مع النماءات الموجودة حال الإجازة متصلة کانت أو منفصلة.

و قد حکم شیخنا الأستاذ بالثانی من جهة انّ الإجازة انّما توجب انتقال ما یکون موجودا حال العقد من العین و النماء الی

ص:165

ما انتقل الیه العین،و اما إذا کانت العین معدومة فقد تقدم انّه لا مجال للإجازة مع ذلک و ان کان النماء معدوما فلا شیء یکون ملکا لما انتقل الیه و التبعیّة انّما یتحقق فی صورة وجود النّماء لا فی صورة عدمه.

و بعبارة اخری:ان العین الی زمان الإجازة ملک لمالکها لجمیع شئونها فله ان یتصرّف فیها کیف یشاء و فی زمان الإجازة لو انتفت العین فلا موضوع للإجازة أصلا و ان بقیت العین و نماءاتها، فتکون بالإجازة منتقلة إلی الطرف الأخر لکون النماء تابعا للعین و ان بقیت العین و تلف النماء و انعدم،فتکون العین وحدها منتقلة إلی الغیر لعدم وجود النماء حال انتقال الأصل إلی الغیر لیحکم بضمانه،فما یکون مانعا عن تحقق الملکیّة بالإجازة فی صورة نقل العین فیکون ذلک مانعا عن ثبوت الملکیّة بالنماءات أیضا فلا تؤثر الإجازة فی ثبوت الملکیّة بالنسبة إلی النماءات المستوفاة.

و فیه:انّ ضعفه ظاهر لان زمان الانتقال و ان کان هو زمان الإجازة و لکن تنتقل العین بالإجازة من زمان العقد فیترتب جمیع أحکام الملکیّة من ذلک الزمان تنزیلا علی الکشف الحکمی و تحقیقا علی ما ذکرنا من الکشف الحقیقی و اذن،فیکون المالک ضامنا بالنماءات لو أتلفها و مع نقلها الی الغیر فیکون المقام أیضا من صغریات تعاقب الأیدی کما عرفت فی الکشف الحقیقی و هذا واضح جدا.

ثم انّ شیخنا الأستاذ قرّب کون النسخة و لو نقل المالک أمّ الولد و لکن الظاهر انّها الولد بدون لفظ الأم لأنه یصرح بعد أسطر فی ذیل الضابط للکشف الحکمی انّه یحکم بملکیّة المشتری من حین

ص:166

العقد فانّ ترتب شیء من آثار ملکیّة المالک قبل إجازته کإتلاف النّماء و نقله و لم یناف الإجازة جمعا بینه و بین مقتضی الإجازة بالرجوع الی البدل.

الجهة الرابعة فی ما یرجع الی تصرّفات ما انتقل الیه المال

فضولة،

اما علی النقل فلا شبهة فی عدم جواز تصرّفه قبل الإجازة وضعا و تکلیفا لکونه تصرّفا فی مال الغیر بدون اذنه فهو حرام عقلا و شرعا نعم لو باع ذلک،ثم أجاز المالک البیع فیدخل تحت الکبری الکلیة من باع شیاه ثم ملک و سیأتی الکلام فیه.

و اما علی الکشف الحقیقی علی أنحائه الثلثة فلا شبهة فی جواز تصرّفه فیه تکلیفا و نفوذه وضعا لو کانت الإجازة متحققة واقعا غایة الأمر مع عدم العلم بتحقق الإجازة یکون متجریا فقط فی الظاهر و الا ففی الواقع لا یحرم ذلک بوجه وضعا و تکلیفا.

و اما علی الکشف الحکمی و الکشف الحقیقی بما ذکرنا فلا بد من التفصیل بین الحکم التکلیفی و الحکم الوضعی و الحکم بحرمة التصرفات قبل الإجازة واقعا و ظاهرا لکونه تصرّفا فی مال الغیر حقیقة فهو حرام لانه لا یجوز التصرف فی مال امرء مسلم الا بطیب نفسه عقلا و شرعا.

و اما الأحکام الوضعیة فهی نافذة بعد الإجازة فإنه بعدها یکشف کونه واقعا فی ملکه فلو باع قبل الإجازة فیکون صحیحا نافذا و لو أعتقه فیکون صحیحا الی غیر ذلک من الأحکام الوضعیة علی طبق القاعدة فإنه بعد تحقق الملکیّة بالإجازة من حین العقد،فمقتضی

ص:167

القاعدة ترتب أحکام الملکیّة أیضا بأجمعها کما هو من المرتکزات العرفیة أیضا غیر ما تقدم من تحقق الاستیلاد و تحقق الزنا بذات البعل فإنه تقدم انّ الظاهر من دلیلهما انّ الاستیلاد و الزنا بذات البعل انّما یتحققان من المملوک و الزوجة الفعلیین دون ما یکون مملوکا أو زوجة بعد ذلک الوطی.

و بعبارة اخری:انّه یترتب علی تصرف ما نقل الیه المال جمیع الأحکام الوضعیة إمکانا و إثباتا غیر ما یکون دلیله علی خلاف ذلک کما فی تحقق أمّ الولد و الزنا بذات البعل فانّ ترتب الأحکام الوضعیة بأجمعها بحسب القاعدة کیف فإنّه بعد الحکم بحصول الملکیة من حین العقد فیترتب أحکام الملکیّة أیضا علیه.

و اما عدم ترتب الحکم التکلیفی فمن جهة انّ الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه فما کان حراما لا یکون حلالا فالتصرف قبل الإجازة کانت محرمة فلا ینقلب إلی الحلّیة.

فی بیان ما ذکروا للثمرة بین الکشف و النقل

قوله

منها النماء

فإنّه علی الکشف.

أقول:و قد تقدم انّ النماء علی الکشف الحقیقی لما انتقل الیه العین لکونه حاصلا فی ملکه و اما علی النقل فللمالک لکونه أیضا حاصلا فی ملکه و تکراره انما هو توطئة لبیان کلام شهید الثانی فی الروضة حیث قال:انّ النماء علی القول بالکشف تابع للعین فنماء الثمن للبائع و نماء المبیع للمشتری و اما علی النقل فنماء کلیهما للمالک المجیز.

و قد وجّه کلامه بعض محشی الروضة حیث قال:یمکن ان یراد من المجیز المالک کل واحد واحد من مالک الثمن و مالک المثمن

ص:168

ای نماء الثمن للمشتری لکونه مالکا له و نماء المثمن للبائع لکونه مالکا له.

و وجهه أخر بتوجیه آخر،بدعوی ارادة جنس المالک فیکون أعم من مالک الثمن و مالک المثمن و علی کلا التوجیهین یرتفع الاضطراب من کلامه.

و لکن کلیهما خلاف الظاهر من کلامه فانّ ظاهر المقابلة کون النماء علی النقل للبائع فإنه قال:و علی النقل فهما للمجیز، فظاهره کون کلا النماءین لشخص واحد و وجّه بعض بتوجیه بارد و هو ان کون نماء العین للمالک فعلی طبق القاعدة لکونه حاصلا فی ملکه و اما کون الثمن له فلانّ المشتری بنفسه قد أقدم علی ذلک و سلّط البائع علی ماله الذی مالک العین علی ماله فیکون نمائه أیضا له.

و فیه:انّه قد یکون العقد من طرف المشتری أیضا فضولیّا فکیف یصح الحکم بأنّه قد أقدم علی تسلیط البائع علی ماله؟و قد یکون غیر ملتفت علی کون البائع فضولیّا و لو کان المشتری بنفسه مباشرا للعقد علی انّ ما وجه به کلامه لیس بتمام کبری و صغری اما الوجه فی بطلان الکبری فلان الاقدام لیس من جملة المملکات و لم یعهد من الشرع المقدّس ذلک المعنی إلا إذا کان بعنوان الهبة فإنها مملکة فی الشرع المقدّس و ان کان یجوز الرجوع إلیها أیضا.

و کیف کان لا یمکن الالتزام بهذا التوجیه اذن فلا بدّ امّا من الالتزام بکونه سهوا من قلمه الشریف لکون العصمة لصاحبها و امّا ان یکون نظره ما تقدم من التوجیهین الأولین و انما کان غرضه من إغلاق العبارة تجربة الأفهام و اللّه العالم.

ص:169

قوله

و منها انّ فسخ الأصیل لإنشائه قبل اجازة الآخر.

أقول:إذا کان أحد طرفی العقد فضولیّا و الآخر أصیلا فهل یجوز ان یفسخ الأصیل قبل إجازة الأخر مطلقا أو لا یجوز کک أو یفصّل بین القول بالکشف فیحکم بعدم جواز فسخه و بین القول بالنقل فیحکم بجواز فسخه؟.

و قد اختار بعضهم جواز فسخ الأصیل العقد قبل إجازة الأخر.

و قد اختار شیخنا الأستاذ عدم جواز فسخه مطلقا حتی علی القول بالنقل و اختار المصنف القول بالتفصیل و حکم بجواز فسخه علی القول بالنقل و بعدمه علی القول بالکشف.

امّا علی القول بالکشف فسیأتی الکلام فیه.

و اما علی القول بالنقل

فمن جهة انّه لم یحصل النقل بمجرّد العقد و انّما یکون ذلک مؤثرا فی زمان النقل و قبل زمانه،فیکون العقد بالنسبة إلی الأصیل کنسبته الإیجاب إلی الموجب،فیکون فسخه کفسخ الموجب إیجابه فکما انّه لا محذور فی فسخ الإیجاب قبل القبول و هکذا یجوز فسخ الأصیل العقد قبل تحقق الإجازة.

و بعبارة أخر انّما یجب إتمام العقد و لا یجوز حلّه من جهة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و هو انّما یتوجه بعد الإجازة و قبلها لیس هناک شیء بوجه و لا یشمله دلیل وجوب الوفاء فیکون الأصیل مختارا فی فسخه و عدمه.

و اما علی القول بعدم الجواز مطلقا فقد اختار شیخنا الأستاذ عدم جواز الفسخ کما عرفت و حاصل کلامه انّ مقتضی قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وجوب الوفاء بالعقد الذی عبارة عن المعاقدة وجوبا تکلیفیا و لا شبهة فی تحقق العقد و عدمه بالنسبة إلی الأصیل و انّما الموقوف

ص:170

علی الإجازة لیس الا حصول النقل الحقیقی و اما نفس العقد و المعاقدة فقد تحقق قطعا اذن فلا مانع من شمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ علیه فیکون ذلک کبیع الصرف و السلم حیث ان حصول الملکیّة فیهما متوقف علی القبض و قبله لم تحصل و مع ذلک لا یجوز لکل من البائع أو المشتری فسخ العقد فإنّه بعد التحقق لا یجوز إلا إذا قام الدلیل علی جواز الفسخ کالهبة و لا یقاس المقام بالإیجاب المجرد قبل مجیء القبول، فإنّه لم یتم المعاقدة بدون القبول حتی یشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و هذا بخلاف المقام کما عرفت.

و بعبارة اخری:انّ دلیل الوفاء بالعقد تارة یکون ناظرا الی اسم المصدر ای ما یحصل من العقد أعنی الملکیّة أو الزوجیة أو نحوها.

و اخری یتوجه الی المعنی المصدری أعنی نفس العقد و المعاقدة فعلی الأول فشموله موقوف علی حصول النقل و حیث لم یحصل النقل قبل الإجازة،فلا یشمله دلیل الوفاء بالعقد قبل الإجازة الا انّه مما لا یمکن المساعدة علیه لکونه خلاف الظاهر من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

و علی الثانی کما هو الظاهر فیکون دلیل الوفاء بالعقد شاملا لهذا العقد تحققه عند المعاقدة.

نعم الملکیّة موقوفة علی الإجازة و ذلک غیر مربوط بالمقام.

و بالجملة مقتضی دلیل الوفاء بالعقد لزوم إتمامه و إنهائه بعد تحقق العقد و المعاقدة و هذا واضح جدا فافهم.

و فیه:امّا علی الکشف فسیأتی الکلام فیه عن قریب،و امّا علی النقل فکلامه هذا مبنیّ علی کون الأمر بالوفاء علی العقد تکلیفیا

ص:171

فإنّه حینئذ یتم ما ذکره شیخنا الأستاذ و لکنّه غیر ممکن إذ کون الأمر بالوفاء تکلیفیّا أو حرمة نقضة کک یقتضی ان یکون متعلقة امرا مقدورا بحیث یکون مختارا فی فسخه و إمضائه فإن التکلیف لا یتعلّق بغیر المقدور و لا ان المراد من الفسخ لفظ فسخت لیقال انّه أمر ممکن و معنی کونه مختارا فی ذلک لیس الا کون العقد جائزا فیکون ذلک خلف الفرض مع انّ مقتضی کون العقد جائزا و کون الوجوب تکلیفیّا انّه ینفسخ بالفسخ غایة الأمر انّه فعل حراما مع انّه لا ینفسخ قطعا بل عدمه بل الأمر هنا إرشاد إلی الحکم الوضعی نظیر(إرشاد)النهی فی قوله(علیه السلام)نهی النبی عن بیع الغرر إرشادا إلی الفساد و معنی الوفاء به عبارة عن إتمامه و إنهائه کما یقال الدرهم الوافی للدرهم التمام فیکون معنی الوفاء بالعقد انّه لا ینفسخ هذا العقد بالفسخ و علی هذا لا یتوجه دلیل الوفاء بالعقد الا بعد إمکان تحقق الحکم الوضعی بذلک الدلیل و هو انما یکون بعد اجازة المالک لانّه المفروض اذن،فما ذکره العلامة الأنصاری من جواز فسخ الأصیل العقد قبل اجازة المالک هو الوجیه.

و بعبارة أخری:وجوب الوفاء بالعقد من ناحیة الأصیل علی القول بالنقل قبل الإجازة متوقف علی أخذ العقد بمعنی المصدری أی مجرّد المعاقدة فإذا لم یکن ذلک لما ذکرنا من کونه متوقفا علی أخذ الوجوب تکلیفیّا و هو غیر جائز فلا بدّ من صرفه الی الوفاء بالمعنی الاسم المصدری و هو لا یحصل إلا بالإجازة،فیکون شمول دلیل الوفاء علی ذلک من زمان الإجازة دون العقد و اما نقضه بالصرف و السلم فهو أیضا لیس من المسلّمات بل وجوب الوفاء بهما أیضا بقوله

ص:172

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بعدها،لم یمکن شموله علی العقد الا بعد حصول الاسم المصدری فلا یلزم الوفاء به اذن یجوز لکل من البائع و المشتری فسخ الصرف و السلم قبل القبض کما هو واضح.

و بعبارة اخری:انّ الأمر بالوفاء إرشاد الی عدم انفساخ العقد بالفسخ و انّ الالتزام بذلک باق علی حاله و لا یرتفع إلا- بالإقالة و معنی الوفاء به إنهائه إلی الآخر و إتمامه و حیث انّ الالتزام و المعاقدة علی أساس القول بالنقل لم یتم لتوقف حصوله علی تحقق التزام المالک فانّ متعلقة انّما هو الملکیة و حصول الملکیة موقوف علی تحقق الالتزامین من المالکین فلا یشمل علیه دلیل الوفاء بالعقد فیکون نظیر الإیجاب قبل تمامیّة القبول نعم فی مثل النذر لا بأس من الالتزام بالوجوب التکلیفی لا من جهة تعدد معنی الوفاء بل لخصوصیة المورد فانّ متعلق الوفاء فی باب النذر نفس الالتزام و هذا بخلافه فی باب العقود فانّ متعلقة الملتزم به و هو لا یحصل الا بالعقد الذی قوامه بالمعاقدة و ارتباط احد الالتزامین بالآخر من الالتزام لا بالتزام شخص واحد کما هو واضح اذن لا غرو من الالتزام بالوجوب التکلیفی فی النذر و نحوه و بالوجوب الإرشادی فی باب العقود.

و بالجملة انّ الوفاء بالعقد منحل الی الافراد العدیدة حسب تعدد افراد العقود فی جمیعها معناه إتمام العقد و إنهائه و لکن حیث ان متعلقة فی النذر هو الالتزام بالعمل فلیس معناه الا وجوب إتمامه تکلیفا لا وضعا و لذلک نقول هنا بالوجوب التکلیفی.

و ثانیا علی فرض کون الوجوب وجوبا تکلیفیا فلا شبهة فی انّه انّما یتمّ بعد تحقق العقد و هو علی أساس القول بالنقل لا یتمّ الا

ص:173

بعد الإجازة فموضوع وجوب الوفاء بالعقد انّما یحصل بالإجازة و قبله لیس عقد لیکون موضوعا للوجوب و لیس ذلک قبل الهبة لتحصل بطرف واحد اذن مع فرض القول بان الوجوب تکلیفی فلا یتوجه الا بعد الإجازة لتحقق موضوعه فی ذلک الوقت.

و بعبارة أخری:مع الغمض عن بطلان أخذ الوجوب إرشادیا و الجواب علی وفقه انّ موضوع الوجوب التکلیفی لم یتمّ بعد،فهل یتحقق الحکم بدون الموضوع؟ فتحصل انّه علی القول بالنقل یجوز للأصیل أن یفسخ العقد قبل الإجازة،

و اما علی القول بالکشف،

فهنا جهات للکلام:

الاولی فی جواز فسخ الأصیل منهما و عدمه أی تأثیره و عدم

تأثیر علی الکشف.

و الذی ینبغی ان یقال:انّه لا یؤثر الفسخ فی انحلال العقد فإنّ أساس القول بالکشف هو ان العقد بحسب نفسه تمام السبب و الموضوع لوجوب الوفاء بالعقد کما عرفت عن الشهید و المحقق الثانیین و بعد تحققه لا معنی لفسخ الأصیل ذلک فإنّ أدلة وجوب الوفاء بالعقد و کونه لازما لا ینفسخ بأجمعها،شاملة للمقام فانّ عمدتها علی ما تقدم فی المعاطاة قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ،فلا شبهة انّ الفسخ بعد تحقق الالتزام لیس تجارة عن تراض بل یکون أکل المال بالباطل و اما مع العلم بعدم الإجازة،فأیضا لا یحتاج الی الفسخ بتحققه بدونه فهو اما لا یؤثر و اما لا نحتاج الیه.

و بالجملة علی ملاک الکشف من تحقق تمام الموضوع للوفاء

ص:174

بالعقد لا یؤثر فیه الفسخ بوجه و یدل علیه أدلة اللزوم.

الجهة الثانیة:فی انّه علی القول بعدم تأثیر الفسخ فیه

وضعا فهل یجوز للأصیل التصرفات فی ماله قبل اجازة طرف الآخر

أم لا؟

فهذه الجهة فیها جهتان. الاولی فی جوازها و عدمها ظاهرا،و الثانیة فی جوازها و عدمها واقعا،فقد ادعی العلامة الأنصاری عدم جوازه ظاهرا و واقعا علی تقدیر عدم الإجازة بدعوی انّ المال بواسطة المعاقدة خرجت عن موضوع جواز تصرّف المالک فی ملکه و دخل تحت أدلة حرمة التصرف فیه فلا یجوز له التصرف فی ذلک فان کان یجیز الآخر فیکون حراما ظاهرا و واقعا و الا فیکون حراما فی الظاهر فقط،و لا یجری هنا أصالة عدم الإجازة لأنه انّما یجری فی فرض عدم المنع عن جریانه و الفرض انّ دلیل وجوب الوفاء قد جری و أوجب ثبوت العقد و عدم جواز تصرف الأصیل فی ماله و معه کیف تجری أصالة عدم الإجازة.

و فیه:انّ موضوع وجوب الوفاء انما هو الالتزام بالملکیّة لا- حصول نفس الملکیّة و موضوع عدم جواز التصرف فی المال تکلیفا نفس الملکیّة و ما لم تحصل لا تشملها حرمة التصرف فی مال الغیر اذن فلا معنی لقیاس عدم جواز فسخ الأصیل العقد بحرمة تصرفه فی العین فانّ موضوع کل منها غیر موضوع الآخر و العجب منه قده حیث بالغ و حکم بعدم الجواز حتی مع العلم بعدم اجازة الآخر و ردّه بل لا بدّ و ان یرد العقد ثم یجوز للأصیل التصرف فی ماله نعم لو تحقق الإمضاء،فینکشف منه انّ التصرف کان حراما فی الواقع و هذا من عجائب الکلام،فإنه مع عدم الإجازة فبأیّ دلیل نحکم بحرمة تصرّفه

ص:175

فی ماله مع کون الناس مسلطون علیه،و بعبارة اخری ان قلنا انّه خرج من ملکه فنسئله من سببه و ان قلنا انه لم یخرج و مع ذلک لا یجوز له ان یتصرف فیه فهذا لیس إلا مناقضة فی مفهوم الناس مسلطون علی أموالهم فافهم.

و بالجملة انّ الثمرة ثمرة صحیحة فإنه علی النقل بجوز للأصیل أن یتصرف فی ماله و علی القول بالکشف لا یجوز فسخه و یجوز تصرّفه ظاهرا ثم ان تحققت الإجازة بعد ذلک،فیکشف انّه کان حراما واقعا و علی تقدیر عدم الإجازة ینکشف انّه لم یکن حراما فی الظاهر و الواقع معا و اما علی تقدیر العلم بتحقق الإجازة فلا یجوز،و العجب من المصنف حیث حکم بعدم الجواز حتی فی صورة العلم بعدم الإجازة مع انّه علی هذا لم یکن منع منه بوجه لتصرّفه فی ماله قطعا و عدم احتمال تصرّفه فی مال الغیر.

و الحاصل انّ الکلام فی جواز تصرّف الأصیل فی ماله قبل اجازة الآخر و قلنا انّه لا شبهة فی جوازه مع الجهل بتحقق الإجازة مطلقا حتی علی القول بالکشف الحقیقی و لو بمعنی أخذ الإجازة معرّفة لحصول النقل من زمن العقد فإنّه مع ذلک أیضا یشک فی انه ممّا یتمّ به النقل أو یکون معرّفا لذلک یتحقق أولا یتحقق فیتمسک بأصالة عدم تحقق الإجازة فیحکم بجواز التصرّفات مطلقا فانّ مقتضی جریان ذلک الأصل جواز التصرف فیه تعبدا من دون ان یلزم التصرف فی مال الغیر کما انّه فی صورة العلم بعدم الإجازة یجوز التصرف وجدانا للعلم،و ما عن المصنف من منع جواز التصرف حتی فی صورة العلم بعدم الإجازة،فعجیب منه مع انّه لیس هنا مانع بوجه حتی احتمال کونه تصرّفا فی مال الغیر فلا ندری ما المانع من کونه أی الأصیل

ص:176

مسلطا علی ماله؟فانّ قوله بعت مع العلم بعدم الإجازة لیس الا کاللاغی و الساهی.

نعم علی الکشف الحقیقی المعروف لو تصرف فیه معتمدا علی أصالة عدم الإجازة أی القطع التعبدی أو علی العلم بعدم الإجازة و القطع الوجدانی فأجاز الطرف الآخر فیکون تصرّف الأصیل فی المبیع فضولیّا،فیتوقف علی اجازة الطرف الذی کان العقد فضولیّا من قبله فیبطل من قبل الأصیل و لا یکون العقد عقده و انّما یکون راجعا الی المجیز فان شاء أجاز و ان شاء لم یجز.

ثم ذکرنا أیضا انّه لا وجه فی عدم جواز تصرّفه أی الأصیل بآیة وجوب الوفاء بالعقد-کما تمسّک به شیخنا الأستاذ-علی تقدیر کونه وجوبا تکلیفیا،فإنه یرد علیه أوّلا انّ الأمر بوجوب الوفاء بالعقد إرشاد إلی تمام الالتزام و إنهائه کما هو معنی الوفاء بالشیء لغة فلیس ذلک وجوبا تکلیفیّا کما هو الظاهر.

و ثانیا ان معنی الوفاء بالعقد لیس الا ترتیب آثار الملکیة و الزوجیة و غیرهما علیه و لیس معناه مجرد وجوب الالتزام بالعقد وجوبا تکلیفیا،فهو لا یحصل قبل الإجازة فإن معنی ترتیب الآثار هو حرمة التصرف فی ذلک المال للأصیل فلا شبهة انّ أدلة حرمة التصرف انما تعلقت بالملک دون الالتزام بالملکیّة کما هو واضح.

و ثالثا مع الإغماض عن جمیع ذلک و الالتزام بالحرمة التکلیفیة، فإنّما یجب الوفاء بالعقد بعد تحققه لا قبله.

و بعبارة اخری:انّ الاحکام التکلیفیة انّما تکون فعلیة بفعلیة موضوعها فما لم تصر موضوعها فعلیة فلا معنی لفعلیة الحکم اذن فموضوع

ص:177

وجوب الوفاء انّما هو العقد ففعلیة ذلک الحکم یحتاج إلی تمامیة العقد فحیث انّ العقد عبارة عن ارتباط التزام بالتزام و انضمامهما معا و المعاقدة بینهما فهو لم یحصل بعد قبل اجازة المالک حتی علی القول بالکشف بجمیع اقسامه و لیس ذلک مثل الهبة یتحقق التملیک بالتزام طرف واحد فانّ حقیقتها عبارة عن التملیک المجانی و ذلک یحصل بتملیک طرف واحد و التزامه بخلاف البیع فانّ الالتزام بالتملیک فیه مربوط بالتزام الطرف الآخر بذلک بحیث یرتبط احد- الالتزامین بالالتزام الآخر و ینضم أحدها بالآخر حتی یترتب علیه وجوب الوفاء کما لا یخفی فإنّ الأصیل لا یعلم ظاهرا ان الآخر یجیز أو لا یجیز و ان حصل عقد واقعا اذن فلا معنی لوجوب الوفاء به قبل تحقق الإجازة بل یجوز التصرف لکل من البائع و المشتری فی بیع الصرف و المشتری فی الثمن فی بیع السلم قبل القبض فیهما فإنّه ما لم یحصل القبض لم یحصل الملکیّة و وجوب الوفاء بالعقد انّما هو باعتبار الملتزم به أعنی الملکیّة نعم فی صورة العلم بانّ المالک یجیز العقد لا یجوز للأصیل التصرف فی ماله بخروجه عن ملکه علی القول بالکشف و لکن لازم ذلک هو جواز تصرفه فی الثمن مثلا فان خروج ماله عن ملکه مع دخول مقابلة فی ملکه متلازمان فانّ قوام البیع عبارة عن المبادلة بین المالین فی طرف الإضافة و حقیقة الإضافة لیس الا خروج احد العوضین عن ملکه و دخول العوض الآخر مکانه و کذلک لا یجوز للأصیل مع جواز التصرف فی ماله ان یتصرف فی مقابله لعین تلک الملازمة و ما فی المتن من ان العمل بمقتضی العقد کما توجب حرمة تصرّف الأصیل فیما انتقل عنه کذلک توجب جواز تصرفه فیما انتقل الیه و الوجه

ص:178

فی ذلک هو ثبوت الملازمة بینهما وجودا و عدما نعم فی مثل النذر و نحوه حیث ان موضوع وجوب الوفاء نفس الالتزام فیجب الوفاء به لتمام موضوعه بنفس الالتزام بخلاف البیع مثلا فانّ الوفاء لا بد و ان یکون بالملتزم به اعنی الملکیة دون الالتزام.

ثم انّه لا یفرّق فیما ذکرنا بین أقسام العقود الفضولیة نکاحا کان أو غیره فإنّه فی باب النکاح أیضا یجوز للأصیل ترتیب آثار عدم الزوجیة قبل إجازة المرأة التی کان العقد من قبلها فضولیة من تزویج أمها أو أختها أو تزویج الخامسة لو کانت عنده زوجات ثلثة غیر الزوجة- الفضولیّة الی غیر ذلک من آثار عدم الزوجیّة معتمدا بأصالة عدم الإجازة فإنها محکمة ما لم یکن دلیل علی خلافها.

نعم تقدم انّه زوج الصغیر فضولة فمات فیعزل نصیب الزوجة فبعد البلوغ عرض إلیها العقد فإن أجاز مع الحلف علی عدم طمعها بالمال فیعطی بها الإرث و الا فلا.

فیعلم من ذلک عدم الاعتناء بأصالة عدم الإجازة فی باب النکاح بالملازمة.

و فیه انّ مقتضی جریان أصالة عدم اجازة من کان عقد الزوجیة من قبله فضولیة الزوجیّة هو عدم ترتیب آثار الزوجیة قبل الإجازة فیترتب علیه عدم التوارث فإنّه مع جریان أصل السببی لا یبقی موضوع للمسبّب و بعبارة اخری انّ قضیّة الإرث هنا و إن کان راجعا الی المال و الی ورثة الوارث و لیس مربوطا بالمعاملة الفضولیة و لکن حیث کان ملزوم ذلک اعنی العقد فضولیّا فیجری فیه أصالة عدم الإجازة الذی هو أصل سببی بالنسبة إلی التوارث و عدمه فیترتب علیه نفی المسببات

ص:179

من التوارث و غیره و بذلک الملازمة فیکون التوارث هنا الذی راجع الی المال دون العقد الفضولی مربوطا بالمعاملة الفضولیة.

و لکن حیث و رد النص الخاص فی عزل نصیب الزوجة هنا- فبالملازمة القطعیّة یبقی جریان أصالة عدم الإجازة و ترتیب الآثار علیها فانّ نفی اللازم یستلزم نفی الملزوم الا انّ ورود النص فی مورد خاص مبنیّا علی الاحتیاط فی الأموال کما تقدم لا یوجب التعدی الی غیر مورده و الحکم بعدم جریان أصالة عدم الإجازة فی باب النکاح مطلقا فضلا عن غیر باب النکاح کما لا یخفی.

و قلنا سابقا انّه ورد نظیر ذلک فی المرأة الحبلی حال و فات زوجها فإنّه یعزل نصیب ذکرین مع انّ أصالة عدم التولد أو عدم کون الولد أکثر من واحد أو عدم کونه ذکورا بناء علی جریان الأصل فی الاعدام الأزلیة کما هو الحق جاریة فإنّ المتیقن فی الصورة الأخیرة هو کون الأقل نصیبا للولد الذی لم یولد بعد فالزیادة التی تخرج علی احتمال کونه ذکرا ینفی بالأصل و بالجملة تتحصل انّه یجوز- للأصیل أن یتصرف فی ماله قبل اجازة الآخر العقد مطلقا علی القول بالکشف لجمیع اقسامه و علی القول بالنقل و علی القول بالکشف الحکمی فإنّ أصالة عدم الإجازة محکمة و ما ذهب الیه المصنف من أصالة عدم الإجازة و التمسک بأوفوا بالعقود فی إثبات لزوم العقد و تبعه بعض الأخر و کک ما ذهب الیه شیخنا الأستاذ من الحکم بلزوم العقد من الأصیل لا وجه له.

فی عدم جواز إعدام المنذور

قوله کالنذر المعلق علی شرط.

أقول:تفصیل الکلام هنا انّه سواء کان النذر متعلقا بالفعل

ص:180

أو بالنتیجة و سواء کان متعلقة امرا اختیاریا أو غیر اختیاری علی انما

تارة یقع الکلام فی الحکم التکلیفی

و اخری فی الحکم الوضعی اما.

الأول:فتارة یکون متعلق النذر مطلقا من غیر ان یعلقه بشیء بأن کان قصده حین النذر لتنجّز التکلیف بالوفاء علیه لانّه علی وجه الإطلاق کما إذا نذر ان یعطی درهما للفقیر مطلقا و علی هذا فلا إشکال فی عدم جواز إعدام المنذور و اخری یکون معلقا و علیه تارة یکون ذلک مثل الواجب المعلق بان یکون النذر فعلیّا و متعلقة امرا استقبالیّا کما یکون الوجوب فعلیّا و الواجب استقبالیّا فی الواجب المعلق و هذا مثل الأول لفعلیة الوجوب.

و اخری یکون مثل الواجب المشروط بان یکون قصد الناذر تحقق النذر حین تحقق متعلقة و هو علی قسمین لأنّه تارة یعلم الناذر حصول متعلق نذره فیما بعد و اخری لا یعلم فعلی الأول- أیضا لا یجوز التصرف فی المنذور بحیث یوجب إعدامه لما حققناه فی محلّه انّ تمامیّة ملاک التکلیف فی محلّه و العلم بتنجزه فی ظرفه موجب لحفظ القدرة لإتیانه و حفظ مقدماته و تهیئة وسائل إتیانه لو علم أو احتمل عجزه عنها فی ظرف الإتیان و یحرم إعدام المقدمات المفوتة لذلک الملاک و لو فی ظرفه و من هنا نقول بحفظ الماء لحفظ نفسه فی ظرف عدم التمکن منه فی ذلک الظرف أو لحفظه للوضوء لذلک بحیث یعلم انّه لو لم یحفظه یموت بعد ساعة عطشا أو لا یجد الماء للوضوء و تسمّی مثل هذه المقدمات بالمقدمات المفوّتة.

و بالجملة و ان کان النذر معلقا مثل الواجب المشروط الا ان العلم بانعقاده و حصول متعلقة یوجب حفظ المنذور لقبح تفویت

ص:181

ملاک التکلیف فی نظر العقلاء و الشارع و لو کان التکلیف استقبالیا کما انّ الأمر کک فی الواجب المشروط أیضا.

و ان لم یعلم الناذر حصول متعلق نذره فان کان من قصده تعلّق النذر بالإبقاء کتعلقه بأصله بحیث یکون هنا نذران بحسب الانحلال فلا شبهة أیضا فی وجوب حفظ المنذور کما إذا نذر بصدقة شاة علی تقدیر برء مرض ابنه و مع ذلک تعلق نذره بإبقاء ذلک الشاة أیضا.

و ان لم یکن نذره متعلقا علی صدقة الشاة مطلقة و لا علی صدقتها علی نحو الواجب المعلق و لا علی نحو الواجب المشروط- بحیث یعلم بحصول متعلقة و لا ان یکون متعلقا بإبقائه أیضا فلا یجب الإبقاء بل یجوز إعدام موضوع النذر بحیث لا یبقی موضوعه أصلا فضلا عن ان یجب الوفاء به بعد تحقق متعلّقة.

ثم انّه لا یفرق فی جمیع ذلک التصور بین ان یتعلق النذر بالفعل أو بالنتیجة و سواء کان اختیاریا أو کان غیر اختیاری.

و اما الحکم الوضعی أعنی صحة التصرفات فی المنذور.

فنقول:

اما فیما یجوز التصرف و إعدام موضوع النذر کما فی الصورة الأخیرة فلا شبهة فی صحة التصرف و نفوذه فلو باع فیحکم بصحته و اما فیما یحرم التصرف فی المنذور کأکل الشاة المنذورة مثلا فأیضا یصح التصرف فی المنذور وضعا و ینفذ ذلک لانّه لا ملازمة بین حرمة التصرف تکلیفا و بین صحته وضعا.

و ما یمکن ان یکون وجها فی عدم صحة ذلک أمران.

ص:182

الأول انّه یشترط فی المبیع ان یکون طلقا فلا یصح بیع غیر الطلق و ما تعلق به النذر لیس بطلق لتعلق حق الغیر به.

و فیه:انّه ممنوع کبری و صغری،اما الصغری فواضح لانه لا یکون المال بمجرّد تعلق النذر به مما یتعلق به حق الغیر و من هنا لو اجتمع المنذور إلیهم و أسقطوا حقوقهم عن ذلک المال فلا یؤثر ذلک فی المنذور شیئا و لا یصیره عن الحالة الأولیّة التی لم یتعلق به الا الحکم التکلیفی و لا یرتفع به الحکم الشرعی التکلیفی أعنی عدم جواز التصرف فیه مع انّ الحق امتیازه عن الحکم لیس إلا بالإسقاط کما مرّ فی أول البیع و الا فکلّ حکم یصح إطلاق الحق علیه فیعلم من ذلک انّه لم یتعلق بالمنذور الا الحکم التکلیفی أعنی حرمة التصرف فیه و اما الحکم الوضعی فلا فلم یتم الصغری و اما الوجه فی منع الکبری فلانّه لا دلیل علی اشتراط کون المبیع طلقا بهذا العنوان بل هو أمر منتزع من الموارد الخاصة ففی کل مورد لا ینفذ فیه التصرف فلا یجوز بیعه و لا یصح و فی کل مورد یصح فیحکم بصحة البیع و الا فلم یدل دلیل خاص یکون المبیع طلقا.

الأمر الثانی ما اعتمد به شیخنا الأستاذ من انّ المنع الشرعی کالمنع العقلی فحیث انّ التصرف فی المنذور محرم شرعا فیکون ممنوعا من التصرف فیه کما کان غیر مقدور تکوینا فحیث انّ المنذور لا یجوز التصرف فیه تکلیفا فیکون ممنوعا من ذلک وضعا أیضا و بهذا استند فی انّ النواهی تدل علی الفساد فی المعاملات و بنی علی ذلک دلالة النهی علی الفساد فی باب المعاملات.

و فیه:ان کانّ المراد من انّ المنع الشرعی کالمنع العقلی

ص:183

المشهور بین الناس من حیث التکلیف فهو مسلّم و ان کان المراد من ذلک من حیث الوضع فهو أول الکلام إذ لم یدل دلیل علی ان ما تعلق به النهی و حکم بحرمة التصرف فیه فهو مما لا ینفذ التصرف فیه فیحکم ببطلانه کما هو واضح.

اذن فلا وجه لما زعمه شیخنا الأستاذ من الحکم بعدم نفوذ التصرف فی المنذور مستندا علی هذا الوجه الغیر الوجیه فإنّه لا ملازمة بین حرمة التصرف تکلیفا و بین حرمته وضعا و ما اعتمد علیه فی دلالة النهی علی الفساد فی باب المعاملات قبلا وجه.

قوله

ثم انّ بعض المتأخرین ذکر ثمرات آخر.

أقول:ذکر شیخ الکبیر ثمرات آخر علی القول بالکشف أو النقل فنذکرها تبعا لشیخنا الأنصاری.

الأول:انّه لو مات أحد طرفی العقد من البائع أو المشتری

سواء کان العقد من قبل کلیهما فضولیّا أو من قبل أحدهما فنفرض الکلام فیما لو کان فضولیّا من جانب و احد فمات الأصیل قبل الإجازة الآخر فحاصل ما قاله(ره)انّه لو مات الأصیل قبل الإجازة فیبطل العقد بناء علی النقل فإنّه حین تحقق الملکیّة غیر موجود و الفرض انّ العقد لم ینعقد قبل الإجازة فیبطل.

و بعبارة اخری:انّ المالک الأصیل حین ما کان موجودا لم ینعقد العقد الموجب للملکیّة و حین انعقاد العقد و تمامیة الملکیّة لم یکن موجودا فکیف یحکم بصحة مثل ذلک العقد و هذا بخلافه علی القول بالکشف فإنّه یحکم بصحته فإنّ الملکیّة قد تحققت علی الفرض فلم یبقی فی البین إلا إجازة المجیز فهی قد حصلت فیحکم بصحته.

ص:184

و قد أورد علیه صاحب الجواهر بدعوی ظهور الأدلة فی اعتبار استمرار القابلیّة إلی حین الإجازة علی الکشف مع قطع النظر عن الإجازة فیکشف الإجازة عن حدوث الملک من حین العقد مستمرا الی حین الإجازة و مراده انّ صحة العقد الفضولی متوقفة علی بقاء مالکی العقد و من یستند العقد الیه و یکون العقد عقده باقیا علی قابلیة ذلک المعنی و بالموت یخرجان عن ذلک القابلیّة و لا یمکن استناد العقد الیه و هذا واضح جدّا.

و أشکل علیه شیخنا الأنصاری بالنقض و الحلّ اما النقض بالعقود المتعددة الواقعة علی مال واحد بنحو تعاقب الأیدی فضولا حیث انّ تلک العقود قد وقعت فضولة و قبل تحقق الإجازة انتقل الملک الی الآخر و لم یبق المالک مستمرا علی مالکیته و علی تلک القابلیّة الأولیة إلی زمان الإجازة فیکشف من ذلک انّ بقاء المالک علی قابلیة المالکیة إلی زمان الإجازة غیر لازمة.

و فیه:انّ هذا عجیب من المصنف حیث انّه فرّق بین ما نحن فیه و بینما ذکره المصنف نقضا لأنّ فی فرض تعاقب الأیدی المالکیة مستمرة مع قطع النظر عن الإجازة و انما الإجازة أوجبت انقطاع مالک الثمن عن الثمن و مالک المثمن عن المثمن کما انّ الرد یوجب انهدام العقد و بقاء کل منهما فی ملک صاحبه و هذا بخلاف ما نحن فیه فإنه مع قطع النظر عن الإجازة و الرد ینقطع الملک بالموت کما أفاده الأستاذ اذن فلا ینبغی لمثل الشیخ ان یورد له بمثل ذلک و ثانیا بالحل و حاصله انّ بعض الاخبار المتقدمة من أدلة صحة المعاملة الفضولیة ظاهرة فی صحتها حتی مع موت أحدهما الأصیل أو من

ص:185

کان العقد من قبله فضولیّا کالأخبار الدالة علی الاتجار بمال الیتیم و اخبار المضاربة حیث انها أعم من ان یکون المالک حیّا أو میّتا مع جریان العادة بموته فی مدّة مدیدة یتجر العامل بالمال و لم یستفصل الامام(علیه السلام)فی ذلک فیکون إطلاق تلک الاخبار شاهدا علی المطلب.

و بعضها صریحة فی ذلک کالروایة التی تضمّن ان شخصا اوصی بالعبد المأذون فی التجارة ان یشتری عبدا فیعتقه و یحج عنه ثم ترافع کلّ من مولی المأذون و العبد المعتق و الورثة فی کونه من مالهم فإنّها صریحة فی المطلوب حیث انّ المالک قد مات الی زمان اجازة مالک العبد المأذون ذلک العقد فیکون صریحة فی المورد.

و فیه:قد تقدم ان شیئا من تلک الاخبار لا تدلّ علی صحة البیع الفضولی بل هی خارجة عن المقصد بل الشیخ أیضا لم یستدل بها علی ذلک و انّما ذکرها تأییدا لمرامه فلا یمکن الاستناد إلیهما فی هذا المقام أیضا.

و الذی ینبغی ان یقال انّه لو کان النظر إلی الأدلة الخاصة للمعاملة الفضولیة کروایة عروة البارقی و صحیحة محمد بن قیس فلا شبهة لظهورها فی کون المالک المجیز أو الطرف الأخر حیّا فلا أقل من أخذ المتیقن منها فإنّه لیس لها إطلاق یؤخذ به انما سری فلا یکون الأدلة الخاصة للفضولیة دلیلا للمقام اذن فالحق مع صاحب الجواهر فان مقتضی الاختصار بالقدر المتیقن منها هو الکفایة منها بحال حیاة الطرفین من المالکین الفضولیین أو أحدهما فضولیا و الأخر أصیلا.

و ان کان النظر إلی الأدلة العامة أعنی العمومات و الإطلاقات

ص:186

الدالة علی صحة المعاملة کقوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و غیرهما فلا شبهة فی صحة المعاملة مع موت الأصیل أو المجیز مطلقا علی القول بالکشف و علی القول بالنقل و ذلک اما علی القول بالکشف فواضح لانّ العقد قد تمّ من جمیع الجهات الا من ناحیة اجازة من کان العقد من قبله فضولیّا فإذا حصلت الإجازة فلا معنی للحکم بالبطلان لصحة العقد من جمیع الجهات و عدم نقصانه من جهة.

و السر فی ذلک انّه قد تقدم مرارا انّ قوام المعاملة بالمبادلة بین المالین و لا خصوصیة للمالک بوجه بحیث یکون هذا الشخص أو ذلک الشخص فحیث انّ المبادلة و الملکیّة قد حصلت بالعقد فلم یبق فی البین إلا الإجازة من المجیز فیها یتمّ جمیع جهات المعاملة غایة الأمر أنّه إلی زمان موت الأصیل کان المالک للثمن أو المثمن هو و بعد موته یکون المالک وارثه و یقومون مقامه لکن فضولة و تبدیل المالک لا یضرّ بصحة المعاملة بوجه و کک انقلابه الفضولیة لا یضر بالمطلب و لزوم کون البائع حال البیع مالکا بالمبیع غیر لازم و ان تقدم الالتزام به من التستری الا انّه بلا مدرک لإمکانه فی المالک المتجدد بالإرث و نحوه و اما علی النقل فالعقد قد وقع من المتعاقدین و یبقی الی زمان الإجازة معلّقا فی الهواء حتی یجیزه المجیز فإذا أجاز یستند الیه العقد و موت الأصیل أو غیره من أحد طرفی العقد لا یضرّ بالعقد- الواقع فإنّ الشیء لا ینقلب عما هو علیه اذن فتشمله العمومات و المطلقات و بعبارة اخری:انّ العقد بعد وقوعه فضولا مستجمعا لشرائط الصحة غیر جهة الإجازة لیستند الی المجیز و تشمله العمومات فلا

ص:187

یخرج عن الجهة التی وقع علیها کما هو بدیهی الوضوح.

نعم لو کان المیت هو الأصیل لصار العقد من قبل ورّاثه أیضا فضولیّا فنتوقف صحته علی إجازتهم أیضا کتوقفها علی اجازة المجیز الآخر.

و بالجملة لا نعرف وجها صحیحا لدفع العمومات أو المطلقات عن شمولها لهذه المعاملة.

غایة الأمر انّه علی الکشف ینتقل المال بموت الأصیل إلی الورثة من حین الموت فیکون العقد فضولیا من قبله أیضا و علی القول بالنقل فالعقد یکون مراعی فیکون طرف العقد هو الوارث فضولة و بإجازته ینتقل المال عنه و ینسب العقد الیه فلا یکون هذه الثمرة ثمرة البحث فإنّه علی القول بالنقل و الکشف مقتضی العمومات و الإطلاقات صحة العقد و ان لم تکن الأدلة الخاصة للفضولی جاریة هنا لعدم إطلاقها أو عمومها.

الثمرة الثانیة ان یعرض الکفر علی أحدهما أو کلاهما

سواء کان کلاهما فضولیا أو أحدهما فضولیا و الأخر أصیل حیث ذکر الشیخ الکبیر ظهور الثمرة هنا بین القول بالکشف أو النقل.

و تحقیق ذلک ان الکلام هنا تارة یقع فیما یکون المبیع عینا شخصیّا و اخری یکون کلیّا فی الذمة فعلی الأول فالکلام فیه بعینه هو الکلام فی الفرع الأول فإنّه علی القول بالکشف ینتقل الثمن أو المثمن الی الوارث بمجرّد ارتداد أحدهما ینتقل العین الشخصیة إلی الوارث فیکون ذلک الوارث طرفا للعقد فضولة فیتوقف صحة العقد علی إجازته أیضا و علی القول بالنقل فینتقل المال أیضا الی

ص:188

الوارث مع کون العقد مراعی الی زمان الإجازة فإن أجاز یقع و الا فلا علی النحو الذی تقدم. و علی الثانی فلا بدّ و ان یفرض الکلام فی کون المبیع مسلما أو مصحفا فإنّه علی فرض کونه غیر المسلم و المصحف لا یظهر ثمرة بین القولین إذ المرتد الفطری یملک علی الأقوی و ان کان ینتقل أمواله الموجودة بالارتداد إلی الورثة و تبین عنه الزوجة و لا یسقط عنه القتل و لکن کل ذلک لا یوجب عدم قابلیته للتملک بالنسبة إلی الأموال التی حصلها بعد الارتداد بالحیازة أو بالکسب بعمله أو بالمعاملة علی الذمة أو ببذل شخص آخر و غیر ذلک فإنّه لا دلیل لنا یدل علی سقوط المرتد الفطری عن قابلیة التملک بالکلیة بواسطة ارتداده و انّما- الدلیل دل علی ثبوت الأمور المذکورة.

و توهم انّ تملکه غیر معقول فإنّه أمواله الموجودة تنتقل إلی الورثة و بالنسبة إلی الأموال التی تحصل بعد ذلک ینعدم الموضوع بالقتل.

و لکنه فاسد فإنّه نفرض الکلام فیما لم یکن مقتولا اما لفراره عن الحاکم أو لعدم بسط ید الحاکم علیه أو غیر ذلک کما هو واضح.

إذا عرفت ذلک فنقول إذا کان المبیع فی البیع الفضولی مسلما أو مصحفا ثم ارتد أحدهما أی الأصیل أو الفضولی فتظهر الثمرة حینئذ بین القول بالکشف و بین القول بالنقل فإنّه علی الأول فیحکم بکون الکافر مالکا لهما فانّ الفرض انّ الملکیّة قد حصلت من زمان العقد فحین الارتداد کان مالکا لهما.

و اما علی الثانی فلا لانه کان مراعی الی زمان الإجازة و-

ص:189

بالإجازة کانت الملکیّة حاصلة و الفرض انّ المشتری الأصیل مثلا ارتد و سقط عن قابلیّة تملک المسلم أو القرآن فیحکم ببطلان المعاملة کما هو واضح.

و توضیح الکلام بعبارة اخری ان یقال انّه لا فرق بین موت احد المالکین أو کلاهما و بین ارتداده الا من بعض الجهات فانّ الارتداد الفطری أیضا موت شرعی و بیان ذلک انّه لو کان المبیع أو الثمن مالا شخصیا فکما انّه بموت الأصیل ینتقل إلی الورثة فتکون الورثة طرفا للمعاملة و هکذا فی فرض الارتداد و لا یفرق فی ذلک بین القول بالکشف أو الرد کما تقدم غایة الأمر یکون العقد بالنسبة إلی الورثة أیضا فضولیة و اما لو کان دینا فی الذمة فعلی القول بالکشف فأیضا یحکم بالصحة بالإجازة و یلزم الورثة بإعطاء الثمن أو المثمن إذ التوریث بعد إخراج الوصیة و الدیون و من بعد وصیة یوصی بها أو دین و علی هذا أیضا لا یفرق بین الموت و الارتداد الفطری و اما علی القول بالنقل فلا یمکن الحکم بالصحة أیضا مطلقا فانّ العقد کان مراعی الی زمان الإجازة و زمان الإجازة هو زمان النقل و الانتقال و الفرض ان المرتد و المیت فی ذلک الزمان غیر قابلین للتملک للارتداد و الموت فی المیت مطلقا و فی المرتد إذا کان المبیع مسلما أو مصحفا بناء علی شمول نفی السبیل فی الآیة بتملک الکافر المسلم أو مطلقا إذا قلنا بعدم مالکیّة المرتد و کونه قابلا لذلک و هنا أیضا لا یفرق بین الموت و الارتداد فانّ عدم قابلیة التملک مشترک بینهما و اما إذا قلنا بالکشف و کان الثمن العمل لجواز جعله ثمنا فی البیع کما تقدم فیظهر الثمرة حینئذ بین المرتد و الموت حیث انّه فی صورة الموت قد حکمنا بانتقال

ص:190

الثمن إلی الورثة فی العین الشخصی و بلزوم أدائهم فی الدین و اما فی صورة کونه عملا یبطل العقد فی صورة الموت لعدم إمکان دفعه منه الا علی احتمال انتقاله إلی القیمة و اما هنا فلا یبطل فانّ المرتد غیر قابل للتملک لا انّه غیر قابل بإعطاء ما ملکه للآخر من العمل مع إمکانه کما لا یخفی.

الثمرة الثالثة ما انسلخت قابلیة المنقول بتلف و نحوه

کما إذا کان المبیع خلا ثم صار خمرا.

و هذا یتصور علی نحوین الأول ان یکون ذلک قبل القبض بان باع الفضولی دار زید فضولة و قبل إقباضها الدار قد خرجت و انهدمت و خرجت عن استمرار القابلیة للتملک فیحکم حینئذ ببطلان العقد علی القول بالکشف و النقل فانّ تلف احد العوضین قبل القبض یوجب بطلان العقد و هذا معنی انّ التلف قبل القبض من مال مالکه کما سیأتی أی ینفسخ العقد بذلک لا انّ المالک یجبر بدفع الغرامة کما لا یخفی اذن فلا معنی للتکلم فی الثمرة فإنّه مع البطلان لا تصل التوبة الی ذلک بل الأمر کک حتی علی تقدیر کون طرفی العقد- اصیلین فانّ البطلان مستند إلی جهة تلف احد العوضین قبل القبض و البطلان من هذه الجهة غیر مربوط بجهة أخری.

الثانی ان یکون التلف بعد القبض کما إذا کان المبیع قبل البیع تحت ید المشتری بالإیجار و نحوه و تلف بعد البیع أو کان أمواله تحت ید الوکیل فی غیر جهة البیع فباعها شخص آخر من الوکیل فضولة ثم تلف المبیع قبل الإجازة فإنّه حینئذ لا شبهة فی ظهور الثمرة بین القولین فإنّه علی القول بالکشف یکون التلف من الذی

ص:191

انتقل الیه المال فبالإجازة یکشف تلفه منه.

و اما علی القول بالنقل فیحکم بالبطلان فإنه زمان العقد لم یحصل النقل علی الفرض و فی زمان الإجازة قد انعدم المال فلا یکون المعدوم قابلا للانتقال الی المنقول إلیه بالإجازة کما لا یصح ذلک ابتداء.

و من هنا ظهر انّ ما أشکل به شیخنا الأستاذ و غیره من رد هذه الثمرة علی إطلاقه غیر تمام إذ عرفت الفرق بین کون التلف قبل القبض أو بعده و لعل نظر هؤلاء الأعاظم إلی صورة کون التلف قبل القبض و لکنّه غیر مختص بالمعاملة الفضولیّة کما عرفت.

قوله أو عروض نجاسة له مع میعانه.

أقول:نحتمل انّ هذا صدر من سهو القلم فإنّه بناء علی مانعیّة النجاسة و تسریة مانعیتها الی المتنجس أیضا فهی انما تمنع عن التملیک و البیع و لا یوجب سقوط المتنجس الغیر القابل للتطهر کالدهن و نحوه عن الملکیّة فإن کلامنا فی سقوط المنقول عن قابلیّة الملکیّة عن قابلیة التملیک و البیع و من هنا لا یوجب التنجس سقوط المتنجس عن الملکیّة و لذا یضمنه المتلف نعم یقع ذلک لو کان خلا و صار خمرا نعم لو کان مراده من ذلک تعمیم سقوط القابلیة إلی الشروط بالمثال بان کان مراده أنّه تارة یکون المنقول عنه أو المنقول الیه ساقطا عن قابلیة التملک کما تقدم و اخری یکون المنقول عنه خارجا عن تلک القابلیة کما إذا تلف أو کان خلا و صار خمرا.

و ثالثة تسقط عن قابلیة استیفاء المنقول بالشروط فإنّه بناء علی مانعیة النجاسة عن التملیک و البیع فیکون المبیع بعروض النجاسة

ص:192

الغیر القابلة للتطهر خارجا عن تلک القابلیة ای قابلیة التملیک و التملک بالبیع و الشری و علی هذا فلا یرد علیه شیء.

ثم انّ هنا کلاما لصاحب الجواهر کما عرفت حیث انّه اعتبر بقاء القابلیة لکل من المنقول عنه و المنقول الیه و المنقول و حکم ببطلان العقد بخروج واحد منها عن القابلیة و بعدم استمرارها الی زمان الإجازة لکونها علی خلاف مقتضی أدلة صحة الفضولی فإنّ المتیقن منها صورة بقاء قابلیّة تلک الأمور و استمرارها الی زمان الإجازة کما هو واضح و قد أجبنا عن ذلک بأنه ان کان نظره فی أخذ المتیقن إلی الأدلة الخاصة لصحة الفضولی فهو کما(کما هو کک)افاده فإنّه لیس لها إطلاق یؤخذ به و یحکم بمقتضاه انما سری و ان کان نظره الی العمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة الفضولی فهو ممنوع إذ لا وجه لمنع تلک الإطلاقات بوجه و قد أجاب عنه شیخنا الأنصاری بوجوه الأول بالنقض بالعقود المتتابعة و فیه ما تقدم من انّ الناقل فیها الإجازة و تفصیله فی تقریر بحث شیخنا الأستاذ.

الثانی بالروایات الظاهرة فی ذلک و قد قلنا ان المراد منها روایات التجارة بمال المضاربة و مال الیتیم حیث لم یستفصل فیها بین موت المالک و حیاته مع العادة جرت بموت المالک فی مدة طویلة غاب عنه العامل.

و فیه:انّ تلک الروایات و ان کانت ظاهرة فی ذلک و ظهورها فیما افاده مما لا ینکر الا انها لم تتم دلالتها علی المقصد و لیس فیها ما یستفاد منها صحة بیع الفضولی.

الثالث أشکل علیه بصراحة بعض الروایات الأخری فی ذلک و

ص:193

انّه لا فرق فی صحة البیع الفضولی بین موت أحد طرفی المعاملة من المالکین و عدمه.

و فیه:لم نجد فی الروایات المتقدمة ما یکون صریحا فی ذلک إلا روایة علی بن أشیم المتضمنة لشراء العبد المأذون فی التجارة و عتقه و إرساله الحج مع موت المالک قبل اجازة مالک العبد فعل عبده الا انها غیر مربوط بالمقام حیث انّ المشتری انّما کان هو- الوکیل من قبل المالک و لم یکن فضولیّا حتی یکون دلیلا علی المقام و من هنا منعنا دلالتها علی صحة المعاملة الفضولیة.

الرابع بما یدل علی صحة نکاح الصغیرین مع موت الآخر حیث یرث الحیّ من المیّت مع الحلف کما تقدم و حیث انّ الزوجین فی النکاح بمنزلة المالین فی البیع فی الرکنیة فإذا صح العقد فیما یکون من أهم الأمور أعنی النکاح فإنّه من الاعراض و الفروج و اهمیتها عند الشارع معلوم فیکون غیر الأهم صحیحا بطریق اولی فیکون الاستدلال بالفحوی و فیه علی تقدیر صحة الاستدلال بها فیما تقدم علی صحة المعاملة الفضولیة بالفحوی و الأولویة بدعوی انّه إذا قلنا بصحة- الفضولیة فیما فیه وطی مع کونه من أهم الأمور و فیما لیس من الفروج نحکم بالصحة بالأولویة و أغمضنا النظر عمّا قلناه من منع الاستدلال بذلک.

الا انّه لا یمکن التمسک بها فی المقام حیث انّ الروایة تعرضت فی صورة موت احد الزوجین بقضیة الإرث و لیس فیه وطی حتی یتوهم صحة غیر النکاح بفحوی ذلک بل هو أیضا من قبیل الأموال اذن فلا یمکن التعدی منها الی غیر موردها بالفحوی کما هو واضح بل لیس

ص:194

التعدی إلا قیاسا و نحن لا نقول بذلک مضافا الی منع دلالتها بصحة المعاملة الفضولیة فی غیر مورد النکاح بالفحوی کما تقدم.

الخامس انّه قد استدل علی عدم اشتراط القابلیّة فی المنقول بروایة عروة البارقی حیث انّ رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)لم یستفصل بین موت الشاة و بقائها عند الإجازة بل أجاز البیع بقوله بارک اللّه فی صفقة یمینک.

و فیه:انّ عدم الاستفصال لأجل الاطمئنان ببقاء الشاة و عدم موتها.

و ثانیا وجود الاستصحاب هنا الحاکم علی بقاء الشاة و اما ذبحها فمع العلم بها لا یضر أیضا فإنّ الذبح لا یخرج الشاة عن المالیة و عن استمرار تلک القابلیة غایة الأمر کانت المالیة قبل الذبح قائمة بالشاة و بالذبح کانت قائمة باللحم کما هو واضح.

و کلامنا فیما یکون المنقول خارجا عن تلک القابلیة المالیّة.

ثمّ انّه یقع الکلام فی عکس تلک الفروض المتقدمة بأن کان العاقد أو العوضین أو المالکین غیر قابلین فی حال العقد للعاقدیة و المالکیة و العوضیة فصار قابلا بعد العقد و قبل الإجازة و قد حکم الشیخ ره بالبطلان فی جمیع الصور مطلقا و لکن الظاهر ان نفصل فی الشروط و توضیح ذلک انّ الشرط تارة یکون شرطا للعاقد کما إذا اعتبرنا کونه بالغا و حکمنا ببطلان عقد الصّبی و عممنا قوله(علیه السلام)عمد الصبی خطأ الی ذلک أیضا فیکون عقد الصبی باطلا و لا ینعقد من الأول فإنّه یشترط فی تحققه و صدوره حین الصدور ان یصدر من البالغ و علی هذا فلو صدر العقد من الصبی ثم صار بالغا لا یمکن الحکم بصحة مثل

ص:195

هذا العقد فإنه کان حین صدوره باطلا لفقدانه للشرائط ثم صار واجدا لها فوجدانها بعد تحققه باطلا لا ینقلب(یقلّب)الباطل الی الصحیح فإنّ الشیء لا ینقلب عما هو علیه.

و اخری یکون الشرط شرطا لنفس العقد و ذاته کعدم کون العقد غرریا حیث انّه شرط لنفس العقد و ذاته مشروط بان لا یکون فیه غرر من الأول و الا فیبطل من الأول و لا یتحقق صحیحا و علی هذا لو تحقق العقد حین وقوعه غرریا ثم ارتفع الغرر قبل الإجازة فلا یمکن الحکم بذلک أیضا بصحة العقد المتحقق حین وقوعه غرریا لما تقدّم من انّ وجدان الشرائط بعد تحققه باطلا للفقدان لا یقلب الباطل إلی الصحة و الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه و لا یفرق فی ذلک أیضا بین النقل و الکشف.

و ثالثة یکون الشرط راجعا الی المال و هذا علی قسمین فإنّه تارة یکون انعدامه موجبا لانعدام المالیة و اخری لا یکون اما الأول کاشتراط عدم کون المبیع خمرا أو اشتراط وجود الثمرة و بدو صلاحها فی بیع الاثمار فإنّه یلزم من انتفائهما انتفاء المالیّة مثلا لو باع خمرا من شخص فضولة و انقلب الخمر الی الخل بین زمانی العقد و الإجازة فانتفاء ذلک الشرط حین العقد یوجب بطلانه علی النقل و الکشف فانّ فی الزمان الذی وقع علیه العقد لم یکن مالا و قابلا للبیع اما لاعتبار المالیة و اما للنص و فی الزمان الذی کان مالا و واجدا لان یکون مبیعا لم یقع علیه العقد.

و بعبارة اخری:انّ العقد وقع علیه فی الزمان الذی ألغی الشارع مالیته و قابلیّة کونه مبیعا و بطلان العقد علیه حین صدوره بمقتضی

ص:196

ثمن الخمر سحت و ما یکون حین صدور البیع و وقوع العقد علیه غیر قابل لذلک بل أوجب بطلان العقد الواقع علیه ثم صار قابلا لذلک لا یوجب صحة العقد فإنّه حین زمان صدور العقد أوجب بطلانه و فی زمان لا یوجب بطلان العقد لم یقع علیه عقد.

و هکذا الکلام فی بیع الثمرة قبل الظهور و الانعقاد فإنه أیضا لو باعه احد من شخص فضولة حین کونه زهرة ثم صار ثمرة لا یکون ذلک البیع صحیحا امّا لاعتبار المالیة أو للنص فإنّه حینما وقع علیه- العقد لم یکن مالا و قابلا لان یقع علیه العقد بل کان یوجب بطلانه و حین کونه قابلا و غیر موجب لبطلان العقد علیه لم یقع علیه عقد کما هو واضح و هکذا الکلام فی جمیع الموارد التی یکون الشرط من هذا القبیل و لا یفرق فی ذلک کلّه بین القول بالنقل و الکشف بل الأمر کک لو وقع العقد علیه من الاصیلین و الفضولی لا یزید علی الأصیل.

و اما الثانی فهو ما یرجع الشرط الی المال مع الحفاظ المالیّة فی صورتی الفقدان و الوجدان و کونه الشرط راجعا إلی جهة الأوصاف الکمالیّة دون ما یقوم بها المالیّة و هذا کالمثال المتقدم من المائع المتنجس فإذا وقع علی المائع الطاهر عقد فضولا و بین العقد و الإجازة عرضت له النجاسة فإنّه بناء علی مانعیة النجاسة عن البیع بمقتضی روایة تحف العقول أو شیء من وجوه النجس أو اشتراط الطهارة فی المبیع لا یکون هذا المائع الذی وقع علیه العقد واجدا لشرائط البیع و إذا طهر قبل الإجازة فالظاهر هو صحته علی القول بالنقل إذ حین وقوع العقد علی هذا المال کان مالا و غیر ذلک المال مما وقع علیه

ص:197

الإجازة غایة الأمر کان حین العقد فاقدا للشرط و حین الإجازة واجد له و لکن المالیّة مالیة وحدانیة محفوظة فی ذلک المال من البدو الی زمان الإجازة و لم یرده الشارع و لا العرف ما وقع علیه العقد مغایرا لما وقع علیه الإجازة و هذا بخلاف مثل الخمر فان ما وقع علیه العقد مغایر لما یرد علیه الإمضاء فی نظر الشارع بل فی نظر العرف فی بعض الموارد و ما وقع علیه العقد لیس بمال فی نظر الشارع و ما یرد علیه الاذن مال فی نظره فکیف یتحدان و یحکم بالصحة و هکذا العین الموقوفة لأشخاص خاصة فإنه لا یجوز بیعها إلا فی الموارد- المخصوصة فإذا باعها شخص فضولة ثم عرض لها ما یجوز بیعها کالخلف بین أربابها فإنّه لا مانع من الحکم بصحة مثل هذا البیع لعدم ما یوجب بطلانه و انّ ما وقع علیه العقد غیر ما وقع علیه الإمضاء غایة الأمر کان حین وقوع العقد علیه فاقدا لشرط من شرائط البیع و حین الإمضاء واجد لذلک و هکذا الکلام فی بیع أمّ الولد ثم مات ولده.

و الوجه فی صحة العقد فی أمثال ذلک انّ العقد قد تحقق و استند الی من له العقد بالإجازة فیشمله دلیل صحة البیع عموما و إطلاقا.

لا یقال انّه حین وقوع العقد علی أمثال ذلک کان البیع فاقدا لذلک الشرط فیکون باطلا و ما یکون موجودا عند الإجازة لا یوجب انقلاب الفاسد الی الصحیح کما تقدم فی الشروط الراجعة إلی العاقد و نفس العقد و ما یکون به المالیّة کما لا یخفی.

فإنّه یقال کلامنا علی طریقة النقل أخ لا یصدق البیع علی ذلک العقد الا حین الإجازة فإنّه زمان النقل و الانتقال و فی ذلک الوقت

ص:198

فالعقد واجد لجمیع الشرائط.

و أوضح من جمیع ذلک ما یکون الشرط راجعا الی المالکین کما إذا باع العبد المسلم أو المصحف من الکافر فضولة ثم أسلم الکافر بل صار بعد ذلک من الزّهاد قبل ان یتحقق الإجازة فإنّه لا وجه حینئذ للحکم ببطلان العقد.

و السر فیه ما کرّرناه مرارا من انّ حقیقة البیع هو التبدیل بین المالین و خصوصیة المالک ملغاة فی ذلک بل اللازم وجود طبیعی المالک و هو أیضا لا من جهة الموضوعیة بل یکون مقدمة للتبدیل بین المالین و قنطرة لذلک فانّ التبدیل فی جهة الإضافة أی الإضافة الملکیّة لا یکون إلا فی ملک مالک بل الأمر کک حتی علی القول بالکشف فإنّه سیأتی من المصنف انّ معنی الکشف لیس کشف حصول الملکیّة و نحوها من زمان العقد بالإجازة المتأخرة بل معناه هو الکشف عن تحقق النقل قبل زمان الإجازة و لو کان بعد تحقق العقد و علی ذلک فلا مانع من الالتزام بالصحة فی تلک الموارد علی القول بالکشف أیضا فإنّ بالإجازة نکشف عن تحقق الملکیة فی بیع الوقف و المائع المتنجس و بیع العبد المسلم من الکافر من زمان تحقق النزاع بین أرباب الوقف و عروض الطهارة للمائع و إسلام المشتری الکافر فتشمل العمومات و الإطلاقات علی ذلک و ان لم تشمل علیها الأدلة الخاصة لعدم إطلاقها فی صورتی تجدد الشروط بعد العقد و وجودها بعد العقد.

و بالجملة لا مانع من التمسک بالعمومات فی تلک الموارد اذن فحکم المصنف بالفساد مطلقا فی صورة تجدد الشرط بعد العقد و قبل

ص:199

الإجازة بلا وجه نعم الأدلة الخاصة للفضولی لا تجری فی المقام فإنّه لیس فیها تعرض لصورة تجدد الشروط بعد العقد و قبل الإجازة و لا انّ فی مورد احد هذه الأدلة ذلک المعنی موجود اذن فلا إطلاق لها نتمسک به هذا.

و قوله و ربما یقال بظهور الثمرة فی تعلق الخیارات.

أقول:اما ظهور الثمرة بین القول بالکشف أو النقل فی خیار الحیوان فالظاهر انّه لا اشکال فیه فإنّه علی القول بالکشف فیکون الخیار للمشتری من الأول و علی النقل من حین الإجازة فإنّه یصدق من حین العقد علی الکشف انّ المشتری صاحب الحیوان فیشمله قوله(علیه السلام)(صاحب الحیوان المشتری أو المشتری بالخیار الی ثلثة أیام).

و اما خیار العیب فالظاهر أیضا انّه علی الکشف یثبت من الأول و علی النقل من حین الإجازة فإنّ دلیل ثبوته سواء کان هو الشرط فی ضمن العقد أو غیر ذلک شامل علیه من الأول علی الکشف تمامیة المعاملة علی الفرض و ان وقف علی الإجازة بخلافه علی النقل فانّ الفرض انّه لم یحصل النقل و الانتقال حتی یشترط فی ضمنه الخیار و یکون للمشتری أو للبائع خیار الحیوان و نتیجة ثبوت الخیار له من الأول انّه لو فسخ بالخیار لا بالرد یکون النماءات قبل الفسخ له لان الفسخ رفع الأمر الثابت و قطعه بخلاف الرّد فإنّه دفع و مانع عن تحققه من الأول و اما خیار المجلس فاحتمل شیخنا الأستاد عدم ثبوته علی النقل و الکشف و لا نعرف له وجها صحیحا و الذی ینبغی ان یقال انّه انّما یثبت علی النقل و الکشف مطلقا اما علی الکشف فمن حین

ص:200

العقد لصدق البیع علی طرفی العقد سواء کان کلاهما فضولیا أو أحدهما أصیلا و الآخر فضولیّا لفرض تمامیّة المعاملة من جمیع الجهات الا من ناحیة الرضا فهو یحصل بعد ذلک علی الفرض فعدمه عند العقد لا یمنع عن صدق عنوان البیع و اما علی النقل فمن حین الإجازة فإنّ الفضولیین لیسا الا مجرّد العقد فلا یصدق علیها البیع لیتوهم ثبوت الخیار لهما و اما المالکین فالفرض انّ الملکیة إنما تحصل لهما بعد الإجازة و قبلها لم یحصل النقل و الانتقال فلا بدّ و ان یثبت من حین الإجازة لأن زمانها زمان ا انتساب العقد إلیهما و صدق البیع علیهما کما هو واضح فیکون المناط افتراقهما عن مجلس الإجازة و لو کان بعیدا غایته فینجز ان العقد بالتلفون مثلا فانّ لفظ المجلس لم یرد فی روایة لیؤخذ بمفهومه و اما حق الشفعة فهو ثابت لأحد الشریکین من جهة دفع الضرر ما إذا باع أحد حصة أحد الشریکین للأجنبی فضولة ثم باع الشریک الأخر حصته من شخص آخر أصالة فعلی القول بالکشف فحیث ان المشتری الأول ملک العین قبل المشتری الثانی فیثبت حق الشفعة له و یأخذ الحصة الأخر من المشتری الثانی بالشفعة و اما القول بالنقل فحق الشفعة للمشتری الثانی إذ الإجازة بعد البیع الثانی و الفرض انّ زمان تحقق البیع و المعاملة و استنادهما الی المالک و عند حصول النقل و الانتقال هو زمان ثبوت حق الشفعة فهو مسبوق بحق الشفعة للمشتری الثانی و ربّما یقال بظهور الثمرة فی صورة تعاقب الأیدی و سیأتی تعرض المصنف بذلک تفصیلا و نتعرض به نحن أیضا.

و اما ظهور الثمرة فی تعلّق النذور و الأخماس و الزکوات علیه

ص:201

فالظاهر ان یفصّل بینها لأنها ان کانت متعلقة بالملک من حیث هو ملک مع قطع النظر عن الجهات الخارجیة کالنذر و الحلف و الخمس و نحو ذلک فلا إشکال فی ثبوتها من الأول و تعلقها علیه علی القول بالکشف دون النقل و ان کان ممّا یتعلق بالملک مع لحاظ جهة أخری کالزکوات حیث انّها تعلقت بالملک مع لحاظ جواز التصرف فی المال و الا فلا یتعلق علیه اذن لا تجب الزکاة علی القول بالکشف لا علی البائع و لا علی المشتری اما البائع فلأنّه قد خرج المال عن ملکه قبل تعلّق الزکاة علیه فما لیس ملکه لا یجب فیه الزکاة و اما المشتری فلانّه و ان کان المال ملکا له و لکنه لا یجوز له التصرف قبل الإجازة و شرط تعلق الزکوات جواز التصرف فی المال.

و اما علی القول بالنقل یتعلق الزکاة علی المالک لیس الا کما هو واضح. قوله(ره)

و ینبغی التنبیه علی أمور.

أقول:

الأول انّ النزاع فی باب الفضولی فی أنّ الإجازة

کاشفة أو ناقلة لیس من جهة أخذ ذلک فی مفهوم الإجازة لغة أو

عرفا أو انصرافا

بل من جهة الحکم الشرعی حیث انّ القائل بالکشف انّما یدعی استناد العقد الی المالک المجیز من حین العقد بواسطة الإجازة فإنّ ما یسنده الی نفسه ذلک العقد فیقتضی ذلک ان یقال بالکشف.

و القائل بالنقل یقول انّ العقد مستند الی المالک حین الإجازة فلا بدّ من القول بانتقال الملک إلیه أیضا فی ذلک الوقت و هذان مختلفان فی مقام الثبوت.

ص:202

و اما فی مقام الإثبات فلا بدّ من إثبات أنّ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هل هو متکفّل بوجوب الوفاء علی العقد من الأول و ان کان الاستناد فی زمان الإجازة أو بوجوب الوفاء من زمان الإجازة فقط و قد تقدم تفصیل ذلک فالمقصود هنا التنبیه علی انّ ذلک المعنی من ناحیة الشرع.

ثمّ انّ المالک المجیز لو أجاز العقد علی خلاف ما بنی علیه المفتی و مجتهده بأن بنی المقلّد علی الکشف فأمضی المالک من زمان النقل أو من الوسط أو کان المفتی بانیا علی النقل فهو أجاز العقد من زمان العقد و علی طریقة الکشف فهل یصح العقد حینئذ أو یفسد و علی تقدیر صحته فهل یقع من زمان الإجازة علی النقل و من حین العقد علی الکشف أو یقع من زمان تعلّق أجازته به و الظاهر هو التفصیل بین القول بالکشف و بین القول بالنقل فعلی الأول فیحکم بالبطلان و علی الثانی فلا و بیان ذلک اما وجه البطلان علی الأول فالذی استندنا إلیه فی إثبات الکشف هو ان مقتضی العمومات استناد ذلک العقد الذی أوقعه الفضولی إلی المالک المجیز بالإجازة و- صیرورته عقدا له من حین صدوره و تحققه و لا قصور فی إثبات ذلک فی العمومات کما تقدم فإنّه قلنا انّ الإهمال فی الواقع غیر معقول فلا بدّ من الإطلاق أو التقیید و لا شبهة انّ المنشأ بالعقد الفضولی هو الإطلاق اذن فلا وجه للالتزام بکونه ممضی من زمان الإجازة بل لا بدّ و ان یمضی علی النحو الذی إنشائه المتعاقدان.

و بالجملة حیث انّ الظاهر من کون المنشأ بالعقد الفضولی مطلقا لعدم التقیید و عدم الإهمال فی الواقعیّات فبالإجازة یستند

ص:203

ذلک العقد الی نفس المالک المجیز بمقتضی العمومات و الإطلاقات فیکون عقدا له.

و علی هذا المنهج فلو اجازه المجیز من الوسط أو من زمان الإجازة فلا یمکن تصحیح مثل ذلک العقد لأنّ المنشأ عبارة عن- الملکیّة المطلقة و لم تقع علیه الإجازة و ما وقعت علیه الإجازة لم تنشأ فیکون باطلا.

و بعبارة اخری:انّ المنشأ بالعقد الفضولی واجد لجمیع للشرائط التی تعتبر فیه الا الرضا فلا بدّ من القول بصحته من انضمام ذلک الرضا بذلک العقد المنشأ علی النحو الذی قد أنشأت و الا فیحکم ببطلانه.

و أساس ذلک هو ما تقدم من لزوم المطابقة بین الإیجاب و القبول فإنّ الإجازة و ان لم تکن قبولا حقیقة لتمامیّة العقد بالفضولیة إیجابا و قبولا و الا لکان باطلا للفصل الطویل بین الإیجاب و القبول.

الا انّ ملاک لزوم المطابقة بین الإیجاب و القبول موجود هنا فإنّه کما لو تخلّف الإیجاب عن القبول لکان العقد باطلا بان تعلق الإیجاب مثلا بالزوجیة الدائمیة و قبل الزوج الزوجیة المنقطعة أو تعلق الإیجاب ببیع الدار و القبول بملکیّة البستان أو تعلق الإیجاب ببیع الدار و القبول باستئجارها فانّ فی جمیع ذلک یحکم ببطلان العقد لتخلّف الإیجاب عن القبول و انّ ما أنشأه المنشئ غیر ما قبله القابل فبمقتضی القاعدة یکون العقد باطلا و کک الحال فی قضیة الإجازة، فإنّ روح العقد و قوام صحته بذلک و العقد انّما هو توجد بالإیجاب و القبول علی النحو الذی قد أنشأ بهما فلا بد فی صحة ذلک من

ص:204

سریان ذلک الروح الی تمام المنشأ بحیث افضی ذلک العقد المنشأ بذلک الرضا فلو تعلق بغیر المنشأ فلا یمکن الحکم بصحة شیء منهما اما المنشأ بالفضولی فلفقدان الرضا لعدم تعلقه به علی الفرض و اما ما تعلّق به الرضا فلفقدان الإنشاء لعدم کونه منشأ علی الفرض و بالجملة ملاک لزوم التطابق بین الإیجاب و القبول بعینه موجود هنا فلا بدّ من صحة العقد الفضولی علی القول بالکشف من مطابقة الإجازة مع المنشأ کما هو واضح لا یخفی و اما علی القول بالنقل فالظاهر هو الصحة مع مخالفة الإجازة عن ما بنی علیه المفتی بأن أجاز من حین العقد أو من الوسط نظیر القول بالکشف و ذلک نظیر بیع شیء قبل سنة بحیث یکون نمائه من تلک السنة للمشتری فإنّ مثل ذلک لا یضر بالمطابقة فإنّ التخلف بین الإیجاب و القبول و لو بمقدار لا یکون فصلا طویلا مما لا بدّ منه مع انّ الإیجاب هو إنشاء المنشأ من حین الإیجاب و القبول بعد دقیقة أو دقیقتین فلم یحصل المطابقة بینهما و لکن مثل ذلک لا یضر بالمطلب قطعا للسیرة القطعیة علی عدم إضراره بالعقد.

نعم فیکون أجازته هذا مع قصد شرعیة هذا العقد تشریعا محرما و لغوا و مع عدم قصد شرعیته لغوا فقط کما یکون البیع قبل سنة أیضا لغوا لکونه علی خلاف الارتکازات العرفیة و علی خلاف المتعارف فلا تشمله الأدلة فلا یکون حراما فکیف کان فلا یضر بصحة العقد و شمول أدلة الصحة علی ذلک.

قوله

الثانی:انّه یشترط فی الإجازة ان یکون باللفظ الدال

علیه علی وجه الصراحة.

ص:205

أقول:المحتملات هنا أربعة.

الأول:اعتبار اللفظ الصریح فی الإجازة فلا یکتفی بالکنایة فضلا عن غیر اللفظ.

الثانی:الاکتفاء بکل لفظ دل علی الرضا و لو بالکنایة.

الثالث:عدم الحاجة الی اللفظ أیضا و کفایة الإنشاء الفعلی نظیر بیع المعاطاتی.

الرابع:إلغاء الإنشاء قولا و فعلا و الاکتفاء بمجرّد الرضاء الباطنی فی طرف الإجازة و بالکراهة الباطنیّة فی طرف الرّد و ربّما یقال باعتبار اللفظ الصریح فی الإمضاء لأنّ الاستقراء و التفحّص یدلنا علی اعتبار اللفظ فی الإیجاب و القبول فمقتضی ذلک عدم کفایة غیر اللفظ الصریح فی الإجازة أیضا.

و فیه علی تقدیر قبول تمامیّة الاستقراء فإنّما هو فی الإیجاب و القبول فقط فلا یسری بالإجازة حیث انّ العقد قد تمّ و کون الإجازة مثل القبول فی التطابق لا یقتضی کونها مثله من جمیع الجهات و قد استدل بعضهم علی اعتبار اللفظ الصریح بأنّ الإمضاء مثل البیع فی استقرار الملک و قد نسبه المصنف إلی المصادرة و هو کک.

بل ظاهر روایة العروة البارقی کفایة الکنایة فی الإجازة و لو کان اللفظ الصریح لازما فی البیع فانّ قوله(صلی الله علیه و آله)بارک اللّه فی صفقة یمینک من لوازم إمضاء العقد لا انه بنفسه مصداق للإجازة اذن فیکفی فی الإمضاء مثل أحسنت و نحوه.

اذن فلا دلیل علی اعتبار اللفظ الصریح فی الإجازة و الرد بل لا دلیل علی اعتبار اللفظ أصلا و یکفی فیه مطلق ما یوجب إنشاء الإجازة

ص:206

و یکون مبرزا للرضا الباطنی بحیث یحکم باستناد العقد الیه عرفا بدلیل الوفاء بالعقد و لو کان فعلا کتمکین الزوجة نفسها من الزوج و إعطاء المالک العین المبیعة للمشتری و هکذا و هکذا بل هذا هو المتعین فإنّه لا شبهة فی صدق الإنشاء و الإبراز،و الإظهار بکل ما یوجب ذلک من الفعل أو القول و لو کان بتحریک الرّأس و إذا صدق علیه إنشاء الرضا الباطنی عرفا و صدق عندهم استناد العقد الی المجیز فبمجرد ذلک تشمله العمومات و الإطلاقات فیحکم بصحته و لزومه و مع هذا أیّ شیء یمنع عن نفوذ ذلک العقد و صحته کما هو واضح.

و بالجملة لا مانع من صدق العمومات علی ذلک العقد الفضولی إذا انضم الی المالک المجیز عرفا بأیّ نحو کان الانضمام فانّ المناط فی صحة العقد الفضولی لیس الا استناد العقد الیه و لا یعتبر شیء آخر ورائه کما لا یخفی.

ثم انّ العلامة الأنصاری(ره)قرّب الاحتمال الرابع و کفایة مطلق الرضا الباطنی فی الإجازة فلو علم ذلک و لو بغیر مظهر و مبرز فیکفی فی صحة العقد الفضولی و استدل علیه بوجوه و قد تعرضنا لذلک فی أول البیع الفضولی عند عدم اعتبار الرضا المقارن فی إخراج العقد من الفضولیّة الی غیر الفضولیة فحیث اکتفی المصنف بکفایة رضا المقارن فی ذلک فاکتفی بکفایة رضی الباطنی المتأخر فی الإمضاء أیضا.

الأول مما استدل به علی مقصده لصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع فی امرأة زوّجت نفسها من رجل فی سکرها ثم أفاقت و عرض لها النکاح فأقامت معها مقام الزوجة فقال(علیه السلام)إذا أقامت معه بعد ما

ص:207

أفاقت فهو رضی منها وجه الاستدلال بها هو حملها علی صورة توکیل الغیر فی حال سکرها فی التزویج بحمل ذلک التوکیل علی الفضولیة و الا فلا اعتبار بعقد السکران لو کانت بنفسها مباشرة للعقد کما فی حاشیة السیّد.

و فیه:انّ نفس الاقدام بذلک اجازة فعلیّة للعقد الفضولی فلیست فیها دلالة بکفایة الرضا الباطنی من دون کاشف و مبرز و الا فلا مبرز له و من این علم ذلک.

و منها ما فی بعض اخبار الخیارات ما أحدث فیه المشتری حدثا قبل ثلثة أیّام فذلک رضا منه و لا شرط له و قیل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبل إلخ.

فاستدل بها بانّ الظاهر من قوله فذلک رضا کفایة الرضا فی الإجازة و الإمضاء و کون المناط فی ذلک هو الرضا فقط.

و فیه:انّ ذلک إشارة إلی الحدث الذی هو من الافعال فیکون الخبر دالا علی کفایة الرضاء المظهر بالمظهر لا بکفایته مجردا عن ذلک فلو لا کون ذلک الحدث مظهر للرضا فمن این علم ذلک.

و منها الأخبار الواردة فی تزویج العبد بدون اذن سیده حیث انّ المانع من ذلک عصیان المولی فیرتفع برضاه و الاخبار الأخر- الواردة فی تزویج العبد بغیر اذن سیده مع سکوت سیده فقد علل بانّ سکوت سیّده إقرار له بالعقد و غیر ذلک من الاخبار الواردة فی خصوص تزویج العبد بغیر اذن سیّده الظاهرة فی صحتها مع رضا المولی و ان لم یظهره بمظهر فیعلم من ذلک کفایة الرضا الباطنی فی الإمضاء حیث انّ صحة عقد العبد أیضا متوقف علی اجازة المولی.

ص:208

و فیه:مضافا الی کون السکوت رضی فعلیا لکونه من الافعال فیکون کاشفا عن الرضا فلا تکون تلک الروایات دالة علی کفایة مجرد الرضا الباطنی انّه تقدم ان تلک الاخبار خارجة عن العقد الفضولی فانّ فی العقد الفضولی انّ الإجازة من المالک الذی ینسب العقد الیه و یستند الیه و یکون العقد عقده و هذا بخلاف عقد العبد بدون اذن سیّده فانّ طرف العقد و من یستند الیه العقد هو نفس العبد و المولی خارج عن ذلک غایة الأمر انّ إجازته دخیلة فی صحة العقد کإجازة العمة و الخالة فی صحة عقد بنت الأخ و بنت الأخت فلو دلت هذه الروایات علی کفایة الرضا الباطنی من المولی علی عقد العبد فلا یکون مربوطا بما نحن فیه بوجه.

نعم مع قطع النظر عن هذا الاشکال انّ الاخبار الدالة علی صحة عقد العبد بدون اذن سیّده لأجل أنّه عصی سیّده و لن یعض اللّه لا بأس من دلالتها علی کفایة الرضا لما ذکره الشیخ من ان عصیان السید یرتفع بالرضا.

و اما التمسک فی ذلک بالآیات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و نحوه فبدیهی البطلان لانّ العمومات غیر شاملة لعقد غیر المالک الا بعد الانتساب کما عرفت و الانتساب لا یکون إلا بإنشاء الإجازة و إظهار الرضا عرفت بمظهر فعلی أو قولی کما مر.

و اما کلمات الفقهاء فأیضا بوجوه.

الأول:انّه ذکر بعضهم انّه یکفی فی إجازة البکر السکوت

ص:209

فهذا یدل علی کفایة مجرّد الرّضا الباطنی لا انّ الرضا لیس بشرط فیه.

و فیه:قد عرفت من السکوت من جملة الأفعال فیکون مبرزا فعلیّا للرضا و الا فمن این علم انّ البکر راض بذلک العقد.

الثانی انّه علل جماعة عدم کفایة السکوت فی الإجازة بکونه أعم من الرضا فلا یدل علیه فالعدول عن التعلیل من عدم اللفظ الی عدم الدلالة کالصریح فی کفایة الرضا الباطنی و الا کان حقه ان یقال السکوت لا یکفی فی الإجازة لعدم اللفظ.

و فیه:انّه صریح فی ما ذکرنا لا فی ما ذکره المصنف و العجب منه کیف غفل عن ذلک فانّ قولهم انّ السکوت أعم من الرضا صریح فی انّ السکوت تارة یدل علی الرضا و اخری لا یدل فإن الإنسان تارة یسکت برضائه و اخری یسکت بدون الرضایة و ردهم کفایة السکوت من جهة عدم دلالة الأعم علی الأخص کما هو قضیة منطقیة بدیهیة و هذا صریح فی انّ السکوت غیر الرضا و انما یدل علیه فی بعض الأحیان کما هو واضح لا یخفی.

الثالث انّه ذکر بعضهم انّه إذا أنکر الموکل الاذن فیما أوقعه الوکیل من المعاملة فحلف انفسخت لان الحلف یدل علی کراهتها و فیه:انّ العقد تارة یکون خیاریا و اخری غیر خیاری فعلی الأول فقیامه علی مقام الحلف و إنکار الوکالة یکون موجبا للفسخ کما هو معنی العقد الخیاری و علی الثانی فبإنکار الاذن و الوکالة یکون فضولیّا فیکون أیضا قیامه مقام الحلف ردا فإنّه أیضا من الافعال له و علی ایّ حال یکون خارجا عن ما ذکره الشیخ ره و علی تقدیر دلالة

ص:210

کلمات بعض العلماء علی ذلک بل تصریحهم علی ذلک فأیضا لا یدل هذا علی کفایة مجرّد الرضا الباطنی فی الإمضاء فإنّه لا دلیل علی حجیة قولهم لنا و انّما هم أفتوا بذلک بحسب اجتهادهم و فهمهم ذلک من بعض الروایات أو صدق العمومات بمجرّد الرضا و قد عرفت جوابها ثم انّ بین ما ذکرنا و ما ذکره المصنف ثمر بیّن حیث انّه علی ما ذکره المصنف یکون البیع بمجرد کشف رضا المالک مضی بخلافه علی ما ذکرنا فإنّه ما لم یبرز الرضا الباطنی بمبرز لا یفید لنا عن الإجازة.

قوله

الثالث من شروط الإجازة ان لا یسبقها الرّد.

أقول:و قد استدل المصنف علی اشتراط الإجازة بعدم سبق الرّد علیها بوجوه.

الأول:قام الإجماع علی ذلک.

و فیه:انّه مضافا الی منع حجیة الإجماع المنقول انّ تحققه ممنوع لانّه لا اشعار به فی کلمات القدماء و المتأخرین إلا فی کلام الشهید فی القواعد و مع ذلک کیف یمکن دعوی الإجماع علیه.

علی انّ الإجماع انّما یکون حجة إذا لم یکن له مدرک معلوم بل یکون مدرکه قول المعصوم فیکون حجة من باب التعبّد المحض و مدرکه هنا الوجهان الآخران و سنذکرهما فلا أقل من احتمال ذلک فانّ حجیته مشروطة بالعلم بعدم ابتنائه علی مدرک معلوم و یکفی منع ذلک احتمال الابتناء بمدرک آخر.

الوجه الثانی:انّ الرّد ممّا یوجب انحلال العقد و انعدامه

إذ الرّد الفاصل بین العقد و الإجازة بمنزلة ما یتخلل بین الإیجاب و القبول و یوجب خروجهما عن عنوان صدق العقد علیهما بیان ذلک

ص:211

انّ قوام العقد و تحققه فی وعائه انّما هو بالتعاهد و التعاقد بین الموجب و القابل و ارتباط التزام کلّ منهما بالتزام الآخر لیحصل العقد.

و بعبارة اخری:انّ من الأمور الحاصلة بفعل الطرفین الموجب و القابل و الإیقاع عبارة عن فعل شخص واحد و قائم به فلو لم یکن بین الإیجاب و القبول ربط و عقدة لانقلب الی الإیقاع.

و علی هذا فکما لو انفصل بین الإیجاب ما یوجب خروجهما عن ارتباط أحدهما بالآخر و اتصالهما بحیث یکون الإیجاب إیجابا لهذا العقد و القبول قبولا لهذا و کک الرّد فإن الإجازة فی البیع الفضولی بمنزلة القبول.

و فیه:ان کان المراد من تخلل ما یوجب خروج الإیجاب و القبول عن عنوانهما اعراض الموجب عن إیجابه و فسخه ما إنشائه من الإیجاب فهو متین فإنّ الإیجاب انّما یؤثر فی الملکیّة إذا بقی علی حاله و لم یعتریه ما یوجب زواله و اذن فلو رجع علی إیجابه فلا یفیده بوجه و ان کان المراد من ذلک اعراض القابل عن ذلک و ردّه علی الموجب و عدم قبوله إیجابه ثم ندم فله ان یقبل ذلک الإیجاب فإن ردّ القابل علی الموجب لا یخرج إیجابه عن التأثیر ما لم یخرج عن الإیجابیّة بواسطة الأمور الأخر الموجبة لبطلانه و لا دلیل علی انهدامه بردّ القابل.

اذن فالمطلب لیس بتمام فی المقیس علیه.

و اما المقیس فلو سلمنا کون ردّ القابل کرد الموجب موجبا لبطلان الإیجاب و عدم تأثیره فی الملکیّة فلا نسلّم ذلک فی الإجازة للفرق الواضح بین القبول بالنسبة إلی الإیجاب و بین الإجازة بالنسبة

ص:212

إلی الإیجاب و القبول فانّ العقد کما عرفت تمامیته انّما هو بالإیجاب و القبول و لو خلا عن أحدهما لا یتحقق العقد لعدم تحقق التعاهد و التعاقد فحیث انّ الرد من ناحیة الموجب أو من ناحیة القابل أوجب ردّ الإیجاب فما نعزل عن الإیجابیة فیبقی القبول منفردا فهو علی وحدته لا یکون عقدا.

و هذا بخلاف ما نحن فیه فانّ العقد قد تمّ بالإیجاب بتمامه و لم یبق فی البین إلا رضائه المالک لیکون ذلک تجارة عن تراض و منتسبا الی المالک و حینئذ ان ردّ الأصیل ذلک العقد مع کون احد طرفیه أصیلا ثم أجاز فقد تقدم الکلام فی تأثیره و عدمه.

و ان ردّ الفضولی ثم طرئه الرضا و أجاز فهل یوجب ردّه هذا خروج العقد عن قابلیة لحوق الإجازة به أولا.

الظاهر هو الثانی لأنّ ردّه هذا لا یوجب انحلال العقد و لا یضرّ بصدق عنوانه علی ذلک و عن قابلیة انتسابه الی المالک بالإجازة لعدم الدلیل علیه کما قلنا بعدم تمامیته فی المقیس علیه مع کون الإیجاب من أحد أطراف العقد و کیف فی المقام حیث تم العقد و لم یبق الا انتسابه الی المالک فردّ الفضولی لا یخرجه عن قابلیة الانتساب و لا دلیل علی تأثیر ردّه فی انحلال العقد و لا مانع عن التمسک بالعمومات و المطلقات بعد الإجازة لصدق عنوان العقد علی هذا و صدق انّ العقد عقده فیجب الوفاء علیه.

و بعبارة اخری:انّ دلیل الوفاء بالعقد سبق بعنوان القضیة الحقیقیة فإنما تحقق العقد و صدق علیه عنوان العقد عرفا فیشمله ذلک الدلیل فیحکم علیه بوجوب الوفاء و فی المقام حیث یصدق علی

ص:213

العقد الفضولی مع تخلل الرد من الفضولی بین العقد و الإجازة انّه عقد عرفا فیشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فیحکم علیه بوجوب الوفاء.

الثالث:انّ دلیل السلطنة و هو یقتضی سلطنة المالک علی

ماله

و مقتضی ذلک تأثیر الرّد فی العقد و کونه موجبا لقطع علاقة الطرف الآخر عمّا انتقل إلیه.

فإنّه قد حصل بواسطة البیع الفضولی شأنیّة کونه للطرف الأخر فی ذلک المال فلو لم یکن له ازالة تلک الشأنیّة للزم الخلف فی دلیل السلطنة و عدم کونه مسلطا علی ماله فبمقتضی ذلک یکون مالکا علی الرد لیزول ذلک السلطنة.

و فیه أوّلا:انّ دلیل السلطنة نبویّة مرسلة فلا تکون حجة لعدم انجباره بشیء.

و ثانیا:انّه قد تقدم سابقا انّ دلیل السلطنة لیس مشرعا فی مفاده و ناظرا إلی الأحکام الشرعیة بحیث لو شککنا فی ترتب بعض الاحکام علی الاملاک نتمسّک بدلیل السلطنة کما إذا شککنا ان لبس السنجاب جائز فی الصلاة أو غیر جائز فنمسّک بدلیل السلطنة أو ان أکل شیء فلانی جائز أولا فنمسّک بذلک أو انّ بیع المیتة و نحوها جائز أم لا فنمسّک بدلیل السلطنة و هکذا بل انّما نتمسّک به بعد الفراغ عن الحکم الشرعی من الجواز و عدمه و الشک فی انّ للغیر حق المنع عن ذلک کما فی المهجور و المجنون و الصبی و السفیه أولا و بمقتضی ذلک یحکم بعدم جوازه و انّه لیس للغیر ذلک.

و بالجملة انّ مقتضی تسلط الناس علی أموالهم عدم جواز مزاحمة الغیر عن تصرفاته فیما له ذلک شرعا و ثبت جوازه و کان مفروغا

ص:214

عنه قبل شمول دلیل السلطنة و انّما دلیل السلطنة ناظرة فقط الی منع الغیر و حجبه عن ذلک التصرف الجائز.

و بعبارة اخری:انّ موضوعه ثبوت الجواز قبله و بعد ثبوته و هو متکفّل لمنع الموانع الخارجیة دائما و لیس له فی إثبات أصل الجواز مانع بوجه أصلا و الا یلزم ان یکون الناس مسلّطا علی أحکامهم بدلیل السلطنة و یکون ذلک الدلیل مشرعا.

و ثالثا:لو سلّمنا کون دلیل السلطنة مشرّعا و ناظرا إلی الاحکام أیضا و لکن لا یشمل المقام نقضا و حلا.

اما النقض فلانّه لو کان دلیل السلطنة متکفلا لإثبات کون الرّد مزیلا لقابلیة کون المال للغیر بإجازة المالک و مانعا عن بقاء علاقة الطرف الآخر فیه لکان مانعا من الحدوث و عن أصل انعقاد بیع الفضولی صحیحا حیث ان ثبوت علاقة الغیر فی المبیع فضولا خلاف مقتضی سلطنة المالک فلو کان ذلک مانعا عن البقاء فأولی ان یکون مانعا عن الحدوث و الحال انّه غیر مانع من الحدوث فیعلم من ذلک انّه غیر مانع عن البقاء أیضا فلا یؤثر ردّه فی سقوط المبیع عن قابلیّة انتقاله الی الغیر بالإجازة لو کانت تلک القابلیّة ثابتة بالبیع.

و اما الحل فبانّ تلک القابلیّة فی الأموال ثابت من الأول و قبل البیع الفضولی حیث انّ لکل مالک له ان یبیع ماله من الغیر برضایته و طیب نفسه و یجیز ذلک البیع من دون ان یثبت للطرف الآخر هنا حق و علاقة غایة الأمر ففی صورة بیع ذلک المالک فضولة تحقق أحد جزئی ذلک الموضوع المرکب اعنی جواز البیع و کونه برضائه المالک و أجازته بفعل الفضولی أعنی العقد و بقی الجزء الآخر أعنی

ص:215

الإجازة و ذلک من الأحکام الشرعیّة للمالک فی أموالهم و لیس مربوطا بدلیل السلطنة بل قبل ذلک الدلیل و بدلیل السلطنة هنا یمنع عن منع الغیر من إیجاد ذلک الموضوع المرکب اعنی البیع مع الرضایة و الإجازة الذی من الأحکام الشرعیّة. و بعبارة أخری:جواز البیع و أجازته من الأحکام الشرعیّة الثابتة للملاک مع قطع النظر عن دلیل السلطنة سواء کان هناک دلیل السلطنة أم لم یکن نعم فی إجراء ذلک الحکم فی البیع الفضولی لا نحتاج الی العقد لتحققه بل إلی الإجازة فقط لتحقق الموضوع لانتقال المال الی الغیر.

و أوضح من ذلک انّ الفضولی لم یرد شیئا فی ذلک المال الذی باعه لتنافی سلطنة المالک و یکون ذلک علاقة لطرف الأخر کما توهم و بنی علیه أساس الاستدلال حتی یدفع ذلک بدلیل السلطنة و یقال ان یدفع ذلک فلو لم یؤثر للزم ان لا یکون الإنسان مسلّطا علی ماله و انّما الفضولی قد أوجد موضوع الإجازة الذی عبارة عن العقد بحیث کان قبل ذلک اختیار إیجاده و عدمه تحت ید المالک بان یوجد الموضوع المرکب من العقد و الإجازة و کان ذلک ثابتا من الأول.

و لکن إذا أوجد الفضولی أحد جزئی ذلک الموضوع المرکب کان الجزء الآخر تحت اختیار المالک له ان یوجده و له ان لا یوجده.

و لو کان دلیل السلطنة متکفلا لإثبات جواز الرّد للمالک الفضولی بحیث ان یبقی الرّد موضوعا للإجازة للزم ان یکون نفسه معدوما لنفسه فإنّه عرفت انّ الفضولی لم یفعل شیئا ینافی سلطنة المالک-

ص:216

حتی یدفع بدلیل السلطنة بل أوجد موضوعا للإجازة فلیس هنا للمالک المجیز إلا الإجازة و عدمه فالإجازة تثبیت و عدمها تحلیل و الا فالرّد لیس له اثر و ان کان مشوبا بسوء الخلق و ضیق النفس.

و بعبارة أخری:أحد جزئی موضوع المعاملة و علی هذا لو ثبت بدلیل السلطنة ما یمنع عن نفوذ اجازة المالک المجیز للزم إعدام نفوذ الإجازة بدلیل السلطنة و هذا ما قلنا من اللازم.

و ببیان آخر انّ المال حسب انحفاظه تحت سلطنة مالکه فی عمود الزمان لو أراد أحد التصرّف فیه بغیر إذن أهله یتوقف علی اذنه و لو منع عن تصرّفات مالکه بأنحاء التصرفات فیدفع ذلک بدلیل السلطنة و اما لو لم یمنع عن تصرّفات المالک بوجه و لا انّه تصرّف فیه بغیر اذنه بل فعل فعلا فیه من دون تصرّف یکون فعله هذا موضوعا لفعل البائع فی إیجاد غرض من الأغراض بحیث لو کان بنفسه مباشر الإیجاد ذلک الغرض کان علیه إیجاد ما فعله الغیر مع ما یحتاج صدوره علیه فحینئذ لا یکون دلیل السلطنة دافعا لذلک بل فعله هذا مؤید لذلک الدلیل.

و لو أرید إثبات الرد بدلیل السلطنة فمعناه کما ذکرنا لیس الا منع تأثیر الإجازة و سدّ بابها مع انها ثابتة بدلیل السلطنة فیلزم من شموله إعدام نفسه بنفسه و هذا من الوضوح بمکان.

ثم انّ من العجائب قیاس الأستاد الرّد بالإجازة بأنّه کما لیس للمالک فسخ العقد بعد أجازته و کک لیس له إمضائه بعد ردّه.

و وجه العجب انّ الإجازة تثبیت العقد و تقریره فی مقرّه بخلاف الرّد فانّ کونه موجبا للفسخ أول الکلام کما عرفت فالصحیحة الظاهرة

ص:217

فی صحة الإجازة بعد الرّد فعلی مقتضی القاعدة و تکون مؤیدة لما ذکرنا مع قطع النظر عمّا تقدم من عدم تحقق الرّد بذلک الأخذ.

نعم لها اشعار الی ذلک من جهة احتمال عدم ارادة ذلک التوجیه الذی ذکرناه و کک لا وجه لقیاس الرّد بالفسخ من انّه کما لا یجوز الإمضاء بعد الفسخ و کک لا یجوز الإجازة بعد الرّد و ذلک ان تأثیر الفسخ فی العقود الخیاریّة انّما ثبت بدلیل شرعی و هذا بخلاف الرّد فإنّک قد عرفت عدم تأثیره فی العقد الفضولی بوجه لعدم الدلیل علیه بل لیس هنا إلا الإجازة و عدم الإجازة کما عرفت.

ثم بقی هنا أمران.
الأول:انّه قیل انّ إثبات جواز الرّد بدلیل السلطنة یوجب

تعارضه فی مفهومه

فإنّه یوجب إثبات جواز الإجازة أیضا فیقع التعارض فی مفهومه من حیث إثبات الرّد و إثبات الإجازة لأنّ إثبات کل منهما موجب لإسقاط الأخر.

و فیه:انّه مع الإغماض عمّا ذکرناه من عدم شمول دلیل السلطنة علی الرّد انّ هذا توهم فاسد إذ لیس شمول دلیل السلطنة علی الرّد فی عرض شموله علی الإجازة لیقع بینهما التعارض بل شموله علی کل منهما فی طول الأخر و بأیّهما شمل أولا یوجب إعدام الآخر و لا یکون تعارض بوجه لانّ الشمول علی نحو البدلیّة لا بعنوان المجموع من حیث المجموع کما توهم.

الثانی:انّه ذکر شیخنا الأنصاری بعد دعوی ظهور الصحیحة

فیما ذکرنا اللهم الا ان یقال انّ الرد الفعلی کأخذ المبیع مثلا غیر

کاف بل لا بدّ من إنشاء الفسخ

و دعوی ان الفسخ هنا لیس بأولی

ص:218

من الفسخ فی العقود اللازمة و قد صرّحوا بحصوله بالفعل یدفعها ان الفعل الذی یحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملک المبیع کالوطی و العتق و نحوهما لا مثل أخذ المبیع.

و فیه:انّه لا شبهة فی کون الفسخ بالفعل ککونه باللفظ الا انّ جعله الأخذ غیر کاف فی الفسخ لا وجه له بل هو کسائر الافعال فی تحقق الفسخ به کیف فهل یجوز الالتزام بجواز أخذ مال الغیر بدون إذنه فإنّه لو قلنا بعدم تحقق الفسخ به للزم القول بجواز أخذ مال الغیر بل هذا من أقوی ما به یتحقق الفسخ و لکن لا یمکن الالتزام بتحقق الرّد بالأخذ فی باب الفضولی و ما توهّم من الأولویّة من انّه یکفی الفسخ به فی باب العقود و فی الفضولی لا بدّ و ان یکون کافیا بالأولویّة فبلا وجه بل المطلب علی عکسه و ذلک من جهة انّ الفسخ و ان کان رفعا و الرّد دفعا الا انّ مجرّد ذلک لا یوجب کون مئونة الدفع أقل من الرّد حتی یثبت بالأولویة علی الدفع کلّما یکون ثابتا علی الرّد و لکن العقد بعد صدوره من الأصیل یکون مؤثرا فی حصول الملکیة للطرف الآخر و لو کان عقدا خیاریّا و یکون المبیع ملکا للمشتری فلا یجوز لأحد ان یتصرّف فیه أو یأخذه و مع ذلک لو أخذه البائع مع کونه ذا خیار فیکون ذلک فسخا منه للعقد کما انّه لو لم یکن ذی خیار لکان أخذه هذا حراما لکونه تصرّفا فی مال الغیر و السّر فی ذلک ان المال بما انّه مال للغیر فیکون الأخذ ظاهرا فی الفسخ مع کون الآخذ ذو خیار.

و هذا بخلاف أخذ المالک المجیز فإنّه ما لم یجز العقد کان له ان یتصرف فی ماله کیف شاء لکون ذلک من شئون المالکیة علی

ص:219

شیء أذن فأخذ المالک ما له لا یدل علی الفسخ بل فسخ أم لم یفسخ کان له ذلک و انّما قلنا بتحقق الفسخ به فی الأول من جهة عدم جواز أخذه لغیر المالک و لغیر الفاسخ و لذا قلنا انّ ظهور الأخذ فی الفسخ و اما فی المقام فله ذلک فسخ أم لا فلا وجه للالتزام بتحقق الفسخ به هناک فضلا عن تحققه به هنا بطریق اولی.

و من جهة هذه النکتة قلنا فی صحیحة محمد بن قیس ان أخذه الولیدة لا یدل علی الرّد لتکون الروایة شاهدة علی جواز الإجازة بعد الرّد بل الأخذ علی طبق القاعدة و من جهة أخذ المالک مال نفسه و کون ذلک من شئون مالکیّته فافهم.

قوله

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالک علی ماله.

أقول:حاصل کلامه هنا انّ ثبوت حق الإجازة للمالک المجیز و تأثیرها فی العقد الفضولی من الأحکام الشرعیة الثابتة للمالک و هو موضوع لها کجواز البیع و الهبة و الصلح و نحو ذلک للمالک فکما انّ للمالک بیع ماله ابتداء مباشرة أو توکیلا فکک له ان یجیز ما وقع علیه فضولا.

و بعبارة اخری:انّ من جملة الأحکام الشرعیة المترتبة علی المالک هو جواز بیع ماله و اجازة بیعه لو بیع فضولا و لیس ذلک- الحکم مربوطا بباب الحقوق کالخیارات و نحوها لتوارث بناء علی انتقاله الی الغیر و هذا یتضح فی ضمن وجهین.

الأول انّهم ذکروا فی باب الإرث انّ الزوجة لم ترث من العقار و انّما یرث من غیرها من کل ما ترکه المیّت من حق أو مال و من کلّما یجوز انتقاله الی الوارث.

ص:220

و علی هذا فلو باع الفضولی دار احد فضولة و مات المالک قبل أجازته البیع فیکون المال منتقلا الی الوارث فبناء علی کون الإجازة من الاحکام فلکل من انتقل الیه المال اجازة البیع بناء علی جواز مغایرة المالک حال العقد و حال الإجازة بحیث یکون المالک حین حدوث البیع شخصا و حین الإجازة شخصا آخر و هذا لیس من جهة إرث الإجازة فإن الفرض انّه من الاحکام أو إذا قلنا بعدم انتقال الحقوق الی الوارث بالموت علی تقدیر کونها من الحقوق بل من جهة انتقال موضوعها إلی الورثة اعنی المال فانّ تلک الإجازة کانت قائمة بالمالک فی ذلک المثمن أو الثمن فإذا تبدّل المالک لذلک المال فینتقل الحکم أیضا لکونه قائما بذلک الموضوع فإنّه ذکرنا انّ لکلّ مالک اجازة بیع ماله لو بیع فضولا و اذن فلیس للزوجة حق الإجازة لذلک البیع بل هو حق من انتقل الیه المال و الفرض انّ العقار لا تنتقل إلی الزوجة.

و إذا قلنا بکون الإجازة من الحقوق و قلنا بجواز انتقاله إلی الورثة بموت و نحوه فیدخل ذلک تحت قوله(علیه السلام)ما ترکه المیت فلوارثه الا العقار و لا شبهة انّ نفس حق الإجازة للعقد الفضولی لیس من العقار بل من غیرها التی ترثها الوارث زوجة کان أو غیرها.

الوجه الثانی:انّه ذکر الفقهاء رضوان اللّه علیهم فی باب الخیارات انّه ینتقل الخیار بموت ذی الخیار إلی الورثة فیکون الورثة ذی خیار.

فاختلفوا فی طریق اعمال الخیار منهم إذا تعدّدوا فبنی شیخنا الأنصاری انّه ثابت لطبیعی الورثة فأیّ منهم امضوا البیع فیکون

ص:221

لازما و ای منهم فسخوا فینفسخ سواء اعمل الآخرون خیارهم أم لا و قال بعض آخر انّه ثابت للمجموع من حیث المجموع بحیث انّ إمضائهم أو فسخهم لا تؤثر إلا إذا اجتمعوا فی الفسخ أو فی الإمضاء و هو الذی بنینا علیه فی محله و هنا احتمال ثالث و هو ان یقال بالتقسیط و انّه ای منهم أجاز أو فسخ ینفسخ و یلزم بالنسبة إلیه فقط لانّ لکلّ من الورثة حق و حصة فی ذلک الخیار المنتقل من الورثة إلیهم فیثبت له حقه و لکن هذا احتمال ضعیف لا یعتنی به بل العمدة هنا الوجهان الأولان.

و لکن ذلک لا یثبت فی الإجازة حتی مع القول بانتقالها إلی الورثة بنفسها کحق الخیار.

و ذلک لانّ الإجازة کما عرفت حکم شرعی تابع لموضوعه اعنی المالک فان کان المالک مستقلا و لم یکن له شریک آخر فیکون مستقلا فی الإجازة أیضا و ان کانوا متعددین فلا بد و ان یجیز کل منهما لیکون لازما و الا فیکون لازما بالنسبة إلی المجیز فقط لیس الا و هذا نظیر ما إذا جمع الفضولی أموال اشخاص متعددین فی بیع واحد فإنّه هل یتوهم احد انّ اجازة أحدهم یوجب لزوم المعاملة بالنسبة إلی الآخرین أیضا و هکذا المقام غایة الأمر انّ فی ما نحن فیه قد تعددت الملاک بقاء و فی المثال انّما کان التعدد من الأول و هذا المقدار لا یکون فارقا.

و بالجملة انّه فرق بین انتقال الإجازة إلی الورثة و کون أمر الإجازة بیدهم و بین انتقال حق الخیار إلیهم کما عرفت.

قوله

الخامس اجازة البیع لیست اجازة لقبض الثمن و لا لإقباض المبیع.

ص:222

أقول:لا ریب فی عدم الملازمة بین اجازة البیع و بین اجازة قبض الثمن أو المثمن و لا لإقباضهما و ذلک لانّ کل واحد من اجازة البیع و اجازة القبض أو الإقباض أمر مستقل غیر مربوط بالآخر کسائر الأمور الاعتباریة أو الخارجیة الا أن یکون بینهما احدی الدلالات من الإشارة أو الاقتضاء أو غیرهما،و علی ذلک فاجازة البیع لا یستلزم اجازة القبض الا مع التصریح.ثم انّه هل یکون نفس القبض قابلا لان یتعلق به الإجازة أم لا،و ربما یقال انّ القبض أمر تکوینی لا یمکن ان یتعلق به الإجازة فإنّ ما وقع من الأفعال الخارجیة لا ینقلب عمّا هو علیه و سیأتی ما فیه من الرهن و قد فصّل المصنف بینما یکون الثمن أو المثمن شخصیا فحکم بصحة إجازة القبض و الإقباض و جریان الفضولی فیهما و بینما یکون کلیّا فی الذمة و انّما تعینه و تشخصه لیس الا بقبض الفضولی فقط و ذلک لانّ مرجع اجازة القبض إلی إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتری و مرجع إجازة الإقباض إلی حصول المبیع فی ید المشتری برضی فیترتب علیه ح جمیع الآثار المترتبة علی المبیع و یتم ذلک بالإجازة الصریحة أو الاقتضائیة فی الثمن أو المثمن الشخصیین.

و أما الکلّی منهما فلیس لنا دلیل علی جریان الفضولیة فیهما لعدم تعیّن الکلی بأخذ الفضولی حتی یتعلق به اجازة المالک المجیز و یرجع الی إسقاط الثمن عن عهدة المشتری و الی حصول المبیع فی ید المشتری.

و لکن الظاهر انّه لا فرق بین کون الثمن أو المثمن شخصیّا أو

ص:223

کلیّا فی الذمة و ان صحّ تعلّق الإجازة بالقبض أو الإقباض بالدلالة الصریحة أو غیر الصریحة فصحّ فی کلیهما و الا فلا،و الظاهر هو الأول لا من جهة ما ذکره المصنف من انّ مرجع اجازة القبض إلی إسقاط الضمان عن عهدة المشتری فإنّه انّما یتمّ إذا قلنا بانّ ضمان المشتری الثمن بحسب القاعدة و انّه بمقتضی الشرط الضمنی اذن فاجازة البائع قبض الفضولی الثمن إسقاط لذلک الشرط الضمنی.

و اما إذا قلنا بأنّه من باب التعبّد الثابت بمقتضی کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بایعه و انّما أجروا ذلک فی الثمن لأجل حمل المبیع علی المثال فانّ من البعید ان یختلف حکم المثمن مع الثمن فی بیع واحد و ح فیمکن منع شمول ذلک لقبض الفضولی فإنّ معنی کون تلف المبیع من مال البائع انّه لیس ضمانه علیه و لزوم خروجه عن عهدته بل معناه فساد البیع و کون تلف المبیع من مالکه و عدم حصول النقل و الانتقال به و لذا نقول انّ الحکم یسری الی الثمن أیضا و لهذا لا یمکن فی حق الفضولی حتی مع تصریح المالک به لکونه مختصا بالمالک بمقتضی التعبد کما هو واضح بل جواز تعلّق الإجازة بالقبض من جهة التوکیل و ذلک لانّ الإجازة مثل الوکالة فکما یصحّ التوکیل فی القبض و کذلک یصح أجازته.

و أوضح من ذلک ان الافعال علی قسمین قسم یصحّ تعلّق النیابة و الوکالة بها و قسم لا یصحّ فالأوّل کالعقود و الإیقاعات و أمثالهما فإنّه یصحّ التوکیل و النیابة فیهما و الثانی کالأکل و النوم و القیام و الجلوس و أمثالهما من سائر الأفعال التکوینیة فإنهما مما لا یصح ان یتعلق بها النیابة و الوکالة.

ص:224

و القبض من قبیل الأول فإنه ممّا یقبل النیابة و الوکالة فیقبل الإجازة أیضا لأنّ الإجازة عین الوکالة غایة الأمر انّ الوکالة من الأول و الإجازة لیس من الأول و انّما تقع علی الفعل الواقع.

بل علی ذلک السیرة العقلائیة فإنّه لم یشک أحد فی انّه لو استقرض شخص من الآخر دینا فاستوفی أخ الدائن ذلک الدین من المدیون لصح ذلک لو أجازه الدائن.

اذن فلا وجه لتوهم انّ القبض من الأمور التکوینیة فلا تنقلب بالإجازة عن واقعها فان عدم الانقلاب انما یجری فی الآثار الماضیة دون الآثار الباقیة کما لا وجه للفرق بین کون الثمن أو المثمن کلیّا أو شخصیّا.

ثم انّ ما ذکرنا من عدم الملازمة بین اجازة البیع و اجازة القبض فیما لم یکن القبض مأخوذا فی صحة البیع کبیع الصرف و السلم و الهبة و الا فإجازتها ملازم لإجازة القبض صونا لکلامه عن اللغویة و کذلک فیما إذا صرّح بإجازة القبض عند اجازة البیع و هذا کباب الصرف و السلم و الوقف و الهبة فأنّ اجازة القبض فیها اجازة للعقد أیضا فإنّ من الواضح انّه لا یشترط المباشرة فی القبض فیما یکون القبض شرطا لصحة المعاملة بل المناط استناد القبض الی المالک و لو کان بقبض وکیله و لو عامل شخص کبیر بیع الصرف و أمر بخادمه القبض لصدق القبض بالنسبة الیه و هذا کله إذا کان المجیز عالما بالملازمة و اما مع الجهل فلا ملازمة أیضا لعدم تمامیة دلالة الاقتضاء ح ثم انّ التقابض فی المجلس لیس معناه ان یکون المتبایعین فی مجلس واحد عرفی بل معناه ان یکون التقابض فی مکان العقد و لو کان بینهما بعد کما

ص:225

تقدم ذلک فی ثبوت خیار المجلس.

بقی الکلام فی انّه هل یجری نزاع الکشف و النقل فی القبض و الإقباض أولا،الظاهر انّه لا یجری لأنهما لیسا مثل البیع و سائر العقود یمکن تعلق الإجازة بوجودها المتقدم فإنّ الإجازة من الأمور التعلیقیة و الأوصاف الحقیقیة ذات الإضافة یصحّ ان تتعلق بالأمور الماضیة کما یصحّ ان تتعلق بالأمور الحالیة و المستقبلة.

و هی مع احتوائها بالحقیقیة الکذائیة مأخوذة فی العقود جزء أو شرطا.

اذن فیصح ان تتعلق بالعقود الفضولیة من حین صدور العقد فیحکمه بتأثیره فی النقل من ذلک الزمان و من هنا ذکرنا انه لا بعد فی بیع مال فی الحال قبل یوم أو شهر أو سنة غایة الأمر انّه خلاف بناء العقلاء و منصرف عن مفاد العمومات فی الاصیلین و لکن لا مانع من شمولها علی العقود الفضولیة و جعلها صحیحة و مستندة الی المالک بالإجازة حین الإجازة من الأوّل کما عرفت و هذا بخلاف القبض فإنه أمر تکوینی غیر تعلقی فلا یمکن ان یستند الی المالک بالإجازة من حین تحققه بل یستند الیه من حین الإجازة لأنّ ما تحقق بتمام حقیقیة فی الخارج و صار فعلیّ الوجود من جمیع الجهات لا ینقلب عمّا هو علیه و لا یستند الی غیر فاعله من حین صدوره لانه لم یؤخذ شیء فی حقیقته من الأمور التعلیقیة حتی یمکن تعلقه بالأمر المتقدم و یوجب استناده من بدو صدوره الی غیر فاعله بالإجازة،اذن فلا معنی للقول بالکشف فی إجازة القبض و الإقباض و انّما یکونان مستندین الی المجیز من حین الإجازة و عنده یکون قبضا للمجیز فقهرا یثبت

ص:226

النقل و لا یمکن المناص عنه نعم لو دل الدلیل علی صحة تعلق الإجازة بالقبض المتقدم فلا مانع من ذلک فان المانع عنه لیس فی مقام الثبوت بل من جهة عدم وجود المقتضی و الدلیل علیه فی مقام الإثبات.

قوله

السادس الإجازة لیست علی الفور للعمومات.

أقول:ان الإجازة فی العقد الفضولی لیست علی الفور للعمومات و صحیحة محمد بن قیس بل فیها شهادة علی جواز الإجازة بعد الکراهة و هذا ممّا لا شبهة فیه.

و انّما الکلام فی انه إذا لم یجز العقد و تضرّ الأصیل بتأخیره الإجازة بناء علی عدم جواز تصرفه فیما انتقل الیه و فیما انتقل عنه علی القول بالکشف.

فهل للأصیل فسخ العقد الفضولی أو إجبار المالک المجیز بالإجازة أو الرّد أولا شیء علیه بل لا بد و ان یتحمل بالضرر لإقدامه علیه بنفسه و قد قویّ المصنف الأول و لکن الظاهر أنّه علی القول بالکشف و شمول العمومات علیه لا یتمّ فی جمیع الموارد فانّ النکاح ممّا لم یثبت فیه الخیار لینجبر الضرر بالخیار إلا فی الموارد المنصوصة و کذلک لا یمکن الإجبار فی جمیع الموارد کما إذا کان مالک العقد ممن لا یمکن إجباره امّا لعلو سطوته أو لعدم وصول الید الیه و قد نقل انّ امرأة زوجت نفسها للحجة المنتظر علیه و علی آبائه آلاف التحیة و الثناء و بقیت علی ذلک العقد لتقلیدها ممّن یری لزوم العقد الفضولی من ظرف الأصیل.

و الظاهر انّه لا دلیل علی إجبار الطرف علی الإجازة أو الرّد و

ص:227

لا ثبوت الخیار للطرف الأصیل.أما الأول فلعدم الدلیل علیه مضافا الی تسلّط الناس علی أموالهم عقلا و شرعا فلهم ان یفعل فیه ما یشاء فإن الإجازة کما تقدم لیس الا مثل البیع فکما ان المالک له تمام الاختیار فی بیع ماله و عدمه و لیس لأحد أن یجبره علی ذلک و هکذا الإجازة و تضرر الأخر من عدم اجازة المالک أو ردّه لا یجوز الإجبار بعد ما کان هو نفسه مقدما علی الضرر.

و اما ثبوت الخیار فهو أیضا لا دلیل علیه بعد شمول العمومات علی ذلک العقد و لیس فی البین الا تضرر مالک الأصیل لینفی لزوم العقد بدلیل نفی الضرر و فیه انّ الضرر علی تقدیر تسلیم کونه مدرکا لثبوت الخیار انّما یکون فی مورد یکون حادثا لا موجودا من الأول فإنّ إقدام الأصیل علی المعاملة الفضولیة ضرر علیه من الأول غایة الأمر یختلف ذلک قلة و کثرة بحسب طول الزمان و قصره و هذا لا یوجب الفرق بینهما و الحق انّه لا مناص من القول باللزوم بناء علی شمول العمومات علیه من حین العقد علی القول بالکشف و لعل عدم اللزوم بین الفقهاء من جملة ما یدل علی ما اخترناه من عدم اللزوم من حین العقد حتی علی الکشف بل من حین الإجازة غایة الأمر یکون المجاز علیه العقد من زمان الصدور من المتعاقدین فإنّ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قد أسند ذلک العقد الی المالک المجیز بالإجازة و العجب من شیخنا الأستاذ کیف رضی القول باللزوم للأصیل حتی علی القول بالنقل و قد تقدم ما فیه.

قوله

السابع هل یعتبر فی صحة الإجازة مطابقتها للعقد

الواقع عموما أو خصوصا أم لا.

ص:228

أقول:تارة تکون الإجازة مطابقة للعقد الواقع فضولا بحیث یکون المجاز عین ما صدر من الفضولیین و قد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا مع الاختلاف فیه بالکشف و النقل.

و اخری لا یکون العقد المجاز مطابقا للعقد الفضولی بل یباینه کما إذا وقع العقد الفضولی مثلا علی الدار و تعلقت اجازة المالک الإجازة علی البستان فهذا باطل بلا إشکال لأن ما وقع علیه العقد غیر ما تعلقت به الإجازة فالعقد الفضولی لم تتعلق به الإجازة و ما أجیز لم یقع علیه العقد.

و ثالثة یکون المجاز مغایرا للعقد الفضولی لا مغایرة مباینة بل بالإطلاق و التقیید أو بالکلیة و الجزئیة کما إذا وقع العقد الفضولی علی مالین لشخصین أو لشخص واحد فأجاز أحدهما دون الأخر أو أجاز البیع فی أحد المالین دون الأخر فإن المجاز مغایر لما وقع علیه العقد بالکلیة و الجزئیة و کما إذا وقع العقد علی الدار مثلا مقارنا مع الشرط فأجاز المالک بدونه فیکون المجاز مغایرا کما وقع علیه العقد الفضولی بالإطلاق و التقیید.

و هل یصحّ العقد الفضولی مع هذا الاختلاف بین المجاز و ما وقع علیه العقد أم لا یصح و قد فصّل المصنف و قال فلو أوقع العقد علی صفقة فأجاز المالک بیع بعضها فالأقوی الجواز کما لو کانت الصفقة بین مالکین فأجاز أحدهما و ضرر البعض یجیز بالخیار و لو أوقع العقد علی شرط بإجازة المالک مجردا عن الشرط فالأقوی عدم الجواز و ما افاده هو المتعیّن أما صحته عند الاختلاف بالجزئیة و الکلیّة کما علیه الأستاذ فلأنّ البیع الواحد الواقع علی شیئین أو أشیاء انّما ینحل الی

ص:229

بیوع عدیدة فکما یجوز بیع واحد منها علی انفراده ابتداء فکذلک یجوز اجازة البیع فی واحد منها دون الآخر لأنّک قد عرفت انّ الإجازة المتأخرة من المالک لیست الا کالبیع الابتدائی فکما له بیع ماله علی النحو الذی یرید ابتداء مباشرة أو توکیلا فکذلک له اجازة بیع الفضولی المتعلق بماله علی ما یرید غایة الأمر ان فی البیع الابتدائی یوجد العقد مع الاذن و فی الإجازة المتأخرة حصل موضوع الإجازة أعنی العقد قبلها و اما تکمیل حقیقة البیع و تمامیة ماهیته عند تحقق الإجازة لکونها من مقوّماتها و اجزائها.

و أما تضرر المالک بتبعض الصفقة فینجبر بالخیار الثابت بشرط ضمن العقد فکأنّ المشتری یشترط علی البائع ان لا یکون المبیع متبعضا و الا فلیس المشتری ملزما بقیامه علی التزامه و بالجملة لا نعرف وجها لبطلان البیع فی هذه الصورة بل جری علی هذا المنهج- کلمات الفقهاء فی بیع ما یملک و ما لا یملک أو ما یملک و ما لا یملک حیث ان البیع یصح فی ما له و یبطل فی الأخر کما یصح فی ما یملک و یبطل فی الأخر کما إذا وقع العقد علی الشاة مع الخنزیر بل الأمر کذلک فی بیع شیء واحد کما إذا باع دارا فضولة فأجاز المالک البیع فی نصفه دون النصف الأخر لکونه لشخص أخر و السّر فی ذلک هو ما أشرنا إلیه من انحلال العقد الواحد الی عقود متعددة کالعموم- الاستغراقی لا کالعموم المجموعی و کون الإجازة مثل البیع.

و أما إذا اختلف المجاز مع ما وقع من حیث الإطلاق و التقیید و العموم و الخصوص فالذی ینبغی ان یقال ان الشرط تارة یقع فی ضمن العقد و اخری فی ضمن الإجازة و علی الأوّل فتارة یکون للمالک

ص:230

علی الأصیل و اخری للأصیل علی المالک.فلو کان للمالک علی الأصیل و أجاز المالک العقد بلا شرط فلا شبهة فی صحة الإجازة و صحة استناد البیع الیه و تحقّق حقیقته فی وعائه فإنّ المالک مسلّط علی ماله و کلّما یرجع إلیه أمره فله إسقاط ما یرید إذا کان موجودا فی ذمّة أشخاص آخرین مثلا إذا باع الفضولی ثوب أحد و اشترط فی ضمن العقد ان یخیط الأصیل ثوبا للمالک فأجاز المالک بدون الشرط فیصح ذلک لکون الشرط له فله إسقاطه.

و بعبارة اخری:انّ اجازة المالک التزام الفضولی بأصل المعاوضة و عدم أجازته التزامه بالشرط علی نفس الأصیل تجاوز عن حقّه الذی التزم به الأصیل علی نفسه فلا وجه لتوهم البطلان الأمن جهة التعلیق فهو أیضا منفی کما سیأتی و اما لو کان من الأصیل علی المالک الفضولی فأجازه بلا شرط فقد حکم العلامة الأنصاری(ره) بالبطلان و شیخنا الأستاذ بالصحة مع ثبوت الخیار للأصیل و أفاد فی وجه ذلک بانّ المقام نظیر تعذر الشرط الواقع بین الإیجاب و القبول الذی یکون ضمیمة لأحد العوضین فکما انّ تعذره لا یوجب بطلان العقد بل غایته ثبوت الخیار للمشروط له فکذلک المقام فإنّه و ان لم یتعذّر خارجا الا انّ امتناع المجیز و عدم قبوله الشرط بمنزلة التعذر و لا وجه لبطلان العقد الا علی القول بالتقیید و الإناطة و الحق عدمه و لذا نقول بانّ الشرط الفاسد غیر مفسد للعقد إلا إذا صار موجبا لاختلاف أحد أرکانه،فنقول لا شبهة انّ الشرط و المشروط إذا کانا من قبیل المعلق و المعلق علیه کالشرط و المشروط التکوینیین فلا شبهة فی بطلان المشروط عند انتفاء الشرط امّا نفسه أو لعدم حصول المعلّق علیه کما

ص:231

انّه إذا کانا من قبیل الأمرین الوجودیین المنضمین من غیر ان یکون بینهما ربط فلا شبهة فی صحة المشروط عند انتفاء الشرط کما إذا التزم عند بیع الدار بخیاطة ثوب المشتری من غیر أن یرتبط بالالتزام البیعی فإنه ح لا معنی لبطلان المشروط مع عدم وفاء المشروط علیه بشرطه لعدم الارتباط بینهما،بل لانتفاء حقیقة الشرط هنا فإنّه لا یصدق الشرط و المشروط ما لم یکن بینهما ربط و التزام کما فی القاموس و جعل من ذلک الشریط لربطه أحد الشیئین بالاخر،و علی هذا فما معنی الکلام المشهور من انّ الالتزام الشرطی فی ضمن الالتزام العقدی و انّه لا یلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط مع انّک عرفت انّه علی تقدیر یلزم من انتفاء الشرط بطلان العقد و علی تقدیر آخر فلا.

و الذی ینبغی ان یقال انّ معنی جعل الشرط فی العقود عبارة أخری عن جعل الخیار فیها و صیرورة العقد خیاریا نظیر جعل الخیار فیها ابتداء و ذلک فإنّ البائع مثلا إذا اشترط فی ضمن البیع علی المشتری شیئا أو اشترط المشتری علیه شیئا و لیس معنی ذلک هو التعلیق لیستلزم انتفاء الشرط البطلان و لا انّهما من قبیل الأمرین المنضم أحدهما بالاخر لیخرج عن معنی الشرطیة بل معناه ان البائع إنّما باع متاعه و التزم به مطلقا من غیر إیقافه علی شیء أخر فأصل الالتزام البیعی غیر معلّق علی شیء و غیر متوقف علی الشرط لیلزم البطلان من جهة التعلیق لاستلزام انتفاء المعلق عند انتفاء المعلّق علیه و لکن اشترط علی المشتری مثلا کون وقوفه علی هذا الالتزام و قیامه علیه متوقفا علی الشرط الفلانی علی المشتری بحیث لو و فی المشتری

ص:232

بذلک الشرط فللبائع أیضا ان یقف علی التزامه البیعی و الا فلا فکما انّ جعل الخیار فیه ای فی الالتزام البیعی صحیح فکذلک جعل الشرط بهذا المعنی و من هنا نقول انّ تخلّف الشرط لا یوجب بطلان العقد و انّما یوجب الخیار لا یجب للمشروط علیه الالتزام بشرطه وجوبا تکلیفیا و لیس للمشروط له إجباره علی ذلک فانّ التزامه بالشرط لا یزید عن الوعد فکما انّ الوفاء به لیس واجبا تکلیفا بل هو أمر أخلاقی فکذلک الالتزام الشرطی فإنّه لا یجب الوفاء به و علی هذا فما ذکره شیخنا الأستاذ من انّ المقام نظیر تعذّر الشرط فکما انّه لا یوجب بطلان العقد و هکذا عدم الوفاء بالشرط و کذلک فی المقام إذا أجاز المالک العقد بدون الشرط الذی وقع علیه من الفضولی و لیس نقص فی ذلک المبنی و لکن البنا لیس بصحیح.

و توضیح ذلک انّ العقد تارة یطلق و یراد منه اسم المصدر أی الملتزم به الحاصل من الالتزام و الاعتبار النفسانی و اخری یطلق علی نفس الالتزام العقدی أی المعنی المصدری.

اما الأول:فهو مطلق و غیر مقیّد بشیء و لا متوقف علیه فإنّه بعد تحقّق ما یؤثر فیه لا معنی لوقوفه علی شیء بل ان حصل ما یؤثر فیه فیحصل و الا فلا،فلا یعقل توقفه علی شیء بعد حصوله و الا یلزم من وجوده عدمه.

و اما الثانی:فهو تارة یوجد من المتعاقدین غیر مقیّد بشیء کما إذا کان العقد غیر خیاری بشرط و غیر مقید بشیء و اخری یکون مشروطا بشرط کما إذا کان فی العقد شرط و اشتراط ففی هنا و ان قلنا ان الشرط یرجع الی کون الوقوف علی الالتزام البیعی و الثبوت

ص:233

علیه متوقفا علی الشرط و تحققه أصل الالتزام مقیّد بالشرط فی مقام الإنشاء فإنّ الإهمال فیه لا یعقل بل هو اما مطلق أو مقید فحیث انّه لیس بمطلق لوجود الشرط فیه فیثبت التقیید فالالتزام حین تحققه تحقق مقیدا و علی هذا فلو أجاز المالک ذلک بدون الشرط و مطلقا فیکون ذلک غیر ما وقع فما وقع لم تقع علیه الإجازة و ما وقعت علیه الإجازة غیر ما وقع فیکون العقد فاسدا لعدم وقوع الإجازة علیه.

إذا فما ذکره المصنف صحیح و ان کان ما ذکره شیخنا الأستاذ من حیث المبنی أیضا صحیحا الا انّ ما بنی علیه غیر صحیح لانّ ما نحن فیه لیس من قبیل تعذر الشرط کما عرفت.

و بعبارة اخری:انّ الإجازة من حیث نسبة العقد الی المجیز کالقبول فکما انه لو وقع الاختلاف بین الإیجاب و القبول بالإطلاق و التقیید یبطل العقد کما إذا قال البائع بعت الدار بثمن کذا علی ان تخیط لی ثوبا و قال المشتری قبلت بدون ذلک الشرط و هکذا فی الإجازة فإنّ الإجازة و ان کانت بعد تمامیة العقد إیجابا و قبولا و لیست مثل القبول من جمیع الجهات و الا لکان العقد الفضولی باطلا بالفصل بین العقد و الإجازة و لکن الإجازة مثل القبول من حیث استناد العقد الی نفسه کما انّ القبول یوجب استناد الإیجاب إلی نفسه و الأمر کذلک حتی لو کان المتعاقدان هما الاصیلان فکیف بالفضولی.

و بالجملة العقد الواقع فضولة علی وجه خاص لا بدّ و ان تقع علیه الإجازة علی ذلک الوجه و الا لحصل التخلّف بین المجاز و العقد فیحکم بالبطلان.

ص:234

لا یتوهّم انّ تقیید العقد علی النحو الذی قلتم عین التعلیق فیکون باطلا امّا لعدم حصول المعلّق علیه أو لبطلان التعلیق فی نفسه.

فإنّه توهّم فاسد إذ معنی التعلیق انّ أصل الالتزام العقدی متوقف علی الشرط و هو علی تقدیر حصول الشرط و الا فلا التزام و هذا بخلاف التقیید المذکور فإنّ أصل الالتزام علی ما ذکرنا غیر متوقف من حیث الوجود علی الشرط بحیث یلزم من وجود الشرط وجود- المشروط و من عدمه عدمه کما هو معنی التعلیق بل استمرار ذلک الالتزام و الوقوف علیه مقیّد بالشرط و هذا معنی ثبوت الخیار.

لا یقال انّه ایّ فرق بین عدم الوفاء بالشرط الموجب للخیار و بین عدم الإجازة الموجب للبطلان.

قلت:فرق واضح بین الأمرین حیث العقد قد تحقق علی الأول و لکن لم یحصل شرط لزومه و الدوام و الثبات علیه و هذا بخلاف الثانی فإنّ المجیز لم یقبل العقد فیکون باطلا نظیر عدم قبول القابل بما أنشأه الموجب کما تقدم فافهم و تأمل.

و توضیح المقام انّه هل یعتبر مطابقة الإجازة للعقد أم لا و علی تقدیر الاعتبار هل یفرق بین ان یکون من المالک الأصیل و بین العکس و بین الصور الأخری أم لا،و تفصیل ذلک ان الإجازة تارة تکون مطابقة للعقد و هذا لا شبهة فی صحته کما تقدّم تفصیله من الاختلاف فیه بین القول بالکشف أو النقل.

و اخری تباینه مباینة تامة کما إذا باع الفضولی الدار فأجاز المالک بیع البستان أو باع الفضولی دار الصغیر و أجاز المالک دار

ص:235

الکبیر و هذا لا شبهة فی بطلانه لأنّ الإجازة لم تقع علی الواقع بل الواقع لم یجز و ما أجیز لم یقع فیحکم بالبطلان.

و ثالثة تکون الإجازة مخالفة للعقد الواقع من جهة و موافقة له من جهة أخری کالاختلاف بالکل و الجزء و العام و الخاص و المطلق و المقید،اما الأول کما إذا وقع العقد الفضولی علی المرکب المجموع و الکلة بأن باع الفضولی دارین أو فرسین لزید أو أحدهما لزید و الآخر لعمرو فأجاز المجیز أحدهما دون الأخر،و اما الثانی کما إذا باع الفضولی دار أحد بشرط و أجاز المالک المجیز بلا شرط سواء کان من المالک الأصیل أو العکس.

أما الأول:فلا شبهة فی صحته غایة الأمر انه یثبت للمشتری خیار تبعّض الصفقة و ذلک لان البیع ح انما یکون منحلا الی بیوع متعددة غایة الأمر یکون کل فیها مشروطا بالاخر فالمجیز بإجازته یقبل الالتزام علی النحو الذی وقع و یرد التزامه علی التزام البائع طابقا النعل بالنعل و لکن بدون الشرط و الخیار اذن فیصح قبول أحد البیوع فیثبت للمشتری الخیار و هذا واضح.

و اما الثانی:فلا بد فی بیانه من تقدیم مقدمة فهی انّه لم نعقل الی الآن معنی للشروط الا جعل الخیار و توضیح ذلک ان الشرط له اطلاقان.

الأول ان یطلق علی الملتزم به اعنی ما تعلق به الالتزام کما هو المعروف کما إذا باع العبد علی ان یکون کاتبا فان الکتابة متعلق الالتزام الشرطی و یکون ملتزما به و اخری یطلق علی نفس الالتزام.

اما الأول فلا شبهة فی عدم کون العقد معلقا علیه و مقیدا به بان یقول بعتک العبد علی ان یکون کاتبا و الا فلا أبیع بحیث

ص:236

یکون أصل البیع متوقفا علی وجود الملتزم به و مع عدمه فلا بیع أصلا فهذا لا شبهة فی بطلانه اما مطلقا کما هو الظاهر لبطلانه فی العقود و اما مع عدم تحقق الملتزم به علی تقدیر الغض من الأول بل معناه انّ الالتزام الذی ورد علی ذلک الملتزم به معلّق علیه بحیث لم یکن کاتبا لا یجب للمشروط له الوقوف علی التزامه بل له ان یفسخ و له ان یبقی علیه و لیس هذا الا کون العقد خیاریا مثلا لو باع زید داره من عمرو بشرط ان یخیط عمرو له ثوبا فقبل عمرو ذلک و لکن لم یعمل بالشرط فلا یجب لزید ان یقف علی التزامه لانه کان مقیدا بالخیاطة فلم یحصل فیکون له الخیار و هکذا فی جمیع الموارد فیکون البیع صحیحا للعمومات.

و اما الثانی فلا شبهة فی کونه قیدا للعقد فإنه لو باع احد داره بشرط کذا أو علی ان یکون له الخیار فانّ بیعه هذا و ان لم یکن مقیدا بالملتزم به بحیث یلزم التعلیق کما تقدم و لکنه مقید بالالتزام الشرطی فالبائع من الأول باع بیعا مقیدا و أورد التزامه علی البیع الخاص فیکون الموجود من الأول حین وجوده البیع الخیاری دون- البیع الغیر الخیاری و ح فلو قبل القابل البیع بدون ذلک الالتزام الشرطی فلم یقبل ما أنشأه البائع و لم یرد التزامه علی التزام البائع فیکون باطلا و بالجملة ان الشروط باعتبار الملتزم به لا تکون مقیدة للبیع مثلا بل البیع بالنسبة إلیها مطلق و انما هی قید للالتزام و الثبات علی العقد،و اما باعتبار نفس الالتزام قید للبیع فیوجب التقیید إذا لو لم یقبل المشتری ما أوجده البائع من العقد المقیّد بالتزام خاص بأیّ نحو کان ذلک الالتزام فیکون باطلا من الأول لأن ما أوجده

ص:237

البائع لم یقع علیه القبول و ما وقع علیه القبول لم ینشأ فیکون باطلا.

إذا عرفت ذلک فنقول ان الشرط تارة یکون من المالک الأصیل بأن باع الفضولی دار زید فضولة من عمرو فاشترط علیه ان یخیط ثوب عمرو فأجاز العمر و بدون ذلک الشرط و هذا لا إشکال فی صحته لانّ المالک قد تجاوز عن حقه و أسقطه من الأصیل و العفو و التجاوز عن الحق لا یوجب البطلان.

و بعبارة اخری:انّ الالتزام البیعی و ان کان مطلقا و قد قبله المالک بإجازته علی هذا النحو و ورد الالتزام من المالک المجیز بإجازته علی التزام الفضولی و لکن أسقطه بعد قبوله غایة الأمر أن ذلک انی و تقدیری لا أنّ الاسقاط قبل القبول أو انّ المالک لم یجز التزامه بل شیئا أخر و الا یلزم المحذور.

و اما إذا کان من الأصیل علی المالک فأجاز العقد خالیا عن الشرط فتکون الإجازة باطلة و ذلک لعدم ورود التزامه علی ما ورد به التزام الفضولی مع الأصیل فانّ التزامهما مقید و التزام المجیز مطلق فما وقع لم تتعلق به الإجازة و ما وقعت به الإجازة لم یقع فتکون الإجازة لغوا فلا یکون العقد مشمولا للعمومات إلا إذا انضم إلیه إجازة أخری علی طبق ما وقع بحیث یکون الالتزامین متواردین علی مورد واحد.

کیف فلو لم یطابق الالتزامین فی الاصیلین بان باع أحدهما متاعا مع شرط و خیار کما هو المرسوم کثیرا خصوصا فی الدّلالین و قبل الأخر بدون ذلک الشرط فإنه ح لا ینعقد البیع بل یحکم ببطلانه فانّ ما أنشأه البائع غیر ما قبله المشتری فالمنشأ لم یقبل و ما قبل لم ینشأ

ص:238

فإذا لم یتم ذلک فی الاصیلین فکیف فی الفضولی و لا شبهة انّ- الإجازة مثل القبول من حیث کونه موجبا لاستناد العقد الی المجیز کما انّ القبول یوجب استناد الإیجاب إلی القابل.

و من هنا ظهر انّ ما جعله شیخنا الأستاذ المقام من صغریات تعذر الشرط لیس بتمام حیث انّ فی صورة تعذر الشرط سواء کان التعذر خارجیا أو عقلیا قد توارد الالتزامین من البائع و المشتری علی مورد واحد و لکن الشرط قد تعذر فهذا غیر ورود الالتزامین بمورد واحد مثلا لو باع احد داره و اشترط علی المشتری ان یحج عنه فقد تعذّر ذلک الشرط عقلا لکونه مریضا لا یقدر علی المشی أو هرما أو مات و هکذا فانّ هذا و نظائره لا یوجب بطلان البیع فإنّ المشتری قد التزم علی ما التزم به البائع و لکن قد أوجب التعذر العقلی عدم وفائه بالشرط فیکون البائع مخیرا فی الفسخ أو الرضایه حتی یتمکن المشتری من ذلک و اما التعذر الشرعی کالشروط المخالفة للکتاب و السنة فکما إذا باع متاعا و اشترط فی ضمنه ان یعطیه المشتری مقدار من الخمر فقبله المشتری و هذا أیضا لیس نظیر ما نحن فیه إذا المشتری أیضا قبل التزام البائع علی النحو الذی التزم و توارد الالتزامین علی مورد واحد و لکن المنع الشرعی أوجب التعذر و المنع فلا اشکال فیه أیضا من هذه الجهة و اما من جهة کون فساد الشرط موجبا لفساد العقد أو انّه مثل التعذر العقلی یوجب الخیار أولا یوجب شیئا فهو أمر آخر و سیأتی فی محله.

لا یقال ما الفرق بین عدم مطابقة الإجازة مع العقد فی بیع المجموع المرکب و بین عدم المطابقة فی صورة الاشتراط فامّا لا بد من

ص:239

القول ببطلان الإجازة فیهما أو عدمه کذلک فلا وجه للفرق بینهما کما لا یخفی.

أقول الفرق بینهما بدیهی و قد ظهر ممّا ذکرنا و ملخصه انّ فی صورة اختلاف الإجازة مع العقد بالجزئیة و الکلیة انّ المجیز قد أجاز البیع علی النحو الذی وقع و هذا بخلاف صورة الاختلاف بالإطلاق و التقیید بیان ذلک انه إذا باع فرسین من عمرو فضولة لمالک واحد أو لمالکین ففی الحقیقة انّ هنا بیعان کلیهما خیاری فانّ کلا من- الفرسین بیع منضما الی الآخر و بهذا الشرط فإذا أجاز المجیز أحدهما دون الأخر فلیس معناه انّ المجیز أجاز البیع الغیر الخیاری بل أجاز البیع الخیاری و لذا لو سئل لأجاب هکذا فح یثبت للبائع الخیار و لا یلزم ورود الإجازة بما لم یقع و کون ما وقع خالیا عن الإجازة و هذا معنی خیار تبعض الصفقة و هذا بخلاف صورة عدم المطابقة فی الشرط فإن الإجازة لم تقع علی العقد کما عرفت.

و بعبارة اخری:انّ صورة عدم المطابقة بالجزئیة و الکلیّة نظیر وقوع بیعین أو بیوع خیاری فقبل المشتری أحدهما دون الأخر فهل یتوهم احد انّ ذلک موجب لبطلان البیع أو عدم ورود الإیجاب و القبول بمورد واحد و کذلک ما نحن فیه و هذا أمر واضح فی الاصیلین و غیرهما و بذلک یبتنی خیار تبعض الصفقة.

فتحصل عدم بطلان الإجازة فی صورة عدم المطابقة بالجزئیة و الکلیة دون عدم المطابقة بالإطلاق و التقیید مع کون الشرط من الأصیل علی المالک و من هنا ظهر انّه لا وجه لإدراج صورة عدم- المطابقة بالجزئیة و الکلیة تحت العقد فی تعذّر الشرط و جعل

ص:240

الاختلاف بالجزئیة و الکلیّة و الإطلاق و التقیید و تعذر الشرط کلها من واد واحد.

ثم لو کان الشرط عند الإجازة و خارجا عن العقد و هذا أیضا تارة یکون من المالک علی الأصیل و اخری من الأصیل علی المالک و اما لو کان من المالک علی الأصیل بأن باع الفضولی داره من الأصیل خمسین دینارا و اجازه المالک مع اشتراط سکنی سنة فی تلک الدار فذکر المصنف وجوها فی ذلک الأول القول بالصحة و الثانی الصحة لو اجازه الأصیل و الثالث البطلان بمعنی انّ العقد الفضولی لا یمکن الحکم بصحته بهذه الإجازة لأن ما وقع علیه العقد لم یجز و ما أجیز غیر الواقع فتکون تلک الإجازة باطلة و لا توجب استناد العقد الی المالک بل لا بدّ فی ذلک من اجازة أخری لتوجب الاستناد و لکن الحق هو الثانی انّه و ان قلنا بعدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائیة اما من جهة الإجمال کما ذکره بعضهم و اما من جهة اقتضاء لفظ الشرط ذلک المعنی لکونه ربطا بین الشیء و شیء أخر فما لم یرتبط أحدهما بالاخر لا یطلق علیه الشرط و من هنا قال فی القاموس ان الشریط یطلق علیه ذلک باعتبار ربطه أحد الشیئین بالاخر و هذا ظاهر نعم هو داخل بالوعد و من قال بوجوب الوفاء بالوعد فله ان یحکم به هنا أیضا و لکن لا دلیل علیه و انّما هو خلاف الأخلاق و لکن ما نحن فیه لیس کذلک فإنّه یکون ذلک الشرط بالإجازة شرطا فی ضمن العقد و التزاما فی التزام.

بیان ذلک انّ الإجازة کما تقدم مثل القبول فی استناد العقد الی المالک فلو باع احد متاعه من زید منجزا و مطلقا من دون اشتراط

ص:241

من الطرفین علی الأخر و لکن قبله القابل مع الشرط فتحلیله ان الالتزام بالقبول علی تقدیر تحقق الشرط و حصوله و الا فلا یلتزم- بالإیجاب. و بعبارة أخری:یلتزم بقبول الإیجاب و نسبته الی نفسه علی ان یکون له علی الموجب ذلک الشرط و الا فلا یلتزم و ح لو لم یرض الموجب بهذا المشروط یبطل الإیجاب و القبول لعدم ورودهما علی مورد واحد و عدم ارتباط أحدهما بالاخر فیکونان باطلین و اما إذا رضی الموجب علی ذلک فیصح بلا شبهة لعدم القصور من شمول المؤمنون عند شروطهم علیه و انّما الخارج منه بالإجماع أو باقتضاء لفظ الشرط هو الشروط الابتدائیة و اما غیرها فلا.

غایة الأمر لم یکن ذلک الشرط مذکورا عند الإیجاب و موجودا وقته و تأخر الموجب فی ذلک عن القابل و لا دلیل لنا علی وجوب ذکر الشروط فی الإیجاب بل المناط فی لزومها و عدم شمول دلیل وجوب الوفاء علیه و عدمه و هذا فی غایة الوضوح فأمر الإجازة أمر القبول کما تقدم و أما لو کان من الأصیل علی المالک بأن أجاز المالک مع شرط للأصیل علی نفسه و هذا لا شبهة فی صحته بالدلالة الالتزامیة الفحوائیة فانّ المالک قد أجاز البیع الذی کان الأصیل ملتزما به مع اضافة شرط علیه علی نفسه و قد کان الأصیل ملتزما بالبیع مطلقا و بدون الشرط فبالأولویة نکشف التزامه بالبیع مع هذا الشرط الذی مرجعه الی جعل الخیار و قد تقدم نظیر ذلک فی روایة البارقی و قلنا انّ رسول اللّه ص و ان کان قد وکّله بشراء الشاة بدینارین الا انّه بالأولویة قد وکّله فی شرائها بدینار أیضا فیکون شرائه الشاة بدینار

ص:242

من جهة التوکیل فتکون الروایة خارجة عن الفضولیة فإن من وکل الغیر شراء دار بخمسین دینارا فبالأولویة راض بشرائه بعشرین هذا و اغتنم.

قوله:و اما القول فی المجیز فاستقصاؤه یتم ببیان أمور.
اشارة

أقول:الأول ذکر انه یشترط فی المجیز ان یکون حین الإجازة جائز التصرف فلا تجوز الإجازة ممّن لا یجوز التصرف فی حقه و هذه قضیة قیاسها معها فإنک عرفت مرارا انّ الإجازة من الأحکام الشرعیة الثابتة للملاک بالنسبة إلی أموالهم نظیر جواز البیع غایة الأمر انّ جواز البیع حکم ابتدائی و الإجازة أمر متأخر و قد تحقق جزء موضوعه بفعل الفضولی فکما لا یجوز البیع لمن لا یجوز له التصرف فکذلک لا تجوز له الإجازة لکونها بیعا حقیقة فإنّ العقد قبلها لم یکن مستند الی المالک و لم یکن بیعه و حین الإجازة ثار بیعا له کما انّه باع من الأول مباشرة و لا یفرق فی ذلک بین القول بالکشف أو النقل فانّ هذا انّما بعد الفراغ من صحة الإجازة و الفرض انّ الإجازة غیر صحیحة و هکذا الأمر فی کل مورد لا تصح الإجازة.

و بعبارة اخری:انّ حکم الإجازة حکم البیع الابتدائی فیشترط فیها ما یشترط فی البیع و علی هذا فلو باع الفضولی ما تعلق به حق الغرماء أو المرتهن فاجازة المفلّس أو الراهن بنفسها لا تؤثر فیه بوجه و الأمر الثانی:انهم ذکروا وجود مجیز حال العقد و الا فیبطل العقد الفضولی فصحته مشروطة بذلک الشرط و قد ذکروا فی وجه ذلک وجهین،الأول،ما عن قواعد العلامة من انّ صحة العقد بدونه یمتنع فإذا امتنع فی زمان فیمتنع فی جمیع الأزمنة لعدم الفرق فی

ص:243

الامتناع بین قلة الزمان و کثرته.

الثانی بلزوم الضرر علی الأصیل فإنّه لو کان مثل ذلک العقد صحیحا و شمله الإطلاقات فیلزم من ذلک ضرر عظیم علی الأصیل مع عدم وجود مجیز عند العقد من شأنه أن یجیز العقد لانّه لا یجوز له التصرف لا فیما انتقل عنه و لا فیما انتقل إلیه فأدلة نفی الضرر ینفی لزوم ذلک العقد و هذا یتصور علی وجوه.

الأول:ان یکون المراد منه وجود ذات المجیز بحیث یکون عند العقد من من شأنه أن یجیز العقد مطلقا سواء کان هنا مانع عقلا أو شرعا أو لم یکن و الا فیبطل و علی هذا فلا موقع لذا الشرط فی الأموال حتی عند العامة أیضا إذ ما من مال الأولة من یجوز تصدیه بالتصرف بیعا أو غیر بیع اما المالک أو الولی أما عندنا فلوجود ولیّ الأمر صاحب العصر عجل اللّه فرجه فإنّه الولی المطلق فأیّ مال لم یکن له مالک یجوز له بیعه و تصرفه فولیّه هو الامام(علیه السلام)و نعم ما ذکر البیضاوی انّ هذا الشرط لا موقع له عند العامّة لقولهم بوجود الامام(علیه السلام)فی کل زمان و اما عند العامة فکذلک أیضا لأنهم أیضا قالوا بوجود ولیّ الأمر فی کل زمان غایتهم یخطئون فی تطبیقه علی واقعه فذات المجیز موجود فی کل مال حین وقوع البیع علیه فضولا نعم یصحّ فی النکاح بناء علی عدم ولایة أحد حتی الامام علیه السلام.

الثانی:ان یکون المراد منه وجود المجیز المتمکن عقلا.

الثالث:ان یکون المراد منه وجوده المتمکن منه شرعا.

و بعبارة أخری من الأول:

انّ الکلام هنا أی فی شرائط المجیز

یقع فی ضمن مسائل.

ص:244

الأولی:انهم ذکروا من شرائط المجیز أن یکون جائز التصرّف

حال الإجازة

فلا یجوز لمن لا یجوز له ذلک و قد تقدم هذا.

المسألة الثانیة:ان یکون موجودا حال العقد

و قد ذکر العلامة(ره)انّ الممتنع فی زمان ممتنع دائما و أضاف إلیه الشیخ بکونه ضررا علی الأصیل فإنّه لا یجوز له التصرف فیما انتقل الیه لاحتمال عدم الإجازة و لا فیما انتقل عنه لاحتمال کونه ملکا للغیر بالإجازة فلو بقی العقد الفضولی علی النحو الذی وجد لکان ضررا علی الأصیل.

ثمّ انّ هذا الشرط یتصور علی وجوه.
الأول ان یکون المراد من اشتراط وجود مجیز حال العقد وجود

ذات المجیز

و من یکون من شأنه إجازة العقد سواء کان متمکنا عقلا أو شرعا أو لم یکن متمکنا منهما،و هذا الشرط انّما یتم علی غیر مذهب الإمامیة و اما علی مذهبهم القائلین بوجود الإمام فی کل زمان فلا یتم کما ذکره البیضاوی إذ لم یوجد عقد فی العالم الا و له مجیز و من شأنه ذلک لکون الامام(علیه السلام)عندنا ولیّ الأمر من جمیع الجهات فیکون هذا الاشتراط لغوا محضا نعم عند غیر الإمامیة یمکن ذلک و کذلک- عندهم إذ لم نقل بکونه ولیّا فی جمیع الأمور حتی النکاح مثلا

الثانی

-ان یکون المراد منه کونه متمکنا من الإجازة عقلا

بان لا یکون مانع عقلی من ذلک حال العقد کالنوم و الغیاب و نحو ذلک ممّا یوجب عدم الوصول الیه حین العقد فإنه ح یحکم بفساد العقد و هذا الوجه أیضا لاحق بالأول فلا فائدة فی البحث عنهما فإنّه یظهر حکمهما من الشق الثالث فبعد الغائه فیکونان لغوا بالأولویة مضافا الی ورود

ص:245

الروایات فی صحة نکاح الصغیرین مع عدم التمکن من الإجازة الفعلیة عند العقد و کذلک صحیحة محمد بن قیس و روایة البارقی فهذا ان الوجهان لیسا بمهمّ و العمدة هو الوجه الثالث.

الثالث:ان یکون المراد من ذلک التمکن الشرعی

بان لا یکون مانع شرعی من الإجازة حال العقد فلو باع الفضولی مال الیتیم من غیر غبطة و مصلحة فیه مع حضور الولی ثم صار ذلک البیع ذا مصلحة کما إذا باع داره بخمسین مع کون قیمتها مائة و لکن صار وقت الإجازة ذا مصلحة لکونها فی شرف الخراب فلا یصح ذلک علی هذا الشرط فانّ ذات المجیز و ان کان موجودا حال العقد و له تمکّن عقلی أیضا من الإجازة عنده الا انّ أجازته ذلک العقد لم ینفذ بل تکون باطلة و لو لم یکن یجیز حال العقد فإنه منهی عن التصرف فی ماله الا بوجه حسن و هذه الإجازة تصرف و بیع بلا وجه حسن فتکون باطلة و یکون العقد باطلا و لکن الظاهر عدم اعتبار ذلک و یظهر منه بطلان الوجهین الأولین و یظهر حکمه من عکس المسألة کما إذا فرضنا انّ الفضولی باع مال الیتیم مع مصلحة فیه فإذا أراد الولی ان یجیز ذلک صار البیع غیر مصلحة فی حق الیتیم و وصل الیه الخبر بترقی المال علی أضعاف مقابل ما باعه الفضولی فلا شبهة فی عدم صحة إجازته و نفوذه و کون البیع باطلا فانّ البیع و ان کان ذا مصلحة حال العقد و لکن لیس فیه مصلحة حال الإجازة و المناط وجودها عندها لانّ زمان الإجازة کان زمان البیع حقیقة و نقطة شمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ علیه فحیث انّه فی هذا الزمان غیر مصلحة فی حق الیتیم فیکون باطلا و السر فی ذلک هو ما تقدم انّ حکم الإجازة حکم البیع

ص:246

الابتدائی فکما لا یصح بیع مال الیتیم بلا مصلحة ابتداء فکذلک لا یصح اجازة بیعه لکون العقد بالإجازة مستندا إلی الولی.

و بعبارة أخری:قد نهینا عن التقرب بمال الیتیم بغیر وجه حسن و اجازة الولی بیع مال الیتیم فضولة عند عدم الصلاح فیه حال الإجازة و لو کان فیه مصلحة حال العقد تقرب بغیر وجه أحسن فلا تکون نافذة إذ المناط فی کون البیع ذا مصلحة حال الإجازة.

و من هنا یظهر حکم ما نحن فیه إذا البیع و لو کان خالیا عن المصلحة عند العقد و لکن حالها عند الإجازة فکما یصح البیع الابتدائی عند وجود المصلحة فیه فکذلک تصح الإجازة للبیع الفضولی فإن زمان الإجازة هو زمان تحقق البیع حقیقة و زمان شمول العمومات إذا- فاشتراط کون المجیز متمکنا من الإجازة حال العقد شرعا لا موقع له بل المناط التمکن حال الإجازة و من هنا لو کان فاقدا للتمکن الشرعی حال العقد و صار واجدا له حال الإجازة فتصح أجازته و من هنا اتضح حکم القسمین الأولین بالأولویة و کذلک اتضح انه لا یفرق هنا بین القول بالکشف و النقل کما تقدم و اما ما ذکره العلامة(ره)من انّ الممتنع فی زمان ممتنع دائما ففیه ان کان المراد من ذلک الامتناع الذاتی فالکبری أمر مسلم کالاجتماع الضدین و النقیضین و الدور و التسلسل التی مرجع کلّها الی اجتماع النقیضین و من هنا یسمّی مبدء المبادی فإنّ أمثال ذلک انّ الشیء إذا امتنع فی زمان فیکون ممتنعا دائما لأنه لا یحتمل انّ اجتماع النقیضین یکون محالا فی زمان و غیر مستحیل فی زمان أخر بل هو محال بذاته و لکن الصغری لیس بمسلم إذ الامتناع فی أمثال المقام لیس امتناعا ذاتیا فان کون الصحة

ص:247

عقد الفضولی ممتنعا لیس بذاته بل هو بالغیر و من جهة عدم العلّة و المصلحة و ان کان المراد من الامتناع هو الامتناع الغیری فهو مسلّم صغری إذ عدم صحة عقد الفضولی حال العقد انما هو لأجل عدم المصلحة فیه عنده و لکن الکبری لیس بمسلم لان الممتنع بالغیر فی زمان لا یکون ممتنعا دائما فیجوز ان یکون ممتنعا فی زمان لأجل عدم علته و ممکنا فی زمان أخر بل واجبا لوجود علته و من هنا قال الشیخ الرئیس أنّ الممکن من ناحیة علته أ لیس و من عدم علته لیس و- بالجملة الامتناع الغیری تابع لعدم علته فکما کانت معدومة فینعدم و إذا وجدت العلة یخرج المعلول من الامتناع فضلا عن ان یکون ممتنعا دائما و هذا واضح جدا فلا ندری ما ذا أراد العلامة من کلامه هذا و هو بعید بمقاله و اما ما ذکر المصنف من کون عدم الاشتراط ضررا علی الأصیل لکونه ممنوعا من التصرف فی ما انتقل عنه لاحتمال الإجازة و کونه مال الغیر فیکون التصرف حراما و لا فیما انتقل الیه لاحتمال عدم الإجازة و کونه أیضا تصرفا فی مال الغیر فیکون حراما.

و فیه أولا انّ الضرر إنما ینشأ من اللزوم ای من لزوم العقد و قد أثبتنا عدم لزومه من الأول و انما یکون لازما بالإجازة فإذا لم یتحمل الأصیل بالضرر فله الفسخ و یجوز له التصرف بدون الفسخ مستندا إلی أصالة عدم الإجازة فلم یشمل علیه من حین العقد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حتی یمنع من التصرفات.

و ثانیا تقدم من المصنف انّه لا یجوز للأصیل أن یتصرّف فیما انتقل الیه و لا فیما انتقل عنه الی زمان الإجازة لعدم العلم بالإجازة و عدمها فإذا ننقض ما ذکره هنا بما تقدم بأنه لو تضرر الأصیل إلی

ص:248

زمان الإجازة فی غیر المقام فبأیّ وجه أجبتم هناک فمثله یجیب هنا أیضا من القول بجواز الفسخ أو انّه أقدم بنفسه علی ذلک فلیس الفسخ أو غیر ذلک و بالجملة لیس للمقام خصوصیة لیوجب إنکار صحة الفضولی عند عدم وجود مجیز حال العقد و لا ینکر صحة أصل الفضولی و قد تقدم عدم تمامیة الاستدلال بأدلة نفی الضرر هنا فراجع.

قوله الثالث لا یشترط فی المجیز کونه جائز التصرف حال العقد.

أقول:و هذه المسألة الثالثة تتصور علی ثلثة أنحاء الأول ان یکون عدم جواز التصرف من ناحیة عدم المقتضی کما إذا باع الفضولی متاعا لزید من عمرو فلم یکن ذلک المتاع حال العقد موجودا عند عمرو و انما ملکه بین العقد و الإجازة باع شیئا لنفسه و کان لغیره ثم ملک بنفسه الثانی ان یکون عدم جواز تصرّف المجیز حال العقد من جهة فقدان شرطه کما إذا باع الفضولی مال الیتیم أو السفیه أو المحجور لفلس ثم صاروا واجدین للشرائط فإنّ عدم کون المجیز ممن یجوز له التصرّف حال العقد من جهة عدم تحقق شرط التصرف و الا فالمقتضی لذلک موجود و هو کونه مالکا حال العقد.

الثالث ان یکون ذلک من جهة وجود المانع

بان کان المقتضی و الشرط کلاهما موجودین و لکن یقترنان بمانع یوجب عزل المقتضی و الشرط عن التأثیر و هذا کما إذا باع الفضولی مال الراهن فضولا فانّ الراهن مالک حقیقة و شرائط التصرف موجود فیه و لکن اقترن ذلک بمانع أوجب منعه عن التأثیر و عن جواز التصرف.

فهل یحکم فی هذه الصورة ببطلان البیع الفضولی أو بالصحة فللمجتران یجیز العقد بعد تجدد المقتض و احتوائه الشرائط و ارتفاع

ص:249

الموانع أو یفصّل بینها فیحکم بالصحة فی بعضها و بالبطلان فی بعضها الأخر وجوه.

اما الصورة الأولی فالبحث فیها من جهات ثلث الاولی ان لا یکون المجیز جائز التصرف حال العقد واقعا الثانی ان لا یکون المجیز جائز التصرف ظاهرا بان تم موضوع الحکم الظاهری فی حقه و حکم بعدم جواز التصرف فیه.

الثالث ان یعتقد عدم جواز التصرف فقط تخیّلا و توهّما من غیر ان یکون کک واقعا أو یتم فی حقه الحکم الظاهری فی مرحلة الشک فالجامع فی الجمیع هو عدم کون العقد صادرا عن المالک الفعلی مع العلم به فهذه الصورة بعینها هی مسألة من باع شیئا ثم ملک فهی مسألة معروفة و سیأتی الکلام فیها و اما الصورة الثانیة فالظاهر انّه لا شبهة فی صحة العقد و عدم اشتراطها بکون المجیز جائز التصرف حال العقد بل یکفی فی صحته کونه جائز التصرف حال الإجازة و ذلک لان العقد انما انعقد بجمیع شروطه و قیوده و تحقق حاویا لها من القصد و غیره فی صحیفة الوجود خلا استناده الی من له العقد و لا بدّ و ان یستند الیه و إذا کان المجیز حین أجازته قابلا لذلک و صح ان یستند الیه ذلک العقد فما المانع من شمول العمومات علیه و الحکم بصحته فذلک حین انعقاده و ان کان غیر واجد لمجیز یجوز تصرفه الا غیر شرط فی صحته بل یکفینا الشک فی ذلک فندفعه بالعمومات فلذلک العقد صحة تأهلیّة فنحکم بالصحة کما هو واضح و الذی یوضح ذلک انه لو عقد صبی أو سفیه عقدا بناء علی عدم کونهما مسلوب العبارة فأجازه الولی أو أجازا بعد ارتفاع الیتم و السفه-

ص:250

و صیرورة الصبی بالغا و السفیه رشیدا فهل یتوهّم احد بطلان ذلک العقد فمقامنا هذا من هذا القبیل.

نعم فی المجنون إذا عقد بسفه ثم أفاق و أجاز العقد لا وجه من الحکم بالصحة بعدم تمشی القصد منه علی العقد فیکون باطلا من هذه الجهة و بالجملة سواء کان المتصدی بالعقد هو السفیه و الصبی بنفسهما بان باعا مالهما مباشرة أم کان المتصدی لذلک شخص فضولة ثم أجازا فلا شبهة فی صحة ذلک البیع و لا یضر عدم کون المجیز حین الإجازة جائز التصرف بل یکفی کونهما واجدین للشرط حین الإجازة و ذلک لانّ العقد تمام من جمیع الجهات الا من جهة الاستناد الی من له الاستناد فقد استند الیه عند الإجازة من غیر ان یکون عنه مانع بوجه.

اما الصورة الثالثة فهی اقتران بالمانع کما إذا باع الراهن أو المرتهن أو الفضولی مال الرهانة ثم أجاز الراهن بعد فک الرهن و جواز تصرفه فیه حیث انّ الرّاهن لم یکن جائز التصرف حال العقد و انما صار کک حین الإجازة فهل یصح هذا العقد أم لا أو یفصل الظاهر انّه لا مانع من الحکم بصحة العقد هنا أیضا لما تقدّم ان للعقد تمام التأثیر من سائر الجهات بأجمعها الا من جهة الاستناد فیکون مستندا الی من له العقد بإجازته إذا کانت حین کون الرّاهن جائز التصرف خصوصا إذا کان البائع هو المرتهن فانّ تصدیه بالبیع کاشف عن عدم کون حقه مانعا عنه فیکون کسائر البیوع الفضولیة و بالجملة قد عرفت مرارا ان حکم الإجازة حکم البیع الابتدائی فکما انّ المناط فی تمامیته صحة البیع من جمیع الجهات فی البیع الابتدائی هو

ص:251

زمان العقد فکک فی البیع الفضولی هو زمان الإجازة فی الشروط التی ترجع الی المالک دون العاقد و قد فصل بین بیع المرتهن الرهن فحکم بصحته و بین بیع الراهن ذلک فحکم بفساده و حاصل الفارق انّ بیع المرتهن الرهن لیس الا کبیع الفضولی فهو تمام من جمیع الجهات فیحکم بصحته بمقتضی العمومات بإجازة الراهن و هذا بخلاف الراهن فإنه و ان کان مالکا و لکن الشارع قد منع عن جواز بیعه العین المرهونة لتعلق حق الغیر بها و الغی بذلک استناد المبیع الیه فیکون بیعه هذا غیر مستند الیه و ان کان تمام من سائر الجهات فالبیع الغیر المستند الی شخص باطل لکونه مراعی و معلقا من دون ان ینضم الی شخص فهذا لیس مثل بیع الصغیر و السفیه و البیع الفضولی فإنّ البیع فی لجمیع یستند الی المالک بالإجازة بعد البلوغ و الرشد فی الأولین و الإجازة فی الثالث لوالی من له العقد أعنی الولی فیتم العقد من جمیع الجهات و لم یلغ الشارع الاستناد بالکلیة فی أمثال تلک المذکورات و هذا بخلاف الراهن فإنه الغی استناده الیه و هو نظیر تزویج الرجل بنت الأخ أو الأخت علی العمة و الخالة حیث انّ الشارع الغی استناد ذلک العقد الی الزوج من دون إذن العمة و الخالة فیکون فاسدا و بالجملة کان أساس المنع ان العقد الذی وقع له ینتسب الی المالک لإلغاء الشارع استناده الیه مع تعلّق الغیر بالعین و الفرض انه لم یقع هنا عقد أخر بعد انفکاک الرهن لیستند الی المالک فیکون باطلا و لا توجب انفکاک الرهن صحته و لا انّ أجازته توجب الصحة لو کان العقد الواقع علیه فضولة فلا یکون ذلک العقد مشمولا للعمومات و فیه الظاهر انّه لا فرق فی الحکم

ص:252

بالصحة و الاستناد بین بیع الراهن و المرتهن و غیر البیوع الفضولیة و کلها قابلة الاستناد الی المجیز و لها صحة تأهلیة.

و ذلک فانّ اجازة المرتهن و العمة و الخالة و ان کانت دخیلة فی صحة العقد و لکن توجب ذلک سقوط العقد عن الصحة التأهلیة و عن قابلیة الاستناد الی من له العقد بعد تمامیّة سائر الشرائط و اجازة من لإجازته دخل فی صحة العقد فإنه لا نر مانعا عن شمول أدلة صحة العقود علی ذلک بوجه غایة الأمر لا بد من ملاحظة ما یدل علی دخالة إجازة الغیر فی صحة العقد فبذلک المقدار نرفع الید عن اللزوم و انما نحکم به بعد اجازة الغیر و اما المقدار الزائد فلا و لیس فی الأدلة الدالة علی دخالة إجازة الغیر ما یدل علی بطلان العقد بالکلیة بدون اجازة المرتهن أو العمة و الخالة کما لا یخفی.

فیکون ذلک تخصیصا لأدلة اللزوم من الأول نظیر تخصیصها بالأدلة الدالة علی ثبوت خیار المجلس من زمان العقد و لیس ذلک تخصیصا فی الافراد حتی یتوهم عدم إمکان التمسک بالعمومات فی مقام الشک بل تخصیص باعتبار الحالات فیقتصر فیه بالمقدار المتیقن.

و یؤید ذلک الأخبار الواردة فی نکاح الصغیرین حیث انّ- الصغیرین لیسا ممن یستند إلیهما العقد عنده.

و کک یدل علی ذلک الأدلة الواردة فی صحة نکاح العبد بدون اذن المولی حیث علل بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیده ففی المقام أیضا انّ الراهن فی بیعه هذا لم یعص اللّه و انما عصی المرتهن فیکون عقده و بیعه صحیحا و یتم من جمیع الجهات بإجازة

ص:253

المرتهن فهذا لا شبهة فیه بوجه من الوجوه کما هو واضح لا یخفی.

و یؤید ذلک بیع الصرف و السلم حیث انّ العقد حین وقوعه لم ینتسب الی من له البیع الی زمان القبض لاشتراطه به و انما ینتسب بعد تحقق شرطه و هو القبض و یکون مشمولا لاوفوا بالعقود و مقامنا کک فانّ العقد الصادر من الراهن لم یکن مستندا الی الراهن حین الصدور من جهة المانع و کان باطلا بمعنی عدم ترتب الأثر علیه و لکن بعد ارتفاع المانع یکون منتسبا الی المالک و مشمولا للعمومات کما هو واضح و بعبارة اخری:انّ المقام من صغریات دوران الأمر بین التخصیص و التقیید و قد تحقق فی محلّه انّ التقید مقدّم علی التخصیص لکونه قدرا متیقنا مثلا إذا ورد أکرم العلماء و علمنا بخروج زید العالم عنه فی الیوم الأول یقینا و لکن نشک فی خروجه إلی الأبد أو فی الیوم الأول فحینئذ یدور الأمر بین تقیید العام بالیوم الأول و الالتزام به من جهة طروّ حالة موجبة للتقیید و بین تخصیصه و إخراج الخاص من تحته إلی الأبد فیؤخذ القدر المتیقن لانّه المتیقن الخروج و تمسّک بالعام فی الأزمنة الأخری و مقامنا کذلک حیث ورد التقید قطعا للعمومات ببیع الراهن حین تعلّق حق الرهانة بالعین الموهونة و خرج بیعه هذا عن تحت العمومات نظیر خیار المجلس و لکن نشک انّ هذا الخروج باعتبار تلک الحالة فقط اعنی حالة تعلق حق- المرتهن علیها لیکون الإخراج تقییدا أو أبدی لیکون الخروج تخصیصا فحیث انّ القدر المتیقن هو الأول فالمقدار الزائد منه مشکوک فنلتزم بالتقیید فنتمسک بالعمومات فی المقدار الزائد و هذا واضح جدا.

و قد بقی هنا أمران الأول انّه بعد الالتزام بصحة بیع الراهن

ص:254

و عدم منع تعلّق حق المرتهن بالعین عن نفوذه و شمول العمومات علیه بعد ارتفاع حقه و انفکاک الرهن فهل لإجازة المرتهن دخالة فی صحة ذلک البیع الذی کان المالک غیر جائز التصرف حین العقد و کان البیع واقعا فضولة أو أصالة من الراهن بعد فکّ الرهن باعتبار دخالتها قبل الفک و حین صدور العقد أم لا الظاهر عدم دخالة رضاه فی صحة ذلک العقد فانّ عقد الراهن کان تمام الجهات و واجدا للشروط من سائر الجهات بأجمعها الا من جهة الاستناد الی المالک لمنع تعلّق حق الغیر بالعین عن ذلک الاستناد و بعد زواله فیکون العقد تماما من جهة الاستناد أیضا فیشمله العمومات و بعد ذلک تعلیق صحته إلی شیء أخر خلف الفرض و تحصیل للحاصل و إذا- شککنا فی دخالته فی صحة العقد فندفعه بالعمومات. الأمر الثانی و هو المهم انّه هل هذا کسائر البیوع الفضولیة فی جریان نزاع الکشف و النقل فیه أو انّ له امتیاز عنها قولان و الحق امتیازه عنها لانّ الظاهر انّه لا ملازمة بین القول بالکشف هناک و بین القول بالکشف هنا بل نلتزم هنا بالنقل بالمعنی الذی تعرفه مع التزامنا بالکشف هنا تبعا للمحقق الثانی و من تبعه فإنه(ره)مع إسراره علی الکشف فی البیع الفضولی لم یلتزم به هنا فإذا باع الراهن العین المرهونة فلا تکون الملکیة حاصلة من حین العقد و هکذا لو باع ذلک الفضولی و بیان ذلک انّ أساس قولنا بالکشف فی هناک هو انّ العقد کان واقعا علی ما هو علیه من احتوائه جمیع الشرائط إلا جهة الانتساب فإذا انتسب إلیه بالإجازة فیتم من جمیع الجهات فتشمل علیه العمومات حین الإجازة و تثبت صحة العقد و

ص:255

ترتب الأثر علیه من الأول لجواز تعلّق الإجازة بالأمر المتقدم کجواز تعلقها بالأمر الحالی و الأمر المتأخر لکونها من الأمور التعلقیة کما عرفت و هذا بخلاف ما نحن فیه فانّ عدم تمامیة العقد علی العین المرهونة حین العقد لم یکن مستندا إلی جهة عدم الانتساب الی المالک بل کان مستندا الی المالک لو کان الراهن هو البائع و علی تقدیر کونه الفضولی فیکون ناقصا من جهتین الاولی عدم انتسابه الی المالک و الثانیة جهة تعلق حق الغیر به و عدم کون المجیز جائز التصرف حین العقد بل کان فاقدا لشرط أخر و هو خلّوه عن رضائه من رضایته شرط فی صحة العقد و هو حق المرتهن و لذا لو کان البائع هو الراهن أو غیر الراهن فضولة و أجاز الراهن قبل أداء الدین و فک الرهن لا یکون العقد أیضا مشمولا للعمومات لاقترانه بالمانع و هو حق المرتهن و علی هذا فلو باع الفضولی العین المرهونة أو الراهن فی یوم السبت و انفک الرهن یوم الأحد و أجاز الراهن یوم الاثنین فلا یکون فاقدا من حین العقد لعدم انحصار المانع بعدم الاستناد فیما إذا کان البائع هو الفضولی و عدم وجدانه تمام الشرائط لو کان هو الراهن و فقدان رضائه المالک بل یکون نافذا من حین الفکّ فانّ ذلک الزمان زمان انحصار المانع بفقدان الاستناد فإذا رضی المالک بالعقد فیکون نافذا من زمان الفک و انحصار المانع بعدم رضائه المالک.

و بعبارة اخری:انّ رضائه المجیز المالک تصلح العقد من جهة الموانع التی ترجع الیه و من ناحیته دون الموانع التی من ناحیة الغیر فانّ الناس مسلطون علی أموالهم و شئونهم و حقوقهم

ص:256

فلیس لأحد التصرف فیما یکون موردا لسلطنة الغیر و یکون ذلک موجبا لازالة حقه فلا بدّ هنا من القول بالنقل بهذا المعنی و هو فی الحقیقة متوسط بین الکشف و النقل المتقدمین و هذا نظیر بیع الصرف فإنّه لو باع احد مقدارا من الذهب فضولة ثم حصل القبض بعد ساعتین و أجاز المالک ذلک البیع بعد أربعة ساعات فهل یکشف ذلک الإجازة من حصول النقل من زمان العقد مع انّ شرطه و هو القبض غیر حاصل بل أجازته هذه تکشف عن حصول النقل و الانتقال من زمان القبض فانّ المانع عن النقل و الانتقال الی زمان القبض لم یکن مستندا الی عدم رضائه المالک فقط بل کان بعد القبض أیضا موجبا لعدم حصول النقل و الانتقال و من هنا کان الأمر کک لو کان المتصدی بالبیع هما الاصیلان فهل یزید بیع الفضولی علی بیع الاصیلین فلیس کک فافهم.

و بالجملة لا نعقل وجها للقول بالکشف من حین العقد فی بیع الفضولی العین المرهونة کما لا یمکن ان یتفوه بذلک فی بیع الصرف أیضا.

هذا کلّه فیما إذا کان عدم جواز التصرف مستندا الی فقدان الشرط أو وجود المانع

و اما المسألة الأخری فهی ما کان ذلک مستندا

الی عدم المقتضی

فقد عرفت انّ هذه المسألة منحلة إلی ثلث- مسائل.

الاولی ان یبیع شخص ما لا لنفسه مع العلم بعدم ملکه له حال العقد واقعا ثم ملکه اما بالاختیار کالبیع و نحوه أو بالنواقل القهریة کالإرث فهل یمکن الحکم بصحة ذلک بحسب القواعد أم لا و قد نسب

ص:257

المصنف القول بالجواز الی الشیخ الطوسی فی مسألة بیع المالک العین الزکوی بعد تمام النصاب و قبل إخراج الزکاة حیث التزم الشیخ الطوسی بصحة البیع و یلزم للمالک أداء الزکاة من ماله مع انّ هذه المسألة من صغریات ما نحن فیه اعنی بیع شیء لیس للبائع مالکیّة لها ثم ملکه فانّ حق الفقراء قد تعلّق بالمال و کانوا شرکاء معهم بأیّ نحو کانت الشرکة سواء کان بعنوان الشرکة الحقیقیة أو من باب الکلّی فی المعین.

و فیه:انّ الظاهر انّ الشیخ لم یفت فی هذه المسألة بالجواز من جهة القواعد بل لورود النص الصحیح علیه و قد ذکر الشیخ النص فی کتاب الزکاة و هی صحیحة عبد الرحمن البصری قلت للصادق(علیه السلام) رجل لم یزک إبله و شانه عامین فباعها علی من أشتریها أن یزکها لما مضی قال نعم تؤخذ زکوتها و یتبع البائع أو یؤدی زکوتها البائع و العجب من المحقق کیف رضی القول بالإشکال علی الشیخ مع ورد النص علیه و غفل عن النص کما انّ العجب من المصنف حیث احتمل أنّه الا ان یکون مراد الشیخ من الحکم بصحة البیع جعل المقام مثل بیع العین التی تعلق بها حق الدیان أو حق المرتهن و لم یحتمل کون الشیخ مستندا إلی الروایة و اذن لا وجه للاستشهاد بمثل تلک الفتاوی بالمقام لکونها منصوصة بل لا بد من التکلم فیها بحسب ما تقتضیه القواعد.

و الحاصل انّ الکلام فی عدم کون المجیز جائز التصرف حال

العقد من جهة المقتضی یقع فی ضمن مسائل.

الاولی ان یبیع مال غیره لنفسه ثم ملکه فهل یصح البیع أم لا

ص:258

کما إذا باع الابن مال أبیه ثم ملکه بالقهر کالإرث أو بالبیع و علی تقدیر الصحة نتکلم فی انّه محتاج إلی الإجازة أم لا و قد ذکرنا انّه لا ملازمة بین هذه المسألة و بین مسألة بیع العین الزکوی کما ذکرها المصنف فی المتن فإنّ أصل مسألة بیع العین الزکوی و ان کانت من صغریات هذه المسألة بناء علی تعلّق الزکاة بالعین و کون الفقراء شرکاء مع المالک سواء کانت الشرکة علی نحو الإشاعة أو علی نحو الکلی فی المعیّن و لکن المسألة منصوصة فجواز بیعها لا یرتبط بجواز بیع مال الغیر لنفسه فإنّه و رد النص علی ما فی حاشیة السیّد انه لو باع المالک العین الزکوی فیکون البیع صحیحا فتکون الزکاة علی البائع بأن یؤدیها من ماله أو تتبع المال فیؤدّیها المشتری فهذا أمر آخر لا ربط له بما نحن فیه من الکبری الکلیة فإرجاع الشیخ المسألة الی مثل تعلق حق المرتهن بالعین المرهونة فقد عرفت جوابه فلا بدّ من صرف عنان الکلام الی التکلم بحسب القواعد و قبل تحقیق المقام لا بد و ان یعلم انّ مقتضی العمومات و الإطلاقات صحة تلک المعاملة فلا بدّ من الحکم بالفساد من دلیل خاص لیوجب تقییدها أو تخصیصها إذا عرفت ذلک.

اعلم انّ المسألة ذات قولین قول بالصحة کما علیه المصنف و جمع کثیر غیره و قول بعدم الصحة و علیه جماعة أخری منهم المحقق النحریر الشیخ اسد اللّه التستری

و قد استدل علی البطلان بوجوه

قد أشار إلیها المصنف و الی جوابها.

الأول الإشکال المتقدم فی بیع الغاصب و هو منحل الی وجوه

ثلثة

و قد ذکر المصنف انّه لا یجری بعضها فی المقام.

ص:259

الأول عدم تمشی القصد من الغاصب إلی حقیقة المعاوضة

فیکون باطلة و قد أجاب عنه شیخنا الأستاذ بوجه لا یکون ذلک جوابا عما نحن فیه و لکن علی ما أجبنا عنه به فیکون جوابا عنه هنا أیضا و اما ما ذکره شیخنا الأستاذ فی تصحیح بیع الغاصب الذی لا یجری هنا فتوضیح ذلک علی ما تقدم من شیخنا الأستاذ انّ من باع شیئا بما انّه مالک تارة یکون مالکا حقیقیا کما إذا کان مالکا للمبیع.

و اخری یکون مالکا ادعائیا نظیر الحقیقة الادعائیة فی المجاز علی ما سلک به السکاکی طریق المجاز کما إذا غصب مال الغیر فباعه لنفسه فإنّه لیس بمالک حقیقة و لکن لأجل سرقته الإضافة المالیة و نسبتها الی نفسه قد رای نفسه مالکا للعین و باع بادعاء انّه مالک و تخیّل وجود إضافة مالکیّة بین المال و بین نفسه کما یتخیّل کون المنیة سبعا و یثبت له لوازم السبعیة من الأظفار و هذا الوجه لا یجری فی المقام فإنّ البائع لا یدّعی کون المال له لیتحقق له ملکا هنا ملکیة ادعائیة بل هو بعد علی إقراره بأنّ المال للغیر و انّما باع هو مال الغیر لنفسه فیکون ذلک الوجه غیر جار فی المقام و من هنا ذکر شیخنا الأستاذ انّ البائع لم یسرق الإضافة و لم یغصب المال فکیف یقصد المبادلة بین الثمن الذی یقصد تملّکه و المثمن الذی هو ملک لغیره مع أنها تقتضی دخول الثمن فی ملک من خرج عنه المثمن و لکن قد تقدم انّ الوجه فی صحة بیع الغاصب غیر ما ذکره شیخنا الأستاذ.

و حاصله انّ حقیقة البیع کما مرّ مرارا لیست إلا عبارة فی المبادلة بین المالین بحیث یدخل العوض المکان الذی خرج عنه المعوّض و کک

ص:260

العکس و خصوصیة قصد المالک لیست دخیلة فی صحة البیع بوجه و انّما هو أمر زائد عن حقیقة البیع اذن لو باع مال لنفسه فقصد تلک الخصوصیة فهو أمر موافق للواقع و أمر زائد عن حقیقة البیع لا یضرّ و لا ینفع و إذا باع مال غیره لنفسه فحقیقة البیع لا یضرّ و لا ینفع و إذا باع مال غیره لنفسه فحقیقة البیع التی عبارة عن المبادلة بین المالین قد تحققت لعدم تقدّم حقیقة المبادلة و المعاملة بخصوصیة المالک و انّما حقیقتها متقوّمة بتبدیل المالین کما عرفت و هی انما تحصل بالمبادلة فی ملک المالک الواقعی لیکون التبدیل فی الإضافة و هذا المعنی قد تحقق هنا غایة الأمر انّ خصوصیة کون البیع لنفس البائع مع عدم کونه مالکا أمر زائد عن حقیقة البیع فقصد الأمر الزائد عن حقیقة البیع الذی لا یوافق الواقع لا یوجب بطلان البیع و لا یضر بصحته و وجه صحة بیع الغاصب علی هذا التقریب یجری هنا أیضا لکونه بیعا حقیقة و مشمولا للعمومات فانّ ما اعتبر الرضایة فی البیع لیس إلا آیة التجارة و قوله(علیه السلام)لا یحل مال امرء مسلم الا بطیب نفسه فلا شبهة انّ الشخص إذا باع مال غیره ثم ملکه یصدق علیه انّه تجارة عن تراض و طیب نفس و لعل مراد المصنف من قوله ربّما لا یجری بعض الوجوه هنا هو هذا الوجه.

و اما ما ذکره شیخنا الأستاذ فشیء لا یمکن تصدیقه إذ الغاصب لا یسرق الإضافة و انّما یغصب المال و اما الإضافة فأمر اعتباری یعتبره لنفسه فمجرّد ادعائه المالکیّة لا یوجب انقلاب الواقع عمّا هو علیه بناء علی دخالة تعیّن المالک و قصده فی حقیقة البیع.

الثانی انّ الغاصب انّما قصد کون البیع لنفسه و عامل علی

ذلک القصد

فلا شبهة انّ البیع انّما یقع للمالک إذا أجاز دون الغاصب

ص:261

فیلزم ح کون ما تعلّق به الإجازة غیر ما وقع فلا یکون صحیحا إذا- الواقع غیر مجاز و المجاز غیر واقع.

و هذا الوجه من وجوه بطلان بیع الغاصب یجری هنا أیضا إذ البائع لمال الغیر لنفسه انّما باعه لنفسه و بقصد کونه له و اجازة المالک انّما هی بعنوان کونه له دون العاقد فیلزم ان یکون الواقع غیر مجاز و المجاز غیر واقع و لیس ما اجازه المالک منشأ حتی یکون موردا للإجازة.

الوجه الثالث:انّ الاخبار تدل علی انّ بیع ما لا یملک حین

العقد غیر جائز

و قد تقدمت الإشارة إلیها و الی توجیهها و سیأتی الکلام فیها تفصیلا.

و الحاصل ان من جملة الإشکالات التی أشکل به التستری علی صحة بیع مال الغیر لنفسه ما اشکلوا به فی بیع الغاصب من عدم تحقق قصد البائع إلی حقیقة المعاوضة و المبایعة فإن حقیقتها مبادلة مال بمال بحیث یدخل العوض من کیس من خرج المعوّض منه لتحقق المبادلة بین المالین فی جهة الإضافة.

أقول:و قبل الدخول بتوضیح ذلک لا بد و ان یعلم ان مقتضی العمومات و الإطلاقات صحة بیع مال الغیر لنفسه ثم یملکه لصدق البیع علیه فی العرف حقیقة فیکون مشمولا للعمومات و الإطلاقات فإن ثبت من العقل و النقل دلیل خاص یوجب تحصیصها أو تقیدها فنأخذ به و نقیّد بذلک أو نخصّص الإطلاق و العمومات و الا فنحکم بصحة المعاملة و هکذا الأمر فی جمیع الموارد إذا عرفت ذلک فنقول انّه و ان أجبنا عن ذلک الإشکال أمس بما لا یضرّ ببیع الغاصب و لا ببیع

ص:262

البائع مال الغیر لنفسه و لکن نقول فی الیوم ان بیع مال الغیر لنفسه

و لکن نقول فی الیوم انّ بیع مال الغیر لنفسه یتصوّر علی قسمین.
الأول ان یکون غرض البائع من ذلک بیع مال الغیر فعلا لیشتری

منه بعد ذلک

أو یتملک بغیر الشری بحیث یعلم قطعا انّه یتملک.

و بعبارة أخری یکون الإنشاء فعلیّا و المنشأ استقبالیّا بحیث ینشأ فعلا ملکیّة مال الغیر لزید لیدخل الثمن فی مقابله فی کیسه و لکن ملکیّة متأخرة نظیر بیع مال نفسه بعد خمسة أیام و هذا لا شبهة فی صدق حقیقة المبایعة علیه و تحقق القصد من البائع الی ذلک و کونه مشمولا للعمومات و الإطلاقات بحیث لیس فیه محذور من هذه الجهة التی نحن بصددها بل لا یتوقف علی الإجازة أصلا لکونه خارجا عن البیع الفضولی و انّما باع مال نفسه.

نعم نتوقف فیه من جهة التعلیق المجمع علی بطلانه فی العقود فإنّ الإنشاء هنا و ان کان حالیّا و لکن المنشأ عبارة عن ملکیة مال زید للمشتری بعد خمسة أیام نظیر باب الوصیة و لیس هذا التعلیق مثل قول البائع ان کان هذا لی فبعت عند الشک فی کونه له أو لغیره أو قال بعتک هذا ان قبلته فإنّ أمثال هذه التعلیقات التی هی راجعة إلی التعلیق فی أرکان العقد المکنونة فی العقد حقیقة سواء صرّح به أم لا لا یضرّ بالصحة لکونها ممّا لا بدّ منه و خارجا فی معقد الإجماع القطعی الذی ادعوه فی المقام.

اللهم الا ان یقال ان بطلان التعلیق انّما هو بالإجماع کما سمعت و هو دلیل لبّی فلا بدّ من أخذ المتیقن من ذلک فهو فیما إذا کان البائع باع مال نفسه فلو علّقه علی شیء فحکم ببطلانه-

ص:263

للتعلیق للإجماع علی بطلانه و اما فیما کان التعلیق فی بیع مال غیره فلا یقین لنا لکونه داخلا فی معقد الإجماع.

الثانی من صورتی بیع مال الغیر لنفسه ثم یملکه ان یکون

الإنشاء و المنشأ کلیهما فعلیین

من دون ان یکون فی البین تعلیق بان یکون المنشأ الملکیّة بعد خمسة أیام بل ینشأ ملکیّة مال زید لعمرو فی مقابل خمسة دنانیر لیدخل الثمن فی کیسه و یخرج المثمن من کیس زید من غیر ان یکون غرضه إنشاء الملکیة المتأخرة لیتملک بعد ذلک و یعطیه للمشتری و ان کان غرض التستری(ره)هذا الوجه الظاهر انّه لا مدفع له لانتفاع حقیقة المبایعة فإنّ حقیقتها المبادلة بین المالین و ذلک لا یتحقق الا بکون العوض داخلا علی کیس من خرج المعوّض من ذلک و من هنا قلنا سابقا انّ حقیقة البیع عبارة عن المبادلة بین المالین فی جهة الإضافة و بان یعقد العوض مکان المعوّض و المعوّض مکان العوض و الا فلیس المراد من التبدیل التبدیل المکانی و علی هذا فیتوجه اشکال عدم تحقق القصد إلی حقیقة المبایعة و المبادلة و ما قلنا أمس من عدم دخالة خصوصیة المالک فی حقیقة البیع لکونها أمرا زائدا عنها و ان کان صحیحا و لکن المقام لیس کک لما عرفت من عدم کون ذلک مربوطا بتلک الخصوصیة بل راجعا الی هدم حقیقة البیع فإنّه انّما لا یضرّ عدم التوجه الی الخصوصیّات المالکیة إذا کانت حقیقة البیع متحققه و انّما کان الاشتباه فی خصوصیة المالک انّه هو أو غیره کما إذا باع مال غیره اشتباها أو بتخیّل انّه له فانّ القصد فی أمثال ذلک انّما تعلّق بالمبادلة بین المالین بحیث یکون العوض داخلا مکان المعوّض و بالعکس غایة الأمر

ص:264

انّ الخطاء وقع فی تطبیق المالک علی غیر المالک.

نعم هذا یجری فی بیع الغاصب حیث انّه نزّل نفسه ادعاء منزلة المالک و جعل نفسه من مصادیق ذلک فإنّ المبادلة انّما وقع بین المالین بحیث یکون العوض داخلا فی ملک طبیعی المالک و بالعکس و الخصوصیات الشخصیة المالکیّة خارجة عن حقیقة المبادلة و إذا باع شخص مال غیره کما فی الغاصب بدعوی انّه هو المالک نظیر دعوی الحقیقة الادعائیة فی المجاز علی ما سلکه السکاکی فقد حصلت المبادلة بین المالین حقیقة و اما إذا لم یکن کذلک و لا ان یکون البیع مستندا الی الاشتباه و لا الی التخیّل بل مع العلم بانّ المال مال الغیر یبیع ذلک لیکون المعوّض خارجا من کیس مالکه و یدخل العوض داخلا بکیس نفسه البائع دون المالک فقد عرفت فی تعریف البیع انّه خارج عن حقیقة المبایعة و المبادلة و بالجملة ان الخصوصیّات المالکیة لا تضرّ بحقیقة المعاملة إذا لم توجب التزلزل فی حقیقة المبادلة و الا فلا بدّ من اعتبارها علی النحو الذی عرفت.

لا یقال انّ من باع مال غیره لنفسه و ان لم یدعی کون نفسه مالکا تنزیلیّا و من مصادیق طبیعی المالک الا باعتبار کونه مالکا بعد مدة اما بالقهر أو بالاختیار یکون مالکا بالفعل و حین العقد أیضا بالمجاز المشارفة.

فإنّه یقال انّ المجاز المشارفة لا یوجب تحقق البیع حقیقة و انّما یوجب کونه مالکا مجازا و ما صدر منه بیعا مجازا و لا یقاس ذلک- بالادعائی فإنّه یوجب تحقق البیع حقیقة.

الإشکال الثانی علی بطلان بیع مال الغیر لنفسه

انّه لا بدّ و

ص:265

ان یکون بیع الفضولی واجد الجمیع الشرائط و حاویا لها غیر جهة رضائه المالک فإذا رضی المالک فیتم من جمیع الجهات و یستند البیع الیه و یکون مشمولا للعمومات و مقامنا هذا لیس کک إذ البائع مال الغیر لنفسه مع عدم وجدان بیعه رضائه المالک لیس قادرا علی تسلیم المبیع حین العقد مع انّه لا بدّ من اعتباره حین العقد بمقتضی الأدلة و قد أجاب عنه المصنف بما حاصله انّ کلامنا فی المقام فی البیع الفضولی و انّ رضائه المتأخرة هل توجب صحة ذلک البیع أم لا فقد عرفت کفایتها فیها فانّ ما یدل علی اعتبار رضائه المالک لیس إلا آیة التجارة و التوقیع الشریف الدال علی حرمة التصرف فی مال الغیر الا بطیب النفس و لا شبهة انّ البیع الفضولی بعد رضائه المالک تجارة عن تراض و أکل مال الغیر بطیب نفسه و لیس مثل بیع مال الغیر عدوانا و غصبا أو نحو ذلک لئلا یصدق علیه التجارة عن تراض.

و اما کون ذلک البیع فاقد لشرط آخر بحیث یکون البطلان مستندا الی فقدان ذلک الشرط فغیر مربوط بأمر البیع الفضولی.

و فی مقامنا هذا انّ هذا البیع باطل من جهة عدم قدرة البائع علی التسلیم لأنّا لا نضائق من اعتباره حال العقد لأجل الدلیل الدال علی اعتباره اذن فیکون البیع هنا باطلا لذلک لان من هو بایع لیس بقادر علی التسلیم حال العقد و ان کان قادرا حین الإجازة و ما هو قادر علی التسلیم اعنی المالک لیس ببائع فتفسد المعاملة.

أقول اما التزامه بکفایة رضائه المالک عند الإجازة و کون البیع الفضولی بالإجازة تجارة عن تراض و أکلا لمال الغیر بطیب النّفس

ص:266

فمما لا شبهة فیه لعدم الدلیل فی صدق التجارة عن تراض أزید من استناد البیع الی المالک فهو حاصل بالإجازة.

و اما اعتباره القدرة علی التسلیم حال العقد فتارة نقول باعتبار نفس التسلیم الخارجی و اخری بالقدرة علیه اما الأول فلا دلیل علی اعتباره فی صحة العقد قطعا غایة الأمر مع عدم التسلیم الخارجی یثبت للمشتری أو البائع مع عدم تسلیم الثمن خیار تخلف الشرط- الضمنی لالتزام کل من البائع و المشتری ضمنا علی التسلیم کما لا یخفی و اما اعتبار القدرة علی التسلیم فلیس علیه دلیل إلا أحد الوجهین علی سبیل منع الخلوّ فشیء منهما لا یدل علی مقصد المصنف أحدهما کون ذلک البیع الذی لا یقدر المالک علی تسلیم المبیع حال العقد خطریّا و غرریّا و قد نهی النبی ص عن بیع الغرر فیکون باطلا لذلک.

و فیه انّ الخطر و الخدیعة الذی هو معنی الغرر انّما یتوجه عند الإجازة استناد البیع الی المالک الذی هو البائع حقیقة فإنّ وقت الإجازة وقت تحقق البیع و حصول حقیقته و ترتّب آثاره و اما قبل ذلک فالفضولی لیس الا عاقدا فلم یتحقق البیع حقیقة لیترتب علیه آثاره فهل یتوهم احد ترتب أحکام البیع و آثاره علی العاقد فالفضولی من هذه الجهة و لا یفرق فی ذلک کونه مالکا حال العقد أیضا أم لا بل یکون مالکا بعد العقد کما باع الابن مال أبیه فمات و انتقل الیه أو مال غیره فاشتراه بعد ذلک کالعاقد و ان کان فعله منشأ للأثر من جهات اخری کما تقدم.

اذن فلا یکون ذلک دلیلا علی اعتبار القدرة علی التسلیم حال

ص:267

العقد بل علی اعتباره حال الإجازة فقط فهو مسلم فلا یکون بیع مال الغیر لنفسه ثم یملکه باطلا من جهة عدم القدرة علی التسلیم أیضا فلا یکون ذلک مانعا من شمول العمومات و الإطلاقات علی ذلک و بعبارة اخری:انّ الدلیل انّما دلّ علی اعتبار القدرة علی التسلیم للبائع بأن یکون هو قادرا علی تسلیم ما باعه و عنوان البائعیة انّما تحقق عند الإجازة فیکون المالک بإجازته بائعا لأنّ الفضولی المنشأ للعقد لیس ببائع حقیقة فیکون اعتبار القدرة علی التسلیم من حین الإجازة للمالک لا قبله فیکون المناط قدرة المالک حال الإجازة علی التسلیم سواء کان مالکا حین العقد أیضا أم لا. الثانی قیام الإجماع علی القدرة علی التسلیم فی البیع فلو خلا عن ذلک فیکون باطلا ففی المقام انّ البائع لیس بقادر علیه حال العقد.

و فیه علی تقدیر قبول الإجماع فهو دلیل لبّی فالمتیقن منه صورة کون البائع بائعا لمال نفسه فإنّه ح نعتبر القدرة علی التسلیم حال العقد.

و اما فی بیع مال الغیر لنفسه فنشک فی دخول ذلک فی معقد الإجماع فیکون خارجا عنه لعدم الإطلاق للأدلة البینة لیشمل الموارد المشکوکة أیضا.

و اما اعتبار التسلیم الخارجی فهو غیر معتبر فی صحة البیع قطعا لعدم الدلیل علیه بوجه و من هنا لو باع ماله من شخص و لم یسلم ذلک قهرا علیه فلا یوجب ذلک بطلان المعاملة کما تقدم نظیر ذلک فی بیع السلاح لأعداء الدین نعم یثبت للمشتری خیار الفسخ

ص:268

من جهة المخالفة بالشرط الضمنی حیث انّ البائع یستلزم و یشترط فی ضمنی العقد ان یسلم المبیع إلی المشتری و الا فله ان یفسخ المعاملة لأجل مخالفة هذا الشرط.

الاشکال الثالث من إشکالات التستری

انّه علی القول بالکشف و کون الإجازة کاشفة عن الملکیّة السابقة کما هو الحق و أغمضنا النظر عن الإشکالین الأولین من منع تحقق حقیقة البیع أو بطلانه من جهة عدم القدرة علی التسلیم انّه یلزم خروج المال عن ملک البائع قبل دخوله فیه فانّ الفرض انّه باع مال غیره لنفسه و لم یملک بعد و قد ملک المشتری علیه علی الفرض کما هو مقتضی القول بالکشف فح یلزم المحذور.

و قد أجاب شیخنا الأنصاری عن هذا الاشکال.

بما حاصله انّ دلیل الکشف انّما یدلّ علیه فی مورد یکون قابلا لذلک لا فی مورد غیر قابل لذلک فإذا باع شخص مال غیره لنفسه ثم ملکه أو باع مال غیره لغیره فضولا ثم ملک الغیر ذلک المال فأجاز البیع فیکون حصول الملکیة علی الکشف من زمان التملک فان هذا الزمان زمان قابلیة تحقق الکشف و یکون مبدء الکشف من زمان اشتراء البائع أو من له البیع الفضولی إلی زمان الإجازة فیما احتاج إلیها و اما قبله فلیس المورد قابلا لحصول الملکیة حتی یستشکل فی ذلک و فی نحو حصولها.

و بعبارة اخری:انّ کشف الإجازة عن الملکیة إنّما یترتب علی وجود الملکیة بحیث انّ الملکیة بمنزلة الموضوع للکشف و الکشف عنها بمنزلة الحکم المترتب علی الملکیة و إذا لم یکن من له البیع

ص:269

مالکا فیکون المورد غیر قابل للکشف عن حصول النقل من زمان العقد بالإجازة بل من نقطة من الزمان الذی یکون قابلا للکشف و قبل تلک النقطة لیس المورد قابلا لذلک فان من له البیع لیس له مال حتی ینتقل إلی المشتری و یتصور الکشف و علی هذا فیکون المال خارجا من ملک البائع بعد دخوله فی ملکه لا قبل دخوله فیه.

و علی هذا لا مانع من شمول العمومات لما نحن فیه فیکون المقتضی للصحة موجودا و لیس عن شمولها مانع عقلی أو شرعی لیکون موجبا لرفع الید عنها.

و بالجملة من حین وجود القابلیة ان یخرج المال من ملک البائع فلا نتصور مانعا بوجه عن شمول العمومات علی ذلک.

ثم قال لا یقاس المقام بما تقدم فی الکشف و النقل انّه لو خصّ المالک علی الکشف الإجازة بزمان متأخّر عن العقد حیث قلنا بعدم صحة ذلک و وجه عدم القیاس انّ القابلیّة للکشف هنا کموجود من الأول فتکون العمومات شاملة علیه من حین العقد بخلافه هنا فانّ العمومات کما عرفت شاملة علیه من زمان تکون القابلیة لا قبله فیکون الإجازة فی الأول بعد العقد مع کون القابلیة من حین العقد قادحة فی صحة العقد و غیر موافقة للواقع.

و قد أشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّه بناء علی جواز رد المالک عقد الفضولی و إسقاطه عن قابلیة لحوق الإجازة به و بناء علی کون الرد متحققا بالفعل و القول معا کما بینا علی ذلک فیما تقدم فیکون بیع المالک ذلک المال الذی باعه الفضولی ردّا عملیّا کالفسخ العملی فی باب الخیار و کالرجوع العملی فی باب الطلاق اذن فلا یبق

ص:270

مجال لإجازة من له العقد ذلک العقد الفضولی لسقوطه عن قابلیة لحوق الإجازة علیه.

و فیه بناء علی قبول جواز ردّ المالک العقد الفضولی بمعنی إسقاطه عن قابلیة لحوق الإجازة بها و انّ ذلک أمر ثابت للمالک اما بالإجماع أو بدلیل السلطنة لکون ذلک أیضا حقا ثابتا له فی ماله و من شئون سلطنته و یرد علیه أوّلا انّ مقتضی الناس مسلطون علی أموالهم کونهم مسلطین علی أموال نفسهم لا علی أموال غیرهم إذا بیع المالک ماله أوجب سقوط قابلیة العقد عن لحوق الإجازة به فی ملک نفسه لا فی ملک غیره فإنّه بعد البیع صار ملکا للغیر فله ان یجیز العقد المتعلق بذلک المال نظیر موت المالک و انتقاله إلی الورثة فکما للورثة ذلک فکک للمالک الثانی ذلک و السر فی جمیع ذلک هو انّ خصوصیة المالک غیر دخیلة فی صحة البیع بل هو مبادلة مال مالک طبیعی مع مال مالک طبیعی آخر.

و ثانیا انّ الدلیل أخصّ من المدعی فانّ هذا انّما یتم فیما إذا انتقل المال من المالک الی من له العقد بالنواقل الاختیاریة کالبیع و الهبة و نحوهما و اما لو کان بالنواقل القهریة کالإرث و نحوه فلا عمل هنا لیکون ذلک ردّا للبیع الأول کما هو واضح و من عجائب شیخنا الأستاذ حیث التزم انّ تبدل المالکین هنا کقیام الوارث مقام المورّث فیکون الکشف هنا من الأول و من زمان العقد فإنّه بأی وجه یمکن الالتزام بانّ الوارث قائم مقام المورّث فیکون إجازته کاشفة عن الملکیة من أول الأمر و زمان العقد لیکون تبدل المالکین أیضا من هذا القبیل.

ص:271

و اما ما افاده شیخنا الأنصاری من انّ الکشف من زمان القبول و هو أوّل حدوث الملکیة لمن له العقد و فیه انّه علی هذا یلزم ان یکون الواقع غیر مجاز و المجاز غیر واقع حیث انّ المنشأ هو الملکیة من زمان العقد و الذی وقع هو هذا و الإجازة تعلّقت علی الملکیة من زمان متأخر عن العقد فیکون المجاز غیر الواقع الذی لم یقع علیه العقد إذا فلا مقتضی لصحة العقد لانّه لیس هنا عقد لتشمله العمومات و بعبارة اخری:انّ العقد الفضولی بمنزلة الإیجاب و الإجازة بمنزلة القبول فیما هو واقع هنا فإیجاب لیس له قبول و ما تعلق به الإجازة فقبول لیس له إیجاب فلا عقد هنا لیکون مشمولا للعمومات.

الاشکال الرابع:انّ العقد الأول الذی أوقعه البائع الفضولی

و باع مال غیره لنفسه انّما یتوقف علی صحة البیع الثانی.

أعنی اشتراء البائع الأول المبیع الذی باعه من المشتری فضولة من مالکه الأصلی لأنّه مع عدم صحة ذلک البیع الثانی لا یصح بیعه الأول أیضا فإنّ البائع لم یبیع مال نفسه حتی یصح بیعه بل انّما باع مال غیره فبیعه انّما یکون صحیحا لو اشتری ذلک المال ثم یعطیه للمشتری الأول فیلزم من عدم صحة البیع الثانی عدم صحة البیع الأول أیضا و صحة العقد الثانی یتوقف علی بقاء الملک علی ملک مالکه الأول و الا فلا یجوز بیعه علی فرض خروجه عن ملکه و علی هذا فعلی القول بالکشف من حین العقد یلزم اجتماع مالکین فی ملک واحد فانّ مقتضی صحة البیع الأول کون الملک للمشتری من زمان العقد الذی یکشف بإجازة من له العقد أو بدون الإجازة بل بالاشتراء فقط فیما کان البائع بائعا لنفسه و صحة البیع الثانی کونه

ص:272

للأصیل إلی زمان البیع.

فاجتماع المالین فی ملک واحد محال للتضاد علی انّ صحة البیع الأول متوقفة علی تملّک البائع المبیع فهو متوقف علی ملک البائع الثانی لیبیعه منه مع انّه لو صحّ الأول یلزم منه عدم الثانی فإنّه مع صحة الأول یکون المبیع مالا للمشتری من زمان العقد علی الکشف فلا یبقی مجال للبیع الثانی و ملکیّة الأصیل و إذا لم یبق مجال للثانی فینعدم صحة البیع الأول و ملکیة المشتری الأول أیضا لأن الفرض انّه کان متوقفا علی الثانی فیلزم من وجود البیع الثانی عدم الأول فیلزم من وجود الأول عدمه و کک الثانی فیلزم من وجوده عدمه فی آن فهو محال.

و قد دفعه المصنف بمثل ما أجاب به فی الاشکال الثالث من انّ الکشف من زمان القابلیة لا من زمان العقد و لکن بناء علی صحة جواب المصنف فهو انّما یوجب دفع الاشکال من جهة اختصاصه بالمقام لکن لا ید دفعه فی جمیع موارد الفضولی علی الکشف و فی المقام من زمان القابلیة کما أشار إلیه التستری(بان قلت)فان هذا الاشکال مشترک الورود فی جمیع موارد الکشف حتی من المورد القابل فی المقام فإنّ صحة البیع الفضولی علی الکشف یقتضی حصول الملکیة للمشتری من زمان العقد أو من زمان قابل للکشف فهو متوقف علی اجازة المالک و الا فلا یصح و صحة اجازة المالک متوقفة علی کونه مالکا و الا فتکون إجازته کإجازة الأجانب فیلزم اجتماع المالکین فی ملک واحد و من وجود ملک المشتری الأصیل عدمه و من وجود ملک المالک عدمه فإنّ مالکیة المشتری یقتضی صحة اجازة المالک و صحة

ص:273

اجازة المالک تقتضی عدم ملکیّة المشتری فملکیّة المشتری تقتضی عدمه و کک صحة الإجازة تقتضی وجود ملکیّة المشتری الأول فهو یقتضی عدم صحة الإجازة فصحّة الإجازة تقتضی عدم صحتها فلا بدّ امّا من القول ببطلان البیع الفضولی بالکلیّة أو بطلان القول بالکشف.

و قد أجاب عن ذلک الإشکال التستری بالالتزام بالملک الصوری بدعوی انّه یکفی فی الإجازة ملک المالک ظاهرا و هو الحاصل من استصحاب ملکه السابق لأنّها الحقیقة رفع الید و إسقاط للحق و لا یکفی الملک الصوری فی العقد الثانی لکونه بیعا و هو یقتضی الملکیة الحقیقیة فلا یمکن ذلک بالاستصحاب.

و أجاب المصنف عن هذا الجواب بوجوبه کلّها صحیحة.

الأول انّ الاستصحاب انّما یثبت الملک الظاهری للمالک الظاهری فتنفذ أجازته ما لم ینکشف الحال و بعد انکشاف الواقع و علم انّه لیس بمالک فلا تکون أجازته نافذة بل لا بدّ فی صحتها من کونها صادرة من المالک الواقعی کالبیع فإنّهما من آثار المالک الواقعی دون المالک الظاهری و من هنا لو تبیّن فی مقام أخر کون المجیز غیر المالک لم تنفع إجازته لأنّ المالکیة من الشرائط الواقعیة دون العلمیّة.

الثانی انّه لا وجه للفرق بین صورتی الإجازة و العقد بان یلتزم بکفایة الملک الصوری فی الأول و بعدم کفایته فی الثانی بل هما من واد واحد فلا یترتبان الا علی الملک الواقعی و المالک الواقعی کما عرفت و لا ینقضی تعجبی منه فی وجه الفرق فإنه کیف حکم بأنّ الإجازة إسقاط للحق و رفع الید عنه مع انّه لا یعقل رفع الید عنه الا مع ثبوت الحق فیما لم یثبت الحق کیف یمکن رفع الید عنه ثم.

ص:274

قال شیخنا الأنصاری و التحقیق انّ الاشکال ناشئ من القول بالکاشفیة علی مسلک المشهور من القول بکون الإجازة شرطا متأخرا یؤثر فی سببیة العقد المتقدم و اما علی القول بالکشف الحکمی فینزل بالإجازة غیر المالک منزلة المالک فی زمان العقد و هذا لا ینافی مع کون الملک باقیا تحت ملک مالکه الأول حقیقة.

و هکذا الکلام فی الکشف بالمعنی الذی ذکرناه فإنه علیه ینکشف بالإجازة کون المشتری مالکا حقیقة من حین العقد و لکن من زمان الإجازة بحیث یحکم بترتب آثار الملک علیه حین الإجازة من زمان العقد فهو نتیجة الکشف الحکمی و الظاهر من کلامه هذا انّه التزم بالإشکال علی الکشف الحقیقی و کک الظاهر من شیخنا الأستاذ انه أیضا التزم بالإشکال و لذا سلک مسلکا آخر و قال انّ اجتماع المالکین فی ملک واحد انّما یستحیل فی الملکیة العرضیة لا فی الملکیة الطولیة فقد ورد نظیره فی الشریعة کمالکیة العبد فإنّها فی طول مالکیة المولی فانّ المولی مالک له و لما فی یده و فی طول ذلک فهو مالک لما فی تحت یده و فی المقام انّ مالکیّة المشتری فی طول مالکیة المالک فإذا أجاز المالک البیع فیکون مالکیة المشتری فی طول ذلک فلا محذور فیه.

و فیه:انّ الطولیة فی الملکیّة انّما تکون متصوّرة إذا کان الثانی من شئون الأول و من فروعه و الا فلا نعقل لذلک معنی صحیحا و نظیر ذلک ما ورد فی الشرع من المثال المتقدم من ملکیة العبد فانّ ملکیته من شئون ملکیة المولی فعلی القول بکون العبد مالکا فیکون ذلک فی طول مالکیة المولی له و لما فی یده و من

ص:275

شئون ذلک کونه مالکا لما فی یده و کک نظیره فی الملکیّة التکوینیة نظیر مالکیة الخالق جمیع الموجودات و من شئون ذلک مالکیة العباد أموالهم بالملکیة الاعتباریة و من هذا القبیل مالکیة القائم مقام و سلطنته للبلد و مالکیة المتصرف لها و لغیرها فإنّ الأول فی طول الثانی و هکذا ما فوق المتصرف الی ان یصل الی الملک فإنه سلطان جمیعهم و فی جمیع ذلک المالکیة الواقعة فی طول المالکیة الاولی لیس الا من شئون الاولی لا انّها ملکیّتان مستقلتان و مالکیتهما مالکیة مستقلة.

و هذا بخلاف المقام فإنّ مالکیة المشتری و ان کانت فی طول مالکیة المجیز الا انّ ذلک طولیّة العلیّة و المعلول و ان ملکیة- المشتری معلولة لملکیة المجیز و الا لم تحدث الإجازة ملکیة للمشتری مثلا بل تکون کإجازة سائر الأجانب أجنبیة عن العقد و لیس ملکیة المشتری من شئون ملکیة المجیز بنحو بل کل منهما ملکیة مستقلة فمقتضی ذلک کون اثر کل منهما مترتبا علیها و إذا مات کل منهما ینتقل ملکیته الی الوارث و لکلّ منهما التصرف فی ذلک المال کیف یشاء و هکذا و هکذا فیعود الإشکال الی حاله علی النحو الذی عرفت و من العجائب ما ذهب الیه شیخنا الأستاذ من قیام الورثة مکان المورّث و وجه العجب انّه و ان کان فرض ذلک ممکنا و غیر محتاج إلی مئونة بحیث تکون بذلک الفرض اجازة الورثة إجازة للبیع من حین العقد و لکنه لا دلیل علیه و انّما الدلیل علی انّ ما ترکه المیّت فلو إرثه و الذی ینبغی ان یقال انّ المجیز مالک فی حال الإجازة لو لا أجازته بمعنی انّ اجازة کل احد لا تکون مؤثرة فی العقد الفضولی حتی

ص:276

الأجانب بل انّما تکون المؤثر فیه اجازة المالک أی الذی لو لم یجز کان مالکا فهو مالک لولائی فی حال الإجازة لا انّه مالک حقیقة لیلزم المحذور فشرط المجیز لیس ان یکون عند أجازته مالکا حقیقة بل علی تقدیر عدم الإجازة فالی زمان الإجازة هو مالک حقیقة فبالإجازة- نکشف عن حصول الملکیة من زمان العقد حقیقة.

و بعبارة أخری:تارة نتکلم فی مقام الإثبات و وجود المقتضی و الدلیل علی ذلک فقد تقدم انّه لا دلیل علی الکشف بمعنی المشهور و اخری نتکلم فی إمکان ذلک و فی مقام الثبوت فتصویره علی النحو الذی ذکرنا بمکان من الإمکان کما هو واضح فلو ورد الدلیل علی ذلک لا وجه لحمله علی الاستحالة و الرّد من هذه الجهة بل نأخذه و نبنی علیه لتمامیته ثبوتا و إثباتا.

الاشکال الخامس:انّه إذا کانت الإجازة المتأخرة کاشفة عن

صحة العقد الأوّل فیکون المال ملکا للمشتری الأوّل

فح إذا وقع علیه العقد الثانی فیکون واقعا علی ملک المشتری فیکون فضولیّا فیتوقف علی أجازته کما لو ورد علی المبیع بیوع متعددة فأجاز المالک البیع الأوّل فإنّ صحة البیوع المتأخرة تتوقف علی إجازة المشتری الأوّل و علی هذا فیلزم توقّف صحة إجازة المجیز علی إجازة المشتری للبیع الثانی فإنّه ما لم یجز المشتری البیع الثانی لا یتحقق موضوع لإجازة المجیز فانّ الفرض ان المبیع ملک للمشتری و صحة إجازة المشتری متوقفة علی اجازة المجیز لأصل البیع فإنّه بدون ذلک لا تحصل الملکیة للمشتری أصلا اذن فیلزم توقف اجازة کل من الشخصین علی الأخری.

ص:277

و أیضا یلزم ان تتوقّف صحة العقد الثانی و اجازة العقد الأوّل علی إجازة المشتری الأصیل کما هو واضح و هذا من الأعاجیب فإنّ ذلک یستلزم عدم تملک المالک الأصیل شیئا من الثمن و المثمن و تملک المشتری الأول المبیع بلا عوض ان اتحد الثمنان و دون تمامه ان زاد الأول و مع زیادة ان نقص لانکشاف وقوعه فالثمن له و قد کان المبیع له أیضا بما بذله من الثمن مثلا و توضیح ذلک اما العقد الأول فتوقفه علی إجازة المشتری بالواسطة فإنّه یتوقف علی إجازة البائع المتوقفة علی البیع الثانی المتوقف علی إجازة المشتری و هکذا یلزم عدم تملک المالک الأصیل شیئا من الثمن و المثمن امّا الثمن فلانّ المبیع ملک للمشتری فالبائع الفضولی یشتری منه حقیقة فلا بدّ من ان یسلّمه إلی المشتری و اما المثمن فلانّه بالبیع الأول تملّکه المشتری و هکذا یلزم تملک المشتری المبیع بلا ثمن لو اتحد الثمنان کما لو باعه الفضولی بعشرة ثم اشتراه بهذا المقدار من الأصیل فیجب علیه ردّه الی المشتری و یلزم تملکه لمقدار من المبیع مجانا لو زاد ثمن الأول کما لو اشتراه بعشرة و اشتراه البائع من الأصیل بخمسة و یلزم تملکه تمام المبیع مجانا مع الزیادة لو نقص ثمن الأوّل کما لو اشتراه بخمسة و اشتری البائع من الأصیل بعشرة ثم ان تلک الوجوه مذکورة فی الإیضاح و جامع المقاصد.

الاشکال السادس:انّ بیع الأصیل ما له من البائع الفضولی

رد عملی لبطلان البیع الأول

فیکون باطلا غیر قابل للإجازة.

و فیه قد تقدم انّه علی تقدیر کون الرد موجبا لإسقاط العقد فی القابلیة فهو امّا بدلیل السلطنة و فیه انّه یقتضی إسقاط العقد

ص:278

الأول عن القابلیّة فیکون موجبا لإسقاطه عن القابلیّة فی ماله ما دام ماله فإذا کان مالا لشخص آخر فهو لیس مسلطا علیه و امّا بالإجماع فالمتیقن منه انّ المالک له حق الرّد من ماله لا من مال شخص أخر فالمبیع و ان تعلّق به ذلک العقد و ردّه مالکه و لکن بعد ما خرج فی ملکه فلا نعلم تأثیر رده عن البیع حتی إذا کان مال شخص أخر أیضا فلا ندری کون ذلک داخلا فی معقد الإجماع علی تقدیر تحققه.

الاشکال السابع:علی بطلان بیع مال الغیر لنفسه الأخبار

الدالة علی عدم جواز بیع ما لیس عندک.

فهی علی ثلثة طوائف الأولی ما دلّ علی ذلک مطلقا فی الأعیان الشخصیة و البیع الکلّی فتکون ظاهرة فی بطلان بیع ما لیس عنده مطلقا کقوله(علیه السلام)لا تبع ما لیس عندک و أمثال ذلک.

الثانیة ما یکون ظاهرا فی حرمة بیع الأعیان الشخصیة التی لیست عنده کروایتی ابنی الحجاج فی بیع الدابة فإنها ظاهرة بل صریحة فی بطلان البیع الشخصی الذی لیس عنده و هذا یظهر من روایتین آخرتین اللّتین تدلان علی عدم جواز بیع المتاع الذی لیس عنده فانّ الظاهر من قول السائل اشتر لی متاعا لیس معناه المتاع الکلّی الشامل لکل شیء لأنه لا یکون محطّ نظر بل المتاع الشخصی فیکون قوله(علیه السلام)بعدم الجواز إذا باع ذلک المتاع علیه قبل الشری ظاهرا فی بطلان المعاملة علی العین الخارجیة التی لیست عنده.

الثالثة ما یکون ظاهرا فی البیع الکلّی مثل ما دلّ علی عدم جواز بیع الحریر قبل الشری فانّ الظاهر من الحریر هو الکلی.

ص:279

اما الطائفة الثالثة فلا بدّ من رفع الید عنها اما بحملها علی الکراهة أو علی التقیّة إذ لا شبهة فی جواز البیع الکلی فی الذمّة عندنا علی ما نطقت به الروایات و من هنا نقض الامام(علیه السلام)علی- العامة القائلین بعدم جواز بیع الکلّی للأخبار الدالة علی عدم جواز بیع ما لیس عندک ببیع السلم لکونه أیضا بیعا کلیّا فلا بدّ من حمل ذلک علی التقیة لقولهم بذلک أو علی الکراهة و اما المطلقات فلا بدّ أیضا من تقییدها ان قیل بکونها مطلقة أو بتخصیصها ان قلنا بکونها عامة بما یدلّ علی جواز البیع الکلّی فی الذمّة و عدم کونه من بیع ما لیس عنده فتخصّص تلک المطلقات أو العمومات بالأعیان الشخصیة اذن فیقع الکلام فی بیع الأعیان الشخصیة التی لیست عند المالک فنقول بناء علی دلالة النهی فی المعاملات علی الفساد و کونها إرشاده إلی بطلانها فهل تلک المطلقات أو العمومات بعد التقیید أو التخصیص مع تلک الأخبار الخاصة أی الطائفة الثانیة تدل علی بطلان بیع ما لیس عنده من الأعیان الشخصیة أم لا لیکون ما نحن فیه معلوما من ذلک لکونه من صغریاته.

و من هنا یعلم انّ حمل تلک الأخبار بأجمعها علی التقیة أو الکراهة لا وجه له و قد ناقش فیها المصنف بدعوی انها لا تنفی الصحة الفعلیة للبیع لیکون فاسدا بل هی بصدد بیان عدم ترتب الآثار علیه قبل الأخذ و الإعطاء و اذن فلا یکون فاسدا و غیر قابل للإجازة المستقبلة.

و فیه انّ ظهور ما یصدر من غیر المالک من البیع فهو فاسد و تأویلها بإرادة نفی الآثار خلاف الظاهر خصوصا صحیحة خالد بن

ص:280

الحجاج حیث دلّت علی عدم البأس إذا لم یکن التزام و التزام من قبل الشری و بمفهومها علی وجود البأس إذا کان الالتزام البیعی قبل الشری. و بعبارة اخری:انّها تدل علی وجود البأس فی ذلک البیع عند استناده إلی البائع و صحته بعد ذلک یحتاج الی دلیل فتحصل انّ الإلزام و الالتزام قبل الشری من المتبایعین غیر لازم من- المتعاملین بمعنی انّه فاسد لا یترتب علیه اثر و الا فمعاملة الفضولیین أیضا غیر لازم قبل الإجازة لأنّ العمومات تشمل علیها من زمان الإجازة فلا تشملها قبلها و مما یؤید عدم صحة البیع لنفسه روایة الحسن بن زیاد الطائر الدالة علی تجدید نکاح العبد کونه معتقا علی تقدیر عدم اجازة المولی ذلک العقد و جهة عدم جعلها دلیلا ما ذکرناه سابقا من خروج أمثال هذه الروایات عن البیع الفضولی و البیع لنفسه لا یقال انّه علی هذا فتلک الأخبار شاملة لبیع الفضولی أیضا لکونه أیضا من بیع ما لا یملک فیکون البیع الفضولی باطلا لذلک.

فإنّه یقال لا یقاس المقام ببیع الفضولی إذ عرفت انّ زمان البیع من زمان الإجازة فبها یستند البیع الی المالک فیکون مشمولا للعمومات و قبل زمان الإجازة لم یکن إلا صورة البیع و اجراء العقد من المتعاقدین القابل لا یکون بیعا بالإجازة و کانت له صحة تأهلیة لا صحة فعلیة بحیث قبل زمان الإجازة لم یکن هنا بیع حقیقة و بالإجازة صار بیعا حقیقة و ح فهو من بیع ما یملک لا من بیع ما لا یملک و هذا بخلاف ما نحن فیه فانّ بائع مال الغیر لنفسه من الأول باع لنفسه و أسند البیع الی شخصه فلو صح فهو بیع من الأول و لیس کبیع الفضولی

ص:281

لیکون بیعا من زمان الإجازة إذا فقیاس المقام بالبیع الفضولی فاسد من أصله.

و قد تحصل من مطاوی ما ذکرنا انّ الاخبار المشار إلیها تدل علی بطلان بیع ما له الغیر لنفسه لکونه إیجابا و استیجابا من غیر المالک.

ثمّ انّ صور المسألة ثلثة الاولی بیع مال الغیر لنفسه منجرّا الثانی بیعه معلقا بان یکون البیع علی تقدیر ان یکون مالکا امّا بالاختیار أو بالقهر الثالث ان یکون لزومه معلقا علی التملک بان یجعل للمشتری الخیار إذا لم یملکه فالمتیقن من مورد الروایات هی الصورة الأولی بعد ما کان کلامنا فی البیع الشخصی دون الکلی کما انّه مورد تعلیل العلامة من کونه غرریا و عدم قدرة البائع علی التسلیم فیکون باطلا عن هاتین الجهتین.

و من هنا یحکم العلامة الأنصاری(ره)بصحة الصورتین الأخیرتین فی موردها بدعوی انصرافها الی عدم وقوع ذلک البیع للبائع و لیس لها تعرّض إلی جهة اجازة المالک.

و فیه انّ المتیقن من موردها و ان کان ذلک و کک هو مورد تعلیل العلامة الا انّ إطلاقها یشمل الصورتین الأخیرتین فلا وجه لدعوی الانصراف عنهما فانّ مقتضی التعلیل فی قوله ع فی روایة ابن المسلم و لیس به بأس إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه و کک مقتضی الإطلاق فی قوله ع أ لیس ان شاء ترک و ان شاء أخذ فی روایة خالد و کک قوله لا توجبها قبل ان تستوجبها و غیرها من الروایات ظاهرة فی بطلان البیع لنفسه بجمیع اقسامه سواء کان منجّزا أو معلقا تعلیقا من جهة البیع أو من جهة اللزوم و کون فرد متیقن الإرادة من

ص:282

الدلیل لا یوجب الانصراف و لا یقاس ذلک بیع الغاصب لنفسه کما عرفت سابقا للفرق الواضح بینه و بین ما نحن فیه.

المسألة الثانیة ان یبیع للمالک و یشتری ذلک من المالک قبل

أجازته

فهل یجوز له اجازة ذلک البیع لنفسه أم لا و قد حکم العلامة الأنصاری بصحّة ذلک أیضا فخروجه عن مورد الاخبار فیکون مشمولا للعمومات فیحکم بصحته فیکون عکس مسألة بیع الغاصب لنفسه ثمّ یجیزه المالک فکما انّه صحیح و کک هذا.

و فیه أوّلا انّه و ان لم یکن من بیع البائع لنفسه بأقسامه المتقدمة فإنّ الفرض انّه باع للمالک ثم انتقل الی ملکه بناقل الا انّه کما لا بدّ و ان یکون البیع فی ملک فلا بدّ فی صحة الاشتراء أیضا ان یشتری من المالک لیکون صحیحا فانّ مقتضی التعلیل انّما یشتریه منه بعد ما یملکه هو بطلان الشری قبل الاشتراء فلا بدّ فی صحة اشتراء المشتری من ان یکون البائع مالکا أو اشتری قبل بیعه بحیث یکون اشتراء المشتری اشتراء من المالک و الا فیبطل الشری فإنه لم یقع من المالک حین العقد و حین الإجازة لم یکن شراء لیکون من المالک و بعبارة اخری:انّ بعض الاخبار و ان لم یکن شاملا لما نحن فیه کالروایات و العمومات الدالة علی بطلان بیع البائع ما لیس عنده فانّ المفروض انّ هذا الشخص لم یبع لنفسه لیکون بیعه هذا مشمولا لها و لکن فی بعضها الآخر غنی و کفایة فإنّ مفهوم التعلیل بطلان الشری من غیر المالک فهذا الشری قبل ان ینتقل المال إلی البائع شراء من غیر المالک و بعد ما انتقل إلی البائع لم یتحقق هنا شراء لیکون شراء من المالک و یکون صحیحا بإجازة البائع و بعبارة اخری

ص:283

انّ المتحصل و لو من بعض الروایات هو لزوم کون البائع الذی یستند الیه البیع و تشمله العمومات و یحکم بلزومه ان یکون مالکا حال العقد و الا فلا یمکن استناد البیع إلیه بالإجازة لعدم ربط الواقع الی المجیز بوجه و ما هو مربوطا بالمجیز غیر الواقع فکیف یحکم بصحته و ثانیا انّه علی تقدیر عدم شمول الروایات بالمقام فیکون باطلا بحسب القواعد فانّ البیع و ان کان عبارة عن مبادلة مال بمال و لیست الخصوصیات المالکیة دخیلة فی صحته بان یکون المالک هذا الشخص المعین أو ذاک الشخص المعیّن الا انّه فیما إذا کان النظر إلی کلی المالک و کون المبادلة بین مالی کلّی المالک فإنّه ح لا یلزم معرفة شخصی المالک بل یکفی حصول التبدیل بین المالین فی ملک المالک الکلّی و طبیعی المالک و امّا إذا کان شخص المالک موردا للنظر بحیث یکون التبدیل فی مال الشخص المعیّن فح لا بدّ و ان یکون اضافة باقیة الی حین الإجازة و الا فیکون المقصود الذی وقع علی طبقه العقد غیر مجاز و المجاز غیر مقصود و بعبارة أخری لا بدّ و ان تکون الإضافة المالکیة التی حصل التبادل علی تلک الإضافة حین العقد محفوظة حال الإجازة و فی المقام لیس کک فانّ التبادل بین المالین حین العقد حصل علی الإضافة التی بین المالک و المشتری و خرج العوض من ملکیّة المشتری و دخل تحت اضافة المالک و المعوض خرج من المالک و دخل تحت إضافة المشتری و تلک الحالة غیر باقیة حال الإجازة فإنّ إضافة العین الی المالک قد انقطع و انّما تعلّق بها الإضافة المالکیة من البائع فهی غیر الإضافة حال العقد التی کان التبادل علیها اذن فما وقع غیر مجاز و ما أجیز غیر الواقع و بعبارة

ص:284

أخری لا بدّ و ان یکون المجیز مالکا حال العقد و الا یلزم ان المقصود غیر مجاز و المجاز غیر مقصود لان تبدیل مال بمال تحقق فی الإضافة المالکیة الواقعة بین المال و مالکه الاولی و بین الثمن و تلک الإضافة التی کان التبدیل واقعا علیها قد انقطعت الی حین الإجازة لتبدیل المالک فینقطع التبدیل الواقع علیها فإنّها بالنسبة ا الی التبدیل کالموضوع بالنسبة إلی الحکم فمع انتفاء الموضوع لا مجال للحکم و علی هذا فکیف یمکن تصحیح مثل هذا البیع و لا یقاس ذلک ببیع الغاصب و من هنا ظهر عدم تصحیح البیع فی المسألة الثالثة أیضا فهی ما یکون الشراء لأجنبی باعتقاد انّه مالک و تحقق القصد لأجل هذا- الاعتقاد بحقیقة البیع فإنّه أیضا لیس بصحیح أوّلا لشمول بعض تلک الاخبار علیه و لو لم یکن من قبیل بیع المالک لنفسه و ثانیا من جهة عدم بقاء الإضافة التی کانت موضوعا للتبدیل و محلا له و ارتفاعه بتبدیل المالک کما عرفت و لا یقاس هذه المسألة و لا المسألة السابقة ببیع الغاصب مال المغصوب منه لنفسه کما قاسه علیه المصنف بدعوی اتحاد المثال بین المسئلتین و ان کانا متعاکسین فإنّ الصحة فی بیع الغاصب علی حسب القواعد إذا الغاصب یبیع المغصوب للمالک تحصل المبادلة بین المالین فی جهة الإضافة المالکیة و تحقق حقیقة المعاوضة التی عبارة عن المبادلة بین المالین مع دخالة وجود طبیعی المالک فیها لتحقیق حقیقة التبادل فی جهة الإضافة غایة الأمر انّه یجعل نفسه بحسب الادعاء و العنایة مالکا کالمجاز علی مسلک السکاکی فحقیقة البیع محقق حقیقة و لا کذب فیها و انّما الکذب فی جعل نفسه مصداقا للمالکیة فهو أمر لا واقع له و علی هذا

ص:285

فاجازة المالک بیع الغاصب توجب صحته و کونه له دون إجازة البائع البیع الذی أوقعه للمالک ثم اشتری المال منه لنفسه فانّ فی الأوّل کان الواقع مجازا و المجاز واقعا کما عرفت بخلاف ما نحن فیه فانّ الواقع غیر المجاز و المجاز غیر الواقع فإنّ الإضافة التی کان تبدیل المالین فیها قد ارتفع فلم یبق الأمر الواقع حین الإجازة و الإضافة التی حدثت حین الإجازة لم یقع تبدیل المالین فیها لیکون موردا للإجازة و علی تقدیر وقوعه غیر التبدیل الذی کان حین العقد فإنک عرفت انّه ارتفع بارتفاع موضوعه أعنی الإضافة المالکیة بین المالک الأول و المال و لعل الی هذا أشار المصنف بالأمر بالتأمّل و لا یفرق فی ما ذکرنا من عدم صحة البیع إذا کان المالک المجیز غیر المالک حال العقد بین ان یکون مالکیّة المجیز و تجدّد ملکه بالقهر أو بالاختیار فانّ فی جمیع هذه الصور لا وجه لصحة مثل هذا البیع و ما عن شیخنا الأستاذ من تصحیح ذلک فی صورة الإرث لقیام الوارث مقام المورث فلا وجه له فإنّه بحسب الفرض ممکن و لکن لا یکفی مجرّد الفرض فی صحته بل لا بدّ من قیام الدلیل علی ذلک و لیس لنا ما یدل علی انّ الوارث یقوم مقام المورّث بحیث إذا أجاز العقد فیصح من حین العقد بل الدلیل دلّ علی انتقال مال المیت إلی الورثة و اما قیامه مقامه بکونه وجودا تنزیلیّا للمورّث فلا دلیل علیه و من جمیع ما ذکرنا حکم الصورة الرابعة أیضا فهو ان یبیع المال لمالک و انتقل منه الی آخر بنواقل قهریة أو اختیاریة.

قوله ثم انّه قد ظهر مما ذکرنا فی المسألة المذکورة حال المسألة الأخری و هی ما لو لم تجز المالک بعد تملکه أقول لو قلنا بالبطلان

ص:286

فی المسألة المتقدمة ففی هذه المسألة نقول بالبطلان بطریق أولی فإنّه إذا لم یکن وجه لصحة بیع مال الغیر لنفسه مع أجازته ذلک البیع فیکون فیما لا یجیز باطلا بالأولویة و انما الکلام فیما لو قلنا بالصحة فی المسائل المتقدمة فهل یمکن الحکم بالصحة هنا بان نقول بصحة البیع بدون الإجازة فإنّه کان بائعا لنفسه فقد حصل له الملک فیکون کما باعه لنفسه من الأول أولا بل لا بدّ من ان نقول بالبطلان هنا و لو قلنا بالصحة فی المسألة السابقة و قد اختار المصنف البطلان و انّ البیع الأول باطل للأخبار المتقدمة و لدلیل السلطنة فإنّ الحکم- بکون هذا المال لغیره بدون بیع و اجازة خلاف السلطنة و خلاف عدم جواز التصرف فی مال الغیر الا بطیب نفسه و هو الصحیح عندنا أیضا فإنّ البائع الذی باع مال غیره لنفسه و التزم به فی الحین الذی أنشأ العقد لم یکن مالکا لیتم التزامه و فی الحین الذی ملک لم یلتزم بالبیع فیکون الحکم بصحة البیع و کون المال للمشتری بدون اجازة منه علی خلاف السلطنة فیحکم بالبطلان و لیس لنا طریق الی الحکم بصحة ذلک الا ما ربّما یتوهم من شمول عموم الوفاء بالعقد علیه حین الإنشاء فالعاقد ممّن شمل علیه ذلک الدلیل و انّما خرج عنه زمان عدم کونه مالکا فتبقی البقیة تحت الدلیل و أجیب عن ذلک بانّ المقام من موارد استصحاب حکم الخاص دون مقام التمسک بالعموم فإنّ البائع غیر مأمور بالوفاء قبل الملک فیستصحب و المقام مقام استصحاب حکم الخاص لا مقام الرجوع الی حکم العام و التحقیق انه لیس المقام مقام جریان العموم فضلا عن النزاع من الرجوع الی حکم العام أو الخاص فانّ محط هذا النزاع فیما یکون المورد مشمولا للعمومات ثم

ص:287

خصصت فی زمان فنشک فی زمان آخر فی دخوله تحت العام أو یستصحب حکم الخاص کتخصیص عمومات جواز وطی المرأة بما یدلّ علی التحریم فی حال الحیض و نشک فی جوازه بعد الطهر و قبل الاغتسال فیقع النزاع هنا من انّه نعمل بالعام و نجری حکمه علیه لانّ المتیقن من الخارج هو زمان الحیض فیبقی الباقی تحته أو نستصحب حکم الخاص و اما فیما لا تشمل علیه العمومات من الأول فلا وجه لهذا النزاع مثلا لو ورد أکرم العلماء فتکون غیر العلماء خارجا عنه تخصّصا ثم شککنا فی انّ ذلک الفرد الخارج بالتخصص هل یکون- داخلا تحته حین الشک أو نستصحب فیه حکم المخصّص و مقامنا من قبیل الثانی فإنّ البائع حین ما باع مال الغیر لنفسه لم یتم التزامه البیعی لیشمل عموم الوفاء بالعقد فلا یکون بائعا حقیقة و حینما ملک المبیع لم یلتزم بالبیع ففی الزمان الذی مالک لیس له التزام و فی الزمان الذی له التزام فلیس بمالک ففی أیّ نقطة شمل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ نشک فی بقاء حکمه أو حکم الخاص فی نقطة اخری لنرجع الی النزاع المعروف من انّ المقام من موارد اجراء حکم العام علی المشکوک أو استصحاب حکم المخصّص لو کان ذلک مثل بیع المکره بان کان الخارج عنه زمان الإکراه لکان لإجراء النزاع المعروف هنا وجها و لعل الی ذلک أشار المصنف بالأمر بالتأمل.

و ثانیا علی تقدیر التمسک بدلیل الوفاء بالعقد و کونه شاملا علیه و انما الخارج عنه زمان عدم التملک فنتمسک به فی الباقی نظیر شموله بالبیع المکره و انّما الخارج عنه زمان الإکراه فیکون الباقی داخلا تحت العام و لکن یکون آیة التجارة مقیدة لها حیث انّ اللّه تعالی

ص:288

قد حصر فیها جواز أکل مال الغیر بالتجارة عن تراض و ان غیرها- باطل و من أکل المال بالباطل و ما نحن فیه لیس تجارة عن تراض حیث انّ البائع و ان کان بائعا لنفسه لکن کان بائعا مال الغیر لنفسه و انّما هو ملک بعد ذلک فلیس ببائع فیکون أخذ ماله هذا بالبیع السابق أکلا له بالباطل فیکون ذلک البیع الأول باطلا حتی مع شمول دلیل الوفاء علیه أیضا.

و ثالثا لو سلمنا عدم کون آیة التجارة مقیدة لدلیل الوفاء و لکن تکفینا الروایات الواردة فی المقام من عدم جواز بیع مال الغیر و ما لیس عنده فالبائع و ان باع مال غیره لنفسه ثم ملکه و لکن کان بیعه الأول باطلا لکونه بیعا بما لیس عنده و إیجابا و استیجابا قبل التملّک فهو غیر جائز نعم لو باع مال الغیر لنفسه بعنوان التعلیق بأن إنشاء البیع فی الحال و کان المنشأ فی المستقبل نظیر الوصیّة و أغمضنا النظر عن بطلان التعلیق بالإجماع و أغمضنا النظر عن الروایات الواردة فی المقام لتوجه التمسک بدلیل الوفاء بالعقد هنا کما تقدمت الإشارة الی هذا القسم عند الدخول بهذه المسائل و من عجائب شیخنا الأستاذ انّه التزم بصحة هذه المسألة و قال لا وجه للتفصیل فی ذلک بین ما یبیع لنفسه ثم ملکه فأجاز البیع و بین ما ملکه و لم یجز ففی کلا الصورتین نحکم بالفساد و أفاد فی وجه الصحة هنا بانّ الإجازة انّما نحتاج إلیها لأمرین الأول من جهة اعتبار الرضا فی البیع بمقتضی آیة التجارة و الثانی من جهة استناد البیع الی المجیز فکلا الأمرین متحقق هنا فان الفرض انّه باع لنفسه و الفرض انّه راض بذلک أیضا فیکون صحیحا و فیه انّ هذا یعد من عجائب شیخنا الأستاذ فإنّ-

ص:289

بائع مال الغیر لنفسه انّما هو رضی و أسند البیع لنفسه فی بیع مال الغیر فهو راض به و أسند ذلک البیع الی نفسه و اما بعد تملکه ذلک المال فلم یوقع علیه البیع حتی ینازع فیه بأنّه أسند إلی نفسه أم لا فما أسنده إلی نفسه و رضی به لم یتعلق بماله و ما هو ماله لم یوقع علیه البیع بوجه فما ذکره بلا وجه و قد تحصل الی هنا حکم المسئلتین.

قوله المسألة الثالثة:لو باع معتقدا لکونه غیر جائز التصرف

أقول لو باع مال الغیر باعتقاد انّه غیر جائز التصرف اما بتخیل أو باستصحاب أو نحو ذلک فالجامع اعتقاد انه غیر مالک فباع ثم بان انّه جائز التصرف فهذه علی أربعة صور کما أشار إلیها فی المتن فإن البائع هذا اما یعتقد عدم جواز تصرّفه لعدم ولایته فانکشف کونه ولیّا للمالک و اما لعدم الملک و کونه مالکا فانکشف انّه مالک و علی کل تقدیر فامّا ان یبیع عن المالک و امّا ان یبیع لنفسه فالصور أربع.

الصورة الأولی:ما إذا باع للمالک باعتقاد انّه غیر جائز التصرف

فبان انّه جائز التصرف

لکونه ولیّا للمالک أو ممن کان أمره فی یده فهل یحکم بصحة ذلک البیع أم لا.

الظاهر کونه صحیحا فانّ الفرض انّ البیع لا قصور فیه لکونه صادرا ممّن لا بدّ و ان یصدر منه غایة الأمر انّه کان ناسیا للاذن- السابق و کونه وکیلا عن المالک أو عن کونه ولیّا أو غفل عن ذلک فهذا لا یوجب البطلان فهل یکون الاذن السابق ادنی من الإجازة اللاحقة.

و کذلک کونه ولیّا فی الواقع لا یکون ادنی من الاذن السابق فهل یتوهم أحد فی انّه لو باع شخص مال غیره فضولا ثم-

ص:290

و أصل إلیه الکتاب و کان مکتوبا فیه بع المال قبل ان یبیع ما له فضولا فیکون باطلا بل لا یحتمل ذلک و مقامنا نظیر ذلک فانّ اعتقاد عدم کونه جائز التصرّف لا موضوعیة له لبطلان العقد کما لا یخفی بل العقد صدر واقعا ممّن لا بدّ و ان یصدر منه و وقع فی محله فلا وجه لتوهّم البطلان بوجه.

بل لو قلنا ببطلان المعاملة الفضولیة لا نقول بالبطلان هنا فإنّه کما أشار إلیه المصنف صدر العقد هنا من اهله واقعا غایة الأمر انّ العاقد لم یلتفت بذلک فهل یوجب عدم التفاته الی ذلک کونه أخصر من البیع الفضولی نعم لا بدّ و ان الاذن موجودا فی الخارج بان یکون مبرزا فإنّه لا یکفی فی صحة البیع الرضا الباطنی للمالک ما لم یظهر بمظهر فی الخارج و قد تقدم ذلک عند الدخول ببحث الفضولی بل لا نحتمل من ان یقول احد بالبطلان الا عن القاضی حیث قال انّه لو اذن السید لعبده فی التجارة فهو باع و اشتری و هو لا یعلم باذن سیده و لا علم به احد لم یکن مأذون فی التجارة و لا یجوز شیء ممّا فعله فان علم بعد ذلک و اشتری و باع جاز ما فعله بعد الاذن و لم یجز ما فعله قبل ذلک فإن أمر السید قوما ان یعاملوا العبد و العبد لا یعلم باذنه له کان بیعه و شرائه منهم جائزا و جری ذلک مجری الاذن.

و قد ظهر بطلانه ممّا ذکرنا فانّ وصول الإذن الیه و عدمه لا موضوعیة فیه و انّما المناط أصل وجود الاذن واقعا بل تقدم سابقا انّه یکفی فی نفوذ معاملة العبد بالتجارة للغیر نفس رضی الباطنی للمولی و ان لم یبرزه فی الخارج فانّا و ان قلنا فی أول الدخول

ص:291

بالبیع الفضولی انّه لا یکفی فیه الرضا الباطنی و لکنه غیر مربوط- بمعاملة العبد کما تقدم سابقا فانّ معاملته صحیح من جمیع الجهات حتی من جهة الاستناد و انّما المانع من نفوذها عصیان السیّد فقط و هو یرتفع برضا الباطنی و ان لم یکن مبرزا فی الخارج.

قوله الثانیة:ان یبیع لنفسه فانکشف کونه ولیّا.

أقول المسألة الثانیة إذا یبیع مال الغیر لنفسه باعتقاد انّه غیر جائز التصرف فانکشف کونه ولیّا فالظاهر هنا أیضا صحة البیع وفاقا للمصنف و ذلک لما عرفت ان حقیقة البیع عبارة عن مبادلة مال بمال فقد تحققت مع جمیع ما فیها من الشرائط غایة الأمر انّه قد انضمّ الیه قید کون البیع لنفسه فیکون لغوا و الوجه فی ذلک انّ البائع مأذون فی البیع و الشری و غیرهما من التصرّفات فی مال المولی علیه فانّ الفرض انّ الولی کک فلا یقصر ذلک الاذن عن الاذن اللاحق و عن الإذن الأخر الذی لا یلتفت الیه الا فی جهة القصد و ان یکون البیع واقعا لنفسه و قد مرّ مرارا انّ القصد لا یوجب تغییرا فی حقیقة البیع بل هو بالنسبة إلیها کالحجر فی جنب الإنسان فبعد تحقق حقیقة البیع أعنی مبادلة المال بالمال و تحقق شرائط الآخر من الاذن من المالک أو من قبل مالک الملوم فلا یضرّ بها ذلک القصد لوقوعه لغوا.

و ربّما یقال باحتیاجه ای ذلک البیع علی اجازة الولی البائع لنفسه غفلة کونه للمولی علیه بعد انکشاف الحال کما یمیل الیه المصنف فإنّه لم یقع بعنوان انّه للمولی علیه حتی لو قلنا بکون قصد کونه لنفسه لغوا بل لا بدّ و ان یکون البیع مستندا إلیه بالإجازة و الا فلا یستند الیه فیکون باطلا إذ البائع و لو کان مجازا واقعا فی البیع الا ان-

ص:292

البیع الذی هو مجاز فیه لم یقصده البائع فما أوجده و قصده انّما هو غیر ما کان مأذونا فیه فیتوقف صحة کونه عن المولی علیه علی اجازة جدیدة.

و فیه انّه لا وجه لاحتیاجه إلی الإجازة بوجه لانّ قید کونه لنفسه ان کان قیدا للبیع فبانکشاف الخلاف یکون باطلا لانتفاء القید المستلزم لانتفاء حقیقة البیع و ان لم یکن قیدا فیکون لغوا فلا یضرّ بصحة البیع لکونه کالحجر فی جنب الإنسان بالنسبة إلی حقیقة البیع و علی کل تقدیر لا نتصور وجها لاحتیاج البیع إلی الإجازة و لعل الی ذلک أشار المصنف بالأمر بالتأمل.

قوله(ره)الثالثة:ان یبیع عن المالک ثم ینکشف کونه مالکا.

أقول المسألة الثالثة:ان یبیع عن المالک ثم ینکشف کونه مالکا و قد مثلوا لذلک بما لو باع مال أبیه بظن حیاته فبان میتا فإنّه ح یکون المال مال نفسه و یکون البیع عن نفسه فهل یصح هذا البیع أولا یصح و علی تقدیر الصحة فهل یکون محتاجا إلی الإجازة أو یکون له الخیار فی ذلک بحیث له ان یفسخ أولا یفسخ فیکون بترکه الفسخ لازما وجوه و الفرق بین کونه محتاجا إلی الإجازة و بین کون المالک مخیّرا بین الفسخ و الإمضاء هو انّه لو لم یجز المالک علی تقدیر الاحتیاج إلی الإجازة فیکون البیع باطلا و امّا علی تقدیر کونه مخیّرا بین الفسخ و الإمضاء فالعقد صحیح و لکن للمالک حق الفسخ فقط.

و اما أصل البیع فالمشهور صحته بل ربّما یدعی الإجماع فی ذلک و فی المتن لم نعثر علی مخالف صریح الا عن الشهید فی قواعده حیث احتمل إمکان البطلان و سبقاه العلامة و ابنه لوجوه

ص:293

لا یمکن المساعدة علی شیء منها کما ذکر المصنف فی المتن.

و امّا الوجه فی صحة البیع فلما تقدم فی البیع لنفسه ان حقیقة البیع قد تحققت بجمیع شرائطه و حقیقته التی عبارة عن مبادلة مال بمال فی طرف من الإضافة المالکیة لمالک طبیعی و قصد کونه لنفسه کما فی المسألة المتقدمة أو کونه لمالک کما فی هذه المسألة أمر زائد عن حقیقة البیع و غیر مربوط بها بوجه فیکون لغوا فلا یضرّ بصحة البیع بوجه و اما الوجوه التی أشار إلیها العلامة فالأول انّ الابن قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه فما وقع اعنی کون البیع للابن فی الواقع لم یقصد فما قصد لم یقع فلم یقصد حقیقة البیع کما مرّ نظیر ذلک الإشکال فی بیع الغاصب.

و فیه انه قد تقدم مرارا انّ القصد غیر قادح لحقیقة البیع إذا لم یضرّ بها ففی المقام و ان قصد البائع کونه عن المالک و هو الأب الا ان قصده ذلک من جهة کون الأب مالکا فی اعتقاده لا لخصوصیة فی شخص الأب غایة الأمر أنّه أخطأ فی قصده و طبق المالک الی شخص آخر فلا یکون مضرّا.

الوجه الثانی ان هذا العقد باطلا من جهة التعلیق فإنّه و ان کان فی الصورة منجزا و لکنّه فی التقدیر معلق فانّ التقدیر ان مات مورثی فقد بعتک فیکون باطلا من جهة التعلیق.

و فیه الظاهر انّه أمر وقع من سهو القلم من العلامة(ره)فانّ التعلیق انّما یتم لو باع لنفسه معلقا ذلک علی موت الأب بحیث یکون ذلک متوقفا علی موته و ان التعلیق فی صحة العقد و تکون متوقفة علی موت الأب و ان کان المنشأ کالإنشاء امرا فعلیّا لا امرا

ص:294

استقبالیّا لیکون التعلیق فی المنشأ.

و بعبارة أخری:هذا الذی ذکره فی الوجه الثانی مع الوجه الأول فی طرفی النقیض فانّ مقتض الوجه الأول انّ البیع عن الأب و لیس عن نفسه و مقتضی الوجه الثانی انّ البیع عن نفسه فلیس عن الأب فهذان لا یجتمعان لکون مدلول أحدهما متناقضا مع مدلول الآخر.

اللهم الا ان یقال ان القصد الحقیقی إلی النقل معلّق علی تلک الناقل و بدونه فالقصد صوری و قد تقدم نظیر ذلک من المسالک فی انّ الفضولی و المکره قاصدان الی اللفظ دون المعنی و مدلول اللفظ و قد تقدم عدم تمامیة ذلک و انّ الفضولی و المکره قاصدان للمدلول أیضا و لو بهذا القصد الصوری فهو یکفی فی صحة البیع الفضولی.

الوجه الثالث:انّ البائع کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده انّ المبیع لغیره.

و فیه بعد ما قلنا بکونه کالفضولی قاصدا للمدلول أیضا فیکون ما یصدر منه البیع فیکون صحیحا فلا یکون فیه بحث بوجه من الوجوه و بالجملة فاصل صحة البیع ممّا لا اشکال فیه و لا یعتنی بمثل تلک الوجوه فی الحکم بالبطلان کما لا یخفی.

و اما احتیاجه إلی الإجازة فمما لا ریب فیه لا لما ذکره المحقق الثانی فی جامع المقاصد من انه لم یقصد الی البیع الناقل للملک الان بل مع اجازة المالک لاندفاعه أوّلا بقوله الا ان یقال ان قصده إلی أصل البیع کاف و ذلک لان حصول النقل حین العقد أو بعد

ص:295

اجازة المالک لیس من مدلول لفظ العقد حتی یعتبر قصده أو یضرّ قصد خلافه و انّما هو من الأحکام الشرعیّة المعارضة للعقود فلا یکون مأخوذا فی صحة العقد.

و ثانیا ان هذا الدلیل أخص من المدعی فإنّه قد یتحقق القصد الی ذلک لو کان البائع لذلک أی بائع مال نفسه للغیر باعتقاد انّه للغیر وکیلا من قبله فباع ثم انکشف انّه مال نفسه فانّ القصد هنا متحقق إلی أصل البیع الناقل للملک من دون احتیاج الی قصده مع الإجازة المتأخرة.

و ثالثا انّ هذا ینافی مذهب الکشف فکیف یرضی القائل به ان یقول البائع لا یقصد نقل المال حین العقد بل الوجه فی الاحتیاج إلی الإجازة هو الذی أشار إلیه المصنف من عموم تسلط الناس علی أموالهم و عدم حلّها لغیرهم الا بطیب أنفسهم و حرمة أکل المال إلا بالتجارة فإنّ الالتزام بصحة العقد بدون الإجازة مستلزم لعدم تسلط الناس علی أموالهم و کونه حلالا لهم بغیر طیب نفسهم و توضیح ذلک فانّ مقتضی آیة التجارة و قوله لا یحلّ مال امرؤ مسلم الا بطیب نفسه و ان کان کفایة رضا المالک و طیب نفسه و لو مع اعتقاده بانّ المال لغیره بحیث یکون الرضا بذاته معتبرا و لکن بمناسبة الحکم و الموضوع یستفاد منها ان ذات الرضا و الطیب بما هو لیس موضوعا للحکم فانّ احترام ماله و توقف التصرف فیه علی اذنه یناسب ان یکون اذنه بما انه مالک دخیلا فی جواز التصرف و معلوم ان الطیب بأصل التبدیل لیس طیبا بالتبدیل المالکی نعم ما نزّل شیخنا- الأستاذ ذلک بما ان العمد بأصل التکلم أو العمد بالأکل لیس

ص:296

عمدا بالتکلم فی الصلاة و الأکل فی نهار شهر رمضان و الأمر کک فإنّ الإنسان یتعمد إلی أصل الفعل و لکن یغفل عن کونه فی الصلاة أو الصوم ثمّ انّه یؤید ذلک انّه لو أعتق عبدا للغیر بما انّه له فبان انّه لنفسه أو طلق امرأة للغیر فبان انّها لنفسه له ینعتق العبد و لا یطلق الزوجة و انّما جعلناهما مؤیدة من جهة أنهما إزالة الملک و الزوجیة و کونهما عن المالک و الزوجة من الجهات المقوّمة فعدم وقوعها من الغیر من تلک الجهة فلا یقاس بالبیع و هذا المعنی هو منصرف عن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أحلّ اللّه البیع فانّ الظاهر انّهما منصرفان الی وجوب الوفاء لکل شخص بعقده الذی أوقعه علی ماله بحیث یکون البیع مستندا الیه لا الی شخص أخر فمعنی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ انّه یجب ان یفی کل شخص بعقد نفسه و معنی أحلّ اللّه البیع انّه حلّ بیع أنفسکم و فی المقام ان البائع و ان کان مالکا واقعا الا انّه باع الملک بعنوان انه مال الغیر لیکون البیع بیعه و لم یبع بعنوان ماله لیکون البیع بیع نفسه و عقدا له فلا یشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و العمومات الأخر إلا بالإجازة لیکون مستندا الی نفسه و یکون قابلا لشمول العمومات له و من هنا ظهر فساد توهم ان المالک حیث انه المباشر للعقد فلا وجه لاعتبار الإجازة فیما یرجع الی تصرّف نفسه فی ماله فإنّه و ان کان تصرّف فی ماله و لکنه بعنوان انّه مال الغیر فلا یکون البیع مستندا الیه الا بالإجازة و قد اختار صاحب الجواهر تبعا لبعض آخر صحة هذا البیع و کونه خیاریا و ان للمالک فسخ ذلک و إمضائه و استدل علیه بدلیل نفی الضرر بدعوی انّ لزوم مثل هذا العقد ضرری فیرتفع بکونه خیاریا و قد استدل بتلک الأدلة علی ثبوت ببعض

ص:297

الخیارات کخیار الغبن.

و أشکل علیه شیخنا الأنصاری بتوضیح و اضافة إجمالیّة منّا و حاصله انّ الضرر عبارة عن النقص فی المال أو العرض أو النفس و شیء منها غیر موجود فی المقام بل انّما هو فی انتقال المال إلی المشتری بدون رضائه المالک و اذنه فمقتضی شمول أدلة الضرر علی ذلک هو نفی الانتقال و بطلان العقد لا ثبوت الخیار مع صحته.

و بعبارة اخری:انّه لو فرضنا من صحة العقد و کان النزاع فی لزومه و عدمه و کان الضرر متوجها من ناحیة اللزوم لکان لهذا التوهم وجه و لکن الأمر لیس کک و انّما الضرر فی أصل صحة العقد و انتقال المال الی الغیر لا من ناحیة اللزوم بعد الفراغ عن صحته اذن فلا بدّ من القول ببطلان العقد لو تمسکنا بدلیل نفی الضرر لا بکونه خیاریا.

بل لا مجال أصلا هنا للتمسک بأدلّة نفی الضرر و لا موضوع لها هنا فإنّه انّما تکون شاملة لمورد یکون فیه ضرر و الموضوع لذلک هنا لو کان انما هو العقد فصحته انّما بواسطة شمول العمومات علیه فهی لا تشمل المورد ما لم تلحق علیه الإجازة اللاحقة من المالک فإنّه عرفت انّه مضافا الی کون صحة العقد بدون الإجازة منه أکلا لمال الغیر بدون اذنه و کونه تصرّفا فی مال الغیر بغیر طیب نفسه و کونه خلاف السلطنة أنّ أوفوا بالعقد و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ انّما ینصرف الی بیع شخص المالک و انّ کل من باع ما له لنفسه یجب الوفاء به و اما لو باع لغیره فلا اذن فلا موضوع یکون ضرریا حتی یشمله أدلة نفی الضرر و بالجملة لا وجه لاحتمال ثبوت الخیار هنا بدلیل نفی الضرر.

ص:298

ثم لو انعقد الإجماع علی عدم جریان الفضولیة فی الإیقاعات و اختصاصها بالعقود فیحکم ببطلان عتق مال الغیر ثم إجازته أو عتق مال نفسه عن الغیر باعتقاد انّه مال الغیر ثم أجازته و ان لم یتم الإجماع و ناقشنا فیه فیصح فی الإیقاعات أیضا کما هو واضح ثم انّه لا ملازمة بین بیع مال نفسه للغیر باعتقاد انّه له ثم انکشف الخلاف و بین بیع الفضولی بحیث لو قلنا ببطلان البیع الفضولی لقلنا ببطلان ذلک أیضا.

و ذلک لان عمدة ما قیل فی بطلان البیع الفضولی کما تقدم هو کونه بیعا لمال الغیر فهو باطل بالروایات المستفیضة النافیة عن بیع ما لیس عنده و قد أجبنا عنه فیما تقدم انّ ذلک فیما یکون بائعا لنفسه دون الغیر و علی تقدیر قبوله هناک فلا یجری هنا فإنّ البائع لم بیع مال غیره لیکون من صغریات بیع ما لیس عنده بل انما باع مال نفسه للغیر فیکون ذلک صحیحا بالإجازة فلا یکون مشمولا لتلک الروایات اللهم الا ان یقال ان مدرک القول ببطلان بیع الفضولی هو التصرف فی مال الغیر المستلزم للحرمة المستلزم لفساد البیع و فیه علی تقدیر قبوله فی بیع الفضولی فلا یجری هنا لأنّ فی البیع الفضولی کان تصرّف فی مال الغیر بخلافه هنا فإنّه لیس هنا الا قبح التصرف من باب التجری فهو قبیح فی نظر العقل فلا یستلزم الحرمة الواقعیة حتی یستلزم ذلک الحرمة الواقعیة فساد المعاملة فیکون ما نحن فیه مثل بیع الفضولی کما هو اضح.

قوله الرابعة ان یبیع لنفسه باعتقاد انه لغیره فانکشف انّه له.

أقول إذا باع شخص مال نفسه لغیره باعتقاد انه له اما باعتبار

ص:299

شخصی أو عقلائی ثم انکشف انّه مال نفسه کما إذا باع مالا أخذه من الغیر بالقمار أو بغیره من الأسباب الباطلة شرعا ثم باع لنفسه مع- اعتقاده بحسب تدیّنه بدین الإسلام انّه مال الغیر ثم انکشف انّ هذا بعینه المال الذی کان ذلک الغیر أخذ منه أمس فالظاهر انّه لا شبهة فی صحة هذا البیع لعدم قصور فی الإنشاء و لا فی المنشأ بل انّما تحققت حقیقة البیع علی النحو الذی لا بدّ و ان تتحقق فانّ حقیقته المبادلة بین المالین فی علقة المالکیة و قد حصل ذلک فی نظر العرف و العقلاء فإنهم یرون التمسک بالقمار و نحوه من الأسباب الباطلة من المملکلات فیرون بیع المقامر ما تملکه بالقمار صحیحا فیصدق علی بیعه هذا بیعا بالحمل الشائع مع کونه مالکا واقعا اذن فیشمله العمومات فیحکم بصحته شرعا أیضا غایة الأمر انّه لم یعلم بکونه مالکا واقعا و فی نظر الشارع فهو لا یضرّ بصحّة البیع.

و بعبارة أخری حکم الشارع بالمالکیّة من الأحکام الشرعیّة فصحّة البیع لا یتوقف علی العلم به و الا فلا بدّ من عدم تحقق البیع و صدقه علی بیع من لا عقیدة له لشریعة من الکفار و الفساق مع کونه بیعا صحیحا عند العرف و العقلاء و بالجملة انّ صحة مثل ذلک مع صدوره عن مالکه الواقعی و تحقق شرائطه ممّا لا شبهة فیه و هل یحتاج ذلک الی الإجازة أم لا فالظاهر انّه غیر محتاج إلی الإجازة لکونه صادرا من مالک المبیع و واقعا لنفسه و مستندا الیه فالاحتیاج إلی الإجازة تحصیل الحاصل فلا نحتاج إلیها.

و بعبارة اخری انّ العقد بعد تمامیة أرکانه و وقوعه عن مالکه بعد نفسه مالکا للمال بأی نحو کان و کونه مالکا أیضا واقعا غیر انّه

ص:300

یعتقد فقط کون المال للغیر من باب الجهل فلا وجه لتوهم کونه محتاجا إلی الإجازة ثانیا فانّ مجرّد الجهل بالحال لا یستلزم ذلک کما هو واضح و ذلک کما إذا باع مال نفسه لنفسه غفلة عن کونه له فهل یتوهم احد بطلان البیع هنا.

قوله و اما القول فی المجاز.

أقول تحقیق الکلام فیه یقع فی أمور

الأول انّ العقد الفضولی

لا بدّ و ان یکون جامعا لشروط البیع بأجمعها

و الا فلا یکون ممّا یترتب علیه الأثر و هذا بحسب الکبری ممّا لا ریب فیه فانّ العقد الفضولی یعینه العقود الأخر غیر انّه فاقد للإجازة فیحتاج إلی الإجازة المتأخّرة و هذا لا یزید عن العقد الصادر بالاذن السابق أو من المالک فإنّه کما إذا کان شیء منهما فاقدا لشرط من الشروط مع کونه صادرا ممّن له العقد أو بإذنه بحیث یکون مستندا الی المالک من حین تحققه فکک العقد الفضولی لا بدّ و ان یکون جامعا لجمیع الشرائط غیر جهة الرضا المالکی فإنّه یلحق بالإجازة المتأخرة فهل یتوهم احد ان لا یعتبر فیه ما یکون معتبرا فی غیر العقد الفضولی اذن فمقتضی أدلّة صحة البیع مع أدلة الشروط المعتبرة فیه قاضیة فی البیع الفضولی أیضا.

و اما بحسب الصغری فشرائط البیع تنحلّ إلی أقسام أما شرائط العقد فلا شبهة فی اعتباره فی العقد الفضولی لکونه عقدا کسائر العقود فلا بدّ من اعتبار شروطها فیه أیضا و جهة الفضولیة لا توجب إلغاء تلک الشروط و ذلک کالماضویة و العربیة و تقدیم الإیجاب علی القبول و غیر ذلک ممّا یرجع الی نفس العقد فإنّها کما تعتبر فی عقد

ص:301

الأصیل و هکذا تعتبر فی العقد الفضولی و امّا شرائط المتعاقدین فکک و لا بدّ من اعتبارها هنا کما إذا اعتبرنا صدوره من البائع العاقل فإنّه یعتبر هنا أیضا فلا یصح عقد الصبی و المجنون لو کانا فضولیین أیضا فإنّه بعد عدم کفایته فیما إذا کان طرف المعاملة هو الأصیل و کان مجری العقد هو الصبی أو المجنون فلا یکفی هنا أیضا لأنک عرفت انّ العقد الفضولی لا یزید علی عقد الأصیل و معاملته و بالجملة لا یکفی فی صحة عقد الفضولی صدوره من الصبی و المجنون لو قلنا بعدم صحة عقدهما کما تقدّم.

و اما شرائط العوضین فهو أیضا ممّا لا ریب فی اعتبارها هنا فلا یصح بیع أم الولد و لا الخمر و نحوهما ممّا لا یصح بیعه من الأصیل أیضا فإنّ ما لا یجوز من الأصیل فکیف یجوز من الفضولی فهل یزید ذلک علی الأصیل و بالجملة.

انّ تلک الشروط الثلثة لا شبهة فی اعتبارها فی العقد الفضولی حین العقد فإنّ الإجازة لیست عقدا مستأنفا حتی تعتبرها من زمان الإجازة بل اجازة للعقد السابق الصادر عن الفضولی و انّما هی دخیلة فی تأثیر ذلک العقد فلا بدّ من اعتبارها فیه حین الصدور.

و اما الشروط التی تکون معتبرة فیه مع کونها خارجة عن العقد و قد عبر عنها المصنف بالشروط المعتبرة فی تأثیر العقد أو الشروط الراجعة إلی المالک فلا یعتبر فیه اما الأول فکالقدرة علی التسلیم فانّ اعتباره فی العقد لیس من جهة کونها شرطا للعقد أو للعوضین أو للمتعاقدین بل أمر خارج عن العقد فإنّما یکون معتبرا من جهة تمکین المشتری من المبیع أو البائع من الثمن و تسلیطهما علیهما و هذا

ص:302

انّما یلزم اعتباره حین التسلیم فقط و ان کان البائع غیر متمکن من زمان العقد حتی مع کونه أصیلا ففی الفضولی أیضا لا یعتبر القدرة علی التسلیم لا حین العقد و لا حین الإجازة بل انّما یلزم اعتباره- حین التسلیم و التسلّم فلو باع الفضولی عن المالک سلما فلا بدّ و ان یکون المالک متمکّنا عن التسلیم عند التسلیم و فی الأجل المعیّن الذی یجب تسلیمه فیه و لو باع حالا فیجب ان یکون المالک متمکّنا من التسلیم عند الإجازة لأنّ زمان الإجازة زمان التسلیم و التسلیم و بالجملة فمثل هذا الشرط لا یرتبط بالعقد و لا بالعوضین و لا بالمتعاقدین بل هو أمر خارج عن العقد و لا یلزم من انتفائه بطلان العقد بل یکون العقد خیاریا لتخلف الشرط الضمنی و لا یفرق فی ذلک بین القول بالکشف و النقل فإنّه علی القول بالکشف أیضا و ان حصلت الملکیّة و لکن لم یحصل زمان التسلیم و التسلم و لذا لا یجوز التصرف قبل الإجازة حتی علی الکشف فزمان التسلیم زمان الإجازة فإنّه لیس معنی الکشف انّ الملکیة قد حصلت بحیث لکل منهما ان یعامل مع ما انتقل إلیه معاملة ملکه بل انّما ذلک بعد الإجازة غایة الأمر أنّها نکشف انّ الملکیة من الأول.

و اما الثانی کاعتبار کون المشتری للمصحف أو العبد المسلم مسلما و لا یکون کافرا بناء علی عدم تملک الکافر العبد المسلم و المصحف فهذا أیضا لا یعتبر فی العقد الفضولی کون المشتری للمصحف أو- العبد المسلم مسلما حین العقد بل لا بدّ من کونه مسلما حین الإجازة فلو باع الفضولی المصحف أو العبد من الکافر فأسلم إلی زمان الإجازة فیکون البیع صحیحا و السر فی ذلک انّ عمدة دلیل اعتبار کون المشتری

ص:303

مسلما بعد التسالم بین الفقهاء هو قوله تعالی لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً فانّ بیع المصحف و العبد المسلم من الکافر استیلاء و سبیل علی المسلمین بل من أعلی مراتب الاستیلاء و هذا المعنی لا یتحقق بمجرّد العقد حتی علی القول بالکشف فانّ الاستیلاء انّما یتم بتمامیة العلقة الملکیة و هی لا تتم إلا بتمامیة السبب و تمامیة السبب إنّما بالإجازة حتی علی القول بالکشف فإنّه علی القول بالکشف أیضا تکون الإجازة مؤثرة فی الملکیة السابق فنکشف بها حصولها من زمان العقد و بها یکون المشتری مسلطا علی المبیع و اما قبل زمان الإجازة فلیس له تسلط علی المبیع غایة الأمر انّه قد ملک للمبیع من زمان العقد لو أجاز المالک و الا فلا فإنّما یحصل السبیل و التسلط فی زمان الإجازة و فی زمان تمامیّة السلطنة علی المبیع لکون الإجازة مما تکون متممة للعلقة المالکیّة و قبله لا سلطنة للمشتری علی المبیع بوجه و لذا لا یجوز له التصرف فیه.

نعم بناء علی الکشف بمعنی کون الإجازة معرفة محضة مع العلم بانّ المالک یجیز العقد قطعا نلتزم بعدم جواز البیع الفضولی أیضا لحصول السبیل من زمان العقد للعلم بتحقق العلقة بتمامها عنده و لکن قد عرفت عن تمامیّة ذلک المذهب و اما توهم حصول السبیل بمجرّد العقد توهم فاسد فانّ مجرّد تحقق ما یکون له تأهلیة الصحة و کونه قابلا لان یترتب علیه تمامیة العلقة المالکیة للمشتری لا یوجب إثبات السبیل للکافر علی المسلم.

و بالجملة انّ فقدان الشرائط الخارجیّة و شرائط المالک عند العقد فی العقد الفضولی لا یضرّ بالصحة التأهلیة التی کانت فی

ص:304

العقد الفضولی بل هی تحصل بذلک مع وجدانه الشرائط الأخر الداخلة فی العقد من شرائط العقد و شرائط العوضین و شرائط المتعاقدین بل الصحة التأهلیة باقیة الی زمان الإجازة و زمان وصول محل الشرط فانّ حصل فیحکم بالصحة الجزمیة و الا فیحکم بالبطلان.

ثم هل یعتبر استمرار تلک الشروط التی لا بدّ من اعتبارها الی زمان العقد أم لا یعتبر اما الشروط الراجعة إلی العقد فلا معنی لبقائه لکونها انی الحصول و الزوال فلیس لها قابلیّة البقاء کالعربیة و الماضویة و تقدیم الإیجاب علی القبول و نحوها فإنّها کیفیّات غیر قابلة للبقاء.

و اما شروط المتعاقدین فالظاهر عدم اعتبار بقائها علی حالها فی صحة العقد کما إذا جنّ العاقد الفضولی أو مات فانّ العقد بعد صدوره عنه صحیحا لا ینقلب عما هو علیه بانتفاء الشروط المعتبرة فی العاقد فلا نتصوّر وجها لکونها دخیلا فی صحته بحسب البقاء أیضا و انّما الظاهر من أدلة اعتبارها فی العقود دخالتها فی صحتها بحسب الحدوث فقط.

و اما شروط العوضین فقد بنی المصنف علی استمرارها علی القول بالنقل و نفی البعد عنه علی القول بالکشف و ان تقدم منه عند بیان الثمرة عدمه ردا علی من زعم اعتبارها بتوهم ظهور الأدلّة فی اعتبار استمرار القابلیة إلی زمان الإجازة علی الکشف.

و تفصیل الکلام هنا انّ الشروط تارة تکون شروطا للانتقال و التملیک و التملک بمعنی انّه یشترط فی انتقال المال الی الغیر و

ص:305

تملکه بعض الشروط کالخمر فانّ التملک و التملیک و انتقال المال من شخص الی آخر بأیّ عنوان کان یشترط فیه ان لا یکون خمرا فمثل ذلک شرط التملک و غیره مربوط بالبیع أصلا و لذا لا یکون بغیر البیع أیضا و لذا أمر رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بإراقة الروایة من الخمر الذی أهدی الیه و هکذا کلما یکون شرطا للتملک. و اخری یکون الشرط شرطا للبیع کعدم کون المبیع أم ولدا و من الأعیان النجسة أو المتنجسة بناء علی عدم جواز بیعهما و هکذا فانّ مثل ذلک من شروط البیع لا من شروط التملک و الا فیصح تملک أم الولد و النجس و لذا یضمن لصاحبها من أتلفها و قد تقدم فی بیع الکلاب القول بالضمان علی من أتلف کلب الغیر من غیر ما یجوز بیعها ککلب الحارس و الدور و لذا لو مات مالک تلک الأمور تنتقل الی وارثه و هکذا کلما کان من هذا القبیل فلا شبهة فی عدم اعتبار استمرارها ای تلک الشروط الی زمان الإجازة حتی علی القول بالنقل فإنّها کانت محققة فی زمان تحقق العقد و البیع لکفی و لأنّ الإجازة لیست عقدا مستأنفا حتی یعتبر استمرارها الی زمانها و علی هذا فلو باع الفضولی أمة الغیر أو متاعه ثم صار ذلک أم ولد أو متنجسة أو نجسة فعلی القول بالکشف لا شبهة فی صحة البیع لو اجازه المالک لحدوث التولید و التنجیس فی ملک الغیر فإنّ بالإجازة تنکشف انتقالها إلی المشتری من زمان العقد و کون التولید و التنجس واقعا فی ملک المشتری فانّ ما لا یجوز انّما هو بیع أم الولد أو النجس و الفرض هنا انهما حصلا فی ملک المشتری لا انهما حصلا قبل البیع لیمنع عنه و البیع انّما تحقق فی زمان تحقق العقد و لیس الإجازة إلا إجازة ذلک العقد

ص:306

لا انّها عقد جدید و کک علی القول بالنقل أیضا لا یبعد ذلک فإنّ الملکیة و ان لم تحصل إلا فی زمان الإجازة و لکن الإجازة هنا أیضا لیس عقدا جدیدا بل هی اجازة للعقد السابق المتحقق فضولة فیکون البیع حاصلا قبل ان تصیر الأمة أم ولد أو یکون المبیع نجسا و انّما صارا کذلک قبل الانتقال الی الغیر فلا شبهة فی جواز ذلک فلذا یتوارث الوارث و بالجملة انّ الإجازة لیست عقدا جدیدا و انّما هی إمضاء للعقد السابق الذی بیع أو نکاح فقد تحقق عنوانه و انّما الاستناد یکون بالإجازة لیکون بیعا للمالک أو نکاحا له و هکذا و الا فاصل العقد علی القولین قد تحقق عند العقد نعم ما هو شرط التملیک و الانتقال فلا بدّ من بقائه إلی زمان الإجازة.

فرع لو باع شخص خلا لآخر ثم صار ذلک خمرا ثم انقلب إلی

الخلیّة فهل یحکم بصحة الانتقال هنا المستلزم صحة البیع أم لا

اما علی الکشف فلا شبهة فی صحة البیع لکون القلب و الانقلاب فی ملک الغیر و اما علی النقل فالظاهر بطلان البیع لعدم صحة النقل حین الإجازة فإن ما وقع علیه العقد لم یبق علی حاله و ما هو موجود فإنّما هو ملک جدید لم یقع علیه العقد لتبدل الصورة النوعیة فإنّ الخمر و الخل فی نظر الشارع من الصور النوعیة المتخلفة کما إذا فرضنا انّه باع الفضولی عبدا ثم صار ذلک کلبا حقیقة لا إنسانا فی صورة الکلب ثم تبدل إلی الإنسانیة فإنّ الإنسان الثانی غیر الإنسان الأول فلا یصح ذلک البیع بالإجازة لما ذکرناه إذا فلا بدّ من بقاء المال علی هیئته التی وقع علیها العقد الفضولی من کونه قابلا لوقوع العقد علیه و واجدا علی شرائط الانتقال من حین العقد الی

ص:307

حین الإجازة و الا فلا یصح انتقاله الی الغیر بالعقد ففی الحقیقة مثل هذا الشرط الذی شرط التملک شرط للانتقال أولا و بالذات و یکون شرطا للبیع ثانیا و بالعرض فإنّه إذا لم یصح الانتقال لم یصح البیع أیضا کما هو واضح.

الأمر الثانی فی معرفة المجیز العقد المجاز و العلم بکونه واقعا

مع تعینه

و یقع الکلام هنا فی جهتین

الاولی فی انّه هل تصح-

الإجازة علی تقدیر الوقوع أم لا

کما إذا یقول لو بیع مالی فضولة أو أوجرت داری فقد أجزته و الثانیة هل یمکن تعلق الإجازة بالأمر المبهم أم لا اما الجهة الأولی فقد حکم شیخنا الأنصاری ببطلان الإجازة لکونه تعلیقا فیما هو بحکم العقد فإنّ الإجازة و ان لم تکن عقدا الا انّه فی حکم العقد فحیث ان التعلیق فی العقد باطل فیکون فیما هو بحکم العقد أیضا باطلا و أضاف إلیه شیخنا الأستاذ انّ الإجازة من الإیقاعات فالتعلیق فی الإیقاعات لا یعقل.

اما ما افاده شیخنا الأنصاری ففیه أولا لا دلیل علی بطلان التعلیق فیما هو فی حکم العقد فإنّ عمدة الدلیل علی بطلانه هو الإجماع کما تقدم فالمتیقن هو بطلانه فی نفس العقد لا ما فی حکمه و ثانیا انّه تقدم فی السابق انّ التعلیق فی العقد موجب للبطلان إذا کان بأمر خارج عن العقد و اما لو کان علی أمر یکون مقوّما له و داخلا فیه فلا دلیل علی بطلانه بل هو فی جمیع العقود موجود و ان لم یصرح به فلو کان مثل ذلک موجبا للبطلان للزم الحکم ببطلان جمیعها و هذا نظیر ما إذا قال ان کنت زوجتی فأنت طالق أو ان کان هذا مالی فبعته فکک الإجازة.

ص:308

و امّا ما افاده شیخنا الأستاذ فلم نعقل له معنی محصّلا حیث انّ التعلیق فی الإیقاع قد وقع فی الشریعة المقدسة فکیف له الحکم بکونه غیر معقول فی الإیقاعات کالتدبیر فإنّه من الإیقاعات مع کونه معلقا علی الموت و کالوصیة بناء علی کونها من الإیقاعات کما هو الحق فإنها متوقفة علی الموت بل عرفت ان الدلیل علی بطلانه انّما هو الإجماع فالمتیقن منه لیس الا العقود فلا علم لنا لدخول الإیقاعات معقده فلا یضرّ فیها التعلیق.

و اما الجهة الثانیة أعنی إمکان تعلق الإجازة بالأمر المبهم

فهی متفرعة علی الجهة الاولی و لذا قد مناها علی عکس ما فعله المصنف فقد نزل المصنف هنا الإجازة منزلة الوکالة فما لم یبلغ الأمر فی ذلک الی مرتبة لا یصح معه التوکیل یصح ان تتعلق به الإجازة.

و الظاهر جواز تعلّقها بالأمر المبهم إذا لم نقل بکون التعلیق فیها مضرّا کما إذا لم یدر المجیز ان الواقع بیع داره أو إجارته أو بیع الفرس أو غیر ذلک فیقول أجزت ذلک الأمر الواقع ان کان إجارة- فأجزت الإجارة و ان کان بیعا فأجزت البیع و هکذا و هکذا و لا یلزم معرفة المجاز و لا یضرّ عدم المعرفة بصحة الإجازة و هذا نظیر ان یعطی احد ماله لشخص بذلا فعلم ذلک و لکن لا یدری انّه ایّ شیء فیقول أجزته فهل یتوهم احد عدم صحة ذلک بل هذا أوضح من الوکالة فانّ فی الوکالة و ان کان یصح تعلقها بالأمر المبهم و لکن یشترط فی صحة ذلک وجود جامع بین تلک الأفراد التی کان المأذون فیه مبهما بینها و الا فلا یصحّ التوکیل بالفرد المردد و هذا بخلافه هنا فإنّ الإجازة تتعلق بالواقع المردد بین الافراد الکثیرة و ان لم یکن

ص:309

بینها جامع فانّ التردد لا یمنع عن ورود الإجازة إلی مورده و محله فی الواقع و هذا نظیر إتیان أربعة رکعات من الصلاة الرباعیة بقصد إتیان الواقع إذا علم بکون ذمته مشغولة بأربعة رکعات من الصلاة مع الجهل بخصوصیاتها.

و من هنا یظهر بطلان ما فی کلام شیخنا الأستاذ حیث قال انه لا یجری فی المقام ما یجری فی الوکالة فإنها تصح علی نحو الإطلاق و ان لم تصح علی نحو الإبهام و اما الإجازة فلا معنی لتعلقها بالعقد علی نحو الإطلاق لأنّ عقد الفضولی وقع علی شیء خاص و هو لو کان مجهولا عند المجیز فلا تشمله الأدلة الدالة علی نفوذ الإجازة بل حکمها حکم تعلق الوکالة بالأمر المبهم التی لا اعتبار بها عند العقد و وجه البطلان انّ ما تقع علیه الإجازة و ان کان امرا شخصیا غیر قابل للإطلاق لا کلیّا قابلا للإطلاق الا انّ اشتراط کون متعلقها امرا قابلا للإطلاق بلا دلیل بل انّما تکون الإجازة واقعة علی موردها و ان کانت المحتملات کثیرة و بالغة الی حد لا تصح ان تتعلق به الوکالة فإنّه بناء علی جواز التعلیق فیها تنحل ذلک الی قضایا عدیدة فیکون التقدیر ان کان هذا العقد واقعا علی مالی فأجزته و ان کان ذلک فأجزته و هکذا و بالجملة انّ الإجازة بعد صدورها من أهلها ترد علی محلها و ان کان المحل من الإبهام بمکان فانّ توجهها الی العقد الواقع علی ماله و ان کان امرا شخصیا غیر قابل للإطلاق فیقول المجیز أجزت الواقع علی ما هو علیه ان کان کذا فکذا ان کان کذا فکذا.

الأمر الثالث ان العقد المجاز امّا أول عقد وقع علی مال نفسه

ص:310

أو أخر عقد وقع علی ماله أو أول عقد وقع علی عوض ماله أو أخر عقد وقع علی عوض ماله فهذه أربعة صور ثم انّه امّا العقد الوسط بین عقدین واقعین علی مورد العقد الوسطی أو وسط بین العقدین الواقعین علی بدله أو علی الاختلاف و علی کل من هذه الأربعة فاما ان ذلک العقد الوسط واقعا علی عین مال الغیر فیتشعب من اجازة الوسط ثمانیة صور فیرتقی المجموع إلی اثنی عشر صور و توضیح ذلک انّما یکون فی ضمن مثال فلو باع الفضولی عبد المالک بفرس و باع مشتری ذلک الفرس بدرهم و باع الأخر العبد بکتاب ثم باع الأخر العبد بدینار و باع الأخر الدینار بجاریة.

فهذه البیوع الخمسة حاویة لبیع واقع علی مورد ابتداء و هو بیع العبد بفرس و بیع واقع علی مورد ذلک البیع الأول وسطا و هو بیع العبد بکتاب و بیع واقع علی ذلک المورد لا حق و هو بیع العبد بدینار و حاو أیضا علی بیع وارد علی بدل العبد و هو بیع الفرس الذی بدل العبد بدرهم و علی بیع وارد علی بدل العبد أیضا و لکن لاحق و هو بیع الدینار بجاریة فهل تکون اجازة العقد الوسط الذی بیع العبد بکتاب الذی وقع قبله عقد علی مورده و عقد علی بدله و کذلک بعده اجازة السابق و اللاحق أو لیس إجازة لشیء منها أو نقول بالتفصیل فیتضح بذلک المثال حکم المقام فتارة نتکلم علی الکشف و آخر علی النقل امّا علی الکشف فلو أجاز مالک العبد بیع العبد بکتاب فیکشف ذلک ان العبد من حین العقد صار ملکا لمالک الکتاب و الکتاب صار ملکا لمالک العبد و وقع بینهما التبادل و اما بیع العبد بفرس فیکون باطلا لکونه واقعا فی مال الغیر و لم تتعلق به

ص:311

الإجازة من المالک فیقع باطلا.

و اما بیع الفرس بدرهم فهو أمر أخر أجنبی عن بیع العبد فیکون فضولیّا و موقوفا علی اجازة مالکه.

و اما العقود اللاحقة فیصح کلاهما فإنه بعد کون العبد ملکا لمالک الکتاب من حین العقد کما هو المفروض علی الکشف فقد باع هو ماله بدینار فیکون الدینار ملکا له أیضا من حین العقد فإذا باعه بجاریة فیصح بیع الجاریة أیضا.

و اما علی النقل فحکم العقود السابقة علی بیع العبد بکتاب حکمها علی طریقة الکشف فی کل من العقد الوارد علی مورد العقد المتوسط و العقد الوارد علی مورد بدله فیحکم ببطلان بیع العبد بفرس و بصحة بیع الفرس بدرهم مع الإجازة و اما العقود اللاحقة- فحیث ان الإجازة ناقلة من حینها فیکون العقد الواقع علی العبد مع الکتاب موجبا للنقل و الانتقال من حین الإجازة فیکون العبد ملکا لمالک الکتاب من زمان الإجازة و اذن فیکون بیع مالک الکتاب العبد بدینار قبل اجازة مالک العبد المبادلة الواقعة بین العبد و الکتاب بیعا لما لا یملک و ما لیس عنده فیتوقف صحته و عدمه مطلقا أو مع الإجازة و عدمها علی ما تقدم من بیع مال غیره لنفسه ثم ملکه فراجع.

قوله الثالث المجاز اما العقد.

أقول و حکم المسألة فی غایة السهولة و لکن تصویرها فی غایة الصعوبة و قد ذکره المصنف و أوضحه بامثلة و نحن أیضا نوضح المسألة بالمثال الذی ذکره المصنف و لکن نحلّله الی مثالین لأجل التوضیح

ص:312

و حاصل ما ذکره المصنف من تصویر تعلق الإجازة بالمجاز قبل تصویره بمثال هو ان العقد المجاز اما هو العقد الواقع علی نفس مال الغیر أو العقد الواقع علی عوض مال الغیر و علی کلا التقدیرین فامّا ان یکون المجاز أوّل عقد وقع علی مال الغیر أو عوضه أو آخره أو عقدا بین سابق و لا حق واقعین علی مورده أو بدله أو بالاختلاف و محصله ان العقد المجاز تارة یکون أول عقد وقع علی عین مال الغیر و أخر یکون أخر عقد وقع علی عین مال الغیر و ثالثة یکون أوّل عقد وقع علی بدل مال الغیر و رابعة آخر عقد وقع علی بدل مال الغیر فهذه أربعة صور و أیضا قد یکون المجاز العقد المتوسط فهو تارة یکون وسطا بین عقدین واقعا علی مورده و اخری یکون وسطا بین عقدین واقعا علی بدل مورد هذا العقد الوسطی و ثالثة یکون العقد السابق منه واقعا علی مورده و اللاحق به واردا علی بدل مورده و رابعا یکون عکس ذلک فهذا العقد الوسط الذی یکون موردا للإجازة تارة یکون واقعا علی عین مال الغیر و اخری علی بدله فتکون هذه علی ثمانیة أقسام و مع إضافة الأقسام الأربعة إلیها ترتقی إلی اثنی عشر قسما فنوضح ذلک بتقسیط ما ذکره المصنف من المثال الی مثالین و یجمع جمیع ذلک مثالان بتقسیط الفرض إلیهما ممّا مثله المصنف الأول نفرضه فیما یکون العقد المجاز واقعا علی المال لا العقد الواقع علی بدله و تصویره انّه لو باع شخص فضولة عبد المالک بفرس ثم باع البائع- الفرس بدرهم و باع المشتری العبد بکتاب و باع صاحب الکتاب العبد بدینار و باع الدینار بجاریة و قد وقع هنا عقود خمسة و الوسط منها مسبوق بعقدین وقع أحدهما علی مورده اعنی بیع العبد بفرس و

ص:313

الأخر علی غیر مورده اعنی بیع الفرس بدرهم و ملحوق أیضا بعقدین أحدهما واقع علی مورده و هو بیع العبد بدینار و الآخر واقع علی غیر مورده و هو بیع الدینار بجاریة و مرادنا من اشتراک المورد کون المال الذی یکون ثمنا أو مثمنا متحدا مع العقد الأخر فی هذه الجهة أی کما انه ثمن أو مثمن فی هذا العقد و کک هو أیضا ثمن أو مثمن فی ذلک العقد.

فلو أجاز العقد الوسط فبناء علی الکشف فتکشف کون العبد ملکا للمشتری أعنی صاحب الکتاب من حین العقد فیکون بیعه العبد بدینار بیعا واقعا فی ملکه و هکذا بیع الدینار بجاریة فإن جمیع ذلک متفرع علی اجازة العقد الوسط و کونه موجبا لحصول الملکیّة من حین العقد کما هو مقتضی الکشف و اما العقدین السابقین علی المجاز فالعقد الذی ورد علی مورد العقد الوسط اعنی بیع العبد بفرس فیکون باطلا فإنّه لم یتعلق به الاذن اللاحق و خرج عن قابلیة لحوق الإجارة به بإجازة العقد الوسط لعدم بقاء الموضوع له فانّ مالک العبد قد أجاز بیعه بکتاب فاجازة بیعه بکتاب لا یستلزم صحة بیعه بفرس اعنی العقد السابق.

و اما العقد السابق الواقع علی بدله اعنی بیع الفرس بدرهم فهو عقد آخر غیر مربوط ببیع العبد بکتاب و لیس بینهما ملازمة لیلزم من اجازة بیع العبد بکتاب اجازة بیع الفرس بدرهم بل هو عقد مستقلة وقع علی مال الغیر فضولة فإن أجاز المالک صح و الا فلا.

و اما علی النقل فبالنسبة إلی العقدین السابقین الکلام هو الکلام و اما بالنسبة إلی العقدین اللاحقین فان قلنا بصحة بیع

ص:314

مال الغیر لنفسه ثم ملکه سواء قلنا بصحته مع الإجازة المتأخرة أو بدون الإجازة فیکونان أیضا صحیحین و الا فیکونان باطلین لا من جهة عدم التفرع بین العقد الوسط و بینهما بل من جهة کونها من صغریات بیع ما لیس عنده کما تقدم.

و من هنا ظهر انّه لو أجاز العقد الأول فإنّه یستلزم صحة العقود المتأخرة بأجمعها و لو أجاز العقد الأخیر فإنّه لا یستلزم صحة العقود المتقدمة بل ما یکون واردا علی مورده فیبطل و ما لا یکون واردا علی مورده یتوقف صحته علی الإجازة.

بقی هنا أمران لا بدّ من التعرّض لهما الأول انّ اجازة العقد لا یستلزم صحة العقود السابقة إذا أجاز المالک ذلک العقد لنفسه کما عرفت و اما إذا أجاز للبائع فیصح بذلک العقود السابقة أیضا و ذلک لانّ صحة بیع العبد بکتاب و کونه للبائع یستلزم صحة بیع العبد بفرس فإن صحة بیع العبد بکتاب متفرع علی صحة بیع العبد بفرس فإنه لو لم یکن بیع العبد بفرس صحیحا لا یکون العبد منتقلا إلی المشتری و لا یصح بیع المشتری ذلک العبد بکتاب صحیحا فانّ موردهما واحد ای البیعان وردا علی العبد و ان کان البائع فی أحدهما هو الفضولی و فی الأخر هو المشتری و إذا صح بیع العبد بفرس فیستلزم ذلک صحة بیع الفرس بدرهم أیضا من غیر توقف علی الإجازة فإن لازم صحة بیع العقد بفرس و کون العبد للمشتری ان یکون الفرس للبائع و الا فلا یصح بیع العبد بفرس و إذا لم یصح العبد بفرس فیستلزم ذلک عدم صحة بیع العبد بکتاب مع انا فرضنا صحته بإجازة المالک فیعلم من ذلک کون الفرس للبائع فإذا کان له فیصح بیعه بدرهم من

ص:315

غیر توقف علی الإجازة لکونه بیعا لما له و واقعا فی ملکه.

ثم انّ هذا الذی ذکرناه انما هو علی الکشف و اما علی النقل فیتوقف أیضا علی المسألة السابقة من توقف البیع علی الملک و الا فیبطلان کما هو واضح.

الأمر الثانی انّ مرادنا من استلزام اجازة واحد من العقود- صحة العقود اللاحقة العقود الطولیة الرتبیّة التفرعیّة ای یکون العقد اللاحق أو السابق متفرعا علی العقد المجاز و لازما له أو ملزوما علیه بحیث یکون مشتریه أو بایعه بائعا أو مشتریا للآخر الذی یتفرع صحته علی العقد المجاز بحیث تکون رتبته متأخرة عن رتبة العقد المجاز و ان لم یکن لا حقا له بحسب الزمان کما تقدّم انّ اجازة عقد الوسط یستلزم صحة العقود السابقة إذا کان ذلک للبائع.

و امّا إذا لم یکن بینها ملازمة و ان کان بینها طول بحسب الزمان فلا یستلزم أجازته صحة العقود اللاحقة کما إذا فرضنا انّه باع الفضولی العبد بفرس و باع شخص آخر ذلک العبد بحمار و باع ثالث ذلک العبد ببقر و باع رابع الفرس بدرهم و هکذا فأجاز المالک بیع العبد بحمار فلا یستلزم ذلک شیئا من صحة العقود السابقة أو اللاحقة لعدم الارتباط بینها بوجه بل کلها أجنبیّة عن العقد المجاز کما هو واضح.

و من هنا صح.

دعوی الکبری الکلیّة فی المقام علی استلزام اجازة العقد صحة الأخر و هی انّه کلما کان بین عقدین ملازمة اما بکون الأول لازما و الأخر ملزوما أو العکس فاجازة أحدهما مستلزم لإجازة الأخر و الا فلا

ص:316

فهذه کبری کلیّة مختصرة لضابطة ذلک و بعبارة أخری أجاز عقد یوجب صحة کلّ عقد یرتبط به بوجه من الارتباط و یکون من شئونه و الا فلا.

المثال الثانی ان یکون المجاز هو العقد الوسط أیضا و لکن واقعا علی بدل مال الغیر فنوضح ذلک أیضا بما ذکره الشیخ کما إذا فرضنا انّ الفضولی باع العبد بفرس و باع الفرس بدرهم و باع الدرهم برغیف أو اشتری به رغیفا ثم بیع الدرهم بحمار و بیع الرغیف بعسل فبیع الدرهم برغیف عقد وسط واقع علی بدل مال الغیر و هو الدرهم فإنه بدل الفرس الذی بدل العبد و قبله عقدان أحدهما وارد علی مورده و هو بیع الفرس بدرهم فانّ الدرهم أیضا مورد العقد الوسط و الثانی بیع العبد بفرس غیر وارد علی مورده و کک بعده عقدان- أحدهما وارد علی مورده و هو بیع الدرهم بحمار و الثانی غیر وارد علی مورده و هو بیع الرغیف بعسل فلو أجاز العقد الوسط اعنی بیع الدرهم برغیف أو اشتراء الرغیف بدرهم فهو علی الکشف یستلزم صحة العقود السابقة أیضا فإنّ صحة بیع الدرهم برغیف یستلزم صحة بیع الفرس بدرهم فإنّه لو لم یصح ذلک لا ینتقل الیه الدرهم حتی یجیز بیعه برغیف و صحة بیع الفرس بدرهم یستلزم صحة بیع العبد بفرس و الا فلا یکون الفرس له لیکون الدرهم له لیجیز بیع الدرهم برغیف أو- اشتراء الرغیف بدرهم.

و اما علی النقل فتکون البیوع السابقة واقعة فی غیر ملک المالک لعدم کون البائع مالکا فان قلنا بصحتها مع الإجازة أو بدونها فبها و الاّ فتبطل.و اما العقود اللاحقة فبیع الدرهم بحمار الذی وقع علی مورد العقد الوسط یکون لازما لصحة الوسط بالإجازة علی الکشف لکون الدرهم ملکا للمالک بعد اجازة العقد الوسط علی الفرض فیکون اشتراء الحمار به

ص:317

أو بیعه بحمار فی ملک مالکه.و امّا بیع الرغیف بعسل فیکون عقدا فضولیّا موقوفا علی اجازة المالک لانّه غیر ملازم لإجازة بیع الدرهم برغیف.

و بالجملة الحکم فی هذا المثال علی عکس المثال الأول کما عرفت.

و من هنا ظهر بطلان ما ذکره المصنف من ان العقود المترتبة علی مال المجیز لو وقعت من أشخاص متعددة کان اجازة وسط منها فسخا لما قبله و اجازة لما بعده علی الکشف و ان وقعت من شخص واحد انعکس الأمر و وجه البطلان أشار انّ تعدد الأشخاص و انفراده لیس میزانا فی المقام بل المناط هی الملازمة بین المجاز و العقود الآخر و الا فیمکن ان یصدر العقد من الأشخاص العدیدة و مع ذلک یکون المجاز فقط صحیحا و إن کان وسطا کما تقدم نظیره مثل وقوع العقود المتعددة الفضولیة علی شیء واحد فأجاز المالک الوسط و هکذا من شخص واحد و کذلک ظهر بطلان ما ذکره الشهید و غیره فی الإیضاح و الدروس من انّ العقود المترتبة لو وقعت علی المبیع صح و ما بعده و فی الثمن ینعکس فان کل ذلک لا یکون میزانا هنا کما یظهر وجهه بالتأمل.

قوله ثم ان هنا إشکالا فی شمول الحکم لجواز تتبع العقود- لصورة علم المشتری بالغصب.

أقول و قد أشار العلامة الی ذلک الاشکال و أوضحه قطب الدین و الشهید علی ما فی المتن فحاصله ان المشتری مع العلم بکون البائع غاصبا یکون مسلطا للبائع الغاصب علی الثمن و لذا لو تلف لم یکن له الرجوع و هکذا لو علم البائع بکون الثمن غصبا و ان کان المفروض فی کلامهم هو الأول و لکنّه من باب المثال و علی هذا فلا ینفذ فیه اجازة المالک المجیز ای المغصوب منه بعد تلفه أی الثمن المدفوع عوضا عن المغصوب بفعل المسلط بان یدفعه مثمنا عن مبیع

ص:318

اشتراه لعدم بقاء الموضوع للعقد الأول. نعم لا یجری ذلک مع الجهل فان التسلیط هنا غیر مجانی.

و بالجملة انّ ما دفع الی الغاصب مع العلم بکونه غاصبا غیر قابل لان یکون ثمنا من مال الغیر لانه قد یسلط الغاصب علیه مجانا فبعد ما نقله الغاصب الی الغیر بجعله ثمنا أو مثمنا قبل ان یجیزه المغصوب منه فلا یبقی موضوع للإجازة لبقاء المغصوب بلا عوض.

و هذا الاشکال مبنی علی أن مال المسلط مع العلم بکون- البائع غاصبا یکون تالفا من کیسه بعد إتلافه الغاصب ببیع و نحوه لانّه قد أذهب احترام ماله بتسلیط الغیر إیاه فیکون عند التلف تلفا من کیسه.

نعم مع بقاء العین تصح اجازة المالک البیع الأول.

نعم یمکن أن یقال بعدم صحة البیع الأول بإجازة المالک حتی مع بقاء عین مال المسلط بناء علی انّه مسلّط الغیر علی ماله مجّانا فاذهب به احترام ماله فیکون بذلک داخلا فی ملک الغاصب من الأول فیکون مال المغصوب منه بلا عوض فیبطل البیع فلا تبقی هنا صحة تأهلیّة لتکون فعلیة بإجازة المالک المجیز و علی هذا لا وجه للقول بانّ اجازة العقد الوسط الواقع علی الثمن اجازة لما قبله أو إذا وقع العقود المترتبة من أشخاص متعددة صح اجازة العقد الوسط و ما بعده و ان وقعت من شخص صح الوسط المجاز و ما قبله أو ما ذکرناه من المیزان الکلّی فی ذلک من انّ اجازة عقد من العقود المترتبة یستلزم اجازة جمیع ما یتعلق بها و الوجه فی ذلک کله یظهر بالتأمل-و لکن هذا الاشکال لیس بصحیح لوجوه قد أشار إلیه الفخر رحمة اللّه علیه.

ص:319

الأول بفساد المبنی بأنّه لا دلیل علی کون مال المسلط ملکا للغاصب مع علمه بکونه غاصبا و ذلک فإنّه قد سلّطه علی ماله بعنوان البیع لان یکون المعوض له عند اعتبارهم فیکون دلیل الید محکما مع بطلان البیع فیکون المال باقیا علی ملک المسلّط فلا یکون علمه بذلک موجبا لتخصیص قاعدة الید و قد تقدم فی ما لا یضمن انّ الملکیة العقلائیة القائمة باعتبارهم أو الملکیة عند المتبایعین غیر مربوطة بالملکیة الشرعیة فإقدام المسلّط علی المعاملة مع علمه بکون البائع غاصبا لا یقدم علی تلک المعاملة مجانا بل یسلطه علی ماله بعنوان المعاوضة و ان لم تکن حاصلة عند الشارع فیکون ماله غیر داخل علی ملک الغاصب اذن فإذا أجاز المالک المجیز العقد الصادر من الغاصب علی ماله فیکون صحیحا.

و بالجملة بعد ملاحظة إقدام المشتری علی المعاملة المعاوضة و عدم تسلیطه الغاصب علی ماله مجانا بل بعنوان المعاوضة و لو عند العقلاء فلا وجه لتوهم کون المقام خارجا عن قاعدة الید تخصیصا و کون ماله ملکا للغاصب مجانا.

الثانی ان هذا الاشکال علی تقدیر صحته انما لا یجری علی الکشف بل یختص بالنقل و ذلک فإن منشأ الاشکال انما هو توهم أن المالک سلّط الغاصب علی ماله تسلیطا مجانیا فلا تصل النوبة إلی إجازة المجیز لعدم بقاء الصحة التأهلیة للعقد حتی تنضم إلیه الإجازة لأنه سلّط الغاصب علی ماله مع فرض بطلان العقد الفضولی الا ان هذا المنشأ غیر موجود هنا فان تسلیطه الغاصب علی ماله تسلیط بعد تحقق البیع و لو بعدیة رتبیة کما فی المعاطاة فیکون ذلک وفاء للثمن الذی لزم علیه بالمعاوضة لا انه تملیک مستقل

ص:320

لیوجب انعدام العقد الأول و سقوطه عن الصحة التأهلیة و لیس تسلیطه الغاصب علی ماله مع فرض بطلان العقد بل مع فرض صحته نعم بناء علی النقل یمکن جریان ذلک الاشکال مع الإغماض عن الجواب الأول فإنه بناء علیه قد وقع التسلیط قبل اجازة المجیز فمع کونه الغاصب مالکا علی ما سلّطه علیه بتسلیط المالک لا یبقی- موضوع للإجازة فإنّها متفرعة علی کون ما أخذه الغاصب بعنوان الثمن للمغصوب عوضا لذلک فبعد ما کان مالکا لنفسه فلا یکون عوضا عنه فیبقی المغصوب فی ملک مالکه فیکون الثمن أیضا للغاصب اما مطلقا أو مع التلف مع الإغماض عن الجواب الأول.

الثالث انه لا یتم علی النقل أیضا و ذلک لانّ الإجازة و ان کانت بعد التسلیط و انّ الملکیة و الاستناد انما یحصلان عند الإجازة لا قبلها کما هو المفروض علی النقل و لکن التسلیط من المشتری انّما وقع بعنوان أن یکون المغصوب ملکا له بالإجازة المتأخرة فیکون التسلیط مقیدا بذلک لا انّه وقع مطلقا و علی کل تقدیر لیکون التسلیط مجانیا فإذا کان تسلیط المشتری الغاصب علی ماله بعنوان المعاوضة بحیث یکون مراعی علی اجازة المالک تتم المعاوضة من جمیع الجهات فلا وجه لتوهم أن التسلیط انّما وقع مجانا و بالجملة أن مقتضی تسلّط الناس علی أموالهم هو تبعیة تسلیط الغیر علی ماله علی قصده و ارادته و غیر خفی أن قصد المشتری ان یکون المغصوب مالا له فی مقابل ما یعطیه من الثمن بحیث تکون هنا معاوضة و حیث ان- الغاصب لیس مالکا علی المثمن فیکون العقد من طرفه فضولیّا فقهرا یکون التسلیط مراعی علی اجازة المالک لکونه واقعا بقصد المعاوضة فإن أجاز المالک المجیز العقد الصادر من الغاصب فیکون صحیحا و

ص:321

الا فیکون مالا للغاصب اما مطلقا أو مع التلف مع الإغماض عن الجواب الأول و السّر فی ذلک ان الإجازة لیست بیعا لیکون التسلیط الواقع من المالک أعنی المشتری تسلیطا مجانیّا لوقوعه علی غیر عنوان البیع و خارجا عنه بل انما هی من الأحکام الشرعیة الثابتة علی الملاک کجواز البیع و جواز الأکل و جواز الشرب و غیر ذلک اذن فیکون البیع حاصلا من زمان العقد علی النقل أیضا و ان کانت الملکیّة و الاستناد الی المالک و شمول العمومات من زمان الإجازة فح لا یکون التسلیط الحاصل من زمان العقد الا بعنوان البیع و موقوفا علی الإجازة فان لم تحصل فیکون مالا للغاصب.

و بعبارة أوضح ان منشأ الاشکال ان البیع الفضولی الصادر من الغاصب حیث کان باطلا لعلم المشتری بکونه غیر مالک و انّ ما یقع علیه العقد مال مغصوب فیکون تسلیط الغاصب علی ماله فی ذلک الفرض و بهذا العلم تسلیطا مجانیا فلا یبقی موضوع للإجازة لتصحیح البیع الصادر من الغاصب امّا مطلقا لو قلنا لکونه مالکا لما أخذه من المشتری ابتداء أو بعد التلف بالنقل الی الغیر فی بیع أو هبة أو نحوهما و إذا منعنا ذلک المنشأ و قلنا انّ التسلیط لیس علی فرض بطلان البیع بل مع فرض صحته التأهلیة و لو بکون التسلیط علی هذا الفرض مراعی علی الإجازة فلا وجه حینئذ لتوهم البطلان کما لا یخفی و هنا اشکال رابع قد أشار إلیه فی الإیضاح و حاصله ان المشتری و ان سلّط الغاصب علی ماله الا انّه متعلق حق الغیر من جهة انّ للمالک المغصوب منه أن یجیز العقد الصادر من الغاصب فضولة فیکون مال المشتری ملکا له فی مقابل ماله بإجازته لکونه أسبق من الغاصب و اولی منه فانّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال

ص:322

و أخس الأطوار.

و فیه انّه لا منشأ لأخذ الغاصب بأشق الأحوال و أخسّها بل هو کغیره من الضامنین لمال الغیر فیکون ضامنا علی ما أخذه من الغیر غصبا و عدوانا و أما الزائد عن ذلک فلیس علیه دلیل و اما توهم أن مال المشتری متعلق حق المالک المجیز فهی الإجازة ففیه انک قد عرفت مرارا أنّ الإجازة من الأحکام الشرعیة مثل جواز البیع و جواز الأکل و الشرب فکما أنّ للمالک أن یبیع و أن یأکل و أن یشرب و هکذا له أن یجیز البیع الواقع علی ماله و لیس ذلک من الحقوق و من هنا قلنا أن الإجازة لا تنتقل الی الوارث بالموت أی بموت المالک المجیز و علی هذا فیمکن ان یکون مال المشتری ملکا للغاصب بالتسلیط قبل الإجازة فلا یبقی موضوع أصلا لإجازة المالک لیکون ذلک ثمنا عن ماله کما هو واضح فهذا الاشکال لیس بتمام فی أحکام الرد.

قوله رحمه اللّه مسألة فی أحکام الرد.
القول فی تحقق الرد بالفعل و القول

أقول تحقیق المسألة فی ضمن جهات الاولی أنّ هذا البحث انّما له ثمر إذا قلنا بأن العقد الفضولی بعد ما ردّه المالک لا تبقی له صحة تأهلیّة لانضمام الإجازة إلیها و الا فلا اثر له من هذه الجهة و قد تقدم انّه لیس للمالک إلغاء العقد عن ذلک و إسقاطه عن قابلیته لحوق الإجازة اذن فلا اثر لهذا البحث من هذه الجهة فإنّ العقد الفضولی بعد ردّه المالک فقابل لأن تتعلق به الإجازة و یکون صحیحا أیضا بعد الرّد.

الجهة الثانیة فی انّه هل یتحقق الرد بالفعل کما یتحقق بالقول أو لا بدّ من تحققه من القول مثل فسخت و نحوه فقال العلامة الأنصاری رحمة اللّه یتحقق ذلک بالقول الصریح و بالفعل مثل الهبة

ص:323

و العتق و البیع و نحو ذلک من التصرفات الناقلة و المعدمة لعلامة الملکیة و لکن شیخنا الأستاذ تقبل الکبری و إمکان تحقق الرد بالفعل لکونه کالقول فی ذلک الا انّه منع الصغری و عدم إمکان تحققه بمثل العتق و الهبة و البیع و نحوها و الوجه فی ذلک أن هذه الأمور لا دلالة فیها علی رد العقد الفضولی السابق علیها سواء التفت المالک بها حین صدور تلک التصرفات منه أو لم یلتفت بها فیبقی العقد مع ذلک علی قابلیته الأولویة و صحته التأهلیة بانضمام الإجازة الیه و لا یقاس ذلک بالفسخ بالخیار فإنّه إزالة علاقة الملکیة فتتحقق بکل ما یکون منافیا لکونه ملکا للغیر بخلافه هنا فان الرّد إسقاط العقد عن قابلیته لحوق الإجازة به فلا یتحقق الا بما یکون صریحا فی ذلک و فیه ان ما ذکره هو و المصنف من الافعال کالعتق و الهبة و البیع و نحوها لا یتحقق بها الرّد الا انّ الافعال غیر مضرّة بها بل یمکن ان یتحقق ذلک بالإشارة و الکتابة بان یسئله احد هل رددت العقد فیشیر برأسه علی ذلک أو یکتبه.

و بالجملة انّ ردّ العقد کامضائه بل کإنشائه من الأمور المتوقفة علی الإنشاء و الإبراز فیتحقق بکل ما یکون قابلا لذلک.

ثم بعد عدم تحقق الرد بالتصرفات الناقلة فإذا باع المالک ماله الذی وقع علیه العقد قبله فضولة أو وهب أو کان عبدا فعتقه ثم أجاز البیع السابق الفضولی فهل تصح ذلک الإجازة بحیث یکون تلک التصرفات الناقلة باطلة أو یجب علیه أداء بدله أ تکون الإجازة باطلة و التصرفات صحیحة أو یفصّل بین القول بالکشف فنقول ببطلان التصرفات و بین القول بالنقل فنقول ببطلان الإجازة وجوه و قد

ص:324

فصلّ المصنف بین القول بالکشف الحقیقی و بین القول بالنقل.

و قال ان صحة الإجازة توجب بطلان التصرفات فلو کانت التصرفات صحیحة لمنعت عن صحة الإجازة فاذن تکون صحة الإجازة مع صحة تلک التصرفات متناقضة فإنه لا یمکن الالتزام بصحة کلتیهما و الا فیلزم الحکم بکون المالک المجیز مالکا لثمنین بل لا بدّ اما من القول ببطلان التصرفات أو القول ببطلان الإجازة أو القول بکون ما فعله المالک المجیز من التصرفات محتاجا إلی اذن المشتری لکونها واقعة علی غیر وجهها فأشار المصنف إلی الأول بقوله أو البطلان و الی الثانی بقوله من امتناع الأخیر و الی الثالث بقوله أو إیقاعه علی غیر وجه فحیث أن الملکیة حاصلة من حین العقد لتأثیره فیها علی الفرض کما هو مبنی القول بالکشف فتکون التصرفات باطلة و تکون الإجازة صحیحة و کاشفة عن وقوع تلک التصرفات فی ملک الغیر و أما علی النقل أو الکشف الحکمی أو الکشف الذی ذکرناه فلا تصح الإجازة بل تصح التصرفات الصادرة من المالک المجیز و ذلک فإنها وقعت فی ملکه و لم تبق موضوعا للإجازة فإنها انّما تصح من المالک لو لا الإجازة لا من کلّ احد حتی من الجبران فلم تبق المالک الی زمان العقد علی هذه الصفة.

و لکن الظاهر أن الإجازة تکون باطلة مطلقا و انّما التصرفات تکون صحیحة حتی علی القول بالکشف الحقیقی بأخذ الإجازة معرفة محضة فإنک عرفت أنّ المؤثر فی العقد الفضولی لیس هی الإجازة المطلقة و ان صدر من الأجانب بل إنما المؤثر منها هو الصادر من المالک لو لا الإجازة فإذا تصرف المالک المجیز بین العقد و الإجازة

ص:325

علی نحو أوجب ذلک خروجه عن المالکیة و صار بالنسبة الی ذلک المال کأحد الأجانب فتکون إجازته ملغاة و تصح تصرفاته فإنّها لا- تبقی مجالا لکون الإجازة صادرة من المالک لو لا الإجازة فإنّه و ان قلنا بالکشف و لکن ذلک انّما هو بالإجازة المتأخرة و الإجازة المتأخرة انّما تصح مع بقائه أی المالک علی صفة المالکیة علی النحو الذی کان علیه حین العقد فحیث انه لم یبق علی تلک الصفة فتکون أجازته لغوا فإذا لغت الإجازة فلا تکشف عن الملکیة من حین العقد بل یرتفع ما یکون مؤثرا فیها و یسقط عن الصحة التأهلیة و هذا هو السر فی عدم صحة العقد الفضولی بإجازة المالک بعد تلک التصرفات المنافیة و بعبارة اخری انّا نقول بالکشف من جهة أن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ یوجب اسناد البیع الواقع فضولة الی المالک من حین العقد و یکون البیع بیعه و بعد ما انتقل المال قبل تحققها الی الغیر و خرج عن کونه مالکا و استند الیه بیع آخر قبل الإجازة فی هذا المال بدلیل الوفاء لا یبقی مجال لاستناد بیع آخر فی هذا المال الیه بدلیل الوفاء و غیره و ان قلنا ان الإجازة انّما هی یتعلق بالعقد کما هو کذلک و لکن یتعلق بالعقد فی مورد قابل و فیما یکون العقد واقعا علی ملکه و باقیا علی هذه الحالة إلی زمان الإجازة لیکون مالکا الی زمانها حدوثا و بقاء و هو بعد تلک التصرفات لا یکون قابلا لإسناد البیع الفضولی إلی نفسه بحیث یکون إسناده ذلک لنفسه بالإطلاقات موجبا للإسناد السابق علیه بتلک الإطلاقات.

و توهم ان الإجازة توجب عدم صحة تلک التصرفات المتخللّة بین العقد و الإجازة و بقائها أی العین المبیعة فی ملکه فاسد

ص:326

لکون ذلک دورا واضحا حیث الإجازة تتوقف علی الملک فلو توقفت الملکیّة علی الإجازة و محققة بالإجازة فیلزم الدور.

و الحاصل ان التصرفات الواقعة بین الإجازة و العقد علی أقسام الأول أن تکون منافیة للبیع السابق الواقع علی العین فضولة کما إذا باعها أو وهبها للغیر أو عتق إذا کان عبدا أو أمة و هکذا فإنّها منافیة لصحة البیع الفضولی بالإجازة و هذا القسم لا شبهة فی کونها موجبة لبطلان أجازته المتأخرة و ذلک مضافا الی ما تقدم أنک عرفت فی بعض المباحث المتقدمة ان العمومات و الإطلاقات انّما هی خطاب للملاک و أن الوفاء بالعقد یکون متوجها الی عقدهم لا الی عقد غیرهم و انّ المراد من حلیّة البیع و تجارة عن تراض حلّیة بیعهم و تجارتهم المراضاتیة و علی هذا فحین ما وقع العقد علی المال فلیس العقد عقدا لمالکه و بیعا له لفرض صدوره من الغیر فضولة و حینما یکون العقد الصادر من الغیر فضولة متعلقا علی ماله لیس عقدا له و بیعا مستندا الیه و حینما یکون بیعا له و مستندا إلیه بالإجازة لیس عقدا للمالک لفرض خروج المبیع عن ملکه فتکون أجازته ذلک العقد کإجازة الأجانب فلا تترتب علیها أثر بوجه.

و بالجملة لا نعقل وجها لشمول العمومات علی ذلک بعد إجازته اذن لا نعقل وجها لصحة ذلک العقد و لا یفرق فی ذلک بین الکشف بأقسامه حتی علی معرفیة الإجازة و النقل کما هو واضح نعم علی النقل أوضح و علی الکشف الحکمی واضح و سلّمنا شمول العمومات علی ذلک بالإجازة و لکن تخرج عن ذلک بدلیل المخرج فانّ مقتضی بعض الروایات المتقدمة هو عدم جواز بیع ما لا یکون مالکا عند البیع

ص:327

کقوله علیه السلام لا توجب قبل الاستیجاب و لا تبع قبل الشراء و غیر ذلک من الروایات فانّ الظاهر منها انّ من شرائط صحة البیع ان یکون البائع مالکا عند وقوع البیع عنه سواء کان ابتداء أو بالإجازة فحیث ان المالک المجیز بعد تلک التصرفات غیر مالک فلا یکون بیعه المستند إلیه بالإجازة صحیحة فتکون تلک الروایات مخصّصة لتلک العمومات علی تقدیر شمولها لذلک کما هو واضح و من قبیل تلک التصرفات الناقلة تزویج الأمة للغیر من المالک فانّ هذا لا یبقی مجالا لإجازة تزویجها الواقع فضولة لانّ المزوجة لا تکون زوجة و اما التصرفات الغیر المنافیة للعقد السابق الفضولی فهی کالاستیلاد و الإجارة و تزویج الأمة فقال المصنف انّها و ان لم تخرج الملک عن قابلیة وقوع الإجازة علیه الا انّه مخرج له عن قابلیّة وقوع الإجازة من زمان العقد لأنّ صحة الإجازة علی هذا النحو توجب وقوعها باطلة و إذ فرض وقوعها صحیحة منعت عن الإجازة فهذان لا یجتمعان.

أقول أما الاستیلاد فالظاهر أنه لا حق بالقسم الأوّل حتی علی الکشف فانّ زمان الإجازة هو زمان کون البیع بیعا للمجیز و إذا کان من شروط البیع أن یکون المبیع غیر أم ولد کما هو کذلک علی ما یظهر من الأدلة فلا یکون بیعه هذه المتحقق بالإجازة صحیحا و إن کان لم یکن کذلک حین وقوع العقد علیه لم تکن أم ولد فانّ البیع یقع فی حال الاستیلاد نعم لو کان عدم الاستیلاد قیدا فی المتعلق کعدم کونه خمرا مثلا فیکون البیع صحیحا فانّ المجیز انّما یجیز البیع الواقع من الفضولی من زمان وقوعه و لا ریب أن متعلقة فی ذلک الزمان لیس بأم ولد و انّما حصل الاستیلاد بعده و ان کان المتعلق أم ولد

ص:328

فی زمان الإجازة فإنّه لیس بمناط.

و أما الإجازة فهی تارة تکون منافیا لما فعله الفضولی فلا یعد ذلک إجازة و أخری لا تکون منافیة فإنّه تارة تکون الفضولی قد آجر داره من الغیر من مبدء سنة الی منتهی السنة ثم آجرها المالک فی تلک السنة کذلک أی من المبدء الی المنتهی ثم یجیز ذلک العقد الفضولی فإنّه لا یصح لمنافاة العقد الصادر من المالک مع العقد الصادر من الفضولی لأن الثانی لا یبقی موضوعا لإجازة الأوّل لعدم بقاء المورد علی تملیک المنفعة بالإجازة بعد تملیکه لها ابتداء بعقد الإجازة فتکون أجازته العقد الأول کإجازة الأجانب فلا تشمله العمومات فإنه عند العقد لم یستند الیه و لم یکن العقد عقده و حین الإجازة لم یکن مالکا للمنفعة لتفویتها بالإجارة.

و بالجملة انّ المالک و ان کان قد تصرف فی العین بالمنفعة الغیر المخرجة عن الملکیة و لکن مع ذلک التصرف فی المنفعة لم یبق موضوعا للعقد الأول فتکون اجازة ذلک باطلة لعدم کون المجیز مالکا لو اجازة و ان لم یکن علی نحو لیکون منافیا للعقد الفضولی فلا تکون الإجازة باطلة کما إذا باع الفضولی دار المالک و قبل ان یجیزها المالک یؤجرها من الغیر ثم یجیز البیع الفضولی ففی هنا لا یتمّ کلام المصنف لعدم منافاة العقد الصادر من الفضولی مع العقد الصادر من المالک فإنه لو کان هو بنفسه یؤجرها ثم باعها من الغیر لم یکن باطلة لعدم منافاة البیع مع الإجازة لکونه واقعا فی محلّه و صادرا من اهله و هکذا إذا تحقّق البیع بالإجازة أیضا فإنّها صادرة من أهلها و واقعة فی محلّها اعنی البیع فیکون صحیحا لصحة الإجازة من-

ص:329

أهلها غایة الأمر انّ المشتری قد کان اشتری تلک الدار بشرط المنفعة و قد صارت مسلوبة المنفعة فی مدة فظهر العیب فی العین المبیعة فیثبت له الخیار و أما البطلان فلا و هذا نظیر سکون المالک فی تلک الدار بین العقد و الإجازة فإنّه علی الکشف کانت تلک المنفعة للمشتری و قد استوفاها المالک و فوتها علیه فلا یمکن له ان یجیز البیع حتی مع تلک المنافع لخروجها عن الملک و صیرورتها بالنسبة إلیها کالأجانب فلا بدّ ان یخرج من عهدة تلک المنافع و مع ذلک یثبت للمشتری الخیار فتحصّل انّ عقد الإجارة الواقعة من المالک فلیس مطلقا علی نحو لا تبقی مجالا للعقد الأول الفضولی و تکون منافیة لصحة التأهلیة و تکون موجبة لخروجها عن قابلیة الإجازة به و کونه صحیحا بالإجازة کما لا یخفی و من هنا ظهر حکم ما لو باع الفضولی امة المالک ثمّ زوّجها المالک من الغیر فانّ ذلک لا یوجب بطلان اجازة العقد الأول غایة الأمر یکون المشتری مختارا فی الرضا بعقد البیع و فسخه و ذلک من جهة ان التزویج لا ینافی البیع حتی إذا صدر کلا الأمرین من شخصه لإمکان کونها ملکا لأحد و زوجة شخص آخر و انّما المنافاة فیما یکون العقد الأول تزویجا مثل العقد الثانی فإنّه حینئذ لا یبقی العقد الثانی موضوعا للأول لأنّ المزوجة لا یتزوج.

بقی الکلام فی الرهن

فهل یمنع ذلک عن الإجازة البیع السابق المتعلق بالعین المرهونة فضولة أولا یمنع و قد اختار شیخنا الأستاذ الأوّل و قال ان رهن غیر المدیون انما یصح إذا رهنه نفس المالک بالمباشرة أو بالإذن منه و أما إذا رهنه غیره فاما ان یبطل الرهانة و أما الإجازة و المفروض صحة الرهن فلا محل للإجازة.

ص:330

و لکن کلامه هذا مبنی علی النبوی المعروف الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف فإنه بناء علی هذا لا تصح اجازة البیع السابق المتعلق بالعین المرهونة لکونها تصرفا فیکون الراهن ممنوعا من ذلک کما هو المشهور و من هنا قالوا أنّ من جملة شرائط العوضین ان لا یکونا مرهونین و أما إذا منعنا عن ذلک کما هو الحق لضعف النبوی و عدم انجباره بعمل المشهور فلا مانع من مثل هذه التصرفات الغیر المنافیة للرهانة الغیر الموجبة لزوالها جائزة و أما التصرفات الموجبة لزوالها فلا تجوز و حیث انّ بیع الراهن العین المرهونة لا ینافی الرهانة لبقاء الوثیقة علی حالها فلا مانع من إجازة البیع السابق الوارد علیها قبل الرهن فإنّ غایة الأمر أنها تکون مالا للغیر فلا مانع من رهن مال الغیر بإجازته لجواز ذلک بلا شبهة اذن فلا مانع من اجازة الراهن البیع السابق الفضولی و صحته بها لکونها أی الإجازة صادرة من أهلها أعنی المالک لو لا الإجازة و یکون البیع بها واقعا فی محلّه.

و بالجملة معنی الرهانة هو کون العین المرهونة وثیقة عند المرتهن و هذا المعنی حاصل فیما یکون الراهن من أموال غیر الراهن أیضا فإن المرتهن عند وفاء الراهن دینه یبیع ذلک و یستوفی دینه و علی هذا فلا مانع بعد الرهن إجازة العقد أیضا غایة الأمر یکون للمشتری الخیار فان المبیع لیس ملکا له بل هو فی معرض التلف مضافا الی کونه ممنوعا من التصرف فیه لاحتمال ان لا یقدر الراهن علی أداء دینه و یبیعه المرتهن فیستوفی دینه.

و الحاصل ان الفسخ انّما یتحقق بالفعل کما یتحقق بالقول بناء

ص:331

علی کون الرد موجبا لسقو العقد الفضولی عن قابلیة لحوق الإجازة به و عن صحة التأهلیة ثم ان الافعال علی أقسام قسم منها یوجب و خروج الملک عن تحت مالکه لکون تلک الافعال تصرفات ناقلة و ذلک کالعتق و الهبة و البیع و تزویج الأمة بعد تزویجها فضولة و یلحق بذلک الاستیلاد کما عرفت و قد عرفت السّر فی ذلک بانّ الإجازة إنّما تؤثر فی العقد إذا کانت صادرة ممّن یکون مالکا لو لا الإجازة فالمالک المجیز بعد تلک التصرفات غیر مالک حال الإجازة لو لا الإجازة و لکن لا بدّ و ان یعلم انّ معنی تحقق الرد بها لیس إسقاط العقد عن قابلیة لحوق الإجازة به و کونه ساقطا عن الصحة التأهلیة کما یظهر من المصنف بل معنا سقوط المالک المجیز عن قابلیة الإجازة فإنه لیس بمالک ان یجیز و الإجازة لا بدّ و ان تصدر من المالک لو لا الإجازة کما عرفت فإنها لا تدلّ علی ردّ نفس العقد و سقوط نفسه عن الصحة التأهلیة کما یدلّ الرد المتحقق باللفظ علی ذلک.

و یترتب علی ذلک انّه إذا لم یسقط العقد عن تلک القابلیة و قلنا بأنّه لم یشترط ان یکون المالک المجیز حال الإجازة مالکا حال العقد فی العقد الفضولی کما تقدم اختیاره من المصنف و ان لم نقبله فللمنتقل إلیه أی من انتقل الیه المال من المالک أصالة ان یجیز العقد السابق و یأخذ الثمن من المشتری کما کان للوارث اجازة العقد الواقع علی مال مورّثه فضولا بناء علی المسلک لمتقدم نعم فی مثل العتق و تزویج المولا أمته من الغیر بین عقد التزویج الواقع علیها فضولا و بین الإجازة لا یمکن بقاء العقد علی قابلیة التأهلیة فإنّه- بالعتق یزول موضوع البیع الفضولی و متعلقة فلا تصح إجازة البیع

ص:332

العبد المعتق لا من المالک لعدم کونه مالکا بل لا یقدر علی تملکه أصلا لأنّ الحرّ لا یصبر عبدا و لا من غیر المالک المعتق لعدم انتقاله إلیه بالعتق مثل البیع و نحوه فانّ العتق فک ملک لا نقله الی غیره و کونه مالا له لیمکن له اجازة العقد السابق فلأجل ذلک فقهرا یسقط العقد السابق أیضا عن قابلیة لحوق الإجازة بها.

لا یقال انّ العتق کغیره من التصرفات المنافیة لا یوجب خروج العقد عن قابلیة لحوق الإجازة به و انّما یوجب کون المعتق غیر- قابل لذلک فلا مانع من بقاء العقد علی قابلیة التأهلیة إذن فیمکن تعلق الإجازة به حینما صار الحرّ عبدا فیما إذا أمکن کما إذا ارتدّ ثم صار أسیرا للمسلم فله أن یجیز ذلک العقد کالوارث.

فإنه یقال و ان کان فی الوارث أیضا ملک جدید و لیس اشکال من هذه الجهة و لکن العقد فیه لم یخرج فی زمان عن القابلیة التأهلیّة للصحة و انّما استمرت تلک القابلیة فی عمود الزمان لاستمرار الملکیة و هذا بخلافه هنا فإنه لم تستمر الملکیة هنا فی زمان الحرّیة و خرج العقد فی هذه الزمان عن القابلیة و بطلت لذلک و بعد صیرورة الحرّ عبدا یحتاج عود تلک القابلیة علی دلیل فلا یمکن تصحیح ذلک البیع الواقع علیه فضولا بالإجازة و توهم شمول العمومات علیه و من هنا ظهر انه لا فرق فی تحقق الرد بالمعنی المذکور بین صدور تلک التصرفات حال الالتفات أو فی غیر حال الالتفات فانّ المناط فی تحققه هو سقوط المالک المجیز عن قابلیة الإجازة و کون القصور فی ذلک من قبله و لا یفرّق فی ذلک بین الحالتین و لا یکون الجهل مانعا عن عدم تأثیر تلک التصرفات فی سقوط المالک عن قابلیة

ص:333

الإجازة لأنّ حصول تلک المناط غیر متوقف علی العلم و القصد لیمنع عن الجهل.

و اما الإجازة و الرهن فقد عرفت انهما لا یمنعان عن بقاء قابلیة العقد عن لحوق الإجازة المالکیة بها کما لا یمنعان عن بقاء قابلیة مالک المجیز عن إجازتهما لأن الرهن و الإجازة فی بعض أقسامهما کما عرفت لا ینافیان العقد السابق الفضولی لیوجب تحققها انعدام قابلیة لحوق الإجازة به و کونه ساقطا عن الصحة التأهلیة.

قوله بقی الکلام فی التصرفات الغیر المنافیة لملک المشتری من

حین العقد.

أقول و أما التصرفات الغیر المنافیة لإجازة البیع فقد فصّل المصنف بینما یکون المالک حین تصرفه ملتفتا بالعقد السابق الفضولی فیکون تصرفه بمثل ذلک ردا للعقد السابق و بینما لا یکون ملتفتا بالعقد فلا یکون مثل تلک التصرفات ردا للعقد السابق.

و أما الثانی فقد أفاد فی وجهه بان الرد کالإجازة یحتاج الی القصد فبدونه لا یتحقق فحیث ان غیر الملتفت لیس له قصد الی الرد فلا یتحقق بفعله ذلک أیضا لعدم کونه هذا إنشاء للرّد فلا یکون منافیا للإجازة اللاحقة و بعبارة اخری ان اللازم فی تحقق الرّد تحقق عنوانه و کون الفعل بالحمل الشائع ردا لا ان مجرّد صدور الفعل یکون ردا کما هو واضح و لیس ذلک مثل الطلاق لیکون إنکاره رجوعا و ان لم یکن المنکر ملتفتا بذلک کما هو الظاهر من الفقهاء و من إطلاق کلامهم فانّ لازم معنی الإنکار هو ادعاء انها زوجته فیکون ذلک رجوعا و امّا فی صورة الالتفات فأفاد انّ مثل تلک التصرفات کتعریض المبیع

ص:334

للبیع أو المعاملة علیه بالبیع الفاسد أو غیر ذلک ممّا یصد منه مع العلم بتحقق بیع السابق الفضولی لی علی ذلک المبیع فیکون ردا و استدل علیه أولا بالأخبار المتقدمة من قوله ان شاء ترک و ان شاء فعل و غیرها ممّا ورد فی نکاح العبد و الأمة بدون اذن السید الی غیر ذلک ما یدل علی ان للمالک الرّد للعقد الفضولی فلا شبهة فی صدق الرد علی مثل تلک التصرفات و أجاب عنه بما هو متین جدا و حاصله أن غایة ما یستفاد منها هو ان من له العقد أو مالک العبد و الأمة له اجازة العقد و له رده و اما ان الرّد بأی شیء یتحقق فلیست فیها تعرض الی ذلک و دعوی صدق الرّد علی تلک التصرفات مصادرة و کذلک دعواه ان المجیز بعد صدور تلک التصرفات منه یصیر أجنبیّا عن أحد طرفی العقد فلا یؤثر إجازته فی العقد السابق فانّ هذا أیضا مصادرة و دعوی کون المجیز بعد تلک التصرفات مثل من صدر منه الرّد القولی أیضا أول الکلام و مصادرة واضحة و العمدة ما یستدل به ثالثا من فحوی الإجماع المدعی علی حصول فسخ ذی الخیار بالفعل کالوطی و البیع و العتق فان الوجه فی حصول الفسخ هی دلالتها علی قصد فسخ البیع و بعبارة اخری ان فسخ العقد فی العقود الخیاریة رفع ورد العقد الفضولی دفع و لا ریب أن مئونة الرفع أکثر من مئونة الدفع فإذا کان أمثال تلک التصرفات رفعا فتکون دفعا بطریق اولی و فیه أنه قد تقدمت الإشارة إلی جوابه فی صحیحة محمد بن قیس و توضیح ذلک ان فی العقود الخیاریة قد صار المبیع ملکا للمشتری و صار من جملة أمواله فلا یجوز لغیره التصرف فیه بوجه غایة الأمر أن البائع بما انّ له الخیار فیجوز له فسخ العقد و یتصرف فی ذلک بعد

ص:335

فسخه هذا فإذا تصرف فی ذلک المبیع تصرفا لا یجوز لغیر المالک أو یکون فی نظر العرف ممّا یکون من آثار الملک فبالملازمة یدل ذلک علی فسخ العقد لیکون تصرفه هذا واقعا فی محلّه و صادرا من اهله و هذا بخلاف المقام فانّ المالک ما لم یجز العقد فالمال ماله و طبع المطلب یقتضی جواز تصرفاته لکونه مالکا و تصرفه واقعا فی ماله و کیف یقاس ذلک بالفسخ فی العقود الخیاریة فلا یدل تصرفاته هذه علی وقوع الرّد بها بل تقدم أن التصرفات المنافیة للعقد السابق الفضولی لا تدلّ علی الرّد بل علی سقوط المالک عن القابلیة لإجازة العقد و کیف بالتصرفات الغیر المنافیة لذلک العقد.

و بالجملة فمجرّد کون الفسخ رفعا و الرّد دفعا لا یدل علی تحقق الرّد بمثل تلک التصرفات فی باب رد العقود الفضولیة بل بالتصرفات التی أقوی منها کما تقدم و أما الوطی فهو لا یدلّ حتی علی الفسخ فی العقود الخیاریة أیضا لإمکان کونه زنا منه فلا یدل علی ذلک و حمل فعل المسلم علی الصحة لا یوجب کون الوطی موجبا لتحقق الفسخ به فان مفهوم الوطی لیس منافیا لمفهوم البیع حتی لا یمکن الجمع و یحکم بالفسخ هذا بخلاف مفهوم البیع فإنه مناف للبیع فإنه لا بدّ و ان یکون البیع نفسه ان یکون واقعا علی ملکه و بعد ما باع ماله من الغیر لا یتحقق ذلک المفهوم و الحکم بالصحة راجع الی حکم الوطی و کذلک لا یدل علی الرّد هنا نعم یکون رجوعا فی المطلقة رجعیة حتی مع قصد الزنا لکونها زوجة حقیقة.

بقی الکلام فی انّ مثل تلک التصرفات هل تنافی العقود الجائزة أم لا کما إذا أوصی شیئا من أمواله لأحد ثم عرضه الی البیع أو وکّل

ص:336

أحدا فی بیع داره ثم أوقع علیه بیعا فاسدا أو عرضها علی البیع فهل یوجب ذلک بطلان الوصیة و فسخ عقد الوکالة أم لا فقد ظهر مما ذکرنا عدم دلالة شیء من ذلک علی فسخ العقد فان طبع کون شخص مالکا علی شیء یقتضی ذلک الا ان یبقی موضوعا للوکالة و الوصیة کما إذا باع الموصی به أو باع ما وکل شخصا فی بیعه فإنه لا یبقی حینئذ موضوع للوکالة و الوصیة کما هو واضح.

قوله:

رحمه اللّه.

مسألة لو لم یجز المالک فان کان المبیع فی یده

أقول إذا عرض العقد الفضولی للمالک فإن أجاز فیأتی فیه ما تقدّم من التفصیل و ان رد فان کان العین عند مالکها فلا کلام لنا فیه و ان کانت عند البائع أو المشتری و کانت باقیة فیرجع إلیهما و هکذا الأمر فی الأیدی المتعاقبة فله الرجوع بأی منها شاء و الا فعلی البائع قیمتها کما هو مقتضی الید و السیرة المستمرة و قد تقدم فی المقبوض بالعقد الفاسد أن المالک یرجع علی القابض و کذلک المغصوب علی الغاصب بقیمة یوم الدفع بحسب القواعد و لکن مقتضی صحیحة أبی ولاد أن یرجع الی قیمة یوم الغصب و کذلک فی المقام سواء کان البائع الفضولی غاصبا أو غیر غاصب ثم إذا قلنا بالضمان بأعلی القسیم فیکون مبدء أخذ ذلک بالنسبة الی کل ضامن زمان دخول العین تحت زمانه فیکون البائع الأول ضامنا من أول وضع یده علیها الی زمان دفع القیمة حتی أعلی القیم عند دخولها تحت الأیدی المتأخرة و هکذا کل شخص یضمن ذلک من زمان وضع الید الی زمان دفع القیمة و

ص:337

الوجه فی ذلک انّ بمجرّد وضع الید علیها ثبت ضمانها علیه الی ان یؤدیها إلی مالکها و هذا المعنی مسمر الی زمان الدفع و منحلّ الی ضمانات عدیدة فیؤخذ الأعلی القیم من جمیع تلک الضمانات و أما الأشخاص المتأخرة لا یضمنون علی الأعلی القیم قبل الأخذ فلو کانت العین فی ید البائع الأوّل یحاذی بخمسة و باعها من المشتری و صارت عنده یحاذی بعشرین ثم نزلت قیمتها إلی أربعة و باعها من الآخر کذلک و ترقی قیمتها عنده الی خمسین ثم نزلت إلی عشرة فباعها کذلک الی الآخر فهذا الشخص الأخیر لا یضمن الا علی العشرة لأنه لم یأخذ زائدا عن ذلک و لم یدخل غیره تحت یده لیکون ضامنا علیه بمقتضی الید أو بالسیرة و أما السابقین علیه کلهم یضمنونون بخمسین فإنها فی عهدتهم من زمان وضع الید الی حین الخروج من العهدة و لو کان عند الأوّل بخمسین و عند الثانی بعشرین و عند الثالث بعشرة و عند الرابع بخمسة فلا یضمن بالخمسین إلا الأوّل و لا خیر بالخمسة و الثانی بالعشرین و الثالث بعشرة لعین ما عرفت و إذا رجع المالک علی الأول فبها و ان رجع علی واحد المتأخرین فیأخذ الناقص من سابقه الی ان یأخذ بقیة القیمة من البائع الأوّل و علی ما ذکرناه قد أشار المصنف بقوله و لو کان قبل ذلک فی زمان آخر و فرض زیادة القیمة عنده ثم نقصت عند الأخیر اختص السابق بالرجوع بالزیادة علیه و کذلک یضمن البائع و المشتری الی أن ینتهی إلی الأخر بالمنافع أیضا کما هو مقتضی الید و السیرة أما المستوفاة فبلا شبهة و أما المنافع الغیر المستوفاة علی اشکال فقد تقدم الکلام فی ذلک تفصیلا و بالجملة حکم المنافع فی الضمان حکم الضمان

ص:338

بالعین علی النحو الذی تقدم فی الضمان بالعین.

و أما الصفات التی تزول بعد وجودها کما إذا کانت العین وقت وجودها عند البائع فاقدة لصفة و حدثت بعد انتقالها الی الثانی أو الثالث بان کانت مهزولة ثم صارت سمینة أو کانت عبدا غیر کاتب ثم صار عبدا کاتبا و تعلم الکتابة فهل یکون السابق الذی وضع یدیه بها مع عراء تلک الصفات یکون ضامنا بها أیضا کضمانه بأعلی القیم و لو فی ید اللاحق و بالمنافع المستوفاة و غیرها الجامع مطلق المنافع الفائتة أم لا یضمن بالصفات الا من حدثت تحت یدها فاختار شیخنا الأستاذ الأول و ان کل سابق یضمن بالعین و بجمیع شئونها من المنافع و الصفات و لو کانت حاصلة فی ید اللاحق أو فاتت فیها کما هو مقتضی الید فان العین حین اتصافها بصفة الکمال کانت فی عهدة الضامن الأول فیضمنها بجمیع شئونها نعم لو کانت حاصلة و فائتة فی ید السابق فقط لا یضمنها اللاحق و لکن الظاهر ان السابق لا یضمن الصفات الحاصلة فی الید التالیة و انما الضامن لها لیس الا من حدثت الصفات تحت یدها و ذلک فانّ مقتضی الید أو السیرة لیس الا ضمان البائع الأول سواء کان غاصبا أولا بالعین مع الحیثیات القائمة فیها فهذه الحیثیة بالنسبة إلی المنافع موجودا فی العین فإنها متصفة بالفعل بحیثیة الانتفاع بها و قابلیة استیفاء المنافع منها بالفعل و هذا بخلاف الأوصاف فإن العین و ان کانت لها قابلیة السمن و قابلیة تعلم الأوصاف الکمالیة و لکن حیثیاتها الفعلیة بحیث لو أراد ان ینفع الضامن من العین بهذه الصفات لأمکن غیر موجودة فیها بالفعل فلا یشمل دلیل الید الا لمن تکون حدوثها عنده فقط

ص:339

دون السابق علیه و دون اللاحق به کما هو واضح.

و علی هذا فلو سمنت ثم هزلت أو تعلم العبد الکتابة ثم زالت عنه ذلک فیضمنها من حدثت تلک الصفات فی تحت یده و تلفت عنده و لو انتقلت العین الی غیر من حدثت الأوصاف عنده و تلفت لدیه ضمن العین مع تلک الصفات من حدثت الأوصاف تحت یده و من تلفت عنده معا أیضا.

و بالجملة نحن نتبع فی الحکم بالضمان بدلیله فبأی مقدار اقتضی نتبعه و الا فلا هذا کله حکم المالک مع الغاصب و المشتری و أما حکم المشتری مع الفضولی فیقع الکلام فیه تارة فی الثمن و اخری فیما یغرمه للمالک

فهناک مسئلتان

کما فی المتن

أمّا الاولی ان

المشتری تارة یکون جاهلا بکون البائع الفضولی فضولیا أو غاصبا و-

اخری یکون عالما به

أما الأول فتارة یعترف المشتری بکونه مالکا بالعین و أخری لا یعترف و علی الثانی فیرجع علی الفضولی لثمن سواء کان تالفا أو باقیا لغروره إیاه و علی الأول تارة یکون اعترافه عن علم و اعتقاد بان المبیع مال البائع و علیه فلا شبهة فی عدم رجوعه إلی البائع فإنه بمقتضی اعترافه قد یکذب البینة التی إقامتها المالک علی کونه مالا له فیکون اعترافه علی نفسه فیأخذ المالک المال بعد اقامة تلک البینة فلا یرجع المشتری الی المالک علی حسب اعترافه و أخری یکون اعترافه مستندا الی الید فهذا الاعتراف لا یوجب أخذ المعترف به لزواله بزوال مدرکه بإقامة المالک البینة علی ان المال ماله لکونها مکذبة للید و کاشفة فی الظاهر عن کونها ای الید ید عدوان و غصب و انّما استملکت مال الغیر عن غیر حق و ان کان فی الواقع محقا و لو

ص:340

تردد اعترافه بین کونه مستندا إلی الأول أو الی الثانی فهل حکمه حکم الأول فیلحق به أو الثانی ذکر المصنف ذلک و لم یرجح أحد الطرفین و لکن الظاهر ان یلحق ذلک بالید فان الغالب بل الظاهر من المشترین یشترون و یستندون الی الید و لذا لو سئلوا عن ذلک فیجبو بذلک و انه کان مال فلان لکونه فی یده.

و الدلیل علی ذلک ان الحجج الشرعیة لا موجب لرفع الید عنها إلا بحجة اخری فالبینة القائمة علی أن المبیع للمدعی دون البائع من الحجج الشرعیة و انما نرفع الید عنها هنا بواسطة إقرار المشتری علی ان المال للبائع مستندا فی إقراره هذا الی العلم فإنه یؤخذ بإقرار کما عرفت فلا یثبت له الرجوع الی البائع بمقتضی البینة القائمة علی أن المال للمالک دون البائع لکون إقراره هذا حجة و أما فیما لم یثبت ذلک الإقرار و لا علم لنا فی کونه مستندا الی العلم الوجدانی لیکون إقراره قابلا لأخذ مقرة به بل یمکن مستندا الی الید فلا موجب لرفع الید به عن البیّنة و الا یلزم رفع الید عن الحجة بغیرها و یکفینا الشک فی ذلک أیضا لأنه لا یمکن رفع الید عن الحجة بأمر یحتمل کونه حجة قائمة علی خلافها.

قوله و ان کان عالما بالفضولیة.

أقول:لا إشکال فی انّه مع بقاء العین لا بدّ من ردها الی صاحبها و هو المشتری و لا یفرق فی ذلک بین کون المشتری عالما بالفضولیة أو لم یکن عالما بها فإنّه إنّما أعطی الثمن للبائع علی ان یکون المثمن له و لو مع علمه بکونه غیر مالک فإذا لم یترتب علی ذلک الإعطاء ذلک الغرض فیکون الثمن باقیا فی ملکه و توضیح ذلک یظهر

ص:341

بذکر ما ذکره المصنف

و قد استدل علی کون العین باقیة فی ملک

المشتری علی تقدیر البقاء بوجوه

الأول انه لم یحصل منه ما یوجب

انتقاله عنه شرعا

بیان ذلک ان النقل و الانتقال لا بدّ له من سبب شرعی فما لم یحصل فلا مقتضی لذلک و هذا متین خصوصا بضمیمة ما ذکره أخیرا من کونه أکلا للمال بالباطل لما تقدم سابقا أنها ناظرة إلی الأسباب و حصر أسباب التجارة بالتجارة عن تراض فان المراد من الأکل هو التملک دون الازدراد و ان أسباب ذلک الملک هی التجارة عن تراض کما هو واضح و بالجملة أکل البائع الفضولی الثمن و لو مع علم المشتری بعد مالکیة بلا مقتضی و سبب و أکل للمال بالباطل

الوجه الثانی ما أشار إلیه بقوله و مجرد تسلیطه علیه لو کان

موجبا لانتقاله لزم الانتقال فی البیع الفاسد

لتسلیط کل من المتبایعین صاحبه علی ماله و فیه انّه یردّ علیه ما أفاده بعد أسطر من الفرق بین المقام و بین المقبوض بالعقد الفساد فان فی المقبوض بالعقد الفاسد ان الشارع قد منع عن مضی ذلک العقد و تأثیره فی النقل و الانتقال مع کون بناء المتعاقدین علی ذلک و حصول الضمان الخاص المعاملی فإذا لم یحصل ذلک الضمان الخاص من ناحیة عدم إمضاء الشارع فیکون إقدامهما علی الضمان الحقیقی فیکون کل من البائع و المشتری ضامنا لما أخذه من صاحبه و هذا بخلاف المقام فان دفع المال إلی البائع الفضولی سواء کان غاصبا أو غیر غاصب لیس الا- کدفعه الی ثالث یعلم عدم کونه مالکا للمبیع و تسلیطه علی إتلافه فی أن ردّ المالک لا یوجب الرجوع الی هذا الثالث فالقیاس باطل.

الوجه الثالث ما أشار بقوله و لان الحکم بصحة البیع لو أجاز المالک

ص:342

کما هو المشهور یستلزم تملک المالک للثمن فان تملکه البائع قبله یلزم فوات محل الإجازة لأن الثمن انّما ملکه الغیر فیمتنع تحقق الإجازة ثم أمر بالتأمل و فیه انه قد تقدم سابقا انّما هو متفرع علی البیع و بعد تحققه یسلط المشتری البائع علی ذلک فاما علی الکشف فواضح إذ الملکیة إنّما حصلت من زمان العقد فالتسلیط انّما هو تسلیط المالک علی ملکه و متفرع علی ذلک الملکیة الحاصلة بالعقد من حین العقد.

و أما علی النقل فلا یبعد أن یکون التسلیط مراعی بحصول الملکیة بالإجازة المتأخرة من المالک فإن أجاز فیکون الثمن له فی مقابل المبیع و ان لم یجز فیکون للبائع فیکون التسلیط منجزا لا ان التسلیط من الأول منجز و ان المشتری سلط البائع علی ماله منجزا کما هو واضح.

و هنا وجه رابع لشیخنا الأستاد من أن التسلیط لا یزید علی

الهبة المجانیة

فلا فرق بین صورة العلم و الجهل فحیث أن الواهب له الرجوع علی الهبة ما دامت باقیة و کذلک کل من البائع و المشتری لو کان الثمن أو المثمن غصبا و فیه ان هذا أیضا لا کلیة له فان- الواهب لیس له الرجوع علی العین علی الإطلاق لو کانت باقیة فإنها لو کانت ثوبا فقصّر أو شیئا آخر تصرف فیه الموهوب له بما یوجب تغییره لیس للواهب ان یرجعها و کذلک لو کانت لذی رحم و ان لم یقع علیه التصرف فان فی جمیع ذلک لیس للواهب الرجوع الی هبته فتنزیل المقام علیها و الحکم بجواز الرجوع هنا مثلها لیس بتمام.

و من هنا ظهر حکم الجهة الثانیة أیضا أعنی جواز تصرف کل

ص:343

من البائع و المشتری فیما أخذه فی مقابل المغصوب و انه غیر جائز و تصرف فی أموال الغیر بدون اذنه فان التسلیط لا یوجب الاذن فی التصرف لأنه إنّما سلطه علی ماله بعنوان المعاوضة و المعاملة بحیث یکون مالا له فیتصرف فی ماله لا انّه سلطه علیه لیصرف مال الغیر باذنه فلیس له ان یتصرف فیه بعد عدم حصول المعاوضة لکونه مال الغیر فلا اذن له من ذلک التصرف. قوله رحمة اللّه اما لو کان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتری بل المحکی عن العلامة و ولده و المحقق و الشهید الثانیین و غیرهم الاتفاق علیه.

أقول قد بنی شیخنا الأنصاری تبعا لهؤلاء الأعاظم علی عدم الضمان فی هذه الصورة أعنی بیع الغاصب لنفسه و أخذ الثمن من المشتری لنفسه و تلفه عنده و تبعه شیخنا الأستاذ و ان ناقش فی بعض خصوصیات کلماته و الوجه فی ذلک کما صرح به بعضهم انه سلطه علی ماله بلا عوض.

و محصل کلام المصنف أن سبب الضمان انما هو لأحد الأمرین کما تقدم فی قاعدة ما لا یضمن اما دلیل الید و ان من وضع یده علی مال غیره فلا بدّ له ان یخرج من عهدته بجمیع شئونه و خصوصیاته کما تقدم و اما قاعدة الإقدام علی الضمان کما استدل بها شیخ الطائفة و غیره فی ما لا یضمن و اما قاعدة الید فهی و ان کانت مسلمة و متسالما علیها بین الفقهاء و لکنها خصّصت بفحوی ما دل علی عدم ضمان من استأمنه المالک و دفعه الیه المال لحفظه کما فی الودیعة و الإجارة و العاریة فإن دفع العین فی هذه الموارد لیس

ص:344

الا بعنوان الودیعة دون الضمان فلا یکون تلفها موجبا للضمان و علی هذا فإذا کان دفع المال و تسلط الغیر علیه لیتصرف فیه و یتلفه فلا یوجب الضمان بطریق أولی فلا یکون ذلک الا کالبیع بلا ثمن و الهبة الفاسدة و الإجارة بلا اجرة فلا یکون فیها ضمان و کذلک یکون مثلا إعطائه إلی ثالث فان الجامع فی جمیع ذلک هو ان التسلیط فیها مجانی کما لا یخفی و اما قاعدة الإقدام فهی أیضا غیر جاریة هنا إذ لم یقدم البائع علی الضمان بالثمن لعلم المشتری بکونه غیر مالک و انما الضمان به فیما یکون ذلک من البائع المالک فیکون إعطاء الثمن حینئذ فی مقابل ماله تضمینا له بالمال الذی هو الثمن و لذا یکون ضامنا مع الفساد أیضا ثم أورد علی نفسه بأنّه أیّ فرق بین المقام و بین بیع الغاصب الذی تقدم فان تصحیحه انّما کان بانّ البیع فیه حقیقة واقع عن المالک لأن معرفة المالک شخصه و خصوصیة غیر لازم و خصوصاته غیر دخیلة فی صحة البیع بل یکفی فیها العلم بوجود المالک الکلی لتحقیق مفهوم المبادلة اعنی تبدیل مال بمال فی الإضافة المالکیة بحیث لو کان هذا ممکنا لم تعتبر ذلک الکلی أیضا فلیکن الأمر کذلک فی المقام أیضا فیکون کبیع الغاصب لکونه بانیا و لو عدوانا علی کونه ملکا له و لو لا ذلک البنا لم یتحقق مفهوم المعاوضة أصلا فلا یصح مع الإجازة أیضا فإن البیع قوامه بدخول العوض مکان المعوض لا ملک شخص آخر و بالجملة:ان کان بانیا علی الملکیة فلا شبهة فی صحة معاملته فیکون کبیع- الغاصب فیکون یده و اقدامه مضمنین و ان لم یکن بانیا علی المالکیة فلا یصح بیعه حتی مع الإجازة فیخرج عن المفروض.

ص:345

ثم:أجاب عن ذلک بأنّه فرق بین المقامین فان معنی الضمان کون الشیء فی عهدة الضامن و خسارته علیه و إذ لم یکن المبیع ملکا للبائع لا حقیقة و لا ادعاء مع علمها بالواقع و کون المال لغیره حقیقة فکیف یتحقق الضمان بإقدام البائع علی أخذ مال المشتری باختیاره و تسلیطه له علیه لکونه کالاعطاء الی شخص ثالث و هذا بخلاف بیع الغاصب فإنه بادعائه مالک للمبیع مالکیة بنائیة فالخطاب ببعتک انما هو متوجه للمالک غایة الأمر توجه الی الغاصب من باب الخطاء فی التطبیق فالمبادلة إنما وقعت حقیقة و فی الواقع بین مالی المالکین الحقیقین فیکون الاقدام و الید هنا مضمنین و بعد اجازة المالک فیکون الضمان علیه.

ثم أورد علی نفسه بأنه علی هذا ما الفرق بین صورتی العلم و الجهل فی البیع الفاسد حیث حکمتم بالضمان هناک و بین صورتیه هنا فلا تحکمون به فأجاب عنه بان التضمین الحقیقی حاصل فی البیع الفاسد لانّ المضمون به مال الضامن غایة الأمر ان فاسد العقد من جهة عدم إمضاء الشارع مانع عن مضیّ هذا الضمان فإذا لم یمض الشارع الضمان الخاص العقدی فیکون أصل الضمان بالاقدام باقیا علی حاله لقاعدة الاقدام أو لقاعدة الید من دون ان یکون هنا تسلیم و تسلّم مجانی و هذا بخلافه هنا فان التسلیط انما هو تسلیط مجانی و لیس الا کتسلیط ثالث علیه و إعطائه له فلا ضمان هنا بوجه الا ان یکون فساد العقد بانتفاء شرائط العوضین ککونه خمرا أو خنزیرا أو أم ولد فإنه لا ضمان هناک أیضا فی هذه الصور هذا ملخص کلامه(رفع فی علو مقامه).

ص:346

و فیه انّه و ان أتعب نفسه و أطال کلامه و لکن أسقط من کلامه ما هو نکتة المقام أی صورة بیع الفضولی مال الغیر لنفسه و هی ان المشتری إنّما سلّط البائع الفضولی علی ماله بانیا علی فساد العقد فیکون کسائر العقود الفاسدة فلا وجه لتفرید ذلک عن غیرها من العقود الفاسدة اذن فلا وجه لقیاسه بالبیع بلا ثمن فإنّه لیس إلا هبة مجانیة و لا بالإجارة بلا اجرة و بالعاریة و بإعطائه لثالث فان فی جمیعها ان التسلیط لیس الا مجانیا و هذا بخلاف المقام فان التسلیط فیها لیس مجانیا و لذا لو سئل عنه انّک وهبت مالک أو أعرت فیجیب انی عاملت مع فلانی و یدل علی ذلک انّه لو کان التسلیط مجانیا لم یکن وجه للحکم بکونه أی البائع غیر جائز التصرف مع ان المصنف حکم بحرمة التصرف فی الثمن و بالجملة لا نعرف وجها للفرق بین ما نحن فیه و بین سائر العقود الفاسدة و النکتة هی ما ذکرناه من ان التسلیط و التسلّط مبنی علی الفساد ای علی فساد العقد فیکون ذلک کالعقود الفاسدة و قد عرفت الضمان فیها کما عرفت ان قاعدة ما یضمن لیس له أساس و أن تکلف المصنف فی شرح ألفاظها و قد ذکرنا تطبیقها علی القاعدة من ان المراد بذلک هو ان العقد الذی کان صحیحة مبنیا علی الضمان ففاسده أیضا کذلک بخلاف مثل الهبة و نحوها و ظهر لک أن المقام غیر مربوطة بالبیع بلا ثمن لیکون هبة فاسدة حتی یتوهم أنّ فی صحیح الهبة لا ضمان و کذا فی فاسدها أیضا.

فتحصل ان قاعدة الید لم تخصّص فی المقام بما ذکره المصنف و اما ما ذکره من قاعدة الإقدام بالضمان فقد ذکرنا فی ما لا یضمن

ص:347

ان الاقدام لا موضوعیة له و لا ان له دلیل فی کونه مضمنا و انما الموجب للضمان هو دلیل الید بل لا یظهر ممّن ذکره فی وجه الضمان انه ذکره للاستقلال بل لبیان موضوع ضمان الید حیث ان الید انما یوجب الضمان فیما یکون ذی الید مقدما علیه فإنّه لا ضمان للید بدون الاقدام علیه کموارد الودیعة و العاریة و العین المستأجرة و نحوها و الا فلیس الاقدام علی استقلاله من المضمنات کما هو واضح.

نعم لو کان المبیع مما لا یملک فی نفسه کالحرّ بحیث لا یکون هنا بیع حتی الفاسد منه بل صورة بیع و لفظه بعد کونه مالا و مما یملک یتحقق مفهوم البیع هنا فلا یکون تسلیطه البائع علی الثمن الا تسلیطا مجانیا و بلا عوض فلا یکون هنا ضمان فانّ هذا نظیر بیع البائع ماله بلا ثمن فإنه لیس من مفهوم البیع بشیء لیکون بیعا فاسدا و یأتی فیه ما قلناه فی البیع الفاسد هذا فیما لم یکن مفهوم البیع محققا لعدم قابلیة المتعلق لوقوع البیع علیه.

و اما فیما یکون مفهوم البیع محققا لکون المتعلق فی نظر العرف من الأموال بل من الأموال المهمة کالخمر و الخنزیر و انما الشارع- الغی مالیته و أسقطه عن المالیة فیکون تسلیم المشتری الثمن إلی البائع أیضا مبنیا علی البیع الفاسد فیکون البائع ضامنا مطلقا علی ما ذکرناه و من هنا ظهر أیضا ما فی کلام المصنف من انّه لو کان فساد العقد لعدم قبول العوض للملک کالخمر و الخنزیر و الحرّ قوی اطراد ما ذکرناه فیه من عدم ضمان عوضها الملک مع علم البائع بالحال فإنه یتوجه فی صورة کون المعوّض حرا لا فی صورة کونه خمرا أو خنزیرا.

ثم بقی هنا أمور فی کلام الشیخ قد ذکرها فی ذیل المسألة

ص:348

الأمر الأول ان مقتضی ما ذکرناه فی وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت

الرجوع فیما یکون البائع غیر بایع لنفسه

بل انّما باع للمالک و انما دفع المشتری الثمن الیه لیصله الی المالک فتکون واسطة فی الإیصال و تلف فی یده إذا لم یسلطه علیه و لا أذن له فی التصرف فیه فضلا عن إتلافه.

و فیه أن هذا من عجائب المصنف فإنه لیس هنا شیء من- أسباب الضمان فإن البائع و ان أخذ الثمن من المشتری و تلف عنده و لکن لیست یده ید إتلاف هنا کما صرح به(و قال و تلف)مع ذکره الإتلاف بعده و انما تلف عنده بتلف سماوی بلا تفریط من البائع فلا موجب للضمان لکون البائع أمینا فی إیصاله إلی البائع فقط و کان له ان یعکس الأمر و یقول بالضمان فیما باع مال المالک لنفسه مع علم المشتری به و أخذ الثمن و تلف عنده أو أتلفه بنفسه کما قلنا به و لا یقول بالضمان هنا نعم لو کان التلف مستندا الیه فیکون ضامنا فهو أمر آخر.

الأمر الثانی انه لو أخذ البائع الثمن بنفسه من أن یسلطه

المشتری علیه

فیکون ضامنا مع التلف لعدم التسلیط الموجب لعدم الضمان و لو کان الأخذ بانیا علی العقد الواقع بینهما و هذا واضح کما أفاده فی المتن.

الأمر الثالث انه أفاد تحقق الضمان أیضا لو اشترط علی البائع

الرجوع بالثمن

لو أخذ العین صاحبها فإنّه أیضا لم یسلطه علی الثمن مجانا بل مع الضمان فمع التلف یکون البائع أیضا ضامنا.

الأمر الرابع انّه لا فرق فیما ذکرناه من الضمان بینما یکون الثمن کلیّا أو معیّنا

ص:349

فإن المشتری مع کون الثمن کلیا قد طبق ذلک الکلی علی الفرد و سلّط البائع علیه بانیا علی العقد فیکون البائع ضامنا علیه للمشتری و حیث ان المصنف قد اختار عدم الضمان فی کون الثمن شخصیا فقد اختار عدمه هنا أیضا.

قوله المسألة الثانیة ان المشتری إذا اغترم للمالک

أقول هذه هی الجهة الثالثة فهی ان المشتری لو اغترم للمالک غیر الثمن من زیادة القیمة السوقیة أو زیادة علی أصل القیمة أو المنافع المستوفاة أو الغرمات التی صرفها للعین و لم یستوفی فی عوضها منفعة فهل یضمن المالک بتلک الغرامات أو لا یضمن.

توضیح الکلام فی ضمن جهات ثلاث الاولی ان المالک لو أخذ زیادة القیمة علی أصل الثمن بان اشتری علی عشرة دنانیر و کانت قیمة العین عشرین دینارا فهل للمشتری ان یرجع الی البائع فی زیادة القیمة أم لا.

الثانیة فی انه إذا استوفی منفعة من العین کان اشتری الدار و آجرها من غیرها فأخذه المالک العین و إجارتها الثمن فهل للمشتری ان یرجع الی البائع فی تلک المنافع أیضا أم لا.

الجهة الثالثة قیمة المنافع الغیر المستوفاة.

الجهة الرابعة ان المشتری إذا اغترم للعین غرامة بأن صرف مقدارا من المال فی إصلاح العین من دون أن یأخذ فی قباله منفعة فهل یضمن البائع بها و له الرجوع إلیه أم لا و من هذا القبیل إنفاق العین المشتری.

اما الجهة الرابعة فقد استدل علی الضمان هنا بقاعدة نفی

ص:350

الضرر بدعوی ان عدم الرجوع المشتری الی البائع فی تلک الغرامات ضرر علیه فینفی بدلیل نفی الضرر.

و فیه انّه معارض بکون الرجوع ضررا للبائع فلیس نفیه عن المشتری بدلیله أرجح من نفیه عن البائع و قد حققناه فی قاعدة لا ضرر.

و قد استدل أیضا بأن البائع هو السبب فی غرامات المشتری فیکون ضامنا لان من تسبب فی وقوع أمر فهو اولی بانتساب المسبب الیه.

و فیه ان التسبیب تارة یکون علی نحو یکون الواسطة ملغی عن الموضوعیة و خارجا عن الاستقلالیة و اخری لا یکون کذلک بل یکون السبب داعیا الی صدور الفعل فقط اما الأول فکمن تسبب فی قتل أحد بإعطاء السکین لمن لا یعقل من الصبی و المجنون و السفیه و إدخاله فی جوفه أو حفر بئرا فوقع فیه أحد فإن الفعل یستند حقیقة إلی السبب و الوسائط فی أمثال ذلک لا اعتبار لها و من هنا یعامل مع السبب معاملة القاتل فیؤخذ منه الدیة فإن الفعل حقیقة فعله و هو الفاعل فی ذلک.

اما الثانی بان لا یکون تسبیب حقیقة بل یکون السبب داعیا الی وقوع الفعل و صدوره فقط بان یقول لأحد مع کونه عاقلا و کاملا اقتل فلانا أو اعطی سکینا و قال اقتل زیدا فان البعث و التحریک علی تقدیر حرمته لیس سببا للفعل بحیث یوجب ان یستند الفعل علی تقدیر صدوره الی الفاعل و یکون الفعل فعله و یعامل معه معاملة الفاعل لذلک الفعل کما هو واضح فحیث ان البائع لیس سببا تاما لغرامة المشتری بل هو داعی لذلک فلا یستند الغرامات

ص:351

الی فعل البائع بعنوان التسبیب لیکون ضمانها الیه کما هو واضح.

و حاصل الکلام انه إذا اغترم المشتری فی العین المبیعة فهل یرجع الی البائع فی ذلک أم لا فهنا جهات ثلاث الاولی انه إذا اغترم زیادة القیمة مما أخذه المشتری بأن کان المشتری اشتراه بعشرة و کانت قیمته عشرین أو ترقت الی عشرین.

الجهة الثانیة فی المنافع المستوفاة کأن آجر الدار أو الدابة أو غیر ذلک من المنافع المستوفاة.

الجهة الثالثة فی المنافع الغیر المستوفاة و المخارج التی صرفها للعین من کیسه و لم یستوفی من العین شیئا و من هذا القبیل إنفاق العین اما فی صورة العلم بالحال فلا یرجع بشیء من ذلک اما فی صورة الجهل فهل له ان یرجع فی ذلک الی البائع أم لا.

اما الجهة الثالثة فالمشهور ذهبوا الی الضمان هنا فقد استدل فیها بالضمان بوجوه الأول قاعدة لا ضرر بدعوی ان عدم الرجوع ضرر علی المشتری و فیه انه علی تقدیر شمول قاعدة لا ضرر علی ذلک- فهی متعارضة فإن الرجوع أیضا ضرر علی البائع فلا وجه لتقدیم المشتری علیه.

الثانی بقاعدة التسبیب بدعوی ان السبب فی تضرر المشتری هو البائع.

و فیه انها لم تردّ فی آیة و لا فی روایة و لا انها معقد إجماع اذن فلا بدّ من ملاحظة ان الفعل الصادر من المسبب علی نحو یستند الی السبب أولا فإن کان مستندا الی السبب سواء کان مع

ص:352

ذلک لفاعل الفعل اختیار أم لا و سواء کان التسبیب امرا شرعیّا أم لا فیحکم بالضمان مثلا إذا أمر صبیا لیفتح بابا فإذا فتح یطیر الطیر الموجودة فی الدار أو أمره بقتل احد و هکذا المجنون و السکران فان الفعل فی أمثال ذلک یستند الی السبب بل الخطابات الأولیة أیضا تکون متوجهة علیه کما تقدم فی بحث المکاسب المحرمة و من هذا القبیل حفر البئر لیقع به احد فوقع و مات أو نصب سکینا فی قعر البئر فقتله السکین أو غیر ذلک من الموارد التی یستند الفعل الی السبب حقیقة و ان کان للواسطة اختیار کالصبی و من هذا القبیل ما یکون التسبیب شرعیا کما إذا شهد بالشهادة الزور فأوجب ذلک غرامة المشهود علیه ثم رجع فی شهادته فإنه تکون الغرامة علی الشاهد لکونه سببا فی غرامة المشهود علیه و اما فی غیر تلک الموارد بحیث لا یکون تسبیب فی البین فلا یضمن السبب بشیء لکونه داعیا محضا فی صدور الفعل من الفاعل و انما الفاعل فعل ذلک بقدرته و اختیاره فیکون الضمان علیه.

الثالث بقاعدة الغرور بان المغرور یرجع الی من غرّ و هذه القاعدة و ان کان لم یبعد ان تکون روایة نبویّة و لکنها غیر منجبرة بعمل المشهور حتی مع الغمض عن الکبری الکلیّة بأن الشهرة لا تکون جابرة لضعف السند و ذلک لخصوصیة فیها التی تمنع عن الانجبار و هی ان المشهور لم یمکن ان یستند وافی عملهم و فتواهم هنا بالضمان لأجل التسبیب و قاعدة الضرر أو الروایات الخاصة و علیه فلا ینجبر ضعفها بالشهرة بل نجزم بان المشهور لم یستندوا لها و ذلک فإنهم و ان ذهبوا الی الضمان فی هذه المسألة و لکن مقتضی

ص:353

العمل بالقاعدة أن یعملوا بها فی جمیع موارد الغرور و یفتون بطبقها أینما سرت و لم یخصّوا الحکم بهذا الموارد الخاص فیعلم من ذلک انهم لم یستندوا بها کیف فهل توهم أحد بأنه لو غرّ أحدا فی أکل مال الغیر بأنه راضی بذلک أو غرّه فی شراء شیء علی ان یربحه کذا و کذا فانکشف ان المالک لم یرض و ان المبیع لم یربح له بشیء بل ضرر فیه کثیرا ان الغار یضمن بضرر المغرور و هکذا سائر موارد- الغرور فإنّه لم یفت المشهور فی أمثال ما ذکرنا من الأمثلة بالضمان بل أفتوا فی خصوص ما نحن فیه اذن فتکون ساقطة سندا و دلالة الا ان یکون هنا تسبیب بحیث یکون الفعل مستندا الی السبب و هذا أمر آخر غیر مربوطة بقاعدة الغرور و قد عرفت انه یوجب الضمان بنفس الخطابات الأولیة کما ان الاحکام التکلیفیة أیضا ثابتة له بتلک الخطابات.

الرابع الروایات الخاصة الواردة فی باب النکاح التی تدلّ علی ان من غرّ أحدا فزوجه امرأة برصا أو عوراء أو مجنونة أو امة بعنوان أنها بنت مهیرة فیکون علی ذلک الغار مهر الأمریة فبالغاء المورد تکون دالة علی الضمان بغیر المهر و فی غیر مورد النکاح نظیر المقام فالروایات فی حاشیة السید و فیه انها روایات خاصة قد وردت فی باب النکاح فی خصوص باب المهر و کون ضمانه علی الولی فقط و التعدی عنها الی غیرها قیاس فلا یمکن التعدی من المهر الی غیر المهر فی خصوص باب النکاح فضلا الی غیر النکاح فلا یستفاد منها کبری کلیة من ان المغرور یرجع الی الغار فی جمیع ما اغتره و لأجل مصلحة قد حکم الشارع فی موارد تلک العیوب بضمان الغار الذی

ص:354

هو الولی لخصوص المهر و من هنا لو أوجب الغرور و صرف فی ذلک مصارف کثیرة کالإطعام و نحوه فلا یرجع فیها الی الغار بل فی خصوص المهر الی المدلس کما فی الروایات نعم هناک روایتان یمکن استفاده الکبری الکلیة منهما لمکان التعلیل الوارد فیهما.

الأولی روایة إسماعیل بن جابر حیث أراد أحد تزویج بنت احد فزوجوه امة فقال علیه السلام رد الولیدة علی موالیها و الولد للرجل و علی الذی زوجه قیمة الولد یعطیه موالی الولیدة کما غرّ الرجل و خدعه فان ظاهر الذیل عدم اختصاص الضمان بمورد الولد بل یعمّ غیر مورد النکاح أیضا.

و فیه أیضا غیر الولد و فیه مضافا الی ضعف سند الروایة فإن فیه محمد بن سنان فهو و ان ذکر عن بعض توثیقه الا ان المشهور ضعفه بل انه اعترف فی آخر عمره ان کتابه مأخوذ من السوق فلا یمکن الاعتماد بروایاته فلا أقل من تعارض المعدل للجارح فیتساقطان فیبقی بلا معدل ان دلالتها غیر تامة بل الظاهر منها کون ضمان الولد فقط علی المزوج کما غرّه و خدعه فلا یمکن التعدی من ذلک الی غیره إذا فإذا رجع المالک الی المشتری فیرجع المشتری أیضا الی الغار کما رجع نعم یعم الحکم لکل مزوج و الوجه و اللّه العالم فی ذکر الولد انه لو لا الذکر لحکمنا بضمان قیمة الولد فإنه من امة الغیر فالنماء فیها کالحیوانات و الأشجار للمالک و من هنا حکموا علیهم السلام فی انه لو زنا احد بامة الغیر فولدت فهو لمالک الأمة و لکن حیث کان الوطی هنا محرما لکونه عن شبهة فیکون الولد للواطی فتکون قیمته علی الغار کما غرّ الرجل و خدعه.

ص:355

الثانیة روایة رفاعة فی قضاء أمیر المؤمنین علیه السلام فی امرأة زوجها ولیها و هی برضاء ان لها المهر بما استحل من فرجها و ان المهر علی الذی زوجها و انما صار المهر علیه لانه دلّسها فمقتضی التعلیل هو عموم الحکم لغیر مورده أیضا و فیه مضافا الی ضعف سندها لسهل بن زیاد انها أیضا لا تدل علی الضمان فی غیر موردها و هو المهر فلا یمکن التعدی إلی الغرامات الواردة فی باب النکاح فضلا عن غیر باب النکاح فان ظاهر التعلیل کونه راجعا الی ثبوت المهر علی الغار فلا یمکن التعدی إلی غیره لاحتمال ان یکون فی المهر خصوصیة یستدعی الضمان و لیس فی غیره فتکون هذه الروایة کغیرها من الروایات الخاصة نعم یمکن التعدی بها الی مطلق المزوج بلا اختصاص الحکم بالولی کما اختص به الحکم فی الروایات الخاصة المتقدمة و بعبارة اخری انه مضافا الی ضعف الروایتین فلا یتم دلالتهما علی المقصود و تمامیة قاعدة الغرور فی جمیع الموارد إذ الظاهر منها اختصاص الضمان فی خصوص الولد و المهر علی الغار و کون التعلیل مختصا بهما و قد علل کون المهر علی المزوج بأنه مدلس فمقتضی العلیة انما هو جواز الرجوع علی المهر الی کل مزوج فلا یمکن التعدی الی غیر ما یسانخ المعلول نعم لا یختص ذلک بالولی بل یجری فی مطلق المزوج کما ان ضمان قیمة الولد لا یختص بالمزوج بل بمطلق الغار لکون ذلک علی وفق القاعدة.

علی انه لو تمت دلالة الروایتین فأیضا لا تنافیان بالمقصود إذ الدلیل أخص من المدعی فان الذی یستفاد منهما انّ للمشتری ان یرجع الی البائع الذی غره و خدعه و دلّسه و لا شبهة انه لا یصدق

ص:356

الغرور عند جهل البائع بل قد صرح فی تلک الروایات انه یضمن الغار مع علمه و اما مع الجهل فلا یضمن اذن فلا یمکن الحکم بضمان الغار مطلقا سواء کان عالما بالحال أو جاهلا بها بتلک الروایات التی أخص من ذلک و اما ما عن العلامة الطباطبائی من انه لا یفرق بین علم البائع و جهله لا نعرف له وجها و اما روایة الجمیل التی ذکرها المصنف عن الرجل یشتری الجاریة من السوق فیولدها ثم یجیء مستحق الجاریة قال یأخذ الجاریة المستحق و یدفع الیه المبتاع قیمة الولد و یرجع علی من باعه بثمن الجاریة و قیمة الولد التی- أخذت منه و قد استدل بها علی تمامیة قاعدة الغرور بدعوی أن حریة ولد المشتری اما ان یعد نفعا عائدا إلیه أولا و علی التقدیرین یثبت المطلوب مع ان فی توصیف قیمة الولد بأنها أخذت منه نوع إشعار لعلیة الحکم فیطرد فی سائر ما أخذت منه. أقول ان الروایة و ان کانت مطلقة من حیث الغرور و عدم الغرور بل تدل علی جواز ان یرجع المشتری الی البائع مطلقا و لکن عرفت ان الرجوع الی قیمة الولد علی حسب ما یقتضیه القواعد فإنّه من منافع الأمة فتکون للمالک فالروایة وردت علی طبق القاعدة فحینئذ إذا رجع المالک الی المشتری فیرجع المشتری الی البائع لأنه غرّه و خدعه و لکون الوطی محرما یکون الولد حرا و علی هذا فلا وجه لما فی المتن من ان حریة الولد ان کانت من المنافع المستوفاة التی لا بدّ له من إعطاء قیمته الی المالک ثم الرجوع الی البائع فتدل الروایة علی الرجوع الی الغار فی غیرها بطریق اولی قد عبّر عن ذلک بالفحوی و ان لم تکن حریة الولد من المنافع المستوفاة

ص:357

فتدل علی الرجوع الی الغار بالدلالیة المنطوقیة فیما هو محل الکلام الذی نتکلم فیه و بالجملة فلا تکون الروایة دالة علی قاعدة الغرور و اما قوله بان توصیف قیمة الولد بالأخذ مشعر بالعلیة فیتعدی الی غیر موردها.

ففیه ان التعبیر بالأخذ لأحد الجهتین الاولی ان المشتری انما یرجع الی البائع إذا رجع المالک الی المشتری و الا فلیس له الرجوع الی البائع کما سیأتی ذلک فی تعاقب الأیدی.

الثانیة أن المشتری إنما له الرجوع الی البائع فی القیمة التی أخذها المالک من المشتری و لو کانت أقل من القیمة السوقیة فلیس له ان یرجع الی البائع فی الزائد عنها کما إذا أخذ المالک من المشتری عشرین فقیمة السوقیة خمسین فیرجع الی البائع بخمسین أیضا و بالجملة ان التمسک فی التعدی الی غیر مورد الروایة بهذا التعلیل شبه تعلیل وجوب الزکاة للبقر السائمة بثبوتها فی النص للغنم السائمة فإن البقر غیر مربوط بالغنم و سنذکر الوجه فی عدم جواز رجوع المشتری الی البائع قبل ان یرجع الیه المالک ثم انه قد استدل صاحب الحدائق علی عدم الرجوع فی المنافع الغیر المستوفاة و فی غیرها لا یرجع بالأولیة علی ما هو لازم کلامه بإطلاق روایتی زرارة و زریق و بسکوتهما عن رجوع المشتری الی الغار الذی هو البائع اما الروایة الأولی اعنی روایة زرارة فإنها تدل علی رد الجاریة التی اشتراها المشتری من شخص الی مالکها المدعی بعد البینة ورد قیمة الولد المتولد منها و سائر منافعها المستوفاة فهی ساکتة عن الرجوع الی البائع بأن یرجع المشتری فی غراماتها إلی البائع فحیث کان

ص:358

الامام علیه السلام فی مقام البیان فکشف من الإطلاق عدم جواز رجوع المشتری الی البائع.

الثانیة روایة زریق فإنها تدل علی رجوع المالک الی المشتری و یأخذ منه ماله و جمیع المنافع التی استوفی من ذلک من أیّ أقسام المنافع من الغرس و الزرع و اجرة البناء الذی بنا فیها و لیس للمالک قلع ما غرس فیه و الا فیعطی أرشه نعم و له أخذ أجرة الأرض نعم للمشتری قطع ذلک لکونه مالا له و الناس مسلطون علی أموالهم و لیس للمالک ان یمنع ذلک فهذه الروایة أیضا تدل علی رجوع المالک الی المشتری و ساکتة عن رجوع المشتری الی البائع مع کونه علیه السلام فی مقام البیان فبمقتضی الإطلاق ندفع رجوع المشتری الی البائع.

و فیه ان الروایتین لا تدلان علی ذلک اما روایة زرارة إلی جهة رجوع المالک الی المشتری دون رجوع المشتری الی البائع و اما روایة زریق فإنها ناظرة إلی بیان ان المالک یرجع الی المشتری و المشتری الی المالک فلیست ناظرة الی ان المشتری یرجع الی البائع علی ان البائع فی الروایة الثانیة انما هو القاضی فإن کان حکمه صحیحا فلا غرم علیه فان اللّه جعل ذلک سببا لکون المال للمدعی و هو المفوت لذلک و القاضی معذور فیه لحکمه بالایمان و البینات و ان کان الحکم باطلا فالمشتری یعلم بفساد البیع و هو بنفسه أقدم علی ذلک فلا یرجع إلیه فی غراماته کما فی المتن و الحاصل ان المشتری إذا علم بالحال فلا یرجع الی البائع فی غراماته لإقدامه علی ذلک بنفسه و امّا مع الجهل فربّما قیل

ص:359

برجوعه إلیه بقاعدة الضرر و قد عرفت ان احد الضررین مما لا بدّ منه فلا وجه لدفع ذلک عن المشتری دون البائع فیتعارضان علی ان الضرر لا یکون فی جمیع الموارد کما إذا استوفی المشتری بمقدار منفعة ما اغترمه للمالک و اما دعوی الضمان بقاعدة التسبیب بأن البائع لتغریره المشتری فیضمن کما اغترمه المشتری فی المنافع المستوفاة و فی غیرها بطریق اولی.

و فیه انک عرفت انّه ان کان التسبیب علی نحو استند الفعل إلیه بقوة السبب فلا إشکال فی الضمان و الا فلا وجه له و اما قاعدة الغرور قد عرفت انها و ان روی بان المغرور یرجع الی الغار الا انه غیر معمول بها فی جمیع الموارد بل فی خصوص المقام فهیهنا لا نعلم استناد الفقهاء الی ذلک بل الی الروایات الخاصة و قد عرفت أنها ناظرة إلی موارد خاصة فلا یمکن التعدی منها الی غیر مواردها کما لا یخفی و کذلک ما ورد فی ضمان الشاهد علی المشهود علیه فی شهادة الزور و اما توهم عدم الضمان لأجل إطلاق روایتی زرارة و زریق و قد عرفت الحال فیها و لکن یمکن لنا التفصیل فی المقام بینما یکون ما یرجع المالک الی المشتری داخلا تحت ضمان البائع فللمشتری ان یرجع فی ذلک الی الغار و بینما لا یکون ذلک داخلا تحت- ضمان البائع فلا یرجع المشتری فیما اغتر به للمالک إلی البائع و توضیح ذلک انّه لو اغتر احد غیره بتقدیم مال الغیر الیه بما انه مال نفسه فانکشف بعد التلف انه مال الغیر أو مال الآکل الذی هو المعطی له فلا شبهة ان الغیر یرجع الی الآکل و هو یرجع الی المقدم لکونه ضامنا ابتداء فی ذلک و انما سلط الغیر علیه بعنوان انه مال نفسه

ص:360

لا بما انه مال الغیر و هکذا لو ظهر انه مال الآکل أیضا کما لا یخفی و علی هذا فلیس للمسلّط ان یرجع الی الآکل لو رجع المالک الیه بدعوی انه سلّطه علیه لکونه مال الغیر فان قصده لا یفید بوجه إذا عرفت ذلک فنقول ان المنافع علی قسمین فقسم منها تکون داخلة تحت ضمان الغاصب کأجرة الدار و الثمار للأشجار و نحوها و قسم منها لا تکون داخلة تحت ضمان الغاصب کرکوب الدابة إلی الحلّة أو الکربلاء مثلا ففی الأول إذا رجع المالک الی البائع فلیس للبائع ان یرجع الی المشتری فإنّه بعد اقدامه علی ضمان مال الغیر و إعطائه قیمته و قیمة منافعه صار مالکا للمغصوب بقاء فکما لا یرجع الی من سلطه علی إتلاف ماله ابتداء فکذلک لیس له الرجوع الی من سلّطه علی إتلافه بقاء فإذا لیس له ذلک فی العین أو فی المنافع المستوفاة علی تقدیر بقاء العین ففی المنافع الغیر المستوفاة بطریق أولی لا یرجع الی المشتری لأنه بنفسه سلّطه علی ذلک و اما لو رجع المالک الی المشتری فیرجع المشتری الی البائع کما عرفت و اما المنافع التی لا تدخل تحت ضمان الغاصب من الأول و من هذا القبیل الأوصاف الزائدة فلو رجع المالک إلیها فلیس للمشتری ان یرجع الی البائع فإن التسلیط فی تفویت ذلک لیس من ناحیة البائع و یأتی ذلک فی تعاقب الأیدی مفصلا و من هنا یظهر انه لا وجه للتفصیل بین المنافع المستوفاة و غیرها فإنها ان دخلت تحت ضمان البائع فلا یرجع فی المستوفاة إلی المشتری لو رجع الیه المالک ففی غیر المستوفاة بطریق اولی و ان لم تدخل تحت ضمانه فرجع المالک الی المشتری ففی المستوفاة بطریق أولی و هذا واضح جدا.

ص:361

و بالجملة حکم الغاصب بعد رجوع المالک الیه حکم المالک الابتدائی فکما ان المالک حدوثا لا یرجع الی من سلطه علی تفویت ماله فکذلک بقاء کما هو واضح.

و حاصل الکلام انّه لا بدّ و ان یفصّل فی المقام بین المنافع التی دخلت تحت ضمان البائع و المشتری کلیهما فحینئذ لیس للبائع مع رجوع المالک الیه ان یرجع الی المشتری بل یرجع المشتری الی البائع مع رجوع المالک الیه و تلک کالعین بنفسها و کسکنی- الدار و رکوب الدابة التی تکون قائمة بالعین و تسلم إلی المشتری مع تسلیم العین و اما المنافع المتجددة التی لا تدخل تحت ضمان البائع کالثمار و الأشجار و اللبن للحیوان و نحوهما ممّا تجدد تحت ید المشتری فلا یکون ضامن لها إلا المشتری لعدم ثبوت ضمانها ابتداء علی البائع.

بیان ذلک ان أحدا لو قدم طعاما لأحد لیأکله بما انه مال شخص المعطی فأخذه الآکل فأکله فإنه قد أخذه ذلک بعنوان أنّه مجانی و لم یقدم علی الضمان من الأول و کذلک ان المعطی قد سلّطه علی ذلک بما انه مال نفسه و لو کان فی الواقع مال غیره و یعلم انه مال الغیر فإذا علم الآخذ بعد تلفه أنه مغصوب فلیس للمعطی أن یرجع الی الآخذ و یقول أن هذا کان مال الغیر فانی أعطیته لک بعنوان مالی کتابا فان التسلیط لیس الا تسلیطا مجانیا فلم یکن أخذه إلا أخذا مجانیّا بل لو رجع الیه المالک فهو یرجع الی المعطی أیضا لأنه لیس هذا الا کتقدیم مال نفسه لشخص باعتقاد انّه مال الأخذ فانکشف انّه مال نفسه فإنّه لیس له ان یرجع الی

ص:362

الآخذ بدعوی انّه کان فی عقیدتی انه مالک فان الأخذ لیس إلا أخذا مجانیّا فلا ضمان فیه بل هذا و تقدیم ماله الواقعی مع العلم به لیس الا واجدا اذن فیکون تقدیم مال الغیر أیضا مثله فإنّه مع رجوع الغیر الیه فبخروجه عن عهدة الضمان یکون مالکا بقاء لما قدمه الی الغیر فلیس فی تسلیط الغیر علی إتلاف ماله بین ما یکون ماله حدوثا و بین ما یکون مالا له بقاء فکما ان تسلیط العیر علی تسلیط ماله مجانا ابتداء لا یوجب الضمان کذلک ما یکون مالا له بقاء بسبب الخروج عن عهدة الضمان فهذا الذی ذکرناه ممّا قامت به السیرة العقلائیة و اما رجوع الآخذ الی المعطی لو رجع الیه المالک فواضح لانّ السبب فی تفویته هو المعطی و انّما عزّه بعنوان انه مال نفسه فهو السبب الی المعطی فی التلف و ان کان المتلف بالمباشرة هو الآخذ الا ان العرف یستندون ذلک الإتلاف إلی المسبب لقوته و لاغراء الآخذ بذلک فمثل هذا الخدیعة و التغریر یوجب الضمان بلا شبهة و ان لم نقل بالضمان فی جمیع موارد الغرور و کیف فهل یشک أحد فی انه لو قدم أحد مالا کشخص هبة مجانیة بعنوان انه ماله ثم ادعی ذلک المال منه ان له حق الرجوع الیه مع التلف و هکذا إذا کان مال غیره فإن أهل العرف یستندون التلف الی السبب للغرور فهذا بدیهی لا شبهة فیه و مما قامت به السیرة نعم فی المنافع المتجددة حیث لم یکن فیها تقدیم مجانی من قبل المعطی فلا شبهة فی الضمان ای ضمان الآخذ بل الأمر کما ذکر لو اعطی المعطی مال نفس الآخذ له بعنوان مال شخص المعطی فإنه لا یشک أحد من أهل العرف فی ضمان المعطی لذلک أیضا

ص:363

إذ المال و لو کان للآخذ و انه أتلف مال نفسه و لکن أتلفه بما انه مال المعطی و دخل تحت تصرفه مجانا فالاتلاف مستند إلی الأخذ المجانی دون مال نفسه فلیس السبب فی ذلک الا هو المعطی و هو الذی غره فی ذلک فیکون ضامنا له للغرور بمقتضی السیرة العقلائیة فیرجع الیه بل لا یفرق فی ذلک بین جهل المعطی بالحال و علمه فإنه مع الجهل و الاشتباه فأیضا یکون ضامنا للمالک فلیس له ان یرجع الی الآخذ المجانی بوجه لما تقدم کما إذا کانت عنده ودیعة فاشتبه فأعطاها للغیر بعنوان انها مال نفسه فان هذا التسلیط تسلیط مجانی علی إتلاف مال الغیر فلا یضمن المعطی له بل یکون الضامن هو المعطی لکونه متلفا لمال الغیر فکانت یده ید إتلاف لا ید ودیعة إلا فی المنافع المتجددة لعدم دخولها تحت ضمان المعطی من الأول و أما فی غیرها فلا لان ذلک لیس الا کتقدیم مال نفسه للغیر مجانا ابتداء و قد عرفت انه لا یفرق فی ذلک بین المالک حدوثا و بینه بقاء کما لا یفرق فی ذلک بین المنافع و المستوفاة غیرها هذا کلّه فیما یکون التقدیم مجانیا و إذا کان التسلیط بالبیع فهو علی قسمین فإنّه تارة یکون فی مورده غرور بحیث یصدق الغرور بأنّه غرّ البائع المشتری و اخری لا یصدق اما الأول بأن یأخذ البائع مال غیره بالغصب أو السرقة و لو کان مال المشتری أیضا ثم یبیع ذلک من المشتری بقیمة قلیل بدعوی أنه مال نفسه یقصد بذلک التقرب الی اللّه و یأخذ المشتری ذلک فیأکله أو یشترط البائع فی البیع صرفه فی أکله أو فی إحسان الغیر و بعد ما یتلف المال فیخبر المشتری بالحال أو هو بنفسه یلتفت بذلک و ان المال مال نفس المشتری أو مال شخص آخر فإنه لا شبهة هنا فی ضمان بالعین بجمیع شئونها

ص:364

من المنافع المستوفاة و غیرها الا المنافع التی لم تدخل تحت ضمان البائع من المنافع المتجددة کالبیض و اللبن و الثمار و نحوها و کذلک الثمن الذی هو بنفسه کان مقدما بذلک و لم یصدق الغرور بالنسبة إلیه فإن رجع المالک الی المشتری فیرجع المشتری أیضا إلی البائع فإن السیرة قائمة فی مثل ذلک کون السبب فی التلف هو البائع و انه هو الذی غرّ و تسبب فی التلف و أن التلف یستند إلیه فإنه لو لم یبیع ذلک منه و لم یشترط إتلافه لم یقدم المشتری بذلک و هکذا فی کل مورد یصدق عنوان الغرور و استناد التلف إلی البائع و اما لو لم یصدق الغرور فلا یرجع المشتری الی البائع کما إذا سرق أحد مال غیره أو غصبه فباعه من شخص ثان بقیمة قلیلة و بثمن بخس و راح ثم باع الثانی من ثالث بهذه القیمة أیضا بقصد الإحسان بأن یشترط ان یعطی الفقراء و یطعم المساکین فبعد ما صرف.

الثالث المال فی الإحسان أو أکله بنفسه ثم علم انه کان مال الغیر فرجع المالک الی الثالث فأخذ منه جمیع ما یترتب علی ماله من المنافع و العین فلیس لهذا الثالث أن یرجع الی الثانی بدعوی انه متسبب فی ذلک فإن السیرة قاطعة علی انه لا یصدق التفویت فی مثل ذلک بوجه فلیس التلف مستندا الی نفس الثانی کما هو واضح لا یخفی و بالجملة أن هذا لیس إلا کسائر البیوع الفاسدة من دون فرق بینها بوجه فیکون الضمان علی من تلف عنده المال فلا بدّ و ان یخرج من عهدة الضمان بل المشتری بنفسه أقدم علی ذلک لا بمعنی أن الاقدام من المضمنات بل الید أو السیرة و الاقدام انما هو لدفع ما یمنع عن الضمان من الودیعة و نحوه ممّا لا یوجب

ص:365

الضمان فالإقدام بالضمان یوجب دفع ذلک المانع ثم انه ذکر المصنف فرقا فی بعض الأوصاف و قال و أما ما یغرمه بإزاء أوصافه فنان کان ممّا لا یقسط علیه الثمن کما عدا وصف الصحة من الأوصاف التی یتفاوت بها القیمة کما لو کان عبدا کاتبا فنسی الکتابة عند المشتری فرجع المالک علیه بالتفاوت فالظاهر رجوع المشتری علی البائع لأنه لم یقدم علی ضمان ذلک و أشکل علیه شیخنا الأستاد بإیراد ظاهر بأن الأوصاف مطلقا لا یقسط علیها الثمن کالشروط و لا ینافی ذلک ما یقال أن للوصف أو الشرط قسطا من الثمن لان معناه ان قیمة العین تزداد بالوصف أو الشرط لا أن مقدارا من الثمن فی الإنشاء العقدی یقابل الوصف أو الشرط و هذا لا ینافی ثبوت الخیار بین الرد و الأرش فی العیب کما سیجیء فی باب العیب ان الأرش ثابت بالتعبد لا من باب ان الثمن یقسط علی الوصف و الموصوف و الا وجب ان یکون الأرش من نفس الثمن و من هنا لم یثبت فی غیر موارد خیار العیب الا الخیار بین الفسخ و الإمضاء أو فی موارد خیار العیب لیس علی البائع إعطاء الأرش بدون المطالبة بل معها بحیث لو لم یلتفت به المشتری الی الا بد أو التفت و لم یطالب فلیس علی البائع شیء و هذا بخلاف أجزاء المبیع فان الثمن واقع فی مقابلها بحیث لو لم یعط البائع بعضها لکان علیه الضمان و فعل فعلا محرما لکونه مال الغیر و قد أخذ فی مقابله الثمن کما هو واضح.

قوله ثم ان ما ذکرناه کله من رجوع المشتری علی البائع بما یغرمه انما هو إذا کان البیع المذکور.

أقول ان ما تقدم هنا ضمان الغار للمغرور فی مورد استناد

ص:366

التفویت الیه و انه لو رجع المالک الی المشتری فهو یرجع الی الغار و ان رجع الی البائع فهو لا یرجع الی المشتری انّما هو فی مورد یکون البیع صحیحا من غیر جهة کون البائع غیر مالک بحیث یکون الفساد مستندا الی کذب البائع و تغریره و امّا لو کان فاسدا من غیر هذه الجهة فیکون المقام کسائر البیوع الفسادة فلا یکون الضمان علی البائع بل علی المشتری بناء علی ما ذکرناه من ان فاسد- البیع یضمن فیه کما یضمن فی صحیحه کما هو واضح.

بحث فی تعاقب الأیدی

قوله ثم انه قد ظهر ممّا ذکرنا ان کل ما یرجع المشتری به علی البائع.

أقول ظهر من مطاوی ما ذکرنا أیضا ان الغرامات التی توجه إلی المشتری یرجع بها الی البائع مع الغرور و انه لو رجع المالک الی البائع حینئذ فلا یرجع هو الی المشتری و مع عدم الغرور نظیر فساد البیع فیرجع البائع مع رجوع المالک إلیه إلی المشتری و لو تعاقبت الأیدی فیرجع کل سابق الی لا حقه الی ان ینتهی الأمر إلی الذی تلف العین عنده أو هو أتلفها فیعزم قیمة العین و المنافع التی فاتت تحت یدها دون المنافع الفائتة تحت الأیدی السابقة فإن قلت ان کلا من البائع و المشتری یتساویان فی ضمان العین و حصولها تحت یدهما و هکذا الأیدی لاحقة و هو سبب للضمان عن کون یدهما ید العادیة فکلهم مشترکون فی ذلک فلا وجه لرجوع البائع إلی المشتری و هو لی لا حقه و هکذا الی ان ینتهی الأمر الی من انتهی الیه الأمر الا ان یستند الضمان إلی الإتلاف فإنه حینئذ یستقر الضمان إلی

ص:367

ذمة من صار سببا للإتلاف.

فقد أجاب العلامة الأنصاری بما حاصله ان الشیء الواحد انما یکون له ضمان واحد فکیف اشتغلت الذمم المتعددة عند تعاقب الأیدی بشیء واحد و لم یکن مقتضی علی الید الا شیء واحد.

فقال اشتغال الذمم المتعددة و کون ضمان العین الی العهدات العدیدة معناه لزوم خروج کل منهم عن العهدة عند تلفها و حیث ان المضمون لیس إلا شیئا واحدا فمعنا تسلّط المالک الی رجوع کل منهم لیس الا تسلّط رجوعه الی واحد منهم علی البدل فمن ایّ منهم استوفی البدل لسقط حقه عن الغیر و تسلّط الرجوع الی الآخر و هذا نظیر الواجب الکفائی فی الأحکام التکلیفیة فکما ان فی الواجب الکفائی ان التکلیف متوجه الی الکل بحیث لو ترکوا لعوقبوا جمیعا و لو اتی الواحد سقط عن الجمیع و هکذا فی المقام ان الضامن للعین جمیع من ثبتت یدیهم بها یدهم بها بحیث لو لم یعط واحدا لطولب و عوقب الجمیع و لو ادی واحد لسقط عن الباقین فللمالک ان یرجع الی أی منهم علی البدل و بعد أخذه ماله ممّن رجع الیه فهو یرجع الی اللاحق و هو الی لا حقه و هکذا الی ان ینتهی إلی المتأخر الذی تلف المال عنده.

و هذا الوجه ینطبق علی مسلک الجمهور حیث انهم ذهبوا الی ان الضمان من ذمة إلی ذمة أخری لا من ضمن کما عند الإمامیة لیکون المال منتقلا إلی ذمة الضامن فان الجمهور التزموا فی باب الضمان علی ذلک و ان من یکون ضامنا عن شخص فیضم ذمته إلی ذمة شخص المضمون علیه فیصیر الضامن اثنان و هکذا بحیث مع

ص:368

تعدد الضامنین یتعدد الذمم للضمان و یضمن کلهم العین فی- عرض واحد علی البدل نظیر الواجب الکفائی.

و انا و ان أنکرنا ذلک علیهم فی باب الضمان و لکنه من جهة عدم الدلیل فحیث اقتضی الدلیل فی المقام الالتزام بذلک فلا مانع من الالتزام به و من هذا القبیل من الضمان علی البدل نظیر الواجب الکفائی موارد کثیرة کما ذکر الفقهاء منها انه إذا لم یطمئن کل من البائع و المشتری علی الأخر خوفا من ان یظهر المثمن أو الثمن مستحقا للغیر فیطلب الضامن علی العوض فعند خروجه مستحقا للغیر لیکون درکه علیه فقد ضمن الضامن العین فی عرض ضمان البائع أو المشتری بنفسها هنا فللمضمون عند خروج العوض مستحقا للغیر ان یرجع بأی منهما شاء فلیس المال منتقلا إلی ذمة الضامن لیکون عهدة المال الی الضامن فقط فان العین موجودة فی الخارج و منها الضمان بالأعیان الشخصیة الخارجیة المضمونة فإن فیها أیضا ان الضمان من ضم ذمة إلی ذمة أخری و لم ینقل الضمان من شخص الی آخر لوجود العین فی الخارج فیکون الضمانان فی عرض واحد بل عن أبی حمزة انه یمکن ان یضمن اثنان ابتداء لشیء واحد من دون ان یکون ضمان أحدهما متقدما علی ضمان الآخر کما عرفت و هکذا عن الشهید و العلامة فی درسه انه نفی المنع من ضمان اثنین علی وجه الاستقلال کالعبادات الواجبة کفایة و منها أموال الغاصب من الغاصب و هکذا من الموارد الکثیرة هذا کله حال المالک بالنسبة إلی ذا الأیدی و قد أشکل علیه شیخنا الأستاذ بما حاصله ان الضمان علی نحو الواجب الکفائی إنّما یتصور فی-

ص:369

الواجبات التکلیفیّة فإنه لو قلنا ان الأداء بنحو الواجب التکلیفی لکان لذلک وجه فیکون ذلک مثل الترتب انه یجب الأداء بهذا الشخص ان لم یؤد الآخر فیتوجه الأمر بالأداء الی کل منهم بعنوان الواجب المقید و لکنه لیس الأمر کذلک فباب الضمان لا یقاس بالأحکام التکلیفیة فلا یعقل الضمان بنحو الترتب بحیث یکون کل منه فی عرض الضمان الأخر بل لا بد و ان یشترکا فی الضمان أو یکون علی واحد فقط و الا لو قلنا بانّ ضمان کل منهم مقید بعدم ضمان الأخر معناه ان لا یضمن جمیعهم نعم یمکن القول بالترتب الطولی فهو غیر مسلک العامة کما إذا أمر شخص بضمان لشخص عنه و هکذا فان کل منهم ضامن فی طول الأخر بحیث لو لم یؤدی المضمون علیه دین المدیون فیرجع الی ضامنه لانتقال المال الی ذمته فیرجع هو الی المضمون علیه لکون ضمانه بامره و هکذا المتأخرون راجع الی تقریر المیرزا و الحاصل ان کلامنا کان فی تصویر الضمان فی تعاقب الأیدی علی کل واحد من الأشخاص مع کون المال واحدا بأنه فلما ذا یرجع السابق الی اللاحق مع عدم الغرور و أن المالک کیف یرجع علی کل واحد منهم مع کون المال واحدا فلا یضمن المال الواحد الا شخص واحد. و قد وجّهه شیخنا الأنصاری ذلک بتنزیله منزلة الواجب الکفائی و انه کما أن الواجب فی الواجب الکفائی شیء واحد و ان کان- المکلفین کثیرین و متعددین بحیث لو اتی الواحد منهم سقط عن الباقین و الا فعوقب الجمیع و هکذا فی المقام فانّ المال مال واحد و ضمانه ضمان واحد و لکن الضامن متعدد بحیث لو أدی المال

ص:370

واحد منهم سقط حق المالک عن الباقین و ان کان لکل واحد منهم ان یرجع الی الآخر و ان لم یؤدی لکان کلهم ضامنین علی ذلک و أشکل علیه شیخنا الأستاد بأن تنزیل المقام بباب الواجب الکفائی غیر معقول إذ مرجع وجوب الکفائی إلی انّه یجب لکل واحد من المکلفین إتیان الواجب لو لم یأت الآخر فیکون إتیان کلّ منهم واجبا مشروطا بعدم إتیان الآخر فإذا اتی فیسقط عن الباقین نظیر الالتزام بالتکلیف الترتیبی فی الضدین کما نقح فی الأصول و هذا المعنی غیر ممکن فی المقام فان معنی اشتراط وجوب الضمان علی کل واحد بعدم وجوبه علی الآخر لیس الا نفی الضمان عنهما بالمرة فإن معنی انّ هذا ضامن ان لم یجب علی الآخر و ذلک هنا من ان لم یؤد هذا انّ کلّ منهما لیس بضامن فما ذهب الیه الجمهور من ان الضمان ضم ذمة إلی ذمة أخری فی الضمان الاختیاری فاهنا غیر معقول کما ذکرناه لرجوع ذلک الی انتفاء الضمان عنهم الا ان یقال بالشرکة أو بضمان کلّ علی المالک مستقلا لیکون المال واحد عوض کثیر فهما کما تری.

الا ان یقال بالضمان الطولی و الترتیبی لا بالمعنی المذکور بل بمعنی أن کل واحد من الضامنین فی طول الضامن الأخر و ان اللاحق یضمن لما ضمنه السابق و هکذا کما فی الضمان الاختیاری و من هنا یرجع اللاحق علی السابق فی الضمان الاختیاری لأمر السابق علی ذلک فیه و بالجملة أن ما ذهب الیه المصنف لا یمکن المساعدة علیه و لو صح ذلک فلا بدّ و ان یلتزم القائل به بکون الضمان لهما علی نحو الاشتراک لعدم إمکان تعلق مال واحد بذمة شخصین

ص:371

فان لازمه ان یکون للدرهم الواحد ابدال عدیدة و فیه ان ما افاده شیخنا الأستاد لیس بصحیح من حیث البناء و المبنی اما من حیث المبنی فإنه قد بنی فی تصویر الواجب الکفائی علی ان الواجب و ان کان شیئا واحدا الا ان الخطاب متوجه الی جمیع المکلفین فلا بدّ لکل واحد منهم إتیانه و لکن مع إتیان الواحد سقط عن الباقین.

و توضیح ذلک أن فی الواجب التخیری قد تعلّق الغرض بإتیان أحد الأمرین أو أمور عدیدة بحیث یکون غرض المولی قائما بإتیان واحد منهما مع إلغاء الخصوصیة و یکون إتیان کل من الأمرین وافیا لغرضه و مقصوده و حینئذ یستحیل للمولی أن یأمر عبده بإتیان أحدهما بالخصوص لکونه ترجیحا بلا مرجّح.

و کک الکلام فی الواجب الکفائی غایته أن التعدد فیه فی ناحیة المکلّف دون الواجب بان یکون غرض المولی متعلقا بإتیان واجب و تحققه فی الخارج کصلاة المیت مثلا فان غرض المولی انما تعلّق بصدور الفعل من شخص واحد ایّ شخص کان بإلغاء الخصوصیات و تعیین شخص خاص مع کون الواجب واحدا فلیس معنی ذلک ان وجوبه علی هذا الشخص مشروط بعدم وجوبه علی الآخر و هکذا و هکذا و علیه فلیس مبناه هذا فی المقام صحیحا و موافقا لمبناه فی الأصول و ان الواجب الکفائی کما علیه فی الأصول خارج عن- الواجب المشروط و الترتب بالکلیة کما هو واضح.

و لو سلمنا مبناه فبناؤه علیه لیس بصحیح و ذلک فان ما ذکره من المحذور من انّه لو کان الضمان علی نحو الواجب الکفائی فلازمة عدم ضمان کل منهما فیلزم انعدام الضمان انّما یلزم لو کان الضمان

ص:372

مقیدا بعدم الضمان الآخر و وجوب الضمان علی الآخر مقیدا بعدم الضمان علی هذا فعلیه لا یختص المحذور بباب الضمان بل یجری فی الواجب التکلیفی أیضا فإنه یقال لو کان الواجب الکفائی کصلاة المیت مثلا مقیدا بعدم کونها واجبة علی الآخر و بالعکس فیلزم ان لا یکون هنا واجب أصلا و لکن الأمر لیس کک فإنه ره التزم فی الواجب الکفائی بناء علی صحة المبنی أن الواجب علی هذا الشخص مقید بعدم إتیان الآخر مع الوجوب علیه لا بعدم کونها واجبة علی الآخر و الا فالمحذور موجود فی المقامین و عن المقام إذا قلنا ان الضمان علی هذا مفید بعدم إتیان الآخر لا بعدم الضمان الذی هو مثل عدم الوجوب علی الآخر فی التکلیف فلا یلزم المحذور و لا ینافی بکون الواجب علی کل مکلف و جمیعهم و لکن الواجب مقید بمعنی ان کونها واجبة علی زید مقیدة بعدم إتیان الآخر علی الآخر یلزم المحذور و لکن لازمه الالتزام بمثله فی التکلیفیان أیضا و ان کان مقیدا بعدم إتیان الآخر فلا یلزم فیه محذور بوجه حینئذ و هکذا فی باب الضمان فإنه مطلق و ثابت لکل من وضع یده علی المال و انّما الخروج عن العهدة مقیّد ایّ لزوم ان یخرج هذا عن عهدة الضمان مقید بان لا یکون الآخر خارجا عن عهدته و الا فیسقط حق المالک بأداء واحد عن الباقین کما لا یخفی.

و بالجملة ثبوت الضمان علی هذا لو کان مقیدا بعدم الضمان بل لم یقل أحد باستحالة هذا النحو من الضمان و ان کان یظهر من بعض کلمات العلامة ذلک و لکن لعل مراده من ذلک نفی الضمان عن کل منهم استقلالا بحیث یکون لکل واحد منهم ضمان خاص و

ص:373

یکون المال ثابتا علیه لیلزم کون مال واحد ذی عوضین و بدلین بل ذی ابدال عدیدة و الا فلا استحالة هنا بوجه و ما أنکرنا علی العامة فی باب الضمان الاختیاری لم یکن ذلک من جهة الاستحالة بل من جهة عدم الدلیل علیه فلا محذور فیه لو اقتضاه الدلیل بل لا بدّ من الالتزام به فی بعض الموارد کما إذا غصب احد مال شخص فغصب منه شخص ثالث فتلف عنده فإنه أی المالک یرجع الی ایّ منهما شاء و هذا لیس الا القول بالضمان علی طریقة العامة من کونه ضم ذمّة إلی ذمة أخری فتحصّل ان هنا ضمان متعددة لمال واحد فلا یلزم من ذلک التعدد کون قران واحد صاحب ابدال کثیرة بل صاحب بدل واحد ینطبق علی الکل علی سبیل البدلیة.

ثم مع الالتزام بالواجب الکفائی أی بکون الضمان هنا کالواجب الکفائی فما الفرق بین هذا المقام و سائر الواجبات الکفائیة فلما ذا یجوز للسابق منهم ان یرجع الی اللاحق مع عدم الغرور و لیس کذلک فی موارد اخری من الواجبات الکفائیة کما إذا کان شخص عطشانا فیموت به فیجب علی کل من اطلع علی حاله ان یسقیه بالماء و لو کانت قیمته ألف فإذا سقاه أحد فلیس له ان یرجع الی أشخاص آخرین ممن اطلعوا علی حاله فللمقام أی خصوصیة اقتضت جواز رجوع من ادی ما ضمنه الی الضامن الآخر.

و قد أجیب عن هذا الاشکال بوجوه منها ما فی حاشیة السید من انه کما ان فی صورة الإتلاف یکون المتلف سببا لتنجّز الضمان علی السابق فبقاعدة استناد الفعل الی السبب لکونه أقوی من المباشر ففی صورة التلف أیضا انّ من عنده تلف المال فهو سبب

ص:374

لتنجّز الضمان للسابق أیضا فإنه أی اللاحق کان له الاختیار فی رده الی المالک فحیث أنه بسوء اختیاره لم یرده الیه فیکون هو السبب لتنجّز الضمان علی السابق فیرجع السابق الی اللاحق مع رجوع المالک الیه لذلک أی لقاعدة استناد الفعل الی السبب ثمّ قال انه بعد ذلک لا احتیاج الی التوضیح الذی ذکره المصنف.

و فیه ان هذا علی تقدیر تمامیته فی الإتلاف بدعوی کون المتلف سببا لثبوت الضمان علی سابقه فبمقتضی ان السبب أقوی من المباشر فیرجع السابق لو رجع الیه المالک الی لاحقه المتلف فهذا له وجه فی صورة الإتلاف مع وضوح المناقشة فیه أیضا إذ الإتلاف لیس سببا للضمان هنا بل الضمان قد تحقق قبله بمقتضی الید فضمن المال المأخوذ السابق و اللاحق کلیهما حتی یودّیا المال الی مالکه فلم یتوقف ذلک بشیء أصلا و انما الإتلاف أوجب الانتقال إلی الذمة فهو معنی آخر غیر الضمان فلا یکون اللاحق سببا لضمان السابق بل سبب الضمان فی کلهم انّما هو الأخذ بالید و الاستیلاء علی مال الغیر کما هو واضح.

و مع الغمض عن ذلک فلا وجه لتسریة الحکم إلی صورة التلف أیضا فإن المال إذا تلف عند اللاحق بلا تسبیب و إتلاف بل بتلف سماوی فلما ذا یرجع السابق الیه مع کون نسبة ضمانه إلیهما علی حد سواء إذ کل منهما وضع یده علی ذلک المال و لم یفعلوا شیئا یوجب إتلافه بل تلف ذلک ببلاء من اللّه فلما ذا یختص اللاحق بالضمان دون السابق فلا یمکن قیاسه بالإتلاف لعدم التسبیب هنا بوجه و ان کان هناک ما یوجب تصویر التسبیب إجمالا فکون اللاحق

ص:375

مختارا فی رد العین الی المالک فلم یرده فتلف عنده لا یکون سببا لثبوت الضمان اللاحق فانّ اللاحق مع السابق سیّان فی ذلک المعنی لکون السابق أیضا مختارا فی رد العین الی مالکها کما لا یخفی.

انتهی کلامنا إلی انه یرجع السابق الی اللاحق فی صورة تعاقب الأیدی علی المال المغصوب إلا فی صورة الغرور و لا یرجع اللاحق الی السابق إلا فی صورة الغرور مع ضمان کلّهم علی المال المأخوذ و قد أجیب عن ذلک بوجوه.

منها ما أجاب به السیّد فی حاشیته بقوله یمکن الجواب بعدم الفرق بین التلف و الإتلاف فی صدق السببیة إلخ.

و منها ما أجاب به المصنف و حاصل کلامه علی ما یظهر من ظاهر عبارته أن الغاصب الأول أو من فی حکم الغاصب أی بائع مال الغیر مثلا بالبیع الفاسد بعد أخذه من الغیر کذلک انما هو ضامن للعین نفسها فالغاصب الثانی و من فی حکمه انّما هو ضامن للعین و بدلها اما العین فلمالکها و اما البدل فللضامن الأول و هذا بخلاف الضامن الأول فان فی زمان کون العین تحت یده لم تتلف لیضمن العین بمالها بدل بل کان ضمانه منحصرا بالعین وحدها و اما الضامن الثانی حیث ان العین قد تلفت عنده فیکون ضمانه بها بما له البدل و هذا الضمان بالبدل ضمان لما استقر تدارکه فی ذمة الأول فالضامن الثانی لما ضامن لأحد الأمرین اما العین أو البدل علی نحو البدلیة بنحو الضمان العوض و الحاصل ان من تلف المال فی یده ضامن لأحد الشخصین علی البدل من المالک و من سبقه فی الید فتکون ذمته مشغولة بشیئین

ص:376

علی سبیل البدلیة اما تدارک نفس العین أو تدارک بدلها فحال الأول مع الثانی کحال الضمان مع المضمون عنه فانّ الضامن لشخص عن دین بامره انّما یرجع الی المضمون عنه مع أداء دین الدائن و الا فلا یستحق بذلک فإذا رجع المغصوب منه الی الأول فأخذ منه تدارک العین فیرجع هو الی الثانی فیأخذ منه تدارک ما استقر فی ذمته لضمان الثانی علی ذلک.

و بالجملة أن ظهور کلام الشیخ(ره)فی الغاصب الثانی انّما انه ضامن لتدارک العین للمالک و بدلها لتدارک ما فی ذمة الغاصب الأول للاول و علی هذا فیندفع اشکال عدم صحة رجوع السابق الی اللاحق فی صورة عدم الغرور إذ السابق یطالب من اللاحق ما استقر فی ذمته فیرجع إلیه فی ذلک و هذا بخلاف ما إذا رجع المالک الی الثانی فإنه لا یرجع الی اللاحق فی غیر صورة الغرور لعدم اشتغال ذمته للثانی کاشتغال ذمة الثانی للأول.

فما لم یرجع المالک الی الأول لیس له ان یرجع الی الثانی لأنّ الأول لم یتدارک العین للمالک حتی یرجع الی الثانی فی البدل الذی حصل به التدارک و انّما له الرجوع الیه بعد ما رجع المالک الی الأول.

و فیه أوّلا و قبل کل شیء ان الغاصب الأول و الثانی و هکذا لم یضمنوا الا العین بمجرّد وضع الید بها فلم یضمنوا ببدلها قبل التلف فبالتلف أو الإتلاف ینتقل الضمان بالبدل لانتقال العین إلی الذمة و هذا المعنی مشترک بین جمیع من تعاقبت یده علی العین المغصوبة من دون فرق بین الأول و الثانی فما ارتکبه المصنف لا

ص:377

یمکن المساعدة به لعدم الدلیل علیه و بالجملة ان قبل التلف- کلهم ضامنون بالعین و بعده کلهم ضامنون بالبدل فلیس هنا ضمان علی العین مما له البدل لیکون الضمان من اللاحق علی تدارک نفس العین أو بدلها علی البدل بحیث یکون مخیرا بین البدل و المبدل.

و قد أجاب السیّد فی حاشیته عن ذلک بوجوه سبعة و ان کان یمکن الجواب عن بعضها و العمدة منها ثلثة الأول مما لا جواب عنه أن السابق أیضا یصدق علیه انه ضامن شیء له بدل فإنه و ان لم یکن حین حصول العین فی یده لها بدل لان ضمان اللاحق لم یتحقق فی ذلک الحین لفرض حصوله بعد وضع الید علیها الا ان الملاک فی استقرار الضمان بالنسبة إلی الکل انّما هو بعد التلف فح یصدق ان کلا منهم ضامن لما له یدل فان المناط لیس حال حدوث الضمان بل حال فعلیته.

و بالجملة حین التلف الذی هو زمان الانتقال إلی القیمة یصدق بالنسبة إلی الکل أنه ضامن لما له بدل بل أبدال.

الثانی أن مقتضی ذلک کون ضمان الأول أیضا لمالک العین لا لمن علیه البدل فان البدل الذی فی ذمة السابق انما هو لمالک العین فبدله و هو ما فی ذمة اللاحق أیضا یکون للمالک و هو من له البدل و لا وجه لکونه لمن علیه البدل و هو الضامن السابق.

الثالث إذا فرضنا ان العین بعد ما صارت فی ید اللاحق رجعت الی السابق فتلفت فی یده فالظاهر أنه لا یجوز للسابق

ص:378

حینئذ إذا رجع الیه المالک أن یرجع الی اللاحق فلازم بیان المصنف ان یکون له الرجوع علیه لانه یصدق علی اللاحق أنه ضمن شیئا له بدل بخلاف السابق و دعوی أنه بعد ما رجعت العین الی السابق ینقلب السابق الی اللاحق دعوی باطل بان الضمان انّما حدث بإثبات یده الأول و فی ذلک الحین لم یکن له بدل و بعد العود الیه لا یحدث ضمان آخر مثلا إذا غصب عینا و ضمن فأعطاه غیره أو أخذ منه قهرا ثم ردّه ذلک الغیر الیه لا یحدث ضمان آخر لأجل هذه الید الثانیة بل الضمان الحادث أو لا باقی و قرار الضمان علی الغاصب الأول إذا تلف المال فی یده بعد العود الیه و لازم بیان المصنف قده أن یکون قرار الضمان علی الغاصب الثانی مع أنه لم یتلف فی یده و قد ذکر الإشکالات الآخر أیضا.

ثم انّ شیخنا الأستاد لم یرض بما فهمه السید ره من کلام الشیخ ره و انّما حمل کلامه علی الضمان الطولی و قال انّ الضمان العرضی بحیث یکون لمال واحد ضمانان غیر معقول و حاصل ما قاله مع طول کلامه أن الإیرادات السبعة المذکورة فی کلام السید ره مبنیة علی ارادة المثل و القیمة من البدل لیکون بدلا لأصل المال من المنافع و علوّ القیمة و نحوهما خ للقول بان ثبوت مثل ذلک علی السابق وجه و اما لو کان المراد من البدل فی کلام المصنف البدل الطولی بمعنی أن السابق متعهد للمال قبل اللاحق و اللاحق متعهد لما فی ذمة الأول و عهدته فالمال الواحد فی ذمم کثیرة بهذا النحو من الظرفیة و هذا منشأ رجوع السابق الی اللاحق دون العکس لکون اللاحق بهذا الاعتبار ضامنا للمالک و للسابق لان ذمته

ص:379

مخرج لما یؤخذ من السابق فهو یضمن علی البدل اما نفس العین بما انها فی ذمة السابق و اما ما یؤخذ من السابق فلا یرد أن کلا منهما ضامنان للبدل.

و انما التزمنا بالزمان الطولی لاستحالة تعهد شخصین لمال واحد عرضا بان یکون ذمة کل منهما ظرفا لمال واحد فإنه نظیر ثبوت شیء واحد فی آن واحد فی أمکنة المتعددة فیما یمکن هو التعهدات الطولیة علی النحو الذی ذکرنا نظیر التعهد الطولی فی الضمان الاختیاری فی باب الضمان فان الضامن بضمانه دین المضمون عنه یکون المال منتقلا من ذمة المدیون إلی ذمة الضامن فیکون هو المطالب بالمال دون المدیون فلا یرجع الضامن الی المضمون عنه الا بعد الإعطاء فکذلک السابق هنا لا یرجع الی اللاحق الا بعد الإعطاء و بالجملة فکلام الشیخ فی بیان تلک الجهة و الضمان الطولی.

و فیه مع بعد ارادة ذلک من کلام المصنف بظهوره فیما قلنا و فیما فهمه السیّد انّ هذا الّذی أفاده الأستاد و ان کان ممکنا فی مقام الإثبات و الوقوع.

و ما افاده من استحالة ضمان شخصین لمال واحد لا یرجع الی محصل بل مما لا مناص عنه فی بعض الموارد کما تقدم من انه إذا غصب احد مال شخص و غصب الآخر منه فتلف عنده فانّ المالک له الرجوع بأی منهما شاء و انّ کل منهما ضامن للمال فالضمانان عرفیان کما لا یخفی.

و کیف کان فیقی الاشکال بلا جواب فلم یکن جواب عنه لا بما ذکره المصنف بالضمان العرضی و لا ما ذکره السیّد ره بقاعدة استناد

ص:380

الفعل الی السبب لکونه أقوی و لا ما ذکر الأستاد من الضمان الطولی الذی نسبه الی الشیخ ره.

و من الأجوبة ما أجاب به صاحب الجواهر من أن التکلیف المتوجه الی الغاصب الأول تکلیفی محض متعلق بأداء ما أخذه بالمثل أو القیمة و التکلیف المتوجه الی الغاصب الثانی(أی الثانی هنا کالمعقول الثانی و ان تعددوا)تکلیف وضعی مضافا الی التکلیفی لکون المال تالفا عنده و بضمیمة أن الغاصب الأول بأداء عوض- التالف یکون مالکا له بالمعاوضة القهریة و ان کان معدوما کملک المعدوم فی المعاملة الخیاریة فان ذی الخیار بفسخه المعاملة یکون مالکا للمثمن مع التلف لو کان الخیار من الخیارات التی لا تسقط بالتلف و فی المقام أیضا یکون کذلک و علی هذا فان رجع المالک الی الثانی فیسقط عن الأول ذلک الحکم التکلیفی و ان رجع الی الأول فباعطاء البدل من المثل أو القیمة یسقط عنه الحکم التکلیفی فیرجع فی المال البدل الی الثانی فإنه هو الذی اشتغل ذمته بالبدل لتوجه التکلیف الدعی علیه و أو رد الشیخ ره علی کلتا جملتیه اما الجملة الأولی فبوجوه ثلثة.

الأول انه راجع بمقام الثبوت و مبنی علی ما أسسه فی باب الاستصحاب من ان الاحکام الوضعیة منتزعة من الأحکام التکلیفیة.

و حاصل ذلک انّ الحکم الوضعی هنا منتزع من الحکم التکلیفی ففی أی مورد حکم تکلیفی متوجه علی المکلف بأداء العین أو المثل أو القیمة ففی ذلک المورد أیضا حکم وضعی و الا فلا.

و قد قلنا فی محلّه انه لا معنی لانتزاع الأحکام الوضعیة من

ص:381

الأحکام التکلیفیة و الظاهر انه مما لا خلاف بین الفقهاء أن من یجب علیه الإنفاق علی من یجب إنفاقه علیه من الأب و الأمم و الأولاد و الزوجة انه لو خالف و لم ینفقهم انه لا یضمن بالأولاد و الأب و الام و لکن یضمن بالزوجة مع ان الحکم التکلیفی موجود فی جمیعهم فأی فرق بینهم هذا ما یرجع الی مقام الثبوت و الآخران یرجعان الی مقام الإثبات.

الثانی انه لا دلیل علی عدم ضمان الأول بل الثانی فقط فان سبب الضمان لیس الا الید فهی بالنسبة إلیهما علی حد سواء و کون التلف أو الإتلاف تحت ید الثانی لا یوجب الا انتقال البدل إلی الذمة دون أصل الضمان کما لا یخفی.

الثالث أن لنا دلیل علی ضمان الأول فإن السیرة قائمة علی اشتغال ذمة الغاصب الأول بما أخذه من الغیر بالید العادیة أو بالبیع الفاسد و ان أعطاه إلی الغیر بلا غرور و من هنا لو مات لکان ما فی ذمته من جملة دیونه و یصح الصلح علیه فلو کان المتوجه الیه مجرّد الحکم التکلیفی لم یکن وجه لهذه الأمور بل لو لم یدفع لا جبر بذلک مع انّه لا وجه لذلک مع کون الخطاب تکلیفیا محضا بل یسقط بالعصیان و بالموت فلا وجه للأخذ من ماله أو إجباره علی الدفع و غیر ذلک من الأحکام المتعلقة علی ما فی الذمة.

و اما ما یرجع الی الجملة الثانیة من ان الغاصب الأول یملک بإعطاء البدل ذلک البدل فی ذمة الغاصب الثانی بلا وجه لوجهین الأول انّ التملک لا یحصل الا بسبب إما اختیاری أو غیر اختیاری کالإرث ففی المقام شیء منهما غیر موجود فبأی سبب ملک الأول ما

ص:382

فی ذمة الثانی لیکون هذا سبب الرجوع الیه بل یسقط حق المالک بمجرّد أداء واحد لعدم بقاء الموضوع له و هذا الذی أفاده راجع الی مقام الإثبات أیضا و انه لا دلیل لتملک الأول لما فی الذمة الثانی و ان کان معقولا فی الواقع و مقام الثبوت.

الثانی ان لازم ذلک ان لا یرجع الأول مع رجوع المالک الیه الا الی من تلف المال فی یده فإنّ بإعطائه البدل یسقط الأحکام التکلیفیة المتوجهة علی الغاصبین لاداء البدل فلم یبق إلا الأخیر لکون خطابه ذمیا فلا یسقط بأداء الأول فلا بد من ان یرجع الیه فقط دون غیره مع انهم ذکروا انّه یجوز ان یرجع الی ای منهم شاء فان رجع الی الأخیر فتم المطلب و ان رجع الی الوسط فیرجع- الوسط إلی الأخیر فهذه الإیرادات غیر الإیراد الأول لا بأس بها لتمامیتها اذن فلا وجه لهذا الجواب الذی سلکه صاحب الجواهر فبقی الاشکال علی حاله من انه کیف یرجع السابق علی اللاحق مع رجوع المالک إلیه فی غیر صورة الغرور و کذلک کیف لا یرجع الثانی إلی الأول فی غیر صورة الغرور مع رجوع المالک الیه و إذا رجع المالک الی الوسط فلما ذا یرجع الی اللاحق فلا یرجع الی السابق فی غیر صورة الغرور.

و لکن الذی ینبغی ان یقال ان لصاحب الجواهر أخذ الجملة الثانیة و ترک الجملة الأولی بأن یقال أن الغاصب الأول یملک التالف المعدوم کملک المعدوم فی باب الخیارات و الذی یوضح ذلک أمران فالأول منهما أوضح من الثانی.

الأول أنّ فی موارد الضمانات بالإتلاف بأن غصب أحد أو سرق

ص:383

مال الغیر فأتلفه أو أتلفه سهوا و نسیانا فان النسیان لا ینافی الضمان کما قرر فی حدیث الرفع لا شبهة أن للمالک أن یرجع الی المتلف إذا أراد و یأخذ منه بدل ماله و ما بقی من ماله من الرضاض و الکسور فهو للضامن و لیس للمالک ان یدعی کون الرضاض له مثلا لو أتلف أحد سیارة احد بالکسر أو ذبح فرس شخص أو أهلکه و غیر ذلک و رجع الیه المالک و أخذ منه بدل ماله من المثل أو القیمة فلیس له أن یأخذ رضاض السیارة أو جلد الفرس أو میتة فإنّه ذلک کله حق للضامن و الا فلو کان للمالک یلزم الجمع بین العوض و المعوض و لو کان للأجنبی فهو خلاف البداهة فیکون للضامن و هذا الذی قامت علیه السیرة العقلائیة بل سیرة المتشرعة من الزمن الفعلی إلی زمان المعصوم(علیه السلام)و علی هذا فإذا أو الغاصب الأول بدل العین فیکون التالف بالمعاوضة القهریة إلا إذا کان اعتبار الملکیة هنا لغوا کما إذا کان الغاصب واحدا فتلف عنده المال فأخذ المالک منه فاعتبار ملکیة التالف له لغو لما قلنا من إمکان مالکیة المعدوم فحیث انّه تلف عند اللاحق فیرجع الیه و بالجملة علی هذا فرجوع السابق الی اللاحق انّما هو مقتضی السیرة العقلائیة القطعیة کما هو واضح. الوجه الثانی انه لا شبهة فی انّ التالف فی موارد التلف الذی لیس الا للمتلف بعد رجوع المالک الیه بمقتضی السیرة العقلائیة القطعیة فیکون المقام مثله مثلا لو غصب احد مال شخص من الجواهر و الأحجار الثمینة أو سرقة أو بغیر ذلک فألقاه فی البحر بحیث یعد ذلک فی العرف تلفا عرفیا فرجع الیه المالک فأخذ منه مثله ان کان مثلیا أو

ص:384

قیمته ان کان قیمیّا فان قلنا ان ذلک الجواهر فی قعر البحر للمالک أیضا بحیث لو وجد لکان له فیلزم الجمع بین العوض و المعوض فهو ضروری البطلان و ان قلنا انه یکون ملکا للأجانب أو کالمباحات الأصلیة فهو خلاف الضرورة من العقلاء و الفقه فلم یبقی الا ان یکون للضامن بعد إعطاء عوضه و فی المقام أیضا کذلک و یتضح ذلک وضوحا بملاحظة موارد التلف الحقیقی و موارد التلف العرفی اذن فلا یلزم شیء من الاشکال فیندفع المحذور من أصله بأنه کیف یرجع السابق أو الوسط الی اللاحق مع رجوع المالک الیه دون العکس.

و الحاصل ان الوجه فی رجوع السابق الی اللاحق هو ان السابق بإعطاء بدل التالف الی المالک یکون مالکا للتالف الذی فی ذمة من تلف عنده بالمعاوضة القهریة فیعتبر الملکیة فی ذمة المتلف لکون الاعتبار خفیف المئونة فبرجوع المالک الیه یتحقق ذلک الاعتبار فیرجع الی اللاحق لذلک و الذی یوضح ذلک أمران الأول أن فی موارد التلف الحقیقی لو بقیت اجزاء من العین التالفة فتکون تلک الاجزاء داخلة فی ملک الغاصب بإعطاء البدل لانه لو لم یکن ملکه بالمعاوضة القهریة فلا بدّ اما من القول بکونها من المباحات الأصلیة فهو بدیهی البطلان و اما کونها للمالک فیلزم الجمع بین العوض و المعوض فیکون ملکا للغاصب و هذا المعنی ممّا قامت به السیرة- العقلائیة کما یظهر لمن یلاحظ موارد ذلک.

الأمر الثانی ملاحظة موارد التلف العرفی کما إذا سرق السارق مال غیره أو غصبه أو أخذ بغیر ذلک العنوان فألقاه فی البحر فطالبه المالک و أخذ منه بدله فیکون ذلک التالف عرفا للمتلف بالسیرة

ص:385

العقلائیة فإذا خرج من البحر أو وجد من الموضوع المفقود فیکون للغاصب و لیس ذلک من المباحات الأصلیة و لا انه للمالک الأول لکون کل ذلک خلاف مقتضی السیرة القطعیة و لیس ذلک من قبیل البدل الحیلولة فإن موردها کما تقدم صورة تعذر الوصول الی المال و من هنا لو صاد أحد طیرا فجعله فی قفس ففتح بابه ثان فطار الطیر فأعطی بدل ذلک الطیر ثم قتله ثالث بالبندقة و نحوها فیکون ضامنا للثانی فإنه بإعطاء العوض یکون مالکا لذلک الطیر و هکذا و هکذا فإنّ السیرة فی أمثال جمیع ذلک محکمة.

و ما نحن فیه من هذا القبیل حیث انّ الغاصب الأول و إذا اعطی بدل التالف للمالک مع الرجوع الیه فیکون بذلک مالکا لذمة من تلف المال عنده فیستحق بذلک الرجوع الی اللاحق لاعتبار ملکیته فی ذمته لعدم کونه لغوا.

نعم فیما کان لغوا لا یعتبر الملکیة کما إذا کان الغاصب بنفسه ممن تلف المال عنده فاعتبار الملکیة له علی التالف بحیث لم یبق منه شیء من الاجزاء و الرضاض لغو محض هذا کله فی وجه رجوع السابق الی اللاحق.

و اما وجه عدم رجوع اللاحق الی السابق مع کون ذمة کلهم مشغولة بالتالف.

و قد أفاد السید فی وجه ذلک ان اللاحق هو السبب لضمان السابق حیث انه باختیاره ترک الرد الی المالک فتلف عنده فصار سبب الضمان السابق فیکون الضمان علیه و علی السابق و لکن مع رجوع المالک الیه لا یرجع الی السابق فلو کان وسطا یرجع الی لا حقه

ص:386

فی غیر صورة الغرور.

و فیه أنه قد تقدم جوابه من انه مع قبول صحة استناد الضمان الی السبب فی أمثال المقام لکونه أقوی و لم نستشکل فی اقوائیة مثل تلک التسببات أن السبب للضمان لیس عدم رد الثانی إلی المالک بل انما هو الأخذ بالید العادیة فهی صارت سببا لضمان کل من السابق و اللاحق فهو ای هذا السبب مشترک بین السابق و اللاحق فلا وجه لتخصیص ذلک السبب باللاحق و القول بأنّه صار سببا للضمان کما هو واضح لا یخفی بل الوجه فی ذلک أن الأخذ بالید انما یوجب الضمان الی ان یرد المأخوذ إلی المالک بمقتضی قوله(علیه السلام)علی الید ما أخذت حتی تؤدی فما لم یردّه الی مالکه امّا بالعین مع البقاء أو بالمثل أو القیمة مع التلف لا یبرء ذمته بل هذا هو مفاد السیرة العقلائیة کما تقدم فی ما لا یضمن.

و علی هذا فالغاصب الأول حیث انه اعطی المال للثانی فباعطائه تحقق الأداء فهذا الأداء و ان کان قبل وصول المال بعینه أو بعوضه الی مالکه لا یفید بوجه بل هو أداء غیر مشروع و لکن بعد ما أداه الغاصب الثانی بعینه أو بمثله و قیمته الی مالکه فیکون مالکا للتالف ان کان لاعتبار الملکیة هنا فائدة فإذا رجع هذا الثانی إلی الأول و ادعی منه ما ملکه بالمعاوضة القهریة فیقول فی جوابه اعنی أدیته لک فردنی ما أعطیتک فاعطی لک مالک بأداء المثل أو القیمة فیکون أدائه هذا مفیدا فی المقام و بعبارة أخری انک عرفت أن الضمان هنا نظیر الواجب الکفائی و علیه انّ الواجب الکفائی و ان کان واجبا علی کل مکلّف الا ان الآثار تترتب علی ما یکون مأتیا فی

ص:387

الخارج و تشخص بوجوده الخارجی کما ان الأمر کذلک فی الواجب التخییری و ان کان المأتی مصداقا للجامع اعنی الجامع بین هذا أو ذاک فلا یخرج هذا الجامع عن جامعیته و بعبارة اخری ان التشخص انما یکون بنفس الوجود فما یکون موجودا فی الخارج فهو المتشخص المحط للآثار لا الأفراد الأخر الفرضیة و علی هذا ففی المقام ان الآثار انما یترتب علی کل من ادی بدل العین لمالکها فیکون مالکا لذمة من أخذ المال منه بلا غرور فهذا واضح جدا و ان کان فی أصله غیر مشروع کما هو واضح.

و من لا حق للاحق ان یرجع الی السابق.

ثم انّ المالک لو تبرع حقه للاول و أفرغ ذمته و أسقط الضمان عنه فهل یکون له ان یرجع الی اللاحق لاختصاص التبرع له أو یکون التبرع للاول تبرعا للواحق أیضا فهنا مقامان الأول فی اختصاص التبرع بالأول أو عمومه للتوابع أیضا و الثانی أنه علی تقدیر کون الاسقاط عن الأول فقط فهل له أن یرجع الی الثانی أم لا.

اما المقام الأول فالظاهر أن إسقاط المالک حقه عن الأوّل إبراء عن الجمیع فلیس له لن یرجع الی الثانی فی ذلک لانه لیس هنا الا مال واحد کالدرهم الواحد مثلا و ان کان الضمناء کثیرا فإذا أعرض المالک عن هذا المال فلا یبقی هنا شیء لتکون ذمم الضمناء الآخر مشغولة بذلک اذن فیکون إسقاطه عن الأول إسقاطا عن الثانی أیضا حتی مع التصریح بأنی أسقط من الأول فقط فإنه تصریح بلا فایدة و تناقض فی الکلام فیکون غیر معقول.

و اما المقام الثانی فعلی تقدیر اختصاص الإبراء بالأول فقط

ص:388

فهل له ان یطالب من اللاحقین أم لا الظاهر لا فإنه إنما یجوز له ان یطالب إذا ملک ذمة الثانی ففی هنا لم یعط شیئا للثانی لیملک مطالبته غایة الأمر أسقط المالک ذمته و انما قلنا ان له الرجوع الی الثانی إذا أدّ المال للثانی.

أو غصب الثانی المال منه و هنا لیس الأمر کذلک ثم إذا توقف ردّ المغصوب إلی المئونة فلا بدّ له ای للغاصب من صرف ذلک حتی یمکن إیصاله إلی المالک و دفع ذلک بأنه ضرر علی الغاصب معارض بکون عدم الصرف ضررا علی المالک فلو لم یکن طریق الی الوصول الی المال إلا بواسطة المالک کما إذا کان فی البحر فلم یکن یعرف السباحة إلا المالک فحاله حال الأشخاص الآخرین فی مطالبة الأجرة فله أن یطالب الأجرة لإخراجه من البحر.

و الحاصل أن الرّد إذا احتاج الی مئونة فلا بدّ للغاصب أن یصرف ذلک حتی یردّ العین الی مالکه و توهم نفی لزوم ذلک بدلیل لا ضرر بلا وجه إذ عدم الصرف کک یستلزم عدم ردّ المغصوب الی المالک فهو ضرر علیه و دلیل نفی الضرر انما ورد فی مورد الامتنان فلا یشمل الموارد التی یکون فیها ضرر علی الغیر مع کونه متعارضا.

فرع آخر إذا کان المالک مقدورا علی الوصول الی ماله مع کونه محتاجا إلی المئونة فهل له مطالبتها من الغاصب أم لا ففی هنا ثلثة فروع الأول فی جواز مطالبة أصل الأجرة علی فعله من الغاصب الظاهر أنّ له ذلک فان حاله حال الأشخاص الأخر فکما ان لهم مطالبة الأجرة علی تحصیل ذلک المال و رده الی مالکه و کک نفس المالک له ذلک و لا دلیل علی إلزامه علی ذلک بلا اجرة کما

ص:389

هو واضح.

الثانی أنه لو لم یرض المالک إلا بإحضار ماله الا بنفسه بحیث یکون هو بنفسه متصدیا للانقاذ من البحر و نحوه مع إمکانه لغیره أیضا فهل له ذلک أم لا الظاهر أنه لا یجوز للغاصب ان یباشر بنفسه أو بغیره للأداء إلا مع رضائه المالک بذلک فان ذلک أیضا تصرّف فی مال الغیر فهو غیر جائز إلا بإذن مالکه اذن فیباشر بنفسه فیأخذ الأجرة من الغاصب.

الثالث لو طلب أجرة زائدا من أجرة المثل مع انحصار الأداء بطریق فعل المالک فقط اما تشریعا لعدم رضایته بتصرف الغیر فی ماله أو تکوینا لعدم تمکن الغیر من الوصول الی المال و أدائه إلی مالکه بل الأداء منحصر بنفی المالک فهل له ذلک المطالبة بحیث یطلب من الغاصب أجرة زائدة علی أجرة المثل إرغاما لأنفه کما إذا کان أجرة الأداء لمثل هذا المال عشرة فهو یرید خمسین الذی أزید من قیمه العین أیضا الظاهر أنه لا مانع من شمول دلیل لا ضرر علی ذلک لنفی استحقاق المالک مطالبة الأجرة الزائدة علی الرّد من الأجرة و لا یکون مانع عن شموله للمقام.

ثم إذا تعذر ردّ العین الی مالکه الا بعد مدة مدیدة و حال الغاصب بذلک بین المالک و ماله فهل له ان یطالب بدل الحیلولة من الغاصب علی ذلک أم لا الظاهر لا لما تقدم من عدم تمامیة أدلة بدل الحیلولة بوجه فلا نحتاج إلی الإعادة.

قوله لو باع الفضولی مال غیره مع مال نفسه.

اشارة

أقول إذا باع الفضولی مال نفسه مع مال غیره فهل یحکم بصحة

ص:390

ذلک البیع مطلقا أو ببطلانه کذلک أو یسقط الثمن بالنسبة الی مال نفسه و مال غیره فیحکم بالصحة فی مال نفسه مطلقا أو مع الخیار للمشتری و بالبطلان فی مال غیره وجوه

و للکلام هنا جهات.
الاولی فی أصل صحة البیع

و الظاهر انه لم ینسب الخلاف هنا الا الی الأردبیلی ره و قد خالف فی المسألة و ذهب الی الفساد و تحقیق الکلام أنه تارة نقول ببطلان الفضولی و اخری بصحته و ان قلنا بالأول فالظاهر ان البیع بالنسبة الی مال نفسه صحیح و بالنسبة الی مال الغیر فاسد و لم نسمع الخلاف هنا من أحد الا من الأردبیلی فإنه ذهب الی الفساد و عمدة الوجه فی البطلان ما ذکر فی المسألة الآتیة أعنی بیع ما یملک مع ما لا یملک کالشاة مع الخنزیر و العصیر مع الخمر فان المناط فی صورة القول ببطلان- الفضولی فی المسئلتین واحد فذلک وجهان و قد ذهب الی الفساد أیضا بعض الشافعیّة بتوهم ان العقد الواحد لا یتبعض.

الأول ان ما هو مقصود للبائع و مبرز حین الإنشاء لم یقع فان المبرز بیع الشاة مع الخنزیر و فی المقام هو بیع ما یملک و ما لا یملک و ما وقع اعنی بیع الشاة فقط أو بیع ما یملک فقط لم یقصد فتخلف القصد عن الإنشاء فیحکم بالبطلان فی کلیهما کما ذهب إلیه الأردبیلی و فیه ان البیع و ان کان واحدا بحسب الصورة و الظاهر و فی عالم الإنشاء قد أنشأ بإنشاء واحد الا أنه فی الواقع و الحقیقة بیعان فیکون هذا فی الانحلال مثل العام الاستغراقی و ان کان بینهما فرق من جهة غایة الأمر قد ابرز و أنشأ بابراز واحد و إنشاء فارد غایة الأمر کل منهما منضم إلی الأخر و مشروط بهذا الانضمام

ص:391

فی ضمن العقد فلا یلزم من ذلک فساد العقد بل یثبت الخیار للمشتری بالنسبة فی بیع مال نفسه فیکون صحیحا خیاریا.

الثانی انه باطل لجهالة الثمن إذ لا یعلم أنه ایّ مقدار من الثمن قد وقع فی مقابل الشاة و فی مقابل مال نفسه فی ما نحن فیه فیکون نظیر ان یبیع ماله بما فی الکیس من الدراهم فیحکم بالفساد و فیه ان الجهالة من حیث هی لیست موجبة للبطلان و انما هی توجب البطلان من جهة الغرر الذی نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عنه فی البیع فإذا لم تستلزم الغرر فلا توجب البطلان و فی المقام لا یلزم منها غرر إذ یعلم مقدار ما یقع فی مقابل الشاة فی المسألة الآتیة و ما یقع فی مقابل مال نفسه فی هذه المسألة و لو بالإجمال الغیر الموجب للغرر نظیر ان یشیر إلی صبرة معینة و یقول بعت کل صاع منها بدرهم فان ثمن الصبرة و ان لم یکن معلوما بالتفصیل الا انه معلوم ان کل صاع منه بدرهم فیکون معلوما بالإجمال الغیر الموجب للغرر.

و فی المقام یعلم ان مقدارا من الثمن المعلوم واقع فی مقابل ما یملک و ان کانت النسبة غیر معلومة حقیقة و لکن بالتقسیط یعلم تفصیلا فاصل الثمن معلوم و لیس مثل بعتک هذا بما فی الکیس الذی لا یعلم انه ایّ مقدار من المال کما لا یخفی.

و مما یدل علی عدم کون الجهالة بما هی موجبة للبطلان انه لو باع مال نفسه مع مال غیره مع اذن المالک فإنه لم یفتوه احد ببطلان المعاملة هنا مع ان الثمن فی کل منهما مجهول تفصیلا بجهالة غیر موجبة للغیر فلو کانت الجهالة من حیث هی موجبة

ص:392

للبطلان مع قطع النظر عن کونها مستلزمة للغرر فلازمه القول بالبطلان هنا أیضا فنکشف من ذلک عدم کونها موجبة لذلک کما لا یخفی اذن فیبقی فی المقام احتمال وجود الإجماع فقط علی البطلان فهو مقطوع العدم إذ بعد معروفیة عدم الخلاف فی الصحة إلا عن الأردبیلی فکیف یمکن دعوی الإجماع علی البطلان بل الإجماع علی الصحة کما هو واضح و کیف کان فمقتضی القاعدة فی المقام هو الصحة و مع الغض عن ذلک و عدم القول بالصحة بحسب القواعد فیدل علیها الخبر من الصفار من انه إذا باع مال نفسه مع مال غیره فیبطل فی مال الغیر و وجب فی مال نفسه فافهم.

و اما لو قلنا بصحة الفضولی فإن أجاز فلا کلام لنا فیه فان الإذن اللاحق لا یقصر عن الاذن السابق فاحتمال الفرق بین الاذن السابق و الاذن اللاحق مجازفة.

و ان ردّ المالک فیأتی فیه کلّما تقدم فی صورة القول بفساد العقد الفضولی من الوجهین.

قوله ثم ان صحة البیع فیما یملکه مع الرد مقید فی بعض الکلمات أقول قید بعضهم صحة البیع فی مال نفسه إذا لم یفض الرد الی محذور آخر شرعی کلزوم الربا و عدم القدرة علی التسلیم و مثلوا للأول بأنه لو باع درهم نفسه مع دینار غیره بخمسین درهما فان هذا البیع من حیث المجموع صحیح کما إذا کان کلیهما لنفسه و علّل بعضهم ذلک بانّ کل جنس یقع فی مقابل الجنس الآخر الا انّه علل بعد الوقوع فلا بأس به فإذا رد المالک البیع فی الدینار فما یقع من الدراهم بعد التقسیط فی مقابل الدرهم أکثر منه فیلزم الربا

ص:393

و مثلوا للثانی ما لو باع عبد الآبق لنفسه مع عبد الغیر،الغیر الآبق فرد المالک البیع فی مملوک نفسه فیکون بیع نفسه أیضا باطلا لتمحّض البیع بالآبق فهو باطل للجهالة و لزوم الغرر فانّ بیع الآبق انما هو مخصوص بصورة الضمیمة فقط فلا یصح فی غیر هذه الصورة و من هنا لا یصح اجارة الآبق مع الضمیمة أیضا.

و لنا فی ذلک کلام حاصلة انّک عرفت ان اتحاد البیع بحسب الصورة و الإنشاء لا یضرّ یتعدده واقعا و علیه ان بیع دینار غیره مع درهم نفسه لا یخرج المعاملة عن الربویة علی تقدیر الإمضاء أیضا کما انّ ضم عبد غیره بعبد نفسه الآبق لا یخرج بیع العبد الآبق عن کونه بیع آبق بلا ضمیمة لفرض تعدد البیع مع الانحلال اذن فیکون البیع ربویّا من الأول و بیع آبق من الأول نعم ثبت جوازهما فیما إذا باع عبد نفسه مع عبده الآبق فإنه ثبت جوازه شرعا بنصّ خاص و الا فمقتضی القاعدة کان عدم جوازه للغرر و من هنا لا یصح اجارة الآبق مع الضمیمة کما تقدم و کذلک ثبت شرعا جواز بیع مجموع الدرهم و الدینار الذین لنفسه بمجموع الدرهم و الدینار الذین أکثر من ماله فانّ جواز ذلک ثبت بدلیل خاص و اما لو باع مال غیره کذلک فلا مخرج لذلک عن محذور الربا لکونه منحلا مثل العام الاستغراقی الی الافراد العدیدة و ان کان بینهما فرق من جهة یأتی فی الجهة الثانیة.

و بالجملة بعد ما لم یکن مجموع الدرهم و الدینار أو العبدین لنفس البائع فیکون البیع منحلا الی بیعین فیترتب لکل منهما حکم نفسه فیکون البیع و لو مع إمضاء الطرف الأخر فی مال نفسه ربویا من

ص:394

الأول و کذلک فی بیع العبد الآبق فیکون باطل من الأول للجهالة فراجع الی تقریر میرزا.

الجهة الثانیة فی ثبوت الخیار للمشتری و عدمه

لا شبهة فی عدم ثبوت الخیار للمشتری فی صورة العلم بالحال و بان المبیع لیس للبائع بمجموعه و انّما بعضه للغیر کما انّه لا شبهة فی عدم ثبوته للبائع فی فرض العلم بذلک و اما مع جهل المشتری فلا شبهة فی ثبوت الخیار له و الوجه فی ذلک علی ما یأتی فی محلّه المسمی بخیار تبعض الصفقة مع انا قلنا انه منحل الی بیعین کالعام الاستغراقی هو ان المشتری قد أقدم علی اشتراء هذین المالین مشترطا علی البائع فی ضمن العقد و لو بمئونة القرائن العرفیة و الانضمام العرفی ان ینضم أحدهما بالآخر فإذا خلا عن ذلک الانضمام فیثبت للمشتری الخیار و هذا هو المتفاهم باذهان العرف و العقلاء فیکون مدرک هذا الخیار هو تخلّف الشرط الضمنی کما هو واضح و من هنا تظهر جهة الفرق بین العام الاستغراقی المنحل الی افراده و بین المقام و بهذا یمکن أیضا دعوی ثبوت الخیار للبائع أیضا إذا جهل بالحال و اعتقد أن المالین له فان جهله بالحال یوجب ثبوت الخیار له إذا ظهر أحدهما مستحقا للغیر و لم یمض المعاملة فإن مقتضی الفهم العرفی هو أن بیع کل واحد من المالین مشروط بالاخر و انه یبیعه بهذا العنوان کما إذا باع الثوب العتیق مع الجدید ببیع واحد و لکن بیعه الجدید من جهة العتیق و ان العتیق لا یباع منفردا ثم ظهر انّ العتیق مال الغیر فیکون البائع مختارا فی الفسخ و الإمضاء مع العلم بالحال بمقتضی ذلک الشرط الضمنی فهو ان بیعه هذا مشروط

ص:395

بکون الثوب العتیق له دون غیره.

و بهذا الملاک ظهر انّه یثبت الخیار للبائع إذا اعتقد انه وکیل من الغیر فی بیع ماله فباع فرسه مع فرس نفسه فظهر أنه لیس بوکیل من قبله فانّ بیعه هذا کان بحسب الشرط الضمنی مشروطا ببیع الآخر فرسه للرقابة و الا فلا یبیع فإذا ظهر انّه لیس بوکیل من قبله و لم یمض أیضا بیعه هذا فیکون للبائع أیضا خیار هنا بل یثبت الخیار لکل من البائع و المشتری فی کل مورد تحصل فیه المخالفة بالشرط الضمنی بحیث یساعد العرف و العقلاء علی ذلک بان یفهم العرف ذلک الاشتراط و لا یکون من قبیل الإضمار فی القلب کما هو واضح.

الجهة الثالثة فی التقسیط و بسط الثمن الی اجزاء المبیع مع

ردّ المالک

و ربّما قیل فی طریق معرفته کما هو المنسوب الی القواعد و اللمعة و الشرائع من انّهما یقوّمان جمیعا من حیث المجموع ثمّ یقوّم کل واحد منهما ثم تنسب قیمة کل واحد منهما الی المجموع من حیث المجموع فیؤخذ بتلک النسبة فیسترد الثمن من المشتری کما إذا باع مال نفسه مع مال الغیر بعشرین دینارا فلم یمض الغیر ذلک البیع فیقوم کل واحد بعشرة دنانیر و المجموع أیضا بعشرین فنسبة قیمة کل منهما الی المجموع بالنصف فیسترد من أصل الثمن نصف القیمة.

فأورد علیه المصنف بما حاصله أن الأوصاف و ان لم تکن مما تقابل بالثمن و لا یقسط الثمن إلیها و الی الاجزاء و لا یقال ان ثمن الفرش الفلانی یقسّط إلی اجزائه و أوصافه بل متمحض فی مقابل الاجزاء فقط و انّما الأوصاف قد توجب زیادة الثمن و انها دخیلة فی

ص:396

ذلک کما مرّ مرارا عدیدة إذ من البدیهی أن اجراء الفرش لیس لها إلا قیمة الصوف و أوصافها توجب زیادة تلک القیمة و لکن فی مقام البیع لا یقسّط الثمن إلیها و الی الاجزاء.

و علی هذا فهذا الضابطة الذی أفید فی المقام انما یستقیم فیما إذا لم تکن الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی زیادة الثمن کما هو الغالب و لعله لأجل هذه الغلبة التجأ کثیر من الاعلام بهذا الضابط و اما لو کانت الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی الزیادة فلا یمکن التقسیط بهذا الضابط کما إذا کان المبیع مصراعی باب أحدهما لنفسه و الآخر لغیره أو زوج خفّ أحدهما لنفسه و الآخر لغیره و هکذا مما تکون الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی ازدیاد القیمة فإنّه لو قسط الثمن الی کل منهما علی الضابط المذکور یلزم فیه المحذور مثلا لو کانت قیمة کلا المصراعین معا عشرة و قیمة کل منهما درهمین و کان الثمن الذی وقع علیه البیع خمسة فإنه إذا رجع المشتری الی البائع بجزء من الثمن نسبة ذلک الجزء الی مجموع الثمن کنسبة الاثنین إلی العشرة فتکون النسبة بالخمس فیسترد من البائع بملاحظة هذه النسبة النسبة خمس الثمن فهو الدرهم الواحد فیبقی للبائع فی مقابل المصراع الآخر أربعة دراهم فیکون ما أخذه من الثمن أزید من حقه فانّ الثمن متساویة بین المصراعین علی الفرض فما الموجب لاستحقاق البائع أربعا فی مقابل المصراع الواحد و المشتری واحدا فی مقابل مصراع الأخر الذی مال الغیر.

و بعبارة اخری ان البائع انّما یستحق من الثمن مع الرد بالمقدار الذی یستحقه مع الإجازة فلا شبهة ان ذلک بالنصف مع الإجازة

ص:397

فلیکن کذلک مع الرد أیضا فما الموجب للازدیاد فی صورة الرد.

نعم فی أغلب الصور التی لا تکون الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی ازدیاد القیمة فالضابط المذکور لا بأس به سواء کان قیمة کل منهما متساویة أو متفاوتة کما هو واضح.

ثم وجه المصنف هذا الوجه بأخذ النسبة للمشتری لئلا یرد علیه النقص بدخالة الهیئة الاجتماعیة فی زیادة الثمن و حاصله أن یقوّم المجموع من حیث المجموع ثم یقوم کل واحد مستقلا و ینسب الی المجموع و یأخذ المشتری تلک النسبة و باعتبارها یأخذ الثمن من البائع و فی المثال المتقدم یسترد الأربعة و یبقی للبائع واحد فلا توجب زیادة الثمن بالهیئة الاجتماعیة نقصا فی المطلب کما هو واضح.

ثم أورد علیه بان هذا و ان یسلم من اشکال الزیادة بالاجتماع و لکن ینتقض بکون الهیئة الاجتماعیة موجبة لنقصان القیمة فإن هذا فرض ممکن و هذا کما لو باع جاریة مع أمّها بثمانیة و کانت قیمة کل واحدة منها بعشرة فإنه لا شبهة فی عدم ترتّب النفع علی صورة- الاجتماع الذی یترتب علی غیر صورة الاجتماع لعدم جواز الجمع بین البنت و الام و من هنا نقل قیمة صورة الاجتماع فلو أخذت النسبة للمشتری فیلزم حینئذ للمشتری ان یجمع بین الثمن و المثمن فإنه یسترد من البائع علی هذا تمام العشرة فیبقی الجاریة الأخری للمشتری بلا ثمن لکون قیمة أحدهما المنفردة إلی مجموع القیمتین نسبة الشیء إلی مماثله.

ثم بعد ما لم تتم هاتان الصورتان التجأ المصنف الی وجه آخر و حمل علیه کلام القواعد و اللمعة و الشرائع و هو ما اختاره فی الإرشاد

ص:398

و حاصله ان یقوم کل واحد منفردا من دون ان یقوم المجموع من حیث المجموع ثانیا ثم یؤخذ لکل واحد جزء من الثمن نسبته إلیه کنسبة قیمته الی مجموع القیمتین مثلا إذا باع مجموع المالین بثلاث دنانیر و قوم مال الغیر بأربع دنانیر و مال البائع بدینارین فیرجع المشتری بثلثی الثمن اذن فیسلم ذلک من إشکالی الزیادة و النقیصة.

و أشکل علیه السید ره فی حاشیته بان هذا انما یتم فیما کانت الهیئة الاجتماعیة موجبة للزیادة أو النقیصة بالسویة و اما لو أوجبت ذلک بالتفاوت فلا یتم مثلا إذا کان أحدهما یزید قیمته بالانضمام و الآخر تنقص قیمته به یلزم علی طریقة المصنف قده فیما إذا قوم أحدهما منفردا باثنین و منضما بأربعة و الآخر منفردا بأربعة و منضما باثنین ان یکون لمالک الأوّل ثلث الثمن و لمالک الثانی ثلثاه مع ان قیمة مال الأول فی حال الانضمام ضعف قیمة مال الثانی فی تلک الحال فینبغی ان یکون للاول الثلثان و للثانی الثلث و هکذا فی سائر الاختلاف. و من هنا اختار مذهبا آخر و هو ان یقوم کل منهما منفردا لکن بملاحظة حال الانضمام لا فی حال الانفراد ثم یؤخذ لکل واحد جزء من الثمن نسبته إلیه کنسبة قیمته الی مجموع القیمتین و علی هذا فیسلم من جمیع الإشکالات فی جمیع مراتب الاختلاف من دون لزوم محذور فی ذلک لا فی صورة زیادة القیمة بالاجتماع و لا فی صورة نقیصته بذلک و لو کان ذلک الاختلاف بالتفاوت لا بالسویة فإن تقویم کل واحد بقید الانضمام یوجب تقسیط المجموع من حیث المجموع الی الافراد بلا زیادة و نقیصة فلا حظ ذلک بالأمثلة ثم احتمل رجوع ما

ص:399

ذکره الجماعة من تقویم کل واحد منفردا الی ذلک بان یکون مرادهم بالانفراد هو الانفراد بقید الانضمام لا الانفراد بما هو انفراد و هذا الذی أفاده السید ره من الجودة بمکان کما هو واضح و امّا المثلی فقد فصّل المصنف فیه بین ما کانت الحصّة مشاعة فقسط الثمن علی نفس المبیع و ان کانت حصة کل منهما معینة کان الحکم کما فی القیمی من ملاحظة قیمتی الحصتین و تقسیط الثمن علی المجموع ثم أمر بالتفهیم و فیه انّه لا وجه لهذه الکیفیّة فی التقسیط علی وجه الإطلاق لا فی المشاع و لا فی المفروض لإمکان ان یکون المثلی مشاعا و مع ذلک تتفاوت قیمة حصة کل منهما بتفاوت الحصتین فی المقدار کأن یکون لأحدهما تسعة أمنان من الحنطة و للآخر من واحد- لبداهة تفاوت الأثمان بتفاوت العروض قلة و کثرة فإن المبیع کلما کثر رخص و کلّما قل غلی و ان کان حصّة کل منهما من صبرة واحدة و علی نسق واحد فی الجودة و الرداءة کما هو المفروض علی الإشاعة و لإمکان ان یکون المثلی مفروض و یکون مع ذلک کل من النصیبین من کومة واحدة و صبرة خاصة فیجب ان یقابل کل حصتی البائع و المشتری بما یخصّه من الثمن فیکون کالمثلی المشاع لا کالقیمی.

قوله لو باع من له نصف الدار نصف تلک الدار.
اشارة

أقول لو قال بعت نصف الدار فهل المراد منه نصف المشاع أو النصف المختص بعد العلم بعدم إرادة حصة الشریک و احتیاجه إلی المئونة الزائدة.

تارة یعلم من القرائن الخارجیة أو بتصریحه ان البائع أراد الشقص الخاص و النصف المعیّن من نصف نفسه أو نصف شریکه فلا

ص:400

کلام لنا فیه فحکم ذلک معلوم علی تقدیر قصد مال نفسه أو مال غیره.

و اخری یقول انی أرید من کلامی هذا بعت نصف الدار ما یکون لفظ النصف ظاهرا فیه فهو علی قسمین لأنه تارة یکون المراد به ما یکون لفظ النصف ظاهرا فیه بنفسه و یکون المقصود مفهومه من دون القرائن الخارجیة فیکون المراد الجدی للمتکلم معلوما من ذلک و اخری ما یکون ما تکلم به من الجملة المرکبة ظاهرة فیه من بعت نصف الدار مع ملاحظة خصوصیّة النسبة و الإضافة إلی نفسه و التصرف فیه و قد خصّ السید ره فی حاشیته مورد کلام المصنف هو بالقسم الثانی أی ما یکون النظر فیه الی مفهوم النصف فقط بلا توجه الی ما تقتضیه القرائن الخارجیة و أورد علیه بأنّه علی هذا لا یبقی مجال للتمسک بظهور المقام أو غیره من کون التصرف و اضافة البیع الی نفسه ظاهر ان فی نصف نفسه فی مقابل ظهور النصف فی الإشاعة إذ الرجوع الی الظهورات انما هو لتشخیص المرادات و المفروض ان المتکلم لم یقصد خصوصیة ملکه أو ملک غیره و انما قصد مفهوم النصف الذی مقتضاه لیس إلا الإشاعة فإن المفروض انه لم یقصد خصوصیة ملکه بل یکون لفظ النصف ظاهرا فیه.

و فیه انّ السیّد لم یتصور ظاهرا قسما آخر هنا و لذا جعل مورد کلامه ما یکون المقصود مفهوم النصف بلا لحاظ القرائن الخارجیة و هو متین لو کان مراده هذا و کان حینئذ جعله ما یقتضیه مفهوم النصف معارضا بما تقتضیه القرائن الخارجیة مناقضة واضحة إذ بعد کون المقصود هو مفهوم النصف فقط فلا مجال لهذه المعارضة و دعوی القرائن علی خلافه و انما المراد معلوم بلا شک و لکن مراده لیس

ص:401

هو الشق الأول بل الوجه الثانی الذی هو الوجه الثالث و قوله ففیه احتمالان ای ما یحتمل ان یراد منه النصف المختص أو النصف المشاع منحصر بهذا القسم و الا لو کان مراده هو الأول لم یکن موردا لوجهین بل کان تمحضا لإرادة النصف المشاع فقط بظهور لفظ النصف فیه و لم یکن النصف المختص محتملا لعدم جریان القرائن الخارجیّة فیه بوجه اذن فلا یکون هذا القسم موردا للکلام کما فی حاشیة السید و علی هذا فلا یردّ علیه ما أورده السید نعم یرد علیه ان مورد الکلام لیس هو القسم الثالث فقط بل هنا قسم رابع الذی جعله السید مورد لکلامه بعد رده کلام المصنف علی زعمه و هو ما یکون مراد البائع من النصف شیئا معینا من نصفه المختص أو المشاع فی الحصتین و لم یعلم التعین مع کونه معینا واقعا و فی علم البائع الا انه أجمله فیکون ظهور کلامه حجة هنا أیضا من ارادة الفرد المعین فیکون داخلا فی الکلام فحینئذ یقع الکلام أیضا فی ان المراد من ذلک أی شیء هل هو نصفه المختص أو المشاع لیکون من کل منهما الربع أو نصف الشریک و حیث لم یتصور السید هنا قسما آخر مع رده القسم الثانی جعل هذا مورد لکلامه فقط و لکن عرفت انّ محط کلام المصنف هو القسم الثالث لا ما زعمه السید من القسم الثانی الذی لا یحتمل ان یکون مراده ذلک کما هو واضح من کلامه و ربما یقال بعدم إمکان جعل القسم الثالث موردا لمحط النزاع بل لا بدّ من تخصیص محل النزاع بما ذهب الیه السید ره إذ لو کان القسم الثالث هو محط النزاع فلازمه ان لا یعلم ان البیع فی ملک من وقع هو البائع أم الشریک الآخر فالجهل بالمالک یوجب بطلان البیع.

ص:402

و فیه انک عرفت سابقا أن الجهل بالمالک لا یضر بصحة البیع بعد العلم بالمبیع و ان حقیقة البیع عبارة عن المبادلة بین المالین فمعرفة المالک لیست بدخیلة فی صحة البیع إلا إذا کان تعیین المبیع محتاجا إلی معرفة المالک فبدونها لا تعیین للمبیع بل و لا تحقق له کما إذا کان المبیع کلیا فی الذمة فإنه لا تعیین لذلک إلا بإضافة إلی شخص خاص معین فلو قال بعتک منا من الحنطة فی ذمة رجل لبطل البیع و اما فی غیر تلک الصورة فلا دلیل علی وجوب تعیین المالک کما لا یخفی اذن فالقسم الثالث أیضا داخل فی محلّ النزاع لعدم إضرار الجهل بمالک المبیع کما لا یخفی فافهم.

ثم ان المصنف فی مقام تعین المراد فی مقام الإثبات قد احتمل الوجهین فی مثل هذا الکلام و قول البائع بعت نصف الدار من ارادة نصف المختص أو نصف المشاع و منشأ الاحتمالین اما- تعارض ظاهر النصف اعنی الحصة المشاعة فی مجموع النصفین مع ظهور انصرافه فی مثل المقام من مقامات التصرف الی نصفه المختص و ان لم یکن له هذا الظهور فی غیر المقام أو تعارضه مع ظهور إنشاء البیع فی البیع لنفسه لانّ بیع مال الغیر لا بدّ فیه امّا من نیة الغیر أو اعتقاد کون المال لنفسه و اما من بنائه علی تملکه للمال عدوانا کما فی بیع الغاصب و الکل خلاف المفروض هنا.

ثم ذکر انه مما ذکرنا یظهر الفرق بین ما نحن فیه و بین قول البائع بعت غانما مع کون الاسم مشترکا بین عبده و عبد غیره حیث ادعی فخر الدین الإجماع علی انصرافه الی عبده فقاس علیه ما نحن فیه إذ لیس للفظ البیع هنا ظهور فی عبد الغیر فیبقی ظهور

ص:403

البیع فی وقوعه لنفس البائع و انصراف لفظ المبیع فی مقام التصرف الی مال المتصرف سلیمین عن المعارض فیقر بها إجمال لفظ المبیع هذا ما افاده المصنف مبنیّا علی حفظ الظهور للفظ النصف و لکنه فاسد.

و التحقیق هو تقدیم ظهور النصف الذی هو النصف المختص علی القرائن الخارجیة بعد العلم بعدم ارادة نصف الشریک لکونه مفروغا عنه و إرادته محتاجة إلی القرائن التی منتفیة هنا.

بیان ذلک ان النصف بعد کونه ظاهرا فی النصف المشاع بین البائع لتصرفه و الشریک الآخر فلا یمکن رفع الید عنه بالقرائن الخارجیة أعنی ظهور الإنشاء اما ظهور الإنشاء فبانا نمنع کونه ظاهرا فی کون البیع للبائع بعد ما صح بیع مال الغیر بل کما انّه ظاهر فی بیع مال نفسه و کذلک ظاهر فی بیع مال غیره أیضا إلا فی بیع الکلی حیث أنه لا یمکن إلا بإضافة البیع الی نفسه فیکون هذا قرینة علی ارادة البیع لنفسه إذ لا معنی لبیع الکلی فی ذمة الغیر لعدم التعین کأن یقول بعت منّا من الحنطة فی ذمة رجل و المفروض ان المبیع فی المقام لیس کلیّا بل أمر معیّن کما هو واضح علی انّه یکون قرینة موجبة لرفع الید عن ظهور البیع فی الإشاعة إذا لم یکن للکلام ظهور فی مورده فسیأتی فی الوجه الثانی من القرائن ان مورد البیع هو النصف المشاع ابتداء فلا یمکن رفع الید عن ظهوره.

و اما ظهور التصرف فی کون المبیع مال نفسه فیحکم بکون النصف للبائع.

ففیه ان هذا الظهور و ان کان لا ینکر و أنه قرینة علی ارادة

ص:404

مال نفسه و رفع الید عن ظهور النصف الا انه لا یمکن الأخذ به و رفع الید عن ظهور النصف فی الإشاعة.

و ذلک لأنّه انّما یکون إذا کان الکلام مجملا و لم یکن له ظهور فی مورده و الا فلا وجه لرفع الید عنه و المصیر الی ما تقتضیه القرائن و فی المقام انّ النصف له ظهور فی الإشاعة الذی مقتضاه کون الربع من مال البائع و الربع الآخر من مال الغیر لیکون محتاجا إلی الإجازة و بعد ما کان مورد البیع هو ذلک فلا وجه لرفع الید عنه إذ هو کرفع الید عن ظهور البیع فی مال الغیر ابتداء فی سائر الموارد.

مثلا لو کان للشیء معنی حقیقی و معنی مجازی و قال احد بعت الشیء الفلانی و کان ذلک الشیء بمعناه الحقیقی شخص آخر موجودا عند البائع و بمعناه المجازی کان لنفسه فهل یمکن رفع الید عن ظهور کون البیع للغیر و ارادة المعنی المجازی بدعوی أن ظاهر التصرف کون المال لنفسه فلا وجه لذلک بعد کون مورد البیع هو مال الغیر و هکذا و هکذا.

و بالجملة أن النتیجة هو ان مقتضی کون النصف ظاهرا فی النصف المشاع و واردا علی المال المعین فی الخارج هو ان المبیع هو النصف المشاع المشترک بین المالک الشریک و البائع فیکون ربع الدار مبیعا من حق البائع و ربعها مبیعا من الشریک و محتاجا إلی الإجازة لکونه فضولیا کما لا یخفی فلا یمکن رفع الید عن ظهوره الذی هو مورد البیع بالقرائن الخارجیة و انما ذلک فی صورة عدم ورود الکلام علی مورد المعنی الحقیقیة و الا فلا وجه لرفع الید عنه کما هو واضح فلا یکون الکلام ظاهرا فی النصف المختص کما ذهب الیه المشهور

ص:405

هذا کله مع ملاحظة ظهور لفظ النصف فی الإشاعة و اما إذا أنکرنا ذلک کما هو کک فیکون المقام مثل بعت الغانم المشترک بین عبد نفسه و عبد جاره.

و توضیح ذلک ان لفظ النصف لم یوضع فی اللغة للنصف- المشاع بل لمطلق النصف من الشیء و لا أنه منصرف الی النصف المشاع عند إطلاقه و علیه فلا وجه لدعوا اختصاصه بالنصف المشاع فیکون الغرض منه فی المقام هو الکلّی و توهم انّ البائع لم یقصد خصوصیة ملکه فلا یمکن الحمل علیه کما فی حاشیة السید فاسد فان النصف مع قطع النظر عن قصد خصوصیة الملک کلّی یحتمل ان یکون النصف الذی یختص بنفسه أو بشریکه أو النصف المشترک بین البائع و الشریک و حینئذ فیکون ظهور کلامه فی کون المراد من النصف نصف نفسه فیکون مثل بیع الغانم فیرتفع الاجمال بواسطة ظهور الکلام فی بیع نصفه المختص.

و ذلک فإنه و ان صح بیع مال الغیر فضولة و لکن مقتضی کونه مال الغیر یمنع عن شمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ للبائع و انّما یشمل المالک المجیز حین أجازته و فی المقام بعد منع کون النصف ظاهرا فی النصف المشاع لا وضعا و لا انصرافا لا دافع لشمول دلیل الوفاء بالعقد علی عقد البائع فإذا کان هو المخاطب بالوفاء بالعقد فیکون المبیع هو النصف المختص کما انّ الأمر کک فی بیع غانم المشترک بین عبده و عبد الغیر فکما انّه لا موجب لدفع ظهور بیع غانم عن غانم نفسه فکک فی المقام لکون النصف هنا أیضا مشترکا بین نصفه المختص أو المشاع أو نصف الشریک فکان ان ظهور البیع فی بیع غانم فی بیع نفسه

ص:406

برفع الاجمال فکک فی المقام بلا زیادة و نقیصة فکما ان البائع فی بیع غانم مخاطب بدلیل الوفاء بالعقد و هکذا هنا أیضا فافهم.

و علی هذا فیصح ما ذهب الیه المشهور من کون الکلام ظاهرا فی النصف المختص دون المشاع أو حصة الشریک.

و من هنا ظهر الفرق بین المقام و بین مسألة الإقرار بأنّ نصف الدار أزید مع کونها مشترکة بالإشاعة بین المقر و شخص آخر حیث ان الإقرار اخبار عن الواقع فیکون إقراره بنصف الدار للغیر اخبارا عن واقع نصف الدار لا فی نصفه المختص فهو مشترک بین المقر و شریکه الآخر فحیث ان الإقرار بالنسبة إلی الربع فی حقة و بالنسبة إلی الربع الآخر فی حق الغیر فیکون إقراره بالنسبة إلی ربع شریکه لغوا دون ربع نفسه.

و هذا بخلاف البیع فإنک عرفت أن النصف کلی یصدق علی نصف نفسه و نصف غیره فظهور البیع بمقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ یوجب کونه نصفه المختص دون المشاع بل ارادة النصف للمشاع بحیث یکون معنی بعت نصف الدار بعت ربعا من حصتی و ربعا من حصة شریکی لیکون المراد من النصف النصف المشترک بین البائع و شریکه لا نصفه المختص من خلاف الظهور بمکان کاد أن یلحق بالاغلاط من دون قرینة علیه فضلا عن یکون هو الظاهر من اللفظ و من هنا ظهر حکم ما لو اصدق الزوج المرأة عینا معینا فوهبت نصفها المشاع من الزوج قبل الطلاق استحق النصف بالطلاق لا نصف الباقی و قیمة النصف الموهوب و ان هذا من قبیل ما نحن فیه و أن النصف یصدق علی النصف الباقی فیدخل تحت قوله تعالی فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ فیکون

ص:407

تملیک الزوجة الزوج نصف الصداق منطبقا علی النصف الأخر کما هو واضح و ان ارادة الربع من النصف الموهوب و الربع الآخر من النصف الباقی من خلاف الظهور بمکان.

و بالجملة أن مقتضی الظهور و فهم العرف کون المراد بالنصف هو ان الباقی حق للزوج فبحصر حق الزوجة بالنصف الموهوب من باب انحصار الکلّی بالمصداق یتعین حق الزوج بالباقی و ارادة النصف المشترک بین الموهوب و الباقی خلاف الظاهر فضلا عن ان یکون موضوعا له أو منصرفا الیه و اذن فلا وجه لتوهم المنافاة بین هذه المسألة و ما نحن فیه.

و کان کلامنا فی مسألة بیع نصف الدار و ملک النصف فقد ادعی المصنف تعارض ظهور النصف فی النصف المشاع و ظهور البیع و التصرف فی النصف المختص و قد قلنا ان ظهور النصف یتقدم علی الظهور الأخر و لکن لا نسلم ظهور النصف فی المشاع لا بالوضع و لا بالانصراف بل المتبع انّما هو ظهور البیع فی الحصة المختصة فیکون ظهور البیع فی بیع مال نفسه کما هو الظاهر فی جمیع الموارد إذا لم تکن قرینة علی الخلاف فان النصف و ان کان حقیقة فی النصف المشاع أیضا و لکن ظاهرا البیع أن الشخص یبیع مال نفسه فیشمله دلیل الوفاء لکون ذلک الظهور متبعا ما لم تقم قرینة علی الخلاف فیکون المقام مثل بیع الغانم المشترک بین عبد نفسه و عبد غیره المعین بظهور البیع فی عبد نفسه فیرفع الاجمال به و لا ینافی ذلک مسألة الإقرار بکون نصف الدار لزید مثلا المحمول علی النصف المشاع بحیث یکون النتیجة أن الربع من مال المقرّ و ذلک إذ ظهور البیع کما عرفت انّه متعلق

ص:408

علی ماله و هذا بخلاف الإقرار فإنه اخبار عن الواقع فمفاده انّ نصف الدار واقعا لزید لا النصف المختص لی فظاهر ذلک هو النصف المشاع مع قطع النظر عن حصة نفسه و عن حصة الغیر فیلزم له الربع لأنّ الإقرار بمقدار ثابت علیه و اما بالنسبة إلی الربع الآخر فإقرار فی حق الغیر فلا ینفذ الا ان تکون هناک قرینة علی ارادته من النصف النصف المختص فهو إقرار آخر و بالجملة هذه المسألة أجنبیة عن المقام بتمام الجهة.

و اما مسألة الطلاق

فهی عین محلّ الکلام و هی انه لو زوج احد امرأة فوهبت الزوجة نصف مهرها للغیر ثمّ طلقها الزوج فیتعین حقه بالنصف الباقی المشاع فیکون مختصا به و خارجا عن الإشاعة بمقتضی قوله تعالی فلکم نصف ما فرضتم لهن لا ان حق الزوج هو النصف الباقی أعنی ربع الکل و قیمة نصف التالف فلا تنافی بین ما ذکرناه هنا و بین هذه المسألة.

و اما مسألة الصلح

فلا وجه لتوهم تنافیها لما ذکرناه أیضا لخروجها عن المقام فهی أنه لو أقر من بیده المال بکون نصفه لأحد المدّعیین و کان هذا المدعی یدعی نصف بالسبب المشترک بینه و بین المدعی الآخر کالاخوّة مثلا ثم صالح المقر له النصف المقر به للمقر فلا ینفذ هذه المصالحة إلا فی الربع اعنی نصف المقر به فإنّ نتیجة ضم أحد الإقرارین بالآخر انّ النصف المقرّ به مشترک بین المدعیین فتکون المصالحة بالنسبة إلی الربع الآخر الذی نصف المقر به و حق للمدعی الآخر فضولیة فیحتاج إلی إجازة المدعی الآخر کما لا یخفی و هذا کما تری لا ارتباط لها بمسئلتنا التی کلامنا فیها.

و اما مسألة الإقرار بالشریک الآخر

کما إذا کان المال بین

ص:409

الشخصین بالنصف فأقر أحدهما بکون الثلث للثالث و کون التقسیم بینهم أثلاثا بالنصف و أنکر الشریک الآخر فحمل الإقرار علی الثلث المشاع من العین کما فی المتن فیکون ثلث العین للثالث و حینئذ فإن تعدد المقرّ لتعدد الشرکاء و کانوا عدولا فیکون إقرارهم هذا شهادة فیتبع به و ان لم یتعدد المقر و لم یکن عدولا فی صورة التعدد فیکون إقرار أحدهما بالشریک الثالث مأخوذا فی حقه فقط فیکون ما بیده من النصف نصفا بین المقر و المقر له لا أنه یکون ثلث ما بیده له و ثلث الباقی لأنّ المنکر و ان کان معذورا فی عقیدته فی الظاهر و لو کان الواقع علی خلاف عقیدته و لکنه غاصب بزعم المقرّ السدس و ظالم لذلک بتصرفه فی النصف لانه باعتقاده انما یستحق الثلث فالسدس الفاضل فی ید المنکر نسبته الی المقرّ و المقرّ له علی حد سواء فإنه قد تالف من العین المشترکة فوزع علی الاستحقاق. و دعوی ان مقتضی الإشاعة تنزیل المقرّ به علی ما فی ید کل منهما فیکون فی ید المقرّ سدس و فی ید المنکر سدس کما لو صرح بذلک و قال ان له فی ید کل منهما سدسا و إقراره بالنسبة الی ما فی ید الغیر غیر مسموع فلا یجب الا ان یدفع الیه ثلث ما فی یده و هو السدس المقرّ به و قد تلف السدس الآخر بزعم المقرّ علی المقر له بتکذیب المنکر مدفوعة بان ما فی ید الغیر لیس عین ما له فیکون کما لو أقر شخص بنصف کل من داره و دار غیره فی صورة الإفراز بل هو مقدار حصته المشاعة کحصّة المقر و حصة المقرّ له بزعم المقرّ الا انه لما لم یجبر المکذب علی دفع شیء مما فی یده فقد

ص:410

تلف سدس مشاع یوزع علی المقر و المقر له فلا معنی لحسابه علی المقر له وحده و هذا واضح جدا کما فی المتن و هذا بخلاف صورة الإقرار فإن کل من الشخصین وضع یده علی مال معیّن فحق المقرّ له بالنسبة الی ما فی ید المنکر قد تلف باذن الشارع فی الظاهر ما لم یثبت دعواه فإقرار الشخص الآخر بثلث ما فی ید نفسه و ثلث ما فی ید الغیر لا یوجب الإثبات الا انه فی مقام الترافع یکون من الشهداء علی المنکر و اما المنکر فمعذور علی عقیدته اعتمادا أصالة عدم کونه ما بیده ملکا للمقر له و لو عند الشک و المقر فقط بمقتضی إقراره ملزم علی الأداء لکونه حجة علیه دون المنکر و ان لم یدع العلم بکون ماله بل یکفی و لو مع دعوی الشک و عدم العلم علی الواقع لکفایة یده و أصالة عدم کونه ملکا للمقرّ له فی کون ما بیده ملکا له.

و اما مسألة الإقرار بالنسب بعد ثبوت القسمة و ثبوت حق کل

من الوارث فی یده

عین ما ذکرناه أیضا من کون ما فی یده مشترکا بین المقر و المقر له و لیس بینهما تنافی الا علی الاحتمال ذکره السید فی حاشیته و لنتعرض له فتکون موافقة للقاعدة و فتوی المشهور هنا بحمل ذلک علی الإشاعة و عدم کون ما فی ید المقرّ نصفا بینهما بل یعطی الزائد من حقة فقط فتکون البقیّة علی الوارث الآخر فیکون التلف باذن الشارع فی الظاهر فی تصرفهم فی ذلک ما لم یثبت خلافه.

و هذا انما هو من جهة بعض الروایات الضعیفة المنجبرة بعمل المشهور و الا فکان مقتضی القاعدة هو ما ذکرناه من کون ما هو فی

ص:411

ید المقر مشترکا بین المقر و المقر له بالنصف مثلا و لکن یرد علیه أنه مضافا الی عدم جبر ضعف الروایة بالشهرة ان دلالتها أیضا غیر تمام فان الموجود فیها انّه شریک فی المال و یلزم ذلک فی حقه أو حصته بقدر ما ورث و لا یکون ذلک فی ماله کله.

فمن الواضح ان کون الآخر شریکا فی المال أو ثبوت حقه فی حق المقر لیس معناه أن للمقر له حق فی حصته مشاعا بل یمکن ان یکون علی النحو الذی ذکرناه علی طبق القاعدة کما لا یخفی فافهم.

فتحصل ممّا ذکرناه انّ مقتضی القاعدة فی المقامین ثبوت حق المقر و المقر له فی ما بید المقر علی النصف و کون الفائت بالنسبة إلیهما علی حد سواء و فی مسألة الإقرار بالنسب و ان أفتی المشهور علی خلاف القاعدة و کون حق المقر له مشاعا بالنسبة إلی المقر و الطرف الآخر و لزوم الزائد عن حق المقر علی المقر و لکن ذلک لأجل الأخبار الخاصة و قد عرفت ضعفها سندا و دلالة.

ثم قد أبدی الفرق صاحب الجواهر بین المسئلتین و التزم بکون المقر و المقر له بالنسبة الی ما فی ید المقر و الفائت علی حد سواء فی المسألة الاولی و بنحو المشاع فی مسألة الإقرار بالنسب و قال فی وجه ذلک علی ما فی حاشیة السید.

یمکن أن یقال أن فتوی المشهور فی کل من المقامین علی القاعدة و الفرق بینهما أن فی المقام التلف للمال المشترک علی حسب إقرار المقر مستند الی ید المقر حیث انه اثبت الید علی النصف الذی ثلثه مشترک بین المقر و المقر له فیکون محسوبا علیهما و فی

ص:412

مسألة الإقرار بالنسب لیس مستندا الی الید بل هو من جهة مجرّد إنکار المنکر لخصوص حصة المقر له و الا فلا اثر للید لان المفروض کون المال ترکة للمیت و لا ید لأحد علیها غیره و حینئذ فنقول أن المقر له معترف بان للمقر ثلث الترکة إذا کانوا ثلثة اخوة مثلا فلا بدّ ان یصل الیه حصته و القدر التالف انما تلف علی خصوص المقر له من جهة عدم اعتراف الأخ المنکر بکونه وارثا و الی ذلک أشار فی الجواهر حیث قال بعد العبارة التی نقلناها فی بیان الفرق بین المقامین أو یقال أن المأخوذ فی الأول قد کان بسبب شرعی یعم الشریکین و هو الید بخلاف الثانی فإنه قد أخذ بسبب یخصّ الأخ المنکر و هو إقراره بإخوة من أنکر و ذلک أمر یخصّ لأخ المنکر دون الأخ المقر الذی قد اعترف الثلثة باخوته و لم ینقص المال بسبب شرعی یعمه بل کان ذلک بأمر یخصّ خصوص المتخاصمین و هو الإقرار من أحدهما بالآخر و إنکار الآخر إیاه و ذکر فی باب الصلح أیضا ما یفید ذلک و کذا فی باب الإقرار بالنسب فراجع.

و محصل کلامه فی مسألة الاولی قد استند التلف الی ید المقرّ و فی الثانیة إلی خصوص المتخاصمین و لکن لا محصل لذلک و لا یکون هذا وجه الفرق بینهما بل فی المقامین الأمر کما ذکر إذ المقرّ فی کلتا المسئلتین قد أقرّ الثلثة باخوّته و بالجملة لم یتحصّل من کلامه هذا شیء فی وجه الفرق بین المقامین و الحق ما ذکرناه.

و قال شیخنا الأستاذ ان المقر لم یقر أزید ما یزید من حقه المختص به من أصل المال لأنه أقر بأنّ ثلث أصل المال للمقر له فیکون الزائد مما یستحق هو السدس و السدس الآخر باقیا فی النصف

ص:413

الذی تحت ید الطرف الأخر المنکر للشریک الثالث و لم یقرّ أن ما فی یدی نصفه للثالث و الا فهو خلاف الإشاعة.

و فیه ان هذا و ان کان صحیحا و قد أشار إلیه المصنف فی کلامه بقوله و دعوی أن مقتضی الإشاعة إلخ و أجاب عنه و لکن نکتة الکلام هو أن أصل المال علی حسب إقرار المقر مشترک بین الثلثة أثلاثا فلا موجب لکون المقر مالکا لما فی یده بمقدار حصته و یکون الزائد فی ما یستحقه للشریک الثالث المقر له الا القسمة فلا شبهة أنها غیر مشروعة إذ لیست برضائه الشرکاء أجمع فیکون باطلة اذن فلیس النصف الموجود فی ید المقر الا نصف المال المشاع بین الثلثة فحیث انّ من بیده النصف الآخر اعنی المنکر بحسب اعتقاده یری نفسه مالکا لما فی یده و ان کان الواقع علی خلافه لان مقتضی یده بل مقتضی أصالة عدم کون الثالث مالکا هو ذلک و ان لم یدع کونه مالکا قطعا بل یدعی اننی لا أعلم غیری مالکا لذلک النصف فیکون دعواه فی الظاهر عن حجّة شرعیة ما لم یعمّ دلیل علی الخلاف و اما المقر الذی فی یده نصف الآخر فهو مقربان الثلثة کلهم مشترکون فی أصل المال فیکون ما فی یده نصف المال المشاع المشترک بین الثلثة فبعد قطع ید الطرف الآخر بأخذه النصف فیکون هذا النصف مشترکا علی الإشاعة بین المقر و المقر له و یکون الفائت علیهما و لیس ذلک الا نظیر ما أخذ الغاصب من المال المشترک المشاع مقدارا عدوانا فبقی المقدار الباقی فی ید احد الشرکاء إذ لا یوجب ذلک اختصاص ذی الید بمقدار حقه بذلک المال بل الباقی و الفائت بین الشرکاء علی حدّ سواء غایة الأمر أن فی المقام ان الطرف الآخر

ص:414

بزعمه لیس غاصبا بل انما یتملک النصف مستندا إلی الحجة الشرعیة من أصالة عدم کون الثالث شریکا لهم و فی مسألة الإقرار بالنسب أن أصالة عدم کون الثالث ورثة و شریکا معهم کما هو واضح فلا شبهة فیه.

و هذا النکتة قد سقط من کلام شیخنا الأستاذ و الا فلم ینکر احد أن المقر لم یقر بنصف ما فی یده بل بثلث أصل المال لیکون بالنسبة الی ما فی یده السدس.

هذا کلّه فی النصف المشاع و اما النصف المفروض فقد ظهر حکمه من أول المسألة الی هنا فلو قال بعت نصف الدار المعیّن و کان حق کلّ من البائع و شریکه الآخر مفروضا فیحمل علی نصف نفس البائع لا علی نصف شریکه فیکون ذلک أیضا من قبیل بیع الغانم فان ظهور البیع فی کونه لنفسه ما لم تقم قرینة علی الخلاف.

ثم هذا کلّه فیما کان أجنبیّا بالنسبة إلی النصف الآخر و أما لو کان بالنسبة إلی النصف الآخر أیضا جائز التصرّف کان یکون وکیلا من قبله أو ولیّا له فهل یحمل البیع هنا أیضا علی نصف نفسه أو النصف الغیر المختص و قال شیخنا الأنصاری ره انه لو کان البائع وکیلا فی بیع النصف أو ولیّا عن مالکه فهل هو کالأجنبی وجهان مبنیّان علی ان المعارض لظهور النصف فی المشاع هو انصراف لفظ البیع الی مال البائع فی مقام التصرف أو ظهور التملیک فی الأصالة الأقوی هو الأول.

و لکن الظاهر أنه لا فرق بین المقامین فان قلنا أن النصف له ظهور فی النصف المشاع فیقدم علی کل من الظهورین إذ ظهور

ص:415

البیع فی بیع نفسه أو ظهور التملیک فی الأصالة إنما یتقدم علی ظهور النصف فی المشاع إذا لم یرد علی مال غیره و قد فرضنا أن له ظهور فی وروده علی مال الغیر فلا یعارض شیء من الظهورین لذلک و ان لم نقل بظهور النصف فی النصف المشاع و ان کان حقیقة فیه أیضا و لکنه من باب کونه مصداقا لکلّی النصف الشامل له و للنصف المختص و للنصف المختص لشریکه و اما اختصاصه بالمشاع فلا لا وضعا و لا انصرافا.

و علیه فلا وجه لرفع الید عن ظهور البیع فی بیع نفسه سواء کان جائز التصرف فی النصف الآخر کما فی صورة الولایة و الوکالة أو لم یکن جائز التصرف و بالجملة المثال فی الأجنبی و غیره واحد فلا وجه للتفریق بوجه فافهم کان الفراغ من تسوید هذه الصحائف یوم الأحد 2 شهر شعبان سنة 1374 و یتلوه أن شاء اللّه تعالی المجلد الخامس.

ص:416

المجلد 5:تتمة کتاب البیع

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

تتمة کتاب البیع

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

ص :3

تتمة و من شروط المتعاقدین أن یکونا مالکین أو مأذونین من المالک

اشارة

ص:4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

قوله:(مسألة:لو باع ما یقبل التّملک و ما لا یقبله کالخمر و الخنزیر صفقة

بثمن واحد).

أقول:لو باع ما یملک و ما لا یملک قسط الثمن إلیهما فیصح فیما یملک و لا یصحّ فیما لا یملک علی المشهور لوجود المقتضی،و عدم المانع اما وجود المقتضی فلأنّه و إن کان بیعا واحدا و لکنّه منحلّ الی بیوع متعدّدة فیبطل بالنسبة إلی ما لا یملک فیصح فیما یملک للعمومات المقتضیة لذلک من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ،و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ،و یدلّ علی الصحة مضافا الی ما ذکرناه من کون الصحة هو مقتضی القاعدة خبر الصفّار المتقدم فإنه و ان ورد فی ما یملک و ما لا یملک من القریة و لیس متعرّضا الی بیع ما یقبل التّملک و ما لا یقبل التملک و لکن جواب الإمام(علیه السلام)عن السائل بقوله(لا یجوز بیع ما لیس یملک و قد وجب اشتراء من البائع علی ما یملک)یشمل ما نحن فیه أیضا،فإن الظاهر منها ان اجتماع ما یصحّ بیعه مع ما لا یصحّ بیعه لا یوجب البطلان و انّما ینحل البیع الی بیوع:عدیدة فیبطل فی بعضه و یصح فی بعضه الأخر،فلا یسری بطلان أحدهما إلی الأخر فکأنّ هنا بیعان أحدهما صحیح و الأخر باطل،فهل یتوهم أحد إضرار أحدهما بالاخر نعم انما تخلّف عن الصحیح اشتراط الانضمام فقط فهو لا یوجب الاّ الخیار فقط.

و اما المانع فذکر بوجوه فکلّها غیر قابلة للمانعیة الأوّل:أن البیع الواحد و المعاملة الواحدة غیر قابلة للتّبعیض فلا بد اما من القول بالصحة مطلقا فهو غیر ممکن أو القول بالبطلان کذلک فهو المطلوب.

و فیه ان بیع ما یقبل التملک مع ما لا یقبله کبیع ما یملک مع ما لا یملک و ان کان واحدا بحسب الصورة الاّ ان منحلّ الی بیعین قد أبرزا بمبرز واحد

ص:5

فهما متحدان فی المبرز و المظهر فقط،و الاّ فواقع ذلک هو التعدد فابرازهما مبرز واحد لا یوجب انقلابهما إلی الواحدة.

نعم،لا ینکر اشتراط کل منهما بانضمامه الی الأخر فی ضمن العقد، فیکون التخلف موجبا للخیار دون البطلان کما سیأتی فی باب تخلف الشرط و قد عرفت نظیره فی بیع ما یملک و ما لا یملک اعنی اجتماع الفضولی مع غیره.

الثانی:انّ العقد انما وقع بالمجموع من حیث المجموع فالاجزاء لیست بمقصودة فیبطل البیع فی الاجزاء لعدم القصد فیها.

و فیه انه ظهر جوابه مما تقدم إذ بعد انحلاله الی بیوع متعددة و شمول العمومات لکل منها فیکون کل منها مقصودا أیضا غایة الأمر أنه مقصود بشرط الانضمام الی الآخر فیثبت للمشتری خیار تخلّف الشرط الضمنی فقط کما لا یخفی.

الثالث:أنّ من شرائط البیع أن لا یکون الثمن أو المثمن مجهولا و إلاّ فیبطل ففی المقام لا یعلم أن ما وقع فی مقابل ما یقبل التملک أی مقدار من الثمن فیفسد لذلک.

و فیه أن الجهالة من حیث هی لا تمنع عن صحة البیع لعدم الدلیل علیه،و انما تکون مانعة فیما تستلزم الغرر الذی نهی عنه فی البیع،و فی المقام لیس البیع غرریّا لاقدام المشتری علی ذلک،فینتفی عنه الغرر،بل ربما یقال بأن الجهالة و ان کان موجودة حال العقد أیضا مع العلم بعدم إمضاء الشارع ذلک العقد،و لکنها لا تکون مانعة بعد ما کانت بالتقسیط إذ المدار فی الصحة ان لا یکون البیع غرریا بجهالة الثمن أو المثمن حین التسلیم و التسلم و علی تسلیم کونها مانعة عن صحة البیع بنفسها،فإنما تمنع حین انعقاد البیع و تحققه و ان من شرائط ان لا یکون الثمن أو المثمن فیه مجهولا و امّا الجهالة الناشئة من عدم إمضاء الشارع فلا تکون مانعة عن صحة البیع

ص:6

إذ لا دلیل علی مانعیتها إلاّ النبوی المعروف،نهی النبی عن بیع الغرر أو الغرر کما فی مرسلة العلامة،فقد عرفت ما فیه من عدم الغرر هنا.

و امّا الإجماع فهو دلیل لبّی فالمتیقن منه هی الجهالة عند البیع لا الجهالة الناشئة من عدم إمضاء الشارع کما هو واضح،ففی ما نحن فیه ان الخمر و الخنزیر من الأموال العرفیة و المعاملة علیهما صحیحة فی نظر العرف و لکن حیث الغی الشارع مالیتهما و لم یمض بیعهما فنشأ الجهالة من ذلک فلا تکون مورد للإجماع و من هنا یعلم ان بطلان البیع فی الخمر و الخنزیر یوجب جهالة ثمن الشاة و الخل واضح المنع.

و بالجملة فشیء من الوجوه المذکورة لا تصلح للمانعیّة عن صحة البیع فی الجزء الذی یقبل التملک.

نعم فی المقام شیء آخر و هو انه بناء علی فساد البیع بفساد الشرط أو اشتراط الشرط الفاسد فیه،فالبیع یکون باطلا فی ما یقبل التملک أیضا بیان ذلک ان جمع الشیئین فی بیع واحد و ان کان بحسب الصورة واحدا و لکن بحسب الانحلال انهما بیعان کما عرفت و لکن کل منهما مشروط بانضمامه بالاخر،فبظهور بعض اجزاء المبیع خمرا أو خنزیرا ینعدم ذلک الشرط و یتخلّف لکونه فاسدا فکأنّ فی الحقیقة ان بیع الخل أو الشاة مشروط بانتقال الخمر أو الخنزیر إلی المشتری نظیر اشتراط شرب الخمر و نحوه من المحرمات فیکون البیع باطلا للشرط الفاسد کما هو واضح.

و لکن سیأتی فی باب الشرط ان فساد الشرط أو اشتراط الشرط الفاسد فی البیع لا یوجب بطلانه بوجه،بل یوجب ثبوت الخیار للمشروط له علی المشروط علیه.

و قد خالف شیخنا الأستاذ فی ذلک و قال بعدم جواز قیاس فساد الجزء

ص:7

بفساد الشرط و قال و لو قلنا بأن فساد الشرط یوجب فساد العقد المشروط به إلاّ أنه لا یمکن قیاس فساد الجزء علیه لأن الشرط لا یقع بإزاء شیء من الثمن،بل یوجب زیادة قیمة المشروط فإذا قید به و کان فساده موجبا لعدم إمکان تحققه فالعقد المقید لم یتحقق و أما الجزء الفاسد فحیث أن الثمن یوزّع علیه و علی الجزء الآخر ففساده لا یقتضی إلاّ ردّ الثمن الذی وقع بإزائه أی یفسد العقد بالنسبة إلیه دون الجزء الآخر الصحیح الغیر المقید بما لا یمکن تحصیله أو تحققه.

و لکنه من عجائب الکلام کیف فبعد ما انحل ذلک الی بیوع متعددة فلا یوجب الاجتماع إلاّ فی اشتراط کلّ منهما بالآخر فیکون من صغریات الشرط الفاسد و لکن الذی یهوّن الخطب ان الشرط الفاسد لا یوجب فساد المشروط کما سیأتی فی محلّه.

قوله:(نعم ربما یقیّد الحکم بصورة جهل المشتری).

أقول:الذی یظهر من الشهید هو أن فی صورة العلم یکون بعض اجزاء المبیع ممّا لا یقبل التملّک ان الثمن یقع فی مقابل المملوک فیکون مجموعه للبائع فلیس للمشتری أن یرجع إلیه بالنسبة الی ما وقع فی مقابل الخمر أو الخنزیر.

و فیه انک عرفت ان مجموع الثمن انّما وقع بإزاء مجموع المثمن فابرز بمبرز واحد و لکن بحسب الانحلال ینحلّ الی بیعین فیکون ذلک نظیر بیع الشاة و الخنزیر مستقلّة اذن فلا وجه لبطلان البیع فی صورة الجهل و صحته فی صورة العلم لوقوع الثمن کلّه بإزاء المملوک بل یقسّط الثمن إلیهما.

نعم بناء علی ما تقدم فی بیع الغاصب من ان المشتری مع علمه بالغصب یسلّط البائع الغاصب علی ماله مجانا فلیس له الرجوع إلیه فی صورة التلف،بل قیل بعدم الرجوع حتی فی صورة عدم التلف فله وجه و لکن عرفت

ص:8

بطلانه و عدم صحة ذلک المبنی أیضا و ان المشتری یرجع الی الغاصب مطلقا مع انک عرفت ان مقدار من الثمن انما وقع بإزاء ما لا یقبل التملک لما قلنا من صحة التقسیط.

نعم،بناء علی ما ذکر فی بیع الغاصب فیکون المقام نظیره لو باع الخنزیر فقط مع العلم به إذ لیس هذا الاّ تسلیط الغیر علی ماله مجانا و اما کیفیّة التقسیط فقد عرفت طریقه من ان کلا من المملوک و غیر المملوک یقوم منضمّا إلی الأخر فیسترد من الثمن بنسبة قیمة غیر المملوک الی المجموع من أصل الثمن فیرجع فی تقویم الخمر و الخنزیر هنا الی المستحلّ فهذا واضح، و انما الکلام فی انه لو کان المبیع هی الشاة مع الخنزیر أو الخلّ مع الخمر فالأمر کما ذکر و لکن لو باع الشاة و الخنزیر ببیع واحد أو الخلّ و الخمر کک باعتقاد الخلیة و الشاتیة فهل یقوّم الخنزیر بتلک الهیئة شاة و الخمر خلا أو یقوّمان بصورتهما النوعیة،فقال شیخنا الأنصاری بالأول و هو کک لأنه إنما باع الخل و الشاة فظهورهما علی خلاف ما قصده البائع و باع علی ذلک القصد لا یکون مناطا فی التقسیط.

و قد أشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّ العناوین من قبیل الدواعی فلا یوجب تخلّفها تبدل الموضوع بل یتقدّم الإشارة الواقعة إلی الخارج علی العنوان،فلا بد و ان یقدم الخنزیر بعنوان الخنزیریة و هکذا الخمر بما انها خمر لا بعنوان الشاتیة و الخلیّة.

و هذا من عجائب الکلام،فإنه بعد ما کان المبیع هی الشاة أو الخل و لو کان الواقع علی خلافه فلا وجه لتقویمهما علی خلاف المقصود،بل یقوم کل من الخنزیر و الخمر بعنوان الشاتیة و الخلیّة بما انهما شاة و خل کذلک.

بل ربما یوجب ذلک تضرر المشتری کما إذا کان قیمة الخنزیر أقل من

ص:9

قیمة الشاة و ربما یوجب تضرر البائع کما إذا کان أکثر،بل ربّما یوجب الجمع بین الثمن و المثمن کما إذا کان قیمة الخنزیر عند مستحله ضعفی قیمة الشاة فکل ذلک مما لا یمکن الالتزام به.

و بالجملة لو باع ما یقبل التملک و ما لا یقبل،فالوجه هنا هو الصحة بالنسبة الی ما یقبل التملک و الفساد فی غیره فیقسط الثمن إلیهما.

نعم،لو کان ما لا یقبل التملّک خارجا عن حدود المالیة العرفیة و لم یصدق علیه المال فی نظر العرف أیضا کما لا یصدق علیه ذلک فی نظر الشرع کبیع الشاة مع الخنفساء أو مع سائر الحشرات الأرضیّة توجّه القول بالبطلان لغرر المذکور فیکون الثمن الواقع فی مقابل المملوک مجهولا من الأول لعدم التقسیط حتی یعلم ذلک به،و لا یکون غرریا إذ لیس بیع الخنفساء بیعا من الأول فإنه حتی بناء علی النظر العرفی مبادلة مال بمال بناء علی اعتبار المالیة فالخنفساء و نحوها لیس من الأموال حتی یتحقق عنوان المبادلة اذن فالوجه هو التفصیل فی المسألة،فالقول بالصحة فی ما یقبل التملک و البطلان فیما لا یقبله بالتقسیط لو کان ما لا یقبله أیضا من الأموال فی نظر العرف و یکون التبادل علیه من مصادیق مبادلة مال بمال کالخمر و الخنزیر إذ هما من الأموال العرفیة و اما لو لم یکن ذلک من الأموال العرفیة، فالوجه هو البطلان للجهالة و الغرر إذ لا یعلم من الأول ان ما وقع فی مقابل المملوک ایّ مقدار من الثمن فتکون المعاملة غرریا،و قد نهی النبی صلّی اللّه علیه و آله و سلم عنه.

القول فی أولیاء التصرف

قوله(ره):یجوز للأب و الجدان یتصرّفا فی مال الطفل بالبیع و
اشارة

الشراء.

أقول:قد عرفت ان من جملة شرائط المتعاقدین ان یکون مالکین

ص:10

للعوضین أو من ینوب منابه و قد عرفت حکم بیع غیر المالک فضولة و تحقیق الحق فیه،و ان بیع المالک ماله عن نفسه مما لا اشکال فیه،و اما الوکیل فکک لاستناد فعله الیه و کک المأذون.

و بعبارة اخری ان البیع اما تقع من المالک أو من غیره،أما الأول فلا شبهة فی صحته،و اما الثانی فتارة یکون ذلک برضاء المالک أو لا،فعلی الأول فذلک الغیر اما یکون وکیلا فیه من المالک،أو مأذونا فیه من قبله أو لا،اما الأولان فلا إشکال أیضا فی صحة البیع لاستناده الی المالک خصوصا إذا صدر من الوکیل لکونه نائبا عنه و نازلا منزلته فی فعله فإذا صحّ فی المأذون ففی الوکیل یصحّ بالأولویّة،اما غیر الوکیل و المأذون فإن لحق به الاذن من المالک بالإجازة و رضی بفعله فهو الذی تقدم الکلام فیه مفصلا فی البیع الفضولی،و قلنا بالصحة،و الاّ فیحکم بالبطلان،و اما لا یکون فیه رضا المالک أو رضی و لکن لم یکن لرضائه تأثیر فی نظر الشارع فهو مورد الولایة فهی علی أنحاء منها ولایة الأب و الجد و ثبوتها لهما فی الجملة علی الصغیر من ضروری الفقه و مورد الإجماع و السیرة المشتهرة القطعیة کما یطلع علیه من تتبع الأبواب المتفرقة فی الفقه کتاب النکاح لصراحة الأخبار فیه فی ثبوت ولایتهما علی تزوج أولادهما الصغیر و کتاب المضاربة فإن فیه ما ورد علی ولایتهما فی جعل المضاربة فی مال الولد و فی باب الحجر قد ورد ما دلّ علی حجر الطفل الصغیر عن ماله دون الولیّ الی غیر ذلک من أبواب الفقه و یؤید ذلک ما ورد فی باب الزکاة مما دلّ علی ثبوتها فی مال الیتیم إذ التجربة الولی و ربح إذ لو لم یکن له ولایة علی ذلک لما جاز له التصرف فی ماله بالتجارة بل هذا مما قامت به السیرة العقلائیة إذ لیس ذلک مخصوصا بالشریعة الإسلامیة بل جاریة فی غیره من الشرائع أیضا و استدل المصنف

ص:11

علی ذلک بفحوی سلطنتهما علی بضع البنت فی باب النکاح و الظاهر انه لا بأس بهذه الأولویّة و ان ناقشنا فیها فی البیع الفضولی و قلنا ان اهتمام الشارع المقدس بعدم وقوع الزناء و الصفاح یقتضی عکس ذلک الأولویة.

و الوجه فی جهة الفرق بین المقامین هو ان الکلام فی السابق من حیث نفس الفعل الخارجی الموجود فیه و قیل هنا ان أهمیة الفروج تقتضی بطلان الفضولی فی النکاح و ان کان صحیحا فی البیع و سائر العقود لاحتمال ان لا یقع واقعا فیکون زنا،فالاحتیاط یقتضی عدمه لئلا یقع الزنا و قلنا ان الاحتیاط کان یقتضی عکس المطلب و ان کان فیه خلاف الاحتیاط أیضا فی نفسه،و لکن محذورة أقل من الأول فإنه یحتمل مع الحکم بالبطلان ان یقع النکاح واقعا فیکون الزنا بذات البعل بخلاف العکس فإنه مع عدم الوقوع فلا یکون زنا الاّ بغیر ذات البعل،و بالجملة و جهة الکلام هناک کان مختصا فی بیان عنوان الفعل الواقع و جهته،و هذا بخلاف المقام،فان الکلام هنا لیس فی بیان وجهة الفعل الواقع،بل فی کون الغیر الأجنبی سببا فی تحقق الفعل و إیجاده من الأول ففی مثل ذلک إذا صحّ ولایة الأب و الجد علی الأولاد الصغار فی النکاح و کونهم سببا فی إیجاد التزویج بینهم مع کونه من أهم الأمور فلا شبهة فی جواز ولایتهم و نفوذ أمرهم فی سائر العقود أیضا بالأولی.

ثم انه یقع الکلام فی جهات:
الاولی:هل یعتبر العدالة فی الولی

الأب و الجد،

فلو کانا فاسقین لا ینفذ تصرّفهما فی حق الصغار کما ذهب الیه صاحب الوسیلة و الإیضاح أو لا تعتبر کما ذهب إلیه المشهور،بل یظهر من التذکرة الإجماع علی ذلک.

و استدل علیه المصنف بالأصل و الإطلاقات،فإن ظاهر عطف الثانی

ص:12

علی الأول،هو ذلک لا ان المراد من الأصل هی الإطلاقات کما لا یخفی و لکن لا نعرف معنی لذلک الأصل إذ لیس المراد منه هی أصالة البراءة قطعا لانه لیس هنا تکلیف حتی ینفی بذلک،بل لو کان فالمراد به هو الاستصحاب فان کان المراد به هو الاستصحاب النعتی بأن یقال ان الولایة کانت فی زمان و لم تکن مشروطة بالعدالة فکک الحال الاستصحاب فلا شبهة انه لم یکن لذلک حالة سابقه إذ لیس زمان تکون الولایة ثابتة و لم تکن مشروطة بالعدالة حتی نستصحبها فان کان المراد منه هو أصل عدم الأزلی المحمولی لسلم من اشکال عدم وجود الحالة السابقة الاّ ان المصنف لا یقول به لیمکن تطبیق کلامه به،بل لا یمکن الالتزام بجریانه هنا أیضا إذ لا شبهة ان الولایة بالنسبة الی عدم التقیید بالعدالة أو التقید بها ضروریّ لاستحالة الإهمال فی الواقعیات فهما متضادان فجریان الاستصحاب فی نفی التقید المسمّی بالعدم المحمولی لیس اولی من جریانه فی الطرف الأخر بعد فرض تضادّیتهما و بالجملة فأصالة عدم النعتی غیر جاریة لعدم الحالة السابقة فعدم المحمولی و إن کان لیس عنه مانع بحسب نفسه علی المذهب المختار و لکنه لا یجری للمعارضة.

اذن فلا یمکن الالتزام بثبوت الولایة المطلقة الغیر المقیدة بالعدالة بواسطة الأصل،بل مقتضی الأصل هو عدم ذلک ای عدم نفوذ تصرفاته فإنه ثبت بالأدلة القاطعة حرمة التصرّف فی مال الغیر،إلاّ بإذنه فالخارج منه یقینا صورة کون الغیر ولیا عادلا فیبقی الباقی تحت الأصل.

نعم،ما ذکره من الإطلاقات فی محلّه إذ هی غیر مقیدة بعدالة الولی بل الولایة الثابتة بها للأب و الجد مطلقة و لیس فی المقام ما یصلح تقیده الا ما ذکره صاحب الوسیلة و الإیضاح حیث استدلا علی عدم ثبوتها للأب و

ص:13

الجد الفاسقین بالایة و استظهر المصنف ان المراد منها قوله تعالی «وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النّارُ» و ضعّفه.

و وجه الضعف هو ان المراد من الرکون فیها لیس الرکون فی الأمور الدنیویة،بل المراد به فیها هو الرکون فی الأمور الدینیة و یدلّ علی ذلک من الآیة ذیلها من قوله تعالی «فَتَمَسَّکُمُ النّارُ» حیث ان ذلک نتیجة الرکون الی الظالم فی الأمور الدینیة لا فی الأمور الدنیویة و الاّ فلازمه عدم جواز توکیل الفاسق فی الأموال الشخصیّة للبالغین الراشدین و کونه من المحرّمات الشخصیّة فهو بدیهیّ البطلان و لا انه یجوز تأمین الفاسق و جعل الودیعة عنده.

و یحتمل بعیدا أن تکون المراد من الآیة قوله تعالی «إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا» کما یظهر ذلک من قوله و إخباراته عن غیره.

و فیه انه یظهر الجواب عنه من الآیة السابقة و ان المراد من ذلک لیس ما یرجع الی الجهات الشخصیة،بل ما یرجع الی الجهات النوعیة الدینیة کما یدل علی ذلک أیضا ذیل الآیة من قوله تعالی «أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ» و ان لازمه عدم قبول إخبارات الشخص فی حق نفسه من الإقرار و نحوه کما تقدم من عدم جواز ان یجعل الفاسق أمینا من أمواله مع انه لم یدل دلیل علی حرمته.

و من هنا یظهر انه لا وجه لتوهم استحالة أخذ قول الفاسق و جعله أمینا فی أموره،و انما یحرم إرجاع الأمور الدینیة إلیه اذن فلا وجه لرفع الید عن تلک المطلقات الکثیرة بمثل هذا الأمور الظنیة و توهم الإیضاح ان ذلک خلاف حکمة الصانع،بل یجوز الإرجاع إلی الفاسق بدیهی الفساد کما عرفت فانّ ذلک له وجه فی الأمور الدینیة لا الأمور الدنیویة علی انه و لو کان

ص:14

الأب و الجد فاسقین الا ان رافتهما علی الأولاد أکثر بمراتب من رأفة جمیع العدول علیه إذ فی الأب و الجد من الشفقة الذاتیة و الرأفة الطبیعیة بالنسبة إلی أولادهم ما لا ینکر و لو کان فاسقا.

نعم،لو کان الأب و الجد من الفاسقین الظالمین علی الطفل بحیث یقامرون بأموال الصغار و یشترون به الخمر و یشربون و غیر ذلک من الإتلافات البیّنة لخرج بذلک عن جواز التصرّف فیها و نصب الحاکم الشرعی ولیّا آخر أو ناظرا لهم حفظا لهم لئلا یکون ظلما علیه،و لکن هذا أمر آخر غیر ما نحن فیه.

علی ان الظاهر من الآیة ان الفاسق لا یقبل قوله من دون التبیّن و التفحّص و هذا لا ینافی قبول قوله من جهة الولایة ما لم یعلم صدور الخیانة منه،فالولی و ان کان فاسقا یقبل قوله فی حق الصغار لولایته.

و أما الجهة الثانیة و هی اعتبار المصلحة فی تصرّفات الولیّ

فهل یعتبر ذلک کما ذهب الیه ابن إدریس و شیخ و بعض آخر أولهما الولایة مع اعتبار عدم المفسدة فی التصرّف و إن لم یکن فیه صلاح أصلا کتبدیل ماله بمال آخر بلا صلاح،أو لا یعتبر شیء من ذلک،بل لهما الولایة علیه علی وجه الإطلاق کما ذهب الیه المصنف فی أول کلامه أو یفصّل بین الأب و الجد بالالتزام بنفوذ أمر الجد مطلقا دون الأب کما یظهر من آخر کلام المصنّف وجوه.

و استدل المصنف علی عدم الاعتبار و ثبوت الولایة علی الإطلاق بالأخبار الواردة فی إثبات الولایة علی الطفل للأب و الجد فإنها مطلقة و غیر مقیدة بشیء مما ذکر.

و فیه أوّلا ان إطلاقاتها غیر تمام فان عمدتها ما دلّ علی ان الابن ماله للأب و قد ذکر ذلک فی جملة من الروایات و علّل نفوذ أمر الأب علی الولد بذلک فی بعضها و لکن لا دلالة فیها بوجه علی المدعی فانّ من البدیهی

ص:15

ان المراد بها لیس ما هو الظاهر منها من کون الابن و ما بیده من متملکات أبیه،و بکون الفرض من اللام هو الملک لیکون الابن کعبد الأب و البنت کالجاریة،بحیث یجوز له بیعها و لو حجر یکون حقّ الغرماء متعلقا بمال الولد أیضا،و هذا المعنی مقطوع البطلان کیف مضافا إلی ما ذکرنا انه ورد فی بعض الروایات ان الأب لو احتاجت إلی جاریة الابن یقوم علی نفسه بقیمة عادلة ثم تصرّف فیها بما یشاء و انه یجوز له الاستقراض من مال الولد فلو کان الابن و ماله من الأموال ملکا للأب و الجد لما کان تقویم الجاریة علی نفسه بقیمة عادلة و الاستقراض من ماله وجه بوجه فإنه لا معنی لاستقراض المالک من ملکه أو تقویم ماله علی نفسه.

و من هنا ظهر انه لیس المراد بتلک المطلقات کون أموال الولد للوالد حقیقة أو تنزیلا بحیث یفعل فیها ما یشاء ثم لیس المراد من تلک المطلقات ثبوت الولایة لهما علی الولد کما توهم إذ مورد بعضها هو الولد الکبیر، کالروایة المتضمّنة لشکایة الولد إلی النبی(صلی الله علیه و آله)من أبیه و ما تضمن تقدیم تزویج الجد علی الأب فی البنت معللا بان الجد أب للأب و البنت و غیرهما فلا شبهة فی عدم ثبوت ولایة الأب و الجد علی الولد الکبیر،بل هو مستقل فی التصرّف فی أمواله کیف یشاء و أیضا لا وجه لتوهم ان المراد منها ثبوت جواز الانتفاع للأب و الجد فإنه مضافا إلی مخالفته بثبوت جواز الاستقراض من مال الولد و تقویم الجاریة للابن علی نفسه ان جواز الانتفاع من أموال الأولاد لا یدلّ علی ثبوت الولایة علیهم.

و الحق أنها أجنبیة عن المقام و انما هی راجعة إلی بیان أمر أخلاقی ناشئ من أمر تکوینیّ فإنّ الولد بحسب التکوین موهبة من اللّه تعالی للأب و مقتضی ذلک ان لا یعارض فی تصرفاته و یکون منقادا بامره و نهیه و یؤیّد ذلک

ص:16

ما فی علل عن محمد بن سنان فی تفسیر قوله تعالی «یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ» ان الولد موهوب من اللّه و هبة للأب و علی هذا لیس من الإنصاف أن یعارض ما هو هبة للإنسان للموهوب له،بل منقضی الأخلاق هو التحرک بتحریک الأب لکونه له أی هبة له و تحفة من اللّه تعالی الیه و اذن فلا دلالة فی إطلاقها علی ما ذهب الیه المصنف من عدم اعتبار المصلحة فی تصرّفات الولی و ما تری من جواز تصرف الجد و الأب فی مال الولد و أخذهما منه من جهة کون انفاقهما علیه مع الاحتیاج فلا ربط لذلک إلی جهة الولایة بوجه،نعم لا ینکر الإطلاق لبعض ما ورد فی باب النکاح من جواز عقد الجد و الأب للابن بدون اذنه و للبنت بدون اذنها إذ لیس فیه نقید بصورة وجود المصلحة فی التصرف و لکن سیأتی جوابه.

و ثانیا علی تقدیر وجود المطلق کما هو کک لبعض ما ورد فی باب النکاح من جواز تزویج الأب الابن بدون اذنه أو تمامیة إطلاق الروایات المتقدمة کما زعمه المصنف(ره)فلا بدّ من تقییدها بصورة وجود المصلحة بصحیحة أبی حمزة الثمالی فإنها دلّت علی عدم جواز تصرفات الولی فی مال الطفل بدون المصلحة لقوله(علیه السلام)لا نحب أن یأخذ من مال ابنه الاّ ما یحتاج الیه مما لا بدّ منه ثم استدلّ(علیه السلام)بقوله تعالی «وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ» فلا شبهة ان قوله(علیه السلام)لا نحب و ان کان لا یدلّ علی الحرمة و لکن بضمیمة استشهاده(علیه السلام)قوله تعالی «وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ» یدل علی الحرمة إذ لا شبهة ان الفساد لیس قسما منه مکروها و قسما منه حراما بل هو متمحّض بالحرمة.

و نظیر ذلک روایة الحسین بن ابی العلاء فی الدلالة علی عدم جواز أخذ الزائد مما یحتاج الیه فبها تقید تلک المطلقات،و لا شبهة أن مورد

ص:17

الروایتین الخاصتین و إذن هو الأموال و لکن ثبوت التقیید فیها یدل علی ثبوته فی باب النکاح أیضا بالأولویة إذ کما ان ثبوت الولایة فی باب النکاح للأب و الجد دل علی ثبوتها فی غیر باب النکاح بالأولویّة لکون النکاح أهم و هکذا ثبوت التقیید فی غیر باب النکاح یدل علی ثبوته فی باب النکاح أیضا إذ مع عدم نفوذ تصرّفات الولی فیما لا یکون فیه صلاح فی الأموال ففی الاعراض بالأولی لکونها أهم و یؤید ثبوت التقیید ما ورد فی تقویم الجاریة علی الولی بقیة عادلة و جواز اقتراض الولی من مال الولد إذ لو کان تصرّفات الولی نافذا فی حق الطفل مطلقا لم یکن وجه للتقویم بقیمة عادلة،بل کانت القیمة النازلة أیضا وافیا و کذلک لم یکن وجه للقرض،بل کان یکفی أخذه بأی نحو شاء هذا مع انه یمکن منع تحقق الإطلاق فی باب النکاح بحسب نفسه أیضا إذ الولایة للأب و الجد علی الأولاد لأجل حفظهم عن وقوعهم بالمضرات و توجههما إلیهم،و اما لو أوجبت الولایة توجه الضرر إلیهم فمن الأول یمکن القول بعدم جعل الولایة فیه و خروجه عن مورد الروایات تخصصا بل هذا هو المتعین إذ لا یمکن القول بولایة الأب و الجد علی تزویج أولادهم کیف شائوا و ان کان فیه ضرر عظیم موجب لتضرّره اذن فلیس هنا إطلاق أصلا من الأول فضلا عن احتیاجه الی المقید.

و بالجملة أنها ناظرة إلی أصل جعل الولایة لهما مع ما فیهما من الرأفة للأولاد و لیس فیها إطلاق إلی سائر الجهات،و اما اعتبار المصلحة فی تصرفاتهم بان یلتزم بعدم کفایة مجرّد عدم المفسدة فی ذلک،بل لا بد من وجود المصلحة فی تصرفاتهم و قبل بیان ذلک لا بدّ و أن یعلم انه یجوز تصرّف الولی لأنفسهم فی مال الطفل و ان لم یکن فیه المصلحة و من هنا یجوز قرض الولی من مال الطفل و تقویم جاریته علی نفسه مع عدم وجود المصلحة فی ذلک

ص:18

للطفل بوجه و هذا بالنسبة إلی نفس الأولیاء مما لا شبهة فی جوازه و اما اعتبار المصلحة فی غیر ما یرجع الی شؤونهم فاستدل علیه بقوله تعالی «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ» حیث ان التقرب الی ماله بلا مصلحة فیه لیس بأحسن فلا یجوز.

و بالجملة کان کلامنا فی ولایة الأب و الجد و قد اختیار المصنف عدم اعتبار شیء فی ولایتهما للأولاد و قربه شیخنا الأستاذ فی الدورة الأخیرة و تمسک المصنف فی ذلک بالإطلاقات الواردة فی خصوص الولایة و جعلها لهما فان الظاهر فیها ان أمر الأولاد و أمر أموالهم راجع إلی الجد و الأب و قد رئت أنها أجنبیة عن المقام لان المذکور فی أکثرها ان الابن ماله للأب فلا شبهة فی عدم إمکان إرادة المالکیة الحقیقیة منها لیکون اللام للملک بحیث یبیع للابن أو یؤجرها من الغیر فیؤخذ أجرته و ثمنه أو یأخذ أمواله و یفعل فیها ما یشاء خصوصا مع ملاحظة ما فی بعضها من کون موردها الابن الکبیر الذی لا ولایة لهما علیه إجماعا و کیف و قد ورد فی بعض الروایات تقویم الجاریة للابن علی نفسه و التصرّف فیها و فی بعضها الأخر أخذ القرض من مال الولد فلا شبهة فی عدم جریان ذلک فی أموال شخص المالک بالنسبة إلی نفسه و لا یجوز ان یراد من تلک الأخبار المالکیة التنزیلیّة لما عرفت من عدم مالکیّة الأب و الجد علی الأولاد و أموالهم بوجه،بل لا یجوز ولایتهم علی بعض ما فی تلک الروایات کالولد الکبیر فلا معنی للتنزیل هنا أیضا کما لا یخفی بان ینزل أموال الأولاد بمنزلة ماله فی جواز التصرف فیها و فی أنفسهم بالإجارة و البیع و الشراء و أکل أموالهم و اجراء ما یجری علی ماله بحیث یکون مال الطفل و نفسه من جملة أمواله حقیقة أو حکما بلا وجه،و لم یفتوه به أحد فیما نعلم،بل هی ناظرة إلی جهة الاخلاقی کما عرفت لما ذکر فی

ص:19

بعض الروایات ان الولد هبة موهوبة للأب فلا ینبغی ان یعارضه فی التصرفات و ما ورد من جواز أخذ الأب و الجد من أموال الولد مع الاحتیاج لیس من جهة الولایة،بل من جهة وجوب إنفاق الأب علی الولد مع الاحتیاج کعکسه کک.

فلیس فی تلک الروایات بحسب نفسها إطلاق و علی تقدیر ثبوت الإطلاق فیها کما ثبت فی جملة من اخبار النکاح فی تزویج الأب و الجد الابن و البنت لکونها مطلقة من حیث ثبوت المصلحة و عدم ثبوتها فی النکاح فلا بد من تقییدها بروایة الثمالی لأنها صریحة فی عدم الولایة مع الفساد کما هو مقتضی استدلاله(علیه السلام)بالایة و ان تصرفات الجد و الأب فی هذه الصورة محرمة و بروایة الحسین بن ابی العلاء فإنها لا تدل علی أخذ الأب من مال الطفل الاّ بمقدار قوته و عدم جواز التصرفات المسرفة فیه فلو کان لهما ولایة علی الطفل حتی مع المفسدة فی التصرف لما کان لهذا النهی وجه و علیه فنقید بهما الروایات المطلقة حتی الواردة فی باب النکاح و لا یضر اختصاص موردهما بالأموال لأنه إذا ثبت التقیید فی ذلک فیثبت فی النکاح بالأولویة لکونه أهم فی نظر الشارع،بل یمکن منع تحقق الإطلاقات فی باب النکاح أیضا من جهة أنها ناظرة إلی جعل الولایة للأب و الجد و کون ولایة الثانی مقدمة علی الأول بما لهما من الرأفة الطبیعی لأولادهم بان یعاملوا معاملة مال نفسهم فی حفظه و عدم التصرفات المتلفة فیه فاصل جعل الولایة لهذا الموضوع مشعر لهذه الحکمة و العلة و علی هذا فتصرفاتهم الموجبة لتلف أموالهم و تضرّرهم بما لا ینبغی ینافی لذلک الحکمة و الملاک فتنقلب علی العکس.

و بالجملة ظاهر جعل الولایة للأب و الجد علی الأولاد لرأفتهما علی

ص:20

الطفل لکونه هبة له و موهوبا علیهم من قبل اللّه تعالی کما أشیر الی ذلک فی جملة من الروایات فلا تعرض فیها لصورة المفسدة لکونها علی خلاف الرأفة فلا إطلاق فیها أیضا و قال بعض مشایخنا المحققین بوجود المقید فی باب النکاح أیضا حیث ورد فی بعض روایات جعل الولایة لهما فی باب النکاح ان تزوج الجد یتقدم إذا لم یکن ضرر فان مفهومه یدل علی عدم الولایة له مع الضرر فیکون مقیدا للمطلقات فیها.

و فیه ان المفهوم و ان کان موجودا و لکنه عدم الولایة مع الضرر،بل المراد به نفی أولویة الجد و تقدیمه علی الأب عند الضرر و هذا غیر مربوط بالروایة فلا یکون ذلک مقیدا للإطلاقات فی باب النکاح.

الجهة الثالثة:فی انه إذ اعتبرنا عدم جعل الولایة لهما فی صورة

وجود المفسدة فی تصرفات الأب و الجد فهل یعتبر زائدا علی ذلک اعتبار

المصلحة فی تصرفات

بحیث لا یجوز تصرّفهم إذا خلا عنها و لو لم تکن فیه مفسدة أم لا یعتبر،و قد تقدم ان التصرفات الراجعة إلی نفس الولی و لو لم تکن فیها مصلحة جائزة بلا اشکال و انما الکلام فی غیرها و قد استدل علی الاعتبار بوجوه:- الأول:ان طبع المطلب و جعل الولایة لهما یقتض ذلک فان ذلک لأجل أن یتصرّف فی أموالهم بما من المصلحة من التجارة و التبدیل و إلاّ فمجرّد التصرّفات اللغوة بلا وجود ثمرة فیه فلا یجوز و بالجملة ان حکمة جعل الولایة للأب و الجد بحسب الطبع هی جلب المنافع له و دفع المضار عنه لکون الأب و الجد بحسب الطبع هکذا بنسبة إلی أولادهم و الاّ فمجرد کون شیء ذی صلاح لغیر الطفل و ان لم یکن فیه صلاح له لا یجوز التصرفات فی فعله و بالجملة ان جعل الولایة لهما علیه لیس الاّ لحفظ الولد و ماله و

ص:21

دفع المضار عنه و جلب المنفعة الیه و الاّ فلا یجوز التصرف فی ماله و لو لم یکن فیه مفسدة.

و فیه ان هذا و ان کان بحسب نفسه تماما و لکن لا یتم فی جمیع الموارد لإمکان ان یکون الصلاح فی ذلک الجعل راجعا إلی الولی.

و بعبارة أخری تارة یلاحظ فی جعل الولایة لهما صلاح المولی علیه فیجری فیه ذلک الحکمة.

و اخری یلاحظ حال الولی فلا شبهة انا نحتمل الثانی أیضا اذن فلا دافع للإطلاقات الدالة علی جعل الولایة لهما علیه حتی فی صورة عدم المصلحة فی تصرّفهم،بل یکفی مجرّد الشک فی ذلک أیضا و لا یلزم العلم بعدم اعتبار المصلحة فی ثبوت الولایة لهما علیه عند عدم المصلحة فی التصرف.

الثانی:دعوی الإجماع علی الاعتبار و فیه ان المحصل منه غیر حاصل و المنقول منه لیس بحجة لمخالفة جملة من الأعاظم فی ذلک،بل نحتمل استناده الی الوجوه المذکورة هنا لعدم الجعل فی صورة عدم المصلحة فلا یکون هنا إجماع تعبدی کاشف عن رأی الحجة.

الثالثة:قوله تعالی «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ» و هذه هی العمدة فی المقام بدعوی ان التصرّف الخالی عن المصلحة فی مال الیتیم لیس تصرفا حسنا فیحرم للنهی عن التقرب إلیه،فإن أطلق الیتیم علی من مات امه کما لیس ببعید فتشمل الآیة لکل من الأب و الجد، و الاّ فتختص بالجد و یتم فی الأب بعدم القول بالفصل اذن فنرفع الید عن الإطلاقات الدالة علی ثبوت الولایة لهما مطلقا حتی مع المصلحة.

و فیه أن الآیة عام لکل احد سواء کان أبا أو جدا أم غیرهما فإنها

ص:22

تنهی عن التقرب بمال الیتیم لکل احد فنخصصها بالروایات الدالة علی جعل الولایة للأب و الجد و لو مع عدم المصلحة فیه و لیس بینها عموما من وجه حتی یعمل بقواعده لانحصار الموضوع فی الروایات بالأب و الجد فقط و عمومه فی الآیة و ان کان الأمر کک مع ملاحظة الحکم و لکن الحکم وارد علی الموضوع الواحد فقط فی الروایة و علی المتعدد فی الآیة فافهم.

و من هنا یظهر الجواب عمّا ذهب الیه المصنف أخیرا من التفصیل بین الأب و الجد و القول بثبوتها للجد دون الأب لعدم إطلاق الیتیم علی من مات امه لتشمل الآیة لهما فإنه مضافا الی إطلاق الیتیم علی من مات امه انک علمت سابقا ان ولایتهما ثابتة فی النکاح علی الابن و البنت،و فی الأموال بالأولی فلا نحتاج إلی الاستدلال بالایة علی ثبوت الولایة حتی یمنع عن شمولها للأب فتختص بالجد فقط و سیأتی الکلام فی هذه الجهة.

الجهة الرابعة:بعد الفراغ عن اعتبار عدم المفسدة فی تصرفات الأب

و الجد فی مال الولد،فهل هذا شرط فی عالم الإحراز

فلو أحرز فی مورد عدم المفسدة فباع مال الولد فبان وجود المفسدة فی ذلک فلا یبطل البیع و ینفذ التصرف أو هو شرط فی الواقع فلو کان مورد مفسدة واقعیة فلم یحرز أو أحرز عدمها فاقدمه فیکون باطلا أو انهما من الشرائط معا فلو أحرز المفسدة و مع ذلک أقدم علی التصرّف فبان کونه صلاحا إذ لو لم یباع لکان تلفا أو أحرز الصلاح فأقدم فظهر عدم الصلاحیة فیکون تصرّفه هذا صحیحا.

نعم لو أحرز المفسدة فی مورد فأقدم علی التصرّف فظهر کما أحرزه فیکون فاسدا.

و الظاهر هو الوجه الأخیر و قبل بیان وجهه فلا بدّ و ان یعلم ان هذه الجهة لم یحرز فی کلامهم،بل لم یذکر الاّ بنحو الرمز و الإشارة فنقول قد

ص:23

علمت ان المقید للإطلاقات کان خبر الثمالی،فإنه اعتبر عدم الفساد فی تصرّفات الأب و الجد فی مال الطفل،و هو کالمعصیة قائم بأمرین أحدهما الوجود الواقعی و ثانیهما إحرازه ای تنجزه لا یقال انّ فلانا أفسد أو فعل فعلا فاسدا،کما ان الأمر کک فی عنوان المعصیة حیث ذکرنا فی سفر معصیة فی تحققها أمران أحدهما ان یکون ما سافر لأجل الغرض المعلوم معصیة و الثانی علم المسافر بذلک و تنجز التکلیف فی حقه بحیث یکون المنجز هو الحکم الواقعی فی حقه،فلو سافرت المرأة بدون رضائه الزوج فبان أنها مطلقة فلا یکون سفرها معصیة أو سافرت بزعم أنها مطلّقة فبان خلافها فلیس سفرها سفر معصیة أیضا و انما یکون سفر معصیة مع اجتماع الأمرین.

و بالجملة فما لم یتحقق کلا الأمرین لا یتحقق المعصیة کما انه مع عدم تحقق الفساد الواقعی و إحرازه فی التصرف لا یقال ان تصرّف الولی کان مفسدا.

و علی هذا فیکون المقید لتلک الإطلاقات المثبتة للولایة للأب و الجد فی خصوص کون تصرفهم مفسدا لمال الیتیم مع العلم به و ما لم یتنجز،فلا مانع من التمسک بالإطلاقات و الحکم بثبوت الولایة لهما.

و کان الکلام فی الجهة الثانیة فهی اعتبار المصلحة زائدا عن اعتبار

عدم المفسدة فی ولایة الأب و الجد.

و قد استدل علی ذلک بوجوه:-

الأول:دعوی الإجماع

علی ذلک و فیه انه بعد ذهاب المتأخرین الی عدم اعتبار شیء فیها الاّ عدم المفسدة،بل ذهاب بعض آخر الی عدم اعتبار شیء فیها لا یبقی مجال لدعوی الاجمال لیکون إجماعا اصطلاحیّا تعبدیا و کاشفا عن قول المعصوم(علیه السلام)،

ص:24

الثانی دعوی ان الحکمة فی جعل الولایة للأب و الجد لیس الاّ جلب المنفعة للطفل و دفع الضرر عنه،

و الاّ فتکون لغوا.

و فیه ان هذا و ان کان تماما فی غیر الأب و الجد و لکنه لا یتم فیهما لا مکان ان تکون الحکمة فی جعل الولایة لهما ملاحظة حالهما من الشفقة الذاتیة و الرأفة الطبیعیة الموجودة فیهما بالنسبة إلی الأولاد،و انهما لا یقدمان علی ضرره و ان کان فی بعض الأحیان یفعلون فی أموال الطفل ما یرجع الی نفعهم کما ثبت ذلک فی النص أیضا کالاقتراض من مال الطفل و تقویم جاریته علی نفسه فإنه أی نفع فی ذلک للولد،بل قد ورد جواز الأکل من مال الولد مع الاحتیاج و ان کان هذا من جهة الاتفاق و لذا قیدنا هذه الجهة فی أول المطلب بان المراد فی اعتبار المصلحة فی تصرفهما التصرفات الراجعة الی غیر الأب و الجد و الاّ فیجوز لهما ان یتصرفا فی أموال الطفل تصرّفا لا صلاح و لا فساد فیه للطفل،بل للولی فقط، کالاقتراض و تقویم جاریته علی نفسه و التصرّف فیها و کیف کان لا یستفاد من حکمة الجعل الاّ کون اعتبار المصلحة فی التصرفات الراجعة الی غیر الولی لا فی التصرّفات الراجعة إلیهم،بل ثبت جواز أخذهما من مال الطفل بقدر الاحتیاج.

الثالث:الآیة المبارکة «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ»

التی هی العمدة فی المقام و قلنا فی الأمس تبعا للشیخ ان الروایات الدالة علی ثبوت الولایة للأب و الجد مقیدة للایة و مخصصة لها لکونها مطلقة من حیث اعتبار المصلحة فیها و عدم اعتبارها و انما الثابت اعتبار عدم المفسدة فی ذلک کما تقدم فلا تدلّ الآیة علی المدعی.

و فیه ان لهذا الکلام مناقشة واضحة إذ الروایات المثبتة للولایة علیهما

ص:25

علی طائفتین:- الأولی:ما دل علی کون الأب مالکا للابن و ماله.

و الثانیة:ما دل علی ثبوت الولایة لهما فی النکاح و جواز تزویجهما الولد.

اما الطائفة الأولی فبناء علی دلالتها علی مالکیة الأب و الجد للولد و ماله اما حقیقة أو تنزیلا بان یعامل معه و ماله معاملة مال نفسه،و ان لم یکن مالکا حقیقة و ان کان تماما و لکن نمنع دلالتها علی هذا کما عرفت،إذ مورد بعضها الولد الکبیر فلا شبهة فی عدم ولایتهما علیهم و علی مالهم و أیضا ثبت جواز اقتراض الولی من مال الولد و تقویم جاریته علی نفسه مع انه لا معنی لأن یقترض الإنسان من مال نفسه و ان یقوم مال نفسه علی نفسه.

و بالجملة ان السیرة العقلائیة و الشرعیة و ان اقتضت ثبوت الولایة للأب و الجد علی الأولاد و لکن السیرة القطعیة أیضا قامت علی عدم جواز المعاملة مع مال الطفل معاملة مال نفسه خصوصا الکبار منهم.

و اما الطائفة الثانیة فالإطلاق فیها تمام فی باب النکاح بالمنطوق خصوصا فی روایة الکافی یجوز أمر الأب و الجد فی النکاح من غیر تقیید، بکونه صلاحا له فنتعدی الی غیر باب النکاح بالأولویة کما عرفت بل تلک الأولویة منصوصة فإنه علیه السلام بعد ما سئل عن تصرّف الولی فی مال الطفل فقال فهل یجوز نکاح الولی؟قال السائل نعم،فقال علیه السلام:فکیف لا یجوز تصرّفه فی الأموال،و لکن مع ذلک لا یمکن تخصیص الآیة بها لا من جهة الإشکال فی الإطلاقات و منع تحققها،بل من جهة ان الکلام فی مقدار ثبوت الولایة بها و جواز تصرفاتهم أی الأولیاء فی مال المولی علیه فان الظاهر من الآیة أن التصرفات الغیر الحسن لیست بجائزة و إطلاقات الروایات جوازها

ص:26

مع عدم المفسدة فیها فیقع التعارض فی مورد لیس فیه صلاح للولد و لا فیه مفسدة و لیس راجعا إلی الولی أیضا کالاقتراض و نحوه لما عرفت جوازه بالنسبة إلی الولی.

اذن فلا یمکن المساعدة علی ما ذهب الیه المصنف من القول بالتخصیص و لکن للمناقشة فی ذلک أیضا مجال واسع لمنع دلالة الآیة علی ثبوت الولایة و کونها أجنبیّة عن المقام نعم لو کانت دالة فالأمر کما ذکرناه من العموم من وجه.

و توضیح منع الدلالة بعد ما لم نجد روایة فی تفسیر الآیة و لا تعرضا لها فی آیات الاحکام ان الظاهر الآیة هو النهی تکلیفا فی التسلط علی مال الیتیم و تملّکه و اکله بالباطل و ذلک لما ذکرنا فی بحث التفسیر ان النهی عن التقرّب یختلف باختلاف الموارد فإذا تعلق بالافعال نظیر« لا تَقْرَبُوا الزِّنی و لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ »و نحوهما یقید حرمة الفعل و کونه بنفسه محرّما و إذا تعلق بالأعیان یدلّ علی عدم التسلط علیها و حرمة أکلها و مبغوضیّة تملکها اذن فالنهی عن التقرب بمال الیتیم نهی تکلیف لا نهی وضعی یقید عدم نفوذ التصرّف کالبیع و الشراء و المراد بالباء هو باء السببیة نظیر الباء الذی قلنا بالسببیّة فیه فی آیة«التجارة عن تراض»و المراد بالتی لیس هو التقرب و الاّ لما کان وجه للتأنیث،بل هی إشارة إلی الطریقة الوسطی الإسلامیة أو الی الشریعة الواضحة المحمدیة کما عبّر عن ذلک فی آیة أخری بالمعروف و نهی عن أکل مال الیتیم الاّ بالمعروف و علیه فتکون الآیة نظیر آیة التجارة نهیا عن أکل المال بالباطل إلاّ بالطریقة الوسطی و بالأسباب الشرعیّة فلا تکون مربوطا بالبیع و الشری و بجهة الولایة و انما ذکر الیتیم هنا لکون أکل المال بالباطل من مال الیتیم کثرا لعدم الدافع عنه کما ذکر ذلک

ص:27

فی بعض التفاسیر أیضا،بل لا بد من إحراز من یجوز له التصرف لیکون تصرفه بوجه حسن و بالطریقة الوسطی من الخارج فلا شبهة فی دلالة المطلقات علی ثبوت الصغری و من له التصرف للأب و الجد فتکون تصرفاتهم من الطریقة الوسطی و بالشریعة الحسنة.

و لو تنزلنا عن تخصیص الآیة بالنهی عن التقرب التکلیفی و أردنا من ذلک مطلق النهی أعم من التکلیفی و الوضعی،بأن یکون المراد بها النهی عن التقرب بأموال الیتیم تکلیفا و وضعا و یکون ذلک التقرب حراما تکلیفا و غیر نافذ وضعا فأیضا تکون الآیة خارجة عن صحة البیع من الولی مع المصلحة أو بدونه و تصرفات الولی لما ذکرناه من الوجه من کون المراد بالباء السببیة و من التی الطریقة الوسطی و الشریعة دون التصرّف الحسن فی مال الیتیم فأی شخص یجوز له التصرف و أی شخص لا یجوز له ذلک،فلا بدّ و ان یحرز من الخارج اذن فالروایات محرزة لذلک کما عرفت.

و بالجملة فالاستدلال بالایة انما یتوقف علی مقدمتین علی سبیل منع الخلو کلتاهما ممنوعة:- الأولی:إرادة النهی التکلیفی من النهی عن التقرب بمال الیتیم و قد عرفت ضعفه.

و الثانیة:ان یراد بالتی هی أحسن التصرّف الحسن لیدلّ علی جواز التصرف للولی فی مال الطفل عند وجود المصلحة له،و قد عرفت منعه أیضا اذن فلا یبقی للآیة دلالة علی المدعی فضلا عن القول بالتخصیص بالروایات أو إیقاع المعارضة بالعموم من وجه،بل هی أجنبیّة عن جهة الولایة بالمرة فضلا عن تلک القیل و القال فافهم.

الجهة الخامسة:هل الحکم مختص بالجد الدانی أو یعم العالی أیضا؟

ص:28

فالظاهر الإطلاقات هو الثانی،إذ لم یفصّل فیها بین العالی و الدانی بل مقتضی قوله(علیه السلام)فی روایة الکافی یجوز أمر الأب و الجد و کذا غیره عدم الفرق بین الأجداد و ان الجد و ان علا یشارک الأب فی الولایة عرضا علی ان مقتضی الأخبار المتقدمة الدالة علی ثبوت الولایة للأب معللا بأنک و مالک لأبیک فإن الظاهر منها بحسب الاستغراق ان کل أب مالک لابنه و ماله انما سری الحکم فکل أب عال مالک للأب النازل و ما فی یده،لکن الأب النازل مالک لابنه و ماله بالقیاس استثنائی فیکون الأب العالی أیضا کک و بالجملة فالعمدة فی المقام هو الإطلاقات و الزائد عن ذلک مؤیدات.

الجهة السادسة:فی انه إذا فقد الأب فهل الحکم بولایة الأجداد

عرضی

فلکل واحد منهم ولایة فی عرض الأخر أو طولی بمعنی ان الأقرب منهم یمنع الاّ بعد ربما یتوهّم الثانی لایة الإرث «أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ» فکما ان الجد الأقرب الی المیت یمنع عن الأبعد فی الإرث فکک هنا أیضا و لکن الظاهر ان الآیة واردة لحکم الإرث و لا تشمل الولایة فکل منهما مقام غیر مربوط بالاخر،بل مقتضی الإطلاقات فی باب النکاح أیضا عدم الفرق فی ذلک و کون کلهم مشترکین فی ثبوت الولایة لهم فی عرض الأخر مع وجود الأب و فقده خصوصا روایة الکافی یجوز أمر الجد و الأب فی النکاح و لم یوقف ولایة الجد علی عدم الأخر مع عدم الأب أو مع وجوده و کک فی الإطلاقات الأخر و هذا مما لا اشکال فیه و إنما الکلام فی نفوذ ولایة الجد مع عدم الأب حیث انه ذکر ثبوت الولایة فی المطلقات للجد مع الأب فیمکن الحدس منها انه مع فقد الأب لیس للجد ولایة علی الطفل أصلا.

و بالجملة ان الکلام فی الجد یقع فی جهات ثلاثة:
الاولی:فی انه هل

ثبت الولایة لغیر الجد الأدنی من الأجداد

أو یختصّ الحکم بالجد الأدنی

ص:29

أو یعم الأجداد الأعلون أیضا مورد بعض الروایات الدالة علی ثبوت الولایة للجد و ان کان هو الجد الأدنی کالروایة الدالة علی تقدیم تزویج الجد علی الأب و بعضها الأخر و لکن إطلاق جملة منها علی مطلق الأجداد لا ینکر کروایة الکافی یجوز أمر الجد و الأب الشامل لمطلق الأجداد و غیرها و ذکر الجد مع الأب لا یکون قرینة لإرادة الجد الأدنی فقط،ففی هذه الطائفة المطلقة غنی و کفایة،بل مقتضی التعلیل لثبوت الولایة علی الأب، بأن أنت و مالک لأبیک إذ هو شامل بنحو القضیّة الحقیقیة و بعنوان الاستغراق علی کل الأجداد،بل یتأکد الحکم کلما تتصاعد الأجداد.

و بالجملة مقتضی طائفة من المطلقات هو ثبوت الولایة للأجداد الأعلون کما تثبت للجد الأدنی أیضا،و ان کان مورد بعضها خصوص الجد الأدنی الاّ ان فی غیره غنی و کفایة.

الجهة الثانیة:هل یختص ولایة الجد بحال حیاة الأب أو ثبت له

مطلقا

کما هو المشهور بین المتأخرین و لو فی حال الممات أیضا مقتضی الإطلاقات هو عدم الفرق بین حال الحیات و حال الممات،کروایة الکافی و غیرها،بل مقتضی التعلیل بقوله أنت و مالک لأبیک هو ذلک أیضا فلا وجه لتخصیصها بصورة الحیات،نعم یظهر من روایة فضل بن عبد الملک تقییدها بصورة الحیات فقط،فان فیها سئل عن تزویج الجد ابنة ابنه فقال علیه السلام إذا کان الأب حیّا و الجد مرضیّا فلا بأس،فإن الظاهر منها انه اعتبر فی ولایة الجد أمران الأول ان یکون الأب حیّا و الثانی ان یکون مرضیّا و ظاهر المرضی کونه مرضیّا فی دینه و دنیاه فتکون دالة علی اعتبار العدالة فی ولایة الجد و قد ورد هذا اللفظ فی إمام الجماعة أیضا و أرید منه العدالة فبالأولویة تثبت اعتبارها فی ولایة الأب أیضا و علیه فما تقدم منا من عدم اعتبار العدالة

ص:30

فی ولایة الأب و الجد علی الطفل بلا وجه لو صحّت الروایة حیث ورد اعتبار ها هنا و ان عللوا الحکم هناک بوجه عقلیّ کما عن الإیضاح و غیره و انه ظاهر فی عدم وجود الروایة هنا و قد نقل المجلسی فی شرح الکافی عن بعضهم اعتبار العدالة فی ولایة الأب و الجد اعتمادا علی هذه الروایة.

و الکلام فی هذه الروایة یقع من جهتین:- الاولی:فی سندها.

و الثانیة:فی دلالتها.

اما الاولی فسند الروایة من غیر جهة جعفر بن سماعة بن موسی و ان کان تمام لکونهم ثقات و ان کان بعضهم واقفیّا رمی الروایة المجلسی إلی الضعف من جهة الوقف و اما جعفر بن سماعة فهو ضعیف فتکون ضعیفا من جهته و فی الرجال الکبیر اتحاده مع جعفر بن محمد بن سماعة المسلم الوثاقة و انما حذف لأجل الاختصار و علیه فتکون الروایة موثقة و قیّد بها جمیع المطلقات مع ثبوت دلالتها و تختصّ ولایة الجد بصورة حیاة الأب.

و لکن هذا فاسد فیکفی فی نفی الاتحاد و ضعف الروایة مجرد احتمال التعدد.

و بعبارة اخری انما یجوز العمل بالروایة مع ثبوت وثاقته فبدون الإحراز لا یجوز العمل بها،فمجرّد کون جعفر بن محمد بن سماعة ثقة لا یوجب کون جعفر بن سماعة أیضا ثقة للاتحاد لاحتمال ان یکون هنا جعفران أحدهما ابن السماعة و الأخر ابن ابنه،فهو لیس ببعید اذن،فالروایة ضعیفة السند کما فی المرات شرح الکافی.

الجهة الثانیة:فی دلالتها و قد وقع الخلاف فی ان المفهوم فی قوله علیه السلام إذا کان الأب حیّا جاز،هل هو مفهوم الشرط أو هو مفهوم الوصف

ص:31

فحکی الأول عن صاحب الجواهر و الثانی عن غیره،و ان کان الثانی بأن یکون ثبوت الولایة للجد بوصف التزویج لابنه،فإذا انتفی الوصف انتفی الولایة إذا القید جاء لبیان تحقق الموضوع فلیس من قبیل مفهوم الشرط فإنه مثل ان رزقت ولدا فاختة فلا مفهوم فی الروایة لتدل به علی عدم الثبوت عند موت الأب و ان کان من قبیل مفهوم الشرط فتدلّ علی ذلک و قد اختار شیخنا المحقق الأول و أشکل فی المفهوم الشرط من جهة القید جیء به لبیان تحقق الموضوع و ان نفوذ العقد و جوازه فیما إذا کان الجد یزوج و مع عدم الزواج فلیس هنا عقد حتی ینفذ أو لا ینفذ فیکون سالبة بانتفاء الموضوع نظیر ان رزقت ولدا فاختة و ان رکب الأمیر فخذ رکابه و أمثال ذلک و الظاهر ان المقام من قبیل مفهوم الشرط و مع ذلک لا یدلّ علی المقصود و توضیح ذلک ان القید فی القضیة الشرطیّة تارة یجیء لبیان تحقق الموضوع فقط کقولک ان رکب الأمیر فخذ رکابه ان رزقت ولدا فاختنة فمع عدم الرکوب و الارتزاق لا موضوع للحکم أصلا فضلا عن ثبوت المفهوم.

و اخری یکون القید مولیّا وجئ به بعنوان المولویّة کقولک ان جاء زید فأکرمه إذا المجیء قید للإکرام و لکنه لیس بالتکوین،بل بالمولویّة فهذا لا شبهة فی ثبوت المفهوم فیه و دلالة انتفاء القید علی انتفاء الحکم.

و ثالثة تکون القضیّة الشرطیّة مرکبة من أمرین أی یکون فیها قیدین أحدهما مولوی و الأخر تکوینیّ کما إذا قال ان رزقت ولدت و کان متصفا بوصف کذا فتصدّق بدرهم فان قید الارتزاق تکوینی و لکن قید اتصافه بوصف کذا مولوی فبالنسبة إلی القید الذی لبیان الموضوع فلا مفهوم لها،و اما بالنسبة إلی القید المولوی فللقضیّة مفهوم و هذه کبری کلیّة قد نقّحناها فی الأصول و المقام من هذا القبیل فان قوله علیه السلام ان زوّج الجد ابنة ابنه

ص:32

و کان أبوه حیّا بالنسبة إلی قید التزویج،فالقضیة سیقت لبیان الموضوع فلا مفهوم لها مع انتفاء القید و اما بالنسبة إلی القید الأخر و هو کون الأب حیّا و الجد وصیّا فالقید مولوی فتدل علی المفهوم فینتفی الحکم عند انتفاء القید اذن فلا وجه للإشکال علی الروایة من ناحیة مجیء القید لبیان تحقق الموضوع.

بل الوجه فی عدم دلالتها علی المفهوم و علی اعتبار حیاة الأب فی ثبوت الولایة للجد هو ان القید أعنی کون أبوه حیّا لم یذکر مولویّا و لتقیید الولایة و تخصیصها بخصوص حیاة الأب بل ذکر للتنبیه علی خلاف العامة من تخصیصهم ولایة الجد بصورة موت الأب و انه مع وجود الأب لا تصل النوبة إلی الجد،فهذا الذی ذکرناه و ان کان فی نفسه خلاف الظاهر من الروایة و لکن مع ملاحظة ما التزم به العامة و ملاحظة الروایات الأخر حیث صرح فیها بولایة الجد مع حیاة الأب تکون الروایة واضحة الدالة علی المدعی.

الجهة الثالثة:هل تختص الولایة بعد موت الأب بالجد الأدنی أو

یعم الجد الأعلی أیضا،

الظاهر عدم الفرق فی ذلک بین حیاة الأب و مماته فان ثبت الحکم لجمیع الأجداد ثبت مطلقا،و الاّ فلا،الظاهر هو الأول لوجود المقتضی و عدم المانع،اما الأول فلان إطلاقات باب النکاح مع التعلیل المذکور فی الروایات من قوله علیه السلام أنت و مالک لأبیک عدم الفرق بین الأجداد فی ذلک و اما عدم المانع فلأن ما توهم من المانع لیس الاّ قوله تعالی وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللّهِ فعموم الآیة یشمل الولایة أیضا فتثبت الولایة علی الأجداد عند موت الأب بالطول و ان کانت ثابتة حال الحیاة بالعرض للإطلاقات المقیدة لعموم الآیة و لکن بعد الموت فلا مقید فتخصص الحکم بالجد الأدنی الدالة علی ثبوتها لمطلق الأجداد مطلقا سواء کان الأب حیا أو میتا،و فیه أن الآیة وردت فی الإرث

ص:33

فلا یجوز التمسک بها فی المقام مع ما عرفت.

الکلام فی ولایة الفقیه

قوله(ره)من جملة أولیاء التصرف فی مال من لا یستقل بالتصرف، أقول و قبل الخوض فی المسألة لا یخفی أن الإفتاء من مناصب الفقیه،بل یجب له الإفتاء مع الرجوع الیه و اجتماع شرائط الإفتاء فیه کما یجب له القضاء بل هو من شئون الإفتاء و هذا مما لا شبهة فیه،و انما الکلام فی التکلم فی مقامین علی ما تکلم فیهما المصنف.

و بعبارة أخری

ان للفقیه ثلاثة مناصب،
أحدها الإفتاء فیما یحتاج الیه

الناس فی عملهم

و مورده المسائل الفرعیة و الموضوعات الاستنباطیة و هذا مما لا شبهة فی وجوبه علی الفقیه إذ للمکلف اما یجب ان یکون مجتهدا أو مقلدا أو عاملا بالاحتیاط،فإذا رجع المقلد الی الفقیه یجب علیه الإفتاء نعم بناء علی عدم وجوب التقلید لا یجب الإفتاء و تفصیل الکلام موکول الی باب الاجتهاد و التقلید.

الثانی:الحکومة و القضاوة

فلا شبهة فی ثبوت هذا المنصب له أیضا بلا خلاف کما بیّن فی بحث القضاوة.

الثالث:ولایة التصرف فی الأموال و الأنفس

و یقع الکلام هنا فی جهتین:

الاولی:استقلال الولی بالتصرف فی مال المولی علیه أو فی نفسه مع قطع النظر عن کون غیره أیضا مستقلا فی التصرف فی ذلک و عدمه و توقف تصرّفات ذلک الغیر علی اذن الولی و عدمه.

الثانیة:فی عدم استقلال الغیر فی التصرف فی أموال المولی علیه و أنفسهم و انما هو متوقف علی اذن الولی من الحاکم أو غیره سواء کان الموقوف

ص:34

علیه أیضا مستقلا فی التصرف أو لم یکن،و المرجع فی ذلک الی کون نظره شرطا فی تصرّفات الغیر و ان لم یکن هو أیضا فی نفسه مستقلا فی التصرف فی أمواله و نفسه و بین الجهتین عموم من وجه ثم لا بأس بصرف عنان الکلام إلی ولایة النبی و أوصیائه تبعا للعلامة الأنصاری(ره)و یقع الکلام فیه فی جهتین کما تقدم.

أما الکلام فی الجهة الاولی و کونهم مستقلین فی التصرف فالکلام فیها من جهات أربعة:- الاولی:فی ولایتهم التکوینیة.

الثانیة:فی ولایتهم التشریعیة.

الثالثة:فی نفوذ اوامرهم فی الأحکام الشرعیة الراجعة إلی التبلیغ و وجوب تبعیتهم.

الرابعة:فی وجوب اطاعة أوامرهم الشخصیة.

أما الجهة الأولی أی فی ولایتهم التکوینیة.

فالظاهر أنه لا شبهة فی ولایتهم علی المخلوق بأجمعهم کما یظهر من الاخبار لکونهم واسطة فی الإیجاد و بهم الوجود،و هم السبب فی الخلق،إذ لولاهم لما خلق الناس کلهم و انما خلقوا لأجلهم و بهم وجودهم و هم الواسطة فی إفاضة،بل لهم الولایة التکوینیة لما دون الخالق،فهذه الولایة نحو ولایة اللّه تعالی علی الخلق ولایة إیجادیة و ان کانت هی ضعیفة بالنسبة إلی ولایة اللّه تعالی علی الخلق و هذه الجهة من الولایة خارجة عن حدود بحثنا و موکولة إلی محله.

و اما الجهة الثالثة أعنی وجوب إطاعتهم فی الأحکام الراجعة إلی

التبلیغ

فهی قضیّة قیاستها معها إذا بعد العلم بأن الأحکام الإلهیة لا تصل الی کل احد بلا واسطة و ان النبی صادق انما نبأ عن اللّه تعالی فلا مناص من وجوب اطاعته و حرمة المعصیة وجوبا شرعیا مولویا فهذه الجهة

ص:35

أیضا غنیة عن البیان،

أما الجهة الرابعة فالظاهر أیضا عدم الخلاف فی

وجوب اطاعة اوامرهم الشخصیة

التی ترجع الی جهات شخصهم کوجوب اطاعة الولد للوالد مضافا الی الإجماع و ان لم یکن تعبدیا لاستناده الی الاخبار و الایات التی تدل علیه،اما الآیة فقوله تعالی أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ .

إذ الظاهر منها کون کل منهم بعنوانه واجب الإطاعة و مفترض الطاعة و کون اطاعة کل منهم اطاعة للّه لأمره تعالی علی ذلک لا من جهة کون إطاعتهم متفرعة اطاعة اللّه لیکون الأمر للإرشاد و یخرج عن المولویة.

و الاستشکال هنا من جهة الآیة و غیرها من الأدلة ناظرة إلی وجوب الإطاعة فی الجهات الراجعة إلی الإمامة دون شخصهم و شئونهم.

و فیه ان الأدلة مطلقة من هذه الجهة فالتقیید بلا وجه نعم جهة الإمامة من الجهات التعلیلیة لا من الجهات التقییدیّة و ان کونهم اماما و نبیّا أوجبت وجوب إطاعتهم فی جمیع الجهات.

و بالجملة لا شبهة فی دلالة الأدلة علی ذلک و عدم تقییدهم بجهة الإمامة هذا و لا بأس بالاستدلال بقوله تعالی أیضا إِذا قَضَی اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً فلیس لهم الخیرة إذ حکمهم(علیه السلام)و لو بما یرجع الی شخصهم من الجهات من جملة القضاء خصوصا بضمیمة قوله تعالی فلیس لهم الخیرة.

و اما الروایات فوق حدّ الإحصاء کما ورد فی وجوب إطاعتهم و فی عدّة موارد من زیارة الجامعة ذکر ذلک و قد استدل علیه بدلیل العقل بدعوی انهم من جملة المنعمین و شکر المنعم واجب فاطاعتهم واجبة لکونها من جملة الشکر الواجب.

أقول:لا شبهة فی کونهم منعما لکونهم واسطة فی الإیجاد و الإفاضة

ص:36

بل من أقوی المنعمین و ان شکرهم واجب و ان انعامهم من جملة إنعام اللّه و ان کان ضعیفة بالنسبة إلی(النعام اللّه تعالی)انعامهم و لکن هذا الوجوب لیس وجوبا شرعیّا،بل وجوب عقلّی بمعنی ان العقل یدرک حسن ذلک و قبح ترکه و اما ان ترکه أی شیء یستتبع أ هو یستتبع العقاب فلا،بل غایته ان یستتبع منع النعمة و أخذها من المنعمین بصیغة المفعول.

و قد قلنا فی وجوب معرفة اللّه ان وجوب المعرفة شرعا لا یستفاد من الدلیل إذ لیس للعقل إلاّ الإدراک و ان تعظیمه لانعامه حسن و لکن لا یدلّ علی کونه معاقبا إذا لم یشکر بل علی حرمان النعمة فقط و ما یوجب العقاب و یستتبعه انما هو ترک الوجوب الشرعی و مخالفته.

و بالجملة لا یستفاد من الدلیل وجوب المعرفة فکیف بوجوب اطاعة الأئمة فی اوامرهم الشخصیة.

و انما قلنا بوجوب المعرفة لأجل الضرر المحتمل و العقاب المحتمل و لیس هنا ذلک لقبح العقاب بلا بیان و لا یجری ذلک فی وجوب المعرفة لعدم إمکان البیان قبل المعرفة و احتمال انه یعاقب بلا بیان ضعیفة و بالجملة العمدة فی المقام هی الآیات و الاخبار و ربما یقرّر الدلیل العقلی بوجه آخر غیر مستقل و یتم بضمّ مقدمة أخری الیه و حاصله ان الأبوة و البنوة تقتضی وجوب الطاعة علی الابن فی الجملة و الإمامة تقتضی ذلک بالأولویة علی الرعیة لکون الحق هنا أعظم بمراتب و هذا نظیر ان یقال ان الشیء الفلانی مقدمة للشیء الفلانی فمجرّد ذلک لا یکفی فی الوجوب و یتم ذلک بضم مقدمة أخری من ان المقدمة واجبة.

و فیه انه علی تقدیر تمامیة ذلک کما لا یبعدان یکون کذلک بل ورد فی الروایة ان الرسول(صلی الله علیه و آله)سئل عن شخصی تحبنی أکثر من أبیک أو تحب

ص:37

أبیک أکثر منی،فقال أحبک أکثر من ابی الی ان قال تحبی أکثر من اللّه فقال إنما أحبک للّه فاستحسنه الرسول(صلی الله علیه و آله)الاّ انّ اطاعة الأب لیست بواجبة فی جمیع الأمور فلا یثبت بذلک الاّ وجوب الإطاعة فی الجملة،بل یمکن منع ذلک أیضا لاحتمال الخصوصیة هنا لأجل قرب الخصوصیة و من هنا لو أوجب احد إسلام شخص فلا یلزم من ذلک کونه واجب الإطاعة علی المسلم مع انه أوجب حیاته إلا بدیة و الأب أوجب الحیاة الجسدیة فقط لیس الاّ.

و بالجملة لا یدل هذا أیضا علی کونهم(علیه السلام)واجب الإطاعة فی اوامرهم الشخصیة فالعمدة هی ما عرفته من الایات و الروایات کما لا یخفی فراجع الی مظانها،بل عقد لذلک بابا فی الوافی و فیها انه(صلی الله علیه و آله)قال ان الناس عبید لنا بمعنی انهم عبید فی الطاعة لا کعبید آخر لیباع أو یشتری فراجع،و فیها ان الأئمة مفترض الطاعة و ظاهر الفرض الوجوب المولوی لا الوجوب الإرشادی.

الجهة الثانیة فی ولایتهم التشریعیة

بمعنی کونهم ولیّا فی التصرف علی أموال الناس و أنفسهم مستقلا،فالظاهر أیضا لا خلاف فی ولایتهم علی هذا النحو و کونهم اولی بالتصرف فی أموال الناس و رقابتهم بتطلیق زوجتهم و بیع أموالهم و غیر ذلک من التصرّفات و یدلّ علی ذلک قوله تعالی اَلنَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فإن الظاهر من الأولویة الأولویة فی التصرف و کونهم ولیّا لهم فی ذلک لا بمعنی آخر،و قوله تعالی إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ و معنی الاولی بالتصرّف لیس هو جواز تصرفهم بغیر الأسباب المعدة لذلک و مباشرتهم علی غیر النسق الذی یباشر المالک علی هذا النسق،بل معناه کونهم أولی فی التصرف بالأسباب المعیّنة و مباشرتهم

ص:38

بالأسباب التی یباشر بها الملاک بان یطلّق الامام زوجة شخص ثم یزوجها بعقد النکاح اما لنفسه أو لغیره أو یتصرّف فی دار الغیر ببیعها لشخص آخر،أو تصرفه فیها بنفسه،بل هذا ثابت بالروایات المتواترة و فی خطبة حجة الوداع من کنت مولاه فهذا علی مولاه الست أولی بالمؤمنین من أنفسهم قالوا بلی،بل فی صحیح الترمذی و روی عنه الجامع الصغیر و فسّره الذی للسیوطی فی فضائل علی علیه السلام انه(علیه السلام)کان فی بعض الحروب أخذوا أساری و کانت فیهنّ جاریة حسناء فاختص بها علی علیه السلام فوقع جماعة فی الوسوسة و إذا رجعوا إلی النبی(صلی الله علیه و آله)قبل ان ینزع الاولی لامة حربه مشی إلی النبی(صلی الله علیه و آله)و کان رسمهم علی المشی إلیه(صلی الله علیه و آله)قبل الذهاب الی بیوتهم إذا رجعوا عن الحرب فشکی عن علیّ(علیه السلام)ان الجاریة کانت فیئا للمسلمین فاختصّ بها علیّ(علیه السلام)فسکت النبی(صلی الله علیه و آله)ثم جاء الثانی کالأول، فسکت النبی(صلی الله علیه و آله)ثم جاء الثالث فغضب النبی(صلی الله علیه و آله)و قال ماذا تریدون من علی،فإنه ولی بعدی أی بعدیة رتبیّة فانی اولی بالناس من أنفسهم یدل علی ولایة علی(علیه السلام)لجمیع الناس نفسا و مالا و من هنا قال فی جامع الصغیر انّ هذا أفضل منقبة لعلیّ علیه السلام.

و بالجملة لا شبهة فی ولایتهم و استقلالهم فی التصرف علی أموال الناس و أنفسهم و توهم کون السیرة علی خلاف ذلک و ان الأئمة لم یأخذوا مال الناس بغیر المعاملات المتعارفة بینهم فلا یجوز ذلک للسیرة فاسد و ذلک من جهة ان غیر الأمیر المؤمنین علیه السلام لم یکن متمکنا من العمل بقوانین الإمامة بل کانوا تحت أستار التقیة،بل الأمیر أیضا فی کثیر من الموارد و کان فی غیر موارد التقیة لم یفعل ذلک لأجل المصلحة و عدم الاحتیاج الی مال الناس و الاّ فلا یکشف عدم الفعل علی عدم الولایة کما لا یخفی،هذا کله

ص:39

ما یرجع الی المقام الأول أعنی الولایة بمعنی الاستقلال فی التصرف.

و اما الجهة الثانیة أعنی الولایة بمعنی توقّف تصرّف الغیر علی اذن

الامام علیه السلام

فنقول تارة دلّ الدلیل علی توقف جواز التصرف للغیر علی اذن الامام(علیه السلام)و عدم جوازه بدونه کباب الحدود و نحوها.

و اخری یکون هنا إطلاق یدلّ علی اشتراطه باذنه کالقصاص و التقاص و قتل النفس للحد و اجراء الحدود و التعزیرات الی غیر ذلک من التصرفات فإن إطلاق أدلة تلک الأمور یدل علی حرمة إیذاء الغیر و عدم جواز التصرف فی مال الغیر و نفسه و هکذا و هکذا فنتیجة ذلک هو الاشتراط بإذن الإمام علیه السلام و عدم جواز التصرف فی أمثال ذلک إلا باذنه.

و ثالثة:یقتضی الإطلاق عدم الاشتراط کما إذا شککنا فی اشتراط صلاة المیت بإذن الإمام(علیه السلام)فان مقتضی الإطلاق هو وجوبها لکل أحد کفایة بلا اشتراط باذنه(علیه السلام)و ینفی الاشتراط بالإطلاق و لو مع التمکن منه و لا یدل علی الاشتراط قوله السلطان أحق بذلک،فإنه فیما کان السلطان حاضرا وراء ان یصلی فلیس لأحد ان یمنع من ذلک حتی الوارث لکونه أحق بذلک فلا دلالة فیه ان اقامة صلاة المیت مشروطة بإذن الإمام حتی مع التمکن من ذلک.

و بالجملة لو کان هنا دلیل دلّ بصراحته علی الاشتراط أو دلّ بإطلاقه علی ذلک أو علی عدمه فیکون متبعا و الأجل ذلک فالتزم المصنف(ره)بإجراء أصالة عدم الاشتراط و کون ذلک مخالفا للأصل و انه یقتضی عدم الاشتراط.

و الذی ینبغی ان یقال ان کان هنا یمکن الوصول الی الامام(علیه السلام)و سؤال حکم القضیة عنه(علیه السلام)أو عن نائبه الخاص لکون ذلک مما یسئل عنه لکونه من الأحکام الشرعیة فیها و الاّ فیکون الأصل بحسب الموارد مختلفا فإنه ان کان

ص:40

هنا تکلیف مجمل مردد بین ان یکون واجبا منجزا أو واجبا مشروطا بإذن الإمام(علیه السلام)فمقتضی الأصل هنا عدم الوجوب لانه لا یعلم وجوبه فیدفع بالبراءة.

و ان کان الوجوب منجزا و لکن نشک فی اعتبار اذنه(علیه السلام)فی صحته کصلاة المیت مثلا للعلم بوجوبه علی کل احد و لکن نشک فی صحته بدون اذن الامام (علیه السلام)أو نائبه الخاص،فالأصل عدم الاشتراط فیکون واجبا مطلقا.

و بالجملة لیس مفاد الأصل العملی فی جمیع الموارد علی نسق واحد، بل نتیجته فی بعض الموارد هو الاشتراط و فی بعض الموارد عدم الاشتراط کما لا یخفی،فما ذکر المصنف من کونه علی نسق واحد لیس علی واقعه.

قوله انما المهم التعرض لحکم ولایة الفقیه بأحد الوجهین المتقدمین أقوله و الغرض الأقصی انما هو بیان ولایة الفقیه بأحد الوجهین المتقدمین و قد عرفت ان الکلام فی ولایة النبی(صلی الله علیه و آله)و أوصیائه من جهات ثلاث من حیث وجوب طاعته فی الأحکام الشرعیة و تبلیغها و من حیث وجوب طاعته فی أوامره الشخصیّة و من حیث کونه ولیّا فی أنفس الناس و أموالهم،و الظاهر انه لم یخالف أحد فی انه لا یجب اطاعة الفقیه الاّ فیما یرجع الی تبلیغ الأحکام بالنسبة إلی مقلده،و لکل الناس لو کان اعلم و قلنا بوجوب تقلید الأعلم و اما فی غیر ذلک بان یکون مستقلا فی التصرف فی أموال الناس و کانت له الولایة علی الناس بان یبیع دار زید أو زوّج بنت احد علی أحد أو غیر ذلک من التصرفات المالیة و النفسیّة فلم یثبت له من قبل الشارع المقدس مثل ذلک نعم نسب الی بعض معاصری صاحب الجواهر انه کان یقول بالولایة العامة للفقیه و کونه مستقلا فی التصرف فی أموال الناس و أنفسهم و اجتمع معه فی مجلس و قال صاحب الجواهر زوجتک طالق،فقال المعاصر ان کنت متیقنا باجتهادک لاجتنبت من زوجتی و کیف کان فلا دلیل لنا یدلّ علی ثبوت

ص:41

الولایة المستقلة و الاستقلال فی التصرّف للفقیه الا ما توهم من بعض الروایات منها ما دلّ علی ان العلماء ورثة الأنبیاء و ان الأنبیاء لم یورّثوا دینارا و لا درهما،و لکن ورثوا احادیث من أحادیثهم فمن أخذ بشیء منها أخذ بحظ وافر بدعوی ان الولایة علی أموال الناس و أنفسهم من جملة ترکه الأنبیاء للعلماء فکما لهم ذلک فللعلماء أیضا ذلک.

و فیه أولا ان الوارثة انما تکون فی أمور قابلة للانتقال فما لا یقبل الانتقال لا تقبل الوارثة کالشجاعة و السخاوة و العدالة و غیرها من الأوصاف الغریزیة و النفسیة و ثانیا لم نحرز کون الولایة من قبیل ما تقبل التوریث علی ان الولایة العامة علی القول بثبوتها للفقیه انما هی مجعولة له من قبل الأئمة لا منتقلة إلیهم بالتوریث فلا یمکن إثباتها للفقهاء بمثل هذه الروایات و ثالثا:ان الولایة خارجة عن حدودها تخصصا و ذلک من جهة أنها ناظرة إلی أن شأن الأنبیاء لیس ان یجمعوا درهما و لا دینارا و لیس همهم و حرصهم الی ذلک و جمع الأموال بل حرصهم ان یترکوا الأحادیث و صرحوا (علیهم السلام)بذلک و ان المتروک أی شیء فی بعض الروایات و قال لکن ورثوا الأحادیث و من أخذ منها فإنما أخذ بحظّ وافر و لیست هی ناظرة إلی ان الأنبیاء لم یترکوا شیئا أصلا من الدار و الثیاب،بل لا ینافی بترک درهم و درهمین إذ لیس ذلک من قبیل الحرص بجمع المال و الاّ فالائمة علیهم السلام کانوا یتملکون الدار و الثیاب و یورّثوها للورّاث.

و بالجملة لیست هذه الروایات ناظرة إلی جهة توریث الولایة،بل هی خارجة عنها تخصصا و انما هی ناظرة إلی توریث احادیث و الاخبار و من هنا ظهر ما فی الاستدلال بقوله(علیه السلام)و العلماء أمناء اللّه فی حلاله و حرامه فان الامانة و الاستیداع منهم لا یقتضی کونهم ولیّا من قبلهم فی التصرف فی

ص:42

أموال الناس و أنفسهم.

بل یمکن ان یراد من تلک الاخبار کون المراد من العلماء هم الأئمة و الأوصیاء علیهم السلام لکونهم هم العلماء بالمعنی الحقیقی،فمع دلالة تلک الاخبار علی کون العلماء ورثة الأنبیاء عن التصرف فی أموال الناس و أنفسهم فلا دلالة فیها لکونها ثابتة للفقیه أیضا،فنعم الدلیل الحاکم قوله علیه السلام نحن العلماء و شیعتنا المتعلمون،اذن فیمکن دعوی ان کلّما ورد فی الروایات من ذکر العلماء فالمراد منهم الأئمة علیهم السلام الاّ إذا کانت قرینة علی الخلاف کما فی الروایة التی سئل الفرق فیها بین علماء هذه الأئمة و علماء الیهود و غیرها مما قامت القرینة علی المراد بان العلماء هم الشیعة و الفقهاء،و أظهر من جمیع من ارادة الأئمة من العلماء قوله(علیه السلام) مجاری الأمور فی ید العلماء باللّه فان العلماء باللّه لیس غیر الأئمة(علیه السلام) بل غیرهم العلماء بالحلال و الحرام من الطرق الظاهریة و مع قبول شمول العلماء باللّه للفقیه أیضا فلا دلالة فیها علی المدعی،إذ المراد من ذلک کون جریان الأمر به لا یکون إلاّ فی ید الفقیه بحیث لولاه تقف الأمر فهو لا تکون إلا فی توقف الأمر بدونها الحلال و الحرام نعم قد یکون للفقیه التصرف فی أموال الناس کالیتیم و المجنون و نحوهما و هذا غیر ما نحن فیه.

و أما الروایات الدالة علی ان علماء أمتی کأنبیاء بنی إسرائیل،و فی الفقه الرضوی بمنزلة أنبیاء بنی إسرائیل فهی ناظر الی وجوب تبعیة الفقهاء فی التبلیغ و التنزیل من هذه الجهة بعد القطع بأنه لم یرد التنزیل من جمیع الجهات،بل فی الجهات الظاهرة فهی هذه کما فی زید کالأسد إذ هو فی شجاعته لا فی جمیع الجهات حتی فی أکله المیتة مثلا و النکتة فی ذلک واضحة إذ أنبیاء بنی إسرائیل لم یکن کلّهم نبیّا لجمیع الناس و رسولا عاما

ص:43

بل کان بعضهم نبی بلده و بعضهم نبیّ محلته و بعضهم نبی مملکة نظیرهم فی ذلک العلماء و انه یجب لکل قوم ان یتبع عالمه کما کان الواجب لبنی إسرائیل أن یتبعوا نبیّهم فی التبلیغ و یمکن ان یکون التنزیل فی الشرافة و الثواب و الأجر و انهم مثلهم و هذا أمر واضح لو لاحظت التعلیم و التعلمات العرفیة لجزمت بذلک مثلا فتلمیذ المدرسة الثانیة لعلو المدرسة أعلم من معلم المدرسة الابتدائیة و هکذا فالفقهاء و ان کانوا فقهاء و تلامذة المدرسة المحمدیة مثل معلم الأمة السابقة من الأنبیاء لعلو هذه المدرسة،بل بعضهم أفضل من بعض هؤلاء الأنبیاء و بالجملة و التنزیل فی هذه الروایة من هذه الجهة و هذا هو الظاهر.

و اما قوله(صلی الله علیه و آله)اللهم ارحم خلفائی،قیل و من خلفائک یا رسول اللّه؟ قال:الذین یأتون بعدی،فإن الظاهر من ذلک خلیفتهم فی نقل الروایة و الحدیث کما قال(صلی الله علیه و آله)و یروون حدیثی و سنتی لا ان المراد من الخلافة، الخلافة فی التصرّف فی أموال الناس و أنفسهم فهی أیضا خارجة عن المقام و الحاصل:لیست فی شیء من هذه الروایات دلالة علی کون الفقیه مستقلا فی التصرف فی أموال الناس و ان کان له ذلک فی بعض الموارد، کالطفل و نحوه،و لکنه انما ثبت له بأدلة أخری کما لا یخفی فافهم،و انه لیسوا ممن یجب إطاعتهم فی أوامرهم الشخصیة.

و أما ما ذکره المصنف من قوله(علیه السلام) فی النهج البلاغة أولی الناس بالأنبیاء أعلمهم بما جائوا ان اولی الناس بإبراهیم للذین اتبعوه،إذ الظاهر من ذلک شموله بالولایة و استقلالهم فی التصرّف فی أموال الناس و أنفسهم.

فالظاهر کونها أجنبیة عن المقام إذ الأولویة لا تقتضی الولایة و ثبوت ما للمتبوع بأجمعه للتابع.

ص:44

و کذلک لا دلالة فی قوله عجل اللّه تعالی فرجه هم حجتی علیکم و انا حجة اللّه،إذ الظاهر من الحجّیة هی الحجیّة فی الاحکام،و اما الولایة فی التصرف فلا معنی للحجیة فی ذلک،فلا ملازمة بین الحجیة و الولایة بوجه.

و أما المقبولة قال فسألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن رجلین من أصحابنا تنازعا فی دین أو میراث،فتحاکما الی السلطان أو الی القاضی أ یحل ذلک الی أن قال قد جعلته علیکم حاکما و فی ذیله ینظر من کان منکم قد روی حدیثنا و نظر فی حلالنا و حرامنا و عرف أحکامنا فیرضوا به حکما فانی قد جعلته علیکم حاکما،إلخ.

و قد استدل بها شیخنا الأستاذ علی المدعی و کون الفقیه ولیّا فی الأمور العامة بدعوی ان الظاهر من الحکومة هی الولایة العامة،فإن الحاکم هو الذی یحکم بین الناس بالسیف و السوط و لیس ذلک شأن القاضی و قد کان ذلک متعارف فی الزمان السابق و ان کان قد اتفق الاتحاد فی بعض الأزمنة بل الظاهر من صدرها هو کون القاضی مقابلا للسلطان و قد قرر الامام(علیه السلام) ذلک.

و فیه ان ما کان متعارفا فی الأزمنة السابقة،بل فیما یقرب الی زماننا هو تغایر الوالی و القاضی و ان القاضی من کان یصدر منه الحکم و الوالی هو المجری لذلک الحکم،و اما القاضی و الحاکم فهما متحدان و من هنا قال(علیه السلام) فی بعض الروایات جعلته علیکم قاضیا،و یدل علی اتحادهما بما فی ذیل الروایة من قوله(علیه السلام)فانی قد جعلته حاکما،إذ لو کان القاضی غیر الحاکم لم یقل انی قد جعلته حاکما،مع کون المذکور فی صدر الروایة لفظ القاضی،و العجب منه(ره)حیث أید مدّعاه بکون القاضی مقابلا للسلطان فی صدر

ص:45

الروایة مع انه لیس کک،إذ المذکور فی الصدر انه تحاکما الی السلطان أو القاضی و من البدیهی ان السلطان غیر القاضی و الحاکم و ان المرافعات قد ترفع إلی القاضی و قد ترفع الی السلطان.و لأجل ذلک ذکر فی صدر الروایة السلطان و القاضی.

فتحصّل من جمیع ما ذکرناه انه لیس للفقیه ولایة علی أموال الناس و أنفسهم علی الوجه الأول،بمعنی استقلاله فی التصرف فیهما،و من هنا اتضح انه لیس له إجبار الناس علی جبایة الخمس و الزکاة و سائر الحقوق الواجبة کما هو واضح.

و اما ولایته علی الوجه الثانی بمعنی اعتبار نظره فی جواز التصرفات فیما کان منوطا بإذن الإمام(علیه السلام)و ان تصرّفات الغیر بدون اذنه غیر جائز.

و قد استدل المصنف علی ذلک و ولایته علی هذا الوجه بالروایات المتقدمة و قد عرفت جوابها و ما أرید منها.

و استدل علیه أیضا بالتوقیع المروی فی إکمال الدین و احتجاج الطبرسی الوارد فی جواب مسائل إسحاق بن یعقوب التی ذکر إنی سألت العمری أن یوصل لی إلی الصاحب(عج)کتابا یذکر فیه تلک المسائل التی قد أشکلت علیّ فورد الجواب بخطه علیه آلاف التحیة و السلام فی أجوبتها و فیها:و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها الی رواة حدیثنا فإنهم حجتی علیکم و انا حجة اللّه،و هذه الروایة و ان کان مسبوقا و ملحوقا بجملات لم تذکر،و لکن ظاهرها عدم ارتباطها بسابقها و لاحقها بوجه و کیف استدل المصنف بذلک علی ولایة الفقیه علی الوجه الثانی بقرائن فیها تدلّ علی ذلک و بعد ارادة خصوص المسائل الشرعیة فیها ان الروایة دالة علی إرجاع نفس الحادثة إلیه(علیه السلام)لیباشر أمرها مباشرة أو استنابة لا الرجوع فی حکمها الیه.

ص:46

و فیه أنه لو کان المراد بالروایة هو ذلک لقال(علیه السلام)فارجعوها الی رواة حدیثنا و لم یقل فارجعوا فیها و من الظاهر ان الظاهر من الموجود فی الروایة أعنی هو الثانی،لیس الاّ الرجوع إلیهم فی الحکم،فان المناسب للرجوع إلیه فی الشیء لیس الاّ الرجوع إلیه فی حکمه بل هذا هو المناسب للرجوع إلی الرواة فإنهم لا یدرون الاّ حکم الواقعة و اما اعتبار إذنهم فی التصرّف فلا.

و منها التعلیل بکونهم حجّتی علیکم و انا حجة اللّه،فإنه إنما یناسب الأمور التی یکون المرجع فیها هو الرأی و النظر فکان هذا منصب ولاة الامام من قبل نفسه لا انه واجب من قبل اللّه سبحانه علی الفقیه بعد غیبة الإمام علیه السلام و الاّ کان المناسب ان یقول انهم حجج اللّه علیکم کما وصفهم فی مقام آخر بأنهم أمناء اللّه علی الحلال و الحرام.

و بالجملة لو کان المراد من ذلک هو ما یکون راجعا الی الحکم لقال(علیه السلام) انهم حجج اللّه لکون الحکم له و لکن لم یکنی کک،بل النصب فی جهة ترجع الی نفس الإمام فهی الولایة.

و فیه ما عرفت سابقا من ان الحجیة تناسب تبلیغ الأحکام الشرعیة کما فی قوله تعالی فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ و اما الولایة فلا ملازمة بینها و بین الحجیة و عدم نسبة حجیتهم الی اللّه من جهة ان الأئمة واسطة فی ذلک لعدم وصول الحکم من اللّه الی العباد بلا واسطة و ان ما یفعلون انما یفعلونه بحکم اللّه تعالی فیکون ما یکون حجّة من قبلهم حجة من قبل اللّه فلا یکون فی هذه أیضا قرینیة علی المدعی.

و منها ان وجوب الرجوع فی المسائل الشرعیة إلی العلماء الذی هو من بدیهیات الإسلام من السلف الی الخلف مما لم یکن یخفی علی أحد فضلا

ص:47

علی مثل إسحاق بن یعقوب حتی یکتبه فی عداد مسائل أشکلت علیه بخلاف وجوب الرجوع فی المصالح العامة إلی رأی أحد و نظره،فإنه یحتمل أن یکون الامام قد وکّله فی غیبته الی شخص أو أشخاص من ثقاته فی ذلک الزمان و الحاصل ان لفظ الحوادث لیس مختصا بما اشتبه حکمه و لا بالمنازعات.

و فیه ان الظاهر من الحوادث هی الفروع المتجددة التی ارجع الامام فیها الی رواة کما یقتضی ذلک الإرجاع إلی الرواة فإنّ بعض الفروع قد تکون متجددة و مستحدثة صرفة فهی من المهام المسائل التی لا بدّ و ان یسئل من الامام فقد سئل الراوی عن ذلک و مثل هذه الفروع لیس من شؤنها جهة نقص من کل شخص،و لذا سئل إسحاق بن یعقوب و ان کان من أجلا العلماء بواسطة محمد بن عثمان العمری الذی هو من السفراء الامام عن الحوادثة التی هی متجددة،فأجاب بإرجاعه إلی السفراء و العلماء.

و بالجملة ان الحوادثة المتجددة و الفروع المستحدثة مما یشکل الأمر فیها،فلا بداهة فی لزوم السؤال عنها عن الامام علیه السلام لیکون السؤال عنه لغوا کما هو واضح،فافهم.

و بعبارة اخری انه لیس کل مسألة فرعیة تقضی البداهة لزوم الرجوع فیها الی الامام فی زمانه و الی الفقهاء فی زمان الغیبة،بل منها الفروعات المستحدثة التی یشک فی ان المرجع فیها من هو،فلذا یسأل الراوی عن حکم ذلک فی زمان غیبة الکبری،إذ فی زمان غیبة الصغری یسئل عن نفس الامام بواسطة السفراء و اما فی زمان غیبة الکبری فلا،و لذا ارجع الإمام فی ذلک الزمان الی الفقهاء بالنیابة العامة و انهم و ان لم تصل إلیهم فی روایة و لکن یصلون الی حکمها و لو من الأصول و ذلک ککثیر من الفروع المتجددة فی زماننا منها مسألة اللقاح بواسطة التلقیح و ان الولد بمن یلحق و ممن یرث

ص:48

و قد استدل علی ذلک بان السلطان ولی ما لا ولی له،و فیه ان هذا لم یثبت من طرقنا کونه روایة أو قاعدة مسلمة کبعض القواعد الفقهیة،و اما من طرق العامة فعلی تقدیر ثبوته فلم ینجبر ضعفها بعمل المشهور و علی تقدیر الانجبار فلا دلالة فیه علی المقصود إذ المراد بذلک ان السلطان أولی بالتصرف من غیره،و انه ولی من لا ولی له فی التصرف فی ماله و نفسه و هذا غیر مربوط بولایة الفقیه،بوجه اذن فلا دلالة فی شیء من الروایات علی ولایة الفقیه بوجه من الوجهین من معنی الولایة.

و ربما یستدل علی ثبوت الولایة للفقیه بوجهین بتقریبین آخرین الأوّل ان الولایة فی الأمور العامة بحسب الکبری ثابتة عند العامة بالسیرة القطعیة و ان اشتبهوا فی صغری ذلک و تطبیقها علی غیر صغریاتها الاّ ان ذلک لا یضرّ بقطعیّة الکبری الثابتة بالسیرة.

و اما الصغری فهی ثابتة بالعلم الوجدانی إذ بعد ثبوت الکبری، فالأمر یدور بین تصدی غیر الفقیه علی التصرف فی الأمور العامة و بین تصدی الفقیه بذلک فیکون مقدما علی غیره.

و بالجملة نثبت الکبری بالسیرة القطعیة و الصغری بالعلم الوجدانی.

و فیه ان اشتباههم فی الصغری و ان کان مسلما و لکن نحتمل ان یکون ذلک فی الکبری أیضا کسائر مبتدعاتهم فی الدین فلم تقم سیرة قطعیة متصلة إلی زمان النبی(صلی الله علیه و آله)علی ذلک،بل یکفی مجرد الشک فی ذلک فإنه لا بدّ من دلیل قطعی یدل علی جواز التصرف فی أموال الناس و اعراضهم و أنفسهم.

و التقریب الثانی ما عن بعض المعاصرین ان یقال ان ما هو مسلم عند العامة من القول بالولایة العامة مذکور بحسب الکبری فی التوقیع الشریف

ص:49

فان المذکور فیه انه تحاکما الی السلطان أو القاضی فهو بصراحته یدل علی ذلک فنحکم بثبوت تلک الکبری للفقیه الجامع للشرائط فی زمان الغیبة،إذ لا نحتمل ان یکون غیره ولیّا فی ذلک فی عرضه،بل لو کان فهو ولی لذلک.

و فیه انه لا یمکن المساعدة الی ما ذهب الیه هذا المعاصر فإنه و ان ذکر السلطان و القاضی فی الروایة و ذکر الامام علیه السلام بان من عرف حلالنا و حرامنا انّی جعلته قاضیا فی روایة ابن خدیجة و جعلته حاکما فی المقبولة، و لکنی الذی أرجع الإمام إلیه لیس إلاّ فی المرافعة و المنازعة کما قال فی الصدر تنازعا فی دین أو میراث الی السلطان أو القاضی و اما أزید من ذلک فلا اذن فالمسلّم من الروایة هو ثبوت الولایة له فی المنازعات و المرافعات و منصب القضاوة و ثبت له منصب التقلید و کونه مرجعا فی الأحکام بالأدلة الخارجیة و اما فی غیر هذین الموردین فلا.

هذا کله بحسب الروایات.

و امّا بحسب الأصل:فقد تقدم سابقا ان بعض الأمور لا یجوز لغیر الفقیه ان یتصدی الیه و یتصرّف فیه الاّ باذنه و لعل من هذا القبیل باب الحدود و التعزیرات إذ لا یجوز لأحد ان یظلم أحدا إلاّ فیما ثبت جوازه بدلیل فلا شبهة فی کون الحدود من أعظم مصادیق الظلم لولا تجویز الشارع،نعم لو کان فی باب الحدود و التعزیرات و کذلک فی باب الأموال و أمثال ذلک مما فیه حق للغیر إطلاق ما دلّ علی جواز أمثال ذلک من کل أحد فنتمسک به فنحکم بجواز تصدی غیر الفقیه أیضا بذلک و لکن لیس الأمر کک.

نعم یمکن دعوی الإطلاق فی مثل الزنا لقوله تعالی اَلزّانِیَةُ وَ الزّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ و لکنه قید بالروایات.

و بالجملة فی أمثال الموارد لا یجوز لغیر الامام و نائبه أن یتصدی

ص:50

بالتصرف إلاّ بإذنه إذ قد ثبت بالأدلة القاطعة عدم جواز التصرف فی أموال الناس و أنفسهم و اعراضهم بلا اذن و رضائه من المالک للتصرف.

و إذا شککنا فی اعتبار اذن الامام علیه أو الفقیه فی صحة شیء لا فی وجوبه کصلاة المیت إذ هو واجب لکل مکلّف فلا نشک ان یکون اذن الفقیه من شرائط الوجوب فندفع ذلک بالإطلاق ان کان هنا إطلاق و بأصالة البراءة لو لم یکن فی البین إطلاق فتثبت نتیجة الإطلاق.

و ان کان وجوب شیء کصلاة الجمعة مثلا مشروطا باذن الفقیه کما ذهب بعض الی ذلک و ان صلاة الجمعة لا تکون واجبة عینیة إلاّ بإذن الفقیه و شککنا فی ذلک فمع عدم الدلیل ندفع وجوب ذلک بالأصل،بل لا یجب الاستئذان أیضا لأن تحصیل شرط الواجب لیس من الواجبات و انما الواجب هو إتیان الواجب بعد تحقق موضوعه و شرائطه بأجمعها.

و ان کان الشک فی جواز التصرف بدون اذن الفقیه من غیر أن یکون هنا احتمال الوجوب کالتصرف فی الأوقاف العامة فلا یجوز التصرف فیه و لا یشرع إلا بإذن الفقیه إذ من المسلم الضروری أنه لا یجوز التصرف فی مال الغیر بدون إذنه ففی مثل الأوقاف دار الأمر بین جواز التصرف مطلقا و بدون إذن أحد فی ذلک.

و بین جوازه باذن الفقیه فلا شبهة أن المتیقن هو صورة الاذن من الفقیه فیکفی فی عدم جواز غیر هذه الصورة مجرد الشک فی الجواز إذ المورد مورد التصرف فی الأموال و من هذا القبیل اشتراط اذن الفقیه فی صرف مال الامام علیه السلام فی موارده إذ من الضروری بطلان احتمال دفن ذلک مع وجود المستحقین و الموارد المحتاجة إلیه خصوصا فی مثل القراطیس و کک إلقائه فی البحر فان ذلک لیس الاّ مثل الإحراق و الإتلاف و کک الإیصاء الی ان

ص:51

یصل الی الامام علیه السلام فإنه بعد تبدل ید أو یدین یکون تالفا مثل الإلقاء فی البحر اذن فنقطع برضاء الامام علیه السلام فی صرفه فی مصالح الدین فاهمّها فی تحصیل العلوم.

و علیه فیدور الأمر بین ان یتصرّف فی ذلک المال کل احد بدون رضائه الفقیه و بین ان یتصرف باذن الفقیه فالمتیقن هو جواز التصرف باذن الفقیه اذن فالنتیجة ثبوت ولایة الفقیه علی مال الامام(علیه السلام)علی الوجه الثانی،أی بمعنی أشراط التصرف باذنه.

و ان اجتمع الأمران بأن کان وجوب شیء و جواز التصرف فیه مشروطا باذن الفقیه کالأمور الحسبیة من التصرف فی أموال القاصرین و المجانین و مجهول المالک و أموال الصغار و غیر ذلک فهنا أیضا بالنسبة إلی الوجوب نجری الأصالة البرائیة،بل لیس تحصیل الإذن أیضا من الواجبات لعدم وجوب تحصیل شرط الوجوب و بالنسبة إلی جواز التصرف نحکم بعدم جوازه بدون اذن الفقیه لأن المقدار المتیقن هو التصرف باذن الفقیه کما عرفت فی مثل الأوقاف.

فتحصّل انه لیس للفقیه ولایة بکلا الوجهین علی أموال الناس و أنفسهم فلیس له ان یروّج بنتا صغیرة لابن صغیر أو کبیر و لا تزویج ابن صغیر و لا یجوز له بیع داره و هکذا و هکذا الاّ ان یکون الصغیر بدون ذلک فی معرض التلف فیدخل تحت الأمور الحسبیة.

نعم،لو الولایة فی بعض الموارد لکن لا بدلیل لفظی،بل بمقتضی الأصل العملی کما عرفت.

ثم ان ثمرة ثبوت الولایة بالأصل أو بالدلیل هو انه إذا کان شیء واجبا و شکّ فی کون صحته مشروطا باذن الفقیه فبناء علی ثبوت ولایته

ص:52

بالدلیل لا یجوز لغیره ان یمتثل بدون اذنه لعموم الدلیل علیه لکونه مثلا من الحوادث الواقعة فلا بدّ فیه و أن یرجع الی الفقیه أو یتصدی به باذنه و ذلک کصلاة المیت إذا شک فی اعتبار اذن الفقیه فیه.

و ان کان ثابتا بمقتضی الأصل فلا بدّ ان ینفی احتمال اعتبار إذنه بأصل البراءة.

و أما فی الأمور الأخر التی نشک فی أصل وجوبها بدون اذن الفقیه أو فی مشروعیتها أو فی کلیهما کما تقدم فلا یفرق الحال فیها بین ما کان ولایة الفقیه ثابتة بدلیل أو بأصل،بل فی کلا الفرعین لا یجوز التصرف فی الأوقاف و سهم الامام علیه السلام و أموال الصغار حسبة إلاّ بإذن الفقیه سواء کان ولایة الفقیه ثابتة بالأصل أو بالدلیل.

فی ولایة عدول المؤمنین

قوله:مسألة:فی ولایة العدول المؤمنین.

أقول:إذا قلنا بولایة الفقیه و أمکنت الإجازة منه فی الموارد التی لا یجوز لغیره التصرف فیها إلاّ بإذنه أو لم یمکن الاستیذان منه لعدم الوصول الیه و ان کان موجودا فحال غیر الفقیه هنا حال الفقیه مع الإمام فی صورتی الاستیذان و عدمه أما فی فرض إمکان تحصیل الاذن منه فلا کلام فیه فلا بد من تحصیله منه و أما فی فرض عدم إمکان الوصول الیه فیقع الکلام هنا فی جهتین:الاولی:

فی جواز ولایة غیر الفقیه من العدل و غیره أو اختصاصها

بالعدل الإمامی و بیان وظیفته فی نفسه

،الثانی:فی بیان وظیفة من عامل مع هذا الولی فهل یکون مالکا لما اشتراه أم لا؟ أما الکلام فی الجهة الأولی:

فمقتضی الأصل

بالنسبة إلی الأمور التی

ص:53

واجبة مطلقة و لکن یشک فی اعتبار اذن الفقیه فی صحته کصلاة المیت،فلا إشکال فی صحة من أحد و لو من الفساق من المؤمنین و لا یجب تحصیل الاذن من عدول المؤمنین و لو فی فرض التمکن من التحصیل.

و اما فی الأمور التی یشک فی أصل وجوبها إلا بإذن الفقیه کالتکالیف التی نحتمل ان یکون أصل وجوبها مشروطا به أو مطلقا فتجری فیها البراءة فیحکم بعدم الوجوب.

و أما فیما کان الشک فی أصل المشروعیة فلا یجوز لأحد أن یتصرف فی ذلک لا وضعا و لا تکلیفا إلاّ بإذن عدول المؤمنین،مثلا لو مات أحد و ترک أموالا و أولادا صغارا فأحتاج الی بیع تلک الأموال من اثمار و نحوها مما تتلف لیومه أو فی یومین فجواز هذا التصرف بالوضع مع إمکان الفقیه یحتاج الی اذنه فبدونه یتصرف فیه عدول المؤمنین أو غیرهم باذن منهم،و اما بدون إذنهم فلا یجوز و کک التصرف التکلیفی کحفظ دراهمه و أمواله المحتاجة إلی الحفظ من دون احتیاج الی التصرف الوضعی أو کان محتاجا بکلا التصرفین،بان یبیع و یحفظ لثمنه ففی جمیع ذلک لا یجوز لغیر العدول أن یتصد بذلک بدون اذن منهم.

و الوجه فی ذلک هو ما تقدم فی ولایة الفقیه من أنه ثبت بالأدلة القاطعة عدم جواز التصرّف فی مال الغیر إلاّ بإذنه مع احتیاج ذلک المال الی التصرف فدار الأمر بین الأعم و الأخص بأن یتصرف فیه کل شخص أعم من الفاسق و العادل أو خصوص العادل و غیره باذنه فالمتیقن هو الثانی فیکفی مجرّد الشک فی عدم جواز تصرّف غیره وضعا و تکلیفا لإطباق الأدلة علی عدم جواز فالخارج منها قطعا هی صورة الاذن من العدول أو تصدیهم بنفسهم

ص:54

علی التصرف و من هذا القبیل الأوقاف العامة و سهم الامام علیه السلام من الخمس علی التقریب الذی تقدم.

و قد مثل المصنف بما کان أصل مشروعیته مشکوکا ببعض مراتب النهی عن المنکر کما إذا وصل الی حد الجرح فإنه لا یجوز ذلک بمقتضی الأصل، لکونه ظلما و إیلاما فهو غیر جائز بالأدلة الخاصة فلا إطلاق لأدلة النهی عن المنکر حتی یتمسک بها لإثبات مشرعیة ذلک إلاّ إذا کان منجر الی حد یخاف من اضمحلال الإسلام فهو کلام آخر،و التمسک فی ذلک بان کل معروف صدقة واضع الفساد إذ الکبری و ان کانت مسلّمة و انما الکلام فی الصغری و إثبات ان هذه المرتبة من النهی عن المنکر من المعروف الصدقة و لیس کک.

و هکذا الکلام إذا کان الشک فی أصل المطلوبیة و المشروعیة إلاّ بإذن الفقیه أو بالإطلاق فبالنسبة إلی المطلوبیة تجری البراءة و بالنسبة إلی المشروعیة نجری أصالة عدم المشروعیة.

و بالجملة فحال غیر الفقیه من عدول المؤمنین مع تعذر الوصول الیه حال الفقیه مع تعذر الوصول الی الامام علیه السلام بلا زیادة و نقیصة،کما أن هذه النسبة محفوظة بالنسبة الی ما دون العدول مع تعذرهم بحفظ الاحتیاط بأخذ المتیقن من کل مرتبة،فافهم.

و حاصل الکلام:إذا قلنا بثبوت الولایة للفقیه و أمکن الوصول الیه فلا بد من الاذن منه.

و ان تعذر الوصول إلیه و کان موجودا فی بلاد لا یمکن الاستیذان منه و لو بالمکاتبة فح فهل یجوز لکل احد ان یتصرّف فیما تصرف فیه الفقیه،و لو کان عاما فاسقا أو تصل النوبة إلی عدول المؤمنین الظاهر انه لا یجوز لأحد

ص:55

أن یتصرّف فیما تصرف فیه الفقیه بعد تعذر الوصول الیه الاّ بإذن من عدول المؤمنین لا وضعا و لا تکلیفا إذ قد یکون الاحتیاج الی التصرف الوضعی کما إذا مات احد و ترک ثمارا له فإنه لو لم یبع لکان فاسدا فحفظا لمال الصغیر لا بدّ من بیعها.

و أخری یکون الاحتیاج الی التصرّف التکلیفی کحفظ دراهم الغیر و أخری إلی کلا الأمرین.

ثم قد یکون شیء مفروض المطلوبیة للشارع غیر مضاف الی أحد و اعتبار نظائره الفقیه فیه ساقط له بفرض التعذر و کونه شرطا مطلقا له لا شرطا اختیاریا مخالف لفرض العلم بکونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط فیکون اذن الفقیه ساقطا بلا شبهة إذ نشک فی اعتباره مطلقا أو فی حال الاختیار فنتمسک بإطلاق الواجب فندفع اعتبار الشرط و هذا کصلاة المیت،بل فی مثل ذلک لا یجب الاستیذان من عدول المؤمنین و لو مع التمکن فیصدیه کل من تصدی به و لو کان فاسقا إمامیا.

و أخری یکون الأمر مرددا بین أن یکون واجبا باذن الفقیه أو واجبا مطلقا،ففی هنا نجری البراءة عن أصل الوجوب.

و قد یکون الشک فی أصل مشروعیة شیء بدون اذن الفقیه کبعض مراتب النهی عن المنکر علی مثله فی المتن فان کان هنا إطلاق لأدلّة النهی عن المنکر یکون متبعا و یدفع به احتمال دخالة إذن الفقیه فیه و ان لم یکن فیه إطلاق فمقتضی الأصل عدم الجواز لکونه تصرفا فی نفس الغیر و ظلما و یلاما له فهو لا یجوز.

و ان کان الاحتیاج الی التصرف مما لا بدّ منه مع کون الشک فی أصل مشروعیة التصرف بدون اذن الفقیه کالتصرف فی الأوقاف العامة و سهم

ص:56

الامام علیه السلام علی النحو الذی تقدم و تعذر الوصول الی الفقیه،فح یدور الأمر بین التصرف المطلق و بین التصرّف مع الاذن من العدول المؤمنین فحیث ان التصرف مالی فلا یجوز بغیر إذن أهله فالمتیقن من ذلک هو التصرّف باذن العدول و ان کان الشک فی أصل المشروعیة مع احتمال کونه واجبا تکلیفا باذن الفقیه أو مطلقا کالتصرّف فی أموال الصغار حسبة فبالنسبة إلی الوجوب تجری البراءة و بالنسبة إلی أصل التصرّف الوضعی یستأذن من العدول لکونه هو المتیقن و هکذا فی التصرّف التکلیفی کحفظ ماله مثلا.

و بالجملة مکان عدول المؤمنین مع تعذر الوصول الیه مکان الفقیه مع تعذر الوصول الی الامام(علیه السلام)بمقتضی الأصل و مفاد یختلف کما عرفت بحسب الموارد.

هذا کله ما تقتضیه الأصل

و لکن قد ادعی ثبوت الولایة لعدول المؤمنین

مع تعذر الوصول الی الفقیه بمقتضی الروایات

فلا بدّ من قراءة الروایات حتی یلاحظ دلالتها علی ذلک.

منها صحیحة محمد بن إسماعیل

رجل مات من أصحابنا بغیر وصیّة، فرفع أمره الی قاضی الکوفة فصیر عبد الحمید القیم بماله،و کان رجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواری فباع عبد الحمید المتاع،فلمّا أراد بیع الجواری ضعف قلبه عن بیعهنّ إذ لم یکن المیت صیّر الیه وصیّة و کان قیامه بهذا بأمر القاضی لأنهنّ فروج،قال فذکرت ذلک لأبی جعفر علیه السلام و قلت له یموت الرجل من أصحابنا و لا یوصی الی أحد و یخلف الجواری فیقیم القاضی رجلا منّا لبیعهن،أو قال یقوم بذلک رجل فضعف قلة لأنهن فروج فما تری فی ذلک،قال:إذا کان القیم مثلک و مثل عبد الحمید فلا بأس الخیر.

و محل الکلام هنا جهة المماثلة و انها فی أیّ شیء فجعل المصنف

ص:57

مورد الاحتمال فیها أربعة اما المماثلة فی التشیّع أو فی الوثاقة فی ملاحظة مصلحة الیتیم و ان لم یکن شیعیا أو فی الفقاهة بأن یکون من نواب الامام علیه السلام عموما فی القضاء بین المسلمین أو فی العدالة.

و أبعد المصنف الاحتمال الثالث و تبعه شیخنا الأستاد بدعوی انه لو کان المراد بها المماثلة فی الفقاهة لکان مفهوم الشرط انه لو لم یکن القیم فقیها ففیه الباس و هذا ینافی کون التصرف فی مال الیتیم و القیام بأمره من الأمور التی لا تسقط بتعذر اذن الفقیه فیدور الأمر بین الاحتمالین الأخیرین و النسبة بین الوثاقة و العدالة و ان کان عموما من وجه الا انه لا شبهة ان العدل أیضا لا بدّ من ان یتصرف فیما هو مصلحة الیتیم،فالعدالة فی هذا الباب هی الأخص من الوثاقة و فی الدوران بین الخاص و العام الخاص هو المتیقن و اذن فلا بدّ و ان یکون المتصدی عادلا و الممثالة تحمل علی هذا.

و یرد علیه ان الإطلاق یکون متبعا إذا شک فی تعین المراد،فیکون بمقتضی ظهور الکلام متعینا و اما إذا کان المراد معلوما بالعلم الخارجی فکان الشک فی کیفیة المراد فلا یمکن إثبات ذلک بأصالة عدم التقیید،کما فی المقام.

و بعبارة أخری قد حققنا فی المفاهیم و فی غیرها ان إطلاق المفهوم کسائر الإطلاقات من الحجج الشرعیة و متبع بالنسبة إلی تعین المراد من المتکلم فالعلم بعدم إرادة الإطلاق من الخارج لا یضرّ بالإطلاق و لا یوجب عدم وجوده ففی المقام و ان کان ثبوت الولایة لغیر الفقیه عند تعذر الوصول الیه مسلما و لکنه بالعلم الخارجی فهو لا یضرّ بثبوت المفهوم علی الإطلاق و انه إذا لم یکن فقیه لا یجوز القیام بأمر الصغیر کما هو واضح.

ص:58

علی انه ینتقض بجعل المماثلة فی العدالة أیضا إذ لا شبهة فی ثبوت الولایة لغیر العادل عند تعذر العدول و تعذر تحصیل الاذن منه، فالإشکال المذکور من هذا الجهة مشترک.

و الانصاف أن کل من المحملات قابل الإرادة اذن فتکون الروایة مجملة فالمتیقن من المماثلة هو اجتماع جمیع الجهات فی الولی للصغیر فلا تکون الروایة شاهدة لما نحن فیه،فافهم.

و حاصل الکلام:انه استدل علی ولایة عدول المؤمنین مع الوصول الی الفقیه بروایات.

منها:صحیحة محمد بن إسماعیل

المذکورة و قد عرفت ان المحتملات فیها أربعة المماثلة فی التشیع و المماثلة فی الفقاهة و المماثلة فی العدالة و المماثلة فی الوثاقة،و قد عرفت ان الشیخ و شیخنا الأستاد قد اشکلا فی إرادة الفقاهة من المماثلة للعلم بولایة عدول المؤمنین مع تعذر الوصول الی الفقیه مع ان مفهوم ذلک ینفی وصول النوبة إلیهم لکونه انه إذا لم یکن القیم فقیها فلا یجوز،فإطلاقه ینفی جواز ولایة عدول المؤمنین أمکن الوصول الی الفقیه أو لم یمکن فاعتبر العدالة فیه فی صورة التعذر إذ لم یکن القاضی المذکور فی الروایة فقیها و لا عادلا و لا شیعیا حتی یتوهم انه لم یکن الوصول الی الفقیه متعذرا.

فنقول:اما احتمال التماثل فی التشیّع فبعید جدا إذ الظاهر من الروایة ان الشیعیة مفروض الوجود و مفروغ عنه،و انما السؤال من جهة أخری و ان نصب القاضی یجوّز جواز التصرّف للقیم أم لا؟مع عدم کون القاضی شیعیا و لا فقیها فی مذهبنا و لا عدلا،بل و لا ثقة علی الظاهر و لو مع الشک.

و ذلک لان فرض السائل کون الرجل من أصحابنا و جعل القاضی العبد

ص:59

الحمید فیما مع جریان العادة بجعل القیم من الأصدقاء و من المقربین المطلعین علی خصوصیات أحوال المیت یساعد کونه شیعیّا.

و أما ما أورد المصنف و الأستاذ بإرادة المماثلة فی الفقاهة ففیه أولا النقض بإرادة المماثلة فی العدالة إذ المحذور المذکور وارد علی هذا أیضا للعلم بوصول النوبة إلی المؤمنین الفاسقین مع تعذر العدل منهم العیاذ باللّه مع انّ المفهوم ینتفی جواز تولیتهم علی ذلک.

و ثانیا:انه قد حقق فی المفاهیم و غیرها ان أصالة عدم التقید و ظهور الإطلاق انما یتبع فیما إذا کان الشک فی أصل المراد فمقتضی ظهور الکلام و إطلاقه نستکشف مراد المتکلم و ینتج به له و علیه و هذا بخلاف ما لو علم المراد من الخارج و کان الشک فی کیفیة المراد فح لا یمکن التمسک بأصالة عدم التقیید ففی المقام قد علم المراد من الخارج بأنه مع تعذر الفقیه تصل النوبة إلی العدول من المؤمنین فی الولایة علی الصغار،و کان الشک فی کیفیة ذلک المراد من المفهوم فلا یجوز،ح التمسک بأصالة عدم التقیید لإطلاق مفهوم فی بیان کیفیة المراد حتی یتوهم ان إطلاق المفهوم ینفی وصول النوبة إلی المؤمنین العادلین فلیس المورد مورد للتمسک بأصالة عدم التقیید أصلا، کما هو واضح،اذن فلا مجال لإشکال المصنف إذ هو مفروض التمسک بأصالة عدم التقیید و قد عرفت عدم وصول النوبة إلیها.

و التحقیق ان الظاهر إرادة المماثلة من الروایة من جمیع الجهات حتی فی العربیة و الکوفیة و لکن نرفع الید عن ذلک فی الأمور التی نقطع بعدم مدخلیتها فی الحکم بنحو کالعربیة و الکوفیة و نحوهما و یبقی الباقی تحت الإطلاق،بل کلما نشک فی خروجه و دخوله من جهة مدخلیته و عدمه

ص:60

و انما الخارج ما نعلم بعدم دخالته فی الحکم،اذن فلا وجه لاعتبار العدالة فقط من جهة أخذ القدر المتیقن.

و علیه فلا بدّ من اعتبار الفقاهة و الوثاقة و العدالة و جمیع الخصوصیات للمحسنة التی نحتمل دخالتها فی الحکم فی الولایة المجعولة فی الروایة فافهم.

نعم،ربما یقال ان عبد الحمید هذا محتمل بین اثنین أحدهما ثقة لم تثبت فقاهته،و هو ابن سالم،و الآخر فقیه و لم یثبت وثاقته و هو ابن سعید، فح تکون الروایة مجملة من حیث اعتبار الفقاهة و لکن الظاهر ان المراد منه هو عبد الحمید ابن سالم کما صرح به فی الروایة حیث قال و جعل عبد الحمید بن سالم القیم بماله کما فی التهذیب فی باب الزیادة من الوصیة و أن توثیقه لم ینحصر بهذه الروایة،بل ظاهر عبارة النجاشی فی ابنه محمد بن عبد الحمید بن سالم هو ذلک مع إثبات کتاب له فیکون فقیها فلاحظ،بل یکفی فی اعتبار المماثلة مجرّد الاحتمال فی کونه فقیها فإنهم علی انه لا یمکن الاستدلال بها بما نحن فیه لتوهم ورودها فی خصوص عدول المؤمنین إذ محل کلامنا فی ولایة عدول المؤمنین و اعتبار العدالة فیهم بعد تعذر الوصول الی الفقیه و لکن مقتضی الروایة بحسب الإطلاق ساکت عن صورة التعذر بالوصول الیه عن صورة الوصول بالإمام علیه السلام لإمکانه أیضا لهم و ان کان بعد أیام فإن الظاهر ان بیع جمیع مال الصغار لم یکن ضرریا حتی لا یمکن الرجوع الیه(علیه السلام)کما ترک بیع الجواری حتی سئل عن الامام(علیه السلام).

نعم،بإطلاقها تدل علی اعتبار العدالة فی صورة التعذر أیضا،بل بالأولویة و لکن هذا غیر ورودها فی خصوص صورة التعذر و اعتبار العدالة فی المؤمنین إذا کانوا ولیّا،بل مع قطع نظر عن الشبهة المذکورة فلا بد من

ص:61

اعتبار الفقاهة أیضا بمقتضی المماثلة کما عرفت،و بالجملة لا نفهم من الروایة ما یوجب اعتبار العدالة فی الولی بعد تعذر الوصول الی الفقیه.

و منها موثقة سماعة

فی رجل مات و له بنون و بنات صغار و کبار من غیر وصیّة و له خدم و ممالیک کیف یصنع الورثة بقسمة ذلک،قال:ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلک کلّه فلا بأس،و استفاد المصنف من ذلک اعتبار الوثاقة فیه و ان لم یکن فیه ملکة العدالة و حمل علی ذلک روایة محمد بن إسماعیل المتقدمة إذ کان اعتبار العدالة فی الولی المؤمن اعتماد علیها من جهة الأخذ بالقدر المتیقن فهذه الروایة یبین المراد و کون المناط هی الوثاقة و ان لم یکن عدلا و لا إمامیّا.

و لکن الظاهر ان المراد من الثقة بالروایة غیر ما فهمه المصنف إذا المعنی الذی ذکره ناشئ من الارتکاز بما ذکره أهل الرجال من معنی الوثاقة و الاّ فالوثاقة فی الروایات لیس هی العدالة،بل أخص منها إذ ربما یکون العادل غیر ثقة فی فعله لعدم التفاته بمزایا التصرف لبله و نحوه،و قد ورد فی بعض الروایات الدالة علی اعتبار العدالة فی إمام الجماعة بأنه إذا کان ثقة ترضون دینه و فی بعض الروایات ان فلانا ثقة فی دینه و دنیاه،و هذه الروایة أیضا ساکتة عن صورة التعذر من الفقیه بل من الامام أیضا

و

منها صحیحة إسماعیل بن سعد

فإنها تدل علی اشتراط تحقق عنوان العدالة حیث قال علیه السلام إذا رضی الورثة بالبیع و قام عدل فی ذلک فهی أیضا أعم من صورة التعذر من الوصول الی الفقیه،بل الی الامام،و عدمه فیعتبر نفس العدالة فی ذلک.

و الظاهر ان الذی یستفاد من الروایات هو جواز ولایة عدول المؤمنین فی خصوص مال الیتیم توسعة و لو مع التمکن الاذن من الامام أو الفقیه،

ص:62

إذ العادة جاریة بعدم التمکن فی جمیع النقاط حتی القری،و اما فی غیر التصرّف فی مال الیتیم بالبیع فلا حتی الشری لهم و لو کان مصلحة و هذه المدعی فی غایة الوضوح خصوصا علی الشبهة المذکورة فی عدم اعتبار الفقاهة من جهة المماثلة فلا دلالة فیها علی اعتبار العدالة فی الولی عند التعذر من الفقیه الذی هو محل الکلام الاّ علی الإطلاق.

قوله:ثم انه حیث ثبت جواز تصرّف المؤمنین،فالظاهر انه علی وجه

التکلیف الوجوبی أو الندبی لأعلی وجه النیابة من حاکم الشرع.

أقول:ربما یقال ان من ثبت الولایة له فی زمان الغیبة علی غیرهم کالوکلاء المتعددین فی آن بناء واحد عن تصرّف مغایر لما بنی علیه الأول فأجاب عنه المصنف بان الوکلاء إذا فرضوا وکلاء فی نفس التصرف لا فی مقدماته فما لم یتحقق التصرف من أحدهم کان الأخر مأذونا فی تصرف مغایر و ان بنی علیه الأول و دخل فیه،اما إذا فرضوا وکلاء عن الشخص الواحد بحیث یکون إلزامهم کالزامه و دخولهم فی الأمر کدخوله و فرضنا أیضا عدم دلالة دلیل وکالتهم علی الاذن فی مخالفة نفس الموکّل و التّعدّی عمّا بنی هو علیه مباشرة أو استنابة کان حکمه حکم ما نحن فیه.

و فیه ان المقدمات لیست من الأمور التی تقبل النیابة و الوکالة بل مورد الوکالة هی الأمور الاعتباریة کالتزویج و البیع و سائر المعاملات و اما المقدمات کسائر الأفعال التکوینیة مثل الأکل و الشرب فغیر قابلة للوکالة.

و الذی ینبغی ان یقال هو ان الظاهر ان ینظر الی دلیل الوکالة فإن کان فیه إطلاق حتی یشمل صورة وضع الأخر یده علی المال أو أکثر من ذلک فیجوز،بل مع الإطلاق و الشمول یجوز للوکیل الثانی ان یتصرف فیه علی خلاف تصرّف نفس الموکل فضلا عن وکیله و ان لم یکن لدلیل الوکالة إطلاق

ص:63

فلا یجوز للثانی ان یتصرف فی غیر ما علم دخوله تحت وکالته و ان یضع الأخر یده علیه لقصور ما دل علی جواز التصرف فیه و من هنا ظهر حکم الوصایة أیضا.

و اما الأب و الجد فکل منهما ان یتصرف فی مال الیتیم حتی مع تصرف الأخر بان ینقض تصرفه فضلا إذا وضع یده علیه و لم یتصرّف بعد،فکل منهما ان یفسخ بیع الأخر الذی باعه خیاریا و هکذا.

ثم انه فرّق المصنف بین الحکام و عدول المؤمنین فی ثبوت الولایة لهم

حیث منع من مزاحمة الفقیه الأخر عن الفقیه الذی وضع یده علی مال الیتیم و جوّزها فی عدول المؤمنین و محصّل کلامه فی وجههما ان الولایة الثابتة لعدول المؤمنین لیست الاّ علی وجه الجواز أو الوجوب أو الندب التکلیفی، لا علی وجه النیابة من حاکم الشرع فضلا عن کونه علی وجه النصب من الامام علیه السلام فمجرّد وضع أحدهم یده علی مال الیتیم لا یمنع الأخر عن تصرفاته نظیر الأب و الجد حیث یجوز لکل منهما ان یتصرّف فیما وضع الأخر یده علیه.

و أما حکام الشرع فان استندنا فی ولایتهم الی مثل التوقیع المتقدم و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها الی رواة أحادیثنا جازت المزاحمة لکل منهم عن تصرّف الأخر قبل تصرّفه إذ الخطاب فیه مختص بالعوام فلا یجوز لهم مزاحمة الفقیه فی تصرفاته،و اما الفقهاء فکل منهم حجة یجوز أن یتصرّف فی مال المولی علیه.

و أما لو استندنا فیها الی عمومات النیابة و تنزیل الفقیه منزلة الامام علیه السلام،فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقیه الذی وضع یده علیه إذ دخوله علیه کدخول الامام علیه،فلا یجوز مزاحمة الإمام فیما یرید الاقدام علیه علی انه یلزم من جواز المزاحمة اختلال النظام سیما فی مثل هذا الزمان الذی

ص:64

شاع فیه القیام بوظائف الحکام ممن یدعی الحکومة.

و یرد علی الثانی أولا انه لا دلیل علی النیابة کما تقدم حتی یقال أن مقتضاه هو تنزیل الفقیه منزلة الامام علیه السلام فلا یجوز مزاحمته و انما الولایة ثبت لهم و لغیرهم من المؤمنین علی تقدیر فقدانهم بمقتضی الأصل و الاّ فلیس هنا دلیل لفظی یؤخذ بعمومه.

و ثانیا:انه علی تقدیر وجود الدلیل اللفظی فعمومه یقتضی ثبوت الولایة لکل فقیه فی عرض ولایة الأخر و کون کل منهم نازلا منزلة الإمام(علیه السلام)فلا یلزم من تصرف الثانی مزاحمة الإمام أو من هو فی منزلته،اذن فیجوز لکل منهم مزاحمة الأخر،بل التصرف فیما تصرف فیه الأخر بالفسخ و نحوه إذا کان تصرف الأول بمثل بیع الخیاری و اما کونه مستلزما لاختلال النظام من جهة کثرة المدعین لذلک،ففیه ان المدعی لذلک ان کان علی وجه صحیح فلا یلزم فیه اختلال النظام فإن أحدهم یری مصلحة فیبیع مال الیتیم و الأخر یری مصلحة فیفسخ فأی اختلال نظام یترتب علیه،فإنه یکون مثل تصرّفات الأب و الجد حیث یتصرف أحدهما فی مال المولی علیه علی وجه و یتصرّف الأخر علی خلافه،بل ینقضه بان یفسخ بیعه مثلا فهل یتوهم أحد لزوم اختلال النظام من ذلک.

و یرد علی الأول انه لا نفهم معنی لکون ولایتهم علی وجه التکلیفی الوجوبی أو الندبی إذ لا شبهة فی نفوذ تصرفهم من البیع و الشراء و غیرهما من أقسام التصرفات عند فقد الحکام و لیس معنی الولایة إلاّ ذلک التی ثبت من قبل الإمام و الاّ فمجرّد الحکم التکلیفی فهو من الأمور الحسبیة الغیر المربوطة بباب الولایة إذن فولایة العدول کولایة الفقیه فلا وجه للتفریق.

علی ان الدلیل الدال علی ثبوت الولایة لهم لو تم فإنما هی کالولایة الثابتة للفقیه و انهم مع فقدهم کالفقیه مع فقد الامام علیه السلام،فالفرق

ص:65

بینهما بلا وجه.

و توهم اختلال النظام فی الثانی دون ولایة العدول مع کونهم أکثر فاسد،و التحقیق هنا هو ما تقدم سابقا من ان الولایة الثابتة للفقهاء و لعدول المؤمنین انما هی بحسب الأصل و أخذ القدر المتیقن من جواز التصرّف فی مال الغیر فنتیجته عدم جواز تصرّف الفقهیة الأخر فی مال المولی علیه بعد وضع الأول یده علیه أو تصرّفه فیه لکونه تصرفا فی مال الغیر فهو حرام إذ لم نحرز جوازه إلاّ للأول لکونه هو المتیقن و هکذا الکلام فی عدول المؤمنین فما ذکره المصنف فی الحکام و ان کان متینا من حیث المدعی و لکنه لا یتم من جهة الدلیل الذی ذکره.

و بالجملة فالأصل الاولی یقتضی عدم جواز التصرّف لأحد فی مال غیره و بعد القطع بجوازه فی مال الیتیم للحکام و لعدول المؤمنین فی الجملة فالمتیقن منه هو عدم جواز تصرّف الثانی فیه بعد وضع الأول یده علیه أو تصرفه فیه.

قوله:اما ما ورد فیه العموم فالکلام فیه قد یقع فی جواز مباشرة الفاسق.

أقول

ذکر المصنف هنا فروعا لا بأس بالإشارة إلیها:-
الأول:انه هل یجوز مباشرة الفاسق فی مال الیتیم مثلا أم لا؟

فحکم المصنف(ره)هنا بالجواز،و عدم اعتبار العدالة فی منصب المباشر بدعوی شمول عموم أدلة فعل المعروف و ان کانت الأدلة الخاصة قاصرة و تلک العموم کقوله(علیه السلام)عون الضعیف من أفضل الصدقة و عموم قوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ و نحو ذلک.

و فیه الظاهر ان ما افاده لیس بتمام،بل لا بدّ من العمل بمقتضی الأصل الذی کان مفاده عدم جواز تصرف غیر العادل فی مال الصغیر عند

ص:66

فقد الفقیه لکونه هو القدر المتیقن فی ذلک الخارج عن أصالة عدم جواز التصرف فی مال الغیر.

و أما عموم عون الضعیف من أفضل الصدقة فعلی تقدیر صحة الحدیث فهو ناظر الی الکبری و ان کلما کان عونا للضعیف فهی صدقة و أما الصغری فلا بد و ان تکون محرزة من الخارج فلا تکون الکبری متکلفة لإثبات الصغری إذ لا نسلم ان تکون تصرّف الفاسق فی مال الیتیم من مصادیق الصدقة فضلا عن کونه من أفضلها و من هنا ظهر الجواب عن عموم قوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فإن الکبری و ان کان مسلما و لکن لا نسلم ان تصرّف الفاسق فی مال الیتیم من القرب الحسن بأی معنی أخذ القرب و الحسن علی ما ذکره المصنف من معانیهما حتی فی صور کون التصرف صلاحا أو لم یکن الترک أصلح من الفعل،بل کان الفعل أصلح من الترک إذ التصرّف حرام فلا یجوز بمثل تلک الاحتمالات ما لم تثبت الولایة للمتصرف فی مال الیتیم کما لا یخفی،بل تدل علی عدم جواز بیعه و تصرفه فیه،الأخبار المتقدمة الدالة علی عدم جواز البشر من الفاسق الذی تصدی الی التصرف فی مال الیتیم فإنه إذا لم یجز الشری لم یجز البیع أیضا فإنه لا معنی لصحة البیع من طرف البائع و بطلانه من طرف المشتری،بل بطلان من أحد الطرفین یستلزم البطلان من الطرف الأخر أیضا.

و بالجملة لا وجه لتصرّف الفاسق فی مال الیتیم بوجه و انه طریق غیر حسن لعدم الدلیل علی جواز تصرّفه و عدم شمول العمومات المتقدمة علیه کما عرفت.

الثانی:فی حکم الشراء من الفاسق

فالظاهر أیضا اشتراط العدالة فیه فلا یجوز الشراء منه و ان ادعی کون الفعل مصلحة،بل یجب أخذ المال

ص:67

من یده حسبة لدلالة الروایات المتقدمة علی اعتبار العدالة فیمن تصدی لبیع مال الیتیم لیکون الشری منه کقوله علیه السلام فی روایة زراعة و قام عدل فی ذلک و غیره فقد فرق المصنف بین هذه المسألة و بین المسألة السابقة من انه لو وجد فی ید الفاسق ثمن من مال الصغیر لم یلزم الفسخ مع المشتری و أخذ الثمن من الفاسق و الوجه فی ذلک هو ان الموضوع فی المسألة السابقة هو إصلاح المال و مراعاة الحال و التصرف معنون بذلک العنوان و هو لا یحرز باخباره قولا أو عملا،و لا بأصالة الصحة إذ مورد أصالة الصحة انما هو فیما تحقق الفعل فی الخارج و شک فی صحته و فساده من ناحیة بعض الشروط،ففی المقام لم یتحقق الفعل لیحمل علی الصحة حین الشک فی الصحة و الفساد،بل یرید المشتری أن یشتری من الفاسق فأصالة الصحة لا تحرز شرائط الفعل الذی فی معرض الوقوع و هذا بخلافه فی المسألة السابقة فإنّ الغرض الذی هو حفظ مال الیتیم و إصلاحه حاصل إذ لا یعلم ان ماله هو الثمن أو المثمن فبأصالة صحة المعاملة یحکم بکونه هو الأول.

و لکن الظاهر ان هذا الفرق فاسد فلا تجری أصالة الصحة لا تحرز شرائط الفعل الذی فی معرض الوقوع و هذا بخلافه فی المسألة السابقة فإنّ الغرض الذی هو حفظ مال الیتیم و إصلاحه حاصل إذ لا یعلم ان ماله هو الثمن أو المثمن فبأصالة صحة المعاملة یحکم بکونه هو الأول.

و لکن الظاهر ان هذا الفرق فاسد فلا تجری أصالة الصحة فی کلتا المسألتین فإن مقتضی الروایات المتقدمة هو لزوم إحراز الشراء من العادل و لذا قال علیه السلام و قام عدل و ان التصرّف الصادر من غیر العادل فاسد و ان کان فیه غبطة الصغیر لعدم کونه ولیّا.

و علیه و ان کان الثمن فی ید الفاسق و تحققت المعاملة بتصرفه و لکن هذا التصرّف باطل لعدم صدوره عن أهله لعدم کونه ولیّا ففعله هذا فاسد قطها،فکیف یحمل علی الصحة بأصالة الصحة فإن مورد أصالة الصحة انما هو فیما کان للفعل صحة تأهلیّة بعد وقوعه فی الخارج فالفعل الواقع هنا فاسد قطعا لعدم صدوره عن اهله فکیف یحمل علی الصحة بأصالة الصحة

ص:68

فما ذکره من عدم جریان أصالة الصحة فی الفرع الثانی و عدم قیاسه بصلاة المیت جار هنا بلا زیادة و نقیصة.

و بالجملة بعد ما ثبت انه لا ولایة للفاسق علی مال الصغیر و ان تصرفاته لیست بنافذة فی حقه فلا یفرق فی عدم ترتیب الأثر علی فعله بین الحدوث و البقاء ففی کلتا المسألتین یحمل فعله علی الفساد کیف فإن أصالة الصحة لا یجعل الفاسق الذی لیس له التصدی بأمور الصغیر جزما ولیّا له و لا ینقض تعجبی من المصنف کیف رضی بجریانها هنا و تصحیح عمله بها بعد العلم بعدم کونه أهلا للتصرّف و هذا نظیر ان یحمل بیع غیر المالک، کالغاصب علی الصحة بأصالة الصحة مع العلم بکونه غاصبا فهی توجب کونه مالکا و کک هنا ان أصالة الصحة لا تعجل غیر الولی ولیّا و لا تجعل الفعل الذی لیس له صحة تأهلیة،بل فاسد جزما کما هو واضح.

و توهم کون الثمن فی ید الفاسق یدل علی الصحة بمقتضی قاعدة الید توهم فاسد فإن قاعدة الید انما تصلح المعاملة من جهة الشک فی المالک ففی المقام انها لا تثبت الولایة لمن لیس بولی قطعا،نعم لو صدر الفعل ممن لا ندری أنه عادل أم لا فسیأتی حمل الفعل فیه علی الصحة فکم فرق بین المسألتین.

نعم لو صدر البیع من شخص و شککنا فی صحته و فساده من جهة الشک فی کونه عادلا أو غیر عادل من اعتبار العدالة فی الولی أو شککنا فی کونه ولیّا أو غیر ولی و لو کان عادلا فیحمل علی الصحة فإن المناط فی أصالة الصحة الذی هو تحقق الفعل فی الخارج و الشک فی صحته و فساده موجود هنا، فمقتضی أصالة الصحة یحمل بیعه علی الصحة و هذا غیر ما تقدم من صدور الفعل من غیر أهله قطعا بحیث لا مجال لأصالة الصحة بوجه فافهم.

ص:69

ثم لو أردنا اشتراء مال الصغیر ممن نشک فی انه عادل لیکون ولیّا عنه و کان تصرفه نافذا أو فاسق لا ینفذ تصرّفه فلا یمکن حمله علی الصحة بأصالة الصحة،فإنها إنما تجری فی مورد تحقق الفعل فی الخارج و شک فی صحته و فساده کما عرفت،ففی هنا لم یتحقق الفعل بعد،فکیف یحمل علی الصحة فأصالة الصحة لا یتکفل علی إثبات أن المتصدی بالفعل الذی یرید إیجاده فی الخارج ولی للصغیر کما هو واضح.

و لا تجری هنا قاعدة الید أیضا لأنها لا تجعل من لا ندری ولایته علی الصغیر ولیّا و یتضح ما ذکرناه بملاحظة ما تقدم من لزوم إحراز ان الشراء لا بد و ان یکون من العادل بمقتضی قوله علیه السلام و قام عدل علی ذلک و الاّ فلا یجوز الشراء و هذا غیر ما ذکرناه من حمل فعله علی الصحة مع الشک فی الصحة و الفساد إذ هو بعد تحقق الفعل و کان فیه موضوع أصالة الصحة تماما.

و ربما یقال بقیاس ذلک بالشک فی تصرّف الولی من انه عادل أم لا؟ فکما یحمل فعله علی الصحة فکک هنا.

و لکنه من العجائب و جوابه یظهر من کلامه إذ توقفنا فی حمل الشراء ممن لا نعلم انه عادل أم لا،من جهة عدم العلم بعدالته و ولایته إذا الولی علی مال الصغیر انما هو العادل فما لم نحرز ذلک ان الفعل صدر من الولی و ان شرائنا ممن له التصرف فی ماله فلا یجوز الاقدام علیه قبل الإحراز و هذا بخلاف ما صدر الفعل عن الولی مع العلم بکونه ولیّا جزما و شککنا فی عدالته و فسقه فإن الولایة و نفوذ التصرّف فیه محرز قطعا و انما الشک فی أمر آخر غیر مربوط بالولایة و بنفوذ التصرف فکم فرق بینهما.

ثم لو أخبر الفاسق علی وقوع الفعل کإخباره علی وقوع الصلاة علی المیت أو بوقوع التصرّف من العادل مثلا،لا یسمع اخباره إذ لا دلیل علی

ص:70

حجیة خبر الفاسق و لا دلیل علی الاعتبار فی خصوص المقام،بل یسمع قول المخبر بوقوع الفعل و ان لم یکن عادلا بناء علی اختصاص أدلة اعتبار الخبر بالأحکام و عدم شموله علی الموضوعات و ما نحن فیه أیضا کک فلا بد من ترتیب الأثر علیه من قیام البینة علی ذلک کما هو واضح لا یخفی فافهم.

و الحاصل:انه یقع الکلام فی جهتین:-
الاولی:فی اعتبار العدالة فی تصرّف المتصرف و عدم اعتبارها فیه.

و الثانیة:فی مشروعیة معاملة الغیر مع المباشر،و انه هل یعتبر عدالة المباشر أم لا؟و انما لم نعتبر اعتبارها فی جهة الاولی.

أما الجهة الأولی:فقد عرفت ان المصنف لم نعتبر العدالة فی تصرف المتصرّف فی مال الصغیر مع فقدان الولی و تمسک فی ذلک بقوله علیه السلام عون الضعیف من أفضل الصدقة،و قوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فیجوز ان یتصرف الفاسق فی مال الصغیر و لو لم یستأذن من الحاکم.

و فیه انک قد عرفت عدم جواز تصرّف الفاسق فی مال الصغیر الاّ مع الاستیذان من الولی أو الحاکم،و أما عون الضعیف من أفضل الصدقة فعلی تقدیر قبول الصحة فلا دلالة فیه علی المقصود إذ هو ناظر إلی مطلوبیة الکبری فلا یشمل ما یشک فی کونه عونا إذ لا یتکفل الکبری علی إیجاد الصغری،و کک قوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إذ هو لا یثبت ان تصرّف الفاسق من القرب الحسن مضافا الی دلالة الروایات المتقدمة علی اعتبار العدالة کما عرفت،اذن فلا یجوز لغیر العادل التصرف فی مال الصغیر بمقتضی الأصل الذی عرفته.

و أما الجهة الثانیة:أعنی جواز الشری ممن لیس بعادل

فقد اعتبر المصنف

ص:71

العدالة هنا للروایة المتقدمة،بل حکم بوجوب أخذ المال من یده،و لا یمکن تصحیحه بحمل فعل المسلم علی الصحیح بأصالة الصحة إذ الموضوع هنا عنوان بسیط أعنی إصلاح مال الصغیر فنشک فی تحققه و عدمه فلا یحرز بأصالة الصحة و لیس ذلک مثلا إتیان صلاة المیت فإنها بعد تحققها فی الخارج فنحمل علی الصحة إذا الواجب هنا هی الصلاة الصحیحة و قد علم صدور أصلها من الفاسق و إذا شک فی صحتها أحرزت بأصالة الصحة بخلافه هنا إذ عرفت ان الواجب هو العنوان البسیط فلم یتحقق فی الخارج و هو کاخبار الفاسق بوقوع الصلاة علی المیت ثم نزله منزلة بلوغ البائع فإنه لا یحرز بأصالة الصحة ثم حکم بجریانها فیما إذا وجد الثمن فی ید الفاسق من مال الصغیر و تردد الأمر بین کون الثمن ملکا للصغیر أو المثمن فبأصالة صحة المعاملة من الطرفین یحکم بکون الثمن من مال الصغیر ثم أمر بالتدبر.

و یرد علیه أولا:انه لیس فی الأدلة السابقة ما یدل علی ان الموضوع فی المقام هو إصلاح مال و مراعاة الحال لیکون الشک فیه شکا فی أصل تحققه فلا یمکن إحرازه بأصالة الصحة،بل الظاهر منها عدم جواز التصرف فی ماله الاّ بوجه عیّنه الشارع،و ذلک الوجه هو الوجه الحسن علی ما ذکر فی الآیة، فالموضوع فی المقام هو عنوان القرب المشروط بکون علی وجه حسن،فأصل القرب محرز بالوجدان فشرطه فهو کونه بوجه حسن بأصالة الصحة.

و بالجملة انه لا وجه للمنع عن جریان أصالة الصحة بوجه و لو کانت الآیة إلاّ بالتی هی أصلح فإنه ح تکون الأصلحیة شرطا للقرب لا موضوعا للحکم.

و ثانیا:علی تقدیر کون الموضوع هو إصلاح المال فلا وجه لإجراء أصالة الصحة فیما إذا تردد الأمر بین کون مال الصغیر هو الثمن أو المثمن،إذ مجرد التردد لا یوجب إجراء أصالة الصحة فاصل عنوان إصلاح المال مشکوک الوجود فلا یحرز بأصالة الصحة فلا وجه له ان یفرق بین المسألتین بل یشکل الأمر ح لو کان المتصدی هو العادل و شککنا فی کونه إصلاحا فی حق الصغیر

ص:72

و مراعاة له أم لا؟فیکون أصل عنوان الإصلاح مشکوکا فلا یحرز بأصالة الصحة و لعل الی ما ذکرناه أشار بالأمر بالتدبر،فافهم.

و الذی ینبغی ان یقال انه لیس لنا دلیل لفظی دل علی حجیة أصالة الصحة و کونها من الأصول المعتبر و اما قوله«ضع فعل أخیک المسلم علی أحسنه»فقد قرر فی محله انه خارج عن حدود أصالة الصحة التی من الأصول المعتبرة فی الفقه،فان مورد ضع فعل أخیک علی أحسنه هو عدم حمل فعل الأخ علی الحرام،مثلا لو علم أنه تکلم بشیء فیحمل علی أحسنه من انه لم یفحش لا انه حمل علی أنه سلم لیکون رده واجبا و کک عامل معاملة فتحمل علی انها لیست ربویة لا أنها معاملة صحیحة،فالمقصود أنه حکم أخلاقی نظیر صدق أخیک و لو یجیئک خمسون قسامة فکذبهم فمعناه لا ترتب الأثر علی قولهم فاحمل کلامه علی أحسنه لا انه کذبهم و احملهم علی الکذب.

و انما الدلیل علی اعتبارها السیرة القطعیة المستمرة فی بعض الموارد و الظاهر ان الضابطة فیها هو ما کان الفاعل الذی یحمل فعله علی الصحة مسلطا علی التصرف و مالکا له و بعد إحراز سلطنته علیه فإذا شک فی بعض الشرائط فیکون فعله محمولا علی الصحة و الوجه فیه هو ان السیرة دلیل لبیّ لا یؤخذ بها إلاّ بالمقدار المتیقن و علیه فلا یجوز لأن یحمل الفعل الصادر من الفاعل الذی لا ندری کونه مالکا علی التصرف و عدم کونه مالکا علیه علی الصحة فلا یمکن الحکم بصحة المعاملة إذا صدر الفعل من الفاسق و شک فی ان الثمن هو مال الصغیر أو المثمن و هکذا لا یمکن الحکم بالصحة بأصالة الصحة إذا صدر الفعل من الفاسق و لکن نحتمل أنه استأذن من العادل أو من الولی أم لا لعدم إحراز مالکیته علی التصرف فلا یکون موردا للسیرة و هکذا و هکذا و من هنا لا یمکن إجراء أصالة الصحة و تصحیح عقد الوکالة بها إذا شک فی کون البائع وکیلا من قبل المالک أو فضولیا فی بیعه،هذا إذ لم یحرز انه مالک للتصرف حتی یحمل فعله علی الصحة و بکونه بعنوان الوکالة و من هذا

ص:73

القبیل الشک فی البلوغ و هکذا کل ما کان من هذا القبیل،و الوجه هی کلمة واحدة و هو کون الدلیل علی أصالة الصحة هی السیرة فهی لبیّة فیؤخذ بالمقدار المتیقن فلا یشمل الموارد المشکوکة فالمورد المتیقن لها هو ما ذکرناه.

لا یقال انه إذا اعتبر فی جریان أصالة الصحة مالکیة المتصرف علی التصرف فبماذا تحملون علی الصحة فما إذا تردد البیع الصادر من البائع بین کونه بیعا صحیحا أو بیعا ربویا مع عدم کونه مالکا علی إیجاد البیع الربوی.

فإنه یقال انه یکفی فی ذلک مالکیته علی الطرف الذی تحمل فعله علیه بأصالة الصحة فلا یلزم کونه مالکا علی جمیع أطراف المحتملات کما لا یخفی فیکفی فی المثال المذکور کونه مالکا علی إیجاد البیع الصحیح فیحمل علیه مع التردد بینه و بین البیع الفاسد هذا کله فیما إذا لم یکن المال فی ید المتصرف،و اما إذا کان ذو الید علی المال و کان المال تحت یده فادعی کونه مالکا للتصرف بکونه ولیّا أو مستأذنا منه مع إمکان ما ادعاه فهل یمکن حمل فعله علی الصحة هنا أم لا؟ الظاهر أنه لا یمکن حمله علی الصحة هنا أیضا لعدم السیرة علی ذلک بل لا بد و ان تؤخذ المال منه فضلا عن نفوذ تصرّفه فإنه مع العلم بکونه غیر مالک و ان ما بیده مال الصغیر فمجرّد احتمال کونه مالکا علی التصرف بالاستیذان أو الوکالة من ولیه أو کونه ولیّا لا یجوز حمل فعله علی الصحة، لعدم العلم بجریان السیرة فیه،بل یکفی الشک فی عدم الجریان لما عرفت من کونها دلیلا لبیّا فیؤخذ القدر المتیقن منه فما لم یکن عالم بالسیرة فلا یمکن حمل فعله علی الصحة.

نعم،یمکن الحمل فعله علی الصحة لو کان ظاهر الحال تقتضی مالکیته و اعترف بعدم کونه مالکا،بل وکیلا من قبله أو مأذون منه بحیث لولا الاعتراف لعومل معه معاملة المالک کما إذا أردنا أن نشتری شیئا من البقال فقلنا

ص:74

أعطه بسر کذا،فقال انه مال الغیر أو مال الیتیم لا اعطی إلا بثمن کذا، فلیس لنا ان نأخذه و نقول فقد اعترفت بکونه مال الغیر فاثبت وکالتک عنه، بل یصدق قوله فیحمل معاملاته علی الصحة إذ السیرة قائمة علی ذلک فی أمثاله فلم یتوقف أحد فی المعاملة علیه.

و بالجملة فموارد الاطمئنانات الشخصیة خارجة عما ذکرناه من عدم حمل فعل الغیر علی الصحة،إذ یحمل فیها فعل الغیر علی الصحة،و اما لو علمنا انه استولی علی مال الغیر فلا ندری انه وکیل فی التصرف أو لا فیدعی الوکالة و یتصرف فیه،فلا یکون تصرفه هذا نافذا فلا یمکن ترتیب الأثر علیه.

ثم من قبیل ما ذکرناه من اشتراط حمل فعل المسلم علی الصحة بکونه مالکا علی التصرف ترتیب الأثر بقول الحکام الشرعیة،أو مدعی التولیة علی وقف و نحوه،فإنه إذا شککنا فی عدم مالکیته علی التصرف من جهة الشک فی اجتهاده أو عدالته أو فی الجهات الأخری فلا یجوز أن یحمل فعله علی الصحة لعدم شمول السیرة علیه.

نعم،لو أحرزنا مالکیته علی التصرف و شککنا فی الشرائط الأخری، فأصالة الصحة فی فعله و قوله و حکمه جاریة بلا اشکال،فافهم.

قوله:ثم انه هل یشترط فی ولایة غیر الأب و الجد ملاحظة الغبطة

للیتیم أم لا؟

أقول:المشهور اعتبار المصلحة فی التصرّف فی مال الیتیم،بل عن بعضهم الإجماع علی ذلک بل عن التذکرة فی باب الحجر کونه اتفاقیا بین المسلمین و استدل علیه المصنف بقوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ و ذکر حیث ان توضیح الآیة لم یذکر علی ما ینبغی فی کلام أحد من المعترضین لبیان آیات الاحکام،فلا بأس بتوضیح ذلک فی هذا المقام

ص:75

و محصل کلامه ان القرب فی الآیة یحتمل معانی أربعة:- الأول:مطلق التقلیب و التقلب و لو من مکان الی مکان فلا یشمل ما لیس فیه تقلیب کابقائه عند أحد أو علی حاله.

و الثانی:وضع الید علیه بعد کونه بعیدا عنه فیکون النهی نهیا عن ذلک،فلا یشمل حکم ما بعد الوضع.

الثالث:ما یعد فی العرف تصرفا کالاقتراض و البیع و الإجارة و شبهها.

الرابع:مطلق الأمر الاختیاری المتعلق بمال الیتیم أعم من الفعل و الترک فالمعنی لا تختاروا فی مال الیتیم فعلا أو ترکا الاّ ما کان أحسن من غیره.

و أما لفظ الأحسن فی الآیة یحتمل ان یراد به ظاهره من التفضیل و یحتمل أن یراد منه الحسن نظیر قوله تعالی أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ و علی الأول فیمکن أن یؤخذ التفضیل المطلق أی لا یجوز التصرف فی مال الیتیم الاّ بوجه یکون أصلح من غیره من التصرفات،أو یکون المراد به الأفضلیة علی الترک أی قربا یکون أحسن ترکه و علی الثانی فیمکن أن یراد بالأحسن ما یکون فیه صلاح فلا یجوز التصرف إذا لم یکن فیه صلاح و یمکن أن یراد به ما لا مفسدة فیه،و ان لم یکن فیه صلاح أیضا ثم اختار من احتمالات القرب الاحتمال الثالث و من احتمالات الأحسن الاحتمال الأول أی ما یکون بمعنی التفضیل المطلق،و علیه فإذا کان بیع مال الصغیر أصلح،فبعناه بعشرة دراهم،ثم فرضنا أنه لا یتفاوت إبقاء الدراهم للیتیم أو تبدیله بالدینار فأراد الولی أن یجعله دینارا،فلا یجوز بعد کونه أصلح من ترکه،بل هما سیان و أن کان یجوز ذلک من الأول إذا کانت المصلحة فی الابتداء فی تبدیل المال بالنقد من غیر فرق فی تبدیله بالدینار أو الدراهم و أما لو

ص:76

جعلنا الحسن بمعنی لا مفسدة فیه فیجوز ذلک کما یجوز لو أخذ بالاحتمال الرابع للقرب إذ کما ان الولی مخیّر فی الأول بین جعله دینارا أو درهما فکک له التخییر بقاء إذ لیس لأحد الفردین مزیة علی الأخر لا فی الابتداء و لا فی الاستدامة فیکون القدر المشترک بینهما هو الحسن فیکون مخیّرا ابتداء و استدامة.

ثم قال ان الانصاف هو أن مرجوحیة المعنی الرابع فی نظر العرف ثم استظهر من بعض الروایات ان المناط فی جواز التصرّف فی مال الیتیم هو عدم الضرر علیه کما ان المناط فی الحرمة وجود الضرر علیه.

و الذی ینبغی ان یقال ان شیئا من المعانی الأربعة لا یرتبط بالقرب اما الاحتمال الثالث فلأن مثل البیع و الاقتراض و الإجارة و نحوها مما یعد فی العرف تصرفا لیس قربا فإنه هو الإتیان و لیس فی أمثال ذلک قرب و إتیان بوجه و اما المعنی الرابع فهو لیس بتمام فی نفسه،بل یعد جعله من معانی القرب من العجائب إذ لا یصدق القرب علی الترک و علی الاعدام فهل یقال لمن ترک شیئا انه قرب منه.

و أما المعنی الثانی فلا وجه له أیضا إذ لا وجه لتخصیص القرب بالابتداء و عدم شموله للاستدامة فإنه تخصیص بلا مخصص و کک لا وجه للرابع و تخصیصه بالتقلیب و التقلب و عدم شموله لا بقائه فی حاله أو عند احد مع انه یمکن أن یکون نفس الإبقاء عند أحد استیلاء علیه،بل معنی القرب هو الإتیان إلی الشیء خارجا و الاستیلاء فتارة ینسب إلی الأفعال کقوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ و الأخری إلی الأعیان کقوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ فالمعنی هنا و اللّه العالم انه لا یجوز الاستیلاء علی مال الیتیم و تملکه الاّ بوجه یکون حسنا و مصلحة و علیه فیکون النهی متمحضا للتکلیفی لعدم ارتباط

ص:77

الآیة بالمعاملات بوجه لیکون النهی إرشادا إلی الفساد کما ذکرنا مرارا من کون النهی فی باب المعاملات إرشاد إلی الفساد.

و بالجملة ان الآیة خارجة عن المعاملات و لیست لها تماس بها لکی یباحث فی فسادها و عدمها،بل هی مسوقة للنهی عن أکل ماله و الاستیلاء علیه فهی نظیر علی الید ما أخذت حتی تؤدّی.

ثم انه لا یفرق فی ذلک بین کون الاستیلاء حدوثا أو بقاء فلو کان مال زید الصغیر ودیعة عند عمرو فالی سنة أحرزه،ثم استولی علیه و تملکه و تصرف فیه تصرفا الملاک فتشمله الآیة أیضا إذا النهی منحل إلی نواهی عدیدة علی نحو العموم الاستغراقی.

ثم اختلف فی ان المراد بالتی أی شیء فقیل انها کنایة عن النیة أی لا تقربوا مال الیتیم إلاّ بنیة حسن،فیکون الباء صلة زائدة.و قیل ان المراد منها الکیفیة أی لا تقربوا مال الیتیم إلاّ بکیفیة حسن و ذکرنا سابقا ان المراد منها الطریقة و یکون الباء للسببیة و لیس هو وصفا للقرب کما توهم و الا کان الصحیح ان یقال إلاّ بالذی هو أحسن،ثم لا شغل لنا فی انه أی شیء أرید منها أو من الأحسن بعد مما علمت خروج الآیة عن باب المعاملات و کونها ناهیة عن أکل مال الیتیم و الاستیلاء علیه بأی نحو من أنحاء التصرفات کما انه لا شغل لنا للبحث فی أنه أی طریق لیجوز التصرف فی مال الیتیم علی هذا الوجه بعد ما عرفت انه لا ولایة لأحد علی الصغیر و التصرف فی ماله من الفقیه و الحاکم الشرع فضلا عن عدول المؤمنین و کیف بفساقهم حتی التصرفات التی کانت علی مصلحة الصغیر فضلا عما لا مصلحة فیه أو فیه، مفسدة لماله إلا فی مورد خاص فهو صورة موت الشخص فأرید بیع ماله فدلّت الروایة علی قیام العدل بذلک و بیعه من قبلهم و انما التصرف یجوز

ص:78

فی ماله حسبة و ان نظر الشارع تعلق بحفظه و حفظ ماله من کل أحد فإذا شوهد ان داره تخرب أو ماله یتلف أو هو نفسه فی معرف التلف فیجب لکل أحد علی مراتبهم حسبة یحفظوا ماله و نفسه و اما فی غیر تلک الموارد فلا یجوز لأحد ان یتصرّف و لو کان علی مصلحة الصغیر فکیف ما إذا لم یکن فیه صلاح،فافهم.

قوله:نعم ربما یظهر من بعض الروایات ان مناط حرمة التصرف هو الضرر.

أقول:قد عرفت عدم دلالة الآیة علی الولایة فضلا عن اعتبار المصلحة فی تصرفهم بل لا بد من العمل بمقتضی الأصل حیث علمنا جواز التصرف فی مال الیتیم فی بعض الموارد حسبة کما إذا کان فی شرف الخراب فإنه یجوز بل یجب البیع و تبدیله بالأحسن و اما بیع ماله ابتداء و لو کان أصلح فلا یجوز للفقیه فکیف بغیره إلا فی موارد القسمة قد ورد النص بقیام العدل علیها و علی هذا فلا بدّ من الاقتصار بالقدر المتیقن من التصرف فهو صورة اختیار الأصلح فلو کان هنا مشتریان فیشتری أحدهما بخمسین و الأخر بمائة فلا یجوز بیعه بخمسین إلاّ إذا کان فی بیعه بمائة ما یوجب التشویش و الاضطراب لکون المشتری شخصا متقلبا بجعل الخیانة فی معاملاته.

و ربما قیل ان المناط عدم الضرر فقط و ان لم یکن فیه نفع لروایتین:- إحداهما:روایة الکاهلی عن الدخول علی الیتامی فقال علیه السلام ان کان فی دخولهم علیهم منفعة لهم فلا بأس،و ان کان فیه ضرر فلا،و استظهر منها المصنف ان المراد من منفعة الدخول ما یوازی عوض ما یتصرّفون من مال الیتیم عند دخولهم فیکون المراد بالضرر فی الذیل ان لا یصل الی الأیتام ما یوازی ذلک فلا تنافی بین الصدر و الذیل.

ص:79

و زعم بعضهم ان الروایة إنما تعرضت لحکم صورتین إحداهما صورة وجود المنفعة للیتامی و الثانیة صورة الضرر منهم،و اما الصورة التی یوازی النفع مع الضرر بحیث لم یبق فی البین لا نفع و لا ضرر فسکوت عنها و قوله علیه السلام فی الذیل ان فیه ضرر علیه فلا یجوز بیان لأحد شقی المفهوم لکونه أغلب فتکون الروایة أجنبیة عن اعتبار عدم الضرر فقط فی تصرفات الولی و لکن الظاهر ان ما فهم المصنف من الروایة هو الوجیه و ذلک من جهة ان طبع الدخول علی الیتامی لا یخلو عن الضرر لکونه مستلزما لاستخدام دارهم و الأکل من طعامهم و الجلوس علی بساطهم الی غیر ذلک من التصرفات التی لا شبهة فی کونها فی نفسها ضررا علیهم فدخولهم علی الیتیم بحسب الطبع ضرر علیهم و علی هذا فنظر الامام علیه السلام من التجویز فیما إذا کان دخولهم علیهم منفعة ملاحظة المواراة بین ما یصل إلیهم من الداخلین و بین ما یقع علیهم من الضرر فیحکم بالجواز مع وجود النفع لهم و بعدمه مع کونه ضررا علیهم و علیه فلا یکون فی البین شق ثالث.

و لکن الظاهر ان الروایة خارجة عما نحن فیه إذ هی لیست متعرضة لجواز بیع مال الصغیر و التصرف فیه و ان کان أصلح لهم،بل قلنا لا یجوز التصرف الا بالمقدار المتیقن الذی تقتضه الحسبة إلا فی مورد القسمة، بل هی معترضة لبیان جواز الدخول علیهم و الأکل من أموالهم إذا لم یکن فیه ضرر بأن یصل منهم إلیهم فی مقابل ما ورد علیهم من الضرر و لو کان النفع امرا اعتباریا کدخول الشخص التشخص علیهم بحیث یوجب ذلک عدم جرئة الناس علیهم،بل هذا المقدار الذی تعرض له الروایة أمر وجدانی،بل مما یحکم به العقلاء إذ لو لم یدخل علیهم أحد و لم یصل الی أمورهم لملاحظة الأصلح فالاصلح لم تحفظ کیانهم و وقعوا فی معرض التلف

ص:80

الثانیة:روایة ابن مغیرة قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام انّ لی ابنة أخ یتمة فربما اهدی لها الشیء فأکل منه ثم أطعمها بعد ذلک الشیء من مالی فأقول یا رب هذا بهذا قال لا بأس فقد ظهر جوابها من الروایة الأولی أیضا،فإن غرض الامام علیه السلام ملاحظة مصلحة الیتیم فی الدخول علیه و الأکل مما اهدی إلیهم فإن المهدی إلیهم عادة یکون أکثر مما یکفیهم من الغذاء فالزائد عنه یکون فاسدا و اما إذا ورد علیهم شخص آخر و أکل ذلک فأعطی إیاهم مالا آخر فی بدله فیکون أصلح لهم بلا شبهة فهی خارجة عن حدود المعاملات،کما لا یخفی.

و بالجملة مورد الروایتین غیر المعاملات من الأمور التی قد حکم العقلاء علی جوازه و رضی به الوجدان کما هو واضح،هذا تمام الکلام فی الولایة.

الکلام فی بیع العبد المسلم علی الکافر

قوله:مسألة:یشرط فمن ینتقل الیه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان یکون مسلما.

أقول:من جملة شرائط المتعاقدین أن یکون المشتری مسلما إذا کان المبیع عبد مسلما فلا یجوز نقل العبد المسلم الی الکافر و هذا الحکم لا یختص بالبیع،بل یجری فی جمیع ما یوجب تملک الکافر المسلم و لو کان بغیر البیع إذ الغرض عدم تملک الکافر علی المسلم بناء علی عدم جوازه لا حرمة البیع منهم و استدل علی ذلک بوجوه:- الأول:التسالم بین الفقهاء علی عدم الجواز و دعوی الإجماع علیه، فعهدته علی مدعیه فیکون ذلک حجة لمن یطمئن به.

الثانی:الروایات الواردة فی عدم استقرار ملک الکافر علی المسلم و

ص:81

استدامته بأنه لو ملکه قهرا بارث بان کان العبد المسلم تحت ید الکافر فأجبر علی البیع فمات و انتقل الی وارثه فبیع علی الوارث فیعطی ثمنه منهم لا ان العبد المسلم کان للکافر من غیر أن یجبر بالبیع فمات و انتقل الی الوارث و الاخبار الواردة فی إسلام العبد الکافر فی ملک سیده فإنه بیع علیه أو کانا مسلمین فارتد المولی و کفر فإنه بیع العبد علیه و هکذا فیستفاد منها عدم استدامة ملک الکافر علی المسلم و انه لا یستقر بقاء فیدل علی عدم الملک حدوثا أیضا إذ لا یفرق فیه بین حدوث و البقاء فإذا لم یرض الشارع بذلک بقاء لم یرض به حدوثا أیضا و نزلوا ذلک بمنزلة استفادة حرمة تنجیس المسجد من الأمر بالإزالة إذ لو لم تکن التنجیس محرّما لم یکن وجه لوجوب الإزالة و أیضا نظیر ذلک ما إذا أمر بإخراج أحد من الدار، فإنه یستفاد منه حرمة إدخاله الدار فان غرض المولی عدم وجوده فیها و کونه مبغوضا له لا مجرّد إخراجه و إدخاله ثانیا.

و فیه ما أجاب به المصنف ان الأمر بإزالة ملک الکافر عن المسلم بقاء حکم تکلیفی بحیث یحرم إبقائه فی ملکه و یجب إخراجه عنه فلا یدل علی عدم ملکه ابتداء الذی هو من الأحکام الوضعیة نعم یدل علی عدم کون ملکه مستقرا حدوثا کما دلّ علی ذلک بقاء.

و بعبارة أخری لا دلالة فیها علی أزید مما تدل علی حکم البقاء فهی تدل علی وجوب ازالة ملک الکافر عن العبد المسلم بقاء وجوبا تکلیفا فیدل علی حرمة تملک الکافر العبد المسلم أیضا تکلیفا،و اما انه لا یملک بالشراء أو بالصلح أو بالهبة فلا یستفاد منها.

نعم،لو دلت تلک الروایات علی انعتاق العبد المسلم فی ملک الکافر بقاء لدلت علی عدم ملکه له حدوثا أیضا و لیس الأمر کک و انما هی متعرضة

ص:82

لجهة الحکم التکلیفی فقط من جهة البقاء کما لا یخفی.

و من هنا ظهر الجواب عن النص الوارد فی عبد کافر أسلم فقال أمیر المؤمنین علیه السلام اذهبوا فبیعوا من المسلمین و ادفعوا ثمنه الی صاحبه و لا تقروه عنده.

و وجه الظهور ان التخصیص بالمسلمین انما هو من جهة ان الداعی علی الأمر بالبیع هی إزالة ملک الکافر و النهی عن إبقائه عنده فلا یحصل ذلک الغرض بنقله الی کافر آخر فلا یدل ذلک علی فساد بیعه من الکافر ابتداء و عدم صحته و ان الکافر لا یملکه من الأول.

و لا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من ان أمر الأمیر المؤمنین علیه السلام بالبیع من المسلم و نهیه عن الاستقرار عند الکافر یدل بالملازمة العقلیة علی عدم تملک الکافر العبد المسلم ملکا مستقرا فهی نظیر ما لو قیل أزل النجاسة عن المسجد فکما یفهم منه حرمة إدخال النجس فیه کذلک یستفاد من عدم استقرار ملک الکافر علی المسلم عدم حدوث ملکه علیه کذلک.

لما عرفت من عدم الملازمة بینهما بوجه فما افاده المصنف متین جدا و بعد بیانه علی الذی فی المتن لا یبقی مجال لما ذکره شیخنا الأستاذ بل لا نفهم معنی کلامه.

و الحاصل:انه استدل علی عدم تملک الکافر للمسلم بوجوه:-
منها:التسالم

فهو راجع الی وجدان کل أحد فمن یطمئن به فیصدقه

و منها:الأخبار الواردة فی موارد عدیدة

الدالة علی وجوب بیع العبد المسلم علی الکافر.

و فیه انها تدل علی وجوب إزالة العلقة المالکیة للکافر من العبد المسلم بقاء وجوبا تکلیفیا فلا یدل علی عدم صحة التملک حدوثا وضعا.

ص:83

نعم،لو کانت دالة علی انعتاقه علیه بقاء فی تلک الموارد لدلت علی عدم حدوث الملکیة حدوثا أیضا للملازمة العرفیة بینهما و لیس کک.

و منها:ما عن الأمیر علیه السلام و لا تقرّوه عنده فبیعوه من مسلم.

و فیه أولا ما تقدم من انها تدلّ علی حرمة إبقاء العبد المسلم فی ملک الکافر تکلیفا فلا یدل علی عدم التملک حدوثا وضعا بل تکلیفا فتقییده علیه السلام بالبیع من مسلم من جهة عدم حصول الغرض و هو ازالة ملک الکافر عن المسلم بالبیع من غیره فالنهی عن التقرر عنده نهی تکلیفی محض.

و ثانیا:ان الأمر بالبیع و الناهی عن إبقائه عند الکافر هو الأمیر علیه السلام و لا شبهة بیعه من الکافر حرام فهو علیه السلام لا یأمر بالحرام.

و بالجملة الروایة أجنبیة عن تملک الکافر العبد المسلم ابتداء.

و منها الآیة المبارکة لَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً بدعوی ان تملک الکافر المسلم بالبیع أو بغیره سبیل علیه فهی منفی بالایة المبارکة.

قال المصنف:ان باب المناقشة فیها واسع ثم أشکل علیها بوجوه و قبل جمیع المناقشات ان السبیل عبارة عن السلطة الخارجیة فالملکیّة من الأمور الاعتباریة فلا یصدق علیها السبیل.

الثانی:ما أورده المصنف أولا أن الآیة لا دلالة فیها بنفسها و لو بقرینة السیاق علی المطلوب إذ مقتضی النفی بلن التابیدیّة هو نفی السبیل من الکافر الی المسلم فی آن من الآنات فهذا المعنی غیر قابل للتخصیص بوجه فیعلم من ذلک ان المراد منه لیس نفی السبیل تکوینا بداهة ثبوته للکافر علی المسلم فی جمیع الأزمنة أو فی أکثرها لکون المؤمن فی ذلّ و مشقة دائما و لا ان المراد نفی التملک ثبوت ملکیته علیه کثیرا کما

ص:84

إذا کان عنده عبد مسلم فلم یلتفت الیه المسلمون لیبیعوه فمات و انتقل الی وارثه أو أرادوا بیعه فمات أو لم یقدروا علی بیعه فمات و انتقل الی وارثه فان فی جمیع هذه الصور تملک الکافر للمسلم،بل تسالم الفقهاء علی جواز بیع المسلم من الکافر إذا کان ممن ینعتق علیه فیتجلی من ذلک کلّه ان الآیة أجنبیة عن هذه الأمور و الاّ لزم القول بالتخصیص فقد قلنا ان الآیة آبیة عن التخصیص.

اذن فلا بدّ و ان یراد من الآیة معنی لا یقبل التخصیص و لو بقرینة ما قبلها و هو قوله تعالی فَاللّهُ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ و من الواضح ان الحکومة الإلهیة بین العباد مختصّ بالأخرة فتکون الآیة راجعة إلیها إذ فیها لیس للکافر علی المسلم سبیل بوجه فان اللّه یحکم بینهم دون غیره،فلا ظلم فی حکمه تعالی.

و بالجملة مقتضی ظهور نفس الآیة و مقتضی سیاقها و صدرها اختصاصها بالأخرة فلا یشمل السبیل الدنیوی فضلا عن شموله علی التملک.

هذا حاصل ما ذکره المصنف مع التوضیح و الإضافة منا فلا مناص عنها بوجه.

ثم ناقش ثانیا بأنه لو أغمضنا النظر عما ذکرناه و قلنا بشمولها بالسبیل الدنیوی و تملک الکافر المسلم فلا یساعده ما ورد فی تفسیرها من ارادة الحجة عن السبیل و ان الإسلام لعلو شأنه و رفعة مقامه و مکانة حقانیته و وضوح حججه و بیناته یعلو علی کل الأدیان و لا یعلو علیه دین و مذهب، فالمراد من الآیة هو نفی تفوق حجة الکافر علی حجة الإسلام کما خاطب النبی الأکرم(صلی الله علیه و آله)أهل الجاهلیة مرارا هل لکم من سلطان و بینة و حجة و قد نطق بذلک القرآن المجید فی موارد عدیدة و الروایات المتکثرة و ان

ص:85

الکافرین کلما طالبوه عن النبی(صلی الله علیه و آله)من البینات فأتاه و لکنهم عجزوا عن مقاومته بالحجج و البینات و قد ورد فی تفسیره ان قوما زعم بذلک عدم قتل الحسین علیه السلام،بل رفعه اللّه فألزمهم الإمام علیه السلام بأنه و قد قتل من هو أشرف منه أعنی علی و ابنه الحسن(علیه السلام)و بأنه لو کان الأمر کک، فلم قتل الأنبیاء کما حکاه اللّه تعالی فی کتابه،بل المراد انه لیس للکفار حجة علی المسلمین فإنهم یغلبون علیهم فی کل حجة و الاّ فالسیرة العملیة جرت علی أن المسلمین من المظلومین و المقهورین من زمن آدم الی هذا الزمان،إذ أوّل من تصدی الی ذلک ابن آدم قابل حیث قتل هابل، فجری الحسد و العداوة بین الناس،بل فی بعض الاخبار:ما منّا الاّ مسموم أو مقتول.فیعلم من جمیع ذلک و ممّا ورد فی تفسیر الآیة من العیون المشار إلیه ان المراد من الآیة نفی الحجة فی الدنیا و الاّ فمن جهة غیر الحجة فالکفار لهم سبیل علی المؤمنین بلا ریب ثم قال المصنف و تعمیم الحجة علی معنی یشمل الملکیة و تعمیم الجعل علی وجه یشمل الاحتجاج و الاستیلاء لا یخلو عن تکلّف.

و فیه انه یمکن المناقشة فی هذا الوجه من جهة ان الحجة و ان لم تشمل الملکیة الاّ ان تفسیر الآیة بها لا یوجب اختصاصها بها بل من الممکن ان یراد من السبیل معنی جامع و مفهوم عام یشمل الحجة و غیرها و یکون التفسیر بالحجة من باب بیان المصداق و علیه فیشمل السبیل الملکیة أیضا مع قطع النظر عن عدم شموله لها فی نفسها.

و بالجملة لو أمکن شمول السبیل علی الملکیة فتفسیر الامام علیه السلام الآیة بالحجة لا یوجب عدم شمولها للملکیة،بل یمکن شمولها لو أرید من السبیل معنی جامع و قد ورد فی هذا المعنی و ان تفسیر آیة بفرد لیس

ص:86

تخصیصها لها به،بل من باب تطبیق الکلی علی الفرد اخبار ذکرها فی کتاب سمی مقدمة البرهان و فیها ان القرآن یجری کما تجری الشمسی و القمر فلو أن آیة نزلت علی قوم فلا یختص به و الاّ نفد القرآن بزوال القوم،بل من باب التطبیق.

و علیه فلو طبق الجبت و الطاغوت بالشیخین فلیس معناه انه لا یمکن ارادة غیرهما منها و من هذا تنحل شبهات کثیرة فی ذلک الباب و قد ذکرنا تفصیل ذلک فی بحث التفسیر.

ثم ناقش الشیخ فی الآیة ثالثا بعد الغض عن المذکورات من جهة تعارض عموم الآیة مع عموم ما دلّ علی صحة البیع و وجوب الوفاء بالعقود و حل أکل المال بالتجارة و تسلط الناس علی أموالهم و حکومة الآیة علیها غیر معلومة.

و فیه انه لا یفهم ما یرید من هذه المناقشة إذ لو قلنا بتقدم عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ علی الآیة المذکورة کما هو الظاهر إذ عمومه بالوضع لوضع الجمع المحلی للعموم فیها فیشمل مورد النزاع فیحکم بصحة بیع عبد المسلم من الکافر،و الاّ فالتعارض بینهما بالعموم من وجه،ففی مورد الاجتماع یحکم بالتساقط و تکون أصالة الفساد محکمة فلا یکون وجه للصحة،ح بل تکون النتیجة نتیجة التمسک بعموم نفی السبیل کما هو واضح.

ثم قال مضافا الی ان استصحاب الصحة فی بعض المقامات یقتضی الصحة إذا کان الکافر مسبوقا بالإسلام أو کان العبد مسبوقا بالکفر،فان فیها نستصحب صحة البیع الثابت قبل الکفر،و فی غیر هذه الموارد نحکم بالصحة لعدم القول بالفصل و لا تعارضه أصالة الفساد فی سائر الموارد لحکومة،استصحاب الصحة علیها.

ص:87

و فیه ان کلامه هذا من أوله الی آخره غیر صحیح إذ الاستصحاب هنا تعلیقی لا نقوله به لعدم ثبوت الحکم المنجز هنا لنستصحبه،بل الثابت قبل الکفر أنه لو باع لصح فاستصحابه الاحکام فلا نقول به.

و ثالثا:ان الکافر و المسلم فی نظر العرف موضوعان متباینان،فإذا کفر المولی أو أسلم العبد فلا وجه لاستصحاب حکم ما قبل الکفر و الإسلام لتبدل الموضوع فی نظر العرف.

و مع الغض عن جمیع ذلک،فلا وجه لعدم القول بالفصل فی الأحکام الظاهریة و انما هو فی الأحکام الواقعیة،و اما الأحکام الظاهریة فالتفکیک فیها من الکثرة بمکان و الاّ یلزم اسراء الحکم من موضوع الی موضوع آخر فهو قیاس باطل مثلا لو کان هناک ماء ان کلاهما بمقدار معین،فکانت الحالة السابقة فی إحداهما الکریّة و فی الأخر القلة فاستصحاب کل من الحالتین یغایر استصحاب الحالة الأخری لکون کل منهما تابعا علی شک و یقین،فلیس لأحد ان یجری الاستصحاب فی أحدهما و یحکم بثبوت الحکم فی الأخر بالملازمة بینهما،لکونه اسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر فهو قیاس و هکذا لو توضأ بأحد،أطراف العلم الإجمالی غفلة فیحکم ببقاء الحدث و طهارة البدن الی غیر ذلک من الموارد و من هنا قلنا بانّ سلمان لو استصحبت حکما من أحکام الشرائع السابقة لا یثبت ذلک فی حقنا بالاشتراک فی التکلیف فان الاستصحاب تابع للشک و الیقین من کل أحد فشک السلمان و یقینه غیر الشک و الیقین الموجود فینا.

و بالجملة مورد عدم القول بالفصل فی الأحکام الواقعیة لوجود الملازمة بینها دون الأحکام الظاهریة لعدم وجود الملازمة بینها کما عرفت.

ص:88

علی انه مع الغض عن جمیع ذلک و تمامیة عدم القول بالفصل فلا وجه لمعارضة أصالة الفساد فی مورد آخر فهو ببیع العبد المسلم ابتداء من الکافر مع أصالة الصحة فی الموردین المذکورین الذین جری فیها الاستصحاب،نعم جریانها فی مورد واحد و معارضتها فیه تقدیم أصالة الصحة علی أصالة الفساد للحکومة لا ریب فیه،و لکنه غیر تعارضها إذا جریا فی موردین،بل یعمل بکل منهما فی مورده من غیر تعارض و تمانع أصلا.

و الحاصل:أن حاصل کلام المصنف هو لو کان العبد و المولی کافرین فأسلم العبد أو کان المشتری مسلما فکفر فإنه فی هذه الموارد یجری استصحاب صحة البیع الثابت قبل الکفر و الإسلام و فی غیره هذه الموارد یتم المطلب بعدم القول بالفصل و علی تقدیر عدم جریان عدم القول بالفصل فأصالة الصحة فی هذین الموردین یعارض بأصالة الفساد فی سائر الموارد،کما إذا لم یعلم الحالة السابقة فإن مقتضی أصالة الفساد اعنی عدم انتقال مال أحد إلی شخص آخر جاریة فیها فیقع المعارضة بینهما فتقدم أصالة الصحة علی أصالة الفساد للحکومة.

و یرد علیه أولا:ان الاستصحاب هنا تعلیقی،فلا نقول بجریانه فلا نقول بحجیته فی الأحکام التعلیقیة،و مع الغض عنه فلا یجری فی الشبهات الحکمیة و مع الغض أیضا فالموضوع هنا متبدل حیث ان موضوع الجواز فی أحدهما الکفر و الأخر الإسلام قد تبدل کل منهما إلی الأخر فهما فی نظر العرف من المتباینین فیکون الاستصحاب اسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر.

و ثانیا:ان عدم القول بالفصل بناء علی اعتباره و حجیته انما یتم فی الأحکام الواقعیة أی الأحکام الثابتة بالأمارات مع القطع بالملازمة بینهما و اما الأحکام الظاهریة أی الأحکام الثابتة بالأصول سواء کانت محرزة أو غیر

ص:89

محرزة فلا یجری فیها و لذا یحکم فی مقدار خاص من الماء تارة بالقلة إذا کان مسبوقا بها،و اخری بالکثرة إذا کان مسبوقا بها،و یحکم فی مکان خاص بوجوب القصر تارة و بوجوب الإتمام أخری لاختلاف الحالة السابقة الی غیر ذلک من الموارد الکثیرة التی وقع التفکیک فیها فی الأحکام الظاهریة.

و الوجه فی ذلک:ان جریان الاستصحاب تابع لوجود الیقین و الشک فأینما وجدا نحکم بجریانه و الاّ فلا،سواء توافق مفادهما أم تخالفا،کما لا یخفی.

و ثالثا:ان أصالة الصحة انما تعارض أصالة الفساد فی العقود متقدم للحکومة إذا کانا واردین علی مورد واحد کما إذا شک فی ان عقد الفلانی صحیح أو فاسد،فمقتضی عدم انتقال مال کل من المتعاملین إلی الأخر هو الفساد و مقتضی أصالة الصحة هو الصحة فتکون مقدمة علی أصالة الفساد لحکومتها علیها إذ لو لم تتقدم لکانت ملغاة إذ ما من مورد من موارد أصالة الصحة إلاّ فأصالة الفساد فیه موجودة فلو کانت حاکمة علی أصالة الصحة لم تکن فائدة فی جعل أصالة الصحة.

و أما فی الموردین،بان کان الجاری فی مورد هی أصالة الصحة، کالمثالین المتقدمین،و فی مورد آخر هی أصالة الفساد فلا تکونان من المتعارضین فضلا عن تقدم أصالة الصحة علی الأخر للحکومة.

و بالجملة لا دلیل علی عدم جواز بیع العبد المسلم من الکافر،نعم لو تم هنا إجماع أخذ به و الاّ فنحکم بالجواز،و اما قوله(صلی الله علیه و آله):الإسلام یعلوا و لا یعلی علیه،شیء فمضافا الی ضعف السند فیه ان المراد منه علو نفس الإسلام لوضوح محجة و براهینه و بیّناته لیتم للّه الحجة البالغة و یهلک من هلک عن بینة و یحیی من حی عن بینة و لا یکون للناس حجة بعد الرسل

ص:90

لا علو المسلمین علی الکفار بداهة مشاهدة علو الکفار علی المسلمین کثیرا بل المسلمون مظلومون فی کل دورة و کورة کما أشرنا إلیه قبیل هذا.

ثم لو بنینا علی عدم الجواز فهل یختصّ الحکم بالبیع فقط أو یجری فی غیره کمطلق تملیک المنفعة أو تملیک عینه بالصلح أو کان العبد مورد الحق الکافر کالارتهان أو کان تملیکا للمنفعة کالإجارة أو اباحة لها کالعاریة أو مجرّد استیمان کالودیعة فهل یختص الحکم بالعبد أو یجری فی غیره أیضا فإن کان المدرک للحکم هو الإجماع فالمتیقن منه هو البیع فلا یجری فی غیره تملیکه إیاه بالصلح أو بالهبة أو تملیک منفعة بالإجارة أو العاریة أو جعله عنده ودیعة أو رهنا.

و ان قلنا بان المدرک لذلک هو الآیة المتقدمة و قلنا بشمولها لمطلق السلطة و لو کانت بالاستخدام أو الاستیجار فیشمل ح جمیع موارد السلطة و الاستیلاء علیه.

و علی هذا فنقول اما الودیعة فلا شبهة فی جواز ودیعة العبد المسلم عنده أو إجارة الکافر لحفظه إذ لیس الغرض منها الاّ الحفظ من دون تسلط للکافر علیه بوجه لیکون استیلاء محرما و أما الإجارة فلا بدّ و ان یفصل فیها فإنها کانت بحیث تقتضی استیلاء الکافر علی المسلم فلا یجوز کالإجارة المطلقة المتعلقة بجمیع منافع الحر و العبد و مجرّد ان الحر لیس قابلا للتملک و الغصبیة لا یقتضی سلب سلطة الکافر إذ لو ملک الکافر عمل المسلم بحیث لم یکن له ان یملک غیره فهذا سبیل منه علیه بلا شبهة و ارتیاب.

و أما لو کانت الإجارة متعلقة بذمة المسلم کما لو آجر نفسه لان یخیط له ثوبا أو آجر عبده کذلک فان مجرّد ذلک لیس سبیل علیه،بل هی مثل الاقتراض منه فهل یتوهم أحد أنه سبیل علی المسلم و الاّ لما استقرض

ص:91

الأمیر(علیه السلام)من الیهود،بل ربما یکون الأجیر اشخص من المستأجر کالخیاط الذی استأجر نفسه لخیاطة ثوب أحد من الکافرین الذی أدنی منه بمراتب أو غیر ذلک من الأمور و هکذا العاریة.

و اما الارتهان فهو أیضا کک إذ مجرّد تعلق حق الکافر بالعبد المسلم لا یستلزم إثبات السبیل علیه،بل انما یستلزمه إذا کان تحت سلطته و مستولیا علیه کما هو واضح.

و بالجملة ففی کل مورد لزم من اجارة المسلم حرا کان أو عبدا من الکافر أو إعارته منه أو رهنه عنده سبیل علیه فلا یجوز و الاّ یجوز،و قد ذکر ذلک أوضح من ذلک فی تقریر شیخنا الأستاد.

قوله:ثم ان الظاهر من الکافر کل من حکم بنجاسته.

أقول

یقع الکلام فی بیان الکافر،

قال المصنف ان الظاهر من الکافر کل من حکم بنجاسته و لو انتحل الإسلام کالنواصب و الغلات و المرتدّ.

و فیه ان ما ذکره عجیب من حیث المدعی و الدلیل اما الأول فإن المرتد کافر حقیقة إذ المراد به من لم یؤمن باللّه و برسوله و بیوم الأخر،فلا وجه لتفریع ذلک علی کون المراد من الکافر من حکم بکفره.

نعم هذا یتم فی النواصب و الغلات لدخولها تحت الکافر حکما و الاّ فهما من افراد المؤمن حقیقة إذ المراد من المؤمن فی القرآن من یؤمن باللّه و برسوله و بیوم الأخر فهم کک و ان کان أحدهما ناصبا لأهل البیت و الأخر غالیا فیهم.

و اما من حیث الدلیل فمن جهة ان موضوع البحث هنا هو الکافر و عدم جواز بیع المسلم منه سواء کان طاهرا أو نجسا فبحث نجاسته الکافر أجنبیّ عن ذلک،بل بینهما عموم من وجه إذ قد تکون النجاسة ثابتة فی

ص:92

موضع فلا یشملهم عنوان الکافر کالنواصب فإنهم نجس بلا شبهة فقوله علیه السلام لا شیء أنجس من الکلب و الناصب بنا أهل البیت،أنجس من الکلب و مع ذلک یجری علیهم حکم الإسلام فی الإرث و النکاح و غیرهما من أحکام الإسلام،و ان کان شر من الکافر،نعم نجاسة الغلات لیست مسلمة،و قد یترتب حکم الکفر علی مورد من غیر ان تثبت فیه النجاسة کالکتابی بناء علی طهارتهم لکون طهارتهم و نجاستهم مختلف فیه بین الأصحاب،و قد یجتمعان.

و بالجملة ان البحث عن حرمة بیع المسلم من الکافر و عن نجاسة الکافر و النواصب بحثان لا تماس بینهما بوجه،اذن فلا وجه لما افاده المصنف من المدعی و الدلیل و ما فرع علیه من الحکم.

و اما الأطفال و المجانین منهم

فقد استشکل المصنف فی ثبوت الحکم لهم.

فنقول:بناء علی عدم جواز بیع المسلم من الکافر لا شبهة فی ساریته إلی الأطفال و المجانین منهم اما الأطفال منهم علی قسمین،لأنهم اما ممیزون أو غیر ممیزین،اما الأول:فلا إشکال فی صدق الکافر علیهم حقیقة إذ المراد من الکافر کما عرفت من ینکر الصانع و رسوله و یوم الأخر أو یکون مشرکا باللّه و الطفل الممیز إذا أنکر الصانع أو أشرک به و أنکر یوم القیامة فیصدق علیه انه کافر حقیقة.

و اما الثانی فان لم یصدق علیهم عنوان الکفر حقیقة الاّ ان الحکم ثابت لهم جزما للقطع بعدم الفصل.

و اما المجنون فتارة یکون جنونه فی حال الکفر بان کان یهودیا أو نصرانیا أو ملحدا أو مشرکا فعرض له الجنون فی تلک الحالة فهو کافر أیضا

ص:93

حقیقة فیقال انه یهودی أو نصرانی أو ملحد مجنون و مرتکزاته أیضا مرتکزات الکفر و الإلحاد.

و اخری یکون جنونه من البدو و أول الأمر فهو و ان لم یصدق علیه عنوان الکافر و لکن یشمله الحکم بعدم القول بالفصل جزما بین افراد المجانین.

هذا کله من طرف المشتری،و اما من جهة المبیع أی بیع الطفل المؤمن و المجنون المؤمن من الکافر فیظهر حکمه مما ذکرناه إذ لا ینکر صدق المؤمن علی بعض افراد الطفل لعرفانه المبدء و المعاد،بل ربما یکون ایمانه أکمل من أکثر البالغین و کک لا شبهة فی صدقه علی المجنون فی حال الإسلام، فیتم الحکم فی غیرهما بعدم القول بالفصل جزما کما هو واضح،إذ لم یقل احد بجواز بیع بعض افرادهما و بعدم جواز بعض افرادهما الأخر ثم ان مفروض الکلام فی المجنون ما إذا کان البیع له بان کان المتصدی للبیع غیر مستقل فی التصرف و الاّ فلو کان المتصدی له ولی له و کان کافرا و مستقلا فی التصرف کیف شاء فهذا لا یجوز بلا شبهة بناء علی عدم الجواز.

و اما المخالف

فلیس بکافر قطعا فلا یشمله حکمه فیجوز بیع العبد المسلم منهم لإقرارهم بالشهادتین ظاهرا و باطنا و اما ما دلّ علی کفرهم فلا یراد بظاهرها،فقد قلنا فی أبحاث الطهارة ان المراد من الکفر ترتب حکمه علیه فی الآخرة و عدم معاملة المسلم معهم فیها،بل یعاقبون کالکافر و لا یثاب بأعمالهم الخیریة الصادرة منهم فی الدنیا کالصلاة و غیرها.

نعم،بناء علی عدم تزویج المؤمنة من المخالف لا یجوز بیع الأمة منهم.

و أمّا بیعهم من الکفار

ففی هنا مقامات:

الأول:فی بیع السنی منهم

بحیث کان معتقدا باللّه و برسوله و بیوم القیامة و لکن لم یعتقد بالولایة، الظاهر أنه لا یجوز إذ المراد من نفی السبیل من الکافر علی المؤمن هو

ص:94

نفی السبیل عمن لیس بمنکر للصانع و للرسول کما هو المقصود من المؤمن فی تمام القرآن فبیعه منهم إثبات سبیل لهم علی المؤمن و اختصاص المؤمن فی اصطلاح الیوم بالشیعة انما هو من زمان الصادقین(علیه السلام)بإرادة الایمان بالولایة و ان من لا یؤمن بالولایة فلا ایمان له و نحو ذلک من المؤمن الوارد فی الروایات کقولهم:المؤمن لا یقل بالمخالف فان المراد منه هو المؤمن بالولایة قطعا الاّ انه اصطلاح من زمان الصادقین علیهما السلام کما عرفت و هذا لا یوجب ارادة ذلک من الایات القرآنیة مع التصریح فی القرآن بإرادة غیر ذلک،حیث قال«یؤمن باللّه و برسوله».

و بالجملة انه لا یجوز بیع السنی المقر باللّه و برسوله و بالقیامة من الکافر قطعا،لکونه مؤمنا حقیقة فیلزم من بیعه منهم إثبات السبیل علیه و قد نفی ذلک بالایة.

الثانی:انه یجوز بیع المخالف الذی نعلم بکونه کافرا،

و ان أقر بالشهادتین و بالقیامة،و لکنه من الخوف و ذلک کأکثر المسلمین فی زمان الرسول(صلی الله علیه و آله)حیث أقروا بالشهادتین لخوف السیف من دون ان یصدقهم قلوبهم و قد سماهم اللّه تعالی فی کتابه بالمنافق و الوجه فی ذلک هو عدم شمول الآیة لهم فإنهم لیسوا بمؤمنین إذ الإیمان عبارة عن التصدیق القلبی فلیس فیهم تصدیق باللّه و برسوله و لذا قال اللّه تعالی إِذا جاءَکَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِینَ لَکاذِبُونَ لعدم تصدیقهم نبوة النبی(صلی الله علیه و آله)بل هم أشد من الکفار و لذا قال اللّه تعالی إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ .

و بالجملة و ان قلنا ان المراد من الایمان فی القرآن غیر ما هو المراد

ص:95

به فی الاخبار و فی اصطلاح و ان المؤمن فی القرآن معنی أعم و لکن مع ذلک لا یشمل المنافقین لعدم ایمانهم باللّه أصلا.

نعم،یصدق علیهم الإسلام لکونه مترتبا علی الإقرار بالشهادتین فقط و ان لم یقارن بالتصدیق القلبی فیترتب علیهم حکم الإسلام فی المعاملات، و الإرث،و الذی یوضح ذلک ان الإسلام قابل بالکفر فی القرآن فی الایات الکثیرة و الایمان بالإسلام فی قوله تعالی قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ إذ لو کان المراد من الایمان هو الإسلام لما قابلا فی هذه الآیة الشریفة.

و قد منع المصنف عن بیع المخالف و لو کان منافقا نعلم کفره بدعوی ان المراد من المؤمن فی آیة نفی السبیل انما هو المقر بالشهادتین و نفیه عن الاعراب الذین قالوا آمنا و لما یدخل الایمان فی قلوبکم انما کان لعدم اعتقادهم بما أقروا فالمراد بالإسلام هنا ان یسلم نفسه للّه و رسوله فی الظاهر،لا الباطن،بل قوله تعالی وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ دل علی ان ما جری علی ألسنتهم من الإقرار بالشهادتین کان إیمانا فی خارج القلب،و الحاصل ان الایمان و الإسلام کانا فی زمان نزول الآیة بمعنی واحد و فیه:انه لا معنی لثبوت الایمان فی خارج القلب و إرجاع السلب فی الآیة إلی إرادة عدم دخوله من الظاهر فی الباطن و ذلک لان الإیمان أمر قلبی لا معنی لثبوته فی خارج،کما هو المقصود منه لغة الذی عبارة عن التصدیق،فلیس المراد من الآیة الاّ معناه اللغوی من التصدیق فلا معنی للتصدیق فی خارج القلب و التعبیر بعدم الدخول لیس من جهة أن للایمان محلان.محل فی خارج القلب و محل فی داخل القلب،بل من جهة أن محله لیس الاّ القلب و ذلک نظیر قولک لما یدخل الرحم فی قلبه

ص:96

فإنه من جهة ان الرحم مورد القلب لیس الاّ لا ان هنا رحم فی ظاهر القلب و رحم فی باطن القلب،و هکذا السخاوة و الشجاعة و الشقاوة و غیرها من الصفات و الکیفیات النفسیة فإن التعبیر بعدم دخولها فی القلب من جهة عدم وجود المحل لها غیر القلب کما هو واضح،لا انها تثبت فی خارج النفس و من هنا ظهر ما فی ذیل کلامه ان الإسلام و الایمان فی القرآن بمعنی واحد إذ لو کان واحدا لم یبق وجه للمقابلة بینهما.

ثم استشهد علی مراده بروایة حمران بن أعین فقد ظهر جوابه مما ذکرناه أیضا،بل هی شاهدة علی ما ذکرناه کالایة إذ التعبیر بعدم دخول الایمان فی القلب شاهد علی ان مورده هو القلب و ان الایمان لا یصدق بدونه و لیس مجرد الإقرار بالشهادتین ایمان،بل هو الإسلام محض کما هو واضح و قد رأیت فی بعض کلمات السید شرف الدین أیده اللّه تعالی ما لا بأس بنقله حیث أجاب عن قول العامة بأن أصحاب الرسول کلهم عدول بأنه لو کان کک لزم القول بان وجود النبی(صلی الله علیه و آله)کان موجبا لفسق بعضهم و نفاق الأخر،فإن اللّه تعالی أخبر فی کتابه بوجود المنافق بینهم الذی أسفل درکا من الکافر فإذا مات الرسول(صلی الله علیه و آله)فصار موته سببا لاتحادهم و عدالتهم مع ان اللّه تعالی یقول وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ فهو کلام متین فی غایة المتانة.

نعم لو کان الدلیل علی عدم جواز البیع هو الإسلام یعلوا و لا یعلی علیه،أو ما عن الأمیر علیه السلام اذهبوا فبیعوه(ای العبد المسلم)و لا تقروه عند لشمل المنافق أیضا.

قوله:ثم انه قد استثنی من عدم جواز تملک الکافر للعبد المسلم مواضع.

أقول:بناء علی عدم جواز بیع المسلم من الکافر فقد استثنی منه أمور:

ص:97

الأول:ان یکون البیع مستعقبا للانعتاق القهری واقعا

کما إذا باع المسلم عبدا مسلما من الکافر و کان أبا له أو باع امة و کانت من أرحامه فإنه ینعتق هذا علیه بمجرد البیع فإنه جائز بلا شبهة فإنه لو قلنا بعدم الملکیة التحقیقیة،بل مجرد الفرض و التقدیر فواضح إذ لیس هنا الملکیة فضلا عن ان یلزم هنا سبیل للکافر علی المؤمن و ان قلنا بالملکیة التحقیقیة انا ما أیضا کک فان تملک الکافر المسلم لا یجوز إذا کانت للملکیة أثر و کان ترتبه علیها سبیلا علیه و لیس للملکیة آنا ما اثر لیلزم من ترتبه علیها سبیل علیه.

و قد استدل المصنف علی عدم الجواز بدعوی ان ذلک منّة علی المسلم بان یباع من الکافر و ینعتق علیه.

و فیه انه لو تم انما یتم موجبة جزئیة لا کلیّا إذ ربما لا یلتفت الکافر بالموضوع و انه ممن ینعتق علیه أو بالحکم و ان الإنسان لا یملک بعمودیه فلا یکون هنا منّة أصلا و علی تقدیر المنّة و لو موجبة جزئیة فأیّ دلیل دلّ علی عدم جواز منّة الکافر علی المؤمن و لم یرد انه لا منة للکافر علی المؤمن،فلو کانت المنّة من الکافر علی المؤمن غیر جائزة لزم عدم جواز الاستقراض منه مع انه جائز بلا شبهة،بل علیه جرت السیرة القطعیة إلی زمان المعصومین علیهم السلام.

الثانی:ان یکون العبد المسلم ممن ینعتق علیه ظاهرا

فهو علی قسمین إذ قد یکون المقر به عبدا واقعا و لکن لا یعلم انه ممن ینعتق علیه واقعا أولا الاّ أنه یجعل ممن ینعتق علیه باعترافه بذلک فح یکون ذلک مثل القسم الأول فإن قلنا بالملکیة التحقیقیة انا ما فلا یکون مثلها موجبا لإثبات السبیل و الاّ فالأمر أوضح.

و اخری یتعرف الکافر بکون العبد الفلانی حرا ثم أکذب نفسه فأقدم علی

ص:98

بیعه فهل یحکم بصحة البیع مع عدم تسلیم الحر منه بحسب اعترافه و ان کان فی الواقع عبدا و یؤخذ منه الثمن لعدم نفوذ اعترافه فی حقوق الغیر أو یحکم بصحة البیع و اختار المصنف عدم الصحة بدعوی العلم الإجمالی بکونه اما صادقا فلا یصح شراء الحر و اما کاذبا فکذلک لعدم صحة شراء الکافر للمسلم فنعلم تفصیلا ببطلان الشراء ثم عقبه بالأمر بالتأمل بعد قوله الاّ ان یمنع اعتبار مثل هذا العلم.

و الظاهر ان الأمر به إشارة إلی کلام صاحب الحدائق حیث فصل فی تنجز العلم الإجمالی بین ما کان فی أطرافه جامع تحقیقی یکون موضوعا للحکم و مما جعل علیه ذلک و بین ما لم یکن کذلک،بل یکون بینهما جامع انتزاعی ففی الأول یکون العلم الإجمالی منجزا کما إذا کانت النجاسة مرددة بین هذا الکأس و الکأس الأخر،و کان الغصب مرددا بین هذا الثوب و الثوب الأخر.

و اما الثانی فلا یکون العلم الإجمالی منجزا،بل یکون کل من الطرفین مورد للأصل کما إذا تردد بین کون الکأس الشرقی متنجسا أو الغربی مغصوبا فإنه لم یجعل الحکم علی الجامع بینهما بخلاف الأول و قد نقل المصنف کلام صاحب الحدائق فی الرسائل و جعله تفصیلا فی تنجز العلم الإجمالی ثم قال هذا إذا لم یتولد منه علم تفصیلی و الاّ فلا مناص عن التنجز و علیه فمقامنا من هذا القبیل.

و لکن أشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنه لا وجه للبطلان علی کل تقدیر فإنه علی تقدیر صدق الاعتراف یکون کسائر الموارد التی یجوز بیع عبد المسلم من الکافر و ینعتق علیه فلا یکون العلم الإجمالی منجز کما لا یخفی.

الثالث:أن یأمر الکافر بالعتق

و یقول أعتق عبدک عنی فقد مرّ فی

ص:99

المعاطاة انه لا داعی للالتزام بالملکیة هنا انا ما للجمع بین الأدلة حیث انها دلّت علی صحة استیفاء مال أو عمل محترم بأمر معاملی و دلّت علی انه لا عتق إلاّ فی ملک فمقتضاه دخول العبد فی ملک الآمر و خروجه عنه و علیه یکون ذلک مثل العمودین فلا شبهة فی جوازه إذ لیس هذا سبیلا علی المسلم و انما لملکیة بمقدار تصحّ العتق فقط نظیر بیع ذی الخیار المبیع فإنه بیعه هذا یوجب دخول المبیع فی ملکة آنا ما فینتقل إلی المشتری.

و ان قلنا بعدم احتیاج العتق الی ذلک و کفایة کون المعتق مالکا و ان لم یکن المعتق عنه کک فالأمر أوضح.

و منها:اشتراط العتق فی البیع.

و فیه:انه ان کان المراد منه التزلزل من جهة الشرط فهو لا یختص بصورة الاشتراط،بل یجری فی جمیع موارد البیع الخیاری،بل الأمر فیها اولی لکون الخیار و التزلزل فیها من الأول فهذا بخلافه هنا فان التزلزل انما یثبت بعد التخلف کما لا یخفی.

و ان کان المراد من التزلزل من جهة کون المشروط له مالکا لاجبار المشروط علیه علی البیع فهو موجود فی جمیع موارد مالکیة الکافر للمسلم فلا یختص بصورة الاشتراط کما لا یخفی.

و بالجملة:لم تتصور وجها لهذا الاستثناء بوجه.

قوله:و اما التملک القهری.

أقول:کما لو ورثه الکافر أو من اجبر علی بیع فمات فهل ینتقل العبد المسلم بذلک الی الکافر أو استأجر علی عمل فجعل اجره العبد المسلم أو غیر ذلک من الانتقالات فنقول

ان کان مدرک الحکم فی أصل عدم تملک الکافر

المسلم هو الإجماع

فلا شبهة فی عدم شمول الانتقال إذ المتیقن منه هو فرض

ص:100

التملک فلا یشمل صورة الانتقال.

و ان کان المدرک فی ذلک قوله علیه السلام فبیعوه و لا تقروه عنده

فهو یدل علی لزوم البیع بعد التملک فلا یشمل التملک الابتدائی فضلا عن الانتقال القهری.

و ان کان المدرک هی آیة نفی السبیل

فبناء علی شمولها الملک و کونه سبیلا أیضا فتکون معارضة بأدلة الإرث بالعموم من وجه لو لم تکن مقدمة علیها بالحکومة کما تقدم فی المسألة الاولی و بعد التساقط فمقتضی القاعدة کونه ملکا للإمام علیه السلام إذا الفرض ان العبد خرج عن ملک المیت و لم ینتقل الی الورشة بأدلّة الإرث و مقتضی الأصل هو عدم انتقاله إلی الورثة فیکون ملکا بلا مالک فینتقل الی الامام علیه السلام.

و لشیخنا الأستاد هنا کلام

محصله ان الآیة و ان کانت معارضة بالعموم من وجه بأدلة صحة العقود فی المسألة السابقة و لکن لا تجری ذلک فی المقام لخصوصیة المورد إذ الإضافة الملکیة بین المالک و المملوک کالخیط الذی یصیر واسطة بین الشیئین فأحد طرف هذا الخیط مشدود بالمال و طرفه الأخر مشدود بالملک ففی البیع و نحوه من معاوضات المالیة تبدّل المالک عن طرف الخیط و لکن یبقی طرفه الأخر علی رقبة المال بلا تبدّل أصلا، بحیث یزول ملکیة المالک عن الملک فیحدث له ملک آخر بالمبادلة و هذا بخلافه فی الإرث فإن الإضافة المالکیة الثابتة للمالک باقیة علی حالها غایة الأمر ینوب الوارث عن المیت بعد موته فیقوم مقامه فتقوم الإضافة معه بلا تبدل فیها أصلا،و علیه فلیس هنا ملکیة جدیدة لیکون هنا سبیل، فیشمله الآیة،بل الملکیة الأولیة بلا زوال أصلا.

و علیه فلا تکون الآیة معارضة بأدلة الإرث،بل تکون أدلة الإرث محکمة.

ص:101

و فیه ان الملکیّة قائمة بالاعتبار الذی لا یتحقق الا بالطرفین نظیر المقولات الإضافیّة،بل أخص منها فلا یعقل بقاء ذلک بارتفاع احد طرفیه بل یرتفع بارتفاعه اذن فلو قام ذلک الاعتبار بشخص آخر أو بحال آخر فیکون غیر ذلک الاعتبار الاولی فهذا کالاضافات الخارجیة مثلا لو کان هنا سقف فتکون هنا فوقیة فإذا تبدل السقف بخیمة فتبدل الفوقیة الأولیة بالفوقیة الثانویة فلا تبقی علی حالها مع ان لها کان نحو وجود فأمر الإضافة الملکیة أهون من ذلک فکیف یبقی بزوال احد طرفیه اذن فتکون الملکیة الحاصلة للورثة ملکیة جدیدة و موردا للایة کما لا یخفی فتحقق المعارضة بلا شبهة.

و علی هذا فمقتضی الجمع بین الأدلة کونه للإمام علیه السلام إذا الفرض انه مات مالکه الأصلی و لم ینتقل الی المالک فیصدق علیه انه مال بلا مالک فتشمله لأدلة الدال علی إرث الإمام علیه السلام مع انتفاء الوارث.

و لا یکون منعتقا علی المیت و لا علی الوارث لأصالة بقاء رقبته کما فی المتن أی لأصالة عدم حریته فیکون للإمام علیه السلام ثم اعتمد المصنف إلی الإجماع و قال ان العمدة فی المسألة ظهور الاتفاقات علی الإرث و قد أشکل علی ذلک بوجوه الأول ان استصحاب الرقیة من القسم الثالث للاستصحاب الکلی فلا یکون جاریا و ذلک من جهة ان العبدیة و کونه رقا للمیت زال و نشک انه صار رقا لشخص آخر اما لا فیکون مشکوک الحدوث فلا یکون الاستصحاب فیه جاریا فیکون حرا.

و فیه ان ظاهر عبارة المصنف و ان کان موهما لذلک الاّ انه لیس مراده بل غرضه ان أصل الرقیة کان امرا ثابتا فنشک فی صیرورته حرا أم لا فنستصحب ذلک الرقیة.

و بعبارة أخری أن المراد من هذا الاستصحاب هو أصالة عدم الحریة

ص:102

و اما کونه ملکا لأی شخص فلیس موردا للأصل کما إذا فرضنا فرشا مع عدم من یملکه فی العالم فإنه بلا مالک فلا یخرجه ذلک عن المالیة و کک نفرض العبد رقا بلا مالک فنستصحب ذلک حتی لو خلق شخص فملکه جاز،بل یجری استصحاب العبودیة للمیت إذ کان هو عبدا إلی الان الأخیر الذی هو آن الموت فنشک فی زواله فنستصحبها،فیکون من جملة ما ترکه فلا یکون حرا،بل لا وجه للاستصحاب أصلا إذ لا مخرج له عن عموم ما ترکه المیت فمع وجود الإطلاق اللفظی لا یجری الاستصحاب.

نعم،لو کان المشکوک و المتیقن هی العبودیة للمیت و العبودیة للوارث لجری الاشکال المذکور إذ نعلم بزوال العبودیة للمیت و نشک فی حدوثه للوارث فیکون الاستصحاب فیه من القسم الثالث و لکنه لیس بمراد المصنف.

الثانی:انه کما تجری أصالة عدم کونه ملکا للوارث فکک تجری أصالة عدم کونه ملکا للإمام علیه السلام فما الوجه فی جریان الأول و عدم جریان الثانی،فهل هو الا ترجیح بلا مرجح،فلا یثبت کونه ملکا للإمام بأصالة عدم کونه للوارث،إلاّ بالملازمة العقلیة لانحصار الوارث بینهما فقد حقق فی الأصول عدم اعتبار الأصول المثبتة.

و فیه ان کونه ملکا للوارث بأصالة عدم کونه ملکا للإمام لیس إلاّ باللازمة العقلیة کما قرر فی الاشکال،فیکون الأصل مثبتا و لکن کونه للإمام(علیه السلام)بأصالة عدم کونه للوارث لیس من جهة الملازمة العقلیة لیکون الأصل مثبتا،بل من جهة أنه یحرز بذلک الأصل احد جزءی الموضوع المرکب اعنی عدم الوارث و الجزء الأخر فهو ما ترکه المیت محرز بالأصل فتشمله عموم ما دلّ علی وارثیة الامام(علیه السلام)فیما ترکه المیت و لیس له وارث.

و بعبارة اخری ان ارث الإمام علیه السلام فی طول الطبقات الوارث

ص:103

فبانتفاء الطبقات الأولیة تنتهی النوبة إلی الطبقات الثانویة فبالأصل نحرز عدم الوارث فی الطبقة الأولی،فبالوجدان تحقق ما ترکه المیت،فیکون الموضوع المرکب من جزئین احد جزئیة محرز بالوجدان و الأخر بالأصل محققا فتشمله أدلة وارثیة الامام علیه السلام لمن لا وارث له،و هذا بخلاف فی الطرف الأخر فإن إثبات الوارث بأصالة عدم إرث الإمام(علیه السلام)مثبت فلا تجری کما لا یخفی.

و هکذا الأمر فی جمیع الموارد من الشبهات الحکمیة و الموضوعیة.

إما الشبهات الموضوعیة کما إذا مات شخص فنشک فی وجود وارثه فی الطبقة الأولی،فبأصالة عدم الوارث مع صدق ما ترک علی ما بقی منه من أمواله یثبت الموضوع المرکب لإرث الطبقة الثانیة.

و اما الشبهة الحکمیة فکما إذا تسبب أحد فی قتل أبیه فنشک ح فی جواز إرثه و عدمه مع عدم وجود إطلاق یتمسک به،فالأصل عدمه فبضم الوجدان یتحقق الترکة إلیه یتم موضوع ارث طبقة الثانیة.

ثم لا یخفی ما فی کلام الشیخ هنا من المسامحة الواضحة حیث قال ان آیة نفی السبیل تنفی مالکیة الکافر و وجه المسامحة ان النافی لمالکیة الکافر هو الأصل دون الآیة،فان الفرض انها کانت معارضة بأدلة الإرث و ساقطة لأجلها.

قوله:هل یلحق بالإرث کل ملک قهری أو لا یلحق؟

أقول:قد عرفت ان المصنف أشکل فی شمول أدلة الإرث للمقام،بل اعتمد فی المسألة إلی الإجماع فقط،و علیه فهل الحکم ثابت فی جمیع النواقل القهریة أو یختص بالإرث فقط،فالظاهر هو العدم کما فی المتن علی حسب مبناه،فان الحکم الثابت بالإجماع یقتصر فیه علی المقدار المتیقن فهو الإرث

ص:104

و مع التنزل یتعدی الی سائر النواقل القهریة الغیر الاختیاریة و اما النواقل القهریة الاختیاریة فلا.

قوله:أو یفرق بین ما کان سببه اختیاریا أو غیره.

أقول:غرضه من اختیاریة السبب و غیرها لیس کونه اختیاریا للکافر الذی یرید تملکه،بل کونه اختیاریا للآخر،أی المملک و الأول کالفسخ فی البیع الخیاری،بأن اشتری المسلم عبدا من الکافر ببیع خیاری و فسخ العقد فان فسخه هذا مملک للکافر قهرا بأمر اختیاری فهو الفسخ.

و الثانی:کتلف المبیع فی زمان الخیار أو قبل القبض فیما إذا کان العبد ثمنا بان باع المسلم متاعا من الکافر و جعل ثمنه العبد المسلم أو عبدا أسلم بعد البیع و ان کان کافرا قبله،فان التلف فی زمن الخیار أو قبل القبض ملک للعبد من الکافر بملک جدید الاّ ان الملکیة باقیة بمقدار ما و انما یستقر بالفسخ لئلا یکون ملکا جدیدا کما توهم.

قوله:و منه یعلم انه لو لم یبعه باعه الحاکم و یحتمل ان یکون ولایة

البیع للحاکم مطلقا.

أقول:قد عرفت انه لا یقر المسلم فی ملک الکافر و علیه إذا باعه فبها و الاّ فیتصدی الحاکم بالبیع ثم هل للحاکم ولایة مطلقا علی ذلک بحیث لیس للکافر ان یتصدی علی ذلک،أو لیس له ولایة مطلقة و انما یتصدی بالبیع مع إباء الکافر عنه و احتمل المصنف الأول،بل عن الإیضاح انه تزول ملکیته أصلا و لیس له الاّ استیفاء الثمن،و اختیار شیخنا الأستاذ ان یکون للحاکم ولایة مطلقة تمسکا بقوله علیه السلام فی عبد کافر أسلم اذهبوا فبیعوه من المسلمین و ادفعوا الیه ثمنه و لا تقروه عنده،فإنه لو کان أمر البیع راجعا الی الکافر لقال علیه السلام ألزموه.

ص:105

و فیه أولا:انه أمر غالبی إذ لا یرض المالک ببیع ماله باختیاره،فلذا أمر(علیه السلام)بالبیع و یؤید ذلک ذیل الروایة و لا تقرّوه عنده،إذ یعلم من ذلک ان الغرض عدم بقائه عنده لا کونه مسلوب الاختیار عن ماله.

و ثانیا:الآمر بالبیع هو الأمیر علیه السلام فله الولایة المطلقة علی جمیع الناس و أموالهم،فأمر فی مورد خاص بالبیع لا یدل علی جوازه بدون اذن الکافر فی سائر الموارد،و یظهر النتیجة فی ذلک فیما لو أراد الکافر أن یزیل ملکیة عبده عنه بنحو خاص کبیعه لشخص خاص من المسلمین أو وقفه علی جهة خاص و هکذا فعلی القول بجواز تصدیه بالبیع فله الاختیار فی إزالة ملکیته بأی نحو شاء و علی القول بکون الولایة للحاکم فلیس له ذلک بل الاختیار التام فی ید الحاکم فلیس له الاّ استیفاء الثمن لیس الاّ.

و اما کلام الإیضاح من زوال الملک بنفسه و لیس للمالک الاّ استیفاء الثمن مخالف للنص و الفتوی کما لا یخفی.

و الحق ان سلطنة البیع للمالک لعموم دلیل السلطنة و انه لیس محجورا فیها و توهم کونه سبیلا فاسد إذ لا یصدق السبیل علی ازالة الملک بالجبر و الالتزام،بل هو ذلة علیه من الشارع المقدس فیکف یکون سبیلا.

قوله:و کیف کان فإذا تولاه المالک بنفسه،فالظاهر انه لا خیار له.

أقول:فإذا وجب البیع للمالک سواء تصدی الیه بنفسه أو تصداه الحاکم فهل یجوز جعل الخیار فیه أو نقله ببیع غیر لازم کالمعاطاة بناء علی عدم إفادته إلاّ الملک المتزلزل أو لا یجوز،بل لا بد و ان ینتقل ببیع لازم کما لا یخفی،ذهب المصنف الی عدم ثبوت الخیار هنا لتقدم آیة نفی السبیل علی أدلة الخیارات کما تقدمت علی أدلة البیع حکومة و خالف فی ذلک مع صد فحکم بثبوت الخیار و الرد بالعیب تبعا للدروس قال لان العقد لا یخرج عن

ص:106

مقتضاه بکون المبیع عبدا مسلما لکافر لانتفاء المقتضی لأن نفی السبیل لو اقتضی ذلک لاقتضی خروجه عن ملکه فعلی هذا لو کان البیع معاطاة فهی علی حکمها و لو أخرجه عن ملکه بالهبة جرت فیه أحکامها.

و یرد علیه ما فی المتن من ان نفی السبیل لا یخرج منه الاّ الملک الابتدائی إلخ.

و ربما قیل بابتناء الحکم علی ان الزائل العائد کالذی لم یزل،أو کالذی لم یعد،فان قلنا بالأول ثبت الخیار لان فسخ العقد یجعل الملکیة السابقة کأن لم تزل و قد أمضاها الشارع و أمر بإزالتها بخلاف ما لو کان الملکیة الحاصلة غیر السابقة فإن الشارع لم یمضها.

و قد ذکرت الشافعیة هذه فی مواضع متعددة منها فی بیع المعاطاة بناء علی کونها مفیدة للملک الجائز ذکروا ان ما انتقل بالمعاطاة لو انتقل الی غیره بعقد جائز کالهبة ثم ارجع ذلک بالفسخ،فهل یبقی الحکم الاولی أو لا؟فذکروا هنا هذه القاعدة و منه ما نحن فیه.

و لکن لا یبتنی ذلک علی أساس صحیح،إذ بعد ثبوت الحکم له بآیة نفی السبیل لا وجه للفسخ بتوهم ان الزائل العائد کالذی لم یزل و بعدمه لأنه کالذی لم یعد،و بالجملة فلا بدّ من الاقتصار فی تخصیص الآیة علی القدر المتیقن،نعم مثل هذه العبارات لها صورة لفظیة فقط لیس الاّ کما لا یخفی.

قوله(ره):و یشکل فی الخیارات الناشئة عن الضرر

من جهة قوة أدلة نفی الضرر فلا یبعد الحکم بثبوت الخیار للمسلم.

أقول:فصّل المصنف هنا بین ما کان دلیله نفی الضرر و ما کان دلیله غیر نفی الضرر،فاما الخیارات التی دلیلها غیر دلیل نفی الضرر،فحکم

ص:107

بتقدیم آیة نفی السبیل علی أدلة الخیارات کتقدمها علی أدلة البیع،فلا یثبت الخیار للمسلم أو للکافر لکونه موجبا لتملک الکافر العبد المسلم فهو سبیل منفی،نعم لا بأس بثبوت الأرش فی مثل خیار العیب إذ لیس فی مطالبة الأرش سبیل.

و اما الخیارات التی تثبت بأدلة نفی الضرر فنقول فیها بثبوت الخیار فی البیع للمسلم دون الکافر من جهة قوة أدلة نفی الضرر فیثبت الخیار للمسلم المتضرر من لزوم البیع و لکن مع ذلک لا یثبت للکافر خیار فان هذا الضرر انما حصل من کفره الموجب لعدم قابلیته تملک المسلم الاّ ما خرج بالنص و الاّ لکان مالکا،فالضرر مبین علی اقدامه و بالجملة ان هنا تفصیلان یکون الثانی مترتبا علی الأول و ان شئت فقل ان هنا تفصیل واحد منحل الی تفصیلین.

و یرد علیه وجوه علی ما ذکره شیخنا الأستاذ و ان لم یرد بعضها الأول انه لو کان الدلیل هو أدلة نفی الضرر فلا یفرق فی ثبوت الخیار بها،بین المسلم و الکافر،بل یثبت لهما،و ذلک لان إیجاد المقدمات الإعدادیة للضرر لا یوجب منع شمول أدلة نفی الضرر علی الأحکام الضرریة المتوجهة علی ذلک الشخص المعدّ لمقدمات الضرر،بل المناط فی شمولها لموضوعها کون الحکم الشرعی ضرریا علی المکلف بحیث یلزم من الالتزام و التکلیف ضرر علیه،و علیه فالکافر و ان کان بنفسه هیأ مقدمات الضرر و کفر باختیاره و لکن لا یمنع ذلک عن شمول أدلة نفی الضرر لما ترتب علی ذلک المقدمة الإعدادیة أعنی الحکم لیکون البیع العبد المسلم علیه لازما و لو کان ضرریا،بل هذا الحکم الضرری یوجب خیاریة العقد فیثبت له الخیار أیضا و لو کان إیجاد المقدمات الإعدادیة للضرر موجبا بمنع شمول أدلة الضرر

ص:108

علیه فلزم القول بعدم شمولها لأمثاله فی سائر الموارد أیضا،مثلا فلو لم یتحفظ المکلف نفسه من البرد فمرض فلازم ما ذکره المصنف عدم ارتفاع الأحکام الضرریة عنه لعدم شمول أدلة نفی الضرر علیه.

و کذلک إذا لم یتسهر فعجز عن الصوم و لزم منه ضرر علیه فلازمه عدم جواز الإفطار لکون الضرر مبنیا علی مقدمة إعدادیة هیأها بنفسه،و هکذا إذا سافر الی مکان لزم الصوم فیه أو إتیان أمر واجب ضرر علیه للحرارة أو للبرودة أو غیرهما فلازم ما ذکره المصنف هو عدم شمول أدلة نفی الضرر علیه و هکذا ففی المقام ان الکافر و ان کفر بنفسه و استعد لتوجه الضرر علیه و لکنه لا یمنع عن توجه أدلة نفی الضرر علیه و شمولها له کما هو واضح.

و بالجملة لو ثبت الخیار لأدلة نفی الضرر فیثبت لهما و الاّ فلا یثبت لهما فلا وجه للتفصیل فاختیار أحد أطراف الأمر التخییری لیس بضرر مع اختیاره الطرف الأخر و لکنه لیس بتمام و کلام المصنف تمام من هذه الجهة.

و ذلک من جهة أن الاحکام الضرریة و ان ارتفعت بأدلة نفی الضرر سواء ترتبت علی المقدمات التی أوجدها شخص المتضرر أو لا و لکن ما نحن فیه لیس کک فان جواز الفسخ الذی هو معنی الخیار الموجب لتملک الکافر و هکذا بجواز بیع العبد المسلم منه مشروط بإسلام الطرف و الاّ فلا یجوز فحیث ان الکافر فاقد لهذا الشرط مع کون تحصیله فی اختیاره فلا یجوز فسخ عقده و ان کان الفاسخ مسلما فعدم جواز الفسخ للکافر و جوازه للمسلم لیس ضرریا علی الکافر،فان فی قدرته ان یسلم و یفسخ،و لکن باختیاره یختار البقاء علی الکفر و هذا نظیر اشتراط البیع بالخروج من الدار مثلا،و الاّ فلا بیع،فلا یقال ان من لم یخرج منها مضطر الی البیع إذ هو باختیاره لم یخرج و هکذا و هکذا.

ص:109

نعم،لو کان الأمر منحصرا بالفسخ فی حال الکفر فقط و مع ذلک منع عن الفسخ یکون ذلک ضرریا علیه فلیس کک و هذا نظیر ما کان التوضی بالماء البارد ضررا و کان عنده ماء ان،فلا یتوهم ان الوضوء ضرر علیه فیرتفع بأدلة نفی الضرر،بل هو متخیر بین الأمرین فمع اختیار أحدهما یکون الحکم ضرریا علیه لا مطلقا ففی المقام أیضا کک.

و الحاصل:ان الضرر لا یترتب علی الکفر الذی توهم کونه من المقدمات الإعدادیة للضرر،بل الضرر مترتب علی ترک الإسلام و عدم قبوله و هو باختیاره ترک الإسلام فلم یتمکن من الفسخ و الاّ لجاز فسخه لو اختار الإسلام.

الثانی:ما ذکره من أن أدلة نفی الضرر لا یمکن ان یکون دلیلا لشیء من الخیارات،کما سیأتی فی بابها لعدم تکفلها علی إثبات الحکم،و انما مفادها رفع الحکم الضرری فقط،و انما دلیل مثل خیار الغبن و نحوه الذی توهم کونه أدلة نفی الضرر دلیلا له هو الشرط الضمنی الذی یثبت الخیار من جهة التخلف به کما هو واضح.

الثالث:لو سلمنا کون أدلة نفی الضرر صالحا للدلیلیة علی بعض الخیارات و لکن لیس مقتضاه ثبوت الخیار هنا و توضیح ذلک انه لو قلنا بعدم حکومة آیة نفی السبیل علی أدلة البیع و الخیارات کما منع عنه المصنف فیما تقدم حیث قال و حکومة آیة نفی السبیل علی أدلة البیع غیر معلومة،فح تقع المعارضة بینهما فی مورد بیع العبد المسلم من الکافر و فسخ البیع الموجب لتملک الکافر العبد المسلم معارضة العموم من وجه،فح تصل النوبة الی الأصل العملی فهو فی المقام استصحاب لزوم العقد اذن فیتقدم علیه دلیل نفی الضرر فیثبت ما ذکره المصنف الاّ أنه لم یقل به المصنف،فان قلنا بالحکومة کما هو ظاهر المصنف،و ان کان منع عنه سابقا و لکن ظاهر کلامه

ص:110

العدول عنه بعده بان تکون آیة نفی سبیل حاکمة علی أدلة الخیارات و البیع کحکومة ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ علی الاحکام الرجحیة فح تقع المعارضة بینها و بین أدلة نفی الضرر لکون کل منهما حاکما علی الأدلة الأولیة فالمعارضة بین الدلیلین الحاکمین إذ الآیة تنفی الخیار لکونه موجبا لتملک الکافر المسلم و سبیلا علیه و أدلة نفی الضرر تثبته لکون لزوم ضرریا فح لا وجه لتقدیم أدلة نفی الضرر علی الآیة من جهة قوة أدلتها لعدم الوجه علی قوتها،اما من حیث السند فالایة مقطوعة الصدور بخلاف أدلة نفی الضرر فإنها غایة الأمر موثقة و اما بحسب الدلالة فکک أیضا لأن المفروض أن الآیة شاملة لموارد تملک الکافر المسلم فلو لم تکن الآیة متقدمة علی أدلة نفی الضرر لقوتها فلا تتقدم أدلة نفی الضرر علیها لذلک کما لا یخفی، فافهم.

ثم ان هنا توهما أشار إلیه العلامة فی القواعد و لم یسبقه أحد من انه لو باع الکافر العبد المسلم من المسلم فوجد فی الثمن عیبا جاز له ردّ الثمن و اما استرداد العبد ففیه نظر،بل یرد بدله و الاّ یلزم السبیل المنفی بالآیة.

و أجاب عنه المصنف بان فی ردّ البدل أیضا سبیل و لذا حکموا بسقوط الخیار فیمن ینعتق علی المشتری و لو لا هذا لأمکن توجیه کلامه ان مقتضی الجمع بین الأدلة و نفی السبیل ثبوت الخیار و الحکم بالقیمة فیکون نفی السبیل مانعا شرعیا من استرداد الثمن کنقل المبیع فی زمن الخیار و کالتلف الذی هو مانع عقلی.

و اما ما ذکره المصنف فلا وجه له بوجه فان استحقاق الکافر البدل لیس سبیلا علی المسلم و الاّ لزم کون استیفاء الثمن أیضا سبیلا و أما سقوط الخیار

ص:111

فی بیع من ینعتق علی الکافر فمن جهة عدم قابلیة المورد لذلک لصیرورته حرا بمجرّد البیع فلا یبقی مجال للرجوع الی البدل أیضا،و اما مطالبة القیمة فی التلف فی زمن الخیار أو النقل فیه الذی لا یمکن ردّ العین فیه فمن جهة ان للمالک حق مطالبة عین ماله فحیث لا یتمکن منه فیطالب ببدله لا أن له الخیار بحیث یفسح العقد و یطالب ببدله أو قیمته فإنه لا دلیل علیه بوجه کما هو واضح.

و أما ما أفاده العلامة ففیه انه ان ثم دلیل الخیار فیسترد العین و الاّ فلا،و اما ردّ القیمة فلا مقتضی له أصلا ثبت له الخیار أم لم یثبت و محصل الکلام من الأول و تحقیقه و نتیجته فی المعاملات فهو اما انه تارة نقول باختصاص الآیة بنفی الجعل تکوینا بمعنی ان الکافر لیس له سبیل تکوینا علی المؤمن کما استفید ذلک من الآیة صدرا و ذیلا و بإتیان النفی بلن و حیث لیس فی الدنیا کک فتختص بالأخرة خصوصا بقرینة قوله تعالی اَللّهُ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ و علی هذا فتکون آیة أجنبیة عن المقام بالکلیة.

و اخری نقول باختصاصها بالنفی التشریعی،أی لن یجعل اللّه فی عالم التشریعی سبیلا للکافر علی المؤمن،فتکون ح حاکمة علی جمیع الأحکام الأولیة کحکومة نفی العسر و الحرج علیها و علی هذا فان لم تشمل الملکیة أو شککنا فی شمولها علیها فکالأول فلا تشمل المقام،و ان کانت شاملة علیها لکون ملکیّة الکافر علی المسلم سبیلا علیه،و سلطنة علیه فکما تکون حاکمة علی سائر الأحکام،فتکون حاکمة علی العمومات الدالة علی حصول الملک کأوفوا بالعقود،و نحوه،فلا یجوز بمقتضی الآیة بیع العبد المسلم من الکافر و تملکه له الاّ فیما دل دلیل الخاص علی جواز التملک

ص:112

کما ادعی الإجماع علی ذلک فی الإرث و اما فی غیر موارد الإجماع و عدم الدلیل علی التملک فتکون آیة نفی السبیل محکمة کاذهب الیه المصنف.

و ان کانت الآیة شاملة لکل من نفی الجعل التشریعیّة و التکوینیّة بإرادة الجامع من السبیل الشاملة لهما و شملت للملکیّة أیضا فلا تکون الآیة حاکمة علی سائر الاحکام و لا علی أدلة صحة المعاملات فان حکومتها علیها فی فرض اختصاصها بالنفی التشریعی و علی فرض ارادة الجامع فیکون النفی التشریعی من مصادیق الآیة،و حینئذ تقع المعارضة بینها و بین أدلة صحة المعاملات«ک أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »بالعموم من وجه فحیث ان عموم دلیل الوفاء بالعقد وضعی لکونه جمعا محلا باللام،و عموم الآیة بالإطلاق لکونه من جهة وقوع النکرة فی سیاق النفی الذی ثبت عمومه بمقدمات الحکمة فیکون أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مقدما علی آیة نفی السبیل إذا فیحکم بجواز بیع العبد المسلم من الکافر.

هذا کله فی المعاملات التی تقدمت،و اما الخیارات فأیضا أن أرید من الآیة خصوص النفی التکوینی فتکون أجنبیة عن المقام،و ان أرید منها النفی التشریعی فتکون حاکمة أیضا علی جمیع الاحکام و مع ذلک لو لم تشمل للملکیة أو شککنا فی شمولها لها فتکون أجنبیة عن المقام أیضا فلا تکون حاکمة علی أدلة الخیارات کما لم تکن حاکمة علی أدلة البیع أی أجنبیة عن ما نحن فیه.

و ان قلنا بشمولها للملکیّة أیضا فتکون حاکمة علی أدلة الخیارات کما کانت حاکمة علی أدلة المعاملات فیحکم بلزوم البیع و لزوم سائر المعاملات الواقعة علیها عند نقل الکافر ذلک من ملکه الی غیره.

و ان قلنا بعموم الآیة للنفی التکوینی و التشریعی بإرادة الجامع من

ص:113

السبیل فلا تکون حاکمة،ح علی أدلة الخیارات کما تقدم فی المعاملات بل تقع المعارضة بین الآیة و بین أدلة الخیارات بالعموم من وجه و بما انا ذکرنا فی الأصول انه إذا تعارضه الآیة مع الروایات بالعموم من وجه تتقدم الآیة علی الروایة لشمول الأخبار المتواترة الإمرة بطرح ما خالف کتاب اللّه أو أنه لم نقله أو زخرف الی غیر ذلک من المضامین لصورة المعارضة بالعموم من وجه فإذا تتقدم آیة نفی السبیل علی أدلة الخیارات.

و لکن لا تجری هذه الکبری فی خصوص المقام و لا تنطبق علیه و ذلک من جهة انا لا نحتمل جواز بیع العبد المسلم من الکافر و عدم جواز فسخه العقد،بل إذا جاز البیع جاز الفسخ بطریق اولی و هذا بخلاف العکس، فإنه یمکن الالتزام بجواز الفسخ و لا نلتزم بجواز البیع و علی هذا فتقدیم الآیة علی أدلة الخیارات یستلزم عدم جواز الفسخ و قد قلنا بجواز البیع بتقدیم دلیل الوفاء بالعقد علی آیة(نفی السبیل)و علی هذا لو قدمنا الآیة علی أدلة الخیارات فلازمه تقدیمها علی أدلة البیع أیضا،لوقوع المعارضة بین الآیة«نفی السبیل»و بین آیة« أَوْفُوا »بالملازمة المذکورة فحیث عرفت أن عموم آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالوضع و عموم آیة نفی السبیل بالإطلاق،فتکون آیة أَوْفُوا ،مقدمة علی آیة نفی السبیل فتکون أدلة الخیارات متقدمة علیها لتعاضدها بآیة «أَوْفُوا» .

و بالجملة عند معارضة الآیة مع الروایة بالعموم من وجه و ان کانت الآیة مقدمة علی الروایة و لیس ذلک لتعارض الآیتین لیحکم بالتساقط لو لم یکن فی أحدهما ترجیح بحسب الدلالة و لکن إذ تعاضدت الروایة بآیة تکون تلک الآیة فی نفسها عند معارضتها بآیة الأخری المعارضة مع الروایة مقدمة علیها فقهرا تکون الروایة أیضا مقدمة علی الآیة لأجل تلک المعاضدة،کما

ص:114

لا یخفی.

اذن فلا بد من العمل بأدلة الخیارات فیثبت جواز الفسخ للکافر و للمسلم کلیهما،کما کان جواز البیع ثابتا لهما بان یبیع المسلم العبد المسلم من الکافر،غایة الأمر بمجرد الفسخ یجبر علی البیع ثانیا کما انه یجبر علی البیع مع الشری ابتداء.

هذا کله بالنسبة إلی أدلة الخیارات غیر ما إذا کان المدرک هی قاعدة لا ضرر،فلا شبهة أن کل واحد من قضیة لا ضرر و آیة نفی السبیل یکونان حاکمتین علی الأدلة الأولیة فی عرض واحد و تقع المعارضة بین الدلیلین الحاکمین بالعموم من وجه فما ذکره المصنف من تقدیم أدلة نفی الضرر لقوته علی الآیة بلا وجه،بل لا بد من تقدیم الآیة علی القاعدة بناء علی ما ذکرناه من لزوم تقدیم الآیة علی الروایة عند المعارضة بالعموم من وجه و یتساقطان فتصل النوبة إلی أدلة صحة البیع و لزومه،لان المانع عنه انما کان هو دلیل نفی السبیل للحکومة فإذا ابتلی بالمعارضة فانتفی العموم الدال علی الزوم.

و لکن لخصوصیة المورد أیضا لا بد من تقدیم قاعدة لا ضرر علی الآیة لمعاضدتها بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فان تقدیم آیة«نفی السبیل»بالملازمة تنفی تقدیم آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فان نفی الخیار و الحکم بلزوم البیع بآیة نفی السبیل تقدیمها علی دلیل الوفاء بالعقود إذ لا یحتمل الالتزام بعدم جواز الفسخ و الالتزام بجواز البیع،بل لو التزمنا بعدم جواز الفسخ فعدم جواز البیع اولی کما تقدم،اذن فالمعارضة بین آیة«نفی السبیل»و قاعدة «لا ضرر»المعاضدة بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بحیث ان عموم دلیل الوفاء بالعقد وضعی و عموم آیة نفی السبیل إطلاقی،فیتقدم علی آیة نفی السبیل فیحکم بجریان الخیار فی بیع العبد المسلم علی الکافر للمسلم و الکفار بناء

ص:115

علی صحة کونها مدرکا لثبوت الخیار.

فتحصل أنه لا دلیل علی عدم جواز بیع العبد المسلم من الکافر و علیه ففی کل مورد تحقق الإجماع علی المنع کما فی البیع ابتداء فیتّبع و الاّ فیحکم بالجواز،کالفسخ،إذ لا نطمئن بشمول الإجماع للفسخ أیضا،فإذا فسخ الکافر العقد و تملک العبد ثانیا فأجبر علی البیع أیضا ثانیا کما لا یخفی.

استدراک مما تقدم و هو انا ذکرنا تقدیم عمومات الصحة علی آیة نفی السبیل عند معارضتها معها أو بأدلة الخیارات و کذلک ذکرنا تقدیم أدلة نفی الضرر علی آیة نفی السبیل عند حکومتها و حکومة آیة نفی السبیل علی سائر الأدلة الاّ أن هذا الأخیر ممنوع،إذ بعد حکومة الآیة مع أدلة نفی الضرر علی سائر الأدلة لا وجه لمعاضدة أدلة نفی الضرر بالعمومات بالملازمة کما کان هو المیزان فی تقدیمنا أدلة المضار علیه غیرها.

فی حرمة بیع المصحف من الکافر

قوله:المشهور عدم جواز نقل المصحف الی الکافر.

أقول:ان قلنا بعدم جواز بیع العبد المسلم من الکافر و کان المدرک فیه هو الإجماع،فلا شبهة فی عدم شموله للمصحف و لا یمکن التعدی من مورده الذی هو المتیقن منه،و ان کان المدرک الآیة أو الروایات،فقد ادعی شمولها بالمصحف بالأولویة القطعیة الاّ أنها ممنوعة کما هو واضح.

و توضیح ذلک ان محل الکلام هنا انما هو مطلق نقل القرآن الی الکافر و لو بالهبة و الإرث،بل لو ملکه المسلم فکفر فهو أیضا داخل فی محل النزاع حتی لو کتبه فی قرطاس و نحوه و الاّ قد منع بعضهم کالمصنف و غیره من

ص:116

الأعاظم من بیع المصحف من المسلم أیضا.

ثم ان هذا فیما لم یکن النقل مستلزما للجهات الخارجیة الطاریة علی النقل من مثل الهتک أو مسّ الید،و الاّ فیکون داخلا فی بیع المباح ممن یعلم أنه یصرفه فی الحرام کبیع العنب ممن یعلم انه یجعله خمرا و بیع الخشب ممن یعلم أنه یصنعه صلیبا أو صنما.

و بالجملة فمحط البحث هنا ما إذا کان النظر الی مجرد النقل فقط کأن اشتراه الکافر مثلا لیوقفه علی المسلمین أو یجعله فی مکتبة أو یحفظه فی صندوق و نحو ذلک،و أما لو اقترن الی الجهات الخارجیة فلا إشکال فی الحرمة من غیر اختصاص له بالکافر أصلا،ثم لا وجه للحکم بالکراهة هنا کما توهم، بل ان تم الدلیل فیحکم بالحرمة و الاّ فیحکم بالجواز بلا کراهة.

ثم ان کان مدرک الحکم فی حرمة بیع العبد المسلم من الکافر هو الإجماع فلا شبهة فی عدم شموله للمصحف لکونه دلیلا لبیّا فیراد به المتیقن و ان کان المدرک هو آیة نفی السبیل أو الروایات فیستدل بها علی المقام بالفحوی کما سلکه المصنف و هو من ان الوجه فی ذلک هو لزوم مراعاة احترام المؤمن احتراما یقتضی نفی سبیل الکافر علیه و هو یستدعی بالأولویة القطعیة حرمة بیع المصحف أیضا،إذ هو أعظم احتراما و درجة من المؤمن، بل علیه یدور أساس الإسلام،بل لو دار الأمر بین حفظه و حفظ آلاف من المؤمنین یکون حفظه مقدما علیهم کما کان الأمر کذلک من صدر الإسلام و بدوه.

و علی هذا فإذا نفی سبیل الکافر علی المؤمن فبالأولویة ینفی سبیله علی القرآن أیضا فیحرم نقله إلیه بأی عنوان کان.

و فیه أولا نمنع کون مناط المنع فی البیع العبد المسلم من الکافر هو الاحترام

ص:117

و حفظ شئون المؤمن،بل یمکن ان یکون الوجه فیه هو شیء آخر و هو مبغوضیة نفس تملک الکافر أو حکمة أخری لا سبیل لنا إلیها.

و علی تقدیر قبول المناط فنمنع الأولویة فی ذلک إذ لا نسلم ان یکون احترام مطلق القرآن أولی من احترام المؤمن،بل انما هو نشأ من الخلط و الاشتباه إذ ما یجب احترامه و فداء النفوس له و الجهاد لحفظه انما هو القرآن الکلی الجامع بین الأشخاص بحیث بزواله زال الدین و انهدم شریعة سید المرسلین و قد استفدی بذلک الأنبیاء و الأوصیاء و نفوسهم فضلا عن المؤمنین،بل ما من إمام الا و قد قتل لإحیاء القرآن و قوانینه و هذا أمر واضح لا شبهة فیه.

و أما کون حفظ شخص القرآن المطبوع فی مطبعة فلانیة أولی من المؤمن غیر معلوم،بل معلوم العدم،فان حفظ المؤمن أعظم درجة من ذلک و لا نحتمل ان بشک أحد فی أنه لو دار الأمر بین إتلاف قرآن بإلقائه بالحبل المشدود فیه لإنقاذ مؤمن و بین تلف المؤمن أن إنقاذ المؤمن مقدم،و کذلک لو دار الأمر بین موت مؤمن جوعا و بین إتلاف القرآن لحفظه فلا شبهة فی کون الأول مقدما علی الثانی.

و بالجملة ما یکون حفظه أولی من حفظ المؤمن فخارج عن محلا الکلام و ما لیس کذلک فلا نسلم الأولویة فیه.

علی أنه ربما یکون البیع موجبا للاحترام إذ کثیرا ما یطالعه و یهتدی به فلو لم یباع کیف یطلع علی قوانینه الوافیة یهتدی به فاحترامه یقتضی البیع لعله یوجب الإرشاد و توهم استلزامه الهتک مدفوع لما عرفت ان محل الکلام انما هو مع قطع النظر عن الجهات الخارجیة کما لا یخفی.

و علی تقدیر ثبوت الحکم هنا،فهل یثبت فی الاخبار المتواترة فیه

ص:118

خلاف،و لا شبهة فی عدم الشمول لو کان المدرک هو الإجماع لعدم شموله للمصحف،فضلا عن شموله للأخبار المتواترة.

و أما لو کان مدرک الحکم هی الآیة أو الروایات فأیضا لا تشمل الأخبار المتواترة لعدم الأولویة هنا قطعا لو کانت ثابتة فی المصحف بل یکفینا الشک کیف فهل یتوهم أحد أنه إذا دار الأمر بین حفظ النفس و بین حفظ الخبر المتواتر أن یحفظ الخبر المتواتر مقدم.

و علی تقدیر ثبوت الحکم فی الخبر المتواتر فلا یشمل الخبر الواحد، فان مجرد الحجیة لا یوجب ثبوت جمیع الاحکام علیه کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ ثم العجب من المصنف حیث استشکل فی دلیل الحکم و استحسن ما ذکروه فإنه لا ندری انه بعد التأمل فی المدرک هل الفتوی بلا دلیل حسن و هو أعرف بالحال.

القول فی شرائط العوضین

قوله:یشترط فی کل منهما کونه متمولا.

اشارة

أقول:محصل کلامه أن من جملة شرائط العوضین أن یکون متمولا لأن البیع فی اللغة مبادلة مال بمال،و بهذا یحترز عما لا نفع فیه کالخنافس و الدیدان لخستها،و کذلک مثل الحبة من الحنطة فما لم یتحقق فی الشیء التمول و الانتفاع به فأحرز کونه أکلا للمال بالباطل عرفا،فالظاهر فساد المعاملة و ان لم یحرز فیه ذلک،فان ثبت بدلیل أو إجماع انه لا یجوز بیعه أخذ به و الاّ فیرجع الی عمومات صحة البیع و التجارة و الی الروایة الخاصة و هی قوله علیه السلام فی روایة تحف العقول و کل شیء یکون لهم فیه الصلاح

ص:119

من جهة من الجهات فکل ذلک حلال بیعه و شراؤه.

و فی کلامه مواقع للنظر،
الأول:اعتبار المالیة فی العوضین فی البیع

لقول المصباح و ذلک لعدم حجیة قوله،یکفی فی صحة المعاملة علی ما لیس بمال مجرد الغرض الشخصی،کما إذا اشتری مکتوبة جده بقیمة عالیة للإبقاء مع عدم کونها قابلة للمعاوضة أو اشتری خنفساء بقیمة أو عقربا بقیمة کذا،للجل المداوی و نحوها کما لا یخفی،و قد تقدم فی أول البیع جواز کون الحقوق ثمنا فی المعاملة بأن باع شیئا لیرفع المشتری یده من حقه الفلانی صحیح و الوجه فی ذلک کله هو ان البیع تبدیل بین الشیئین برفع الید عن أحدهما و جعل الأخر موردا للحق کما لا یخفی،فغایة الأمر یمنع ذلک عن التمسک بعمومات ما دلّ علی صحة البیع بالخصوص،و اما ما دلّ علی صحة مطلق العقود و التجارة عن تراض فلا،إذ لا شک فی صدق التجارة عن تراض،و العقد علی المعاملة الجاریة علی ما لیس بمال لما عرفت فی بعض تنبهات المعاطاة أن فی العرف لا یصدق علیه البیع،بل الثمن و المثمن علی العوضین بل یصدق علیه مجرد المبادلة و المعاوضة کتبدیل ثوب بثوب و عباء بعباء،و هکذا،و لا شبهة فی صحة ذلک ل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ،و السیرة القطعیة کما هو واضح.

و الثانی:ما التزم به من انه مع الشک فی التمول إن أحرز کون المعاوضة

أکلا للمال بالباطل فیکون فاسدا.

و وجه الضعف انه بناء علی کون المراد من الآیة ما فسّر به المصنف من ارادة المعاملة السفهیة کالمعاملة علی ما لا نفع فیه،و الغرض عما ذکرناه من کونهما ناظرة إلی الأسباب انه لا یجتمع احتمال المالیة مع صدق الأکل مال بالباطل،إذ معنی صدق أکل المال بالباطل انه لیس بمال لیکون أکل

ص:120

المال بإزائه أکلا له بالباطل،و معنی الشک فی التمول احتمال کونه مالا فما یحتمل فیه مالیته لا یکون من أکل المال بالباطل.

الثالث:ما تمسک به بعد عدم إحراز کونه من أکل المال بالباطل من

العمومات،

و حکمه بالصحة بها،و بروایة تحف العقول،و وجه الضعف أما روایة تحف العقول فقد تقدم الکلام فی ضعفها و اضطرابها.

و أما العمومات،فالتمسک بها مع الشک فی التمول الموجب للشک فی صدق البیع تمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة کما هو واضح.

قوله:ثم انهم احترزوا باعتبار الملکیة فی العوضین.

أقول:لم یعتبر المصنف الملکیة فی العوضین لیحترز بها عن غیر الملک کما هو واضح.

و دعوی اتحاد الملکیة و المالیة فاسد إذ بینهما عموم من وجه و الشیء قد یکون ملکا و لا یکون مالا کحبة من الحنطة و قد یکون مالا و لا یکون ملکا لأحد کالمباحات الأصلیة و قد یجتمعان فاعتبار المالیة لا یدل علی اعتبار الملکیة.

بل لا وجه لاعتبار الملکیة فی العوضین أصلا،إذ البیع لیس الاّ التبدیل بین الشیئین یقطع علاقة کل من المتبایعین عنهما و احداث علاقة أخری فیهما و قد تقدم فی أول البیع جواز کون الحق ثمنا فی البیع کأن یبیع شیئا علی ان یرفع المشتری یده عن حقه کالتحجیر و غیره من الحقوق.

و یدل علی ذلک جواز بیع الکلی فی الذمة مع انه لیس ملکا لأحد أصلا و انما تحصل الملکیة للمشتری بالشری و یملک علی ذمة البائع و من هنا نقض الامام علیه السلام علی العامة لعدم قولهم بصحة بیع الکلی ببیع السلم لأنها من واد واحد کما تقدم فی الاخبار المتقدمة فی البیع الفضولی.

نعم،تعتبر الملکیة فی البیوع الشخصیة للاخبار الخاصة من قولهم

ص:121

علیهم السلام لا تبع ما لیس عندک کبیع مال الغیر قبل الشری و بیع الطیر فی الهواء و السمک فی البحر،قبل الاصطیاد،فإنها من قبیل بیع ما لیس عنده و من أظهر مصادیقه فلا شبهة فی بطلانه.

بل،یمکن ان یقال بعدم اعتبارها فی الأعیان الشخصیة أیضا إذ معنی قولهم لا تبع ما لیس عندک هو ان ما لیس بمقدور التسلیم لا یجوز بیعه بوجه،لا انه یجب ان یکون مملوکا للبائع.

و اما قولهم علیهم السلام لا بیع إلاّ فی ملک،فقد تقدم فی بیع الفضولی ان المراد من الملکیة لیس ملکیة العین الشخصیة،بل المراد منها مالکیة البائع،التصرف من البیع و نحوه ککونه ولیّا للمالک أو وکیلا أو مأذونا من قبله و هکذا.

ثم انه علی تقدیر اعتبار الملکیة فی العوضین لا وجه للاحتراز بها عن الأرض المفتوحة عنوة،فإنها ملک بلا اشکال،نعم لیس بطلق فإذا أرید الاحتراز عنها فلا بد من تقیید الملک بالطلق کما هو واضح.

ثم بیّن المصنف أقسام الملک من أنه:- تارة یکون طلقا لأحد کالاملاک الخاصة.

و أخری لا یکون ملکیة العین طلقا،و انما یکون تملک بمنافعه طلقا، کالأوقاف الخاصة،حیث انها لیست ملکا طلقا لأحد من الموقوف علیهم و لکن منفعتها ملک طلق لهم،و لهم مالکیة مطلقة لذلک.

و ثالثة:لا تکون ملکیّة العین و لا ملکیّة المنفعة طلقا لأحد،و لکن إذا قبضت المنفعة تکون ملکا طلقا للقابض کالأوقاف العامة إذ هی و منافعها لیست ملکا طلقا لأحد و لکن إذا قبضوا منفعة یکون ملکا لهم بلا شبهة.

و رابعا:ان لا یکون ملکا طلقا لأحد لا عینا و لا نفعا و لکن إذا قبضوا

ص:122

تکون العین و المنفعة کلیتهما ملکا للقابض و ذلک کحق السادة و الفقراء فی الزکاة،و فی الخمس إذ هما لیسا ملکا طلقا لأحد منهم،بحیث إذا مات أحدهم فلیقم وارثه مقامه إذ المالک هو الکلی فهو باق علی حاله و انما ملک کل منهم العین و نفعها بعد القبض ملکا طلقا،و اما سهم الامام علیه السلام ففیه خلاف.

فالأراضی المفتوحة عنوة خارجة عن جمیعها،أما عدم کونها ملکا طلقا لأحد فواضح،و اما عدم کونها من سائر الأقسام فأیضا کذلک فإنها لا تکون ملکا لأحد قبل القبض و بعده،و انما منافعها تصرف فی مصالح المسلمین.

الکلام فی أحکام الأراضی
اشارة

ثم ان المصنف نقل الکلام إلی أقسام الأراضی لمناسبة ذکر بعض أقسامها و قد ذکرنا فی آخر المکاسب المحرمة و حاصل الکلام هنا

ان الأراضی علی

أربعة أقسام:

الأول:ما یکون مواتا بالأصالة بأن لم تکن مسبوقة بالعمارة.

الثانی:أن تکون معمورة بالأصالة لا بمعنی کونها معمورة عند الخلقة و قبل خلق الخلق،بل بمعنی کونها معمورة بلا معمّر کرؤس الجبال و بطون الأودیة و الأشجار فی البحر و البر.

الثالث:ما عرض له الموت بعد الحیاة کأرض الکوفة،بل ارض العراق إذ کانت أراضی معمورة و لذا کانت تسمی بأرض سواد.

الرابع:ما عرض له الحیاة بعد الموت.

فهذه هی الأقسام الأربعة.

أما القسم الأول أی ما یکون مواتا بالأصالة

و الکلام فیه من جهات:

أما الأولی:فالأرض الموات کلها للإمام علیه السلام

للإجماع المحصل

ص:123

و المنقول و عدم الخلاف بین الفقهاء،و للأخبار الکثیرة،و فی المتن أنها مستفیضة بل متواترة.

و فیه أن أصل الحکم و ان کان مسلما و مجمعا علیه بین الفقهاء کما عرفت و لکن الأخبار الواردة فیها لیست مستفیضة فضلا عن کونها متواترة و ذلک لان جملة منها واردة فی الأرض الخربة التی باد عنها أهلها و بقیت خربة فهی أجنبیة عن المقام،فان کلامنا فی الموات بالأصل لا ما یکون کک بانجلاء أهلها و لذا عنوانها فی وسائل فی باب الخمس بعنوان آخر فما هو موات بالأصل لا تطلق علیه الخربة،و روایة واحد واردة فی خصوص الأرض الموات فی باب احیاء الموات من وسائل فلا تحقق بها الاستفاضة و التواتر.

نعم،فی جملة من الروایات فی ج 2 وسائل باب الأنفال من الخمس الأرض التی میتة لا ربّ لها فهی للإمام علیه السلام،فلا شبهة فی شمولها للموات من الأرض من غیر اباد أهلها و لکنها لیست بمتواترة أیضا و لا مستفیضة.

نعم،لو کان المراد بالاستفاضة هو کونها ثلاثة أو أربعة فلا بأس بإطلاق المستفیضة علیها.

و بالجملة ان الغرض بیان عدم استفاضة الروایات و تواترها و الاّ فأصل الحکم مسلم،بل یمکن الاستدلال علی ذلک بآیة الانفعال لکونها للإمام علیه السلام غایة الأمر نثبت الصغری بدلیل أخر،ای کونها انفالا فلا شبهة فی ذلک للإطباق الروایات علی کونها موات الأرض من الأنفال.

أما الجهة الثانیة:فهل یشترط فی التملک بها مجرد قوله(علیه السلام)فی

النبوی

موتان الأرض للإمام علیه السلام ثم هی لکم أیها المسلمون و کک فی النبوی الأخر بحیث یکون بذلک ملکا للمسلمین بالسبق إلیها،و ان لم

ص:124

یحیوها أو لا بد فی ذلک من الاحیاء فظاهر النبویان و ان کان هو الملک بذلک و لکن مضافا الی ضعف السند فیهما انهما مقیدان بالاحیاء فلا یکون ملکا لأحد بدونه کما فی جملة من الروایات و بالجملة ان التملک مشروط بالاحیاء فلا یتملک تلک الأراضی بدون الاحیاء فلا یعمل بالنبویان.

الجهة الثالثة:ان الحلیة و الملکیة بالإحیاء مختصّة بالشیعة

أو یشمل غیرهم من المسلمین أو لکل من أحیاها مسلما کان أو کافرا،و الکافر أیضا ذمّیا کان أو حربیّا،فظاهر بعض الاخبار و ان کان هو اختصاص ذلک بالشیعة الاّ أن النبویان المتقدمان یدلان علی شمول الحکم لمطلق المسلمین و لکنها ضعیفة السند،بل یمکن أن یراد من المؤمن فی بعض الاخبار من أحیاها من المؤمنین مطلق المسلم الذی آمن باللّه و برسوله و بیوم الأخر، أی المؤمن فی القرآن.

و لکن یکفی فی عموم الحکم لغیر الشیعة أیضا العمومات الواردة فی مورد شراء الأرض من الذمی فقالوا(علیه السلام)أی قوم أحیوا أرضا فهی لهم و هم أحق بها،فان المورد و ان کان هو الذمی،و لکنه لا یکون مخصصا بعد عمومیة الجواب فیکون شاملا لمطلق المحیی مسلما کان أو کافرا ذمیا کان أو کافرا حربیا، و هذا الاخبار مذکورة فی وسائل فی إحیاء الموات،و ما دلّ من الاخبار علی کون موات الأرض للشیعة بالإحیاء لا توجب التخصیص لعدم التنافی خصوصا مع الاحتمال المذکور من کون المراد من المؤمن مطلق من آمن باللّه و برسوله و بیوم القیامة فی الاخبار التی ذکر فیها المؤمن و من هنا قال صاحب وسائل فی عنوان المطلب ان الذمی إذا أحیی مواتا من أرض الصلح فهی له قبل هذا الباب فعنوانه أیضا مطلق یشمل مطلق المحیی و ان کان من غیر المسلم.

ص:125

و الجهة الرابعة:فی أن الخراج الثابت فی تلک الأراضی علی المحیی

هل هو ثابت لکل من أحیاها شیعة کان أو غیرها،

أو ثابت لغیر الشیعة و ربما یقال بثبوته لکل من أحیاها و لو کان المحیی هو الشیعة لصحیحة الکابلی فمن أحیی من الأرض من المسلمین فیعمرها و لیؤد خراجها الی الامام (علیه السلام)من أهل بیتی و له ما أکل منها.

و لمصححة عمر بن یزید یقول:من أحیی أرضا من المؤمنین فهی له و علیه طسقها یؤدیه الی الامام(علیه السلام)فی حال الهدنة فإذا ظهر القائم علیه السلام فلیوطن نفسه علی أن یؤخذ منه الخبر،فالظاهر منها ان الحکم أعم فلا بدّ لکل من أحیاها إعطاء الخراج الی الامام(علیه السلام)و علیه فیشکل القول بعدم وجوبه للشیعة لذهاب المشهور،بل فقهائنا أجمع الی عدم وجوب الخراج لهم،و حملها المصنف علی وجهین،الأوّل:أنه یمکن حملها علی بیان الاستحقاق و وجوب إیصال الطسق إذا طلب الامام(علیه السلام)لکن الأئمة بعد أمیر المؤمنین علیه السلام حلّلوا لشیعتهم و أسقطوا ذلک عنهم،کما یدل علیه قوله(علیه السلام)ما کان لنا فهو لشیعتنا،و یحتمل حمل هذه الاخبار المذکورة علی حال الحضور و الاّ فالظاهر عدم الخلاف فی عدم وجوب مال الإمام فی حال الغیبة،بل الأخبار متفقة علی أنها لمن أحیاها.

الاّ أنها بعیدان،بل أجنبیان عن ظهور الروایتین.

أما الأول:فلأن الظاهر من الروایتین إیصال الطسق الی الامام(علیه السلام) فی حال الهدنة کما هو ظاهر روایة عمر بن یزید،و وجوب إخراج الخراج الیه کما هو ظاهر روایة الکابلی فحملهما علی مجرّد الاستحقاق خلاف الظاهر،بل خلاف الصراحة.

و أما الثانی،فلأن الظاهر منها أیضا إخراج الخراج و إیصاله الی الامام

ص:126

(علیه السلام)مطلقا و لو فی حال الغیبة و لذا قال(علیه السلام)فی ذیل روایة عمر ابن یزید فإذا ظهر القائم فلیوطّن نفسه علی أن یؤخذ منه یعنی إذا لم یعطی ذلک الشخص الذی الأرض تحت یده فلیوطن الامام نفسه لأخذه منه.

و بالجملة فلیس فی شیء من الروایتین ما یدل علی الفرق بین الحضور و الغیبة و الاولی حملهما علی غیر الشیعة للأخبار الدالة علی تحلیل الأراضی للشیعة و کونهم محللون فیه کما فی روایة مسمع و غیرها و یؤید ذلک التفریق بین الشیعة و غیرها فی روایة مسمع قال(علیه السلام):فهم فیه محلّلون،و محلل لهم ذلک الی أن یقوم قائمنا فیجیئهم طسق ما کان فی أیدی سواهم فان کسبهم فی الأرض حرام علیهم حتی یقوم قائمنا و یأخذ الأرض من أیدیهم و یخرجهم منها صغرة،و أیضا یؤید ذلک ذیل روایة عمر بن یزید من قوله فإذا ظهر القائم فیوطن نفسه علی أن یؤخذ منه مع ان قوله فیجیئهم طسق ما فی أیدیهم ظاهر فی ان الخراج علی الشیعة بعد قیام الحجة و أما قبله فلا خراج علیهم و کک الأخبار الدالة علی أن الأرض کلها للإمام(علیه السلام)فالشیعة فیها محللون إذ لا معنی للخراج بعد ثبوت التحلیل فیها الشامل للموات بالأصل أیضا.

و بالجملة لا شبهة فی دلالة غیر واحد من الروایات علی عدم ثبوت تحلیل ما للإمام من الأراضی لغیر الشیعة بدون الخراج و کون کسبهم فیها حراما أدلّ دلیل،و أقوی قرینة علی ما ذکرناه من حمل الروایتین علی غیر الشیعة، کما هو واضح.

و توهم کون موردهما هی الشیعة فلا یمکن حملهما علی غیرها توهم فاسد بداهة ان روایة الکابلی لیس فیها سؤال حتی نری أنه شیعی أم غیر شیعی و أما روایة عمر بن یزید،فالراوی فیها و ان کان شیعیا و لکن المورد هو الرجل

ص:127

الشامل للشیعة و أهل السنة فلا وجه لحمله علی الشیعة،بل نسخة الوسائل سئل رجل من أهل الجبل و من الواضح أن أهل الجبل سنی،بل ناصبی، فی زماننا هذا فضلا عن الزمان السابق الذی لم یکن من الشیعة اسم و لا رسم.

و یؤید هذا الحمل ما فی ذیل روایة عمر بن یزید من قوله(علیه السلام) فلیوطن نفسه علی أن یؤخذ منه و من المعلوم أنه لو کان المراد منهم هی الشیعة لم یأخذ الإمام(علیه السلام)الأرض منهم،بل یبقی عندهم و یأخذ منهم الخراج و أوضح تأیید لذلک قوله(علیه السلام)فی روایة مسمع التفصیل بین الشیعة و غیرهم و جعل الشیعة فی حلّ فی الخراج و أما غیرهم فان کسبهم فی ذلک حرام فان حلیته مشروطة بإعطاء الخراج فلم یعطوها للإمام(علیه السلام)فیجیء الإمام(علیه السلام) فیخرجهم عنها صفرة أی خالیة الید أو صغرة،أی صاغرا و ذلیلا علی حسب اختلاف النسخة فیعلم من ذلک أن الخراج لغیر الشیعة و أما الشیعة فهم فی حل من ذلک و مع الغضّ عن جمیع ذلک فالروایات الدالة علی حلیّة الأراضی للشیعة فی حال الغیبة تکون مقید لهاتین الروایتین و بالجملة لا مانع من حملها علی غیر الشیعة بوجه.

قوله:و سیأتی حکایة إجماع المسلمین علی صیرورتها ملکا بالاحیاء.

أقول:المشهور،بل المجمع علیه أن الأراضی الموات بالأصل تکون ملکا لمن أحیاها و لکن الظاهر خلافه،و توضیح ذلک أن الاخبار الواردة فی ذلک علی ثلاث طوائف:- الأولی:ما دلّ علی أنها لمن أحیاها و أنها له.

و الثانیة:ما دلّ علی أن المحیی أحق بها من غیره.

و الثالث:ما جمع الأمرین الملکیة و الأحقیة و لا شبهة أن ما اشتمل علی اللام

ص:128

فی کونه ظاهرا فی إفادة الملکیة و لکن لا بد من رفع الید عن ظهوره و ارادة مجرد الاختصاص من ذلک و ذلک من جهة أنه ذکر فی جملة من الاخبار التی تقدم بعضها فی الجهة الرابعة أن غیر الشیعة لا بدّ و ان یعطی الخراج،و الاّ فیکون کسبهم فی تلک الأراضی حراما و من الواضح أنه لا معنی لحرمة الکسب فی ملک نفسه،و وجوب إخراج الخراج منه فیعلم من ذلک أنه لم یحصل بالاحیاء الاّ مجرّد حق الاختصاص و اللام فی قولهم من أحیی أرضا فهی له،المجرد الاختصاص.

و بالجملة فیدور الأمر بین رفع الید عن ظهور اللام فی الملکیة و بین الالتزام بورود التخصیص علی دلیل السلطنة أو الالتزام بتصرّف الامام(علیه السلام) فی ملک الغیر بولایته الشخصیة بحیث حکم بثبوت الخراج و الاّ فیکون الکسب حراما فلا شبهة أن الأول أولی و أسهل للالتزام کما لا یخفی و علی هذا فیکون الحکم بعد جواز الکسب علی طبق القاعدة و کذلک إخراجهم من الأرض و أخذها منهم بعد ظهور الحجة فإن الملک ملک الغیر فإذا لم یف المتصرف علی ما شرطه علیه مالک الأرض فیکون کسبه حراما علی حسب القواعد لکونه غصبا.

و من هنا اندفع ما توهم من أن التملک مشروط بأداء الخراج فإذا منعوا عنه فلا یکون الملک حاصلا.

و وجه الاندفاع أنه لا معنی للخراج مع الملکیة و أن رفع الید عن الملکیة أسهل من رفع الید عن دلیل السلطنة أو الالتزام بتصرف الامام علیه السلام فی مال الغیر مع کونه للغیر بالولایة و هذا بخلاف ما قلنا أن الأرض ملک للإمام و جواز التصرف فیها مشروط بإعطاء الخراج و الاّ فیکون حراما کما هو کذلک فی جمیع الموارد بحسب القواعد.

ص:129

و یدل علی ذلک مضافا الی ما ذکرناه أمران،الأول:ما ورد فی الاخبار الکثیرة من أنه لیس لمحیی الأرض تعطیلها و الاّ فلغیره إحیائها و إجراء أنهارها فیکون أحق به من غیره و قد عقد فی الوسائل باب لذلک فی إحیاء الموات و ان لم یتعرّض له الفقهاء فلو کان الاحیاء موجبا للملکیة فلما ذا سقط حقه بالتعطیل أزید من ثلاث سنوات فان الناس مسلطون علی أموالهم یفعلون فیها ما یشائون فهل لأحد ان یزاحمه فی أموالهم الشخصیة لمکان التعطیل فیعلم من أنه لم یثبت لمحیی الأرض الاّ حق الاختصاص فیزول بالعطلة أو بعدم الوفاء بالشرط أعنی إعطاء الخراج،نعم حلل ذلک لشیعة کما هو واضح.

الأمر الثانی:انه لو کانت الأراضی الموات بالأصل مملوکة للمحیی لکان ملکا لهم دائما مع أنه ذکر فی روایة مسمع أن الحل ثبت فیها للشیعة و لیس لهم فیها خراج الی ان یقوم صاحب الأمر و بعده فیجیئهم طسق ما فی أیدیهم و اما غیرهم فکسبهم فیها حرام لعدم إعطائهم خراجها و بعد القیام یخرجهم من الأرض و ینزعها من أیدیهم و فی ذیل روایة الکابلی أن الشیعة فی حل فی تلک الأراضی و لیس فیها علیهم خراج الی أن یقوم القائم(علیه السلام) فیضرب علیهم الخراج فیها فلو کان الاحیاء موجبا للملکیّة فتکون تلک الأراضی کسائر الأملاک الشخصیة فهل یتوهم أحد أن الامام یضرب الخراج لها علی الملاک أو یأخذها من ید غیر الشیعة فکل ذلک دلیل علی عدم حصول الملکیة للأراضی المیتة بالاحیاء،و انما الثابت لهم فی ذلک مجرّد حق الأولویة و الاختصاص بحیث لا یزاحمهم غیرهم فی ذلک.

لا یقال أنه لا شبهة فی جواز بیع تلک الأراضی کما فی الاخبار الدالة علی اشترائها من ذمی فلو لم تکن ملکا فلا وجه لجواز البیع.

ص:130

فإنه یقال نعم،لا شبهة فی جواز البیع و لکن لا یدل ذلک علی کونها ملکا للمحیی،بل یبیع منها ما ثبت له من الحق فیها فان البیع کما عرفت هو التبدیل بین الشیئین بحیث یقوم کل منهما مقام الأخر فی جهة الإضافة ففی المقام یقوم بالمبادلة کل من العوض و المعوض مقام الأخر فالعوض هو الثمن و المعوض هو الحق الثابت فی تلک الأرض کحق التحجیر و حق الجلوس کما هو المرسوم فی الیوم فی الدکاکین المسمی فی الفارسیة(بسر قفلی)فجواز البیع من هذه الجهة.

و مما ذکرناه انحل الفرع المبتلی به کثیرا و قد سئلنا عنه مرارا و هو ثبوت الخمس فی نفس الأرض الموات بعد الأحیاء إذا کان الإحیاء للتجارة دون مؤنة نفسه و عیاله فإنه علی ما ذکرناه لا خمس فی نفس الأرض لعدم کونه ملکا للمحیی لیدخل تحت المنافع الحاصلة یوما فیوما،بل یثبت الخمس فی منافعها بعد مضی الحول کما هو واضح.

و الحاصل:أن الکلام کان فی أن الأراضی المیتة هل تملک بالإحیاء أم لا،و قلنا أن المشهور،بل المجمع علیه و ان کان هو التملک بالاحیاء.

و لکن الظاهر هو عدم حصول الملکیة لأحد بالاحیاء و یدل علی ذلک ثبوت الخراج لغیر الشیعة و ثبوت التحلیل لهم مع انه انما یناسب التحلیل و الخراج مع عدم الملکیة و کذلک یدل علیه حرمة کسب غیر الشیعة فی تلک الأراضی و إخراج الأرض من أیدیهم بعد قیام الحجة و جعل الطسق للشیعة کما فی روایة مسمع حیث قال فیجیئهم طسق ما کان فی أیدیهم،مع أنه لو کان ملکا للمحیی لم یکن مجال لشیء من المذکورات.

و ذکر أنه لا وجه للقول بالملکیّة إلاّ ظهور اللام المذکور فی جملة من الاخبار من أنه من أحیی أرضا مواتا فهی له فی الملکیة لا مجرّد الاختصاص.

ص:131

و فیه أنه مضافا الی أن المذکور فی عدة من الروایات هی الأحقیة فلو لم تکن ذلک قرینة لإرادة مجرد الاختصاص من اللام فتکفینا القرائن المذکورة لرفع الید عن ظهور اللام فی الملکیة لأنه یدور الأمر بین رفع الید عن ظهور اللام فی الملکیّة و بین الالتزام بکون الخراج و حرمة الکسب و إخراج الأرض من أیدی غیر الشیعة فی زمان الظهور التصرف فی ملک الغیر،و لکن مع التصرف فی أدلة حرمة التصرف فی مال الغیر و حرمة أکله إلاّ بإذنه بدعوی أن الامام أولی بذلک من نفس المالک فلا ریب أن الأول أولی برفع الید من الثانی.

و أما أخبار التحلیل فهی علی طائفتین،الأول:ثبوت التحلیل للشیعة و کونهم محللون فی الأرض و فی مال الامام(علیه السلام).

و الثانیة:ما دلّ علی التحلیل بلسان أنه ما کان لنا فلشیعتنا فهم فیه محللون فلا ریب أنه لا بدّ من رفع الید من ظهور اللام فی الملکیة فی قولهم لشیعتنا و ارادة التحلیل المجرد إذ مفادها هو العام من غیر اختصاص المحیی و غیره،و من البدیهی ان غیر المحیی لا یملک الأرض إجماعا،فیعلم من ذلک أنهم محلّلون فی ذلک لسهولة الأمر و طیب الولادة کما تعارف هذا التعبیر کثیرا یقال فی مقام الاذن للغیر فی التصرّف فی المال أن ما کان لی فهو لک أی یباح لک التصرّف فیه کیف شاء.

و بالجملة لا یستفاد من شیء من أخبار التحلیل التملیک أیضا.

و دعوی ان اللام قد استعمل فی جمیع مراتب الاختصاص و انما یرفع الید عنه بالنسبة الی غیر المحیی،و اما فی المحیی فنلتزم بالملکیة دعوی جزافیة، فإنه ان کان المراد من ذلک إرادة الملکیة و غیر الملکیة فی استعمال واحد فهو غیر جائز فلا یمکن فی استعمال واحد،و ان کان المراد ارادة الجامع و المطلق الشامل لها ففیه أن المعانی الحرفیة غیر قابلة للإطلاق و التقیید، بل انما یراد اما مطلقا أو مقیدا کما لا یخفی.

ص:132

ثم ان هنا وجها ثانیا أدق لعدم إرادة الملکیة من اللام فی اخبار التحلیل بدعوی أن الامام(علیه السلام)قد حلّل ما له للشیعة مع انحفاظ إلهیة له، أی حال کونها له فهی للشیعة من غیر تقیید بزمان الحال و الماضی و الاستقبال و المحیی و غیره و من البدیهی هذا لا یجتمع الاّ مع التحلیل إذ بالتملیک لا یحفظ لهبة الامام(علیه السلام)و مالکیته علی ان لکل إمام أن یفعل ذلک و یحلل فلو أرید التملیک من تحلیل أحدهم(علیهم السلام)لما بقی موضوع للثانی،و القول بعود الملک ثانیا الی الامام الثانی بعد الأول التزام بلا وجه.

و اما الخراج فلا دلیل علی ثبوته للشیعة إلاّ إطلاق روایتین أحدهما مصححة عمر بن یزید و الثانیة روایة الکابلی،أما الأول فالظاهر من نفسها انه لغیر الشیعة و لذا قال فی ذیلها فإذا ظهر الامام فلیوطن نفسه علی أن یؤخذ منه،و اما الثانی فلیس دلالتها إلاّ بالإطلاق کما فی ذیل الروایة فإن الاستثناء یدل علی دخول الحکم فی المستثنی منه بإرادة استعمالیة و ان لم یعلم دخوله فیه بإرادة جدیة فهذا الظهور المبنی علی الإطلاق دون الوضع لا بدّ من رفع الید عنها و تقییدها بروایة مسمع لیحمل علی غیر الشیعة و ان أبیت الاّ من إبقائها فی ظاهرها فیقع المعارضة بین روایة الکابلی و بین روایة مسمع الدالة علی عدم ثبوت الخراج للشیعة فی حال الغیبة حیث قال فیها«فیجیئهم طسق ما کان فی أیدیهم»قبل ظهور الامام(علیه السلام)فیعلم من ذلک أنه لا خراج علیهم قبل المجیء و بعد التساقط یرجع الی اخبار التحلیل.

القسم الثانی:أن تکون عامرة بالأصالة

کأطرف الشطوط و سواحل الأنهار و بطون الأودیة و رؤس الجبال و الجزائر المعمورة بالأصالة و قلنا أن معنی

ص:133

کونها عامرة بالأصالة هو کونها عامرة بلا عامر،و قد عبر المصنف فی ذلک بقوله عامرة بلا معمر،و الظاهر أنه لم یوجد استعمال المعمر فی التعمیر بل استعمل اسم الفاعل منه عامر و المعمّر من العمر،یقال لمن عمره کثیر.

و هذا القسم أیضا لا شبهة فی کونه للإمام(علیه السلام)و ان لم یرد نصّ خاص علی کونه للإمام(علیه السلام)کما ورد فی القسم الأول و لکن

یدل علی ذلک طائفتین من

الروایات

الأولی الأخبار الدالة علی ان مطلق الأرض للإمام(علیه السلام)

و لیس للغیر فیها إلا حق الاختصاص بالتعمیر و العمل،بل فی روایة سهل أن الأرض للّه و وقف للعباد فلا تکون ملکا لأحد و من هنا ذکر فی بعض الروایات أنه لیس لأحد تعطیلها أزید من ثلث سنین و قد ذکر جمع الی کون مطلق الأرض لیست لأحد،بل للإمام(علیه السلام)کصاحب البلغة و الشیخ الطوسی علی ما حکی عنه،و المحقق الایروانی و غیرهم،و انما الشیعة محلّلون فی ذلک، فإطلاق شامل لما نحن فیه أیضا،و قد استشهدنا بها علی عدم الخراج للشیعة،و اما غیر الشیعة فلم یثبت لهم فیها تحلیل.

الثانیة:ما دلّ علی کون الأرض التی لا رب لها من الأنفال و الأنفال

للإمام(علیه السلام)

کحسنة علی بن إبراهیم و روایة العیاشی عن أبی بصیر،فان ما کان عامرا بالأصالة من الأرض فهی للإمام علیه السلام.

نعم،فی مرسلة علی بن إبراهیم عن حماد،عن بعض أصحابنا،عن العبد الصالح تقیید الأرض التی لا ربّ لها بکونها میتة و لکن لا یدل ذلک علی التقیید و اختصاص الحسنة أیضا بالمیتة أما إذا لم نقل بثبوت المفهوم للوصف کما لم نقل فواضح،فان القید التی بها للغالب فان القول بمفهوم الوصف من جهة أن لا یکون القید لغوا و إذ اعتذرنا عن عدم لغویة القید بجملة مورد علی الغالب فلا یکون الوصف لغوا فلا ینحصر عدم اللغویة بإثبات

ص:134

المفهوم فقط.

و اما بناء علی القول بمفهوم الوصف کما مشی المصنف علی هذا المبنی فأیضا لا یصلح للتقیید فإنه أولا إنما یوجب الاحتراز و التقیید دالا علی المفهوم إذا لم یرد مورد الغالب کما فی المتن و الاّ فلا مفهوم له کما فی قوله تعالی وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فان کون الربائب فی الحجور من جهة الغلبة و ثانیا أن حمل المطلق علی المقید انما فی مورد یکون بینهما التنافی کأعتق رقبة و لا تعتق رقبة کافرة و أما فیما لیس بینهما تناف فلا وجه للحمل کقوله الخمر حرام و کل مسکر حرام، و هکذا و لکن هذا لا یجری فی المقام لان معنی کلام المصنف علی فرض کون القید للاحتراز و معه یکون التنافی بین المطلق و المقید من الواضح بمکان و لکن الذی یسهل الخطب هو ما ذکرناه من عدم المفهوم للوصف،بل یمکن منع الغلبة فإنه من أین أحرز أن الغالب فی الأرض التی لا رب لها هی المیتة،بل فی کثیر النقاط أن الأراضی التی لا رب لها و لیست میتة کأراضی الجبل مازندران و غیرها کثیرة جدا،و اما ما فی تقریر شیخنا الأستاذ من الاستدلال بذلک بقولهم(علیه السلام)و کل ارض لم یجر علیها ملک مسلم فهو للإمام علیه السلام فلیس بروایة و لم نجده فی کتب الحدیث.

و الحاصل:أن ما کان عامرا بالأصل فهو للإمام(علیه السلام)للأخبار الدالة علی أن مطلق الأرض للإمام علیه السلام و للأخبار الدالة علی أن کل ارض لا ربّ لها فهی للإمام،و ما فی مرسلة الحماد من أن کل أرض میتة لا ربّ لها فهی للإمام،لا یصلح لتقیید ذلک إذ القید ورد مورد الغالب کقوله تعالی وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ فلا مفهوم له،فلا یکون للاحتراز.

و لکن لا وجه لذلک فإنه من أین أحرز أن القید محمول علی الغالب إذ

ص:135

لا وجه للقول بأن أکثر الأرض التی لا رب لها میتة مع أن أکثرها معمورة بلا شبهة،کأراضی الهند و جبل مازندران و غیرهما مع أنه لا تنافی بین المطلق و المقید فلا وجه لحمل أحدهما بالاخر الاّ أن یقال ان القید إذا کان للاحتراز فیکون بینهما تناف فیحمل المطلق علی المقید و الذی یسهل الخطب أنه لا مفهوم للوصف و علیه فلا یکون بینهما تناف فضلا عن حمل أحدهما بالاخر نظیر کل مسکر حرام و الخمر حرام و أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة.

علی أن روایة حماد مرسلة فلیست قابلة لتقیید الحسنة التی دلّت علی أن مطلق الأرض التی لا ربّ لها فهی للإمام علیه السلام هذا کله فی کونها للإمام علیه السلام.

ثم انه لا یختص حق الأولویة أو الملکیة بالإحیاء،بل یعم العمل و جری الأنهار و تکثیر الأشجار و إصلاح بعض الخصوصیات و علیه فکل أرض معمورة بالأصل،وضع علیه الید و عمل فیها،فیجری فیها الجهات المتقدمة فی القسم الأول من البحث،من أنه لا فرق فی ذلک بین الشیعة و غیر الشیعة و بین المسلم و غیر المسلم،و فی أنه هل یحصل التملک بذلک أم لا؟و هل الخراج الثابت فیها لمطلق من وضع علیها الید و لو کان العامل فیها هی الشیعة أو یختص بغیر الشیعة،و أما لو لم یکن فیها عمل فلا وجه لهذه الأبحاث، بل هی باقیة علی ملک الامام،فلا یجوز لأحد أن یتصرّف فیها للأخبار الدالة علی حرمة التصرف فی مال الغیر إلاّ بإذنه.

نعم،فالشیعة بالخصوص محللون فیها للأخبار الدالة علی أن کلما للإمام فهو حلال للشیعة،و قد تقدم أن ما فی بعض تلک الاخبار من التعبیر بان ما لنا فهو لشیعتنا فللأم یفد الملکیّة قد تقدم جوابه.

ثم الکلام یقع فی أنه هل تحصل الملکیة لهذا القسم من الأرض بالحیازة

ص:136

و السبقة و وضع الید علیها أم لا وجهان،الظاهر انها لا تکون ملکا لأحد بالحیازة،و اختار المصنف کونها ملکا بالحیازة و استدل علیه بالنبوی المعروف من سبق الی ما لم یسبقه أحد فهو أولی به.

و فیه مضافا الی أنه ضعیفة السند أنه لا دلالة فیه علی الملکیة،فإن غایة ما یستفاد منه أن المحیز یکون أحقّ الی ما سبقه الیه فلا تحصل بذلک السبق ملکیّة للسابق الی تلک الأراضی.

و ثانیا علی تقدیر أن المراد من الأولویة و الأحقیة هی الأولویة الملکیّة دون مجرّد حق الاختصاص فما نحن فیه خارج عن ذلک فإنه فی مورد لا یکون ملکا لأحد،بل من المباحات الأصلیة فیکون السبق إلیها موجبا لحصول الملکیّة و کالأوقاف العامة من الخانات و الرباط و المساجد،فان السبق فیها یفید حقّ الاختصاص.

و أما فی أملاک الغیر فلا یفید السبق شیئا لا حقّ الاختصاص و لا الملکیة و الاّ لجاز لکل أحد أن یأخذ مال غیره و یتملکه بالسبق و یکون ذلک من جملة الأسباب و الوسائل لأکل مال الناس،فلا یلتزم به متشرع و لا فرق فی ذلک بین مال الامام و غیره،فإنه أیضا لا یجوز التصرف فی مال الامام علیه السلام الاّ باذنه،و أما التمسک فی ذلک بقوله«من حاز ملکا»فلا وجه له لعدم کونه روایة،و علی فرض کونه روایة فإنما هو فی المباحات الأصلیة لا فی أموال الناس.

و ربما یقال بحصول الملکیة هنا بقوله علیه السلام من استولی علی شیء فهو له،کالاستدلال به فی مطلق الحیازات.

و فیه أن هذا و ان کان صحیحا من حیث السند و لکن لا دلالة فیها علی المطلوب إذ غایة ما یستفاد منها أن الکبری مسلم و أن أسبق و الاستیلاء علی شیء یوجب الملکیة و لکن لا یثبت الصغری و أن مال الامام علیه السلام یکون

ص:137

ملکا لأحد بالسبق،بل هو من هذه الجهة کأموال سائر الأشخاص فلا یکون الاستیلاء علیه الاّ غصبا لا مملکا.

علی أن هذه الجملة المبارکة المذکورة فی ذیل بعض الروایات الراجعة الی أن مات الزوج و الزوجة و لم یعلم أیهما مقدم و أیهما مؤخر و کانت لکل منهما أموال مخلوطة بالاخر فقال علیه السلام من استولی علی شیء فهو له بمعنی أن کل ما یکون مختصا بالرجل فهو له،و کل ما یکون مختصا للمرأة فهو لها للاستیلاء و الید،اذن فالروایة من أدلة الید و انه طریق الی کشف الملکیة و کاشف عنها لا أنها تدلّ علی کون الاستیلاء مملوکا.

و بعبارة أخری أن الاستیلاء دلیل الملکیة و کاشف عنه لا أنه مملک کما لا یخفی،فافهم.

اذن فلا یبقی دلیل معتبر لأصل کون الحیازة مملکة فضلا عن دلالتها علی الملکیة فی أموال الغیر،إلاّ فی الموارد الخاصة التی ورد الدلیل بالخصوص علی إفادة الحیازة الملکیة کما فی الصید و نحوه،نعم السیرة القطعیة العقلائیة الممضاة للشرع قائمة علی کون الحیازة مملکة،بل هذا المعنی فطری الحیوانات فإنه بعد سبق حیوان علی صید و فریصة و أخذه فلا یزاحمه الأخر،بل یرفع الید عنه،بخلافه قبل الأخذ فإنهما یتسابقون فی الأخذ.

نعم،یمکن الاستدلال علی التملک بالحیازات لقوله علیه السلام فی ج 3 الوسائل،عین الدولة عن السکونی عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علی علیه السلام أنه سأله عن رجل أبصر طیرا فتبعه حتی وقع علی شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال للعین ما رأت و للید ما أخذت،فإن قوله علیه السلام للید ما أخذت أن ما حازه الإنسان ملکه فمفاد ذلک نظیر من حاز ملک یدل

ص:138

علی أن المحیز یملک کلما حازه،و لکنه ضعیفة السند للسکونی و أیضا لا یشمل المقام لما عرفت أنه لا یملک الإنسان مال غیره بالحیازة و السبق و انما ذلک فی المباحات الأصلیة.

و تحصّل من جمیع ما ذکرناه أن الأرض العامرة بالأصالة فهی للإمام علیه السلام،فلاحظ الأخبار الدالة علی کونها للإمام و الاخبار الدالة علی الحقیقة بالاحیاء و العمل فلا یملکه أحد بالحیازة الاّ أن یعمل فیها عملا بأن للعامل حق الاختصاص فقط،فیجب علیه الخراج أن کان غیر شیعی فلا یجوز لغیر الشیعة أن یتصرّف فیها،بل لو حازها غیر الشیعة فلها أخذها من یده لکونه غاصبا فلا یقاس ذلک بالموات بالأصل.

القسم الثالث:ما عرض له الحیاة بعد الموت فهل تکون ملکا للمحیی أو

لا؟

وجهان،قد تقدم الکلام فیه فی القسم الأول،فإن البحث فی القسم الأول کان فی الموات بالأصل و أنه یصیر ملکا للمحیی أم لا؟و هذا القسم عین القسم الأول،غایة الأمر حصل فیه الاحیاء الذی سبب الملکیة أو سبب لحق الاختصاص،فالبحث عن ان المحیی یملک أو لا یملک،یغنی عن البحث عن أن الحیاة فی الأرض توجب الملکیة أم لا؟ فتحصل أن الأرض التی کانت عامرة بالأصل فهی للإمام و لکن حللها للشیعة و من عمل فیها،بل فی بعض الروایات وقف للعباد و ان کان ضعیفا لوجود سهل بن زیاد فی طریقه و هی لیست ملکا لأحد و لا تملک بالحیازة و کذلک أشجارها لکونها تابعة للأرض و من نماءتها فلا ینفک حکمها عنها.

نعم،یمکن دعوی السیرة القطعیة علی أن من حاز من أشجارها فملکها و لو کان المحیز من أهل الخلاف،بل من أهل الذمة من الکفار إذ لم نسمع الی الآن من ردع الحطابین من غیر الشیعة عن شغلهم و أخذ الأئمة و

ص:139

غیرهم من المتشرعة الحطب من أهل الذمة إذا حازوها و جائوا بها الی البلاد للبیع و الشری،بل یعاملون معها معاملة الملک و یشترونها منهم فلو کانت الحیازة فیها لا توجب الملکیّة و کانت الأخشاب و الأحطاب باقیة علی ملک مالکها أعنی الإمام(علیه السلام)لکانوا یعاملون معها معاملة مال الغیر فهل یملک أحد ما أخذه من أرض الغیر من الأشجار و الأحطاب.

و بالجملة و ان کانت الأرض المعمورة بالأصل للإمام(علیه السلام)و لا تکون ملکا لأحد بالحیازة و کانت نماءاتها تابعة لها حسب القاعدة و لکن نفک بین الأرض و نمائها بالسیرة القطعیة القائمة علی ملکیّة المحیز بما حازه من أشجار تلک الأرض و احطابها کما لا یخفی علی المتأمل.

أقول:یمکن منع السیرة لوجهین،الأول:أن الأئمة(علیه السلام)لما اقتدروا علی الردع،و الثانی:انه لم یکن فی حوال المدینة أو العراق اللتان فی تحت سلطنتهم فی زمان سلطنتهم أرض تکون معمورة بالأصالة و جائوا منها أشجارا و أحطابا حتی یعامل معها معاملة الملک بالحیازة کما لا یخفی.

أما القسم الرابع:من الأرض فهی ما کان خرابا بعد العمارة و مواتا

بعد ما کان محیاة

فهی علی قسمین:-

الأول:ما باد عنها أهلها و صارت خربة لذلک و بانجلاء أهلها عنها

فقد ورد فی جملة من الروایات أنها للإمام(علیه السلام)و هی خارجة عن موضوع بحثنا.

القسم الثانی:أن یکون خرابها مستندا الی التعطیل و الترک

و جاء الثانی و عمرها و أجری أنهارها فهل یزول بذلک حق الأول؟فیکون حق الاختصاص أو التملک للثانی أو لا یزول حقه مطلقا،أو یفصّل بین ما کان تملک الشخص الأول بالاحیاء فیزول حقه أو بغیر الاحیاء من الهبة و الاشتراء و نحوها فلا یزول حقه بذلک و القول بالتفصیل منقول عن العلامة فی التذکرة

ص:140

بل فی الجواهر نقل الإجماع عنه علی ذلک الاّ أن کلام العلامة خال عنه و لیس فیه دعوی الإجماع،بل و لم ینقل من أحد قبل العلامة.

و قد استدل علی کون الثانی أحق من الأول بروایات الاحیاء فان إطلاق الاخبار الدالة علی أن من أحیی أرضا فهی له،کون المحیی الثانی أحق.

و فیه أن تلک الأخبار بإطلاقها دلّت علی أن من أحیی أرضا فهی له من غیر تقیید بکونها للمحیی ما دام الحیاة أو مطلقا و لو بعد الخراب و علی هذا فهی تدلّ علی کون الأول أحق بها من الثانی إذ بعد کون الأرض متعلقا لحق الغیر أو کونها ملکا للغیر فلا تکون مشمولة لأدلة الاحیاء فان أدلة عدم جواز التصرف فی ملک الغیر أو حقه حاکمة علی أدلة الاحیاء و جواز التصرف فی المباحات الأصلیة و لا تعارض بینها و الاّ فلزم ملاحظة التعارض بین أدلة حرمة التصرف فی مال الغیر و بین عمومات أدلة صحة البیع و تجارة عن تراض و نحوها.

و بالجملة لا وجه للاستدلال فی المقام بأدلة الإحیاء کما لا یخفی،و العمدة فی المقام الاستدلال علی ذلک بالأخبار الدالة علی أن من أتی الأرض الخربة فأحیاها فهی له،و قد ذکر ذلک فی جملة من الروایات،و العمدة منها صحیحتان إحداهما صحیحة الکابلی فإن فیها و الأرض کلّها لنا فمن أحیا أرضا من المسلمین فلیعمرها و لیؤد خراجها الی الامام(علیه السلام) من أهل بیتی و له ما أحل منها(فان ترکها أو أخر بها فأخذها رجل من المسلمین من بعده فعمرها و أحیاها فهو أحق بها من الذی ترکها).

و ثانیهما صحیحة ابن وهب فی ج 10 و فی ص 131 فان فیها«قال سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول أیما رجل أتی خربة بائرة فاستخرجها و جری أنهارها و عمرها فان علیه فیها الصدقة فإن کانت أرضا لرجل قبله

ص:141

فغاب عنها و ترکها و أخرجها ثم جاء بعد یطلبها فإن الأرض للّه عز و جل و لمن عمّرها،فان مقتضی هاتین الصحیحتین ان الحق للثانی و اما الأول فسقط حقه بخراب الأرض و لیس له فیها حق.

و لکن فی المقام صحیحتان تدلان علی عدم زوال حق الأول بذلک بل یجب علی الثانی أن یعطی حق الأول من الأرض إحداهما صحیحة سلیمان بن خالد فی ج 2 التهذیب ص 158(قال سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن الرجل یأتی الأرض الخربة فیستخرجها و یجری أنهارها و یعمرها و یزرعها ماذا علیه قال:علیه الصدقة،قلت:فان کان یعرف صاحبها؟قال:فلیؤدّ إلیه حقه) و ثانیهما صحیحة الحلبی فی ج 2 التهذیب ص 173 و فیها(عن الرجل یأتی الأرض الخربة المیتة فیستخرجها و یجری أنهارها و یعمرها و یزرعها ماذا علیه فیها؟قال:الصدقة،قلت:فان کان یعرف صاحبها؟قال:فلیرد الیه حقه)و هاتان الروایتان متحدتان من حیث المضمون و الألفاظ،و قد یقع التعارض بین الطائفتین و حیث أن روایتی سلیمان بن خالد و الحلبی مطلق من حیث أن الملک کان مستندا بخصوص الإحیاء أو کان مستندا الی غیره من الشری و الهبة و نحوهما بحیث یمکن ان تکون الخربة من الملک بالإحیاء، أو الملک بالشراء،و روایة الکابلی دالة علی ان الملک أو الاختصاص کان من جهة الإحیاء فقط،و انما صارت الخربة عن الملک بالاحیاء فتکون روایة الکابلی مقیدة لروایة سلیمان بن خالد فتکون روایة ابن خالد مختصّة بخصوص التملک بغیر الاحیاء و حیث ان روایة ابن وهب کانت مطلقة من حیث أن الملک بالإحیاء أو بغیره فتکون روایة سلیمان بعد التقیید خاصة و روایة ابن وهب عامة بعد انقلاب النسبة فتکون روایة ابن وهب مقیدة بروایة سلیمان بن خالد فتصیر النتیجة أن الأرض التی کانت مملوکة بالإحیاء أو متعلقا لحق المحیی

ص:142

بذلک فلیس فیها حق لمن ترکها اعنی المحیی الأول و أما لو کان المالک الأول مالکا بغیر الاحیاء کالشراء و نحوه و ترکها أو أخربها و عمرها شخص آخر، فلا بدّ من أداء حقه لسبق حقه علیه و علیه فیثبت القول بالتفصیل المحکی عن العلامة،فربما ترمی روایة سلیمان الی ضعیف السند تارة و الی الإرسال أخری،کما فی البلغة و حاشیة بعض مشایخنا المحققین،إذ لا نعرف وجها لها بعد کونها صحیحة السند،فإنه لا شائبة فی سندها بوجه و علی تقدیر کونها کک،فروایة الحلبی بعین ذلک المضمون و الألفاظ فهی صحیحة و مع الغض عن جمیع ذلک فلا وجه لتوهم انجبار ضعیفها بعمل المشهور إذ لم ینقل القول بالتفصیل الاّ عن العلامة و ذکر الإجماع فی کلامه لعله سهو من قلم صاحب الجواهر علی أنه لا نسلم أصل الانجبار کما لا یخفی.

و هذا الجمع بحسب الکبری،و ان کان صحیحا کما ذکرناه فی التعادل و التراجیح،و قلنا أن المناط فی باب التعارض هو تعارض الحجتین و لو بعد ملاحظة النسبة بین بعضها مع بعض الأخر و لا یقتصر النظر فیه الی التعارض البدوی.

و لکن یرد علی هذا الجمع بالخصوص هنا أمران:أحدهما:انه ان کان النظر فی الأراضی المملوکة بما کان مملوکا به مطلقا،و لو کان الاحیاء مبدء فی التملک،و الاّ فالأسباب القریبة للتملک هو غیر الاحیاء فلا یبقی مورد لروایة سلیمان بن خالد الاّ نادرا،فیلزم حملها علی المورد النادر فهو بعید إذ قلما توجد من الأراضی أن لا ینتهی مبدء التملک فیها الی الاحیاء فان أصل التملک فی أکثرها هو ذلک،نعم قد یکون المبدء فیه هو قطع الأرض من الأئمة لشخص.

و بالجملة بعد قید روایة سلیمان بن خالد بروایة الکابلی فاختصت

ص:143

روایة سلیمان بالأراضی المملوکة بغیر الاحیاء و إذا قلنا بان المراد من الأراضی المملوکة بالاحیاء مطلق ما کان أصلها مملوکة بالاحیاء،فلم یبق مورد لروایة سلیمان الاّ نادرا فلا یمکن الالتزام بذلک،و ان کان النظر فی سببیة الإحیاء أو غیره التملک الی السبب القریب دون السبب البعید،فحینئذ و ان کان المورد لروایة سلیمان کثیرا و لکن لم یبق لروایة ابن وهب الاّ قلیل فإن أکثر الأراضی لو لم یکن کلها انما هی مملوکة بغیر الاحیاء فعلا فإذا أخرجنا الأراضی المملوکة بغیر الاحیاء عن تحت روایة ابن وهب بروایة سلیمان،و قلنا بأنه لا بدّ فی ذلک من ردّ حق المحیی الأول لکان الباقی تحت روایة ابن وهب الأرض المملوکة بالإحیاء الذی یکون سببا قریبا للتملک بحیث کان تملک المالک لها بالاحیاء و صارت خربة عن التملک بالاحیاء من دون تعلق البیع و الشراء علیها و مثل ذلک لا یوجد الاّ قلیل.

و بالجملة ان هذا الجمع انما استلزم لحمل إحدی الطائفتین علی المورد النادر فهو غیر مرضی کما لا یخفی.

الثانی:فهو العمدة هو أنا ذکرنا فی باب التعادل و التراجیح أنه إذا ورد مطلق أو عام ثم ورد خاصان أو مقیدان و کان بین الخاصتین عموم مطلق جاز تخصیص العام أو تقیید المطلق بکلا الخاصین الذین بینهما عموم مطلق لعدم التنافی بینهما مثلا إذا ورد أکرم العلماء ثم ورد لا تکرم العاصین منهم،ثم ورد و لا تکرم المرتکب للکبائر فلا شبهة فی تخصیص العام بکل من الخاصین،إذ لا تنافی بینهما بوجه و مقامنا من هذا القبیل،فإن روایتی سلیمان بن خالد و الحلبی عام من جهة أن الأرض الخربة التی جائها المحیی الثانی أعم من ان تکون مملوکة بالإحیاء أو بغیر الاحیاء، فصارت خربة و أن کونها خربة أعم من ان تکون مستندة الی ترکها و خرابها

ص:144

کما فی روایتی الکابلی و ابن وهب،أو کانت الخربة بالقهر و الاضطرار کمنع الغاصب و الجائر و جریان السیل و إتیان المطر و عدم قدرته علی الاشتغال و نحوها من الموانع بحیث لا یکون الخراب بالترک الاختیاری و اخرابا من المحیی و روایة ابن وهب و ان کانت فی نفسها أعم من کون الملکیة بالإحیاء أو بغیرها لعدم فرض الاحیاء فیها و لکنها أخص من روایة سلیمان بن خالد لان الخراب فیها من الترک الاختیاری أو الخراب الاختیاری کما هو مقتضی عطف إخرابها علی ترکها فی روایة الکابلی.

و روایة الکابلی مختصّة بخصوص التملک بالاحیاء و ان کانت من جهة الترک و الخراب مساویة فتکون أخص من روایة ابن وهب،فمفاد کلا الخاصّین هو ان المحیی أحق بما أحیاه من الأرض الخربة سواء کانت مملوکة بالإحیاء أو بغیرها،و أنه لا حق للمحیی الأول فلا بعد فی ذلک فهو واضح بناء علی عدم کون الأراضی مملوکة لأحد کما اخترناه للروایات الدالة علی أن الأرض کلها للإمام و ان کان قد ورد لها تخصیص فی جملة من الموارد کالاملاک الشخصیة و الموارد المفتوحة عنوة و غیر ذلک،و ان من وضع علیه الید بالإحیاء أو العمل لا یزید الاّ حقّ الاختصاص و الأولویة،بل فی روایة سهل و ان الأرض کلها للّه فهی وقف للعباد و لکنها ضعیفة و من الواضح انه لا یجوز تعطیلها لان غرض الشارع عمارة الأراضی و انها لیست کسائر الاملاک کالکتب و نحوها حق یفعل مالکها فیها ما یشاء و لو عطلها خمسین سنة،بل فی بعض الروایات لا یجوز تعطیل الأرض أزید من ثلث سنوات فان طبع الأرض تقتضی ان تعطل سنة أو سنتین أو ثلاث سنوات للتقویة و اما إذا صار أکثر فیبتنی ذلک بالمسامحة و بتعطیل مال الامام و ما هو وقف للعباد و قد ذهب الی عدم کون مطلق الأراضی ملکا لأحد جملة من الأعاظم کصاحب البلغة و غیره.

ص:145

و بالجملة لا شبهة فی أنه بناء علی عدم کون الأرض ملکا لأحد یکون أولویة المحیی الثانی بمکان من الوضوح لعدم لزوم التصرف فی دلیل حرمة التصرف فی مال الغیر.

و أما بناء علی أن الأرض تملک کما هو المشهور و المعروف،فک أیضا فإنه بمقتضی ما دلّ علی أولویة المحیی الثانی و کونه أحق بالأرض المحیاة من المحیی الأول نلتزم بالتصرف فی أدلة حرمة التصرّف فی مال الغیر إلاّ بإذنه فان اذن الشارع أسبق و شرط اللّه قبل شرطکم کما فی روایة الطلاق من یب و علی کل حال نقید بهما معا روایتی سلیمان بن خالد و الحلبی فتصیر النتیجة أن المحیی الثانی أحق بالأرض فلیس للأوّل مزاحمته لکونه کسائر الناس فی ذلک و لا حق له فی الأرض الاّ أن یکون الخراب بنفسه أو لمنع الجائر و الغاصب عن الاحیاء أو لکثرة الماء و طغیان الشط علیه و نحوها فان فی أمثال ذلک فلا یزول حق المحیی الأول،بل هو أحق بالأرض و ان جائها الثانی فأحیاها و عمّرها،فلیردّ إلی الأول حقه و هذا هو القول الرابع فی المسألة و الظاهر لم یقل به أحد فیما نعلم.

الکلام فی بیع الأراضی المفتوحة عنوة
اشارة

ثم ان المصنف لما تکلّم فی أحکام الأرضین تکلم فی الأراضی المفتوحة عنوة لتکمیل الأقسام فنقول

أن الأراضی المملوکة للکفار علی أقسام:
الأول:

أن تکون باقیة علی ملکهم فعلا

فلا کلام لنا فیه.

الثانی:ان یسلموا طوعا و یدخلوا فی الإسلام برغبتهم منهم أیضا

مالکون لارضهم و لا وجه لخروجها عن ملکهم فهذا أیضا خارج عن المقام.

ص:146

الثالث:أن یموتوا و یترکوا أملاکهم إرثا

و منها أراضیهم فتکون أموالهم و کذلک أراضیهم ملکا للإمام علیه السلام،لانه لا وارث له غیر الامام(علیه السلام)،و هذا لا یختصّ بهم،بل الأمر کذلک فی المسلمین أیضا.

الرابع:الأرض التی انجلی عنها أهلها من غیر حرب

و هی من الأنفال فللّه و رسوله و بعده للإمام(علیه السلام).

الخامس:الأرض التی أخذت من الکفار بالحرب و القهر و الغلبة،

و بالخیل و الرکاب،و هی تسمی بالأراضی المفتوحة عنوة،و هی محلّ الکلام فی المقام.

و هنا قسم سادس:و هی الأرض التی لم تتصف بشیء من الأمور

المذکورة

و لم یجر علیها الخیل و الرکاب،و انما أخذت من الکفار صلحا و صولحوا علیها من غیر حرب کأرض الخیبر فإنها أخذت من الکفار و أعطیت لهم لیعطوا الجزیة أو بقیت علی ملکهم و ضربت الجزیة علیهم و تسمی هذه بأرض الصلح و بأرض الخراج و فیما کانت ملکا للمسلمین فهی ملک لجمیعهم من الموجودین و الذین یکونون موجودا بعد ذلک و قلنا ان معنی کونها ملکا لهم هو صرف منافعها فی مصالحهم من تعمیر القنطرة و نحوها و إعطاء مقدار منها لبعض الفقهاء،بل لولیّ الأمر أن یملک مقدارا من نفس رقبة الأرض لواحد من المسلمین،بل للجائر ذلک إذا قلنا أن فعله ممضی للشارع و قد تقدم الکلام فی ذلک،و فی معنی الجائر فی المکاسب المحرمة

و کیف کان فیقع

الکلام فعلا فی جهتین:

الاولی:أنه هل تملک تلک الأراضی و تجری علیها آثار الملک و لو تبعا للآثار أم لا؟ الثانیة:أنه إذا قلنا بجواز تملکها فهل یجب الخراج فیها لمن بیده تلک الأراضی مطلقا أو یفرق بین الشیعة و غیرها و یلتزم بعدمه علی الشیعة

ص:147

أو بین العمال و غیرهم و یلتزم بعدمه فی الأول دون الثانی أو بین من یحل له أخذه و أکله من المسلمین و بین غیرهم،و یلتزم بعدمه فی الأول دون الثانی وجوه:-

أما الکلام فی الجهة الاولی أنه هل تملک تلک الأراضی و تجری علیها

آثار الملک و لو تبعا للآثار أم لا؟]

فان کان المشهور أن الأراضی المفتوحة عنوة تملک و لو تبعا للآثار الاّ أنه لا نعرف لذلک وجها صحیحا فالظاهر من الاخبار انها لا تملک و انما هی ملک المسلمین،و فی صحیحة الحلبی(قال سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن السواد ما منزلته قال:هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم و لمن دخل فی الإسلام بعد الیوم،و لمن یخلق بعد،فقلنا:

أ نشتریه من الدهاقین؟قال:لا یصلح الاّ أن تشتریها منهم علی أن تصیرها للمسلمین فان شاء ولّی الأمر أن یأخذها أخذها)الی غیر ذلک من الروایات الصریحة فی أنها ملک للمسلمین فلا تملک بوجه،و قد نقل المصنف جملة منها و ما قیل انها تملک تبعا للآثار لا مدرک له بوجه،بل فی روایة أبی برده المسؤول فیها عن بیع أرض الخراج قال(علیه السلام)من یبیعها هی أرض المسلمین قلت یبیعها الذی هی فی یده،قال:یصنع بخراج المسلمین ماذا.إلخ فإن الظاهر منها و من غیرها أنها لیست ملکا لأحد و الاّ لکان بیعها جائزة و ما ورد فی بعض الروایات کروایة أبی بردة و غیرها من جواز بیعها لا تدل علی جواز بیعها،بل هی تدل علی عدم جواز بیعها کیف فان قوله(علیه السلام)من یبیعها هی أرض المسلمین صریح فی عدم جواز،و قوله ثم قال:لا بأس، اشتر حقه منها،لیس فیها دلالة علی جواز البیع بل تدل علی معنی ان بیعها قیام المشتری مقام البائع فی الجهة التی کانت راجعة للبائع من استعمالها و الانتفاع بها و أداء الخراج منها نظیر بیع دکاکین الغیر أی حق الاختصاص الثابت للجالس.

ص:148

و بعبارة أخری یسمی باصطلاح العلمی بحق الاختصاص ففی الحقیقة أن البائع یبع حقه الاختصاص فنفس هذا دلیل یدل علی عدم جواز بیعها.

و بالجملة لا یجوز تملک تلک الأراضی و لا بیعها،بل یبیع الحق الاختصاص کما هو صریح الروایات و لا یفرق بین ذلک بین نفس الأرض و أجزائها.

و علیه فلا یجوز بیع أجزاء تلک الأراضی من الجص و الآجر و الکوز و نحوها من أجزاء الأرض و اما قیام السیرة فسیأتی الکلام فیها،نعم لو انفصلت الاجزاء عن الأرض جاز بیعها کما إذا أخرجوا التراب من مکان بعد الإصلاح بحیث صار زائدا فیجوز أخذه و الانتفاع به،فإنه للمسلمین و الأخذ أیضا منهم و من طرق الانتفاع به صرفه فی الکوز و الأجر و بیعها.

و من هنا یعلم أنه لا یجوز تأسیس المسجد فیها فإنه یتوقف علی وقف الأرض و فکه عن الملک و من الواضح انها لیست ملکا لأحد حتی یوقفها المالک و یجعلها مسجدا.

تنبیه:

أنه ذکر المصنف روایة إسماعیل بن الفضل الهاشمی عن رجل اشتری أرضا من أرض الخراج فبنی بها أو لم یبنی غیر ان أناسا من أهل الذمة نزلوها له أن یأخذ منهم أجرة البیوت إذا أدوا جزیة رؤسهم،قال:

یشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال أخذها و من المعلوم انها لا یرتبط بالمقام بوجه،فان جواز أخذ أجرة البیوت بعد المشارطة أی ربط له الی عدم جواز بیعها حتی تبعا للآثار المملوکة فیها،بل یمکن دعوی کونها مشعرة إلی جواز بیعها حیث قرر قول السائل اشتری أرضا من أرض الخراج و لکن یمکن منع ذلک من جهة ان المراد بأرض الخراج یمکن أن تکون أرض الصلح أو أن جهة الاشتراء یکن موردا للسؤال،و أیضا ذکر فی المقام مرسلة

ص:149

الحماد فهی علی إرسالها مشتمل علی حکم لم یقل به أحد فیما نعلم و هو جواز أخذ العشر الذی هی الزکاة قبل القسمة و من المعلوم أن وجوب أداء الزکاة مشروط بوصول حق کل من الشرکاء الی حد النصاب،و بعد أخذ کل منهم أنصبائهم یلاحظ حقه مستقلا،فان وصل الی حد النصاب یجب فیه الزکاة و الاّ فلا.

الجهة الثانیة:الظاهر انه یجب الخراج علی من کانت الأرض تحت یده

لما تقدم من روایة أبی بردة قال علیه السلام:من یبیعها و هی أرض المسلمین یصنع بخراج المسلمین الی ان قال:و یحول حق المسلمین علیه ای علی المشتری فیعلم من ذلک ان الخراج مما لا بدّ منه فیجب علی کل من کانت الأرض تحت یده علی أن نفس کون الأرض للمسلمین یقتضی وجوب الخراج مع قطع النظر عن الروایة فإن الثابت جزما انما هو جواز التصرف فی تلک الأراضی و اما التصرف من غیر خراج و أجرة فلم یثبت فیکون حراما و تصرفا فی مال الغیر بدون اذنه فهو غیر جائز فلا بد من أدائه الی الامام(علیه السلام)إذا أمکن و الاّ فللفقهاء و لمن ولیّ أمور المسلمین أو للجائر بناء علی إمضاء فعله من الامام(علیه السلام).

و بالجملة مقتضی الأدلة المطبقة علی عدم جواز التصرف فی مال الغیر هو عدم جواز التصرف شخص فی الأراضی المفتوحة عنوة و الانتفاع بها و باجزائها بوجه،و لکن ثبت بالقطع جواز أصل التصرف فیها و اما بدون الأجرة و الخراج فلا،فلا بدّ للمتصرّف و من ینتفع بها من أداء خراجها.

ثم بقی هنا أمران
الأول:أن السیرة القطعیة و ان قامت علی جواز

التصرف فی أراضی العراق

و أرض الغری و کربلاء و بیع رقبتها و أجزائها و أخشابها من زماننا الی زمان المعصومین(علیه السلام)و لکن الکلام فی الصغری و أن

ص:150

أی أرض منها مفتوحة عنوة و لم یثبت کون الاجزاء أو الرقبة التی تباع من المفتوحة عنوة حتی لا یجوز التصرف فیها و بیعها و الاّ فلو ثبت کون أرض من الأراضی مفتوحة عنوة فلا یجوز تملکها و بیعها الاّ بالمعنی الذی ذکرناه.

و دعوی العلم الإجمالی بوجود الأرض المفتوحة عنوة فی تلک الأراضی العراقیة و حوالیها و ان کانت دعوی صحیحة الاّ أنه لا یوجب التنجیز، فان جمیع تلک الأراضی لیس محلا للابتلاء لیوجب تنجّز التکلیف،بل مقتضی العمل بدلیل الحاکمة علی الأصول أن نعامل مع تلک الأراضی معاملة الملکیة کما لا یخفی.

و توضیح الحال فی المقام و قد عرفت أن الأراضی المنسوبة إلی الکفار علی أقسام:- منها:ما بقیت علی ملکهم من غیر ان تخرج منه.

و منها:ما بقیت علی ملکهم بعد إسلامهم بالطوع.

و منها:الأراضی الصلحیة الخراجیة و هی التی صولحوا بها لتبقی علی ملکهم و یعطون الخراج علیها أو أخذت من ملکهم و لکن أعطیت لهم لأخذ الخراج.

و منها:ان تکون مفتوحة عنوة و الأرض المفتوحة عنوة تارة تکون معمورة حین الفتح و أخری میتا و ما کانت معمورة بالأصل فهی ملک المسلمین،و أیضا أن جملة من تلک الأراضی قد ملکت بتملیک الامام و کثیر منها ملکت بتملک السلطان الجائر خصوصا فی زمان العثمانیین و مع کثرة المحتملات و ثبوت الید علی تلک الأراضی المقتضی للملکیّة فکیف یمکن إحراز أن الأرض الفلانیة عن المفتوحة عنوة حتی لا یجوز أخذها.

نعم،لو کان جمیع تلک الأراضی التی تعلم بوجود الأرض المفتوحة عنوة

ص:151

بین تلک الأراضی یلزم الاجتناب عنها لکون العلم منجزا فی هذه الصورة و هذا العلم الإجمالی بوجود الأرض المفتوحة عنوة کالعلم الإجمالی بوجود الوقف فی جمیع دور النجف و کربلاء،بل العراق،و العلم الإجمالی بوجود مال الغصب فیها،و العلم الإجمالی بمنع الإرث عن بعض الوارثین خصوصا البنات فإنهن یمنعن من الإرث کثیرا و تقسم أموالهم علی غیر الجهة المشروعة فهل یتوهم أحد أن العلم الإجمالی فی هذه الموارد یوجب تنجز العلم الإجمالی و کذلک العلم الإجمالی فی المقام و ما قیل من الجواب فی هذه الموارد فهو الجواب هنا أیضا،و الاّ فلیس للمقام خصوصیة زائدة.

و بالجملة مرکز الکلام هنا هو أنه لا بدّ فی وجوب الاجتناب من الأرض لأجل کونها مفتوحة عنوة من إحراز أمرین الفتح عنوة و کونها معمورة حال الفتح و الاّ فلا وجه للاجتناب عنها بوجه،و اما بعد ثبوت الفتح فلا مناص من عدم جواز التملک فیها و لا فی أجزائها و أخشابها و أن مقتضی الید فی أراضی العراق و ما یحتمل کون الأرض المفتوحة عنوة فیها أمارة الملکیة فلا یرفع الید عنها بالاحتمال فیما یعتمد علیه هذان الأمران إحراز الفتح مع العمارة فی عدم جواز التملک و العمل بالید فی جواز البیع و الشری مع عدم الإحراز.

و علی هذا فلا وجه للإشکال فی بیع أراضی العراق و لا فی أجزائها، فإن احتمال کونها من الأراضی المفتوحة عنوة احتمال بدوی لا یعتنی به.

الأمر الثانی (قوله:أو بین ما عرض له الموت من الأرض المحیاة حال الفتح).

أقول:ربما یقال بأن الأراضی التی کانت معمورة حال الفتح ثم ماتت و أحیاها الأخر تکون ملکا للمحیی لعموم أدلة الاحیاء و لخصوص روایة سلیمان ابن خالد المتقدم،فهی أجنبیة عن المقام،فإنها واردة فی الأرض الخربة فهی غیر المفتوحة عنوة،و لذا قال(علیه السلام)و ان کان یعرف صاحبها فیؤدی الیه

ص:152

حقه،و الفتوحة عنوة لیست لأحد حتی یرد الیه حقه،إذا عرف و لو کانت هنا روایة آخر فلم نجدها.

و اما عمومات أدلة الإحیاء فقد تقدم الکلام فی آخر المکاسب المحرمة عند التکلم فی أن الأراضی المفتوحة عنوة تملک أو لا تملک عدم دلالتها علی الملکیة بالاحیاء و کونها خارجة عن الأراضی المفتوحة عنوة لوجهین:- الأول:أن الاحیاء لیس من أسباب الملکیة بوجه،فإن غایة ما یستفاد منها علی ما تقدم هو حتی الاختصاصی و الأولویة و أما الملکیة فلا.

و ثانیا:أنها لا تشمل الأملاک الشخصیة فاحیاؤها لا یوجب الملکیة بناء علی أن الاحیاء من الأسباب المملکة فالأراضی المفتوحة عنوة بمقتضی الروایات المتقدمة ملک للمسلمین فلا ربط لأدلة الإحیاء لها فتکون أدلة حرمة التصرف فی مال الغیر حاکمة علیها کما لا یخفی.

و بالجملة لا تدل أدلة الاحیاء أن الأراضی المفتوحة عنوة تملک بالاحیاء بل مقتضی حرمة التصرف فی مال الغیر مانع عن ذلک.

(قوله:و أعلم أنه ذکر الفاضلان و جمع ممن تأخر عنهما فی شروط

اشارة

العوضین بعد الملکیّة کونه طلقا).

أقول:و من جملة شرائط العوضین ذکروا کون الملک طلقا یتفرع علیه أمور کثیرة التی تعلق بها ما خرج عن کون الملکیة طلقا کالنذر و الخیار و الیمین و الوقف و کون المبیع أم ولد و کالرهن الی غیر ذلک مما یخرج المبیع عن کونه ملکا طلقا،و لکن فرعوا علی هذا الشرط أمور ثلاثة و تکلّموا فیها علی وجه الاستقلال و هو الرهن و الوقف و أم الولد.

ما هو المراد بالطلق

و ذکر المصنف ان المراد بالطلق تمام السلطنة علی الملک بحیث یکون هذا

ص:153

المعنی فی الحقیقة راجع الی کون الملک مما یستقل المالک بنقله و یکون نقله ماضیا فیه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون إذن ذی الحق لمرجعه الی أن من شرط البیع أن یکون متعلقة مما یصح للمالک بیعه مستقلا و هذا لا محصل له فالظاهر أن هذا العنوان لیس فی نفسه شرطا لیتفرع علیه عدم جواز بیع الوقف و المرهون و أم الولد،بل الشرط فی الحقیقة انتفاء کل من تلک الحقوق الخاصة و غیرها فما ثبت منعه عن تصرف کالنذر و الخیار و نحوهما و هذا العنوان منتزع من انتفاء تلک الحقوق فمعنی الطلق أن یکون المالک مطلق العنان فی نقله غیر محبوس علیه لأحد الحقوق التی ثبت منعها للمالک عن التصرف فی ملکه فالتعبیر بهذا المفهوم المنتزع تمهید لذکر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسیس لشرط لیکون ما بعده فرعا،بل الأمر فی الفرعیة و الأصالة بالعکس.

و قد أشکل علیه بأن المراد بالطلقیة عبارة عن عدم قصور السلطنة و عدم کونه محجورا عن التصرف،اما لقصور فی المقتضی کما إذا کان ملکه محدودا کالوقف الخاص فان الموقوف علیه فی هذا الوقف و ان کان مالکا للعین الموقوفة علی ما هو الحق کما اختاره المشهور الاّ أنه لا یصح بیعه لهم لان بیع الموقت لا یصح فی الشرع و اما لوجود المانع کالرهانة و الجنایة و الاستیلاد و یتفرع علی دلت عدم جواز بیع الوقف و نحوه.

الظاهر أن ما ذکره المصنف متین،فان ما ثبت من الموارد الخاصة من عدم جواز البیع للحقوق المتعلقة بها المانعة عن التصرف انما هی المانعة بذواتها،فالتعبیر بذلک العنوان المنتزع للإشارة إلی ذکر الحقوق المانعة فإن ما یکون معتبرا فی نفوذ البیع السلطنة علی البیع فما ذکره شیخنا الأستاذ من المراد بالطلقیة عبارة عن عدم قصور السلطنة إما لقصور فی

ص:154

المقتضی کالوقف،و اما لوجود المانع کالرهانة.

لا وجه له،اما الأول،فلأن بیع الوقف و ان لم یجز الاّ أن عدم الجواز من جهة عدم السلطنة علی البیع لعدم انتفاء تلک الحقوق المانعة لا أن الطلقیة بذاتها شرط للبیع.

و اما الثانی:فبناء علی عدم جواز بیع العین المرهونة کما هو المشهور استنادا إلی النبوی من أن الراهن و المرتهن ممنوعان عن التصرف،فکک إذ المالک لیس له السلطنة علی البیع من جهة تعلق حق المرتهن بالعین و عدم کون المالک مسلطا علی البیع لعدم انتفاء ما هو شرط فی البیع لا ان الطلقیة شرط فی الملکیة.

و بالجملة هذا العنوان لیس له موضوعیة بما هو فی نفسه و بذاته لیکون شرطا فی الملکیّة،بل عنوان منتزع من الموارد الخاصة التی انتفی تلک الحقوق فیها علی أنه سیأتی انه لا دلیل علی عدم جواز بیع الرهن،و اما النبوی فضعیفة السند،و غیر منجزة بعمل المشهور.

و بالجملة أن الشرط فی البیع ما دل الدلیل علی عدم جواز بیعه کالوقف و نحوه علی ما ذکره الفقهاء،بل أنهاه بعضهم الی عشرین فهو بذاته مما لا یجوز بیعه لمنع الدلیل عنه بالخصوص و عنوان الطلقیة عنوان منتزع من تلک الموارد التی ورد الدلیل بالخصوص علی عدم جواز بیعه و مشیر إلیها و الاّ فعنوان الطلقیة لیس من الشروط لیکون الموارد المذکورة بعدها متفرعا علیه و انما الشرط نفس انتفاء تلک الأمور التی ذکرت فی المقام و عد من شرائط العوضین فعدم وقوع التجارة علیها لأجل الأدلّة الخاصة و عدم جواز بیعها بذاتها فلا وجه لارجائها الی عنوان اشتراط الطلقیة و القول بانتفائها فی تلک الموارد کما هو واضح.

ص:155

الکلام فی بیع الوقف
قوله:مسألة:لا یجوز بیع الوقف
الدلیل الأول إجماعا محققا فی الجملة و محکیا.

أقول:لا شبهة فی عدم جواز بیع الوقف فأن مقتضی کونه وقفا إیقاف الشیء و إبقائه علی حاله علی النحو الذی أوقفه المالک و عدم جواز التصرف فیه علی وجه ینافی الوقف فإذا أنشأ الواقف هذا المعنی الذی عرف فی النبوی المعروف یحبس الأصل و سبیل الثمرة و عرفه الأصحاب بقولهم تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة فینافی البیع مع مقتضاه فان مقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو نفوذ التصرف فیه ببیع و نحوه من المعاملات فهما لا یجتمعان لکونهما متناقضان

الثانی:دلالة الروایات العامة و العمومات علی ذلک

و أن الوقف لا یجوز بیعه کقوله(علیه السلام)الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها،و فی بعض النسخ یقفها أهلها فإن الوقف یستعمل لازما و متعدّیا من دون ان یتعدی بشیء و دلالة هذه الروایة علی المقصود مما لا شبهة فیه،فان الواقف یقف علی أن تبقی العین و ینتفع بمنافعها و الروایة الشریفة یمضی ذلک و تدل علی أن الوقف لا بدّ و أن یلاحظ فیه غرض الواقف حتی لو کان مشترطا فیه عدم البیع أصلا لکان متبعا بحسب مقتضی العموم.

الثالث:قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

فأن ما أنشأه الواقف من الوقف مما تشمله الآیة فیجب الوفاء به،فالبیع مناف لذلک.

الرابع:الروایات الخاصة فی خصوص بعض الأوقاف

کروایة أبی علی بن راشد قال:سألت أبا الحسن(علیه السلام)(قلت:جعلت فداک انی اشتریت أرضا إلی جنب ضیعتی فلما عمرتها خبرت أنها وقف،فقال:لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملک ادفعها الی ما أوقفت علیه،قلت لا أعرف لها ربّا قال

ص:156

تصدق بغلتها)الظاهر أن المراد من الغلة لیست هی الحاصلة من زرع المشتری و الاّ فهی لصاحب البذر فی المغصوب و کیف فی المقام الذی اشتری من غیر علم بکونها وقفا،بل المراد من الغلة ما یحصل من الأرض بحسب طبعها من الخضر و الأشجار و المنافع الأخر.

و منها ما ورد فی حکایة وقف أمیر المؤمنین(علیه السلام)بعد التسمیة هذا ما تصدق به علی ابن أبی طالب و هو حی سوی تصدق بداره التی فی بنی زریق صدقة لا تباع و لا توهب حتی یرثها اللّه الذی یرث السموات و الأرض الی غیر ذلک من الروایات الکثیرة،بل فی بعضها لعنی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بایع الوقف و فی بعضها أن من أمن باللّه و بالیوم الآخر لا یبع الوقف و استدل بها المصنف علی عدم جواز بیع الوقف مطلقا بدعوی أن قوله(علیه السلام)صدقة لاتباع و لا توهب لیس وصفا لخصوص شخص العین الموقوفة،بل وصفا لنوع الصدقة التی فی مقابل الأنواع الأخر من الصدقات المستحبة أو الواجبة و هذا هو الظاهر من المفعول المطلق المساق للنوع،فان قوله(علیه السلام)صدقة مفعول مطلق کقولک جلست جلسة الأمیر،أی نوع جلوسه و هکذا فی المقام أی نوع صدقة لا تباع و لا توهب و من الواضح أن هذا الوصف وصف لنوع الوقف،و ذکره هنا من جهة تطبیق الصغری للکبری لا أن الوصف وصف لخصوص الشخص الخاص الذی وقفه علی بن أبی طالب(علیه السلام).

ثم استدل المصنف المصنف علی عدم کون الوصف خارجیا معتبرا فی الشخص بوجوه بعد استبعاده أولا أن سیاق الاشتراط یقتضی تأخّره عن رکن العقد أعنی الموقوف علیهم خصوصا مع کونه اشتراطا علیهم.

الثانی:أنه لو جاز البیع فی بعض الأحیان کان اشتراط عدمه علی الإطلاق فاسدا،بل مفسدا لمخالفته للمشروع من جواز بیعه فی بعض الموارد

ص:157

کدفعه الفساد بین الموقوف علیهم أو رفعه أو طرو الحاجة أو صیرورته ممّا لا ینتفع به أصلا.

الثالث:أن هذا التقیید مما لا بدّ منه علی تقدیر کون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجیا مع احتمال علم الامام(علیه السلام)بعدم طروّ هذه الأمور المبیحة و حینئذ یصح أن یستغنی بذلک عن التقیید علی تقدیر کون الصفة شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا فی النوع فان العلم بعدم طروّ مسوّغات للبیع فی الشخص لا یغنی عن تقیید إطلاق الوصف فی النوع.

و هذه الوجوه التی ذکرها المصنف و ان کان متینا و واردا علی فرض کون الوصف شرطا خارجیا و معتبرا فی الشخص و لکن الذی ینبغی ان یقال و یسهل الخطب هو أن الشرط ان رجع الی الجواز بان شرط عدم جواز البیع فی الوقف فهو أمر ممتنع لخروجه عن قدرته فان الجواز حکم شرعی و وضعه تحت ید الشارع کنزول المطر فلا معنی لشرط ما هو لیس فی قدرته علی أن اشتراط عدم الجواز معناه ان لم یجز لم یجز بیعه لان مفهوم الوقف هو السکون فهو بنفسه یقتضی ذلک و اشتراط الجواز أنه أن جاز فجاز،و ان کان الوصف وصفا لنفس الوقف فلیس فیه مخالفة للمشروع بوجه،فان للواقف أن یشترط فیه ما یشاء لکونه مالکا و مسلطا علی ماله فجاز له أن یقف کیف یشاء حتی له أن یشترط عدم البیع و لو مع عروض ما یسوغ البیع من المسوغات کما لا یخفی.

ثم قال المصنف:(و مما ذکرنا ظهر أن المانع عن بیع الوقف أمور ثلاثة:

حق الواقف حیث جعلها بمقتضی الوقف صدقة جاریة ینتفع بها و حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق و التعبد الشرعی المکشوف عنه بالروایات، فان الوقف متعلق لحق اللّه حیث یعتبر فیه التقرّب و یکون للّه تعالی و عمله و علیه عوضه).

ص:158

أقول:و لیت شعری أنه من أین ظهر مما ذکره ان المانع هی الأمور الثلاثة،بل لا وجه لها بحسب نفسها أیضا أما حق الواقف فبمجرّد وقفه تخرج العین الموقوفة عن ملکه و کون العین صدقة جاریة ینتفع بها لا یقتضی أن تکون العین متعلقة لحق الواقف و أما حق البطون المتأخرة فمع عدم وجودهم کیف یتعلق حق لهم بالعین فان المعدوم قبل وجوده کما لا یکون مالکا کذلک لا، یکون ذا حق مع أنه لو کان مانعا انما یمنع إذا بیع و صرف الثمن علی الموجودین و اما لو اشتری به مثله فلا یلزم منه هذا المحذور و اما قوله(علیه السلام) الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها،فلا یدل علی ذلک فان معناه أن ما أنشأه الواقف من حسب المال فقد أمضاه الشارع،و اما حق اللّه فان کان المراد به ان المنع عن بیعه انما هو للتعبد الشرعی الواصل بواسطة سفرائه من الروایات المتقدمة فلا کلام لنا فیه،و ان کان المراد من ذلک شیء آخر و إثبات حق له تعالی کالأنفال و نحوها فلا دلیل دل علی ذلک کما لا یخفی.

(قوله:ثم ان جواز البیع لا ینافی بقاء الوقف الی ان یباع).

أقول:و قد ذکرنا أن الوقف بحسب نفسه یقتضی السکون و الوقوف فإنشاء الوقف إنشاء لسکون مال الوقف مقابل الحرکة فمعنی السکون عدم عروض النقل و الانتقال علیه ببیع و نحوه مقابل المتحرک الذی عبارة عن طرق ما یقتضی الحرکة علیه من البیع و غیره.

ثم ان جواز البیع الوقف تارة یکون بحیث یکون بدله و ثمنه ملکا للبائع الموقوف علیه و یتصرف فیه کیف یشاء کتصرف الملاک فی أملاکهم.

و أخری لا یکون ثمنه ملکا للبائع الموقوف بمعنی أن یقوم ثمنه مقام المثمن و یکون بدلا علیه و یترتب علیه جمیع أحکام المبدل و کیف کان فجوازه یحتاج الی دلیل،و اما جواز البیع بحیث یکون الثمن ملکا للمالک فبعید فإنه رفع الید عن ملکه و جعله وقفا علی الموقوف علیهم فلا مقتضی لرجوعه الی المالک ثانیا،

ص:159

هذا کله مما لا شبهة فیه.

و لکن وقع الکلام بین الشیخ و صاحب الجواهر تبعا للشیخ الکبیر فی أن جواز البیع یکشف عن بطلان الوقف بحیث انه بمجرّد جواز البیع یطرء علیه البطلان،کما ذهب الیه الشیخ الکبیر و تبعه صاحب الجواهر فذکره فی هذا المقام أن الذی یقوی فی النظر بعد إمعانه أن الوقف ما دام وقفا لا یجوز بیعه،بل لعل جواز بیعه مع کونه وقفا من التضاد،نعم إذا بطل الوقف اتجه حینئذ جواز بیعه،قال بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد حیث استدل علی المنع عن بیع الوقف بعد النص و الإجماع،بل الضرورة بأن البیع و أضرابه ینافی حقیقة الوقف لأخذ الدوام فیه و أن نفی المعاوضات مأخوذ فیه ابتداء.

و بالجملة أن محصل کلامهما أن جواز البیع لا یجتمع مع الوقف فإذا أجاز البیع بطل الوقف سواء تحقق البیع فی الخارج أم لم یتحقق،و قد خالف فی ذلک شیخنا الأنصاری و تبعه شیخنا الأستاذ.

و حاصل کلام المصنف أن الوقف یبطل بنفس البیع لا بجوازه،فمعنی جواز بیع العین الموقوفة جواز ابطال وقفها الی بدل أولا إلیه فإن مدلول صیغة الوقف و ان أخذ فیه و المنع عن المعاوضة علیه الا انه قد یعرض ما یجوز مخالفة هذا الإنشاء الدوام ثم أیده بتنزیله منزلة الهبة و قال کما أن مقتضی العقد الجائز کالهبة تملیک المتهب المقتضی لتسلطه المنافی لجواز انتزاعه من یده و مع ذلک یجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه بالبیع لا بجواز فقط و بالجملة فکما أن مقتضی الهبة هو التملیک مع جواز استرداد العین الموهوبة و أنها لا تبطل بجواز البیع،بل بالبیع الخارجی و کک الوقف فیبطل بالبیع فی الموارد الخاصة التی ثبت جواز بیعه فی تلک الموارد لا بمجرد عروض جواز البیع علیه و یؤید ذلک ما ذکره المحقق الثانی من انه لا یجوز رهن

ص:160

جائزا و تقدم نظیر ذلک فی المعاطاة و قال لا یجوز رهن المأخوذ بالمعاطاة لکونها معاملة جائزة و الرهن وثیقة فلا یتحقق الا بالملک الطلق.

ثم أشکل علیهما بأنه ان أرید من بطلانه انتفاء بعض آثاره و هو جواز البیع المسبب عن سقوط حق الموقوف علیهم عن شخص العین أو عنها و عن بدلها حیث قلنا بکون الثمن للبطن الذی یبیع فهذا لا محل له فضلا عن أن یحتاج الی نظر فضلا عن إمعانه و ان أرید به انتفاء أصل الوقف کما هو ظاهر کلامه حیث جعل المنع من البیع من مقومات مفهوم الوقف ففیه مع کونه خلاف الإجماع إذ لم یقل أحد ممن أجاز بیع الوقف فی بعض الموارد ببطلان الوقف و خروج الموقوف عن ملک الموقوف علیه الی ملک الواقف أن المنع عن البیع لیس مأخوذا فی مفهومه،بل هو فی غیر المساجد و شبهها قسم من التملیک و لذا یطلق علیه الصدقة و یجوز إیجابه بلفظ تصدقت الا ان المالک له بطون متلاحقة فإذا جاز بیعه مع الابدال کان البائع ولیّا عن جمیع الملاّک فی إبدال مالهم بمال آخر.إلخ.

و الذی ینبغی أن یقال فی توجیه کلام صاحب الجواهر و شیخه وجوه:

الأول:أن یکون معنی قولهم إذا جاز البیع بطل الوقف هو صیرورة الوقف ملکا للواقف و رجوعه الی ملکه فهو بعید،فإنه بعد خروجه عن ملکه فلا مقتضی لکونه مالکا له ثانیا.

الثانی:ان یخرج من الوقفیة و صارت ملکا طلقا للموقوف علیهم بحیث لهم أن یفعلوا فیه ما شائوا من البیع و الهبة و الإعارة و الإجارة کبقیة أموالهم الشخصیة و هذا أیضا لا مقتضی له فکلا القسمین لا یحتاج الی نظر فضلا عن احتیاجهما إلی إمعان النظر.

الثالث:أن یکون الوقف باطلا من جهة بمعنی بطلانه من الجهة التی عرض له ما یجوّز البیع فقط لا من بقیة الجهات لیصیر ملکا طلقا للموقوف علیهم

ص:161

أو یرجع الی ملک الواقف و من الواضح أن هذا یحتاج إلی إمعان النظر فضلا عن النظر.

و علی هذا ظهر الوجه فی عدم جواز رهن الوقف إذ لا یخرج الوقف عن الوقفیة بجواز بیعه من جهة عروض مجوّز من مجوّزات البیع کما ظهر أنه لا وجه لقیاسه بالهبة فإن الهبة یجوز استرداده و الوقف لا یجوز استرداده لأنه عبارة عن الحبس و السکون مقابل الحرکة فلیس مفهومه الاّ متقوّما بالإیقاف و السکون و عدم توارد البیع و الشراء و الهبة و الإجارة علیه بحیث یبقی طبقة بعد طبقة و جیلا بعد جیل،و هذا بخلاف الهبة فإنها لیست الاّ تملیکا محضا.

ثم انه لا ثمرة لهذا البحث بعد التسالم علی حرمة البیع الوقف قبل عروض المجوّز و علی جواز البیع بعد عروض المجوّز ثم دوامه بدوام المجوز و ارتفاعه بارتفاع المجوّز.

ثم إذا طرء علی الوقف جواز البیع و لم یبع فی الخارج الی أن زال المانع فهل یزول الجواز أو یبقی علی حاله فربما یقال ببقاء الجواز استصحابا لحکم المخصّص کما فی حاشیة الایروانی فان المقام من موارد دوران الأمر بین العمل بحکم المخصص و العمل بالعام بعد انقطاع عمومه فحیث انقطع عمومه فی زمان فلا یبقی مجال للتمسک به،فی الزمن الثانی لعدم المقتضی، بل نستصحب حکم المخصص اعنی جواز البیع.

و لکن الظاهر هو العمل بالعام فی غیر حالة التخصیص خصوصا إذا کان العموم استغراقیا لما قلنا فی محله انه بعد تخصیص العام یتمسک به فی مورد التخصیص و توضیح ذلک ان للوقف هنا ثلاثة حالات حالة قبل عروض الحالة الموجبة للبیع و المسوغة له و حالة عند عروض المسوّغ و حالة بعد عروض المسوّغ و ذکرنا فی محله أیضا انه کما أن للعام عموم أفرادی عرضی و کک له عموم

ص:162

أزمانی سواء کان الحکم واحد أو متعددا منحلا إلی أحکام عدیدة.

و علی هذا فمقتضی العمومات الدالة علی عدم جواز بیع الوقف انما تدل علی عدم جوازه فی جمیع الحالات بحسب العرض و الطول،فقد خرج من تحتها صورة عروض الحالة المسوغة للبیع فیبقی الباقی تحت العموم و هذا واضح بناء علی أن جواز البیع لا یوجب بطلانه،بل یسوغ البیع فقط و الاّ فالوقف باق علی حاله.

و أما بناء علی مسلک صاحب الجواهر فکک أیضا لما عرفت أن قوله بالبطلان لیس معناه رجوع الوقف الی الواقف أو صیرورته ملکا طلقا للموقوف علیهم لما عرفت من بعد کلا المعنیین و عدم المقتضی لهما فی البین،بل معناه هو البطلان من جهة خاصة أعنی الجهة التی أوجبت بیع الوقف و سوغ المعاملة علیها و أما بقیة الجهات فمحفوظة علی حالها و هو الذی کان محتاجا الی النظر،بل إلی إمعان النظر.

و علیه فالتمسک بالعموم فی غیر المقدار الذی ثبت فیه التخصیص من الوضوح بمکان،بل الأمر کک حتی علی المعنی الأول و الثانی فإن جواز بیع الوقف و ان أوجب بطلانه سواء کان بالعود الی الواقف أو بصیرورته ملکا طلقا للموقوف علیهم و لکن الفرض أن الإبطال لیس مستمرا إلی الأبد،بل انما کان عموم العام قبل ذلک شاملا لما بعد هذه الحالة التی بطل فیها الوقف و علیه فتمسک بالعموم فی الغیر المورد الذی نقطع بخروج الخاص و نعمل بالعموم فتحکم بمقتضاه علی ثبوت الوقفیة بعد البطلان أیضا فیکون العام مقتضیا لذلک فیحکم بالوقف إلی الأبد الی ان یرث اللّه الأرض و من فیها.

الأقوال فی الخروج عن عموم منع بیع الوقف

(قوله:إذا عرفت ان مقتضی العمومات فی الوقف عدم جواز البیع).

أقول:بعد ما حکم المصنف أن مجرد عروض جواز البیع علی الوقف لا

ص:163

یوجب البطلان،بل لا بد من وقوع البیع فی الخارج فتعرض الی أن الوقف بحسب نفسه و الأصل الاولی لا یجوز بیعه،بل لا بدّ من البقاء و هو واضح لما عرفت أن مفهوم الوقف عبارة عن السکون فلا بدّ و ان یکون واقفا و ساکتا.

ثم یقع الکلام هنا فی جهتین:الاولی:فی الخروج عن مقتضی ذلک الأصل،بحسب الموضوع بمعنی أن أی وقف یجوز بیعه و أی وقف لا یجوز بیعه و الجهة الثانیة:فی الخروج عنه بحسب الحکم بمعنی أن المسوّغ لبیع الوقف أی شیء مع قطع النظر عن أن أی وقف یجوز بیعه و أی وقف لا یجوز بیعه و قد حصره بعضهم بواحد و هو وقوع الخلف بین الموقوف علیهم و بعضهم بثلاثة و بعضهم بخمسه الی غیر ذلک من الاختلافات.

أما الجهة الأولی:فوقع الخلاف فی ذلک بین الأصحاب کثیرا،

فذهب

بعضهم الی عدم جواز البیع و عدم الخروج من عموم المنع أصلا،

و هو الظاهر من کلام الحلی و الشهید،فان ظاهر قول الشهید أن سد الباب و هو نادر مع قوته هو اختیاره ذلک و ذهب بعضهم الی الجواز مطلقا.

و فصل بعضهم بین المؤبد و المنقطع

و لیس المراد من المنقطع ما إذا کان الوقف إلی سنة أو الی سنتین،بل معناه أن الوقف انما هو علی طائفة خاصة من غیر تقید بزمان خاصّ و الاّ فیکون حبسا الذی عبارة عن حبس العین مع کونها باقیة علی الملک و تسبیل المنفعة،و لکن حیث انه لطائفة خاصة ینقرض کثیرا بانقراضهم فیسمی ذلک بالوقف المنقطع الأخر و هذا بخلاف المؤبد فإن معناه أن الوقف لطائفة خاصة کأهل العلم من الشیعة فی النجف مثلا کما وقفوا قریة فی کرمانشاه کک و مع عدمهم لمطلق أهل العلم و مع عدمهم العیاذ باللّه لفقراء الشیعة و مع عدمهم لأغنیاء الشیعة و هکذا فمثل هذا الوقف لا ینقطع آخر بل یستمر و یدوم إلی الأبد و یبقی طبقة بعد

ص:164

طبقة و جیلا بعد جیل.

و بالجملة التزموا بجواز البیع المنقطع دون المؤبد.

و فصّل بعضهم بقولهم بعکس ذلک،أی بجواز البیع فی المؤبد و بعدمه

فی المنقطع

و لعل نظره الی ان المنقطع ینقطع بنفسه بخلاف المؤبد.

و فصل بعضهم بین أصل الوقف حیث قال بعدم الجواز

و بین اجزائه و آلاته التی انحصر طریق الانتفاع بالبیع فقط،کحصر المسجد و جذوعه و بعض آلاته التی سقط عن الانتفاع به فی هذا المسجد بنحو من الأنحاء و هو المحکی عن الإسکافی و فخر الإسلام،و یمکن التفصیل بین ما یکون الوقف تحریرا کالمساجد و نحوها و بین سائر الأوقاف،و یلتزم بعدم جواز البیع فی الأول دون الثانی،الاّ انه لیس تفصیلا فی الحقیقة لأن المساجد خارج عن مورد البحث،فان الظاهر ان مورد البحث ما اعتبر فیه التملیک و المساجد تحریر و علیه فما سیأتی من المصنف من التفصیل بین المساجد و غیره،تنبیه علی أصل المطلب لا تفصیل فی الوقف بین جواز البیع فی قسم و عدمه فی آخر

و الکلام فعلا یقع فی جواز بیع الوقف المؤبد فی الجملة.
الوقف علی قسمین تملیکی و فکی

و بعد ما نقل المصنف کلمات الأصحاب فصّل فی الوقف المؤبد،بینما یکون ملکا للموقوف علیهم و بینما لا یکون ملکا لأحد،بل یکون فک ملک نظیر تحریر کالمساجد و المدارس و الربات و الخانات و ان کان فی الحقیقة لیس تفصیلا کما عرفت بناء علی عدم دخولها فی ملک المسلمین فان الموقوف علیهم انما یملکون الانتفاع دون المنفعة و قال المصنف ان محل الخلاف هو القسم الأول،أی ما یکون الوقف تملیکا و أما القسم الثانی فالظاهر عدم الخلاف فی عدم جواز بیعه لعدم الملک و علی هذا فلو خربت القریة و انقطعت المارة عن الطریق الذی فیه المسجد لم یجز بیعه و صرف ثمنه فی

ص:165

احداث مسجد آخر أو تعمیره أو صرفه فی مصالح المسلمین.

نعم یجوز الانتفاع بها بالزرع و الغرس مع ملاحظة الآداب بعدم التنجیس و الهتک کما جاز الانتفاع به قبل الخراب بالجلوس و النوم و سائر الأشغال من المباحث و غیرها إذا لم تزاحم المسجدیة،نعم یحتمل جواز إجارتها و صرف الأجرة فی مصالح المسلمین.

و لکن الظاهر أنه لا فرق بین البیع و الإجارة فإنه بعد خروجها عن الملکیة لأحد و حرمة کما لا یجوز بیعه و تملیکه و کک لا یجوز إیجاره.

ثم ان المراد من عدم جواز التصرف فیها تصرفا مالکیا خصوص الحرمة التکلیفیة و الاّ فلا یترتب علیه ضمان بوجه و لذا لو سکن فیها أحد أو اشتغل ما لاشغال المنافیة للمسجدیة فلیس علیه ضمان.

لا خلاف فی عدم جواز بیع الوقف الفکی

و بالجملة ان کان الوقف تملیکا و لو کان للنوع فهو محل الکلام فی المقام و ان کان تحریرا و فک ملک فهو لا یجوز بیعه بوجه لعدم کونه ملکا لأحد حتی یجوز بیعه و یباشره أحد الملاک وکالة أو الحاکم ولایة،بل یبقی علی حالها الی ان یرث اللّه الأرض و من فیها،نعم یجوز الانتفاع بها ما لا یزاحم المسجدیة و ان تصرف فیها بما یزاحم المسجدیة فعل فعلا محرما فلا ضمان بالأجرة لأن الفرض انه لیس بملک لا للخاص و لا للعام کما لا یخفی انتهی الکلام الی تفصیل المصنف بین ما یکون الوقف تملیکا و بین ما یکون تحریرا.

و تحقیق الکلام هنا ان ما یکون تحریرا کالمساجد فان المتیقن من التحریر هو المسجد،فالظاهر أنه لا یجوز بیعه فإن حقیقة البیع علی ما عرفت عبارة عن المبادلة بین الشیئین فی جهة الإضافة إلی المالک بحیث یکون کل واحد من الشیئین مضافا الی شخص فیتبدل کل من الإضافتین بتبدیل المالین و من البدیهی ان المساجد غیر مضافة الی أحد بإضافة الحقیقة أو بإضافة الملکیّة و مع انتفاع الإضافة کیف یسوّغ البیع أو التجارة عن تراض أو بقیة

ص:166

المعاملات لما عرفت مفصّلا أنه لا بیع إلاّ فی ملک،و لا بیع الاّ فیما یملک و لذا قلنا ان کل ما لیس داخلا تحت الملک کالطیر فی الهوی و المباحات الأصلیّة قبل الحیازة لا یجوز بیعه.

و توهم أن المساجد أیضا نحو من التملیک للمسلمین کما ان الزکاة ملک للفقراء و الأصناف الأخر أو نقرض مسجدا یملکه المالک للمسلمین وقفا.

توهم فاسد فان المساجد من قبیل التحریر کالعبد المعتق و أنها للّه لا بمعنی کونها ملکا له و مضافا الیه لیتوهم جواز بیعها من جهة تلک الإضافة المصححة للبیع،بل بمعنی کونها معبدا للمسلمین لیعبد فیها للّه تعالی و یتقرب به فیها و لعل الی هذا المعنی ینظر قوله تعالی وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ بل هو المحتمل القریب من سائر المعانی و هذا هو المستفاد من بعض الروایات فلا یقاس ذلک بالزکاة فإن الجهة فیها مالک بخلافه فی المساجد فإنه لیس فیها جهة إضافة حقا أو ملکا فلا یصح بیعها بوجه.

و أما الوقف بمعنی التملیک للمسلمین،بان یجعل مکانا خاصا مسجدا بعنوان التملیک لا التحریر فخارج عن الفرض فإنه لا یکون مسجدا و متمحضا للّه،بل یکون مثل الحسینیات و نحوها.

و بالجملة أن من الضروری أن المساجد لیس الاّ تحریرا و فکا للملک لا تملیکا و علیه فلا یکون بیعه جائزا لعدم وجود الإضافة فیها الی أحد و لو الی الجهة کالزکاة بحیث یباع المسجد و یکون بدله قائما مقامه فی تلک الجهة فهذا قسم من الوقف العام.

کلام کاشف الغطاء فی الأوقاف العامة مع الیأس عن الانتفاع بها

و من هنا ظهر ما فی کلام کاشف الغطاء حیث ذکر جواز اجارة المسجد الذی خربت القریة و انقطعت المارة عنه و خرب و ذلک فإن صحة الإجارة تتوقف علی کونه مضافا الی شخص لتکون الأجرة داخلة تحت ملکه و قد عرفت أن

ص:167

باق علی وسعته فإنه لا یلزم فی الثالث توفیة المسجد لیس مضافا الی شخص.

نعم،یصح الزّرع و الغرس فیه و الانتفاع به بغیرهما مع ملاحظة الآداب کما هو واضح.

الثانی:أن یکون وقفا للذرّیة بحیث یوقف أرضا خاصا لهم لتکون منفعته

لهم طبقة بعد طبقة و جیلا بعد جیل

فلا شبهة أن هذا القسم من الوقف تحبیس و تملیک أما کونه تحبیسا فلان الوقف علی ما فسروا تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة و قد جعل الواقف ذلک الوقف کک کما لا یخفی.

و اما کونه تملیکا لهم فلمقتضاء السیرة القطعیة العقلائیة علی ذلک فإنه لا یشک أحد فی انه إذا ثبت فی ذلک ما یوجب الضمان علی شیء یکون ذلک الشیء لهم و لو غصبه غاصب لوجب علیه رده الی الذریة بمقتضی الید و السیرة و من المعلوم أنه لو لم یکن هنا تملیک لکان الحکم فیها مثل المساجد من غیر ان یوجب الأشغال و الغاصب الضمان علی الأجرة فلازم هذه السیرة هی الملکیة علی أن مقتضی الوقف علی الذریة یقتضی ذلک بمقتضی مفهوم الوقف فإنه لو کان ذلک مجرد التحبیس لکان المناسب أن یقول الواقف وقفت لهم بحیث یکون لهم لا علیهم و هذا بخلاف التملیک فان الواقف یملک العین الموقوفة لهم و لکن یضیّق دائرة السلطنة علی الموقوف علیهم و لا یجعلونهم مطلقا فی العین الموقوفة لتکون سلطنتهم سلطنة مطلقة و سلطنة لهم،بل یضیّق دائرة السلطنة علیهم بالشرط فی ضمن الوقف و بنفسه نظیر الشرط الخارجی بحیث یکون الموقوف علیهم مالکا للمنفعة فقط ملکیة مطلقة و أما العین فلیس لهم علیها مالکیة الاّ من جهة ان تکون المنفعة لهم و أما یفعلون للعین الموقوفة بما شائوا فلا و اذن فتکون السلطنة علیهم لا لهم و لذا قال الواقف عند الوقف وقفت علیهم.

ص:168

و بالجملة مقتضی تلک العبارة هی التملیک فإنه لو کان الغرض هو التحبیس لقال وقفت لهم لا علیهم،فان من الواضح انه إذا کان الشخص مالکا لشیء و لم تکن سلطنة مطلقة تکون السلطنة علیهم لا لهم کما هو واضح.

و الحاصل:أنا نستفید کون الوقف علی الذریة تملیکا لا تحبیسا من نفس عبارة الواقف عند الوقف لکونها ظاهرة فی التملیک باعتبار التعبیر بعلی الظاهرة فی تضییق دائرة السلطنة بمقتضی الشرط بمجرد الوقف نظیر تضییق الدائرة للسلطنة بالشروط الخارجیة.

و اما جواز بیعه،فالظاهر أنه مما لا اشکال فیه کما سیأتی فإن المانع الذی کان فی التحریر غیر موجود هنا کما لا یخفی،فإن الإضافة المالکیة موجودة و تصرف الموقوف علیهم متعذر لفرض عروض الجهة المجوزة للبیع و لیس فی البین ما یمنع عن التصرف کأدلة حرمة التصرف فی مال الغیر فتکون أصالة الإباحة محکمة.

الثالث:ان یکون وقفا عاما کالوقف علی العلماء و السادات

و طلاب المدارس و الزوار و الفقراء و نحوها من الجهات العامة و هو علی قسمین:-

الأول)ان یکون وقفا للکلی کالوقف علی العلماء و الطلاب

کوقف الحمامات و الدکاکین و الاملاک لهم لتکون منافعها ملکا طلقا لهم بحیث یکون حبس الأصل و تسبیل الثمرة لهم بحیث تکون المنفعة لهم و یملکون منافعها و تقسم علیهم کما فی القسم الثانی نظیر أوقاف علی العلماء و طلاب المدارس،فان غلتها تقسم علیهم و یملکون نفس المنفعة و لا یلزم توفیة جمیع الاقسام هنا کما یلزم فی الوقف علی الذریة،و غایة الأمر أن الفرق بینهما من جهة أن دائرة الوقف فی القسم الثانی تضییق و توسع بکثرة الموقف علیهم و قلتهم بحیث إذا کثروا فتوسع دائرة القسمة و إذا قلّوا فتضیق دائرته و اما فی القسم الثالث فهی

ص:169

القسمة علی جمیع السهام و الموقوف علیهم،بل یجوز الإعطاء لواحد و الاختصاص به لان الوقف لجهة و هی متحقق بواحد لصدق الجهة و تحقق الإعطاء لأهل العلم،و هذا بخلافه فی القسم الثانی،فإنه لا بدّ فیه من ملاحظة جمیع الموقوف علیهم و توفیة القسمة لهم قلّوا أو کثروا و من ذلک یختلف القسمة سعة و ضیقا باختلاف الموقوف علیهم کثرة و قلة و أنه لا بدّ من إعطاء کلهم قسمة حقیقة حتی لو مات أحدهم بعد حصول الغلة فتنقل الی وارثه و هذا بخلافه فی القسم الثالث.

ثم ان هذا القسم من الوقف أیضا تملیک لعین ما تقدم فی القسم الثانی من اقتضاء نفس مفهوم الوقف،ذلک و أنه لو غصبه غاصب یحکم بضمانه بخلاف التحریر و أن السیرة العقلائیة تقتضی أن یعامل مع مثل تلک الأوقاف معاملة الملکیّة لقیامها علی الضمان و وجوب الرد علی النحو المأخوذ فبالملازمة تدل علی الملکیة غایة الأمر ملکا للجهة نظیر الزکاة و الصدقات و نحوهما و الظاهر أنه لا شبهة فی جواز بیع هذا القسم أیضا مع عروض الجهة المجوّزة للبیع فإنه مع وجود المقتضی له و شمول عمومات صحة البیع علیه و عدم وجود المانع عنه فلا شبهة فی ذلک فانا نشک فی صحة المعاملة علیها مع تعذر استعماله فما أعد له و وقف علیه فنتمسک بأصالة الإباحة و قوله(علیه السلام)الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها ناظر الی حفظ جهة الوقف مع الإمکان لا مع التعذر.

الثانی)ان یکون وقفا علی الجهة العامة من دون ان یکون الموقوف

علیهم مالکا علی المنفعة،

بل مالکا علی الانتفاع کما ربما یعتبر تملک الانتفاع بمعنی أن الوقف علی تلک الجهة کما أنه ملک لهم مضیقا فکک ملکهم بالمنفعة أیضا مضیق بمعنی أنهم مالکون بمنفعة خاصة أی السکن مثلا و الاّ فلا معنی للملک علی الانتفاع إذ لا معنی لمالکیة الإنسان علی فعله بخلافه فی القسم

ص:170

المتقدم فإنهم مالکون بالمنفعة مطلقا و ملکا طلقا بحیث لهم بیع تلک المنفعة و هبتها و إذا ماتوا تنتقل الی وارثهم و ان کان أصل الوقف لیس ملکا طلقا لهم و هذا بخلافه فی هذا القسم،فان الموقوف علیهم یملکون المنفعة الخاصة ملکا مضیقا کالسکنی مثلا من غیر أن یجوز لهم بیعها و إذا ماتوا تنتقل تلک المنفعة إلی الوارث،و من هنا لو غصبه غاصب یضمن الأجرة للجهة لا لخصوص الساکن فی ذلک،و هذا القسم کالمدارس و الربط و الخانات و نحوها و الظاهر أن هذا أیضا تملیک للجهة العامة للوجوه المتقدمة و السیرة العقلائیة هنا أوضح من السیرة فی القسمین المتقدمین،فان هذا القسم من الأوقاف کان موجودا فی الزمن الجاهلیة أیضا وقفا علی طبق مسلکهم فإنها قائمة علی ضمان الغاصب فبالملازمة تدلّ علی الملکیة و مما ذکرناه ظهر ما فی کلام المصنف من عطف الرباط و الخانات و القناة علی المساجد فإنه فرق واضح بینهما إذ الوقف فی المساجد تحریر فلا یجوز بیعه بوجه کما عرفت و لکن الوقف للرباط و الخانات و المدارس لیس تحریر فلا یجوز بیعه بوجه کما عرفت و لکن الوقف للرباط و الخانات و المدارس لیس تحریرا،بل تملیک للجهة العامة فیجوز بیعها فکم فرق بینهما.

و أما المشاهد

فهل هی مثل المساجد أو کأوقاف العامة و یقع البحث فیها فی جهتین:الأول)فی أرضها،و الثانیة)فی الآلات التی توقف علیها من السّراج و القنادیل و الذهب و الفضة و الفرش و نحوها.

اما الکلام فی أرضا:فالظاهر أنها ملحقة بالمساجد و لیست ملکا لأحد بل تحریر محض و من هنا الحقوها بالمساجد فی جمیع الأحکام الشرعیة و علیه فلا یصح بیعها بوجه،بل یعامل معها معاملة المساجد.

و الحاصل:أن الوقف علی أنحاء منها ان یکون تحریرا کالمساجد و المشاهد المشرفة فإنها للّه و وقفوها لان تکون معابد للمسلمین من غیر أن

ص:171

تکون ملکا لأحد أو لجهة کما أن البیع و الکنائس معابد للیهود و النصاری، من غیر أن تکون ملکا لأحد و علیه فلا یجوز بیعها کما عرفت،و اما الوقف للصلاة مثلا فلیس بمسجد کما تقدم،و أما لا یکون الوقف تحریرا فیکون تملیکا سواء کان وقفا علی الذریة أو وقفا علی الکلی کوقف الحمامات و الدکاکین و نحوهما علی الکلی کالعلماء و الصلحاء و الفقراء و الزوار و نحوهم من العناوین الکلیة بحیث تکون المنفعة ملکا طلقا لهم أو وقفا علی الجهة کالرباط و الخانات و القناطر و نحوها فإنها وقف علی الجهة لینتفعوا منها فقط بحیث کما ان ملکهم علی الوقف مضیق فکک ملکهم علی المنفعة أیضا مضیق و ربما یعبر عن ذلک بملک الانتفاع و لکنه لا معنی له،و الوجه فی کونه تملیکا هو قیام السیرة العقلائیة علی ضمان الغاصب لهذه الأوقاف بخلاف المساجد فبالملازمة نکشف کونه تملیکا و هذا لا شبهة فی جواز بیعها مع عروض المسوّغ لها کما سیأتی فی مسوغات بیع الوقف.

ثم ان هنا قسما آخر من الوقف فیکون به الاقسام خمسة و هو الوقف علی الوقف نظیر الأوقاف علی المساجد و المشاهد و المدارس کما جرت السیرة علی وقف الدکاکین و الحمامات و العقار علی المدارس و المساجد و المعابد و الظاهر أنها تملیک علیها و ان کانت نفس المساجد و المعابد و الظاهر أنها تملیک علیها و ان کانت نفس المساجد غیر مملوکة و ذلک فان قوام الملکیّة انما هو بالإضافة بین المالک و المملوک فتلک الإضافة خفیفة المؤنة فکما یمکن اعتبار الملکیة للاحیاء و الأموات من ذوی الشعور و العقول،فکک یمکن اعتبارها الغیر ذوی الشعور أیضا من الجمادات کما یمکن اعتبارها للکلی و اعتبار الکلی ملکا للشخص مع الإضافة إلی الذمة علی ما تقدم.

و بالجملة أن اعتبار الکلی لغیر ذوی الشعور من الأشخاص الجمادیة لیس أخف من اعتبارها للکلی و اعتبار الکلی ملکا لذوی الشعور کما هو واضح،

ص:172

بل هذا المعنی موجود فی بناء العقلاء أیضا مع قطع النظر عن الشرع فان فی بنائهم اعتبار الملکیة علی غیر ذوی الشعور.

و علیه فآلات المسجد و أسبابه لا تلحق بالمسجد فی الحکم بجواز البیع فان نفس المسجد لیس ملکا لأحد کما عرفت و هذا بخلاف آلات فإنها تملیک للمسجد فیجوز بیعها إذا عرض لها ما یسوغ البیع و لا یبعد،بل من القریب أن من هذا القبیل الموقوفات التی وقفت علی المشاهد المشرفة من القنادیل و السّراج و نحوهما فإنها تملیک لها لینتفع بها فیها بالمنافع التی أعدت لها و لو کانت هی التزین و تعظیم الشعائر فإنه لا یترتب فائدة علی القنادیل المعلقة من المشاهد و الجواهر المعلقة مع کونها بأغلی القیم و أعلاها الاّ التزیین و التعظیم فلا یجوز بیع شیء منها الاّ بعروض مجوّز فلیس حکمها حکم المشاهد،فإنک عرفت أنها لیست ملکا لأحد،بل هی تحریر کالإماء و العبید إذا أعتقوا و هذا بخلاف هذه الأمور فإنها تملیک للمشاهد فیجوز بیعها عند عروض المجوّز و من أخذها یکون ضامنا.

و من هذا القبیل وقف الدکاکین و الحمامات و بقیة الأملاک علی المدارس و المساجد و المشاهد و لکن فرق بینها و بین آلات المسجد و قنادیل الحرم و جواهره التی وقفت للتزیین و التعظیم و هو ان الدکاکین و نحوها وقفت علیها لتکون منافعها لها بحیث تصرف فیها نظیر صرف منافع الموقوفات علی الکلی فی أفرادها فتکون تلک المنافع ملکا طلقا لها و مملوکا شخصیا لهؤلاء و کک منافع تکون ملکا طلقا للمساجد و المشاهد بحیث ان لمتولیها بیع تلک المنافع و تبدیلها بشیء آخر من غیر عروض مجوّز لها ثم بیع ذلک أیضا و تبدیلها بشیء آخر من الدار و الدکان و نحوها و هذا بخلاف الأصل أعنی ذی المنفعة فإنه لا یجوز بیعها الاّ بعروض المجوّز کما أن ما یکون وقفا للعناوین

ص:173

الکلیة أو الذریة تکون منفعتها ملکا طلقا لهم یفعلون فیها ما یشائون بخلاف أصل الوقف الذی حصل منه النفع فحقیقة الوقف الذی عبارة عن تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة موجودة هنا من غیر أن یکون تحریرا و هذا بخلاف مثل آلات المسجد و المشاهد و ما کان وقفا لها للتعظیم و التکریم فان نفعها عبارة عن التعظیم فقط فلیس لها نفع سواه و سوی التزیین فیکون نظیر الوقف علی الجهة کالمدارس و القناطر و الربط و الخانات فلیس للموقوف علیهم الاّ الانتفاع بالتفرج و نحوه،أی انهم ما لکون بمنفعة خاصة لا بجمیع منافعا فان مالکیتهم مضیق فیها کتضیق مالکیتهم علی أصلها لا أنهم مالکون بالانتفاع فإنه لا معنی للوقف،بان یکون الموقوف علیهم ان یملکون علی فعلهم و جملة من تلک الآلات نفعها یکون منحصرا باستراحة الزوار و المصلین و جملة منها تکون ذو جنبتین أی یکون نفعها تعظیما للشعائر و عائدا إلی استفادة الزوار و المصلین و علی کل حال فلیست وقفا علی الجهة،بل وقف علی نفس المساجد و المشاهد و تملیک لها و لکن الداعی یختلف تارة یکون انتفاع الناس فقط،و أخری تعظیم الشعائر من حیث التزیین فقط،و ثالثة یجتمعان و کیف کان فما کان نفعه عائدا إلی الواردین فمن حیث أنهم واردین لهذا المحل و زوارها و المصلین فیها.

ثم انه من هذا القبیل الاجزاء المستحدثة فی المساجد و المشاهد کاسقف و الجدران و نحوهما فإنها تملیک لها من غیر أن تکون تحریرا و لذا یجوز بیعها بعد الخراب إذا لم یمکن صرفها فی نفسها،بل یمکن القول بذلک فیها إذا لم تکن مستحدثة،بل صار وقفا علی هذا النحو کما إذا ابنی بناء ثم جعله مسجدا،بل الأمر کک فی جمیع اجزاء المشاهد و المساجد أی ما کان الوقف تحریرا فجمیع اجزائها من الأرض و الجدار و السقف و سائر

ص:174

الأجزاء کلّها وقف علی نحو التملیک المسجد و المشهد و ان المسجد و المشهد غیرها أی المکان التی تلک الأجزاء موجودة فیها فإنها بحسب التحلیل و الدقة لیست بمسجد و مشهد،بل من أجزائها و ان کان یحرم تنجیسها و هتکها الاّ أن ذلک من جهة کونها جزء للمسجد و المشهد و تحقیق هذه الدعوی.

أن المسجد انما هو المکان الذی یحتاج الیه کل جسم و یفتقر الیه و لیس هذا المکان عبارة عن الأرض و لا الهواء الموجود فی الفضاء،بل هما أیضا من الأجسام المحتاجة إلی المکان،بل المکان و ان کان شیئا یحتاج فهمه الی النظر الدقیق،بل مما یتحیر فیه العقول و یختلف فیه أهل الفلسفة أیضا فی بحث الاعراض و فی بحث غناء الواجب تعالی من المکان و لکن الظاهر و لو بحسب المسامحة العرفیة أنه عبارة عن البعد الخالی من کل شیء حتی من الهوی و لذا لو أخرجت جمیع اجزاء المسجد من الأرض و السقف و الجدران الی محل آخر و اترس محلها تراب و جص غیرها ترتب حکم المسجد علی الاجزاء الجدیدة و انسلخت عن الاجزاء الخارجة و هکذا الحکم فی غیر المساجد من الأملاک الشخصیة فإن المکان الذی متعلق حق الناس إذا خلا عن جمیع الاجزاء من التراب و الأجر و الجص و بفرض المحال عن الهواء أیضا،بل الی تخوم الأرض بالفرض المحال لو کان الی تخوم الأرض متعلق حق الغیر و ان لم یکن کک فان متعلق الحق ما یعتبره العقلاء للملاک من الفوق و التحت و کک فی المساجد فی غیر المسجد الحرام،فإنه ورد روایتین فی خصوص مسجد الحرام انه مسجد من تخوم الأرض إلی عنان السماء.

فإذا خلیت عن التراب الی تخوم الأرض بالفرض المحال هل یتوهم أحد أن حق المالک زال عن هذا المکان،بل نفس ذلک المکان متعلق حق

ص:175

الغیر و ملک له فلیس لأحد أن یزاحمه.

و بالجملة أن المکان سواء کان مسجدا أو ملکا لأحد لیس عبارة عن الأرض و الهواء،بل جمیعها موجود فی المکان و ذلک المکان مسجد و ملک للغیر من الفوق و التحت بالمقدار المتعارف لا من تخوم الأرض إلی عنان السماء کما توهم أنه من تخوم الأرض إلی عنان السماء مسجد فإنه بلا مدرک فلو خلیت الأراضی من جمیع الأجزاء الأرضیة،بل الهواء أیضا محالا فالمکان الخالی من الفوق و التحت مسجد و ملک للغیر بالمقدار الذی یعتبره العقلاء ملکا فی الاملاک و هذا المقدار أیضا مسجد و کک الأمر فی المسجد الحرام أیضا فلو خربت الکعبة العیاذ باللّه و أخرجت الأحجار و التراب عنها،فلم تزل الکعبة،بل زالت اجزائها بحیث لا فرق بین البناء الموجود فیها و الهواء الموجود فی السماء الرابع فان جمیعها کعبة و کک الی تخوم الأرض فالکعبیة غیر قائمة بذلک البناء و الذی یدل علی صدق هذه الدعوی مضافا الی ما ذکرناه ما ذکره شیخنا الأستاذ من ان المساجد و کک المشاهد تحریر ملک و فک له إلی الأبد حتی یرث اللّه الأرض بحیث لا ینقلب عما هو علیه بوجه مع أن جدرانها و کک سائر أجزائها عن السقف و غیره لا تبقی إلی الأبد بل تخرب و یتجدد ببناء آخر و لو بعد ألف سنة فلو کان قوام المسجدیة و المشهدیة بتلک الاجزاء لزالت و لم تبقی إلی الأبد فهو خلف و مناقضة و نکشف من ذلک أن المسجدیة غیر قائمة بها و انما هی أجزاء المسجد کما لا یخفی.

بقی هنا شیء و هو أن ثوب الکعبة هل هی وقف للکعبة أو للزائرین أو للخدمة و انه علی تقدیر کونه وقفا للکعبة کیف یجوز أخذه فی کل سنة و صرفه فی غیر مصارف الکعبة.

ص:176

أقول:الظاهر أنه بذل للبیت الی ان یکون لها سنة واحدة فلا یجوز التصرف فیه الی سنة ثم یأخذه المتصدی للکعبة و یتصرف فیه ببذله الی خدمته أو الی رواه کیف شاء،بل سمع أن فی المصر موضع وقف علی ذلک بحیث أن یصنع منه فی کل سنة ثوبا للکعبة.

و بالجملة أن ثوب الکعبة لا یقاس ببقیة أموال المساجد و المعابد و المشاهد فإنه لا یجوز التصرف فی بقیة أموالها بنحو و هذا بخلاف ثوب الکعبة فإنه یجوز التصرف فیها بعد سنة لأنه من الأول جعل هکذا خصوصا لو صح ما سمع ما ذکرناه من تهیئته موضع لذلک فی المصر.

و بالجملة ثوب الکعبة لیس وقفا لها لیستشکل فیه بأنه کیف یسوغ بیعه بعد سنة مع کون الوقف مؤبدا،بل هو هدیة للبیت ینتفع به الی سنة و لا یجوز لأحد ان یتصرف فیه الی سنة ثم یؤخذ و یتصرف فیه فمن الأول جعل هبة للبیت إلی سنة ثم الی المسلمین أو الخدمة و نحوهم و یشهد علی ذلک ما ورد من جواز بیع أستار الکعبة و الانتفاع به کما فی روایة مروان بن عبد الملک و اما ما ذکر من عدم جواز التکفین به فمن جهة الاحترام لتنجسه بما یخرج من أسفل المیت.

الکلام فی مسوغات بیع الوقف

(قوله:إذا عرفت جمیع ما ذکرنا فاعلم أن الکلام فی جواز بیع الوقف یقع فی صور).

أقول:ذکرت أمور یجوز بها بیع الوقف

منها ان یخرب الوقف

و ان کان المذکور فی کلامهم هو ذلک و لکن الخراب لیس موضوعا للحکم،بل موضوع

ص:177

الحکم هو عدم إمکان الانتفاع به و الخراب مقدمة لذلک و من هنا لا ینحصر الحکم بالخراب فقط،بل یجری فی کل مورد سقط عن الانتفاع به کما یجری فی الخراب أیضا،و ذلک کالدار الموقوفة إذا خربت و کذلک اخشابها و الحیوانات الموقوفة لمسجد إذا ذبحت أو الأعیان الموقوفة إذا سقطت عن الانتفاع بها کالدور غیرها إذا کانت فی قریة خربت أو غار عنها أهلها و بقیت الدار الموقوفة مسلوبة عنها المنافع و هکذا الظروف و الأخشاب و الأحجار و نحوها.

فتحصل انه لا موضوعیة للخرابیة

ثم انه یقع الکلام هنا فی جهتین:-

الاولی:من جهة المقتضی و الثانیة:من جهة المانع.

اما الکلام فی الجهة الأولی، أی المقتضی

فحاصل ما ذکره المصنف أن المانع من بیع الوقف أمور،فلا یجری شیء منها فی المقام الأول الإجماع.

و فیه ان ادعی الإجماع علی عدم جواز بیعه کما هو کک سواء کان إجماعا تعبدیا أو له کک،الاّ انه لا یجری فی المقام إذ لا خلاف فی جواز بیعه عند خرباه و سقوطه عن الانتفاع به.

الثانی ما فی روایة علی بن راشد لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک.

و فیه انها منصرفة الی غیر هذه الحالة لأن النظر فیها ان کان الی موردها فلا شبهة ان مورد کلامنا ما یکون الوقف ساقطا عن الانتفاع به و فی الروایة لیس کک و لذا فرضت فیها الغلة فلو کانت ساقطة عن الانتفاع بها لم تکن ذات غلّة و ان کان النظر إلی إطلاقها فلا شبهة فی انصرافه الی غیر هذه

ص:178

الصورة لأن الواقف وقف الأرض لتبقی موقوفة و ینتفع الموقوف علیهم بها لتکون المنفعة ملکا طلقا لهم أو یملکون بالمنفعة الخاصة المعبر عنها بملک الانتفاع بالمعنی الذی ذکرنا و الاّ فلا معنی للوقف لان یملک الموقوف علیهم بفعلهم فإذا سقط الموقوفة عن هذه الحالة فتخرج عن لزوم إبقائها إلی الأبد فتخرج عن الوقفیة التی کانت عبارة عن حبس العین و تسبیل الثمرة من حیث جواز البیع لا من جمیع الجهات لیقال ان لازم ذلک سقوط الوقف عن الوقفیة کما تقدم ذلک فی توجیه کلام صاحب الجواهر و أستاذه کاشف الغطاء فمن الأول لم یشمل إطلاق الروایة علی ذلک و منصرف الی غیر تلک الحالة کما ادعاه المصنف(ره)من أنها منصرفة الی غیر تلک الحالة.

و اما قوله(علیه السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها فذکر المصنف أولا أنه ناظر الی وجوب مراعاة الکیفیة المرسومة فی إنشاء الوقف و لیس منها عدم بیعه بل عدم جواز البیع من أحکام الوقف و ان ذکر فی متن العقد و أفاد ثانیا و لم سلم أن المأخوذ فی الوقف إبقاء العین فإنما هو مأخوذ فیه من حیث کون المقصود انتفاء البطون به مع بقاء العین و المفروض تعذره هنا.

أقول:لا وجه لما أفاده أولا فإنه یرد علیه أولا انه مناقض لما استدل به سابقا علی عدم جواز بیع الوقف،و ثانیا:أنه لا وجه لتخصیص الروایة بالکیفیات مع شمول إطلاقها للبیع أیضا فیحکم بعدم جواز بیع الوقف و عدم جواز التصرف فیه علی غیر جهة قصد الواقف أخذ بالإطلاق.

و ثالثا:علی فرض عدم شمولها للکیفیات فالأدلة الأخری الناظرة علی إمضاء الوقف علی طبق المعنی اللغوی الذی عبارة عن الحبس و السکون و علی طبق المعنی الشرعی الذی ذکره الفقهاء اعنی حبس العین و تسبیل الثمرة کافیة فی الماضیة فلم ترد لأدلة المانعة علی نحو التعبد فعدم جواز

ص:179

بیع الوقف لیس للتعبد،نعم ما افاده ثانیا من اعتبار إبقاء العین فی مفهوم الوقف و لکن اعتبر ذلک مقیدا بانتفاع البطون فمع عدم إمکان الانتفاع فلا یکون حقیقة الوقف متحققة هنا من حیث جواز البیع فقط لا من الجهات الأخری بحیث یکون الوقف مطلقا باطلا فحینئذ لا تمنع عن البیع الأدلة المانعة بوجه لما عرفت انها مسوقة لإمضاء ما اعتبر فی مفهوم الوقف فقط و لیست ناظرة إلی جهة التأسیس فمع انتفاء حقیقة الوقف و مفهومه من جهة جواز البیع فلا تبقی فی البین أدلة الإمضاء أیضا.

أما الکلام فی جهة الثانیة أی المانع

فهو ما أشار إلیه بقوله،و الحاصل أن الأمر دائر بین تعطیله حتی یتلف،إلخ.

أقول:انه لا إشکال فی وجود المقتضی لبیع الوقف إذا عرضه ما یوجب سقوطه عن الانتفاع به و تحقیق ذلک ان الأمر حینئذ دائر مدار تعطیل الوقف حتی یتلف و بین انتفاع البطن الموجود به و بین تبدیله لینتفع به البطن المتأخر و الظاهر جواز تبدیله بل لزومه لینتفع به البطن الموجود و البطون المتأخرة و ذلک فإن العبارة المقترنة بکلمة الواقف حتی یرث اللّه الأرض و من فیها مع کون العین الموقوفة مما لا بقاء لها إلی الأبد قطعا مع عدم المعنی لوقف المنقطع تدل علی ان الخصوصیة غیر دخیلة فی العین الموقوفة و أن الملحوظ فیها انما هی طبیعی المالیة فی ضمن ای شخص کان فما دام یمکن الانتفاع بعینها فبها و الاّ فیبدّل بعین أخری عن جنسها أو من غیر جنسها فینتفع بها مثلا لو وقف عبدا أو حمارا أو شیئا آخر مما لا دوام فیه علی صلاح المسجد حتی یرث اللّه الأرض و من علیها فلا بد و أن یکون نظر الواقف إلی طبیعی المال و الاّ فلا معنی لتعقیب کلامه بهذه العبارة لعدم کونها قابلة للبقاء فإذا سقطت عن الانتفاع بها یبدل بشیء آخر فینتفع به و هکذا لتبقی إلی

ص:180

الأبد الاّ ان یعرضه بشیء و یهلکه فحینئذ ینتفی الموضوع و هکذا الأمر فی العین التی تصلح للبقاء و لکن عرض لها ما یسقطها عن الانتفاع بها کالدار الموقوفة فی قریة فإنه إذا غار أهلها سقطت هذه الدار عن الانتفاع بها فحینئذ یجوز بیعها و تبدیلها بشیء آخر فلا یصرف ثمنها الی الموجودین لینقطع الوقف و ان کانت لعرصة هذه الدار بقاء لما عرفت أن غرض الواقف انما هو البقاء الی أن یرث اللّه الأرض و من فیها و الإتلاف مناف لغرض الواقف و من هنا اندفع ما توهم من أن الأوقاف التی لا بقاء لها فإنما تصیر ملکا طلقا للبطون اللاحقة فیجوز لهم أن یفعلوا فیها ما یشائون علی أن لازم ذلک أن یجوز بیعها بمجرّد موت الطبقة السابقة و ان لم یعرض للوقف ما یسقطه عن الانتفاع به و هو خلاف البداهة.

و یؤید ما ذکرناه أن الأوقاف و لو کانت من قبیل الربط و الخانات لا بقاء لها إلی الأبد فمع ذلک أی معنی لاقتران صیغة الوقف فیها بأنها وقف الی ان یرث اللّه الأرض و من فیها أی ینفی ما سوی اللّه کما ذکرت هذه الجملة فی وقف علی(علیه السلام)فی الروایة المتقدمة الحاکیة عن ذلک فیعلم من ذلک ان المراد هو ما ذکرناه،نعم مع کون العین الموقوفة هی الأرض فتکون العرصة الخالیة من کل شیء قابلة للبقاء.

و من هنا اندفع ما فی المتن من انه إذا کان الوقف مما لا یبقی بحسب استعداده العادی إلی آخر البطون فلا وجه لمراعاتهم بتبدیله بما یبقی لهم فینتهی ملکه الی من أدرک آخر أزمنة بقائه و لعله الی ذلک أشار بالأمر بالتأمل.

و یضاف الی جمیع ما ذکرناه العمومات الدالة علی صحة المعاملات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ فإنها تقتضی صحة بیع

ص:181

الوقف إذا سقط عن الانتفاع بها فان المانع عنها انما کانت هی الأدلة الدالة علی عدم جواز بیع الوقف فإذا سقطت هی عن المانعیة فتکون هی محکمة و مقتضیة لجواز البیع کما لا یخفی.

و بالجملة أن أدلة عدم جواز بیع الوقف فیما إذا کانت العین الموقوفة باقیة علی حالها و أمکن الانتفاع بها فی الجهة التی وقفها الواقف لأجلها و إذا سقطت عن الانتفاع بها لم تکن مشمولة لها.

و بعبارة أخری أن ما دلّ علی المنع عن بیع الوقف لیس وارد علی نحو التعبد،بل إمضاء لما أنشأه الواقف من جعله ساکنا و غیر متحرک بالبیع و الهبة و جعله مهرا للزوجة و غیرها من التصرفات کما یقتضیه مفهوم الوقف أیضا و إذا سقطت العین الموقوفة عن الانتفاع بها ارتفع المنع عن بیعها و خرجت العین عن الوقفیة من هذه الجهة و جاز بیعها کما لا یخفی.

ثم انه یقع الإشکال فی أنه بعد ما جاز بیع الوقف مع عروض ما یخرجه عن الانتفاع بها و بدل بشیء آخر فکیف یصیر ذلک وقفا کمبدله مع عدم تعلق الإنشاء من الواقف علیه.

و علی تقدیر تعلق الإنشاء به فلا فائدة فیه فإنه لا یملک بالبدل حین وقف المبدل فما لا یملکه لا یجوز وقفه لانه لا وقف إلاّ فی ملک و بعد تبدیله بالثمن فلیس ملکا للواقف و علی تقدیر رجوعه الی ملکه لا یکون وقفا إلاّ بإنشاء جدید فهو منفی،بل مقتضی القاعدة حینئذ أی مع الرجوع الی ملکه اما کونه ملکا للواقف علی تقدیر حیاته و للورثة مع موته و هذا هو الذی یقتضی کون البدل وقفا للبطون جیلا بعد جیل لا ما ذکره المصنف من کون الملکیة للموجودین فعلیة و للمعدومین شاتیة فإن الملکیة الشأنیة للمعدومین موجودة فی أموال جمیع الناس بالنسبة إلی الورثة فلیس منحصرا بالمقام،بل ملکیة

ص:182

المعدومین انما هو بإنشاء الواقف لا أن المعدومین یتلقون الملکیة من الموجودین بموتهم کما یوهمه ظاهر عبارة المصنف و ان لم یکن مرادا له فان مراده هو ما ذکرناه.

و الذی ینبغی ان یقال ان الإنشاء و ان تعلق بالعین الشخصیة الموجودة فی الخارج و لکن لا خصوصیة للخصوصیة الخارجیة فی العین الموقوفة و انما هی هذه العین الخارجیة مع لحاظ المالیة العاریة عن الخصوصیة الشخصیة فهذه المالیة فی هذه العین الموقوفة الخارجیة ما دامت موجودة و بعدها تکون باقیة فی العین الآخر مع التبدیل و اذن فالمالیة المحفوظة مع الإمکان متعلق الوقف فلا فرق فی کونها وقفا بإنشاء الواقف و هذا و الخدشة فیه فی مقام الثبوت.

و اما فی مقام الإثبات فالقرینة علی ذلک کون الوقف مؤبدا الی ان یرث اللّه الأرض و من فیها و عدم إمکان إبقاء العین إلی الأبد فیعلم من ذلک أن الوقف انما تعلق بشیء له أمد حسب طول الزمان بقدر الإمکان غایة الأمر ما دامت العین الموقوفة بشخصها باقیة فخصوصیاتها أیضا متعلق الوقف حین الإنشاء و لذا لا یجوز تبدیلها قبل عروض المجوّز اذن فالبدل وقف بإنشاء نفس الواقف لا بإنشاء آخر علی أنه لو کان ملکا للبطن الموجود لا تنقل حق کل منهم بمجرد موته الی وارثه مع أنه لیس کک.

ثم انه یقع الکلام فی جهات:-
الاولی:هل البدل ملک للواقف أو للموجودین أو حکمه حکم الأصل فی

کونه وقفا

فالظاهر أنه وقف کأصله فلیس ملکا للواقف و لا للموقوف علیهم إذ لا مقتضی له،بل ملک للموقوف علیهم ملکیة قاصرة لا ملکیة مطلقة و بدل علی ذلک نفس جواز بیع الأصل مع عروض المجوّز فإنه لو کان ذلک ملکا للموقوف علیهم

ص:183

لم یکن وجه لجواز البیع و لا للزومه،بل یکون ملکا لهم بمجرد عروض المجوّز فیعلم من ذلک ان الموقوفة أمر قابل للبقاء فما دام یمکن بقائها فی العین الخارجیة فبها و إذا توجّه الی الزوال فیباع فیبدل بشخص آخر کما عرفت مفصّلا و لو کان ذلک ملکا للموقوف علیهم الموجودین لکان حق کل منتقلا الی وارثه بموت واحد منهم و لیس کک.

و الذی یوضح ذلک و کون البدل وقفا أنه لو أتلفه أحد فهل یتوهم أحد أن ما ضمنه یکون للموقوف علیهم بل لا شبهة فی کونه وقفا کالأصل و یجعل مقامه و تثبت لهم الملکیة لها ملکیة قاصرة بمعنی لیس لهم أن یفعلوا فی البدل،ما شائوا من الهبة و البذل و جعله مهرا للزوجة إلاّ جواز البیع و من هذا القبیل المثلان الذان ذکرهما المصنف.

الأول:ان دیة العبد المقتول مشترک بین البطون فثمنه أولی بذلک حیث انه بدل شرعی یکون الحکم به متأخرا عن تلف الوقف فجاز عقلا مع سرایة حق البطون اللاحقة إلیه بخلاف الثمن فإنه یملکه من یملکه بنفس خروج الوقف عن ملکهم علی وجه المعاوضة الحقیقیة فلا یعقل اختصاص العوض بمن لم یختص بالمعوض.

الثانی:أن بدل الرهن الذی حکموا بکونه رهنا لأن حق الرهنیة متعلق بالعین من حیث أنه ملک لمالکه الأول فجاز أن یرتفع لا الی بدل ارتفاع ملکیة المالک الأول بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم فإنه لیس قائما بالعین من حیث انه ملک البطن الموجود،بل اختصاص موقت نظیر اختصاص البطن الموجود منشئ بإنشائه مقارن له بحسب الجعل متأخر عنه فی الوجود.

و بالجملة تعلق غرض الواقف بدوام الوقف و کونه مؤبدا و جواز بیعه إذا

ص:184

عرضه ما یسقطه عن الانتفاع به و کون بدله وقفا فی موارد الإتلاف و الغصب کما أن بدل الرهن رهن جمیعها یدل علی کون البدل قائما مقام المبدل بعد البیع کما هو واضح.

نعم،بعد ما کان حکم المبدل جاریا علی البدل فهل یحتاج إلی صیغة الوقف أم لا یحتاج،فالظاهر أن هذا الاحتمال احتمال لغو و ذلک لأن البدل ان کان بمجرد الشراء و البیع وقفا فلا یحتاج إلی الصیغة ثانیا لأنه تحصیل الحاصل و ان لم یکن وقفا بان کان یرجع الی ملک الواقف فما الذی أوجب کونه وقفا،بل یبقی فی ملک الواقف مع وجوده و ینتقل الی ملک الوارث مع موته و کک إذا کان ملکا للموقوف علیهم.

و بالجملة لو قلنا باحتیاجه إلی الصیغة فلا بد و ان یکون ملکا لشخص فی الزمان الفاصل بین البیع و إجراء الصیغة و أی ملزم لإجراء الصیغة و الوقف ثانیا:مع کونه ملکا لأحد،بل له أن لا یوقفه ثانیا.

و ینبغی ان یقال أن البدل وقف من دون احتیاجه إلی الصیغة أما کونه وقفا فکما عرفت و اما عدم احتیاجه إلی الصیغة فلما عرفت أیضا من أنه مع الاحتیاج إلیها یلزم ان لا یکون وقفا و لو بالمقدار الفاصل بین البیع،و الوقف و بعده فما الملزم للمالک لان یوقف ذلک ثانیا إذا أراد ان لا یوقف مع انا نقول بالوقفیة مطلق علی ان البیع تبدیل شیء بشیء فی جهة الإضافة فما یکون وقفا ملک للموقوف علیهم فی غیر موارد التحریر فإذا بدل بشیء آخر یکون البدل أیضا قائما مقام المبدل و ملکا للموقوف علیهم نظیر بیع الزکاة فإن بدلها یقوم مقام المبدل فیکون زکاة و هکذا فی جمیع الموارد کما لا یخفی.

(و فی حاشیة الایروانی صفحة 175 ما یرجع الی ذلک).

ص:185

الجهة الثانیة:فهل یترتب حکم المبدل علی البدل

بمعنی انه کما کانت مالکیة الموقوف علیهم بالنسبة إلی الوقف قاصرة،فکک مالکیتهم علی البدل،أو لیس کک الظاهر أن حکم المبدل ترتب علی البدل من جمیع الجهات،فلا یجوز إعدامه و لا هبته و لا جعله مهرا للزوجة و لا أکله،لو کان مثل الشاة و نحوها إلاّ فی جواز البیع مطلقا فإن الأصل لا یجوز بیعه الاّ مع عروض المجوّز و هذا بخلاف البدل فإنه یجوز بیعه و ان لم یعرضه المجوّز و الوجه فی ذلک هو أن إنشاء الواقف تعلق بالمبدل مع لحاظ مالیته بحیث جعل العین الشخصیة الخارجیة وقفا باعتبار مالیته لیکون الموقف قابلا للبقاء فما دام شخص الخارجی موجود لا یجوز بیعه الاّ مع عروض المسوّغ و إذا انتقل الی البدل فلا یفرق فی البدلیة بین هذا و ذاک و لذا لو رأی المتولی مصلحة فی البیع فیجوز له بیعه أی البدل ثم تبدیله بفرد آخر و أن لم یعرضه المسوّغ بخلاف الأصل فإن بدل لما یجوز بیعه فلو لم یجز بیع البدل لزم کون الفرع زائدا علی الأصل و من هنا جاز بیعه بدنانیر الیوم مع انه لا ینتفع بها إلاّ بإعدام الموضوع لکونه قرطاسا فلا معنی فی کون القرطاس وقفا.

نعم،لو کانت الدنانیر من الذهب فجاز وقفها لزینة النساء لاحتیاجهم إلیها فی عرسهم فمن لیس له ذلک فتتزین بها أیاما ثم یردها الی محلها و هکذا یأخذها الأخر.

فلو لم یجز بیع البدل،قبل عروض المجوّز لم یجز بیعه من الأول بالدنانیر الفعلیة.

و بالجملة کما ان الموقوف علیهم مالکون علی الوقف ملکیّة قاصرة فکک مالکیتهم علی البدل قاصرة فکما أن الأصل جاز بیعه فکک الفرع و الاّ لزاد

ص:186

الفرع علی الأصل الاّ أن فی البدل خصوصیة لا یحتاج الی عروض المجوّز و هی ما ذکرناه.

و دعوی کون البدل أیضا وقفا مع الخصوصیات الخارجیة الشخصیة دعوی جزافیة لاحتیاجه إلی الإنشاء الأخر من الواقف فهو منفی و الإنشاء الواحد لا یتکفل بکون الأصل و الفرع بخصوصیتهما وقفا کما لا یخفی.

و دعوی أن کون البدل بالخصوصیات الشخصیة وقفا لا یقتضی تعدد الإنشاء و الاّ لزم تعدده فی المبدل أیضا دعوی جزافیة فإن الواقف إنشاء کون العین الخارجی وقفا بجمیع شئونها إلاّ إذا عرضه المسوّغ فیجوز بیعه فإذا بیع ینتقل الحکم الی البدل من جهة المالیة و یترتب علیه جمیع أحکام المبدل فی حالة جواز البیع فحیث کانت الملکیة علیه قاصرة فکک الملکیة علی البدل بمعنی انه لا یجوز التصرفات المالکیة فیها الاّ البیع کما عرفت.

و ذکرنا الی هنا أن الوقف إذا عرضه ما یسقطه عن الانتفاع به فیجوز بیعه و أن الأدلة المانعة أیضا لما إنشائه الواقف من حبس العین و تسبیل الثمرة فلا تشمل صورة تعذر الانتفاع لعدم کون تلک الأدلة تعبدیة کما عرفت أن حکم البدل حکم الأصل من جمیع الجهات فکما أن ملک الموقوف علیهم علی المبدل ملکیة قاصرة فکک ملکهم علی البدل بمقتضی الإنشاء و الأدلة المانعة و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،فکما یجوز بیع المبدل و کک یجوز بیع البدل فإنه بدل لما یجوز بیعه فلو لم یجز بیعه فکان الفرع زائدا عن الأصل.

الجهة الثالثة:فهل یجب شراء المماثل للوقف بقدر الإمکان أم لا

بل اللازم مراعاة الأصلح فالاصلح علی حال الموقوف علیهم و ان کان غیر مماثل فإنه ذکر أن للعین الموقوفة ثلاثة حالات العین بخصوصیاتها الشخصیة و العین بخصوصیاتها النوعیة و العین بمالها من المالیة فإذا انتفت

ص:187

العین بخصوصیاتها الشخصیة فتبقی فیها الحالتان الآخرتان،و اذن فیجب شراء المماثل للوقف الحاوی للخصوصیات النوعیة و الجهة المالیة و ذکروا ذلک فی باب الضمان أیضا فحکموا بالضمان بالمثل کما حققناه مفصلا.

و فیه أنه ممنوع صغری و کبری کما ذکره المصنف،اما الوجه فی منع الصغری هو أن غرض الواقف یختلف فی ذلک فان غرضه لیس دائما متعلقا ببقاء العین و مع انتفائها ببقاء ما هو أقرب الی العین لیحکم بوجوب شراء المثل بقدر الإمکان.

إذ قد یتعلق غرضه بالانتفاع من منافعه من غیر ملاحظة خصوصیة العین سواء کانت دارا أو دکانا أو غیرهما فحینئذ لا بدّ من مراعاة ما هو الأصلح لحال الموقوف علیهم فإن الموقوفة و ان کانت دارا مثلا،و لکن منافع الدکان من حیث الأجرة و عدم احتیاجه الی التعمیر کثیرا کما احتاجت الدار إلیه أکثر فیجوز بیع الدار و شراء الدکان بدلها و هکذا و قد یکون غرض الواقف بقاء عین الموقوفة بقدر الإمکان کما إذا کان کتابا مخطوطا بخط جده أو بخط واحد من الأکابر فأراد الواقف بقائه تحت ید الذریة فوقفه علیهم فان النظر انما تعلق بحفظ هذه العین الموقوفة فإذا تعذر حفظها و جاز تبدیلها ببدل فیجوز أیضا التبدیل بأی شیء کان فان ما تعلق به غرض الواقف قد فات بفوات العین و لا یفرق فی غرضه تبدیلها بأی شیء کان.

و قد یکون غرضه متعلقا بالانتفاع بثمرته کما لو وقف بستانا لینتفعوا بثمرته فیبیع فدار الأمر بین أن یشتری بثمنه بستانا فی موضع لا یصل إلیهم إلاّ قیمة الثمرة و بین أن یشتری ملک آخر یصل إلیهم أجرة منفعته فإن الأول و ان کان مماثلا الاّ أنّه لیس أقرب الی غرض الواقف و قد یکون غرضه متعلقا بالانتفاع بمنفعة خاصة کالسکنی فحینئذ یلزم التبدیل بما یکون قابلا لذلک.

ص:188

و بالجملة أنه لا انضباط فی غرض الواقف لیکون متعلقا ببقاء العین بجهاتها الثلاثة و مع انتفاء الخصوصیات الشخصیة تلاحظ فیها الجهة النوعیة و المالکیة،بل الوقف ما دام موجودا بشخصه لا یلاحظ فیه الاّ مدلول کلام الواقف للأدلة الخاصة و لدلیل وجوب الوفاء بالعقد.

و توهم ان الشرط الضمنی یقتضی شراء الممثال فاسد فإنه لیس هنا شرط ضمنی أولا و علی تقدیر وجوده فلا یکون مخالفته الاّ غیر مشروع أو موجبا للخیار و أما فساد البیع بغیر المماثل فلا وجه له و إذا بیع و انتقل الثمن الی الموقوف علیهم لم یلاحظ فیه الاّ مصلحتهم.

و أما الوجه فی منع الکبری فلانه لا دلیل علی مراعاة المماثلة أصلا و انما اللازم ملاحظة مدلول کلام الواقف فی إنشاء الوقف لیجری الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها فحیث عرفت أن ملاحظة کلامه من العبارة المقترنة علیه أعنی الی أن یرث اللّه الأرض و من فیها تقتضی أن تکون العین الموقوفة إلی الأبد فإذا کانت قابلة للبقاء فلا کلام لنا فیه کالعرضة الخالیة من العمارة و الأشجار و نحوها و الاّ فلا بدّ من التبدیل الی ما یکون باقیا و لو بالتبدیل علی مرات و لا یستفاد من ذلک أزید من وجوب تبدیل العین الی البدل إذا عرضها الخراب و اما کونه مماثلا للعین فلا یستفاد من ذلک و لا علیه دلیل آخر یدل علی اعتبار التماثل کما لا یخفی.

و لا یقاس ذلک بباب الضمان فان مقتضی دلیل الضمان فیه هو الضمان بالعین و ردها بجمیع خصوصیاتها الشخصیة و النوعیة و المالیة فحیث أنه لا یمکن ردها بخصوصیاتها الشخصیة لامتناع اعادة المعدوم و علی تقدیر إمکان الإعادة فهو لیس بقادر علی اعادة الخصوصیات الشخصیة فقهر اتصل النوبة إلی الضمان بالمثل و مع عدم إمکانه أیضا فالی الضمان بالقیمة ففی

ص:189

باب الضمان فالعین تکون مضمونة أولا و مع الانتفاء فالمثل و مع الانعدام فالقیمة و هذا بخلاف المقام فان الدلیل هنا أعنی ملاحظة إنشاء الواقف لا یقتضی أزید من إبقاء الوقف بجمیع خصوصیاتها الشخصیة ما دامت العین باقیة فإذا انتفت العین یکون بدله وقفا بعد البیع و الشراء فیجلس البدل مکان المبدل بما هو طبیعی البدل لا البدل المماثل کما لا یخفی.

نعم لو اشترط الواقف عند إنشاء الوقف مراعاة الممثالة فی التبدیل و أخذ البدل یجب مراعاته بمقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم و الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها أو یقفها أهلها و هذا أمر آخر لا یرتبط بالتبدیل بدون الاشتراط.

الجهة الرابعة:فی أنه إذا احتاج الی التبدیل فهل یتصدی به

الحاکم الشرعی أو الموقوف علیهم

أو الناظر أو یحتاط بالجمع بین الحاکم و الناظر کلیهما کما صنعه شیخنا الأستاد أو یتصدی الموقوف علیه مع نصب الحاکم القیم علی البطون المتأخرة وجوه.

و الذی ینبغی أن یقال انه یجب مراعاة نظر الواقف بأنه بأیّ کیفیة أنشأ الوقف فان کان نظره کون الوقف للموقوف علیهم و مالکیتهم علیه من دون أن یکون لهم السلطنة علی الوقف،بل السلطنة من جمیع الجهات بید الناظر للوقف و متولیه فحینئذ لیس للموقوف علیهم و لا للحاکم أن یتصدی بالبیع أصل،بل المتصدی بذلک هو الناظر فقط أما الحاکم فواضح،لأنه ولی من لا ولی له،و الناظر ولّی الوقف فیتصرف فیه علی النحو الذی جعله الواقف متولّیا للوقف لان الناس مسلطون علی أموالهم،فیتصرف فیه کیف یشاء فله أن یقفه و یجعل تولیة الوقف للغیر و لا یکون للموقوف علیهم إلاّ الملکیة فقط لئلا یقع بینهم النزاع و التشاجر لو کان أمر الوقف بیدیهم.

ص:190

و من هنا ظهر عدم کون الموقوف علیهم متصدّیا بالبیع،فان الواقف مالک علی العین فله ان یفعل فیها ما یشاء فإذا وقفها للموقوف علیهم و جعل سلطنتها تحت ید الناظر فیتبع فلا یکون للموقوف علیهم إلاّ ملکیة قاصرة من غیر أن یقدروا علی التصرف فیه غیر أنهم مالکون له فلهم منافعه،و اما السلطنة علیه فهی بید الناظر.

و بالجملة ان الموقوف علیهم و ان کانوا مالکین للعین الموقوفة الا انهم قاصرون عن التصرف فیها لعدم سلطنتهم علیها من قبل الواقف بل سلطنته تحت ید الناظر فقط بجعل الواقف کما هو واضح.

و ان لم یکن هنا ناظر و لم یجعل الواقف أمر السلطنة للناظر و للحاکم بل وقف العین للموقوف علیهم غیر تعرّض لهذه الجهات بوجه فحینئذ یکون أمر الوقف بید الموقوف علیهم و تکون سلطنته لهم لان الملک لهم و الناس مسلطون علی أموالهم،فلیس للحاکم و لا لغیره التصرف فیها بوجه،بل یکون تصرفات غیر الموقوف علیهم تصرفا محرّما فإنه لا دلیل علی ولایة الحاکم علی ذلک کما تقدّم اللّهم الاّ أن یقال ان الحاکم ولی من قبل المعدومین فإنهم أیضا مالکون للوقف و لکن قاصرین عن التصرف فیه فیکونون کبقیة القاصرین و من الواضح أن الحاکم الشرعی ولّی القهر.

و فیه أولا أنه لا کلیة لذلک بأن یکون البطن الثانی قاصرا عن الوقف لکونه مع المعدومین لجواز وجودهم و وجود البطن الثالث،نعم یصح هذه الدعوی فی غیر الموجودین،فلا وجه لدعوی کون الحاکم ولیّا لغیر البطن الموجود لقصورهم علی الوقف للعدم.

و ثانیا ان المعدومین لیسوا مالکین للوقف و لا أن لهم حقا فیه بالفعل لیکون الحاکم ولیّا لهم فی حفظ حقهم غایة الأمر أن الواقف جعل لهم فی

ص:191

إنشاء الوقف حقا تعلیقیا بمعنی إذا ماتت الطبقة الأولی فتنتقل الموقوفة إلی الطبقة الثانیة لا إلی الورثة و علیه فلا موضوع لولایة الحاکم لهم أصلا.

ثم ذکر المصنف فی ضمن هذا الفرع فرعا آخر و هو أنه بناء علی کون نظارة الوقف للحاکم أو للناظر أو للموقوف علیهم فی البیع و نحوه فهل للناظر علی الأصل نظارة للبدل أیضا فیصدی هو ببیعه و شرائه أم لا؟ و الظاهر أن هذا أیضا تابع لقصد الواقف و جعله کما ذکرناه فی رجوع أمر الأصل إلی الحاکم أو الی الناظر أو الی الموقوف علیهم فمع الإطلاق فیکون للموقوف علیهم لان الناس مسلطون علی أموالهم.

قوله:ثم انه لو لم یمکن شراء بدله و لم یکن الثمن مما ینتفع به.

أقول:فذکر المصنف هنا فروعا الأول أنه إذا لم یمکن شراء البدل للمبدل و لم یکن الثمن مما ینتفع به مع بقاء عینه لکونه من النقدین،فقد عرفت أن النقدین لا یجوز وقفهما لعدم إمکان الانتفاع بهما إلاّ بالأعدام إلاّ إذا کانا من الذهب و الفضة و قصد بهما التزیّن فإنه یجوز وقفهما لذلک و أما فی غیر هذه الصورة خصوصا النقود الفعلیة القرطاسیة فلا یجوز وقفها و علیه فلا یجوز دفعها الی البطن الموجود لما عرفت من کون البدل کالمبدل مشترکا بین جمیع البطون فحینئذ توضع عند أمین حتی یتمکن من شراء ما ینتفع به و لو وجد فی ظرف التفحّص من یبیع الدار مثلا ببیع خیاری یفی ثمن الوقف بشرائه کما إذا کانت هناک دار تساوی ألف دینار فیبیعها المالک بالبیع الخیاری بخمسة مائة دینار و کان ثمن الوقف أیضا خمسة مائة دینار فیجوز ذلک فان فسخ البیع بعده فیرد الثمن مع انتفاع الطبقة الموجود فی البین و ان لم یفسخ فیکون بدل الوقف أقوی و انفع من الوقف فینتفع به الموجودین و المعدومون.

ص:192

ثم قال و لو طلب ذلک البطن الموجود فلا یبعد وجوب اجابته و لا یعطل الثمن حتی یؤخذ ما یشتری به من غیر خیار.

أقول:

و فی کلامه قدس سره جهات من البحث:-
الاولی:أنه هل یجوز بیع الوقف بالدرهم و الدینار

خصوصا إذا کانت مما لا ینتفع به الاّ بإعدام موضوعه(قال المحقق الایروانی ان البدل لا بدّ و ان یکون عینا صالحة لأن توقف من جهة اشتمالها علی المنفعة فلو کان مما لا منفعة فیه کالدراهم لو فرضنا ذلک فیها لم یجز جعله بدلا).

و الوجه فی ذلک هو ان الواقف جعل ماله وقفا علی الموقوف علیهم مؤبدا بحیث یحبس أصله و یسبل ثمره و ما لا نفع فیه الاّ بإعدامه فلا یکون قابلا للبدلیة،نعم لو قصد به التزیّن فلا بأس من جعله بدلا و لکنه أمر نادر الوجود.

و یرد علیه أمران:الأول)أن الوقف و ان کان مؤبدا و لکن یجوز تبدیلها بالنقود و ان لم ینتفع بها إلاّ بإعدام موضوعها و ذلک من جهة ان غرض الواقف انما هو بقاء الأصل و تحبیسه و تسبیل الثمرة و من المعلوم أن هذا لا یکون الاّ بالبیع،فان کثیرا من الأعیان الموقوفة لیست قابلة للبقاء فلا بدّ من التبدیل و تبدیل عین الوقف بعین أخری لا یوجد الاّ قلیلا فإنه قلما یوجد من یرغب ان یبدل الدار مثلا بالدکان فانتظار ذلک ربما ینجر الی خراب الوقف و فنائه،فلا بدّ حینئذ من بیعه بالنقدین لکونه هو الکثیر فإذا بیع بها فیشتری بها ما یکون صالحا للبقاء.

و علیه فالنقود لیست بموقوفة بل فی طریقة الوقف و صراطه بحیث یسار الی الوقف و جعله مؤبدا بالنقود و الاّ فلا یمکن تبدیله عادة فإن المعاوضة و المبایعة لا یکون عادة إلاّ بالنقود.

ص:193

الثانی:أن الوقف علی قسمین:الأول)أن یکون وقفا بشخصه لتعلق إنشاء الواقف به بالخصوص بحیث یکون وقفا بخصوصیاته الشخصیة فلا یجوز التصرف فیه بوجه،حتی الموقوف علیهم لکون مالکیتهم علیها قاصرة إلاّ إذا عرضه ما یجوّز بیعه فیجوز بیعه فلیس لهم الاّ الانتفاع بها.

و الثانی)ما یکون وقفا لکونه متعلقا لإنشاء الواقف بحسب مالیته بمعنی انه حیث کان غرض الواقف دوام الوقف و أنه لم یکن حبسا لیکون مؤجلا و لم تکن العین الشخصیة قابلة للدوام فهمنا من ذلک أن غرضه بقاء المالیة بعد ما سقط هذه العین بالخصوص عن الدوام.

و علیه فالبدل بعد التبدیل وقف لأجل کونه بدلا عن الوقف و لذا قلنا بعدم احتیاجه فی کونه وقفا إلی الصیغة کما تقدم،و من الواضح أنه بدل للمبدل فی الحالة التی یجوز بیعه فی هذه الحالة فالبدل أیضا یجوز بیعه مطلقا و علیه فلا مانع من بیعه بالثمن أی النقود و کونها وقفا بالتبدیل لکونها قائما مقام الوقف فیکون وقفا ثم تبدیله ببدل آخر و هکذا کما أنه لو بدل الوقف من الأول بالعین الصالحة للانتفاع یجوز تبدیلها بعین أخری أیضا لما عرفت أن البدل لیس کالأصل حتی لا یجوز بیعه،بل هو جائز البیع مطلقا من الأول بل کان قوام البدلیة بالبیع و الاّ یلزم مزیة الفرع علی الأصل لأن الفرض أنه بدل لما یجوز بیعه فالبدلیة فی حالة جواز البیع.

لا یقال انه و ان کان یجوز بیع البدل مطلقا و لکنه لا بدّ و ان یکون فی سلسلة الابدال کل واحد من الابدال جائز الانتفاع به و الاّ فیکون الوقف لغوا إذ لا معنی لکون شیء وقفا مع أنه عدیم النفع.

فإنه یقال یکفی فی خروج کون النقود وقفا عن اللغویة کونا بدلا عن الأصل مقدارا من الزمان یمکن تحصیل بدل آخر یکون قابلا للانتفاع به مع

ص:194

بقاء عینه لما عرفت من ندرة تبدیل العین الموقوفة بعین أخری تکون قابلة للانتفاع بها.

و بالجملة لا مانع من الالتزام بکون النقود وقفا فی سلسلة الابدال نعم لا تکون وقفا من الأول کما عرفت.

فتحصل أنه لا مانع من بیع الوقف بالنقود ثم اشتراء عین أخری لینتفع بها الموقوف علیهم.

الجهة الثانیة:فی شراء العین الصالحة للانتفاع بها بهذا الثمن

بالبیع الخیاری

و یقع الکلام هنا فی أمرین:- الأول:فی جواز شراء البدل بالبیع الخیاری و عدمه.

الثانی:فی اعتبار إذنهم فی ذلک و عدمه و انه هل یجب البیع مع مطالبتهم ذلک أم لا.

أما الأول:فربما قیل بعدم جواز ذلک

لأن الوقف یجب أن یکون مؤبدا و البیع الخیاری فی معرض الفسخ فلا یکون وقفا.

و فیه أنه قد ظهر جوابه مما تقدم من ان وقفیة البدل لیس علی نسق وقفیة المبدل لئلا یصلح للبدلیة ما لا یکون قابلا للدوام،بل یجوز تبدیل الوقف بکل شیء حتی الخبز الذی نفعه بإعدامه و بالفواکه غایة الأمر یبدل ذلک أیضا بشیء آخر و هکذا فیکون بهذه التبدلات المالیة محفوظة التی تعلق غرض الواقف بکونها باقیة و ینتفع بثمرها.

و علی هذا فلا مانع من اشتراء دار أو دکان بهذا الثمن بالبیع الخیاری فإن فسخ البائع فقد حصل النفع للموقوف علیهم الذی کان غرض الواقف هو ذلک،بل معنی الوقف کان هو ذلک لما عرفت من أنه تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة و الثمن أیضا باق علی حاله فیشتری به شیء آخر لینتفع به الموجودون

ص:195

و المعدومون،و ان لم یفسخ فقد صار بدل الوقف أحسن منه لکونه یساوی بخمسة دنانیر و ما اشتری بثمنه یساوی عشرین دینارا.

أما الأمر الثانی:فالظاهر أنه یجب الشراء

سواء طالب البطن الموجود الشراء أم لا،و لا وجه لتقیید وجوب الشراء بصورة المطالبة کما فی المتن و ذلک لأن الانتفاع بالوقف و ان کان حقا للبطن الموجود و لکن لیس لهم إسقاط ذلک و لو بالرضا بعدم الشراء لیقف الوقف عن الانتفاع به مدة.

و ذلک لأن کون الوقف بحیث ینتفع به مع بقاء عینه مما جعله الواقف کک فلا بدّ بحسب إنشاء الواقف و إمضاء الشارع له أن یجعل الوقف هکذا فما دام العین موجودة فهو و بعد تبدیلها بالعین الأخری فلا بد و ان یجعل بدله هکذا و ان لم ینتفع البطن الموجود بنفعه أو رضی ببقائه بلا نفع فان رضایته بذلک و عدم رضایته أو انتفائه و عدمه بان لم یأخذ نفعه أصلا لیس میزانا فی المطلب و لا یوجب تغییر إنشاء الواقف.

الجهة الثالثة:فی جعل الثمن عند أمین مع عدم التمکن من شراء

البدل فهل یجب ذلک أم لا،

بل یجوز دفعه الی الموقوف علیهم فقد عرفت أنه ذکر المصنف أنه حیث کان الوقف حقا للبطون الموجودة و البطون المعدومة و کونهم شرکاء فی ذلک فان وجد ما ینتفع به البطن الموجود یجب شرائه و لو بالبیع الخیاری ینتفع به الموجودین مع بقاء مال الوقف لنفع البطن المعدوم و الاّ فلا یجوز دفع الثمن الی البطن الموجود،فإنه کالمال المشترک فهل یجوز دفع المال المشترک الی بعض الشرکاء.

اذن فیجب وضعه عند أمین الی ان یوجد ما یمکن ان یکون بدلا للوقف فیشتری به لینتفع به البطن الموجود و البطن المعدوم.

و فیه انک عرفت فی بحث الأمس أن المعدومین لیس لهم حق فی الوقف

ص:196

أصلا فضلا عن کونهم شریکا فیه و انما العین الموقوفة ملک للموقوف علیهم.

نعم،فالواقف بحسب إنشائه جعله للبطون المعدومة علی تقدیر موت البطون الموجودة و بقاء العین الموقوفة فلیس لهم الا حق تقدیری و تعلیقی و علیه فیجب دفع الثمن الی البطون الموجودة لکونهم مالکین له و الناس مسلطون علی أموالهم.

نعم،لو کان الثمن فی معرض الخطر مع الدفع إلیهم،بل یجعل عند أمین و لکنه لیس مختصا بثمن الوقف،بل الأمر کک فی أصل الوقف أیضا،بل فی کل من کان الوقف فی یده و لو کان ناظرا و خیف منه لکونه غیر مبال فی الدین و أکل أموال الناس و الموقوفات فإنه حینئذ یجب استنقاذ الوقف منه و وضعه عند أمین.

قوله:نعم لو رضی الموجود بالاتجار به و کانت المصلحة فی التجارة جاز

مع المصلحة الی ان یوجد البدل.

أقول:لا شبهة فی جواز الاتجار بثمن العین الموقوفة ما لم یوجد البدل مع رضائه الموقوف علیهم و اما بدونها فلا،لأن الناس مسلطون علی أموالهم و انما الکلام فی أنه هل یکون ربحه کمنافع العین الموقوفة للبطن الموجود أو أنه کالعین فی اشتراک البطون فیه وجهان،الظاهر هو الثانی فإن الثمن کالمبیع و ربحه بمنزلة جزء المبیع لا بمنزلة منفعته فلا یختص به البطن الموجود فهذا نظیر إعطاء الوقف الذی یساوی بعشرة دنانیر و أخذ شیء أخر بدله الذی یساوی بخمسین دینارا فان ما یحاذی بخمسین قائم مقام ما یحاذی بعشرة فیکون کله وقفا کالمبدل و لیس ذلک مثل الإیجار فإن الأجرة من منافع العین الموقوفة فتکون ملکا طلقا للموقوف علیهم.

قوله:و لو کان صرف ثمنه فی باقیة بحیث یوجب زیادة منفعة جاز.

ص:197

أقول:من جملة ما ذکره المصنف من الفروع أنه إذا خرب مقدار من الوقف و بقی المقدار الأخر کالنصف فبیع النصف الخراب فهل یجوز صرف ثمنه فی النصف الأخر لیوجب زیادة النفع أم لا؟فاختار المصنف جواز ذلک.

و حاصل کلامه:أنه إذا خرب نصف الوقف مثلا و بقی النصف الأخر بحیث یمکن الانتفاع بهذا النصف علی النحو السابق،و لکن إذا صرف ثمن نصف الخراب فی النصف الباقی یزید الانتفاع بذلک النصف الباقی کنحو السرداب و ازیاد القبة للدار فهل یجوز صرفه فیه أم لا؟الظاهر هو الجواز،فان الواقف بحسب إنشائه جعل هذه الأرض وقفا بحیث ینتفع بها مع بقاء عینها و استفدنا أیضا من القرائن المحفوفة بکلامه کونه دائمیا الی أن یرث اللّه الأرض و من فیها و علیه فلا یفرق فی حال الواقف و لا فی حال الموقوف علیهم تبدیل ثمن النصف الخراب بشیء یکون له نفع فی کل شهر مثلا عشرة دنانیر أو صرفه فی النصف الباقی لتکون إجارته بخمسین دینارا و الحال أن الأجرة کانت قبل التعمیر أربعین أو أقل غایة الأمر مع رضائه الموقوف علیهم لما عرفت من کون الثمن ملکا لهم فلا یجوز التصرف فی مال غیره الاّ برضایته و ما قلنا بکونه دائمیا بالقرائن فهو محقق هنا أیضا لأنا لو اشترینا بالثمن شیئا یکون عینا موجودا و إذا صرفناه فی التعمیر فیکون أیضا عینا موجودا غایة الأمر یکون فی الأول بعنوان الاستقلال و فی الثانی بعنوان الجزئیة فهو لا یفرق فی المطلب فإنه علی کلا الفرضین أیضا یجوز تبدیله بشیء آخر لیکون قابلا للبقاء.

نعم،لا یجوز صرف الثمن فی التعمیرات التی لیست لها عینیة کالتزیینات و نحوها بحیث لا یمکن تبدیلها مع الاندراس،و اما مثل الأجر و الأخشاب و الحدید فلا مانع منه،فإنه یمکن تبدیلها بعد الاندراس أیضا.

ص:198

و من هنا یعلم انه یجوز صرفه فی الوقف الأخر هکذا الذی کان وقفا لهؤلاء الموقوف علیهم لعدم الفرق فی ذلک لحصول غرض الواقف بحسب إنشائه و غرض الموقوف علیهم کما إذا وقف الواقف دارا و دکانا فخرب نصف الدار فبیع فیجوز صرف ثمنه فی النصف الباقی للدار و فی الدکان بحیث فی أی منهما صرف یزداد نفعا.

قوله:و لو خرب بعض الوقف و خرج عن الانتفاع و بقی بعضه محتاجا إلی

عمارة لا یمکن بدونها انتفاع البطون اللاحقة.

أقول:ذکر المصنف هنا فرعا و رتب علیه فرعا آخر،فحاصل ما ذکره أنه لو خرب نصف الدار الموقوفة و بقی الأخر بحیث یمکن الانتفاع به فعلا و لکن لا یمکن الانتفاع به بعد عشرین سنة و لکن ینقرض البطن الأول إلی تلک المدة و ینتقل الوقف الی البطن الثانی فهل یجب صرف ثمن نصف الخراب فی النصف الباقی و تعمیره حتی یستمر الی ان یمکن للبطن الثانی الانتفاع به أم لا الظاهر انه لا یجب إلا إذا شرط الواقف تعمیر الموقوفة من منافع الوقف فیکون الزائد للموقوف علیهم،بل لا یجوز بدون رضائه الموقوف علیهم لما عرفت من کونه ملکا لهم فلهم تبدیله بشیء آخر لینتفعوا به فعلا،و أما حفظ الوقف للبطون اللاحقة لینتفعوا به هؤلاء أیضا فلیس بواجب فان نسبة البطن الأول إلی البطن الثانی کنسبة الجوار و الأجانب إلی البطن الثانی فهل یتوهم أحد أنه یجب تعمیر الأوقاف التی کانت فی معرض التلف فلیس کک فالموقوفة فعلا ملک للبطن الأول فلهم الانتفاع به و لیس للبطن الثانی حق فیها الا الحق التقدیری بحسب إنشاء الواقف کما عرفت،فبأی دلیل یجب أن یصرف البطن الأول أموالهم فی حفظ أموال المعدومین مع أن حقیقة الوقف التی تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة موجودة فعلا،نعم لو کان

ص:199

الوقف غیر منتفع به بالفعل فیجب التعمیر و الصرف لتحقق غرض الواقف و لکن لیس الأمر کک،نعم یجب صرفه فی التعمیرات الجزئیة التی یترتب علی عدمها خراب الوقف کما إذا سقط میزاب الدار أو حصل ثقب فی سقفه فإنه لو لم یعتمر ذلک لا نجز بنزول المطر الی خراب الوقف و انهدامه و عدم إمکان انتفاع البطن الموجود أیضا فمثل هذه الأمور التی لا یحتاج إلی مؤنة زائدة بل إلی عشرة فلس مثلا یجب،بل یمکن ان یقال أنه علی هذا شرط الواقف فی ضمن العقد فإنه لو لم یجب تعمیر مثل هذه الأمور من منافع الوقف الانهدام فی مدة قلیلة و خرب و هذه خلاف کونه أبدیا.

و بعبارة أخری تارة یکون الخراب مستندا إلی الأمور الجزئیة کما تقدم فلا شبهة فی وجوب التعمیر و صرف مقدار من المنافع فیه و أخری یکون مستندا الی الکون و الفساد إذ من البدیهی أن الموجودات الخارجیة لا تبقی بحسب طبعها أزید من المقدار المتعارف فإنها بالأخرة تکون فانیة حسب طول المدة و مرور الزمان فهذا لا دلیل علی وجوب التعمیر حتی یستمر مدة البقاء حتی یصل الی البطون اللاحقة.

ثم رتب المصنف علی هذا الفرع أنه لو احتاج إصلاح الوقف بحیث لا یخرج عن قابلیة انتفاع البطون اللاحقة إلی صرف منفعة الحاضرة التی یستحقها البطن الموجود فهل یجب صرفها فیه أم لا؟فظهر حکمه من الفرع المتقدم و علم أنه لا یجب حفظ المال المعدومین للموجودین بصرف مالهم فی حفظه و الاّ لوجب لجمیع الناس حفظ الأوقاف للبطون اللاحقة بل حفظ المال للوارث إذ لا خصوصیة للوقف بعد کون منفعته للحاضرین ملکا طلقا الاّ أن یشترط الواقف إخراج مؤنة الوقف عن منفعة قبل قسمة الموقوف علیهم.

ص:200

ثم ذکر المصنف أن هنا فروعا یستخرجها الماهر.

فنذکر فرعین مهمین منها:-

الأول:أنه لو کان الوقف فی موضع لا یتمکن الانتفاع للموقوف علیهم و ان أمکن

لغیره

کما إذا کان معرض الاستملاک للحکومة فدار الأمر بین ذهابه بان یستملکه الغاصب جورا استملاکا مجانیا أو یباع بثمن فیشتری شیء آخر بدله لینتفع به الموقوف علیهم فلا شبهة فی جواز بیع الوقف،بل وجوبه و اشتراء شیء آخر بدله إذ عرفت سابقا أنه لا خصوصیة للخراب،بل یسوّغ بیعه إذا عرضه ما یسقطه عن الانتفاع به و أیضا عرفت أن مقتضی الإنشاء للواقف هو أبدیة الوقف فلو لم یبع لا یکون دائمیا و هذا إذا وقعت الدار الموقوفة فی شارع الحکومیة فذهب نصفها فی الشارع أو لم یذهب أصلا و لکن کان بناء الحکومة أخذها فی أطراف الشارع کلها اما بالثمن لو رضی المالک أو مجانا جبرا له ان لم یرض فإنه ح لو لم یبیع الوقف سیملکه الحکومة مجانا فیجب بیعه لئلا یذهب الوقف.

و بالجملة فیجوز بیع الوقف فی کل مورد بقیت العین الموقوفة علی حالها و لکن لا یمکن للموقوف علیهم الانتفاع بها و ان انتفع غیرهم فإنه ح یجوز بیعها.

الثانی:انه لو علم بزوال الوقف بعد مدة لا یمکن الانتفاع به للموقوف

علیهم حتی البطن الأول

کما إذا أوسع شارع فوقعت الدار الموقوفة فی وسط الشارع بحیث لا تبقی منها شیء و لیس لها تابوء و قبالة رسمیة حتی یؤخذ ثمنه و لکن لا یلتفت الی ذلک أحد فوجد مشتر لها فهل یجوز بیعه أم لا الظاهر انه یجوز،بل یجب لما عرفت من عدم الخصوصیة للخراب،بل المناط سقوط العین الموقوفة عن الانتفاع بها مع ما عرفت أن القرینة تقتضی دوام الوقف فلو لم یبع لا یکون للوقف دوام فیجب البیع و تبدیله بشیء آخر لیدوم

ص:201

الوقف و تحفظ حقیقة الوقف علی ما إنشائها الواقف بحسب إنشائه و هنا فروع آخر فیتضح حالها بالتأمل.

قوله:الصورة الثانیة ان یخرب بحیث یسقط عن الانتفاع المعتد به.

أقول:قد عرفت ان المصنف ذکر هنا صورا،الأول ما تقدم الکلام فیه و هو ما کان الوقف خرابا بحیث خرج عن الانتفاع به حتی بالدقة العقلیة کالشاة المذبوح و الحصیر البالی و الجدوع العتقة فإنها لا ینتفع بها ببقائها بوجه بل نفعها بإعدامها و الاّ فاللحم الباقی ینتن فلا یکون قابلا للانتفاع به و هکذا الأمور الأخر و قد عرفت جواز البیع فی هذه الصورة و عدم شمول الأدلة المانعة عن بیع الوقف علی ذلک،بل یباع و یبدل بشیء آخر لیکون قابلا للانتفاع إلی الأبد فإن حقیقة الوقف بذلک و یکون العین حبسا و الثمرة تسبیلا کما هو واضح.

ثم ذکر الصورة الثانیة و هی أن یخرب الوقف بحیث یسقط عن الانتفاع معتد به بحیث یصدق عرفا أنه لا منفعة فیه،و ان کان له نفع بحسب الدقة العقلیة ثم فصل فی هذا القسم بین ما یکون الوقف بحیث لا یقال بهذا النفع لقتله فیکون هذا مما یجوز بیعه لانصراف الأدلة المانعة عن بیع الوقف عن ذلک و بین لا یکون کک،بل یقال فی العرف ان لهذا العین منفعة و لکن قلیلة بالنسبة إلی العین قبل تلک الحالة فهذا لا یجوز بیعه لعدم الوجه عن صرف الأدلة عن ذلک.

ثم ذکر صورة ثالثة و هی ان یخرب الوقف بحیث یقل نفعه لا أنه ینتفی نفعه بالکلیة کما فی الصورة الاولی،و لا أنه قلت بمرتبة لیلحق بالمعدوم کما فی الصورة الثانیة،بل تقل منفعته بالنسبة إلی المنفعة قبل عروض تلک الحالة أقول:لم یتحصل لنا شیء مما ذکره المصنف فی الصورة الثانیة،و ذلک

ص:202

لأنه ان کان مراده من الصورة ما کان الوقف ساقطا عن المنفعة العرفیة لأجل الخراب بحیث لم تبق للعین فی نظر العرف منفعة أصلا،بل صارت عدیم النفع و ان کان لها نفع بحسب الدقة العقلیة کما إذا وقف الواقف سریرا و سقط عن السریریة بحیث لا ینتفع به عرفا بعنوان السریریة و لکن یمکن الانتفاع به بوضعه علی وراء الباب لیمنع عن السارق أو یذاب حدیدة و ینتفع فی مورد آخر أو یجعل شباکا علی السطوح و نحوها و لکن لا یعد شیء منها من منافع السریر و کک لو وقف حمارا لینتفع به فی الحمل و الرکوب و لکن سقط عن الانتفاع به لأجل السیارات و مع ذلک یمکن الانتفاع به بان یسدّ فی مجری الباب لیمنع عن السارق فلا یقال أن هذا منفعة الحمار و غرض الواقف من حبس العین و تسبیل الثمرة شامل لذلک و حینئذ فیکون الفرق بین هذه الصورة و الصورة الاولی هو أن فی الصورة الأولی فقد سقطت العین عن الانتفاع بها بالکلیة بخلاف هذه الصورة فإن للعین منفعة بحسب الدقة العقلیة فإن کان مراده من الصورة الثانیة هو ذلک فلا وجه للاستدراک ثانیا فی هذه الصورة بقوله،نعم لو کان قلیلا فی الغایة بحیث یلحق بالمعدوم و أمکن الحکم بالجواز لانصراف قوله(علیه السلام):لا یجوز شراء الوقف الی غیر هذه الحالة.

فإنه لا وجه للاستدراک بعد ما کان الغرض من الصورة الثانیة هو ذلک و ان کان مراد من هذه الصورة سقوط العین الموقوفة عن الانتفاع بها لا مطلقا بحیث تعد فی نظر العرف مسلوبة المنافع،بل تقل منفعته کما إذا کانت دار موقوفة و کانت تستأجر فی کل سنة بمائة دینار الاّ أنه عرض لها الخراب فتستأجر بخمسین دینارا و مع ذلک فلا ینکر أحد أن الدار مما لا منفعة فیها،نعم قد قلت منفعته و حینئذ فالفرق بین هذه الصورة و الصورة

ص:203

الاولی من الوضوح بمکان و ان کان مراده ذلک من الصورة الثانیة فلا وجه لذکر الصورة الثالثة فإنها عین ذلک.

و بعبارة أخری لا وجه لجعل الصورة الثانیة صورتین لأنها اما عین الصورة الثالثة أو غیرها فیکون قسما فی مقابلها،بل یراد من الصورة الثانیة هو الشق الأول أعنی ما ذکره المصنف بعنوان الاستدراک فیکون مقابلا للصورة الاولی و الثالثة و لا شبهة فی جواز بیعه أیضا فلا یعد هذه المنفعة اللاحقة بالمعدوم من المنافع للوقف فی نظر العرف و لا تشمله الأدلة المانعة عن بیع الوقف خصوصا قوله(علیه السلام)و لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملک فتکون عمومات صحة البیع محکمة و قد عرفت فی الصورة الأولی أیضا أن أدلة المنع منصرفة عن عین الموقوفة إذا صارت عدیم النفع،بل لا یشمل ذلک مفهوم الوقف أیضا فإنه إنما یشمل ما تکون العین ذا منفعة لیصدق علیها حبس العین و تسبیل المنفعة کما هو واضح.

ثم ان المصنف قد ذکر هنا أمرین
أحدهما ما تقدمت الإشارة إلیها سابقا

من قول صاحب الجواهر ببطلان الوقف مع جواز بیعه،

و قال إنه قد عرفت انه لا وجه لبطلان الوقف،ثم ذکر صاحب الجواهر أن وجه بطلان الوقف فی الصورة الأولی بفوات شرط الوقف المراعی فی الابتداء و الاستدامة و هو کون العین مما ینتفع بها مع بقاء عینها ثم أشکل علی هذا أیضا من انه عرفت سابقا أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحیحا لا وجه له فی الوقف المؤبد مع انه لا دلیل علیه مضافا الی أنه لا دلیل علی اشتراط الشرط المذکور فی الاستدامة فإن الشرط فی العقود الناقلة یکفی وجودها حین النقل،فإنه قد یخرج المبیع عن المالیة و لا یخرج بذلک عن ملک المشتری مع أن جواز بیعه لا یوجب الحکم بالبطلان،بل یوجب خروج الوقف عن اللزوم الی الجواز.

ص:204

أقول:کان المناسب أن ینقل المصنف هذا الکلام لصاحب الجواهر فی الصورة الأولی کما نقله کله فی أصل بطلان الوقف بجواز البیع فیها و کذلک کان المناسب ان ینقل کلامه الاتی أعنی الأمر الثانی فی الصورة الاولی و کیف کان فکلام صاحب الجواهر متین و لا وجه لما أورده المصنف علیه،أما قوله ببطلان الوقف بجواز البیع فلما تقدم من انه هو الحق غایة الأمر أن المراد بالبطلان هو البطلان من جهة البیع فقط،و أما الجهات الأخر من الهبة و إعدام الوقف و التصرف فیه بما ینافی الوقف فلا وجه للبطلان.

نعم،لو کان مراد صاحب الجواهر هو البطلان من جمیع الجهات، بحیث یعود الوقف الی ملک الواقف و ینقل إلی الورثة لو مات الواقف فلا وجه له إذ لا مقتضی و لا دلیل علی ذلک فان الواقف بعد ما جعل ماله وقفا و حسبا أبدیا کما استفدنا ذلک من القرائن الموجودة فی عبارة الواقف فبأی دلیل یعود الوقف الی ملک الواقف أو وارثه.

و لکن تقدم أن هذا لیس مما یحتاج الی النظر فضلا عن إمعان النظر و انما المحتاج الی ذلک هو ما ذکرناه أی البطلان من جهة البیع فقط،بل هذا مقوم لدوام الوقف و بقائه إلی الأبد و الاّ فیکون الوقف منعدما فی مدة قلیلة بحسب مقتضی الکون و الفساد کما هو کک فی جمیع الأوقاف،و ان کانت العرصة باقیة فی وقف الدار و نحوها کثیرا.

و اما ما ذکره(ره)من إنکار کون الوقف مشروطا ببقائه علی کونه قابلا للانتفاع به أیضا لیس بصحیح فإن عمدة ما ذکره من الأجوبة هو ما منعه من کون الشرط شرطا فی الاستدامة قیاسا له بالبیع إذا خرج المبیع عن المالیة و أنه لا وجه لبطلان الوقف و انقلابه الی الفاسد بعد انعقاده صحیحا.

و الوجه فی ذلک هو أنک عرفت أن حقیقة الوقف عبارة عن حبس الأصل

ص:205

و تسبیل الثمرة و علیه فاللازم انتهاء أمد الحبس بانتهاء الثمرة إذا الحبس لأجل التوصل إلی غایة لا یعقل بقائه بعد عدم إمکان التوصل إلی الغایة و الاّ لم یکن الباقی حبسا لتسبیل الثمرة فوقفیة الوقف یقتضی کونه مما ینتفع به دائما فما دام شخصه موجودا ینتفع بشخصه فیکون شخصه ملکا للموقوف علیهم فإذا سقط شخصه عن النفع فیباع و یشتری شیء آخر فیکون ملکا للطبقة الاولی من الموقوف علیهم،ثم للطبقة الثانیة منهم،فهذا لا یمکن الا بالبیع بعد سقوطه عن الانتفاع به و لا یعقل کونه وقفا من دون أن یکون فیه نفع کما لا یعقل کونه وقفا ما لا نفع فیه حدوثا،بل لو کان الوقف تملیکا کما هو کذلک،لکان تملیکا للعین توصلا الی ملک المنفعة و لا یعقل بقاء هذا المعنی مع عدم المنفعة رأسا و مثله لا یحتاج الی دلیل تعبدی لیقال بأنه لا دلیل علیه و لیس من قبیل انقلاب شیء عما هو علیه،بل من انتهاء أمد الصحیح و لا أنه من الوقف المنقطع لیقال بأنه خلف،بل یلزم علیه أن یکون جمیع الأوقاف منقطعا لانقطاع أمدها بسقوطها عن الانتفاع بها بحسب اقتضاء الکون و الفساد.

و بالجملة ان الکلام فی الوقف المؤبد و لا شبهة أن بطلان الوقف فی مرتبة و من جهة لا یمنع عن بقاء الوقف فی العین بما هو مال و لزوم حفظ مالیته فی ضمن البدل یستمر الوقف باستمراره،بل لو زال الوقف بالکلیة بحسب الکون و الفساد و أیضا لا یکون من الوقف المنقطع إذ لا توقیت فی ذلک بوجه و الاّ فیکون حسبا و خارجا عن حقیقة الوقف.

و أما قیاس المقام بالبیع من جهة أن الانتفاع بالمبیع و کونه مالا لا نعتبر فی صحة البیع الاّ حدوثا و کک فی المقام فمن عجائب المصنف إذ عرفت مما ذکرناه أن حقیقة الوقف عبارة عن حبس الأصل و تسبیل الثمرة فبانتفاء

ص:206

الانتفاع تنتفی الوقفیة فکما لا معنی لوقف عدیم الانتفاع حدوثا و یعتبر کون الوقف ذا نفع ابتداء و کک یعتبر کونه ذا نفع بقاء.

و بالجملة الوقفیة تدور مدار کون العین الموقوفة ذا نفع حدوثا و بقاء و بانتفاء نفعها تنتفی الوقفیة و لا یبقی لها موضوع فإنه لا یعقل بقاء الشیء بعد انتفاء حقیقته.

و هذا بخلاف البیع فإنه لو اعتبر المالیة فی صحته انما تعتبر حدوثا و أما بقاء فلا یعتبر کونه مالا،بل ما دام مالا فیکون من أمواله فإذا زالت المالیة عنه بانتفاء منافعه فیکون من أملاکه،و مع زوال ملکیة أیضا فیکون متعلق حقه فلیس کون المبیع للبائع بقاء متقوما بالمالیة فلا یقاس بالوقف الذی قوامه بإمکان الانتفاع من العین الموقوفة کما هو واضح.

و من هنا ظهر بطلان ما أفاده من الوجوه الأخر أیضا و أنه لا مانع من الالتزام بجواز البیع و لا تشمله أدلة المنع خصوصا قوله(علیه السلام):و لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک.

الأمر الثانی:أنه نقل المصنف عن صاحب الجواهر أنه قد یقال بالبطلان

أیضا بانعدام عنوان الوقف

فیما إذا وقف بستانا مثلا فلا حظ فی عنوان وقفه البستانیة فخربت حتی خرجت عن قابلیة ذلک،فإنه و ان لم تبطل منفعتها أصلا لإمکان الانتفاع بها دارا مثلا،لکن لیس من عنوان و احتمال بقاء العرصة علی الوقف باعتبار أنها جزء من الوقف و هی باقیة و خراب غیرها و ان اقتضی بطلانه لا یقتضی بطلانه أیضا یدفعه أن العرصة کانت جزء من الموقوف من حیث کونه بستانا لا مطلقا فهی حینئذ جزء عنوان الوقف الذی فرض خرابه و لو فرض ارادة وقفها لیکون بستانا أو غیره لم یکن إشکال فی بقائها لعدم ذهاب عنوان الوقف،و ربما یؤید ذلک فی الجملة ما ذکروه فی باب الوصیة من

ص:207

أنه لو أوصی بدار فانهدمت قبل موت الموصی بطلت الوصیة لانتفاء موضوعها نعم لو لم یکن الداریة و البستانیة و نحو ذلک مثلا عنوانا للوقف و ان قارنت وقفه،بل کان المراد به الانتفاع به فی کل وقت علی حسبما یقلبه لم یبطل الوقف بتغییر أحواله.

ثم ذکر فی عود الوقف بعد البطلان الی ملک الواقف أو وارثه علی تقدیر موته أو الموقوف علیه وجهین.

و أشکل علیه المصنف أولا بالإجماع علی أن انعدام العنوان لا یوجب بطلان الوقف،بل و لا جواز البیع،و ان اختلفوا فیه عند الخراب أو خوفه لکنه غیر تغییر العنوان.

و ثانیا:أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان لأنه ان أرید بالعنوان ما جعل مفعولا فی قوله وقفت هذا البستان،فلا شک أنه لیس الاّ کقوله بعت هذا البستان أو وهبته،فان التملیک المعلق بعنوان لا یقتضی دوران ملک مدار العنوان فالبستان إذا صار ملکا فقد ملک منه کلّ جزء خارجی و ان لم یکن فی ضمن عنوان البستان و لیس التملیک من قبیل الأحکام الجعلیة المتعلقة بالعنوانات،و ان أرید بالعنوان شیء آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف و العلم و لا بدّ من بیان المراد منه هل یراد ما اشترط لفظا أو قصدا فی الموضوع زیادة علی عنوانه.

و أما تأیید ما ذکر بالوصیة فالمناسب أن یقاس ما نحن فیه بالوصیة بالبستان بعد تمامها و خروج البستان عن ملک الموصی بموته و قبول الموصی له فهل یرضی أحد بالتزام بطلان الوصیة بصیرورة البستان عرصة،و انما البستان ملکه الموصی له بجمیع خصوصیاته من العرصة و الأشجار و غیرهما من الاجزاء و کک الوقف لا یبطل بصیرورته عرصة و زوال عنوانه،نعم الوصیة قبل

ص:208

تمامها یقع الکلام فی بقائها و بطلانها من جهات أخر غیر مربوط بما نحن فیه.

ثم ما ذکره من الوجهین مما لا یعرف له وجه بعد اطباق کل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملک الواقف علی عدم عوده إلیه أبدا،هذا ما ذکره المصنف فی جواب صاحب الجواهر و هو متین.

و لشیخنا الأستاذ تفصیل فی المقام و قال ثم ان ما ذکرناه من عدم جواز بیع العین الموقوفة إذا لم یلحق قلة الانتفاع بها بالعدم،انما هو إذا بقیت الصورة النوعیة للعین الموقوفة و أما إذا تبدلت بصورة أخری فیجوز بیعها و ان لم تلحق بالعدم و لا یبعد أن یکون کلام الشیخ ناظرا الی هذا المعنی فإن النخلة الموقوفة إذا قلعت تعد عرفا مباینة للنخلة لأنها عبارة عن الشجرة لا المادة المشترکة بینها و بین الجذع و الخشب و بطلان الصورة النوعیة عبارة أخری عن خراب الوقف و سیجیء إنشاء اللّه تعالی فی باب الخیار،أن مناط مالیة الأموال،انما هو بالصورة النوعیة لا المادة المشترکة ثم المدار فی الصورة النوعیة العرفیة العقلیة فإذا تبدلت الصورة النوعیة التی تعلق الوقف بها یبطل الوقف و یبقی ذات الجسم فیباع،و لا یقاس انهدام الدار علی زوال صورة الشجرة فإن الدار مرکبة من البناء و الأرض و انهدام البناء لا یوجب بطلان الوقف رأسا لبقاء العرصة.

و بالجملة حیث ان قوام الوقف بأمرین بقاء العین الموقوفة و کونها ذات منفعة لأنه عبارة عن حبس العین و تسبیل الثمرة فکما یجوز بیعها إذا لم تکن لها منفعة أصلا فکک یجوز بیعها إذا لم تبق صورتها العینیة التی هی أحد رکنی الوقف.

أقول:ما ذکره المصنف وارد علی شیخنا الأستاد أیضا،و توضیح ذلک

ص:209

أن العناوین و الصور النوعیة عرفیة کانت أو عقلیة و ان کانت موجبة لشیئیة الأشیاء فی نظر العرف و العقل،الاّ أنها لا تقابل بالمال بوجه و انما هی دخیلة فی زیادة المالیة للمادة و لذا لا یجوز بیع الصور بدون المادة لعدم الانفکاک و قد مرّ فی بعض المباحث فی المکاسب المحرمة و سیأتی فی باب الخیارات إنشاء اللّه،أو الأوصاف التی لها دخل فی زیادة المالیة و تعد فی نظر العرف من الصورة النوعیة إذا وقعت علیها المعاملة و ظهرت خلافها فتکون المعاملة فاسدة فان وقع علیها المعاملة یعد فی نظر العرف مغایرا لما ظهر و ان کانا من جنس واحد کما إذا وقعت المعاوضة علی الفراس المنسوج بنسج و ظهر المبیع الفراش المنسوج بنسج آخر یغایر فی نظر العرف أو باع عبدا فظهر أمة أو باع کأسا و ظهر قدرا أو باع سکینا و ظهر مسمارا أو باع ساعة و ظهر قطعة حدید،أو باع صندوقا و ظهر طبلا فان فی جمیع ذلک یبطل البیع لان ما وقع علی البیع غیر مقصود و ما هو مقصود لم یقع علیه البیع و أن کانا فی الحقیقة من جنس واحد الاّ أن العرف یراهما شیئین متباینین فان الرجولة و الأنوثة و ان کانتا من جنس واحد الاّ أن العرف یراهما متباینین کما هو واضح.

و لیست المعاملة فیها واقعة علی نفس تلک الأوصاف إذ لا یعقل الانفکاک بین المادة و الصورة،بل المعاملة واقعة علی المادة و الصورة موجبة لمالیتها بحیث لو ذهبت هذه الصورة عن تلک المادة أی الجسم لا المادة الهیولانی المحفوظة فی جمیع الأشیاء و تبدلت بصورة أخری مغایرة للأولی لم تبطل البیع فان نفس المادة قد وقعت متعلقة للبیع و تعنون الأشیاء بتلک الصورة لا توجب وقوع المعاملة علی نفس العناوین فإنها إعراض لا تقبل الانفکاک

ص:210

و لا یکون کونها عناوین للأشیاء موجبا لکونها محطا لجمیع الأحکام تکلیفیة أو وضعیة بحیث تکون مملوکة و قابلة للتملیک کما هو واضح،و بالجملة الصور النوعیة العرفیة واسطة لوقوع المعاملة علی المواد لکونها سببا لمالیتها لا أن نفسها من الأموال.

إذا عرفت ذلک فالحکم فی الوقف أیضا کک فإنه إذا وقف عبدا أو کأسا أو دارا أو دکانا فالظاهر من ذلک أن نفس تلک الأشیاء بموادها موقوفة و ان کانت مالیتها بصورها النوعیة العرفیة و لا تدور الوقفیة مدار نفس الصور و العناوین لعدم انفکاکها عن المواد و لا یمکن وقوع المعاملة علیها بنفسها من الهبة و الصلح و البیع کما هو واضح،و علیه فأزالت الصورة النوعیة لم تزال الوقفیة بل تکون المادة التی معنونة بعنوان أیضا وقفا و ان لم ینتفع عنها نفعا کالانتفاع منها مع الصورة الزائلة.

نعم،تزول الوقفیة بزوال الصورة و المادة کلیتهما إذ لیس المراد من المادة هی الهیولی لتکون محفوظة فی ضمن شیء من الأشیاء و ان کان فی ضمن التراب،بل المراد منها هنا هی المادة العرفیة أعنی الجسم الذی کان معنونا بعنوان و لا شبهة أنه ینتفی کانتفاء صورته.

و علی هذا فإذا وقف شیئا و کان مفعول قوله عنوان ذلک الشیء بأن قال وقفت البستان الفلانی أو الدار الفلانیة أو النخلة الفلانیة فلا شبهة أن الوقف هی ذات هذه العناوین المعنونة بها و انما تلک العناوین معرّفات إلیها و مقومات لمالیتها و لیس لنفس تلک العناوین بحسب نفسها مالیه تکون وقفا منفکة عن المادة بحیث تدور الوقفیّة مدار نفس العنوان فإذا زالت زاله الوقف و إذا ذهب عنوان البستان و عنوان الدار و عنوان النخلة کانت عرصة البستان و عرصة الدار و النخلة المقلوعة غیر وقف،بل باقیا فی ملک الواقف،

ص:211

بل العنوان فی المرکبات الاعتباریة لا ینتزع الا من أمور متعددة فینحل إلی أمور عدیدة کعنوان الدار فان الدار لیست إلاّ مرکبة من العرصة و القبب و الجدران و هکذا البستان فمعنی وقف الدار لیس الاّ وقف الأرض و تلک القبب و معنی وقف البستان لیس الاّ وقف الأشجار و العرصة فلا یعقل لوقف العنوان فقط معنی محصّل.

و بالجملة لا نعقل معنی محصّلا لوقف العنوان المجرد بل وقف العنوان عین وقف ذی العنوان فکما أن فی المرکبات الحقیقة لا تنفک الصورة النوعیة عن المادة لکونها متحدة فی الخارج حقیقة و کک فی المرکبات الاعتباریة کالدار و البستان فان العنوان فی ذلک کله أیضا لیس موضوعا للحکم بمعنی کونه وقفا خالیا عن المواد.

و بعبارة أخری إذا وقف الواقف نخلة لأشخاص فنسئل أنه هل بقی فی ملک الواقف منها شیء أم لا فإن بقی ذات النخلة فی ملک الواقف لتکون له بعد قلعها فلا معنی لکون النخلة للموقوف علیهم کما هو المفروض و ان لم یبقی فی ملک الواقف شیء فبعد زوال عنوان النخلیة و صیرورتها خشبة فلما ذا صار ملکا للواقف.

الکلام فی الصورة الثالثة

قوله الصورة الثالثة أن تخرب بحیث یقل منفعته لکن لا الی حد

یلحق بالمعدوم.

أقول:لو خرجت العین الموقوفة عن الانتفاع بها علی الوجه الأول بأن قلت منفعتها کما إذا کانت الدار تستأجر بمائة و انما تستأجر فعلا بخمسین اما لخراب فیها أو لنقص نفعها فهل یجوز بیعها فذهب جمع الی المنع

ص:212

کالمصنف و غیره و فی محکی الخلاف الجواز البیع محتجا بأنه لا یمکن الانتفاع بها الاّ علی هذا الوجه کما فی مسألة النخلة المنقلعة.

و الظاهر أنه لا یجوز من جهة أنه یجوز الانتفاع من النخلة المقلوعة فی التسقیف و نحوه و لا نتصور وجها لجواز بیع الوقف هنا بوجه بعد ما کانت حقیقة الوقفیة محفوظة أعنی حبس العین و تسبیل الثمرة فإن النفع موجود فی ذلک و تشملها الأدلة المانعة عن بیع الوقف فإنه لا مانع من شمول قوله (علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف و قوله(علیه السلام)(1)الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها علی ذلک.

و بالجملة أن مقتضی حقیقة الوقف و مفهومه إبقائه علی حاله إذا أمکن الانتفاع به و زوال بعض المانع لا یستلزم جمیعها فان مثل النخلة المقلوعة یجوز الانتفاع بها بالتسقیف و نحوه،و علیه فتشمله الأدلة المانعة عن بیع الوقف.

الکلام فی الصورة الرابعة

قوله:الصورة الرابعة أن یکون بیع الوقف انفع و أعود للموقوف علیه.

أقول:و المشهور،بل المجمع علیه فی هذه الصورة عدم جواز البیع بل لم ینسب الخلاف الاّ الی المفید و العلامة لم یرض بهذه النسبة أیضا فأول کلامه و معنی کون البیع انفع کون ثمن الوقف أزید نفعا من المنفعة الحاصلة تدریجا و کیف کان فلا إشکال فی المنع لوجود مقتضی للمنع و هو وجوب العمل علی طبق إنشاء الواقف لقوله(علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک.

ص:213

و قوله(علیه السلام)الوقف علی حسب ما یقفها أهلها نعم

و قد استدل علی الجواز

بروایتین:-

الأول:روایة جعفر بن حیان

(1)

و فی المتن حنان قال سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن رجل وقف غلة له علی قرابته من أبیه و قرابته من أمه،و أوصی لرجل و لعقبه من تلک الغلة لیس بینه و بینه قرابة ثلاثمائة درهم فی کل سنة و یقسم الباقی علی قرابته من أبیه و قرابته من أمه،فقال جائز للذی أوصی له بذلک،قلت أ رأیت ان لم تخرج من غلة تلک الأرض التی أوقفها إلاّ خمسمائة درهم،فقال أ لیس فی وصیته أن یعطی الذی أوصی له من الغلة ثلاثمائة درهم و یقسم الباقی علی قرابته من أبیه و قرابته من أمه،قلت نعم،قال لیس لقرابته أن یأخذوا من الغلة شیئا حتی یوفی الموصی له ثلاثمائة درهم ثم لهم ما یبقی بعد ذلک،قلت أ رأیت ان مات الذی اوصی له قال ان مات کانت ثلاثمائة درهم لورثته یتوارثونها بینهم فأما إذا انقطع ورثة لم یبقی منهم أحد کانت ثلاثمائة درهم لقرابة المیت یرد ما یخرج من الوقف ثم یقسم بینهم یتوارثون ذلک ما بقوا و بقیت الغلة،قلت فللورثة قرابة المیت أن یبیعوا الأرض إذا احتاجوا لم یکفهم ما یخرج من الغلة،قال نعم إذا رضوا کلهم و کان البیع خیرا لهم باعوا،فان ظاهر الذیل هو جواز بیع الوقف إذا کان البیع انفع فتکون شاهدة لجواز البیع فی الصورة الرابعة.

و فیه أنه

لا یجوز الاستدلال بهذه الروایة علی جواز البیع من وجوه:
الأول:أن الروایة ضعیفة السند

إذ لم یثبت فی الرجال مدح لجعفر بن حیان و لا وثاقته،فغایة الأمر إمامی و أما ما فی المتن من ذکر الحنان بدل الحیان فلم یذکر فی الرجال أصلا فالروایة لا یمکن الاستدلال بها علی الجواز.

ص:214


1- 1) وسائل:ج 13 ص 306
الثانی:أنها مضطربة متنا

لاشتمالها علی الجمع بین الوقف و الوصیة و من الواضح أنه مع الوقف لا تجوز الوصیة علی الوقف لکونه ملکا للموقوف علیهم فلیس له التصرف فیه و تملیکه أو تملکه لکون ذلک کلّه علی خلاف مقتضی إنشاء الوقف من حبس العین و تسییل الثمرة الاّ أن تحمل الوصیة علی الاشتراط فی متن العقد بان وقف و أوصی فی متن الوقف أن تکون ثلاثمائة درهم من غلته لرجل و لعقبه لیس بینه و بینه قرابة ثلاثمائة درهم فیکون الإیصاء علی مقتضی الشرط فی الوقف الاّ أنه خلاف الظاهر من الروایة،بل الظاهر منها اجتماع الوقف و الوصیة فیکون ذلک موهنا لها.

الثالث:أنها تدل علی أنه لیس لقرابة الواقف أن یأخذوا حقهم

إذا خرجت من الأرض خمسمائة درهم حتی یوفی الموصی له ثلاثمائة درهم،ثم لهم ما یبقی بعد ذلک مع أنه علی خلاف القواعد أیضا،فإنه لماذا لیس لهم أخذ حقهم الاّ بعد إخراج حق الموصی له،بل یجوز إخراج حقه و تقسیم الباقی لأقرباء الموصی،أی الموقوف علیهم،فان کون ثلاثمائة درهم من الغلة للرجل الأجنبی بعنوان الاشتراط و تملیک له من ملکه فلا یتوقف علی اطلاع الموقوف علیهم و حضورهم لأنه لیس بعنوان المشاع حتی یتوقف علی حضورهم،نعم لو کان بعنوان الوصیة لکان مشاعا.

الرابع:أنها لا تدل علی المدعی

فإنها تدل علی جواز بیع الوقف بشروط ثلاثة:الأول:عدم کفایة غلة الوقف علی الموقوف علیهم أو احتیاجهم الی البیع.

و الثانی:رضائه الموقوف علیهم علی البیع.

و الثالث:کون البیع انفع و أعود لهم و بانتفاء أحد هذه الوجوه الثلاثة ینتفی جواز البیع و هذا بخلاف مفروض المقام فإنه عبارة عن البیع فی فرض

ص:215

الاحتیاج إلیه إذن فالروایة أجنبیة عن المقام کما لا یخفی،کما أشار إلیه المصنف علی أن ذلک مما لم یقل به أحد من الأصحاب فیکون هذا أیضا و هنا لروایة.

الثانی:خبر الاحتجاج

(1)

ان الحمیری کتب الی صاحب الزمان عجل اللّه تعالی فرجه جعلنی اللّه فداک انه روی عن الصادق(علیه السلام)خبر مأثور ان الوقف إذا کان علی قوم بأعیانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علی بیعه و کان ذلک أصلح لهم أن یبیعوه فهل یجوز أن یشتری من بعضهم أن لم یجتمعوا کلهم علی البیع أم لا یجوز الاّ ان یجتمعوا کلهم علی ذلک و عن الوقف الذی لا یجوز بیعه فقال(علیه السلام)إذا کان الوقف علی امام المسلمین فلا یجوز بیعه و إذا کان علی قوم من المسلمین فلیبع کل قوم ما یقدرون علی بیعه مجتمعین و متفرقین إنشاء اللّه.

فهذه الروایة تدل علی جواز بیع الوقف اما فی خصوص ما ذکره الراوی و هو کون البیع أصلح و اما مطلقا بناء علی عموم الجواب و لکنه مقید بالأصلح لمفهوم روایة جعفر،فان مفهوم قوله(علیه السلام)فیها إذا رضوا کلهم و کان البیع خیرا لهم باعوا أن البیع إذا لم یکن خیرا لهم لا یجوز.

أقول:أما روایة جعفر فقد تقدم الکلام فیها،و اما روایة الاحتجاج فقوله إذا کان علی امام المسلمین فلا یجوز بیعه،فالظاهر ان المراد منه عدم جواز البیع لغیر الامام،و الاّ فإذا کان ملکا له فلما ذا لا یجوز بیعه کما جازت له بیع سائر أملاکه و کیف کان

فلا دلالة فی الروایة علی المدعی لوجوه:
الأول:أن روایات الاحتجاج ضعیفة السند

إذ لم یذکر السند فیها فلا تکون قابلة للاستدلال بها علی المقصود.

الثانی:أن الروایة تدل علی جواز البیع مطلقا

إذا کان أصلح لهم

ص:216


1- 1) وسائل:ج 13 ص 306

سواء کان للوقف خراب أم لم یکن و من المعلوم أن بیع الوقف أصلح للموقوف علیهم فی جمیع الحالات فإنه فی صورة عدم جواز البیع الوقف فیرجع النفع إلیهم متدرجا مع توقفه علی الزحمات الکثیرة و هذا بخلاف البیع فإنه حینئذ تملکون الثمن دفعة واحدة فیفعلون به ما یشائون و أصلحیة ذلک ما لا یخفی حتی فی غیر حال الخراب مع أن هذا لم یقل به أحد و توهم تقییدها بمفهوم خبر جعفر الحیان فاسد لعدم اعتباره کما عرفت.

الثالث:أن المستفاد من الروایة جواز البیع مطلقا سواء کان أصلح لهم

أو لا یکون

فإن الأصلحیة إنما ذکرت فی کلام السائل فلا یکون موجبا للتقیید و الاّ فالجواب مطلق،فتکون معارضة لما دل علی عدم جواز بیع الوقف علی ما تقدم من قوله(علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها.

و غیر ذلک،فحیث أن تلک الروایات قیدت بما دل علی جواز بیع الوقف فی صورة الخراب کما عرفت فی الصورة الأولی فبانقلاب النسبة تکون الروایات المانعة أخص من روایة الاحتجاج بالعموم المطلق فتقید بها هذه الروایة فیحکم بعدم جواز البیع إلاّ فی صورة الخراب بحیث سقط عن الانتفاع به فلا دلالة فیها أیضا علی المدعی.

علی أن ما دل علی المنع مشهورة من حیث النقل و العمل فیجب الأخذ بها و ترک العمل بروایة الاحتجاج.

الرابع:ما ذکره المصنف من أنه لو قلنا فی هذه الصورة بالجواز کان

الثمن للبطن الأول البائع یتصرف فیه علی ما شاء

و منه یظهر وجه آخر لمخالفة الروایتین للقواعد،فان مقتضی کون العین وقفا مؤبدا علی ما تقدم کون بدله أیضا وقفا فیکون ملکا للبطون الموجودة ما دام موجودا فیکون النفع لهم فلا یجوز لهم الهبة و إعدام العین و بعد الموت یکون ملکا للبطون اللاحقة.

ص:217

و بالجملة لا یجوز العمل بهاتین الروایتین بأن یفتی بهما علی جواز بیع الوقف،بل لم یوجد قائل بالجواز الاّ ما نسب الی المفید و قد عرفت إنکار العلامة النسبة.

الکلام فی الصورة الخامسة

قوله:الصورة الخامسة أن یلحق الموقوف علیهم ضرورة شدیدة.

أقول:قد جوّز بعضهم البیع فی هذه الصورة،بل عن الانتصار و الغنیة الإجماع علیه الاّ أنه معارض بدعوی الإجماع علی عدم الجواز علی أن الإجماع المنقول لیس بحجة و ربما استدل علی ذلک بروایة جعفر المتقدمة لقوله(علیه السلام)فیها إذا احتاجوا أو لم یکفهم ما یخرج من الغلة لهم أن یبیعوا الأرض.

و فیه ما ذکره المصنف و حاصله أن ظاهر الروایة أنه یکفی فی البیع عدم کفایة غلة الأرض لمؤنة سنة الموقوف علیهم و هذا أقل مراتب الفقر الشرعی و الذی یظهر من عبائر القوم الذی یجوّزون بیع الوقف عند الضرورة و الحاجة الشدیدة لا ینطبق علی هذه الروایة فإن النسبة بین الحاجة الشدیدة و بین مطلق الفقر عموم من وجه،فإن الإنسان قد یکون فقیرا و لا تکون له حاجة شدیدة لکونه واجدا لما یکفیه فی إدارة شؤونه من مال الفقراء کالزکاة و الصدقات ورد المظالم،و قد لا یکون شخص فقیرا،بل موسرا جدا و واجدا من الأموال بما لا یعلم حسابه الاّ اللّه و مع ذلک تتفق له الحاجة الشدیدة فی بعض الأوقات کما إذا کان فی بلد لا یصل الی ماله و لو بالاستقراض و لکن عنده وقف یمکن بیعه و رفع الحاجة أو فی بلده،و لکن لیس له نقد و لا یباع متاعه و احتاجت الی النقد احتیاجا شدیدا و کان عنده وقف یشترونه

ص:218

بالنقد فیمکن أن یقضی حاجته ببیع الوقف و قد یجتمعان فلا یمکن الاستدلال علی جواز بیع الوقف للحاجة الشدیدة بروایة جعفر الحیان أنک عرفت آنها ضعیفة السند و غیر قابلة للاعتماد علیه فلا یکون مدرکا للحکم.

الکلام فی الصورة السادسة

قوله:الصورة السادسة أن یشترط الواقف بیعه عند الحاجة أو إذا کان

فیه مصلحة البطن الموجود أو جمیع البطون.

أقول:فقد اختلفت کلمات الأصحاب فی أنه یجوز بیع الوقف مع شرط الواقف فی ضمن الوقف ذلک أو لا یجوز فقول بالجواز مطلقا و قول بعدم الجواز کک و قول بالتفصیل بینما یشترط الواقف جواز بیع الوقف عند عروض المصلحة و المجوز من الخراب و نحوه من المسوغات فقیل بالجواز و بعین ما یشترط جواز البیع فی غیر هذه الصورة فقیل بعدم الجواز الاّ أنه لیس تفصیلا فی الحقیقة فضلا عن کونه موافقا للتحقیق کما اختاره الکرکی فإن هذا الشرط الذی فی فرض جواز بیع الوقف لا یترتب علیه أثر فإنه بدون هذا الشرط أیضا یجوز بیع الوقف،نعم یکون هذا الشرط تأکیدا لجواز البیع کما هو واضح،ثم علی تقدیر القول ببطلان الشرط ففی کونه مبطلا للعقد و عدمه وجهان،اذن فالأقوال ثلاثة قول بالجواز مطلقا،و قول بالبطلان مطلقا و مع القول بالبطلان قول یکون الشرط باطلا فقط و قول بکونه مبطلا للعقد أیضا.

و کیف کان فیقع الکلام فی مقامین:الأول)فی أنه یجوز اشتراط بیع الوقف لیکون بدله أیضا وقفا أولا و الثانی فی جواز اشتراط بیعه لیکون ثمنه ملکا طلقا للموقوف علیهم و عدم جوازه و علی کل تقدیر فنتکلم فی جهتین

ص:219

الاولی:فی کون هذا الشرط مخالفا لمقتضی العقد و عدمه.

الثانی:فی کونه مخالفا لمقتضی السنة و عدمه إذا لیس فی الکتاب ما یکون راجعا الی ذلک حتی نتکلم فی مخالفته للکتاب أیضا.

اما المخالفة لمقتضی العقد فالمدار فی ذلک علی أن یکون المنشأ فی العقد مضادا للشرط و مناقضا له کما لو اشترط فی البیع أو یکون بلا ثمن أو اشتراط فی الإجارة أن تکون بلا أجرة أو اشترط عدم تصرف المستأجر فی الدار المستأجرة أصلا.

و اما إذا لم یکن الشرط منافیا لمقتضی العقد و انما یکون منافیا لمقتضی الإطلاق فلا مانع عنه کما إذا اشترط فی البیع أن یکون ثمن مؤجلا أو أن یکون من نقد خاص و علیه فان کان التأبید من مقتضیات الوقف و من منشئاته فاشتراط البیع عند الحاجة مناف لمقتضی عقد الوقف بلا شبهة و أما لو کان من مقتضیات إطلاق الوقف فلا مانع عن بیعه،و أما بیعه لیکون بدله أیضا وقفا مثل أصله فربما قیل بعدم الجواز بدعوی أن مقتضی الوقف هو التأبید و الواقف انما وقف الموقوفة لیکون الوقف أبدیا کما هو مقتضی مفهوم الوقف أیضا فاشتراط بیعه یکون مناقضا لمفهومه فلا یجوز،و علیه فکما ان الشرط فاسد فکک أنه مفسد أیضا للمناقضة.

و فیه أن حقیقة الوقف کما تقدم حبس العین و تسبیل الثمرة و قد استفدنا دوامه من العبارة الموجودة فی صیغة الوقف من قول الواقف الی أن یرث اللّه الأرض و من علیها و بهذه القرینة جعلنا متعلق الوقف هی المالیة الموجودة فی هذه العین،و فی بدلها علی تقدیر انعدام العین و علیه فکما أن بیعه عند عروض المجوّز له و تبدیله بوقف آخر لا ینافی مقتضی الوقف فکک اشتراط تبدیله بوقف آخر أیضا لا ینافی بمقتضی العقد فإنه علی کل حال

ص:220

فالوقفیة محفوظة فی صورتی وجود العین و تبدیلها بشیء آخر،نعم ما دامت العین موجودة فالخصوصیات العینیة أیضا مورد للتوجه و محط نظر الواقف و بالجملة لا نری بأسا لاشتراط تبدیل العین الموقوفة فی ضمن صیغة الوقف فإن المؤمنون علی شروطهم و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الوقوف علی ما یقفها أهلها کلها یقتض ذلک أیضا فضلا عن کونه منافیا لمقتضی الوقف،نعم الاشتراط ینافی إطلاق الوقف الذی یقتضی کون العین الموقوفة باقیة علی وقفیته.

و أما الجهة الثانیة فربما یقال انه یبتنی صحة الوقف حینئذ علی صحة الوقف المنقطع الأخر و کونه وقفا لا حبسا و حیث أن المختار صحته لا سیّما إذا کان مرددا بین الانقطاع و عدمه فیصح شرط جواز البیع لبعض البطون فان مرجع شرطه الی أن یجعله منقطعا و ان یبقیه علی حاله.

أقول:الظاهر أن صحة الاشتراط هنا لا یبتنی علی صحة الوقف المنقطع الأخر و توضیح ذلک أنه لا دلیل علی بطلان وقف المنقطع الأخر إلاّ الإجماع و حیث أنه دلیل لبیّ لا یشمل ما نحن فیه و ذلک فان اشتراط الانقطاع علی أقسام:- الأول:أن یوقف و یشترط فی ضمن الوقف بیعه بعد عشر سنوان و کون الثمن للموقوف علیهم و هذا من أفراد الوقف المنقطع فصحة ذلک یتوقف علی صحة کلیة وقف المنقطع لأنه من مصادیقه أیضا.

و أخری یوقف عینا کالدار و نحوها علی فلان و لعقبه إلی خمسة مراتب فیکون الوقف منقطعا بانقراض الموقوف علیهم فهذا أیضا من أقسام الوقف المنقطع فیکون ذلک کالأول موردا للإجماع علی بطلان الوقف المنقطع ففی هاتین الصورتین یکون الوقف من الأول بحسب الإنشاء منقطعا فیکونان

ص:221

موردین للإجماع متیقنا فیحکم بالبطلان علی تقدیر تحقق الإجماع و حجیته.

الثالث:أن یکون الوقف بحسب إنشاء الواقف مؤبدا من غیر أن یقیده بوقت أو بشخص بحیث یکون الوقف منقطعا بحسب إنشاء الواقف و لکن یشترط فی ضمن الوقف قطع ذلک الوقف المؤبد بأن یبیعه متی شاء أو یبیعه الموقوف علیهم متی شاؤا فهذا لیس وقفا منقطع الآخر بوجه،و انما هو وقف مؤبد و لکن یقطعه بحسب الاشتراط فقطع الوقف غیر الوقف المنقطع الأخر لا یجری هنا لکونه دلیلا لبیّا فلا بد من ارادة المتیقن من ذلک و ما هو المتیقن انما هو القسم الأول و القسم الثانی،بل یدل علی صحة ذلک أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و المؤمنون عند شروطهم،فان عقد الوقف تحقق علی هذا الشرط و کک یقتضی صحة هذا القسم من الوقف قوله(علیه السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها، فإن أهل الوقف وقف هذا القسم من الوقف کک.

و أما توهم أن هذا منافی لمقتضی الوقف فیکون الشرط باطلا،فیبطل الوقف توهم فاسد و ان مفهوم الوقف لیس الاّ حبس العین و تسبیل الثمرة و الواقف إنما أنشأ هذا المفهوم و هو أعم من الدوام و الانقطاع،نعم إطلاقه یقتضی الانقطاع فاشتراط القطع متی شاء الواقف أو الموقوف علیهم لا ینافی بمقتضی الوقف و ان کان ینافی بمقتضی إطلاق الوقف.

و انما استفدنا الدوام من جهة القرائن الخارجیة لا من جهة کونه من مقتضیات مفهوم الوقف کما هو واضح،لا یخفی.

و بالجملة لم نر بأسا من اشتراط الواقف بیع الوقف عند وقفه سواء کان ثمنه بدلا عن العین الموقوفة فی الوقفیة أم لا یکون بدلا بل ملکا طلقا للموقوف علیهم و علی کل حال فلیس ذلک الاشتراط منافیا لمقتضی الوقف أصلا.

ص:222

و أما المقام الثانی بأن یکون الاشتراط منافیا لسنة أو لا یکون منافیا لها، فالظاهر أنه مناف للسنة فإن قوله(علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک یدلّ علی عدم جواز بیع الوقف سواء اشتراط الواقف بیعه أم لم یشترط فیکون اشتراط البیع منافیا له فلا یجوز اذن فیکون الشرط فاسدا.

اللهم الاّ أن یقال أن قوله(علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف لیس دلیلا تعبدیا فی مورد عدم جواز بیع الوقف،بل إمضاء لمفهوم الوقف کما أشرنا إلیه سابقا فان مفهوم الوقف یقتضی السکون و الوقوف و البیع و الشراء و نحوهما من التصرفات مخالف لذلک السکون و انما هی حرکة العین فیکون علی خلاف مفهوم الوقف،فقوله(علیه السلام)لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک إمضاء لما یقتضیه ذلک المفهوم،و أن الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک إمضاء لما یقتضیه ذلک المفهوم،و أن الوقف لا بدّ و ان یکون ساکنا و لیس له أن یتحرک بالبیع و الشراء و الهبة کما لا یخفی.

و علیه فلا یکون الاشتراط منافیا لمقتضی السنة أیضا سواء کان الشرط راجعا الی تبدیل الوقف ببدل آخر الذی لا اشکال فیه أصلا أم کان راجعا الی کون الثمن ملکا للموقوف علیهم لما عرفت فی ان اشتراط قطع الوقف غیر الوقف المنقطع فیکون صحیحا کما هو واضح.

ثم بناء علی کون الاشتراط منافیا للسنة فیکون الشرط فاسدا لکونه مخالفا للسنة و الشروط المخالفة للکتاب أو السنة فاسدة و لکن ذلک لیس مثل الشرط المخالف لمقتضی العقد،فإنه فاسد و مفسد للعقد لکونه علی خلاف مقتضی العقد و مناقضا له فینقض العقد و یفسده،و لکن الشرط المخالف للسنة کونه مفسدا للعقد یبتنی علی ما سیأتی فی باب الشروط أن الشرط الفاسد هل یکون مفسدا للعقد أم لا،فحیث ان المختار لنا هناک عدم کونه مفسدا للعقد فیکون الوقف هنا صحیحا و ان اشترط فیه

ص:223

قطعه کما هو واضح.

ثم العجب من شیخنا الأستاذ حیث اقتصر فی البحث فی المقام علی المقام الأول فقط اعنی کون الشرط مخالفا لمقتضی العقد أم لا و لم یتکلم أصلا فی أن هذا الشرط هل هو مخالف لمقتضی السنة أم لا فکان علیه(ره)ذلک و لکن ترکه و أما التمسک فی ذلک بخبر جعفر المتقدمة بدعوی أنه إذا جاز البیع بلا شرط فمع الشرط اولی فقد تقدم الجواب عنها و یؤکد ما ذکرناه من جواز البیع صحیحة الکافی الدالة علی وقف أمیر المؤمنین علیه السلام صدقة و شرط فیها جواز البیع للحسن و الحسین(علیه السلام)إذا حدث فیهما حدث فتکون دالة لما نحن فیه،فإنه إذا جاز اشتراط البیع للبطن الموجود فللبطن المعدوم أولی و تأویل الروایة بإرادة الوصیة من ذلک من خلاف الظاهر بمکان کاد أن یکون علی خلاف الصراحة و مع ذلک فالعجب من المصنف حیث قال أن تأویل الروایة مشکل و العمل بها أشکل.

و أما التأویل فهو مشکل کما ذکره و أما أن العمل بها یکون أشکل لا نعرف له وجها بعد کون الروایة صحیحة و عمل جملة من الأعاظم علی طبقها.

نعم لو کان علی خلافها إجماع أو شهرة عظیمة فکان لهذا الکلام أیضا وجه بناء علی أن اعراض المشهور عن الروایة یوجب الوهن کما قال نظیر ذلک فی المعاطاة فله وجه لعدم وجود الروایة هناک،و أما فی المقام فلا مجال لهذا الکلام.

الکلام فی الصور الأربعة الأخیرة

الصورة السابعة أن یؤدی بقاء الوقف الی خرابه علما أو ظنا و هو

ص:224

المعبّر عنه بخوف الخراب فی کلمات الفقهاء سواء کان ذلک للخلف بین أربابه أو لغیر ذلک،و الخراب المعلوم و المخوف قد یکون علی حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدا به،و قد یکون علی وجه نقص المنفعة.

الصورة الثامنة:أن یقع بین الموقوف علیهم اختلاف لا یؤمن معه تلف المال و النفس و ان لم یعلم أن یظن بذلک و قد صرّح بعض الاعلام بجواز البیع هنا أیضا.

الصورة التاسعة:أن یؤدّی الاختلاف بین الموقوف علیهم الی ضرر عظیم من غیر تقیید بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة:أن یلزم فساد یستباح منه الأنفس و مجموع تلک الصور و ان لم تذکر فی کلام واحد من الفقهاء و لکنها ذکرت فی کلماتهم علی التفریق و قد نظمها المصنف و جمعها إلی عشرة صور.

ثم إن الکلام فی هذه الصور الأربعة یقع فی جهتین:-

الاولی فی العقد الإیجابی و هو جواز البیع مع تأدیة البقاء الی الخراب علی وجه لا ینتفع به نفعا یعتد به عرفا سواء کان ذلک لأجل الاختلاف أو غیره.

و الثانیة:العقد السلبی و هو المنع فی غیر ما ذکر فی الجهة الاولی من جمیع الصور.

أما الجهة الأولی فقد استدل علی الجواز بوجوه:
الأول:ما ذکره

المصنف

و محصل کلامه أن المقتضی لجواز بیع الوقف فی هذه الصور موجود و المانع مفقود فیجوز بیعه للعمومات المقتضیة لصحة البیع أو وجود المقتضی فلأنه مال لمالکه فیجوز بیعه للعمومات مقتضیة للبیع أما وجود المانع فهی الأدلة الشرعیة المانعة عن بیع الوقف و هی لا تنهض للمانعیة هنا،أما

ص:225

الإجماع فلاختصاصه بغیر هذه الصورة لکونه دلیلا لبیّا لا یؤخذ منه الاّ المقدار المتیقن.

و أما قولهم(علیهم السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها و لا یجوز شراء الوقف فلا تدخل الغلة فی ملک فلأنها منصرفة عن هذه الصورة لما عرفت من أنها ناظرة إلی صورة عدم سقوط العین الموقوفة عن حیّز الانتفاع بها و أما إذا سقطت عن ذلک فلا تشمله تلک الأدلة علی أنه لا تتم دلالة قولهم(علیهم السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها علی عدم الجواز کما تقدم.

و أما الموقوف علیهم و الواقف فبیع الوقف هنا موجب لحفظ حقّهم إذ مع عدم البیع تتلف العین الموقوفة و لا یبقی ما یوجب حفظ حق الواقف أو الموقوف علیهم بخلاف البیع و التبدیل بعین أخری فإن ذلک یوجب الجمع بین حقوقهم.

و بالجملة الأدلة المانعة عن بیع الوقف و ما یؤیده کلها غیر جاریة هنا و اذن فلا بأس من البیع فی هذه الصورة.

و ذکر شیخنا الأستاذ أن هذه الصورة ملحقة بالصورة الاولی و هی خراب الوقف بحیث لا یمکن الانتفاع به فان العلم بتأدیته إلی الخراب أو الظن به المعبّر عنه بخوف الخراب انما هو من حیث طریقیته الیه.

و بعبارة أخری إذا احتمل احتمالا عقلائیا تأدیته إلی الخراب علی نحو لو کان فعلا خرابا لجاز بیعه فحکم الاحتمال حکم نفس الخراب و لکن من حیث کونه طریقا لان بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فکأنه صار خرابا فعلا و لکن الوجهان لا یتمان أما ما افاده شیخنا الأستاذ فلأن الأدلة المانعة عن بیع الوقف لقوله علیه السلام لا یجوز بیع الوقف و لا تدخل الغلة فی

ص:226

ملکک لا قصور فی شمولها للمقام فان الانتفاع بالعین الموقوفة ممکن بالفعل و لا یکون العلم بخرابها بعد سنة مثلا مجوّز لبیعها فعلا فضلا عن الظن بذلک أو الأمارات المعتبرة کما إذا قامت البینة علی أنها تخرب بعد ستة أشهر و فضلا عن احتمال الخراب.

و بعبارة أخری أنه لا یجوز بیع الوقف للوجوه المذکورة علی ذلک،و انما الخارج عنها ما یحرز خرابه بالفعل و أما فی غیره فلا وجه لجواز البیع بوجه، بل یبقی تحت أدلّة المنع.

و بالجملة بعد ما کان الوقف مما یمکن الانتفاع به فلا وجه لبیعه لشمول أدلة المنع علیه و ان علم أو قامت البینة المعتبرة علی خرابها فضلا عن احتمال الخراب فان الحکم تابع لموضوعه الفعلی کما لا یخفی.

و من هنا ظهر الجواب عما ذکره المصنف فإن الأدلة إنما تنصرف عن المنع عن بیع العین الموقوفة إذا سقطت عن الانتفاع بها و ما نحن فیه لیس کک،بل هو من مصادیق عدم الجواز لجواز الانتفاع بها علی النحو الذی وقفها الواقف،نعم الإجماع علی تقدیر حجیته لا یشمل المقام و أما حفظ حق الواقف و الموقوف علیهم فقد عرفت بطلانها و عدم کونها وجها لعدم جواز بیع الوقف.

نعم،بناء علی حفظ حق البطون اللاحقة فلا بدّ من بیع العین الموقوف مع مظنّة الخراب أو العلم به و تبدیلها بعین أخری لئلاّ یزول حقهم کما أشار إلیه المصنف فی کلامه و لکن عرفت انه لا دلیل علی ذلک فان البطن الموجود ما لکون علی الوقف بالفعل و جاز لهم الانتفاع بها فعلا فلا دلیل علی وجوب رفع الید عن ملکهم لحفظ الموضوع علی ملک الأشخاص الأخر و الاّ لوجب حفظ مال الناس و ان توقف علی صرف المال و قد تقدم هذا فیما

ص:227

سبق فی فرع أنه إذا توقف حفظ الوقف للبطون اللاحقة علی صرف مقدار من منافع الوقف علیه،فهل یجوز إجبار البطن الموجود علی ذلک أم لا؟و قلنا لا وجه علیه،فإنهم مالکون علی نفعها فلا ملزم لرفع الید عن ملکهم لحفظ حق الغیر،بل ینتفعون بها ما دام موجودا فان یبقی للبطون اللاحقة فتنتفعوا بها،و الاّ فلا و هذا واضح لا خفا فیه.

و الحاصل:ان المصنف قال بعدم شمول الأخبار الدالة علی المنع عن بیع الوقف علی هذه الصور الأربع،و انصرافها عنها و قال شیخنا الأستاذ بأن احتمال الخراب کالخراب الفعلی موضوع للحکم بجواز بیع الوقف.

و فیه ان الحکم الفعلی تابع لموضوعه الفعلی و أنه لا وجه لانصراف الأدلة عن هذه الصور بأجمعها بعد ما کان الانتفاع بالوقف ممکنا کما فی حاشیة الایروانی.

ثم نقل المصنف(ره)وجهین علی جواز البیع فی هذا الصور.
الأول:ما عن لف و کرة و المهذّب و غایة المرام

من أنّ الغرض من الوقف استیفاء منافعه و قد تعذّرت فیجوز إخراجه عن حدّه تحصیلا للغرض منه فیدور الأمر بین انقطاع شخصه و نوعه و بین انقطاع شخصه لا نوعه،فالثانی أولی بغرض الواقف فیجوز التبدیل و جعل بدله وقفا مکان المبدل.

و فیه ما اجابه المصنف من أن الغرض من الوقف استیفاء المنافع من شخص الموقوف لأنه الذی دل علیه صیغة الوقف و المفروض تعذره فیسقط و قیام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص لکونه أقرب الی مقصود فرع الدلیل علی وجوب اعتبار ما هو الأقرب الی غرض الواقف بعد تعذر أصل الغرض.

الثانی:ما عن التنقیح من أن بقاء العین علی حاله و الحال هذه إضاعة

و إتلاف للمال و هو نهی عنه شرعا

فیکون البیع جائزا و لعله أراد الجواز

ص:228

بالمعنی الأعم فلا یرد علیه أنه یدل علی وجوب البیع.

و فیه أن المحرم انما هو التصدی بإضاعة المال و أما ترکه علی حاله بحیث یضیع بنفسه فلا دلیل علی حرمته کما إذا مرض الغنم و لم یقدر مالکه علی الذبح الی أن مات فلم یفعل هو فعلا محرما.

ثم انه استدل علی جواز البیع فی کل واحدة من الصور الأربعة بمکاتبة

ابن مهزیار

(1)

قال کتبت الی أبی جعفر الثانی علیه السلام أن فلانا ابتاع ضیعة فأوقفها و جعل لک فی الوقف الخمس و یسأل عن رأیک فی بیع حصتک من الأرض أو تقویمها علی نفسه بما أشتریها أو یدعها موقوفة فکتب الیّ أعلم فلانا انی آمره ببیع حصتی من الضیعة و إیصال ثمن ذلک الیّ ان ذلک رأی إنشاء اللّه تعالی أو یقوّمها علی نفسه ان کان ذلک أوفق له قال فکتبت إلیه ان الرجل ذکر أن بین من وقف علیهم بقیة هذه الضیعة اختلافا شدیدا و أنه لیس یأمن أن یتفاقم ذلک بینهم بعده فان کان تری أن یبیع هذا الوقف و یدفع الی کل انسان منهم ما وقف ذلک أمرته فکتب بخطه و أعلمه ان رأی ان کان قد علم الاختلاف بین أرباب الوقف أن بیع الوقف أمثل فلیبع فإنه ربما جاء فی الاختلاف تلف الأموال و النفوس،الخبر.

و فیه أولا أنها ضعیفة السند و دعوی انجبارها بالشهرة دعوی جزافیة إذ علی فرض تسلیم الکبری لا نسلّم الصغری لعدم انطباق شیء من الأقوال علی الروایة فلا ینجبر ضعفها بالشهرة.

بیان ذلک أنها دلت علی جواز بیع حصة الإمام علیه السلام من دون طرو مسوّغ للبیع فلا بدّ من حملها اما علی صورة اشتراء بعض الضیعة من

ص:229


1- 1) وسائل:ج 13 ص 304 ح 5

سهم الامام(علیه السلام)أو علی قضیة خاصة غیر معلومة الجهة.

و توهم أن الامام(علیه السلام)له الولایة علی جمیع أموال الناس،بل رقبتهم فکیف بمال نفسه فجاز أن یکون أمره(علیه السلام)علی البیع من جهة الولایة و فیه أن هذا التوهم فاسد،فان ظاهر قوله(علیه السلام)انی آمره ببیع حصتی من الضیعة،و إیصال ثمن ذلک الیّ ان ذلک رأی أو یقوّمها علی نفسه ان کان ذلک أوفق له هو أن الامام(علیه السلام)انما بین حکم المسألة فی نفسها لا بما أن له الولایة علی العین الموقوفة.

و أیضا أنهم استدلوا علی القول السابع بقوله(علیه السلام)ربما جاء فی الاختلاف تلف الأموال بناء علی أن یکون المراد بالأموال هی العین الموقوفة.

و فیه أولا:أن ظاهر التعبیر بصیغة الجمع هو تلف مطلق الأموال أعم من الوقف و غیره.

و ثانیا:أن القائلین بجواز بیع الوقف فی هذه الصورة انما یقولون فی مورد العلم بأدائه إلی الخراب أو الظن المتاخم بالعلم و لفظة ربما یستعمل فی المحتملات فتصیر النتیجة أنه إذا احتمل طور الخراب علی الوقف جاز بیعه و من المعلوم أنه لم یلتزم به أحد فیما نعلم،فکیف ینجبر ضعف الروایة بالشهرة:- علی أن قوله(علیه السلام)ان رأی ان کان قد علم الاختلاف بین أرباب الوقف أن بیع الوقف أمثل فی جواب السؤال عن بیع حصّة الباقین و تقسیم ثمنه إلیهم لا ینطبق علی القواعد و ذلک لانه لا وجه لتصدی الواقف بالبیع فإنه بعد ما وقف ماله فصار کسائر الأجانب.

و توهم انه اشترط کون التولیة علیه خلاف الظاهر من الروایة و أن مقتضی القواعد أن یکون بدل الوقف وقفا فلا وجه لتقسیم الثمن علی الموقوف علیهم

ص:230

فلا یمکن العمل بظاهر الروایة،بل یرد علمها إلی أهلها أو یحمل علی صورة عدم اقباض الوقف و عدم کون الموقوفة مقبوضة منهم فإنه حینئذ لم یتم الوقف فاختیار المال تحت ید الواقف المالک یفعل به ما یشاء و قد حملها علی هذا جملة من الاعلام علی أن الاستدلال بها علی الصورة السابعة ینافی الاستدلال بها علی الصورة الثامنة التی عبارة عن وقوع الاختلاف بین الموقوف علیهم بحیث لا یؤمن معه تلف الأموال و الاّ نفس فان الاستدلال بها علی الصورة الثامنة یتوقف علی أن یکون المراد بها غیر الموقوفة من سائر الأموال و الاستدلال بها علی الصورة السابعة یتوقف علی ان یکون المراد بها عین الموقوفة.

ثم ان الاستدلال بها علی الصورة التاسعة و هی أداء الاختلاف الی ضرر عظیم یتوقف علی استفادة العموم من التعلیل و هو قوله(علیه السلام)فإنه ربما جاء فی الاختلاف تلف الأموال و النفوس و هذا لا یمکن الالتزام به و الاّ اقتضی جواز بیع الوقف لإصلاح کل فتنة و هذا مما یلتزم به أحد فیما نعلم فکیف یوجب انجبار ضعف الروایة.

ثم ان الاستدلال بها علی الصورة العاشرة و هی خوف تلف النفس یتوقف علی الاستدلال إلغاء تلف المال عن الموضوعیة و جعل الموضوع خوف تلف النفس و هو خلاف الظاهر من الروایة،فإن الظاهر منها موضوعیة کل منهما للحکم.

و بالجملة لا یجوز الاستدلال بروایة ابن مهزیار علی شیء من الصورة

السابعة إلی الصورة العاشر،

اما من حیث السند فلا بأس به،و أما من حیث الدلالة فمن جهة أن ما ذهب الیه المشهور فی الصور الأربعة لا یستفاد من الروایة و ما یستفاد من الروایة لم یلتزم به أحد فیما نعلم و توضیح ذلک أن

ص:231

التعلیل المذکور فی الروایة بقوله(علیه السلام)فإنه ربما جاء فی الاختلاف تلف الأموال و النفوس قد یکون حکمة و یکون مناط الحکم بجواز البیع نفس الاختلاف بمجرّده من غیر وجود الحکمة فی جمیع موارد الاختلاف کما هو الشأن من الحکمة نظیر کون التنظیف حکمة فی استحباب غسل الجمعة أو وجوبه و کون اختلاط المیاه حکمة فی مشروعیة العدة و ان لم یکن موجودا فی بعض الموارد کما إذا کانت المطلقة یائسة أو کان المغتسل تنظف فی لیلة الجمعة و هذا لم یلتزم به أحد فیما نعلم بحیث أن یقال بجواز البیع بمجرّد الاختلاف و لو کان اختلافا جزئیا غیر منجرّ الی تلف المال و النفس.

و ان کان المراد من التعلیل ما هو ظاهر فیه من أخذه علة للحکم،و مناطا له،بحیث یکون الموجب لجواز البیع هو تلف الأموال و الأنفس الناشی من الاختلاف فی هذا الوقف و کونه منشأ له و ان لم یکن التالف أجنبیا عن الواقف و الموقوف علیهم کما إذا کانت الضیعة موقوفة علی خادم المسجد و لم یکن بینهم اختلاف،و لکن الاختلاف بین الطباخین الذی ینجرّ الی تلف المال و النفس فلازم أخذ قوله(علیه السلام)فإنه ربما جاء إلخ علة للحکم تعدیته الی کلّ ما یترتب علی الاختلاف الناشی من هذا الوقف من تلف النفس و المال و هذا أیضا لم یلتزم به أحد فیما نعلم فلا یمکن الالتزام بالروایة و ان کانت صحیحة.

أقول:اما روایة علی بن مهزیار

فمن حیث السند

فلا بأس به لکونها صحیحة السند،

و أما من حیث الدلالة فهی خارجة عن الدلالة علی بیع

الوقف فی شیء من الصور الأربعة

بل لا بد من حملها علی صورة عدم تمامیة الوقف أی قبل القبض و الإقباض کما حملها علیه جملة من الاعلام کالمحدث الفیض و غیره و ذلک لجهات عدیدة فإنها مؤیدة لحملها علی صورة قبل

ص:232

القبض.

جهة الاولی:ان صدر الروایة لا ینطبق علی الوقف التمام

فإن سؤال السائل فی حصة الإمام التی هی خمس الوقف و انه کیف یصنع بها و جواب الامام علیه السلام ببیعها أو تقویمها علی نفسه و إرسال ثمنها الیه علیه السلام لا یتمّ إلاّ إذا لم یتم الوقف و کان المال تحت ید الواقف بحیث له ان یفعل به بما یشاء و ذلک لأنه لا یجوز لأحد أن یبیع الوقف حتی مع اذن الموقوف علیه و من الواضح أن جواب الامام بالبیع و إرسال ثمنه الیه لیس من جهة ولایته المطلقة حتی یرتفع الاستبعاد،بل بما أنه محل المصرف.

الجهة الثانیة:أن جواب الامام علیه السلام عن سؤال عن وقوع الخلاف

بین أرباب الوقف ببیعه أیضا لا ینطبق علی القواعد

إذ المتصدی بالبیع علی تقدیر جوازه انما هو من کان أمر الوقف بیده و تولیته علیه،و أما الواقف فکسائر الأشخاص أجنبی عن التصرف فی الوقف،و احتمال انه کان مشترط کون أمر الوقف بیده خلاف الظاهر من الروایة فلا یجوز المصیر الیه بدون القرینة الصارفة.

الجهة الثالثة:أنه بعد ما بیع الوقف فلما ذا یقسّم بین الموقوف علیهم

مع انک عرفت فیما تقدم أن بدل وقف فلا یصح ذلک الاّ بحملها علی صورة قبل القبض لا بعده خصوصا یساعد علی ذلک قوله ان بیع الواقف أمثل حیث ان الواقف یرید الثواب فإذا فعل هکذا فإنه لا یقع بین الموقوف علیهم اختلاف فیکون أصوب و أمثل.

الجهة الرابعة:و هی العمدة

ان قوله علیه السلام ان کان قد علم الاختلاف بین أرباب الوقف أن بیع الواقف أمثل و مع قول السائل فی سؤاله و أنه لیس یأمن أن یتفاقم ذلک بینهم بعده فان من الواضح أنه أی خصوصیة

ص:233

فی علم الواقف بالاختلاف و کذا عدم أمنه عن التفاقم و الشدة،بل لا بدّ و أن یکون المناط علم المتصدی بالوقف فلیس ذلک إلاّ إذا کان أمر الوقف بیده و هذا لا یتم الاّ مع عدم تمامیة الوقف و کون ذلک قبل القبض لعدم انطباقها بشیء من الفتاوی المذکورة فی المقام و علی هذا فلا یجوز الاستدلال بها علی بیع الوقف بترک الاستفصال کما فی کلام المصنف(ره)و مع ذلک کله فلا یجوز الاستدلال بها علی المقصود أیضا مع ذلک التعلیل الموجود فیه و ان کانت صریحة فی جواز البیع،بل لا بدّ من ردّ علمها إلی أهلها و ذلک فإنه لا یخلو اما أن یراد من التعلیل الحکمة أو العلیة فلا واسطة بینهما فإن أرید منه الحکمة فلازمه القول بجواز بیع الوقف بمجرّد الاختلاف و ان لم یؤدی الی تلف الأموال و النفوس فان ذلک کاختلاف المیاه فی باب العدة فالتعمیم لیس بلازم.

و أن أرید منه التعلیل و العلیة فلازم ذلک التعدی بکل اختلاف یوجب تلف الأموال و الأنفس مع بقاء الوقف و ان لم یکن بین أربابه اختلاف بل بین الجوار و الطباخین و العمالین و المتولین و نحوهم بحیث یکون المنشأ لذلک هو الوقف و کلاهما لا یمکن الالتزام به.

و ربما یقال بجواز بیع الوقف فی تلک الصور لأجل المزاحمة و ان لم یکن فی البین نصّ بدعوی أن الأمر دائر بین حفظ الوقف علی حاله و الالتزام بجواز تلف الأموال و الأنفس و بین حفظ المال و النفس و الالتزام بجواز بیع الوقف و بما أن حفظ النفس عن التلف أهم من حفظ الوقف فیجوز بیعه،بل یجب لحفظ النفس و المال.

و فیه أن هذا من العجائب فإن التزاحم انما هو فی مقام العمل،و یحصل عدم تمکّن المکلف علی الامتثال لا فی مقام الجعل و علیه فارتفاع

ص:234

التکلیف عن المکلّف بالنسبة إلی المهم واضح،بأن یجوز بیع الوقف إذا دار الأمر بین بیعه و بین أداء الاختلاف الی تلف الأموال و الأنفس و لکنه لا یوجب ذلک جعل الشارع الحکم الوضعی فی مرحلة الجعل بأن یحکم بصحة المعاملة فإن التزاحم لا یوجب رفع الحکم و وضعه فی مرحلة الجعل.

و بعبارة أخری أن التزاحم یستلزم رفع الحکم التکلیفی فی مقام الامتثال عن المهم و یوجب إتیان الأهم و هذا غیر مربوط بالحکم الوضعی و حکم الشارع به فی مقام الجعل لیکون صحیحا فی مقام الامتثال،بل یکون البیع مع التزاحم المذکور جائزا تکلیفا و فاسدا وضعا فمزاحمة الأهم مع المهم فی مرحلة الامتثال لا یوجب الاّ جواز الاقدام علی المهم تکلیفا و یستلزم جوازه وضعا إذ عدم القدرة علی الامتثال من المکلف انما هی بالنسبة إلی الحکم التکلیفی لا بالنسبة إلی الحکم الوضعی کما لا یخفی.

فتحصل أنه لا یجوز بیع الوقف فی جمیع تلک الصور إلاّ إذا خرب الوقف أو کان مشرفا علی الخراب بحیث لیس بین الخراب و الزمان الذی معمورة إلاّ زمان قلیل و کذلک فی صورة اشتراط الواقف بیعه عند الاحتیاج کما صنعه علی علیه السلام.

الکلام فی الوقف المنقطع

قوله:و أما الوقف المنقطع.

أقول:بناء علی صحة الوقف المنقطع و هو ما إذا وقف علی من ینقرض فأما ان یقال ببقائه علی ملک الواقف و اما ان یقال بانتقاله الی الموقوف علیهم و علی الثانی فأما أن یملکوه ملکا مستقرا بحیث ینتقل منهم الی ورثتهم عند

ص:235

انقراضهم و اما ان یقال بعوده الی ملک الواقف،و اما أن یقال بصیرورته فی سبیل اللّه،و علی الأول و هو بقائه فی ملک الواقف فلا یجوز لغیره من الموقوف علیهم و غیرهم بیعه لعدم الملک،و أما الواقف فیجوز له بیعه لوجود المقتضی و هو کونه ملکا له و تکون العمومات شاملة له و عدم المانع إذا الوقفیة مع کونها منقطعة لا تکون مانعة عن البیع فیصبر المشتری الی أن ینقضی السکنی أن کان عالما بذلک،أو یفسخ ان کان جاهلا،أو جعل لنفسه الخیار و أما قوله (علیه السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها فإنها ناظرة الی عدم جواز التصرف فی الوقف علی النحو الذی ینافی الوقفیة و کذلک لا یجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فی ملکک فان البیع و الشراء لا ینافی الوقفیة إذ الوقف انما جعل السکنی و المنفعة للموقوف علیهم دون الرقبة فإنها باقیة فی ملک الواقف فهو انما یبیع ذلک الوقف مسلوبة المنفعة إلی انقراض الوقف نظیر بیع موجر العین المستأجرة فإنها یکون ملکا للمشتری الی انقضاء مدة الإجارة و علی هذا کیف ینافی البیع الوقف و کیف یکون الوقف علی حسب ما یوقفها أهلها.

علی أنه یمکن دعوی أن مفهوم الوقف منصرف عن الوقف المنقطع فیکون خارجا عن تحت الأدلة المانعة عن البیع موضوعا.

نعم یکون البیع باطلا من جهة الجهالة فیکون غرریا فهو منهی عنه لأن مدة انتفاع الموقوف علیهم و انقراضهم مجهولة و من هنا منع الأصحاب کما حکی عن الإیضاح بیع مسکن المطلقة المتعدة بالإقراء لجهالة مدة العدة.

و بالجملة أن بیع الواقف الوقف المنقطع و ان لم یکن فیه مانع من الاخبار مع وجود المقتضی له و لکن جهالة مدّة مانعة عنه من حیث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسلیم التام علی وجه ینتفع به کما لا یخفی.

نعم،ورد النص علی جوازه و هو ما رواه المشایخ الثلاثة فی الصحیح أو

ص:236

الحسن عن الحسین بن نعیم قال سألت أبا الحسن(علیه السلام)عن رجل جعل داره سکنی لرجل زمان حیاته و لعقبه من بعده،قال هی له و لعقبه من بعده کما شرط قلت فان احتاج الی بیعها،قال:نعم قلت فینقض البیع السکنی قال لا ینقض البیع السکنی کک،سمعت أبی یقول:قال أبو جعفر(علیه السلام)لا ینقض البیع الإجارة و لا السکن و لکن یبیعه علی أن الذی یشتریه لا یملک ما اشتراه حتی ینقض السکنی علی ما شرط الخبر،فهو کما تری صریح فی الجواز و العجب أنه مع ذلک توقف العلامة و ولده و المحقق الثانی فی المسألة.

و أما لو قلنا بعدم بقاء الوقف المنقطع فی ملک الواقف،بل انتقل الی ملک الموقوف علیهم و قلنا بکونهم مالکین للوقف ملکا مستقرا بحیث ینتقل منهم الی ورثتهم عند انقراضهم فلا یجوز البیع حینئذ للواقف لعدم الملک و لا للموقوف علیه فأن الواقف قد اعتبر بقائه إلی انقراضهم فیشمله قوله(علیه السلام)الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها و لا یجوز شراء الوقف و لا یقاس ذلک بالصورة الأولی فإن فیها أن الواقف مالک للوقف و فی هذه الصورة و ان کان الموقوف علیه مالکا الاّ أن الواقف قد وقفه و حبسه بحیث لا یباع و یکون باقیا الی انقراضهم فالبیع نقض للغرض.

و أما لو قلنا بعوده الی ملک الواقف بعد انقراض الموقوف علیهم فلا یجوز بیعه للموقوف علیهم لمنافاته لأن الواقف اعتبر بقائه إلی انقراض الموقوف علیهم و اما الواقف المالک فیجوز له البیع بناء علی جواز بیع ما لا یملک ثم ملک،فان الواقف و ان لم یکنی مالکا بالفعل و لکنه یکون مالکا بعد انقراض الموقوف علیهم.

و أما لو قلنا بصیرورته فی سبیل اللّه بعد انقراض الموقوف علیهم فلا یجوز بیعه مطلقا فإنه عبارة أخری عن الوقف المؤبد و قد عرفت عدم جواز بیعه

ص:237

غایة الأمر أنه وقف علی عدة خاصة فی مدة ثم علی سبیل اللّه کما لا یخفی.

الکلام فی بیع الرهن

قوله:مسألة:و من أسباب خروج الملک عن کونه طلقا کونه مرهونا
اشارة

فان الظاهر،بل المقطوع به الاتفاق علی عدم استقلال المالک فی بیع ملکه المرهون.

أقول:المشهور،بل المجمع علیه علی عدم استقلال المالک فی بیع العین المرهونة،و لکن الظاهر جوازه هذا من الموارد الذی خالفنا المشهور فی عدم انجبار الروایة الضعیفة بالشهرة فإنهم استندوا فی ذلک الی النبوی الضعیف الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف و بنوا علی انجبار ضعفه بالشهرة و نحن لا نعتمده و کیف کان ان التصرفات المتعلقة علی العین المرهونة علی ثلاثة أقسام،فإن قسم منها ینافی حقیقة الرهن و کونه وثیقة لکونه موجبا لزوال العین و خروجها عن کونها وثیقة أو نقصان قیمتها کما إذا ذبح الغنم المرهونة أو آجر السیارة الجدیدة المرهونة أو أخرب الدار و نحوها من التصرفات المنافیة لمفهوم الرهن.

و قسم منها لا ینافی مفهوم الرهن،بل ربما یتوقف علیه حفظه و بقائه کالسکنی فی الدار و إصلاح العین بالمقدار الذی ینعدم بدونه،فان مثل ذلک معد لبقاء العین.

و قسم متوسط بین القسمین کالبیع و نحوه لعدم منافاة البیع لحقیقة الرهن و لذا جاز رهن العاریة.

أما القسم الأول:فلا یجوز بلا شبهة،و لم یستشکل فیه أحد فیما نعلم و أما الثانی:فلا شبهة فی جوازه،بل ربما یجب لبقاء العین المرهونة علیه.

و أما التصرفات المتوسطة الغیر الموجبة لنقص القیمة کالبیع و نحوه،

ص:238

فالظاهر جوازه و توضیح ذلک أن المانع عنه انما هو أمور:الأول:الإجماع التعبدی علی عدم جواز،و فیه انه علی تقدیر حجیة الإجماع المنقول فلیس هنا إجماع تعبدی إذ من المحتمل أنه مستند الی الوجوه المذکورة فی المسألة و الاّ فالتعبد بعدم جواز بیع الرهن بعید جدا.

الثانی:النبوی المعروف الراهن و المرتهن ممنوعات من التصرف و فیه أنه لیس لنا وثوق،بل ظن بصدوره من المعصوم«ع»فلا یکون حجة و توهم انجبار ضعفه بالشهرة فی غایة الضعف لما حققناه فی محلّه و أشرنا إلیه فی کثیر من المسائل المتقدمة من أن الشهرة لا توجب انجبار ضعفه الروایة.

و لو سلمنا صحة سند فلا دلالة لها علی بطلان بیع الرهن،بل هی ناظرة بمناسبة الحکم و الموضوع الی التصرفات المنافیة للرهن کالقسم الأول من التصرفات،و بعبارة أخری أن مناسبة الحکم و الموضوع فی قوله الراهن و المرتهن ممنوعات من التصرف تقتضی عدم نفوذ التصرف من کل منهما علی استقلاله لا مع الاتفاق و الاجتماع کما هو واضح.

و أما مفهوم الرهن فهو عبارة أخری عن کون العین وثیقة و من الواضح أن البیع لا یمنع عن ذلک،و لذا جاز رهن العاریة غایة الأمر یشترط فی العقد عدم کون المبیع طلقا،بل کونه متعلقا لحق الغیر و مع عدم فکّه یکون للمشتری خیار تخلف الشرط،بل یصح مع عدم الاشتراط أیضا غایة الأمر یکون المبیع معیبا فیثبت للمشتری خیار العیب.

نعم،لو قلنا بکون الرهن کالوقف و لم یکن للمالک علاقة الملکیة کما لا یبقی له العلقة فی الوقف أیضا فلعدم جواز البیع وجه و لکن أنی لهم إثبات ذلک.

و بالجملة لا دلیل علی بطلان بیع الرهن لعدم وجود الإجماع التعبدی

ص:239

علیه و لا وجود الروایة و عدم صحة النبوی سندا و دلالة و عدم اقتضاء مفهوم الرهن ذلک.

ثم علی القول بعدم جواز بیع الرهن هل هو باطل من أصله کما اختاره جمع أو یتوقف علی اجازة المرتهن کما اختاره جمع آخر و اختاره المصنف،الظاهر هو الثانی للعمومات الدالة علی صحة المعاملة وضعا و تکلیفا و عدم وجود المعارض لها.

و أما توهم الإجماع علی البطلان،ففیه أنه علی تقدیر حجیته فالمقدار المتیقن منه هو البطلان مع استقلال الراهن فی التصرف أو المرتهن لا مطلقا و أما النبوی فمضافا الی ضعف السند فیه کسائر النبویات فلا دلالة فیه علی بطلان البیع من أصله،بل انما یدل علی عدم نفوذ التصرف بدون اذن المرتهن و الذی یدلنا علی هذا تسالم الفقهاء علی صحة بیع المرتهن مع اذن الراهن أی الإجازة اللاحقة.

هذا کله مضافا الی ما یستفاد من صحة نکاح العبد بالإجازة معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیّده إذ المستفاد منه أن کل عقد کان النهی عنه لحق الآدمی یرتفع المنع و یحصل التأثیر بارتفاع المنع و حصول الرضا و لیس ذلک معصیة اللّه أصالة فی إبقاء العقد التی لا یمکن أن یلحقها رضا اللّه تعالی.

فیما استدل به المصنف علی صحة بیع الرهن

ثم ان المصنف استدل علی صحة بیع الرهن

الأول بفحوی أدلة صحة بیع

الفضولی،

و عن التذکرة أن کل من أبطل عقد الفضولی أبطل العقد هنا، و لکن الظاهر أن الأولویة ممنوعة من الطرفین أما الثانی فلما افاده المصنف من أن من استند فی البطلان فی الفضولی إلی مثل قوله(علیه السلام):لا بیع إلاّ فی ملک لا یلزمه البطلان هنا.

ص:240

و أما الأول:فلا مکان الالتزام بصحة الفضولی و بطلانه هنا کما ذهب الیه الشیخ اسد اللّه التستری و ذلک من جهة أن العمومات تشمل للعقد الفضولی بعد الإجازة و انتسابه الی المالک لکون العقد عقد فیکون صحیحا بخلاف المقام،فإنه کالعقد علی بنت الأخ و الأخت صادر من المالک ابتداء من غیر شمول العمومات لها فحیث أنه عقد واحد و لیس له أفراد عدیدة فلا تشمله العمومات بعد الإجازة أیضا،و لکن أجبنا عنه فیما سبق من العقد الفضولی أن العمومات شاملة لها بعد الإجازة للعمومات الزمانی،فإنه لیس منحصرا بصورة تعدد الأفراد الطولیّة،بل یجری فی الفرد المستمر فإذا لم تشمل العمومات لعقد مدّة من الزمان لمانع فتشمله بعد ارتفاع المانع.

و حاصل الکلام من الأول أنه لا إشکال فی بیع الرهن بان یبیعه الراهن من غیر استیذان من المرتهن،بل باستقلاله غایة الأمر شرط علی المشتری کون المبیع ملکا غیر طلق،بل بدون الاشتراط فیکون له خیار العیب.

و دعوی الإجماع التعبدی علی البطلان دعوی جزافیة لاحتمال کونه مستندا الی الوجوه المذکورة فی المسألة و التمسک فی المنع إلی النبوی الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف بلا وجه لضعف سنده أولا،و عدم انجباره بالشهرة،و لذا خالفنا المشهور فی هذه المسألة،و عدم دلالته علی المقصود ثانیا،فإن مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی أن المراد من کونهما ممنوعان من التصرفات المنافیة للرهن لا مطلق التصرف و من الواضح أن البیع لا ینافی الرهن،و لذا یجوز رهن العاریة و اذن فلا مانع من البیع مع وجود المقتضی له و کونه ملکا للبائع فیجوز التمسک بالعمومات الدالة علی

ص:241

صحة البیع.

و دعوی عدم جواز التمسک بها من جهة أن البیع من الأول بیع ما لا یملک و لم تشمله العمومات و بعد الإجازة لیس هنا عقد آخر لیکون مشمولا لها،لکونه فردا واحدا لا أفراد عدیدة لتکون مشمولة لها بحسب العموم الزمانی فلا یقاس ذلک بالبیع الفضولی لکونه حین استناده الی المالک مشمولا للعمومات و کون العقد عقده و ان لم تشمله من الأول من جهة صدوره من الأجنبی و أما هنا فقد عرفت أن العقد حین صدوره من المالک لم تشمله العمومات لعدم رضائه المرتهن و بعد الإجازة لیس هنا عقد آخر،فیکون باطلا دعوی جزافیة.

بیان ذلک أن العمومات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و غیرهما کما تدل علی صحة العقود بحسب الأفراد الطولیة المسماة بالعموم الزمانی فکک تدل علی صحة العقد الواحد فی طول الزمان و فی کل آن،و هذا أیضا عموم زمانی فهذا العقد الواحد المستمر یجب الوفاء بها فی طول الزمان و علی هذا فلو خرج فی زمان عن تحت العموم فلا یوجب ذلک خروجه عنه فی جمیع الآنات بل تشمله العمومات مع وجدانه الشرائط فبیع الراهن و عقد بنت الأخ و بنت الأخت و ان کان قبل اجازة المرتهن و العمة و الخالة غیر داخلة تحت العمومات و لکنها بعد الإجازة تکون مشمولا للعمومات.

لا یقال علی هذا فیلزم جواز التمسک بالعمومات فی جمیع العقود التی کانت واجدة للشرائط بعد ما کانت فاقدة لها کما إذا فقدت شرائط المتعاقدین کعقد الصبی و المجنون ثم بالغ الصبی و أفاق المجنون أو فقدت شرائط العقد کما إذا کانت غرریا ثم ارتفع الغرر و هکذا مع أنه لا یمکن

ص:242

الالتزام بذلک.

فإنه یقال فرق واضح بین ما نحن فیه و بین الأمور المذکور فان الظاهر من الأدلة أن من شرائط العقد حین تحققه أن لا یکون غرریا و ان لا یکون صادرا من المجنون و الصبی و الاّ بطل العقد،فإذا کان حین تحققه غرریّا أو صادرا من الصبی و المجنون ثم انتفی الغرر أو بلغ الصبی أو برح المجنون فلا یمکن الحکم بصحة هذا العقد،فان ما تحقق غرریا أو صدر من الصبی و المجنون لم یکن صحیحا عند التحقق و ما یکون فعلا واجدا للشرائط لیس عقدا آخر غیر ما تحقق أولا الذی کان مشروطا من الأول بهذه الشروط، فیکون باطلا.

و هذا بخلاف العقد الفضولی و بیع الراهن فإن صحة العقد فیهما مشروط برضی المالک و المرتهن و لکن لا دلیل علی کونه کک من حین الحدوث فإذا رضیا به فیکون العقد عقدا برضا صاحبه من المالک و المرتهن فتشمله العمومات فیحکم بالصحة کعقد المکره بعد الرضاء.

و بالجملة إذا کانت الشرائط من الأمور التعلیقیة الخارجة عن کونها شرطا لنفس العقد أو للعاقد فلا وجه لکونه صحیحا فی زمان و باطلا فی زمان آخر کبیع الغرری و نحوه و اما إذا کان من الأمور التعلیقیة کالرضا فلا وجه لفساد العقد بدونه إذا کان واجدا لذلک بعد مدة لعدم القصور من شمول العمومات علیه کما لا یخفی.

و ما عن صاحب المقابس من أن عقد الراهن کعقد النکاح علی بنت الأخ و الأخت بدون رضا المرتهن و العمة و الخالة صادر من المالک غیر مشمول للعمومات فبعد الإجازة لیس هنا عقد آخر لیکون مشمولا لها قد ظهر فساده مما ذکرناه.

ص:243

الوجه الثانی:مما یدل علی صحة بیع الرهن مع الإجازة مع التنزل

عن جواز بیعه استقلالا الروایات الدالة علی صحة بیع العبد

معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیده حیث أن المستفاد منها أن عصیان المخلوق فی حقهم لا یوجب بطلان المعاملة و أما الموجب للبطلان انما هو عصیانه تعالی.

ثم نقل المصنف(ره)عن بعض معاصریه القول ببطلان عقل الراهن

بدون اذن المرتهن سابقا

متمسکا بالإجماعات و الاخبار المحکیة علی المنع و النهی،قال و هو موجب للبطلان و ان کان لحق الغیر إذا العبرة بتعلق النهی بالعقد لا الأمر خارج منه و هو کاف فی اقتضاء الفساد کما اقتضاه فی بیع الوقف و أم الولد و غیرهما مع التوائهما فی کون سبب النهی حق الغیر ثم أورد علی نفسه بما حاصله أنه علی هذا یلزم بطلان العقد الفضولی و عقد المرتهن مع أن کثیرا من الأصحاب ساوا بین الراهن و المرتهن فی المنع کما دلّت علیه الروایة فیلزم بطلان عقد الجمیع أو الصحة فالفرق تحکم.

ثم أجاب بأن التصرف المنهی عنه ان کان انتفاعا بمال الغیر فهو محرم و لا یحل له الإجازة المتعقّبة و ان کان عقدا أو إیقاعا فإن وقع بطریق الاستقلال لا علی وجه النیابة عن المالک فالظاهر أنه کک کما سبق فی الفضولی و الاّ فلا یعد تصرّفا یتعلق به النهی فالعقد الصادر عن الفضولی و المرتهن إذا کان علی نحو الظلم و الغصب فیکون منهیّا عنه و باطلا.

و أما إذا کان بقصد النیابة عن المالک فلا وجه للبطلان و أما الراهن المالک فحیث أنه حجر عن ماله برهنه فیکون عقده مستندا الی ملکه لعدم المعنی لقصد النیابة فیکون منهیّا عنه و باطلا فیکون ما دل علی النهی عن تصرفه الکذائی مخصصا للعمومات.

ص:244

ثم قال و أما التعلیل المستفاد من الروایة (1)المرویة فی النکاح من قوله لم یعص اللّه و انما عصی سیده فهو جار فیمن لم یکن مالکا کما أن العبد لا یملک أمر نفسه،و أما المالک المحجور علیه فهو عاص للّه تعالی بتصرفه و لا یقال انه عصی المرتهن لعدم کونه مالکا و انما منع اللّه من تفویت حقه بالتصرف و ما ذکرناه جار فی کل مالک متموّل لأمر نفسه إذا حجر علی ماله لعارض کالفلس و غیره فیحکم بفساد الجمیع.

و قد أورد علیه المصنف بوجوه کلها صحیحة.
منها:أنه لا فرق فی الحکم بین بیع ملک الغیر علی وجه الاستقلال و

بیعه علی وجه النیابة

فإن البیع ان کان تصرفا فی مال الغیر و کون نفس الإنشاء مصداقا للتصرف المحرم فهو حرام مطلقا مع قصد النیابة و عدمه و الاّ فلا وجه للبطلان.

و منها أن مطلق النهی المتعلق بالمعاملة لا یقتضی الفساد

بل انما یقتضی الفساد إذا کان نهیا إرشادیا لا نهیا تکلیفیّا فإن النهی التکلیفی لا یستفاد منه الفساد إذ لا ملازمة بین الحرمة و الفساد،نعم لو کان للإرشاد دل علی الفساد فدلالة النهی علی حرمة بیع الرهن لا یدل علی الفساد لعدم الملازمة بینهما.

و منها:أن قصد النیابة لو کان مصححا للعقد فیتصور مثل ذلک فی

بیع الراهن أیضا

فإنه قد یبیع رجاء لإجازة المرتهن و لا ینوی الاستقلال و قد یبیع جاهلا بالرهن أو بحکمه أو ناسیا و لا حرمة فی شیء من ذلک.

و منها:أن المتیقن من مورد الإجماع و الاخبار أعنی الراهن و المرتهن

ممنوعان من التصرف هو استقلال کل منهما فی التصرف فی العین المرهونة

و أما أزید من ذلک فلا دلیل علیه.

ص:245


1- 1) وسائل:ج 14 ص 523
و منها:أن ما ذکره من منع جریان التعلیل فی روایات العبد فیما

نحن فیه لوجود الفرق بینهما فاسد،

بل الظاهر کون النهی فی کل منهما لحق الغیر فان منع اللّه جل ذکره من تفویت حق الغیر ثابت فی کل ما کان النهی عنه لحق الغیر من غیر فرق بین بیع الفضولی و نکاح العبد و بیع الراهن.

و منها:أن ما ذکره من المساواة بین بیع الراهن و بیع الوقف و أم الولد

ففیه أن الحکم فیهما تعبد محض و لذا لا یؤثر الإذن السابق من الواقف و المولی فی صحة البیع،بل لو اجتمعوا أی الواقف و الموقوف علیه أو المولی و الولد و أم الولد و رضوا علی البیع فأیضا لا یجوز کما لا یخفی و علی هذا فقیاس الرهن علیه فی غیر محلّه.

و بالجملة أن المستفاد من طریقة الأصحاب،بل الأخبار أن المنع من المعاملة إذا کان لحق الغیر الذی یکفی إذنه السابق لا یقتضی الإبطال رأسا بل انما یقتضی الفساد بمعنی عدم تربت الأثر علیه مستقلا من دون مراجعة ذی الحق و یندرج فی ذلک الفضولی و عقد الراهن و المفلس و المریض و عقد الزوج لبنت أخت زوجته أو أخیها و للأمة علی الحرة و غیر ذلک فإن النهی فی جمیع ذلک انما یقتضی الفساد بمعنی عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا.

قوله:و قد یتخیّل وجه آخر لبطلان البیع هنا.

أقول:بناء علی کون الإجازة هنا کاشفة کما هو الظاهر،فیلزم أن یکون الرهن ملکا للبائع أعنی الراهن و المشتری فیکون البیع و الرهن متنافیین و لا یعقل تحققهما فی زمان واحد فیکون نظیر ما تقدم فی مسألة من باع شیئا ثم ملکه من أنه علی تقدیر صحة البیع یلزم کون الملک لشخصین

ص:246

فی الواقع.

و أجاب عنه المصنف بأن القائل بجواز بیع الرهن انما یلتزم بکشف الإجازة عن عدم الرهن من الأول بناء علی الکشف و الا لجری ذلک فی العقد الفضولی أیضا لأن فرض کون المجیز مالکا للمبیع نافذ الإجازة یوجب تملک مالکین لملک واحد قبل الإجازة و اما ما یلزم فی مسألة من باع شیئا ثم ملکه فلا یلزم فی مسألة اجازة المرتهن،نعم یلزم فی مسألة انفکاک الرهن،فإنه حینئذ یکون ملکا للبائع و المشتری معا و سیجیء التنبیه علی ذلک إنشاء اللّه تعالی ثم ان هذا الاشکال انما فی صورة عدم اجتماع الرهن مع البیع و أما بناء علی مسلکنا فلا موضوع له أصلا،لجواز اجتماعهما علی ما عرفت فتحصل أنه لا محظور فی بیع الرهن بوجه.

قوله:ثم ان الکلام فی کون الإجازة من المرتهن کاشفة و ناقلة هو

الکلام فی مسألة الفضولی.

أقول:قد عرفت فی بیع الفضولی أن مقتضی القاعدة هو النقل و حصول الملکیة للمشتری من حین الإجازة و انما یصار الی الکشف لدلیل اقتضی ذلک فان کون الإجازة شرطا فی صحة البیع بعنوان التعقب مئونة زائدة یحتاج الی الدلیل و علی هذا فالدلیل الدال علی الکشف فی باب الفضولی انما هو الخبر الوارد فی النکاح کما تقدم و انما تعدینا إلی سائر العقود من جهة القطع بعدم الفرق بین أفراد العقود و أما فی المقام فحیث أن المباشر للعقد انما هو من له العقد دون الأجنبی کما فی الفضولی و ما بیده الإجازة انما هو غیر المالک اعنی المرتهن الذی لیس العقد له فاسراء الدلیل الوارد فی النکاح الی هنا یحتاج الی علم الغیب و علیه فمقتضی القاعدة هنا هو النقل-

ص:247

و لکن تقدم فی الفضولی أن مقتضی القاعدة هو الکشف الحقیقی،لا بالمعنی الذی سلکه القوم،بل بمعنی آخر و هو أن یکون المبیع ملکا للمشتری من الأول و لکن حین الإجازة لا من زمان العقد کما عرفت بما لا مزید علیه و علیه فنقول بالکشف هنا أیضا علی طبق القاعدة.

و أما ما أفاده المصنف(ره)هنا من أن القول بالکشف هناک یستلزمه هنا بالفحوی لأن اجازة المالک أشبه بجزء المقتضی و هی هنا من قبیل رفع المانع و من أجل ذلک جوّز و أعتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن مع أن الإیقاعات عندهم لا تقع مراعاة و الاعتذار عن ذلک ببناء العتق علی التغلیب کما فعله المحقق الثانی فی کتاب الرهن فی مسألة عفو الراهن عن جنایة الجانی علی العبد المرهون مناف لتمسکهم فی العتق بعمومات العتق.

و فیه انه لا وجه للأولویة فإن عدم جریان الفضولی فی الإیقاعات من جهة الإجماع و المتیقن منه ما کان الإیقاع من الأجنبی فلا یعمّ بما إذا کان من المالک مع توقفه علی رضائه الغیر الذی لیس بمالک کما فی عتق الراهن لکونه مشمولا للعمومات،بل هو غیر مربوط بباب الفضولی أصلا فضلا عن اقتضاء الأولویة الکشف.

قوله:ثم انه لا إشکال فی أنه لا ینفع الردّ بعد الإجازة و هو واضح.

أقول:أما الإجازة بعد الردّ فذکر المصنف فیه وجهان:الأول أن الردّ فی معنی عدم رفع الید عن حقه فله إسقاطه بعد ذلک و لیس ذلک کرد بیع الفضولی لأن المجیز هناک فی معنی أحد المتعاقدین و قد تقرر أن ردّ أحد العاقدین مبطل لإنشاء العاقد الآخر بخلافه هنا فان المرتهن أجنبی له حق فی العین.

الثانی:أن الإیجاب المؤثر انما یتحقق برضا المالک و المرتهن فرضاء

ص:248

کل منهما جزء مقوم للإیجاب المؤثر فکما أن ردّ المالک فی الفضولی مبطل للعقد بالتقریب المتقدم کک ردّ المرتهن و هذا هو الأظهر من قواعدهم.

و الظاهر أن الإجازة بعد الردّ مؤثرة فی صحة العقد و لا یعتنی،لما ذکره المصنف و ذلک من جهة أنه قد تقدم أن الدلیل علی عدم تأثیر الإجازة بعد الردّ هو الإجماع،و من الواضح أنه دلیل لبیّ یقتصر منه علی المورد المتیقن و هو صورة کون العقد من طرف المرتهن و من لرضایته دخالة فی صحة العقد هو المالک لا الأجنبی کما فی المقام فان المرتهن أجنبی عمن لهما العقد فرضایته دخیل و لکن رده لا یفید فیکون مشمولا للعمومات بل قد ذکرنا فی بیع الفضولی دلالة صحیحة محمد بن قیس علی تأثیر الإجازة بعد الرد مطلقا حیث یفهم من ردّ الولیدة آثار الرد مع ذلک یحکم فیها بصحة البیع کما تقدم و ان استشکلنا فیها أیضا فراجع.

قوله:ثم انّ الظاهر أن فکّ الرهن بعد البیع بمنزلة الإجازة لسقوط

حق المرتهن بذلک.

أقول:وقع الخلاف فی أن فکّ الرهن هل یکون مثل الإجازة و کذا سقوط الرهن بأی نحو کان من إسقاط الدین أو أدائه أولا،بل لا یلزم العقد به بوجه و أنه لیس کالإجازة و قد صرّح بالأول فی التذکرة و کذا عن فخر الإسلام و الشهید فی الحواشی،و الظاهر من المحقق و الشهید الثانیین و یحمل عدم لزوم العقد بالفک کما احتمله فی القواعد،بل مطلق السقوط الحاصل بالإسقاط أو الإبراء أو بغیرهما نظر الی أن الراهن تصرف فیما فیه حق المرتهن و سقوطه بعد ذلک لا یؤثر فی تصحیحه.

و الفرق بین الإجازة و الفک أن مقتضی ثبوت الحق له هو صحة إمضائه للبیع الواقع فی زمان حقه و ان لزم من الإجازة سقوط حقّه فیسقط حقّه بلزوم

ص:249

البیع.

و بالجملة فالإجازة تصرف من المرتهن فی الرهن حال وجود حقه أعنی حال العقد بما یوجب سقوط حقه نظیر اجازة المالک بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء فإنه لیس فیه دلالة علی مضی العقد حال وقوعه فهو أشبه شیء ببیع الفضولی أو الغاصب لنفسهما ثم تملکهما و قد تقدم الاشکال فیه عن جماعة.

ثم أیّد ذلک،بقوله و یؤید ما ذکرناه،بل یدل علیه ما یظهر من بعض الروایات من عدم صحة نکاح العبد بدون اذن سیده بمجرد عتقه ما لم یتحقق الإجازة و لو بالرضا المستکشف من سکوت السید مع علمه بالنکاح.

و أورد علیه المصنف و تبعه شیخنا الأستاذ هذا و لکنّ الانصاف ضعف الاحتمال المذکور من جهة أن عدم تأثیر بیع المالک فی زمان الرهن لیس إلاّ لمزاحمة حق المرتهن المتقدم علی حقّ المالک بتسلیط المالک فعدم الأثر لیس لقصور فی المقتضی،و انما هو من جهة المانع فإذا زال المانع أثر المقتضی.

ثم قال و أما قیاس ما نحن فیه علی نکاح العبد بدون اذن سیده فهو قیاس مع الفارق لأن المانع عن سببیّة نکاح العبد بدون اذن سیّده قصور تصرفاته عن الاستقلال فی التأثیر لا مزاحمة حق السید لمقتضی النکاح إذ لا منافاة بین کونه عبدا و کونه زوجا و لأجل ما ذکرنا لو تصرّف العبد لغیر السیّد ببیع أو غیره ثم انعتق العبد لم ینفع فی تصحیح ذلک التصرّف.

أقول:قد تقرر فی الأصول أن جمیع الاعتبارات و القیودات راجعة إلی موضوعات الاحکام لا الی نفسها فموضوع صحة بیع الراهن انما هو بیع

ص:250

الراهن مع اجازة المرتهن فإذا ارتفع موضوع اجازة المرتهن لا یبقی موضوع لصحة العقد الذی کان مقیدا بإجازة المرتهن و أما مجرّد وجود المقتضی و عدم المانع فلا یفید فی ثبوت الحکم لعدم ترتّب الأثر علیه ما لم یتحقق موضوع الحکم حقیقة و الاّ لجری الکلام فی بیع الغرر و نحوه و یقال أن مقتضی الصحة موجود و المانع أی الغرر مثلا مرتفع فیؤثر المقتضی أثره.

و بالجملة أن باب المقتضی و المانع مما لا یترتب علیه شیء بوجه ما لم یتحقق الموضوع بجمیع قیوداته فی الخارج فإذا تحقق فترتب علیه الأثر.

ثم انک عرفت أن وجه جواز بیع الراهن مع الغض عن جوازه استقلالا

فی نفسه انما هو وجهان:

الوجه الأول:أن الظاهر من الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف

هو التصرف الاستقلالی

و کون کل منهما مستقلا فی التصرف من غیر أن یکون لنظر الأخر دخالة فیه،و أما التصرفات الغیر الاستقلالیة فلا محظور فیها لکونها خارجة عن إطلاق الحدیث فیکون مشمولا للعمومات و أما إذا باع الراهن الوثیقة ففکّ الرهن قبل الإجازة أو سقط الدین بإبراء و نحوه فلا وجه لخروج ذلک عن إطلاق الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف،بل هو شامل لما بعد الفک و ما قبله لأن فی زمان العقد لم تکن اجازة المرتهن و لا أن الراهن کان تصرفه نافذا علی الاستقلال و فی زمان کان الراهن نافذ التصرف لم یکن هنا بیع فلا وجه للتصحیح.

و من هنا ظهر أنه لا موضوع لاستصحاب عدم اللزوم الحاکم علی العموم کما فی کلام المستدل علی الفرق بین الفکّ و الإجازة و للجواب عنه بأن الموارد من موارد التمسک بالعام لعموم أوفوا علی جمیع الآنات سوی زمان الرهن فان البیع فیه غیر لازم و أما فی غیره فالعمومات محکمة،و وجه عدم الاحتیاج، أنه بعد وجود الروایة لا شرح للأصل و أنه مخصص للعمومات فلا محال

ص:251

للتمسک بها کما عرفت.

الثانی:أنه مع الغض عن الوجه الأول

أن ما دل علی جواز نکاح العبد و صحته معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیده دل علی جواز بیع مال الرهن مع رضا المرتهن بدعوی ان المستفاد منه أن کل عقد کان النهی عنه لحق الآدمی یرتفع المنع و یحصل التأثیر بارتفاع المنع و حصول الرضا و لیس ذلک کمعصیة اللّه أصالة فی إیقاع العقد التی لا یمکن أن یلحقها الرضا اللّه و أما فی غیر ما لا یمکن فیه رضا المرتهن فلا مورد للتمسک بما ورد فی نکاح العبد،بل نتمسک بإطلاق الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف بناء علی صحة التمسک به کما علیه المشهور و الغض عما بنینا علیه من جواز بیع الراهن استقلالا کما عرفت،فان ما لا یجوز بیع الرهن انما هو البیع الذی یکون کبیع الغاصب بحیث جعل المبیع کغیر الرهن و یعامل معه معاملة الملک الطلق لا البیع الذی لا ینافی فی الرهنیة بوجه.

و الحاصل:أنه ربما یفرّق بین فکّ الرهن و بین اجازة المرتهن،و الالتزام بالصحة فی الثانی و بالفساد فی الأول و قد أجاب عنه المصنف و تبعه الأستاذ بأن مقتضی الصحة فی بیع الراهن العین المرهونة موجود و المانع عن تأثیره انما هو حق المرتهن فإذا ارتفع بالفکّ فیؤثر المقتضی أثره و فیه أن الاحکام الشرعیة خارجة عن باب المقتضی و المانع بل القیودات و الشرائط فیها معتبرة فی الموضوع فیدور الحکم مدار وجود الموضوع،و واجدیته تمام الشرائط فإذا لم یتم شیء من شرائطه فلا یترتب الحکم علیه فصحّة بیع الرهن انما هی مترتّبة علی اجتماع کل من الراهن و المرتهن علی البیع فان اجتمعا فی ذلک فیصحّ و إذا استقل کل منهما فی التصرف فیبطل کما هو مقتضی الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف و علی هذا

ص:252

فلو باع الراهن العین المرهونة و قبل اجازة المرتهن فک الرهن بإسقاط الدین أو بأدائه فلا یمکن الحکم بصحته لشمول إطلاق الخبر له ما قبل فک و ما بعده فیکون باطلا.

و بعبارة أخری صحته کانت متوقفة علی اجازة المرتهن فلم تحصل بل ارتفع موضوعها و من الواضح أن الخارج عن تحت الخبر انما کان صورة اجتماع الراهن و المرتهن علی البیع و أما غیرها فکان داخلا تحت الإطلاق فلا یشمله عموم أحل اللّه البیع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و غیرهما من العمومات، فإنها وجد قبل الفک لم یکن الشرط فیه موجودا و هو اجازة المرتهن،و أما بعد الفک فلم یوجد البیع لیکون مشمولا لعموم الوفاء بالعقد،فافهم.

و أما ما ادعاه المصنف من أنه لا مجال لاستصحاب عدم تأثیر البیع للعلم بمناط المستصحب و ارتفاعه فالمقام من باب وجوب العمل بالعام من باب استصحاب حکم الخاص کما زعمه المتوهم فإنه و ان کان متینا بالنسبة الی عدم جریان الاستصحاب لتبدل الموضوع مضافا الی عدم جریانه فی الأحکام الکلیة کما حقق فی محله و لکن لا یتم من جهة التمسک بالعام أیضا لما عرفت أن إطلاق الراهن و المرتهن شامل للمورد فیکون مخصصا لعموم العام.

و تحصل أنه إذا باع الراهن و المرتهن شامل للمورد فیکون مخصصا لعموم العام.

و تحصل أنه إذا باع الراهن العین المرهونة ثم فکّ الرهن فیکون البیع فاسدا فلا مجوّز للتصحیح.

ثم بناء علی الصحة فهل مقتضی القاعدة هنا أیضا الکشف کالفضولی أو النقل الظاهر هو النقل لما عرفت أن دلیل الکشف هو الخبر الوارد فی باب النکاح من أنه تحلف المرأة أنها کانت راضیة بالنکاح لو بقی زوجها و تعدینا من ذلک الی کل عقد من جهة القطع بعدم الفرق بینها،و أما

ص:253

المقام فلا وجه للتعدی إلیه حتی لو جوزنا التعدی إلی صورة اجازة المرتهن إذ لیس هنا اجازة حتی تکشف عن حصول الملکیة من الأول و نتعد من خبر النکاح الیه،بل لیس هنا الاّ الفکّ فلا موجب للکشف فی مقام الإثبات و انما مقتضی القاعدة هو النقل.

و اما بناء علی ما ذکرنا من کون الکشف علی القاعدة فکک أیضا فإنا قلنا به من جهة تعلق الإجازة علی العقد من الأول من حین الإجازة و لیس هنا اجازة لتتعلق بالعقد و یکشف عن الملکیة من الأول.

ثم لو قلنا بالکشف أیضا فهل یحکم بلزوم العقد من طرف الراهن بحیث لیس له أن یفسخ العقد أم لا،فحیث أن المصنف قد قال فی البیع الفضولی أن الأمر بالوفاء بالعقد أم لا،فحیث أن المصنف قد قال فی البیع الفضولی أن الأمر بالوفاء بالعقد حکم انحلالی بالنسبة الی کل شخص کما أنه حکم انحلالی بالنسبة الی کل فلکل من البائع و المشتری أمر بالوفاء بالعقد مستقلا و علی هذا فیجب للراهن الوفاء بالعقد کالمشتری الأصیل فلا یجوز له فسخه و لا إبطاله بالاذن للمرتهن فی البیع.

و فیه أن معنی الوفاء هو الإتمام و الإنهاء و الوفاء بالعقد هو انهاءه و لا یتم ذلک الاّ بعد تحقق العقد و الالتزام و هو لا یحصل الا من الطرفین فالشارع المقدس انما یحکم بإتمام العقد و إنهائه إذا کان العقد حادثا و إمضائه حدوثا ثم یحکم ببقائه بقاء و لیس کک إذ الشارع لم یمضی العقد بعد فکیف یحکم بانهائه فإنه لا یتم بالتزام البائع فقط و فی المقام لا یتم بالتزام الراهن فقط بدون رضائه المرتهن و هذا نظیر بیع الصرف و السلم قبل القبض فهل یتوهم أحد بجواز التمسک بالعمومات قبل القبض و کک مثل الوقف قبل القبض.

ثم بناء علی اللزوم و عدم جواز فسخه فهل یجب للراهن فک الرهن

ص:254

لیبقی البیع و ینهاه الی الأخر أو لا یجب و قد تردد المصنف فی المسألة و قال یمکن أن یقال بوجوب فکّه من مال آخر إذ لا یتم الوفاء بالعقد الثانی الاّ بذلک فمن باب المقدمة یجب الفکّ لیحصل الوفاء به،فالوفاء بمقتضی الرهن غیر مناف للوفاء بالبیع.

و یمکن أن یقال انه انما یلزم الوفاء بالبیع بمعنی عدم جواز نقضه و أما دفع حقوق الغیر و سلطنته فلا یجب و لذا لا یجب علی من باع مال الغیر لنفسه أن یشتریه من مالکه و یدفعه الیه بناء علی لزوم العقد بذلک.

و الظاهر هو الثانی فإن الأمر بالوفاء بالعقد إرشاد إلی أنه لا ینقضی بالفسخ و لو أراد ان یفسخ فلا ینفسخ،و أما أنه من المحرّمات بحیث یکون الوجوب تکلیفیّا فلا إذ لا یمکن أن یکون أمر واحد إرشادیا و تکلیفیا معا بحیث یکون أمر واحد متکفلا لجهتین کما هو واضح.لا یخفی و علیه فلا یجب للراهن فکّ الرهن و ان قلنا باللزوم مقدمة الأداء و الوفاء.

ثم انه لو قلنا بکون الأمر بالوفاء تکلیفیا أیضا فلو امتنع فهل یباع علیه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلک،و ان لزم من ذلک ابطال بیع الراهن لتقدم حق المرتهن أو یجبر الحاکم الراهن علی فکه من مال آخر جمعا بین حقی المشتری و المرتهن اللازمین علی الراهن البائع وجهان،کما فی المتن الظاهر هو تقدیم حق المرتهن کما هو واضح.و أما مع انحصار المال فی المبیع فلا إشکال فی تقدیم حق المرتهن کما هو واضح.

الکلام فی بیع الغرری

قوله:مسألة الثالث من شروط العوضین القدرة علی التسلیم،

اشارة

ص:255

فان الظاهر الإجماع علی اشتراطها فی الجملة.

أقول:و من جملة شروط العوضین القدرة علی التسلیم تنقیح مورد البحث هو أن المراد من القدرة علی التسلیم هو القدرة الفعلیة بمعنی التمکن علی التسلیم عند البیع فلو قدر المشتری علی التسلّم و لم یقدر البائع علی التسلیم فیکون البیع صحیحا و لکن کان للمشتری الخیار إذ لیس علیه التسلّم،بل یجب للبائع التسلیم و کذا یثبت الخیار للمشتری إذا کان البائع قادرا علی التسلیم حین البیع ثم طرء له العجز،بل یجوز للمشتری طلب الأجرة علی الاستفادة فکل ذلک لیس موردا للکلام،و انما مورد البحث ما کان التعذر من المنتقل عنه و المنتقل الیه معا و مثلوا لذلک ببیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء ثم لم ینقل الخلاف من العامة و الخاصة فی اعتبار هذا الشرط الاّ أن العامة خالفوا فی بیع الآبق فقالوا بعدم الصحة و لم ینقل الخلاف من الشیعة فی اعتبار هذا الشرط،الاّ من الفاضل القطیفی المعاصر للمحقق الثانی.

ثم ان الدلیل علی اعتبار هذا الشرط وجوه:
الأول:قوله(علیه السلام)نهی

النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر المشهور بین العامة و الخاصة

فیقع الکلام تارة فی سند الحدیث و أخری فی دلالته،أما الأول فلا شبهة فی ضعفه لکونه نبویا الاّ انه اشتهر الاستدلال به فی المسألة و علیه فان کانت الشهرة مستندة الی الحدیث و قلنا بکونها جابرة لضعف السند فبها و الاّ فلا یمکن الاستدلال به و إثبات کل من الصغری و الکبری مشکل جدا.

و أما دلالته علی المقصود فغرّ تارة یؤخذ متعدیا فیکون بمعنی الخدیعة و الغفلة یقال غرّه أی خدعه کما فی الصحاح و القاموس و غیرهما و یظهر ذلک من الروایة المرویة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)أنه عمل ما لا یؤمن

ص:256

معه من الضرر کما فی لسان العرب،ثم حکی المصنف:عن النهایة بعد تفسیر الغرة بالکسر بالغفلة أنه نهی عن بیع الغرر و هو ما کان له ظاهر یغرّ المشتری و باطن مجهول و بالجملة أن الظاهر من جملة من أهل اللغة ان الغرر بمعنی الخدیعة.

و تارة أخری یستعمل لازما فیکون بمعنی الخطر کما فی المصباح و الأساس و المغرب و الجمل و فی لسان العرب نسبة الی بعض و ان کان بمعنی الخدیعة فیکون النهی تکلیفیّا محضا و نهیا عن خصوص التغریر فلا یکون ناظرا إلی الجهة الوضعی الا أن المشهور استدلوا به علی البطلان و ان کان بمعنی الخطر فیکون ناظرا إلی الجهة الوضعی فحیث أن تعین أحد المعنیین غیر معلوم فلا یمکن الاستدلال به و العلم الإجمالی بأحدهما لا یفید لکون کل منهما مشکوکا بالشبهة البدویة و لیس بینهما جامع کلی یوجب العلم التنجّز.

نعم بناء علی کون الغرر بمعنی الخطر فیستدل به علی البطلان و لا یفرق فیه بین ما کان الجهل متعلقا بحصوله بید من انتقل إلیه أم بصفاته کمّا أو بصفاته کیفا کما ذکره المصنف،و اما إذا تعلق بأصل الوجود فیکون من باب بیع ما لا یملک فیکون خارجا عن المقام و ربما یقال ان المنساق من الغرر المنهی عنه الخطر من حیث الجهل بصفات المبیع و مقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسلیمه و عدمه ضرورة حصوله فی بیع الغائب خصوصا إذا کان فی بحر و نحوه،بل هو أوضح فی بیع الثمار و الزّرع و نحوهما.

و فیه أولا:انه ان کان بیع الغائب مما یوثق بحصول المبیع فلیس فیه خطر بوجه فان ذلک من قبیل العلم بالحصول ضرورة قیام الاطمئنان مقام العلم و کونه علما،و ان لم یوثق بحصوله فیکون عین المتنازع فیه فلا یکون فیه

ص:257

امتیاز بوجه.

و ثانیا:ما ذکره المصنف أن الخطر من حیث حصول المبیع فی ید المشتری أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقیید کلام أهل اللغة خصوصا بعد تمثیلهم بالمثالین المذکورین و احتمال إرادتهم ذکر المثالین لجهالة صفات المبیع لا الجهل بحصوله فی یده یدفعه ملاحظة اشتهار التمثیل بها فی کلمات الفقهاء للعجز عن التسلیم لا للجهالة بالصفات،هذا مضافا الی استدلال الفریقین من العامة و الخاصة بالنبوی المذکور علی اعتبار القدرة علی التسلیم.

و بالجملة لا وجه لهذه الدعوی من العرف و اللغة و الشرع و فی مقابل هذا القول ما عن الشهید فی القواعد حیث قال الغرر ما کان له ظاهر محبوب و باطن مکروه و شرعا هو جهل الحصول و مجهول الصفة فلیس غررا و بینهما عموم و خصوص من وجه فإنه مضافا الی إطلاق الروایة أنه لیس للغرر حقیقة شرعیة حتی یتعد بها کما لا یخفی و لکن الذی یسهّل الخطب أن کون الروایة ناظرا الی الحکم الوضعی محل تأمل،بل منع کما عرفت ثم انه هل العلم بوجود الخطر کالجهل بالمبیع أم لا،الظاهر هو الأول لا من جهة الفحوی بل من جهة خطریة المعاملة کما لا یخفی.

الوجه الثانی:ما ذکره شیخنا الأستاذ من أنه لو لم یمکن التسلیم و

التسلّم فهذا المال لا یعتبره العقلاء مالا و لا یترتّبون علیه أثرا

و لذا مثل الأساطین لفقد هذا الشرط ببیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء مع عدم رجوعهما إلی الحالة التی یمکن إقباضهما و قبضهما.

و فیه أنه علی فرض اعتبار المالیة فی صحة البیع فهذا الوجه انما یتم فی الجملة أی فیما لا یکون المبیع فی نظر العرف مالا کبیع الطیر فی الهواء

ص:258

و السمکة فی الماء فان العرف لا یراهما مالا،بل ربما یعدونهما من التلف العرفی و أما فیما لم یکن المبیع الذی لا یقدر علی تسلیمه من التالف کما إذا غصب الغاصب المبیع و لم یکن البائع قادرا علی الإنقاذ فإنه لا یعد ذلک فی العرف تالفا و غیر مال،بل یعدّ مالا کما لا یخفی علی أنه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی المبیع کما تقدم فی أول البیع.

و الکلام فی القدرة علی التسلیم و تحقیق المقام أن المراد من القدرة علی التسلیم هی القدرة الفعلیة سواء کان القادر علی ذلک هو البائع أو المشتری غایة الأمر إذا لم یکن القدرة الاّ من المشتری فیکون له الخیار بل جازت له مطالبة الأجرة و مع عدم القدرة الفعلیة کان داخلا فی محل البحث انه صحیح أو فاسد،نعم لو کان البائع أو المشتری قادرا علی التسلیم أو التسلّم ثم صار عاجزا فهو خارج عن محل الکلام،بل یثبت للمشتری خیار تعذّر تسلیم المبیع.

ثم انه استدل علی البطلان مع العجز عن التسلیم بوجوه:-
الأول:قوله(علیه السلام)نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر

فتارة یراد منه معنی الخدیعة فیکون النهی متمحّضا للنهی التکلیفی فلا یکون موجبا للفساد و قد ذکر ذلک جملة من أهل اللغة.

و أخری یراد من الغرر معنی الخطر فیکون النهی ناظرا الی الحکم الوضعی،و قد ذکر ذلک أیضا جملة من أهل اللغة فحیث لا قرینة علی أراد المعنی الثانی فلا یمکن الاستدلال بالنبوی علی بطلان البیع الغرری و اعتبار القدرة علی التسلیم فی المعاملة و ان کان صحیحا من حیث السند فان احتمال إرادة الخدیعة یوجب منع ظهور النبوی فی الخطر.

نعم استدل المشهور من الخاصة و العامة به علی الفساد و دعوی

ص:259

العلم الإجمالی بکون أحد المعنیین مرادا من النبوی لا یوجب الفساد من جهة تنجیز العلم إذ لا وجه لکونه موجبا للتنجیز فان الخدیعة محرمة جزما من الخارج مع قطع النظر عن إرادة الخدیعة من النبوی نظیر الغش و التدلیس کما تقدم فی المکاسب المحرمة.

ثم انه بناء علی ارادة الخطر من الغرر کما استدل المشهور من الفریقین فلا یفرق فیه بینما کان الجهل متعلقا بالحصول أم بالصفات من حیث الکیفیة أم من حیث الکمیّة فإن الجهل بکل منها یوجب الخطر فیکون البیع فاسدا.

و أما الجهل بأصل الوجود فهو خارج عن المقام و انما هو من صغریات بیع ما لا یملک و دعوی اختصاص الغرر بصورة الجهل بالصفات لا وجه لها فان الجهل بالحصول أعظم غررا من الجهل بالصفات،بل من هذا ما ذکره المشهور من الأمثلة من بیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء فکأن صورة الجهل بالحصول مما تسالم علیه الکل بکونه موجبا للغرر کما لا وجه لدعوی اختصاصه بالجهل بالصفات لکونه معنی شرعیّا للغرر و ذلک لعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی ذلک.

ثم ذکر المصنف و کیف کان فلا إشکال فی صحة التمسک لاعتبار القدرة علی التسلیم بالنبوی المذکور الاّ أنه أخص من المدعی لان ما یمتنع تسلیمه عادة کالغریق فی بحر یمتنع خروجه منه عادة و نحوه لیس فی بیعه خطر لان الخطر انما یطلقه فی مقام یحتمل السلامة و لو ضعیفا لکن هذا الفرد یکفی من الاستدلال علی بطلانه بلزوم السفاهة و کون أکل الثمن فی مقابله أکلا للمال بالباطل.

و فیه أنه تقدم مرّة أنه لا دلیل علی بطلان البیع السفهی و انما

ص:260

الدلیل علی بطلان بیع السفیه و أنه تقدم مرارا أیضا أن آیة حرمة أکل المال بالباطل ناظرة إلی الأسباب و أجنبیّة عن شرائط العوضین.

و أما أصل المطلب أن النبویّ و ان لم یکن شاملا للمقام الاّ أن الخطر بمعنی الهلاکة فإذا کان احتمال الهلکة موجبة للفساد و فی صورة العلم بالهلاکة أولی بالفساد.

و من جملة ما یستدل به علی اعتبار هذا الشرط النبوی المستفیض لا تبع ما لیس عندک و ذکر المصنف أن کونه عنده لا یراد به الحضور لجواز بیع الغائب و السلف إجماعا فهی کنایة لا عن مجرّد الملک لأن المناسب حینئذ لفظة اللام و لا عن مجرّد السلطنة علیه و القدرة علی تسلیمه لمنافاته لتمسک العلماء من الخاصة و العامة علی عدم جواز بیع العین الشخصیة المملوکة للغیر ثم شرائها من مالکها خصوصا إذا کان وکیلا عنه فی بیعه و لو من نفسه فإن السلطنة و القدرة علی التسلیم حاصلة هنا مع أنه مورد السلطنة التامة الفعلیة التی تتوقف علی الملک مع کونه تحت الید حتی کأنه عنده و ان کان غائبا و بالجملة فمراده أنه لا بد من ارادة المعنی الجامع الأعم من الملک و الحضور.

أقول:أما قوله لا یراد به الحضور لجواز بیع الغائب و السلف فالظاهر أن ذکر السلف من سهو القلم فإنه بأی معنی یفسّر النبوی فالسلف خارج عنه لعدم کونه ملکا و کونه غائبا أیضا.

و أما ارادة الحضور من لفظ عندک فواضح البطلان لما ذکره المصنف من صحة بیع الغائب و أما ارادة الجامع الشامل لعدم الملک و عدم القدرة علی التسلیم فأیضا فاسد لعدم القرینة علیه بل الظاهر من النبوی إرادة الملک و دعوی ان المناسب ذکر اللام حینئذ لا توجب عدم ارادة الملک،فان من

ص:261

المتعارف حتی الآن بل فی سائر الأسنة استعمال کلمة عند فی الملکیة و یقال أنه لیس عندی أی لا أملکه فلا یمکن الاستدلال بالنبوی علی اعتبار هذا الشرط.

و أما ما ذکره من قوله مع أنه مورد الروایة عند الفقهاء بل هو مورد الروایة فإنه(ره)ذکر فی البیع الفضولی أن العلامة(ره)روی أن الحکیم ابن حزام الدلال سأل عن بیع العین الشخصیة مع عدم کونها عنده فقال (علیه السلام)لا تبع ما لیس عندک.

و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف من قوله،و أما الإیراد علیه بدعوی أن المراد به الإشارة الی ما هو المتعارف فی تلک الأزمنة من بیع الشیء الغیر المملوک ثم تحصیله بشرائه و نحوه و دفعه الی المشتری فمدفوع بعدم الشاهد علی اختصاصه بهذا المورد و لیس فی الاخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما یشهد باختصاصه بهذا المورد.

و وجه البطلان ما عرفت من روایة العلامة فإن السائل عنها إنما سئل عن خصوص البیع الشخصی الذی لیس عنده ثم یشتریه من الغیر فیعطیه إیاه.

و بالجملة أن الظاهر من قولهم(علیه السلام)لا تبع ما لیس عندک هو نفی الملکیّة لا نفی الحضور و لا نفی القدرة علی التسلیم و الاستدلال علیه و لا الجامع بین المجموع ثم ذکر المصنف نعم یمکن ان یقال أن غایة ما یدل علیه هذا النبوی،بل النبوی الأول أیضا فساد البیع بمعنی عدم کونه علة تامة لترتب الأثر المقصود فلا ینافی وقوعه مراعی بانتفاء صفة الغرر و تحقق کونه عنده، و لو أبیت إلا عن ظهور النبویین فی الفساد بمعنی لغویة العقد رأسا، المنافیة لوقوعه مراعی دار الأمر بین ارتکاب خلاف هذا الظاهر و بین إخراج

ص:262

بیع الرهن و بیع ما یملکه بعد البیع و بیع العبد الجانی عمدا و بیع المحجور لرق أو سفه أو فلس فإنّ البائع فی هذه الموارد عاجز شرعا من التسلیم و لا رجحان لهذه التخصیصات فحینئذ لا مانع عن التزام وقوع بیع کل ما یعجز عن تسلیمه مع رجاء التمکن منه مراعی بالتمکن منه فی زمان لا یفوت الانتفاع المعتد به.

و بالجملة فمراده أنه لو التزمنا بدلالة النبویین علی فساد البیع من الأول لزم من ذلک التخصیص الأکثر لخروج جملة من الموارد عن تحتهما و کونها صحیحة بالإجازة فهما یدلاّن علی الفساد إذا لم یرتفع الغرر و لم یکن مالکا إلی الأبد لا مطلقا.

و فیه أولا أن ظهور قوله نهی النبی عن بیع الغرر هو فساد البیع من الأول من غیر أن یکون مرعی بانتفاء الغرر و یکون صحیحا بعده و لا یقاس ذلک ببیع الفضولی و بیع الراهن کما تقدم.

و ثانیا أنه لا یلزم التخصیص الأکثر بخروج ثلاثة موارد من تحت الروایة و انما یلزم ذلک إذا کان الخارج بالنسبة إلی الباقی کثیرا،مثلا لو قال المولی أکرم العلماء،ثم قال لا تکرم زیدا،و لا تکرم عمروا،و لا تکرم بکرا،فلا یلزم من ذلک تخصیص الأکثر،و انما یلزم ذلک إذا لم یبق تحت العام الا مصداق أو مصداقین.

و ثالثا:أن الموارد التی ذکرها المصنف لیست تخصیصها لنهی النبی عن بیع الغرر بل کلها أجنبی عن النبوی و ذلک فان بناء الاستدلال علی کون الغرر فیه بمعنی الخطر و المهلکة و من الواضح أنه لا خطر فی شیء من المذکورات فإن المشتری اما یرضی بذلک أو لا یرضی لعلمه بالحال و مع ذلک أیّ خطر فی ذلک و مع عدم العلم بالحال یثبت له الخیار کما لا یخفی

ص:263

و أما ما ذکره من لزوم خروج بیع ما یملکه بعد البیع فهو خارج عما نحن فیه بالکلّیّة و انما هو بیع باطل لکونه بیعا لما لا یملک فیشمله قوله(علیه السلام)لا تبع ما لیس عندک علی أن بیع الرهن لیس إلاّ کسائر البیوع الفضولیة غایة الأمر هذا فضولی من المالک الراهن فلا وجه لإخراج خصوص بیع الراهن فقط دون بقیة البیوع الفضولیة.

و أما النبوی الثانی ففیه أولا أن ظهوره هو أن کون المبیع عند البائع من الأول و أنه شرط لصحة البیع من الأول فلا یرتفع الفساد بطروّ العندیة، بل هو باق علی فساد إلی الأبد.

و ثانیا:أنه لا یلزم من خروج ثلاثة موارد منه تخصیص للأکثر أصلا.

و ثالثا:لیس أکثرها تخصیصا للنبوی فضلا عن أن یکون أکثر و ذلک أما بیع العبد الجانی عمدا فلأن ما یتوهم من المانع عن صحة البیع هو تعلق حق الغیر به بأن یسترقه أو یقتله و لکنه لیس بمانع و ذلک لما تقدم فی المسألة السابقة من أنه لا یشترط فی استیفاء حق الجنایة بقاء الجانی فی ملک من کان مالکا له حین الجنایة فلا مانع من بیعه و مجرد تعلق حق المجنی علیه أو ورثته به لا یوجب عدم نفوذ بیع مولاه لعدم کون البیع مانعا عن من استیفاء الحق غایة الأمر یثبت الخیار للمشتری مع الجهل بالحال،فان کونه جانیا عیب فی العبد و بالجملة بعد ما اعترف المصنف(ره)فی المسألة السابقة بصحة بیع العبد الجانی غایة الأمر یثبت الخیار للمشتری مع الجهل بالحال و الاّ فلا یشمله قوله(صلی الله علیه و آله)نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرری حتی یکون خروجه تخصیصا.

و أما بیع المحجور لسفه أو رقّ أو فلس فإن رضی من له البیع علی ذلک کالولی و الغرماء صح البیع فلیس فیه غرر و ان لم یرض به فیکون باطلا

ص:264

من الأول لا من جهة الغرر بل من جهة عدم نفوذ بیعهم بدون اجازة الولی و الغرماء.

و أما الرهن فان قلنا بأن اشتراط القدرة علی التسلیم لا یشمل التعذر الشرعی و انما یختص بالتعذر الخارجی فلا إشکال فی صحة بیع الراهن لکون المنع هنا شرعیا و هذا هو الظاهر فان العجز الشرعی و ان کان العجز الخارجی الاّ أن محط نظر الأساطین فی هذا الشرط هو عدم القدرة خارجا و لذا یمثّلون لما لا یقدر علی تسلمه ببیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء،و ان قلنا بشمول التعذر الشرعی فیکون بیع الراهن داخلا تحت النبوی لکونه من مصادیق بیع ما لیس عنده شرعا فیکون القول بالصحة فیه کما هو المشهور تخصیصا و علی هذا فیکون الخارج عنه مصداق واحد علی فرض واحد.

و بالجملة فظهور النبوی فی فساد البیع من الأول و مع القول بالتخصیص فلیس تخصیصا للأکثر علی أنه لا تخصیص إلاّ فی فرد واحد و مما استدل به علی اعتبار هذا الشرط فی البیع من أن لازم العقد وجوب تسلیم لکل من المبتاعین العوضین الی صاحبه لکن التسلیم لیس بممکن فلا یصح العقد فمقتضی القیاس الاستثنائی هو فساد العقد مع تعذّر التسلیم و أجاب عنه المصنف بأنه ان أرید أن لازم العقد وجوب التسلیم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة و ان أرید مطلق وجوبه فلا ینافی کونه مشروطا بالتمکّن کما لو تجدد العجز بعد العقد.

و فی کلام المصنف مسامحة واضحة فإن قوله وجوبا مطلقا لا یستقیم إذ لا معنی للوجوب المطلق سواء تمکن أم لم یتمکن بل التکالیف کلها مشروطة بالقدرة و التمکن و الاولی أن یقال انه ان أرید أن لازم العقد وجوب التسلیم

ص:265

وجوبا فعلیّا منعنا الملازمة و ان أرید مطلق وجوبه فلا ینافی کونه مشروطا.

ثم قال المصنف و قد یعترض بأصالة عدم تقید الوجوب ثم یدفع بمعارضته بأصالة عدم تقید البیع بهذا الشرط و فی الاعتراض و المعارضة نظر واضح.

أقول:لا ربط لهذا الکلام أصلا إذ عرفت أنه لا معنی لأصالة عدم تقید الوجوب بعد ما استحال إطلاقه ضرورة تقید کل وجوب بحال التمکن و مع قبول إطلاقه فالأصل یقتضی هنا التقید فإنه مع الشک فی الوجوب بدون حصول القید یتمسک بالبراءة و أیضا مع الغض عن جمیع ذلک لا وجه لمعارضة ذلک بأصالة عدم تقید البیع لما عرفت فی محله أن مقتضی الأصل فی العقود هو الفساد و کلما یشک فی اعتبار قید فلا بدّ من اعتباره فتکون النتیجة هو التقید.

و من الوجوه التی استدل بها علی اعتبار هذا الشرط هو أن الغرض

من البیع انتفاع کل منهما بما یصیر الیه و لا یتم الا بالتسلیم.

و فیه ما ذکره المصنف(ره)من منع توقف مطلق الانتفاع علی التسلیم لجواز الانتفاع فی العبد مثلا بمثل العتق علی أنه یجوز الانتفاع به بعد التسلیم و فی وقت حصوله.

و من الوجوه أن بذل الثمن علی غیر المقدور سفه فیکون ممنوعا و أکله

أکلا للمال بالباطل

و أجاب عنه المصنف بأن بذل المال القلیل فی مقابل المال الکثیر المحتمل الحصول لا یکون سفها.

علی أنا ذکرنا کرارا أنه لا دلیل علی بطلان البیع السفهی و أنما الدلیل علی بطلان بیع السفیه ففی البیع السفهی نتمسک بالعمومات و نحکم بصحته.

ص:266

و تحصل أن ما ذکره المصنف من الوجوه علی اعتبار القدرة علی التسلیم لم یتم شیء منها فلا وجه للحکم بالفساد بل نحکم بالصحة غایة الأمر یثبت الخیار للمشتری.

و ذکر شیخنا الأستاذ أن الوجه فی اعتبار القدرة علی التسلیم أن
اشارة

ما تعذر تسلیمه لیس بمال

فیکون البیع باطلا لذلک لان العقلاء لا یرتبون علیه أثرا و لذا مثل الأساطین لفقد هذا الشرط ببیع السمک فی الماء و الطیر فی الهواء مع عدم اعتبار رجوعهما إلی الحالة التی یمکن إقباضهما ثم أورد علی نفسه بأنه لا یقال لو کان فی هذا النحو من المال قصور فی جهة المالیة لزم جریان قاعدة التلف قبل البیع فیه لو فرض کونه حال العقد مثل سائر الأموال،ثم قبل التسلیم صار کذلک ثم أجاب بأنه و ان کان هذا المال فی عالم الاعتبار قاصرا عمّا علیه سائر الأموال الاّ أنه لیس کالعدم بحیث یعد تالفا و قاعدة کون التلف قبل القبض من مال بایعه تختص بما إذا تلف حقیقة و لا تشمل بما إذا نقصت مالیته و لذا لو باع الجمد فی الصیف أو الماء فی المفازة و لم یسلّمه إلاّ فی مکان نقصت قیمته و ضعفت اعتباریة العقلائیة لا یلتزمون بانفساخ المعاملة لقاعدة التلف قبل القبض.

و تحقیق المقام أن یقال أن المال الذی یتعذّر تسلیمه علی أقسام:
الأول:أن یکون مع تعذّره مما یمکن للمشتری الانتفاع به،

کالعبد الآبق و الجاریة الآبقة فإنه و ان کان تعذّر تسلیمهما لأجل الإباق و لکن یمکن الانتفاع بهما بالعتق،و علی هذا فلا یوجب التعذر تسلیم خروج المال المتعذر عن المالیة و ان کان تنقص قیمته لأجل التعذر تسلیم فما ذکره من کون التعذّر موجبا لزوال المالیة لا یتم هنا لإمکان انتفاع المشتری بذلک و علی هذا فیصح البیع هنا بمقتضی القاعدة حتی بناء علی اعتبار المالیة فی البیع.

ص:267

الثانی:أن لا یمکن الانتفاع به لأحد لا المبتاعین و لا غیرهما بحیث

یوجب التعذر لحوقه بالتالف و بالمعدوم

فهذا مما لا شبهة فی عدم جواز بیعه حتی بناء علی عدم اعتبار المالیة فی المعاوضة فإنه انما لا یعتبر علی هذا المسلک کون المبیع مالا لا غیر موجود فإنه لم یختلف أحد فی اشتراط الوجود فیه فتکون البیع فاسدا حینئذ و هذا نظیر ما إذا صاد طیرا وحشیّا أو غزالا وحشیّا أو غیرهما من الحیوانات البریة الغیر الأهلیّة ثم أبق فإنه لا یرجع عادة فیکون فی حکم التلف عرفا و لذا لا یصحّ أن یقال أن لفلان حیوانا فی هذا المفازة و هکذا المال الذی وقع فی البحر کالخاتم و الدرهم و الدینار و نحو ذلک فان العرف یری ذلک تالفا و لا یرون فی تلک الأموال اضافة الی مالکه بوجه لا إضافة المالیة و لا إضافة الملکیة و لا إضافة الحقیة و هذا القسم لا شبهة فی عدها من التالف و علی هذا فلو باع أحد ماله ثم وقع فی البحر قبل القبض أو صاد غزالا أو طیرا ثم أبق قبل القبض لا شبهة فی عدّ ذلک من التالف فتشمل علیه القاعدة المعروفة کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال بائعه فان ذلک و ان لم یکن معدودا من التلف الحقیقی و لکنه یعدّ من التلف العرفی.

و بالجملة ما کان یتعذّر التسلیم و مع ذلک لا یمکن لأحد أن ینتفع به فیکون عرفا من التالف فلا یبقی فیه اضافة الی المالک أیّ اضافة کانت فلا یصحّ البیع مع هذا التعذّر بل یبطل البیع مع طروّ مثل ذلک التعذّر.

الثالث:أن یکون التعذّر موجبا لعدم إمکان الانتفاع للمتبایعین

فقط دون الأشخاص الأخر

کما إذا غصب الغاصب دار زید فجلس فیها و لکن لا یتمکن زید عن انقاذها و لا من یرید بیعها منه و لا یمکن لهما أن ینتفعا بها بوجه الاّ أن ذلک لا یوجب عدم جواز الانتفاع بأصل الدّار و

ص:268

کونها ساقطة عن المالیة بالکلیة بحیث لم یرغب إلیها أحد و لا ینتفع بها شخص و الاّ لما غصبها الغاصب،بل لم تنقص قیمة هذه الدار أیضا فکیف بکونها ساقطة عن المالیة.

و علی هذا فما ذکره شیخنا الأستاذ من کون التعذر موجبا عن الخروج عن المالیة انما یتمّ فی الفرض الثانی فقط لا فی غیره من الفروض فلا کلیة له و فی هذا الفرض الثانی یبطل البیع حتی مع عدم اعتبار المالیة أیضا لعدم وجود المبیع لا من جهة عدم المالیة لما عرفت من کونه لاحقا بالتالف فلا تصل النوبة بما ذکره الأستاذ و فی هذا الفرض الثانی ما ذکره المستشکل من لزوم کونه موجبا لبطلان البیع لو طرئه ذلک العارض قبل القبض و الإقباض هذا ما تقتضیه القاعدة.

و أما بحسب الروایات

فقد ورد صحیحا فی المسألة الآتیة فی العبد الآبق و الجاریة الآبقة أنهما یباعان مع الضمیمة معلّلا بأنه لو لم یرجع العبد و الأمة یقع الثمن فی مقابل الضمیمة فإن المستفاد من عموم التعلیل هو جواز البیع مع الضمیمة مطلقا سواء کان الآبق هو العبد أو الإبل أو غیرهما و یصحّ البیع فی مطلق الشارد کما لا یخفی و لکن المشهور لم یعملوا بالروایات فی غیر العبد الآبق و الجاریة الآبقة و لم یعلموا بعموم التعلیل کما هو واضح فتدل الروایة علی عدم جواز بیع غیر العبد الآبق من الموارد التی یتعذر فیه التسلیم بطریق أولی فإنه إذا لم یصحّ بیع العبد الآبق منفردا مع جواز الانتفاع به بالعتق و فیما لا ینتفع به لا یصحّ بالأولویة.

هل القدرة شرط أو العجز مانع

قوله:ثم ان معاقد الإجماعات کما عرفت کون القدرة شرطا.

أقول:قد وقع الخلاف فی أن القدرة علی التسلیم شرط للبیع أو العجز عنه مانع بعد الفراغ عن أصل الاشتراط و قد أکد الشرطیة فی عبارة

ص:269

الغنیة حیث حکم بعدم جواز بیع ما لا یمکن فیه التسلیم فینتفی المشروط عند انتفاء الشرط و مع ذلک کلّه فقد استظهر صاحب الجواهر من عبارة الغنیة أن العجز مانع لا أن القدرة شرط للبیع و تظهر الثمرة فی مورد الشک حیث أنه لو اعتبرت القدرة شرطا لا یجری الأصل و لو اعتبر العجز مانعا فنتمسک بالأصل ثم ذکر مسألة اختلاف الأصحاب فی الضال و الضالة و جعله دلیلا علی أن القدر المتفق علیه ما إذا تحقق العجز.

و قد أشکل علیه المصنف أولا بأن صریح تسالم الفقهاء و معاقد إجماعهم خصوصا عبارة الغنیة المتأکدة بالتصریح بالانتفاء عند الانتفاء هی شرطیة القدرة فلا وجه لجعل مانعا عن البیع.

و فیه أنه لا حجیة فی تسالم الأصحاب و إجماعاتهم خصوصا بعد عدم کون هذه التدیقات مغروسا فی أذهان السابقین من أن العجز مانع أو القدرة شرط و کذلک صاحب الغنیة فإن بنائهم التعبیر عن اعتبار القدرة علی التسلیم فی البیع بعبارة و من البعید التفاتهم علی کون القدرة شرطا أو اعتبار العجز مانعا.

و بالجملة بعد ما لم یکن هذا الاختلاف موجودا فیهم فلا وجه لدعوی الإجماع علی احد فی الاختلاف علی أن الظاهر من قوله(صلی الله علیه و آله)نهی النبی عن بیع الغرر هو کون الغرر مانعا عن البیع فإن النهی إرشاد إلی المانعیة أی أنّ البیع الغرری ممنوع و خارج عن تحت العمومات الدالة علی الصحة و اللزوم.

و ذکر المصنف ثانیا أن العجز أمر عدمیّ لأنه عدم القدرة عمّن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن یقدر فکیف یکون مانعا من ان المانع هو الأمر الوجودی الذی یلزم من وجوده العدم کان ممنوعا لأجله و یلزم منه انتفائه

ص:270

فلا وجه لجعل العجز الذی هو الأمر العدمی من قبیل المانع الذی یلزم من وجوده العدم فإنه لا معنی لجعل عدم القدرة مانعا الاّ لجعل عدم القدرة الذی هو وجود القدرة شرطا کما لا یخفی.

و فیه أن الأمر العدمی لا یکون مانعا إذا کان یقابل الوجود تقابل السلب و الإیجاب لکونه عدما محضا و غیر ممتاز فضلا عن أن یکون مانعا.

و أما العدم الخاص الذی یقابل الوجود تقابل العدم و الملکة فله حظّ من الوجود فیمکن أن یعتبر مانعا مثلا للشارع أن یعتبر العجز مانعا عن صلاة الجماعة و أن یعتبر عدم الجهل الذی یقابل العلم تقابل العدم و الملکة فی صحة الجماعة بأن یکون مانعا عن انعقادها و هکذا و هکذا فما ذکره المصنف من عدم جعل الأمور العدمی مانعا فهو خلط بین العدم الخاص و العدم المطلق فما نحن فیه من قبیل الأول کما صرح به.

علی أن المانع هنا غیر ما جری علیه الاصطلاح فی علم المعقول من المانع ما کان یلزم من وجوده العدم فیجعلون الأمور الوجودیة مانعا عن الشیء و مؤثرة فی عدم تحققه و هذا بخلاف الأحکام الشرعیة فإن المانع فیها ما یعتبر الشیء مانعا عن الحکم الشرعی سواء کان أمرا وجودیا أم أمرا عدمیّا من غیر أن یکون مؤثرا فی عدم تحقق شیء أصلا.

و بالجملة لیس المانع هنا هو المانع المصطلح علیه فی علم المعقول و لا الشرط و المقتضی و سائر ما اصطلحوا علیه من اجزاء العلّة جاریا علی مصطلحهم لأن باب المعقول لیس باب التأثیر و التأثر الحقیقی،بل التأثیر فی مجرّد الاعتبار فشابه ذلک لذلک فأطلق علیه ألفاظه فمعنی کون العجز مانعا خروج صورة العجز عن حکم أوفوا کما أن معنی کون القدرة شرطا خروج ما عدا صورة القدرة عن حکمه کما ذکره المحقق الایروانی.

ص:271

ثم ذکر المصنف ثالثا لو سلّم صحة إطلاق المانع علی العجز لا ثمرة فی أن القدرة شرط لصحة البیع أو أن العجز مانع عنه و ذلک من جهة أنه أن کانت الحالة السابقة هی القدرة و شککنا فی تحقق القدرة أو العجز فعلا فنستصحبها و أن کانت الحالة السابقة هو العجز فأیضا نستصحب العجز سواء جعلنا القدرة شرطا أو العجز مانعا و إذا شککنا فی أن المراد من العجز ما یعمّ التعسّر أم خصوص التعذر أو المراد من العجز العجز المستمرّ أو العجز فی الجملة فاللازم هو التمسک بعمومات الصحة من غیر فرق بین تسمیة القدرة شرطا أو العجز مانعا،ثم ذکر ان التردد بین شرطیّة الشیء و مانعیته انما یصحّ و یثمر فی الضدین مثل الفسق و العدالة لا فما نحن فیه و شبهه کالعلم و الجهل.

ثم ذکر أن الاختلاف الأصحاب فی مقابل مسألة الضال و الضالة فلیس للشک المالک فی القدرة و العجز و مبنیّا علی کون القدرة شرطا أو العجز مانعا کما یظهر من أدلتهم علی الصحة و الفساد،بل بما سیجیء عند التعرض بحکمها و ذکر حکم ذلک فی مسألة الآبق.

و فیه أنه لا ثمرة للنزاع المذکور إذا کان لکل من العجز فقط أو القدرة فقط حالة سابقه و أما إذا کان لکل منهما حالة سابقه معا و کان الشک فی التقدم و التأخر أو لم یکن لهما حالة سابقه أصلا و أن کان هذا فرضا غیر معقول أو کان و لکن نسبی فإنه حینئذ ان جعلنا القدرة شرطا فیکون العقد محکوما بالفساد واقعا لأصالة عدم تحقق الشرط و محکوما بالصحة لأصالة عدم المانع فلا وجه له لأن لا یفرّق بین الصورتین و بالجملة أن شیئا من المذکورات لا یرد علی صاحب الجواهر.

نعم یرد علی صاحب الجواهر أن أصالة عدم المانع لا دلیل علیها و

ص:272

لیس حجة أصلا إلاّ إذا قلنا بقاعدة المقتضی و المانع.

فنقول ان مقتضی الصحة فی العقد موجود من الملکیة و العمومات و المانع مفقود فیؤثر المقتضی أثره فلا یکون النهی عن الغرر موجبا لخروج هذا العقد عن تحت العمومات لعدم إحراز المانع و لکنه ذکرنا فی الأصول أنه لا دلیل علی حجیة قاعدة المقتضی و المانع أصلا.

و بالجملة فکما أن الشرط لا بدّ و ان یحرز فی صحة العقد و کذلک لا بدّ من إحراز عدم المانع لاعتباره فی صحّة العقد کالشرط فأصالة عدم المانع لیس من الأصول المسلمة حتی یحرز بها ذلک إلاّ إذا کان لکل منهما حالة سابقه فان مقتضی الاستصحاب حینئذ هو الحکم بالقدرة أو العجز أو بعدم القدرة و عدم العجز فعلا بوجودهما الاحرازی و أن الشارع حکم بمقتضی الاستصحاب علی ذلک فان هذا الأصل لا محذور فی جریانه فإنه یکفی فی جریان الأصل کونه ذی أثر شرعی سواء کان نفس المستصحب حکما شرعیا أو موضوعا ذی حکم أم لم یکن کما اختاره شیخنا الأنصاری فی الأصول و قوّاه شیخنا الأستاذ و جعلناه موافقا للتحقیق.

نعم هذا مورده فی الوجه الثانی علی النحو الذی ذکرناه بناء علی مسلک صاحب الکفایة من اشتراط کون المستصحب فی الاستصحاب أما حکما شرعیّا أو موضوعا ذی حکم فلا مطرح للاستصحاب هنا لعدم کونه القدرة أو العجز حکما شرعیّا و لا موضوعا للحکم الشرعی،بل اما أن القدرة شرط للعقد أو أن العجز مانع عن صحة العقد.

علی أنه لا تصل النوبة الی أن القدرة شرط أو أن العجز مانع کما هو واضح،بل بحکم ببطلان العقد للغرر المنهی عنه بیان ذلک أنه بناء علی صحة الاستدلال بالنبوی نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر فإنما هو نهی عن

ص:273

البیع الغرری و البیع الذی فیه خطر و هلاکة و من الواضح جدا أنه مع الجهل بأن البائع یکون قادرا علی التسلیم أم لا فیکون البیع غرریا أی بیعا فیه احتمال الخطر و الهلاکة فإنک عرفت اعتبار الجهل فی مفهوم الغرر فبمجرّد احتمال ذلک یکون البیع باطلا لشمول النهی له و خروجه عن تحت العمومات إذ لیس شرط البیع هی القدرة الواقعیة أو المانع عنه هو العجز الواقعی،بل الشرط أو المانع هو إحراز القدرة أو إحراز العجز کما لا یخفی.

و بالجملة لا بد فی صحة العقد من إحراز أنه لیس فیه خطر و هلاکة و من الواضح أن احتمال أن البائع لا یقدر علی التسلیم فیه من الخطر ما لا یخفی فیکون مشمولا للنهی عن الغرر فیکون فاسدا.

نعم،إذا کانت الحالة السابقة هی القدرة علی التسلیم و شککنا فی القدرة و العجز فعلا فنستصحب القدرة علی التسلیم ان کانت القدرة شرطا أو عدم العجز ان کان العجز مانعا فیه نلغی احتمال الخلاف فکأن الشارع یقول الغی احتمال الخلاف بناء علی ما ذهب الیه المصنف فی الأصول و تبعه الأستاذ و اخترناه من أن الشرط لجریان الاستصحاب کون المستصحب ذی أثر شرعی فلا یلزم کونه أی المستصحب ذی حکم أو حکما شرعیّا کما ذهب الیه صاحب الکفایة فإنّ القدرة لیست موضوعا للحکم و لا انها بنفسها حکم و انما شرط البیع هو إحراز القدرة لا لقدرة الواقعیة و لذا یصحّ البیع مع إحراز القدرة و ان لم یکن فی الواقع قادرا علی التسلیم.

و بالجملة فما لم یکن هنا ما یحرز به کون العقد خطریا فیحکم بفساده لا طلاق نهی النبی عن بیع الغرری بناء علی تمامیته و الاّ فلا و مع ذلک لا تصل النوبة الی أن مقتضی القاعدة فی صورة الشک فی کون القدرة شرطا أو العجز مانعا مع عدم الحالة السابقة لکل منهما أی شیء کما هو واضح

ص:274

ثم انه إذا شککنا فی أن القدرة علی التسلیم شرط للبیع أو العجز عنه مانع عنه و شککنا أیضا فی أنا قادرین علی ذلک أو غیر قادرین فتارة بکون الشک فی الشبهة الحکمیة و المفهومیة و اخری یکون الشک فی الشبهة المصداقیة.

أما الأول:فکما إذا شککنا أن القدرة المعتبرة فی تسلیم العوضین هی القدرة العقلیة أو الشرعیة أو العرفیة أو الأعم و انه لا بد من العلم بالقدرة علی التسلیم أو یکفی مجرد احتمال القدرة علیه من جمیعها،ففی الحقیقة یرجع الشک إلی سعة مفهوم القدرة المعتبرة هنا و ضیقه فیکون من صغریات الأقل،و الأکثر،فنأخذ القدر المتیقن و نجری البراءة من الزائد عنه کما قرّر فی محله.

و أما إذا کانت الشبهة مصداقیة بأن کان الشک فی کون کل من المبتاعین قادرا علی التسلیم أو غیر قادر علیه،فح تختلف الحال بالنسبة الی ذلک باختلاف دلیل اعتبار القدرة علی التسلیم بیان ذلک إذا کان دلیل الشرط المذکور النبوی المعروف نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر،فح لا توجه شبهة مصداقیة فی المقام أصلا،فإن مبنی الاستدلال به انما هو أخذ الغرر بمعنی الخطر و من الواضح جدا أن الخطر یتحقق بمجرد الاحتمال و أن البائع أو المشتری لا یقدر علی التسلیم إذ الخطر هو الهلاک بمعنی خوف عدم وصول کل من العوضین إلی الأخر لا الهلاک بمعنی الانعدام و هذا لا معنی للشبهة المصداقیة أصلا،فإن کل من المتعاملین یری نفسه بأنه بأی کیفیة و حالة فإنه ان کان جازما علی کونه قادرا علی التسلیم فالشرط متحقق و ان کان مترددا فی ذلک و محتملا أنه یقدر فلا تحقق للشرط فان الشرط لیس هو التمکن الواقعی،بل إحراز القدرة.

ص:275

و بعبارة أخری قد عرفت أن ما هو شرط للبیع لیس إلاّ إحراز القدرة و لو کان العجز مانعا فإنما هو إحراز العجز و احتماله و أن موضوع الحکم إثباتا و نفیا هو الوصف النفسانی دون الأمر الواقعی التکوینی و علیه فلا یعقل مورد یشک فبه أن الشرط أو المانع موجود أم لا،بل لا بد و أن لا یلاحظ کل من المتبایعین ما فی صقع نفسهما من الأوصاف النفسانیة فإن کان کل منهما جازما علی القدرة علی التسلیم فالشرط و عدم عجزهما عن ذلک فالشرط متحقق أو المانع مرتفع و ان کانا متردّین فی ذلک و محتملین عدم القدرة علی التسلیم،فالشرط منتف أو المانع مفقود.

و علی هذا فلا یفید جریان الاستصحاب إذا کان الحالة السابقة هی القدرة بحیث یحرز به وجود القدرة و کان یلغی به احتمال عدم القدرة علی التسلیم کما یلغی به احتمال الخلاف فی سائر الموارد بحیث کان الشارع یقول الغی احتمال الخلاف و ذلک من جهة أن المستصحب عبارة عن القدرة السابقة و الخطر انما یتحقق بمجرد احتمال عدم القدرة علی التسلیم،و خوف عدم وصول العوضین الی المتباینین و من الواضح جدا أن استصحاب القدرة لا یثبت وصول العوضین بید المتبایعین و لا یلغی احتمال عدم القدرة علی التسلیم الذی موجود بالفعل وجدانا الا علی القول بالأصل المثبت و بالملازمة العقلیة فهو کما تری.

نعم لو قامت البینة علی ذلک و أن کل منهما قادرین علی التسلیم فیرتفع بها احتمال عدم القدرة علی التسلیم تعبدا لکونها من الامارات فهی کما تتکفل علی إثبات المعنی المطابقی فکک تتکفل أیضا علی إثبات اللوازم کما حقّق فی محلّه.

و دعوی أن الوصف النفسانی أعنی احتمال عدم القدرة علی التسلیم

ص:276

الذی به قوام الغرر موجود فی المتبایعین تکوینا و الامارة لا یرفعه فلا یفرق فیما ذکر بین الامارة و الاستصحاب فإنها دعوی جزافیة فإن الامارة و ان لم ترفعها تکوینا و لکن ترفعها تشریعا و تعبّدا فهل یتوهّم أحد أنه مع قیام الامارة أن موضوع البراءة هو الشک فتجری فی مقابلها فان ما نحن فیه أیضا نظیر ذلک،فان کلها ناظرة إلی الأحکام الظاهریة دون الواقعیة.

و بالجملة مع کون دلیل الشرط هو النبوی فلا نعقل موردا للشبهة المصداقیة بوجه من الوجوه کما لا یخفی.

و أما إذا کان المدرک قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک،فان الکلام ح فی الشبهات المفهومیة هو الکلام الذی تقدم من ان المقام من موارد دوران الأمر بین الأقل و الأکثر فنأخذ المقدار المتیقن فنجری البراءة فی الزائد و أما الشبهة المصداقیة فتحقق علی هذا فان معنی کون المال عنده أو لیس عنده و ان کان واضحا علی مسلکنا کما تقدم من کون ظهور عبارة عن الملکیة دون الأعم منه و من القدرة علی التسلیم و لکن مع التنزیل عن ذلک و أخذ العند بمعنی السلطنة علی التسلیم،و علیه فیمکن أن یشک الإنسان فی ملکه أنه عنده أو لیس عنده،کما إذا تولّد فرسه أو غنمه أو غیرهما من الحیوانات المملوکة له فی غیر بلده،و شکّ فی أنه هل هو قادر علی تسلیمه أولا،لاحتمال کون طریقة أی طریق ذلک البلد مسدودا و هکذا و هکذا،ففی هذه الموارد أما التمسک بالعمومات الدالة علی صحة المعاملة فلا یجوز لعدم جواز التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

بل،نقول انه تارة یکون لهذا الفرد المشکوک حالة سابقه معلومة بأن کان قبل زمان قادرا علی التسلیم أو عاجزا عنه فبناء علی کون القدرة شرطا فیستصحب القدرة علی التسلیم،فبناء علی کون العجز مانعا فیستصحب

ص:277

عدم العجز،و مع کون الحالة السابقة هو العجز فاما یستصحب عدم القدرة ان کانت هی شرطا أو یستصحب عدم العجز أن کان هو مانعا فلا یرد علی هذا،ما تقدم من الإشکال فی جریان الأصل من کونه مثبتا فان عنوان عدم السلطنة علی التسلیم و إیصال العوضین تحت ید کل من المتبایعین أمر مستصحب،فیمکن إثباته بالاستصحاب کما لا یخفی،فیحرز به أنه قادر علی التسلیم،و کذا الحال لو قامت البیّنة علی القدرة علی التسلیم.

و أما إذا لم تقم البیّنة علی ذلک أو کان لکل من القدرة و العجز حالة سابقه و لکن اشتبه کل منهما علی الآخر و لم یعلم السابق منهما أو لم یکن لشیء منهما حالة سابقه فهل یمکن الالتزام بصحة البیع هنا أو لا یمکن.

فنقول اما إذا کان لکل منهما حالة سابقه فاشتبها فلا شبهة فی تعارض الأصلین و تساقطهما فیحکم بالفساد لعدم جواز التمسک بالعموم لان الفرض أن المورد من الشبهات المصداقیة فلا یجوز التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.

و أما إذا لم تکن لهما حالة سابقه کما إذا تولد للبائع حیوان فلا یدری أنه قادر علی التسلیم أو غیر قادر علیه أو مات أبوه فانتقل المال الیه و قد باع متاع من فلان فلا یدر الوارث أنه کان قادرا علی التسلیم أو لم یکن أو باع نفسه شیئا و نسی أنه حین البیع کان قادرا علیه أو لم یکن ففی جمیع ذلک بعد الفراغ عن تحقیق معنی القدرة علی التسلیم و مفهومه بحیث لا یشک فی المفهوم و لا یرجع الشک إلیه بأنه هل تصدق القدرة علی احتمال القدرة علی التسلیم أو لا،و هکذا.

فنقول:انا قد ذکرنا فی الأصول الضابطة الکلیة فی دوران الأمر بین شرطیّة أحد الضدین و مانعیة الأخر کما إذا شککنا أن العدالة شرط

ص:278

للجماعة أو الفسق مانع عنها و هکذا فی الموارد الأخر و کما إذا شککنا أیضا أن العدالة شرط لوجوب إکرام العلماء أو الفسق مانع عنه مع عدم الحالة السابقة فیهما فهل الضابطة هنا هو إجراء أصالة عدم العدالة و منع تحقق الشرط أو إجراء أصالة عدم الضد الآخر و تفرّع عدم المانع علیه،فثمرة نزاع کون أحد الضدین شرطا أو کون الأخر مانعا هو ذلک فبناء علی کون أحد هما شرطا ففی المثال بأن تکون العدالة شرطا للکلام و الجماعة فبأصالة تحقق الشرط أو بأصالة البراءة عن الواجب مع الشک فی الشرط فنحکم بعدم الوجوب و بفساد المشروط.

و أما لو کان الضد الأخر مانعا و ان لم یکن لأصالة عدم المانع أساس صحیح الاّ ما ذکرناه من قاعدة المقتضی و المانع و لکن ذکرنا فی محلّه أنه یمکن نفی الضد الآخر بالعدم الأزلی بناء علی جریانه کما هو الحق،ففی المثال المتقدم أن کونه عالما محرز بالوجدان فعدم کونه فاسقا زمان نحرزه بالأصل فلیتم الموضوع المرکب من الوجدان و الأصل فیترتب علیه الحکم و لکن الأصل النافی للضدّ الآخر هو العدم المحمولی لعدم وجود الفسق دون العدم الأزلی نعم فی مثل القرشیّة و نحوها تجری أصالة عدم الأزلی.

و بالجملة قد حققنا فی محلّه أن الضابطة فی ذلک هو نفی الضد الآخر اما بأصالة العدم المحمولی أو بأصالة العدم الأزلی فیحکم بصحة العمل الذی قد اعتبر ذلک الضدّ فیه من حیث العدم.

و لکن لا یجری ذلک فی المقام و ذلک لأنا إذا شککنا فی أن البائع قادر أو عاجز یستصحب عجزه السابق مثلا و أما العدم المحمولی الذی یشکّ فی استمراره فی أول وجود المعروض کالقرشیة و مخالفة الشرط للکتاب و نحو ذلک فالاستصحاب غیر جار الاّ بمفاد لیس التامة و لا أثر له لکونه مثبتا

ص:279

لإحراز النعتیّة.

و بالجملة ففی تقابل العدم و الملکة الذی من صغریاته ما نحن فیه لما عرفت من کونه التقابل بین القدرة و العجز هو تقابل العدم و الملکة غایة الأمر ان العدم هو الذی من شأنه الوجود و لیس له رائحة الوجودیة أزید من ذلک لا یجری هذا الضابطة و النزاع المذکور،بل لا بد من الالتزام بشرطیة القدرة فیکون البیع ح فاسدا و ذلک لان العجز أمر عدمی غیر قابل لأن یکون مانعا إذا المانع هو الأمر الوجودی الذی یمنع عن تأثیر المقتضی و العدم لیس له ذلک فلا یمکن إجراء أصالة عدم العجز و رفع المانع بذلک الأصل،بل العجز لیس الاّ عدما الذی هو مفاد الأصل فلیس مفاد الأصل أزید من ذلک.

نعم لو ترتب علی هذا الأمر العدمی عنوان بسیط و کان العنوان البسیط المنتزع من ذلک الأمر العدمی موضوعا للحکم لجری هذا الأصل أیضا کالعمی إذ لیس هو صرف عدم البصر بل هو عنوان بسیط فیکون بذلک العنوان موضوعا للحکم فیمکن نفی ذلک العنوان الذی هو نحو من الوجود بأصالة العدم الأزلی.

و لکن هذا أیضا لا یجری فی المقام إذ لا دلیل علی کون العجز مانعا عن البیع الاّ قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک کما هو المفروض و من الواضح أن عنوان ما لیس عندک لیس إلاّ أمرا عدمیّا غایة الأمر عدما من شأنه الوجود أی عدم ملکة فهو بنفسه مانع عن البیع لکونه مأخوذا فی لسان الدلیل لا عنوان آخر بسیط منتزع عنه فإذا لیس مفاد الأصل إلاّ نفی عنوان ما لیس عندک الذی هو عدم فلا یوجب ذلک رفع عنوان بسیط حتی یقال أنّ الأصل أوجب رفع الضدّ الأخر الذی کان مانعا کما لا یخفی.

ص:280

و بالجملة فلا دلیل یدل علی کون العنوان البسیط المنتزع من العجز و من عنوان ما لیس عندک موضوعا للحکم حتی باعتباره تجری الضابطة المذکورة فی المقام فافهم.

قوله:ثم ان العبرة فی الشّرط المذکور انما هو زمان استحقاق التسلیم
اشارة

أقول:قد عرفت أن المدرک لاعتبار القدرة علی التسلیم قوله(صلی الله علیه و آله) نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر بناء علی کونه بمعنی الخطر و قوله(صلی الله علیه و آله) لا تبع ما لیس عندک،بناء علی تفسیره بمعنی عدم السلطة علی التصرف و التسلیم

و أنما یتوقف الاستدلال بهما علی المقصود علی مقدمات ثلاث:
المقدمة الاولی:أن یکون المتعاملین مالکین علی المبیع و الثمن

و غیر المالک لیس مخاطبا بهذا الخطاب کالفضولی و نحوه فلا یشملان لغیره بل لخصوص المالک.

المقدمة الثانیة:أن یکون الغرر فعلیا

فان ففعلیة الحکم بفعلیة الموضوع فالغرر الشأنی لا یکون مؤثرا فی بطلان العقد.

المقدمة الثالثة:أن یکون مخاطبا بالتسلیم و مأمورا به

و فیما لیس أمر بالتسلیم فلا مورد للنبویین.

و یتفرّع علی ذلک فروع مهمة:-
الفرع الأول:أنه لو کان المبیع تحت ید المشتری و لم یقدر البائع

علی أخذه منه و لا علی التصرف منه

و لکن یقبل الغاصب بیعه منه فیجوز أن یبیعه فلا یعتبر التسلیم هنا فان اعتبار القدرة هنا لیس من باب الموضوعیة بل من جهة الطریقیة و وصول العوضین الی المتعاملین و من المعلوم أن المثمن هنا تحت سلطة المشتری فاعتبار التسلیم تحصیل للحاصل لکونه موجودا عنده فلا یشمل النبویان علی ذلک.

ص:281

أما دلیل نفی الغرر فمن جهة أنه لیس هنا خطر بوجه لوجود المبیع تحت ید المشتری فأی خطر هنا فإنه لو کان انما هو من جهة الجهل بوصوله إلی المشتری فالمفروض أنه حاصل عنده و اعتباره ثانیا تحصیل للحاصل.

و أما النهی عن بیع ما لیس عنده فقد عرفت أن کونه دلیلا لهذا الشرط من جهة کون العند بمعنی السلطنة علی التصرف و التسلیم و من الواضح أنه یعتبر فیما من شأنه أن یسلّم إلی المشتری.

و أما فیما لا یلزم التسلیم فیه فلا مثلا لو قال المولی لعبده لا تشتر من السوق ما لا تقدر علی حمله فان مناسبة الحکم و الموضوع تقتضی أن ما یلزم حمله الی البیت منهی عنه شرائه فلا یعم ما لا یحمل علی البیت فلا یمکن أن یقال أنه لا یجوز للعبد اشتراء العقار و مال التجارة و غیرهما مما لا یلزم حملها علی البیت بمجرّد النهی المذکور،بل لو کان هنا عموم نتمسک به کما إذا أمره بالمعاملة و البیع و الشراء قبل النهی المذکور.

ففی المقام أن مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی أن النهی عن بیع ما لیس عنده من جهة عدم القدرة علی التسلیم و فیما لا یعتبر فیه التسلیم حتی لو لم یکن هذا النهی أیضا فلا یشمله ذلک،بل یتمسک بعمومات صحة البیع.

الفرع الثانی:ان بیع العبد الآبق ممن ینعتق الآبق ممن ینعتق علیه خارج عما نحن

فیه فلا یعتبر فیه القدرة علی التسلیم

فإنه ینعتق بمجرّد البیع فلا یبقی مجال للتسلیم فلیس هذا البیع بغرری لیبطل و لا من قبیل بیع ما لیس عنده لما عرفت أن المراد من ذلک ما یکون التسلیم معتبرا فیه و لا مجال هنا لاعتبار التسلیم لانصراف النبوی عن مثل ذلک،فإنه سواء کان هنا ما یدل علی

ص:282

اعتبار التسلیم أم لم یکن فالتسلیم غیر معتبر هنا.

و ربما یقال بکون بیع العبد ممن ینعتق علیه باطلا لتحقق الغرر و عدم کون البائع قادرا علی التسلیم المعتبر فی البیع فیکون من قبیل بیع ما لیس عنده أیضا،فإن اعتبار الشارع حریة المبیع و کونه منعتقا بمجرد البیع خارج عن ما نحن فیه،بل لا بدّ أن نلاحظ المبیع مع قطع النظر عن حکم الشارع و من الواضح جدا أن هذا البیع أی بیع العبد الآبق ممن ینعتق علیه مع قطع النظر عن حکم الشارع بانعتاقه بیع خطری غرری و من بیع ما لیس عنده فلا یصحّ ذلک أیضا.

و فیه أنه لیس هنا غرر بالفعل الذی هو موضوع الحکم فعلا فان هذه القضیة أی قضیة نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر قضیّة حقیقة منحلة إلی قضایا متعدّدة أی کلما تحقق غرر فیکون البیع باطلا ففی المقام أن البیع غیر غرری ففرضه بأنه لو لا حکم الشارع بالانعتاق فیکون البیع غرریا أجنبی عن المقام لأنه غرر شأنی فالغرر الشأنی لیس موضوعا للحکم أما قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک،فقد عرفت أنه لا یحتاج ذلک الی التسلیم فعلا فلا وجه لملاحظته بأنه لو لم یکن حکم الشارع بالانعتاق لکان من قبیل بیع ما لیس عنده کما هو واضح.

و بالجملة أن کلا النبویین لا یشملان بیع العبد الآبق ممن ینعتق علیه أما النهی عن بیع الغرر فلعدم الغرر الفعلی فیکون النهی منتفیا لکونه تابعا لفعلیة الموضوع بحسب القضیة الحقیقیة فلا غرر فعلیّ فی بیع العبد نعم فالغرر شأنی مع قطع النظر عن حکم الشارع و لکنه لیس موضوعا.

و أما النهی عن بیع ما لیس عنده فقد عرفت عدم اعتبار التسلیم هنا مع قطع النظر عن هذا النهی أیضا فإن القدر علی التسلیم لیست لها موضوعیة

ص:283

فی الحکم و انما هی معتبرة من باب الطریقیة إلی التسلیم و وصول المبیع إلی المشتری و الثمن إلی البائع و من الواضح أن هذا فیما کان للتسلیم فائدة فلیس له فائدة هنا بوجه حتی یجبر علیه.

و من هنا ظهر حکم الفرع الثالث أیضا و هو ما لم یستحق التسلیم بمجرّد

العقد لاشتراط تأخیره مدّة

فإنه أی البائع و کذا المشتری فیما إذا اشترط تأخیر الثمن لیس مخاطبا بالتسلیم قبل حلول الوقت و لیس فیه غرر بوجه و لا أنه من قبیل بیع ما لیس عنده و الاّ للزم بطلان البیع الغائب لوجود الجهل فیه أو بیع من کان جاهلا بأحکام البیع لان مجرد وجود الجهل من دون کونه منجرا الی الغرر لا یوجب البطلان فإن الأکثر و الغالب فیه تأخیر التسلیم و مع ذلک لم یستشکل أحد فی ذلک.

ثم ان المصنّف قد رتّب علی ذلک صحّة بیع الفضولی بدعوی عدم استحقاق التسلیم فیه الا بعد اجازة المالک فلا یعتبر القدرة علی التسلیم قبلها ثم استشکل فی ذلک علی الکشف من حیث انه لازم من طرف الأصیل فیتحقق الغرر بالنسبة إلیه إذا انتقل الیه ما لم یقدر علی تحصیله.

ثم قال:نعم هو حسن فی الفضولی من الطرفین و مثله بیع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فکه.

أقول:لا وجه لما ذکره من أصل ترتب الفضولی علی ما نحن فیه و لا للإشکال فیه فیما إذا قلنا بالکشف محل.

أما أصل الترتّب فلخروج الفضولی عن محل الکلام بالمرة لأنه فضولی محض فأجنبی عن طرف العقد،بل لیس له الاّ إیجاد المعاملة،و بعده جمیع الخصوصیات راجعة إلی المالکین أو الوکیلین أو الولیّین من حیث التسلیم و التسلّم و الإجازة و الرد فلا مجال لإبطال البیع هنا من جهة النهی

ص:284

عن الغرر و لا من جهة بیع ما لیس عنده و الاّ کان من الأول أن یحکم ببطلان الفضولی من جهة کونه من قبیل بیع ما لیس عنده،و السر فی ذلک هو أنه لیس بائعا حقیقیّا و لا مشتریا حقیقیّا حتی یخاطب بخطاب النهی عن بیع ما لیس عنده لما ذکرنا من جملة شرائط التمسک به أن یکون مالکا للمبیع فالفضولی لیس بمالک للعوضین فلا یکون داخلا لما نحن فیه بوجه.

و أما الإشکال فقد عرفت خروج الفضولی عن محل الکلام و أما بالنسبة إلی الأصیل فان اجازة الأخر الذی کان البیع فضولیّا من قبله فلا شبهة فی صحّة البیع و عدم کونه غرریا و من قبیل بیع ما لیس عنده و ان لم یجز الآخر البیع فیکون فاسدا فلا محلّ أیضا للتمسک بالنبویین فان بطلانه مستند الی عدم الإجازة لا إلی غرریة البیع و کونه من بیع ما لیس عنده.

و أما ما ذکره بقوله و مثله بیع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فکه.

ففیه أنه قد ذکرنا سابقا أنه ان عمّمنا العجز الی العجز الشرعی فیکون ذلک خارجا عن بیع الغرری عن تحت النبویین بالتخصیص بأنه أی الراهن مالک للعین و مخاطب بالتسلیم و الغرر فعلیّ و مع ذلک عاجز عن التسلیم فمقتضی القاعدة هو بطلان البیع و لکن خرجنا عنها بدلیل الخاص و هو و ان لم یکن موجودا بعنوان خاص و لکن استفدنا بطلانه من الأخبار الواردة فی نکاح العبد معلّلا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیّده بدعوی عدم الخصوصیة لبیع العبد،بل الغرض أن عصیان الغیر فی حقه إذا لم یستلزم عصیان الخالق لا یوجب البطلان.

و أما إذا لم نعمّم العجز الی العجز الشرعی فلا شبهة فی صحة بیع الراهن لعدم کونه خطریّا لیشمله قوله(صلی الله علیه و آله)نهی النبی عن بیع الغرر غایة الأمر یکون للمشتری خیار الفسخ و لا أنه من قبیل بیع ما لیس عنده لیشمله

ص:285

النبوی الأخر نهی النبیّ(صلی الله علیه و آله)عن بیع ما لیس عنده لکونه فی الخارج قادرا علی التسلیم.

و بالجملة فعلی کل تقدیر سواء کان بیع الراهن مشمولا للنبویین أو غیر مشمول فلا مجال للإشکال به علی ما نحن فیه و إخراجه عن المقام کالفضولی،ثم انه ظهر مما ذکرناه حکم عقد الرهن.

فإنه بعد حصول التسلیم لا موضوع لوجوبه و قبله لا عقد فإن الإقباض و التسلّم فی هذا العقد من الشرائط فبتحققها لا غرر و لا بیع ما لیس عنده و بعدم تحققها تفسد المعاملة فلا موضوع للغرر.

انتهی کلامنا الی کون التسلیم شرطا و مقوّما للبیع فنقول ذکر المصنف أن القبض و التسلیم فی بیع الصرف و السلم من شروط تأثیر العقد لا من أحکامه فلا یلزم الغرر و لو تعذر الشرط بعد العقد رجع ذلک الی تعذر الشرط فلا یلزم منه البطلان حتی مع العلم بالتعذر إذ لا یلزم إحراز الشروط المتأخرة و العلم بتحققها.

و الوجه فی ذلک ما أفاده من أن القبض هنا مثل الإجازة فی العقد الفضولی علی النقل من حیث عدم تمام النقل إلاّ بالإجازة فکک لا یتم العقد هنا الاّ بالقبض أو من النقل بناء علی الکشف فإن الإجازة إذا کانت جزء الناقل فی العقد الفضولی مع حصول النقل من حین العقد فالقبض أولی بأن یکون جزء للناقل إذ لم یقل أحد بکون القبض کاشفا فی بیع الصرف و السّلم.

و بالجملة فالاعتبار علی القدرة علی التسلیم بعد تمامیة العقد لا فیما لم یتم،و لهذا لم یعتبرها أحد فی الموجب قبل لحوق القبول به و لا یقدح کونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده و فی المقام أیضا إذا

ص:286

حصل المبیع فی ید المشتری صح البیع بلا شبهة ثم قال و کک الکلام فی عقد الرهن فان اشتراط القدرة علی التسلیم فیه بنا علی اشتراط القبض انما هو من حیث اشتراط القبض فلا یجب إحرازه حین الرهن و لا العلم بتحققه بعده فلو رهن فیتعذر تسلیمه ثم اتفق حصوله فی ید المرتهن اثر العقد أثره.

و أشکل علیه شیخنا الأستاذ بما حاصل کلامه بأنه لا فرق بین عقد الصرف و السلم و الرهن و سائر العقود لأن القبض و ان کان شرطا فی هذه العقود الثلاثة دون غیرها الاّ أنه لیس جزء للسبب الناقل و لیس حکمه حکم القبول کما ذکره المصنف و انما هو شرط للملکیّة فی باب الصرف و السلم و أما الإلزام و الالتزام العقدی فقد تحقق بنفس العقد و لذا اختار المشهور وجوب التقابض کما سیأتی فی خیار المجلس.

ثم ذکر فی صدر کلامه بما حاصله من أنه لا وجه لقیاس الصرف و السلم و عقد الرهن و غیرها مما یشترط فیه تأخیر التسلیم بالعقد الفضولی فإن اشتراط تأخیر الثمن مدة معیّنة بحیث لا یجب التسلیم مدة مع تمامیة أرکان العقد من جهة الاشتراط فیدخل تحت ضابط الخیارات الزمانیة و هذا بخلاف العقد الفضولی فإنّ التسلیم لا یجب لا للفضولی و لا لغیره،أما للفضولی لعدم ارتباط العقد به کما ذکرناه من أن شرط وجوب التسلیم انما کونه مالکا فالفضولی غیر مخاطب بالتسلیم و أما المالک لعدم استناد العقد الیه قبل الإجازة فلا وجه لقیاس الإجازة بالقبض و نحوه و محصّل کلامه یرجع الی المطلبین.

أحدهما:إنکار قیاس الإجازة فی الفضولی بمسألة القبض إذ القبض فی العقود الثلاثة من الشرائط و الإجازة من الأسباب المقومة قبل تمامیة أرکان العقد،و الثانی وجوب التقابض،ثم ذکر نعم لو کان القبض جزء للعقد

ص:287

کما هو المحتمل فی عقد الرهن فالعجز عن التسلیم لا أثر له،لانه بعد حصول التسلیم لا اثر له و قبله لا عقد.

أقول:أما ما افاده من عدم صحة قیاس الإجازة بالقبض فمتین جدا لما عرفت من أن القدرة علی التسلیم لیست معتبرة فی العقد الفضولی أما بالنسبة إلی الفضولی فلکونه أجنبیا عن العقد و أما بالنسبة إلی الأصیل فلعدم تحقق العقد و تمامیته الاّ بعد الإجازة لکونها جزء مقوّما للعقد و الفرض ان الإجازة لم تتحقق بعد العقد و هذا بخلاف ما یعتبر فیه القبض فان العقد أی الإلزام و الالتزام قد تم من المتعاقدین،و انما القبض من شرائط الملکیّة فی الصرف و السلم فهذا کله لا شبهة فیه.

و أما ما افاده من کون القبض واجبا فی بیع الصرف و السلم فلا یمکن المساعدة علیه فما أفاده المصنف بحسب المدعی صحیح و لکن ما أفاده من دلیله من قیاس القبض بالإجازة لیس بصحیح،کما عرفت،بل الوجه فی عدم وجوب التسلیم و القبض فی الصرف و السلم هو أن دلیل وجوب القبض أما الملکیة الحاصلة بالعقد کما یقوله الأکثر أو الأمر بوجوب الوفاء بالعقد.

أما الأول فهی مشروطة بالقبض و الإقباض فما لم یحصل التقابض لم یحصل الملکیة فضلا عن أن یجب الإقباض لکونه ملکا للغیر فلا یکون محکوما بوجوب الدفع ما لم یتم شرط الملکیّة کما لا یخفی.

و أما وجوب الوفاء بالعقد ففیه أولا:أنه یجب الوفاء بالعقد فی غیر العقود الفاسدة،أی العقود التی حصلت شرائط الصحة و أمضاه الشارع و أما فیما کانت فاسدة فلا وجه للتمسک به فبیع الصرف و السلم مع قطع النظر عن القبض لیس بصحیح فکیف یجوز التمسک بأوفوا بالعقود.

و أما ثانیا:ان دلیل الوفاء انما بوجوب لزوم العقد لکونه إرشادا

ص:288

إلی أنه لا ینحل و أما وجوب التسلیم فهو من الأحکام المترتبة علیه،بعد تحقق العقد فلا یمکن إثباته بأوفوا بالعقود کما لا یخفی،و هذا واضح جدا و العجب من شیخنا الأستاذ حیث استدل علی وجوب القبض بقوله (علیه السلام)إذا نری الحائط فانز معه و ذلک فإنه ناظر الی أن بقاء البیع مشروط بعدم التفرق و بتحقق القبض و الإقباض فلا دلالة فیها علی الوجوب و إیجاد موضوع وجوب الوفاء بالعقد و إیجاد موضوع الملکیة کما لا یخفی،بحیث أنه إذا أراد البائع ان یمشی یجب للمشتری أیضا ذلک مثلا إذا کان احد الطرف فی معاملة الصرف و السلم المجتهد فنزی البائع الحائط فلا بد أن ینز آیة اللّه علی الحائط.

و بالجملة أن العقود الثلاثة الصرف و السلم و الرهن،فالقبض فیها من الشرائط فإن تحقق تم العقد فلا غرر بوجه لعدم کون المعاملة بعد القبض و الإقباض خطریة و لا من بیع ما لیس عنده،و ان لم یحصل القبض و الإقباض فأیضا لیس هنا غرر و بیع ما لیس عنده لفساد المعاملة بعدم تحقق القبض.

قوله:ثم ان الخلاف فی أصل المسألة لم یظهر الاّ من الفاضل

القطیفی.

أقول:هو المعاصر للمحقق الثانی،و قد حکی عنه أنه قال فی إیضاح النافع أن القدرة علی التسلیم من مصالح المشتری فقط،لا أنها شرط فی أصل صحة البیع فلو قدر علی التسلیم صحّ البیع و ان لم یکن البائع قادرا علیه،بل لو رضی بالابتیاع مع علمه بعدم تمکن البائع من التسلیم جاز و ینتقل الیه و لا یرجع علی البائع لعدم القدرة،نعم إذا لم یکن المبیع من شأنه أن یقبض عرفا لم یصح المعاوضة علیه بالبیع لأنه فی معنی أکل المال بالباطل.

ص:289

أقول:هذا الفاضل و ان أجاد فی أصل المسألة لما ذکرنا من عدم الدلیل علی اعتبار القدرة علی التسلیم فی البیع،و لکن لا یمکن المساعدة علیه فی الکبری الکلیة التی أفادها من أنّ المشتری لو رضی بالابتیاع مع علمه بعدم تمکن البائع من التسلیم جاز ذلک،لأن هذه الکبری منقوضة ببیع العبد الآبق مع الضمیمة حیث ورد النص بعدم صحة بیعه بدون الضمیمة حتی مع رضائه المشتری،بل یحکم ببطلانه کما لا یخفی.

قوله:ثم ان الظاهر کما اعترف به بعض الأساطین أن القدرة علی

التسلیم لیست مقصودة بالاشتراط الاّ بالتبع.

أقول:قد عرفت فیما تقدم أن القدرة بما هی لست لها موضوعیة،بل الغرض من اشتراطها فی البیع بناء علی وصول العوضین الی المتبایعین و علی هذا فلو قدر المشتری علی التسلیم دون البائع کفی فی الصحة کما هو المشهور مثلا لو وقع عباء أحد فی الکوفة علی الشط فهو لا یقدر علی السباحة و باعه من شخص یقدر علیها بأنه ح صحّ البیع لحصول الغرض فلا یضرّ عدم قدرة البائع علی السباحة و کک لو لم یقدر کل من المتبایعین علی التسلیم و التسلّم و لکن یوثق بحصوله فی ید المشتری للاطمئنان علیه، کالطیور التی تذهب صباحا و ترجع مساء فإن العادة قاضیة برجوعها و أن لم یقدر المتبایعین علی الأخذ بدون الرجوع.

و عن نهایة الاحکام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة فی الحال علی التسلیم فان عود الطائر غیر موثوق به لعدم العقل له لیبعثه علی الرجوع.

و فیه أولا:أنه لو کان له عقل لما رجع الی الحبس أصلا فعدم العقل باعثه الی الرجوع.

ص:290

و ثانیا:أنه لا وجه لبطلان بیعه حتی مع اعتبار القدرة علی التسلیم فان دلیل الاشتراط انما هو نهی النبی عن بیع الغرر و قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک فکلا الوجهین لا یشملان المورد أما النهی عن بیع الغرر فلانه لا خطر فی المقام،فإنه انما یتحقق مع عدم بذل العوض أو المعوض بحیث یذهب مال أحدهما هدرا و لیس کک هنا فإنه یطمئن بالرجوع فان رجع فیأخذ المثمن و ان لم یرجع فیأخذ الثمن و فسد البیع فأی خطر یتوجه علی المعاملة.

و أما قوله(صلی الله علیه و آله)لا تبع ما لیس عندک،أی لا تقدر علی التسلط منه بناء علی کون العند بمعنی الجامع دون الملکیة فلعدم صدقة هنا أیضا فإنه مع الاطمئنان بالرجوع لا یصدق أنه من موارد بیع ما لیس عنده و الاّ لما صحّ بیع الغائب أصلا.

ثم لو تعذر التسلیم و التسلّم الاّ بعد مدة فإن کانت هذه المدة مما یتسامح فیها کساعة أو ساعتین أو یوم أو یومین فلا إشکال فی الصحة کما إذا باع جوهرا و کان فی صندوق مقفّل و کان المفتاح عند شخص لا یحضر الاّ بعد ساعة أو یوم و نحوهما،فان هذه المدة مما یتسامح عرفا فلا یصدق علی هذه المعاملة انها غرریة لعدم الخطر هنا بوجه بحیث یذهب مال المشتری هدرا و صار معدوما،بل یحصل له بعد مدة قلیلة،و الفرض أنهما عالمان بخصوصیات العوضین لئلا یکون جهل من جهة أخری.

و کک لیس هذا من قبیل بیع ما لا یتسلّط علی تسلیمه لأن الفرض أنه قادر علیه کما لا یخفی و النبوی ینصرف عن مثل ذلک.

و لو تعذر التسلیم بناء علی کونه شرط فی البیع الاّ بعد مدة لا یتسامح فیها کسنة أو أزید فهی علی قسمین،الأول:أن یکون المدة

ص:291

مضبوطة و مقدّرة و الثانی أن لا تکون مضبوطة.

أما الأول:فتارة یکون المتبایعان عالمین بالحال و أخری یکونان جاهلین بالحال فعلی الأول فجعل المصنف فیه وجهان و لم یبیّن ما هو الأقوی فی نظره،و لکن الظاهر هو الصحة بناء علی اعتبار القدرة علی التسلیم فی البیع و ذلک لأن دلیل الاعتبار اما دلیل نفی الغرر فی البیع فهو لا یشمل المقام فإنه بمعنی الخطر و الخطر بمعنی احتمال الهاکة ففی صورة العلم بالواقع و التعذّر إلی مدة معیّنة کقدوم الحاج و نحوه فلا خطر بوجه إذ هو متقوم بالجهل و الغفلة علی ما ذکره المصنف و المشتری إنما أقدم علیه مع العلم بالحال فأی خطر هنا و أما النهی عن بیع ما لیس عنده فلانه مع العلم أقدم علیه فالمقام فی قوة اشتراط تأخیر التسلیم لفرض علم المتبایعین بالحال و مع ذلک فلا یکون عدم القدرة علی التسلیم الی المدة المضبوطة مضرا فی البیع کما لا یضرّ مع اشتراط التأخیر کما لا یخفی.

و بالجملة أن البیع هنا صحیح بلا شبهة و أما فی صورة الجهل بالمدة المذکورة فذکر المصنف صحّة البیع مع الخیار للمشتری لفوات منفعة العین فی المدة المذکورة.

و لکن الظاهر هو عدم الصحة و ذلک فان کلا الدلیلین أی النبویین شاملان للمقام أما النبوی الأول فلتحقق الغرر أی الخطر فان عدم وصول المبیع مثلا إلی المشتری فی هذه المدة و انتفاء المنافع کسنة خطر علی المشتری فیکون من أوضح موارد بیع الغرر فیفسد بناء علی اعتبار الشرط و کون النبوی دلیلا فی المقام و أما النبوی الثانی فلان البائع غیر مسلط علی التسلیم فی هذه المدّة فیکون هو أیضا شاملا للمورد و لا یقاس ذلک بصورة العلم فإنه و ان کان أیضا غیر قادر علی التسلیم فی المدة و لکنه قلنا

ص:292

بخروجه عن تحته من جهة کونه فی قوة الاشتراط أی اشتراط تأخیر المثمن فلا یضرّ بالصحة و هذا بخلاف المقام.

و علی هذا فلا وجه لما زعمه المصنف من کون المعاملة فی صورة الجهل صحیحة مع کون المشتری علی خیار فیه.

و من هنا ظهر حکم صورة کون المدة مجهولة و غیر مضبوطة و هذا کبیع العبد المنفذ الی هند لقضاء حاجة لا یعلم وقت رجوعه فلا وجه لما ذکره المصنف هنا من الاشکال کما لا وجه لما جعله من الفرق بین هذه الصور حیث استشکل فی صحّة البیع و صورة الجهل بالمدة مع کونها مضبوطة حیث حکم بالصحة مع الخیار.

قوله:ثم ان الشرط هی القدرة المعلومة للمتبایعین

لان الغرر لا یندفع بمجرّد القدرة الواقعیة.

أقول:الصور المتصوّرة فی المقام أربعة علم المتبایعین بالقدرة مع وجود القدرة الواقعیة،و علمهما بالعجز مع العجز عن التسلیم فی الواقع و علمهما بعدم القدرة مع وجود القدرة فی الواقع و علمهما مع عدم القدرة فی الواقع.

أما الصورة الاولی:فلا شبهة فی الصحة لوجود القدرة علی التسلیم فی الواقع و علمهما فلا غرر و لا أنه من بیع ما لیس عنده.

و أما الصورة الثانیة فلا شبهة فی عدم صحته لکونها من أوضح أفراد الغرر المنهی عن البیع و من قبیل بیع ما لیس عنده،و انما الکلام فی الصورتین الأخیرتین.

أما الثالثة فهی ما کان المتبایعان عالمین بعدم القدرة و لکن کان فی الواقع عاجزین عن التسلیم أو أحدهما عاجزا عنه و علی ان دلیل الاعتبار هو دلیل نفی الغرر فلا شبهة فی فساد المعاملة إذا الغرر هو الخطر و

ص:293

الخطر بمعنی احتمال الخطر فهو موجود فی المتبایعین أو فی أحدهما بالوجدان فهو لیس تابعا بالواقع،و قد عرفت أن المصنف قال باعتبار الجهل و الغفلة فی مفهوم الغرر فهو متحقق فیما نحن فیه،کما لا یخفی فتکون المعاملة خطریة فتبطل،و ان کان الدلیل هو النهی عن بیع ما لیس عنده فلا یحکم بفساد المعاملة لعدم شموله لما نحن فیه،فإنه لیس من بیع ما لیس عنده،بل هو مسلّط علی التسلیم و قادر علیه غایة الأمر غیر ملتفت بذلک.

و أما إذا کانا فی الظاهر عالمین بالقدرة و کانا فی الواقع غیر قادرین أو أحدهما قادر و الأخر غیر قادر،فالظاهر فساد المعاملة علی کلا الدلیلین فإنه ان کان الدلیل هو نفی الغرر فلا شبهة فی کون المعاملة غرریة و ذلک فان المتبایعین و ان کانا عالمین بالقدرة علی التسلیم و کان مقتضی ذلک الحکم بعدم الغرر لما عرفت من اعتبار الجهل فی مفهوم الغرر و لکن عرفت سابقا أن احتمال الخطر و الهلاکة لیس موضوعا للحکم بحیث یکون فساد المعاملة و عدمها دائرا مدار احتمال الخطر و عدم احتماله،بل أخذه فی لسان الدلیل من باب کفایة الشارع بأدنی مرتبة الغرر لا أنه أی الاحتمال تمام الموضوع فی المقام فلا محالة فیکون الاحتمال طریقا الی الواقع و بما انه طریقا الیه یکون موردا للحکم و من هنا قلنا فیما تقدم أنه مع قطع بالهلاک فیثبت الغرر بالأولویة فإنه إذا ثبت الغرر باحتمال الهلاک و فسدت المعاملة باحتمال الهلاک و فی صور القطع بالهلاک فأولی بالفساد مع أنه لو کان موضوع الحکم هو الاحتمال لما کان وجه لتسریة الحکم الی القطع بالهلاک لعدم أخذه فی لسان الدلیل و أما النبوی الثانی أعنی النهی عن بیع ما لیس عنده فهو أیضا شامل للمقام فإنه غیر قادر علی التسلیم و ان کان عالما به فی الظاهر الاّ انه جهل مرکّب فلا یفید بوجه فتکون المعاملة فاسدة.

قوله:و لو باع ما یعتقد التمکن فتبیّن عجزه فی زمان البیع.

ص:294

أقول:ذکر المصنف أنه لو باع احد ما یعتقد تمکّنه من تسلیمه کالساعة و نحوها و تبیّن عجزه فی زمان البیع و لکن تجددت قدرته بعد البیع صح و ان لم یتجدد یبطل و لم یستدل علی ذلک بشیء.

و الظاهر أنه لا وجه لهذا الکلام و لا یترقب صدوره من المصنف(ره) و ذلک لأنه ان کان النظر بدلیل نفی الغرر حال العقد و بعدم القدرة علی التسلیم کک فلا شبهة فی فساد البیع فإنه حین التحقق کان غرریا لفوات مقدار من المنافع عنه فی المدة التی کان عاجزا علی التسلیم لما عرفت من کون الاحتمال طریقا الی الواقع و کان هو أیضا فی الواقع غیر قادر فلا یحدیه العلم بالقدرة حال العقد لکونه جهلا و کک أنه لیس قادرا علی التسلیم بأنه علمه بذلک فی الظاهر لا یوجب قدرة علی التسلیم مع کونه جهلا مرکّبا و تجدّد القدرة بعد زمان لا یوجب انقلاب العقد الفاسد الی الصحیح لأن الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه.

و ان کان النظر الی العلم بالقدرة فی الظاهر و قلنا بکونه مجزیا فی البیع من غیر توجه الی الواقع و أنه یحصل به القدرة علی التسلیم فلا شبهة فی صحة المعاملة و کیف کان لا نری وجها للتفصیل فی المقام کما لا یخفی فافهم.

و بعبارة أخری ان کان النظر فی هذا الفرع الی الظاهر فلا شبهة فی تحقق الشرط فیکون البیع صحیحا و ان کان النظر الی الواقع فلا شبهة فی عدم تحقق الشرط فیکون العقد باطلا من غیر فرق بین کون الدلیل أی من النبویین کما لا یخفی.

قوله:ثم لا إشکال فی اعتبار قدرة العاقد إذا کان مالکا.

أقول:قد عرفت بما لا مزید علیه أن المعتبر فی البیع هو العلم

ص:295

بالقدرة علی التسلیم و أن المانع عنه هو احتمال العجز عن التسلیم و انما کان القطع بالعجز عن التسلیم مانعا من باب الأولویة و الفحوی لا بدلالة النبوی منطوقا لعدم الغرر فی صورة العلم بالعجز.

و أما الکلام فیما إذا کان البیع صادرا عن غیر المالک بان کان وکیلا عنه فی ذلک فهو تارة یکون وکیلا فی إجراء العقد فقط فلا یعتبر فیه قدرته علی التسلیم و لا أن عجزه مانع عن البیع،بل هو وکیل فی العقد و إجراء الصیغة فقط،بل لا یعتبر علمه بخصوصیات المبیع کما لا یعتبر فی النکاح أن یعرف الزوجین و فی إطلاق لا یعتبر علمه بالخصوصیات بل یجری الصیغة بدلا عن الموکّل بلا احتیاج إلی شیء أصلا و انما الشرائط کلها معتبرة فی العوضین و الناکح و المنکوح و المطلق و المطلقة و الحاصل لا عبرة بقدرة العاقد و عجزه کما لا عبرة بعلمه و جهله بشرائط طلاق زوجة موکله.

و بالجملة أن مجری العقد لیس له الاّ التصدی و المباشرة بإجراء صیغة العقد فقط و أما الزائد عن ذلک فلا یرجع إلیه أصلا.

و أما الوکیل المفوّض فلا شبهة فی کفایة قدرته لعدم الغرر مع ذلک و عدم کون بیعه من بیع ما لیس عنده و أما کفایة قدرة موکّله مع عجز الوکیل فهو وجهان،و الظاهر هو کفایته و ذلک من جهة أن القدرة و ان کانت معتبرة فی العاقد و کان الوکیل عاجزا عنه و لکن الوکیل حیث کان بدلا تنزیلیا للموکل و فی منزلته کفی قدرة الموکل فی صحة اعتبار الشرط المذکور فی العقد و من لو عرض للوکیل شیء و صار عاجزا عن إنهاء الشرائط المعتبرة فی المعاملة أو فی أفعاله الأخر لکان الوکیل مسئولا فی ذلک و یراجع إلیه فی تتمیم هذا الشرط.

نعم یعتبر فی ذلک علم المشتری بقدرة الموکل علی التسلیم و الاّ

ص:296

فتکون المعاملة غرریة لما عرفت من أن الغرر بمعنی الخطر و هو متحقق مع جهل المشتری بقدرة الموکّل علی التسلیم مع کونه عالما بعجز الوکیل الاّ ان یکون الدلیل علی الاعتبار منحصرا بنهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع ما لیس عنده فإنه حینئذ یحکم بصحة لعدم صحة لعدم صدق بیع ما لیس عنده علی ذلک مع قدرة الموکل علی التسلیم فان البیع بیع واحد له و لوکیله و ما لوکیله له و من هنا ظهر أن ما فی کلام شیخنا الأستاذ من الحکم بالصحة من غیر فرق بین علم المشتری علی قدرة الموکل و جهله بها فی غیر محلّه.

و ربما یقال بتقیید الحکم بالکفایة بما إذا رضی المشتری بتسلیم الموکل و رضی المالک برجوع المشتری علیه فبدونهما لا یمکن الالتزام بالصحة و أن الأمر مفوّض الی الوکیل و بعبارة أخری أن المعتبر فی المعاملة اعتبار قدرة المتبایعین علی التسلیم و هما الوکیل من قبل البائع و المشتری و بما ان الوکیل بدلا تنزیلی للموکل فیکفی قدرته أیضا فی صحة البیع و لکن لا مطلقا،بل إذا رضی المشتری أن یرجع الی الموکل و رضی الموکل أن یرجع المشتری الیه و الاّ فلا وجه للصحة إذ للمشتری أن یقول بأنی ما عاملت مع المالک و انما عاملت معک،و أنت المخاطب بالتسلیم و هکذا للمالک أن یتکلّم بمثل ذلک.

ثم رتب علی ذلک رجحان الحکم بالبطلان فی الفضولی لأن التسلیم المعتبر من العاقد غیر ممکن قبل الإجازة لکونه أجنبیا عن العقد و انما هو فضولیّ محض و اسمه مطابق مع المسمّی و أما قدرة المالک فإنما تؤثر لو بنی العقد علیها و کان المالک راضیا برجوع المشتری الیه و کان المشتری راضیا بالرجوع الی المالک و حصل التراضی منهما علی العقد حال البیع لعدم کفایة قدرة الآذن فی صحة بیع المأذون إلاّ مع الشرط المذکور کما لا یخفی

ص:297

و الفرض أنه لم یتحقق فی الفضولی و البناء علی القدرة الواقعیة غیر مفید إذ الشرط هی القدرة المعلومة.

و الحاصل أنه یعتبر فی صحة بیع الفضولی رضائه المشتری برجوعه الی المالک و رضائه المالک برجوع المشتری الیه،و قدرة البائع علی التسلیم، اما الشرط الأول فغیر متحقق لعدم البناء علی ذلک و اما الشرط الثانی فکذلک أیضا إذ لعدم کون الفضولی قادرا علی ذلک لخروجه عن حدود العقد و قدرة المالک لم تنفع لعدم کونها مؤثرة فی ذلک،بل تؤثر مع البناء المذکور.

و بعبارة أخری ان القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها ان وجدت لم تنفع،و الحاصل أنه أنکر صحة الفضولی بهذا الاشکال المختصر.

ثم أورد علی نفسه بأنه یمکن الوثوق بقدرة الفضولی علی التسلیم بأن یحصّل رضائه المالک علی ذلک لعدم ردّ المالک کلامه لصداقة بینهما و أنه لا یخرج عن رأیه فتحقق للفضولی بذلک قدرة علی التسلیم حال العقد.

ثم أجاب عنه بوجهین،أولا:بأن هذا الفرض یخرج الفضولی عن کونه فضولیا لمصاحبة الاذن للبیع غایة الأمر انما یکون حصول ذلک بالفحوی و شاهد الحال فلا یتوقف صحّته علی الإجازة.

و ثانیا:بأنه لو سلمنا بقائه علی الصفة و ظاهر أن القائلین بصحة الفضولی لا یقصرون الحکم علی هذا الفرض.

و قال المصنف: و فیما ذکره من مبنی مسألة الفضولی ثم تفریع الفضولی ثم فی الاعتراض الذی ذکره ثم فی الجواب عنه أولا و ثانیا تأمل،بل نظر فتدبر.

اما ما ذکره من مبنی مسألة الفضولی من اعتبار رضا کل من الموکل

ص:298

و المشتری فی الرجوع الی الآخر فاسد فی نفس هذه المسألة لعدم الدلیل علیه و انما المانع عن صحة البیع هو الغرر و عجز البائع عن التسلیم و من الواضح أنه یکفی قدرة المالک علی التسلیم مع رضا المشتری بها کما عرفت لعدم الغرر و لا کونه من بیع ما لیس عنده و مع ذلک فاعتبار آمر آخر هنا و هو رضائه کل من المالک الموکل و المشتری بالرجوع إلی الأخر تخرص الی الغیب و قد عرفت ان قدرة الموکل یکفی فی صحة بیع الوکیل لکونه نازلا منزلة الموکل و أن فعله فعل الموکل کما لا یخفی.

و علی تقدیر تسلیم الإشکال فی بیع الوکیل فلا تسلّم کونه مبنی لبطلان بیع الفضولی و تفریعه علیه و ذلک لما عرفت من خروج الفضولی عن حدود البیع و انما هو فضولی محض فلا وجه لاعتبار قدرته علی التسلیم فی البیع و أن اعتبار قدرته علیه کاعتبار قدرة الجار علی ذلک و أن حاله حال الوکیل فی إجراء الصیغة،بل أسوء منه فهل یتوهّم أحد اعتبار قدرة مجری العقد علی التسلیم فی صحة العقد و الحاصل أن الفضولی خارج عن باب العجز عن التسلیم تخصّصا و هو أسوء حالا من الوکیل فی إجراء الصیغة الذی لا شبهة فی أن قدرته و عجزه لا أثر له فإنه لا یرتبط به العقد حتی یکون عجزه موجبا لبطلان العقد کما هو واضح و الحاصل بناء علی صحة المبنی فلا وجه للتفریع.

و أما الاعتراض فلو سلمنا المبنی و سلمنا أیضا تفریع بطلان الفضولی علیه و لکن الاعتراض الذی أورده علی نفسه لا وجه له مع قطع النظر عما أجابه عن الاعتراض و ذلک أولا ما عرفت من کون الفضولی خارجا عن العقد و أن البیع انما یکون أما لغوا محضا مع عدم الإجارة أو بیعا للمالک مع الإجازة فالمناط فی القدرة المعتبرة فی صحة العقد هو قدرة المالک المجیز لا قدرة

ص:299

شخص آخر و ان اعتبار قدرة الفضولی فی ذلک کاعتبار قدرة الأجانب فی ذلک العقد.

و ثانیا:أن مجرّد وثوق الفضولی بإرضاء المالک لا یوجب قدرة الفضولی علی التسلیم المعتبر حال العقد و الذی اعتبرناه فی المبنی،ثم رتب علیه التفریع هو رضا کل من الموکل و المشتری بالرجوع إلی الأخر،و لیس فی البین رضاء من المشتری بتسلیم المجیز و لا رضاء من المالک برجوع المشتری إلیه فلا محلّ لهذا الاعتراض.

و علی تقدیر ورود الاعتراض فجوابه أولا بخروجه علی هذا عن الفضولی غیر تمام لما عرفت سابقا من عدم کفایة الرضاء المقارن فی خروج العقد عن الفضولیة بل لا بد فی الخروج من الاذن السابق أو الإجازة اللاحقة أو الوکالة.

و علی تقدیر الکفایة فلیس هنا رضاء المقارن أیضا لعدم کون المالک راضیا بذلک بالفعل بل الفضولی یتثق من نفسه بالمالک یرض بذلک و لا یخرج عن رأیه و من الواضح أنه أمر متأخر لا فعلی کما لا یخفی.

و أما الجواب الثانی بأنه علی تقدیر التمامیة لا یعم جمیع أفراد الفضولی و کونه أخص من المدعی فلا یرد علیه اعتراض فلا وجه لنظر المصنف فی جمیع ذلک و قوله و فی جوابه أولا و ثانیا.

و لعله نظرا فی غیر الجواب الثانی و مراد ثم فی الجواب أولا و ثانیا رجوع النظر الی الجواب أیضا و ان کان بعضه تماما و اللّه العالم.

ص:300

الکلام فی بیع الآبق

اشارة

قوله:مسألة لا یجوز بیع الآبق منفردا علی المشهور بین علمائنا.

أقول

یقع الکلام فی هذه المسألة فی أمور ثلاثة،
الأول:أنه ذکر

المصنف فی آخر الکلام أن الغرر المنفی فی حدیث نفی الغرر کما تقدم هو

ما کان غررا فی نفسه عرفا

مع قطع النظر عن الأحکام الشرعیة الثابتة للبیع و لذا قوینا فیما سلف جریان نفی الغرر فی البیع المشروط تأثیره شرعا بالتسلیم و حاصل کلامه ان الغرر أمر عرفی کلما تحقق فیوجب فساد المعاملة للنهی عن بیع الغرری کما هو الحال فی سائر القضایا الحقیقیة،و ان لم یتحقق فلا یترتب علیه الحکم،و أما الأحکام الشرعیة فغیر منوط به و لا یقال أن هذا غرر مع لحاظ حکم الشارع فی الموضوع الفلانی أو لیس بغرر مع لحاظ الحکم الفلانی.

و رتب علی ذلک بطلان البیع مراعی بالتسلیم علی خلاف الشهید فی اللمعة حیث استقرب الصحة و قال ان تسلّم قبل مدة لا یفوت الانتفاع المعتد به صح البیع و لزم و الاّ تخیر المشتری بین الفسخ و الإمضاء و أفاد المصنف فی وجه البطلان أن ثبوت الخیار حکم شرعی عارض للبیع الصحیح الذی فرض فیه العجز عن تسلم المبیع فلا یندفع به الغرر الثابت عرفا فی البیع الذی یوجب بطلانه.

و کذلک رتب علیه بطلان بیع الضّال و المجحود و المغضوب و نحوهما بدعوی أنه غرری فی نظر العرف فحکم الشارع بانفساخ العقد بالتلف الرافع للغرر لا یرفع الغرر العرفی لما عرفت من عدم لحاظ الغرر مع الأحکام الشرعیة کما لا یخفی.

ص:301

أقول أن الغرر و ان کان من المفاهیم العرفیة و أمره تحت نظر العرف کسائر المفاهیم العرفیة الا ان تطبیقه علی المصادیق لیس منوطا بنظرهم و علیه فإذا حکم الشارع فی مورد بعدم الغرر أو بوجوده فلا محذور فیه و لا یقال أن العرف لا یراه غررا کما هو کک فی کثیر من الموارد کنفی الربا بین الوالد و الولد و نفی الشک فی کثیر الشک و هکذا.

و علی هذا فلا مانع من الحکم بصحة البیع مراعی بالتسلّم نظیر بیع السلم فإنه ان کان البائع قادرا علی التسلیم الی رأس المدة فیحکم بالصحة فلا خطر و ان لم یقدر علی تسلیمه و أیضا لا غرر لکونه باطلا من أصله.

و بالجملة فحکم الشارع بالانفساخ مع تعذر التسلیم الذی هو فی حکم التلف قبل القبض رافع للغرر فلا وجه لما أفاده المصنف من کون الغرر أمرا عرفیّا غیر مربوط بحکم الشارع و غیر ملحوظ معه.

و بعبارة أخری عدم القدرة علی التسلیم هنا کتلف المبیع قبل القبض فی سائر الموارد فکما أنه لیس غرر فی الثانی و کذلک فی الأول کما لا یخفی.

و أما بیع المجحود و الضال و المغصوب فان کان تسلیمها مرجوعا فی مدة مضبوطة فلا شبهة فی صحة المعاملة لعدم الغرر فیها بناء علی تمامیة دلیل نفی الغرر و ح إذا تمت المدة فإن حصل تمکّن فیها و الاّ فیحکم بالبطلان للانفساخ فأیضا لا غرر و توهم غرریة البیع فی مدة عدم الوصول الی المبیع فاسد لاقدام المشتری فی ذلک الوقت علی الضرر.

و کک الکلام إذا کان مشکوک الحصول للمتبایعین إلی مدة معینة و لکن فی المدة یکون أمره منجزا فإنه إما یرجع قطعا أو لا یرجع قطعا فعلی کل حال لا غرر فیه فإنه ان حصل صح البیع فلا خطر و ان لم یحصل فیبطل

ص:302

البیع أیضا فلا خطر.

بل الأمر کک فی صورة علم المتبایعین بعدم الرجوع و لکن إلی مدة معینة ثم بعد ذلک فاما یرجع قطعا أو لا یرجع قطعا،و کذلک لو علما بعدم الوصول الیه و لکن کان نظر المشتری من الاشتراء الانتفاع بعتقه فإنه یصحّ مع العلم بعدم الرجوع لعدم الغرر و من هنا لم یستشکل أحد فی صحة بیع العبد المریض من جهة کونه غرریا لعدم علمه ببرئه و موته و ذلک لأنه یجوز الانتفاع به ما لم یمت بالعتق فلا غرر نعم إذا لم یعلم حصول التمکن إلیه فی مدة مجهولة فلا یعلم أنه یتمکن منه فی مدة قلیلة أو کثیرة بحیث دار الأمر بین الأقل و الأکثر فیحکم بالبطلان لدلیل نفی الغرر بناء علی تمامیته فان انتفاء المنفعة فی مدة لا یعلم أنها أی مقدار خطر علی المشتری.

و من هنا یعلم أن ما ذهب الیه الشهید فی اللمعة من صحة البیع فیها إذا باع مراعی بالتسلیم وجیه جدّا.

الأمر الثانی أن مسألة بیع عبد الآبق لا یرتبط بمسألة الغرر،

فان الدلیل علی عدم جواز بیع العبد الآبق هو النص و الاّ فربما لیس فیه غرر أصلا لجواز الانتفاع به بالعتق و علی هذا فلا وجه لتعلیل عدم جواز بیعه بأنه مع الیأس عن الظفر به بمنزلة التالف و مع احتماله بیع غرری منفی إجماعا نصا و فتوی.

و بالجملة لا یجوز بیع العبد الآبق منفردا مطلقا للنص،خلافا للإسکافی علی ما نسب الیه من تجویزه مبیعه إذا یقدر علیه المشتری أو یضمنه البائع.

و کیف کان فمسألة عدم جواز البیع مجهول للغرر و مسألة عدم جواز بیع العبد الآبق مسألتان لا یرتبط أحدهما بالاخر و لا وجه لتعلیل بطلان بیع الآبق

ص:303

بطلان البیع الغرری کما لا یخفی.

و علی هذا لا تنافی فی کلامی الشهید فی اللمعة و العلامة فی التذکرة قال الشهید فی اللمعة لا یجوز جعل العبد الآبق مثمنا و جزم به ثم تردد فی جعله ثمنا و ان قرب أخیرا المنع مع الانفراد ثم حکم بجواز بیع الضال و المجحود و قال العلامة فی التذکرة نظیر ذلک حیث ادعی أولا الإجماع علی اشتراط القدرة علی التسلیم لیخرج البیع عن کونه بیع غرری ثم قال و المشهور بین علمائنا المنع من بیع الآبق منفردا،و قال بعض علمائنا بالجواز و حکاه عن بعض العامة أیضا ثم ذکر الضال و لم یحتمل فیه الاّ جواز البیع منفردا أو اشتراط الضمیمة، و ذکر المصنف(ره)فإن التنافی بین هذه الفقرات الثلاث،ظاهر و التوجیه یحتاج إلی تأمل.

و وجه التنافی عنده أنه لا یجتمع دعوی الإجماع علی اشتراط القدرة علی تسلیم لیخرج البیع عن کونه بیع غرری مع دعوی الشهرة علی عدم جواز بیع الآبق منفردا مع أنه أیضا غرری فلا بد من دعوی الإجماع علیه و کک لا یجتمع ذلک مع دعوی جواز بیع الضال مع أنه مثل الآبق و الحاصل أن الضال مثل الآبق فلا بدّ من دعوی الشهرة علی عدم جواز بیعهما و بیع الآبق غرری فلا بدّ من دعوی الإجماع علی بطلان بیعه أیضا.

أقول:و قد ظهر مما ذکرنا من الفرق بین المسألتین عدم التنافی بین جمیع هذه الفروع أصلا فإن حکم الشهید ببطلان بیع الآبق و جعله مثمنا لورود النص فیه و تردده فی الثمن من جهة احتمال اختصاصه بالمثمن کما هو الظاهر من النص لا یجوز اشتراء العبد الآبق و حکمه بجواز بیع الضال جزما فلخروجه عن مورد النص قطعا لعدم وروده فیه أصلا و کک

ص:304

دعوی العلامة الإجماع و انما هو فی بیع الغرر الذی هو غیر بیع العبد الآبق و دعوی الشهرة فی بیع العبد الآبق و تجویز البیع فی الضال الخارج عنهما جزما هو واضح فلا تنافی و من هنا ظهر الاشکال ما فی حکم المصنف بعدم جواز جعل العبد الآبق ثمنا کما لا یجوز جعله مثمنا لاشتراکها فی الأدلة.

نعم یمکن استفادة عدم جواز من التعلیل بقوله(علیه السلام)ان لم یقدر المشتری علیه فکان ما أخذه مکان ما نقده فإنه یشمل الثمن أیضا کما أنه یشمل الضال أیضا.

الأمر الثالث إذا اعتبرنا القدرة علی التسلیم فی البیع فهل یلحق به

الصلح،وجوه،

الأول:عدم الاعتبار مطلقا

لکونه مبنیّا علی المساهلة و التوسعة فلا یضر فیه الجهل بالعوضین علی أنّ دلیل الغرر مخصوص بالبیع فلا یجری فی غیره.

الثانی:اعتبار الشرط المذکور فی الصلح،بل فی جمیع العقود

المعاوضة

فدلیل نفی الغرر و ان ورد فی البیع و لکنه لا خصوصیة فیه حتی أن الفقهاء یستدلون به فی غیر المعاوضات کالوکالة فضلا عن العقود المعاوضیة کالإجارة و الجعالة و المزرعة و غیرها،بل أرسل العلامة فی کره علی ما نسب الیه المصنف فی الخیارات أنه نهی عن الغرر.

الثالث:التفصیل بینما یکون البناء فیه علی التسامح کما فی الصلح

المحاباتی

فیحکم بعدم اعتبار الشرط المذکور فیه لعدم الغرر فیه بعد ما کان الغرر إیصال المال الی المصالح له و عدم کون أخذ العوض محط نظر أصلا فلو صالح جمیع أمواله لزید فی مقابل درهم و کان فیه فرس شارد لا یضرّ بصحة الصلح لعدم الغرر فیه أصلا و بین ما لم یکن کک کما هو المرسوم

ص:305

فی السوق کثیرا حیث یعاملون بلسان الصلح فی معاوضاتهم و هو فی الحقیقة بیع بلسان الصلح و قد اعتبروا الشرط المذکور هنا لکونه بیعا فان البیع هو مبادلة مال بمال و هو صادق علیه کما تقدم فی أول البیع.

أقول:ان کان مدرک الاشتراط الإجماع علی الاشتراط و عدم جواز بیع ما لا یقدر البائع علی تسلیمه فلا یجری فی غیر البیع،فإنه دلیل لبیّ فلا بد من أخذ المقدار المتیقن و هو البیع و ان کان دلیله هو نفی الغرر أولا تبع ما لیس عندک فیجری ذلک فی القسم الثانی من الصلح،لعدم الخصوصیة البیع،فان الفرض هو نفی الغرر و له خصوصیّة لا للبیع علی ان القسم الثانی من الصلح بیع لانه تبدیل بین الشیئین و هو صادق علیه، فان نتیجة التبدیل بین الشیئین الذی هو حصول المال للمتعاوضین حاصل هنا أیضا.

و لکن قد عرفت عدم تمامیة دلیل نفی الغرر لضعف السند و عدم تمامیة لا تبع ما لیس عندک من جهة عدم تمامیة دلالته فلا یبقی دلیل علی اعتبار الشرط المذکور فی البیع فضلا عن الصلح و علی هذا فلا بد من التکلم فی مسألة العبد الآبق الذی ورد فیه نص حتی نلاحظ أنه یمکن استفادة حکم غیر العبد الآبق من ذلک أم لا،و الاّ لما کان لخصوص هذه المسألة ثمرة عملیة فعلا،و اما بناء علی المشهور من تمامیة اعتبار الشرط بدلیل نفی الغرر فبیع العبد الآبق مع الضمیمة تخصیص،فنقول أنه لا شبهة فی عدم جواز بیع العبد الآبق منفردا لورود النص علیه،و الاّ مع الضمیمة خلافا لمجموع العامة فإنهم منعوا عن ذلک فبیعه مع الضمیمة تخصیص لعدم جواز بیع ما لا یقدر علی تسلیمه علی مسلک المشهور،فان مقتضی القاعدة بطلان البیع و لو جعل مجهول الحصول جزء المبیع لأن جعل جزء من الثمن مقابل المجهول غرری.

ص:306

و أما علی مسلکنا فالحکم الثابت علی جواز بیع الآبق مع الضمیمة من الأول مضیق فیکون عدم جواز بیعه بدون الضمیمة تخصیصا للعمومات و قد ورد روایتان تدلان علی عدم جواز بیع العبد الآبق بدون الضمیمة.

الأولی صحیحة (1)رفاعة،قال:قلت لأبی الحسن(علیه السلام)أ یصلح لی أن اشتری من القوم الجاریة الآبقة و أعطهم الثمن و أطلبها أنا،قال:لا یصلح شرائها الاّ ان تشتری منهم ثوبا أو متاعا فنقول اشتری منکم جاریتکم فلانة و هذا المتاع بکذا و کذا درهما فان ذلک جائز.

فهذه الروایة مختص بالبیع و الروایة الثانیة موثقة (2)سماعة،فهی أوسع منها عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)فی الرجل قد یشتری العبد و هو آبق عن أهله قال:لا یصلح الاّ أن یشتری معه شیئا فیقول أشتری منک هذا الشیء و عبدک بکذا و کذا درهما،فان لم یقدر علی العبد کان الذی نقده فیما اشتری معه فان ذیل الروایة من التعلیل لا یختص بالبیع،بل یجری فی غیره أیضا کما لا یخفی.

فمقتضی الروایتین أن بیع العبد الآبق منفردا لا یجوز مع أن فیه نفعا و هو الانتفاع به بالعتق و أما غیر العبد الآبق فلا یجوز بیعه بدون الضمیمة بطریق أولی،إذا تعذر التسلیم فیه لعدم النفع له فیکون الروایتان دلیلا علی اعتبار القدرة علی التسلیم فی البیع و غیره من العقود،و المعاوضیة کما أشرنا الی ذلک فیما سبق من التکلم فی دلیل الشرط،و بالجملة فدلیل اعتبار القدرة علی التسلیم هو النص الوارد فی عدم جواز

ص:307


1- 1) وسائل،ج 12،ص 262.
2- 2) وسائل،ج 12،ص 263

بیع العبد الآبق منفردا فإنه یدل علی عدم الجواز فی غیره بدون الضمیمة بالأولویة و أما مع الضمیمة فبمقتضی قوله علیه السلام فان لم یقدر کان ما نقده فیما اشتری معه جائزا فإن المستفاد من ذلک أن المال لا یذهب فی کل مورد کان بیع غیر المقدور مع الضمیمة و أن ذلک حکم بعنوان القضیة الحقیقیة و ان کان الثمن صالحا فی مقابل الضمیمة حکم کلّی و علیه فنتعدی بذلک الی الصلح و جمیع العقود المعاوضیة علیه،بل نتعدی بجواز بیع غیر الآبق مع الضمیمة فما لا یقدر علی تسلیمه کالفرس الشارد،و الإبل الشارد، کما عرفت،و مع الغض عن شمول الروایة علی ذلک فقد عرفت أنه لا دلیل علی اعتبار القدرة علی التسلیم الاّ الفحوی من روایتین بیع العبد الآبق مع الضمیمة و من الواضح أن الفحوی یجری فی صورة الانفراد لا مع الضمیمة و أما فیه فیتمسک بالعمومات کما لا یخفی و لکن لم یلتزموا المشهور بجواز بیع غیر العبد الآبق من موارد عدم القدرة علی التسلیم مع الضمیمة حتی صرحوا بعدم جواز بیع الفرس الشارد مع الضمیمة و الوجه فی ذلک دعوی الإجماع، بل النص کما تقدم من نفی الغرر من المشهور علی بطلان بیع ما لا یقدر علی تسلیمه و لکن مجرّد عدم التزامهم بذلک لا یوجب الوهن بعد ما ساعدنا الدلیل علی الحکم بالجواز فی غیر الآبق أیضا مع الضمیمة لشمول العمومات علیه.

ثم یقع الکلام فی خصوصیات ذلک،
اشارة

ففی هنا فروع:

الأول:هل یجوز بیع الآبق مع الضمیمة مطلقا،

سواء کان رجوع العبد مرجوّا أم غیر مرجو؟أو لا یجوز إلاّ إذا کان مرجو الرجوع فقد؟اختار المصنف الثانی و تبعه شیخنا الأستاذ و قد استدل المصنف علیه بأن ظاهر السؤال فی الروایة الاولی هو ذلک حیث قال الراوی أ یصلح لی أن اشتری من

ص:308

القوم الجاریة الآبقة أعطیهم الثمن و أطلبها فإن الظاهر من کلمة اطلبها أن الوصول إلیها مرجوّ و الاّ لما کان وجه للطلب.

و کک ظاهر الجواب فی الروایة الثانیة حیث قال(علیه السلام)فان لم یقدر علی العبد کان الذی نقده فیما اشتراه معه،فان الظاهر من کلمة فان لم یقدر أن الوصول الیه حین البیع کان مرجوا و الاّ لم یکن وجه لهذا الکلام ثم قال أن ذلک هو ظاهر معاقد الإجماعات المنقولة،ثم استدل علی البطلان فی صورة الیأس بوجهین آخرین،الأول أن بذل جزء من الثمن فی مقابله أکل للمال بالباطل،و الثانی أنه بیع سفهی و الاّ لجاز بیعه مستقلا فالمانع من استقلاله مانع عن جعله جزء من الثمن فی مقابله.

أما قضیة لزوم کونه أکلا للمال بالباطل فقد عرفت أن آیة النهی عن أکل المال بالباطل مختصّة بالأسباب الفاسدة کالقمار و نحوه مقابل الأسباب الصحیحة فلا تدلّ علی شرائط العوضین.

و أما الثانی:فقد عرفت عدم الدلیل علی بطلان بیع السفهی،بل العمومات بالنسبة إلیه محکمة و انما الدلیل علی بطلان بیع السفیه و هو المهجوریة عن التصرف،علی أنه قد یکون سفهیّا أی فیما کان ما جعله من الثمن فی مقابل العبد زائدا و بالمقدار الواقع فی مقابل غیر الآبق و أما إذا کان بمقدار أربعة فلس فلا سفه فیه،بل ربما یحصل له نفع عظیم من ذلک کما لا یخفی.

و أما الروایة فلا مانع من شمول قوله(علیه السلام)فان لم یقدر إلخ،علی صورة الیأس أیضا فإن احتمال الوصول معه باق علی حاله و کذلک لا مانع من شمول السؤال علی ذلک فإنه لا مانع من المطالبة مع الیأس لاحتمال الوصول الیه.

ص:309

و أما القطع بعدم الرجوع فهل یصحّ البیع هنا مع الضمیمة أم لا؟ الظاهر أنه لا مانع عنه هنا أیضا و ذلک أن قوله(علیه السلام)و ان لم یقدر علی العبد کان ما نقده فیما اشتراه معه و ان لم یکن شاملا لصورة القطع بعدم الرجوع و لکن الظاهر من الروایة عدم اختصاص الجواز بذلک فان الظاهر منها أن الثمن یقع فی مقابل الضمیمة و کذلک کون الضمیمة قابلا لان یقع فی مقابل الثمن و لا یذهب هدرا فکون الثمن صالحا لأن یقع فی مقابل الضمیمة حکم کلّیّ نحو القضیة الحقیقیة و انما سأل السائل عن فرد من ذلک لا أن الروایة مسوقة لبیان حکم قضیة شخصیة فی مورد خاص بحیث لا یمکن التعدی منه الی غیره و لذا ذکر فی السؤال أن الرجل قد یشتری العبد الآبق.

و بالجملة الظاهر من الروایة أن بیع العبد الآبق مع الضمیمة مطلقا صحیحة سواء کان رجوعه مرجوا أو لا،بل یصحّ مع القطع بعدم الرجوع کما عرفت.

منها أنه یعتبر کون الضمیمة مما یصح بیعها مستقلا

لظهور الروایة فی ذلک فان قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان ما نقده فیما اشتراه معه ظاهر،بل صریح فی کون الضمیمة عما یکون قابلا لان یقع علیه البیع فلو لم یصح بیعه اما لعدم النفع عرفا کالخنفساء و الجعلان و نحوهما أو لعدم النفع فیه شرعا کالخمر و الخنزیر و المیتة و اما لکونه مال الغیر فلا یصح ان یقع ضمیمة فإن ما لا یصحّ بیعه مستقلا لا یصح بیعه مع الضمیمة أیضا.

و منها أن یصح بیعها منفردا فما لا یصح بیعه کک

کالعبد الآبق، فهل یصحّ بیعه أو لا؟ففیه خلاف فقد استشکل المصنف فیه من جهة عدم شمول الروایة له و ساعده شیخنا الأستاذ و لکن اختار الأستاذ المنع من جهة اقتضاء مناسبة الحکم و الموضوع ذلک المعنی،فان ما لا یصح بیعه

ص:310

مستقلا فکیف یصح مع ضمه بمثله فلا یفید انضمام ما لا یصحّ بیعه بمثله الحکم بالجواز بل یکون هو أیضا مثله کما هو واضح.

و لکن ما ادری کیف لاحظوا الروایة حتی حکموا بعدم دلالتها علی ذلک فان قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان ما نقده فیما اشتری معه أقوی ظهور فی الاشتراط فان الظاهر منه أنه لا بد و ان یکون هنا شیء یقع الثمن فی مقابله مع عدم القدرة علی الوصول أی الآبق و إذا کانت الضمیمة أیضا مثله فلا شیء هنا لیقع الثمن فی مقابله فلا یصدق علیه قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان ما نقده فیما اشتری معه فان المستفاد من الروایة ان ثمنه لا یذهب هدرا و أما مع کون الضمیمة مثل الآبق فیذهب الثمن هدرا و أما إذا کانت الضمیمة منفعة فإن کان الغرض وصول شیء إلی المشتری بحیث لا یذهب ثمنه هدرا مع عدم التمکن من العبد و کان صالحا لان یقع فی مقابل الثمن و ان لم یکن ذلک بعنوان البیع فلا شبهة فی صحة ذلک و ان کان النظر هو التعبد بالروایة و استفادة حکمه منها فلا یجوز فان الموجود فیها فان لم یقدر کان ما نقده فیما اشتری معه و من الواضح أن الشراء لا یصدق فی نقل المنافع لما عرفت فی أول البیع أن البیع انما هو لنقل الأعیان فلا یطلق فی نقل المنافع کما أن الإجازة انما هو لنقل المنافع فلا تطلق فی نقل الأعیان فکما لا یجوز بیعها مستقلة فکک لا یجوز بیعها منضمة أیضا،و بالجملة أنه یعتبر فی الضمیمة أن تکون جائزة البیع فی نفسها علی انفرادها کما عرفت.

و من جملة ما یقع الکلام فیه أنه هل ینتقل العبد إلی المشتری من حین

البیع

بحیث إذا تلف قبل وصوله إلی المشتری تلف فی ملکن المشتری أو کان البیع مراعی الی أن یتمکن المشتری منه فإذا تمکن صحّ البیع فی المجموع و الاّ تقع المعاوضة بین الضمیمة و الثمن ظاهر المحکی عن کاشف الرموز هو

ص:311

الثانی و لکن ظاهر ذیل کلامه هو الأول کما ذهب الیه المشهور و هو الأقوی فإن الظاهر من الروایة قد یشتری الرجل العبد و هو آبق قال(علیه السلام)لا یصلح الاّ أن یشتری معه شیئا فیقول اشتری منک هذا الشیء و عبدک بکذا و کذا،فان لم یقدر کان الذی نقده فیما اشتری معه هو انّ البیع و الشراء قد تما و تحققا من حین البیع فإذا لم یقدر المشتری علیه فیقع الثمن فی مقابل الضمیمة فلیس فیها اشعار بالتعلیق کما هو واضح،هذا لا شبهة فیه.

نعم،لو بقی علی إباقه بحیث صار فی حکم التالف یکون ذلک من البائع بمقتضی قاعدة کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال البائع کما سیأتی فی أحکام القبض و اما قوله(علیه السلام)کان الذی نقده فیما اشتری معه صریحا فی صحة البیع و کون الآبق ملکا للمشتری فیکون ذهابه منه و من کیسه فیکون هذا المورد تخصیصا للقاعدة المذکورة.

و بالجملة ظاهر الروایة أن التلف انما هو فی ملک المشتری لحصول البیع من الأول و لکن کان مقتضاه أن یکون ذاهبا من کیس البائع لقاعدة کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال بایعه،و لکن ذیل الروایة أثبت الحکم علی خلاف القاعد تخصیصا لها و دلّ علی کونه ذاهبا من کیس المشتری کما هو واضح.

و لو تلف العبد الآبق قبل الیأس بحصوله أو کان الیأس فی حکم التلف کما تقدم من المصنف و ان لم نقبله أو تلف بعد الیأس فهل یکون التلف من البائع بمقتضی القاعدة المتقدمة أو من المشتری فقد استشکل فیه المصنف و منشأ الاشکال احتمال شمول قوله(علیه السلام)فان لم یقدر علیه کان الذی نقده،إلخ،شاملا للموارد المذکورة و یکون عدم الظفر علی العبد سواء کان بالیأس أو بالتلف قبل الیأس أو بعده موجبا لوقوع الثمن بإزاء الضمیمة

ص:312

بحیث کان ذلک کفایة عن عدم استرجاع شیء من الثمن و عدم ضمان البائع له فیکون تخصیصا للقاعدة أیضا.

و لکن الأمر لیس کک فان الظاهر من قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان الذی نقده فیما اشتری معه أن المراد من عدم القدرة هی عدم القدرة من ناحیة الإباق و أما إذا کان عدم القدرة من جهة الموت قبل الیأس فیکون ذلک داخلا تحت القاعدة،نعم التلف بعد الیأس لا یؤثر فی ضمان البائع بعد ما ثبت کون الثمن مقابل الضمیمة بالیأس و استقر ملک البائع علی مجموع الثمن بإزاء الضمیمة من دون خیار للمشتری فی ذلک کما هو واضح.

ففی الصورة التی کانت التلف من البائع أعنی التلف قبل الیأس فیقسّط الثمن علی الضمیمة و العبد فیصحّ فی الضمیمة و یبطل فی العبد و یرجع فی حصّته إلی البائع ان أعط،و الاّ فیعطی ما یخصّ بالضمیمة فقط و یثبت للمشتری خیار تبعّض الصفقة.

قوله:و لو تلفت الضمیمة قبل القبض و ان کان بعد حصول الآبق فی الید،فالظاهر الرجوع بما قابله الضمیمة لا مجموع الثمن لان الآبق لا یوزّع علیه المثمن،إلخ.

أقول:فی توضیح ذلک أنه إذا تلفت الضمیمة قبل وصولها إلی المشتری و قد وصل الآبق الیه فیقسّط الثمن علی الضمیمة و العبد فیصحّ فی العبد و یبطل فی الضمیمة فیسترد المشتری ما قابلت الضمیمة من الثمن ان کان قد دفعه و الاّ فیعطی ثمن العبد فقط و لا یقسّط قبل وصول العبد إلی المشتری فإنه ما دام آبقا لا یوزّع علیه الثمن مع تلف الضمیمة و من هنا ظهر ما صدر من المشتری شیئا کان فی حکم القبض کأن أرسل إلیه طعاما مسموما فقتله أو أعتقه أو وهبه لشخص آخر،فان هذا کلّها فی حکم القبض

ص:313

فیقسّط الثمن علیهما فیبطل البیع فی الضمیمة و یصحّ فی العبد و لکن بما أنه تصرف المشتری فی العبد و أتلفه بالتصرف فلا یکون له خیار تبعض الصفقة حینئذ بخلاف الفرض الأول أعنی صورة حصول العبد بید المشتری.

و أما لو تلفت الضمیمة قبل حصول الآبق فی ید المشتری فهل یحکم بصحة البیع بالنسبة الی العبد و یلتزم بالتقسیط و یبطل البیع فی خصوص الضمیمة أو یحکم بانفساخ العقد فقد تردد فیه المصنف أولا،و ذکر فیه وجهان من ان العقد علی الضمیمة إذا کان کأن لم یکن من الأول و انعدم تبعه العقد علی الآبق فصار هذا أیضا کأن لم یکن فیحکم بالبطلان فی کلیهما فیفسخ العقد فیهما معا فان سبب الضمیمة حدوثا لم یکن الاّ العقد علی الضمیمة فإذا انعدم انعدم العقد علی الآبق أیضا،و من أن العقد علی الآبق کان تابعا علی العقد علی الضمیمة حدوثا و إذا تملک المشتری العبد فیکون العقد علی الضمیمة کأن لم یکن فان الغرض منه لم یکن إلاّ إمکان بیع الآبق الذی لم یکن جائزا بالانفراد و بعد ما دخل الآبق فی ملک المشتری فکان کأن لم یکن محتاجا إلی الضمیمة و کسائر متملکته و علی هذا فینحل الثمن الی کل من الضمیمة و الآبق کسائر موارد اجتماع الشیئین فی بیع واحد فیکون کل واحد منهما أجنبیّا عن الأخر و هذا الانحلال لا یوجب رفع الحکم الثابت فی الابتداء من توقف صحة بیع الآبق علی بیع الضمیمة معه،فان مقتضی العمومات مع الشک فی الصحة و الفساد محکمة و هذا توضیح کلام المصنف بإضافة إجمالا فتأمل،فإن عبارته مغلقة.

ثم استظهر من النص الوجه الأول بدعوی ان الظاهر من النص أن لا یقابل الآبق بجزء من الثمن أصلا و لا یوضع له شیء منه أبدا علی تقدیر عدم الظفر به،و هذا هو الظاهر فان قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان الذی نقده

ص:314

فیما اشتری معه ظاهر فی أنه لا بد و أن یکون هناک شیء یقع الثمن فی مقابله مع عدم القدرة علی الآبق حدوثا و بقاء فإنه لولا ذلک فبمجرد وقوع البیع لا بدّ و ان یجوز التقسیط مع أنه لیس کک بل لا بد و ان تستمر الضمیمة ما دام لم یحصل الآبق و لم یصل الی العبد و من الواضح أنه مع تلف الضمیمة لیس هنا بالفعل شیء ان یکون الثمن فی مقابله مع عدم القدرة علی العبد لیشمل علیه قوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان الذی نقده فیما اشتری معه فعلیه فیحکم بالبطلان و ان کان مقتضی القاعدة هو الصحة بعد تحققه صحیحا للعمومات الدالة علی صحّة البیع کما عرفت فی توضیح کلام المصنف.

و بالجملة الذی یتحصل لنا من الروایة هو أن الضمیمة ما لم تصل إلی المشتری قبل أن یصل الآبق الیه لا طریق للحکم بصحة البیع و ان استمر إلی مدة بعیدة فان فی کل أن لوحظ البیع یصدق أنه لیس هنا شیء یکون الثمن فی مقابله فإذا وصلت الضمیمة إلیه انتهی أمد ذلک الحکم فح یتبدل الحکم بأنه مع تلف الضمیمة لا یحکم بالفساد کما هو واضح.

ثم بقی هنا فرعان قد أشار إلیهما المصنف
الأول أنه لو وجد المشتری

فی الآبق عیبا سابقا علی العقد

فإنه لا شبهة فی کونه مخیرا بین الفسخ و الإمضاء و انما الکلام فی انه هل له أن یرجع الی الأرش أم لا؟ فنسخ المصنف القول بجواز الرجوع الی الأرش إلی قول مشعرا بکونه محل الخلاف و الظاهر أنه لا شبهة فیه فإنه لا إشکال فی کون المشتری مخیرا بین الفسخ و الإمضاء بدون الأرش أو معه فی موارد ظهور المبیع معیبا و لا خصوصیة للمقام حتی توجب عدم جواز رجوعه إلی الأرش إلا ما ربما یتوهم من أن الأرش جزء من الثمن واقع بإزاء وصف الصحة و مع عدم القدرة علی العبد لا یقع شیء من الثمن بإزاء العبد لیسترجع بعنوان الأرش و یحصّل جزء من

ص:315

الثمن،بل مجموع الثمن مع عدم القدرة علی العبد واقع فی مقابل الضمیمة.

و لکن هذا التوهم فاسد فان وقوع مجموع الثمن مقابل الضمیمة انما هو بعد الیأس من العبد بحیث یکون فی حکم التالف لا مطلقا و الفرض أن العیب کان سابقا علی العقد فحین وقوع العقد علی العبد مع الضمیمة، کان المجموع فی مقابل الثمن فیکون الثمن مقسّطا علی العبد و الضمیمة معا و ما تقدم من عدم تقسیط الثمن علی الآبق قبل وصوله الیه فیکون المقام کسائر موارد ظهور العیب فی المبیع فیتمسک بعمومات ما دل علی کون المشتری مخیرا بین أخذ الأرش و الإمضاء بدونه و بین الفسخ ثم ان عدم تعرض المصنف لصورة کون المشتری مخیرا بین الفسخ و الإمضاء من جهة عدم کونه محلا للخلاف و محتمل العدم و انما مورد التوهم هو عدم ثبوت الأرش للتوهم المتقدم و لذا خصّه بالذکر.

الفرع الثانی:انه لو کانت الضمیمة ملکا للغیر فعقد مالک العبد علیه

العقد فضولا

فهل یبطل العقد فی العبد مع عدم الإجازة أم لا؟فقال المصنف بالأول،و لم یتعرّض لحکم صورة الإجازة،و الظاهر هو البطلان مطلقا سواء أجاز المالک أو لم یجز و ذلک لما عرفت أن شأن الضمیمة کون مجموع الثمن فی مقابلها مع عدم قدرة المشتری علی الآبق و فیما إذا کان المبیع مرکبا من مال نفسه و من مال الغیر فیکون ذلک من الأول من حکم بیعین فیقع الثمن من الأول فی مقابل کلا المبیعین و لیس هنا احتمال وقوع مجموع الثمن فی مقابل الضمیمة فإنه ح یلزم أن لا یکون لمالک العبد شیء أصلا و یکون مجموع الثمن لمالک الضمیمة بدون الاستحقاق فإنه مالک من الثمن بما قابل الضمیمة دون الزائد کما لا یخفی فیذهب مال مالک العبد هدرا و الحال وقع البیع علی المجموع من حیث المجموع.

ص:316

و بعبارة أخری المستفاد من الروایة أن یحصل لمالک العبد شیء سواء تمکّن المشتری منه أم لا،و لکن مشروطا بکونه مع الضمیمة لیقع الثمن فی مقالبها مع عدم التمکن من الآبق و أن یحصل للمشتری أیضا شیء کک فإذا کانت الضمیمة للغیر فلا یمکن ذلک و الحاصل ان الضمیمة لا بد و ان تکون قابلا لان یقع مجموع الثمن فی مقابلها لقوله(علیه السلام)فان لم یقدر کان الذی نقده فیما اشتری معه و إذا کانت الضمیمة من مال الغیر و لم یقدر المشتری علی العبد فلازم ذلک ان یقع الثمن فی مقابل الضمیمة و لا یحصل لمالک العبد شیء فهذا لا یمکن الالتزام به علی أن الظاهر من قوله(علیه السلام)فی موثقة سماعة لا یصلح الاّ أن تشتری معه شیئا و یقول اشتری منک هذا الشیء و عبدک هو أن الضمیمة من مال مالک العبد فان معنی اشتری منک معناه أن المال ماله و لو کان من مال الغیر فلیس الشراء منه،بل لمالکه فإن البائع فی الحقیقة فی البیع الفضولی هو المالک بإجازته و إمضائه و أنما الفضولی مجری للعقد فقط،فافهم.

الکلام فی اشتراط العلم بالثمن

اشارة

قوله:مسألة:(المعروف أنه یشترط العلم بالثمن قدرا فلو باع بحکم أحدهما بطل إجماعا).

أقول

استدل علی اعتبار هذا الشرط بوجوه:
الأول:الإجماع،

فإنه ذکر غیر واحد من الأعاظم أن کل بیع لم یذکر فیه الثمن فإنه باطل بلا خلاف بین المسلمین.

و فیه أن الإجماع و ان کان مسلما و لکن المظنون أن الأصل فیه النبوی

ص:317

المشهور بین الفریقین(نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر)فلیس هنا إجماع تعبدی.

الثانی:النبوی المذکور

فإنه استدل به الفقهاء من الشیعة و السنة علی بطلان البیع الغرری،و بما أن الجهالة بقدر الثمن توجب الغرر و الخطر فیکون البیع باطلا.

و فیه أنه قد تقدم عدم تمامیته سندا و دلالة فلا یکون مدرکا للحکم المذکور.

الثالث:روایة حماد بن میسرة الواردة فی مورد خاص

فإنه روی عن أبی جعفر علیه السلام أنه کره أن یشتری الثوب بدینار غیر درهم لانه لا یدری کم الدینار من الدراهم.

و فیه أن غایة ما یستفاد منها أن المعاملة المذکورة مکروهة فهی أعم من الحرمة،علی تقدیر إرادة الحرمة منها فهی لا تدل علی الفساد لعدم الملازمة بین الاحکام التکلیفیة و الأحکام الوضعیة فتحصل أنه لا دلیل خاص علی اعتبار العلم بقدر الثمن فی البیع، و علی هذا

فلا بد من التکلم فی
اشارة

المسألة فی جهتین

الأولی بحسب القواعد،و الثانیة بحسب الروایة الواردة فیها،

أما الجهة الأولی أی بحسب القواعد

فان کان المراد من الجهالة بقدر الثمن جهالة بأصل المالیة بحیث لا یعلم البائع أنه أی مقدار بل ربما لا یدری أن ما جعل ثمنا فی البیع أنه مال أو لیس بمال،فهذا لا شبهة فی بطلانه فان البیع مبادلة مال بمال و أن غرض المتعاملین تملک کل منهما مالا جدیدا بإزاء ما یعطیه للآخر و لم یکن قبل هذه المعاملة مالکا له فإذا لم یدر أنه حصل له مال بذلک أو لا،و مع الحصول أنه أی مقدار فیکون نقضا للغرض فکأنه لم یقع البیع فیکون باطلا و لعل بطلان مثل هذا البیع ارتکازی للعقلاء

ص:318

فلا یعتبرونه بیعا و ان کان هذا أیضا محل تأمل لعدم اعتبار المالیة فی البیع و لعدم بطلان البیع الصبی فلا منشأ للبطلان غیر ذلک الاّ دلیل نفی الغرر فقد عرفت الحال فیه غایة الأمر یثبت الخیار للمشتری،نعم سیأتی فی المسألة الثانیة اعتبار العلم بالمثمن فی صحیحة الحلبی لا یحتاج إلی التأمل و من هذا القبیل بیع الثوب بدینار غیر درهم کما ذکر فی الروایة حماد بن میسرة و أن کان المراد من الجهالة هو الجهل بمقدار الثمن مع العلم بالمالیة و کونه بمقدار القیمة السوقیة فلا شبهة فی صحة البیع کما إذا باع الثوب بما یساوی القیمة السوقیة فإن مثل هذا الجهل لا یوجب الغرر و الخطر و لا أنه یوجب الجهل بأصل المالیة غایة الأمر أنه لا یدری أن أی مقدار من المال للجهل بالقیمة السوقیة.

و أما الجهة الثانیة أی بحسب الروایة الواردة فیها

فقد وردت روایة صحیحة (1)فی خصوص بیع الجاریة و یستفاد منها صحة البیع قال رفاعة النخاس سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) فقلت له ساومت رجلا بجاریة له فباعنیها بحکمی فقبضتها منه ثم بعثت إلیه بألف درهم فقلت له هذه ألف درهم حکمی علیک أن تقبلها فأبی أن یقبلها منی و قد کنت مسستها قبل أن أبعث الیه بالثمن فقال علیه السلام:أری أن تقوم الجاریة بقیمة عادلة فإن کان قیمتها أکثر مما بعثت الیه کان علیک أن ترد ما نقص من القیمة و ان کان قیمتها أقل مما بعثت الیه فهو له، الخبر.

و فی الحدائق التزم بصحة البیع بحکم المشتری و انصراف الثمن إلی

ص:319


1- 1) وسائل ج 12،ص 271.

القیمة السوقیة لهذه الروایة و أولها المصنف بما لیس إلا إسقاطا لها فی الحقیقة و قال لکن التأویل فیها متعین لمنافاة ظاهرها لصحة البیع و فساده فلا یتوهم جواز التمسک بها لصحة هذا البیع إذ لو کان صحیحا لم یکن معنی لوجوب قیمة مثلها بعد تحقق البیع بثمن خاص،نعم هی محتاجة إلی أزید من هذا التأویل بناء علی القول بالفساد بان یراد من قوله(علیه السلام) باعنیها بحکمی تقویمها علی نفسی بقیمة عادلة لکون رفاعة نخاسا عالما بقیمة الجاریة لأنه یبیع و یشتری الرقیق ثم قومها النحاس علی نفسه بألف درهم أما معاطاة أو وکالة فی الإیجاب و أصالة فی القبول،و انما لم یقبله المالک اما للغبن لخطاء النحاس فی التقویم أو لخیار الحیوان بناء علی ثبوته فی الإماء و العبید.

و قوله علیه السلام ان کان قیمتها أکثر مما بعثت الیه کان علیک أن ترد،إلخ،اما یراد لزوم ذلک علیه من باب إرضاء المالک إذا أراد الإمساک فیسقط المشتری أی النحاس مثلا خیار المالک ببذل التفاوت بأن یقول لا تفسخ المعاملة و سقط خیارک فاعطی التفاوت.

و ما ذکره الایروانی من أنه لا وجه لسقوط الخیار ببذل التفاوت من جهة توهم ان فاعل یسقط هو الخیار و عرفت أنه هو المالک و اما أن یحمل ذلک علی صورة حصول الحمل بعد المس فصارت أم ولد و تعین علیه قیمتها إذا فسخ البائع.

و هذا التأویل لیس إلا عبارة أخری من إسقاط الروایة فإنه لیس فیها إشارة إلی الوکالة و کون المشتری وکیلا عنه أو کون المعاملة علی سبیل المعاطاة علی أن ظهور علیک لیس إلاّ الإلزام علی الرد و ما ذکره من حمله علی إرضاء المالک بإسقاط الخیار أو حملها علی صورة الحبل خلاف الظاهر

ص:320

من الروایة جدا و علی هذا فیدور الأمر بین رفع الید عن الروایة ورد علمها إلی أهلها و بین توجیهها علی نحو لا ینافی ظاهرها،و الظاهر هو الثانی و الذی ینبغی أن یقال أنها راجعة إلی أمر عرفی متعارف بین الناس من المعاملة فإن من المتعارف فی زماننا خصوصا بین الحمالین أنهم لا یقاطعون فی مقام المعاملة علی الثمن و الأجرة بل یوکلون الأمر إلی المشتری و المستأجر.

و لکن من المقطوع من القرائن ان غرضهم فی ذلک لیس هو حکم المشتری و المستأجر بحیث لو نقص عنها یطالبون القیمة السوقیة و إذا زاد أو طابق الواقع فینطبق الثمن علیه ففی الحقیقة أن الثمن فی أمثال هذه المعاملات أمر کلّیّ و هو عنوان القیمة السوقیة و ما زاد الذی هو قابل الانطباق علی القیمة الواقعیة و ما زاد دون الناقص عنها لخروجه عن دائرة الکلی.

و نظیر ذلک قد ذکرناه فی تصویر الجامع فی العبادات بین الصحیح و الأعم و قلنا بإمکان فرض کلّیّ یکون قابل الانطباق علی الکامل و الناقص و مثلنا لذلک بلفظ الکلمة الموضوعة لما یکون مرکبا من حرفین و صاعدا فإنها قابل الانطباق علی ما یکون مرکبا من حرفین أو ثلاثة أحرف أو أزید و أیضا مثلناه بکلمة الدار الموضوعة لعرصة المشتملة علی الحائط و القبة الواحدة أو أکثر فلا مانع من ان یکون الأمر فی المعاملة أیضا کک،فالثمن فی مثل المعاملة المذکورة هو الکلی المنطبق علی القیمة السوقیة و الأکثر فیملک البائع لهذا الکلی فالروایة الشریفة تدل علی هذه القضیة المتعارفة فلا وجه لرفع الید عنها أو تأویلها علی نحو یکون إسقاطا لها فیکون ح وجها لإلزام المشتری علی رد الناقص لکونه أقل من القیمة التی وقع علیها البیع

ص:321

فیقع قوله(علیه السلام)فعلیک،إلخ،فی موقعه و من هنا ظهر بطلان ما ذهب الیه صاحب الحدائق أیضا من حمل الروایة علی القیمة السوقیة لما عرفت ان الثمن هنا کلی و هو القیمة السوقیة و ما فوقها کما لا یخفی.

و بالجملة فلو قال البائع بعتک بسعر ما بعته أو علم المشتری بأن ما اشتراه من البائع فلیس ثمنه أزید من القیمة السوقیة فهی مضبوطة فی السوق و أن لم یعلم هو بالقیمة تفصیلا فلا دلیل علی فساد هذا البیع للجهالة، فإنها لیست علی نحو تکون موجبة لعدم العلم،بأن الثمن أو المثمن مال أو لیس بمال أقل أو أکثر،علی نحو یوجب الخطر بحیث یتوقف العقلاء أیضا فی اعتباره بیعا و ان کان هذا أیضا محل تأمل فإنه لا دلیل علی هذا و أنه بدون المنشئة الاّ أن یکون هنا إجماع علی البطلان فما عن الإسکافی من صحة البیع إذا قال البائع بعتک بعسر ما بعته فی غایة المتانة،و لکن قوله و یکون للمشتری الخیار لا وجه له فإنه ان کان البیع غرریا فیکون باطلا فلیس له خیار و ان لم یکن غرریا فیصحّ و أیضا لیس له خیار کما هو واضح.

الکلام فی اشتراط العلم بالمثمن

اشارة

قوله:مسألة:العلم بقدر المثمن کالثمن شرط بإجماع علمائنا.

أقول:اعتبروا العلماء العلم بمقدار المثمن بلا خلاف فلو باع ما لا یعلم أنه أی مقدار فلا یجوز إلاّ إذا کان الجهل علی نحو لا یضرّ کما إذا علم البائع بالمبیع و یبیعه علی القیمة السوقیة و یعلم المشتری أیضا أنه ما یشتریه علی النحو المتعارف فی السوق فإنه لا وجه هنا للبطلان إلاّ إذا کان هنا إجماع علی البطلان

و تحقیق الکلام هنا فی جهتین
الاولی فی اعتبار العلم بالمکیل و الموزون

ص:322

أما الأولی فالدلیل علیه الوجوه المتقدمة المذکورة لاعتبار القدرة علی التسلیم و کون الجهالة و الغرر موجبا للبطلان و قد عرفت الکلام فیها و ما یرد علیها و یمکن الاستدلال علیه أیضا بتقریر الامام(علیه السلام)علی عدم الجواز البیع جزافا فی صحیحة (1)الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنه سئل عن الجوز لا نستطیع ان نعده فیکال بمکیل ثم یعد ما فیه ثم یکال علی حساب ما بقی من العدد قال لا بأس فإن الظاهر من السؤال أن السائل اعتقد عدم جواز البیع جزافا و أنه کان من المرتکزات عنده و عند العرف،و لذا سأل عن جواز الکیل فی المعدود و قد قرّر الامام(علیه السلام)اعتقاده و لم ینبه علی جواز البیع جزافا کما نبّه علی جواز البیع بالکیل فی المعدود فیعلم من ذلک أن البیع جزافا لا یجوز،و الاستدلال بها أتم و أحسن من دلیل نفی الغرر و نحوه و اما الثمن فهو کالمثمن للقطع بعدم الفرق بینهما.

و أما الجهة الثانیة فالمشهور بل المجمع علیه اعتبار الوزن أو الکیل

فی المکیل و الموزون

فلو باع جزافا لا یصحّ حتی مع عدم الغرر کما إذا کان مقدارا من الحنطة مثلا فی أحد طرفی المیزان و مقدار من الأرز فی الطرف الأخر الذی یساوی الحنطة فباع أحدهما بالاخر و لکن لا یعلم أنه أی مقدار فإنه لا یجوز ذلک فتدل علیه الروایات المعتبرة.

منها صحیحة الحلبی

(2)

فی رجل اشتری من رجل طعاما عدلا بکیل معلوم و ان صاحبه قال للمشتری ابتع منی من هذا العدل الأخر بغیر کیل فان فیه مثل ما فی الأخر الذی ابتعت قال لا یصلح الاّ بکیل قال و ما کان

ص:323


1- 1) وسائل:ج 12،ص 259.
2- 2) وسائل:ج 12،ص 254.

من طعاما سمیت فیه کیلا،فإنه لا یصلح مجازفة هذا مما یکره من بیع الطعام و فی روایة الفقیه فلا یصح بیعه مجازفة و المطلب واحد.

فالظاهر من هذه الروایة المبارکة أنه لا یجوز البیع فی المکیل و الموزون مجازفة و جزافا،و لکن أشکل علیها بوجهین،الأول بالإجمال، بمعنی أنه ما معنی قوله(علیه السلام)و ما کان من طعام سمّیت فیه کیلا،فان ظاهره التنویع و أن الطعام علی قسمین أحدهما یعتبر فیه الکیل و الأخر لا یعتبر فیه الکیل،و الحال أن جمیع الطعام من سنخ واحد فان اعتبر الکیل فهو فی جمیعه و الاّ فکک و أیضا فذیل الروایة ظاهر فی کون ذلک مکروها و هولا یضر بالمعاملة.

الثانی:أن الروایة مشتملة علی ما لم یلتزم به احد و هو عدم تصدیق البائع و لیس کک فإنه یصدق فی اخباره بالمبیع نصّا و فتوی أمّا الأول فیرد علیه أن المراد من الکراهة ما ذکره المصنف من أنها فی الروایات أعم من الکراهة المصلحة فلا یعارض بظهور لا یصلح و لا یصح فی الفساد علی أن الکراهة بمعنی الحرمة أیضا لا یعارضه لعدم الملازم بین حکم الوضعی و التکلیفی.

و أما قوله ما سمّیت من الطعام فلیس تنویعا بل ذکره من جهة الاشعار إلی علة الحکم و وجه اعتبار الوزن و الکیل فی الطعام من أنه من جهة بطلان المعاملة فیه بدون ذلک لاعتبار الکیل فیه و لکونه طریقا الی وزنه و مقداره فإنه لو ترک ذلک القید فاحتمل أن بطلان المعاملة فی المکیل من جهة آخر من التعبد و نحوه لا من جهة طریقیة الکیل الی مقدار الواقعی و إخراجه عن الغرریة کما لا یخفی.

و أما الإشکال الثانی أن تصدیق البائع و ان کان مسلما کما سیأتی فی الروایات الاتیة و لکن ذلک انما یکون إذا أخبر عن الکیل بان یقول

ص:324

أنا کلت ذلک کما هو المتعارف فی الیوم فی البقالین و العطارین حیث یوزنون الأشیاء لسهولة البیع عنده فیخبرون عن ذلک لا الاخبار عن المتاع بالجزاف و بالحدس من غیر کیل و وزن و الروایة ظاهرة،بل صریحة أن اخبار البائع عن العد الأخر انما هو بالمجازفة و الحدس لا عن الوزن و الکیل فان قوله اشتر منی هذا العدل الأخر بغیر کیل و کذا قوله(علیه السلام)و ما سمیت فیه کیلا لا یصح مجازفة ظاهر أو صریح فیما نقول.

و منها موثقة سماعة

(1)

قال سألت عن شراء الطعام و ما یکال و یوزن بغیر کیل و لا وزن فقال أما ان تأتی رجلا فی طعام قد کیل و وزن نشتری منه مرابحة فلا بأس ان اشترته منه و لم تکله و لم تزنه إذا أخذه المشتری الأول بکیل أو وزن إلخ،و هی أیضا تدل علی اعتبار الکیل و الوزن فی الطعام و علی کفایة اخبار البائع بالوزن و الکیل.

ثم انه یقع الکلام فی أن اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون فی
اشارة

جمیع الموارد أو مختص ببعضها

و تنقیح هذا البحث یتوقف علی البحث فی أن الغرر المنفی فی البیع هل هو شخصی أو نوعی فعلی الأول یختص الحکم بمورد وجود الغرر فعلا و علی الثانی فیعم جمیع الموارد فلا یجوز البیع جزافا و ان لم یکن فیه غرر و أیضا یتوقف البحث فی ان ما ورد التخصیص علی عمومات صحّة البیع باعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون هل هو یجری فی جمیع الموارد أو یؤخذ منه المقدار المتیقن فیتمسک فی البقیة بالعمومات و کیف کان یختلف البحث فی المقام باختلاف مدرک الحکم.

أما إذا کان المدرک علی اعتبار العلم بالمبیع هو دلیل نفی الغرر

ص:325


1- 1) وسائل:ج 12،ص 257.

فلا بد و ان ینظر إلیه فإن کان المستفاد منه أن الغرر علّة لبطلان البیع فیکون الحکم بالبطلان مختصّا بموارد الغرر الفعلی فیکون المنفی هو شخص الغرر و علیه فیصحّ بیع المکیل و الموزون جزافا إذا لم یکن فیه غرر کما إذا وضع مقدارا من الحنطة علی احد طرفی المیزان و مقدارا من الأرز فی الطرف الأخر فیبدل أحدهما بالاخر فإنه لا غرر فیه قطعا و ان کان مقدار العوضین مجهولا و کذا لو کان شیء من المکیل و الموزون لا یوزن فی الخارج اما لقلته کحبة من الحنطة و مقدار حصة من الدهن و هکذا أو لثقله کزبر من الحدید فإنه لا غرر فی أمثال ذلک مع کون مقدار المثمن مجهولا و هذا نظیر کون الحرج و الضرر مأخوذ این فی الأحکام الحرجیة بعنوان العلة فإنه یکون الحکم بها تابعا لوجود الموضوع الشخصی فلا یرتفع فی غیره المنتفی عنه الحرج و الضرر.

و ان کان المستفاد من دلیل نفی الغرر کونه حکمة للحکم بالبطلان فیکون باطلا فی الموارد المذکورة و ان لم یکن فیها غرر شخصی فإنه لوحظ فی المبیع بعنوان الحکمة للحکم فلا یلزم وجودها فی جمیع الموارد ککون اختلاط المیاه حکمة لتشریع العدة و تعفن الإبطین حکمة لتشریع وجوب غسل الجمعة و کون المشقة حکمة فی عدم وجوب السواک و کون الحرج حکمة فی عدم جعل النجاسة علی الحدید فان هذه الأمور بأجمعها لوحظت حکمة للتشریع فلا یلزم وجودها فی جمیع الموارد و فی المقام أن نفی الغرر حکمة لحکم الشارع ببطلان المعاملة التی کان العوضین فیها مجهولا و لکن إذا لم یکن غرر فی مورد أو موارد کما تقدم مع جهالة العوضین فلا وجه للحکم بصحة المعاملة بل یحکم أیضا بالبطلان لعدم لزوم التسریة فی حکمة الاحکام.

ص:326

و لکن الظاهر أن النزاع فی أن الغرر المنفی فی دلیل نفی الغرر شخصی أو نوعی لیس له منشأ أصلا فإن هذا النزاع انما یجری فیما إذا کان ذلک العنوان المتنازع فیه متعلقا للحکم و موقوفا علیه فی لسان الأدلة من غیر أن یکون لنفس العنوان المذکور فیها موضوعیة للحکم و هذا کثبوت الحرمة للخمر فإنه لیس لعنوان الخمر موضوعیة لثبوت الحکم له بحیث یدور الحکم مدار صدق الاسم حتی لو کان الحبر مسمی بالخمر فتشمل علیه أدلة حرمة الخمر و انما التحریم ثبت لها لکونها مسکرة کما فی عدة من الروایات الدالة علی أن الخمر انما حرمت لعاقبتها و لإسکارها لا لاسمها و ما کانت عاقبته عاقبة الخمر فهو حرام و علی هذا فیصح البحث فی أن الإسکار حکمة أو علة و هکذا فی کل مورد علّل ثبوت الحکم بشیء آخر کجعل العدة المعلل باختلاط المیاه و نحوه.

و أما فیما یکون العنوان المأخوذ فی الأدلة بنفسه موضوعا للحکم فلا مجال للنزاع المذکور و مقامنا من هذا القبیل فان عنوان الغرر کعنوان الضرر و الحرج بنفسه موضوع للحکم ببطلان المعاملة الغرریة فیکون نظیر العلّة من حیث دوران الحکم مداره وجودا و عدما علی نحو القضیة الحقیقیة ففی کل مورد ثبت الغرر فیوجب بطلان البیع و الاّ فلا،فان عنوان الغرر مأخوذ فی النبوی بعنوان القضیة الحقیقیة فیکون صدقها تابعا بتحقق الغرر الشخصی فی الخارج فلا مجال لتوهم بطلان البیع فیما إذا کان العوضین أو أحدهما مجهولا و لکن لم یکن فیه غرر کما فی الموارد التی ذکرناها.

فهل یتوهم فقیه أو متفقة بل عوام انه إذا کان التوضی حرجا علی جمیع الناس لبرودة الهواء الاّ لشخص واحد لحرارة مزاجه فیکون وجوب الوضوء مرتفعا عنه لکونه حرجا علی نوع الناس و لیس کک قطعا و کک المقام و هذا میزان کلّیّ و قد ذکرنا هذه الکبری الکلیة فی غیر موارد البحث عن الحکمة و العلة و عدمه فی

ص:327

غیر واحد من المباحث.

و أما إذا کان المدرک هی الأخبار الوارد فی اعتبار الکیل فی المثمن فلیس فیها لفظ الغرر حتی نتکلم فی ذلک کدلیل نفی الغرر بل لسانها اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون و هل تدل علی اعتبار الکیل فی المکیل و الموزون مطلقا،و ان کان الجهل لا یوجب الغرر فی بعض الموارد کما إذا کان للمتبایعین حدس قویّ یعیّنان مقدار المکیل و الموزون بالتخمین بحیث لا یتخلف الا نادرا و بالمقدار القلیل أو کان مقدار واحد منهما یساوی الأخر فی المقدار و لکن لا یعلمان مقدارهما الواقعی أو کان قلیلا بحیث لا یعد فی العرف من المکیل و الموزون أصلا کحبة من الحنطة أو مقدار قلیل من الدهن أو کان ثقیلا لا یمکن وزنه کزبر من الحدید.

أو أنه لا یعتبر الکیل و الوزن الا فیما کانت الجهالة موجبة للغرر أو یفصّل بینما کان التقدیر علی نحو یکون معینا لمقدار المبیع فیلتزم بصحة و بینما لا یکون کذلک فیلتزم بالفساد الظاهر هو الثانی و توضیح ذلک أنه لم یرد فی تلک الروایات لفظ الغرر حتی نتکلم فی أنه بأی کیفیة حتی نبحث فیه کما عرفت،بل هی دالة علی اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون و علی هذا فلا یصحّ بیع مقدار من المکیل بمقدار آخر منه یساویه،إذ المستفاد أنه لا بد من معرفة مقدار المکیل و الموزون سواء کانت الجهالة موجبة للغرر أم لا،فإنه لم یرد فیها لفظ الغرر لنبحث عنه.

و أما إذا عینا العوضین بالحدس القوی و التخمین الذی لا یتخلف الاّ قلیل فیصح البیع،ح فإنه من مصادیق الکیل و الوزن فان اعتبارهما لیس من جهة أن لهما موضوعیة،بل من جهة کونهما طریقا الی الواقع و الی تعیین مقدار العوضین و الحدس القوی أیضا مما یعین المقدار کالکیل

ص:328

و الوزن و علی هذا فیلتزم بصحة البیع بالتخمین و هذا نظیر أخبار البینة علی ان هذا المتاع قد کیل أو وزن فهل یتوهم أحد بعدم اعتبار ذلک من جهة عدم تحقق الکیل و الوزن فیتمسک بالعمومات الدالة علی صحة المعاملة و أما الأشیاء التی لا یعد فی العرف من المکیل و الموزون فالظاهر عدم اعتبار الکیل و الوزن فیها لخروجها عن المکیل و الموزون تخصصا فی نظر العرف فإن الاخبار لا تدلّ الاّ علی اعتبار الکیل فی المکیل و الوزن فی الموزون لا علی اعتبارهما فی جنس المکیل و الموزون کما فی الربا،و من الواضح أن الأمور المذکورة لیست من المکیل و الموزون فی نظر العرف،بل من جنسهما فلا تشملها تلک الأدلة و اذن یفرق بین المقام و بین جریان الربا فی المکیل و الموزون فإن أدلة حرمة الربا تدل علی جریانه فی جنس المکیل و الموزون سواء کان قلیلا أو کثیرا و موزونا فی نظر العرف أم لم یکن کذلک کما هو واضح لا یخفی.

و من هذا القبیل النقود الرائجة فعلا فإنها و ان کانت من جنس الموزون و یجری فیه الربا و لکن لا یعتبر فیها الوزن فی مقام المعاملة،بل هی من المعدود کما هو واضح.

و یؤیده بل یدل علیه أنه لو باع أحد ماله بدرهم فظهر أنه ناقص من سائر الدراهم بحبّة أو حبّتین فلا یبطل البیع لأجل جهالة الثمن و لا أنه یقسط المبیع و یلتزم بالصحة بما قابل الدرهم و بالفساد بالمقدار الناقص کما أن المعاملة بالدنانیر الفعلیة التی من القرطاس صحیحة و ان کان بعضها ممزّقا ما لم یضرّ بالرواج فلا یشک أحد أن المزق عیب فیه فیعلم من جمیع ذلک ان النظر فی النقود و الأثمان إلی الرواج لا الی واقعها و أنها من أی جنس بل یکون للبائع تبدیل ذلک الدرهم بدرهم آخر لو کان

ص:329

الثمن کلّی الدراهم و یکون له الخیار و مطالبة التفاوت إذا کان شخصیا بل السیرة القطعیة قائمة علی المعاملة بالنقود المسکوکة معاملة المعدودات، و لا یشک أحد فی ذلک،بل لا یلتفتون الیه و کونها مکیلة أو موزونة،بل و لا یعلم الناس أجمع أو أکثرهم مقدار الدراهم المسکوکة الرائجة إلا إذا کان بحسب الأصل مسکوکا علی میزان خاص و مشتهرا بین الناس کالقرانات السابقة فی الایران و بالجملة لا نحتمل أن یشک أحد فی کون الدراهم و الدنانیر الرائجة من قبیل المعدودات و یدل علی ما ذکرناه من کون النقود من المعدودات صحیحة (1)ابن عبد الرحمن قال قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام) أشتری الشیء بالدراهم فاعطی الناقص الحبة و الحبتین قال لا حتی تبیّنه ثم قال الاّ أن یکون هذه الدراهم الأوضاحیة التی تکون وعدنا عددا.

فإنها صریحة فی کون الدراهم من المعدودات و أما النهی عن إعطاء الناقص فلیس من جهة الجهالة،بل من جهة الغش و قد تقدم أنه حرام فی المعاملات.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه ان النقود المضروبة من الفلزات لیست من الموزون،و ان کانت من جنسها فلا یعتبر فیها الوزن و لا یضرّ الجهل بها بصحّة المعاملة و لا یقاس المقام بالربا فإنه یجری فی کل جنس یکون من المکیل و الموزون.

ثم أن الظاهر بل الواقع أنه لا یعتبر فی الکیل و الوزن المعتبرین فی الروایات الاّ العلم بقدرهما إجمالا بحیث لا یکونان مجهولین بالکلیة کبیع المکیل و الموزون بالصخرة المجهولة فإنه یبطل بحکم تلک الروایات

ص:330


1- 1) وسائل:ج 12 ص 473،حد 7.

لکونها مجهولة محضة فیکفی معرفة الوزن و الکیل إجمالا فی صحة المعاملة بحیث لا تکون المعاملة فی العرف مجهولة العوضین و الوجه فی ذلک أنه لا نعلمه من ادعی حقیقة الأوزان و المکیال تفصیلا لعدم انضباطها فی الخارج تحقیقا حتی الأوزان الدارجة المضبوطة بالقرام و الأوزان القدیمة المضبوطة بالمثاقیل فإنها تنتهی بالآخرة إلی مرتبة مجهولة،بل لا یعلم بها أهل العرف علی النحو المضبوطة قبل انتهائها إلی المیزان الأصلی من القرام و المثقال حتی یکون مجهولا فی أصل المادة فإن نوع أهل العرف لا یدرون أن الحقة أی مقدار و أن الکیلو أی مقدار،بل لا یلتفت کثیرون بالمثقال و القرام کما هو واضح،بل یستحیل معرفة الأوزان علی التفصیل لعدم إمکان معرفة حقائق الأشیاء لغیر علاّم الغیوب فالعلم بحقیقة الوزن علی التفصیل یستلزم العلم بحقیقة الأشیاء و قد قلنا أنه لا یمکن لغیر علاّم الغیوب و هذا واضح جدا.

ثم انه اعتبار الوزن و الکیل فی الروایات طریق إلی معرفة المکیل و الموزون،فإنه لا شبهة فی أنه لا موضوعیة لهما قطعا و علیه فلا بد و أن یکون کل من المتبایعین عالمین بالوزن الذی یوزن به المبیع و یعین حین اشتراک الاسم بکون المراد منه أی وزن فإنه ربما یکون الأوزان المتعددة مسماة باسم واحد فیتخیل المشتری منه الوزن المنسوب الی فلان و کان نظر البائع إلی غیره فیکون المبیع مجهولا فتبطل المعاملة للجهالة و مثاله أن الحقة اسم للاوزان المتعددة فإذا کان نظر البائع إلی حقة العطاری و هی حقة الإسلامبول و کان نظر المشتری الی حقة النجف فتعاملا علی ذلک فتکون المعاملة باطلة بلا شبهة،و کذا المن فإنه مشترک بین التبریز و الشاهی و النجف و غیرها فإذا باع منّا من الحنطة بدرهم و تخیّل المشتری أنه من

ص:331

النجف الذی ستّ حقق و کان نظر البائع الی من التبریز مثلا فإنه تبطل المعاملة للجهالة،بل ربما کان لبلدة واحدة أو قریة واحدة وزن خاص فلا بدّ من التعیین حتی لا تکون المعاملة مجهولة.

و بالجملة فالغرض من اعتبار الوزن و الکیل لیس مجرد وزن الموزون و کیل المکیل سواء علم المتبایعان بالحال أم لا،إذ لیس لهما موضوعیة أصلا،بل الغرض معرفة مقدار الثمن و المثمن إذا کانا من المکیل و الموزون و الوزن و الکیل طریقان الی الواقع و علی هذا فالمناط فی صحة بیع المکیل و الموزون معرفة مقدارهما الواقعی،و علی هذا فیصحّ بیعهما بغیر الوزن و الکیل إذا علما بهما بغیر الوزن و الکیل کالحدس القوی کما عرفت و یبطل البیع مع عدم العلم بالواقع حتی مع الوزن و الکیل إذا کانا مجهولین.

أما الکلام فی المعدود

فالحکم فیه مثل الحکم فی المکیل و الموزون، بلا خلاف ظاهر کما فی المتن فلا بد من اعتبار العدّ فحیث ان الغرض به معرفة مقدار المعدود فیکفی فیه غیر العدّ أیضا من الکیل و الوزن و الحدس القویّ الغیر المتخلّف کثیرا و یدلّ علی اعتبار العدّ فی المعدود و قیام غیره مقامه خبر الجواز الاتی الذی ذکرناه فی اعتبار العلم بالمثمن أیضا ثم أنه لا یهمّنا التکلم فی ان المیزان فی المعدود و الموزون أی شیء لعدم انضباطه و لترتب الفائدة علیه و مع ذلک سیأتی الکلام علیه،و الظاهر أنه أمر عرفی یختلف باختلافهم و مثل الباذنجان من المعدود کما فی بعض بلاد إیران،و من الموزون فی العراق و مثل البرتقال و اللیمو من الموزون فی بعض البلاد و من المعدود فی بعضها الأخر و کذا الجوز و هکذا و هکذا فلا بدّ فی ذلک من الرجوع الی عرف المحل و البلد کما لا یخفی.

و اما المزروع فان قلنا بأن الروایات التی اعتبر الکیل و الوزن فی المکیل

ص:332

و الموزون من جهة الطریق الی الواقع و لزوم تقدیرین الثمن و المثمن فی المعاملة من غیر خصوصیة فی المکیل و الموزون و لا فی التقدیره بالکیل و الوزن کما هو الظاهر فنتعدی الی کل شیء و نحکم بلزوم تقدیر فی المعاملة و اذن فیجب تقدیر المزروع بالزرع و نحوه و یدل علی ذلک التقدیر فی روایة الجوز (1)الاتیة.

و ان قلنا بأنه لا یستفاد من تلک الروایات التعمیم بل لا بد من الاقتصار بالمورد و أیضا لم یتم دلیل نفی الغرر و لا الإجماع المدعی علی لزوم تقدیر الثمن و المثمن کما لم یتم دلیل نفی الغرر و لا الإجماع المدعی علی لزوم تقدیر الثمن و المثمن کما لم یتم و اذن جاز بیع المزروع بأی نحو کان سواء کان المقدار معلوما أم لا کما لا یخفی.

قوله:مسألة لو قلنا بأن المناط فی اعتبار تقدیر المبیع فی المکیل

اشارة

و الموزون.

أقول:بعد ما عرفت اعتبار الکیل فی المکیل و اعتبار الوزن فی الموزون فیقع الکلام فی اجزاء کل منهما مکان الآخر و قیل بالجواز مطلقا و قیل بعدمه کذلک و الثالث التفصیل و هو القول بجواز الکیل وزنا دون العکس و لیعلم أنه إذا کان المدرک هو دلیل نفی الغرر فالمدار فی صحة المعاملة و فسادها هو الغرر وجودا و عدما فان کان هنا غرر فیکون موجبا للبطلان و الاّ فلا،و لا یفرق فی ذلک کون المبیع معلوما أو مجهولا کما هو واضح،فلا یقع الکلام فی کفایة کل من الوزن و الکیل فی مورد الآخر و اما الکلام فی المقام مع قطع النظر عن دلیل الغرر و بلحاظ الأخبار الواردة فی اعتبار الکیل و الوزن فنقول أما القول بالجواز مطلقا نسب الی الشهید فی سلم

ص:333


1- 1) وسائل:ج 12،ص 259.

الدروس و استدل علیه بروایة (1)وهب عن الصادق(علیه السلام)قال:لا بأس بالسلف ما یوزن فیما یکال و ما یکال فیما یوزن.

و فیه أولا:أن الروایة ضعیفة السند.

و ثانیا:ما ذکره المصنف و تبعه شیخنا الأستاذ من کون الروایة راجعة إلی جعل ثمن المکیل موزونا و ثمن الموزون مکیلا لا الی جریان کل منهما فی الأخر فلا یکون مدرکا للجواز.

ثم انه لا شبهة فی ان لکل من الوزن و الکیل دخلا فی مالیة الأشیاء المکیلة أو الموزونة و أن یختلف قیمة الأشیاء باختلاف الوزن و الکیل،و علیه فإذا کان لحجم الشیء دخل فی المالیة لا یکفی الوزن عن الکیل،بل لا یعلم به أن ما یکون مالیته بالکیل أی مقدار مثلا لو کان بیع الأجر بالکیل فیعلم أن المقدار الفلانی من الأجر له مالیة کذا و لکن إذا وزن و لم یعلم انه أی مقدار من الوزن یساوی بذلک المقدار حتی یعلم أن له هذا المقدار من المالیة و هذه الکبری الکلیة مستفادة من الاخبار الواردة فی اعتبار الکیل و الوزن.

و ربما یقال بجواز بیع کل منهما بالاخر لقوله (2)(علیه السلام):و ما کان من طعام سمیت فیه کیلا لا یجوز بیعه فی زقة فان بیع الکیل بالوزن لیس من بیع الجزاف لکون الوزن طریقا الیه بل هو الأصل فی تقدیر الوزان.

و فیه قد عرفت أن الکیل و الوزن دخلا فی مالیة الأشیاء فما کانت مالیته بالکیل لا یجوز بیعه بالوزن لعدم ارتفاع الجهالة به کما عرفت.

ص:334


1- 1) وسائل:ج 13،ص 63،باب 7،حد 1.
2- 2) وسائل:ج 12،ص 254،باب 4،حد 2.

و قد یستدل علیه بموثقة (1)سماعة قال سألته عن شراء الطعام و ما یکال و یوزن بغیر کیل و لا وزن،فقال:أما أن تأتی رجلا فی طعام قد کیل و وزن تشتری منه مرابحة فلا بأس ان اشتریته منه،و لم تکله و لم تزنه إذا کان المشتری الأول قد أخذه بکیل أو وزن و قلت له عند البیع إنی أربحک کذا و کذا و قد رضیت بکیلک و وزنک فلا بأس.

و فیه انه لا دلالة فی الروایة علی ذلک،فان الظاهر من الروایة أن إتیان الکیل و الوزن علی سبیل اللّفّ و النّشر و کان نظر الامام(علیه السلام)الی اعتبار کل من الوزن و الکیل فی کلّ من الوزن و الکیل و لیس نظره(علیه السلام)الی کفایة کل منهما عن الأخر و یؤید ذلک التعبیر بلفظ أو فی ذیل الروایة فیکون الظاهر من الروایة أن کلّ من الکیل و الوزن معتبر فی کل من المکیل و الموزون فمفهوم القضیة الشرطیة أنه إذا لم تشتر المکیل بکیل و الموزون بالوزن فیکون باطلا فإطلاق المفهوم شامل لبیع المکیل بالوزن و بیع الموزون بالکیل فیحکم بعدم الجواز و یقرّب ما ذکرناه من اللّف و النّشر أنه(علیه السلام)عطف الوزن علی الکیل بقوله (علیه السلام)فی طعام قد کیل و وزن إذ لیس من المحتمل اعتبارهما معا فی المکیل و الموزون.

و بالجملة الظاهر من الروایة أن الوزن و الکیل کل منهما دخیل فی مالیة المکیل و الموزون فلا یکفی الکیل بالوزن و کک العکس.

و أما القول بالتفصیل فاختاره المصنف(ره)و قال:بکفایة الوزن فی المکیل و بعدم کفایة الکیل فی الموزون بدعوی أن الوزن أصل الکیل و أضبط و انما عدل إلیه فی المکیلات تسهیلا فلا مانع من القول بکفایة الوزن

ص:335


1- 1) وسائل:ج 12،ص 257،حد 7.

عن الکیل بخلاف العکس لکونه فرعا علی الوزن.

و فیه قد عرفت أن الظاهر من الموثقة هو اعتبار کل من الوزن و الکیل فی المکیل و الموزون علی سبیل اللّفّ و النّشر و أن کل منهما علی نحو الاستقلال دخیل فی مالیة کل من المکیل و الموزون بحیث ربما تضطرّ بمالیة المکیل بانعدام الکیل و ان کان یوزن بالوزن کما مرّ فی مثال الأجر و کذلک العکس و لیس کل ما یکال یکون معلوم المالیة بالوزن عند العرف،و کذا العکس.

و ما ذکره من أن الأصل فی تعیین مقادیر الأشیاء هو الوزن و انما جعل الکیل طریقا الیه تسهیلا فهو کذلک،و لکن لا یعلم أنه أی وزن کان أصلا و أن کیل کان طریقا له مع اختلاف الأوزان باختلاف الممالک و البلاد بل فی بلدة واحدة أوزان مختلفة فإذا فرضنا أن متاعا یباع بالکیل فقط و یعلم حجمه و مقدار مالیته تفصیلا بحیث لا یلتفت الیه العرف الاّ بالکیل و إذا بیع بالوزن لکونه أصلا فی تعیین المقدار فلا یعلم أن أی مقدار من المتاع وقع مقابل أی مقدار من الثمن مثلا إذا فرضنا أن أحدا باع دارا بالوزن بمعنی أنه باع الأجر و الجص بوزن معین أن یجعل هذا المقدار دارا بمبلغ معیّن الی أن یخلص هذا المقدار مع أنه لا یعلم المشتری أی مقدار من المثمن قد حصله فإنه لا یدری أن هذه المصاح تصیر قبة أو قبتین و هکذا فی کل مورد اعتبر المبیع بالکیل فباعه البائع بالوزن و یصحّ ما ذکرناه بملاحظة ما وقع الاختلاف الکثر فی الأوزان بحیث من جرّب یعلم أن وزن بقالین لا یتساویان و علی هذا فالقول بعدم الجواز مطلقا أوجه الاّ أن یکون الکیل طریقا الی الوزن فحینئذ یتّجه کلام المصنف بان کان الوزن صعبا خصوصا فی الموازین القدیمة فح یوزن کیل واحد و یحاسب الباقی

ص:336

علی حسابه و یدل علی ذلک روایة (1)عبد الملک بن عمرو قال:قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام)اشتری مأة راویة من زیت،فاعترض راویة أو اثنین فانتزنهما ثم أخذ سائره علی قدر ذلک،قال لا بأس فإنه یجعل الوزن ح طریقا الی الکیل مع العلم بأن الکیل أی مقدار من الوزن فلا یقاس ذلک بغیر ما جعل الکیل طریقا ففی هنا یتجه ما ذکره من ان الوزن أصل فی تعیین المقادیر کما لا یخفی.

فإنه ح یحصل الاطمئنان بالمقدار نظیر تعیین المبیع بالحدس القوی أو بالبینة أو تصدیق البائع فی اخباره عن الکیل و الوزن فان فی ذلک کله یحصل الاطمئنان بالواقع و بمقدار المثمن.

و علی هذا فلا یفرق فیما یظهر التفاوت بما یتسامح أو بما لا یتسامح فان فی کلا الموردین قد حصل الاطمئنان بالمقدار و یجعل الکیل طریقا الی التعیین غایة الأمر فإذا ظهر التفاوت بما لا یتسامح کأن ظهر فی مأة روایة التی مائة أمنان مثلا التفاوت بعشرة أمنان فیکون للمشتری الخیار.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لما أشکل به شیخنا الأستاذ علی المصنف حیث قال و أما إذا لم یکن طریقا مضبوطا الیه بل یتخلّف بما لا یتسامح فیه فلا معنی لجواز جعله طریقا و البناء علی ذلک المقدار لأن البناء علیه لا یخرجه عن الجهالة و الاّ لصح بیع الموزون مشاهدة مع البناء علی أنه مقدار خاصّ و حاصل الکلام أن نیّة کون شیء طریقا أو لحاظ کونه أصلا أو البناء علی کونه مقدّرا بمقدار خاصّ و نحو ذلک من الأمور البنائیة و القلبیة لا أساس لها فی باب المعاملات.

ص:337


1- 1) وسائل:ج 12،ص 255،باب 5،حد 1.

و وجه الضعف أنه لیس کون الکیل طریقا الی الوزن مع الاطمئنان بالمقدار المعین الواقعی سواء ظهر فیه تفاوت بما یتسامح أو بما لا یتسامح من قبیل مجرّد البناء علی ذلک المقدار فلیس لهذا الاشکال وجه أصلا.

معاملة الموزون بوزن معلوم عند أحد المتبایعین

قوله:ثم انه قد علم مما ذکرناه أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبایعین دون الآخر کالحقة و الرطل و الوزنة باصطلاح أهل العراق الذی لا یعرفه غیرهم خصوصا الأعاجم غیر جائز.

أقول:حاصل ما ذکره أنه لو کان الوزن أو الکیل معلوما عند أحد المتعاملین دون الأخر کالحقة و الرطل و المن و الوزنة باصطلاح أهل العراق مع عدم معرفة غیرهم بها خصوصا الأعاجم فهو غیر جائز فإنه لا یصدق فی العیار مجرد صدق أحد هذه العناوین علیه فان ذلک لیس الاّ کوضع الصخرة الغیر المعلومة علی المیزان و الوزن لها.

أقول:الظاهر أنه غیر تمام لما ذکرناه سابقا من کفایة العلم الإجمالی بالوزن و لو بمشاهدته أن هذا حقة أو وزنة أو غیرهما و أن کل حقة من الأرز مثلا بقیمة کذا بحیث یری المشتری ذلک و یعامل علی طبق هذا الموجود الخارجی بحیث یصدق أن بیع هذا الطعام لیس بمجازفة،بل بیع بالوزن أو الکیل و ان لم یعلم أحدهما مقدار الوزن تحقیقا و علی جرت السیرة القطعیة حیث یرد المسافر علی بلد و شری منهم المتاع من غیر معرفة مقدار وزنهم تفصیلا بل یعلم إجمالا ان هذا الوزن المشاهد مقابلة من المتاع بقیمة کذا و هکذا بل لا یعرف الموازین تفصیلا حتی مرتبة نازلة من التفصیل الحقیقی بحیث یکون فیه تسامح قلیل شخص البلدی،بل شخص من بیده المیزان فان البقال یعرف أن هذه وقعیة أو حقة أو وزنة و أما أن کل منها أیّ مقدار من المثقال أو القرام فلا یعرفه هو أیضا،بل لو عرفه و بالأخرة

ص:338

یصل الی مرتبة لا یعلم أنه أی مقدار کالمثقال و القرام.

و بالجملة لا وجه لما قاله المصنف من عدم کفایة الوزن مع علم أحدهما دون الأخر کاوزان العراق و علی هذا فیصح معاملة الزوار الذین یجیئون الاعتبارات المقدسة و یعاملون مع أهلهم باوزان لا یعرفون مقدارها.

نعم قد تقدم سابقا بطلان المعاملة فی صورة واحدة و هو أن یبیع کلیّا مثلا من الحنطة و نحوه علی حساب کل من بدرهم أو کل حقة بدرهم فلا یعرف من الوزن الاّ اسمه فقط،من غیر علم به بالمشاهدة و نحوها فتکون باطلة لکونها معاملة جزافیة و هذا غیر ما ذکرناه.

و بالجملة المدار فی صحة بیع الموزون و المکیل الذی فرضنا من الروایة هو صدق البیع بالوزن أو الکیل بحیث یعرف کل منهما أنه کیل أو وزن و أما معرفتهما تفصیلا فلیس لها فی الروایات عین و لا أثر کما هو واضح،فافهم.

و أما المعدود فالکلام فیه بعینه مثل کلام فی المکیل و الموزون

فبالنسبة إلی أصل اعتبار العدد فی المعدود قد تقدم الکلام فیه و قلنا أن صحیحة الحلبی (1)عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)یدل علی ذلک حیث سئل عن الجواز لا نستطیع ان نعده فیکال بمکیال ثم یعد ما فیه ثم یکال ما بقی علی حساب ذلک العدد قال لا بأس به،فان الظاهر منها أن اعتبار العدد فی المعدود مفروغ عنه و انما سأل السائل عن کون الکیل طریقا الیه أو انه لا یکال،بل للعدّ موضوعیة فی المعدود و أیضا یدل بالتقریر علی جواز کیل المعدود و بیعه و وزنه و لیس للعدّ موضوعیة فی ذلک و هذا لا اشکال فیه أیضا.

و لکن بقی فی الروایة شیء و هو ان التقریر لکفایة الکیل عن العدّ و

ص:339


1- 1) وسائل:ج 12،ص 259.

ان کان مسلما و لکن الظاهر من الروایة اختصاصه بصورة الاضطرار،حیث سئل السائل عن ذلک عند عدم الاستطاعة فلا یجوز فی غیر حال الضرورة.

و فیه أن الروایة و تقریره(علیه السلام)غیر متوجه الی فرض القدرة من العدد فإنه لیس مفروض السائل فإنه مع التمکن لم یکن له داعی لبیع المعدود بالکیل،بل کان یبیعه بالعدّ و لذا سأل عن صورة عدم القدرة و هذا لا یدل ان بیع المعدود بالکیل أو الوزن لا یجوز،بل یجوز مع کونه طریقا الیه کما هو واضح للعلم بان الکیل و الوزن و العدّ لیس لها موضوعیة بحیث لو أخبر المعصوم به أو قامت البینة علی التعیین أو علما بالحدس القوی لکان باطلا و علی هذا فتمسک بالعمومات فی غیر ما لم یثبت فیه قید خاص هذا فیما کان الکیل أو الوزن طریقا الی المعدود و اما کفایة کل منهما عن الأخر استقلالا فذکر المصنف أنه لا یجوز فی الکیل بان یبیع المعدود بالکیل و یکفی ذلک عن العدّ و اما الوزن فالظاهر کفایته و لم یبین وجه الفرق بینها غیر أنه نقل عن ظاهر قولهم فی السلم انه لا یکفی العدّ فی المعدودات.

الظاهر انه لا وجه فی ذلک الفرق فإنک قد عرفت أن الظاهر من موثقة سماعة اعتبار کل ما یعتبر مالیته بالوزن أو الکیل و هکذا العدّ لا یجوز بیعه بغیره فإنه من قبیل البیع مجازفة إذ لا یعلم أن مقدار مالیته التی اعتبر علیها البیع أی شیء،بل ربما لا یعتبرون البیع مع الجهل بالمالیة فإن المستفاد من الروایات الدالة علی اعتبار الکیل فی المکیل و الوزن فی الموزون و العدّ فی المعدود هو ذلک،و انما قلنا بکفایة کل منهما عن الأخر فی صورة الطریقیة لکونه موجبا لتعیّن المالیة،و بالجملة و انا قلنا أنه لیس لشیء منهما موضوعیة بل کل منهما طریق الی الواقع و لکن المناط کون المالیة معلومة و الاّ فلا یجوز و لذا لا یجوّز کفایة کل منهما عن الأخر استقلالا کما

ص:340

هو واضح،و علی هذا فلا وجه لتجویز بیع المعدود بالوزن استقلالا،و الحاصل ان کان هنا طریقیة فالمناط جواز بیع المعدود بکل ما یکون طریقا الیه فلا وجه للاختصاص بالوزن و الاّ فلا یجوز أیضا مطلقا فلا وجه لاختصاص الکیل بالمنع فافهم.

قوله:بقی الکلام فی تعیین المناط فی کون الشیء مکیلا أو موزونا.

أقول:ذکر المشهور أن المدار فی کون الشیء مکیلا أو موزونا ما هو المتعارف فی زمان الشارع،فان ما کان مکیلا فی زمانه فمکیل الی یوم القیامة و ما کان موزونا فی زمانه فموزون الی یوم القیامة و کذلک المعدود.

و أما الأشیاء التی لم تکن فی زمانه من قبیل المکیل و الموزون،أو المعدود فللمدار فیها ما هو المتعارف فی العرف العام،و الاّ فما هو المتعارف فی کل بلد،و ذکروا ذلک أیضا فی بیان الجنس الربوی.

و لکن القول بهذا الرأی و حمل الأخبار الواردة فی المسألة علیه یستلزم الالتزام بأمر مستحیل فإنه إذا کان المدار فی کون الشیء مکیلا أو موزونا أو معدودا هو زمان الشارع و زمان الأئمة(علیه السلام)کانت القضیة خارجیة، و علیه فما یتعارف کیله أو وزنه فی ذلک الزمان لا یدخل تحت أحد العناوین الی یوم القیامة.

و إذا کان المدار فیها متعارف کل زمان،بل کل بلد من غیر توجه الی ما هو المتعارف فی زمان الشارع کانت القضیة حقیقیة و علیه فما هو مکیل فی زمان الشارع یمکن ان یکون موزونا فی زمان آخر و بالعکس،بل قد یکون معدودا و علی هذا فعرف کل زمان هو المیزان فی تعیین المکیل و الموزون و المعدود.

و الجمع بین الأمرین فی إنشاء واحد مستحیل فانّ النظر فی القضیة

ص:341

الخارجیة إلی دخل الخصوصیات الخارجیة فی الإنشاء و عدم کونه علی نحو الإطلاق و لا بشرط و النظر فی القضیة الحقیقیة إلی فرض الموضوع مفروض الوجود و جعل الحکم علیه من غیر أن تکون الخصوصیات الخارجیة دخیلة فی الجعل و الإنشاء،فحمل الروایات علی ما ذکره المشهور حمل علی أمر محال کما لا یخفی.

بل،الظاهر منها هو الثانی و أنها کسائر القضایا لسبت الا حقیقیة و تخصیصها بالقضیة الخارجیة یحتاج إلی عنایة زائدة فظهور الروایات یدفعها و علیه فالمیزان فی المکیل و الموزون و المعدود هو العرف فی کل زمان إلاّ إذا قام إجماع أو ورد نص خاص علی اعتبار الکیل مثلا فی جنس خاص کما ورد النص بجریان الربا فی الدراهم و الدنانیر مطلقا و ان کانتا من المعدودات فلو باع احد درهما بدرهمین فتکون المعاملة ربویّة مع أن الدراهم من المعدودات فی زماننا بل فی کل زمان کما دلّت علیه روایة ابن عبد الرحمن المتقدمة (1).

و بالجملة أن الظاهر من قوله (2)(علیه السلام)ما کان من طعام سمّیت فیه کیلا فلا یصلح مجازفة و کذا غیره من الروایات الدالة علی اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون هو کون القضیة حقیقیة بحیث یکون المیزان کون الشیء مکیلا أو موزونا فی أی زمان کان.

و الحاصل من أول المسألة المشهور بین الفقهاء أن العبرة فی التقدیر بزمان النبی(صلی الله علیه و آله)فما کان مکیلا أو موزونا فیلحق بهما حکمهما الی

ص:342


1- 1) وسائل:ج 12،صفحة 473،حد 7.
2- 2) وسائل:ج 12،صفحة 254،حد.

یوم القیامة و ما لم یتعارف وزنه أو کیله فی زمانه(صلی الله علیه و آله)فالعبرة فیه بما اتفق علیه البلاد و ان لم یتفق علیه البلاد فالعبرة فیه بما تعارف فی کل بلدة بالنسبة إلی نفسها.

و قد ذکرنا أن هذا الذی ذکرنا ذکره المشهور مشکل،بل مستحیل فان الالتزام بأن ما تعارف فی زمان النبی(صلی الله علیه و آله)کونه مکیلا أو موزونا کک إلی الأبد سواء خرج عن کونهما مکیلا أو موزونا أم لا،یقتضی کون القضیة خارجیة ثم الالتزام فیما لم یتعارف وزنه أو کیله فی ذلک الزمان بکون المیزان فیه العرف العام أو العرف الخاص یقتضی کون القضیة حقیقة فهما لا یجتمعان فی إنشاء واحد فان النظر فی القضیة الخارجیة الی الأفراد الخارجیة فقط، و ثبوت الحکم لها إلی الأبد أی ما دام موجودا و فی القضیة الحقیقیة إلی وجود الموضوع مطلقا و کونه مفروض الوجود بحیث أنه فی أی زمان تحقق صدق علیه حکمه و فی أی زمان خرج عن کونه مکیلا أو موزونا یرتفع عنه الحکم سواء کان مکیلا فی زمان الشارع أم لم یکن کما إذا ثبت وجوب الإکرام علی العلماء فإنه یدور مدار صدق موضوع فی أی زمان وجودا و عدما فلو کان شخص عالما ثم نسی علمه یرتفع عنه وجوب الإکرام.

و علی هذا فلا مناص عن حمل الروایات الواردة فی المسألة أما علی القضیة الحقیقیة أو علی القضیة الخارجیة،و لکن الظاهر منها کون القضیة الحقیقیة إذ لا خصوصیة للأشیاء التی کانت مکیلا أو موزونا فی زمان النبی (صلی الله علیه و آله)أو زمان الأئمة(علیه السلام)و انما النظر فیها الی بیان حکم کلما یتعارف فیه الکیل و الوزن و یدلّ علی ذلک قوله(علیه السلام)و ما من طعام سمّیت فیه کیلا أو وزنا لا یجوز بیعه مجازفة،و علیه ما تعارف کیله أو وزنه فی زمان الشارع ان بقی علی حاله فلحقه حکمه و الاّ فالمتبع فیه حکم ما صدق علیه العنوان فی کل زمان

ص:343

بل فی کل بلد فلو کان الشیء مکیلا أو موزونا فی بلد و معدودا فی بلد آخر فلحقه فی کل بلد حکمه علی النحو المتعارف،نعم لو کان هنا نص أو إجماع تعبدی مصطلح لیکون کاشفا عن رأی المعصوم علی مقالة المشهور فیلتزم به کما ورد النص بکون الدراهم و الدنانیر ربویّا مطلقا و لکن الأمر لیس کک أما النص فمعدوم و أما الإجماع فغیر متحقق فإن أغلب القائلین بذلک،بل کلهم عللوا کلامهم بانصراف الأدلة و الروایات المتقدمة إلی زمان من صدر منه الحکم و لا یشمل غیر زمانه فکشف الإجماع التعبدی من مثل هذه الکلمات من الأمور الصعبة.

فتحصل ان المیزان فی کون الشیء مکیلا أو موزونا هو ما صدق علیه المکیل و الموزون فی أی زمان کان فإنه ح لحقه حکمه.

و من هنا ظهر أنه لو عاملا فی بلد و کان المبیع فی بلد آخر فالعبرة ببدل فیه وجود المبیع کما ذکره المصنف لصدق عنوان المکیل أو الموزون أو المعدود علیه فلحقه حکمه.

و لو تعاقدا فی الصحراء رجعا الی حکم بلدهما،و لو تعاملا فی البر بین البلدین و اختلف عرفهما فی کون ذلک الشیء من المکیل أو الموزون و شک فی لحقوه بهما فیرجع الی عمومات صحة العقد فان المقدار الثابت من المخصص انما کان مکیلا أو موزونا أو معدودا لا یجوز بیعه مجازفة و هذا المتاع الموجود فی الصحراء لیس بمکیل قطعا لعدم لحوقه بإحدی البلدین کما یکفی فی عدم المکیلة عدم اللحوق و علی هذا فیتمسک بالعمومات فیحکم بصحة المعاملة علیه مجازفة فلا یکون من قبیل التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لعدم کون الشک فی کونه مکیلا أو موزونا و انما الشک فی اعتبار الشارع الکیل هنا و الاّ فهو لیس بمکیل قطعا کما عرفت.

ص:344

الکلام فی الاعتماد بإخبار البائع بقدر المثمن

اشارة

قوله:مسألة:لو أخبر البائع بمقدار المبیع جاز الاعتماد علیه.

أقول

تحقیق المسألة فی ضمن جهات
الاولی،أنه لا شبهة فی جواز

الاعتماد علی اخبار البائع فی مقدار المبیع کیلا أو وزنا،

بل فی بعض الکلمات دعوی الإجماع علیه و قد وردت علیه أخبار عدیدة کما عرفت،و لا ینافیه ما تقدم فی صحیحة (1)الحلبی(فی رجل اشتری من رجل طعاما عدلا بکیل معلوم و أن صاحبه قال للمشتری اتبع منع هذا العدل الأخر بغیر کیل فان فیه مثل الأخر الذی اتبعت،قال لا یصلح الا بکیل،قال و ما کان من طعام سمّیت فیه کیلا،فإنه لا یصلح مجازفة)لأن اخبار البائع فی الروایة کان مستندا الی الحدس دون الحسّ بالکیل و الاخبار عنه و قد حملها المصنف علی وجه آخر و قد عرفت عدم صحته،و الحاصل أن أصل الحکم مما لا ریب فیه.

الجهة الثانیة أن الظاهر من الروایات الدالة علی جواز تصدیق

البائع فی أخباره بالکیل أو الوزن هو کون الاخبار طریقا الی الواقع

بحیث یحصل الاطمئنان أو الظن المعتبر بکونه مکیلا أو موزونا و یدل علی ذلک روایة (2)أبی العطارد و فیها قلت فأخرج الکر و الکرین،فیقول الرجل أعطیته بکیلک فقال إذا ائتمنک فلا بأس.

و مرسلة (3)ابن بکیر فی رجل سأل أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن الرجل یشتری

ص:345


1- 1) وسائل:ج 12،ص 254.
2- 2) وسائل:ج 12،ص 257،حد 6.
3- 3) وسائل:ج 12،ص 256،حد 3.

الجص فیکیل بعضه و یأخذ البقیة بغیر کیل فقال(علیه السلام):اما أن یأخذ کله بتصدیقه و اما أن یکیله کله.

و الروایتان و ان کانتا ضعیفتین من حیث السند و لکن لا بأس بهما فی مقام التأیید،علی أنه لو لم یکن اخبار البائع هنا من باب الطریقیة فلا بد و أن یکون مأخوذا اما من باب الموضوعیة أو علی نحو الاشتراط بأن کان اخباره بالمقدار شرطا فی البیع بحیث لو لم یکن کذلک یکون المشتری مختار فی الفسخ و الإمضاء أما الأول فهو بعید جدا فان لازمه صحة البیع بمجرّد الاخبار بقدر الثمن و ان کان المخبر ممن لا وثوق فی اخباره أصلا بحیث لا یرفع اخبار الجهالة عن المبیع و لا یخرج البیع عن الجزافیة مع أنه لا یمکن الالتزام به.

و أما الثانی فلأنه لو کان الاشتراط رافعا للجهالة و مصححا للبیع و موجبا لخروجه عن الجزافیة لکان صحیحا بدون الاخبار بأن اشتراط أنه لو کان المبیع أقل من المقدار المعین کان المشتری مختارا فی الفسخ و الإمضاء و أیضا لا یمکن الالتزام به فإن إطلاقات الروایات بطلان بیع الجزاف مع الاشتراط و عدمه کما لا یخفی و إذا فلا بد من أخذ الاخبار طریقا الی بیان مقدار المبیع بحیث یکون رافعا للجهالة و الغرر و الاّ فیبطل لکونه بیع جزافی و قد تقدم أن ما کان مکیلا أو موزونا فلا یصحّ بیعه جزافا.

الجهة الثالثة:ما تبیّن الخلاف فی المبیع اما بالنقیصة أو بالزیادة

فهل یحکم بالبطلان کما احتمله فی جامع المقاصد فیما باعه ثوبا علی أنه کتان فبان قطنا ثم رده أو یکون البیع صحیحا و یثبت الخیار للمشروط له ففی المقام جهات من البحث:

الجهة الاولی:فی صحة المعاملة و بطلانها

و قد اختار المصنف

ص:346

الصحة مع الخیار،و توضیح ذلک أنا قد ذکرنا مرارا عدیدة أن الهیولا سواء کانت أولیة أو ثانویة فی مقابل الهیولی الاولی فتشمل الثالثة و ما فوقها نظیر المقولات الثانویة المقابلة للمقولات الأولویة لیست لها قیمة أصلا و انما هی بالنسبة الی جمیع الأشیاء حتی التراب متساویة الإقدام،بل القیمة للأشیاء بحسب أوصافها الموجبة للمالیة و ان کان نفس الأوصاف لا تقابل بالمال،و انما هی واسطة لثبوت المالیة علی المواد و الهیولی و علی هذا فإذا تخلفت الأوصاف فی المبیع فان کانت من الأوصاف المقوّمة المعدودة فی نظر العرف من الصور النوعیة سواء کانت بالدقة أیضا من الصور النوعیة أم لا،فیکون البیع باطلا فان ما هو الموجود فی الخارج لم یبع و ما هو مبیع غیر موجود فی الخارج کما إذا باع إنسانا فبان فرس أو باع عبدا فبان أنه أنثی فإن ما هو عنوان للمبیع و مقوّم له فی نظر العقل فی المثال الأول و فی نظر العرف فی المثال الثانی قد تخلف عن المبیع فیکون البیع باطلا و هکذا فی جمیع موارد تخلّف العنوان عن المعنون و لو فی نظر العرف فإنهم یرون العبد مع الأمة جنسا مختلفا و ان کان فی الحقیقة جنسا واحدا،فإن الرجولة و الأنوثة من العوارض و العناوین الغیر المقومة فی نظر العقل،و لکنها من العناوین المقومة فی نظر العرف.

و أما إذا کانت الأوصاف من العناوین الغیر المقومة فی نظر العرف، کوصف الکتابة و الخیاطة و النجارة فی العبد فلا یکون تخلّفها موجبا لبطلان البیع و من قبیل تخلف العنوان عن المعنون فیکون البیع صحیحا مع الخیار و فی المقام أن المبیع و ان کان خمسة أمنان من الحنطة فظهر أنه ثلاثة أمنان و لکن عنوان الخمسة لیس من العناوین المقومة بحیث یفوت المبیع بالکلیّة بانقضائه،بل المبیع الذی وقع علیه البیع موجودا و انما انتفی عنه

ص:347

وصف انضمامه بالمقدار الزائد،فیکون البیع فی الحقیقة منحلا الی بیوع متعددة فإن معنی بعتک هذه الحنطة التی عشرة أمنان بعشرة دراهم أن کل منّ منها بدرهم غایة الأمر أن کل بیع مشروط بانضمامه الی البیع الأخر فإذا ظهرت الحنطة خمسة فیکون البیع بالنسبة إلی الخمسة باطلة لما تقدم،و بالنسبة إلی الخمسة الموجودة صحیحة مع خیار تخلف الوصف و الشرط أی عنوان الانضمام.

و بالجملة أن احتمال البطلان هنا فاسد و قیاس المقام بباب تخلف العنوان عن المعنون قیاس مع الفارق.

الجهة الثانیة:فی أن الخیار الثابت هنا للمشتری أو للبائع هل هو

خیار تخلّف الوصف

اعنی ما ذکرناه من انضمام هذا البیع ببیع الزائد عن المبیع الموجود أو خیار آخر کخیار الغبن العیب مثلا.

عبر العلامة فی القواعد عن ثبوت هذا الخیار للبائع مع الزیادة،و للمشتری مع النقیصة بقوله تخیر المغبون و تخیل بعض تبعا لبعض الأخر أن هذا لیس من خیار فوات الوصف أو الجزء معللا بأن خیار الوصف انما یثبت مع التصریح باشتراط الوصف فی العقد.

و أشکل علیه المصنف باندفاعه بتصریح العلامة فی هذه المسألة من التذکرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتری بالناقص و فی باب الصرف من القواعد بأنه لو تبین المبیع علی خلاف ما أخبر البائع تخیر المشتری بین الفسخ و الإمضاء بحصة معینة من الثمن.

و أما التعبیر بلفظ المغبون لیس من جهة کون النقص أو الزیادة غبنا لهما اصطلاحا فإنه عبارة عن التفاوت فی القیمة السوقیة،بل من جهة إرادة النقص و التضرر و ان الخیار ثابت لمن نقص من مالیة ماله و حصل

ص:348

له الضرر فی هذا البیع لأجل الزیادة أو النقیصة.

و بعبارة أخری أن غرض العلامة من هذا التعبیر تعمیم الخیار لکل من البائع فی صورة الزیادة و المشتری فی صورة النقیصة و المجوّز لهذا الإطلاق هو الاعتبار بنقص مالیة ماله فی المعاملة و حصول الضرر لهما و الاّ فالخیار من جهة تخلّف الوصف فقط فیکون الخیار خیار تخلف الوصف و الشرط الضمنی.

و أما ما ذکره بعضهم من أن خیار الوصف انما یثبت مع التصریح بالوصف فی العقد ففیه أن هذا فی الأوصاف الخارجیة التی لا یشترط اعتبارها فی صحة البیع ککتابة العبد و خیاطته و أما الملحوظ فی عنوان المبیع بحیث لو لم یلاحظ یصح البیع کمقدار معین من الکیل أو الوزن أو العدّ فهذا لا یحتاج الی الذکر و کذا الشروط الضمنیة کعدم تبعّض الصفقة و عدم فوات الانضمام و عدم حصول الشرکة فیه الی غیر ذلک من الشروط الضمینة التی اعتبرت فی المعاملة بحسب بناء العقلاء و ان لم تکن مذکورة فی ضمن العقد کما هو واضح فتحصل أن الخیار هنا هو خیار تخلف الشرط دون خیار الغبن و تعبیر العلامة بثبوت الخیار للمغبون لا یکون دلیلا علی کونه خیار غبن مع ما عرفت أن مراده تعمیم الخیار للمتضرر منهما دون الغبن الاصطلاحی أعنی تفاوت القیمة السوقیة.

الجهة الثالثة:هل هذا الخیار کسائر الخیارات الحاصلة من تخلف

الوصف و الشرط

بحیث یکون من له الخیار مختارا بین الفسخ و أخذ الثمن أو المثمن و الإمضاء بدون أن یستحق باسترداد شیء من الثمن أو المثمن أو أنه علی غیر النسق المذکور و انما یستحق من الخیار استرداد جزء من الثمن أو المثمن و الظاهر أن خیار التخلف هنا کسائر الخیارات الثابتة

ص:349

لتخلّف الشرط أو الوصف فلا یوجب استحقاق شیء من الثمن أو المثمن غایة الأمر أن الخیار هنا منضم بأمر آخر فهو بطلان البیع فی الجزء الزائد فی صورة الزیادة و فی الجزء الناقص فی صورة النقیصة مثلا لو باع الحنطة علی أنها خمسین حقة بخمسین درهما فینحل البیع هنا الی بیوع متعددة أی منها مشروط بالبقیة فلو ظهرت الحنطة ثلاثین حقة فیکون هنا أمران أحدهما بطلان البیع فی الناقص لعدم وجود المبیع أصلا،و الثانی ثبوت الخیار للمشتری فی الباقی لتخلّف الشرط الضمنی و هو انضمام کل بیع بالبقیة و قد انتفی هذا الشرط بظهور المبیع ناقصا فما هو مرکز الخیار غیر ما هو مرکز البطلان فیکون الخیار کسائر الخیارات فی تخلّف الشرط و تبعض الصفقة و ما توهم من أن الخیار هنا لیس کبقیة خیار تخلّف الشرط فإن ذی الخیار هنا یستحق من الثمن مقدار ما یقابل بالجزء الناقص فهو ناشئ من الخلط بین الأمرین کما هو واضح.

و بالجملة فکما للمشتری خیار تبعض الصفة فی سائر الموارد و کک هنا و مرجعه الی خیار تخلّف الشرط و الوصف.

الجهة الرابعة:هل یثبت الخیار للبائع فی صورة زیادة المبیع عن

المقدار الذی أخبر به البائع

کما أنه ثابت للمشتری فی صورة النقیصة أم لا قد عرفت من العلامة فی القواعد من التعبیر عن ثبوت الخیار لهما بقوله تخیّر المغبون و لکن الظاهر أنه لا خیار للبائع،بل هو للمشتری فی کلا الصورتین أی صورتی الزیادة و النقیصة أما فی صورة النقیصة فقد عرفت ثبوته للمشتری من جهة تخلف الشرط،و أما فی صورة الزیادة فربما یتوهم ثبوت الخیار للبائع من جهة أنه صار شریکا مع المشتری فی المتاع و فیه أنه و أن صار شریکا مع المشتری بنحو الإشاعة الاّ أن کل شرکة لا تقتضی ثبوت الخیار

ص:350

و ان کان عیبا و ذلک لعدم دخوله تحت الالتزام العقدی الضمنی،نعم لو باع عبدا مریضا مثلا فبان أنه صحیح فله الخیار و هکذا کل شیء دخل تحت الالتزام العقدی و لو ضمنا.

و أما ثبوت الخیار للمشتری فواضح لکون الشرکة عیبا فی المتاع الذی اشتراه فیکون مختارا فی الفسخ و الإمضاء و ان شئت فارجعه الی الخیار تخلّف الشرط فان الشرط الضمنی موجود فی عدم تعلق حق الغیر بالمبیع و کون المشتری مستقلا فی التصرّف فیه و من الواضح أن حق القسمة للشریک البائع یمنع عن استقلال المشتری فی التصرف فی المبیع کما هو واضح لا یخفی.

فتحصل مما ذکرناه أن بیع المکیل و الموزون لا یجوز بدون الکیل و الوزن للروایات الدالة علی اعتبارهما فیهما و کک المعدودات للروایة الدالة علی تقریر الامام(علیه السلام)فهم السائل اعتبارهما فیمها حیث أجاب عن سؤاله عن صحة بیع المعدود بالکیل کما لا یخفی علی ما تقدّم،و أما اعتبار الزرع فی المزروع فقد عرفت صحته أیضا و عدم جواز بیعه بدونه لما استفدناه من الروایات الدالة علی اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون من عدم الخصوصیة لهما بل هما طریقان الی تعیین مالیة الشیء و مقداره و من الواضح أن الزرع أیضا یعیّن مقدار مالیة المزروع کما هو واضح جدا.

و أما ما لا یعتبر فیه الوزن و الکیل و الزرع کالالبسة و الأراضی و الدور و نحوها من مختلفة الأجزاء،فالظاهر کفایة المشاهدة فیه کما ذکره المحقق فی الشرائع و العلامة فی التذکرة فتوجب المشاهدة رفع الجهالة و الغرر فی المبیع بناء علی اعتبار العلم بمقدار العوضین کما تقدم و الاّ فلا وجه لاعتبارها أیضا فی بیع مختلفة الأجزاء کما عرفت.

و الوجه فی ذلک أن المناط فی اعتبار العلم بالعوضین هو تعیین

ص:351

مقدارهما لیسلم البیع عن الغرر و المجازفة و من الواضح أن المشاهدة أیضا طریق الی تعیین مالیة الشیء فیما لا یمکن فیه الأمور المتقدمة.

و علیه فلا یثبت الخیار للمشتری إذا حصل التفاوت بمقدار یسیر یتسامح فیه عادة و أما إذا ظهر فیه التفاوت بما لا یتسامح فلا یخرج البیع عن بیع الغرر و المجازفة و حینئذ ان اعتبرنا العلم بالعوضین فی صحة البیع و عدم الغرر فیها فیکون باطلا و الاّ فیکون صحیحا مع ثبوت الخیار للمشتری و من هنا أشکل المصنف علی العلامة من حیث عده بیع قطیع من الغنم من ذلک فان التفاوت فی ذلک قد یکون بما لا یتسامح فیه و کذلک إذا باعها معدودا نعم بیع کل واحد من الأغنام بالمشاهدة لا بأس به لعدم الغرر فیه.

الکلام فی بیع صاع من الصبرة

اشارة

قوله:مسألة:بیع بعض من جملة متساویة الأجزاء کصاع من صبرة مجتمعة الصیعان أو متفرقها أو ذراع من کرباس أو عبد من عبدین و شبهه ذلک یتصور علی وجوه.

أقول:

قد قسم المصنف بیع بعض من جملة متساویة الأجزاء الی أقسام
اشارة

فلا یعلم أن نسبة المبیع إلی الجملة أی شیء.

الأول:أن یکون المبیع کسرا مشاعا

و لعلّه بیّن معنی کسر المشاع بحیث یبیع منّا من الحنطة فلا یعلم أن نسبة المنّ إلی الحنطة أی شیء أ هی بالنصف أو بالثلث أو أقل أو أکثر سواء کانت الحنطة فی موضع واحد أو فی مواضع عدیدة فلا یشترط فی ذلک العلم بأن الصبرة أی مقدار من الصاع و هذا لا شبهة فی صحته لعدم وجود ما یوجب بطلان المعاملة أما الغرر فمنفی

ص:352

لعدم الجهل بالمبیع غایة الأمر أن نسبة المبیع الی المجموع مجهولة و کک لا إبهام فیه أیضا کما عرفت و أیضا لا مجال لان یقال أن صفة الملک تحتاج الی محل موجود لتقوم به و هو منفی هنا لما عرفت وجوده فی الخارج،غایة الأمر لا یعلم نسبته الی المجموع و من هذا قبیل بیع عبد من عبدین أو دار من دارین،بل بیع نصف العبد و نصف الأمة من عبد و أمة فان فی ذلک کله المبیع أمر معین،بل نسبته الی المجموع أیضا معین فأی وجه للبطلان.

و قد أشکل العلامة علی صحة البیع عبد من عبدین و لم یبیّن جهة الاشکال و ذکر المصنف وجه الفرق منع ظهور الکسر المشاع من لفظ العبد لعدم صحة إطلاق لفظ العبد علی نصف هذا العبد و نصف العبد الأخر، و لا یکون فارقا فی المقام فان غایته یوجب سقوط اللفظ عن الدلالة فی مقام الإثبات علی المراد الواقعی،فکلامنا لیس فی مقام الإثبات،بل فی مقام الثبوت و إمکان هذا البیع فحیث أمکن ذلک فیمکن ان یکون کلامه مقرونا بالقرائن فبواسطة القرائن یفهم المراد أو یصرح علی کون البیع بنحو الإشاعة و توهم ان لفظ الغلط یضرّ بالإنشاء فاسد لما عرفت مضافا الی فساد أصل المبنی إنه یضرّ إذا کان نفس الإنشاء بالألفاظ المغلوطة و أما إذا کان الغلط فی ألفاظ المتعلق بحیث یکون اللفظ الدال علی متعلق البیع غلطا فلا یتوهم أحد أنه یضرّ بالإنشاء و مما ذکرناه ظهر أنه لا فرق فی صحة البیع هنا بین کون المبیع متساویة الاجزاء أو مختلفة الاجزاء فیصح بیع نصف من العبد و نصف من الأمة و نصف من هذا الدار و نصف من الدار الأخری مع انها لیست متساویة الاجزاء،بل و کذلک بین نصف من الدار فإنها لیست متساویة فان فی ذلک کلّه لا جهالة فی المبیع و لا شیء آخر مما یوجب البطلان

القسم الثانی:أن یکون المبیع کلیّا فی الخارج مقابل الکلی فی الذمة

ص:353

و هذا هو القسم الثالث فی کلام المصنف و انما قدمناه لتوقف معرفة القسم الثانی علی القسم الأول و الثالث،بیان ذلک أن المبیع تارة یضاف إلی الذمة بأن یبیع منّا من الحنطة فی الذمة بحیث یعتبر العقلاء بمجرّد إضافة الکلی إلی الذمة مالیة له و ان لم یکن مالا قبل ذلک و هذا یسمّی کلیّا فی الذمة.

و أخری یکون المبیع کلیّا فی الخارج بأن یبیع صاعا من الصبر الموجودة فی الخارج المعین المقدار بحیث أن المبیع یکون کلیّا فی المعیّن الخارجی،و من هذا قبیل أیضا بیع عشرة امتار من المزروع المقدر بماءة متر فان المبیع کلی الخارجی و الفرق بین القسم الأوّل الذی یسمی بکسر المشاع و هذا القسم الذی یسمی بالکلی فی الخارج أن المبیع فی القسم الأول موجود فی الخارج بحیث لو تلف مجموع الحنطة للبائع تلف المبیع أیضا و هذا بخلافه هنا فان المبیع هنا کلّی مضیق ینطبق علی الأمنان الخارجیة فإذا تلفت الصبرة لم یتلف المبیع و لم یبقی منها الاّ بمقدار المبیع فیکون المبیع منطبقا علیه و إذا تلفت الصبرة اجمع فیکون للمشتری حق الفسخ قبل القبض و یذهب من کیسه بعده و هذا القسم أیضا لا شبهة فی صحته لعدم تمشی بشیء من الوجوه المذکورة للبطلان هنا،فان المبیع کلّی معین غایته مضیق بما فی الخارج من غیر أن یکون فیه إبهام و جهالة أصلا فلو کان بیع کلی هنّا باطلا کان السلم أولی بالبطلان لعدم وجود ما ینطبق علیه الکلی فی الخارج و بالجملة لا شبهة فی صحة بیع صاع من صبرة بنحو بیع الکلی فی الخارج کما لا یخفی.

القسم الثالث:ان یکون المبیع فردا منتشرا فی الاجزاء الخارجیة و

مبهما من جمیع الجهات

و الفرق بین هذا القسم و القسم الأول هو أن المبیع فی القسم الأول موجود معین شخصی من غیر جهالة فیه و انما الجهالة

ص:354

کانت فی نسبته الی المجموع و أما فی هذا القسم لیس فیه تعین أصلا فضلا عن کونه فی الخارج و أما القسم الثانی فالمبیع فیه أمر کلّی بغیر تشخص فیه أصلا و هذا بخلاف القسم الثالث فان المبیع لیس کلیّا کالقسم الثانی و لا أمرا موجودا فی الخارج و متشخصا بالخصوصیات بل هو فرد مردد مبهم و یسمی ذلک بالفرد المنتشر،و قد استدل علی بطلان البیع هنا تارة بالجهالة و أخری بأن الإبهام فی المبیع مبطل و ثالثة بأنه موجب للغرر فیکون موجبا للبطلان و رابعا بأن الملک صفة وجودیة محتاج الی محل تقوم به کسائر الصفات الموجودة فی الخارج و أحدهما علی سبیل البدل غیر قابل لقیامه به لأنه أمر انتزاعی من أمرین معینین و ذهب المشهور الی بطلان هذا القسم من البیع،بل ادعی الإجماع علی ذلک و خالف المحقق الأردبیلی فی ذلک و تبعه المصنف و بعض آخر.

أقول:یقع الکلام فی تصویر هذا أولا بأنه هل یمکن وجود فرد مبهم فی العالم أم لا،فنقول تارة یراد من الفرد المنتشر الوجود المبهم غیر المتشخص بخصوصیة خاصة فهذا لا شبهة فی بطلان بیعه إذ لا وجود له أصلا حتی فی علم اللّه و لم یخلق فرد یکون موصوفا بهذا الوصف فانّ کلما هو موجود فی الخارج فمتشخص بشخصیّة خاصة و بجهات ممیزة بل التشخص عین الوجود علی قول فکیف یعقل أن یکون هنا فردا و لا یکون متشخصا لخصوصیة فإن أراد من الفرد المنتشر هذا المعنی المردد و قال الأردبیلی و المصنف بصحة بیع هذا الفرد فهو بدیهی البطلان لما عرفت من عدم وجود مثل ذلک أصلا.

و ان أرادوا من ذلک الفرد المنکر أی فردا موجودا بین الأفراد الخارجیة متشخصا بخصوصیة و متمیّزا فی الخارج بتمیّز خاص بحیث کان عند

ص:355

اللّه معینا حتی لو کان هنا معصوم لا خبر بالمبیع و لکن مجهول عند البائع و المشتری کما إذا قال بعتک عبدا من عبدین أو صاعا من صیاع هذه الصبرة أو شاة من هذه الشیاة فان المبیع و ان کان مجهولا عند المتعاملین و لکن لیس مثل الأول غیر موجود فی العالم و غیر مخلوق للّه بل له وجود حقیقة فی علم اللّه بحیث لو کان عینا کان فردا من هذه الافراد کما إذا قال بعتک عبدا من عبیدی الذی یأتی أولا فإن أیا منهم یأتی أولا فهو مبیع و معلوم عند اللّه واقعا فإن أرادوا هذا المعنی فالظاهر أنه لا شبهة فی صحته، إذ لیس شیء من الوجوه المذکورة جاریة هنا الاّ الوجه الأول فهو الجهالة أما الإبهام فالفرض ان الفرد المبهم لا وجود له فی الواقع و قلنا أن لما نحن فیه وجود واقعی غایته مجهول عند المتعاملین و أما الغرر فلیست المعاملة بغرریة أصلا،فإن من المفروض الصبرة متساویة الاجزاء و متساویة النسبة و أما کون الملک صفة محتاجة إلی محل موجود فکذلک أیضا أن المبیع موجود فیقوم عنوان الملکیّة الذی أمر اعتباری بذلک المحل.

و بعبارة أخری أنه لا شبهة فی توقف البیع علی وجود محل یقوم به فإن الملکیة و ان لم تکن امرا خارجیا و صفة وجودیة بل من الاعتبار یأت الاّ أن هذا الأمر الاعتباری لا بد له من محل یقوم به لیمکن تبدیل المال فی طرف الإضافة فما لا مال فلا اضافة لیمکن التبدیل فیها،نعم فالجهالة موجودة هنا فان تم إجماع و نحوه علی بطلان البیع بمثل هذه الجهالة و کونها موجبة للبطلان فیها و الاّ فیحکم بالصحة للعمومات کما هو واضح،و أوضح بالصحة لو کان له عبدان فمات أحدهما و بقی الأخر و لم یعرف أنه المبارک أو المیمون فیقول بعتک العبد الباقی من عبدین فان مثل هذه الجهالة لا تضر بالصحة و لا دلیل علی کونها مبطلة و توهم شمول الإجماع علیه فاسد،فإنه

ص:356

دلیل لبیّ لا یشمل لغیر الجهالة فی المقدار.

و حاصل ما ذکرناه فی هذه المسألة هو أن بیع شیء یتصور علی وجوه:
الأول:أن یکون کسر مشاع

بمعنی أن یکون المبیع حصّة من الحنطة الموجودة فی الخارج و متشخصا بخصوصیة و یکون المشتری شریکا له بنسبة خاصة من النصف أو الثلث أو غیرهما و انما یشیر البائع بقوله بعتک منّا من الحنطة إلی الشرکة بهذا النحو کما لا یخفی،و هذا لا شبهة فی صحته و لا فرق فی ذلک بین متساویة الأجزاء أو لم یکن و لا بین صحة إطلاق اللفظ علی النصف و نحوه و عدمه فیصح بیع عبد من عبدین علی نحو الإشاعة و ان لم یصح إطلاق العبد علی النصف و ذلک لما عرفت فی ألفاظ العقود علی اعتبار الحقیقة و الألفاظ الصحیحة فی ألفاظ العقود،و انما هو منحصر بالألفاظ التی یقع به إنشاء العقد و أما متعلقات العقود فلا یعتبر فیها الحقیقة،بل لا یعتبر فیها الألفاظ الصحیحة فضلا عن المجاز کما هو واضح.

و بالجملة فبیع کسر المشاع بأی لفظ کان صحیح بلا اشکال و لیس فیه ما یوجب البطلان من الوجوه المتقدمة کالجهالة و الإبهام و الغرر و عدم وجود المحل لیقوم به الملک.

الثانی:بیع الکلی فی المعیّن الخارجی فی مقابل البیع الکلی فی

الذمة

و قد تقدم تفصیله و إجماله أن یبیع کلیّا معینا مثل المنّ و نحوه من هذه الصبرة الخارجیة من غیر أن یکون المشتری شریکا له فی الصبرة و انما یکون حقه قابلا لانطباق بکل منها انطباق الکلی علی الفرد حتی لو تلفت الصبرة و لم یبق منها الاّ بقدر المبیع فیکون حقّه منطبقا علیه بخلافه فی الأوّل فإن التالف من البائع و المشتری بنسبة حصتهما الی مجموع الصبرة.

و یدلّ علی صحة هذا البیع مضافا الی المطلقات و العمومات قیام

ص:357

السیرة القطعیة علی صحته فان رسم الأصناف من قدیم الأیام و حدیثها جار علی بیع بعض من المتاع الموجود علی النحو الکلی فی المعیّن و کذلک المشترین یشترون هکذا مثلا فیجیء أحد إلی البزاز فیقول له بعنی عشرة طاقات من الثوب الفلانی و یقول البائع بعتک عشرة طاقات،فإنه یکون هذا علی نحو الکلی فی المعیّن و یدل علی صحة هذا البیع مضافا الی الأمرین المذکورین صحیحة (1)الأطنان(و لورود الروایة فی أطنان القصب قد سمها الشیخ صحیحة الأطنان)حیث سأل رجل عن بیع أطنان من القصب الموجود فی الخارج حیث احترق و لم یبق الاّ بقدر المبیع فقال علیه السلام العشرة آلاف طن التی بقت هی للمشتری فلا یتم ذلک الا بکون المبیع کلیّا لا بنحو الإشاعة و توهم أنه علی نحو الإشاعة و لکن حیث کان التلف قبل القبض فلذا لم یکن التالف من المشتری فان التلف قبل القبض من مال البائع توهم فاسد فإن جهة الاستدلال لیس هو ذلک بل کون الباقی مجموعا للمشتری،فإنه لو کان علی نحو الإشاعة لکان البائع أیضا شریکا له فی الباقی و لا یفرق فی ذلک قبل القبض و بعده علی أن الروایة غیر متعرضة بجهة القبض سؤالا و جوابا.

الثالث:أن یکون المبیع فردا مبهما مردّدا بین الافراد الخارجیة

نظیر الفرد المنتشر من أن یکون متشخّصا بخصوصیة خارجیة کما فی القسم الأول و لا أمرا کلیّا کما فی القسم الثانی فقد ذهب المشهور الی بطلانه و الأردبیلی و بعض من تأخر عنه الی الجواز و اختاره المصنف و استدلوا علی البطلان بوجوه أربعة و قد أجاب عنه المصنف کما تقدم،و لکن الکلام فی تصویر

ص:358


1- 1) وسائل:ج 12 ص 272،صحیحة برید بن معاویة.

ذلک فنقول فإن أرادوا من الفرد المبهم الفرد المنتشر الذی لا یتشخص بخصوصیة خارجیة فهذا لا وجود له حتی فی علم اللّه تعالی،و لم یخلق بل و لا یخلق أصلا،بل یستحیل أن یکون موجودا أصلا،فإن الشیء ما لم یتشخص لم یوجد علی ما قید،بل التشخص عین الوجود فکیف یعقل أن یکون الشیء موجودا فی الخارج و یکون مبهما من جمیع الجهات،و غیر متشخص بخصوصیة خاصة فلا یمکن أن یکون المبیع أمرا موجودا و فردا منتشرا بین الأفراد الخارجیة و علیه فلا یعقل القول بإمکانه فضلا عن صحة بیعه أو الاستدلال علی بطلانه بأمور متقدمة فإن ذلک من أقسام ممتنع الوجود فی الخارج و أن أرادوا من الفرد المبهم الفرد المنکر فلا شبهة فی جوازه بحیث ان المبیع موجود بین هذه الصیاع مثلا و متشخص بخصوصیة و متمیز عن سائر الموجودات فی الخارج الا أنه غیر معلوم للمتبایعین و الاّ فإن اللّه تعالی یعلم أن المبیع أی فرد من الافراد الخارجیة و أی منها یختاره المشتری عند القبض و الإقباض و لو کان هنا معصوم لأخبر به کما إذا قال بعتک عبدا من عبیدی الذی یجنی قبل کلهم أو شاة من الشیاة أو صاعا من صیاع هذه الصبرة الموجودة الذی نختاره عند الوزن أولا فان فی ذلک کله ان اللّه تعالی یعلم أن أی فرد منها مبیع فلیس مثل القسم الأول، بحیث أن لا یکون له وجود أصلا حتی فی علم اللّه تعالی و یستحیل خلقه إلی الأبد و یکون داخلا فی ممتنع الوجود و ان أرادوا هذا فلا شبهة فی صحته،و لا یرد علیه شیء من الوجوه الأربعة إلاّ الجهالة فإن تم إجماع علی کونها مبطلة فبها و الاّ فیتمسک بالعمومات الدالة علی صحة البیع و یحکم بصحته أیضا و علی هذا فما ذهب إلیه الأردبیلی و من تبعه بعده متین جدا.

ص:359

ثم انه بقی الکلام فی تصویر الإشاعة و بیع الصیاع من الصبرة علی نحو

الکلی،

أما الأول فذهب جمع الی ان الإشاعة أن یملک شخصین متاعا بنحو الکلی بحیث أن کل منهما یملک کلیّا منطبقا علی العین الخارجیة فمعنی الشرکة علی نحو الإشاعة و ملک کل منهما کلیّا قابل الانطباق علی الموجود الخارجی.

و ذهب بعضهم أن معنی الإشاعة أن یملک کل واحد من الشریکین أمرا شخصیّا خارجیا من المال الخارجی المشترک بحیث یکون معینا فی الواقع و مجهولا فی الظاهر الی أن تنتهی التقسیم حتی الاجزاء الصغار و لکن لا یتمیز حقیقة کل منهم عن الأخر فی الظاهر و ان کان معلوما فی الواقع.

ثم انه ذهب أکثر المتکلمین و بعض الحکماء قبل الإسلام إلی وجود الجزء الذی لا یتجزی و أن الجسم مرکب من تلک الاجزاء و أن المواد الأصلیة للأشیاء هی تلک الأجزاء و ذهب جمهور الحکماء الی بطلان هذا المذهب و علی فرض تحققه أن مواد الأشیاء لیست هی الأجزاء الغیر المتجزی حتی بطلان الجزء الذی لا یتجزی و لا یقبل الانقسام من أبد البدیهیات،و قد برهنوا علیه فی محله ببراهین متعددة منها أن کل ما هو متجز و شاغل للمکان و قابل للإشارة الحسیة الملازم للوجود و التشخص فی الخارج فله جهات ست بحیث أن فوقه غیر تحته و هکذا و أن الملاقی له من هذا الثوب غیر ما یلاقیه من الثوب الأخر و هکذا و أن وصل ذلک الشیء فی الصغیر الی حد لا یکون شیء أصغر منه بحیث لا مرتبة بعد الاّ لعدم فعلیّة فلا مناص من قبوله القسمة و انما عدم الانقسام فی الخارج بواسطة عدم الآیة القطاعة و علیه یترتب بطلان مذهب النظام القائل بترکب الأشیاء من أجزاء غیر

ص:360

متناهیة لا تتجزی علی أنه یلزم امتناع قطع مسافة معینة فی مدة متناهیة إلاّ بالطفرة فإن المسافة الواقعة بین المبدء و المنتهی مرکب من أجزاء لا تتناهی فلا یعقل قطعهما فی زمان متناه إلاّ بالطفرة الی غیر ذلک من البراهین.

و بالجملة فلا شبهة فی بطلان القول بالجزء الذی لا یتجزی و کون الأجسام مرکبا منها.

و لکن تصویر الإشاعة فی الشرکة غیر متوقفة علی ذلک فإنه قلنا بوجود الجزء الذی لا یتجزی أو بعدمه فالشرکة موجودة فی الخارج قطعا و انتهی الی الاجزاء الغیر المتناهیة بناء علی عدم انقسام الجوهر الفرد إذا عرفت ذلک فنقول أما تصویر الإشاعة علی الوجه الأول أی مالکیة کل منهما علی المال بنحو الکلی فی المعین فلا شبهة فی بطلانه فان لازم ذلک أن لا یکون الخصوصیات الموجودة فی العین الخارجی مملوکة للشرکاء کخصوصیة الدار و الأرض و الحیوانات و غیرها من الأملاک الشخصیة و من البدیهی انها من أملاکهم فلا یصح ذلک مع القول بکون مالکیتهم علی نحو الکلی فی المعیّن فإنه لا یعقل أن یکون الکلی حاویا للخصوصیات و أیضا من جملة أسباب الشرکة المزج فلو کان ملک کل من الشریکین علی نحو الکلی فیلزم عدم ملک کل من مالکی الطعامین بالطعام الشخصی مع أن ملکهم کان شخصیا فهذا خلف و یلزم أیضا أن تخرج الخصوصیة من کلهم بلا سبب و أیضا لو باع أحد نصف داره من الأخر علی نحو الإشاعة فلازم القول المذکور أنه لو تلفت العین و لم یبق منها الاّ بمقدار حق المشتری فیکون ذلک متمحضا له و ان قلنا بزوال مالکیة البائع عن الحصة الأخری لنفسه فلازمه إلغاء ذلک بلا موجب فشیء من ذلک لا یمکن الالتزام به و أما کون کل من الشرکاء مالکا

ص:361

لشخص خاص معین فی الواقع و غیر معین فی الظاهر بحیث أی جزء فرضته یکون نصفه الخاص لهذا و نصف الخاص لذلک فهو أیضا باطل فإنه یلزم ح أن یکون ملک کل منهما علی الشخص الخاص بلا مرجح و مجوّز فیما إذا اشتریا متاعا علی الشرکة أو انتقل متاع الی الوارث من المورث و هکذا فان فی هذه الموارد کلها أی سبب أوجب ملک هذا بجزء خاص و ملک ذاک أیضا بجزء خاص مع أن نسبة المال کان إلیهما علی حد سواء فیلزم من ذلک ملک کل منها علی شخص خاص دون الأخر تخصیص بلا مخصّص و ترجیح بلا مرجح.

علی أنه لو کانت الشرکة بمعنی ملک کل من الشریکین حصّة خاصّة شخصیّة الی أی مرتبة انتهت لزم فی بعض الموارد أن یکون المال بدون المالک کما إذا فرضنا أن هنا مالا مشترکا بین خمسین و إذا قسمناه الی عدد الشرکاء خرج عن المالیة للقلة کحبة من الحمّص مثلا فالمجموع من حیث المجموع لیس مالا لشخص منهم و اجزاء لا یصدق علیها المال فیلزم أن یکون هذا المال بلا مالک فهو بدیهی البطلان،بل ربما یخرج الاجزاء عن الملک لکسرة الشرکاء کما إذا اشترک شخاط بین مائة فان کل جزء من المائة لیس بملک أیضا فإنه لا یعتبر العقلاء الملکیة علی ذلک کما لا یخفی و أما الإبهام فمضافا إلی أنه لم یحتمله أحد أنه غیر معقول.

و محصّل الکلام من الأول أنه لا یعقل تصویر الإشاعة علی نحو الکلی فی المعیّن فان لازم ذلک أن لا تکون الخصوصیة فی الأعیان الشخصیة المملوکة للشرکاء مملوکة لهم کالدار و الحدائق و البساطین المشترکة بین الشرکاء مع أنها مملوکه لهم.

و أیضا إذا حصلت الشرکة بالمزج فلزم إلغاء مالکیّة الشرکاء عن العین

ص:362

مع أنهم کانوا مالکین بالخصوصیات فأیّ شیء أوجب إلغاء ذلک و أیضا لو باع أحد نصف داره من زید علی نحو الإشاعة و صار المشتری مالکا للکلی فی المعین فلازم ذلک ان ینحصر حقه بالباقی مع تلف النصف کما هو کذلک فی جمیع موارد بیع الکلی فی المعین مع أن التلف فی صورة الإشاعة محسوب منهما بلا خلاف فان قلنا بزوال مالکیة البائع عن الخصوصیة فی حصّة نفسه فهو بلا موجب فأنی سبب أوجب زوال ملکه عنها و صار مالکا للکلی فکل ذلک مما لا یمکن الالتزام به.

و أیضا لا یعقل تصویر الإشاعة علی نحو کون کل منهم مالکا للشخص الخاص المعین فی الواقع الی أیّ حدّ وصل التقسیم و ان کان مجهولا فی الظاهر و کل من الشریکین مالک لنصف العین المشترکة بجمیع أجزائها المعینة فی الواقع و لوجه فی عدم کونه معقولا أن لازم ذلک أن یکون کل منهم مالکا لجزء خاص بلا موجب فیما إذا مات المورّث و ترک وارثا متعددة و مالا فإنهم مشترکون فی ذلک المال فکون کل منهم مالکا لشخص خاص و جزء معین دون الأخر و یا نعکس ترجیح بلا مرجح و تخصیص بلا مخصص.

و أیضا لا یعقل تصویر الإشاعة علی نحو الإبهام فإنه مضافا الی أنه لم یقل به أحد أنه غیر معقول کما عرفت.

و إذا بطل الوجوه المتقدمة فانحصر الوجه فی تصویر الإشاعة بما نذکره و التحقیق فیه أن یقال فی تصویر الإشاعة أن مجموع الشرکاء مالک لمجموع المال فان العقلاء یعتبرون مالکیة المجموع لشیء واحد بنحو الاستقلال و لکن مالکیة کل منهم للعین مالکیة ناقصة کالنصف و الثلث و الثلثین و الربع و السدس و غیرها،فان کل منهم نصف المالک و ثلثه و ربعه و سدسه و هکذا بحیث أن کل منهم مالکا للمجموع بإحدی النسب المذکورة دون البعض

ص:363

الخاص أو الکلی فی المعیّن و لکن علی نحو الناقصة بحیث لو أراد أن یتصرف فی العین المشترکة علی نحو الاستقلال فلا یجوز له ذلک لعدم کون مالکیته للمجموع علی نحو الاستقلال لینافی الشرکة فکان کلهم مالک واحد فالمجموع مالک للمجموع استقلالا.

و بالجملة أن کل من الشرکاء مالک علی مجموع المال و تمامه و لکن علی نحو الناقص لکونه نصف المالک أو ربعه و هکذا التعبیر عن ذلک بأن کل منهم مالک للنصف و هکذا فمن باب المسامحة فی التعبیر و الضیق فی العبارة و الا فلیس له مالکیة علی النصف مثلا بالاستقلال من العین المشترکة أصلا و انما المجموع مالک واحد مستقل و کل منهم مالک ناقص و له مالکیة للتصرف فیها ناقصة من غیر أن یکون بالاستقلال ففی مثل موت المورّث و انتقال المال إلی الورثة ان مجموع الورثة مالک واحد قائم مقام المیت فان المالک کان هو المورّث وحده و بالفعل کان المالک هو مجموع الورثة و صاروا نائبا عنه فی المالکیة و کان المورث تمام المالک و صار کل واحد نصف المالک و ربعه علی حسب حصّته و لا شبهة فی صحّة اعتبار الملکیّة للمجموع و یدل علیه ما ذکرناه أنه ربما لا یکون للاجزاء بنفسها مالیة أصلا و انما المالیة تقوم بالمجموع من حیث المجموع کما إذا کان شخاط واحد مشترکا بین خمسین فان قلنا بما ذکرناه من کون المجموع من حیث المجموع مالکا للمال علی نحو الاستقلال لصحة اعتبار الملکیة لهم و کان لکل منهم مالکیة ناقصة فیها و الاّ لکان هذا المال بلا مالک فان حصّة کل منهم لیس بمال و المجموع من حیث المجموع مال و لکنه لیس لأحد و لا للمجموع علی الفرض،بل ربما یصل الی مرتبة یخرج مقدار حصة کل منهم عن الملکیة و لا یعتبر العقلاء ملکیة علیه کما إذا کان حق کل منهم بمقدار نصف العود من الشخاط نعم یبقی له حق

ص:364

الاختصاص فی العین لکونها متعلقة لحقه و اما علی ما ذکرناه،فالأمر واضح فان المجموع من الشرکاء مالک استقلالا لمجموع العین المشترکة و کل واحد منهم مالک للمجموع أیضا و لکن علی نحو الناقص بحیث أن کل منهم نصف المالک و ربعه و ثلثه و لیس له علی العین السلطة المالکیة الاستقلالیة بل له سلطة علی العین سلطة المالکیة الناقصة فإن لکل منهم مملوک فهو مجموع العین و لکن مالکیته و سلطنته علیه ناقصة کما لا یخفی.

و یترتب علی ذلک أنه إذا باع أحد الشریکین حصته فمعناه أنه باع مجموع العین بملکیة ناقصة و انتقل عنه إلی المشتری کما یجوز لأحد أن یبیع مجموع العین بملکیة ناقصة و انتقل عنه إلی المشتری کما یجوز لأحد أن یبیع نصف الدار مثلا معینا أو علی نحو الکلی فی المعیّن أو علی نحو الفرد المنکر فکذلک یجوز بیع مقدار منها علی نحو الإشاعة بمعنی کون المبیع مجموع الدار و لکن یبیعه با لمالکیة الناقصة و ینتقل الیه نصف المالکیّة أی یعدم نصف مالکیته بالبیع و ینقطع من المالک الإضافة الناقصة و توجد تلک الإضافة أصلا بل دائما قطع اضافة و إیجاد إضافة أخری،فإن البیع تبدیل مال فی طرف الإضافة و التعبیر بالنقل للوضوح.

و بالجملة فإذا باع المالک نصف متاعه علی نحو الإشاعة فقد بذل مجموع متاعه فی مقابل الثمن علی نحو الملکیة الناقصة و قطع اضافة ناقصة من إضافة المالکیة إلی نفسه و أوجدها للمشتری و هذا المعنی أمر موافق للاعتبار و لا غرر فبه،و هکذا بیع أحد الشریکین حقه من الأخر فإنه یبیع مجموع العین

ص:365

المشترکة بملکیة ناقصة و ینتقل من البائع إلی المشتری اضافة ناقصة من المالکیة و هکذا فی جمیع موارد الشرکة و بیع أحد الشرکاء حقه کما لا یخفی فافهم.

و توهم أن الملکیة من مقولة الأعراض فهی غیر قابلة للقسمة فکیف تکون الملکیة متبعضة و یکون لأحد الشرکاء النصف و للآخر الثلث و للثالث السدس و هو توهم فاسد فإن الملکیة و ان کانت أمرا اعتباریا غیر قابلة للقسمة کالاعراض أو هی من مقولة الأعراض و لکن یمکن تقسیمها باعتبار متعلقها کما هو الشأن فی جمیع الاعراض الغیر القابلة للقسمة مثلا أن البیاض فی نفسه غیر قابل للتقسیم،و لکنه یقبله بحسب محلّه و الأمر فی المقام أیضا کک فإن مالکیة المورث مثلا کانت بالاستقلال فإذا مات انقطعت منه و وجدت فی مجموع الورثة من حیث المجموع و فی الافراد بالتبعیض باعتبار أن مملوک کل منهم الترکة مجموعا بنصف الملکیة مثل فأوجب ذلک انقسام المالکیة أیضا الی النصف کما أن البیاض فی الجسم بیاض واحد و یتعدد بالتقسیم و أن الحرارة فی الماء حرارة واحدة و یتعدد بتقسیم الماء و هذا أیضا کتبعض الإرادة و الطلب فی باب التکالیف المرکبة کتعلق الأمر بالصلاة و تبعضه الی الرکوع و السجود و غیرها من الأجزاء فان الطلب و ان کان بسیطا لا یتبعّض و لکن یتبعّض بتبع متعلقة کما لا یخفی.

ثم وقع الکلام بین العامة و الخاصة أن التقسیم فی باب الشرکة افرازا و تعیین حق أو بیع فقال الإمامیة أنه تعیین الحصة و قال العامة أنه بیع فیترتب علیه أحکامه و قد وقع النزاع بین العامة و الخاصة فی باب المعاملات فی هذا المسألة و مسألة الضمان،حیث انهم یقولون انّ الضمان ضم ذمة إلی ذمة أخری و قال الإمامیة انه انتقال المال من ذمة إلی ذمة أخری و

ص:366

ان وقع الخلاف بینهم فی باب المعاملات فی کثیر من الفروع،و لکن المخالفة فی المسائل المهم هاتان المسألتان.

أقول:ان کان مراد الإمامیة من کون الشرکة افرازا و تعینا للحق هو أن حق کل منهما أمر کلی یتعین بالقسمة کما هو ظاهر کلامهم فهو لا یصح الاّ فی موارد کون المملوک کلیّا کموارد البیع فی الذمة أو بیع الکلی فی الخارج فإنه یتعیّن بالتعیین،و أما فی موارد الشرکة التی هی إشاعة حق کل من الشریکین علی النحو الذی ذکرناه فلا،بل لا شبهة أن فی موارد الشرکة ینتقل المملوک کل من الشریکین إلی الأخر بدل انتقال حق الأخر إلیه، فیقع بینهما التبادل کما سنذکره و علی هذا فلا وجه لما ذکره الخاصة بوجه.

و ان کان مرادهم من ذلک ردّ العامة حیث انهم یقولون بکون التقسیم بیعا یترتب علیه أحکام البیع من الخیارات و نحوها و غرضهم أنه لیس ببیع لیترتب علیه حکمه،فهو متین لعدم انطباق تعریفه علیه،و انما هو معاملة خاصة حیث ان لکل من الشرکاء مالکیّة ناقصة للعین من حیث المجموع، فیبدل کل منهم مملوکة بالملکیة الناقصة علی النصف مثلا بمملوک الأخر بالملکیة الناقصة کذلک،مثلا فإذا کانت الدار الواحدة مشترکة بین شخصین علی النصف فمعنی قسمتها الی نصفین أنه کل منها یأخذ مملوک الآخر الذی بالملکیة الناقصة مقابل مملوک نفسه بالملکیة الناقصة فیکون مالکا مستقلا بالنصف و الأمر واضح بناء علی تصویر الإشاعة علی نحو الثانی أی یکون کل من الشرکاء مالکا لجزء خاصّ فان کل منهم یبدّل الاجزاء المملوکة له فی هذا النصف بالأجزاء التی فی النصف الأخر و علی هذا فیکون التقسیم فی نفسه معاملة مستقلة و قد ذکرنا نظیر ذلک فی المعاطاة و قلنا فلا بعد فی أن یکون هنا معاملة مستقلة لا یکون بیعا و لا صلحا و لا اجارة و لا غیرها من

ص:367

المعاملات المعروفة فتدل علی صحتها آیة تجارة عن تراض فکما أنه یمکن أن تکون المعاطاة معاملة مستقلة فکذلک یمکن ان یکون التقسیم أیضا معاملة مستقلة و لهذا نظائر کثیرة فی العرف کتبدیل کتاب الرسائل المحشی، برسائل آخر غیر المحشی المخطوط بخط جید،فان من لا یحتاج إلی الحاشیة یبدل کتابه بکتاب آخر جید الخط غیر المحشی مع أنه لیس بیعا و لا غیره من المعاملات المعروفة،بل معاملة خاصة.

و بالجملة فإن أراد الخاصة من الافراز الوجه الأول الذی هو ظاهر کلامهم من الافراز و التعیین فلا وجه لما ذکره الخاصة و العامة فإن کلیهما باطل و ان أرادوا الوجه الثانی الذی لیس بظاهر کلامهم کما هو الظاهر و لا یضرّه کونه خلاف ظواهر کلامهم لأنهم کانوا بصدد الرد علی العامة من غیر لحاظ جمیع الخصوصیات فقولهم أن التقسیم لیس ببیع فکلام متین جدا فإنه کما عرفت لیس ببیع،بل معاملة خاصة فافهم.

الکلام فی تصویر الکلی فی المعین

و أما تصویر الکلی فی المعین

فربما یقال أنه عبارة عن الفرد المنتشر الموجود فی الصبرة الخارجیة مثلا و قابل الانطباق علی کل فرد فرد.

و فیه مضافا الی استحالة وجود الفرد المبهم و أنه لم یخلق و لن یخلق کما تقدم أن هذا خلف الفرض فان معنی الکلی هو عدم تشخّصه بخصوصیة خاصة خارجیة و معنی الفرد أنه متمیّز بالخصوصیة فهما لا یجتمعان.

و قد یقال أنه عبارة عن الکلی فی الذمة بعینه غایة الأمر أن المشتری یشترط علی البائع أن یؤدیه أی المبیع من العین الموجودة فی الخارج

ص:368

المتخصّص بخصوصیة خاصة و الاّ فلا فرق بینه و بین الکلی فی الذمة،فإذا باع صاعا من الصبرة الخارجیة أو منّا من الحنطة الفلانیة فمعناه أنه باع کلّی المن و کلّی الصاع فی الذمة بشرط أن یطبقه علی الموجود الخارجی کما هو واضح.

و فیه أن الفقهاء رضوان اللّه علیهم ذکروا فی بیع الکلی فی المعین الخارجی أنه لو تلفت العین الخارجیة کان البیع باطلا فان المبیع لم یقبض و التلف قبل القبض موجب للبطلان،فلو کان معنی بیع الکلی فی المعین هو بیع الکلّی فی الذمة علی النحو المزبور لما کان وجه للبطلان مع تلف العین الخارجیة بل یثبت للمشتری خیار تخلف الشرط مع صحة البیع کسائر موارد تخلف الشرط.

و قد یقال أن بیع الکلی فی المعین هو الکلی فی الذمة أیضا،و لکن یقید بالخصوصیات التی توجب عدم انطباقه الاّ علی الموجود الخارجی کما إذا باع عبدا من عبیده من ولد مبارک لکونهم صحیح الأصل أو باع منّا من الحنطة الحاصلة من المزرعة الفلانیة و الفرق بین هذا و سابقه أن الخصوصیات مأخوذا فی البیع علی نحو الاشتراط فی الأول و علی نحو القیدیة فی الثانی فعلی الأول مع تلف ما فی الخارج کان للمشتری خیار تخلّف الشرط کما عرفت و علی الثانی فله خیار تعذر التسلیم.

و فیه أولا أنک عرفت أن تلف العین الخارجی فی بیع الکلی منها موجب للانفساخ لأنّ التلف قبل القبض من مال البائع و هذا بخلافه فی بیع الکلی فی الذمة علی النحو الثانی فإن التلف فیه لا یوجب البطلان،کما عرفت،بل یبقی البیع علی حاله و یکون المبیع هو الکلی غایة الأمر یثبت للمشتری خیار تخلف الشرط.

ص:369

و ثانیا:أن لازم ذلک جواز أن یتلف البائع العین الخارجیة وضعا و یبیعه لغیره مثلا بحیث لا یبقی شیء فی الخارج لینطبق علیه الکلی و مع ذلک کان البیع صحیحا و هذا بخلافه فی بیع الکلی فی المعیّن فان المبیع موجود فیه فلا یجوز إتلاف البائع مجموع ذلک وضعا.

و قال شیخنا المحقق أن المبیع فی بیع الکلی فی المعیّن هو الکلی من غیر ان یقید فی کونه فی الذمة و لا أنه مقید بکونه فی الخارج بل مطلقا من جمیع ذلک فیکون منطبقا علی کل فرد فرد فی المعین الخارجی،فإذا باع منّا من الحنطة فمعناه انه باع کلیا مطلقا قابل الانطباق علی الصیاع الموجودة فی الخارج المعین و علی غیرها.

و فیه مضافا الی الوجهین المتقدمین أنه لا یعتبرون العقلاء مالیة علی کل لا یکون منسوبا إلی ذمة أو الی الخارج(و قد اعترف بذلک فی أوائل البیع،و قال ینسب إلی الذمة ببعت)فلا معنی لکونه مبیعا أصلا کما هو واضح.

و التحقیق فی تصویره أن یقال أنّ الکلی فی المعین لیس إلاّ الکلی المضیق الموجود فی ضمن المعیّن الخارجی و قابل الانطباق علی افراده و توضیح ذلک فی أمور الأول ان الکلیة لا یتخصّص و لا یتشخّص الاّ بالتشخصات الخارجیة بحیث توجب تحیزها فی الخارج و الاّ فبمجرد تقیید الکلی من غیر أن یوجب التقیید و التشخیص فی الخارج لا یوجب خروج الکلی عن کلیته کما حقق فی علم الحکمة و الکلام،نعم یوجب تضیق الدائر فقط و التقریب بنحو التوضیح فی تصویر بیع الکلی أن الملکیة الاعتباریّ متعلق أولا و بالذات بالکلی حتی فی البیوع الشخصیة و علی الخارجیات بالعرض فیکون الکلی مملوکا بالأصالة و الأعراض مملوکا بالتبع نظیر العلم بفسق زید فإنه عالم بالکلی بالأصالة و بالجزئی بالعرض کما هو واضح فلا عجب فی إمکان تملیک

ص:370

الکلی علی کلیته و إبقاء الخصوصیات فی ملک نفسه کما لا یخفی.

الثانی:أن الأعیان الخارجیة انما هی مملوکة لملاکها بجمیع خصوصیاتها الشخصیة و له مالکیة علیها مالکیة تامة فله أن ینتقل الی الغیر الذات المبرات عن الخصوصیات و تبقی الخصوصیات فی ملکه و له أن ینقل الیه الذات مع جملة من الخصوصیات و له أن ینقلها مع جمیع الخصوصیات فمع نقلها بالخصوصیات تارة تکون بحد توجب کون المبیع شخصیّا و أخر لا توجب بل یکون کلیا مضیقا.

الثالث:أنه لا شبهة فی وجود الجامع بین المفاهیم بحیث أن مفهوما واحدا یصدق علی مفاهیم کثیرة کما لا شبهة فی وجود الجامع بین الحقائق أیضا فإن حقیقة واحدة یمکن ان تصدق علی الحقائق العدیدة مثلا أن مفهوم الوجود جامع لجمیع مفاهیم الوجود فی العالم کما أن حقیقة الوجود جامع لجمیع الحقائق الوجود بیع ففی مقام الإشارة و الدلالة یعبّر بمفهوم الوجود و فی مقام اللب و الواقع یعبّر بحقیقة الوجود،فإذا قیدت الطبیعة مثلا بالوجود یکون قابل الانطباق علی جمیع افرادها علی نحو الاستغراق و السریان،و إذا قید بصرف الوجود یکون قابل الانطباق علی جمیع أفراد الطبیعة أیضا،و لکن علی نحو البدلیة بحیث یکون أول الفرد منها أی فرد کان موردا للحکم و هذا أیضا یختلف بالسعة و الضیق.

إذا عرفت ذلک فنقول أن المالک أنما هو مالک للعین الخارجیة مع جمیع خصوصیاتها فإذا باع مثلا صاعا منها أو زرعا أو غیرهما من غیر أن یعین المبیع بجزء خاص أو بطرف خاص فیکون المبیع ح أمرا کلیا قابل الانطباق علی بقیة الأفراد بأجمعها علی البدل مفهوما و حقیقة کانطباق مفهوم الوجود و حقیقته علی جمیع مفاهیم الوجود و حقیقته فلیس الذات من

ص:371

حیث هی المعرات عن جمیع الخصوصیات مبیعا و لا أن الذات المقیدة بجمیع الخصوصیات مبیع و الاّ لتوجه علی الأول ما ورد علی شیخنا المحقق، و علی الثانی،کان المبیع شخصیا لا کلیّا بل المبیع هی الذات المقیدة ببعض الخصوصیات أعنی خصوصیة کونها من هذه الحنطة أو هذه الطاقة أو هذه الفراش مثلا بحیث أوجبت تلک الخصوصیة تضییق دائرة الکلی الوسیع المطلق من جمیع الجهات،و لکن لیست تلک الخصوصیة علی حدّ تکون موجبة لصیرورة المبیع شخصیا فیکون واسطة بین الأمرین فیکون المبیع هو الطبیعة المقیدة بصرف الوجود الضیق فالبائع قد نقل الی الغیر الطبیعة المضیقة المقیدة بصرف الوجود من العین الخارجیة کصاع و نحوه و ملکه للمشتری بحیث صار المشتری مالکا لطبیعی الصاع المقیّد بصیاع هذه الصبرة مثلا و أبقی المالک بقیة الخصوصیات فی ملکه و منها السریان و تطبیقه علی کل فرد فرد فلیس للمشتری الاّ الکلی المقید من هذا الموجود و هذا واضح جدا فالاعتبارات العقلائیة مساعدة لها فی التکلیفیات و الوضعیات کما إذا أمر المولی بالصلاة مطلقا أو فی المسجد فان المکلف به فی الأول مطلق جمیع الجهات غیر تقید الطبیعة بصرف الوجود و أما القیود فکلها ملغات و هذا الذی عبرنا عنه فی باب المطلق و المقید برفض القیود و بنینا علیه معنی المطلق،و فی الثانی مقید بقید آخر غیر تقیده بصرف الوجود و هو کونها فی المسجد و مع ذلک لم یخرج المکلف به عن کلیته فان المکلف مخیر بین إیجاده فی السطح أو فی داخل المسجد و فی أی مکان منه.

و کذلک إذا أجر أحدا بخیاطة ثوبه مطلقا أو فی شهر خاص و هکذا و هکذا فالمقصود أن ما ذکرناه من تصویر بیع الکلی فی المعیّن لیس معنی بعیدا عن العرف،بل اعتبارات العقلاء مساعدة علیه و کذلک اعتبار الشارع

ص:372

کما عرفت فاغتنم.

و قد ورد فی روایة (1)الأطنان ما یدل علی جواز بیع الکلی کما عرفت و بالجملة لا بأس من الالتزام ببیع الکلی ثبوتا و إثباتا بعد ما ساعده الاعتبار العقلائی و ورد علیه الروایة.

مسألة:لو باع صاعا من صبرة

قوله:مسألة:لو باع صاعا من صبرة فهل ینزل علی الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة؟ أقول:إذا باع صاعا من صبرة معینة فتارة یعلم مقصود المتبایعین من الخارج و انهما أرادوا أحدا من الإشاعة أو الکلیّة فیحمل علیه سواء قلنا بکون اللفظ ظاهرا فی الکلی أو فی الإشاعة،کما أنه لو علم عدم توافقها فی القصد فیحکم بالبطلان بأن أراد البائع الإشاعة و أراد المشتری الکلی أو بالعکس،فإنه لم یرد الإیجاب و القبول علی محلّ واحد و لا یفرق فی ذلک کله بین کون المقصود لکل منهما ظاهر اللفظ أو لا،بل لا یفرق فیه بین الصحیح و الغلط حتی لو قال المطلق و أراد المقید فلا بأس فیه مع فهم المشتری المراد کما إذا قال بعتک دارا فکان غرضه الدار المعین لما عرفت من عدم اعتبار اللفظ الصریح،بل الصحیح فی متعلقات العقود.

و بالجملة لو علم مراد المتبایعین من الخارج انهما أرادا الإشاعة أو الکلی سواء أتیا کلاهما بلفظ مطلق أو مقید صریح أو غیر صریح صحیح أو

ص:373


1- 1) وسائل:ج 12 ص 272 باب 19،برید بن معاویة.

غیر صحیح فلا کلام فی صحة ذلک کما لا شبهة فی بطلانه إذا أراد أحدهما الکلی و أراد الأخر الإشاعة فإنه لم یرد الإیجاب و القبول علی مورد واحد و أیضا لا یفرق فیه بین الإتیان بلفظ صریح أو غیره کما عرفت.

و انما الکلام فیما إذا شک فی ذلک و لم یعلم أن أیّا من المعنیین إرادة البائع و أن أیّا منها اراده المشتری،و ذلک اما لعدم العلم بما قصداه من ذلک الإیجاب و القبول لنسیان و نحوه أو لموت البائع أو المشتری أو کلیهما و لم یعلم الوارث أن أیّا من المعنیین قصداه أو وقع التداعی بینهم فادعی أحدهما کون المقصود إشاعة و ادعی الأخر کون المقصود کلّیا و سیأتی التعرض للثمرة بین المعنیین.

و الظاهر هو حمل اللفظ علی الکلی فی المعیّن لوجهین،الأول للروایة المتقدمة فی بیع الأطنان من أنبار القصب فإنه سأله السائل عن حکمه إذا احترقت و لم یبق الاّ مقدار حق المشتری فأجاب(علیه السلام)بأنه للمشتری و لم یستفصل فی ذلک بین أنهما قصدا الإشاعة أو قصدا الکلی،بل حکم بکون الباقی للمشتری جزما فکشف من حکمه هذا أن لفظ صاع من صبرة ظاهر فی الکلی و توهم أن ظهور اللفظ فی الإشاعة و انما حکم الامام(علیه السلام)بکونه کلیا للتعبد توهم فاسد فإن الشرکة و عدم الشرکة لیست امرا تعبّدیّا و بالجملة فحکم الامام(علیه السلام)بکون الباقی للمشتری یدل علی أنه(علیه السلام)فهم من ظاهر اللفظ الکلیة فقط فأجاب عن حکمه و لم یستفصل فی السؤال أصلا.

الوجه الثانی:أن الظاهر من العناوین المأخوذة فی موضوعات الاحکام سواء کانت تکلیفیة أو وضعیة لها موضوعیة فی نفسها و لیست طریقة الی الواقع و الی اعتبار شیء آخر،و قد اشر الی هذا فی بیع الغرر کما عرفت فی حمل العنوان علی الحکمة أو العلة.

ص:374

فالظاهر من قول البائع بعتک صاعا من صبرة أو منّا من الحنطة الموجودة هو ارادة المن بما هو من و الصاع بما هو صاع من هذه الصبرة بحیث لا یکون مقیدا بخصوصیة إلا کونه من الصبرة الموجودة و مضافا الی صرف الوجود و أما الخصوصیة الزائدة عن ذلک فلا من غیر أن یکون طریقا إلی إرادة أحد الکسور من الثلث و الربع و النصف و نحوها من الکسور المتصورة المتخصصة بالخصوصیات الخاصة الخارجیة فإنه خلاف الظاهر من لفظ المن و الصاع و الملغی عنهما جمیع الخصوصیات إلاّ الإضافة إلی صرف الوجود من الصبرة المعینة فقط.

و بالجملة أن مقتضی الظاهر من لفظ المنّ هو الکلی العاری من جمیع الخصوصیات إلاّ اضافة الی صرف الوجود من الصبرة المعینة الخارجیة فإن ظاهر حفظ العنوان یقتضی کونه موضوعا للحکم و لا یکون ذلک موضوعا للحکم الا بلحاظ أنه کلی و دعوی الإشاعة یقتضی کون لفظ المنّ أو الصاع إشارة إلی الکسور من الربع و النصف و نحوه فان عنوان الإشاعة بأحد هذه الکسور و نسبته لا بعنوان المنّ و الصاع و نحوهما کما لا یخفی.

و قد یقال أن الظاهر من لفظ صاع من صبرة هو الفرد المنتشر کما هو مقتضی الظاهر من التنوین التنکیر.

و فیه أولا قد عرفت أن ارادة الفرد المنتشر غیر معقول فی نفسه.

و ثانیا:أنه لا کلیة لذلک إذ ربما یکون اللفظ خالیا عن التنوین کما إذا قال بالإضافة أو اللام کقولک بعتک صاع من الصبرة أو المنّ من الحنطة و نحو ذلک.

و ثالثا:أن هذا التنوین لیس بتنوین تنکیر،بل هو تنوین تمکّن و أما التنوین التنکیر فهو یدل بأسماء الأفعال کص و مه.

ص:375

و أما ثمرة القول بکونه ظاهرا فی الکلیة أو الإشاعة فذکر المصنف فارقین لا بأس بهما،الأول أن تعیین المبیع من الصبرة فی ید البائع، فإن المفروض أن المشتری لا یملک إلاّ الطبیعة المعراة من جمیع الخصوصیات إلاّ الخصوصیة الخاصة و هی کونها مضافة الی صرف الوجود من صاع هذه الصبرة الموجودة فی الخارج و علیه فلیس له الاّ أن یطالب من ملکه من صیاع هذه الصبرة کما أنه کذلک إذا ملک أحد علی کلی فی ذمة شخص فإنه لا یملک إلاّ الکلی فقط المضاف إلی ذمة المدیون أو البائع فلیس له یطالبه من حصّة خاصة و من کومة معینة.

و بالجملة أن کل ذی حق له ان یطالب حقه ممن علیه الحق بمقدار حقه فلیس له مطالبة الزائد و من الواضح أن المشتری یملک مطالبة کلی الصاع من هذه الصبرة و أما کونه من هذا الطرف أو من ذلک الطرف فلا.

و ما نحن فیه نظیر طلب الطبیعة من المکلف فإنه إذا أمره بإیجاد الطبیعة فلیس له مطالبة خصوصیة زائدة غیر إیجادها و إذا أقبح علی العبد بأنک لماذا لم تمتثل بإیجاد الطبیعة بخصوصیة خاصة فیحتج علیه العبد بحکم العقلاء أنک لم تکن مستحقا لمطالبة الزائد من إیجاد الطبیعة نعم لو کان هنا دلیل آخر یدل علی إیجاد الطبیعة بخصوصیة خاصة وراء الأمر بأصل الطبیعة فللمولی أن یحتج علی عبده بذلک علی ترک الامتثال بالخصوصیات الزائدة و لیس للعبد ح أن یقول أن الأمر بالطبیعة لا یقتض الاّ الامتثال بالطبیعة فقط و هکذا الأمر فی أوامر الشارع بأجمعها.

هذا علی تقدیر الکلیة و أما بناء علی الإشاعة فلا اختیار لأحدهما بوجه لحصول الشرکة،فیحتاج القسمة إلی التراضی کسائر الأموال المشترکة الثمرة الثانیة أنه بناء علی الکلیة إذا تلفت الصبرة بأجمعها و لم یبق

ص:376

منها الا مقدار حق المشتری فیکون الباقی له و لیس للبائع فیه حق و هذا بخلافه علی الإشاعة فإن التالف و الباقی بینهما سیّان.

و الوجه فی ذلک قد عرفت أن ما یملکه المشتری لیس إلاّ الطبیعة المعراة عن الخصوصیات الاّ إضافته إلی صرف الوجود من الصبرة الموجودة فی الخارج فما دام أنه قابل الانطباق علی صیاع الصبرة لم یذهب من حقه شیء کما عرفت ذلک من الروایة إلاّ إذا تلف المجموع فإنه ح ینطبق الکلی علی التالف أیضا فیکون المورد من صغریات التلف قبل القبض فیفسخ البیع.

و أما علی الإشاعة فإن الفرض أن حق کل من البائع و المشتری علی نحو الإشاعة فی الصبرة فیکون التالف منهما معا لثبوت حق المشتری فی کل جزء فمع القبض و الإقباض یذهب المبیع من کیس البائع و بدونه ینفسخ البیع و هذا واضح جدا فما ذکره المصنف فی محلّه و تمت الثمرة.

ثم انه ذکر المصنف أنه لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا کلّیا آخر فالظاهر أنه إذا بقی صاع واحد کان للأول لأن الکلی المبیع،ثانیا انما هو مشاعة فی مال البائع و هو ما عدا الصاع من الصبرة فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جمیع ما کان الکلی فیه ساریا فقد تلف المبیع الثانی قبل القبض و هذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة و قد قوّاه شیخنا الأستاذ و قال أن الباقی ینطبق علی ملک المشتری الأول و یجری حکم تلف المبیع قبل قبضه بالنسبة إلی صاع المشتری الثانی،لأن الصاع الثانی یسری کلیة الی ما عدا الصاع الأول و هذا بخلافه علی الإشاعة.

و لکن التحقیق أن الباقی لا ینطبق علیه ملک المشتری الأول،و توضیح ذلک أنا ذکرنا فی مبحث علم الإجمالی من الأصول أن الصفات

ص:377

الحقیقة الموجودة فی أفق النفس یصحّ أن تتعلق بالعناوین الجامعة للافراد المتشتتة و قابلة الانطباق علی کل واحد منها علی سبیل البدلیة من غیر أن یکون لنفس العنوان الجامعی واقعیة فی الخارج،بل واقعیّته بنفس الاعتبار بمعنی أن المعلوم لیس أمرا معینا فی الخارج بحیث ینکشف بعد العلم کونه معلوما فی الخارج،بل المعلوم هو الأمر الاعتباری الجامع بین الافراد و المنطبق علیها علی سبیل البدلیة مثلا إذا علمنا بنجاسة أحد هذین الکأسین فالصفة النفسانیة قد تعلقت بالعنوان الجامع بین الکأسین أعنی عنوان أحدهما بحیث انه قابل الانطباق علی کل فرد منهما علی سبیل البدلیة من غیر أن یکون لهذا العنوان واقعیة أصلا فی الخارج بل قوامه بانطباقه علی أن یکون لهذا العنوان واقعیة أصلا فی الخارج بال قوامه بانطباقه علی الافراد فإذا علمنا بعد ذلک أن النجاسة انما هی موجودة فی الکأس الشرقی دون الغربی فلا ینکشف من ذلک أن الکأس الشرقی من الأول متعلق لهذا العلم أو علم إجمالا بکون أحد الکأسین بولا أو خمرا فعلم بعد ذلک تفصیلا کون هذا الکأس،بل المعلوم فی جمیع موارد علم الإجمالی انما هو عنوان أحدهما و کذلک القدرة و سائر الأوصاف النفسانیة مثلا لو کان أحد متمکنا من أکل أحد الرغیفین دون کلاهما معا أو علی التدریج فإنه إذا أکل واحدا منهما لا ینکشف من دون الأول أنه لم یکن قادرا الاّ علی أکل هذا الخبز فقط دون الأخر،بل هو من الأول کان قادرا لهذا و قادرا لذلک أیضا فإذا صح تعلق الأوصاف الحقیقة علی العناوین الاعتباریة فتعلق الأوصاف الاعتباریة علیها بمکان من الإمکان.

و توضیح ذلک أن الملکیة لیست من الأمور الموجودة فی الخارج کسائر الاعراض الموجودة فیه،و انما هی اعتبار اضافة المملوک الی المالک و نسبته

ص:378

الیه و انما الموجود فی الخارج متعلق هذه الإضافة من الامورات التکونیة أو الکلیات الاعتباریة فهذا الأمر الاعتباری کما یصح أن یتعلق بالأعیان الخارجیة فکک یصح أن یتعلق بالأمور الاعتباریة التی لا واقعیة لها أصلا إلاّ الاعتبار المحض فإذا باع صاعا من صبرة من شخص فقد ملک کلیّا و أمرا اعتباریا جامعا للأفراد الخارجیة علی سبیل البدلیة و قابل الانطباق علیها کذلک من غیر أن یکون المشتری مالکا للخصوصیات بحیث أن للمالک تطبیق ذلک الجامع أیا من الافراد الموجودة فی الخارج و هذا معنی تملیک الطبیعة و حفظ الخصوصیات فی ملک نفسه و إذا طبقه علی فرد منها و عیّنه فی الخارج لا ینکشف منه أن المملوک من الأول کان هو هذا الفرد المعین و الاّ فمعناه أن الخصوصیة کانت مملوکة للمشتری و هو خلاف المفروض فی بقائها فی ملک البائع و انما المملوک کان هو الجامع و البائع باختیاره طبقه علی الفرد المعین و أسقطه عن الانطباق علی جمیع الأفراد.

و علیه فإذا باع صاعین کلیین من الصبرة من شخصین فانطباق کل منهما علی صرف الوجود من کل واحد من صاع تلک الصبرة علی حد سواء و لیس لأحدهما مزیّة علی الأخر بوجه.

و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف من انه فی صورة بیع صاعین من شخصین مع تلف الصبرة و بقاء صاع واحد فقط یکون الباقی للمشتری الأول فقط لأن مملوک المشتری الثانی ینطبق علی غیر الصاع الذی انطبق علیه مملوک المشتری الأول و هذا نظیر ما إذا باع صاعین من الصبرة من شخص واحد فهل یتوهم أحد أن کل واحد من صاعین یکون منطبقا علی غیر ما انطبقه الأخر،بل انطباق کل منهما علی کل من صیاع الصبرة علی حد سواء،کما هو واضح.

ص:379

و علی هذا فنسبة الصاع الباقی الی کل من المشتریین علی حد سواء و ح فهل الباقی بتمامه ملک للمشتری الأول أو بتمامه ملک للمشتری الثانی أو یکون لأحدهما فقط بتعیین المالک البائع أو یقسم بینهما بالنصف أما کونه ملکا لهما معا علی نحو الاستقلال و التمام فغیر محتمل جزما لانه لا یعقل ان یکون الشیء الواحد مملوکا لاثنین علی نحو الاستقلال.

و أما کون اختیار التعیین تحت ید البائع فهو أیضا واضح البطلان فإنه انما یکون کذلک إذا کانت الخصوصیات باقیة تحت ملکه کما إذا کانت الصیاع متعددة فإنک عرفت أنه لیس للمشتری حق التعیین أصلا و انما هو راجع الی البائع فإن المبیع لیس إلاّ الطبیعة فالخصوصیات باقیة تحت ملکه الاختیار فی تعیین ذلک الکلّی بأیّ فرد شاء و هذا بخلافه هنا فإنه مع تلف الصبرة و بقاء صاع واحد ینحصر الحق بالمشتری و یرتفع مملوک البائع أصلا فإنه انما کان فیما یکون له اختیار تطبیق الکلی بهذا أو بذلک فمع التلف و بقاء الصاع الواحد ارتفع موضوع هذا الاختیار أصلا و لم یبق له ملکیة فی هذا الفرد بوجه و قد عرفت قریبا أنه لا یعقل أن یکون شیء واحد مملوکا لشخصین فصاعدا علی نحو الاستقلال.

و أما التنصیف فهو الحق فإنک عرفت عدم معقولیة ملکیة کلیهما علی الباقی و تخصیص أحدهما دون الأخر تخصیص بلا مخصص إذ لیس فی البین مرجح الاّ مجرد سبق الزمانی فهو فی نفسه لا یکون مرجحا فلا بد من القول بالتبعیض فیکون لکل من المشتریتین النصف لما عرفت مرارا أنه إذا کان المبیع مرکبا من الاجزاء فیکون البیع منحلا إلیها حسب تعدد الاجزاء فح ان کانت الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی ازدیادا الثمن فیکون للمشتری خیار تبعض الصفقة و الا فلا خیار له أیضا.

ص:380

و بالجملة فعمدة غرضنا أنه لا وجه لتخصیص الباقی بالمشتری الأول و القول ببطلان البیع الثانی و انفساخه لکونه من صغریات التلف قبل القبض بدعوی منع انطباق الکلی الثانی علی جمیع الصیاع،بل انما یکون انطباقه علی غیر الصاع من هذه الصبرة کما لا یخفی.فافهم.

و قد انتهی الکلام إلی أنه إذا باع صاعا من صبرة من شخص ثم باع صاعا من صبرة من شخص آخر فتلف الصبرة و لم یبقی منها الا صاع واحد فهل یکون ذلک للمشتری الأول کما اختار المصنف أو ینفسخ العقد فیهما معا و یعود الباقی الی ملک المالک الأول أو یتخیر المالک الأول بین أن یعطیه من المشتری الأول أو من المشتری الثانی أو یحکم بالتنصیف فذکر المصنف أنه یتعین للاول و قد عرفت أنه لا وجه له فان کل من المشتریین قد ملکا کلیّا من صیاع الصبرة الذی قابل الانطباق علی جمیع الصیاع و صار شریکا فیها فنسبة کل منهما الی کل من الافراد علی حد سواء بحیث أن للبائع الذی ملک الکلی الساری و حفظ الخصوصیات أن یطبق علی کل من الکلیین علی أیّ فرد من الافراد شاع فإذا تلفت الصبرة و لم یبق إلا صاع واحد فبأی مرجح یتمحض ذلک بالمشتری الأول مع أنا فرضنا أن مملوک کل منهما لیس إلاّ الکلی الساری فتخصیص الباقی بالأول بلا مخصص و مرجح فإنه لیس فی البین مرجح الا السبق الزمانی و کون المشتری الأول أسبق من البیع للمشتری الثانی فلا دلیل علی کونه مرجحا فی البین.

و أما کون التخییر تحت ید البائع فهو واضح البطلان فإنه بعد ما خرج المبیع عن ملکه فأی اختیار له فی ذلک و توهم أن الخصوصیات کانت مملوکة له فله تملیکها بأیّ منهما شاء توهم فاسد فإنه لا یعقل تملیک العین عاریة عن الخصوصیات إذ لا وجود للعین الخالی عنها فی الخارج فإن الشیء

ص:381

إذا تشخص و وجد فی الخارج خرج عن الکلیة و إذا لم یتخصص بخصوصیة لا یعقل وجوده فی الخارج فبالشرط فی ضمن العقد یشترط المشتری علی البائع أن یملک البائع الخصوصیات أیضا أی إذا تعین حقه فی شیء تکون الخصوصیات أیضا للمشتری حتی مع کون المبیع کلّیا.

نعم ما دام المبیع کلّی فالخصوصیات تحت ملک البائع و أما مع التعین فیکون الخصوصیات أیضا کنفس العین ملکا للمشتری فلیس للبائع اختیار فی إعطاء الباقی للأول أو الثانی.

و یبقی القول اما بالانفساخ أو التبعیض و ربما یقال بالأول،فإنه لا یمکن القول بصحة کلیهما و لا بصحة أحدهما دون الأخر لعدم المرجح فی البین فیسقطان معا للمعارضة کما هو کذلک فی سائر العقود کما إذا باع داره أو أجرها أو وهبها من شخص و باعها وکیله من شخص آخر فی ذلک الزمان فإنه یحکم فی أمثال ذلک بالتساقط و رجوع الدار الی صاحبها الأول فإن العمومات تتعارض فی شمولها لکل من العقدین.

و لکن الظاهر عدم التساقط هنا و وضوح الفرق بین ما نحن فیه و بین سائر العقود و الوجه فی ذلک هو ان المعاملة الواحدة إنما تنحل الی معاملات عدیدة حسب انحلال المبیع سواء کانت بیعا أو إجارة أو هبة، فالعقد الصادر من الموکل بتمام اجزائه معارض مع العقد الصادر من الوکیل فی ذلک الوقت إذ لا ترجیح فی شیء من الاجزاء لأحد الطرفین فیسقطان للمعارضة و عدم إمکان شمول العمومات لأحدهما دون الأخر لکونه ترجیحا بلا مرجح.

و بالجملة أن العقد الصادر من الوکیل إنما یبتلی بالمانع الذی هو العقد الصادر من الموکل و بالعکس فکل منهما یمنع عن وقوع الأخر فیعارض

ص:382

شمول العموم لکل منهما مع شمولها للآخر فیتساقطان لعدم الترجیح بلا مرجح.

و هذا بخلافه فی المقام فإنک عرفت أن ما بیع لکل من المشتریین أمر کلی قابل الانطباق علی جمیع الافراد و کذلک اجزاء المبیع ففی هنا بیوع متعددة حسب تعدد المبیع بالانحلال و کل مبیع فی کل بیع قابل الانطباق علی جمیع أجزاء الصبرة من غیر أن یکون بینهما تزاحم و تمانع أصلا کما کان کذلک فی سائر العقود فی الفرض المذکور و لکن إذا تلفت الصبرة و لم یبق الاّ الصاع الواحد فیسقط المبیع الکلی من الطرفین عن السریان و ینحصر ما ینطبق علیه الکلیان بالفرد الواحد و ح فکل من البیعین یتعارضان فی الانطباق الی الموجود الخارجی الذی هو فرد من الصاع من حیث المجموع للمعارضة و لکن انطباق حق کل من المشتریین بنصف الصاع فلا معارضة بینهما فیحکم بالتبعیض فالعمومات تشمل علی البیعین بالنسبة إلی النصف بلا معارضة و لیس للبائع أن یعطی مجموع الصاع لأحدهما دون الأخر لعدم بقاء الاختیار له بالنسبة إلی المجموع نعم بالنسبة إلی النصفین فاختیاره باق علی حاله فله أن یعطه لأحدهما هذا النصف و للآخر ذلک و بالعکس و هذا واضح لا شبهة فیه و اما ثبوت الخیار فقد أشرنا الیه و یأتی تفصیل الکلام فیه فی الخیارات.

ثم ذکر المصنف فرعا أخر لبیان الثمرة و هو أنه أن المبیع انما یبقی کلیّا ما لم یقبض و أما إذا قبض فان قبض منفرد عما عداه کل مختصا بالمشتری و ان قبض فی ضمن الباقی بأن أقبضه البائع مجموع الصبرة فیکون بعضه وفاء و الباقی أمانة حصلت الشرکة لحصول ماله فی یده و عدم توقفه علی تعیین و اقباض حتی یخرج التالف عن قابلیة تملک المشتری له فعلا

ص:383

و ینحصر حقه فی الباقی فح حساب التالف علی البائع دون المشتری ترجیح بلا مرجح فیحسب علیهما الی أن قال،نعم لو لم یکن إقباض البائع للمجموع علی وجه الإیفاء،بل علی وجه التوکیل فی التعیین أو علی وجه الامانة حتی یعیّن البائع بعد ذلک کان حکمه حکم ما قبل القبض.

أقول:أن هنا أمران و لا نتجاسر علی المصنف أنهما قد اختلطا.

الأول:ان التلف بعد القبض انما یحسب علی المشتری و علیه،فإذا أقبض البائع مجموع الصبرة من المشتری فأثره أنه لو تلفت الصبرة بکلها یکون المبیع أیضا تالفا و لا یکون مثل التلف قبل القبض فیحکم بالانفساخ.

الثانی:تعیین المبیع الکلی و تطبیقه علی فرد خاص و عدم تعیین ذلک فإنه علی الأول فیکون تلف کل من المال المعین علی صاحبه و أما مع عدم التعین فلا وجه لکون التالف علیهما مع کون المبیع کلّیا کما هو المفروض فان مجرّد اقباض المبیع علی کلیته لا یوجب انقلابه إلی الشرکة،بل انما قبضه المشتری علی سریانه أی أنه باقی علی سریانه الأولیة مثلا کانت الصبرة عشرة أصوع فباع مالکها صاعا منها ثم أقبضه مجموع الصبرة فإنه لا یوجب تعیین حقه أو قلبه إلی الإشاعة فإنه بأی موجب زالت ملکیة البائع علی الخصوصیات الموجبة لکونه مختارا فی تطبیق حق المشتری بأی فرد شاء.

و توهم أن المشتری و ان ملک کلیا و لکنه مالک له مع خصوصیة،فإن مقتضی الشرط الضمنی هو ذلک فإنه انما یشتری صاعا من الصبرة لیستقل فی التصرف فیه لا أن یکون باقیا علی کلیته و هذا الشرط موجود فی ضمن العقد.

و هو توهم فاسد فإنه و ان کان صحیحا فی أصل الاشتراط و لکن لا یقتضی ذلک تعیین حق المشتری بصاع خاص ثم انقلابه إلی الإشاعة و قد

ص:384

عرفت أنه یمکن أن یقبض المشتری المبیع علی کلیته فإنه مع أخذ الصبرة مجموعا یأخذ المبیع أیضا لکونه موجودا فی ضمن الصبرة کما أنه مع التعیین یکون موجودا فی ضمن الفرد الشخصی فإن الکلی الطبیعی موجود بوجود الفرد.

و بالجملة أن المبیع کان هو الکلی الساری فهو باق علی حاله فلا یخرج عن السریان بقبض المشتری کما لا یخفی.

نعم لو بدل الکلی بالاجزاء علی نحو الإشاعة بمعاملة جدیدة فیحکم بالإشاعة فیصح ما ذکره المصنف و لکنه لا یمکن بدون المعاملة الجدیدة فإن خروج الخصوصیات عن ملک البائع و خروج الکلی عن ملک المشتری و تبدل کل منهما بالاخر یحتاج الی دلیل فهو منتف فی الخارج و نحن لا ندعی الاستحالة بل ندعی عدم الدلیل علی هذا،فافهم.

و کیف کان فلا فرق فیما ذکرناه من التحقیق بین ما قبل القبض و ما بعده بوجه.

و أما ما ذکره من أنه لو اقبضه علی نحو الامانة فهو متین فإن البائع مالک لجمیع الخصوصیات مع الصبرة فإذا باع صاعا منها فله أن یطبق هذا الکلی بأی فرد شاء فإذا أقبضها من المشتری مجموعا لتکون أمانة عنده فلا یوجب ذلک خروج الخصوصیات عن ملکه فإنه بلا موجب فإنه لم یقبضها بعنوان اقباض الحق،بل الامانة و ح فإذا تلفت الصبرة أجمع فیکون حکمها حکم التلف قبل القبض.

لو باع ثمرة شجرات و استثنی منها أرطالا معلوما

قوله:و انما الإشکال فی أنهم ذکروا فیما لو باع ثمرة شجرات و

ص:385

استثنی منها أرطالا معلومة أنه لو خاست الثمرة سقط من المستثنی بحسابه و ظاهر ذلک تنزل الأرطال المستثناة علی الإشاعة.

أقول:قد عرفت أنه ذکر المصنف أنه لو باع صاعا من الصبرة أو منّا من الحنطة فیحمل علی الکلی،و یکون المبیع هنا کلی المنّ و کلی الصاع ملغی عنه الخصوصیات الساری علی جمیع أمنان الصبرة و أصواعه و رتب علیه أنه لو تلفت الصبرة و لم یبق الاّ بقدر الصاع و المنّ فیحسب التالف علی البائع لکونه تلفا قبل القبض.

ثم ذکر ان ظاهر الفقهاء فی بیع ثمرة الشجرات و استثناء أرطال معلومة منها علی خلاف ما ذکرناه فإنهم ذکروا هنا أنه لو خاست الثمرة فیحسب التالف علی البائع و المشتری و سقط من المستثنی بحسابه و قد ذکروا للتفصی عن هذه العویصة وجوها:- الأول:أن الفارق بین المسألتین هو النص فإن الصحیحة الواردة فی بیع الأطنان من القصب قد دلّت علی حمل بیع الصاع من الصبرة علی الکلی،و الاّ فمقتضی ظهور اللفظ هو الإشاعة فی کلا المسألتین.

و یرد علیه وجوه مع تسلیم الحمل علی الإشاعة فی بیع الکلی مع انا لم نسلم ذلک،و قلنا بأن ظاهر اللفظ هو الکلی مع ورود النص علیه کما عرفت.

الأول:ما ذکره المصنف(ره)من أنه ان کان النص واردا علی طبق القاعدة کما هو الظاهر،فان الظاهر أن الامام(علیه السلام)أجاب علی طبق المتفاهم العرفی لزم التعدی منه الی مسألة استثناء،فإنه لا فرق بینهما الاّ أن مسألة الاستثناء علی عکس مسألتنا،هذا و هو بانفراده لا یوجب الفرق بینهما و ان کان واردا علی خلاف القاعدة و التعبد المحض فلا یجوز التعدی من مورده أعنی بیع القصب الی غیره،بل من غیر المشتغلین فهل یتبع حینئذ

ص:386

کبیع الصاع من صبرة الحنطة و الشعیر و نحوهما.

و یمکن الجواب عنه بدعوی القطع بعدم الفرق بین بیع القصب و بیع الحنطة فإنهما من واد واحد،لأنا نقطع بأنه لو کان السائل یسأل الإمام (علیه السلام)عن بیع عشرة آلاف أرطال من الحنطة من أرطال و تلفت إلاّ عشرة آلاف فأجاب الإمام(علیه السلام)بمثل ما أجابه فی بیع القصب.

الجواب الثانی:ما ذکره المصنف فی آخر کلامه من أنه لو قلنا بالإشاعة للزم عدم جواز تصرف المشتری فی الثمرة إلاّ بإذن البائع،بل یجوز له التصرف فی الثمرة.

و ثالثا:ما أشار إلیه المصنف أیضا من أن لازم الحمل علی الإشاعة أنه لو تلف مقدار من الثمرة بتفریط المشتری کان ضامنا للبائع فی حصة من التالف و یکونان شریکین بالنسبة إلی الباقی مع انهم حکموا بوجوب أداء المستثنی تماما من الباقی فهو لا یجتمع مع الإشاعة،بل مع الملکیة کما لا یخفی.

و رابعا:یلزم أن یکون النص واردا علی خلاف ما قصده المتبایعان فان لازم الظهور النص فی الإشاعة و خروج مسألة بیع الأطنان من القصب علی خلاف القاعدة للنص یلزم أن یحکم الامام(علیه السلام)علی خلاف ما قصداه من العقد فهو لا یمکن فإنه لو فرضنا أن السائل کان یصرح بالإشاعة کان یحکم الامام (علیه السلام)بکون المبیع کلیا و قد مرّ مرارا عدیدة أنه أمر غیر معهود.

الثانی:أن مقتضی ظاهر اللفظ فی المسألتین هو حمل الصاع علی الکلی الاّ أنه قام الإجماع علی الحمل علی الإشاعة فی مسألة الاستثناء.

ص:387

و فیه أولا:أن الإجماع لیس بنفسه حجة بل لکونه کاشفا عن دلیل معتبر،و نحن نقطع بانتفائه فی المقام و عدم استنادهم الیه.

و ثانیا:یرد علیه ما أوردناه علی الوجه الأول من الوجوه الثلاثة الآخرة.

الثالث:أن الفارق بین حمل الصاع علی الکلی فی المقام و بین حمله علی الإشاعة فی مسألة الاستثناء و نظائره کالزکاة التی یحسب التالف فیها علی المالک و الفقراء أن الفارق هو اعتبار القبض فی لزوم البیع و وجوبه علی البائع فی بیع الکلی فما دام یمکن دفع المبیع إلی المشتری یجب الإقباض کما فی بیع الکلی فی الذمة و هذا بخلافه فی مسألة الاستثناء و الزکاة.

و فیه أولا:ما ذکره المصنف من أنه مضافا الی تحقق إیجاب القبض فی مسألتی الزکاة و الاستثناء أن وجوب الإقباض و لزوم العقد مسلم و لکن لا دلیل لوجوب الإقباض فی اللزوم بوجه،و لا نفهم معنی هذه العبارة کما لم یفهمه المصنف،و ان إیجاب القبض علی البائع فرع کون المبیع کلّیا و منطبقا علی الباقی فإنه مع عدم البقاء کلا أو بعضا لا یبقی موضوع لوجوب الإقباض لانفساخ العقد.

و بعبارة أخری حکم حمل المبیع علی الإشاعة هو انفساخ العقد فی المقدار التالف و عدم بقاء الموضوع لوجوب الإقباض و حکم حمله علی الکلی هو بقاء المبیع و وجوب دفعه الی المشتری و إقباضه منه هذا بحسب الکبری و أما إحراز الصغری و إثبات أنه محمول علی الإشاعة أو علی الکلی فلا بدّ و ان یتحقق من الخارج فإثبات الکلیة بوجوب الإقباض الذی فرع علی

ص:388

الکلیة مصادرة واضحة.

و ثانیا:أن دلیل أخص من المدعی فانا نفرض موردا یکون المبیع تحت ید المشتری فی بیع الکلی اما بالإجازة أو بالأمانة أو بالعاریة،أو بالغصب،فح فالمبیع تحت ید المشتری فلا موضوع لوجوب الإقباض أصلا و من هنا یعلم أن قیاس المقام ببیع الکلی فی الذمة فرع إحراز الکلیة کما لا یخفی.

و أما قیاس الاستثناء بالزکاة،ففی غیر محله إذ لیس الفقیر شریکا مع المالک فی المال الزکوی کما حقق فی محله.

الرابع:ما ذکره فی مفتاح الکرامة من إبداء الطرق بین المسألتین بدعوی أن التلف من الصبرة فی المسألة السابقة أعنی بیع الکلی انما هو قبل القبض فیکون علی البائع و یلزم علیه مع ذلک أن یسلم من الباقی تمام المبیع فإنه لم یذهب منه علی المشتری شیء لأجل التلف و هذا بخلاف مسألة الاستثناء فان التلف فیه بعد القبض و المستثنی بید المشتری،أما علی الإشاعة بینهما فیوزع الناقص علیهما و لهذا لم یحکم بضمان المشتری هنا بخلاف البائع هناک فإنه حکم بضمانه هناک.

و بعبارة أخری أن المشتری فی بیع الکلی یتلقی الملک من البائع فما دام فی البین مصداق للکلی المبیع لینطبق علیه ذلک الکلی فیجب إقباضه بإقباض المصداق،و هذا بخلاف الاستثناء،فان المستثنی فیه من الأول باقی فی ملک البائع فلا یجب التسلیم و الإقباض و الإیفاء أصلا فیکون التلف علیهما لکون کل منهما مالکا للخصوصیات.

و بعبارة ثالثة:أنه یدعی أن المبیع فی المقامین هو الکلی.

و الجواب عنه:أولا:من تبعیة وجوب الإقباض بکون المبیع کلیا و متفرعا

ص:389

علیه و عدم کونه نحو الإشاعة فإثبات الکلیة بوجوب الإقباض مصادرة واضحة و ثانیا:أن الدلیل أخص من المدعی فان تفرض المبیع تحت ید المشتری فی بیع الکلی اما بالغصب أو بغیره کما تقدم.

و ثالثا:بناء علی الإشاعة فی مسألة الاستثناء لا یجوز للمشتری أن یتصرف فی الثمرة إلا بإذن البائع و مع إتلافه مقدارا منها فیکون ضامنا لحصة البائع مع اشتراکهم فی البقیة کما ذکره المصنف.

و رابعا:ما ذکره المصنف من أنه ان کان المراد من التلف بعد القبض أی بعد قبض المشتری فلا شبهة أن البائع ح لا یضمن التالف من حق المشتری و انما الإشکال فی الفرق بین المسألتین.

و ان أرید منه أن الکلی الذی یملکه البائع تحت یده بعد العقد، فحصل الاشتراک عنده فإذا دفعه الی المشتری فدفع مالا مشترکا الیه، فح أیضا یبقی سؤال الفرق بین قولنا بعتک صاعا من الصبرة و بین قولنا بعتک ثمرة البستان إلا أرطالا معلومة فکلاهما من واد واحد فلما ذا حصل الاشتراک فی الثانی دون الأول فإن کون المجموع تحت ید البائع لا یوجب الاشتراک و لا یرد علی المصنف أنک قلت بحصول الاشتراک فی بیع الکلی بإقباض البائع مجموع الصبرة فلما ذا لا یحصل الاشتراک هنا بکون مجموع الثمرة تحت ید البائع،فالبائع هنا بعینه مثل المشتری هناک.

فانا نقول ان المصنف قد التزم هنا بالاشتراک لمکان الإقباض فإن اقباض المالک الکلی یوجب تملیک الخصوصیة و تملیک الخصوصیة موجبة للاشتراک بخلافه هنا نعم لو کانت الثمرة تحت ید المشتری و هو یقبض البائع مجموع الثمرة فحصل الاشتراک فحصل الفرق بین المقامین و ان لم نقبل ما ذکره المصنف و قلنا ان إعطاء الصبرة للمشتری بأجمعها لا یوجب الاشتراک

ص:390

کما عرفت.

الجواب الخامس:ما ذکره المحقق الایروانی أن الذی ینبغی مقایسته من مسألة الأرطال بمسألة بیع صاع من الصبرة هو المبیع و هو ما عدا الأرطال دون نفس الأرطال التی لم تقع علیه المعاملة فإن مکانة الأرطال هنا مکانة بقیة الصبرة مما عدا صاع منها من تلک المسألة و مکانة ما عدا الأرطال هنا مکانة الصاع من تلک المسألة فإن المعاملة وقعت علی ما عدا الأرطال فیکون المبیع کلّیا فمقتضی القاعدة هنا کون التلف علی البائع و لکن حیث کان التلف بعد القبض مع کون حق البائع من الأرطال منتشرا فی المجموع فیکون التلف منهما.

و فیه أولا:أنه خلاف المتفاهم العرفی فإنه لو ألقی هذا الکلام لأحد لا یفهم منه الاّ کون المستثنی منه ملکا للمشتری بجمیع الخصوصیات بحیث قد ملکه البائع العین بجمیع الخصوصیة فلا وجه لکون المستثنی منه أیضا کلیا.

و ثانیا:یرد علیه مما تقدم من عدم جواز تصرف المشتری فی المجموع إلاّ بإذن البائع و حساب التالف علیهما حتی لو کان المتلف هو المشتری و کون البقیة بینهما سیان غایة الأمر أن المشتری یضمن للبائع فی حصته فی صورة الإتلاف.

قوله:و یمکن أن یقال ان بناء المشهور فی مسألة استثناء الأرطال أن کان علی عدم الإشاعة.

أقول:هذا هو الوجه من الأجوبة قد أجاب به المصنف علی تقدیری الکلی و الإشاعة أما علی الأول کما هو الظاهر فلأن المتبادر من الکلی المستثنی هو الکلی الشائع فیما یسلم للمشتری لا مطلقه الموجود وقت البیع و هذا الجواب بظاهره یعطی خلاف المقصود فإن الإشکال کان فی حمل

ص:391

بیع صاع من الصبرة فی المسألة السابقة فظاهره المنافاة لبیع الثمرة و استثناء الأرطال المعینة حیث ذکر الفقهاء أن التالف یحسب علیهما فان هذا ظاهر فی الحمل علی الإشاعة و ظاهر ما ذکره المصنف هنا هو عدم حساب التالف علیهما،بل علی المشتری فلا یکون هنا تنافی مع المسألة السابقة مع أن المشهور حکموا بکون التالف علیهما و لعله سقط فی کلامه و أنه أراد ما سنذکره من الجواب.

و أما علی الثانی فأجاب بأن المستثنی کما یکون ظاهرا فی الکلی کذلک یکون عنوان المستثنی منه الذی انتقل إلی المشتری بالبیع کلّیا بمعنی أنه ملحوظ بعنوان کلی یقع علیه البیع فمعنی بعتک هذه الصبرة إلاّ صاعا منها بعتک الکلی الخارجی الذی هو المجموع المخرج عنه الصاع فهو کلی کنفس الصاع فکل منهما مالک لعنوان کلی فالموجود مشترک بینهما لان نسبة کل جزء منه الی کل منهما علی نهج سواء فتخصیص أحدهما به ترجیح من غیر مرجح و کذا التالف نسبته إلیهما علی حد السواء فیحسب علیهما،و هذا بخلاف ما إذا کان المبیع کلّیا فان مال البائع لیس ملحوظا بعنوان کلی فی قولنا بعتک صاعا من هذه الصبرة إذ لم یقع موضوع الحکم فی هذا الکلام حتی یلحظ بعنوان کلی کنفس الصاع.

مثلا إذا کان عنده خمسین رطلا من الطعام فباعه إلا عشرة أرطال فإن هذه العشرة تکون کلیة فإذا کانت کلیة فتکون المستثنی منه قهرا کلیا أیضا فالمال الموجود فی الخارج مشترک بینهما علی الإشاعة فیکون التالف علیهما.

و فیه أولا:أنه لا وجه لکون المستثنی منه کلیّا إذ البائع کان مالکا للارطال مع الخصوصیات فإذا باعها من شخص إلاّ أرطالا معلومة فتکون

ص:392

الخصوصیات ملکا للمشتری و الاّ یلزم أن تبقی مال بلا مالک أو تکون ملکا لشخص آخر بلا سبب ملک،فکل ذلک لا یمکن الالتزام به علی أن هذا لا یرفع الاشکال و هو أنّه علی الإشاعة کیف یجوز للمشتری أن یتصرف فی المجموع بلا إذن البائع الشریک مع انهم أفتوا بجوازه و أنه مع الإتلاف من المشتری کیف یحسب علیه و یکون حق البائع فی الباقی مع أن مقتضی الشرکة کون التالف علیهما و ضمان المشتری علی حصة البائع و کونهما شریکین فی الباقی أیضا و لعله التفت بعدم صحته و قال أن هذا ما خطر ببالی عاجلا و لعل غیرنا یأتی بأحسن من هذا،و قد اوکلنا تحقیق هذا المقام الذی لم یبلغ الیه ذهنی القاصر الی نظر الناظر البصیر الخبیر الماهر عفی اللّه عن الزلل فی المعاثر.

و بالجملة لم یتحصل لنا من الأجوبة التی لاحظناها ما یرفع الاشکال و یوجب جواز الجمع بین حساب التالف علیهما و جواز تصرف المشتری فی المجموع و کون التالف علیه فی صورة إتلافه فلا بد فی المقام من جواب یجمع بین هذه الأمور الثلاثة.

و الذی ینبغی أن یقال و لعله هو محتمل الجواب الأول للمصنف و أن المستثنی هو الأرطال المعلومة بعنوان الکسر الکلی کما هو الظاهر من اضافة من مجموع ما سلم للمشتری دون مجموع المال و لیس المستثنی هو الکسر المشاع بل الأمر کذلک حتی مع التعبیر عنه بلفظ المن و الصاع و الرطل و نحوها فان الظهور العرفی منها و ان کان عنوان الکلی منها بنفسها و لکن الارتکاز جار علی کونها علی أحد النسبة الممکنة فی الصبرة کواحد من المائة مثلا مما سلم بحیث یکون الباقی و التالف بینهما سیان و هذا لا ینافی الکلیة کما هو واضح.

ص:393

و توضیح ذلک أن بیع الکسر الکلی یتصور فی مرحلة الثبوت علی أقسام ثلاثة:- الأول الکسر الی المبیع کقولک بعتک نصف الصبرة أو ربعها مثلا أو غیرهما من الکسور أن یکون علی نحو القضیة الخارجیة فإنه موجود فی هذه الصبرة بعنوان الکلیة دون الإشاعة فإن ربع هذه الصبرة أمر کلی لأنه قابل الانطباق علی هذا الطرف و ذلک الطرف من الیمنی أو الیسری أو الفوق أو التحت،الی غیر ذلک مما یکون فردا لهذا الکلی و یکون هو قابل الانطباق علیه من افراد المتصورة.

الثانی:أن یکون المبیع کسرا کلیا و لکن لا بنحو القضیة الخارجیة، بل بعنوان القضیة الحقیقیة و هذا المعنی و ان لم یجر فی البیع لکونه موجبا للجهالة و الغرر و لکن یمکن جریانه فی باب الوصیة و ان لم یعهد فیها هذا الوجه أیضا،لأن المعهود فی الوصیة هو الوجه الثالث و لکن لو أوصی أحد کذلک فلا محذور فیه شرعا کما إذا اوصی بأن کلما یکون مالا لی فربعه علی نحو الکسر الکلی لفلان،فان هذه قضیة حقیقیة تنطبق علی ربع کل مال حصل فی ید الموصی فیکون للموصی له بنحو الکلیة لا بنحو الشرکة.

الثالث:أن یکون أیضا کلیّا علی نحو القضیة الخارجیة و لکن تکون فی حصة خاصة و هذا أیضا لا یمکن فی البیع للجهالة و الغرر و لکنه موجود فی باب الوصیة جدا بحیث لو اوصی أحد کک فلا محذور فیه و ان کان یحتاج إلی القرائن فی مقام الإثبات و ان کانت هو الارتکاز کما یمکن دعواه فی الوصیة و البیع فان الارتکاز علی ذلک بل الأمر کک فی باب الوصیة غالبا

ص:394

و الشرکة علی نحو الإشاعة فیها نادرة جدا کما إذا اوصی لزید ربع ما یسلم للورثة علی نحو الکسر الکلی بمعنی أن کما اجتمع أموالی تحت ید الورثة فربعه لزید علی نحو الکلی دون الإشاعة و هذا المعنی کما عرفت موجود فی باب الوصیة فإن من اوصی ربع ماله لفلان فلیس معناه أنه شریک مع الورثة علی الإشاعة و لو بقرینة الارتکاز و لا أن ربع مجموع المال أعم مما یسلم و مما لا یسلم له و الاّ فربما یکون ما یحصل من الترکة للموصی له مجموعا بل معناه أن ربعه الکسری الکلی الذی یسلم من التلف و الظاهر أنه لا یشک أحد فی صحة ذلک الکلام فی هذا المعنی و لو بالارتکاز العقلائی فی باب الوصیة بل علیه جریان السیرة العملیة ما لم تکن تصریح علی خلافه من الشرکة علی نحو الإشاعة.

و بالجملة الذی ذکرناه لا غبار فیه ثبوتا و ان کان یحتاج إلی القرائن فی مقام الإثبات فإن غرضنا تصحیح هذا المعنی فقط فی عالم الثبوت ففی مقام الإثبات فیتبع لسان الدلیل کما لا یخفی أو القرائن الخارجیة کما فی باب الوصیة و کذلک فیما نحن فیه لشهادة الارتکاز علی ذلک.

إذا عرفت ذلک فندعی جریان ذلک فی مسألة الاستثناء فان قول القائل بعتک مجموع الثمرة إلا أرطالا معلومة معناه بعتک مجموعها کسرا کلیّا مما یسلم و هو الواحد فی المائة أو العشرة أو أقل أو أکثر،مثلا فیکون عنوان الرطل معرّفا الی ذلک الکسر الکلی ففی الحقیقة أن البائع یستثنی من العشر مثلا واحدا مما یبقی من الثمرة للمشتری الذی یسمی کسرا کلیّا و یجعل عنوان الرطل أو المنّ أو الصاع معرّفا الیه و هذا و ان کان فی نفسه علی خلاف الظاهر فان ظهور المن أو الرطل و نحوهما فی الکلی فی المعیّن و حملها علی الکسر الکلی علی خلاف الظاهر و لکن قامت القرینة

ص:395

علی ما ذکرناه و الارتکاز فإنه قائم علی ارادة ما ذکرناه من مثل هذا الکلام (بعتک الثمرة إلاّ أرطالا معلومة)فإن الارتکاز العقلائی محقق علی أن المراد منه هو الکسر الکلی مما یسلم و یتحصل للمشتری من الثمرة دون الشرکة و الإشاعة و لا الکلی فی مجموع الثمرة بحیث أن ما یسلم للمشتری لو کان بمقدار المستثنی یکون المجموع للبائع،بل هو الکسر الکلی أی حد معیّن من حد معین کالواحد من المائة مثلا.

و علی هذا فنسلم من جمیع الإشکالات فإنه لو تلفت الثمرة بآفة سماویة یکون التالف علیهما فان حق البائع الکسر الکلی مما سالم للمشتری و التالف خارج بحسب الارتکاز و لو أتلفه المشتری کان حق البائع من الباقی،فإن التالف مما یسلم فهو باختیاره أتلفه و یجوز للمشتری التصرف فی مجموع الثمرة لأن البائع لیس شریکا فی الثمرة حتی یحتاج تصرفه إلی الإجازة و کان لفظ الکسر قبل لفظ الکلی فی عبارة المصنف لکان عین ما ذکرناه و کان (أن المتبادر من الکلی المستثنی هو الکسر الکلی الشائع فیما یسلم للمشتری لا مطلق الموجود وقت البیع)و لعله کان کذلک و قد سقط من عبارته و اللّه العالم،و لا یلزم کون المعاملة غرریة أو کون المبیع مجهولا فان المبیع معلوم و هو مجموع الثمرة و ما استثنی من مجموع الثمرة أیضا معلوم، فالتلف انما یرد علی المستثنی و المستثنی منه المعلومین لا أن المبیع هو الباقی بعد التلف لیکون مجهولا أو غرریا کما هو واضح.

و یمکن الجواب بوجه آخر بأن یقال أن قولک بعتک مجموع الثمرة هذا البستان إلاّ عشرة أرطالا أن کل واحد من المستثنی و المستثنی منه یتحللان الی الاجزاء فکأنه قال بعتک عشرة إلا واحدا فیکون مفاد ذلک أن المستثنی من کل عشرة واحدة مثلا بنحو الکلی فی المعین و هکذا الی ان ینتهی

ص:396

کلما یتصور من الاجزاء التحلیلیة و الفرق بین هذا و الوجه الأول هو أن فی الأول کان المشتری جائز التصرف فی المجموع لأن حق البائع کان کلیا بخلافه هنا فإنه لا یجوز له التصرف فی المجموع فان المفروض أن الواحد من کل عشرة مثلا للبائع فبالتصرف فی العشرة قطعا ینصرف فی حق البائع أیضا،و لکن الشرط الضمنی موجود علی جواز التصرف فی المجموع.

و علی هذا فیرتفع الإشکال أیضا و یجتمع الأمور الثلاثة أما کون التالف علیهما فما ذکرنا کون المستثنی و المستثنی منه منحلین الی الاجزاء و أن من کل جزء جزء کالواحد من العشرة فإذا تلفت العشرة فیتلف من کل منهما جزء کما هو واضح.

و أما أنه یجوز للمشتری التصرف فی المجموع فلما عرفت من کون الشرط الضمنی علی ذلک.

و أما أنه مع إتلاف المشتری من الثمرة شیئا فیکون حق البائع من الباقی فهو أیضا للشرط الضمنی و هذان الوجهان خصوصا الثالث علی خلاف الظهور بمکان و لکن الذی یسهل الخطب أن الغرض لتصویر کلام القوم فی مسألة استثناء الأرطال المعلومة من المبیع علی نحو لا یکون منافیا لحمل بیع صاع من الصبرة علی الکلی فی المعیّن.

ثم لا یخفی علیک أنه یمکن الجواب بحمل الأرطال علی الإشاعة و الجواب عن عدم جواز تصرف المشتری فی المجموع و کون حق البائع من الباقی مع إتلاف المشتری مقدارا منه بالشرط الضمنی کما عرفته فی الوجه الثانی هذا ما عندنا و لعل غیرنا یأتی بما هو أحسن من ذلک کما ذکر المصنف بقوله هذا ما خطر عاجلا بالبال و قد اوکلنا تحقیق هذا المقام الذی لم یبلغ الیه ذهنی القاصر الی نظر الناظر البصیر الخبیر الماهر

ص:397

عفی اللّه عن الزلل فی المعاثر.

الکلام فی أقسام بیع الصبرة

قوله:قال فی الروضة تبعا للمحکی عن حواشی الشهید أنّ أقسام بیع الصبرة عشرة.

أقول:حاصل ما ذکره الشهید أن أقسام بیع الصبرة المعلومة خمسة و بإضافة خمسة أقسام للبیع الصبرة المجهولة فتکون الاقسام عشرة أما أقسام الصبرة المعلومة:- فالأول:أن یبیع مجموع الصبرة فهذا لا شبهة فی صحته لانه لا تطرقه شیء من الموانع الموجبة للبطلان.

الثانی:أن یبیع نصفها علی نحو الإشاعة.

الثالث:یبیع مقدار منها کصاع تشتمل علیه الصبرة،و هذا هو بیع الکلی فی المعیّن الذی تقدم الکلام فیه مفصلا،و قلنا انه لا شبهة فی صحّته أیضا.

الرابع:بیع مجموع الصبرة علی حساب کل صاع منها بکذا و هذا أیضا لا إشکال فی صحته فان المبیع أمر معلوم و کذلک الثمن فلا شیء هنا یوجب البطلان.

الخامس:أن یبیع کل صاع منها بکذا و نظیر کذلک ما ذکره العلامة فی بعض کتبه من الإجازة کأن قال المؤجر أجرتک الدار کل شهر بکذا،و قد وقع مثل هذه الإجازة محل الکلام بین الاعلام هل هی صحیحة أم لا و مرادهم وقوع الخلاف فی غیر الشهر الأول،فإن صحة الإجازة فی الشهر

ص:398

متیقن کما ذکره العلامة من صحة الإجازة فی الشهر الأول لتضمن هذا القول اجارة هذا الشهر یقینا و المقام أیضا کذلک فلازم کلامهم فی الإجارة کون البیع صحیحا فی صاع واحد لکونه متیقنا من هذا الکلام من غیر أن یقترنه ما یوجب البطلان و أما فی غیر صاع الواحد فیحکم بالبطلان لکون المبیع مجهولا إذ لا یعلم أنه أی مقدار فان المبیع هو کل صاع من الصبرة أی مقدار منها یرید المشتری و من الواضح أن عنوان کل صاع منها بکذا أمر مجهول،و هکذا فی المعدود و لکن قد حکم شیخنا الأستاذ علی البطلان فی کلا المقامین لان تردد متعلق العقد بین الأقل و الأکثر یقتض الجهل به فیکون العقد فی الشهر الأول أو فی الصاع الواحد صحیحا کما هو واضح علی ما عرفت و لیس هذا مثل سابقه فان المبیع فیه مجموع الصبرة،و إنما یتعین مقدار الثمن بالصاع فإنه باع مجموع الصبرة علی حساب کل صاع بکذا کما هو واضح،و هذا بخلافه هنا فان المبیع فی المقام هو کل صاع مع الجهل بأن البائع أی مقدار یرید أن یأخذ منها.

و بالجملة أن مجموع أقسام بیع الصبرة صحیحة إلاّ القسم الخامس فان کل ما یعتبر فی البیع و المبیع من عدم الغرر و الجهالة و وجود الکیل و الوزن و غیرها من الشرائط کلّها محقّقة فیه،و أما الخامس فقد عرفت بطلانه لجهالة المبیع کما هو واضح.

و أما إذا کانت الصبرة مجهولة فیبطل بیع مجموعها للجهالة و الغرر و لاعتبار الکیل و الوزن و العد فی المکیل و الموزون و المعدود فکلها منتفیة فی ذلک و کذلک یبطل بیع جزء منها فان المجموع إذا کان مجهولا فیکون الجزء منها کالنصف و الربع و التسع أیضا مجهولا و إذا بطل فی المجموع

ص:399

بطل فی الجزء أیضا و کذلک یبطل بیع کل قفیز أو صاع منها بکذا فإنه کان فی فرض معلومیة الصبرة باطلا فکیف إذا کانت مجهولا.

و أما بیع مجموع الصبرة علی حساب کل صاع منها بکذا فحکم المصنف و شیخنا الأستاذ بالبطلان هنا للجهالة و الغرر و لکن الظاهر هو الصحة هنا لعدم جریان شیء من الموانع فیه أما الغرر فمنفی جزما فان المفروض أن کل من البائع و المشتری عالمان بما یأخذه من الأخر غایة الأمر لا یعلمان کل منهما أن أی مقدار یدخل فی کیسه و أی مقدار یخرج منه و أما ان الخارج و الداخل علی سبیل المجازفة لیکون غررا فلا،بل کل من الثمن و المثمن یدخل فی ملک الأخر علی میزانه و من الواضح انه لا دلیل علی کون مثل هذه الجهالة موجبة للبطلان،و أما سائر الجهات المعتبرة فی البیع من الکیل و الوزن و العدد و غیرها فکلها موجود فیه،و مع ذلک فأی وجه للحکم بالبطلان،بل قد تقدم سابقا أنه یصح تبدیل مقدار الأرز بمقدار من الحنطة مع الجهل بالمقدار لعدم الغرر و لکن النصوص الدالة علی اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون أوجب البطلان.

و بالجملة أن المستفاد من الروایات الواردة فی اعتبار الکیل و الوزن أن بیع المجازفة باطل،و مقابله عدم المجازفة و من الواضح أن بیع الصبرة المجهولة علی حساب کل صاع بدرهم بحیث یکون الخارج من ملک کل منهما و الداخل فیه معلوما لیس بیع جزاف بل بیع علی المیزان غایة الأمر لا یعلم کل منهما أن أی مقدار یخرج من کیسه و أی مقدار یدخل فی کیسه و هذا مقدار من الجهالة لا دلیل علی کونها مبطلة.

و أما بیع صاع منها بکذا فهو بیع الکلی من الصبرة فأیضا لا شبهة فی صحته و ان لم یعلم مقدار الصبرة فإن الجهل بها یوجب الجهل بنسبة

ص:400

المبیع إلیها بإحدی الکسور و هذا المقدار من الجهالة لا دلیل علی کونها موجبة للبطلان،کما لا یخفی.

و حاصل الکلام أن أقسام بیع الصبرة المعلومة خمسة،و أقسامها المجهولة أیضا خمسة و یشترک بعضها مع بعض و یفترقان فی بعض الأقسام أما بیع الصبرة مجموعا علی حساب کل صاع بدرهم فلا شبهة فی صحته سواء کانت الصبرة معلومة أو مجهولة و أما فی صورة العلم بمقدار الصبرة فواضح و أما مع الجهل بها و ان أشکل فیه المصنف و شیخنا الأستاذ و لکن الظاهر هو الصحة فی صورة الجهل أیضا إذ لا دلیل علی البطلان بوجه کما عرفت و مجرد کون المتبایعین جاهلین بمقدار ما یدخل فی کیسهما و یخرج عنه لا یوجب البطلان إذ لا دلیل علیه کما عرفت.

و أما بیع کل صاع بکذا من الصبرة فلا شبهة فی فساده لجهالة المبیع و مجرد کونه معلوما عند اللّه لا یصح البیع إذ لا یعلم کل منهما أن الثمن و المثمن أی مقدار ففی مثل ذلک لا یعتبر العقلاء الملکیة أیضا فإنه یتوقف علی ما یقوم به الإضافة فالمبیع لا یعلم أنه أی مقدار حتی یعتبروا الملکیة علیه نعم فللصحة فی صاع واحد وجه فان الظاهر من مثل هذا الکلام کونه متیقن الإرادة فیکون معلوما کما هو کذلک فی الإجازة أیضا و لا یفرق فی ذلک بین کون الصبرة معلومة أو مجهولة فإن المبیع لیس هو مجموع الصبرة،بل کل صاع و لا یقاس هذا بصورة بیع الصبرة علی حساب کل صاع بکذا فان المبیع هو مجموع الصبرة و ذکر الصاع لبیان المیزان للثمن و تقدیره.

و أما بیع مجموع الصبرة أو نصفها أو ثلثها مثلا فلا شبهة فی صحته فیما إذا کانت الصبرة معلومة إذ لیس فیه شیء مما یوجب البطلان و أما فیما إذا کانت الصبرة مجهولة فلا شبهة فی البطلان للجهالة و الغرر و کونه

ص:401

جزاف فلا بد من تقدیره بالکیل و الوزن و العد و نحوها.

و أما بیع صاع من الصبرة علی نحو الکلی فأیضا لا شبهة فی صحته سواء کانت الصبرة معلومة أو مجهولة أما فی صورة العلم بها فواضح کما تقدم الکلام فیه مفصلا و کذا فی صورة الجهل بها إذ لیس فیه غرر و جهالة الاّ من جهة نسبة المبیع الی مجموع الصبرة أنها بالنصف أو بغیره و هذا لا یوجب البطلان.

نعم وقع النزاع فی أنه هل یعتبر فی صحة البیع العلم باشتمال الصبرة علیه أم لا،ظاهر شیخنا الأستاذ نعم من جهة أن عدم العلم بوجود المبیع من أعظم أنحاء الغرر و لکن الظاهر عدم الاعتبار وفاقا لشیخنا الأنصاری و ذلک لوجهین:- الأول ما افاده شیخنا الأنصاری من أنه لا غرر فی ذلک بوجه لا من جهة رفع الغرر بالخیار،بل لعدمه فی نفسه و ان قیل أن عدم العلم بوجود المبیع من أعظم أنحاء الغرر و توضیح ذلک أنه إذا باع بشرط أنه إذا لم تشتمل علیه الصبرة فیکون له الخیار فهذا لا شبهة فی صحة و لیس له غررا أصلا فإنه مع عدم ظهوره کک یکون له الخیار،بل یجوز له البیع معلقا علی وجود المبیع فإنه مع عدمه یکون له الخیار و لا یضر التعلیق هنا فإنه إنما یضر إذا کان معلقا علی أمر خارجی لا علی وجود المبیع فإنه ارتکازی ذکر أم لا،فضلا عن البطلان و توهم أن الخیار لا یرفع الغرر فهو حق فیما کان الخیار ثابتا بالتعبد لا بجعل المتعاملین أو بالشروط الضمنیة فإنه یرتفع الغرر بمثل ذلک.

و بالجملة أن المقام نظیر ما باع ما یحاذی بمائة دینار بدینارین مع الخیار فإنه لیس له ضرر فی ذلک أصلا لکونه مخیرا فی الإبقاء و الإمضاء،

ص:402

و انما یکون علیه ضرر إذا باع کک لزوما و بدون الخیار،بل یصح البیع علی تقدیر الوجود من غیر علم به أصلا لعدم الغرر فیه و لیس مثل بیع الطرفی الهواء و السمک فی الماء فإنه باطل لکونه بیعا منجزّا و علی کل حال فلیس التعلیق موجبا للبطلان،فان التعلیق علی وجود المبیع من الأمور المرتکزة المقطوعة و من الشروط الضمنیة فیکون خارجا عن معقد الإجماع القائم علی بطلان التعلیق فی العقود.

الثانی:أنک عرفت مرارا أن البیع الواحد ینحل الی بیوع عدیدة باعتبار انحلال المبیع،و علیه فإذا باع وزنة من الصبرة مع الجهل باشتمالها علیها فظهر انها غیر مشتملة علیها فیکون البیع صحیحا فی المقدار الذی موجود فی الصبرة و یبطل فی الباقی فیکون من قبیل ضم الصحیح بالباطل کبیع مال نفسه مع مال غیره و بیع الخل مع الخمر و بیع الغنم مع الخنزیر.

و اما ثبوت الخیار و عدم ثبوته للمشتری فیتوقف علی أن الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی زیادة المالیة کمصراعی الباب و جلدی اللمعة و اللغة و جوزی الخف و نحوها أم لا،فعلی الأول فیثبت له خیار تبعض الصفقة،و علی الثانی فلا،و ذلک لما سیأتی فی باب الخیارات أن ثبوت غیر الخیارات التعبدیة کخیار المجلس و الحیوان و العیب انما هو بأحد أمرین أحدهما بالاشتراط و الثانی بکون الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی زیادة الثمن کالأمثلة المتقدمة.

الکلام فی بیع العین علی المشاهدة السابقة

اشارة

قوله:مسألة إذا شاهد عینا فی زمان سابق علی العقد علیها فان

ص:403

اقتضت العادة تغیّرها عن صفاتها السابقة إلی غیرها المجهول عند المتبایعین فلا یصحّ البیع الاّ بذکر صفات.

أقول:إذا شاهد العین فی زمان سابق فهل یجوز بیعها أم لا؟

فیقع الکلام فی مقامین،
اشارة

الأول:فی صحة البیع و عدمه،الثانی:فی ثبوت الخیار مع التخلف و عدمه.

أما المقام الأول أی فی صحة البیع و عدمه

فنقول انه تارة تقتضی العادة بعدم التغیر،فلا شبهة فی صحة و لا خلاف فیها کما إذا شاهدها قبل ساعة أو ساعتین فإن العادة جاریة علی بقائها علی الحالة التی شوهد علیها کما إذا شاهد جاریة قبل شهر فاشترها بعد الشهر،فإن العادة جاریة علی بقائها فی تلک الحالة الأولیة.

و اخری أن العادة تقتضی عدم بقائها علی الحالة الأولیة کما إذا شاهد الجاریة قبل أربعین سنة فی سن عشرین و وجدها جمیلة و قویة البصر و السمع علی الخیاطة و سائر الصنائع و بعد مضی الأربعین یرید أن یشتریها بتلک المشاهدة فإن العادة جاریة علی تغیرها قطعا و کونها عجوزة نهیبة بالیة و ضعیفة البصر و قبیحة المنظرة،و هذا لا شبهة فی بطلانه أیضا و کلاهما خارجان عن محل الکلام.

و انما مورد النزاع ما یشک فی بقائها علی تلک الحالة الأولیة و عدم بقائها لعدم جریان العادة بشیء فیها فهل یجوز البیع هنا،عملا بالاستصحاب لکونه من الطرق العقلائیة المتعارفة من غیر ذکر شیء من الصفات أم لا؟فقد حکم المصنف بالصحة للاعتماد علی الأصل المذکور و قد أشکل علیه شیخنا الأستاذ لعدم اعتبار الاستصحاب هنا لأن الأثر لم یترتب علی الواقع،بل علی إحراز الصفات کانت فی الواقع أو لم تکن،فان

ص:404

ارتفاع الغرر من آثار العلم بوجود هذه الصفات فاستصحاب بقاء الصفات لا أثر له.

و یرد علیه أنه مخالف لما بنی علیه فی الأصول من قیام الأصول مقام القطع الطریقی المحض و القطع الموضوعی کلیهما فح فلا مانع من ترتب الآثار المترتبة علی إحراز الصفات کانت فی الواقع أو لم تکن،و لکن الذی یرد علی الاستصحاب أن الآثار هنا لا تترتب علی الصفات الواقعیة و لا علی إحراز الصفات الواقعیة أعنی العلم بکون العین علی الصفات التی شوهدت علیها و انما من اللوازم العقلیة لإحراز الصفات الواقعیة توافقت أم لا؟و ذلک من جهة أن الأثر هنا هو عدم الغرر فهو من لوازم إحراز الصفات الواقعیة لا من أثارها الشرعیة و علیه فاستصحاب بقاء العین علی صفاتها السابقة لا یثبت عدم الغرر الاّ علی القول بالأصل المثبت،و قد قلنا بعدم حجیته و علی هذا فلا یصحّ البیع مع الاکتفاء علی المشاهدة السابقة مع الشک فی تغیرها و عدم تغیرها هذه هی الجهة الأولی.

الجهة الثانیة:إذا قلنا بصحة المعاملة مع الاکتفاء بالرؤیة السابقة

فإذا ظهر المبیع علی خلاف ما شوهد سابقا فهل یحکم بالصحة بدون الخیار أو بالصحة مع الخیار للبائع،فی صورة الزیاد و للمشتری فی صورة النقیصة أو یحکم بالبطلان وجوه،فذکر العلامة(ره)علی ما نسب الیه أن البیع یکون باطلا.

فان کان غرضه من ذلک أن البیع انما یقع علی الصفات و یبذل الثمن بإزائها کما هو ظاهر الکلام المنسوب الیه من أن ما قصد لم یقع و ما وقع لم یقصد فیرد علیه أنه قلنا مرارا أن الثمن لا یبذل بإزاء الصفات،حتی الصفات التی تعد فی نظر العرف من الصفات النوعیة کصفحة الرجولة و

ص:405

الأنوثیة و ان کانتا فی الواقع من الاعراض و انما الأوصاف دخیلة فی ازدیاد الثمن و زیادة المالیة فی الموصوف و الذی یقع فی مقابل الثمن انما هو الموصوف فقط و علیه فلا وجه للحکم بأن ما قصد لم یقع و ما وقع لم یقصد.

نعم،لو کانت الأوصاف فی الصور النوعیة و وقع البیع بانیا علیها فظهر الخلاف فیکون البیع باطلا لعدم المبیع،فان ما وقع علیه العقد لم یبع و ما بیع لم یکن موجودا و هذا غیر کون الثمن واقعا فی مقابل الأوصاف.

و ان کان غرضه أن العقد مشروط بالشرط و هو الوصف الذی وقع علیه العقد لأن تخلّف الوصف بمنزلة تخلّف الشرط و مرجع کل منهما إلی الأخر،فإذا انتفی الشرط انتفی المشروط.

و فیه أن فیه خلط واضح بین إطلاقی الشرط فإنه تارة یطلق و یراد منه ما هو جزء العلة و من أجزائها الناقصة فهو صحیح،فإنّ العلة لا تؤثر فی المعلول الا بتمامیة جمیع اجزائها و لکنه غیر مربوط بالمقام،فان العقد غیر معلّق بذلک الوصف بحیث یکون الوصف المذکور من اجزاء علته،و الاّ لبطل من غیر ناحیة انتفاء الشرط و هو قیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود کما هو واضح.

و تارة یطلق و یراد ما به المقصود فی باب المعاملات من اشتراط شیء فی العقد من غیر توقف العقد علیه وجودا و عدما بل هو التزام آخر فی ضمن الالتزام العقدی فقد مر مرارا و سیأتی مفصّلا إنشاء اللّه تعالی أن انتفاء الشروط لا یوجب البطلان و انما یوجب ثبوت الخیار للمشروط له و کیف کان لا وجه لما احتمله العلامة(ره)من بطلان العقد مع ظهور المبیع علی خلاف المشاهدة السابقة و یبقی احتمال الصحة بدون الخیار،و احتمالها مع الخیار و قد یقال بالصحة و اللزوم بدون الخیار،فان الوصف

ص:406

الغیر المذکور فی متن العقد لا أثر له و ان وقع العقد مبنیّا علیه کالشروط البنائیّة التی لا توجب تخلّفها شیئا أصلا.

فأجاب عنه المصنف بأنه فرق بین الشروط التی تکون مأخوذة فی العقد بدون الذکر و بین الشروط الخارجیة التی لا تؤخذ فی العقد الاّ بالذکر فالأوصاف التی المرئیة الدخیلة فی صحة البیع من قبیل الأول فحکمها حکم الاشتراط فی العقد کما لا یخفی.

و قد أوضحها شیخنا الأستاذ بأن الأوصاف و الشروط علی أقسام أربعة:- الأول:أن یکون الوصف أو الشرط مذکورا فی ضمن العقد و هذا لا إشکال فی أن تخلفه یوجب الخیار.

الثانی:أن یکون مأخوذا فی العقد بالارتکاز العقلائی و بالدلالة الالتزامیة من غیر أن یکون مذکورا فی العقد و هو ما یکون بناء العرف و العادة نوعا علیه کاشتراط کون النقد نقد البلد و تساوی المالین فی المالیة و اشتراط عدم کونها معیبا و اشتراط التسلیم و التسلم و اشتراط کون المعاملة نقدیة و اشتراط کون التسلیم و التسلم فی بلد العقد فبانتفاء شیء من تلک الشروط یثبت الخیار للمشروط له و تسمی تلک الشروط بالشروط الضمنیة فلا إشکال فی أن تخلفها یوجب الخیار سواء ذکرت فی ضمن العقد أم لا،فلو قال البائع بعد بیع الحنطة أنا أسلّمها فی المزرعة الفلانیة،فإن الحنطة فیها رخصة فلا یسمع بل یثبت الخیار للمشتری لتخلف الشرط الضمنی.

الثالث:ما یتوقف علیه صحة المعاملة کالوصف الذی لو لا وجوده لزم منه الغرر مثلا کموضوع البحث و هذا و ان لم یکن من الأوصاف النوعیة الاّ أنّه داخل فی کبری الحکم فإن بانتفائه ینتفی العقد لأنه إذا فرض کونه مما

ص:407

یتوقف علیه صحة المعاملة و من الشروط الراجعة إلی العوضین و فرضنا أن المتعاقدین أوقعا العقد مبنیّا علیه فلو لم یکن أولی من الالتزامات النوعیة فلا أقل من کونه مساویا لها من حیث دخولها تحت الالتزامات،و بالجملة الشروط التی توقف علیها صحة العقد معتبرة فی العقد و بانتفائها یبطل العقد سواء ذکر فی العقد أم لا.

الرابع:الوصف الخارجی الشخصی الذی لا یعتبر فی العقد الاّ بالذکر فلا یکفی فیه مجرد البناء علیه من المتعاقدین حین البیع فلا یوجب تخلفه الخیار بوجه.

فتحصل أن الأوصاف التی وقع العقد بانیا علیها ان کانت من الأوصاف النوعیة أو الأوصاف الشخصیة الدخیلة فی صحة العقد علیها فتخرج عن الشروط البنائیة فتدخل فی الالتزام العقدی فما نحن فیه من قبیل القسم الثالث الذی یتوقف علیه صحة العقد و ما لا یوجب تخلفه الخیار الاّ بالشرط فی العقد هو القسم الرابع أی الوصف الشخصی الخارجی الذی هو أجنبی عن العقد فلا یدخل فیه بالبناء علیه فتحصل أن العقد یصح مع الخیار فإذا تخلف عما هو علیه ثبت له الخیار.

و الحاصل:أنه إذا وقع العقد علی المشاهدة السابقة فظهر الخلاف فهل یحکم بالصحة أو بالبطلان و مع القول بالصحة هل یکون صحیحا بدون الخیار أو معه،وجوه،فاختار العلامة البطلان،لان ما وقع لم یقصد و ما قصد لم یقع،و قد أجبنا عنه بأن الواقع قد قصد فان العقد وقع علی الموصوف و هو المقصود و الالتزامات الشرطیة غیر الالتزامات العقدیة،بل هی داخلة فیها فلا یوجب التخلف الاّ بالخیار.

و أما القول بالصحة بدون الخیار فمن جهة أن الشروط الغیر المذکورة

ص:408

فی متن العقد غیر واجبة الوفاء فلا یوجب تخلفها الخیار.

و قد أجاب عنه الشیخ(ره)بأنه فرق بین الشروط التی یقع العقد بانیا علیها أی تسمی بشروط الصحة و بین الشروط الخارجیة الشخصیة فإنه علی الأول یوجب التخلف الخیار دون الثانی.

و قد أوضحه شیخنا الأستاذ و حاصله أن ما یکون دخیلا فی صحة العقد فوقع العقد بانیا علیه فیکون تخلفه موجبا للخیار نظیر تخلف الشروط الخارجیة المذکورة فی ضمن العقد،بل الأول أولی بکونه مستلزما للخیار من الثانی.

و ما ذکره الشیخ و المصنف لا یخلو عن مناقشة صغری و کبری.أما الصغری فلانه یصح البیع مع الاکتفاء بالرؤیة السابقة إذا حصل الاطمئنان ببقاء العین علی الأوصاف المرئیة من غیر أن یبنیان علی بقائها علی تلک الأوصاف و مع التخلّف یثبت لهما الخیار أما للبائع فی فرض الزیادة و أما للمشتری فی فرض النقیضة فلو کان البناء علی الأوصاف السابقة مشروطا فی صحة البیع و عدم البناء موجبا للبطلان،فلازمه بطلان البیع هنا مع أنه صحیح فالصغری لیس بتمام.

و کذلک یصحّ البیع فی هذه الصورة أی مع الاطمئنان بالأوصاف السابقة مع التبری من جمیع ما یوجب الخیار مع أنه لو کان البناء علی الأوصاف السابقة شرطا فی صحة البیع لم یصحّ ذلک.

و کذلک لو أخبر البائع بأوصاف المبیع و حصل الاطمئنان للمشتری من قوله فاشتری اطمینانا علیه فإنه یصح البیع مع أنهما لم یبنیان علی الأوصاف الدخیلة فی صحة البیع و مع التخلف یثبت الخیار کما تقدم.

و کذلک یصحّ البیع مع الاطمئنان مع التبری من العیوب فإنه أیضا یصحّ

ص:409

البیع مع أنه لیس هنا بناء علی الأوصاف السابقة بل یصح البیع مع التبری حتی لو ظهر الخلاف لم یکن لهما الخیار أصلا فإن البائع أسقط الخیار رأسا بل جواز البیع مع التبری من العیوب منصوص فإنه مع الاطمئنان یصحّ البیع مع التبری منه کما سیأتی فی باب الخیارات.

نعم هنا قسم ثالث فصحة البیع فیه من جهة البناء علی الأوصاف الدخیلة،و هو أن یخبر البائع بکون العین حاویة للأوصاف المذکورة و لکن لم یحصل الاطمئنان من قوله علی ذلک،فإنه ح إذا اشتری المشتری تلک العین فلا بد و أن یشتریها مع البناء علی الأوصاف المذکورة و الاّ بطل البیع للغرر و لیس للبائع ح التبری هنا و إسقاط الخیار،فإنه ح کما عرفت یکون البیع غرریا فما ذکره المصنف و شیخنا الأستاذ صحیح فی هذه الصورة فقط و أما الصورتین الأولتین لیستا کک کما لا یخفی.

و أما من حیث الکبری فلأنه لا نعقّل معنی الاشتراط شیء فی العقد الاّ کون العقد معلقا علیه أو مشروطا به أو کان الشرط ملحوظا بنفس،فإنه لا معنی للتقیید بوجه فإنه إنما یتصور إذا کان المبیع أمرا کلیا و قابلا للتضییق و التقیید کأن یبیع الحنطة الکلیة تارة علی نحو الإطلاق و أخر یبیعها علی نحو التقیید کأن یکون من المزرعة الفلانیة و أما الأمر الجزئی فلا یعقل أن یکون مقیدا و مضیقا لان وجوده فی الخارج آخر مرتبة من التضیق و علیه فاما ان یقال ان معنی الاشتراط لیس الاّ لحاظ الشرط بنفسه فهو بدیهی البطلان أو کان الشرط ملحوظا بنفسه فإنه أی معنی لقولک بعتک هذه الدار بشرط أن تلحظ هذا الشرط فإنه لا معنی لاعتبار ذات الشرط فی العقد و کونه بذاته معتبرا فیه بان یلتزم بنفس الوصف لکونه أمرا غیر اختیاری کوصف الکتابة و الخیاطة و نحوها فإن البائع لا یبیع

ص:410

الشرط لیعتبر ذاته فیه و لا أنه یقابل بالثمن کما هو واضح.

أو أکون العقد معلقا علی الشرط بحیث یکون إنشاء البیع علی تقدیر الشرط المعهود و الا لم یبع أصلا فهو تعلیق مجمع علی بطلانه.

و أما الثانی:فهو المطلوب فیکون معنی الشرط فی العقد هو کونه مشروطا بشرط ای کون الالتزام العقدی منوطا بالالتزام الشرطی لا أن یکون دائرا مداره وجودا و عدما لیکون تعلیقا بل بمعنی أن استمراره و البقاء علیه و الوقوف علیه یکون متوقفا علی الشرط و یعبّر عنه فی لغة الفارس (استادن)و هذا هو المعنی اللغوی للشرط کما ذکره فی القاموس و من هنا یقال للحبل الذی یشد به العدلین علی الإبل أو یمتد بین الجدارین أنه شریط.

و بالجملة معنی الشرط فی العقود ربط الالتزام العقدی بالالتزام الشرطی من غیر أن یتوقف أصل الالتزام العقدی بالالتزام الشرطی و یتوقف الوقوف إلی الأبد بالالتزام العقدی علی وقوف المشروط علیه و بالالتزام الشرطی.

و هذا المعنی من الشرط جار فی جمیع الشروط فان غیره اما غیر معقول أو غیر صحیح سواء کانت الشروط مما یتوقف علیه صحة العقد أو من الشروط الخارجیة الشخصیة و علیه فجمیع الشروط من واد واحد فلا وجه لجعل البناء علی بعض الأوصاف شرطا و ان کان ذکر فی بعضها الأخر معتبر،بل ان کان البناء شرطا فهو شرط فی جمیع الشروط و ان کان الذکر معتبر أو لازما و شرطا فهو کک فی جمیعها فلا معنی للفرق بینهما بوجه أصلا فضلا عن کون البناء شرطا فی بعضها أولی من ذکر بعضها الأخر فی العقد فالکبری الذی ذکره المصنف و أوضحه شیخنا الأستاذ لیس بتمام.

ص:411

و بالجملة فما ذکره المصنف من کون البناء علی الأوصاف الدخیلة فی صحة البیع شرطا فی صحة البیع فان البیع لا یصحّ الا مبنیا علیها و الاّ فیکون باطلا دون الأوصاف الخارجیة فلا وجه له کما عرفت.

و الذی ینبغی أن یقال أنه لم یرد نص علی اعتبار البناء علی الأوصاف المذکورة شرطا فی صحة العقد بل ان کان هنا ارتکاز عقلائی و التزام عرفی علی اعتبار بعض الأوصاف فی المبیع بحیث یدل علیها العقد بالدلالة الالتزامیة و کونها معتبرة فیه فلا شبهة فی اعتبارها فیه و کون تخلفها موجبا للخیار ککون المالین متساویین فی المالیة و کون التسلیم و التسلم فی بلد العقد و کون النقد نقد البلد و هکذا فان بناء العقلاء و ارتکازاتهم فی أمثالها علی کون العقد مشروطا بتلک الأمور و أمثالها سواء ذکرت فی العقد أم لا و سواء بنی المتعاملان علیها أم لا،بل هی معتبرة فی العقد حتی مع الغفلة عنها حین البیع فان الارتکاز قرینة قطعیة علی ذلک و قائمة مقام الذکر و هکذا فی کل مورد قامت القرینة علی ذلک و ان کانت غیر الارتکاز العقلائی و الدلالات الالتزامیة فیکون تخلفها موجبا للخیار.

و أما فی غیر تلک الموارد فان اشترط فی متن العقد فمع التخلف یثبت الخیار و ان لم یذکر فی العقد فالعقد لازم و غیر مشروط بشیء سواء بناء المتعاملان علیها أم لا،إذ لم تقم قرینة علی الاعتبار مع عدم الذکر کما لا یخفی.

ص:412

لو اختلفا البائع و المشتری فی تغیر أوصاف المبیع

قوله(ره):فرعان:
الأول:لو اختلفا فی التغیر فادعاه المشتری.

أقول:لو وقع البیع علی المشاهدة السابقة فوقع الخلاف بین البائع و المشتری حین القبض و الإقباض فقال البائع قد عاملنا علیها علی هذه الصفة و کنت أنت عالما بها و ادعی المشتری أنها تغیّرت و لم أکن عالما بها مثلا إذا کان المبیع حیوانا فیقول المشتری أنه کان سمینا فیقول البائع أنه کان هزولا و وقع البیع علیه کک مع علم منک علیه.

فهل یقدم قول البائع أو قول المشتری فقد وقع الخلاف فی تقریب أن الأصل مع البائع لیکون منکرا و یکون المشتری مدّعیا أو الأصل مع المشتری لیکون منکرا و البائع مدعیا و قد استدل علی تقدیم قول المشتری،

و دعوی

کون الأصل معه بوجوه کلها مخدوشة کما ذکره المصنف.

الأول:ما ذکره ابن إدریس فی السرائر من أن المشتری هو الذی ینتزع

منه الثمن و لا ینتزل منه الاّ بإقراره أو ببینة تقوم علیه،

انتهی و تبعه العلامة فی أیضا فی صورة الاختلاف فی أوصاف المبیع إذا لم یسبقه برؤیة،حیث تمسک بأصالة براءة المشتری من الثمن فلا یلزمه ما یتقربه أو یثبت بالبینة.

و أجاب عنه المصنف بأن ید المشتری علی الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحیح ید أمانة غایة الأمر أنه یدعی سلطنته علی الفسخ فلا ینفع تشبثه بالید،و یؤید ما ذکره أنه لو أسقط خیاره بالفعل الذی یدعیه کان البیع لازما.

ثم قال الا أن یقال أن وجود الناقل لا یکفی فی سلطنة البائع علی

ص:413

الثمن بناء علی ما ذکره العلامة فی أحکام الخیار من التذکرة و لم ینسب خلافه الاّ الی بعض الشافعیة من عدم وجوب تسلیم الثمن و المثمن فی مدة الخیار و ان تسلم الأخر و ح فالشک فی ثبوت الخیار یوجب الشک فی سلطنة البائع علی أخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه إلا أصالة عدم سبب الخیار لو تم کما سیجیء.

و قد فرق الأستاذ بین الخیارات الزمانی المجعول لذی الخیار إرفاقا و بین غیرها فحکم بتمامیة القول بتقدیم قول المشتری فی مقام الاختلاف فی الأول دون الثانی و حمل کلام العلامة علی الأول،و ذکر أن المصنف و ان أورد علیه بقوله انی لا أجد لهذا الحکم وجها معتمدا و لم أجد من عنونه و تعرض لوجهه الاّ أنه یظهر منه فی خیار المجلس الحکم مفروغا عنه فقال ما حاصله أنه لو قلنا بوجوب التقابض فی عقد الصرف و السلم فثمرة الخیار واضح،و هی عدم وجوب التقابض حیث استظهر من کلامه عدم وجوب التقابض و التسلیم و التسلم فی موارد خیار المجلس فکأنه مسلم فی کل مورد لم یجب التقابض و انما أنکر شیخنا الأستاذ عدم تمامیة المطلب فی المقام لعدم کونه من الخیارات الزمانیة و لذا حمل کلام العلامة علی غیر المقام من خیار المجلس،و ما یکون الخیار بالشرط فی زمان.

و الحاصل أن شیخنا الأستاذ تسلم عدم وجوب التسلیم و التسلم فی زمن الخیار لکن لا فیما نحن فیه،بل فی الخیارات زمانة،و أما فی مثل المقام فحکم بعدم جواز المنع عنهما.

أقول:لو سلّمنا ثبوت الخیار فی معاملة فلا یدلّ ذلک علی جواز منع ذی الخیار عن تسلیم الثمن أو المثمن بل له اعمال الخیار فقط فی فسخ العقد و بعد ما فسخ العقد له المنع عن تسلیم العوض و أما قبل اعمال

ص:414

الخیار فلا یجوز له المنع عن التسلیم،فإنه تصرّف فی مال الغیر بدون اذنه فهو حرام،فما ذکره العلامة(ره)من عدم نسبة الخلاف الاّ الی بعض الشافعیة من عدم وجوب تسلیم الثمن و المثمن فی مدة الخیار لا یمکن تصدیقه.

و کذلک لا وجه لما ادّعاه الأستاذ من التفصیل فإنه مجرّد الدعوی و دعوی التسالم علیه محالة مضافا الی عدم حجیته و کونه مخالفا للقواعد من حرمة التصرف فی مال الغیر إلاّ باذنه.

و العجب منه(ره)حیث استظهر من کلام المصنف اختیاره ذلک من التعبیر بلو بمعنی أنه مع القول بوجوب التقابض فی عقد الصرف و السلم فأثر الخیار واضح أی لکل ذی خیار أن لا یسلم الثمن أو المثمن فیعلم من هذه العبارة أن فی موارد الخیار الزمانی لا یجب التسلیم و التسلم و لذا ذکر المصنف أنه لو قیل بوجوب التقابض فأثر الخیار ظاهر فإنه یهدم الوجوب و یرفعه.

و وجه العجب أن مورد کلام المصنف أجنبی عن المقام فإنه محل للتعبیر بلو فإنه لا تحصل الملکیة قبل التقابض أصلا و لذا حکم المصنف بعدم وجوب التقابض مع الخیار لعدم حصول الملکیة قبل التقابض فأن التقابض مقدّم للملکیة فکیف تحصل الملکیة بدونه و هذا بخلاف المقام فإن الملکیة قد حصلت غایته فلذی الخیار فسخها،و أما الممانعة عن التسلیم فلا،لما عرفت من کونه تصرفا فی مال الغیر فهو حرام علی أن دلیل أخص من المدعی فإنه انما یتم فیما إذا کان الثمن فی ید المشتری و أما إذا کان دینا فی ذمة البائع فسقط بالمعاملة أو عینا مستأجرة أو عاریة فی یده أو مغصوبة،فإنه فی هذه الصور لیس للمشتری ید علی الثمن حتی یقال أنه لا ینتزع منه الاّ بالبینة

ص:415

أو بالإقرار و قد تقدم أیضا عدم بطلان العقد بتخلف الوصف سواء کان العقد مشروطا به أو المبیع مقیدا به،بل غایة الأمر یثبت الخیار للمشروط له فلا وجه علی کل حال لبطلان العقد.

الوجه الثانی:أن البائع یدعی علمه بالمبیع علی هذه الوصف الموجود

و الرضا به و الأصل عدمه

و قد استدل بهذا العلامة فی التذکرة و أشکل علیه المصنف أولا بإمکان قلب الدعوی بأن یجعل المشتری مدّعیا و البائع منکرا بدعوی أن الأصل عدم علم المشتری بالوصف الآخر کما إذا فرضنا أن البائع یقول بعتک هذا الحیوان بهذا الوصف الهزال مع علمک به و المشتری یقول اشتریت منک هذا مع وصف السمن فحیث انه یدعی وصف السمن فیکون مدّعیا و الأخر یکون منکرا أی البائع.

و ثانیا:أن علم المشتری بوصف الهزال أو وصف السمن مسبب عن وجود هذا الوصف فیه،و عدمه فیه سابقا،فإذا نفینا وجود الوصف بالأصل فلا تصل النوبة إلی أصالة عدم علم المشتری أو البائع بشیء من تلک الأوصاف و قد ناقش شیخنا الأستاذ فی الجواب الثانی،و لکن تسلم الجواب الأول.

و الظاهر أن کل ذلک خارج عن المقام فان ما هو المقصود فی المقام هو اشتراط العقد بشیء و عدم اشتراطه به،و کک تقید المبیع و عدم تقیده فإجراء أصالة عدم علم کل من المشتری أو البائع بوصف الهزال أو السمن خارج عن حدود المقام فلا یقیدنا بوجه الاّ علی القول بالأصل المثبت فان لازم عدم علم المشتری بوصف الهزال هو کون العقد مقیدا بوصف السمن مثلا و کذلک لازم عدم علم البائع بوصف السمن کون وصف الهزال قیدا للمبیع و شرطا للعقد و الحاصل أن العلم بالوصف و عدمه إیاه خارج عن المقام أصلا.

ص:416

و أما دعوی السببیة و المسببیة فهو أعجب من ذلک فإنه لا یفیدنا مجرّد السببیّة و المسببیة فی جریان أصلیهما و لا یمکن رفع موضوع الأصل المسببی بالأصل السببی بمجرد صدق الاسم،بل لا بدّ من کون الأثر شرعیا،أی ارتفاع المسببی أثرا شرعیا للأصل السببی ففی المقام أن عدم العلم بالوصف لیس من آثار عدم وجود الوصف شرطا الاّ باللوازم العقلیة کما هو واضح فلا مرتفع لمنع الأصل المسببی بالسببی،نعم إذا کان الأثر مترتبا علی العلم فیصح ذلک کما هو کک فی مورد خیار العیب حیث ان الخیار انما یثبت مع العلم بالعیب فمع نفی العلم بالعیب یرتفع الخیار و أما فی المقام فالأثر مترتب علی اشتراط العقد و تقییده فأصالة عدم علم أحدهما بالوصف لا یترتب علیه أثر الا علی القول بالأصل المثبت.

و بالجملة أن ما افاده من الأول إلی الأخر لا یمکن المساعدة علیه.

الوجه الثالث:أن الأصل عدم وصول حق المشتری إلیه کما استدل

به المحقق الثانی.

و قد أجاب عنه المصنف بان حق المشتری من نفس العین قد وصل الیه قطعا و لذا یجوز له إمضاء العقد و ثبوت حق له من حیث الوصف المفقود غیر ثابت فعلیه الإثبات و المرجع أصالة لزوم العقد،ثم قال و لأجل ما ذکرنا قوی بعض تقدیم قول البائع.

و قد أجاب المصنف عن أصل مسألة الاختلاف بما حاصله أن بناء المتعاقدین حین العقد علی الأوصاف الملحوظة حین المشاهدة هل هو (أی البناء)کاشتراط تلک الأوصاف فی العقد بحیث تکون کالشروط المضمرة فی نفس المتعاقدین أو أن تلک الأوصاف مأخوذة فی نفس المعقود علیه بأن یکون المبیع مقیدا و لذا لا یجوز إلغائها فی المعقود علیه کما یجوز إلغاء غیرها من الشروط فی العقد.

ص:417

فعلی الأول:یرجع النزاع فی تقید المبیع بالوصف و عدم تقیده به الی النزاع فی اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود حین التسلیم و المرافعة علی البائع و عدم اشتراطه علیه و اذن فالأصل مع البائع لأصالة عدم الاشتراط.

و علی الثانی:فیرجع النزاع الی وقوع العقد علی ما ینطبق علی الشیء الموجود حتی یلزم الوفاء و عدمه و الأصل عدمه،و لکن الظاهر هو الثانی فإن المراد من لحاظ الوصف فی المبیع هو إیقاع العقد علی العین الملحوظ کونه متصفا بهذا الوصف و لیس هنا عقد علی العین و التزام بکونه متصفا بذلک الوصف بحیث یکون هنا التزام آخر غیر الالتزام العقدی،بل هو قید ملحوظ فی المعقود علیه نظیر الاجزاء المأخوذة فی المبیع،و اذن فالأصل مع البائع کما ذکرناه.

ثم أورد علی نفسه بأن أصالة عدم وقوع العقد علی ما یدعیه المشتری معارضة بأصالة عدم وقوع العقد علی الشیء الموصوف بالصفة المفقودة فلا یکون أثر للأصل فی طرف البائع.

و أجاب عنه بأنه لا یلزم من عدم تعلقه بذلک تعلقه بهذا و قد تقرر فی الأصول أن إثبات أحد الضدین بنفی الضد الأخر من الأصول المثبتة.

و بالجملة أن مرجع النزاع الی رجوع الموصف الی الاشتراط لیکون النزاع فی مفاد لیس أو کان الناقصین أو الی التقیید لیکون النزاع فی مفاد لبس أو کان التأمین.

و تحقیق الکلام یقع فی جهتین الأولی:من حیث الکبری من انه یقدم قول البائع فی صورة الاختلاف فیما وقع علیه العقد أو یقدم قول المشتری، الثانیة:من حیث الصغری و هو أن المقام من قبیل التقیید أو الاشتراط.

أما الجهة الاولی:فلا شبهة أن کل من یدعی الاشتراط فبأصالة عدم

ص:418

فبأصالة عدم الاشتراط ننفیه فیکون الأصل مع الأخر لأن الأصل عدم تقیّد العقد بشرط و علی هذا فلو ادعی کل منهما الاشتراط فیجری الأصل فی کلا الطرفین،فیکون المورد من قبیل التداعی و لا یفرق فی ذلک بین أن یدعی کل منهما الاشتراط مع الاعتراف بجامع واحد أم لا،مثلا إذا باع أحد حیوانا من شخص ثم اختلفا،فقال البائع انه کان مهزولا و قال المشتری أنه کان سمینا فإن الأصل یجری فی کل منهما فیکون المورد من قبیل التداعی.

و کذلک إذا ادعی البائع المبیع ثوب و ادعی المشتری أنه حیوان،أو ادعی البائع أن المبیع عبد و ادعی المشتری أنه جاریة فإن الأصل فی ذلک کله عدم وقوع البیع بکل منهما فیکون من قبیل التداعی هذا کله إذا کان یدعی کل منهما الاشتراط.

و بالجملة ان کل من یدعی شرطا علی الأخر من المتبایعین،فالأصل عدمه کما ذکره المصنف،فان کان المدعی أحدهما فقط فیکون الأصل مع الأخر و ان کان کلیهما مدّعیا اما مع الاتفاق علی المبیع أو مع الاختلاف فیه،فالمورد هو مورد التداعی کما لا یخفی.

و أما إذا کان أحدهما یدعی الإطلاق و الأخر یدعی التقیید بان یدعی البائع کون المبیع حنطة کلیة و یدعی المشتری کونه من حنطة المزرعة الفلانیة فالظاهر هنا أیضا هو تعارض الأصول حتی بناء علی جریان العدم الأزلی فی ناحیة المقید و تحقیق ذلک أنک قد عرفت فی علم الأصول فی مبحث التعبدی و التوصلی و غیره أن الإهمال فی الواقع مستحیل فلا بدّ و ان یکون الملحوظ اما مطلقا أو مقیدا،و علی کل تقدیر فکل منهما أمر وجودی فی مقام الثبوت و محتاج الی اللحاظ و ان الإطلاق فی مقام الإثبات أمرا عدمیّا و هو عدم التقیید و علی هذا فیکون الأصل فی کل من الإطلاق و

ص:419

التقیید جاریا و نافیا له فیقال انّ العقد حین ما وجد فالأصل عدم وجوده مطلقا و کذا أن الأصل عدم وجوده مقیّدا فیکون المورد أیضا من قبیل التداعی اما لاستصحاب العدم المحمولی فواضح،فیقال الأصل عدم اتصاف العقد بالإطلاق،و کذلک فی الأخر أن الأصل عدم اتصافه بالتقیید فیتعارضان،و أما استصحاب العدم الأزلی النعتی فکک فإنه یقال الأصل عدم الوجود العقد حینما وجد مطلقا و کذلک فی طرف التقیید أن الأصل عدم الوجود العقد حینما وجد مقیدا فیقع التعارض بینهما کما هو واضح.

و إذا فیحکم بالانفساخ.

و أما الکلام من حیث الصغری فنقول قد تقدم الکلام فی ذلک أن القیود إنما تجری فی مورد یکون المقید قابلا للتقید و التضییق و علیه فمحط القیود بأجمعها هو الأمور الکلیة القابلة للتضییق بحیث کلما قیّدت زادت تضییقا و کلما برئت من القیود زادت توسعة و أما الأمور الجزئیة فلیست قابلة للتضییق أصلا،إلاّ باعتبار الحالات کأن یقول ان کان هذا زیدا فأکرمه فان التشخص الخارجی و الوجود فیه آخر مرتبة من التضییق و التقیید فلا مرتبة له فوقه و علیه فکلما ذکر من القیود للمبیع الشخصی فلا بدّ من إرجاعها إلی الشروط و قد تقدم قبیل هذا أن لحاظ الأوصاف و الشروط بذاتها مع قطع النظر عن أن تکون ربطا بین الشرط و المشروط لا معنی له،فلا معنی لکون الشرط هو لحاظ القید فقط و إرجاعها إلی المبیع لا معنی له لما عرفت من عدم قابلیة الأمور الجزئیة للتقیید و إرجاعه إلی نفس البیع بحیث یبیع علی تقدیر کونه من حنطة المزرعة الفلانیة و الاّ فلا یبیع فهو باطل إجماعا لقیامه علی بطلان التعلیق فی العقود.

فلم یبق الاّ الاشتراط أی کون الالتزام العقدی مشروطا بالتزام آخر و

ص:420

مربوطا به کما هو معنی الشرط فتحصّل أن مقتضی القاعدة هو الاشتراط، دون التقیید.

و بالجملة أن فائدة التقیید فی الأمور الکلیة ظاهرة و هی تضییق دائرة الکلی و إسقاطه عن التوسعة و أما فی الأمور الجزئیة فلا معنی للتقیید بوجه و اذن فاما یرجع القید الی الصور النوعیة فهو تعلیق البیع علی وجود المبیع فلا اشکال فیه لما عرفت أن التعلیق بأصل وجود المبیع لا محذور فیه.

و أما أن یرجع الی المبیع علی نحو التضییق الدائرة فقد عرفت أنه لا معنی له.

و أما أن یرجع الی البیع و تعلیقه علی الشرط و هو تعلیق باطل و اما أن یکون بنفسه ملحوظ فلا معنی لما عرفت أنه لا معنی لکون الاشتراط بمعنی لحاظ الشرط فلا مناص من إرجاعه إلی الاشتراط خلافا لجمیع الاعلام حیث أرجعوا الوصف الی التقیید دون الاشتراط.

و کان الکلام فی العین الشخصی إذا وقعت المعاملة علیها ثمّ اختلف البائع و المشتری فی تغیرها و عدم تغیرها و قلنا أنه لا معنی لکون اعتبار الوصف فی المبیع بمعنی الالتزام بذات الوصف فإنه أمر غیر اختیاری للبائع بأن یبیع العبد ملتزما بکونه کاتبا و خیاطا و نجارا أو باع الحنطة و التزم بأنه من المزرعة الفلانیة و هکذا و علی هذا فیدور الأمر فی اعتبار الوصف فی المبیع بین تعلیق البیع به أو تعلیق الخیار به و اما تعلیق البیع به فتارة یکون راجعا الی التعلیق بالصور النوعیة فهذا لا محذور فیه فان مرجعه الی التعلیق بأصل وجود المبیع فهو خارج عن معقد الإجماع القائم علی بطلان التعلیق فی العقود و أخری یکون من قبیل التعلیق

ص:421

بالأوصاف الخارجیة کأن باع إذا کان المبیع متصفا بوصف کذا بان یکون کاتبا أو کانت الحنطة من المزرعة الفلانیة و نحو ذلک فهذا لا إشکال فی بطلانه لکونه من التعلیق الذی کان باطلا بالإجماع.

فلم یبق فی البین الاّ تعلیق الخیار علی الوصف الذی اعتبر فی المبیع بان باع العین و التزم بالالتزام العقدی مشروطا بکون الثمن کذا أو اشتری المشتری العبد و التزم بالالتزام العقدی مشروطا بکونه کاتبا أو من الأرز الفلانی أو بکون الحنطة المزرعة الفلانیة و نحو ذلک.

فاتضح من ذلک أن مرجع اعتبار الوصف فی المبیع الی الاشتراط و علیه فإذا شک فی اشتراط وصف أو شرط فی العقد فمرجع النزاع الی اشتراط الخیار فیه،فالأصل عدمه و علی هذا فلو ادعی المشتری کون العین المبیعة متغیرة و غیر باقیة علی ما شوهد علیه و أنکره البائع فمرجعه إلی أنه هل جعل للمشتری خیار فی هذا العقد أم لا،فالأصل عدمه و اذن فالأصل مع البائع و من هنا ظهر أنه لا اشکال للتمسک بأصالة اللزوم ای استصحاب بقاء کل من الثمن و المثمن علی ملک صاحبه و عدم کون العقد خیاریا لا أصالة اللزوم المستفاد من العمومات فإنه من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لأنا نشک فی دخول المورد الذی نشک فی کونه خیاریا أم لا، داخلا تحت العمومات الدالة علی اللزوم أو أدلة خیار الشرط،فإثبات اللزوم بالعمومات تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

فلا مجال بعد ما نقحناه لما أفاده المصنف(ره)من حکومة أصالة عدم وصول حق المشتری علیه علی أصالة اللزوم و تطویل الکلام فی ذلک و فی عدم صحة التمسک بأصالة اللزوم نقضا.

قوله:و لو ادعی البائع الزیادة الموجبة لخیار البائع.

ص:422

فمقتضی ما ذکرنا فی طرف المشتری تقدیم قول البائع لأن الأصل عدم وقوع العقد علی هذا الموجود حتی یجب علیه الوفاء به.

أقول:هذا هو عکس ما تقدم الکلام فیه و توضیح ذلک أنه لو ادعی البائع أن العین صارت بعد المشاهدة سمینة و أنکره المشتری و قال انها کانت سمینة من الأول فقد ظهر من جمیع ما تلوناه علیک أن القول قول البائع فإن مرجع دعوی کون العین متغیرة من حالة الهزالة بعد المشاهدة و ضرورتها سمینة إلی دعوی ثبوت الخیار للبائع،فالأصل عدمه و أن العقد غیر خیاری أو أن الأصل بقاء العین علی الوصف السابق فلا یفرق فی ترتب ما نریده من الأثر بین استصحاب بقاء العین علی الوصف الذی شوهد و بین الاستصحاب عدم السمن کما تقدم فی عکسه،و علیه فالمرجع إلی أصالة اللزوم أی قاعدة اللزوم المتقدمة لا الرجوع الی العمومات الدالة علی اللزوم فإنه من التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.

و من هنا ظهر أن ما ذکره المصنف هنا أیضا لا یتم.

قوله(ره):الثانی لو اتفقا علی التغیر بعد المشاهدة و وقوع العقد

علی الوصف المشاهد

و اختلفا فی تقدم التغیر علی المبیع لیثبت الخیار و تأخره عنه علی وجه لا یوجب الخیار تعارض کلّ من أصالة عدم تقدم البیع و التغیر.

أقول:کان الکلام فی المسألة السابقة فی اختلاف البائع و المشتری فی أصل التغیر و فی هذه المسألة کلامنا فی اختلافهما فی کونه بعد البیع أو تسالمهما علی أصل التغیّر.

فنقول:إذا اختلفا البائع و المشتری فی ذلک فقال المشتری أن العین صارت مهزولة بعد المشاهدة و قبل البیع فلی الخیار فی فسخ العقد لتخلف

ص:423

الوصف لحصول التغیر فی ملک البائع و قال البائع انّ الفرس الذی هو مبیع و ان صار مهزولا الاّ أن الهزال قد حصل بعد البیع فلیس لک للمشتری الخیار،سیأتی الکلام فی باب الخیارات إنشاء اللّه تعالی أن تخلف الأوصاف و تغیرها قبل القبض هل تحسب علی البائع لعموم قاعدة التلف قبل القبض من مال البائع بحیث یقال ان الأوصاف أیضا ملک للبائع بتبع العین فإذا تلف کان علی البائع أو أن تلف الأوصاف تابع للملک و من الواضح أن العین ملک للمشتری فتلف الأوصاف یحسب علیه غایة الأمر أن تلف العین یحسب علی البائع قبل القبض لورود النص علیه.

و بعبارة أخری ان کان التلف قبل القبض من مال البائع حکما ثابتا علی خلاف القاعدة بالنص فلا بد من الاقتصار علی مورده فلا یتعدّی الی تلف الأوصاف،و ان کان علی طبق القاعدة فیکون تلف الأوصاف أیضا علی البائع فکیف کان فسیأتی تفصیل ذلک فی باب الخیارات.

فعلی القول بتسریة القاعدة إلی تلف الأوصاف فلا ثمرة للنزاع فی أن التغیّر حصل قبل القبض أو بعده و علی القول بعدم التسریة کما هو الحق لعدم المقتضی للتسریة فلا بد من النزاع فی ان التغیر حصل قبل العقد أو بعده و کیف کان فذکر المصنف(ره)أن هنا أصلان حادثان أحدهما وقوع البیع و الثانی حصول الهزال،و لکن لا یعلم السابق منهما و لم یعلم تاریخ الحادثان أن أیّا منهما مقدم و أن أیّا منهما متأخر،فحیث أن مرجع الأصلین إلی أصالة عدم وقوع البیع حال السمن مثلا و أصالة بقاء السمن و عدم وجود الهزال حال البیع،و الظاهر أنه لا یترتب علی شیء منهما الحکم بالجواز و اللزوم لأن اللزوم من أحکام وصول ما عقد علیه و انتقاله إلی المشتری و أصالة بقاء السمن لا یثبت وصول السمین کما أن أصالة عدم

ص:424

وقوع البیع حال السمن لا ینفیه فالمرجع إلی أصالة عدم وصول حق المشتری إلیه کما فی المسألة السابقة فلا فرق بین المسألتین من حیث النتیجة.

نعم الفرق بینهما هو أن الشک فی وصول الحق هناک ناش عن الشک فی نفس الحق و هنا ناش عن الشک فی وصول الحق المعلوم.

و بعبارة أخری الشک هناک فی حقه الواصل و هنا فی وصول حقه، فمقتضی الأصل فی المقامین عدم اللزوم و عدم وصول حق المشتری الیه و من هنا ظهر الحال لو کان مدعی الخیار هو البائع.

أقول:لا حق للمشتری غیر ذات المبیع الذی وصل الیه حتی نشک فی وصوله الیه فتمسک بأصالة عدم وصوله الیه فیکون حاکما علی أصالة اللزوم،و علیه فدعوی المشتری کون العین مهزولة بعد المشاهدة و قبل البیع أو قبل القبض یرجع الی دعوی الخیار لنفسه فی العقد لکون العین مهزولة فالأصل عدمه و أن العقد لیس بمشروط بشیء و اذن فأصالة اللزوم محکمة أی بمعنی استصحاب بقاء الثمن فی ملک البائع و بقاء المثمن فی ملک المشتری و کون لازما و عدم ثبوت الخیار فیه المسمی بقاعدة اللزوم لا أن المراد منها هو التمسک بالعمومات الدالة علی اللزوم لکون الشبهة مصداقیة.

و من هنا ظهر حکم ما لو انعکس الأمر بأن ادعی البائع الخیار علی نفسه بأن ادعی کون العین مهزولة حین المشاهدة و سمینة بعدها و قبل البیع فله الخیار و من هنا ظهر أیضا أن الأصل عدم الخیار للبائع و عدم کون العقد مشروطا بشرط فتکون أصالة اللزوم محکمة کما لا یخفی.

لو اختلفا فی تقدم التلف علی البیع و تأخره عنه

قوله:و لو وجد المبیع تالفا بعد القبض فیما یکفی فی قبضه التخلیة.

أقول:إذا اختلف البائع و المشتری فی العین المشاهدة بعد التلف فقال البائع أنها تلفت بعد القبض و قال المشتری أنها تلفت قبل القبض

ص:425

فالتلف علیک لان التلف قبل القبض من مال البائع فحکم المصنف بأن الأصل بقاء ملک المشتری علی الثمن لأصالة عدم تأثیر البیع.

أقول:و لم یتعرض المصنف بالاستصحابات الموضوعیة أنها تجری أو لا تجری و مع الجریان أنها معارضة أم لیست بمعارضة،بل اقتصر علی الاستصحاب الحکمی.

و لکن شیخنا الأستاذ حکم بأن الأصول الموضوعیة الجاریة لکل واحد من المتبایعین مع کونها مثبتة معارضة بالمثل فی مجهولی التاریخ و الجاری لأحدهما فیما إذا کان أحد الحالتین بالخصوص مجهولة مثبت فیشک فی تأثیر البیع فتصل النوبة الی الأصل الحکمی و هو بقاء الثمن فی ملک المشتری أقول:تحقیق الکلام فی موردین:- الأول:فیما تحقق القبض فی الخارج أو ما فی حکم قبضه کقبض الوکیل قبل البیع کأن یعیر البائع ثوبا من المشتری و جعله أمانة عنده أو کان ثوب مستأجرا له ثم باعه منه و وجداه تالفا فاختلفا فی تقدم التلف علی البیع و کون البیع باطلا لانه وقع علی الشیء المعدوم و قال البائع أن التلف بعد البیع فی غیر زمن الخیار فوقع البیع حین وجوده علی الشیء الموجود.

الثانی:ما لم یتحقق قبض فی الخارج أو فی حکم قبض المشتری کقبض وکیله و لکن تحقق التخلیة بین البائع و بین العین فیما یکفی فی قبضه التخلیة کتسلیم مفتاح الدار و إلقاء عنان الفرس إلی المشتری بحیث لم یکن مانع من أخذ المشتری و تسلطه علی المبیع ثم اختلف البائع و المشتری فقال البائع أنها تلفت بعد البیع،و قال المشتری أنها تلفت قبل البیع.

أما الکلام فی المقام الأول:فالحق فیه ما ذکره المصنف(ره)من التمسک بالاستصحاب الحکمی و بیان ذلک أنه لا مانع من جریان استصحاب بقاء

ص:426

المبیع الی زمان البیع فالحکم بوقوعه علی المبیع الموجود و الحکم بصحة البیع لأنه کسائر الموضوعات المرکبة التی ثبت أحد جزئها بالأصل،و الأخر بالوجدان،فان البیع هنا فی زمان الوجدان کما هو المفروض لاتفاقهما علیه و الجزء الأخر أعنی وقوع البیع علی الشیء الموجود محرز بالأصل فیحکم بصحة البیع و یلزم المشتری بإعطاء الثمن و نظیر ذلک ما إذا شک فی بقاء العبد و موته فإنه لو عتقه یصح عتقه و یکفی عن الکفارات فان بقائه إلی زمان العتق محرز بالأصل و العتق محرز بالوجدان و هکذا و هکذا و لکنه معارض بأصل آخر و هو أصالة عدم وقوع البیع علی المبیع الموجود الی زمان التلف فهذا الأصل و ان لم یثبت وقوع البیع علی المبیع المعدوم الاّ علی القول بالأصل المثبت و لکن هذا المقدار یکفی فی ترتب الأثر و هو عدم تحقق البیع علی الموجود.

و اذن تصل النوبة الی الأصل الحکمی و هو استصحاب بقاء الثمن فی ملک المشتری و عدم تحقق ما یخرجه عن ملکه کما هو واضح.

ثم ان تصل النوبة إلی الاستصحاب الحکمی إذا قلنا بعدم جریانه فی مجهولی التاریخ علی الخلاف بیننا و بین صاحب الکفایة و کذلک إذا قلنا بجریانه فیهما معا فیما إذا کان التاریخ أحدهما معلوما و الأخر مجهولا و لکن یسقطان بالمعارضة کما اختارناه فی علم الأصول و قلنا ان الاستصحاب یجری فی کل من معلومی التاریخ و مجهوله معا و لکن یسقطان بالمعارضة.

و أما علی مسلک الشیخ و الأستاذ من التفصیل بین معلومی التاریخ و اختصاص جریانه بالمجهول فقط دون المعلوم فلا یقع التعارض و لا یسقطان بالمعارضة لأنه فرع جریانهما معا و علی الاجمال فلا بدّ لهما من التفصیل فی المقام کما هو مبناهما فی الأصول.

ص:427

و أما المقام الثانی فهو ما تحققت التخلیة فی الخارج فیما یکفی فی قبضه التخلیة کتسلم مفتاح الدار أو البستان و إلقاء عنان الفرس أو الثوب إلی المشتری و تلفت العین ثم اختلفا فی کون التلف قبل البیع أو بعده ففی المقام علی جمیع التقابر من جریان الاستصحاب فی مجهولی التاریخ و عدم جریانه کما هو محل الخلاف بیننا و بین صاحب الکفلیة و من جریانه فی ما إذا کان أحدهما معلوما و الأخر مجهولا و سقوط الأصلین بالمعارضة کما علیه المبنی أو قلنا بعدم جریانه فی معلوم التاریخ و جریانه فی مجهول التاریخ کما هو مذهب المصنف و شیخنا الأستاذ فی مبحث الأصول فلا یترتب علی شیء منها أثر بحیث یحکم بصحة البیع علی المشتری و یلزم المشتری علی إعطاء الثمن.

و الوجه فی ذلک کله أن غایة ما یترتب علی جریان الأصل هو صحة العقد و البیع و هو لا یفید الاّ مع تحقق القبض فالأصل عدمه.

و بعبارة أخری ففی هنا أمور ثلاثة التلف و البیع و القبض و إذا أثبتنا وقوع البیع علی المبیع قبل التلف علی الترتیب المتقدم من إثبات عدم التلف الی زمان البیع بالأصل و وقوع البیع علیه بالوجدان و لکن لا یکفی ذلک بدون تحقق القبض فإن أصالة عدم تحققه محکمة کما هو واضح.

و حاصل الکلام أنک عرفت ان الکلام یقع فی مقامین:الأول:مع تحقق التخلیة من البائع فیما یکفی قبضه التخلیة،و قلنا ان المرجع فیه أصالة عدم تحقق القبض و بقاء مال المشتری فی ملکه فلا یترتب أثر علی استصحاب بقاء المبیع الی زمان البیع و إثباته فی الخارج بالأصل و الوجدان،فان تحقق البیع لا یثبت تحقق القبض الا علی القول بالأصول المثبتة علی ان تحقق البیع أیضا مشکوک فان المتحقق بالوجدان هو تحقق الإنشاء کما سیأتی.

ص:428

و أما الجهة الثانیة:فقلنا ان الأصول بناء علی جریانه فی مجهولی التاریخ و فیما إذا کان تاریخ أحدهما معلوما و تاریخ الأخر مجهولا، معارضة فتصل النوبة إلی أصالة بقاء مال المشتری فی ملکه کما ذکره المصنف (ره)و ذکرنا أیضا ان جریان الأصل فی کل من معلوم التاریخ و مجهوله موقوف علی النزاع فی الأصل یجری فیهما معا کما اخترناه فی محله أو فی مجهول التاریخ فقط کما اختاره شیخنا الأنصاری فعلی ما اخترناه تصل النوبة الی الأصل الحکمی من أصالة بقاء الثمن فی ملک المشتری و علی مسلک المصنف فلا بد من التفصیل فان کان البیع معلوم التاریخ و التلف مجهول التاریخ،فنستصحب عدم التلف الی زمان البیع فنحکم بالصحة کما تقدم و علی تقدیر کون التلف معلوم التاریخ فالبیع مجهول التاریخ فنحکم بجریان الاستصحاب فی البیع فنقول الأصل عدم وقوع البیع الی زمان التلف فینتج البطلان،فلا یمکن الحکم بکون الأصل بقاء مال المشتری فی ملکه.

هذا و لکن نقول الیوم خلافه و أن الاستصحاب لا یجری مطلقا،فان جواز البیع و عدم جوازه أی إمضائه و عدمه من الأحکام الشرعیة فلا ربط له بوقوعها فی الخارج بفعل المتبایعین.

و أما أصل وقوع البیع فمفهوم البیع أعنی اعتبار ملکیة کل من العوضین لکل من المتبایعین و إظهاره بمبرز فی الخارج بحیث یری العرف و العقلاء بیعا فی اعتبارهم أمر وجودی محقق بوجوده الاعتباری و الإنشاء علی انفراده لیس بیعا و انما هو مظهر للبیع و مبرز له و مخبر عن الاعتبار النفسانی و من الواضح أن العقلاء انما یعتبرون البیع فیما إذا کان للمبیع وجود خارجی أو کلیّا بحیث اعتبر العقلاء ملکیته و صحة وقوع البیع علیه فی اعتبارهم و مع عدمه فلا یتحقق مفهوم البیع أصلا فإنه لا معنی لبیع المعدوم.

ص:429

و بعبارة أخری أن وجود المبیع دخیل فتحقق البیع فی اعتبار العقلاء فمع العلم بعدم البیع لا یقع علیه البیع فإنه من قبیل المعدوم فلا یعتبرون البیع الواقع علی المعدوم بیعا فی نظرهم و ما اعتبره البیع فی نفسه و أظهر بالمظهر الخارجی لغو محض فإنه صورة اعتبار البیع لا أنه بیع حقیقة فأنا و ان قلنا أن البیع متقوم بأمرین أحدهما الاعتبار النفسانی و الثانی إظهاره بمظهر خارجی و لکن ذلک انما یتحقق مع وفق الاعتبار لما فی الخارج و وجود المطابق له فی الخارج،و علی هذا فلو شککنا فی تحقق البیع من جهة الشک فی وجود المبیع حین البیع فالأصل عدمه.

و تحقق الإنشاء و ان کان مسلّما و لکنه لیس ببیع و ح فالحکم هو أصالة بقاء الثمن فی ملک المشتری کما أفاد المصنف(ره)و من هنا ظهر الحکم فی سائر العقود و الإیقاعات فإذا شک فی موت العبد و بقائه و أعتقه فلا یصح تصحیح العتق باستصحاب بقاء العبد الی زمان العتق و وقوع العتق علیه فان ما تحقق قطعا هو الإنشاء و أما حقیقة العتق فهو مشکوک،فإنه یعتبر فیه وجود المعتق و هو مشکوک فلعل العتق وقع علی المعدوم،فلا یعتبرونه العقلاء عتقا فالأصل عدم تحققه فلا یکفی من الکفارات و النذر و العهد و هکذا الحال فی سائر العقود و الإیقاعات و لو شک بعد الطلاق فی بقاء الزوجیة أو بعد الإجارة فی بقاء الدار فلا یمکن تصحیح ذلک بأصالة الصحة لاحتمال مجرد الصدق الواقعیة و قد یقال بصحة البیع تمسکا بأصالة الصحة للشک فی بعض شروط و هو وجود المبیع و انما مورد أصالة الصحة هو ذلک.

و یرد علیه وجوه:الأول:أن أصالة الصحة لیست إلا هی قاعدة الفراغ غایة الأمر أن قاعدة الفراغ تجری فی فعل شخص الإنسان و أصالة الصحة

ص:430

تجری فی فعل الغیر و ذکرنا فی قاعدة الفراغ أنها انما تجری فی موارد تکون صورة العمل محفوظة کما عبر بذلک شیخنا الأستاذ و أما فیما لم تکن صورة العمل محفوظة فلا مورد لقاعدة الفراغ و کذلک لا مورد لقاعدة أصالة الصحة مثلا إذ شک المتوضی بعد وضوئه أن ما کان یتوضأ به کان ماء أو شیئا آخر من المائعات التی لا یجوز التوضی بها فإنه لا تجری فیها قاعدة الفراغ لعدم الحفاظ صورة العمل و انما تحمل مجرد الصدفة الواقعیة فقط نعم مورد قاعدة الفراغ ما إذا کان هنا مائان و توضأ من أحدهما کان أحدهما مما یجوز التوضی به و الأخر لا یجوز ثم شک فی أنه کان من الذی یجوز التوضی به أو من الذی لا یجوز فبقاعدة الفراغ یحکم بالصحة و یکون التوضی من الذی یجوز التوضی به و کذلک فی قاعدة الصحة إذا شککنا فی ما فعله المتبایعان هو حقیقة بیع أو صورة بیع فإنه لا یمکن بأصالة الصحة إثبات کون الواقع بیعا حقیقة بمجرد احتمال الصدفة الواقعیة و کذلک فیما إذا احتملنا أنه قال أنت طالق و لکن نحتمل أنه قاله لزوجته أو لأجنبیة فلا یمکن حمله علی الطلاق الصحیح بأصالة الصحة.

نعم إذا أحرز أنه طلق زوجته و أحرزنا صورة العمل أی الطلاق بالزوجة و لکنه نشک فی صحته و فساده فنحمل علی الصحة و کذلک إذا رأینا أن أحدا قام علی میت فلا ندری أنه یصلی أو لا،فلا یمکن حمل فعله علی الصحة بمجرد احتمال الصدفة الواقعیة.

نعم إذا حفظنا صورة العمل و عملنا أنه یصلی علی المیت و شککنا فی صحته و فساده من جهة أخری فنجری أصالة الصحة و هکذا فی فجمیع العقود و الإیقاعات و العبادات کفائیة أو عینیّة.

و ثانیا:أنه مع قطع النظر عن الإشکال الأول أن أصالة الصحة مشروطة

ص:431

بکون الشرط الذی نشک علی کل تقدیر مقدورا للمکلف فلو کان علی تقدیر مقدورا له و علی تقدیر غیر مقدور فلا نجری فیه أصالة الصحة مع کون الشرط شرطا علی کل تقدیر و لزم من انعدامه بطلان العمل مثلا ففی المقام أن وجود المبیع دخیل فی صحة البیع لبطلان العقد بدونه علی کل تقدیر، فوقوع البیع علیه غیر مقدور علی المکلف و علی تقدیر وجوده فوقوع البیع علیه مقدور و مع عدمه فغیر مقدور فلا نجری قاعدة أصالة الصحة فی مثل ذلک و من هذا القبیل ما لو باع لا یعلم أنه ماله أو لا مع عدم کونه تحت یده و کذا بیع من نشک فی بلوغه و عدمه و هکذا الأمر فی قاعدة الفراغ و قد خالف شیخنا الأنصاری فی هذا الشرط فی قاعدة الفراغ.

و ثالثا:ما ذکره المصنف مع الغض عن الإشکالین الأولین من وجود الجامع بین الصحیح و الفاسد بحیث ینطبق علیهما،و أما إذا لم یکن هنا جامع بینهما لکون الفاسد غیر معقول کما فی المقام فان المعدوم محال فلا یمکن حمل فعل المسلم علی الصحة بوجه.

الکلام فی بیع ما لا یفسده الاختبار

بقی هنا فرعان قد تعرض لهما الأصحاب، أحدهما اعتبار الاختیار فیما لا یفسده الاختبار،فهل یشترط فیه الاختبار کما ذکره بعضهم أو یعتبر فیه اشتراط الصحة کما ذکره آخر أو یعتبر فیه البراءة من العیوب کما ذکره ثالث أو الأخیرین معا کما ذکره رابع أو یکفی التوصیف کما ذکره بعضهم أو مع الانضباط کما ذکره آخر وجوه، بل أقوال فی المسألة کما یظهر من مطاوی کلمات الأصحاب التی نقل جملة منها المصنف(ره)فلاحظها.

ص:432

و لا یهمنا التعرض بکلمات الأصحاب و بیان مرادهم کما تعرضها المصنف بعد ما لم یکن إجماع فی البین کما یظهر لمن یلاحظها و لم یرد فی المقام نص حتی یلاحظه فلا بدّ من التکلم هنا علی مقتضی القاعدة بل التحقیق أن یقال أن الأوصاف التی تختبر علی أقسام،فإنها قد تکون من أوصاف الصحة الدخیلة فی صحة البیع فتارة تکون الأشیاء المتصفة بها مما لا یفسده الاختبار و أخری مما یفسده الاختبار،أما الأول کالعطور و بعض أقسام الفواکه من العنب و التین و نحوهما بمقدار یسر منها غیر مفسد قطعا فنقول أن المانع من صحة البیع مع الجهل بأوصاف المبیع من الأوصاف الصحة کالطعم و الرائحة فیما یقصد منه طعمه أو ریحه من العطور و الفواکه لیس الاّ الغرر الثابت بحدیث نفی الغرر بناء علی تمامیته أو الإجماع المنعقد علی اعتبار العلم بالعوضین بناء علی تمامیته أیضا و حجیته،فلا شبهة أن المناط فی صحة البیع فی جمیع الموارد هو ارتفاع وصف الغرر فان البیع الغرری باطل فلا بد من ملاحظة ما یوجب ارتفاع الغرر من غیر تخصیص بشرط خاص من الاشتراط أو الاختبار أو البراءة من العیوب.

و علیه فیرتفع الغرر بأمور،الأول:الاختبار بما لا یفسده الاختبار، فیما یستخیر حال المبیع به کاستشمام العطور و ذوق الفواکه التی لا تفسد بالاختبار کأکل حبة من العنب و نحوه أو استشمام بعض أقسامها فإن ذلک یرفع الغرر فیکون البیع صحیحا من ناحیة الغرر فهذا مما لا شبهة فیه.

الثانی:اشتراط الصحة من العیوب الموجبة للغرر بحیث یکون الخیار عند ظهور المبیع أو الثمن فاقدا لذلک الوصف لکل من البائع و المشتری و هذا أیضا رافع للغرر کما هو واضح.

الثالث:الاقدام علی المعاملة مطلقا من غیر اشتراط و لا اختبار أصلا

ص:433

بل یسکت عن جمیع ذلک،و لکن الشرط الضمنی موجود فی المقام بظهور العوضین واجدا لأوصاف الصحة و لم یکن عدیما لها بحیث لو ظهر فاقدا کان للمشروط له الخیار،و مع هذا الشرط الضمنی لا یضره السکوت عن الاشتراط لانصراف المطلق الی الفرد الصحیح و الذی یدلّ علی هذا بناء العقلاء فی معاملاتهم فإنهم یعاملون معاملة کلیة أو جزئیة مطلقة و إذا ظهر المبیع فاقدا لأوصاف الصحة یرجعونه الی صاحبه و یکون لهم الخیار حینئذ.

فتحصل أن ارتفاع الغرر فی المقام لیس منحصرا بالاختبار بل کما یرتفع به کک یرتفع بالاشتراط و بالشرط الضمنی أیضا لعدم ورود النص علی الاختبار بالخصوص و عدم وجود الإجماع علیه کما ظهر من مطاوی ما ذکرناه،بل الإجماع علی عدمه فإنه من باب ذکر وصف الصحة و من الواضح أنه غیر لازم إجماعا کما ذکره المصنف فی جواب السرائر،و أما توصیف البائع المثمن و توصیف المشتری الثمن مع حصول الوثوق منهما فداخل فی صورة الاشتراط.

و أما اشتراط البراءة من العیوب فالظاهر من عبارة المصنف من عطفه علی اشتراط الصحة بأو و کذلک الظاهر من عبارة النهایة و المقنعة المنقولة فی المتن هو کفایته فی نفسه حیث قال(خلافا لظاهر جماعة تقدم ذکرهم من اعتبار اشتراط الصحة أو البراءة من العیوب أو خصوص أحدهما)أقول ان کان المراد من البراءة من العیوب هو إحراز کل من البائع و المشتری کون المبیع سلیما عن العیوب و صحیحة هذا هو المراد ظاهرا للمصنف حیث ذکر فی أواخر کلامه أنه ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الموصف أو السلامة من العیوب فیما یفسده الاختبار بحیث یکون البیع غیر غرری و ان کان المراد من البراءة من العیوب التبری منها بحیث یبیع المتاع علی ما هو علیه

ص:434

من الصحیح و الفساد سواء ظهر فاقدا لأوصاف الصحة أو واجدا لها لا یکون خیار للمشتری و یشرط المشتری علی البائع فی الثمن أیضا،هذا الاشتراط فهذا البیع غرری بلا شبهة فیکون الاشتراط مؤکدا للغرر فیبطل البیع للغرر بناء علی مانعیته عن البیع فلا یرتفع الغرر بالاشتراط و علی الاجمال فلا وجه لاشتراط هذا الشرط أصلا،فإنه ان کان راجعا الی اشتراط الصحة فذکره تکرار و ان کان بمعنی التبری فاشتراطه مؤکد للغرر فلا یکون رافعا له.

و من جمیع ما ذکرناه ظهر بطلان ما ذهب إلیه فی السرائر من تقویة عدم جواز بیع العین الحاضرة المشاهدة بالتوصیف،بل لا بد من ذوقها و شمها.

و مما ذکرناه ظهر جریان أصالة السلامة فی المبیع فان المراد بها هو اشتراط کون المبیع سالما علی العیوب بالشرط الضمنی و واجدا لأوصاف الصحة علی النحو الذی تقدم و هذا مما جری علیه بناء العقلاء فی معاملاتهم و لیس المراد من أصالة السلامة ما یکون طریقا إلی إحراز کون المبیع واجدا لأوصاف الصحة باستصحاب الحالة السابقة التی شوهدت و کانت واجدة لأوصاف الصحة حتی یناقش فیها بما ناقشة المصنف من عدم الدلیل علیه لا من بناء العقلاء الاّ فیما إذا کان الشک فی طرو المفسد و لا من غیره فإنه لو کان المراد من أصالة السلامة هو ذلک فلیس علیه دلیل حتی مع الشک فی طرو المفسد الذی استثناه المصنف،فانا ذکرنا فی علم الأصول أنه لا وجه لکون بناء العقلاء دلیلا للاستصحاب و أنه غیر ثابت کما هو واضح،و هذا بخلاف ما ذکرناه من أصالة السلامة فإن بناء العقلاء علیه مسلم کما لا یخفی.

ص:435

ثم ظهر أیضا من جمیع ما ذکرناه بطلان ما ذکره المصنف من التفصیل، بین الأوصاف الدخیلة فی معظم المالیة و بین غیرها،و حاصله أن الأوصاف ان کانت دخیلة فی معظم المالیة بحیث تزول المالیة المهمة بزوال الأوصاف فلا بد من إحراز السلامة عنها اما بالأصل أو بالاختبار أو التوصیف و مع انتفاء الأول یبقی الأخیران و هذا ککون الجاریة خنثی و کون الدابة لا تستطیع المشی أو الرکوب و الحمل علیه.

و أما إذا لم تکن الأوصاف من قبیل الأوصاف الدخیلة فی معظم المالیة فلا یجب إحرازها و لا یلزم الغرر من الانتفاء و هذا ککون الجاریة ممن لا تحیض فهی فی سنّ من تحیض،فان انتفاء ذلک لا یوجب انتفاء معظم المالیة لبقاء الاستمتاع و الاستخدام علی حالها غایة الأمر قد انتفی الاستیلاد فقط و أما فی الأول قد انتفی الاستمتاع أیضا.

و قد ظهر جواب هذا التفصیل أیضا فإن المناط فی صحة العقد هو رفع الغرر کما تقدم،فکلما یلزم من عدم اعتباره و اشتراطه فی العقد غرر فلا بدّ من اشتراط ما یوجب رفعه من الاختبار أو اشتراط الصحة أو الإرجاع إلی أصالة السلامة و الاّ فلا،سواء کانت دخیلة فی معظم المالیة أم لا،فان ما یکون دخیلا فی ذهاب المالیة و ان لم تکن معظما فالسکوت عنه فی مقام البیع غرر بلا شبهة.

فتحصل من جمیع ما ذکرناه حکم ما یفسده الاختبار أیضا فإن جمیع ما ذکرناه جار فیه الاّ الاختبار لان المفروض أن الاختبار یفسده و أما اشتراط الصحة أو بیعه مطلقا ایکالا إلی أصالة السلامة فهما جاریان فیه،کما یجریان فی الأول أعنی ما لا یفسده الاختبار و هذا کبیع نوع الفواکه التی یفسدها الاختبار کالرقی و البرتقال و اللیمو أو نحوها فان الغرر یرتفع

ص:436

فیها بأحد الأمرین المذکورین فلو تبرء عن العیوب یکون غرریا فیبطل.

نعم قد ورد فی المقام روایة (1)ربما یتوهم فیها اعتبار الاختبار فیما یختبر حیث قال(علیه السلام)فیمن سأل عن ذوق الطعام فی المال الذی یرید أن یشتریه،فقال(علیه السلام)نعم فلیذقه فلا یذوقن ما لا یشتری.

و فیه ما ذکره المصنف(ره)من أن السؤال فیها عن جواز الذوق لا عن وجوبه فإنه(علیه السلام)جوّز ذلک لمن یرید الاشتراء لا لکل من و لو لم یکن نظره ذلک و الاّ فإن بعض الطماعین یأخذون ذلک وسیلة لأکل أموال الناس بأن یأکل من دکان عشرة حبات من العنب و من الأخر کک،و من الثالث هکذا فیکون أکثر من الحقة فنهی الامام(علیه السلام)عن ذلک فیجوّز هذا النحو من الطریق أیضا.

فتحصل أن ما لا یفسده الاختبار فبالنسبة إلی الأوصاف الدخیلة فی صحة المبیع یجوز بیع الموصوف بها بالاختبار و بالتوصیف و بالاعتماد علی أصالة الصحة و السلامة علی المعنی الذی ذکرناه أی انصرافه الی کون المبیع سالما عن العیوب و واجدا لأوصاف الصحة فإنه الفرد الصحیح و قلنا هذا معتبر بالشرط الضمنی فی العقود و المعاملات.

و أما بالمعنی الذی ذکره المصنف من کونها محرزة لبقاء المبیع علی أوصاف الصحة و عدم طروّ العیب له لیوجب زوال صحة المبیع فلیس له مدرک صحیح کما عرفت حتی فیما کان للمبیع حالة سابقه فانا ذکرنا فی بحث الأصول أنه لا دلیل علی اعتبار الاستصحاب من ناحیة بناء العقلاء کما هو واضح.

و قد عرفت أیضا أنه لا یفرق فی ذلک فی الأوصاف التی لها دخل فی

ص:437


1- 1) وسائل:ج 12،ص 279.

معظم مالیة المبیع و ما لا یکون کک،فان فی جمیع ذلک لا بد من رفع الغرر فی صحة البیع و الاّ یحکم بالبطلان فرفعه بأحد الأمور الثلاثة المتقدمة فلا دلیل علی الفرق المذکور بوجه،و ان التزم المصنف و علی هذا فلا وجه للالتزام بلزوم الاشتراط أو لزوم الاختبار فقط کما ذهب إلیه الحلی(ره).

و أما أوصاف الکمال ککون الفاکهة أو الدبس حلوا شدیدا و زائدا عن الحد الأوسط أو واجدا لأصل الحلو المتوسط فان الحلاوة من الأوصاف الکمالیة فإن کان المتاع مما یمکن توصیفه بالوصف الکمالی و بیانه علی نحو یرتفع به الغرر فیجوز بیعه بالاختبار من المشتری و بالتوصیف من البائع فیکون اخباره اشتراطا مع الوثوق باختباره و بالاشتراط أیضا بأن یشترط المشتری کونه واجدا لوصف الکمال،و أما الاعتماد علی أصالة الصحة،و السلامة المتقدمة فلا یجری هنا فإن الأوصاف لیس من الأوصاف الصحة حتی ینصرف الإطلاق إلی الصحیح و أن کون المبیع صحیحا أخذ شرطا فی ضمن العقد کما لا یخفی.

و أما فیما لا یمکن التوصیف و الاخبار کما إذا کان الوصف علی نحو یدرک و لا یوصف کوصف الملاحة و نحوها ففی ذلک لا بد فی رفع الغرر،اما من الاشتراط أو الاختبار و الاّ فیکون باطلا للغرر المنفی،فإن المفروض ان الأوصاف المذکورة لها دخل فی المالیة فإذا لم یشترط البیع علی نحو یکون رافعا للغرر فیکون البیع باطلا لذلک.

و أما فیما یفسده الاختبار فبالنسبة إلی أوصاف الصحة فیأتی فیه جمیع ما ذکرناه فیما یفسده الاختبار لأن المفروض أنه یفسده فیبیع اما مع الاشتراط أو مع الاعتماد علی أصالة الصحة علی النحو المتقدم أو یخبر البائع عن الأوصاف فیکون هذا أیضا رافعا للغرر مع الوثوق بکلامه،

ص:438

فیکون هذا أیضا داخلا فی الاشتراط فإنه نحو منه.

و أما الأوصاف الکمالیة فبالنسبة إلی الأوصاف التی یمکن الاطلاع علیها فیجوز المعاملة ح بالاشتراط و بتوصیف البائع فیرتفع الغرر بهما فیکون داخلا فیما یشتری اعتمادا علی وصف البائع أو یشترط کون المبیع واجدا للأوصاف الکمالیة و مع ذلک یرتفع بها الغرر.

و أما الأوصاف الکمالیة التی لا یمکن الاطلاع إلیها أصلا إلاّ بالاختبار ککون البطیخ حلوا و کون الرقی أحمر من الأوصاف الکمالیة التی لا یعلم الاّ بالاختبار،فالظاهر انها غیر دخیلة فی المالیة أصلا فلا یلزم عدم اشتراط کون المبیع واجدا لها غرر أصلا،فإن المفروض ان المورد فما یفسده الاختبار و أن التوصیف لا یمکن أیضا و ان أصالة السلامة غیر جاریة فیبیع المالک علی هذا النحو إذ لا یفرق العرف فی أمثال ذلک بین ما یکون واجدا لها و بین ما یکون فاقدا لها لعدم طریقهم الی ذلک،و ان کانوا یفرقون بینهما بعد الاطلاع إلیها و علی هذا ان اشتراط المشتری کون المبیع واجدا لتلک الأوصاف فبها و الاّ فلیس له حق الرجوع أصلا فهذا هو الذی تعارف فی العرف التبری من کون المبیع واجدا لها أو فاقدا لها فیقول أبیع المتاع الفلانی علی ما هو علیه سواء کان واجدا للوصف الفلانی أو فاقدا له دون ما کان الوصف من الأوصاف الصحة لما عرفت أن التبری من فقد ان الوصف من أوصاف الصحة موجب للغرر.

الکلام فی حکم ظهور المبیع معیبا

اشارة

و أما الکلام فی حکم تخلف الأوصاف المذکورة فذکر المصنف فی فرض

ص:439

تخلّف وصف الصحة أقساما ثلاثة:- الأول:أن یکون لفساد المبیع فی نفسه قیمة کالجوز و البطیخ و سائر أقسام الفواکه إذا لم یکن الفساد بمرتبة یوجب خروج المبیع عن حیز الانتفاع و لا کونه معنونا بغیر عنوان المبیع فان لب الجوز و ان کان فاسدا بصیرورته أسود و لکن مع ذلک ینتفع به بأخذ دهنه و کک البطیخ و الرقی و سائر الفواکه إذا لم تصل من الفساد الی مرتبته تخرج عن الانتفاع،بل فسد جزء منها و صار به دود و نحوه و أما الباقی فیصح الانتفاع به و قد مثل المصنف بذلک ببیض النعامة بدعوی أن لفاسده أیضا قیمة،و لا تعهد بخصوصیات فوائده و هو أعرف بمقاله.

الثانی:أن یکون لفاسده أیضا قیمة و لکن کان خارجا عن نوع الصحیح بحیث یعدّ فی نظر العرف شیئا آخر غیره و هذا کظهور اللوز و الجوز قشرا فان للقشر قیمة و مالیة فی نظر العرف فی الحریق و لکن من حیث انه حطب لا من حیث انه جوز.

الثالث:أن لا یکون للفاسد مالیة و قیمة أصلا کالبطیخ الفاسد بحیث لا ینتفع به أصلا.

و بعبارة أخری أن فاسد المبیع قد یکون فاسدا بحیث یکون خارجا عن المالیة أصلا و أخری یکون له مالیة و قیمة و علی الأول تارة یکون من جنس الصحیح و أخری من غیر جنسه،فالأقسام ثلاثة.

أما القسم الأول:فتارة یکون ظهور العیب قبل الکسر و القص،بان عرف أن البطیخ فیه دور و أخر بعد الکسر فعلی الأول یتخیر المشتری بین الفسخ و الإمضاء بدون الأرش بأن یرضی بالعقد علی أی نحو کان أو الإمضاء مع الأرش کما هو واضح،و أما بعد الکسر فلیس له فسخ العقد الاّ مع

ص:440

اشتراطه هکذا بان یقول للبائع حین البیع لو ظهر متاعک معیبا و لو بعد الکسر فلی أن أرجعه و أما مع الاعتماد علی أصالة السلامة فلا یجوز له الفسخ، بل یتخیّر بین الرضی بالعقد بدون الأرش و الرضاء به مع الأرش.

و أما القسم الثانی:فالظاهر هو بطلان العقد لما عرفت مرارا أن تخلف الأوصاف التی من الصور النوعیة فی نظر العرف یوجب البطلان فان ما هو موجود لیس بمبیع و ما هو مبیع لیس بموجود،فیکون البیع باطلا کما لا یخفی.

و الحاصل أنه إذا ظهر المبیع فاسدا و کان للفاسد أیضا قیمة و لکن یحسب فی نظر العرف غیر الصحیح بحسب الصورة النوعیة کما إذا اشتری وزنة تمر فظهر أنه فی حکم النبوی لا یناسب الاّ بالحرق فهذا لا إشکال فی فساد البیع لما عرفت أن المبیع غیر موجود و الموجود غیر مبیع و هذا خارج عن الاقسام الذی ذکره المصنف و نتعرض لها.

و حاصل الأقسام أن ما ظهر المبیع فاسدا تارة یکون مع کونه فاسدا علی قیمة الصحیح و أخری أقل منه،و ثالثة یظهر أنه لا قیمة له أصلا و علی کل تقدیر فقد یکون ظهور الفساد قبل الکسر و القصّ و قد یکون بعده، فالأقسام ستة.

أما إذا کان ظهور العیب قبل الکسر فما إذا کان الفاسد بحیث تکون قیمته مساویا لقیمة الصحیح فح لیس للمشتری أخذ الأرش فإن المفروض ان قیمتهما متساویة فالأرش انما یکون إذا کانت قیمة المعیب أقل من الصحیح فإن الأرش عبارة عن تفاوت القیمة بین الصحیح و المعیب فإذا لم یکن تفاوت فی البین فأی معنی للأرش نعم له فسخ العقد لخیار العیب أو إمضائه کک و أما إذا کانت قیمة الفاسد أقل من قیمة الصحیح فیتخیّر المشتری بین الأمور الثلاثة فسخ العقد أو الرضی به بدون الأرش أو الرضا به مع الأرش

ص:441

فإن المعیب أقل قیمة من الصحیح فللأرش هنا مجال.

و أما إذا کان الفاسد بمرتبة لا قیمة له أصلا کما إذا اشتری بطیخا فظهر فاسدا علی نحو لم تکن له قیمة أصلا کان یعدّ من الزبالة ففی هنا یحکم بالبطلان إذ المبیع من حیث عدم مالیة فی حکم المعدوم فلیس هنا أرش أیضا،بل الحکم هو الانفساخ لیس الا بل الوجه هو البطلان لعدم اعتبار العقلاء ذلک البیع بیعا أصلا حتی بناء علی عدم اعتبار المالیة فی المبیع کما بنینا علیه فی أول البیع فان ما لیس بمال یعدّ فی نظر العرف نوعا أخر فی قبال ما هو مال فإذا وقع البیع بالمال فظهر غیر مال فقد تخلّف صورته النوعیة فیکون فاسدا،من هذه الجهة نظیر ما إذا اشتری أحد عصفورا فبان انه حشرة من الحشرات فان بیع الحشرات فی نفسه و ان کان جائزا و لکن المبیع هنا لیس هو الحشرة،بل هو العصفور فما هو مبیع لیس بموجود و ما هو موجود لیس بمبیع و کذلک الحال فی المقام.

و أما إذا ظهر الفساد بعد الکسر فان کان الفاسد أیضا مالا و کانت قیمته مساویة لقیمة الصحیح فلیس للمشتری هنا شیء أصلا من أنحاء الخیارات أما الأرش فلما عرفت من عدم تفاوت المعیب مع الصحیح من حیث القیمة و أما الرد و الفسخ فهو و ان کان جائزا قبل الکسر و التصرف و لکن یسقط ذلک بعد الکسر للنص (1)الخاص الوارد فی خیار العیب من أنه إذا أحدث فیه حدثا أو لامس فلا یجوز له الرد فیکون ذلک ساقطا للنص و ان کان هو جائزا فی نفسه بحسب القاعدة.

و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون للمکسور قیمة أولا و لا بین أن تکون قیمة

ص:442


1- 1) وسائل:ج 12 باب سقوط خیار المشتری بتصرفه ح 1 و 3 ص 351.

الفاسد بعد الکسر أقل من الصحیح أولا فإنه علی کل تقدیر لیس له حق الرجوع بوجه فإنک عرفت أن قیمة الصحیح و المعیب متساویتان و انما سقط الفاسد عن القیمة أو نزلت قیمته بکسر المشتری.

و أما إذا کانت قیمة الفاسد أقل من قیمة الصحیح فح فلا یجوز للمشتری الفسخ لما عرفت من سقوطه بالکسر للنص فح یتخیر المشتری بین الرضی بالعقد بدون الأرش أو الرضا به مع أخذ الأرش و المراد من الأرش هنا هو تفاوت ما بین الصحیح و الفاسد قبل الکسر لا بعده إذ قد لا یکون للفاسد قیمة بعد الکسر أصلا کما عرفت و لکن ذلک مستند الی فعل المشتری و احداثه فیه حدثا فیسقط للنص.

و أما إذا لم یکن له قیمة أصلا فحکمه حکم قبل الکسر اعنی انفساخ العقد إذ لا مالیة للمبیع أصلا و العقلاء لا یعتبرون مثل ذلک البیع بیعا و انما هو فی صورة البیع و الأمر کک حتی مع القول بعدم اعتبار المالیة فی المبیع کما عرفت فان البطیخ إذا ظهر معیبا بحیث لا یعدّ من المأکول فیکون نوعا آخر فی مقابل المأکول فهما فی نظر العرف مختلفان بحسب الصورة النوعیة کما لا یخفی فیکون البیع باطلا من الأول سواء کان ظهور العیب قبل الکسر أو بعده،فیکشف عند ظهور العیب أنه باطل من الأول کما صرح به الشیخ و الحلی و العلامة فی التذکرة مستدلین بوقوعه علی ما لا قیمة له کالحشرات و هو صریح جملة ممن تأخر عنهم أو ظاهر آخرین.

و لکن الظاهر المحکی عن الشهید فی الدروس انفساخ البیع من حین تبین الفساد لا من أصله و جعل الثانی احتمالا و نسبه الی ظاهر الجماعة و قد أشکل علیه المصنف بما لا یخلو عن المتانة و حاصله أنه لم یعلم لذلک وجه،و لذا نسب الشهید الثانی فی الروضة خلافه الی الوضوح و الوجه فی

ص:443

بطلانه أن الفاسد ان لم یکن من الأموال فیفسد البیع من أصله لأن کون المبیع متمولا شرط واقعی لا علمی،و ان کان من الأموال فان لم یکن تفاوت بین الصحة و المعیب فلیس للمشتری خیار فکک بعد التصرف و ان کان له خیار عیب قبل التصرف کما تقدم،و ان کان بینهما تفاوت فیؤخذ التفاوت بعد التصرف لا جمیع الثمن و قبل التصرف یتخیر بین الأمور الثلاثة،کما تقدم.

ثم وجه کلامه بأنه الاّ ان یقال انه مال واقعی إلی حین تبین الفساد فإذا سقط عن المالیة لأمر سابق علی العقد و هو فساده واقعا کان فی ضمان البائع فینفسخ البیع ح،بل یمکن ان یقال بعدم الانفساخ و حیث ان خروجه عن المالیة لأمر سابق و سبب سابق کان فی ملک البائع فکان الضمان علی البائع.

و الحاصل أن البیع منفسخ فی زمان ظهور العیب و الرجوع الی البائع من جهة کون حدوث العیب فی ملکه کما لا یخفی.

ثم أشکل علیه المصنف بکونه علی خلاف القواعد علی ما سیأتی فی الخیارات،و انما تعرضه المصنف هنا لأجل خصوصیة فی المقام.

و حاصل ما أورده المصنف علیه أنه ان کان العلم بالعیب موضوعا للخروج عن المالیة فیکون حدوث العیب فی ملک المشتری فلا وجه للرجوع إلی البائع و ان کان طریقا الی ذلک فیکون کاشفا عن البطلان من الأول فإنه إذا انکشف الفساد حکم بعدم المالیة الواقعیة من الأول فلا وجه للحکم بالانفساخ حین ظهور العیب علی أنه لو سلمنا أن العلم بالعیب مخرج له عن المالیة لا کاشف فهو مثال ان زید یعمی بعد مدة و کالعبد المریض یموت بعد مدة فإنه فی مثل ذلک فیرجع الی البائع لا فی جمیع المبیع،بل

ص:444

بالتفاوت بین الصحیح و المعیب قبل التلف و الخروج عن المالیة،لأن المعیب أیضا له مالیة و له قیمة کما لا یخفی علی أن فوات المالیة یعدّ تلفا لا عیبا کما هو واضح.

و بالجملة لا نعرف وجها لتصحیح کلام الشهید فإنه ان کان الفاسد له قیمة فحکمه ما ذکرناه و ان لم تکن له قیمة فحکمه الانفساخ من الأول لعدم کونه مالا من الأول علی أن ما وقع علیه البیع غیر الموجود و ما هو موجود غیر ما وقع علیه العقد کما تقدم.

الکلام فی ثمرة الخلاف

و أما ثمرة الخلاف بین ما کان الانفساخ من الأول کما ذهب إلیه الأکثر علی ما عرفت،و بین ما کان من حین ظهور العیب فی المبیع فهی تظهر فی ترتب آثار ملکیة المشتری الثمن الی حین تبین الفساد فلو اشتری البائع دارا بالثمن المذکور فربح فی ذلک ألفا فإنه للمشتری علی المشهور لحصول الانفساخ من الأول و عدم خروج الثمن من ملک المشتری أصلا فیکون اشتراء الدار فضولیّا.

و للبائع علی قول الشهید کما هو واضح.

و عن الدروس و اللمعة أن الثمرة تظهر فی مؤنة نقله عن الموضع الذی اشتراه فیه الی موضع اختبار فقد ذکر فی ذلک أقوال ثلاثة:- الأول:ما ذکره الشهید الأول من أن مؤنة النقل علی تقدیر انفساخ العقد من الأول انما هی علی البائع،و علی المشتری لو قلنا بالانفساخ حین ظهور الفساد فی المبیع لوقوعه فی ملکه،و قد نقل المصنف هذا الوجه و ارتضاه.

ص:445

الثانی:ما ذکره المحقق الثانی فی جامع المقاصد و تبعه الشهید الثانی من کونها علی المشتری مطلقا و لیس له أن یرجع الی البائع،و الوجه فیه هو أن المشتری نقله بغیر أمر البائع.

الثالث:ما ذکره المصنف عن بعض الأساطین-کاشف الغطاء-و هو کونها علی البائع مطلقا فإنه قدره نفی البعد عن ذلک،و الظاهر:أن شیئا من الوجوه الثلاثة لا یمکن المساعدة علیه.

أما الوجه الأول:فلا دلیل علیه من النص و الإجماع و العقل،لأن مجرّد ظهور العیب فی ملک المشتری لا یستلزم کون غرامة النقل علیه کما ان عدم ظهور فی ملک الغیر لا ینفی الغرامة عنه،بل لا بد فی ذلک من وجود السبب للضمان،و کک لا وجه للوجه الثانی و الثالث علی وجه الإطلاق،کما سیظهر وجهه.

و التحقیق أن یقال:قد تقدم فی بیع الفضولی أنه إذا استند الوقوع علی الضرر الی غیره بالاغترار کان ضمانه علی الغار لقاعدة الغرور الثابتة بالنقل و الاعتبار و الاّ فلا،و علیه فان کانت الغرامة الحاصلة من نقل المبیع الی مکان الاختبار مستندة الی البائع،و کونه غارا للمشتری فی ذلک لعلمه بالعیب و جهل المشتری به فمؤنة النقل علی البائع.

و أن لم یکن اغترار فی المقام لعلمهما بالحال أو جهلهما بها فالغرامة علی المشتری،لأنک قد عرفت فی المبحث المذکور أن الغرور انما یتقوم بأمرین أحدهما علم الغار بالعیب،و ثانیهما جهل المغرور به،و مع انتفاء أحدهما ینتفی الغرور،و علی هذا فلا وجه لما ذهب الیه جامع المقاصد و ما قرّبه بعض الأساطین علی الإطلاق،بل لا بد من التفصیل فی المسألة بلحاظ الغرور و عدمه،هذا کله فی مؤنة نقل المبیع من مکان البیع الی مکان الاختبار.

ص:446

و أما مؤنة النقل من مکان الاختبار الی مکان البیع أو المکان الأخر مع مطالبة البائع أو کونه فی مکان یجب تفریغه کالمسجد و المشهد أو فی مکان مغصوب فذکر المصنف أنه علی البائع علی تقدیرین لأنه بعد الفسخ ملکه، و أما لو لم یکن قابلا فلا یبعد مؤاخذة المشتری به.

و فیه أن هذا أیضا لا یتم لعدم الدلیل علیه فان مجرد کون المبیع ملکا للبائع بعد الانفساخ لا یوجب کون مؤنة النقل الیه،بل التحقیق ان یقال:

إذا کان المعیب الذی خرج عن المالیة ملکا للبائع کحبة من الحنطة مثلا، أو موردا للحق و ان خرج عن الملکیة أیضا کما إذا صار الحیوان میتة أو ظهر البطیخ فاسدا بحیث لا یعتبر العقلاء فی مثله الملکیة أیضا فطلب المالک ملکه أو متعلق حقه فان کانت المعاملة خالیة عن غرور البائع المشتری و لم یستند ذلک الی تسبیب البائع لجهله بالحال فمؤنة النقل علی المشتری فإنه وضع یده علی ملک غیره أو علی مورد حقه فیجب علیه أن یرده الی صاحبه فان مقتض دلیل الید الثابت بالنص و الإجماع و السیرة کما یشمل الأموال و کک یشمل الاملاک و الحقوق أیضا.

أقول:لا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر ما لم یکن مالا و ما لم یزاحم حق المالک و دلیل الید ناظر الی غیر ما نحن فیه علی انه ضعیف السند و السیرة مشکوکة الشمول له و ان استند ذلک الی تغریر البائع المشتری فتکون مؤنة النقل علی البائع.

و علی الجملة أن مجرد کون المعیب ملکا للبائع لا یدل علی کون الغرامة و مؤنة النقل من مکان الاختبار الی مکان البیع إلی البائع،بل بعد ما وضع المشتری یده علی ملکه بغیر اغترار یجب علیه رده الی صاحبه مع المطالبة.

و أما إذا لم یطالب البائع ملکه أو متعلق حقه و لکن کان ذلک فی مورد

ص:447

یجب تفریغه منه کما إذا کان فی مسجد أو فی مشهد أو کان ذلک فی ملک الغیر فطلب تفریغ ملکه فالظاهر فی هذا الفرض کون مؤنة الإفراغ علی المشتری حتی مع الاغترار فی المعاملة من البائع فإن قاعدة الغرور انما توجب کون غرامة المغرور علی الغار فیما یکون التضرر فی لوازم المبادلة و التملیک و التملک و من الواضح أن النقل من مکان البیع الی مکان الاختبار و بالعکس من لوازم التملیک و التملک فتجری فیها قاعدة الغرور،و أما فی ذلک فلا و من البدیهی أن وضع المتاع فی المسجد،أو المشهد أو فی ملک غیره لیس من لوازم التملک الذی وقع فیه الغرور و هذا واضح جدا.

ثم ان المحکی فی الدروس عن الشیخ(ره)و أتباعه أنه لو تبرء البائع من العیب فیما لا قیمة لمکسوره الی ح.

و فیه قد أشرنا إلیه فیما تقدم و قلنا بأنه اما غیر محتاج الیه أو غیر معقول بیان ذلک أن البراءة من العیوب ان کان من جهة الاطمئنان بصحة المبیع و إحراز کونه سالما عن العیوب اما بإخبار البائع أو اعتمادا علی أصالة السلامة بناء علی کونها محرزة لصحته فلیس هذا فی نفسه شرطا آخر غیر اشتراط الصحة،بل مرجعه الی ذلک فلیس لذلک وجه حتی یذکروها مقابلا لاشتراط الصحة،علی أنک عرفت أنه لا دلیل علی کون أصالة السلامة محرزة للواقع حتی فیما کان للمبیع حالة سابقه و ان کان المراد من اشتراط البراءة من العیوب هو التبری عن عیوب المبیع بأی نحو کان من غیر إحراز صحته بطریق و لا اشتراط صحته فی المبیع و لو بأصالة السلامة فیکون ذلک تأکیدا للغرر فیکون البیع غرریا،علی أنه لا نحتمل أن یقول أحد بأن البیع إذا لم یکون مشروطا بالبراءة من العیوب یکون فاسدا و أما إذا کان مشروطا بها یکون

ص:448

صحیحا مع أنه یؤکد الغرر و یقرره کما عرفت و علی کل حال لا نعقل معنی صحیحا لهذا الاشتراط.

و قد یوجّه بأن المراد من اشتراط البراءة اشتراط المشتری برأیه المبیع من العیوب و کونه صحیحا و فیه أولا أنه خلاف الظاهر من ذلک و ثانیا ما ذکره المصنف من أن الکلام فی برأیه البائع من العیوب دون المشتری فلا یمکن حمله علی هذا الوجه.

نعم لو دار الأمر بین حمله علی الغلط و بین توجیهه بذلک فلا بأس به صونا لکلام الأعاظم عن الغلطیة.

الکلام فی جواز بیع المسک فی فارة

قوله:مسألة:المشهور من غیر خلاف یذکر جواز بیع المسک فی فارة.

أقول:هذا لا شبهة فیه مع الاشتراط أو الاعتماد علی أصالة السلامة أو بالاختبار مع الإمکان و ذکر المصنف(ره)فالأحوط ما ذکروه من فتقه بادخل خیط فیها بإبرة ثم إخراجه و شمه ثم لو شمه و لم یرض به فهل یضمن هذا النقص الداخل علیه من جهة الفتق فهو مبنی علی ضمان النقص فی المقبوض بالسوم من انه هل ضمان المأخوذ بالسوم مع التلف علی المشتری أو علی البائع و علی کل تقدیر فهل الحکم أعم من تلف الموصوف و الوصف أو هو مختص بتلف الموصوف فقط فعلی القول بضمان المشتری للموصوف و الأوصاف معا ففی المقام أیضا یضمن لإتلافه وصفا من أوصاف المسک و جعله ناقصا بحیث أخذ عنه وصف التمامیة ثم ذکر أن الاولی أن یباشر البائع بذلک و یشمه المشتری.

ص:449

أقول:لا وجه لقیاس المقام بالمقبوض بالسوم لوجهین:الأول:أن النزاع فی ضمان المشتری بالمقبوض بالسوم هو فرض التلف،ففی المقام هو الإتلاف سواء قلنا بالضمان هناک أم لا،فلا بد من القول بالضمان هنا فان من أتلف مال الغیر فهو له ضامن فبناء علی الضمان بالنقص فی مال الغیر فیکون ضامنا هنا أیضا کما هو الحق و المحقق فی محله.

الثانی:أن الإتلاف هنا مستند إلی البائع دون المشتری فلا وجه للضمان علی المشتری کما هو واضح.

و قد یتوهم بطلان بیع المسک بدون الاختبار لوجهین:- الأول:النجاسة فإنه من الدم فهو نجس فیبطل بیعه لذلک.

الثانی:للجهالة و الغرر اما الأول فیرد علیه أولا أن کون المسک فی جمیع الأزمنة متعارفا من غیر نکیر من أحد بأنه نجس و ثالثا لا دلیل علی کون النجاسة مانعا عن البیع تکلیفا و وضعا کما تقدم فی المکاسب المحرمة و قد اعترف بذلک المصنف فی بیع المیتة و أما الوجه الثانی فمضافا الی أن عمدة الدلیل علی ذلک هو الإجماع لکون دلیل نفی الغرر مخدوشا سندا و دلالة و أن الإجماع هنا لیس بتمام لقیام الشهرة بل الإجماع علی جواز بیع المسک فی فارة علی أن مانعیة الجهالة انما هی للغرر فهو منفی إذا بیع مع الاشتراط أو معتمدا علی أصالة السلامة بالمعنی الذی تقدم.

ثم ذکر العلامة فی التذکرة عدم جواز بیع اللؤلؤ فی الصدف و بیع البیض فی بطن الدجاج.

أقول:أما بیع اللؤلؤ فی الصدف فلا شبهة فی بطلانه لکونه غرریا فان

ص:450

بعض أفراد اللؤلؤ یسوی بدرهم و بعضه الأخر یسوی بألف درهم کاختلاف أفراد الفیروزج بذلک فإنه قد یکون اللؤلؤ صافیا فیسوی بألف دینار و قد یکون کدرا فلا یسوی إلا بدینار مع اتحادهما فی الکبر و الصغر.

و أما البیض فان کان من دجاج یعلم أنه بأی نحو یبیض من الصغر و الکبر بحیث جری عادته أنه یبیض علی نحوه یسوی بیضه بعشر أفلس فهذا لا إشکال فی صحة بیعه لعدم الغرر فیه و ان لم یعلم بذلک و تجری العادة بأنه بأی کیفیة یبیض فبیعه غرری باطل فأن بعض افراد البیوض یسوی بعشرة أفلس و بعضه باثنی عشر أفلس و بعضه بثمانیة أفلس،فلا یعلم أن ما فی بطنه من أی قسم من هذه الاقسام.

الکلام فی عدم جواز بیع المجهول مع الضمیمة

اشارة

و عدمه

قوله:مسألة:لا فرق فی عدم جواز بیع المجهول بین ضم معلوم الیه و عدمه.

أقول:بعد ما فرغنا من عدم جواز بیع المجهول فهل یجوز بیعه بضم معلوم إلیه أم لا فمقتضی القاعدة المقررة علی عدم جواز بیع المجهول هو عدم الجواز مع ضم معلوم إلیه أیضا لأن ضم المعلوم الیه لا یخرجه عن الجهالة بل یکون الثمن الواقع فی مقابل المعلوم أیضا مجهولا فیبطل البیع لذلک و کک المبیع فان المجموع من حیث المجموع مجهول إذ لیس المراد من ذلک کون کل جزء جزء من المبیع مجهولا فهذا لا شبهة فیه و علی هذا فلا یجوز بیع السمک فی الآجام و أن ضم الیه السمک المعلوم أو القصب و لا یجوز أیضا بیع اللبن فی الضرع و ان ضم الیه المعلوم فان المعلوم فی ذلک کله

ص:451

یصیر مجهولا بالضمیمة و هذا علی المشهور بین المتأخرین و لکن ذهب المشهور من القدماء الی جواز بیع المجهول مع ضمه بالمعلوم عن الخلاف و الغنیة الإجماع علی ذلک و اختاره المحقق الأردبیلی من المتأخرین و صاحب الکفایة و المحدث العاملی و المحدث الکاشانی و استدل علیه بروایات (1)منها مرسلة البزنطی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال إذا کانت أجمة لیس فیها قصب أخرج شیئا من سمک فباع و ما فی الأجمة.

و منها روایة (2)ابن عمار عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)لا بأس بأن یشتری الآجام إذا کان فیها قصب،و المراد شراء ما فی الآجام و لو بقرینة الروایة السابقة و منها (3)روایة أبی بصیر فان فیها تصید کفا من سمک تقول اشتری منک هذا السمک و ما فی الأجمة.

و منها موثقة (4)سماعة قال سألته عن اللبن یشتری و هو فی الضرع قال لا الا أن یحلب لک منه أسکرجة فیقول اشتر منی هذا اللبن الذی فی الاسکرجة و ما فی ضرعها بثمن مسمی،فان لم یکن فی الضرع شیء کان ما فی الاسکرجة الی غیر ذلک من الروایات.

و منها (5)ما عن إبراهیم الکرخی قال قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام)ما تقول فی رجل اشتری من رجل أصواف مائة نعجة و ما فی بطونها من حمله کذا

ص:452


1- 1) وسائل:ج 12 ص 263 حد 2.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 264 حد 5.
3- 3) وسائل:ج 12 ص 264 حد 6.
4- 4) وسائل:ج 12 ص 259 باب 8 حد 2.
5- 5) وسائل:ج 12 ص 261.

و کذا درهما قال لا بأس ان لم یکن فی بطونها حمل کان رأس ماله فی الصوف،و منها (1)ما دل علی جواز بیع ما تقبل من خراج الرجال و جزیة رئوسهم و خراج النخل و غیره إذا کان شیء واحد منها معلوما و بالجملة فالروایات الواردة فی المقام علی ثلاث طوائف منها ثقات و حسان و منها ضعاف.

الاولی:ما دل علی جواز بیع السمک مع الآجام و الثانیة ما دل علی جواز بیع الحمل بضمیمة الصوف و الثالثة ما دل علی جواز بیع الجزیة و شرائها و نقلها من المتقبل بضمیمة الجزء المعلوم منها.

و قد أشکل المصنف علی الروایات و محصله یرجع الی وجوه،الأول أنه علی تقدیر العمل بالروایات فلا بد من الاقتصار بمواردها فلا یجوز التعدی عنها لأنها روایات قد وردت علی خلاف القاعدة فیقتصر علی مواردها المعلومة فلا یمکن أخذ ما یستفاد منها قاعدة کلیة لتکون ساریة فی جمیع الموارد حتی یکون تخصیصا للقاعدة المتقدمة من عدم جواز بیع المجهول فی جمیع الموارد فی خصوص موارد الروایات.

الثانی:أن الروایات غیر معمول بها حتی فی مواردها فان الکف من السمک لا یجوز بیعه لکونه من الموزون و لذا جعلوه من الربویات،و کک أن مورد روایة الکرخی جواز بیع الحمل فی البطون مع ضمیمة الأصواف،و من الواضح أن الأصواف فی نفسها مجهولة المقدار و کک أن ما فی الاسکرجة من الحلیب أیضا مجهول المقدار فلم یعمل أحد بهذا و القائلون بالجواز یقولون فی ضمن المعلوم الی المجهول و لذا منع المشهور عن بیع أصواف

ص:453


1- 1) وسائل:ج 12 ص 261.

الحیوان فی ظهورها و القائلون بالجواز استدلوا بروایة الکرخی.

الثالث:أن مورد بعض الروایات غیر ما هو محل الکلام فان محل کلامنا هو بیع مجهول الأوصاف مع ضمیمة المعلوم الیه و مورد روایة سماعة هو کون المبیع مجهول الحصول فإنه لا یعلم وجود اللبن فی الضرع و عدم وجوده حتی یضمّ عند البیع بما فی الاسکرجة.

و لکن الظاهر أن شیئا من الوجوه لا یکون وجها لطرد العمل بالروایات أما الوجه الأول فلأن الظاهر من الروایات هو التعلیل الشامل للمورد و غیره فلا وجه للمناقشة بعدم التعدی من مورد الروایة الی غیر موردها فان قوله(علیه السلام)فلو لم یکن فی البطون حمل لکان الثمن فی مقابل الأصواف و کک قوله فان لم یکن فی الضرع لبن لکان الثمن فی مقابل ما فی الاسکرجة یفید التعلیل یعنی أن المناط فی صحة البیع أن لا یذهب الثمن هدرا بل لا بد و أن یقع فی مقابله شیء و هذا یعم الی جمیع موارد بیع المجهول مع ضمیمة المعلوم،و قد تقدم نظیر ذلک فی بیع عبد الآبق و قلنا بجواز التعلیل من مورد الروایات لمکان هذه العلة التی ذکرت فی تلک الروایات الواردة فی بیع العبد مع الضمیمة أیضا کما تقدم.

و أما الإشکال الثانی أعنی عدم کون بعض هذه الروایات غیر معمول بها ففیه أن جهة السؤال فیها انما هو خصوص جهة بیع المجهول مع ضمیمة المعلوم و أما کون الضمیمة معلومة أو غیر معلومة من المکیل و الموزون أم لا فخارجة عن جهة السؤال فلعل السائل کان عالما بها و الحاصل لا یجوز دخل ما لیس مورد السؤال فی الروایة بما هو مورد السؤال و رفع الید لأجل ذلک عن الروایات،علی أنه یحمل أن یکون ما فی الاسکرجة معلوما لاحتمال کونها من المکیال و کذلک لا نقبل کون السمک من الموزون

ص:454

دائما،بل کثیر ما یباع بالعدد کما تعارف ذلک فی أطراف الشط کثیرا نعم ربما یباع بالوزن و لکن أن الأصواف لعلّها کانت معلومة بالمشاهدة بأن کان أو ان جزئها و بیعت مع المشاهدة أو کانت مجزاة أصلا و بالجملة لا وجه لهذه المناقشة أیضا.

و أما الإشکال الثالث أعنی کون المبیع مجهول الحصول لا مجهول الوصف ففی هنا أیضا أن جهة السؤال فرض کون المبیع موجودا و لیس جهة السؤال فرض کون المبیع مجهول الحصول علی ان کون اللبن فی الضرع لیس من مجهول الحصول بل کثیرا یطمئن الإنسان،بل قد یکون اللبن موجودا فی الضرع کما هو واضح فالحق أنه لا مانع من العمل بالروایات و جواز التعدی عنها فان فیها صحاح و موثقات.

الکلام فی بیان أقسام التابع
اشارة

قوله:بقی الکلام فی توضیح التفصیل المتقدم.

أقول:بعد البناء من المصنف علی عدم جواز بیع المجهول مع الضمیمة تکلّم فی معنی التابع فإن العلامة فصلّ فی بیع المجهول بین ما کان الانضمام مستقلا فحکم بعدم الجواز و بین ما کان تابعا فحکم بالجواز.

و توضیح المقام أن التابع قد یکون داخلا فی المبیع و یکون جزء منه و هذا کأسّ الجدران و الحیطان و أخشاب القبب و حدیدتها فإنها تابعة لبیع الدار و جزء منها و هذا لا شبهة فی جوازه أی یجوز بیع الدار مع کون هذه الأمور من التوابع مجهولة فان الغرض من کون المبیع معلوما کونه معلوما عند العرف بحیث یقال انّ هذا المبیع معلوم و ان کان بعض اجزائها

ص:455

مجهولة بل لا یوجد مبیع فی العالم یکون معلوما من جمیع الجهات للمتبایعین فإنه لا یعرف حقائق الأشیاء و خصوصیاتها من جمیع الجهات الاّ علاّم الغیوب و من ارتضاه لغیبة فإن بیع الحصر مثلا مع کونه معلوما بالمشاهدة و الزرع لا یعلم أنّه بأیّ مقدار من الخیوط اشتملت و هکذا و هکذا.

و هذا القسم من التّبع خارج عن محل الکلام لعدم کونه تبعا بل من الأجزاء و کلامنا فی التبع الذی یکون خارجا عن المبیع و إطلاق التبع علیه مسامحة واضحة و من هنا ظهر ما فی کلام العلامة فی التذکرة من إطلاق التابع علی أسّ الحیطان.

الثانی:أن یکون التابع أمرا مستقلا وراء المبیع و هذا لا یدخل فی المبیع الاّ بالاشتراط أو کونه جزء من المبیع من الأول بحیث یقع البیع علیهما معا و الاّ فیکون خارجا عنه من غیر أن یرتبط به أصلا.

نعم قد یکون داخلا فی المبیع بحسب الارتکاز من غیر أن یکون أمرا آخر مستقلا بل یکون مغفولا عنه فی نظر المتبایعین کما إذا باع دجاجا فباض بعد البیع فإنه یکون للمشتری بحسب الارتکاز أو اشتری أجمة فظهر فیها سمک أو سمکین أو اشتری حیوانا فظهر کونه حاملا الی غیر ذلک من الأمثلة فإن الارتکاز فی جمیع ذلک موجود علی کون الأمر الخارج داخلا فی المبیع و من هذا القبیل الجل للفرس و لکنّه داخل فی صورة الاشتراط أیضا و علی الجملة لا یدخل الأمر الخارجی المستقل فی المبیع الاّ بالاشتراط أو بوقوع البیع علیه من الأول بحیث یکون المبیع أمرا مرکبا.

و علیه فلا وجه للتفصیل بین التابع العرفی و غیر العرفی بأن یقال أن التابع قد یکون أمرا عرفیا فیکون داخلا فی المبیع فلا تضر الجهالة فیه و قد یکون أمرا غیر عرفیّ فلا یدخل فی المبیع فإنه لا وجه لهذا التفصیل بعد

ص:456

التفصیل المتقدم من ان انضمام المعلوم بالمجهول أن کان من قبیل کون المجهول تابعا فیصح و الاّ فلا یصح فإنه لا معنی لدخول شیء خارجی عن المبیع المجزی عنه بنظر العرف و کونه من التوابع العرفیة بعد ما عرفت أنه لا بدّ من دخول الأمر الخارجی أما من الاشتراط أو وقوع البیع علیه من الأول.

نعم یمکن أن یقال أن التابع قد یکون فی الأمور العرفیة أی فیما یعدّ فی نظر العرف من شؤونات المتبوع کما هو واضح،و لکنه لا یصلح تفصیلا فی المسألة.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لما ذهب الیه شیخنا الأستاد و التظهره من الشهید و المحقق الثانی و قواه من ان المراد من التابع هو ما یعد فی العرف تابعا کمفتاح الدار و حمل نعجة و البیض الذی فی جوف الدجاجة و اللبن فی الضرع الدابة و نحو ذلک و أیضا ظهر مما ذکرنا من عدم دخول الأمر الخارجی فی المبیع الاّ بالاشتراط أو جعله جزء من المبیع من الأول.

علی أنه لا وجه لما استظهره من المحقق القمی و صاحب الجواهر أن المراد من التابع هو التبعیة فی الجعل و التبانی بمعنی أن المبیع و لو کان فی الواقع هو المجهول و لکن للتخلّص عن الغرر یجعل تبعا للمعلوم کما فی مورد التخلص عن الربا فی البیع الخیاری فی کثیر من المعاملات.

و ذلک لانه لیس الا کون الأمر الخارجی داخل فی المبیع بإیقاع البیع علیه و علی شیء آخر فلا یکون أیضا تفصیلا آخر فی المسألة.

نعم قد یکون المعلوم متقدما فی الذکر و المجهول متأخرا کقول البائع بعتک هذا الکیلو من الشکر مع هذا القند الموجود فی الکس و قد یکون بالعکس ای یکون المعلوم متأخرا و المجهول متقدما و لکن هذا المقدار لا یکون وجها فی التفصیل کما هو واضح.

ص:457

و أما ما ذکره العلامة فی التذکرة من أن التابع ما أخذ شرطا فی المبیع فی مقابل ما جعل جزء منه فقد اختاره أیضا شیخنا الأستاذ بدعوی أن المجهول لو کان تابعا للمبیع أو جعل شرطا لا تضرّ جهالته لان ما وقع فی عقد المعاوضة مبیعا لیس مجهولا و ما هو مجهول لم یقع علیه العقد و لا یرد علی هذا الوجه أن المبیع یکون ح مجهولا لعدم کون التابع معلوما فلا یعلم أن ما یقع من الثمن فی مقابل المعلوم هو أی مقدار و وجه عدم الورود أن الشروط لا تقابل بشیء من الثمن و انما هو فی مقابل المبیع فقط و فائدة الشروط انما هی تسلط المشروط له علی الفسخ و هذا بخلاف ما کان المجهول هو جزء المبیع فإن الجهالة تسری الی الجزء الأخر أیضا فیکون مجموع المبیع مجهولا.

الکلام فی معنی التابع

و حاصل الکلام من الأول أنه وقع الکلام فی جواز بیع المجهول مع ضمیمة المعلوم الیه و عدمه و فصلّ العلامة بین ما کان المجهول تابعا فیجوز بیعه و بین ما إذا کان جزء مستقلا من المبیع فلا یجوز و لهذا وقع الکلام فی معنی التابع.

و قد یراد منه ما یکون جزء من المبیع حقیقة و لکن یکون مغفولا عنه و غیر دخیل فی مالیة المبیع أصلا سواء کان ذلک الجزء بنفسه له مالیة أو لم یکن و من القسم الجید أو من القسم الردی و هذا کأساس الدار فإنه دخیل فی مالیة المبیع فان الدار بدون الأساس لا قوام لها بل قد یصرف المال فی نفس الأساس ما یحاذی ما یصرف فی نفس الدار و لکنه مغفول عنه فی

ص:458

بیع الدار و غیر ملحوظ فیه أصلا و من هذا القبیل قطن الجبة المرسومة فی السابق حیث یضعونه فی الجبة للحرارة و حفظ البرودة فإن هذا القطن لم یلحظ فی بیع الجبة انه أی مقدار فالجهالة بمقداره لا تضرّ بالمبیع فان ما هو مورد للغرض منه هو وجود نفس القطن فیها بل ربما لا یکون الغرض متعلقا بوجود القطن،بل یکون الغرض قائما بوجود شیء فیه لیحفظ الإنسان بضمامته عن البرودة و ان کان من غیر القطن و أما أنه أی مقدار فلیس موردا للغرض،بل أنه أیّ شیء أیضا قد لا یکون موردا للغرض کما هو واضح،و من هذا القبیل القطن الموضوع فی صدر الجبة أو الثوب الأخر لیمنعه الإرخاء فإنه قد یکون من الکرباس و قد یکون من غیره،و قد یکون زائدا و قد یکون ناقصا فشیء منها لا یکون محطا للغرض و ان کان مقوّما للمالیة.

و علی هذا لا تکون جهالتها موجبة لبطلان البیع فإنها لا تکون فی مقابل الثمن من شیء أصلا فکما لا تضرّ جهالته بالبیع و لا تمنع عن صحته و کک هو خارج عن ما نحن فیه من أی أقسام التابع فان المذکورات و أمثالها من اجزاء المبیع لا من الأمور الخارجة عنه حتی یقال انها داخلة بالتبع أم لا کما هو واضح.

الثانی من أقسام التابع التابع العرفی بأن لا یکون الشیء جزء من المبیع بل من الأمور الخارجیة و لکن العرف یحکم بحسب ارتکازهم بکون ذلک الأمر الخارجی من تبعات المبیع بحیث لا یحتاج دخولها فی المبیع الی الذکر أصلا،و لا أن جهالتها توجب بطلان البیع فإنها أمور خارجة عن المبیع، بل غیر ملحوظ فی نفسها و مغفول عنها و انما الغرض تعلق بأصل المبیع و مثل هذه الأمور مع کونها من الأمور الخارجیة لا تکون خارجة عن المبیع الاّ باشتراط عدمها و الاّ فمجرّد عدم التعرض لها یکفی فی دخولها فی

ص:459

المبیع کما لا یخفی.

و هذه کدخول المسامیر فی الجدران فی بیع الدار و یمکن أن یکون الکهرباء و الماء فی هذا الزمان من هذا القبیل بان یکون مجرد السکوت عنهما کافیا فی دخولها فی المبیع فالجهالة بأی شیء منها لا توجب بطلان المعاملة و غرریّتها فإنها مع کونها خارجة عن المبیع غیر دخیلة فی مالیة المبیع و مع کونها دخیلة فیها غیر ملحوظة بنفسها و انما دخولها بالارتکاز فیکون داخلا فی التفصیل بین ما یکون التابع داخلا بالاشتراط أو بالجزائیة الذی فصّل به العلامة(ره)فلا معنی للتفصیل بین أن یکون التابع أمرا عرفیا أو غیر عرفی فإن العرف لیس له أن یحکم بکون الشیء داخلا فی المبیع الاّ بالارتکاز المتقدم و قد عرفت أنه من أقسام الشرط و فی الحقیقة أن هذا لیس تفصیلا فی کون التابع المجهول موجبا للغرر و عدمه و تخصیصا لنهی النبی(صلی الله علیه و آله)فی بیع الغرر بل هو خارج عن الغرر تخصصا کما لا یخفی،فافهم.

و قد عرفت مفصّلا أن الشیء لا یدخل فی المبیع الاّ بالاشتراط،أو بالجزئیّة،فالعرف بما هو عرف لیس له أن یدخل شیئا فی المبیع الاّ بالارتکاز المذکور الذی عرفت أنه من جملة الشروط.

و أما التفصیل بین التابع و غیر التابع و القول بان المجهول ان کان تابعا للمبیع فیصحّ و الاّ فیبطل فان رجع الی الاشتراط فله معنی معقول و لکن لیس وجها آخر و تفصیلا وراء التفصیل بین الاشتراط و الجزئیّة الذی ذکره العلامة و ان أراد المفصّل شیئا آخر فلا نعقل له معنی محصلا فإنه لا یدخل شیء فی المبیع إلاّ بأحد الوجهین من الاشتراط و الجزئیة و الاّ فیکون کوضع الحجر فی جنب الإنسان و أما ما ذکره المحقق القمی و

ص:460

صاحب الجواهر من أن المجهول یکون تابعا فی مقام الجعل و التبانی فح لا یوجب غرریة المعاملة و هذا بخلاف ما لو کان التبع فی عالم الجعل و التبانی و فی مقام الإنشاء هو المعلوم و کان المبیع أی المتبوع هو المجهول فإنه ح تکون المعاملة غرریة و باطلة.

و فیه ان کان المراد من ذلک هو التقدیم و التأخیر فی الذکر فله وجه و لکنه لا یوجب مجرد التقدیم و التأخیر فی الذکر التفصیل بأن یکون أنه ان قال البائع بعتک هذه الدار المعلومة و ما فی الکیس الذی هو مجهول یصحّ البیع و لو انعکس بطل.

و ان کان المراد من ذلک هو الاشتراط و الجزئیة بأن یکون المراد منه أنه لو کان المجهول داخلا فی المبیع بعنوان الاشتراط صح البیع و ان کان بعنوان الجزئیّة بطل فله معنی معقول و لکنه لیس تفصیلا آخر فی المسألة وراء ما ذکره العلامة(ره)من التفصیل بین الجزئیة و الشرطیة.

و ان کان المراد من هذا التفصیل غیر ما ذکرناه فلا نعقل له معنی صحیحا لیرجع الی محصّل.

و أما ما ذکره المصنف من احتمال أن یکون مرادهم التابع بحسب القصد من المتبایعین و هو ما یکون المقصود من البیع غیر المجهول.

فان کان المراد من القصد هو الغرض الشخصی بأن کان غرض المشتری هو الشیء المعلوم و ان کان قیمة المجهول أضعاف قیمة المعلوم،و لکن غرضه لم یتعلق الاّ بالمعلوم فمن الواضع أن الأغراض الشخصیة لا توجب رفع الغرر عن المعاملة کما تقدم فی البحث عن بیع الغرر فان الغرر انما هو یتحقق فی المعاملات بحسب النوع و ان کان البیع فی اعتقاد المشتری غیر غرری مثلا لو اشتری صبرة مجهولة من الحنطة و لم یکن مورد غرضه الا حقّة

ص:461

واحدة فلا یوجب ذلک ارتفاع الغرر عن المعاملة بحسب الغرض النوعی و هکذا لو اشتری أجمة و لم یکن غرضه الاّ القصب مع کونها مشتملة علی الأسماک الکثیرة فإنه لا شبهة فی کونه المعاملة غرریة بحسب الغرض النوعی و ان کان غرض المشتری حاصلا و هکذا و هکذا.

و علی الجملة فالاغراض الشخصیة غیر دخیلة فی رفع الغرر و ان کان أصل قوام الغرر و تحققه شخصیا أی قائما باحتمال الخطر الذی هو أمر شخصی.

و ان کان المراد من القصد و الغرض هو الغرض النوعی و علیه فان کان المقصود الذی جعل تابعا من القلة بمکان لا یعتنیه العرف فی مقابل المقصود بحیث لا یکون دخیلا فی زیادة المالیة للمبیع أصلا فلا شبهة فی صحة البیع و هذا کما إذا اشتری آجاما و کان هو المقصود من البیع و کانت الأجمة مشتملة علی السمکة أو سمکتین فان الجهل بهذا لا یضر بصحة البیع فلا یوجب کون المعاملة غرریة فإن العادة قاضیة بأن الأجمة لا تخلو من سمک عادة و من هذا القبیل بیع الدجاج ثم باضت فان الجهل بوجود البیض فیه لا یضرّ بصحة بیع الدجاج لعدم کون السمک فی المثال الأول و وجود البیض فی المثال الثانی غیر مقصود و غیر دخیل فی مالیة المبیع و ان کان کل من السمک و البیض یباعان مستقلا و یتساویان بالمال و لعل من هذا القبیل ما تقدم من التابع العرفی بل هذا النحو من غیر مقصود داخل فی المبیع بالارتکاز کما تقدم فلیس وراء الاشتراط شیء آخر و ان کان غیر المقصود کثیرا فی نفسه بحیث یکون بنفسه موردا للغرض و محطّا للمقصود بل قد یکون قیمة غیر المقصود مساویا مع قیمة المقصود أو أکثر منها،ففی هذه الصورة و ان لم تکن المعاملة غرریة بالنسبة إلی المشتری لکون المقصود بمقدار یساوی

ص:462

القیمة المذکورة و الثمن الذی یعطی للبائع و انما یکون غیر المقصود له مجانا و لکن المعاملة غرریة بالنسبة إلی البائع فإنه عامل معاملة لا یعلم أن ما خرج من کیسه أی مقدار و أن الثمن یساوی بأی مقدار من المثمن فتبطل للغرر کما هو واضح،فان هذه المعاملة من أوضح أفراد المعاملة الغرریة علی انه لا یدخل فی المبیع إلاّ بأحد الوجهین المتقدمین من الجزئیة أو الشرطیة و الاّ فیکون أجنبیا عن العقد،بل یکون کوضع الحجر فی جنب الإنسان و ح فلا یکون تفصیلا آخر غیر ما ذکره العلامة من التفصیل بین أن یکون التابع المجهول جزء فیبطل البیع و بین کونه شرطا فلا یبطل و أما الوجوه الأخر فلیست قابلة للتکلم علیها بوجه،و قد ذکر هذا الوجه العلامة (ره)أورد علیه المحقق الثانی بأن العبارة لا أثر لها فعلی کل حال فالمعاملة ان کانت غرریة فتبطل و الاّ فلا تبطل.

و قوّی هذا الوجه شیخنا الأستاذ و فرّق بین الجزء و الشرط بان الثمن یقسّط علی الجزء و لکن لا یقسّط علی الشروط.

أقول:الظاهر انه لا یمکن تصدیق هذا التفصیل علی وجه الإطلاق فإن لازم ذلک أنه إذا قال بعتک هذا الکیلو من السکر بعشرة دنانیر بشرط أن یکون ما فی الکیس لک فلا یعلم أن ما فی الکیس درهم أو دینار أقل أو أکثر،فهذا من أوضح أفراد المعاملة الغرریة فإن المعاملة فی نظر العرف یلاحظ مع جمیع شروطها و ان لم یکن للشروط قسط من الثمن،فلو عامل أحد هکذا بان باع داره التی تسوی بألف دینار بدینار بشرط أن یکون ما فی الصندوق أیضا للبائع،فلا یعلم أن فیه أی مقدار من الفلس فلا یشک أحد فی کون مثل هذه المعاملة غرریّة جدا.

ص:463

و التحقیق ان یفصل فی المقام بأن مدرک الحکم ببطلان البیع الغرری ان هو دلیل نفی الغرر،فلا شبهة فی کون مثل هذه المعاملة غرریة کما عرفت و لکن عرفت المناقشة فیه من حیث السند و الدلالة و ان کان المدرک فی المقام هو الإجماع بأن یقال انه قام الإجماع علی کون الجهالة مبطلة للمعاملة فمن الواضح أنه دلیل لبی فیقتصر علی المورد المتیقن و هو ما إذا کانت الجهالة فی المبیع لا فی الشروط الاّ أن یکون لأحد قطع علی شموله للشروط أیضا و نحن لا نقطع بذلک.

و توهم ان الشرط یوجب رفع الغرر مع الخیار تخلّف الشرط کما تقدم فاسد فان هذا الشرط النتیجة فلا خیار فیه فان قول البائع بعتک الشیء الفلانی بکذا بشرط ان یکون ما فی الکیس لک اشتراط کون ما فی الکیس له قلیلا کان أو کثیرا و یتحقق ذلک بمجرد تحقق البیع فلا تخلّف فیه حتی یوجب ثبوت الخیار.

الکلام فی الاندار

اشارة

قوله:مسألة یجوز أن ینظر لظرف ما یوزن مع ظرفه مقدار یحتمل الزیادة و النقیصة علی المشهور.

أقول:بل ادعی علیه الإجماع و عن الفخر الدین التصریح بدعوی الإجماع و قد ذکرت أقوال فی تفصیل:- الأول:جواز الاندار بشرطین کون المندر متعارف الاندار عند التجارة و عدم العلم بزیادة ما یندر.

الثانی:عطف النقیصة علی الزیادة فی اعتبار عدم العلم بها.

الثالث:اعتبار العادة مطلقا و لو علم الزیادة أو النقیصة.

ص:464

الرابع:التفصیل بین ما یحتمل الزیادة فیجوز مطلقا و ما علم الزیادة فالجواز بشرط التراضی.

الخامس:عطف العلم بالنقیصة علی الزیادة السادس:اناطة الحکم بالغرر.

و لکن النفی و الإثبات فیها لا یرد علی مورد واحد

تحقیق الکلام هنا
اشارة

فی جهتین:-

الاولی:فی تحقق الاندار فی مقام الإعطاء و القبض و الإقباض بعد الفراغ عن صحة البیع.

و الثانیة:فی کون الاندار فی مقام البیع و مرحلة إنشاء المعاملة و تصحّ البیع بحیث یکون سالما عن الغرر.

أما الجهة الاولی فی تحقق الاندار

فلا شبهة فی صحة البیع و عدم کون المعاملة غرریة فإنها تحققت صحیحة فالإندار فی مقام الإقباض لا یوجب قلب المعاملة عن صحتها الی غیرها و ح یجوز الاندار مع التراضی فی مقام الإعطاء و لو بمقدار أکثر من الظرف فان المتاع مال للبائع فهو مسلّط علی ماله فله أن یبذل مقدار منه أو جمیعه،فقول شیخنا الأستاذ أن الاندار یوجب جهالة المبیع و لو بعد تحقق البیع صحیحا لا یمکن المساعدة علیه و ما ذکره کاشف الغطاء (ره)من کون الاندار موجبا للغرر فیکون البیع الذی وقع فیه الاندار باطلا فی غیر هذه الصورة کما سیأتی و ان لم یتراضیا بالإندار فأیضا لا وجه لبطلان البیع،بل یحکم بصحته إذا کان المبیع مما تعارف الاندار فیه کما بیع الادهان و الدبس و النفت و الاثمار و الأرز و غیرها فان کثیرا من الأشیاء قد جرت العادة بالإندار فیه بعد البیع فإن رضی المالک به فلا کلام فیه کما تقدم،و ان لم یرض به المالک فبالشرط الضمنی العقدی نجبره علی

ص:465

الاندار فان جریان العادة بذلک فی حکم الاشتراط فی ضمن العقد صریحا فح یجوز الاندار فلا یضرّ بصحة المعاملة أیضا.

و ان لم یرض البائع بالإندار و لم یکن المبیع من الأشیاء التی تعارف فیه الاندار لیکون جوازه ثابتا بالشرط الضمنی فنأخذ القدر المتیقن و نجری البراءة من المقدار الزائد عنه و باستصحاب عدم زیادة عن المقدار المتیقن کما هو واضح و نظیر ذلک ما إذا مات البائع و المشتری بعد المعاملة و وقع النزاع فی مقدار العوضین فإنه ح یؤخذ القدر المتیقن و تمسک فی الباقی بأصالة عدم زیادة المبیع عن المقدار المتیقن و براءة الذمة من القدر الزائد منه.

فتحصل أن هذه الصورة خارجة عن مورد النقض و الإبرام و عن محل الأقوال المذکورة کما هو واضح.

الجهة الثانیة:أن یکون الاندار حین البیع بحیث یقع البیع علی المندر

بأن یقول بعتک هذا الدهن غیر ظرفه مع کون الظرف و الدهن مجموعهما معلوما و لکن کل واحد منهما لم یکن معلوما و هکذا لو قال بعتک الشیء الفلانی و هو مع ظرفه عشرة حقق الظاهر أنه لا شبهة فی بطلان البیع فی هذه الصورة لکونه من أظهر أفراد الغرر إذ لا یعلم أنّ مقدار المبیع أی قدر وزنه فهل یحتمل أن الشیء إذا کان مجهولا لا یجوز بیعه مستقلا و لکن یجوز بیعه مع ضمّه إلی شیء آخر لیکون مقدار المجموع معلوما فهذا مثل اشتری الإنسان عشر کیلوات من الشکر و أخذ جملة منها و باع الباقی فإن معلومیة المجموع لا یوجب صحّة بیع البقیّة المجهولة کما هو واضح،و لا یفرق فی ذلک بین کون المتبایعین راضیا بالإندار أم لا،فان رضاهما لا یوجب صحة البیع المنهی عنه شرعا فهو نظیر رضاهما ببیع الخمر و الخنزیر

ص:466

و القمار فنهی الشارع عن معاملة غیر تابع برضی المتبایعین و ما ذکره الأصحاب و کاشف الغطاء(ره)من عدم کون رضی المتبایعین موجبا لرفع الغرر فمورده هذه الصورة و قد اتضح النفی و الإثبات فی کلمات کثیر من الأصحاب لو لم یکن کلّهم لم یرد علی مورد واحد و من هنا اتضح أیضا مورد الروایات أیضا کما یتضح لمن یلاحظها و علم أن الروایات انما وردت علی طبق القواعد لا علی خلافها.

فتوهم أنها واردة فی نفس البیع فیصحّ مع التراضی علی خلاف القاعدة فاسدة عن حنان فی الموثق (1)قال:کنت جالسا عند ابی عبد اللّه(علیه السلام) فقال له معمّر الزیات قال لأبی عبد اللّه(علیه السلام)انا نشتری الزیت فی زقاقة فیحسب لنا النقصان لمکان الزقاق فقال له ان کان یزید و ینقص فلا بأس و ان کان یزید و لا ینقص فلا تقربه و قد استظهر المصنف منها کون المفروض فی السؤال هو التراضی لأن الحاسب هو البائع أو وکیله و هما مختاران و المحسوب له هو المشتری.

أقول:معنی الروایة و اللّه العالم ان السؤال انما وقع عن الاندار بعد تحقق البیع و الشّری،فقال الامام(علیه السلام)انه ان کان ما یندر یحتمل الزیادة و النقیصة فلا بأس به یعنی أنه یحتمل فهو موافق للعادة الجاریة علیه فی السوق و الخانات حیث یشترون الأمتعة من الاثمار و الألبان و یندرون لظروفها مقدارا یحتمل الزیادة و النقیصة فحیث أنه موفق للعادة و للسیرة الجاریة علی ذلک قال الامام(علیه السلام)فلا بأس به أن یکون زائدا عن مقدار الظرف و یحتمل أن یکون ناقصا عنه أو زائدا و أما إذا تعین کون الاندار زائدا

ص:467


1- 1) وسائل:ج 12 ص 273 حد 4.

عن الظرف و لم یحتمل الزیادة فهو حرام لانه تصرف فی مال الغیر بدون اذنه،فلذا نهی عنه الامام(علیه السلام)فقال لا تقربه فهذه الروایة راجعة إلی بیان حکم الاندار بعد المعاملة لا فی بیان حال الاندار عند البیع و ضمیر لا تقربه یرجع الی الاندار لا الی البیع کما هو واضح فتدل علی عدم الجواز فی صورة الزیادة مطلقا رضی به البائع أم لا.

و دعوی ظهور الروایة فی صورة التراضی من جهة أن المحاسب أما البائع أو وکیله و علی کل حال فهما راضی بذلک دعوی فاسدة فإن العادة جاریة حتی الان علی کون المحاسب غیر البائع و وکیله کما نشاهد فی السوق و الخانات أن أهل البادیة یجلبون الاثمار من الرقی و البرتقال و الرمان و غیرها أو الألبان و غیرها من الأمتعة و یقفون فی الخارج و ینظرون إلی أمتعتهم فیوزن شخص واحد و یحاسب شخص آخر من صاحب الخان أو الدلال فیعطون قیمة أمتعته علی حسب انصافهم أقل أو أکثر،ففی هذا المقام نهی الامام(علیه السلام)عن الاندار بالزیادة بحیث لا یحتمل النقیصة أو التساوی فقوله(علیه السلام)ان کان زائدا فلا تقربه لیس معناه أنه إذا احتمل الزیادة دون النقیصة مقابل احتمال الزیادة و النقیصة فإنه خلاف الظاهر من الروایة نعم لو رضی البائع بالزیادة کما هو المتعارف فعلا فلا بأس به علی القاعدة حیث یوزنون الاثمار فی الخانات من الرقی و غیره و بعد تمام العیار یأخذون الواحد أو الاثنین یعطونه للمشتری فإنه لا بأس به لجریان العادة علیه و رضی البائع بذلک و تدل علی الجواز مع التراضی الروایتان الأخیرتان فتکونان مقیدتین لروایة معمّر الزیات فعلم مما ذکرناه انهما أیضا وردتا علی طبق القاعدة فإن التصرف فی مال الغیر مع رضی منه جائز.

أحدهما روایة (1)علی بن أبی حمزة و الثانیة روایة (2)قرب الاسناد

ص:468


1- 1) وسائل:ج 12 ص 272 باب 20 حد 1.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 273 حد 3.

اللتان نقلهما المصنف.

ثم انه إذا انکشف الخلاف أما بالزیادة أو بالنقیصة فیکون داخلا تحت المسألة المتقدمة و هی إذا باع صبرة علی انها عشرة أرطال فبانت زائدة أو ناقصة فقد تقدم ان مقتضی القاعدة هو الانحلال فیصح فی الموجود و یبطل فی الناقص.

و مع الزیادة یرد إلی البائع ان لم یرض بالبیع و الاّ فیکون من المبیع علی الحساب الذی بنوا علیه من کل رطل بکذا.

و قد عرفت أن الکلام فیه فی مقامین:- الأول:فی مقام تصحیح البیع لئلاّ یکون بیع مجهول.

و الثانی:فی مقام التسلیم.

أما الأول:فلو اخرج مقدارا بعنوان الاندار لتصحیح البیع ثم ظهر الخلاف فیکون من مصادیق ما تقدم من انه لو باع صبرة ثم ظهر الخلاف بالزیادة أو النقیصة فهل یثبت الخیار لکل من البائع و المشتری أم لا،و قد عرفت هناک أن ثبوت الخیار متوقف علی کون إلهیة الاجتماعیة دخیلة فی ازدیاد المالیة و الا فینحل البیع الی الاجزاء فیصح فی الموجود و یبطل فی المعدوم.

و اما الاندار فی مقام التسلیم فلو أندروا للظرف مقدارا ثم ظهر الخلاف فلا خیار فی شیء من الصور التی ذکرناها سابقا من التراضی أو الشرط الضمن العقدی أو الأخذ بالمتیقن و نفی الزائد بالأصل.

أما فی صورة التراضی فلو رضیا بإندار مقدار للظرف ثم ظهر الخلاف فبالمقدار المندر فلا شبهة فی صحة المعاملة و لزومها و أن خارج عن المقام لفرض رضی المالک بذلک و یکون الزائد علی مقدار الظرف أو الناقص عنه

ص:469

هبة من مالک المثمن أو مالک الثمن و أما مع عدم التراضی بالنسبة إلی الزائد منه أو الناقص فیرجع من له الحق إلی الأخر و مع عدم الزیادة و النقیصة فلا فاما من لیس لأحدهما حق علی الأخر أصلا فله خیار و من له حق للآخر فیرجع الی حقه من دون خیار و هکذا الکلام فی الشرط الضمنی أیضا فإن العادة جاریة بإندار مقدار من المبیع للظرف فهو مما لا بد منه و مع الزیادة من المقدار المتعارف أو النقیصة منه یرجع ذو الحق إلی الأخر و أما الزائد و الناقص فی نفس المقدار المتعارف فیرجع الی الهبة کما عرفت فی الصورة الاولی و أما فیما إذا أخذ المبیع القدر المتیقن ثم ظهر الخلاف فأیضا یرجع کل منهما الی غیره و لا یجوز لمن عنده الزائد أن لا یرده الی صاحبه،بل وجب علیه رده الی صاحبه فتحصّل أن فی شیء من هذه الصور لیس لواحد من المشتری أو البائع خیار نعم لو منع البائع عن رد الناقص فثبت له حکمه بل اما یصح البیع بلا شیء أو یصح مع رد الزائد أو الناقص من المقدار المندر.

الکلام فی بیع الظرف مع مظروفه

قوله:یجوز بیع المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم یعلم الا بوزن المجموع أقول:حاصل ما ذکره المصنف هو ان الظاهر انه لا خلاف بین أصحابنا أنه یجوز بیع المظروف مع ظرفه الموزون و ان لم یعلم بوزن المجموع و قال ان الذی یقتضیه النظر أن یجوز بیعه فیما نحن فیه منفردا عن الظرف حتی مع الجهالة أیضا فهذا یجوز بیعه منضما أیضا فإن الانضمام لیس بمانع و لا رافع للشرط و أما لو لم یکف فی بیع أحد المنضمین معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصی و مثل علیه بأنه لو باع سبیکة من ذهب

ص:470

مردّد بین مائة مثقال و ألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنها ألفی مثقال فإن الإقدام علی هذا البیع اقدام علی ما فیه خطر یستحقه لأجله اللوم من العقلاء و أما مع انتفاء الغرر الشخصی و انحصار المانع بالنص و الإجماع، الدال علی اعتبار الکیل فی المکیل و الوزن فی الموزون و بطلان بیع المجهول فیهما فالقطع بالجواز فان مفاد النص و الإجماع هو معرفة مقدار المبیع من حیث المجموع و أما معرفته بکل جزء جزء فلا دلیل علیهما ثم قال و لو کان أحد الموزونین یجوز بیعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الأخر کما لو فرضنا بیع الفضة بالشمع عند الصیاغة کالخلخال مثلا و عدم جواز بیع الشمع کک فان فرضنا الشمع تابعا یجوز البیع و لا تضر جهالة الشمع و الاّ فلا.

و التحقیق أن یقال أن المبیع تارة یکون من الموزون ظرفا و مظروفا مع الجهل بمقدارهما و أخری یکون المظروف من الموزون و الظرف من غیره فعلی الأول فلا یجوز البیع أصلا سواء کان غرریا أم لا لما عرفت سابقا من اعتبار الکیل فی المکیل و اعتبار الوزن فی الموزون.بل قلنا أن بیع الموزون بلا وزن باطل و ان لم یکن فیه غرر و مثلنا لذلک بأنه لو جعل مقدار من الحنطة فی أحد طرفی المیزان و مقدارا من الأرز فی الطرف الآخر فتبادلا مع کونها علی قیمة واحدة فإنه یبطل هذا البیع لا لکونه غرریا،بل لاعتبار الوزن فیه حتی مع عدم الغرر و أما إذا لم یکن الظرف من الموزون مع العلم بمقدار المظروف فهذا علی نحوین:- الأول:أن یبیع المظروف و الظرف مجموعا علی عشرة دنانیر مثلا انه یقول البائع بعتک مجموع خمسة أرطال من الحنطة الموجودة فی هذا الظرف مع ظرفه علی عشرة دنانیر بحیث لا یعلم أن ما یقع فی مقابل الظرف أی مقدار

ص:471

من الثمن و ما وقع فی مقابل المثمن أیّ مقدار منه فهذا لا شبهة فی صحته فان المانع عن صحة البیع هو الغرر و المفروض انه منفی و کذا المانع الأخر و هو عدم وزن المظروف مع کونه من الموزون و الظرف انه موزون أیضا غایة الأمر لا یعلم أن ما فی مقابل المظروف أیّ مقدار من الثمن و ما فی مقابل الظرف أیّ مقدار منه فهذا غیر لازم بعد عدم الغرر کما لا یخفی.

الثانی:أن یبیع مجموع الظرف و المظروف بخمسة عشرة لیکون علی الظرف خمسة و علی المظروف عشرة علی حساب کل رطل بدینارین مع کون المظروف خمسة أرطال فإنه یکون ثمن کل واحد من الظرف و المظروف معیّنا فهذا أیضا لا شبهة فی صحته فان انضمام الظرف بالمظروف هنا کانظمام شیء أجنبی بالمبیع ککتاب الرسائل فلا یلزم منه محذور کما عرفته فی الشق الأول و تظهر الثمرة بین الصورتین أن فی الاولی مع ظهور شیء من المظروف أو الظرف مستحقا للغیر فلا بدّ من إرجاع المجموع من الظرف و المظروف الی العرف حتی یقوم المجموع ثم یقوم کل واحدة منهما و الرجوع الی التفاوت بالنسبة و هذا بخلافه فی الصورة الثانیة فإن قیمة کل من الظرف و المظروف معینة فی نفسه.

الثالث:أن یکون الظرف و المظروف من الموزون و کان مقدار کل منهما مجهولا مع کون المجموع معلوما کما إذا فرضنا أن الظرف سبیکة من الفضة و المظروف سبیکة من الذهب و نعلم أن منا مائة مثقال من الذهب و ألف مثقال من الفضة و نشک أن تسعة مائة مثقال أ هی من الفضة أم من الذهب مع العلم بکون المجموع ألفین مثقال فذهب بعضهم الی فساد البیع لکونه غرریا و بیع جزاف إذ لا یعلم أن تسعة مائة مثقال ذهب أم فضّة فأی خطر

ص:472

أعظم من ذلک.

و لکن الظاهر هو صحة البیع فی هذا القسم و بیان ذلک أن مورد کلامنا اعنی کون البیع غرریا انما هو فیما یکون الجهل بوجود المبیع و لا یدری المتبایعان انه موجود أم لا أو فیما یکون الجهل بأوصاف المبیع التی دخیلة فی المالیة و أما الجهل بالقیمة فغیر مربوط بالغرر و انما هو من موارد خیار الغبن فلو باع مثقالا من الذهب بدینار أو اشتراه أحد بثلاثة دنانیر فإنه یثبت لهما خیار الغبن بعد معرفة القیمة و لم یتوهم أحد هنا فساد المعاملة لکونه غرریا و کذلک لو أقدم علی الغبن مع العلم فإنه یحکم بالصحة أیضا و فی المقام أن مائة مثقال من الذهب و ألف مثقال من فضة معلوم و التسعة مائة مجهول أنه ذهب أو فضّة فلو باع کل مثقال من الذهب بدینارین و کل مثقال من الفضّة بدرهم و ان لم یعلم مقدار الذهب أو مقدار الفضة منفردا منفردا فلا وجه لبطلان البیع فإنه من مصادیق بیع الصبرة و قد عرفت صحة بیعها مجموعا بعنوان کل رطل بکذا فان انضمامها الی ما یعلم بمقدار المجموع لا یوجب البطلان و علی هذا فإذا باع مجموع ألفین مثقال کل مثقال بدرهم مع العلم بالغبن و الاقدام علیه فلا وجه لبطلان المعاملة و بالجملة أن الغبن فی المعاملة غیر الغرر فیها فلو أقدم المتعاملان علی الغبن أو انجبر الغبن بالخیار فلا وجه للحکم بالبطلان للغرر کما لا یخفی.

و علی الإجمال أن کل من الظرف و المظروف و ان کانا مو الموزونین و لم یعلم بمقدار کل منهما علی التفصیل و لکن ذلک مثل بیع الصبرة کل رطل بکذا فیجوز للبائع ان یبیع ذلک المجموع المرکب بأن کل مثقال من الذهب بدینارین و کل مثقال من الفضة بدرهم و صحة البیع فی مثل ذلک لا یستلزم العلم بمقدار الصبرة أصلا و کک یصحّ بیع مجموع الذهب و الفضة علی حساب کل

ص:473

مثقال بدرهم مع الاقدام علی الغبن فلا وجه للحکم بالبطلان للغرر فان مورد الغبن غیر موارد الغرر کما عرفت.

و علی کل حال فلو کان الظرف و المظروف کلیهما من الموزون و لم یعلم مقدار کل واحد منهما علی التعیین و لکن علم مقدار المجموع من حیث المجموع فیصح بیعه علی حساب کل رطل بکذا و کذا یصح بیع مجموعها بقیمة الذهب أو بقیمة الفضة مع الاقدام بالغبن فان الغبن غیر الغرر کما عرفت.

الکلام فی استحباب التفقه فی الدین

اشارة

قوله(ره):مسألة:المعروف بین لأصحاب تبعا لظاهر تعبیر الشیخ بلفظ ینبغی استحباب التفقه فی مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات لیعرف صحیح العقد من فاسده و یسلم من الربا.

أقول:قد وقع الإشکال فی هذا التعبیر أی بالاستحباب مع أن تعلم الاحکام من الواجبات للایات و الروایات الکثیرة منها آیة (1)النفر و توضیح المسألة أنه قد یجب تعلم الأحکام الشرعیة صونا لها عن الاندراس و هذا لا تختص بأحد دون أحد بل هو جار فی حق کل أحد و یجب علیهم کفایة کما هو مقتضی التعبیر بمن فی قوله تعالی فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ إلخ،و هذا القسم من التعلیم کما لا یختص بشخص دون شخص،بل یجب علی کل شخص و لکن کفایة بحیث لو تعلم من به الکفایة لسقط عن الباقین کما عرفت من الآیة و کک لا تختص بحکم دون حکم،بل یجب تعلم جمیع

ص:474


1- 1) التوبة:آیة 121.

الاحکام لکی لا تندرس بل تبقی حسب طول الزمان حتی المسائل التی لا یبتلیها کمسائل الحیض و النفاس و الحدود و نحوها ثم أن التعلم فی هذا القسم لا بد و أن یکون عن اجتهاد و استنباط فان بقائها انما کذلک فهذا قسم من وجوب التعلم علی الاجتهاد بعنوان الکفایة فلو ترکوه لعوقب الجمیع.

و قد یجب التعلم لأجل العمل بها فان ترکه موجب لتفویت الواقع و هذا انما یکون فی المسائل التی یبتلیها المکلف عادة و لا یجری فی غیرها فهذا انما یجب عینا لکل أحد و لا یلزم أن یکون ذلک بحسب الاجتهاد،بل یجوز ان یکون به و بالتقلید أیضا و کل من ترک التعلم فی تلک المسائل حتی وقع فی الحرام الواقعی یعاقب علیه فهل العقاب علی ترک الحکم الواقعی،أو علی نفس ترک التعلم نزاع بین الأردبیلی و المشهور حیث قال المشهور یکون العقاب لترک الواقع و ذهب المحقق الأردبیلی إلی کونه لنفس ترک التعلم و تفصیل الکلام فی علم الأصول،و هذا أیضا قسم من تعلم الاحکام فلا یجب الا فیما یطمئن ان یبتلی به و أما فی غیره فلا.

و قد یجب هذا عقلا و نقلا أما النقل فالروایات الکثیرة الدالة علی وجوب تعلم الاحکام مثل أن یقال للرجل یوم القیامة لماذا عملت فیقول ما علمت و یقال لماذا علمت و أما العقل فلدفع الضرر المحتمل ففی کل واقعة یجب أن یتعلم من حکمها معاملة کانت أو غیرها لذلک و مع الترک و الوقوع فی الحرام الواقعی فیعاقب کما إذا ارتکب بالبیع الربوی و تزید المعاملات علی غیرها بعدم جواز التصرف فی شیء من الثمن و المثمن لاحتمال فساد المعاملة أما المثمن فلاستصحاب بقائه فی ملک مالکه مع ذلک الاحتمال فلا یجوز التصرف فیه الا مع العلم بالناقل و أما الثمن فلاحتمال انتقاله إلی البائع فلا یجری

ص:475

هنا استصحاب عدم انتقاله إلی البائع لعدم جریانه قبل الفحص و هذا بخلافه فی المثمن فإنه لا مانع من جریانه لکونه موافقا للاحتیاط فیجری قبل الفحص.

و علی الاجمال لا یجوز ترک التعلم فی المسائل التی یطمئن بابتلائه بها لاحتمال الغرر الموجب لوجوب التعلم و لا یجوز التصرف فی الثمن و المثمن فی المعاملات لما ذکرناه.

و هنا قسم ثالث و هو أن یحتمل الإنسان أن یبتلی بمسائل فی طول عمره فهذا یستحب تعلیمه لأدلة الاحتیاط کما إذا کان أحد یتجر بالقند و الشکر فإنه لا یبتلی عادة بمعاملة الحیوان و مع ذلک یحتمل ابتلائه بذلک و هکذا مسائل الزکاة و نحوها فان التاجر فی هذا الزمان لا یبتلی عادة بالزکاة و مع ذلک یحتمل ابتلائه بها فیستحب تعلمه و کذلک لا یحتمل الإنسان عادة ان یبتلی بالذهاب إلی الخارجة و مع ذلک یستحب أن یتعلم احکامه من حکم القبلة و الطهارة و النجاسة و المعاملة معهم لاحتمال ابتلائه به أو لتعلیم الناس و هکذا و هکذا و لکن لا یجب ذلک لأنه یطمئن بعدم الابتلاء کما لا یجب للرجل معرفة أحکام المرأة و لا یجب للمرئة معرفة أحکام الرجل من صلاته و صومه و لبسه و غیرها و إذا ابتلی احد بما کان مطمئنا بعدم ابتلائه و وقع فی الحرام الواقعی لا یعاقب علی ترک التعلم فان اطمینانه بعدم الابتلاء حجة له عند اللّه و به یکون معذورا فی الوقوع علی الحرام کما هو واضح فمراد الفقهاء من حکمهم باستحباب تعلّم مسائل الحلال،و الحرام،هو هذا القسم کما مثلنا،بمثل معرفة مسائل خیار الحیوان و مسائل الزکاة.

ثم انه ربما یتوهم التعارض بین ما دل علی تعلم الاحکام و بین ما دل

ص:476

علی مطلوبیة الاکتساب فان ما دل علی استحباب الاکتساب أعم من أهل العلم و غیره و جمع بینهما صاحب الحدائق بالالتزام بأن أهل العلم خارج عن تحت تلک الأخبار الدالة علی مطلوبیة الاکتساب و لکنه واضح الدفع لعدم تمامیته ثبوتا و إثباتا أما ثبوتا فلانه کثیرا لا ینافی الکسب لطلب العلم کما إذا عرف کسبا یصرف وقته فیه قلیلا و لکن یربح کثیرا فان مثل هذا کیف یقال فی حقه انه لیس فی حقه طلب الکسب و أما ابتلاء فان الناظر فی تلک الأخبار الدالة علی مطلوبیة الاکتساب یری أنها أعم فلا وجه لإخراج أهل العلم عن تحتها لعدم الدلیل علیه علی أنه قد لا یکون الکسب مزاحما لتحصیل العلم کما إذا کان له خط جیّد فیکتب سطرا و یبعه بدینار فان مثل ذلک لا یزاحم تحصیله بل یستحق بذلک التفصیلتین و فاض بأجر تحصیل العلم و تحصیل الکسب فأی شیء أعظم من ذلک کما عرفت فلا وجه لرأی الحدائق ثبوتا و إثباتا فان الکاسب حبیب اللّه و ان کان طالبا للعلم.

و بعبارة أخری قد دلّت الروایات الکثیرة علی استحباب تحصیل العلم و کون الأخبار الدالة علی استحباب الکسب مختصا بغیر أهل العلم و أید ذلک بجملة من الاخبار الدالة علی حسن التوکل و أن أهل العلم لا بد و ان یتوکل علی اللّه تعالی فی أموره و یطلب من اللّه تعالی رزقه و أیضا أیده بکلام الشهید فی المنیة و لکن الظاهر أنه لا دلالة فی شیء من المذکورات علی مقصد الحدائق کما افاده المصنف فان حسن التوکل علی اللّه لا یدل علی الاعراض عن الکسب و لیس معناه أن الإنسان یتوکل علی اللّه و یقعد

ص:477

فی بیته بل معناه أنه یجب لکل شخص أن یتوکل علی اللّه فی أموره بالخصوص أهل العلم فإنهم قواد الذین بل کانت الأئمة متوکلون علی اللّه و مع ذلک کانوا یشتغلون بالکسب و کان الأمیر علیه السلام أول من آمن باللّه و متوکلا علیه و مع ذلک موجر نفسه للیهودی و یشتغل بالزراعة و التجارة و فی مجموعة الورام أن الباقر(علیه السلام)کان یرجع من البستان و کان متکئا علی الغلامین فاعترضه أحد الصواف مالک قد خرجت فی هذه الحرارة لطلب الدنیا فقال علیه السلام لیس هذا طلبا للدنیا بل من العبادة.

و بالجملة لا إشعار فی شیء مما دل علی لزوم التوکل و حسنه علی ترک الکسب و الاشتغال بطلب العلم و الاّ لجاز الاستدلال بها علی القعود عن الکسب و الحرکة و التوکل علی اللّه فان اللّه و ان أمر بالتوکل و مع ذلک أبی أن یجری الأمور إلاّ بأسبابها فلا بدّ من الحرکة نحو الحاجة و التوکل علی اللّه فی جمیع الأمور سواء کان فی طلب العلم أو فی طلب الکسب نعم هل العلم امتیاز خاص فی لزوم التوکل فإنهم یقودون الناس الی اللّه فلا بد و أن یکون إیکالهم الیه محضا.

علی أنک قد عرفت أن ما افاده صاحب الحدائق لیس بتمام ثبوتا و إثباتا أما ثبوتا فلانه قد لا یزاحم الکسب تحصیل العلم أصلا و مع ذلک کیف یلتزم بعدم شمول أدلة استحباب الکسب فی حقه و قد عرفت مثاله،و أما إثباتا فلعدم الدلیل علیه بوجه کما لا یخفی.

الکلام فی تزاحم الکسب و طلب العلم

و التحقیق أن یقال أنه لا معارضة بین أدلة استحباب طلب العلم و

ص:478

بین أدلة استحباب طلب الکسب،بل هما من قبیل المتزاحمین و بیان ذلک أنه قد یکون کل من طلب العلم و طلب الکسب مستحبا فی حقه کما إذا کان عارفا لمسائلة و أحکام دینه بالمقدار المعتد به و بالمقدار الذی یبتلیه عادة و کان أیضا من الحافظین للدین عن الاندراس موجودا من المجتهدین و کان عنده أیضا من المال ما یکفیه بمئونته و مئونة عیاله الواجب النفقة فإن مثل هذا الشخص یستحب له تحصیل العلم فی المسائل التی یحتمل ابتلائه بها أو یتعلم لتعلیم الناس أو یتعلم لیدخل نفسه فی سلک المجتهدین الموجودین بمقدار الکفایة ففی مثل ذلک یکون المقام من باب تزاحم المستحبین فیکون کسائر المستحبات فان فی کل آن یبتلی الإنسان بذلک کثیرا فالآن یستحب لنا زیادة الأمیر علیه السلام و قضاء حوائج المؤمنین و إتیان النوافل و هکذا مع أنا لا تقدر علی جمیعها فله أن یترک جمیعها و هکذا المقام و لیس من مقام التعارض هنا شیء و لکن لیس لمن کان کل من الکسبین مستحبا الوقوع فی الحرج من جهة عدم القدرة علی الامتثال حتی یتعین فی حقه أحدهما فإن هذا مختص بالحکمین الالزامیین و أما المستحبات فیجوز ترک جمیعها أجمع أو إتیان أحدهما علی حسب اختیاره.

و لکن یقع الکلام هنا فی ترجیح أحدهما علی الأخر فهذا یختلف فان کان ما یترتب علی تحصیله من الفوائد من ترویج الدین و احیاء شریعة سیّد المرسلین و إرشاد العوام و اهدائهم الی الدین أهم من الفوائد المترتبة علی الکسب فیرجع طلب العلم علی طلب الکسب کما إذا لم یترتب علی کسبه إلاّ إعانة فقیر واحد أو توسعة عیاله فقط أو زیارة أحد الأئمة علیهم السلام.

و ان کان ما یترتب علی کسبه أهم مما یترتب علی طلب العلم،فالأمر بالعکس کما إذا کان المترتب علیه تعمیر المدارس و المساجد و المشاهد

ص:479

و إتمامه الحوزة العلمیة و تأمین معاش أهل العلم و قواد الدین و دفع الکرب عن فقراء الإسلام،و لکن لا یترتب علی طلبه العلم الاّ تعلیم جاهل و أحد مسألة واحدة بحیث لو لم یتعلمه لیتعلم من غیره و مع عدم وجود المرجح فی البین یتخیر فی اختیار أیهما شاء بل له ذلک مع وجود المرجح لأحدهما أیضا فإن الفرض أن کلیهما مستحب کما لا یخفی غایة الأمر مع ترک الأهم و أخذ المهم لزم ترک الاولی.

و قد یکون أحدهما مستحبا و الأخر واجبا فح یجب أخذ الواجب لکونه معجزا عن المستحب کما إذا کان عارفا بمقدار ما یبتلیه عادة من الاحکام و کان من حفاظ الدین من فیه الکفایة و لکن کان عنده من الأشخاص من یجب إنفاقه فح یتعین الکسب فی حقه و إذا کان الأمر علی العکس فیجب تحصیل العلم دون التکسب کما إذا کان الأمر علی العکس.

و قد یکون کل منهما واجبا کفائیا فی حقه فله اختیار أیهما شاء مع عدم المرجح کالواجبتین التخیریة و ان کان فی أحدهما ترجیح،فیختار ذو الترجیح و ان کان مع کونهما واجبا فی حقه کفایة قد قام بأحدهما شخص فیکون الأخر فی حقه واجبا عینیا مع عدم قیام شخص آخر علیه.

و قد یکونان واجبین عینا فح یکون المقام من تزاحم الواجبین عینین فان کان أحدهما أهم فیختاره علی الأخر و الا فیتخیر فی ذلک کسائر الواجبات التخییریة.

و أما جواز صرف من یشتغل بالتحصیل من الوجوه الشرعیة مع تمکنهم من الکسب أما سهم الامام(علیه السلام)فیجوز صرفه مع مراعاة الجهات الشرعیة بحیث لا یعد کلا للإمام(علیه السلام)بل تکون له خدمة له(علیه السلام)و أما لو صرف وقته فی المجالس و مضی عمره بالمماطلة و المساهلة،بل ربما یکون ضرره أشد من خدمته فلا

ص:480

یجوز له أن یصرف من سهم الامام(علیه السلام)و أما إذا کان له خدمة للدین و ان تمکن من تحصیل الرزق بالتکسّب فیجوز له أن یصرف من سهم الامام(علیه السلام).

و الحاصل:أن المناط فی صرف سهم الامام(علیه السلام)هو القطع برضی الامام (علیه السلام)و الا فلا یجوز له ذلک بوجه.

و أما سائر الوجوه البریة من النذر و الوقف و الصدقات و غیرها مما وضعت للجهات العامة فیجوز صرفها لأهل العلم أیضا علی النحو الذی قرره الناذر و الواقف فلا یشترط فیها الفقر و لا ما یعتبر فی صرف سهم الامام(علیه السلام)من اشتراط،بل المناط هنا هو انطباق الجهات البریة علی الشخص.

و أما الزکاة و الخمس فلا یجوز لمن یکون قادرا علی الکسب أن یصرف منهما أصلا ما لم یکن التحصیل فی حقه واجبا فان مصرف الزکاة هو الفقراء و مصرف الخمس هو الفقراء من بنی هاشم و فسروا الفقیر بأنه لا یقدر علی تحصیل قوته فعلا أو بالقوة و من یحسن الصناعة فلیس بفقیر و مجرّد کون تحصیل العلم مستحبا فی حقه لا یجوز له الأخذ منهما و الاّ لجاز أن یشتغل بالاعمال المستحبة و یصرف من الزکاة و الخمس بان یصلی النوافل دائما و یأکل من الزکاة أو من سهم سبیل اللّه فإنه موضوع للجهات التی کانت راجعة إلی الدین.

الکلام فی تلقی الرکبان و مرجوحیته

قوله:مسألة:لا خلاف فی مرجوحیة تلقی الرکبان.

أقول:الأقوال فی المسألة ثلاثة،قول بالحرمة و قول بالکراهة و قول بعدم الحرمة و الکراهة أما الحرمة فاستدل علیها بالروایات الناهیة عن

ص:481

التلقی الرکبان و لکنها ضعیفة السند و دعوی الاطمئنان بصدور بعضها لکثرتها و استفاضتها دعوی جزائفیة فإنها لا توجب الاطمئنان بالصدور و مع تسلیم ذلک فلا یفید لغیر من حصل له الاطمئنان و الظن بالصدور لا یفید لعدم کونه حجة فلا یغنی من الحق شیئا،بل لو کان التلقی الرکبان حراما لظهر بین الفقهاء علی رئوس الاشهاد و لیس کک.

و أما القول بالکراهة فهو مبنی علی أمرین أحدهما تمامیة أخبار من بلغ الدالة علی التسامح فی أدلّة السنن بدعوی أنها ظاهرة فی ما بلغ عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم ثواب علی عمل فعمله أحد برجاء أنه صدر من رسول اللّه فیثاب علی ذلک العمل و ان کان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)لم یقله و لو أرید من تلک الأوامر الدالة علی التسامح فی أدلة السنن الإرشاد إلی حکم العقل بحسن إتیان العمل رجاء و احتیاطا لدرک الواقع فلا یدل علی التسامح فی أدلة السنن.

الأمر الثانی أن تکون شاملة للکراهة أیضا فلو اقتصر علی مواردها و هی ما کان فیه أمر ففی موارد الکراهة لیس أمر،بل نهی فلا تشمل المقام و مع تسلیم المقدمتین یصحّ التمسک بتلک الاخبار فی المقام لإثبات کراهة التلقی و مع تسلیم هاتین المقدمتین فلا وجه للإشکال هنا بأنه لو سلمنا شمول أدلة التسامح للمکروهات و لکن التمسک بها فی المقام بدعوی أن ذلک انما یفید فی مورد ورد خبر ضعیف یدلّ علی الکراهة فإنه یلتزمها لذلک الخبر الضعیف و أما فی المقام فان تمت الأخبار المذکورة فتدل علی الحرمة و الاّ فلا حرمة و لا کراهة فإن وجودها کعدمها و کذلک الحال فی الاخبار الضعیفة الظاهرة فی الوجوب فإنها لا تشمل ذلک و قد ناقش بذلک بعض الأعلام لإثبات الاستحباب أو الکراهة بالأخبار الضعیفة الدالة علی

ص:482

الحرمة أو الوجوب.

و فیه أنه قلنا فی البحث عن أدلة التسامح أنها تشمل لما دل علی الحرمة و الوجوب إذا کان ضعیفا و ذلک فان ما دل علی الوجوب یدل علی جواز العقاب علی الترک و علی ثبوت الثواب علی الفعل فبضعف الروایة الدالة علی الوجوب یسقط العقاب علی الترک لخروجه عن الحجیة و یبقی الثواب علی حالة لأدلة التسامح لصدق البلوغ هنا أیضا.

ثم ذکروا لحرمة التلقی أو کراهته شروطا الأول أن لا یکون التلقی أربعة فراسخ و أزید و الاّ فیدخل ذلک تحت عنوان المسافرة فإن الذهاب أربعة فراسخ و الإیاب منها سفر شرعی فالمسافرة للتجارة لیس فیها بأس بل مطلوب فی الشریعة و مندوب الیه و قد ذکر ذلک الشرط فی اخبار التلقی فهل الغایة أی رأس الأربعة داخلة أو خارجة فذکر بعضهم أنها داخلة و لکن الجمع بین صدر روایة النقیصة و ذیلها یدل علی خروج الحد عن المحدود،کما ذکره المصنف(ره)علی أن الوصول إلی الغایة تحقق موضوع المسافرة فیخرج بذلک عن عنوان التلقی و یدخل تحت عنوان السفر للتجارة کما لا یخفی.

الشرط الثانی:انه یعتبر أن یکون الذهاب بعنوان التلقی فلو کان ذلک لغرض آخر فصادف فی الطریق ذلک فعامل معهم فیکون خارجا عن مورد الاخبار لعدم صدق التلقی للتجارة و أیضا یعتبر أن یکون التلقی لأجل التجارة فلو تلقی لأجل استقبال القادم فصادف التجار فی الطریق فاشتری منهم متاعهم فأیضا یکون ذلک خارجا عن مورد الاخبار لعدم صدق التلقی للتجارة نعم الظاهر من قوله(علیه السلام)فی روایة (1)عروة و المسلمون

ص:483


1- 1) الکافی:ج 5 ص 168 باب التلقی حدیث 2.

یرزق اللّه بعضهم بعضا هو عموم الحکم لغیر صورة قصد التلقی و قصد التجارة فکأن الغرض هو وصول مال التجارة إلی المدینة فان فی رؤیة الناس ذلک حکمه عجیب فإنه یوجب امتلاء أعین الناس جدا.

و فیه أن هذا لیس بعلة للحکم بل حکمه له و الا فیجری ذلک فیما إذا اشتری جمیع مال التجارة شخص واحد حین الدخول بالبلد علی أن المتلقی أحد المسلمین فالغرض من ذلک هو بیان أنه لا یمنع أحد من توجه التجارة إلی المدینة فالمسلمون یرزق اللّه بعضهم من بعض فإنه إذا توجهت التجارة إلی البلد فیشتری نوع الناس منها علی القیمة الرخیص.

ثم انه ذکر فی روایة عروة حکم آخر و هو قوله و لا بیع حاضر لبادی و لکن الظاهر من ذلک هو أن لا یبیع الحاضر متاع الباد و لا یصد بذلک، بل یخلی بینه و بین أهل البلد فإنه لو یصد بذلک أهل البلد لباع متاعه بقیمة عالیة فیکون نوع الناس فی مضیقة بخلافه إذا تصدی شخص البادی بذلک فإنه یبیع بقیمة الرخیص فیکون فی ذلک توسعة لنوع الناس مثلا إذا باع البادی للبقالین رخیصا فیبیع البقالین لأهل البلد کک فیکونون فی مضیقة.

و لیس المراد من قوله(علیه السلام)و لا یبیع الحاضر لبادی أنه لا یبیع الحاضر متاع شخص لباد فإنه غیر محتمل جدا فإن البادی یحتاج إلی المأکل و المشرب فکیف لا یسوغ لأهل البلد أن لا یبیع لبادی،بل یجوز ذلک بلا شبهة حتی فی الطریق ثم انه لا فرق فی ذلک بین البیع و غیره من الصلح و نحوه فان الغرض من النهی عن التلقی سواء کان حراما أو مکروها هو ترک التلقی للتجارة و التجارة غیر منحصرة بالبیع ثم ان من قبیل تلقی الرکبان کراهة أو حرمة استقبال الخدمة الزوار لأجل إعطائهم

ص:484

المسکن،بل لا بد و ان یخلوا سبیلهم فان المسلمین یرزق اللّه بعضهم من بعض کما لا یخفی کما لا فرق بین کون التلقی لاشتراء متاعهم کما تقدم أو للبیع منهم بان یکون غرض الرکبان شراء المتاع فتلقاهم أحد الحاضرین فباع منهم ما یحتاجون الیه.

ثم ان فی بعض الروایات أن الرکبان إذا باعوا من الحاضر فجائوا سوق فلهم الخیار.

أقول:ان کانت المعاملة مشتملة الغبن،فیثبت لهم خیار الغبن من غیر احتیاج إلی الروایة و الاّ فلا وجه للخیار فإنه لا معنی لثبوت الخیار بمجرد الدخول فی السوق علی ان الظاهر بحسب الفهم العرفی هو صورة کون المعاملة مشتملة علی الغبن،فان ظاهر قوله(علیه السلام)إذا جائوا بالسوق فلهم الخیار،یعنی لو کانوا مغبونین لا مطلقا علی أن الروایة ضعیفة السند، و اما النجش فقد تعرض له فی المکاسب المحرمة فلا وجه للإعادة(و معناه ان یزید الرجل فی ثمن السلعة و هو لا یرید شرائها لیسمع غیره فیزید بزیادة).

الکلام فیما إذا دفع الإنسان إلی غیره مالا

اشارة

قوله:مسألة:إذا دفع الإنسان إلی غیره مالا لیصرفه فی قبیل یکون المدفوع الیه منهم و لم یحصل للمدفوع إلیه،إلخ.

أقول:تارة یدفع المالک ماله لشخص و یکون المدفوع الیه مستقلا فی التصرف فیه کیف ما یشاء فلا یکون رأی الدافع ح متبعا بوجه و هذا کما إذا کان المدفوع الیه وکیلا للدافع بان یدفع الیه مالا لیصرفه فی محله و المدفوع

ص:485

الیه مخیر فی ذلک کیف ما یشاء و من هذا القبیل دفع الوجوه الشرعیة إلی المجتهدین لیصرفوها فی مواردها.

و أخری یدفع الدافع الی المدفوع مالا و یعین موارده فهل یجوز له الأخذ منه مع انطباق ما عینه الدافع علیه أم لا،کما إذا دفع الیه سهم الامام(علیه السلام) أو الخمس أو الزکاة أو غیرها من الوجوه الشرعیة و قال أعطها للصنف الفلانی و کان المدفوع الیه منهم هذا بناء علی کون ولایة تلک الوجوه تحت ید المالک أو کان البائع هو الحاکم الشرعی بناء علی ثبوت الولایة له علیها أو کان المدفوع من أموال الطلقة للدافع فهو علی أقسام شتی:- الاولی:أن تقوم قرینة خارجیة علی عدم رضی الدافع بأخذ المدفوع منه فإنه ح لا یجوز له الأخذ منه لانه تصرف فی مال غیره بدون اذنه فهو حرام و نظیره أن یعین له مقدارا خاصّا و قامت القرینة علی عدم جواز أخذه أزید من ذلک المقدار الخاص.

الثانی:أن یظهر الدافع قرینة حالیة أو مقالیة علی جواز أخذ المدفوع الیه من المال المدفوع و هذا و کک الشق الأول مما لا اشکال فیه و انما الإشکال فی الصورة الثالثة و هو یدفع الیه مالا و یقول ادفعه فی أصناف معینة و کان المدفوع الیه منهم فهل یجوز له الأخذ منه بالمقدار الذی یدفع الی أفراد الأصناف أم لا.

و کک یقع الإشکال فی الشق الأخر فی الصورة الثانیة و انه إذا اعتقد الدافع بأن المدفوع الیه أو فرد أخر غیره من المحصلین المبتدین و قد عیّن لهم عشرة مع أنه من العالین و قد عیّن لهم عشرین و کک إذا عیّن علی أفراد منهم خمسین باعتقاد أنهم من المتوسطین أو العالین و قد کانوا من المبتدین

ص:486

اعتقاد الدافع و ان کان علی خلاف الواقع أو یتبع الواقع و ان کان علی خلاف اعتقاد الدافع و الظاهر أنه ان کلامه أعطی هذا للفقراء بعنوان القضیة الحقیقة فح یتبع الواقع و الاّ فیتبع اعتقاد الدافع و مراد المصنف من الموضوعیة هو الأول،و مراده من الداعویة هو الثانی.

و بعبارة أخری أن کلامه بعنوان القضیة الحقیقة فیکون الواقع متبعا،و انما ذکره بعض المصادیق علی خلاف الواقع من باب الخطأ فی التطبق و ان کان غرضه من کلامه هو المصرف لما فی الخارج و بیان ما یعلم أنه من هذا الصنف فیتبع اعتقاده فإن الداعی انما یتفرع علی الاعتقاد لا الواقع و کلامه معرف لما اعتقد به و ان لم یکن هنا ظهورا فیدخل فی القسم الثالث و اما القسم الثالث:و کک الثانی مع عدم الظهور فی شیء اختلفت هنا کلمات الفقهاء فذهب جمع من الأصحاب إلی حرمة الأخذ و لذا قالوا:لو قالت امرأة بشخص زوجنی من أحد فلا مجوز له ان یزوجها من نفسه،فان ظاهر الوکالة کونها التزویج لغیره و کذا لو وکله لاشتراء شیء فلا یجوز ان یبیعه مال نفسه و ذهب جمع آخر الی الجواز فیما إذا طلق من دون زیادة علی غیره و فصّل بعضهم بأنه ان قال الدافع ضع هذا المال فی الفقراء مثلا و کان المدفوع الیه منهم فیجوز له الأخذ منه بقدر ما یخصه و ان قال أعطه للفقراء فلا یجوز فإن الإعطاء ظاهر من کون المعطی له غیر المعطی و لکن هذا التفصیل لیس تفصیلا فی المسألة بل تعیین لظهور کلام الدافع.

و هنا تفصیل آخر و هو انه إذا قال الدافع أعطه للفقراء مع علمه بکون المدفوع الیه من الفقراء لم یجز له الأخذ بما یخصه من المال فإنه لو کان بناء الدافع الإعطاء له لخصه بالذکر أیضا،و ان لم یعلم بفقره جاز له الأخذ

ص:487

بما یخصه فان غرض الدافع وصول المال الی هذا الصنف فهو منهم و لکن هذا التفصیل أیضا لیس تفصیلا فی المسألة،بل هو بیان لمورد ظهور کلام الدافع فإذا فتنحصر الأقوال بالقولین الجواز مطلقا و المنع کک.

و قد استدل علی عدم الجواز بما هو مقتضی الأصل الاولی هو عدم جواز التصرف فی مال أحد إلاّ بإذنه فلا یجوز له التصرف فی ذلک و کک الأمر لو وکلته امرأة فی تزویجها من أحد أو وکله أحد فی شراء شیء له،فإنه لا یجوز له تزویجها من نفسه کما لا یجوز له بیع ماله من الموکل فإن الأصل عدم الجواز الاّ فضولة فان ظهور الوکالة أن یکون التزویج و البیع و الشراء من غیر نفسه لظهور الوکالة فی المغایرة.

و بالجملة ففی المقام مقتضی حرمة التصرف فی مال غیر هو عدم الجواز الاّ مع الاذن فیه من صاحب المال و أیضا استدل علی عدم الجواز بقوله (علیه السلام)فی صحیحة ابن الحجاج المستندة فی التحریر الی الصادق (علیه السلام)و ان أضمرت فی غیره،فإنه لا یضر الإضمار من أحد بعد اطلاع غیره علی المنقول عنه و قد قلنا فی مبحث الاستصحاب فی الروایات التی استدلت بها علی حجیة الاستصحاب أن الروی الواحد سأل الإمام(علیه السلام)عن عدة أحکام و قال فی مقام النقل عاطفا بعض الجمل علی البعض بقوله و سألته و سألته و حیث قطعوا الاخبار و قد حصل الإضمار من التقطیع فإذا اطلع أحد بأصل الروایة فینقلها بغیر إضمار کما اطلع بحر العلوم علی ذلک فی روایات الاستصحاب حیث نقل بعضها عن الصادق(علیه السلام)و بعضها عن الباقر (علیه السلام)و بعضها عن أحدهما(علیه السلام)و کک فی المقام و قد اطلع العلامة علی أن المنقول عنه هو الصادق(علیه السلام)فنقل الروایة عنه(علیه السلام).

و کیف کان قال سألته عن رجل أعطاه رجل رجلا مالا لیصرفه فی محاویج

ص:488

أو فی مساکین و هو یحتاج أ یأخذ منه لنفسه و لا یعلمه؟هو قال:لا یأخذ شیئا حتی یأذن له صاحبه.

و قد استدل المجوزون بکون العنوان شاملا للأخذ أیضا فیجوز له الأخذ و أما روایة ابن الحجاج فقد تعارضت بالروایات الأخری الدالة علی الجواز المذکورة فی المتن بعضها من ابن الحجاج و بعضها من غیره و فیها صحاح و حسان فتکونان متعارضتین و متکافتین لعدم ترجیح إحداهما علی الأخری.

و توهم عدم التکافؤ من جهة أن المجوزة هی ثلاثة روایات فتکون مشهورة فتتقدم علی المانعة التی هی روایة واحدة فهو توهم فاسد،فان المراد من الشهرة الموجبة لترجیح احد المتعارضین علی الأخر لیس هو کون أحدهما کثیرة و لاخر قلیلة بل المراد من ذلک أی من الشهرة کون أحدهما مجمعا علیه بین الأصحاب بحیث ینقلها رواة الحدیث بخلاف الأخر بأن لم ینقلها الاّ نادر،و من الواضح أن الطائفتین فی المقام متساویة فی هذا الجهة فی الاشتهار و عدمه فیتکافئان و علی هذا فذکر المصنف أن کون الطائفتین واردتین علی وجه التعبد بعید جدا بأن یکون المراد من المانعة هو عدم جواز أخذ المدفوع من المال الذی دفع الیه حتی مع ظهور اللفظ فی الجواز و یکون المراد من المجوزة هو جواز ذلک حتی مع ظهور کلام الدافع فی عدم جواز الأخذ فلا یمکن حملها علی التعبد المحض و علیه فلا بد من حمل المانعة علی صورة عدم الظهور لکلام الدافع فی الأخذ من المال بما یخصه و حمل المجوزة علی صورة کون کلامه ظاهرا فی جواز الأخذ منه و مع عدم الظهور لشیء منها فیرجع الی مقتضی الأصل و هو عدم جواز التصرف فی مال أحد إلاّ بإذن مالکه فهذا حاصل کلام المصنف فی المقام.

ص:489

و الحاصل:أنه حمل روایات المنع علی صورة عدم الظهور لکلام المعطی فی أخذ المعطی له من المال و روایات الجواز علی فرض الظهور لذلک فیه و لکنه بعیدا جدا فإنه لا داعی للسؤال عن الجواز بعد ظهور کلام المعطی فی الجواز فان ما أعطاه انما هو ماله فجاز التصرف فیه بإذنه فإذا أذن لغیره فی ذلک فلا مورد للسؤال کما أنه مع عدم الاذن لا یجوز التصرف فیه فإنه حرام و بعد ظهور الکلام فی أحد الأمرین لا مورد للسؤال کما هو واضح.

الکلام فی الجمع بین الروایات المجوزة و المانعة

و قد یجمع بین الطائفتین بحمل المانعة علی الکراهة بقرینة ما دل علی الجواز کما هو مقتضی الجمع بین النهی و الترخیص فان قوله(علیه السلام)فی صحیحة ابن الحجاج (1):(لا یأخذ شیئا حتی یأذن له صاحبه)ظاهر فی عدم الجواز و قوله(علیه السلام)نعم،فی روایة (2)سعید بن یسار و قوله(علیه السلام)لا بأس أن یأخذ لنفسه کما یعطی لغیره صریح فی الجواز فمقتضی الجمع العرفی نحمل المانعة علی الکراهة.

و فیه أن ظاهر قوله(علیه السلام)لا یأخذ شیئا منه الا بإذنه أنه ناظر الی عدم جواز التصرف فی مال أحد إلاّ باذنه و علیه فلا یمکن حملها علی الکراهة کما منعه بعض مشایخنا المحققین.

و قد یجمع بینهما بحمل المانعة علی فرض تعیین المالک و مواضع مسماة

ص:490


1- 1) وسائل:ج 12 ص 206 باب 84 حدیث 3.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 206 باب 84 حدیث 1.

لصرف المال فإنه لا یجوز للمتصدی أن یأخذ لنفسه و حمل المجوّزة علی فرض أن لا یعین المالک للمال مواضع خاصة فإنه یجوز له الأخذ لنفسه و استشهد علیه بصحیحة (1)ابن الحجاج عن الرجل یعطی الرجل الدراهم یقسمها و یضعها فی مواضعها و هو ممن یحل الصدقة قال لا بأس أن یأخذ لنفسه کما یعطی غیره و لا یجوز له أن یأخذ إذا أمره أن یضعه فی مواضع مسماة إلاّ باذنه.

و فیه أن هذا الجمع أیضا بعید عن ظاهر روایة المانعة أعنی صحیحة الأولی لابن الحجاج فإنها آبیة عن ذلک سؤالا و جوابا فان قوله(علیه السلام)فی جواب السائل عن رجل أعطاه مالا لیصرفه فی محاویج أو مساکین و هو یحتاج أ یأخذ منه لنفسه و لا یعلمه هو قال لا یأخذ شیئا حتی یأذن له صاحبه مطلق، و کک السؤال فیبعد حملهما علی فرض تعیین المالک مواضع للمال المعطی.

و الصحیح أن یقال فی وجه الجمع هو حمل الروایات المانعة علی فرض کون المال المعطی من متملکات شخص المعطی کما إذا ورد فی بلد فأراد أن یقسم مالا فی صنف من غیر نظر الی کونهم فقراء أو أغنیاء فأعطاه شخص أن یقسم بینهم فإنه لا یجوز للأخذ أن یأخذ منه لنفسه حتی مع اتصافه بما اتصف به المبذول لهم فإنه مال لشخص الباذل فلا یجوز التصرف فیه الاّ باذنه.

و ربما یورد علی ما ذکرناه من الجمع بین الروایات بحمل المانعة علی الأموال الشخصیة و حمل المجوّزة علی الأموال النوعیة بأن مقتضی صحیحة ابن الحجاج (2)فی رجل أعطاه مالا لیقسمه فی المساکین و له عیال محتاجون

ص:491


1- 1) وسائل:ج 6 ص 200 حدیث 3 من باب 4.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 206 حدیث 2.

أ یعطهم منه من غیر أن یستأذن(یستأمر خ ل)صاحبه،قال:نعم،هو جواز أخذ المعطی له لنفسه سواء کان من مال نفسه أو من الأموال النوعیة و بهذا الاسناد ما یدل علی عدم الجواز إلاّ بالإذن عن صاحبه فیقع بینهما المعارضة فتسقطان لذلک فیرجع الی العمومات الدالة علی عدم الجواز فإنه یقال أن مقتضی روایة (1)أخری لابن الحجاج المذکور فی باب الزکاة هو الجواز فی الصدقة فإنه قال سألت أبا الحسن(علیه السلام)عن الرجل یعطی الدراهم لیقسمها و یضعها فی مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة،قال لا بأس أن یأخذ لنفسه کما یعطی لغیره،إلخ،فبهذا نقید الصحیحة الثانیة الدالة علی عدم الجواز مطلقا فتکون الصحیحة الثانیة أخص من الصحیحة الأولی، کان بمقتضی انقلاب النسبة فنخصّص بها الصحیحة الأولی فتکون النتیجة أن فی الأموال الشخصیة لا یجوز إلاّ بإذن المالک و فی الأموال النوعیة یجوز و حمل الروایات المجوّزة علی الأموال النوعیة کالوجوه الشرعیة المنطبقة علی الآخذ و غیره کالزکاة و الخمس و الصدقات و ردّ المظالم کما إذا أعطاها أحد لعالم أن یصرفه فی محله فإنه جاز له الأخذ منه بمقدار حاجته و ان لم یکن لکلام المعطی ظهور فی أخذه لنفسه إذا قال المعطی أعطه لصنف فلان ظهوره فی الإعطاء للغیر و نفس الآخذ منصرف عن ذلک،و علی هذا فیجوز للأخذ أن یأخذ لنفسه بمقدار احتیاجه خصوصا إذا کان ممن یجوز تصرفه فیه کالعلماء و المجتهدین فإن ولایة الوجوه الشرعیة لهم فی حال الغیبة.

و یدل علی ذلک أن المذکور فی روایات الجواز هو الزکاة و الصدقات

ص:492


1- 1) وسائل:ج 6 ص 200 حدیث 3.

و أما المذکور فی روایة المنع هو المال الشخصی بقرینة قوله(علیه السلام)(لا یأخذ شیئا حتی یأذن له صاحبه)حیث فرض صاحبا للمال المبذول و اعتبر اذنه فی دفع المال المبذول لغیر من عینهم فتکون کلتا الطائفتین من الروایات واردة علی طبق القاعدة فإن مقتضی القاعدة فی الأموال الشخصیة عدم جواز التصرف إلاّ بإذن صاحبه و مقتضی القاعدة فی الأموال النوعیة هو جواز بذله لمن انطبق علیه سواء اذن المعطی لذلک أم لا،و علی هذا فیبقی فی المقام شیء و هو أنه علی هذا فلا وجه لسؤال السائل فنقول أن الوجه فی ذلک هو احتمال أن یجوز للمتصدی بذلک أن یأخذ منه مع الاحتیاج حیث ان صاحب المال قال اصرفه فی محاویج و مساکین فاحتمل الآخذ جواز أخذه منه لأنه أیضا محتاج فأجاب الإمام(علیه السلام)أنه لا یجوز إلاّ بإذن صاحبه.

و فیما کان المال نوعیا کالزکاة و غیرها احتمل السائل عدم جواز أخذه حیث یحتمل أن یکون اذن المعطی دخیلا فی جواز التصرف فیه أیضا کأموال شخصه فأجاب الإمام(علیه السلام)بأنه لا بأس بذلک مع الاحتیاج،فیجوز المتصدی أن یأخذ منه لنفسه بمقدارها ببذله لغیره فافهم.

الکلام فی احتکار الطعام

اشارة

قوله:مسألة:احتکار الطعام و هو کما فی الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه یتربّص به الغلاء لا خلاف فی مرجوحیته.

أقول:یقع الکلام فی جهات:

الاولی:فی حکم الاحتکار

الظاهر أنه لا خلاف فی مرجوحیّته فی الجملة أعم من الحرمة و الکراهة،و لکن اختلفت کلماتهم فی ذلک فذهب المشهور إلی الحرمة مع عدم وجود الباذل و ذهب جمع آخر إلی الکراهة مطلقا لکون الناس مسلطین علی أموالهم،فلا وجه

ص:493

لحرمته إلاّ إذا عرض علیه عنوان آخر یقتضی حرمته کما إذا حکم الحاکم فی المخمصة بالبیع فإنه یحرم الاحتکار ح لحکم الحاکم،و الاّ فلا وجه لحرمته لنفس الاحتکار.

و الظاهر ان الاحتکار حرام مع عدم وجود باذل فی البلد و أما مع وجوده فیجوز الاحتکار لکون الناس مسلطین علی أموالهم و هذا القول قد اختاره المصنف.

و قد استدل المصنف علی ذلک بروایات منها صحیحة (1)سالم الحناط فإنها ظاهرة فی الحرمة مع عدم وجود الباذل حیث استفصل الامام(علیه السلام)فی ذلک و قال الحناط ما أبیع أنا من ألف جزء جزء یعنی أن الحنطة الموجودة عندی کجزء واحد من ألف جزء من الحنطة الموجودة فی البلد احتکاره، فإنه لا یوجب ظهور الغلاء فی البلد نظیر أن نشتری وزنة من الأرز فتحتکره فإنه لا یوجب ظهور الغلاء أصلا و قال الامام(علیه السلام)فلا بأس ثم قال أن المحتکر هو حکیم بن حذام حیث کان یحتکر الطعام المجلوب إلی المدینة فمر به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم قال یا حکیم إیاک أن تحتکر،فان کلمة أیّا تحذیر فتفید الحرمة.

و منها (2)صحیحة الحلبی عن ابی عبد اللّه علیه السلام أنه سئل عن الحکرة،فقال إنما الحکرة أن یشتری طعاما و لیس فی المصر طعام غیره فتحتکره فان کان فی المصر طعاما غیره فلا بأس أن یلتمس سلعتک الفضل فان مفهوم ذیل الروایة هو حرمة الاحتکار مع عدم وجود طعام فی البلد،

ص:494


1- 1) وسائل:ج 12 ص 316 باب 28 حدیث 3.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 315 باب 28 حدیث 11.

غیره بحیث یظهر فی البلد لأجل احتکاره غلاء واضح.

و منها (1)ما عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی ما کتبه الی مالک الأشتر علی ما فی نهج البلاغة و کان فیما کتبه فامنع من الاحتکار فان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله)منع منه الی أن قال فمن قارف حکرة بعد نهیک إیّاه فنکل و عاقب فی غیر إسراف فإنه لو کان الاحتکار مکروها لما جاز أن یأمر الإمام(علیه السلام)الأشتر بان یعاقب المحتکر.

و منها صحیحة (2)أخری للحلبی حیث سأل عن صلاحیة الاحتکار، فأجاب الإمام علیه السلام بأنه یکره و الکراهة فی کلمات الامام علیه السلام أعم من الحرمة و الکراهة المصطلحة و لیس لها ظهور فی الثانی،و قد ورد فی روایات الربا أن علیا علیه السلام کان یکره الربا فلا تکون هذه الروایة موجبة لصرف الروایات الأخری الظاهر فی الحرمة.

و منها ما فی مجالس المفید عن أبی مریم الأنصاری (3)عن ابی جعفر علیه السلام قال:قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)أیما رجل اشتری طعاما فحبسه أربعین صباحا یرید به الغلاء للمسلمین ثم باعه و تصدق بثمنه لم یکن کفارة لما صنع،و فی هذه الروایة مناقشة من حیث السند و الدلالة،أما المناقشة فی الدلالة فلأنه لو کان احتیاج الی الطعام کان احتکاره حراما حتی فی ثلاثة أیام و ان لم یکن احتیاج الیه لم یکن حراما حتی فی ستین یوما،فلا موضوعیة للأربعین.

ص:495


1- 1) وسائل:ج 12 ص 315 حدیث 13.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 313 حدیث 2.
3- 3) وسائل:ج 12 ص 314 حدیث 6.

و الظاهر أن الروایة راجعة إلی بیان جهة اخلاقیة تعبدا حیث أن الظاهر منها أن المحتکر انما حبس الطعام بنیة السوء فهی الغلاء من غیر أن یکون نظره الاسترباح و قد حکم الامام(علیه السلام)تعبدا أن من کان علی هذه النیة و لم یرجع الی أربعین یوما فتصدق مجموع الطعام لا یکون ذلک کفارة لما فعل فتکون الروایة خارجة عن المقام أصلا و ناظرة إلی قباحة نیة السوء و أما من حیث السند فقال المصنف فی کتاب الصلاة و فی هنا ان اشتمال سند الروایة ببنی فضال لا یوجب الوهن فیها،فان الظاهر إنما أخذت من کتبهم،و قد قال العسکری علیه السلام عند السؤال عنها خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا ثم ازداد فی المقام علی ما فی الصلاة ان کلام العسکری علیه السلام دلیل علی اعتبار جمیع ما فی کتب بنی فضّال فیستغن بذلک من ملاحظة من قبلهم فی السند فان کلامه علیه السلام أولی بعدم ملاحظة ما قبلهم فی السند من کلام الکشی من ادعاء الإجماع علی تصحیح ما یصح عن جماعة.

و فیه أما الکلام فی اعتبار الإجماع المدعی تصحیح ما یصح عن جماعة فهو مخدوش فی نفسه فإنه نری أنهم ینقلون فی روایاتهم المسندة عن الضعفاء فنعلم بذلک أنهم ینقلون عنهم أیضا مراسلیهم فلا یکون مراسلیهم بأجمعها حجة لکون کل مرسلة داخلة فی أطراف الشبهة.

علی أن هذا الإجماع لیس حجة فی نفسه لعدم کونه إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی المعصوم فغایة الأمر فمفاده أن جماعة من الرواة قد ثبت نقلهم عن الثقات فلا یلاحظ ما قبلهم من السند فی مرسلیهم و مسنداتهم و قد عرفت اشتمال مسنداتهم علی ضعف فی السند و أما ما ذکره فی حق کتب بنی فضال فکلام الامام(علیه السلام)ناظر الی أن انقلاب عقیدتهم لا یوجب الوهن

ص:496

فی روایتهم و أن فساد عقیدتهم لا تضرّ باعتبار روایتهم بل ما نقلوا من الروایات فهو باقی علی الحالة الأولیة فلا یناقش فیها من جهة فساد عقیدتهم و أما أن جمیع کتبهم معتبرة و لو کان بعضها مشتملا علی ضعف السند من غیر ناحیة بنی فضال بان نقلوا عن الضعفاء فلا یظهر من الروایة،فإن هذا الاحتمال لم یکن فی حقهم قبل فساد عقیدتهم،بل کان قبل ذلک یلاحظ أسانید ما نقوله من الأحادیث ان کان صحیحا أخذ به و الاّ فلا،فهلا أتی فساد عقیدتهم مقاما لهم بحیث صار جمیع ما فی کتبهم معتبرا حتی لا ینظر الی ما قبلهم من السند الذی کان ینظر الیه قبل فساد عقیدتهم فما افاده المصنف هنا لا یمکن المساعدة علیه و کیف کان فلا شبهة فی حرمة الاحتکار فکان الشارع أراد کون الأرزاق بین الناس و لیس لأحد حق منعها عنهم و دلیل سلطنتهم قاصرة عن ذلک بحکم الشارع کما ذکرنا فی بحث الأراضی أنه لیس لأحد منع الأراضی زائدا عن المقدار المتعارف فان الشارع یرید ان تکون الأراضی معمورة لا خربة فکذلک الحال هنا.

ثم انه بعد الفراغ عن حرمة الاحتکار یقع الکلام فی جهات الاولی:فی موارد الحکرة فی أنها فی أیّ شیء تتحقق و الذی یستفاد من المطلقات المتقدمة أن موضوع الاحتکار هو الطعام فکل ما یصدق علیه الطعام عرفا بحیث کان فی عرف البلد قوام الناس و حیاتهم نوعا بهذا الطعام فمنعه عن الناس احتکار و هذا یختلف باختلاف البلدان و العادات فمثل قشر اللوز طعام فی بعض البلدان،و من الحطب فی بعضها الأخر و مثل الشعیر لیس بطعام فی بلاد الهند حتی قیل لا یوجد فیها شعیر الاّ بمقدار الدواء و نحوه،و لکنه طعام فی بلاد العراق و الایران و الأزر طعام فی نوع البلاد خصوصا الرشت و مازندران و هکذا الزبیب و التمر و لیس بطعام

ص:497

فی بعضها الأخر،بل مثل الزبیب فی العراق و التمر فی بعض نقاط الایران یعد من الفواکه و علی الإجمال أن هذا شیء یختلف بحسب اختلاف الأمکنة و الأزمنة و العادات فکلما یصدق علیه الطعام فاحتکاره مع عدم وجود فی السوق حرام و الاّ فلا وجه للحرمة کما إذا احتکر احد الزبیب فی النجف أو التمر فی بعض نقاط الایران فلا یقال انه فعل حراما،نعم قد یکون حراما لأجل طروّ عنوان آخر علیه کما إذا احتاج أحد الی ما احتکره أخر للدواء و نحوه بحیث إذا لم یبعه منه لمات فإنه یحرم الاحتکار و المنع عن البیع و الإعطاء هنا و لکن لا لحرمة الاحتکار بنفسه،بل لأجل طروّ عنوان محرم علیه بمقتضی العنوان الثانوی.

و أما الروایات الحاصرة للاحتکار بأمور خاصة فهی مختلفة و فی بعضها حصره فی أربع الحنطة و الشعیر و الزبیب و التمر،و عن الفقیه زیادة الزیت و فی روایة قرب الاسناد بإضافة السمن أیضا،و فی روایة السکونی بإضافة السمن و الزیت و لکن کلها متفقة فی نفی الاحتکار بمفهومها فی غیر الأمور المذکورة فیها و لکن الذی یسهل الخطب أن کلها ضعیفة السند فلا یمکن رفع الید بها عن المطلقات الثابت حجیتها و الا لزم رفع الید عن الحجة بغیر الحجة الشرعیة.

فالمناط فی حرمة الاحتکار هو صدق احتکار الطعام علی ما أخذه المحتکر و حبسه فلا یبعد شمولها مثل الزیت و السمن و الملح فان المراد من الطعام ما یطعم به الإنسان و تقوم به حیاة البشر،و من الواضح أن هذا لیس مجرّد الحنطة و الشعیر و الأرز فإنها لیس بنفسها ما یطعم به فی الخارج، بل انما قوام طعامیته بالمقارنات من السمن و الزیت و اللحم و الملح و المقدمات من النار و نحوها،و علی هذا فلا یبعد أن یکون منع النفت عن

ص:498

الناس و احتکاره عنهم حراما فان قوام اطعمة النوع بذلک و یدل علی ذلک ذکر الصنف فی بعض الروایات (1)و کذلک السمن و ان کانت الروایة ضعیفة فإن من الواضح ان الزیت و السمن لیسا من الطعام بل انما هما من مقومات الطعام کما لا یخفی،و یدل علی ذلک أیضا قوله(علیه السلام)فی صحیحة (2)الحلبی فإنه یکره أن یحتکر و یترک الناس و لیس لهم طعام فان ترک الناس بغیر طعام لیس لمنع الحنطة و الشعیر فقط،بل بمنع کلّما یکون دخیلا فی تحقق الطعام من المقدمات و المقارنات فإن العلة و المنع واقعا فی حرمة الاحتکار ترک الناس بغیر طعام کما لا یخفی.

و بالجملة فکل ما یکون دخیلا فی قوام طعام البشر بحسب عادة نوع الناس بحیث یلزم من منعه ضیق النوع فی الحرج و المشقة و الضرر و العسرة فیکون احتکاره حراما و قد قلنا لیس لأحد السلطنة علی حبس طعام الناس و احتکاره و ان کان مالا لنفسه کما قلنا لیس لأحد حبس الأراضی و منعها عن العمارة کما تقدم فی محله.

الجهة الثانیة:أنه ذکر فی روایة السکونی إن الحکرة فی الرخصة

أربعین یوما و فی الغلاء و الشدة ثلاثة أیام

و الظاهر أنه لا یمکن تصدیقه فإنه ان کان للناس احتیاج الی ذلک بحیث کان فیهم غلاء و مخمصة فلا یجوز الحبس ساعة واحدة و الاّ فیجوز الحبس ستة أشهر،بل سنة بل أکثر علی ان الروایة ضعیفة،و نعم ما صنع الشهید حیث حمل الروایة علی فرض أن یکون الشدة و الاحتیاج الی ما حبسه المحتکر فی الغلاء بثلاثة أیام و فی الرخصة

ص:499


1- 1) وسائل:ج 12 ص 314 حدیث 7.
2- 2) وسائل:ج 12 ص 315 باب 28 حدیث 1.

بأربعین یوما و ان کان الحمل بعیدا و لکنه أولی من الطرح.

الجهة الثالثة:هل یختص مورد الاحتکار بشراء الطعام فقط أو یتحقق

بکل ما یقع فی یده

و لو کانت الغلة حاصلة من الزرع أو الإرث أو الهبة، الظاهر هو الثانی فإن المناط فی حرمة الاحتکار هو جمع الغلة،و ترک الناس بغیر طعام و لا یفرق فی ذلک بین الشراء و غیره.

ثم الظاهر أنّ الاحتکار اما حرام أو مباح بناء علی حرمته مع عدم الباذل و أما بناء علی کراهته فاما مکروه أو مباح فی نفسه فلا یتصف بالأحکام الخمسة کما ذکره المصنف نعم یمکن ان یتصف بالأحکام الخمسة بلحاظ العناوین الثانویة.

الجهة الرابعة:أن الاحتکار حرام إذا کان یترک الناس بغیر طعام

مع احتیاجهم الیه

و أما لو کان غرضه جمع الطعام و بیعه فی وقت نزول العسکر أو الزوار لئلا یقعوا فی مضیقة فلا یکون الاحتکار حراما و باعتبار هذه العناوین الطاریة یکون الاحتکار متصفا بالأحکام الخمسة و لکن الاحتکار فی نفسه،اما حرام أو مباح،کما لا یخفی.

الخامس:الظاهر أنه لا إشکال فی جواز إجبار المحتکر علی البیع

حتی بناء علی کراهة الاحتکار و لکن لیس للحاکم إلاّ الإجبار علی البیع فقط،و اما التسعیر فلیس له ذلک،بل للمالک أن یعین ذلک لان الناس مسلطون علی أموالهم و قد ورد فی بعض الأحادیث (1)أنه سئل النبی(صلی الله علیه و آله)عن الشعیر فقال(صلی الله علیه و آله)انه فی ید اللّه،نعم لو أجحف فی القیمة بحیث کان ازدیادتها نحوا من الاحتکار یمنع الحاکم عن ذلک بحیث یبیع المالک بقیمة

ص:500


1- 1) وسائل:ج 12 ص 317 باب 30 حدیث 1.

السوق،أو أکثر منه،بمقدار لا یمنع الناس عن الشراء،بأن تکون قیمة کل حقة من الحنطة مائة فلس و یبیع المحتکر بدینارین فإنه أیضا احتکار،کما لا یخفی.

الحمد للّه أولا و آخر و ظاهرا و باطنا،و قد وقع الفراغ عن کتاب البیع فی یوم الأحد 24 شهر جمادی الأولی سنة 1375 ه،و یتلوه ان شاء اللّه تعالی المجلد السادس بتوفیق الملک العلام،و الحمد للّه وحده و صلّی اللّه علی محمد و آله الطاهرین و سلم تسلیما.

ص:501

المجلد 6:کتاب الخیارات

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

اشارة

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

کتاب الخیارات

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السّلام علی محمّد و آله الطاهرین و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعین.

و بعد فیقع الکلام فی الخیارات و أحکامها.

مقدمتان

الأولی فی معنی الخیار

قوله الخیار لغة اسم مصدر من الاختیار.

أقول:الاختیار مصدر و الاسم منه الخیار و معنی الاختیار لغة هو طلب الخیر من أی شیء فیصحّ تعلّقه بالأمور التکوینیة و الاعتباریة نظیر الکسب و الاکتساب و ح یکون وصفا لنفس الأفعال الخارجیة و الأمور الاعتباریة حسب اختلاف متعلقة من الافعال و الأعیان و الاعتباریات و یقال اختار أحدهما لمصاحبته أی طلبه خیرا لنفسه و اختار بیع أمواله أی جعله خیرا لشخصه فالاختیار صفة لنفس ما أخذه خیرا و عنوان له من دون أن یکون من الأوصاف النفسانیة المعبّر عنه بالإرادة تارة و بالاختیار أخری و لا من الأفعال الخارجیة و الاختیار کالانتفاع و الاصطفاء و الانتقاء و منه أیضا استخارة المنزل.

و الظاهر أنه بهذا المعنی اللغوی استعمل فی الخیارات المختصة بالمعاملات من خیاری المجلس و الحیوان و غیرهما فان من

ص:3

له الخیار یتّخذ ما یختاره من الإمضاء أو الفسخ خیرا لنفسه و طلب کونه خیرا له و اتصف کل منهما بالاختیار و أصبح خیرا علی سبیل البدلیة و معنی البیّعان بالخیار أی لکل منهما أن یأخذ ما یختاره خیرا لنفسه و لیس المراد من الخیار هنا هو القدرة علی الفسخ التی من الأوصاف النفسانیة و لا السلطنة و المالکیة علی الفسخ و لا غیرهما من المعانی التی ذکروها فی المقام.

نعم تستفاد السلطنة و المالکیة من موارد أخذ الخیر لنفسه و اتخاذه لشخصه مثلا إذا قیل له الخیار فتدل اللام علی الاختصاص و الملکیة،و کل أن القدرة لیست من معنی الخیار فی شیء و انما هی من مقدمات اتخاذ الخیر فان من لیست له هذه القدرة لا یتمکّن من جعل شیء خیرا لنفسه.

و علی هذا فلا نحتاج فی استعمال کلمة الخیار فی الخیارات المصطلحة فی أبواب المعاملات إلی عنایة زائدة غیر ملاحظة المعنی اللغوی الاّ أن یکون هنا اصطلاح خاص فلا مشاحة فیه و بهذا اللحاظ أیضا استعمل فی مقابل الالتجاء و الاضطرار فان المضطر لا یتمکّن من الاستخارة لنفسه و اتخاذ الخیر لشخصه کالأعرج و الأشل و الأصم فإنهم لا یقدرون أن یتخذوا المشی أو الحرکات الصادرة من الید أو الکلام خیرا لأنفسهم،فجعل الاختیار بمعنی القدرة فی مقابل الاختیار انما هو بحسب الاصطلاح فقط و الا فهو خارج عن القدرة کما عرفت و الا فنفس الاختیار یقع فی مقابل الاضطرار و یعدّ قسیما له.

ثمّ ان موارد استعملات کلمة الخیار و ما اشتق منها و ان کانت کلها بحسب لحاظ المعنی اللغوی و لکن الذی فی أبواب المعاملات

ص:4

تمتاز بخصوصیة لیست فی غیرها من موارد الاستعمالات بداهة أنه فرق واضح بین الاختیار المتعلق بالأکل و الشرب و النوم و بین تعلقه بالفسخ و الإمضاء فإن المراد بالأوّل هو جعل الفعل الخارجی أو العین الخارجیة خیرا لنفسه من غیر أن یکون فی البین ما یتصل بالمختار بصیغة الفاعل بخلاف ما إذا تعلق بالعقود باعتبار الفسخ و عدمه فان معناه أن هنا شیء ثابت قابل لان یتعلق به الفسخ أو الإبقاء فی حاله و الاستمرار علیه،و نظیر ذلک ما قلناه فی أدلة الاستصحاب من أن مفهوم النقض انما یتحقق إذا کان هناک أمر مبرم و الا فلا یقال للحجر أنه نقض الحجر فبهذه الخصوصیة ینهاض الخیار المتعلقة بالعقود عن غیره من موارد استعمالاته،و أیضا خرج بهذه الخصوصیة الخیار الثابت للعمة و الخالة فی العقد علی بنت الأخت و بنت الأخ فإنه لم یثبت فیها شیء للعمة و الخالة حتی ترفعه العمة أو الخالة بالفسخ بل هی تدفع ما یتصل إلیها بالرضا و کک الحال فی العقود الفضولیة فی البیع و غیره و لکن بقیت العقود الجائزة بحسب الطبع واردة علیه أیضا فإن فیها أیضا شیء ثابت لذی الخیار له الفسخ و له الإبقاء.

الاّ أن فی الخیارات المصطلحة خصوصیة لیست موجودة فی العقود الجائزة بحسب الطبع فهی أن ذی الخیار فی موارد الخیارات المصطلحة إنما ملک الفسخ و الإمضاء أی له اتخاذ الفسخ خیرا لنفسه و له إبقاء العقد علی حاله أو إمضائه و أیضا فله مالکیة علی أصل الاختیار و الخیار بحیث له السلطنة علی إعدام اختیاره و رفع موضوعه بحیث لا یبقی هنا موضوع للفسخ و الإمضاء و لإعمال الخیار بان یسقط سلطنته علی اتخاذ کلّ من طرفی الاختیار خیرا لنفسه.

ص:5

و بعبارة اخری أن لذی الخیار فی موارد الخیارات المصطلحة سلطنتان إحداهما السلطنة المتعلقة بإعمال الخیار أی اتخاذ الفسخ أو الإبقاء خیرا لنفسه و ثانیتها السلطنة علی إعدام السلطنة علی اعمال الخیار و اتخاذ شیء منهما خیرا لنفسه فإنها من الحقوق فهی قابلة للإسقاط.

و هذا بخلاف العقود الجائزة فإن فیها لکل من المتعاملین فسخ العقد أو إبقائه علی حاله و لکن لیس لهما السلطنة علی إعدام سلطنتهما علی الفسخ أو الإبقاء فإن الجواز فیها من الأحکام فهی غیر قابلة للإسقاط و لو أسقطه المتعاملان ألف مرة و قد عرفت أن الجواز و التزلزل فی موارد الخیارات المصطلحة من الحقوق فهی قابلة للإسقاط،و بهذه الخصوصیة لا یدخل شیء من غیر الخیارات المصطلحة فی حدودها کما لا یخفی و أیضا صح القول بأن الخیارات المصطلحة هو اتخاذ الفسخ أو الإمضاء خیرا لنفسه فی العقود اللازمة بالطبع کالبیع و الإجارة و النکاح و غیرها.

و الحاصل أن المراد من الخیار هو المعنی اللغوی فی جمیع موارد الاستعمالات حتی فی باب العقود و هو اتخاذ الخیر لنفسه و الانتفاء و الاصطفاء کما صرّح بذلک فی اللغة و لیس بمعنی الملک فی المقام بل انما یستفاد الملکیة من موارد الاستعمال بحسب اقتران مادة الخیار بکلمة اللام أو ذو أو صاحب أو الباء أو بالهیئة المفیدة لهذا المعنی کهیئة المختار کما سنشیر الیه.

و علیه فیکون الاختیار و الخیار فی مقابل الاضطرار و الالتجاء بحسب الحقیقة فی جمیع الموارد فان المضطر لا یقدر علی اتخاذ الخیر

ص:6

لنفسه فیما اضطر الیه.

ثم لا یبعد أن یکون المراد من کون المکلف مختارا فی الفعل أو الترک فی مقابل التکالیف الإلزامیة الملجإ إلی الفعل شرعا هو هذا المعنی أیضا غایة الأمر أن الاختیار و الا لجاء هنا شرعی و ما ذکرناه فیما سبق تکوینی و من هنا یتضح ان إطلاق المختار علی الفاعل المختار علی هذا المنهج أیضا و من هنا ظهر أن استعمال المتکلّمین الخیار فی مقابل الاضطرار لیس اصطلاحا آخر کما ذهب الیه شیخنا المحقق بل باعتبار المعنی اللغوی کما عرفت.

ثمّ ان المشتقّات قد استعمل فی الاتّصالات الفعلی کما هو الغالب و قد تستعمل فی الشأنیّة و الاقتضاء و هذا أیضا کثیر فی نفسه کما یتضح ذلک لمن سیروا استقرأ موارد استعمالها و منه یقال سمّ قاتل و سیف سیار و أدویة مسهلة و أشربة مبردة و أغذیة مسخنة أو قابضة فان اتصاف الذات بالمبدء فی أشباه هذه الموارد لیس فعلیّا و انّما هو بحسب الشأنیة و الاقتضاء.

و من هنا یمکن توجیه کلمات القائلین بأن الخیار بمعنی القدرة علی الفسخ بدعوی المختار بصیغة الفاعل له فسخ العقد مع ثبوت الخیار له و له إبقائه علی حاله و له إسقاط أصل سلطنة أیضا فتکون القدرة و السلطنة علی الفسخ و الإبقاء مستفادة من هیئة المختار.

إذا کان اتصاف الذات فیه بالمبدء بحسب الشأن و الاقتضاء فان فی موارد ثبوت الخیار فصاحب الخیار مختار فی أمر العقد من حیث الفسخ و الإبقاء شأنا بأن یأخذ الفسخ خیرا لنفسه أو الإبقاء فإن له الانتقاء و الاصطفاء فی ذلک و الهیئة المستفادة من الهیئة عبارة

ص:7

أخری عن القدرة بل الأمر کذلک فی جمیع الموارد التی یتمکن الإنسان من إیجاد فعلی بحسب طول الزّمان فإنه یقال أنه مختار فی ذلک ای له القدرة علی أن یأخذ هذا الفعل خیرا لنفسه أو یترکه و یأخذ ترکه خیرا لنفسه فلا یکون تعریف الخیار بأنه القدرة علی فسخ العقد و إبقائه منافیا لما ذکرناه.

ثم انّک قد عرفت أن الخیار فی اللغة هو اتّخاذ الخیر و الاصطفاء و الانتقاء و بهذا اللحاظ قد استعمل فی جمیع الموارد غایة الأمر أنه تختلف متعلّقاته فإنه قد یتعلّق بالأکل و قد یتعلّق بالشّرب و قد یتعلّق بالأعیان الخارجیة کاختیار الدار و الرفیق و المرکوب و قد یتعلّق بالأمور بالاعتباریة و قد یتعلّق بفسخ العقد و إبقائه و قد یتعلّق برفع سلطنة علی الفسخ و یسقط خیاره،و علیه فلا خصوصیة لمادة الخیار فی شیء من موارد الاستعمال.

و لکن المراد من الخیار المصطلحة هو اختیار فسخ العقد أو إبقائه أو اختیار إقرار العقد فخرج بتعلّقه بالفسخ جمیع ما یتعلّق بغیر العقود من الافعال و الأعیان الخارجیة و کل خرج به عقد بنت الأخ و بنت الأخت علی العمة و الخالة و کک جمیع العقود الفضولیة فان فی جمیع تلک الموارد لم ینتسب الی المختار شیء حتی یتعلّق به الفسخ و یکون الفسخ فیه متعلقا للخیار اما فی غیر العقود المذکورة فواضح فان الخیار فیه لیس الا اختیار أحد الأمرین الذین هما طرفا الخیار من الأکل و ترکه و الشرب و ترکه و هکذا و أما فی العقود المذکورة فلانّه و ان ثبت هنا شیء و لکنه لم ینتسب إلی العمة و الخالة و الی المالک بل مع الإجازة و الإمضاء ینتسب العقد إلیهم و لکن و إذا اختاروا الردّ

ص:8

یرفعون ما ثبت بإنشاء الغیر لا أنهم یفسخونه فإنه لیس هنا عقد حتی یتعلّق به الفسخ بل ثبت لهم بعد الانتساب إلیهم و الفرض انه لم ینتسب إلیهم بعد فبالردّ یرتفع و لا یبقی شیء حتی یفسخ.

و خرج بکون ذی الخیار مختارا فی إقرار العقد و تثبیته العقود الجائزة بحسب الطبع و توضیح ذلک أن ذا الخیار فی موارد الخیارات المصطلحة کما له اختیار فسخ العقد و إبقائه علی حاله و کک له ازالة مالکیته علی اختیار الفسخ و الإبقاء و علی الانتقاء و الاصطفاء بان یقر العقد بإسقاط الخیار و بجعله لازما و غیر قابل الفسخ ففی الحقیقة له خیار ان أحدهما یتعلّق بالفسخ و الإبقاء و الأخر یتعلّق بالسلطنة علی الفسخ و الإبقاء بخلاف العقود الجائزة فإن فیها خیار واحد لکل من له الخیار و لیس له خیار آخر یتعلق بأصل السلطنة علی اختیار الفسخ أو الإبقاء و لو أسقطه ألف مرة لم یسقط کما تقدم فإنه من الأحکام فهی غیر قابلة للإسقاط.

و من هنا ظهر أن ما ذهب الیه بعضهم من أن الخیار المصطلحة ملک إقرار العقد و ازالته هو الصحیح فان المراد من إقرار العقد هو إسقاط الخیار و جعل العقد لازما و غیر قابل للانفساخ من ناحیة الخیار و هو ما ذکرناه من تعلّق الخیار بإزالة السلطنة علی الفسخ و الإبقاء،و المراد من ازالته هو ازالة العقد بالفسخ و إعدامه نعم التعبیر بملک فسخ العقد مسامحة فإن الخیار کما عرفت لیس ملک فسخ العقد و انما الملکیّة مستفادة من اللام و کلمة الصاحب و الذو أو من الهیئة کما عرفت فإن هیئة کلمة المختار تدل علی ذلک لما عرفت أن المشتق انما هو باعتبار الشأنیة و لاقتضاء و أن ذی الخیار بما أن له مقتضی

ص:9

للفسخ و قادر علیه بان یأخذه خیرا لنفسه و له شأنیة الاختیار و الانتقاء فینتزع من ذلک عنوان المالکیة کما لا یخفی.

و قد أشکل المصنف علی هذا التعریف بوجهین الأول أنه ان أرید من إقرار العقد إبقائه علی حالته الأولیة بترک الفسخ فذکره مستدرک لأنّ القدرة علی الفسخ عین القدرة علی الترک فإنها لا تتعلق بأحد الطّرفین فقط و الا فلا تکون قدرة.

و فیه أنه ظهر جوابه ممّا تقدّم فان المراد من ملک إقرار العقد لیس هو ترکه علی حاله و عدم فسخه مع جواز ان یفسخه کیف ما یشاء بل المراد منه هو إقرار العقد و إثباته و جعله لازما بحیث لا یقبل- الفسخ بالخیار فهو إشارة الی احد الاختیارین الذین تقدمت الإشارة إلیهما و قوله و ازالته فالمراد منه ازالة العقد بالفسخ فهو إشارة إلی الاختیار الثانی.

و علی الإجمال أن الخیارات المصطلحة منحلّة إلی خیارین و مرکب منهما أحدهما ما یکون متعلقا بالفسخ و الآخر ما یتعلق بأصل إعدام الخیار ای اتخاذ إعدامه الذی عبارة أخری عن إقرار العقد خیرا لنفسه(ما شئت فعبّر)فکل واحد من خیار الحیوان و المجلس و العیب و الشرط و غیرها مرکب من خیارین المذکورین فقد أشیر إلیهما فی التعریف المذکور فذی الخیار مختار فیهما نعم أخذ الملکیة فی التعریف لیس من جهة اعتباره فی مفهوم الخیار و تعریفه بل هی مستفادة من الهیئة أو من کلمة اخری کما عرفت.

الثانی أن أرید منه إلزام العقد و جعله غیر قابل لان یفسخ ففیه أن مرجعه إلی إسقاط حق الخیار فلا یؤخذ فی تعریف نفس

ص:10

الخیار لکونه مستلزما للدور فإنه ح یکون مفاد التعریف أن الخیار هو ملک إلزام العقد بإسقاط الخیار فهذا أخذ بالخیار فی تعریف نفسه فهو دوری.

و فیه قد ظهر جوابه مما مر و توضیح الاندفاع أن الخیار و أن أخذ فی التعریف و لکن المأخوذ فیه لیس نفس المعرف بل هو غیره اعنی الخیار الثانی لما عرفت من کون الخیار المصطلح مرکبا من خیارین فقول القائل الخیار ملک إقرار العقد أی الخیار المتعلق بإعدام السلطنة علی الفسخ هو إقرار العقد إسقاط فالمراد من الخیار الساقط هو المتعلق بالفسخ فالمعرّف غیر المعرف فلا یلزم الدور و بقوله و إزالته أشار الی الخیار الثانی.

ثم أورد المصنف نقضا علی التعریف المذکور بأنه ینتقض بالخیار المشترک فان لکل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا فلا یکون العقد لازما بإسقاط أحد الشرکاء خیارهم.

و فیه أنه أیضا ظهر جوابه مما تقدّم فان المراد من الإقرار هو إقرار العقد من قبله لا من قبل غیره و لا یقاس ذلک بالفسخ فان فیه خصوصیة لا یعقل بها أن یفسخ احد المتعاملین دون الأخر فإنه بالفسخ ینتقل مال کل شخص الی ملکه و لا معنی لان یفسخ العقد من طرف واحد فقط دون الأخر و لکن الإقرار و الإثبات لیس کذلک فإنه قابل لان یکون العقد لازما من طرف و جائزا من طرف آخر و إذا کان ممکنا ثبوتا فلا نحتاج فی مقام الإثبات إلی شیء آخر غیر ما یصدر من الشرکاء فی الخیار حیث أن أحدهم یسقط خیاره و الآخر لا یسقطه.

ص:11

و ما نحن فیه نظیر رفع الحجر الثقیل بعشرة رجال حیث ان ترک الرفع یستند الی ترک واحد منهم و لکن رفعه مستند الی جمیعهم ففی المقام أیضا رفع العقد یحصل بفسخ واحد و لکن الإقرار التام یحصل بالمجموع و مع ذلک فکل واحد یجعله من قبله لازما و ان شئت فمثل بترک کل واحد من عشرة رجال قتل شخص فإنه یصدق ح ان کل واحد منهم ترک قتله من قبله و قد مثل الأستاذ بهذا المثال دون الأوّل.

و علی الإجمال فالأحسن أن یقال فی تعریف مطلق الخیار هو ما یرجح به أحد طرفی الممکن علی الآخر سواء کان هناک مرجح آخر أم لم یکن و یکون فی مقابل الاضطرار فان الفاعل المضطر مجبور الی اختیار أحد طرفی الممکن الذی اضطرار الیه و لا یبقی معه اختیار فی الترک و الانتقاء و الاصطفاء و بهذا المعنی الواحد یستعمل فی جمیع الموارد و ان کان هنا اختلاف فإنما هو من ناحیة المتعلّق و بیان ذلک أن الخیار قد یتعلّق بالأفعال الخارجیة کالأکل و الشرب و غیرهما فیختار الفاعل اما الترک أو الفعل فیرجح باختیاره احد الطرفین علی الطرف الآخر.

و قد یتعلّق بالأعیان الخارجیة فیرجح المختار أحد الشیئین أو الأشیاء علی الأخر فیأخذه خیرا لنفسه.

و قد یتعلّق بدفع العقود عن الانتساب الی نفسه و ردّه عن الاتصال الیه من غیر ان ینضم الیه قبل ذلک شیء و هذا کاختیار المالک ردّ عقد الفضولی و اختیار العمة و الخالة عقد بنت الأخ و بنت الأخت.

ص:12

و قد یتعلّق بفسخ العقد و إبقائه و هو علی قسمین فإنه تارة یجتمع مع الخیار الآخر المتعلّق بإقرار العقد و عدمه و أخری لا یجتمع معه بل لا یمکن ان یقترنه لحکم الشارع بعدم لزوم العقد إلی الأبد.

و الثانی هو الخیار فی العقود الجائزة التی کانت جائزة بحسب الطبع و الأول هو المراد من الخیارات المصطلحة فان فی مواردها قد ثبت لذی الخیار خیار ان أحدهما ملک فسخ العقد و إبقائه علی حاله و الثانی ملک إقرار العقد بإسقاط الخیار و عدم إقراره فیسمی مجمع هذین الخیارین خیارا اصطلاحیّا و لهذا لا تسمی العقود الجائزة عقودا خیاریة مع تحقق الخیار فیه أیضا و لکنه لیس مرکبا من خیارین نعم التعبیر بالملک لیس من جهة أخذ الملک فی مفهوم الخیار و لعل النکات فی تعبیر ملک فسخ العقد فی تعریف الخیار هو ان معنی الخیار هنا هو ترجح أحد الطرفین من الفسخ أو عدمه و ترجیح احد طرفین ازالة العقد و إبقائه لما عرفت أن الخیار المصطلح مجمع الخیارین.

و من الواضح أن الترجیح انما یکون مع القدرة علی الترجیح فالخیار عبارة عن القدرة علی الترجیح و القدرة لیست إلا عبارة عن السلطنة فیصح أن یقال أن الخیار ملک ازالة العقد و لکن هذا المعنی منتف فی غیر خیار المصطلح فان فی الهبة مثلا و ان کان الواهب قادرا علی الفسخ أو الإبقاء و لکن کون الجواز فیه ضروری فلیس له ازالته عنها و کک إذا کان متعلق الخیار الأمور الخارجیة کالأکل و الشرب فإن أحد طرفی الفعل و ان کان فی اختیاره و لکن أصل کونه مختارا فی ذلک ضروری و لا یقدر ان یسلب اختیاره عن نفسه بل هو مستفاد

ص:13

من شیء آخر و منه الهیئة فان هیئة المختار أیضا تدل علی الملکیة فإنه قد أخذ فیها الهیئة و هذه الهیئة و ان کانت ظاهرة فی الهیئة الفعلیة و منه ما فی قضیة الصدیقة الطاهرة و هو المختار لها لسرعة الإلحاق.

و لکن قد یکون المراد منهما الهیئة الشأنیة و لکن بواسطة القرائن فیکون المشتق ح مستعملة فی الشأنیة کسیف قاطع و سمّ قاتل و مسهل نافع و أشربه مبردة أو مسخنة فان القرینة قائمة فی أمثالها علی أن الاستعمال بلحاظ التلبس الشأنی دون الفعلیة کما لا یخفی.

و من هنا ظهر ما فی کلام شیخنا الأستاذ حیث قال أن الخیار المتعلق بإقرار العقد و إلزامه انّما هو أیضا اعمال الخیار فإنه أحد طرفی ما تعلق به الخیار و لیس مرجعه إلی إسقاط الحق الذی فوق اعمال الخیار و وجه الاندفاع هو ما تقدم من أن ما تعلق بإقرار العقد خیار آخر غیر ما تعلق بالفسخ و الإبقاء.

و تحصّل من جمیع ما ذکرناه أن ما ذکره بعض الأصحاب من أن الخیار ملک إقرار العقد و ازالته هو المتعین و أحسن منه ما تقدمت الإشارة إلیه من أن الخیار المصطلح اختیار فسخ العقد و إبقائه و اختیار إقرار العقد و عدمه(ما شئت فعبّر).

و قد عرفت أنه لا یرد علیه ما أورده المصنف من الإیراد الأوّل و الثانی و کک نقضه بالخیارات المشترکة کما عرفت.

لا یتوهم أن المراد من الخیار المشترک هو الخیار الثابت للمجموع کما فی توارث الخیار عن المورث بناء علی عدم ثبوته لکل واحد من الورثة و علی عدم ثبوته علی الطبیعی من حیث هو علی ما هو أقوال المسألة.

ص:14

و الوجه فی ذلک هو ان أحد الشرکاء لو اعمل خیاره بان یفسخ العقد أو ألزم العقد بأن أسقط خیاره لا یضرّ بخیار الشریک الآخر بوجه مع أن المصنف فرض أن الفسخ یوجب انهدام العقد من طرف الشریک الآخر و یؤثر تأثیره بخلاف الإقرار فإنه من احد الشرکاء لا یوجب إقرار العقد من الشریک الآخر فیعلم من ذلک أن المراد من الخیار المشترک فی کلام المصنف هو الخیار الثابت لکل من البائع و المشتری حین الثبوت کخیار المجلس مثلا کما هو الحق فإن الظّاهر من قوله(علیه السلام)البیّعان بالخیار ما لم یفترقا هو ذلک و ان لکل منهما خیار و إذا أراد أحدهما أن یفسخ العقد فنفسخ من الطرف الآخر أیضا لخصوصیة فی الفسخ و هی أنه لا یعقل انفساخ العقد من طرف واحد و هذا بخلاف الإقرار فإنه یعقل إلزام العقد من طرف واحد کما عرفت هذه هی المقدمة الأولی

المقدمة الثانیة وقع الکلام فی تأسیس الأصل فی المقام لیرجع الیه

اشارة

عند الشک،فی الجواز أو الزوم

و قد وقع الکلام فی أن الأصل فی العقود هو اللزوم الا ما خرج بالدلیل أو الأصل فیها هو الجواز الا ما خرج بالدلیل فإذا علم من الخارج أن العقد الفلانی لازم أو جائز فلا کلام لنا فیه فان کل واحد منهما یترتّب علیه حکمه و انما الکلام فی الموارد المشکوکة بالشبهة الحکمیة کما إذا شککنا فی ان العقد الفلانی(کالسّبق و الرّمایة جائز أو لازم أو بالشبهة الموضوعیّة کما إذا وقع عقد فی الخارج و شککنا فی کونه من القسم الجائز أو من القسم اللازم فان فی جمیع ذلک یرجع الی ما أسس من الأصل.

فنقول ذکر غیر واحد تبعا للعلامة فی کتبه الأصل فی البیع اللزوم

و قد وقع الکلام فی بیان المراد من هذا الأصل
اشارة

فذکر المصنف وجوها

ص:15

أربعة فی بیان ذلک.

الأول أخذه بمعنی الغلبة

فإن أغلب أفراد العقد هو اللزوم و الجائز منه قلیل فإذا شککنا فی عقد أنه جائز أو لازم فالظن یلحق الشیء بالأعم الأغلب.

و فیه أنه مخدوش صغره و کبری و المصنف لم یتعرض لفساد الکبری لوضوحه أما الوجه فی فساد الکبری فلان قاعدة إلحاق المشکوک بالأعم الأغلب أدون من الاستقراء الناقص فحیث أن الاستقراء الناقص لیس بحجة فالقاعدة المذکورة أولی بان لا تکون حجّة بیان ذلک أن الاستقراء الناقص عبارة عن تتبع أفراد الطبیعة بقدر الطاقة و التمکن بحیث یحصل الظن من ذلک أن بقیة الأفراد أیضا علی هذا النسق ثمّ یتشکّل من ذلک القیاس فیوصل بالنتیجة و یقال أن ما صادفنا من افراد هذه الطبیعة کالحیوان مثلا یتحرک فکه الأسفل عند المضغ و کل حیوان کک فالحیوانات المشکوکة أیضا کک ظنا و هذا القیاس بما أنه یفید الظن فقط لا یکون حجة فان الظن لا یغنی من الحق شیئا.

و القاعدة المذکورة أدون من ذلک فان جمیع ما صودف به من افراد الطبیعة لیس علی نسق واحد لان الفرض أنها علی قسمین غایة الأمر أن قسم منهما أقل من القسم الآخر فلا یمکن هنا تشکیل القیاس بان کل أفراد الطبیعة کل حتی و هما فضلا عن الظن به للعلم بان قسم منها علی غیر النسق الذی علیه القسم الأخر،کما لا یخفی.

و بالجملة أن کبری هذه القاعدة باطلة لعدم الدلیل علی صدقها و أما الوجه فی بطلان الصغری ما ذکره المصنف ان أرید غلبة

ص:16

الافراد فغالبها ینعقد جائزا لأجل خیار المجلس أو الحیوان أو الشرط و ان أراد غلبة الأزمان فهی لا تنفع فی الافراد المشکوکة و ذلک فإن مده اللزوم و ان کانت طویلة و زائدة و لکن لا یوجب إلحاق المشکوک إلیه الذی لا ندری أنه تحقق لازما أو جائزا فإن الأغلبیة من حیث الأزمان لا یرتبط بالأغلب من حیث الافراد.

و بعبارة اخری أن بناء علی تسلیم الکبری أن الظن انما یلحق الشیء بالأعم الأغلب من صنف نفس هذه الطبیعة لا من الأعم الأغلب من طبیعة أخری مثلا أن الغلبة فی سادات الکاظمیة هی الطوال فلو شککنا فی فرد منهم أنه طویل أو قصیر فالظن یلحقه بالأغلب من هذه الطائفة لا بالأغلب من جمیع البشر و کک أن الأغلب فی المسلم أو فی أهل العلم التقی و إذا شک و فی فرد منهم فالظن یلحقه بالأغلب من المسلمین أو من أهل العلم لا بالأغلب من جماهیر العالم و لو من غیر المسلمین و فی المقام إذا شک فی عقد أنه جائز أو لازم فالظن یلحقه بالأعم الأغلب من صنفه و هو غلبة الأفراد بحیث یتصف حین الوجود بوصف من اللزوم أو الجواز لا بالأغلب من صنف آخر اعنی غلبة الازمان و من الواضح أن الغلبة فی الافراد هو الجواز فإن أغلب أفراد العقد یوجد جائزا لخیار المجلس أو الحیوان أو الشرط الا ان یشترط اللزوم فی ضمن العقد و من هنا ظهر أن ما ذکره غیر واحد من الاعلام من عدم الفرق فی إلحاق المشکوک بالأعم الأغلب بین غلبة الافراد و غلبة الزمان لا یرجع الی محصّل و انما هو ناشئ من عدم الوصول الی مراد المصنف.

و أما الأصل بمعنی القاعدة

فسیأتی التکلم فیه من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

ص:17

و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و کک سیأتی التکلم فی الأصل بمعنی الاستصحاب و ان تکلمنا فیهما فی المعاطاة و لکن إذا تمّ الاستصحاب و قلنا بجریانه فی الشبهات الحکمیة و الأحکام الکلیة یجری فی موارد الشبهات الحکمیة و الموضوعیّة و اما العمومات فلا تجری فی الشبهات الموضوعیّة کما إذا شک فی أن هذا العقد وجد لازما أو- جائزا لکونه تمسکا بالعمومات فی الشبهات المصداقیة کما لا یخفی.

و أما الأصل بالمعنی اللغوی

بأن یکون وضع البیع و بنائه عرفا و شرعا علی اللزوم فهو الظّاهر من کلام العلاّمة(ره)حیث قال و الفرض تمکن کل من المتعاقدین إلخ فإن هذا وجه آخر غیر الاستصحاب و انه هو الوجه الرابع ظاهرا بل هذا هو الصّحیح لقیام بناء العقلاء من المتدینین و غیرهم علی ذلک،و علیه فالشرط الضمنی فی کل عقد البیع موجود علی بقاء المعاقدة علی حالها و لا ینفسخ العقد بفسخ کل منهما کیف شاء و فی أیّ وقت أراد و لیس لأحد من المتبایعین أن یرجع الی الأخر بعد مدة و یسترجع العوض منه بفسخ العقد و إلا لما استقرّ نظام المعاملات و لا أظنّ أحد ببقاء أمواله تحت یده و ان مضی علی بیعه و شرائه سنین متمادیة و قرون متوالیة فإن العقد الجائز قابل الانهدام و لو بعد سنین و ح لا یستقر تملک الملاک فی مستملکاتهم المبتاعة من الغیر و اختلف تجارة التجار و نظام الاکتساب کما هو واضح نعم هذا یتم فی البیع فقط و أما فی غیره کعقد السبق و الرمایة مثلا فلا یتم فیه ذلک مع الشک فی جوازه و لزومه إذ لم نحرز کونه بناء العقلاء فی غیر البیع و نحوه کالنکاح مثلا علی اللزوم حتی یعتبر اللزام بالشرط الضمنی کما لا یخفی.

ص:18

و لذا ذکر المصنف أن الأصل بهذا المعنی انما ینفع مع الشک فی ثبوت خیار فی خصوص البیع لان الخیار حق خارجی یحتاج ثبوته الی الدلیل أما لو شک فی عقد آخر من حیث اللزوم و الجواز فلا یقتضی ذلک الأصل لزومه.

ثم ذکر المصنف(ره)و من هنا ظهر أن ثبوت خیار المجلس فی أوّل أزمنة انعقاد البیع لا ینافی کونه فی حدّ ذاته مبیّنا علی اللزوم لان الخیار حق خارجی قابل للانفکاک نعم لو کان فی أول انعقاده محکوما شرعا بجواز الرجوع بحیث یکون حکما فیه لا حقا مجعولا قابلا للسقوط کان منافیا لبنائه علی اللزوم.

و فیه أنه بعد ما تمّ بناء العقلاء علی عدم جواز رجوع کل من المتبایعین علی الآخر و صار بنائهم علی صیرورة کل منهما أجنبیّا عن ما له بعد تمامیة العقد فکما لا ینافی ذلک ثبوت خیار المجلس أو الحیوان فی أوّل البیع لکونه تخصیصا للقاعدة الثانیة ببناء العقلاء فکذلک لا ینافیه ثبوت الجواز الحکمی لعقد الهبة فإنّه أیضا یکون تخصیصا للقاعدة و لا یفرق فی ذلک بین کون الجواز من الحقوق أو من الاحکام و انما یظهر الفرق بینهما من حیث إمکان الإسقاط و عدمه فان الجواز فی الهبة لا ینفکّ عنها و لو أسقطه الواهب ألف مرّة فإنّه بعد ذلک أیضا بالخیار و هذا بخلاف الجواز الحقی فإنه یسقط بالإسقاط کما عرفته فی أول البیع

و أما الأصل بمعنی الاستصحاب

فهو انما یتم إذا شک فی لزوم عقد و جوازه بعد إحراز أنه تحقق لازما و ثبت اللزوم له و لو فی ان قبل الشک فإنّه حینئذ لا بأس بالتمسّک للاستصحاب لإثبات اللزوم و أما إذا کان العقد حین التحقیق جائزا و لم یطرء علیه اللزوم بعده

ص:19

ثمّ شککنا فی جوازه و لزومه فحینئذ نستصحب الجواز فیثبت عکس المقصود.

علی أن الاستصحاب انما یتم فی الشبهات الموضوعیة و امّا الشبهات الحکمیة فقد حققنا فی محله أنه لا یجری فیها الاستصحاب لکونه مبتلا بالمعارضة دائما،و علیه فإذا شککنا فی أن عقد السبق و الرّمایة جائز أو لازم فلا یمکن إحراز اللزوم فیه بالاستصحاب کما هو واضح

قوله بقی الکلام فی معنی قول العلامة فی القواعد و التذکرة

أقول:اختلف الکلمات فی بیان مراد العلامة(ره)حیث قال انه لا یخرج من هذا الأصل إلا بأمرین ثبوت خیار أو ظهور عیب مع ان العیب من أسباب الخیار فعن جامع المقاصد أنه من قبیل عطف الخاص علی العام و هو کثیر فی کلمات الفصحاء و فی الکتاب العزیز (و فیها فاکهة و نخل و رمان مع ان الفاکهة شاملة لما ذکر بعدها.

و فیه أنه انما یتم إذا ذکر فی المعطوف علیه أسباب الخیار فان العیب منها دون نفس الخیار و هما متباینان لا أن المعطوف علیه أخص من المعطوف.

و وجّهه المصنف بتوجیه آخر و حاصله:أن العیب سبب مستقل لتزلزل العقد فی مقابل الخیار،لان الخیار انما یتعلق بتمام العقد بحیث إذا اختار ذو الخیار الفسخ فینعدم العقد من أصله فیصیر کأن لم یکن،و أما إذا ظهر نقص فی أحد العوضین فان نفس ظهوره موجب لثبوت الأرش و ثبوت الخیار و لمالک العوض الناقص فی استرداد جزء من الثمن أو المثمن فالعقد بالنسبة إلی الجزء الناقص متزلزل قابل لإبقائه فی ملک المالک الأول و إبقائه فیه فهذا خیار متعلق

ص:20

بالمجموع من حیث المجموع لا بالجمیع.

و فیه أولا ما ذکره المصنف(ره)من أنه مبنی علی کون الأرش جزء حقیقیا من الثمن کما عن بعض العامة لیتحقق انفساخ العقد بالنسبة إلیه عند استرداده و قد صرّح العلامة فی کتبه بأنه لا یعتبر فی الأرش کونه جزء من الثمن بل له ابدا له لأن الأرش غرامة و ح فثبوت الأرش لا یوجب تزلزلا فی العقد.

و ثانیا ما ذکره السید(ره)فی حاشیة من أنه لا یعقل الفسخ بالنسبة إلی الجزء الا برد ما یقابله من العوض إذ مقتضی مقابلة المجموع بالمجموع کون بعض المبیع فی مقابلة هذا الجزء من الثمن فإذا رجع الی المشتری یرجع ما یقابله إلی البائع فلا بد من التزام أن هذا الفسخ و الاسترداد ابطال و ازالة للعقد بتمامه و جعله واقعا علی مجموع المبیع و ما بقی من الثمن و علی هذا فالتزلزل انّما هو بالنسبة إلی الکل لا خصوص جزء الثمن.

و وجهه شیخنا الأستاد بوجه ثالث و حاصله أن ما ثبت ببناء العقلاء أو غیره من اللزوم انما ینحل إلی أمرین الأول انه ثبت بناء العقلاء مثلا علی لزوم العقد بحیث لیس لکل واحد من المتعاملین أن یرجع الی الآخر بعد العقد بان یفسخ المعاملة و یرجع الی ماله.

الثانی أنه ثبت بناء العقلاء علی عدم مجواز مطالبة کل من المتعاملین من الأخر زائدا عن حقه الذی جری علیه العقد و لکن یخرج من الأصل الأول بالخیار و من الأصل الثانی بظهور العیب فإنه یوجب مطالبة الأرش فقول العلامة إنما یخرج من هذا الأصل بالخیار ناظرا الی الأصل الأول و قوله أو بظهور العیب ناظر الی الأصل الثانی و هذا الذی ذکره شیخنا الأستاد توجیه وجیه لا بأس به.

ص:21

قوله فمنها قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أقول

قد استدل المصنف
اشارة

علی اللزوم بوجوه

منها قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

فذکر أن الآیة دلت علی وجوب الوفاء بکل عقد و ادعی ان المراد بالعقد مطلق العهد کما فسّر به فی صحیحة ابن سنان المرویة فی تفسیر علی بن إبراهیم أو المراد منه ما یسمّی عقدا لغة و المراد بالوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه و الجری العملی علی طبقه نظیر الوفاء بالنذر فإذا باع احد ماله من شخص فبمقتضی الآیة وجب العمل بما یقتضیه التملیک من ترتیب آثار الملکیّة علیه و عدم جواز التصرف فیه و یحرم العمل بجمیع ما یکون نقضا للعقد

و منها التصرّفات بعد الفسخ

فحرمة التصرف لازم مساو للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرّد فسخ احد المتعاملین فیستدل بالحکم التکلیفی أعنی حرمة التصرف فی المبیع علی الحکم الوضعی أعنی عدم نفوذ الفسخ و تأثره فی العقد فیکون العقد باقیا بعد الفسخ أیضا فی کل زمان و لا ینعدم بأی زمانی و قد تحقق فی الأصول ان الحکم الوضعی منتزع من الحکم التکلیفی علی مذهبه.

و أشکل علیه بأن وجوب الوفاء فرع وجود العقد و بعد الفسخ نشک فی بقائه فلا یتم الا بالاستصحاب الی أن قال نعم لو کان الموضوع صدور العقد و لو لم یکن باقیا کان کما ذکر لکنه مقطوع العدم إذ مع فرض زوال العقد لا یجب الوفاء قطعا.

و فیه أن موضوع وجوب الوفاء إلی الأبد انما هو العقد حدوثا فإنه به مجرّد حدوثه یثبت له وجوب الوفاء إلی الأبد فیکون العقد حدوثا موضوعا لوجوب الوفاء المستمر بقاء فلا یکون مشکوکا فی نفسه لکونه مقطوعا فی ظرفه فیتمسک بالإطلاق بعد الفسخ أیضا فإن مقتضی ما ذکره المصنف

ص:22

من جری العمل علی طبق ذلک العقد الحادث لا یؤثر الفسخ فی شیء و لا یوجب کون العقد مشکوکا حتی تصل النوبة إلی الاستصحاب من جهة الشک فی بقاء الموضوع و عدمه.

نعم الملکیة تکون مشکوکة بعد الفسخ و لکنها أجنبیة عما ذکرناه و دعوا أن العقد بعد الفسخ یکون مشکوکا فی نفسه فلا یکون العقد محرزا حتی نتمسّک بالإطلاق واضح الدفع بما ذکرناه و یدفع ما ذکرناه بملاحظة الوقف و نحوه من کون العقد حدوثا موضوعا لوجوب الوفاء بقاء و علی الإجمال أن العقد حدوثا یکون موضوعا لوجوب الوفاء بقاء و هو لیس بمشکوک أصلا حتی لا یفید التمسک بالإطلاق و یلتجأ الی الاستصحاب بل هو مقطوع بعد الفسخ و قبله نعم بعد تحقیق الفسخ تکون الملکیة مشکوکة و لکنها لا ترتبط لما نحن فیه و علی هذا فکلما نشک فی ارتفاع ذلک ای وجوب الجری علی طبق العقد السابق فیتمسک بالإطلاق فکلام المصنف سلیم عن هذا الاشکال.

نعم یرد علی ما ذکره المصنف وجهان:الأول أن حرمة التصرف انما هی من الأحکام الشرعیة المترتبة علی الملکیّة فلا ربط لها بالعقد الذی هو عبارة عن الالتزام النفسانی فلا دلالة فی الآیة بناء علی ما ذکره المصنف علی لزوم العقد.

و توضیح ذلک أن الالتزام علی شیء قد یکون متعلّقا بالأمور الخارجیة کالنذر و العهد بأن یتعهد بالالتزام النذری أو العهدی علی فعل شیء فی الخارج أو علی ترکه فیه و قد یکون متعلقا بأمر اعتباری نفسانی أما الأول فیکون نقضه بالفعل الخارجی لکونه التزاما خارجیا بأن یترک ما التزام بفعله أو یفعل ما التزم بترکه و علی هذا

ص:23

فیکون التصرّف الخارجی نقضا للالتزام و العقد فتدل حرمة التصرّف علی حرمة الفسخ کما ذکره المصنف.

و أما الثانی فرفعه بنقضه فی عالم الاعتبار و رفع المعاقدة النفسانیة فلا ربط له بالتصرّف الخارجی حتی لو التزم بشیء و تعاهد علیه فی عالم الاعتبار و أوجد المعاقدة الاعتباریة فی ذهنه و مع ذلک التزم و بنا علی التصرّف الخارجی و عدم ترتب الحکم علیه فلا یکون ذلک مخلا بالتزامه العقد أصلا،مثلا لو باع داره من زید و بنی أن یأخذها منه بعد الإقباض أو تزوج امرأة و بنی أن لا یعطی لها نفقتها فإن بنائه هذا لا یضرّ بالالتزام العقدی بوجه و علیه فالآیة الشریفة ناظرة إلی الوفاء بالمعاقدة الاعتباریة التی نقضها برفع تلک الاعتبار النفسانی لا بالتّصرّف الخارجی فلا تدل الآیة علی حرمة التّصرّف أصلا حتّی لو لم یکن دلیل علی حرمة التصرّف فی مال غیره لم یظهر ذلک من الآیة و لجاز أن یبیع أحد أمواله ثمّ یتصرّف فیها تصرفا خارجیّا و هذا واضح جدا.

و ثانیا لو سلمنا کون التصرف نقضا للعقد فلما ذا یحرم التصرّف بعد ذلک التّصرّف الأولی فإن لازمة جواز التصرّف الثانی و الوجه فیه هو الموجود فی مقام البیع و النکاح و الإجارة و غیرها من العقود هو الأمر الوجدانی المستمر فإذا انقطع ذلک فی آن فیرتفع العقد بارتفاع الاستمرار و بعده لا یبقی موضوع لوجوب الوفاء أصلا.

نعم لو کان هنا أمور متعددة و التزامات و عقود متکثرة حسب تعدد الآنات و الساعات و الأیام کان هنا أیضا وجوب متعدد منحل إلی الأزمنة المتعددة فلا یکون عدم الوفاء بواحد موجبا لرفع الحکم

ص:24

عن الآخر و لکنه بدیهی البطلان فان ما نحن فیه نظیر النذر أو العهد أو الیمین علی القعود فی مکان من أول الصبح الی المغرب فإذا تخلف أنا واحدا و لم یجلس فیه فیرتفع وجوب النذر و لا یجب بعده- الجلوس فی ذلک المکان و یترتب علیه حکم مخالفة النذر و العهد و الیمین.

و لیس المقام من قبیل النذر علی إیجاد أمور عدیدة بحیث لا یستلزم الخلف فی واحد الخلف فی الآخر کأن ینذر أن یزور الحسین علیه السلام فی کل لیلة الجمعة و لکن تخلف و لم یزر لیلة واحدة فإنه لا یوجب الحنث فی اللیالی الأخر أیضا بل النذر فی مثل هذا ینحل الی نذور متعددة و یترتب علی کل واحد منها حکمه.

و التحقیق هو ما ذکرناه فی بحث المعاطاة من أن الوفاء عبارة عن انتهاء الشیء و إتمامه و منه الدّرهم الوافی أی التمام فالمراد من الأمر بالوفاء عبارة عن الأمر بالتمام العقد الذی عبارة عن المعاقدة و المعاهدة فتدلّ الآیة علی وجوب إتمام العقد و عدم جواز فسخه و لکن حیث أنّه لیس الفسخ من المحرّمات قطعا فان رفع الالتزام النفسانی و الاعتبار النفسی و عدم الوقوف علی الالتزام الاولیّ لیس من المحرّمات قطعا الا بعنوان التشریع و النسبة إلی الشارع فیکون الأمر للإرشاد الی عدم تأثیر الفسخ فی رفع الالتزام نظیر عدم صحة الصلاة عن الحائض و کون الأمر بترکها إرشادا الی ذلک فتدل الآیة بالمطابقة علی اللزوم.

و بعبارة أخری الظهور الأولی للأمر هو الوجوب المولوی کما حقق فی محلّه و لکن نرفع الید عنه بالقرائن الخارجیة و یحمل علی

ص:25

الإرشاد و فی المقام أن الأمر بالوفاء علی العقد و أن کان ظاهرا فی المولویة فی نفسه و لکن بما أن الفسخ المتعلق به لیس من المحرّمات بحیث یحرم لأحد المتعاملین ان یفسخ التزامه و ینقضه و لا ینهاه الی الآخر فیکشف من ذلک عدم کونه ظاهرا فی الوجوب المولوی و یحمل علی الإرشاد فتکون الآیة ابتداء دالة علی اللزوم بالمطابقة و ان العقد لا ینقض و ینفسخ بالنقض و الفسخ فلا نحتاج فی استفادة اللزوم الی الالتجاء بکون الحکم الوضعی منتزعا من الحکم التکلیفی کما صنعه المصنف علی أنه لا یمکن المساعدة علیه فی نفسه کما حققناه فی علم الأصول و قلنا أن الاحکام الوضعیة بنفسها مجعولة للشارع.

و قد أشکل علی الاستدلال بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ علی اللزوم بناء علی ما ذکرناه من دلالتها علی اللزوم بالمطابقة بأن مبنی الاستدلال بهذه الآیة علی اللزوم هو أن الأمر فی الآیة انما هو إرشاد إلی اللزوم لان رفع العقد و فسخه و هدم کل من المتبایعین التزامه بدون رضا الآخر لیس حراما فی الشریعة غایة الأمر أنه لا یؤثر فی رفع العقد و لا یوجب نقضه و رفعه إلا مع رضا الآخر لیکون اقالة فیکون الأمر بهذه القرینة إرشادا الی أن العقد لا ینحل و لا ینفسخ بالفسخ و لا ینقض بالنقض فتدل الآیة بالمطابقة علی اللزوم.

و أشکل علیه بأن الأمر فی المقام یدور بین رفع الید عن ظهور الأمر فی المولویة و حمله علی الإرشاد کما ذکرتم و بین رفع الید عن ظهور أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فی جمیع العقود حتی الالتزامات الخارجیة من النذر و العهد و غیرهما و الالتزامات النفسیة کالعقود من البیع و نحوه فتخصیصها بالالتزامیة الخارجیة فقط حتی لا یقال أن الفسخ لیس

ص:26

من المحرمات بل تختص الحکم بالوفاء فی الآیة بالنذر و العهد و نحو هما من الالتزامات الخارجیة فلا مرجع لرفع الید عن ظهور الأمر فی المولویة و حمله علی الإرشاد دون الثانی فتکون الآیة مجملة فلا یمکن الاستدلال بها علی اللزوم.و فیه أن هذا الدوران ممنوع جدا فان معنی رفع الید عن ظهور الأمر و حمله علی الإرشاد لیس هو ذلک بل معناه انا نرفع الید عن ظهور الأمر فی الوجوب التکلیفی و نحمله علی الإرشاد و هذا لا ینافی المولویة فالأمر علی کل حال باق علی مولویته سواء حملناه علی الإرشاد به أم لا و لکن بمقتضی القرینة المتقدمة نحمله علی- الإرشادی المولوی و الوجه فی ذلک هو أن المعنی الإرشادی غیر ما ذکروه من حمل الأمر علی الإرشاد مقابل المولوی فإنه إرشاد إلی حکم العقل کما فی أطیعوا اللّه و أطیعوا الرسول فإنه فی موارد حکم العقل لا مجال للمولویة فلا بدّ من حمل الأوامر الواردة فی تلک المقامات علی الإرشادیة و کونها إرشادا إلی حکم العقل فقط و هذا بخلاف حمل الأمر علی الإرشاد مقابل الوجوب و التکلیف فإنه مع کون الأمر إرشادیا فهو باق علی مولویته أیضا فإن إمضاء العقد و جعله لازما بحیث لم ینفسخ بالفسخ هذا أیضا حکم مولوی و ثابت بجعل الشارع کما أن الأمر بالوضوء عقیب الأحداث الناقضة للوضوء إرشاد إلی بطلان الوضوء بها و الأوامر و النواهی المتعلقة بأجزاء الصلاة إرشاده إلی المانعیة أو الجزئیة و مع ذلک کلها أحکام مولویة فإن أجزاء الصّلوة و موانعها کلها مجعولة للشارع فالأمر بها مولوی محض غایة الأمر لیس تکلیفیّا و علی هذا فإذا حملنا الأمر بالوفاء بالعقود علی الإرشاد فلا یکون رفعا للید عن ظهور الأمر فی المولویة بل رفع الید عن ظهوره

ص:27

فی الوجوب.

و علی هذا فتدل الآیة علی لزوم الوفاء بکل عقد حتی العقود و الالتزامات الخارجیة و لیس دائرا بین رفع الید عن ظهور الأمر فی المولویة أو عن ظهور المعقود فی الأعم من الالتزامات النفسیة و الالتزامات الخارجیة بل أرید من الأمر المولویة و هو عبارة عن إظهار ما فی النفس من اعتبار الفعل علی ذمة المکلف سواء کان علی سبیل التکلیف أو لا فهذا المعنی یختلف بحسب الموارد ففی مورد یکون إمضاء محضا فقط کما فی البیع و نحوه فإنّه إمضاء لما عقده المتعاملان بعنوان المولویة و فی العهد و النذر علی نحو التکلیف و علی هذا فمعنی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أی أوفوا بجمیع عهودکم و عقودکم و التزاماتکم النفسیة و الخارجیة فیشمل ذلک عهد اللّه علی العباد الذی عهد علیهم فی عالم الذر بقوله جل و علی أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ.

و أیضا یشمل عهد العباد علی اللّه تعالی کالنذر و العهد و الیمین و یشمل عهد العباد بعضهم بعضا کما فی موارد العقود.

و علی الاجمال فالآیة وافیة الدلالة علی اللزوم دلالة مطابقیة کما عرفت.

قوله و من ذلک یظهر لک الوجه فی دلالة قوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ علی اللزوم.

أقول حاصل کلامه أن المراد من حلیة البیع هو حلیة جمیع التصرفات التی تترتب علی البیع و یجوز لکل من المتبایعین أن یتصرّف فیما انتقل الیه جوازا تکلیفیا مطلقا فهو یشمل ما بعد الفسخ أیضا

ص:28

فیدل علی عدم تأثیر الفسخ فی العقد و کونه لغوا و الا لکان التصرف بعد الفسخ تصرّفا محرما لکونه فی مال الغیر فهذا المعنی یستلزم اللزوم فتدل الآیة علی أن الأصل فی العقود هو اللزوم بالالتزام و قد حقق فی محلّه أن الدلالات الالتزامیة حجّة فی باب الألفاظ و منه یظهر وجه الاستدلال علی اللزوم بإطلاق حلیة أکل المال بالتجارة عن تراض فإنه یدل علی أن التجارة سبب لحلیة التصرّف بقول مطلق حتی بعد الفسخ فتدل هذه الآیة أیضا علی أصالة اللزوم بالالتزام فان لازم جواز التصرف حتی بعد فسخ أحد المتعاملین هو لزوم العقد و عدم انحلاله بالفسخ و الا لکان التصرف بعد الفسخ حراما کما لا یخفی.

و قد أشکل المصنف(ره)علی الاستدلال بالآیتین علی أصالة اللزوم و أوضحه شیخنا الأستاذ و حاصله أن التمسک بالإطلاق إنما یفید إذا کان الشک فی قیود الموضوع و حالته و أنحائه مثلا إذا قال المولی جئنی بالماء فتمسک بإطلاق کلامه بالنسبة إلی حالات الماء و نحکم بجواز إتیان أیّ ماء بحیث صدق علیه الماء کما یمکن أن یکون الحکم بالنسبة إلی حالات الموضوع مقیدا أیضا فالمقصود أن الإطلاق و التقیید فی الحکم انما هو بالنسبة إلی حالات الموضوع فقط.

و أما بالنسبة إلی حالات الحکم أو رافعه فلا یمکن أن یکون الحکم مطلقا أو مقیدا کما أن الاحکام الثابتة علی الأشیاء بعناوینها الأولیة لا إطلاق لها بالنسبة إلی العناوین الثانویة.

و السر فی ذلک أن المحکوم علیه لیس ناظرا الی نفسه فضلا عن أن یکون مطلقا بالنسبة إلی حاکمه.

ص:29

و فی المقام إذا کان الفسخ مؤثرا فإنّما هو یؤثر فی رفع نفس الحلیة و علیه فلا إطلاق فی الحلیة إلی رافعها فان الحکم لیس له إطلاق إلی حالات نفسه فضلا عن أن یکون له إطلاق إلی رافعه و حینئذ فلا یمکن التمسک بالآیتین لإثبات أصالة اللزوم و عدم تأثیر الفسخ فی رفعه نعم لا بأس بجریان الاستصحاب فی صورة الشک ثمّ وجه شیخنا الأستاذ جهة تخصیص المصنف هذا الاشکال بالآیتین و عدم جریانه فی الآیة السابقة علیهما أی آیة أوفوا.

و حاصله أن موضوع وجوب الوفاء کما ذکرناه هو المعنی المصدری من العقد الذی یعبر عنه فی لغة الفرس بلفظ(گره زدن)دون الاسم المصدری أعنی العقدة الحاصلة من المعنی المصدری الذی یعبر عنه فی لغة الفارس بلفظ(گره)فإذا تحقق الفسخ فلا یکون مانعا عن التمسک بالإطلاق فنتمسک بإطلاق أوفوا و نحکم بعدم تأثیره فی رفع العقد فإنه لا یکون ما هو موضوع وجوب الوفاء أعنی العقد بمعنی المصدری مشکوکا بالفسخ کما تقدم و انما یکون المشکوک هو العقدة أی العقد بمعنی الاسم المصدری فیجوز التمسک بالإطلاق کما لا یخفی.

أقول الظاهر أنه لا یتم الاستدلال بالآیتین علی أصالة اللزوم و علی تقدیر تمامیته لا یرد علیه الاشکال المذکور و علی تقدیر وروده فلا فارق بین الآیتین و بین آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

قلنا فی المقام ثلاث دعاوی الدعوی الاولی أنه لا یتم الاستدلال بالآیتین علی أصالة اللزوم و الوجه فی ذلک هو أن المراد من الحلیة إما الحلیة الوضعیة أو الحلیة التکلیفیة أو الأعم منهما و علی کل حال لا دلالة فی الآیة علی أصالة اللزوم بوجه.

ص:30

أما إذا کان المراد من الحلیة هی الوضعیة فلان معنی ذلک لیس الا نفوذ البیع فی مقابل استناد الحرمة و عدم النفوذ الی الربا فلا تعرض فیها لارتفاعه أو عدم ارتفاعه بالفسخ أصلا کما أن قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا لا یدل علی أزید من حرمة المعاملة الربویة فبقرینة المقابلة تکون الحلیة واردة علی أصل البیع من حیث الحدوث أی أن البیع جائز و نافذ فی الشریعة المقدسة و لیس مثل الربا کما زعمه أهل الجاهلیة فلا دلالة فیها إلی حلیة التّصرّفات المرتبة علی البیع.

و علی الاجمال لیست الآیة متعرضة لبقاء البیع و عدم بقائه بعد التحقق و أن الفسخ یؤثر فیه أم لا و انما هی ناظرة إلی أصل ثبوت البیع و نفوذه فی الشریعة المقدسة.

و أما إذا کان المراد من الحلیة هی الحلیة التکلیفیة فلان الآیة أیضا ناظرة إلی استناد الجواز و الإباحة إلی البیع و کونه غیر محرم فی الشریعة بقرینة مقابلة بحرمة الربا فان غرضه تعالی استناد الحرمة فقط الی الربا و بیان کونه حراما فی الشریعة کشرب الخمر بل بعاقب کاتبه و شاهده و البائع و المشتری فلیست الآیة ناظرة إلی جواز التصرف أصلا أی التصرفات المترتبة علی البیع بل ناظرة إلی حلیة نفس البیع کما أن قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا ناظر إلی حرمة نفسی فإنه من المحرمات الشرعیة حتی یقتل منکر حرمته و تبان زوجته و تقسم أمواله و لیس البیع و الربوی مثل بیع الغرری أو بیع أو ما لیس عندک أو بیع ما لا یقدر علی تسلیمه و غیر ذلک من البیوع الفاسدة فإنها فاسدة فقط و لیس بحرام تکلیفا الا بالتشریع فلو باع احد بالبیع الفاسد لا یکون فاسقا بخلاف البیع الربوی و مقابل هذا ای البیع

ص:31

الربوی الحرام تکلیفا هو البیع الحلال الذی رخص فیه الشارع تکلیفا و أما التصرفات المترتبة علیه فاجنبیة عنه فلا دلالة فی آیة حلیة البیع علی اللزوم.

و من هنا ظهر الحال لو أرید من الحلیة الحلیة الوضعیة و التکلیفیة معا کما لا یبعد ان یکون هو المراد من الآیة فان معنی الحلّ فی اللغة هو الإطلاق و یعبر عنه فی الفارسیة بکلمة(گرده زدن و باز نمودن) و هو أعم من الحلیة الوضعیة و التکلیفیة لأنه لم یکن استعمال الحلیة تارة فی الوضعیة و أخری فی التکلیفیة مرسوما فی اللغة و زمان النبی (صلی الله علیه و آله)و الأئمة علیهم السلام و انما هو اصطلاح جدید فی السنة الفقهاء رضوان اللّه علیهم فلا یلزم من استعمال کلمة الحل فیهما استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحده.

و علی الجملة فالحلیة عبارة عن الإطلاق فهو یختلف بحسب المصداق لأنه تارة تکون وضعیة بمعنی نفوذ المعاملة و أخری تکلیفیة بمعنی الجواز و عدم المنع عنه شرعا.

و علی کل حال فالآیة ناظرة و الی ثبوتها للبیع و کونه حلالا فی الشریعة المقدسة وضعا و تکلیفا و أما انه لا یرفع بالفسخ أو یرفع به فالآیة أجنبیة عن ذلک بالمرة فتحصل أن الآیة لا تعرض فیها عن حلیة التصرفات المترتبة علی البیع فضلا عن استفادة اللزوم من ذلک بالالتزام.

و من هنا ظهر الحال فی قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ بل الأمر فیه أوضح فإن المراد من قوله تعالی فی المستثنی منه لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ لیس هو الأکل بمعنی الازدراد لأنه

ص:32

إنما أضیف إلی الأموال و من الواضح أن المأکولات بالنسبة إلی غیرها کقطرة من البحر فبمناسبة الحکم و الموضوع فلا بدّ و أن یراد منه التملک بأخذ الأکل کنایة عنه کما هو المستعمل فی ذلک کثیرا حتی فی العرف الحاضر و قد استعمل الأکل بمعنی التملک فی الکتاب الکریم فی غیر هذا المورد أیضا کقوله تعالی وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ.

و علی هذا فمعنی الآیة أن تملک أموال الناس بأی سبب من الأسباب حرام و غیر جائز شرعا الا ان یکون التملک بسبب و هو التجارة عن تراض فإنه جائز و حلال فی الآیة ناظرة إلی أصل جواز التملک و أما التصرّفات المترتبة علی التملک فخارجة عن حدود الآیة بالکلیة فضلا عن دلالتها علی أصالة اللزوم.

و الحاصل أنه استدل المصنف بأیة حلّ البیع علی لزوم العقد بدعوی أنها تدل بالمطابقة علی حلیة مطلق التّصرّفات حتی التّصرّفات الواقعة بعد الفسخ و من الواضح أنه لو کان الفسخ مؤثرا فی حلّ العقد و إعدامه لکانت التصرفات الواقعة بعد الفسخ محرّمة فتدل الآیة بالملازمة علی لزوم البیع و عدم انفساخه بالفسخ و بهذا یظهر دلالة آیة النجارة عن تراض اعنی قطعة المستثنی فإنها تدل بالمطابقة علی حلیة الأکل بالتجارة عن تراض مطلقا.

و بعبارة اخری انها ظاهرة فی أن التجارة عن تراض سبب لحلیة التصرف بقول مطلق حتی بعد الفسخ من أحدهما من دون رضی الآخر.ثمّ أشکل علی الآیتین بان الفسخ رافع للحلیة فلا یکون الحکم شاملا بإطلاقه لرفع نفسه و أوضحه شیخنا الأستاذ بأن

ص:33

الحکم انما له إطلاق بالنسبة إلی حالات الموضوع و قیوداته و اما حالات نفس الحکم فضلا عن رافعه فلا إطلاق له بالنسبة إلیها فإنه لا یعقل أن یؤخذ الحکم مطلقا بالنسبة الی حالة نفسه و روافعه ثم فرق بین هاتین الآیتین و بین آیة أوفوا بدعوی أن موضوع الوفاء فی آیة أوفوا هو العقد بمعنی المصدری فهو قطعی الوقوع فلا یکون مشکوکا بالفسخ و انما المشکوک بعد تحقق الفسخ هو العقد بمعنی الاسم المصدری فتدل الآیة علی حلیة التصرفات المترتبة علی العقد بمعنی المصدری مطلقا حتی بعد الفسخ کما هو مبنی استدلال المصنف فشک فی رافعیة الفسخ العقدة لئلا یجوز التصرّفات بعد الفسخ فنتمسک بإطلاق الآیة و نحکم بعدم تأثیر الفسخ بوجه فلیس الفسخ رافعا لنفس الحلیة حتی لا یمکن التمسک بإطلاق فتدل الآیة علی اللزوم بالالتزام کما هو واضح و هذا بخلاف الآیتین کما عرفت الحال فیهما.

و لکن قلنا أنه لا یمکن التمسک بالآیتین علی إثبات اللزوم فی العقود و علی تقدیر تمامیة الاستدلال بهما علی اللزوم فلا یرد علیه ما أورده المصنف و لو تم الاشکال فهو مشترک المورود للآیتین و آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ کما ذکره السید و لکن ببیان آخر و لنا فی المقام ثلث دعاوی الاولی فی عدم صحة الاستدلال بالآیتین علی أصالة اللزوم فنقول ان المراد من الحلیة إما وضعیة أو تکلیفیة أو الأعم منهما و علی کل حال لا دلالة فی الآیتین علی المقصود أما إذا کان المراد منها الحلیة الوضعیة فلان معناه نفوذ البیع و صحته فی الشریعة الإسلامیة و قد تدل آیة حل البیع علی کونها مستندة الی البیع فلا دلالة فیها علی أزید من استناد الحلیة الوضعیة إلی البیع و تدل علی ذلک مقابلته

ص:34

باستناد الحرمة إلی الرّبا فان معنی حرمة الرّبا بناء علی أخذ الحرمة أیضا وضعیة بقرینة المقابلة هو عدم نفوذ الرّبا و أنه فاسد فی الشریعة من غیر تعرض إلی حرمة التصرفات و علی الإجمال فالآیة ناظرة إلی استناد الحلیة إلی البیع و استناد الحرمة إلی الربا فقط فلا دلالة فیها علی حلیة التصرّفات المترتبة علی العقد حتی بعد الفسخ لیستفاد منه اللزوم فان مقابلة حلیة البیع مع حرمة الرّبا تقتضی استنادهما إلیها فقط فان الغرض من قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا هو ذلک فیکون هذا قرینة لا یراد من حلیة البیع أیضا هذا المعنی.

و أما إذا کان المراد من الحلیة هی التکلیفیة فالآیة ناظرة أیضا الی استناد الحلیة التکلیفیة فقط الی البیع بقرینة مقابلته مع حرمة الرّبا فإنها ناظرة إلی استناد الحرمة التکلیفیة فقط الی الرّبا و امّا جواز التصرّفات المترتبة علی العقد حتی بعد التصرف فلا یستفاد من الآیة لخروجها عن مفادها بالکلیة فیکون الغرض إثبات إباحة البیع فی الشریعة المقدسة حتی البیع الفاسد لعدم کونه حراما کما ان حرمة الربا ناظرة إلی إثبات حرمته فی الشریعة و هکذا الکلام إذا کان المراد من الحلیة أعم من الوضعیة و التکلیفیة کما هو الظاهر بحسب لحاظ المعنی اللغوی کما عرفت.

و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بایة التجارة عن تراض أیضا فإنها جملة استثنیت عن حرمة أکل المال بالباطل و من الواضح أن المراد من حرمة الأکل بالباطل انما هو حرمة التملک کما هو المستعمل بهذا المعنی فی القرآن و فی محاورة الیوم فیقال ان فلانا أکل دار فلان مثلا.

ص:35

فتکون الآیة ناظرة الی عدم جواز تملک مال الغیر بغیر التجارة عن تراض أو عدم نفوذه و أما حرمة التصرفات أو جوازها المترتبة علی الأکل بالباطل أو التجارة عن تراض فخارجة عن الآیة.

و بعبارة اخری أن الآیتین ناظرتان الی حکم البیع و التملک من حیث الوضع أو التکلیف حدوثا فقط لا بقاء حتی یتمسک بالإطلاق حتی لو لم یکن عندنا ما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر لقلنا بحرمة التملک بهذه الآیة و بجواز التصرف بالأصل و کان لأحد أن یبیع ماله ثمّ لا یسلمه بل یتصرف فیه کیف یشاء فإن الآیة لا تدل علی ذلک کما ذکره السیّد(ره)أیضا فراجع.

و أما الإشکال الذی ذکره المصنف و قربه و أوضحه شیخنا الأستاذ فلا یرد علیها بوجه و ذلک فلانه و ان لم یکن للحکم إطلاق بالنسبة إلی حالات نفسه و رافعه فإنه حکم مسلم و قاعدة مبرمة فان ملاحظة الإطلاق فرع ورود الحکم علی الشیء فلا یعقل أن یلحظ الإطلاق أو التقیید إلا بالنسبة إلی موضوع الحکم أو متعلقة کما هو واضح.

و لکن المقام لیس کک فان رافع الحلیة لیس من حالات الحکم و توضیح ذلک أنا ذکرنا فی محله مرارا أن الإطلاق لیس الا ما یمکن للمتکلّم أن یصرح به کما أن التقیید کک مثلا إذا قال المولی أعتق رقبة فمعناه أعتق رقبة سواء کانت مؤمنة أم غیر مؤمنة کما أن معنی أعتق رقبة مؤمنة معناه أعتق رقبة ان کانت مؤمنة فما للمولی أن یصرح به من الإطلاق و التقیید یطویه فی کلامه علی سبیل الإطلاق أو التقیید ففی المقام له أن یأخذ الحلیة مطلقة بالنسبة إلی رافعها و یقول أحل اللّه البیع سواء فسخ أحد المتبایعین أم لا و له أن یصرح بالتقیید

ص:36

و یقول أحل اللّه البیع ان لم یفسخ أحدهما و لکن لم یصرح بالإطلاق و انما سکت عنه و لکن اکتفی منه بعدم التقیید فبمقدمات الحکمة نستفید الإطلاق و نحکم بحلیة البیع و التصرّفات المترتبة علیه حتی بعد الفسخ.

و السّر فی ذلک أن للجاعل أن یأخذ حکمه مطلقا أو مقیدا بالنسبة إلی رفع شخص آخر لذلک الحکم فیقول أمضیت البیع أن لم یرفعه فلان أو أمضیته سواء رفعه فلان أم لا أو یقول أکرم العلماء ان رضی فلان أو یقول أکرمهم سواء رضی فلان أم لا فرفع شخص آخر الحکم لیس من قبیل حالات الحکم حتی لا یمکن تکفل الحکم بالطلاقة شموله لما بعد تحقق الرفع کما هو واضح.

و علی تقدیر ورود الاشکال علی الآیتین فلا تختص الاشکال بهما بل یجری فی آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أیضا فإنه بناء علی مسلک المصنف انها تدل علی حلیة التصرّفات المترتبة علی العقد علی وجه الإطلاق حتی بعد التصرّف و من الواضح أن الفسخ رافع لها فکیف یؤخذ الحکم مطلقا بالنسبة إلی رافعه فالمقصود أن میزان الاستدلال بالآیات الثلثة واحدة عند المصنف فما ذکره من الإشکال أیضا مشترک الورود بالنسبة إلیها.

و قد عرفت دلالة آیة الوفاء علی اللزوم بالمطابقة و عرفت أیضا عدم دلالة آیة أحل الله البیع علیه و قلنا أن الآیة ناظرة إلی استناد الحلیة إلی البیع و انها مستندة إلیه فی الشریعة سواء کانت وضعیة أو تکلیفیة أو کلیهما بقرینة قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا فإنه ناظر الی استناد الحرمة إلی الرّبا و أما حلیة التصرّفات فضلا عن کونها مطلقة

ص:37

حتی بعد الفسخ فلیست الآیة متعرضة لها بوجه کما لا یخفی.

و کذلک قوله تعالی تِجارَةً عَنْ تَراضٍ فإنه ناظر الی جواز التملک بالتجارة عن تراض لکونه استثناء عن حرمة أکل المال بالباطل و هو التملک بالباطل فلیس فیه أیضا التعرض بحلیة التصرّف بوجه و ان کان التملک یترتب علیه جواز التصرّفات و لکنه بدلیل آخر و لیس مستفادا من الآیة کما لا یخفی فافهم.

نعم قد الاستدلال بالآیتین بوجه آخر و حاصله أن معنی الخیار فی البیع و نحوه هو کون التملیک مقیّدا بجهة خاصة لا من حیث الأمد و المدّة بأن یکون الی زمان خاص بل من حیث خاص و هو أن ذی الخیار مالک لإرجاع العین بحلّ العقد و فسخه فإذا باع شیئا مع الخیار فمعناه انّه مالک لإرجاعه الی ملکه ثانیا و هذا بخلاف ما لم یکن له الخیار فإنّه یملک ماله من المشتری علی نحو الإطلاق و غیر مقیّد بجهة خاصة و هذا القید الذی نسمیه خیارا لا یجعل الملک مقیدا کما عرفت بأن یکون التملیک الی وقت و لا أنه یقوم بالملکیّة فإنّه باق علی حاله مع التّلف أیضا فلو کان قائما بالملکّیة لما بقی بعد تلف العین مع انّه غیر باق کما قلنا فإن لذی الخیار أیضا إعمال خیاره بعد تلف العین و یترتّب علیه حکمه بل متعلقة هو العقد فقط لیس الاّ.

و لا ینافی هذا الخیار بالملکّیة الأبدیة أصلا فإن شأنه شأن رافع العقود و الإیقاعات فکما أن إطلاق رافع للنکاح و الإقالة رافع للعقد فکک الخیار فمالکیة ذی الخیار علی رفع العقد و إرجاع المبیع علی ملکه لیس تناقضا بوجه و لیس معنی بعت مع الخیار أن الملکیّة

ص:38

باقیة بعد اعمال الخیار فلو کان معنی جعل الخیار و القدرة و المالکیة علی إرجاع المال إلی الحالة الأولیّة هو أن الملکیة باقیة بعد اعمال الخیار أیضا لکان هذا تناقضا فتحصّل ان مرجع جعل الخیار هو إبقاء المالکیة علی ذی الخیار فیما انتقل عنه فی جهة خاصة و هی إرجاع العین الی ملکه ثانیا و ثبوت القدرة له علی رفع العقد و هدمه کما أن الطلاق أو الإقالة یرفع العقد.

و علی هذا فقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ هو جعل البیع ثابتا فی محله فانّ معنی أحلّ هو إقرار الشیء فی محلّه أحلّه ای أمره فی محلّه و کونه ممضی فی نظرا الشّارع و أن المتبایعین فی حل فی ذلک و مرخصون فی فعله و إیجاده و لیس لهم منع عن ذلک و لیس البیع ممنوعا عنه فی نظره و خارجا عن مقره فی نظر الشّارع بل واقع فی محلّه و مقرّه فان الشّارع أحله و أقره فی مقرّه.

و لا شبهة أن هذا الکلام من الشّارع المقدّس إمضاء لما أنشأه المتبایعین و من الواضح أن المنشأ فی البیوع المطلقة أی فیما باع المالک ماله مطلقا و یبقی لنفسه جهة خاصة هو مطلق التملیک الغیر المقید بشیء خاصّ و هو إبقاء المالکیة لنفسه فی جهة خاصة فإمضاء هذا یکون إمضاء مطلقا فلو کان الإمضاء مقیدا لحصل التناقض ح فقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ هو إقراره فی مقره و محلّه و الموضوع فی مقره هو هذا العقد المطلق بحیث لیس للمالک السابق فیه مالکیة علی جهة خاصة کما لا یخفی و هکذا تجارة عن تراض فتدل الآیتین علی اللزوم بهذا البیان.

قوله و منها قوله تعالی وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ

أقول

ص:39

حاصل کلامه أن الآیة دلّت علی حرمة الأکل و التّملّک بکل وجه باطل عرفا الا موارد ترخیص الشّارع فإنّه لیس باطلا عرفا و من الواضح جدا ان أخذ مال الغیر و تملّکه بالفسخ من دون اذن صاحبه باطل عرفا و فیه منع الکبری فإنّه من أین علم أن المراد من الباطل هو الباطل العرفی و من أخبر بذلک بل الباطل هو مقابل الحق فما سوی اللّه باطل فی مقابل الحقّ جلّ و علا و من هنا قیل أن أصدق شعر صدر فی الجاهلیة هو قول الشاعر(ألا کل شیء ما خلا اللّه باطل) و البیع حق و مقابله الرّبا باطل و هکذا فالمقصود أن الألفاظ موضوعة للمعانی الواقعیة و المفاهیم العامّة فلا وجه لتخصیصه بجهة خاصّة بل ینطبق ذلک الکلّی علی المصادیق و کذلک الباطل فإنّه موضوع لمقابل الحقّ و هذا یختلف باختلاف الموارد فلا وجه لتخصیصه بالباطل العرفی و علیه فالتمسّک به لکون الفسخ من الباطل من قبیل التّمسّک بالعام فی الشّبهة المصداقیة و أیضا نمنع الصغری فإنّه من أین علم أن الفسخ باطل عرفی بل نشک فی ذلک فلا یمکن التمسّک بالمطلق فی الفرد المشکوک و إثبات کونه فردا للمطلق.

نعم یمکن التمسّک بالآیة لإثبات اللزوم بمجموع المستثنی و المستثنی منه فإن الآیة الشّریفة فی مقام حصر التملّک الشرعی بالتّجارة عن تراض و من الواضح جدا أن التملک بالفسخ مع عدم رض الآخر لیس منها فتدل علی اللزوم.

استدل المصنف(ره)أیضا بهذه الآیة علی اللزوم بدعوی أن المراد من الباطل هو الباطل العرفی و أن الفسخ من ذلک.

أقول أن المراد من الباطل ما هو مقابل الحق فإن الألفاظ

ص:40

موضوعة للمفاهیم العامّة فینطبق ذلک علی موارده فلا وجه لتخصیص الموضوع له بالباطل العرفی و من هنا أطلق الباطل علی مقابل الحق فی تعدد جنود العقل و الجهل فی روایة الکافی،و علیه فالتمسک بالآیة من قبیل التمسّک بالعام فی الشبهة المصداقیّة لأنا نشک فی أن الفسخ مصداق للباطل أم لا.

و لو سلمنا أن المراد من الباطل الباطل العرفی و لکن یصحّ الاستدلال بالآیة إذا کان خروج الموارد الّتی رخص الشّارع فی التصرّف فیها کالشفعة و حق المارة و نحوهما بالتخصیص فإنّه ح یمکن أن یقال أن الفسخ لیس من الموارد الّتی خرجت عن الآیة بالتخصیص فیکون التّملّک به أکلا للمال بالباطل لکونه باقیا تحت الآیة.

و ان قلنا انّ خروجها بالتخصص کما ذکره المصنف فحینئذ لا ندری أن الفسخ من افراد الخارج أو من افراد الباقی فیکون التمسّک بالآیة من قبیل التمسّک بالعام فی الشبهات المصداقیة فهو لا یجوز،نعم یجوز التمسّک بالاستصحاب و لکنّه خروج عن الفرض نعم یجوز التّمسّک بمجموع المستثنی و المستثنی منه الإثبات اللزوم کما تقدّم.

قوله(ره)و مما ذکر یظهر وجه الاستدلال بقوله علیه السلام لا-

یحلّ مال امرء إلخ.

أقول:ان کان المراد من الحلیة هی الحلیّة التکلیفیّة فلا تدل الروایة علی اللزوم لأن التقدیر أنه لا یحلّ التصرّفات فی مال امرء مسلم الا بطیب نفسه و نشک فی أن التصرّف بعد الفسخ من التصرّف فی مال امرء مسلم بدون إذنه أم لا لأنا نحتمل أن یکون ذلک تصرّفا فی مال نفسه فیکون حلالا فلا یمکن التمسّک بإطلاق الروایة فی إثبات

ص:41

أن هذا الفرد المشکوک مصداق للتصرّف المحرّم.

و ان کان المراد من الحلیة هی الوضعیة فیکون المعنی أنه لا ینفذ التصرّف فی مال امرء مسلم الاّ بطیب نفسه فتدل الروایة علی اللزوم بدعوی أن نفوذ التصرّف فی مال الغیر منحصر بکونه عن طیب نفسه و من الواضح أن التصرّفات الواقعة بعد الفسخ لیس عن طیب نفس من المالک فلا تکون نافذة.

و أما الجامع من الحلیّة التکلیفیّة و الحلیّة الوضعیّة و ان ذکرنا إمکان إرادة الجامع فی قوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ بل قلنا أنه الظاهر فان الحل بمعنی الترخیص و فی لغة الفارس(باز کردن و رها کردن)و من الواضح أنه أعم من الوضع و التّکلیف و لم یکن التفکیک بینهما مرسوما فی السابق بل جری علیه الاصطلاح بین الفقهاء کما ذکرناه فی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

و لکن لا یمکن ارادة الجامع فی الرّوایة فإنه لو أرید من الحلیة التکلیفیة فمعنی الرّوایة کما عرفت أن التصرّفات الواقعة علی مال امرء مسلم حرام بدون اذنه فهذا یتوقف علی أن یکون التصرف التصرّف فی حال کون المال لامرء مسلم و الا فلا وجه للحرمة لأن کون المال لشخص آخر فی زمان سابق لا یدلّ علی حرمة التصرّف فی زمان المتأخر و لو مع کونه ملکا لشخص آخر أی منتقلا الیه.

و بعبارة أخری لو أرید من الحلیة التکلیفیة فظهور الروایة أن التصرّف حین کون المال لامرء مسلم حرام بدون اذنه و أما التصرّف فی ماله کان لامرء مسلم سابقا فلا دلالة فی الروایة علی حرمته فح لا دلالة فیها علی حرمة التصرف بعد الفسخ لاحتمال کونه تصرّفا فی مال نفسه

ص:42

لا فی مال امرء مسلم نعم کان مالا لامرء مسلم قبل الفسخ و التمسّک بالاستصحاب خروج عن الفرض فان کلامنا فی التمسّک بالدلیل الفقاهی و أما إذا أرید من الحلیّة الوضعیّة فمعناه کما عرفت أنه لا ینفذ التصرّف فی مال امرء مسلم الا بطیب نفسه فارادة هذا المعنی لا یتوقف ارادته علی إحراز کون المال لامرء مسلم و لذا یشمل بعد الفسخ أیضا فهذا ان المعینان لا یجتمعان فی الروایة أی لا یمکن إرادتهما من الروایة معا.

و بعبارة اخری أن ارادة الحلیة التکلیفیة فی الروایة متوقفة علی إحراز کون المال للغیر لکی یحرم التصرّف فیه و هذا لا یشمل بعد الفسخ لاحتمال خروج المال عن کونه مال امرء مسلم بالفسخ و ارادة الحلیة الوضعیّة لا تتوقف علیه بل هی تعم بعد الفسخ أیضا کما عرفت و من الواضح أن شموله بعدد الفسخ یعدم موضوع حلیة التکلیفیة فکیف یمکن ارادتها کما لا یخفی.

قوله و منها قوله النّاس مسلّطون علی أموالهم

أقول ذکر المصنّف أن مقتض السلطنة التی أمضاها الشّارع أن لا یجوز أخذه من یده و تملّکه علیه من دون رضاه و من هنا استدل المحقّق فی الشرائع و العلامة فی بعض کتبه علی عدم جواز رجوع المقرض فیما أقرضه بأن فائدة الملک التسلّط.

و بالجملة رجوع الفاسخ الی ما انتقل عنه الی غیره بالعقد تملّک لمال غیره و مناف لسلطنته فتدل الروایة علی اللزوم.

و فیه أولا أنها ضعیفة السند کما تقدم و ثانیا أنها ناظرة إلی ثبوت السلطنة للمالک فی جمیع تصرّفاته فی ماله من الأکل و البیع

ص:43

و البذل و غیرها و أنه لیس لأحد أن یمنع من هذه التصرفات و هذا لا ینافی ثبوت جواز التصرّف لغیره أیضا بالفسخ کما وقع نظیره فی الشریعة المقدسة فإن لکل من الأب و الجد سلطنة علی التصرّف فی مال الصغیر سلطنة مطلقة و لیس لکل منهما أن یمنع الآخر من التصرّفات و کک فی المقام فلا دلالة فی النبوی علی اللزوم بوجه کما هو واضح علی أن الروایة ناظرة إلی إثبات السلطنة لکل أحد علی ماله کما هو مقتض اضافة المال الی الملاک فتفید الروایة ثبوت السلطنة لکل أحد علی ماله و هذا لا یعارض ما یرفع موضوع تلک السلطنة أی ما یکون رافعا لها کالفسخ و بعبارة اخری أن دلیل السلطنة یثبتها فی فرض تحقق المالیة و کون الشیء مالا للشخص و هذا لا ینافی بما یکون رافعا لموضوعها فان الحکم لا یثبت موضوعا لنفسه نعم لو کان النظر فی الحدیث الی مفهوم القلب بان یکون المفهوم من قوله النّاس مسلّطون علی أموالهم یعنی غیر المالک لیس مسلّطا علی أموال غیره لصحّ به الاستدلال و لکن مفهوم اللقب لیس بحجة کما حقق فی محله.

و منها قوله علیه السلام لا یحلّ مال امرء مسلم الا بطیب نفسه

و فیه أولا أن کان المراد من الحلیة هی التکلیفیّة فلا تشمل الروایة التصرّفات بعد الفسخ للشک فی أنها محرمة أم لا لاحتمال کون الفسخ مملکا فلا یجوز التمسّک به فی الفرد المشکوک و ان کان المراد بها الحلیة الوضعیة کما هو الظاهر من کلام المصنف حیث جعل سبیل الروایة سبیل الآیة و من الواضح أنه أراد من الآیة الحلیة الوضعیّة حیث أخذ الأکل بمعنی التملّک لجاز التمسّک بها لإثبات اللزوم فإنها تقید حصر نفوذ التصرّف بما إذا کان بطیب النفس من المالک و من الواضح

ص:44

أن الفسخ لیس منه و أما الجامع فلا یمکن ارادته کما تقدم و بالجملة لو أرید من الحلیة الحلیة التکلیفیة لا یمکن الاستدلال بالآیة علی اللزوم.

و ثانیا:أن المراد من عدم حلّ مال امرء مسلم الا باذنه و بطیب نفسه هو عدم حلیة التصرّفات المتعلّقة به و جمیع التقلّبات الخارجیة فإن الحل أو الحرمة إذا تعلّقا بالعین الخارجیة فحیث لا معنی لحرمتها و حلیتها فلا بدّ و ان یقدر فی أمثال ذلک ما یناسب الحلیة أو الحرمة و المناسب لها بمناسبة الحکم و الموضوع أما جمیع الآثار أو الآثار المناسبة فالمناسب للحرمة المتعلّقة علی الخمر و علی المسکر هو تقدیر الشرب فلا یتوهم أحد من قوله علیه السلام ما أسکر کثیره فقلیله حرام أو غیره من الأدلة الدالة علی حرمة الخمر هو البیع حتی لو لم یکن هنا دلیل علی حرمة بیع الخمر لما أمکن استفادتها منها،و المناسب لحرمة الأمهات فی قوله تعالی تقدیر التزویج فإنه لا یحتمل أن نظره أو خدمته أو شیء آخر یتعلّق بها حرام و علی هذا فلا بدّ هنا أیضا من تقدیر ما یصحّ تعلّق عدم الحل به و المناسب للمقام هو تقدیر جمیع التصرّفات الخارجیة و التقلبات فی الخارج و ح فمعنی الآیة لا یحل جمیع التصرّفات و التقلّبات الخارجیة فی مال امرء مسلم الا بطیب نفسه و علیه فلا تشمل التصرّفات الاعتباریّة کاعتبار ملکیة مال الغیر لنفسه و هکذا بالفسخ و نحوه فلا تدل الرّوایة علی عدم تأثیر الفسخ فی حل العقد کما هو واضح.

و توهم أن الروایة شاملة علی التصرّفات بعد الفسخ و تدل علی حرمتها أیضا بإطلاقها فتفید اللزوم بالدلالة الالتزامیة توهم فاسد لما عرفت من عدم شمولها التصرّفات بعد الفسخ لاحتمال کون

ص:45

الفسخ مملکا کما تقدّم فیکون التمسک بها فی التصرّفات بعد الفسخ من قبیل التصرف بالمطلق فی الفرد المشکوک و الحاصل إن کان نظر المصنف فی الاستدلال بالرّوایة بأنّه لا یحل تملّک مال الغیر إلا بإذنه بأن یقدر التملّک فقط بعد الحل ای لا یحل تملّک مال غیره بالبیع و نحوه إلا بإذنه فالروایة و ان کانت تدل علی اللزوم و لکنه خلاف الظاهر من الروایة فلا یمکن ان یراد من الحلیّة الحلیّة الوضعیّة لمکان خلاف الظهور و ان کان النظر بتقدیر جمیع التّصرفات کما هو الظاهر و المناسب بان یراد من الحلیّة الحلیّة التکلیفیّة أی یحرم جمیع التصرّفات فی مال غیره الاّ بإذنه.

قوله و منها قوله المؤمنون عند شروطهم

أقول قد استدل به علی اللزوم غیر واحد من المحققین بدعوی أن المراد من الشرط مطلق الالتزام فیشمل الشروط الابتدائیة أیضا کالبیع و نحوه.

و فیه أن الاستدلال به علی اللزوم ممنوع صغری و کبری أما الوجه فی منع الصغری فلانا لو سلمنا إطلاق الشرط علی الشروط الابتدائیة فی کلمات البلغاء و الفصحاء کما أطلق فی قوله علیه السلام ما الشرط فی الحیوان قال(علیه السلام)ثلثة أیام مع أنه یمکن إرجاعه إلی الشرط فی ضمن الالتزام الآخر بان یقال أن إمضاء البیع مشروط بکون صاحب الحیوان ذی الخیار الی ثلثة أیام و لکن إطلاق الشرط علی البیع و نحوه من الالتزامات یعد فی العرف من الأغلاط فإنّه لا یقال لمن باع داره أنه شرط داره و کک لا یقال لمن باع ماله أنه شرط ماله و هکذا بل لو أطلقه أحد علی أمثال ذلک فیضحک منه و إن کان الإطلاق صحیحا فی الواقع و علیه فالرّوایة منصرفة عن البیع و نحوه

ص:46

من الالتزامات الابتدائیة و قد ناقش المصنف أیضا فی صدق الصغری و أما الوجه فی منع الکبری فلانا لو سلمنا أن الشرط یطلق علی الالتزامات الابتدائیة أیضا و لکن نمنع وجوب الوفاء بکل شرط فإن الرّوایة لا دلالة فیها علی ذلک لان الظاهر من قوله علیه السلام المؤمنون عند شروطهم هو الدلالة علی الحکم التکلیفی بدعوی أنه و ان کان فی مقام الإنشاء و جعل الحکم و لکن النکتة فی إتیان الجملة الخبریة لبیان ذلک هی بیان أن مقتضی الایمان هو کون المؤمن عند شرطه و عدم تخلفه عنه نظیر قوله(علیه السلام)المؤمن عند عدته أی أن مقتضی الایمان هو أن یفی المؤمن بوعده کما أن مقتضی الایمان أن لا یکذب و قد ورد فی باب الکذب أن المؤمن قد یزنی و قد یسرق و لکنه لا یکذب و إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ باللّه و علی الإجمال فالرّوایة الشریفة اخبار عن کون المؤمن عند شرطه و انه لا یتخلف منه و عن وعده لان ایمانه مانع عن التخلف و علیه فتکون راجعة إلی الحکم التکلیفی أی یجب لکل مؤمن أن یفی بشرطه و یحرم التخلف عنه فتکون غریبة عن الدلالة علی اللزوم کما هو واضح.

و توهم أن الحال کک فی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أیضا لأنه خطاب إلی المؤمنین بقوله عز من قائل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فیکون دالا علی الحکم التکلیفی توهم فاسد فإنه إنشاء من الأوّل فلیس إنشاء بالجملة الخبریة لتکون النکتة هی الإشارة إلی علة الحکم نعم مقتض الخطاب إلی المؤمن یقتضی خروج غیر المؤمن عن الآیة کما هو کک فی بقیة الخطابات و لکن مقتض الاشتراک فی التکلیف یقتضی التعمیم فلا وجه للاختصاص هنا و فی بقیة الخطابات کما لا یخفی.

ص:47

و منها الأخبار المستفیضة فی أنّ البیّعان بالخیار ما لم یفترقا

و أنّه إذا افترقا وجب البیع

أقول استدل بها المصنف علی اللزوم فی البیع و قد أشکل علیه المحقق الخراسانی و تبعه غیر واحد ممّن تأخر عنه بأنّ المستفیضة ناظرة إلی لزوم البیع فی نفسه و لیست ناظرة إلی لزومه من جمیع الجهات کالغبن و العیب فلا تفید اللزوم و من هنا أن أدلة سائر الخیارات لا تکون مخصصة لها.

و قد أجاب شیخنا الأستاذ عن ذلک و نعم ما أجاب و حاصله بتوضیح منا أن الرّوایات المذکورة انما تدل بإطلاقها علی اللزوم بلا شبهة و ان البیّعان انما لهما الخیار فی المجلس فقط و إذا افترقا وجب البیع بل نفس تعرض الامام علیه السلام لثبوت خیار الحیوان مع تعرضه لثبوت خیار المجلس کالصریح فی دلالة المستفیضة علی اللزوم فإنه(علیه السلام)بعد ما بیّن حکم خیار الحیوان قال فی جواب السائل عن الشرط فی غیر الحیوان بانّ البیّعان بالخیار ما لم یفترقا و أنّه إذا افترقا وجب البیع و أنها لا خیار لهما بعد الرضا فهو کالصریح فی دلالة المستفیضة بإطلاقها علی اللزوم فی خصوص البیع.

و علی هذا فتکون أدلة سائر الخیارات مخصصة لها و من الغرائب ما افاده المحقق الخراسانی من عدم کون أدلة سائر الخیارات مخصّصة لها.

فتحصل من جمیع ما تلوناه علیک أن الأصل فی جمیع العقود معاوضة کانت أم لا و سواء کانت الملکیة حاصلة من الأوّل أم لا أما إذا کانت الملکیة حاصلة من حین العقد و کان فیه تملیک و تملّک من الأوّل بأن حصل شیء لأحد المتعاملین من الأول أم غیر معاوضیة

ص:48

مثل الهبة و نحوها هو اللزوم فتدلّ علی لزومها آیة حرمة أکل المال بالباطل الا أن تکون تجارة عن تراض فإنه لو ملک أحد ماله لغیره و لو بعنوان الهبة المجانیة بحیث حصل التملیک و التّملّک فلا یجوز الرجوع إلیه فإنه تملّک لمال الغیر بدون التجارة عن تراض فهو حرام فلو لم یثبت من الخارج ما یدلّ علی جواز الرجوع فی الهبة المجانیة لقلنا بعدم جواز الرجوع فیها أیضا بمقتضی الآیة و کک یدل علی اللزوم هنا آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ کما هو واضح.

و أما العقود التی لم تحصل الملکیّة فیها من الأوّل کعقد السبق و الرّمایة و المضاربة و المساقاة فإنّه لم یحصل النقل و الانتقال فیها من الأوّل و لا یحصل لأحد المتعاملین فیها من الأوّل مال فلا تدلّ آیة التجارة فیها علی اللزوم من الأوّل لعدم حصول المعاوضة و النقل و الانتقال و التملیک و التملّک من الأوّل حتی یکون إرجاعه تملّکا لمال الغیر بدون الرّضا و لا یکون تجارة عن تراض و انما یحصل النقل و الانتقال بعد تحقق الشرائط کما هو واضح نعم یدلّ علی اللزوم هنا أیضا آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لتحقق العقد کما هو واضح.

فی عدم جریان الاستصحاب فی المقام

قوله و قد عرفت أن ذلک مقتض الاستصحاب أیضا أقول قد عرفت أن الاستصحاب لا تجری فی المقام لکونه من الشبهات الحکمیّة و قد منعنا جریانه فیها فی علم الأصول.

قوله و ربما یقال ان مقتض الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالک عن العین أقول حاصل کلامه أن الظّاهر من کلمات بعضهم أنا نشک فی انّ المالک هل انقطع علاقته من ملکه أم لا فنستصحب بقاء علاقته فیکون هذا الاستصحاب حاکما علی استصحاب اللزوم و ردّ بأنّه ان

ص:49

أرید من تلک العلاقة علاقة الملکیة أو ما یتفرّع علی الملکیة فهی انقطعت جزما و ان أرید منها سلطنة إعادة العین فما دام لم ینتقل المال من ملکه الی غیره فتلک السلطنة مقطوعة العدم فإنّه لا معنی لسلطنة الإنسان علی اعادة ماله الی ملکه و انما تحصل تلک السلطنة بعد خروجه عن ملکه و من الواضح جدا أنها مشکوکة بعد ذلک فالأصل عدمه.

قوله و ان أرید بها العلاقة التی کانت فی مجلس البیع فإنها تستصحب عند الشک أقول غرضه ان أرید بها العلاقة التی کانت تحدث فی مجلس البیع فإنها تستصحب عند الشک فیصیر الأصل فی البیع بقاء الخیار کما یقول الأصل فی الهبة بقاء جوازها بعد التصرّف فی مقابل من جعلها لازمة بالتّصرّف.

ثمّ أجاب عنه أولا بأن الدلیل أخص من المدّعی فإنّه انما یتم فی موارد ثبوت خیار المجلس و کلامنا أعم من ذلک و ثانیا یرجع الی عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فی ظرف الشک لا الی الاستصحاب.

و ثالثا أن الاخبار قد تواتر بانقطاع السلطنة و الخیار بعد الافتراق فلا مجال مع ذلک للرجوع الی الاستصحاب ثمّ أمر بالتأمّل.

أقول قد عرفت بالکلام فی دلالة الأخبار المستفیضة البیّعان بالخیار ما لم یفترقا علی اللزوم بناء علی تمامیّة إطلاقها کما هو کک کما اختاره المصنف و علیه فلا وجه للتّمسک بها لبیان ارتفاع خیار المجلس فإنّه مع تمامیّة دلالتها علی اللزوم کما لا مجال للتمسّک باستصحاب الخیار و کک لا وجه للتمسّک باستصحاب اللزوم فإنّه مع وجود الأصل اللفظی لا تصل النّوبة الی الأصل العملی الا أن یکون غرضه من

ص:50

التمسّک بالاخبار مع الإغماض عن دلالتها علی اللزوم من جمیع الجهات کما علیه صاحب الکفایة فإنّه حینئذ یتم نفی خیار المجلس بها و ثبوت اللزوم فی البیع من جهة خیار المجلس و یبقی العقد مشکوکا من الجهات الأخر فح نتمسّک فی إثبات اللزوم للعقد من سائر الجهات باستصحاب اللزوم کما لا یخفی.

و من هنا ظهرت المناقشة فی تمسّکه بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّه مع وجود العموم لا مجال للاستصحاب لا استصحاب اللزوم و لا استصحاب الخیار،و لعلّه الی ما ذکرناه أشار المصنف بالأمر بالتأمل.

قوله ثم انّه یظهر من المختلف فی مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة أقول ذکر المصنف أن العلامة ذکر فی المختلف أن المسابقة لازمة أو جائزة بأن الأصل عدم اللزوم و لم یرده من تأخر عنه الا بعموم قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم یکن وجه صحیح لتقریر هذا الأصل نعم هو حسن فی خصوص المسابقة و شبهة ممّا لا یتضمن تملیکا أو تسلیطا لیکون الأصل بقاء ذلک الأثر و عدم زواله بدون رضا الطرفین و محصل مراده أن استصحاب الملکیة إنّما تجری فیما إذا کانت الملکیة فعلیة أی ثابتة حین العقد أی تثبت الملکیة فیما ینشأ العقد و حینئذ کلما شککنا فی جواز العقد و لزومه نستصحب الملکیة و نحکم باللزوم بواسطة الاستصحاب الحکمی فلا مجال ح لدعوی أن الأصل عدم اللزوم بل لا بدّ و أن یقال أن الأصل هو اللزوم لمکان استصحاب الملکیة.

نعم لا بأس بهذا الأصل فی مثل عقد المسابقة حیث لم تثبت فیها الملکیّة الفعلیّة و انّما الملکیّة فیها تقدیریّة أی تحصل الملکیّة لأحد

ص:51

المتسابقین علی تقدیر سبقه فی المسابقة فحینئذ یقال أن الأصل عدم اللزوم هنا و ذلک لعدم حصول الملکیّة الفعلیّة حتی نستصحبه فی مورد الشک فی أن العقد جائز أو لازم و نحکم باللزوم بل نتمسک بأصالة عدم اللزوم و نحکم بکون العقد جائزا هذا کله مع قطع النظر عن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الا فمقتضاه هو اللزوم.

أقول کأن المصنف لم یبن المسألة علی ما حرره فی الأصول من جریان الاستصحاب التعلیقی مع أن المقام لیس منه بل من قبیل الاستصحاب التنجیزی و ذلک لان ما نحن فیه یشبه القضیة الحقیقیة فإن الحکم فیها ثبت علی الموضوعات المقدرة فعلا و لکن یتنجز الحکم فیها بفعلیة الموضوع أی کلما وجد الموضوع ثبت علیه الحکم بحیث أن الحکم فیها فعلی و لکن الموضوع تقدیری و کک فی المقام أن الالتزام فعلی و الملتزم به تقدیری فان المتعاملین التزما فعلا علی أن کل من سبق فله کذا و لیس الحکم هنا تعلیقا کما فی العصیر العنبی فإن الحکم بالنجاسة أو الحرمة فیه تعلیقی أن إذا غلی ینجس لا مطلقا فلو کان ینعکس المطلب لکان أحسن بأن یقول بجریان الاستصحاب هنا و لم یقل بجریانه فی التعلیقیات فان الحکم هنا کما عرفت فعلی و الملتزم به تقدیری.

نعم لا نقول بجریان الاستصحاب هنا من جهة عدم جریانه فی الشبهات الحکمیة لکونه دائما معارضا بأصالة عدم الجعل أو باستصحاب الحکمیّة لکونه دائما معارضا بأصالة عدم الجعل أو باستصحاب المجعول و لکن مع قطع النظر عن هذا الإشکال فلا محذور فیه کما لا یخفی.

فتحصل أن استصحاب الملکیّة جاریة فی عقد المسابقة أیضا

ص:52

کالبیع فیکون الأصل فیه أیضا هو اللزوم کما أن الأمر کک فی البیع فلا وجه للمصنف لاستثنائه خصوصا علی مسلکه نعم علی مسلکنا من منع الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة فهو لا یجری فافهم.

قوله ثم ان ما ذکرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم انّما

هو فی الشّک فی حکم الشّارع باللزوم

أقول حاصل کلامه أن ما تقدّم من التمسّک بالعمومات انّما هو فی الشّبهات الحکمیّة و أما الشبهات الموضوعیة بأن یقع العقد فی الخارج و لا ندری أنه من القسم اللازم أو من القسم الجائز فإنّه قلنا بجواز التّمسّک بالعمومات فی الشبهات المصداقیة فأیضا لا بأس بالتّمسّک بالعمومات فی الفرد المردد و الا فلا بد من الرجوع الی الأصل العملی و هو استصحاب الأثر أی الملکیّة و یسمی باستصحاب الحکمی.

أقول تارة یکون فی موارد الشّبهات الموضوعیة أصل موضوعی یقتض الجواز فلا کلام لنا فیه کما إذا وقعت هبة فی الخارج فلا ندری أنها من القسم اللازم أو من القسم الجائز بان نشک فی کونها علی وجه قربی لیدخل تحت قولهم علیهم السلام ما کان للّه لا یرجع أو لیس علی وجه قربی لیکون فی حقّ الرجوع فإن الأصل هنا عدم کونه علی وجه قربی فیثبت الجواز و کذا إذا شککنا فی کونها لذی رحم أو لغیره فنقول ان الأصل عدم کونها لذی رحم فتکون الهبة جائزة و هکذا إذا شککنا فی اللزوم و الجواز مع کونه مسبوقا بالخیار فإنّه نستصحب الخیار فنحکم بالجواز و فی جمیع ذلک مقتضی الأصل الموضوعی هو الجواز.

و اخری یکون فی تلک الموارد أصل موضوعی یقتض اللزوم کما

ص:53

إذا علم بأن العقد الصادر بیع و شک فی جعل الخیار فیه فالأصل أنه لم یجعل الخیار فیه فیکون لازما و هکذا لو شک بعد سقوط خیار المجلس بتفرّق هل هنا خیار آخر أم لا فنستصحب عدمه فیحکم باللزوم.

و انّما الکلام فیما إذا لم یکن فیه أصل موضوعی یقتضی اللزوم أو یقتض الجواز فهل هنا ما یقتض اللزوم أو یقتض الجواز أم لا.

فالتزم المصنف(ره)باللزوم تمسّکا باستصحاب الملکیة و لکن جریانه هنا موقوف علی جریان الاستصحاب فی الأحکام الإلهیة و قد قلنا بعدم جریانه فیها حتی فی الشبهات الموضوعیّة لابتلائه بأصالة عدم الجعل دائما و لم یحتمل فی حقه البداء حتی یتوهّم أنه جعل فی زمان و بدالة الخطاء العیاذ باللّه و نسخه فی زمان آخر بل لو کان مجعولا فهو مجعول مطلق و الا فلا و علی هذا فلا یجری استصحاب الملکیّة فی المقام لأنا نشک فی أن الملکیّة هل جعلت بعد الفسخ أم لا فنلتزم بعدم کونها مجعولة بعد الفسخ کما هو واضح لا سترة فیه و کلّما نتأمل فی عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام یزداد لنا وضوحا.

و علی مسلکنا هذا فینحصر الجواب عن هذا الاشکال بما حقّقناه فی محلّه من أصالة العدم الأزلی و توضیح ذلک انا إذا شککنا فی العقد الذی وقع فی الخارج أنه من القسم الجائز أو من القسم اللازم فنقول ان الأصل عدم کونه هبة مثلا لیکون للواهب حقّ الرجوع و لا یعارض هذا الأصل بأصالة عدم کونه من البیع أو الصلح أیضا و ذلک لأن الأثر أی اللزوم انّما ترتّب علی عدم کون العقد هبة لا علی إحراز

ص:54

العناوین الوجودیة من الصلح و البیع فبأصالة عدم کونه هبة ینقح موضوع وجوب الوفاء بالعقد فیکون شاملا علیه أیضا.

و بعبارة اخری أن مقتض أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو لزوم جمیع العقود و الخارج عنه لیس الا عناوین وجودیة و إذا نفینا العنوان الوجودی القائم بالعقد الجائز عن الفرد المردد بین کونه من الجائز أو من اللازم بأصل العدم الأزلی و قلنا انه لیس بهبة مثلا یثبت موضوع وجوب الوفاء بالعقد فنحکم له باللزوم کما لا یخفی.

و علی الاجمال فعنوان العقدیة تحقق بالوجدان و عدم کونه هبة یتحقق بالأصل فیحصل موضوع وجوب الوفاء بالعقود فی الخارج فیحکم بکون الفرد المشکوک من العقد بین الجواز و اللزوم لازما هذا من جملة ثمرات القول بالعدم الأزلی.

و إذا لم نقل بهذا الأصل فلا أصل یتمسّک به لإثبات اللزوم أو الجواز فی الفرد المشکوک و علیه فتکون العین بعد رجوع المالک الأول مرددا بین کونها للمالک الأوّل علی تقدیر الهبة و بین کونها للمشتری علی تقدیر البیع و لا بدّ فی بیان حکم تلک العین فی مرحلة الترافع أو فی غیر مقام الترافع کما إذا مات المالک للعین بعد نقله الی شخص آخر و شک فی أن ما أوجده بیع أو هبة و فسخت الورثة فإن کان بیعا فیطالب الورثة العین ممّن انتقل الیه الثمن و الا فنطالب نفس العین و هکذا لو نسیا المتبایعان عنوان العقد من الرجوع الی الصلح أو القرعة و الا فلا أصل هنا حتی یبین حالها.

فی بیان تعیین العقد بأنه جائز أو لازم

قوله بل یرجع فی أثر کل عقد الی ما یقتضیه الأصل بالنسبة إلیه أقول جمیع ما ذکرناه انّما یفید فی إثبات صفة اللزوم و أما تعیین

ص:55

العقد بأنه جائز أو لازم حتی یترتب علیه جمیع آثار العقد اللازم فلا و علیه فلا بدّ و ان یرجع فی أثر کل عقد الی ما یقتضیه الأصل بالنسبة إلیه الا انه فیما لم تلزم مخالفة عملیّة من اجزاء الأصلین مع إجراء أصالة اللزوم و ان کان کلام المصنف مطلقا من هذه الجهة حیث حکم بالبراءة تارة و بالضمان اخری و لم یتعرّض لصورة لزوم المخالفة القطعیّة.

و لکن لا بدّ فی فرض لزوم المخالفة القطعیّة من اجراء قواعد العلم الإجمالی مثلا إذا شککنا فی کون العقد هبة أو بیعا و لم یتصرف من انتقل الیه العین فیها و ترجع مالک العین و فسخ العقد فإنه ان کان العقد هبة تنفسخ بالفسخ و ترجع العین الی مالکها الأوّل و ان کان بیعا لا یؤثر الفسخ و حینئذ لا یمکن الرجوع فی ضمان المشتری لو کان المحقق بیعا و ضمان الموهوب له علی تقدیر کون المحقق هبة أن یرجع الی البراءة کما هو ظاهر کلام المصنف بل یحصل العلم الإجمالی بأنه امّا أن المالک الأول مستحق للعین علی تقدیر کون العقد هبة أو مستحق للثمن علی تقدیر کونه عقد فلا بدّ حینئذ من اجراء قواعد العلم الإجمالی و الا فیلزم من إجراء الأصل مخالفة قطعیة

القول فی أقسام الخیار

اشارة

(فی خیار المجلس) قوله قدّس سرّه

الأوّل فی خیار المجلس

اشارة

أقول ذکر المصنّف أن الخیارات کثیرة و قد أنها ها بعضهم إلی السبعة و بعضهم إلی أزید من ذلک بل المذکور فی اللمعة أربعة عشرة مع عدم ذکر بعضها و لکن المناسب جعلها سبعة لأن البقیة تندرج فی خیار الشرط و یقع الکلام فعلا فی خیار المجلس و إضافته إلی المجلس من جهة الغلبة

ص:56

کما ذکره المصنف لعدم اختصاص ثبوته بالمجلس بل یثبت فی حال قیام المتعاملین أیضا بل لا یختص بالمکان الذی یوقع فیه البیع کما ذکره المصنف بل یثبت هذا الخیار فی حال مشیهم أیضا کما إذا تعاملا فی مکان ثمّ مشیا و لکن لم یفترقا حال المشی فإنه ح أیضا یثبت الخیار.

و بعبارة اخری أن غایة هذا الخیار و هو الافتراق فما لم یتحقق فی الخارج فلا وجه لسقوطه و لو سمی هذا الخیار بخیار الاجتماع کان حسنا موافقا للاخبار،و لا شبهة و لا خلاف فی ثبوت هذا الخیار للمتبایعین بین الإمامیة و النصوص به مستفیضة ففی بعضها البیعان بالخیار ما لم یفترقا و فی بعضها التاجر بالخیار و أما الموثق الحاکی لقول امام علیه السلام إذا صفق الرّجل علی البیع فقد وجب فذکر المصنف أنه اما مطروح و ان کان موثقا لکونه منافیا للضرورة و الاخبار المستفیضة أو یحمل علی التقیة أو یؤل و لکن الظاهر أنه لا یحتاج علی التأویل و لا علی الطرح أو الحمل علی التقیة بل هو وارد علی طبق القاعدة و ذلک لان التصفیق هو ضرب احدی الیدین علی الآخر و هو کنایة عن اللزوم و بهذا فسر فی اللغة و علی هذا فقوله(علیه السلام)إذا صفق الرّجل علی البیع کنایة عن إلزام البیع بإسقاط الخیار و من الواضح أن لزوم البیع بإسقاط خیار المجلس موافق القاعدة فلا نحتاج الی طرح الموثقة أو تأویلها.

قوله مسألة لا إشکال فی ثبوته للمتبایعین إذا کان اصیلین
اشارة

أقول لا شبهة فی ثبوته للمتبایعین و للموکلین فی الجملة و انّما الکلام فی ثبوته لهم علی وجه الإطلاق

و یقع الکلام أولا فی ثبوته للوکیل

ص:57

و تفصیل الکلام فیه أن الوکیل علی ثلثة أقسام الأوّل ان یکون وکیلا فی إجراء الصیغة فقط من غیر أن یکون له حق التصرّف فی جهة من جهات العوضین کما هو المرسوم فی إجراء عقد النکاح و إجراء صیغة البیوع الخطیرة کثیرا حیث یوکلون أحدا فی إجراء الصیغة بحیث لیس له شأن من ذلک المعاملة الاّ ان یکون کلسان الوکیل فقط و لا یکون وکیلا فی أزید من مجرّد کونه آلة لإجراء العقد فقط کما هو واضح.

الثانی أن یکون وکیلا مفوضا فی أمر البیع الی أن یتم و تتحقق المعاملة فی الخارج و لا یکون وکیلا بعد ذلک بل ینتهی أمد وکالته بعد تمامیّة البیع و وجوده فی صفحة الوجود کأکثر الدلالین.

الثالث أن یکون وکیلا مفوضا حتی بعد تمامیّة البیع بان کان له التصرّف فی العوضین و کان مسلّطا علی قلبه و انقلابه بأنحاء التّصرّفات و التقلّبات من البیع ثانیا أو الإیجار أو غیرهما من التصرّفات الخارجیة و الاعتباریة و هذا کعامل المضاربة فإنّه وکیل مفوض علی وجه الإطلاق بعد البیع و قبله و بعبارة اخری أن یکون وکیلا فی التجارة بأی نحو کان.

أما القسم الأول فظاهر الحدائق ثبوته للوکیلین فی إجراء الصیغة بل یظهر منه تعمیم الحکم لصورة منع الموکل بزعم أن الخیار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه العقد فلا یبطل بمنع المالک

و لکن المشهور عدم

ثبوت الخیار له فما اختاره المصنف

و استدل علیه بوجوه

الأوّل:أن

أدلة الخیار منصرفة عن الوکیل فی إجراء الصیغة

لأن المتبادر من النص غیره.

و فیه نمنع الانصراف إذا لا نجد منشأ لذلک فان منشئه ان کان هو المادة فلا شبهة أنها صادقة علیه أیضا لما عرفت فی أوّل البیع

ص:58

أن البیع هو مبادلة مال بمال فلا شبهة فی صدق هذا المفهوم علیه إذ لم یقید هذا بکون المال للبائع بحیث یکون التبدیل بین ماله و مال شخص أخر ضرورة عدم اعتباره فی مفهوم البیع بوجه أصل و لذا لم یستشکل أحد فی صحة بیع الولی مال المولّی علیه مع أن المال لیس للبائع و کک فی صحة بیع الوقف و بیع ثمرته و کک فی صحة بیع الوکیل المفوض مع أن المال فی تلک الموارد لیس للبائع و من الضروری أنه لا یشک أحد فی صدق البائع علی الأشخاص المتصدین للبیوع المذکورة و علی الاجمال لا وجه لدعوی انصراف مادة البیع الی غیر الوکیل فی إجراء الصیغة.

و ان کان منشأ الانصراف دعوی انصراف هیئة البیع الذی هو الفعل عن الوکیل فی إجراء الصیغة ففیه أن الهیئة لا تدل علی أزید من انتساب المادة إلی ذاتها و أما دلالتها علی خصوصیة أخری فلا کما لا یخفی.

الثانی أن حکمة ثبوت خیار المجلس هو إرفاق المالک

لکی یتروی و یلاحظ صلاحه حتی یختار ما هو الأصلح لحاله أو الفسخ أم الإمضاء و من البدیهی أن هذه الحکمة غیر جاریة فی الوکیل المذکور و الحکمة و ان لم تکن مطردة و لکن نعلم بأن جعل هذا الخیار شرعا لیس لمن له اختیار البیع بلا موجب.

و فیه انها لا تزید عن العلّة المستنبطة و قد حقق فی محله أنها لیست بحجة و انّما هی من القیام الذی یحرم العمل به نعم لو کانت علیة منصوصة لزم العمل بها قطعا فلا تکون مانعة عن شمول الإطلاقات للوکیل فی إجراء الصیغة أیضا،علی أنها غیر داریة فی جمیع الموارد

ص:59

کما إذا کان إبقاء البیع أصلح لهم بأن باع ما یحازی بدینار بخمسین دینارا مع علم المشتری بالغبن فإنه لا شبهة أن إبقاء البیع علی حاله و عدم فسخه أصلح لحال البائع من الفسخ و مع ذلک فله خیار المجلس و علی الجملة فلا وجه لرفع الید عن المطلقات و عن شمولها للوکیل المذکور بمثل هذه الحکمة العلیة نعم لهذه الحکمة وجه فیما کان دلیل الخیار هو قاعدة نفی الضرر و نحوها کما إذا فرضنا أن دلیل خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر فإنها تقتضی ثبوته للمالک فقط لا لمجری الصیغة.

الثالث أن بعض أدلة خیار المجلس قد تقارن بخیار الحیوان

و کونه مجعولا للبائع

و من الواضح أن خیار الحیوان مجعول للمالک فاتحاد السیاق یقتض أن یکون خیار المجلس أیضا کذلک.

و لیس هذا من باب حمل المطلقات الواردة فی جعل خیار المجلس بلا تقارن بجعل خیار الحیوان علی المقید حتی یقال أنه لا یجری فی الأحکام الانحلالیة کقوله أکرم العلماء و أکرم زید العالم لعدم التنافی بل من جهة عدم الإطلاق للأخیار المطلقة لأن الموضوع فیها من کان له خیار الحیوان أعنی المالک و بعبارة أخری نستکشف من تقارن خیار المجلس بخیار الحیوان أن موضوع خیار المجلس من کان له خیار الحیوان فأی ربط لذلک بحمل المطلق علی المقید.

و فیه أن هذا من العجائب فإنه لا ربط لخیار الحیوان بخیار المجلس أصلا فإن الموضوع فی خیار الحیوان هو عنوان المالک لقوله(علیه السلام) و صاحب الحیوان بالخیار الی ثلثة أیام و موضوع خیار المجلس هو عنوان البیع و أی ربط لأحدهما بالآخر و مجرّد ذکرهما فی روایة واحدة لا یقتض

ص:60

اتحاد الموضوع فهل یتوهم أحد أنه لو ذکر فی روایة أن خیار الحیوان ثابت لابن البائع أو أخیه و قد ذکر فیها أیضا البیعان بالخیار فهل یتوهم أن موضوع خیار المجلس أیضا هو ابن البائع باتحاد السیاق.

و من هنا ظهر الجواب من قوله مضافا الی أدلة سائر الخیارات فان القول بثبوتها لموقع الصیغة لا ینبغی من الفقیه فتحصل أنه لا یمکن رفع الید عن الإطلاقات بمثل هذه الوجوه.

و الرابع ما هو العمدة و حاصلة أن المستفاد من أدلة هذا الخیار

أنه حق و سلطنة

انما ثبت لکل من المتعاقدین علی ما انتقل الی الآخر بأن یرجعه الی ملکه و یتملکه جدیدا بالفسخ بعد الفراغ عن تسلطه علی ما انتقل إلیه بأن یتصرف فیه کیف یشاء و من الواضح أن الوکیل فی إجراء العقد لیس له التسلط علی التصرّفات فیما انتقل إلی البائع أو المشتری فلیس له التسلط علی ما انتقل من أحدهما إلی الآخر بأن یرجعه بالفسخ.

و من هنا لا یثبت بأدلة خیار المجلس هذا التسلط لو لم یکن مفروغا عنه فی الخارج فإنه لا یمکن التمسک بإطلاق قولهم علیهم السلام البیعان بالخیار ما لم یفترقا لإثبات التسلط علی إرجاع العین من الشخص الآخر بالفسخ أ لا تری أنه أو شک المشتری فی کون المبیع ممّن ینعتق علیه لقرابة فلا یجوز أن یتمسّک بأدلة خیار المجلس لإثبات السّلطنة و کک لو نذر أن یعتقه أو یصرف المبیع فی محلّ خاصّ فلیس له أن یتمسک لرفع الوجوب و جواز الرجوع بأدلة الخیار.

و فیه أن هذا الوجه بظاهره لا یترقّب صدوره من المصنّف لکونه منافیا لمبناه فإنه التزم بکون مورد الخیار هو العقد دون العین

ص:61

بمعنی أن معنی الخیار هو فسخ العقد لا استرداد العین ابتداء نعم لازم فسخ العقد هو استرجاع العین کما هو واضح.

و أما ما ذکره من الأمثلة فأجنبی عن المقام أما ما ذکره من النذر فان مقتضی الإطلاقات هو ثبوت الخیار حتی فیما کان المبیع منذورا لأن یصرف فی مورد خاص غایة الأمر ان اعمال الخیار و إرجاع العین الموجب لانهدام العمل بالنذر فعل محرم فیکون مخالفة لحکم تکلیفی و أما عدم ثبوت الخیار هنا و عدم جواز التمسّک بالمطلقات فیه فخال عن الوجه.

و أما ما ذکره من مسألة کون المبیع ممّن ینعتق علیه فأیضا لا محذور فی ثبوت الخیار هنا غایة الأمر لا یرد العبد إلی البائع لعدم جواز صیرورة الحر عبدا بل یرد بدله الیه و علی الجملة فمثل هذه الأمثلة لا تکون مانعة عن التمسّک بإطلاق أدلة خیار المجلس کما هو واضح.

و حاصل الکلام أنه استدل المصنف علی عدم ثبوت خیار المجلس للوکیل فی إجراء الصّیغة بوجوه قد عرفتها مع جوابها و عمدتها وجهان الأول ما أشار إلیه بقوله مضافا الی ملاحظة بعض أخبار هذا الخیار المقرون فیه بینه و بین خیار الحیوان الذی لا یرضی الفقیه بالتزام ثبوته للوکیل فی إجراء الصیغة أقول حاصل کلامه أن بعض اخبار خیار المجلس قد تقارن بخیار الحیوان کقوله(علیه السلام)فی الصحیحة فی جواب السائل ما الشرط فی الحیوان قال:ثلثة أیام و قال:ما الشرط فی غیر الحیوان قال(علیه السلام):البیعان بالخیار ما لم یفترقا و هذه الروایة و ان کانت مطلقة و غیر مقیدة بکون من له الخیار فی بیع الحیوان هو

ص:62

صاحب الحیوان فقط کما أن ثبوت خیار المجلس للبیع أیضا مطلق من غیر أن یکون مقیدا بثبوته للمالک أو الموکل أو لهما و لکن ورد فی روایة أخری أیضا معتبرة أن صاحب الحیوان بالخیار الی ثلثة أیام حیث ثبت الحکم لخصوص صاحب الحیوان فقط و بحسب القواعد و ان لم یکن بینهما تناف و تعاند لیلزم منه حمل المطلق علی المقیّد لکون کل منهما مثبتین و لکن نعلم من الخارج علما جزمیا أن موضوع الحکم فی کلتا الروایتین هو شیء واحد و أن قوله علیه السلام صاحب الحیوان بالخیار الی ثلثة أیام فی مقام التحدید فبمقتضی هذه المقدمة الخارجیة نحمل المطلق علی المقیّد و نلتزم بثبوته لخصوص المالک و ان کانت الروایة المطلقة مع قطع النظر عن الروایة المقیدة تقتض ثبوت خیار الحیوان لمطلق البائع و ان کان غیر المالک و علی هذا فاتّحاد السیاق یقتضی أن لا یثبت خیار المجلس أیضا لغیر المالک.

و فیه أن اختصاص خیار الحیوان لصاحب الحیوان لا یقتض اختصاص خیار المجلس به و الوجه فیه أن البیعان أو المتبایعان و ان استعملا فی خیاری المجلس و الحیوان فی معنی واحد و لم یختلف المستعمل فیه فیهما و لم یرد منهما المالک بل عنوان المتبایعان بحیث لو کنا و هاتان العبارتان لقلنا بثبوت کلا الخیارین لعنوان البیّع و المتبایع و لکن اختلفت الإرادة الجدیة بالنسبة إلی خیار المجلس و خیار الحیوان حیث أرید من البیعان و المتبایعان المذکورین فی أدلة خیار المجلس عنوان البیّع و المتبایع الشامل للوکیل و الموکل معا و أرید منهما فی خیار الحیوان المالک و صاحب الحیوان من غیر تخلف فی الإرادة الاستعمالیة،و الدلیل علی هذا التقیید هو القرینة

ص:63

الخارجیة حیث علم من الخارج أن قوله(علیه السلام)صاحب الحیوان بالخیار وارد مورد التحدید و أن الموضوع فی قوله انّ البیعان بالخیار فی الحیوان الی ثلثة أیام و الشرط فیه هذا هو الموضوع فی قوله صاحب الحیوان بالخیار فقهرا یقید الحکم بتقید الموضوع و من الواضح أنه لا بعد فی اختلاف الإرادة الجدیة بالنسبة إلی حکمین الثابتین بعبارة واحدة و باستعمال واحدة أی بأن یکون الاستعمال فی أحدهما علی نسق الاستعمال فی الآخر و نظیر ذلک ما إذا قال الخمر حرام و نجس و یحرم بیعها و إمساکها و جمیع التقلب فیها ثمّ ثبت التقیید فی أحدهما و قال یجوز بیعها من الکافر فهل فیه محذور عقلا أو شرعا أو عرفا و کذلک فی جمیع المقامات و السّر فی ذلک ما قلنا من جواز اختلاف الإرادة الجدیة فی الحکمین الثابتین علی موضوع واحد بحیث یکون فی أحدهما مطلقا و فی الآخر مقیدا و یکون الموضوع أیضا مطلقا و مقیدا و یتعدّد الموضوع بذلک الاختلاف و ان کانت الإرادة الاستعمالیّة متحدة فی کلیهما و ذلک لأن التقیید انّما یثبت من الخارج و علی الاجمال ثبوت خیار الحیوان لصاحبه لا یدل علی ثبوت خیار المجلس للمالک فإن قرینة الاختصاص موجودة فی الأوّل دون الثانی و من هنا ظهر أن خیار الحیوان مختص بالصاحب الحیوان و لم یثبت للمتابعین مع أن خیار المجلس ثابت لهما و ان قلنا بعدم ثبوته للوکیلین فی إجراء الصیغة مع اتحاد السیاق یقتضی اختصاص خیار المجلس أیضا بواحد منهما.

علی أنه لو کان مقتضی السیاق اختصاص خیار المجلس بمن له خیار الحیوان لزم له الالتزام بعدم ثبوت خیار المجلس للوکیل

ص:64

المفوض أیضا مع أنه لم یستشکل احد حتی هو قدّس سرّه کما سیأتی.

و أما الوجه الثانی فحاصله أن خیار المجلس انما ثبت للمتبایعین

بعد الفراغ عن جواز تصرف کل منهما فیما انتقل الی نفسه

و قد أثبتت أدلة الخیار المجلس لمن له هذا الشأن و من الواضح أن الوکیل فی إجراء الصیغة لیس له ذلک و لا یجوز له التصرّف فی شیء من العوضین من قبل الموکل.

و من هنا لو شک البائع أن المبیع هل هو ممّن ینعتق علیه أو یجب صرفه فی نفقة من یجب إنفاقه أو یجب عتقه لنذر و نحوه لا یجوز أن یتمسّک بأدلة الخیار فیحکم بعدم الوجوب لأن الحکم لا یثبت الموضوع لنفسه و قد عرفت أنها تثبت الخیار فی فرض تمکن ذی الخیار من التصرف فی المال الذی انتقل إلی ذی الخیار و هذا المعنی موضوع للخیار و مشکوک فیه فلا یمکن إثبات الموضوع بذلک.

و یرد علی ما ذکره أصلا و فرعا.
أما الأصل

مضافا الی أن ما ذکره خلاف ظواهر الأدلة أنه مخالف لمسلکه فإنّه ذکر فی مواضع متعددة من کتابه أن الخیار انّما یتعلّق بالعقد دون العین الخارجی و لذا لا یدور الخیار وجودا و عدما مدار بقاء العین و عدمه بل یجوز اعماله لذی الخیار حتی مع تلف العین و قد تقدم منه قدّس سرّه فی بعض تنبیهات المعاطاة أن الجواز الثابت فیها غیر الجواز الثابت فی غیرها بالخیار فان متعلّق الجواز فی المعاطاة هو العین فلکل من المتبایعین ردّ العین و لذا سقط مع التصرف کما قیل و لکن جواز الفسخ فی العقد الخیاری متعلق بالعقد و لذا یبقی مع التلف أیضا.و أیضا ذکر فی تعریف الخیار أنه

ص:65

ملک فسخ العقد و قد کرر ذکر ذلک فی خلال کلماته کثیرا فلا وجه لجعل متعلق الخیار هو العوضین.

و أما الفرع

الذی رتبه علی الأصل المذکور فقد ظهر جوابه فما ذکرناه فان متعلق الخیار هو العقد فهو لا یرتبط بحکم آخر ثابت للعین المبیعة و لا مساس لأحدهما بالآخر أصلا فله ای لذی الخیار أن یفسخ العقد فی الموارد المذکورة و بعده یتبع فی کل مورد حکمه علی ما تقتضیه القواعد الشرعیة فإن کان فیه ما یرفع التکلیف المشکوک فیها و الا فلا بد من الامتثال.

مثلا لو اشتری عبدا و شک فی قرابته و أنه هل ممّن ینعتق علی البائع أم لا فیجوز أن یتمسک بأصالة عدم النسبة بینه و بین العبد و یرده الی مالکه الأول بعد فسخ العقد و ان علم بکونه ممّن ینعتق علیه فحینئذ ینعتق بمجرّد البیع و بما عرفت أن الفسخ لا یتوقف علی بقاء العین و لما عرفت ان الخیار متعلق بالعین فیجوز له الفسخ و یعطی بدل العبد علی مالکه و أما إذا کان المبیع ممّن یجب عتقه لنذر فإذا لم یعتقه فعل حراما فهو لا یزاحم و لا یعارض بأدلة الخیار لعدم تعلقه بالعین حتی یصحّ التمانع بینهما و هکذا إذا کان المبیع ممّا یجب صرفه فی نفقة من یجب إنفاقه علیه فان فی شیء من المذکورات لا یلزم ما ذکره المصنف فجواز التصرف فی المبیع لیس موضوعات لأدلة الخیار أصلا و لا له مساس بأصل الخیار بوجه نعم لو کان الخیار منعلقا بالعین لکان لهذا البحث مجال واسع.

و قد ذکر شیخنا الأستاد هنا وجها آخر و جعله محتمل کلام المصنف و حاصله أن موضوع خیار المجلس هو الذی یکون مالکا لالتزام

ص:66

نفسه بحیث له أن یبقیه و له أن یرفعه بالإقالة إذا رضی الطرف الآخر بذلک و بعد الفراغ عن سلطنة کل من المتبایعین علی ذلک یثبت له الخیار و جواز الفسخ فجواز الفسخ لهما متوقف علی إمکان الإقالة لهما و حیث ان الوکیل فی إجراء الصیغة لیس له ذلک فإنه لا یقدر علی حل العقد بالإقالة فلا یثبت جواز الفسخ بخیار المجلس أیضا.

و فیه أولا النقض بالنکاح حیث أن الخیار لأجل العیوب المعلومة ثابت فیه و لکن لا تجوز الإقالة للزوجین فلا وجه لجعل ثبوت الخیار متوقفا علی جواز الإقالة.

و ثانیا بالحل بان یقال ان کان نظره الی توقف الفسخ بالإقالة حقیقة و أنه لا یؤثر الفسخ فی مورد لا اقالة فیه ففیه أن العقد شیء واحد و انّما حصل بالالتزامین من الطرفین نظیر الحبلین المشدود أحدهما بالأخر فإنّه صار حبلا واحدا و هذا الشیء الواحد و ان کان فی حصوله متوقفا علی التزامین من شخصین و لکن فی مقام الانحلال ینحل بانحلال من الطرفین کما فی الإقالة و من طرف واحد کما فی الفسخ و قد عرفت سابقا ان إمضاء أحدهما العقد لا یستلزم الإمضاء و الالتزام من الطرف الآخر و لکن الفسخ من طرف یستلزم الفسخ من الطرفین لانه لا یبقی مجالا للوفاء و الوجه فیه أن الفسخ هو الحل و یعبر فی لغة الفارس بکلمة(وا کردن و باز نمودن)و هذا المعنی شیء واحد و معنی بسیط لا یعقل أن یحصل من طرف و لم یحصل من طرف آخر بل إذا تحقق الحل تحقق من الطرفین.

و بالجملة العقد هو الالتزام من الطرفین نظیر البیعة و ضم احدی الیدین بالأخری و هذا لا یتحقق حصولا الا من الطرفین و

ص:67

لکن انحلاله لا یتوقف علیهما بل یحصل بحل واحد و قد یکون ذلک هو الإقالة ای المراضاة بالحل من الطرفین و قد یکون بالفسخ و لا یعقل تحقق من طرف و توقفه علی أن یتحقق من الآخر و لیس الفسخ فی طول الإقالة و لا متوقفا علیها و لا أن بینهما تلازم بل قد یتحقق أحدهما بدون الآخر و قد یجتمعان ففی النکاح یتحقق الفسخ دون الإقالة و بعد سقوط جمیع الخیارات فی العقود اللازمة یتحقق الإقالة دون الفسخ و فی البیوع الخیاریة یمکن الفسخ بکل من الإقالة و الفسخ.

فلا معنی لهذا الوجه أیضا و ان کان نظره الانصراف و ان أدلة الخیار منصرفة الی هذا القسم فلا تثبت الخیار لغیر ذلک فله وجه و لکن عرفت جوابه من أنه لا منشأ للانصراف أیضا.

و ذکر بعض مشایخنا المحققین من أن الوکیل فی إجراء الصیغة فقط نادر فی باب المعاملات جدا لأنه لا یکون إلا فی غیر العربی مع لحاظ صدور البیع عن صیغة لا عن التعاطی لترتیب آثار البیع بالصیغة و علی هذا ینصرف دلیل الخیار الی غیر الوکیل فی إجراء الصیغة لکون ذلک للغیر غالبا من حیث الموجود و فیه أولا أن غلبه الوجود لا توجب الانصراف و قد اعترف هو بذلک مرارا عدیدة فی کلماته السابقة و ثانیا أن الوکیل فی إجراء الصیغة و ان کان قلیلا بالنسبة إلی غیره و لکنه کثیر فی نفسه کما هو المتعارف فی النکاح فان المتعارف فیه کون العاقد غیر الزوجین و فی البیع أن التوکیل فی إجراء الصیغة خصوصا فی البیوع الخطیرة کثیر جدا.

ص:68

فتحصل أن عمدة الوجه لعدم ثبوت الخیار للوکیل فی إجراء الصیغة هو ما ذکره المصنف قدّس سرّه من کونه موقوفا علی جواز تصرف کل من المتبایعین فیما انتقل الیه و ما ذکره شیخنا الأستاذ من توقف الفسخ علی الإقالة و قد عرفت أن ما افاده المصنف لا دلیل علیه فی نفسه و أنه مخالف لمذهبه و ما أفاده الأستاذ مضافا الی عدم الدلیل علیه و بطلانه فی نفسه و الجواب الحلّی عنه انّه منقوض بباب النکاح فإنه ثبت الخیار فیه و لم یتوقف علی الإقالة لعدم جریانها فی النکاح.

ثم انّ لشیخنا الأستاذ وجه آخر فی المقام و حاصله أن أدلة الخیار انما أثبتت سلطنة علی الفسخ لمن هو مأمور بالوفاء بالعقد و من الواضح أن الوکیل فی إجراء الصیغة لم یشمله دلیل الوفاء بالعقد و بعبارة أخری أن أدلة الخیار انّما هی مخصصّة لقوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و حیث أن الآیة لم تشمل الوکیل فی إجراء الصیغة و لم یکن هو مأمورا بالوفاء بالعقد فیکون دلیل التخصص أیضا غیر شامل له.

و فیه أن هذا الوجه لا بأس به بناء علی ما ذکره المصنف قدّس سرّه فی معنی الوفاء حیث جعل الأمر ظاهرا فی الوجوب التکلیفی بالذی یدلّ علی اللزوم بالدلالة الالتزامیة فإن لقائل أن یقول أن وجوب الوفاء انّما هو حکم ثابت علی ذمة الملاک أو من یقوم مقامهم و أما الوکیل فی مجرّد إجراء الصیغة فلیس مأمورا بذلک فإنه من الأوّل لم یجز له التصرّف فی المبیع و لا فی الثمن و کک فی حال العقد و بعده فلا معنی لان یقال یحرم علیک التصرّف فی العوضین لیکون هذا الحکم شاملا لما بعد الفسخ أیضا حتی یتمسّک به لإثبات اللزوم.

ص:69

و أما بناء علی ما ذکرناه من دلالة الآیة علی اللزوم بالمطابقة و کونها إرشادا إلی لزوم العقود من غیر أن تدلّ علی حکم التکلیفی فلا مانع من شمولها علی الوکیل فی إجراء الصیغة أیضا فإنه لیس له فسخ العقد بعد إیجاده کما لا یخفی لما عرفت أن الآیة ناظرة الی أن کل من أوجد عقدا یجب علیه الوفاء به و من جملة الموجدین للعقد هو الوکیل فی إجراء الصیغة کما هو واضح فهذا الوجه أیضا لا یتم و التحقیق أن یقال انّ الوکیل فی مجرّد إجراء الصیغة و ان صدق علیه البائع و لکن ما دلّ علی ثبوت خیار المجلس انّما هو ناظر الی ثبوته للبیّع الذی کان أو البیع بیده و هو المالک أو من یقوم مقامه و ذلک لأن أحل اللّه البیع انّما هو ناظرا إلی إمضاء البیع فیکون دالا علی حلیة البیع الصحیح و هو بیع المالک الموکل و من الواضح ان البیع من غیر المالک أو من یقوم مقامه غیر صحیح من حیث انتسابه الی المالک لا من حیث صدوره من العاقد و الوکیل فی إجراء الصیغة لیس مالکا و لا قائما مقامه فیکون خارجا عن تحت الآیة لأنه لم تمض البیع من حیث جهة الصدور أیضا و هذا لا ینافی صدق البائع علی الوکیل فی إجراء الصیغة،و علیه فأدلّة خیار المجلس انّما تثبت الخیار للبیّع فی البیع الصحیح فلا تکون شاملة للوکیل فی إجراء الصیغة.

و ثانیا أن الوجوه المذکورة حتی الوجه الذی ذکرناه و ان لم تتم فی نفسها و لا تکون دالة علی عدم ثبوت الخیار للوکیل فی إجراء الصیغة و لکنها توجب عدم تمامیة مقدمات التمسک بإطلاق قولهم علیهم السلام البیعان بالخیار.

و توضیح ذلک أن دلیل خیار المجلس من قوله(علیه السلام)المتبایعان

ص:70

بالخیار و قوله البیعان بالخیار انّما یدلّ علی ثبوت الخیار لمطلق البیّع بالإطلاق دون العموم فان ما یدل علی السریان هنا هو المحلی باللام و من الواضح أن دلالة علی السریان لیس بالوضع بل بمقدّمات الحکمة فالوجوه المذکورة توجب الشک فی التمسک بالوضع بل و تمامیّة مقدماته و علی الاجمال لا نطمئن بشمول أدلة خیار المجلس للوکیل فی إجراء الصیغة فلا أقل من الشک علی أنه لو کان مجرّد إجراء الصیغة موجبة لثبوت الخیار للمجری لها فکان ثابتا للفضولی أیضا بل أولی مع أنه لم یقل به احد فتحصل أنه لا یکون للوکیل فی إجراء الصیغة خیار المجلس.

و أما الوکیل المفوض فلا شبهة فی ثبوت الخیار له لکونه بیّعا حقیقة و ان أمر البیع بیده نظیره الأولیاء للأطفال و المجانین و غیرهما کما لا یخفی و هذا کعامل القراض و نحوه.

و أما الوکیل المفوض فی الشراء فقط أو فی البیع فقط من غیر أن یکون وکیلا مفوضا فی مطلق التصرف و لا أن تکون وکالته منحصرة فی إجراء العقد فقط بل واسطة بین الشقین فذکر المصنف(ره)أن خیار المجلس لا یثبت لهذا القسم من الوکیل أیضا لأنا ذکرنا أن المیزان فی ثبوت الخیار هو کون ذی الخیار متمکنا من التصرف فیما انتقل الیه قبل ثبوت حق الفسخ له و من الواضح أن الوکیل فی أمر البیع فقط أو أمر الشراء فقط لیس متمکنا من التصرف فیما انتقل إلی البائع المالک أو المشتری المالک لتمامیّة أمد وکالته بعد البیع و الشّراء فیکون خارجا عن موضوع خیار المجلس و تبعه شیخنا الأستاذ علی الوجه الذی تقدّم

ص:71

بیانه فی القسم الأوّل من الوکالة و لکن عرفت عدم تمامیّتها بوجه.

و أما بقیة الوجوه لا تجری هنا حتی ما ذکرناه من الوجهین لکونه أی هذا القسم من الوکیل بیّعا حقیقة فلا وجه لدعوی الانصراف أو غیره من الوجوه.

و الظاهر هو ثبوت الخیار لمثل هذا الوکیل لأن أمد وکالته و أن کان یتم بتمامیة البیع أو الشراء و لکن ثبوت الخیار للمتبایعین لا یدور مدار عنوان الوکالة بقاء بل المناط فی تحقق الخیار هو صدق البیّع و من الواضح أن الوکیل المفوض فی البیع أو الشّراء بیّع و ان خلص أمد وکالته بعد البیع أو الشراء فنتمسک بإطلاق البیّعان بالخیار فنحکم بثبوت الخیار له و ان منعه المالک عن الفسخ فکونه وکیلا مفوضا عند البیّع أو الشراء و صدق عنوان البیّع علیه فی تلک الحالة واسطة لثبوت الخیار له حتی بعد تمامیة وکالته.

و أما الفضولیین فلا شبهة فی ثبوت خیار المجلس لهما لما عرفت أنه انما ثبت لمن کان البیع مستندا الیه و کان أمر البیع بیده و أنه من لوازم البیع الصحیح و قلنا أن بیع غیر المالک لیس بصحیح فان الممضی بقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ هو جهة انتساب البیع الی المالک لا من حیث صدوره من العاقد و من البدیهی أن الفضولی أجنبی عن هذه المزایا و ان صدق علیه عنوان البیّع بل هو مجرّد إله فی إنشاء البیع کالوکیل فی إجراء الصیغة و أنه کلسان الموکل و الأصیل فلا وجه لثبوت الخیار للفضولیین أیضا.

کان الکلام فی ثبوت خیار المجلس للوکیل و عدم ثبوته له و قلنا أنه لا یثبت للوکیل فی إجراء العقد فقط لأحد الأمرین المتقدّمین.

ص:72

و أما الوکیل المفوّض فلا شبهة فی ثبوت الخیار له فإنه لا شبهة فی صدق البیّع علیه و أن أمر البیع بیده و لا یجری فیه شیء من الوجوه المانعة عن ثبوت خیار المجلس للوکیل فی إجراء الصیغة غیر ما ذکره المصنف(ره)من أن مقتض اقتران خیار المجلس فی بعض الروایات بخیار الحیوان یقتضی عدم ثبوت خیار المجلس لغیر المالک کما هو الشأن فی خیار الحیوان فاتحاد السیاق یقتض أن یثبت خیار المجلس لمن ثبت له خیار الحیوان دون غیره و ان کان وکیلا مفوضا و لا یکون له خیار المجلس بما أنه بائع و أما ثبوته له بما انه وکیل مفوض من قبل المالک و أن جمیع أموره فی یده حتی أمر المعاملات من الفسخ و الإمضاء فإن ذلک من جهة کونه وکیلا مفوضا لا من جهة کونه بائعا.

و علی الجملة فلازم کلام المصنف من تخصیص موضوع خیار المجلس بمن له خیار الحیوان هو عدم ثبوته للوکیل المفوض أیضا بما من المتبایعین و من البیّع لا بما هو وکیل من قبل البائع و یفسخ البیع أو یمضه بأمر الموکل و توکیله کما هو واضح.

بعبارة أخری هذا نقض علی المصنف حیث التزم بعدم ثبوت خیار المجلس للوکیل فی إجراء الصیغة من جهة اختصاصه بمن له خیار الحیوان و مع ذلک التزم بثبوته للوکیل المفوّض مع أنه لم یثبت له خیار الحیوان.

و لکن قد عرفت أن مجرّد ذکر خیار الحیوان فیما ذکر فیه خیار المجلس لا یقتضی الاتحاد من جمیع الجهات و علی الاجمال فلا شبهة فی ثبوت هذا الخیار للوکیل المفوّض بل هو کالولی فإن معنی الوکالة کما ذکروا تفویض الأمر إلی الوکیل و جعله مسلطا علی ما وکل لأجله

ص:73

نظیر السلطنة المجعولة للأولیاء غایته أن سلطنة الأولیاء من قبل اللّه تعالی و سلطنة الوکلاء من قبل الموکلین و لیس الأمر کذلک فی الوکیل فی إجراء الصیغة.

و أما الوکیل فی أمر البیع أو الشّراء فقط بحیث یکون وکیلا مفوّضا فی جهة خاصة فقط و ینتهی أمد وکالته بعد البیع فهو واسطة بین الوکیلین المتقدمین و هو من جهة یشبهه الوکیل فی إجراء الصیغة و من جهة یشبهه الوکیل المفوّض أما من حیث انه شبیه بالوکیل المفوّض من جهة کونه مستقلا فی أمر البیع أو الشراء و من حیث أنه شبیه بالوکیل فی إجراء الصیغة هو تمامیة أمد الخیار بتمامیة العقد کما أن الوکیل فی إجراء العقد کک و أما الوجوه التی ذکروها فی عدم جریان الخیار للوکیل فی إجراء الصیغة فبعضها لا یجری فی المقام کدعوی انصراف البیّع أو المتبایع عن هذا القسم من الوکیل فإنه بیع حقیقة و أما ما ذکروا من أن جعل الخیار الی خیار المجلس إرفاق للمالک فلا یجری فی حق الوکیل فهو جار فی المقام و لکن قد عرفت عدم تمامیته و هذا لا یجری فی المفوّض بالمعنی الأول فإنه لا بدّ و ان یلاحظ مصلحة المالک و کک یجری فی المقام ما ذکره المصنف من أن هذا الخیار انّما جعل لمن یکون قادرا علی الرّد و الوکیل المجری للصیغة و کک الوکیل فی البیع و الشّراء لیس قادرا علی رد العین و کک ما ذکره شیخنا الأستاذ من خیار المجلس مجعول لمن یکون قادرا علی الإقالة فإن من الواضح أن هذا الوکیل أیضا کالقسم الأوّل من الوکیل لا یقدر علی الإقالة إذا رضی بها الطرف الأخر.

و لکن قد عرفت أن هذا الوجه أیضا لم یتمّ فی القسم الأوّل

ص:74

فکیف فی المقام و قد عرفت أن الوجه فی عدم ثبوت هذا الخیار للوکیل فی إجراء الصیغة فقط هو أحد الأمرین المذکورین و هما أیضا لا یجریان فی المقام و اذن فلا مانع من ثبوت خیار المجلس هنا لا طلاق قوله علیه السلام المتبایعان أو البیّعان بالخیار ما لم یفترقا لانّه لا شبهة فی صدق البیع علیه حدوثا فیکون ذلک موضوعا لثبوت الخیار له حدوثا و بقاء و ان منعه المالک عن اعمال الخیار کما ذکره صاحب الحدائق إذ لم یقید إطلاق الروایة بکون البیع هو المالک أو باقیا علی وکالته لو کان هو غیر المالک.

و علی الجملة فکونه وکیلا عند البیع أو الشراء فی أمرهما یوجب صدق البیّع علیهما و إذا صدق علیهما البیّع فی أن حدوث البیع یثبت الخیار مطلقا سواء زالت الوکالة بعد ذلک التی کانت واسطة لثبوت الخیار له أم بقیت علی حالها.و علی هذا فلیس للمصنف نفی الخیار عن مثل هذا الوکیل أیضا.

و أما ثبوته للموکل فذکر المصنف و علی المختار فهل یثبت للموکلین فیه اشکال و الظاهر أن القول بثبوت خیار المجلس للموکل و عدمه لا یتوقف علی القول بثبوته للوکیل أصلا فلا نعرف وجها صحیحا لتعلیق المصنف وقوع النزاع فی ثبوت خیار المجلس للموکل أو عدمه بثبوته للوکیل و عدمه بل کل منهما أمر مستقل و بحث خاص لا یرتبط بالآخر و قد یتوهم أن لأدلة الدالة علی ثبوت خیار المجلس للمتبایعان أو للبیّع منصرفة إلی المالک العاقد فإذا انتفی أحد الجزئین ینتفی موضوع الخیار،و أیضا قیل ان الموکل لو حلف علی أن لا یبیع داره مثلا فباعها وکیلها لم یحنث فلو کان یصدق علیه عنوان البائع لحصل الحنث.

ص:75

و فیه أما دعوی الانصراف فلا وجه له لما ذکرنا أن البائع یصدق علی الوکیل فی إجراء العقد فکیف لا یصدق بالموکل فلو کان الموکل حاضرا فی مجلس العقد و وکّل أحدا فی إجراء العقد لبیع داره کما هو المتعارف فی النکاح و فی المعاملات الخطیرة حقیقة یصدق أن الموکل باع داره فلا عنایة فیه أصلا و من هنا ظهر ما عن بعض مشایخنا المحققین من استناد الانصراف الی غلبة الوجود.

و أما مسألة عدم الحنث إذا حلف الموکل أن لا یبیع داره فباع وکیله فان کان قصد الموکل حیث الحلف أن لا یبیع مباشرة فلا شبهة فی عدم حصول الحنث ببیع الوکیل قطعا و ان کان غرضه من ذلک أن لا یبیع علی وجه الإطلاق أعم من بیع نفسه و بیع وکیله بان لا یستند الیه البیع أصلا فلا شبهة حینئذ فی حصول الحنث بکل واحد من بیع وکیله و بیع نفسه لاستناد البیع الی الموکل حقیقة و ان کان المباشر له هو الوکیل نعم لو حلف مطلقا علی أن لا یبیع داره مثلا و کان غافلا عن توکیل شخص آخر فی بیع داره أو ناسیا فلا یحنث ببیع الوکیل فی تلک الحالة و ان کان صدور البیع فی حضوره أیضا لأن ظهور الحلف علی عدم البیع فی العمل الاختیاری ففی هنا غیر اختیاری لعدم التفاته بکون الوکیل فی البیع وکیلا عنه لغفلته عن ذلک فعدم الحنث من هذه الجهة و الا فصدق علیه البائع حقیقة و ان کان غافلا عن وقوع البیع.

ثمّ انه لا بدّ و أن یتکلّم فی ثبوت هذا الخیار و عدمه لأصناف الموکل فی مقابل أصناف الوکلاء علی الترتیب الذی ذکرناه فی ثبوته و عدمه لکل واحد من الوکلاء فنقول ان کان الموکل وکل أحدا فی

ص:76

إجراء الصیغة فهل یثبت له الخیار أم لا فنقول تارة یکون الموکلان حاضرین فی مجلس العقد و أخری لا یکون حاضرین فی مجلس العقد و علی الثانی قد یکونان حاضرین فی مجلس واحد حین تحقق العقد بین الموکلین فی مجلس آخر و قد یکونان متفرقین.

أما الأول فلا شبهة فی ثبوت الخیار للموکلین لاستناد البیع إلیهما حقیقة و ان الوکیلان المجریان للعقد لیسا إلا کالآلة المحضة و کونهما کاللسانین للموکلین و دعوی انصراف أدلة الخیار عن المالک غیر العاقد و لذا لا یحنث لو حلف علی عدم البیّع ببیع الوکیل قد تقدّم جوابهما.

و أما إذا کان الموکلان مجتمعین فی محلّ آخر غیر مجلس العقد بان جمعتهما هیئة اجتماعیة فی محل واحد و کان بین الوکیلین و بینهما و أصل الصّوت بحیث علما بوقوع العقد فیصدق علیهما عنوان البیّع و لا یعتبر حضورهما فی مجلس العقد کما یظهر من شیخنا الأستاذ و أما الثالث بان لا تجمعهما هیئة اجتماعیة أصلا بل کانا متفرقین حال العقد فلا شبهة حینئذ فی عدم ثبوت الخیار لا للوکیل و لا للموکل أما عدم ثبوته للوکیل فقد تقدم لکونه وکیلا فی إجراء الصیغة فقط و لیس أمر البیع بیده و قد قلنا انّ الخیار انما یثبت لمن کان أمر البیع فی یده و الوکیل فی إجراء الصیغة لیس کک.

و أما عدم ثبوته للموکل فلانّ الخیار انّما یثبت للبیّعان فی حالة اجتماعهما الی أن یتفرقا و من الواضح انهما متفرّقان من الأوّل فلا یکون ثابتا لهما.

ص:77

کان الکلام فی ثبوت الخیار للموکل

و قد عرفت أن الوکیل علی ثلثة أقسام الأول أن یکون وکیلا فی إجراء الصیغة فقط و حینئذ یکون أمر البیع بتمام المعنی فی ید الموکل و حینئذ قد یکون الموکلین أو أحدهما حاضرا فی مجلس العقد و أخری لا یکونان حاضرین فی مجلس العقد و علی الثانی فتارة تجمعان هیئة اجتماعیة فی مجلس آخر غیر مجلس العقد و أخری لا یجتمعان فی محل واحد بل کانا متفرقین فی الخارج.

أما الأول فلا شبهة فی ثبوت الخیار للموکلین الحاضرین فی مجلس العقد لاستناد البیع إلیهما حقیقة و توهّم انصراف البیع عنهما الی المالک العاقد فاسد کما عرفت،کما أن توهم استناد الانصراف إلی ندرة الوجود فاسد هنا أیضا و ان قلنا بصحته فی الوکیل فی إجراء الصیغة لأن هذا القسم من الموکل کثیر جدا و لا فرق فی ذلک بین کونها ملتفتین بصدور العقد و عدم التفاتهما الیه.

و أما الثانی فهو أن یکون الوکیلان مجتمعین فی مجلس آخر غیر مجلس العقد و وصل إلیهما أن الوکیلین من قبلکما علی اجراء العقد قد أوجدا العقد فإنه ح یثبت لهما الخیار بلا شبهة فإنهما حقیقة متبایعان و یصدق علیهما عنوان البیّع أو المتبایع و التاجر الواردة فی الاخبار التی جعلت بهذه العناوین موضوعة لخیار المجلس و دعوی أن ثبوت الخیار لهما مشروط بحضورهما فی مجلس العقد کما عن ظاهر شیخنا الأستاذ لا وجه له فإنّ الإطلاقات محکمة علیه.

و أما الثالث فهو أن یکونا خارجین عن مجلس العقد و کانا متفرقین فی الخارج فالظّاهر أنه لا خیار لهما ح و ذلک فان خیار

ص:78

المجلس انّما هو مغیّا بغایة و هی الافتراق و من الواضح أن تلک الغایة حاصلة هنا من الأوّل فکیف یثبت لهما الخیار ح و هذا لا ینافی صدق البائع علیهما و استناد البیع إلیهما فإن مجرّد صدق البائع لا یصحّح ثبوت الخیار علیه بل لا بدّ مع ذلک من اجتماعهما فی مجلس واحد.

و بعبارة أخری الافتراق رافع لخیار المجلس حین التحقیق فلا یعقل ثبوت الحکم مع وجود الرافع من الأوّل و الا یلزم التنافی و لا یثبت للوکیل أیضا کما عرفت لکونه وکیلا فی إجراء العقد علی هذا الخیار بان فوضا أمره الی الوکیلین لیثبت لهما الخیار عن قبل الموکلین أم لا الظاهر لا فإنه لم یثبت لهما فکیف یؤکلان الغیر علی ذلک و ان فاقد الشیء لا یکون معطیا له.

و أما الوکیل المفوّض من جمیع الجهات فهل یثبت معه الخیار للموکل أم لا فهو أیضا علی ثلثة أقسام:الأوّل أن یکون الموکلان حاضرین فی مجلس العقد فهذا لا شبهة أیضا فی ثبوت الخیار لهما کما ثبت للوکیلین حینئذ فإنه یصدق علیهما البیع حقیقة کما تقدم فی القسم الأول و توهم الانصراف هنا قد تقدم جوابه کما تقدم الجواب أیضا عن انه لو حلف علی عدم البیع فبایع الوکیل لم یحنث.

و أما القسم الثانی فهو أن یکون الموکلان فی خارج مجلس العقد و لکن تجمعهما الهیئة الاجتماعیة فی محل واحد و معامل الوکیلان المفوّضان فی محل و أخبر الموکلین بصدور العقد فإنه ح حقیقة یصدق علیهما عنوان البیّع و المتبایع و التاجر التی هو موضوع

ص:79

خیار المجلس و لا وجه لاعتبار حضورهما فی مجلس العقد کما عرفت فی القسم الأول أما القسم الثالث فهو أن یکون الموکلان خارجین عن مجلس العقد و لم یجتمعا فی محلّ واحد و لم تجمعهما هیئة اجتماعیة فی مکان واحد و حینئذ لا یثبت لهما الخیار کما تقدّم لتحقق البیع حال التفرق و هذا نظیر ما کتب کتابا الی أحد و أنشأ فیه بیع داره مثلا و وصل الکتاب إلی المشتری بعد مدة و قلنا بعدم اعتبار الموالاة بین الإیجاب و القبول فقبل المشتری البیع فإنه لا یثبت الخیار فی أمثال ذلک فان البیع قد تحقق فی حال التفرق فلا یکون لهما الخیار.

قوله:ثمّ علی المختار من ثبوته للموکلین فهل العبرة فیه

بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد.

أقول:بناء علی ثبوت الخیار للموکل أیضا فإذا کانا الموکلین موجودین فی مجلس المعقد مع الموکلین المفوّضین فهل المناط فی سقوط خیارهما تفرقهما عن مجلس العقد بان یکون ثبوت خیار المجلس دائرا مدار اجتماعهما فی مجلس العقد و تفرقهما عنه و إذا تفرقا عنه یسقط الخیار عنهما و عن وکیلهما و الوجه فی جعل المیزان فی الثبوت الخیار و عدمه هو تفرق الموکلین و عدمه من جهة أنهما اصیلین فی المعاملة و حقیقة هما بائعان فیکون المناط هو الأصلان.

و یحتمل أن یکون المناط هو تفرق الوکیلین لأنهما أو جدا المعاملة و هما المناطان فی ثبوت خیار المجلس و عدمه لأنهما أو جدا البیع و لو عنه وکالة.

و یحتمل أن یکون المناط هو تفرق الکل فیکفی فی بقاء الخیار

ص:80

بقاء احد الاصیلین مع أحد الوکیلین فی مجلس العقد فی بقاء خیار المجلس و هذا الوجه الأخیر قد قواه المصنف.

و أشکل علیه شیخنا الأستاد بأن کفایة بقاء أصیل مع وکیل آخر فی مجلس العقد مع اعتباره قدس سره حضور الموکلین فی المجلس حیث قال آنفا فالأقوی ثبوته لهما و لکن مع حضورهما فی مجلس العقد متنافیان لانه لو لم یعتبر استدامة الحضور ممّن له الخیار لم یعتبر فی الابتداء أیضا لأن استفادة الاجتماع فی المجلس انّما هو من قوله علیه السلام ما لم یفترقا فلو صدق عدم تفرق الموکل ببقاء وکیله فی المجلس صدق اجتماعه أیضا ابتداء و ان لم یکن نفس الموکل حاضرا فی المجلس رأسا.

و فیه أن هذا من غرائب الکلام شیخنا الأستاذ فإن اعتبار المصنف حضور الموکلین فی مجلس العقد فی ثبوت الخیار لهما من جهة عدم تحقق موضوع الخیار بدونه فإنّه انّما ثبت علی الهیئة الاجتماعیة و مع انتفائها ینتفی الخیار و لیس غرضه نفی الخیار عن الأصیل مع الوکیل بل من هذا جهة أعم.

و أما الالتزام بثبوت الخیار لکل واحد من الوکیل و الموکل مع بقائهما فی مجلس العقد و ان ذهب أحد الوکیلین مع الموکل الآخر بل یکفی وجود الأصیل مع الوکیل الآخر فی ثبوت الخیار حدوثا أیضا فلا ینافی هذا بالکلام السابق أصلا فإن ما هو موضوع الخیار متحقق هنا أیضا أعنی الهیئة الاجتماعیة غایة الأمر هو الاجتماع بین الوکیل و الموکل الآخر.

و بعبارة أخری أن المصنف اعتبر الاجتماع فی ثبوت خیار

ص:81

المجلس ابتداء و استدامة غایة الأمر أن الاجتماع أعم من اجتماع الوکیلین و الموکلین واحد الوکیلین مع أحد الموکلین حدوثا و بقاء.

و ما ذکره المصنف من جعل المناط فی سقوط الخیار هو تفرق الکل بحیث یکفی فی ثبوت الخیار و بقائه بقاء الأصیل مع وکیل آخر فهو الأقوی و ذلک لأن ظاهر قوله علیه السلام المتبایعان أو البیّعان أو التاجر بالخیار ما لم یفترقا هو ثبوت الخیار الطبیعی البیّع و المتبایع و جنسهما من غیر اعتبار التقیید فی ذلک بان یکون المراد اجتماع الوکیلین معا أو الموکلین کک و علیه فیکفی فی ثبوت الخیار وجود الأصیل مع الوکیل الآخر حدوثا و بقاء لصدق الطبیعة علیهما بلا شبهة.

کان الکلام فی ثبوت خیار المجلس للوکیل و قلنا بعدم ثبوته للوکیل فی إجراء الصیغة و بثبوته للوکیل المفوّض فی البیع فقط خلافا للمصنف و لشیخنا الأستاذ لاعتبارهما فی ثبوت الخیار قدرة ذی الخیار مشروط بالتصرف فیما انتقل الیه علی سلک المصنف و بقدرته علی حل العقد بالإقالة علی مسلک شیخنا الأستاذ و الوکیل المفوّض فی أمر البیع لیس له ذلک و قد تقدّم جوابهما و قلنا ان المناط فی ثبوت الخیار صدق البیّع و هو حاصل و ان تم أمد الوکالة کما تقدّم خلافا لصورة السابقة و أما الوکیل المفوّض فثبوت الخیار له أوضح من أن یخفی و ان کان فیه شیء بناء علی ما ذکره المصنف من تقیید ثبوت خیار المجلس بمن یثبت له خیار الحیوان.

ثمّ انتقلنا من ذلک الی ثبوت الخیار للموکل و قلنا لا شبهة فی ثبوته للموکل الحاضر فی مجلس العقد مع کون الوکیل وکیلا فی

ص:82

إجراء العقد و کذا لا شبهة فی ثبوته للموکلین إذا اجتمعا فی مجلس غیر مجلس العقد فإنه لم یعتبر فی ثبوته حضورهما فی مجلس العقد کما اعتبره شیخنا الأستاذ نعم إذا کانا متفرقین فی الخارج فلا یثبت لهما الخیار لانّ البیع استند إلیهما فی حال التفرق و لا یثبت للوکیل أیضا لأن المفروض أنه وکیل فی إجراء الصیغة فقط.

و أما ثبوت الخیار للموکلین مع کون الوکیل مفوضا سواء کان وکیلا مفوّضا فی البیع و الشّراء أو وکیلا مفوّضا علی وجه الإطلاق،و نفرض الکلام فی الوکیل المفوّض علی وجه الإطلاق و یظهر حکم الوکیل المفوّض فی خصوص البیع و الشراء من ذلک أیضا.

فنقول لا شبهة فی ثبوته للموکلین حینئذ مع حضورهما فی مجلس العقد فإنّه لا شبهة فی صدق التاجر أو المتبایعین أو البیعین علی کل منهما و من الواضح أن خیار المجلس ثابت لهما بالأدلة الخاصة.

و توهم انصرافها عن ذلک الی المالک المجری للعقد فاسد کما تقدم و کک تقدم جواب الإشکال بأنّه لو حلف أن لا یبیع داره فباع وکیله لم یحنث فیعلم من ذلک أنه لا یثبت له الخیار لعدم صدق البائع علیه.

و کذلک لا شبهة فی ثبوته لهما إذا اجتمعا فی مجلس آخر غیر مجلس العقد بأن جمعتهما الهیئة الاجتماعیة فإنهما أیضا من المتبایعین فیثبت لهما الخیار فلو أخبرهما أحد أن الوکیلین من قبلکما قد أجریا العقد علی السلعة الفلانیة و علما بثبوت الخیار لهما فلهما الإمضاء و الفسخ.

و لا وجه أیضا لاعتبار الحضور فی مجلس العقد کما یظهر من

ص:83

شیخنا الأستاذ و أما لو کانا متفرقین فلا یثبت لهما الخیار کما تقدم تفصیله فی القسم الأول و لا یفرق فی ذلک کله بین کون الوکیلان من قبلهما مفوّضین فی البیع و الشّراء فقط أو علی وجه الإطلاق أو مختلفین.

و قد بقی الکلام فی أمرین
الأول أنه إذا اجتمع الموکلان و

الوکیلان فی مجلس العقد

فإنه لا شبهة فی ثبوت الخیار لهما کما عرفت و انما الکلام فی انه إذا أعمل کل منهما الخیار من الفسخ أو الإمضاء فهل یوجب ذلک لزوم البیع أو انفساخه من قبل الجمیع سواء فی ذلک الموکلان و الوکیلان أم لا.

أما الفسخ

فإنه إذا تحقق من أی من الوکیلان أو الموکلین من طرف البائع أو من طرف المشتری فإنه یوجب هدم البیع و انفساخه بلا شبهة و الوجه فیه هو ما ذکرناه فی تعریف الخیار من أنه ملک فسخ العقد أو إقراره و قلنا هناک انه فرق بین الفسخ و الإقرار فإن الإمضاء و الالتزام إذا تحقق من طرف واحد سواء کان من طرف المشتری أو من طرف البائع لا یستلزم الإمضاء من طرف الآخر فإنه معنی قائم بالطرفین فیمکن الإقرار و الإثبات من احد الطرفین بان یلزم أن یفسخ العقد و لا یرفع الید من التزامه و لکن یکون جائزا من الطرف الآخر بأن یکون مختارا فی الفسخ أو الإمضاء.

و هذا بخلاف الفسخ فإنه لا یعقل أن یتحقق فسخ العقد من طرف و بقائه من طرف آخر بل بمجرد تحققه من أحد الطرفین ینفسخ العقد من أصله و هذا الخصوصیّة فی الفسخ فإنه لیس إلا عبارة عن حلّ العقد و هدمه فلا معنی لان ینحلّ العقد من أحد الطرفین و یبقی من الطرف الآخر کما هو واضح.

ص:84

و علیه فإذا فسخ أحدهم من الوکیلین أو الموکلین من طرف البائع أو من طرف المشتری فینحل البیع من الطرفین و ینفسخ من أصله فلا یبقی موقوفا من الطرف الآخر علی الفسخ أیضا کما کان لزوم العقد من الطرفین موقوفا علی إمضاء کلا الطرفین کما هو واضح.

و أما الإمضاء و إسقاط الخیار

فهل یوجب الإلزام من احد الطرفین الإلزام من الطرف الآخر أیضا کما ذکره المصنف و التزم به أم لا بل یبقی الطرف الآخر باقیا علی خیاره.

و تنقیح ذلک یحتاج الی تحقیق معنی قوله علیه السلام البیّعان بالخیار ما لم یفترقا من أن المراد من البیّع هو الطبیعة أو أرید منها القضیة الحقیقیة.

و قد یقال ان المراد من قوله المتبایعان أو البیعان بالخیار ما لم یفترقا هو جنس المتبایع و البیع أی الطبیعة الکلیة بحیث اثبت الامام علیه السلام الخیار لهذه الطبیعة إنما سرت و قد تکون قائمة بفرد واحد و قد تکون قائمة بأفراد عدیدة و لکن الثابت هو الخیار الواحد فقط القائم بالطبیعة و لا یتعدد بتعدد الافراد فکلمن سبق من افراد هذه الطبیعة إلی إعماله نفذ و سقط خیار الباقین بلزوم العقد کما کان الأمر کک فی الانفساخ أیضا غایة الأمر إتیان البیّع أو المتبایع بکلمة التثنیة فی قوله(علیه السلام)المتبایعان بالخیار أو البیّعان بالخیار ما لم یفترقا قرینة علی أن الثابت للمتبایعین هو خیاران أحدهما لطرف البائع و الثانی لطرف المشتری و إطلاق البیّعین علی البائع و المشتری أو من جهة التغلیب کإطلاق الشمسین علی القمر و الشمس من باب المشاکلة و المشابهة أو من جهة صحة إطلاق البائع

ص:85

علی المشتری حقیقة فإنه بمعنی ترک شیء و أخذ شیء آخر بدله کما فی القاموس و الراغب و أما أن الثابت لکل طرف أیضا متعدّد حسب تعدّد اشخاص هذا الطرف و ذلک الطرف فلا بل ثبت الخیار لصرف الوجود.

و علی الاجمال فظهور الروایات الدالة علی ثبوت خیار المجلس للمتبایعین هو أن هنا خیاران قد ثبتا علی طبیعین أحدهما قد ثبت علی طبیعی البائع و الثانی قد ثبت علی طبیعی المشتری و الإتیان بکلمة التثنیة أما من جهة المشاکلة أو من جهة الحقیقة کما تقدّم و هاتان الطبیعتان سواء تعددت افرادهما أو اتحدت لکل منهما خیار واحد فأیّ من افراد هذه الطبیعة سبق علی اعمال الخیار بأن أمضی العقد فسقط الخیار عن الباقین لأن المفروض أنه کان هنا خیار واحد قائم بهذه الطبیعة فبمجرد اعمال فرد من هذه الطبیعة ذلک الخیار سقط عن الباقین فإن الطبیعی یحصل بصرف الوجود فقط و کک الکلام فی الطرف الآخر من الطبیعی.

و علی هذا فلکلام المصنف مجال واسع حیث قال و ح فقد یتحقق فی عقد واحد الخیار لأشخاص کثیرة من طرف واحد أو من الطرفین فکل من سبق من أهل الطرف الواحد إلی إعماله نفذ و سقط أخیار الباقین بلزوم العقد أو بانفساخه فان ذلک المسألة فیما إذا ثبت للجانبین و هذا فرض من جانب واحد و لیس المقام من تقدیم الفاسخ علی المجیز.

فإنه علی هذا قد اتضح الفرق بین هذه المسألة و مسألة تقدیم الفاسخ علی المجیز فان مورد المسألة الثانیة هو أن یکون

ص:86

الفسخ أو الإمضاء من أحد طرفی العقد لا من طرف واحد فقط فإنّه لا شبهة ح انه إذا فسخ أحد الطرفین انفسخ العقد من الطرفین و أما إذا أمضی أحدهما دون الآخر لا یکون العقد لازما من الطرفین و هذا هو الفارق بین المسألتین کما لا یخفی.

و لکن الظاهر لیس کک فالظاهر من الروایات الدالة علی ثبوت خیار المجلس للمتبایعین علی سبیل القضیة الحقیقیة کما هو کک فی جعل سائر الأحکام التکلیفیة و الوضعیّة فإنها جعلت علی الموضوعات المقدرة المفروضة وجودها و هکذا فی المقام و علی هذا فظهور الروایات ان خیار المجلس انما ثبت علی کل من صدق علیه المتبایع و البیّع و التاجر فکل من صدق علیه شیء من هذا العناوین فله خیار المجلس و علیه فان سبق الوکیل المفوض من جمیع الجهات إلی اعمال الخیار بأن أمضی العقد فیکون إمضاء من قبل الموکل أیضا و ان کان لکل منهما خیار مستقل و لکن حیث کان الوکیل وکیلا مفوضا فله أن یفسخ المعاملة من قبل المالک حتی فیما له خیار المجلس کما إذا حضر مجلس العقد بعد تحقق المعاملة بین موکله و شخص آخر فان له الفسخ من قبل الموکل فإذا کان الوکیل المفوض الوارد بعد العقد له ذلک فالمفوّض الحاضر فی مجلس و الموجد للعقد أو بان یفسخ من قبل الموکل أیضا فیکون إمضاؤه استقلالا من قبل نفسه و وکالة من قبل الموکل فیسقط خیارهما معا حتی لو کان غافلا عن ثبوت الخیار للموکل فإن الوکالة لیست من الأمور التی اعتبر فیها قصد الوجه و لذا لو وکل احد شخصا فی معاملة و عامل الوکیل تلک المعاملة بقصد الفضولیة لعدم علمه بالوکالة فإنه لیس للموکل أن یرد تلک المعاملة و المعاملة معها

ص:87

معاملة الفضولیة کما لا یخفی.

نعم لو قصد الموکل فی إمضائه العقد و إسقاطه الخیار الحصة الخاصة من الخیار المختص لنفسه أو لموکله فلا یسقط من کلیهما و أما فی غیر هذه الصورة فیسقط خیار الجمیع بإمضاء الوکیل العقد و بهذا یمتاز الوکیل المفوّض من جمیع الجهات عن الوکیل المفوّض فی خصوص البیع و الشراء فقط فإنه لیس له إسقاط الخیار الا من قبله لانه لیس له التصرف فی الأمور الراجعة إلی الموکل فی غیر البیع أو الشّراء اللّذان قد حصلا و خلصت وکالته.

نعم لو کان الخیار ثابتا لطبیعة البیّع و المتبایع لکان هذا القسم من الوکیل المفوّض کالمفوّض المطلق و نفس الموکل فیما ثبت له الخیار لکونه فردا من طبیعة المتبایع و البیّع أیضا.

قوله:ثمّ علی المختار من ثبوته للموکلین فهل العبرة فیه

إلخ

أقول:هذا هو الأمر الثانی و حاصله ان الغایة فی خیار المجلس الثابت للموکلین و الوکیلین معا فی مجلس العقد أی شیء هل هی تفرّق الموکلین لکونهما أصلا فی المعاملة أو هی تفرّق الوکیلین لأنهما السبب فی ثبوت الخیار للموکلین لأنهما أوجدا المعاملة أو بتفرّق الکل فیکفی بقاء وکیل مع أصیل آخر فی مجلس العقد وجوه کما ذکره المصنف أو المناط فی حصول الغایة هو تفرق واحد منهم أیّ منهم کان کما احتمله السیّد(ره)فی حاشیته وجوه.

و تحقیق الکلام أنه تارة نقول بثبوت الخیار للطبیعة ای طبیعة المتبایعین و البیّعین و أخری نقول أنه حکم انحلالی الی کل ما یصدق علیه عنوان المتبایع و البیّع علی سبیل القضیة الحقیقیة.

ص:88

أما علی الأول أی ثبوت الخیار للطبیعة

فلا یرتفع الخیار بتفرّق بعضهم ما لم یتفرق مجموعهم بان کان فی المجلس من یصدق علیه عنوان المتبایع و طبیعة البیّع و یصدق ذلک ببقاء أحد الوکیلین مع الأصیل الآخر بان یبقی فی المجلس أحد الوکیلین من طرف و أحد الاصیلین من طرف آخر و ببقاء الاصیلین و ببقاء الوکیلین و علی هذا فکلام المصنف متین و لکن قد عرفت أن ارادة الطبیعة من البیّع و المتبایع و جعلها موضوع الحکم فی المقام خلاف ظواهر الأدلة فإن الظاهر منها أن الخیار ثابت لبیّع علی نحو القضیة الحقیقیة و المتبایع الذی یکون مفروض الوجود علی أنه لو کان المراد من الأدلة هو ذلک فلازمه القول بثبوت الخیار للموکل و ان لم یکونا مجتمعین فی مجلس واحد بل متفرقین فی الخارج فإن طبیعی البیّع و المتبایع لم یحصل التفرّق فیه و مقتضی الإطلاق أن طبیعی البیّع بالخیار ما لم یحصل التفرّق بینهما و من الواضح أن الموکلین أیضا یصدق علیهم طبیعی البیّع فیکون لهما الخیار ما لم یحصل التفرّق من الوکیلین الحاضرین فی مجلس العقد و هذا مما لم یلتزم به المصنف و لا أنه ینبغی أن یلزم به احد فیعلم من ذلک أی من عدم التزام المصنف بهذا النقض أنه لم یقل بثبوت الخیار للطبیعة و دعوی أن صدر الروایة و هو ثبوت الخیار للطبیعی البیّع معارض مع ذیله و هو ما لم یفترقا فإنّه یصدق علی المتفرقین انهم بیّع تفرّقوا فلازم الصدر ثبوت الخیار لمن صدق علیه البیّع حتی المتفرّقون و لازم الذیل عدم ثبوته للمتفرقین فیعارض الصدر الذیل دعوی جزافیة فإن انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع افراده و لکن ثبوتها بثبوت فرد واحد منها.

ص:89

و علی الجملة أن ما التزم به المصنف من کون المناط فی التفرّق هو تفرّق الکل صحیح بناء علی ثبوت الخیار للطبیعة و لکنه یلازم بما لم یلتزم به أحد.

و أما علی الثانی أعنی ثبوت الخیار علی الموضوع المفروض الوجود

الذی عبارة عن القضیة الحقیقة

فإن کان الموکلان مجتمعین فی مجلس غیر مجلس العقد بان جمعتهما الهیئة الاجتماعیة فی مجلس واحد فلا شبهة فی أن المناط فی التفرّق الذی هو غایة للخیار هو تفرّق الموکلین عن مجلسهما کما أن المناط فی سقوط الخیار عن الوکیلین تفرقهما عن مجلس العقد فلا ربط لتفرق الموکلین بالوکیلین و بالعکس.

و ان کان المجموع من الموکلین و الوکیلین حاضرون فی مجلس العقد فالمناط فی بقاء الخیار و سقوطه هو تفرّق أیّ منهم و بقاء الآخرین فکل من خرج عن مجلس العقد سقط خیاره و کل من بقی فی المجلس فهو مختار بشرط أن یکون الباقین بعضهم من طرف البائع و بعضهم من طرف المشتری.

و بعبارة أخری أن الخیار ثابت لکل ما یصدق علیه المتبایع أو التاجر أو البیّع علی نحو الانحلال و الغایة فی سقوط ذلک هو التفرق فإذا بقی الوکیلین و خرج الموکلین فالخیار باق بالنسبة إلی الوکیلین و ساقط عن الموکلین و ان کان العکس فالأمر بالعکس و ان اختلف الأمر بأن بقی أحد الوکیلین من طرف مع الأصیل الأخر من طرف آخر و خرج أحد الوکیلین مع أحد الاصیلین فیبقی الخیار فی الباقین و یسقط عن الخارجین.

ص:90

و الحاصل أنه بناء علی الانحلال فکل من صدق علیه البیّع من أحد الطرفین مع ما یصدق علیه البیّع من الطرف الآخر اجتمعا فی مجلس العقد أی بقیا و ان تفرق غیرهما فهما بالخیار و یسقط الخیار عن المتفرّقین لأن الغایة قد حصلت بالنسبة إلی المتفرّقین و لکنها بعد لم تحصل بالنسبة إلی الباقین کما هو واضح.و من هنا ظهر بطلان سائر الوجوه المذکورة فی المقام.

قوله:و ممّا ذکرنا اتضح عدم ثبوت الخیار للفضولیین و ان جعلنا

الإجازة کاشفة

أقول:قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه عدم ثبوت الخیار للفضولیین و ان صدق علیهما عنوان البائع و المشتری فإنّک قد عرفت ان المناط فی ثبوت خیار المجلس للبائع هو کون أمر البیع فی یده و من الواضح أن الفضولیین لیسا کک و من هنا ذکر المصنف أنه إذا لم یثبت الخیار للوکیلین الغیر المستقلین فی التصرف فعدم ثبوته للفضولیین أولی کما لا یخفی و أما دعوی أنه لا یصدق علیهما المتبایع فقد اتضح جوابه ممّا تقدم و ممّا ذکره المصنف(ره)من ان البیع هو النقل العرفی و هو موجود هنا فیصدق علیهما المتبایع و أما ثبوته للمالکین فذکر المصنف أن له وجه بعد الإجازة مع حضورهما فی مجلس العقد و اعتبار مجلس الإجازة علی القول بالنقل له وجه خصوصا علی القول بأن الإجازة عقد مستأنف جدید علی ما تقدم توضیحه فی مسألة عقد الفضولی.

و قد أمر شیخنا الأستاذ علی عدم ثبوته للمالکین فی المعاملة الفضولیة إذا لم یحضرا فی مجلس العقد و حضورهما فی مجلس الإجازة لا یکفی فی ثبوت الخیار لهما لان الانتقال و ان حصل حال الإجازة

ص:91

الا أنه لو احتمل خصوصیة الاجتماع حال العقد فلا مانع لهذا الاحتمال و إطلاق البیّعان بالخیار لیس بصدد البیان من هذه الجهة.

أقول قد عرفت أن قوله علیه السّلام البیّعان بالخیار حکم انحلالی ثابت لکل من صدق علیه المتبایع مع حضورهما فی مجلس واحد عند العقد حتی صدق البیّع و المتبایع علیهما و من الواضح فإذا أجاز المالکین البیع فیستند البیع إلیهما و یصدق علیهما عنوان البیّع ح فیثبت لهما الخیار لتحقق موضوعه و لا یفرق فی ذلک بین الکشف و النقل فی ذلک فإنه علی کل حال فزمان الإجازة زمان استناد البیع الی المالکین و زمان الاستناد هو زمان صدق البیّع علیهما و هو موضوع الخیار فیثبت لهما الخیار حین الإجازة و العجب من شیخنا الأستاد کیف استشکل فی إطلاق البیّعان بالخیار مع صدق البیّع علی المالکین هنا لا یقصر عن صدقه علی سائر البیاعین فلا نعرف الفرق بین المقام و بین سائر الموارد الا من حیث مادة البیّع و لا من حیث هیئته.

(فی حکم ثبوت الخیار لشخص واحد من حیث کونه بائعا و مشتریا).
اشارة

قوله مسألة لو کان العاقد واحدا لنفسه أو غیره أقول قد عرفت حکم ثبوت الخیار للبائع و المشتری فی صورة التعدّد سواء کانا وکیلین أو موکلین أو مختلفین،و کک لا شبهة فی ثبوت الخیار فیما إذا کان المنشئ واحدا و کان الموکلین من البائع و المشتری متعددا و حاضرا فی مجلس العقد فإنه یثبت الخیار لکل منهم ما لم یتفرقوا و انّما الإشکال فیما إذا کان شخص واحد وکیلا من قبل کل من البائع و المشتری فإنّه لا تعدد فی هذه الصورة من الطرفین و مفروض المسألة علی ثلثة أقسام لأن الوکیل المذکور قد یبیع من الموکل لنفسه و قد یبیع

ص:92

من نفسه لموکله و قد یبیع من احد الموکلین للآخر.و هل یثبت له الخیار ح من کل من الطرفین أولا یثبت الخیار له أصلا و قد وقع الخلاف فی ذلک و الظاهر أن المعروف هو عدم ثبوت الخیار له من الطرفین و ذهب بعضهم الی ثبوته و منهم السیّد(ره)فی حاشیته و استدلوا علی ثبوته بالإطلاقات الدالة علی ثبوت الخیار للمتبایعین ما لم یفترقا أو حتی یفترقا.و من الواضح أن الشخص الواحد یصدق علی البائع و المشتری باعتبارین.

و لکن الکلام فی ثبوت المانع عن ذلک فی المقام

و ذکروا وجوها للمانعیة

الأول أن المذکور فی الروایات هو المتبایعان أو البیّعان

و من الواضح ان الشخص الواحد لا یصدق علیه الاثنینیة فانّ التثنیة فی حکم تکرار المفرد و مجرّد صدق العناوین المتعددة علی شیء واحد لا یصح إطلاق التثنیة علیه الا باعتبار هذا العنوان الانتزاعی مثلا فیقال ان له عنوانین أو عناوین.

و یمکن الجواب عنه بأن المراد من الروایات المشتملة علی ذکر التثنیة هو ثبوت الخیار للبائع بعنوانه و للمشتری بعنوانه فکأنه(علیه السلام) قال البائع بالخیار و المشتری بالخیار ما لم یفترق أحدهما عن الآخر و هذا لا ینافی ثبوته لشخص واحد یکون مجمعا للعنوانین فالنکتة فی الإتیان بلفظ التثنیة هی کون الغالب فی البیوع تعدد المتعاملین و کون البائع غیر المشتری بداهة عدم موضوعیة التثنیة و الاثنینیة فی ثبوت الخیار و علیه فلا مانع من التمسّک بالإطلاقات الدالة علی ثبوت الخیار للمتبایعین فی المقام أیضا.

الوجه الثانی أن الحکم أعنی الخیار مغیّا بالافتراق أو الموضوع و هو المتعاملین مغیا بالافتراق

ص:93

کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ و قلنا فی بعض المباحث الأصولیة أن جمیع الشروط فی القضایا الشرطیة ترجع الی الموضوع و علی کل حال فهذه الغایة مستحیلة فی شخص واحد فإنه لا یعقل الافتراق هنا و من الواضح أنه لا معنی لکون الحکم مغیا بغایة مستحیلة کما إذا قال أحد أن هذا الحکم ثابت حتی یلزم الدور أو التسلسل أو اجتماع النقیضین أو الضدین،و هذا الوجه هو الظاهر من المصنف.

و فیه أولا ما اجابه السید نقضا من أن الغایة المذکورة قد تکون مستحیلة فی شخصین کما إذا کانا متلاصقین فإنه لا شبهة فی ثبوت الخیار لهما مع أن الافتراق فیه مستحیل أیضا.و هذا النقض لا بأس به و کک یصحّ النقض بما إذا کانا متعددین غیر متلاصقین و لکن کان الافتراق مستحیلا عادة کما إذا کانا فی السجن المخلد فإنه لم یتوهم أحد عدم ثبوت الخیار فی أمثال ذلک و علیه فیثبت له الخیار و لا یسقط الا بمسقط غیر الافتراق.

و ثانیا بالحل بان یقال ان الحکم و ان کان مستحیل ان یکون مغیا بغایة مستحیلة کان یجعل علی موضوع معلقا باجتماع النقیضین و لکن المقام لیس کک فإنه لا بأس بأن یکون مغیا بغایة هی المجامع بین الممکن و المستحیل کما إذا کان قال المولی لا تجوز الصلاة فی الثبوت النجس حتی یغسل أو الی أن یغسل و کقوله مثلا لا تجوز أکل المتنجس الی أن یغسل أو حتی یغسل فان الغسل قد یکون مستحیل فی بعض أفراد المتنجس لکونه موجبا لانتفاء العین المغسولة و من الواضح أن الاستحالة فی خصوص فرد لا یوجب بطلان الحکم المجعول إلی

ص:94

غایة جامعة بین الفرد الممکن و المستحیل و کک فی المقام فان الخیار و ان کان مغیی بغایة و هی الافتراق و لکن هذه الغایة لیست مستحیلة دائما بل هی مستحیلة فی بعض الافراد کما عرفت فی الفروض المتقدمة فمثل هذا لا یمنع عن جعل الحکم مغیی بغایة فکما لا یمنع استحالة الغسل فی مثل السّکر و القند و الصبغ عن کون الغسل غایة لجواز أکل المتنجس أو لبسه و کک الافتراق المستحیل فی فرد خاص لا یمنع عن جعل ثبوت الخیار للمتبایعین مغیی بغایة و هی الافتراق و هل یتوهم أحد أنه یجوز أکل السکر المتنجس و الحلیب المتنجس من جهة ان استحالة الغسل فیها أوجبت سقوط الحکم بوجوب الغسل نعم فیما کانت الغایة مستحیلة من جمیع الجهات فلا معنی لکون الحکم مغیی بتلک الغایة.

کان الکلام فی ثبوت خیار المجلس لشخص واحد الذی کان وکیلا من قبل البائع و المشتری و هو قد یبیع مال نفسه من احد الموکلین أو مشتری من أحدهما لنفسه أو یبیع من أحد الموکلین للآخر و بناء علی ثبوت الخیار له لا یسقط الا بمسقط آخر و قد تقدّم أن المانعین عن ثبوت خیار المجلس له من الطرفین تمسکوا بوجوه الأوّل:

عدم شمول الإطلاقات الدالة علی ثبوت خیار المجلس للمتبایعین لما نحن فیه فإنّها تدل علی ثبوته للمتبایعین و البیّعین بحیث یکونان متعددا و الشخص الواحد لا یکون متعددا.

و بعبارة أخری أن الإطلاقات تدل علی ثبوت خیار المجلس للتثنیة بحیث یکون أحدهما بائعا و الأخر مشتریا و الشخص الواحد و ان کان یصدق علیه عنوان البائع و عنوان المشتری و لکنه لا یصدق

ص:95

علیه عنوان التثنیة فإنها فی حکم تکرار المفرد و المفرد لا یصدق علیه التکرار نعم یصدق علیه العناوین المتعددة.

و فیه أن الإتیان بالتثنیة من جهة الغلبة فإن الغالب أن المتصدی للبیع و الشراء هو شخصان و هذا لا ینافی ثبوت الخیار للشخص الواحد أیضا إذا تصدی للبیع و الشراء بوحدته کما یثبت له بقیة أحکام البائع و المشتری و الإتیان بالتثنیة فی حکم أن البائع له خیار ما لم یفترق عن المشتری و المشتری له الخیار ما لم یفترق عن البائع و القرینة علی هذا هو ثبوت الخیار لکل من البائع و المشتری مستقلا من غیر أن یتوقف اعماله علی اعمال الطرف الآخر فالإتیان بکلمة التثنیة لیس له موضوعیّة أصلا کما هو واضح.

الثانی ما ذکره بعضهم من أن ما یکون غایة للحکم الشرعی لا یمکن أن یکون مستحیلا بل لا بدّ و أن یکون أمرا ممکنا و من الواضح أنّ التفرّق الذی غایة لثبوت الخیار للمتبایعین مستحیل فی شخص واحد فلا یکون غایة لثبوت خیار المجلس له فیرتفع الخیار فی حقه نعم قد یکون الغایة المستحیلة غایة لحکم مستحیل کقوله تعالی حَتّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیاطِ ،و کقولک لا تقدر علی الحرکة و سکون معا حتی یجتمع النقیضان و هذا هو الظاهر من کلام المصنف.

و فیه حلا و نقضا اما النقض فبما ذکره السیّد قدس سرّه من فرض المتبایعین متلاصقین فإنه مع کونهما شخصین یستحیل انفکاک أحدهما عن الآخر فلازم الاشکال المذکور أن لا یثبت الخیار لهما أیضا مع انه بدیهی البطلان بل لازم ذلک عدم ثبوت الخیار لشخصین مع استحالة الافتراق بینهما عادة کما إذا کانا فی السجن الذی لا یخرجان منه عادة.

ص:96

و ثانیا بالحل و هو أن الحکم الشرعی و ان لم یکن مغیی بغایة مستحیلة و لکن لا شبهة فی جواز کونه مغیی بغایة ممکنة و لکن بعض أفرادها ممتنعة کما مثلناه کما إذا فرضنا أن الشارع حکم بحرمة أکل المتنجس أو لبسه حتی یغسل فان تلک الغایة ممکنة فی نفسها و لکن قد تکون مستحیلة لاستحالة الغسل فی بعض المواد لزوالها بالغسل و هذا لا یوجب ارتفاع حرمة الأکل أو اللبس عن تلک المورد مثلا.

و هکذا إذا کان ثبوت الحکم للحیوان مغیی بغایة و هی الطیران فان استحالته فی الإنسان لعدم وجود الجناح له لا یوجب رفع الحکم،و ما نحن فیه من هذا القبیل فان الافتراق الجامع بین المستحیل و الممکن ممکن و لکن قد استحال ذلک فی بعض أفراد البائع و المشتری و هو ما إذا کانا المتصدی للبیع و الشراء شخص واحد الا انه لا یوجب رفع الحکم الشرعی أعنی الخیار و المجلس الثابت للمتبایعین و البیّعین.

الوجه الثالث أن الغایة التی عبارة عن الافتراق غیر متحقق

فی الشخص الواحد

لا من جهة ما تقدم من عدم جواز کون الحکم الشرعی مغیی بغایة مستحیلة بل من جهة إباء مادة الافتراق عن ذلک و توضیح ذلک أن الروایات الواردة فی إثبات خیار المجلس علی طائفتین الأولی ما کان مقیدا بقید عدمی کقوله(علیه السلام)البیّعان بالخیار بما لم یفترقا و الثانیة ما کان مغیی بغایة و هو قوله(علیه السلام)البیعان بالخیار حتی یفترقا کما أشرنا إلی هاتین الطائفتین فی مطاوی ما ذکرناه و لا فرق بین هاتین الطائفتین فإن قوله(علیه السلام)حتی یفترقا أیضا راجع

ص:97

الی القید العدمی من حیث المفهوم فان مفهوم حتی یفترقا ان عدم الافتراق شرط فی ثبوت الخیار فتکون کلتا الطائفتین ناظرتین الی اشتراط الموضوع بعدم الافتراق و قهرا یکون الحکم أیضا مقیدا بذلک ثمّ انّ التقابل بین الافتراق و عدم الافتراق و ان کان هو الإیجاب و السلب کما هو الشأن فی کل عدم مضاف إلی شیء و بدله و لیسا هما کتقابل الافتراق و الاجتماع فإنّهما انّما یکونان فی موضوع قابل فیکون التقابل بینهما هو العدم و الملکة فالتقابل المستفاد من الاخبار الواقع بین الافتراق و عدمه فیکون من تقابل السلب و الإیجاب،و لکن المتفاهم من القضیة السالبة بحسب العرف هو أن الانتفاء انّما هو بحسب المحمول و ان کانت صادقة فی نظر العقل بانتفاء الموضوع أیضا فإنه إذا قیل انّ فلانا لیس بوسیع الدار أو لیست زوجته جمیلة أو لیس له ابن یفهم أهل العرف أن له دار غیر وسیعة و أن له زوجة غیر جمیلة و أن له زوجة و لیس له ابن لا انه لیس له هذا الأمور أصلا و ان کان ذلک أیضا صادقا و علیه فیکون التقابل بین الافتراق و مقابله من العدم و الملکة.

و علی هذا فکلمة عدم الافتراق انّما تحقّق و تصدق فی مورد یکون قابلا للافتراق و لکن لم یتحقق الافتراق لکی یکون السّلب بانتفاء المحمول کما هو مقتض الفهم العرفی حینئذ فیکون السلب مساوقا لثبوت الخیار للمتبایعین مع عدم التفرق فی موضوع قابل للتفرق و لو عممنا السلب الی السلب بانتفاء الموضوع لثبت الخیار بمقتضی الاخبار فی صورة السلب بانتفاء الموضوع لثبت الخیار بمقتضی الاخبار فی صورة السلب بانتفاء الموضوع أیضا بحیث یکون التقابل ح بین الافتراق و عدمه هو التقابل فی السلب و الإیجاب و لکن قلنا

ص:98

هو خلاف المتفاهم العرفی من القضیة السالبة.

و اذن فمحط الروایات و موضعها هو ما کان الافتراق فیه ممکنا مع حفظ الموضوع بحیث یکون الموضوع قابلا له حتی یکون الخیار مع عدم الافتراق ثابتا للمتبایعین فتکون النتیجة ح أن الخیار غیر ثابت فی صورة اتحاد البائع و المشتری إذ لیس المورد قابلا لتفرق فیکون المورد من باب السلب بانتفاء الموضوع و قد عرفت أنه بعید عن المتعارف فلا یکون مشمولا للاخبار نعم لو عممنا مورد الاخبار للسلب بانتفاء الموضوع أیضا لکانت شاملة لما نحن فیه أیضا.

و الحاصل أن مورد الاخبار ما یکون التقابل بین الافتراق و عدمه تقابل العدم و الملکة بحیث یکون المتبایعین قابلین لذلک و ما نحن فیه من قبیل السلب و الإیجاب و إذا عممنا الاخبار الی السلب بانتفاء الموضوع أیضا فیکون المقام مشمولا لهما و لکنه خلاف متفاهم العرف و من هنا ظهر الجواب عن نقض السیّد ره فان الشخصین المتلاصقین و ان کانا غیر متفرقین و مستحیل افتراقهما و لکن عدم افتراقهما من قبیل العدم و الملکة لکونها بحسب نوعهما قابلین للافتراق و ان کانا لا یقبلان ذلک بحسب التصادف فیکون الخیار ثابتا لهما لکون الأخبار شاملة لهما کما عرفت.

نعم لو کان الغرض من ثبوت الخیار للمتبایعین هو التروی حتی یلاحظ کل منهما صلاح نفسه بحیث یکون ذلک هو الحکمة فی جعل خیار المجلس لکان لثبوته لشخص واحد إذا کان وکیلا من الجانبین وجه وجیه و لکن لا دلیل علی هذا الحکمة و قد تقدم الکلام فیه و لا یمکن رفع الید بها عن عموم الأدلة و إطلاقاتها الدالة

ص:99

علی صحة العقود و الإیقاعات فإن مثل ذلک من الوجوه الاستحسانیة التی لا یمکن الاعتماد علیهما.

(مسألة فی استثناء بعض اشخاص المبیع عن ثبوت خیار المجلس).
اشارة

قوله مسألة قد یستثنی بعض اشخاص المبیع عن عموم ثبوت هذا الخیار أقول

منها من ینعتق علی أحد المتبایعین

فان المشهور ذهبوا الی سقوط خیار المجلس فی ذلک بل الظاهر من کلام بعضهم انه موضع وفاق و قد استدل علیه بوجوه

الأول أن البیع و الشراء

المتعلقین بالعمودین لیسا من البیع و الشّراء الحقیقیین

بل هما فی الحقیقة عتق فیکون البیع من البائع إیجادا للعتق بصیغة البیع مع الضمان من المشتری و علیه فلا یترتب علیه أحکام البیع أصلا و هذا الوجه هو محتمل کلام المصنف حیث عبّر عنه بالملک التقدیر و الملک الفرضی فإن الظاهر من ذلک أن ما یوجب حصول الملکیة أعنی البیع منتف.

و فیه أنه لا وجه للالتزام به و انّه خلاف البداهة فإنّه لما ذا یترتب العتق علی قصد المتبایعین الملکیة خصوصا إذا کانا جاهلین بالحکم أو بالموضوع فبأی دلیل یحکم بترتب العتق علی البیع فإنه و ان کان ممکنا و لکنه لا دلیل علیه فإنّه لو ترتب العتق علی البیع یلزم أن یقع ما لم یقصد و لم یقع ما قصد نعم لو قام الدلیل علیه لما کان به بأس کما هو کک فی المعاطاة کما تقدم فإنک قد عرفت ان مقتضی الجمع بین الأدلة هو الحکم بالإباحة الشرعیة علی ما ذهب الیه بعضهم.

الوجه الثانی ما ذکره المصنف فی آخر کلامه

و حاصله أن

ص:100

سقوط الخیار بالتصرف الشامل للإتلاف معللا فی أخباره بأنه رضا منه یقتضی بالفحوی و الأولویة علی عدم ثبوته فی المقام لان بیع من ینعتق علی المشتری إتلاف له من البائع و المشتری له فإذا کان الإتلاف رافعا للخیار بعد ثبوته فبالأخری أن یکون دافعا له.

و یرد علیه أولا ما اعترف به المصنف قبل کلامه هذا من اختصاص ذلک بصورة العلم منهما و لا یجری ذلک فی فرض الجهل منهما علی الحکم و الکبری أو الجهل بالصغری و الموضوع.

و ثانیا أن لازم ذلک هو سقوط الخیار من المشتری فإنه أتلف المبیع و أما البائع فلا وجه لسقوط خیاره و اقدامه علی البیع فی صورة العلم لیس اقداما علی التلف عنه بل إقدام علی التلف عن المشتری.

و ثالثا أنّ ما سیأتی الکلام فیه من کون التلف بل أدنی التّصرّف مسقط للخیار انما هو بعد تمامیة البیع و النقل و الانتقال لا التلف الذی یلزم من قبل القبول فإنه لا دلیل علی کونه مسقطا للخیار بل هو مقوم للبیع الذی موضوع الخیار فإنه لا یتقوم بدون القبول.

و بعبارة اخری انّ التلف بل التصرف و لو کان قلیلا و ان کان یوجب سقوط الخیار و لکنه واقع بعد تحقق البیع و حصوله النقل و الانتقال و اما التصرّف الحاصل بإیجاد أحد رکنی البیع کما یتحقق هنا بالقبول فلا یوجب سقوط الخیار و علیه فإذا فسخ کل من البائع أو المشتری العقد فیردّ بدل العین التی فی حکم التالف کما هو واضح.

الوجه الثالث أن فی شراء العمودین و ان کان یحصل النقل

و لا انتقال حقیقة الا أنّه آنیّ فلا یقبل الاّ العتق

فلا یقبل المورد تعلّق

ص:101

الفسخ و الردّ به فان الحر لا یصیر عبدا و علی هذا فأدلة الخیار تکون منصرفة عن المقام.

و بعبارة أخری أن منصرف أدلة الخیار صورة بقاء العوضین فإذا تلف أحدهما أو کلاهما تلفا حقیقیا أو تلفا حکمیا و شرعیا کالانتقال الی الغیر بالبیع و نحوه أو کالعتق کما فی المقام خرج المورد عن منصرف الأدلة.

و الحاصل أن المستفاد من دلیل الخیار تقوم حق الخیار بقیام العوضین امّا بتعلق الحق بهما ابتداء أو کان الحق قائما بالعقد و لکن ذلک لغرض استرجاع العوضین فلا یکون حیث لا یکونا العوضان قائمین.

و فیه أن متعلق الفسخ هو العقد کما تقدم بیانه سابقا دون العین کما هو کک فی المعاطاة حیث انّ معنی تزلزل العقد هو جواز تراد العینین و علی هذا فیجوز اعمال الخیار حتی بعد تلف أحد العوضین أو کلیهما بحیث لا یکون مستندا الی تصرف أحدهما و علیه فان کانت العین باقیة فتسترجع العین و الاّ فبدلها و دعوی انصراف الأدلة الدالة علی ثبوت الخیار إلی صورة بقاء العین دعوی جزافیة فإنه لا منشأ له بوجه و ان کانت نتیجة فسخ العقد أیضا هو استرجاع العین.

الوجه الرابع أن معنی الفسخ هو فرض کون العین تالفة فی ملک

البائع فی فرض التلف

بأن یفرض أن المبیع لم یکن منتقلا إلی المشتری أصلا لأن الفسخ یجعل العقد کأن لم یکن و کان التصرف وقع فی ملک البائع و فرض العقد کأن لم یکن مثلا إذا اشتری أحد من البائع

ص:102

خبزا فأکله ثمّ فسخ العقد فمعناه أن الأکل قد وقع فی ملک البائع و علیه فلا یجری ذلک فی شراء الشخص عمودیة فإنّه بمجرّد الاشتراء ینعتق علیه بعد حصول الملکیّة له آنا ما و إذا انعتق فلا یمکن أن یفرض بالفسخ کون العتق واقعا فی ملک البائع فإن العبد لیس من عمودی البائع حتی ینعتق علیه بل هو من عمودی المشتری فلا یعقل جریان الفسخ هنا أصلا فلا یجری خیار المجلس فی شراء الشخص عمودیه کما هو واضح.

و بالجملة حیث لا یمکن فرض کون العتق فی ملک البائع لعدم کون العبد أبا له مثلا فلا یمکن فرض الفسخ هنا لعدم تحقق معناه الذی کان عبارة عن فرض کون التلف فی ملک البائع و إذا لم یجر معنی الفسخ هنا فلا یجری فیه الخیار أیضا.

و فیه أولا أن لا داعی لهذا الفرض فإنه التزام به بلا ملزم و شعر بلا ضرورة فلما ذا نفرض کون الفسخ هو فرض تلف المبیع فی ملک البائع کما لا یخفی.

و ثانیا لازم ذلک عدم الخیار فی صورة التلف الحکمی بأن یبیع المشتری ما اشتراه من البائع الی الثالث فإنه لا یمکن هنا أیضا فرض کون البیع فی ملک البائع فإنه مضافا الی أنه لا بیع إلاّ فی ملک لانه وقع فی ملک المشتری أن لازم ذلک رجوع الثمن إلی البائع و لیس کک قطعا فإنّه مال للمشتری فلا مساس له بالبائع کما هو واضح و أما فی صورة التلف الحقیقی فلا یجری النقض لا مکان فرض کون التلف فی ملک البائع فلا یقاس بالتلف الحکمی مثل البیع و نحوه.

الوجه الخامس ما ذکره صاحب المقابیس

و حاصله أن ثبوت

ص:103

الخیار لمن انتقل عنه مبنی علی أن الخیار و الانعتاق هل یحصلان بمجرّد البیع أو بعد ثبوت الملک أنا ما أو أن الخیار مبنی علی البیع و الانعتاق مبنی علی ثبوت الملک أو العکس فعلی القول بحصول الخیار و الانعتاق بمجرّد البیع أو القول بحصول الملک أو القول بکون الخیار مبنیا علی الملک و الانعتاق علی البیع فیقوی القول بعدم الخیار و الوجه فیه أن أخبار العتق النص فی مفاده و القول بالرجوع إلی القیمة بعد اعمال الخیار فاسد فإن القیمة بدل للعین فیمتنع استحقاقها من دون المبدل و لان حق العتق سابق لتعلقه قبل تعلّق الخیار فیکون مقدما.

ثمّ قرب ثبوت الخیار علی الوجه الأخیر جمعا بین الحقین و دفعا للمنافاة من البین و عملا بکلا النصین و الإجماع علی عدم إمکان زوال ید البائع عن العوضین و تنزیلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عیب فی أحدهما و العتق بمنزلة تلف العین فکما أنه مع ظهور العیب فی أحدهما یؤخذ الأرش و فی هنا یؤخذ البدل إذ لا یمکن عود الحر عبدا ثم وجه ثبوت الخیار بأنه یثبت بمجرّد العقد و أن العقد علة له کما أن الملک علة للعتق فلمکان عدم الانفکاک بین العلة و- المعلول فیتعین القول بثبوت الخیار بمجرد البیع کما هو واضح.

و فیه أنه لا یترتب ثمر علی هذا التشقیق بوجه و لا طائل تحته أصلا فإنه ان کان المراد من تقدم الخیار علی العتق هو التقدّم الطبعی فلا فائدة فیه.

و ان کان المراد به هو التقدم الزمانی فهو خارج عن المقام أما الأول فتوضیح ذلک ان کان البیع متقدما رتبة علی الملک و کان

ص:104

الخیار أیضا مترتبا علی البیع فیکون مقدما علی الانعتاق رتبة لان الفرض أن الانعتاق انّما ترتب علی الملک و ان کان الملک متقدما علی البیع رتبة و ترتب الخیار علی الملک و ان کان الملک متقدما علی البیع رتبة و ترتب الخیار علی الملک و الانعتاق علی البیع کان الخیار أیضا متقدما علی الانعتاق و ان کان العکس فالانعتاق مقدّم علی الخیار رتبة.

و بعبارة أخری قد یکون الخیار مقدما علی الانعتاق رتبة و قد یکون الانعتاق مقدما علی الخیار رتبة و علی کل حال سواء کان الخیار مقدما علی الانعتاق أو الانعتاق مقدما علی الخیار فلا یترتب علیه ثمر أصلا لأنا ذکرنا مرارا فی کثیر من الأبحاث أن المدار فی اجتماع الحکمین و عدمه و تقدم أحدهما علی الآخر و بالعکس هو ملاحظة الاتحاد فی الزمان فبمجرد الاختلاف بحسب الرتبة لا یفیدنا بوجه و من الواضح سواء قلنا بتقدم الخیار علی الانعتاق رتبه أو بالعکس و علی کل حال فموضوع کلیهما اعنی البیع و الانعتاق انّما تحققا فی زمان واحد فیترتب علیهما بالخیار و الانعتاق أیضا فی زمان واحد و ان کان ترتب أحد الحکمین مقدما علی الآخر من حیث الرّتبة لتقدم موضوع أحدهما علی الآخر کک.

و أما علی الثانی بأن یکون موضوع أحد الحکمین مقدما علی الآخر من حیث الزمان فیکون أحد الحکمین أیضا مقدما علی الآخر من حیث الزمان کما إذا فرضنا فی مورد قد حصل البیع و لم یحصل الملک بعد کما فی بیع السلم فان البیع قد حصل عند إجراء الصیغة و لکن الملکیة مشروطة بالقبض و علیه فان قلنا بکون الانعتاق مترتبا علی البیع و الخیار مترتبا علی الملک فبمجرد تحقق البیع یترتب الانعتاق

ص:105

علی البیع کما إذا کان الثمن عبدا فإنه ینعتق علی البائع الذی هو ابنه و علیه فلا یبقی موضوع للخیار أصلا فإنه کان مترتبا علی الملکیة و هی لم تحصل بعد و لکن هذا مجرد فرض فإنه لا دلیل علی الانعتاق بمجرد البیع کما هو واضح و ان کان الخیار مترتبا علی البیع و کان العتق مترتبا علی الملک کما هو کک فح لو فسخ ذی الخیار العقد فإنه لا یبقی موضوع للانعتاق و هذا الفرض صحیح و لکن کلام صاحب المقابس فی البیع المتعارف لا فی البیع السلم و قد ذکرناه من انّ الفرض خارج عن مورد کلامه علی ان مفروض الکلام هو اجتماع الخیار و الانعتاق فی محلّ واحد و ملاحظة دلیلهما و تقدم أحدهما علی الآخر لا نصیة و فی المقام لم یجتمعا فی آن واحد بل کان الخیار مقدما علی العتق موضوعا و کان ثبوته أیضا مقدما علیه فإعماله لا یبقی مجالا للعتق فضلا عن الاجتماع و علی کل حال لم نتحصل من کلامه و تشقیقه ما یفیدنا بوجه أصلا و علی الجملة لم نعرف وجها صحیحا و فائدة لما تشققه و قسمه الی شقوق و أقسام و الحق أنه لا وجه لسقوط الخیار هنا لما ذکرناه من تعلق الفسخ بالعقد دون العین کما اعترف به صاحب المقابیس أخیرا فیکون ذلک مثل الأرش.

قوله و منها العبد المسلم المشتری من الکافر

بناء علی عدم تملک الکافر المسلم اختیارا أقول من جملة الموارد التی ذکر عدم ثبوت الخیار فیها هو بیع العبد المسلم من الکافر جبرا فإنه لا خیار للبائع و ح و الاّ یلزم أن یکون مثل الأوّل،و قد یقال فی وجه ذلک أن هذا لیس ببیع أصلا بل هو صورة بیع نظیر الوجه الأوّل الذی تقدم فی بیع العبد ممّن ینعتق علیه فکأن هذا شیء لاستخلاص

ص:106

العبد المسلم من الکافر و إعطاء ثمنه إیاه من أی شیء کان من بیت المال و نحوه.

و الحاصل أن خیار المجلس انّما ثبت فی البیع للمتبایعین فبیع العبد المسلم من الکافر لیس بیعا لکی یثبت فیه الخیار بل هو استنقاذ له من الکافر و إعطاء بدله إیاه بأی نحو کان فلا یثبت ح خیار المجلس کما هو واضح کما أن فی المسألة الأولی کان بیع العبد ممّن ینعتق علیه صورة بیع لکونه فی المواقع إنشاء لصیغة العتق کما لا یخفی.

هذا و ان کان ممکنا و لکنّه خلاف ظواهر الأدلة فإن قوله(علیه السلام) فی عبد المسلم عند مولاه الکافر قال بیع ممّن ینعتق علیه أن الظاهر منه أنه یباع علیه حقیقة لا أنه یستنقذ منه و یعطی علیه قیمته کما توهم.

و قد یقال بأنّ ثبوت الخیار للبائع الکافر إثبات سبیل له علی المؤمن و هو منفیّ بنصّ الآیة الشریفة هنا فلا یثبت خیار المجلس فی مثل هذا البیع.

و لکنک قد عرفت فی شرائط العوضین من الآیة لا دلالة فیها علی عدم جواز تملک الکافر العبد المسلم فان مجرد التملک لیس سبیلا و انّما السبیل هو بقاء العبد تحت سلطنة الکافر و أما إذا ملکه ثم اجبر بالبیع فلا سبیل فیه و علی تقدیر دلالتها علی عدم جواز تملک الکافر العبد المسلم انّما هو فی الملک الابتدائی بأن یشتری عبدا مسلما من شخص و أمّا الملک الاستمراری فلا یکون مشمولا للآیة بأن یبیع ما عنده من العبد ثمّ یرجعه الی ملکه بالفسخ و هذا و ان کان نحوا

ص:107

من التملک و لکنه لیس مشمولا للآیة و ذلک فقد عرفت مرارا أن الفسخ انما یتعلق بالعقد و یرفع الالتزام الحاصل من المتبایعین و یترتب علیه استرداد العین ان کانت باقیة و ردّ البدل ان کانت العین تالفة و علیه فرد العین الی ملکه لیس تملکا جدیدا کالتملّک الابتدائی بل هی مملوکة للمولی بعین الملکیة السابقة غایة الأمر قد کانت منقطعة بالبیع و ممنوعا عنه به و قد ارتفع المانع بالفسخ و رجع الی حاله الاولی و صار أیضا مملوکا لمولاه بالملکیة الأولیة کما هو واضح و من هنا قال الشافعی أن الزائل العائد کأنه لم یزل و ما ذکروه موافق للاعتبار و ان لم یکن علیه دلیل و علی هذا فلا مانع من ثبوت الخیار هنا فإذا أعمل الکافر خیاره و فسخ العقد و أرجع العبد الی ملکه ثم یجبر علی البیع أیضا و علی الجملة لا نعرف وجها لسقوط الخیار هنا فلا یکون هذا المورد من المستثنیات کما لا یخفی لإطلاق أدلة الخیارات.

و قد یقال أن رجوع العین بالفسخ الی ملک الکافر ثانیا أیضا مثل التملک الابتدائی فیکون سبیلا للکافر علی المؤمن فلا یجوز فلا یرجع العبد المسلم الذی بیع علی الکافر الیه ثانیا بالفسخ أیضا.و قد ظهر جوابه ممّا تقدم فان الفسخ لیس من المملّکات لیکون إرجاع العین به تملکا جدیدا بل هو یرفع المانع عن استمرار الملک الأول.

و علی تقدیر صحة هذا الوجه مع القول بثبوت الخیار للکافر أیضا کما هو مقتضی الوجه الأول لإطلاق أدلة خیار المجلس فلا بدّ من الالتزام بثبوت الخیار و عدم رجوع العبد الی ملک الکافر ثانیا بل یرجع الیه بدله و الحاصل أن ضم الوجه الثانی بالوجه الأول ینتج ان الکافر البائع له الخیار و لکن لا یرتب علی فسخه إرجاع العین

ص:108

أعنی العبد بل إرجاع بدله.و الحق أن هذا أیضا لیس من المستثنیات کالمورد السابق بل أدلة خیار المجلس فی کلا الموردین محکمة.

و علی الجملة فإنّا نقول بعدم ثبوت الخیار أصلا فهو مناف لأدلة الخیار أو نقول بثبوته و لکن لا یترتب علی اعماله إلا رد البدل فقط حفظا لکلا الوجهین و جمعا بینهما فان الفسخ لم یتعلّق بردّ العین حتی لا یمکن الجمع بین الوجهین بل تعلق بالعقد و هو فی الحقیقة یرفع الالتزام العقدی کما لا یخفی.

قوله و منها شراء العبد نفسه بناء علی جوازه

فانّ الظّاهر عدم الخیار فیه أقول قد ذکروا من جملة موارد سقوط خیار المجلس شراء العبد نفسه من سیّده فإنّه بناء علی جوازه کما هو الظّاهر لا یثبت له الخیار لعدم شمول أدلة الخیار له.

و الوجه فی ذلک الفارق بین هذا و بین بیع العبد علی من ینعتق علیه هو أن المانع هناک انما هو الشرع فإن الإنسان لا یملک عمودیه شرعا و لذا یملک آن ما لتصحیح موضوع العتق ثمّ ینعتق علیه بحیث لو لم یکن هنا مانع شرعی لملکه دائما و لکن لمانع شرعی ینعتق علی المشتری الاّ أنه ینعقد البیع و لا یمنع ذلک عن انعقاده و بقانون حکم المعاوضات إذا اعمل البائع الخیار فیرجع الی البدل کما أنه لو کان فیه عیب فیرجع المشتری الی الأرش و هذا بخلاف ما نحن فیه فان المانع هنا عقلی بداهة أن المولی انّما هو مالک للعبد بالإضافة الاعتباریة کملکه لبقیة أمواله ملکیّة اعتباریة و إذا ارتفع هذا الاعتبار فیکون العبد مالکا لنفسه و کذا لجمیع أفعاله و أعماله ملکیّة ذاتیّة

ص:109

بحیث لا یکون لأحد التسلط علیه و هذا عین الحریة و لیس شیئا آخر ورائه و مع هذا لا معنی لاعتبار ملکیّته علی نفسه لکونه لغوا محضا کما أن اعتبار الملکیّة لکل أحد علی نفسه أو علی أعماله و ذممه لغو لوجود إضافة الملکیة فی جمیع ذلک ملکیة ذاتیّة و السلطنة الحقیقیة من غیر أن تقارنها سلطنة اعتباریة أصلا و هذه السلطنة هی الّتی أشار إلیها عزّ من قائل لا أَمْلِکُ إِلاّ نَفْسِی وَ أَخِی و علیه فلا معنی فی هذه الصورة شراء العبد نفسه بل هو صورة بیع و انّما حقیقته العتق فیکون ذلک نظیر العبد المکاتب فإنه لیس إلا عتقا و إطلاق البیع انّما هو بالمشابهة و المشاکلة کما لا یخفی.

بل نظیر ذلک موجود فی هذا الزمان أیضا فإنه إذا کان شخص محکوما بالأعدام فی المحکمة الاختصاصیة و أعطی مالا و نجیی عن القتل فإنه یقال انه اشتری نفسه ممّن کان حاکما علی قتله و کک المقام و علیه فلا معنی لحصول البیع من الأوّل أبدا حتی آنا ما فإنه لا یقاس بالمانع الشرعی فإنه قلنا هناک بحصول الملکیة آنا ما بمقتضی الجمیع بین الأدلّة الشرعیّة و هذا بخلاف المقام فان المانع عقلی فهو مانع من الأول.

و الا فلو کانت الملکیة حاصلة آنا ما لم یکن وجه للسقوط بل کان باقیا إلی الأبد لعدم الدلیل علیه و علی هذا فلیس المقام من المستثنیات حتی موضوعا لعدم کونه بیعا أصلا کما لا یخفی.

أقول الظاهر أنه لا مانع من الالتزام بصحة البیع هنا فإن الشأن هنا هو الشأن فی أعمال الإنسان و الکلی فی الذّمة فإنه یصح أن یشتری و یبیع ما فی ذمته للغیر و من الغیر غایة الأمر تبدل

ص:110

الملکیة الاعتباریة بالملکیة الحقیقیة لکونه لغوا و اما عدم جواز بیع نفسه فمن جهة ما دلّ علی حرمة بیع الحر فیصح بیع المولی عبده من نفسه بالملکیة الاعتباریة و بعد الشراء یکون العبد مالکا بالملکیة الذاتیة کما انه مالک لعمله و فعله و ذمته کک.

قوله و فیها أیضا أنه لو اشتری جمدا فی شدة الحر ففی الخیار إشکال أقول قد وجه المصنف بان هذا لعله من جهة احتمال اعتبار قابلیة العین للبقاء بعد العقد لیتعلق بها الخیار الا انه لا یوجب رفع الید عن إطلاق أدلة الخیار فإنه لم یؤخذ فیها کون المبیع قابلا للبقاء و علیه فلا بأس بالحکم لثبوت الخیار بعد التلف أیضا غایة الأمر أنه إذا تحقق الفسخ فینتقل المبیع الی البدل کما هو قانون المعاوضة و لذا ذکر المحقق الثانی فی جامع المقاصد ان الخیار لا یسقط بالتلف لانه لا یسقط به إذا ثبت قبله علی أنه لو کان عدم کون العین قابلة للبقاء لزم منه ما لم یلتزم به أحد من المتفقة فضلا عن الفقیه و هو إذا کانت العادة جاریة بعدم بقاء المبیع أزید من ساعة أو نصف ساعة کالمأکولات و المشروبات بل فی غیر ذلک أیضا إذا علم المتبایعان بعدم بقاء المبیع الا زمانا قلیلا فإن المشتری بمجرد الشراء یبیعه من غیره کما هو واضح مع أنه لم یلتزم به أحد بل و لا یمکن الالتزام به فلا مناص من القول بثبوت الخیار لإطلاق الأدلة و لکن تنتقل العین بعد الفسخ الی البدل.

و قد أشار شیخنا الأستاذ علی ثبوت الخیار هنا و حاصله أن خیار المجلس انما یثبت فیما لم یکن بناء المتعاقدین علی الاعتراض عن العوضین و مع علمهما بخروج المال عن المالیة بمجرد البیع اما حقیقة

ص:111

أو شرعا فقد أقدما علی ذهاب مالهما و من الواضح أن فی بیع العبد ممن ینعتق علیه أو فی شراء العبد نفسه أو فی بیع الجمد فی شدة الحر قد علما المتبایعان بأن المبیع تتلف غایة الأمر أن التلف فی الأولین شرعی و فی الأخیر مستند الی الحر فالتلف عادی و علی کل حال فلا یثبت الخیار فی أمثال ذلک.

و فیه أولا أن أدلة الخیار غیر مقیدة بما ذکر بل هی تدل علی ثبوت الخیار علی وجه الإطلاق.

و ثانیا أن متعلق الخیار و الفسخ هو العقد فهذا لا یتوقف علی البناء علی اعراض المتبایعین عن العوضین و عدم اعراضهما عنهما.

و ثالثا فلازم کلامه عدم ثبوت الخیار فیما جرت العادة بتلف المبیع أو علما بذلک بعد ساعة أو ساعتین کما إذا کان المبیع طعاما کالخبر و نحوه فان من یشتری الخبز فیأکله بعد زمان قلیل فالبائع یعلم ذلک و کک أمثاله و لم یتوهم أحد سقوط الخیار هنا کما لا یخفی.

و علی کل فلا نعرف وجها صحیحا لما ذکره العلامة(ره)من عدم ثبوت الخیار فی بیع الجمد و نحوه.

قوله مسألة لا یثبت خیار المجلس فی شیء من العقود سوی
اشارة

البیع عند علمائنا

أقول لا شبهة أن مورد خیار المجلس انما هو البیع لاختصاص الأدلة به فلا یجری فی غیره و لکن ذکر الشیخ(ره)فی المبسوط بعد ذکر جملة من العقود التی یدخلها الخیار و التی لا یدخلها قال و أما الوکالة و الودیعة و العاریة و القراض و الجعالة فلا یمنع من دخول الخیار فیها مانع انتهی و مراده من الخیارین

ص:112

هو خیار المجلس و الشرط و حکی نحوه عن القاضی و لکن لا نعرف وجها لثبوت الخیار هنا و من هنا ذکر العلامة فی التذکرة أن الخیار فی أمثال هذه العقود أبدی،و احتمل فی الدروس من أن یراد من الخیار هنا عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخیار و لعل مراده التصرف المرخص فیه شرعا للقابل فی هذا العقود کما ذکره المصنف لا الموجب إذ لا معن لتوقف جواز تصرف المالک فی هذه العقود علی انقضاء الخیار لأن أثر هذه العقود تمکن غیر المالک عن التصرف فهو الذی یمکن توقفه علی انقضاء الخیار.

و الذی ینبغی أن یقال ان غیر البیع من العقود لا یخلو اما

لازمة أو جائزة

أما الاولی

ان کان لثبوت الخیار فیها معنی وجیه فإنها عقود لازمة فلیس لأحد المتعاملین فسخها فإذا ثبت الخیار لهما یتمکن کل منهما من الفسخ و لکنه الدلیل فی مقام الإثبات قاصر فإن دلیل ثبوت خیار المجلس هو المطلقات الدالة علی أن البیعین أو المتبایعین بالخیار ما لم یفترقا أو حتی یفترقا و من الواضح أن هذه الأدلة مختصة بالبیع فلا تشمل غیره.

و أما العقود الجائزة

فهی جائزة بطبعها کما ذکره العلامة فلا وجه لثبوت الجواز فیها ثانیا فجعل الخیار فیها لغو محض فإنه مضافا الی أنها فی مقام الإثبات لا دلیل علیه لما عرفت من اختصاص الأدلة بالبیع ففی مقام الثبوت أیضا غیر معقول فإنه بعد کون الشیء جائزا بطبعه و ذاته لا معن لثبوت الخیار له ثانیا فإنه لغو محض و دعوی أن الثابت بالعرض هو الحق و الثابت بالذات دعوی جزافیة فإنه سواء کان هنا أمر عرضی یکون من قبیل الحق أم لا فان الواهب له

ص:113

أن یفسخ العقد و له الإبقاء ففی هذه الجهة لا ثمرة و اما من جهة إسقاط الخیار و حق الفسخ فهو لا یسقط و لو أسقطه ألف مرة و معه أی فائدة فی ثبوت الخیار و بالجملة انا لا نعقل بمعنی لثبوت الخیار فی العقود الجائزة لأنه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات.

و أما ما ذکره فی المبسوط فاما نحمله علی ما ذکره المصنف(ره) من اشتراطها فی ضمن معاملة فإنها ح تکون لازمة و لکن إذا فسخ أصل المعاملة بخیار المجلس مثلا کالبیع أو بخیار الشرط کمطلق العقود اللازمة التی اشترط فیها لزوم عقد جائز فتکون تلک العقود الجائزة التی الشرط لزومها فیها أیضا جائزة أی ترجع الی الحال الاولیة.

و أما نقول لا نفهم معن کلامه و اما یحمل علی سهو القلم.

(مبدء هذا الخیار من حین العقد).
اشارة

قوله مسألة مبدء هذا الخیار من حین العقد أقول وقع الکلام فی أن خیار المجلس مختص ببعض افراد البیع أو یجری فی جمیعها فعلی القول بوجوب التقابض فی الصرف فلجریان الخیار فائدة واضحة و علی القول بالعدم فالظاهر أنه لا ثمرة للخیار و من هنا

فلا بد من

التکلم فی المقامین

الأول فی وجوب التقابض فی الصرف و الثانی فی ثبوت الخیار و عدمه.

أما المقام الأول فی وجوب التقابض فی الصرف

فقد استدل علیه بوجوه الأول بقوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بدعوی أن الوفاء بالعقد واجب فعدم الإقباض مخالف للوفاء بالعقد فیجب الإقباض لذلک و هذا هو العمدة فی المقام.

و فیه أولا قد ذکرنا سابقا أن معنی الوفاء هو الإنهاء و الإتمام

ص:114

فالأمر بذلک إرشاد الی أن هذا الالتزام الحاصل بین المتبایعین لا ینحد و لا ینعدم فیدل علی اللزوم بالمطابقة کما تقدم فلا دلالة فیه علی الوجوب التکلیفی حتی یدل علی وجوب المتقابض تکلیفا.

و بعبارة اخری أن وجوب التقابض علی القول به وجوب تکلیفی فالایة الشریفة إرشاد إلی لزوم العقد فلا تدل علی ذلک.

و ثانیا:علی القول بکون وجوب الوفاء تکلیفا و لکنه انما یفید إذا ترتب علیه أثر فأی أثر یترتب علی بیع الصرف و السلم قبل التقابض فإن أثر البیع هو الملکیة و هی بعد لم تحصل و علی هذا فبیع الصرف و السلم خارجان عن حدود وجوب الوفاء تکلیفا و علیه فلا یدل علی وجوب التقابض کما لا یخفی.

و ثالثا:علی القول بترتب الأثر أیضا فالعقد هنا لم یتم فإنه انما یتم إذا کان موجبا لحصول الملکیة و من الواضح أنه موقوف علی التقابض و هو بعد لم یحصل فلا یکون العقد حاصلا.

و بعبارة أخری العقد هو الالتزام الحاصل من الطرفین بان التزم کل منهما بأن یکون ماله للآخر فی مقابل مال الآخر و هذا المعنی بعد لم یحصل فکیف یکون هذا واجب الوفاء کما لا یخفی.

و اما وجوب التقابض فی بقیة فلیس من جهة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل من جهة حرمة التصرف فی مال غیره بدون اذنه فان کل من العوضین صار مالا للآخر فلا بد من دفعه الی صاحبه و أما فی بیع الصرف و السلم فلیس کک.

الوجه الثانی ما ذکره العلامة من أو وجوب التقابض فی

الصرف و السلم من جهة شباهة ذلک بالربا

فإنه مع التأخیر یکون

ص:115

الأجل أیضا قسطا من الثمن فیکون زائدا علی الثمن تقریبا فیشبه الربا.

و فیه أن هذا الوجه عجیب من العلامة بل هو شبیه بالوجوه التی تذکر فی کتب العامة فإنه یرد علیه أولا:أن الدلیل أخص من المدعی حیث ان ذلک لو تم انما یتم فیما إذا کان العوضین کلاهما من جنس واحد و أما لو کان أحدهما ذهبا و الأخر فضة فلا یلزم ذلک.

و ثانیا أیضا ذلک أی کون الدلیل أخص من المدعی أن هذا انما یتم فی الطرف الذی لم یقبض بعد لا من الطرفین حتی من طرف من أقبضه کما لا یخفی.

و ثالثا:أن الشبیه بالربا لیس بحرام ما لم یکن بنفسه ربا و الا یلزم أن یکون کل ما یکون شبیها بالحرام حراما فالخمر حرام و لکن للشبیه بالخمر لیس بحرام و الزنا حرام و الشبیه بالزنا لیس بحرام و هکذا فان دلیل الحرمة لا یدل الا علی حرمة الشیء بنفسه لا علی حرمة مشابهاته.

الوجه الثالث الاخبار الوارد فی بیع الصرف و السلم

الظاهرة فی وجوب التقابض فی المجلس کقوله علیه السلام (1)و ان نزی حائطا فانز معه و کذلک غیره من الاخبار کقوله(علیه السلام)یدا بید،فیعلم من ذلک أن التقابض فی المجلس واجب و الا لم یقل علیه السلام فان نزی حائطا فانز معه فکأن وجوب تعقیب أحدهما الأخر من جهة التقابض

ص:116


1- 1) وسائل ج 12 ص 459.

لا من جهة وجوب النزو فی نفسه.

و فبه أن الأمر بالنز و إرشاد إلی اعتبار الاجتماع فی المجلس و أنه یبطل العقد بدونه قبل القبض و الا لکان النزو علی الحائط واجبا مع أنه لم یتوهم أحد ذلک فیعلم أن ذلک إرشاد إلی انحلال العقد بالتفرق قبل التقابض و أن من یرید بقاء العقد و عدم بطلانه فلا بد و أن یصاحب رفیقه حتی لو نزی هو علی الحائط فینزو صاحبه علیه أیضا فیدل الحدیث علی مبطلیة التفرق قبل القبض.

و أما المقام الثانی أعنی ثبوت الخیار فی بیع الصرف و السلم

فیقع الکلام هنا أیضا فی مقامین الأول فی مقام الثبوت و الثانی فی مقام الإثبات

أما المقام الأول فی مقام الثبوت

فقد ذکر المصنف أنه بناء علی القول بوجوب التقابض فی المجلس تکلیفا فأثر الخیار واضح فإنه بعد اعمال الخیار لا یبقی مجال لوجوب التقابض فإنه لا یبقی مجال لذلک.

و أما علی القول بعدم وجوب التقابض فی المجلس فأثر الخیار و ان کان خفیا لأن سلطنة کل من المتعاقدین باقیة علی حالها و أنه لا حق لأحدهما فی مال الآخر و لکن مع ذلک یمکن تصویر الفائدة و الأثر للخیار بان یکون أثره خروج العقد بفسخ ذی الخیار عن قابلیة لحوق القبض الملک فلو فرض اشتراط سقوط الخیار فی العقد أو أسقطه بنفسه لم یخرج العقد بفسخ المشروط علیه عن ذلک.

و علی الجملة فأثره الخیار بناء علی وجوب التقابض هو فسخ العقد و عدم بقاء الموضوع لوجوب التقابض و علی القول بعدم وجوب التقابض هو إخراج العقد عن قابلیة لحوق التقابض المملک کما هو واضح و علی القول بوجوب التقابض فهو واضح

و أما فی مقام الإثبات

فقد

ص:117

یتوهم شمول الأدلة الواردة فی باب خیار المجلس و خیار الحیوان الدالة علی ثبوت خیار المجلس للبیع و المتبایع لما نحن فیه و من الواضح أنه یصدق البیع و المتبایع علی المتبایعین فی الصرف و السلم فلا وجه لاخراجهما عنها.

و فیه أن الموضوع فی تلک الأدلة هو المتبایعان أو البیعان و من الواضح انهما لا یصدقان علی المتعاوضین و المتبایعین فی باب الصرف و السلم قبل التقابض لعدم حصول البیع و الشراء و عدم حصول التملیک و التملک فکیف یصدق علیهما عنوان البیعان أو عنوان المتبایعین کما لا یخفی.

علی أن خیار المجلس انما یثبت فی مورد یکون التفرق موجبا للزوم العقد کما هو مذکور فی الروایات الدالة علی ثبوت خیار مجلس و من المقطوع به أن التفرق هنا یبطل البیع لکونه قبل القبض کما لا یخفی.

و من هنا اتضح أنه لا یثبت خیار المجلس و کک خیار الحیوان قبل الإجازة للمالکین الحاضرین فی مجلس العقد علی الأول و مطلقا علی الثانی فإنه ما لم یستند العقد إلیهما فلا یصدق علیهما عنوان البائع و لا عنوان المشتری و من الواضح أن استناد العقد انما یکون بالإجازة لا قبلها و لا یفرق فی ذلک بین القول بالکشف و النقل فإنه علی کل حال فاستناد البیع و الشراء إلیهما من حین الإجازة فصدق البیع و المتبایع علیهما من زمان الإجازة و ان حصلت الملکیة من حین العقد علی الکشف فلا یمکن المساعدة علی ما ذکره المصنف من الفرق بین الکشف و النقل.

ص:118

قوله:القول فی مسقطات الخیار و هی أربعة علی ما ذکرها
اشارة

فی التذکرة

أقول

من جملة مسقطات الخیار المجلس اشتراط سقوطه

فی ضمن العقد

ذکر المصنف قدس سره أنه لا خلاف ظاهرا فی سقوط هذا الخیار باشتراط سقوطه فی ضمن العقد و عن الغنیة الإجماع علیه،و قد استدل علیه بوجوه

الأول دعوی الإجماع علی ذلک

و فیه قد مر مرارا أن دعوی الإجماع فی مثل هذه المسائل التی نعلم فلا أقل نحتمل أن مدرکها جهة کشفه عن قول المعصوم دعوی جزافیة فإن الإجماع لیس بنفسه حجة و انما حجة لکشفه عن قول المعصوم فلا یکشف عنه الا مع القطع به.

الثانی المستفیضة و هی المؤمنون عند شروطهم

و قد یقال:انها معارضة بعموم أدلة الخیار و یرجح علی أدلة الخیار بمرجع و لکنه بدیهی البطلان فإنه علی تقدیر تمامیة دلالة المستفیضة فیه تکون حاکمة علی أدلة الخیار لکونها مأخوذة فی موضوعها کحکومة أدلة الحرج و الضرر علی سائر الأحکام الإلهیة کما ذکره المصنف(ره)فجهة المعارضة و أجاب عنه بان هذا الشرط مخالف لمقتضی العقد فیکون فاسدا فان مقتضاه علی ما هو ظاهر قوله(علیه السلام)البیعان بالخیار هو ثبوت الخیار و هذا الاشتراط مخالف له و فیه أن هذا شرط لیس مخالفا لمقتضی العقد فان مقتضاه هو حصول الملکیة و لیس هذا مخالفا له بل هو مخالف لثبوت الخیار و من الواضح أن ثبوته من أحکام العقد لا من مقتضیاته بل الوجه لیست هی هذه کما لا یخفی.

و لکن الظاهر أن الروایة لا تدل علی المقصود لا من جهة ما ذکره المصنف و ذلک هو ما ذکرنا سابقا من أن الظاهر من هذه الجملة

ص:119

المبارکة هو الحکم التکلیفی فإن قوله علیه السلام المؤمنون عند شروطهم کقوله(علیه السلام)المؤمن عند عدته یعنی أن مقتضی الایمان هو أن یجب للمؤمن أن یفی بما التزمه و بما وعده و هذا الاستعمال من الاستعمالات المتعارفة أیضا فیقال المرء عند کلامه و عند رأیه و هکذا.

و علیه فلا دلالة فی ذلک علی المقصود هنا فان اشتراط سقوط الخیار عند المعاملة غیر قابل لتعلق الحکم التکلیفی به فان اشتراط سقوط الخیار بمعنی أن لا یکون له الخیار فی هذا العقد غیر مقدور له بل هو من فعل الله تعالی فان الله تعالی جعله ذا خیار و اشتراط عدمه أیضا راجع الیه و لیس من أفعال المتعاملین حتی یقدر علی إسقاطه.

و مع الإغماض عن ذلک فهی مخالفة للسنة المعتبرة الدالة علی ثبوت الخیار للمتبایعین فإنه ورد فی ذیل بعض هذه الروایات الا شرطا مخالفا للکتاب و السنة و بیان ذلک أن الشارع قد حکم بثبوت هذا الخیار للمتبایعین و اشتراط عدمه مخالف للسنة و هذا غیر اشتراط إسقاط الخیار فإنه من قبیل شرط الفعل و لیس من قبیل شرط النتیجة و فرق بین اشتراط إسقاط الخیار و بین ان لا یکون له خیار أصلا فإن الثانی مخالف للسنة دون الأول.

نعم الظاهر من بعض الروایات أن الامام علیه السلام طبق هذه الجملة المبارکة علی بعض الشروط التی من قبیل ما ذکر أی أن الاشتراط فیه راجع الی شرط السقوط و عدم الخیار و لو کان ما ذکرناه من الاشکال واردا علیه ای علی جملة المؤمنون عند شروطهم لما طبقها الامام علی ما ذکره.

ص:120

و ذلک کما فی صحیحة مالک بن عطیة (1)قال سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام)عن رجل کان له أب مملوک و کان تحت أبیه جاریة مکاتبة قد أدت بعض ما علیها فقال لها ابن العبد هل لک أن أعینک فی مکاتبتک حتی تؤدی ما یملک بشرط أن لا یکون لک الخیار بعدد ذلک علی أبی إذا أنت ملکت نفسک قالت نعم فأعطاها فی مکاتبتها علی ان لا یکون لها الخیار بعد ذلک قال علیه السلام لا یکون لها الخیار المسلمون عند شروطهم.

فان الظاهر من هذه الروایة هو اشتراط عدم الخیار مع انه کان ثابتا للأمة بعد ما صارت حرة فیعلم من ذلک أن هذا الشرط لیس مخالفا للسنة و الاّ لما طبقها علیه الامام علیه السلام.

و فیه أولا أن مورد الروایة أجنبی عما نحن فیه فان موردها هو من قبیل اشتراط سقوط الخیار ممّا یقتض الخیار فی عقد لیس مقتضیا له فان عقد المکاتبة لیست مقتضیة للخیار بحیث انه بمجرد ذلک یحکم بکون الأمة ذا خیار و انما المقتضی له هو الحریة الحاصلة بعد أداء مال الکتابة و من الواضح أنه لم یلتزم بذلک أحد فلا بد من الاقتصار بمورد الروایة و من هنا لا وجه لتوهم الأولویة أیضا بدعوی ان اشتراط سقوط الخیار فی عقد هو مقتضی لذلک بطریق أولی فإنه لم یثبت فی الأول الخیار فی جمیع الموارد بل فی مورد الروایة فقط فکیف یمکن إثباته فی المقتضی للخیار بطریق الأولویة کما هو واضح.

و ثانیا قد ذکرنا فی أول الخیارات أن اشتهار استعمال کلمة

ص:121


1- 1) وسائل ج 16 ص 95 باب 11.

الخیار فی الخیار المصطلح انما هو من جهة ما جری علیه اصطلاح الفقهاء و الا فلیس ذلک من معناه اللغوی و لا من مقتضیات الدلیل و قلنا أن معنی الخیار لغة هو اختیار الخیر لنفسه و أما القدرة علی الفسخ انما هو مستفاد من اللام الظاهر فی الملکیة و الاختصاص فیقال له الخیار ای له القدرة علی الفسخ و الإبقاء بل قلنا أن کلمة الخیار و ما اشتق منها یستعمل فی هذا المعنی حتی فی هذا الیوم.

و علیه فقوله علیه السلام لا یکون له الخیار المسلمون عند شروطهم هو بمعنی اللغوی أی لیس له اختیار الفسخ فی الخارج بمعنی أنها ملزمة فی شرطها و لا توجد الفسخ الخارجی و لا یکون هذا ح مخالفا للسنة فإنها تدل علی ثبوت القدرة للمتبایعین علی فسخ العقد و إمضائه و هذه القدرة باقیة للمتبایعین و للمتعاملین و فی المکاتبة أنه إذا صارت حرة فله القدرة علی فسخ عقد الزوجیة الواقعة بینهما و بین العبد و هذه القدرة باقیة علی حالها و لکن الامام(علیه السلام) طبق جملة المسلمون عند شروطهم علی اشتراط عدم الخیار للأمة علی الشرط الذی وقع بینهما و بین ابن زوجها من جهة أن تکون الأمة ملزمة بإبقاء العقد و لا تفسخ فی الخارج و لا نختار فیه لنفسها الفسخ بل بقی عقد النکاح علی حاله لا أنه بمعنی أن لا یکون لها خیار و قدرة علی الفسخ لیکون علی خلاف السنة فان هذا موافق للظواهر و الاستعمالات فلیس فیه ما یوجب خلاف ظهور کلمات المتحاورین کما لا یخفی.

و الشرط انما یکون مخالفا للکتاب و السنة إذا کان مفاده علی خلاف الحکم الشرعی الثابت بالکتاب و السنة و نظیر ذلک ما سیأتی

ص:122

فی الشروط من أن الرجل یتزوج علی امرأة و تشترط الإمرة علیه أن لا یأخذ سریة أو امرأة أخری فإن هذا الشرط مخالف للکتاب و السنة فإنه ثبت بهما جواز أخذ السریة و المرأة علی الزوجة و شرط خلافه مخالف للکتاب و السنة فلا یکون متبعا.

اذن فلم یبقی فی الروایة ما یوجب الاشکال علیها الا توهم أن هذا الإسقاط إسقاط لما لم یجب فان مقتض الخیار لیس هو عقد المکاتبة لیکون حاصلا عند الاشتراط بل هو الحریة و من الواضح انها لم تحصل حتی تکون الأمة الحرة ذا خیار فی فسخ عقد النکاح و عدمه فیکون الاسقاط عند الاشتراط فی ضمن الإعانة إسقاطا لما لم یجب و قد ذکر ذلک بعض الشافعیة.

و فیه أن هذا صحیح فإنه یلزم أن یکون الإسقاط فی ضمن الإعانة أن لا یکون لها خیار فی فسخ عقد الزوجیة و لکنه لا دلیل علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب فإنه بلا دلیل فأی مانع أن یسقط الإنسان ما لم یجب علیه بعد کما هو واضح فیکفی فی صحة ذلک تحقق ما یترتب فیه حصول ذلک الأمر الساقط فعلا.

غایة الأمر فللمدعی أن یدعی الإجماع علی بطلان إسقاط ما لم یجب بدعوی کونه تعلیقا و فیه مضافا الی أنه دلیل لبی یقتصر فیه علی المورد المتیقن و هو صورة التعلیق فی العقود أن الإجماع هنا علی خلافه کما تقدم فلا وجه للمناقشة من هذه الجهة.

و بالجملة فلا دلیل علی بطلان إسقاط ما لم یجب بوجه.

و الذی ینبغی أن یقال أن الخیار الثابت للمتبایعین فی المجلس ما لم یفترقا من قبیل الحقوق التی تقبل السقوط و قد قلنا

ص:123

فی أول البیع أنه و ان کان لا فارق بین الحق و الحکم فان جمیع ذلک حکم الهی مجعول لله تعالی و لکن بعض أقسام الحکم اختیاره تحت ید المکلف فله إسقاطه أو إبقائه و نسمی ذلک القسم و من الحکم حقا و لا یسقط حکما کالجواز فی الهبة.

و من الواضح أن خیار المجلس مما یقبل الاسقاط و أوضح شیء یدل علی أنه یسقط بالإسقاط ما فی ذیل الأخبار الدالة علی خیار المجلس و الحیوان فان فی ذلک قال علیه السلام فذلک رضا بالبیع فان الظاهر من ذلک أن أمره بیده و لیس ذلک مثل الهبة فإن الجواز فی ذلک حکمی لا یسقط بالإسقاط بل و لو أسقطه ألف مرة فأیضا یبقی الجواز علی حاله و إذا خالف و لم یسقط قد فعل فلا محرما و مع ذلک لو فسخ کان فسخه مؤثرا لعموم أدلة الخیار.

و علی هذا فشرط السقوط فی العقد بان یشترط احد المتبایعین علی الآخر عند البیع سقوط خیاره فمرجعه الی أن المشروط علیه یسقط خیار الذی یثبت له بعد البیع عند العقد و قد عرفت أنه من قبیل الحق یقبل بالإسقاط فلیس لهذا البیان إشکال إلا ما ذکره بعض الشافعیة من أنه إسقاط لما لم یجب و هو و ان کان صحیحا و لکنه لا دلیل علیه بوجه غیر دعوی أنه من التعلیق و الإجماع قائم علی بطلانه و هو أیضا فاسد لقیام الإجماع هنا علی السقوط کما عرفت فإنه ادعی بعضهم الإجماع فی المقام.

و قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أن اشتراط سقوط الخیار موافق للقواعد و لا یحتاج الی عموم المؤمنون عند شروطهم.

قوله(ره)ثم ان هذا الشرط یتصور علی وجوه:
أحدها أن یشترط عدم الخیار

ص:124

أقول شرط سقوط الخیار فی ضمن العقد یتصور علی وجوه الأول شرط عدم الخیار و هذا الشرط هو المراد من اشتراط الخیار و قد تقدم فی ذلک و أن توهم کونه مخالفا لمقتض العقد تارة و لمقتضی الکتاب أخری توهم فاسد کما عرفت.

و قد عرفت أن الخیار من قبیل الحقوق فیسقط بالإسقاط بعد التحقق و کک قبله فلیس فیه عیب الا سقوطه قبل الثبوت الذی هو من قبیل إسقاط ما لم یجب و لو خالف المشروط علیه فلم یسقط فیکون للمشروط له الخیار و لو فسخ المشروط علیه کان فسخه مؤثرا لعموم البیعان بالخیار ما لم یفترقا.

الثانی:أن یشترط عدم الفسخ

فیقول بعث بشرط أن لا- أفسخ فی المجلس و هل یجب الوفاء بهذا الشرط أم لا و قد یقال بالثانی فإنه من قبیل اشتراط فی العقد الجائز فلا یزید الشرط علی أصل العقد فان معنی أن لا یفسخ أن له خیار فی العقد و لکن لا یفسخ فاشتراط عدم الفسخ انما هو فی عقد خیاری فلا یجب الوفاء به کما إذا شرط فی الهبة أو فی الوکالة أو غیرهما من العقود الجائزة شرطا فان هذا الشرط لا یکون واجب الوفاء.

و فیه أن جواز العقد فی ذاته لا ینافی وجوب الوفاء بالشرط الواقع فی ضمنه فان مقتضی وجوب الوفاء بالشرط هو لزوم العمل بمقتضاه ما دام العقد باقیا و بعد زوال موضوعه یرتفع وجوب الوفاء بالعقد أیضا لارتفاع موضوعه فالجواز انما هو ثابت لموضوع وجوب الوفاء بالشرط فیکون وجوب الوفاء بالشرط قضیة ما دامیة و قضیة حقیقیة یعنی أن کلما وجد موضوع وجوب الوفاء بالشرط وجب الوفاء به.

ص:125

و بعبارة اخری أن عقد الهبة و عقد الوکالة و نحوهما من العقود و ان کان بذاتها جائزة بحیث لکل من الموجب و القابل أن یفسخ العقد فی أی وقت شاء الا ان اشتراط الشرط فی ضمن هذه العقود الجائزة فی لا یکون جائزا تبعا لها فان معنی الاشتراط فیها أن المشروط.

له یشترط علی المشروط علیه فی ضمنها الشرط المعین فهذا الشرط الواقع فی ضمن العقود الجائزة انما یکون مصداقا لقوله(علیه السلام)المؤمنون عند شروطهم فیکون واجب الوفاء و لکن مقیدا ببقاء ذلک العقد الجائز فإذا فسخ العقد الجائز یرتفع موضوع وجوب الوفاء فکون الإنسان مخیرا فی رفع موضوع الوجوب لا یدل علی استحالة ثبوت الوجوب علی ذلک الموضوع.و علیه فیمکن أن یشترط احد الطرفین فی العقد الجائز علی الطرف الأخر شرطا و یکون الشرط واجب الوفاء بدلیل الشرط دون العقد.

فاشتراط عدم الفسخ بخیار المجلس من هذا القبیل فیکون الشرط واجب الوفاء بدلیل وجوب الوفاء بالشرط نعم فرق بین ما نحن فیه و بین سائر العقود الجائزة التی یشترط فیها شیء و هو أنک قد عرفت أن فی سائر العقود الجائزة یجوز لأحد الطرفین فسخ العقد الجائز و إعدام وجوب الوفاء بالشرط و لکنه لا یجری فی المقام فان الشرط اعنی عدم الفسخ انما تعلق بنفس العقد فوجوب الوفاء بالشرط لا یمکن الا بعدم الفسخ و حفظ العقد فلو فسخ العقد یلزم من ذلک عدم الوفاء بالشرط و بعبارة اخری أن مفاد الشرط هو لزوم حفظ موضوعه و أیضا فیحرم الفسخ أبدا.

لا یقال انه لا معنی للاشتراط أصلا فی ضمن العقود الجائزة فإن

ص:126

معنی الشرط هو کون الالتزام الشرطی منوطا بالالتزام بإبقاء الالتزام العقدی و من الواضح أنه لیس هنا التزام بالبقاء لفرض کون العقد جائزا فیکون شرطا ابتدائیة فإنه یقال أن الجواز و عدمه من الأحکام الشرعیة فهو لا ینافی بالتزام المشروط علیه بإبقاء العقد مع بقاء الشرط کما هو واضح.

قوله فلو خالف الشرط و فسخ فیحتمل قویا عدم نفوذ الفسخ أقول لا شبهة أن وجوب الوفاء بالشرط وجوب تکلیفی فمخالفته توجب العصیان فهل یوجب الفسخ التأثیر وضعا أیضا أم لا قد احتمل المصنف عدم تأثیر الفسخ ح تارة و تأثیره أخری و قرب الثانی لعموم دلیل الخیار و قرب الأول لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره علیه و عدم سلطنته علی ترکه.ثم اختیاره و قال انه أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال علی وجوب ترتب آثار الشرط و هو عدم الفسخ فی جمیع الأحوال حتی بعد الفسخ فیستلزم ذلک کون الفسخ الواقع لغوا کما تقدم نظیره فی الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد علی کون فسخ أحدهما منفردا لغوا لا یرفع وجوب الوفاء.

و قد اختار شیخنا الأستاذ أیضا عدم الفسخ و ان الحکم التکلیفی و الوضعی لا یجتمعان هنا و لکن قربه بوجه آخر و قد ذکر ذلک الوجه فی کثیر من الموارد و أجبنا عنه فی غیر واحد من المباحث و حاصل هذا الوجه أن النهی تارة یتعلق بالسبب و أخری بالمسبب أما الأول فلا یوجب حرمة المعاملة المسببة عن ذلک السبب فإن حرمة السبب لا تستلزم حرمة المسبب کما لا یخفی.

و علی الثانی فیستلزم الفساد لان الشرط یوجب سلب قدرة

ص:127

المالک علی البیع من زید و فی المقام حیث أن المشروط له قد اشترط علی المشروط علیه عدم فسخ فیکون الوفاء به واجبا تکلیفا و إذا خالف ذلک و فسخ و قد فعل فعلا محرما و لکن لا یترتب علیه الحکم الوضعی فإن التکلیف کما هو مشروط بالقدرة العقلیة فکذلک مشروط بالقدرة الشرعیة فنهی الشارع عن شیء یوجب عجز المکلف عن اقدامه ففی هنا أن نهی الشارع عن الفسخ بمقتضی وجوب الوفاء بالشرط یوجب عجز المکلف عن الفسخ شرعا بمعنی أنه لا یکون مؤثرا فی الفسخ علی تقدیر وقوعه.

و فیه قد ذکرنا مرارا أن الحرمة التکلیفیة عن الشیء لا یستلزم الحرمة الوضعیة و کون ذلک الشیء فاسدا وضعا فإنه یحرم التصرف فی مال الغیر بدون اذنه مع أنه لو غصب أحد ماء الغیر و طهر به ثوبه فإنه یکون مؤثرا فی الطهارة و فی هنا و ان کان النهی متعلقا بالسبب و لکن الأمر کذلک لو کان متعلقا بالمسبب أیضا فلو کانت الطهارة الخبثیة بالماء المغصوب مبغوضا للشارع مع عدم کون الفعل عبادیا و کان یغصب أحد ماء من الغیر و طهر به ثوبه فإنه لا یتوهم احد عدم حصول الطهارة هنا إذا لم یکن الفعل مما یعتبر فیه قصد التقرب.

و معنی أن النهی التکلیفی یسلب القدرة عن المکلف شرعا یعنی أنه قبل تعلق النهی بالفعل کان مرخصا فی الفعل و الترک و بعده لیس له هذه السلطنة و لا یکون مرخصا فی ذلک بل لا بد من الترک و أما أن هذه الحرمة مستلزمة للحرمة التکلیفیة أم لا فهو أول الکلام و تظهر الثمرة فیما إذا صدر منه الفعل فی حال المغفلة

ص:128

و النسیان فإنه لا یکون حراما أیضا.

نعم انما یدل النهی علی الفساد إذا کان إرشادا إلیه کما فی النهی عن بیع الخمر و عن بیع ما لیس عنده و نحوهما نعم انما یدل النهی التکلیفی علی الفساد أیضا مع قیام القرینة علیه کما فی بیع الخمر فإن النهی انما عن جمیع شؤنه و أنه یعلم من لسان الشرع أن جمیع جهاتها مبغوضة للشارع حتی التملیک و التملک فلا تحصل فیها ذلک.

و أما الجواب عما ذکره المصنف أنا لو سلمنا أن معنی الوفاء بالعقد هو ترتیب آثار العقد علیه من حرمة التصرف فی المثمن و الثمن و لو بعد الفسخ بحیث تدل الآیة بالملازمة إلی لزوم العقد و لکنه لا یجری فی وجوب الوفاء بالشرط کما فی المقام فان معنی الوفاء بالشرط هنا هو عدم الفسخ و من الواضح انه لا إطلاق له لما بعد الفسخ أیضا بیان ذلک أن المشروط علیه إذا خالف الشرط و فسخ العقد فاما أن یکون فسخه مؤثرا أولا فعلی الثانی فلا وجه للتمسک بإطلاق وجوب الوفاء بالشرط بما بعد الفسخ أیضا و علی الأول فلا یبقی متعلق وجوب الوفاء حتی یجب الوفاء به فإنه بعد الفسخ ینحل العقد و لا یبقی شیء حتی یجب الوفاء بالشرط و لا یفسخ العقد و علی الجملة فإذا خالف المشروط علیه بالشرط و فسخ فینعدم موضوع الشرط و لا یبقی شیء حتی لا یفسخ و یبقی علی حاله.

و علی هذا فأدلة الخیار محکمة فکل من المتبایعین فسخ العقد و ان کان فسخ من شرط علیه أن لا یفسخ محرما.

ثم ان المعروف بین الفقهاء أن هذا الشرط صحیح و ان وقع

ص:129

الکلام بینهم أن الفسخ یؤثر وضعا أو لا یؤثر و لکن لنا مناقشة فی صحة هذا الشرط قد ذکرناه فی باب المزارعة فی حاشیة العروة و حاصله أنا ذکرنا مرارا أن معنی الشرط فی العقد لا یخلوا عن معانی ثلثة بالسیر و التقسیم الأول أن یکون التزاما أخری فی ضمن العقد مستقلا و غیر مربوط بالالتزام العقدی بأن یلتزم کل من المتبایعین بمبادلة مال بمال و یلتزم أحدهما أیضا مقارنا لهذا الالتزام بان یخیط ثوبا لصاحبه فلیس بینهما ربط الا صرف المقارنة الزمانیة و لا شبهة أن هذا النحو من الشرط لا یجب الوفاء به بالاتفاق لکونه من الشروط الابتدائیة فلیس المراد من الشرط التی حکموا بوجوب الوفاء بها هو ذلک.

الثانی أن یکون الشرط مربوطا بالعقد و هو علی قسمین الأول أن یکون الالتزام العقدی مربوطا بالالتزام الشرطی بحیث أن الالتزام العقدی منتف مع انتفاء الالتزام العقدی مثلا معنی اشتراط الخیاطة فی ضمن بیع الدار هو أن الالتزام بیع الدار انما هو فی فرض الالتزام بالخیاطة و العمل به و إنهائه و الا فلا بیع هنا أصلا.

و فیه أنه قام الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود فیکون هذا باطلا حتی إذا کان المشروط علیه یفی بالشرط کما لا یخفی.

الثالث أن یکون الالتزام العقدی غیر مربوط بالالتزام الشرطی لیکون تعلیقا و لکن کان الالتزام ببقاء العقد و إبقائه منوطا بالتزام المشروط علیه بانهاء الشرط و إبقائه فیکون الالتزام بإبقاء العقد و عدم قدرته علی الفسخ و الحل منوطا بکون المشروط علیه وافیا بالشرط و الا فللمشروط له خیار الفسخ کما لا یخفی.

إذا عرفت ذلک فنقول ان معنی الشرط فی العقود بحیث

ص:130

یجب الوفاء به بالسیر و التقسیم لیس الاّ هو الثالث و علیه فلا یعقل و لا نتصوّر اشتراط عدم الفسخ فی العقود بحیث لا یکون للمشروط علیه حق الفسخ و ذلک فإنک لما عرفت أن معنی الاشتراط هو ثبوت الخیار للمشروط له مع تخلف المشروط علیه الشرط و من الواضح أنه بعد ما فسخ المشروط علیه لفرض تأثیر فسخه لعموم أدلة الخیار لا یبقی موضوع لیکون للمشروط له الخیار بان کان مختارا فی فسخ العقد و إبقائه و مع عدم الفسخ فالعقد أیضا باق علی حاله سواء کان هنا شرط أم لا فلا نعقل معنی محصّلا لهذا الشرط فیکون لغوا و یدخل فی الشروط الفاسدة و یأتی الکلام فیه من أن الشرط الفاسد مفسد للعقد أم لا.

نعم لو اشترط فی ضمن عقد عدم فسخ عقد آخر فیکون صحیحا کسائر الشروط الصحیحة کاشتراط الخیاطة أو البنایة أو النجارة أو نحوها کما لا یخفی.

الثالث أن یکون المراد من شرط سقوط الخیار فی العقد أن

یشترط إسقاط الخیار

بأن یکون هذا الفعل صادرا من المشروط علیه و لا شبهة فی صحة هذا الشرط لعدم ترتب المحذور علیه الاّ إسقاط ما لم یجب و قد عرفت ان الإجماع علی تقدیر تحققه بعدم جواز ذلک لکونه تعلیقا فلا یجری فی المقام لقیام الإجماع علی الصحة کما ادعاه بعضهم فیکون مشمولا لعموم وجوب الوفاء بالشرط و علیه فلو أخل المشروط علیه الشرط کله و لم یسقط الخیار و لم یف بالشرط فیکون للمشروط له خیار تخلف الشرط کما هو واضح.

ثم إذا فسخ المشروط علیه العقد فهل یکون فسخه مؤثرا أم لا الظاهر هو الأول لعموم الأدلة الدالة علی ثبوت خیار المجلس

ص:131

للمتبایعین کما تقدّم و قد اختار المصنف أنه لا یؤثر الفسخ کما ذکره فی الوجه الثانی و قد عرفت جوابه.

ثمّ انّه إذا تخلّف المشروط علیه و لم یفسخ العقد قد عرفت أنه یثبت الخیار للمشروط له و لا یفرق فی ذلک بین کون الفسخ مؤثرا أم لا فان نفس بقاء العقد متزلزلا مخالف لغرض المشروط له فیکون له الخیار لا جل التخلّف بالشرط و ان لم یکن فسخ المشروط علیه مؤثرا علی تقدیر الفسخ إذا یکون البیع لازما و عدم کونه متزلزلا مما هو محط غرض للعقلاء فلا أقل لنفس المشروط له.

و لا ینافی ذلک لزوم العقد شرعا فإنه من الأحکام الشرعیة و التزلزل انما هو مع قطع النظر عنه و فی نظر المتبایعین الحکومة العرفیة مع قطع النظر عن الشرع و الشریعة کما إذا کان المتبایعین غیر ملتزمین بالشرع و الشّریعة.

قوله قدس سره بقی الکلام فی أنّ المشهور أنّ تأثیر الشرط

انّما هو مع ذکره فی متن العقد

أقول ما ذکره المصنف و ان کان له مناسبة لما نحن فیه و لکنه من مسائل مبحث الشرط التی سنتکلم فیها و تفصیل الکلام هنا علی نحو الإجمال

أن اعتبار الشرط فی المعاملة

علی أنحاء

الأوّل أن لا یکون مذکورا لا فی ضمن المعاملة و لا قبلها

و لا بعدها

و لم ینشأه المعاملة بانیا علیها أیضا و هذا علی قسمین لان الوصف ان کان ممّا یعتبر بحسب الارتکاز العقلائی سواء ذکر أم لا کاعتبار التسلیم و التسلّم و أوصاف الصحة کظهور المبیع علی ما وقعت المعاملة علیه فلا شبهة فی صحة ذلک الشرط و وجوب الوفاء به فان مثل ذلک الشروط کالمذکور و الارتکاز العقلائی و الارتکاز من المتبایعین قائم

ص:132

مقام الذکر فیکون واجب الوفاء لعموم المؤمنون عند شروطهم بل فی تخلّف أوصاف الصحة تفسده المعاملة.

و ان کان من قبیل الأوصاف الکمالیة کوصف الخیاطة و البنایة و النجارة و نحوها فلا یکون واجب الوفاء إذ لیس هنا شرط حتی یجب الوفاء به کما سنذکر معنی الشرط و لم یبرز هنا شیء یجب الوفاء به.

و

قد یکون الشرط مذکورا فی ضمن العقد

اما تفصیلا کقوله بعتک العبد الکاتب أو علی أن یکون کاتبا و اما إجمالا کما إذا ذکرت الشروط کلها قبل العقد و عند إجراء صیغة العقد یقول بعتک الشیء الفلانی علی ما ذکر من الشروط فیشیر بهذه الکلمة المبهمة إلی الشروط المذکورة قبل العقد فإنه أیضا مذکور فی ضمن العقد فیکون مشمولا لعموم وجوب الوفاء بالشرط فان الغرض ارتباط الشرط بالعقد و هو حاصل بمثل هذه الکلمات المبهمة.

و علی الجملة الإشارة فی ضمن العقد إلی الشرائط المذکورة قبل العقد و المعاملة بانیا علیها مع إظهار تلک الشروط بمثل ما ذکر کقوله بعتک العبد علی ما ذکر لا یقصر عن الشرط المذکور فی ضمن العقد صریحا فی وجوب الوفاء بها فإنه ح یبرز البائع بقوله بعت کذا تبدیل ما له علی هذا الشرط فیکون ما بنی علیه من الشرط مبرزا مع حقیقة المعاملة کما لا یخفی فکما یکون الالتزام العقدی المظهر بکلمة بعت واجب الوفاء و کذلک الالتزام الشرطی المبرز بهذه الإشارة.

و قد یکون الشرط مذکورا قبل العقد

و لکن لا یشار إلیها فی ضمن العقد لا تصریحا و لا إجمالا فهو علی قسمین الأوّل أن یکون ذلک مغفولا عنه عند البیع و غیر ملتفت الیه من مقام المعاملة أو

ص:133

نسیه أو کان ملتفت الیه و لکن لم یظهروا عند البیع و لم ینشأه مبنیا علی الشرط المذکور قبل العقد فان هذا کلّه لا حق بالقسم الأول و لا یجب الوفاء به و الثانی أن یکون ملتفتا الیه عند المعاملة و کان بنائها علی ذلک حتی فی مرحلة إنشاء و إظهار المعاملة و لکن لم یظهروا الشرط عند الإنشاء و بعبارة أخری الشرط موجود فی مقام الثبوت و لکن لیس له دال فی مقام الإثبات و الظاهر أنه شرط حقیقة و یجب الوفاء به و لکن المشهور ذهبوا الی بطلان الشرط المذکور قبل العقد و ان کان العقد بانیا علیه و لکن الظاهر من بعضهم هو کون مثل هذا الشرط أیضا واجب الوفاء کالشیخ و غیره قال الشیخ فی محکی الخلاف أنه لو شرطا قبل العقد أن لا یثبت بینهما خیار بعد العقد صحّ الشرط و لزم العقد بنفس الإیجاب و القبول ثمّ نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعی إلخ و قد منع المصنف عن کون مثل هذا الشرط واجب الوفاء کما ذکره فی المتن بل منع نسبة ذلک الی الشیخ أیضا و لذا حاول أن یوجه کلامه بأنه أراد من قوله قبل العقد ای قبل تمام العقد و استشهد علیه بملاحظة عنوان المسألة فی الخلاف و التذکرة و باستدلال الشیخ علی الجواز و بعض الشافعیة علی المنع و قال أن ذاک کلّه یکاد یورث القطع بأن مراد الشیخ لیس هو ظاهر کلامه بل مراده ما ذکرناه و لکن الظاهر أن ما یستفاد من ظاهر کلامه هو مراد الشیخ و لذا أشکل علیه العلامة بأنه لا یکون الشرط المذکور قبل العقد واجب الوفاء إلا إذا کان إیقاع العقد بانیا علیه فإنه یکون العقد مشروطا به و کیف کان فلا یهمنا کشف مراد الشیخ أنه أی شیء أراد و انّما المهم انّما هو بیان أن هذا الشرط واجب الوفاء أم لا و الظاهر أنه لا قصور

ص:134

فی صدق مفهوم الشرط علیه و کونه واجب الوفاء أیضا بمقتضی دلیل وجوب الوفاء بالشرط.

و الوجه فی أن الثانی یجب الوفاء به دون الا هو ان معنی الشرط هو الرّبط بین الشیئین کما فی القاموس حیث ذکر ان الشرط هو الالتزام و الالتزام فی البیع و نحوه فإنّما یکون الالتزام بالشرط مربوطا بالالتزام العقدی إذا کان الالتزام العقدی و إبرازه باقیا علی الشرط و مربوطا الیه بحیث یکون بین الالتزامین ربط و عقدة لیتحقق معنی الشرط الذی ذکره أهل اللغة و هذا المعنی هو المتفاهم عرفا و کذلک هو المستفاد من قوله(علیه السلام)کل شرط سائغ و لازم الاّ شرط خالف الکتاب و السنة و علی الجملة المستفاد من کلمة الشرط الذی یجب الوفاء به و الا شرطا خالف الکتاب و السنة هو المربوط بالعقد لا ما یکون خارجا عنه فإنّه مجرّد و عد فیجری علیه حکمه من وجوب الوفاء و عدمه.

و من الواضح أن المذکور قبل العقد إذا کان مغفولا عنه حین إنشاء البیع أو منسیا أو متروکا عمدا بحیث أنشأ البیع غیر مبنی علی الشرط فلا یجب الوفاء به لا من جهة القصور فی أدلة وجوب الوفاء بالشرط و لا من جهة التمسّک بالإجماع علی عدم وجوب الوفاء به حتی یقال انّ المسألة مختلف فیها فلیس فی المقام إجماع بل من جهة منع صدق الشرط علیه إذ هو بالنسبة إلی العقد المنشأ خالیا عن ذکره و خالیا عن البناء علیه أن إنشاء المعاملة بانیا علی هذا الشرط کسائر الأمور الأجنبیة عن العقد فلا یکون واجب الوفاء و انّما هو کسائر المواعید التی أجنبیة عن هذا العقد فیکون عدم وجوب الوفاء

ص:135

به من جهة عدم الموضوع و عدم صدق الشرط علیه کما هو واضح فلا یکون هذا کالمحذوف النحوی لیکون فی حکم المذکور.

و أما إذا کان الشرط مذکورا قبل العقد و کان العقد المنشأ مبنیّا علیه من غیر أن یکون مغفولا عنه عند البیع فیصدق علیه الشرط حقیقة فی مقام الثبوت غایة الأمر أن الدلالة علیه فی مقام الإثبات منفیة بحیث لو سمع أحد الکلام الذی أنشأ به البیع خالیا عن ذلک الشرط حسب أنه مطلق و المعاملة المنشئة بهذا الإنشاء خالیة عن الشرط و الوجه فی ذلک هو ما عرفت من أن المستفاد من معنی الشرط بحسب المتبادر من کلمته فی الاخبار و من العرف و من تصریح أهل اللغة هو ما یکون مربوطا بشیء و لیس إظهاره بمظهر فی مقام الإنشاء من مقومات ذلک فإذا کان إبراز المعاملة باینا علیه فیکون مربوطا بها فیکون الالتزامین أی العقدی و الشرطی مرتبطین ای أحدهما بالأخر و لا یقاس ذلک بحقیقة المعاملات التی لا یترتب علیه الأثر إلاّ بعد الإظهار و الإبراز لا بمجرد الاعتبار و ذلک لأنا ذکرنا فی أول البیع أن حقیقته عبارة عن اعتبار الکلیة لکل من العوضین من کل من المالکین للآخر و إظهاره بمبرز فی الخارج و کک سائر المعاملات فإنّها لیست مجرد اعتبار نفسانی و الا للزم أن یکون بمجرد الاعتبار النفسانی أن یملک الآخر و لیس کک حتی مع العلم بالاعتبار کما إذا علم کل من المتبایعین بعلم الإشراق أن الأخیر اعتبر ملکیة ماله له و کذا العکس فإنه لا یکون هذا بیعا ما دام لم یقترن بالإظهار فحقیقة البیع و کذلک ان حقیقة سائر المعاملات متقوّمة بالاعتبار النفسانی و بالإظهار الخارجی کما لا یخفی.

ص:136

و هذا بخلاف حقیقة الشرط فإنه لیس متقوّما بالاعتبار و بالإظهار الخارجی معا بل معناه کما ذکرناه هو الرّبط بین الشیئین و هو حاصل بمجرد البناء و القصد و إظهار المعاملة و ابرازها و إنشائها بانیا علیه فإنه بمجرد ذلک یحصل الرّبط کما لا یخفی فلا یحتاج الی اللفظ بوجه و قد ذکر ذلک المحقق الایروانی أیضا فیجب الوفاء به للعموم علی أن التزامهما مقید فی نفس الأمر فلا یعقل التفکیک بینهما لکی یکون أحدهما واجب الوفاء دون الآخر.

و أما ما ذکره المصنف من ان الشرط المذکور قبل العقد إذا لم یذکر فی العقد و لو بالإشارة کان لغوا و ان وقع العقد بانیا علیه و أما ما ذکره فقد ظهر جوابه ممّا حققناه فکأن المصنف حسب أن قوام الرّبط و الشرط کقوام المعاملات بالإظهار و الإبراز و قد عرفت أنه لیس کک و الحاصل أن الشرط المذکور قبل العقد الذی یقع العقد فی الخارج باینا علیه کالمحذوف المقدر فإنه فی حکم المذکور.

و من هنا ظهر بطلان ما ذهب الیه شیخنا الأستاذ أیضا من أن القصور و الدواعی غیر معتبرة فی العقود ما لم ینشأ لفظ علی طبقها فمجرد وقوع العقد مبنیا علی شرط مع عدم ذکره فی متن العقد لا یؤثر فی سقوط الخیار و ذلک لان الشرط إلزام مستقل لا یرتبط بالعقد فارتباطه به یتوقف علی الالتزام به فی العقد و مجرّد البناء لیس التزاما به و لا یقاس ذلک علی أوصاف المبیع المعتبرة فیه بالارتکاز و وجه الظهور أن الغرض من الشرط هو ارتباط الالتزام العقدی بالالتزام الشرطی فی نظر المتعاملین بحیث یکون أحدهما مربوط بالاخر و لا یلزم أن یکون علی نحو معرفة غیرهما أیضا فإن تحقق

ص:137

حقیقة الشرط لا یتوقف علی الإظهار کما یتوقف البیع علیه فلو کان تحققه محتاجا الی فهم الغیر أیضا لزم ان لا تحقق المعاملات الواقعة فی الخفاء التی لا یطلع علیها غیر المتعاملین.

قوله فرع ذکر العلامة فی التذکرة موردا لعدم جواز اشتراط.

نفی الخیار

أقول کان کلامنا فی سقوط الخیار بالشرط و قد ذکر العلامة فی التذکرة أنّه قد لا یجوز اشتراط إسقاط الخیار لا من جهة إسقاط ما لم یجب فإنه لو کان صحیحا لکان جاریا فی جمیع موارد اشتراط إسقاط الخیار بل من جهة أخری کما إذا نذر المولی أن یعتق عبده إذا باعه بأن قال للّه علیّ ان أعتقک إذا بعتک و قال لو باعه بشرط نفی الخیار لم یصحّ البیع لصحّة النذر و یجب الوفاء به و لا یتم ذلک برفع الخیار لرفع موضوع النذر و قد ذکر المصنف أن ما ذکره العلامة مبنی علی أن النذر المعلّق بالعین یوجب عدم تسلط الناذر علی التصرّفات المنافیة له ثم قال و قد مرّ أن الأقوی فی الشرط أیضا کونه کک.

أقول لا یتم ما ذکره العلامة و ارتضاه المصنف و أضاف إلیه الشرط صغری و کبری و أما الوجه فی عدم تمامیة الصغری فلان عتق العبد لا ینحصر بفسخ العقد بخیار المجلس ثمّ عتقه بل یمکن بوجه آخر کالشراء ثانیا أو تملکه بغیر الشراء کالاتهاب أو التوارث فإنه مع الاطمئنان برجوعه الی ملکه ثانیا لا مانع من عدم الفسخ فعتقه لا ینحصر بصورة الفسخ فقط بل یمکن بغیره أیضا کما هو واضح.

و أما الوجه فی عدم تمامیة الکبری أن وجوب الوفاء بالنذر و کذا وجوب الوفاء بالشرط وجوب تکلیفی کما تقدّم قریبا و قد عرفت أنه لا ملازمة بین الحکم التکلیفی و الحکم الوضعی بأن تکون المخالفة

ص:138

بالحکم التکلیفی موجبة لبطلان المعاملة المنهیة عنها أیضا فلأدلة للنهی عن شیء تکلیفا علی فساده وضعا إلا بالقرائن کما فی الخمر نعم لو کان النهی إرشاد یا فیدل علی الفساد کما فی نهی النبی (صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر و نحوه و علی هذا فمخالفة الناذر و نذره أو مخالفة الشارط شرطه حرام تکلیفا فإذا نذر أن یعتق عبده إذا باعه أو شرط ذلک علی نفسه فی ضمن معاملة ثمّ باعه بیعا لازما و خالف نذره فلم یعتق فلا تدل مخالفته هذه علی بطلان البیع و قد تقدم فی المکاسب المحرمة کثیرا أن الحرمة التکلیفیة لا یلازم الحرمة الوضعیة بل هی تدل علی مبغوضیة الفعل فقط لا علی عدم نفوذه.

و تظهر الثمرة فیما إذا باعه فی حال الغفلة و النسیان عن نذره فإنه لا یکون حراما أیضا تکلیفا لکونه مرفوعا عند الغفلة و النسیان کما هو واضح و أما ما ذکره شیخنا الأستاذ من أن الحکم الشرعی یجعل الإنسان مسلوب القدرة فقد تقدم جوابه و تقریب کلامه.

قوله:مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخیار بعد العقد

بل هذا هو المسقط الحقیقی أقول لا شبهة فی جواز إسقاط خیار المجلس بعد العقد بل هو المسقط الحقیقی کما ذکره المصنف و انّما الکلام فی دلیل ذلک.

و قد استدل علیه المصنف بوجوه
الأول:دعوی الإجماع علیه

و لکنه تقدم غیر مرّة أن الإجماع فی مثل هذه المسألة لیس تعبدیا بل هو مبنی علی الوجوه المذکورة فی المسألة.

الثانی القاعدة المسلمة بین الفقهاء أن لکل ذی حق إسقاط

حقه

و لعل الوجه فی ذلک قوله(علیه السلام)الناس مسلطون علی أموالهم

ص:139

فإن مقتضی ذلک هو تسلط ذی الحق بحقه فیفعل فیه ما یشاء بالفحوی و بالطریق الأولویة فإن الإنسان إذا کان مسلطا لما له الذی من قبیل الأعیان فهو مسلط علی حقه أیضا.

و فیه اما لمن له الخیار حق لإسقاطه أو لا أی أن هذا الخیار الثابت له اما من قبیل الحقوق أو من قبیل الحکم فان کان منه قبیل الحقوق فلا یحتاج الی التمسک بفحوی دلیل السلطنة أو بمنطوقه فان معنی الحق هو کون ذی الحق مسلطا علی حقّه بحیث یفعل فیه ما یشاء.

و ان لم یکن من قبیل الحقوق بل من قبیل الحکم فلا یقبل الاسقاط سواء کان هنا دلیل السلطنة أم لا.

و بعبارة واضحة قد ذکرنا فی أول البیع أنه لا فرق بین الحق و الحکم من حیث کونهما مجعولین للشارع بل کلاهما من الأحکام الشرعیة التی جعلها الشارع و لکن بعض هذه الاحکام قد فوضه الی المکلّف و جعل اختیاره بیده فله أن یتصرف فیه کیف یشاء و نسمی ذلک حقا فی الاصطلاح و ان کان حکما فی الحقیقة أیضا و هذا لا یکون إلاّ إذا ثبت بالدلیل فبدونه لا یمکن أن یقال ان هذا الحکم اختیاره بید المکلّف.و لذا کلمات شککنا فی مورد أنه یسقط بإسقاط من له ذلک أو لا فالأصل بقائه و عدم سقوطه بالإسقاط تمسکا بدلیله.

و علی هذا فلا یمکن إثبات الحقیقة بدلیل السلطنة فإنه ناظر الی الکبری و أن کل من له السلطنة علی شیء فله التصرف فی متعلق سلطنته کیف یشاء و بالفحوی یثبت جواز التصرف فی الحق و متعلقة و لکن لا یثبت بذلک أن الحکم الفلانی حق و الحکم الفلانی

ص:140

لیس بحق.

الثالث قوله(علیه السلام)المؤمنون عند شروطهم

بدعوی أنه إذا شمل الشروط الابتدائیة لکان شاملا لذلک أیضا فإن إسقاط الخیار بعد العقد التزام بأن لا یکون له خیار فیکون من الشروط الابتدائیة.

و فیه أولا أنه لا تشمل الشروط الابتدائیة للاتفاق بعدم کونها واجب الوفاء بل لیست من الشروط و قد تقدم من القاموس أن الشرط هو الإلزام و الالتزام فی بیع و نحوه.

و ثانیا علی تقدیر کونه شاملا للشروط الابتدائیة فلا شبهة لعدم شموله لإسقاط الخیار بعد العقد الذی هو محل کلامنا و ذلک فان معنی إسقاط الخیار هو الالتزام بأن لا یکون له خیار و لا شبهة ان ثبوت الخیار له و عدم ثبوته له من الأحکام الشرعیة فلا یکون تحت اختیار المکلّف کما لا یخفی،فلا یعقل شمول المؤمنون عند شروطهم لذلک.

الرابع فهو العمدة و حاصله أنا استفدنا من النص الدال علی

سقوط الخیار بالتّصرف

معللا بأنه رضا بالبیع فیدل ذلک علی أن الرضی بالبیع و بسقوط الخیار یوجب السقوط بأی کاشف کان ذلک الدال فکلما دل علی رضا ذی الخیار بسقوط الخیار فیکون ذلک موجبا للسقوط کما لا یخفی فان المناط هو الرضا لا أن للفظ خاص موضوعیة بحیث یکون سببا للسقوط تعبدا کما لا یخفی.

و یترتب علی ذلک المسألتان اللتان ذکرهما المصنف بعد ذلک
الاولی أنه لا یعتبر فی إسقاط الخیار لفظ خاص

کما یعتبر ذلک فی العقود و الإیقاعات علی المشهور من العربیة و الماضویة و غیرهما بل یسقط الخیار بکل ما یکون کاشفا عن الرضا عن ذی الخیار علی ذلک

ص:141

لما عرفت أن المناط هو الرضا بالبیع و کونه لازما و هو یحصل و لو بالإشارة بالحواس و نحوه و علی هذا فیجری فی الإسقاط ما یکون شبیها بالبیع الفضولی کما إذا قال أحد غیر ذی الخیار أسقط خیار الفلانی ثم یقول صاحب الخیار أمضیت فإنه یکون ذلک إسقاطا فإن الإمضاء مصداق لسقوط الخیار و مصداق للرضا به کما لا یخفی فلا یعتبر هنا لفظ خاص لتحقق المناط المذکور بأی کاشف.

المسألة الثانیة ما ورد فی بعض الروایات و إن کانت غیر جامعة

لشرائط الحجیة

أنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر فهل یکون هذا إسقاطا للخیار أم لا و قد وقع ذلک محل الکلام بین الاعلام.

لا شبهة أن کلمة اختر لیس من مسقطات الخیار تعبدا فیقع الکلام فی دلالته علی ذلک و قد یقال أن کلمة اختر معناه إسقاط خیاره عن نفسه و إرجاع أمر العقد الی الطرف الآخر و اما إذا لم یکن له خیار فمعناه تملیک خیاره الیه و الحاصل أن قول القائل لصاحبه اختر هذا العقد معناه إرجاع أمر العقد و تفویضه الیه بحیث لا یکون للقائل اختیار فی العقد أصلا و علیه فان کان للطرف الآخر خیار أیضا فیسقط خیار القائل و الا فیکون تملیکا لخیار نفسه الی الطرف الآخر.

و قد یقال:ان معنی کلمة اختر تفویض الخیار الی الطرف الأخر بحیث یکون هو المفوض إلیه فی ذلک امام یعمل أو لا یعمل دون الاسقاط و قد یقال ان معنی کلمة اختر هو استکشاف حال الطرف بالنسبة إلی العقد أنه أیّ شیء یختار فی العقد الفسخ أو الإمضاء.

و علی الثالث لا یکون التکلم به موجبا لسقوط الخیار لکونه مسوقا للتجربة و الامتحان بل قیل علی الثانی أیضا لا یدل علی سقوط الخیار

ص:142

فان تفویض الأمر الی صاحبه فی أمر خیار المجلس لا یدل علی سقوط خیار نفسه غایة الأمر أنه یکون مثل الموکل الّذی فوض أمر شیء إلی الوکیل المفوض فإنّه مع کونه وکیلا مفوضا فللموکل أیضا أن یتصرف فی ذلک الشیء الّذی و کلّ غیره فیه.

و قال شیخنا الأنصاری و هو الحق أن کلمة اختر لا یدلّ الاّ علی کشف حال الطرف و امتحانه و أما أزید من ذلک فلا شیء من الدلالات المطابقیة و غیرهما الا أن تکون هناک قرینة حالیة أو مقالیة تدل علی کون مراد المتکلّم هو إسقاط الخیار و هو کذلک فإن مادة کلمة اختر هی لا تدلّ علی أزید من الاختیار و هیئتها هی صیغة الأمر فلا دلالة فی شیء من المادة و الهیئة علی ذلک أی سقوط الخیار بل لا یستفاد منها الاّ امتحان الطرف و کشف حاله أنه یمضی العقد و یسقط خیاره أم لا بدّ یرید الفسخ.

قوله ثمّ انّه لا إشکال فی ان إسقاط أحدهما خیاره لا یوجب سقوط خیار الأخر أقول قد تقدم فی أوائل الخیار أن إمضاء أحدهما العقد لا یوجب سقوط خیار الأخر و کون العقد لازما من قبله بل هو باق علی خیاره نعم أن فسخ أحدهما یوجب فسخ الآخر کما ذکره المصنف ثمّ تصدی المصنف لبیان صورة معارضة الفسخ و الإمضاء و قال:لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفین کما لو فرض ثبوت الخیار من طرف أحد المتعاقدین أو من طرفهما لمتعدد کالاصیل و الوکیل فأجاز أحدهما و فسخ الأخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخیار فی العوضین دفعة واحدة کما لو باع عبدا بجاریة ثمّ أعتقهما جمیعا حیث ان إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجاریة إجازة أو اختلف الورثة فی الفسخ

ص:143

و الإجازة تحقق التعارض و ظاهر العلامة فی جمیع هذا الصور تقدیم الفسخ و لم یظهر وجه تامّ و سیجیء الإشارة الی ذلک فی موضعه إنشاء اللّه تعالی.

و التحقیق فی بیان الکبری فی المقام أنه قد یقال بثبوت الخیار للطبیعی بحیث کلّمن سبق إلی اعمال الخیار من الفسخ أو الإمضاء لا یبقی مجال للآخر أصلا کما أن الشخص الواحد لیس له الاّ خیار واحد من الفسخ أو الإمضاء فالطبیعی أیضا فی حکمه فکأنّه فرد واحد و قد احتمل هذا الوجه فی ثبوت الخیار للورثة بموت المورث و قالوا بان هنا ح خیار واحد فأی من الورثة سبق إلی إعماله فیسقط عن الباقین.

و قد یقال بکونه ثابتا لکل واحد و لکن یکون الخیار الثابت للثانی فی طول الخیار الثابت للأول أی من فروعه و شؤونه سواء کان خیاره فی طول خیار الأول متعددا أو واحدا و هذا کخیار الوکیل الواحد أو المتعدد من الموکل فی اعمال الخیار.

و قد یقال بثبوته لکل واحد واحد من الأشخاص علی نحو الاستقلال من غیر أن یرتبط بالآخر أصلا.

أما علی الأول فلا شبهة فی سقوط الخیار عن البقیة بسبق أحد أفراد الطبیعة إلی إعماله إما بالفسخ أو بالإمضاء کما عرفت فإنه حینئذ لیس هنا الأخیار واحد فلا یعقل بقائه بعد سقوطه بالإعمال إسقاطا أو أعمالا فلا یبقی لخیار الثانی موضوع أصلا لارتفاعه بفسخ السابق أو إمضائه.

و علی هذا فلو تقارن فسخ أحد أفراد الطّبیعة مع إمضاء الفرد

ص:144

الآخر فلا مناص عن التساقط حینئذ و لا یکون شیء من الفسخ أو الإمضاء مؤثرا فی العقد فیکون الخیار باقیا علی حاله فان سقوطه و عدمه معا مستحیل للتناقض لما عرفت أن ثبوت الخیار للطبیعة کثبوته لفرد واحد فکما لا یعقل تأثیر صدور الفسخ و الإمضاء من شخص واحد بأن یکتب بإحدی یده الفسخ و بالآخر الإمضاء و یبرز هما معا أو یفسخ بلسانه و یمضی بکتابته أو بإشارته فان شیء من ذلک لا یعقل لانه مستلزم لتناقض و ترجیح أحدهما علی الأخر ترجیح بلا مرجح فیلغو کلاهما و کک فی هذه الصورة فإنه حینئذ لیس هنا الاّ خیار واحد فهذا الخیار الواحد لا یعقل أن یؤثر فی العقد الفسخ و الإمضاء معا.و علی هذا الفرض لا وجه لکلام العلامة أصلا لا انه لم یظهر له وجه تامّ کما ذکره المصنف لما عرفت أنه غیر معقول و انه مستحیل کما لا یخفی.

و أما علی الثانی بأن یکون خیار أحدهما فی طول خیار الأخر فقد عرفت أنه علی قسمین الأول أن یکون الثانی الذی خیاره فی طول خیار الأول واحدا کما إذا و کل أحد شخصا أخر فی أمر الخیار فان خیار الوکیل فی طول خیار الموکل أی من فروعه و شؤونه.

الثانی أن یکون الوکیل فی اعمال خیار الموکل متعددا کأن و کلّ نفرین فی اعمال خیار المجلس الثابت فان هذا الخیار الثابت للوکیل فی طول خیار الموکل.

و علی کلّ حال فکلّ من سبق من الوکیل أو من الموکل إلی اعمال الخیار فیرتفع الخیار و لا یبقی للآخر مجال أصلا فإن سبق الموکل فلا یبق مجال لخیار الوکیل و ان سبق الوکیل فلا یبقی مجال لخیار الموکل و کک الحال فی سبق أحد الموکلین علی الوکیل الأخر و الموکل

ص:145

و الوجه فی ذلک أن هنا خیار واحد ثابت للموکل و للوکیل فی طوله فبعد اعمال کل منهم ذلک لا یبقی مجال لخیار الأخر أصلا.

و ان تقارنا بان فسخ الوکیل و أمضی الموکل أو فسخ أحد الوکیلین و أمضی الآخر فإنه حینئذ لا مناص من التساقط أیضا و من عدم تأثیر شیء من الفسخ و الإمضاء لما عرفت من انه لیس هنا الاّ خیار واحد فلا یعقل أن یعمل هذا الخیار الواحد بالفسخ تارة و بالإمضاء أخری معا فقهرا یحکم بالتساقط کما عرفت فی ثبوته علی الطّبیعی فهذان- الاحتمالان أی احتمال ثبوته للطبیعة و احتمال ثبوته للمتعدد طولا متحدان من حیث النتیجة فلا مجال لکلام العلامة فی هاتین الصورتین و أما علی الثالث:فلکل منهما خیار مستقل فله اعماله من غیر أن یرتبط بالاخر کما تقدم نظیره فی ثبوت خیار المجلس للوکیل و الموکل معا علی نحو الاستقلال مع اجتماعهم فی مجلس واحد أو مع کون الوکیلین فی مجلس و الموکلین فی مجلس آخر مجتمعین کما تقدم و حینئذ فکل یترتب حکم خیار نفسه علی حده من دون ربط بالاخر.

و علی هذا فلو فسخ أحدهما سواء کان قبل إمضاء الآخر أو مقارنا بإمضائه أو بعده فیبطل العقد و ینحل فلا یبقی شیء أصلا فإن الفسخ یقدم علی الإمضاء حتی بعد إمضاء الآخر و قد تقدم وجهه سابقا من أن فی الفسخ خصوصیة یوجب انحلال المعاملة لأنه عبارة عن الحل و الحل انما یکون من الطرفین بخلاف الإمضاء فإنه إقرار العقد فهو تحصل من قبله أیضا وحده.

و علی هذا الفرض فمع التقارن یقدم الفاسخ و مع التأخر عن الإمضاء یقدم علی الإمضاء فمع التقارن یقدم أیضا بطریق الأولویة

ص:146

و لو کان مراد العلامة من تقدیم الفاسخ علی المجیز هذا فله وجه وجیه و علی الجملة فکلما کان الفسخ مقدما علی الإمضاء فی فرض تأخره عنه فیقدم فی فرض التقارن بالأولویة أیضا و کلّما وقع التعارض بینهما فی صورة المقارنة فلا یکون الفسخ مقدما فی صورة التأخر أیضا بالأولویة لعدم بقاء الموضوع له ح.

قوله من جملة مسقطات الخیار افتراق المتبایعین

أقول:یقع الکلام فی جهتین الاولی فی أن المدار فی الافتراق الموجب لسقوط الخیار أی شیء هل هو طبیعی الافتراق و لو بمقدار إصبع أو بمقدار شعرة أو المناط هو الافتراق بمقدار خطوة أو المناط هو الافتراق العرفی وجوه ثلثة التی ذکرها المصنف.

الجهة الثانیة فی أن ما یوجب لسقوط الخیار من الافتراق و أن موضوع الحکم هو الافتراق بما هو افتراق أو ان الموضوع هو الافتراق الکاشف عن الرضا و أما ما کان عن اکراه لا یوجب سقوط الخیار.

أما الکلام فی الجهة الأولی فذکر المصنف أن الافتراق بما هو افتراق موجب لسقوط الخیار قلیلا کان أم کثیرا فان الظاهر من الأدلة هو حصول الخیار بمجرّد الافتراق و انفصال الهیئة الاجتماعیة الحاصلة لهما حین العقد،فإذا حصل مسمی الافتراق و صدق الطبیعی سقط الخیار.و الذی یصرح أن مراد المصنف هو ذلک ما ذکره فی ذیل کلامه من قوله فلو تبایعا فی سفینتین متلاصقتین کفی مجرّد افتراقهما.

الوجه الثانی اعتبار الخطوة فی الافتراق المسقط للخیار فقد

ص:147

ذکره جماعة اغترارا بالتمثیل بالخطوة الواقعة فی کلمات جماعة و لکنه لا دلیل علیه بوجه و انّما ذکره جماعة من باب المثال و علی تقدیر أنهم ذکروا ذلک من باب التحدید فلا دلیل علیه لانه لم یرد من الشرع ما یوجب التحدید کما ورد ذلک فی تعیین الکر و النصاب فی الزکاة و نحوهما.

الثالث أن یقال بأن المناط فی ذلک هو الافتراق العرفی و أما الوجهان الأولان فلا دلیل علیهما و بیان ذلک أن المراد من الافتراق لیس هو مجرد الانفصال بأی نحو کان و لو کان طبیعی الانفصال بین المتبایعین لحصوله من الأول بالبدیهة فإنه قلّما یتفق أن یکون إمضاء أحد المتبایعین متلاصقا بالأخر بالید أو بشیء آخر من أعضاء بدنهما و علیه فالمراد من الافتراق لیس هو افتراق بدن کل منهما عن الآخر فلا بدّ و أن یراد من ذلک هو الافتراق عن مجلس العقد سواء کانا- جالسین أو قاعدین أو مضطجعین أی عن مجلس العقد للمعاملة و لو کان فی حالة المشی فلو کانا فی قبة و اجتمعا فی تلک القبة للمعاملة الخاصة فالاجتماع فیها اجتماع للمعاملة فیکون هذا المجلس مجلس المعاملة فلا یحصل التفرق حینئذ إلاّ بالتفرق من هذا القبة و انقضاء مجلس البیع عرفا فإنه ما دام هذا الاجتماع فی هذه القبة باق لا یصدق التفرق عن مجلس المعاملة کما لا یخفی.

فلو قام أحدهما لشرب الماء فی الزاویة أخری من القبة أو للتوضی لا یحصل الافتراق عرفا و ان حصل التفرق بالدقة العقلیة و هکذا ان التفرق فی کل مجلس اجتمعا للمعاملة بحسب حال ذلک المجلس عرفا و علی هذا لا یضر التفرق بمقدار عشرة خطأ فضلا عن الخطوة الواحدة

ص:148

کما ذکره جماعة بل فضلا عن التفرق بالمسمی کما ذکره المصنف بل المناط هو الصدق العرفی و انهدام الهیئة الاجتماعیة لأجل المعاملة عرفا هذا بحسب ما یستفاد من الروایات.

و لکن ورد فی روایة صحیحة أنه علیه السلام قال فلما أوجب البیع قمت فمشیت خطأ لیجب البیع فان الظاهر من هذه الروایة الشریفة أن المشی خطا یوجب سقوط الخیار و ان المشی لا جل إسقاط الخیار لا لغرض آخر و علیه فالمناط فی سقوط الخیار هو ذلک و أقله بثلثة خطوات فإنه لو لم یکن المشی خطأ موجبا لسقوط الخیار لکان ذکره فی الحدیث لغوا فإنه لیس من باب الصدقة فإن الحالات الموجودة حال البیع و بعده کثیرة فلو لم یکن لذکر ذلک موضوعیّة لم یذکره الامام علیه السلام و لذکر غیره فیعلم من ذلک ان المناط فی سقوط الخیار و بالتفرق هو ذلک و ان الامام(علیه السلام)طبق الکبری الکلیة علی المورد الخاص لا أن القضیة شخصیة فی مورد خاص کما لا یخفی فتحصل أن ما یظهر من هذه الروایة الشریفة هو المیزان فی سقوط الخیار بالتفرق.

ثم أنه هل یحصل التفرق بحصوله بالاختیار من أحد الطرفین و بالاضطرار عن الآخر أو بالاضطرار من الطرفین أو لا بدّ و أن یکون اختیاریّا من کلا الطّرفین و بعبارة أخری هل یعتبر فی التفرق أن یکون اختیاریّا من کلا الطرفین أو یکفی من احد الطرفین أو لا یعتبر الاختیار فی شیء من الطرفین أصلا.

الظاهر أنه لا یعتبر الاختیار فی حصول مفهوم التفرق أصلا فإنه أمر تکوینی یحصل بمجرد انفصال أحد المجسمین عن الآخر و بعبارة

ص:149

أخری أن التفرق و الانفصال من الأمور النسیة و هو یتحقّق من الطرفین بمجرد تباعد أحد الجسمین عن الآخر و إذا انفصل أحدهما عن الآخر بأی نحو کان یحصل التفرق من الطرفین حقیقة و أما سقوط الخیار بمطلق التفرق و عدم سقوطه فهو مطلق آخر و غیر مربوط بالمقام.

و أما ما ذکره المصنف من قوله فذات الافتراق من المتحرک و اتصافها بکونها افتراقا من الساکن فلا معنی له فان الافتراق حقیقة یحصل من الطرفین بمجرد تفرق أحدهما عن الآخر کما لا یخفی فلا نعقل معنی لکون ذات الافتراق من المتحرک و اتصافها بکونها افتراقا من الساکن کما هو واضح لا یخفی و یدل علی تحقق الافتراق بمجرد تفرق أحدهما قوله(علیه السلام)قمت فمشیت خطأ لیجب البیع حین افترقنا حیث اثبت افتراقهما بمجرد انفصاله علیه السلام عن الآخر من غیر أن یکون الآخر متحرکا بل کان جالسا.

(فیما لو أکره أحدهما علی التفرق)

قوله مسألة المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إکراه إذا منع من التخایر، أقول:لا شبهة أن موضوع عدم الفسخ هنا مرکب من أمرین أحدهما التفرق و الثانی عدم الفسخ و علیه قد یکون کل منهما اختیاریا بأن یکون متمکنا من الفسخ و لا یکون مکرها علیه و یکون مختارا فی التفرق و عدمه و هذا هو القدر المتیقن من مورد سقوط خیار المجلس بالتفرق أی إذا کان متمکنا من الفسخ و کان مختارا فی التفرق و مع ذلک تفرّق باختیاره و لم یفسخ کک باختیاره یسقط خیاره.

و قد یکون مختارا فی الفسخ و عدمه متمکنا عنه و مع ذلک کان

ص:150

مکرها علی التفرق و قد یکون عکس ذلک بأن یکون مکرها علی عدم الفسخ و لکن کان مختارا فی التفرق فالمعروف المشهور فی هذین الفرضین أیضا سقوط الخیار و الوجه فیه ما سیأتی من أنه مع کون أحد جزئی الموضوع.المرکب إکراهیا و الجزء الأخر غیر اکراهی لا یوجب رفع الحکم المتعلق به أو المترتب علیه لکونه اختیاریا کما لا یخفی فافهم قد یکون مکرها علی کلیهما بأن یکون مکرها علی التفرق و غیر متمکن من الفسخ ای مکرها علی عدم الفسخ فالمشهور هنا هو عدم سقوط الخیار

و قد استدل علی هذا بوجوه

کما یظهر من کلام المصنف

الأول الإجماع المنقول المنجبر بفتوی المشهور.

و فیه أن کلا من الإجماع المنقول و الشهرة لیس بحجة فلا یکون ضم غیر الحجة بمثله مفیدا للحجیة أما عدم حجیة الشهرة الفتوائیة فواضح و أما عدم حجیة الإجماع المنقول فمن جهة أن المظنون أن مدرکه هو الوجوه المذکورة فی المقام فلا یکون هنا إجماع تعبدی کاشف عن رأی المعصوم(علیه السلام).

الثانی أن المتبادر من الفعل هو الاختیاری

فالحکم المترتب علی فعل یکون مترتبا علی فعل اختیاری لا علی فعل غیر اختیاری فالمناط فی التفرق الموجب لسقوط الخیار هو التفرق الصادر عن المتفرق باختیاره لا الصادر بالإکراه فإنه حینئذ لا یسقط الخیار بل یتمسک بأصالة بقاء الخیار و یحکم بعدم سقوطه.

و قد أشکل علیه المصنف بأنه یمکن منع التبادر فان المتبادر هو الاختیاری فی مقابل الاضطراری الذی لا یعد فلا حقیقیا قائما بنفس الفاعل بل یکون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا فی مقابل

ص:151

المکره الفاعل بالاختیار لدفع الضرر المتوعد علی ترکه فان التبادر ممنوع.

ثم ذکر ثانیا أنه لو تم هذا انما یتم فی صورة الإکراه و الاضطرار علی التفرق مع التمکن من الفسخ مع أن المشهور ذهب فی هذه الصورة إلی سقوط الخیار.

أقول أما جوابه الثانی أی النقض بصورة الإکراه علی التفرق مع تمکنه من الفسخ فهو متین و أما جوابه الأول فلا یمکن المساعدة علیه فإنه لا فرق بین الاضطرار و الإکراه بل الظاهر أن المتبادر من الفعل هو الأعم من الاختیاری و غیر الاختیاری الشامل لصورة الاضطرار أیضا فإن الاختیار لم یؤخذ فی الافعال لا بموادها و لا لهیئاتها أما موادها فواضح فلان مثل التفرق و القعود و القیام و الجلوس و النوم و نحوها من مواد الأفعال أعم من الاختیاریة و غیرها فتخصیصها بحصة خاصة و هی کونها اختیاریة مجازفة.

و أما الهیئات فهی مختلفة بحسب المشتقات فإنها قد تدل علی صدور الفعل و قد تدل علی حلوله و وقوعه علی المواد و هکذا فلیس فیها اختیار أصلا نعم قد یکون الاختیار مأخوذا فی مفهوم المواد لعنوان التعظیم و الإهانة و الصوم و الصلاة و نحوها من الأمور التی من العناوین القصدیة فان الاختیاریة مأخوذة فیها بحسب المفهوم کما هو واضح.

و علی الجملة لا وجه للقول بأن المتبادر من الافعال هو کونها اختیاریة سواء کان الاختیار فی مقابل الإکراه أو فی مقابل الاضطرار فإن الأفعال غیر ما یکون الاختیار مأخوذا فی مفهومه أعم من الاختیاریة

ص:152

و غیرها و من هنا تری أنهما تنقسم إلی الاختیاری و غیر الاختیاری فیقال قیام اختیاری و قیام غیر اختیاری و موت اختیاری و موت غیر اختیاری و قعود و اضطجاع اختیاریین و غیر اختیاریین و هکذا.

الوجه الثالث:الاستدلال بحدیث الرفع

فان ما اکره علیه أو- اضطر علیه الإنسان مرفوع فی الشریعة المقدسة بمقتضی حدیث الرفع.

و قد أجاب عنه المصنف بأنه لا یمکن أن یجعل التفرق کلا تفرق بمقتضی حدیث الرفع لان المفروض أن التفرق الاضطراری أیضا مسقط مع وقوعه فی حال التمکن من التخایر فلو کان حدیث رفع الإکراه رافعا لحکم التفرق مع عدم التمکن من التخایر لکان حدیث رفع الاضطرار رافعا لحکم التفرق أیضا مع التمکن من التخایر.

و لکن یرد علیه أنه لا مجال لهذا النقض لما عرفت أن موضوع عدم الخیار هو التفرق و عدم الفسخ و هو انما یکون حکما إکراهیا إذا کان کلا الجزئین من موضوعة المرکب إکراهیا و أما إذا کان أحد الجزئین اختیاریا و الآخر إکراهیا فیکون الحکم أیضا حکما غیر اکراهی و حینئذ لا یترتب علیه حکم الإکراه مثلا إذا کان شخص مکرها علی التکلم بکلمة بع و تکلم المکره بکلمة بعت منشأ بها بیع داره مثلا،فإنه لا یتوهم أحد أن هذا الإنشاء غیر مؤثر باعتبار کون بعض أجزاء ما أنشأ به البیع صادرا عن اکراه.و هکذا فی جمیع الموضوعات المرکبة ففی المقام کک فإن الإکراه.بأحد الجزئین لا یجعل الحکم إکراهیا مع کون الجزء الآخر من الموضوع باقیا علی اختیاریته بحیث یکون الحکم غیر الکراهیی به فإذا کان البائع مثلا مکرها علی التفرق و لکن کان مختارا فی الفسخ و عدمه فله أن یفسخ ذلک فلا یکون مجبورا و مکرا علی عدم الفسخ فلا

ص:153

وجه لهذا النقض.

و قد أجاب شیخنا الأستاذ عن حدیث الرفع أولا أن النسیان مرفوع فیه أیضا مع ان القائل باعتبار الاختیار مقابل الإکراه یلتزم بسقوط الخیار مع النسیان و الغفلة فیستکشف من السقوط فی مورد النسیان ان ذات الافتراق بما انه فعل لا بما هو صادر عن اختیار جعل من المسقطات.

و ثانیا أن حدیث الرفع و ان لم یختص بالحکم التکلیفی و لکن لا یمکن التعدی منه الی غیر الحکم التکلیفی الا الی متعلقاته أی یکون المرفوع به وراء الحکم التکلیفی متعلقا التکالیف لا موضوعاته لان مورد بعض المرفوعات منحصر فی متعلق التکلیف کالحسد و الوسوسة و الطیرة فتعمیم الرفع لموضوعات التکالیف کالسفر و الحضر و التفرق مع عدم الجامع بین المتعلق و موضوع التکلیف لا وجه له فیجب أن یراد منه أنه لو شرب المکلف نسیانا أو کرها أو أفطر کک فشربه کالعدم لا انه لو تحقق السفر أو الإقامة أو التفرق عن کره فوجوده کالعدم و لذا لا یلتزم أحد بأنه لو أقام مثلا عن کره یجب علیه القصر.

أما نقضه بالنسیان فهو متین و لکن لا وجه لجوابه الثانی بل لم یلتزم به فی الأصول و انه التزم فبه بعدم الفرق فی شمول حدیث الرفع بین الموضوع و المتعلق لأن المرفوع بحدیث الرفع هو الحکم المتعلق بفعل المکلف و هو قد یکون متعلقا للتکلیف و المراد به ما یکون مطلوبا أو منهیا عنه و قد یکون موضوعا له و یکون الحکم مترتب علیه و المراد به ما کان شرطا للتکلیف لا مطلوبا بنفسه فالأول مثل الشرب الذی هو متعلق النهی فی شرب الخمر و نحو ذلک و الثانی کالتفرق

ص:154

الذی موضوع لسقوط الخیار فإنه علی کل تقدیر یرتفع بحدیث الرفع کما هو واضح و قد عرفت أنه لم یلتزم بذلک فی الأصول.

و الحاصل أن المرفوع انما هو فعل المکلف الذی یقع علیه الإکراه و هذه قضیة حقیقیة فأیما تحققت یتحقق الحکم بمعنی أنه انما وجد الفعل و تعلق به الإکراه یکون هذا الفعل کعدمه بارتفاع الحکم بل لا یمکن الالتزام به أصلا فإن لازم ذلک أن یلتزم بثبوت الکفارة للإفطار فی شهر رمضان إذا کان عن إکراه بأن یقال أن المرفوع انما هو الحریة لان إفطاره کالعدم و أما الکفارات فهی تترتب علیه فان حدیث الرفع لا یجعل الإفطار المتحقق الذی هو موضوع الکفارة کعدم الإفطار مع انه لم یلتزم به و کک لازم الفرق بین المتعلقات و الموضوعات فی مفاد حدیث الرفع أن یلتزم بثبوت الکفارات للمحرمات فی باب الحج التی حکم الشارع بثبوت الکفارات علی ارتکابها عن العمد إذا صدرت عن اکراه و نسیان و غفلة أیضا بأن یقال أنه لو أکره أحد علی الصید فی حال الإحرام أو نسی فاصطاد فتثبت له الکفارة لأن حدیث الرفع لا یرفع موضوع الحکم فالصید الذی موضوع لثبوت الکفارة غیر مرفوع بل المرفوع انما هو الحکم التکلیفی و متعلقاته أی جعل الصید کعدمه بالنسبة إلی الحکم التکلیفی و لم یلتزم المشهور بذلک.

و أما ما ذکره من الاستشهاد علی عدم شمول حدیث الرفع لموضوعات الاحکام بعدم کون الإقامة و السفر عن اکراه کغیر الإقامة و کغیر السفر حیث ان وظیفة المکلف فی الأول هو الإتمام و فی الثانی هو القصر مع أن لازم القول شمول حدیث الرفع لموضوعات الاحکام هو الالتزام بکون الإقامة و السفر هنا کعدمهما.

ص:155

فهو محض اشتباه حیث ان المستفاد من الاخبار أن موضوع القصر و الإتمام انما هو علم المکلف بالإقامة و عدم علمه بذلک لا الإقامة الخارجیة و عدمها و أن العلم هنا تمام الموضوع لا جزئه و لذا لو علم بأنه یقیم فی مکان عشرة أیام فصلی تماما ثم تبین انه لا یبقی إلا أربعة أیام صحت صلوته فلا معنی للنقض بأنه لو کان حدیث الرفع شاملا لموضوعات الاحکام و رافعا لها أیضا للزوم القول بوجوب القصر مع الإکراه علی الإقامة أو السفر و لذلک لا یرتفع النجاسة بالملاقاة عن نسیان أو عن إکراه لأن موضوع الحکم فیها هو الإصابة کما یظهر من الروایات و من هنا ذکرنا فی محله أن شرائط التکالیف قد تکون أمورا غیر اختیاریة کالوقت نعم التقید بها أمر اختیاری أی تحت اختیار المکلف.

و الحاصل أنه لا یمکن التمسک هنا بحدیث الرفع لوجهین:

الأول أن الظاهر من حدیث الرفع هو الإکراه یوجب رفع الحکم الثابت علی ما اکره علیه من موضوع الحکم الذی ترتب علیه الحکم و من متعلقة الذی ترتب تعلق به الحکم و أما ترتب الحکم علی الإکراه بعدم شیء فلا یستفاد من حدیث الرفع و توضیح ذلک انه إذا کان احد مضطرا إلی شیء أو مکرها علیه أو ناسیا فکان الحکم المتعلق به أو المترتب علیه حراما فی الواقع مثلا فان حدیث الرفع یرفع هذا الحکم کما هو الظاهر.

و أما لو کان الشیء متروکا عن اکراه أو نسیان فلا یوجب حدیث الرفع ترتب الحکم علی العمد أی لیس الإکراه علی عدم شیء موردا لحدیث الرفع و موجبا لثبوت الحکم الذی کان ثابتا مع عدم الإکراه مثلا إذا کان أحد یختار صلاة الجماعة لأن یستریح من المشکوک الطارئه

ص:156

علیه أو یستریح من قراءة الفاتحة فإذا أکرهه أحد علی ترک الجماعة فلا یوجب الإکراه ترتب أحکام الجماعة علیه من عدم الاعتناء بشکه لانه حین ما کان یصلی الجماعة لا یعتنی بشکه لحفظ الامام و کک لو کان أحد متجهزا الی الجهاد و متلبسا بلباس الحریر لانه یجوز لبسه فی الحرب و لکن منعه شخص عن ذلک إکراه فإن الإکراه حینئذ لا یجوز لبس الحریر و الحاصل أن دلیل الإکراه یرفع الحکم المترتب علی الموضوع الذی أکره علیه أو المتعلق الذی تعلق به الحکم و لا یکون ناظرا أبدا إلی إثبات الحکم مع الإکراه علی ترک موضوع ترتب علیه الحکم أو متعلق تعلق به الحکم أی لا یکون حدیث الرفع متکفلا لإثبات الحکم الذی ترتب علی الموضوع أو تعلق بالمتعلق حین الإکراه بترک المتعلق و الموضوع.

نعم لو کان حدیث الرفع شاملا للمباحات لکان الإکراه علی البقاء موجبا لرفع جواز الفسخ و لکنه فرض غیر واقع فان حدیث الرفع یرفع الإلزام لا الجواز و علی هذا فلا یمکن الحکم ببقاء الخیار مع الإکراه علی التفرق بدعوی أنه قد اکره علی التفرق فیکون الإکراه موجبا لإثبات حکم عدم التفرق و الاجتماع.

و اما توهم أن حدیث الرفع یرفع لزوم العقد مع الإکراه علی التفرق فهو توهم فاسد فان التفرق لیس موضوعا لوجوب العقد و لزومه و لا أنه مما تعلق به لزوم العقد بل هو غایة للجواز و الخیار الثابت فی المجلس تخصیصا لعموم وجوب الوفاء بالعقد بمقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فمع التفرق ینتهی أمد الجواز.

و بعبارة أخری أن العقد کان لازما من الأول بدلیل وجوب الوفاء

ص:157

بالعقد و قد خرجنا عن ذلک فی زمن خیار المجلس أی بالجواز الثابت فی المجلس و قد کان هذا الجواز مغیا بالافتراق و إذا افترقا حصلت الغایة لا أنه وجب البیع فان وجوب البیع کان من الأول کما لا یخفی فالجواز انما هو ثابت مع انحفاظ أمرین أحدهما عدم الفسخ و الثانی عدم حصول الافتراق فافهم و اغتنم.فلیس اللزوم مترتبا بالافتراق أو متعلقا به لیرتفع مع الإکراه علی التفرق و یبقی الجواز علی حاله.

الثانی أنه علی تقدیر شمول حدیث الرفع لما ذکر و کونه موجبا لإثبات الحکم و لکنه وارد فی مقام الامتنان و من الواضح أنه شموله للمقام علی خلاف الامتنان فإنه یوجب أن ینتزع مال الغیر منه بالفسخ و هو علی خلاف الامتنان.

و الحاصل أنه ذکرت وجوه ستة علی عدم سقوط الخیار بالتفرق عن اکراه مع عدم التمکن من الفسخ و قد عرفت أن شیئا منها لا یرجع الی محصل و قد عرفت أن من جملة ما استدل به علی عدم سقوط الخیار و قد عرفت ما أجاب عنه المصنف و شیخنا الأستاذ و عرفت أیضا أن شیئا من المذکورات لا تصلح للجواب عن ذلک.

و قد عرفت أنا أجبنا عنه بجوابین الأول أن حدیث الرفع لا یثبت الحکم علی نقیض ما اکره علیه الشخص کالأمثلة المتقدمة فلو اکره علی التفرق فلا یوجب حدیث الرفع إثبات الحکم اعنی عدم سقوط الخیار علی عدم التفرق الذی هو نقیض التفرق.

الثانی أن حدیث الرفع انما ورد فی مقام الامتنان و من الواضح أن الحکم بعدم سقوط الخیار لحدیث الرفع علی خلاف الامتنان لانه یوجب انتزاع مال الغیر من ملکه فإنه بعد الحکم بعدم سقوط

ص:158

الخیار فإذا أعمل الشخص خیاره فیکون ذلک سببا لرد ما کان تملک المشتری مال البائع بالبیع و الشراء الی ملک البائع بالفسخ و رد الثمن الی ملک المشتری کک و هو علی خلاف الامتنان.

ثم أجبنا عن أن حدیث الرفع یرفع اللزوم المترتب علی التفرق بأن التفرق غایة لسقوط الخیار و لیس موضوعا للزوم العقد و انما الموضوع له هو العقد و الموجب للزومه هو دلیل الوفاء بالعقد و أما التفرق فلیس سببا للزومه و انما هو غایة جواز الفسخ اعنی الخیار فی المجلس و لکن الظاهر أن هذا الجواب لا یفید بیان ذلک قد تقدم فی جواب شیخنا الأستاذ أن فی الموضوعات المرکبة لا یکون حدیث الرفع رافعا للحکم المترتب علیها إلا بالإکراه علی کلا جزئی الموضوع کما إذا کان التکلم فی حال القیام حراما فإنه إذا أکره أحد علی التکلم فی حال القیام فیرتفع الحکم بالحرمة عند الإکراه بحدیث الرفع و هکذا و اما إذا کان أحد الأجزاء مقدورا و الآخر غیر مقدور فلا موجب لرفع الحکم بحدیث الرفع لعدم کون المترتب علی الموضوع هما یترتب علی موضوع اکراه أو متعلقا بما لمتعلق الإکراهی کما لا یخفی فافهم.

و لذا قلنا فی محله انه لا مانع من کون التکلیف مشروطا بشروط غیر مقدورة إذا کان متعلق التکلیف أو المشروط بهذا الشرط الغیر المقدور أمرا مقدورا و کان ذلک الأمر المقدور مقیدا بهذا الشرط الغیر المقدور بحیث یکون التقید مقدورا أی إتیان العمل مقیدا بهذا الشرط و هذه الکبری و ان کانت مسلمة و لذا عرفت کون التکلیف مشروطا بشرط غیر مقدور و لکنه و لا یصح فی المقام و لیس ما نحن فیه من صغریات هذه الکبری و ذلک من جهة أو أحد جزئی الحکم باللزوم هو العقد

ص:159

و قد تحقق علی الفرض و الجزء الآخر التفرق و هو انما تحقق بالإکراه فلا یکون الموضوع الذی ترتب علیه الحکم اختیاریا فعلیا بل الکراهیا فیرتفع الحکم باللزوم بحدیث الرفع نظیر ما إذا کان موضوع الحرمة التکلم فی حال القیام کما تقدم و قد تحقق القیام باختیاره و بعد تحققه بالاختیار فأکره القائم علی التکلم فإنه ترتفع الحرمة حینئذ و ما ذکرناه من الکبری فمورده قبل تحقق أحد جزئی الموضوع المرکب فإنه ح الإکراه بأحد الاجزاء لا یوجب کون الموضوع إکراهیا لیوجب رفع الحکم بل المکلف بعد علی اختیاره بالنسبة إلی إیجاد الجزء الآخر فلا یکون الموضوع إکراهیا حتی یوجب رفع الحکم کما لا یخفی.

ففی المقام أن موضوع اللزوم هو العقد و التفرق علی الفرض کما عرفت فان دلیل الوفاء بالعقد و ان کان تمام الموضوع للزوم حین تحقق العقد و لکن بعد التخصیص بأدلة الخیار صار مقیدا بالافتراق عن مجلس العقد لان الخاص یوجب تعنون العام به فیکون الموضوع هما معا ای العقد و التفرق و قد تحقق العقد علی الفرض و هو لا ینقلب عما هو علیه فهو أمر لا مناص عنه و مما لا بد منه و لکن التفرق أمر اختیاری فیدور سقوط الخیار و عدمه علی الفسخ و عدمه و علی التفرق و عدمه و لکن إذا أکره أحد المتبایعین أو کلاهما علی التفرق فیکون موضوع اللزوم متحققا فی الخارج بالإکراه فیکون ذلک مشمولا لحدیث الرفع فیرتفع الحکم المترتب علی الموضوع بحدیث الرفع کما لا یخفی فافهم فلا یتوهم أن الجزء الآخر و هو العقد قد تحقق بالاختیار فإنه بعد تحققه لا ینقلب عما هو علیه نعم قبل العقد فموضوع اللزوم هو العقد و التفرق فإذا أکره علی أحدهما أوجد الآخر بالاختیار لا یکون مترتبا

ص:160

علی موضوع اکراهی کما لا یخفی.

و التحقیق فی الجواب أن یقال أن الافعال قد یکون ظاهرا فی الاختیاریة و قد یکون أعم من الاختیاریة و غیرها أما الأول فلا شبهة فی کون الحکم المترتب علیها أو المتعلق بها مرتفعا عند الإکراه و أما الثانی فلا یرتفع بذلک لکونه أعم و بعبارة أخری قد یراد من الفعل هو الفعل النحوی من الماضی و المضارع و الأمر و نحوها فان ذلک إذا نسب الی الفاعل یکون أعم من الاختیاریة و غیرها کقولنا مات زید أو قعد و تفرق و نحو ذلک و قد یکون المراد من الفعل ما یصدر من الفاعل- بالإرادة و الاختیار فهذا ظاهر فی الاختیاریة.

و علیه فان کان الفعل الاختیاری الصادر من المکلّف بالإرادة و الاختیار متعلقا للتکلیف کقوله لا تشرب الخمر أو من موضوعاته کقوله من أفطر فی شهر رمضان فله کذا کفارة فلا شبهة أن الحکم المتعلق به أو المترتب علیه یرتفع عند الإکراه بلا شبهة و أما الفعل الجامع بین الاختیاری و غیره فلا یرتفع عند الإکراه کالتفرق فیما نحن فیه حیث ان قوله(علیه السلام)ما لم یتفرقا فعل أعم من الاختیاری و غیره فیکون مع هذا العموم موضوعا للحکم فلا یکون الحکم المترتب علیه مرفوعا عند الإکراه و علیه فکما یسقط الخیار و بالتفرق بالإرادة و الاختیار فکذلک یسقط الخیار بمطلق التفرق و ان کان بالإکراه و الاضطرار هذا کله فالنقض المذکور أی النقض بالنسیان کانفی فی الجوابیة عن عدم شمول حدیث الرفع لما نحن فیه و الفرق و بین الإکراه و النسیان کما صنعه شیخنا الأستاذ لا یرجع الی محصل لعدم النص فی المقام فافهم.

و الوجه الرابع ما أشار إلیه شیخنا الأنصاری(ره)

أن الظاهر من

ص:161

المطلقات الواردة فی جعل الخیار ما لم یفترقا هو ما کان التفرق عن رضا بالعقد سواء وقع اختیارا أو اضطرارا فإذا کان عن غیر اختیار لا یکشف عن الرضا فلا یوجب سقوط الخیار.

و فیه أولا أنه لا موجب لذلک و لا منشأ لهذا التبادر و بأی وجه نستکشف عن کاشفیة التفرق الذی یوجب سقوط الخیار عن الرضا کما لا یخفی.

و ثانیا أنه یلزم الالتزام بذلک فی صورة النسیان أیضا فإنه لیس التفرق نسیانا أو غفلة کاشفا عن الرضا بالعقد مع ان المشهور التزموا بسقوط الخیار بالتفرق مع النسیان و الغفلة کما لا یخفی فافهم.

الوجه الخامس ما ذکره المصنف أیضا من صحیحة الفضیل

(1)

فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضا منهما دل علی أن الشرط فی السقوط الخیار الافتراق و الرضا منهما و لا ریب أن الرضا المعتبر لیس الا المتصل بالتفرق بحیث یکون التفرق عنه إذا لا یعتبر الرضا فی زمان آخر إجماعا و الحاصل أن النص انما یدل باعتبار التفرق مع الرضا فی سقوط خیار المجلس و من الواضح أنه منتف فی صورة التفرق مع الإکراه فلا یکون الخیار ساقطا مع عدم التمکن من الفسخ.

و فیه أن الروایة و ان کانت صحیحة و لکن لازم من ذکره المصنف ان یکون الحال کک فی صورة النسیان أیضا و لیس کک علی ما ذکره المشهور و أما معنی الروایة و اللّه العالم أن المراد من قوله(علیه السلام)فلا خیار بعد الرضا منهما هو الرضا الجدید بالعقد لیکون الحدیث دالا علی اعتبار کون التفرق کاشفا عن الرضا بالعقد بکون التفرق و عدم الفسخ عن الرضا

ص:162


1- 1) وسائل ج 12 ص 346.

بل المراد من هذا الرضا هو الرضا الاولی المتعلق بالعقد حین البیع غایة الأمر أنا خرجنا من ذلک فی زمن الخیار و مع التفرق یکون الرضا الاولی باقیا علی حاله أیضا لا أن هنا رضا جدیدا متصلا بالتفرق و بعبارة اخری أن المراد من الرضا فی الروایة الرضا الذی ثبت علیه لزوم العقد لا الرضا بالعقد و بعدم الفسخ عند التفرق لکونه هو الذی وقعت المعاملة علیه کما هو المفروض فان البیع لم یقع عن اکراه.

الوجه السادس ما ذکره المصنف أیضا فی ذیل الصحیحة

فکأنه ره طبق الصحیحة علیه و قال أو یقال انّ قوله بعد الرضا إشارة إلی إناطة السقوط بالرضا بالعقد المستکشف عن افتراقهما فیکون الافتراق مسقطا لکونه کاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد و اعراضهما عن الفسخ.

و فیه أیضا انه ظهر جوابه ممّا ذکرناه بدعوی أنه من این علم کون التفرق مسقطا للخیار لکونه کاشفا نوعا عن الرضا بالعقد.

و فیه انه ظهر جوابه ممّا تقدم من أنه علی تقدیر تمامیته یجری فی صورة النسیان أیضا فإنه لیس التفرق هنا کاشفا عن الرضا نوعا مع أن المشهور التزموا بسقوط الخیار عنده کما عرفته.و من هن ظهر انه لا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من أن الفارق بین الإکراه و النسیان هو النص حیث قال ان النص دل علی سقوط الخیار مع الافتراق نسیانا و وجه الاندفاع أنه لم نجد نصا یدل علی ذلک و أما صحیحة الفضیل فهی أجنبیة عن المقام فتحصل ان الخیار یسقط بجمیع أقسام التفرق کما لا یخفی.

قوله مسألة لو أکره أحد علی التفرق و منع عن التخایر و بقی الآخر

فی المجلس

أقول بناء علی أن التفرق یوجب سقوط الخیار مطلقا سواء

ص:163

کان بالإکراه أو بغیره و سواء کان عن التفاوت أو بغیره فلا مجال للبحث علی هذه المسألة فإنه بجمیع اقسامه یوجب سقوط الخیار و أمّا بناء علی أن التفرق الحاصل عن اکراه لا یوجب سقوط الخیار فنقول:قد یکون تفرق کل من المتبایعین عن الاختیار و قد یکون احد هما عن اختیار و الآخر بغیر اختیار و علی الأول فقد یکون کل منهما أیضا متمکنا عن الفسخ أیضا و قد لا یکون کلاهما أو أحدهما کک و علی الثانی فقد یکون أحدهما مکرها علی التفرق و ترک التخایر أیضا و بقاء الآخر فی المجلس مختارا فی المصاحبة أو التخایر و أخری بالعکس بإبقاء أحدهما فی المجلس کرها مع المنع من التخایر و ذهاب الآخر اختیارا فذکر المصنف أن محل الاختیار فی التفرق فهل لا بدّ من کون کل من المتبایعین مختارا فی التفرق بحیث أن الغایة لسقوط الخیار هو التفرق منهما اختیارا أو یکون فی سقوط خیار المجلس کون أحدهما مختارا فی التفرق فقط و ان لم یکن الأخر کک و علی الأول فهل التفرق الموجب لسقوط الخیار بعنوان الاستغراق بمعنی أن تفرق کل منها یوجب سقوط خیار نفسه أو بعنوان المجموع بمعنی أن تفرقهما مجموعا عن اختیار یوجب سقوط خیارهما و علی الثانی فهل یکون مجرد کون أحدهما متفرقا بالاختیار موجبا لسقوط الخیار عن الآخر الذی کان باقیا فی المجلس أو یفصل بین بقاء المختار فی المجلس فالثبوت لهما و بین مفارقته فالسقوط عنهما و قد اختار القول بهذا التفصیل العلامة(ره)فی التحریر اذن فالأقوال فی المسألة أربعة.

و التحقیق أنه لا بدّ من ملاحظة مدرک الحکم باعتبار الاختیار فی

ص:164

التفرق و ترک التخایر فی المسألة السابقة فإن کان مدرکه هو الإجماع فبناء علی حجیته و انجباره بالشهرة الفتوائیة کما فی المتن فلا یشمل المقام فان المتیقن منه ما إذا کان کل من التفرق و ترک التخایر إکراهیا من الطرفین فلا یشمل ما إذا کان أحدهما مختارا فی ذلک فإنّه دلیل لبی فلا بدّ من أخذ المتیقن منه.

و أما إذا کان مدرک اعتبار الاختیار فی التفرق الموجب لسقوط الخیار هو غیر الإجماع فالظاهر أنه لا یسقط الخیار الا بحصول التفرق بالرضا و الاختیار من الطّرفین و انه لا یمکن الاکتفاء بتفرق واحد منهما عن اختیاره مع کون التفرق من الأخری عن غیر اختیاره و الوجه فی ذلک أن التفرق من الأمور الإضافیة و من المقولات النسبیة کعنوان الأبوة و و البنوة و الاخوة و العمومة و السببیة و المسببیة و العلیة و المعلولیة و غیرها من المقولات الإضافیة و من الواضح أن شیئا من المقولات الإضافیة لا توجد فی الخارج و لا تحقق الاّ بالطّرفین فلا یعقل الأبوة بدون الابن و لا البنوة بدون الأب و هکذا سائر المقولات الإضافیة.

و مفهوم التفرق أیضا کک فإنه لا یتحقق الا بالطرفین فإنه عبارة عن انفصال شیء عن شیء و افتراق جسم عن جسم فلا یعقل أن یصدق هذا العنوان علی شیء واحد فقهرا یعتبر افتراقه عن شیء آخر و یلاحظ باعتباره و علیه فلا یسقط الخیار المجلس الذی کان مغیا بالافتراق الاّ بافتراقهما ثم نقول أن هذا المفهوم و ان لم یعتبر فی تحققه الاختیار کما تقدم لا من حیث المادة و لا من حیث الهیئة لصدقه علی الجمادات أیضا فضلا عن اعتبار الاختیار فیه فإنه یصح أن یقال أن الجدار افترق بعضه عن بعض و کک یصح نسبته الی کل جماد و غیره باعتبار انفصال

ص:165

بعض أجزائه عن بعض فإنه بمعنی الانفصال فکما لا یعتبر فیه ذلک فلا یعتبر فی الافتراق أیضا ذلک.

و لکن مع لحاظ تلک الدالة علی اعتبار الاختیار فی التفرق فیکون التفرق الحاصل من الإکراه و بعدم الرضا من أحدهما کعدم التفرق فلا یکون موجبا لسقوط الخیار فتکون النتیجة هو سقوط الخیار بمجموع التفرق منهما باختیار کلیهما مع عدم المنع من التخایر.

أما إذا کان دلیل اعتبار الاختیار هو تبادر اختیاریة التفرق بدعوی أن المتبادر من الفعل المسند الی الفاعل المختار هو اختیاریته فلان ما یکون صادرا عن غیر اختیار لا یکون تفرقا أصلا کما هو المفروض و علیه فلا یکون خروج أحدهما و لو باختیاره عن المجلس تفرّقا.

و أما إذا کان دلیل اعتبار الاختیار هو صحیحة الفضیل من کون التفرق الحاصل برضاهما موجبا لسقوط الخیار فلانه مع کون أحدهما مکرها علی التفرق لا یکون التفرق منهما کاشفا عن رضاهما فلا یکون موجبا لسقوط الخیار و من هنا ظهر أنه بناء علی کون التفرق کاشفا عن الرضا النوعی کما ذکره المصنف فی ذیل الصحیحة فلا یکون التفرق الحاصل باختیار من أحدهما دون الآخر موجبا لسقوط الخیار لعدم کشفه عن الرضا نوعا.

و أما لو کان دلیل اعتبار الاختیار فی التفرق هو حدیث الرفع کما هو العمدة فلان التفرق الحاصل بالإکراه من أحدهما کعدم التفرق و حینئذ فیکون ما یتحرک و یخرج باختیاره فی حکم العدم بحدیث الرفع فقد عرفت أن التفرق من المقولات الإضافیة فلا یتحقق من شخص واحد أو فی شیء واحد بل لا بدّ و أن یتحقق بین شیئین فحیث کان

ص:166

تفرق المکره فی حکم العدم بحدیث الرفع فلا یصدق عنوان التفرق علی خروج الأخر أیضا و ان کان خروجه بالاختیار کما هو واضح.

و بالجملة فلا نعرف وجها صحیحا بناء علی اعتبار الاختیار فی التفرق المسقط للخیار لسقوط الخیار إذا کان أحدهما مختارا فی التفرق و الآخر مکرها فی ذلک.

و لکن هنا شیء و هو أنه ورد فی الصحیحة علی ما تقدم أنه قال (علیه السلام)فلمّا استوجبت البیع قمت فمشیت خطأ لیجب البیع فان الظاهر منه أنّ التفرق من طرف واحد یوجب سقوط الخیار و وجوب البیع فإنه (علیه السلام)لم یتعرض بکون تفرقه کان مع التفاوت الآخر و اختیاره فیکون إطلاق کلامه شاملا لکون الطرف الآخر مکرها فی البقاء أو غافلا عن تفرقه(علیه السلام)فیکون دالا علی کفایة التفرق من طرف واحد عن رضا و اختیار و لکن ذلک لا یزید عن حکایة فعل المعصوم(علیه السلام)فلا إطلاق فیه فلعله مشی مع التفات الآخر و عدم متابعة الآخر مع التفاته و اختیاره فلا یکون دلیلا لکفایة التفرق الاختیاری من طرف واحد مع کون الطرف الآخر مکرها فی ذلک.

قوله مسألة لو زال الإکراه فالمحکی عن الشیخ و جماعة امتداد

الخیار بامتداد مجلس

أقول:إذا ارتفع الإکراه بعد التفرق عن کره فهل یکون خیاره فوریّا کما زعمه بعض أو یکون ممتدّا الی أن یطرئه المزیل الآخر غیر التفرق لحصول التفرق أو المناط فی التفرق هو التفرق بعد زوال الإکراه عن الهیئة التی کان المتعاملان علیها فکأنهما بعد مجتمعان فی مجلس العقد.

أما الوجه الأخیر فذکر المصنف أن الهیئة الاجتماعیة الحاصلة

ص:167

حین العقد قد ارتفعت حسّا غایة الأمر عدم ارتفاع حکمها و هو الخیار بسبب الإکراه و لم یجعل مجلس زوال الإکراه بمنزلة مجلس زوال العقد و الحاصل أن الباقی بحکم الشرع هو الخیار لا مجلس العقد فالنص ساکت عن غایة هذا الخیار فلا بدّ اما من القول بالفور کما عن التذکرة و لعله لان المقدار الثابت یقینا لاستدراک حق المتبایعین و اما من القول بالتراخی الی ان یحصل المسقطات لاستصحاب الخیار و الوجهان جاریان فی کل خیار لم یظهر حاله من الأدلة.

و بالجملة فالقول بامتداد الخیار بامتداد مجلس الزوال لا وجه له لعدم کونه خارجا عن ظهور الأدلة فیدور الأمر بین القول بفوریة الخیار و بین القول باستمراره ما لم یطرئه مزیل غیر التفرق لان المورد من موارد دوران الأمر بین التمسّک بالعام و هو هنا ما دلّ علی اللزوم و بین استصحاب حکم المخصص لانه لم یدل دلیل علی ثبوته بالخصوص بعد زوال الإکراه.

أقول قد تعرض المصنف فیما یأتی لحکم الخیار فیما لم یدل علیه دلیل بالخصوص و دار الأمر فیه بین التمسّک بالعام فیکون الخیار فوریّا و بین استصحاب حکم المخصص و یکون الخیار مستمرا و تعرّضه فی خیار الغبن.

و لکن المورد لیس من هذا القبیل و الوجه فیه هو أن التفرق قد حصل بین المتبایعین و لو کان بالإکراه و بعدم الرضا و لا ینقلب الشیء عمّا هو علیه فان التفرّق هو افتراق جسم عن جسم و انفصال کل منهما عن الآخر فهو حاصل لا محالة بل قد عرفت فیما سبق أنه لا یعتبر الاختیار لا فی مادة التفرق و لا فی هیئة الا أنه مع ذلک فهذا التفرق کعدمه

ص:168

من حیث عدم ترتب الأثر علیه فی نظر الشارع و ذلک لانه قد دلّت الأدلة السّابقة علی عدم کون التفرق بنفسه غایة لسقوط الخیار بل هو مع القید الآخر الوجودی کما هو مقتضی بعض الوجوه السابقة و العدمی کما هو مقتضی بعض الوجوه الآخر فإنه علی تقدیر انصراف الفعل الی الفعل الصادر عن الفاعل المختار کما هو مقتضی بعض الوجوه السابقة أو علی فرض اعتبار الرضا فی التفرق لصحیحة فضیل أو لکشف التفرق عن الرضا نوعا فیکون التفرق المقید بالرضا موجبا لسقوط الخیار فحیث کان التفرق عن کره عادما للرضا و حاصلا بدونه فیکون لغوا و لا یترتب علیه تمر أصلا فیکون أدلة الخیار محکمة لعدم حصول الغایة و بعد ذلک لا تحصل تلک الغایة أیضا فإن التفرق قد حصل بالإکراه قطعا و قد عرفت أن الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه و بعده لا یعقل حصول التفرق عن الرضا فإنه ذکر المصنف أن المراد من الرضا هو الرضا المقارن بالتفرق و بعد حصول التفرق بلا رضا کیف یمکن حصول التفرق ثانیا مع الرضا کما لا یخفی.

و علی تقدیر أن یکون دلیل عدم تأثیر التفرق عن اکراه و ثبوت الخیار معه هو دلیل رفع الإکراه فتکون الغایة لارتفاع الخیار هو التفرق عن غیر کره فیکون القید عدمیّا فلا یرتفع الخیار بالتفرق الخالی عن عدم الإکراه فبعده لا یمکن حصول التفرق عن غیر کره لحصول التفرق مستقلا فلا ینقلب الشیء عما هو علیه و علی هذا فیکون الخیار باقیا و ممتدا ما لم یطرئه المسقط الآخر بمقتض أدلة الخیار لکونها مغیاة بغایة اما الوجودی أو العدمی فإذا حصل التفرق بغیر تلک الغایة فیکون الخیار باقیا علی حاله الی الأبد فلا یمکن أن یکون التفرق بعد

ص:169

ذلک مسقطا له و اعتبار التفرق عن مجلس زوال الإکراه کما توهّمه بعضهم خارج عن مفاد أدلة الخیار کما ذکره المصنف فان الاعتبار فی تلک الأدلة علی التفرق عن مجلس العقد عن کل مجلس و علی کل حاله فالحق أنه بناء علی اعتبار الاختیار فی التفرق فالخیار باق مع التفرق الإکراهی حتی بعد ارتفاع الإکراه الی أن یطرئه المسقط الآخر غیر التفرق کما لا یخفی فافهم.

و الحاصل أنه إذا قلنا بعدم سقوط الخیار بالتفرق الإکراهی فإذا زال الإکراه فهل الخیار فوری أو مستمر کما هو مورد النزاع فی کل مورد ثبت الخیار بغیر دلیل اجتهادی من الامارات فإنه یدور الأمر بین التمسک بعموم أدلة اللزوم فیکون الخیار فوریا و بین التمسّک باستصحاب حکم المخصّص فیکون الخیار مستمرا ذکر المصنف(ره)أنّه ذکر بعضهم أنّ المناط علی التفرق بعد زوال الإکراه فالمناط هو مجلس زوال الإکراه و ذکر أنه لا وجه لذلک لانه لیس لنا ما یدل علی جعل مجلس زوال الإکراه مجلس العقد بحیث یکون التفرق عن ذلک المجلس مسقطا للخیار و انّما الأدلة دلّت علی أن الخیار باق و لم یرتفع بالتفرق و أما التفرق فهو حسی لا شک فیه و أدلة الخیار ساکت عن غایة هذا الخیار أی الأدلة الدالة علی ثبوت الخیار مع التفرق عن إکراه ساکتة عن بیان أمد الخیار بل هی ناظرة إلی أصل ثبوت الخیار و عدم سقوطه بالإکراه کما لا یخفی و أما بیان الأمد فخارج عنها فافهم فیکون هذا الخیار من مصادیق ما سیأتی فی خیار الغبن من ثبوته بغیر نص فیدور الأمر فیه بین القول بفوریة الخیار و بین استصحاب حکم المخصّص و القول بثبوته مستمرا.

ص:170

أقول:أما ما افاده من عدم دلالة الدلیل علی جعل التفرّق کعدم التفرّق فهو متین جدا فان التفرّق حاصل تکوینا فلا یمکن أن بعد ذلک غایة للخیار فإن الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه و الحاصل أنه لا یمکن القول بأن المناط هو التفرّق عن مجلس زوال الإکراه فی سقوط خیار المجلس فإنه کما ذکر المصنف لم یدل دلیل علی تنزیل مجلس الزوال منزلة مجلس العقد و لا علی بقاء التفرّق و أن الحاصل منه کعدم بحیث یلاحظ ذلک جدیدا بعد زوال الإکراه فإنه کما عرفت قد حصل التفرق حسا فلا یمکن أن یکون ذلک غایة للخیار بعد و لکن ما ذکره من جعل الأمر دائرا مدار فوریة الخیار للتمسک بعموم أدلة اللزوم فإنه یقتصر فیما لم یدل دلیل خاص علی ثبوت الخیار علی المتیقّن و هو الفور و اما من الرجوع الی استصحاب حکم المخصّص و الحکم بثبوت الخیار علی الدوام و وجه الضعف هو أنا نحکم بثبوت الخیار هنا تمسّکا بعموم أدلة الخیار و لا یسقط ذلک الا بمسقط آخر غیر التفرق فان التفرّق الحاصل بالإکراه لا یکون غایة لسقوطه فإنه لم یکن بما هو تفرّق غایة لسقوط الخیار بل الغایة انما هو التفرق المقید بعدم الکره بناء علی أن دلیل الدال علی اعتبار الاختیار هو دلیل رفع الإکراه و المقید بقید وجودی و هو الرضا بناء علی أن دلیل اعتبار الإکراه هو صحیحة الفضیل أو انصراف الفعل الی الفعل الصادر من الفاعل المختار فالحاصل علی کل تقدیر هو التفرق و هو بنفسه لیس غایة و ما هو غایة أعنی التفرّق المقید فلم تحصیل فیکون المورد مشمولا لأدلة الخیار فتکون أدلة الخیار دالا علی ثبوته من غیر أن یکون مغیا بغایة إذا الغایة کما عرفت هو التفرّق المقید بأحد القیدین المذکورین و من الواضح أنه حصل بغیر ذلک

ص:171

القید فلا یمکن أن یحصل بعد ذلک فتکون دالة علی بقاء الخیار إلی الأبد ما لم یطرء علیه مسقط آخر غیر التفرّق.

و علی الجملة فالخیار ثابت هنا بإطلاق أدلة الخیار فلا یقاس ذلک بما یأتی فی خیار الغبن من أنه مع عدم ثبوت الخیار بالنص مع ثبوته قطعا فلا بدّ اما من القول بالفوریة تمسکا بعموم أدلة اللزوم أو القول باستصحاب حکم المخصص تمسّکا بالاستصحاب.

قوله و من مسقطات هذا الخیار التصرّف أقول لم یرد فی نصّ و لا فی روایة ان التصرف یوجب سقوط خیار المجلس أو خیار الشرط الا أن یدعی بقیام الإجماع علیه و هو کما تری نعم ذلک فی خیار الحیوان و قد تمسّک المصنف و جعل التصرف مسقطا للخیار و التعلیل المذکور فی بعض أدلة خیار الحیوان حیث قال فإن أحدث المشتری فیما اشتری حدثا قبل ثلثة أیام فذلک رضا منه فلا شرط فإن المنفی یشمل شرط المجلس و الحیوان ثم عقب قوله هذا بالتأمل و هو فی محله بیان ذلک أنه لا یمکن التعدّی عن مورد الروایة و هو خیار الحیوان الی غیره فان سقوط الخیار فیه انما هو بالتعبد و التعلیل وارد فی مورد التعبد فلا یمکن تسریته الی غیره لأنه لا شبهة أن التصرف مسقط لخیار الحیوان سواء کان مقارنا بالرضا أم لا حتی لو صدر مع الغفلة عن حکمه فیکون أیضا مسقطا کما إذا اشتری الجاریة فقبلها بتخیل انها مملوکة له مع عدم کونه راضیا بالبیع أی رضاء جدیدا غیر الرضا بأصل العقد بل یرید التروی و مع ذلک لیکون مسقطا کما فی روایة أخری أریت ان لا مس أو قبل فذلک رضی فیه بالبیع و علی هذا فکیف یمکن التعدی الی غیر مورده مع ما نری بالعیان و نشاهد-

ص:172

بالوجدان أن التصرف لا یکشف عن الرضا بالبیع.

نعم لا نضائق باستفادة الکبری الکلیة من هذه الروایة و هی أنه یسقط الخیار بإسقاط ذی الخیار لکونه راضیا بالبیع کما أشرنا الی ذلک فی التکلم علی أن إسقاط الخیار یوجب سقوطه أم لا.

و أما الزائد عن ذلک فلا اذن فالحق أن تصرف المتبایعین أحدهما أو کلاهما فیما انتقل إلیهما لا یوجب سقوط الخیار کما لا یخفی الاّ أن یدعی فی المقام إجماع علی مسقطیة التصرّف فهو کما تری.

(فی خیار الحیوان) قوله

الثانی خیار الحیوان،

اشارة

أقول:لا خلاف بین الفرقین فی ثبوته فی الجملة فی بیع الحیوان و انما الکلام فی خصوصیّة ذلک

و یقع
اشارة

الکلام فی ذلک فی جهات عدیدة.

الاولی أن المراد بالحیوان هل هو مطلق الحیوان أو ما لم یقصد

منه الا لحمه

فظاهر النص و الفتوی هو العموم فیشمل کل حیوان حتی الزنبور و الجراد و السمک و نحوها.

و لکن ذکر المصنف أنه لا یبعد اختصاصه بما کان المقصود منه حیاته فی الجملة فبمثل السمک المخرج من الماء و الجراد المحرز فی الإناء خارج عن مورد هذا الأدلة لأنها لاتباع من حیث انها حیوان بل من حیث انه لحم ثم أشکل علی نفسه بالصید المشرف علی الموت بإصابة السهم أو بجرح الکلب.

و ان کان مراده من ذلک الکلام أن ما یقصد لحمه بشخصه فلا خیار فیه فلا بدّ و أن یلتزم بما لم یلتزم به أحد بأن یقول بسقوط الخیار

ص:173

فیما کان الشراء للحمه أو لأجل الهدی و نحوه ثم بدئ فلم یذبح فإنه لم یقل أحد و لم یتوهم متفقة بسقوط الخیار هنا و ان کان غرضه أن ما کان بنوعه مقصودا منه اللحم فلا خیار فیه.

و فیه أولا أنه من این استفید هذا الحکم مع کون الأدلة مطلقا و ثانیا أنه أمر لا ینضبط إذ یمکن أن یکون غرضه المشتری فیما کان الغرض النوعی منه اللحم أن یکون هو الإبقاء کالسمک مثلا نعم فی مثل الجراد لا یکون غرض للإبقاء و ثالثا قد لا یمکن ان یکون الغرض فی بعض الحیوانات الحیاة من النوع الذی قصد منه الحیاة کما إذا أصابه جرح من السهم أو من الکلب کالغزال مثلا بحیث لا یعیش مع أن الغرض تعلق بحیاته و بالجملة أن هذا الحکم لا یمکن تصدیقه نعم قد یتعلق الغرض بکون المراد من الحیوان هو اللحم فقط حتی لو ذبحه البائع ثم أعطاه لا یضمن بشیء أصلا و قد ذکرناه فی البحث عن بیع هیاکل العبادة المتبدعة أنه قد یکون الغرض الأصیل من المبیع هو المادة فقط کبیع الصلیب للحطب و علیه فلا تلاحظ الهیئة أصلا و لو کان فیها عیب و کک فی المقام فإذا کان المقصود بالذات هو اللحم فلا یلاحظ الهیئة أصلا.

ثم انه فیما ثبت الخیار فظاهر الإطلاقات أن الخیار یمتد الی ثلثة أیام فلا یکون فوریا.

ثم ذکر المصنف أنه هل یختص هذا الخیار بالمبیع الشخصی أو

یعم الکلی أیضا

ثم قرب اختصاصه بالشخصی و لکن لا ندری من این جاء هذا الاحتمال و دعوی أن الحکمة من جعل الخیار و هو التروی مختصة بالمبیع الشخصی لعدم جریانه فی الکلی مجازفة لعدم لزوم الاطراد

ص:174

فی الحکمة أو لا و لأن المراد من التروی فی أصل البیع لا فی المبیع و هو جار فیما إذا کان المبیع کلیا و هذا ثانیا فلا مجال لهذا الاحتمال أصلا قوله ثم أنه هل یختص هذا الخیار بالمبیع کما هو المنساق فی النظر من الإطلاقات مع الاستدلال به فی بعض معاقد الإجماع أقول قد یکون الکلی فی المعین و قد یکون فی الذمة و علی الثانی قد یکون حالا و قد یکون مؤجلا کالسلم و قد تقدم أقسامه فی بیع صاع من صبرة أما الأول فلا شبهة فی ثبوت خیار الحیوان فیه و الشیخ أیضا لم یستشکل فیه بل کلامه ناظر الی القسمین الأخیرین فإن القسم الأول نظیر البیع الشخصی کما إذا کان عنده حیوانان متماثلان فیبیع أحدهما أو انسانان متماثلان فیبیع أحدهما فإنه یکون الخیار ح ثابتا للمشتری أوله و للبائع معا.

و أما القسم الثالث من الکلی فذکر شیخنا الأستاذ أنه یختص بالبیع الشخصی بدعوی أن المشتری لا یملک مطالبة الکلی فی باب السلم قبل موسم قبضه فلا یمکن جعل مبدء الخیار قبل حلول الأجل و أما بعد القبض فلا دلیل علی أن مبدء الثلاثة من حین القبض فهذا القسم لو لم یمکن الالتزام بثبوت الخیار فیه لا یمکن الالتزام بثبوته فی الکلی الحالی لعدم الفرق بینهما.

ثم ذکروا أن أدلة الخیار منصرفة عن بیع الکلی و أن حکمة ثبوته هی النظرة و التروی فی مدة ثلثة أیام حتی یبین أن الحیوان الذی اشتراه هل فیه نقص أم لا و أنه صلاح له أم لا و من الواضح أن هذه الحکمة غیر جاریة فی الکلی فی الذمة إذ لم یسلم المبیع فیه بعد حتی یتروی المشتری فیه و یری أنه صلاح له أولا.

ص:175

أقول:الظاهر ثبوت الخیار فی بیع الحیوان فی البیع الشخصی و الکلی أیضا بأقسامها الثلثة أما ما ذکروه من الانصراف فلا وجه له بوجه بعد ما کانت الأدلة مطلقة و لا نعرف منشأ للانصراف خصوصا بعد ملاحظة أن خیار الحیوان قد ذکر فی بعض الأحادیث مع خیار المجلس و من الواضح أنه لو یستشکل أحد فی ثبوت خیار المجلس فی البیع الکلی و لیس بینهما فرق و لا فی أحدهما خصوصیته الا أن أمد خیار الحیوان الی ثلثة أیام و أمد خیار المجلس الی حین الافتراق فلا وجه لتخصیص خیار الحیوان بخصوصیته دون خیار المجلس.

و أما ما ذکروه من أن حکمة خیار الحیوان هو التروی و ملاحظة ان الحیوان صلاح للمشتری أم لا و فیه أولا أن الحکمة غیر ساریة الی جمیع الافراد بل قد توجد فی بعض الافراد و قد لا توجد کما هو شأن الحکمة فی کل مورد.

و ثانیا أن ثبوت خیار الحیوان و ان کان هو التروی الا أنه لا بدّ من التروی فی البیع و ملاحظة أنه صلاح للمشتری أو لا دون التروی فی المبیع و من الواضح أنه بناء علی هذا فللمشتری أن یتروی فی البیع لکی یری أنه صلاح له أم لا و أما ما ذکره شیخنا الأستاذ فیرد علیه أن بیع السلم لیس ببیع قبل القبض بل هو قبله نظیر الإیجاب الخالی عن القبول فکما أن الإیجاب الخالی عن القبول لیس ببیع فکک بیع السلم فإنه قبل القبض لیس ببیع و انّما یتم و یکون بیعا بعد القبض کما أن الإیجاب یکون بیعا مع القبول و علیه فلا بأس من القول بثبوت الخیار فی بیع السلم و یکون مبدئه حین تحقق القبض کما لا یخفی فیکون مشمولا لأدلّة خیار الحیوان و علی الجملة لا نری مانعا عن شمول أدلّة

ص:176

خیار الحیوان لکل بیع حیوان سواء کان البیع شخصیّا أم کلیّا و سواء کان الکلی فی المعین أم فی الذمة مؤجلا أم حالا فدعوی انصرافها عن القسمین الأخیرین من الکلی دعوی جزافیة کما لا یخفی.

قوله المشهور اختصاص هذا الخیار بالمشتری

أقول فی المسألة ثلثة أقوال الأول اختصاص الخیار بالمشتری و هو المشهور بین الأصحاب حدیثا و قدیما الثانی ثبوته للبائع و المشتری معا و هو المنسوب الی السیّد المرتضی و هو أول من ذهب الی هذا القول و لعل مراده فیما کان المبیع حیوانا دون ما کان الثمن حیوان.

الثالث ثبوته لصاحب الحیوان سواء کان هو البائع أم المشتری و أما مدارک الأقوال فمدرک القول الأول هو جملة من الروایات (1)الدالة علی اختصاص خیار الحیوان بالمشتری و فی بعضها تصریح بذلک و فی بعضها نظرة ثلثة أیام أی مهلة ثلثة أیام و لا شبهة أن جملة منها صحیحة و بعضها موثقة.

و مدرک القول الثانی صحیحة (2)محمّد بن مسلم المتبایعان بالخیار ثلثة أیام فی الحیوان و فیما سوی ذلک من بیع حتی یفترقا:

فإنها قریب من الصراحة فی کون الخیار ثابتا لکل من البائع و المشتری.

و مدرک القول الثالث صحیحة محمد بن مسلم أیضا المتبایعان بالخیار ما لم یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار ثلثة أیام و فی بعضها قیّد صاحب الحیوان بالمشتری کما فی موثقة بن فضّال (3).

ص:177


1- 1) وسائل ج 12 ص 350 باب 4 حد 1 و حد 9 من باب 3 و 5.
2- 2) وسائل ج 12 باب 3 و 34 حد 3.
3- 3) وسائل ج 12 ص 349 حد 2.

أما الطائفة الاولی من الروایات فلا شبهة فی دلالتها علی اختصاص الحکم بالمشتری بل قد عرفت أن بعضها صریح فی ذلک فتدل بمفهومها علی نفی الخیار عن غیر المشتری لا من جهة القول بمفهوم الوصف بل هی مسوقة لبیان التحدید و أن خیار الحیوان لا یثبت فی غیر المشتری و هذا هو صریح الأسئلة فی بعضها و صریح الجواب فی بعضها الآخر و أصرح من الکل روایة (1)قرب الاسناد حیث فصل فیها ثبوت الخیار للمشتری أو البائع أو لهما و هذا واضح.

و نظیر ذلک التحدید ما ورد فی بعض روایات عدم تنجس الماء الکر حیث سئل(علیه السلام)أی مقدار لا ینجس و لا ینفعل من الماء قال(علیه السلام)کر من الماء فان الجواب حیث کان فی مقام التحدید فیدل علی المفهوم و کذلک ما ورد فی قصر الصلاة حیث سئل فی کم یقصر المسافر قال فی أربعة فراسخ ذهابا و إیابا أو ثمانیة فراسخ ذهابا علی ما هو مضمون الروایة.

و علی هذا فتقع المعارضة بین هذه الطائفة و صحیحة محمد بن مسلم و علیه فان کان مجرد تعدد الروایة موجبا للترجیح فنأخذ الروایات الدالة علی اختصاص الخیار بالمشتری و لکن قد ذکرنا فی مبحث التعادل و الترجیح أن الشهرة علی تقدیر کونها مرجّحة لیس معناها أن یکون احد المتعارضین أکثر من حیث العدد من الأخر بل کون الروایة ظاهرا فی نفسها لکونها منقولة فی الأصول و لم یکن نادرا و لذا جعلها فی الروایة من الأمر البین رشده و من الواضح أن کل من الطائفة الدالة علی

ص:178


1- 1) وسائل ج 12 ص 350 حد 9.

اختصاص الخیار بالمشتری و صحیحة محمد بن مسلم من الأمور البینة رشدها کما لا یخفی.

و علیه فلا بدّ من أخذ مرجح آخر و من الواضح أن ما دل علی اختصاص الخیار بالمشتری موافق لعموم الکتاب و السنة دون الصحیحة فإن العمومات کقوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ - وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و قوله(صلی الله علیه و آله)المؤمنون عند شروطهم و قوله(علیه السلام)البیّعان بالخیار ما لم یفترقا فإذا افترقا وجب البیع و غیر ذلک من العمومات الدالة علی اللزوم فلو لا المعارضة بین الروایات لأخذنا بصحیحة محمد بن مسلم و نخصص بها العمومات و لقلنا بعدم لزوم البیع و بالنسبة إلی المتبایعین فی بیع الحیوان لثبوت الخیار للمتبایعین کما أنها خصصت بثبوت خیار المجلس لهما کما لا یخفی.

و لکن لأجل المعارضة لا یمکن الأخذ بها فلا بدّ من الأخذ بما هو موافق للکتاب کما لا یخفی و اذن فلا بدّ من رفع الید عن صحیحة محمد بن مسلم مع جلالته و عظمته لقانون المعارضة و یؤید ذلک اعتضاد ما دل علی اختصاص الحکم بالمشتری بالشهرة بل قیل ان روایة محمّد بن مسلم قد اعرض عنها الأصحاب و لم یعمل بها إلا السید المرتضی.

و قد یقال بتأویل روایة محمد بن مسلم بأن المراد منها هو ثبوت الخیار للمشتری و حیث أن البائع طرف له و یقع الخیار بینهما و لذا قیل المتبایعان بالخیار.

و لکنه تأویل بارد و علی خلاف الظاهر بل خلاف الصراحة منها فلا یمکن حمل الصحیحة علیه فإنه حمل بلا وجه.

و قد یقال بأن المراد من الصحیحة هو صورة کون العوضین حیوانا

ص:179

بأن یکون کل من الثمن و المثمن حیوانا فإنه حینئذ یکون کل منهما ذی خیار.

و لکن یرد علیه أولا أنه خلاف ظاهرها بل خلاف صراحتها.

و ثانیا إن حملنا الصحیحة علی هذا الاحتمال لزم أن یهمل الامام(علیه السلام)حکم ما هو الغالب فإن الصحیحة علی هذا یتعرض حکم بیع غیر الحیوان بقوله و فی غیر الحیوان حتی یفترقا و أیضا تعرض حکم البیع الذی اشتمل علی کون کل من العوض و المعوض حیوانا و لکن أهمل ما هو الغالب اعنی ما یکون المبیع حیوان فهو بعید غایته و قد یتوهّم أن التعلیل فی بعض الروایات من الطائفة الأولی یدل علی اختصاص الحکم بالمشتری فیما کان المبیع حیوانا لان قوله (علیه السلام)نظرة ثلثة أیام هو منطبق علی المشتری فله أن ینظر ثلثة أیام و فیه أن النظرة بمعنی المهلة فلیس هنا تعلیل أصلا فهو اشتباه محض و أما الطائفة الثالثة الدالة علی أن صاحب الحیوان بالخیار سواء کان هو البائع أو المشتری فقد یقال باختصاص هذه الطائفة بالمشتری بدعوی أنه ذکر فی بعضها صاحب الحیوان المشتری بالخیار فیکون مطلق مقیدا بذلک و فیه أنه لا معنی لحمل المطلق علی المقید فی الأحکام الانحلالیة الغیر المتنافیة فلا تنافی بین کون الخیار لمطلق صاحب الحیوان و بین کونه للمشتری أیضا.

و علیه فیدور الأمر بین رفع الید عن إطلاق هذه الطائفة من الروایات و حملها علی صاحب الحیوان المشتری اعنی من انتقل الیه المبیع و بین رفع ید عن ظهور الطائفة الاولی من الروایة فی التقیید و اختصاص الحکم بالمشتری و نفیه عن البائع بل یحمل علی الفرد

ص:180

الغالب لأن الأغلب أن الحیوان یکون مبیعا فی بیع الحیوان فحیث أن الطائفة الأولی ظهورها فی التقیید أقوی من ظهور الطائفة الثالثة فی الإطلاق فترفع الید عن ظهور الطائفة الثالثة و مع الإغماض عن ذلک فإنه لا بد من رفع الید عن الطائفة الثالثة و العمل بالطائفة الأولی لأن الطائفة الأولی موافقة للکتاب و السنة بخلاف الطائفة الثالثة فإنه قد ثبت بالعمومات من السنة و الکتاب لزوم و العقد و القدر المتیقن من رفع الید عن هذا اللزوم هو ثبوت الخیار للمشتری و أما ما دل علی ثبوته للبائع فمع قطع النظر عن ابتلائه بالمعارضة کان مخصصا للعمومات و حیث ابتلیت بالمعارضة فإنه لا بدّ من رفع الید عن ذلک لکونها مخالفة للعمومات الکتاب و السنة.

قوله:مسألة لا فرق بین الأمة و غیرها فی مدة الخیار

أقول:قد ذکر فی الغنیة أن مدة خیار الأمة مدة استبرائها و حکم غیر واحد من القدماء بضمان البائع لها مدة الاستبراء و توهم بعضهم ملازمة ذلک مع ثبوت الخیار للمشتری و لکن لا نعرف وجها صحیحا لکلا الحکمین أی الحکم بثبوت الخیار مدة الاستبراء و الحکم بضمان البائع أما الأوّل فلانه لا ملازمة بین القول بثبوت الخیار للمشتری و بین کون ضمان الأمة علی البائع فی مدة الاستبراء إذا لم تثبت الملازمة بین ضمان شخص و بین ثبوت الخیار لطرفه بل الملازمة بالعکس فإنه ثبت أن من له الخیار ضمان ماله علی من لا خیار له و أما فی کل مورد ثبت الضمان نحکم بثبوت الخیار لطرفه فهو بلا وجه أصلا فإن کثیرا ما یثبت الضمان و لا یکون خیار لطرفه کما إذا کان المنشأ للتلف شیئا آخر.و علی الجملة فلا یمکن کشف الخیار للمشتری من ثبوت الضمان علی البائع.

ص:181

و أما الحکم بثبوت ضمان الأمة فی مدة الاستبراء علی البائع فأیضا لا دلیل علیه فإنه لم یثبت لنا ضمان البائع علی الأمة فی مدة الاستبراء و کیف کان فالحکم فی الأمة هو الحکم فی بقیة الحیوانات من غیر فرق بینهما فأدلة خیار الحیوان محمة فی جمیعها.

قوله:مسألة مبدء هذا الخیار من حین العقد
اشارة

أقول:الظاهر من الروایات الدالة علی ثبوت خیار الحیوان ظاهرة فی أن ثبوت خیار الحیوان کثبوت خیار المجلس فان قوله(علیه السلام)الشرط فی الحیوان ثلثة أیام و فی غیره حتی یتفرقا أن خیار الحیوان انّما یثبت من حین خیار المجلس و ان خیار المجلس انما یثبت من حین العقد کما هو واضح.

و علیه فلو انقض ثلثة أیام انقض به خیار الحیوان سواء حصل التفرق أم لا.

و لکن قد استدل علی أن مبدئه بعد حصول التفرق بوجوه:
الأول الأصل العملی

بأن یقال ان الأصل بقاء الخیار الی ثلثة أیام مثلا إذا فرضنا أنه حصل التفرق بعد مضی ساعة من حین العقد و مضی ثلثة أیام من حین التفرق و ثلثة أیام و ساعة من حین العقد فنشک ح فی أنه هل الخیار ثابت فی هذه الساعة الأخیرة أم لا فنستصحب بقائه.

و بتقریب آخر فنشک فی ثبوت خیار الحیوان من حین العقد و عدم ثبوته فالأصل عدم ثبوته من حین العقد الی زمان التفرق.

و کلا الأصلین لا وجه له اما الأول فیرد علیه أولا أن الاستصحاب لا یجری فی الأحکام الکلیة کما حققناه فی محله.و ثانیا ان هذا المورد من قبیل الشک فی المقتضی بمعنی أنا نشک فی ثبوت الحکم فی عمود الزمان من جهة حصول الغایة و امتداد المقتضی و عدمهما و قد ذهب

ص:182

المصنف الی جریانه فی ذلک و منع شیخنا الأستاذ عنه و خص جریان الاستصحاب بموارد الشک فی الرافع مثلا إذا شککنا فی تحقق الطلاق و عدمه فی العقد الدائم فنجری الاستصحاب و نقول:ان الأصل عدم تحقق الطلاق و بقاء الزوجیة کما کانت و أما إذا شککنا فی ارتفاع العقد المنقطع فلا یمکن اجراء الاستصحاب فیه بل نشک فی أن المقتضی موجود أم لا فنشک فی امتداد المقتضی حسب عمود الزمان فحیث لا یقین لنا بأن المقتضی لبقاء العقد المنقطع أی مقدار من الزمان فنحکم بعدم جریانه کما ذهب إلیه الأستاذ و علی الجملة أن الشک فی المقتضی بهذا المعنی أی بمعنی أن المقتضی أ هو أمر ممتد أم لا لا یجری فیه الاستصحاب و ان ذهب المصنف الی جریانه فمقامنا من هذا القبیل لأنا نشک أن أمد خیار الحیوان و المقتضی لثبوته هل هو ثلثة أیام من حین العقد أو من حین التفرق فإذا شککنا فی ساعة أن الخیار باق أم لا من جهة الشک فی مبدء الخیار فلا یجری فیه الاستصحاب من جهة الشک فی المقتضی لعدم جریانه فیه.

و أما الأصل الثانی فجوابه واضح فان عدم حدوث خیار الحیوان قبل انقضاء المجلس لا یثبت الخیار بعد انقضاء ثلثة أیام من حین العقد فی الساعة المشکوکة کما فی المثال المذکور الا علی القول بالأصل المثبت فان ثبوت الخیار فی ذلک الساعة بأصالة عدم حدوثه الی انقضاء المجلس من للوازم العقلیة کما هو واضح.

و مع الإغماض عن جمیع ذلک فالأصل لا مجال له لأن الأدلة الدالة علی ثبوت خیار الحیوان ظاهرة فی ثبوته للمشتری من حین العقد و أنه علی نسق خیار المجلس الثابت للمتبایعین من حین

ص:183

العقد.

الوجه الثانی:الاخبار الدالة علی أن تلف الحیوان فی الثلاثة

ممن انتقل عنه

أی ممن لیس له الخیار و بضمیمة ما دل علی أن التلف فی الخیار المشترک ممن انتقل الیه یستکشف أن مبدء خیار الحیوان بعد التفرق لانه لو کان مبدئه أول زمان العقد الذی یشترک فیه البائع و المشتری فی الخیار لما کان التلف علی البائع.

أقول تنقیح المقام أن مقتضی القاعدة الأولیة هو أن تلف کل مال من مالکه و لا یکون محسوبا من کیس شخص آخر بل من کیسه إلا إذا ثبت بالدلیل الخارجی و علیه فکلما حوسب التلف علی المالک فهو موافق للقاعدة.

و علیه فإذا دل الدلیل علی أن التلف فی زمان الخیار ممّن لا خیار له یکون ذلک تخصیصا للقاعدة المذکورة کما أن التلف قبل القبض کک أی تخصیص للقاعدة المذکورة فکک أن کون التلف فی زمن خیار المشترک أی عند اجتماع خیار الحیوان مع خیار المجلس من مال البائع تخصیص بهذه القاعدة فی المورد المذکور فان کون التلف علی مالک فی زمن خیار المشترک لم یرد علیه دلیل خاص بل هو مما تقتضیه القاعدة الأولیة.

و بعبارة أخری فلا تنافی بین کون خیار الحیوان مبدئه من حین العقد و مع ذلک یکون التلف محسوبا من البائع فإن أدلة خیار الحیوان کما یکون تخصیصا للقاعدة الأولیة القائمة علی أن تلف کل مال علی صاحبه فکک یکون تخصیصا لها فی زمن خیار المشترک فیحکم بکون التلف من البائع فإن زمان خیار المشتری من مصادیق القاعدة

ص:184

المذکورة لا أنه ورد نص خاص علی کون التلف علی المالک کما لا یخفی و قد ذکر المصنف أن أدلة التلف من البائع یمکن أن یکون محمولة علی الغالب حیث یکون التلف غالبا بعد التفرق و ان کان قد یکون قبله أیضا و لکنه نادر.

و فیه مضافا الی أن التلف غالبا بعد التفرق و ان کان قد یکون قبله أیضا و لکنه نادر.

و فیه مضافا الی أن التلف قبل التفرق لیس بقلیل فی نفسه و ان کان قلیلا بالنسبة إلی التلف بعد التفرق و أن غلبة الافراد لا یکون موجبة لصرف المطلق الی الفرد الغالب و قد ذکرناه مرارا کثیرة.

الوجه الثالث أنه لو کان مبدء خیار الحیوان من حین العقد لزم

أن یجتمع سببان علی مسبب واحد

فهو کما لا یمکن فی الأسباب التکوینیة فکذلک لا یمکن فی الأسباب الشرعیة.

و فیه أن هذا الوجه لا یحتاج الی الجواب فان اجتماع خیارین فی عقد واحد کثیر کاجتماع خیار الغبن مع خیار العیب و اجتماع خیار العیب مع خیار الشرط و هکذا فلا یکون هذا إشکالا فی المسألة.

و الحاصل أنه قد استدل علی أن مبدء خیار الحیوان هو زمان

العقد بوجوه:

الأول بالأصل العملی.

و یرد علیه أن مقتضی الأدلة الدالة علی ثبوت خیار الحیوان للمشتری هو ثبوته له من حین العقد و مع ذلک فلا مجال للأصل کما لا یخفی.

الوجه الثانی:الاخبار الدالة علی أن التلف فی ثلاثة أیام ممّن

لا خیار له

مع ضمیمة أن التلف فی زمان خیار المشترک من مال المالک فإنه لو کان خیار الحیوان ثابتا من حین العقد لکان التلف علی البائع دون المشتری.

ص:185

و فیه أنه لم یرد فی آیة و لا روایة أن التلف فی زمان خیار المشتری من مال البائع لیؤخذ بإطلاقه و یحصل التنافی بل هو حکم علی طبق القاعدة الأولیة لأن القاعدة الأولیة أن تلف مال کل أحد علی مالکه فکما ثبت التخصیص لهذه القاعدة الأولیة فی موارد خیار الحیوان و کون التلف علی البائع و کذلک ثبت التخصیص لذلک فی مورد خیار المشترک أی مع اجتماع خیار الحیوان مع خیار المجلس الذی هو مشترک بین البائع و المشتری و حمل ما دل علی کون التلف بعد التفرق لکونه هو الغالب کما صنعه المصنف لا یمکن الالتزام به فإنه مضافا الی أن غلبة الافراد لا یوجب الانصراف أن إخراج الساعة الاولی أعنی ساعة عدم التفرق و ملاحظته نادرة بالنسبة إلی البقیة من ثلثة أیام لا وجه له فان کل ساعة من ثلثة أیام نادرة بالنسبة إلی مجموع ثلثة أیام و علیه فلما ذا لا نخرج الساعة الأخیرة من ثلثة أیام و نقول بعدم کون التلف فیها من البائع بل من المالک فان الغالب أن التلف یکون فی غیرها فتکون الإطلاقات منصرفة إلی غیرها و هکذا فترجیح احدی الساعات علی غیرها بلا مرجح.

الوجه الثالث:أن الخیار مسبب واحد فلا یعقل أن یکون له

أسباب عدیدة

و الا لزم تأثیر علتین فی معلول واحد و هو محال فلا بد و أن یکون مبدء خیار الحیوان من حین التفرق و انقضاء خیار المجلس و قد عبر بعضهم عن ذلک باجتماع المثلین.

أقول لا شبهة فی أن الخیار حکم شرعی کسائر الأحکام الشرعیة و الأمور الخارجیة أجنبیة عن ذلک بالکلیة لا انها من قبیل الأسباب و لا أنها من قبیل المعرفات بل هی أجنبیات فی ذلک بل الحکم الشرعی

ص:186

من حیث أنه فعل للشارع و هو حکیم فلا بدّ و أن یکون تابعا للمصلحة و المفسدة و أنها ناشئة عن ذلک فلیس للأمور الخارجیة تماس بالأحکام الشرعیة أصلا.

و علی الجملة فلو کان غرضهم من کون الأمر الخارجی سببا اصطلاحیا أو معرضا فهو باطل من أصله.

و ان کان غرضهم من کون الأمور الخارجیة سببا للحکم الشرعی هو أن یکون موضوعا له تمام الموضوع کالنجاسة و الطهارة بأن یکون نسبة الحکم الی الموضوع کنسبة العلة الی المعلول بان لا ینفک الحکم عن ذلک الأمر الخارجی کما لا ینفک المعلول عن علته و ان کان مرادهم ذلک فلا شبهة أن الأمور الخارجیة حینئذ حقیقة أسباب للأحکام الشرعیة لا أنها معرفات.

و علیه فان کان موضوع کل واحد من خیار الحیوان و خیار المجلس امرا مستقلا فیثبت له الحکم ای الخیار مستقلا من غیر أن یرتبط أحدهما بالاخر کما هو کذلک فی باب الکفارات حیث ان کل سبب خاص من موجبات الکفارة موضوع لوجوب الکفارة فلا یرتبط أحدهما بالاخر و ان لم یکن کذلک بأن لا یکون المورد قابلا لتعدد الحکم فیحکم بالتداخل ان لم یمکن التأکد کما فی باب النجاسة و فی المقام نحکم بالتداخل لما عرفت سابقا أن الخیار ملک فسخ العقد فهو حکم وضعی اعتباری و من الواضح أنه لا معنی لتعدد ملک فسخ العقد و کذلک فی بقیة المملوکات فإن الشیء الواحد لا یملک مرّتین کما هو واضح فلا یعقل أن یملک الإنسان بفسخ العقد مرّتین کما لا معنی لذلک فی غیر هذا المورد لأن الأمور الاعتباریة لا تعدد فیها بل یمکن أن یقال انّ هذا الاشکال مدفوع

ص:187

من أصله حیث انه لیس هنا خیاران حتی یقال بکونهما مسببین عن سببین و لا یمکن اجتماعهما فی محل واحد،بل هنا خیار واحد و تقسیمه الی خیار المجلس تارة و الی خیار الحیوان أخری اصطلاح من الفقهاء و الا فالظاهر من الاخبار هو أن هنا خیار واحد ثابت للمتبایعین ما لم یتفرقا و للمشتری إلی ثلثة أیام و بیان ذلک أنه ثبت فی طائفة من الروایات أن المتبایعین بالخیار ما لم یفترقا و إذا افترقا وجب البیع.

و دلت صحیحة محمد بن مسلم علی أن المتبایعین بالخیار فی الحیوان ثلثة أیام و فی غیر الحیوان ما لم یفترقا و لکن رفعنا الید عن ذلک لمعارضتها بالروایات الدالة علی اختصاص خیار الحیوان بالمشتری و دلت صحیحة أخری لمحمد بن مسلم علی أن المتبایعین بالخیار و ما لم یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار الی ثلثة أیام مع حمل صاحب الحیوان علی المشتری و یکون المستفاد أن المتبایعین بالخیار ما لم یفترقا سواء کان فی الحیوان أم فی غیره و أن صاحب الحیوان الذی هو المشتری بالخیار الی ثلثة أیام فملاحظة هذه الروایة مع الروایات الدالة علی ثبوت خیار المجلس للمتبایعین ما لم یفترقا و مع ما دل علی ثبوت خیار الحیوان للمشتری إلی ثلثة أیام تنتج أن هنا خیار واحد ثابت للمتبایعین الی حین التفرق و للمشتری إلی ثلثة أیام فعلم أن هنا خیار واحد و لیس هنا خیاران حتی یقال انه لا یمکن أن یجتمع سببان علی مسبب واحد لاستحالة صدور الواحد عن الکثیر.

قوله ثم ان المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصیغة کعقد

الفضولی علی القول بکون الإجازة ناقلة أو زمان الملک

أقول إذا کان زمان العقد غیر زمان الملک کما فی العقد الفضولی بناء علی النقل

ص:188

و کعقد الصرف و السلم قبل القبض فهل خیار الحیوان ثابت فی مثل ذلک من حین العقد أو من حین حصول الملک و اختار المصنف الثانی تبعا لما استظهره بعض معاصریه و هو صاحب الجواهر.

أقول الظاهر أن الخیار انما یثبت فی زمان حصول الملک سواء فی العقد الفضولی أم فی عقد الصرف و السلم و فی الفضولی أیضا سواء قلنا بالنقل أو بالکشف و الوجه فی ذلک أما العقد الفضولی فقد تقدم الکلام أن البیع انما ینسب الی المالک و یکون بیعا له و مستندا الیه بعد الإجازة و قبلها لیس بیعا للعاقد و هو واضح و لا بیعا للمالک إذا المفروض أن البیع لا یستند الیه الا بعد الإجازة.

و قد عرفت أن الأمر کذلک علی القول بالکشف أیضا حیث انه یحکم من زمان الإجازة أن البیع بیع للمالک من الأول أی یحکم بحصول الملکیة للمالک فی زمان الإجازة من الأول و هذا أمر موافق للعرف أیضا فإن العرف یبعد أن یحکم بحصول الملکیة من الأول عند الإجازة و ترتیب آثار الملک علی العقد من الأول و قد تقدم ذلک.

و قد عرفت فی هذا البحث أی بحث الخیار أن الظاهر من الأدلة أن خیار المجلس و خیار الحیوان انّما یثبتان للبیع و ما یصدق علیه البائع و قد عرفت فی صحیحة محمّد بن مسلم قال(علیه السلام)المتبایعان بالخیار ما لم یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار الی ثلثة أیام.

و حیث ان زمان الإجازة زمان صدق البیّع علی البائع و المشتری فیحکم فی زمان الإجازة بترتب آثار العقد علیه من الأول حتی علی الکشف لا بمعنی أن کل أثر یترتب علیه و یحکم بکون النماءات الحاصلة له بل من الآن یحکم بحصول الملکیة من زمان العقد و ترتب الأثر علیه.

ص:189

و هذا الذی یساعده العرف اذن فتشمل علیه أدلة خیار الحیوان من زمان الإجازة کما هو واضح سواء قلنا بالکشف أو النقل.

و أما بیع الصرف و السلم فقد ظهر الحال فیهما من بیع الفضولی حیث ان الخیار انما یترتب علی العقد الصحیح و بیع الصرف و السلم قبل القبض لیسا بعقدین صحیحین فإنهما مع فقدهما القبض کالإیجاب الخالی عن القبول فکما ان الإیجاب لیس موضوعا للخیار و کذلک الإیجاب و القبول فیهما بدون القبض فان القبض بمنزلة الإیجاب و بعبارة اخری أن أدلة الخیار انما هی تخصیص لأدلة الزوم الوفاء بالعقد و اللزوم انما هو ثابت للعقد الصحیح دون الفاسد فعقد الصرف و السلم بدون القبض لیسا بصحیحین فکیف تشملهما أدلة اللزوم حتی تخصّصها بأدلة الخیار.

فمبدء ثبوت خیار الحیوان فی الصرف و السلم انما هو زمان القبض.

ثم انک قد عرفت أن خیار الحیوان یثبت فی المبیع الشخصی و فی المبیع الکلی أیضا و علیه فلا وجه لتخصیص المثال فی بیع السلم بما إذا کان الثمن حیوانا بعنوان السلم کما صنعه صاحب الجواهر حیث قال فعلی هذا لو أسلم حیوانا فی طعام و قلنا بثبوت الخیار لصاحب الحیوان و ان کان بائعا کان مبدئه بعد القبض تخصیص و تمثیله بما ذکر مبنی علی اختصاص الخیار المعین بالحیوان.

قوله مسألة لا إشکال فی دخول اللیلتین المتوسطتین فی الثلثة

أیام

لا لدخول اللیل فی مفهوم الیوم بل للاستمرار المستفاد من الخارج أقول وقع الکلام بین الأصحاب فی ان المراد من ثلثة أیام هل هو النهار

ص:190

فقط و اللیل خارج عنه أو المراد من الیوم هو مجموع أربع و عشرین ساعة و هذا البحث جار فی المقام و فی أیّام الحیض و فی إقامة عشرة أیّام و ربّما یقال أن الیوم اسم لمجموع الیوم و اللیل و ان مجموع اربع و عشرین ساعة یسمی یوما و لکنه بدیهی البطلان لعدم إطلاق الیوم علی ذلک المجموع و انما الیوم اسم لما هو بین طلوع الشمس و بین غروبها فالقوس النهاری یوم و القوس اللیلی یسمی لیلا و دائرة نصف النهار منصفة للقوس النهاری الی نصفین و نصف اللیل منصف للیل الی نصفین و لیس أحدهما داخلا فی الآخر الا بالدلیل الخارجی کما فی الصوم حیث ان الشارع اعتبر کونه من أول الفجر الی زوال الحمزة عن قمة الرأس و أما فی غیر ما اعتبر الشارع دخول أحد القوسین فی الآخر فلا یطلق أحدهما علی الآخر.

و علیه فلا تکون اللیالی داخلة فی الأیّام فیما کانت الأیّام موضوعة للحکم بحسب المفهوم الا من جهة عنایة أخری من اعتبار الاستمرار فی الحکم مثلا.

و علیه فلو عامل أحد مع غیره و باعه حیوانا فی أول طلوع الشمس فیمتد خیاره الی غروب الشمس من یوم الثالث و لا تکون اللیلة الأخیرة داخلة و لا یثبت له الخیار فیها بخلاف ما لو قلنا بدخول اللیل فی مفهوم الیوم فإنه یمتد الخیار الی صبیحته یوم الثالث و یکون له- الخیار فی اللیل أیضا و أما اللیلتان المتوسطتان فهما داخلتان بلا شبهة لا من جهة أن اللیل داخل فی مفهوم الیوم بل من جهة ان الخیار حکم ثابت لذی الخیار الی ثلثة أیام مستمرا فلو لم تکن اللیلتان المتوسطتان داخلتین فی الموضوع لانقطع الخیار فهو خلاف الظاهر

ص:191

من الأدلة و هکذا الحال فی إقامة عشرة أیّام و أیّام حیض المرأة و نحوهما و اما اللیلة الأخیرة فهی خارجة عن حریم الخیار فإنها غیر داخلة لا من حیث صدق الیوم علیها و لا من حیث الاستمرار.

و أما للیلة الأولی فیما إذا وقعت المعاملة فی أول اللیلة أو نصفها فهی أیضا داخلة بلا شبهة لما عرفت من أن الأدلة ظاهرة فی اتصال مبدء الخیار بالعقد فإذا تحقق العقد تحقق الخیار فیستمر الی ثلثة أیّام فدخول اللیلة الاولی من جهة اتصال مبدء خیار الحیوان بالعقد و استمراره الی ثلثة أیّام.

و قد یتوهم أن اللیلة الأخیرة أیضا داخلة لدخول اللیلتین أصالة فتدخل الثالثة و الا لاختلفت مفردات الجمع فی استعمال واحد و لکن قد ظهر جوابه فیما ذکرناه حیث ان دخول اللیلتین المتوسطتین أیضا لیس من جهة الأصالة بل من جهة استمرار الخیار الی ثلثة أیّام و اتصال الخیار بالعقد فلا مجال لهذا الاشکال.

و اما مسألة التلفیق فیما إذا کان وقع العقد فی نصف الیوم أو ورد المسافر فی بلد فی نصف الیوم أو خاص المرأة فی وسط النهار فهل یجوز أن یحسب نصف هذا الیوم و النصف من الیوم الثالث و جعلهما یوما واحدا أم لا الظاهر هو التلفیق کما هو الموافق للعرف و یؤید ذلک انّه قل ما یتفق أن المرأة تحیض فی أول طلوع الشمس و المسافر لا یرد البلد الذی یقیم فیه فی أول طلوع الشمس و هکذا فلو لم یعتبر التلفیق فی الیوم و لم یکن موضوعا للحکم لتعرض له الامام علیه السلام و هذا المعنی موافق للعرف فلو قال أحد بقیت فی محل کذا یوما مع أنه بقی فی نصفین من یومین صح ذلک و لو بقی نصف یوم لا یصدق علیه أنه بقی یوما

ص:192

و کل ذلک لا شبهة فیه و ما افاده المصنف هنا متین جدا.

(فی مسقطات خیار الحیوان)
اشارة

قوله مسألة یسقط هذا الخیار بأمور

أحدهما اشتراط سقوطه فی

العقد

أقول قد تقدم فی خیار المجلس اشتراط عدم الخیار أو اشتراط إسقاطه فی ضمن العقد و لا نحتاج إلی الإعادة و لکن ذکر المصنف هنا شیئا یجری فی خیار المجلس أیضا فلا بأس بالتعرض له و حاصله أنه لا شبهة فی جواز إسقاط الخیار من مجموع المبیع بان یقول أسقط خیاری من مجموع هذا الحیوان و هل یجوز إسقاط الخیار من نصفه أم لا فالظاهر هو عدم الجواز لان نصف الحیوان لیس بحیوان فلا یثبت خیار الحیوان الا فیما إذا کان المبیع حیوانا.

و أما إسقاط بعضه من حیث الزمان بأن أسقط خیاره یوما أو یومین أو أقل أو أکثر فالظاهر هو الجواز لأنه ملک فسخ العقد فذی الخیار مالک لذلک فله أن یسقط حقه بأجمعه أو ببعضه و لا یلزم المحذور المذکور هنا لأن إطلاق الأدلة تشمله حتی فی الان القلیل من الزمان و بعبارة أخری فأدلة الخیار تشمل المبیع إذا کان حیوانا فی کل آن و زمان.

و الثانی

إسقاطه بعد العقد.

قوله الثالث التصرف

و لا خلاف فی إسقاطه فی الجملة ،أقول:

قد اضطربت کلمات الفقهاء فی مسقطیة التصرف غایة الاضطراب و لعل مثل هذه المسألة قلیلة فی الفقه و منشأ الاختلاف اختلاف الروایات و القواعد.

ص:193

و التحقیق أنک قد عرفت فی مبحث المعاطاة أن مقتضی القاعدة کفایة کل ما یکون مصداقا للإنشاء فی مقام إنشاء العقد و نحوه فان المناط فی ذلک صلاحیة ما یتحقق به الإنشاء لإظهار ما فی النفس و إبرازه سواء کان من قبیل الفعل أو من قبیل القول و اللفظ و من أفراد ما یظهر به ما فی الضمیر و ینشأ به المعاملة و الا فلا خصوصیة له الا إذا قام الدلیل علی عدم کفایة غیر اللفظ فی مقام الإنشاء کما فی الطلاق.

و علیه فکما أنه یکتفی فی إنشاء العقد بکل ما یصلح أن ینشأ به العقد و کذلک یکتفی بکلّ ما یبرز ما فی الضمیر فی إسقاط الخیار هذا ممّا لا شبهة فیه و أنه أمر تقتضیه القواعد و لکن الکلام فی الصغری و انه أی شیء یکون صالحا لان یتحقق به إسقاط الخیار من الافعال فهل هو مطلق الفعل و التصرف أو التصرف الخاص فلیس هنا قاعدة تتکفل لبیان ذلک المقدار المتیقن کون التصرف مصداقا للإسقاط و الا فلا دلیل علی کونه مسقطا للخیار حتی التصرفات الجلیلة فضلا عن التصرفات الحقیرة فإنه ربما لا یکون المتصرف عالما بالموضوع أو الحکم أو یکون غافلا عن ثبوت الخیار له و یتصرف فیه و حینئذ کیف یمکن الحکم بأن التصرف مصداق للإسقاط فلو وطأ الجاریة التی اشتراها لا یکون ذلک مسقطا للخیار و أن أصر علیه شیخنا الأستاذ و قال بکون مثل الوطی مصداقا للإسقاط حتی مع الجهل بالحکم أو الموضوع هذا ما تقتضیه القاعدة.

و أما الاخبار فقد ذکر فیها أن احداث الحدث فی الحیوان یوجب سقوط الخیار فکل تصرف أوجب حدوث الحدث فیوجب سقوط الخیار بلا شبهة للتعبد الشرعی و أما ما لا یوجب الأحداث فقد ذکرت أمور

ص:194

فی الروایة التی سئل فیها عن تفسیر الحدیث:إنها إحداث حدث مع انه لیس بحدث فی العرف و ذلک کالنظر إلی الجاریة و اللمس و التقبیل و نحوها مع أنها لیس بحدث فیکون مثل ذلک داخلا فی الحدث بدلیل الحاکم و بالتعبّد الشرعی فنحکم بسقوط الخیار بمثل هذه التصرفات أیضا هذا ما یتحصل من الاخبار.

و تحصل أن لنا ضابطتان لسقوط الخیار بالتصرف أحدهما ما تقتضیه القاعدة من کون التصرف مصداقا لسقوط الخیار و الثانی التصرّف الذی یوجب احداث الحدث فی الحیوان المبیع أو ما جعله الشارع مصداقا للحدث تعبدا و حکومة فإن هذا أیضا یوجب سقوط الخیار و أما فی هذه الموارد فلا دلیل علی کون التصرف مسقطا للخیار و لو کان التصرف من التصرفات الجلیلة کما تقدم فضلا عن التصرفات الخفیفة کیف فإنک عرفت أن أی تصرف کان لا یوجب لسقوط الخیار ما لم یکن مصداقا للتصرف فأی معنی لسقوط الخیار بالتصرفات الصادرة حال الغفلة أو النسیان أو الجهل بالحکم أو الموضوع فیکون الخیار باقیا علی حاله و لو کان التصرف مثل وطی الأمة کما عرفت بل الظاهر من صحیحة الصفار أن مطلق التصرف لا یکون مسقطا للخیار حیث سأل فیها عن أمرین أحدهما الحدث و الثانی رکوب الدابة و سئل بکلمة أو أنهما یسقطان الخیار أم لا فوقّع الامام(علیه السلام)إذا أحدث فیها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء اللّه فلو کان مثل الرکوب أیضا مسقطا للخیار لإجابة أیضا بأنه یسقط الخیار بل یمکن أن یقال أن بعض التصرفات فی الحیوان المشتری ممّا لا بدّ منه فلو کان کل تصرف موجبا لسقوط الخیار لکان جعل الخیار و تشریعه لغوا محضا کقود الحیوان إلی

ص:195

القبة و رکوبه من مکان المعاملة إلی منزله للتجربة و الامتحان و الأمر بمشی الأمة أو العبد للتجربة و الامتحان و أمرهما بسقی الماء و نحوه بل النظر الی شعر الأمة لیری أنها شابة أو کبیرة قد بیض شعره الی غیر ذلک من التصرفات التی مما لا بدّ منه عادة فی مدة ثلثة أیّام و علی الجملة مقتضی أدلة اللزوم من الایات و الروایات هو لزوم العقد و قد خصصت بأدلة خیار الحیوان کما خصصت بغیرها فلا بدّ من رفع الید عن إطلاق أدلة الخیار و عمومه بما یدلّ علی التخصیص و التقیید و لیس لنا تخصیص الا ما ذکرناه من الضابطتین ففی أیّ مورد تحقق واحدة من هذه الضابطة نحکم بسقوط الخیار و الا فلا فافهم.

و الحاصل أن کلمات الفقهاء فی أن التصرف مسقط أم لا مضطربة غایة الاضطراب فذکر بعضهم أن التصرف لکونه کاشفا عن الرضا الشخصی مسقط للخیار و ذکر بعضهم کشیخنا الأنصاری و غیره أن التصرف کاشف عن الرضا النوعی فیکون مسقطا للخیار و لذلک و ذکر بعضهم أن مطلق التصرف حتی مثل ناولنی الماء و نحوه مسقطا للخیار و منشأ الاختلاف هو اختلاف الاخبار و تفصیل الکلام فیه أن الروایات فی المقام متعددة منها صحیحة (1)ابن رئاب فإن أحدث المشتری فیما اشتری حدثا قبل ثلثة أیّام فذلک رضا منه و لا شرط له قیل له:و ما الحدث قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الی ما کان محرما علیه قبل الشراء.

فان الظاهر من هذه الروایة ان الحدث مسقط للخیار فإذا أحدث المشتری حدثا فذلک رضا بالبیع فیکون الخیار ساقطا ثم سأل ابن رئاب عن الحدث و أنه أی شیء فقال(علیه السلام)أن لا مس أو قبل أو

ص:196


1- 1) وسائل ج 12-ص 351.

نظر منها الی ما یحرم علی غیره فقد انقضی الشرط و لزم البیع فهذا الکلام الصادر من الامام(علیه السلام)من جعل اللمس أو التقبیل أو النظر الی ما یحرم النظر الیه لیس احداث حدث قطعا و اذن فیدور الأمر بین أن یکون ذلک حاکما بتوسعة دائرة الحدث و جعل کل واحد من الأمور المذکورة من أقسام الحدث أو بجعلها مثالا لمطلق التصرف بحیث یکون مطلق التصرف مسقطا للخیار فإذا لم تکن الروایة ظاهرة فیما ذکرناه من جعل الأمور المذکورة مصداقا للحدث تعبدا فلیس لها ظهور فی جعلها أمثلة لمسقطیة التصرف لیکون مطلق التصرف موجبا لسقوط الخیار و کیف کان فلا دلالة فیها علی کون التصرّف علی إطلاقها موجبا للسقوط.

و منها صحیحة (1)الصّفار قال:کتبت الی أبی محمد(علیه السلام)فی الرّجل اشتری من رجل دابة فأحدث فیها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو رکب ظهرها فراسخ إله أن یردها فی الثلاثة الأیام التی له فیها الخیار بعد الحدث الذی یحدث فیها أو الرکوب الذی یرکبها فی فراسخ فوقع علیه السلام إذا أحدث فیها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء اللّه.

فهذه الروایة صریحة فی أن احداث الحدث یوجب سقوط الخیار و أما دلالتها علی أن التصرف موجب لسقوط الخیار أم لا فإما ممنوعة لعدم تعرض الامام(علیه السلام)لذلک أو هی تدل علی أن التصرف لا یسقط الخیار ما لم یکن بعنوان أنه مصداق للمسقط أو مصداق للحدث فإن السائل إنما سأل عن أمرین أحدهما إحداث الحدث

ص:197


1- 1) وسائل ج 12-ص 351-حد 2.

فی المبیع و الثانی الرکوب فقد أجاب الإمام(علیه السلام)عن الحدث و أنه مسقط للخیار و سکت عن الرکوب الذی هو من أظهر أفراد التصرّف فهذا السکوت لو لم یدل علی عدم کون التصرف مسقطا للخیار فلا دلالة فیها علی کون التصرّف مسقطا.

و علی الجملة فإما لا دلالة فی الروایة علی کون التصرف مسقطا أو فیها دلالة علی عدم کونه مسقطا.

و منها صحیحة (1)قرب الاسناد قال:قلت له أرایت ان قبلها المشتری أو لامس فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها الی ما یحرم علی غیره فقد انقض الشرط و لزم البیع فقد جعل الامام(علیه السلام)فی هذه الروایة نفس الأمور المذکورة موجبا لسقوط الخیار من غیر تعرض للتصرف و الحدث أصلا.

و المتحصل أن ما یکون مسقطا للخیار من التصرف أمور ثلثة من غیر أن یکون لعنوان التصرف موضوعیة أصلا الأول:ما یکون مصداقا للإسقاط و مبرزا لما فی ضمیر المتکلّم من کونه موجبا لسقوط الخیار و هو ما تقتضیه القاعدة الأولیة و لا شبهة فیه.

الثانی ان یکون التصرف احداث حدث فی الحیوان فإنه أیضا یکون موجبا لسقوط الخیار فقد ثبت ذلک بصحیحة علی بن رئاب و صحیحة الصّفار و إطلاق الحدث شامل لکل حدث و لو کان بمثل جز الشعر و نحوه.

الثالث أن یکون المشتری لا مس أو قبل أو نظر منها ما یحرم النظر إلیه فإنه أیضا موجب لسقوط الخیار و أما غیر هذه الأمور الثلثة

ص:198


1- 1) وسائل ج 12-ص 351-حد 3.

فلا یکون التصرف موجبا لسقوط الخیار بوجه فإنه لا دلیل علیه من الروایات کما عرفت.

ثم انه بقی الکلام فی أن المراد من قوله(علیه السلام)فذلک رضا منه بالبیع فی صحیحة ابن رئاب أی شیء فذکر المصنف احتمالات أربعة الأول أن یکون المراد من ذلک الرضا الشخصی فیکون المعنی ان التصرف- الموجب لإحداث الحدث فی المبیع یکون کاشفا عن الرضا الشخص و هذا واضح الدفع فان کثیرا ما لا یلتفت المشتری الی ثبوته الخیار له فیحدث حدثا فی المبیع فکیف یکون ذلک کاشفا عن الرضا الشخص بالبیع و بسقوط الخیار مثلا لو اشتری أحد دجاجة و قص جناحها لئلا یطیر الی مکان آخر من غیر ان یلتفت الی ثبوت الخیار له فی ذلک کما هو کذلک فی نوع الناس حتی من أهل العلم حیث انهم لا یلتفتون بثبوت الخیار لهم فی مثل الدجاجة و نحوها و فی مثل ذلک فلا وجه لدعوی کون التصرف کاشفا عن الرضا الشخص کما هو واضح.

الثانی أن یکون کاشفا نوعیّا عن الرضا بالبیع و سقوط الخیار کما ذکره المصنف و هذا أیضا لا یمکن المساعدة علیه فإنک قد عرفت أن نوع الناس لا یلتفتون بخیار الحیوان فکیف یکون تصرفهم کاشفا عن الرضا النوعی بحیث یکون المناط فی کون التصرف مسقطا للخیار هو الرضا النوعی فإنه لا وجه لدعوی أن فی أغلب الناس یکون التصرّف کاشفا عن الرضا النوعی فإن أغلب الناس و لا یلتفتون الی ذلک کیف فان خیار الحیوان لا یختص بطائفة خاصة من الشیعة لیکون الغالب فیهم الالتفات الی الخیار عند التصرف بل یثبت لکل شخص حتی الیهود و النصاری و المخالفین و غیرهم و من الواضح أنه مع ذلک فالغلبة فی غیر

ص:199

الملتفتین بالخیار عند التصرف فکیف یکون التصرف کاشفا عن الرضا النوعی من جهة التفات أغلب الناس بالخیار عند التصرف.

و کیف کان فلا وجه لجعل التصرف کاشفا نوعیا عن الرضا بالبیع.

الثالث أن یکون ذلک بنفسه جوابا للشرط و حکما ثابتا للموضوع فیکون ذلک إشارة إلی نفس ذلک التصرف الذی هو الحدث.

الرابع أن یکون توطئة للجواب و هو قوله و لا شرط له لکنه توطئة لحکمة الحکم و تمهید لها لا علة حقیقة فیکون إشارة الی أن الحکمة فی سقوط الخیار بالتصرف دلالته غالبا علی الرضا نظیر کون الرضا حکمة فی سقوط خیار المجلس بالتصرف و مرجع هذین الاحتمالین إلی شیء واحد و ان کان البیان فیهما مختلفا.

و قد ذکر المصنف أن لازم أخذ هذین الاحتمالین هو الالتزام بکون مطلق التصرف مسقطا للخیار و لکن الأمر لیس کذلک فان قوله (علیه السلام)فذلک رضا منه بالبیع هو أن نفس هذا التصرّف الذی یوجب احداث الحدث رضا بالبیع لا کل تصرف کما هو واضح فان الموضوع هو الحدث حیث قال:ان أحداث حدثا فذلک رضا منه بالبیع.

(الثالث من الخیارات خیار الشرط)

اشارة

قوله الثالث خیار الشرط اعنی الثابت بسبب اشتراطه فی العقد أقول لا شبهة فی جواز جعل الشرط فی العقود و لا خلاف فیه بین الأصحاب سواء کان متصلا بالعقد أو منفصلا عنه

و یمکن الاستدلال
اشارة

علی جواز ذلک بطائفتین من الروایة

الأولی صحیحة ابن سنان

(1)

عن ابی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال:و ان کان بینهما شرط

ص:200


1- 1) وسائل ج 12-ص 355-باب 8-حد 2.

أیّاما معدودة فهلک فی ید المشتری قبل ان یمضی الشرط فهو من مال البائع و فی روایة السکونی ان أمیر المؤمنین علیه السلام قضی فی رجل اشتری ثوبا بالشرط الی نصف النهار فإنها تدل علی جواز جعل الخیار فی هذین الموردین الخاصین.

و الطائفة الثانیة الأخبار المستفیضة الواردة فی اشتراط الفسخ

برد الثمن

کما سیأتی نقلها فإنها أیضا تدل علی جواز جعل الخیار فی موردها فان جاز التعدی عن مواردها فبها لدعوی الضرورة انّه لا خصوصیة لموردها و الا فلا بدّ من التماس دلیل آخر و ح نأتی إلی العمومات.

و قد استدل علی مشروعیة هذا الخیار و جواز جعله و اشتراطه بالأدلة المستفیضة بل المتواترة بین الفریقین المؤمنون عند شروطهم الا شرطا خالف کتاب اللّه و سنة نبیّه فإنها تدل بإطلاقها علی لزوم الوفاء بکل شرط غایة الأمر خرج عنها الشروط الابتدائیة و بقی الباقی و من جملته اشتراط الخیار فی العقود.

و قد أشکل علیه فی المستند بأن الأدلة العامة لا تکفی لإثبات صحة اشتراط الخیار لاستثناء الشرط المخالف للکتاب و السنة لأن السنة تدل علی أنه بالافتراق یجب البیع فاشتراط عدم وجوبه بعد الافتراق مخالف لها و علی الجملة فلا یمکن الاستدلال بهذا الأدلة علی جواز جعل الخیار.

و قد أجیب عنه بجوابین الأول ما ذکره شیخنا الأستاذ من أن الجواز و کذلک اللزوم علی قسمین الأول الجواز و اللزوم الحکمی و الثانی اللزوم و الجواز الحقی.أما الأول فلا یتبدل بفسخ المتبایعین

ص:201

أصلا أما الجواز فکالهبة حیث ان جوازها حکمی فلا یتغیر أصلا و لو قال الواهب أسقط حق الرجوع ألف مرّة.

و أما اللزوم فکعقد النکاح حیث لا یتغیر عما هو علیه بإقالة و نحوه فیعلم من ذلک أن اللزوم هنا حکمیّ لا حقیّ.

و أما الثانی فالجواز الحقی مثل الوکالة و نحوها و اللزوم الحقی کجمیع العقود التی تجری فیها الإقالة حیث انه یستکشف من ذلک أن اللزوم فیها حقی و الا لم یرتفع بالإقالة فما یکون مخالفا للکتاب و السنة هو الخیار فی العقود التی أن اللزوم فیها حکمی کالنکاح لا فی مطلق العقود حتی فیما یکون اللزوم فیها حقیا.

و فیه أنه قد عرفت فی أول البیع أنه لا فرق بین الحق و الحکم أصلا فإن کلاهما بحکم الشارع و جعله غایة الأمر قد سموا الفقهاء الحکم الذی اختیاره بید المتبایعین حقا و هذا لا یوجب اختلافهما فی الحقیقة و علیه فکما ان الجواز حقیقة واحدة مجعولة بجعل الشارع و کذلک اللزوم فهو حقیقة واحدة و الاختلاف بحسب الحکم الطارء علیه لا أن هنا حقیقتان إحداهما حقی و الأخر حکمی کما لا یخفی و علیه فیبقی اشکال صاحب المستند علی حاله فان جعل الخیار فی العقد مخالف لحکم الشارع بلزومه.

و بعبارة اخری أن اللزوم فی جمیع العقود انما هو حکم الشارع و ثابت بدلیل واحد غایة الأمر أنه مطلق فی بعض الموارد کما فی النکاح و مشروط بعدم الإقالة فی بعض الموارد الأخر کما فی البیع و نحوه علی ان النکاح أیضا قد یطرئه حق الفسخ لبعض الأمور کما هو واضح.

و الجواب الثانی ما یظهر من السیّد ره من أن جعل الخیار

ص:202

مخالف لإطلاق العقد لا لمقتضاه فإن إطلاق العقد یقتضی الملکیّة علی وجه الإطلاق فاشتراط الخیار مخالف لإطلاقه لا لمقتضی أصل العقد.و هذا الجواب من العجائب فان کلامنا فی الشروط المخالف للکتاب و السنة لا فی الشروط المخالفة لمقتضی العقد أو لإطلاقه.

و توضیح الکلام أن الشرط قد یکون مخالفا لمقتضی العقد بأن یشترط البائع علی المشتری أن لا یتملک أو یقول الواهب و هبتک هذه علی أن تبقی العین الموهوبة فی ملکی و هکذا فان هذه الشروط کلها مخالفة لمقتضی العقد و لکن لا دلیل علی بطلانه الا لزوم المناقضة و التناقض فان معنی البیع هو تملیک العین المبیعة و کونها ملکا للمشتری و معنی اشتراط عدم کونه ملکا للمشتری هو أن لا یکون المبیع ملکا للمشتری و هما متناقضان و کذلک فی الهبة.

و أما إذا کان الشرط مخالفا لإطلاق العقد فلا محذور فیه أصلا لعدم الزوم التناقض و محذور آخر فیه کما ذکره السیّد فإنّه أن محذور فی أن یقول البائع بعتک هذا الثوب و شرط علیک أن تخیط لی ثوبا آخر فإن إطلاق العقد لا یقتضی کون المبیع ملکا للمشتری علی وجه الإطلاق و الشرط مخالف له.

و أما الشروط المخالفة للکتاب و السنة فهی أمر آخر غیر مربوط بالشروط المخالفة للعقد أو لإطلاقه فإنه لا یفرق فی الشروط المخالفة للکتاب و السنة بین أن تکون مخالفة لأصل الکتاب و السنة أو لاطلاقهما مثلا لو باع حیوانا و اشترط أحدهما علی الآخر فی ضمن العقد أن یشرب الخمر فی حال المرض تنزّها لا دواء فإنه هل یتوهم أحد جواز ذلک

ص:203

لکونه مخالفا لإطلاق الکتاب لا أصله.

و الحق فی الجواب أن یقال:أن هذه الروایات انما وردت لجعل خیار الشرط فی مورد لزوم العقد فتکون مخصصة للأدلة الدالة علی اللزوم لا منافیة لها لتکون مطروحة أو مأولة و توضیح ذلک أن معنی اشتراط شیء فی العقد هو توقف لزوم العقد علی وفاء المشروط علیه بالشرط و الا فلا یلزم علیه أن یتوقف علی اللزوم و معنی عدم وجوب التوقف علی اللزوم هو ثبوت الخیار له بحیث ان شاء یفسخ و ان یشاء یمضی و ان شاء یبقی العقد علی حاله غایة الأمر أن اشتراط شیء علی البائع أو المشتری فی العقد جعل خیار بالدلالة الالتزامیة و جعل الخیار لأحدهما أو کلاهما فی العقد جعل خیار بالدلالة المطابقیة و قد تقدم ذلک فیما سبق و قلنا و بان مرجع الاشتراط الی جعل الخیار و الحاصل أن الأدلة علی أن المؤمنین عند شروطهم واردة فی مورد جعل الخیار بناء علی أن کل شرط یرجع الی جعل الخیار بالبیان المتقدم فلا یکون الشرط مخالفا للکتاب و السنة و بعبارة أخری أن هذا الروایات الدالة علی لزوم الوفاء بالشروط وارد فی مورد جعل الخیار بناء علی أن مرجع جعل الشروط الی ثبوت الخیار بالالتزام فان بقاء الالتزام علی العقد منوط علی بقاء الالتزام علی الشرط و مع التخلف یثبت الخیار و علیه فلا یکون جعل الشرط مخالفا للکتاب و السنة الا أن الشرط مخالفا لهما و الحال أن فی العالم شروط صحیحة غیر منافیة للکتاب و السنة فهذه الروایات واردة فی هذه الموارد الی مرجعها الی جعل الخیار.

و یمکن الجواب عن صاحب المستند بناء علی المشهور أیضا من

ص:204

عدم رجوع الشرط الی جعل الخیار.بدعوی عدم مخالفة الشرط الخیار للکتاب و السنة.أما عدم مخالفته للکتاب من جهة أن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ناظر إلی إفادة اللزوم للعقد المنشأ علی النحو الذی أنشأه المنشئ و هذا المنشأ اما هو مطلق فی الواقع أو مقید لما ذکرناه مرارا أن الإهمال فی الواقعیات من الأمور مستحیلة و علیه فهذا العقد الذی اشترط فیه الخیار لا یعقل أن یکون منشأ علی وجه الإطلاق فلا بدّ و أن یکون منشأ علی وجه التقیید فیکون الملکیة المنشئة بقید خاص موردا للأمر بالوفاء بالعقد فلا یکون الشرط مخالفا للکتاب بل دلیل اللزوم من الأول لا یشمل الا هذه الملکیّة الخاصة المقیّدة بحد خاص.

و بعبارة أخری أن دائرة الملکیّة من الأول محدودة و مقیّدة بعدم الفسخ فان الحاصل من البیع قد یکون ملکیّة مطلقة و یکون المنشأ هو ذلک و قد یکون المنشأ ملکیة مقیدة بحصة خاصة و بحد خاص أی المقیدة بعدم الفسخ و حینئذ أن منافاة لهذا الشرط للکتاب بل الکتاب لا یشمل من الأول الملکیة المطلقة بل یشمل الملکیة المقیدة و هو واضح.

لا یقال أن الملکیة المنشئة مطلقة حتی بعد الفسخ فإنه لا معنی للبیع الی وقت خاص کسنة أو سنتین لکونه باطلا إجماعا فإنه یقال لا شبهة فی أن المنشأ مطلق من حیث الزمان و أن البائع أنشأ ملکیة مطلقة للمشتری و أبدیة و لکن کلامنا لیس فی الإطلاق و التقیید من حیث الزمان بل من حیث الحالات و لا شبهة أن المنشأ بالنسبة إلی الفسخ و عدمه الذان من الحالات الطارئة لعقد اما مطلق أو مقید و ذکرنا أنه مقید فالملکیّة المنشئة محدودة بالنسبة إلی الفسخ

ص:205

و عدمه الی الزمان فتشملها أدلة اللزوم مع هذه الحیثیة المقیدة فیکون لازما الی أن لا یفسخ و الا فلا لزوم لعدم شمول أدلته له.و دعوی أن المنشأ مطلق بالنسبة إلی الفسخ و عدمه أن أنه أنشأ الملکیة سواء فسخ أم لا مع اشتراط الخیار فی العقد دعوی متناقضة کما هو واضح فان هذه الدعوی تشبه دعوی أن یقصد أحد الإقامة فی بلد و کان عالما بمسافرته أو شاکا فیه فان هذا لیس الا التناقض الواضح.

و لا یقاس کون المنشأ ملکیة محدودة بالفسخ بالبیع إلی سنة فان الثانی باطل بالضرورة بخلاف الأول فإنه کان متعارفا فی جمیع الأزمنة فیکون مشمولا لوجوب الوفاء بالعقد.

و کیف کان بناء علی المشهور أیضا لا یکون شرط الخیار مخالفا للکتاب بوجه لقصور دلیل اللزوم عن ذلک فلا یکون الأمر بالوفاء بالعقود شاملا الا ما أنشأ بأی کیفیة أنشأ.فاللازم بدلیل وجوب الوفاء بالعقد هو الملکیة المحدودة بعدم الفسخ.

و أما السنة فقد ظهر جواب توهم مخالفة الشرط للسنة من ذلک أیضا فإن قولهم البیّعان بالخیار ما لم یفترقا و إذا افترقا وجب البیع لیس المراد من الوجوب علی کل حال بحیث یکون المنشأ ملکیة المحدودة لازمة علی وجه الإطلاق بعد انقضاء المجلس بل الملکیّة المحدودة بعدم الفسخ فلا تکون هذه الاخبار شاملة من الأوّل الی ما بعد الفسخ حتی یتوهّم کون الاشتراط مخالفا لمقتضی الکتاب.

ثم انه لا شبهة فی جواز جعل الخیار مدة خاصة معینة

إما متصلا بالعقد أو منفصلا عنه لإطلاق الأدلة نعم ذکر بعض الشافعیة أنه لا یجوز جعل الخیار بعد لزوم العقد فإنه لا ینقلب الی الجواز بعد

ص:206

اللزوم و لکنه بدیهی البطلان فان کثیرا ما یطرء الجواز علی العقد بعد اللزوم کما فی موارد خیار تأخیر الثمن و موارد خیار الرؤیة و موارد تخلف الشرط فان جمیع ذلک و أشباهه یطرء الجواز علی العقد بعد اللزوم فلا یمکن الالتزام بکلام هذا القائل أیضا.

و هل یجوز جعل الخیار إلی الأبد و مدة العمر نظیر الوقف

بحسب العمر أم لا

فلم یستشکل أحد فی جوازه الا شیخنا الأستاذ حیث منع عن جواز مثل هذا الشرط لوجهین الأول أنه یوجب کون العقد غررّیا و ذلک لانه لا یعلم المتبایعان أن عمر المشروط له أی مقدار فیوجب البیع غررّیا فیبطل لذلک.

و فیه أنه الغرر هو الخطر و لا نری فی ذلک خطرا أصلا غایة الأمر أنه یکون مثل العقود الجائزة فهل یتوهم أحد أن الهبة أو الوکالة أو نحوهما من العقود الجائزة غرریة.و سیأتی الکلام فی نفس الغرر مع الجهل بالشرط.

الوجه الثانی ما ذکره(ره)من أن جعل الخیار إلی الأبد مخالف لمقتضی العقد فان للعقد دلالة مطابقیة أعنی حصول الملکیة للمشتری فالبیع یقید بالمطابقة حصول الملکیة للمشتری علی وجه الإطلاق و دلالة التزامیة أعنی کون المتبایعین ملتزمین بمفاد العقد و أنه لا- یختص التزامهما بزمان خاص بل هو ثابت إلی الأبد فاشتراط الخیار إلی الأبد و ان لم یکن مخالفا لمقتضی العقد بحسب الدلالة المطابقیة أعنی حصول الملکیة المطلقة و لکنه مناف لمقتضی العقد بحسب الدلالة الالتزامیة أعنی لزوم العقد إلی الأبد و أما جعل الخیار فی زمان خاص فلا بأس به لعدم کونه مخالفا لمقتضی العقد من الجهتین غایة الأمر

ص:207

أنه شرط الخیار فی زمان خاص.

و فیه قد عرفت أنه لا دلیل علی بطلان الشروط المخالفة لمقتضی العقد الا من جهة المناقضة و من الواضح أن اشتراط عدم حصول الملکیة للمشتری مثلا مناقض لمقتضی العقد بأن یبیع بشرط أن لا یملک المشتری أو یهب بشرط أن یبقی العین الموهوبة فی ملک الواهب و أما جعل الخیار فی البیع إلی الأبد فلا یستلزم التناقض لمقتضی العقد کما هو واضح فإنه أی مناقضة لبیع متاع أو دار بشرط أن یکون للبائع أو للمشتری خیار مدة العمر فیکون نظیر العقد الجائز نعم لو کان هنا دلیل التعبدی یدل علی أن الشروط لا بدّ و أن لا یکون مخالفة لمقتضی العقد لأخذنا بإطلاقه و بالنسبة إلی الدلالة المطابقیة و الالتزامیة.

و الحاصل قد علم أن المنشأ فی موارد جعل الخیار بالشرط ملکیة محدودة فأدلة اللزوم من الأول قاصرة عن الشمول لذلک فضلا عن أن یلزم من جعل الخیار مخالفة الکتاب أو السنة.

و مع الإغماض عن ذلک فنقول:ان الظاهر من السنة الدالة علی لزوم العقد هو الحصة الخاصة من العقد الذی لم یجعل فیه الخیار و أما ما جعل فیه الخیار فلا یکون مشمولا لها.

و توضیح ذلک أن الأدلة علی ثبوت خیار المجلس و ان دلت علی لزوم البیع بمجرد الافتراق و کونه واجبا علی وجه الإطلاق و لکن لا بدّ من تقییدها بما ذکرناه من أنه ورد فی بعضها أن اللزوم و الوجوب انما هو بعد الرضا بالعقد کقوله(علیه السلام)فلا خیار لهما بعد الرضا و قد ذکر أن المراد من هذه بالعقد کقوله(علیه السلام)فلا خیار لهما بعد الرضا و قد ذکر أن المراد من هذه العبارة الشریفة أنه لا خیار مجلس لهما بعد ما أقدما علی المعاملة و رضیا بها و علیه فهی صریحة فی عدم شمول السنة

ص:208

لعقد جعل فیه الخیار فان المتبایعین لم یقدما و لم یرضیا علی المعاملة الأعلی النحو الذی أنشئاها و من الواضح أنهما أنشأ ذلک بحیث یکون لهما أو لأحدهما حق الفسخ بعد شهر مثلا أو الی شهر من زمان العقد فلا یشمله قوله(علیه السلام)فإذا افترقا وجب البیع بعد الرضا إذا لم یحصل الرضا بدون الشرط المعلوم.

ثمّ انه قد عرفت أنه لا شبهة

فی جواز اشتراط الشرط فی العقد

من دون أن یلزم فیه محذور أصلا

و قد عرفت أنه یجوز أن یشترط فیه الخیار مدة معینة بل ما دام العمر و قد عرفت مناقشة شیخنا الأستاذ فی ذلک و عرفت الجواب عنه.

و هل یجوز اشتراط الخیار فی مدة مجهولة فی الظاهر و معیّنة
اشارة

فی الواقع

(کأن یجعل البائع المشتری لنفسه الخیار الی قدوم الحاج أو نزول المطر و نحوهما)أو لا یجوز و الظاهر هو الجواز لعموم الأدلة المتقدمة الدالة علی أن المؤمنین عند شروطهم.

و الذی یمکن أن یکون مانعا عن ذلک أحد الأمور الثلثة
الأول

ما أرسله العلامة

من أنه نهی النّبی(صلی الله علیه و آله)عن الغرر فان هذا الشرط غرری فیکون منهیا عنه و یکون المشروط به أیضا منهیا عنه.

و فیه مضافا الی عدم ثبوته إذ الثالث المنقول هو نهی النّبی (صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر أنه لا دلالة فیها علی فساد المعاملة المشروط بهذا الشرط الفاسد الاّ بناء علی سرایته الی المشروط و هو فاسد و سیأتی الکلام منه.

الثانی:أن هذا الشرط أن شرط الخیار فی مدة مجهولة

مخالف للسنة فیکون فاسدا

و ذلک فإنه ورد النهی عن بیع الغرر

ص:209

فی الشریعة المقدسة فاشتراط الشرط الغرری مخالف له فیکون فاسدا و هذا هو الذی ذکره المصنف و ذکر أنه أکل من القفاء فان له أن یستدل من الأول بفساد هذا الشرط بدلیل النهی عن البیع الغرری.

و کیف کان هذا الوجه أیضا لا یتم فإنه ان کان المراد من الشرط المخالف للکتاب هو نفس الالتزام بحیث یکون نفس الالتزام بما یکون مخالفا للکتاب و السنة أیضا مخالفا لهما فیرد علیه أنه مبنی علی سرایة فساد الشرط الفاسد الی المشروط و بعبارة أخری فالصغری مسلم و لکن الإشکال فی الکبری من أن الشرط الفاسد یوجب بطلان العقد أم لا.

و ان کان المراد به نفس الملتزم به لیکون هو بنفسه مخالفا للکتاب و السنة فلا شبهة أن الملتزم به لیس مخالفا للکتاب و السنة فان جعل الخیار و لیس فیه مخالفة لهما و الا لکان کل خیار فی کل عقد مخالفا للکتاب و السنة و علی الجملة فإن کان المراد من الشرط نفس الملتزم به فلیس فیه مخالفة للکتاب و السنة و ان کان المراد به نفس الالتزام و هو و إنکار مخالفا للکتاب و السنة لکونه حراما علی الفرض و لکن لا یری کونه موجبا لبطلان العقد لانه متوقف علی کون الشرط الفاسد موجبا لبطلان العقد أم لا.

الثالث:النبوی المعروف من أنه نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر بدعوی أن اشتراط الخیار فی البیع مدة مجهولة غرری فیسری إلی البیع فیکون البیع أیضا غرریا.و علی هذا فلا یتوقف الاستدلال علی جعل الشرط مخالفا للکتاب و السّنة یحتاج إلی إرجاع الشرط الی نفس الملتزم به و لا إلی النهی عن المطلق الغرر لنحتاج الی البحث عن ثبوته و عدمه.

ص:210

و لکن یرد علیه أنه ان کان المراد من الغرر هو الجهالة فلا جهالة فی المبیع و ان کان الشرط مجهولا فإنه أی جهالة فی المبیع المعلوم من جمیع الجهات الذی وقع علیه البیع إذ لا تسری الجهالة من ناحیة الشرط الی المبیع أصلا.

و بعبارة أخری بناء علی تمامیة ما دل علی النهی عن الغرر من حیث السند و کون الغرر بمعنی الجهالة فما یکون موجبا للبطلان هو جهالة ما یرجع الی الثمن و المثمن لا جهالة الخارجیة و من الواضح أن العوضین هنا معلوم فلا تسری الجهالة إلیهما من ناحیة الشرط المجهول کما هو واضح علی أن الروایة ضعیفة السند و الغرر لیس بمعنی الجهالة.

و ان کان المراد من الغرر هو الخطر کما هو الظاهر علی ما قربناه سابقا فلا خطر هنا أیضا فإن الخطر انما یکون فیما لم یعلم أن ما بذله البائع أو المشتری أن مقدار وقع فی مقابله من المال بحیث تکون المالیة التی تحصله فی مقابل ما یعطیه مجهولة فان هذا خطر.

و أما إذا کان ما یساوی ماله معلوما فان فسخ یملک ما بذله نفسه و الا یملک ما بیده الذی أخذه من طرفه فأی خطر فی ذلک و لو لم یعلم أن العقد یفسخ أولا و أنه فی أی وقت یفسخ فان هذا لا یضر بمالیة المبیع أن الثمن فلا یجعلها خطریة و الا فهذا یجری فی جمیع موارد الخیارات إذ لا یعلم أن ذی الخیار یفسخ أو لا فهذا بنفسه لا یوجب الغرر.

نعم فالمالیة فی الثمن أو المثمن تکون خطریة باعتبار ترق القیمة السوقیة أو تنزلها الی زمان الخیار و الفسخ إذ لا یعلم أنه متی یجیء

ص:211

الحاج أو ینزل المطر حتی یثبت الخیار لذی الخیار فیمکن أن تکون قیمة المبیع نازلة بحیث لا یسوی شیئا فیکون البیع حینئذ خطریا من ناحیة هذا الشرط علی أن دلیل نفی الغرر ضعیف و غیر منجبر بشیء و قد عرفته فی البحث عن القدرة علی التسلیم و لکن هذا یجری فی جمیع موارد الخیارات فلا یختص بالمقام فإنه یمکن أن یطرأ هذه الحالة للمبیع فی بقیة الخیارات أیضا ففیما لیس فیه خطر لا وجه لفساد الشرط و فیما فیه خطر فهو مشترک بین المقام و بین بقیة موارد الخیارات.

هذا کله إذا کانت المدة مجهولة فی الظاهر و معلومة فی الواقع کأن قال بعتک هذا الشیء علی أن یکون لی الخیار مدة خاصة و لم یبین المدة أو قال لی الخیار و أطلق فهذا باطل ثبوتا أیضا لاستحالة إمضاء أمر المجهول الا أن یقال أنه یحمل علی ثلثة أیام.کما افتی به جمع من الأکابر و ذکر الشیخ الطوسی أن علیه أخبار الفرقة و قد عامل بعضهم معاملة الروایة و لکن الظاهر أنه لا یکون دلیلا فی المقام إذ لم نجد روایة تدل علی هذا الرأی و لم ینقله احد حتی الشیخ فی کتابیه فلو کان هنا خبر یدل علی ذلک لنقله هو أو غیره و الظاهر أنه استنبط ذلک من الروایات و ذکر أن علیه أخبار الفرقة و قد ذکر نظیر ذلک فی قصر الصلاة عند الخروج الی الصید و وجدنا الموارد التی استنباط ذلک منها و علیه فان کان هنا إجماع أو تسالم علی حمل مثل هذا الشرط علی ثلثة أیام نأخذ به و الاّ فیحکم بالبطلان کما هو الظاهر.

(فی مبدء خیار الشرط)

قوله مبدء هذا الخیار من حین العقد أقول ان کان وقت خیار

ص:212

الشرط معلوما بالنص کأن یجعل لنفسه الخیار فی الیوم الفلانی فهو و الا بأن أطلق و قال بعتک علی أن یکون لی الخیار الی خسمة أیام فإن ظاهر الإطلاق هو کون الخیار من حین العقد و الاّ کان الإطلاق الغوا و لو جعل لأحدهما الخیار فی الیوم المعین فالإطلاق یقتضی أن یکون مبدء الخیار من أول ذلک الیوم و قال المصنف انه لو شرط خیار الغد کان مبدئه من طلوع الفجر و لکنه مبنی علی أن یکون أول النهار من طلوع الفجر و لکنه فاسد بل النهار المقابل للیل أوله من طلوع الشمس و آخره غروبها و بعبارة أخری قد ذکرنا فی مباحث الصلاة أن قوس النهار من طلوع الشمس فما دام أنها تحت الأرض لا یتحقق النهار و مقابل ذلک اللیل.

و قد ذهب الشیخ و الحلی الی أن مبدئه من حین التفرق و وجه الشیخ فیما سبق بأنه لا معنی لتعدد السبب لخیار واحد و قد تقدم جوابه بأنه لا مانع من استناد الخیار الواحد إلی أسباب عدیدة و یترتب علیه الثمر فیما إذا سقط واحد فإنه یفسخ بالآخر و قد تقدم أیضا النقض بأنه قد یجتمع خیارات عدیدة فی محل واحد و کیف کان فلا محذور فیه علی أنه یرد علیه بأن لازم کلامه هذا أن یکون خیار الشرط بعد خیار الحیوان أیضا.

ثم ان المصنف قد ادعی التبادر هنا أن المتعاقدین انما یجعلان الخیار فی زمان لیس لهما الخیار و الا لم یجعلاه لنفسهما و قد أشار الی ذلک فی السرائر.

و فیه أولا أن التبادر فی نفسه ممنوع و ثانیا ما ذکر المصنف انه لو تم هذا لاقتضی کونه فی الحیوان من حین انقضاء الثلثة و لم یلتزموا

ص:213

بذلک علی أنه انما یتم مع العلم بثبوت خیار المجلس و مع الجهل به لا یقصد من یجعله لنفسه الخیار الا الجعل من حین العقد لعدم التفاته بخیار المجلس بل هذا هو الأغلب إذ لا یلتفت نوع الناس بخیار المجلس ثمّ أورد المصنف علی دعوی أنه بعد انقضاء المجلس الحکم علی المتعاقدین بخلاف قصدهما و أورد علیه شیخنا الأستاذ بأن تبعیة العقود للقصود و وجوب عدم تخلفها عنها انما هو لو قصد عنوانا خاصا و ترتب علیه عنوان آخر مضاد له کما إذا قصد المتبایعین البیع و ترتب علیه الهبة أو الإجازة أو قصد المتعة و ترتب علیه الدوام بناء علی کونهما حقیقتین و أما بیع ما یملک و ما لا یملک فحیث ان القصد فیه فی الحقیقة ینحل الی قصدین فهو لیس من تخلف القصد عن العقد و فی المقام و ان قصدا کون مبدء الخیار من حین العقد الا أنهما قصدا من حینه إلی سنة مثلا فلو حکم الشارع بأنهما ما داما فی المجلس لیس لهما خیار الشرط فهو لیس من تخلف العقد عن القصد.

أقول:ان کان مراد المصنف أنه یلزم التخلف إذا کان قصد المتبایعین ثبوت الخیار لهما من حین العقد إلی خمسة أیام فأمضی الشارع بعد التفرق إلی خمسة أیام و مقدار زمان قبل التفرق کخمسة أیام و نصف أو ساعة بحیث یضیف الناقص من الأول إلی الآخر فلا شبهة فی کون ذلک من تخلف العقد عن القصد فلا یرد علیه ما أورده شیخنا الأستاذ.

و ان کان مراده أن المتبایعین قصدا لنفسها الخیار من حین العقد إلی خمسة أیام و لکن الشارع ضیق دائرة خیارهما و نقص من خمسة أیام بمقدار بقائهما فی مجلس فح لا یلزم التخلف فان المورد

ص:214

ح من قبیل بیع ما یملک مع ما لا یملک و إمضاء البیع فی ما یملک و عدمه فیما لا یملک.و علیه فإشکال شیخنا الأستاذ متین و نظیر ذلک کثیر فی الشریعة کبیع الصرف و السلم فان الشارع امضاهما بعد القبض و کبیع الفضولی و نحو ذلک.

ثم انه ذکر المصنف أنه لو جعل مبدء الخیار من حین التفرق بطل لأدائه إلی جهالة مدة الخیار و قد تقدم أن شرط إذا کان غرریا یفسد و یستلزم کون البیع فاسدا بناء علی کون الشرط الفاسد مفسدا للعقد و الا فیکون الفاسد هو الشرط فقط و لا یسری الغرر الی المبیع و قد تقدم و لکن یمکن عدم الغرر و الجهالة هنا فی هذا المثال کما إذا جعلا الخیار من حین التفرق فان الشرط هنا لا یکون مجهولا لان آخره معلوم فهذه المدة مدة الخیار سواء کان بالمجلس أو بغیره فما داما فی المجلس فیه و بعده بخیار الشرط غایة الأمر سبب الخیار مجهول.

(فی جعل الخیار للأجنبی)
اشارة

قوله مسألة یصحّ جعل الخیار لأجنبی أقول

یقع الکلام فی جهات
الاولی هل یشرع الخیار لا جنبی بعنوان أنه وکیل

لان جعل الخیار له فی قوّة جعل الخیار لنفسه و لا شبهة أیضا فی احتیاجه الی القبول و کیف کان فهذا خارج عن محل الکلام.

و انما الکلام فی جعله للأجنبی بغیر عنوان الوکالة فقد یقال:

بعدم جوازه فان جعل الخیار فی العقد انما یشرع فی حق من کان طرفا للالتزام و یکون له الخیار فی حل التزامه و إبقائه علی حاله و من الواضح أن الأجنبی خارج عن ذلک.

ص:215

و یضاف الی ذلک أنه لا دلیل علی مشروعیة هذه الشرط فیکون مخالفا للمشروع فان الثابت فی الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بد خول الخیار بالأصل کخیاری المجلس و الشرط أو بالعارض کخیار الفسخ بردّ الثمن لنفس المتعاقدین.

أقول:لا وجه للتمسک فی ذلک بالروایات المستفیضة المتقدمة الدالة علی أن المؤمنین عند شروطهم و ذلک لما عرفت سابقا أن هذه الروایات ناظرة إلی الحکم التکلیفی و أنه لا بدّ و أن یکون المؤمن عند شرطه کقوله(علیه السلام)المؤمن عند عهده بل فی بعضها و لیف بشرطه فتکون خارجة عن الأحکام الوضعیة و عن نفوذ الشرط وضعا علی أن هذه الروایات ناظرة إلی الشروط التی سائغة شرعا فیجوز جعلها فی العقود فی الشریعة المقدسة فلا تکون دالة علی تشریع الشروط و جعلها.

و بعبارة أخری أنها مسوقة لتجویز جعل الشروط التی سائغة فی الشریعة فلا تکون مشرعة فی نفسها و موجبة لجعل شرط لا نعلم مشروعیته قبل ذلک و عدمها و لذا قلنا أن هذه الروایات واردة فی مقام جعل الخیار لرجوع الشروط بالأخرة إلی جعل الخیار بالالتزام و من الواضح أن مشروعیة الخیار ثابت فی الشریعة المقدسة و أما فی غیر ذلک فالشروط مخالفة للکتاب و السنة فلا یجب الوفاء بها.

و الظاهر أنه لا دافع لهذا الإشکال إلا ما ذکرناه سابقا من أن المنشأ هو الملکیة المحدودة بعدم الفسخ فان التزام المتعاقدین انما هو علی هذا النحو الخاص و لیس علی وجه الإطلاق فإنک قد عرفت أن الملکیة المنشأ قد یکون مطلقة و قد تکون مقیدة لاستحالة الإهمال فی الواقعیات فالملکیة المنشئة هنا مقیدة بعدم فسخ الأجنبی فیکون

ص:216

ما هو یکون مشمولا للعقد الملکیة المقیدة کما هو و بالجملة فکون الملکیة محدودة بجعل الخیار للأجنبی کتحدید الملکیة بجعل الخیار لنفسه.

فتکون أدلة اللزوم من الأول دالة علی لزوم هذه الحصة فقط فیکون غیر هذه الحصة خارجة بالتخصص و قلنا أن تملیک المبیع و بیعه بالملکیة المحدودة من حیث الکیف لتقیده بعدم الفسخ لا بحسب الزمان متعارف فی الخارج فیکون مشمولا لأدلة اللزوم فنفس أدلة اللزوم تدل علی نفوذ هذا النحو من الشروط فلا تکون هذا الشروط مخالفة للکتاب و السنة.و لا دافع لهذا الإشکال إلا هذا و الا فلا مقتضی لمشروعیة هذا النحو من الشرط.

الجهة الثانیة فی أنه هل یحتاج هذا الشرط الی القبول

بحیث ما لم یقبل الأجنبی هذا الشرط لا یثبت له الخیار و للمتبایعین الشرط کما أن توکیل الغیر یحتاج الی قبول أو لا یشترط فیه ذلک و ربما یقال أن مقتضی کون کل شخص مسلطا علی نفسه هو أن یکون تملکه شیئا باختیاره و سلطنته فان هذا المضمون و ان لم یکن واردا فی الاخبار و انما الوارد الناس مسلطون علی أموالهم و لکن هذا أمر وجدانی بل ثابت بالأولویة فإن کون الإنسان مسلطا علی ماله یقتضی کونه مسلطا علی نفسه بالأولویة القطعیة-و قد قال موسی(علیه السلام) إِنِّی لا أَمْلِکُ إِلاّ نَفْسِی وَ أَخِی و حکاه سبحانه و تعالی فی کتابه الکریم و علی هذا فمقتضی القاعدة عدم ثبوت الخیار للأجنبی الا بقبوله.

أقول:لا شبهة فی أن تملک أیّ شیء انما هو بالأسباب الاختیاریة التی جعلت فی الشریعة المقدسة من الأسباب المملکة غایة الأمر ثبت علی خلاف هذه القاعدة تملک الورثة أموال المورث

ص:217

بالأسباب القهریة و کذلک فی بعض الموارد من غیر مسألة الإرث کالمصالحات القهریة و نحو ذلک فلیس لأحد جبر غیره تملک شیء إلا باختیاره و لذا أفتوا بعدم وجوب قبول البذل فی الحج لیکون مستطیعا و یجب علیه الحج.

و لکن الظاهر أن الخیار خارج عن حدود الملک و ان فسرناه بملک فسخ العقد و تحقیق ذلک أنه قد تقدم فی أول البیع فی بیان الفرق بین الحق و الحکم أن الجواز الثابت فی العقود الجائزة أو اللازمة بواسطة جعل الشارع أو جعل المتعاقدین حکم شرعی من ناحیة الشارع غایة الأمر أن ما ثبت فی العقود اللازمة یفترق عما ثبت فی العقود الجائزة بوجهین الأوّل أن الثابت فی العقود اللازمة اما بالجعل أو بواسطة جعل الشارع کخیاری المجلس و الحیوان یقبل السقوط بالإسقاط بخلاف العقود الجائزة فإن الجواز فیها أمر ثابت بجعل الشارع و لا یقبل السقوط حتی بإسقاط المتعاقدین و لو قالوا أسقطنا ألف مرة.

و قد تقدم فی ما سبق فی أدلة خیار المجلس و الحیوان قوله(علیه السلام) فذلک رضا بالبیع فعلم أنه سقط بالإسقاط و بعبارة اخری أن فی ذیل تلک الأدلة ما دل علی سقوط الخیار بالرضا.

الثانی أن الخیار الثابت فی العقود اللازمة ینتقل الی الوارث بموت المورث و نحوه و الخیار الثابت فی العقود الجائزة بحسب المطیع بحکم الشارع لا یقبل ذلک بوجه و لکن هذان الوجهان یرجعان الی الفرق من حیث الحکم الشرعی و لا یوجب بینونتهما بحسب الحقیقة و الا فالجواز شیء واحد بحسب الحقیقة و لا میز بینهما و لا بینونة بینهما

ص:218

بحسب الحقیقة فالنتیجة أن الخیار و الجواز فی العقود الجائزة و العقود اللازمة شیء واحد و حکم شرعی جعله الشارع للمتعاقدین و کذلک ما جعله المتعاقدان فإنه أیضا من قبیل الحکم فقد اعطی الشارع اختیار جعله بید المتعاقدین و علی هذا المنهج فباب الخیارات بالکلیّة أجنبیة عن حدود الاملاک المصتلحة و علیه فلا مانع من جعل الخیار للأجنبی من غیر أن یکون ثبوته له محتاجا الی القبول فان هذا الحکم شرعی یثبت للأجنبی و کونه من قبیل الحقوق و الاملاک الحقیقة سالبة بانتفاء الموضوع کما هو واضح فیکون الالتزام بالعقد مقیدا بعدم فسخ الأجنبی فإذا فسخ بطل العقد و الا فیبقی علی حاله و لا یکون لقبوله و عدمه أصلا مدخل فی ذلک فمعنی جعل الخیار له هو کون العقد مقیدا بعدم فسخه کما هو واضح.

غایته بجعل المتعاقدین و من هنا یظهر أنه لا یسقط بإسقاط الأجنبی فإن الدلیل علی سقوط الخیار بإسقاط ذی الخیار انما هو فی المتعاقدین فان الظاهر من أدلة ثبوت أنواع الخیار لهما هو ذلک و أما الأجنبی بعد قیام الدلیل علی جوازه فلا یکون قابلا للسقوط بإسقاطه.فلا یکون ساقطا کما لا یخفی.

الجهة الثالثة:أنه هل یجوز للمتعاقدین إسقاط هذه الخیار

عن الأجنبی أم لا

فقد اختار السیّد(ره)فی حاشیة الوجه الأوّل قال (أن شرطه کون الأجنبی ذا خیار فخیار الأجنبی حق للمشروط له فکما یجوز إسقاط خیار نفسه لو جعله لنفسه فکذلک فی الأجنبی و لیس الشرط حدوث الخیار للأجنبی بل دوامه فیکون کخیار نفسه فی جواز إسقاطه و لا یضر سقوط حق الأجنبی أیضا من غیر اختیاره کما أنه یجوز

ص:219

للأجنبی إسقاطه فیسقط المشروط له أیضا قهرا علیه).

أقول أن ثبوت الخیار للأجنبی و ان کان حق للمتعاقدین و لکن ذلک فی ناحیة الحدوث دون البقاء فثبوت الخیار للأجنبی حدوثا انّما هو بجعل المتعاقدین و حق لهما فی أن یجعلا الخیار فی العقد لنفسهما أو لغیرهما و أما من حیث البقاء فلا دلیل علی قبوله السقوط بإسقاط المتعاقدین بل قلنا انه لا یسقط بإسقاط نفس الأجنبی أیضا فکون ثبوت الخیار للأجنبی حدوثا حقا للمشروط له لا یلازم کونه بیده أیضا بقاء بل لا بدّ بعد ثبوته للأجنبی ملاحظة ما دل علی سقوط الخیار بالإسقاط و من الواضح أنه لیس لنا ما یدل علی سقوطه بإسقاط المتعاقدین بل بإسقاط نفس الأجنبی فیکون نظیر الجواز الثابت فی الهبة و غیرها من العقود الجائزة فلا یعقل انفکاکه عن العقد ما دام العقد باقیا و لا شبهة أن سقوط الخیار بالإسقاط یحتاج الی دلیل و قد دل الدلیل علی سقوطه بالإسقاط فی الخیارات المجعولة لنفس المتعاقدین فان فی ذیل أدلة خیاری فی المجلس و الحیوان ما یدلّ علی سقوطه بالرضا و أما ما جعلاه للأجنبی فلا دلیل علی سقوطه بالإسقاط.

و بعبارة أخری تارة یشترط المشروط له فی العقد أن یخیط المشروط علیه له الثواب و لا شبهة أن مرجع ذلک الی جعل الخیار لنفسه علی تقدیر ان لا یخیط له الثوب و له حینئذ أن یسقط خیاره علی تقدیر تخلف الشرط فان ذلک حق للمشروط له.

و أخری یجعل الخیار و للأجنبی فلا شبهة حینئذ أن المشروط له له حق الجعل حدوثا و أما بعده فلیس له فسخ ذلک لکونه حقا

ص:220

ثابتا للأجنبی فلا دلیل لسقوطه بإسقاط غیره.

و قد انتهی الکلام الی جعل الخیار للأجنبی و قد قلنا أن مرجعه الی تحدید الملکیة المنشأ و کون المنشأ من الأوّل مقیدا فتکون أدلة اللزوم من الأول قاصرة الشمول لما بعد الفسخ فضلا عن أن یکون الشرط مخالفا للکتاب و السنة.

و بقی الکلام فی الجهتین الأخرتین
الاولی فی أن خیار

الأجنبی هل هو مشروط بملاحظة الغبطة و المصلحة أم لا

فنقول قد یکون جعل الخیار للأجنبی مشروطا بمراعاة مصلحة من جعل الخیار له و حینئذ فلا شبهة فی کون خیاره مقیدا بذلک فلا یکون فسخه نافذا بغیر ملاحظة المصلحة و قد یجعل له الخیار علی وجه الإطلاق سواء کان فی الفسخ مصلحة أم لا و حینئذ فیکون له الخیار علی وجه الإطلاق هذا لا شبهة فیه مع التصریح بذلک فی مقام الإثبات و أما لو جعل الخیار للأجنبی مع عدم التصریح بکونه ذی خیار علی وجه الإطلاق بل إطلاق فهل یثبت له الخیار أیضا علی وجه الإطلاق أم ینصرف إلی صورة کون الفسخ مصلحة للمشروط له.

أقول ان کان جعل الخیار للأجنبی من کلا المتبایعین فلا وجه لملاحظة المصلحة لهما ح فان الغالب أن البیع یکون مصلحة لأحدهما و غیر مصلحة للآخر فان الغالب أما أن یکون فیه ربح المشتری أو ربح البائع و قلما یتفق أن یکون البیع مصلحة للبائع و المشتری معا و علیه فلا وجه لملاحظة المصلحة فهما و لو کان جعل الخیار و للأجنبی من أحدهما فقط دون الآخر و مع ذلک أطلق فی جعله فهل ینصرف ح إلی صورة وجود المصلحة فی الفسخ أم لا فنقول أن ثبوت الخیار للأجنبی

ص:221

علی وجه الإطلاق و ان کان ممکنا ثبوتا و لکنه ینصرف إلی صورة کون فسخ الأجنبی مصلحة للمشروط له فان الظاهر أن جعل الخیار له لیس علی وجه یکون فی نفس الجعل غرض بل هو من جهة أن المشروط له لیس له بصیرة علی حال البیع و انه جاهل بخصوصیات البیع و المبیع و أن هذه المعاملة مصلحة له أم لا لکونه غیریا مثلا فجعل الخیار له من جهة أن یلاحظ مصلحة هذا الشخص و الا فیکون نقضا للغرض کما لا یخفی.

و علیه فدعوی الانصراف إلی صورة وجود المصلحة لیست بدعوی جزافیة الا أن یصرح علی کون الخیار للأجنبی علی وجه الإطلاق.

الجهة الثانیة:أنه لو جعل الخیار لشخصین أو لنفسه مع

الأجنبی أو لعده أشخاص فهل یکون الخیار لکل منهما أو علی المجموع

أو غیر ذلک

و قد عرفت فی خیار المجلس نظیر ذلک فنقول إجمالا أنّ الخیار تارة یکون ثابتا للطبیعة علی نحو الکلی الطبیعی بحیث کل من سبق إلی اعمال الخیار من الفسخ أو الإمضاء یتحقق الطبیعی فی ضمنه فلا یبقی خیار لفرد آخر من هذه الطبیعة أصلا و هذا لا شبهة فیه و قد یکون ثابتا لکل فرد فرد بعنوان الفردیة لا بما أنهم من مصادیق الطبیعة و علی هذا فیکون کل واحد منهم ذی خیار و علیه فان سبق أحدهما إلی الفسخ فلا یبقی موضوع لخیار الثانی فإنه یوجب انهدام العقد و انحلاله من أصله فلا یبقی شیء حتی یکون الثانی یعمل خیاره.

و ان کان أمضی العقد فیکون العقد ممضی من قبله فقط فلا یکون ذلک مضاء من قبل الآخرین و قد عرفت النکتة بین الفسخ و الإمضاء فی خیار المجلس و قلنا أن الفسخ هو انحلال العقد فلا یعقل الا من الطرفین

ص:222

و هذا بخلاف الإمضاء فإن الإمضاء من أحد الطرفین لا یستلزم الإمضاء من الطرف الآخر.

و قد یکون الخیار ثابتا للمجموع من حیث المجموع فقد قربنا فی خیار الورثة و علیه فإمضاء کل من الطرفین أو فسخه لا یؤثر الا من قبله فقط فیکون خیار الآخرین باقیا علی حاله فلهم الفسخ أو الإمضاء فإن اتفق جمیع هؤلاء علی الفسخ انفسخ العقد و الا یبقی العقد علی حاله و کیف کان فالخیار تابع لجعل الجاعل کما هو واضح.

قوله مسألة یجوز لهما اشتراط الاستیمار بأن یستأمر المشروط علیه الأجنبی فی أمر العقد أقول

حیث کان الکلام فی جعل الخیار

للأجنبی فلمناسبة ذلک ذکر مسألة الاستیمار فی أمر العقد

و ان لم یکن من جعل الخیار فی شیء.

فنقول انه یمکن تصویر ذلک بوجوه و لکن المناسب للمقام اعنی مسألة جعل الخیار للأجنبی.وجهان الذان ذکرهما السیّد(ره).

الأول أن یکون مرجع ذلک الی جعل الخیار لنفسه علی تقدیر

أمر الأجنبی بالفسخ و الا فلا

و علیه فهل یجوز له أن یفسخ قبل الأمر و الاستیمار أم لا الظاهر بل المقطوع به هو العدم لأنّة انّما جعل لنفسه الخیار علی تقدیر خاص فلیس له أن یفسخ بغیر هذا التقدیر إذ لا خیار له بدونه و أما لو أمر الأجنبی الذی جعل لنفسه الاستیمار منه قبل الاستیمار فهل یجوز له الفسخ بذلک أم لا و الظاهر هو جواز الفسخ بهذا الأمر و ذلک لان الاستیمار لیس له موضوعیة فی ثبوت الخیار للمشروط له و انّما هو طریق الی تحصیل الأمر من الغیر فإنه لا داعی لهذا الغیر أن یأمر بالفسخ أو الإمضاء بدون

ص:223

الاستیمار و لذا یستأمر منه و الا فالغرض هو تحصیل الأمر فقط و علیه فیجوز الفسخ ان أمر به الأجنبی بدون الاستیمار فإنه یثبت له الخیار بذلک الأمر.

ثم انه إذا استأمر من الشخص المعلوم فلم یأمر بالفسخ بل بارک له فی معاملته فلیس للمستأمر حق الفسخ أصلا إذا کان له الخیار علی تقدیر أمره بالفسخ و ان أمر بالفسخ فیجوز له ان یفسخ و یجوز له أن لا یفسخ لأن الحق له نعم لو کان عنده أمر بالفسخ حق للطرف الأخر أیضا بأن کان الطرف اشترط علیه أن یفسخ بأمر المستأمر بالفسخ وجب علیه الفسخ کما لا یخفی.

و أما وجوب الفسخ فلا یثبت له حکم تکلیفی وجوبی لما عرفت أن الخیار حق لذی الخیار فیثبت به له حق فی فسخ العقد أو إمضائه و أما الحکم التکلیفی فلا یثبت هنا بوجه.

ثم انه بناء علی ما تقدم من ذهاب المشهور الی بطلان الشرط بکونه مجهولا کجعل الخیار لأحدهما علی تقدیر نزول المطر أو قدوم المسافر فلا شبهة فی بطلان البیع لمجهولیة الخیار الناشئ من جعل الاستیمار من شخص لنفسه بناء علی هذا الوجه الذی هو الظاهر و المناسب لمسألة جعل الخیار للأجنبی فإن الشرط ح یکون مجهولا إذ لا فرق بین هذا و بین جعل الخیار علی تقدیر قدوم الحاج و من الواضح أن جعل الخیار علی تقدیر أمر الفلان بالفسخ إذا استأمره أمر مجهول فلا مناص لهم من القول بالبطلان لجهالة المعاملة علی مذاق المشهور و أما بناء علی ما ذکرناه من عدم کون البیع غرریا بذلک مع کون ما یأخذ کل منهما أو یراجعه من الآخر بعد الفسخ معلوما أعنی العوضین.و قد

ص:224

عرفت ذلک و هذا هو الوجه الأول و هذا هو المرتکز فی الأذهان و ینصرف إلیه الإطلاق.

الوجه الثانی:أن یشترط أحد الطرفین علی الآخر عدم الفسخ

ما لم یأمر الأجنبی بذلک

بحیث یکون فی ذلک حق لکلیهما معا بخلاف السابق فإنه کان الشرط لأحدهما فقط و هذا الوجه لا محصل له أصلا فإنه ان کان المراد به اشتراط عدم الفسخ ما لم یأمر به المستأجر بالفتح فلو فسخ قبل الأمر ینفسخ العقد و لکن یثبت للطرف الآخر خیار تخلف الشرط کما هو الظاهر من الاشتراط و ح فلا یبقی مجال لثبوت الخیار للطرف الآخر مع التخلف إذ لا یبقی موضوع للخیار أصلا بعد انهدام العقد و توضیح ذلک أنه علی المختار من رجوع الشرط الی جعل الخیار علی تقدیر التخلف فلا یبقی موضوع لذلک فإنه یکون فسخه مؤثرا فی العقد فلا یبقی هنا عقد حتی یفسخه الطرف الآخر بخیار تخلف الشرط من جهة عدم وفاء الطرف الآخر بالشرط أعنی به عدم الفسخ قبل الأمر و بالجملة فاشتراط عدم الفسخ ح لا أثر له أصلا.

و علی مسلک المشهور من کون الاشتراط موجبا لمجرد إثبات حکم تکلیفی أعنی وجوب الوفاء بالشرط فلو خالف من له خیار الفسخ بالأمر بعد الاستیمار ففسخ قبل الأمر قد فعل فعلا محرما و أما عدم نفوذ فسخه فلا مانع منه فان ثبوت الحکم التکلیفی لا یمنع عن تأثیر الحکم الوضعی فیمکن أن یکون الفسخ حراما و مع ذلک یکون نافذا و أما علی مسلک شیخنا الأستاذ من کون الشرط موجبا لعجز المکلف تکلیفا عجزا شرعیّا لکون المنع الشرعی کالمنع العقلی فلا یکون الفسخ مؤثرا و لکن قد عرفت عدم تمامیته و یأتی التراضی بذلک فی باب الشروط إنشاء اللّه.

ص:225

و ان کان المراد من اشتراط عدم الفعل اعنی عدم الفسخ ان لا یکون له حق الفسخ قبل الأمر فیکون ذلک عین الوجه الأول فلا یکون وجها آخر غیره فیکون معنا جعل الخیار علی تقدیر أمر الأجنبی به.

الثالث أن یکون المراد من الاستیمار اشتراط أحدهما الفسخ

بعد أمر المستأمر بالفتح بذلک

بحیث یشترط الفعل الوجودی دون العدمی و هذا صحیح غیر الوجه الأول و لکنه خلاف المرتکز و خلاف الانصراف و علیه فإذا أمر المستأمر بالفتح ففسخ المستأجر بالکسر فبها و الاّ فیثبت للطرف الآخر خیار تخلف الشرط فیفسخ هو بنفسه کما هو واضح.

قوله مسألة من افراد خیار الشرط ما یضاف البیع الیه و یقال
اشارة

له بیع الخیار

و هو جائز عندنا أقول قد عرفت.أصل خیار الشرط و وجه ثبوته للمشروط له و یقع الکلام فی بعض أقسام الخیار و من أفراده ما هو المعروف الذی یسمی ببیع الخیار فی العرف ای بیع فیه الخیار و معناه أن یبیع متاعا علی أن یکون له الخیار بعد رد الثمن و قد تعارف ذلک فی الخارج لعلاقة الناس بأموالهم و احتیاجهم الی البیع و یرید أن یجمع بین الحقین و هذا لا خلاف فی جوازه بین الأصحاب و لکن العامة بنوا علی خلافه و جری علیه القانون الحکومی فی الخارج و لذا لا یمضون مثل هذه المعاملة بل بنوا علی معاملة الرهون.

و کیف کان فلا شبهة فی مشروعیة هذه المعاملة و یکفی فی مشروعیته مضافا الی التسالم بین الفقهاء الأدلة المستفیضة المتقدمة الدالة علی أن المؤمنین عند شروطهم و أن القاعدة تقتضی صحة ذلک لکون انشائهم علی هذا النحو الخاص و یدل علی صحة ذلک مضافا

ص:226

الی ما ذکر من الروایات الکثیرة بین صحیحة و موثقة و غیرهما فإنّها صریحة فی صحة هذا النحو من البیع و انّما الکلام فی تصویر ذلک

فتوضیح المسألة یتحقق بالکلام فی أمور
الأمر الأول أن اعتبار رد الثمن فی هذا الخیار یتصور علی وجوه

فقد ذکر المصنف هنا وجوها خمسة.

الأول أن یکون الخیار معلقا برد الثمن

بحیث متی ردّ الثمن ان یکون له الخیار فی رد المبیع.

الثانی:أن یکون رد الثمن قیدا للفسخ

بأن یشترط علی الطرف أن یکون الرد قیدا للفسخ بمعنی أن له الخیار فی کل جزء فی المدة من زمان العقد الی زمان ردّ الثمن و لکن لیس له أن یفسخ الاّ بعد ردّ الثمن.

و الظاهر أن هذا الوجه لیس وجها آخر فی مقابل الوجه الأول فإنه إذا کان الفسخ مقیدا بردّ الثمن فمعناه أنه لا یقدر علی الفسخ قبل ردّ الثمن و معنی عدم قدرته علی الفسخ قبله أنه لا خیار له قبل ردّ الثمن فیکون الفرق بین الوجهین بحسب الصورة فقط و الا ففی الثانی أیضا نفس الخیار مقید برد الثمن و قبله لا خیار له أصلا.

الوجه الثالث:أن یکون ردّ الثمن فسخا فعلیّا

بأن یراد منه تملیک الثمن لیتملک منه المبیع.أقول الظاهر أن هذا الوجه أیضا عند التحقیق لیس وجها آخر فی مقابل الوجه الأول فإن معنی کون ردّ الثمن فسخا فعلیّا أنه لا خیار له قبل رد الثمن غایة الأمر أن فسخه مقید بکونه بردّ الثمن و عدم تحققه بالقول فتکون دائرة الفسخ مضیقة و هذا لا یوجب جعله قسما آخر فی مقابل الأول و الا فیمکن أن یکون هنا تقسیمات کثیرة باعتبار القیام و القعود و لبس البیاض و لبس السواد و غیر ذلک من الاعتبارات و لا شبهة ان المراد بکون ردّ الثمن فسخا لیس

ص:227

رده علی وجه الإطلاق و لو کان الرّد بعنوان الودیعة أو العاریة أو غیر ذلک من العناوین بل بعنوان أن یکون فسخا و یتحقق به الفسخ و اذن فیکون معناه أن له الخیار بعد ردّ الثمن بشرط أن یکون الفسخ بردّ الثمن دون غیره و لیس هذا الا کون أصل ثبوت الخیار مقیدا بقید خاص.

الرابع أن یؤخذ ردّ الثمن قیدا لانفساخ العقد.

و الظاهر أن هذا أیضا لیس فی مقابل الوجه الأول وجها آخر فی المقام و ذلک لا مرجع هذا الی ان العقد ینفسخ بحصول سبب الفسخ و إیجاد ما یتحقق به الفسخ و هو عین الوجه الأول فإنه علیه أیضا ینفسخ العقد بإیجاد ما یتحقق به الفسخ من الفسخ القولی أو الفعلی کما هو واضح.

الخامس:أن یکون ردّ الثمن شرطا لوجوب الإقالة علی المشتری

بأن یلتزم المشتری علی نفسه أن یقبله إذا جاء الثمن و استقالة و هذا الوجه مغایر للوجه الأول فإن المشتری یشترط علی البائع أن یقبله إذا جاء بالثمن فلیس هذا اشتراط خیار علی تقدیر بل معناه أنه یشترط الإقالة و ح فإذ جاء بالثمن فاستقاله البائع فأقاله فبها و الا کان للمشتری خیار تخلف الشرط کما هو واضح فیفسخ هو بنفسه.و علی الجملة فمرجع الوجوه الخمسة إلی الوجه الأول الا هذا الوجه الأخیر.

قوله(ره)الأمر الثانی الثمن المشروط رده

أقول قد عرفت أنه لا شبهة فی جواز جعل الخیار بردّ الثمن ثمّ ان الثمن الذی کان الخیار مشروطا بردّه قد یکون کلیّا فی ذمة البائع قبل البیع و قد یکون عند المشتری أما الأول فکما إذا کان البیّع مقروضا لزید عشرة دنانیر فباع

ص:228

منه کتابا بعشرة أیضا فإنه لا شبهة ح فی سقوطه عن البائع فلا یعقل هنا اشتراط الخیار بردّ الثمن و هذا خارج عما نحن فیه نعم لو تفاسخا و ردّ المشتری المبیع إلی البائع یکون ذمة البائع أیضا مشغولة بما کان مشغولة به أولا کما هو واضح.

و أما إذا کان الثمن عند المشتری کلیّا أو شخصیّا أو فی ذمّة شخص آخر علی نحو الکلی فی الذمة أو فی المعین فنقول ح أن الکلام تارة یقع قبل القبض و أخری بعده أما إذا کان قبل القبض فقد یکون کلیّا و قد یکون شخصیا أما الأول فالظاهر ثبوت الخیار للبائع فإنه و ان کان الخیار مشروطا برد الثمن إلی المشتری و کان المتفاهم العرفی من الرد کونه بعد القبض فان معنی الرد هو رد المأخوذ و لکن الردّ بنفسه لیس له موضوعیة بل الغرض وصول الثمن إلی المشتری و کونه عنده و من الواضح أن هذا النتیجة حاصلة قبل القبض و الإقباض فما لم یقبض المشتری الثمن من البائع فله الخیار الی الوقت الذی جعل فیه الخیار مشروطا برد الثمن و لا شبهة أن هذا مما علیه الارتکاز العرفی و هل له الخیار بعد انقضاء المدة و قبل الإقباض بأن اشترط البائع علی المشتری ثبوت الخیار له إذا رد الثمن الی ثلثة أشهر و تم ثلثة أشهر فلم یقبض المشتری الثمن حتی انقضت المدة فقد احتمل المصنف هنا وجهان الأول لزوم البیع لانقضاء المدة التی اشترط فیها الخیار بردّ الثمن.

و الثانی عدم اللزوم بناء علی أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله فان الردّ بدون القبض لا معنی له فحیث لم یحصل الشرط فلم یکن البیع لازما بل یکون متزلزلا کما هو واضح.

ص:229

و فیه أن الرد بحسب المتعارف و المتفاهم و إن کان منوطا بالقبض و لکن ارتفاع الخیار المشروط بالرد لیس متوقفا علی تحقق القبض فلیس له موضوعیة فما لم یخرج أمد الزمان الذی فیه الخیار مشروطا بالرد الثمن فللمشروط له الخیار قبل القبض و بعد انقضاء المدة یتم أمد زمان الخیار المجعول لعدم الاشتراط وراء هذا الزمان فلیس هنا شرط آخر أیضا یدور مداره الخیار و لا یفرق فی ذلک حصول القبض و عدمه نعم قبل انتهاء زمان الخیار فعدم القبض یفید فائدة الرد کما عرفت و الحاصل أن ردّ الثمن و ان کان موجبا لثبوت الخیار و ان عدم القبض یفید فائدته و لکن فی زمان خاص و المفروض أنه تم هذا الزمان کما لا یخفی فافهم.

نعم یثبت للبائع الخیار لکن لا بهذا الشرط بل لتخلف الشرط الضمنی حیث أن من المرتکزات الضروریة أن کل من یعامل فیشترط فی ضمن العقد وصول بدل ماله إلیه فی أی وقت یطالبه الا مع اشتراط التأخر فإذا تخلف الشرط و تأخر الثمن ثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط الضمنی.

و أما إذا کان الثمن شخصیا.

فتارة یشترط البائع علی المشتری ثبوت الخیار بردّ عین الثمن.

و أخری برد بدله مع التلف و الا فیرد عینه.

و ثالثة یشترط لنفسه ثبوت الخیار بردّ بدل الثمن سواء کانت عین الثمن موجودة أو تالفة.

و رابعا یشترط لنفسه الخیار بشرط رد الثمن و یطلق و لم یصرح برد بدله و عدمه أما الأول فلا شبهة فی ثبوت الخیار له برد نفس الثمن

ص:230

و مع التلف یسقط الشرط و یکون البیع لازما لاستحالة رد عین الثمن بعد التلف و أما الثانی فهو واضح أیضا فإن ثبوت الخیار تابع للشرط فإذا سقط الشرط ثبت الخیار برد عینه مع البقاء و رد بدله مع التلف ثبت له الخیار بحسب هذا الاشتراط إذا کان الرد فی زمن الشرط.

و أما الثالث فهو اشتراط الخیار برد مثل الثمن و لو مع بقاء العین فقد أشکل المصنف فی ذلک فان قانون الفسخ یقتضی رجوع کل من العوض و المعوض الی صاحبه فردّ بدله مخالف لذلک.

أقول تارة یشترط البائع علی المشتری ثبوت الخیار لنفسه برد مثل الثمن لا من جهة أن یکون الثمن باقیا فی ملک البائع و یعطی بدله للمشتری بل غرضه أن یکون بدل الثمن نظیر الوثیقة عند المشتری لیطمئن من رد أصل الثمن و یردّ بدله الی نفس البائع و هذا لا شبهة فیه بوجه فلا یکون البدل ملکا للبائع إلا إذا حصلت مراضاة جدیدة و مبادلة جدیدة.

و ان کان غرضه کون المثل عوضا عن الثمن فح یرد علیه ما ذکره المصنف من أن قانون الفسخ یقتضی رجوع کل من العوضین الی صاحبه و لکن الظاهر أنه لا مانع من ذلک فان معنی ثبوت الخیار برد مثل الثمن لیس هو ما ذکره المصنف لیرد علیه الاشکال المذکور بل معناه أن البائع عند اشتراط هذا الشرط یفعل أمرین أحدهما أنه یجعل لنفسه الخیار بحیث یقدر علی الفسخ و الثانی یشترط علی المشتری المبادلة بین الثمن و بدله علی تقدیر الفسخ و لو کان الشرط الثانی بحسب الارتکاز و علیه فإذا فسخ المعاملة برد بدل العین یفعل أمرین أحدهما فسخ المعاملة و الثانی تبدیل بدل الثمن

ص:231

بأصله بمراضاة جدیدة و لا شبهة فی صحة مبادلة مال بمال و ان لم یکن أحدهما ثمنا و الآخر مثمنا فان نفس عنوان المبادلة عن تراض من المعاملات المشروعیة فی الشریعة المقدسة.

و بعبارة أخری أن تبدیل الثمن بغیره و لو کان ذلک الغیر مثله من جمیع الجهات و ان کان یحتاج الی مراضاة جدیدة و لکن البائع قد اشترط ذلک فی ضمن العقد و قد اشترط فسخ المعاملة بالرد و اشترط أیضا تبدیل بدل الثمن بالمثمن فافهم.و أما إذا کان البائع اشتراط ثبوت الخیار له برد الثمن مطلقا فقد استظهر المصنف من ظاهر اللفظ کون الخیار مشروطا برد نفس الثمن دون مثله فان المرتکز من الثمن هو نفسه لا بدله و هذا الذی أفاده و ان کان متینا فی غیر هذا المورد و لکنه لا یمکن المساعدة علیه فی خصوص المقام فان من الواضح بحسب مرتکزات العرفیة و متفاهم أن من یبیع داره بهذا الشرط معناه أن له احتیاج الی الثمن لیصرفه فی محاوجه و لکن حیث کان له رغبة إلی ماله فلا یرید أن یخرج من تحت تصرفه فیبیعه بهذا الشرط لیکون جمعا بین الحقین فإذا لاحظ العرف هذا المعنی یقطع أن اشتراط ثبوت الخیار برد الثمن هو رد بدله مع التلف و ان أطلق البائع فی مقام الاشتراط و هذا واضح جدا.

و بعبارة أخری قد ذکر المصنف أنه إذ اشترط البائع علی المشتری الخیار علی تقدیر رد الثمن فیحمل علی رد الثمن فقط دون بدله فان الظاهر من الثمن بحسب الارتکاز هو ذلک فلا یطلق علی بدله فاشتراط رد الثمن یکون منصرفا الی ما هو الظاهر و الغالب

ص:232

أعنی نفس الثمن دون بدله.

و ذکرنا أن هذا الذی ذکره المصنف انما هو متین فی غیر هذا المورد فان الظاهر من إطلاق الثمن هو نفسه و أما فی المقام فلا لخصوصیة تقتضی أن یراد من اشتراط ردّ الثمن ردّ الأعم منه و من بدله و هذه الخصوصیة أعنی قیام القرینة الخارجیة علی ذلک فان کون المشتری فی مقام صرف الثمن و احتیاجه الی ذلک مع اشتراط الخیار علی تقدیر رد الثمن یقتضی إرادة الأعم من رد نفس الثمن و ردّ بدله و هذه القرینة تقتضی رفع الید عمّا ذکره المصنف فی خصوص المقام.و لکن لا بدّ من تخصیص ذلک بما إذا کان الثمن الذی احتاج الی صرفه من النقود أو ما یشبه النقود کالحنطة و نحوها بحیث إذا صرف فی المحاوج لا یبقی له موضوع أصلا و أما إذا کان مما لا یکون کذلک بحیث یبقی مع رفع الاحتیاج کأن أخذ کتاب الجواهر للمطالعة بعنوان جعله ثمنا لمتاع فاشترط ثبوت الخیار علی تقدیر ردّ الثمن فإنه لا یمکن رفع الید عما ذکره المصنف و حمل کلامه علی الأعم من رد الثمن و رد بدله.

هذا کله إذا کان الثمن شخصیّا و أما إذا کان کلیّا فان کان کلیّا فی ذمة البائع فقد عرفت خروجه عن مورد الکلام فإنه بمجرد تحقق البیع یسقط و لا یبقی شیء فلا یعقل رد الثمن حینئذ غایة الأمر إذا تفاسخا تکون ذمة البائع أیضا مشغولة بالثمن ثانیا.

و ان کان کلیا فی ذمة المشتری أو شخص آخر بحیث یکون ما یعطیه المشتری للبائع مصداقا من ذلک الکلی لا عین الثمن فان المفروض أن الثمن هو الکلی و حینئذ ان اشتراط المشتری أن یکون

ص:233

المردود عند الرّد هو نفس ما یعطیه المشتری للبائع و الا فلا خیار له فهذا الاشکال فیه فان ردّ البائع نفس ما أخذه ثبت له الخیار نظیر ما تقدم فی الثمن الشخصی و ان اشتراط البائع ثبوت الخیار له برد الثمن أعم من رد عینه أو بدله و هذا أیضا لا شبهة فیه فیکون الشرط متبعا کما تقدم فی الثمن الشخصی و أما إذا اشترط البائع علی المشتری ذلک و أطلق فهذا هو محل الکلام بین الاعلام فذکر المصنف أن المتبادر بحکم الغلبة فی هذا القسم من البیع المشتهر ببیع الخیار و هو رد ما یعلم البدل اما مطلقا أو مع فقد العین و یدل علیه صریحا بعض الاخبار المتقدمة الا أن المتیقن منها صورة فقد العین.

أقول لا شبهة فی انّه إذا کان الثمن کلّیا فلا یکون المدفوع بعینه ثمن بل ممّا ینطبق علیه الثمن الکلی و علی هذا فلو اشتراط البائع ثبوت الخیار له مع رد الثمن مطلقا فلا یعقل رد نفس الثمن علی کلیته لانه غیر قابل لذلک مع أنه لم یؤخذ حتی یرد و علیه فیکون مقتضی الإطلاق هو رد ما یکون مصداقا للکلی و مما ینطبق علیه الثمن و من الواضح أن صدق هذا المعنی بالنسبة إلی المأخوذ و الی بدله سیان فان کلیهما لیس بثمن حقیقة و ان کلیهما مما ینطبق علیه الثمن الکلی فدعوی انصرافه إلی المأخوذ و بدله یحتاج إلی عنایة زائدة و هی منتفیة کما هو واضح إلا إذا اشترطا رد خصوص المأخوذ الشخصی و هو خارج عن الفرض.

و علیه فالإطلاق هنا متعاکس مع الإطلاق فی صورة کون الثمن شخصیا فإن الإطلاق هنا کما عرفت منصرفة إلی رد خصوص نفس الثمن و لکنه فی المقام یعم المأخوذ و بدله علی حسب القاعدة من غیر

ص:234

احتیاج الی دعوی الغلبة أصلا کما کان کذلک فی السابق.

قوله الأمر الثالث قیل ظاهر الأصحاب إلخ

أقول:قد ذکر أن ظاهر الأصحاب علی ما تقدم من أن رد الثمن فی هذا البیع عندهم مقدمة لفسخ البائع أنه لا یکفی مجرّد الرّد فی الفسخ و عللوا ذلک أیضا بأن الرد من حیث هو لا یدل علی الفسخ أصلا و ذکر المصنف ان هذا حسن مع عدم الدلالة أما مع فرض الدلالة عرفا بکون رد الثمن تملیکا للمشتری و أخذ للمبیع علی وجه المعاطاة فلا وجه لعدم الکفایة مع تصریحهم بتحقق الفسخ فیما هو أخفی من ذلک دلالة.

أقول قد یقال أن الوجه فی قولهم هذا هو اشتراط کون الفسخ بلفظ کما اشترطوا ذلک فی العقود و إیقاعات و من الواضح أنهم لم یشترطوا فی الفسخ ذلک بل اکتفوا بمطلق ما یکفی فیه إظهار الفسخ و لو کان برد الثمن بل بما هو اخفی منه کما ذکره المصنف.

و ذکر شیخنا الأستاذ أن رد الثمن مقدمة للخیار أو للفسخ أو للإقالة فیجب بعده إنشاء الفسخ أو اعمال الخیار أو الإقالة بغیر هذا الرّد الذی به یتحقق ملک الخیار أو الفسخ أو الإقالة.

و فیه أن رد الثمن ان کان بعنوان التملیک أو تملیکه للمشتری لیأخذ المبیع لا تملیکا مجانیا فلا شبهة فی تحقق الفسخ بذلک و کونه مبرزا للفسخ فلا یکون الرّد مقدمة للخیار أو الفسخ بل یکون الفسخ بنفس الرّد بل بما هو أخفی منه کما ذکره المصنف و غیره.

و ان کان بعنوان أن یبقی فی ملکه و لکن یکون عند المشتری ودیعة أو عاریة علی نحو الوثیقة العرفیة لیطمئن بأنه یرد الثمن بعد ما فسخ العقد فلا شبهة حینئذ أن کون ما عند المشتری بدلا عما بذله

ص:235

للبائع یحتاج إلی مراضاة و معاملة جدیدة کما عرفت و هو خلاف الظاهر و خلاف المرتکز العرفی و بدون ذلک فلکل منهما مطالبة حقه من الأخر و بعبارة أخری أن ما رده البائع إلی المشتری اما بعنوان التملیک أو بعنوان العاریة یبقی فی ملک البائع أو مجهول المالک فلا سبیل الی غیر الشق الأول و قد عرفت أنه عین الفسخ کما هو واضح.

قوله الأمر الرابع یسقط هذا الخیار بإسقاط

أقول ذکروا أن من جملة مسقطات هذا الخیار هو الاسقاط و لا شبهة فی سقوطه بالإسقاط و لکن مقتضی ما ذکره العلاّمة فی التذکرة من أنه لا یجوز إسقاط خیاری الحیوان و الشرط بعد العقد بناء علی أن مبدء خیاری الحیوان و الشرط بعد انقضاء المجلس لا بعد العقد فان ذلک إسقاط لما لم یجب فإنه علیه لا یجوز إسقاط هذا الخیار أیضا بناء علی أنه انّما یثبت بعد رد الثمن أو برده کما هو واضح.

و قد أجاب عنه المصنف بأنه بناء علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب بأنه فرق بین المقام و بین ما فی التذکرة من أن المشروط له هنا متمکن من الفسخ و لو بإیجاد سببه حیث ان له أن یعطی الثمن و یفسخ و لکن الأمر لیس کذلک فی خیاری الحیوان و الشرط بناء علی کون مبدئهما بعد انقضاء المجلس.

و لکن یرد علیه وجهان:الأول:أن الدلیل أخص من المدعی فإنه قد لا یکون المشروط له متمکنا من الرّد فلا یکون ما ذکره المصنف جاریا هنا و ثانیا:أن المتمکن من إیجاد الخیار برد ثمنه لا یثبت الحق الفعلی له لیسقطه حتی یخرج عن إسقاط ما لم یجب بل هو باق بعد علی تقدیر بتة.

ص:236

و التحقیق أنه لا دلیل لفظی علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب غیر أنه ذکره جمع من الفقهاء بل فی بعض الموارد لا یساعده العرف أیضا کما إذا إسقاط خیاره المجلس قبل البیع مثلا.

و علیه ففی کل مورد قامت السیرة علی عدم الجواز تأخذ به و فی غیره لا بأس من الالتزام بجواز إسقاط ما لم یجب کما هو واضح إذ لا یلزم منه محذور عقلی و لا شرعی أصلا.

ثم انه یسقط هذا الخیار بانقضاء المدة مع عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط فإنه لا شبهة فی سقوط هذا الخیار حینئذ لأنه بعد خروج المدة لا مورد للخیار بل هو رضا بالبیع کما فی خیاری المجلس و الحیوان ثم انه إذ ردّ البائع الثمن فتبین بعد انقضاء المدة أن المردود من غیر جنس الثمن الذی أخذه فلا شبهة فی عدم تأثیر الفسخ حینئذ حتی لو کان ردّ غیر الجنس غفلة فإن ما رده غیر ما اشترط الخیار برده و ما اشترط الخیار برده لم یرد إلی المشتری فلا یکون فسخه برد غیر الجنس مؤثر فی الفسخ و لیس له حق الفسخ بعد ذلک و لو رد عین الثمن أیضا لا لانقضاء المدة کما هو المفروض.

ثم انه إذا ظهر الثمن المردود معیبا فهل یکون الفسخ مؤثرا حینئذ أم لا و الظاهر أن تأثیر الفسخ حینئذ و عدم تأثیره منبی علی ما ذکر فی بیع الکلی من انصراف الثمن أو المثمن الی العوضین الصحیحین ای فیما إذا کان کل من الثمن أو المثمن کلیّا فإنه لو أعطی کل منهما الآخر عینا شخصیة معیبة بعنوان الثمن و المثمن فهل یحسب هذا ثمنا أو مثمنا بحیث لیس للبائع مطالبة ذلک لو رضی به المشتری أو لا یکون ذلک من الثمن و المثمن فی شیء بل لکل منهما مطالبة ماله من

ص:237

الأخر غایة الأمر لو رضیا یکون المعیب بدلا عن الثمن أو المثمن فإنما هو بمعاملة جدیدة.

و الظاهر أنه لا شبهة فی انصراف العوضین فی البیع الکلی إلی الصحیح و مع ذلک لو رضی کل منهما بالمعیب یکفی عن العوض الصحیح من غیر احتیاج إلی المبادلة الجدیدة و توضیح ذلک أنه إذا باع أحد داره بالثمن الکلی فإنه یکون ذلک منصرفا بحسب الشرط الضمنی إلی الثمن الصحیح فإذا طبقه المشتری فی مقام الإعطاء و الإقباض بثمن معیب فللبائع استبداله بثمن آخر صحیح و له إسقاط وصف الصحة أیضا و الرضا بالمعیب و لیس للبائع مطالبة هذا المعیب بدعوی أنه لیس بثمن کما کان له ذلک إذا ظهر من غیر جنسه و الوجه فیه ان المعیب حقیقة مصداق لکلی الثمن غایة الأمر قد فقد وصفا من الأوصاف المعتبرة فیه.

و بعبارة أخری أن هنا معاملتان أحدهما بیع المتاع المعین أو الکلی بثمن کلّی و هذا قد تم بالإیجاب و القبول و لا شبهة فی انصراف الثمن فی هذه المعاملة إلی الثمن الصحیح بحسب الشرط الضمنی الارتکازی.

ثم ان الثمن بعد ما کان کلیا فیحتاج تطبیقه علی أیّ فرد من أفراد ذلک الی معاملة و مراضاة جدیدة حیث ان ما انطبق علیه الکلی لیس بثمن واقعا بل الثمن هو الکلی فتطبیقه علی أی فرد یحتاج إلی المراضاة فإذا طبقوه بفرد فظهر معیبا فللبائع فقط هنا استبدال لأنه إنما رضی بتطبیقه علی هذا الفرد بشرط کونه صحیحا فإذا تخلف فله هدم هذه المعاملة الثانیة و مطالبة الثمن الصحیح و تطبیق الکلی

ص:238

علی غیره ثانیا و هکذا و له أیضا إسقاط هذا الشرط و القید الذی اعتبره فی الثمن من الصحة و لیس للبائع دعوی مطالبته کما کان له ذلک عند ظهوره بغیر جنسه و للمشتری مطالبة ثمنه و کان جعل غیر الجنس عوضا عنه محتاجا إلی معاملة جدیدة بخلافه إذا ظهر معیبا کما لا یخفی.

و لکن هذا الکلام لا یجری فی المقام أعنی ما إذا کان الخیار مشروطا برد الثمن أو الفسخ کان مشروطا برده و ان قلنا أن مرجعهما عند التحقیق إلی شیء واحد و ان کان الثمن منصرفا الی الفرد الصحیح و توضیح ذلک أنه بعد البناء علی انصراف الثمن الی الثمن الکلی لا یجری هنا ما ذکرناه فی البیع الکلی فإنک قد عرفت أن الثمن قابل الانطباق علی الصحیح و المعیب فی بیع الکلی غایة الأمر قد اعتبر بحسب الارتکاز و الشرط الضمنی فی الثمن الکلی قید و هو وصف الصحة فإذا تخلف فللبائع استبداله و الرضا به بأن یرفع الید عن القید المعتبر فی الثمن.

و لکنه لا یجری فی المقام فان هنا قد ترتب شرط الخیار علی رد الثمن و اشترط البائع علی المشتری أنی متی رددت الثمن أو بدله مثلا فی الخیار أو ینفسخ العقد فإذا انصرف الثمن أو بدله الی الصحیح فمعناه أنه متی رددت الثمن الصحیح أو بدله الصحیح فلی الخیار فکأنه قد صرح بذلک فإنه حینئذ یکون رد غیر الصحیح خارجا عن حدود الشرط فکأنه قد رد غیر الجنس من الثمن فهل یتوهم أحد أنه مع التصریح برد الثمن الصحیح لو رد الثمن المعیب یفسخ فکک إذا لم یصرح بذلک فینصرف الثمن الکلی إلی الثمن الصحیح کما لا یخفی.

و بالجملة أن انصراف الثمن الی الصحیح و ان کان صحیحا فی

ص:239

بیع الکلی و فی المقام و لکن المقام من حیث ظهور الثمن المردود إلی المشتری معیبا کظهوره من غیر جنسه فیکون باطلا فلا یقاس بالکلی کما عرفت.

نعم إذا رضی المشتری بهذا المعیب بمعاملة جدیدة عن عوض ثمنه الصحیح و رد المبیع إلی البائع فیکون ذلک اقالة للبیع و فسخا له بغیر عنوان رد الثمن و هذا واضح جدا.

قوله و یسقط أیضا بالتّصرف فی الثمن المعیّن مع اشتراط ردّ العین أقول المعروف بین الأصحاب سقوط الخیار بالتصرف فی الثمن هنا و فی المثمن فی خیار الحیوان و فی العوضین فی خیار المجلس سواء کان الثمن شخصیّا أو کلیا و لکن اشترط رد عین هذا المأخوذ و ذلک لإطلاق ما دل علی أن تصرف ذی الخیار فیما انتقل إلیه رضی بالعقد و لا خیار و قد عمل الأصحاب بذلک فی غیر مورد النص کخیاری المجلس و الشرط و المحکی عن المحقق الأردبیلی و صاحب الکفایة أی سبزواری أن الظاهر عدم سقوط هذا الخیار بالتصرف فی الثمن،لان المدار فی هذا الخیار علیه لانه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخیار سقط الفائدة و للموثق المتقدم المفروض فی مورده تصرف البائع فی الثمن و بیع الدار لأجل ذلک.

و أشکل علیه السید بحر العلوم صاحب المصابیح بأن ذهاب المشهور إلی مسقطیة التصرّف انّما هو فی التصرّفات الی فی زمن الخیار دون غیره و من الواضح أن التصرف قبل الرد لیس تصرفا فی زمان الخیار لان الخیار انما هو بعد الرد کما هو واضح فلا تکون التصرفات قبل الرد تصرفا مسقطا و بعبارة اخری أن صاحب المصابیح تسلم کلام

ص:240

الأردبیلی من حیث النتیجة أعنی عدم سقوط الخیار بالتصرف قبل الرد و لکن الأردبیلی التزم بالعدم تخصیصا و السیّد التزم بعدم ثبوته تخصصا.

و قد أشکل صاحب الجواهر علی السیّد بوجوه:

الأوّل:ان لازم کون الخیار بعد الرّد یقتضی أن یکون مبدء الخیار مجهولة إذ لا یعلم تحقق الرد فی أی زمان.

الثانی:أن المتفاهم من العرف کون الخیار من الأول فإنهم یفهمون فی مثل ذلک ثبوت الخیار من زمان العقد.

الثالث:أن الظاهر بمن تضعیف کثیر من الأصحاب قول الشیخ الطوسی بتوقف الملک علی انقضاء الخیار بأن الظاهر من بعض الاخبار المتقدمة أن غلة المبیع للمشتری کون مجموع المدة زمان الخیار.

و قد ناقش المصنف فی جمیع ذلک أما ما ذهب إلیه الأردبیلی من عدم کون التصرّف قبل الرد مسقطا بأنه لا مخصص لدلیل سقوط الخیار بالتصرف المستحب فی غیر مورد النص علیه باتفاق- الأصحاب.

و أما ما ذکره من کون بناء هذا العقد علی التصرّف فلأن الغالب المتعارف هو البیع بالثمن الکلی بحیث یکون ما دفع المشتری الی البائع ممّا انطبق علیه الکلی لا ثمنا واقعیّا و قامت القرینة الحالیة أیضا أن رد مثل الثمن یکفی فی تحقق الشرط أعنی رد الثمن و لذا قوینا حمل الإطلاق فی هذه الصورة علی ما یعم البدل

ص:241

و علیه فلا یکون التصرّف فی عین الثمن المدفوع موجبا لسقوط الخیار و دلیلا علی الرضا بالعقد نعم لو کان الثمن شخصیّا أو کان کلیّا و و لکن اشترط المشتری علی البائع ردّ عین المأخوذ لکان لهذا الکلام مجالا واسعا:و کیف کان فلا منافاة بین فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف إطلاقه أو من جهة تواطی المتعاقدین علی ثبوت الخیار مع التصرف أیضا أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التّصرّف لانه لیس مسقطا تعبدیا بل لکونه کاشفا عن الرضا بالعقد.

و أما ما ذکره صاحب المصابیح من کون التصرفات قبل الرد خارجا عن عنوان التصرف المسقط تخصصا یرد علیه أنه لا شبهة أن الاسقاط القولی قبل الرد مسقط لهذا الخیار و کذلک لا شبهة أن التصرف یسقط الخیار کالقول و علیه فنکشف من ذلک أن الخیار ثابت قبل الرد و لا شبهة أن الظاهر من کون القول مسقطا هو المسقوط الفعلی فیکون التصرف مثله.

و بالجملة أن الظاهر کون التصرف مسقطا فعلیّا فی کل زمان یکون القول مسقطا بحیث أن القول مسقط فعلی قیل الرد فیکون التصرف أیضا کذلک و ان ذکر المصنف أنه یصح إسقاط الخیار الثالث بعد الرد إذا کان ذی الخیار متمکنا من إثباته برد الثمن و عدمه و لکنه خلاف الظاهر فان الظاهر من الاسقاط هو الإسقاط الفعلی.

و أما ما ذکره صاحب الجواهر من المناقشة فی کون الخیار مجهولا لو کان مبدئه بعد الرد و فیه أنها لا تقدم مع تجدید زمان

ص:242

التسلط علی الرد و الفسخ بعد إنشائه و فرق واضح بین المقام الذی اختیاره من حیث الرد و عدمه لیکون له الخیار و بین ما ذکره فی التذکرة من أنه لا یجوز اشتراط الخیار من حین التفرق إذا جعلنا مبدئه عند الإطلاق من حین العقد و وجه الفرق أن التصرّف هناک لیس فی اختیار أحدهما فإنه إذا أراد التفرق یتبعه الآخر بخلافه فی المقام فلا تکون هنا جهالة تضر بالعقد.

و قد تقدم منا أنه لیس هنا جهالة أصلا غایة الأمر لا یعلم سبب الخیار و قلنا أیضا أن جهالة الشرط لا تضرّ بالعقد بعد عدم وجود الخطر هنا إذ یرجع مع الفسخ أیضا مال کان من المتعاملین الی صاحبه.

و أما ما ذکره من فهم العرف و حکمهم بکون الخیار من الأول و قبل الرد ففیه أن زمان الخیار اما بجعل الشارع أو بجعل المتعاقدین ففی المقام هو الثانی و من الواضح أن المتعاقدین شاکان فی ثبوته قبل الرد فکیف یفهم العرف من ذلک ثبوته من الأول.

و أما ما ذکره بعض الأصحاب فی ردّ الشیخ من بعض أخبار المسألة فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملک علی انقضاء زمان الخیار مطلقا حتی المنفصل کما لا یبعد عن إطلاق کلامه و إطلاق ما استدل به من الاخبار.

و ما أفاده المصنف متین جدا و لکن لنا کلام فی أصل مسقطیة التصرف کما تقدم فی خیار المجلس و أی إطلاق دل علی ذلک حتی یقول المصنف و إطلاقات أدلة مسقطیة التصرف یقتضی سقوطه بالتصرف مطلقا غیر أن التصرف انما یکون مسقطا إذا کان مصداقا للإسقاط أو

ص:243

موجبا للحدث و قد ثبت فی غیر هذین الموردین سقوطه بالتقبیل و اللمس بدلیل الحاکم و فی غیر ذلک فلا دلیل علیه فیتمسّک بعموم أدلّة الشّروط کما لا یخفی.

و بعبارة اخری أن هنا تصرّفات ثلث الأوّل ما یکون نفسه مصداقا للإسقاط و هذا لا شبهة فیه الثّانی:أن یکون موجبا لإحداث الحدث حقیقة أو نازلا بمنزلته بدلیل الحاکم کالتقبیل و نحوه الثالث ما لا یکون کذلک أما القسم الأول فلا إشکال فی کونه مسقطا للخیار فی جمیع الموارد و أما الثّانی فهو و ان کان یوجب سقوطه و لکنّه أمر تعبّدی یقتصر به فی خیار الحیوان فقط و أما فی المقام فلو اشتری جاریة و شرط أن یردها متی شاء(فان بیع الخیار لیس مخصوصا بالبائع فقط)فتصرّف فیها بما شاء من غیر أن یکون التصرف مصداقا للتّصرف بل مع العلم بأنه یردها حتی قبلها و لمسها فإنّه لا دلیل علی کون التّصرف مسقطا هنا و أما القسم الثالث فلا دلیل علی کونه مسقطا للخیار لا فی المقام و لا فی غیر هذا المقام اعنی بیع الحیوان و کیف کان فلا دلیل علی مسقطیة التّصرف بوجه کما هو واضح.

قوله الأمر الخامس لو تلف المبیع کان من المشتری سواء کان

قبل الرد أو بعده

أقول مقتضی القاعدة الأولیة أن تلف مال کل احد علیه و لا یحسب علی غیره و هذا ممّا علیه السیرة القطعیّة و قد ذکر ذلک فی بعض الرّوایات المذکورة فی أحکام الخیار و سیأتی من أنه سئل (علیه السلام)من أنه إذا تلف المبیع ممّن یکون قال(علیه السلام)ان نفعه علی من قال من المالک فقال(علیه السلام)فهو علی مالکه و کیف کان فهذه القاعدة لا شبهة فیها.

ص:244

و قد ورد علیها مخصّصان:الأوّل أن التلف قبل القبض من مال البائع مع انه من ملک المشتری و یحمل أن یکون هذا مورد السّیرة أیضا.

و الثانی أن التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له و هذا لم تقم علیه السیرة بل هو صرف التعبد فإنه مع قطع النّظر عن التعبد لم یکن معنی لأن یحسب تلف مال زید مع کونه عنده من زید و لا یساعده فهم العرفی أصلا فضلا عن قیام السیرة علیه و لکن التعبد یقتضی ذلک.

ثمّ انه لا معنی لکون التلف محسوبا علی البائع قبل القبض أو علی من لا خیار له الا أن یفرض کما له فکما أن ماله إذا تلف عنده یذهب هدرا و کذلک تلف المبیع قبل القبض أو فی زمن الخیار و لا یعقل ذلک الا بانفساخ العقد بأن یحکم قبل التلف بدخوله فی ملکه أناما و یتلف و یرجع الثمن إلی المشتری أیضا کما هو قانون الانفساخ لا أن معنی کون التلف علی البائع أو من لا خیار له ان یضمن مثل العین فیجب علیه رد مثله فإنه لو لم نحکم بالانفساخ لکان ضامنا بالمثل مع انه لم یقل به احد کما هو واضح.

و الوجه فی ذلک أنه فرق فی الروایة أن التلف فی زمن الخیار من مال من الأخیار له فإنه لا یعقل أن یکون التالف من ماله الا بالالتزام بانفساخ العقد و الا نحکم بالضمان بالمثل کما عرفت.

إذا عرفت ذلک فنقول فی المقام أنه إذا باع شخص داره بشرط أن یکون له الخیار متی رد الثمن فتلف الثمن أو المبیع فهل یحسب ممن لا خیار له أم لا فیقع الکلام فی مقامین الأوّل فیما إذا تلف المبیع

ص:245

فهل هو من المشتری إذ لا خیار له أو من البائع فنقول انه لا شبهة فی کون التلف من المشتری و لکن لا من جهة القاعدة المذکورة من أن کل تلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له الّتی تثبت علی خلاف القاعدة و کونها مخصّصة للقاعدة الأولیة من أن تلف مال کل أحد علی مالکه و ذلک لأن کون تلف مال شخص علی شخص آخر مخالف لهذه القاعدة الأولیة کما قلنا بأن التّلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له کما إذا تلف الحیوان عند المشتری فی ضمن ثلثة أیام فإن مقتض التعبد حکم بکونه علی البائع مع أن الحیوان ملک للمشتری و کانت القاعدة الأولیة تقتضی کون التلف من المشتری و کذلک التلف قبل القبض.

و أما فی المقام و ان کانت التلف فی زمن الخیار و لکن قد تلف مال المشتری عند نفسه فکونه علی نفسه موافق للقاعدة الأولیة لا مخالف لها و علیه فلا وجه للانفساخ هنا کما قلنا بالانفساخ فی الموردین الأولین و علی الجملة فکون تلف مال کل شخص علی نفسه لیس أمرا مخالفا للقاعدة بل موافق لها کما عرفت فتلف المبیع عند المشتری تلف من ماله فیکون من ماله علی ما تقتضیه القاعدة.

و علیه فلا یمکن الحکم بانفساخ العقد من هذه الجهة لیکون ضمان المبیع علی المشتری.

و هل فی هذه الصورة یبقی خیار البائع علی حاله بحیث له أن یفسخ العقد و یسترد مثل المبیع أم لا و قد یقال انه لا خیار له من جهة أن غرضه قد تعلق باسترداد العین و إذا تلف ینتفی هذا الغرض فلا وجه لثبوت الخیار له حینئذ.

و فیه أن هذا الکلام و ان کان صحیحا حیث تعلق غرض البائع

ص:246

بحفظ العین و لکن لا یلزم من ذلک سقوط خیاره أیضا إذ قد عرفت فی أوّل الخیارات أن الخیار لیس متعلقة رد العین بل انّما متعلّقه العقد نعم انّما جعل له الخیار مشروطا ببقاء العین بحیث أن العین متعلق أمد الخیار و قد اشترط البائع عدم إتلافه و وجوب بقائه و مع هذا الشرط فقد اشترط لنفسه الخیار بعد رد الثمن و قد تعلق الغرض بحفظ العین علی هذا النحو و بلحاظ أن الخیار مقید ببقائها و الحاصل قد اشترط بقاء العین لشرط الخیار و هذا لا ینافی بمالیة العین بل کما تعلق غرضه بحفظ العین و کذلک تعلق غرضه بحفظ المالیة أیضا و انما باعه بأقل من ثمن المثل لأجل جعل الخیار إذ لا یرغب المشتری اشتراءه بثمن المثل مع جعل الخیار للبائع و لو کان البائع قد أغمض نظره عن مالیة العین لکان باعه فی السوق بثمن المثل و انما إقدامه علی البیع بأقل من ثمن المثل من جهة أن تبقی العین له مع هذه المالیة و الا لیست الخصوصیات العینیة الغیر الدخلیة فی المالیة موردة للرغبة غالبا و علیه فیبقی خیار البائع علی حاله.

و من جمیع ذلک ظهر حکم الجهة الثانیة أیضا من أنه لیس للمشتری أن یتلف العین بل لا بدّ له من إبقائه فإن البائع اشترط له ذلک و لو بالشرط الضمنی و علیه فإذا تخلف و أتلف فهل فعل فعلا محرما فقط لمخالفیة الحکم التکلیفی کما هو المختار عندنا أو خالف الحکم الوضعی کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ و سیأتی الکلام فی ذلک فی أحکام الخیار بإنشاء اللّه تعالی.

و أما إذا کان التالف هو الثمن فهل یکون ذلک علی البائع أو

ص:247

علی المشتری و قد یفرض الکلام بعد رد الثمن إلی المشتری و أخری قبل رده.

و لا بدّ و ان یعلم قبل ذلک أن الثمن أو المثمن إذا کان کلیّا فتلف هو خارج عن موضوع بحثنا فان کلامنا فیما یکون التالف هو المبیع أو الثمن و نتکلّم فی أنه من البائع أو المشتری أی ممن لا خیار له أم لا و من الواضح أن هذا انّما یجری فیما کان التالف هو المبیع أن الثمن لا غیر و الا یلزم أن یکون تلف مال آخر لأحد المتبایعین الذی له خیار من صاحبه الّذی لا خیار له و بدیهی أن المدفوع إلی المشتری إذا کان المبیع کلیا أو المدفوع إلی البائع إذا کان الثمن کلیا لیس مبیعا و ثمنا فان المبیع و الثمن ما جری علیه العقد و أن تلف ما جری علیه العقد ممّن لا خیار له و هذان الفردان لم یجر علیهما العقد بل العقد انما جری علی الکلی و المدفوع مصداق له فمع تلفه یبقی الثمن أو المثمن علی حالهما أیضا إذا فالکلی خارج عن المقام.

(و اما إذا کان شخصیّا و کان التلف بعد الرّد)انتهی الکلام الی أن التلف فی زمن هذا الخیار من البائع أو المشتری و قد عرفت أن کون تلف المبیع من مال المشتری حکم علی طبق القاعدة و لا یحتاج الی التمسّک بأن التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له و أمّا ثبوت الخیار للبائع حینئذ فقد عرفت کما تقدم.

و أما لو کان التالف هو الثّمن فتارة نفرضه کلیا و أخری شخصیا أما إذا کان کلیّا فلا شبهة فی خروجه عن مورد الکلام فان ما یدفع الی البائع من العین عوضا عن الثمن لیس هو نفس الثمن بل هو ما ینطبق علیه الثمن الکلی و لا فرق بین هذا و بین ما یرده البائع بدلا عن ذلک

ص:248

فان کلا منهما مما ینطبق علیه الکلّی کما لا یخفی.

و أما إذا کان الثمن شخصیّا فتارة یکون التلف قبل رده الی المشتری و أخری بعد رده و أما إذا کان التلف بعد رده فان کان الرّد بعنوان الفسخ فلا شبهة فی انفساخ العقد و علیه فلا یبقی مجال للبحث عن أنه من مال البائع أو من مال المشتری إذ لا موضوع حینئذ للخیار أصلا فهذا خارج أیضا عن موضوع البحث و اما إذا کان الرّد لا بعنوان الفسخ بل بعنوان الودیعة أو نحوها لیفسخ بعد ذلک و تلف الثمن عند المشتری فیقع الکلام حینئذ فی أن تلفه من البائع أو المشتری فمقتضی القاعدة الأولیة تقتضی کونه من البائع لکونه مالکا له و تلف مال کل مالک علیه و مقتضی العلم بقاعدة أن التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له أن یکون من المشتری فإنّه لا خیار له فی هذا الزمان بل الخیار للبائع و تنقیح المقام أن یقال أنه لم یرد نص بالخصوص بلفظ أن التلف أو کل مبیع تلف فی زمن الخیار فهو ممّن لا خیار له و لا انّه ورد نص بهذا المضمون بل ورد هنا روایتان تدلان علی کون تلف المبیع من مال من لا خیار له فی الموردین الخاصین.

الاولی ما فی الصحیحة المتقدمة فی خیار الحیوان من أنه إذا تلف الحیوان فی ضمن ثلثة أیام فهو من مال البائع الذی لا خیار له و الثّانیة فی خیار الشّرط و هی صحیحة ابن سنان من أن التلف فی زمن خیار الشرط من مال من لا خیار له و الحقوا بذلک خیار المجلس أیضا لاستفادة العموم من اخبار الخیار فان ذیل بعضها حتّی ینقضی الشّرط و قد استفاد ذلک العموم المصنّف من تلک الاخبار و یأتی فی أحکام الخیار.

ص:249

و أما إذا کان التالف هو الثمن فلا دلیل یدلّ علی کون التلف ممّن لا خیار له بحیث ینفسخ العقد بذلک کما عرفت سابقا من أن کون تلف مال احد من الآخر بقانون أن التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له یوجب انفساخ العقد إذ لا یعقل أن یکون تلف مال أحد من شخص آخر بدون انفساخ العقد فیکون حکم الشارع بکون التلف ممّن لا خیار له حکما بانفساخ العقد کما لا یخفی.

و علی الجملة لا دلیل علی کون تلف الثمن فی زمن الخیار من مال من لا خیار له لیکون ذلک تخصیصا للقاعدة الأولیة و حکما بانفساخ العقد کما لا یخفی.

ثمّ انه استظهر صاحب الجواهر من روایة (1)معاویة ابن میسرة أن التلف من المالک و لا یکون ذلک لمن لا خیار له فیکون تلف الثمن من البائع المالک بالثمن عند التلف فتدل الروایة علی أن تلف الثمن حینئذ من البائع و إن کان له خیار.و قد منع المصنف عن ذلک الاستظهار و حکم بعدم ظهور روایة معاویة ابن میسرة فی ما ذکر صاحب الجواهر و هو کذلک لأنا بعد التأمل لم نفهم وجه الاستظهار و ذلک لان روایة معاویة بن میسرة کما تقدم اشتمل علی حکمین أحدهما أن رجلا باع دارا من رجل،و کان بینه و بین الرّجل الّذی اشتری منه الدّار حاصر فشرط انک ان أتیتنی بمالی ما بین ثلاث سنین فالدّار دارک فأتاه بماله،قال(علیه السلام):له شرطه،قال أبو الجارود:فان ذلک الرّجل قد أصاب فی ذلک المال فی ثلاث سنین،قال:هو ماله و قال أبو عبد اللّه علیه السّلام أ رأیت لو أن الدّار احترقت من مال من کانت تکون الدّار

ص:250


1- 1) وسائل ج 12 ص 355 باب 8 حدّ 3.

دار المشتری.

و لا شبهة انه لا اشعار فیها علی کون التلف من المالک فی زمان الخیار أما لزوم الوفاء بالشرط الذی کان فی العقد فهو علی طبق القواعد المتصیدة من لزوم الوفاء بالشرط و أما کون منفعة الثمن للبائع فهو أیضا موافق للقاعدة فإن منفعة مال کل أحد له و من الواضح أن الثمن ملک للبائع کما هو واضح و کذلک کون تلف الدار من المشتری أیضا موافق للقاعدة فإنّک قد عرفت أن تلف مال کل أحد علی نفسه إلاّ إذا ثبت نصّ خاص علی خلافه کما فی تلف المبیع فی زمن الخیار فإنّک قد عرفت کونه ممّن لا خیار له بدلیل خاص و یکون العقد منفسخا کما لا یخفی.

و علی الجملة فلا إشعار فی شیء من الأحکام المزبورة بکون التلف فی زمن الخیار من المالک کما استظهره صاحب الجواهر،و لذا ذکر المصنّف أنه لیس فی الرّوایة الا أن نماء الثمن للبائع و تلف المبیع من المشتری و هما إجماعیان حتی فی مورد کون التلف ممّن لا خیار له فلا حاجة لهما الی تلک الرّوایة أی الرّوایة اشتملت علی هذین الحکمین کما ذکرناه فشیء منهما لا مساس بما ذکره صاحب الجواهر.فان ما اشتمل علیه الرّوایة حکم موافق للقاعدة الأولیة کما ذکره المصنّف فلا یحتاج إلی الرّوایة.فلا تکون الرّوایة مخالفة للقاعدة نعم یمکن ان یکون نظر صاحب الجواهر علی ما ذکره المصنف إلی قاعدة الخراج بالضّمان بدعوی أن منافع الثّمن ملک للبائع فیکون ضمانه علیه أقول ان هذه القاعدة لیس له أساس صحیح بل هی مذکورة فی النبوی الضعیف المنقول من طرق العامّة و قد عملوا بها حتی أن أبا حنیفة

ص:251

عمتها الی موارد الغصب و قال ان منفعة للغاصب لکون الضمان علیه و قد وقع النکیر علیه فی صحیحة أبی ولاد فی کراء البغل الی قصر بنی هبیرة و مخالفته ذلک و رکوبه الی بغداد فلا یمکن العمل بهذه القاعدة.

نعم لو کان معنی القاعدة هو أن منفعة مال کل مالک کما هو مقتض القاعدة و کذلک تلفه أیضا علیه إذ لا معنی لکون تلف مال شخص علی شخص آخر و قد عرفت أن هذا حکم موافق للقاعدة فلا یحتاج الی هذه القاعدة و فی المقام نحکم بکون تلف الثمن من البائع لکونه مالکا له و منفعته له فیکون غرامته أیضا علیه.

و علی هذا لو کانت تلک القاعدة أی قاعدة کل التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له ثابتا فی جمیع موارد تلف المبیع و الثمن لکان تخصیصا لقاعدة الخراج بالضمان علی المعنی الذی ذکرناه لورودها فی مورد قاعدة الخراج بالضّمان و لکن قد عرفت أنه لا دلیل علی کلیة تلک القاعدة فی جمیع موارد تلف المبیع فضلا عن الثمن بل هی مختصة بموردین بحسب النّص اعنی مورد خیار الحیوان و مورد خیار الشّرط و تفصیل الکلام فی أحکام الخیار فتحصل أنه لا یکون تلف الثمن من المشتری بل من البائع و لو قلنا بکون تلف المبیع فی زمن الخیار من المشتری إذ لا دلیل علی التّعدی و الحکم بکون تلف مال الغیر علی شخص آخر کما لا یخفی.

و ان کان التلف قبل الرّد فیجری فیه جمیع ما ذکرناه فی صورة کون التلف بعد الرّد و لکن فی المورد خصوصیة و هو أن التلف قبل الرّد لا یحسب الا من البائع بناء علی عدم ثبوت الخیار قبل الرّد و

ص:252

أشکل علیه المصنّف أولا بمنع المبنی فإنه لا نسلم کون الخیار بعد الرّد بل یکون قبل الرّد کما تقدّم فی جواب صاحب المصابیح ثمّ أشکل بمنع البناء بدعوی أن دلیل ضمان من لا خیار له مال صاحبه هو تزلزل البیع سواء کان بخیار متصل أن منفصل کما یقتضیه اخبار تلک المسألة فان فی ذیل بعضها حتی ینقضی و هو یجری فی خیار المنفصل فلا وجه لبناء المسألة علی کون الخیار بعد الرّد و سیأتی الکلام فی جمیع ذلک.

ثمّ ان المصنف أشار الی ثمرة البحث و حاصله انه بناء علی کون تلف الثمن من المشتری انفسخ العقد و ان قلنا بکونه من البائع و ان کان الشرط أعم من رد عین المأخوذ أو بدله فیرد البائع مثل الثمن و یرتجع العین المبیعة و الا فلا خیار فلزم البیع کما هو واضح.

قوله الأمر السّادس لا إشکال فی القدرة علی الفسخ

أقول لا إشکال فی انه إذا باع عمرو متاعا من زید و اشترط علیه أن یکون له الخیار متی ردّ الثّمن الی شخص المشتری فلا بدّ من ردّه الی شخصه و الاّ فلا یثبت له الخیار بردّه الی غیره و إذا اشترط ردّه الی أعمّ منه و من وکیله أو الحاکم أو شخص آخر فیتبع شرطه و علی کل حال فهذا الخیار خیار جعلی فیتبع الشرط فإذا حصل فیکون له الخیار و الا فلا خیار له کما لا یخفی.

و انما الکلام فی صورة إطلاق الشّرط بأن جعل لنفسه الخیار مع رد الثمن فهل تختص ردّه الی شخص المشتری أو یکفی ردّه الی وکیله أیضا أو الی الحاکم کما إذا کان المشتری غائبا أو مریضا أو مجنونا و ذکر المصنّف فی حصول الشرط بردّه الی الحاکم کما اختاره المحقق

ص:253

القمی فی بعض أجوبة مسائله و عدمه کما اختاره سیّد مشایخنا فی مناهله قولان.

و ظهر من صاحب الحدائق علی ما ذکره المصنف الاتفاق علی عدم لزوم رد الثمن إلی المشتری مع غیبته حیث انّه وقع الخلاف فی أنّه هل یعتبر فی فسخ العقد حضور المفسوخ علیه أو الإشهاد علیه أم لا فذهب العامة و بعض الشیعة إلی اعتبار حضور المفسوخ علیه أو الإشهاد علی الفسخ و المشهور من علمائنا إلی عدمه و بعد ما ذکر صاحب الحدائق ذلک قال:ان ظاهر الرّوایة اعتبار حضور المشتری لیفسخ البائع بعد دفع الثمن الیه فما ذکروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتری و جعل الثمن أمانة الی أن یجیء المشتری و ان کان ظاهرهم الاتفاق علیه الا انه بعید عن مساق الأخبار المذکورة.

و هذا الکلام عجیب من صاحب الحدائق کما یظهر الاستصحاب منه من المصنّف أیضا و ذلک لان هنا مسألتان إحداهما مسألة حضور المفسوخ علیه عند الفسخ أو الإشهاد علیه بل بعض من اعتبر هنا حضور المفسوخ علیه أو الإشهاد علی الفسخ حکم بعدم نفوذ الفسخ بغیر ذلک نظیر الطلاق الّذی لا ینفذ بدون حضور العدلین و مع عدم الاعتبار یفسخ فی عالم نفسه و فی مرحلة الإثبات یحتاج الی التّرافع و علی کل حال لیس هنا من مسألة رد الثمن عین و لا اثر حتی لو کان الفسخ بنفس الرّد فان اعتبار حضور المشتری و ردّه الیه لیس من جهة اعتبار حضور بالمشتری فی الفسخ بل من جهة اعتبار ردّه الیه.

و الثّانیة مسألة ردّ الثّمن إلی المشتری و أنّه مع شرط الخیار بردّ الثمن هل یکفی الرّد الی الوکیل أو الحاکم أو لا بدّ من الرد الی

ص:254

نفس المشتری و من الواضح أن احدی المسألتین غیر الأخری فلا ترتبط إحداهما بالأخری فما ذکره صاحب الحدائق من الخلاف فی حضور المفسوخ علیه أو الإشهاد علی الفسخ انّما هو فی المسألة الاولی دون الثّانیة فإن المسألة الثّانیة کما ذکره المصنّف غیر مفروض فی کلمات القوم و لم نجد من یتعرّض لها الا ما أشار إلیها المحقّق القمی فی أجوبة المسائل و کیف یمکن دعوی الاتفاق علی اعتبار حضور المشتری و کیف قد خلط صاحب الحدائق إحدی المسألتین علی الأخری و أما أصل مسألتنا هذه غیر مذکور فی کلمات الأصحاب فنقول انه لیس هذا الخیار من الأمور المجعولة شرعا حتی نتمسک بظهوره و نحکم بثبوت الخیار له بل هذا خیار جعلی انّما جعل بجعل المتعاقدین فبأیّ نحو جعلاه فیتبع رأیهم فی ذلک و إذا شکّ فی مورد فلا بدّ فی کشف المراد الی الارتکازات العرفیة و الّذی نفهم من الرّجوع الی الارتکازات العرفیة أن العرف لا یری فرقا بین رد الثّمن الی نفس المشتری و بین رده الی وکیله فإنّه بعد العلم بأن غرض البائع هو انحفاظ المبیع له و عدم جواز أن یتلفه المشتری و أنه لا موضوعیة لردّ الثّمن الی نفس المشتری إلا وصول ماله الیه و علیه فان المشتری حیّا و کان الوصول الیه ممکنا فیرد الثّمن الیه و یفسخ المعاملة و الا فیردّه الی وکیله أو الحاکم أو من یرده الیه بحیث یصل الثمن إلی المشتری و ینفسخ ذلک بملاحظة أنّه لو کان المشتری محبوسا أو مریضا أو غائبا و کان له وکیل فالظاهر انه لا یشک أحد فی جواز ردّه الی الوکیل و نحوه فان معنی رد الثمن إلی المشتری لیس هو ردّه الی نفسه بل معناه وصول الثمن إلیه بأن یکون من جملة أمواله اللهم الاّ أن یشترطا الرّد الی شخصه فهو أمر آخر.

ص:255

و کذلک الکلام فی طرف البائع فإنه لو لم یتمکّن أن یرد الثّمن إلی المشتری لمرض أو موت فیرد وکیله أو ورثته إلی المشتری أو الی وکیله أو ورثته مع عدمه أو موته و لیس رد الثمن من ورثة البائع إلی المشتری أو الی وکیله من باب ارث الخیار بل من جهة عدم الفرق فی نظر العرف فی الرّد بین کونه من نفس البائع أو من ورثته فان الغرض کون المال عند المشتری أو عند من یقوم مقامه کما لا یخفی.

و علی الجملة فالارتکاز العرفی یقتضی أن المناط فی جعل الخیار بردّ الثمن انّما هو رجوع کل من العوض و المعوّض الی حالتهما الأولیة و هو یحصل و لو برده الی من یقوم مقام المشتری کما یحصل برد من یقوم مقام البائع و هو واضح کما ذکره المصنّف.

ثمّ انّه لو اشتری الأب أو الجد شیئا للطفل و اشترط البائع علیه أن یکون له الخیار متی رد الثمن فهل یکفی الرّد هنا الی الجد مع کون المشتری هو الأب أو الی الأب مع کون المشتری هو الجد أم لا و الظاهر هو الأول لأن لکل من الأب و الجد ولایة مطلقة علی الطفل الثّابتة بالأدلة اللفظیة فیکفی الرّد الی أی منهما یشاء و هو واضح.

ثمّ إذا اقتضت المصلحة حتی اشتری الحاکم بولایته علی الطفل مالا له ببیع الخیار فهل یجوز رده الی حاکم آخر أم لا فذکر المصنّف انّه یجوز للحاکم الثّانی أخذه إذ لیس فی أخذ الحاکم الثّانی ذلک مزاحمة للحاکم الأول فبناء علی عدم جواز مزاحمة الحاکم لا بدّ له أن یرده الی الحاکم الأول مع احتمال عدم الوجوب فإنه مال آخر للصّغیر یتملکه بالفسخ الّذی هو معاملة جدیدة و لیس له ربط بالمعاملة الأولی الّتی وضع الحاکم علیها الید حتی تحصل المزاحمة.

ص:256

و لکن قد ذکرنا فی باب الولایة أنه لا دلیل علی ولایة الحاکم للصغیر الا من باب الحسبة و معنی الحسبة إتیان الأمر من باب کونه أمرا قربیّا بحیث انّ الشّارع یرضی بذلک و لا یرض بحیفه فیؤتی ذلک حسبة الی قربة الی اللّه و من باب کونه مطلوبا للشارع و یکون حفظه محبوبا.

و علیه فولایة الحاکم من باب القدر المتیقّن فإنّه لا نحتمل أن علمه مانعا عن التصرف فی مال الصّغیر مع الاحتیاج و کذلک لا تحتمل أن عدالته مانعة و إذا کان مال الصّغیر و نفسه محتاجا الی الحفظ و الی النقل و الانتقال و الی التصرف فیه و کان الأمر دائرا بین أن یباشره الحاکم أو غیره فالمتیقن هو الحاکم کما هو واضح و علیه فلا یجوز أن یتصرف فیه الحاکم الثانی بعین هذا الملاک فإنّه نشک فی أنّه بعد وضع الحاکم الأوّل یده علیه أن لا یجوز للثانی أن یتصرف فیه فحیث أن المورد ممّا لا بدّ من أخذ القدر المتیقّن لعدم وجود الدلیل اللفظی علی ولایة الحاکم کما عرفت إذا فلا یجوز للثّانی أن یتصرّف فیما وضع الحاکم الأول یده علیه نعم لو شککنا فی جواز تصرف الحاکم الأول بعد التّصرف فمقتضی أخذ القدر المتیقن هو المنع عن تصرفه و لکنه بدیهی البطلان فإنّه غیر محتمل قطعا.و کیف کان فلیس المورد من موارد مزاحمة الحاکم حتی یقال لا تجوز مزاحمته.

قوله:الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم

یکن له ذلک الا بردّ الجمیع

فلو ردّ بعضه لم یکن له الفسخ أقول الظاهر من اشتراط الخیار برد الثمن إلی المشتری أنه ردّ جمیع الثمن و علیه فلو ردّ بعض الثمن فهو کمن لم یرد شیئا أصلا فلا یثبت له الخیار

ص:257

فان هذا خیار جعلی تابع لما جعله المشروط له و علی هذا لیس للمشتری التّصرف فی ذلک فإنه باق علی ملک مالکه و هو البائع و تصرف المشتری تصرف فی مال الغیر بدون اذنه فهو حرام بل یکون ذلک ودیعة عنده.

و توهم أن هذا یکون إقالة فإن المشتری إذا أخذ بعض الثمن المردود الیه کشف ذلک عن رضاه بالفسخ فیکون اقالة و فیه أنه مضافا الی منع کشفه عن رضا بالانفساخ فإنّ الأخذ أعم من ذلک و من کونه اقالة ثم ان الإقالة غریبة عن ذلک فان کلامنا فی تحقق الفسخ بالردّ أو ثبوت الخیار للبائع بذلک علی النّحو الذی تقدّم سواء رضی المشتری بالفسخ أم لم یرض و أی ربط له برضاهما بالإقالة و الفسخ کما هو أوضح.

قوله و الظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه الیه علی وجه الثمنیة أقول حاصل کلامه إذا دفع البائع بعض الثمن إلی المشتری علی وجه الثمنیة کان ضامنا له إذا تلف الا أن یصرح البائع بکونه أمانة عنده فإنه حینئذ لو تلف لا یکون ضامنا.

أقول لا وجه لهذا الکلام فإنه إذا کان الخیار مشروطا برد تمام الثمن فلا معنی لرد بعضه بعنوان الثمنیة بحیث یکون ثمنا بالفعل فان کونه ثمنا بالفعل ملازم لانفساخ العقد کونه داخلا فی ملک المشتری و المفروض أن العقد لا ینفسخ الا برد الجمیع و لا یثبت له الخیار برد البعض و علیه فلا معنی لکون ردّ البعض بعنوان الثمنیة بل یکون ذلک أمانة مالکیة عند المشتری لیکون ثمنا عند الفسخ بعد ردّ تمام الثمن فیکون ثمنا بالقوة کما لا یخفی.

ص:258

نعم إذا اشترط فی مقام الرّد أن یکون المشتری ضامنا عند التّلف و قبل المشتری فیکون شرط لازم الوفاء.

و قد یتوهّم الضّمان بدعوی أنه نظیر المقبوض بالسوم الذی ذهب المشهور الی الضّمان فی تلفه فی ید من أخذه أی المشتری.

و فیه أنه فرق واضح بین المقامین فان المقبوض بالسوم علی تقدیر الضّمان فی تلفه انّما أخذه المشتری لصلاح نفسه و ملاحظة أنه مصلحة له أم لا فیکون ضامنا إذا تلف المقبوض بالسوم فی یده.

و هذا بخلاف المقام فإن البائع إنما اقبض بعض الثمن لصلاح نفسه لا لصلاح المشتری بل کثیرا أن المشتری لا یرض بالفسخ أصلا فإن الغالب بل الدّائم فی مثل هذا البیع أی البیع بالخیار أن المبیع یکون ثمنه أقل من البیع بدون الخیار فان غرض البائع کان هو رد عینه فلذا باعه کذلک لرفع احتیاجه فلو کانت قیمته مساویة لقیمة المبیع الذی یشتری بالقیمة السوقیة بلا خیار لم یقدّم المشتری بذلک و کیف کان لا نعرف وجها للقول بضمان المشتری إذا تلف بعض الثمن عنده کما لا یخفی فافهم.

قوله و لو شرط البائع الفسخ فی کلّ جزء بردّ ما یخصّه من الثمن جاز الفسخ فیما قابل المدفوع و للمشتری خیار التّبعیض إذا لم یفسخ البائع بقیة المبیع أقول قد عرفت أن هذا الخیار خیار جعلی من المتعاقدین فیتبع الشّرط علی النّحو الذی شرطاه فلو شرط البائع علی المشتری ثبوت الخیار له برد بعض الثمن یثبت له ذلک إذا ردّ ما یصدق علیه بعض الثمن المقصود فی العرف لا بمقدار یکون خارجا عن الصدق العرفی أو عن کونه مقصودا لهما و لا یقاس ذلک بخیاری

ص:259

المجلس و الحیوان فإنه لا یجوز الفسخ فیهما فی بعض المبیع دون- بعض فإنهما إنما ثبتا بجعل الشارع بالنّسبة إلی مجموع الثمن و المثمن فإذا فسخ من له الخیار البیع لا بدّ له أن یفسخ فی المجموع دون البعض و أما فی المقام فالخیار بجعل المتعاقدین فیتبع جعلهما علی النّحو الذی جعلاه کما لا یخفی فافهم.

و قد ذکر المصنف ره و لو شرط البائع الفسخ فی کلّ جزء بردّ ما یخصّه من الثّمن جاز الفسخ فیما قابل المدفوع و للمشتری خیار التبعیض إذا لم یفسخ البائع بقیة المبیع و خرجت المدة و هل له ذلک قبل خروجها الوجه ذلک.

أقول الظاهر انه لا وجه لهذا الکلام و انه لا نتعقل مورد فی هذا المقام یثبت فیه للمشتری خیار تبعض الصفقة و بیان ذلک أنه قد عرفت أن هذا الخیار انما بجعل المتعاقدین فبأی کیفیة جعلاه کان متبعا و علیه فشرط الخیار و فسخ العقد بردّ بعض الثمن لا یخلو عن وجوه:الأول:أن یشترط علی المشتری فسخ مجموع العقد بردّ جزء معیّن من الثمن أو جزء غیر معیّن و لکن فسخا متدرجا بأنّه یفسخ المجموع بردّ الثمن تدریجا بأنّه کلّما أدی من الثمن جزء یفسخ فی مقابله الی أن یفسخ المجموع ففی الحقیقة یکون ذلک توسعة للبائع فی رد الثمن کما لا یخفی إذ ردّ مجموعه دفعة واحدة کلفة عظیمة علیه.

و علیه فلو فسخ فی بعض و بقی بعض الآخر حتی خرجت المدة کشف ذلک عن بطلان الفسخ من الأول فإن کلّ جزء جزء من الفسخ کان مشروطا بفسخ الجزء الآخر حتی یتم فسخ مجموع العقد فإذا فسخ و لکن بقی جزء واحد کان الفسخ باطلا من الأول لعدم حصول شرطه

ص:260

و هذا نظیر مشروطیة عتق المکاتب بردّ مجموع مال الکتابة و نظیر اشتراط صحة الصلاة بالتّشهد و السّلام و نظیر اشتراط الصوم بالجزء الأخیر من الوقت فیکون العمل صحیحا بشرط حصول هذا الشّرط و الا یبطل کما هو واضح.

الثانی انه أن یشترط البائع علی المشتری فسخ کل جزء برد جزء من الثمن من غیر أن یکون الفسخ أو ثبوت الخیار بالرّد(ای سواء قلنا بحصول الفسخ بالرّد أو کان الرّد من مقدّمات الفسخ)مشروطا بالفسخ فی الجزء الأخیر و هذا علی قسمین فإنه تارة یشترط ان یکون ردّ کلّ جزء من الثمن فسخا للعقد أو مقدمة للفسخ علی التقریب المتقدم من غیر أن یکون منوطا بردّ جزء آخر و فسخ العقد فی ذلک الجزء الآخر و أخری یکون هذه الصورة و لکن یشترط المشتری أیضا علی البائع أنه إذا فسخ فلا بدّ له أن یفسخ فی الکل و الا فلم یفسخ أصلا اما الأوّل فمقتضی وجوب الوفاء بالشرط هو العمل بطبق الشرط علی النحو المقرّر عند العقد لما عرفت:أن هذا خیار جعلی فیتبع فیه جعل المتعاقدین علی النّحو الذی جعلاه و لا یقاس ذلک بخیاری المجلس و الحیوان کما عرفت.

و علیه فلو فسخ البعض و لم یفسخ البقیة حتی خرجت المدّة فلیس علی البائع شیء أصلا فإن المؤمنون عند شروطهم فلازم الوفاء به هو ذلک و لا یثبت هنا شیء للمشتری و یکون ذلک نظیر المعاملتین التین ثبت فیهما الخیار فهل یتوهّم أحد أنه إذا فسخ البائع هذه المعاملة و ذلک یستلزم الفسخ فی معاملته الأخری أیضا و کذلک المقام کما لا یخفی.

ص:261

و أما الثانی فإن کان مقتض الوفاء بالشرط هو نفوذ فسخ البائع العقد فی کلّ جزء جزء من المبیع بردّ کلّ جزء جزء من الثمن سواء فسخ فی البقیة أیضا أم لا کما عرفت فی سابقه و لکنه حیث اشترط المشتری أیضا علیه أنه إذا فسخ فی جزء فلا بدّ له أن یفسخ فی البقیة أیضا فإذا لم یفسخ البائع فی البقیة ألزمه المشتری بذلک علی حسب اشتراطه و الا فیثبت له خیار تخلف الشرط و کذلک لو لم یفسخ حتی خرجت المدة کما هو واضح.

و فی جمیع هذه الاقسام لا نری موردا لتبعض الصفقة أصلا کما هو واضح و أعجب من ذلک أن المصنف ره ذکر بعد ما حکم بثبوت خیار تخلف الشرط بأنه لا یبعد ثبوت خیار تخلف الشرط قبل خروج المدة و وجه العجب مضافا الی ما ذکرناه من عدم الوجه و التعقل الخیار تبعض الصفقة أصلا أنه کیف یثبت ذلک للمشتری قبل خروج المدة فإنّه فی ضمن هذه المدة لعمل البائع بردّ الثمن و یفسخ البیع فثبوت خیار تبعض الصفقة ینافی ذلک.

و بعبارة اخری أنه لم یتم أمد خیار البائع و مع ذلک کیف یثبت للمشتری خیار تبعض الصفقة و قد کان جعلهما هذا الشرط للمشتری علی هذا النّحو بأن یردّ الثمن و یفسخ البیع الی وقت معنی و الفرض أنه لم یخرج الوقت و المدة بعد کما لا یخفی و لعل هذه العبارة من غلط النسخة و لم نر من الحواشی من یتعرّض لذلک.

قوله الثّامن کما یجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن کذلک یجوز

للمشتری اشتراط الفسخ بردّ المثمن

أقول قد عرفت:أنه لا شبهة فی جواز البیع و اشتراط الخیار فیه بردّ الثّمن و أنه مقتضی القاعدة

ص:262

مضافا الی ورد الروایات علیه.

و کذلک یجوز للمشتری أن یشترط لنفسه الخیار متی ردّ المبیع فان الرّوایات و ان وردت فی اشتراط الخیار بردّ الثمن و لکن قد عرفت أن مشروعیة هذا الشرط لا تحتاج الی الروایات لکونه موافقا للقواعد فإن القاعدة الأولیة تقتضی مشروعیة هذا الشرط فی الثمن و المثمن اما علی النّحو الذی ذکرناه من کون إنشاء الملکیة من الأوّل مضیقة أو بمقتضی المؤمنون عند شروطهم کما هو واضح و کیف کان لا شبهة فی جواز اشتراط الخیار للمشتری بردّ المبیع.

نعم فرق بین المقام و بین اشتراط الخیار بردّ الثمن و هو انک عرفت قیام القرینة العرفیة و الارتکاز العرفی علی أن اشتراط رد الثمن أعم من رد شخصه أو بدله فان ما أوجب البائع ان یبیع داره مثلا من زید علی هذا النحو هو احتیاجه الی ثمنه و اشتراط الخیار برد نفس الثمن لا یفید و لا یرفع حوائجه کما هو واضح.

و لکن تلک القرینة العامة فی المقام علی العکس حیث انّه قد تعلق غرض البائع بحفظ المبیع کما عرفت و الا لباع متاعه بأکثر من ذلک فان اشتراط الخیار یوجب نقص القیمة کما عرفت و علیه فاشتراط المشتری الخیار لنفسه متی ردّ المبیع انّما هو ظاهر بحسب الارتکاز العرفی فی ردّ عین المبیع کما هو واضح.

و علیه فلو تلف المبیع سقط خیار المشتری و أما البائع فسقوط خیاره و عدمه تابع لشرطه کما لا یخفی نعم لو اشتراط المشتری علی البائع ثبوت الخیار لنفسه متی ردّ المبیع أو بدله فلا یسقط خیاره بتلف المبیع بل له الخیار بردّ بدله کما هو واضح.

ص:263

ثمّ انه هل یجوز اشتراط الخیار بالرد أعم من أن یکون برد المبیع أو بدله حتی مع عدم تلف العین أو لا و قد استشکل المصنف فی ذلک هنا کاستشکاله فی اشتراط الخیار بردّ الثمن أعمّ من ردّ العین أو البدل حتی مع بقاء الثمن و الوجه فیه ما ذکره هناک من أنه مخالف القانون الفسخ فیکون غیر مشروع و ذلک لان مقتضی قانون الفسخ أن یردّ کلّ مال الی صاحبه بالفسخ و یکون الثمن راجعا إلی المشتری و یرجع المبیع إلی البائع فإن معنی الفسخ هو کون البیع کعدمه و اشتراط رد بدله مع الانفساخ مخالف لذلک کما هو واضح.

و قد ذکرنا سابقا أن ما ذکره المصنف و ان کان متینا و لکن یمکن أن یکون ذلک بشرط آخر و لو کان ضمنیا بأن یشترط فی نفس هذا البیع بأن یشترط الفسخ برد المبیع و یشترط أیضا أن یبادل المبیع بعین آخر بحیث انّ المشتری بفعل فعلین بحسب الاشتراط أحدهما فسخ العقد و الثانی تبدیل المبیع بعین آخر و لو کان هذا التّبدیل بالوکالة من قبل البائع کما عرفت ذلک فی السّابقة.

و علی الجملة فاشتراط الخیار بردّ المبیع أو بدله حتّی مع البقاء ینحل الی شرطین أحدهما ثبوت الخیار للمشتری أو فسخ العقد بالرّد و الثّانی تبدیل کونه وکیلا فی تبدیل المبیع بعین آخر فرد البدل من جهة المبادلة المستقلة الجدیدة الحاصلة بعد الفسخ فلا یکون الشرط مخالفا لقانون الفسخ و دعوی أنه لو کان التبدیل بعنوان المبادلة الخاصة لکون المشتری وکیلا فی ذلک لکان باطلا بعزل الموکل الوکیل قلنا هذا مبنی علی جواز عزل الوکیل الذی اشترطت وکالته فی ضمن العقد اللازم و عدمه فإنه بناء علی الجواز فلا مانع منه هذا فیما إذا کان

ص:264

الشرط شرط الفعل و أما إذا کان الشرط شرط النتیجة بأن یشترط المبادلة بعد الفسخ فالأمر أوضح فإنّه بمجرد انفساخ العقد یتبدل المبیع ببدل آخر کما هو واضح.

و الأمر أوضح إذا اشترط ردّ التّالف بالمثل فی القیمی و بالقیمة فی المثلی فإنه حینئذ تکون المبادلة فی الذّمة بین القیمی و المثلی و تکون الذّمة مشغولة بالقیمة بعد ما کانت مشغولة بالمثل و حیث ان الأمر هنا أوضح و لذا لم یستشکل المصنف هنا بعد منع الجواز فی العین الخارجیة بدعوی أن اشتراط التبدیل هنا بمنزلة اشتراط إبقاء ما فی الذّمة بغیر جنسه الا اشتراط ضمان التالف المثلی بالقیمة و بالعکس و هذا بخلافه فی السابق فان اشتراط البدل هناک اشتراط للفسخ علی وجه غیر مشروع لکونه مخالفا لقانون الفسخ فیکون مخالفا للکتاب و السنّة ثمّ أمر بالتّأمل.

و لکن علی ما ذکرناه لا فارق بین المسئلتین الا ان التبدیل فی الاولی فی العین الخارجیة و فی الثانیة فی الذّمة و هو واضح.

ثمّ انه یجوز اشتراط الفسخ لکل منهما برد ما انتقل الیه أو بدله و یجری فی کل من الطرفین کل واحدة علی حدة الذی ذکرناه مفصلا

قوله مسألة لا اشکال و لا خلاف فی عدم اختصاص خیار الشرط
اشارة

بالبیع و جریانه فی کلّ معاوضة لازمة

أقول هل یجری خیار الشرط فی غیر المبیع من العقود أم لا الظاهر أنه لا خلاف فی عدم اختصاصه بالبیع و جریانه فی غیره أیضا لا من جهة الروایات الخاصة الواردة فی هذه المسألة فإنها مختصة بموارد خاصة کما عرفت بل لان خیار الشرط موافق لمقتضی القاعدة فیجری فی غیره أیضا و لذا تعدوا من موارد

ص:265

الروایات فان موردها صورة ردّ تمام الثمن و تعدوا و التزموا بجوازه أی بجواز اشتراط الخیار بردّ بعض الثمن کما عرفت و هذه القاعدة أما لعموم المؤمنون عند شروطهم أو لما ذکرناه فی کون الشرط مرجعه إلی إنشاء الملکیة المحدودة أو غیر ذلک و هذا فی الجملة مما لا شبهة و لا خلاف فیه و انما الکلام فی جریان هذا الخیار فی جمیع افراد المعاملات حتی الإیقاعات أم لا.

و قد یقال:بمنع جریانه فی الإیقاعات

بدعوی أن المفهوم من الشرط ما کان بین اثنین کما ینبه علیه جملة من الاخبار و الإیقاع إنّما تقوم بواحد.

و فیه ما ذکره المصنف من أن المستفاد من الاخبار کون الشرط قائما بشخصین المشروط له و المشروط علیه لا کونه متوقفا علی الإیجاب و القبول أ لا تری أنهم جوزوا ان یشترط فی إعتاق العبد اشتراط خدمة مدة متمسّکا بعموم المؤمنون عند شروطهم و هذا لا شبهة فیه و علیه فلا مانع من اشتراط شیء فی الطلاق و العتاق تمسکا بعموم القاعدة الدّالة علی جواز الشرط کما هو واضح.

و قد یظهر من المصنّف وجه آخر فی المنع عن جریانه فی الإیقاعات و قد أصر علیه شیخنا الأستاذ فی عدة موارد و حاصله أن الخیار انّما یجری فی مورد یکون العقد قابلا للإقالة و الانفساخ بها فإنه یستکشف من ذلک أن اللزوم لزوم حقی فکل ما یکون اللزوم فیه حقیا یدخل فیه الشرط أیضا و أما ما لا تدخل فیه الإقالة فیستکشف من ذلک کون اللزوم حکمیا فلا یمکن رفع اللزوم بجعل الخیار فی العقد و حیث ان الإیقاعات ما لا تدخل فیه الإقالة فیستکشف من ذلک کون اللزوم حکمیا

ص:266

فلا یدخل فیه خیار الشرط و هذا هو الکبری الکلی فی کلّ عقد یدخل فیه خیار الشرط و ما لا یدخل فیه خیار الشرط.

أقول:قد عرفت فی أوّل البیع أنه لا فارق بین الحکم و الحق من حیث الحقیقة بل کلاهما من حقیقة واحدة و من مجعولات الشارع غایة الأمر أن الشّارع قد اعطی الاختیار بید المتعاملین فیقبل الحل و الفسخ و کذلک فی الجواز و سمی ذلک بحسب الاصطلاح حقا و فی الآخر لم یجعل فیه لأحد سلطنة أصلا و لا یقبل الفسخ أصلا کما أن الجواز الحکمی کذلک فإنه لا یقبل النقل و الاسقاط و سمی ذلک بحسب الاصطلاح حکما کما هو واضح.

و علیه فلا بدّ فی تمییز اللزوم الذی لا یقبل الفسخ عما یقبل الفسخ و کذلک فی الجواز من الرّجوع الی الأدلة کما هو واضح و من هنا نری أن النکاح لا تدخل فیه الإقالة و لکن یدخل فیه الخیار من بعض الجهات کما فی موارد العیوب الخاصة و لا یدخل فیه الخیار من غیر هذه الجهة و علی الجملة فدخول الإقالة فی العقد و عدم دخوله لیس میزانا فی المقام و علیه فکما دلّ الدلیل بعد الرّجوع الیه من عدم دخول الشرط و الخیار بعقد أو إیقاع و کونه لازما من جمیع الجهات أخذ به و الا فعمومات وجوب الوفاء بالشرط متبع و علیه فیجری الخیار فی کلّ عقد و إیقاع حتی الطلاق ما لم یدل دلیل علی خلافه.

و قد یستدل فی ذلک بدلیل لزوم الوفاء بالشرط و قد منع- بعضهم جریانه فی الإیقاعات بدعوی أن مفهوم الشرط ما کان بین اثنین و الإیقاعات لا تقوم الا بواحد و فیه أن المستفاد من الشروط ما کان بین شخصین لا کونها متوقفة علی الإیجاب و القبول کما هو واضح.

ص:267

ثم منع المصنف عن جریان شرط الخیار فی الإیقاعات بدعوی منع صدق الشرط فی الإیقاعات و انصرافه الی العقود خصوصا علی ما فی القاموس من تفسیر الشرط بما کان فی العقود ثمّ ذکر وجها آخر لمنع جریانه فی الإیقاعات و أسر علیه شیخنا الأستاذ فی موارد عدیدة و حاصله ما أشرنا الیه من أن الخیار انّما یجری فی عقد کان اللزوم فیه حقیا بحیث یتمکن المتعاقدان عن فسخ العقد بالإقالة و أما فیما کان اللزوم فیه حکمیا فلا یجری فیه ذلک و من الواضح أن الإیقاعات لا تدخل فیها الإقالة فنکشف من ذلک عدم جریانه فی الإیقاعات کما هو واضح.

و قد عرفت الجواب عنه و قلنا أن اللزوم حکم الهی قد جعل فی العقود و فی أن مورد دلّ دلیل علی جواز دخول الخیار فیه نأخذ به و الا فلا فدخول الإقالة فی بعض العقود و عدم دخولها فی بعض لیس میزانا لجریان الخیار فیها و عدم جریانه فیها فلا یوجب ذلک کون حقیقة اللزوم متعددا حقیا تارة و حکمیا أخری بل الحقیقة فی جمیعها علی نسق واحد و من هنا تری جریان الخیار فی عقد النّکاح من بعض الجهات دون بعض مع عدم جریان الإقالة فیه و علی الجملة جواز جعل الخیار فی العقود و عدم جواز جعله فیه تابع للدلیل ففی کلّ مورد دلّ الدلیل علی جواز نأخذ به و الاّ فنحکم باللّزوم للعمومات الدّالة علی اللّزوم.

و التحقیق أن یقال انه بناء علی کون دلیل الشرط الخیار فی العقود هو دلیل الوفاء بالشرط اعنی المؤمنون عند شروطهم الذی ورد فی الرّوایات المستفیضة لا یمکن التّمسک بها لوجه أخر بل دلیل الشرط هو شیء آخر قد أشرنا إلیه فیما سبق و حاصله أن المنشئ الذی یشترط

ص:268

الخیار فی العقود انّما ینشئ من الأول ملکیة محدودة بعدم الفسخ فیکون ما التزمه کلّ منهما فی مقام الإنشاء مشمولا لأدلة الوفاء بالعقد و لا تکون تلک الأدلة شاملة لها من الأول حتی یتنازع فی خروجها عنها و علیه فیجوز لکل من المتعاقدین فی العقود و لخصوص المنشئ فی الإیقاعات أن ینشئ من الأول حصة خاصة و ملکیة محدودة و زوجیة محدودة و طلاقا محدودا من الأول فلا یکون المشمول لأدلة اللزوم الا خصوص هذه الحصة الخاصة فقط فإن أدلة اللزوم تدلّ علی لزوم ما التزمه العاقد لا غیره و الا لتخلف العقد عن القصد.

و أما ان کان المدرک لجعل الخیار فی العقود و الإیقاعات هو دلیل الوفاء بالشرط و هو لا یشمل الإیقاعات أصلا لوجهین الأول انّک قد عرفت فیما سبق أن معنی المؤمنون عند شروطهم هو الحکم التکلیفی أن أن المؤمن لا بدّ و ان یقف عند شرطه و لا یتجاوز عنه بالتخلف نظیر المؤمن عند عهده و وعده و فی بعض الروایات و لیفی بشرطه و نظیر ذلک و لیس للمؤمن أن یتخلف من شرطه و عهده بعد ما عهد و اشترط علی نفسه فعلا فان من لوازم الایمان هو ذلک کما ان من لوازم الایمان هو إتیان الواجبات و ترک المحرّمات و کذلک من لوازم الایمان أن یفی المؤمن بشرطه.

الوجه الثّانی أن مقتضی الظاهر من قولهم(علیه السلام)المؤمنون عند شروطهم هو أن من التزم بشرط و اعتبر علی نفسه فی عقد فلا بدّ من الوفاء علیه و من الواضح أن هذا لا یتمّ فی الإیقاعات فإن المطلق مثلا هو الذی یشترط علی الزوجة شرطا من غیر إطلاق منها فلا یکون شرطا علیها لیشملها المؤمنون عند شروطهم إذ لیس عندها شرط أصلا حتی

ص:269

یفیها و مع الغض عن الإشکال الأوّل فأیضا لا یشمل الحدیث الإیقاعات.

و علیه فیختص بمورد کان متعلّق الشّرط هو الفعل لیکون العمل به ممکنا و علیه فشرط الخیار خارج عن مفاده لعدم کونه فعلا و هذا هو الظّاهر من قضیة المؤمنون عند شروطهم و ان قلنا أن مرجع الشرط- بالأخرة إلی جعل الخیار و لکن بالالتزام لا بالمطابقة،و أمّا إذا کان المدرک لجعل الخیار فی العقود ما ذکرناه فهل یمکن جعله فی جمیع العقود و الإیقاعات بأن یکون المنشئ قد إنشاء الطلاق المضیق و مقیدا بعدم الفسخ مثلا أم لا و الظّاهر هو الثّانی فإن المتفاهم من جعل الشّروط أن یکون للمشروط له خیار تخلف الشرط و یکون له خیار فی إعدام الأمر الثّابت بالإنشاء و فی الإیقاعات مثل الطّلاق و المعتاق و الإبراء لیس الأمر کذلک فإنّها أمور عدمیة و توضیح ذلک أنّه لو أغمضنا عن عدم شمول دلیل الوفاء بالشّرط لجعل الخیار و قلنا بشمول الرّوایة لشرط الخیار أیضا و لکن الظّاهر من الشّرط ما یکون المشروط فیه إثباتا لشیء و إیجادا له فی مقام الاعتبار بحیث لو تخلف المشروط علیه لثبت للمشروط له الخیار و الإیقاعات المسلمة مثل الطلاق و العتق و الإبراء خارجة عن ذلک بحسب الارتکاز العرفی فإنّها عبارة عن رفع شیء و إزالته فإن الطّلاق رفع الزّوجیة و العتاق رفع العبودیة و الإبراء إعدام اشتغال الذّمة و هکذا فلیس هنا إثبات شیء و إیجاده للطرف الآخر بحیث إذا تخلف بالشّرط فیفسخ المشروط له ذلک و یعدم ما أثبته للمشروط علیه و یحله فان الطلاق یعدم الزّوجیة و لذا ورد فی بعض الروایات یلقی حبلها علیها.أی یقطع العلاقة بینهما و من الواضح لو ثبت فیه الخیار فلازم ذلک أن یرجع إلیها من التخلّف و لو بعد سنین

ص:270

و اختیاره زوجا آخر فبناء علی عدم اختصاص دلیل الوفاء بالشّرط بالافعال فالارتکاز العرفی مانع عن جریانه فی الإیقاعات أیضا حتی علی ما ذکرنا أیضا من المبنی فان المتفاهم من الأمور المذکورة إعدام الموضوع علی وجه الإطلاق فالتوقیت ینافی ذلک کما هو واضح.

و أمّا ما ورد من جواز عتق العبد و الأمة مع الشرط علیها فلیس ذلک فی الحقیقة اشتراطها الخیار أو الشّرط فی الإیقاع بل العبد و جمیع شؤونه من الأوّل ملک لمالکه و المالک انما رفع الید عن مقدار عن ملکه و أبقی مقدارا آخر لا أنّه یعتق العبد علی وجه الإطلاق ثمّ یشترط علیه شرطا کما هو واضح.

و الحاصل أنّه بناء علی ما ذکرناه من أن مرجع الاشتراط هو إنشاء المنشإ مقیدا و مضیقا بحدّ خاص لیکون المشمول لأدلّة اللّزوم هو هذه الحصّة الخاصّة فأیضا لا یمکن جعل الخیار فی الطّلاق و العتق و الإبراء لأنّها أمور عدمیة فالطلاق إعدام الزوجیة و العتاق إعدام الرقیة و الإبراء إعدام اشتغال الذمة و الظّاهر من مفهوم هذا الأمور بحسب الارتکاز اعتبار الشّرط و الخیار فیها منافیا لمفهومها فان معنی الطلاق هو الإطلاق و الإرسال المعبر عنه فی الفارسیّة(رها کردن)و من الواضح أن شرط الخیار بحیث أن یکون له الفسخ و لو کانت المرأة المتزوجة لیضرها مناف لهذا المفهوم کما هو واضح و کذا مفهوم العتق و مفهوم الإبراء.

و أمّا الوقف و الإیصاء فبناء علی کونهما من الإیقاعات کما هو الظّاهر فلیسا من الأمور العدمیة فیکونا مثل العقود فلا بدّ أیضا من التکلّم فیها بأنّه هل یجری فیهما و فی جمیع أقسام العقود أم لا.

فنقول أمّا النّکاح فقد ادعوا الإجماع علی عدم جریان الخیار و شرطه

ص:271

فیه و ذکر السید ره أن عدم جریانه فیه و کونه مفسدا للنّکاح علی تقدیر الاشتراط من جهة الإجماع و الا فمقتضی القاعدة هو جواز الاشتراط فیه و عدم کون الشرط مفسدا له.

و لکن الظاهر أنّه لا یجری فیه الشّرط و علی تقدیره یکون مفسدا و لیس ذلک مثل بقیة الشّروط الّتی لا تکون مفسدة للعقد.و الوجه فی ذلک هو ما ذکرناه من أن مرجع الاشتراط فی العقود هو تضییق دائرة المنشأ و جعله علی قسم خاص و کونه مقیدا بعدم الفسخ و علیه فإذا اشترط الخیار فی عقد النّکاح فمعناه أن للمشروط له الفسخ متی أراد و علیه فلا یعلم انه یفسخ النکاح أو لا یفسخ و علی تقدیر انه یفسخ فلا یعلم أنه متی یفسخ و علیه فیکون وقت الفسخ مجهولا و حیث أنّه لم یرد النّکاح فی الشّریعة الا علی قسمین دائمی و موقت و هذا العقد خارج عن کلاهما فإنّه لیس بدائمی لکون الزواج مقیّدا بعد الفسخ کما عرفت إذا لا معنی لاعتبار الزّواج بعد الفسخ أیضا لیکون دائمیا لکونه تناقضا واضحا و لغوا محضا و أما الموقت فلانّه مشروط بکون الوقت معلوما و مسما کما ورد فی الرّوایات الکثیرة بل فی قراءة بن عباس إلی أجل مسمّی حیث أضاف لفظ المسمی و حیث لیس الأجل هنا معلوما فیکون باطلا فلا یقاس ذلک ببقیة الشّروط الفاسدة الغیر المبطلة للعقد و اذن فاشتراط الخیار فی النّکاح فاسد و مفسد للعقد.

نعم لو کان التوقیت بما وقت به الشّارع کالطلاق و العیوب الخمسة فلا مانع منه فإنّه أمر تعبّدی حتّی لو صرحا الزّوج و الزوجة من الأوّل بذلک لکان صحیحا أیضا بأن قال زوّجت الی أن أطلق أو الی أن یظهر شیء من العیوب.

و أمّا الوقف سواء کان من العقود أو الإیقاعات فقد ذکرنا فی بیع

ص:272

الوقف أنه علی قسمین الأوّل أن یکون تحریرا و فکا للملک کالمساجد و نحوها فهو مثل العتق فیکون من الأمور العدمیة فبالوقف بعدم الملکیة و یفکها و یجعلها محررة و یجری فیه جمیع ما ذکرناه فی الطّلاق و العتق و الإبراء فلا یمکن فیه جعل الخیار لکونه منافیا لمفهوم التّحریر بحسب الارتکاز العرفی.

فإنّه لا معنی للتّحریر مع کونه مختارا فی إرجاعه إلی ملکه،نعم لو کان کذلک لم یکن وقفا بل یکون من قبیل السکنی و العمری و الرقبی.

و القسم الثّانی و هو ما کان من قبیل التّملیک کالأوقاف الخاصّة و کالوقف علی المسجد بناء علی کونه ملکا للمسجد لا أنّه یکون مثل المسجد محرّرا فالظّاهر أنّه مبنی علی أن التّأیید مأخوذ فی حقیقة الوقف أم لا فإنّه بناء علی أخذه فیه لا یجوز هذا الاشتراط لانّه یکون الاشتراط بالنسبة إلی الوقف متناقضا لان اعتبار الوقف مقتضی التأیید و الاشتراط یقتضی التّوقیت بناء علی ما ذکرناه من رجوع الشّرط الی تضییق دائرة المنشأ و هما لا یجتمعان و اعتبار التأبید حتّی ما بعد الفسخ لغو ظاهر کما هو واضح و أمّا بناء علی عدم أخذ التأیید فی الوقف و القول بجوازه سنة نظیر السّکنی و الرّقبی فلا بدّ من تنقیح هذه الکبری و أن التأبید مأخوذ فی الوقف أم لا.

و أما ما فی الموثّقة من قوله(علیه السلام)من أوقف أرضا ثمّ قال ان احتجت إلیها فأنا أحق بها ثمّ مات الرّجل فإنّها ترجع فی المیراث فلا دلالة فیها علی المدّعی حیث ان محلّ کلامنا فی شرط الخیار و الرّوایة راجعة إلی شرط النتیجة و رجوع الوقف الی ملک الواقف مع الاحتیاج فأحدهما أجنبی عن الآخر.

ص:273

و ربّما علل علی عدم جریان الخیار فی الوقف باشتراط القربة فی الوقف و هو ممنوع صغیری و کبیر أمّا الکبری فلعدم الدّلیل علی اعتبار القربة فی الوقف و أمّا الصّغری فکذلک فإنّه لا دلیل علی أن القربة مانعة عن الاشتراط مع وجود الدّلیل علی الاشتراط امّا دلیل الوفاء بالشّرط أو ما ذکرناه فی الوقف کما هو واضح فالظّاهر أن شرط الخیار و عدمه متوقّف علی ما ذکرناه من اعتبار من التأبید فی الوقف و عدمه.

و الحاصل أنّه قسم المصنّف العقود علی ثلثة أقسام الأوّل ما لا یدخل فیه الخیار اتّفاقا کالنّکاح و نحوه الثّانی ما یدخل فیه الخیار کالبیع و نحوه من أقسام المعاملات الثالث ما یکون مختلف فیه کالوقف و نحوه.

أقول التّحقیق أن یقال:أن فی کلّ مورد نعلم بجواز شرط الخیار فی عقد نحکم بصحّة أخذه فیه و فی کلّ مورد نعلم بعدم جواز أخذ الخیار فی عقد نحکم بعدم صحة أخذه فیه و فی مورد الشّک نرجع الی الأصل و من الواضح أن مقتضاه هو جواز أخذه فیه و عدم ترتّب الأثر علی غیر ما أخذه المتبایعان فی العقد.

بیان ذلک أنّک قد عرفت آنفا أن معنی جعل الخیار فی العقد هو تحدید المنشأ بحدّ خاص بحیث ینشئ البائع مثلا بیع داره مقیّدا بعدم فسخه و قلنا أن التّملیک الموقّت و ان کان لا معنی له فان معنی بیع الدّار هو تملیکها مؤبدا من حیث الزّمان و غیر مقیّد بزمان و لکن ینافی ذلک تحدیده من حیث الزّمانیات فیبیع داره مقیدا بعدم فسخه أی ینشئ ملکیة داره لزید مقیدا بالقید المذکور لا علی وجه الإطلاق و علیه فیکون أدلة اللزوم و الصّحة شاملة لذلک فإذا شککنا فی جواز ذلک فبمقتضی القاعدة نحکم بجوازه و بعدم کون غیر ذلک منشئا و عدم کون التملیک علی وجه

ص:274

الإطلاق فإن القدر المتیقّن هو التملیک الخاص فالزّائد عنه مشکوک فالأصل عدمه.

و بعبارة اخری أن الحکم بکون مال شخص لشخص آخر یحتاج الی سبب و الفرض أن المالک لم ینشئ الاّ ملکیة محدودة فإن أمضی الشّارع ذلک فهو و الاّ ای و ان امضی ملکیة مطلقة یلزم أن یمضی الشّارع ما لم ینشئ فیکون المنشأ غیر ممضی و الممضی غیر منشئ و علیه فکلما شککنا فی نفوذ شرط و خیار فالأصل یقتضی نفوذه فان مقتضی عدم النّفوذ هو الحکم بما نشک فی إنشائه فالأصل عدمه کما لا یخفی.

هذا ما یقتضیه الأصل الّذی لا بدّ من الرّجوع الیه عند الشّک ثم ان الشّرط قد یرجع الی الخیار و قد لا یرجع و یتضح ذلک بما سنذکره و إذا عرفت ذلک فنقول لا بدّ من تحقیق معنی الشّرط و ما یجوز جعله فی العقود و ما لا یجوز لیتضح ما هو الضابط فی المقام اعنی ما یدخل فیه الخیار و ما لا یدخل فیه الخیار حتی نرجع فی غیره الی الأصل.

اما الشرط الذی اشترط فی العقود قد یکون راجعا الی اشتراط أمر غیر اختیاری و اخری یرجع الی اشتراط أمر غیر اختیاری و علی کل حال قد یرجع الاشتراط الی جعل الخیار و قد لا یرجع.

اما إذا کان الاشتراط اشتراط أمر غیر اختیاریة کما إذا اشتری عبدا فشرط کونه کاتبا أو اشتری متاعا آخر فشرط کونه علی وصف خاص فإنه لا شبهة فی ان کون العبد کاتبا أو کون المبیع علی وصف خاص من- الأوصاف التی لیس فی اختیار البائع غیر اختیاری للبائع و علیه فلا معنی للاشتراط الا توقف الالتزام البیعی علی الالتزام الشرطی فإنه لا یتصور لهذا الاشتراط معنی الا ان یکون العقد معلقا علیه ان أبیع علی هذا

ص:275

الشرط و الا فلا أبیع مثلا معنی بیع العبد بشرط کونه کاتبا انه أبیع ذلک علی ان یکون کاتبا و الا فلا أبیع فیکون باطلا للتعلیق.

و اما ان یکون المراد من الالتزام الشرطی التزام آخر فی ضمن الالتزام البیعی من غیر ان یرتب أحدهما بالآخر و اما ان یراد ما ذکرناه من توقف الالتزام البیعی علی الالتزام الشرطی من غیر ان یکون البیع متوقفا علی ظهور المبیع بوصف خاص بل الالتزام علی البیع و الوقوف علیه موقوف علی الشرط کما هو واضح.

و علی هذا فلو تخلف الوصف فیکون المشروط له مخیرا فی بقائه علی التزامه و عدم بقائه فیکون له الخیار.

و اما إذا کان الشرط فی العقود من الأمور الاختیاریة فهو علی قسمین:الأول:ان لا یکون العقد مما یجری فیه الخیار کمثل النکاح مثلا فان معنی الشرط حینئذ هو مجرد توقف الالتزام العقدی علی الالتزام الشرطی من خیر ان یکون مرجعه الی جعل الخیار أصلا بل فائدته لیس إلا إلزام المشروط علیه تکلیفا علی الوفاء و الوقوف علی التزامه فان المشروط له انما أنشأ العقد علی هذا الالتزام بحیث لو کان المشروط علیه لقبل الإیجاب المنشأ علی هذا النحو لقبل مقیدا لکان باطلا لعدم المطابقة بینهما و قد ذکرنا فی أوائل البیع انه لو أنشأ الموجب عقدا مشروطا بشرط فقبل القابل بلا شرط لبطل فان ما أنشأه البائع لم یقبله المشتری و ما قبله القابل لم ینشأه الموجب و علی کل حال فهذا الاشتراط لیس له فائدة إلا إلزام المشروط علیه و لا بأس بذلک أیضا و یترتب علیه الأثر من حکم النشوز و نحوه فی النکاح و لا یضر تعلیق العقد بذلک فان بطلان التعلیق فی العقود لیس الا من جهة الإجماع و من الواضح ان المتیقن

ص:276

منه صورة کون المعلق علیه مشکوکا لا فیما یکون منجزا و لذا قالوا یعتبر التنجز فی العقود و هذا المعنی متعارف فی العرف أیضا فإنه یقول بعضهم لبعض بعتک هذا المتاع لک بشرط ان تلتزم بذلک الشرط أو یقول احد الزوجین للآخر زوجتک نفسی بشرط ان تلتزم بالشرط الفلانی من تعیین المکان و نحو ذلک و من هذا القبیل اشتراط الشرط الفاسد فی العقد من شرب الخمر و نحوه فان الشرط اعنی الالتزام حاصل بالنسبة إلی المشروط علیه و لکن لم یمضه الشارع فمورد الشروط الفاسدة هو ذلک فیصح العقد لان شرطه و هو التزام الطرف حاصل و ان لم یمضه الشارع.

الثانی ان یکون الشرط مرجعا لکلا الأمرین بأن یکون الشرط امرا اختیاریا و یکون معناه التزام الموجب بالبیع و نحوه مثلا مقیدا بالتزام الطرف الآخر بالشرط فیکون منحلا إلی أمرین أحدهما إلزام الطرف ای المشروط علیه أو لا بالوفاء بالشرط و مع عدم الوفاء یثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط و سیأتی تفصیل ذلک فی باب الشروط.

و بعبارة اخری ان الشروط علی ثلثة أقسام:الأول:ان یکون مرجعه الی جعل الخیار للمشروط له کاشتراط الأوصاف فی المبیع مثلا الخارجة عن القدرة کما إذا باع عبدا فشرط المشتری علی البائع کونه کاتبا فان کونه کاتبا لیس فی قدرة البائع فإذا ظهر غیر کاتب فلیس- للمشتری إلزامه بکونه کاتبا و هکذا فی جمیع الأوصاف الغیر الاختیاریة غایة الأمر فیثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط فله ان یرضی بالمبیع الفاقد للوصف و له ان یفسخ العقد و یرجع الثمن.

الثانی:ان یکون متعلق الشرط امرا اختیاریا کما إذا اشتری

ص:277

أحد شیئا و شرط فی ضمنه امرا مقدورا للبائع کخیاطة ثوبه و بنائه داره أو نجارته بابه و نحو ذلک من الأمر المقدورة للبائع و فی مثل ذلک فالشروط مجمع للأمرین إلزام المشروط علیه بالوفاء بالشرط و مع عدم الوفاء ثبت له خیار تخلف الشرط فله ان یرضی بالعقد بدون الشرط و له ان یفسخ العقد.

الثالث:ان یشرط احد المتعاقدین علی الآخر شرطا فی العقد الذی لا یجری فیه الخیار الا فیما عینه الشارع بدلیل خاص کعقد النکاح فإنه لا یجری فیه الخیار إلا بالأسباب التی عینها الشارع بدلیل خاص فمقتضی الشرط هنا لیس الا تعلیق الالتزام العقدی علی الالتزام الشرطی فلا شبهة فی جواز التعلیق حینئذ فإن المعلق علیه و هو التزام المشروط علیه حاصل و التعلیق انما یضر إذا کان متعلقة مشکوکا و لیس کذلک فما هو باطل هو الثانی دون الأول فإن مورد المتیقن من الإجماع هو الثانی و اما الأول فالتعلیق علی نفس وجود المبیع مثلا.

و علیه فلو تخلف المشروط علیه عن شرطه فلا یثبت للمشروط له الخیار فإن فائدة هذا الشرط لیس إلا إلزام المشروط علیه علی الوفاء و مع عدمه لا یثبت الخیار نعم یمکن ترتب بعض الآثار علیه فی مثل عقد النکاح من عدم تحقق النشوز و نحوه مثلا کما اشترط الزوجة مکانا خاصا لزوج فلم یف فذهاب الزوجة الی ذلک المکان لا یوجب النشوز و لا یضر ذلک بصحة العقد فان المعلق علیه حاصل جزما اعنی التزام المشروط علیه و کذلک إذا کان الشرط فاسدا فان تعلیق العقد بالوفاء بالشرط الفاسد من هذا القبیل أی الشرط حاصل و هو الالتزام بالوفاء بالحرام غایة الأمر لم یمضه الشارع و من هنا نقول ان الشرط الفاسد لا یفسد

ص:278

العقد کما سیأتی فی باب الشروط.

نعم مع عدم الالتزام فی جمیع الصور المتقدمة من الأول لم یبطل العقد من الأول لأن ما أنشأه البائع لم یقبله المشتری و ما قبله المشتری لم ینشئه البائع کما لا یخفی.

ثم انک عرفت من جمیع ما تقدم فی معنی الخیار ان معناه لیس الا تحدید الملکیة المنشئة بزمانین و معنی التحدید ان البائع مثلا یعتبر ملکیة داره لزید إلی الأبد من حیث الزمان و یلزم بذلک علی وجه الإطلاق و لم یقید أصل التزامه بشیء فإن الإطلاق و التقیید فی أصل الالتزام غیر معقول و لکن یقید ذلک بحسب الطواری و الکیفیات من حیث الزمانیات و نتیجة ذلک ان المشتری له التصرف فی المبیع بأی کیفیة یرید حتی بالأعدام و نحوه فان له ذلک علی وجه الإطلاق و لکنه ملکیته و سلطنته اعنی الواجدیة هی محدودة بحد خاص و هو عدم الفسخ فإذا فسخ ترتفع هذه السلطنة و ما یجوز له من التصرفات و تنقطع سلطنته عن العین و نظیر ذلک کثیر فی العرف فإنه یکون شخص سلطانا إلی سنة کما هو کذلک فی الرئاسة الجمهوریة و لکن تصرفاته فی الاملاک مطلقة فله ان یتصرف فی زمان سلطنته تصرفا مطلقة و تصرف خمسین سنة بأن یوجر أرضا إلی خمسین سنة و هکذا و کذلک المتصرفین المنصوبین فی البلاد من قبل الملک فان سلطنتهم و ان کانت مقیدة بأمد خاص و لکن تصرفاتهم مطلقة و لذا تنفذ أمورهم بعد انعزالهم أیضا کالطرق و الشوارع و کذلک رئیس الوزراء و نحوهم و کک الأمر فی کل معاملة خیاریة فان معناه تحدید المنشأ فیکون نفس السلطنة خاصة و لکن نفوذ التصرف بجمیع أنحائه مطلقا.

و الحاصل ان أصل الالتزام و ان کان غیر قابل للإطلاق و التقیید

ص:279

فإنه کالإنشاء إما یوجد أولا و انما الإطلاق و التقیید باعتبار المتعلق و لکن تقیید استمراره باعتبار متعلقة شیء ممکن بأن یقید الوقوف علیه و استمراره بشرط و علیه فلا مانع من تحدید الالتزام البیعی بحسب- الاستمرار بالالتزام الشرطی فتکون النتیجة من المجموع کون الملکیة مقیدة بحد خاص کما هو واضح.

ثم انه کما یوجب الفسخ انقطاع سلطنة المشتری عن العین بالکلیة و کذلک التلف فإنه إذا تلف مال احد تنقطع سلطنته عن العین و عن مالیته بالکلیة إلا إذا کان التلف مستندا الی شخص یکون إتلافه موجبا للضمان فإنه ح تکون سلطنته باقیة فی المالیة فإن ذمة المتلف تکون مشغولة بذلک و اما إذا لم یکن مستند الی شخص فتکون سلطنة المالک منقطعة عن العین و عن مالیته بالمرة کما کان تنقطع بالفسخ فإذا تلف المبیع عند المشتری فی غیر زمان الخیار فتکون سلطنته منقطعة عنه.

و لکن مع ذلک هنا فرق بین التلف و بین الفسخ و ان کانا مشترکین فی أصل انقطاع سلطنة المالک عن العین فإنه فی صورة التلف فالمعاقدة باقیة علی حالها بحیث ان المتبایعین و کذلک العرف و العقلاء یعتبرون ملکیة العین التالفة للمشتری فی هذا الزمان أیضا قبل التلف فیعتبرون ان المشتری کان مالکا قبل التلف بخلافه فی الفسخ فإنه بالفسخ تنفسخ المعاملة من الأول و لذا لو ادعی البائع ملکیة المبیع و ضمان المشتری علیه بالمثل بحیث ان یرد ثمنه و یأخذ مثل ماله فیقول المشتری کان التلف فی ملکی و انا کنت مالکا بالعین قبل التلف بالمعاقدة التی تبقی و المقام شبیه بالحجة حیث ان الفاعل إذا اتی بعمل مستندا الی حجة شرعیة ففی أی وقت سئل عن وجه إتیانه فیقول کانت الحجة عندی فلو قیل:أعد

ص:280

فیقول الحجة تقتضی عدم الإعادة و کذلک بعد الوقت ففی کل وقت یدعی بقاء الحجة و استناد عمله الیه و کذلک فی المقام فإن المشتری فی کلّ وقت یدعی کون التلف فی ملکه و عدم الضمان لبدل المبیع لبقاء المعاقدة معه فیقول أنا لست ضامنا بمثله أو قیمته فانی عاملت علیه و یدعی فی کل وقت بقاء المعاقدة و استناد عدم الضمان علی مثله أو قیمته إلی المعاقدة و من هنا تجوز الإقالة بعد التلف فح یرجع البائع إلی مثل العین أو قیمته و یردّ الثمن إلی المشتری ان کانت عینه باقیة و الا فمثله أو قیمته.

فحال الفسخ و رفع الملکیة و قطعها عن العین حال الإقالة بعد تلف العین فمع الفسخ أیضا ان کانت العین باقیة فترد إلی البائع و الا فیرد المثل ان کان له الخیار حتی بعد تلف العین و من هنا ظهر أنه لا وجه لقیاس الفسخ و انقطاع السلطنة به بالتلف و انقطاع السلطنة به من جمیع الجهات بل القیاس فی انقطاع السلطنة بهما فقط لیس الا فافهم.

إذا عرفت ذلک کله فاعلم أن المیزان الکلی و الضابطة الکلیة فی جعل الخیار فی العقود و الإیقاعات هو أن لا یلزم من جعله ما ینافی مفهوم العقد بأن ینافی التحدید مفهوم نفس العقد أو الإیقاع کما إذا طلق مع جعل الخیار لنفسه أو إبراء ذمة المدیون موقتا أو أعتقه کذلک فان المتبادر من مفهومها هو الأبدیة و التوقیت ینافیها فمعنی الإبراء إفراغ الذمة إلی الأبد و التوقیت إمهال لا إبراء و معنی الطلاق الإرسال و الإطلاق و التوقیت ینافیه و کذلک العتق.

أو کان هنا إطلاق أو عموم یقتضی صحة العقد الذی یجعل فیه

ص:281

الخیار ففی البیع و نحوه من المعاملات مقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و سائر الأدلة هو صحة المعاملة التی جعل فیه الخیار فیکون شمولها علیها بهذا المقدار و أما بعد الفسخ فلا فتکون المعاملة المنشئة بقید أی المنشئ المحدود بحد مشمولا لأدلة لزوم المعاملة فالزائد عن ذلک یکون خارجا عن حدود الأدلة الدالة علی اللزوم من الأوّل.

و أما فی مثل النکاح فلیس هنا إطلاق أو عموم تقتضی صحة عقد النکاح المقید بوقت و المحدود بحدّ بعد ما کان ممکنا ثبوتا مع العلم من الخارج بان عقد النکاح لا بد اما و ان یکون دائما أو موقتا و لکن إلی أجل معلوم ای مسمی کما فی بعض الروایات و فی قراءة ابن عباس.

و علیه فجعل الخیار فی عقد النکاح لا یدل دلیل علی صحة هذا القسم من النکاح ای المحدود بحد خاص لو لم یکن من الخارج یدل علی کونه منحصرا بقسمین لکانت العمومات الدالة علی لزوم مطلق العقد محکمة و لکن قد عرفت جوابه.

ثم انک عرفت عدم جواز جعل الخیار فی النکاح بل الخیار فیه منحصرا بالأسباب الخاصة و قد عرفت عدم جریانه فی الإیقاعات المذکورة من الطلاق و العقد و الإبراء و عرفت أیضا ان جریانه فی الوقف مبنی علی اعتبار التأیید فی الوقف و عدمه فإنه بناء علی الأول لا یجری فیه الخیار لکونه منافیا لمفهوم الوقف کما عرفت فی الطلاق و العتق و الإبراء و هذا هو المشهور بین الفقهاء و هذا هو الظاهر من الروایة التی ذکرها المصنف هنا من انه وقف الواقف شیئا و اشترط عوده الی ملکه مع الاحتیاج فحکم الامام(علیه السلام)بعوده میراثا و بطلان الوقف بل هو الظاهر من غیر واحد من الروایات المذکورة فی باب الوقف بل فی بعضها ذکر

ص:282

الامام(علیه السلام)انه وقف الی ان یرث الله الأرض و من علیها.

و اما الصدقة فالظاهر عدم جریان الخیار فیه فإنها لله فما کان لله لا یرجع بل هو کک فی اعتبار العرف أیضا فإنه لا یجوز العرف جواز رجوع المصدق إلی الصدقة بعد مدة فهی نظیر الوقف بناء علی اعتبار التأیید فیه بل قسم من الوقف و علی الجملة فالصدقة حیث کانت امرا قربیا فلا ترد و اما الوصیة سواء کانت إیقاعا أو عقدا فان کان قبل الموت فهو جائز بطبعه فلا یدخل فیه الخیار بل کلما أراد الفسخ یفسخ و ان کان بعد الموت فهو لازم فیجوز فیه جعل الخیار إذ لا نری فیه ما ینافی مفهوم الإیصاء و انه موافق لما دل بإطلاقه علی صحة الوصیة و لکن فی جعل الخیار فیها استبعادا محضا و ذلک فان مقتضی جعل الخیار فیه انه بالفسخ من المورث أو من له الخیار ان المال یرجع الی ملک المیت فإنه الذی إنشاء العقد و جعل فیه الخیار و کان المال فی ملکه ثم بتوسط المیت ینتقل إلی الورثة فان فی هذا استبعادا محضا بأنه کیف یملک المیت بعد موته و لکنه مجرد استبعاد فلا محذور فیه.

و اما الهبة المعوضة التی لا تکون لذی رحم أو علی وجه قریبی أو من الزوج للزوجة فلا شبهة فی جعل الخیار فیه فإنه من العقود التی لا محذور فیها لجعل الخیار بوجه کما لا یخفی فافهم.

و الحاصل انک قد عرفت ان معنی جعل الخیار فی العقد هو جعل المنشأ مقیدا بقید خاص و بحد خاص فیکون مفاد العقد هی الملکیة المحدودة بعدم الفسخ ثم انک قد عرفت أیضا ان معنی جعل الشرط فی العقد هو کون البیع ای الملتزم به معلقا بذلک الالتزام الشرطی بحیث انه لو لا ذلک الالتزام الشرطی المعلق علیه لما باع البائع ما له

ص:283

أصلا و قلنا ان التعلیق فی أمثال ذلک لا یضر فإنه إنما یضر ان کان لأمر مشکوک الحصول لا لأمر منجز کما لا یخفی و لا یفرق فی ذلک أی صحة العقد المعلق علی الالتزام الشرطی بین کون الشرط فاسدا کشرب الخمر و نحوه و بین کونه سائغا فإن ما علق علیه العقد و هو الالتزام قد حصل تکوینا و ان لم یمضه الشارع کما لا یخفی فافهم.

ثم انک قد عرفت ان العقد إذا توقف علی شیء بحیث قد حصل مقیدا بذلک الشرط و الالتزام کان المنشأ محدودا بحد خاص و بقید خاص بحیث ان المنشأ قد أنشأ هکذا فیکون المشمول لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و سائر أدلة اللزوم هذه الحصة الخاصة من المنشأ المحدود و لا شبهة انه مع تخلف هذا الشرط فللمشروط له خیار تخلف الشرط فیکون هنا التزام آخر من المشتری علی انه إذا خالف الشرط فیکون للمشروط له خیار تخلف الشرط فیما إذا کان مرجع الشرط الی الخیار کما ذکرناه سابقا و یکون ذلک فی العقود التی یجری فیه الخیار فافهم فیکون دلیل الوفاء شاملا للعقد المقید و المحدود بالتزامین و العقد بجمیع هذه الشؤون یکون مشمولا له.

و الحاصل إذا کان البیع مثلا معلقا علی شرط کالخیاطة و نحوها و التزم المشتری بالوفاء بها فیکون البیع مقیدا بهذا الشرط بحیث یکون المنشأ محدودا بذلک فیکون مشمولا لما دل علی اللزوم علی هذا النحو الخاص ثم ان معنی جعل الشرط فی العقد هو کون المشروط له مخیرا فی حل ذلک العقد علی تقدیر مخالفة المشروط علیه بالشرط و علیه فالعقد معلق علی التزامین أحدهما التزام المشتری بالشرط و الثانی التزامه بأن للمشتری حل العقد علی تقدیر مخالفته و حینئذ فیکون المنشأ

ص:284

مقیدا و محدودا بکلام الالتزامین و معلقا علیهما و یکون العقد المقید و المحدود بهما مشمولا لا وفوا بالعقود و سائر أدلة اللزوم و علیه فلا مجال لتوهم ان حل العقد علی تقدیر تخلف الشرط مناف لأوفوا بالعقود بل هو مأخوذ فیه فان أوفوا یشمل العقود بجمیع شؤونها کما هو واضح و مع تخلف الشرط ینتفی المشروط اعنی اللزوم فثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط و هذا معنی ما ذکر من أنه ینتفی المشروط مع تخلف الشرط کما هو واضح فان من التزم بالبیع التزمه علی تقدیر و لا شبهة فی عدم جواز قبوله بدون ذلک التقدیر بداهة تفاوت قیمة المبیع مع الخیار و بدونه فإذا کانت قیمة المبیع خمسین بلا شرط و باعه عشرین مع الشرط فلو لم یکن للشرط دخل فی نقصان الثمن لم یقدم بهذه المعاملة إلا السفیه کما هو واضح هذا فاغتنم.

ثم انه وقع الخلاف فی جریان الخیار و عدمه فی بعض العقود

و قد عرفت عدم جریانه فی النکاح و ما عن السید فی العروة انه لا یجری فی النکاح للإجماع فی غیر محله بل لا یجری لما ذکرناه و قد عرفت أیضا عدم جریانه فی الوقف أیضا بناء علی اعتبار التأبید فیه کما هو الظاهر من الروایة التی ذکرها المصنف فی المقام و من بقیة الروایات الدالة علی کون الموقوف وقفا الی ان یرث الله الأرض و من علیها و علیه فیکون جعل الخیار فی الوقف منافیا لمفهومه.

و اما الصدقة

فلا یجری الخیار فیه أیضا لأنه کالوقف فی اعتبار التأیید فیها و انها وقعت لله و ما کان لله لا یرجع کما ذکر المصنف بل فی بعض الروایات ان آخذ الصدقة هو الله تعالی فإذا کان الطرف هو الله فکیف ترجع الصدقة و ربما یتوهم کما توهم بعض المحشین من ان ما

ص:285

ذکره المصنف هنا من کون الصدقة لله تعالی و ما کان لله لا یرجع مناف لما ذکره فی الوقف من الإشکال فی الکبری فی عدم اعتبار القربة ان عدم الدلیل علی ذلک و لکن قد ظهر جوابه مما ذکرناه و بیانه ان الروایات الکثیرة قد دلت علی اعتبار القربة فی الصدقة و کونها علی وجه قربی و معنی اعتبار القربة هنا ان طرف الصدقة هو الله و الآخذ هو کما فی بعض الروایات فکأن المصدق یعطی الصدقة لله تعالی و ما أخذه الله تبارک و تعالی لا یرجع.

و هذا غیر کون الفعل قریبا ای مأتیا به علی وجه قربی لا جل ابتغاء الثواب و هذا لا ینافی جواز حل ذلک العقد و إرجاع ما اعطی علی وجه قریبی و لو قلنا بکون المعاملة مستحبة بذاتها و ان أنکرنا ذلک فی المکاسب المحرمة و قلنا ان الاستحباب من جهة الفعل فلا یکون ذلک موجبا للزوم البیع کما هو واضح هنا لو باع احد داره من عالم أو سید قربة الی الله تعالی و قصد فی معاملته التقرب بها الی الله تعالی فهل یتوهم احد ان ذلک مانع عن جریان خیار المجلس فی ذلک فالکبری الذی تسلمها المصنف هنا غیر الکبری الذی منعها فی الوقف فان الآخذ هنا هو الله فلا معنی لإرجاع ما أخذه بل هذا کک فی العرف أیضا فإن من اعطی شیئا للسلطان لیس له ان یدق بابه بعد مدة و یطلب ذلک بل یعد العقلاء من المجانین لو فعل ذلک و علی تقدیر تسلیم اعتبار القربة فی الوقف فهو من القبیل الثانی دون الأول و علیه فلا مانع من جعل الخیار فی الوقف مع قطع النظر عن کون التأیید فیه مانعا عن جریان الخیار فیه علی انا قد استشکلنا فی اعتبار القربة فی الوقف تبعا للمصنف و قلنا انه لا دلیل علیه کما عرفت.

ص:286

و اما الصلح

فان کان لقطع الخصومة فلا بأس لجعل الخیار فیه فان مرجع جعل الخیار فیه هو تقیید المنشأ و تحدیده بعدم الفسخ و من الواضح انه لا بأس لقطع الخصومة إلی زمان خاص و لو صرح احد المتخاصمین أو کلیهما بذلک فهل فیه محذور.

و ان کان الصلح لإسقاط الدعوی فیکون ذلک مثل الإبراء فلان لکل شخص ان یدعی علی أخیه المسلم و غیره من حقه و یحضره عند الحاکم للمحاکمة و له حق الإحضار عنده و لیس للمدعی علیه الإباء عن ذلک بوجه فإذا أسقط حقه هذا بالمصالحة فیکون ذلک مثل الإبراء و علیه فیکون جعل الخیار فیه منافیا لمقتضی الصلح کما هو واضح فان معنی الاسقاط هو عدم بقاء حق للمدعی علی المدعی علیه فیما ادعاه و انه سقط إلا إذا ادعی حقا آخر غیر الساقط و الشیء بعد سقوطه لا یرجع الی حالته الأولیة و الحاصل معنی السقوط و الإبراء هو فراغ ذمة من علیه الحق من الحق إلی الأبد فاشتراط التوقیت فی ذلک مناف لذلک فلا یکون ح إسقاطا و إبراء کما لا یخفی.

و اما الضمان

و هو عند الخاصة عبارة عن انتقال الدین من ذمة المدیون إلی ذمة الضامن فیکون ذمة المدیون بریئا و یکون ذلک أیضا مثل الإبراء کما هو واضح.

و اما الرهن

فقد یقال بکون جعل الخیار فیه منافیا لمقتضی الرهنیة فإن الرهن وثیقة و کون المرتهن علی اطمینان من دینه فجعل الخیار فیه ینافی الاطمئنان.

و فیه ان الرهن و ان کان وثیقة الا انه وثیقة للدین و معنی کونه وثیقة للدین هو وصله به ای ان الرهن متصل به و لذا یقال وثیقة للدین

ص:287

ای مشدود به فیحل عند أداء الدین و أخذ الوثیقة بمعنی الاطمئنان لسهو بل الاطمئنان من لوازم الوثیقة و الا فمعنی الوثاقة فی اللغة هو الشد و منه قوله تعالی فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً ای شدوا وصالکم و عهدکم و من هنا یقال للشخص الذی أمین أنه موثق ای انه لا- تجر فی اخبار و لا ترد بل خبره متصل باعتقاده و لیس کاذبا فیه و لذا یطلق الاعتقاد علی وثاقة القلب بشیء و یقال اعتقد علیه و لیس له تردد لیقدم رجلا و یؤخر أخری کما هو واضح و علیه فلا مانع فی جعل الخیار فی الرهن فیه أیضا إذ لا تنافی فیه بمقتضی الرهن أصلا فإنه مع جعل الخیار فیه أیضا فالرهن متصل بالدین و بعد الفسخ یبقی الدین کحال لا رهن فیه فلا مانع فی ذلک مع اقدام المرتهن علیه بنفسه.

و کیف کان فالضابط الکلی فی جعل الخیار فی عقد أو إیقاع هو عدم منافاة الخیار بمفهوم العقد و عدم کونه مخالفا لعموم دلیل ذلک العقد أو إطلاقه کما عرفت فی النکاح بل و کونه موافقا للعموم أو الإطلاق الدال علی صحة هذا العقد کما عرفت.

ثم انه ذکر المصنف عدم جریان الخیار فی المعاطاة

بدعوی ان المعاطاة إنما هی بالتراضی الفعلی و من الواضح ان الشرط الذکری لا یرتبط بالتراضی الفعلی و هو واضح.

و لکن یرد علیه ان التراضی أمر قلبی و انما یحصل فی أفق النفس و یحصل ارتباط کل من الشرط و المشروط فی ذلک الصقع و انما المبرز مختلف و مع اختلاف یبرز شیئا واحدا فعدم ارتباط اجزاء المرز بعضها ببعض لا یستلزم عدم ارتباط بعض اجزاء المبرز بعضه ببعض و علی الجملة فالبیع مثلا عبارة عن إظهار ما فی النفس من الاعتبار بأی مبرز کان فکما

ص:288

لا یفرق فی کون أصل مبرزا المعتبر النفسانی بین ای مبرز و کذلک لا یفرق بین ما کان مبرز أصل الاعتبار النفسانی فعلا و بین ما کان مبرز ما یعتبر فی أصل المعتبر النفسانی من الشروط قولا کما هو واضح.

فما ذکره المصنف من عدم ربط الشرط القولی بالمراضاة الفعلیة لا یمکن المساعدة علیه فإنک قد عرفت ان المناط فی ارتباط الشرط بالمشروط هو فی عالم الاعتبار و اما فی عالم الإبراز فلا یلزم ربط جمیع اجزاء المبرز بعضه ببعض و هذا واضح جدا کما لا یخفی فافهم.

(فی خیار الغبن) قوله

الرابع خیار الغبن:

اشارة

أقول:من جملة الخیارات الثابتة فی المعاملات خیار الغبن و هو بمعنی الخدیعة،و لکن تحقق خیار الغبن فی البیع و نحوه لا یتوقف علی صدق الخدیعة بل یجری ذلک فی بعض الموارد مع عدم تحقق الخدیعة کما إذا کان البائع و المشتری کلاهما جاهلین بالغبن ای التفاوت.

ثم انه انما یلاحظ الغبن بالنسبة الی جمیع القیود و الشرائط التی اعتبرت فی العقد فإنه لا شبهة ان قیمة المبیع تختلف باعتبار الطواری و العوارض و القیود و الشروط و قد یکون ثمن شیء خمسین دینار و یکون مع الشرط ثلثین دینارا فهذا التفاوت لا یکون غبنا و خدیعة بداهة تفاوت القیمة بالخیار و عدمه نعم یلاحظ النقصان و الزیادة بالنسبة إلی مجموع المبیع و الشروط و القیود و هو واضح.

ثم انه قد اعتبر الفقهاء رضوان الله علیهم شرطین فی تحقق الغبن
الأول:ان یکون المشتری جاهلا بالقیمة السوقیة و اشتری المبیع بأکثر

ما یسوی فی السوق

و اما علم البائع فإنها هو شرط فی تحقق الخدیعة

ص:289

و الا فالغبن یتحقق بجهل المتبایعین أیضا ثم انه قد یکون الغبن فی الثمن فیشترط فیه جهل البائع بقیمة الثمن إذا کان من غیر النقد و هذا نادر و الغالب هو الأول.

الشرط الثانی:ان یکون ما أخذه الغابن ما زیادة القیمة بما

یتسامح

کأن کانت قیمة العین خمسین دینارا فباعها من المشتری بمائة دینار فإنه لا شبهة فی تحقق الغبن هنا فإن الزیادة ح لیس بما یتسامح و اما إذا کان الإقدام بالزیادة بعلم من المتبایعین معا أو کانت الزیادة بما یتسامح بأن باع ما یسوی بخمسین دینارا بأحد و خمسین دینار فإنه لا خیار للمشتری إذ لا یتحقق الغبن بزیادة الدینار فیما یسوی بخمسین فی السوق و لعل هذا المقدار من التفاوت کان من جهة التفاوت فی الأسواق فإن قل متاع یکون قیمته فی جمیع الأسواق و فی جمیع الدکاکین واحدة بل المتاع واحد تختلف قیمة بحسب الدکاکین و الأسواق مع کون المتاع واحد فی جمیع الخصوصیات من حیث الجودة و نحوها کما لا یخفی،و نتعرض لوجه هذین الشرطین قریبا.

فی أدلة التی یذکر فی إثبات هذا الخیار و نفیه
اشارة

ثم انه لا شبهة فی ثبوت هذا الخیار فی الجملة بل ادعی بعضهم الإجماع علیه،و لکن أنکر المحقق هذا الخیار لعدم کونه منصوصا

و قد

استدل العلامة فی التذکرة علی ثبوت هذا الخیار بقوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

بدعوی ان المعاملة الغبنیة لیست تجارة عن تراض إذا علم المغبون بالحال لم یرض بها أصلا و حیث ان ما کان مفقودا اعنی التساوی فی المالیة انما هو وصف من أوصاف المبیع الذی هو قید له و لیس من الأرکان ففقد انه لا یوجب البطلان بل یوجب الخیار کما هو واضح.

ص:290

و قد ناقش المصنف فی ذلک صغری و کبری أمّا الصغری فلان کون العوضین متساویین فی المالیة لیس الا من قبیل الدّاعی و لا شبهة ان تخلف الدّاعی لا یوجب الخیار.

ثمّ ناقش فی الکبری بأنّه لو سلّمنا أن أخذ ذلک فی المبیع علی وجه التقیید و لکن تخلفه لا یوجب الخیار فإنّه لیس من الأوصاف المذکورة فی ضمن العقد فلا یوجب تخلفه الخیار بوجه أصلا.

أما الأول فیرد علیه أن تخلف الدّاعی و ان کان لا یوجب الخیار أصلا کما إذا اشتری متاعا بداعی الضّیافة فلم یفعل الضیافة فإن تخلفه لا یوجب الخیار أصلا لکون الدواعی کلها غریبة عن العقد فتخلفها لا یستتبع شیئا،و لکن المقام لیس کک إذ الدواعی هی تصور الغایات لیبعث إلی إیجاد العمل فی الخارج و لا یعقل ان یکون ذلک قیدا فی العمل الموجود فی الخیار و هذا بخلاف المقام فان البناء علی تساوی العوضین فی المالیة مأخوذ فی العقد أخذ وصفا ضمنیا فی العقد فیکون علی وجه التقیید فإن تعین بین آدم موقوف علی تبدیل الأموال و بناء المتعاقدین علی تساوی العوضین فی المالیة فیناط التبدیل بالتساوی و حیث کان هذا البناء نوعیا بحسب العرف و العادة جری نفس اجراء العقد بین العوضین مجری اشتراط تساویهما فی المالیة فلا یکون ذلک الا کالشرط المذکور صریحا و کیف یکون من قبیل الدواعی.

و اما ما ذکره من المناقشة فی الکبری من ان الشرط إذا لم یذکر فی متن العقد فلا یکون تخلفه موجبا للخیار ففیه ان عدم الذکر انما یوجب عدم الخیار مع التخلف إذا لم یکن فی حکم الذکر و اما إذا کان مأخوذا فیه ضمنا و بالدلالة الالتزامیة فلا شبهة فی انه بمنزلة أخذه فی العقد

ص:291

صریحا.

و بعبارة اخری ان الشروط ابتدائیة و ان لم تکن واجبة الوفاء و لا یکون تخلفها موجبا للخیار و لکن إذا قامت قرینة علی اعتبار وصف فی المبیع و ان لم یکن مذکورا فی متن العقد فیکون ذلک مثل المذکور و من الواضح ان بناء العرف و العقلاء و ارتکازاتهم علی اعتبار تساوی المالیة فی تبدیل العوضین و هذا بمنزلة الصغری و حیث ان ذلک من المقومات للعقد و من أرکانه کما إذا باع عبد فطهر حرا أو باع ذهبا فظهر مذهبا فیکون تخلفه موجبا للخیار و هذا بمنزلة الکبری فقد ثبت ان تخلف الشروط الضمنیة موجب للخیار و من ذلک تساوی العوضین فی المالیة.

و قد ثبت فی بعض الموارد ان تخلف الشرط الضمنی الذی اعتبر فی العقد بحسب الارتکاز و بالقرائن الحالیة یوجب بالخیار منها اعتبار نقد البلد فلو باع و اعطی المشتری غیر نقد البلد ثبت للبائع خیار تخلف الشرط الضمنی.و منها اعتبار التسلیم فلو لم یسلم المشتری إلا فی وقت یشاء نفسه فلم یشک احد ثبوت الخیار للبائع و لیس للمشتری ان یقول ان العقد لازم لدلیل الوفاء به و نعطی الثمن فی أی وقت نرید و نظائر ذلک کثیرة فی الفقه و قد اعترف المصنف به أیضا و علی هذا فما ذکره العلامة فی غایة الجودة و المتانة مع قطع النظر عن الآیة أیضا.

و الحاصل ان مقتضی بناء العقلاء و ارتکازاتهم هو تساوی المالیة فی العوضین بحسب العادة و لو کان التفاوت فی ذلک لا بد و ان یکون مما یتسامح و یکون اعتبار التساوی فی المالیة مشروطا فی ضمن العقد و منوطا به و هذا مما لا شبهة فیه بحسب الصغری و اما الکبری فهو ثبوت الخیار مع تخلف الشرط الضمنی و الذی یکون دلیلا علی ثبوت خیار

ص:292

الغبن هذا لیس الا کما لا یخفی.

و قد استدل علی مشروعیة خیار الغبن و ثبوته بأیة النهی عن الکل

المال بالباطل بوجهین

الأول:ما ذکره المصنف

و حاصله ان المعاملة التی وقع فیها غبن قد لا یلحق بها العلم بالتبین و لم یظهر الغبن فیها بعد و قد تبین الغبن فیها و هو علی قسمین لانه قد یکون التبین قبل الرضا بالعقد و قد یکون التبین فیها بعد الرضا بالعقد:اما إذا کان راضیا بالمعاملة بعد تبین الغبن فلا شبهة فی صحة المعاملة ح فإنه لا یکون فیها ما یمنع عن صحته و لا یکون أکلا للمال بالباطل لأنه تجارة عن تراض و اما إذا کان التبین قبل الرضا بالعقد فتکون المعاملة أکلا للمال بالباطل إذا المشتری لم یرض بذلک فیکون أکلا للمال بالباطل و اما إذا کان قبل تبین الخدع فی المعاملة فذکر ره ان مقتضی الآیة و إن کان حرمة الأکل حتی قبل التبین الا انه خرج بالإجماع و بقی ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة.

أقول یرد علیه أولا ان مقتضی التمسک بالآیة فی المقام هو بطلان العقد و انفساخه بمجرد ظهور الغبن فیه من غیر ان یثبت للمغبون خیار الفسخ فإنه بمجرد ظهور الغبن فیها قبل الرضا بذلک یشمل علیه قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ فیحکم ببطلانه لأن أکل المال بالباطل حرام وضعا و تکلیفا و لا یحتاج بطلانه الی الفسخ مع ان الفقهاء رضوان الله علیهم ذکروا ان المغبون بعد ظهور الغبن فی المعاملة مخیر بین الفسخ و الإمضاء.

و ثانیا:انه لا وجه لإخراج ما قبل تبین الخدع عن الآیة بالإجماع بحیث انه لو لا الإجماع کانت الآیة شاملة له و لکن الإجماع أوجب-

ص:293

التخصیص و ذلک إذ بعد شمول الآیة بالمعاملة و حکمها بکونها أکلا للمال بالباطل و حراما وضعا و تکلیفا لا معنی للتخصیص فهل یتوهم احد ان أکل المال بالباطل حرام الا فی المورد الفلانی فإنه مع کونه أکلا للمال بالباطل جائز و هذا لم یلتزم به فقیه.

و ثالثا:انه لا یفرق فی شمول الآیة و حکمها بالبطلان بین ظهور الغبن و عدمه مع عدم الرضا بالمعاملة الغبنیة ای علی کل تقدیر فإن الآیة إنما فصلت بین الأسباب الصحیحة و الأسباب الباطلة و نهی عن المعاملة بالأسباب الباطلة و فصل بینهما کما مر مرارا و تکون الآیة ناظرة إلی أسباب المعاملات،و علیه فلا یفرق فیه بین تبین الغبن قبل الرضا أو بعده ففی جمیع الصور الثلثة یحکم بصحة المعاملة لکون سببها تجارة عن تراض کما هو واضح.و من هنا ظهر انه لا معارضة بین حرمة الأکل بالباطل و بین تجارة عن تراض.

الوجه الثانی:ما ذکره شیخنا الأستاذ

بأن الرضا الحاصل من المتعاملین بالمعاملة حین إیجادها انما هو الرضا بمعنی الاسم المصدری الذی له بقاء فیکون رضی موجودا حدوثا و بقاء فما لم تبین الغبن تکون المعاملة تجارة عن تراض و مشمولة للمستثنی اعنی قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً ،من غیر ان نحتاج فی تصحیح ذلک الی الإجماع لیکون ذلک تخصیصا و بعد ظهور الغبن مع عدم رضی المغبون بالعقد یکون مشمولا للمستثنی منه فیحکم بالبطلان و هذا معنی ثبوت الخیار للمغبون.

و فیه انه یرد علیه ما أوردناه أولا علی المصنف من ان لازم ذلک بطلان العقد نفسه من غیر ان یحتاج الی الفسخ أصلا کما لا یخفی مع ان الفقهاء لم یلتزموا بذلک.

ص:294

و ثانیا:ان المراد من التجارة هو المعنی المصدر الذی وجود حدوثا دون المعنی الاسم المصدری الذی له بقاء و الا فلازم ذلک ان یکون له الفسخ فیما إذا ترقت القیمة السوقیة فإن البائع لیس براض یکون العین للمشتری بعد ما ترقت القیمة کما إذا باعها بدینار ثم صارت بدینارین.

و قد استدل علی ثبوت هذا الخیار أیضا بالنبوی الدال علی ثبوت

خیار الغبن للبائع

فیما اشتری فی تلقی الرکبان و لیس ذلک الا من جهة الغبن و لا یفرق فی ذلک بین الموارد أصلا فورود الروایة هنا لا یدل علی الاختصاص بعد القطع بان الخیار للغبن و ان المکاری صار و مغبونین لعلم المتلقین بالسعر و عدم علم المکارین به.

و لکن یرد علیه انه لم یثبت هذا الحدیث و لم یذکر فی الکتب المودعة للروایة و انما هو مذکور من طرف العامة فلا یعلم کونه روایة أصلا و علیه فلا یجبر ضعفه بالشهرة لو قلنا بانجبار ضعف الخبر بالشهرة کما لا یخفی.

و قد استدل أیضا بقوله(صلی الله علیه و آله)لا ضرر و لإضرار فی الإسلام

بل ذکر المصنف ان أقوی ما یستدل به علی ثبوت هذا الخیار حدیث لا ضرر و لا ضرار فی الإسلام بدعوی ان لزوم هذه المعاملة و عدم تسلط المغبون علی الفسخ ضرر علیه و إضرار به فیکون منفیا لان الشارع لم یحکم بحکم ضرری أصلا و لم یسوغ إضرار بعض المسلمین ببعض.

و لکن أشکل علیه بوجهین الأول:عن صاحب الکفایة بأن غایة ما استدل علیه الروایة هو رفع اللزوم و اما ثبوت الخیار بحیث یکون للمغبون حق ثابت فی العقد فلا فلما ذا لا یکون الجواز هنا جواز حکمیا نظیر الجواز

ص:295

فی الهبة و اما ثبوت الحق له بحیث یکون له حق الإسقاط أو انتقاله إلی الورثة بعد الموت و نحو ذلک فلا یستفاد من الروایة و الحاصل ان دلیل نفی الضرر ناظر الی رفع اللزوم الذی نشأ منه الضرر منه و اما إثبات حق یترتب علیه حکمه فلا یتکلفه دلیل نفی الضرر کما هو واضح و یکون الثابت خصوص الجواز الحکمی فقط نظیر الجواز فی الهبة فلا یکون للمغبون حق الاسقاط و حق المصالحة علیه و لا ینتقل الی الوارث.

و فیه انک قد عرفت مرارا انه لا فرق بین الجواز الحکمی و الجواز الحقی بل هما من جنس واحد و حقیقة واحدة و قد جعلها الشارع لأحد المتعاقدین أو کلیهما فی موارد خاصة غایة الأمر قد اعطی السلطنة فی بعض الأحیان لأحدهما بحیث ترتب علیه جمیع آثار الحق الآدمی من الانتقال و النقل بأی نحو کان و لم یرتب علیه ذلک فی بعض الموارد کما فی الهبة،حیث انه لیس للواهب غیر حق الرجوع الی المتهب.

و علیه فان دلیل نفی الضرر انما رفع اللزوم الذی یلزم الضرر من قبله فیکون المرفوع من اللزوم مقدارا یرتفع به الضرر و ح فیکون الخیار فوریا عرفیا بحیث لو لم یعمل خیاره من الفسخ و الإمضاء لمسقط خیاره فیعلم من ذلک انه من الحقوق فیسقط بإسقاط ذی الخیار أیضا و دعوی ثبوت الجواز الذی یکون ثابتا إلی الأبد نظیر الجواز فی الهبة یحتاج إلی العنایة الزائدة فلا دلالة فی دلیل نفی الضرر علیه.

و إذا ثبت کون الجواز الثابت هنا مما یکون اختیاره بید المغبون فله ان یصالح علیه بالمال،و اما انتقاله إلی الورثة فلا یتکفله دلیل نفی الضرر بل لا بد من مقدمة خارجیة لأن عدم انتقال مقدار من مال الموارث إلی الورثة لیس ضررا علیهم بل یقل نفعهم بذلک فلا یشمله دلیل نفی

ص:296

الضرر فنقول انه ورد فی بعض روایات الوصیة انه لا یجوز للمورث الإیصاء علی المال بأزید من الثلث لأنه إضرار للورثة فیعلم من ذلک ان الورثة وجود تنزیل للمورث و قائم مقامه فیکون الغبن علی المورث غبنا علی الورثة فیکون الخیار الثابت له بدلیل نفی الضرر ثابتا للورثة أیضا کما هو واضح.

و أیضا یرد علی صاحب الکفایة ثانیا:انه إلا شبهة فی جواز المعاملة إسقاط جمیع الخیارات بأنه اقدام علی المعاملة علی متاع علی ای نحو کان فی الواقع بحیث لو کان المبیع یسوی فی الواقع بدینار و أقدم المشتری علی شرائه بخمسین دینار علی ان نحو کان فی الواقع بحیث غرضه نفس هذا الشیء لا شبهة فی صحة هذه المعاملة و عدم ثبوت الخیار له بوجه و أوضح من ذلک لو أقدم علی ذلک مع العلم بأنه لا یسوی فی الواقع الا بدینار فإذا صح إسقاط الخیار فی الحدوث صح إسقاطه بقاء بالأولویة کما هو واضح لا یخفی.

و قد أجاب عن ذلک شیخنا الأستاذ بجواب آخر و هو انه لو کان اعتبار التساوی بین الأموال من الشروط الضمنیة فالاستدلال بلا ضرر فی محله لان مفاده ان الحکم الذی ینشأ منه الضرر مرفوع و الحکم بلزوم العقد مع عدم التزام المغبون بالغبن ضرری علیه لانه و ان جهل بالغبن و أقدم بما فیه الضرر الا انه حیث شرط التساوی فهو بالشرط یملک علی المشروط علیه حقا فإذا تخلف الشرط یکون کسائر الشروط المتخلفة التی یوجب تخلفها أو تعذرها الخیار.

و اما لو کان اعتبار التساوی من الأمور البنائیة أو الدواعی التی لا إشارة فی العقد إلیها بنحو من الأنحاء لا مطابقة و لا التزاما فلا وجه

ص:297

للاستدلال بلا ضرر لإثبات الخیار فان الضرر لم ینشأ من حکم الشارع باللزوم بل انما نشأ من إقدام المشتری أو البائع بذلک و لو کان اقدامه عن جهل فإنه حیث تخیل التساوی بین المالین فأقدم علیه فلا یکون ما اقدمه علیه مشمولا لدلیل نفی الضرر فلو کان مجرد الجهل یکون اقدامه ضرریا لحکم بعدم الضمان بدلیل نفی الضرر فیما لو أقدم احد علی إتلاف مال غیره جهلا مع انه لا شبهة فی الضمان ح لأنه أقدم علی إتلاف مال غیره فیکون ضامنا و الحاصل ان مجرد الجهل لا یکون مانعا عن کون الاقدام علی الضرر عن ثبوت الضمان و سببا لشمول دلیل نفی الضرر علیه فهو واضح.

و الجواب عن ذلک اما عن نقضه بباب الضمانات فهو أجنبی عن المقام فان دلیل نفی الضرر لا یشمل ذلک فإنه علی خلاف الامتنان فان شموله له یوجب الضرر علی المالک و قد ذکرنا فی محله ان حدیث لا ضرر لا یشمل الموارد التی علی خلاف الامتنان کما ان بقیة أدلة الرفع لا تشمل الموارد التی علی خلاف الامتنان و هو واضح.

و علی الجملة نفی الضرر عن المتلف لمال الغیر غفلة بحدیث لا ضرر یوجب الضرر علی المالک فیکون علی خلاف الامتنان و قد حقق فی محله انه لا یشمل موارد خلاف الامتنان.

و اما المقام و لو قلنا بعدم الشرط الضمنی بکون القیمتین متساویتین و مع ذلک لا یوجب الاقدام علی هذه المعاملة التی معاملة غبنیة إقدامه علی الضرر حتی لا یثبت له خیار الغبن و ذلک لان المشتری مثلا إنما أقدم علیها باعتقاد ان قیمة العین متساویة مع الثمن و ان لم یکن التساوی فی القیمة مأخوذا فی ضمن العقد و علیه فلو لم یکن العقد لازما لم یتضرر

ص:298

المغبون فیفسخ العقد و لکن حیث حکم الشارع بلزوم العقد فیأتی الضرر من قبل حکم الشارع باللزوم و یکون مرتفعا بدلیل نفی الضرر کما هو واضح.

و علی الجملة فحیث ان المغبون إنما أقدم علی المعاملة باعتقاد التساوی مع عدم تساوی القیمتین فی الواقع فإلزامه علی ذلک ضرری علیه فیکون مرفوعا بحدیث لا ضرر.

ثم انه ناقش المصنف فی الحدیث بأنه یمکن رفع الضرر من غیر ثبوت الخیار بوجهین الأول:ان انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل فی العقد لا یستلزم ثبوت الخیار للمغبون بین الرد و الإمضاء بکل الثمن إذ یحتمل ان یتخیر بین إمضاء العقد بکل الثمن و رده فی المقدار الزائد غایة الأمر ثبوت الخیار للغابن لتبعض المال علیه و یکون ذلک مثل ما اختاره العلامة فی التذکرة و احتمله فی القواعد من انه إذا ظهر کذب البائع مرابحة فی اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خیار للمشتری فإن مرجع هذا الی تخییر البائع بین رد التفاوت و بین الالتزام بفسخ المشتری.

و یرد علیه انه لا وجه لکون المغبون مخیرا بین إمضاء العقد بکل الثمن و رده فی المقدار الزائد فإن الالتزام بالتقسیط انما یصح إذا أمکن الالتزام بالانحلال و یقال بکون البیع الواحد منحلا الی بیوع عدیدة کبیع ما لا یملک مع ما یملک کالشاة مع الخنزیر و کبیع مال نفسه مع مال غیره فان فی أمثال ذلک یلتزم بصحة البیع فیما یملک أو فی المملوک و ببطلانه فی ما لا یملک و غیر المملوک غایة الأمر یثبت للمشتری خیار تبعض الصفقة لو کانت الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی المالیة و الا فلا یلزم محذور أصلا و الوجه فیه هو ان البیع و ان کان واحدا و لکنه بحسب الحقیقة بیوع

ص:299

متعددة حسب تعدد المبیع و هذا واضح.

و اما فی المقام لا یمکن ذلک لعدم الانحلال هنا حتی یلتزم برد بعضه و إمضاء بعضه الآخر لان المبیع هنا واحد و البیع واحد و قد وقع البیع علی المثمن بثمن خاص و هو دینارین مثلا و قد کان ثمنه فی الواقع دینارا واحدا فلو التزمنا بما ذکره المصنف و قلنا بجواز رد التفاوت للزم القول بإمضاء الشارع غیر ما أنشأه المتعاقدان فإن البائع أنشأ بیع ماله بدینارین فإمضاء الشارع ذلک بدینار واحد کما هو معنی رد التفاوت و إمضاء لما لم ینشأه البائع فلا یکون ما إمضاء منشئا و ما یکون منشئا لیس بممضی و کم فرق بین المقامین.

و اما ما ذکره من تنظیر المقام ببیع المرابحة من انه مع کذب البائع من اخباره برأس المال بأن أخبر أنه دینار اخبار بربح نصف دینار فظهر انه کان نصف دینار فربح دینارا فأیضا لا یرتبط بالمقام و ذلک فان فی المقام قد إنشاء البیع علی مبیع جعل ثمنه دینارین فالالتزام بکونه دینارا التزام یکون ما إنشاء الشارع غیر منشأ کما عرفت و لیس کذلک فی بیع المرابحة فإن المعاملة قد جری علی المتاع بثمن اشتراه البائع واقعا مع ربح معلوم فظهور کذب البائع فی اخباره برأس المال و جواز رجوع المشتری الی التفاوت لا یوجب الالتزام بکون الممضی غیر المنشأ بل هو فی الحقیقة رجوع إلی الزائد من الثمن الذی أخذه البائع من المشتری.

و بعبارة اخری ان البیع فی بیع المرابحة انما وقع علی الثمن الذی اشتری به البائع من شخص آخر مع ربح معلوم و هما ثمن من الواقع و تطبیقه علی الزائد عن ذلک من جهة کذب البائع فی اخباره فیکون نظیر خطائه فی الاخبار فیکون ذلک من باب الخطاء فی التطبیق فلا یجوز

ص:300

رجوعه بالتفاوت هنا بالبیع أصلا نعم یکون المقام نظیر بیع المرابحة لو قال البائع للمشتری انّما أبیعک هذا المتاع بالقیمة السّوقیة و هی دینارین مع کونها دینارا واحدا.

ثمّ انّه ذکر المصنف احتمالا آخر لعدم ثبوت الخیار بدلیل نفی الضرر بدعوی أنه یمکن أن یکون نفی اللزوم بتسلط المغبون علی إلزام الغابن بأحد الأمرین من الفسخ فی الکل و من تدارک ما فات علی المغبون برد القدر الزائد أو بدله و مرجعه الی أن للمغبون الفسخ إذا لم یبذل الغابن التفاوت فالمبذول غرامة لما فات علی المغبون علی تقدیر إمضاء البیع لا هبة مستقلة کما فی الإیضاح و جامع المقاصد.

و یرد علیه أنه لا ملزم لذلک فإنه بعد صحة البیع کما هو المشهور بل المجمع علیه حیث لم یستشکل أحد فی هذا البیع فبأی ملزم یغرم البائع فهل هنا موجب للضمان و الغرامة من الید و الإتلاف غایة الأمر أن للمشتری مطالبة التفاوت من القیمة المتعارفة و أما قبل المطالبة فلا شیء للبائع أن الغابن أصلا،افرض أن المغبون لم یلتفت بالغبن حتی مات فهل یتوهم أحد أن یکون البائع مشغول الذمة للمشتری المغبون أو یکون البیع باطلا و کیف کان فلا نعرف وجها للغرامة أصلا.و من هنا التزم الفخر و المحقق الثانی و شیخنا الأستاذ بکون المأخوذ هبة مستقلة لعدم ارتباطه بالمعاملة أصلا و علی الجملة لا نعرف وجها لمنع التمسک بدلیل نفی الضرر بشیء من هذین الوجهین الذین ذکرهما المصنف.

و الذی ینبغی أن یقال أنه لو جاز التمسک بحدیث نفی الضرر فلازمه بطلان العقد لا ثبوت خیار الغبن و ذلک لان الضرر انما یلزم من جهة الحکم بصحة العقد و اللزوم انما هو لزوم الضرر لا أن الضرر یلزم من

ص:301

ناحیة اللزوم و من الواضح أن دلیل نفی الضرر انما هو ناظر الی رفع الحکم الضرری فقط و لا یکون ناظرا إلی إثبات الخیار بدعوی أن الضرر یرتفع برفع اللزوم و ثبوت الخیار،فان حدیث لا ضرر لا یتکفل بإثبات الحکم و انما هو یرفع الحکم الضرری و هو صحة العقد کما عرفت فیکون العقد باطلا.

و لکن ذلک مخالف للإجماع و الضرورة فإنه لو کانت المعاملة الغبنیة باطلة لبان و ظهر کظهور حرمة الربا فان وجود الغبن فی المعاملات بین المسلمین من الکثرة بمکان مع أنه لم یسمع من فقیه أن یلتزم بذلک فیکون خروج المعاملة الغبنیة عن مورد الإجماع بالتخصیص.

علی أن حدیث نفی الضرر انما ورد فی مقام الامتنان و من الواضح أن شموله فی المقام بحیث یحکم ببطلان المعاملة الغبنیة خلاف الامتنان لأنه ورد فی مقام الامتنان لجمیع الأمة و من الواضح أنه علی خلاف الامتنان علی البائع فإن الحکم بکون هذه المعاملة باطلة یوجب ضرره و لو من جهة فوت المنفعة من کیسه فتکون هذه المعاملة خارجة عن حدیث لا ضرر تخصصا و هو واضح.

ثم انه استدل علی بطلان المعاملة الغبنیة بجملة من الروایات

الناهیة عن حرمة الغبن

و فی بعضها الغبن من السحت و قد ذکرها المصنف فی المتن.

و فیه أن الظاهر من غیر روایة عمار المتضمنة لکون غبن المسترسل سحتا هو التحریم التکلیفی فلا دلالة فیها علی الحرمة الوضعیة و یمکن أن یراد منها حرمة الغبن بفتح الباء فیکون من الخیانة فی الرأی و المشاورة فإنه من المحرمات فتکون مثل الروایات الدالة علی حرمة خیانة المؤمن.

ص:302

و أما روایة عمار فذکر المصنف أنها و ان کانت ظاهرة فیما یتعلق بالأموال لکن یحتمل حینئذ أن یراد کون الغابن بمنزلة أکل السحت فی استحقاق العقاب علی أصل العمل و هی الخدیعة فی أخذ المال و یحتمل أن یراد المقدار الذی بأخذه زائد علی ما یستحقه بمنزلة السحت فی الحرمة و الضمان و یحتمل ارادة کون مجموع العوض المشتمل علی الزیادة بمنزلة السحت فی تحریم الأکل فی صورة خاصة و هی إطلاق المغبون و رده للمعاملة المغبون فیها ثم ذکر أن الحمل علی أحد الأولین أولی و لا أقل من المساواة للثالث و لکن ما ذکره المصنف من الحملین الأولین بعید.

أقول:لا شبهة أن السحت یطلق علی المال الحرم و علی نفس الحرام أیضا فی اللغة و من الأول ما ورد فی الروایات الکثیرة التی تقدمت فی المکاسب المحرمة کقولهم(علیه السلام)ثمن الخمر سحت و ثمن العذرة سحت و أجور الفواجر سحت و السحت أقسام کثیرة منها الرشوة و هکذا.

و من الواضح أن کون الغبن من السحت إنما یلائم المعنی الثانی أعنی نفس الحرام فإنه هو الفعل أعنی أخذ الزیادة فی المعاملة و یمکن أن یراد منه الغبن بفتح الباء فیکون المراد منه الخیانة أی الخیانة سحت و قد ورد النهی عن خیانة المؤمن فی روایات کثیرة و کیف کان فتکون هذه الروایات کالروایات الأخری فلا تکون لها خصوصیة.

قوله مسألة یشترط فی هذا الخیار أمران
اشارة

أقول:قد أشرنا فیما سبق إلی أنه یشترط فی خیار الغبن أمران

الأول جهل المغبون بالتفاوت

و الثانی عدم کون التفاوت مما یتسامح أما الأول فلا شبهة فی أنه لا یثبت الخیار مع علم المغبون بتفاوت القیمة و کذا ما یقوم مقام العلم من الاطمئنان

ص:303

فإنه مع ذلک قد أقدم علی الضرر و لا یثبت الخیار له مع اقدامه علیه من دون فرق فی ذلک بین ما إذا کان مدرک هذا الخیار هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی فإنهما ینتفیان مع الاقدام علی المعاملة مع العلم بالتفاوت.

و کذلک لا شبهة فی عدم ثبوت الخیار له إذا لم یعلم بالتفاوت و لم یکن مطمئنا بعدمه بل کان شاکا فیه و محتملا لذلک و لکن یقدم علی المعاملة علی أی تقدیر بمعنی أنه یشتری المتاع سواء کانت قیمته متساویة للقیمة السوقیة أم لا بحیث لا یتسامح فإنه ح لا یثبت الخیار له إذ هو قد أقدم علی الضرر علی تقدیر تفاوت القیمة و لیس المراد من اقدامه علی الضرر اقدامه علی المعاملة بأن یقال:حیث ان المشتری قد أقدم علی البیع فقد أقدم علی الضرر المتحقق فیه أیضا و ذلک لان الإقدام بالبیع لا یستلزم الاقدام علی الضرر لانه یمکن أن یقدم علی البیع الخیاری فإذا شاهد الضرر و الغبن فیه یفسخ المعاملة بل المراد اقدامه علی نفی الضرر ای یقدم علی المعاملة علی تقدیر الضرر فیه کما إذا صرح بأنی أقدم علی هذه المعاملة بأی قیمة کان المبیع فی السوق و لو کان التفاوت بمقدار لا یتسامح فإنه لا یکون هنا أیضا خیار للمغبون من الأول مع ظهور الغبن أنه کان له الخیار فیسقط و لا یفرق فی ذلک أیضا بین کون المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی.

و قد ذکرنا سابقا أن ثبوت الخیار فی موارد تخلف الشرط انما هو من جهة انتفاء الملتزم به حیث قلنا ان الوقوف علی الالتزام من قبل المشروط له متوقف علی وقوف المشروط علیه علی التزامه بحیث لا یتخلف الملتزم به عن واقعه و إذا تخلف ثبت له الخیار و أما إذا لم یکن هنا

ص:304

التزام و ملتزم بحیث یتوقف علیه التزام المشتری فلا موضوع لتخلف الشرط أصلا فضلا عن ثبوت الخیار مع التخلف کما لا یخفی.

و فی المقام بعد ما فرضنا أن المشتری إنما أقدم علی المعاملة علی ای نحو اتفق و بأی قیمة کان المبیع فی السوق فقد أقدم علیها مطلقا بلا توقف وقوفه علیها علی تحقق الملتزم به من البائع فلا یکون هنا خیار من ناحیة التخلف إذ لیس هنا شرط ضمنی حتی یقع التخلف فیه و هو واضح هذا کله لا شبهة فیه و انما الکلام فی ثبوت الخیار و عدمه مع الشک فی عدم تساوی قیمة المبیع مع الثمن مع الظن الغیر المعتبر بالتساوی مع عدم اقدامه علی المعاملة علی ای تقدیر بالمعنی الذی ذکرناه فهل یثبت الخیار حینئذ للمشتری أم لا الظاهر انه لا شبهة فی ثبوت الخیار فی جمیع صور الشک من غیر فرق بین کون المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی وفاقا للمصنف و لشیخنا الأستاذ.

و الوجه فی ذلک ان المشتری لم یقدم علی الضرر حتی مع الظن بالتساوی بل معتمدا علی الشرط الضمنی و هو تساوی العوضین فی القیمة و لذا ربما یبنی علی الفسخ مع ظهور عدم التساوی فالإقدام علی المعاملة مع ظن التساوی و الشک أو الاحتمال فی عدم التساوی یثبت له خیار الغبن مع الغبن سواء کان المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی.

بل الأمر کذلک مع الظن بالتفاوت إذا لم یکن الظن معتبرا فان ذلک کله لا یوجب انه قد أقدم علی الضرر فإنه مع ذلک یحتمل عدم الضرر و یقدم علیه و علیه فالشرط الضمنی أعنی اشتراط تساوی العوضین فی المالیة موجود فیثبت الخیار مع التخلف و کذلک یجری دلیل لا ضرر

ص:305

بناء علی کونه دلیل ذلک الخیار.و لا شبهة ان بناء العقلاء و ارتکازهم علی هذا حتی من غیر المتشرعة و لذا یثبت هذا الخیار فیما إذا عامل یهودی مع نصرانی فغبن أحدهما الآخر فإنه یثبت خیار الغبن فی ذلک فان بناء العقلاء کان موجودا علی تساوی العوضین و ان لم یذکر صریحا فمع التخلف یثبت الخیار ما لم یقم دلیل معتبر علی خلاف بناء العقلاء و من الواضح ان الظن بالتفاوت أو احتماله أو الشک فیه لا یقاوم بناء العقلاء و لا یکون قرینة لرفع الشرط الضمنی و لا یصح اقدام هذا الشخص علی الضرر بمجرد ظنه و شکه و وهمه و هو واضح لا شبهة فیه.

نعم قد یکون الاقدام علی الفعل مع الشک و الاحتمال مصححا للوم و الذم بل الضامن و یحکم علیه بالمؤاخذة فی المحاکمات العرفیة فیما إذا کان الفعل مما اهتم الشارع بعدم وقوعه بحیث یکون المورد مورد الاحتیاط لکثرة اهتمام الشارع بالحفظ کما إذا رئی احد شبحا من بعید و شک فی کونه إنسانا أو غیر إنسان أو احتمل کونه إنسانا فأرسل إلیه بندقة فقتله فبان أنه إنسان محقون الدم فإنه یذم فی المحاکم العرفیة بلا شبهة بل یعزر لو لم یحد و یقتل قصاصا و یؤخذ منه الدیة و کذا لو أوقع احد بالماء مزاحا بزعم انه لیس بعمیق مع احتمال کونه عمیقا یغرق الواقع فیه إذا لم یحسن السباحة و علم الموقع ان من أوقعه علیه لا یحسن السباحة فإنه لا شبهة فی کونه مؤاخذا ح فی المحاکم العرفیة و ان لم یؤخذ فی المحکمة الشرعیة نعم یترتب علیه حکم القتل الخطئی و الوجه فی ترتب الضرر علی الاقدام مع الشک و الاحتمال فی أمثال ذلک کون الموارد مما اهتم الشارع بحفظه و کونه مما یجب فیه الاحتیاط و لذا یترتب علیها الحکم مع الإقدام فی حال الشک أیضا و هذا بخلاف ما نحن فیه کما عرفت.

ص:306

و الحاصل انه فرق بین المقام و بین الموارد المذکورة فان فی الموارد المذکورة قد تنجز الواقع فلا یجوز الاقدام علیها الا مع وجود المعذر و الحجة الشرعیة من الامارات و الأصول و الا فمجرد احتمال ترتب قتل النفس المحترمة علی الفعل یتنجز التکلیف و یحکم بعدم الجواز و هذا بخلاف المقام فان الواقع لم یتنجز فالشرط الضمنی موجود ما لم یقم دلیل علی رفع الید فمقامنا عکس الموارد المذکورة حیث ان الاقدام علی الضرر لا یتحقق الا مع قیام دلیل شرعی علیه فإذا أقدم علی معاملة و لو مع ظن عدم التساوی لا یوجب ذلک رفع الید عن الشرط الضمنی لعدم کون الظن حجة شرعیة.

ثم انه لو اعتقد المشتری عدم کون قیمة هذا المتاع مساویا مع-

القیمة السوقیة و مع ذلک قد أقدم علیه و ظهر التفاوت بأزید مما اعتقده

فهل یتحقق خیار الغبن فی ذلک أم لا فصور المسألة أربعة

الاولی ان

یکون ما اعتقده من زیادة بما یتسامح و مع ذلک أقدم علیه

و لم یعرض عنه لزعم عدم اتحاد قیمة الأمتعة فی الأسواق فإنه فلما یوجد شیء تتحد قیمته فی الأسواق بل الدکاکین فی الأسواق مختلفة فإن بعض الناس یأخذ الربح الکثیر و بعضهم یقنع بالقلیل لقلة مخارجة أو قلة طمعه أو کثرة منافعه و بعضهم لا یقنع بالقلیل لعکس الأمور المذکورة فإذا عامل مع هذا الاعتقاد لعلمه هذا باختلاف قیم الأشیاء فظهر التفاوت بأزید مما اعتقده بما لا یتسامح بان اشتری شیئا بدینار مع اعتقاده بکون قیمته أقل من الدینار بدرهم و مع ذلک ظهر التفاوت بأربع مائة فلس و من الواضح ان الدرهم فی الدینار مما یتسامح و لکن الثلث مائة و خمسین مما لا یتسامح.

الصورة الثانیة:ان یعتقد التفاوت بما لا یتسامح

فظهر التفاوت

ص:307

أزید منه بما لا یتسامح أیضا کما إذا اعتقد ان قیمة المبیع عشرة دنانیر فی السوق و أقدم علی شرائه بأربعة عشر دینار فظهر ان قیمته لا یسوی إلا ستة دنانیر فإنه لا شبهة فی ثبوت خیار الغبن فی هذین الصورتین بلا شبهة لان ما أقدم علیه من الضرر غیر الضرر الذی لم یقدمه و من الواضح ان ما لم یقدمه ضرر غیر متسامح فیوجب خیار الغبن و لا یفرق فی ذلک أیضا بین القول بان مدرک خیار الغبن هو الشرط الضمنی أو دلیل نفی الضرر کما هو واضح.

الثالثة ان یقدم علی ما یتسامح به فبان أزید مما لا یتسامح بالمجموع

منه

و من المعلوم و قد ذکر المصنف و شیخنا الأستاذ انه یثبت الخیار فی هذه الصورة أیضا فإن ما اقدمه المغبون و ان کان مما یتسامح کالدرهم فی الدینار و الوجه فیه ان ما اقدمه و ان کان مما یتسامح و به و لکن المجموع لیس مما یتسامح به و لم یقدم علیه المشتری فیکون التفاوت بذلک موجبا للخیار و بعبارة اخری ان ما اقدمه من الضرر الذی یتسامح به لم یلاحظ بشرط لا بحیث یلاحظ ما یظهر من التفاوت الذی لم یقدم علیه مما یتسامح أیضا بشرط لا و هکذا حتی یجری علیه حکم ما یتسامح بل المراد مما أقدم علیه مما یتسامح یلاحظ لا بشرط فإذا انضم الی تفاوت آخر الذی لم یقدم علیه مع کونه مما یتسامح یکون المجموع مما لا یتسامح و هو ضرر لم یقدم علیه المغبون فیثبت له الخیار من غیر فرق بین کون المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی کما هو واضح و لو لا ذلک للزوم عدم ثبوت الخیار علی هذا النحو.

الرابعة:الإقدام علی ما لا یتسامح فبان أزید بما یتسامح به

منفردا

فذکر المصنف ثبوت الخیار هنا أیضا و لکن شیخنا الأستاذ قوی

ص:308

عدم ثبوت فی هذه الصورة و ذکر انه لا یقاس علی الصورة الأولی لأن فی الصورة الأولی موجب الخیار و هو المجموع لم یقدم علیه و ما أقدم علیه لم یکن موجبا للخیار و فی المقام أقدم علی ما یوجبه و ما لم یقدمه لا یکون موجبا للخیار.

و لکن الظاهر ثبوت الخیار فی هذه الصورة أیضا و ذلک لان ما اقدمه مما لا یتسامح لا یوجب علی اقدمه علی کل مرتبة من الضرر و من الواضح ان المرتبة التی ظهرت بعد الاقدام مما لا یتسامح و ان کان التفاوت بین ما اقدمه و ما لم یقدمه مما یتسامح.

و بعبارة أخری بحیث یظهر وجه ثبوت الخیار هنا ان ظهور التفاوت بین ما اقدمه المتعامل و بین القیمة السوقیة لا یوجب الخیار بلا شبهة و هو واضح فالمراد من التفاوت مما یتسامح هو هذا ای ما یکون تفاوت قیمة المبیع مما أقدم علیها المشتری من القیمة السوقیة و اما فی غیر المتسامح فالشرط الضمنی موجود بثبوت الخیار للمغبون و حیث انه أقدم علی مرتبة من الضرر و هو لا یوجب الخیار و لکن لا یلزم منه الاقدام علی مرتبة اخری منه أیضا و ان کان التفاوت بین الضررین مما یتسامح فان التفاوت بما یتسامح انما یکون معفوا فی أصل ظهور التفاوت بین أصل قیمة المبیع و بین ما اقدمه المشتری لا بین ما اقدمه من الضرر و ما لم یقدمه فالشرط الضمنی باق علی حاله فیثبت للمغبون الخیار.

ثم ان المراد من متساوی القیمة حال العقد أو بعده ذکر المصنف ان المعتبر القیمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علی النقصان حین العقد لم ینفع لأن الزیادة إنما حصلت فی ملکه و المعاملة وقعت علی الغبن.

ص:309

ثم احتمل عدم الخیار بدعوی ان التدارک حصل قبل الرد فلا یثبت المراد المشروع لتدارک الضرر کما لو برء المعیوب قبل الاطلاع علی عیبه بل مهما زال العیب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد ثم ذکر و أشکل منه ما لو توقف الملک علی القبض فارتفع الغبن قبله لان الملک قد انتقل الیه ح من دون نقص فی قیمته نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد کما صرح به العلامة فی الصرف یثبت الخیار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد فی مقابلة الناقص.

أقول ان ما احتمله المصنف ثانیا من عدم ثبوت الخیار فهو متین بناء علی کون مدرک خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر فی الإسلام فإنه قد ارتفع بزیادة القیمة أو بنقصانها و بعده لا خیار لأحدهما کما هو واضح لارتفاع الضرر الذی یدور الحکم بثبوت الخیار مداره.

و بعبارة اخری ان الحکم انما هو تابع لثبوت موضوعه فکلما ثبت الموضوع ثبت الحکم و الا فلا فاستمرار الحکم تابع لاستمرار الموضوع و حیث ان مدرک ثبوت خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر یقتضی دوران الحکم مدار الضرر وجودا و عدما فما دام هو موجود فیکون الخیار ثابتا و الا فیرتفع بارتفاعه سواء کان الارتفاع قبل العلم به أو بعده ما لم یرد العقد و لم یعمل خیاره و هو واضح فیما ذکره المصنف فی بیع الصرف و السلم مما اعتبر القبض فی حصول الملکیة إذ لم یحصل الملک حتی یتحقق الضرر و یوجب ذلک شمول دلیل الضرر علیه کما هو واضح الا علی ما ذکره العلامة من وجوب الإقباض و هو کما تری.

و اما إذا کان المدرک لخیار الغبن هو الشرط الضمنی کما هو الموافق للتحقیق فلا بد حینئذ و ان یلاحظ ان الشرط الذی اشترط فی

ص:310

ضمن العقد أعنی تساوی القیمتین أی مقدار من التساوی من حیث الزمان فهل المراد منه التفاوت الموجب للخیار هو التفاوت المستمر أی یکون العوضین متفاوتین فی عمود الزمان و طوله بحیث لو حصل التساوی فی آن من الآنات لسقط الخیار أو المراد منه هو التفاوت حال القبض بحیث لا اعتبار بالتفاوت قبله أو بعده أو المراد من التفاوت الموجب لسقوط الخیار هو التفاوت حال العقد کما هو الظاهر.

ان کان المراد من التفاوت الموجب لسقوط الخیار هو الشق الأول فلا شبهة فی سقوط الخیار فی أن زمان حصل التساوی بین العوضین من حیث القیمة لحصول الشرط الذی هو تساوی القیمتین فی أی وقت من الأوقات فی عمود الزمان و طوله و هو واضح و بعبارة اخری ان المتعاقدین انّما اشترطا التساوی بین العوضین فی المالیة فی أی وقت من الأوقات بحیث لو حصل ذلک و تحقق حال البیع أو بعده من أی وقت کان حصل الشرط و کفی ذلک فی صحة المعاملة و أما لو لم یحصل ذلک بل کان التفاوت بین العوضین مستمرا إلی الأبد فهو یوجب الخیار کما هو واضح و لکن هذا مخالف للإجماع و الضرورة و الارتکاز العقلائی و قد ادعی المصنف قیام الإجماع علی عدم الاعتناء بالزیادة و النقصان بعد العقد و هذا الإجماع و ان کان یبعد کونه تعبدیّا و لکنّه موافق للارتکاز و خلاف بناء العقلاء فان هذا الشرط الذی ذکرناه انّما هو بحسب بناء العقلاء فلا یثبت البناء فی مثل ذلک کما هو واضح.

و أما التفاوت حال التقابض بأن کان ما یوجب الخیار هو التفاوت حال القبض دون غیره فلا خیار لو کان التفاوت بعد ذلک أو قبله و هذا مناف لما ذکره المصنف فی الفرع الآتی من أنه لو ثبتت الزیادة أو النقیصة

ص:311

بعد العقد فإنه لا عبرة بما إجماعا کما فی التذکرة فإن الظاهر أن الفرعین من واد واحد کما ذکره المصنف و بیان ذلک أنه إذا کان التفاوت الذی یوجب الخیار و هو التفاوت حال العقد بحیث یکون الشرط الضمنی هو التساوی حال العقد فیکون التفاوت عنده موجبا لتخلف الشرط و ثبوت الخیار بالتخلف فلازم ذلک ان لا یفید حصول التساوی بعد العقد و لو کان ذلک عند القبض فلا یکون ذلک موجبا لسقوط خیار المغبون الثابت بتخلف شرط حین العقد و علیه فلا مجال لما ذکره المصنف من عدم ثبوت الخیار ای سقوط الخیار بالتدارک الحاصل بعد العقد سواء کان ذلک قبل العلم بالتفاوت أو بعده و هو واضح و ان کان المناط فی ثبوت الخیار هو التفاوت و التساوی حال القبض بحیث لو کان العوضان متفاوتین حال العقد و لکن حصل التساوی حال العقد أو کانا عند العقد متساویین و لکن حصل التفاوت حال القبض ثبت الخیار فی الثانی و ارتفع الخیار فی الأول کان لما ذکره المصنف فی الفرع الأول و هو ما کان العوضان عند العقد متفاوتین و حصل التساوی و بعد ذلک وجه و لکنه مخالف لما ذکره بعد ذلک فی الفرع الثانی و هو حصول الزیادة و النقصان بعد العقد بان کان التساوی حین العقد حاصلا و حصلت الزیادة أو النقیصة بعد ذلک حیث قال لا عبرة بهما إجماعا و کیف فلا یمکن التفریق بین الفرعین بل هما من واد واحد و علیه فلا وجه لما أسر به شیخنا الأستاذ من الفرق بین المقامین فراجع کلامه.

و الظاهر ان المناط فی الشرط الضمنی هو حال العقد و یتضح ذلک بضم احد الفرعین بالآخر و الإجماع الذی ذکره المصنف فی الفرع الثانی و ان لم یکن إجماعا تعبدیا لبعده کما هو واضح و لکنه موافق للارتکاز

ص:312

کما ذکرناه آنفا فان بناء العقلاء و ارتکازهم انّما قام علی کون العوضین متساویین حال العقد و یتضح ذلک بملاحظة حال التجار حیث یربحون فی المعاملات أو یخسرون فیها بعد العقد و یغبن احد المتبایعین و یربح الآخر من غیر ان یدعی أحدهما الغبن و یدعی ثبوت الخیار لنفسه و لیس ذلک الا من جهة عدم ثبوت الخیار له و عدم بناء العقلاء و ارتکاز هم علی ذلک بعد العقد بل هو کذلک عند العقد.

و الحاصل انه ان کان المراد مما هو شرط فی ضمن العقد من اشتراط تساوی القیمتین هو التساوی المستمر أو التساوی حال العقد و هو مخالف للإجماع فإنه قائم علی عدم الاعتناء بالزیادة و النقصان بعد العقد فان الظاهر ان الفرعین من واد واحد فإنه لو کان التساوی المستمر شرطا أو التساوی حال القبض شرطا فحصلت الزیادة و النقصان بعد العقد یکون هذا داخلا تحت الإجماع بأنه لا اعتناء بالزیادة و النقصان بعد العقد ای ما یحصل بعده فیکون داخلا تحت هذا الإجماع مع ان المصنف تسلم عدم الاعتناء بالثانی مدعیا الإجماع علیه و التزم بجوازه حتی تدارک الضرر فی الأول و قد عرفت عدم الفرق بینهما و لا یفرق فی ذلک بین کون المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی العقدی و الظاهر ان المراد من التساوی و هو التساوی حال العقد و ما یوجب الخیار من التفاوت حاله و یدل علی ذلک ما هو المرتکز بین العقلاء و یتضح ذلک من ضم الفرع الثانی إلی الأول و ملاحظة عدم الفرق بینهما و ان ما ادعی علیه الإجماع فی الفرق الثانی هو الارتکاز إذ من البعید ان یکون المراد من ذلک الإجماع التعبدی و هو واضح.

و اما الوکیل فان کان وکیلا فی مجرّد إجراء الصیغة فهو خارج عن

ص:313

المقام فإنه لیس الا آلة محضة و لیس له شأن ممّا یرجع الی البیع حتی یتکلّم فی ثبوت الخیار له و عدمه و انّما البائع هو الموکل بلسان الوکیل الذی یجری الصیغة کما هو واضح و قد تقدم تفصیل ذلک فی خیار المجلس و ان کان وکیلا فی أمر البیع أیضا بأن یکون وکیلا مفوضا فی البیع بحیث له ان یبیع المتاع من ای شخص شاء و کیف یشاء و لکن ینتهی أمد وکالته إلی تمامیة البیع و بعد ذلک لیس له وکالة و الظاهر انه لا یثبت له الخیار فی هذا الصورة أیضا لو ظهر غبن فی المعاملة فإن الوکیل و ان کان بائعا حقیقة و لکن الخیار انما ثبت بدلیل الشرط الضمنی لمن کان مغبونا فی المعاملة و من الواضح ان المغبون انّما هو الموکل و لیس للوکیل بشیء من أمر البیع بعد تمامیة البیع فضلا عن ان یکون مغبونا أو غیر مغبون و اما ثبوت خیار المجلس لمثل هذا الوکیل فی خیار المجلس فإنما هو من جهة النّص الدّال علی ان البیع بالخیار ما لم یفترق و من الواضح ان هذا القسم من الوکیل یصدق علیه البائع فلا یقاس بالمقام کما هو واضح.

نعم لو کان وکیلا مفوضا حتی بعد البیع أیضا بحیث یکون أمر البیع راجعا الیه حتی بعد البیع و یکون أمر المال راجعا الیه کالعامل فی القراض مثلا فلا شبهة فی ثبوت خیار الغبن له ح بالشرط الضمن کما هو واضح و اما الوکیل فی خصوص أمر الخیار بان یکون وکیلا فی اعمال الخیار الثابت للمغبون فهو أمر آخر غیر ما نحن فیه و کلا منا فی ثبوت الخیار له ابتداء بالشرط الضمنی کما هو واضح.

ثم انه لو اطلع الموکل علی معاملة الوکیل و یری انه یعامل بأقل من قیمة المثل فهل یکون اطلاعه تقریرا للبیع و لا یثبت الخیار له ح أم لا

ص:314

فربما یظهر من المصنف و غیره عدمه و لکن الظاهر انه لیس کذلک و ذلک لأنه ان الوکیل وکیلا عن الموکل بالبیع علی التساوی فقط دون غیره فلا شبهة انه کان البیع ح فضولیّا لان الوکیل انّما هو وکیل فی مجرّد البیع مع تساوی العوضین دون غیره فإن أجاز الموکل صح البیع و الا فلا و ان کان وکیلا علی نحو الإطلاق فلا شبهة فی ثبوت الخیار للموکل حیث ان اطلاعه علی المعاملة لا یوجب سقوط الخیار فإن اطلاعه علیه کاطلاعه علی ان الوکیل یعامل معاملة و شرط فیه الخیار للموکل غایة الأمر ان الاشتراط فی المقام ضمنی فهل اطلاع الموکل علی إیجاب الوکیل معاملة خیاریة له یوجب سقوط خیاره و هذا واضح جدا.

قوله ثمّ ان الجهل انّما یثبت باعتراف الغابن أقول ان اعترف الغابن بالغبن أو ان المغبون اقام بینة علیه فلا شبهة فی ثبوت خیار الغبن ح و اما إذا لم یعترف الغابن بذلک أو لم یتمکن المغبون من اقامة البینة فهل لنا طریق إلی إثبات الخیار أم لا فشقوق المسألة ثلثة.

الأوّل ان یکون الاختلاف فی أصل زیادة الثمن و نقصانها سواء المنشأ فی ذلک هو زیادة الثمن و نقصانه أو الاختلاف فی التغیر أو فی المکان أو فی زمان العقد بان یدعی المغبون ان العقد قد وقع علی المتاع فی مکان فلانی الذی کانت القیمة فیه أقل من القیمة السوقیة و یقول الغابن بل وقع العقد علیه فی مکان فلانی فالقیمة فیه مساویة مع القیمة السوقیة فلا غبن فیه.

الثانی ان یکون الاختلاف فیه من جهة العلم و الجهل بان یدعی الغابن علم المغبون بالقیمة و ینکره المغبون مع الاتفاق بالتفاوت و هنا صورة ثالثة قد تعرض لها المصنف فی الأمر الثانی و سنتعرض لها هناک

ص:315

اما الاختلاف فی العلم و الجهل فقد ذکر المصنف وجهین فی ثبوت الخیار للمغبون.

الوجه الأول انّه مع الجهل بأن المشتری عالم بذلک أو غیر عالم فالأصل عدم العلم فحیث ان الغبن ثابت بالوجدان فیکون عدم العلم أیضا ثابتا بالأصل فیتم موضوع الخیار للمغبون فیحکم بثبوت الخیار له و هو واضح.

الوجه الثانی ما ذکره فی أثناء کلامه من ان کون المشتری عالما بقیمة المبیع أو غیر عالم بها لا یعلم الاّ من قبله فعلیه و یعسر له إقامة البینة علی ذلک ای علی جهله مع انه لا یمکن للغابن أیضا الحلف علی علم المغبون بالحال لجهل الغابن بالحال ثمّ أمر بالتأمل.

و یمکن المناقشة فی کلا الوجهین اما الثانی فباب المناقشة فیه واسع و ذلک إذ لا وجه لمنع انه لا یمکن إقامة البینة للمغبون علی جهلة فإنّه کسائر الأوصاف النفسانیة التی یمکن له إقامة البینة علیها و لو باعتبار آثارها و کذلک لا وجه لمنعه من حلف الغابن علی علم المغبون بداهة انّه کثیرا ما یطلع علیه بالمجالسة و الممارسة کما هو واضح علی انه لا وجه لهذه الکبری ای ان کل ما یعسر إقامة البینة علیه فیقبل من المدعی إذ لا دلیل علیه بوجه أصلا کما سیأتی.

و اما الوجه الأول فأصالة عدم العلم لا فائدة لها إذ العلم أو الجهل لیسا موضوعین للخیار و عدمه فلو بدّل أصالة عدم العلم بأصالة عدم الاقدام علی الضرر لکان حسنا فان الضرر انّما هو موضوع الخیار فالإقدام مزیل له فأصالة عدم الاقدام علی الضرر یثبت موضوع الخیار إذا الجزء الآخر و هو الغبن محرز بالوجدان و اما العلم و الجهل فلا

ص:316

یترتب علیهما الأثر بوجه الاّ من جهة ان العلم من مقدمات عدم الاقدام علی الضرر و الجهل من مقدمات الاقدام علی الضرر و لا یکون أصالة عدم الاقدام علی الضرر مثبتا و توضیح ذلک ان الشرط الضمنی موجود فی کل معاملة بتساوی القیمتین سواء کانا ملتفتین بذلک أم لا و قد جرت المعاملة علی الأشیاء بهذا الشرط و إذا شککنا فی ان المغبون هل أقدم علی المعاملة مع العلم بعدم التساوی بحیث یکون اقدامه علی الضرر مزیلا لهذا الشرط فالأصل عدمه ای عدم اقدامه علی ذلک فیکون الشرط باقیا علی حاله مع کون الضرر وجدانیا فلا یترتب ثبوت الشرط علی الأصل بل الشرط ثابت ببناء العقلاء(علی انا نشک فی اعتبار الملکیة بعد الفسخ للغابن فالأصل عدمه الاّ ان یعارض بمثله و تحقیق الکلام فی الاستصحاب).

و علی الجملة هذا الذی أفاده المصنف قدس سرّه متین لو بدل أصالة عدم العلم بأصالة عدم الإقدام فإن عدم العلم لیس موضوعا للخیار بل الموضوع هو الضرر مع عدم اقدامه علیه ای مقیدا بذلک فلا شبهة ان الضرر محرز بالوجدان و القید محرز بالأصل فیثبت الحکم و هو الخیار للمغبون بالأصل الموضوعی الحاکم علی أصالة اللزوم.

هذا کلّه إذا لم یکن المغبون من أهل الخبرة و الاّ فالظاهر عدم الاعتناء بقوله فإنه لا معنی لکونه أهل الخبرة و مع ذلک یدعی الجهل بالقیمة فإنه یرجع الی التناقض أو یکون دعواه غیر عقلائی أصلا فإن مقتض الظاهر من کونه من أهل الخبرة هو صدور المعاملة منه عن علم فان دعوی کونه جاهلا بالقیمة نظیر ان یدعی أحد لیس له مال و لا صنعه بل یتعیش التسؤل ان لی علی ذمة فلان خمسین ألف دینار فإنه لا یسمع منه أصلا

ص:317

و لا یترتب علیه أثر التداعی و المحاکمة الا ان یدعی الغفلة علی ذلک و کان دعواه الغفلة عقلائیا فإنّه حینئذ یسمع دعواه و لکن یکون قوله مخالفا للظاهر و یکون مدعیا لذلک فان الظاهر ان المعاملة قد صدرت منه فی غیر حال الغفلة و انه أقدم علی الغبن عن علم لکونه من أهل الخبرة کما هو واضح و علی هذا فلا بدّ له من اقامة البیّنة علی ذلک أو یحلف الآخر بأنه لا یعلم بکونه عافلا بالقیمة حال العقد أو انه کان غیر غافل عن ذلک ان کان یعلم انه لم یکن غافلا عن القیمة حال العقد.

و قد یتوهم انه إذا ادعی الغفلة یسمع دعواه فان ما لا یعلم الاّ من قبله فیسمع دعواه فیه.

و قد أجاب عنه المصنف بما فیه من الخلط بین الکبریین إحداهما دعوی قبول قول المدعی فیما یتعسر علیه إقامة البینة و الثانیة دعوی قبول قول المدعی فیما لا یعلم الا من قبله و نقض علیه بان هذا یستلزم قبول دعوی مدعی الفساد مع تعسر إقامة البینة علیه.

اما الکبری الاولی فلا دلیل علیه أصلا و الا فیلتزم ان یقبل قول کل من یدعی شیئا و لکن علی نحو یتعسر علیه إقامة البینة و حینئذ فیلزم تأسیس فقه جدید علی ان الیمین للمنکر دون المدعی و اما الکبری الثانیة فلم یثبت إلا فی موارد خاصة اعنی دعوی المرأة کونها حاملا أو حائضا أو طاهرة و انها خرجت عن العدة و اما فی غیره هذه الموارد فلا دلیل علیه بوجه علی انا لو سلّمنا صدق الکبریین فلا نسلم کون المقام منهما أو من أحدهما فإنه لا یتعسر إقامة المدعی البینة علی غفلته حیث انه یقم البینة علی انه کان مشغولا بأمور أخر أو کان مصابا من جهات قد وقع من اختلال الأفکار و لم یدر انه ای شیء فعل و کذلک لا نسلم کون المقام مما لا یعلم الاّ

ص:318

من قبله.

و بالجملة فاصل الغفلة و ان کان امرا نفسیا لا یعلم الا من قبل الشخص و لکنها معلومة للغیر أیضا بحسب الآثار کسائر الملکات و الافعال و الصفات النفسانیة کالعدالة و العلم و نحوهما.

و هذا لا شبهة فیه و این هذا مما یتعسر علیه إقامة البینة أو لا یعلم الا من قبله.

و اما إذا کان الاختلاف فی زیادة القیمة و نقصانها و کان منشئه أی أمر من الأمور المذکورة من الزمان أو المکان أو التغیر فنقول قد یکون الاختلاف فی زیادة الثمن و نقصانه من حیث الاختلاف فی أصل قیمة الشیء مع اتفاقهما علی ما وقع علیه العقد کما إذا اتفقا علی ان العقد وقع علی خمسین و لکن یدعی المشتری ان قیمته ثلثین فحصل فیه المغبن و یدعی البائع ان قیمته خمسین فلا غبن فیه مع اتفاقهما علی ان العقد قد وقع علی خمسین.

و هذا یکثر وقوعه فی الأشیاء التی یقل وجودها فی السوق بحیث تخفی قیمته علی المتبایعین کالجواهر و نحوها و الا فیعرضون المتاع للسوق و یکشفون عن قیمتها.

الصورة الثانیة:ان یکون الاختلاف فیما وقع علی المعقد بان یدعی المغبون ان العقد قد وقع علی خمسة و عشرین و العین تساوی عشرة فله حق الفسخ فیفسخ العقد فی خمسة و عشرین و اما العشرة فلم یقع علیه العقد و یدعی البائع ان العقد قد وقع علی عشرة فلا غبن حتی یثبت للمشتری خیار الغبن.

الصورة الثالثة ان یکون النزاع فی التغیر و عدمه بان یدعی أحدهما

ص:319

من الغابن أو المغبون التغیر و یدعی الأخر عدمه و هذه الصورة الثالثة تنحل الی ثلثة أقسام:الأول ان یتفقا علی ان قیمة العین کانت عشرة قبل وقوع العقد علیه و قد اشتراه المشتری بثلاثین أو کان القیمة قبل العقد ثلثین و قد باعه من شخص بعشرین فالغابن فی الشق الأول یدعی التغیر و کون القیمة حال وقوع العقد علی العین بثلثین دینارا و فی الثانی یدعی التغیر و هو المشتری و یقول ان القیمة تغیرت و کانت عند وقوع العقد علی العین بعشرین و لو کانت قبله ثلثین.

الثانی ان یقع الاختلاف فی حال وقوع العقد علی المبیع مع اتفاقهما علی القیمة الفعلیة بان یدعی البائع ان المبیع حال العقد یسوی عشرة و انما تنزلت قیمته فعلا و صارت ثمانیة فلا غبن لکون التغیر فی ملک المشتری و الحاصل ان البائع یدعی التغیر و المشتری یدعی عدم التغیر و کون المبیع فی حال وقوع العقد علیه یسوی بثمانیة فالمعاملة غبنیة فله الخیار.

الثالث:ان تکون قیمة العین قبل وقوع العقد علیها عشرین و بعده أیضا کذلک و لکن یدعی البائع انها لم تتغیر و انما وقع العقد علی العین حال کون قیمتها عشرین کما انها تساوی عشرین بالفعل فیکون مغبونا و یدعی المشتری ان قیمتها و ان کانت قبل وقوع العقد علیها تساوی عشرین و کذلک بعده و لکن تغیرت عند وقوع العقد علیها و کانت تساوی بعشرة فلیس هنا غبن و قد ادعی المصنف فی جمیع هذه الصور کما هو مقتضی إطلاق کلامه لزوم العقد لوجهین الأول أصالة عدم التغیر و انه موافق للزوم و مرادف له.

و فیه أولا انه لا یثبت الخیار الا علی القول بالأصل المثبت فان

ص:320

عدم التغیر لیس موضوعا للخیار کما هو واضح علی أنه لا یعتم أصل عدم التغیر جمیع صور الاختلاف فان فی الصورة الاولی اعنی ما کان الاختلاف فی أصل القیمة و فی الصورة الثانیة أعنی ما کان الاختلاف فیما وقع علیه العقد لیس الاختلاف و النزاع فی التغیر و عدمه حتی نجری فیه أصالة عدم التغیر بل فیما وقع علیه العقد کما هو واضح.

و ثانیا أن أصالة عدم التغیر لیس موافقا للزوم العقد دائما بل قد یکون مفاده ثبوت الخیار مع قطع النظر عن المثبتة کما عرفت فی الشق الأول و الثانی و هو واضح.

الوجه الثانی ممّا استدل المصنف علی اللزوم هو أصالة اللزوم و فیه ان کان المراد من ذلک اللزوم و المستفاد من أدلة اللزوم من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أحل اللّه البیع و تجارة عن تراض و غیر ذلک من أدلة اللزوم فلا شبهة فی عدم صحة ذلک فإنه قد خصصت تلک العمومات و نشک فی أن الفرد المشکوک من الخارج أن من الباقی تحت العام و من الواضح أن إثبات اللزوم فیه من قبیل التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة فلا یجوز و ان کان المراد منه الأصل الحکمی أعنی استصحاب بقاء الملکیة بعد الفسخ بحیث تکون النتیجة هی اللزوم و هو و ان کان له وجه بناء علی جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة و لکن یمکن المناقشة فیه أیضا من جهة أن الشک فی ان الملکیة المجعولة انما هی محدودة بما بعد الفسخ أو مطلق لا یرفعه الفسخ فلا یکون الاستصحاب جاریا للشک فی أصل الجعل فیکون معارضا بأصالة عدم الجعل و علی الجملة فلا وجه لجریان الاستصحاب أی أصالة اللزوم هنا.

و التحقیق أن یقال:أن المراد من الشرط الضمنی فی المعاملة

ص:321

الذی علیه یدور خیار الغبن وجودا و عدما ان کان هو تساوی القیمة أی تساوی الثمن و المثمن فحینئذ یکون الشرط عنوانا وجودا فلا شبهة فی أنه کلما شککنا فی هذا العنوان الوجودی فالأصل عدمه فتکون النتیجة هو الخیار لعدم حصول الشرط فی جمیع تلک الصور المتقدمة کما هو واضح.

و ان کان المراد من الشرط هو عدم الخدیعة و أن لا یخدع کل منهما الآخر و أن لا تکون القیمة زائدة عن القیمة السوقیة و أن لا یشتری المشتری بأقل من القیمة السوقیة بحیث یکون الشرط عنوانا عدمیا فح لا شبهة فی کون الأصل الجاری هنا موافقا للزوم العقد فإن أصالة عدم الزیادة عن القیمة السوقیة و أصالة عدم النقیصة هی أصل العدم الأزلی یوافق لزوم العقد فیکون الأصل الجاری ح موافق للزوم العقد کما هو واضح و یؤید إطلاق القوم خیار الغبن علی ذلک فإنه یلازم کون الشرط هو عدم الخدیعة و بعبارة أخری کلما شککنا فی الزیادة أو النقیصة فأصالة عدم الأزلی تحکم بعدمه فلا یترتب علیه محذور أصلا فیکون مفاد هذا الأصل موافقا للزوم العقد کما هو واضح و هذا من جملة الثمرات بین کون دلیل خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی و هذه نعمة الثمرة.

الأمر الثانی:أن یکون التفاوت فاحشا

و هذا الشرط مما لا ریب فیه فإنه لا شبهة فی تفاوت قیمة الأشیاء بحسب الأسواق بل بحسب الدکاکین حتی الشیء الواحد و لو کان مطلق التفاوت موجبا للغبن لم تبق معاملة الاّ و یکون فیه الغبن و لذا قیّدوا التفاوت بکونه ممّا لا یتسامح.

و انّما الکلام فی تعیین حدّ ما یتسامح فیه و ما لا یتسامح فعن بعض العامة أن التفاوت بالثلث ممّا یتسامح فیه و أشکل علیه المصنف

ص:322

بان التفاوت بهذا المقدار ممّا لا یتسامح فیه قطعا بل التفاوت بالربع بل بالخمس أیضا ممّا لا یتسامح فیه و سکت عن التفاوت بما فوق الخمس أقول الظاهر أن ذلک یختلف باختلاف المعاملات فإنه قد یکون التفاوت بالخمس مما یتسامح فیه بل یکون التفاوت بأقل منه أیضا ممّا یتسامح فیه کما إذا کانت المعاملة فی المحقرات کأن اشتری خضرة من الخضراوات بخمس أفلس مع أنه یساوی بأربعة أفلس أو ثلثة و نصف فإنه لا یعتنی علی ذلک فی العرف و لا یقال انه معاملة غبنیة و قد یکون التفاوت بالخمس بل العشر بل المائة غبنا کما إذا باع ما یساوی أربعة آلاف بخمسة آلاف أو باع ما یساوی مائة ملیون بمائة و واحد ملیون فإنه لا شبهة فی کون المعاملة حینئذ غبنیة.

نعم الواحد فی ألف لا یکون غبنا قطعا و علی الجملة قد یکون التفاوت غبنا بلا شبهة و قد لا یکون غبنا بلا شبهة لکونه مما یتسامح فیه و قد یشک فی کونه غبنا و عدم کونه غبنا و لا بدّ و أن یلاحظ فی أن مقتضی القاعدة حینئذ أی شیء یقتضی.

و قد یقال کما عن شیخنا الأستاذ إذا کان الشک فی المصداق فلا یمکن التمسک بقاعدة نفی الضرر لان التخصیص و ان کان لبیا اعنی بناء العقلاء علی عدم الاعتناء بضرر یتسامح فیه و وقع الاقدام علیه الا أن الخارج إذا کان عنوانا کلیّا کخروج ید المحسن عن قاعدة علی الید یکون للبی کالفظی فی عدم جواز التمسک بعموم العلم فی الشبهة المصداقیة.

و لکن یرد علیه أن هذا الکلام انّما یجری فیما إذا کان هنا خارج معلوم و لکن یشک فی أن المشکوک من الخارج أو من الافراد الباقیة تحت

ص:323

العام و أما المقام فأجنبی عن ذلک فان الضرر له مراتب فیصدق علیها علی نحو التشکیل فمرتبة منها خارج قطعا و هی ما أقدم علیها المتبایعان و الباقی مشکوک فیتمسک بإطلاق الدلیل کما هو واضح فالمقام لا ربط له بالشبهة المصداقیة أصلا و ذکر المصنف أو لا أن المرجع فی ذلک أولا هو أصالة ثبوت الخیار لانه ضرر لم یعلم تسامح الناس فیه فان الخارج من دلیل لا ضرر هو الضرر الذی یتسامح و أما ما یشک فی کونه مما یتسامح أو لا فیبقی تحت الإطلاق.ثمّ عدم عن ذلک و وجه اللزوم و ذکر أنه یحتمل الرّجوع الی أصالة اللزوم لان الخارج هو الضرر الذی یناقشون فیه و لا یکون موردا للتسامح بل یعد ضررا عند العقلاء و أما فی غیر فیشک فی خروجه عن تحت الأدلة الدالة علی لزوم العقد و عدمه فیرجع الی العمومات لعدم ثبوت مخصص هنا لیرفع الید عن العمومات کما لا یخفی.

أقول ان کان دلیل خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر فلا بدّ من اختیار الوجه الأول فلا مسوغ له لرفع الید عن الأول و المیل الی الثانی و ذلک فان المخصص للعمومات الدالة علی لزوم العقد حینئذ هو دلیل نفی الضرر و هو دلیل لفظی یتمسک بإطلاقه فی کل مورد یصدق فیه الضرر إلا إذا ثبت التخصیص و من الواضح أن التخصیص انما هو اقدام المغبون بالضرر فیرفع الید عنه بالمقدار الذی ثبت فیه الاقدام و فی البقیة یرجع الی دلیل نفی الضرر حتی لو لم یکن دلیل علی خروج الضرر الذی یتسامح فیه أو أقدم علیه المغبون لشمله إطلاق دلیل نفی الضرر و لکن خرج ذلک ببناء العقلاء ففی غیره نرجع إلی الإطلاق.

و توهم أن التمسک فی المورد المشکوک بدلیل نفی الضرر تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة قد تقدم جوابه کما هو واضح و لکن قد عرفت أن دلیل نفی الضرر لا یکون دلیلا لخیار الغبن کما لا یخفی.

ص:324

و أما إذا کان الدلیل لخیار الغبن هو الشرط الضمنی و بناء العقلاء علی أن المعاملة مشروط بتساوی القیمتین فلو زاد الثمن علی قیمة المثمن أو زادت قیمة المثمن علی الثمن ثبت الخیار للآخر کما هو واضح.

و علیه فما ذکره من أصالة اللزوم هو المتبع و الوجه فی ذلک أن المعاملة انما وقعت علی المبیع مطلقا من غیر تقیید بقید بحسب اللفظ فمقتضی الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم تقیدها بقید و بحسب تبعیة مقام الثبوت و نفس الأمر لمقام الإثبات نکشف الإطلاق فی مقام الثبوت أیضا فنحکم بکون العقد مطلقا فیکون مشمولا لأدلة اللزوم و لیس فی المقام شیء یصلح للقرینیة إلا ما نذکره و لیس أزید من ذلک شیء یصلح للقرینیة نعم قد ثبت التقیید بحسب الارتکاز و بناء العقلاء لبّا فی صورة عدم تساوی القیمتین علی نحو لا یتسامح فإنه قامت السیرة القطعیة علی اعتبار التساوی بین القیمتین و مع التخلف علی نحو لا یتسامح الذی مورد الشرط قطعا یثبت الخیار للمغبون و أما فی غیر هذه الصورة لیس هنا دلیل لفظی نتمسک به و نحکم بثبوت الخیار بل لا بدّ من أخذ إطلاق الکلام فی المعاملة و التمسک بأدلة اللزوم کما هو واضح و هذا هو الصحیح فی المقام کما لا یخفی.

قوله بقی هنا شیء و هو الفرق بین الضرر الشخصی و النوعی

و هو أن ظاهر الأصحاب و غیرهم أقول قد ذکر المصنف بما حاصل کلامه أن دلیل رفع الضرر فی الإسلام انما هو دلیل واحد یشمل علی أفراده علی نسق واحد سواء کان المورد من المعاملات أو من العبادات و علی هذا فما الفارق بین المعاملات حیث ان الفقهاء رضوان اللّه علیهم ذکروا فی باب المعاملات ان الضرر نوعی

ص:325

فیلاحظ فیه نوع الناس مع قطع النظر عن ملاحظة حال الناس و لکن فی باب العبادات ذکروا أنه شخصی فیلاحظ فیه حال الأشخاص.و بعبارة أخری ذکروا أن المناط فی باب المعاملات هو ملاحظة الضرر بالنسبة إلی المال بحیث یصدق علیه أنه ضرر مالی و لذا إذا تحقق فی مورد ثبت علیه حکمه سواء تضرر به صاحب المال أو لم یتضرر بأضعاف مقابله من المضرات و لکن المناط فی باب العبادات حال الأشخاص و لذا ذکروا أنه کان شراء ماء الوضوء لا یضر علی حال شخص لا یرتفع و ان کان هنا ضرر مالی و بلغ ما بلغ و أما إذا کان مضرا لشخص فإنه یرتفع بدلیل نفی الضرر و ما الفارق بین المقامین و کذلک الحال فی دلیل نفی الحرج.

أقول و الذی ینبغی أن یقال أن نفی الضرر و نفی الحرج کسائر الأحکام تابع لموضوعهما ففی کل مورد تحقق ضرر أو حرج ثبت نفی الحرج و الضرر کما هو الحال فی سائر بالأحکام الثابتة علی الموضوعات علی عنوان القضیة الحقیقة کما أن بقیة الأحکام تدور مدار ثبوت الموضوع و عدمه نفیا و إثباتا و یلاحظ بحسب حال کل شخص شخص و هکذا الضرر و الحرج و نفیهما فأدلة نفی الضرر و نفی الحرج ناظرة إلی نفی الحرج و الضرر عن الموضوعات المحققة مثلا قد ورد فی الشریعة أنه إذا زالت الشمس وجب الظهران و من الواضح أن هذا حکم کلی ثابت بعنوان القضیة الحقیقیة و یلاحظ بالنسبة الی کل شخص لکونه موضوعا لهذا الحکم فزوال کل شخص یلاحظ بالنسبة فأی شخص أدرک الزوال صار موضوعا لوجوب الصلاة مع درکه بقیة الشرائط فیلاحظ زواله بالنسبة الیه و لا یقال زال أی نقطة من النقاط بالنسبة إلیه بحیث إذا تحقق فی نقطة وجب الظهران علی

ص:326

شخص و ان لم یکن فی هذه النقطة بل فی نقطة کانت لیلا حین الزوال فی تلک النقطة کما هو واضح.و علی هذا فدلیل نفی الحرج و الضرر حکمان وارد ان علی موضوع مقدار الوجود أی بعنوان قضیة الحقیقیة ففی أی مورد تحقق الضرر فی أی نحو کان سواء کان مالیّا أو عرضیا أو نفسیّا أو غیر ذلک لشمله حکمه سواء کان المورد عبادة أم معاملة فان الضرر المالی أیضا ضرر فلا وجه أصلا لملاحظة الضرر و الحرج نوعیّا بل لا أساس له و انّما هما کبقیة القضایا الحقیقیة کما هو واضح و علیه فلا یفرق بین المعاملات و العبادات أصلا نعم قد یکون نفس الضرر و الحرج موضوعا للحکم أو حکمة للتشریع کما ان اختلاط المیاه حکمة لتشریع العدة و هو مطلب آخر غیر مربوط بنفس لا ضرر و لا حرج الذین کبقیة الأحکام الشرعیة کما هو واضح و هذا کما فی قوله(صلی الله علیه و آله)لو لا أشق علی أمتی لا مرتهم بالسواک و لو لم یکن حرج علی الأمة لحکم بنجاسة الحدید،و أما ملاحظة الضرر بحسب الأحوال فی باب الوضوء فهو بنص خاص فی باب الوضوء و أنه لا بدّ و أن یشتری الماء للوضوء و ان بلغ ما بلغ الاّ أن یکون مضرا بحاله بحیث له عیال یموتون جیاعا لو اعطی ماله و أخذ ماء للوضوء و یکون الضرر مجحفا علیه أی لا یبقی له مال یمون به عیاله فباب الوضوء انما خصص لهذا النص الخاص و من هنا یلتزم الفقهاء رضوان اللّه علیهم بذلک فی غیر باب الوضوء من العبادات کما إذا صلی فی مکان فلانی لسرق السارق ماله فافهم و هکذا.

ثمّ انه ذکر المصنف فی آخر کلامه أنه یمکن الالتزام بعدم الضرر أصلا فی باب العبادات لان ما یصل الیه من الأجر أعظم مما یفوت عنه من المال و قد وقع فی مقابل ماله أجر کما أنه لا یقال أن فلانا تضرر إذا

ص:327

باع ماله و أخذ الدینار فان فی مقابل ماله وصل الیه الدینار فلما ذا یکون ضرر علیه.

و فیه أولا النقض بسائر أبواب العبادات فإنهم لم یلتزموا بذلک فی غیر باب الوضوء کما أشرنا الیه و ثانیا أن وصول الأجر إلیه غیر معلوم فإنه مع نفی الحکم بأدلة نفی الضرر و حکومة أدلته علی الأحکام الأولیّة لا یبقی هنا أمر بالوضوء حتی یوجر و یصل الیه الثواب فان الثواب انّما یترتب علی امتثال الأمر لا علی مجرد الحرکات الخارجیة.

و الحاصل أنه ذکر المصنف أن الضرر المالی فی باب الوضوء لا یتحقق فإنه یحصل فی مقابله أجر له فلا یکون ضررا علیه و قد ذکر وجه ذلک فی قاعدة لا ضرر حیث قال أن المنفی بدلیل نفی الضرر انّما هو الضرر الغیر المتدارک و الضرر هنا متدارک بالثواب أو أن هنا لیس ضرر أصلا حتی یکون متدارکا فان ذلک نظیر إعطاء الفلس و أخذ المتاع کما لا یخفی.

فافهم و علیه فلا یکون الضرر المالی فی باب الوضوء ضررا.

أقول:أما تفصیل نفی الضرر بالضرر الغیر المتدارک ممّا لا وجه له أصلا لعدم الدلیل علیه و أما أن القول بأنه لیس هنا ضرر لوصول الأجر علیه فهو یشبه العرفان بداهة أن هذا ضرر بلا شبهة علی أنه لو کان وصول الأجر فی مقابل المال فی باب الوضوء موجبا لتدارک الضرر أو أن لا یکون هنا ضررا أصلا فلازم ذلک أن نقول بذلک فی جمیع أبواب العبادات مثلا لو توقف تحصیل الماء علی بذل مال کثیر لا بد من بذله لعدم الضرر فیه مع أنه لم یقل به فقیه علی أنک قد عرفت أن وصول الأجر إلیه غیر معلوم کما لا یخفی.

قوله فیقع الإشکال فی تصویر غبن کل من المتبایعین معا أقول

ص:328

قد وقع الکلام فی تصویر الغبن من الطرفین البائع و المشتری فی المعاملة و ذکروا فی تصویر ذلک وجوها:الأول ما ذکره صاحب القوانین عند السؤال عن عبادة اللمعة فی تصویر الغبن من الطرفین و حاصله أنه لو باع متاعه بأربعة توامین علی أن یعطیه ثمانیة دنانیر بزعم أن ثمانیة دنانیر یسوی أربعة توامین و الحال أن المتاع یسوی بخمسة توامین و أن ثمانیة دنانیر تسوی بخمسة توامین فإنه حینئذ یکون البائع مغبونا لانه باع ما یسوی بخمسة توامین بأربعة توامین و المشتری مغبون لأن أعطی ثمانیة دنانیر بزعم أنه یسوی بأربعة دنانیر مع أنه یسوی فی الواقع بخمسة و قد اشکال علیه المصنف بأنه انما یلاحظ الغبن فی المعاملة بالنسبة إلی مجموع ما یرجع إلیها من الشرائط و العوض و المعوض و من الواضح أنها لیست بمعاملة غبنیة من حیث المجموع فلا یکون هذا وجها لتصویر الغبن من الطرفین لان هذه المعاملة مع ملاحظة الشرائط مجموعا من حیث المجموع لیست بمعاملة غبنیة و بعبارة أخری ان کان الشرط و المشروط ملحوظا معا و لو حظ معاملة و أخذه مستقلة فلا شبهة أنها لیست بغبنیة و ان کان الشرط أجنبیا عن المشروط و لم یکن له تماس بالمعاملة بل لو حظه مستقلا فیکون هنا معاملتان فیکون المغبون فی أحد هما المشتری و فی الآخر البائع کما لا یخفی و من هنا ظهر الجواب عما نقله المصنف عن بعض معاصیره من فرض المسألة فیما إذا باع شیئین فی عقد واحد بثمنین مثلا بأن باع کتاب المکاسب و کتاب الرسائل صفقة واحدة و لو حظ کتاب الرسائل نصف دینار مع أنه یسوی بدینار و کتاب المکاسب بدینارین و نصف مع أنه یسوی بدینارین ففی هذه المعاملة یکون کل من البائع و المشتری مغبونا کما هو واضح.

ص:329

و وجه الظهور أنه ان لو حظ مجموع الکتابین مبیعا واحدا فیلاحظ المجموع من حیث المجموع و من الواضح أن المجموع من حیث المجموع لیس بمعاملة غبنیة و ان لو حظ کل من الکتابین مبیعا واحدا مستقلا فیکون البائع مغبونا فی أحد هما و المشتری مغبونا فی الآخر فلم تکن هنا معاملة یتصور فیها الغبن من الطرفین کما هو واضح.

و منها ما ذکره بعض من فرض المتعاملین وقت العقد فی مکانین مع کون قیمة المثمن مختلفا بحسب المکانین کما إذا فرضنا أن المبیع هو الحنطة و کان ثمن کل من منها فی خارج البلد دینارا لنزول العسکر فیه مثلا و لکن فی داخل البلد نصف دینار فاشتری البلدی من أهل الخارج بکل من بثلثة أرباع دینار فإنه یکون البائع مغبونا فی هذه المعاملة فإن الفرض أن کل منّ من الحنطة کان دینارا فقد باعها بثلثة أرباع دینار و المشتری أیضا مغبون فان المفروض أن قیمة الحنطة فی البلد کانت کلّ منّ بنصف دینار و قد صار مغبونا بربع دینار.

و فیه أن المراد من الغبن فی المعاملة هو ملاحظة مکان تحققها فان کان بیع الحنطة فی خارج البلد مع کون التسلیم فیه و من الواضح ان البائع مغبون فإن قیمة کلّ منّ من الحنطة فی ذلک المکان دینار فقد باعه بثلثة أرباع دینار و ان کان البیع فی البلد أو بشرط أن یسلم المبیع فی البلد فیکون المشتری مغبونا کما لا یخفی فلا یلاحظ المکانین فی معاملة واحدة کما هو واضح لا یخفی فافهم.

و قد نقل المصنف عن مفتاح الکرامة تصویر کون الغبن من الطرفین بحسب الحکم الظاهری دون الواقعی کما إذا ادعی کل من المتبایعین الغبن کما إذا باع ثوبا بفرس بظن المساواة ثمّ ادعی کل منهما نقص

ص:330

ما فی یده عما فی ید الأخر و لم یوجد المقوم لیرجع الیه فتخالفا فیثبت الغبن لکل منهما فیما وصل الیه،مع أن فی الواقع المغبون أحدهما لا کلاهما.

أقول هذا انما یبتنی علی ان کل من یدعی شیئا و یتعسر علیه إقامة البینة فإنه یقبل قوله مع یمینه کما تقدم و علیه فکل من البائع و المشتری إنما یتعسر علیه إقامة البینة فیقبل قوله مع یمینه فیثبت ما یدعیه من الغبن و لکن قد عرفت انه لا دلیل علیه خصوصا إذا کانت الدعوی مما یطلع علیه کل احد و انما لم یطلع علیه من جهة العوارض کعدم وجود من یطلع علیهما فی مقام البیع لیکون بینة للواقعة و قلنا فی السابق ان الحلف انما هو للمنکر و لیس منه وظیفة المدعی الحلف.

و اما بناء علی فساد هذا المبنی کما هو کذلک فیکون من یدعی الغبن مدعیا و الآخر منکرا فللمدعی البینة و للمنکر الیمین و مع کون کل منهما مدعیا للغبن و منکرا لکون الآخر مغبونا فیتحالفان فیحکم بعدم غبن کل منهما لا بغبن کلیهما فلا یکون لأی منهما خیارا أصلا کما عرفت علی ان مقتضی التحالف ان یحلف کل منهما علی انه لم یغبن الآخر فیکون مقتضی ذلک ان لا یکون ان منهما مغبونا لا ان یکون کلاهما مغبونا و هو واضح.

فتحصل انه لا یمکن تصویر الغبن من الطرفین فی معاملة واحدة کما ذکره بعض المحشین للروضة و قال(فلا یعقل کونهما معا مغبونین و الا لزم کون الثمن أقل من القیمة السوقیة و أکثر و هو محال فتم)نعم یمکن تصویر ذلک إذا کان الغبن بمعنی مطلق الخدیعة کما إذا باع فرشا بأربعة دنانیر علی انه من شغل کاشان فبان انه من شغل همدان و مع

ص:331

ذلک انه یسوی بثمانیة دنانیر و حینئذ فقد خدع کل منهما فی هذه المعاملة و هو واضح.

و الذی ینبغی ان یقال انه کان مدرک خیار الغبن هو دلیل نفی الضرر یمکن فرض الغبن من الطرفین بخلافه إذا کان مدرکه الشرط الضمنی الذی ذکرناه اما الأول کما إذا باع حطبا من زید کل حقة بمائة فلس مع کون الحطب کل حقة بدرهم و اشتراط المشتری علیه ان ذلک من خشبة أبنیته و واضح ان هذه المعاملة ضرریة لکل من البائع و المشتری اما کونها ضرریة للبائع فلان تسلیم المبیع یتوقف علی تخریب الدار و هو ضرر علی البائع،و اما کونه ضررا علی المشتری فلان قیمة الحطب انما هی کل حقة بدرهم و قد باع منه البائع کل حقه بمائة فلس فیکون الدرهم زائدا عن القیمة السوقیة و لا یجری هنا ما ذکره المصنف من الجواب عن المحقق القمی فإن هذا الشرط لیس له دخل فی زیادة الثمن أصلا فإنه لا یفرق فی الحطب بین کونه من أخشاب البناء و بین کونه من أخشاب الحدیقة بل ربما یوجب کونه من أخشاب البناء نقصا فی الحطب لکونه بالیة کثیرا بخلاف ما إذا کان من أخشاب الحدیقة فهذا الشرط لیس مثل اشتراط کون أربعة توامین ثمانیة دنانیر(الا ان یقال ان هذا الشرط أیضا لیس له دخل فی المزیة و انما المزیة من جهة الخطاء فی التطبیق، من المقرر)و علی هذا فیکون العقد جائزا من الطرفین کما هو واضح.

و اما إذا کان دلیل خیار الغبن هو الشرط الضمنی فلا یعقل الغبن من الطرفین بحیث یثبت الخیار للمتبایعین و یکون العقد جائزا من الطرفین.فان الشرط الضمنی أعنی اشتراط تساوی القیمتین أو عدم زیادة القیمة و عدم نقصه لا یعقل الا من طرف واحد فیکون الغبن من

ص:332

طرف واحد کما هو واضح فافهم.

قوله مسألة ظهور الغبن شرط شرعی لحدوث الخیار أو کاشف
اشارة

عقلی عن ثبوته حین العقد

أقول:قد عرفت انه لا شبهة فی ثبوت خیار الغبن فی المعاملات و انما الکلام فی ان ثبوت هذا الخیار من حین تبین الغبن أو من حین العقد وجهان و قد اختلف کلمات کلمات الفقهاء فی ذلک اختلافا شدیدا و صار ذلک منشا للوجهین و قد جمع المصنف بین شتات آرائهم بالفرق بین ثبوت الخیار فعلا بحیث یکون لذی الخیار سلطنة فعلیة علی الفسخ و بین ظهور الخیار له واقعا فالأول لا یثبت الا بعد ظهور الغبن بخلاف الثانی ثم تکلم فی آثار ذلک الخیار و لکن الظاهر انه لا وجه لذلک التفصیل فان معنی الخیار هو السلطنة الفعلیة اعنی السلطنة علی فسخ العقد کما تقدم فی أول الخیارات و إذا ثبت ثبت له ذلک و الا فلا یعنی معنی ثبوت الخیار هو ثبوت السلطنة الذی الخیار علی فسخ العقد کما هو واضح فلیس لهذا التفصیل مجال أصلا.

و انما المهم هو التکلم فی جهتین:
الاولی فی ان هذا الخیار

ثابت من الأول أو من حین تبین الغبن

و الذی ینبغی ان یقال:انه لا بد من ملاحظة دلیل هذا الخیار فلو قلنا بکون دلیله هو دلیل نفی الضرر کما ذهب الیه المشهور من المتأخرین و اختاره المصنف أو قلنا بان دلیله هو الشرط الضمنی فعلی کان حال فلا شبهة فی کونه ثابتا من الأول فإن دلیل نفی الضرر ینفی الضرر الواقعی و کک ان شرط الضمنی هو اشتراط التساوی الواقعی بین العوضین ان کون هذا لازم الشرط الضمنی کما تقدم فان الشرط الضمنی هو عدم الزیادة أو عدم النقیصة ای یشرط کل من المتبایعین علی الآخر بان لا یکون ما له زائدا عن مال

ص:333

طرفه بما لا یتسامحه و هذا واضح و نعبر عن ذلک بلازمه اعنی تساوی القیمتین.و علی الجملة فبناء علی کون دلیل خیار الغبن ای من هذین الوجهین یثبت الخیار للمغبون من الأول کما هو واضح.

نعم لو کان دلیل خیار الغبن هو الإجماع أو ما تقدمت الإشارة إلیه من النبوی حیث نهی عن تلقی الرکابان و قال إذا جائوا بالسوق فلهم الخیار بناء علی انصراف ذلک النبوی إلی صورة ظهور الغبن لا إثبات الخیار علی وجه الإطلاق بمجرد المجیء إلی السوق سواء ظهر غبن فی المعاملة أم لا کما ذهب الیه ابن إدریس الذی هو خلاف منصرف النبوی فإنه بناء علی ما هو الظاهر من النبوی من کونهم ذی خیار بعد مجیئهم إلی السوق إذا تبین لهم الغبن لا مطلقا فإنه لا معنی لثبوت الخیار لهم بعد المجیء إلی السوق تعبدا و الا لکان ثابتا من الأول و کیف کان فبناء علی ظاهر النبوی فیکون دلیلا علی ثبوت الخیار من حین تبین الغبن لا من حین العقد و کذلک لو کان المدرک هو الإجماع فإن المتیقن منه هو ثبوت الخیار مع ظهور الغبن و لکن یرد علی الإجماع انه لیس بحجة و علی النبوی انه ضعیف السند إذ لم نجده فی کتب الأصحاب المعدة للحدیث و انما ذکروه فی کتب الاستدلال و أخذوهم من العامة،و لم ینجبر ضعفه بشیء إذ لم یثبت کون عملهم علی طبقه و انما استندوا بغیره من الوجوه المذکورة فی المسألة بل ثبت عدم استنادهم الیه الا قلیل کما یظهر من ملاحظة کلماتهم.علی انه یمکن المناقشة فی دلالته أیضا بدعوی ان المراد من ثبوت الخیار بعد المجی بالسوق هو تبین الغبن کما عرفت و ان هذا التبین طریق الی الواقع لا انه موضوع بنفسه لثبوت الخیار فحیث ان الغبن من الأول و ان کان تبینه من الان

ص:334

فیثبت له الخیار من الأول و بعبارة اخری انا لا نحتمل ان العلم جزء الموضوع لثبوت خیار الغبن بل تمام الموضوع له انما هو الغبن لا الغبن المعلوم فإذا یثبت الخیار للمغبون من الأول و نظیر کون التبین هنا طریقا الی الواقع کتبین الفجر فی شهر رمضان فی قوله تعالی کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ فان التبین هنا لیس له موضوعیة لحرمة الأکل بحیث لو لم یتبین الفجر الغیم و نحوه الی ان مضی ساعة من طلوع الشمس فأیضا یجوز الأکل فهذا غیر محتمل قطعا اذن فیکون التبین طریقا الی الفجر کما هو واضح و کک فی المقام.

فتحصل ان ثبوت خیار الغبن من حین العقد هذا ما یرجع الی الجهة الاولی و علیه فلا وجه لتفصیل المصنف بین ثبوت الخیار له واقعا و کونه ذی حق فی الواقع و بین ثبوت السلطنة الفعلیة له فعلا علی فسخ العقد.

الجهة الثانیة أعنی التکلم فی ترتب آثار الخیار علی خیار الغبن

و انه هل یترتب علی هذا الخیار من الآثار ما یترتب علی بقیة الخیارات من الآثار بعنوان الخیار من خصوصیة لإحدی الخیارات أو لا یترتب علیه آثار بقیة الخیارات أقول و من جملة آثار الخیار انتقاله إلی الورثة بعد موت المورث و علیه فان قلنا بثبوت خیار الغبن من حین العقد کما هو کذلک و مات المورث قبل ان یتبین الغبن فإنه یثبت الخیار لوارثه فان الخیار من الحقوق الذی یورث فلا فارق فی ذلک بین خیار الغبن و سائر الخیارات و من جملة الآثار انه یجوز إسقاطه قبل ظهور الغبن کما إذا قال ان کان لی خیار فی هذا العقد فأسقطه أو یقول بنحو العموم ان کل خیار لی فقد أسقطه فإنه ح یسقط خیاره هذا و ان لم یعلم به کما

ص:335

هو واضح و الجهة الأخری من الثمرات انه وقع الخلاف بین العلماء فی انه یجوز التصرف فی الثمن أو المثمن فی زمان الخیار أولا فذهب بعضهم الی عدم الجواز مطلقا و بعضهم الی الجواز مطلقا و قد فصل بعضهم بین بیع الخیار فالتزم بعدم الجواز و بین غیره و التزم بالجواز و لکن ادعوا عدم الخلاف و ثبوت الاتفاق علی عدم جواز التصرف فی العوضین فی زمان خیار الغبن فان التصرف یوجب کون العین فی معرض التلف و من المحتمل أن ذی الخیار یفسخ العقد و یرجع بالعین و ان التفاتهم علی هذا انما هو بعد ظهور الغبن لا قبله و قد ذکروا انه یکشف من هذا الاتفاق ان خیار الغبن انما یثبت للمغبون من حین ظهور الغبن.

و لکن الظاهر ان جمیع الخیارات فی ذلک علی حد سواء ان جاز التصرف فی زمان الخیار جاز فی کلها و الا فلا یجوز فی شیء منها و انه لا یکون هذا الاتفاق مائزا بین المقامین و ذلک لعدم ثبوت هذا الاتفاق فإنه لا نطمئن باتفاقهم علی عدم جواز التصرف قبل ظهور المغبن من جهة انهم یرون عدم جواز التصرف فی زمان الخیار و جوازه فی غیر زمان الخیار و حیث انهم اتفقوا علی جواز التصرف قبل ظهور الغبن فیکشف من ذلک انه لیس لهم خیار قبل ظهور الغبن کما هو واضح و لیس لنا علم بذلک من جهة انه یحتمل قریبا ان جملة من القائلین بجواز التصرف فی العوضین قبل ظهور الغبن انهم التزموا بذلک لذهابهم الی جواز التصرف فی العوضین فی زمان الخیار کما هو کذلک و علیه فلا یکون اتفاقهم علی جواز التصرف قبل ظهور الغبن کاشفا عن اتفاقهم علی عدم ثبوت الخیار قبل ظهور الغبن.نعم لو کان لنا علم بان اتفاقهم علی جواز التصرف قبل ظهور الغبن من جهة کونه غیر زمان الخیار لکان ذلک کاشفا

ص:336

عن ثبوت الخیار بعد ظهور الغبن و لکن انی لهم بإثباته.

علی انه لا دلیل علی عدم جواز التصرف فی العوضین فی زمان الخیار و توهم ان التصرف یوجب کون العین فی معرض التلف لا یکون مانعا عن ذلک لما عرفت سابقا ان متعلق الخیار هو العقد و هو باق حتی بعد تلف العین فإنه إذا اعمل صاحب الخیار خیاره یرجع الی بدل العین لا الی نفسه نعم مع بقاء العین یرجع الی نفسها مع الفسخ و اما انه لا یجوز التصرف فی العین فی زمان الخیار فهو باطل فإنه بعد کونه مالا لمالکه فبأی وجه عن تصرفاته مع کون الناس مسلطا علی أموالهم.

و من جملة الثمرات انه هل التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له أو انه من مالکه و قد تقدم سابقا فی خیار المجلس و الحیوان ان مقتضی القاعدة الأولیة هو کون تلف مال کل شخص علی صاحبه و ان لا یحسب علی شخص آخر و لکن قد ورد النص علی ان تلف الحیوان فی زمان الخیار ممن لا خیار له فان تعدینا الی غیر خیار الحیوان و قلنا بکون تلف المبیع مطلقا فی زمان الخیار ممن لا خیار له و کذلک تعدینا الی تلف الثمن أیضا لقلنا فی جمیع الخیارات و فی تلف الثمن و المثمن فی زمان الخیار فی جمیع المعاملات حتی خیار المجعول الذی من مصادیقها خیار الغبن الثابت بخیار تخلف الشرط و ان اقتصرنا بمورد النص فقط فلا یحسب تلف المبیع أو الثمن علی من لا خیار له فی زمن الخیار سواء کان خیار الغبن أو غیره و هو واضح جدا.

و لکن قد تقدم ان هذا الحکم قد ثبت فی مورد خاص بالنص فلا یجوز التعدی الی غیر مورده فتکون القاعدة الأولیة المذکورة محکمة فافهم

ص:337

و علی کل حال فلو عمم ذلک ای کون التلف المبیع فی زمن الخیار ممن لا خیار له الی غیر مورده لکن فی مورد خیار الغبن أیضا ممن لا خیار له قبل ظهور الغبن و بعده بناء علی ما ذکرناه من ثبوته من الأول و ان لم یعلم به المغبون و من جملة الآثار انه إذا قلنا بثبوت الخیار من الأول و قلنا بکون التصرف مسقطا للخیار مطلقا فیکون هنا أیضا مسقطا کما هو واضح.

و قد تقدم فیما سبق انه لم یثبت کون التصرف مسقطا تعبدیا إلا فی مورد خاص اعنی بیع الحیوان فإنه ثبت فیه ان التصرف الخاص موجب لسقوط الخیار کقوله(علیه السلام)أ رأیت ان لامس أو قبل إلخ و کذلک ثبت کون التصرف مسقطا فی خیار المجلس و کذلک التصرف المغیر و اما کون مطلق التصرف مسقطا للخیار فلم یثبت بدلیل و انما کونه مسقطا من جهة الظهور العرفی و کونه ظاهرا فی إسقاط الخیار عرفا فکلما کان له ظهور فی الإسقاط الفعلی یحکم بمسقطیته و الا فلا.

و الحاصل ان الافعال کالأقوال فی إبراز ما فی الضمیر و إظهاره فکما ان الاسقاط القولی موجب لسقوط الخیار و یکون کاشفا عن إبراز ما فی الضمیر و کذلک الإسقاط الفعلی فإنه أیضا یکون من مصادیق الاسقاط و إذا لم یکن التصرف بحیث یکون من الاسقاط فلا یکون له قابلیة لإسقاط الخیار و ظهوره فی ذلک فیکون مثله(وجوده)کعدمه و المفروض انه لم یرد التعبد بکونه مسقطا علی ای وجه اتفق کما هو واضح فافهم.

قوله مسألة یسقط هذا الخیار بأمور
أحدها إسقاطه بعد العقد

أقول یقع الکلام هنا فی أربع مسائل:

الاولی:ان یسقط خیاره قبل العلم بالغبن مجانا.

ص:338

الثانیة:الإسقاط به قبل العلم بظهور الغبن مع العوض.

الثالثة:الإسقاط به مع العلم به مع العوض.

و الرابعة:الإسقاط به مع العلم به مع عدم العوض.

اما المسألة الاولی فلا شبهة فی سقوط الخیار قبل العلم بالغبن بان یقول أسقط خیاری الغبن فی هذه المعاملة و لا شبهة فی ذلک بناء علی ثبوت الخیار من الأول غایة الأمر بأنه لا علم بالخیار فمجرد عدم العلم به لا یمنع عن تأثیر الاسقاط فإنه لو قال احد کلما لی من الخیار فقد أسقطه فإنه لا شبهة فی شموله لکل خیاره و ان کان لم یعلم به و هو واضح جدا.

و اما لو قلنا یکون حدوث الخیار بعد تبین الغبن فأسقط المغبون خیاره بعد الغبن و قبل ظهوره و العلم فهل یجوز ذلک أم لا فذکر المصنف انه یکفی فی ذلک تحقق السبب المقتض للخیار و هو الغبن الواقعی و ان لم یعلم به و هذا کان فی جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه و لا یکون من قبیل إسقاط ما لم یجب.

و لکن یرد علیه ان المقتضی ان کان تام التأثیر بحیث یؤثر فی المعلول بالفعل فیکون الخیار ثابتا بالفعل و لا یکون معلقا علی حدوثه بعد العلم بالغبن و هو خلف الفرض.

و ان لم یکن المقتضی تام التأثیر فلا یکون الاسقاط بمثل هذا المقتضی من تحت الاسقاط لما لم یجب فیبقی المحذور فی حاله.

و لکن الظاهر انه لم یدل دلیل علی عدم جواز الاسقاط بما لم یجب الا ما یتوهم من کونه تعلیقا و من الواضح ان المتیقن من ذلک هو العقود بالنسبة إلی التعلیق بأمر مجهول فلا یجری فی غیره و علی الجملة لا نعرف أساسا صحیحا لعدم جواز إسقاط ما لم یجب فلا نری فی ان

ص:339

یسقط الإنسان بما یتعلق له من الحق بذمة غیره قبل تعلقه بها و لم یرد فی آیة و لا فی روایة ما یمنع عن ذلک کما هو واضح لا یخفی بل هو من جهة الإجماع و لعله لیس إجماعا تعبدیا بل من جهة عدم اعتبار العقلاء بمثل ذلک و یمکن ان یکون مدرک الإجماع ما ورد من النهی عن بیع ما لم یملک بعد و عن بیع ما لیس عندک و العقلاء لا یعتبرون الملکیة فی أمثال ذلک أیضا و علیه فإذا اعتبر العقلاء أثرا علیه فی مورد فلا مانع من إسقاط ما بم یجب.

ثم انه مع العلم بالغبن تارة یکون ما أسقطه من الغبن موافقا للواقع و هذا لا شبهة فیه و قد یکون أقل مما اعتقده و هذا أیضا لا شبهة فیه و قد یکون مخالفا بان یکون الغبن أزید مما اعتقده فحینئذ یقع الکلام فی صحة الإسقاط و عدمه و انه إسقاط للغبن من أصله أو بمقدار ما اعتقده و توضیح ذلک انه إذا أسقط خیاره قبل العلم بالغبن باعتقاد انه إذا کان هنا غبن یکون خمسا فی الخمسین و لکن لما تبین الحال فظهر انه مغبون فی الخمسین بثلثین فهل یسقط خیاره مطلقا أو یسقط بالنسبة إلی مرتبة خاصة أعنی ما اعتقده فی مقدار الغبن و قد عنون المصنف ذلک فی صورة کون الغبن معلوما و لکن المسألتان من واد واحد فیجری هذا البحث فی کلتا المسألتین کما هو واضح.

و علی کل حال فلا یمکن ان یکون المقام من باب التقیید بان یکون ما أسقطه من الخیار مقیدا بکون الغبن خمسة فی الخمسین و یکون خیاره باقیا فی المرتبة اخری التی لم یسقطها و بعبارة أخری إسقاط ما احتمله أو اعتقده من مرتبة الغبن لو کان موجبا لتقیید الاسقاط بتلک نظیر تقیید المبیع بالصورة النوعیة لکان لعدم سقوط الخیار عند تبین زیادة الغبن

ص:340

عما احتمله أو اعتقده وجه الاّ أنه لا یمکن التقیید فی المقام لان الخیار أمر واحد بسیط لیس ذا مراتب و لا یقبل التأکد و فی المقام لا یقبل التخصص بسبب دون سبب کما فی اجتماع خیاری الحیوان و المجلس فی عقد واحد فان مأة دینار مثلا مرتبة واحدة من الغبن فلا یعقل إسقاط مقدار منه و بقاء مقدار آخر و اذن فیکون من قبیل الداعی یعنی أن اعتقاده بکون الغبن خمسة فی الخمسین داعی إلی إسقاط خیار الغبن علی ما هو علیه فی الواقع بأی نحو کان کما هو واضح و بأی مرتبة وصل فیکون إسقاطه خیار الغبن باعتقاد کونه بمقدار خاص إسقاطا لخیار غبنه من أصله و أساسه و لا یقاس ذلک باب الدین فإنه إذا اعتقد عمرو کون زید مدیونا له عشرة دنانیر و أسقطه فبان أنه مأة دینار أو اعتقد کذلک و قال أسقط جمیع ما فی ذمة زید من الدین لی فإنه لا بأس هنا من الالتزام بان الساقط عن ذمته انما هو بمقدار و عشرة دنانیر و لکن لا یمکن الالتزام بذلک هنا و الوجه فیه أن خیار الغبن کما عرفت أمر واحد بسیط لیس ذا مراتب ان سقط،سقط من أصله و ان لم یسقط فلا یسقط من أصله و قد قلنا أن اعتقاد کونه بمقدار خاص ثمّ إسقاطه من باب الداعی فیکون الإسقاط إسقاطا له من أصله و هذا بخلاف باب الدین فإنه منحل الی دیون متعددة نظیر بیع أمور عدیدة فی صفقة واحدة فإنه کما ینحل البیع هنا الی بیوع متعددة فکک الدین فمأة دینار من الدین منحل الی دیون عدیدة بحساب الدینار بل بحساب الدراهم بل أقل من الدرهم الی أن ینتهی الی ما لا یقبل المالیة و لا ینصف بها و علیه فإسقاط مرتبة من الدین لا یضر ببقاء مرتبة أخری فی ذمة المدیون کما هو واضح و علیه فلا بدّ اما من الالتزام بسقوط الخیار من أصله أو من الالتزام ببطلان الاسقاط

ص:341

لبطلان التقیید کما عرفت و حیث عرفت أن الظاهر فی مثل المقام هو الداعی فیکون إسقاطه بداعی کون الغبن بمقدار خمسة فی الخمسین فبان أنه بمقدار عشرین فی الخمسین إسقاطا لأصل خیار الغبن فلا یضر به تخلف الداعی.

نعم یمکن أن یقال بکون سقوط الخیار مشروطا بظهور الغبن بالمقدار الذی اعتقده بأن یکون إسقاط المغبون خیاره معلقا یکون الغبن خمسة فی خمسین و الاّ فلا یسقط خیاره و هذا لا محذور فیه الا إشکال التعلیق فان هذا الاسقاط لیس منجزا فیکون باطلا و لکن یرد علیه أن بطلان التعلیق فی العقود و الإیقاعات لم یثبت بدلیل لفظی بل بالإجماع و هو دلیل لبی فلا بد من أخذ المتیقن من ذلک و هو ما لا یتوقف أصل تحقق العقد علیه و لعل الإجماع أیضا لیس بتعبدی بل من جهة أن العقلاء لا یعتبرون فی مثل موارد التعلیق الملکیة کما لا یعتبرون فی بیع ما لم یملک فالمقام نظیر طلاق مشکوک الزوجیة و عتق مشکوک الرقیة فإن مشکوکیة المعلق علیه لا یضر بصحة الطلاق و بصحة العتق فان الطلاق و العتق ممّا یتوقف أصل تحققه علی الزوجیة و الرقیة فلا یضر التعلیق فی مثل ذلک بصحة العتق و الطلاق فقد ظهر من جمیع ما تقدم حکم صورة الإسقاط مع العلم بالغبن.

و علی الجملة أن المسقط الأول هو الاسقاط و قد ذکرنا أن فی المقام اربع ما سئل الاولی الاسقاط قبل العلم بالغبن و الثانیة الإسقاط بعد العلم بالغبن و الثالثة و الرابعة الفرضین مع کون الإسقاط فی مقابل العوض.

أما المسألتان الأولتان فقد ظهر حکمهما ممّا ذکرناه و حاصله أن

ص:342

المحذور من الاسقاط هنا لیس إلا أمران أحدهما فی صورة کون الخیار مشروطا شرعا بظهور الغبن و ذکروا أن ذلک من قبیل إسقاط ما لم یجب و الثانی فی صورة العلم بالغبن مع الاعتقاد بأنه خمسة فی الخمسین فبان أنه أکثر و قد قلنا أن سقوط الخیار هنا إذا کان الغبن بالخمسة فقط انما یصح إذا کان الاسقاط علی نحو التعلیق و علیه فیتوجه المحذور بأنه من قبیل التعلیق فهو باطل و جوابه ما تقدم من أن التعلیق إذا کان بما یتوقف علیه وجود العقد أو الإیقاع لا یضر لکونه خارجا عن الإجماع کما هو واضح.

ثمّ انه یقع الکلام فی حکم المسألة الثالثة و الرابعة أعنی إسقاط الخیار فی الصورتین بالعوض کالمصالحة مثل أما المسألة الأولی بأن یسقط خیار الغبن قبل ظهوره بالعوض و یصالح سقوطه بعوض فالظاهر أنه لا یجوز ذلک فإن أخذ العوض علی ذلک باطل و أکل للمال بالباطل إذ لا بدّ و أن یکون ما یأخذه المسقط لخیاره من العوض واقعا فی مقابل شیء کما هو شأن المصالحة و المبادلة و قد عرفت أنه لا تجوز المصالحة علی سقوط الخیار قبل الظهور الغبن و العلم بوجوده بل یحتمل أنه موجود أو لیس بموجود و معه لا تحصل المبادلة بین سقوط الحق الموهوم و بین ما یأخذه فی مقابلة من العوض فلا یکون شیء فی مقابل العوض فتخرج عن المبادلة بین الشیئین و قلنا لا مدفع لهذا الإشکال الا أن یکون ما یعطیه الغابن من العوض بعنوان المحاباة.

و لکن یمکن تصحیح المصالحة هنا أیضا بتقریب آخر بأن یقال أن المصالحة واقعة علی إسقاط الخیار بعد العقد علی تقدیر ثبوته و العوض الذی یأخذه من یحتمل أن یکون مغبونا انما یأخذه فی مقابل الفعل

ص:343

الذی هو إسقاط الخیار علی تقدیر ثبوته و من الواضح أن هذا الفعل و ان کان متعلقا بالخیار علی تقدیر ثبوته لا أنه إسقاط علی کل تقدیر و لکن فائدته للطرف الآخر علی کل تقدیر فإنه یحصل منه الاطمئنان له فلا یحصل تزلزل فی العقد بعد ذلک بحیث ینجر الی المحاکم العرفیة و من الواضح أن حصول الاطمئنان له غرض عقلائی یوجب مالیة للإسقاط الذی هو فعل المغبون و هذه و ان کانت مصالحة و لکن نتیجة الإجارة فتکون کإجارة شخص لإیجاد فعل فی الخارج فکما أن المستأجر یملک فعل الأجیر بالإجارة و کذلک أن من یحتمل أن یکون غابنا إذا أعطی درهما لمن یحتمل أن یکون مغبونا فی مقابل إسقاطه الخیار المحتمل فیکون مالکا لفعله أعنی الاسقاط کما هو واضح.

و من الواضح أنه لیس هنا شیء حتی یقع العوض فی مقابله فإنه لا یعلم أنه مغبون فی الواقع حتی یکون له حق الخیار و یکون سقوطه فی مقابل هذا العوض بل لیس هنا الا احتمال الخیار الناشی من احتمال الغبن فمجرد احتمال الحق لا یصح أن یکون عوضا فی المصالحة علیه و سببا لا کل أموال الناس فی مقابل سقوط و علیه فلا یصح المصالحة عی سقوط خیار الغبن قبل ظهور الغبن کما هو واضح إلا إذا کان ذلک فی ضمن عقد آخر کأن تکون المصالحة بین شیئین أو أوقعا معاملة مستقلة و اشترطا فی ضمنه سقوط خیار الغبن علی تقدیر وجوده فلو أراد المغبون إسقاط خیاره علی تقدیر وجوده بإزاء العوض تعین علیه ذلک و ان ذکر المصنف الاولی هو ذلک نعم لو کانت المصالحة محاباتیة بأن یهب من یتوهم کونه غابنا مالا للآخر و الآخر یسقط خیاره المحتمل فان هذا أمر أخر و الا فلا مدفع للإشکال المذکور.

ص:344

و أما لو علم المغبون بوجود الغبن فأراد أن یصالح ذلک بشیء فإن صالح ما اعتقده من الغبن بشیء فظهر مطابقا للواقع فلا کلام لنا فیه و ان ظهر الواقع أزید من ذلک فذکر المصنف هنا ثلث محتملات بطلان الصلح من أصله و صحته مع کونه لازما و صحته متزلزلا و الحق هو الأخیر و یظهر بطلان الوجهین الأولین من بیان وجه الصّحة فی الثالث فنقول أنه کما أن الشرط الضمنی موجود فی المعاملات بکون العوضین متساویین أی لا یکون کل منهما زائدا و ناقضا و قد قلنا أن ذلک مقتضی بناء العقلاء و الا یثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط و هذا المعنی بعینه جار فی المصالحة أیضا فإن کل من المتصالحین یشترط علی الآخر أن یکون ما أعطاه للآخر من المال أو ما أسقطه من الحق زائدا عن المقدار الذی تسالما علیه و کذلک أن یکون بدلا عما یعطیه ناقصا عن المقدار الذی تسالما علیه فهذا الشرط الضمنی موجود فی المصالحة فإذا تخلّف فی مورد یثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط نظیر تخلف الشروط المجعولة فی المعاملات و المصالحة فی المقام کذلک فان المغبون بعد ما علم بالغبن بمقدار معین یصالح حق خیار غبنه بمبلغ معین و هذه المصالحة و ان کانت مطلقة و لکن یشترط فیها بالضمن العقدی أن لا یکون الغبن أزید من المقدار الذی جری علیه التسالم و الاّ فیثبت له خیار تخلف الشرط و هذا واضح جدا.

و من هنا ظهر بطلان توهم لزوم المصالحة و صحتها بدعوی أن الحق أن خیار الغبن حق واحد بسیط فلا یعقل جریان المصالحة علی بعضه و سقوطه بالمصالحة و بقاء بعضه الآخر فانا لا ندعی سقوط الحق بمقداره و بقائه بمقداره الآخر لیلتزم فیه هذا المحذور و کک بطل قول من

ص:345

توهم أن المصالحة باطلة بدعوی أن تحقق المصالحة لم یقع علی الحق الموجود و ما هو موجود من الحق لم تجر علیه المصالحة فلا وجه لسقوطه فیحکم ببطلان المصالحة و وجه البطلان أو المصالحة قد جرت علی الحق الموجود و لکن متزلزلا فقد ظهر أن هذین القولین بین إفراط و تفریط.

ثمّ ان ما ذکرناه جار فی خیار الرؤیة و خیار العیب أیضا علی النحو الذی تقدم فان الخیار فیهما ثابت بالشرط الضمنی و خیار العیب و ان کان منصوصا و لکنه لیس علی خلاف القاعدة بل النص ورد علی طبق القاعدة نعم ثبوت الأرش فی خیار العیب بالنص علی خلاف القاعدة.

قوله الثانی من المسقطات اشتراط سقوط الخیار فی متن العقد

أقول قد تقدم ذلک فی خیاری الحیوان و المجلس و قد ذکر المصنف ذلک هناک و ما أشکل علیه بوجوه عمدتها أنه إسقاط لما لم یجب فان الخیار لم یثبت حین العقد فاشتراط إسقاطه فیه إسقاط لما لم یجب و قد أجاب عنه المصنف و أجبنا عنه أیضا بما عندنا و لا نعیده و لکن مما یجب التنبیه علیه هنا أن هذا الاشکال انما یتوجه لنحتاج الی الجواب إذا کان مدرک الخیار هو دلیل نفی الضرر أو الخبر الوارد فی تلقی الرکبان فإنه علیها لم یثبت حق حین العقد حتی یشترط سقوطه فی ضمن العقد و لکن بناء علی ما ذکرناه من کون دلیل خیار الغبن هو الشرط الضمنی فلا مجال لهذا الإشکال أصلا فإن مرجع سقوط الخیار هو عدم الاشتراط من الأول إذ خیار الغبن کان ثابتا بالشرط الذی یجعلانه المتعاملان بالشرط الضمنی فإذا لم یجعلا ذلک لم یثبت خیار الغبن بتخلف الشرط فیکون نظیر التصریح بعدم هذا الشرط کما هو واضح فلا یرد اشکال ح أصلا.

ص:346

نعم یبقی هنا ما ذکره الشهید ره من اشکال الغرر بأن هذه المعاملة غرریة و سیأتی تفصیل ذلک.

و أما الکلام فی المسألة الثانیة أعنی إسقاط الخیار فی ضمن العقد فقد تقدم تفصیل ذلک فی خیاری المجلس و الحیوان و عمدة الإشکال فی ذلک هو لزوم إسقاط ما لم یجب کما عرفت من جهة أن فی ظرف الاسقاط لیس حق و فی ظرف الحق لیس إسقاط و قد تقدم الجواب عن ذلک و قلنا أنه لم یرد فی دلیل أنه لا یجوز إسقاط ما لم یجب و انما هو من جهة اللغویة و عدم اعتبار العقلاء أثرا علیه و لو کان هنا إجماع فمنشئه هو ذلک و إذا فرض فی مورد ترتب الأثر علیه و تعلق غرض عقلائی بإسقاط الحق الموجود فی ظرفه من الآن فلا محذور فیه فإنه یخرج عن اللغویة کما هو واضح و هذا لا شبهة فیه و لکن الذی یسهل الخطب أنه یجری هذا الإشکال فی المقام الأبناء علی کون دلیل الخیار دلیل نفی الضرر أو الخبر الوارد فی تلقی الرکبان و أما بناء علی ما ذکرناه من کون دلیل خیار الغبن هو الشرط فی ضمن العقد فمعنی اشتراط عدم الخیار فی متن العقد هو عدم اشتراط الشرط الضمنی من الأول فلا یلزم هنا إشکال إسقاط ما لم یجب أصلا فلا یتوجه أن الاسقاط بالفعل لیس له متعلق لعدم وجود الحق و حین وجود الحق لیس إسقاط و لکن یتولد من ذلک اشکال آخر و هو أن المعاملة حینئذ تکون غرریة فإنهما أقدما علی شیء لا یعلم أن مقدار مالیته فی أی مرتبة و بأی مقدار و قد ذکر ذلک الشهید فی المقام و فی خیار الرؤیة و بیان ذلک أما لزوم الغرر فی إسقاط خیار الرؤیة من جهة أن بیع العین الغائبة و لا یصح الا بذکر الأوصاف التی بها تختلف مالیة المال و مرجع إسقاط الخیار الی اشتراء المال بأی

ص:347

وصف کان و هذا غرری لأن الأوصاف لها دخل فی المالیة فمقدار المالیة من هذا المبیع غیر معلوم و أما فی خیار الغبن فکذلک فان اعتبار ذکر أوصاف المبیع لیس إلا لأجل العلم بمقدار مالیته فإذا کان الجهل بالمبیع أو بالصفة راجعا أی الجهل بالمالیة فإسقاط خیار الغبن أیضا یرجع الی الجهل بمقدار مالیة المال فیلزم الغرر،و علی الجملة فإسقاط الخیار أی عدم جعل الخیار فی العقد مع احتمال الغبن یوجب غرریة المعاملة إذ لا یعلم أن ما تملکه و أخذه أی مقدار من المال و أی مقدار له مالیة و هو واضح.

و قد أشکال علیه المصنف بما حاصله أن الخیار من الأحکام الشرعیة فلا یکون ثبوته فی البیع موجبا لارتفاع الغرر و الا لصح کل بیع غرری علی وجه التزلزل فثبوت الخیار و عدمه بالنسبة إلی ثبوت موضوع الغرر فی المعاملة و عدم سیان.

و یرد علیه أن هذا المطلب متین فیما کان الخیار ثابتا بجعل الشارع فإنه من الأحکام الشرعیة التی لا ترتبط بالغرر نفیا و إثباتا فلا یکون ثبوته رافعا للغرر و لا أن سقوطه یوجب الغرر و لکن لا شبهة فی أن الخیار الثابت بجعل المتعاقدین یوجب رفع الغرر فإن المعاملة مع اشتراط أن یکون له الخیار مع ظهور الغبن فیها لا تکون غرریة أی یکون هذا الاشتراط رافعا للغرر و موجبا لسقوطه فان الغرر هو المخطر فمع هذا الشرط فأی خطر فی المعاملة فإنه مختار مع ظهور الغبن فیها أن یرض أو یفسخها و هو واضح فتحصل أن جعل الخیار فی المعاملة یوجب رفع الغرر فیها.

و لکن الذی ینبغی أن یقال أن المعاملة بدون جعل هذا الخیار

ص:348

أیضا لیست بغرریة و ذلک لان الغرر بمعنی الخطر فهو انما یکون إذا لم یعلم أن تصاحبه بالمبادلة أی شیء أو أنه متصف بأی وصف و لذا اشتراطوا فی البیع کون المبیع معلوم الوجود و معلوم الوصف و إذا انتفی أحدهما أو کلاهما کان البیع غرریّا فلو باع أحد داره بما فی الکیس فلا یعلم أنه أی مقدار فی الکیس و أنه أی شیء فیکون البیع غرریّا و أما إذا علم کل من البائع و المشتری ما یأخذه من الآخر و تملکه أی شیء بل یراه و هو فی نصب عینیه و لکن لا یعلم أن قیمته السّوقیة أی مقدار و الجهل بالمالیة من جهة الجهل بالقیمة السوقیة فإنه لا یکون ذلک غرریا فنفرق أنه لیس فی العالم سوق و لا عقلاء الا البائع و المشتری فهل یتوهم أحد أن معاملتهما غرریة و هذا بخلاف الجهل بأصل الشیء أو بوصفه فإنهما یوجبان الخطر حتی لو لم یکن فی العالم سوق و لا عقلاء غیر المتبایعین فان الرغبات تختلف بینا باختلاف الأشیاء و أوصافها و هو واضح.

و لو سلمنا أن اعتبار العلم بالقیمة السوقیة أیضا من شرائط البیع و اصنفنا ذلک الی شرائط البیع و قلنا لا بدّ من العلم بأصل وجود المبیع و بأوصافه و بمالیته مع أنه لم یعتبر ذلک أحد من الفقهاء أنه لیس هنا غرر أیضا فإنه یرتفع بالاطمینان الحاصل اما من اخبار الثقة أو بأصالة الصحة بناء علی اعتبارها أو الرؤیة السابقة أو غیر ذلک و ان لم یکن اطمینانه بمرتبة القطع فإذا اطمأن البائع بعدم کون المبیع أقل من القیمة السوقیة أو اطمأن المشتری بعدم کونه أزید من القیمة السوقیة فلا یکون البیع خطریّا حینئذ و ان لم یکن فی الواقع کذلک لما عرفت فی البحث عن بیع الغرری أن الخطر انما هو قائم بحالة ترد النص و عدم اطمینانها و إذا اطمأن و ان یکن قاطعا بعدم کون قیمة المبیع أقل من القیمة

ص:349

السوقیة فباع علی هذا الاطمئنان فلا یکون غرریا و بهذا قلنا أن إسقاط خیار العیب و الاقدام بمعاملة مع الاطمئنان یکون المبیع صحیحا و ان کان معیبا واقعا لا یکون غرریّا بل یصح المعاملة کشراء الجاریة مع الاطمئنان یکونها صحیحة مع أنها مسلولة و من هنا ظهر حکم الشراء بانیا علی الرؤیة السابقة علی البیع یوما أو یومین بحیث یطمئن عادة أن المبیع لا یتغیر فی هذا المدة فإنه یکون البیع حینئذ صحیحا مع إسقاط الخیار و ان لم یکن المبیع کذلک فی الواقع إذ لا تردد للمشتری فی ذلک لیکون خطرا فتحصل أن الاقدام علی المعاملة مع الاطمئنان بالصحة أما اعتمادا علی قول الثقة أو علی الرؤیة السابقة أو علی أصالة الصحة بناء علی اعتبارها مع إسقاط خیاری الغبن و الرؤیة و حینئذ لا یوجب کون المعاملة غرریة.

الثالث تصرف المغبون بأحد التّصرّفات المسقطة للخیارات المتقدمة

بعد علمه بالغبن

أقول ذکر المصنف أن المشهور بین الفقهاء هو الفرق بین التصرف الواقع بعد العلم بالغبن و بین التصرف الواقع قبل العلم بالغبن فإنهم التزموا بکونه مسقطا لخیار الغبن و العیب و التدلیس فی الأول دون الثانی.

فإن کان المراد بذلک هو الطریقیة فهو متین بأن کان التصرف- کاشفا عن الرضاء بالعقد و طریقا إلیه إذ لا فرق فی المسقط بین المسقط القولی و بین المسقط الفعلی إذ المیزان انما هو کونه مبرزا لما فی النفس من الرضاء بالعقد و کاشفا عن سقوط الخیار و من الواضح أن التصرف حین العلم بالغبن له طریقیة الی سقوط الخیار إلا إذا قامت قرینة علی عدم کونه طریقا الی السقوط فی هذه الحالة و ان کان المراد من هذا الفرق الموضوعیة بأن کان التصرف مع العلم بالغبن له موضوعیة فی سقوط

ص:350

الخیار فهو باطل إذ کثیرا یوجد التصرف مع العلم بالغبن و لا یکون مسقطا للخیار کما إذا علم بالغبن و بنی علی الفسخ و لکن لم یفسخ لیتصرّف فی المبیع و لا یکون التصرف فی ملک الغیر کأن اشتری لحاقا و التفت اللیل الی الغبن و بنی علی الفسخ بناء علی عدم فوریة هذا الخیار و لکن لم یفسخ اللیلة من جهة برودة الهوی لیتصرف فی اللحاف مع کونه فی ملکه و أصبح و فسخ فإن القرینة قائمة علی عدم کون التصرف کاشفا عن سقوط الخیار فلو کان له موضوعیة لکان مثل هذه التصرف أیضا مسقطا للخیار و هکذا لو کان التصرف واقعا فی مقدمة الإسقاط کما إذا اشتری حیوانا فالتفت الی کون المعاملة غبنیة و رکبه لیرده إلی البائع و یفسخ العقد عنده فان مثل هذا التصرف لا یکون مسقطا للخیار بل قد یکون موجبا لسقوط الخیار مع الجهل بالغبن کما إذا تصرف المغبون تصرفا کاشفا عن الرضا بالعقد حتی لو ظهر فیه غبن کما هو المفروض فلو کان التصرف مع العلم بالغبن له موضوعیة فی سقوط الخیار لما کان ذلک موجبا لسقوط الخیار نعم مع العلم بالغبن یکون التصرف کاشفا عن سقوط الخیار غالبا إلاّ إذا قامت قرینة علی الخلاف و عکس ذلک وقوع التصرف مع الجهل بالغبن.

و علی الجملة ما ذکره المشهور من الفرق فی مسقطیة التصرف بین ما بعد العلم بالغبن و بین ما قبل العلم بالغبن لا یرجع الی محصل إذا کان غرضهم الموضوعیة بل له وجه إذا کان غرضهم الطریقیة و قد ذکرنا سابقا أنه لا یفرق فی إبراز الاسقاط بین المبرز الفعلی و المبرز القولی کما هو واضح ثم انه لا وجه لقیاس خیار الغبن بخیار العیب و التدلیس فان سقوط الخیار بالتصرف فی خیار العیب بالنص فاما یفسخ أو یأخذ الأرش

ص:351

و اما فی خیار التدلیس فلا دلیل فیرجع الی دلیل الخیار هذا کله فیما إذا کان المدرک لهذا الخیار هو دلیل لا ضرر و صدق علی هذا التصرف الاقدام علی الضرر فإنه مع هذا الصدق یسقط الخیار فی صور العلم بالغبن و عدمه و أما إذا لم یصدق علی التصرف الاقدام علی الضرر فلا یسقط الخیار علی کل تقدیر أی مع العلم بالغبن و عدمه و هکذا إذا کان الدلیل هو الشرط الضمنی فإنه ان کان التصرف مصداقا للإسقاط یسقط به الخیار و الاّ فلا،فلا یفرق فی ذلک أیضا بین صورتی العلم بالغبن و عدمه غایة الأمر أنه بناء علی الأول فالخیار مجعول شرعا و بناء علی الثانی فهو مجعول بجعل المتعاقدین.

و أما إذا کان المدرک هو الإجماع فهل هو غیر ثابت مع الرضاء أو یقال أن الشک فی الرفع لا الدفع فیستصحب کما ذکره المصنف فیه بحث ثمّ أمر بالتأمل و قد یقال ان الاستصحاب لا یجری هنا من جهة أن المدرک للخیار هنا هو الإجماع و قد حقق فی محله أنه إذا کان المدرک هو الدلیل اللبی فلا مطرح للاستصحاب فیکون دفعا لا رفعا و لکن یرد علیه أنه لا فرق عند التحقیق و عند المصنف فی جریان الاستصحاب بین کون دلیل الحکم هو الإجماع أو غیره کما حقق فی محله و قد یقال ان وجه الإشکال فی الاستصحاب هو کون الشک فی المقتضی أی لا یعلم وجود المقتضی للخیار مع التصرف للشک فی أن المستصحب له اقتضاء البقاء أم لا.

و فیه أن مورد الشک فی المقتضی ما إذا کان الشک فی نفس الزمان بأن لا یعلم مقدار بقاء المستصحب من حیث الزمان لا بقائه من حیث الزمانی و بالنسبة الی کل طار و عارض و الا لرجع کل ما یشک فی

ص:352

الرافع الی الشک فی المقتضی.

و قد یقال بان الوجه فی عدم جریان الاستصحاب هو عدم بقاء الموضوع کما ذکره شیخنا الأستاذ فإن الموضوع فی المقام لیس ذات المغبون بل هو مع الرضا کما ان عنوان السفر و الحضر لهما دخل فی القصر و الإتمام و عنوان العدالة له دخل فی جواز تقلید المجتهد بحیث یعد الفاسق موضوعا آخر غیر العادل و هکذا هنا فالوصف العنوانی یوجب تعنون الموضوع بعنوان خاص و إن کان الموضوع حقیقة شیئا واحدا و لکن طرو الأوصاف المتغایرة یوجب التعدد.

و لکن هذا أیضا لیس بصحیح و ان کان صحیحا فی المسافر و الحاضر و العادل و الفاسق فی مسألة التقلید إذ لیس لعنوان الرضاء دخل فی ثبوت الخیار بل هو ثابت لذات المغبون غایة الأمر أن التصرف الصادر عن الرضا مصداق للإسقاط نظیر الإسقاط القولی.

بل الوجه فی عدم جریان الاستصحاب ما ذکرناه فی علم الأصول من عدم جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة فلو لا هذه الجهة لم یکن مانع فی جریان الاستصحاب هنا و کان الشک فی الرفع لا الدفع و لحکمنا معه بجریان الاستصحاب فافهم و إذا لم یتم الاستصحاب فترجع الی دلیل لزوم العقد.

قوله الرابع من المسقطات تصرّف المشتری المغبون قبل العلم

بالغبن

تصرفا مخرجا عن الملک علی وجه اللزوم کالبیع و العتق، أقول نسب المصنف ره الی المحقق و من تأخر عنه سقوط خیار الغبن بالتصرف المخرج عن الملک بل هو المشهور بین المتأخرین بل یظهر ذلک من کلام الشیخ فی خیار المشتری مرابحة عند کذب البائع أنه لو هلک السلعة

ص:353

أو تصرف فیها سقط الرد و استظهره المصنف اتحاد هذا الخیار مع خیار الغبن علی حد ما استظهره من جامع المقاصد فی شرح قول الماتن و لا یسقط الخیار بتلف العین.

و کیف کان انما الکلام فی دلیل ذلک

فنقول

إن کان المدرک لخیار

الغبن هو الإجماع

فیمکن أن یقال ان الإجماع دلیل لبی فالمتیقن منه انّما هو فرض بقاء العین و أما فی فرض تلف العین فلا إجماع فی البین علی أن هذا الفرع لیس معنونا فی کلمات القدماء فکیف یمکن دعوی الإجماع التعبدی علی ذلک و ان کان یمکن استظهاره من بعض کلماتهم کما استظهره المصنف من الشیخ ره.

و ان کان المدرک هو دلیل لا ضرر

و هو ثابت فی هذه الصورة أیضا لأن لزوم هذا العقد ضرر علی المغبون فیرتفع بدلیل نفی الضرر و من الواضح أن متعلق الفسخ هو العقد فیفسخ العقد و یرد مثل العین الی الغابن و هکذا الحال فیما إذا کان دلیل الخیار هو الشرط الضمنی فإنه موجود فی صورتی بقاء العین و تلفها

و لکن الکلام فی أنه علی القولی

بکون مدرک الخیار هو دلیل لا ضرر أشکل علیه بوجهین

الأول أنه یسقط

الخیار مع التصرف فی العین تصرفا مخرجا عن الملک

فإنه اقدام علی الضرر فمعه یسقط الخیار.

و فیه ما ذکره شیخنا الأنصاری ناقلا عن شیخنا الشهید ره بأن الضرر الموجب للخیار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التّصرف مع الجهل بالضرر لیس اقداما علی الضرر فان الخارج عن عموم نفی الضرر لیس إلا صورة الاقدام علیه عالما به فیجب تدارک الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العین مع بقائها علی ملکه و بدلها مع عدمه

ص:354

و علی الجملة فمثل هذا التصرف الواقع فی حال الجهل لیس اقداما علی الضرر إلاّ إذا قامت قرینة علی ذلک فإنه یوجب سقوط الخیار علی النحو الذی تقدم فی المسقط الثالث و عدم بقاء العین لا یضر ببقاء الخیار لان متعلقة العقد کما عرفت مفصلا دون العین.

الوجه الثانی أن عدم سقوط الخیار بمثل هذا التصرف المخرج

عن الملک ضرر علی الغابن أیضا

فیکون مشمولا لدلیل نفی الضرر و ح- فیتعارض دلیل لا ضرر بالنسبة إلیهما و یتساقط و هو واضح فالوجه الأوّل ناظر الی منع المقتضی و الوجه الثانی ناظر إلی إبداع المانع و فیه أیضا ما ذکره شیخنا الشهید من أنه لا ضرر فی ذلک علی الغابن لا العین المبیعة ان کانت مثلیة فلا ضرر علیه لأنه یأخذ المثل و ان کانت قیمیة فیأخذ القیمة و علی کل حال لا ضرر علی الغابن غایة الأمر تفوت الأوصاف الشخصیة الغیر الدخیلة فی زیادة القیمة و لیس فیه ضرر علی الغابن و ان کان مثل تلک الأوصاف أیضا موردا لغرض الغابن بشخصه کما إذا کان کتابا مختوطا بخط أبیه فإنه خصوصیة شخصیة و له دخل فی الغرض الشخص و لکنها لا توجب التفاوت فی القیمة السوقیة کما هو واضح.

و تحصل أنه لو تصرف المغبون فی العین جهلا تصرفا مخرجا عن الملک لا یوجب هذا التصرف سقوط الخیار بناء علی کون مدرک الخیار هو دلیل نفی الضرر أو الشرط الضمنی إلاّ إذا قامت قرینة علی کونه اقداما علی الضرر أو مصداقا لسقوط الخیار فإنه ح یسقط الخیار بذلک.

قوله ثمّ ان مقتضی دلیل المشهور عدم الفرق فی المغبون المتصرف

بین البائع و المشتری

أقول الظاهر هو عدم الفرق بین کون المغبون هو البائع أو المشتری بناء علی کون المدرک هو دلیل نفی الضرر أو الشرط

ص:355

الضمنی فإنه علی کلا التقدیرین لعموم الدلیل بهما نعم بناء علی کون مدرک الخیار هو الإجماع لا یشمل ذلک البائع لأن المذکور فی کلماتهم هو المشتری فیکون هذا حکما تعبدیا مختصا بالمشتری کما هو واضح و لکن قد عرفت عدم وجود الإجماع التعبدی فی المقام.

قوله و مقتضی إطلاقه عدم الفرق بین الناقل اللازم و بین فکّ المالک

کالعتق و الوقف و بین المانع عن الرد مع البقاء کالاستیلاد

أقول بناء علی عدم ثبوت الخیار بالتصرّف المخرج عن الملک لا فرق فیه بینما یکون التصرّف موجبا لاعدام العین کأن اشتری الخبز المساوی بستة فلوس بخمسین فلسا فأکله أو کانت العین باقیة و لکن زالت الملکیة عنها کما إذا اشتری عبدا فأعتقه ثمّ علم بالغبن أو کانت العین باقیة مع وصف الملکیة و لکن کانت ملکا للغیر کما إذا باعها المغبون من غیره بالبیع اللازم أو کانت العین باقیة فی ملک المغبون أیضا و لکن تصرف فیها تصرفا أوجب ذلک التصرف المنع عن الرجوع کما إذا اشتری أمه فاستولدها فان التعین لم تتلف و لم تزل عنها الملکیة أیضا و لکن وجد فیها وصف أوجب المنع عن ردها الی الغابن فإنه علی القول بعدم سقوط الخیار بالتصرف المخرج عن المالک جهلا لا یفرق بین هذه الصور بل یبقی الخیار علی حاله کما أنه علی القول بعدم بقائه أیضا لا یفرق بین هذه الصور.

و هل یلحق بما ذکر نقل العین الی غیره بالعقد الجائز أو التدبیر و الوصیة أم لا ذکر المصنف ما صرّح به جماعة أن الناقل الجائز لا یمنع الرّد بالخیار إذا فسخه فضلا عن مثل التدبیر و الوصیة من التصرفات الغیر الموجبة للخروج عن الملک فعلا.

و ذکر شیخنا الأستاذ أن فی مورد النقل یمتنع الفسخ ما دام العین

ص:356

المغبون فیها خارجة عن ملک المغبون و لو کان النقل جائزا لأن الفسخ یقتضی رد العین من ملک الفاسخ الی ملک المفسوخ علیه ورد بدلها من ملک المفسوخ علیه الی ملک الفاسخ و العین إذا لم تکن ملکا للفاسخ یمتنع الرد و لکنه تسلم إمکان الرّد فی التدبیر و الوصیة لأن نفس الفسخ ابطال لهما.

أقول یمکن أن یقال ان النزاع بأنه یمکن أن یقال یمکن الفسخ فی مورد النقل بالعقود الجائزة کما ذهب الیه شیخنا الأنصاری أو یستحیل کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ خارج عن المقام أصلا و لا موضوع لهذا البحث و ذلک لان من یفسخ العقد یقصد مع ذلک رد العین إلی البائع فما یفسخ به العقد من الفعل أو القول یکون ذلک إنشاء لفسخ العقد الذی غبن فیه المغبون و أیضا إنشاء للعقد الجائز الناقل للعین الی غیره فیکون فعله هذا أو قوله الذی یقع به الفسخ مبرزا لفسخ عقدین العقد اللازم الذی وقع فیه الغبن و العقد الجائز الناقل للعین الی غیره و بعبارة أخری أن المغبون إذا فسخ العقد یقصد بذلک رد العین الی الغابن و معنی رد العین الی الغابن لیس الا فسخا للعقد الجائز فیکون فسخ المغبون العقد الذی وقع فیه الغبن بالالتزام فسخا للعقد الجائز أیضا و علیه فلا موضوع لما ذکره المصنف من إمکان الرد و لا لما ذکره شیخنا الأستاذ من عدم إمکان الفسخ هذا کله لا اشکال فیه.

و أما إذا نقل المغبون العین الی غیره بالإجارة فهل یبقی الخیار

مع ذلک أم لا

أما بناء علی بقاء الخیار مع ما ذکرناه من النواقل اللازم و الجائزة فواضح لا شبهة فیه و أما علی القول بعدم بقاء الخیار مع الأمور المذکورة فهل یبقی الخیار هنا أم لا فالظاهر هو بقاء الخیار و ذلک لأن

ص:357

العین باقیة فی ملک المغبون و لیس عن ردّها الی الغابن مانع أصلا و لیس المقام مثل الأمور السابقة الناقلة للعین الی ملک الغیر نقلا لازما أو نقلا جائزا و لا أن هنا مانعا عن الرّد کالاستیلاد غایة الأمر أن العین مسلوبة المنفعة إلی مدة معلومة فیفسخ المغبون العقد و یملک الغابن العین و لکن مسلوبة المنفعة إلی مدة معلومة علی انک عرفت أنه مع عدم إمکان ردّ العین أیضا یمکن لان متعلقة هو العقد دون العین الخارجیة کما لا یخفی.

و علی الجملة أن التصرف المخرج عن الملک حقیقة أو حکما لا یمنع عن بقاء الخیار و هکذا التصرف فی المنفعة کما فی الإجارة بل عدم سقوط الخیار هنا أولی.

ثمّ انه لو امتزجت العین بشیء آخر ثمّ علم الغبن فهل یوجب ذلک

سقوط الخیار أم لا

و علی تقدیر ان لا یکون موجبا لسقوط فهل یکون ذلک مانعا عن الرّد أم لا و هنا مسألتان الاولی فی أن الخیار هل یبقی مع الامتزاج أم لا و الثانیة أنه مع القول بالبقاء هل یکون ذلک مانعا عن الرّد أم لا أما المسألة الاولی فقد ظهر حکمها من السابق حیث عرفت أن التصرف الموجب للتلف موضوعا أو حکما لا یکون سببا لسقوط الخیار و کذلک فی المقام سواء کان الامتزاج بالأعلی أو بالأدنی أو بالمساوی و سواء اختلط بمال المشتری المغبون أو بمال غیره و ذلک لما عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد دون العین حتی یلزم من تلفه أو انتقاله الی شخص أخر انتفاء موضوع الفسخ و أما أن الامتزاج مثل التصرف المخرج عن الملک فمن جهة أن الامتزاج یوجب خروج العین عن الملک لإتمامها بل ببعضها و بهذا الخروج تحصل الشرکة الإشاعة فینتقل بعض من کل

ص:358

من الممتزجین بعضا مشاعا الی ملک مالک الآخر فتصبح العین بینهما مشترکة علی وجه الإشاعة.

و أما المسألة الثانیة فهی أنه هل یمکن الرّد هنا أم لا فنقول أما إذا لم یرض الغابن لما امتزجه سواء کان الامتزاج بالأعلی أم لا فلا شبهة فی انتقال حقه الی المثل أو القیمة فإن ما أخذه المغبون من الغابن لم یکن ممتزجا بغیره و لم یکن مشترکا بینه و بین غیره فالشرکة عیب فی ماله فله أن لا یقبله و یطلب من المغبون مثله أو قیمته فإنه حین ما سلمه الی المغبون لم یکن معیوبا بهذا العیب کما هو واضح.

و علی الجملة فللغابن أم لا یرض بالممتزج و طلب منه غیره و ان رضی بذلک فلیس للمغبون أن یمنع من أدائه لأن الشرکة و ان کانت عیبا فی المال و موجبة لانتقال بعض مال الغابن الی المغبون لحصول الإشاعة بذلک الا أنه مع ذلک متعلق حقه و ماله غایة الأمر ماله المعیوب بعیب حصل بفعل المغبون و له مطالبة نفس ذلک و لیس للمغبون أن یمنع من رده لان الغابن له أن یسقط ما کان فی ماله من القیمة عن العیب الذی هو الشرکة و لیس ذلک اعتبار وصف زائد فیه حتی یکون ذلک عنایة زائدة و لا یکون للغابن حق المطالبة.و الأمر کذلک فی جمیع المقامات التی یشترط المشتری کون المبیع واجد الوصف الکمال و لکن فی مقام التسلیم و التسلم یغمض النظر عن حقه و لا یطلب الواجد للوصف کما لا یخفی مثلا لو فرضنا أن زیدا اشتری عبدا کاتبا من عمرو و هو عند المطالبة یطالب عبدا فاقدا للکتابة و یغمض عن جهة الکتابة لأنه إغماض عن حقه و لیس للبائع إجباره و بالعبد الکاتب مثلا إلا إذا کان الواجد للوصف مباینا مع الفاقد کفرش کاشان مع فرش همدان

ص:359

فإنه لو وقعت المعاملة علی فرش کاشان و رضی البائع بفرش همدان و لکن لا یرض المشتری بفرش همدان اما لعدم وجوده عنده أو من جهة أخری فإنه لیس له أن یجبر البائع بذلک و ان کان إغماضا عن الحق بل ینفی البیع الأول فی تسلیم فرش همدان بل یحتاج إلی معاملة أخری لأنها بجودة الأول و ردائه الثانی من المتباینین و هذا بخلاف ما کان الوصف وصف الکمال فقط کما إذا کان المبیع الحنطة الفلانیة التی جیدة و رضی البائع بالحنطة الفلانیة التی ردیة و رضی المشتری بالردی فإنّه لیس للبائع إجباره بالجیّد لأن المبیع شیء واحد غایة الأمر قد اعتبر فیه وصف الکمال فیسقط المشتری هذا الشرط فلا محذور فیه کما لا یخفی فافهم و تأمل و من هنا ظهر حکم لو تعیب المبیع بفعل المغبون و لم یخرج عن ملکه فإنه لو لم یرض به الغابن لا بدّ له من إعطاء المثل أو القیمة و أما لو رضی به فلیس للمغبون إجباره بالمثل أو القیمة بدعوی أنه صار معیبا و ذلک لان العیب لیس مانعا عن مطالبة الغابن ماله کالامتزاج غایة الأمر أن حصول العیب یجوز له مطالبة المثل أو القیمة مع عدم الرضاء بالمعیب و أما مع الرضاء به فلیس لأحد أن یمنعه من ذلک لکونه ماله کما هو واضح.

و أما لو زادت العین فقد تکون الزیادة عینیة و قد یکون حکمیة و أما إذا کانت الزیادة عینیة کما إذا اشتری حیوانا صغیرا فصار شابا کبیرا أو اشتری حیوانا هزالا فصار سمینا أو اشتری شجرا صغیرا فصار کبیرا فهل تکون مثل هذه الزیادة مانعة عن ثبوت الخیار للمغبون و عن الرد علی تقدیر ثبوت الخیار أم لا الظاهر أنه لا یمنع ذلک عن ثبوت الخیار و لو کان مغبونا حین العقد لما عرفت أن الفسخ قد تعلق علی

ص:360

العقد دون العین فیمکن فسخ العقد مع ذلک و أما ردّ العین فالظاهر أنه لیس للغابن رد العین علی هذه الحالة بل لا بدّ اما من الرضاء بالمثل أو القیمة أو الرضا بالعین علی هزالتها و صغرها مثلا و تکون الزیادة للمغبون لحصولها فی ملکه فتحصل الشرکة و یکونان شریکین للعین بحسب حصتهما کما هو واضح فافهم و تأمل.

و قد عرفت أن الامتزاج لیس مانعا عن رجوع الغابن الی ملکه و لکن نقول انه یکون مانعا عن ذلک و تفصیل الکلام أن الشرکة قد تکون بمعنی کون کل من الشریکین مالکا لنصف العین المشترکة بجمیع أجزائها بحیث یکون حق کل منهما معلوما عند اللّه و لعلّ هذا هو المعروف بین الأصحاب الثانی:أن یکون کل من الشریکین مالکا لمجموع العین المشترکة ملکیة ناقصة و الفرق بین الأول و الثانی أن ملکیة المالک فی الوجه الأول مستقلة لما عرفت أنه مالک لمجموع النصف مستقلا و لکن المملوک ناقص فإنه هو النصف و أما فی الوجه الثانی فالمملوک مستقل و هو مجموع العین المشترکة و لکن مالکیة المالک ناقصة فإن کل منهما نصف المالک و المجموع مجموع المالک منهما مالک واحد مستقلا کما هو واضح.

إذا عرفت ذلک فنقول ان الامتزاج أیضا مانع عن الرّد کبقیة النواقل اللازمة و ذلک لأنه یوجب الشرکة بحسب السیرة العقلائیة لیکون کل جزء مشترکا بین الشریکین الی ان ینتهی الأمر الی الاجزاء الصغار التی لا تفید القسمة بالآلة التی لا یعتبر لها العقلاء المالیة فیکون الامتزاج من أسباب الشرکة و فاقدا عن الرد فأما علی الاحتمال الأول من وجهین الشرکة فمن جهة أنه ینتقل بالامتزاج نصف مال کل من الشریکین إلی الأخر و بالعکس فیکون کل جزء مشترکا بین الشریکین واقعا و ما قیل أنهما یکونان مشترکین

ص:361

فی الظاهر فلا وجه له إذ لیس الواقع مجهولا لنا حتی نقول بالملکیة الظاهریة و علیه فیکون الامتزاج مثل سائر النواقل اللازمة مانعة عن الرد فینتقل الضمان الی البدل من المثل أو القیمة.

و علی الوجه الثانی من وجهین الشرکة فربما یتوهم أن المملوک هنا شیء واحد و لکن المالکیة ناقصة فلا مانع من الرد و لکنه واضح الفساد أیضا بداهة أن مالکیة کل من الشریکین ناقصة بالنسبة إلی المملوک و أن کل واحد منهما نصف المالک علی مجموع العین فمالکیة کل من الشریکین المستقلة انتقلت الی الشریک الآخر فبالعرض یکون المملوک أیضا منتقلا الی الآخر بمعنی أن العین تکون مملوکة للشریک الآخر مجموعا بنصف المالکیة و لم تکن العین قبل الشرکة کذلک و منتقلة إلی الآخر فالنقل متحقق علی کل تقدیر کما هو واضح و علیه فلا یمکن رد العین أیضا لکون المقام کسائر النواقل اللازمة.

ثم انه لو انتقل المبیع بناقل لازم أو جائز إلی غیره ثم رجع الی

ملکه فهل للغابن مطالبة ذلک

و لیس للمغبون منعه عن رده أو لیس له مطالبته و ان ذلک أیضا مانع عن الرد أو یفصل بین ما کان الإرجاع بسبب جدید کالشری و التوارث و الهبة فلا یرجع الیه الغبن أو بسبب هو من شؤون السبب الأول کالفسخ و الإقالة و نحوهما فله حق الرجوع الی المغبون وجوه و قد ذکر شیخنا الأستاذ تفصیلا فی المقام و تفصیل المقام فی جهتین الاولی فی ثبوت الخیار و الثانی فی رد العین أما الأول فلا شبهة فی ثبوت الخیار ح لعین ما تقدم فإنک قد عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد دون العین فالعین سواء کانت باقیة أو تالفة فالخیار علی حاله و مع الفسخ یرجع الی العین مع البقاء و الا فإلی المثل أو

ص:362

القیمة ففی المقام علی فرض أن نقول أن رجوع العین الی ملک المغبون بعد انتقالها الی غیره مانعة عن الرد فلا مانع أیضا من ثبوت الخیار کما لا یخفی فافهم.و أما الجهة الثانیة فسیأتی الکلام فیه فی تصرف الغابن هذا کله فی تصرف المغبون.

و أما لو تصرف الغابن فی العین التی انتقلت الیه بالنواقل اللازمة کالبیع و الهبة لذی رحم و الهبة المعوضة و نحوها من النواقل اللازمة فهل یوجب ذلک سقوط الخیار و عدم جواز رد العین أم لا أما سقوط الخیار فلا وجه له أصلا فإنا لم نقل بسقوطه بتصرف المغبون الذی هو ذی الخیار مع أن للسقوط فیه وجه فکیف بسقوطه بتصرف الغابن الذی علیه الخیار فالخیار باق علی حاله کما هو واضح لا یخفی و أما بالنسبة إلی رد العین أی فهل للمغبون رد العین التی نقلها الغابن الی غیره بالنواقل اللازمة أم لا ففیه وجوه الأول تسلط المغبون علی ابطال ما أوجده الغابن من أصله الثانی تسلطه علی إبطاله من حین الفسخ الثالث لا هذا و لا ذلک بل إذا فسخ المغبون و کانت العین منتقلة إلی شخص آخر بناقل لازم کالوقف و العتق و نحوهما فیرجع الی البدل من المثل أو القیمة.

أما مدرک القول الأول أعنی البطلان من رأسه فمن جهة أن العقد الذی أوقعه الغابن فإنما أوقعه فی متعلق حق الغیر کما فی بیع الرهن فیکون ذلک موجبا لتزلزل العقد من الأول و علیه فمقتضی قانون الفسخ هو تلقی الملک من الغابن الذی وقع البیع معه لا من المشتری الثانی و ح فیکون الفسخ إبطالا لعقد الغابن لیمکن رد العین من الغابن بمقتضی العمل بقانون الفسخ کما هو واضح فان معاملته لا یزید علی المعاملة

ص:363

الفضولیة و علی بیع الراهن العین المرهونة فیکون الفسخ راد لذلک.

و أما مدرک القول الثانی أن العقد انما وقع علی العین التی هی متعلق حق الغیر لثبوت حق المغبون بأصل المعاملة الغبنیة و انما یظهر له بظهور السبب فللمغبون استرداد العین إذا ظهر السبب و حیث وقع العقد فی ملک الغابن فلا وجه لبطلانه من أصله بل یبطل من حین الفسخ و بعبارة أخری أن الجمیع بین دلیل سلطنة الناس و دلیل الخیار یقتضی نفوذ تصرفات الغابن ما لم تبلغ حد المزاحمة لحق المغبون فإذا بلغ هذا الحد اقتضی دلیل الخیار السلطنة علی فسخ المعاملة و أخذ العین عمن کانت بیده.

و أما مدرک القول الثالث فهو أنه لا وجه لتزلزل عقد الغابن حتی یکون فسخ العقد الأول فسخا له اما من أصله أو من حین الفسخ بل نقول بلزوم عقد الغابن و رجوع المغبون بعد فسخ عقده الی البدل من المثل أو القیمة و ذلک اما من جهة أن التصرف فی زمان خیار الغیر المتصرف صحیح لازم کما هو الحق و سیأتی فی أحکام الخیار فیسترد الفاسخ البدل و اما من جهة عدم تحقق الخیار قبل ظهور العیب کما تقدمت الإشارة الیه و سیأتی التعرض له فی أحکام الخیار.

أما الوجه الأول فیمکن المناقشة فیه أن هذا انما یصح إذا قلنا ان متعلق الفسخ هو العین فإنه ح یکون الفسخ المغبون إبطالا لعقد الغابن من الأول لکون العین متعلقة بحقه فیکون الفسخ ردا لها من الأول فیحکم ببطلان عقده من رأسه کما هو واضح و لکن الأمر لیس کذلک بل متعلق الفسخ انما هو العقد کما عرفت و علیه فلا مجال لبطلان عقد الغابن بناء علی الأول یکون عقد الغابن کعقد الفضولی لکون العین متعلقة لحق الغیر کالعین المرهونة إذا باعها الراهن فإن الفضولی

ص:364

لیس منحصرا ببیع مال الغیر بل یعم بیع متعلق حق الغیر أیضا و علیه فیکون فسخ المغبون ردا لبیع الغابن من الأول و لکن قد عرفت أن الأمر لیس کک علی أن کون المقام بمنزلة الفضولی یقتضی أن لا یکون عقد الغابن صحیحا مع عدم الإمضاء ان لا یکون بطلانه متوقفا علی الرد فقط فانا لو فرضنا أن المالک لم یلتفت الی العقد الفضولی حتی مات فهل یتوهم أحد أن ذلک العقد یکون صحیحا،نعم لو التفت الی العقد الفضولی و مع ذلک سکت فیمکن أن یکون سکوته اجازة فافهم.

و أما الوجه الثانی فیرد علیه أن متعلق حق الخیار ان کان هو العین فتکون تصرفات الغابن مراعاة بإجازة المغبون العقد الفضولی فإن أجاز صحت تصرفاته و الا فتکون باطلة من الأول و علی الثانی فتکون تصرفات الغابن نافذة سواء فسخ المغبون العقد أم لا فلا وجه لإبطال عقد الغابن من حین الفسخ أصلا لأنه اما أن یکون باطلا من الأول أو أنه صحیح لا یبطل أصلا کما هو واضح و إذا بطل الوجهان ثبت الوجه الثالث و قد عرفت و سیأتی فی أحکام الخیار أن تصرفات من علیه الخیار نافذة من دون توقف علی اجازة المغبون و علیه فإذا فسخ المغبون العقد و کانت العین منتقلة إلی الغیر بتصرف الغابن فیرجع المغبون الی المثل أو القیمة نعم لا یجوز لمن علیه الخیار فی العین فی البیع الخیاری کما عرفت فإنک قد عرفت أن بناء المتعاقدین فی مثل ذلک علی بقاء العین کما هو واضح.

و أما الاستیلاد فهو لا یمنع عن ثبوت الخیار و لا یوجب سقوطه لما عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد فیفسخ المغبون العقد و یرجع اما الی العین أو البدل و أما بالنسبة إلی رد العین بان یقال هل یکون الاستیلاد

ص:365

مانعا عن رد الأمة نفسها أو لا فقد احتمل المصنف جواز الرد و عدم کون الاستیلاد مانعا عن الرد من جهة أن سبب حق الخیار سابق علی الاستیلاد فلذی الخیار رد العین بعد الفسخ و لکن الظاهر عدمه فان حق الاستیلاد یرفع موضوع حق الخیار و ان کان متقدما فلا یوجب تقدیمه جواز الرد إذ لیسا هما الی حق الخیار و حق الاستیلاد من المتزوجین حتی یتقدم حق الخیار لتقدم سببه بل حق الاستیلاد یرفع موضوعه حتی مع تقدم حق الخیار فإنه ورد فی الشریعة المقدسة أن أم الولد لشرافتها لا تخرج عن ملک مولاها إلا فی قیمة رقبتها و من الواضح أن النفی یعم جمیع أنحاء الخروج عن الملک و لو بفسخ العقد کما هو واضح لا یخفی و علیه فالاستیلاد مانع عن الرد.

و أما العقد الجائز فهل هو مانع عن ثبوت خیار المغبون أو رد العین أم لا کما إذا تصرف الغابن فی العین المنتقلة إلیه بعقد جائز بأن وهبها لشخص بهبة جائزة فهل یوجب ذلک سقوط خیار المغبون أو یمنع ذلک عن جواز رد المغبون العین بالفسخ أم لا أما سقوط الخیار فقد اتضح مما تقدم أنه باطل فان التصرف بالعقد الناقل اللازم لا یوجب السقوط فالعقد الجائز کیف یکون موجبا لذلک و السر فیه ما تقدم أن تصرف نفس ذی الخیار لا یوجب السقوط لکون الفسخ متعلقا بالعقد و کیف تصرف الغابن.

و أما رد العین فحکم عقد الجائز هنا بالنسبة إلی رد العین غیر حکم عقد الجائز فی تصرف المغبون و ذلک لأنک قد عرفت أن فسخ المغبون مع قصد رد العین الی الغابن و الالتفات بان الفسخ یستلزم رد العین الیه یکون فسخا لکلام العقدین أی أصل العقد و عقد المغبون

ص:366

اعنی العقد الجائز الذی هو محل الکلام هنا و بعبارة أخری الفسخ الواحد یکون مبرزا لفسخ کلا العقدین و لکن لا یجری ذلک فی المقام حیث ان العقد الجائز هنا انما صدر بفعل الغابن و فی ملکه و فسخ المغبون أصل العقد و لو مع قصد رد العین لا یکون فسخا لعقد الغابن لو صرح المغبون بأنی فسخت عقد الغابن أیضا لا یفید الا أن یفسخ الغابن بنفسه فإنه ینفسخ بفسخه فهذا الوجه لا یفید.

و قد ذکر صاحب المسالک لو کان الناقل مما یمکن إبطاله کالبیع بخیار ألزم بالفسخ فان امتنع فسخه الحاکم و ان امتنع فسخه المغبون و تنظر فیه المصنف بأن فسخ المغبون أصل العقد اما بدخول العین فی ملکه و اما بدخول بدلها فعلی الأول لا حاجة الی الفسخ حتی یتکلم فی الفاسخ و علی الثانی فلا وجه للعدول مما استحقه بالفسخ الی غیره ثم قال اللهم الا أن یقال انه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ انما هو للحیلولة فإذا أمکن رد العین وجب علی الغابن تحصیلها ثم قال لکن ذلک انما یتم مع کون العین باق علی ملک المغبون و أما مع عدمه و تملک المغبون للبدل فلا دلیل علی وجوب تحصیل البدل.علی انا لم نقل ببدل الحیلولة لعدم الدلیل علیه کما عرفت فی محله سابقا و التحقیق أنه لا دلیل علی تسلط المغبون علی إرجاع العین إذا فسخ العقد إذا کانت العین منتقلة إلی غیره من الغابن سواء کان الانتقال بعقد لازم أو جائز فإن المغبون لیس له أزید من التسلط علی فسخ العقد ورد العین إذا کانت غیر منتقلة إلی شخص آخر و الا فلا دلیل علی إجبار الغابن علی فسخه عقده الجائز و مع امتناعه یفسخ الحاکم و مع عدمه یفسخ المغبون کما هو واضح فإنه لیس للمغبون شیء من ذلک لعدم الدلیل

ص:367

علیه و حق فسخه انما تعلق بالعقد دون العین حتی یقال ان العین مورد لحق المغبون.

و الحاصل أنک قد عرفت أنه یقع الکلام فی مقامین الأول فی فسخ المغبون العقد قبل رجوع العین الی ملک الغابن و الثانی فی فسخه بعد رجوعه الیه أما الأول فقد عرفت أنه لا وجه لانفساخ عقد الغابن أو فسخه لأنه انما وقع فی ملکه بل یرجع المغبون الی البدل نعم بناء علی بدل الحیلولة یمکن أن یکون أخذ البدل من جهة الحیلولة بین المالک و انتفاعه عن العین و لکنه مضافا الی بطلان القول بالبدل الحیلولة أنه فرق بین المقام و بین موارد بدل الحیلولة کما عرفت.

و أما إذا کان الفسخ بعد رجوع العین الی ملک الغابن بأن کانت العین منتقلة إلی الغیر ثم رجعت الی ملک الغابن فهل للمغبون أن یأخذ العین من الغابن أو لیس له ذلک فالظاهر من المصنف و صریح شیخنا الأستاذ هو التفصیل بین ما إذا رجعت العین الی الغابن بسبب جدید و بین ما رجعت الیه بزوال السبب الذی به انتقلت العین الی الغیر کفسخ العقد و إقالته فإنه علی الأول التزما بعدم جواز رجوع المغبون الی العین بل لا بد و أن یرجع الی البدل من المثل أو القیمة و علی الثانی فله الرجوع الی العین و ذکر شیخنا الأستاذ أن کلام الشافعی من العائد الزائل کأنه لم یزل أو کأنه لم یعدله وجه هنا و لیس نقله لمجرد حسنه کما أورده بعض علی المصنف فإنه علی الأول فالزائل العائد کأنه لم یعد فإنه إذا کان العود بسبب جدید فیفرض الزائل العائد کأنه لم یعد الی الغابن و أما علی الثانی فکأن الزائل العائد لم یزل أی کأن العین لم ینتقل من ملک الغابن الی شخص آخر و لم یزل

ص:368

من ملکه بل هی باقیة علی ملکه علی السبب الذی انتقل الیه بهذا السبب.

و لکن الظاهر أنه لا فرق بین الصورتین فإنه علی کلا التقدیرین یرجع المغبون الی العین لکونها متعلقة لحق المغبون فإذا وجدت فی ملک المغبون فله الرجوع إلیها و لیست الملکیة قابلة للرد حتی یقال أن الملکیة الزائلة کالذی لم تزل أو کالذی لم تعد أو یقال بأن قانون الفسخ هو تلقی الملک من الغابن علی النحو الذی تلقاه من المغبون بل هی إذا زالت،زالت بالکلیة و لم تعد بعد و انما الکلام فی کون العین متعلقة لحق المغبون فإذا وجدت فی ملک الغابن یرجع إلیها کیف ما کان و قد ذکر ذلک السید ره هذا کله فیما إذا کان التصرف موجبا للخروج من الملک و أما إذا لم یکن التصرف موجبا للخروج عن الملک فقد قسمه المصنف إلی أقسام الأول أن لا یکون موجبا للتغیر بوجه لا من حیث الزیادة و لا من حیث النقیصة و هذا خارج عما نحن فیه فإنه لا شبهة فی عدم منعه عن الرد و اما أنه یوجب النقیصة أو یوجب الزیادة و قد یکون موجبا للامتزاج و أما علی تقدیر کونه موجبا للنقیصة فذلک قد یکون بنقصان جزء من المبیع و أخری بنقصان وصف الصحة و ثالثة بنقصان وصف الکمال بحیث لها دخل فی زیادة المالیة و رابعة بنقصان وصف لیس دخیلا فی زیادة القیمة أصل أما الأخیر فهو أیضا خارج عن المقام فإنه لا یوجب شیئا أصلا کما أن المبیع کان واجدا لوصف غیر دخیل فی زیادة المالیة و قد فقد بالفعل کأن یکون عبدا کان یجب المحل البارد و فعلا لا یحبه و أما الوجه الأول أعنی النقصان بنقصان جزء المبیع فلا شبهة أیضا فی أنه یرجع المغبون إلی البقیة و یأخذ البدل للجزء الفائت لکونه تالفا و أما المتوسطان

ص:369

أعنی ما کان الفائت هو وصف الصحة أو وصف الکمال فقد فصل المصنف فیهما بین فوات وصف الصحة و التزم بلحوقه بالجزء الفائت و بین فوات وصف الکمال و التزم برجوع المغبون الی العین بدون شیء فیه أصلا.

ثم ترقی المصنف و الحق بوصف الکمال ما لو وجدت العین مستأجرة فان علی الفاسخ الصبر الی أن ینقضی مدة الإجارة و لا یجب علی الغابن بدل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلی بقیة المدة بعد الفسخ لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بین العقد و الفسخ فهی ملک للمفسوخ بالمنفعة الدائمیة تابعة للمالک المطلق فإذا تحقق فی زمان ملک منفعة العین بأسرها ثم ذکر أنه یحتمل انفساخ الإجازة فی بقیة المدة لأن ملک منفعة الملک المتزلزل متزلزل و هو الذی جزم به المحقق القمی إذا فسخ البائع بخیاره المشروط له فی البیع ثم اشکال علی ذلک بمنع تزلزل ملک المنفعة نعم ذکر العلامة فی القواعد فیما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبایعین أنه إذا وجد البائع العین مستاجرة کانت الأجرة للمشتری المؤجر و وجب علیه للبائع أجرة المثل للمدة الباقیة بعد الفسخ و قرره علی ذلک شراح الکتاب.

أقول أما ما ذکره من الفرق بین وصف الصحة و التزم بالأرش و بین وصف الکمال و التزم بالرجوع الی العین بدون شیء لا یرجع الی محصل و ذلک لان الأوصاف مطلقا سواء کانت أوصاف الصحة أو أوصاف الکمال ان کانت تقابل بالمال فلا بد من الرجوع الی الأرش فی کلیهما و الا فلا و اذن فلا وجه للفرق بین وصف الصحة و بین وصف الکمال و حیث ذکرنا مرارا و ستعرف فی أحکام الشروط أن الأوصاف مطلقا لا تقابل بالمال فاذن فلا وجه للرجوع إلی الأرش بل إذا رجع المغبون الی العین و

ص:370

واجدة لها و یرجع الی التفاوت بینهما لا أن الأوصاف لها قیمة فیرجع إلیها.علی أنه لو کانت الأوصاف تقابل بالمال فمقتضی القاعدة أن تنقص من الثمن سواء طالب المغبون أم لا لا أن یرجع الی الغابن و یؤخذ منه الأرش و أما ثبوت الأرش فی خیار العیب مع المطالبة فمن جهة النص.

و بعبارة أخری أن التفرقة بین وصف الکمال و وصف الصحة انّما یکون بأحد الوجهین الأول کون وصف الصحة بمنزلة الجزء الفائت بأن یقع مقدار من الثمن بإزائه بحیث لازمه ان ینقص من الثمن مع فوته عند الغابن دون وصف الکمال و لهذا ممّا لم یلتزم به المصنف بل و لا یمکن الالتزام به لأن الأوصاف و ان کانت موجبة لزیادة مالیة المال الا أنها لا تقع فی مقابلها شیء من العوض فی عقد المعاوضة و ثبوت الأرش فی خیار العیب فی مقابل وصف الصحة انّما هو بالتعبد لا من جهة وقوع الثمن بإزائه و الا کان اللازم رد بعض من خصوص الثمن.

و الوجه الثانی أن یکون زوال وصف الصحة تحت الید موجبا للضمان دون وصف الکمال فیقال بان الضمان المعاوضی و ان تبدل بضمان الید بعد القبض الا أن تبدله انما هو فی خصوص العین و وصف الصحة دون وصف الکمال و هذا أیضا ممّا لا یمکن الالتزام به لأنه لا فرق بین الأوصاف فی أنها بأجمعها مضمونة علی المفسوخ علیه کما تکون مضمونة علی الغاصب لان وجه الضمان فی البابین انما هو قاعدة ضمان الید و أنه لا بد من رد العین علی الوجه الذی وضع الغاصب علیه الید ففی کل مورد کانت الید ید ضمان فلا و أن ترد العین علی النحو الذی أخذت و حیث کانت فاقدة لجهة دخیلة فی مالیة العین فلا بد و أن تقوم العین واجدة لها و

ص:371

فاقدة لها و یؤخذ التفاوت و علی الجملة لو تمت هذه القاعدة لا یکون ضمان لوصف الصحة أیضا بل العین لان کلا منهما ملک الغابن و تلف تحت یده مع أنه ضامن بلا شبهة و کیف کان فمقتضی قاعدة ضمان الید هو الرجوع الی الغابن علی العین علی النحو الذی وضع الغابن یده علیها فان کانت موجودة صحیحة أخذت العین و الا فالبدل بالمقدار الذی فاتت عنها کلا أو جزء کما لا یخفی فافهم.

لا یقال أو یوم الفسخ هو یوم الضمان و من الواضح أن المعین فی هذا الیوم فاقدة للوصف فلا یکون وصف الصحة تحت الضمان فإنه یقال أن الضمان المعاملی الذی هو المعنی فی کل عقد یضمن بصحیحة یضمن بفاسده موجود من الأول فلا بد و أن یخرج من عهدته کما إذا تلفت العین قبل الفسخ بلا عیب و نقصان فان المغبون یرجع بعد الفسخ علی العین الصحیح عینا أو بدلا فافهم.

و أما ما أورد علی المحقق القمی من عدم کون الملکیة متزلزلة من الأول فی عقد الإجارة صحیحة و لکن لیس لازمه أن لا یکون للمغبون الا العین الخالیة عن المنفعة و الا فربما یکون الغبن فی إرجاع العین بلا منفعة إلی نهایة مدة الإجارة أکثر من الغبن فی أصل العقد و لا أنه لنا دلیل علی الرجوع الی أجرة بقیة المدة کما ذکره فی القواعد بل مقتضی قانون الفسخ و قاعدة ضمان الید ان یرجع الی العین علی النحو الذی اسلمها الی الغابن بجمیع خصوصیات تلک العین و حیث کانت الخصوصیات فائتة فتقوم العین صحیحة و واجدة لجمیع المنافع بالفعل و فائدة للمنفعة إلی مدة فیؤخذ التفاوت و لکن هنا نکتة تنبه بها شیخنا الأستاذ و لیس ان نقصان العین عن القیمة المتعارفة انما کان فاقدة

ص:372

لمنفعة مدة خاصة و إذا فیکون التفاوت بمقدار اجرة مثل بقیة المدة و لذا عبر فی القواعد بأجرة المثل فافهم.

و الحاصل ان التصرف قد لا یکون موجبا للتغیر لا عینا و لا حکما و هذا لا شبهة فی انه یرجع الفاسخ الی المفسوخ علیه بلا ضمان علی شیء أخر و قد یکون موجبا للتغیر اما بالنقیصة أو بالزیادة أو بالامتزاج أما النقیصة فقد عرفت انها قد تکون بنقصان الجزء و قد یکون بنقصان وصف الصحة و قد یکون بنقصان وصف الکمال و قد یکون بنقصان وصف لا دخل له فی زیادة المالیة أصلا اما الأخیر فلا شبهة فی خروجه عن محل الکلام بداهة عدم دخله فی المالیة أصلا فلا یکون نقصانه موجبا للضمان أصلا و اما بقیة الأقسام فلا شبهة فی کون النقصان فیها موجبا للضمان فتقوم العین واجدة للخصوصیة الفائتة و فاقدة لها فتؤخذ التفاوت و الوجه فی ذلک ان قاعدة ضمان الید تقتضی ضمان العین علی النحو الذی أخذها من المالک و وجب علیه ردها الی صاحبها بجمیع الخصوصیات الدخیلة فی المالیة و ما ذکره المصنف من الفرق بین وصف الصحة و صفة الکمال لا یمکن المساعدة علیه فإنهما مشترکان من حیث عدم مقابلتها بالمال بنفسهما و من حیث دخلهما فی زیادة المالیة کما لا یخفی.

و کذا إذا کانت العین مستأجرة فإن مقتضی الید هو إرجاع العین علی النحو الذی أخذها الغابن من المغبون و من الواضح ان العین لم تکون مسلوبة المنفعة حین ما أخذها الغابن من المغبون فلا بد من ردها واجدة للمنفعة و حیث انها مستاجرة و مسلوبة المنفعة إلی مدة معینة فتقوم واجدة للمنفعة و فاقدة لها و یؤخذ التفاوت و لا وجه لما ذکره المصنف من عدم الشیء علی الغابن کما هو واضح.

ص:373

ثم ان هنا قسما آخر من النقیصة الذی لم یتعرض له المصنف و لعله کان من جهة الوضوح و هو ان النقصان قد یکون حکمیا بمعنی یکون نقصان فی القیمة السوقیة و هذا لا یدخل تحت الضمان بوجه فان مقتضی ضمان الید هو إرجاع العین علی النحو الذی أخذت من المالک و من الواضح ان العین إذا ردت کک یسقط الضمان عن ذی الید و اما تفاوت القیمة فلا یدخل تحت الضمان کما هو واضح فافهم.

و اما إذا کان التصرف موجبا للزیادة فقد تکون الزیادة حکمیة بأن یکون التفاوت فی زیادة القیمة السوقیة و هذا لا یوجب الضمان أیضا کما کان لا یوجب فی طرف النقیصة فلیس للغابن ان یرجع الی المغبون بزیادة القیمة فإن مقتضی قاعدة الید هو ضمان العین بجمیع خصوصیاتها الدخیلة فی مالیتها و المفروض انها رجعت کک و اما زیادة القیمة السوقیة کنقصانها فلا تدخل تحت الضمان فلا مقتض للضمان هنا أصلا لا زیادة و لا نقیصة کما لا یخفی و إذا فسخ المغبون و رجع الی العین فلیس للغابن ان یدعی ان العین قد زادت قیمتها و ان ترد الزیادة لعدم کون المغبون ضامنا لهذه الزیادة و انه أخذ العین علی النحو الذی کان دفعها الی الغابن مع الخصوصیات الدخیلة فی المالیة فزیادة القیمة أو نقصانها بحسب السوق لیست من تلک الخصوصیات فافهم.

و ان کانت الزیادة فی الأوصاف التی لا تکون دخیلة فی المالیة أصلا کما تقدم نظیره فی طرف النقیصة أیضا کقصارة الثوب(أو غسله)و صفاء الذهب بان نظفه فصار نظیفا و هکذا فمثل هذه الزیادة أیضا لا شیء علیها کما لا شیء علی مثلها فی طرف النقیصة.

و اما إذا کانت الزیادة فی الأوصاف التی لها دخل فی زیادة المالیة

ص:374

کتعلیم العبد صفة العلم و الکتابة و الخیاطة أو صنعة من الصنائع و کصرورة العین سمینا و غیرها من الأوصاف التی أحدثنا المشتری فی العین و أوجبت زیادة المالیة فإذا فسخ المغبون العقد و قدر صارت العین متغیرة بمثل هذه الزیادة فی ملک الغابن مثل فهل للغابن ان یرجع الی هذه الزیادة أم لا فقد ذکر المصنف انه یصیر شریکا للعین مع المغبون.

أقول ان أراد من الشرکة فی العین فلا وجه له و ذلک لان الأوصاف و ان کانت واسطة لثبوت المالیة أو زیادتها فی العین و لکنها بأجمعها لا تقابل بالمال کما عرفت و علیه فلا وجه لحصول الشرکة فی العین بزیادة تلک الأوصاف لعدم المقتضی لذلک و ان أراد ان حصول الشرکة فی المالیة فهو متین بمعنی ان تلک الأوصاف قد أوجبت زیادة المالیة فی العین فتلک الأوصاف بنفسها و ان لم یقابل بالمال و لا تدخل تحت الضمان و لکنها تقابل المال بتبع العین فهی واسطة لثبوت المالیة أو زیادتها فی العین و العین واسطة لعروض المالیة علی تلک الأوصاف و علیه فیکون الغابن بعد فسخ المغبون شریکا فی مالیة العین مع زیادة الوصف الموجب لزیادة قیمة العین و من هنا تکون هذه الأوصاف داخلة تحت الضمان فی طرف النقیصة أیضا کما هو واضح و الشاهد علی حصول الشرکة فی المالیة هی السیرة العقلائیة فان سیرتهم قائمة علی ان زیادة الأوصاف توجب زیادة المالیة بحیث یکون المحدث شریکا مع أصل المالک کما إذا اشتری صفرا من شخص فجعله قدرا أو اشتری صوفا و جعله عباء أو فراشا و هکذا ثم ظهر ان المعاملة مشتملة علی الغبن فإن السیرة قائمة علی ان الغابن شریک فی مالیة العین فی مقابل تلک الأوصاف التی

ص:375

أوجدها فی العین و لیس للمغبون أخذ العین بلا رد شیء إلی الغابن مع ان الصفر الخالص أو الصوف الخالص یساوی عشر ما یساوی القدر و العباء.

و الفرق بین الشرکة فی العین و الشرکة فی المالیة انه لو أخذ المغبون العین و زالت صفة الزیادة الموجبة الزیادة المالیة بلا تفریط من المغبون و قبل رد حصة الغابن کما إذا زالت صفة السمن أو صفة الکتابة أو صفة العلم و نحوها فإنه یزول حق الغابن لقوامه بالصفة الزائدة و المفروض انها زالت و هذا بخلاف ما إذا قلنا الشرکة فی العین فإنها قائمة بنفس العین فما دامت العین موجودة فالشرکة موجودة سواء زالت الأوصاف أم لا.

ثم ان الظاهر انه لا فارق بین حدوث هذه الأوصاف بفعل الغابن أو بفعل الله تعالی فإنه علی کل تقدیر فالشرکة فی المالیة حاصلة فان ما یقابل الأوصاف الزائدة من المالیة لیست اجرة لعمل الغابن حتی یتوهم ان الزیادة إذا کانت بفعل الله تعالی فلا عمل للمشتری حتی یقابل بالأجرة بل المقابل بالمال انما هی نتیجة العمل الصادر من الغابن و علیه فسواء کانت الزیادة بفعل الله تعالی أو بفعل الغابن فهما مشترکتان فی النتیجة فتکونان موجبتین للشرکة فی المالیة فلا وجه لما فرق به شیخنا الأستاذ بین ما کانت الزیادة بفعل الغابن فللشرکة وجه و بین ما کانت الزیادة بفعل الله تعالی فلا وجه للشرکة،و لو کان للعمل دخل فلا بد من القول بثبوت الأجرة فیما إذا عمل عملا کثیرا و لم ینتج کما إذا علم العبد الکتاب و لم یتعلم لبلادته فافهم.

و قد عرفت ان الکلام قد یقع فی صورة الإتلاف و قد تقدم الکلام فیه

ص:376

و قد یقع فی صورة النقیصة علی أقسامها و قد یقع فی صورة الزیادة و قد عرفت ان الزیادة إذا کانت فی القیمة السوقیة فلا حق للغابن ان یطالبها من المغبون لعدم المقتضی فإن له رد العین علی النحو الذی أخذها و المفروض انه لم یحدث فی العین حدثا حتی یوجب زیادة المالیة بل هی من جهة زیادة القیمة السوقیة.و کک الکلام فی النقیصة و اما الزیادة الأوصاف الکمالیة أو الصحة فقد عرفت انها تدخل تحت الضمان و توجب الشرکة فی المالیة کما لا یخفی و اما الزیادة فی الأوصاف الغیر الدخیلة فی المالیة فلا توجب شیئا بوجه.

ثم ان الزیادة قد تکون عینا ممتازا عن المبیع أو الثمن الذی غبن فیه و هذه الزیادة قد تکون أجنبیة عن العین بالکلیة و غیر مربوطة بها و هذا کما إذا اشتری الغابن دکانا فی الجادة و وضع فیه المتاع و التفت بالمغبون بالغبن ففسخ العقد فإنه یأخذ دکانه و لیس للغابن ان یقول ان ثمن متاع فی هذا المکان اغلی من المکان الآخر و النقل الیه یکون ضررا علیه فلو انتقله لحدیث نفی الضرر فان ذلک الزیادة من جهة خصوصیة المکان لا من جهة ان الغابن عمل هنا عملا فذلک العمل قد أوجب الزیادة و هذا خارج عن المقام.

و قد تکون الزیادة مع کونها ممتازة عن العین التی وقعت علیها المعاوضة مربوطة بالعین کما إذا اشتری الغابن أرضا فغرس فیها الأشجار أو بنی فیها البناء أو اشتری قمیصا و خاط فیه النقوش التی هی موجودة بعینها.

و تفصیل الکلام هنا انه قد یکون الأرض ملکا مطلقا لشخص و لکن اشغلها شخص آخر غصبا بان غصبها و بنی فیها البناء أو غرس فیها

ص:377

الأشجار و کذلک لو انتقلت الأرض إلیه بعقد فاسد و غرس فیها الأشجار و مثل ذلک ما لو أجرها من شخص و انتهی أمد الإجارة و قد اشغلها المستأجر بالبناء نحو ذلک من الموارد فإنه لا شبهة فی أمثال ذلک ان لمالک الأرض ان یطالب من مالک البناء تفریغ أرضه فإنه لا عرق الظالم و إذا منع فرغه بنفسه کما حقق فی محله و لیس علیه شیء أصلا فإنه مالک علی الأرض و لیس للغاصب ان یمنعه من التصرف فی ملکه حتی لو کانت قیمة البناء عشرة آلاف دینار و قیمة الأرض عشرة دینارا فأیضا لمالک الأرض مطالبة أرضه و لو مع رضاء مالک البناء بالبقاء علی الشرکة کما هو واضح لان مالک الأرض له السلطنة علی ملکه بمقتضی دلیل السلطنة و لیس لأحد ان یمنعه من ذلک و لیس المقام مشمولا لدلیل نفی الضرر لکونه فی مقام الامتنان و المقام لیس کک علی ان مالک البناء قد أقدم علی الضرر باختیاره.

و قد یکون ملک المالک علی الأرض ملکیة محدودة من الأول کما إذا کان لأحد حدیقة فوهب أرضها لأحد أولاده و أشجارها لأولاده الأخر فإنه لیس لمالک الأرض ان یجبر مالک الأشجار علی إجبار تفریغ الأرض فإنه مالک علی الأرض من الأول ملکیة محدودة لا ملکیة مطلقة و علیه إذا باع مالک الأشجار أشجاره من شخص فیبیعها بهذه الخصوصیة بأن تبقی الأشجار فیها لا انها تقلع و من هذا القبیل إرث الزوجة من البناء دون العقار فإنه إذا باعته من شخص لیس للورثة ان یجبروا المشتری بقلع البناء و لیس لهم ان یجبروها بقلع البناء فإنها تستحق البناء لا الأحجار و الأخشاب کما لا یخفی.

و هنا قسم ثالث لا یعلم حاله فیشک کونه من القسم الأول أو من

ص:378

القسم الثانی و هو ما نحن فیه اعنی تملک الأرض بفسخ العقد بخیار الغبن فهل یتملک المغبون الأرض ملکیة مطلقة حتی یکون له مطالبة الغابن بتفریع أرضه بلا أرش أصلا أو لا یملکه إلا ملکیة محدودة فلیس له ذلک و مثل ذلک تملک الأرض بحق الشفعة ففی المقام أقوال ثلثة قول بأنه مثل القسم الأول فلمالک الأرض الذی هو المغبون ان یطالب الغابن تفریغ أرضه من دون ان یکون علیه شیء کما اختاره فی المختلف فی الشفعة أو عدم تسلطه علیه کما علیه المشهور فیما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفلیس المشتری أو تسلطه علیه مع الأرش کما اختاره فی المسالک هنا.

و منشا الخلاف ان الغابن الذی یستوفی منفعة الأرض إلی مدة هل یکون بذلک مالکا المنفعة الأرض إلی انتهاء المدة التی استوفی منفعتها الی تلک المدة بحیث لو عادت الأرض إلی ملک المغبون تبقی المنفعة فی ملک الغابن أیضا بغیر ان یکون علیه شیء من الأجرة کما هو کذلک فی الإجارة بأن آجر العین إلی مدة معینة حیث الإجارة لم تفسخ لوقوعها فی ملک الغابن و کذلک الأمر هنا فان التصرف قد وقع فی ملک نفس الغابن فلا یتوجه علیه غرامة أصلا.

و بعبارة أخری شأن الغرس و الزرع و البناء علی الأرض شأن إجارتها من شخص آخر إلی مدة فکما انها تکون مسلوبة المنفعة فی الإجارة و مع ذلک لیس للمغبون فسخ عقد الإجارة و کذلک فی المقام فان الاستیفاء یکون سببا لتملک المنفعة فتکون الأرض مسلوبة المنفعة و لیس للمغبون ان یطالب تفریغ الأرض غایة الأمر له حق مطالبة الأجرة علی الأرض.

و بعبارة اخری ان الغارس قد استوفی منفعة الأرض ما دام غرسه

ص:379

باقیا کما فی الإجارة فیجب علیه بعد الفسخ أو الانفساخ تدارک ما استوفاه بأجرة المثل أو قیمة النقص و التفاوت و لا یبعد ان یکون هذا القول هو المشهور بین العلماء.

أو یقال ان مالک الأرض قد دفع العین الی الغابن فارغة عن البناء و الأشجار و واجدة للمنفعة فله مطالبة أرضها بعد فسخ العین أو انفساخه علی النحو الذی دفعها الیه و لم تکن ذلک مسلوبة المنفعة أو تطلبها من الغابن کذلک بمقتضی قانون الفسخ و دلیل ضمان الید کما هو واضح و الحق هو الثانی فإن مقتضی ضمان الید هو رد العین علی النحو الذی دفعها الی الغابن و من الواضح ان الأرض التی دفعها الیه لم تکن مسلوبة المنفعة فلا بد له من ردها کذلک و اما قیاس المقام بالإجارة فبلا وجه لکونه مع الفارق فان فی عقد الإجارة قد یعتبر ملکیة المنافع إلی مدة للمستأجر و هذا لا بأس به فان الاعتبار خفیف المؤنة و لا بأس من تعلقه علی الأمر المعدوم و اما تصرف الغابن بنفسه فی الأرض علی نحو یستلزم کون الأرض مسلوبة المنفعة إلی مدة و یستوفی منفعتها لنفسه فهذا لا یعتبره العقلاء الملکیة له بوجه و إذا فإذا فسخ المغبون العقد فله مطالبة أرضه فارغة عن البناء و الغرس و له قلع ذلک کله و تفریغ أرضه فإن مقتضی الید هو ذلک.

و هل یثبت للغابن تفاوت قیمة الأشجار المغروسة أو البناء فإنها بعد القلع تکون أحجارا و اخشابا فیکون متضررا و هو منفی فی الشریعة المقدسة أو لیس له ذلک و قد یقال بثبوت تفاوت القیمة بین البناء و الأحجار و بین الشجر و الخشب علی صاحب الأرض فلا بد له ان یعطی ذلک للغابن لوجهین الأول قاعدة نفی الضرر فان قلع بناء الغابن أو

ص:380

أشجاره عن الأرض ضرر علیه فیکون منفیا بحدیث نفی الضرر فیجب علی صاحب الأرض أن یعطی الأرش لصاحب البناء أو الأشجار.

و فیه أولا ما ذکره المحقق الایروانی من أنه لیس هنا ضرر علی الغابن بل هو من قبیل عدم النفع فإنه قد بنی فی هذه الأرض البناء و غرس فیها الأشجار أو علم العبد الصناعة مثلا لینتفع بها و لم یتمکن من الانتفاع لا أنه تضرر إذ لیس له ملکیة مطلقة علی الأرض مع البناء و الأشجار الموجودة فیها بل کانت ملکیته محدودة بحدّ خاص و بوقت معین و إجبار مالک الأرض الغابن بقلع شجره أو بنائه لیس ضررا علیه بل منع عن الانتفاع به کما هو واضح.

و ثانیا أن دلیل لا ضرر لا یشمل موردا یلزم من شموله له ضرر علی شخص آخر فإنه بالنسبة الی کل منهما علی حدّ سواء فیکون شموله لأحدهما معارضا بشموله للآخر فان إجبار صاحب البناء علی قلع بنائه بدون الأجرة ضرر علیه و إعطاء صاحب الأرض قیمة البناء باستثناء أحجاره ضرر علی صاحب الأرض فإنه بأی وجه یلزم بذلک مع أنه لا یطلب إلا أرضه فمقتضی قاعدة الید هو وجوب رد أرضه علیه علی النحو الذی أعطاها للغابن و لا وجه لتضرره من جهة فعل الغابن کما هو واضح.

و بعبارة أخری أن حدیث لا ضرر وارد فی مقام الامتنان فلا یشمل موردا یکون شموله ضررا علی الغیر لأنه خلاف الامتنان(و هنا وجه ثالث نذکره فی الوجه الثانی)الوجه الثانی أن قاعدة احترام مال المسلم تقتضی أن لا یذهب ماله هدرا فان إجباره علی قلع شجرة أو أشجار عن ارض المغبون بلا إعطاء تفاوته خلاف احترام مال المسلم فلا بدّله من إعطاء تفاوت القیمة بین البناء و الأحجار و بین الأخشاب و الأشجار و قد:ذکر

ص:381

ذلک شیخنا الأستاذ.

و فیه أولا أن حفظ احترام مال المسلم یقتضی حرمة إتلافه و الا یکون المتلف ضامنا و أما ثبوت ضمانه علی شخص آخر فلا تقتضیه تلک القاعدة ففی المقام أن صاحب الأرض لا یطلب من الغابن إلا أرضه علی الذی أعطاها إیاها فلا بد للغابن ان یردها الی المغبون و حیث کانت تلک الأرض فارغة و غیر مسلوبة المنفعة فلا بد للغابن ان یردها کذلک و من الواضح ان ذلک لا یمکن الا ان یفرغ الغابن الأرض و یقلع بنائه و أشجاره و ای ربط لذلک علی ثبوت الضمان للمغبون.

و بعبارة اخری ان احترام مال المسلم یقتضی ان لا یذهب هدرا بإتلاف أحد لا انه یقتضی ان یکون ضمانه فی مورد التلف علی شخص لا یتلفه أصلا فالمغبون لا یطلب إلا أرضه و لیس له شغل بإتلاف مال الغابن و انما الغابن یتصدی بإتلاف ماله لعدم حق له فی إبقائه فی أرض الغیر و بعبارة اخری ان إبقاء الغابن ماله فی أرض المغبون بعد الفسخ حرام و لیس لبقائه فی أرض الغیر احترام أصلا فإنه بعد الفسخ یکون إبقائه ذلک فی أرض الغیر غصبا و لیس لعرق الظالم حق.

و یرد علی کلا الوجهین النقض بما إذا غرس احد أشجارا فی أرض الغیر جهلا بأنها للغیر فلم یستشکل أحد فی انه تقلع الأشجار و لیس علی الغارس شیء مع انه لیس غاصبا حتی یقال انه یؤخذ بأشق الأحوال مع ان لازم القول بثبوت التفاوت علی المغبون لقاعدة الضرر أو لقاعدة احترام مال المسلم لکان لازم ذلک ان یثبت التفاوت علی صاحب الأرض فی هذه المسألة أیضا و قد عرفت انه لم یقل احد بضمان التفاوت هنا کما هو واضح فتحصل انه لا یثبت تفاوت القیمة علی المغبون کما هو واضح.

ص:382

و قد عرفت انه کان الکلام فی تصرف الغابن مع ثبوت الخیار للمغبون و کان الکلام فی صورة الزیادة بما لا یکون متصلا بالعین و انتهی الی ما إذا غرس الغابن أشجارا فی أرض المغبون فهل له حق لإبقائها فیها أو لا و قد عرفت ان هنا أقوال ثلثة الأول عدم ثبوت حق للمغبون علی قلع الأشجار لکون تصرف الغابن واقعا فی ملکه فیکون نظیر استیفاء المنفعة بالإجارة الثانی تسلطه علی إجباره علی القلع من غیر ثبوت حق للغابن أصلا و قد اختاره العلامة فی شفعة المختلف الثالث للمغبون ان یبقی أشجاره فی أرضه مع الأجرة و هذا القول قد اختاره المسالک و تبعه جمع من المتأخرین و قد ذکرنا مدرک جواز القلع بلا أجرة الذی هو قول العلامة و اخترناه لان المغبون له حق مطالبة أرضه من الغابن علی النحو الذی سلمها الیه لدلیل الید و ان کان لازم ذلک صیرورة أشجار الغابن حطبا و قد عرفت أیضا مدرک ثبوت الأجرة من قاعدة لا ضرر و قاعدة احترام مال المسلم و قد عرفت جوابهما أیضا.

و قد ذکر شیخنا الأستاذ أو الغابن و ان کان لم یملک الأرض ملکیة مطلقة و لکنه مالک للأشجار فإذا أجبره المغبون علی القلع تکون الصورة الشجریة متبدلة بصورة الحطبیة فتزول المالیة الشجریة و من الواضح ان هذا ضرر علیه و لکن قد عرفت جوابه مما ذکرناه سابقا فان المغبون لا شغل له بإزالة المالیة عن الأشجار و ازالة الصورة الشجریة و انما له مطالبة أرضه فارغة کانت أو لا بمقتضی دلیل الید و لا یستند انتفاء المالیة من الشجرة إلی المغبون بوجه و انما لازم مطالبته الأرض هو ذلک و هو بمجرده لا یستلزم الضمان و هل یتوهم أحد انه إذا نسی أحد أو غفل ان الأرض الفلانیة ملک شخص آخر فغرس فیها أشجار ان تفاوت القیمة

ص:383

بین الشجریة الخشبیة بعد القلع علی صاحب الأرض و لیس کذلک و علی الجملة فنقطة الکلام هو ان مقتضی دلیل الید هو وجوب رد ارض المغبون علی النحو الذی أخذها الغابن منه و ما یترتب علی الرد من اللوازم فهو مطلب آخر لا یکون مستندا الی المغبون کما هو واضح و لا یقاس المقام باستیفاء المنفعة بالإجارة لکون ذلک بالملک کما عرفت.

ثم انه فرق صاحب المسالک بین الغرس و الزرع فالتزم فی الأول بعدم لزوم الصبر علی المالک لعدم وجود مدة ینتظر فیها و فی الثانی بلزوم الصبر مع الأجرة لوجود مدة ینتظر فیها و لکن لا نعرف وجها صحیحا لهذه التفرقة الأطول المدة و بعدها فإن المدة کما کانت محدودة فی الزرع کذلک کانت محدودة فی الغرس أیضا فانی معنی للقول بان فی الزرع مدة فیتفرغیها دون الغرس فأطول ما یعیش من الشجر هو النخلة فإنها علی ما یقولون تعیش مائة سنة و مع ذلک فهذه المدة محدودة فتنحل بعدها نعم فرق بینهما من حیث طول المدة و قصرها و لکنه لا یکون فرقا فی المقام فان المغبون له مطالبة أرضه من الغابن مطلقا و لا یجوز له الامتناع عن ذلک و لو کانت مدته قلیلة و دعوی عدم ثبوت حق إجبار قلع الزرع مع قصر المدة دعوی بلا وجه لکونه تخصیصا فی دلیل الید و من البدیهی انه لا دلیل علیه کما هو واضح فإنه فأی مخصص لها بالنسبة الی ما إذا کانت مدة التصرف فی العین قلیلة و قد وجه شیخنا الأستاذ کلام المسالک بأنه إذا کانت الأرض مشغولة بالزراعة فلیس فیها ضرر علی المالک إذ الأرض قابلة للزرع و معدة له و إذا اعطی الغابن أجرة الأرض فلا یکون هنا ضرر علی المالک حتی یتعارض الضرران هذا بخلاف کون الأرض مشغولة بالغرس فإنه ضرر علی المالک.

ص:384

و فیه انه لیس لهذا الکلام إلا الصورة فإنه یمکن ان یقال ان الأرض المغروسة معدة للشجر فإذا غرس الغابن فیها شجرا و اعطی أجرتها لمالکها لا یکون فی ذلک ضرر علی المالک حتی یتعارضان و هو واضح فلا دلیل علی هذه التفرقة أیضا و علی الجملة ان مقتضی دلیل الید هو تسلط صاحب الأرض علی مطالبة أرضه من الغابن و ان استلزم ذلک ضررا علی الغابن فان ذلک لا یستند الیه فافهم.

ثم انه هل یفرق بین المقام و بین مسألة التفلیس أم لا و قد ذهب المشهور إلی انه لیس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش فی التفلیس و ذکر المصنف انه یمکن الفرق بکون حدوث ملک الغرس فی ملک متزلزل فیما نحن فیه فحق المغبون انما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفلیس لان سبب التزلزل هناک بعد الغرس فیشبه بیع الأرض المغروسة و لیس للمشتری قلعه و لو مع الأرش بلا خلاف أقول لا شبهة علی تقدیر ثبوت خیار التفلیس فلیس بین المقام و بینه فرق أصلا بل فی کلا الموردین للمالک بعد الفسخ ان یطالب ماله بمقتضی دلیل ضمان الید و لیس لأحد ان یمنع من ذلک کما هو واضح فلا وجه لما ذکره المصنف من ملاحظة الأسبقیة و اللاحقیة فإنه علی القول بالثبوت یتزاحمان و لو کان أحدهما سابقا و الآخر لاحقا إذ الأسبقیة یوجب عدم التزاحم فی المدة الخالیة عن المزاحم و لکن فی مدة وجود المزاحم یتزاحمان بقاء کما لا یخفی و لکن الذی یسهل الخطب ما ذکرناه فی عدم ثبوت حق للمشتری فی مسألة التفلیس أیضا حتی یتکلم فی التزاحم بل من له الخیار یفسخ و یأخذ أرضه من المشتری و ان استلزم ذلک ضررا علی المشتری کما لا یخفی الا ان الکلام فی أصل ثبوت الخیار فی مسألة التفلیس مع انتقال العین

ص:385

الی غیره بالهبة أو بالبیع فإنه مع ذلک لا یصدق بقاء العین کما هو واضح و قد حقق ذلک فی کتاب التفلیس نعم مع ثبوت الخیار فلصاحب الخیار إرجاع العین کما فی المقام.

ثم انه علی القول بثبوت حق المطالبة لمالک الأرض أرضه من الغابن الغارس فهل له قلع أشجاره مباشرة أو یطالب قلعه من الغابن فإذا امتنع باشره بنفسه وجوه الظاهر انه لیس له مباشرة قلعها فان الثابت علی ما ذکره المصنف لکل من المتبایعین مطالبة حقه عن الآخر فلمالک الأرض مطالبة أرضه من الغابن فلمالک الشجر مطالبة أشجاره من المغبون فإذا امتنع أحدهما عن ذلک رجع الی الحاکم و هو یجبره علی ذلک و الا باشر کل منهما علی تفریق حقه بنفسه و لو باشر مالک الأرض مثلا قلع أشجار الغابن بدون مطالبته من الغابن فضمن نقصان القیمة لکونه إتلافا لمال الغیر بدون اذنه فیکون ضامنا و من هنا ظهر حکم الأغصان الداخلة علی الجار فان الجار له إجبار مالک الأغصان علی القلع و تفریع أرضه من ذلک و هکذا الحیوان الداخل علی ملک الغیر فالمالک یجبر صاحب الحیوان علی الأخذ و الا فیخرجه بنفسه فلو أخرجه بنفسه و تلف یکون ضامنا و ما ذکره المصنف بین الأغصان الداخلة علی الجار فلا یجوز للجار إجبار المالک لکونه بلا اختیار و بین غرس الأشجار فی أرض الغیر فله إجبار المالک علی الغرس لکونه مع الاختیار لا وجه له فان دخول الأغصان علی الجار و ان کان بلا اختیار حدوثا و لکنها باقیة فی ملک الغیر باختیار المالک بقاء فله مطالبة تفریغ داره عن ملک الغیر کما لا یخفی فافهم.

و اما لو کان التغیر بالامتزاج ذکر المصنف ره صورا فی المقام لانه

ص:386

اما ان یکون بغیر جنسه و اما ان یکون بجنسه فان کان بغیر الجنس فان کان علی وجه الاستهلاک عرفا لا یحکم فی مثله بالشرکة کامتزاج ماء الورد بالزیت فإنه یعد تالفا غایة الأمر یوجب مزیة المالیة فی الخلیط الآخر فی بعض الأحیان و هذا یکون من صور زیادة مالیة العین بفعل الغابن و قد تقدم الکلام فی ذلک و ان کان الامتزاج علی وجه لا یعد تالفا کالخل الممتزج بالانجبین ففی کونه شریکا أو کونه کالمعدومة وجهان و ان کان الامتزاج بالجنس فان کان بالمساوی تثبت الشرکة و کذلک بالأردی و لو کان بالأجود احتمل الشرکة فی الثمن و ان کان الأجود یساوی قیمت الردی کان المجموع بینهما أثلاثا إلخ.

و الظاهر ان ما ذکره المصنف من الأول إلی أخره من التقسیمات مناقض لما ذکره سابق من حکم الامتزاج فی تصرفات المغبون و الظاهر انه لا فرق بینهما موضوعا و حکما و قد ذکر سابقا ان الامتزاج فی حکم التالف لحصول الشرکة المانعة عن الرد و علیه فلا وجه لما ذکره هنا من حصول الشرکة بین البائع و المشتری و قد ذکرنا سابقا فی تقریب کلام المصنف ان قانون الفسخ یقتضی رد کل من العوضین الی الآخر علی النحو الذی أخذ و من الواضح ان الامتزاج یوجب الشرکة التی عبارة عن انتقال مقدار من مال کل من الشریکین الی الآخر لتحصل الشرکة فی تمام الأجزاء التی لا تقبل القسمة عرفا و علیه فإذا فسخ المغبون و أراد رد عینه فلا یرجع الیه جمیع ما أعطاه الآخر من العوض بل مقدارا منه و مقدارا من مال الغیر لان المفروض هو حصول الشرکة کما لا یخفی و علی هذا فلا بد من الرجوع الی البدل بعد الفسخ.

و بعبارة أخری تارة نتکلم فی بقاء الخیار و عدمه مع حصول الامتزاج

ص:387

و هذا لا شبهة فیه لأنها قلنا بثبوته مع التلف و کیف بالامتزاج و الشرکة و اخری نتکلم فی إمکان رد العین مع الامتزاج و هو لا یمکن فان قانون الفسخ یقتضی رد العین علی النحو المأخوذ و المفروض انها امتزجت بغیرها و حصلت الشرکة بینهما فلو رجعت رجع نصف من العوض و نصف عن المال الآخر کما هو واضح فلا بد ح من الرجوع الی البدل من المثل أو القیمة هذا الذی ذکرناه سابقا و یجری مثله فی المقام أیضا فإنه لا فرق بین الامتزاج الحاصل بفعل الغابن أو بفعل المغبون و هذا واضح جدا.

ثم ان التکلم فی أقسام الامتزاج و حصول الشرکة فی بعضها دون بعض و ان کان خارجا عن المقام و لکن لا بأس بالتعرض لذلک لمناسبة تعرض المصنف له و الا فلیس مربوطا بخیار الغبن لما عرفت ان المزج یلحق بالخروج عن الملک و معه یمتنع الرد کما لا یخفی فنقول ان ما یمتزج من المال بمال آخر اما ان یکون بحیث یعد معدوما عرفا إذا امتزج الآخر و یکون مستهلکا فیه عرفا من غیر ان یکون ذلک موجبا للشرکة قطعا و هذا کما إذا اشتری الغابن زیتا من المغبون و مزج فیه مقدار من العطر فإنه یعد ذلک العطر تالفا فی نظر العرف فلا یوجب المزج الشرکة هنا نعم قد یوجب ذلک زیادة المالیة و ح یکون ذلک من صغریات الزیادة بتصرف الغابن و قد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا و هذا نظیر ان یقع الجرة من الحائط و حسب مائه الحلو بحوض احد فیما ماء المر فإنهما و ان کانا من جنسین و قد امتزج أحدهما بالاخر و لکن ماء الجرة لقلته بعد تالفا فی ماء الحوض کما هو واضح فهذا القسم من الامتزاج لا یوجب الشرکة قطعا ثم ان کان ذلک بغیر اختیار فیذهب العطر و ماء الجرة هدرا العدم ما یوجب الضمان علی صاحب الزیت و الحوض من الید و الإتلاف فلا یرجع علیه

ص:388

لعدم استناده الیه و لا ان هنا ما یوجب الاشتراک کما عرفت و ان کان باختیار شخص و ان کانت یده ید ضمان فلا بد علیه من أداء بدل العطر و الماء و ان کانت یده ید امانة فلا شیء علیه هذا حکم ما لو کان احد (الممتزجین)تالفا فی الآخر مع التفصیل فی الضمان.

و ان کان الامتزاج بحیث یستهلک کل من الخلطین فی الآخر و لا تبقی لکل منهما الصورة النوعیة بل تحصیل هنا صورة نوعیة اخری و ان کان المادة منهما باقیة و هذا کمزج التریاق مع الزعفران مع بعض الأجزاء الأخر فإن ذلک یوجب تشکیل صورة نوعیة التی تسمی بمعجون البزرج الذی کان مرسوما سابقا و کان یأکله الشیوخ و لا تبقی الصورة النوعیة لکل من الاجزاء فی نظر العرف و لا یبعد ان یکون السکنجبین من هذا القبیل حیث ان کل من الخل و العسل قد زالت صورتهما النوعیة فی نظر العرف و ان کانت باقیة بالدقة العقلیة و انما تحققت هنا حقیقة أخری.

و علیه فیکون کل من مالک الخل و مالک العسل شریکا فی العین بحسب المالیة لا بحسب مقدار المزوجین یعنی یقوم العسل و یقوم الخل و ینسب أحدهما إلی الأخر فیکون کل منهما مالکا للماهیة المرکبة الحاصلة من الخلیطین بحساب المالیة لا بحساب مقدار العوضین و الا فلازم ذلک ان یکون السکنجبین الحاصل من العسل و الخل الذان کل منهما کیلو واحد ان یکونا شریکین فی السکنجبین علی نسق واحد مع ان قیمة العسل عشر مقابل قیمة الخل بل أزید و یختلف ذلک زیادة و نقیصة باختلاف الموارد ای باختلاف مالیة الممزوجین و کیف کان فتحصل الشرکة هنا فی العین باعتبار نسبة مالیة الممزوجین لا قدرهما و لیست الشرکة هنا فی المالیة فقط و لا فی المقدار فقط.

ص:389

الثالث ان یکون الممتزجان من جنس واحد و لم یکن الامتزاج موجبا لإتلاف أحدهما أو کلیهما کما فی القسمین المتقدمین بل تکون عین کل منهما موجودة حتی فی نظر العرف و ان کانا مع ذلک متساویین من حیث الجودة و الرداءة فلا شبهة فی حصول الشرکة فی العین کما هو واضح.

و إذا کان المزج بالجنس و لکن بالأردی لا بالمساوی فذکر المصنف انه تحصل الشرکة أیضا و هل یستحق المغبون أرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه و لو امتزج بالأجود احتمل الشرکة فی الثمن أو فی المالیة ثم ان هذه الوجوه تجری فیما إذا مزج المغبون ففی صورة مزج الردی بالمتوسط وجوه ثلثة و بالأجود وجهان کما ذکره المصنف و ذکر شیخنا الأستاذ ان الشرکة فی المزج بالأردی أو الأجود انما تکون فی العین بحسب المقدار لا بحسب المالیة و ذلک لان الفائت لیس إلا الخصوصیة الشخصیة دون أصل المال و وصفه و مالیته فیأخذ کل منهما بمقدار ماله و لا وجه للشرکة فی المالیة لأنه إذا أمکن الشرکة فی المقدار لا تصل النوبة إلی الشرکة فی القیمة نعم لو کان المزج بفعل الغاصب أو الغابن بالاردء فعلیه أرش النقص.

أقول:لا شبهة فی ان المزج یوجب الاشتراک سواء کان بفعل الغابن أو بفعل المغبون اختیاریا کان أم قهریا فإنه علی کل تقدیر یوجب الشرکة و ذلک لبناء العقلاء علی ذلک و علی هذا فلو حصلت الشرکة القهریة بین مالی شخصین بان مزج حیوان حنطة احد بحنطة غیره مع کون أحدهما أجود بحیث یساوی منا منها بدرهمین و الآخر أردی منه و الظاهر انه لا یتوهم احد ان الشرکة الحاصلة هنا بالمزج لیست باعتبار

ص:390

المالیة بل باعتبار المقدار بأن یقسم بینهما علی حسب مقدار المالین مثلا إذا کان لصاحب الردی منان و لصاحب الجید منا یأخذ صاحب الردی منان و صاحب الجید منا و یکون التفاوت بینهما بین المجید و الردی تالفا یعنی تذهب صفة الجودة هدرا إذ لیس المزج مستندا الی أحد حتی یکون أرش النقص علیه و الظاهر أنه هذا لا یلتزم به أحد و لا یشک ذو مسکة أن الشرکة هنا فی المالیة فإن بناء العقلاء کما أنه علی حصول الشرکة بالمزج و کک بنائهم علی کونها فی العین بحسب المالیة فی مثل المزج بالردی أو بالجید و علیه فلا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من القول بکون الشرکة فی القیمة و أما الرجوع الی الأرش فلیس له دلیل أیضا بعد ما یمکن الرجوع الی نفس المال و کذلک لا دلیل أیضا علی بیع العین الممتزجة و الاشتراک فی الثمن بل لا بدّ من الشرکة فی العین باعتبار ملاحظة المالیة کما هو واضح.

و علیه فلا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من القول بکون الشرکة فی القیمة نعم بقی هنا شیء و هو ما ذکره شیخ الطائفة من أنه إذا کانت الشرکة فی المالیة یلزم الربا فإنه إذا مزّج منّ من الحنطة الجیدة بمنّ من الحنطة الردیة و قلنا بالشرکة بحسب المالیة فإنه یکون لصاحب الحنطة الجیدة أکثر من صاحب الحنطة الردیة کما إذا کانت قیمة الردی درهما و قیمة الجید درهمین فان العین الممزوجة تقسم بینهما أثلاثا فیأخذ صاحب الجید ثلثین و صاحب الردی ثلثا و یلزم الربا.

و لکن یرد علیه ان الربا لا یجری إلا فی المعاملات المشتملة علی المعاوضات و حصول الشرکة القهریة بسبب المزج لیس کک فلا یجری فیها الرّبا.

ص:391

ثمّ انه ربما یقال ان المزج إذا کان بفعل الغاصب بأن مزج الحنطة الردیة المغصوبة بحنطته الجیدة فتکون الشرکة هنا فی المقدار لان الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال و لکن یرد علیه أنه لا دلیل علی أنه یؤخذ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال و ما ذکرناه من الشرکة فی المقدار جار هنا أیضا فیکون ذلک نظیر مزج الخل بالانجبین سواء کان المزج بفعل الغاصب أو بفعل غیره اختیاریا أم غیر اختیاری ثمّ هذا کله إذا لم یکن المزج موجبا لنقصان القیمة بأن تکون قیمة کل من الردی و الجید محفوظا کما إذا اشتری الغابن منا من الحنطة الجیدة من المغبون التی قیمتها درهمان و مزجه بمنّ من حنطته الردیة التی قیمة درهم واحد و کانت المجموع المرکب قیمته ثلاث دراهم فإنه ح لم ینقص من قیمتها شیء و قد ینقص من قیمة الجید بواسطة المزج کما إذا اشتری کیلوا من الأرز الرشتی بمائه فلیس و مزج ذلک بارز کان قیمته عشرین فلسا و مزجهما الغابن فإنه ح تکون قیمة الأجود نازلا فإن زیادة القیمة من جهة جودته و صفائه و لعل قیمة الممتزجة لا تسوی أکثر من درهم واحد و علی هذا فان کان المزج بفعل الغابن أو الغاصب أو شخص آخر کان أرش النقص علیه لکونه سببا فی هذا النقص و ان کان المزج قهریا أو بفعل صاحب الجید سواء کان هو الغابن أو المغبون فلا شیء علی صاحب الردی لانه یطالب ماله بجمیع الخصوصیات فحیث لا یمکن رده کک فیأخذه بحسب المالیة یعنی یأخذ من العین بنسبة مالیة ماله لا بحسب مقداره کما عرفت من غیر ان یعطی تفاوت القیمة لعدم استناده الیه و هذا واضح جدا.

ثم بقی هنا شیء و هو انه لو امتزج غیر الجنس بغیر جنسه من غیر ان یکون أحدهما مستهلکا فی الآخر بحیث یکون تالفا کما تقدم من مزج

ص:392

العطر بالزیت و لا ان یکون کلاهما مستهلکا بحیث یکون المزج موجبا لتشکیل هیئة خاصة و ماهیة مرکبة و تکون صورتها النوعیة العرفیة غیر الصورة النوعیة فی إجراء المرکب بحیث تکون الشرکة فی المالیة کما تقدم فی مثل مزج الخل بالانجبین و لا ان یکون من قبیل مزج الجنس بالجنس بحیث تکون الشرکة فی العین فی فرض تساوی القیمتین و فی المالیة فی فرض عدم تساویهما بل یکون مزج غیر جنس بغیر جنسه بحیث یکون کل منهما ممتازا عن الآخر کمزج الحمصة مع الأرز و کمزج دقیق الأرز مع دقیق الشعیر و هکذا فان هذا القسم لا یجری فیه شیء من الأقسام المذکورة فلا بد فیه من الحکم بالشرکة فی العین بحسب المالیة أیضا کما هو واضح.

ثم انک قد عرفت ان التکلم فی أقسام الشرکة بالمزج لا یرتب بخیار الغبن أصلا فإن المزج الذی یوجب الشرکة کسائر النواقل اللازمة و انما التکلم هنا بمناسبة تکلم المصنف فیه فتحصل ان المزج یوجب الشرکة فی العین اما باعتبار المالیة أو باعتبار المقدار فلا یلزم منه الربا أیضا و لا یرجع الی الأرش أو البیع و الاشتراک فی الثمن.

قوله بقی الکلام فی حکم تلف العوضین مع الغبن

أقول التکلم فی التلف من جهة دفع توهم ان تصرف المغبون یکون مسقطا للخیار فالتلف أولی بأن یکون مسقطا للخیار و الا کان الاولی التعرض لذلک فی أحکام الخیار و انما ذکروه هنا لدفع هذا التوهم ثم ان المصنف قسم التلف إلی أقسام فإنه اما ان یکون فیما وصل الی الغابن أو فیما وصل الی المغبون و علی کل تقدیر ان التلف اما بآفة سماوی أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبی و الظاهر انه لا فائدة لهذا للتقسیم کما ذکره المصنف فإنه لا یفرق الحکم بین ان یکون التلف فیما وصل الی الغابن أو فیما وصل الی المغبون

ص:393

و بین ما ان یکون التلف بنفسه أو بتسبیب غیره من أحدهما أو من الأجنبی

بل اللازم ان نتکلم هنا فی مسائل ثلث

الأول فی حکم التلف و الإتلاف فإنهما واحد الثانیة فی حکم إتلاف کل من الغابن و المغبون ماله الآخر الذی انتقل من أحدهما إلی الآخر الثالث فی حکم إتلاف الأجنبی

اما المسألة الاولی فی حکم التلف و الإتلاف

فقد یکون التلف بعد الفسخ و قد یکون قبل الفسخ اما الأول فلا شبهة فی کونه موجبا للضمان فإنه بعد الفسخ یکون المال مال غیر فیکون حکمه حکم الغصب فیکون ضمانه علی الفاسخ فان یده بعد الفسخ ید ضمان فلا بد من الخروج عن عهدته لانه علی الید ما أخذت حتی تؤدی و لو کان ذلک بالسیرة سواء کان التلف غیر مستند الی شخص ای شخص کان أو مستند الیه و اما إذا کان التلف قبل الفسخ فتارة یکون الکلام بالنسبة إلی الخیار و اخری بالنسبة إلی الضمان اما الأول فقد عرفت فیما سبق ان الفسخ متعلقة العقد لا العین و علیه فیبقی الخیار علی حاله سواء کان التلف بفعل المغبون أو الغابن أو الأجنبی أو بنفسه فإذا فسخ ذو الخیار العقد فیرجع کل منهما الی البدل مع تلف العینین لان الرجوع الی العین مستحیل نعم بناء علی کون متعلق الفسخ هو العین کما ان متعلق جواز الرجوع فی المعاطاة هو العین لکان لسقوط الخیار بالتلف وجه و لکن لیس الأمر کک.

و اما الکلام فی الضمان فلا شبهة انه إذا فسخ ذو الخیار العقد فیکون ضامنا للعوض فلا بد من الخروج عن عهدته بمقتضی دلیل الید أو السیرة العقلائیة و لکن حیث یستحیل الرجوع الی العین فلا بد من الرجوع الی البدل من المثل أو القیمة و هذا لا شبهة فیه و انما الکلام فی انه مع الرجوع الی القیمة هل إلی أعلی القیم من زمان الضمان الی زمان

ص:394

الأداء أو قیمة یوم الفسخ أو قیمة یوم التلف أو قیمة یوم الأداء وجوه و قد تقدم تفصیل المسألة فی المقبوض بالعقد الفاسد و قد تعرضنا هنا لحکم الغصب و ما فی حکمه من المقبوض بالعقد الفاسد و نحوه و إجمال الکلام هنا انه قد یقال بضمان أعلی القیم فان مقتضی الید ان لا یخرج من عهدة الضمان إلا بأداء ما وضع یده علیه و من المعلوم ان العین مع قیمته الأعلی تحت ید الغاصب فتکون مضمونة علی الغاصب و من فی حکمه ممن یأخذ بالعقد الفاسد أو بالفسخ و لکن الظاهر انه لا دلیل علی الضمان بأعلی القیم بوجه کما تقدم فی مسألة الغصب و قد أشرنا الی ذلک آنفا و الوجه فیه ان ما یدخل تحت الید بواسطة الغصب و نحوه انما هو العین مع الأوصاف الدخیلة فی زیادة المالیة فإن دلیل علی الید أو السیرة العقلائیة یقتضی أداء العین مع جمیع تلک الخصوصیات و حیث استحال ذلک فلا بد من الرجوع الی البدل من المثل أو القیمة و اما ترقی القیمة السوقیة أو تنزلها فلا یدخل تحت الضمان أصلا فإن القیمة السوقیة قائمة بالاعتبار فتزید تارة و تنقص اخری فلا تدخل تحت قاعدة ضمان الید کما هو واضح فإنها لم تؤخذ حتی تکون معنی بالأداء.

و اما ضمان العین بقیمة یوم التلف فقد یقال به من جهة ان وقت الانتقال إلی القیمة هو ذلک الیوم فیضمن الغاصب و من فی حکمه بذلک القیمة و قد أجبنا عن هذا الوجه فیما سبق بأنه و ان کان یوم التلف هو یوم الانتقال إلی القیمة و لکن أی القیمة هل هی قیمة یوم التلف کما زعمه المستدل أو قیمة یوم الغصب أو قیمة یوم الأداء أو أعلی القیم فمجرد کون یوم التلف یوم الانتقال إلی القیمة لا یدل علی ان تلک القیمة هی قیمة یوم التلف کما هو واضح و علی القول بتمامیته فی مسألة الغصب لا یجری

ص:395

هنا فإنه فیما یکون المال مغصوبا و مضمونا بعینه لکی ینتقل الی البدل یوم التلف و فی المقام لیس کذلک فان التلف انما وقع فی ملک الغابن أو المغبون علی الفرض فان المفروض ان التلف انما هو قبل الفسخ فلا ضمان هنا حتی یوجب ذلک انتقال العین إلی القیمة یوم التلف کما هو واضح نعم یمکن ان یقال باعتبار ضمان قیمة یوم التلف من حین الفسخ أو یوم الأداء و لکنه لا دلیل علیه.

بقی الکلام فی ان المناط فی وقت الضمان هل هو یوم الفسخ أو یوم الأداء فذهب شیخنا الأستاذ فی خصوص هذه المسألة ان المناط هو قیمة یوم الأداء کما هو مقتضی القاعدة و تقریب ذلک ان الغاصب إذا غصب عینا فتبقی تلک العین حتی مع تلفها فی ذمة الغاصب و من فی حکمه الی وقت الأداء و ح حیث لا یعقل رد العین التالفة مع التلف فقهرا تنتقل إلی القیمة أو المثل فیکون المناط حینئذ قیمة یوم الأداء و هذا الذی تقتضیه القواعد و قد اعتمدنا علیه فی تلک المسألة ای مسألة الغصب و لکن قلنا فی تلک المسألة ان صحیحة أبی ولاد واردة علی خلافها فإنها اعتبرت فی الضمان و فی وجوب أداء القیمة قیمة یوم الغصب و علیه فرفعنا الید عن القاعدة فی مسألة الغصب و ما فی حکمه و حکمنا بوجوب قیمة یوم الغصب و هل یجوز التعدی من مورد الصحیحة الذی هو الغصب الی غیره أم لا فالظاهر انه لا مانع من التعدی و تقریب ذلک ان النسبة بین قیمة یوم الغصب و یوم الأداء هی العموم من وجه فإنه قد تکون قیمة یوم الغصب أکثر و قد تکون قیمة یوم الأداء أکثر و قد یتساویا فإذا کانت قیمة یوم الغصب أقل من قیمة یوم الأداء فیحتمل ان یکون الشارع قد لاحظ حال الغاصب و راعاه و لم یلاحظ حال غیرهم من الضمانات

ص:396

و اعتبر علیهم قیمة یوم الأداء و هو مقطوع العدم فإن القاعدة عکس ذلک و قد ذکر الفقهاء ان الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال و یحتمل ان یکون ذکر یوم الغصب فی الصحیحة من جهة کونه هو المناط فی الضمان بالقیمة فحیث کان الأول مقطوع العدم فیتعین الثانی کما هو واضح فیحکم بکون المناط فی الضمان هو یوم الغصب حتی مع القول بان الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال فإن المراد من أخذه بأشق الأحوال هو عدم المسامحة فی المطالبة سواء کان واجدا أم فاقدا کما یجب المسامحة فی مطالبة الدین مع العسر بل الغاصب حکمه حکم الواجد یحل عرضه و عقوبته.

و العجب من شیخنا الأستاذ مع انه بنی فی المقبوض فی العقد الفاسد علی ان المناط فی الضمان انما هو یوم الغصب لصحیحة أبی ولاد و مع ذلک بنی فی المقام بان المناط هو قیمة یوم الأداء عملا بالقاعدة.

المسألة الثانیة فیما کان تلف کل من العوضین بفعل الطرف

بأن أتلف الغابن ما انتقل منه الی المغبون و بالعکس ثم فسخ المغبون العقد و الغرض هنا بیان ان الغابن بأی شیء یضمن بإتلافه و ان المغبون بأی شیء یضمن بفسخه و هکذا إذ أتلف المغبون ما انتقل منه الی الغابن و یتکلم فی ان المغبون أی شیء یضمن بإتلافه مال الغابن و ان الغابن بأی شیء یضمن بفسخ المغبون العقد و تحقیق الکلام إذا أتلف الغابن مثلا مال المغبون الذی انتقل منه إلیه فإن أدی الغرامة فلا کلام لنا فیه و ان بقیت الغرامة حتی فسخ المغبون العقد فإنه یرجع الی الغابن بماله و حیث لیست العین موجودة فیأخذ قیمتها ان قلنا ان المناط فی الضمان بقیمة العین انما هو یوم التلف فلا کلام لنا فیه و کذا إذا قلنا بکون المناط قیمة یوم الأداء إذ لا یختلف الحال حینئذ بین ضمان المتلف و الضمان

ص:397

الحاصل بالفسخ فان المناط فی الضمان انما هو قیمة یوم التلف و ان کان الفسخ متأخرا فإنه ح یسقط الضمانین بالتهاتر فان المغبون یطلب ماله من الغابن الذی أتلفه بقیمة یوم التلف و الغابن یطلب عین هذا المال من المغبون الفاسخ أیضا بقیمة یوم التلف فیقع بینهما التهاتر و هکذا لو کان المناط هو قیمة یوم الأداء کما هو واضح و انما الکلام فیما إذا قلنا بان المناط فی ضمان القیمة انما هو قیمة یوم الغصب فإنه حینئذ یختلف ضمان الغابن بقیمة العین و ضمان المغبون بها و کثیرا ما یکون أحدهما أکثر من الآخر کما إذا أتلف الغابن العین التی انتقلت منه الی المغبون و کانت قیمته فی ذلک الیوم الذی هو یوم الغصب و الضمان عشرة ثم مضت مدة ففسخ المغبون العقد و کانت قیمة العین فی یوم الفسخ عشرین و کان هذا الیوم الذی ضمن المغبون القیمة لکونه بمنزلة یوم الغصب و علیه فتکون ما ضمنه المغبون فی صورة کون الغابن متلفا لما انتقل منه الی المغبون أقل مما ضمنه المغبون بالفسخ و ضمان الید و علیه فلا یمکن ان یقع التهاتر بینهما بالنسبة إلی تمام ما اشتغلت ذمة المتلف و ذمة الفاسخ بل بالنسبة إلی مدار خاص و اما المقدار الزائد فلا بد للمغبون ان یخرج من عهدته و یطلب من الغابن ثمنه.

و بعبارة اخری ان المغبون فی الفرض المذکور یطلب من الغابن شیئین أحدهما عین ماله التی أتلفها الغابن و الثانی الثمن الذی أعطاه للغابن فإنه یطلب منه ذلک بعد الفسخ اما الثمن فلا شبهة فی انه یطلبه من الغابن علی کل تقدیر و اما العین التی أتلفها الغابن فان کان اشتغال ذمتهما بقیمة یوم واحد اما یوم التلف أو یوم الأداء بحیث تکون ذمة الفاسخ أیضا مشغولة بقیمة یوم التلف من حین الفسخ أو کان اشتغال

ص:398

ذمتهما بقیمة یوم الأداء فلا شبهة فی سقوط حق کل منهما عن ذمة الآخر بالتهاتر سواء طلب کل منهما حقه عن الآخر أو أحدهما و هذا لا شبهة فیه و ان قلنا بضمان قیمة یوم الغصب فح تختلف الحال فی ضمان کل منهما للآخر فإنه ربما یکون ذلک فی أحدهما أزید من الآخر کما عرفت فح لا یحصل التهاتر إلا فی الجزء فقط.

و لکن یمکن ان یقال بحصول التهاتر هنا و ان قلنا فی المقبوض بالعقد الفاسد و مثله بکون المناط فی الضمان بالقیمة هو قیمة یوم الغصب لصحیحة أبی ولاد لأنها لا تشمل ما نحن فیه و بیان ذلک ان مقتضی القاعدة کما عرفت انما هو ضمان نفس العین ابتداء و انما ینتقل الی مثل أو القیمة مع عدم إمکان رد العین و عرفت أیضا ان العین تبقی فی الذمة إلی وقت الأداء ففی ذلک الوقت تنتقل إلی القیمة کما هو واضح لعدم إمکان أدائها حتی لو عادت العین الی ملک الضامن بقدرة إلهیة کان الواجب علی الضامن ان یؤدیها إلی المضمون له کما هو واضح و علیه فإذا کان ذمة کل من الغابن و المغبون مشغولة بعین واحدة أحدهما بالإتلاف و الآخر بالفسخ فان مقتضی الفهم العرفی هو وقوع التهاتر فی ذلک و عدم ثبوت حق مطالبة کل منهما علی الآخر کما إذا أخذ أحد خبزا من الخباز بعشرین فلسا مع کون الخبز خمس أفلس ثم غصب الخباز ذلک الخبز فأکله ثم التفت المغبون الی الغبن ففسخ العقد فإنه یرجع الیه و یأخذ منه عشرین فلسا و لیس للغابن فی نظر العرف ان یطالب منه خبزه و یقول وجب علیک ان تعطی خبزی و وجب علی ان اعطی خبزک فإن أهل العرف یقولون ان ما عطیته هو الذی أخذته و أکلته.

ص:399

و بعبارة اخری ان الضمان بالقیمة انما هو مع عدم التمکن من العین و قد عرفت ان العین انما هو باقیة فی ذمة الضامن الی وقت الأداء و علیه فإذا أتلف الغابن العین التی انتقل الی المغبون فتکون ضامنا لنفس ذلک العین و حیث طلبها المغبون فلا یمکن أداء نفسها فلا بد من أداء مثلها أو قیمتها و إذا فسخ المغبون العقد فتکون ذمته أیضا مشغولة بنفس تلک العین فإذا لم یخرج عن عهدة الغرامة قبل الفسخ لیکون المغبون ح متمکنا من أداء العین فإن ذمة کل منهما مشغولة بالعین کما عرفت فیقع التهاتر فیحصل الأداء کما هو واضح و ح تنقلب القیمة أو المثل الی نفس العین کما إذا عادت العین بمعجزة و من الواضح ان مورد الصحیحة انما هو صورة عدم التمکن من أداء العین و کون الضمان فی طرف واحد فلا تشمل المقام و توهم أنها مطلقة بالنسبة إلی عود العین أیضا لاستحالة الإهمال فی الواقع فاسد بل الحکم مقید فی الواقع و فی مقام الثبوت بعدم العود و فی مقام الإثبات لم یقید المولی و انما أهمل لعدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة و قد فرضنا الکلام فی إتلاف الغابن مال المغبون و یجری جمیع ذلک فی عکس ذلک کما یظهر بالتأمل فلا یحتاج الی التکرار ثم لا یخفی انه فی حکم الأداء لو ابرء احد ذمة المتلف فهو بمنزلة القبض.

المسألة الثالثة ان یکون المتلف هو الأجنبی

فلو أخذ منه صاحب المال قبل الفسخ قیمة یتعین رجوع الفاسخ الی المفسوخ علیه و کذا العکس و اما لو لم یأخذها ففسخ ذو الخیار فلا یتعین علی کل منهما الرجوع الی طرفه بل یتخیر بین الرجوع الی الطرف و الرجوع الی المتلف کما هو مقتضی ضمان شخصین لمال واحد علی التعاقب و لکن لا یجری

ص:400

ذلک بناء علی اعتبار قیمة یوم الفسخ بل یتعین ح الرجوع الی الطرف سواء سواء کان هو الغابن أو المغبون لأن المال و ان کان فی ذمة المتلف أیضا الاّ أنه قد أتلف هو ما لیس للفاسخ قبل الفسخ بل لطرفه فیکون الأجنبی ضامنا للمالک.الفعلی دون المالک الأصلی و المالک الأصلی یطلب مصداق مالیة یوم الفسخ فلا یشتغل بقیمة یوم الفسخ الاّ الطرف لا المتلف لکونه مکلفا بأداء قیمة یوم التلف أو یوم الأداء و ما ذکرناه أوضح بناء علی کون الطرف ضامنا لنفس العین بمقتضی دلیل الید و اللّه العالم بالأحکام و رسوله و خلفائه الکرام صلوات اللّه علیه و علیهم الی یوم القیامة

قوله مسألة الظاهر ثبوت خیار الغبن فی کلّ معاوضة مالیة

بناء علی الاستناد فی ثبوته فی البیع الی نفی الضرر أقول لم یقع التعرض لثبوت هذا الخیار فی غیر البیع فی کلمات الأصحاب کما وقع التعرض بجریان خیار الشرط فی غیره و لکن عدم تعرضهم لذلک لا یکشف عن اعتقادهم بعدم جریانه فی غیر البیع أو جریانه فیه و أما تعرضهم لعدم جریان خیار المجلس فی غیر البیع من جهة ذهاب بعض العامة إلی جریانه فی ما عدا البیع أیضا.ثمّ انه لا دلیل بالخصوص علی جریانه فی غیر البیع أو عدم جریانه فیه و انما المهم هو التعرض لمدرک هذا الخیار حتی یعلم أنه علی نحو یجری فی غیر البیع أیضا أو لا فنقول ان کان مدرک خیار الغبن هو الإجماع فلا شبهة فی عدم جریانه فی غیر البیع لأنه دلیل لبی و لا بد من أخذ المتیقن منه و هو البیع و ان کان مدرکه هو نفی الضرر فیشمل ذلک غیر البیع أیضا إلا إذا کان هنا اقدام علی الضرر فإنه مع الاقدام لا یکون هنا خیار و لا یبعد صدق الاقدام علی الضرر مع العلم و الجهل کما تقدمت الإشارة الی ذلک سابقا و لا یختص ذلک

ص:401

بصورة العلم بالغبن کما ذکره المصنف و بنی علیه و کیف لا یهمنا التکلم فی ذلک بعد ما عرفت من عدم تمامیة دلالة حدیث لا ضرر علی المقصود و انما المدرک هو الشرط الضمنی کما تقدم تفصیله و علیه فلا بد من التکلم علی هذا المبنی فنقول قد یکون البناء فی المعاملة علی الدقة و عدم المغابنة و قد یکون علی السمحة و المسامحة و قد لا یکون العقد مبنیا علی شیء اما الأول فلا شبهة فی تحقق الشرط الضمنی فیه فان بناء العقلاء علی تساوی القیمتین فیه فتکون قرینة نوعیة علی تساوی القیمتین و مع انتفاء القرینة النوعیة فتلاحظ القرینة الشخصیة علی ذلک و من ذلک الإجارة و الصلح فی مقام البیع و الإجارة و لا یفرق فیه أیضا بین أفراده إلا إذا قامت قرینة خارجیة علی عدم تحقق ذلک الشرط کالبیع بین الوالد و الولد فإنه إذا وقع الغبن فی ذلک فالارتکاز قائم علی عدم الشرط فیه نوعا.

و اما الثانی فلا یجری فیه الشرط الضمنی کالصلح فی مقام المرافعة حیث ان بنائه علی قطع النزاع و التشاح فجریان الخیار فیه ینافی ذلک و کذلک الصلح فی غیر موارد البیع و الإجارة بأن کان علی إبراء جمیع ما فی الذمة کائنا ما کان إلا إذا ظهر الحال و علم ان ما فی ذمة المدیون من الدیون أضعاف ما اعتقده المتصالح فإنه حینئذ لا قرینة نوعیة و لا شخصیة علی عدم الشرط هنا بل القرینة الشخصیة قائمة علی تحقق الشرط الضمنی کما هو واضح.

و اما الثالث فلا بد فیه من ملاحظة حال الأشخاص فی شخص المعاملة کالجعالة فعلم ان جریان الغبن فی أی معاملة یحتاج الی جریان الشرط الضمنی فیه علی تساوی القیمتین و جریان الشرط الضمنی علی تساوی القیمتین یحتاج إلی القرینة النوعیة أو الشخصیة و الحاصل ان

ص:402

مقتضی أصالة اللزوم انما هو الحکم بلزوم کل معاملة و علیه فمقتضی الأصل الاولی هو اللزوم فی جمیع المعاملات و ح فلا بد من رفع الید عنها من ملاحظة القرائن الخارجیة القائمة علی عدم اللزوم فیها فان قامت قرینة عامة کبناء العقلاء أو خاصة علی عدم التسامح و التساهل فی المعاملة أزید مما لا بد منه فلا شبهة فی تحقق الشرط الضمنی فیها علی التساوی و عدم التغابن لان هذه القرینة قرینة علی الاشتراط فیلزم الخیار من تخلفه و یجری ذلک فی کل عقد و معاملة حتی الصلح الذی کان البناء فیه علی التسامح و التساهل إلا إذا ظهر التفاوت أزید مما اعتقد المتصالح فإنه بالنسبة إلی الزائد یجری الاشتراط المذکور و یلزم من تخلفه الخیار و قد تقدم ذلک فی السابق الی جریان الخیار فی التفاوت الزائد عن المقدار الذی وقع فیه التسامح و فی کل مورد قامت قرینة عامة أو خاصة علی ان بناء المتعاقدین علی المسامحة و المساهلة بحیث تکون هذه القرینة دالة علی عدم الاشتراط فلا یجری فیه الخیار سواء کان ذلک صلحا أو بیعا فإنه ربما تقوم القرینة علی عدم الاشتراط و ان لم یلتفت المتعاملان الی الغبن کما إذا باع الوالد مالا من ولده بخمسین دینارا مع الغفلة عن کونه یساوی بالماء فإنه و ان تحقق غبن لا یتسامح هنا و لکن الارتکاز العرفی بل القرینة الخاصة أعنی رأفة الوالد علی ابنه قائمة علی عدم الاشتراط إلا إذا لم تکن بینهما رأفة تقتضی ذلک فإن القرینة العامة أو الخاصة قائمة علی اشتراط تساوی القیمتین هنا أیضا و من هنا ظهر ان المناط فی الاشتراط و عدم الاشتراط انما هو البناء الشخصی علی الاشتراط و ان کانت القرینة علی الاشتراط ربما تکون نوعیة اعنی بناء العقلاء علی الاشتراط و لکن مع ذلک قد تکون القرینة الحاصلة أیضا

ص:403

موجودة علی ذلک اعنی بناء الشخصی من المتعاملین علی التساوی أو علی عدمه و قد نقل المصنف عن بعض و قواه شیخنا الأستاذ بل قد تنحصر القرینة بالثانی مع انتفاء الاولی و قد تکون القرینة الخاصة أعنی البناء الشخصی مقدما علی القرینة العامة کما ان بناء العقلاء علی التساوی فی البیع و مع ذلک قد یکون بناء المتعاقدین علی التسامح کما تقدم و من هنا ظهر انه لا نحتاج الی تحقیق مفهوم الغبن و کون الحکم دائرا مدار صدق الغبن و عدمه کما ذکره بعضهم لا من جهة عدم وروده فی الاخبار کما ذکره المصنف بل من جهة ان مبنی المسألة لا یحتاج الی ذلک کما هو واضح.

قوله مسألة اختلف أصحابنا فی کون هذا الخیار علی الفور أو علی

التراخی علی قولین

أقول ذهب المشهور الی کون الخیار علی خلاف الأصل فیقتصر فیه علی المتیقن و ذهب بعض آخر الی ثبوته ما لم یطرءه رافع للاستصحاب و ذکر فی الریاض ان المستند فی الخیار إن کان الإجماع المنقول اتجه التمسک بالاستصحاب و ان کان نفی الضرر وجب الاقتصار علی الزمان الأول إذ به یندفع الضرر هذا فنقول ان ثبوت الخیار بعد الآن الأول یحتاج الی انتفاء أحد أمرین الأول عدم وجود المقتضی للزوم فی الآن الثانی و الثانی عدم المانع عنه فإذا ثبت أحدهما لا یثبت الخیار مستمرا بل لا بد من الأخذ بالقدر المتیقن فلا بد فی المقام من تنقیح هذا المطلب أی المقتضی و المانع و لذا ذکر جامع المقاصد ان العموم الثابت للعقد مستمر بحسب الزمان و المانع عنه مفقود فلا بد من الاقتصار بالقدر المتیقن و قد أشکل المصنف علیه و علی بقیة الوجوه المذکورة فی المقام بما ذکر أشار إلیه فی المقام و ذکر تفصیله فی کتاب الرسائل و حاصل:ان

ص:404

الحکم الثابت علی العام تارة یکون ثابتا علی افراده بحسب التعدد و التکثیر بان یکون لما تحت العام حکم فی کل آن بحیث یتکثر الحکم فی طول الزمان و یکون للعام افراد طولیة کما تکون له أفراد عرضیة کما إذا قال أکرم العلماء فیکون غرضه تعدد الحکم بحسب قطع الزمان فیکون الزمان مکثرا للحکم و یکون هنا إکرام متعدد حسب تعدد الآنات و الساعات و قد یکون الحکم الثابت لافراد العام حکما واحدا مستمرا إلی الأبد بحیث لا یکون الزمان مفردا و مکثرا و قیدا للحکم و موضوعا له بل یکون ظرفا کما إذا فرضنا فی المثال المتقدم ان وجوب الإکرام شیء واحد ثابت لافراد العلماء من غیر ان یکون التعدد بحسب الآنات بل لکل واحد من افراد العام حکم واحد مستمر من غیر ان یتعد حسب تعدد الآنات فعلی الأول فإذا ورد مخصص علی العام بان خرج إکرام زید العالم عن تحت العموم فی یوم الجمعة فلا بد من الاقتصار فی التخصیص بخصوص ذلک فقط فلا یمکن التعدی إلی الیوم الثانی أیضا بالاستصحاب لانه من قبیل اسراء الحکم عن موضوع الی موضوع آخر فهو لا یجوز لان الحکم فی حکم آن مستقل و هذا بخلاف الثانی فإنه إذا ورد التخصیص علی العام و اخرج الفرد عن تحت حکمه کان ذلک موجبا لخروجه عن تحته مستمرا و الی الأبد و فی هنا إذا شک فی ثبوت حکم العام بعد المخصص نستصحب حکم المخصص فلا مورد هنا للاقتصار بالقدر المتیقن لکونه خروجا واحدا عن تحت العام فلا یفرق فیه بین خروج عن حکم العام دائما أو فی زمان ما إذ لیس فی خروجه دائما زیادة تخصیص فی العام حتی یقتصر عند الشک فیه علی المتیقن.

و اما کشف ان الحکم الثابت علی العام استمراری أو لا فلا بد و ان

ص:405

یثبت من الخارج أو بدلیل اللغویة کما ان قوله(علیه السلام)حلال محمد(صلی الله علیه و آله) حلال الی یوم القیامة و حرامه حرام الی یوم القیامة یدل علی استمرار الاحکام الی یوم القیامة فلو ثبت من الخارج انقطاع الحلیة أو الحرمة و عدم استمرارهما الا الی وقت خاص لا یکون ذلک مشمولا للروایة فیکون خارجا عنها فإنها تدل علی استمرار الاحکام الی یوم القیامة مع عدم الانقطاع و بعده لا حلال و لا حرام حتی یستمر الی یوم القیامة و لیس فیها تعرض لإیجاد الحلال حتی یکون مستمرا و الا یلزم إیجاد الحکم موضوع نفسه و علیه فإذا ورد عام و وردت روایة مثلا علی استمرار حکم العام أو قامت قرینة علی ذلک من لغویة عدم الاستمرار نحکم بذلک فإذا ارتفع الحکم فی زمان یخرج عن تحت العام و نستصحب مع الشک حکم الخاص و لا یکون ذلک الدلیل مقتضیا لاستمراره مثلا ان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ یدل علی وجوب الوفاء بکل عقد و لا شبهة انه لا معنی لحصول الملکیة فی آن دون الآن الثانی بحیث یکون فی کل آن حکم مستقل فمن جهة لزوم لغویة حکم الوفاء بالعقد استفدنا استمرار الحکم فی جمیع الأزمنة و إذا رفع الحکم فی زمان اعنی الوفاء لارتفاع الملکیة کما فی المعاطاة بناء علی عدم إفادتها الملکیة و کعقد ازدواج بعد رفعه بالطلاق فان ما یقتضی لغویة الزوجیة فی آن دون غیره لا تشمل بعد الرفع و لم یبقی هنا شیء حتی یجب الوفاء به و لا یکون الدلیل الدال علی الاستمرار جاریا فی المقام فان الدلیل انما کان هو لزوم الغویة الملکیة فی آن واحد دون غیرها و المفروض انه لیس هنا ملکیة حتی یلزم اللغویة من اعتبارها فی زمان دون زمان آخر کما هو واضح و ان اللغویة لا توجد الملکیة و الا یلزم تعرض الحکم لموضوعه.

ص:406

و الحاصل ان روح کلام المصنف انه إذا ورد الحکم علی الاستمرار و الزمان فیکون حینئذ للعام افراد طولیة نظیر الأفراد العرضیة فیکون الزمان قیدا للحکم و مکثرا له فإذا ورد التخصیص فی زمان لا یکون مخصصا إلا فی ذلک الزمان الخاص کما هو واضح و اما إذا ورد الاستمرار علی الحکم بحیث یکون الحکم موضوعا للاستمرار فیکون الحکم ثابتا للفرد مستمرا فإذا خرج عن تحت العام خرج أبدیا کما هو واضح و ان ورود الاستمرار علی الحکم انما هو اما بدلیل اللغویة أو بدلیل خاص کما إذا فرضنا ورود الروایة علیه مثلا.

و اما الوجه فی ملاحظة الاستمرار هو ما ذکره المصنف من لزوم اللغویة من عدم ملاحظة الاستمرار أو قیام الدلیل الخارجی علی ذلک و الا فالظاهر من تعلق الحکم بالفعل هو الآن الأول لا الاستمرار و من هنا ظهر ما ذکره من تغایر مورد التمسک بالعام و مورد التمسک بالاستصحاب فان مورد التمسک بالعام انما هو صورة کون الزمان مکثرا فلا یجوز ح التمسک بالاستصحاب حتی مع وجود المانع عن التمسک بالعام بل لا بد من التمسک بأصل أخر و مورد التمسک بالاستصحاب هو فرض کون الزمان ظرفا فإنه ح لا یجوز التمسک بالعام حتی مع المنع عن التمسک بالاستصحاب.

أقول هذا الذی أفاده المصنف انما یتم فی الجملة لأنه لا یجری بالنسبة إلی الأحکام التکلیفیة بل یجری فی الأحکام الوضعیة اما الأول:

فلانه لا معنی لتوهم الاستمرار فی الأحکام التکلیفیة أصلا فإن الحکم الوارد علی الافعال سواء کان بعنوان الاستقلال و العام الاستغراقی أو بعنوان العام المجموعی یلاحظ بالنسبة الی کل فرد و علی کلا التقدیرین لا یلاحظ

ص:407

الاستمرار فیه مثلا لو قال المولی أکرم هؤلاء العشرة ثم اخرج منها واحدا لا یرتفع الحکم عن الباقی بل لا بد له فی إکرام العشرة أو قال الکذب حرام فان الظاهر منه ان کل فرد من الکذب فیکون لکل فرد حکم أی حرمة خاصة و یسری الحکم الی جمیع الافراد بعنوان الاستغراق أو بعنوان العام المجموعی و علی الأول تکون الحکم بالنسبة الی کل فرد مستقلا واضح فإذا ورد التخصیص بإخراج فرد من العام یبقی الباقی تحته کالحکم بحرمة الکذب مع إخراج فرد منها و کذا فی ناحیة الوجوب و علی الثانی ان الظاهر أیضا من تعلق الحکم بالفعل هو ثبوته له علی نحو الاستقلال کما إذا قال أکرم هؤلاء العشرة فإذا أخرج منها واحدا تبقی التسعة تحت العام و یجب إکرامهم و لیس هنا استمرار أیضا فإن اعتبار وجوب الإکرام فی ساعة دون غیرها لا یستلزم اللغویة.

و اما فی الحکم الوضعی فیجری ما ذکره المصنف مثلا إذا ورد من استولی علی شیء فهو له أو من حاز ملک و استفدنا من دلیل خارجی أو من لزوم الغویة أن تکون الملکیة حاصلة فی آن دون آن آخر فتحکم ح بحصول الملکیة المستمرة فإذا ورد فی دلیل خاص أو اللقطة العمران لا یملکها الواحد فیکون ذلک خارجا عن عموم من حاز ملک علی تقدیر کونه روایة و عن عموم من استولی علی شیء فهو له و لا یکون الدلیل الخارجی أو لزوم اللغویة المقتضیة للملکیة المستمرة شاملة للاستیلاء علی اللقطة و حیازتها لعدم حصول الملکیة هنا حتی تکون مستمرة فما ذکره المصنف صحیح فی مثل ذلک.

ص:408

و قد انتهی کلامنا الی التمسک بالعموم بعد ورود التخصیص علیه و ان المصنف قد ذکر ان مورد التمسک بالعام یغایر مورد التمسک- بالاستصحاب ففی مورد نتمسک بالعام لا یجوز التمسک بالاستصحاب حتی مع عدم التمسک بالعام و فی مورد التمسک بالاستصحاب لا یجوز التمسک بالعام حتی مع ثبوت المنع عن التمسک بالاستصحاب و فیما ورد الزمان علی الحکم و ثبت الاستمرار علیه فلا یجوز التمسک بالعام بعد ثبوت التخصیص لان الحکم لا یتعرض علی موضوعه اعنی الاستمرار و انما هو من دلیل خارجی فحیث ورد التخصیص فی الافراد الطولیة علی هذا الدلیل الخارجی المثبت للاستمرار لا یجوز بعده التمسک بالعام فی المشکوک فالمورد هنا مورد الاستصحاب و إذا کان الحکم فی العام ثابتا علی الزمان فیکون ثابتا لکل فرد طولی أیضا کما هو واضح ثم طبق ذلک علی المقام فقال ان مقتضی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو ثبوت الحکم لکل عقد من الافراد الطولیة فإذا خصص هذا العام و خرج منه عقد واحد فی زمان فلا یجوز التمسک بالعموم بالنسبة إلیه فی زمان آخر لعدم إمکان تعرض الحکم لاستمراره الثابت بدلیل خارجی أعنی لزوم اللغویة من اعتبار الملکیة مثلا فی زمان دون زمان آخر فلا بد من التمسک بالاستصحاب.

أقول لا بأس بما ذکره علی نحوه الاجمال لا فی جمیع الأحکام التکلیفیة و الوضعیة بل فی الثانیة فی الجملة و توضیح ذلک ان الاحکام التکلیفیة لا معنی فیها لورود الاستمرار ای الزمان علی الحکم بحیث تلاحظ علی نحوین و ذلک لأنها تحریمیة کان أو وجوبیة استغراقیة کانت أو مجموعیة إنما تتعلق بالافعال ای بأفعال المکلفین و لا شبهة ان الفعل یتقدر و یتقطع بالزمان و إذا کان ذلک الفعل متعلق للعام أو المطلق

ص:409

توجد له أفراد طولیة کماله افراد عرضیة سواء کان الحکم تحریمیا أو وجوبیا غایة الأمر،الأمر فی الأول أوضح و علی هذا فقد ذکرنا فی علم الأصول ان الإهمال فی الواقع و مقام الثبوت محال فلا یعقل ان یکون الحکم فی الواقع لا مطلقا و لا مقیدا بل کان مهملا لانه لا یعقل ان یجعل المولی حکما و لکن لا یلتفت الی أنه بأی نحو مطلق أم مقید و ان کان ذلک ممکنا فی مقام الإثبات و علی هذا فإذا ورد حکم من المولی و کان فی مقام البیان و لم یقیده بشیء نستکشف من ذلک سریان الحکم الی جمیع افراد العام أو المطلق الأفراد العرضیة أو الافراد الطولیة و علیه فإذا ورد تخصیص أو تقیید فاخرج فرد من افراد العام أو المطلق نتمسک فی الباقی بالإطلاق أو العموم فنثبت الحکم للفرد المشکوک فلا مورد هنا للاستصحاب أصلا مثلا إذا ورد عام أو مطلق علی ان الکذب حرام أو کل کذب حرام فلا شبهة ان متعلق الحرمة هنا هو الفعل الخاص الصادر من المکلف و انه یتقدر بالزمان بحیث ان الکذب الصادر منه فی هذا الزمان غیر الکذب الصادر منه فی زمان قبله کما انه غیر الکذب الصادر منه فی زمان بعده فیکون کل کذب بحسب طول الزمان و عرضه فردا مغایرا للافراد الأخر فحیث إن الإهمال فی الواقع محال فلا بد و ان یکون الحکم فیه اما مطلقا أو مقیدا فحیث لم یقید الخطاب فی مقام الإثبات مع کونه فی مقام البیان فحسب تبعیة مقام الثبوت لمقام الإثبات من حیث الإطلاق و التقیید فنکشف الإطلاق فی مقام الثبوت أیضا کما هو واضح و علی هذا فإذا خرج فرد من افراد الکذب عن تحت الإطلاق أو العموم فإنه لا شبهة فی جواز التمسک بالعموم أو الإطلاق فی الافراد الأخر فلا مجال بوجه لتوهم جریان الاستصحاب فیه و کذلک إذا ورد النهی عن شرب الخمر

ص:410

فان مقتضی الإطلاق حرمة أی شرب کان من أفراد العرضیة و الطولیة فإذا خرج فرد من تحته نتمسک فی الباقی بالإطلاق کما هو واضح إلا لوحظ الحکم بعنوان العام المجموعی أی یکون الحکم الواحد ثابتا للافراد بین المبدء و المنتهی من غیر ان یکون لکل فرد حکم واحد و کذلک الکلام فی الأحکام الوجوبیة سواء کانت استغراقیة أم مجموعیة ثم ورد مخصص فإنه یرجع فی الافراد الباقیة العام و المطلق أما فی الاستغراقی فواضح و أما فی المجموعی فأیضا کک کما إذا قال أکرم هؤلاء العشرة ثمّ أخرج واحدا فإنه لا محالة یمنع عن التمسک بالعام فی التسعة الباقیة.

و العجب من شیخنا الأستاذ حیث أصرّ فی المقام و فی الأصول علی ورود الاستمرار علی الحکم فی الأحکام التحریمیة بدعوی أنه لا معنی لکون الشیء حراما فی آن واحد لأنه حاصل بالضرورة إذ ما من محرم الاّ و یکون متروکا آنا ما فیکون الحکم التحریمی لغوا فنکشف من ذلک أن الحکم التحریمی مستمر دائما فیکون الاستمرار واردا علی الحکم و علیه فإذا ورد عام مشتمل علی حکم تحریمی ثمّ ورد علیه تخصیص فلا وجه للتمسک بالعام بل یتمسک باستصحاب حکم الخاص کما هو واضح.

و لکنه واضح الدفع فان مقتضی إطلاق الخطاب هو کون کل فرد من أفراده الطولیة بحسب قطع الزّمان محرما و أن المولی قد لاحظ فی مقام الثبوت إطلاق الحکم و شموله بجمیع الافراد مع ما عرفت أن الفعل الذی هو متعلق الحکم یتقدّر بالزّمان فلا یکون الحکم ثابتا علی جمیع الافراد بحسب الإطلاق ففی المقام و ان کان الاستمرار موجودا و لکنه لیس بمعنی أن الحکم الواحد مستمر کالملکیة مثلا بل معناه هنا انه یستمر الحکم باستمرار موضوعه یعنی ان حرمة شرب الخمر مستمرة حسب تعدد الشرب

ص:411

و استمراره و یکفی فی ذلک کون الحکم ثابتا علی الطبیعة الصرفة غیر مقیدا بقید بل ترفع عنها جمیع القیود کما هو معنی الإطلاق لا ان هنا استمرار ثابت من الخارج ببرهان اللغویة.

و علی الجملة استمرار الحکم فی التکالیف المحرمة من جهة إطلاق الحکم و تعدد متعلقة اعنی فعل المکلف المتقدر بالزمان لا من جهة دلیل خارجی کما لا یخفی و أعجب من ذلک ما استشهد علی مراده بان الفقهاء لم یجوز و اشرب الخمر فی حال المرض لاستصحاب الحرمة فلو کان الاستمرار ثابتا من ناحیة الحکم دون الخارج لم یکن لهم وجه للتمسک بالاستصحاب بل لا بد لهم من التمسک بالعام فحیث ان الاستمرار فی الأحکام التحریمیة ثبت من الخارج لا من ناحیة الحکم و لم یکن تعرض الحکم لاستمرار موضوعه مستمرا فلذا تمسکوا بالاستصحاب فی إثبات الحرمة فی حال المرض و وجه العجب ان ذلک خارج عما نحن فیه فان کلامنا فیما ورد عام ثم مخصص فی زمان و شک فی ان الفرد الخارج خارج دائم أو فی الزمان الأول و اما إذا لم یرد تخصیص أصلا فلا مجال لذلک ففی المثال المذکور لم یجد تخصیص لحرمة شرب الخمر بالنسبة الی حال المرض حتی نتمسک بالنسبة إلی المریض فی غیر حال مرضه بالاستصحاب أو بالعام بل انما هو شک فی ثبوت الحکم فی جمیع الحالات أو فی بعضها فنتمسک بالإطلاق لما عرفت من إطلاق الحکم ثبوتا و إثباتا علی انه لا نعرف ذهاب الفقهاء إلی الحرمة للاستصحاب مع ان الکتب الاستدلالیة قلیل و مع ذلک فلیس کلهم ذاهبین إلی الحرمة للاستصحاب نعم لا بأس بالواحد و الاثنین فتحصل ان الاحکام التکلیفیة بأجمعها تحریمیة أو وجوبیة استغراقیة أو مجموعیة و اما الأحکام الوضعیة فحیث ان

ص:412

متعلقها لیس فعل المکلف حتی یتقدر بالزمان بل هو أمر آخر کالملکیة و الزوجیة و نحوهما له قابلیة الاستمرار فیمکن تصدیق کلام المصنف هنا فی الجملة.

و توضیح ذلک ان اعتبار الاستمرار قد یکون بدلیل خارجی بحیث یکون واردا علی الحکم من جهة اقتضاء الدلیل الخارجی ذلک و قد یعتبر فی الحکم من جهة دلالة نفس الدلیل المتکفل لبیان الحکم علی ذلک اما الأول کما إذا لم یکن نفس الدلیل متضمنا لذلک بإطلاقه أو بعمومه بل لو اعتبر الاستمرار فیه انما یعتبر من جهة برهان اللغویة أو الدلیل الآخر من الروایة و نحوها کما إذا ورد ان من استولی علی شیء فهو له أو من حاز ملک فإنه لا معنی لحصول الملکیة بالحیازة أو بالاستیلاء آنا لکون ذلک لغوا بل حصول الملکیة فی زمان مقید به کالشهر أو شهرین أو سنة فهو ترجیح بلا مرجح فلا بد من القول بحصول الملکیة الدائمیة ففی مثل المقام فالعموم أو الإطلاق انما یتضمن بیان أصل الحکم ای حصول الملکیة بالاستیلاء و الحیازة و اما الاستمرار فهو یعلم من الدلیل الخارجی فإذا ورد تخصیص علی ذلک و دل دلیل علی عدم حصول الملکیة بالحیازة و الاستیلاء کاللقطة و مجهول المالک و شککنا فی ان ذلک خارج عن تحت العام أو المطلق فی زمان خاص أو دائما فلا یمکن التمسک بالإطلاق أو العام إذ المفروض عدم الإطلاق أو العموم و اما الدلیل الخارجی الدال علی الاستمرار فهو لا یمکن ان یتعرض موضوعه بل هو ثابت متی ثبت موضوعه و فی المثال المذکور متی ثبتت ملکیة فهی تستمر و اما مع عدم ثبوت الملکیة فأی شیء تستمر و لا شبهة ان دلیل الاستمرار یستحیل ان یتعرض لإیجاد موضوعه فإنه فی فرض وجود موضوعه یدل علی

ص:413

الاستمرار و لا یمکن ان یتعرض الحکم لموضوعه.فما ذکره المصنف صحیح فی مثل ذلک و اما إذا کان الدلیل الدال علی الحکم بنفسه دالا علی العموم أو الإطلاق أما بقید أضیف إلی الخطاب أو بمقدمات الحکمة فح لا شبهة فی جواز التمسک بالإطلاق سواء کان الحکم ثابتا لمتعلقه علی نحو العموم الاستغراقی أو العموم المجموعی و توضیح ذلک ان الاستمرار تارة یفرض فی الجعل من انه مستمر أو لا و اخری فی المجموع اما الأول بأن الجعل یدل علی الاستمرار ما لم یطرء النسخ أم لا فهو خارج عن المقام و اما الثانی فلا شبهة فی جواز التمسک بإطلاق المجعول أو بعمومه و إثبات الحکم للأفراد العرضیة و الطولیة للعام لان الإهمال مستحیل فی مقام الثبوت و المولی فی مقام البیان و فی مقام الإثبات و لم یقید کلامه بقید فنکشف منه الإطلاق مثلا ان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ یدل علی وجوب الوفاء بکل عقد فإذا فرضنا ان الملکیة المنشئة لم تقید بشیء فی مقام الإنشاء و هکذا الزوجیة فنکشف من ذلک کونهما دائمیة فإن إطلاق المنشئة یدل علی ثبوتهما و تحققهما فی الافراد العرضیة و الطولیة و لا یفرق فی ذلک کون الحکم علی نحو العام المجموعی کما إذا إنشاء الملکیة الواحدة بین المبدء و المنتهی و هذا هو المعروف أو علی نحو الاستغراق کما إذا کانت هنا فی کل آن ملکیة مستقلة منضمة بعضها مع بعض بحیث تستمر افراد الملکیة بحسب الانضمام لا ان هنا ملکیة مستمرة بین المبدء و المنتهی و علیه فإذا أورد تقیید أو تخصیص بالنسبة إلی فرد فی زمان و شککنا فی کونه دائما أو لا فالمورد مورد التمسک بعموم العام دون استصحاب حکم المخصص و هکذا الکلام إذا لم یکن هنا إطلاق بمقدمات الحکمة أو عموم و لکن یکون فی الدلیل دال آخر علی الاستمرار کما إذا

ص:414

قال المولی مثلا أمضیت الزوجیة المستمرة أو الملکیة المستمرة فان الاستمرار یستفاد من القید و من دال آخر فإنه أیضا إذا شککنا فی مورد فی ارتفاع الحکم عن فرد بعد التخصیص إلی الأبد أو موقتا فنتمسک بعموم العام أو بإطلاق المطلق لان الحکم و الاستمرار کلاهما یستفاد من دلیل واحد و ان کان الدال متعددا و تعدد الدال غیر استفادة الاستمرار بدلیل آخر المانع من التمسک بالعموم و الا فلا طلاق دائما یستفاد من مقدمات الحکمة فلو کان مجرد تعدد الدال و لو فی دلیل واحد مانعا عن التمسک بالإطلاق أو العموم لکان لازم ذلک عدم جواز التمسک بالإطلاق فی مورد أصلا فی الفرد المشکوک بعد التخصیص کما هو واضح.

و علی الجملة حیث ان متعلق الأحکام الوضعیة لیس هو الفعل لیتقدر بالزمان بل هو أمر موجود مستقل أجنبی عن الفعل فیلاحظ فیه الاستمرار و عدمه و علیه فان کان الاستمرار مستفادا من دلیل خارجی بحیث یکون الاستمرار واردا علی الحکم فلا یجوز التمسک بالعام فالمورد مورد الاستصحاب کما ذکره المصنف و ان کان مستفادا من إطلاق الدلیل أو عمومه بحیث یکون المنشأ مطلقا بالنسبة الی الافراد کما عرفت فلا بأس بالتمسک إلی الإطلاق أو العموم الدال علی إطلاق المنشأ و عمومه بالنسبة الی کل فرد عرضیا کان أو طولیا و ان کان ذلک الإطلاق مستفادا من مقدمات الحکمة.

و حاصل الکلام من الأول ان الحکم قد یکون متعلقا بفعل المکلف و قد لا یتعلق بفعل المکلف بل یلاحظ منحازا عنه و مستقلا فی نفسه،اما الأول فکالاحکام التکلیفیة فإنها متعلقة بأفعال المکلفین فیکون متقدرا بالزمان فیلاحظ العموم أو الإطلاق فی نفس الحکم باعتبار متعلقة و لا یفرق

ص:415

فی ذلک بین ان یکون العموم استغراقیا کان یکون الحکم ثابتا لکل فرد فرد من الفعل المتقدر بالزمان بحیث یکون لکل منها حکم مستقل أو یکون العموم مجموعیا بحیث یلاحظ مجموع الافراد مجموعا و یجعل لها حکم واحد بحیث یکون کل فرد جزء للموضوع کقول المولی أکرم هؤلاء العشرة فإن الحکم هنا ثابت للمجموع من حیث المجموع فإذا شککنا فی ان الخارج عن تحت هذا الحکم هو دائمی أو مقید بیوم الجمعة فنتمسک بعموم العام و أیضا لا یفرق بین کون الحکم إیجابیا أو تحریمیا و علیه فإذا ورد علی الحکم تقیید أو تخصیص بالنسبة إلی جزء فی العام المجموعی و بالنسبة إلی فرد فی العام الاستغراقی و شککنا فی خروج فرد آخر أو خروج.

الجزء دائما أو فی ساعة فیتمسک بعموم العام أو بإطلاقه فرد المشکوک فلیس المورد من مورد التمسک بالاستصحاب و الوجه فی ذلک ان الحکم فی جمیع هذه الصور وارد علی الزمان سواء کان الزمان قیدا للحکم أو ظرفا فعلی کل لا یجری الاستصحاب اما إذا کان قیدا فلان الاستصحاب فیه من قبیل اسراء الحکم من موضوع الی موضوع آخر و اما إذا کان ظرفا فلان الأصول اللفظیة لا یجری مع الأصل اللفظی الحاکم علیها.

و اما إذا لم یکن الحکم متعلقا بالفعل کالأحکام الوضعیة و ان کان ذلک حاصلا من فعل المکلف فیلاحظ العموم أو الإطلاق بالنسبة إلی نفس الحکم المجعول فیتمسک بالإطلاق أو العموم لورود الحکم فی ذلک أیضا علی الزمان لان الظاهر ان الحکم المجعول انما جعل مطلقا فالملکیة المجعولة أو الزوجیة المجعولة إنما جعلنا مطلقتین سواء کان ملحوظا بعنوان الاستغراق کما إذا لوحظت هنا أحکام متعددة بحسب قطع الزمان بحیث یلاحظ هنا ملکیة متعددة منضمة بعضها الی بعض أو

ص:416

بعنوان المجموعی کما إذا لوحظت هنا ملکیة واحدة مستمرة بین المبدء و المنتهی فعلی کل حال جاز التمسک بالإطلاق أو العموم الملحوظان- بالنسبة إلی نفس الحکم الوضعی و علیه فإذا خرج عن العام فرد واحد أو انقطعت الملکیة فی زمان خاص و شککنا فی خروج فرد آخر طولی عنه بحیث ان یکون الملکیة فی الآن الثانی أیضا خارجة عن العموم أو الإطلاق أو شککنا فی انقطاع الملکیة فی المجموعی إلی الأبد أو فی جزء واحد من الزمان فنتمسک بإطلاق الحکم المجعول أو بعمومه و الوجه فی ذلک أیضا هو ما ذکرناه من ورود الحکم علی الزمان دون العکس لما عرفت ان المجعول مطلق أو عام اما ما ذکره شیخنا الأستاذ من عدم تعرض الحکم لاستمراره و هو یجری فی الجعل فقط لا فی المجعول لعدم تعرض الجعل لاستمراره و انه ینسخ أو لا و ان کان الجعل و المجعول من قبیل الإیجاد و الوجود و لکن بینهما فرق من جهة و هی ان الجاعل یمکن ان یجعل الحکم عاما أو مطلقا و مع ذلک لا یکون جعله مطلقا فلا أقل انه بالنسبة إلی النسخ فان الجعل لا یتعرض ببقائه و لو من حیث نسخه.

هذا کله فیما إذا کان الاستمرار مفهما من نفس الحکم بحیث یکون الحکم واردا علی الاستمرار کما عرفت و اما إذا کان الاستمرار واردا علی الحکم و یکون مفهوما من دلیل خارجی کما إذا کان دلیل الحکم بالنسبة إلی الاستمرار مهملا و غیر مقید بالاستمرار و عدمه و لکن استفدنا من الخارج کونه مستمرا فإنه حینئذ یجوز التمسک بالاستصحاب بعد التخصیص فی بعض الصور مثلا إذا ورد ان من استولی علی شیء فهو له أو من حاز ملک ورد تخصیص علی ذلک من الأول بأن قال الا الصبی مثل بان اعتبر فی التملک بالاستیلاء أو الحیازة البلوغ و ان غیر البالغ لا یملک بالحیازة و

ص:417

حینئذ إذا شککنا فی انه یملک بعد بلوغه ما حازه فی الصباوة أو لا فلا بد من التمسک باستصحاب حکم المخصص فان نفس الدلیل الدال علی الحکم لیس له عموم أو إطلاق کما هو المفروض و اما الدلیل الآخر الدال علی الاستمرار انما یدل علی استمرار الحکم الثابت و لکن لا یمکن ان یتکفل الدلیل الخارجی الدال علی اعتبار الاستمرار بإثبات الحکم لان الحکم مأخوذ فی موضوع ما یدل علی الاستمرار فالحکم اعنی الاستمرار لا یعقل ان یتکفل بموضوعه کما هو واضح.و علی الجملة فإذا کان الاستمرار مستفادا من دلیل خارجی و کان التخصیص واردا من الأول ثم شککنا فی کون الخارج دائما أو موقتا لا یمکن التمسک بالعام أو المطلق و لا یفرق فی ذلک أیضا بین کون الحکم استغراقیا أو مجموعا و اما إذا کان التخصیص واردا من الوسط بان تحقق الحکم من الأول ثم ورد تخصیص فإنه أیضا یکون المورد مورد التمسک بالعام فان العام قد شمل جمیع الأفراد الطولیة و العرضیة قبل التخصیص و بعده فإذا خرج فرد واحد نتمسک فی الباقی بالعام ثم ان ما ذکرناه من الأول إلی هنا فیما إذا کان ثبوت الحکم فی کل زمان و بقائه مدلولا للدلیل سواء کان مدلولا بما دل علی الحکم أو مدلولا لدلیل خارجی و اما إذا کان ثبوته فی کل زمان مفهوما من الدلیل التزاما لا مطابقة بأن دل الدلیل علی الاستمرار مطابقة و لازم الاستمرار هو ثبوت الحکم فی کل زمان فإنه ح إذا انقطع الاستمرار بورود التخصیص علیه ینقطع الدلالة الالتزامیة أیضا فلا یمکن ح التمسک بالعام فان مدلول العام کان هو الاستمرار فقد انقطع بالتخصیص فلا یجوز بعد ذلک التمسک بالعام و الظاهر انه قد استوفینا جمیع صور التمسک بالعام و عدمه و اما تطبیق ذلک علی المقام أعنی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فنقول ان کان

ص:418

المراد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ما ذکره المصنف من وجوب ترتیب الأثر علی العقد فیکون مفاد العموم هو الحکم التکلیفی أعنی وجوب ترتیب الأثر علی العقد و علیه فیتمسک بعموم أوفوا حتی بعد الفسخ أیضا فإن الحکم التکلیفی أعنی وجوب ترتیب الأثر علی العقد حکم تکلیفی استغراقی بحسب الأفراد العرضیة أی بالنسبة الی کل عقد و بالنسبة الی الأفراد الطولیة الملحوظة بحسب الآنات و الأزمنة فإذا خرج فرد واحد فیتمسک فی الباقی بعموم العام و هو واضح و اما بناء علی ما ذکرناه فی معنی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ من کونه إرشادا إلی الحکم الوضعی أعنی لزوم العقد و انه لا ینفسخ بالفسخ فالأمر أوضح فإن الآیة تدل علی ان کل عقد فی کل زمان لازم لا ینفسخ بالفسخ فإذا خرج فرد من الافراد الطولیة یتمسک بالعموم کما یتمسک به فی الافراد الطولیة.و مع التنزل عن ذلک فیکفینا التمسک بقوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ فإن النهی عن الأکل باعتبار الافراد المتعدد اعنی هذا الأکل و ذلک الأکل الذی عبارة عن التمسک فإذا خرج فرد و شککنا فی خروج فرد آخر أیضا فنتمسک بالعموم و هکذا قوله(علیه السلام)لا یحل مال امرء مسلم الا بطیب نفسه فان ذلک یدل علی تعدد الحکم حسب تعدد الزمان و انه فی کل زمان و ان إخراج فرد واحد لا یمنع ذلک عن التمسک بالعموم.

و إذا شککنا فی ان المغبون هل له الخیار إلی الأبد أو لا فلا بد من الاقتصار بالقدر المتیقن لأنه بالنسبة إلی غیره نتمسک بالعموم فان ما یرفع لزوم العقد بالنسبة إلی زمان خاص یتمکن المغبون فیه من الفسخ قطعی و فی غیره مشکوک فنتمسک بالعموم و علی هذا فیصح توجیه کلام جامع المقاصد من الاقتصار فی الخیار للمغبون بالمتیقن و المرجوع فی

ص:419

الزائد إلی أصالة الزوم و لیس فی کلامه غبار أصلا.

و قد تحصل موارد استمرار حکم العام عن غیر الاستمرار کما هو واضح ثم انه هل یتمسک بعموم العام فی مورد الشک بثبوت الخیار أو یستصحب حکم الخاص فذهب المحقق الثانی إلی التمسک بعموم العام و خالفه شیخنا الأستاذ و المصنف فذهبا الی استصحاب حکم المخصص فیقع الکلام فی انه هل یمکن الحکم بجریان الاستصحاب هنا مطلقا أولا سواء أمکن التمسک بعموم العام أو لا أو یفصل بین إذا کان مدرکه الإجماع أو غیره کما ذهب الیه صاحب الریاض فنقول اما بناء علی عدم جبریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة فواضح فلا مورد للاستصحاب لابتلاءه دائما بالمعارضة و اما بناء علی جریانه فیها فهل هنا خصوصیة نمنع عن جریان الاستصحاب هنا أم لا الظاهر ان فی المقام خصوصیة تقتضی عدم جریان الاستصحاب فیه و تفصیل ذلک ان مدرک خیار الغبن اما الشرط الضمنی أو قاعدة نفی الضرر أو الإجماع اما إذا کان مدرکه الشرط الضمنی فلا شبهة فی عدم جریان الاستصحاب عند الشک فی ثبوته فی الآن الثانی و عدمه و ذلک لان هذا الخیار انما جعل فی فرض التخلف علی حسب الارتکاز و هذا الارتکاز انما هو موجود فی الآن الأول دون الآن الثانی المشکوک فإثبات الحکم فی الآن الثانی من باب القیاس و من قبیل اسرار الحکم من موضوع الی موضوع آخر إذ لم یحرز موضوع الخیار فی الآن الثانی و بعبارة اخری ان شرط الخیار علی تقدیر تخلف الشرط الضمنی لیس أمرا دائمیا و انما هو فی وقت ثبت التخلف فیه و اما الفرد الآخر الذی لم یثبت التخلف فیه فاستصحاب الحکم فیه من باب القیاس کما لا یخفی و هکذا الکلام إذا کان مدرک الخیار هو قاعدة نفی الضرر فان الخیار

ص:420

انما یثبت بها من مقدار یرتفع به الضرر لا انه أمر دائمی فإثبات الحکم اعنی الخیار فی ان آخر قیاس و بعبارة اخری ان الضرر انما توجه من دوام اللزوم فإذا ارتفع اللزوم فی آن ارتفع الضرر أیضا فإثبات الحکم لغیر المتضرر قیاس فان اللزوم فی الآن الثانی مثلا لیس بضرری أصلا و الحاصل انه علی تقدیر کون دلیل الخیار الشرط الضمنی أو قاعدة نفی الضرر فالخیار لیس بدائمی کما هو واضح و من هنا ظهر الحال إذا کان مدرک الحکم هو الإجماع و ذلک من جهة ان الإجماع دلیل لبی فلا بد من الأخذ بالمتیقن و هو المتضرر نعم لو کان الإجماع علی ثبوت الخیار للمغبون کان الاستصحاب جاریا فی الآن الثانی أیضا و لکن لا نحتمل ثبوت الإجماع التعبدی علی ذلک بل مدرکه اما قاعدة نفی الضرر أو الشرط الضمنی فعلی کل تقدیر فلا یمکن إثبات الحکم فی الآن المشکوک بالاستصحاب و بعبارة اخری ان الأمر دائر بین ان یکون معقد الإجماع هو المتضرر أو المغبون فحیث انه أمر لبی فلا بد من أخذ المتیقن و هو المتضرر علی انه لا نحتمل وجود الإجماع التعبدی علی ثبوت الخیار للمغبون فاذن لا یمکن إثبات الخیار للمشکوک أیضا.

و الحاصل انه مع القول بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة فلا یجری الاستصحاب فی المقام لعدم بقاء موضوعه بل تغیره کما عرفت فتحصل من جمیع ما ذکرناه انه لا یمکن التمسک باستصحاب حکم الخاص و هو الخیار فلا بد من الرجوع الی عموم العام و مع عدم جریانه فیرجع الی أصالة الفساد کما هو واضح فتحصل ان الخیار فوری خلافا لشیخنا الأستاذ و للمصنف من حیث المدرک لا المدعی کما لا یخفی.

ثم ان المراد بالفوریة هل هی الفوریة الحقیقیة و الآن الدقی العقلی

ص:421

أی الزمان الذی یمکن فیه الفسخ و لو کان مقدار یمکن فیه الأخذ بالخیار أو المراد من ذلک ما لا ینافی بعض الأفعال عادة مثل الصلاة و الأکل و الشرب و النوم و نحو ذلک أو هی أمر عرفی لا أمر دقی و لا أمر عادی الظاهر هو کذلک فان هذا الشرط کما ذکرنا ثابت بالارتکاز و هو قائم و موجود ما لم یتحقق التوانی عرفا و هذا لا ینافی بالاشتغال ببعض الافعال من الصلاة و النوم إذا کان وقته و لعل ذلک یختلف باختلاف الأشخاص بل الأمکنة و- نحوها کما هو واضح و بعبارة اخری ان الحکم فی أصل الخیار فی أمده کل ذلک بالارتکاز فبالمقدار الذی یساعده الارتکاز یحکم بثبوت الخیار و الا فلا کما لا یخفی فافهم.

ثم ان هذا الخیار انما یثبت لمن التفت بالغبن فلو التفت بعد سنة أو سنتین فیحکم بثبوت الخیار له بعد ذلک علی المقدار المتعارف من الفوریة بحیث لا یکون ذی الخیار متوافیا و لا یقول من علیه الخیار فی أی مکان کنت فی طول هذا الزمان هذا تمام الکلام فی خیار الغبن.

یوم الأحد أول شهر ربیع الأول سنة 1376 تم الجزء السادس من هذا الکتاب و یتلوه الجزء السابع ان شاء الله تعالی و الحمد لله أولا و آخرا

ص:422

المجلد 7:تتمة کتاب الخیار

اشارة

سرشناسه:خوئی، ابوالقاسم، 1371 - 1278

عنوان و نام پدیدآور:مصباح الفقاهه/ من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی؛ لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

مشخصات نشر:قم: موسسه انصاریان، 1417ق. = 1996م = 1375.

مشخصات ظاهری:7 ج.نمونه

یادداشت:کتابنامه

موضوع:معاملات (فقه)

شناسه افزوده:توحیدی، محمدعلی، 1353 - 1303، محرر

رده بندی کنگره:BP190/خ 9م 6 1375

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 75-7089

ص :1

اشارة

مصباح الفقاهه

من تقریر بحث... ابوالقاسم الموسوی الخوئی

لمولفه محمدعلی التوحیدی التبریزی

ص :2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

تتمة کتاب الخیار

تتمة أقسام الخیار

اشارة

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السلام علی أشرف بریته محمد و آله الطیبین الطاهرین و اللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین.

اما بعد فهذا هو الجزء السابع من کتاب مصباح الفقاهة لشیخنا الأستاذ المرحوم المغفور الحاج میرزا محمد علی التوحیدی التبریزی رضوان اللّه تعالی علیه من تقریرات أبحاث فقیه الأمة فی جامعة الشریعة آیة اللّه العظمی المولی المعظم و المحقق الأعظم المرجع الدینی الأعلی الورع التقی السید أبو القاسم الموسوی الخویی متع اللّه المسلمین عامة و المحصلین خاصة بطول بقاء وجوده الشریف،و أرجو من اللّه تعالی ان یمن علینا من فضله و أنعامه أن یوفقنی لطبع هذا الأثر العظیم لینتفع به عامة الطالبین و المحصلین و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا حمدا دائما بدوام ملکه.

العبد الجانی علی نفسه المفرط فی یومه و أمسه م ه د ی حاجیانی

ص:3

قوله:

الخامس خیار التأخیر
اشارة

أقول قال العلامة فی التذکرة من باع شیئا و لم یسلمه إلی المشتری و لا قبض الثمن و لا شرط تأخیره و لو ساعة لزم البیع ثلاثة أیام فإن جاء المشتری بالثمن فی هذه الثلاثة فهو أحق بالعین،و ان مضت الثلاثة و لم یأت بالثمن تخیّر البائع بین فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا اجمع،

و انما الکلام فی مدرک ذلک
اشارة

فقد ذکر وجوه لإثباته:

الأول:ذهاب المشهور الیه بل ادعی علیه الإجماع

و قد ذهب الشیخ الطوسی إلی البطلان و اختاره صاحب الحدائق عملا بظاهر الاخبار و تردد فیه الأردبیلی و فیه أن الشهرة و الإجماع المنقول لیسا بحجتین فلا یکونان مدرکا لذلک،کما هو واضح علی أنا نمنع وجود الإجماع فی المقام مع ذهاب الشیخ و صاحب الحدائق و صاحب الکفایة إلی البطلان و تردد الأردبیلی فی ذلک.

الثانی:أن لزوم البیع هنا ضرری

بل الضرر هنا آکد من الضرر الموجب للخیار الغبن فیکون اللزوم مرتفعا و تقریب شمول قاعدة الضرر للمقام بجهات الجهة الأولی:ما ذکره فی التذکرة من أن الصبر علی ذلک ضرر علی البائع فیثبت له الخیار.

الجهة الثانیة:أن المبیع هنا فی ضمان البائع و تلفه منه و لیس له التصرف فیه لکونه ملکا للغیر و هذا ضرر علی البائع.

الجهة الثالثة:أن حفظ المبیع علی البائع و هو ضرر علیه فلا بدّ ثبوت الخیار له لکی یرتفع الضرر بذلک.

أما الجهة الأولی:فیرد علیها أن الصبر علی البیع و ان کان ضرریا الا أنه کسائر الدیون فلا ربط له بالخیار فانّ الخیار متعلق للعقد فالصبر علی الدین أو عدمه أجنبی عنه فلو قلنا بشمول القاعدة للمقام ترتفع بها لزوم

ص:4

الصبر علی الدیون و علیه فان قدرت علی المطالبة و الأخذ فیأخذ الثمن من المشتری و الا فیبقی فی ذمته کما هو واضح.

و علی الجملة ارتفاع وجوب الصبر عن البائع لا یوجب ثبوت الخیار بل له أن لا یصبر و یطلب الثمن من المشتری لا أن یکون له الخیار ان شاء فسخ العقد و ان شاء لم یفسخ.

و أما الجهة الثانیة:فیرد علیها أولا أن کون التلف علی البائع فی ثلاثة أیام أیضا ضرر علی البائع فلا یختص ذلک بما بعد ثلاثة أیام و ثانیا أن کون تلف المبیع علی البائع ضرر علیه فیرتفع بدلیل لا ضرر و یکون ذلک تخصیصا لقاعدة کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال بایعه فلا مساس له بثبوت الخیار للبائع و یمکن أیضا رفع الضرر بالتقاص و هو لیس خیارا بل له مع ذلک مطالبة الثمن أیضا.

و من هنا ظهر الجواب عن الجهة الثالثة أیضا و یضاف الی جمیع ذلک أنه لما ذا یختص الخیار بما بعد ثلاثة أیام فلا یجری فیها أیضا مع أن شمول القاعدة بالنسبة إلیها و الی غیرها علی حد سواء کما لا یخفی فافهم.

الوجه الثالث:الاخبار الکثیرة المستفیضة

فإنها تدلّ علی أنه إذا باع أحد ماله و لا یقبضه صاحبه و لا یقبض الثمن أن الأجل بینهما ثلاثة أیام فإن أقبضه المشتری الثمن فبها و الا فلا بیع بینهما کما فی روایة (1)علی ابن یقطین و لا بیع له أی المشتری کما فی غیرها من الروایات (2)حیث استدل بها علی ثبوت خیار التأخیر للمشتری و لکن یرد علیه أنها ظاهرة

ص:5


1- 1) وسائل،ج 12،ص 357،(ح 3).
2- 2) ابن الحجاج،وسائل،ج 12،ص 356،(ح 2)-زرارة ح 1 -ابن عمار(ح 4).

فی بطلان البیع لا فی نفی اللزوم فان کلمة لا تنفی الجنس و کلمة البیع موضوعة للمبادلة الخاصة فمن این یستفاد نفی اللزوم.

و قد ذکرت وجوه لصرف ظهور هذه الاخبار الی نفی اللزوم.
الأول:ما ذکره المصنف من أن الروایات و ان کانت ظاهرة فی بطلان

البیع بتأخیر الثمن

و لکن نستکشف من ذهاب المشهور الی ثبوت الخیار للبائع و عدم بطلان البیع أن المراد الجدی من تلک الروایات هو نفی اللزوم لا نفی الصحة،فیکون فهم العلماء و حلمة الأخبار نفی اللزوم مما یقرب هذا المعنی،لأنا نکشف من فهمهم أن المراد من تلک الاخبار هو نفی اللزوم لا نفی الصحة.

و فیه أن هذا یتم فیما إذا فهم هؤلاء الاعلام و حملة الاخبار من کلمة لا بیع المذکورة فی هذه الاخبار نفی اللزوم بحیث کان المنشأ لذهابهم الی هذا الرأی فهمهم ذلک من تلک الاخبار ابتداء و أما إذا کانت القرینة الخارجیة و التسالم الخارجی موجبة لحملهم تلک الأخبار علی نفی اللزوم فلا یکون ذهابهم الی هذا موجبا لتقریب هذا المعنی فإن أبیت عن الثانی فلا أقل من الاحتمال فلا یکون ذلک قرینة علی ارادة نفی اللزوم من تلک الاخبار علی أنا نجزم بالوجه الثانی إذ لا یتوهم أحد من أهل العرف و اللسان أن معنی لا بیع له أو بینهما هو نفی اللزوم،بل یراد من ذلک نفی الصحة کما هو واضح.

الوجه الثانی:ما ذکره المصنف أیضا من أن ذهاب المشهور الی

ثبوت الخیار للبائع دون بطلان البیع بتأخیر الثمن یوجب إجمال تلک

الروایات

و ح ترجع الی استصحاب صحة البیع.

و فیه أنه ظهر جوابه مما تقدم فی الجواب عن الوجه الأول فإن الروایات ظاهرة فی نفی الصحة بتأخیر الثمن فکیف یکون ذهاب المشهور الی ذلک

ص:6

موجبا للإجمال فیکون الاستصحاب ساقطا هنا.

الوجه الثالث:ما یستفاد من کلام المصنف أیضا المذکور فی تلک الاخبار

هو نفی البیع للمشتری

حیث قال(علیه السلام)لا بیع له و من الواضح أن نفی البیع حقیقة لا یمکن إلا بإرادة نفی البیع من الطرفین و علیه فاما لا بد من ذکر کلا الطرفین فی متعلق نفی البیع أو ترک ذکر المتعلق أصلا لا تخصیص الذکر بالمشتری فقط کما لا یخفی.فیعلم من ذلک أن المراد من نفی البیع نفی لزوم البیع و ثبوت الخیار للبائع و قد عبّر بذلک بعد ثبوت الخیار له یکون أمر البیع بید البائع کما لا یخفی.

و فیه أن هذا الوجه و ان کان وجیها بالنسبة إلی الوجهین المذکورین و مع ذلک لیس بتمام لأنه أولا قد ذکر فی روایة علی بن یقطین نفی البیع من الطرفین و هو مورد التفات المصنف أیضا.

و ثانیا أن تخصیص ذلک بالمشتری لیس من جهة اختصاص الحکم به بل من جهة أن مورد السؤال فی تلک الروایات هو المشتری فلذا خصّه الامام(علیه السلام)بالذکر لا أن ذلک من جهة کون أمر البیع بید البیع(علی أنه یمکن أن یقال أن عدم کون نفی البیع من جهة یمکن أن یکون قرینة لنفی البیع من طرف آخر أیضا لا أن یکون قرینة لثبوت الخیار للبائع فإن الثانی لیس أرجح من الأول لو لم یکن الأول أرجح من الثانی فغایة الأمر تکون الروایات مجملة و ح فیرجع الی روایة علی بن یقطین فی ترفع الاجمال عن بقیة الروایات و یؤخذ بظاهرها و هو نفی صحة البیع من المقرر).

الوجه الرابع:ما ذکره شیخنا الأستاذ(أن بعد القطع بأن تشریع

هذا الخیار لخصوص البائع دون المشتری انما هو لأجل الإرفاق علی

البائع

اما لکون المبیع قبل القبض فی ضمانه و اما لتوقف ثمنه و عدم انتفاعه به مع خروج المبیع عن ملکه و علی أی حال الإرفاق علیه لا یقتضی أزید من

ص:7

خیاره،بل ربما یکون الحکم بالبطلان منافیا له کما لا یخفی).

و فیه أنه لم یظهر لنا من الروایات أن نفی البیع هنا من جهة الإرفاق حتی نجعل ذلک موجبا لرفع الید عن ظهور تلک الروایات و جعل ذلک حکمة بحسب الاعتبار العقلی و ان لم یکن بعیدا و لکن لا یوجب ذلک ترتب الأثر علیها بحیث ترفع الید بها عن ظهور الروایات أیضا،و علی هذا فنقول بکون ثلاثة أیام شرطا فی صحة البیع کما أن القبض فی المجلس شرط فی صحة بیع الصرف و السلم و علی هذا فالصحیح هو بطلان البیع بتأخیر الثمن کما ذهب الیه شیخ الطوسی ناسبا ذلک الی روایة الأصحاب و تبعه صاحب الحدائق طاعنا علی العلامة حیث قال بصحة البیع عملا بالاستصحاب فافهم فان مقتضی الجمود فی ظاهر الأخبار هو ما ذهب إلیه هؤلاء الاعلام من الشیخ و من تبعه.

الکلام فی شروط خیار التأخیر
اشارة

ثم ان الکلام یقع فی شروط هذا الخیار و علی مسلکنا فی شروط بطلان البیع بتأخیر الثمن و هی أمور:-

الأول:عدم قبض المبیع

بأن لا یقبض البائع المبیع من المشتری،و الظاهر أنه لا خلاف فی اشتراطه و قد خالف فی ذلک صاحب الریاض،و تبعه بعض معاصری المصنف فأنکر دلالة الاخبار علی هذا الشرط و لکن قوله علیه السلام فی روایة علی بن یقطین:(الأجل بینهما ثلاثة أیام فإن قبضه بیعه و الا فلا بیع بینهما)حجة علیه إذ المراد من البیع فی هذه الروایة هو المبیع.

و قد اعتذر المصنف عن صاحب الریاض فی دلالة الروایة علی المقصود

ص:8

بأنه یحتمل سقوط هذه الفقرة من الروایة عن النسخة التی أخذها صاحب الریاض منها،أو احتمال قراءة قبض بالتخفیف و بیعه بالتشدید:یعنی قبض بایعه الثمن ثم أشکل علیه بأن استعمال البیع بالتشدید مفردا نادر بل لم یوجد مع إمکان إجراء أصالة عدم التشدید نظیر ما ذکره فی الروضة من أصالة عدم المدّ فی لفظ البکاء الوارد فی قواطع الصلاة فإنه بالمدّ بمعنی البکاء مع الصوت و بالقصر هو البکاء بلا صوت فبأصالة عدم المدّ ینفی الأول و یبقی الثانی.

أقول:أما احتمال سقوط هذه الفقرة من نسخة صاحب الریاض فبعید جدا،و أما احتمال أنه قراء لفظ قبض بالتشدید و لفظ البیع بالتخفیف فمدفوع من جهة أن الأخبار الصادرة عن الأئمة علیهم السلام قد وصل إلینا بواسطة الرواة یدا بید و کانت عادتهم علی نقل الأخبار بعد قراءة کل واحد منهم علی أستاذه و استجازته منه،و لم یکن بینهم طریق آخر غیر هذا الطریق لکی تحفظ به إشکال الألفاظ الواردة فی الروایات.

و من الواضح جدا أن المشهور قد اعتبروا هذا الشرط استنادا الی هذه الروایة و لم ینکر أحد ذلک غیر صاحب الریاض و بعض معاصری المصنف فلو کان لفظ قبض بالتخفیف و لفظ البیع بالتشدید لأفتی أحد علی مضمونه فیعلم من ذلک أن من احتمله المصنف من الوجه توجیها لکلام صاحب الریاض لا یمکن المساعدة علیه،و هذا الذی ذکرناه هو الوجه فی جواب ما ذهب الیه صاحب الریاض من إنکار الشرط المذکور.

و أما ما ذکره المصنف أولا من عدم استعمال لفظ البیع بالتشدید مفردا فیرده أنه لم یتفحص جمیع لغة العرب حتی یری أنه استعمل أولا فبعد کون اللفظ صحیح الصیغة فلا یضر عدم وجدانه فی الاستعمال المتعارفة علی استعماله فی موارد خاص فیمکن أنه استعمل فی موارد آخر لم نصل إلیها

ص:9

علی أنه انما یضر عدم الاستعمال إذا کان الإطلاق من السماعیات و لیس کذلک فی المقام فان البیع بالتشدید علی وزن فعیل من الأوزان القیاسیة فیصح استعماله علی هذا القیاس سواء وجد استعماله فی مورد آخر أم لا.

و أما ما ذکره من أصالة عدم التشدید لفظ البیع فمضافا الی معارضتها بأصالة عدم صدور لفظ البیع بالتخفیف عن الامام(علیه السلام)أن التشدید موجود فی الروایة علی کل تقدیر فإنه إذا قرءنا لفظ البیع بالتخفیف کان لفظ قبض بالتشدید فلصاحب الریاض أن نقول ان الأصل عدم کونه بالتشدید لکونه أمرا زائدا فالأصل عدمه علی أن أصالة عدم کون البیع مشددا لا یثبت کونه مخففا فان کلا منهما أجنبی عن الأخر فیکون الأصلان معارضان کما عرفت.

نعم ما ذکره الشهید من إجراء أصالة عدم المدّ فی لفظ البکاء فله وجه لکون البکاء بالمدّ و القصر مادة واحدة فیمکن اجراء عدم زیادة المد هنا فان هذه المادة قد صدرت قطعا و لا ندری أنها بالمدّ أو بالقصر فالأصل عدم المدّ.

و علی الجملة،ان الجواب عن الریاض هو ما ذکرناه کما عرفت،و علیه فمقتضی الروایة هو اعتبار الشرط المذکور فی المقام فبناء علی المشهور یکون ذلک شرط فی ثبوت الخیار فبناء علی ما ذکرناه یکون شرطا فی بطلان البیع فلو باع أحد شیئا فلم یقبض المبیع و لم یأخذ ثمنه فینتظر ثلاثة أیام فإن جاء المشتری بالثمن و الا فللبائع الخیار أو یبطل البیع من الأول بعد ثلاثة أیام و کیف کان فالروایة صریحة فی هذا الشرط،نعم لا دلالة للروایات الأخر علی ذلک.

و علی الجملة فإطلاق روایة علی بن یقطین حجة لنا و علی صاحب الریاض و من هنا ظهر الحال فی الفرعین الآیتین:أحدهما أن یکون عدم قبض المشتری المثمن من جهة عدوان البائع بأن بذل المشتری الثمن للبائع

ص:10

و لکنه امتنع من أخذه و اقباض المثمن.الثانی أن یأخذ المشتری المبیع بغیر اذن البائع و اطلاعه مع عدم إقباض المشتری الثمن منه.

فذکر المصنف،ان ظاهر النص و الفتوی کون هذا الخیار إرفاقا للبائع و دفعا لتضرره فلا یجری فیما إذا کان الامتناع من قبله و ذکر أیضا انه لو قبض المشتری المبیع علی وجه یکون للبائع استرداده،کما إذا کان بدون اذنه فثبوت الخیار و عدمه مبنی علی کفایة هذا المقدار من القبض فی ارتفاع الضمان عن البائع و عدمه فان قلنا بکفایة التخلیة بین المال و مالکه فی رفع الضمان عن البائع إذا تلف لعدم کونه قبل القبض سقط الخیار لعدم جریان قاعدة نفی الضرر هنا و أما ضرر عدم وصول الثمن الیه فمدفوع بإمکان دفعه بالمقاصة و نحوه و إذا لم نقل بکفایة ذلک فی القبض بحیث کان ضمان المبیع إذا تلف علی البائع لکونه قبل القبض کان له الخیار لتوجه الضرر علیه فتشمله قاعدة نفی الضرر کما هو واضح.

أقول:قد عرفت فی الجواب عن شیخنا الأستاذ أن مقتضی إطلاق الروایات هو بطلان البیع و لیس فیها ما یدل علی أن ذلک من جهة الإرفاق علی البائع حتی نلاحظ ذلک فإذا تحقق فی مورد نحکم بثبوت الخیار و الا فلا،بل إطلاق الروایات حجة علی ذلک،و علیه فمقتضی قوله علیه السلام فان قبضه بیعه و الا فلا بیع بینهما أن شرط لزوم البیع علی المشهور و صحة البیع علی ما اخترناه هو عدم تحقق الإقباض مستندا إلی البائع فإذا تحقق ذلک فلا خیار له،و صح البیع و الا فله الخیار أو بطل البیع سواء کان ضمان المبیع مع التلف علی البائع أولا،فان الواجب علینا ملاحظة ظهور الروایة نعم لو کان مدرک هذا الخیار هو دلیل لا ضرر لکان لابتناء المقام بالمسألة الاتیة وجه فإنه مع عدم ضمان المبیع علی البائع لیس علیه ضرر و لکن قد عرفت الجواب عنه و أن المدرک لذلک انما هو الروایات کما عرفت و الاّ فیمکن

ص:11

دفع الضرر بغیر الخیار أیضا کالمقاصة و نحوها.

و الحاصل:أنه إذا باع أحد شیئا فلم یقبض إلی ثلاثة أیام فله الخیار أو بطل البیع سواء کان عدم الإقباض مستندا الی العدوان أو الی عدم دفع الثمن أو کان المشتری أخذه بدون اقباض من البائع فان فی جمیع ذلک یصدق علیه أنه لم یقبض البائع المبیع کما هو واضح،فهذا الإطلاق متبع و الحکمة المذکورة مندفعة بهذا الإطلاق أیضا.

و حاصل الکلام:أن إطلاق روایة علی بن یقطین یقتضی اعتبار عدم اقباض المبیع فی خیار الشرط أو فی بطلان البیع کما عرفت و قد انتهی

الکلام الی فروع هذا الشرط.
الفرع الأول:هل یعتبر فی عدم ثبوت هذا الخیار عدم تحقق الإقباض

الجائز

بحیث یجوز للبائع أن لا یقبض المبیع لعدم وصول الثمن الیه أو یشمل الحکم لمطلق عدم الإقباض و ان کان ذلک عن عدوان بان جاء المشتری الثمن و امتنع البائع عن أخذه و إعطائه المثمن قد عرفت أنه ذکر المصنف اختصاص الحکم بالصورة الأولی لأن هذا الحکم مبنی علی الإرفاق و هو منفی فی صورة العدوان و لا تشمله قاعدة نفی الضرر أیضا لأنه امتنع عن الإقباض بنفسه فقد أقدم علی الضرر.

و لکن قد عرفت أن الاخبار المذکورة خالیة عن اعتبار الإرفاق فی الحکم و لا وجه لاعتباره هنا کما هو واضح.

و الذی یستفاد من الأخبار أمران الأول:أن یقبض البائع الثمن و قد دلت علی هذا عدة من الروایات فعمدتها الصحیحة الأخیرة فی کلام المصنف فمضمون تلک الأخبار أن المشتری إذا جاء بالثمن فبها و الا فلا بیع له.

و روایة علی بن یقطین قد دلت علی اعتبار أمر آخر وراء هذا الشرط و هو أن یقبض المبیع فلا تنافی بینها و بین تلک الروایات بوجه،لکی یتوهم

ص:12

التعارض بینهما بالعموم من وجه بل مفاد روایة علی بن یقطین ان البیع یبطل من جهة أخری أو یکون خیاریا و هی عدم إقباض البائع مع عدم أخذ الثمن و أن أمکنه المشتری من ذلک کما أن بطلان البیع من جهة الغرر مثلا لا ینافی بطلانه من جهة انتفاء شرط آخر له و أن بطلانه مثلا للغرر،لا ینافی بطلانه أو خیاریته من جهة عدم اقباض الثمن کما لا یخفی.

و علی هذا فلا یفرق بین کون عدم إقباض جائزا کما فی صورة عدم دفع المشتری الثمن الیه أو عدوانیا کما إذا أمکنه المشتری من قبض الثمن و هو أی البائع لا یقبضه و لا یدفع الیه المبیع عدوانا فإنه ح أیضا یبطل البیع بعد ثلاثة أیام علی المختار و یکون ذی خیاری علی المشهور.

و أما الفرع الثالث:فقد عرفت الکلام فیه و هو أن یأخذ المشتری المبیع

بدون اذن المالک

فقد ذکر المصنف أنه مبنی علی المسألة الآتیة من ارتفاع الضمان بمثل هذا القبض و عدمه فإنه مع ارتفاع الضمان بذلک لا یتوجه دلیل نفی الضرر کما هو واضح و قد ذکرنا أنه یصح بناء علی کون المدرک فی المقام هو دلیل نفی الضرر و قد عرفت بطلانه بل المدرک لذلک هو الروایات و هی تدل علی بطلان البیع أو تزلزله بدون اقباض المبیع بحیث یکون عدم الإقباض مستندا إلی البائع کما عرفت ذلک من إطلاق روایة علی بن یقطین فافهم.

الفرع الرابع:أن یقبض البائع بعض المبیع

فهل هو کلا قبض لظاهر الأخبار فإنها ظاهرة فی قبض مجموع المبیع أو کالقبض فیحکم بالصحة علی مسلکنا أو باللزوم علی المشهور لانصرف الأخبار الی صورة عدم قبض شیء منه أو یفصل بین الجزء المقبوض و غیره وجوه و حیث ان المصنف جعل مدرک الحکم دلیل نفی الضرر فالتزم بالتفصیل لعدم تضرر البائع فی المقدار المقبوض و لکن قد عرفت جوابه.

ص:13

و التحقیق هو اختیار التفصیل بوجه آخر و هو أنا ذکرنا مرارا أن المبیع إذا کان ذی أجزاء بحیث یعد فی العرف متعددا و باعه صفقة واحدة فالبیع ینحل الی بیوع متعددة کانحلال الأحکام الاستغراقیة حسب تعدد الافراد الی أحکام عدیدة و یکون ذلک فی الحقیقة بیعان مستقلان و بهذا صححنا ما إذا باع شخص شیئا فظهر بعضه مستحقا للغیر فحکمنا بصحته علی طبق القاعدة و هکذا ما إذا باع أحد الشاة و الخنزیر أو الخمر و الخل صفقة واحدة فإن البیع یصح فی ما یملک و یبطل فی غیره و کذا إذا باع مال غیره فأجاز المالک بعضه دون بعض أو کان المبیع لمالکین فأجاز مالک بعض و لم یمض مالک البعض الآخر فان البیع فی جمیع هذه الصور یصح فی جزء و یبطل فی الجزء الآخر و الوجه فی جمیع ذلک هو انحلال البیع الی بیوع متعددة لانه واحدا بحسب الإنشاء لا فی الحقیقة کاتحاد الحکم الاستغراقی بحسب الإنشاء و تعدده فی الحقیقة و مع عدم القول بالانحلال أو فی الموارد التی لا یمکن القول بالانحلال فلا وجه أصلا للحکم بالصحة مطلقا کما شقّق المصنف بل لا بدّ من الحکم بالبطلان فان البیع بیع واحد فمع قبض بعض المبیع لا یصدق علیه اقباض المبیع کما أنه إذا غسل أحد رأسه لا یصدق علیه أنه غسل تمام بدنه بل ما لم یقبض البائع تمام المبیع إلی ثلاثة أیام بطل البیع أو کان البائع له الخیار کما لا یخفی فافهم

الشرط الثانی:عدم قبض البائع مجموع الثمن،

فقد ذکر المصنف أن هذا الشرط مجمع علیه نصا و فتوی و قبض البعض کلا قبض بظاهر الأخبار المعتضد بفهم أبی بکر العیاش القاضی الذی ذکر ذلک فی روایة ابن الحجاج (1)و هی أنه قال اشتریت محملا و أعطیت بعض الثمن و ترکته عند

ص:14


1- 1) وسائل-ج 12،ص 356.

صاحبه ثم احتسبت أیاما ثم جئت الی بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحکت ثم قلت:لا و اللّه لا أدعک أو أقاضیک،فقال لی:ترضی بابی بکر بن عیّاش؟قلت:نعم،فأتیته فقصصنا علیه قصتّنا فقال أبو بکر:بقول من ترید أن أقضی بینکما بقول صاحبک أو غیره،قال:قلت بقول صاحبی،قال سمعته یقول من اشتری شیئا فجاء بالثمن ما بینه و بین ثلاثة أیام و الاّ فلا بیع له.

حیث ان مورد المحاکمة و السؤال عن أبی بکر هو مورد بحثنا و قد حکم فیه أبی بکر بعدم البیع و استفاد ذلک من قول الامام علیه السلام،بل ذکر المصنف أنه ربما یستدل بهذه الروایة تبعا للتذکرة و فیه نظر.

أقول:ان تم الإجماع علی اعتبار قبض مجموع الثمن فی لزوم أو صحته فهو و الا فلا دلیل علی ذلک،و لکن الإجماع التعبدی لم یتم فإنه قد استدل بعضهم کالتذکرة و غیره بالروایات تعبا لفهم أبی بکر بن عیّاش و مع تسلیم أن أبا بکر بن العیّاش رجل صحیح ثقة،و لکن فهمه لیس بحجة لنا لعدم کونه معصوما قطعا و علی هذا فان قلنا بالانحلال کما قلنا فی طرف البیع فیحکم باللزوم أو الصحة فی الجزء المقبوض و بالبطلان أو التزلزل فی الجزء الغیر المقبوض و هذا هو الأقوی و الا فیحکم بالبطلان فی الجمیع کما عرفت فی طرف المبیع و أما الصحة مطلقا فلا وجه له أصلا فافهم.

ثم انه لو قبض البائع الثمن بغیر رضی المشتری فهل یحکم بسقوط الخیار أو بصحة البیع حینئذ لتحقق قبض الثمن فان من شرائط صحة البیع علی المختار أو من شرائط لزومه علی المشهور هو عدم تحقق قبض الثمن فإذا تحقق بأی نحو قد حصل الشرط أو أن هذا القبض کلا قبض فان الظاهر من الاخبار هو تحقق ذلک بالاختیار و الرضا من المشتری کما قلنا بلزوم تحقق اقباض المبیع باختیار البائع و رضاه و الا فیکون وجوده کعدمه.

نعم إذا مکّن البائع المشتری من المبیع و لم یقبض المشتری ذلک فإنه

ص:15

حینئذ جاز للبائع أخذ الثمن من المشتری بأی نحو کان و لو بالجبر و الإکراه فإنه حینئذ یجب علی المشتری إقباض الثمن،و انما لم یقبض ذلک عدوانا بخلاف الفرع الأول فإن أخذ الثمن من المشتری بغیر اذنه عدوان فلا یجوز و ان کان المال أی الثمن للبائع،و لکن ما لم یعطی المبیع للمشتری أو لم یمکّنه من المبیع لیس له شرعا أخذ ماله و المفروض أنه لم یقبضه و لم یمکنه أیضا من ذلک:

و بعبارة أخری أن المستفاد من الأخبار المتقدمة أنه إذا لم یترتب أثر البیع علیه و هو إقباض البائع المبیع و اقباض المشتری الثمن فلا یجب لکل منهما الإقباض و لا یجوز لکل منهما الأخذ من الآخر بدون اذن الآخر فان وجوب الإقباض أو جواز الأخذ و لو بغیر اذن الطرف الآخر انما هو مشروط بإقباض أحدهما و الا فلا یجوز و قد ذکر فی الأخبار أنه لا بیع إذ لم یجئ المشتری الثمن و لم یقبض البائع المبیع و ظاهر ذلک کون کل منهما متحققا برضا الآخر کما لا یخفی.و هذا بخلاف ما إذا تحقق الإقباض من أحد الطرفین فإنه حینئذ یجب ترتیب أثر البیع علیه من الطرف الآخر أیضا و هو واضح جدا.

ثم أنه إذا أخذ البائع الثمن بغیر رضی المشتری ثم أجاز المشتری فهل یکون ذلک موجبا لصحة البیع أو سقوط الخیار أم لا فنقول أن الإجازة قد تکون فی ضمن ثلاثة أیام و قد یکون بعدها و ان کانت فی ضمنها فلا شبهة فی صحة البیع أو لزومه فان بطلان البیع أو کون البائع علی خیار کان مشروطا بان لا یجیء المشتری الثمن فی ضمن ثلاثة أیام و من الواضح أن قبل انقضاء الثلاثة لما أخذ البائع یکون مثل مجیء الثمن کما هو واضح.

و علیه فلا ثمرة ح فی البحث عن أن الإجازة کاشفة أو ناقلة أی الثمرة المترتبة علی الإجازة بعد ثلاثة أیام و ان کانت هنا ثمرة أخری.

ص:16

و ان کانت الإجازة بعد ثلاثة أیام فعلی القول بالکشف فیحکم بصحة البیع أو بلزومه و ذلک لأن بالإجازة تکشف عن أن القبض انما تحقق قبل انقضاء الثلاثة و قد عرفت أن الخیار کان مشروطا بعدم مجیء الثمن بعد الثلاثة کما هو واضح.

و علی القول بالنقل فیحکم ببطلان البیع علی المسلک الحق و یکون البائع ذی خیار علی المشهور إذ الإتیان بالثمن انما تحقق بعد ثلاثة أیام الذی کان موضوعا لثبوت الخیار للبائع و هذا واضح لا شبهة فیه.

ثم هل الإجازة هنا کاشفة أو ناقلة یظهر من المصنف أن الإجازة هنا ناقلة مع أنه ذهب فی البیع الفضولی إلی الکشف الحکمی و علیه فلا ملازمة بین المسألتین و هذا هو الحق فالقول بالکشف هناک لا یلازم القول بالکشف فی هذه المسألة أیضا و توضیح ذلک أن البیع و الشراء و کذا سائر العقود و الإیقاعات أمور خفیف المؤنة لأن قوامها بالاعتبار الذی هو خفیف المؤنة فیمکن أن تتعلق بالأمور السابقة فلا مانع فی نفسه أن یبیع أحد دار نفسه قبل سنة بأن اعتبر کونها ملکا لزید قبل سنة و هکذا فی بقیة العقود فلا یری العقل محذورا فی ذلک الا أن ذلک مما لا یساعده العرف و أنه بعید عن أذهانهم و مرتکزاتهم و لا یعتبرون ذلک بوجه و علیه فتکون أدلة إمضاء العقود منصرفة عن ذلک فلا یشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و نحوه من أدلة اللزوم و الصحة فیحکم بالبطلان و لکن قد ذکرنا فی بیع الفضولی أن هذا الاعتبار یساعده أهل العرف و أنه لیس ببعید عن مرتکزاتهم،بل جری علیه عملهم کثیرا فیکون مشمولا للأدلة الدالة علی لزوم العقود و صحته کما هو واضح فلا شبهة فی أن العرف یعتبر البیع إذا صدر عن غیر المالک و إذا لحقته اجازة المالک حکم بصحته و لزومه لکونه مشمولا للأدلة المذکورة.

و هذا المعنی أی اعتبار العرف البیع و نحوه قبل زمان الإجازة،لا

ص:17

یجری فی التکوینیات إذ لا معنی لکون الأمر التکوینی الواقع فی زمان واقعا فی زمان آخر بالاعتبار فإن الأمور التکوینیة لا تختلف بالاعتبار و علیه فاقباض الثمن أو المثمن فی ضمن الثلاثة أیام الذی هو شرط للزوم البیع علی المشهور أو صحته علی المختار أمر تکوینی فهذا الأمر التکوینی لا بدّ و أن یتحقق فی ضمن الثلاثة فلو تحقق بعد ثلاثة فلا یکون موجبا للصحة أو اللزوم و لذلک ما إذا لم یتحقق أصلا و علیه فإذا أخذ البائع الثمن فی ضمن الثلاثة بغیر رضی المشتری فهو کلا قبض فلا یکون موجبا لصحة البیع أو لزومه و المفروض أنه أمر تکوینی فلا یختلف بالاعتبار فلا یکون قبضا فی ضمن الثلاثة بالإجازة بعد ثلاثة أیام،فیکون الکشف ح لغوا فلا مناص من القول بالنقل هنا کما ذهب الیه المصنف و ح فیحکم ببطلان البیع علی المختار و بثبوت الخیار للبائع علی المشهور لتحقق القبض من حین الإجازة کما هو واضح.

ثم ان هنا شیء لم یتعرض المصنف،و هو أنه إذا انعکس ما ذکرناه بأن أخذ المشتری المثمن من البائع بدون إذنه بأن سرقه منه أو أخذه منه قهرا و اکراها من غیر ان یقبضه الثمن أو مکنه منه ثم أجاز البائع ذلک بعد ثلاثة أیام فعلی القول بالبطلان کما اخترناه فلا شبهة فی ظهور الثمرة هنا فإنه علی القول بالنقل یحکم بالبطلان و علی القول بالکشف یحکم بالصحة بعین ما ذکرناه فی طرف المشتری و أما علی مسلک المشهور فالظاهر أنه لا یترتب علیه ثمر الکشف و النقل و لعل المصنف لأجل ذلک لم یتعرضه لأنه ذهب الی صحة العقد مع الخیار دون البطلان و الوجه فی ذلک أن الخیار هنا للبائع فإذا أجاز القبض فان قلنا بالکشف فلا شبهة فی صحة البیع لتحقق شرطه علی الفرض و علی القول بالنقل فإن البائع و ان کان یقبض المبیع من حین الإجازة و لکنه یسقط الخیار بذلک فان أجازته القبض السابق إسقاط للخیار کما هو الظاهر،و لا یرد علیه أنه یقبض مال المشتری

ص:18

إلیه بالإجازة فإعطاء مال الناس الیه لا یکون موجبا لسقوط خیاره فإنه یقال ان المال و لو کان للمشتری و لکن لم یکن له حق الأخذ بدون اذن البائع فإذا أخذه بدون إذنه فأجازه البائع یکون ذلک کاشفا بالالتزام عن سقوط خیاره و الا فلم یجز القبض و لیس من المتعارف أن یجز القبض و یبقی خیاره إلی مدة کما هو واضح.

الشرط الثالث:أن لا یشترط المشتری علی البائع تأخیر الثمن و الاّ

فلا خیار بتأخیر الثمن

و الوجه فی ذلک أن الأخبار المتقدمة منصرفة عن هذه الصورة و ذلک لأنها متوجهة إلی فرض أن یکون للبائع حق مطالبة الثمن لکی یترتب علیه أنه إذا لم یجئ بالثمن فله الخیار إذ المشتری لم یعمل بوظیفته،و أما إذا اشترط ذلک المشتری علی البائع فإنه لیس للبائع الخیار کما لا یخفی فافهم.

الشرط الرابع أن یکون المبیع عینا أو شبهه کصاع من صبرة

نص علیه الشیخ فی المبسوط و هو ظاهر کثیر من الفقهاء علی ما فی المتن و ذکر المصنف أن هذا الخیار أی خیار تأخیر الثمن مختص بالعین الشخصیة فلا یجری فی المبیع الکلی و قال ان کلمات الفقهاء موردها ذلک و کک معاقد إجماعاتهم فإنها مختصة بالعین الشخصیة فلا تشمل المبیع الکلی کما لا یخفی.

و أما حدیث نفی الضرر فهو أیضا مختص بالشخصی لأنه المضمون علی البائع قبل القبض فیتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فیه و عدم وصول بدله الیه بخلاف الکلی فإنه لا تلف فیه لیکون درکه علی البائع و یتضرر من ذلک ثم ذکر النصوص فرویتا (1)ابن یقطین و ابن عمار مشتملتان علی لفظ البیع

ص:19


1- 1) وسائل-ج 12،ص 357،ح 3 و 4.

المراد به المبیع و الوجه فی إطلاقه علی المبیع قبل البیع هو کون المبیع معرضا للبیع و لا مناسبة لإطلاقه علی الکلی لعدم صحة کونه معرضا للبیع فلا یصح هذا الإطلاق فیه فلا تشمل الروایتان علی الکلی.

و أما روایة (1)زرارة فهی أیضا ظاهرة فی المبیع الشخصی فلا تشمل الکلی و ذلک لأن قول السائل فیها،الرجل یشتری من الرجل المتاع ثم یدعه عنده،فیقول:حتی آتیک بثمنه قال:ان جاء فیما بینه و بین ثلاثة أیام و الا فلا بیع له،ظاهر فی المبیع الشخصی فإن المتاع ظاهر فی ذلک و کذا قوله ثم یدعه فان الإیداع لا یمکن فی المبیع الکلی،کما لا یخفی.

و أما روایة أبی بکر بن عیاش من اشتری شیئا فإن إطلاقه و ان شمل المعین و الکلی کلیهما الا أن الظاهر من لفظ الشیء الموجود الخارجی و من الواضح أن الکلی المبیع لیس موجودا خارجیا و الوجه فی ذلک هو أن الشیء مجاز مشهور فی الأمور الخارجیة فلا یحتاج فی إطلاقه علیها إلی القرائن الخارجیة،کما لا یخفی.هذا حاصل ما ذکره المصنف،و لکن جمیع ما ذکره مورد للمناقشة،أما ما ذکره من ظهور کلمات الفقهاء فی الشخصی و اختصاص معاقد إجماعاتهم بالمبیع المعین الخارجی فهو واضح البطلان فإنه و ان کان بالنسبة إلی بعضهم مسلما کعبارة الشیخ فی المبسوط و أنها ظاهرة فی ذلک و لکن لا شبهة فی صراحة عبارة بعضهم أیضا فی المبیع الکلی،کما لا یخفی،بل نسب الشهید(ره)تخصیص الحکم بالعین الشخصیة إلی الشیخ،فیعلم من ذلک أنه لم یقل بذلک غیر الشیخ و من تبعه فضلا عن اتفاق کلماتهم أو إجماعهم علی ذلک فلو کان هنا إجماع لم یذکر الشهید(ره)ذلک و واضح أن الشهید ممتاز فی فهم کلمات الفقهاء

ص:20


1- 1) وسائل-ج 12،ص 356،ح 1.

بل قیل انه لسان الفقهاء و لو سلمنا اختصاص کلمات المشهور فهم بذلک فإنه لا یصل الی حد الإجماع بعد کلام الشهید(ره).

و أما حدیث نفی الضرر فقد ذکرنا أنه لا یثبت الخیار فلا یکون دلیلا علی المطلب و علی تقدیر کونه دلیلا علی الخیار فلا شبهة فی شموله علی المبیع الکلی أیضا و ذلک لما عرفت أن الضرر هنا یکون من جهات ثلاث الاولی الضرر من جهة تلف المبیع و الثانیة من جهة حفظها للمشتری و عدم جواز التصرف فیه و هاتان الجهتان لا تجریان فی المبیع الکلی و الثالثة أن یکون الضرر من جهة أن عدم إعطاء المشتری الثمن للبائع ضرر علیه فلا شبهة أن هذه الجهة تجری فی صورتی کون المبیع شخصیا أو کلیّا کما هو واضح، علی أنک قد عرفت أن لا ضرر لیس دلیلا علی ثبوت خیار التأخیر للبائع و دعوی ان عدم دفع الثمن إلی البائع من ترک المنفعة کما توهّم لا من الضرر دعوی جزافیة کما هو واضح و أما الروایات فلا شبهة فی ظهور روایتی ابن یقطین و ابن عمار فی البیع الکلی فإن المراد من البیع فیهما هو المبیع کما استظهره المصنف من جهة أن قول السائل فلا یقبضه فی روایة علی بن یقطین و قول الامام علیه السلام من اشتری بیعا فی روایة ابن عمار صریح فی إرادة المبیع من البیع فإنه لا معنی لقبض البیع و کذلک قوله علیه السلام اشتری بیعا فإنه أیضا لا معنی لشراء البیع و هذا واضح لا شبهة فیه الا انه لا وجه لاستظهاره اختصاص الروایتین بالشخصی من جهة أن لفظ البیع انما أطلق علی المبیع من کون المبیع معرضا للبیع فلا معرضیة فی الکلی و ذلک لأنه یرد علیه أولا أن الوجه فی إطلاق البیع علی المبیع لیس هو ما ذکره المصنف،بل من جهة ما یؤل الیه و أنه حیث یؤل المتاع مبیعا و یعرض علیه البیع فلذا أطلق علیه البیع کما یقال من قتل قتیلا فله سلبه و فی قوله تعالی إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً .و غیر ذلک من الموارد التی یصح الإطلاق

ص:21

فیها باعتبار ما یؤل الیه.

علی أنه یصح المعرضیة فی الکلی أیضا فإن الکلیات الذمیة قابلة للمعرضیة علی البیع،بل غالب البیوع من هذا القبیل کالبیوع الواقعة بین التجار فان معاملاتهم بالبیوع الکلیة فإنهم عقد و فی حجراتهم فیبیعون و یشترون کلیّا.

و علی الجملة فظهور البیع أعم من الکلیة و الشخصیة کما هو واضح ففی کفایة هاتین الروایتین فی شمول الحکم للکلی غنی و کفایة و ان لم تکن الروایات الأخر ظاهرة فی الکلی کما لا یخفی،و أما صحیحة زرارة فالمتاع المذکور فیها فی قول السائل کلفظ المال و الماء من المفاهیم الکلیة فلا وجه لدعوی اختصاصه بالعین الشخصیة و أما دعوی اختصاصه بالشخصی من جهة قوله و یدعه عنده فممنوع فإنه بمعنی الترک فمراده السؤال من السائل اشتری متاعا و ترکه عند البائع،و لا شبهة فی صدق ذلک علی الکلی،بل کثر إطلاق ذلک فی الثمن فإنه یقال انه باع و لم یأخذ الثمن،بل ترکه عند البائع حتی مع التصریح بکون الثمن کلیّا یصح هذا الإطلاق و مع ظهوره فی العین الشخصیة فلم یذکر ذلک فی کلام الامام علیه السلام لیکون موجبا لتقیید الحکم و اختصاصه بالشخصی بحیث یلزم رفع الید بها عن الروایتین المتقدمتین أیضا فغایة الأمر فلا ظهور لهذه الروایة فی الکلی و لکن لیس له ظهور فی نفی الحکم عن المبیع الکلی و علیه فتکفینا الروایتان المتقدمتان کما هو واضح.

و أما روایة أبی بکر عیّاش أولا أنها ضعیفة السند،و ثانیا:أنه لا شبهة فی شمولها للمبیع الکلی و الشخصی لأن الشیء من المفاهیم العامة یطلق علی جمیع الأشیاء،بل لا شیء أعم منه لإطلاقه علی الواجب و الممکن و علی الأمور الاعتباریة و المتأصلة کما هو واضح.

و لا شبهة ان الکلی قبل تعلق الاعتباریة و کونه مبیعا و ان لم یکن

ص:22

شیئا و لکن یطلق علیه الشیء بعد تعلق البیع به کما هو واضح فیکون مشمولا للحدیث و قد ذکر لعدم شموله علی الکلی وجهان الأول ان الشیء عبارة عما هو مشیء وجوده فلا یطلق علی غیر الأمور الوجودیة لکونه مساوقا للوجود فلا یشمل الکلی و لا یطلق الشیء علیه و فیه أن هذا انما هو فی اصطلاح الفلاسفة و الا فلا شبهه فی إطلاق الشیء علی جمیع الأشیاء الوجودیة و العدمیة و سلب الشیئیة فی بعض الموارد،و عن الأمور العدمیة باعتبار عدم المحمول کما فی قوله تعالی یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّی إِذا جاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً أی لم یجد شیئا و هو الماء الذی یطلبه و الا کان هناک شیء قطعا فلا أقل من التراب حتی لو وجد عند کنزا فأیضا یقال لم یجد شیئا لأنه کان فی صدد الماء،و قد عرفت أن الشیء من المفاهیم العامة فیشمل جمیع الأشیاء الموجود و المعدومة و لا شبهة أن الکلی الذی تعلق به البیع و اعتبار العقلاء الشیء ثابت فی ذمة البائع،کما لا یخفی.

الوجه الثانی:ما ذکره المصنف من الفراق لفظ الشیء عن الکلی إلی الموجود الخارجی،بحیث صار مجازا مشهورا لا یحتاج فی إطلاقه إلی القرائن.

و فیه أنه لا وجه لهذه الدعوی،فإنه بعد تسلیم إطلاق الشیء علی جمیع المفاهیم حتی الواجب و جمیع الأشیاء الموجودة و المعدودة و الاعتباریات- فأی موجب للانصراف کما لا یخفی علی أن لازم کلام المصنف أنه لورود النهی عن بیع شیء مثلا فی وقت کیوم الجمعة فلازم ذلک عدم شموله بالبیع الکلی فلو عامل أحد معاملة کلیة لا تکون ذلک محرمة،علی أنه لو أغمضنا عن جمیع ذلک و سلمنا ظهور هذه الروایة الضعیفة فی المبیع الشخصی و لو بضمیمة الانصراف و لکن لا یوجب ذلک رفع الید عن الروایتین الأولتین فی الکلی کما تقدم،فافهم.

ص:23

قوله

ثم ان هنا أمورا قیل باعتبارها فی هذا الخیار

أقول قد ذکرت هنا أمور بلحاظ أنها معتبرة فی هذا الخیار.

الأول:عدم الخیار لأحدهما،أو لهما قال فی التحریر و لا خیار للبائع لو کان فی البیع خیار لأحدهما و فی السرائر قید الحکم فی عنوان المسألة بقوله،و لم یشترط خیار لهما أو لأحدهما،و قد أنکر المصنف اشتراط هذا الخیار بکونه مشروطا بهذا الشرط علی وجه الإطلاق سواء کان المراد من الخیار المشروط عدمه فی هذا الخیار هو خیار الشرط أم خیار الحیوان أم غیرهما،و الوجه فی ذلک هو عدم الدلیل علی اعتبار هذا الشرط،کما هو واضح.

ثم وجه هذا القول بأمرین الذین ینتج ضم أحدهما إلی الآخر اشتراط خیار التأخیر بهذا الشرط أی بعدم الخیار لأحدهما أولهما.

الأول:أن النصوص الواردة فی مشروعیة هذا الخیار کلها منصرفة عن ذلک،لأنه انما ثبت فی حق من له حق المطالبة لبدل ماله من الآخر و مع اشتراط التأخیر لیس له حق المطالبة،و لا أن وظیفة من له الخیار وجوب التسلیم،بل له أن یقبض و له أن لا یقبض کما هو واضح.

الأمر الثانی:أن من أحکام الخیار أنه لا یجب علی من له الخیار اقباض الثمن أو المثمن من الطرف الآخر،کما فی التذکرة،حیث قال:انه لا یجب علی البائع تسلیم المبیع و لا علی المشتری تسلیم الثمن فی زمان الخیار و لو تسلّم أحدهما بالتسلیم لم یبطل خیاره و لا یجبر الآخر علی التسلیم و ضم أحد الأمرین إلی الآخر ینتج أن من له حق تأخیر العوض و عدم إقباضه من الطرف الآخر بحیث له أن یؤخر الإقباض لحق لا یثبت علیه خیار التأخیر لانصراف الأدلة عن ذلک.

و الحاصل:أن من له الخیار کأنه شرط علی الأخیر تأجیل العوض فلا

ص:24

یثبت علیه خیار التأخیر.

و قد أجاب عنه المصنف علی فرض تسلیم المقدّمتین حیث قال و فیه بعد تسلیم المقدمتین فان کلامه هذا ظاهر فی أنه لا یسلّم المقدمتین.

و حاصل جوابه علی فرض تسلیم المقدمتین النقض بخیار المجلس و خیار الحیوان و قال ان لازم ذلک کون مبدء الثلاثة من حین التفرق فی خیار المجلس و کون هذا الخیار مختصا بغیر الحیوان مع اتفاقهم علی ثبوته فیه کما یظهر من المختلف و ان ذهب الصدوق الی کون الخیار فی الجاریة بعد شهر الا أنه قول اختص بعد الصدوق للنص الخاص.

ثم حیث انه ما من معاملة الا و قد ثبت فیها خیار المجلس الا ما شذ و ندر،فلذا لو خص خیار التأخیر بغیره لزم حمل الأخبار الواردة فیه علی مورد نادر،فلذا ذکر المصنف أنه یلزم أن یکون خیار التأخیر فی ذلک بعد التفرق و أما لو قلنا باختصاص ذلک بغیر موارد خیار الحیوان فلا یلزم فیه المحذور المذکور،و لذا نقض المصنف بأنه یلزم اختصاص ذلک بغیر خیار الحیوان کما هو واضح.

و قد أشکل شیخنا الأستاذ علی ما ذکره المصنف و تسلم ما ذکره العلامة فی التذکرة و ابن إدریس فی السرائر و قال کلتا المقدمتین مما لا بدّ من تسلمهما أحدهما أن من له حق التأخیر لا یثبت علیه خیار کما هو واضح.

و المقدمة الثانیة:هی أن من أحکام الخیار عدم وجوب التسلیم و الإقباض.

أما المقدمة الاولی:فلأن الأخبار منصرفة عمّن جاز له التأخیر،و لیس موظفا بالإتیان لأن الظاهر من تلک الأخبار هو أن الإتیان بالثمن کان لازما حیث قال علیه السلام و لم یقبض الثمن أو ان جاء بین ثلاثة أیام و الا فللبائع الخیار و أما مع ثبوت خیار التأخیر له فلا مجال لثبوت الحکم کما لا یخفی فافهم.

ص:25

و هذه المقدمة مما لا شبهة فیها،بل ذکر المصنف فی الشرط الثالث أن الأخبار منصرفة عن صورة اشتراط التأخیر و قلنا أن خیار التأخیر انما جعل لمن کان له المطالبة و لم یکن للآخر حق التأخیر بل کان موظفا بالأداء و أما المقدمة الثانیة فقد أشکل علیه شیخنا الأستاذ من أن له لا یجب علیه التسلیم و توضیح ذلک أن بناء المعاملة علی التسلیم و التسلم و التبدیل و التبدل فیصیر القبض و الإقباض من الشروط الضمنیة التی التزم بها المتعاقدان فی متن العقد فمرجع کون العقد خیاریا إلی أنه بجمیع ما تضمنه من الشروط الضمنیة أو الصریحة غیر واجب الوفاء فکما لا یجب الوفاء بنفس العقد کذلک لا یجب الوفاء بما فی ضمنه من التعهدات الضمنیة،بل الصریحة غیر لازمة الوفاء فلا یجب التسلیم و التسلم فی العقد الخیاری و علیه فلا یجری فیه خیار التأخیر و هذا المعنی قد التزم به المصنف فی أحکام القبض حیث ذکر الأردبیلی أن من ظلم علی أحد و لم یسلم المبیع الذی باعه منه لیس للآخر منع تسلیم الثمن فإنه أیضا معصیة و أجاب عنه المصنف بأنه إذا منع البائع فی التسلیم فللمشتری أیضا لا یجب تسلیم الثمن نعم قد أنکر المصنف ذلک هنا و فی أحکام الخیار ثم ذکر أن هذا الخیار لا ینافی خیار المجلس إلاّ فی فرض نادر بأن بقیا فی مجلس العقد الی بعد ثلاثة أیام لسجن و نحوه و ح نلتزم أیضا بعدم خیار التأخیر.

و أما خیار الحیوان فهو أیضا لا یمنع عن هذا الخیار فإن غایة ما یمکن ان یلتزم به و یستظهر من الأدلة من مناسبة الحکم و الموضوع أن یکون التأخیر عند انقضاء الثلاثة بغیر حق فالواجب أن لا یکون له خیار فی هذا الحال و أما قبله أو بعده فلا وجه للالتزام به بلا اشکال،فلا ینافی اعتبار ذلک مع ما فی المختلف من الاتفاق علی ثبوته فی الحیوان.

نعم بقی هنا شیء و هو أنه لو اجتمع خیار التأخیر مع خیار الحیوان

ص:26

لزم تعدد السبب مع کون المسبب واحد فهذا لا محذور فیه کما فی تقریر شیخنا الأستاذ فراجع أقول:أما ما ذکره من أن مطلق الشروط الضمنیة و الصریحة لیس بواجب الوفاء فی العقد الخیاری و منها التسلیم و التسلّم.

فیرد علیه أن هذا انما یتم بناء علی کون دلیل اللزوم هو الأمر بوجوب الوفاء علی العقد و کان المراد من ذلک هو ترتیب الأثر علیه و یکون المراد من وجوب الوفاء هو الحکم التکلیفی علی ما ذکره المصنف و علیه فیقال:أن ترتیب جمیع آثار العقد علیه انما یصح فیما إذا لم یکن العقد خیاریا و الاّ فلا یجب ذلک کما هو واضح،و قد ذکرنا فی محله أن معنی الوفاء هو الإنهاء و الوفاء بالعقد هو إنهاؤه و إتمامه و حیث لا یناسب ذلک بالوجوب التکلیفی فیکون الأمر به إرشادا إلی أنه لا ینحل و أنه لازم،و ذکرنا أیضا أن من أدلة اللزوم ما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون اذنه و أنه یحرم أکل مال الناس بغیر تجارة عن تراض،و غیر ذلک فلا شبهة أنه إذا تحقق البیع و حصل النقل و الانتقال فیکون المبیع ملکا للمشتری و الثمن ملکا للبائع فیحرم لکل منهما التصرف فی الآخر بدون إذنه لأن حرمة مال المسلم کحرمة دمه و أنه لا یجوز لکل أحد أن یتصرف فی مال غیره بدون اذنه و لا یفرق فی ذلک بین کون العقد خیاریا أم لا،نعم من لا یرید أن یسلّم العوض فی المعاملة مع کونه ذی خیار فسخ المعاملة ثم لا یسلّم العوض کما هو واضح و أما ما ذکره من أن المصنف ذکر ذلک فی أحکام القبض فهو ممنوع لان ما ذکره فی القبض لا یمس بالمقام فإنه مبنی علی أن من الشروط الضمنیة فی العقد أن یسلم کل من المتعاملین العوض من الآخر و مع تخلف أحدهما یجوز التخلف للآخر أیضا کما هو واضح،و هذا غیر کون من له الخیار،لا یجب علیه التسلیم کما هو واضح،و أما ما ذکره من أنه لا ینافی خیار الحیوان لأن اللازم أن لا یکون أداء الثمن متأخرا من الجزء الذی یتم به الثلاثة فلیس

ص:27

بمتین و ذلک لأن مقتضی الظاهر من روایات الباب أنه یجب علی المشتری أن یسلم الثمن الاّ أنه قد أمهل الشارع للمشتری فی ضمن الثلاثة بالنسبة إلی ثبوت الخیار للبائع فبمجرّد انتهائه یثبت الخیار للبائع أو یبطل البیع کما هو واضح فلا یحتاج إلی التأخیر فی الآن الذی تم الثلاثة و بعبارة أخری أن الروایات قد دلت علی أن المشتری ان جاء بالثمن ما بین ثلاثة أیام فبها و الاّ فلا بیع فالظاهر من ذلک ان الثلاثة إنما هی أیام النظرة بالنسبة إلی ثبوت الخیار للبائع أو لعدم بطلان البیع کما هو واضح،فلا ینافی ذلک بوجوب تسلیم الثمن فی الثلاثة أیضا و أما ثبوت الخیار فلیس مشروطا بالتأخیر عن الجزء الذی یتم به الثلاثة بل فی نفس ذلک الجزء یثبت الخیار للبائع کما لا یخفی.

ثم انه قد یفصل بین ثبوت الخیار للبائع من جهة أخری فیسقط معه هذا الخیار و بین ما کان الخیار للمشتری فلا وجه لسقوطه و قد أفاد فیه وجهین:- الأول:أن خیار التأخیر شرع لدفع ضرره و قد اندفع ضرره بغیر خیار و أجاب عنه المصنف بان ضرر الثلاثة بعد الثلاثة لا یندفع بالخیار فی الثلاثة و کأن المصنف فهم من کلام المفصل أنه اشترط عدم ثبوت الخیار للبائع بعد الثلاثة و لذا أجاب عنه بأن الضرر بعد الثلاثة لا یندفع بالخیار فی الثلاثة و لکن الظاهر أن کلام المفصل ناظر الی اشتراط عدم ثبوت الخیار للبائع بعد الثلاثة و علیه فیندفع الضرر بغیر خیار التأخیر فیصح کلامه کما هو واضح فلا یرد علیه ما ذکره المصنف،نعم یرد علیه أن هذا الوجه مبنی علی کون مدرک هذا الخیار هو دلیل نفی الضرر فإنه ح یشترط فی ثبوته أن لا یثبت خیار آخر للبائع و أما إذا کان مدرکه غیره فلا یتم ما ذکر المفصل.

الوجه الثانی:النصوص و الفتاوی تدل علی لزوم البیع فی الثلاثة

ص:28

فیختص هذا الخیار بغیر صورة ثبوت الخیار له فان الظاهر من قولهم علیهم السلام ان جاء بالثمن ما بین الثلاثة و الا فله الخیار أن البیع لازم فی ضمن الثلاثة فإذا کان للبائع خیار فی ذلک لا یکون البیع لازما،فلا یکون هذه الصورة مشمولة للأخبار کما هو واضح،و علی هذا فلا یکون هذا الخیار ثابتا فی مورد خیار الحیوان و أورد هذا المفصل علی نفسه بأن التأخیر للخیار و لا یتقید الحکم بسببه،یعنی أن الخیار هنا حکم ثابت للبائع و لا یکون مقیدا بسببه و هو التأخیر بحیث یکون البیع لازما بانتفائه من هذه الجهة فقط،لا ینافی ثبوت خیار آخر للبائع کما هو واضح،بل الثابت هو طبیعی الخیار الثابت للبائع کما هو واضح و الفرق بین هذا الوجه و الوجه السابق أن الوجه السابق لیس ناظرا الی لزوم البیع فی الثلاثة بخلاف هذا الوجه و لکن یرد علیه أن الظاهر من الروایات أن المشتری إذا جاء بالثمن ما بین ثلاثة أیام فهو،و الاّ فله الخیار،فالظاهر من ذلک أن الإتیان بالثمن فی الثلاثة یوجب نفی خیار التأخیر،و لا ینافی ذلک ثبوت خیار آخر للبائع غیر خیار التأخیر،و لیس هذا من قبیل تقید الحکم بسببه،بل الثابت هو طبیعی الخیار،و لکن یکون البیع لازما بانتفاء هذا الطبیعی من هذه الجهة فقط و لزوم البیع من هذه الجهة لا ینافی ثبوت خیار آخر للبائع من جهة آخر کما هو واضح،و من هنا لا ینافی هذا الخیار ثبوت خیار المجلس فإنه مع أن لازم الوجه الثانی عدم ثبوت خیار المجلس أیضا فی ضمن الثلاثة.

قوله:و منها تعدد المتعاقدین أقول قد ذکر المصنف وجهین لاختصاص الخیار بصورة تعدد العاقد:

الأول:اختصاص النص الوارد فی المقام بصورة التعدد.

و الثانی:أن هذا الخیار ثبت بعد خیار المجلس و خیار المجلس باق مع اتحاد العاقد الا مع إسقاطه.

ص:29

أما الأول:فلأنه لا شبهة فی أن الظاهر من النصوص الواردة فی المقام و ان کان هو تعدد المتعاملین و من بیده العقد أی المالکین أو من یکون نازلا منزلة المالک من الولی و الوکیل المفوض،و لکن لا ارتباط له بتعدد العاقد بوجه،بل یمکن ذلک مع اتحاده أیضا،فإنه بمنزلة الآلة فقط،لیس له الا إجراء العقد کما هو واضح،و بعبارة أخری أن المناط فی ذلک هو عدم الإقباض و القبض و لا إشکال فی تصوره من المالکین مع اتحاد العاقد من قبلهما فأصل توهم اشتراط تعدد العاقد فی ثبوت خیار التأخیر لغو محض و غلط فاحش.

و أما الوجه الثانی:فقد ناقش فیه المصنف من حیث الصغری من أنه قد عرفت أنه غیر ثابت للوکیل فی مجرّد العقد،و علی تقدیره فیمکن إسقاطه و اشتراط عدمه،نعم لو کان العاقد ولیا بیده العوضان لم یتحقق الشرطان الا و لأن أعنی عدم الإقباض و القبض و لیس ذلک من جهة اشتراط التعدد و لکن الظاهر المناقشة فی الکبری أیضا بأنه لا دلیل علی کون خیار التأخیر بعد خیار المجلس غایة الأمر أن خیار المجلس فی الأغلب یبقی إلی ساعة و ساعتین أو أقل أو أکثر و لا یبقی إلی الثلاثة أیام حتی یجتمع مع خیار التأخیر و لو بقی المجلس إلی الثلاثة مع عدم تحقق القبض و الإقباض لکان خیار المجلس مجتمع مع خیار التأخیر کما هو واضح.

قوله و منها أن لا یکون المبیع حیوانا أقول من جملة الشروط لثبوت خیار التأخیر أن لا یکون المبیع جاریة،بل حیوانا مطلقا فإن المحکی عن الصدوق فی المقنع أنه إذا اشتری جاریة فقال أجیئک بالثمن،فان جاء بالثمن فیما بینه و بین شهر،و الا فلا بیع و ظاهر المختلف نسبة الخلاف الی الصدوق فی مطلق الحیوان،و لکن الظاهر أن الصدوق التزم بذلک فی خصوص الجاریة فی انه ذکر فی الفقیه أن الخیار فی ما یفسده بیومه بعد یوم و فی غیره إلی

ص:30

ثلاثة أیام أن جاء بالثمن ما بین ذلک و الا فله الخیار تم ذکر خصوص الجاریة و ذکر أن الخیار فیها بعد شهر و لم یذکر فی الفقیه أیضا إلا ذلک فما حکی عن المختلف من نسبة ذلک الی الصدوق فی مطلق الحیوان لا نفهم له وجها.

و کیف کان فذهب المشهور الی عدم الاشتراط بذلک الشرط و خالف فیه الصدوق استنادا إلی روایة علی بن یقطین و قد أشکل علی الروایة بوجهین:

الأول:من حیث السند فإنه حکی عن العلامة فی المختلف أن الروایة ضعیفة و لکن لا نفهم لضعف الروایة وجها و قد اعترف باعتبارها صاحب الحدائق و صاحب الجواهر و قد عرفت أنه ذهب الصدوق(ره)الی ثبوت الخیار للبائع فی الجاریة بعد شهر،و قد ضعف العلامة عن هذه الروایة و لکن لا ندری أن وجه تضعیف العلامة أی شیء فان هنا روایتان إحداهما رواها الصدوق عن ابن فضال عن علی بن رباط عن زرارة أو عمن رواه کما فی الوسائل أو عمن رواه کما فی الوافی،و هذه الروایة علی تقدیر عدم الإرسال فهی ضعیفة لعلی بن رباط و الروایة الثانیة قد رواها فی التذهیب،عن محمد بن أحمد بن یحیی عن أبی إسحاق عن ابن أبی عمیر عن محمد بن أبی حمزة عن علی بن یقطین فهذه الروایة معتبرة أما غیر أبی إسحاق فواضح،و أما أبی إسحاق و هو أن کان مشترکا بین أشخاص عدیدة ضعاف و ثقات،و لکن الأشهر هو إبراهیم بن هاشم علی أنه ینقل عن أبن أبی عمیر و ینقل عنه محمد بن احمد بن یحیی و غیرهم أکثرهم من أصحاب الصادق و الباقر(علیهم السلام)و من هو من أصحاب الهادی(علیه السلام)لم ینقل عنهم محمد بن احمد و أما إبراهیم بن مهزیار فلم ینقل عن ابن ابی عمیر،علی أنه أیضا معتبر فراجع کتب الرجال.

الثانی:إعراض المشهور عن العمل بها فإنهم لم یعملوا بها،بل لا

ص:31

ینسب العمل بها الاّ الی الصدوق و لا شبهة ان إعراضهم عن العمل بالروایة یوجب وهنها و لعل مراد العلامة من الضعف هو ذلک فإنه لم یقید الضعف بکونه فی السند بل ذکر أن الروایة ضعیفة و لا شبهة أن اعراض المشهور عندهم یوجب الوهن فتکون الروایة ضعیفة بالعرض لا بالذات.

و یرد علیه أولا الإشکال فی الصغری حیث لم یعلم اعراض المشهور عن هذه الروایة بل یحتمل ان یکون عدم عملهم بها من جهة أنهم حملوها علی بعض الوجوه بأن تکون محمولة علی صورة اشتراط المجیء بالثمن الی شهر،إذ کلامنا فی صورة عدم اقباض المبیع کما تقدم و لیس فی هذه الروایة عدم إقباض الجاریة حتی لا یمکن رفع الید من ظاهرها و اذن فلا بأس من حملها علی صورة اشتراط تأخیر الثمن الی شهر فی ضمن العقد،و الأفله الخیار أو یمکن أن یکون عدم عملهم بها من جهة حملها علی استحباب الصبر بعد ثلاثة أیام إلی شهر و علی هذا فلم یثبت اعراض المشهور عنها لیکون موجبا للضعف کما هو واضح.

و ثانیا:الإشکال فی الکبری و هو أن اعراض المشهور عن الروایة لا یوجب وهنها کما أن عملهم بها لا یوجب الاعتبار،و قد تقدم ذلک مرارا و قد نقحناه فی علم الأصول و علی هذا فلا وجه لرفع الید عن هذه الروایة و قد حملها المصنف علی الوجهین المتقدمین و لکنهما بعید خصوصا الحمل علی الاستحباب،فلا بدّ ح من العمل بها فی خصوص الجاریة کما عمل بها الصدوق(ره)فظاهرها ثبوت الخیار للبائع فی بیع الجاریة بعد شهر سواء أقبضها من المشتری أم لا لإطلاقها و لا وجه لتقییدها بصورة الإقباض.

و علی الجملة فحیث ان النص وارد فی خصوص الجاریة فیکون أخص من الروایة المتقدمة فتکون مقیدة لها و قد یتوهم أن النسبة بینها و بین الروایات المتقدمة هی العموم من وجه حیث ان هذه الروایة أخص من حیث

ص:32

الموضوع و هو الجاریة و الروایات المتقدمة أعم من الجاریة و غیرها و ان هذه الروایة أعم من حیث اقباض المبیع و الروایات المتقدمة ناظرة إلی خصوص اقباض المبیع و یقع التعارض فی مورد الاجتماع و هو صورة الإقباض فإن هذه الروایة تدل علی ثبوت الخیار بعد الشهر و الروایات المتقدمة تدل علی ثبوت الخیار بعد الثلاثة أیام،و حینئذ فیحکم بالتساقط،و لکن الظاهر ان هذا التوهم فاسد.

أولا:أن النسبة بینها و بین الروایات المتقدمة إنما تلاحظ من حیث الموضوع و لا شبهة أن هذه الروایة أخص من حیث الموضوع من الروایات المتقدمة.

و ثانیا:علی تقدیر لحاظ النسبة بینهما من حیث الموضوع و الحکم معا أنه لا یمکن الحکم بالتساقط فی مادة الاجتماع إذ من البعید جدا أن یکون الخیار فی صورة الإقباض بعد شهر،و فی صورة عدم الإقباض أن لا یکون للبائع خیار أصلا،و اذن فلا بدّ من ترجع هذه الروایة علی فرض المعارضة و هذا واضح جدا.

ثم ان الظاهر من قولهم علیهم السلام فان جاء بالثمن ما بین ثلثة أیام و الاّ فله الخیار،أی للبائع أن مبدء الثلاثة من حین العقد و توهم أنه من حین التفرق بحیث تکون مدة الغیبة ثلاثة أیام خلاف الظاهر من الروایة.

فی مسقطات خیار التأخیر
اشارة

مسألة:یسقط هذا الخیار بأمور أقول

الأول إسقاطه بعد الثلاثة،

و هذا لا شبهة فیه،بل لا خلاف فیه أیضا إذ لا محذور فیه بوجه أصلا،و أما سقوطه بالإسقاط فی الثلاثة فأشکل فیه المصنف من أن مدرکه دلیل نفی الضرر و هو

ص:33

حاصل بعد الثلاثة فلا سبب له قبلها و من أن العقد سبب الخیار فیکفی وجوده فی إسقاطه بوجود المقتضی،و الأمر أشکل فیما إذا اشترط سقوطه فی ضمن العقد و وجه الأشکلیة أن المقتضی الذی هو العقد کان موجودا فی إسقاطه بعد العقد و قبل الثلاثة و لکنه منفی هنا لعدم تمامیة العقد بعد کما هو المفروض و أیضا ذکر المصنف أن السقوط لعله من جهة عموم أدلة الشروط و یشکل علی عدم جواز إسقاطه فی الثلاثة بناء علی أن السبب فی هذا الخیار،هو الضرر الحادث بالتأخیر دون العقد،فان الشرط انما یسقط به ما یقبل الاسقاط بدون الشرط،و لا یوجب شرعیة سقوط ما لا یشرع إسقاطه بدون شرط و علیه فان کان هنا إجماع علی السقوط بالشرط فهو و الا فللنظر فیه مجال واسع لعدم شمول أدلة الشروط لمثل هذا الشرط کما هو واضح.

و قد یقال بجواز شرط النتیجة بأن یشترط السقوط بعد الثلاثة.

و فیه ان کان المراد هو اشتراط السقوط بعد الثلاثة بلا سبب و هو بدیهی البطلان إذ لا موجب لسقوطه بلا سبب.

و ان کان المراد من سقوطه بعدها بالإسقاط قبل الثلاثة بحیث ینشئ من الآن سقوطه بعد الثلاثة فیعود المحذور،فإنه من قبیل إسقاط من لم یجب.

أقول:قد ذکر المصنف فی خیار المجلس جواز الإسقاط فی مثل هذه الموارد من جهة وجود المقتضی و قد ذکرنا أن عدم جواز إسقاط ما لم یجب لیس مدلولا لدلیل لفظی بل انما هو من جهة الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود و الا فلا استحالة عقلیة هنا،بل لا یری العقل محذورا فی إنشاء الطلاق قبل التزویج و إنشاء البیع قبل الشراء،و انما نحکم ببطلان أمثال ذلک من جهة الإجماع و لا شبهة أن جواز إسقاط ما لم یجب أمر معروف

ص:34

بین الفقهاء فلا یکون داخلا فی معقد الإجماع فیکون ذلک مشمولا لأدلة الشروط کما هو واضح.

و قد ذکر شیخنا الأستاذ أن للبائع حق المطالبة حتی فی ضمن الثلاثة فله أن یسقط حق المطالبة و لا یکون الإسقاط حینئذ إسقاطا لما یجب و فیه أن هذا عجیب من شیخنا الأستاذ حیث ان حق المطالبة أمر أجنبی عن الخیار،و لا شبهة فی ثبوت ذلک،الحق فی زمان الخیار و قبله و بعده فإسقاط أحدهما غیر مربوط بإسقاط الآخر کما هو واضح علی أن حق المطالبة من الأحکام فلا یقبل الإسقاط.

الثانی:اشتراط سقوطه فی متن العقد

حکی عن الدروس و جامع المقاصد و تعلیق الإرشاد و لعله لعموم أدلّة الشروط قد مرّ جواب عن ذلک.

الثالث:من المسقطات بذل المشتری للثمن

و قد ذکره العلامة فی التذکرة استصحابا لوجوده و ذکر المصنف أن هذا حسن لو استند فی الخیار الی الاخبار و اما إذا استند إلی قاعدة الضرر فان الضرر الوارد علی البیع یتدارک ببذل الثمن فلا یبقی مجال للخیار لیتدارک به الضرر ثم ذکر أنه لا یبعد دعوی انصراف الأخبار الی صورة التضرر أیضا،و علیه فما ذکره فی التذکرة متین جدّا.

أقول:أما الوجه الأول فهو متین فإنه بناء علی کون مدرک خیار التأخیر هو قاعدة نفی الضرر فلا شبهة فی أنه یرتفع بأداء الثمن،و لکن قد عرفت سابقا أن مدرکه لیس دلیل نفی الضرر،و الا لأمکن رفعه بغیر الخیار أیضا و أما الوجه الثالث و هو صورة بذل المشتری فلا وجه له لأن مقتضی الأخبار أنه إذا جاء بالثمن ما بین الثلاثة و الا فله الخیار و هو مطلق بالنسبة إلی صورة بذل الثمن و غیرها و دعوی الانصراف إلی صورة عدم بذل الثمن بلا وجه.

ص:35

قوله الرابع:أخذ الثمن من المشتری.

أقول:بناء علی سقوط الخیار ببذل الثمن فلا موضوع لهذا البحث حیث انه بمجرد البذل یسقط الخیار فلا تصل النوبة إلی الأخذ کما هو واضح.

و أما بناء علی عدم سقوطه بالبذل فهل یسقط ذلک بالأخذ أم لا فنقول انه بناء علی السقوط و کون الأخذ موجبا له و کاشفا عنه،فلیس ذلک أمرا مستقلا،بل مرجعه الی المسقط الأول و هو الإسقاط فإنه أعم من الإسقاط الفعلی أو القولی کما هو واضح.

نعم ینبغی ان یبحث بعنوان التنبیه بأنه هل یشترط افادة العلم بکون الأخذ لأجل الالتزام بالبیع أو یکفی الظن بذلک و أن البائع راضی به فإنه أمارة عرفیة علی الالتزام کالقول أو لا یعتبر الظن أیضا فی ذلک وجوه فذکر المصنف أن خیرها أوسطها لکن الأقوی الأخیر و لکن لم نفهم معنی هذه العبارة فإن الخیر ما کان أقوی و بالعکس فلا معنی لکون الوسط خیرا و الأقوی هو الأخیر و کیف کان قد ذکرنا فی خیار الحیوان أن أقوی الوجوه هو العلم بالرضا و الاّ فلا موجب لسقوط أما الوجه الأوسط أعنی اعتبار الظن علی کون الأخذ کاشفا عن الرضا،فلا دلیل علیه،لان الظن لا یغنی من الحق شیئا و أما الوجه الأخیر و هو الاکتفاء بمطلق الأخذ و کونه کاشفا عن الرضاء بالعقد فأیضا لا دلیل علیه،فإنه یمکن أن لا یکون الأخذ بعنوان الثمنیة کما إذا کان ذلک عن غفلة و جهل،فإنه لا کاشفیة له حینئذ عن الرضا بالعقد،بل مع العلم بکونه بعنوان الثمنیة أیضا فإن الثمن مال للبائع فیمکن أن یأخذه و مع ذلک یبقی خیاره علی حاله و لا یکون الأخذ بعنوان الرضا بالعقد و یأخذ الثمن و یتصرف فیه تصرفا لا یوجب السقوط ثم یفسخ بل یجوز ذلک مع التصریح بأن الأخذ لیس بعنوان الرضا بالعقد.

ص:36

و بعبارة اخری أن الکاشفیة النوعیة انما هی فی باب حجیة الظواهر حیث ان الألفاظ تدل علی المعانی التی وضعت علیها الألفاظ بحسب الکاشفیة النوعیة العقلائیة و ظاهرة فی ذلک لا من جهة التعبد ببناء العقلاء بل من جهة تعهد الواضح علی أنه متی أطلق اللفظ الفلانی فقد أراد المعنی الفلانی و یکون ذلک التعهد سببا لکون الظواهر کواشف عن المدالیل و کونها مرادة للمتکلم و أما فی المقام فلم یتعهد البائع بأنی متی أخذ الثمن فرضیت بالمعاملة لیکون الأخذ کاشفا نوعیا عن الرضا بالعقد کما هو واضح،و علیه فلا کاشفیة للأخذ عن ذلک،و إذا فلا بدّ من الاقتصار بالعلم أو الظن الاطمئنانی بأن تقوم القرینة علی الکاشفیة و حصل القطع فلا أقل من الاطمئنان علی ذلک الذی هو حجة عقلائیة و من هنا ظهر أن مطالبة البائع الثمن أیضا یکشف عن رضائه بالعقد فإن المطالبة أعم من الأخذ و قد ذکرنا أن الأخذ أعم من الرضا بالعقد و عدمه فکیف تکون المطالبة کاشفة عن الرضا کما هو واضح،نعم قد ذکرنا فی خیار الحیوان سقوط الخیار بمثل اللمس و التقبیل و رکوب الدابة و لکن ذلک من جهة النص الخاص لا من جهة کاشفیة أی تصرف من الرضا بالعقد کما هو واضح،بل من جهة النص الخاص الوارد فی خیار الحیوان.

مسألة فی کون هذا الخیار علی الفور أو علی التراخی،
اشارة

أقول وقع الکلام فی أن خیار التأخیر فوری أم لا،تحقیق الکلام هنا فی مقامین:- الأول:بحسب الأصول العملیة.

و الثانی:من حیث الروایات.

أما الأول بحسب الأصول العملیة

فقد استوفینا الکلام فیه فی خیار الغبن و قلنا ان الاستصحاب ای استصحاب الخیار لا یجری فی المقام،بل لا بدّ من التمسک بالعموم و علیه فلا بدّ من الاقتصار بالمتیقن ففی الزائد عن ذلک نرجع الی

ص:37

العمومات الدالة علی لزوم البیع و لا یضر عدم إمکان التمسک ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فیرجع الی الأدلة الأخری مما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون اذنه و حرمة تملکه إلا بالتجارة عن تراض و من الواضح أن الفسخ فی الآن الثانی الذی نشک فی ثبوت الخیار أکل لمال الغیر بدون اذنه فلا یکون مؤثرا فراجع الی خیار الغبن،فقد تقدم تفصیل الکلام هناک.

و بعبارة أخری أنه و ان لم یجز التمسک بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ علی ما تقدم فی خیار الغبن من الانحلال و عدمه فراجع الا أن فی العمومات الأخر الدالة علی اللزوم غنی و کفایة فینقطع التمسک بالاستصحاب أی استصحاب حکم الخیار فالنتیجة هی فوریة الخیار و علی القول بکون دلیل الخیار هو نفی الضرر فکون الخیار فوریا أوضح لاندفاع الضرر به.

و أما المقام الثانی:فالروایات الواردة فی المقام

بناء علی دلالتها علی ثبوت خیار التأخیر بعد الثلاثة أیام لا علی البطلان مطلقة بالنسبة إلی الآن الأول و الآن الثانی،فمقتضی التمسک بها هو ثبوت الخیار للبائع علی وجه الإطلاق بعد الثلاثة و علی القول بفوریة الخیار فی خیار الغبن کما هو کذلک،فلا بدّ من الالتزام بعدم الفوریة فی المقام لخصوص هذه الروایات فتکون مخصصّة للعمومات،کما لا یخفی و کأن هذا العقد یصیر جائزا بالعرض بعد الثلاثة غایة الأمر أن الجواز فی الهبة حکمی و فی المقام حقی فللبائع إسقاط حقه أی خیاره و نعم ما ذکره المصنف من هذه الروایة بعد عدم إمکان نفی الحقیقة فیها ناظرة إلی نفی اللزوم إلی الأبد و لا یرد علیه ما ذکره الأستاذ من الالتزام بإهمال النص فان ذلک خلاف الظاهر من الروایة.

قوله مسألة:لو تلف المبیع بعد الثلاثة کان من البائع،

أقول:ذهب الفقهاء الی أن التلف قبل القبض من مال البائع و انما الکلام من مدرک

ص:38

هذا الحکم و یقع الکلام فی مقامین:

الأول:أن یکون التلف بعد الثلاثة.

الثانی:أن یکون ذلک قبل الثلاثة.

أما الأول:فقد استدل بوجوه:- الأول:الإجماع و فیه أنه علی تقدیر تحققه فالمظنون أن مدرکه النبوی الذی سنذکره،فلا یکون إجماع تعبدی.

الثانی:النبوی المعروف کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بایعه و فیه أن هذا النبوی و ان کان مشهورا و لکنه لم یذکر إلا فی کتب العامة و علیه فلا یمکن الالتزام بانجبار ضعفه صغری و کبری أما من حیث الصغری فلأنه لم یذکر فی کتب الأصحاب بعنوان الاستدلال به علی ذلک إذ لم یکن لهم کتاب استدلال حتی یستدلوا فیه به و انما ذکروا فتاواهم بغیر تعلیل و علیه فلا ندری أن استنادهم بذلک حتی یوجب ذلک انجبار ضعف النبوی و أما من حیث الکبری فقد عرفت مرارا أن عمل المشهور لا یوجب الانجبار لضعف الروایة کما لا یوجب اعراضهم و هن الروایة الصحیحة.

الثالث:روایة عقبة بن خالد (1)فی رجل اشتری متاعا من رجل و أوجبه غیر أنه ترک المتاع عنده و لم یقبضه،قال:آتیک غدا إنشاء اللّه،فسرق المتاع من مال من یکون،قال:من مال صاحب المتاع الذی هو فی بیته حتی یفیض المتاع و یخرجه من بیته،فإذا أخرجه من بیته فالمبتاع ضامن لحقّه حتی یردّ ماله الیه.

و فیه أن هذه الروایة لا یکون دلیلا لهذا الحکم لأنها ضعیفة السند و لا یکون منجبرا بعمل المشهور أیضا حتی بناء علی تسلیم ذلک الکبری فإنه

ص:39


1- 1) وسائل-ج 12،ص 358،باب 10،ح 1.

لم یعمل احد بمضمونها فإنها تدل علی کون الضمان علی البائع ما لم یقبض خارجا و لم یخرج عن بیته و من واضح أن الأکثر التزم بکفایة التخلیة بین المشتری و المبیع فی القبض و لا یجب الإقباض الخارجی،أما الإخراج من البیت فلم یقل به أحد و کونه معتبرا فی القبض علی خلاف الضرورة بل یمکن أن یقبض المشتری المال و یجعل عند البائع أمانة کما هو واضح.

و علی الجملة فلا دلیل علی أن التلف مبیع قبل القبض من مال البائع نعم یمکن الالتزام بذلک بحسب الارتکاز العقلائی فإن بناء العقلاء قائم علی أن التلف قبل القبض یحسب علی البائع إذ الأخذ و الإعطاء من متممات البیع و علیه فمع تلف المبیع لا یبقی مجال للبیع بل ینفسخ من أصله إذ البیع مبادلة مال بمال فمع تلف المبیع أی شیء یعطی البائع للمشتری و مع انتفاء القبض فلا إعطاء حتی یطالب بدله أی الثمن و الظاهر أنه لم یلتزم أحد بأنه إذا باع أحد عباءة من شخص و تلفت بعد ساعة و قبل القبض أن له حق مطالبة الثمن عن المشتری مع أنه لا یعطی شیئا،ففی الحقیقة أن البیع انما هو مشروط بشرط متأخر و هو إعطاء المبیع و إقباضه أو أنه موقت أی یحکم بصحته ما دام المبیع لم یتلف قبل القبض و إذا تلف فدرکه علی البائع و کیف کان فلا ثمرة فی بیان ان ما نحن فیه من قبیل المشروط بالشروط المتأخر أو من قبیل کون البیع موقتا و معنی کون ضمانه علیه أنه ینفسخ العقد به لا أنه یجب علی البائع إعطاء بدله کما هو کذلک فی الغاصب و هذا الذی ذکرناه غیر مربوط بصورة عدم تسلیم المبیع قهرا علی المشتری و غصبا علیه فإنه یجبر علی الإقباض و لا یحکم بالانفساخ بذلک بل ما ذکرناه فی فرض عدم التمکن من التسلیم تکوینا کما فی صورة التلف.

و کیف کان أن معنی البیع هو الأخذ و الإعطاء و مع تلف المبیع قبل تسلیمه الی المشتری یوجب انعدام مفهوم البیع و یکون ضمانه علی البائع و

ص:40

ان کان المال من المشتری و لکن ضمانه بحسب الارتکاز علی البائع فإنه مشاهد صدق علی انفساخ البیع.

لا یتوهم أنه إذا انفسخ البیع کان التلف فی ملک البائع فلا یکون تخصیصا لقاعدة الخراج بالضمان بل تخصصا.

فإنه یقال:انه انما یدخل فی ملکه فی آن قبل التلف و التخصیص باعتبار أنه لو کان له نماء فی آن قبل التلف لکان للمشتری دون البائع فافهم و الذی یمکن أن ینافی هذه القاعدة الارتکازیة أمران:- الأول:قاعدة الخراج مع الضمان فإنها و ان ذکرت فی روایات العامة و التزم بها أبو حنیفة و لکنها قاعدة مسلّمة و لیست مختصة بالعامة بل هی أیضا قاعدة ارتکازیة فإن العقلاء حاکمون علی أن ضمان المال لمن کانت المنافع له و حیث ان المنافع للمالک فیکون ضمانه أیضا علیه بل ذکرت هذه القاعدة فی بعض الروایات أیضا،حیث تقدم فی خیار الحیوان فی بعض الروایات أنه سأل السائل عن التلف بأنه ممّن یکون قال الامام علیه السلام اللّه أ رأیت أنه إذ کان له نماء فهو لمن قال للمالک،فقال علیه السلام اللّه فضمانه أیضا له علی ما هو مضمون،الروایة و علی هذه القاعدة فلا بدّ و ان یکون التلف من المشتری لکونه مالکا و منفعة المال علی تقدیر وجودها له فیکون ضمانه أیضا علیه.

الثانی:القاعدة المعروفة أن التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له فإنه لا شبهة أن الخیار بعد الثلاثة للبائع فمقتضی هذه القاعدة أن یکون التلف من المشتری لعدم وجود الخیار.

و علی الجملة مقتضی هاتین القاعدتین أن التلف انما یکون من المشتری فتکون ان متنافیتین لمقتضی القاعدة المتقدمة من أن التلف من البائع.

أما القاعدة الأولی:فهی أعم من تلک القاعدة الارتکازیة لأنها واردة

ص:41

فی موردها حیث ان مقتضی الارتکاز علی کون التلف و الضمان ممن له المنافع الا أنه ثبت الارتکاز العقلائی فی موارد البیع علی کون التلف قبل القبض من البائع و ان کان المال لشخص آخر فتکون هذه القاعدة الارتکازیة مانعة عن تحقق تلک القاعدة فی جمیع الموارد،بل تکون لأعمیتها مخصصّة بذلک کما هو واضح.

و بعبارة أخری أن قاعدة الخراج بالضمان مقتضی لکون التلف من المالک و قاعدة کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال البائع مانع عن کون الضمان للمالک فلا منافاة بین المقتضی و المانع و لا بعد فی کون ضمان مال أحد علی شخص آخر کما فی الغاصب فإنه إذا غصب مال شخص فتلف عنده فان ضمانه علی الغاصب.

نعم الضمان فی باب الغصب انما هو بالمثل أو القیمة فإنه إذا تلف المال تحت ید الغاصب فیکون ضامنا ببدله فیجب علیه اما أداء المثل أو القیمة.

و أما الضمان هنا انما هو کون المبیع تالفا من کیس البائع بحیث لا یجوز له مطالبة الثمن من المشتری فیحکم حینئذ بانفساخ العقد لا أنه یجب علیه أن یعطی بدل المبیع کما هو واضح.

و أما القاعدة الثانیة أعنی الحکم بکون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له،فلا دلیل علیها حتی بمثل النبوی و نحوه،فإن قاعدة کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع قد ذکر لها دلیل من النبوی و نحوه و لکن هذه القاعدة لا دلیل علیها أصلا غیر أنها مورد التسالم و الإجماع نعم ثبت ذلک فی خیار المجلس و الحیوان و الشرط و أما فی غیرها فلا دلیل علیه فیحکم بعدم ذلک فضلا عن یکون منافیا لما ذکرناه من الارتکاز،و فی الموارد التی ثبت ذلک یکون تخصیصا لما ذکرناه.

ص:42

و حاصل الکلام أن التلف قد یکون بعد الثلاثة و قد یکون قبل الثلاثة أما إذا کان بعد الثلاثة فهو من مال البائع لا من جهة الروایة کما تقدم بل من جهة القاعدة العرفیة الارتکازیة علی أن التلف قبل القبض من مال البائع فإن حقیقة البیع قائمة بالأخذ و الإعطاء و من الواضح أنه إذا تلف المبیع تنعدم تلک الحقیقة و تنهدم و لا یبقی ذلک المفهوم لعدم بقاء الأخذ و الإعطاء حینئذ و لا ینافی ذلک إلا أمران،أحدهما دعوی الملازمة بین کون منفعة الملک لمالکه و بین کون درکه علیه المعبر عنها بقاعدة الخراج بالضمان و قد ثبت هذه القاعدة بالنص و الإجماع عندنا و کذلک عند العامة و کذلک حکم بها العرف أیضا.

الثانی:قاعدة ان التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له أما القاعدة الاولی فلا تنافی لما ذکرناه من القاعدة علی کون الضمان قبل القبض علی البائع لأن ما ذکرناه وارد فی مورد تلک القاعدة و مانع عنها فتکون مخصصة لها باعتبار أنه لو کان لهذا المال نماء قبل أن التلف کان للمشتری و کان لازم ذلک أن یکون درکه أیضا علیه لکونه مالکا و لکن الارتکاز خصصها و أثبت الضمان للبائع و حینئذ لا یکون الارتکاز من العقلاء علی کون الضمان للمشتری المالک لکون الارتکاز الثانی الذی ذکرنا علی کون الضمان للبائع مانعا عنه و قرینة علی عدمه هنا.

و أما قاعدة کون التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له فلا دلیل علیه حتی یتمسک بإطلاقه فی جمیع الموارد،بل انما ثبت فی خیار الحیوان و الشرط و الحق بهما خیار المجلس و أما فی غیر هذه الموارد فلا،کما هو واضح.

و أما إذا کان التلف فی ضمن الثلاثة و قبل القبض،فالمنسوب الی المفید و السیدین هو کونه من المشتری و لکن الظاهر أنه أیضا من البائع

ص:43

بل کونه من البائع هنا أولی من کونه له فیما إذا کان التلف بعد الثلاثة و قبل القبض فإنه یمکن ان یقال فیما إذا کان بعد الثلاثة و قبل القبض ان التلف من المشتری و لو بوجه غیر وجیه بان یقال أن التلف بعد الثلاثة انما هو فی زمن الخیار و التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له و إذا تعارض فی مورد مع القاعدة الارتکازیة بأن التلف قبل القبض من مال البائع تعارض العموم و الخصوص من وجه حکم بالتساقط فیرجع الی القاعدة الأولیة من أن تلف کل مال علی مالکه.

و علی الجملة أن کون التلف من المشتری بعد الثلاثة و قبل القبض له وجه و ان کان هذا الوجه غیر تمام لعدم الدلیل علی کون التلف فی زمن الخیار من البائع و لکن لا وجه لکون التلف هنا من المشتری أصلا إذ لیس هنا زمان خیار لیتحمل کون التلف من المشتری من جهة عدم ثبوت الخیار هنا للبائع،لأن البیع هنا لازم علی الفرض و القاعدة المسلمة ان التلف قبل القبض من البائع لا دافع عنها و توهم أن المالک للمبیع هو المشتری فمقتضی الملازمة بین النماء و الدرک هو کون التلف من المشتری قبل الثلاثة و لکن قد عرفت فیما سبق أن قاعدة کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه واردة فی تلک القاعدة فلا بدّ من کون الدرک علی البائع لکون التلف قبل القبض.

و علی الجملة لا نعرف وجها أصلا لکون التلف قبل الثلاثة و قبل القبض من المشتری و ما نسب الی المفید و السید ان لم نحققه و لعل النسبة غیر صحیحة و علی تقدیر الصحة لعلها ناشئة من غلط النسخة و الا فلا یحتمل أن یقول مثل المفید و السیدان،بکون التلف من المشتری مع کون القاعدة المسلمة و هی ان التلف قبل القبض من مال البائع علی أنه لو کان نظرهم فی کون التلف قبل الثلاثة من البائع علی قاعدة الخراج بالضمان فلما ذا لم

ص:44

یلتزموا بذلک بعد الثلاثة بل کان الالتزام به هناک اولی.

ثم ان للشیخ الطوسی هنا عبارة قد تعرض بها المصنف و لا بأس بالتعرض لها و توجیهها علی نحو یلیق بمقام الشیخ حکی العلامة فی المختلف عن الشیخ أنه قال فی النهایة:إذا باع الإنسان شیئا و لم یقبض المتاع و لا قبض الثمن و مضی المبتاع فان العقد موقوف ثلاثة أیام فإن جاء المبتاع فی مدّة ثلاثة أیام کان المبیع له،و ان مضت ثلاثة أیام کان البائع أولی بالمتاع فان هلک المتاع فی هذه الثلاثة أیام و لم یکن قبضه إیاه کان من مال البائع دون المبتاع و ان کان قبضه إیّاه ثمّ هلک فی مدة الثلاثة أیام کان من مال المبتاع و ان هلک بعد الثلاثة أیام کان من مال البائع علی کل حال،لان الخیار له بعدها،انتهی المحکی فی المختلف.

و قد وقع الکلام فی کلام الشیخ و أن هلک بعد الثلاثة أیام کان من مال البائع علی کلّ حال،فإنه کالصریح فی شموله لما بعد القبض أیضا مع أنه إذا کان القبض متحققا لا یکون التلف من البائع و لذا تنظر العلامة فی ذلک بعد ما نقلها فی المختلف و قال:و فیه نظر إذ مع القبض یلزم البیع و ذکر صاحب الحدائق أن مراد الشیخ من هذه العبارة هو صورة الخیار و ان کانت عبارته غیر ظاهرة فیه،و کثیرا غیر الشیخ بعبارة ظاهرة فی غیر مراده و تعمیم العلامة إلی صورة اللزوم أیضا بلا وجه و اختار المصنف أیضا هذا الوجه و ذکر أن العلامة جعل الفقرة الثالثة و هی قوله و ان هلک بعد الثلاثة أیام إلخ،مقابلة للفقرتین فیشمل الحکم ما بعد القبض أیضا خصوصا مع قوله علی کل حال لکن التعمیم مع أنه خلاف الإجماع مناف لتعلیل الحکم بعد ذلک بقوله لأن الخیار له بعد الثلاثة أیام فإن من المعلوم أن الخیار انما یکون له مع عدم القبض فیدل ذلک علی أن الحکم المعلل مفروض فیما قبل القبض فلا یشمل لما بعد القبض کما زعمه العلامة.

ص:45

و الظاهر أن عبارة الشیخ و نظر العلامة و اشکال صاحب الحدائق و المصنف علی العلامة و توجیههما عبارة الشیخ لا یظهر لنا وجه ذلک کله فان التعلیل الذی ذکره الشیخ بقوله لان الخیار له بعد قوله کان من البائع علی کل حال صریح فی أن البائع له الخیار کما ذکره المصنف و أخذه قریبة (قرینة)علی عدم ارادة الشیخ صورة اللزوم و بذلک أشکل علی العلامة و ح فمقتضی ذلک التعلیل أن یکون التلف من المشتری لأنه ممّن لا خیار له و کأن المصنف و صاحب الحدائق غفلا من هذه الجهة و أن مقتضی کون الخیار للبائع هو کون الضمان علی المشتری.

و علی الجملة انا و ان قلنا ان قاعدة التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له لا دلیل علیها و لکن الشیخ و غیره تسلموا ذلک و علل کلامه بها و علیه فمقتضی هذا التعلیل أن یکون التلف علی البائع فلا یمکن تصدیق کلام صاحب الحدائق و المصنف و لا کلام العلامة أیضا فإن قول الشیخ علی کل حال و ان کان کالصریح فی شمول الحکم لصورة اللزوم أیضا و لکن تعلیله کالصریح أیضا فی عدم إرادة صورة اللزوم کما لا یخفی و یمکن أن یوجه کلام الشیخ بأن النسخة فیه غلط و انما أبدلت کلمة المبتاع الذی هو المشتری بکلمة البائع اشتباها و قد استعملت کلمة المبتاع فی کلامه فی المشتری کثیرا و تعلیله کون التلف من المشتری علی کل حال من جهة أن القبض بعد الثلاثة و القبض بعد الثلاثة لا یوجب سقوط خیار البائع و ح فیکون التلف فی زمان خیار البائع و التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له فکأن الشیخ تعمل بهذه القاعدة أو أن غرضه من التعلیل هو التعلیل علی أحد طرفی الحکم و هو صورة عدم القبض و أما صورة القبض فحکمها واضح من جهة أن التلف بعد القبض من مال المشتری و هذا الثانی البصق بکلام الشیخ فإنه بعد ما قسم التلف قبل الثلاثة إلی قسمین أن یکون قبل القبض أو بعده و حکم علی کل

ص:46

واحد بحکم ثم تعرض لحکم التلف بعد الثلاثة فسیاق الکلام یقتضی ثم لو مکن البائع المشتری من القبض فلم یقبض المشتری المبیع و لم یتسلمه تم تلف عند البائع فهل یکون ضمانه علی البائع أو علی المشتری؟فذکر المصنف أنه لو کان الضمان المترتب علی عدم القبض مرتفعا بهذا المقدار من القبض أی التخلیة بین المبیع و المشتری کان الضمان علی المشتری و الا کان الضمان علی البائع ثم ذکر أن ارتفاع الضمان بذلک هو الأقوی.

و الذی ینبغی أن یقال انه ان کان مدرک القول بان التلف قبل القبض من مال البائع هو النبوی أو روایة عقبة بن خالد (1)فلا شبهة فی کون التلف من البائع فإن معنی القبض المذکور فیهما هو الأخذ الخارجی و لا یصدق ذلک علی مجرّد التخلیة بین المالک و المال،بل اعتبر فی روایة عقبة بن خالد أن یخرج البائع المتاع من بیته و الا فیکون ضمانه علیه،و لکن قد عرفت أن کلتا الروایتین ضعیفتا السند و غیر منجبرة بشیء خصوصا الروایة الثانیة لعدم عمل أحد علی مضمونها کما لا یخفی و ان کان مدرک الحکم المذکور هو الارتکاز العرفی و بناء العقلاء،و لا شبهة فی حصول القبض بمجرّد التخلیة و تمکین المشتری من القبض فإنه لا یشک أحد فی أنه إذا باع أحد متاعا و مکن المشتری من القبض فلم یقبض حتی تلف یکون التلف من المشتری مثلا،إذ اشتری أحد شیئا و قال البائع خذ متاعک و قال المشتری یبقی عندک أجیئک بعد ساعة فمضی المشتری و احترق المتاع و هل یتوهم أن ضمان فی مثل ذلک علی البائع و علی هذا فما ذکره المصنف هو الأقوی علی أنه لیس من المتعارف فی التحارج اقباض المبیع من المشتری خارجا.

قوله مسألة:لو اشتری ما یفسد من یومه

فان جاء بالثمن ما بینه و بین

ص:47


1- 1) وسائل-ج 12،ص 358،باب 10،حد 1.

اللّیل و الاّ فلا بیع له ،أقول:ذهب المشهور إلی أنه لو اشتری أحد متاعا یفسد من یومه و لم یقبضه و لم یقبض الثمن،فان جاء الثمن ما بین الثلاثة و الاّ فلا بیع له و للبائع الخیار،و تحقیق فی مدرک ذلک فقد استدل علیه بمرسلة محمد بن أبی حمزة (1)و هی من حیث السند مرسلة و لکن الظاهر أن المشهور استندوا إلیها فی فتیاهم بکون البائع علی خیار فی هذه المسألة و علیه فلا تجری فیها المناقشة الضروریة من احتمال استنادهم الی غیرها نعم یبقی الاشکال فیها من حیث الکبری حیث قلنا ان الشهرة لا توجب جبر ضعف الروایة کما لا یخفی.

ثم أن فی الوسائل نقل عن الصدوق عن ابن فضّال عن الحسن بن علی بن رباط عن زرارة (2)قال:العهدة فیما یفسد من یومه مثل البقول و البطیخ و الفواکه یوم الی اللّیل و یقع الکلام تارة من حیث السند و أخری من حیث الدلالة أما من حیث السند،أن السند الذی نقل صاحب الوسائل هذه الجملة و نسب روایتها الی الصدوق و ان کان لا بأس به و لکن الاشکال فیه من جهتین،الاولی:أن الصدوق نقل فی الفقیه ما دل علی ثبوت الخیار فی الحیوان للمشتری إلی ثلاثة أیّام،و کون الحدث للبائع ثم ألحق بذلک قوله و من اشتری جاریة،و قال للبائع أجیئک بالثمن،فان جاء فیما بینه و بین شهر و الاّ فلا بیع،ثم قال:و العهدة فیما یفسد من یومه مثل البقول و البطیخ و الفواکه یوم الی اللیل.

و الذی نظن ظنا اطمئنانیا أن الصدوق نقل الروایة الدالة علی کون الحدث فی الحیوان للبائع إلی الثلاثة و أراد أن یجمع ما یشبهه فألحق

ص:48


1- 1) وسائل-ج 12،ص 358،باب 11،حدیث 1.
2- 2) وسائل-ج 12،ص 359،حدیث 2.

به مضمون روایة علی بن یقطین (1)الدالة علی ثبوت خیار تأخیر الثمن فی الجاریة بعد شهر،و ألحق به مضمون مرسلة محمد بن أبی حمزة الدالة علی ثبوت الخیار للبائع فیما یفسده بیومه اذن فتکون الروایة هنا مختصة بمرسلة ابن أبی حمزة،و قد افتی الصدوق بطبقها فی ذیل الروایة الدالة علی ثبوت خیار الحیوان للمشتری کما هو دأبه کثیرا بعد نقل الروایات فإنه ألحق بها مضمون روایة أخری مسامح لها و یؤید ذلک أن الروایة قد نقلها الشیخ فی التذهیب بالسند الذی نقلها الصدوق،و لیست مذیلته بهاتین الجملتین، علی أن سوق العبارة یقتضی أن لا یکون الجملتان من الروایة و لا یشبه کلام الامام علیه السلام اللّه کما یقتضیه الذوق السلیم،فالحاصل ان الذیل من کلام الصدوق کما علیه الأکثر کصاحب الحدائق و غیره و مع الغض عن حصول الظن الاطمئنانی بذلک فلا أقل من الشک فما یشک کونه جزا لا تشمله أدلة حجیة الخبر،بل لا بدّ من إحرازه کما لا یخفی و مع الإغماض عن جمیع ذلک فالروایة لیست منقولة عن زرارة،بل أیضا مرسلة کمرسلة ابن أبی حمزة فإن الحسن بن علی بن رباط ینقل عمن رواه لا عن زرارة و انما کتب لفظ زرارة و عمن رواه کلیهما فی نسخة الوسائل،و الظاهر أنه اشتباه من الناسخ لا اشتباه عمن رواه بزرارة و الا فهی مرسلة کما فی حدائق و الوافی و غیرهما و أما من حیث الدلالة فمع الإغماض عن ضعف سندها فلا دلالة فیها علی المقصود حیث ان المراد من کون العهدة علی البائع إلی اللیل لیس هو ثبوت الخیار له فی أول اللیل،بل معناه أن الضمان له الی اللیل و بعده لیس علیه ضمان و ان کان تلفا قبل القبض،فان الظهور العرفی من کلمة العهدة هو الضمان کما یطلق علیه کثیرا فی العرف.

ص:49


1- 1) وسائل-ج 12،ص 357،حدیث 6.

و أما مرسلة محمد بن أبی حمزة فمن حیث السند قد تقدم الکلام فیها و قلنا ان الظاهر ان المدرک هنا منحصر بها فیکون ذهاب المشهور الی ذلک نفس هذه المرسلة فبناء علی انجبار ضعف الروایة بالشهرة فتکون منجبرة بها،و انما الإشکال فی الکبری.

و أما من حیث الدلالة فدلالتها علی المقصود یحتاج إلی تأویل إجمالا و ان کان لا بأس به.

و توضیح ذلک أن ظاهر المشهور أن ما یفسد من یومه فللبائع فیه الخیار من أول اللیل کما هو المستفاد من ظاهر النص أیضا و علیه فلا فائدة لثبوت الخیار للبائع فإن أول اللیل أول شروع المبیع بالفساد فبعد شروعه بالفساد فأی فائدة للخیار فإنه مع فسخ العقد أیضا یقع البائع فی الضرر نعم لو کان مراد الفقهاء ما ذکره الشهید کما هو المضمون فإنه لسان الفقهاء و یطلع علی مرادهم و ان کان کلامهم مجملا فلا اضطراب فی کلمات الفقهاء فإنه عبر عن هذا الخیار فی الدروس بخیار ما یفسده المبیت و علیه فأول اللیل لیس زمان الشروع بالفساد لأن المبیت هو المفسد للمبیع فیکون الخیار فی أول اللیل دافعا لضرر البائع و أما تطبیق الروایة علی هذا فیمکن أن یراد من الیوم،الیوم مع لیلة،کما هو المتعارف فی الإطلاقات کثیرا و علی هذا فلا فساد فی استناد المشهور فی فتیاهم علی المرسلة فلا بأس بهذا المقدار من خلاف الظاهر،و لکن الذی یسهل الخطیب أن الشهرة لا تجبر ضعف الروایة اذن فلا مدرک للقول بثبوت الخیار هنا.

ثم انه قد استدل المصنف علی ثبوت الخیار هنا للبائع بقاعدة لا ضرر و قد تقدم الجواب عنها فإنه لم ینشأ الضرر من ناحیة لزوم العقد بوجه بل.

اما من جهة ضمان البائع به فإنه التلف قبل القبض من مال البائع فیرفع ضمانه و ان کان من جهة لزوم حفظه للمشتری فیرفع وجوب ذلک.

ص:50

و اما من جهة تأخیر الثمن فیرتفع الضرر بغیر الفسخ من المقاصة و نحوها و کیف کان فدفع الضرر عن البائع لیس منحصرا بفسخ العقد حتی یلتزم بالخیار بدلیل نفی الضرر کما هو واضح.

ثم ان الشروط التی ذکرناها فی خیار التأخیر جار هنا بناء علی ثبوت الخیار هنا للبائع فإن هذا أیضا قسم من خیار التأخیر.

ثم هل یضمن البائع المبیع لو تلف عنده و لم یجئ المشتری بالثمن أم لا؟قد تقدم فی خیار التأخیر،أن التلف سواء کان قبل الثلاثة أو بعده علی البائع إذا کان قبل القبض للارتکاز العقلائی و لکن هذا الارتکاز منفی فی المقام فإنه لا یساعد أحد علی أنه إذا اشتری أحد متاعا یفسد من یومه و خلی عند البائع و تلف عنده کان البائع ضامنا لو ادعی أحد ضمانه علی البائع یضحک علیه.

و بعبارة أخری أن ما ذکرناه سابقا لم یکن التلف فیه مستند الی عدم مجیء المشتری،و فی المقام ان التلف مستندا الی عدم مجیئه لأن المبیع لا دوام للبقاء فیتلف من جهة تأخیره و الحکم أوقع فیما إذا کان المتاع یفسد من ساعته کالثلج و نحوه،و فی جمیع ذلک أن التلف عن المشتری و من هنا یعلم أن الحکم فی أمثال المقام لا یحتاج إلی الروایة،بل هو علی طبق القاعدة من کون التلف عن المالک کما هو واضح.

و الحاصل:ان کان مدرکه هو مرسلة ابن أبی حمزة فهی من حیث الدلالة و ان کانت تامة لأن المراد من الیوم المذکور فیها هو الیوم و لیله فلا یرد علیها أنها لا تنطبق علی فتوی المشهور،و لکن الضعف السند مانع عن الأخذ بها الا بناء علی انجبار ضعف الروایة بالشهرة.

و ان کان المدرک لذلک هو قاعدة نفی الضرر فقد عرفت أن ارتفاعه لا یتوقف علی ثبوت الخیار للبائع علی أن النسبة بین ما ذکره المشهور من ثبوت

ص:51

الخیار للبائع من أول اللیل و بین مفاد لا ضرر عموم من وجه فإنه قد یکون الضرر قبل انتهاء الیوم و قد یکون فی وسط اللیل،و قد یکون أول اللیل فاذن فلا تنطبق القاعدة علی فتوی المشهور.

و قلنا:ان الذی ینبغی أن یقال أن السیرة قائمة علی أن التلف قبل القبض من مال البائع کما تقدم لأن الأخذ و الإعطاء من متممات البیع و مع الانتفاء ینتفی البیع،و قد عرفت ذلک آنفا و لکن هذه السیرة غیر جاریة فی بیع ما یفسد لیومه،و ذلک لأن ما ذکرنا انما هو فی مورد یکون التلف سماویا و لم یکن مستندا إلی تأخیر المشتری فی الإتیان بالثمن،بأن اشتری متاعا یفسد لیومه و تأخر فی إتیان الثمن حتی تلف المبیع،فإنه حینئذ یحسب التلف علی المشتری و ان کان قبل القبض فإن البائع لم یمنع عن التسلیم من قبله،بل مکنه من الأخذ و ترکه المشتری عند البائع لیجیء بالثمن فلم یجیء فتلف المبیع لتأخیره و علیه فلا یختص الحکم بما یفسد لیومه،بل یجری فیما یفسد من ساعته أو نصف یوم أو یومین فإن السیرة الدالة علی ضمان البائع قبل القبض لا یجری فی ذلک کله بوجه.

و علی هذا فهل یثبت الخیار للبائع هنا من جهة تأخیر الثمن بأن یفسخ المعاملة و یبیع المبیع من شخص آخر؟لأنه یحتمل أن لا یجیء بالثمن أصلا فإذا تلف المبیع فیذهب ماله هدرا خصوصا إذا لم یعرف المشتری لکونه غریبا أو لا یتمکن من أخذ الثمن منه أو لیس له خیار،یمکن أن یقال بثبوته له من جهة السیرة أیضا بدعوی أنها جاریة علی حفظ المالیة فی المبادلات و انما وقعت المبادلة بین المالین فإذا کان مال البائع فی معرض التلف و الزوال فلا یبعد قیام السیرة و بناء العقلاء علی ثبوت الخیار للبائع لئلا فیتضرر بذهاب ماله فالخیار حینئذ یکون ثابتا بالسیرة فتکون حکمته نفی الضرر و مع عدم الجزم بهذه السیرة فإثبات الخیار مشکل جدا.

ص:52

و یمکن إثبات الخیار بالسیرة أیضا و لکن ببیان آخر حاصله أن المعاملة الواقعیة بین المشتری و البائع حینئذ لیست بنسیئة غایة الأمر أن المشتری استمهل من البائع أن یتأخر بالإتیان بالثمن علی هذا فالمتبایعان قد اشترطا فی المبیع من الأول ضمنا بحسب بناء العقلاء و ارتکازهم و سیرتهم أنه یجب علی کل من المتبایعین إعطاء العوض للآخر فإذا تخلف أحدهما عن ذلک ثبت للآخر خیار تخلف الشرط غایة الأمر أن البائع قد أسقط خیاره هذا فی الجزء الأول من الزمان و اما فی غیره فخیاره باق علی حاله فالخیار فی أمثال المقام من جهة تخلف الشرط.

و دعوی أن له خیار واحد فإذا أسقطه فی أول الوقت سقط دائما لعدم تعدد الخیار حتی یبقی الآخر بعد سقوط واحد من ذلک دعوی جزافیة لأن الخیار هنا واحد بلا شبهة الا أنه ینحل بحسب الزمان فالإسقاط بحسب مقدار من الزمان لا أصله فیکون فی غیر زمان الاسقاط باقیا علی حاله کما هو واضح.

و بعبارة أخری قد ذکرنا فی معنی جعل الخیار لأحد المتبایعین أن مرجعه إلی إیقاف التزام البائع بالبیع علی التزام المشتری بالشرط الذی اشترط فی البیع کأن باع ماله منه و اشترط علیه خیاطة ثوبه مثلا فان توقف التزامه بالبیع بالتزام المشتری بالشرط یشمله دلیل وجوب الوفاء بالشرط فیکون الشرط واجب الوفاء علی المشتری و یکون مرجع هذا الاشتراط الی کون البیع مقیدا بذلک و أنه مع عدم هذا الالتزام الشرطی لیس هنا التزام بالبیع فإذا تخلف البائع عن التزامه یتخلف المشتری أیضا عن التزامه فلازم ذلک ثبوت الخیار للبائع فالخیار و ان لم یثبت بالاشتراط بالمطابقة و لکن یثبت بذلک بالالتزام کما هو واضح.

و علی هذا ففی المقام أن البائع قد اشترط فی ضمن العقد و لو بحسب

ص:53

الارتکاز و بناء العقلاء و سیرتهم علی المشتری وجوب تسلیم الثمن نقدا و لکن إمهاله فی تأخیره مقدارا من الزمان و أسقط شرطه الثابت بحسب السیرة مدة خاصة لأنه حق له فقد قامت السیرة القطعیة علی جواز إسقاط الحق فلا یرد أن الاسقاط بلا دلیل فی مقام الإثبات و ان کان ممکنا ثبوتا فإذا لم یجیء المشتری الثمن فی هذه المدة فللبائع الخیار من جهة تخلف ذلک الشرط فی ضمن العقد فثبوت الخیار ح علی القاعدة و هذا لا بأس به بل نجزم بذلک جزما قطعیا و لا یفرق فی ذلک بین کون المتاع من یفسد لیومه أو فی یومین أو فی ساعة أو فی ساعتین،بل یجری فی جمیع ذلک،بل یجری ذلک فیما لا یتلف،بل یبقی مدة کثیرة و لکن یذهب سوقه لبعض إلا متعة فی هذه البلاد فی أیّام الزوار فإذا اشتری أحد سبحة من شخص و خلی عنده و قال أجیء بالثمن فلم یجیء و کان الصبر أزید من ساعة مثلا،موجبا لزوال السوق فله الخیار فإذا فسخ العقد و إذا جاء المشتری فلیس له شیء.

السادس خیار الرؤیة
اشارة

قوله السادس خیار الرّؤیة: أقول:ان کان المراد من خیار الرّویة الخیار المسبب عن اشتراط المتبایعین کون المبیع علی وصف کذا فإذا رآه المشتری مثلا فوجده غیر واجد للوصف فیحکم بثبوت الخیار له،فلا شبهة حینئذ فی کون ذلک من صغریات خیار تخلف الشرط و انما ذکروا ذلک مستقلا لورود النص علیه و هذا الوجه یظهر من الفقهاء خصوصا من شیخنا الأنصاری حیث جعل عنوان المسألة ما هو ظاهر فی إدراج ذلک من خیار تخلف الشرط و قال:(المراد به الخیار المسبب عن رؤیة المبیع علی خلاف ما اشترطه

ص:54

فیه المتبایعان)و علیه فلا یفرق فی ثبوت ذلک بین المشتری و البائع فی الثمن و المثمن.

و ان کان المراد من ذلک أن المشتری قد أقدم علی الشراء باعتقاد أن المبیع واجد لوصف کذا کأن اشتری عبدا باعتقاد أنه عالم لکون والدیه عالما أو حصل له الاعتقاد من توصیف المشتری من غیر اشتراط ذلک فی البیع بالشرط الضمنی ثم ظهر الخلاف من غیر أن یکون نقص القیمة لیدخل فی خیار الغبن فیکون للمشتری الخیار و علی هذا الوجه لا یکون مندرجا فی خیار تخلف الشرط بل یکون خیارا آخر فی مقابل خیار تخلف الشرط و غیره و لا شبهة أن کلمات الفقهاء مضطربة فی هذا المقام و لم یعنون هذه المسألة علی ما ینبغی فی کلماتهم و قد عرفت أنه یظهر منهم کون هذا الخیار من ناحیة الاشتراط و لکن الظاهر من الروایة هو الوجه الثانی و أنه خیار آخر فی مقابل بقیة الخیارات و الروایة هی صحیحة جمیل بن درّاج (1)قال:

سألت أبا عبد اللّه علیه السلام،اللّه عن رجل اشتری ضیعة و قد کان یدخلها و یخرج منها فلمّا أن نقد المال صار الی الضیعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم یقله فقال أبو عبد اللّه علیه السلام انه لو قلب منها و نظر الی تسعة و تسعین قطعة ثم بقی منها قطعة و لم یرها لکان له فی ذلک خیار الرؤیة.

فإن إطلاقها یشمل صورة عدم الاشتراط أیضا بأن اعتقد کون جمیع الضیعة علی النحو الذی رآها جملة منها و علی الوجه الذی اعتقد بها و لو من توصیف البائع فاشتراها بغیر اشتراط ثم دخلها فقلبها فوجدها علی غیر الذی اعتقد بها،فقال الامام علیه السلام اللّه فی ذلک ان له خیار الرؤیة و مع الحمل علی التوصیف لا یکون بیع مجهول.

ص:55


1- 1) وسائل-ج 12،ص 361،باب 15،حدیث 1.

فهذه الروایة تدل بإطلاقها علی ثبوت خیار الرؤیة للمشتری بل یمکن دعوی اختصاصها بصورة عدم الاشتراط الذی هو مورد خیار الرؤیة و توضیح ذلک أن الرؤیة لیست لها موضوعیة فی صحة البیع بالضرورة و لا فی لزومه بحیث أن یحکم ببطلان البیع مع عدم الرؤیة أو بثبوت الخیار فیه بأن باع شیئا بالتوصیف ثم رآه المشتری فیثبت له خیار الرؤیة بمجرّد ذلک،بل انما یثبت خیار الرؤیة مع الاعتقاد بکون المبیع واجدا لوصف کذا،اما بالتوصیف من البائع أو بحسب الاعتقاد المبنی علی المواطاة بینهما ثم ظهر خلاف اعتقاده من غیر أن یکون ذلک موجبا لنقص القیمة فإنه یثبت للمشتری حینئذ خیار الرؤیة و هذا النحو من التخلف غیر التخلف فی صورة الاشتراط فتکون الروایة شاهدة لثبوت خیار الرؤیة و علی الجملة لا یدور خیار الرؤیة مدار الرؤیة و عدمها لعدم الموضوعیة لنفسها بالضرورة بل مدار خلاف الاعتقاد الحاصل من التوصیف و نحوه فلیس کل تخلف تخلفا للشرط الموجود فی العقد حتی یرجع ذلک الی خیار تخلف الشرط فتکون الروایة حینئذ أجنبیة عن خیار تخلف الشرط بهذا البیان علی أن مورد الروایة هو صورة عدم الاشتراط حیث أن المشتری بعد ما اشتری الضیعة فدخلها و خرج منها فاستقال من البائع فلم یقله فقال الامام علیه السلام:اللّه فله خیار الرؤیة فلو کان هنا اشتراط فإنه لم یکن محتاجا إلی الاستقالة بل فسخه بمقتضی خیار تخلف الشرط،و کیف فلا بأس بدلالة الصحیحة علی ثبوت خیار الرؤیة ثم انه لم یذکر فی الروایة إلا خصوص المشتری فلا تشمل الروایة علی البائع إلا بدعوی الإجماع علی عدم الفرق بینهما أو بتنقیح المناط فی الروایة بأن یقال ان البیع قائم بالطرفین من البائع و المشتری فإذا ثبت خیار الرؤیة فیه للمشتری یثبت للبائع أیضا إذ نقطع بأن المناط فی ثبوت الخیار له لیس إلا إرفاق حال و ملاحظة أنه لا یقع فی الضرر و هو جار فی البائع أیضا و من لم یذکر فی الروایة

ص:56

إلا أن المشتری اشتری ضیعة و دخلها و قلبها أو فتشها کما فی بعض النسخ فخرج منها و استقال البائع فلم یقله فقال الامام علیه السلام:اللّه أنه إذا لم یر قطعة منها فله الخیار و من البدیهی أن عدم رؤیة المشتری لا خصوصیة فیها لکی نخصص الحکم به بل نقطع من ذلک أن المناط فی ثبوت الخیار له هو الإرفاق و عدم الرؤیة و اذن فلا بأس بتمیم الخیار للبائع أیضا.

أقول:أما الوجه الأول فهو دعوی الإجماع علی التعمیم فمضافا الی عدم حجیة الإجماع المنقول أنه من المحتمل أن یکون مدرک المجمعین هو ارجاعهم هذا الخیار بخیار تخلف الشرط فحینئذ یکون ثبوت الخیار علی القاعدة فلا یکون الإجماع ح إجماعا تعبدیا،بل یکون مدرکه هو اشتراط المتبایعین کما هو واضح.

أما الوجه الثانی:فنقول أن دعوی ثبوت خیار الرؤیة للبائع قد یکون فی الثمن و أخری فی المثمن أما الأول فلا شبهة فی صحة تنقیح المناط لأن نسبة البیع إلی البائع و المشتری و الی الثمن و المثمن علی حد سواء فإذا ثبت الحکم بالنسبة إلی المثمن لخصوص المشتری فی مورد مع عدم ذکر خصوصیة له فی ما دل علی ثبوت ذلک الحکم له فنجزم من ذلک أن الحکم یعم البائع أیضا و أما دعوی ثبوت ذلک فی المثمن بأن باع شیئا باعتقاد أنه کذا اعتمادا علی توصیف شخص ثم رأی أنه أرقی مما وصفوه له،و لکن لا بحیث یکون موجبا للغبن و الا فیکون له خیار الغبن،بل کانت الارقائیة علی نحو لا یوجب زیادة الثمن بل کانت القیمة التی باع المتاع بها قیمة عادلة بل أکثر من ثمن المثل فهل له خیار الرؤیة هنا بتنقیح المناط؟أولا فالظاهر هو عدم الجزم بذلک و ان کان محتملا و لکن بمجرّد الاحتمال لا یمکن الحکم بثبوت الخیار للبائع بمجرّد تخلف اعتقاده عن الواقع کما هو واضح.

و ذکر المصنف أنه حکی عن بعض أنه یحتمل فی صحیحة جمیل أن یکون

ص:57

التفتیش عن البائع بأن یکون البائع باعه بوصف المشتری و ح فیکون الجواب عاما بالنسبة إلیهما و فیه أنه واضح الفساد و لا ندری أن المصنف لما ذا نقله فإنه خلاف ظاهر الروایة،بل صراحتها حیث ان الضمائر کلها ترجع إلی المشتری علی أن مورد الروایة هو المشتری و السائل إنما سأل عنه فکیف یمکن حمل التفتیش علی تفتیش البائع و حمل الجواب علی الأعم من البائع و المشتری و کیف کان أن ظهور الروایة فی ثبوت خیار الرؤیة لخصوص المشتری مما لا ینکر و لا بأس بإثباته للبائع فی خصوص الثمن بتنقیح المناط ثم انه استدل فی الحدائق علی ثبوت خیار الرؤیة علی المشتری بصحیحة (1)زید الشحام،قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السلام:اللّه عن رجل اشتری سهام القصابین من قبل أن یخرج السهم،فقال:لا تشتر شیئا حتی یعلم أین یخرج السهم فان اشتری شیئا فهو بالخیار إذا خرج ثم قال و توضیح هذا الخبر ما رواه فی الکافی و التهذیب فی الصحیح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام:اشتری الغنم أو یشتری الغنم جماعة ثم یدخل دارا ثم یقوم رجل علی الباب فیعد واحدا و اثنین و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم یخرج السهم قال لا یصلح هذا انما تصلح السهام إذا عدلت القسمة الخبر.

أقول:لم نفهم وجه الاستدلال علی المقصود بروایة زید الشحام و لا وجه الاستشهاد علیه بروایة عبد الرحمن بن الحجاج أما الثانی فلان روایة عبد الرحمن ناظرة إلی بطلان القسمة المذکورة بأن اشتری جماعة أغناما اما مشاعا کما هو الظاهر أو معینا ثم أدخلوها فی قبة ثم یخرجوها

ص:58


1- 1) وسائل:ج 12،ص 362،یب:ج 2،ص 14،الفروع:ج 1 ص 392، فقیه:ج 2 ص 76.

منها فیقف رجل بالباب فیعد لصاحب الخمسة خمسة،و لصاحب الاثنین اثنین و لصاحب العشرة عشرة و هکذا و بیّن الامام علیه السلام وجّه البطلان و هو أن هذه لیست بقسمة عادلة لتفاوت الافراد بالسمن و الهزال و یمکن جریان هذه القسمة فی الغنم الواحد أیضا بأن ذبحوه بعد الشراء و یأخذ واحد صدره و الآخر رجله و هکذا فافهم،و هذا واضح فلیس فی هذه الروایة إشعار بثبوت خیار الرؤیة لأحد المتبایعین و لا أن فیه إشارة إلی شراء لشخص واحد سهام القصابین قبل خروج السهم،فالروایة أجنبیة عن المقام و أما صحیحة زید الشحام فهی أیضا خارجة عن المقام و الوجه فی ذلک هو ما ذکره المصنف من أن المشتری لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا فلا مورد لخیار الرؤیة لعدم التعین و ان اشتری سهمه المعین الذی یخرج فهو شراء فرد غیر معین و شراء قبل التملک،فهو لا یصح فضلا عن ثبوت خیار الرؤیة فیه و علی تقدیر الصحة فلا خیار فیه للرؤیة کالمشاع.

ثم ذکر المصنف تفسیر الروایة بأنه یمکن حملها علی شراء عدد معین نظیر الصاع من الصبرة فیکون له خیار الحیوان إذا خرج السهم.

و فیه أن خیار الحیوان انما یثبت فی البیع من حین العقد لا من بعده فلا وجه لحمل الروایة علی ذلک.

و یمکن أن یقال:ان المراد من الروایة أن الامام علیه السلام:اللّه قد حکم ببطلان البیع لکونه من قبیل شراء ما لا یملکه البائع لعدم خروج السهم علی الفرض ثم حکم بالخیار بعد ذلک،أی بکونه مختارا فی الشراء و عدمه بعد القسمة و خروج السهم فیکون المراد من الخیار الاختیار اعنی معناه اللغوی.

فتحصل أن خیار الرؤیة خیار مستقل فی عرض خیار الشرط و دلیله صحیحة جمیل بن دراج،فافهم.

ص:59

قوله:مسألة مورد هذا الخیار، أقول:ذکر المصنف

أن مورد هذا خیار

الرؤیة بیع العین الشخصیة الغائبة

و ذکر أن المعروف أنه یشترط فی صحته ذکر أوصاف المبیع التی یرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر إذ لولاه لکان غررا،أقول:الظاهر أن مراده من ذلک نفی خیار الرؤیة فی المبیع الکلی فی الذمة فإنه لا یمکن فی مثل ذلک الالتزام بخیار الرؤیة فإنه إذا لم یکن ما سلمه البائع إلی المشتری موافقا للمبیع الکلی فله التبدیل دون الخیار و أما فی الکلی فی المعین و فی المشاع یعنی إذا کان المبیع شیئا منهما فلا بأس بثبوت خیار الرؤیة فیه علی مسلک المصنف حیث ذهب الی أن خیار الرؤیة من جهة تخلف الشرط الضمنی فإنه لا شبهة فی إمکان تخلف الوصف فی مثل بیع المشاع و الکلی فی المعین کما إذا وصف صبرة و اعتقد المشتری أنها واجدة لوصف فلانی،أو وصف شخص آخر،ذلک و اعتقد علیه المشتری فاشتری نصف المشاع منها أو اشتری صاعا منها ثم انکشف أن الصبرة غیر واجدة لذلک الوصف فان له خیار لتخلف الوصف لا یقال ان المصنف قد صرح فی المسألة السابقة بانتفاء خیار الرؤیة فی المبیع المشاع فی الجواب عن الاستدلال بروایة شراء سهام القصابین فکیف یمکن شرح کلامه هنا علی هذا النحو.

و فیه أن المصنف لم یذهب هناک الی نفی خیار الرویة عن المبیع المشاع،بل کان غرضه فی مورد شراء سهام القصابین لیس خیار الرؤیة سواء کان المبیع مشاعا أو معینا لأنه قد رأی المبیع و اطلع علیها و لا یلزم بعد الرؤیة و الاطلاع علی أوصافه تخلف لیلزم خیار التخلف الوصف و انما التفاوت منشأ من ناحیة شراء سهامهم قبل الشراء حیث لا یعلم أنها علی أی کیفیة أنها أقل أو أکثر و أنها جیدة أم لا فالمورد له خصوصیة تقتضی انتفاء خیار الرؤیة لأن المبیع قد لوحظ قبلا فلا یکون هنا خیار الرؤیة سواء کان المبیع

ص:60

مشاعا أو معینا علی أنه إذا کان معینا فهو باطل و لا یلزم من ذلک نفی خیار الرؤیة فیما کان المبیع مشاعا أو کلیا فی المعین بان اعتقد علی توصیف فظهر خلافه.

و أما علی مسلکنا من کون خیار الرؤیة للروایة فلا شبهة فی ثبوته فی العین الشخصیة الغائبة لکون ذلک مورد الروایة و لا یبعد الالتزام بثبوته فی المبیع المشاع لأنه و أن کان خارجا عن مورد الروایة و لکن مقتضی فهم العرفی هو أن لا یفرق بین شراء الضیعة بتمامها الذی هو مورد الروایة و بین شراء نصفها مثلا مشاعا،فیمکن بذلک أن یدخل المبیع المشاع أیضا مورد الروایة و أما بیع الکلی فی المعین فهو خارج عن ذلک قطعا کما هو واضح.

ثم ذکر المصنف أنه عبّر جماعة عن أوصاف المبیع التی ترتفع بها الجهالة بما یختلف الثمن باختلافها کما فی الوسیلة و جامع المقاصد و غیرهما لأن الرغبات یختلف باختلاف أوصاف الأشیاء و عبر عنها جمع آخر بما یعتبر فی صحة السلم بحیث لا یکون بیع السلم غرریا و جمع آخر و الشیخین اقتصروا علی اعتبار ذکر الصفة ثم ذکر أن مراد جمیعهم واحد و هو اعتبار ذکر الوصف علی نحو یرفع الغرر ثم ذکر عبارة التذکر و ذکر أنه قد یتراءی التنافی بین اعتبار ما یختلف الثمن باختلافه و کفایة ذکر أوصاف السلم من جهة أنه قد یتسامح فی السلم ذکر بعض الأوصاف لإفضائه الی عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء علی التحقیق ثم وجه ذلک و رفع توهم التنافی بوجهین و لا یهمنا شرح کلام القوم و الذی یهمنا أنه لا شبهة فی شمول العمومات الدالة علی صحة البیع لکل بیع،و لم یخرج من تلک العمومات الا ورود النهی فی النبوی عن بیع الغرر الذی تقدم ذلک فی شرائط العوضین و توضیح ذلک أنه قد یراد من نفی الغرر لزوم ذکر الأوصاف فی السلم و غیره بما یرفع الجهالة

ص:61

المداقة بأن لا یبقی جهل بخصوص وصف بأوصاف المبیع حتی مدحظه الطمع مثلا فی مثل البطیخ و نحوه و هو بدیهی البطلان قطعا لعدم اعتبار ذلک فی صحة بیع السلم قطعا لإفضائه الی عزة الوجود و قد یراد من نفی الغرر ذکر الأوصاف علی نحو الاجمال و التسامح فی ذلک بحیث لم یحصل الاطلاع علی الأوصاف التی تختلف بها الرغبات و هذا أیضا منفی و بدیهی البطلان لأنه ینجر الی الغرر و النزاع و المشاحة و قد نهی النبی(صلی الله علیه و آله)عن بیع الغرر بناء علی تمامیته أو قیام السیرة علی ذلک کما تقدم فی شرائط العوضین بل لا بدّ من الأخذ بالوسط و الأمر بین الأمرین بحیث یلزم ذکر الأوصاف علی نحو یرفع الجهالة عرفا و لا یلزم المداقة فی ذلک و لا یکفی المسامحة فی ذلک،و علی هذا فیرتفع الغرر بذلک ثم و لو کان هذا التوصیف بذکر الأجانب غیر المالک و علی هذا فإذا تخلف الوصف یثبت للمشتری خیار الرؤیة بمقتضی الروایة و ان لم یکن اشتراط فی العقد لیلزم تخلف الوصف و یثبت الخیار من جهة ذلک لعدم التزام البائع بذلک،بل یذکر الوصف بعنوان أنه مخبر عن ذلک أو یسئل المشتری الأوصاف من الأجانب الذین یطلعون علی المبیع کما لا یخفی.

و علی الجملة فلا بدّ فی الغرر و أن یرجع الی العرف کما اعترف به المصنف أیضا بل السیرة قائمة علی عدم اعتبار الاطلاع بأوصاف المبیع بأجمعها کما هو واضح.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لاعتبار العرف و الشرع فی الغرر و القول بأن الغرر العرفی أخص من الشرعی کما فی کلام المصنف إذ لم یرد فی الشریعة ما یرجع الی الغرر الا قول النبی(صلی الله علیه و آله)نهی النبی عن بیع الغرر من دون بیان مفهومه و حقیقته فلا وجه لأخذ الغرر الشرعی أعم من العرفی بل الغرر عرفی دائما،نعم ورد اعتبار الکیل و الوزن فی المکیل و الموزون و لکن

ص:62

لا من جهة نفی الغرر،بل لموضوعیة المکیل و الموزون حتی لو کان الغرر مرتفعا بوجه آخر فأیضا لا یصح فیهما البیع بدون الکیل و الوزن بأن جعل مثلا الحنطة فی أحد کفتی المیزان و الشعیر فی الطرف الأخر مع کون قیمتهما مساویة فرضا و مع ذلک لا یصح البیع و کذا أن اعتبار العلم بجنس المبیع لیس من جهة الغرر،بل للإجماع علی ذلک الا أن یناقش فیه بأن مدرک المجمعین هو دلیل نفی الغرر و أن اعتبار العلم بجنس المبیع من جهة أن لا یکون البیع غرریا کما هو واضح.

ثم ذکر المصنف أنه یمکن الاستشکال فی صحة هذا العقد بأن ذکر الأوصاف لا یخرج المبیع عن کونه غررا لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حیث الجهل بصفات المبیع فإذا أخذت فیه مقیدا بها صار مشکوک الوجود لأن العبد المتصف بتلک الصفات مثلا لا یعلم وجوده فی الخارج و الغرر فیه أعظم.

ثم أجاب أولا و حاصله ما ذکره فی البحث عن بیع الغرر أنه بمعنی الخطر و هو آمر نفسانی یزول بالاطمئنان علی وجود المبیع و أوصافه فإذا وصفه البائع أو شخص آخر ذلک المبیع و اطمأن المشتری علی کونه متصفا بوصف کذا ارتفع الغرر ح و إذا انکشف الخلاف ثبت له خیار الرؤیة بالروایة المتقدمة و هی صحیحة جمیل بن دراج،و هذا وجه وجیه.

ثم أجاب ثانیا بأن أخذ الأوصاف فی معنی الاشتراط لا التقیید فیبیع العبد مثلا ملتزما بکونه کذا و کذا و لا ضرر فیه ح عرفا،و هذا الوجه أیضا وجیه و ان کان الخیار الثابت فی البیع ح خیار تخلف الشرط و توضیح ذلک أن الأعیان الخارجیة غیر قابلة للإطلاق و التقیید،بل هی موجودة علی ما هی علیها فلا تتغیر عن واقعها بقید من القیود و علیه فلا مناص من رجوع التقیید فیها الی الاشتراط فمعنی أنه بعتک العبد الکاتب أن البیع مشروط بالکتابة

ص:63

أی أن التزام المشتری بالکتابة مشروط بکون العبد کاتبا و الا فله الخیار فی ذلک اذن فلا وجه لبطلان البیع کما هو واضح.

ثم أنه لا معنی لکون الاشتراط هو الالتزام بالوصف الخارجی بأن یلتزم البائع بکون المبیع متصفا بوصف کذا و علی هذا فالاشتراط قد یکون راجعا الی البیع بمعنی أن إنشاء البیع یکون معلقا بکون المبیع واجدا لذلک الوصف و الا فلا بیع أصلا فهذا لا شبهة فی بطلانه لکونه تعلیقا و التعلیق فی العقود یوجب البطلان الا أن یکون الوصف المعلق علیه البیع من الصورة النوعیة العرفیة بحیث یرجع التعلیق الی التعلیق بأصل وجود المبیع فحینئذ لا یحکم بالبطلان فان ذلک ضروری فضلا عن یکون موردا للإجماع القائم علی بطلان التعلیق و ان کان راجعا الی الالتزام بأن یلتزم کل من البائع و المشتری علی البیع بشرط أن یظهر المبیع بوصف الکتابة أو یخیط البائع للمشتری ثوبا و نحو ذلک بأن یشترط فی البیع وجدان المبیع وصف الکمال و ظهر خلاف،فحینئذ للمشروط له خیار تخلف الوصف و ان لم یکن ذلک بالاشتراط بل بالتوصیف و لو من غیر البائع ثم ظهر الخلاف ثبت للمشتری خیار الرؤیة بالروایة علی مسلکنا و ان کان التخلف فی أوصاف الصحة ثبت للمشروط له خیار العیب سواء کان مع ذلک خیار تخلف الشرط و خیار الرؤیة أم لا،و حینئذ کان المشروط له مخیرا بین الفسخ و الإمضاء مع الأرش أو بدونه و أما فی غیر صورة انتفاء وصف الصحة فلا مجال للأرش بل یکون له الخیار فقط،لأنه انما ثبت بدلیل خاص فی فرض ظهور المبیع أو الثمن معیوبا أی منتفیا عنه وصف الصحة لا مطلقا کما لا یخفی.

ثم انه جعل جمع کثیر من المتأخرین بطلان العقد بانتفاء الشرط علی القاعدة کما یظهر من المنتهی و ذهب الیه المحقق الأردبیلی،بل مال الیه المصنف و لکن ذکر أن ملاحظة موارد ذلک فی الفقه یقتضی الخروج عن ذلک

ص:64

و عدم کون التخلف موجبا للبطلان،بل ثبوت الخیار فقط و الوجه فی ذلک أن ما وقع علیه العقد أی المبیع المشروط بشرط کذا غیر واقع و المبیع المطلق لم یقع علیه العقد فیحکم بالبطلان فالمعقود علیه غیر موجود و الموجود غیر معقود علیه.

و لکن یرد علیه أن الشرط ان کان راجعا إلی أصل البیع فقد عرفت أنه یوجب البطلان لا من جهة الغرر،بل للتعلیق المجمع علی بطلانه فی العقود إلا إذا کان التعلیق بأصل وجود المبیع أو بما یکون نازلا منزلته.

و ان کان راجعا الی الالتزام کما هو کذلک فلا یوجب تخلف الشرط الا الخیار کما ذکرناه نعم لو کان الوصف المتخلف من الصورة النوعیة فیکون موجبا للبطلان و کان لما ذکرناه وجه لأن ما جری علیه العقد فهو غیر واقع و ما هو واقع لم یجر علیه العقد کما لا یخفی و علی هذا فالبطلان لیس موافقا للقاعدة.

و العمدة فی ذلک الذی استند الیه القائل بالبطلان و ان لم یکن الوصف المتخلف من الصورة النوعیة ما ذکره المصنف من قیاس المقام بالشروط الفاسدة بناء علی کون الشرط الفاسد موجبا لبطلان العقد بأن المقام و أن لم یکن من باب التخلف فی الصورة النوعیة کما إذا قال بعتک ما فی البیت علی أنه عبد حبشی فبان أنه حمار وحشی و لکن تلتزم بالبطلان فی المقام أیضا أعنی صورة تخلف الشرط فان اتصاف المبیع بالأوصاف فی معنی کون القصد الی بیعه بانیا علی تلک الأوصاف فإذا فقد ما بنی علیه العقد فا- لمقصود غیر حاصل فینبغی بطلان البیع کما التزموا بالبطلان فی اشتراط الشرط الفاسد فی البیع کما هو واضح.

و لکن یرد علیه أن بطلان العقد لاشتراط الشرط الفاسد فیه بناء علیه انما هو من جهة کون البیع مقیدا بالالتزام علی هذا الشرط و قد جعل

ص:65

الشارع هذا الالتزام کلا التزام و أخرجه عن عموم المؤمنون عند شروطهم بکونه مخالفا للشرع فیکون ذلک موجبا للبطلان و هذا بخلاف صورة تخلف الشرط فان الالتزام لم یجعل کلا التزام،بل انما لم یوجد متعلق الشرط فی الخارج فیکون ذلک موجبا للخیار و کم فرق بین الأمرین.

و دعوی أن البیع انما هو علی هذا الشرط أی إنما إنشاء البیع علی تقدیر هذا الشرط و الا فلا بیع فیکون الالتزام ح أیضا منتفیا بانتفاء الشرط دعوی جزافیة فإنه خارج عن الفرض و أنه تعلیق مجمع علی بطلانه و کلامنا فی فرض التخلف فقط دون التعلیق کما هو واضح.

و الحاصل:أنه قد تحصل مما ذکرناه أنه لا معنی للالتزام بوجود الوصف فی العوضین بأن یکون معنی اشتراط کون العبد کاتبا هو التزام البائع بکتابة العبد فلا بدّ أما أن یرجع الاشتراط إلی أصل العقد و الالتزام العقدی أو یرجع الی الالتزام بلزومه بأن یکون لزومه مقیدا باتصاف العبد بالکتابة أکون البیع علی تقدیر أن یکون العبد کاتبا فعلی تقدیر اشتراط اللزوم بالکتابة کان العقد صحیحا سواء کان تخلف الوصف أم لا،و لکن ثبت للمشتری خیار تخلف الوصف و علی تقدیر اشتراط البیع بکون العبد کاتبا مثلا کان البیع باطلا للتعلیق سواء تخلف الوصف أم لم تخلف لقیام الإجماع علی بطلان العقد بالتعلیق نعم إذا کان التعلیق بالصور النوعیة فلا یکون ذلک موجبا للبطلان فإنه ضروری سواء ذکر فی اللفظ أم لم یذکر إذا التعلیق بالصور النوعیة کالتعلیق بأصل وجود المبیع فهو لا بدّ منه لأنه مما یتوقف علیه صحة العقد فإنه لا یصح العقد بدون وجود المبیع کما هو واضح،و من هنا یحکم ببطلان العقد مع التخلف فی الأوصاف التی من الصور النوعیة کأن اشتری عبدا فظهر حمارا أو أشتری کأسا فظهر جرّة و نحو ذلک.

و علی الجملة أن التعلیق فی العقود إذا کان بالأوصاف الکمالیة

ص:66

یوجب البطلان الا أن تخلفها لا یوجب البطلان بل یوجب الخیار و أما التعلیق بالصور النوعیة لا یوجب البطلان و لکن تخلفها یوجب البطلان.

ثم ان المراد من الصور النوعیة هنا لیس ما هو المعروف فی علم الفلسفة المبنی علی التدقیق و التحقیق،بل المراد منها هو الصور النوعیة العرفیة و بینهما عموم من وجه إذ قد یکون الوصف من الصور النوعیة العرفیة و لا یکون منها بحسب الدقة و الفلسفة کاشتری أحد أمة شابة فظهر عبدا شائبا فان الأنوثة و الرجولة و ان کاننا من حقیقة واحدة عند الدقة حیث انهما من أفراد الإنسان و الإنسان نوع واحد و لکنهما فی نظر العرف نوعان و علیه فلا شبهة فی بطلان البیع حینئذ لأن ما وقع علیه العقد غیر موجود و الموجود غیر ما جری علیه العقد و من هذا القبیل الفراش و الکتب.

و قد یکون الوصف فی نظر العرف من غیر الأوصاف المقومة و الصور النوعیة و لکنه یکون من الصور النوعیة فی نظر العقل و قد یجتمعان و أما ما ذکره المصنف من المثال باللبن علی المختلفة الحقیقة بأن باع لبن شاة فظهر لبن جاموس،لا یمکن المساعدة علیه فان الغنم و الجاموس و ان کانا من جنسین و لکن لبنهما شیء واحد حقیقة و جنس واحد و علی تقدیر الفرق بینهما فالاختلاف بحسب نظر العرف دون العقل.

هذا کله فیما علم کون الوصف من الصور النوعیة أو من الأوصاف الکمالیة و أما فیما شک فی ذلک و لم یعلم أن الوصف من الصور النوعیة أو من الأوصاف الکمالیة فهل مقتضی القاعدة هنا البطلان أو الصحة؟و بعبارة أخری تارة تعلم کون الوصف من الصور النوعیة و لا شبهة فی ان التخلف فیه یوجب البطلان و أخری یعلم کونه من الأوصاف الکمالیة و لا شبهة فی أن التخلف هنا لا یوجب البطلان،بل انما یوجب الخیار و أما إذا شککنا فی کون الوصف من الصور النوعیة العرفیة المقومة أو من الأوصاف الکمالیة فهل مقتضی القاعدة

ص:67

هنا هو البطلان عند التخلف؟أو عدمه؟و هل یجوز التعلیق فی مثل ذلک أم لا یجوز؟ و یقع الکلام هنا فی مقامین،الأول:فی جواز التعلیق فی مثل ذلک و عدمه،و الثانی:فی حکمه مع التخلف فیما وقع البیع علی الارتکاز من غیر تعلیق و اشتراط.

اما المقام الأول:فالظاهر أنه لا یوجب البطلان و توضیح ذلک أنه لا دلیل لفظی علی بطلان التعلیق فی العقود و انما الدلیل علی بطلانه انما هو الإجماع و من الواضح أنه دلیل لبی فلا بدّ من أخذ المتیقن منه و لا ریب أن المتیقن انما هو فیما کان التعلیق علی الأوصاف الکمالیة بحیث أحرز کونها من ذلک و أما إذا احتمل کونها من الأوصاف الکمالیة أو من الصور النوعیة فلا نجزم بوجود الإجماع هنا علی بطلان التعلیق إذ نحتمل أن یکون ذلک من الصور النوعیة التی یجوز التعلیق فیها و توهّم أنا نکشف من الإجماع ببطلان التعلیق أینما سری مفهومه الا التعلیق بالصور النوعیة أو بأصل وجود المبیع توهّم فاسد لعدم الاطمئنان بذلک کما لا یخفی.

و علیه فتشمله العمومات الدالة علی صحة البیع و لا یکون تمسکا بالعام فی الشبهات المصداقیة حیث لا نشک فی أنه داخل تحت الإجماع أو لا بل نقول أنه خارج عن الإجماع فیکون العمومات بالنسبة إلیه سلیمة عن المخصص کما هو واضح.

ثم إذا ظهرت المخالفة فی هذه الصورة فیحکم ببطلان العقد علی کل تقدیر لأنه ان کان التخلف فی الواقع فی الصورة النوعیة فیحکم بالبطلان لعدم وجود المبیع و أن الثمن لم یعلم فی مقابل أی شیء وقع و ان لم یکن فی الصورة النوعیة فیحکم ببطلانه للتعلیق فی غیر الصورة النوعیة.

و أما المقام الثانی:فهو ما تعاملا علی شیء بحسب الارتکاز علی کون

ص:68

واجدا للوصف الکذائی ثم ظهر الخلاف فلم یعلم أنه من الصور النوعیة لیوجب التخلف البطلان أو من الأوصاف الکمالیة حتی لا یوجب التخلف البطلان کما إذا باع کتاب شرح اللمعة علی أنه مخطوط بخط عبد الرحیم بحسب ارتکازهما ثم ظهر أنه مخطوط بخط أحمد التفریشی فلم یعلم أن هذا الوصف هل هو من الصور النوعیة حتی یکون التخلف موجبا للبطلان أم من الصور الکمالیة حتی لا یکون التخلف موجبا للبطلان،فالظاهر هو البطلان هنا فلا تشمله العمومات لأنه لم یعلم أن الثمن فی مقابل أی شیء وقع و لم یحرز المبیع فیکون التمسک بالعمومات تمسکا بها فی الشبهات المصداقیة و هو لا یجوز و علی هذا فلا یجوز لکل من المتبایعین التصرف فی الثمن و المثمن لأنه لا یجوز التصرف فی مال الغیر الاّ مع الاذن منه أو بالتجارة عن تراض و من الواضح أن العوض مال الغیر فلم یعلم اذن صاحبه فیه و لا کون الأخذ تجارة عن تراض إذ المفروض أنه لم یعلم أن الثمن فی مقابل أی شیء وقع فی الخارج فیکون باطلا و علی الجملة أن العمومات انما نحکم بصحة المعاملة بعد إحراز تحقق البیع فی الخارج و وقوعه بمبیع کلی أو شخصی و من الواضح أنه لم یحرز فی أن المبیع أی شیء و أن البیع بأیّ شیء وقع فإنه علی کون الوصف المتخلف من الصور النوعیة فلا بیع أصلا و علی تقدیر کونه من الأوصاف الصحة أو الکمال فالبیع صحیح فلم یحرز وجود البیع حتی تمسک بالعمومات و لم یتحقق وقوع الثمن بإزاء أی شیء فإنه مع کون الوصف من الصور النوعیة فما هو مبیع غیر موجود،لأن المفروض أن البیع وقع بحسب الارتکاز علی الوصف و مع کونه من أوصاف الکمال فقط فما هو مبیع فهو موجود فلا یکون أخذ الثمن فی مقابله إلا تجارة عن تراض فحیث لم یحرز کونه من الأول أو من الثانی فلم یحرز وجود المبیع و أن الثمن قد وقع فی مقابل أی شیء فیکون المورد مشمولا لما دل علی حرمة أکل مال الناس بغیر رضی منه،و لا تجارة عن تراض کما

ص:69

هو واضح و لم نر التعرض لهذا البحث و هو بحث لطیف.

مسألة

قوله:مسألة الأکثر علی أن الخیار عند الرؤیة فوری،
اشارة

أقول وقع الخلاف بین الأصحاب فی أن خیار الرؤیة فوری أم لا و تحقیق ذلک فی مقامین:- الأول:من حیث القواعد.

و الثانی:من حیث الروایات.

أما المقام الأول:فمقتضی القواعد،

أی العمومات هو ثبوت الخیار فی کل آن و زمان لما عرفت سابقا فی خیار الغبن أن العموم الزمانی ثابت للعمومات فنتمسک بها فی کل آن فنثبت فیه الخیار و إذا خرج فرد من ذلک یقتصر بالمقدار المتیقن فلا یمکن استصحاب حکم المخصص فی الزمان البعد.

و هکذا الحال إذا کان الدلیل لخیار الرؤیة هو الشرط الضمنی حیث ان مقتضی ما شرطاه المتبایعان بحسب الارتکاز هو ان یکون لکل منهما الخیار مع التخلف و لا شبهة أن هذا الاشتراط موجود فی مقدار من الزمان بعد الرؤیة بحیث یتمکن المشروط له من الفسخ الذی سمیه فوریا و أما الأزید من ذلک فلا یقتضیه الارتکاز.

و أما بحسب الروایات

فقد عرفت أن الدلیل علی ذلک انما هو روایة جمیل و تحقیق الکلام فی دلالة ذلک أن قوله علیه السلام اللّه فیها فله خیار الرؤیة أن الخیار الذی أضیف إلی شیء لا یخلو بحسب الاستقراء عن أقسام ثلاثة و ان کان لها أقسام کثیرة بحسب التقسیم العقلی.

الأول:أن تکون إضافته من باب اضافة الخیار الی متعلقة کخیار الحیوان حیث أن الحیوان لیس سببا للخیار و لا ظرفا له،بل هو متعلق الخیار أی

ص:70

هو المبیع الذی تعلق به الخیار و قد یکون من باب اضافة المسبب الی السبب کخیار الغبن فان الخیار هنا مسبب عن الغبن و لا یبعد أن یکون من هذا القبیل اضافة الخیار الی العیب فان العیب هو سبب الخیار.

و قد تکون من قبیل اضافة المظروف الی ظرفه کخیار المجلس فان المجلس لیس سبب الخیار و لا متعلقة،بل الخیار واقع فی هذا الظرف کما هو واضح،ففی المقام أن الرؤیة لیست متعلقة للخیار بلا شبهة بحیث تکون شأنها شأن الحیوان فی بیع الحیوان،فإن الرؤیة غیر قابلة للبیع و تعلق الخیار بها و بعید أن تکون سببا له أیضا،و ذلک من جهة أن الرؤیة لیست سببا للخیار بحیث أن یوجد الخیار بمجرّد الرؤیة و تکون لها موضوعیة فی ذلک فان هذا غیر محتمل.

و لکن یمکن الجواب عن ذلک بأن الرؤیة کاشفة عن ثبوت الخیار عند التخلف و یکون السبب للخیار هو التخلف و تکون الرؤیة کاشفة عن التخلف و هذا الاشکال لا یکون مانعا عن کون الرؤیة سببا للخیار کما هو واضح.

و لکن یرد علیه أن مقتضی کون الرؤیة سببا للخیار أن یکون الحکم أی الخیار مقیدا بها و هو لغو محض و بیان ذلک أن الروایة جمیل دلت علی أن المشتری للضیعة إنما رأی مقدارا منها و أشتریها ثم دخلها فقلبا فخرج منها و استقال من البائع فلم یقله،فقال الامام(علیه السلام):لو لم یر قطعة منها فله خیار الرؤیة،فإن ظاهر هذه الروایة أن المشتری قد رأی الضیعة و سئل عن حکم المسألة بعد الرؤیة فمقتضی الحال حینئذ أن یقال فله الخیار دون أن یقال،فله خیار الرؤیة،فإن التقیید حینئذ لغو محض،فإنه بعد تحقق الرؤیة لا وجه لتفریع الحکم علی التخلف الحاصل بأن له خیار الرؤیة،بل یقال فله الخیار،فان ذلک نظیر أن یقال إذا دخل شهر رمضان فیجب صوم شهر رمضان،و هکذا بل الصحیح أن یقال یجب الصوم و علی هذا فلا

ص:71

یبقی للروایة ظهور فی ذلک،بل الصحیح أن الإضافة من قبیل اضافة المظروف الی ظرفه،کخیار المجلس،فان التقدیر حینئذ یکون هکذا فله خیار إذا رأی أی فی زمان الرؤیة و علی تقدیر أن لا تکون الروایة ظاهرة فی ذلک فلیس لها ظهور فی السببیة فتکون مجملة،فلا یمکن الأخذ بمفاد السببیة و الفرق بین الوجهین هو أن مقتضی کون الرؤیة سببا للخیار هو عدم الفوریة تمسکا بإطلاق الروایة فیحکم ببقاء الخیار أبدا ما لم یطرأه مسقط فتکون الروایة نظیر الروایات الواردة فی خیار التأخیر حیث ذکرنا أن مقتضی إطلاق قوله علیه السلام لا بیع بینهما،هو نفی إثبات الخیار إلی الأبد و لو بعد سنة و لو إعطاء الثمن ما لم یطرأ علیه مسقط فتکون هذه الروایة أیضا بإطلاقها دالة علی ثبوت خیار الرؤیة إلی الأبد ما لم یطرأ علیه مسقط،و هذا بخلاف الوجه الأخیر أعنی أخذ الرؤیة ظرفا للخیار فان مقتضی ذلک هو أن الخیار ثابت حال الرؤیة،و حینئذ لو کان للرؤیة مجلس تدوم بدوام المجلس مثلا کخیار المجلس لکان لما ذکره أحمد بن حنبل وجه،و لیس مما ذکره بلا وجه أصلا،کما ذکره المصنف،بل یمکن دعوی أن الرؤیة ما دامت ممتدة فی مجلس واحد مثلا فیثبت الخیار و لکن ذلک بعید،فان الظاهر من الروایة أن الخیار ثابت فی حال الرؤیة من غیر أن تکون ظاهرة فی امتداد الخیار بامتداد الرؤیة،و حینئذ فاما أن یقتصر من الفوریة بالآن الأول الحقیقی من الرؤیة أی الآن الدقی الفلسفی فتکون الفوریة فوریة حقیقیة و لکن لا شبهة فی انه خلاف المتفاهم العرفی و اذن فیثبت کون خیار الرؤیة فوریة بالفوریة العرفیة کما هو واضح.

فی مسقطات خیار الرؤیة
قوله مسألة:یسقط هذا الخیار بترک المبادرة عرفا؟

أقول:من جملة المسقطات لخیار الرؤیة الاسقاط فتارة نتکلم فی جواز إسقاطه بعد العقد و قبل الرؤیة،و أخری فی ضمن العقد،أما الأول:فإن کانت الرؤیة کاشفة عن

ص:72

ثبوت الخیار قبله فلا شبهة فی جواز الاسقاط قبل الرؤیة و لکن ذلک خلاف الظاهر من الروایة و ان کانت الرؤیة کاشفة عن ثبوته عنده و حال الرؤیة فلا إشکال فی جواز الاسقاط قولا الا من جهة إسقاطه إسقاطا لما لم یجب فقد تقدم سابقا أنه لا شبهة فی جواز إسقاط ما لم یجب بان ینشئ من الآن إسقاط حقه فی ظرفه علی تقدیر تحققه،ففی المقام ینشئ سقوط خیاره فعلا بعد الرؤیة إذا کان له خیار فهذا لا محذور فیه،نعم لو إنشاء سقوط خیار بالفعل فهو غیر معقول إذ لم یتحقق هنا حق بالفعل حتی یسقطه و علی الجملة لا دلیل علی بطلان إسقاط ما لم یجب الاّ قیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی الإنشاء،فالمتیقن منه ما لم یوجد المقتضی و أما إذا کان المقتضی موجودا فلا یشمله الإجماع ففی المقام أن المقتضی للخیار هو العقد موجود،فلا بأس بإنشاء سقوط الخیار فی ظرفه بالفعل،نعم فیما یکون التعلیق موردا للإجماع فلا یجوز کما أنه لا یجوز أیضا فیما کان علی خلاف الارتکاز مع قطع النظر عن الإجماع کإنشاء الطلاق قبل التزویج و إنشاء الهبة قبل التملک کما هو واضح.هذا کله إذا کان الاسقاط قولیّا.

و أما إذا کان بالفعل،فقد عرفت سابقا فی خیار الحیوان أن کلما کان من الفعل مصداقا للإسقاط الفعلی فیکون مسقطا للخیار و الاّ فلا دلیل علی کونه مسقطا للخیار الا ما ثبت فی موارد خاصة فی خیار الحیوان من اللمس و التقبیل و نحو ذلک،نعم ظاهر الروایة هنا هو عدم ثبوت الخیار بعد التلف الحقیقی لا من جهة أن الخیار یتعلق بالعین فهی تالفة،بل من جهة أن الروایة ظاهرة فی ثبوت الخیار حال الرؤیة و عندها،و من الواضح أنه مع تلف العین فلا یبقی موضوع للرؤیة أصلا کما هو واضح،و أما فی موارد التلف الحکمی مثل الهبة و البیع و نحو ذلک فلا وجه لسقوط الخیار حیث أنه یصدق حینئذ أن له خیار حال الرؤیة کما هو واضح.

ص:73

انتهی الکلام إلی صورة اشتراط سقوط الخیار فی ضمن العقد ففی هنا وجوه:- الأول:أن یکون الشرط فاسدا و العقد صحیحا و الوجه فیه أنه إسقاط لما لم یجب فهو باطل و هذا بناء علی أن الشرط الفاسد لا یوجب فساد العقد و فیه ما مر مرارا أن عدم جواز إسقاط ما لم یجب انما یضر من جهة الإجماع و بناء العقلاء علی عدم ترتیب الأثر علیه فی بعض الموارد ففی المقام لا یطمئن بوجود الإجماع علی عدم الجواز و بناء العقلاء أیضا یساعده کما هو واضح،نعم الاسقاط قبل العقد لا یساعده الاعتبار العرفی و هو مورد الإجماع أیضا،و علی هذا فیدور الأمر بین الوجهین الآخرین:- أحدهما:الفساد مطلقا،أی الشرط و العقد،کما ذهب إلیه العلامة و اختاره المصنف،و الوجه فی ذلک أن دفع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم یکن لثبوت الخیار لأن الخیار حکم شرعی لا دخل له فی الغرر العرفی المتحقق فی البیع الا أنه لأجل سبب الخیار،و هو اشتراط تلک الأوصاف المنحل الی ارتباط الالتزام العقدی بوجود هذه الصفات و اشتراط سقوط الخیار راجع الی الالتزام بالعقد علی تقدیر وجود تلک الصفات و عدمها و التنافی بین الأمرین واضح فیکون الشرط فاسدا و مفسدا للعقد.

الثانی:الالتزام بصحة الشرط و العقد کلیهما.

و لکن الظاهر هو التفصیل بان یقال ان کان الغرر فی المعاملة مرتفعا بواسطة الاشتراط و جعل الخیار فیحکم بفساد الشرط و العقد کلیهما و الاّ فلا و توضیح ذلک أن المشتری قد لا یکون عالما بأوصاف المبیع أصلا لا بإخبار البائع و لا باخبار شخص آخر،و مع ذلک یقدم علی المعاملة و یشتری المتاع المجهول و العین الغائبة و لکن یشترط لنفسه الخیار مع التخلف ففی مثل ذلک لا شبهة فی کون المعاملة غرریة مع قطع النظر عن الاشتراط و معه

ص:74

یرتفع الغرر و لا وجه لما ذکره المصنف من أن الخیار حکم شرعی یثبت للبیع الصحیح فلا ربط له بالغرر و لا یوجب رفعه،و ذلک لما عرفت سابقا أنه مع الخیار یرتفع الغرر فإنه إذا تخلف الوصف یفسخ المعاملة و مع ذلک أی خطر هنا لا بد من ذکر ما بعد ذلک قبل التفصیل،و أیضا لا وجه لما ذکره المصنف من أن الالتزام بالصفات اما شروط للبیع و اما قیود للبیع،و ذلک لما ذکرناه سابقا من أنه لا وجه للالتزام بالأوصاف الخارجیة الا أن یرجع الی الالتزام بالبیع أی بلزومه علی تقدیر هذه الصفات لأن العین الخارجیة غیر قابلة للإطلاق و التقیید،بل هی موجودة علی ما هی علیها،فلا معنی لکون الاشتراط راجعا الی تقیید العین الخارجیة و أما إرجاع الاشتراط بها الی اشتراط البیع بها تعلیق مجمع علی بطلانه فلا یبقی مجال لما ذکره المصنف،بل لا بدّ من الالتزام بما ذکرناه الی هنا لا بد و أن یذکر قبل التفصیل.

و أما إذا علم و اطمأن البائع و المشتری بکون المبیع علی وصف خاص و أن العین الغائبة متصفة بوصف کذا،و لو کان ذلک بوصف البائع أو بتوصیف الأجنبی و مع ذلک احتمل البائع التخلف فی الوصف و یشترط الإسقاط فی ضمن العقد و هذا لا یوجب الغرر أصلا فإنه أجنبی عن الغرر ح إذ قد عرفت سابقا أن الغرر هو الخطر و هو أمر نفسانی فیدفع بالاطمئنان، فالإسقاط لا یوجب الغرر ح أصلا ثم ان المصنف نقل فی آخر عبارته ان دلیل نفی الغرر لا یشمل المقام لأن المشتری قد أقدم علیه بنفسه کما أن حدیث نفی الضرر لا یشمل صورة إقدام المتبایعین علی الضرر و هذا عجیب حیث ان حدیث نفی الغرر انما مورده صورة إقدام المتبایعین علی المعاملة الغرریة فلو کان هذا خارجا عن تحت الحدیث لکان الحدیث لغوا و هذا بخلاف حدیث نفی الضرر،فان مورده غیر هذه الصورة و أنه ورد فی مقام

ص:75

الامتنان فشموله لصورة الإقدام علی الضرر لا ینافی الامتنان،و کیف کان فلا وجه لقیاس حدیث نفی الغرر بحدیث نفی الضرر کما هو واضح.

ثم ان ما ذکرناه من التفصیل فی جواز إسقاط خیار الرؤیة و عدم جوازه جار فی خیار العیب أیضا ففی کل مورد اطمأن کل من البائع و المشتری بأوصاف الصحة فی العین و عدم کونها معیبة سواء کان ذلک بتوصیف کل منهما أوصاف العین علی الآخر أم بتوصیف الأجنبی یصح فی هذه الصورة اشتراط سقوط الخیار فی ضمن العقد فان ذلک لا یترتب بالغرر فان الغرر یرتفع بالاطمئنان بوصف المبیع کما هو واضح،ففی أی مورد لم یحصل الاطمئنان منهما علی ذلک و انما یقدمان علی المعاملة علی الاشتراط بحیث تکون المعاملة بدونه غرریة فلا یصح اشتراط الإسقاط حینئذ لأن المعاملة حینئذ تعود غرریة فتبطل کما هو واضح.هذا ما تقتضیه القاعدة و لکن ورد النص فی خیار العیب بأنه یثبت خیار العیب للمشتری مع عدم تبری البائع من العیب فیعلم من ذلک أنه مع التبری لا یثبت الخیار للمشتری مطلقا و ح لا یجری التفصیل المذکور فی المقام من جهة النص کما هو واضح.

و علی الجملة فالمدار فی فساد الشرط و إفساده للعقد علی کون الاسقاط موجبا لغرریة المعاملة و عدم کونه موجبا لذلک کما هو واضح و أیضا فلا وجه لنفی لقیاس المقام بالبیع مع البراءة من العیوب لما عرفت من جهة الاعتماد فی صورة البراءة من العیوب علی أصالة الصحة الموجبة لنفی الغرر بخلاف المقام و ذلک لما عرفت عدم الفارق بینهما الا النص الوارد فی خیار العیب و أما أصالة الصحة فإن کانت بحیث توجب خروج البیع عن الغرریة کأن کان بناء العقلاء بحسب ارتکازهم علی کون المبیع صحیحة أو قامت بینة علی ذلک أو التوصیف من البائع أو من الأجنبی فإنه یحمل المبیع ح علی ذلک و الا فلا یوجب رفع الغرر کما هو واضح.

ص:76

و الحاصل:أنه ان کان رفع الغرر بالاشتراط فلا شبهة فی کون إسقاط الخیار موجبا للغرر و الا بأن کان رفع الغرر بالتوصیف أو بشیء آخر أو بأصالة الصحة التی توجب رفع الغرر بحسب بناء العقلاء فلا یکون إسقاط الخیار فی ضمن العقد موجبا للغرر کما هو واضح.

قوله مسألة:لا یسقط هذا الخیار، ببذل التفاوت و لا بإبدال العین

أقول:قد عرفت الحال فی حکم صورة تخلف الأوصاف و یقع الکلام فی سقوط الخیار ببذل التفاوت و الظاهر أنه لا دلیل علی سقوطه ببذل التفاوت لأن الخیار ان کان ثابتا بالتعبد فنتمسک بإطلاق دلیل التعبد و ان کان ثابتا بالاشتراط و تخلف الشرط فنتمسک بإطلاق دلیل ذلک فنحکم بثبوت الخیار حتی بعد بذل التفاوت.

و أما الابدال بأن یشترط المشتری ابدال المبیع علی تقدیر التخلف علی نحو شرط النتیجة بأن یکون شیء آخر بدلا عن المبیع فی صورة التخلف من غیر أن یکون التبدیل بفعلهما بل یکون الإبدال فی ظرف التخلف بهذا الاشتراط لان المبیع عین شخصیة فالابدال محتاج إلی معاوضة جدیدة و مراضاة جدیدة و هی منفیة کما هو واضح و نقل المصنف عن الشهید أن الأقرب الفساد و ذکر فی وجه ذلک أن البدل الذی یستحقه المشتری فی صورة التخلف ان کان بإزاء الثمن بأن یرجع المبدل الی ملک البائع و یدخل البدل فی ملک المشتری بإزاء الثمن فلازم ذلک أن ینفسخ البیع بهذا الشرط فی ظرف التخلف و تکون هنا بعد ذلک معاوضة جدیدة بین البدل و الثمن.

و یرد علیه أولا أنه لا مقتضی هنا للمعاوضة الجدیدة بحیث یکون هنا بیع بدون الإنشاء بل بمجرد الشرط السابق فی ضمن العقد و لم یدل دلیل

ص:77

علی صحة مثل هذا المعاملة من النقل و العقل و لم یقم علیه(علی)صحته ارتکاز من العرف و العقلاء و لا مقتضی أیضا لانفساخ العقد بنفسه.

و ثانیا:أن دلیل وجوب الوفاء بالشرط لیس مشرّعا حتی یدل علی وجوب الوفاء بکل شرط بل مفاده أن کل ما کان ثابتا فی نفسه و مشروعا فدلیل وجوب الوفاء بالشرط یلزمه حین الاشتراط و من الواضح أن اشتراط انفساخ المعاملة قبل تحققها بظهور التخلف شرط لم یثبت جوازه فی نفسه فیکون غیر موافق للکتاب و السنة فیدخل تحت المستثنی فی قوله علیه السلام:

اللّه الا شرطا مخالفا للکتاب و السنة.

و ثالثا:أن المعاوضة الواقعة بین البدل و الثمن علی تقدیر ظهور المخالفة معاوضة تعلیقیة أی ینشئ البیع علی تقدیر المخالفة فهو معاملة تعلیقیة فیحکم بالبطلان إجماعا.

و ان کانت المعاوضة واقعة بین المثمن و البدل بأن یکون البدل واقعا فی مقابل المبدل علی تقدیر ظهور المخالفة و تقع المعاوضة بینهما و فیه أنه مضافا الی عدم المقتضی لذلک بأن تقع هنا معاملة فی صورة المخالفة بغیر معامل،بل بمجرّد الاشتراط فی ضمن العقد و لا دلیل علی صحة ذلک بحسب نفسه من الآیة و الروایة و السیرة و الارتکاز و کون المعاملة تعلیقیة و هی باطلة أن المعاملة هنا غرریة حیث ان المفروض جهالة المبدل و علی أی تقدیر أن الظاهر فی مثل ذلک أن یفسد الشرط و یفسد العقد أیضا.

و الحاصل:أن شرط الابدال علی تقدیر ظهور المخالفة علی نحو شرط نتیجة لا یمکن تصدیقه لأنه أمر غیر مشروع فلا یکون مشمولا لدلیل وجوب الوفاء بالشرط لأن مرجع ذلک الی انفساخ العقد بنفسه بمجرّد هذا الشرط و من الواضح ان انفساخ العقد بلا موجب لم یثبت جوازه شرعا فلا مقتضی

ص:78

له علی أن اشتراط انفساخ العقد فی نفسه قبل تحققه أمر غیر مشروع فلا یکون دلیل الوفاء بالشرط موجبا لکونه مشروعا.

أقول:أما بناء علی کون الاشتراط من قبیل شرط النتیجة فالشرط و أن کان فاسدا لأن اشتراط انفساخ العقد بدون سبب قبل فی عقد لم یتحقق بعد أمر لم یثبت فی الشریعة المقدسة قبل هذا الاشتراط فیکون من الشروط الغیر المشروعة و لکن یکون المقام ح من صغریات الشرط الفساد،فلا یکون مفسدا للعقد الا بناء علی کون الشرط الفاسد مفسدا للعقد و حیث ان الموافق للتحقیق و فتاوی المشهور عدم کون الشرط الفاسد مفسدا للعقد فلا یکون العقد فاسدا،و دعوی کون العقد باطلا من جهة الغرر،حیث لم یعلم ان المبدل بأن وصف و بأی کیفیة دعوی جزافیة و ذلک لأن الظاهر أن الشهید قد تکلم فی صحة العقد و فساده من ناحیة الشرط الفاسد بعد الفراغ عن صحة العقد من بقیة الجهات،فیمکن ارتفاع الغرر هنا من جهة الاطمئنان بوصف المبدل من القرائن الخارجیة من توصیف البائع أو شخص آخر،فلم یصبح المبدل مجهولا حتی یکون البیع غرریا ثم ساق کلامه،أی الشهید إلی أنه یفسد بالشرط الفاسدة أم لا؟ و أما بناء علی کون اشتراط الابدال من شرط الفعل بان یشترط المشتری علی البائع أن یبدل المبیع بغیره علی تقدیر التخلف کما هو ظاهر من کلام الشهید حیث عبر بلفظ الابدال و لا شبهة أن الظاهر منه هو إبدال البائع و هو فعل من أفعاله،فالظاهر ح أن العقد و الشرط کلاهما صحیحان و لا وجه لکون الشرط ح فاسدا فضلا عن کونه مفسدا للعقد،بل هذا هو المتعارف فی السوق کثیرا حیث ان المشتری یشتری عینا شخصیة و و یطمئن بکونها من الجنس الذی یریده و لکن یحتمل التخلف و یشترط علیه البائع الإبدال علی فرض التخلف،و لا شبهة أن الإبدال فی نفسه معاوضة

ص:79

مشروعة فی الشریعة المقدسة فیکون لازما بدلیل وجوب الوفاء بالشرط علی الاشتراط فان ظهرت المخالفة فأراد المشتری الابدال فأبدله البائع فبها و الاّ فیثبت للمشتری خیار تخلف الشرط فیفسخ العقد بذلک و العجب من الشهید(ره)کیف رضی مع ذلک بفساد الشرط و العقد بل هذا النحو من المعاملات من المعاملات المتعارفة کما هو واضح.

نعم،لو کان البیع من الأول واقعا علی المبدل علی تقدیر عدم المخالفة و علی البدل علی تقدیر المخالفة،و کان المبیع أمرا مرددا لکان العقد و الشرط باطلا،للتعلیق کما تقدم فی شرائط العوضین.

و علی الجملة سواء قلنا بکون الشرط هنا من قبیل شرط النتیجة أو قلنا بکونه من قبیل شرط الفعل لا دلیل علی کونه مفسدا للعقد غایة الأمر أنه علی فرض کون الشرط شرط النتیجة یکون الشرط فاسدا فقط،و أما توهّم کون المعاملة غرریة فقد عرفت الجواب عنه و کذلک یکون هنا تعلیق.

و حاصل الکلام:أن المحتمل فی کلام الشهید ثلاثة،الأول:أن یکون مراده من شرط الابدال هو شرط الفعل کما هو الظاهر من ظاهر لفظ الابدال بأن یشترط المشتری علی البائع تبدیل المبیع علی تقدیر ظهور المخالفة و علی هذا فلا شبهة فی صحة الشرط و العقد کلیهما،فان لم یظهر المخالفة کان العقد لازما و مع ظهور المخالفة یطالب المشتری الابدال فان بدله فهو و الا کان له الخیار،کما هو واضح.

الثانی:أن یکون المراد من الاشتراط شرط النتیجة یعنی یشترط المشتری علی البائع المبادلة بأن یکون الثمن فی مقابل البدل أو تقع المبادلة بین المثمن و البدل،بنفس هذا الشرط لا بشرط آخر و قد عرفت أنه علی هذا کان الشرط فاسدا لکونه مخالفا لشرع حیث ان اشتراط انفساخ العقد فی نفس ذلک العقد قبل تحققه لم تثبت فی الشریعة المقدسة و کذا انفساخ

ص:80

بلا موجب،و تحقق معاوضة أخری بلا سبب،فان کل ذلک لم یثبت فلا یکون مشمولا للعمومات و لکن قد عرفت أنه علی هذا،و ان کان الشرط فاسدا الا أن المشهور بین المتأخرین أن فساد الشرط لا یسری الی فساد المشروط کما هو واضح علی أن الظاهر أن هذا الشق لیس مراد الشهید لمکان الإبدال فی کلامه الظاهر فی شرط الفعل.

الثالث:أن یراد من الاشتراط التعلیق من الأول بأن مبیع المبدل علی تقدیر عدم المخالفة و المبدل علی تقدیر المخالفة و علی هذا و ان کان البیع باطلا للتردد و التعلیق،و لکن لیس ذلک محتمل کلام الشهید و کیف کان فالظاهر من کلامه هو الشق الأول و علیه فلا وجه لما التزم به الشهید من فساد العقد و الشرط،بل یصح کلاهما کما هو واضح.

ثم أن هنا کلاما لصاحب الحدائق أشکل به علی الشهید و لکن فیه تهافت لا یمکن حله فإنه ذکر فی صدر کلامه بعد نقل کلام الشهید و بنائه علی الفساد(أن ظاهر کلامه أن الحکم أعم من أن یظهر علی الوصف أولا) أی أن ظاهر کلام الشهید من الحکم بالفساد فی صورة الاشتراط أی من أن یکون مع ظهور المخالفة أو ظهور الموافقة ثم أورد علی هذا الإطلاق بأنه لا موجب للفساد مع ظهوره علی الوصف المشروط و مجرّد شرط البائع الإبدال مع عدم ظهور الوصف لا یصلح سببا فی الفساد لعموم الأخبار المتقدمة و لعل مراده من الاخبار المتقدمة هو أخبار الخیار حیث انها تدل بالملازمة علی الصحة مع عدم الخیار فی صورة عدم المخالفة و لیس المراد من دلالتها علی الصحة بالملازمة أن لازم ثبوت الخیار فی البیع هو صحته و الا لم یکن وجه للخیار لأن مراده دلالة الاخبار علی الصحة مع اللزوم لا علیها مع الخیار و هذا لا یجتمع الا مع الاحتمال الأول من الدلالة دون الثانی،و مع عدم الاخبار فلعمومات الایات غنی و کفایة،و کلامه الی هنا صریح فی أنه

ص:81

یستشکل علی الشهید بأنه لا وجه للقول بالبطلان علی الإطلاق بل علی تقدیر ظهور المخالفة فقط،و هکذا ذیل کلامه حیث قال و بالجملة فإنی لا أعرف للحکم بفساد العقد فی الصورة المذکورة علی الإطلاق وجها یحمل علیه،و لکن ینافی ذلک ما صدر عنه(ره)فی وسط کلامه حیث قال:(نعم لو ظهر مخالفا فإنه یکون فاسدا من حیث المخالفة و لا یجبره هذا الشرط الإطلاق الأخبار فی الخیار ثم ذکر أن الأظهر رجوع الحکم بالفساد فی العبارة إلی الشرط المذکور حیث لا تأثیر له مع الظهر و عدمه)حیث مدعاه فی هذه العبارة هو فساد العقد حیث قال:(نعم لو ظهر مخالفا فإنه یکون فاسدا)و دلیله یدل علی ثبوت الخیار من غیر فساد العقد حیث قال(و لا یجبره هذا الشرط لإطلاق الأخبار فی الخیار)و هذا مما لا یمکن حله.

قوله مسألة:الظاهر ثبوت خیار الرؤیة فی کل عقد،

أقول:وقع الخلاف بین الفقهاء فی ثبوت خیار الرؤیة فی غیر البیع من الصلح و الإجارة و غیرهما و عدم ثبوته فذکر المصنف أنه یثبت فی کل عقد واقع علی عین شخصیة موصوفة کالصلح و الإجارة و ذکر فی وجه ذلک أن المحتملات هنا ثلاث،و لیس هنا شق رابع،و ذلک مع تبیع المخالفة.

فاما أن یحکم ببطلان العقد کما تقدم عن الأردبیلی فی بیع العین الغائبة.

و أما أن یحکم بلزومه مع عدم الخیار.

و اما أن یحکم بصحته مع الخیار أما البطلان فهو مخالف لطریقة الفقهاء فی تخلف الأوصاف المشروط فی المعقود علیه و أما احتمال اللزوم بدون الخیار فهو أیضا فاسد لأن دلیل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة نقضه و من المعلوم أن عدم الالتزام بترتیب أثر بالعقد علی العین الفاقدة للصفات المشترطة فیها لیس نقضا للعقد،و ح فیثبت الاحتمال

ص:82

الثالث و هو صحة العقد مع الجواز و الخیار.

أقول:أن کان مدرک خیار الرؤیة هو الشرط الضمنی علی ما ذکرناه فی أول المسألة فلا شبهة فی ثبوته فی کل عقد تخلف فیه الوصف کجریان خیار الغبن فی کل عقد وقع فیه الغبن،و لکن مع ذلک لا نحتاج الی التقسیم الذی ذکره المصنف علی تقدیر صحته فإنه یشبه الأکل من القفا،بل یثبت الخیار ابتداء لتخلف الوصف کما هو واضح.

و ان کان مدرکه هو النص و التعبد به فلا شبهة فی اختصاصه بالبیع و تقدم أن فیه قرینة علی کون مورد خیار الرؤیة قریبا من صورة تخلف الشرط حیث ان المشتری بعد ما رأی الضیعة و قبلها أو مشتبها فخرج فاستقال فلم یقبله فإنه لو کان هنا اشتراط لما احتاج الی الاستقالة بل فسخ ابتداء لتخلف الشرط و علی هذا فالخیار یختص بالبیع فقط فلا یجری فی غیره.

ثم ان التقسیم الذی ذکره المصنف لیس بصحیح فان بطلان توهم بطلان العقد من جهة أن بناء الفقهاء لیس هو البطلان فی تخلف الأوصاف المشروطة فی المعقود علیه لا یستلزم ذلک جواز العقد و کونه خیاریا،بل یمکن أن یکون لازما.

و دعوی المصنف أن دلیل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و لا یصدق النقض علی عدم الوفاء مع تخلف الوصف لا یمکن المساعدة علیه فإنه.

فإنه أولا:أن عدم شمول دلیل اللزوم علیه لا یکفی فی إثبات کونه جائزا بل لا بد فی ذلک من إثبات عدم اللزوم کما هو واضح.

و ثانیا:أن عدم شمول آیة وجوب الوفاء بالعقد للمقام لا یدل علی عدم شمول غیره لذلک لعدم انحصار دلیل اللزوم بها فیکفی فی لزومه أحل اللّه البیع و تجارة عن تراض و الروایات الدالة علی لزوم العقد علی ما تقدم.

و ثالثا:یکفی فی إثبات اللزوم استصحاب الملکیة علی مسلک المصنف

ص:83

فإنه مع الشک فی أن الملکیة الحاصلة بالعقد ترتفع بالفسخ أم لا فنستصحب الملکیة و نثبت اللزوم و علی هذا فمقتضی القاعدة هو اللزوم فی غیر البیع و عدم جریان خیار الرؤیة فی غیر البیع کما هو واضح.

قوله مسألة:لو اختلفا فقال البائع لم یختلف صفة،
اشارة

أقول:فی توضیح المقام أن لهذه المسألة صور ثلاث،و قد استشار إلیها المصنف و ان لم یصرح بجمیع الأقسام:

الأول:أن یکون اختلافهما فی أصل الاشتراط بان ادعی المشتری اشتراط وصف فی المبیع من الکتابة و الخیاطة و البنایة و نحوها و ادعی البائع خلاف ذلک و کون البیع مطلقا.

الثانی:ان یتفقا علی أصلا اشتراط و لکن کان الاختلاف فی متعلق الشرط بأن ادعی أحدهما کونه خیاطة و یدعی الآخر کونه کتابة العبد و هذا فی النتیجة یرجع الی الأول.

الثالث:أن یتفقا علی أصل الاشتراط و علی اتحاد متعلقة و لکن یدعی البائع وجوده و ینکره المشتری أو یدعی البائع أنه کان موجودا فقد زال فیدعی المشتری أنه لم یکن موجودا أصلا،أما الکلام فی الصورة الاولی و الصورة الثانیة التی مرجعها إلی الصورة الأولی،فذکر المصنف بما حاصله أنه إذا اختلف المشتری و البائع فی اشتراط وصف فی المبیع و عدمه أو فیما یرجع الی ذلک،فالقول قول مدعی الخیار،لا من جهة أن مدعی الاشتراط تقدم قوله یثبت الخیار عند التخلف فان المصنف صرح هنا بأن الأصل هو عدم الاشتراط فإنه إذا اختلف البائع و المشتری فی أصل اشتراط شرط فی البیع و عدمه فإن أصالة عدم الاشتراط یدفعه فیکون البیع لازما بمقتضی العمومات بل من جهة ما أشار إلیه هنا و صرّح به فی أوصاف المبیع أن الأوصاف التی اشترطت فی المبیع الشخصی راجعة إلی التقیید أی تکون

ص:84

العین الشخصیة المبیعة مقیدة بهذه الأوصاف و ان کان ذلک فی صورة الاشتراط و علی هذا فمرجع الاختلاف الی الشک فی أصل تعلق البیع بالعین الملحوظ فیها صفات مفقودة أو تعلقه بعین لوحظ فیها الصفات الموجودة أی أن المبیع کان مقیدة بصفات فهی مفقودة و قد کان البیع واقعا علی المبیع المقید بتلک الصفات أو أنه قد وقع بالموجود فعلا أو أعم من الصفات الموجود و المفقودة و من الواضح أن اللزوم من أحکام البیع المتعلق بالعین علی الوجه الثانی و الأصل عدمه و أما الطرف الآخر أعنی عدم التقیید فلا اثر له فلیس اللزوم من آثاره حتی یترتب علی نفسه اللزوم کما هو واضح.

أقول:یرد علی المصنف:أولا:فساد المبنی حیث أنک قد عرفت سابقا أنه لا معنی لتقیید العین الخارجیة إذ الإطلاق و التقیید فیها مستحیل و غیر معقول فلا ینقلب الشیء عن واقعه بالاشتراط و عدمه و اذن فیدور الأمر بین رجوع القید إلی أصل البیع بان یکون البیع علی تقدیر وجود الوصف الخاص فی المبیع و اتصافه به و بین رجوعه الی الالتزام بالبیع و حیث ان الأول یوجب البطلان لکونه تعلیقا فهو خلاف المتفاهم العرفی من الاشتراط و خلاف ارتکازهم فیکون الثانی هو المراد فان بناء المتعاقدین علی المعاملة الصحیحة لا علی المعاملة الفاسدة فیکون الثانی هو المراد،و علیه فیرجع الأمر إلی النزاع فی أصل الاشتراط لیلزم من التخلف الخیار أو عدم الاشتراط فقد عرفت أنه(ره)التزم فی هذه الصورة بعدم الخیار لأن الأصل عدمه.

و ثانیا:أنا لو سلمنا رجوع الاشتراط الی تقیید المبیع و أغمضنا عن استحالة ذلک و لکن لا نسلم کون مقتضی ذلک هو ثبوت الخیار للمشتری من جهة کون اللزوم من أحکام البیع المتعلق بالعین من حیث کونها علی هذا الوصف الموجود،بل لنا أن نقول أن الخیار انما هو من اثرات تخلف الوصف

ص:85

الذی اعتبر کون المبیع مقیدا به فی البیع و من الواضح أنا لا نعلم بوجود هذا الاشتراط،بل نشک فیه فالأصل عدمه،و لا یعارض هذا الأصل بأصالة عدم کون العقد واقعا علی العین الموجودة مطلقا لأن اللزوم لیس من آثار ذلک،بل اللزوم من مقتضیات طبیعة العقد،فان طبع کل عقد علی اللزوم حتی یثبت کونه جائزا خیاریا،کما هو واضح.

و دعوی أن الأصل عدم الإطلاق یکفی فی عدم لزوم العقد فلا نرید أن نثبت الخیار حتی یقال ان أصالة عدم الإطلاق بالنسبة إلیه مثبت فإنها فاسدة لأن مقتضی هذا الأصل هو بطلان العقد بمثل تخلف الوصف و هو خلاف المفروض أن العقد صحیح علی کل حال حیث ذکر المصنف سابقا أن دیدن العلماء و سیرتهم علی عدم المعاملة فی تخلف الأوصاف معاملة الفساد بحیث أن یحکموا فی صورة تخلف أوصاف المبیع بفساد العقد،بل حکموا بصحة العقد مع الخیار و علی هذا فأصل صحة العقد مفروغ عنه و انما الخلاف فی ثبوت الخیار فی ذلک و عدم ثبوته بحیث یکون الإطلاق و التقیید من المتضادین یعنی یدور الأمر بین وقوع العقد علی العین الموجودة مطلقا أو مقیدا فیکونان من المتضادین و أما إذا عملنا بأصالة عدم کون العقد مطلقا فلا یکفی ذلک فی عدم لزوم العقد و کفایة فسخت فی الفسخ لأن المراد من الفسخ لیس هو لفظ فسخت فقط بحیث یکون له موضوعیة بل المراد منه هو البناء علی إعدام العقد و عدم استمراره.

و بعبارة أخری أن المتبایعین کانا بانیین علی المعاملة و المبادلة و النقل و الانتقال و بالفسخ یبنیان علی عدم ذلک و من الواضح أن هذا المعنی لا یترتب علی أصالة عدم وقوع العقد مطلقا،فان ذلک من اللوازم الأعم لهذا الأصل لاحتمال أنه لم یقع هنا عقد أصلا فإنه مع عدم وقوع العقد أیضا یصدق أن الأصل عدم وقوعه مطلقا و علی تقدیر وقوعه فمقتضی هذا الأصل

ص:86

کما عرفت هو الفساد و المفروض أن العقد لیس بفاسد،بل الصحة مفروغ عنها کما عرفت و انما الکلام فی کونه خیاریا و عدمه و حیث کانت الصحة مفروغا عنها فأصالة عدم الإطلاق لا تثبت ثبوت الخیار إلا بالملازمة و علی هذا فیکون الإطلاق و عدمه من المتضادین کما عرفت فنفی أحدهما و ان کان لا یثبت الآخر إلا بالملازمة العقلیة و یکون الأصل ح مثبتا و لکن أصالة عدم وقوع العقد علی هذا الموجود فإن الأول له اثر و هو عدم الخیار لأن الخیار کما عرفت مترتب علی تخلف الوصف المشروط به فی العقد فالأصل عدمه و أما اللزوم فلیس مترتبا علی عدم کون العقد واقعا علی هذا الموجود مطلقا بل من مقتضیات طبع العقد کما عرفت و علی هذا فلا یصح بناء المصنف أیضا فتحصل أن ما ذکره المصنف لا یمکن المساعدة علیه مبنی و بناء فلا بدّ من الحکم بلزوم العقد هذا علی ما ذکره المصنف(ره).

و تحقیق الکلام و تفصیله أنا ذکرنا سابقا ان الخیار فی الحقیقة عبارة عن الاختیار و هو من الافتعال بمعنی طلب الخیر و هذا المعنی هو المراد فی الخیارات المصطلحة و مرجع جعل الخیار فی العقود کالبیع مثلا إلی إنشاء الملکیة المحدودة لما ذکرنا أن الإهمال فی الواقعیات محال فلا بدّ، أما أن یکون المنشأ مطلقا أو مقیدا فحیث ان الإطلاق غیر موجود مع جعل الخیار لأن المفروض أن المتبایعان أو أحدهما جعل لنفسه الخیار فقهرا تکون الملکیة مقیدة أی محدودة بحد خاص و الی زمان خاص و هو زمان اختیار ذی الخیار فسخ ذلک العقد و مع هذا التقیید الفعلی لا یکون الإطلاق معقولا و ان کان معقولا بحسب نفسه قبل التقیید و علی هذا فنشک فی أن الملکیة هل وجدت مطلقة أو مقیدة فنقول ان الأصل عدم کونها مقیدة فنتمسک بالعمومات الدالة علی اللزوم و لا یعارض ذلک بأصالة عدم کونها مطلقة لنفی اللزوم لما عرفت أن اللزوم من مقتضیات طبع العقد لا من آثار

ص:87

إطلاقه حتی یترتب علی نفیه نفی اللزوم کما هو واضح.

و بعبارة أخری أنه إذا اختلف البائع و المشتری فی اعتبار شرط فی البیع و عدمه أی اعتبار وصف فی المبیع و عدمه أو کان الاختلاف فی متعلق الشرط فلا یمکن التمسک هنا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،لا التمسک به هنا لإثبات اللزوم من قبیل التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة إذ لا نعلم أن الملکیة الحاصلة هنا هل هی مطلقة لیجوز التمسک به أولا و لکن لا بأس من التمسک بما دل علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون اذنه و حرمة أکل المال بالباطل إلا بالتجارة عن تراض و بقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ فان مقتضی ذلک أن التصرف فی مال الغیر بغیر تجارة عن تراض حرام الا فی موارد الخیار فإن أکل ذی الخیار مال الطرف الأخر بالفسخ لیس بحرام و لکن نشک فی مورد اختلاف المتبایعین فی جعل الشرط و عدمه أن الملکیة المنشئة مطلقة لئلا یکون له الخیار فبناء علی ما ذکرناه من معنی الخیار فالأصل عدم تحقق الملکیة المقیدة فتمسک بعموم ما دل علی حرمة أکل مال الغیر بغیر تجارة عن تراض فلا یکون الفسخ مؤثرا و لا یلزم ح محذور التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة بأن یدعی أن هذا المورد لا نعلم أنه من القسم الخارج عن العموم أم لا،فیکون التمسک بالعام من قبیل التمسک به فی الشبهات المصداقیة فهو لا یجوز.

و حاصل الکلام أن البحث هنا یقع فی جهتین،

الاولی فیما کان الاختلاف فی أصل الاشتراط و عدمه أو فیما یرجع الی ذلک کأن یکون الاختلاف فی متعلق الاشتراط مع الاتفاق علی أصل الاشتراط.

الثانی:أن یکون الاختلاف فی وجود متعلق الشرط و عدمه مع الاتفاق علی أصل الاشتراط و متعلقة کان یقول البائع أن المشروط هو خیاطة العبد و هی موجودة و یقول المشتری أنها معدومة أو یقول البائع أنها کانت حین

ص:88

البیع موجودة فقد انعدمت و یقول المشتری لم تکن موجود.

أما الکلام فی الجهة الأولی فیما کان الاختلاف فی أصل الاشتراط و عدمه

فقد عرفت کلام المصنف و جوابه و أما تحقیق المسألة و محصل الکلام بعد کون الخیار راجعا الی تقیید الملکیة فلا شبهة فی معارضة أصالة عدم الملکیة المطلقة مع أصالة عدم إنشاء الملکیة المقیدة إذا لاحظنا الإطلاق و التقیید بحسب أنفسها و أما إذا لاحظنا أصالة عدم الخیار و الملکیة المقیدة مع ملاحظة العمومات الدالة علی حرمة أکل مال الغیر بغیر تجارة عن تراض و بلا طیب نفس فلا معارضة بینهما لعدم الأثر فی أصالة عدم کون العقد مطلقا فان اللزوم یفهم عموم حرمة الأکل و أصالة عدم وجود الخیار لمدعیه ینقح موضوع العام فقد عرفت أن مرجع جعل الخیار فی البیع الی تقیید الملکیة المنشئة أی إنشاء الملکیة المحدودة بعدم الفسخ و لا ینافی ذلک بکون الملکیة مطلقة أی فی جمیع الأزمنة علی تقدیر عدم الفسخ فلا یرد ان البیع الی زمان معین لیس بصحیح و قد تقدم تفصیل ذلک و علی هذا فاصلة عدم کون المنشأ هی الملکیة المقیدة معارضة مع أصالة عدم کون الملکیة هی الملکیة المطلقة فلکل منهما أثر خاص فیسقطان للمعارضة لا یقال ان أصالة عدم کون العقد مطلقة تجری فیترتب علیه ثبوت الخیار من غیر احتیاج إلی إثبات الخیار حتی یلزم کونها من الأصول المثبتة و لا شغل لنا بأصالة عدم کون الملکیة مقیدة لتلزم المعارضة و ان کان بینهما معارضة من حیث لحاظ الإطلاق و لحاظ التقیید و لکن لا یترتب علیها أثر فإنه یقال قد عرفت أنه لازم ذلک هو بطلان العقد و المفروض صحته و أن الفسخ لیس نفس فسخت حتی یترتب علی أصالة عدم الإطلاق بل اعتبار العقد کالعدم و لا یثبت ذلک بأصالة عدم الإطلاق الاّ علی القول بالأصول المثبتة و کیف کان فلا شبهة فی معارضة الأصلین من حیث النظر إلی الملکیة المطلقة و الملکیة المقیدة.

ص:89

نعم،لا مانع من جریان أصالة عدم التقیید و إحراز أن العقد لم یقع بالمقید ثم التمسک بالعمومات الدالة علی لزوم کل عقد.

و توضیح ذلک أنه ثبت فی الشریعة المقدسة أنه لا یجوز التصرف فی مال أحد إلا باذنه و أنه لا یحل أکل مال الغیر إلا بالتجارة عن تراض و إذا باع أحد ماله من شخص آخر فی مقابل ثمن خاص فیکون کل منهما مالا للآخر فیحرم لکل منهما بعد ذلک أن یتصرف فیما انتقل الی غیره و یأخذه منه الاّ أن یکون هنا أیضا تجارة عن تراض و قد خرج عن تلک العمومات ما إذا جعل المتعاقدان لنفسهما أو لأحدهما الخیار أو جعل الشارع لأحدهما أو لهما خیارا فی البیع مثلا کخیار المجلس فإنه ح یجوز لمن له الخیار أن یأخذ مال صاحبه بالفسخ و بغیر تجارة عن تراض و بغیر طیب نفس منه و علی هذا فإذا شککنا فی أن العقد هل وقع علی المطلق أو علی المقید أی المنشأ هل هو ملکیة مطلقة أو ملکیة مقیدة فنجری أصالة عدم وقوعه علی المقید فنحرز بها موضوع التمسک بتلک العمومات و لیس لأصالة عدم وقوع العقد علی المطلق ح أثر حتی تکون معارضة بذلک و ان کانتا متعارضتین بحسب أنفسهما لأن الأثر مترتب علی عدم التقیید فقط لا علی عدم الإطلاق و العام لیس أمرا وجود یا لیلزم إحرازه و لا یمکن التمسک به و یکون الأصلان متعارضان بخلاف الخاص فإنه أمر وجودی وجب إحرازه و لا یلزم من ذلک التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة إذ بالأصل نحرز أن الأمر الوجودی الذی هو حق فسخ العقد لیس لمن یدعی الخیار فیتحقق به موضوع التمسک بالعام.

و بعبارة أخری أن الشارع قد حکم بحرمة أکل مال الناس مطلقا الا أن تکون تجارة عن تراض،و الا عن یکون بغیر جعل حق الفسخ فی البیع مثلا غایته أن الثانی مخصص منفصل فهو کالمتصل و إذا شککنا فی مورد فی

ص:90

ثبوت حق الفسخ لأحد المتعاملین فننفیه بالأصل لأن الخارج عن العام أمر وجودی فکلما شککنا فیه فالأصل عدمه و لیس عنوان العام امرا وجودیّا أیضا حتی یحتاج إلی الإحراز فیجری فیه الأصل أیضا،بل هو أمر عدمی و هو عدم جواز أکل مال الغیر و حرمة التصرف فیه بدون اذنه فلیس للأصل فی ناحیة الإطلاق هنا أثر و علی هذا فلا مانع من إحراز موضوع تلک العمومات بالأصل ثم التمسک بالعام و ذلک نظیر ما إذ شککنا فی ثبوت الخیار الشرعی فی معاملة مثلا فإنه نتمسک بالعمومات فنحکم باللزوم کما إذا شک فی ثبوت خیار الحیوان فی الصلح مع عدم کونه بیعا کما هو واضح،نعم لا یمکن التمسک هنا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإن الآیة تدل علی الوفاء بکل عقد و هو انتهاء أمده و عدم انهدام الالتزام به و من الواضح أن الالتزام بالعقد التزام واحد اما یتعلق بالملکیة المطلقة أو یتعلق بالملکیة المقیدة فالایة تدل و تلزم علی إنهاء ما تعلق به الالتزام ان مطلقا فمطلقا ان مقیدا فمقیدا فلا بدّ ح من إحراز ذلک من الخارج فحیث لم یحرز أن الالتزام علی أی کیفیة هنا فلا یمکن التمسک بالایة و إثبات اللزوم بها فی المقام کما هو واضح و هذا بخلاف بقیة العمومات المتقدمة فإنک قد عرفت أنها تدل علی حرمة أکل مال الغیر و عدم جواز التصرف فیه بدون اذنه فی جمیع الأوقات و الحالات و الازمان و قد خرج عن ذلک خصوص ما ثبت لأحد المتبایعین أو کلاهما حق الفسخ و أخذ مال صاحبه اما بجعل منهما أو بجعل من الشارع و هو أمر وجودی إذا شککنا فیه فالأصل عدمه حتی أن نحرزه و لا یعارضه الأصل فی طرف الإطلاق لعدم ترتب الأثر علیه إذ عنوان العام أمر عدمی أعنی عدم جواز التصرف فی مال الغیر،فلا یلزم إحرازه أی لم یترتب الأثر علی إحرازه حتی ننفیه بالأصل و نحکم بعدمه ما لم نحرز وجوده قطعا.

و أما الجهة الثانیة أعنی الاختلاف فی أن ما تعلق به الشرط موجود أم لا

ص:91

ففی هنا ینعکس المطلب فیقدم قول مدعی الخیار حتی یثبت مدعی اللزوم دعوه و الوجه فی ذلک أن ما تعلق به الشرط قد یکون وصفا مفارقا و قد یکون وصفا غیر مفارق.

أما الأول فکالخیاطة و الکتابة و نحوهما فإذا وقع الاختلاف فی وجود مثل تلک الأوصاف فالأصل عدم تحقق تلک الأوصاف إلی زمان البیع فیثبت أن البیع لم یقع علی العبد الکاتب.

و بعبارة أخری وقوع العقد علی العبد محرز بالوجدان و عدم وقوعه علی الکاتب محرز بالأصل فلیتم الموضوع المرکب فیترتب علیه حکمه و علی هذا فیثبت للمشتری فی هذه الصورة الخیار و کذا للبائع لو کان وصف من أوصاف الثمن مورد للاختلاف علی هذا النحو و الوجه فی کون الأصل هنا مع مدعی الخیار أن تلک الأوصاف أمور مسبوقة بالعدم و لها حالة سابقه فمع الشک فیها یستصحب عدمه.

و أما الثانی:أعنی ما کان مورد الاختلاف فی الأوصاف الغیر المفارقة فکالقرشیة و ککون الحنطة من المزرعة الفلانیة و هکذا ففی هنا و ان لم یکن لتلک الأوصاف حالة سابقه لأن الحنطة الخارجة من العدم الی الوجود اما خرجت متصفة بکونها من مزرعة فلانیة أو غیر متصفة بکونها من المزرعة الفلانیة و لکن نحن نقول بجریان الاستصحاب فی الاعدام الأزلیة و أن الأصل عدم اتصاف الحنطة بکونها من مزرعة فلانیة فیما خرجت من العدم الی الوجود کما هو کک فی القرشیة.

قوله مسألة:لو نسج بعض الثوب،
اشارة

أقول:قد ذکر غیر واحد من الفقهاء هنا فرعا و هو انه لو نسج بعض الثوب فاشتراه علی أن ینسج الباقی کالأول بطل کما عن المبسوط و القاضی و ابن سعید و العلامة فی کتبه و جامع المقاصد و عن المختلف صحته و قد ذکر المصنف أنه لا یحضرنی المختلف

ص:92

الان حتی أتأمل فی دلیله و لکن ذکر بعد أسطر أن الظاهر لم یفی کلمات المختلف فی بعض صور للتی ذکرها و الذی یخطر بالبال أن النزاع هنا لفظی لأنه من البعید جدا أن یلتزم شیخ الطائفة و نظائره علی البطلان فیما لا بدّ من القول بالصحة و یلتزم العلامة بالصحة فی مورد، لا بدّ فیه من البطلان

و توضیح ذلک أن الشقوق المتصور فی هذا

الفرع أربعة،

الأول:أن یبیع البائع المنسوج الشخصی الذی موجود مع

منسوج آخر کلی فی الذمة

مثل ذلک المنسوج الخارجی فیکون المبیع مرکبا من الشخصی و الکلی،فالظاهر أنه لا شبهة فی صحة هذا القسم و لا یتوهّم أحد بطلان بیع الکلی و لا یحتمل قول الشیخ بالبطلان هنا،و علیه فان کان المنسوج الآخر مثل المنسوج سابقا فهو،و الا فلا بدّ للبائع من تبدیله و یطالبه مثل المنسوج الأول و لا یثبت الخیار للمشتری،نعم لو کانت الهیئة الاتصالیة لها مدخلیة فی زیادة الثمن ثبت له خیار تخلف الوصف و تبعض الصفقة کما هو واضح.

الثانی:أن یبیع هذا المنسوج الموجود الخارجی الشخصی مع مقدار

خاص من الغزل الخارجی الشخصی أیضا

و لکن یشترط المشتری علی البائع نسجه مثل الأول و هذا أیضا لا شبهة فی صحته لأن الشرط سائغ غیر مخالف للکتاب و السنة،و لا فیه جهالة لیوجب البطلان من جهة الغرر و علیه فإذا تخلف الشرط ثبت للمشتری خیار تخلف الشرط،کما هو واضح.

الثالث:أن یبیع المنسوج الخارجی الشخصی مع مقدار معین من الغزل

الکلی فی الذمة

و لکن یشترط المشتری علی البائع أن ینسجه مثل الأول ففی هنا أیضا لا طریق الی البطلان مع معلومیة الشرط و مشروعیته و لا یحتمل أن یقول الشیخ و أضرابه بالبطلان هنا و علیه فإذا تخلف لا یثبت الخیار للمشتری ابتداء إلا إذا أنجز إلی تخلف الوصف و تبعض الصفقة الموجب

ص:93

لقلة مالیة المبیع کما هو واضح.

الرابع:أن یبیع الثوب مع غیر المنسوج من غیر أن یدخل تحت أحد

العناوین المتقدمة

و هذا باطل،لأنه بیع أخر غیر موجود و مبیع معلق و قد دلت الأخبار الکثیرة علی بطلان بیع ما لیس عندک و من واضح أن هذا منه و أما بیع الکلی فقد خرج عن بیع ما لیس عندک و هو محکوم بالصحة کما أن السلم کک أی کالکلی و المظنون فلا أقل من الاحتمال أن النافین لصحة البیع فی هذا الفرع کالشیخ و نظائره ناظرین الی الوجه الأخیر و مثبت الصحة کالعلامة فی المختلف ناظر الی الوجوه الثلاثة الأول و اذن فالنزاع لفظیة و علی تقدیر أن لا یکون النزاع لفظیّا فالحق هو ما ذکرناه کما هو واضح،هذا تمام الکلام فی خیار الرؤیة.

فی خیار العیب قوله

السابع:خیار العیب،

أقول:قد تسالم الفقهاء علی صحة البیع مع الجهل بصفة المبیع التی من أوصاف الصحة،و قالوا إذا تخلف ثبت فیه خیار العیب و یمتاز هذا الخیار عن بقیة الخیارات بأن من له الخیار فی بقیة الخیارات مخیّر بین الإمضاء و الفسخ و لکنه هنا مخیر بین الفسخ و الإمضاء مجانا أو مع العوض،و لکن وقع الإشکال فی ذلک بأنه یلزم ح أن یکون البیع غرریّا فیکون باطلا و قد أجاب المصنف عن ذلک بأنه انما یکون البیع غرریّا إذا لم یکن هنا ما تحرز به صحة المبیع و لا شبهة فی أنها تحرز بأصالة الصحة و السلامة و إذا استند المتبایعان إلی أصالة السلامة فیرتفع الغرر و یکون البیع صحیحا و إذا ظهر العیب فی المبیع فیکون للمشتری خیار العیب لتخلف الشرط الضمنی الارتکازی الذی ترک التصریح به اعتمادا علی

ص:94

أصالة الصحة.

و لکن یرد علیه أنه لا دلیل علی أصالة السلامة فی الأمتعة بوجه حتی یمکن الاستناد إلیه فی ذلک و توهم استصحاب الصحة إذا کانت أمرا وجودیا فاسد لأن عدم الصحة أیضا أمرا وجودی و التقابل بینهما هو العدم و الملکة فلا یجری الاستصحاب فی طرف واحد نعم الأصل الأولی فی الأشیاء مع قطع النظر عن جمیع الطواری هو أن یکون سالما فی العیوب کما أن الأصل فی جمیع الأجسام أن یکون کرویّا مع قطع النظر عن الزواجر و القواسر الخارجیة فإن نسبة الهواء إلیها علی حد سواء و مع ذلک فالغالب فی الأشیاء هو عدم الکرویة و قد عرفت ذلک فی أول الخیارات و فی المقام أیضا نقول أن الأصل فی الأشیاء و ان کان هو الصحة و السلامة و لکن مع ذلک أن الغالب فیها غیر الصحة لأنا نشاهد بالوجدان و نری بالعیان أن أغلب الأشیاء معیوب و سقیم و غیر صحیح و علی هذا فکیف یحرز بأصالة الصحة أن المبیع سالم عن العیب و لیس بغرری و خطری و مع کون أغلب الأشیاء صحیحة و غیر معیبة فأیضا لا یمکن رفع الغرر عن البیع بذلک لأن هذا لا دلیل علی اعتباره الا من باب أنه یفید الظن و لو من باب أن الظن یلحق الشیء بالأعم الأغلب و من الواضح أنه لا یغنی من الحق شیئا و یبقی دعوی الإجماع علی صحة البیع فی المقام بان یقال ان الإجماع قد قام علی صحة البیع فی المقام بغیر اشتراط فیکون ذلک مخصصا للنهی عن بیع الغرر بمعنی أن البیع الغرری باطل الاّ فیما تعامل المتعاملان علی المبیع بغیر الوصف الصحة فإذا ظهر فیه عیب ثبت خیار العیب للطرف و لکن ثبوت الإجماع التعبدی علی ذلک بعید جدا و الحکم بفساد هذه البیوع الواقعة علی الأشیاء بغیر علم بجمیع أوصافها أبعد فتصبح أن المسألة تکون مورد اشکال قوی و دعوی إمکان إحراز ذلک فی ما إذا کانت الحالة السابقة فی

ص:95

المبیع الصحة فاسد إذ استصحاب الصحة لا یرفع الغرر فان الغرر هو الخطر و هو أمر نفسانی،فلا یرتفع بالاستصحاب کما لا یخفی،و لکن یمکن الجواب عنه علی ما اخترناه فی ارتفاع الغرر بالخیار علی ما تقدم خلافا للمصنف و جمیع من تأخر عنه حیث ذهبوا الی أن الخیار من الأحکام الشرعیة الثابتة علی العقد الصحیح أی من أحکام العقد الصحیح فلا یرتفع الغرر بذلک فان العقد بعد کونه صحیحا لا یعقل أن یکون غرریا لأن غرریة العقد توجب بطلانه.

و لکن قد ذکرنا سابقا أن ما لا یرتفع الغرر بالخیار انما هو الخیار المجعول بجعل الشارع کخیاری المجلس و الحیوان و أما الخیار المجعول بجعل المتعاملان فلا شبهة فی ارتفاع الغرر به،لأن الغرر علی ما عرفت هو بمعنی الخطر فأی خطر فی إقدام الشخص علی شراء شیء مع جعل الخیار لنفسه بان یشترط کونه علی وصف کذا و إذا ظهر علی الوصف فهو و الاّ فله الخیار فلا یکون المشتری بعد هذا الاشتراط الذی لازمه جعل الخیار فی خطر أصلا و لا یتوجه علیه محذور کما هو واضح.

و علی هذا المسلک یسهل لنا دفع الاشکال المتوجه علی البیوع المتعارفة أعنی إشکال غرریتها،نعم یصعب علی مثل الشیخ(ره)دفع ذلک کما عرفت.

و توضیح ذلک أن المتبایعین حین الاقدام علی المعاملة قد اشترط کل منهما علی الآخر بحسب ارتکازهما کون العوض سالما عن العیوب کما اشترط کل منهما کون کل من الثمن و المثمن مساویا للآخر کما تقدم و إذا تخلف هذا الشرط کان للمشروط له خیار تخلف الشرط و علی هذا فالمشتری مثلا و ان لم یعلم بأوصاف الصحة للمبیع و لکن قد اشتراه مشترطا علی البائع کون ذلک صحیحا عن العیوب و إذا ظهر علی خلاف ما اشترط علیه کان له

ص:96

الخیار فأی غرر و خطر فی هذه المعاملة فإنه مع ظهور المبیع سالما فلا غرر و لا خطر و مع ظهوره غیر سالم فأیضا لا خطر هنا فان الفرض أن له الخیار فإذا لم یرد یفسخ المعاملة کما هو واضح،فلا یقع فیه الغرر کما إذا صرّح بهذا الشرط فی ضمن البیع فهل یتوهم أحد أن البیع هنا غرری و لا شبهة أن الشرط الضمنی کالاشتراط صریحا کما هو واضح،و علی هذا البیان لا ریب أن خیار العیب من فروع خیار تخلف الشرط لا من الخیارات المقابلة لخیار تخلف الشرط کخیار الحیوان و التأخیر و الرؤیة و نحوها غایة الأمر ثبت هنا الأرش للروایة الخاصة و بالجملة علی هذا المسلک فخیار العیب الذی ثبت فیه الأرش قسم من خیار تخلف الشرط و علی هذا أیضا لا یفرق فی کون الخیار خیار عیب مع ظهور العیب فی المبیع بین أن یکون الشرط بحسب الارتکاز أو غیره و یدل علی هذا التعمیم الروایات منها صحیحة زرارة (1)عن أبی جعفر علیه السلام:اللّه قال«أیما رجل اشتری شیئا و به عیب و عوار لم یتبر الیه و لم یبیّن له فأحدث فیه بعد ما قبضه شیئا ثم علم بذلک العوار و بذلک الداء انه یمضی علیه البیع و یردّ علیه بقدر ما نقص من ذلک الداء و العیب من ثمن ذلک لو لم یکن به»فإن إطلاق هذه الروایة و غیرها هو ثبوت خیار العیب للمشتری مع الاشتراط صریحا أیضا و ان لم یقتصر فیه بالشرط الضمنی و انما لیس له حق الرجوع بالفسخ للتصرف فلا یلزم من التصریح بالشرط أن یکون الخیار خیار تخلف الشرط،بل یکون خیار خیار عیب فیرتب علیه حکمه،ثم ان خیار العیب و ان کان من مصادیق خیار تخلف الشرط و لکن مع ذلک فرق بینهما فإنه قد عرفت سابقا أنه لا دلیل علی مسقطیة التصرف فیه بخلافه هنا فإن الروایة دلت علی أن احداث الحدث

ص:97


1- 1) وسائل:ج 12،ص 362،حدیث 2.

یوجب سقوط الخیار و یبقی حق مطالبة الأرش فقط للمشتری لا یقال أن هذه الروایة لا تدل علی سقوط خیار الشرط بل الساقط خیار العیب و یبقی خیار تخلف الشرط علی حالة کما لا دلالة فیها علی سقوط خیار الحیوان.

فإنه یقال انه فرق بین خیار العیب و خیار الحیوان فان خیار العیب غیر خیار تخلف الشرط،کما عرفت،فمسقطیة التصرف قد جعل فی مورد خیار تخلف الشرط فلا یعقل بقائه بعد التصرف بخلف خیار الحیوان فإنه أخص من خیار تخلف الشرط فلا یمکن کشف سقوطه من إطلاق قوله علیه السلام فإن أحدث فیه حدثا فله الأرش دون الفسخ علی ما هو مضمون الروایة،و قد عرفت سابقا أن الخیار لا یتقید بسببه حتی أن یقال ان موارد المقید بکذا قد سقط.

هکذا ینبغی أن یحرز المقام ثم ان ما ذکرناه یظهر أن ثبوت خیار العیب لیس من جهة انصراف المبیع الی الفرد الصحیح حتی یجاب عنه تارة بأنه لو تم الانصراف بما یختص بالمقام،بل یتم فی سائر الموارد أیضا من مطلق تخلف الشرط الذی هو مورد خیار تخلف الشرط و غیره،و یجاب اخری کما فی المتن بأنه لو تم الانصراف فلازم ذلک بطلان العقد،لأن ما وقع علیه العقد اعنی الصحیح لیس بموجود و ما هو موجود فلیس بمبیع فیکون المقام کتخلف الصور النوعیة کما هو واضح.

ثم انه أیّد المصنف کون ثبوت خیار العیب أعم من صور الشرط الضمنی الارتکازی و من صورة التصریح بالشرط بروایة یونس فی رجل اشتری جاریة علی أنها عذراء فلم یجدها عذراء،قال:یردّ علیه فضل القیمة و علّل التعمیم بأن اختصاره علیه السلام علی أخذ الأرش الظاهر فی عدم جواز الرد یدل علی أن الخیار خیار العیب و لو کان هنا خیار تخلف الاشتراط لم یسقط

ص:98

الرد بالتصرف مع أن الاشتراط فرض فی الروایة صریحا کما هو ظاهر قوله علیه السلام:اللّه علی أنها عذراء و لا یرد علیها أن الاشتراط هنا لم یکن صریحا،بل ارتکازیا لئلا تعم الروایة صورة الاشتراط صریحا،و ذلک لما عرفت أن ظهور قوله علی أنها عذراء هو الاشتراط الصریح،و الحاصل أشکل علی الروایة ثانیا بأنه لو سلمنا کون علی أنها عذراء ظاهرا فی صورة الاشتراط و لکن لم یفرض فی الروایة سقوطه بالتصرف لیکون ذلک خیار عیب و أیضا لا یرد علی أن الخیار خیار تخلف الشرط لا خیار العیب حتی یقال أنه أعم من صورة الاشتراط صریحا و عدمه و دعوی أنه لو کان الخیار خیار الاشتراط لم یسقط بالتصرف و قد فرض فی الروایة سقوطه بالتصرف و ثبوت الأرش فقط دعوی غیر صحیحة لأنه لم یفرض التصرف فی الروایة لو سلمنا کون هنا اشتراط و الجواب عن ذلک هو التصرف مفروض فی الروایة حیث أن الظاهر من قوله علیه السلام فلم یجدها عذراء أنه تصرف فیه و لم یجدها عذراء،لا أنه علم بذلک بالعلم الخارجی من البینیة و نحوها فإنه لا یطلق الوجدان علی ذلک بل یقال علمها و عرفها و لا یطلق ذلک علی المعرفة الحاصلة من العلم الخارجی،و علی کل حال فالروایة ظاهرة فی التصرف فلا یرد علی کون المفروض فی الروایة هو خیار العیب بقرینة سقوطه بالتصرف و ثبوت الأرش فقط أنه لم یفرض التصرف فی الروایة.

بل الجواب عن تأیید المصنف أنه لیس وصف الثیبوبة عیبا فی المرأة لیکون وصف العذرائیة من أوصاف الصحة،بل هو من وصف الکمال،فان العیب ما یکون نقصا فی البدن فذهاب البکارة لا یوجب النقص فی البدن و الاّ یلزم کون أکثر النساء معیوبة و علیه فلا یکون الخیار فی مفروض الروایة خیار عیب،بل خیار تخلف الشرط غایة الأمر لو کانت الروایة صحیحة لکانت دالة علی ثبوت الأرش فی مورد خاص من مصادیق خیار تخلف الشرط و

ص:99

سقوطه بالتصرف کما یثبت الأرش بذهاب البکارة فی النکاح،یعنی ینقص من المهر ما بین تفاوت البکر و الثیّب و سیأتی التعرض لکون الثیبوبة عیبا أم لا فی العیوب؟

قوله:مسألة:ظهور العیب فی المبیع یوجب تسلط المشتری علی الردّ
اشارة

و أخذ الأرش،

أقول:قد تسالم الفقهاء علی کون المشتری مخیرا بین فسخ العقد و إمضائه مجانا،أو مع العوض،و لکن لم یوجد فی الأخبار ما یدل علی ذلک،و لذا ذکر فی الحدائق أن إثبات التخییر بین الفسخ و الإمضاء مع الأرش من الأول بالاخبار مشکل و ان اتفق الفقهاء علی التخییر من الأول و ذکر أنه لم یتنبه علی هذه النکتة أی عدم انطباق فتوی الفقهاء علی الروایات قبلی أحد و ما ذکره صاحب الحدائق قویّ جدا لأن الأخبار انما تثبت الأرش بعد التصرف الموجب لسقوط الخیار لا قبله و علیه فالحکم قبل التصرف هو الخیار فقط من دون أن یکون للمشتری حق مطالبة الأرش،نعم ان کان هنا إجماع تعبدی یوجب التخییر من الأول فهو و الاّ فما ذکره الأصحاب مشکل جدا و لکن إثبات الإجماع أیضا مشکل فإنه یحتمل أن یکون مدرکه الوجوه الاعتباریة أو توهّم دلالة الاخبار علی ذلک،و ذکر المصنف أنه قد یتکلف إثبات التخییر من الأول بوجهین:- الأول:استفادة حکم ذلک من الاخبار بدعوی أنها تدل علی الردّ أعم من رد المبیع أو الأرش و أشار الی ذلک بأنه یصعب استفادة ذلک من الاخبار و غرضه أن یدعی أن المراد من الردّ فی الاخبار ردّ المبیع فی الجملة أعم من أن یکون بالرجوع بتمام الثمن بان یفسخ أو بالرجوع بالأرش فإن أخذ الأرش أیضا رد للمبیع فی الجملة حیث لم یبقه علی حالة من مقابلة المبیع بتمام الثمن و فیه أولا أن الظاهر من الردّ فی الاخبار هو رد المبیع و لا یصدق رد المبیع علی أخذ الأرش و هو واضح علی أن الوصف لا یقابل

ص:100

بالثمن کما سیأتی.

الوجه الثانی:أن نفس وصف الصحة انما هو یقابل بجزء من الثمن فمن الأول یکون الثمن فی مقابل العین و وصفه و إذا ظهرت المخالفة أی ظهر عیب فی المبیع کان المشتری مخیرا بین ردّ ما قابل الوصف من الثمن و بین فسخ العقد کما هو واضح.

و أشکل علیه المصنف:ان وصف الصحة و ان کان یوجب الزیادة فی المالیّة و لکن لا یکون الثمن واقعا فی مقابل الوصف،بل یکون واقعا فی مقابل العین،و الوصف واسطة لثبوت المالیة للعین و کذا لا یملک المشتری علی مطالبة عین الثمن،بل یطلب التفاوت مع فقدان وصف الصحة مع أنه لو کان الوصف یقابل بالثمن کان للمشتری مطالبة جزء من شخص الثمن الذی وقع فی مقابل الوصف،و هذا الذی ذکره المصنف متین جدا،غلی أنه لو کان وصف الصحة یقابل بجزء من الثمن،فأی فرق بین هذا الوصف و بین بقیة الأوصاف کالأوصاف الکمالیة،کما هو واضح.

ثم ذکر المصنف أنه قد یکون الثمن غیر واقع فی مقابل الجزء أیضا فضلا عما هو شرط واقعا و هذا فیما إذا کان الجزء مأخوذا فی العقد علی نحو الشرطیة کما إذا قال البائع بعتک الأرض الفلانیة علی أنها جربان معینة، فظهر خلاف ذلک أو قال بعتک الحنطة الفلانیة علی أنها منان فظهر أنها من،فذکر أنه فی هذه الصورة أیضا ثبت للمشتری خیار تخلف الشرط،و لیس له مطالبة جزء من الثمن بحیث یکون الخیار خیار تبعض الصفقة.

و لکن ما ذکره المصنف لا یمکن المساعدة علیه فان المناط فی کون شیء شرطا فی المعاملة أو جزء لیس هو الذکر فی اللفظ،بل المناط هو اللب و الواقع و من الواضح أن المبیع فی مثل الأمثلة المذکورة هو جمیع أجزاء الأرض و الحنطة و قد تقدم فی شرائط العوضین أن المبیع ینحل إلی أمور متعددة

ص:101

کما هو واضح.

و علی الجملة أن الصورة و ان کانت صورة شرط و لکن الواقع أن المذکور بعنوان الشرطیة هو جزء المبیع فیکون البیع مع التخلف عن المقدار المذکور منحلا الی بیوع متعددة کما هو واضح،فما ذکره المصنف ثانیا من الاشکال لیس بصحیح.

ثم انه ذکر فی المبسوط أن أخذ الأرش مشروط بالیأس عن الرد فان کان مراده من الیأس هو تحقق ما یمنع عن الرد کالتصرف و نحوه من المسقطات فهو یرجع الی ما ذکرناه و ما ذکره صاحب الحدائق و هو متین،و الاّ فإن کان مراده أنه مع الیاس عن الردّ و لو مع بقاء الخیار فهو منطبق علی ما ذکره المشهور و لا دلیل علیه و علی الجملة فلا دلیل لما ذهب الیه المشهور من التخییر بین الردّ و الأرش من الأول،نعم فی الفقه الرضوی ما یدل علی ذلک کما ذکره فی المتن و الحدائق بناء علی عدم زیادة کلمة الهمزة بین کلمة و ان شاء أخذه و بین کلمة رد بان یکون العطف بالواو لا بأو لیکون للتخییر،و لکن قد عرفت فی أول الکتاب مفصلا عدم اعتبار فقه الرضوی.

ثم ان ظهور العیب فی المبیع هل هو کاشف عن الخیار و أن الخیار ثابت من زمان وجود العیب أو أنه مثبت للخیار و تظهر الثمرة بینهما فیما إذا أسقط المشتری خیاره قبل ظهور العیب فإنه علی القول بکونه کاشفا عنه فلا شبهة فی جواز الاسقاط فلا یلزم إشکال إسقاط ما لم یجب،و أما علی القول بکونه مثبتا للخیار فلو أسقط قبل ظهور العیب یلزم منه إشکال إسقاط ما لم یجب،و لکن قد عرفت سابقا أنه لا محذور فی ذلک أصلا و لا دلیل علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب الا أنه قام الإجماع و تحقق الارتکاز علی بطلان التعلیق فی المعاملات و شیء منهما لا یجری فی المقام بعد وجود المقتضی للخیار الذی سقط.

ص:102

و أما أن ظهور العیب کاشف عن الخیار أو مثبت،فنقول الذی یظهر من الأخبار أنه کاشف عن ثبوت الخیار فان الظاهر من قولهم من اشتری شیئا و وجد فیه عیبا فله الرد،علی ما هو مضمون الروایة أن للوجدان طریق الی الواقع و لیس له موضوعیة فی ثبوت الخیار کما هو المتفاهم العرفی من أمثال ذلک،فإنه لو سئل المفتی عن مثل ذلک فلا یتوهّم أحد أن الوجدان له موضوعیة فی ثبوت الخیار من حین الوجدان،بل هو کاشف عن ثبوت ذلک من الأول و مرآت علیه و مع الإغماض عن ظهور هذه الاخبار فی ما ذکرناه و لکن یکفی فی الدلالة علی ما نقوله ما فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام اللّه:أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرء الیه و لم ینبه فأحدث فیه بعد ما قبضه شیئا و علم بذلک العوار و بذلک العیب فإنه یمضی علیه البیع فان هذه الروایة الشریفة تدل بمنطوقها علی مضی البیع إذا علم المشتری بالبیع بعد التصرف و لکن یأخذ الأرش و تدل بمفهومها علی ثبوت الخیار له إذا علم بالعیب قبل التصرف،ثم قال علم بذلک العوار حیث جعل العلم طریقا الی کشف العوار و لذا قال أیما رجل اشتر شیئا و به عیب و عوار فظاهرها ان الخیار ثابت من الأول و لکن حیث أن البائع و لم ینبه بالعیب فیکشف العلم عن ثبوته من الأول مما هو واضح و العجب من السیّد حیث أنکر وجود ما یدل علی کون وجدان العیب کاشفا عن کون الخیار ثابتا من الأول مع ان هذه الروایة ظاهرة فی ذلک،نعم هو شریک معنا فی المدعی ثم ذکر المصنف أن ظهور العیب شرط لثبوت الخیار،و أما سببه فهو من زمان وجود العیب فهو أیضا خلاف الظاهر من الروایات خصوصا لصحیحة المتقدمة،فافهم.

ثم انه مما یؤید بل یدل علی کون الخیار مسببا عن العیب لا عن ظهوره ثبوت الأرش العیب.

ص:103

ثم انه هل یختص خیار العیب بالمشتری أی بالمثمن فیکون الخیار

للمشتری فقط،أو یجری فی الثمن و یشمل للبائع أیضا،

الظاهر أنه لا خلاف فی ثبوته للبائع أیضا و انما الکلام فی مدرک ذلک،و الذی یمکن أن یقال فیه وجوه:- الأول:قیام الإجماع علی ذلک و فیه أن القطع بذلک مشکل جدا و لا نعلم بالإجماع التعبدی هنا فإنه مع تحقق الإجماع فنحتمل أن یکون مدرکه الوجوه الآتیة.

الثانی:قاعدة نفی الضرر و فیه أنه قد مر مرارا أن قاعدة نفی الضرر لا یکون مدرکا فی شیء من الخیارات علی أنه لو کان هو المدرک هنا لکان إثبات الأرش به مشکلا و الا فلازم ذلک أن یثبت الأرش فی کل مورد کان نفی الضرر دلیل للخیار کما هو واضح،و من المعلوم أنه لم یلتزم به أحد فی غیر خیار العیب.

الثالث:أن یدعی أنه لا خصوصیة للمبیع فی ثبوت خیار العیب و الأرش فیه مع کون الثمن فی طرق آخر من المعاملة و عدم إمکان البیع بالمبیع فقط،بل لا بدّ من تحقق البیع بین الطرفین و المبادلة بین العوضین فنسبة البیّع بالنسبة إلی الطرفین علی حد سواء و علیه فالأخبار الدالة علی ثبوت الخیار و الأرش فی المبیع تدل علی ثبوتهما فی الثمن أیضا فیکون الخیار ثابتا للمشتری أیضا کما ذکرنا سابقا أن ما دل علی أن ثمن العذرة سحت أو ثمن الخمر سحت،و ثمن الکلب سحت،أنه یختص بالمثمن فقط بل یجری فی الثمن أیضا لعدم الفرق فی الفرض الذی نهی عن الثمن الأمور المذکورة فهی موجود فیما إذا کانت الأمور المذکورة ثمنا لشیء آخر أو اجرة للعمل أیضا کما هو واضح.

و إذا أمکن إثبات هذه الدعوی فی المقام أیضا کان الخیار و الأرش

ص:104

جاریا فی طرف البائع أیضا و أن ذکر خصوص المبیع فی الروایات لکنه من جهة الغلبة إذ الغالب أن الثمن هو النقود و لا یکون فیها عیب غالبا،و لکن إثبات هذا أیضا مشکل فإنه من أی علم أن ذکر المبیع من جهة الغلبة کما هو واضح.

نعم،لا نضائق من القول بثبوت خیار العیب للبائع أیضا لا من جهة العیب،بل من جهة الشرط الضمنی علی ما تقدم،و علیه فلا یمکن الالتزام بثبوت الأرش فی طرف الثمن کما هو واضح.

و من هنا ظهر فساد ما ذکره السید فی المقام من کفایة الظن یکون ذکر المبیع من جهة الغلبة و کونه کفایة عن العوض فی البیع فإنه لا دلیل علی حجیة هذا الظن و أشکل من تعدیة الحکم أی للثمن تعدیة الحکم الی مطلق المعاملات بان یقال انه إذا آجر أحد دارا من شخص فظهر فیها العیب فیکون مخیرا بین مطالبة التفاوت و الفسخ فإنه یمکن أن فی تعدیة الحکم الی الثمن أن یقال أن ذکر المبیع من جهة الغلبة کما تقدم،و أن الثمن فی طرف البیع فإذا ثبت الحکم فی المبیع ثبت فی الثمن أیضا لعدم الخصوصیة للمبیع کما مثلنا بالأمثلة المتقدمة فإن الفرض من الاخبار تفهیم أن النقص فی العوض یوجب الخیار و الأرش و لکن لا یمکن النفوذ بذلک فی مطلق المعاملات و علیه فلا بأس بالالتزام بالخیار فیها لتخلف الشرط و أما الأرش فلا دلیل علی ثبوته فیها کما هو واضح.

قوله فی مسقطات هذا الخیار بطرفیه أو أحدهما
مسألة یسقط الرد
اشارة

خاصة بأمور،

التصریح بالتزام العقد و إسقاط الرد

أقول:الظاهر بل الواقع أنه لا شبهة فی سقوط خیار العیب بالإسقاط علی نهج بقیة الخیارات و انما الکلام فی سقوط الردّ فقط،أو سقوطه مع الأرش بحیث لا یکون لمن له الخیار بعد الاسقاط حق الرجوع فقط و الظاهر أنه لا ملازمة بین سقوط الردّ و سقوط حق مطالبة الأرش کما

ص:105

إذا لم یکن لکلامه ظهور الاّ فی سقوط الردّ فسقط کقوله إسقاط الردّ أو لم یکن ملتفتا بان له مطالبة الأرش بل له الخیار فقط فإنه ح لو أسقط خیاره و لو مع عدم تقییده بإسقاط الردّ،بل بإسقاط مطلق الخیار فإنه ح یسقط الردّ فقط أیضا،بل الأمر کک حتی مع الالتفات بثبوت حق الرد و الأرش له و لکن القرینة قائمة علی أنه لا یسقط الا الردّ أو لیس فی کلامه ظهور عرفی فی ذلک و أن قال أسقط خیاری و علی الجملة فالمناط فی إسقاط الردّ و الأرش هو الظهور العرفی فکلما دل فی کلامه علی سقوط الردّ فقط أو الردّ و الأرش معا فیکون متبعا و الا فلا،کما هو واضح.

و علیه فدعوی أن کلمة الرد ظاهرة فی إسقاط الخیار فقط،و أن کلمة الخیار ظاهرة فی إسقاط الردّ و الأرش فقط لا یمکن المساعدة علیه،نعم کلمة أسقط الردّ ظاهرة فی إسقاط الردّ فقط،کما هو واضح هذا هو المطلب الأول.

و الحاصل:أن سقوط الخیار بطرفیه من الردّ و الأرش و بطرفه الواحد یحتاج الی کون المسقط ظاهرا فیه و علیه فلا بدّ من الاقتصار بالمتیقن.

المطلب الثانی:أنه لا شبهة فی سقوط هذا الخیار بالتصرف إجمالا

و انما الکلام فی خصوصیات ذلک،فنقول

ان التصرف انما یکون علی أنحاء
الأول أن یکون تصرفا مغیرا کقطع الثوب و صبغه و نحو ذلک،

و هذا لا شبهة فی کونه مسقطا للخیار و تدل علیه الصحیحة عن أبی جعفر علیه السلام اللّه أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرأ الیه و لم ینبه فأحدث فیه بعد ما قبضه شیئا و علم بذلک العوار و بذلک العیب فإنه یمضی علیه البیع و یرد علیه بقدر ما ینقص من ذلک الداء و العیب من ذلک لو لم یکن به،و من الواضح أن تغییر العین و لو بمثل الصبغ و نحوه احداث للحدث فان المراد من الأحداث هو الکنایة عن ثبوت حدث فی المبیع لا معناه الصریح

ص:106

اعنی اسناد الحدث الی الفاعل فیکون موجبا لسقوط الردّ و یبقی له حق مطالبة الأرش فقط کما لا یخفی.

و یؤید ذلک مرسلة جمیل التی یعاملون معها معاملة الصحیح و ان ناقشنا فی ذلک و هی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد به عیبا،قال:ان کان الثوب قائما بعینه رده علی صاحبه و أخذ الثمن و ان کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ رجع بنقصان العیب.

الثانی:أن لا یکون هنا تصرف یوجب التأثر فی العین خارجا

و لکن یکون هنا تصرفا اعتباریا بحیث یکون مانعا عن الرجوع الی المتصرف ثانیا کأن یبیعه من شخص آخر فان البیع و ان کان لم یکن مثل القسم الأول من احداث الحدث فی العین و لکن لا شبهة فی صدق احداث الحدث علی مثل هذا التصرف أیضا فإنه أی إحداث حدث یکون أعظم من هذا الذی لا یقدر معه المتصرف علی الردّ الی ملکه و هکذا لو آجر العین من شخص فان العین حین ما أخذها من البائع کانت واجدة للمنفعة و قد صارت فاقدة لها فأی حدث أعظم من ذلک و سقوط الخیار قبل هذا التصرفات للنص المتقدم و الا فقد عرفت عدم سقوطه بالتصرف بمثل تلف العین غایة الأمر،العقد یفسخ و ینتقل الی المثل أو القیمة لأن الفسخ متعلق بالعقد دون العین کما تقدم.

نعم لو نقل العین الی غیره بمثل الهبة فالظاهر عدم سقوط حق الردّ بذلک فان العین و ان انتقلت الی غیره و لکن للمشتری التمکن من رده بالرجوع فإذا قال فسخت العقد فیکون هذه العبارة فسخا للعقد و رجوعا فی الهبة کما هو واضح و لا یقاس ذلک بإمکان الرجوع فی البیع أیضا بالشراء و نحوه فان اختیار الرجوع فی ذلک لیس تحت ید المشتری أعنی البائع الثانی بخلاف ما لو نقلها بالهبة فإن اختیار إرجاع العین تحت ید الواهب

ص:107

کما لا یخفی،فافهم.

و من هنا ظهر أن ما تنظر المحقق الثانی فی سقوط حق الردّ بالهبة وجیه و لا وجه لرد المصنف إیاه بأنه لا وجه له.

الثالث:أن یکون التصرف تصرفا خارجیا من غیر ان یکون مغیرا للعین

و لا یکون مثل القسم الثانی أیضا،و هذا علی أقسام ثلاثة:-

الأول:أن یکون له ظهور عرفی فی سقوط الخیار به کالمسقط اللفظی

فإن سقوط الخیار لا یختص باللفظ کما تقدم فی خیار الحیوان و غیره،بل یسقط بالفعل أیضا لا بما انه تصرف بل بعنوان أنه مسقط عرفی کما هو واضح

الثانی:أن لا یکون له بشخصه ظهور فی سقوط الخیار به

فذکر المصنف أن الفعل إذا کان له دلالة نوعیة و کاشفة نوعیة فی الرضا بالعقد و إسقاط الردّ کاللفظ کان موجبا لسقوط الخیار و لکن الظاهر أن هذا الکلام لا یمکن المساعدة علیه للفرق الواضح بین اللفظ و الفعل فی ذلک فان اللفظ انما یکون کاشفا عن ارادة المتکلم مدلول ذلک بحسب التعهد فان المتکلم قد تعهد بأنه إذا تکلم بلفظ فلانی فإنه أراد المعنی الفلانی و علیه فیکون الظن الحاصل من کاشفیة اللفظ نوعا حجة و متبعا بحسب قیام بناء العقلاء علی ذلک و هذا بخلاف الفعل الفلانی فإنه أراد المعنی الفلانی لیکون کاشفیة متبعة غایة الأمر أنه یحصل الظن من ذلک فهو لیس بحجة لعدم الدلیل علی اعتباره من بناء العقلاء و غیره کما لا یخفی،فافهم،و هذا هو الفرق بین اللفظ و الفعل فی الکاشفیة و عدمها،خذه و اغتنم.

الثالث:أن لا یکون له ظهور فی الإسقاط

کما فی القسم الأول و لا یکون له کاشفیة نوعیة کما فی القسم الثانی علی ما ذکره المصنف،بل یکون مجرد التصرف کالأمر باسقنی و غلق الباب و إعطاء متاع فظاهر جماعة أنه یسقط الرد بذلک أیضا،بل هذا هو صریح العلامة حیث ذکر فی بعض کتبه أنه

ص:108

یسقط الرد بالأمر کقوله ناولنی الماء أو أغلق الباب و نحو ذلک،و لکنه لا وجه لسقوطه بذلک بوجه فان الدلیل علی السقوط هنا هو احداث الحدث و من الواضح أنه لا یصدق علی مثل هذه التصرفات احداث الحدث و لیس له کاشفیة نوعیة أیضا حتی یمکن القول بسقوطه من هذه الجهة کما قیل فی القسم الثانی فیبقی القول بالسقوط بمثل ذلک ح بلا دلیل کما هو واضح.

و الحاصل أنک قد عرفت أن التصرف بما هو تصرف لا یکون موجبا لسقوط الخیار حتی لو کان موجبا لتلف العین لما عرفت أن الفسخ و الخیار انما یتعلق بالعقد دون العین حتی لا یمکن ردها مع التلف فیجوز الفسخ بعد تلف العین و ینتقل العین الی المثل أو القیمة و لکن قد ورد النص بأن إحداث الحدث فی خیار العیب یکون مسقطا له و لمکان هذا النص فنقول بالسقوط هنا بالتصرف و لا شبهة فی صدق احداث الحدث بمثل تغییر اللون و القص فی الثوب و نحوه و هکذا فی مثل نقلها الی غیره بالبیع اللازم و کذلک الإیجار کما عرفت لصدق احداث الحدث فی جمیع ذلک، نعم لا یصدق ذلک فی مثل الهبة ثم انک قد عرفت أن ذلک لیس من جهة أن الفسخ یتعلق بالعین فمع نقلها الی غیره لا یمکن الردّ،بل هو من جهة التعبد فقط و الا فالفسخ یتعلق بالعقد علی ما عرفت سابقا،فإذا انفسخ العقد فان کانت العین باقیة یأخذها و الا فمثلها.

ثم انه لا بدّ و أن یعلم أن المصنف قد عبّر عن روایة زرارة بالصحیحة فی موردین و هذا اشتباه لأن فی سندها موسی بن بکر و قد اختلف فی حاله و قال بعضهم أنه ضعیف و واقفی و قال بعضهم انه ممدوح کالمجلسی و ابن ادریس فی آخر السرائر و هذا هو الظاهر و لعل وجه تضعیف بعضهم أنه واقفی و ان استشکل بعضهم فی کونه واقفیا أیضا و کیف کان فالروایة و ان کانت معتبرة،و لکنها لیست بصحیحة و لعل المصنف تبع فی

ص:109

التعبیر عنها بالصحیحة قول العلامة حیث انه عبر عنها بذلک فی ولد الملاعنة لا فی هذه الروایة،بل فی روایة أخری مرویة بهذه السند و هو أیضا اشتباه فإن العلامة قد ضعف موسی بن بکر فی الخلاصة و مع ذلک حکم بصحة روایته و هذا استدراک مما تقدم.

و اما التصرف الخارجی الغیر المغیّر فقد عرفت أنه علی ثلاثة أقسام و عرفت القسمین عنها الأول کونه شخصیة کاشفا عن الرضا بالعقد و کونه مسقطا للخیار الثانی ما یکون بنوعه کاشفا عنه کما ذکره المصنف مثل دلالة الألفاظ و قد استشکلنا فی ذلک أیضا و انتهی الکلام الی القسم الثالث و هو ما لم یکن بنفسه کاشفا عن الرضا بالعقد و لا بنوعه،بل یکون مجرّد التصرف الخارجی،فهی هذا مسقط للخیار أم لا،فقد یظهر من جماعة سقوطه به،بل صرّح به العلامة کما تقدم

و قد استدل علی ذلک بوجوه.
الأول:أنه ذکر الجماع فی الروایة فی کونه مسقط للردّ

مع أنه تصرف لا یوجب احداث الحدث فی الأمة بوجه،بل یبقی علی ما هی علیها بعد ذلک أیضا فیعلم من ذلک أن مطلق التصرف یکون موجبا لسقوط الردّ هنا.

و فیه أن هذه الروایة علی عدم سقوط الردّ بمطلق التصرف أدل فإنه لو کان مطلق التصرف موجبا لسقوط الردّ لم تصل النوبة إلی التعبیر بالجماع إذ یستحیل عادة خلو الجماع عن المقدمات و التصرفات من اللمس،و التقبیل و النظر الی ما لا یحل لغیر المولی و نحو ذلک فحیث اعتبر الجماع مسقطا دون غیره من مقدماتها فیعلم من ذلک أن مطلق التصرف لا یکون مسقطا للردّ و انما الجماع مسقط للنص الخاص فلا یمکن التعدی منه الی غیره.

الوجه الثانی:دعوی الإجماع علی ذلک

و فیه أنه لا سبیل الی دعوی الإجماع فی المقام بحیث یکون هنا إجماع تعبدی علی کون التصرف علی وجه

ص:110

الإطلاق مسقطا للرد و ذلک لان أکثر الکلمات التی نقلها المصنف مشحونة بأن التصرف انما یکون مسقطا للرد إذا کان مع العلم بالعیب و الاّ،فلا فیعلم من ذلک أن ذهاب الفقهاء الی ذلک من جهة قولهم بان التصرف کاشف نوعا عن الرضا بالعقد فیکون ذلک مسقطا للردّ و حیث استشکلنا فی ذلک و أن التصرف لا یکون کاشفا عنه،فاذن لا وجه للإجماع و التمسک به لیکون التصرف مسقطا للإجماع التعبدی و هذا واضح لا یخفی.

الوجه الثالث:ما ورد فی خیار الحیوان من تفسیر الحدث،

بمثل التقبیل و اللمس و النظر الی ما لا یحل لغیر المولی،فیعلم من ذلک أن المراد من الحدث لیس هو حدوث تغییر فی العین،بل المراد منه هو مطلق التصرف،و الاّ لما فسره الامام علیه السلام بمثل اللمس و نحوه و ان کان ذلک فی اللغة بمعنی التغییر،کما لا یخفی.

و فیه أولا:أنه قد ورد سقوط الخیار بالأمور المذکورة فی مورد خاص و هو خیار الحیوان،و قلنا أن ذلک لیس من جهة أن معنی الحدث هو ذلک،بل للتعبد الخاص و قد عرفت فی خیار الحیوان أنه لا یمکن التعدی من ذلک الی بقیة التصرفات فی نفس خیار الحیوان،أی یکون التصرف موجبا لسقوط خیار الحیوان فضلا عن التعدی الی غیر خیار الحیوان.

و ثانیا:لو تعدینا الی خیار الحیوان و قلنا بسقوطه بأی تصرف فی الحیوان فبأی وجه نتعدی الی غیر خیار الحیوان أیضا و کیف کان فلا یمکن التعدی من تلک الروایة إلی المقام،و القول بان معنی الحدث هو أی تصرف و ان لم یکن مغیرا للعین فتحصل أنه لا دلیل علی کون مطلق التصرف موجبا لسقوط الخیار.

بل نقول:

ان لنا دلیل علی عدم سقوط الردّ بمطلق التصرف

و هو وجوه،

الأول:روایة الجماع

علی التقریب المتقدم.

ص:111

الثانی:ما دل علی أنه لو اشتری أحد أمة و لم یطأها فی ستة أشهر جاز ردها

و من البدیهی أنه لا یخلو عادة فی هذه المدة أن المشتری یتصرف فیها و لو بالأمر بکنس الدار،و بمثل ناولنی الماء،و نحو ذلک،فلو کان مطلق التصرف موجبا لسقوط الردّ،لم یحکم الامام علیه السلام بالرد فی ستة أشهر،فذکر الجماع دون غیره دلیل علی عدم سقوط ردها بمطلق التصرف.

الثالث:ما دل علی جواز ردّ المملوک من أحداث السنة

أی العیوب التی ظهرت فی مدة السنة فإنها تکشف عن کون سببها قبل الشراء فإن العادة جاریة بظهور العیوب السابقة فی مثل هذه المدة و تسمی ذلک أحداث السنة و من الواضح أن من المستحیل عادة أن لا یتصرف المشتری فی هذه المدة أصلا،و لو بتصرف لا یغیر العین أصلا.

الرابع:نفس الروایة التی دلت علی عدم جواز الرد باحداث الحدث

فإنها تدل علی ذلک إذا کان فی المبیع عیب أو عوار و احداث المشتری فیه الحدث،و بمفهومها تدل علی جواز الردّ ما لم یحدث فیه الحدث و من الواضح أنا علمنا من الخارج أن مطلق التصرف لیس من مصادیق احداث الحدث،لا عرفا و لا لغة و لا شرعا،فمقتضی مفهوم هذه الروایة یجوز رده لذلک کما هو واضح و علی الجملة أن مطلق التصرف لا یکون مسقطا لخیار العیب أولا لعدم الدلیل و المقتضی علی ذلک،و ثانیا لقیام الوجوه المذکورة علی عدم السقوط بمطلق التصرف.

نعم:یسقط بمثل احداث الحدث للنص بحیث لو لم یکن هنا نص لم نقل بالسقوط بمثله أیضا،بل بإتلاف العین أیضا،فإن الفسخ لم یتعلق بالعین حتی یسقط الخیار بنقلها،بل بالعقد فیمکن فسخه بتلف العین و تنتقل العین الی المثل أو القیمة کما هو واضح،و من جمیع ما ذکرناه ظهر لک حکم إتلاف العین کما هو واضح.

ص:112

ثم انه یقع الکلام فی أن احداث الحدث الذی کان موجبا لسقوط الخیار،هل هو مسقط له بوجوده حدوثا و ان لم یبقی أثره بقاء أو انما یکون مانعا عن الرد بقاء،الذی یظهر لنا من الروایة الدالة علی مسقطیة إحداث الحدث الرد فان الظاهر من قوله علیه السلام فأحدث فیه بعد ما قبضه شیئا و علم بذلک العیب فإنه یمضی علیه البیع أن الحدث موجود فی حال الرد و لذلک قال علیه السلام یمضی علیه البیع.

و بعبارة أخری أنک قد عرفت سابقا أن التصرف بأی نحو کان لا یکون مسقطا للرد حتی التلف،فان الفسخ انما یتعلق بالعقد لا بالعین حتی لا یمکن الفسخ و رد العین بعد التلف،أو التصرف المغیر للعین،و انما ثبت لنا بالنص الخاص أن احداث الحدث یکون مانعا عن الرد و الحکمة فی ذلک هو إرفاق البائع و من الواضح أن الإرفاق انما یتحقق و یحصل إذا کان العیب موجودا فی العین حال ردها إلی البائع،و أما إذا برء الی وقت الرد فلا یکون ذلک مانعا عن الرد و هذا المعنی هو الذی یقتضیه مناسبة الحکم و الموضوع.

الثالث تلف العین أو صیرورته کالتالف
قوله:فرع لا خلاق نصا و فتوی فی أن وطی الجاریة یمنع عن ردها.

أقول:المشهور،بل المجمع علیه بین الأصحاب هو أن وطی الجاریة مانع عن الرد،و انما الکلام فی دلیل ذلک مع أنه لا دلیل علی کون التصرف مانعا عن الرد،و قد علل العلامة المنع فی موضع من التذکرة بأن الوطی جنایة و لهذا یوجب غرامة جزء من القیمة کسائر جنایات المملوک،و قد ذکر فی کلام الإسکافی أیضا ان الوطی مما لا یمکن معه رد المبیع الی ما کان علیه قبله،فإنه لا بدّ و ان یکون مراد الإسکافی أیضا ما ذکره العلامة،فإنه لا مفهوم له الاّ ذلک إذ النظر و التقبیل و نحو ذلک أیضا یوجب أن الأمة مع ذلک فلا یمکن ردها الی ما کانت علیه قبل النظر و التقبیل فلا بدّ و أن یراد

ص:113

ما ذکره العلامة من کون الوطی جنایة و قد أیّد المصنف ذلک بما ورد فی جملة من الروایات من قوله علیه السلام:معاذ اللّه أن یجعل لها أجر فإن فیه إشارة إلی انه لو ردّها لا بدّ أن یراد معها شیئا تدارکا للجنایة إذ لو کان الوطی مجرّد استیفاء منفعة لم یتوقف ردها علی رد عوض المنفعة لکون الاستیفاء واقعا فی ملکه فلا یجب مع الرد رد المنفعة کما هو واضح،فان الفسخ فسخ للعقد من حین الفسخ لا من الأول.

أقول:أما کون الوطی جنایة فهو بدیهی البطلان،و لم یلتزم به أحد فی بقیة الموارد و لذا لو زنی أحد بامرأة العیاذ باللّه،أو وطأ غلاما لم یتوهم أحد أنه یؤخذ منه الجنایة،نعم ثبت الجنایة فی إزالة البکر و لکن ذلک من جهة کونه ازالة صفة کمال لا من جهة الوطی فما ذکره العلامة و الإسکافی مما لا وجه له،و من هنا أنه لا فرق فی التصرفات الغیر المغیرة بین الوطی و غیره،فإنه أیضا من التصرفات الغیر المغیّرة کما لا یخفی و أما ما ذکر فی الروایات من قوله علیه السلام:معاذ اللّه أن یجعل لها أجر لا یدل علی أن ذلک من باب الجنایة،و أن الاستعاذة من جهة نفی الأجرة و أما ما ذکره المصنف من حمل الروایة علی التقیة و أن الأمیر علیه السلام تکلم بذلک رعایة لحال رعیته،فهو بعید،بل ذلک من جهة أن الأمیر علیه السلام تکلم بذلک إشعارا الی أن الحکم هنا أمر ثابت بالتعبد لا انه من تلقاء نفس لأنی لیست مشرعا حتی اجعل لها أجرا و لذا قال علیه السلام فی روایة میسر:معاذ اللّه أن أجعل لها اجرا.بل التحقیق ان عدم جواز الرد مع الوطی من جهة التعبد بالروایات الواردة فی المقام فإنها دلت علی ذلک،کما هو واضح.

و قد انتهی الکلام الی أن الوطی یمنع من الرد أم لا و قلنا بکونه مانعا عن الرد للروایات الخاصة لا من جهة أنه إحداث الحدث و لا من جهة انه

ص:114

تصرف و لا من جهة أنه جنایة،کما ذهب إلیه العلامة،

و انما الکلام فی أنه

مانع عن الرد مطلقا و لیس منه استثناء أو استثنی منه صورة کون الجاریة

حاملة

کما ان أصل مانعیة الوطی عن الرد مستثنی عن أصل عدم مانعیة التصرف عن الرد

و المشهور هو الثانی،و ان الحمل مع کونه عیبا و الوطی

لیس مانعا عن الرد

و کلمات أکثرهم فی ذلک مطلقة أی أعم من أن یکون هنا عیب آخر غیر الحمل أو یکون هو الحمل فقط سواء کان الحمل هو العیب أم لم یکن الحمل عیبا.و قد ذکروا هنا أیضا أن الجاریة ترد و یرد معها العشر کما هو المشهور و استندوا فی ذلک الی ظاهر من الروایات منها صحیحة بن سنان الدالة علی رد الجاریة الحاملة،و رد نصف عشر قیمتها،و کک فی روایتی عبد الملک و ابن أبی عمیر و فی صحیحة محمد بن مسلم یردها و یکسوها و فی روایة عبد الملک یردها و یرد عشر قیمتها و هذه الروایات تدل علی ما ذهب الیه المشهور،بل ادعی الإجماع علی العمل بظاهرها و لکن خلافا لما عن الإسکافی حیث حملها علی کون الجاریة أم ولد من المولی و التزام بوجوب الرد لبطلان بیع أم الولد،و یکون رد نصف عشر القیمة فی مکان مهر المثل فی الحر الموطوءة بشبهة،و قد اختار ذلک فی المختلف بل هو ظاهر الشیخ فی النهایة،حیث قال فان وجد بها عیبا بعد أن وطئها لم یکن له ردها و کان له أرش العیب خاصة الا أن یکون العیب من حبل فیلزمه ردها علی کل حال وطئها أو لم یطئها و یرد معها إذا وطئها نصف عشر قیمتها ثم ذکر المصنف و یمکن استفادة هذه من إطلاق المبسوط القول بمنع الوطی من الرد،فان من البعید عدم استثناء وطی الحامل و عدم تعرضه لحکمه مع اشتهار المسألة فی الروایات و السنة القدماء،و اطلاع الشیخ علی الروایات الدالة علی ذلک.

و هذا القول هو ظاهر الریاض و الوسیلة.ثم اختاره المصنف أیضا و

ص:115

قال ان الروایات المتقدمة و ان کان فی بادی النظر ما ذکره المشهور الا

أن العمل علی هذا الظهور یستلزم مخالفة الظاهر من وجوه.
الأول:أنه یلزم المخالفة علی هذه الروایة من أحد الطرفین

اما مخالفة ظهورها فی وجوب رد الجاریة فإنها ظاهرة فی وجوب رد الجاریة و حملها علی الرد مع الوطی و صحة البیع لا یستقیم الا برفع الید عن حملها علی وجوب الرد إذ مع صحة البیع لا یجب الرد،بل کان جائزا و أما القول بوجوب الرد فلا یمکن القول بصحة البیع،بل یلتزم بفساد البیع لکونه بیع أم ولد فیکون الرد واجبا لوجوب رد مال الغیر الیه و من الواضح هذا الحمل مخالف للظاهر بلا شبهة لکون الجملة الخبریة الوارد فیها ظاهرة فی الوجوب کما حقق فی الأصول و حملها علی مجرد الجواز خلاف الظاهر منها.

و اما أن یقید الحمل بکونه من غیر المولی حتی یکون الجملة الخبریة واردة فی مقام دفع توهم الحظر الناشی من الأخبار المتقدمة المانعة من رد الجاریة بعد الوطی إذ لو بقی الحمل علی إطلاقه لم یستقم دعوی وقوع الجملة الخبریة فی مقام دفع توهم الحظر.

و بالجملة أن دعوی جواز رد الجاریة الحاملة و عدم مانعیة الحمل من الرد من آثار البیع الصحیح فبعد کون البیع بیع أم ولد،أو إطلاقه و کونه أعم من بیع أم الولد و غیره کان البیع باطلا و وجب رد الجاریة إلی مالکها فلا بدّ اما من رفع الید من ظهور الرد فی الوجوب الذی هو ظاهر الجملة الخبریة و حملها علی الجواز أو حمل الوجوب علی دفع توهّم الحظر الناشی من الاخبار فکأن السائل توهم عدم جواز الرد مع الوطی مطلقا فسال عن ذلک مع کون الجاریة حاملة و من الواضح أن کلاهما ارتکاب علی خلاف الظاهر فلا بدّ من البقاء ظاهرها و ثبوت الرد علی حاله فتکون الروایات ح محمولة علی أم الولد،و تکون خارجة عما نحن فیه.

ص:116

علی أنه یبعد حمل تلک الروایات علی الجواز اختلاف السیاق فإنه ذکر فیها أنه یرد الجاریة و یردّ نصف عشر قیمتها فإنه من البعید أن تحمل کلمة یردّ الجاریة علی الجواز و کلمة یرد نصف عشر قیمة علی الوجوب فمقتضی اتحاد السیاق هو أنّ یراد من کلمة یرد وجوب الرد فی کلا الموردین و علیه فتکون الروایات محمولة علی أم ولد المولی.

الوجه الثانی:أن الروایات المذکورة منطبقة علی وجوب ردّ نصف عشر

القیمة أو عشرها

و هذا لا یجتمع مع القواعد فان مقتضی القاعدة منافع مال کل شخص عائدة الیه و إذا استوفاها فتکون له و علیه فلا مقتضی لإعطاء عشر قیمة الجاریة أو نصف عشر قیمتها لکون استیفاء المنفعة واقعا فی ملکه و علیه فلا بدّ اما من الالتزام بان استیفاء المنفعة هنا من المالک الأول و ان کان فی ملکه فیکون ما نحن فیه تخصیصا للقاعدة المذکورة المسلّمة و هو بعید.

أو لا بدّ من الالتزام بکون المورد تخصیصا لما هو المسلم من أن بطلان العقد من حین الفسخ لا من حین العقد و من أول الأمر و یقال فی المقام بان الفسخ من الأول فیکون العقد باطلا من الأول،و یکون ما استوفاه المشتری من المنافع من أموال البائع و علیه یجب ردها الیه و رد نصف عشر القیمة أو عشرها من جهة ذلک.

و بعبارة أخری أن کون العقر علی المشتری مخالف لقاعدة عدم العقر فی وطی الملک أو مخالف لقاعدة کون الرد بالعیب فسخا من حینه لا من أصله.و هذا أیضا بعید.

الوجه الثالث:أن الالتزام بعدم کون الوطی مانعا عن الرد مع کون

الجاریة حبلی مخالف لما ورد عموما

من کون احداث الحدث مانعا عن الرد و ما ورد خصوصا من کون الوطی مانعا عن الرد و هذا أیضا بعید.

الوجه الرابع:أنه ذکر المصنف(ره)أیضا ان هذا المعنی یستفاد من روایتین:

ص:117

الأولی:روایة ابن ابی عمیر فی رجل باع جاریة حبلی و هو لا یعلم فإن السؤال فی هذه الروایة عن بیع أم الولد و الاّ لم یکن لذکر جهل البائع فی السؤال فائدة فان ماله فائدة انما هو جهل المشتری فإنه مع الجهل یکون له خیار العیب و اما مع عدم الجهل فلا یکون له خیار لإقدامه بذلک البیع و أما إذا کانت الجاریة أم ولد،فجهل البائع له فائدة فإنه مع عدم الجهل بالحمل لا یمکن له بیع الجاریة لکونها أم ولد.

الثانیة:صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام(فی رجل) یشتری الجاریة الحبلی فینکحها قال یردها و یکسوها فان قوله علیه السلام یکسوها مشعرة بما ذکرناه حیث انه ثبت فی الشریعة المقدسة أن الکسوة ثبت للحرة یطؤها و حیث ان أم الولد فیها شأنیة الحریة فلهذا اثبت الامام علیه السلام فیها الکسوة.

و الحاصل:أنه ذکر المصنف أن الاخبار المذکورة و ان کانت ظاهرة فی بادی النظر فی ما ذهب الیه المشهور من کون الوطی غیر مانع عن رد الجاریة الحاملة

و لکن لا بدّ من رفع الید عن هذا بوجوه و حملها عن أم الولد
الأول:أن الجملة الخبریة الفعلیة فیها

و هی قوله علیه السلام یردها ظاهرة فی الوجوب و هی لا تصح إلاّ فی حمل الجاریة علی أم الولد لوجوب ردّها الی مالکها من جهة بطلان البیع فیها فلو حملناها علی غیر أم الولد فاما لا بدّ من رفع الید عن ظهور الجملة الخبریة فی الوجوب و حملها علی جواز الرد و هو خلاف الظاهر منها و اما إبقائها فی ظاهرها و لکن یحمل الوجوب علی دفع توهّم الحظر من جهة الإطلاقات الدالة علی مانعیة ردّ الوطی و هذا أیضا خلاف الظاهر من الوجوب.

و بعبارة أخری حمل البیع علی البیع الصحیح یستلزم الارتکاب بأحد

ص:118

خلافی الظاهر من کون الجملة الخبریة الواقعة فی الروایة ظاهرة فی الوجوب کما هو واضح.

الثانی:أن المنافع المستوفاة انما هی للمشتری

لکونها فی ملکه و حمل الروایات علی غیر أم الولد یستلزم أن تکون تلک المنافع للبائع لأن تلک الأخبار تدل علی ردّ عشر القیمة أو نصف عشر القیمة و علیه فلا بد اما من الالتزام بکون المنفعة هنا للبائع تخصصا للقاعدة الدالة علی ان المنافع الملک للمالک أو من الالتزام بکون الفسخ من الأول لا من حین الفسخ و هذا أیضا بعید جدا.

الوجه الثالث:أن الالتزام بعدم حملها علی أم الولد و القول بجواز

وطی الجاریة الحاملة غیر مانع عن الرد

للزم الالتزام بتقیید ما دل بإطلاقه علی مانعیة الحدث و التصرف من الرد لکونه کاشفا عن الرضا بالعقد و منافیا لإطلاق ما دل علی مانعیة خصوص الوطی عن الرد و هذا أیضا بعید.

الرابع:قد وقعت الإشارة فی مرسلة ابن أبی عمیر الی کون الجاریة

أم ولد

لانه وقع فی السؤال فیها أنه باع جاریة حبلی و هو لا یعلم و من الواضح أنه لا أثر لجهل البائع فی بیع غیر أم الولد و أما فی بیع أم الولد فله أثر لأنه مع العلم بکونها أم ولد لا یبعها و أیضا ذکر فی الصحیحة أنه یرد الجاریة و یکسوها و من الواضح أن الکسوة انما هی وقعت فی طلاق الحرة مع عدم فرض المهر لها و حیث أن أم الولد متشبثة بالحریة قد ذکر الامام علیه السلام فیها الکسوة.

الوجه الخامس:أن هذه الأخبار الدالة علی جواز ردّ جاریة الحاملة

بعد الوطی

و عدم مانعیة الوطی عن الرد فیها ظاهرة فی أن الرد انما وقع بعد تصرف المشتری فی الجاریة بغیر الوطی من مثل اسقنی الماء و أغلق الباب و مقدمات الوطی و غیر ذلک من التصرفات التی یبعد عادة،بل

ص:119

یستحیل خلو المشتری عنها و لا أن الجاریة تنفک عنها و تقیید هذه الروایات بصورة عدم هذه التصرفات تقیید بها بالفرض النادر.

نعم،التزمنا بالتقیید بذلک فی غیر هذه الأخبار مما دل علی ردّ الجاریة بعد مدة طویلة کستة أشهر علی ما تقدم و انما التزمنا علی ذلک من جهة الدلیل الدال علی لزوم العقد بالتصرف و لکن لا داعی لهذا التقیید هنا لعدم إمکان تقیید ما دل علی رد الجاریة بعد مدة طویلة بنحو آخر و لکنه یمکن تقییدها بنحو آخر فی المقام،فإنه یمکن تقیید الحمل هنا بکونه من المولی لتسلم هذه الأخبار الدالة علی رد الجاریة الحاملة بعد الوطی عن جمیع التقییدات المتقدمة کما لا یخفی.

غایة الأمر أن هذه الاخبار تعارض مع ما دل علی منع الوطی عن الرد بالعموم من وجه فیبقی ما عدا الوجه الثالث مرجحا لتقیید هذه الأخبار.

و توضیح ذلک أن هذه الأخبار أخص من حیث اختصاصها بصورة الحبل و عدم شمولها لموارد الوطی بأجمعها و لکنها مطلقة من حیث کون الحمل من المولی لتکون الجاریة أم ولد أو من غیر المولی لئلا تکون الجاریة أم ولد و الأخبار الدالة علی مانعیة الوطی عن الرد فهی أخص من حیث موردها و هو البیع الصحیح و عدم شمولها الجاریة التی هی أم الولد لأن الکلام فیها قد فرض فی البیع الصحیح و من الواضح أن بیع أم الولد سواء کان مع العلم أو بدونه لیس بصحیح فلا تکون شاملة لأم الولد و لکنها أعم من حیث کون الوطی وطیا للجاریة الحاملة أو الحائلة لإطلاقها و ح تقع المعارضة بینهما و الوجوه المتقدمة مرجحة لها و علی تقدیر التکافؤ و التساقط وجب الرجوع الی عموم ما دل أن احداث الحدث مطلقا مانع عن الرد لکونه رضی بالبیع ثم ذکر أنه یمکن الرجوع الی ما دل علی جواز الرد مع قیام العین کمرسلة جمیل بن دراج المتقدمة ثم ذکر أنه مع المناقشة فی عموم ما

ص:120

دل علی عدم جواز الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع الی أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطی و لکن یبقی أن لزوم العقر علی المشتری بنصف عشر القیمة أو عشرها بلا وجه و لکن یمکن إثباته بعدم القول بالفصل لأنه کلمن قال بلزوم رد الجاریة الحاملة بعد الوطی قال بذلک مع العقر و کلمن لم نقل لم نقل بذلک مطلقا.

و الحاصل:أن المصنف أثبت فی النتیجة ما ذهب الیه صاحب الریاض و غیره من حمل الأخبار المذکورة علی أم الولد و أن وطی الجاریة الحاملة أیضا مانع عن الرد کما هو واضح فافهم هذه هی محصل الوجوه التی ذکرها المصنف و العمدة منها هی الوجه الأول و الخامس.

أقول:

الأولی:ما ذهب الیه المشهور من جواز ردّ الجاریة الحاملة بالوطی

و عدم حملها بأم الولد

و الوجوه التی ذکرها المصنف تأییدا لحملها علی أم الولد و کونها أجنبیة عن جواز رد الجاریة الحاملة بعد الوطی لا ترجع الی محصل أما الوجه الأول الذی هو من عمدة الوجوه فجوابه أن ما ذکره من کون الجملة الخبریة ظاهرة فی الوجوب فهو متین و لکن ذلک لا یوجب حملها علی أم الولد حفظا لظاهرها بل هی ظاهر فی الجاریة الحاملة من غیر المولی فالجملة و ان کانت ظاهرة فی الوجوب و لکن القرینة دلت علی کون الوجوب فی مقام دفع توهم الحظر الناشی من المطلقات الدالة علی مانعیة الوطی من الرد،فلا تحمل الجملة الإنشائیة علی الجواز ابتداء لیکون ذلک الحمل علی خلاف الظاهر،بل تدل علی دفع توهم الحظر و لازم ذلک هو جواز الرد لا وجوبه فالجملة باقیة علی استعمالها فی الوجوب،و لکن فی الوجوب فی دفع توهم الحظر و یلزم علیه الجواز و الذی یدل علی ارادة الحمل من غیر المولی ما وقع فی بعض تلک الروایات المقابلة بین الجاریة الحبلی إذا وطئها المشتری فحکم الامام علیه السلام بردها و بین الجاریة التی

ص:121

لیست بحبلی و وطئها المشتری حیث حکم الامام علیه السلام اللّه بعدم جواز ردها فهذه المقابلة تدل علی أن الرد و عدم الرد قد ورد أعلی الورد واحد و من الواضح أن یقبل هذه المقابلة،أی الرد تارة و عدم الرد اخری هو البیع الصحیح لا الباطل فتکون أم الولد خارجة عن حدود تلک الاخبار بل الأمر کک إذا لم تکن هنا مقابلة حیث ان کلمة ترد الجاریة صریحة فی إرادة البیع الصحیح دون الفاسد فلا یمکن حمل الجاریة ح علی أم الولد و ذلک أن من الواضح جدا أن المراد من الرد لیس هو الرد الخارجی الحقیقی لبداهة عدم وجوب ذلک حتی مع کون الجاریة أم ولد و بطلان البیع لجواز إبقاء الجاریة عند المشتری بالإجازة أو بالإجارة و نحوهما بل المراد من الرد هو الرد الاعتباری أی الرد الی ملک البائع.

و بعبارة أخری أن المراد هو الرد الخارجی و لکنه کنایة عن الرد الاعتباری و من الواضح أن الرد الی ملک البائع لا یمکن الا بالفسخ بعد کون البیع صحیحا فلا یعقل صحة المعاملة مع کون الجاریة أم ولد لبطلان البیع مع ذلک.

و الذی یدل علی هذا المعنی و علی کون الوجوب لدفع توهّم الحظر ما فی صحیحة ابن سنان من استشهاد الامام(علیه السلام)بقوله لا ترد الجاریة التی لیست بحبلی إذا وطئها صاحبها حیث انه لا وجه لذلک بعد کون الجاریة أم ولد و بطلان البیع فإنه مع بطلان البیع أی معنی لاستشهاده علیه السلام بقسم خاص من البیع الصحیح و أنه لا ترد الجاریة فی هذا القسم فتدل هذه المقابلة علی کون الصورة الاولی و هو رد الجاریة الحاملة مع الوطی فی البیع الصحیح أیضا و هذه الفقرة أی الاستشهاد بکلام علی علیه السلام أیضا تدل علی کون الوجوب لدفع توهم الحظر حیث انه توهم السائل من المطلقات عدم جواز رد الجاریة بعد الوطی مطلقا فدفع الامام علیه السلام

ص:122

ذلک التوهم باختلاف الموردین.

و بالجملة ففی الروایة قوة ظهور علی ما ذکرناه کما لا یخفی،فالجملة الخبریة انما استعملت فی الوجوب و فی مقام إنشاء الحکم من غیر ارادة الجواز منها لیکون خلاف الظاهر منها و لکن فی دفع توهم الحظر و لازم ذلک هو الجواز فإنه بعد بیان اختلاف الموردین بدفع توهم الحظر یعلم أن فیما نحن فیه یجوز الرد کما أن للروایة قوة ظهور فی أن المراد من الرد هو الکنایة عن فسخ العقد و أن الرد خارجی و لکن ذلک کنایة عن الرد الاعتباری و هو الرد الی الملک و فسخ العقد فافهم ذلک و اغتنم.

و الحاصل:أن المستفاد من کلمة یرد فی الروایات أن المراد منها هو جواز رد الجاریة الحاملة من غیر المولی بعد وطی المشتری لها فان الرد کنایة عن الرد الی الملک لعدم وجوب الرد الخارجی قطعا لو کان المراد من الحمل کونها حاملة من المولی فتکون الروایات خارجة عن أم الولد موضوعا و تدل علی ذلک مقابلة الرد مع عدم رد الجاریة بعد الوطی إذا لم تکن حاملة و تکون نفس هذه المقابلة قرینة علی کون الجملة الخبریة الدالة علی الوجوب واقعة فی مقام توهم الحظر.

و ما افاده المصنف من الوجه الأول الذی هو العمدة لا یتم.

أما ما افاده ثانیا من بعد کون المنافع المستوفاة فی ملک المشتری للبائع کما یقتضیه وجوب رد نصف العشر علی البائع و هذا بخلاف ما إذا حملنا الروایات علی أم الولد فإن إعطاء نصف العشر أو العشر من القیمة فی مقابل الوطی کما أن فی وطی الحرة شبهة یوجب مهر المثل علی الواطی فهو أیضا واضح الدفع فان ذلک حکم قد صدر من الشارع فی مورد تعبدا فلا بدّ من العمل به کما هو واضح.

ص:123

و أما الوجه الثالث:من أن کون الحمل من غیر المولی یستلزم التقیید فی الروایات الدالة علی أن الوطی مانع عن الرد فهو محض استبعاد فأی مانع من التقیید و التخصیص بعد قیام الدلیل علی ذلک کما هو واضح و قد شاع تخصیص العام حتی قیل ما من عام الا و قد خصّ.

و أما الوجه الرابع:أعنی دلالة بعض الروایات علی حمل الجاریة الحاملة علی أم الولد و هی تقیید البیع بجهل البائع ففیه.

أولا:أن ذلک التقیید انما وقع فی کلام الراوی و لا فائدة له ح فان من یبتلی بأسألة العوام یعلم أن فی سؤالاتهم قیود لا فائدة فی ذکرها أصلا.

و ثانیا:أن فائدة التقیید لیس منحصرا بکون الجاریة أم ولد بحیث لو لم یکن البائع عالما بذلک لما باع و أما لو کانت الجاریة غیر أم ولد فلا فائدة للتقیید أصلا فیکون لغوا لإمکان أن یکون التقیید من جهة بیان موضوع الخیار و أنه لو کان عالما لبین عیب الجاریة و هو الحمل و ح لما کان للمشتری خیار أصلا فیکون الغرض من التقیید هو الأثر الوضعی و یمکن أن یکون الغرض من ذلک هو رفع الحکم التکلیفی أیضا فإنه لو کان البائع عالما بالعیب لکان بیعه بدون بیان غشا محرما و بعید من المسلم أن یرتکب بذلک و انما أقدم علیه جهلا و کیف کان فلا دلالة فی هذا التقیید علی ما ذکره المصنف و أما ذکره الکسوة فی روایة ابن مسلم فهو انما یشعر بما ذکره المصنف إذا قلنا ان الواجب علی المشتری لزوم رد نصف عشر القیمة أو عشر القیمة و أما إذا قلنا أنها أحد أفراد الواجب المخیر کما سنذکره،فلا اشعار فیها أصلا بما ذکره المصنف.

و أما الوجه الخامس:من أنه لو حملنا الجاریة علی غیر أم الولد فیلزم تقیید ما دل علی کون التصرف مسقطا لأن الوطی لا ینفک عن التصرفات و

ص:124

هذا بخلاف ما لو حملناها علی أم الولد فإنه لا داعی لهذا لتقیید أصلا و فیه:- أولا:أنه لا دلیل علی کون التصرف مطلقا مسقطا للرد و انما المسقط هو احداث الحدث للنص الخاص علی ما تقدم بل یلتزم به المصنف أیضا إلا إذا کان کاشفا عن الرضا بالعقد نوعا و قد ناقشنا فی ذلک أیضا.

و ثانیا:أنه بعد ما قلنا بجواز رد الجاریة الحاملة بعد وطی المشتری بها فیدل ذلک بالالتزام علی أن التصرفات التی لا تخلو الجاریة عنها من مقدمات الوطی أو مثل ناولنی الماء و أغلق الباب لا یکون مانعا عن الرد فتکون هذه الروایات مقیدة لما دل علی کون التصرف مسقطا للرد کما هو واضح.

و أما ما ذکره من أن غایة الأمر وقوع المعارضة بین ما دل علی مانعیة الوطی عن الرد مطلقا و بین ما دل علی عدم مانعیة إذا کان الوطی للحاملة بالعموم من وجه فبناء علی ما ذکرناه من حمل الأخبار الثانیة علی الحمل من غیر المولی فلا تصل النوبة إلی التساقط کما هو الصحیح و قد عرفت عدم تمامیة شیء مما ذکره المصنف لیکون مرجحا لما ذکره و قلنا ان المتعین حمل هذه الاخبار علی غیر أم الولد و مع الغض عن ذلک فتسقط کلتا الطائفتین بالمعارضة.

فح فلا مانع من الرجوع الی عموم ما دل علی جواز الرد بالعیب الاّ مع احداث الحدث و هو روایتان:- إحداهما:حسنة زرارة المتقدمة فإنها بعمومها تدل علی الجواز لقوله علیه السلام أیما رجل،ألح.

و الثانیة:مرسلة جمیل بن دراج فإنهما تدلان علی جواز الرد مع بقاء العین و عدم احداث الحدث فمفهوم الحسنة هو أن التصرف ما لم

ص:125

یحدث حدثا فی المتاع لا یوجب الرد و الخارج من المفهوم هو وطی المشتری الجاریة للروایات الدالة علی أن الوطی مانع من الرد و المفروض أنها ابتلیت بالمعارضة فی صورة کون الجاریة حاملة و سقطت کلتا الطائفتین فح نرجع الی هاتین الروایتین الدالتین علی جواز الرد بالعیب مطلقا الا فی صورة إحداث الحدث.

و بالجملة فمقتضی الروایتین هو جواز الرد بالعیب مطلقا و عدم مانعیة التصرف عنه الا إذا کان موجبا لإحداث الحدث و قد خرج عن ذلک وطی الجاریة فإذا سقط دلیله بالمعارضة فنرجع الی ذلک أیضا فنحکم بجواز الرد لهذا العموم فان قوله علیه السلام أیما رجل عام و أما لزوم العقر علی المشتری فنثبت ذلک بعدم القول بالفصل،فافهم.

و هذا الذی ذکرناه غیر ما ذکره المصنف علی فرض التساقط فإنه ذکر أنه إذا تساقطت کلتا الطائفتین و وقعت الخدشة فی عموم ما دل علی المنع عن الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع الی أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطی ثم اثبت لزوم العقر علی المشتری بالإجماع المرکب أما ما ذکره تقدیر الخدشة فی عموم ما دل علی مانعیة التصرف عن الرد،فهو مسلّم،لما عرفت من عدم الدلیل علی کون التصرف مانعا عن الرد،بل التلف أیضا کک،بل لم یلتزم به المصنف أیضا علی إطلاقه و انما ذکر کون التصرف مسقطا إذا کان کاشفا نوعیا عن الرضا بالعقد.

و أما إثبات الجواز بأصالة الجواز ثم إثبات العقر علی المشتری بعدم القول بالفصل فلا یمکن المساعدة علیه فان التفکیک فی مفاد الأصول مما لیس بغریب فلا بعد من الالتزام بجواز الرد و مع ذلک لم نقل بثبوت العقر علی المشتری و ان کان فی الواقع بینهما تلازم فان الاستصحاب و ان کان له نظر الی الواقع أیضا،و لکن مع ذلک لا تترتب علیه الملازمات العقلیة و ان کانت

ص:126

ثابتة فی الواقع.

و من هنا ذکر المصنف فی کتاب الرسائل أنه لو توضأ أحد بماء أحد الإنائین المقطوع أحدهما بالنجاسة و توضأ غفلة فإنه یحکم بطهارة بدنه لمکان استصحاب الطهارة و بقاء الحدث علی حاله لاستصحاب الحدث مع أنه نقطع بالملازمة بینهما فی الواقع و المقصود أن الملازمة الواقعیة لا تقتضی القول بها فی مفاد الأصول ففی المقام أن جواز الرد و ان کان ثابتا بالأصل و لکن لا یترتب علیه عدم القول بالفصل بین جواز الرد و بین ثبوت العقر علی المشتری لعدم غرابة التفکیک بینهما.

و أما بناء علی ما ذکرناه فلا یجری ذلک لأن جواز الرد قد ثبت بالأصل اللفظی و بالروایة فلا محالة لا یمکن التخطی من لوازمه أیضا فیجوز إثبات کون العقر علی المشتری بعدم القول بالفصل.

ثم انه مما لا بدّ من التنبیه علیه و هو أنه بناء علی حمل تلک الاخبار علی الحامل من غیر المولی کما اخترناه فلا فرق فیه بین البکر و الثیب حتی مع کون إزالة البکارة جنایة لأنه مع دلالة النص علی جواز الرد فلا مجال للمناقشة فی ذلک.

و أما مع الإغماض عن ذلک و الحکم بالتساقط علی التقریب الذی ذکرناه فلا بدّ من الفرق بین البکر و الثیب لأن الروایات التی رجعنا إلیها بعد تساقط هاتین الطائفتین إنما دلت علی جواز الرد مع عدم احداث الحدث و أما مع احداث الحدث فلا یجوز الرد و من الواضح جدا أن ازالة البکارة من البکر من أوضح أفراد احداث الحدث فلا یجوز الرد مع ذلک.

ثم انه ربما یقید هذه الأخبار بکون الحمل من المولی بوجه سادس غیر ما ذکره المصنف من الوجوه،و حاصله أن هذه الأخبار الدالة علی جواز الحامل بعد الوطی مطلق من حیث کون الواطی عالما بالحمل أو جاهلا به

ص:127

و ح ان قلنا بعدم سقوط الرد بالوطی مع العلم بالحمل فهو بعید،و ان قلنا بکون هذه الروایات مقیدة بحال الجهل فهو تقیید بلا موجب و هذا بخلاف أن نحملها علی الحمل من المولی فإنه ح تبقی الروایات علی حالها من غیر أن تکون مقیدة بالعلم و الجهل فإنه سواء علم المشتری بکون الجاریة حاملا أو لم یعلم بها و وطئها فإنه یجب علیه ردّها و رد نصف العشر من قیمتها کما هو واضح و قد اشارة المصنف الی حکم الوطی مع العلم أو بدونه فی آخر کلامه من هذا بحث و قد أشار الی هذا الوجه المحقق الایروانی أیضا أقول یرد علیه أولا أن الروایات المطلقة من حیث جهل المشتری بالحمل أو علمه به ضعیفة السند فان هنا ستة روایات أو سبعة ان کان ما ذکره فی الکافی بعنوان روی روایة مستقلة و الصحاح منها و هی ثلاثة مقیدة بجهل المشتری و ما لم یقید به ضعیف السند.

و ثانیا أن النسبة بین وطی الجاریة مع العلم بکونها حاملا و بین سقوط الرد بالوطی عموم من وجه فإنه قد یکون الواطی مع العلم به راضیا بالعقد فح یسقط الرد و قد یکون الرضا بالعقد بدون الوطی و قد یطئها و لکن ناسیا للحمل أو غفلة عن ذلک أو مترددا فی أنه یفسخ أولا أو بانیا علی أنه لا یفسخ ففی هذه الصور کلها لا یسقط الرد فان مجرد الوطی لا دلیل علی کونه مسقطا للردّ إلا فی غیر مورد الحمل للروایات المطلقة المقیدة بهذه الروایات و اذن فلا دلالة فی وطی الجاریة مع العلم بحملها علی الرضا بالعقد کما هو واضح.

فتحصل أن الظاهر هو کون هذه الأخبار ناظرة الی ما ذهب الیه المشهور فلا وجه لما ذهب إلیه الإسکافی و تبعه جملة من الأعاظم و قربه المصنف بالوجوه المذکورة.

ثم انه یحکم بثبوت نصف عشر القیمة مطلقا سواء کانت الجاریة بکرا أم

ص:128

ثیبا أو یحکم بثبوت نصف العشر فی الثیب،و أما البکر فلا فیها من رد عشر القیمة فالمشهور بین الأصحاب،بل عن الانتصار دعوی الإجماع علی اختصاص نصف العشر بالثیب،و عدم شمول ذلک للبکر إذا کانت حاملا بالسحق أو بالوطی من الدبر،أو نحو ذلک،و لکن ذکر المصنف الا أن یدعی انصراف إطلاق الفتاوی و معقد الإجماع کالنصوص الی الغالب من کون الحامل ثیبا فلا یشمل فرض البکر بالسحق أو بوطی الدبر،و لذا ادعی عدم الخلاف فی السرائر علی اختصاص نصف العشر بالثیب و ثبوت العشر فی البکر ثم ذکر بل معقد إجماع الغنیة بعد التأمل موافق للسرائر إلخ.

أقول:لا مدرک لما ذکره فی السرائر من ثبوت نصف عشر القیمة فی الثیب و عشر القیمة فی البکر إلا مرسلة الکافی من أنه ان کانت بکرا فعشر قیمتها و ان کانت ثیبا فنصف عشر قیمتها،و ان قلنا بکون الشهرة جابرة لضعف الروایة صغری و کبری ان قلنا بکون المشهور مستندا فی فتیاهم علی نصف عشر القیمة فی الثیب و عشر القیمة فی البکر الی هذه الروایة و قلنا بکون الشهرة جابرة لضعف الروایة فلا بأس لکونها مستندا للتفصیل،و لکن ذلک ممنوع صغری و کبری.

و أما ما ورد فی روایة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه،عن الصادق علیه السلام اللّه:من أنه یرد الجاریة و یرد معها شیئا غیر مناف لإعطاء نصف عشر القیمة لإمکان انطباق الشیء علیه علی أن المظنون أن الروایة ضعیفة السند.

و أما ما فی روایة عبد الملک بن عمرو عن ابی عبد اللّه علیه السلام فی رجل یشتری الجاریة و هی حبلی فیطأها،قال:یردها و یرد عشر قیمتها، فهی أیضا لا تدل علی وجوب رد عشر القیمة فی البکر،لأنها أولا ضعیفة السند و ثانیا أن حملها علی البکر حمل للمطلق علی المورد النادر فان کون

ص:129

البکر حاملا بالسحق أو بالوطی بالدبر،لا یتفق الا نادرا و لعله لم یتفق الی الآن إلا مرة أو مرتین،فلا یمکن حمل المطلق علی مثل هذا الفرد النادر و ح إبقائها علی إطلاقها یقتضی المعارضة مع الروایات الکثیرة فلا بدّ من تقدیمها علی هذه الروایة لکونها مشهورة فإن نصف العشر قد رواها المشهور بخلاف عشر القیمة.

و من هنا ذکر بعضهم أنه سقط منها لفظ النصف قبل کلمة عشر قیمتها و أنها کسائر الروایات من حیث المفاد،بل قیل أن الصدوق ردها مع اضافة کلمة نصف قبل کلمة عشر،و أما ما فی صحیحة محمد بن مسلم من أنه یرد الجاریة و یکسوها فحمل الکسوة علی کونها مساویة لنصف عشر القیمة کما صنعه المصنف بعید و حمل بلا موجب،بل الصحیح أن یقال أنه أحد أفراد الواجب المخیر فیکون المشتری مخیرا بین ردّ نصف عشر القیمة و إعطاء الکسوة لکون الروایة صحیحة من حیث السند،و واضحة الدلالة فلا وجه لرفع الید عنها و حملها علی شیء آخر کما إذا ورد وجوب الإتمام فی مورد و ورد فیه أیضا تعین القصر فحیث انه قامت الضرورة علی عدم وجوب صلاتین فی یوم واحد فنرفع الید عن کون الأمر ظاهر فی التعین فیهما فنحملهما علی التخییر.

و دعوی أن ازالة البکر أمر آخر وراء الوطی،بل قد عرفت أنها جنایة فکیف یمکن الحکم باتحادهما فی ردها و الرد معها نصف عشر القیمة.

دعوی فاسدة لأنه یختلف نصف عشر القیمة فی الثیب مع نصف عشرها فی البکر حیث ان قیمة البکر أکثر من الثیب فإذا رد معها إلی البائع نصف عشر قیمتها تنجبر معه جنایة البکر و أرش إزالة البکارة مثلا إذا کانت قیمة الثیب عشرین و قیمة البکر خمسین فیکون نصف العشر فی الثیب دینار و فی البکر دینارین و نصف،فیکون التفاوت بینهما تفاوتا بین وطی الثیب و وطی البکر و ازالة بکارتها.

ص:130

ثم انه هل یشمل الوطی فی الدبر أیضا أم لا؟فقد توقف المصنف فی ذلک من حیث ان إطلاق الوطی یشمله فیجوز ردّها مع وطئها فی دبرها أیضا و من حیث انه یمکن دعوی انصرافه إلی الوطی المتعارف فیقتصر فی مخالفة العمومات علی ظاهر اللفظ فلا یجوز ردها بعد الوطی فی دبرها و لکن الظاهر أنه لا وجه لتوقف المصنف سواء قلنا بشمول الإطلاقات له أو قلنا بانصرافها عنه و ذلک.

أما بناء علی شمول الإطلاق له فواضح.

و أما بناء علی انصراف لفظ الوطی عنه و عدم شمول الإطلاق له فمن جهة أنه لا یکون ح مشمولا لما دل علی عدم جواز الرد بالوطی أیضا فکلمة الوطی فی کلا الموردین قد استعملت علی نسق واحد فلا وجه لدعوی شموله للوطی فی الدبر فی تلک الأخبار و عدم شموله له فی هذه الأخبار و قد ذکرنا سابقا أن الوطی بما هو وطی لیس إحداثا للحدث حتی یمنع عن الرد کما هو واضح فعلی کل حال فلا وجه لدعوی أن الوطی فی الدبر یمنع عن رد الجاریة.

و أما اللمس و التقبیل و نحوهما من مقدمات الوطی فلا ینبغی التعرض لها أصلا فإن من الواضح جدا أن الوطی لا یخلو عن تلک المقدمات إلا إذا کان الواطی حیوان فالملازمة العادیة تقتضی عدم الانفکاک بینهما و إذا فالنص الدال علی جواز ردّ الحامل بعد الوطی یدل علی جواز ردّها مع وقوع هذه المقدمات علیه بتلک الملازمة العادیة فلا نحتاج ح الی دعوی الأولویة أصلا.

ثم انه لو انضم الی الحمل عیب آخر فقد استشکل فی سقوط الرد بالوطی هنا من صدق کونها معیبة بالحمل و کونها معیبة بغیره فأجاب عنه المصنف (ره)بأن کونها معیبة بغیر الحمل لا یقتضی إلا عدم تأثیر ذلک العیب فی

ص:131

الرد مع التصرف لا نفی تأثیر عیب الحمل.

و بعبارة أخری أن سقوط الرد بالوطی للمطلقات من ناحیة العیب الذی غیر الحمل لا یقتضی سقوط الرد من ناحیة العیب الآخر الذی هو الحمل بل یجوز الرد لهذا فإنه یصدق ح أنها جاریة حامل وطئها المشتری فلا تنافی بین سقوط الرد لعیب و بقاء حق الرد لعیب آخر کما لا یخفی فافهم.

قوله الرابع:من المسقطات حدوث عیب عند المشتری

أقول:ذکر المصنف أن حدوث العیب فی المبیع قد یکون قبل القبض و قد یکون بعده و ما کان بعده قد یکون فی زمن الخیار للمشتری و قد یکون بعده،فقال ان مورد البحث هنا هو العیب الحادث بعد القبض و بعد مضی زمان الخیار أی خیار الحیوان و الشرط و المجلس بناء علی الحاقه بهما فان ذلک یوجب سقوط حق الرد و عدم جواز رده علی البائع لکونه إحداثا للحدث و أما إذا کان قبل القبض أو بعده و لکن فی زمن الخیار فلا یکون مسقطا للردّ.

أما الأول:فلعدم الخلاف فی أنه کالعیب الحادث قبل العقد حتی فی ثبوت الأرش کما یذکر فی أحکام القبض.

و أما الثانی:فلعدم الخلاف فی أنه غیر مانع عن الرد،بل هو سبب مستقل موجب للردّ،بل الأرش أیضا علی الخلاف السابق فیما قبل القبض أقول:ان قلنا بأن نفس حدوث العیب بعد البیع و قبل القبض أو بعد القبض و لکن فی زمن الخیار فلا شبهة فی أن هذا العیب الحادث لا یوجب سقوط الردّ،فان هذا کحدوث العیب قبل العقد سبب مستقل الجواز الرد فلا یکون موجبا للسقوط،بل مع وجود عیب آخر قبل العقد یکون هذا مؤکدا لجواز الردّ فکیف بالسقوط کما هو واضح.و علی هذا فلا یکون الجزء المتقدم الدال علی سقوط الرد باحداث الحدث شاملا للمقام.

ص:132

و لکن التحقیق هو التفصیل فی المسألة بأن نقول ان حدوث العیب بعد العقد ان کان قبل القبض فلا یکون مانعا عن الردّ و أما إذا کان بعد القبض کان مانعا عن الردّ،و ان کان فی زمن الخیار و ان کان الضمان علی البائع و ذلک لأن روایة زرارة دلت علی أن من أحدث فی المبیع بعد ما قبضه لیس له أن یردّه فتدل هذه الروایة علی عدم جواز الردّ بعد القبض و أما قبل القبض فلا.

نعم یکون الضمان علی البائع بمقتضی الدلیل الدال علی أن العیب و التلف قبل القبض من البائع و بمقتضی الدلیل الدال علی أن العیب فی زمان خیار الحیوان و الشرط و المجلس إلحاقا له بهما من البائع و دعوی الملازمة بین کون الضمان علی البائع و بین جواز الردّ کما فی المتن دعوی لا یمکن تصدیقها کما ذکرناه فان ثبوت الضمان بقاعدة أن التلف قبل القبض أو فی زمن خیار الحیوان و الشرط و المجلس إلحاقا من البائع و جواز الردّ قبل القبض و عدم جوازه بعده فمن جهة روایة زرارة و مرسلة جمیل الدالة علی عدم سقوط الردّ مع قیام العین و سقوطه مع عدم قیامها علی حالها فلا تنافی بینهما کما لا یخفی.

ثم ان هذا الذی ذکرناه من البحث تطفلی من جهة و استقلالی من جهة أخری من جهة أنه یجوز الردّ بعد حدوث العیب قبل القبض أو بعده فی زمن الخیار أو بعد زمان الخیار فالبحث استقلالی فمن جهة أن الضمان علی البائع أولا فالبحث تطفلی فإنه یأتی فی أحکام الخیار و أحکام القبض و انما المهم الذی عقد له البحث هنا هو أن التعیب فی زمان الخیار هل یبقی حکمه اعنی الضمان بعد زمان الخیار أم لا؟ و حاصل الکلام:أن مورد بحثنا هو حدوث العیب فی المبیع المعیوب عند المشتری و أنه هل یکون مانعا عن الردّ أو لم یکن کک سواء کان قبل

ص:133

القبض أو بعده فی زمان الخیار أو بعد زمان الخیار فذکر المصنف أن مورد بحثنا هو حدوث العیب فی المبیع الذی کان معیوبا عند المشتری هو حدوث العیب بعد زمان الخیار و أنه هل یکون مانعا عن الردّ بالعیب السابق أولا و أما حدوث العیب قبل القبض و بعد البیع أو فی زمان الخیار فلا شبهة فی عدم کونه مانعا عن الردّ

تفصیل الکلام هنا یقع فی جهتین:-
الاولی:أن العیب الحادث بعد زمان البیع و قبل القبض

أو فی زمان الخیار و بعد القبض أو بعدهما هل یکون موجبا لحدوث الخیار الأخر غیر خیار الثابت بالعیب الحادث قبل البیع عند البائع أم لا؟ و الجهة الثانیة فی أن العیب الحادث بعد البیع و قبل القبض أو بعده و فی زمان الخیار أو بعده هل یکون مانعا عن الردّ بالعیب السابق علی العقد أم لا یکون کک و الظاهر المشهور بل المجمع علیه أنه لا یجوز الردّ بالعیب الحادث عند المشتری و انما له مطالبة الأرش فقط کما هو ظاهر و المدرک لذلک مرسلة جمیل المتقدمة الدالة علی عدم جواز الردّ مع عدم بقاء العین بعینها و من الواضح أن حدوث العیب یوجب عدم بقاء العین علی حالها.

و تدل علی ذلک أیضا روایة زرارة التی هی العمدة فی المقام فانا ذکرنا أن قوله علیه السلام أحدث کنایة عن حدوث الحدث فی الحیوان بأی نحو کان و ان لم یکن باختیار من المشتری أو بفعله،بل صدر منه الحدث فی حال الغفلة أو عن الغیر إذ لا خصوصیة فی حدوثه من المشتری بحیث یستند الحدث إلیه فی حال اختیار فتدل الروایة علی مانعیة إحداث الحدث فی ید المشتری بأی نحو کان عن الرد فی الجملة کما هو واضح.

و انما الکلام فی أن حدوث العیب بعد البیع و قبل القبض أو بعد القبض و فی زمان الخیار،هل یکون سببا لحدوث الخیار أو مانعا عن الردّ

ص:134

أم لا؟ فنقول ان مرسلة جمیل و ان کانت مطلقة بالنسبة الی بعد البیع مطلقا و انها دلت علی عدم جواز الردّ بالعیب الحادث بعد العقد و لکن العمدة فی المقام هی روایة زرارة و هی دلت علی جواز الردّ بالعیب الحادث قبل القبض و بعد العقد للعیب السابق علی العقد و أن حدث هنا عیب أیضا و أنه لا تمنع عن الردّ بالعیب السابق.

و علی الجملة أن مقتضی القاعدة و مقتضی روایة جمیل و ان کان هو مانعیة العیب الحادث بعد العقد و قبل القبض عن الردّ بالعیب السابق و الخیار بنفس هذا العیب الحادث بعد العقد و قبل القبض و لکن مقتضی روایة زرارة هو عدم مانعیة العیب الحادث بعد العقد و قبل القبض عن الردّ بالعیب السابق علی العقد.

و أما إذا حدث العیب بعد القبض و فی زمان الخیار فهل یکون ذلک

مانعا عن الردّ بالعیب السابق علی العقد أم لا.

فنقول:ان الظاهر و ان کان عدم ثبوت الملازمة العقلیة بین کون العیب الحادث فی زمان الخیار سببا للخیار و بین کونه مانعا عن الردّ بالعیب السابق و أن احدی الجهتین غیر مربوطة بالجهة الأخری عقلا الا أن مقتضی الفهم العرفی و الارتکاز العرفی هو ثبوت الملازمة بین کون العیب الحادث قبل القبض و بعد العقد أو بعد القبض و فی زمان الخیار بنفسه سببا للخیار و غیر مانع عن الردّ بالعیب السابق بأن یکون مؤکدا له و بین عدم کونه سببا للخیار و مانعا عن الردّ بالعیب السابق و ان قلنا فی المسألة الاولی أعنی مانعیة العیب عن الردّ فی صورة حدوث العیب قبل القبض و بعد العقد من جهة روایة زرارة کما هو واضح.

و تظهر الثمرة بین کون العیب الحادث فی زمان الخیار أو قبل القبض

ص:135

بنفسه سببا للخیار أولا هو أنه بناء علی کونه بنفسه سببا للخیار و مانعا عن الرد بالعیب السابق و بین عدم مانعیته هو أنه لو أسقط المشتری خیاره الثانی یبقی خیاره الأول،أی الحاصل بسبب العیب الأول و الا فلا خیار له أصلا.

و حیث ان العرف یفهم الملازمة بین کون حدوث العیب فی زمان الخیار أو قبل القبض سببا للخیار و بین عدم کونه مانعا عن الرد فلا بدّ من التکلم فی الجهة الأخری و هی أن حدوث العیب هل یکون سببا لثبوت الخیار أم لا؟ فنقول انه قد ثبت فی الشریعة المقدسة أن التلف أو العیب قبل القبض یکون من مال البائع فهذا المعنی یتصور علی وجوه:- الأول:أن یکون المراد من کون ضمانه علیه أن درکه علیه بأن یخرج البائع عن عهدة ضمان المال حین التلف علی النحو الذی تلف أی علی القیمة التی تلف علیها مثلا،إذا کان المال حین التلف یساوی بعشرة دنانیر فیکون ذلک من البائع و هذا المعنی بدیهی البطلان فان لازم ذلک أن یکون أضعاف قیمة المبیع علی البائع فی بعض الأحیان کما إذا باع المتاع بقیمة رخیص أو ترقت قیمة السوقیة و هذا لم یلتزم به أحد،بل لم یحتمله أحد علی ما نعلم.

الثانی:أن المراد من کون الضمان قبل القبض أو فی زمن الخیار أی خیار الحیوان و الشرط بالأصالة کما تقدم و خیار المجلس بالإلحاق هو کون عهدة المال من التلف و التعیب علی البائع کما کان له قبل البیع فح کان للقول بکون العیب موجبا لجواز الرد له وجه وجیه،و لکن لا دلیل علی تنزیل العیب فی زمن الخیار أو قبل القبض علی التعیّب قبل العقد بحیث یکون هذا مثله بل الظاهر هو الوجه الثالث و هو ان یکون ضمان العیب و التلف

ص:136

فی زمن الخیار و قبل القبض علی البائع بمعنی أن یفرض البیع کلا بیع و کأنه لم یکن هنا بیع و التعیب و التلف انما کان فی ملک البائع و علی هذا فان تلف المبیع ینفسخ البیع من أصله و الا فکان له مطالبة ضمانه و هو الأرش أی یطلب من البائع جزء من الثمن و أما جواز الرد فلا یستفاد من هذا القاعدة نعم ثبت بروایة زرارة جواز الرد أیضا قبل القبض.

و الحاصل:أنه لا دلیل علی جواز الرد بعد تعیب المبیع إلا إذا کان ذلک قبل القبض و بعد البیع و أما فی غیر هذه الصور فلم یثبت الردّ بل لا شیء علی البائع أصلا کما إذا کان التعیب بعد انقضاء الخیار أو علیه إعطاء الأرش کما إذا کان التعیب فی زمن الخیار کما هو واضح.

قوله:و المراد بالعیب هنا مجرد النقص لا خصوص ما یوجب الأرش

فیعم عیب الشرکة،

أقول:قد ذکر المصنف أن المراد بالعیب هنا مجرد النقص فإذا حدث نقص فی المبیع یکون مانعا عن الرد بالعیب السابق و هذا یشمل کلما یکون موجبا لنقص المالیة کنسینا العبد الطحن أو الخیاطة و نحو ذلک لا خصوص العیب و النقص الذی یکون موجبا للأرش فقط کزوال وصف الصحة.

أقول:قد عرفت أنه لم یرد فی روایات الباب لفظ العیب حتی نجمد فی ظهوره و صدقه،بل المدرک لما نحن فیه انما هو روایة زرارة أو مرسله الجمیل فالمذکور فی الاولی هو أن احداث الحدث مانع عن الردّ و المذکور فی الثانیة هو أن عدم قیام العین بعینها مانع عن الرد صدق شیء من أحد هذین العوانین فلا یجوز الردّ بالعیب السابق،بل یطالب المشتری من البائع الأرش و الا فجاز الرد سواء صدق علیه لفظ العیب أم لم یصدق، فإنه علی کل تقدیر لیس مناطا للحکم فی المقام و علی هذا فلا شبهة فی شمول الروایتین لما حدث فیه عیب،کما إذا اشتری عبدا کان أعمی و صار

ص:137

أخرس عند المشتری أو أعرج فإنه لا یجوز ح الرد بالعیب السابق،فان ذلک من أظهر أفراد إحداث الحدث و کک من أظهر أفراد عدم قیام العین بعینها و هذا لا کلام فیه.

و أما إذا کان الناقص عند المشتری هو وصف الکمال الذی له دخل فی زیادة المالیة کما إذا کان العبد خیاطا فزال عنه وصف الخیاطة أو کان کاتبا فزال عنه صفة الکتابة و هکذا أو أشتری دابة کانت تحسن الطحن فنسیت ذلک ففی هذه الصورة و ان کان یصدق علی العین أنها قائمة بعینها و لکنه یصدق علیه أنه حدث فیه حدث فإنه أی حدث أعظم من الجهل و من النسیان،فیکون ذلک مشمولا لروایة زرارة و ان لم یکن هذا الحدث بغیر اختیار من المشتری علی ما ذکرناه من أن أحدث کنایة عن حدوث الحدث فی المبیع و ان لم یکن باختیار من المشتری کما لا یخفی.

بل یمکن الاستدلال علی ذلک بمرسلة الجمیل أیضا فإن قیام العین و ان لم یناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف کما اعترف به بعضهم فی مسألة تقدیم قول البائع فی قدر الثمن مع قیام العین الا أن الظاهر من التمثیل لعدم قیام العین بمثل الصبغ و خیاطة الثوب یعلم أن المراد من عدم قیام العین هو مطلق حدوث الحدث و ان لم یکن نقصا موجبا لعدم بقاء العین علی ما هو علیه،فان مجرد صبغ الثوب و خیاطته لیس موجبا لنقصان العین بل ربما یزید قیمة الثوب،و لکن من حیث أن الثوب بعد الصبغ و الخیاطة لا یکون قابلا لصبغ آخر و خیاطة أخری یکون حدثا و موجبا للنقص و من هذا القبیل الوصف الکمال الذی یکون موجبا لزیادة القیمة عند بعض و لکن یوجب النقص عند نوع الناس کطحن الحنطة فإن الطحن صفة کمال و توجب زیادة القیمة أیضا و مع ذلک الوصف لا یصدق قیام العین بعینها فیکون مانعا عن الرد لکونه موجبا لعدم رغبة نوع الناس الیه کالتجار فإنهم یرغبون فی شرائهم

ص:138

للتجارة الحنطة دون الطحن لعدم بقاء الطحن مدة مدیدة بخلاف الحنطة فلا یجوز رد العین معه أیضا.

و علی الجمل فالمناط فی عدم جواز رد العین بالعیب السابق هو احداث الحدث و عدم قیام العین بعینها و ان لم یکن الحدث عیبا و موجبا لنقصان المالیة أما الأول بنص روایة زرارة و أما الثانی فبقرینة التمثیل بالصبغ و الخیاطة الذی لیسا من قبیل ما یوجب عدم قیام العین بعینها عرفا.

و لکن الذی ینبغی أن یقال انا لا نعقل حدوث زوال وصف الکمال فی المبیع و مع ذلک لا یکون سببا لنقص المالیة و أما مثل الشرکة التی مثل بها المصنف فسیأتی الکلام فیها و علیه فإذا زال وصف الکمال یکون موجبا لنقصان المالیة أیضا فیکون ذلک مانعا عن الردّ من جهة صدق احداث الحدث علیه و عدم قیام المال بعینها الذی أعم من حدوث تغیّر فی العین أو حدوث تغیّر فی الوصف علی ما استفداه من التمثیل بالصبغ و الخیاطة.

و أما توهّم أن وصف الکمال لا یقابل بالمال و أما وصف الصحة فیقابل بالمال،فیثبت الأرش فی الثانی دون الأول،کما أشار إلیه المصنف فیما یأتی فی جواب العلامة فقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا و قلنا ان مطلق الأوصاف و ان کانت موجبة لزیادة المالیة فی العین و لکن شیء منها لا یقابل بالمال،فلا یقال أن العین قیمتها کذا و قیمة بیاضها کذا،کما لا یخفی،و من هنا ظهر حکم الوصف الذی لیس بوصف صحة و لا وصف کمال فزواله لا یوجب المنع عن الرد بالعیب السابق لعدم صدق احداث الحدث علی زواله و عدم صدق عدم قیام العین بعینها مع انتفائه کما هو واضح.

و إذا کان التغیر بزیادة وصف الکمال فی المبیع بأن کان العبد کاتبا أو عالما ورعا أو خیاطا فإنه لا شبهة فی جواز الرد هنا بالعیب السابق و

ص:139

لا یکون حدوث ذلک مانعا عن الرد بالعیب السابق فان هذا لا یوجب عدم قیام العین بعینها الذی ذکر فی مرسلة الجمیل و لیس ذلک أیضا نقصا فی العین فان الظاهر من احداث الحدث المذکور فی روایة زرارة هو أن یکون الحدث موجبا لنقص کما هو الظاهر منها بمناسبة الحکم و الموضوع أیضا و أما ما یکون وصفا للکمال فلا یکون ذلک نقصا کما هو واضح.

و علی الجملة:إذا اشتری المشتری متاعا فوجدها معیوبا بعیب قبل العقد و مع ذلک حدث عنده حدث،و هذا یکون علی أقسام:- الأول:أن یحدث فی العین عیب عنده و زال عنها وصف الصحة کما إذا کان العبد أعمی و صار أخرس،و هذا لا شبهة فی کونه مانعا عن الرد بالعیب السابق و ینتقل إلی الأرش.

الثانی:أن یکون الحدث نقصان وصف کمال بحیث لا یوجب نقصان المالیة و لا یستلزم الأرش علی ما ذکره المصنف،و قد ذکرنا عدم معقولیة ذلک،و علی تقدیر تعقله فلا یکون ذلک مانعا عن الرد.

الثالث:أن یکون الحادث وصفا و لکن وصف کمال عند بعض و موجبا للنقص عند نوع الناس،کطحن الحنطة فإن الطحن إذا کان قلیلا فهو یوجب المزیة و أما فی الکثیر بحیث یکون من أمتعة التجارة فهو نقص فلا یرغب به التجار کما یرغبون الحنطة.

الرابع:أن یکون الزائل وصف کمال،کنسیان العبد وصف الکتابة و نسیان الدابة الطحن فلا شبهة فی کون ذلک مانعا عن الرد أیضا کما تقدم الخامس:أن یکون الحدث وصفا لا یوجب زوال وصف الکمال و لا زوال وصف الصحة،بأن لا یکون دخیلا فی المالیة بوجه و هذا أیضا لا یمنع عن الرد.

السادس:أن یکون الحادث وصف کمال فقد عرفت عدم مانعیة ذلک

ص:140

أیضا عن الرد بالعیب السابق کما هو واضح و لا یفرق فی ذلک بین کون الحادث وصفا خارجیا أو معنویا و من جمیع ما ذکرناه ظهر الجواب عما ذکره العلامة فی التذکرة من جعل مدرک الحکم دلیل لا ضرر و أن تحمل البائع النقص الحاصل فی یده لیس بأولی من تحمل المشتری لما حدث عنده من العیب فإنه یرد علیه مضافا الی عدم کون المدرک هو لا ضرر،بل النص کما تقدم و أنه من الوجوه الاستثنائیة ما ذکره المصنف،فراجع.

قوله:ثم مقتضی الأصل عدم الفرق فی سقوط الخیار بین بقاء العیب

الحادث و زواله.

أقول:وقع الخلاف فی أنه إذا زال العیب الحادث فی ملک المشتری هل یمنع ذلک من الرد بالعیب السابق أو لا یمنع؟و قد اختلف کلمات العلامة فی کتابیه،فذکر فی التذکرة عندنا أن العیب المتجدد مانع عن الردّ بالعیب السابق سواء زال أم لا؟و لکن ذکر فی التحریر لو زال العیب الحادث عند المشتری و لم یکن بسببه کان له الردّ و الأرش علیه،و ذکر المصنف(ره)أن مقتضی الأصل هو عدم الفرق فی سقوط الخیار بین بقاء العیب و زواله فلا یثبت الخیار بعد زواله،و مراده من الأصل هو الاستصحاب فان الزوم قد ثبت باحداث الحدث فزواله یحتاج الی دلیل فنستصحب اللزوم و عدم الخیار.

أقول:ان کان المدرک لسقوط الرد هو روایة زرارة کما بنینا علیه فلا شبهة فی سقوط الردّ و عدم عوده بزوال العیب،و ان کان المدرک لذلک هو مرسلة جمیل أو هی مع روایة زرارة فیعود جواز الردّ بزوال العیب.

و توضیح ذلک أن روایة زرارة إنما دلت علی اللزوم و عدم الرد باحداث الحدث و من الواضح ان إطلاق ذلک محکم حتی بعد زوال العیب.

و دعوی انصرافها إلی صورة بقاء الحدث فاسدة فإن ذلک انما یتم إذا

ص:141

استدللنا بها بکلمة أحدث بما أنه فعل ماض،و قلنا بأنه إذا ارتفع العیب یکشف ذلک أن الخیار من الأول لم یرتفع فان المنصرف من أحدث هو أن یکون الحدث حین الرد موجودا و أن البائع لا یأخذ ماله علی النحو الذی أعطاه للمشتری کما تقدم ذلک سابقا و أما إذا لم یکن موجودا فلا یوجب السقوط و لکن لا نقول هنا هکذا،بل نقول أن مقتضی الروایة هو اللزوم بمجرد احداث الحدث و إطلاقها عدم الفرق بین الزوال و البقاء فنأخذ بإطلاقها و نحکم باللزوم علی وجه الإطلاق کما هو واضح،و أما إذا قلنا بأن المدرک لعدم جواز الرد بالعیب السابق بما حدث عند المشتری من العیب.

فح نقول أن المدار ح هو صدق بقاء العین عند الرد و من الواضح أنه یصدق علی العین أنها باقیة إذا تعیّبت و زوال عنها العیب و علی هذا فلا یسقط الخیار إذا تعیّبت العین و زال عنها حین الرد بناء علی کون المدرک هی المرسلة.

و أما إذا کان المدرک هو المرسلة مع روایة زرارة فلأن مرسلة جمیل دلت علی جواز الرد مع بقاء العین سواء حدث فیها حدث ثم زالة عنها الحدث أم لا،بل کانت العین باقیة علی حالها لصدق بقاء العین عرفا ح و ان لم یصدق علیها البقاء بالدقة العقلیة و روایة زرارة إنما دلت علی جواز الردّ باحداث الحدث مطلقا سواء زال عنها الحدث أم لم یزل فالنسبة بینهما هی العموم من وجه فتقع المعارضة بینهما فیما إذا حدث فی العین حدث فزال عنها ذلک،فان مقتضی المرسلة هو جواز الرد و مقتضی روایة زرارة هو عدم جواز ذلک فتسقطان فی مورد المعارضة فیرجع الی عموم ما دل جواز الرد بالعیب السابق و لکن هذا الکلام هنا مبنی علی مسألة أصولیة و هی أن أدلة حجیة الخبر الواحد هل تشمل مثل مرسلة جمیل و ابن أبی عمیر و نحوهما التی قیل ان مراسیل هؤلاء مثل الروایات الصحیح و ادّعوا الإجماع

ص:142

علی صحة ما یصح عن هؤلاء،و إذا وصل أسند إلی هؤلاء سقط السؤال عن کیفیة السند هل یحکم بصحة روایتهم و ان کانت مرسلة و ان اعبر صاحب الحدائق عن مرسلة جمیل بالصحیحیة و علی هذا المبنی تقع المعارضة المذکورة فمقتضی القاعدة هو الذی حققناه،و لکن ذکرنا فی الجزء الأول أنه لا دلیل علی حجیة مراسیل هؤلاء و الإجماع الذی ادعوه لا نقطع بتحققه و لا بحجیة إذ لا نعلم أن الواقع بین هؤلاء و بین الامام علیه السلام اشخاص موثقین کما هو واضح.

و علی هذا فالمدرک ینحصر بروایة زرارة و ما ذکرناه من ثمرة تلک الکبری الکلیة الأصولیة.

ثم إذا کان الحدث مانعا عن الردّ فهل یجوز رده مع رضی البائع بالردّ

اما مع الأرش أو بدونه أم لا یجوز؟

فنقول:ان المشهور هو کون المشتری مخیرا بین أمور ثلاثة:الردّ و الإمضاء مطلقا،أو مع الأرش و أن هذا التخییر ابتدائی و لکن قد ذکرنا سابقا أن الظاهر من الروایة روایة زرارة هو أن التخییر بدوا و انما هو بین الردّ و الإمضاء و مع سقوط الرد فیثبت له الأرش فللمشتری ح مطالبة الأرش فقط،لیس الا و قد حملنا علی ذلک فیما سبق عبارة المبسوط حیث التزم بثبوت الأرش مع الیأس عن الردّ و قلنا أن ما أشکل علیه المصنف من أن الإطلاق یدفع ما ذکر فی المبسوط و قلنا هناک انه لا إطلاق هنا حتی ینافیه و لکن الظاهر أن ما ذکره المصنف صحیح حیث ان إطلاق روایة زرارة الدالة علی اللزوم بمجرّد احداث الحدث مطلقا محکم فیکون دافعا لما ذکره فی المبسوط إذ بناء علی الأخذ بالإطلاق أنه لا یجوز الرد مع احداث الحدث بل تصل النوبة إلی الأرش و لکن مع رضائه البائع بالرد جاز الرد لا من جهة الروایة،بل لکونه اقالة لجوازها.

ص:143

و أما مع عدم رضاء المشتری بالرد حتی مع عدم الأرش لما أحدثه من الحدث فلا ملزم للردّ،بل تصل النوبة إلی الأرش و أما بناء علی ما ذکره الشیخ فی المبسوط فلا تصل النوبة إلی الأرش مع رضی البائع بالردّ مع الأرش بما أحدثه المشتری أو بدونه إذ لم یحصل الیأس من الرد بعد حتی تصل النوبة إلی الأرش.

و علی الجملة بناء علی الأخذ بإطلاق روایة زرارة لا یجوز للمشتری أن یردّ المبیع مع احداث الحدث و تصل النوبة إلی الأرش،و أما مع رضاء البائع بالردّ و رضاء المشتری بذلک فلا شبهة فی جوازه لکون ذلک مثل الإقالة فلا یحتاج إلی روایة و لکن للمشتری أن یرضی بذلک و أن لا یرض و یطالب الأرش و لکن بناء علی قول المبسوط فلا تصل النوبة إلی الأرش لعدم یأس المشتری عن الردّ ثم إذا رض البائع بالرد مع الأرش فیرض المشتری أیضا بذلک فلا بدّ له من رده علی البائع و هذا الأرش غیر الأرش الذی لزم ردّه للبائع علی المشتری فإنه هو التفاوت بین الصحیح و المعیب و الردّ من الثمن بذلک التفاوت فهذا الأرش لازم بالضمان المعاملی و هذا بخلاف الأرش الذی وجب للمشتری ردّه علی البائع فإنه انما ثبت بضمان الید و الأرش هنا هو للتفاوت فیما بین الصحیح و المعیب بالقیمة الفعلیة،سواء ترقت العین عن القیمة الأولی أم لا؟کما هو واضح.

قوله تنبه:ظاهر التذکرة

و الدروس أن من العیب المانع من الرد بالعیب القدیم تبعض الصفقة.

أقول:ذکر المصنف أن توضیح المقام هو أن التعدد المتصور فیه التبعض اما فی العوض ثمنا أو مثمنا أو فی البائع أو فی المشتری،ثم ذکر أمثلة ذلک ثم قال أما التعدد فی الثمن بأن یشتری شیئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا إشکال فی کون هذا عقدین و لا إشکال فی جواز

ص:144

التفریق بینهما أما الأول أی التبعض فی العوض فالمعروف أنه لا یجوز التبعیض فیه من حیث الرد،بل الظاهر المصرح به فی کلمات بعض الإجماع علیه و ذکر فی إبداء المنع عن ذلک بأن المردود ان کان جزء مشاعا من المبیع الواحد فهو ناقص من حیث حدوث الشرکة و ان کان معینا فهو ناقص من حیث حدوث التفریق فیه و کل منهما نقص یوجب الخیار لو حدث فی المبیع الصحیح.

و تفصیل المقام أن المبیع قد یکون شیئا واحدا شخصیا بالدقة العقلیة مع کون جزء منه معیبا کما إذا اشتری عبدا فظهر أن رجله معیوب أو یکون المبیع واحدا شخصیا بالنظر العرفی و ان کان فی الواقع أمورا متعددة کما إذا کان المبیع دارا فإنها و ان کانت متعددة حقیقة و مرکبة من عدة أمور و لکنها واحدة بالنظر العرفی الاعتباری و کان جزء منها معیوبا من قبته أو سردا به و نحو ذلک و الظاهر أنه لا خلاف فی عدم جواز فسخ العقد فی الجزء المعیب فقط و الإمضاء فی الجزء الآخر الصحیح و ما ربما یظهر من المصنف وجود الخلاف فی ذلک حیث عبر بالمعروف ثم ذکر إبداء المانع عنه الظاهر أنه لا یمکن المساعدة علیه.

و الحاصل:إذا کان المبیع واحدا حقیقیا أو واحدا عرفیا فظهر جزء منه معیبا فلا شبهة فی عدم جواز الفسخ فی الجزء المعیب،بل ان کان یفسخ فإنما یفسخ فی المجموع لکون مجموعه مبیعا واحدا و إذا لم یفسخ لم یفسخ فی المجموع أیضا هذه هی المسألة الاولی و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون المردود جزء مشاعا أو جزء معینا فإنه لا دلیل علی رد جزء من المبیع.

الثانیة:أن یشتری شیئا واحدا ببیعین کما إذا اشتری نصفا معینا من الدار بقیمة ثم اشتری نصفها الآخر بقیمة أخری ثم وجد عیبا فی أحد

ص:145

النصفین فهل یجوز تسریة خیار العیب الی الثانی أولا فالظاهر أنه لم یخالف أحد فی أنه لا یجوز فسخ العقدین بظهور العیب فی متعلق أحدهما فإن کل منهما عقد مستقل غیر مربوط بالآخر فإذا أراد الفسخ لعیب یفسخ فیما ظهر فیه العیب و الا فیأخذ الأرش و هذه المسألة لیست موردا للخلاف.

المسألة الثالثة:ما إذا اشتری أمور متعددة مستقلة ببیع واحد بحیث أن کل منها أمر مستقل یمکن وقوع البیع علیه و لیس مثل رجل العبد و رأس الحیوان و نحوهما حتی لا یمکن التفکیک بینهما،و لکن اشتراها احد ببیع واحد بصرف فرضها أمرا واحدا بالاعتبار و الاّ فهی فی الحقیقة أمور متعددة عقلا و عرفا کما هو واضح،و هذا نظیر شراء الدار و الفرس بعقد واحد ثم وجد فی أحدهما عیب فهل یجوز فسخ مجموع العقد أولا أو یجوز فی المتاع الذی ظهر فیه العیب و لا یجوز فی الآخر وجوه،بل أقوال ثلاثة:- الأول:جواز الفسخ فی الفرد المعیب دون الصحیح من جهة کون کل واحد منهما منها ضاعن الآخر و مستقلا فی نسفه ففسخ العقد فی أحدهما دون الآخر لا بأس به و ان کانا قد تعلق بهما عقد واحد غایة الأمر یثبت للبائع خیار تبعض الصفقة مع دخالة الهیئة الاجتماعیة فی القیمة و مع إسقاط جمیع الخیارات الأخیار العیب لا یثبت له ذلک أیضا.

الثانی:أن یکون الخیار من أحدهما ساریا الی الآخر و یکون الفسخ متعلقا بمجموع العقد فان البیع بیع واحد قد تعلق بهما معا فیکون المجموع من حیث المجموع فی حکم مبیع واحد و هذا القول هو المعروف بین الأصحاب.

الثالث:أن لا یکون هنا خیار أصلا،فإن هذا الذی فیه عیب فلیس بمبیع،بل هو کرجل الحیوان فیکون فی حکم الجزء و ما هو مبیع أعنی المجموع المرکب و لو بالاعتبار،أی المرکب الذی فرض واحدا بالاعتبار فکما لا یجوز

ص:146

فسخ البیع فی رجل الحیوان إذا کان معیوبا و کذا لا یجوز فسخ البیع فی فرد من المبیع کالفرس الذی یبیع مع الدار.

و الظاهر الأقوی هو الوجه الأول فإن العقد و ان کان بحسب الإنشاء الذی یسمیه المصنف بیعا فان المبرز أمر واحد و لکن کل منهما مبیع مستقل بحسب الانحلال فالبیع ینحل هنا الی بیوع متعددة حسب تعدد متعلقه و لیس بینهما اتحاد حقیقی و لا عرفی أصلا لیفرض المبیع واحدا و البیع واحدا،بل هما متغایران و أحدهما أجنبی عن الآخر غایة الأمر جامعهما أمر اعتباری و هو البیع أی ابرز البائع بیعهما بمبرز واحد و هذا لا یوجب الاتحاد من جمیع الجهات.

و لا یرد علی ذلک ما ذکره صاحب الجواهر من أن المقام نظیر فسخ العقد فی جزء المبیع و انه بدیهی البطلان،فان متعلق العقد أمر واحد فلا یجوز الفسخ فی بعضه دون بعضه،فإنه بعد الالتزام بالانحلال فلا یلزم ذلک أصلا فإنه فرق بین المقامین فإنه مع وحدة المبیع عقلا أو عرفا لا معنی للفسخ فی البعض دون بعض،بل لا خلاف فی عدم جوازه و هذا غیر کون المبیعین فی بیع واحد و هل یلتزم صاحب الجواهر بانتفاء خیار الحیوان فیما لو باع فرسا مع الدار أو هل یلتزم بأنه إذا نهی المولی عبده تکلیفا عن بیع حیوان فباعه العبد مع الدار فإنه یقال ان المبیع لیس هو الحیوان هنا بل المجموع المرکب و أیضا لازم کلامه أن لا یکون لأحد الشریکین خیار الأخذ بالشفعة إذا کان باع شریکه الآخر حقه مع ضمیمة شیء آخر فان المبیع هو المجموع المرکب و هو بدیهی البطلان،و لا یلتزم بشیء منها صاحب الجواهر بل علی مقالته لا بدّ من الالتزام ببیع ما یملک و ما لا یملک معا،فان ما لا یملک لیس مبیعا حتی لا یجوز بیعه،بل هو المجموع و کل ذلک لا یمکن الالتزام به و قد تقدم فی البحث عن خیار الحیوان أن الخیار یثبت فیه

ص:147

للمشتری فی کل مورد صدق علیه بیع الحیوان،و لو کان فی ضمن أمور آخر متعددة کما لا یخفی فإنه فرق بین کون المبیع واحدا عقلا أو عرفا فإنک قد عرفت عدم جریان الخیار فی الجزء المعیب فیه بلا خلاف،و بین کونه واحدا بالاعتبار البیعی فقط کما لا یخفی و لم یکن فی دلیل خیار العیب أن لا یکون المبیع المعیوب مع غیره أیضا لإطلاق قوله علیه السلام أیما رجل باع شیئا فیه عیب أو عوار إلخ الدالة علی ثبوت خیار العیب للمشتری ما دام لم یحدث فیه حدثا و هذا الکلام جار فی جمیع الخیارات أیضا کخیار الحیوان و نحوه فإنه لیس فی دلیل خیار الحیوان أن لا یکون مع الحیوان شیء آخر مبیعا کما لا یخفی.

و علی الجملة فإذا کان الحیوان مثلا أو المعیب مبیعا یترتب علیه حکمه الوضعی و التکلیفی.

و حاصل الکلام:من الأول أنه کان کلامنا فی کون المبیع معیبا و وجود العیب فیه و لا شبهة أن فرعین هنا لا خلاف فیهما:

الأول:أن یکون العیب فی مبیع منضم الی مبیع آخر فی الخارج من غیر أن یکون البیع الواحد واقعا علیهما فی الخارج کما إذا اشتری نصف الدار ببیع و نصف الأخر ببیع آخر فإنه لا یسری الخیار من أحدهما إلی الآخر بوجه.

المسألة الثانیة:ما إذا کان المبیع واحدا اما بالدقة العقلیة،أو بالوحدة الاعتباریة العرفیة،کالعبد و الدار فظهر عیب فی جزء من ذلک فإنه ح لا یجوز الفسخ فی البعض دون الآخر و الوجه فیه لیس هو أن الجزء لیس بمبیع،بل هو أیضا مبیع کالجزء الآخر و تمامه بحسب الانحلال و الانحلال کما یجری فیما إذا باع أمورا متعددة صفقة واحدة فکک یجری فیما إذا کان المبیع واحدا و لو بالوحدة الحقیقیة فإن کل جزء منه مبیع

ص:148

بحسب الانحلال و من هنا صح بیع نصف العبد و ربعه مشاعا و من هنا أیضا قلنا فیما تقدم بصحة بیع ما لا یملک و لا یملک و بیع ما لا یملک و ما لا یملک علی طبق القاعدة فعدم جریان الخیار أی خیار کان فی الجزء فی صورة وحدة المبیع حقیقیة أو عرفیة لیس من جهة عدم الانحلال هنا کما عرفت فان الانحلال محقق فی جمیع موارد المبیع مرکبا کان أم واحدا و انما نمنع جریان الخیار فی الجزء من جهة أخری.

و توضیح ذلک أن الخیار الثابت فی البیع تارة بعنوان البیع کخیار المجلس فان الدلیل المتکفل لإثبات خیار المجلس انما هو قوله(علیه السلام)البیعان بالخیار ما لم یفترقا و ظاهر ذلک هو ثبوت الخیار بالنسبة إلی مجموع المبیع المتحد بالاعتبار عرفا أو عقلا لا بالنسبة إلی جزء مشاع أو الی جزء معین.

و أوضح من ذلک ما یکون دلیل الخیار فیه من ناحیة الشرط الضمنی کخیار الغبن و نحوه حیث ان الشرط انما هو ثبوت الخیار بالنسبة إلی مجموع المبیع لا فی الجزء الخاص المعیّن أو المشاع فلا یجوز له الفسخ فی الجزء دون جزء هذا فیما إذا ثبت الخیار بعنوان البیع و قد علمت أن الخیار انما لم یثبت فی الجزء لا من جهة عدم کون الجزء مبیعا،بل من جهة اقتضاء الدلیل ذلک،و أما فیما کان بعنوان آخر أی ثبوت الخیار بعنوان آخر کعنوان الحیوان و المعیب فالظاهر هنا أیضا أن یکون الخیار ثابتا لذی الخیار بالنسبة إلی مجموع المعیب و الحیوان فلا یکون له الخیار فی الجزء الخاص فقط،کما هو واضح،و إذا کان موضوع خاص من الکتاب أو الدار معیبا فیقال أن مجموع الدار معیب و مجموع الکتاب معیب،فلا یقال أن هذا الجزء الخاص فقط معیب و کذا کل شیء یکون کک أی شیئا واحدا و کان مبیعا فإنه سواء کان الخیار ثابتا فیه بعنوان البیع أو بعنوان الحیوان و المعیب أو کان الدلیل شرطا ضمنیا فإنه یکون الخیار ثابتا فی المجموع

ص:149

کما عرفت،فافهم.

و أما إذا کان المبیع أمور متعددة و باعها البائع صفقة واحدة و لا یکون المبیع واحدا لا بالحقیقة و لا بالاعتبار العرفی،بل انما جمع البائع بینها فی إنشاء البیع و إظهاره فقط،فإذا ظهر شیء من تلک الأمور معیبا فهل یکون خیار العیب مسریا الی المجموع أو یختص بخصوص المعیب أو لا یکون للمشتری ح خیار أصلا.

و التحقیق أن الخیار یختص بخصوص المعیب فله فسخ العقد فی خصوصه أو رضائه به و مطالبة الأرش کما هو واضح.

نعم،یثبت له خیار تبعض الصفقة الثابت بالشرط الضمنی حیث انه قد اشتری هذه الصفقة المرکبة من أمور متعددة أن یکون کلها له و لم یکن له بل تبعضت الصفقة و من هنا ظهر الجواب عن صاحب الجواهر أیضا حیث ذکر أن مقتضی أدلة الخیار هو ثبوته فی مجموع المبیع لا فی کل جزء منه فان له مجال فی الشق المتقدم من کون المبیع شیئا واحدا حقیقة أو عرفا کما هو واضح.و ظهر أیضا أنه لا وجه للقول بثبوت الخیار فی المجموع أو عدم ثبوته فی المجموع،کما لا یخفی،فافهم.

و الحاصل:أنه لا قصور فی شمول دلیل خیار العیب أعنی قوله علیه السلام فی روایة زرارة المتقدمة أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار لصورتی کون المعیب أمرا مستقلا أو منضما الی غیره فإنه یثبت له الخیار فی کلا الصورتین فح ان کان العیب فی جزء المبیع موجبا لسرایة الحکم الی الجمیع لکون المبیع شیئا واحدا حقیقة أو عرفا فیثبت الخیار فی الجمیع و الا فیثبت الخیار فی خصوص المعیب،فیثبت خیار تبعض الصفقة فی الجزء الصحیح.

و لکن المصنف أبدی المانع عن ذلک و حاصل کلامه أن المعیب الذی

ص:150

یردّه المشتری علی البائع ان کان جزء مشاعا من المبیع الواحد فهو ناقص من حیث حدوث الشرکة فیه،و ان کان جزء معینا و معروزا فهو ناقص من حیث تبعض الصفقة و لا شبهة أن کلا منهما نقص یوجب الخیار.

ثم ذکر أن ثبوت الخیار هنا اولی من ثبوته فی نسیان الدابة الطحن فان ذلک أی نسیان الدابة الطحن لیس بعیب فی المبیع و هذا بخلاف الشرکة أو تبعض الصفقة فإن ذلک عیب فی المبیع کما هو واضح.

ثم ذکر أن ردّ بعض المبیع بخیار العیب دون بعضه و ان کان ضررا للبائع و ینجبر بخیاره فی ردّ الصحیح من المشتری بخیار تبعض الصفقة و لکنه معارض بکونه موجبا للضرر علی المشتری إذ قد یتعلق غرضه بإمساک الجزء الصحیح.

ثم أید ذلک بمرسلة الجمیل المانعة عن رد المعیب بمثل صبغ الثوب و خیاطته فان المانع هنا لیس إلاّ بالنسبة إلی حصول الشرکة فی الثوب بنسبة الصبغ و الخیاطة لا مجرد تغیر الهیئة.

ثم ذکر فی آخر کلامه أن العمدة فی المسألة هو أن مرجع جواز الردّ منفردا إلی إثبات سلطنة للمشتری علی الجزء الصحیح من حیث إمساکه و لو کان ذلک من حیث الحدوث ثم سلب سلطنته عنه بخیار البائع و منع سلطنته علی الردّ أولا أولی و لا أقل من التساوی فیرجع الی أصالة اللزوم.

و الذی ینبغی أن یقال أنه تارة یناقش فی شمول الأدلة للمقام و یکون المقتضی قاصرا عن إثبات الخیار للجزء المعیب و هذا لا بأس به و لکن قد عرفت تمامیة المقتضی لذلک و قد یناقش من جهة المانع و قد ذکرت وجوه للمانعیة و شیء منها لا یصلح للمنع عن ذلک.

الأول:کون ذلک نقصا للمبیع فلا یکون العین ح قائمة بعینها و فیه أن دلیل ثبوت خیار العیب فی المعیب انما دل علی ذلک فیما حصل النقص

ص:151

قبل الفسخ بحیث یوجب ذلک النقص و الحدث الحاصل قبل الفسخ المنع عن ردّ المعیب و فی المقام لیس کک حیث ان النقص انما یحصل برد المشتری المعیب لا قبله فلا یکون دلیل مانعیة النقص عن الردّ شاملا لذلک الاّ بتنقیح المناط و هو واضح الدفع.

الوجه الثانی:قاعدة نفی الضرر فان فسخ المشتری العقد فی المعیب دون الصحیح ضرر علی البائع بناء علی شمول دلیل نفی الضرر لأمثال المقام و عدم المناقشة فی ذلک،أقول:لا بد من ملاحظة أن الضرر من أی جهة ینشأ فإنه اما من جهة رد المعیب إلی البائع بأن یکون البائع متضررا من هذه الجهة فلا شبهة أن هذا الضرر انما ثبت من جهة جعل الخیار فی المبیع المعیوب فلا تکون أدلة نفی الضرر حاکما علی أدلة الخیار،بل تکون أدلة الخیار متقدمة علی أدلة نفی الضرر،و مخصصة لها فالضرر هنا لم ینشأ من رد المعیب لکی یرتفع بدلیل نفی الضرر،بل انما نشأ من ناحیة جعل الخیار کما هو واضح فلو کان دلیل نفی الضرر شاملا للمقام لزم ارتفاع خیار العیب،بل ارتفاع مجموع الخیارات علی أنه یجری فیما إذا کان کل واحد من الجزئین مبیعا مستقلا و لا یختص بصورة کونها مبیعا واحدا فی صفقة واحدة.

و ان کان الضرر من جهة عدم رد الصحیح إلی البائع فإنه یتضرر من ناحیة تبعّض الصفقة فدلیل الضرر انما یرفع لزوم العقد بناء علی شموله للمقام و یکون للبائع حق رد الجزء الصحیح أیضا و أما عدم ثبوت الخیار للمشتری فی الجزء المعیوب فإنه أی ربط لثبوت الضرر علی البائع فی عدم ردّ الجزء الصحیح بعدم ثبوت الخیار للمشتری فی رد الجزء المعیوب.

و بعبارة أخری مقتضی تضرر البائع من عدم ردّ الجزء الصحیح هو ثبوت الخیار له فی ذلک لا نفی خیار المشتری فی ردّ المعیب علی أنه یمکن منع

ص:152

شمول قاعدة نفی الضرر للمقام علی ما تقدم فی بعض الخیارات لإمکان دفع الضرر بنحو آخر من الأرش و التفاوت و نحو ذلک.

و هنا وجه ثالث:و هو أن کل واحد من المتبایعین قد اشترط علی الآخر أن یکون المبیع سالما عن التبعض اشتراطا فی ضمن العقد،فإذا تخلف ذلک ثبت لکل منهما خیار تبعّض الصفقة بل هذا الاشتراط بدیهی فی بعض الموارد کما إذا اشتری مصراعی الباب فإن الضرورة قاضیة علی اشتراط أن لا یکون أحدهما منفکا عن الآخر فی مقام التخلف و علی هذا فلا یلزم من ذلک أن لا یکون للمشتری خیار فی الجزء المعیب،بل یثبت له خیار العیب فی ذلک،نعم یثبت لکل منهما خیار تبعض الصفقة فی الجزء الصحیح کما هو واضح.

و اما ما ذکره المصنف من تأیید مراده بمرسلة الجمیل ففیه:- أولا أنها مرسلة قد تقدم الکلام فیها و لا یمکن العمل بها للإرسال و انها لیست بمدرکنا و انما مدرکنا روایة زرارة.

و ثانیا:لا دلالة فیها علی کون الشرکة عیبا و مانعة عن الرد لما ذکر لا أنها دلت علی عدم الخیار مع قیام العین و أن ذکر الأمثلة من خیاطة الثوب و صبغه یدل علی أن عدم قیام العین تحقق بمثل ذلک أیضا کما هو کک فی العرف فإنه لیرغب نوع بالثوب الغیر المخیط أزید من رغبتهم بالثوب الغیر المصبوغ و کک یرغبون بالثوب الأبیض أزید من رغبتهم بالثوب المصبوغ کما هو واضح لا یخفی و لأجل ذلک لا یکون العین باقیة فی العرف مع الخیاطة و الصبغ و الحق أنه لا مانع من شمول أدلة خیار العیب للمعیب سواء کان ذلک مبیعا مستقلا أو منضما إلی الأخر کما هو واضح.

قوله أما الثانی:و هو تعدد المشتری أقول:هذه هی المسألة الثالثة فی عبارته المتقدمة المسوقة للتقسیم و توضیح الکلام هنا أنه إذا باع أحد

ص:153

ماله من اشخاص متعددین و ظهر معیبا فهل یثبت الخیار لکل منهم بحیث یکون له الخیار فی حصته سواء فسخ الآخر أم لا أو کان لهم الخیار فی المجموع أی لجمیعهم خیار واحد فی ذلک المجموع من حیث المجموع مقتضی إطلاق مفهوم قوله علیه السلام أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یحدث فیه حدثا لزم البیع و یلزم علی البائع رد التفاوت علی ما هو مضمون الروایة هو ثبوت الخیار لکل من المشترین لصدق قوله علیه السلام أیما رجل إلخ،علی کل منهم کما هو واضح.

و لا یقاس ذلک بخیار الورشة الذی ثبت لهم بالإرث فإن الذی انتقل إلیهم بالإرث انما هو حق واحد و خیار واحد لشخص واحد و هو المورث و لا یقاس بما نحن فیه الذی ثبت خیار متعدد من الأول للمشتری و هذا الذی ذکرناه جار فی جمیع موارد الخیارات إذا تعدد المشتری و لا یختص بخیار العیب لإطلاق الأدلة فی جمیع ذلک و أما ما ذکره المصنف من الموانع فلا یصلح شیء منها لذلک منها أنه لیست العین قائمة بعینها فإنه إذا فسخ أحد المشتریین البیع و امضی الآخر فیلزم تبعض الصفقة و هو عیب فی المبیع فیکون ذلک موجبا لعدم قیام العین بعینها و یکون ذلک حدثا فی المبیع کما هو واضح.

و فیه أولا:ما ذکرناه سابقا من ان النقص فی المبیع انما یوجب المنع عن الرد بالعیب السابق إذا کان حاصلا قبل الردّ و أما إذا تحقق ذلک بنفس الردّ فلا یکون ذلک مشمولا للأدلة کما هو واضح.

و علی تقدیر شمول الأدلة لذلک فهو انما یفید فی المسألة السابقة فقط لا فی المقام فان التعدد هنا کان من الأول و لم یحصل ذلک بفعل الراد إذ المفروض أن المبیع هنا متعدد حسب تعدد المشتری و أنه یصدق علی کل منهم أنه اشتری شیئا و به عیب أو عوار إلخ.

ص:154

و ثانیا:قاعدة نفی الضرر فان مقتضی ذلک عدم ثبوت الخیار لکل من المشترین فإنه إذا فسخ أحدهم فی حصته دون الآخر و لم یفسخ غیرهم أو لم یفسخ هو فی المجموع یلزم ان یتضرر البائع فلازم ذلک عدم الخیار کما هو واضح.

و فیه أنه بناء علی شمول قاعدة نفی الضرر للمقام فمقتضی ذلک ثبوت الخیار للبائع فی الجزء الآخر الذی هو حصته المشتری الآخر لا عدم ثبوت الخیار للمشتری الذی فسخ فی حصته کما تقدم و أما ثبوت الضرر من جهة ردّ المشتری حقه من المعیب فهو ثابت بأصل دلیل الخیار فیکون مخصصا لأدلة الضرر کما هو واضح.

و ثالثا:دعوی انصراف دلیل خیار العیب عن ذلک و ذکر المصنف، انه یظهر وجه الانصراف بالتأمل و لم نفهم لذلک وجها بعد التأمل،بل الظاهر من الأدلة هو عدم الفرق بین تعدد المشتری و اتحاده کما هو واضح.

نعم یجری فی المقام الشرط الضمنی و لکن ذلک لا یکون مانعا عن ثبوت الخیار لکل من المشتریین،بل لازمه هو ثبوت الخیار للبائع من جهة التبعض کما هو واضح و هذا لا یختص بخصوص المقام کما عرفت بل یجری فی جمیع الخیارات و من هنا ظهر أنه لا فرق فی ذلک کله بین کون البائع عالما بکون المشتریین متعددین أم لا نعم فی صورة الجهل ثبوت الخیار له من جهة ذلک الشرط الضمنی أوضح.

و أما إذا تعدد البائع التی هی المسألة الثالثة فالأمر فیه أوضح و لا یجری فی ذلک شیء من دلیل نفی الضرر،بل الظاهر من الأدلة هو عده الفرق بین تعدد المشتری و اتحاده کما هو واضح و نحو ذلک من الموانع.

نعم الشرط الضمنی أیضا موجود هنا و یمکن

ص:155

دعوی الانصراف الذی تقدم فی المسألة السابقة هنا أیضا بأن یقال ان دلیل خیار العیب منصرف عن ذلک الی کون الخیار ثابتا فی مجموع المبیع مع کونه مبیعا واحدا و جوابه هو الجواب ثم انه قد یجتمع اثنان من هذه المسائل و قد یجتمع ثلاثة منها و حکم کل منها یجری فی صورة الاجتماع أیضا.

البحث فی سقوط الرد و الأرش
قوله مسألة یسقط الأرش دون الرد فی موضعین

أقول قد عرفت ثبوت الأرش فیما إذا باع شیئا و کان معیبا و حدث فیه حدث عند المشتری فإنه کان له مطالبة الأرش و لکن یسقط الأرش فی موضعین:-

الأول:فی الربویات

و تفصیل الکلام هنا أن عدم ثبوت الأرش انما هو بأحد أمرین:

الأول)أن یقال ان وصف الصحة فی المبیع انما یقابل بجزء من الثمن

فإذا باع شیئا و کان فاقدا لوصف الصحة ثبت للمشتری خیار العیب و مع عدم الردّ یثبت له الأرش فی مقابل ذلک الوصف المفقود و لکن قد خصص ذلک فی الربویات فلا یجوز أخذ الأرش فیها مع فقدان وصف الصحة لأن أخذه یستلزم الربا فإنه إذا باع منا من الحنطة بمن من الحنطة و کان أحدهما معیوبا فإنه لا یجوز أخذ الأرش هنا فإنه یستلزم الربا فی ذلک الجزء الزائد و کک الحال فی جمیع الربویات و علی هذا فیسقط الأرش فی الربویات.

و فیه أن وصف الصحة مطلقا سواء کانت فی الربویات أو غیرها لا تقابل بالمال أصلا و ان کان یوجب زیادة القیمة،بل هو وصف الکمال علی حد سواء،بل حکمها من حیث عدم مقابلتها بالمال کالأوصاف التی لیست بوصف الصحة و لا وصف الکمال.

نعم الفرق فی ذلک أن وصف الصحة و وصف الکمال إذا کان مفقودا یوجب الخیار و الأرش فی الأصل أی فی وصف الصحة و له مطالبة الأرش

ص:156

بالتعبد الشرعی و یدلنا علی ذلک أن الظاهر هو تسالم الفقهاء علی صحة البیع و عدم کون ذمة البائع مشغولة فیما إذا لم یطالب المشتری الأرش من البائع مع أنه لو کان وصف الصحة یقابل بالمال لکانت ذمة البائع مشغولة مع تخلّف وصف الصحة فی المبیع لبطلان البیع بالنسبة إلی الثمن الذی یقابل بهذا الوصف.

و أیضا یدل علی ما ذکرنا تسالم الفقهاء علی أنه یجوز إعطاء الأرش من غیر الثمن سواء کان باقیا أم لا،مع أنه لو کانت المعاملة باطلة فیما قابل الوصف و کان الوصف یقابل بالمال لکان الواجب إعطاء نفس الثمن لا شیء آخر فیعلم من ذلک کله أن الأرش حکم تعبدی محض قد ثبت فی مورد خاص بالتعبد فلا یکون مخصصا بأدلة الربا کما هو واضح.

الثانی:أن یقال أن الربا انما هو زیادة أحد المتماثلین علی الآخر

فی المعاملة

سواء کانت الزیادة بالثمن و نحوه عند البیع أو بغیره من تبعات البیع من الأرش و نحوه فان ذلک أیضا زیادة أحد المتماثلین علی الآخر و علی هذا فیسقط الأرش هنا فإنه و ان لم یکن ثمنا فی المبیع و لم نقل أیضا بکون وصف الصحة یقابل بالمال و لکن أخذه یوجب زیادة أحد المتماثلین الذین من الربویات علی الآخر فیلزم الربا.

و فیه أنه یرد علیه أیضا أنه لا دلیل علی أن الربا انما هو کون أحد المتماثلین زائدا عن الآخر فی المعاملة و لو لم یکن الزیادة بالأصالة،بل بالتبع بأن یکون الزائد فی مستتبعات البیع و انما الدلیل أی دلیل حرمة الربا انما هو مختص بکون احد المتماثلین زائدا عن الآخر عینا أو حکما فی نفس المعاملة لا فی تبعاتها و من هنا لا نشک أن یفتوه أحد بلزوم الربا فی أنه لو تعامل اثنان بأن باع أحدهما من الآخر حلیّا ذهبا نفرضه سوارا الذی کان مقداره خمسة مثاقیل بخمسة مثاقیل من الذهب الذی لیس بحل

ص:157

تم بعد ما تم البیع و النقل و الانتقال کسر البائع الحلی فهل یتوهم أحد أنه لا یضمنه لأنه لو ضمن ذلک و اعطی شیئا فی مقابل الصیاغة یلزم الربا و من الواضح أن مقامنا من هذا القبیل فإنه کما ان الضمان بذلک انما هو بعد البیع و من تبعاته و کک الأرش حیث انه یثبت بمطالبة المشتری و لا یثبت قبله و لذا عرفت أن البائع لا یضمن به قبل المطالبة و لو مات لا یبقی مشغول الذمة و کیف کان لا یلزم الربا من أخذ الأرش فی الربویات.

ثم ان المصنف قد ذکر بعد الاستشکال فی المسألة أن المرجع انما هو ما دل علی حرمة الربا من الأدلة و أشکل علیه بعضهم بأنه مع لزوم الربا من أخذ الأرش لا مجال لرفع الید عن دلیله،و الرجوع الی أدلة حرمة الربا و ذلک لأن النسبة بینهما هو العموم من وجه إذ قد یکون الأرش فی غیر الربویات و قد یکون الربا فی غیر صورة الأرش و قد یجتمعان فبعد التعارض فی مورد الاجتماع و التساقط فالنتیجة هو تقدیم أدلة الربا من جهة أنه لا دلیل یدلنا علی ثبوت الأرش.

ح فأصبح المورد بلا دلیل دل علی ثبوت الأرش و لکن لیس ذلک من ناحیة ترجیح أدلة حرمة الربا.

و لکن ما ذکره المصنف وجیه،فانا ذکرنا فی مورده أن الدلیلین إذا تعارضا بالعموم من وجه و تکافئا فتقدم منهما ما یکون موافقا للکتاب لقوله علیه السلام فی مقام المعارضة خذ ما وافق الکتاب،و من الواضح أن أدلة حرمة الربا موافقة للکتاب،لقوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا بل لا یکون ح الطرف الآخر حجة حتی نحتاج الی الترجیح و نقول بان الموافق للکتاب قد رجحناه علی الأخر فما ذکره المصنف متین.

ثم انه ذکر السیّد فی حاشیته موردا آخر لسقوط الأرش غیر ما ذکره المصنف من الموردین،و لکنه عین المورد الأول الذی ذکر المصنف لسقوط

ص:158

الأرش فیه من جهة الربا و حاصله أن العوضین إذا کانا من النقدین فظهر عیب فی أحدهما بعد انقضاء المجلس فإنه ذکر عدم جواز أخذ الأرش هنا للزوم الربا و لکن قد عرفت أن الأرش أجنبی عن العوضین و انما هو غرامة خاصة قد أثبته الشارع تعبدا فأی ربط له بالعوضین لیلزم الربا و هو من تبعات المعاملة و قد عرفت عدم جریان الربا.

المورد الثانی:مما یسقط الأرش فیه ما إذا کان ثمن المعیوب مساویا

مع الصحیح بحیث لا ینقص من قیمته لأجل عیبه شیء

و ذلک کالعبد الخصی فإنه لأجل بعض الأغراض کالربط بین الزوج و الزوجة لبعض الحوائج یرغب به کثیر من الناس و یکون قیمة ذلک لأجل هذا مساویا من العبد الغیر الخصی و ان کان فی غیر الخصی أیضا بعض المنافع التی لا تکون فی الخصی کأخذ نسله لیکون عبدا أیضا و فی الحقیقة أن الخصاء عیب و لکن لا یوجب الأرش فإن الأرش هو تفاوت القیمة ما بین الصحیح و المعیب و المفروض أنهما علی حد سواء فی القیمة و لا تفاوت بینهما.

و لکن الذی ینبغی أن یقال ان الخصاء فی العبد مع کونه مرغوبا بین الناس لیس بعیب،بل ربما یکون وصف الکمال،إذا کان موجبا لزیادة القیمة فإن العیب لیس هو کل نقص فی المبیع حتی ما لا یوجب نقص القیمة،بل النقص الذی یوجب قلة المالیة و الثمن و لو کان مجرّد النقص عیبا سواء أوجب نقص القیمة أم لا لکان الختان و ثقب الآناف و الأذان أیضا من العیوب و لم یفتوه به أحد من الطلبة فضلا عن الفقیه و اذن فلا مجال لتوهم انتفاء الأرش فی المورد الثانی أیضا.

ثم انه قد فصّل العلامة هنا تفصیلا لم نعرف وجهه و هو أن الأرش ان کان من جنس المبیع فی الربویات فلا محذور فیه و الا ففیه محذور و فیه ان الربا یتحقق بمطلق الزیادة و لو کان شرطا و إذا کان أخذ الأرش موجبا

ص:159

للربا فلا یفرق فیه بینما کان من جنس المبیع أو من غیر جنسه.

قوله مسألة:یسقط الرد و الأرش معا بأمور
أحدها العلم بالعیب قبل

العقد

بلا خلاف.

أقول:ذکروا لسقوط خیار العیب موارد،منها علم المشتری بالعیب فحینئذ لا یثبت خیار العیب للمشتری لأن أخبار خیار العیب ناظرة إلی صورة جهل المشتری بالعیب فلا یشمل صورة علم المشتری بالعیب،بل استدل علی ذلک فی الجواهر بصحیحة زرارة المتقدمة أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم ینبّه،و قد تنظر فیه المصنف و لکن لم یبین وجه النظر فیه و الذی یمکن أن یکون وجها له أمور ثلاثة الأول:ان المراد من الروایة هو أنه إذا اشتری أحد شیئا و به عیب أو عوار و لم ینبّه فله الخیار علی ما هو مقتضی المفهوم سواء کان المشتری عالما بالعیب أو لم یکن عالما به، فالموضوع لسقوط الخیار هو تنبیه البائع المشتری لا علم المشتری بالعیب فإذا کان المشتری عالما لکونه من أهل الخبرة و لکن لم ینبه به المشتری یثبت له خیار العیب کما هو واضح.

و فیه أن هذا و ان کان لا بأس به فی نفسه و به یرتفع التناقض بین کلامی المصنف هنا حیث منع عن الاستدلال بالصحیحة علی سقوط خیار العیب مع علم المشتری و مع استدلال بها علی سقوطه مع تبری البائع مع أن ملاک الاستدلال فیهما واحد و هو المفهوم فإنه یقال ان وجه النظر هنا هو الوجه الذی ذکروا أما وجه الاستدلال هناک هو المفهوم و عدم جریان هذا المانع هناک کما لا یخفی.

و لکن هذا الوجه خلاف متفاهم العرف حیث ان التنبیه لیس له موضوعیة فی سقوط الخیار کما أن عدمه لیس موضوعا لثبوت الخیار،بل هو طریق إلی معرفة المشتری العیب،و المراد من ذلک هو عدم التعریف لیکون المشتری

ص:160

جاهلا و یثبت الخیار له و أما إذا نبّهه کان عالما بالعیب فلا یکون له الخیار کما هو واضح،و بالجملة کون التنبیه موضوعا لسقوط الخیار و عدمه موضوعا لثبوته علی خلاف المتفاهم العرفی.

الوجه الثانی:أن یکون وجه النظر فیه هو أن الاستدلال بالروایة فی المقام اما بمقتضی مفهوم الشرط و هو کلمة،أی أو بمقتضی مفهوم الوصف و القید و هو عدم التنبیه فان الوجه هو الأول فلا شبهة أن الشرط هنا قد سیق لبیان الموضوع فان مفهوم قوله علیه السلام أیما رجل اشتری هو أنه أیما رجل لم یشتر و هو سالبة بانتفاء الموضوع فلا مفهوم للقضیة الشرطیة ح کما نقول إذا رکب الأمیر فخذ رکابه و قد ذکر ذلک المصنف آیة النبإ عند الاستدلال به علی حجیة خبر الواحد من ان مفهوم ان جائکم فاسق بنبإ ان لم یجیء فاسق بنبإ لا أنه ان جاء عادل و من الواضح أن القضیة ح سالبة بانتفاء الموضوع فلا یکون له مفهوم.

و فیه أنه ان کان نظر المصنف الی هذا الوجه فیرد علیه أولا ان القضیة الشرطیة و ان لم یکن لها مفهوم إذا سیقت لبیان الموضوع و لکن إذا کان معها قید آخر ثبت لها مفهوم بالنسبة الی ذلک القید،و قد ذکرناه فی محله مثلا إذا قال المولی إذا رکب الأمیر فخذ رکابه،بلا تقید بقید فلا مفهوم لها،و أما إذا قال إذا رکب الأمیر فکان یوم الجمعة فخذ رکابه فإنها بالنسبة إلی القید الأول لا مفهوم لها،و أما بالنسبة إلی القید الثانی فلها مفهوم و هو أنه إذا رکب فی غیر یوم الجمعة فلا تأخذ رکابه و فی المقام أیضا کک حیث ان القضیة لا مفهوم لها بالنسبة إلی قوله علیه السلام:أیما رجل اشتری شیئا،لیس لها مفهوم،و لکن بالنسبة إلی القیود التی ذکرت بعدها فلها مفهوم و منها قوله علیه السلام و لم ینبّه کما هو واضح فما ذکره صاحب الجواهر من الاستدلال بالصحیحة متین جدا.

ص:161

و ثانیا لو کان وجه النظر للمصنف هو هذا فلما ذا استدلال بها علی سقوط الرد و الأرش بالتبری بعد أسطر فهل هذا الا المناقضة فلا ینبغی ذلک من المصنف بهذا القریب.

و أما إذا کان غرض صاحب الجواهر من الاستدلال بالصحیحة هو مفهوم القید فلا شبهة أنه لیس بحجة.

و فیه أولا أنه أیضا تناقض لما سیأتی منه من الاستدلال بها علی سقوط الخیار مع التبری عن العیب.

و ثانیا:أن مفهوم الوصف لیس بحجة إذا کان ذلک ملحوظا بنفسه و أما مع احتفافه بقرائن أخر فلا شبهة فی حجیته کما قلنا به فی قوله کرّ من الماء فی جواب السائل عن أنه أی مقدار لا ینجسه من الماء فإنه قد ورد فی مقام التحدید فلا شبهة فی کون مفهومه حجة و کذا قوله علیه السلام فی جواب السائل کم یقصر الصلاة من السفر،قال علیه السلام:برید فی برید فان القرینة قائمة علی کون کلامه فی مقام التحدید فلا بد و أن یکون له مفهوم و ان کان المفهوم مفهوم لقب و الحاصل أن أی مفهوم لم یکن حجة فی نفسه فهو حجة إذا قامت القرائن علیه کما هو واضح ففی المقام أن مفهوم القید و ان لم یکن حجة فی نفسه و لکن القرینة قائمة علی حجیته و هو کون الامام علیه السلام فی مقام ضبط مورد الخیار مقدمة لسقوطه باحداث الحدث و أنه علیه السلام فی مقام تحدید ذلک کما هو واضح،فعلی هذا أیضا فکلام صاحب الجواهر متین.

ثم انه إذا اشترط العالم بالعیب الذی سقط خیار العیب فی حقه ثبوت الخیار له أی خیار العیب بالاشتراط فهل یصح ذلک أم لا فنقول ان کان غرض المشترط هو ثبوت الخیار له فقط فلا محذور فیه أصلا حیث انه خیار ثابت بالشرط کسائر الخیارات الثابتة بالاشتراط کما إذا علم المشتری بعیب

ص:162

المتاع و اشترط ثبوت الخیار لنفسه و اشتراه علی هذا الشرط لیختبره و یشاور غیره أن المعیب یفیده أم لا فهذا لا شبهة فی صحته فیکون ذلک کبقیة الخیارات الثابتة بالشرط الضمنی و ان کان غرض المشترط هو ثبوت خیار العیب له الذی هو خیار حتی مع أحکامه الخاصة من الأرش و نحوه فذکر المصنف أنه فاسد و مفسد للعقد لکونه مخالفا للسنة فکأنه رأی أن هذا الشرط الفاسد ممتاز عن بقیة الشروط الفاسدة التی لا توجب فساد العقد و لکن هذا یوجب فساده کما هو واضح،و لکن الظاهر أنه لا فارق بین هذا الشرط الفاسد و بقیة الشروط الفاسدة،نعم ذکرنا فیما سبق(ظاهرا فی خیار الرؤیة)أن مرجع الخیار الی تحدید الملکیة إلی زمان الفسخ فکان البائع قد أنشأ الملکیة المحدودة و علی هذا فهذا الشرط یکون فاسدا و مفسدا للعقد لأن ما أنشأه البائع من الملکیة المحدودة لم یمضه الشارع لکون الشرط الذی أوجب تحدید الملکیة المنشأ فاسدا لکون اشتراط الأرش فی هذا الخیار أی خیار العیب الثابت بالشرط مخالفا للسنة فإن الأرش انما ثبت فی خصوص خیار العیب فقط،بل مخالف للکتاب أیضا من جهة قوله تعالی أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ فالقول بثبوت الأرش هنا مخالفة لقول الرسول(صلی الله علیه و آله)فیکون فاسدا.

و أما الملکیة المطلقة فهی غیر منشأة فیکون هذا الشرط فاسدا و مفسدا للعقد علی ما ذکرناه و قد ذکرنا فی تعلیقة العروة عند قول السید هل یجوز جعل الخیار فی النکاح أم لا حیث توقف فی ذلک کبعض المحشین و قد ذکرنا هناک أن الأقوی کون جعل الخیار مفسدا لعقد النکاح فإنه إذا کان النکاح مقیدا بالفسخ فیکون مقیدا بالزمانی و من الواضح أنه غیر مشروع فی الشریعة إنما المشروع هو العقد الدائم و العقد المنقطع المقید بالزمان أما الزمانی فلا فافهم.

ص:163

قوله الثانی:تبری البائع عن العیوب إجماعا فی الجملة،

أقول من جملة ما یسقط فیه الرد و الأرش فیما کان المبیع معیبا أن یتبرء البائع من العیوب و قد ادعی الإجماع علی ذلک و لکن لإجمال لدعوی الإجماع التعبدی مع کون صحیحة زرارة دالة علی المقصود.

ثم انه لا یخفی ما فی بعض نسخ المکاسب من الغلط من إسقاط الألف بین کلمة ارتفع و کلمة لإطلاق کما فی حاشیة أیضا کک حیث قال قوله لإطلاق إلخ،إذ لا إطلاق فی روایة زرارة هنا حتی یتمسک،بل التمسک بها من جهة المفهوم و النسخة صحیحة قوله و الأصل فی الحکم قبل الإجماع صحیحة زرارة و کلمة الإطلاق بزیادة الألف قبل اللام فاعل لارتفع.

و کیف کان فلا شبهة فی دلالة روایة زرارة علی المقصود فإنه قد علق ثبوت الخیار فی مفهوم هذه الروایة المعتبرة و ان لم تکن صحیحة کما تقدم علی عدم التبری من العیب و أما مع التبری منه فلا شبهة فی سقوطه فتدل بمفهومها علی المقصود کما هو واضح.

ثم انه مقتضی إطلاق مفهوم هذه الروایة أنه لا فرق فی سقوط الخیار بالتبری من العیوب الظاهرة أو الباطنة فإن مقتضی الإطلاق هو سقوط الخیار مع التبری من العیب مطلقا و هذا واضح جدا و کل ذلک لا کلام فیه و ان ذکر الخلاف فی بعضها و لکن یدفعه الإطلاق و أیضا یجوز التبری من العیوب الموجودة حال العقد و العیوب المتجددة بعده قبل القبض أو بعده فی زمان الخیار أی خیار الشرط و الحیوان بالنص و خیار المجلس بالإطلاق و لکن وقع الاشکال هنا فی موضعین:- الأول:فیما إذا تبرأ من العیوب الموجودة حال العقد.

و الثانی:فیما إذا کان العیب متجددا بعد العقد.أما الإشکال فی

ص:164

الأول فهو أن إسقاطه أی الخیار و التبری من العیوب موجب للغرر فیکون موجبا لبطلان البیع.

و فیه أنه ان قلنا بأن روایة زرارة إنما دلت علی صحة البیع مع سقوط الخیار للعیب مع التبری مطلقا حتی فیما یلزم منه الغرر فلا بأس من الالتزام به بعد دلالة النص علیه و دعوی کون البیع غرریا و باطلا لذلک اجتهاد فی مقابل النص فلا یکون ذلک إشکالا فی المقام و ان قلنا ان التبری و عدم التبری من العیوب انما هو فی البیع الصحیح لا فی البیع الباطل فالبیع الغرری باطل فلا یکون التبری من العیب مصححا له و الا کان التبری من العیب موجبا لصحة بیع الصبی و غیره من البیوع الباطلة و علیه فلا بدّ من التفصیل بین ما یرتفع کون البیع غرریا من غیر جهة التزام البائع بکون المبیع صحیحا و بین ما کان یرتفع ذلک بالتزام البائع بصحة المبیع فإنه علی الأول یصح تبری البائع من العیوب إذ دخل له فی غرریة المعاملة فإن الغرر لم یرتفع بالتزام البائع بصحة المعاملة حتی یلزم الغرر من تبریه من العیوب بل انما ارفع بعلم المشتری بصحة المبیع أو برؤیته أو بإخبار شخص آخر و قد تقدم ما ینفعک فی خیار الرؤیة ظاهرا و علی هذا فلا بدّ فی المقام من التفصیل بین ما کان ارتفاع الغرر عن البیع بالتزام البائع بصحة المبیع فلا یصح التبری لکونه موجبا للغرر و بین ما کان ارتفاع الغرر بغیر جهة التزامه بذلک کما عرفت فیصح التبری کما لا یخفی.

و أما إذا کان التبری من العیوب المتجددة بعد العقد فتارة یستشکل هنا من جهة لزوم الغرر و اخری من جهة کون التبری عن العیوب المتجددة إسقاطا لما لم یجب إذ لم یتعیب المبیع حال العقد حتی یجوز التبری عنه فلا یکون التبری ح إلا إسقاطا لما لم یجب.

و لکن شیء من الإشکالین لا یرجع الی محصل أما إشکال لزوم الغرر

ص:165

فهو واضح الدفع إذ الغرر فی المعاملة انما یلاحظ بالنسبة الی حال البیع و العقد لا بالنسبة الی ما بعد العقد و من الواضح أنه لا غرر فی المعاملة فی حال العقد مع التبری عن العیوب المتجددة بعد العقد بعد ما کان المشتری عالما بالمبیع و خصوصیاته و عدم العیب فیه حال العقد.

و أما إشکال لزوم إسقاط ما لم یجب فنعم حیث ان العیب لم یحصل حال العقد فیکون إسقاطه إسقاطا لما لم یجب و لکن ذکرنا مرارا أنه لا دلیل علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب إلا الإجماع و هو انما فیما لم یکن المقتضی للساقط موجودا کالإسقاط قبل العقد و فی المقام کالتبری قبل العقد حیث ان العقد موضوع للخیار فإسقاط خیار العیب قبل العقد بالتبری عن العیب فإنه یدخل تحت الإجماع القائم علی عدم جواز إسقاط ما لم یجب و أما الإسقاط حال العقد الذی هو مورد الخیار و موضوعه فلا بأس من إسقاط خیار العیب حال العقد و کک یجوز الإسقاط فی کل مورد کان المقتضی موجودا.

نعم،الإسقاط الفعلی أی إسقاط المعدوم فعلا بحیث یکون ساقطا بالفعل غیر معقول لأنه إسقاط أمر معدوم و أما إسقاط أمر استقبالی فعلا بحیث یکون ساقطا فی محلّه أی فی الاستقبال فلا بأس کما لا یخفی.

و علی الجملة فلا بأس لإسقاط خیار العیب بالتبری عنه حال العقد سواء کان العیب موجودا حال العقد أو عیبا متجددا کما هو واضح.

ثم انه ذکر المصنف أنه یندفع الغرر عن البیع مع التبری عن العیوب بالاعتماد علی أصالة الصحة و لکن یرد علیه ما ذکرناه سابقا من انه لا دلیل علی اعتبارها بوجه علی أنه لا یرفع الغرر فإنه بمعنی الخطر و هو أمر نفسانی لا یرتفع بالأصل فإنه لا یزیل الصفة النفسانیة.

قوله:ثم ان البراءة فی هذا المقام یحتمل إضافتها إلی أمور ،أقول

ص:166

حاصل کلام المصنف أن البراءة من العیوب یحتمل أن یضاف إلی أمور:

الأول:أن یتبرء من نفس العیوب بأن تبرء عن الالتزام بسلامة المبیع عن العیوب الموجودة فی المبیع حال العقد.

الثانی:ضمان العیب فقط بأن یتبرأ من الأرش فقط دون الخیار فیکون المشتری مع ظهور العیب فی المبیع مخیرا بین الردّ و الإمضاء فقط.

الثالث:أن یکون المراد من التبری عن العیب التبری عن حکمه و هو إسقاط الخیار ثم ذکر أن الأنسب إلی معنی البراءة هو الثانی و قد تقدم عن التذکرة المعنی الثالث و هو بعید عن اللفظ الا أن یرجع الی المعنی الأول.

و لکن الظاهر أنه لا فارق بین المعنی الأول و الثالث و ذلک لأنه لا معنی للتبری عن نفس العیب الذی هو مفاد الوجه الأول و توضیح ذلک أنا قد ذکرنا سابقا أنه لا معنی لاشتراط وصف فی البیع بان یبیع شیئا مع اشتراط کونه متصفا بوصف کذا أی التزم بکونه علی وصف کذا و هذا لا معنی له،بل مرجعه.

اما الی التعلیق بان یبیع علی تقدیر کون المبیع متصفا بوصف کذا.

و اما الی اشتراط الخیار علی تقدیر التخلف بأن التزم المشتری البیع علی تقدیر کون المبیع موصوفا بوصف معلوم و أما التخلف فلا یلتزم به بل یکون البیع متزلزلا.

أما التعلیق فهو یوجب البطلان فلا معنی لاعتبار الوصف فی المبیع بهذا المعنی.

و أما الثانی:فقد عرفت أن مرجعه الی جعل الخیار و علیه فمعنی التبری عن العیب أی عدم الالتزام بصحة المبیع لیس إسقاط الخیار إذ التعلیق فی البیع باطلا و اذن فیکون مفاد الوجه الأول و الوجه الثانی واحدا کما هو واضح.

ص:167

و أما الوجه الثانی:فالفرق بینه و بین الوجه الأول الذی مرجعه الی الوجه الثانی واضح إذ الوجه الأول و الثالث کما عرفت عبارة عن إسقاط الأرش دون الخیار کما هو واضح،أما أن المراد هو الوجه الأول أو الثانی فیختلف ذلک باختلاف قصد المتبری و ظهور کلامه و الظاهر من الإطلاق هو سقوط الخیار و الأرش معا.

و دعوی أن التبری من الأرش فقط لا دلیل علیه لکون الروایة دالة علی التبری علی وجه الإطلاق.

دعوی جزافیة فإن الروایة و ان کانت کک و لکن قد ثبت من الخارج من الأرش غرامة و من قبیل الحقوق فللمشتری أن یرفع الید من حقه و لم یطلب الغرامة من البائع فالتبری عن الأرش فقط مع رضاء المشتری بذلک صحیح و أما دعوی کونه إسقاطا لما لم یجب فقد عرفت جوابه و أنه لا بأس بإسقاطه فی ضمن العقد.

قوله:ثم تبری البائع عن العیوب مطلقا. أقول:قد ذکر السید فی المقام أن مقصود المصنف غیر ما هو ظاهر من عبارته فان عبارته ظاهرة فی معنی و مقصوده شیء آخر و علیه فهنا مسألتان:- الأولی:ما فهمه السید من عبارة المصنف؟ و الثانی:ما هو ظاهر کلام المصنف؟ أما الأولی:فذکر السید أن مراد المصنف أن التبری إنما یسقط الخیار فقط،و أما حکم التلف فی زمان الخیار الذی هو کونه علی من لا خیار له و هو البائع فی المقام فلا یزول و لا یسقط سواء کان التلف بسبب العیب أو غیره لعموم ما دل علی ان التلف فی زمن الخیار علی من لا خیار له.

و بعبارة أخری أن التبری انما هو مجرد سقوط الخیار و أما ما تقتضیه قاعدة التلف فی زمان الخیار من کونه علی البائع فهو باق،و لا یسقط بمجرد

ص:168

التبری فإنه یکفی فی ثبوت ذلک شأنیة الخیار أی ثبوت الخیار لو لا الاسقاط و ان لم یکن الخیار ثابتا بالفعل.

و الحاصل:أن قاعدة کون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له أعم من یکون هنا خیار بالفعل أو خیار بالشأن کما هو واضح.

و یرد علی هذه المسألة أولا أن موضوع الحکم هنا انما هو وجود الخیار الفعلی بحیث یکون هنا خیار بالفعل و أما الخیار الشأنی فلیس موضوعا لهذه الاحکام بوجه و الا فلا بدّ من الالتزام بکون التلف مطلقا فی أی وقت کان،و لو بعد شهر أو سنة ممن لا خیار له فیما إذا لم یلتفت المشتری الی العیب إلی سنة مثلا،بل أکثر و تلف المبیع بعد هذه المدة لا بإتلاف المشتری و التفت المشتری بالعیب حین التلف فإنه علی هذا فجمیع أوقات وجود المبیع عند المشتری زمن خیار الشأنی کما هو واضح مع أنه لم یلتزم به أحد.

و بعبارة أخری أن ما هو موضوع لهذه القاعدة أعنی الخیار الفعلی قد سقط قطعا بتبری البائع و ما هو لیس موضوعا لها اعنی الخیار الشأنی و التقدیری فهو باق فی بعض الأحیان إلی الأبد.

و ثالثا:أن قاعدة کون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له انما هو فی خصوص خیار الحیوان و الشرط بالنص و فی خیار المجلس إلحاقا و أما الخیارات الأخر فلا تجری فیها هذه القاعدة و من الواضح ان خیار العیب من جملة تلک الخیارات التی لا مرتع فیه لهذه القاعدة کما هو واضح.

و أما المسألة الثانیة التی هی ظاهر عبارة المصنف فهی أنه إذا تبری البائع من عیب السلعة و تلف المبیع فی زمان خیار آخر للمشتری کخیار الحیوان و الشرط و المجلس فهل یکون ضمانه علی البائع أولا بل یکون ضمانه للمشتری أیضا لتبری البائع عن العیب فالظاهر هو ان الضمان هنا

ص:169

علی البائع فإنه لا منافاة بین تبری البائع عن العیب و بین ثبوت الضمان علیه من جهة کون التلف فی زمان الخیار من غیر جهة العیب فإن إطلاق ما دل علی أن التلف فی زمن الخیار من مال من لا خیار له فحکم هنا فلا مخصص له بوجه و اذن فیکون التلف هنا من البائع لکونه فی زمان خیار الحیوان مثلا،لا من المشتری،بل لا دلالة فی لفظ التبری علی کون التلف فی زمن خیار المشتری من المشتری إذ التبری من العیب أی ربط له بذلک بل لا یسقط الضمان عن البائع حتی بصراحته بالتبری مطلقا مستتبعا العیب حتی لو تلف المبیع به فی زمان خیار المشتری کما إذا کان المبیع حیوانا فتلف فی ضمن ثلاثة أیام فهذا حکم شرعی لا یسقط بالإسقاط و تقدم أن الحکم و الحق کلاهما حکم شرعی،إلاّ ما یسقط بالإسقاط نسمی حقا و ما لا یسقط به نسمی حکما.

و علی الجملة فکون التلف فی زمن الخیار من البائع حکم شرعی لا یسقط بالتبری و لا نعرف خلافا فی هذه المسألة الا عن الشهید فی الدروس حیث قال لو تبرأ البائع من عیب فتلف به فی زمن خیار المشتری فالأقرب عدم ضمان البائع و کذا لو علم المشتری به قبل العقد أو رضی بعده و تلف فی زمان خیار المشتری.

ثم قال:و یحتمل الضمان لبقاء علاقة الخیار و قد ظهر مما ذکرناه أنه لا وجه لمخالفة الشهید و نفی الضمان عن البائع مع التلف ح کما لا وجه لقوله و یحتمل الضمان لبقاء علاقة الخیار فإنه لا معنی لتوهم هذه العلاقة إذ لو کان المراد بها هو خیار الحیوان فقد تبرأ البائع منه و ان کان المراد به غیر خیار الحیوان فهو و ان کان صحیحا و لکن لا ربط له بخیار العیب حتی یقال ان علاقة الخیار باقیة.

و بعبارة أخری أن خیار العیب قد زال بتبری البائع فلم یبق منه شیء

ص:170

أصلا و الخیار الذی هو موجود فعلا و تلف المبیع فی زمنه اعنی خیار الحیوان لیس من متعلقات خیار العیب بوجه فلا وجه لکلامه بوجه.

ثم ذکر أن الاشکال أقوی فیما لو تلف المبیع بالعیب السابق و بالعیب المتجدد فی زمن الخیار الآخر کخیار الحیوان و وجه الأقوائیة هو أن البائع إنما تبرأ من العیب السابق الموجود حال العقد لا من العیب الحادث بعده فیکون اشکال کون الضمان علی المشتری دون البائع قویا بل لا بدّ و ان یکون الأمر بالعکس و لکن قد عرفت أن الضمان فی جمیع ذلک علی البائع لإطلاق ما دل علی کون التلف(فی زمان خیار الحیوان و الشرط و خیار المجلس بالإلحاق)من البائع فلا مخرج عن ذلک و أن هذا حکم شرعی لا یسقط بالتبری حتی مع التصریح بذلک و أن التبر لا یدل علی ذلک و علی أزید من التبری من الأرش و الخیار أی علی إسقاط الأرش و الخیار.

قوله:ثم ان هنا أمورا یظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الأرش بها، أقول:

ذکر الأصحاب أمورا یسقط بها الأرش و الردّ
منها زوال العیب

قبل العلم به

و قد صرح العلامة بذلک فی غیر موضع من التذکرة،و مال الیه جامع المقاصد و اختاره فی المسالک بل ذکر فی التذکرة فی أواخر فصل العیوب أنه یسقط الأرش و الردّ بعد العلم بالعیب أیضا و قد فصلّ المصنف هنا بین الرد و الأرش و التزم بسقوط الردّ دون الأرش و أفاد فی وجه ذلک أن الظاهر من الأدلة خصوصا بملاحظة أن الصبر علی العیب ضرر هو ردّ المعیوب و هو الذی یکون حین الرد متلبسا بالعیب و أما ما کان معیوبا سابقا فزال عیبه فلیس بموضوع للردّ و توهّم استصحاب الخیار هنا فاسد لارتفاع موضوعه فلا أقل من احتمال ارتفاع موضوعه فیکون بلا موضوع فلا یکون متعهدا لإثبات توسعة الحق هذا هو الوجه لجواز الرد و أما الوجه لجواز مطالبة الأرش فلأنه قد ثبت جواز مطالبة الأرش فیما کان وصف الصحة مفقودا

ص:171

فی المبیع حین العقد فقد استقر الأرش علی ذمة البائع بالعقد فسقوطه یحتاج الی دلیل خصوصا بعد ما علم المشتری بالعیب و زال،و الصحة الحادثة لا تمنع عن ذلک لکونها حادثة فی ملک المشتری.

و علی الجملة فذمة البائع مشغولة بذلک فسقوطه عنها یحتاج الی دلیل کما هو واضح.

ثم ذکر أنه لم یتعرض لهذا الفرع أحد قبل العلامة و ان احتمل دخوله تحت القاعدة المذکورة للشافعیة من الزائل العائد کالذی لم یزل أی وصف الصحة التی کانت مفقودة و عادة کالذی لم یزل فلا یکون المبیع فی حکم المعیوب فعلا أو کالذی لم یعد فیکون فی حکم المعیوب ثم ذکر أنه لا دلیل علی هذه القاعدة و لا شیء تحتها فإنها مجرد عبارة،بل نحتاج فی کل مورد الی الدلیل الخاص و قد عرفت أن مقتضی الدلیل فی المقام هو سقوط الردّ دون الأرش.

أقول:أن المستفاد من الروایة کما أن موضوع الرد،هو المعیوب الفعلی أی ما کان متلبسا بالعیب فعلا و کذلک موضوع جواز مطالبة الأرش أیضا هو المعیوب الفعلی لا ما کان معیوبا حین العقد فان الرد و الأرش قد ثبتا فی الروایات معا من أنه إذا کان المبیع معیوبا کان له الرد و الأرش علی نحو التخییر أو أنه مخیّر بین الردّ و الإمضاء قبل التصرف و أما بعده فیکون له مطالبة الأرش فقط،علی ما تقدم من المصنف و اخترناه أیضا فی مورده استنادا الی ظاهر الأدلة فلا یستفاد من الأدلة أن موضوع الرد هو المعیوب الفعلی دون موضوع الأرش و ان کان یستفاد ثبوت الأرش بعد سقوط الرد لا التخییر من الأول کما هو واضح.

نعم،لو قلنا بان وصف الصحة یقابل بالمال فیکون فی مقابله حین العقد ثمن أیضا،فلما ذکره المصنف وجه حیث أن ما قابل من الثمن فی

ص:172

مقابل وصف الصحة قد أخذه البائع بلا استصحاب منه لفوات مقابله أعنی وصف الصحة فیبقی مشغول الذمة ما لم یخرج عن عهدته سواء زال العیب و عاد وصف الصحة أم لا،و لکن قد عرفت سابقا ان هذا المبنی فاسد من أصله و لم یلتزم به المصنف أیضا،بل وصف الصحة یوجب زیادة المالیة و هو واسطة لا زیادة المالیة فی المبیع و زیادة ثمنه کما هو واضح و لذا لا یجب للبائع دفع الأرش قبل مطالبة المشتری ذلک کما هو واضح و علیه فلا یبقی مجال لما ذکره المصنف هنا،بل یسقط الأرش بزوال العیب کما یسقط الرد أیضا.

و قد ذکر السیّد أن الانصاف هو عدم الفرق بین الرد و الأرش و دعوی استقرار الثانی بالعقد دون الأول کما تری و ظهور الدلیل فی رد ما هو متلبس بالعیب مشترک الورود فانا نقول بالنسبة إلی الأرش أیضا کذلک خصوصا مع أن الأرش غرامة لا یثبت الا بعد مطالبته و التحقیق سقوطهما معا للظهور المذکور و علی الجملة فلا فارق بین الرد و الأرش بحسب الدلیل هذا.

و لکن یمکن أن یقال أولا انه ینبغی أن یعکس الأمر بأن یسقط الأرش دون الرد أما سقوط الأرش فمن جهة ما عرفت من کون موضوعه هو المبیع المعیوب و الفرض أن العیب قد زال عنه فلا یثبت للمشتری جواز مطالبة الأرش من البائع فلا وجه لثبوت الأرش ح بوجه.

و أما ثبوت الرد و عدم سقوطه فمن جهة أن خیار العیب کخیار الغبن و الرؤیة انما هو ثابت بحسب الشرط الضمنی علی کون المبیع صحیحا حال العقد و المفروض أنه غیر صحیح فیکون له خیار تخلف الشرط فلا دلیل علی سقوطه بعده و ان کان العیب زائدا بعده فإنه انما زال فی ملک المشتری دون البائع کما إذا اشتری زید عبدا من عمرو فاشترط علیه أن یکون العبد کاتبا و لکن لم یکن کاتبا حال العقد و قد تعلّم الکتابة بعده فإنه لا شبهة فی

ص:173

ثبوت خیار تخلف الشرط للمشتری،و ان کان کاتبا الا أنه انما حصل فی ملک المشتری دون البائع و من هنا ذکرنا أن الروایة الدالة علی ثبوت خیار العیب انما ثبت علی طبق القاعدة لا علی خلافه کما هو واضح.

نعم ثبوت الأرش هنا لخصوص الروایة لا بحسب الشرط الضمنی فإنه لا یتکفل علی ذلک.

و لکن التحقیق أن یقال بثبوت الرد و الأرش کلیهما و ان زال العیب بعد العقد فتکون النتیجة هو أن الزائل العائد کالذی لم یعد فکأن وصف الصحة الزائل لم یعد و تقریب ذلک أن غیر روایة زرارة من الروایات الدالة علی ثبوت الردّ و الأرش و ان کانت ساکتة عن صورة زوال العیب من المبیع المعیوب حال العقد و المستفاد منها أن موضوع الردّ و الأرش انما هو المعیوب الفعلی فإنه فی هذه الصورة اما نقول بالرد و الأرش تخییرا أو بالرد أولا،و مع سقوطه فبالأرش کما تقدم و بالنسبة إلی ملاحظة هذه الروایات فما ذکره السید متین جدا وفقا لما ذکره العلامة و غیره و لکن بالنسبة إلی النظر إلی روایة زرارة فالأمر لیس کک فإنه ذکر فیها أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرء به و أحدث فیه شیئا ثم علم بذلک العیب فإنه یمضی علیه البیع فیثبت له تفاوت ما بین الصحیح و المعیب و هو الأرش فیدل مفهوم هذه الروایة علی عدم مضی البیع إذا لم یتبرء البائع من العیب و لم یعلم المشتری بذلک حال العقد و لم یحدث فیه حدثا فإنه إذ التفت المشتری بذلک العیب بعد العقد فیکون له الردّ و لیس فی الروایة أنه یسقط الردّ بعد زوال العیب،بل هی مطلق بالنسبة الی حال زوال العیب أیضا فلا دلالة فیها أن الرد أنما یثبت إذا کان العیب موجودا حال الرد،بل بکلمة ذلک یشعر البغیر مشیرا الی العیب بکفایة وجود العیب حال العقد فقط فی جواز الردّ مطلقا حتی بعد الزوال کما هو واضح و عین هذا البیان

ص:174

جار فی ثبوت الأرش أیضا بعد زوال العیب فإنه مذکور مع الرد فی هذه الروایة و موضوعه انما هو ثبوت العیب فی المبیع حال العقد سواء زال بعده أم لم یزل،کما هو واضح،و قد عرفت ان هذه الروایة و ان لم تکن صحیحة و لکنها معتبرة.

قوله و منها التصرف بعد العلم بالعیب،

أقول:ان الکلام فی کون التصرف بعد العلم بالعیب الذی یوجب الحدث فی المبیع یقع فی جهتین الأولی:فی أن التصرف هل یسقط الرد و الأرش معا أو لا.

و الجهة الثانیة:فی أنه هل تشمل أخبار الأرش صورة التصرف الموجب للاحداث بعد العلم بالعیب أم لا.

أما الکلام فی الجهة الأولی فی أن التصرف هل یسقط الرد و الأرش معا أو لا

فنقول:ان کان التصرف مسقطا تعبدیا کما فی التقبیل للجاریة و رکوب الدابة و وطی الجاریة و غیر ذلک من التصرفات التی هی مسقطة بالتعبد فلا دلالة فی ذلک علی سقوط الأرش بوجه،فان سقوط الرد بالتصرف تعبدا غیر مربوط بسقوط الأرش به مع وجود الدلیل علی ثبوت الأرش،بل قد ثبت الأرش فی مورد التصرف فی الجاریة بالجماع و لم یمنع ذلک الجماع عن ثبوت الأرش کما لا یخفی و ان کان التصرف مسقطا للردّ لکونه کاشفا عن الرضا بالعقد و الالتزام به فلا یکون البحث عن سقوط الرد بالتصرف نزاعا کبرویا،بل یکون نزاعا صغرویا و راجعا الی أن أی تصرف هو کاشف عن الرضا بالعقد و عن سقوط الرد و الخیار و بعد کونه کاشفا عن ذلک فتنازع فی أنه هل یکون التصرف الکاشف عن الرضا بالعقد کاشفا عن الرضا بالعیب أیضا أم لا فیکون هذا أیضا نزاعا لفظیا ففی کل مورد یکون کاشفا عن سقوط الأرش فیحکم به و الا فلا یکون هنا نزاع کبروی و قد أشار المصنف الی ذلک بقوله و حیث لم یدل التصرف علی سقوط الأرش فالأصل بقاؤه و ذکر أیضا الاولی أن الرضا بالعقد لا یدل علی سقوط الأرش.

ص:175

و أما الجهة الثانیة فهی أنه هل تشمل أخبار ثبوت الأرش علی صورة

التصرف بعد العلم بالعیب أم لا

فنقول قد نقول بأن المشتری إذا اشتری مبیعا معیوبا فهو من الأول مخیّر بین الأمور الثلاثة،أما الرد أو الإمضاء مجانا أو مع الأرش علی ما ذهب الیه المشهور فح یقع الکلام فی أن التصرف یوجب سقوط الرد و الأرش أولا فالکلام ح راجع الی مسقطیة التصرف و قد تقدم الکلام فی ذلک من أنه مسقط تعبدا أو لکونه کاشفا عن الرضا.

و علی کل تقدیر فهل یکون التصرف مسقطا للرد و الأرش معا أم لا؟ و تارة نقول ان المشتری لیس من الأول مخیرا بین الرد و الإمضاء مجانا أو الأرش،بل بین الرد و الإمضاء و بعد سقوط الرد ثبت له الأرش فقط بحیث لیس له مطالبة الأرش قبل سقوط حق الرد.

ثم انه یقع النزاع فی انه بعد عدم سقوط الأرش بالتصرف فهل تشمل أخبار الأرش لصورة التصرف بعد العلم أیضا کما تشمل لصورة التصرف قبل العلم أو لا بحیث لا یکون التصرف موجبا لسقوط الأرش مطلقا سواء کان قبل العلم بالعیب أو بعده،و فی هنا سؤال الفرق بین القول بالتخییر بین الأمور الثلاثة من الأول أولا فی کون ذلک دخیلا فی شمول دلیل الأرش لصورة التصرف بعد العلم بالعیب،فذکر المصنف أن اختصاص النص بصورة التصرف،قبل العلم ممنوع،فلیراجع.

أقول:قد راجعنا الأخبار الدالة علی سقوط الأرش بالتصرف،لیس فیها ما یدل علی عدم سقوط الأرش بالتصرف بعد العلم بالعیب،بل تدل علی عدم سقوط الأرش بالتصرف قبل العلم بالعیب فقط کما هو واضح.

و قد عرفت فی روایة زرارة ذلک حیث قال علیه السلام:أیما رجل اشتری شیئا و لم یتبرء البائع من عیبه و لم ینبه علیه و أحدث فیه حدثا تم علم بذلک فإنه یمضی علیه البیع و یأخذ تفاوت ما بین الصحیح و المعیب فإنه علیه

ص:176

السلام قد عبر بکلمة ثم علم بالعیب بعد قوله و أحدث فیه شیئا و هو ظاهر فی کون التصرف قبل الاطلاع علی العیب کما هو واضح،و کک بقیة الأخبار فإنها مختصة بالتصرف الذی کان قبل العلم بالعیب،نعم فی روایة میسر و روایة عبد الملک ما یدل علی ذلک.

أما الأول:فما عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال:کان علی علیه السلام لا یرد الجاریة إذا وطئت و لکن یرجع بقیمة العیب،فإنها مطلقة بالنسبة إلی التصرف الذی کان قبل العلم بالعیب أو بعده.

و أما الثانیة:فهی ما رواه عنه علیه السلام قال لا ترد الجاریة التی لیست بحبلی إذا وطئها صاحبها و له أرش العیب،و هی أیضا مطلقة بالنسبة الی ما بعد العلم و ما قبله.

و فیه أولا:أن هاتین الروایتین ضعیفتا السند فلا تصلحان لإثبات المقصود بعد اختصاص بقیة النصوص بما قبل العلم بالعیب.

و ثانیا:أن فی روایة حماد دلالة منطوقا علی ثبوت الأرش و سقوط رد إذا کان التصرف المسقط قبل العلم بالعیب و بمفهومها تدل علی سقوط الأرش و الرد معا إذا کان التصرف بعد العلم بالعیب و الروایة هذه روی الحماد فی الصحیح عن أبی عبد اللّه علیه السلام یقول:قال علی بن الحسین علیه السلام کان القضاء الأول فی الرجل إذا اشتری الأمة فوطئها ثم ظهر علی عیب أن البیع لازم و له أرش العیب،فان مفهوم هذه الروایة هو أن الأرش ساقط إذا کان التصرف فی المبیع المعیوب بعد العلم بالعیب،و بهذا نفید إطلاق روایة میسرة و عبد الملک الدال علی عدم سقوط الأرش بالتصرف بعد العیب أیضا،و علی هذا الذی ذکرناه فیما ذکره ابن حمزة من کون التصرف بعد العلم بالعیب یکون مسقطا للرد و الأرش معا متین لعدم دلالة شیء علی ثبوته مع التصرف بعد العلم بالعیب.

ص:177

قوله:و منها التصرف فی المعیب الذی لم تنقص قیمته بالعیب کالبغلی

الخصی

أقول:قد ذکر المصنف(ره)أن من جملة ما یسقط به الأرش و الرد معا التصرف فی المعیب بالعیب الذی لا یوجب نقصا فی القیمة،و الظاهر أنه لا یناسب للمصنف أن یذکره فی المقام فان کلامنا فیما یکون بنفسه موجبا لسقوط الرد و الأرش لا فیما یکون موجبا لذلک بالضمیمة بأن یکون شیء موجبا لسقوط الردّ و شیء آخر موجبا لسقوط الأرش و یضم أحدهما إلی الأخر فیحکم بکونهما موجبا لسقوط الردّ و الأرش و ما ذکره المصنف هنا کک حیث انه ضمّ التصرف الی العیب الذی لا یوجب نقص المالیة فجعلهما قسما مما یوجب سقوط الردّ و الأرش و الحال أنه ذکر التصرف مستقلا من مسقطات الرد و ذکر العیب الذی لا یوجب نقصا فی المالیة من مسقطات الأرش کما هو واضح و بعد ذلک لا وجه لضم أحدهما إلی الآخر هذا أولا.

و ثانیا:قد عرفت فیما تقدم أن مطلق نقص الشیء عن الخلقة الأصلیة لیس بعیب فی المبیع ما لم یوجب نقصا فی المالیة و القیمة و الاّ لکان الختان أیضا عیبا فی العبد و علیه فما ذکره من المثال من کون التصرف فی البغل الخصی موجبا لسقوط الرد و الأرش لیس بصحیح حیث ان الخصاء لیس بعیب فی البغل أصلا لعدم تفاوت القیمة بذلک کما أنه فی العبد أیضا لیس بعیب لرغبة طائفة إلی الخصی و طائفة أخری الی غیر الخصی،نعم الخصاء فی مثل الفرس و نحوه یکون عیبا کما هو واضح.

و ثالثا:أنک قد عرفت فیما تقدم أن مطلق التصرف لیس بمسقط للعیب و انما المسقط انما هو التصرف الذی یوجب التغییر فی المبیع أو یکون مسقطا بالتعبد کوطی الجاریة و تقبیلها أو رکوب الدابة أو یکون التصرف بنفسه مصداقا للإسقاط الفعلی کما هو واضح و الاّ فلا دلیل علی کونه مسقطا له کما لا یخفی.

ص:178

و نعید هذا البحث لفائدة احتمالیة فنقول أنه إذا تصرف المشتری فی المبیع الذی کان معیوبا بعیب لا یوجب ذلک العیب نقصان القیمة کالخصی من البغل و نحوه،فهل یوجب ذلک الأرش و الرد أم لا،فذکر المصنف ان الأرش منتف لعدم تفاوت القیمة و الرد أیضا منتف للتصرف ثم ذکر أنه یشکل الأمر فیه بلزوم الضرر علی المشتری بصبرة علی المعیب و أجیب بأنه لیس هنا ضرر مالی لعدم نقص فیه أصلا،بل لا ضرر هنا لأن الضرر عبارة عن النقص فی المال و الأطراف و العرض فأی ضرر هنا یترتب علی سقوط الردّ کما هو واضح.

و الصحیح أن یقال أن الخصاء و نحوه فی العبد و غیره بان لم یکن عیبا کما هو الظاهر علی ما عرفت فلا شبهة فی أنه لیس هنا عیب فضلا عن ثبوت الخیار و الأرش حتی نبحث عن سقوطها بالتصرف فاصل موضوع الرد و الأرش منفی هنا و ان کان یصدق عنوان العیب علی ذلک أما سقوط الأرش فواضح لعدم ثبوته أولا فضلا عن سقوطه بالتصرف فإنه عبارة عن تفاوت ما بین الصحیح و المعیب و المفروض انتفاء التفاوت هنا کما لا یخفی.

و أما سقوط الرد فان قلنا بکون التصرف مسقطا للرد لکونه کاشفا عن الرضا بالعقد و إسقاطا عملیّا للردّ فیکون موجبا لسقوط الرد و کذلک إذا کان مسقطا علی نحو التعبد و أما إذا لم یکن کذلک کما هو الظاهر ان التصرف مسقطا تعبدا فی موارد خاصة و أنه لا یکشف عن الرضا بالعقد نوعا کما عرفت فی جواب المصنف سابقا فلا یکون التصرف ح مسقطا الخیار العیب فیکون ح إطلاقات ما دل علی ثبوت خیار العیب محکمة هذا إذا قلنا بصدق العیب علی مثل الخصی و نحوه،و اما مع عدم الصدق فقد عرفت.

نعم،إذا علم من القرائن الخارجیة أو بالصراحة أن عدم کون العبد خصیّا انما هو شرط فی ضمن العقد أی اشترط المشتری علی البائع عدم

ص:179

هذا الوصف فی ضمن العقد.

فح لا شبهة فی عدم ثبوت الأرش أیضا لا من جهة عدم تحقق التفاوت ما بین الصحیح و المعیب کما عرفت،فإنه انما یجری فیما إذا کان العیب صادقا علی هذا الوصف و کان مما لا یوجب تفاوت المالیة لا فی المقام فان المفروض هنا عدم صدق العیب علی هذا الوصف و عدم ثبوت خیار العیب بعنوانه،بل الخیار من جهة الاشتراط،لا من جهة أنه لا دلیل علی الأرش فی خیار الشرط و أما الرد فهو باق علی حاله فإنه ثابت من جهة تخلف الوصف و المفروض أن التخلف موجود و سقوطه بالتصرف لا دلیل علیه الاّ إذا کان إسقاطا عملیّا عنه،و هو منفی إلا إذا کانت قرینة علی أن التصرف إسقاط عملی للخیار و رضاء بالعقد مطلقا و هو مطلب آخر.

فتحصل أنه لا دلیل علی سقوط الرد علی فرض ثبوته لأجل خیار العیب أو لأجل تخلف الشرط.

قوله:و منها حدوث العیب فی المعیب المذکور،

أقول:قد ذکر المصنف أن اشکال لزوم الضرر علی تقدیر سقوط الأرش و الرد فی محله.

أقول:توضیح الکلام أنه إذا اشتری أحد معیبا بعیب لا یکون به قیمة السلعة ناقصة عن أصلها و حدث فیها عند المشتری حدثا فهل یکون الأرش و الردّ ساقطا هنا أم لا؟فنعید الکلام الذی تقدم فی سابقه هنا بأدنی تفاوت.

و حاصله:أنه لا شبهة فی سقوط الأرش لما عرفت من أنه تضاد ما بین الصحیح و المعیب فی الثمن و المفروض أن العیب من العیوب التی لا توجب نقصان القیمة و أما سقوط الرد فقد عرفت أن عمدة الدلیل علی سقوطه مع حدوث الحدث فی المعیب انما هو روایة زرارة و مرسلة الجمیل و من الواضح أن موضوع سقوط الردّ فیها بالحدث انما هو العیب الذی یوجب الأرش

ص:180

و لذا حکم الامام علیه السلام فیها فی فرض احداث الحدث بثبوت الأرش و سقوط الرد و هذا الموضوع منتف فی المقام فان المفروض أن العیب لیس مما یکون موجبا للأرش و کک مرسلة الجمیل و إذا لم تشمله روایة زرارة فلا یبقی هنا مانع عن شمول الأدلة الدالة علی سقوط خیار العیب هنا، فبناء علی صدق العیب علی مثل هذا الوصف یحکم بعدم ثبوت الأرش،و بثبوت الردّ کما هو واضح.

و اما إذا قلنا بعدم صدق العیب أصلا علی مثل هذا الوصف فلا یثبت خیار العیب من الأول أصلا،نعم إذا قلنا باعتبار عدم مثل هذا الوصف فی المبیع من جهة قیام القرائن الخارجیة علی اعتبار عدمه فی ضمن العقد أو اشترط عدمه فی العقد صریحا فإنه ح و ان لم یصدق العیب علی وجود هذا الوصف و لکن مقتضی الاشتراط هو ثبوت الخیار مع التخلف فیکون الخیار هنا خیار تخلف الشرط دون خیار العیب.

و أما إحداث الحدث فهو لا یوجب سقوط خیار الشرط لعدم الدلیل علیه الا إذا کان التصرف مسقطا عملیّا له و من هنا ظهر أنه لا وجه لإثبات الخیار بالاستصحاب کما فی المتن لثبوته بأدلة خیار العیب مع صدق العیب علی ذلک الوصف و بالشرط الضمنی فی صورة الاشتراط کما هو واضح فافهم و عدم ثبوت الأرش ح أیضا واضح کما تقدم.

و أما ما ذکره المصنف من ان اشکال لزوم الضرر هنا فی محله لا وجه له لما عرفت أنه لیس هنا ضرر علی المشتری أصلا فإنه عبارة عن النقص فی المال أو الأطراف أو العرض و کل ذلک منفی هنا،ثم انه إذا ثبت الرد فأراد المشتری أن یرد المبیع إلی البائع فلا بدّ له من رده علی النحو الذی أخذه کما هو مقتضی قانون الفسخ،فإنه یقتضی أن یرد المال المأخوذ من البائع علی النحو الذی أخذه المشتری منه و الاّ کان البائع متضرر منه و هو منفی

ص:181

و لا یکون ذلک معارضها بلزوم الضرر علی المشتری مع عدم الرد لما عرفت أنه لا یلزم علیه ضرر من ذلک أصلا و حیث حدث فیه حدث و لم یقم بعینها فلا یمکن رده بعینه علی النحو الذی أخذه من البائع فلا بدّ له أن یرده الیه مع الأرش و قد عرفت ذلک سابقا و عرفت أیضا الأرش هنا غیر الأرش الذی یجب علی البائع ان یعطیه المشتری علی فرض ثبوته و سقوط الرد فإنه التفاوت من الثمن ما بین المعیب و الصحیح و هذا بخلاف الأرش هنا،فإنه عبارة عن تفاوت القیمة ما بین المعیب و الصحیح،و لا تعرض له بالثمن أصلا،بل یجب بالفعل أن یقوم المبیع معیبا و صحیحا و یؤخذ تفاوت ما بین الصحیح و المعیب،سواء طابق أصل الثمن أم لا؟کما لا یخفی.

قوله:و منها ثبوت أحد مانعی الرد فی المعیب الذی لا یجوز أخذ

الأرش فیه لأجل الربا.

أقول:من جملة ما یوجب سقوط الرد و الأرش ما ذکروا من التصرف فیما إذا کان الجنسان ربویان فان تصرف المشتری هنا یمنع عن الرد و الأرش الکلام هنا مبنی علی عدم کون التصرف مانعا من مطالبة الأرش کما إذا لم یکن موجبا لسقوط الأرش اما لکونه واقعا فی حال الجهل بالعیب أو لعدم کونه أی التصرف مما یمنع عن الرد و الأرش لعدم کونه مسقطا لهما کما تقدم و أما إذا لم تجز مطالبة الأرش مع التصرف فلا مورد لهذا الکلام أصلا ثم ان الکلام هنا،هو الکلام بعینه فی المسقط السابق اعنی حدوث العیب فی المعیب بعیب لا یوجب تفاوت القیمة أما بالنسبة إلی الرد فقد تقدم أن التصرف ان کان مسقطا للرد تعبدا أو کاشفا عن الرضا بالعقد و الا فلا وجه لسقوط الرد.

أما الإسقاط التعبدی فهو مخصوص بموارد خاصة کتقبیل الجاریة و رکوب الدابة فی خیار الحیوان و أما کونه کاشفا عن الرضا بالعقد فهو نزاع

ص:182

صغروی ففی أی مورد کشف التصرف عن ذلک فهو و الاّ فلا دلیل علی سقوط الخیار.

و أما الحداث الحدث الذی هو قسم خاص من التصرف فقد عرفت أنه انما یوجب سقوط الرد فیما إذا کان المورد مورد ثبوت الأرش و الرد معا و المفروض ان المورد لیس کذلک لعدم ثبوت الأرش لوجود المانع عنه و هو لزوم الربا فلا یکون المورد مشمولا لدلیل سقوط الرد و ثبوت الأرش و هو روایة زرارة و مرسلة الجمیل إذا فلا وجه لسقوط الرد هنا أی فیما إذا کان العوضان متجانسین و کان المبیع معیبا و تصرف فیه المشتری قبل العلم بالعیب مثلا.

و أما الأرش فقد ظهر مما ذکرناه أنه منفی للزوم الربا علی الفرض بناء علی قبوله،و الاّ فقد عرفت عدم لزوم الربا فی ثبوت الأرش لعدم کونه جزء من الثمن و الاّ کان البائع مشغول الذمة من الأول و لم یتوقف علی مطالبة المشتری بل الأرش غرامة و من مستتبعات العقد کما لا یخفی،هذا ما یرجع الی أصل المسألة.

و لکن للعلامة هنا کلام آخر قد فسّره المصنف فیتفرق به هذا المقال عن سابقه حیث ذهبا الی وجود المانع من الرد أیضا و حاصل کلامهما یبتنی علی مقدمتین:- الاولی:أن وصف الصحة فی الربویات لا تقابل بالمال لکونه مستلزما للربا فیکون موجبا لبطلان البیع من الأول و ذلک لأنه إذا باع جنسا بجنس کان کل منهما فی مقابل الآخر علی نحو التساوی و إذا کان فی مقابل الوصف شیء الآخر فیلزم أن هذا الطرف زائدا عن الطرف الآخر فان الطرف الآخر قد وقع مقدار منه فی مقابل هذا الطرف،بخلاف العکس و یکون ما یؤخذ فی مقابل وصف الصحة زائدا علی الطرف الآخر فیکون موجبا للربا،فیکون

ص:183

البیع باطلا من الأول فوصف الصحة فی الربویات کوصف الکتابة فی غیر الربویات فی عدم مقابلتهما بالمال.

المقدمة:الثانیة أن قانون الفسخ یقتضی ردّ کل عوض علی مالکه علی النحو الذی أخذه من مالکه فضم هذه المقدمة إلی سابقها ینتج أن التصرف فی الجنس الربوی المعیب یوجب سقوط الرد و الأرش معا و ذلک لأنه إذا رده المشتری فلا بدّ و أن یرد المبیع إلی البائع علی النحو الذی أخذه و قد فرضنا أنه حین ما أخذه من البائع لم یکن وصف الصحة یقابل بالمال و الاّ لبطل البیع من الأول و حیث لم یقابل بالمال من الأول فلا یقابل بالمال حین الفسخ أیضا و من هنا یبطل التقابل مع اشتراط الزیادة أو النقیصة فی أحد العوضین فإذا استرد المشتری الثمن لم یکن علیه الاّ رد ما قابله من المبیع لا غیر و السر فی ذلک أن معنی الفسخ و التفاسخ هو البطلان العقد الأول و إرجاع مال کل من المتعاملین الی صاحبه علی النحو الذی أخذ منه و حیث لم یکن أحد العوضین زائدا عن الآخر فلا یجوز أن یکون زائدا بالتقابل أیضا و کذا فی الفسخ فإنه إذا لم یکن وصف الصحة مقابلا بالمال فی أصل العقد لا یکون کذلک حین الفسخ أیضا،و الاّ فلا بدّ من التقابل بالمال من الأول فیلزم الربا علی الفرض و علی هذا فیسقط الرد و الأرش،أما الأرش فلما عرفت من کونه مستلزما للربا فلا یکون ثابتا و أما الرد فلانه ضرر علی البائع بدون الأرش فیکون ساقطا و اذن فلا یثبت الردّ و الأرش فیما إذا کان المبیع معیبا و من الربویات و حدث فیه عیب عند المشتری.

و فیه أن ما أفاداه من عدم کون وصف الصحة فی الربویات مقابلا بالمال و ان کان صحیحا الاّ أن الأمر کذلک فی غیر الربویات أیضا فإن الأوصاف مطلقا سواء کانت أوصاف الصحة أو أوصاف الکمال و سواء فی الربویات أم فی غیرها و

ص:184

انما هی توجب زیادة المالیة فقط،فهی واسطة فی ثبوت المالیة للموصوف و علی هذا فلا مورد لکلام المصنف و العلامة من أن الوصف من الأول لا یقابل بالمال فی الربویات لکونه موجبا للزوم الربا،و أما ردّ المعیب مع حدوث العیب فیه عند المشتری مع التفاوت فأیضا لیس من جهة کون وصف الصحة مقابلا بالمال،بل من جهة أن مقتضی قانون الفسخ هو رد کل من العوضین علی مالکه علی النحو الذی أخذه و من الواضح أن قیمة الصحیح أکثر من قیمة المعیب فلا بدّ و أن یردّه الی مالکه مع هذا التفاوت بمقتضی ضمان الید،و لا یلزم الربا هنا فان ضمان المشتری التفاوت ما بین الصحیح و المعیب،لیس من جهة الضمان المعاملی،بل من جهة ضمان الید،فإنه بعد فسخ المعاملة فیکون علیه رد مال البائع الیه علی النحو الذی أخذه بمقتضی الید،فکأنه لم تحقق هنا معاملة أصلا فکما أنه مع عدم تحقق المعاملة فلا بدّ لمن وضع یده علی مال الغیر أن یرده الیه علی النحو الذی أخذه لأن علی الید ما أخذت حتی تؤدی فکذلک فی المقام و الاّ فلازم ذلک أنه لو غصب أحد مال غیره فزال وصف الصحة عنده أن لا یضمن ذلک بدعوی أن وصف الصحة لا یقابل بالمال،و هی بدیهی البطلان،و لم یلتزم به أحد و علی هذا فإذا رد المشتری العین المعیبة التی حدث فیها عیب عنده فلا بدّ له أن یرده مع الأرش أی مع التفاوت الواقعی ما بین الصحیح و المعیب و یکون المقام ح نظیر المقبوض بالسوم إذا زال وصف الصحة عند الأخذ أو تلف فلا وجه لنفی کون المقام مثله کما ذکره المصنف.

ثم علی تقدیر التنزّل و الالتزام یکون الأرش مستلزما للربا بلزوم رد مثل أو القیمة إذا أراد المشتری الرد و ذلک لأن الالتزام بعدم جواز الرد أصلا

ص:185

ضرر علی المشتری و الالتزام بجواز رده بدون الأرش ضرر علی البائع فإنه لم یکن ماله حین إعطائه للمشتری معیوبا بالعیب الذی حدث عند المشتری و ردّه الی البائع مع الأرش مستلزم للربا و اذن فلا بدّ من فرض ذلک المال کالتالف و إذا فسخ المشتری العقد لکون متعلقة هو العقد فتنتهی النوبة إلی البدل،و هو المثل أو القیمة و علی الجملة فأولا لا وجه له لمنع الرد بدون الأرش من جهة لزوم الربا،بل یجوز الرد مع الأرش أی للمشتری أن یرد المبیع إلی البائع مع بذله تفاوت ما بین الصحیح و المعیب من غیر أن یلزم الربا من ذلک و مع التنزل نقول بعدم سقوط الخیار و بجواز الفسخ،و لکن لا بدّ من ردّ المثل أو القیمة دون العین المعیبة لکونه مستلزما للضرر إذا کان بدون الأرش و ان کان معه فیلزم منه الربا کما لا یخفی.

قوله:و منها تأخیر الأخذ بمقتضی الخیار.

أقول:ظاهر الغنیة إسقاطه الردّ و الأرش بلا خلاف کلیهما و ذکر فی المبسوط و الوسیلة سقوط الرد بالتأخیر وحده و اختاره المصنف أیضا و فی الکفایة إطلاق الاخبار الدال علی عدم السقوط و فی الحدائق و المسالک لا نعرف فیه خلافا و فی الریاض أنه ظاهر الأصحاب المتأخرین کافة.

و علی الجملة،فالمسألة مورد الخلاف بین الفقهاء إذا کان التأخیر مع العلم بالعیب فان الظاهر من الغنیة أنه ادعی عدم الخلاف فی سقوط الردّ و الأرش بالتأخیر و لکن المبسوط صرّح بسقوط الردّ دون الأرش و فی الکفایة ادعی عدم الخلاف فی عدم سقوطها بالتأخیر و کذا فی الحدائق، و جعل ذلک أی عدم السقوط صاحب الریاض ظاهر المتأخرین من الأصحاب أقول:

یقع الکلام فیه من جهتین:-

الاولی:فی وجود المقتضی للرد و الأرش بأن الإطلاقات یقتضی ثبوتهما عند تأخیر الردّ أم لا.

ص:186

الثانیة:فی ثبوت المانع عن الأرش و الردّ و أنه علی تقدیر تمامیة المقتضی للردّ و الأرش و ثبوت الإطلاق بالنسبة إلیهما هل هنا مانع عن ثبوت الأرش و الرد أم لا؟

أما الجهة الثانیة فی ثبوت المانع عن الأرش و الرد

فالظاهر أنه لا مانع عن ذلک لأنه اما التصرف أو التأخیر أما التصرف فلا یکون کاشفا عن الرضا بالعقد فضلا عن الرضا بالعیب إلا إذا قامت قرینة علی ذلک فهو بعید فی مورد البحث و ثبوت کونه مسقطا للردّ فی خیار الحیوان بمثل التقبیل و نحوه انما هو بالتعبد لا لأجل کشفه عن الرضا بالعقد کما لا یخفی.

و أما التأخیر فهو أیضا لا یکشف عن الرضا بالعقد و العیب و ذلک لأن التأخیر أولا انما یکون من دواعی مختلفة من المسامحة و نحوها و لا یختص بکونه عن الرضا بالعقد و من الواضح أن الأعم لا یدل علی الأخص و علی تقدیر کونه کاشفة عن الرضا بالعقد فلا یکون کاشفا عن الرضا بالعیب و علیه فلا یکون دالا علی سقوط الأرش أیضا و ان کان دالا علی سقوط الرد کما هو واضح.

و أما الجهة الاولی فی وجود المقتضی للرد و الأرش

فبالنسبة إلی الأرش فلا کلام لنا فیه و لم یخالف فی ثبوته أحد و ان خالف صاحب الغنیة بالنسبة إلی مطلق الرد و الأرش و لکن لم یعتنی به أحد و ذلک لأن إطلاق ما دل علی ثبوت الأرش محکم فلا قصور فیه فان ما دل علیه کروایة جمیل و زرارة لیس فیه أن الأرش مخصوص بالزمان الأول فقط،و إذا تأخر یکون خارجا عن مورد الإطلاقات،بل هی شاملة لأول زمان الاطلاع علی العیب و الزمان البعد أیضا کما هو واضح و أما ثبوت المقتضی بالنسبة إلی جواز الرد بعد الزمان الأول أیضا فذکر المصنف أنه أی جواز الرد مختص بالزمان الأول فقط،لأن الإطلاقات قاصرة عن شمولها للزمان المتأخر فإنها ناظرة إلی أصل جواز الرد لا إلی

ص:187

کیفیة و أمده.

و لکن یرد علیه أن الروایات الدالة علی ثبوت الردّ أیضا مطلقة بالنسبة إلی الزمان الأول و الزمان المتأخر لعدم قصورها عن الشمول لهما بوجه فان منها روایة جمیل و قد ذکر الامام علیه السلام فیها بأن العین أن کانت قائمة بعینها فیجوز له الرد و لا شبهة فی إطلاقه إلی الزمان المتأخر عن زمان العلم بالعیب،و کذلک روایة زرارة فإنه علیه السلام ذکر أنه أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرء منه و لم ینبّه علیه و قد أحدث فیه شیئا فإنه یمضی علیه البیع فإنها تدل بمفهومها علی أنه إذا جاز الردّ لعدم تحقق الأمور المذکورة جاز له ذلک مطلقا من غیر أن یکون جواز الردّ مختصا بالزمان الأول و تشکیک المصنف فی الإطلاقات و تخصیص ذلک بأول زمان من الاطلاع علی العیب قد عرفت جوابه.

و بعبارة أخری أن وجود المقتضی للردّ و عدم وجود المقتضی له مبنی علی وجود الإطلاق لا دلالة خیار العیب و عدمه فان قلنا بثبوت الإطلاق لخیار العیب فلا شبهة فی وجود المقتضی لثبوت خیار العیب فی الزمان المتأخر عن الزمان الأول من أزمنة الاطلاع علی العیب و ان لم یکن المقتضی موجودا أی لم یکن إطلاق لأخبار خیار العیب کان الکلام من صغریات تقدم الاستصحاب علی العموم الدال علی اللزوم بالنسبة إلی الأزمنة المتأخرة و عدم تقدمه علیه أی المورد من موارد تعارض العموم و الاستصحاب،و قد تقدم فی خیار الغبن أن العمومات الدالة علی اللزوم منحلة إلی الأفراد الطولیة حسب استمرار الأزمنة کانحلالها الی الافراد العرضیة أی العمومات انما تثبت الحکم الخاص لکل فرد خاص من الافراد العرضیة و الطولیة و مع ذلک فلا یکون هنا مورد للاستصحاب بوجه کما هو واضح،فعلی تقدیر عدم وجود المقتضی للخیار فلا مناص عن القول بلزوم العقد لکون العمومات محکمة.

ص:188

و أما بناء علی القول بتمامیة المقتضی فلا شبهة فی تقدمها علی العمومات و کونها مخصّصة لها کما هو المیزان فی تقدم کل خاص علی کلّ عام و اذن فلا بدّ من التکلم فی أصل وجود المقتضی و عدمه و قد عرفت أنه تمام فی المقام فلا مانع من شمول الإطلاقات الدالة علی ثبوت الرد بالنسبة إلی الزمان الأول و الزمان المتأخر کما هو واضح.

ثم ان هنا حاشیة عجیبة للسید(ره)فإنه ذکر فی ذیل عبارة المصنف و هی قوله بناء علی ما تقدم فی سائر إلخ،حیث ذکر أن العبارة سقطا و هو عجیب،فان مراد المصنف من العبارة واضح و هو سقوط الرد بناء علی ما تقدم من أصالة اللزوم فلا سقط فی العبارة.

قوله:مسألة:قال فی المبسوط.

أقول:

إذا کان البائع جاهلا بالعیب فهو و ان کان عالما بالعیب

فهل یجب علیه إعلام المشتری بالعیب مطلقا أو لا،

ذکر فی المبسوط أنه إذا لم یبینه فعل محظورا أی محرما و علیه فیجب الاعلام مطلقا.

و الثانی:ما ذکره فی المبسوط أیضا أنه وجب علیه اما الإعلام أو التبری من العیب.

و الثالث:استحباب الاعلام کما فی التذکرة و الشرائع.

و الرابع:التفصیل بین العیب الخفی،فیجب فیه الإعلان دون الجلی فلا یجب فیه الإعلان و علی الأول فاما یجب فیه الإعلان مطلقا کما هو ظاهر جماعة،أو مع عدم التبری کما فی الدروس فالمحصّل من ظاهر کلماتهم خمسة أقول:و ذکر المصنف أن منشأ الأقوال الخمسة هو أن عدم بیانه عیب السلعة هل هو غش أم لا؟و قد تقدم تحریم الغش فی المکاسب المحرمة،فذکر السید فی حاشیته أن النسبة الغش و النصح لیست من قبیل النقیضین و لا من قبیل الضدین الذین لیس لهما ثالث،بل یمکن أن لا یکون الإنسان

ص:189

ناصحا و لا غشا کنوع الناس بالنسبة إلی نوعهم فالساکت عن شخص لیس ناصحا له و لا غاشا و علیه فالبائع و ان کان عالما بالعیب،و لکن لا یجب علیه بیان العیب و إظهاره بأنه معیوب،بل انما یحرم علیه الغش و إظهار السلعة علی نحو یتخیل المشتری أنه صحیح و أما السکوت عن ذلک فلا و للمشتری أن یدقّ النظر فی السلعة و یسأل من البائع أو من شخص آخر أن فی المبیع عیب أم لا.

کان الکلام فی بیع المعیب مع العلم بکونه معیبا فقد عرفت أن الأقوال فیه خمسة بالنسبة إلی الحکم التکلیفی:

الأول:وجوب الاعلام مطلقا.

الثانی:وجوبه إذا لم یتبرء أو مع التبری.

الثالث:استحباب الاعلام.

الرابع:التفصیل بین العیب الجلی و العیب الخفی و علی الثانی یجب الإعلام اما مطلقا أو مع عدم التبری و أما مع کون العیب جلیّا فلا یجب الإعلان فذکر المصنف أنّه یجب الاعلام من جهة أن عدمه إخفاء العیب فهو غش فالغش حرام علی ما عرفت فی الجزء الأول من دلالة الروایات الکثیرة علی حرمة غش المسلم فی البیع و الشراء و أنه لیس منا من غش مسلما و من الواضح أنه لا شبهة فی صدق الغش علی عدم بیان عیب المتاع و أورد علیه السیّد فی حاشیته بان الغش مع النصح لیس من قبیل الضدین الذی لا ثالث لهما و لا من قبیل المتناقضین،بل هما من قبیل العدم و الملکة،أو الضدین الذی لهما ثالث فإذا لم یناصح أحد أخاه فلیس لازمه أن یکون غاشا،بل لا یکون غاشا و لا یکون ناصحا أیضا کأکثر الناس و من الواضح أن البائع إذا لم یبین عیب متاعه لا یلزم أن یکون غاشا،بل لا یکون غاشا و لا ناصحا،فان مجرّد بیع المعیب لیس غش و قد تقدم فی حرمة الغش جواز

ص:190

بیع المعیب إذا کان ظاهرا کما فی صحیحة محمد بن مسلم هذا ملخص ما ذکره السید فی المقام.

و لکن الظاهر أنه لا شبهة فی صدق الغش علی بیع المعیوب مع السکوت عن عیبه و عدم التبری منه و عدم کون العیب جلیّا بحیث یظهر للمشتری أنه معیوب لا أن یکون بحیث یکون ظاهرا لغیر المشتری فإنه إخفاء العیب عن المشتری و لا یقاس ذلک بالشخص الثالث فإنه إذا سکت عن بیان العیب لا یکون غاشا و لا إذا سئل عنه و سکت فإنه ح یکون غاشا و هذا الوجه یمکن المناقشة فیه بأنه لا معنی للالتزام بالوصف الخارجی إلاّ رجوعه الی الخیار کما عرفت سابقا و هو لیس الا الحکم الوضعی و لا بدّ هنا ببیان و توضیح و حاصله أن بناء العقلاء قائم علی أنه إذا سکت البائع عن بیان العیوب فی المبیع یکون سکوته هذا منجز له أنه حکم بصحة المبیع فهو کالتصریح بالصحة و یکون ذلک إخفاء فیکون محرّما کما هو واضح.

و الوجه فی ذلک ما عرفته سابقا من ان البائع بسکوته عن إظهار العیب فی المعیب یلتزم بسلامته بحسب بناء العقلاء و إذا سکت عن بیان العیب و لم یتبرأ و لم یکن العیب جلیّا فلا شبهة فی التزامه بسلامة المبیع عن العیب و لیس هذا الاّ کالتصریح بأنه لیس بمعیب و اذن فیکون غاشا للمشتری.

نعم،إذا تبرأ من العیب فلا یکون منه ح التزام علی الصحة و هکذا إذا کان العیب جلیّا بحیث أن المشتری یراه لا بحیث لا یراه لغفلة منه أو لا یلاحظه اعتمادا علی أصالة الصحة کما هو واضح و المذکور فی الصحیحة من جواز بیع المعیوب و عدم کونه غشا انما هو فرض کون العیب جلیّا فلا تکون الصحیحة مدرکا للسید و اذن فالصحیح هو القول الثانی أعنی وجوب الإعلان مع عدم التبری فیما یکن العیب جلیّا للمشتری،هذا بالنسبة إلی

ص:191

الحکم التکلیفی.

و أما بالنسبة إلی الحکم الوضعی أعنی بطلان البیع بالغش و عدم بطلانه ففی جامع المقاصد أنه ینبغی بطلان البیع فی مثل شوب اللبن بالماء لأن ما کان من غیر الجنس لا یصح العقد فیه و الآخر مجهول الا أن یقال أن جهالة الجزء غیر مانعة ان کانت الجملة معلومة کما لو ضم ماله و مال غیره و باعهما ثم ظهر البعض مستحقا للغیر فان البیع لا یبطل فی ملکه و ان کان مجهولا قدره وقت العقد،انتهی.فلا بدّ من التکلم فی أقسام المعیوب لیتضح کلام جامع المقاصد فی أی مورد،أقول:توضیح المسألة أن الغش تارة یکون من المزج و أخری من غیر المزج فالمزج علی أقسام أربعة:

الأول:أن یکون المزج علی نحو یکون الخلیط مستهلکا فی الشیء المخلوط کمزج الماء باللبن علی نحو لا یخرج اللبن عن حقیقته،بل یصدق علیه الحلیب عرفا.

الثانی:أن یکون اللبن مثلا مستهلکا فی الآخر أی فی الخلیط بحیث لا یصدق علیه اللبن عرفا،بل یقال انه ماء قد امتزج فیه مقدار من اللبن.

الثالث:أن لا یبقی عنوان کل من الممتزجین بعد الامتزاج بل یتشکل هنا عنوان ثالث و حقیقة ثالثة کمزج الخل بالسکر فإنه یوجب تشکیل حقیقة أخری غیر الخل و السکر و یقال له السکنجبین.

الرابع:أن لا یستهلک أحدهما فی الأخر بعد الامتزاج کخلط التراب فی الحنطة علی نحو لا یصدق علیه أنه تراب أو حنطة أو شیء ثالث،بل یقال أنه حنطة و تراب فهل یصح البیع فی جمیع هذه الصور أو یبطل فی جمیعها أو یفصل؟ فنقول:أما إذا کان الغش من عیب آخر غیر المزج و الخلط فالظاهر هو صحة البیع مع الخیار،فإن البائع قد التزم بحسب بناء العقلاء علی صحة المبیع و کونه واجدا لوصف الصحة و قد عرفت سابقا أنه لا معنی للالتزام

ص:192

بالوصف الخارجی إلا تعلیق البیع علی وجوده و لزوم البیع علی تقدیر وجوده فحیث کان الأول باطلا مع کون المفروض هو صحة البیع فیتعین الثانی فیکون البیع صحیحا مع الخیار و ان کانت المعاملة حراما تکلیفا و علی هذا فلا شبهة فی صحة البیع کما هو واضح،و قد عرفت سابقا أن خیار العیب علی طبق القاعدة و الاخبار الواردة فیها وردت علی طبق القاعدة.

و أما إذا کان الغش من جهة المزج فان کان المزج من قبیل القسم الأول بأن یکون الخلیط مستهلکا فی المبیع کشوب الماء فی اللبن کان البیع صحیحا لتحقق الصورة النوعیة العرفیة و هو عنوان اللبن الذی هو مبیع غایة الأمر یکون له خیار العیب أو خیار تخلف الوصف و هذا واضح و ان کان المبیع مستهلکا فی الخلیط کأن لا یصدق عنوان المبیع علی الشیء الموجود الخارجی بأن کان الماء فی اللبن بحیث لا یصدق علیه عنوان اللبن و انما یصدق علیه عنوان الماء الذی امتزج فیه اللبن و علی هذا فلا شبهة فی بطلان البیع لتخلف الصورة النوعیة المعتبرة فی صحة البیع الواقع علی العین الخارجیة علی ما ذکرناه مرارا فان ما وقع علیه البیع غیر موجود و ما هو موجود لم یقع علیه البیع و من هنا یظهر حکم القسم الثالث من الاستهلاک فان الامتزاج قد أوجب تحقق عنوان ثالث لم یقع علیه البیع کما هو واضح.

و أما القسم الرابع:فهو مرکز الاختلاف و مورد کلام جامع المقاصد من الحکم ببطلان البیع للجهالة أو عدم بطلانه و أما الأقسام المتقدمة فلیست موردا لذلک لما عرفت من أنها اما صحیحة مطلقا مع الخیار أو باطلة کذلک و الصحیح هو الحکم بصحة البیع فی الجزء الذی وقع علیه البیع و بالبطلان بالنسبة إلی الجزء الآخر الذی لم یقع علیه البیع کما إذا باع منین من الحنطة فظهر أحدهما ترابا و المن الآخر حنطة بحیث یصدق علی کل منهما أنه حنطة أو تراب،فلا وجه لصحة البیع فی المجموع فان المفروض أن نصفه لم

ص:193

یقع علیه البیع و لا وجه للقول بالبطلان فی المجموع لأن المفروض أن نصفه مما وقع علیه البیع فیحکم بالصحة فی النصف و بالبطلان فی النصف الآخر کما هو مقتضی انحلال المبیع الی مبیعات متعددة و انحلال البیع الی بیوع عدیدة غایة الأمر یثبت للمشتری خیار تخلف شرط الانضمام و تبعض الصفقة خصوصا إذا کانت الهیئة الاجتماعیة دخیلة فی مالیة المبیع أو فی غرض المشتری کما هو واضح.

ثم ان هنا اشکالا آخر و هو أن المبیع ح یکون مجهولا فیکون البیع باطلا للجهالة لعدم العلم بأن الحنطة هنا أی مقدار و فیه انک قد عرفت فیما سبق فی اعتبار الوزن و الکیل فی المکیل و الموزون أنه إذا کانت الجملة معلومة فیصح البیع و ان لم تکن الأجزاء معلومة و لا دلیل علی اعتبار العلم بالعوضین أزید من ذلک.

فی اختلاف المتبایعین
اشارة

قوله:مسائل فی اختلافی المتبایعین.

أقول:توضیح الکلام هنا أن الاختلاف یقع فی صور ثلاثة فإنه تارة یقع فی موجب الخیار و أخری فی مسقطة و ثالثة فی الفسخ.

أما الصورة الأولی الاختلاف فی موجب الخیار
اشارة

ففیه مسائل:

الاولی:لو اختلفا فی تعیب المبیع و عدمه مع تعذر ملاحظته

لتلف أو نحوه

فذکر المصنف أن القول هنا قول المنکر بیمینه و المراد منه هو البائع غالبا لأن الأغلب أن المشتری یدعی العیب و البائع ینکره.

و توضیح الکلام هنا أنه إذا اختلف البائع و المشتری فی تعیب المبیع بأن یختلفا فی کون المبیع معیوبا قبل العقد و عدمه بحیث فعلا أی بعد

ص:194

العقد أیضا لم یثبت کون المبیع معیوبا فهذا لا یخلو عن صور:

الاولی-أن یکون المبیع قبل العقد معیوبا و لکن یدعی البائع زوال العیب و عدم بقائه إلی زمان العقد،فح فالأصل بقاء العیب الی زمان العقد فوقوع العقد محرز بالوجدان و بقاء العیب الی زمان العقد محرز بالأصل فیتم الموضوع المرکب فیترتب علیه الحکم و علی هذا فالقول قول المشتری الذی یدعی کون المبیع حال العقد معیوبا و لا بدّ للبائع من إثبات أنه لم یقع العقد علی المبیع المعیوب،و ح فیحلف المشتری و ان کان المبیع قبل العقد سالما عن العیب و لکن یدعی المشتری تعیبه حین العقد و أن العقد انما وقع علی المعیب دون الصحیح و ح فالقول قول البائع لأصالة بقاء المبیع علی حالته الأولیة و ح فیحلف البائع فلا بدّ للمشتری أن یثبت أن المبیع کان معیوبا کما هو واضح.

و إذا لم تکن له حالة سابقه أو کانت و لکن تبادلت الحالتان بحیث کانت تبادل الحالتین مانعة عن جریان الاستصحاب کما ذهب الیه صاحب الکفایة أو لم تکن مانعة عن جریان الاستصحاب فی نفسه و انما سقط للمعارضة فح بناء علی ما ذکرنا من جریان الاستصحاب فی الاعدام الأزلیة فنرجع الی الاستصحاب العدم الأزلی فنقول أن طبیعی البیع و ان تحقق فی الخارج مسلما و لکن نشک فی وقوعه علی ما به عیب أو عوار الذی هو موضوع الحکم فی خیار العیب علی ما هو مقتضی روایة زرارة و نقول الأصل عدم وقوع العقد علی ما فیه عیب أو عوار و یکون ذلک مثل نفی الوصف عن المرأة القرشیة لا نفی أصل الموضوع لأن طبیعی البیع محقق فی الجملة فی الخارج و بهذا الأصل أیضا نثبت عدم وقوع البیع علی المعیب فیثبت به موضوع الحکم و علی تقدیر التنزّل من ذلک و عدم جریان الاستصحاب العدم الأزلی فتنتهی النوبة إلی الأصل الحکمی.

ص:195

و نقول انه ثبت بالأدلة القطعیة و القواعد العامة أنه لا یحل مال امرء مسلم الا بطیب نفسه و من الواضح أن مال المشتری و هو الثمن قد صار مال البائع بالمعاملة فنشک فی أنه هل یکون مال المشتری أیضا أم لا، فنقول الأصل عدمه فنستصحب مالکیة البائع أو نتمسک بالعمومات الدالة علی حرمة التصرف فی مال الغیر کما هو واضح.

و لکن یمکن المناقشة فی ذلک من جهة أن التمسک بالعمومات تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة حیث نشک فی أن الثمن بعد الفسخ من مال البائع أم لا،فلم نحرز کونه من مال البائع حتی نتمسک بالعام بل هو مشکوک أو أما استصحاب الملکیة أی ملکیة البائع بعد الفسخ فهو شبیه بالاستصحاب فی الشبهات الحکمیة.

أما وجه عدم کون ذلک من الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة هو أن الشک فی الشبهات الحکمیة انما هو من ناحیة الشک فی الحکم الشرعی للشیء و هل أن حکمه أی شیء و من الواضح لا نشک هنا فی الحکم إذ مع کون المبیع معیوبا فحکمه معلوم و هو ثبوت خیار العیب للمشتری و مع عدم کونه معیوبا فلا خیار له فلا نشک فی الحکم الشرعی،بل لا ندری أن الموضوع هو معیب أم لا.

و أما وجه کونه شبیها بالشبهات الحکمیة فمن جهة أنه لا یعلم أن المبیع کان صحیحا فتکون الملکیة الحاصلة هنا مطلقة لأن ما اشترط فیه من وصف الصحة بحسب بناء العقلاء قد تحقق فی المبیع أم لا،بل کان معیبا بان لم یکن الوصف المذکور موجودا هنا فیکون الشک فی ذلک منشئا للشک فی کون الملکیة المجعولة مطلقة أم لا فتکون شبیهة بالشبهات الحکمیة حیث نشک أن ملکیة البائع مجعولة علی نحو الإطلاق أو کانت مقیدة بعدم کون المبیع معیوبا فیکون مخدوشا و العمدة ما ذکرناه من التمسک بالأصل الموضوعی و

ص:196

هو استصحاب العدم الأزلی.

و أما الاعتماد علی أصالة الصحة و السلامة علی ما ذکره المصنف فیما تقدم و فیما یأتی أشار إلیها السید فی حاشیته فلا وجه له،فإنه لا دلیل علی اعتبار أصالة السلامة أصلا،فإنه لم یقم بناء من العقلاء علی أن الأصل فی الأشیاء هو السلامة و لم نعلم مثل هذا البناء من العقلاء،بل لا معنی له أصلا فأی معنی لالتزامهم علی أن الأصل فی الأشیاء السلامة.

نعم،بناء العقلاء قائم و موجود علی کون المبیع سالما من العیوب عند البیع بمعنی أن البائع التزم بحسب بناء العقلاء علی أن یکون المبیع سالما عن العیوب و مع عدم السلامة فیکون للمشتری خیار تخلف الشرط کما هو واضح.

و أما الصورة الثانیة فهی أن یکون الاختلاف فی کون الوصف الموجود

فی المبیع عیبا أم لا،

بأن یدعی المشتری کونه عیبا و یدعی البائع عدم کونه عیبا و لم یجد فی البین أهل الخبرة حتی یرجع الیه و ح فالأصل أیضا مع البائع و أنه عدم کونه عیبا و اذن فیحلف البائع علی ذلک فلا یکون للمشتری حق الرد و حق مطالبة الأرش و ان کان البائع یعترف بکونه نقصا فی المبیع و أن قیمة المبیع یقل بهذا الوصف و لکن ینکر کونه عیبا بحیث یثبت له الأرش فإنه ثابت فی فرض کون المبیع معیبا و أما مجرد فقدان وصف یوجب نقصان القیمة فلا یکون عیبا فیکون له أی للمشتری خیار من جهة النقصان و لا یکون له الأرش کما هو واضح.

و قد عرفت سابقا أن مثل الصبغ و الخیاطة و قطع الثوب و طحن الحنطة یوجب نقص القیمة لعدم کون الناس راغبین بها علی النحو الذی یرغبون الصحیح منها و لکن مع ذلک فتلک الأوصاف لیست بعیب فی المبیع،بل أوصاف توجب نقص القیمة فله أی للمشتری رد المبیع فقط،و ان أنکر البائع کون الوصف کذلک أیضا بأن أنکر کونه أی الوصف موجبا لنقص القیمة أیضا

ص:197

فیکون مثل إنکاره أصل کونه عیبا فالأصل عدمه فیکون القول قول البائع فیحلف و للمشتری الإثبات و هذا واضح.

و أما الصورة الثالثة:فهی أن یکون المبیع معیوبا فعلا و بعد العقد

و لکن وقع الاختلاف فی کون العیب قبل العقد أو بعده

و علی تقدیر اتفاقهما علی حدوث العیب بعد العقد یقع الاختلاف فی أنه وقع فی حال ضمان البائع أو لا بان وقع العیب قبل القبض أو فی زمان الخیار أم لا فذکر المصنف هنا أن القول قول منکر تقدمه للأصل.

و لکن هذا الصورة بعینها راجعة إلی الصورة الأولی و هی أن یکون الاختلاف فی کون العقد واقعا علی المعیب فان معنی الاختلاف فی تعیّب المبیع بالعیب المعلوم الذی هو موجود بالفعل فی ملک المشتری و فی ضمنه أولا هو أن المبیع کان معیوبا قبل العقد أم لا،فیکون ذلک بعینه هو الوجه الأول کما هو واضح فتجری فیه الوجوه المتقدمة، و من جمیع ما ذکرناه ظهر لک أنه لا وجه لکون تاریخ أحدهما من التعیّب و وقوع العقد علی المعیب معلوما أو مجهولا،لیجری الاستصحاب فی مجهول التاریخ دون معلومه و ذلک لما عرفت أن موضوع الحکم فی ترتب أحکام المعیب علیه من الرد و الأرش انما هو العیب و العوار و من الواضح أصالة عدم وقوع البیع علی المعیب الی زمان العقد لا یثبت وقوع العقد علی المعیب فإنها بالنسبة إلی موضوع الحکم و هو العیب أو العوار مثبت کما هو واضح.

و الحاصل:أن الوجه الثالث یرجع الی الوجه الأول فإن مرجع ذلک الی وجود العیب فی المبیع و عدمه و لا اعتناء بتقدم تاریخ أحدهما علی الآخر و عدمه کما هو واضح.

و ذکر المصنف عن المختلف انه حکی عن ابن الجنید أنه ان ادعی البائع أن العیب حدث عند المشتری حلف المشتری ان کان منکرا و ذکر

ص:198

المصنف و لعله لأصالة عدم تسلیم العین إلی المشتری علی الوجه المقصود و قد ذکر ذلک فی البحث عن خیار الرؤیة و الأصل عدم استحقاقه الثمن کلا و عدم لزوم العقد نظیر ما إذا ادعی البائع تغیر العین عند المشتری و أنکر المشتری.

أقول:قد ذکرنا فی البحث عن خیار الرؤیة.

أما ما ذکره من أصالة عدم لزوم العقد فلم نفهم له معنی محصّلا أصلا فإنه ان کان المراد من ذلک هو الاستصحاب فلا شبهة أن مقتضاه هو اللزوم و ان کان المراد من ذلک هو المطلقات أی الأصل اللفظی فلا شبهة أن المطلقات تقتضی اللزوم فلا مورد لدعوی أصالة عدم اللزوم و مع قبول ذلک و أن الأصل هو عدم اللزوم و هو أصل حکمی فیرتفع موضوعه بواسطة الأصل الموضوعی الجاری فی مورده و هو أصالة عدم کون المبیع معیبا و أصالة عدم وقوع العقد أی هذا العقد الشخصی علی المعیب الذی هو موضوع عدم اللزوم و قد عرفت أنفا أن العدم الأزلی یجری فی المقام و یحرز به موضوع عدم الخیار کما هو واضح.

و أما أصالة عدم استحقاق البائع الثمن و فیه أنه بدیهی البطلان فإن البائع یستحق الثمن علی کل تقدیر أی سواء کان المبیع معیبا أم لا ضرورة أن الأرش انما هو ثابت بمطالبة المشتری فلا معنی لأن لا یکون البائع مستحقا للثمن کما هو واضح.

و أما أصالة عدم تسلیم العین إلی المشتری علی الوجه المقصود فلا وجه له أیضا لأن الأصل لا یجری فی المرکب بما هو مرکب إذا جری فی اجزائه.

و قد عرفت أن الأصل هو عدم کون المبیع معیبا و الأصل هو عدم وقوع العقد علی المعیب و مع ذلک فلا وجه لجریان أصالة عدم تسلیم العین إلی المشتری علی الوجه المقصود و مع الغض عن جمیع ذلک فقد عرفت أن مرجع

ص:199

الوجه الثالث الی الوجه الأول من کون الشک فی کون المبیع معیبا قبل العقد أم لا،و الأصل فی ذلک مع البائع أی عدم کونه معیبا فیکون المشتری مدعیا.

و قد عرفت أن المصنف قد حکی الاتفاق علی کون البائع منکرا هناک و کون المشتری مدعیا و لم ینقل الخلاف عن أحد،بل نقل الوفاق عن ابن الجنید أیضا و مع ذلک فلا وجه له لجعل المشتری منکرا و البائع مدعیا،و جعل المسألة محلّ الخلاف بین الأصحاب،و تحصل أنه لا وجه للأصول المذکورة فی المقام.

و أما وظیفة الحاکم و أنه ما إذا یفعل إذا اختلف البائع و المشتری فی ذلک،فنقول قد یکون لکل من البائع و المشتری بیّنة علی غرضه،و قد یکون البیّنة لأحدهما دون الآخر و قد لا یکون لأحد منهما بینة.

أما الصورة الاولی:و هی ان تکون البینة لکل منهما فهل تعارض بیّنة کل منهما مع بینة الآخر فتسقطان أو یتقدم بینته الداخل و هو الذی یکون قوله موافقا للأصل و یسمی من یکون قوله موافقا للأصل داخلا،فإن الأصل یقتضی أن یکون المال له أو یقدم بیّنة الخارج و هو الذی لا یکون قوله موافقا للأصل و هو المدعی فنقول مقتضی الإطلاقات الواردة فی حجیة البینة و ان کانت شاملة لحجیة کل من البینتین و علیه فمقتضی القاعدة هو سقوطهما عن الحجیة و لکن مقتضی التأمل قوله علیه السلام إنما أقضی بینکم بالأیمان و البینات مع التأمل فی قولهم علیه السلام البینة للمدعی و الیمین لمن أنکر هو تقدم بینة الخارج،و هو بینة المدعی علی بینة المنکر و هو بیّنة الداخل کما هو المعروف و المشهور فان الظاهر من ملاحظة تلک الأدلة هو أن الحکم للمدعی انما هو بالبینة و أن الحکم للمنکر انما هو بالیمین،فإن الروایة الأولی خصّت القضاوة بالایمان و البیّنات و الروایة الثانیة فسّرت ذلک و خصّت البینة للمدعی و خصّت الیمین بالمنکر،و ان حسم النزاع انما یکون

ص:200

بذلک و مقتضی الجمع بین الروایتین أی ضم إحداهما إلی الأخری ینتج أن اقامة البینة انما هو وظیفة المدعی و الحلف انما هو وظیفة المنکر و علیه فلا وجه للحکم بتساقط البینتین فیما إذا أقاما بیّنة،بل لا بدّ من الحکم بتقدیم بینة الخارج اذن فتکون الروایات مخصّصة لما دل علی حجیة مطلق البینة.

نعم،ورد فی جملة من الروایات أن بیّنة ذی الید تتقدم علی بینة غیره فتکون هذه الروایات شاهدة علی تقدیم بیّنة الداخل و لکن الظاهر أنه لا شهادة فیها علی ذلک فإن جهة تقدیم بیّنة ذی الید علی غیره لیس بعنوان البینة فقط،لیکون الملاک فی التقدیم هو کونها بیّنة الداخل بل لکون الید بنفسها أمارة الملکیة فتکون مع قیام البینة علی وفقها متقدمة علی البینة القائمة علی الخارج فنفس الید تقتضی تقدیم قول ذی الید مع البینة.

و بعبارة أخری البیّنة أمارة و الید أیضا أمارة فلذی الید أمارتین فتکون مقدمة علی بینة الخارج التی أمارة واحدة و علی هذا فلا شهادة فیها علی تقدیم بینة الداخل علی بینة الخارج،کما هو واضح.

و أما إذا کانت البینة للخارج فقط و هو المدعی فلا شبهة للعمل بها کما هو واضح،و قد عرفت أن الحکم بالبینة انما هو للمدعی و أن إقامة البینة من وظائفه.

و أما إذا کانت البینة للمنکر فقط فهل یحکم له مع البینة من غیر احتیاج الی الحلف أو لا بدّ و أن یحکم له بالحلف فقد ظهر مما تقدم أن الحکم للمنکر انما هو بالیمین فلا بدّ و أن یحلف و إذا حلف فیحکم له و یختم الدعوی.

و أما إذا لم تکن لکل منهما بینة فلا شبهة فی أنه انما یحکم للمنکر مع الحلف و أما بدونه فلا فإنک قد عرفت أنه مع إقامة البینة لا یحکم له الاّ بالیمین،فکیف إذا لم تکن له بینة،هذا کله بالنسبة إلی وظیفة الحاکم.

ص:201

و قد انتهی الکلام إلی صورة عدم قیام البینة من طرف البائع و من طرف المشتری و أن البائع المنکر لوجود العیب فی المبیع کیف یحلف،و توضیح الکلام أن البائع تارة ینکر علی نفی العیب فی الواقع بأن یدعی المشتری أن المبیع کان معیبا فی الواقع و البائع ینکره فالبائع ح یحلف و یحسم النزاع و ترتفع الدعوی حقیقة و فی الواقع و بعد ذلک لو أقام المشتری بیّنة علی کون المبیع معیوبا حین العقد فلا تسمع إذ الحلف قد قطع النزاع واقعا و سقط حقه قطعا کما أنه لیس للمشتری أخذ الأرش من البائع بعنوان الأرش و لو علی سبیل التقاص،فان الحلف أسقط حقه و لو کان علی خلاف الواقع یکون البائع مشغول الذمة علی المشتری و أما إذا کان المشتری عالم علی کون الحلف علی خلاف الواقع أو إقامته البینة علی ذلک لا یجوّز صحة التقاص أو الأخذ من البائع قهرا علیه الاّ أن یکذب البائع نفسه فی إنکاره فح یجوز للمشتری فسخ العقد و أخذ الثمن أو أخذ الأرش فقط،و لو لم ینکر البائع العیب الواقعی و لا یقول بأن المبیع لیس بمعیوب واقعا بأن ینفی البائع العلم علی کون المبیع معیوبا و یقول لا أدری فهل یتوجه علیه الحلف؟ح و إذا حلف فهل ینحسم النزاع بذلک الحلف واقعا أیضا مثل الأول أو لا،هذه جهة من الکلام فی صورة نفی العلم بالعیب.

و الجهة الثانیة:أنه إذا لم یکن حلفه هذه موجبا لحسم النزاع واقعا و إسقاطه فهل یکون موجبا لحسم النزاع ظاهرا أم لا؟ أما الجهة الاولی:فلا شبهة ان الحلف علی نفی العلم بالعیب لا یوجب إسقاط النزاع واقعا بحیث لا یکون للمشتری حق أخذ الأرش من البائع حتی مع العلم بکذبه و السرّ فی ذلک أن ما یدعیه المشتری غیر ما ینکره البائع فإن المشتری یدعی أن المبیع معیوب فی الواقع و البائع لا ینکره،بل ینکر العلم و یقول انی قد اعتمدت فی البیع علی أصالة السلامة أو الاستصحاب

ص:202

أو بإخبار شخص آخر بالصحة و نحو ذلک و لیس له ان یقال بحجیة الاستصحاب فنعمل بمقتضاه و الوجه فی ذلک أن الاستصحاب لیس ناظرا الی الواقع،بل هو یبیّن وظیفة المکلف فی الظاهر فیعمل بمقتضاه فی الظاهر دون الواقع بخلاف الامارات و المشتری أیضا لا یدعی أن البائع یعلم کون المبیع معیوبا فی الواقع و علی هذا فلا یکون حلف البائع علی عدم علمه بالعیب،موجبا لإسقاط دعوی المشتری و علیه فلو علم بالعیب واقعا جاز له أخذ الأرش تقاصا من البائع و بعد ما أقامت بینة جاز له أخذ الأرش أو الثمن علی تقدیر الفسخ من البائع إذا کان من الأول مخیرا بین الفسخ و الأرش و الا فأحدهما علی سبیل مانعة الجمع.

نعم إذا کان المشتری ادعی علمه بالعیب فحلف البائع بعدم العلم یسقط دعواه حقیقة و واقعا الا أن یکذب البائع نفسه فی حلفه کما هو واضح.

و علی الجملة فلا تنقطع الخصومة بالحلف إلاّ إذا کان متعلقا بنفی الواقع و الاّ فلا یوجب قطع الخصومة کما هو واضح هذا هو الذی تقتضیه القواعد علی ما ذکره المصنف(ره).

قوله:فرع لو باع الوکیل فوجد به المشتری عیبا یوجب الرد.

أقول:ذکر المصنف هذا الفرع فی المقام غیر مناسب،بل له أن یؤخره إلی أحکام الخیارات و ذلک لأنه غیر مختص بخیار العیب،بل یجری فی خیار الغبن و الرویة و المجلس و غیر ذلک من الخیارات.

و مسألة الاختلاف فی التقدم و التأخر فی خیار العیب لا توجب اختصاصها بالمقام،و انما هی من صغریاته و لکن حیث ذکرها المصنف،فنحن نتّبعه أثره و توضیح المقام أنه إذا وقع البیع فی الخارج و وقع الخلاف المتقدم فیه من حیث کون المبیع معیبا أو غیر معیب فتارة یقع البیع من الأصلیین ثم ادعی المشتری العیب فی المبیع و ینکره البائع فهذا هو الذی تقدم الکلام

ص:203

فیه.

و أخر یکون المشتری مثلا أصلا و البائع وکیلا و ح فالوکیل قد یکون وکیلا فی البیع حدوثا و بقاء و قد یکون وکیلا فی البیع حدوثا فقط لا بقاء.

و علی الأول فإذا ادعی البائع کونه وکیلا من قبل الموکل فح قد یعلم المشتری بالحال و یعلم أنه وکیل من قبل الموکل حتی حین العقد و قد لا یدری بذلک و انما البائع یدعی کونه وکیلا من قبل البائع بعد ادعی المشتری فی کون المبیع معیوبا أما إذا کان الوکیل وکیلا حدوثا و بقاء.

فتارة یعلم البائع بوکالته و أخری لا یدری ذلک کما عرفت و علی الأول فللبائع أن یرجع الی أی منهما شاء من الموکل أو البائع فإن کل منهما طرف الدعوی أما المالک الموکل فلکونه مالکا و أما الوکیل فلان المال تحت یده و له التصرف فی ذلک کالوکیل فی المضاربة و هو بمنزلة المالک فی جمیع الأحکام المترتبة علی البائع و علی هذا فإن أنکر کل من الوکیل و الموکل کون المبیع معیوبا فتجری هنا الأحکام المتقدمة فللمشتری ان یحلف الوکیل علی ذلک أو الموکل،فأی منهما حلف سقط حق المشتری فی الظاهر واقعا کما عرفت، فإذا أنکر أحدهما العیب و لکن اعترف الآخر بذلک فان کان المعترف هو المالک فواضح،و ان کان هو الوکیل فکذلک أیضا،فإنه لیس أجنبیا عن الموکل حتی یکون اعترافه اعترافا فی حق الأجنبی،بل کان اعترافه اعترافا فی حق المالک فان ید الوکیل هو ید المالک،هذا إذا کان الوکیل وکیلا عن المالک حدوثا و بقاء مع علم المشتری بکونه وکیلا عن المالک کذلک و أما إذا لم یعلم المشتری بالحال و انما البائع بعد مراجعة المشتری إلیه یقول انی وکیل من قبل الفلان فتارة یقطع المشتری بأن البائع یکذب و یمنائه ان یرفع الدعوی الی شخص آخر و أخری لا یعلم بکذبه.

و علی تقدیر عدم العلم بکذبه و الموکل أیضا یعترف بکونه وکیلا من

ص:204

قبله فی بیع ذلک فله أن یرجع الی الوکیل و الی الموکل أما الی الوکیل فبمقتضی الید فإن المشتری یقول انی اشتریت المال منک و مقتضی یدک أن یکون ملکا لک فلا بدّ أن تکون أنت طرفا للدعوی و له أن یرجع الی الموکل بحسب اعترافه أی الموکل بکون الوکیل وکیلا من قبله و علی هذا فإن أنکر فیجری فیه ما تقدم و ان أنکر الموکل و اعترف الوکیل بالعیب فیرجع المشتری الی الوکیل فی أخذ الأرش أو الثمن علی تقدیر الفسخ و علیه فیشکل هنا دعوی اخری و هی أن الوکیل یدعی علی الموکل أنه کان یعلم أیضا بالعیب و الموکل ینکره فیجری هنا ما تقدم من الحکم علی المدعی بالبیّنة و عدمها یحلف الموکل و ینحسم النزاع و هذا واضح.

و إذا علم المشتری و قطع بأن الوکیل کاذب فی دعواه سواء اعترف الموکل بکونه وکیلا من قبله أم لا،فح لیس للمشتری الاّ الرجوع فی دعواه الی الوکیل و ان اعترف الموکل بالعیب و أنکره الوکیل فإن المشتری بحسب اعتقاده بحسب الموکل أجنبیا فلیس له أن یرجع الی الموکل ح،نعم یکون الموکل مع الاعتراف بالعیب شاهدا واحدا للمشتری علی إثبات دعواه.

و أما إذا کان الوکیل وکیلا فی البیع حدوثا لا بقاء فیرجع الی الموکل فقط،دون الوکیل فان الوکیل و ان کان وکیلا فی البیع و لکنه حین الدعوی صار أجنبیا فیکون اعترافه بالعیب حین العقد کقول الأجنبی بذلک فیکون شاهدا واحدا للمشتری و هذا واضح،کما عرفت نظیر اخبار شخص بنجاسة ثوب کان عنده فإنه لیس من قبیل قول ذی الید،بل من قبیل الشهادة.

و قد انتهی الکلام الی وقوع العقد من الوکیل و الأصیل ثم وقوع الاختلاف

بینهما

و فی هنا جهات من البحث:-

الأولی:فی توجه الدعوی الی أی من الوکیل و الموکل

فإذا وقع العقد بین الوکیل الذی هو البائع و بین الأصیل الذی هو المشتری ثم وقع

ص:205

الاختلاف بینهما فهل یتوجه الدعوی الی الوکیل أو الی الموکل فنقول تارة

الصورة الأولی کان المشتری قاطعا بأن البائع فی دعواه الوکالة عن الغیر کاذب حتی مع

اعتراف الغیر بأنه وکله و هو وکیله

فإن المشتری لا یوجّه الدعوی و لا یرجع فی هذه الصورة الاّ إلی البائع الذی یدعی الوکالة عن الغیر فإن المشتری حسب اعتقاده یری البائع کاذبا فی دعواه فلیس له مع ذلک الرجوع الی شخص آخر و ان صدقه هذا الشخص الآخر فی دعواه و کونه وکیلا من قبله.

الصورة الثانیة:أن یدعی البائع کونه وکیلا من قبل الموکل و لم ینکره

المشتری و لیس له قطع بکذبه،بل یحتمل صدقه

و لکن یقول انی اشتریت المال منک فمقتضی یدک کونه من ملکک فان الید أمارة الملکیة و مع ذلک أن من یدعی البائع کونه وکیلا من قبله أیضا یعترف بکونه وکیلا من قبله،و ح فللمشتری أن یوجه دعواه الی الوکیل لکونه هو المالک بحسب الامارة و هی الید و له أن یوجّه دعواه الی الموکل لکونه معترفا بکون الوکیل وکیلا من قبله،فیکون قوله و اعترافه مسموعا.

الصورة الثالثة:أن یعلم المشتری بکون البائع وکیلا عن الغیر و ادعی

کون المبیع معیوبا

فلا یجوز له أن یوجه دعواه الی الوکیل بداهة أن الوکیل کالأجنبی فلا یسمع إنکاره أو اعترافه بالمطلب فی حق الموکل و قد ذکرنا أنه نظیر من کان تحت یده ثوب متنجس فباعه ثم بعد مدة أخبر بکونه نجسا فان قوله بالنسبة إلی نجاسة ذلک الثوب شهادة فیدخل تحت عنوان الشهادة لا من قبیل قول ذی الید لکی یسمع قوله بمجرد الاخبار.

و علی الجملة فلا یجوز للمشتری أن یوجّه الدعوی الی الوکیل و ان اعترف بالمطلب غایة الأمر یکون اعترافه من قبیل الشهادة فیحتاج إلی تمامیة شروطها.

نعم،لو کان الوکیل وکیل مفوضا بمعنی أن یکون وکیلا فی البیع حدوثا

ص:206

و بقاء لا مفوضا فی مقابل الوکیل فی إجراء العقد فإنه یمکن أن یکون وکیلا مفوضا فی خصوص البیع و المقصود أن الوکیل إذا کان وکیلا مفوضا فی البیع حدوثا و بقاء فإنه یجوز للمشتری أن یوجه الدعوی الی أی من الوکیل و الموکل شاء و هذا کالوکیل فی المضاربة و نحوه هذه هی الجهة الاولی.

أما الجهة الثانیة:فی أن اعتراف الوکیل یکون اعترافا فی حق الموکل

أم لا،

الظاهر بل الواقع أن اعترافه لا یکون نافذا فی حق الموکل فإنه قد عرفت فی الجهة الأولی أنه أجنبی عن الموکل فلا یکون اعتراف الأجنبی نافذا فی حق الأجنبی الا أن یکون وکیلا مفوضا فی البیع حدوثا و بقاء فان اعترافه اعتراف فی حق الموکل أیضا کالوکیل فی المضاربة و نحوها.

الجهة الثالثة:فی أنه مع حکم الحاکم بالأرش أو بالفسخ هل یثبت

ذلک للوکیل فقط دون الموکل أو العکس.

فنقول:ان کان الموکل اعترف بالمطلب و أن الوکیل وکیله و المبیع معیب فلا کلام لنا فیه،کما أنه لا شبهة فی أنه إذا لم یکن حکم الحاکم موجبا لثبوت الأرش أو الفسخ کما إذا کانت البائع منکرا و حلف و انقطع الدعوی فإنه لم یلزم شیء هنا علی الوکیل البائع حتی نتکلم فی أنه علیه أو علی الموکل و إذا ثبت علی البائع شیء فتارة یثبت ذلک باعتراف الوکیل بکون المبیع معیبا و أخری بالبینة و ثالثة بالیمین المردودة،أما إذا ثبت الأرش أو الفسخ باعتراف الوکیل فلا یکون الأمر الثابت الاّ ثابتا علی الوکیل فإنه انما ثبت باعتراف الوکیل و هو أجنبی عن الموکل،فلا یکون اعتراف الأجنبی نافذا فی حق الآخر کما قدمناه فی الجهة الثانیة إلا إذا کان الوکیل وکیلا مفوضا فی الحدوث و البقاء کما هو واضح.

و أما إذا کان ذلک ثابتا بالبیّنة فهی حجة شرعیة و موجبة لکون الأرش أو لوازم الفسخ علی صاحب المال،فإن البینة إنما قام فی ذلک المورد فتکون

ص:207

الغرامة ثابتة علی الموکل و إذا ثبت ذلک بالیمین المردودة فقد وقع الکلام فی أن ذلک لاحق بالقسم الأول أعنی الاعتراف فلا شبهة فی أن ذلک لاحق بالقسم الأول أعنی الاعتراف فلا شبهة أنه یکون موجبا لثبوت ما یحکم به الحاکم علی الوکیل و ان کان مثل البینة فیکون ذلک مسببا لثبوت ذلک علی الموکل و لکن الظاهر،بل الواقع من الأدلة أن الیمین المردودة مسبب مستقل لحسم الدعوی فلا وجه لتنزیل ذلک منزلة الاعتراف أو منزلة البینة بل یلاحظ فی نفسها حتی لا تکون موجبة لکون المال علی الموکل بل علی الوکیل.

انتهی الکلام الی جهات البحث فی بیع الوکیل مع المشتری بکونه وکیلا أو عدمه و قلنا ان هذا البحث لیس مختصا بالمقام،بل هو یجری فی جمیع الخیارات و هو من أحکامها و کثیر الفائدة و قلنا هناک جهات للبحث.

و انتهی الکلام إلی الجهة الرابعة و هی ان العیب الثابت بحکم

الحاکم هل یکون للوکیل أو للموکل

فنقول تارة لا یثبت شیء بحکم الحاکم أصلا فلا کلام لنا فیه و انما یکون حکم الحاکم قد أوجب انقطاع دعوی المشتری من غیر ثبوت شیء علی البائع و أخری یثبت العیب بحکم الحاکم علی البائع فهل یکون هذا لازما علی الموکل أو علی الوکیل فثبوته هذا انما یکون بأحد وجوه اما اعتراف الوکیل بالعیب أو بقیام البینة علی ذلک أو بالیمین المردودة أما إذا کانت العیب ثابتا بالبینة فیکون لوازم العیب من الأرش أو ردّ ثمن العین بعد الفسخ علی الموکل فإن البینة إنما قامت علی کون العین المبیعة معیوبة و من الواضح أن العین للموکل فتکون ما أثبته البینة أیضا علی الموکل سواء اعترفا الوکیل و الموکل بالعیب فی هذه الصورة أم لا.

و قد یکون العیب ثابتا باعتراف الوکیل بکون المبیع معیوبا و حکم الحاکم علی طبق اعترافه فان لوازم العیب من الأرش و لزوم ردّ الثمن علی تقدیر

ص:208

الفسخ انما هو یثبت علی الوکیل حسب اعترافه و لا یکون اعترافه ثابتا علی الموکل الاّ أن یعترف بالعیب کما یعترف بالوکالة فإنه ح یکون العیب علی الموکل حسب اعترافه إذا کان الوکیل وکیلا مفوضا فی الحدوث و البقاء کالوکیل فی المضاربة کما تقدم و علی تقدیر عدم کونه وکیلا مفوضا من قبل الموکل مع کونه منکرا للعیب فیشکل هنا دعوی ثانیة بین الوکیل و الموکل فان الوکیل یدعی کون العیب من الأول و کون لوازمه علی الموکل من الأرش و ردّ الثمن علی تقدیر الفسخ و المشتری ینکر ذلک فإن أقام الوکیل بینة علی کون العیب من الأول فیحکم علیه أی علی کون لوازم العیب من الأول فیحکم علیه أی علی کون لوازم العیب علی الموکل و الا فیحلف الموکل فیکون لوازم العیب ثابتا للوکیل و ح یشکل تصرفه فی العین بعد ردّ الثمن علی المشتری علی تقدیر الفسخ فإنه بحسب اعتقاده یری عدم استحقاقه بالعین و کونه معیبة و کون الثمن لازم الرد من الموکل و مع ذلک کیف یتصرف فی العین و لکن الظاهر أن هذا لا یوجب الإشکال فإنه یحصل الصلح بین الوکیل و بین الموکل إذ الموکل لا یدعی کونه مستحقا للعین و الثمن الذی أخذه معا بل هو یقول انی بعت عینا صحیحة و لم یکن فیها عیب فیکون الثمن الذی أخذته من المشتری ملکا لی فلا یکون الثمن الذی رده الوکیل و أخذ العین المعیبة فإن العیب انما حدث فی ملک المشتری و الوکیل یدعی کون العیب علیه فإذا أنکر الموکل العیب فقد رضی کون العین له فی مقابل الثمن الذی یرده إلی المشتری فیکون هنا صلح قهری و معاوضة قهریة بین الوکیل و الموکل کما هو واضح.

ثم إذا لم یکن الوکیل معترفا بالعیب.

فتارة ینکره جازما و معتقدا بان المبیع لم یکن فیه عیب.

و أخری ینکره اعتمادا علی أصالة الصحة أو الاستصحاب و لو استصحاب

ص:209

العدم الأزلی و انا حققنا فی الأصول أن استصحابا العدم الأزلی حجة فمقتضی ذلک هو کون العین صحیحة عند البیع أی عدم وقوع العقد الموجود علی المعیب.

أما الصورة الثانیة فإن حکم الحاکم للوکیل و لم یثبت حکمه شیئا علی المشتری من الأرش و الفسخ فلا کلام لنا فیه کما لا کلام لنا فیما إذا اعترف الموکل بالمطلب و إذا أوجب شیئا فإن حکم له بالبینة فیکون لوازم العیب علی الموکل حتی مع إنکار الموکل ذلک لما عرفت ان البینة إنما قامت علی کون العین معیبة فیکون لوازمه أی العیب علی مالک العین کما هو واضح،لا یخفی.

و ان حکم له و لا یکون إنکار الوکیل سببا لعدم جواز رجوعه الی الموکل فی هذه الصورة إذ هو مستند فی إنکاره إلی الأصول العملیة و هی ترتفع مع قیام البینة کما هو واضح،و أما إذا کان العیب ثابتا بالیمین المردودة فلا یجوز للوکیل أن یرجع معه الی الموکل بداهة أنه أی الوکیل لا یعلم کون المبیع معیبا و لم یحرز ذلک فکیف یرجع الی الموکل کما هو واضح الا أن یعترف الموکل بالعیب فهو مطلب آخر و أما إذا کان الوکیل عالما بعدم العیب و جازما به،و ح ان لم یثبت العیب بحکم الحاکم فهو أو ثبت ذلک و لکن بذل الموکل بطوع رغبته الثمن ان فسخ المشتری أو الأرش أخذ الأرش و الا فلا یجوز للوکیل أن یرجع الی الموکل فإنه جازم بعدم کون المشتری مستحقا لذلک و عدم کون الموکل مطلوبا بالأرش أو الثمن و معه کیف یرجع الیه و لا یفرق فی هذه الصورة بین ثبوت العیب بالبینة أو بالیمین المردودة فإنه علی تقدیر أن یثبت العیب بالبینة أیضا لیس له أن یرجع الی الموکل فان الوکیل یجزمه بعدم العیب یکذب البینة فلا تکون البینة موجبة للرجوع الی الوکیل لقیامها علی تعیّب العین و ح ان أخذ المشتری الأرش فیعطیه

ص:210

و إذا فسخ فبأخذ العین و یعطی الثمن من طلق ماله فیجری هنا الاشکال المتقدم من أن الوکیل بعدم علمه بعدم کون العین معیبة کیف له أن یتصرف فی العین فإنه بعلمه یعلم کونها للمشتری و عدم استحقاق المشتری أخذ الثمن من الوکیل و لکن یدفعه ما ذکرناه هناک من وقوع المصالحة القهریة بین المالین غایة الأمر هناک کانت المصالحة بین الموکل و الوکیل و فی المقام کانت المصالحة بین المشتری و الوکیل فإن المشتری لا یدعی استحقاقه الثمن و المثمن،بل یدعی استحقاقه الثمن فهو علی تقدیر کون المثمن له راضی بکونه للوکیل کما هو واضح.

ثم انه فی هذه الصورة ان کان الموکل منکرا للعیب أیضا کالوکیل فهو و ان اعترض بالعیب و الوکیل لا یعترف بذلک بل جازم بعدمه فیکون المقام من الموارد التی لا بدّ للحاکم أن یحکم بینهما بالتصالح نظیر ما إذا قال أحد أن المال الفلانی لک الذی تحت یدک و ینکره ذلک الشخص و قد یتفق ذلک کثیرا فإنه یعترف احد بکونه مدیونا من شخص و ینکره لآخر فان الحاکم یحکم بان یتصالحا الا أن یبرء أحد الآخر علی تقدیر أن یکون له حق و الظاهر أنه قد تم بهذه الجهات جمیع ما ذکره المصنف فی هذا المقام و ما لم یذکره یعنی کانت هذه الجهات وافیة بجهة البحث و هو وقوع العقد بین الوکیل و الأصیل و دعوی الأصیل تعیب العین.

قوله الرابعة:لو رد سلعة بالعیب فأنکر البائع أنها سلعته.

أقول:توضیح المقام أن هنا مسائل ثلاث:- الاولی:أن یکون النزاع فی المقتضی بأن یدعی المشتری مثلا ثبوت المقتضی للخیار و البائع ینکره.

المسألة الثانیة:أن یتفقا علی وجود المقتضی لذلک و لکن یختلفا فی فعلیة الخیار بأن یدعی المشتری وجود الخیار بالفعل و البائع ینکر ذلک

ص:211

المسألة الثالثة:أن یتفقا علی المقتضی و علی فعلیة الخیار معا و لکن وقع الخلاف فی کون المردود هو المبیع أو غیره و قبل التعرض لحکم المسائل لا بدّ و أن یعلم أن هذا البحث غیر مختص بخیار العیب،بل یجری فی جمیع الخیارات کالبحث السابق فنقول:

أما المسألة الاولی:و هی النزاع فی ثبوت المقتضی للخیار و عدمه

بأن یرد المشتری سلعة علی البائع و یدعی کونها معیوبة و ینکرها البائع و یقول أن هذه السلعة لیست بسلعتی و ان کانت معیوبة و انما سلعتی غیرها و هی غیر معیوبة و لیس فیها مقتضی الخیار أصلا فالقول هنا قول البائع فإن الأصل عدم کون هذه السلعة سلعة البائع،و الأصل عدم کون سلعتها معیوبة و لو کان الأصل هو العدم الأزلی کما تقدم،الاّ أن یقیم المشتری بینة علی و لو کان الأصل هو العدم الأزلی کما تقدم،الاّ أن یقیم المشتری بینة علی دعواه هذه المسألة الاولی.

و أما المسألة الثانیة:و هی أن یکون الاختلاف فی فعلیة الخیار

بان یقبل البائع وجود المقتضی للخیار و لکن ینکر کون السلعة التی یردها المشتری الی البائع سلعة نفسه و قد ذکر فی الإیضاح أن الاختلاف فی ذلک فی موضعین:- أحدهما:خیانة المشتری،فیدعی البائع تعین العین بخیانة المشتری و ما یرید تسلیمه الی البائع من السلعة غیرها و المشتری ینکر ذلک.

الثانی:أن البائع یدعی أن المشتری أتلف العین و المشتری ینکر ذلک و کأن الفخر حصر وقوع الاختلاف بهذین الموضعین و لم یتصور هنا وجها ثالثا و لکن یمکن أن یتصور هنا وجه آخر و هو أن یکون إنکار المشتری مستندا إلی الغفلة أو النسیان أو نحو ذلک لا إلی الخیانة و الإتلاف کما هو واضح.

أما المورد الأول:فذکر فخر المحققین أن البائع إذا ادعی خیانة المشتری و المشتری ینکره فالأصل عدم الخیانة،فإن مقتضی أصالة الصحة هو

ص:212

أن المشتری لم یخن السلعة و هو صادق فی إنکاره،و ان کان هنا أصول أخری المتعددة و هی أصالة عدم الخیار و عدم حدوث العیب و صحة القبض فإن أصالة الصحة من قبیل الامارات فهی واردة علی تلک الأصول التی لیست ناظرة إلی الواقع.

و بالجملة قد ادعی الفخر فی المسألة الثانیة فیما إذا کان الاختلاف فی دعوی الخیانة أن القول قول المشتری،لقیام أصالة الصحة علی عدم صدور الخیانة منه،و أن بقیة الأصول ساقطة کما لا یخفی.

و قد أورد علیه المصنف بالنقض و حاصله أن مقتضی إجراء أصالة الصحة هنا هو إجرائها فی المسألة الأولی أیضا أعنی مسألة الاختلاف فی مقتضی الخیار فان مقتضی ذلک هو ان المشتری لا یکذب فی قوله أن المبیع هو هذا المعیوب فیکون إنکار البائع کون المبیع هو هذا دون غیره فی غیر محله مع أنه أی الفخر قدم قول البائع هناک لوجود الأصول المتعددة من أصالة عدم الخیار و عدم حدوث العیب و نحو ذلک،فإن أصالة الصحة کما انها واردة علیها فی المسألة الثانیة و کذلک واردة علیها فی المسألة الأولی أیضا فکیف لهم تقدیم قول البائع لأصالة عدم کون ما أعطاه المشتری من السلعة سلعته.

و أما حل المطلب:فنقول ان کان المراد من أصالة الصحة هی أصالة الصحة المصطلحة الجاریة فی العقود فهی مما لا ریب فی حجیتها و تقدمها علی سائر الأصول فإنها من الأمارات التی قامت السیرة القطعیة،بل بناء العقلاء علی حجیتها و لکن المقام لیس من مواردها فان حمل فعل المشتری علی الصحة و القول بعدم خیانتها غیر مربوط بصحة العقد،فان مورد هذه الأصل انما هو العقد بعد الفراغ عن تحققه و کون الشک فی شرائطه و من الواضح أن العقد فی المقام تحقق صحیحا و لم یکن فیه شک فی تحقق شرطه

ص:213

بحیث یلزم من انتفائه بطلانه و لکن النزاع فی أن المشتری صادق فی دعواه أن هذه السلعة سلعة البائع التی فیها عیب أم لا،و المشتری یدعی ذلک و البائع ینکره و هذا غیر مربوط بأصالة الصحة المذکورة.

و أن کان المراد من أصالة الصحة هی أصالة الصحة الجاریة فی فعل المسلم أعنی حمل فعل المسلم علی الصحة بمقتضی قولهم،ضع فعل أخیک علی أحسنه،و هذا و ان کان جاریا و لکن لا یترتب علیها ما أن هذه التی یدعی المشتری کونها للبائع فإن غایة ما یترتب علی هذا الأصل أنه لا یکذب و أما انه صادق فی قوله،فلا أی لا یرتب آثار الکذب علی کلامه لا أنه یترتب آثار مقابلة مثلا لو تکلم أحد بکلام و لم ندر أنه سلّم أو سب بأن ترد کلامه بین أنه قال سلام،أو قال سام،فمقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة نحمل کلامه علی أحسنها أی نقول انه لم یسبّ و أما أنه سلّم بحیث یجب رد سلامه،فلا و هذا واضح.

و أما الصورة الثالثة:فهی أن یقبل البائع ثبوت مقتضی الخیار و ثبوت

نفس الخیار فعلا

و لکن یقول ان السلعة لیست هذه التی ترید إعطائها لی،بل غیر ذلک،و المشتری یقول هی هذه،و ح فللمشتری أن یفسخ العقد و یأخذ الثمن من البائع لأنه أی البائع باعترافه یعترف بالخیار للمشتری و یعترف کون الثمن له علی تقدیر الفسخ،و لکن ینکر کون هذه السلعة الموجودة له،و ح فللمشتری أن یفسخ العقد و یأخذ الثمن لتعلق الفسخ بالعقد و ح یرد السلعة الموجودة إلی البائع فإنه باعترافه یعترف کونها له و أما غیرها فلا،بل لا بدّ للبائع من إثبات ذلک فإن البائع یدعی أمرا و هو ان سلعته غیر هذا،و ان کان متعلقا لخیار الغبن و المشتری ینکر ذلک و المشتری یدعی کون هذه السلعة له و هو ینکر ذلک،فلا بدّ للبائع من إثبات أن سلعته غیر هذه،و لکن هذه الصورة لا تجری فی خیار العیب حیث ان فی خیار

ص:214

العیب لا بدّ فی الفسخ من رد العین بمقتضی الأخبار المتقدمة الدالة علی لزوم رد العین فی خیار العیب إذا أراد المشتری الفسخ بخلاف بقیة الخیارات،فإنه لا یلزم فیها ردّ العین فی الفسخ کما هو واضح.

و بعبارة أخری إذا اعترف البائع وجود مقتضی الخیار و ثبوته للمشتری بالفعل و لکن أنکر کون هذه السلعة التی یرید المشتری ردّها إلی البائع سلعة له فإنه جاز للمشتری الفسخ فیما إذا لم یکن الخیار خیار عیب،لعدم توقف الفسخ علی ردّ العین،بل لا یتوقف علی بقاء العین أصلا و أما فی خیار الغبن فلا یمکن له الفسخ،و ان اعترف البائع بوجود الخیار له فعلا ما لم یثبت المشتری أن العین الموجودة بالفعل التی یرید تسلیمها إلی البائع أنها للبائع.

قوله:و اما الثانی:و هو الاختلاف فی المسقط ففیه أیضا مسائل:
الاولی:لو اختلفا فی علم المشتری بالعیب و عدمه،

أقول ذکر المصنف(ره) أنه لو اختلفا فی علم المشتری بالعیب المسقط للخیار و عدمه قدم منکر العلم فیثبت الخیار هذا لا شبهة فیه،و لکن یبقی فی المقام سؤال الفرق بین هذه المسألة و بین ما تقدم فی خیار الغبن من أنه لو ادعی المشتری الجهل بالغبن و البائع یدعی علمه به قدم قول البائع مع أن من کلتا المسألتین أن المشتری یدعی الجهل و البائع یدعی علمه،فکیف له أن یحکم فی المقام بتقدیم قول المشتری دون المسألة السابقة.

أقول:وجه الفرق بینهما أن خیار الغبن انما ثبت بالشرط الضمنی علی ما تقدم و إذا تنازعا فی علم المشتری بالغبن و عدمه فإنه یرجع الی دعوی اشتراط الخیار للمشتری و عدمه،فح الأصل عدم الاشتراط،فلا یکون هنا خیار للمشتری،و یکون القول قول البائع.

و أما فی المقام لیس کذلک حیث ان خیار العیب انما ثبت بالدلیل و

ص:215

ان کان علی وفق القاعدة،و لکن لا بد من ملاحظة الروایة فهی دلت علی أنه أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرء منه و لم ینبه علیه و أحدث فیه حدثا فإنه یمضی علیه البیع حیث ان العلم بالعیب و ان کان طریقا الی الواقع علی ما تقدم و الغرض هو سقوط الرد مع انکشاف الواقع لدی المشتری و لکن نفی حصول العلم بالعیب له موضوعیة فی سقوط الخیار و أن ثبوت خیار العیب یدور مدار الجهل،و ح إذا شک فی کون المشتری عالما بالعیب حین العقد و عدمه فالأصل هو عدم کونه عالما فان انکشاف العیب لدی المشتری أمر وجودی یحتاج إلی الإحراز و مع عدمه فلا یکون خیاره ساقطا کما هو واضح،و هذا هو الفارق بین المسألتین.

قوله الثانیة:لو اختلفا فی زواله قبل علم المشتری.

أقول:ذکر المصنف فی النزاع فی زوال العیب القدیم و عدمه وجهین:

الأول:تقدیم قول مدعی البقاء فیثبت الخیار لأصالة بقائه و عدم زوال المسقط للخیار.

الثانی:تقدیم مدعی عدم ثبوت الخیار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غیر ثابت،فالأصل لزوم العقد و عدم الخیار.

ثم ذکر أن الأقوی هو الأول و ذکر أنه الی هذا نظر العبارة المتقدمة من التذکرة فی سقوط الرد بزوال العیب قبل العلم أو بعده قبل الرد،نومی الی الثانی فراجع.

أقول:أنه لا یترتب اثر علی هذا النزاع إذا قلنا بأن نفس وجود العیب فی المبیع موضوع للرد و الأرش فإنه علی هذا المذهب لا یترتب اثر علی الزوال حتی مع العلم بکونه قبل العلم أو بعده فکیف مع الجهل به فان موضوع الرد و الأرش علی هذا انما هو نفس وجود العیب لا غیر،فإذا اشتری أحد شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرء البائع و لم ینبه المشتری فله أی

ص:216

المشتری الخیار سواء علم به قبل الزوال أو بعده،و هذا لا شبهة فیه فان المشتری متمکن من الرد بل الأرش أیضا علی المشهور و أیضا لا یترتب اثر علی النزاع إذا قلنا بأن زوال العیب مطلقا یکون مانعا علی الرد بل الأرش من جهة أن المردود لا بدّ و أن یکون معیبا و المفروض عدمه لزوال العیب و بعد زواله لیس هنا معیب حتی یتمکن المشتری من رد المعیب،کما هو واضح.

نعم،له أثر إذا قلنا بأن موضوع هذا الخیار انما هو وجدان العیب و ظهوره فإنه علی هذا یترتب الأثر علی هذا النزاع،فإنه یقال إذا کان سبب الخیار هو ظهور العیب و وجدان المبیع معیبا فالأصل یقتضی عدم الخیار للشک فی سببه فیکون الأصل مع منکر الخیار.

و بعبارة أخری ان المشتری یدعی بقاء العیب الی زمان العلم و أنه زالی بعد العلم به،و البائع ینکر ذلک،فالأصل عدم ظهوره الی زمان الزوال و لکن مرجع ذلک الی الشک فی ثبوت الخیار لا فی المسقط.

ثم إذا اختلفا فی أن الزائل هو العیب الحادث أو القدیم مع الاتفاق علی زوال العیب هنا فادعی المشتری أن الزائل هو العیب الحادث،فلا یکون ذلک مانعا عن الرد بناء علی أن مجرّد حدوث العیب فی المبیع عند المشتری لا یکون مانعا عن الرد،بل المانع عن الرد،انما هو العیب الحادث الموجود حال الرد و علی هذا فلا إشکال فی عدم جواز الرد ح للشک فی بقاء العیب الحادث و عدمه فنستصحبه و هذا الاستصحاب لا یعارضه أصالة بقاء العیب القدیم،فإنه لا یترتب علیه أن الزائل هو الحادث الاّ علی القول بالأصل المثبت.

و العجب من المصنف فإنه مع ذکره عدم جریان الأصول المثبتة هنا و فی محله قد غفل عن کون هذا الأصل مثبتا و کلما تأملت فی توجیه کلامه

ص:217

حتی یخرج عن کونه أصل مثبتا ما وجدت شیئا یکون توجیها له هذا.

و إذا قلنا ان حدوث الحدث مانع عن الرد مطلقا،فلا شبهة أنه لا یترتب الأثر علی زواله و عدم هذا ما یرجع الی دعوی المشتری.

و أما بالنسبة إلی دعوی البائع بأن الزائل هو العیب القدیم فان قلنا بأن الزوال لا اثر له أصلا و انما العبرة بالحدوث فلا یترتب أیضا أثر علی هذا النزاع،فإنه سواء زال العیب الحادث أو القدیم فمجرّد حدوث العیب الحادث یکون مانعا عن الرد بالأرش و کذلک لا یترتب الأثر إذا قلنا بأن زوال العیب یوجب عدم الرد لأن الرد لا بدّ أن یتعلق بالمعیب،و من الواضح أن العیب القدیم قد زال.

نعم،مع ذلک هنا مانع آخر و هو وجود العیب الحادث،و ان کان الغرض أن زوال العیب یوجب عدم الأرش أیضا فالأصل بقائه و لا یعارضه أصالة عدم زوال الحادث فإنه لا یثبت به زوال العیب القدیم.

و بعبارة أخری أن خیار العیب له أثران،أحدهما:الرد و الأخر:

الأرش.فإن قلنا بان حدوث العیب مانع من الرد مطلقا فلا اثر للنزاع من هذه الجهة کما أنه إذا قلنا بأن زوال العیب لا اثر له فی الأرش لا معنی للنزاع من هذه الجهة إذا لا بدّ من فرض الکلام فی أن زوال العیب الحادث یوجب الرد فنقول الأصل عدم الزوال و لا یعارض ذلک مع أصالة عدم زوال العیب القدیم فإنه لا یترتب علیه زوال الحادث حتی یترتب علیه عدم جواز الرد.

و أیضا نقول أن زوال العیب القدیم یوجب عدم الأرش و مع الشک فیه یحکم بعدم زواله للاستصحاب و لا یعارضه استصحاب بقاء العیب الحادث حتی یکون مانعا من الأرش فإنه لا یترتب علیه زوال العیب القدیم لیترتب علیه عدم الأرش و علی هذا فلا وجه لما ذکره المصنف و التذکرة من عدم جواز الرد و أخذ الأرش،بل لا بد من التفصیل کما فصل الشافعی فیقال بعدم جواز الرد لأصالة عدم زوال العیب الحادث و أیضا نقول بثبوت الأرش

ص:218

لأصالة عدم زوال العیب القدیم و هذا واضح جدا،إذا فیحلف البائع فیسقط الرد و یحلف المشتری و یأخذ الأرش و هذا مراد الشافعی من التحالف.

قوله الثالثة:لو کان عیب مشاهدا غیر المتفق علیه.

أقول:تحریر الکلام هنا أن النزاع تارة یکون فی تعدد العیب بأن یتفقا علی عیب واحد و کان نزاعهما فی وجود عیب آخر فیدعی المشتری وجوده بحیث یکون له الخیار من جهتین أو من جهة العیب الثانی علی تقدیر إسقاطه الخیار من جهة العیب الأول.

و أخری:یکون فی زیادة العیب المتفق علیه.

و ثالثة:فی أصل الزیادة بحیث یدعی المشتری ذلک لیأخذ الأرش زائدا عن الأرش علی العیب المتفق علیه و ان لم یکن بنائه الرد.

أقول:

یقع الکلام فی هذه المسألة فی جهتین:

الاولی:فی دعوی المشتری علی البائع،و الثانی:فی دعوی البائع علی المشتری.

أما الجهة الاولی فی دعوی المشتری علی البائع

فهی خارجة عن الدعوی فی المسقط بیان ذلک أن غرض المشتری من دعواه وجود العیب الثانی هنا غیر العیب الأول أو دعواه أصل الزیادة أو الزیادة التی هی زائدة عن الزیادة التی یدعیها البائع أن یکون له الرد من جهتین أو من جهة العیب الآخر أو الزائد علی تقدیر إسقاطه الخیار من جهة العیب الأول أو غرضه أخذ الأرش زائد عن المقدار المتفق علیه علی تقدیر عدم الرد،و یقول المشتری أن هذه الأمور التی یدعیها موجودة من الأول و قبل العقد غایة الأمر قد حصل العلم بها بعد العقد و البائع ینکر ذلک،و ح فالقول قول البائع لأصالة عدم وجود العیب الآخر أو الزائد غیر العیب المتفق علیه،فللمشتری إثبات ذلک و لا شبهة أن هذه الجهة غیر مربوط بالمقام فان کلامنا هنا فی المسقط و مرجع ذلک الی

ص:219

دعوی أصل الخیار أو الأرش فتکون هذه الجهة أجنبیة عن المقام.

و أما الجهة الثانیة فی دعوی البائع علی المشتری

فهی مرکز الکلام هنا و بیان ذلک أن البائع إذا ادعی وجود المسقط فی المقام بشیء من الأمور المتقدمة بأن یدعی أن العیب تعدد فی ملک المشتری أو زاد أو کانت الزیاد أکثر مما کانت أولا فنسقط الخیار الثابت بالعیب السابق لروایة زرارة الدالة علی سقوط الخیار بحدوث الحدث فإنه یکون القول هنا قول المشتری،مع حلفه فعلی البائع إثبات دعواه،فیقال ان الأصل عدم حدوث العیب الآخر فی ملک المشتری فیثبت الخیار بالموضوع المرکب،أحدهما محرز بالوجدان و الأخر بالأصل فإن الخیار ثابت علی شراء المعیب،مع عدم احداث الحدث فیه،فشراء المعیب محرز بالوجدان فعدم احداث الحدث محرز بأصالة عدم حدوثه تحت ید المشتری فلا یعارضه أصالة عدم حدوثه فی ملک البائع،فإنه لا یثبت حدوثه فی ملک المشتری حتی یوجب سقوط الخیار،بل هو یکون مثبتا بالملازمة العقلیة کما هو واضح،و هذا بخلاف العکس فإن الأثر و هو ثبوت الخیار یترتب علی عدم حدوث العیب فی ملک المشتری فان المفروض أن الجزء الآخر محرز بالوجدان کما هو واضح.

و علی الجملة فإن کانت الدعوی راجعا إلی المشتری و هو یوجهها إلی البائع فالمسألة خارجة عن محل الکلام و ان وجهها البائع إلی المشتری فلها مجال واسع فهی مربوطة بالمقام أعنی النزاع فی المسقط.

و من هنا ظهر أن ما ذکره الشهید فی الدروس من أنه یحلف البائع إذا کان نظره الی الجهة الأولی بحیث یکون المدعی هو المشتری فلما ذکره وجه وجیه الاّ أنه خارج عن المقام و ان کان غرضه الجهة الثانیة فلا وجه له بوجه لما عرفت أن البائع فی الجهة الثانیة هو المدعی و الیمین انما یتوجه إلی المشتری دون البائع.

ص:220

ثم ان الشهید(ره)قد فرق بین النزاع فی کون العیب متعددا و بین النزاع فی زیادة العیب،حیث التزم فی الأول بکون العیب کالمنفرد و أن مرجع ذلک الی النزاع فی سبق العیب علی العقد و عدمه فالأصل مع البائع فإن الأصل عدم سبق عیب علی العقد فیحلف البائع و التزم فی الثانی بأنه إذا ادعی البائع زیادة العیب عند المشتری و أنکر المشتری احتمل حلف المشتری،لأن الخیار متیقن و الزیادة موهومة.

و یحتمل حلف البائع اجراء للزیادة مجری العیب الجدید،انتهی کلامه رفع مقامه،أقول:لا وجه للفرق بین المقامین فان مرجع کلیهما إلی شیء واحد فلا بدّ اما من تقدیم قول البائع فی کلا الموردین أو من تقدیم قول المشتری فی کلا الموردین.

و توضیح ذلک أنه فیما کان النزاع فی حدوث عیب آخر قد التزم الشهید بکون الحلف متوجها الی البائع و فی المقام أیضا کذلک فإنه إذا کان النزاع فی أصل زیادة العیب بحیث یدعی المشتری ذلک لیأخذ الأرش أکثر أو یرد المبیع لو سقط خیار بالنسبة إلی العیب الأول فنقول هنا ان الأصل عدم زیادة العیب فیکون القول قول البائع،فإن قیل ان الزیادة علی نحو إذا کان العیب موجودا أی العیب الأول کان موجودا مع الزیادة،فنقول هنا ان مقتضی أصالة عدم الأزلی أیضا هو عدم الزیادة،أی أن العیب إذا وجد، وجد بدون الزیادة،و مجردا عن هذا الوصف،فیکون القول أیضا قول البائع فلا مجال لاحتمال حلف المشتری و مع الغض عن جریان الأصل الأول،و البناء علی عدم جریان الأصل فی الإعلام الأزلیة فمقتضی الاستصحاب الحکمی هو عدم ترتب الأثر علی دعوی المشتری فان الأصل انه لا یستحق الأرش أو الرد من ناحیة العیب الزائد و علی هذا فلم یبق وجه لتقدیم قول البائع بوجه.

ص:221

قوله الرابع:لو اختلف فی البراءة.

أقول:ذکر المصنف(ره)أنه لو وقع الاختلاف فی أن البائع تبرء عن العیب،أم لم یتبرء،قدم منکر البراءة و هو المشتری غالبا فإن الأصل عدم التبری الحاکم علی أصالة اللزوم و لکن ذکر أنه ربما یترائی من مکاتبة جعفر ابن عیسی خلاف ذلک فإنه قال:کتبت الی أبی الحسن علیه السلام جعلت فداک المتاع یباع فیمن یزید فینادی علیه المنادی فإذا نادی علیه بریء من کل عیب فیه فإذا اشتراه المشتری و رضیه و لم یبق الاّ نقد الثمن،فربما زهد فیه فإذا زهد فیه ادعی عیوبا و أنه لم یعلم بها فیقول المنادی قد برئت منها،فیقول المشتری لم أسمع البراءة منها،أ یصدق،فلا یجب علیه الثمن أم لا یصدق،فیجب علیه الثمن،فکتب علیه السلام:أن علیه الثمن،الخبر.

فان المتوهم یتوهم أن الظاهر من هذه المکاتبة هو عدم قبول قول المشتری بل لا بد و أن یعطی الثمن للبائع.

أقول:یرد علی هذا التوهم أن هذا الخبر أخصّ من مورد الکلام فان المفهوم منه أن المشتری یدعی عدم السماع صوت الدلال بأنی برئت من جمیع العیوب فکلامنا فی مطلق البراءة و المشتری لیس له شغل بالبراءة و عدمها،و انما یقول أنا ما سمعت هذا أولا.

و ثانیا:ما ذکره المصنف من توجیه الروایة من أن الحکم بتقدیم قول المنادی لجریان العادة بناء الدلال عند البیع بالبراءة من العیوب علی وجه یسمعه کل من حضر الشراء فدعوی المشتری مخالفة للظاهر نظیر دعوی الغبن و الغفلة عن القیمة ممن لا یخفی علیه قیمة المبیع،انتهی.و لعل الی هذا التوجیه ینظر کلام صاحب الکفایة من جعل الروایة مؤیدة لقاعدة البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر،بأن یکون مراده عن المدعی هو المشتری لکون قوله مخالفا للظاهر،و المنکر هو البائع لکون قوله موافقا له.

ص:222

و أما ما ذکره صاحب الحدائق من أن المفهوم من مساق الخبر المذکور أن إنکار المشتری انما وقع مدالسة لعدم رغبته فی المبیع و الا فهو عالم بتبری البائع و الامام علیه السلام إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة حیث یعلم أنه مدالس فحکمه علیه السلام من جهة خصوصیة المورد،و فیه أن مراد السائل لیس هو السؤال عن حکم العالم بالتبری المنکر له فیما بینه و بین اللّه،بل الظاهر من سیاق السؤال هو استعلام من یقدم قوله فی ظاهر الشرع من البائع أو المشتری بحسب المحاکمة الشرعیة علی أن حکم العالم بالتبری المنکر له معلوم لکل أحد و من هنا السؤال السائل بقوله ا یصدق،إلخ.

و أما ما ذکره الأردبیلی من أنه لا یلتفت الی هذا الخبر لکونه ضعیفا فهو متین جدا،فلا یتوجه الی عدم التفاوت المصنف الیه و کذا لا وجه لما ذکره السید فی الحاشیة من أن هذا الخبر مورد العمل فی غیر هذا المقام لم نعرف له وجها فإنه لو کان الخبر شاملا لمضمون آخر غیر هذا المضمون و کان منجبرا بعمل المشهور لذلک أو بقرینة آخر بناء علی انجبار ضعف الخبر بشیء فلا ربط له بالمقام فان انجبار مقدار من الخبر لا یرتبط بالمقدار الآخر کما هو واضح.

ثم انه ذکر المصنف أنه بقی هنا اشکال آخر فی الخبر و هو أن براءة المنادی من العیوب لا یجدی فی سقوط خیار العیب،بل لا بدّ من اعتباره فی المتن العقد.

و فیه أنک قد عرفت سابقا أن مقتضی بناء العقلاء هو اعتبار وصف الصحة فی المبیع بحیث یشترط المشتری علی البائع أن یکون المبیع صحیحا و مع التخلف یثبت الخیار للمشتری و من الواضح أن هذا الاشتراط انما هو فی مورد لم تقم قرینة علی عدم الاشتراط سواء کان قیام ذلک قبل العقد أو بعده و علیه فإذا تبرء البائع من العیب و لم یکن هذا التبری فی ضمن العقد یکون تبریه هذا رفعا لالتزامه و قرینة علی أنه لم یشترط فی ضمن العقد،هذا

ص:223

الالتزام کما هو واضح و علیه فلا یرد أن التبری حیث لم یکن فی ضمن العقد فلا یکون مفیدا فافهم.

قوله الخامسة:لو ادعی البائع.

أقول:ذکر المصنف أنه لو ادعی البائع رضی المشتری به بعد العلم أو إسقاط الخیار أو تصرّفه فیه أو حدوث عیب عنده حلف المشتری لأصالة عدم هذه الأمور ثم ذکر أنه لو وجد فی المعیب عیب إلخ،و قد تقدم هذه المسألة منه و ذکر کلام الشافعی هناک کما أشار إلیه السید فی حاشیته فلا وجه للتکرار.

قوله:و أما الثالث أی فی الفسخ
اشارة

ففیه مسائل

الأولی لو اختلفا فی الفسخ فان کان

الخیار باقیا فله إنشائه.

أقول:لو وقع الاختلاف بین البائع و المشتری فی الفسخ و عدمه فتارة یقع ذلک قبل مضی زمان الخیار و أخری بعده.

و أما الکلام فی الجهة الأولی بأن یدعی المشتری تحقق الفسخ منه قبل أن ینقضی زمان الخیار و قبل طر و المسقط و البائع ینکره فتارة ینشئ المشتری الفسخ ثانیا و أخری لا ینشئ ذلک،فعلی الأول لا شبهة فی تحقق الفسخ جزما للعلم الوجدانی بأنه إما حصل الفسخ بالإنشاء الأول أو الثانی فیکون القول قول المشتری و دعوی أن الفسخ الثانی لا تأثیر له علی زعم المشتری،فإنه یدعی الفسخ الأول،جزافیة حیث ان الفسخ الثانی یکون مؤثرا علی زعم البائع المنکر للفسخ أولا هذا إذا أنشأ المشتری الفسخ ثانیا و أما إذا لم ینشأ الفسخ ثانیا فهل یمکن له إثبات الفسخ الأول و الحکم بانفساخ العقد أم لا،الظاهر هو إمکان ذلک بوجهین:- الأول:من جهة القاعدة المعروفة أن من ملک شیئا ملک الإقرار به، حیث ان المشتری مالک للفسخ فهو مالک للإقرار به أیضا،و هذه القاعدة

ص:224

و ان لم ترد من الروایات و لکن قد تسالموا علیها فان ذلک أمر وجدانی و عقلائی و ضروری،فإن المالک لشیء مالک لجمیع شؤونه کما هو واضح،و نظیر ذلک ما إذا أقرّ الزوج بطلاق زوجته فإنه یسمع إقراره بذلک و ان نکرته الزوجة فان الزوج مالک للطلاق فیکون مالکا للإقرار به أیضا.

الوجه الثانی:أن یکون دعوی المشتری الفسخ و اخباره عن ذلک بنفسه فسخا للعقد و توضیح ذلک أن الاخبار و ان کان غیر الإنشاء و أن کلا منهما یباین الآخر و لکن المشتری إذا أخبر عن فسخه للعقد فاخباره هذا یدل بالملازمة علی کونه راضیا بالفسخ و من الواضح أن الفسخ لیس الا الرضا بانفساخ العقد و إظهاره بمظهر فی الخارج و اخبار المشتری بالملازمة تکشف عن رضاه بالفسخ،فیکون اخباره عن الفسخ بنفسه مصداقا للفسخ بهذا المعنی،لا أن الاخبار بنفسه إنشاء،بل کما عرفت فیه جهتان و دلالتان، دلالة مطابقیة و دلالة التزامیة،فالأخبار بالدلالة الالتزامیة إنشاء و مصداق للکشف کما عرفت،و لعل هذا هو مراد الشهید من دعواه کون أخبار المشتری عن الفسخ بنفسه مصداقا للفسخ،و الاّ فالشهید لا یدعی عن أن الاخبار إنشاء و نظیر ذلک ما إذا أخبر الزوج عن رجوعه سابقا إلی الزوجة فأن اخباره هذا یدل بالملازمة علی تحقق الرجوع بالفعل و ان هذا الاخبار یکشف عن الرضا الفعلی بالرجوع کما هو واضح.

و قد ورد فی بعض الاخبار أن من أخبر بعتق مملوکه ثم جاء العبد یدعی النفقة علی أیتام الرجل و أنه رق لهم،فالوجه فی ذلک هو أن دعواه النفقة علی الأیتام بالملازمة تدل علی کونه رقا لهم کما هو واضح.

و علی الجملة إذا اختلفا البائع و المشتری فی الفسخ و عدمه قبل مضی زمان الخیار فیکون القول قول المشتری سواء إنشاء المشتری الفسخ ثانیا أم لم ینشئ کما عرفت.

ص:225

و أما إذا کان الاختلاف بعد مضی زمان الخیار بأن ادعی المشتری الفسخ قبل تلف العین و البائع ینکر ذلک،و ح فالقول قول البائع و للمشتری إثبات ذلک من بیّنة و نحوها،فعلی هذا فان ادعی المشتری علم البائع بالفسخ،و أنه یعلم به فیتوجه الحلف علی البائع و وجب علیه أن یحلف علی عدم علمه بالفسخ لا علی نفی الفسخ واقعا فإنه فعل المشتری فیمکن ان یقع بغیر اطلاع قبل البائع کما هو واضح و اذن فالحلف من البائع انما هو علی عدم علمه بفسخ المشتری لا علی نفی الواقع و أما إذا انعکس الأمر بأن ادعی البائع الفسخ لیأخذ مثل العین لترقی القیمة و ادعی المشتری عدمه فح یتوجه الحلف إلی المشتری دون البائع و لکن لا بدّ له أی للمشتری أن یحلف علی نفی الفسخ واقعا،فإنه فعل المشتری فهو عالم بفعله واقعا فإذا حلف فلا بدّ و أن یحلف علی نفی الفسخ واقعا.

ثم انه إذا لم یقدر المشتری علی إثبات الفسخ اما لعدم دعواه علم البائع به و عدم إقامة البینة علی مدعاه أو من جهة أنه مع دعواه علم البائع بذلک فحلف البائع علی عدم علمه بالفسخ،فهل للمشتری مطالبة الأرش أم لا فذکر المصنف فیه وجهین:الأول:ثبوته لئلا یخرج من الحقین.الثانی:

عدم ثبوته لإقراره بالفسخ و زاد فی الدروس انه یحتمل أن یأخذ أقل الأمرین من الأرش و ما زاد علی القیمة من الثمن ان اتفق لأنه بزعمه یستحق استرداد الثمن و رد القیمة فیقع التقاص فی القیمة و یبقی قدر الأرش مستحقا علی التقدیرین.

و الوجه:فیما افاده الشهید(ره)هو أن الثمن إذا کان زائدا علی القیمة بمقدار التفاوت ما بین المعیب و الصحیح فیأخذ المشتری ذلک التفاوت و ان کان الأرش زائدا عنه،فیأخذ التفاوت ما بین المعیب و الصحیح و ان کان التفاوت زائدا عن الأرش فیأخذ الأرش لأنه هو القدر المتیقن و

ص:226

هذا الذی أفاده الشهید له وجه إذا کان المشتری یطالب الأرش فإنه یلتزم البائع علی الأرش علی زعمه و حیث لم یکن الأرش ثابتا بزعم المشتری بل التفاوت فیجبر البائع علی إعطاء أقل الأمرین من التفاوت أو زیادة الثمن و أما إذا لم یطالب الأرش فلا وجه لذلک لما عرفت،أن الأرش انما یثبت بالمطالبة لا بمجرد العقد،و الاّ لکان البائع مشغول الذمة به علی تقدیر عدم الإعطاء و أیضا کان له أن یرد مقدارا من الثمن لا أن یعطی من کل ما یرید کما هو واضح.

قوله الثانیة:لو اختلفا فی تأخیر الفسخ فی أول الوقت بناء علی فوریة

الخیار.

أقول:ذکر المصنف أنه لو وقع الاختلاف فی تأخر الفسخ عن زمان الخیار بأن یکون الفسخ بعد تلف العین أو کونه فی زمان الخیار،ذکر أنه فی تقدیم مدعی التأخیر لأصالة بقاء العقد و عدم حدوث الفسخ فی أول الزمان أو مدعی عدمه لأصالة صحة الفسخ وجهان:- و هذا الذی ذکره المصنف لا یخلو عن المسامحة فإنه جمع فی کلامه بین الأصل الموضوعی و هو عدم کون الفسخ فی زمان الخیار و الأصل الحکمی و هو بقاء العقد أی الملکیة حیث ان المصنف عطف الثانی علی الأول فإن الاستصحاب الحکمی و ان کان یترتب علیه الأثر بناء علی جریانه و مع الغص عما بیننا علیه فی الأصول من عدم جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة الاّ أنه لا مجال له بعد جریان الاستصحاب الموضوعی.

ثم ذکر المصنف أنه لو کان منشأ النزاع الاختلاف فی زمان وقوع العقد مع الاتفاق علی زمان الفسخ ففی الحکم بتأخر العقد لتصحیح الفسخ،وجه یضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقیقة إلی أصالة عدم تقدمه علی الزمان المشکوک وقوعه فیه لا یثبت وقوع الفسخ فی أول الزمان ثم ذکر و هذه

ص:227

المسألة نظیر ما لو ادعی الزوج الرجوع فی عدة المطلقة و ادعت هی تأخرها.

أقول:هذه المسألة سیالة فی غیر هذا المورد مما کان هناک حادثان، و یشک فی تأخر أحدهما و تقدم الآخر و بالعکس مثلا لو شک فی أن التفرق فی خیار المجلس انه وقع بعد الفسخ أو قبله أو الفسخ فی خیار الحیوان أنه وقع قبل ثلاثة أیام أو بعده،و هکذا إذا شک فی أن القبض فی الصرف و السلم وقع قبل التفرق أو بعده و هکذا أو وقع الشک فی أن الصلاة وقعت قبل الحدث لیحکم بصحتها أو بعده لیحکم ببطلانها مع العلم بکون المصلی مطهرا و هذا المثال فیما لم یکن مورد لقاعدة الفراغ من جهة انتفاء شرط من شروطها ککونه غافلا فی حال الصلاة بحیث یکون استصحاب الطهارة جاریة و أما مع فرض جریان قاعدة الفراغ فلا موضوع للشک فی صحة الصلاة و الاحتیاج الی الاستصحاب کما هو واضح.

و من هذا القبیل أیضا ما ذکره المصنف من وقوع الرجوع فی العدة الرجعیة قبل انقضاء العدة أو بعدها و کذلک إذا وقع الشک فی أن بیع الراهن العین المرهونة هل وقع قبل رجوع المرتهن عن الاذن أو بعده ففی هذه الموارد کلها یجری ما ذکره المصنف من أن الأصل عدم کون الفسخ واقعا فی زمان الخیار فیترتب علیه بطلان الفسخ و أن الأصل عدم وقوع الرجوع فی زمان العدة فیترتب علیه بینونة الزوجة و أن الأصل عدم وقوع بیع الراهن قبل رجوع المرتهن فیترتب علیه بطلان البیع و أن الأصل عدم وقوع الفسخ فی زمان المجلس و فی ثلاثة أیام فیترتب علیه عدم تأثیر الفسخ و أن الأصل عدم وقوع الصلاة فی حال الطهارة فیترتب علیه بطلان الصلاة و هکذا.

و ذکر بعضهم أن الأصل هنا یقتضی عکس ما ذکره المصنف و أنه لا بدّ من الحکم بتأثیر الفسخ و صحة بیع المرتهن و صحة الصلاة لا من جهة ما ذکره المصنف من إجراء أصالة الصحة هنا فی الفسخ لجریان المناقشة فی

ص:228

هذه القاعدة کما أشار إلیه السیّد فی الحاشیة و ذکرناه مرار،بل من جهة أن الموضوع المرکب إذا أحرز أحد الجزئی بالأصل و الآخر بالوجدان یترتب علیه الأثر و القضیة فی الموارد المذکورة کذلک حیث أن الفسخ مثلا محرز بالوجدان و زمان الخیار محرز بالأصل،و ح فیترتب علیه الأثر و هو کون الفسخ فی زمان الخیار و کذلک ان الصلاة متحققة وجدانا و الطهارة محرزة بالأصل و هکذا ان البیع محرز بالوجدان و اذن المرتهن محرز بالأصل و هکذا بقیة الموارد و اذن فیترتب الأثر علی الفسخ فی المقام و کذا فی نظائره.

و دعوی أن الأصل یعارضه أصل آخر هنا و هو أصالة عدم الفسخ الی ما بعد الانقضاء أو المسقط فاسدة حیث ان أصالة عدم تحقق الفسخ الی ما بعد الانقضاء لا یثبت کون الفسخ بعد زمان الخیار الذی هو مورد للأثر الاّ علی القول بالأصل المثبت الذی أثبتنا فی الأصول عدم جریانه کما هو واضح.

لا یقال انه لا مدفع لمعارضة الأصلین المذکورین و لا تصل النوبة إلی دفع الأصل المعارض بکونه مثبتا لا یترتب الأثر علیه و ذلک لأن أصالة عدم تحقق الفسخ المقید بکونه فی زمان الخیار یرفع الموضوع المرکب و لا یترتب علیه الأثر و کذلک أصالة عدم وقوع الصلاة مع الطهارة و أصالة عدم وقوع البیع مع اجازة المرتهن و أصالة عدم کون رجوع الزوج فی حال العدة الرجعیة و هکذا.

فإنه یقال ان هذا الکلام له وجه إذا کان الموضوع هو الأمر الوجودی أعنی عنوان الاقتران أو عنوان التقید فإنه ینفی هذا العنوان الوجودی بالأصل المذکور و یقال ان الأصل عدم التقید و عدم الاقتران و ح لا یترتب الأثر علیه و لکن الأمر لیس کذلک حیث ان الموضوع فی الموارد المذکورة انما

ص:229

هو ذوات الأجزاء أی الفسخ و کونه فی زمان العقد و أما عنوان الاجتماع، أو الاقتران،أو التقید،فلیس موضوعا للحکم أصلا.

و علیه فلا شبهة أن ذوات الاجزاء بعضها محرز بالوجدان و بعضها محرز بالأصل و بحکم الشارع و هذا الأصل المذکور لا یکون معارضا لما ذکر من جریان الأصل فی الموضوع المرکب(علی أن ما ذکره المستشکل من جریان الأصل فی نفی عنوان الاقتران و الاجتماع انما هو خلف الفرض حیث ان المفروض جریانه فی المرکب و ما ذکره اجراء له فی العنوان البسیط کما هو واضح مقرر).

أقول:الظاهر هو التفصیل بین ما ذکره المصنف و بین ما ذکره هذا القائل.

و توضیح ذلک أنه ان کان الشک فی السعة و الضیق فی المستصحب فالأمر کما ذکره هذا القائل،و ان کانت السعة و الضیق محرزین و کان الشک من جهة أخری فالأمر کما ذکره المصنف و بیان ذلک أنه إذا علم بعد الصلاة بأنه أحدث حدثا بعد الطهارة و لکن لا یدری أنه وقع بعد الصلاة أو قبلها فان مرجع ذلک الی الشک فی سعة الطهارة حتی الی ما بعد الصلاة و ضیقها و کونها قبل الصلاة فقط،و ح نقول ان الصلاة متحققة وجدانا و الطهارة نستصحبها الی آخر الصلاة و یحکم بصحتها و وقوعها فی حال الطهارة وجدانا إذ الصلاة واقعة وجدانا و الطهارة ثابتة إلی آخر الصلاة بحکم الشارع،فتکون الصلاة واقعة فی حال الطهارة وجدانا کما هو واضح.

و هذا نظیر ما إذا شک فی بقاء الطهارة فاستصحب و أبقاها و صلی بذلک فهل یتوهّم أحد بطلان ذلک الصلاة و کذلک فی المقام؟و لا معنی لمعارضة هذا الأصل بأصالة عدم وقوع الصلاة فی حال الطهارة کما عرفت إذ المراد من ذلک الأصل هو الأصل الجاری فی الجزء و هو عدم

ص:230

وقوع الصلاة الی انقضاء الطهارة و قد عرفت أنه مثبت و ان کان المراد من ذلک الأصل هو المجموع المرکب أی الصلاة المقیدة بالطهارة مثلا فقد عرفت أنه لا یجری فی المجموع المرکب من جهة عدم کون المجموع بعنوان المجموع موضوعا للحکم کما هو واضح.

قوله الثالثة لو ادعی المشتری الجهل بالخیار أو بفوریته

و الحاصل:أن الکلام کان فی الاختلاف فی فوریة الخیار و عدمها،و قد ذکر المصنف أنه لو اختلفا فی تأخر الفسخ عن أول الوقت بناء علی فوریة الخیار ففی تقدیم مدعی التأخیر لأصالة بقاء العقد و عدم حدوث الفسخ فی أول الزمان أو مدعی عدمه لأصالة الصحة،وجهان:- أقول:قد عرفت أن هذا البحث سیال و لیس مخصوصا بالمقام،بل یجری فی کل حادثین فی زمان واحد یشک فی تقدم أحدهما علی الآخر و عدمه کموت المورث و إسلام الوارث و کبیع الراهن و رجوع المرتهن عن اذنه و کالفسخ و التفرق فی خیار المجلس،بل یجری فی متعلقات التکالیف أیضا کالصلاة و الطهارة و نحوهما و یجری کلام المصنف فی جمیع ذلک من ان الأصل عدم تحقق الفسخ فی زمان الخیار و أن الأصل عدم وجود الصلاة فی حال الطهارة و هکذا و قد عرفت أنه ذکر بعضهم عکس ذلک و التزم بان الموضوع فی أمثال الموارد مرکب من جزئین،أحدهما ثابت بالأصل و الآخر ثابت بالوجدان،فیترتب علیه الأثر و لا یکون أصالة عدم وقوع الفسخ مثلا فی زمان الخیار معارضا لذلک الأصل لأن الموضوع هو ذات الجزئین و کونهما فی زمان واحد.

و أما عنوان التقید فلیس موضوعا للحکم حتی ینفی بالأصل فراجع الی ما ذکرناه مفصلا قبل هذا.

و التحقیق هو التفصیل فی المقام و القول بجریان الأصل فی بعض الموارد و بعدم جریانه فی بعض الموارد الآخر أصلا فضل عن المعارضة و

ص:231

توضیح ذلک أن موضوع الحکم فی الحادثین قد یکون زمانیین بذاتهما من غیر أن یلاحظ اجتماعهما و تقید أحد الحادثین بالآخر و قد یکون موضوع الحکم هو ذات الزمان و الزمانی من غیر تقید أحدهما أیضا بالآخر،و قد یکون هذه الصورة أیضا مقیدا أحدهما بالآخر بحیث یکون موضوع الحکم هو وقوع الحادث فی ذلک الزمان.

أما الصورة الأولی:فلا شبهة فی جریان الأصل فی أحد الجزئین إذا أحرز الجزء الآخر بالوجدان و یترتب علیه الأثر و المقام من هذا القبیل حیث ان موضوع الحکم انما هو ذات الفسخ و ذات الخیار بحیث یکون هذان الجزءان مجتمعین من غیر أن یکون عنوان الاجتماع قیدا للموضوع و انما الموضوع هو نفس الاجزاء و لا یستفاد من الأدلة الا أن الفسخ فی زمان الخیار یؤثر أما أن الزمان أیضا دخیل فی الحکم،و اما فلا،بل الموضوع الحکم انما هما الجزءان زمانیان و هو الفسخ و الخیار و انهما بذاتهما مرکبا موضوع للحکم و کذلک الصلاة و الطهارة فإن الصحة مترتبة علی الصلاة الواقعة مع الطهارة من غیر أن یکون زمان الطهارة دخیلا فی موضوع الحکم،فان مثل ذلک فأحد الجزئین إذا کان محرزا بالوجدان و الجزء الآخر بالأصل یترتب علیه الحکم فان اللازم انما کون المصلی متطهرا و من الواضح أن الصلاة قد تحققت جزما و وجدانا فلا معنی لإجراء الأصل فیها و القول بأنها لم تتحقق و الجزء الآخر أعنی الطهارة فقد أحرزها بالأصل فیکون المصلی متطهرا بالتعبد و یکون وقوع الصلاة فی حال الطهارة أیضا وجدانیا غایته فی الطهارة التعبدیة کما هو واضح و لا دلیل هنا یقتضی لزوم وقوع الصلاة فی زمان الطهارة حتی یقال ان هذا القید إنما ینفی بالأصل فیکون الأصلان معارضین و لا یبعد أن یکون خیار المجلس أیضا من هذا القبیل و أن الزمان غیر دخیل فی ثبوت الحکم و انما الموضوع هو ذات المجلس و الفسخ

ص:232

و اقتران نفس ذاتهما من غیر أن یکون وقوع الفسخ فی المجلس موضوعا للحکم،بل هو أمر انتزاعی من تحقق هذین الجزئین فإذا شک فی أن الفسخ هل وقع قبل التفرق أو بعده فنقول أن ذات الفسخ قد تحقق وجدانا و عدم التفرق أعنی الاستصحاب العدمی أو نفس المجلس اعنی الاستصحاب الوجودی نثبته بالأصل فیترتب علیه الأثر و هو تأثیر الفسخ فی هدم العقد.

و اما کون الفسخ واقعا فی زمان المجلس فلم یثبت ذلک من الدلیل بوجه و من هذا القبیل أیضا بیع الراهن مع رجوع المرتهن و الشک فی أن الرجوع وقع قبل البیع أم بعده،فان ما هو موضوع الحکم؟هو وجود الاذن و تحقق البیع و أن نفس اجتماع ذات هذین الأمرین موضوع للحکم.

و أما وقوع البیع فی زمان الاذن فلیس موضوع للحکم و لا یظهر من الأدلة مدخلیة الزمان فی ذلک و من هذا القبیل ما تقدم من الصلاة و الطهارة المتیقنة مع الشک فی أن الحدث هل وقع قبل الصلاة أم بعدها کیف فهی مثل الطهارة المشکوکة المسبوقة بالطهارة المتیقنة فإنه إذا أبقاها المکلف و صلی بها فهل یتوهم أحد أن الأصل عدم وقوع الصلاة فی حال الطهارة و من الواضح أنه لا فرق بین هذا و بین المقام.

و الحاصل:أن فی کل مورد حدث حادثان و شک فی تقدم أحدهما علی الآخر و عدمه و لم یکن الزمان دخیلا فی موضوع الحکم،بل کان الموضوع ذات الجزءان الذان یجتمعان و یقترنان من غیر کون التقارن أیضا دخیلا فی الموضوع أمکن إثبات الحکم لترتبه علی موضوع مرکب قد حصل أحدهما بالوجدان و الآخر بالتعبد،و لا یمکن نفی وقوع أحدهما فی زمان تحقق الآخر بالأصل لأن التحقق وجدانی لأن تحقق الجزء الوجدانی فی حال تحقق الآخر بالتعبد وجدانی،و عنوان وقوعه فی زمان الآخر لیس موضوعا للحکم،بل هو أمر انتزاعی کما هو واضح لا یخفی.

ص:233

و أما إذا کان أحد الجزئین زمانیا و الأخر زمانا من غیر اعتبار وقوع الجزء الزمانی فی الزمان فی موضوع الحکم فإنه أیضا یترتب الحکم علی الموضوع المرکب الثابت أحد جزئیة بالوجدان و الآخر بالأصل لأن ما هو موضوع الحکم تحقق الزمان و الزمانی معا و اجتماعهما بذاتهما.

و أما عنوان وقوع الزمانی فی الزمان أو الطرفة أو غیر ذلک فلیس بموضوع للحکم أصلا و هذا کخیار الحیوان فإنه إذا فسخ المشتری العقد و وقع الخلاف فی أنه هل وقع الفسخ فی ضمن الثلاثة أو بعدها فإنه یحکم بکونه فی ضمنی الثلاثة و ذلک لأن موضوع الحکم انما هو الفسخ فی ضمنی الثلاثة و قبل تمامها و من المعلوم أن الفسخ قد تحقق وجدانا و عدم انقضاء الثلاثة أو بقاء هذا الزمان محرز بالأصل فیتم الموضوع المرکب أحد الجزئین بالأصل و الأخر بالوجدان و علی هذا فلا معنی لنفی وقوع الفسخ فی الثلاثة بالأصل لعدم کون ذلک موضوعا للحکم و انما الموضوع ذات هذان الجزئین و قد عرفت أن أحدهما محرز بالأصل و الآخر بالوجدان،فکما أن الفسخ وجدانی و کونه فی الثلاثة أیضا وجدانی و ان کانت الثلاثة ثابتة بالتعبد و لیس هنا عنوان وقوع الفسخ فی الثلاثة موضوعا للحکم حتی ینفی بالأصل بل ذات الفسخ قبل تمام الثلاثة.

و قد عرفت أن ذات الفسخ فی الثلاثة وجدانیة و من هذا القبیل أیضا الصلاة و الصوم علی ما ذکرناهما فی محلهما فان الظاهر من الاخبار و من قوله تعالی أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ و کذا فی قوله تعالی ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ هو أن الإمساک انما هو لا بدّ و أن یکون قبل اللیل و الصلاة انما هی أداء قبل خروج النهار و أن الظاهر من قوله تعالی کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ ، هو أن الأکل لا بدّ و أن یکون قبل ذلک و هذا هو موضوع الحکم فإذا أمسکنا

ص:234

و صلینا أو أکلنا فی شهر رمضان و شککنا فی أن النهار باق حتی لا یجوز الإفطار أو تکون الصلاة أداءه أم لا،أو الأکل وقع قبل الفجر أم لا؟فإنه لا شبهة أن الصلاة واقعة وجدانا و کذلک الإمساک و الأکل و بقاء اللیل أو النهار نثبته بالاستصحاب الوجودی بأن یقال الأصل بقاء اللیل أو النهار أو بالاستصحاب العدمی و یقال الأصل عدم بقاء النهار أو اللیل فلیتم الموضوع المرکب فیترتب علیه الحکم و أما عنوان وقوع الصلاة فی النهار أو الإمساک کک فلیس موضوعا للحکم حتی ینفی بالأصل و یکون هذا الأصل معارضا بالأصل الذی یثبت الموضوع هذا أیضا واضح و من هذا القبیل أیضا رجوع الزوج مع الشک فی أنه وقع فی العدة أم لا.

و أما القسم الثالث:و هو أن یکون الموضوع هو الحادثان و کان أحدهما زمانا و الآخر زمانیا مع اشتراط وقوع الزمانی فی الزمان فإنه ح لا یجری هنا أصلا،لا أنه یجری و یکون معارضا مع الأصل الجاری فی استصحاب نفس الزمان و ذلک لأن استصحاب الزمان لا یثبت وقوع الحادث فی الزمان المستصحاب الاّ علی القول بالأصل المثبت.

و علی الجملة فالأصل فی الشق الثالث لیس بجار فی نفسه لعدم ترتب الأثر علیه لا أنه یجری و یکون معارضا بأصالة عدم وقوع الحادث فی ذلک الزمان المستصحب فافهم.

و قد ذکرنا فی تنبیهات الاستصحاب فی تنبیه جریان الاستصحاب فی الزمان و الزمانی ما ینفعک هنا فراجع،و من هنا یظهر أنه لو شک فی بقاء وفت الخیار ابتداء و عدم بقائه فاستصحب ذو الخیار و فسخ کان فسخه ماضیا و لیس لأحد أن یقول أن الأصل عدم وقوع الفسخ کما هو واضح.

و من الوضوح أیضا أنه لا فرق بین کون الحادثین مجهولی التاریخ و بین کونهما معلومی التاریخ،کما هو واضح،و أما إثبات الحکم بالصحة

ص:235

بأصالة الصحة کما ذکره المصنف وجها فی المقام فهو أیضا ضعیفة.

و الوجه فیه أن أصالة الصحة فی فعل الغیر لا دلیل علیها مطلقا إذ الدلیل انما هو فیما إذا کان من العقود فإنه قامت السیرة القطعیة علی جریانها فیها و أما فی غیرها فلا دلیل علیها،و أما القول بها لقوله علیه السلام ضع فعل أخیک علی أحسنه.فقد ذکرنا مرارا أن معناه أن ما صدر عن المسلم فکان له وجهان:وجه صلاح و وجه فساد،ضعه علی الصلاح و لا تعامل معه معاملة الفاسق لا أنه یترتب علیه آثار الصدق أیضا کما هو واضح،فافهم و أیضا ان مورد أصالة الصحة هنا مشکوک.

قوله:لو ادعی المشتری الجهل بالخیار.

أقول:ذکر المصنف أنه لو ادعی المشتری الجهل بالخیار أو بفوریته بناء علی فوریته سمع قوله ان احتمل فی حقه الجهل للأصل ثم ذکر التفصیل بین الجهل بالخیار فلا یعذر الاّ نشاء فی بلد لا یعرفون الاحکام و لو ادعی الجهل بالفوریة فیعذر مطلقا لأنه مما یخفی علی العامة.

أقول:قد یقال انه لا وجه لتقیید الفوریة بالعلم بالفوریة بحیث یکون مدعی ذلک معذورا و ذلک لانه یعقل أن یکون العلم بالحکم مأخوذا فی موضوعه.

فهل یتوهم أحد أنه لو ادعی أحد أن خیار الحیوان مقید بعلم من له الخیار بزمانه و کذا خیار المجلس،بل الخیار انما ثبت بالأدلة الدالة علی أن الخیار انما ثبت فی ذلک الزمان فإذا أنقض ذلک الزمان لا یکون له الخیار.

و دعوی أن خیار العیب انما یثبت بظهور العیب فلا مانع أن یکون فوریته مقیدة بعلم من له الخیار قیاس مع الفارق حیث ان موضوع خیار العیب مقیّد بظهور العیب کما فی روایة زرارة ثم علم به أی بالعیب،و هذا بخلاف

ص:236

المقام،فان العلم یکون قیدا للحکم فیکون الحکم ثابتا فی حق من هو عالم بالعیب کما هو واضح.

و لکن الظاهر أن ما افاده المصنف صحیح متین و ذلک لأن دعوی فوریة الخیار لا یتوقف علی تقیید فوریة الخیار بالعلم بالفوریة و ذلک من جهة أن المدعی لا یدعی ذلک،بل یقول(علی ما تقدم سابقا و ان ناقشنا فیه)أن خیار العیب أبدی و لکن التأخیر مع العلم به یکشف عن رضاء ذی الخیار بالعقد فیکون موجبا للإسقاط،فالمرجع فی ذلک الی دعو المسقط لا أن المقتض للخیار قاصر،بل المقتضی قضی ذلک الی الأبد و لکن التأخیر و عدم الفسخ عن عمل یکشف عن الرضا المسقط،و علیه یکون فوریا و علی هذا فإذا لم یعلم به الاّ بعد مدة کان الخیار ثابتا فی حقه علی هذا المبنی أیضا و ان ناقشنا فیه سابقا،فإذا علم بالفوریة مع علمه بالخیار یکون له الخیار حین العلم به و إذا أخر عن ذلک یکون ذلک موجبا للإسقاط کما هو واضح.

القول فی ماهیة العیب

قوله:القول فی ماهیة العیب،و ذکر بعض أفراده.

أقول:حیث ان لفظ العیب و العوار قد ورد فی أخبار خیار العیب فقد تصدی الفقهاء رضوان اللّه علیهم لبیان ذلک فقد ذکر فی الصحاح علی ما حکی عنه أن العوار هو العیب.

و أما العیب:فذکر المصنف أن الظاهر من اللغة و العرف أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بینه و بین الکمال،ثم ذکر أن الصحة ما یقتضیه أصل الماهیة المشترکة لو خلی و طبعه و العیب و الکمال یلحقان له لأمر خارج عنه.

ص:237

ثم ذکر أن المیزان فی معرفة مقتضی حقیقة الشیء هو أن حقیقة هذا الشیء قد تعرف من الخارج کما یعرف أن مقتضی حقیقة الحیوان و الإنسان أن یکون بصیرا فالعمی عیب فیهما،و لا بدّ أن یکونا سمیعا و الخرس عیب فیهما،و هکذا و یعلم من الخارج أیضا أن الکتابة کمال فی الإنسان و لیس مقتضی الطبیعة الأولیة کونه کاتبا أو ذی صنعة کما هو واضح،و کذلک الطبخ فی الأمة فإنه من الأوصاف الکمالیة فلا یکون فقدانها عیبا فیهم.

و قد یعلم مقتضی حقیقة الشیء بملاحظة غلبة الافراد بحیث إذا لوحظ فی الخارج أغلب أفراد الإنسان نجدهم علی هذا الوصف،و نکشف من ذلک أن مقتضی الطبیعة الأصلیة هو کون الإنسان علی هذا الوصف و کذا الحال فی غیر الإنسان و أما کون الأفراد النادرة علی خلاف هذا الوصف فهو لا یقتضی أن یکون علی طبق مقتضی الطبیعة الأولیة،بل هو عیب فی تلک الأفراد النادرة و أن تخلف الوصف الموجود فی غالب الافراد من الافراد النادرة لعارض فیکون عیبا و الوجه استکشاف العیب من ذلک الغلبة مع أنه لا یکون الجزئی کاشفا عن حال جزئی آخر هو أن ملاحظة الأغلب و وجدانه علی وصف خاص کاشف عن اتصاف القدر المشترک بذلک الوصف، فیستدل من الأغلب إلی القدر المشترک و یحکم به علی کون کل فرد کذلک بحسب الطبیعة الأولیة.

و من هنا ظهر أن مقتضی الخلقة الأصلیة قد یکون علی خلاف ما یقتضیه طبع الشیء أولا و توضیح ذلک أن طبع الشیء قد یکون مقتضیا لکونه علی وصف خاص بحسب خلقته الأصلیة و لکن تعرضها طبیعة ثانیة غلبة فیقتضی حالة علی خلاف تلک الحالة الأولیة فیکون المدار علی الطبیعة الثانویة فیکون المناط فی کون فقدان وصف عیبا أو غیر عیب بحسب تلک الحالة الثانویة و قد مثل المصنف لذلک بالضیعة فإنها بحسب طبیعتها الأولیة یقتضی أن لا

ص:238

یکون فیها خراج أصلا،فیکون ثبوت الخراج فی أرض خاصة عیبا و لکن حیث کان أغلب أفراد الأرض قد ثبت فیها الحراج فنکشف من ذلک أن الخراج لیس من العیوب،بل عدم الخراج کمال فی الأرض فإذا کان هناک أرض قد أسقط سلطان الوقت خراجه و ضریبته لجهة خاصة فیکون ذلک کمالا لذلک لا أن ثبوته فی مورد آخر یکون عیبا و علی هذا فلا بدّ من ملاحظة هذه الطبیعة الثانویة فإذا کان فرد قد تخلف فیه وصف کمال فیه و نقص عن تلک الطبیعة الثانویة فیکون ذلک عیبا کما إذا کان الخراج فی بعض أفراد الأرض أکثر من غالب أفرادها فإنه ح یکون ذلک عیبا فی هذه الأرض.

و علی الجملة فإذا تعارض مقتضی الحقیقة الأولیة و ما یقتضیه طبع الشیء أولا مع حال أکثر أفراد هذه الطبیعة بحسب الغالب یکون الثانی مقدما علی الأول،و لذا لم یکن الخراج فی غالب الأرض عیبا فیها،بل زیادتها فی بعض الافراد علی خلاف الأغلب عیب فیه کما هو واضح.

ثم ذکر أن هذا هو الوجه فی عدم کون الثیبوبة عیبا فی الأمة البالغة إذ أغلب أفراد الإماء و الجواری المجلوبة من أرض الشرک أن تکون ثیبة و لذا ذهب أکثر الفقهاء أیضا الی عدم کون ذلک عیبا فی الجاریة.

و من هنا اتضح أیضا أنه لا بدّ من ملاحظة الأغلبیة الموجبة لتشکیل حقیقة ثانویة بحسب کل صنف صنف فلا یجوز قیاس الأغلبیة فی صنف الی صنف آخر،و علی هذا فالثیبوبة لیست عیبا فی الجاریة الکبیرة و لکنها عیب فی الصغیرة إذ أغلب افرادها لیست ثیبة و کذا إذا کان الخراج فی الدکان من العشر و فی الدور بنصف العشر فإنه لا یکون ذلک فی الدکان عیبا لأن خراج هذا الصنف بهذا المقدار،نعم و فی الصنف الأخر و هو الدور بمقدار أقل.

بل ربما یکون ما یقتضیه الحقیقة الثانویة هو المیزان فی کون زیادة وصف أو نقصانه عیبا أو غیر عیب بحیث حتی لو کان الشیء علی حسب الخلقة

ص:239

الأصلیة یکون ذلک عیبا فیه و هذا لکون الرجل أغلف فان الغلفة و ان کانت علی مقتضی الطبیعة الأولیة حیث ان الولد لا یولد مختونا و لکن بحسب الطبیعة الثانویة تکون ذلک عیبا فی العبد.

و علی الجملة أن المیزان الکلی فی ملاحظة مقتضی الطبیعة هو کون الشیء علی طبیعة الأولیة أو کون أغلب الافراد علی وصف خاص و مع التعارض یتقدم الثانی،هذا محصل کلام المصنف،فافهم.

أقول:ان کان مراده من کون الصحیح ما کان علی وفق مقتضی الطبیعة و المعیب ما لم یکن ذلک هو کونه الماهیة و الطبیعة المشترکة بین جمیع الافراد مقتضیا لذلک بحیث یکشف بالطریقین المذکورین أن مقتضی الماهیة الافراد مقتضیا لذلک بحیث یکشف بالطریقین المذکورین أن مقتضی الماهیة الفلانیة أن یکون افراده متصفا بالوصف الفلانی،و إذا تخلف فی فرد یکون تخلفه هنا عیبا ان کان مراده هذا المعنی کما یؤیده التعبیر بلفظ الماهیة و الطبیعة فیرد علیه أن الماهیة لا اقتضاء فیها أصلا،و قد قرع سمعک کثیرا إن الماهیة من حیث هی هی،لیست إلا هی لا موجودة و لا معدومة و أن الماهیة بحسب نفسها لیس فیها اقتضاء الوجود و العدم بل الاقتضاء فیها انما هو من الجهات الخارجیة و هلا سمعت قول الشیخ ان الماهیة من ناحیة وجود علته أیس،و من ناحیة عدم علته لیس و علی هذا فلا معنی لتعریف العیب،بأنه ما یکون ناقصا عن مقتضی الطبیعة إذ لا اقتضاء للطبیعة أصلا،فضلا عن أن یکون خلافه عیبا و انما الماهیة الإنسانیة مثلا عبارة عن الجنس و الفصل سواء تحقق فی الخارج بصیرا أو سمیعا أو ذی ید و رجل أم لم یکن له شیء من هذه الأعضاء أصلا.

نعم،ان أرید من اقتضاء الماهیة اقتران لوازمها بها حیث انها لم یفترق عن الماهیة و عبر عن ذلک مسامحة بکون الماهیة مقتضیة لها و ذلک کزوجیة الأربعة و ککون الإنسان قابلا للعلم و الکتابة و ککون الجسم قابلا

ص:240

للابعاد الثلاثة و هکذا فهذا و ان کان له وجه الا أن لوازم الماهیة لا تنفک عنها أصلا إلاّ بعدم الماهیة إذ لا یعقل تحقق الأربعة بدون کونها زوجة و مع انتفاء الماهیة یبطل البیع من جهة عدم المبیع و ظهوره شیئا آخر،و قد عرفت مرارا أن المبیع إذا ظهر غیر ما جری علیه البیع فیکون البیع باطلا،و الأوصاف التی یعد فقدانها عیبا مع بقاء الماهیة لیس وجودها من مقتضیات الماهیة کالبصر و السمع و نحوها و لأنهما مثل الکتابة و العلم کما قال اللّه تعالی فَجَعَلْناهُ سَمِیعاً بَصِیراً کما قال فی مورد آخر اَلرَّحْمنُ - خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَیانَ فیعلم أن الإنسانیة لا تتوقف علی کونه سمیعا بصیرا،کما أنه لا یتوقف علی کونه عالما،کما لا یخفی،فافهم،و لکن هذا الوجه کما لا یمکن تصدیقه و کذلک لیس مراد المصنف قطعا إذ لا یتفوه بمثله ذوی مسکة فضلا عن المصنف الذی هو شمس فلک التحقیق و التدقیق.

و ان کان المراد من ذلک أی من مقتضی الطبیعة الأولیة هو کون الشیء بحسب وجوده مقتضیا لکونه علی وصف خاص و إذا تخلف عن ذلک یکون التخلف لعارض فیکون عیبا و هذا هو الظاهر من عبارة المصنف،بل هو المتعین مثلا ان الإنسان حسب وجوده الخارجی یقتضی أن یکون موجودا بصیرا و سمیعا و له رجل و ید و اذن و أنف و هکذا بقیة الأوصاف و کذلک الحال فی بقیة الأشیاء فإذا باع أحد عبدا و ظهر عمی أو باع شیئا آخر و ظهر علی غیر الأوصاف المشهورة المعروفة التی کان أغلب أفراد الإنسان علیها و یقتض طبعه بحسب الوجود ان یوجد علیها فیکون فقدانه عیبا فی المبیع کما هو واضح.

و هذا الوجه و ان کان له وجه فی مقام الثبوت و لکن لا وجه له فی مقام الإثبات إذ لا طریق الی ذلک بحسب مقام الإثبات فإنه من این یعلم و یستکشف أن الوصف الفلانی وجوده مستند الی اقتضاء طبع ذلک الشیء و

ص:241

لیس مستندا الی مقدمات و علل أخری مثلا من أین یعلم أن مقتضی طبع الإنسان بحسب الوجود أن یکون سمیعا و بصیرا حتی إذا لم یکن فی العالم أصلا عمی أو کان و لم یشاهده المتبایعان بل یمکن أن یکون مستندا إلی شیء آخر کالعلم و الکتابة فإن السمع و البصر لیسا دخیلین فی إنسانیة الإنسان و لذا قال اللّه تعالی فَجَعَلْناهُ سَمِیعاً بَصِیراً أی بعد کونه إنسانا فجعلناه سمیعا بصیرا مثلا،إذا لاحظ أحد أی تفاحة فرآه أحمر و لم یر أصلا تفاحة أخری أبیض،فلا یمکن له فی مقام الإثبات أن یحکم بأن الاحمرار فی التفاحة بحسب اقتضاء طبع الوجود ذلک لا بحسب التصادف آخر،کاشراق الشمس و نحوه و هذا واضح لا سترة فیه و علیه فلا یکون ما ذکره المصنف میزانا فی بیان حقیقة العیب و ماهیته،بل لا بدّ من المشی بمسلک آخر،بل قد لا یکون هنا طبیعة أصلا فضلا عن أن یقتضی شیئا کما فی مصنوعات البشر،فان کون الفرش مثلا علی هیئة غیر مرغوبة عیب مع أنه لا طبیعة له حتی تقتضی کونه علی حالة خاصة لیکون خلافها عیبا کما هو واضح.

و الحاصل:أنه لما کان العیب و العوار مذکورین فی الاخبار فلا بدّ من بیان حقیقة العیب لکونه موضوعا للخیار،و قد ورد فی مرسلة السیاری و عنون فی کلمات الفقهاء أن العیب ما کان زائدا عن الخلقة الأصلیة أو نقصت عنها،و تکلم المصنف فی ذلک تحفظا علی ظاهر کلمات الفقهاء و المرسلة.

و محصّل کلامه أن العیب ما کان ناقصا عن الخلقة الأصلیة التی تقتضی الماهیة المشترکة کون الشیء علیها و إذا کان الشیء موافقا لها کان صحیحا و الاّ کان معیبا و هذه الخلقة الأصلیة قد تکون معلومة بحسب الخارج، بحیث یعرف من الخارج أن العمی عیب فی العبد،و عدمه لیس بعیب و قد یعرف بحسب الغلبة الخارجیة بحیث یکون التخلف فی النادر لعارض فیکون

ص:242

فقدانه عیبا فیه.

و قد تکون الطبیعة الثانویة هو المیزان فی الصحیح و المعیب کالأرض الخراجیة فإنها بحسب طبعها لا یقتضی الخراج و لکن بحسب الطبع الثانوی یقتضی الخراج و ح یکون العیب زیادة الخراج عن الخراج المعهود بل قد یکون الطبیعة الثانویة مقدمة علی مقتضی الطبیعة الأولیة فی مقام المعارضة،بل قد یکون کون شیء موافقا لمقتضی الطبع الاولی عیبا کما فی الأغلف بحیث وجب کونه موافقا لمقتضی الطبیعة الثانویة.

ثم ان ملاحظة الطبیعة الأولیة أو الثانویة و جعلهما میزانا فی بیان المعیب و الصحیح انما هی بحسب الأصناف لا بحسب الجنس أو النوع کما هو واضح فإنه قد یکون وصف عیبا فی صنف کالثیبوبة فی جاریة الصغیرة و قد لا یکون عیبا کالثیبوبة فی جاریة الکبیرة مع انهما من نوع واحد و جنس فارد.

ثم ان الثمرة بین کون الثیبوبة مثلا عیبا فی الجاریة الکبیرة أو لیست بعیب انما تظهر فیما إذا باع أحد جاریة و اشترط المشتری علی البائع کونها بکرا فظهرت ثیبا،فإنه علی القول بعدم کون الثیبوبة عیبا یکون للمشتری خیار تخلف الشرط فقط،و أما علی القول بکونها عیبا یکون المشتری مخیرا بین الرد و الإمضاء و الأرش بناء علی کونه من الأول مخیرا بین هذه الأمور و الاّ فیکون له الرد و مع عدمه یثبت له حق مطالبة الأرش علی ما ذکرناه سابقا فإن مطالبة الأرش انما هو فی صورة کون صف المتخلف من العیوب و الاّ فلا یثبت له حق مطالبة الأرش کما هو واضح.

ثم قویّ الوجه السابق و قال لکن الوجه السابق أقوی و مراده من الوجه السابق،ما أفاده أولا من أن الثیبوبة لیست بعیب و علیه فلا وجه للحکم بکون النسخة غلطا و کون السابق عوض الثانی کما فی حاشیة السیّد هذا.

أقول:قد ذکرنا سابقا أنه لا وجه لهذا الکلام فإنه مع عدم وجود

ص:243

المقتضی للماهیة المشترکة قلنا لو أردنا من ذلک لوازم الماهیة مسامحة فلا یمکن التخلف بین الماهیة و لوازمها کالأربعة و الزوجیة،فان کل منهما لا یتخلف عن الآخر و إذا تخلف فی مورد و کان فرد مثلا فاقدا لوصف لا یکون ذلک عیبا من حیث التخلف عن مقتضی الطبیعة،بل یکشف من التخلف أن الوصف لیس من الأوصاف اللازمة و من مقتضیات الطبیعة بداهة عدم إمکان تخلّف لوازم الماهیة عن الماهیة کما هو واضح،بل قد ورد فی بعض الروایات أن الإباق فی العبد و نحو ذلک عیب فی المبیع مع أنه لیس من مقتضیات الماهیة و العرف قاض بان فقدان بعض الأعضاء عیب فی العبد و الحیوان من أن کونه واجدا لذلک لیس من مقتضیات طبیعة الحیوان.

بل قد لا یکون هنا طبیعة حتی تقتضی شیئا و کونه علی حالة مخصوصة کما فی مصنوعات البشر حیث ان کون الفراش علی هیئة خاصة مرغوبة للناس لیست من مقتضیات طبعه إذ لا طبیعة للفراش حتی تقتض ذلک مع أن کونه علی خلاف هذه الحالة عیب کما إذا کان قناصا من طرف أو لم تکن ألوانه متناسبة أو غیر ذلک مما یعدّ عیبا فیه و هکذا فی غیر الفراش من مصنوعات البشر کما هو واضح،فافهم.

و علیه فلا یمکن المساعدة علی ما ذکره المصنف من المیزان و الضابطة لبیان حقیقة العیب.علی ان السیاری لم یکن معهود الوثاقة علی ما ببالی و مع الوثاقة فلا تزید مرتبته عن المرسلة فهی لا یجوز العمل بها علی أنها مخالفة للوجدان فان العیب لیس منحصرا بما ذکر فیها کما هو واضح.

و التحقیق فی بیان ضابطة العیب أن یقال أن أوصاف المبیع علی قسمین فإنها تارة تکون معتبرة فیها بحسب الأغراض الشخصیة بحیث ان المشتری مثلا یرغب فی نفسه الی ذلک الوصف ککون العبد مثلا کاتبا أو خیاطا أو نجارا و نحو ذلک مما هو مورد للأغراض الشخصیة و قد تکون الأوصاف

ص:244

معتبرة بحسب الأغراض النوعیة بحیث یری النوع تلک الأوصاف معتبرة فی المبیع فان کان التخلف فی مثل الأوصاف الأولیة لا یکون خیار العیب للمشتری،بل یثبت له خیار تخلف الشرط حسب ما اعتبره من الأوصاف الکمالیة و نحوها فی المبیع.

فان کان التخلف فی الأوصاف الثانویة یکون ذلک موجبا لخیار العیب فان العقلاء یری مثل تلک الأوصاف معتبرة فی المبیع سواء اشترط المتبایعان ذلک عند البیع أم لا فیکون التخلف عن ذلک عیبا سواء کان التخلف من حیث الزیادة أو من حیث النقیصة مثلا أن العرف یری کون الجاریة علی البکارة مع عدم التصریح بالثیبوبة فإذا ظهرت ثیبة تکون معیوبة فیثبت للمشتری خیار العیب هذا کله إذا تخلف وصف من أوصاف المبیع التی اعتبرها المتبایعان فی المبیع اما بحسب الشخص أو بحسب النوع.

و أما إذا لم یکن هنا تخلف الوصف،بل کان علی الوصف الذی کان المبیع الصحیح علیه و مع ذلک یکون فیه تفاوت القیمة بحیث کانت قیمته ناقصة أو زائدة عن القیمة المتعارفة کان للمشتری أو البائع خیار الغبن لتخلف الشرط الضمنی،و هو تساوی القیمة و هذا خارج عن تخلف الوصف.

و علی الجملة أن التخلف قد یکون فی غیر الوصف کتخلف الشرط الضمنی مثلا فی تساوی القیمة فیکون ذلک موجبا لخیار الغبن و قد یکون فی الوصف،و هذا أیضا قد یکون فی وصف اعتباری المبیع بحسب نظر شخص المتبایعین و قد یکون معتبرا فیه بحسب نظر العقلاء،فعلی الأول یکون موجبا لخیار تخلف الشرط و علی الثانی یکون موجبا لخیار العیب،و هذا واضح لا یخفی.

و الحاصل:أن الضابطة الکلیة فی بیان حقیقة العیب هو أن الأوصاف علی قسمین:الأول:ما یکون معتبرا فی المبیع بحسب بناء العقلاء و اعتبارهم

ص:245

سواء اعتبرها المتبایعان فیه أم لا،لکفایة بنائهم فی اعتبارها فی ذلک بحیث یعتبر فی المبیع حتی مع السکوت فوصف الصحة ما یکون معتبرا فی المبیع بحسب بناء العقلاء مع سکوت المتبایعین و عدم ذکرها لبناء العقلاء علی کونه واجدا لهذا الوصف،و اعتباره فی صحة المبیع و یسمی ذلک بوصف الصحة و إذا تخلف ذلک بزیادة شیء علیها أو بنقیصتها ثبت للمشتری خیار العیب فان ذلک أی تخلف تلک الأوصاف بالزیادة أو بالنقیصة عیب فی المبیع.

و علی الجملة أن کون الوصف وصف الصحة بحیث یلزم من فقدانه کون المبیع معیبا انما هو باعتبار العقلاء و بنائهم علی کون المبیع علی هذا الوصف و أن فاقده یکون معیبا.

الثانی أن یکون الوصف معتبرا فی المبیع بحسب اشتراط المتبایعین کالأوصاف الدخیلة فی أغراضهم و کونها أوصاف کمال عندهم.

و علی الأول:فإذا تخلف یثبت للمشتری خیار العیب.

و علی الثانی:یثبت له خیار تخلف الشرط،و هذا هو المیزان فی المقام و أما کون الشیء علی وصف أو کون أغلب أفراده موصوفا بوصف،فلا یکون میزانا فی المطلب علی ما ذکره المصنف،و لا یکون کاشفا عن الخلقة الأصلیة کما تقدم.

و أیضا أن کون أغلب الافراد فی کل صنف فاقدا لوصف یراه النوع وصف صحة لذلک الشیء و کونه معتبرا فی ذلک شیء لا یوجب عدم کون فقدانه عیبا،بل یکون فقدانه فی أغلب الأفراد أیضا عیبا فی المبیع و علیه فتکون الثیبوبة عیبا فی الجاریة فإن العقلاء یری البکارة من أوصاف الصحة للمبیع، بل هو الغالب فی غیر الإماء المجلوبة من بلاد الشرک.

نعم،إذا کانت الأفراد الغالبة فی الإماء المحلوبة من بلاد شرک ثیبة کانت ذلک قرینة علی أن المشتری أسقط خیار العیب لا أن الثیبوبة لیست

ص:246

بعیب فإنه فرق واضح بین کون الثیبوبة عیبا و یکون عدم الخیار من جهة القرینة و یلحق بها حکم عدم الخیار و ان کان الموضوع محققا و بین أن لا یکون الثیبوبة خارجا عن العیب موضوعا بواسطة القرائن التی هی الغلبة.

لو صرّح المشتری باشتراط أوصاف الصحة علی النحو الذی بنی علیه العقلاء أو صرحا باعتبار البکارة فی الجاریة ثبت خیار العیب أیضا من التخلف من ناحیة الاشتراط و یکون الاشتراط دافعا للقرینة الخارجیة کما هو واضح.

ثم ان المناط فی تعیین الصحیح و المعیب و ان کان هو العرف و بناء العقلاء علی کون وصف خاص وصف صحة أو عدم کونه وصف صحة و معتبر فی صحة المبیع.و لکن مطلق کون أی وصف من أوصاف الصحة بحسب بناء العقلاء لیس میزانا فی ثبوت خیار العیب،بل لا بدّ و أن یکون تخلف ذلک الوصف من حیث الزیادة أو النقیصة موجبا لنقصان مالیة المبیع کالعمی و الخرس و الفلج فی العبد،و هکذا فی غیره،و أما إذا لم یوجب فقدان وصف من أوصاف الصحة نقصا فی مالیة المبیع فلا یکون ذلک موجبا لثبوت خیار العیب فان موضوع خیار العیب لیس هو مطلق ظهور العیب فی المبیع،بل ما کان موجبا للنقص من مالیة المبیع و ذلک فان الظاهر من روایة زرارة من اشتری شیئا و به عیب أو عوار فلم یتبرء منه و لم یبین له و أحدث فیه حدثا یأخذ التفاوت فیما بین الصحیح و المعیب و یسقط الرد باحداث الحدث علی ما هو مضمون الروایة.

فإن الظاهر من هذه الروایة هو أن مطلق العیب و ان کان نقصا و لکنه لا یترتب علیه حکم العیب إلاّ إذا کان موجبا لنقص المالیة ما لا یوجب نقصا فی المالیة لا یثبت فیه التفاوت ما بین الصحیح و المعیب علی تقدیر سقوط الرد باحداث الحدث فیعلم من ذیل الحدیث اعنی قوله علیه السلام

ص:247

فإذا أحدث حدثا یأخذ التفاوت فیما بین الصحیح و المعیب،أن تخلف الوصف انما یوجب خیار العیب و ترتب احکامه علیه إذا کان وجود ذلک الوصف دخیلا فی زیادة مالیة الموصوف کما هو واضح و هذا کالخصی فی العبد و الدیک،فان ذلک و ان کان بحسب اللغة نقصا فی العبد و الدیک،و لکن لا یوجب نقص المالیة أصلا فإن قیمة الخصی لا یختلف مع غیره بل ربما یکون ارغب من غیر الخصی لأجل بعض الأغراض العقلائیة کما إذا یرید مولاه أن یکون واسطة بینه و بین زوجته فی قضاء حوائجهما و ان کان غرض بعضهم یتعلق بکونه غیر خصی أیضا،کما إذا أراد أن یتزوج له أمه فیولد منهما ولد یکون رقا لمولاه الاّ أن ذلک لا یوجب کون قیمة الخصی انقص من غیر الخصی فمثل هذا النقص لا یکون موضوعا لاحکام العیب فی المقام،بل یکون ذلک من حیث الحکم کعدم العیب أی یکون خارجا عن العیب حکما من هذا جهة فیکون موجبا للرد فقط دون الأرش فیکون مثل خیار تخلف شرط و لعل الی هذا یشیر کلام العلامة حیث قال إذا لم یعلم المشتری بکون الإماء مجلوبة من بلاد الشرک فتکون الثیبوبة عیبا و الاّ فلا،فان الظاهر من ذلک أنه یثبت علیها حکم العیب أو ینفی عنها ذلک أیضا بداهة عدم دخل العلم و الجهل فی حقیقة العیب.

و بعبارة أخری أن العیب یمکن ان یدور مدار العلم و الجهل حکما و لکن لا یمکن ذلک موضوعا،فح صورة عدم علم المشتری بکون الأمة مجلوبة من بلاد الشرک یثبت له الرد و الاّ فلا،کما أنه قد یکون خارجا عنه حکما بواسطة الغلبة کما تقدم.

نعم،إذا أطلق المبیع لم یتعرض المتبایعان لمثل ذلک الوصف یکون مع بناء العقلاء علی اعتباره فی المبیع و رؤیتهم ذلک من أوصاف الصحة یکون تخلف ذلک موجبا للخیار،و ان لم یکن موجبا للأرش کما تقدم،و لکن هذا خیار تخلف الشرط أو خیار العیب لا یترتب علیه ثمر أصلا بداهة أن أصل

ص:248

الخیار مسلّم و ثبوت الأرش مقطوع العدم و ان کان الظاهر مما ذکرناه هو کون هذا الخیار خیار تخلف الشرط دون العیب لما عرفت أن موضوع خیار العیب هو العیب الذی یوجب الرد أو الأرش و هو مفقود فی المقام لعدم کون مثل هذا الوصف دخیلا فی زیادة المالیة.

و قد یقال بظهور الثمرة فی ذلک بین کون الخیار خیار عیب أو خیار تخلف الشرط فی موردین:

الأول:فی أنه لو کان الخیار هو خیار العیب یسقط بالتصرف،کما صرّح به روایة زرارة فإن إحداث الحدث موجب لسقوط الخیار و ان کان المراد منه خیار تخلف الشرط لا یوجب ذلک سقوط الخیار فان خیار تخلف الشرط لا یسقط بالتصرف إلا إذا کان ذلک مؤذنا بالرضا بالعقد،بل لا یسقط بالتلف أیضا علی ما تقدم سابقا بداهة أن الخیار متعلق بالعقد و هو باق حتی مع تلف العین،و لیس متعلقا بالعین حتی یسقط بالتلف کما هو واضح و قد أشار المصنف الی هذه الثمرة فی کلامه.

ثم أشار الی جوابه بقوله فتأمل،و لعل وجه التأمل فیه هو أن خیار العیب انما یسقط باحداث الحدث فیما إذا ثبت لذی الخیار جواز مطالبة الأرش اما مخیرا بین الرد و الأرش أو یکون له الرد أولا،ثم بعد سقوط الرد یثبت له جواز مطالبة الأرش و أما فیما لیس له جواز مطالبة الأرش لعدم کون العیب مما یوجب نقصا فی المالیة حتی یطالب المشتری الأرش،فإن إحداث الحدث لا یوجب سقوط الرد کما هو واضح.

المورد الثانی:أنه إذا حصل العیب بعد العقد فی زمان الخیار أو قبل القبض فقد تقدم سابقا أن الکلام هنا یقع فی جهتین:- الاولی:فی أن حدوث العیب فی ذلک الزمان مانع عن الخیار أو لیس بمانع و هذا هو الذی تقدم الکلام فیه.

الجهة الثانیة:فی أن نفس حدوث العیب فی ذلک الوقت یوجب

ص:249

حدوث الخیار أم لا و هذا هو الذی قلنا انه یأتی الکلام فیه فی أحکام الخیار و علی هذه الجهة فربما یتوهم ظهور الثمرة من کون انتفاء الوصف الغیر الدخیل فی زیادة المالیة موجبا لخیار العیب أو الشرط بأنه ان کان ذلک هو خیار العیب کان ثابتا فی صورة انتفاء ذلک الوصف فی زمن الخیار أو قبل القبض و ان هذا الخیار خیار تخلف الشرط لا یکون خیار هنا بداهة أن الشرط الضمنی انما یقتضی کون الوصف موجودا حال العقد فقط و أما الأزید من ذلک فلا یقتضی کما هو واضح.

و فیه أولا:أن الالتزام بظهور الثمرة و ثبوت خیار العیب بالنقص بمثل الوصف المذکور فی زمان الخیار أو قبل القبض انما یتوقف علی شمول القاعدتان المعروفتان أعنی التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له و أن التلف قبل القبض من مال البائع لزوال وصف الصحة أیضا فإنه علی هذا یکون العیب الحادث فی زمن الخیار أو قبل القبض کالعیب الحادث قبل العقد فیکون مضمونا علی البائع،و لکن بعد تسلیم تمامیة القاعدتین فلا وجه لتسریتهما الی زوال الأوصاف لعدم دلالة القاعدتین علی ذلک.

و ثانیا:أن مفاد القاعدتین انما هو کون ضمان مالیة المبیع مع التلف فی زمن الخیار أو قبل القبض علی البائع بحیث یفرض المبیع کأن لم یکن و یعطی الثمن للمشتری و من الواضح لیس هنا نقص مالی حتی یضمنه البائع إذ المفروض أن الوصف الزائد فی ذلک الزمان لا یوجب نقص المالیة حتی یضمنه البائع کما هو واضح.

الکلام فی افراد العیب
قوله:مسألة:لا اشکال و لا خلاف فی کون المرض عیبا.

ص:250

أقول:ذکر المصنف أنه لا خلاف فی کون المرض فی العبد أو فی الحیوان عیبا و هو کذلک و انما الإشکال فی بعض افراده کحمی الیوم،فإنه ربما یقال بکونه أیضا عیبا فی العبد و یؤیده شمول إطلاق کثیر بأن الحمی عیب لحمی الیوم أیضا،و لکن الظاهر أن هذا لیس بعیب ما لم یکن نوبة کما إذا کان فی الأسبوع مرة فإن مثل هذا أی حمی الیوم مما لا یخلو عنه طبع الإنسان نوعا و لا یصدق علیه العیب فی العرف و ان صدق علیه المرض فان فی نظر العرف أن العبد الذی یعتریه الحمی یوما مساوی من حیث القیمة مع العبد الذی لا یکون کذلک و کیف هذا لا اشکال فیه؟

قوله مسألة:الحبل عیب فی الإماء.
اشارة

أقول:من جملة أفراد العیب ذکروا الحبل فی الإماء أو فی بقیة الحیوانات

یقع الکلام هنا تارة فی الإماء و أخری فی غیرها.
أما الاولی فی الإماء

فإنها قد تکون حاملا من المولی فهذا لا شبهة فی بطلان بیعها لکونه بیع أم ولد فلا تصل النوبة هنا الی کون الحبل عیبا أو غیر عیب و أخری تکون الأمة حاملا من غیر المولی فهذا هو محل الکلام هنا فنقول لا شبهة فی أن الحمل فی الأمة عیب یرد معه الجاریة للأخبار الدالة علی ذلک و قد تقدم سابقا فی کون الوطی مانعا عن رد الأمة بالعیب أنه لا یکون مانعا فی الحامل فضلا إذا لم توطأ و هذا لا شبهة فیه بل الأمر کذلک إذا لم تکن هنا اخبار تدل علی جواز الرد و عدم مانعیة الوطی عنه و ذلک لأن صدق العیب علی الحمل مما لا ریب فیه بداهة أنها فی معرض الخطر للوضع و أنها لا تکون قابلة للاستخدام علی الوجه الذی تکون غیر الحامل قابلة لذلک فتکون مثل شراء العین المستأجرة مسلوبة المنفعة و هل یتوقف أحد فی أن کون العین مسلوبة المنفعة عیب فی ذلک،بل عدم کون الأمة الحاملة قابلة للاستیلاد عیب فیها فإنها لو لم تکن حاملا کانت حاملا

ص:251

من المشتری فیکون له فیها نفع من هذه الحیثیة و لکن الحمل مانع عن هذه المنفعة،و کیف کان فلا شبهة فی کون الحمل فی الأمة عیبا ترد به الی البائع.

ثم انه إذا کان الحمل فی ملک المشتری فهل یکون ذلک مانعا عن الرد أم لا،فالظاهر أنه مانع عن الرد لما عرفت أنها عیب علی التقریب المتقدم فإذا یثبت له الأرش فقط،بل مانعیة الحمل عن الرد هنا لا یتوقف علی کونه عیبا و ذلک لأن المذکور فی المرسلة المتقدمة أن صبغ الثوب و خیاطته یکون مانعا عن الرد،مع أنها کمال للثوب فلیس بعیب و أن العمدة فی سقوط الرد کانت هی روایة زرارة فالمذکور فیها أن احداث الحدث مانع عن الرد و لا یفرق فی ذلک بین کون الحدث عیبا فی المبیع أم لا و من الواضح أن الحمل من أظهر أفراد إحداث الحدث فیکون مانعا عن الرد،و علی هذا الوجه الأخیر فلا وجه لما أتعب به المصنف نفسه من أن الحمل عیب و نقل فی ذلک کلمات جلّ الأصحاب،بل قد عرفت أنه مع عدم کونه عیبا أیضا یسقط به الرد کما هو واضح.

و أما الحمل فی غیر الأمة

فقد ظهر حکم مانعیته عن الرد هنا أیضا من السابق و أما من حیث کونه عیبا فیه بحیث یوجب ثبوت خیار العیب للمشتری أو للبائع،فذکر الشیخ(ره)فی المبسوط أن الحمل تابع للحیوان فإذا باع حیوانا ثم ظهر کونه حاملا فإنه یکون الحمل للمشتری لکونه کالجزء من المبیع و ذکر بعضهم أن الحمل یکون للبائع فإنه أجنبی عن المبیع.

و علی القول الأول لا یکون الحمل عیبا،بل هو جزء زائد و یکون دخیلا فی زیادة المالیة و أنه مرغوب الیه عند العقلاء.

و بعبارة أخری أن العیب عبارة عما یکون فقدانه موجبا لفقدان وصف الصحة و یکون وجوده معتبرا فی المبیع مع عدم الذکر و یلزم من انعدامه نقص مالیة المبیع و من الواضح أن الحمل فی الحیوان بحیث یکون لمالک

ص:252

الحیوان لا یکون عیبا،بل یکون وصف کمال و دخیل فی زیادة المالیة کما هو واضح.

و توهّم أن الحیوان الحامل یکون فی معرض الخطر عند الوضع توهّم فاسد بداهة أن هذا الاحتمال موهون فی الحیوانات و لذا یقدم بذلک جمیع أرباب الحیوانات و یستنتجون بذلک عنها کما هو واضح.

و أما علی القول الثانی و لالتزام بان الحمل للبائع فلا شبهة فی کونه عیبا فی المبیع لما عرفت أن المنافع التی تستفاد من غیر الحامل التی منها کونه قابلا للاستیلاد و الاستنتاج لا تستفاد من غیره کما عرفت ذلک فی الأمة.

قوله:مسألة:الأکثر علی أن الثیبوبة لیست عیبا فی الإماء.

أقول:الظاهر أن المصنف انما تکلم فی ذلک غفلة عن المسألة السابقة فإنه قد اتضح من تلک المسألة أن الثیبوبة عیب أو لیست بعیب و قد أعاد جملة مما ذکره هناک.

نعم،فی هذه المسألة ذکر خصوصیة لم یذکرها هناک و هی أنه قد ورد هنا روایتان لا بدّ من التکلم فیهما:

الاولی:ما استدل بها علی أن الثیبوبة لیست بعیب فی الإماء و هی روایة سماعة عن رجل باع جاریة علی انها بکر فلم نجدها کذلک قال لا ترد علیه و لا یجب علیه شیء و فیه.

أولا:أن الروایة ضعیفة السند.

و ثانیا:أنها علی القواعد فان مقتضی العمل بها هو عدم ثبوت خیار تخلف الشرط فیها مع أنها بدیهی الثبوت مع الاشتراط و غیر مربوط بخیار العیب و بیان الملازمة أن المذکور فی الروایة هو اشتراط البکارة حیث قال السائل ان الرجل باع الجاریة علی انها بکر و لم نجدها کذلک و من الواضح أن ثبوت خیار تخلف الشرط هنا بدیهی سواء کانت الثیبوبة عیبا فیها أم لا

ص:253

کما هو واضح علی أن الروایة(غریبة)عن الثیبوبة و کونها عیبا أو غیر عیب و ذلک لما ذکرنا فی کون عدم البکارة عیبا فی الحرة المتزوجة التی ظهرت غیر باکرة أن الظاهر من اللغة هو أن البکارة عبارة عن المرأة التی لم یصبها رجل سواء کان دم البکارة موجودة فیها أم لا،بل زال لعارض من المرض أو للوقوع من شاهق و نحو ذلک و علی هذا ففی الروایة قد اشترطت البکارة فی الجاریة فلم توجد کذلک فقال الامام علیه السلام انه لا ترد الجاریة و لا یجب علیه شیء و من البدیهی أن ذلک لا یثبت کونها ثیبة،بل لعل عدم وجدان السائل کونها کذلک أی أنها غیر واجدة لدم البکارة أم أنها أصابها الرجل بحیث صارت ثیبة فلا یستفاد من الروایة.

و بعبارة أخری یحتمل أن السائل لم یری أثر البکارة اعنی دم العذرة فاعتقد کون الجاریة ثیبة فسئل عن حکم ذلک و الامام علیه السلام لم یعتنی بذلک،بل رأی أنه لا بد فی الحکم بالثیبوبة من ثبوتها و أما بمجرّد عدم وجود أثر البکارة لا تثبت الثیبوبة لا یقال أن البکر و ان کان یطلق علی المرأة التی لم تر الرجل و علی الرجل الذی لم یر المرأة و لکن البکارة هی العذار و هی التی کانت واجدة لدم البکارة فالمعنی المذکور لا یجری فی الروایة.

فإنه یقال نعم و لکن لا یمکن ذلک فی الروایة حیث ان الامام علیه السلام قال لعله کان من مرض و من الواضح أن هذا الکلام له وجه مع المعنی الذی ذکرناه و أما إذا کالمراد هذا الاحتمال فإنه بمجرّد ذهاب دم البکارة تکون ثیبة فافهم.

نعم،لا بأس من الاستدلال علی کون الثیبوبة عیبا بروایة یونس فی رجل اشتری جاریة علی أنها عذراء فلم یجدها عذراء قال یرد علیه فضل القیمة إذا علم أنه صادق.

و وجه الاستدلال هو أن الامام علیه السلام حکم بثبوت الأرش بعد

ص:254

ثبوت الثیبوبة فإن مراده من قوله علیه السلام إذا علم أنه صادق هو العلم بکون المدعی صادقا فی دعواه الثیبوبة فإن العلم طریق الی الواقع لا أن المراد من کون العلم بکونه صادقا فی عدم رؤیة اثر البکارة حتی تدل هذه الروایة علی عکس الروایة الاولی من الکفایة بثبوت الثیبوبة علی عدم وجدان اثر البکارة و هو الدم و کیف کان فالروایة الثانیة تدل علی أن الثیبوبة عیب فی الجاریة.

نعم،لو کانت هنا غلبة بأن تکون أغلب أفراد الجواری ثیبة کالإماء المجلوبة من بلاد الشرک کانت هذه الغلبة قرینة علی عدم ثبوت الخیار و رضاء المشتری بالعقد علی هذا النحو کما هو واضح.

قوله:مسألة:ذکر فی التذکرة و القواعد من جملة العیوب عدم الختان

فی العبد الکبیر.

أقول:قد عللوا کون عدم الختان عیبا فی العبد لیکون للمشتری حق الفسخ هو أن العبد یکون بذلک فی معرض الخطر إذ لیس ختان الکبیر کختان الصغیر مأمونا عن الخطر کما هو واضح.

و فیه أولا:أن هذا الدلیل أخص من المدعی إذ قد یکون العبد غیر مختون و لا یجب ختانه کما إذا کان نصرانیا و لم یقبل الإسلام فإن الختان انما یجب فی العبد المسلم ففی الفرض المذکور لا یجب.

و ثانیا:أن الختان انما یکون موجبا للخطر إذا لم تکن وسائل ابتداءه و أما مع وجودها فلا یکون کذلک.

و ثالثا:أنا لم نسمع کالختان خطریا مع کثرته فی أول الإسلام.

و رابعا أنه إذا کان خطریا لا یجب الختان أصلا فإن حفظ النفس مقدم علی ذلک و کیف کان فعدم الختان أو مثله کعدم الجدری لیس بعیب فی العبد و علیه فلا یثبت خیار العیب من جهة عدم الختان نعم لو اشترط

ص:255

عدمه فظهر الخلاف ثبت خیار تخلف الشرط ثم ان الثمرة هنا بین کون الخیار خیار عیب أو تخلف شرط هو الثمرة المذکورة فی الثیبوبة کما أشار إلیه المصنف

قوله:مسألة عدم الحیض ممن شأنها الحیض بحسب السّن و المکان

و غیرهما من الخصوصیات التی لها مدخلیة فی ذلک عیب ترد معه الجاریة.

أقول:ذکر المصنف أن من جملة العیوب التی ترد به الجاریة عدم الحیض فان ذلک خروج عن مجری الطبیعی.

أقول:أن عدم الحیض فی نفسه لیس من العیوب،بل هو کمال فی نفسه نعم إذا کان کاشفا عن کونها مریضة کان عیبا فإن الجاریة لا تحیض لوجود مانع فیها و مرض یکون مانعا عن الحیض و هذا هو المراد من الروایة التی سئل السائل عن جاریة لم تر الحیض فی ستة أشهر فإنه قال الامام علیه السلام فهذا عیب ترد من الجاریة.

و أما تقیید کون ذلک عیبا إذا کان ظهورها بعد ستة أشهر تمسکا بهذه الروایة أیضا فاسد بداهة أن ستة أشهر إنما ذکرت فی کلام الراوی فلا توجب تقیید الحکم.

لا یقال ان هذه الروایة لا یمکن العمل بها بداهة أنها مخالفة للقاعدة التی أسّسها الفقهاء من کون التصرف مسقطا للخیار إذ لا یخلو الأمة فی مدة ستة أشهر عن التصرف حتی بمثل اسقنی الماء و ناولنی الثوب و أغلق الباب.

فإنه یقال انک قد عرفت فیما سبق أنه لا وجه لهذه القاعدة أصلا و أن التصرف لا یکون مسقطا للخیار إلاّ إذا کان کاشفا عن الرضاء بالعقد أو دل نص خاص علیه کما فی الوطی حیث ورد أنه مسقط للخیار.و علی هذا فکیف یمکن رفع الید بمثل هذه القاعدة عن الروایة الصحیحة.

قوله:مسألة:الإباق عیب بلا اشکال و لا خلاف.

ص:256

أقول:ذکروا من افراد العیب الإباق،و ادعوا علیه الإجماع،بل هو من أفحش العیوب،و تدل علیه روایة أبی هشام الآتیة فی عیوب السنة نعم ربما یتوهم تعارضها بروایة قیس انه لیس فی الإباق عهدة و لکن المراد من روایة قیس هو أن یکون الإباق عند المشتری من غیر أن یکون موصوفا بذلک عند البائع فإن الظاهر من هذه العبارة أن حدوث العیب کان عند المشتری لا عند البائع و الاّ فلا معنی لعدم کون العدة علیه کما یقال ان العهدة فی التلف فی زمن الخیار للبائع أو العهدة فی الجنون أو البرص إلی سنة الی البائع کما فی الروایة و هذا المعنی هو الظاهر من الروایة کما قلنا و هذا موافق للاعتبار أیضا إذ ربما یکون المولی الأول قائما بمخارجه فلا یکون أبقا بخلاف المولی الثانی فیکون الإباق مستندا الی ذلک فلیس هذا حملا لها علیه،کما ذکره المصنف،فتحصل أنه لا شبهة فی کون الإباق عیبا فی العبد و انما الکلام فی أن الإباق بمجرّد تحققه و لو مرة واحدة عند البائع یکون عیبا فیه أولا،بل لا بدّ و أن یتکرر منه هذا العمل أو کان بانیا علی ذلک و الاّ فلو أبق مرة ثم تاب عن عمله فلا یکون بذلک أبقا.

الظاهر هو اعتبار الاعتیاد بذلک أو کان بانیا علیه و یعلم من حاله الإباق و الاّ فإذا أبق مرة واحدة و عصی،ثم تاب و صار عادلا لا یطلق علیه الآبق هذا هو الظاهر من بعض الروایات أیضا حیث عبّر فیها بأنه کان أبقا فان هذا التعبیر انما یطلق فی مورد یکون الاعتیاد بذلک بحیث صار وصفا عادیا له و لا یتحقق بإباق واحد کما هو واضح.

قوله:مسألة:الثفل الخارج عن العادة فی الزیت و البذر و نحوهما

عیب یثبت به الرد و الأرش.

أقول:ذکر الفقهاء و المصنف أن من جملة العیوب ما یکون الشیء مخلوطا بشیء آخر اختلاطا خارجا عن المتعارف فإذا باع حنطة فظهر فیه

ص:257

تراب خارج عن المتعارف کان المبیع معیوبا و کذا إذا باع السمن الزیت و ظهر أن فیه دردی کان السمن معیوبا فللمشتری خیار العیب،و هذا الذی ذکره المصنف مما یقتضیه العرف فان کون الخلیط أکثر من المقدار المتعارف عیب عرفی.

و علیه فلا یفرق بین کون غالب الأفراد الموجودة فی الخارج کذلک أو بعضها فلا وجه لما ذکره المصنف من التعلیل بقوله لکون ذلک خلاف ما علیه غالب أفراد الشیء فإنک قد عرفت سابقا أن الغلبة لا تکون موجبة لتعیین الطبیعة نعم تکون هذه الغلبة مع السکوت عن الوصف نفیا و إثباتا قرینة علی کون المشتری راضیا بذلک المبیع المعیب فیکون ذلک موجبا بسقوط خیار العیب،الاّ أن یشترط صریحا وجود الوصف الذی فقده أکثر أفراد هذه الطبیعة کما هو واضح و ح یقع الکلام فی ثمرة کون هذا الخیار هو خیار عیب أو خیار تخلف الشرط و هی عین الثمرة المذکورة فی ثیبوبة الإماء بین کون الثیبوبة عیبا فی الجاریة أو یکون تخلفها موجبا لخیار تخلف الشرط کما هو واضح.

و قد ظهر أن کون الخلیط فی المبیع عیبا أمر عرفی موافق للقواعد فیکون مشمولا لقول زرارة أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار إلخ،و مع ذلک لا نحتاج إلی الروایة فی المقام و ح فتکون روایة عیسی بن عبد العزیز مؤکدة للمطلب حیث قال قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یشتری زق زیت یجد فیه دردیا قال ان کان یعلم أن الدردی یکون فی الزیت فلیس علیه أن یرده و ان لم یکن یعلم فله أن یرده و قد عرفت فی السابق أن العیب لا یختلف بالعلم و الجهل فمراده من جواز الرد مع عدم العلم و عدم جوازه مع العلم هو بالنسبة إلی حکم العیب فان کون العیب موجبة للرد انما هو مع الجهل به دون العلم به.

ص:258

و علی الجملة لا شبهة فی کون ذلک عیبا فی المبیع،نعم الظاهر من روایة السکونی أن ذلک أی الخلیط المذکور لیس بعیب حیث روی عن جعفر عن أبیه علیه السلام ان علیّا قضی فی رجل اشتری من رجل عکة فیها سمن احتکرها حکرة(أی مجتمعة)فوجد فیها ربّا فخاصمه الی علی علیه السلام فقال له علی علیه السلام لک بکیل الرّبّ سمنا،فقال له الرجل انما بعته منه حکرة له،فقال علی علیه السلام:انما اشتری منک سمنا و لم یشتر منک ربّا، فان الظاهر من هذه الروایة مخالفة لحکم العیب من الرد و الأرش کما فی المتن.

بل یشکل الأمر فیها من جهة عدم انطباقها بالقواعد حیث ان المفروض فی الروایة لیس هو بیع الکلی حتی یلزم البائع بإعطاء الزیت مقدار ما ظهر منه دردیا،بل المبیع هو العین الخارجیة و لذا قال السائل اشتری من رجل عکة فیها سمن احتکرها حکرة(أی مجتمعة)و من الواضح أن صفة الاجتماع لا تلائم الکلیة کما هو واضح.

و علیه فلا بدّ من توجیه الروایة و الذی ینبغی أن یقال فی توجیهها هو أن المراد من الروایة هو ردّ الثمن الذی یقع فی مقابل الرب اعطی فی مقابل السمن فان قوله علیه السلام لک بکلیل الرب سمنا هو أن لک مبتدء و خیره محذوف فإنه لا بدّ و أن یکون المعطی للمخاطب بکلمة کاف الخطاب أن یکون شیئا و یکون سمنا حالا منه أو تمییزا عنه و یکون التقدیر لک شیء من الثمن لأن تقدیر غیر الثمن لا یناسب المقام بکلیل الرب حال کون ذلک کیل الرب سمنا أی کان أن یعطی للمشتری بکلیل الرب سمن فحیث نقص ذلک و کان بدله الرب فحکم الامام علیه السلام أن یعطی ثمن ذلک السمن و لیس المراد من الروایة إعطاء السمن بکلیل الرب فإنه علی هذا لا بدّ و أن یکون السمن مرفوعا و الحال أنه منصوب.

ص:259

و علی الجملة فإن کان ظاهر الروایة هو ذلک فیها و الاّ فلا بدّ و أن یوجه کذلک بحیث یکون ما یعطی للمشتری شیئا من الثمن لا شیئا من السمن ثم انه أشکل المصنف فی المقام اشکالا و أجاب عنه بجواب لکن الاشکال و جوابه بجمیع شقوقه لیس مربوطا بالمقام،بل هو راجع الی بطلان البیع من جهة الجهل بالمبیع کما هو واضح.

أما حاصل الاشکال أنه ربما یستشکل فی أصل الحکم بصحة البیع لو کان الخلیط کثیرا و علم بحیث یکون مقدار المبیع و أما ما تقدم فی مسألة الاندار من کفایة معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالإجماع کما تقدم أو مفروضة فی صورة انضمام الظرف المفقود هنا لأن الظرف هنا مما یتموّل و الدردی فی المقام لیس مما یتموّل،و أما حاصل الجواب فان کان وجود الدردی بحیث یوجب الجهل بالمبیع من قبیل امتزاج ما لا یتموّل بالمبیع بحیث لا یعلم قدر خصوص الزیت فلا شبهة فی بطلان البیع للجهل بمقدار المبیع و ان کان مجموع الظرف و المظروف معلوما إذ المفروض أن مقدارا من المظروف مال و مقدار منه لیس بمال فیکون المال الذی یبذل الثمن فی مقابله مجهولا، فیبطل البیع للجهل فان انضمام الظرف بالمظروف إذا کانا مالین لا یضر لأن الجهل حصل من الانضمام و هذا بخلاف هذه الصورة فإن الجهل هنا حصل من اختلاط الغیر المتموّل بالمتمول کما هو واضح.

و ان کان الدردی بحیث أفاد نقصا فی الزیت بحیث یری المجموع زیتا و لکن زیتا معیوبا لا أنه یقال هذا زیت مخلوط بشیء غیر متمول بل مجموعه زیت و متمول و لکنه معیوب من جهة دردی فلا شبهة فی صحة البیع،و لکن یثبت للمشتری خیار العیب کما هو واضح لمکان العیب الذی کان غیر معلوم له.

و ان لم یکن الدردی موجبا لتعیب الزیت و لم یکن موجبا لنقص مالیة

ص:260

المبیع،بل موجبا لنقص مقدار المبیع فقط مع وقوع المشاهدة علیه فلا یکون البیع باطلا هنا،بل لا خیار للمشتری أیضا،کما إذا باع ما فی العکة الذی شوهد کل رطل بکذا من غیر أن یکون مقدار الزیت معلوما و لا مقدار الزیت و الظرف معلوما.

و ما ذکره المصنف من کون الظرف و المظروف معلومین معا فلیس بلازم و قد تقدم ذلک فی کتاب البیع فی بیع الصبرة و قد یکون النظر الی بیع مجموع الزیت مثلا بعنوان کل رطل بکذا،و لکن بشرط أن یکون هذا الموجود عشرة أرطال،فإذا ظهر رطل واحد دردیا کان للمشتری خیار تبعض الصفقة و هذا هو الفرق بین هذه الصورة و سابقه فان فی الصورة السابقة لم یکن اشتراط کونه عشرة أرطال مثلا ملحوظا بخلافه هنا.

و ان باع ما فی العکة علی أنه کذا مقدار فتبین نقصه عنه لوجود الدردی فیه،صح البیع و کان للمشتری خیار تخلف الوصف أو الجزء علی الخلاف المتقدم فیما لو باع الصبرة علی أنها کذا فظهر ناقصا،و لکن قد تقدم فی بیع الصبرة أیضا أن هذه الصورة لیس بمعقول بداهة أن المجموع ان کان مبیعا فلا معنی للاشتراط بعد فیکون المجموع مبیعا واحدا و ان لم یکن مبیعا فلا معنی للإشارة إلی مجموع ذلک،و القول بأنه بعتک ما فی هذه العکة أو هذه الصبرة فما ذکره المصنف من الشقوق المتعددة صحیحة غیر هذا الأخیر،فافهم.

قوله:مسألة:قد عرفت أن مطلق المرض عیب.

أقول:

تعرض المصنف هنا بأحداث السنة و هی أربعة:الجنون و
اشارة

البرص و الجذام و القرن.

و أما الحدبة فهی تفسیر القرن لما فی بعض الروایات أنه یردّ المملوک لخصال أربعة ثم عدّ الخمسة الجنون و البرص و الجذام و القرن و الحد به،

ص:261

فیعلم من ذلک أنه هو القرن و قد استفاضة الروایات علی ذلک و کونها عیبا ترد بها الجاریة إلی سنة و هذا لا شبهة فیه فی الجملة و لا بدّ من الأخذ بظاهر الروایات من کونها بنفسها عیبا و ان وجد سببها فی ضمنی السنة فلا وجه لتأویلها بأنه لعل موادها کانت قبل السنة کما لا یخفی فإنه ربما یکون الجنون لأمر عرضی کالوقوع من شاهق و نحوه من الخوف و غیره

و انما الکلام

یقع فی أربع جهات:

الجهة الأولی:فی أن الجذام أیضا من جملة هذه الأربعة أم لا؟

من جهة أنه ذکر المصنف أن الأردبیلی قد استشکل فی ذلک لعدم وجوده فی روایة محمد بن علی مع ورودها فی مقام التحدید و الضبط لهذه الأمور و علیه فیمکن وقوع تعارض بین هذه الروایات و بقیة الروایات الدالة علی کون أحداث السنة أربعة.

و قد أجاب عنه صاحب الحدائق بعد ما نقله عن الأردبیلی أن یشبه هذا تعارض المطلق و المقید فیحمل المطلق علی المقید،إلخ.

و لکن أصل کلام الأردبیلی خال عن الإشکال فی الجذام من هذه الجهة و أن صاحب الحدائق لم ینقل من الأردبیلی و روایة محمد بن علی مشتملة علی ذکر الجذام،بل جمیع الروایات الواردة فی المقام التی جمع أحداث السنة ذکر فیها الجذام صحیحة کانت أم فاسدة،فهذا اشتباه من المصنف و العصمة مخصوصة لأهلها.

الجهة الثانیة:أنه قد استشکل المحقق الأردبیلی فی القرن،و هو

الحدبة فی الفرج المانع من الوطی،

و قیل هو العظم الثابت فیه المانع من الوطی لعدم وجودها فی صحیحة أبی همام،فحیث أنها فی مقام الحصر و الضبط فتکون معارضة مع الروایات المشتملة علی ذکر القرن و لیس فیها روایة صحیحة و هذا الذی ذکره صاحب الحدائق و أشکل علیه بأنه و ان لم

ص:262

یذکر القرن فی هذه الروایة و لکن لا یلزم من ذلک عدم کونه عیبا بداهة أنه یحمل المطلق علی المقید و مراد صاحب الحدائق من هذا الحمل لیس هو حمل المطلق علی المقید بالمعنی المتعارف،بحیث یکون هنا تکلیف واحد متعلق بطبیعة واحدة مطلقا تارة و مقید أخری،و یحمل المطلق منه علی المقید کما فی أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة،بل المراد من ذلک هنا أن الامام علیه السلام حیث کان فی مقام بیان العیوب و حصرها فإطلاق الکلام أی إطلاقه المقامی أن لا یکون هنا عیب أخر یردّ به المملوک فی أثناء السنة و لا شبهة فی کون الروایة مطلقة من هذه الجهة فحیث ورد فرد آخر غیر هذه الثلاثة فی الروایات الأخر فتکون تلک الروایات مقیدة لذلک بإثبات القرن فیها أی عدم کون فرد آخر من عیوب السنة مقید بالروایات المشتملة علی عدها بأکثر من الثلاثة و بإضافة القرن إلیها.

ثم ان هذا من عجائب صاحب الحدائق،حیث ان القرن و ان لم یذکر فی هذه الروایة فی طریق الکافی،و لکنه مذکور فیها فی طریق الشیخ،و الکافی و ان کان أضبط من التهذیب و لکن مع دوران الأمر بین الزیادة و النقیصة یقدم ما هو مشتمل علی الزیادة و هذا أول مرة صادفت باشتباه صاحب الحدائق و الاّ فهو أضبط علی أنه ذکر القرن فی روایة ابن فضال، و هی موثقة.

الجهة الثالثة:أن المحقق الأردبیلی قد استشکل فی البرص أیضا

بدعوی أنه و ان کان مذکورا فی تلک الروایات المستفیضة مع الجنون و الجذام و القرن من عیوب السنة و لکن قد ذکر فی روایة أخری صحیحة التی تقدم فی خیار الحیوان أیضا أن العهدة فی البرص إلی ثلاثة أیام فیقع التعارض بینها و بین الروایات المستفیضة فالمتیقن هو ان کونه موجبا للرد فی الثلاثة و أما فی غیرها فلا،و هذا الذی ذکره الأردبیلی،و ان کان متینا و لکن

ص:263

حیث کانت الروایات الدالة علی کونه من عیوب السنة کثیرة و مستفیضة و کان فیها صحیح لصحیحة أبی همام و محمد علی بناء علی کونه حلبیا کما قال الأردبیلی أظن أنه الحلبی و موثقة کروایة ابن فضال و کانت هذه الروایات موضع الاعتماد للفقهاء و عملهم بها یحصل الاطمئنان من ذلک علی صدق بعضها من الامام علیه السلام و تقدمها علی تلک الروایة الدالة علی کون العهدة فی البرص علی البائع إلی ثلاثة أیام و علیه فیحتمل أن البرص قد حرف و أن ما صدر من الامام فی مقام التکلم و الإفادة هو لفظ المرض و لکن هذا احتمال نحتمل من جهة معارضة لتلک الروایات الصحیحة التی نطمئن بصدور بعضها عن الامام علیه السلام و الاّ فلو جری مثل هذا الاحتمال فی الروایات لجری فی جمیعها و علیه لم یبق حجر علی حجر.

تنبه

فی ج 12 ئل،باب 2،أقاسم العیوب من أبواب أحکام العیوب،ص 411 عن أبی همام قال:سمعت الرضا یقول یرد المملوک من احداث السنة من الجنون و الجذام و البرص،فقلت:کیف یرد من احداث السنة؟قال:

هذا أول السنة،فإذا اشتریت مملوکا فحدث به شیء من هذه الخصال ما بینک و بین ذی الحجة رددته علی صاحبه،فقال له محمد بن علی فالإباق قال:لیس الإباق من ذا الاّ أن یقیم البینة أنه کان أبق عنده،ثم قال:

صاحب الوسائل و رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عیسی،عن أبی همام قال:سمعت الرضا علیه السلام یقول و ذکر نحوه الاّ أنه قال و البرص و القرن.

و فی ج 2 التهذیب،ص 135 عن أحمد بن محمد بن عیسی عن أبی

ص:264

همام قال:سمعت الرضا علیه السلام یقول:یرد المملوک من احداث السنة من الجنون و الجذام و البرص،فإذا اشتریت مملوکا فوجدت فیه شیئا من هذه الخصال ما بینک و بین ذی الحجة فرده علی صاحبه،قال محمد بن علی:فأبق،قال:لا یرد الاّ أن یقیم البینة أنه أبق عنده.

و فی ج 1 فروع الکافی،ص 390،ذکر خبر أبی همام علی النحو الذی ذکره فی الوسائل إلی قوله،و رواه الشیخ إلخ،و فی ج 10 الوافی ص 110، ذکر الحدیث عن أبی همام ناسبا إلی الکافی و التهذیب،کما فی الوسائل و لم یذکر القرن،و علی هذا فما ذکره فی الوسائل من إضافة القرن و نسبته الی الشیخ اشتباه منه،نعم ذکر فی التهذیب القرن فی روایة أخری.

الجهة الرابعة:أنه قد أشکل علی الروایات المشتملة علی ذکر الجذام

بأنه یوجب انعتاق المملوک بمجرّد حدوثه و معه کیف یردّ علی البائع بالجذام و قد وجّهوا ذلک بوجوه لا یمکن المساعدة علیها فان من جملة الوجوه أن مادة الجذام یمکن أن تکون سابقه علی البیع و تکون متکونة فی ملک البائع و ح یصحّ الرد الیه و لا ینعتق علی المشتری و لکنه فاسد من جهة أنه یمکن أن یکون الجنون أمرا عارضیا من جهة الوقوع من شاهق و نحوه بحیث یکون لخلل فی رأسه فیظهر له الجنون.

و التحقق:أن الروایات هنا متعارضة فإن أمکن الجمع الدلالی فهو،و الاّ فلا بدّ و أن یرجع الی قواعد المعارضة و ذلک من جهة أن هذه الروایات المستفیضة انما تدل علی أن الجذام من عیوب السنة ترد به الجاریة،و روایة السکونی دلّت علی أن الجذام یوجب العتق فمع قطع النظر عن القرائن الخارجیة فتلک الروایات المستفیضة تقدم علی روایة السکونی للاطمئنان بصدور بعضها مع کون روایة السکونی ضعیفة و لکن حیث کان الحکم بالعتق مما تسالم علیه الأصحاب فیطمئن به الإنسان باعتبار روایة السکونی فمقتضی الجمع

ص:265

بینها هو تقیید روایة السکونی بهذه الروایات المستفیضة التی ذکر فیها الجذام،فتکون النتیجة أن المملوک إذا حدث فیه الجذام ینعتق إلاّ فی صورة اشترائه من الغیر فإنه لا ینعتق إلی سنة،بل یجوز له رده الی بائعه.

ثم انه هل هذا الحکم مختص بالسنة بحیث لو لم یرده إلی بائعه حتی خرجت السنة فلا ینعتق علیه أو ینعتق بعد خروج السنة فذکر بعضهم أن انعتاقه بعد السنة یحتاج الی دلیل آخر،بل لو بقی الجذام فیه کان کافیا فی انعتاقه کما هو واضح،و ذلک لأن روایة سماعة شاملة للسنة و غیرها،و خرج من ذلک السنة و أن الجذام الحاصل فیها لا یوجب الانعتاق إلی سنة و أما أنه یحتاج انعتاقه بعد السنة إلی دلیل آخر فلا.

الجهة الخامسة:أن المشهور قد ذهبوا الی أن التصرف یکون مسقطا

للخیار

و من البعید أن یکون المملوک فی ضمن هذه المدة خالیا عن التصرف فبه حتی بمثل أغلق الباب أو اسقنی الماء،و نحو ذلک و علیه فلا یمکن العمل بهذه الروایات علی إطلاقها.

و فیه أنا قد ذکرنا سابقا أن التصرف علی إطلاقه لا یکون مسقطا للخیار بل التصرف انما یکون مسقطا للخیار اما بکونه کاشفا عن الرضاء بالعقد أو لکونه احداث حدث أو یکون هنا دلیل خاص علیه کالتقبیل و اللمس فی الجاریة و رکوب الدابة و نحو ذلک،أما القسم الأول فهو تابع لکشف رضاء المشتری،ففی أی مورد استکشفنا ذلک فهو،و الاّ فلا،و أما القسم الثالث فهو أیضا مختص بموارد خاصة و هو خیار الحیوان فلا یکون جاریا فی بقیة الخیارات فکلما تحقق ترتب علیه الحکم و الاّ فلا،و أما القسم الثانی:فیقع التعارض بین ما دل علی کون احداث الحدث مسقطا للخیار و بین هذه الروایات المستفیضة بالعموم من وجه حیث ان مفاد هذه المستفیضة أعم من حیث کون الجذام فی ضمن الثلاثة التی هی زمان الخیار فی الحیوان أو

ص:266

بعدها إلی سنة و مفاد ما دل علی کون احداث الحدث مسقطا للرد أعم بین أن یکون الحدث هو هذه الخصال الأربعة أی الجنون و الجذام و القرن و البرص و بین أن یکون غیر ذلک فیرجع فی مورد التعارض الی العمومات الدالة علی لزوم العقد.

الجهة السادسة:قد عرفت سابقا أن فی موارد ثبوت العیب یثبت

لمن له الخیار الردّ

و إذا لم یردّ یجوز له مطالبة الأرش و علی المشهور یکون من الأول مخیرا بین الأمور الثلاثة اما الرد أو الرضا بالعقد مجانا أو الرضا به مع الأرش.

و علی کل تقدیر فهل یثبت له مع عدم الرد فی ضمن السنة بالعیوب الثنویة أن یطالب الأرش أم لا؟و الظاهر أنه لیس له مطالبة الأرش بداهة أن الروایات الدالة علی ثبوت خیار العیب للمشتری مع ظهوره بعد العقد قد اثبت جواز مطالبة الأرش مع عدم الرد مع کون ذلک،أی مطالبة الأرش علی خلاف القاعدة و من الواضح أن الروایات المستفیضة الدالة علی جواز الردّ بالعیوب الثنویة لیس فیها تعرض بالأرش فلا یمکن الالتزام به مع کونه علی خلاف القاعدة،نعم لو قلنا الأرش ثابت علی طبق القاعدة لکونه کالجزء من الثمن فمع نقص ما یقابله من وصف الصحة فیرد ذلک الجزء مع القول بأن مادة تلک العیوب الحادثة فی السنة انما هی ثابتة قبل السنة فللقول بالأرش مع عدم الرد وجه وجیه و لکن قد عرفت أنفا أن الأرش لیس جزء من الثمن و الاّ کان البائع من الأول مشغول الذمة علی ذلک،مع أنه لا یثبت إلاّ بالمطالبة.

و ثانیا:أن الأوصاف مطلقا لا تقابل بالثمن کما لا یخفی،و أما الثانی فقد عرفت قبیل هذا أن عیوب السنة قد تعرض للعبد لعارض فی نفس تلک السنة من غیر أن یکون مادتها قبل البیع کما هو واضح.

ص:267

قوله:خاتمة فی عیوب متفرقة.
اشارة

أقول:قد ظهر المیزان الکلی فی جواز الرد بالعیوب و لکن قد تعرّض المصنف للعیوب المتفرقة فنتعرض لها تبعا له،

منها أنه ذکر فی التذکرة أن

الکفر لیس عیبا فی المملوک

و الظاهر أن الکفر ان کان مثل التوثن و التمجس فلا شبهة فی کونه عیبا فی الجاریة لکونه مانعا عن الاستمتاع و أما إذا کان مثل التهوّد و التنصّر فلا یکون لجواز الاستمتاع منها.

و توهّم کون النجاسة فیهما عیبا واضح الفساد بداهة عدم کون المنافع المستفادة من المملوک منحصرا بما یتوقف علی الطهارة علی أنه لیس بمسلمیة النجاسة لکونه من أهل الکتاب و قد أشکل غیر واحد فی نجاستهم علی أنه یمکن أن یکون العبد الیهودی مطلوبا لبعض الناس فإنه یری أن واجبات العبد تشغله مقدارا من الزمان فهو یرید أن لا یکون کذلک لکونه غیر مبال فی الدین کما تقدم ذلک فی الخصی و کیف کان أن الکفر لا یوجب نقصان مالیة المملوک فلا یکون عیبا یترتب علیه أحکام العیوب،کما لا یخفی.

و منها أن یکون العبد أو الأمة محرمة الانتفاع علی المشتری

کما إذا کان ممن ینعتق علیه أو کانت الأمة أخت زوجته،فإنه لا یجوز الجمع بین الأختین أو کانت رضاعیا له،و غیر ذلک من الجهات المحرمة،و لکن الظاهر أنه لیس بعیب لعدم نقص فیه،بل المانع من قبل المشتری.

منها ما لو کان المبیع متهما بالوقفیة

و ان لم یثبت ذلک شرعا فان ذلک یوجب نقص مالیته و قلة رغبة الناس الیه،و هذا واضح.

و منها الصیام و الإحرام و الاعتداد

و لکن شیء من ذلک لیس بعیب.

و منها کونه نماما أو ساحرا أو قاذفا و نحو ذلک، و الظاهر أن هذه الأوصاف إذا کان بحیث ینجر إلی الفتنة و الفساد فهی عیب فیه،و الاّ فلا، فإنه لا یخلو منها نوع البشر أحیانا و قل عبد یکون عادلا،بل الأحرار کذلک.

ص:268

القول فی الأرش
اشارة

قوله:القول فی الأرش.

أقول:ذکروا أن الأرش فی اللغة هو ما یؤخذ بدلا عن نقص مضمون و دیة الجزء الفائت و لا شبهة فی إطلاقه علی المقام و هو تفاوت القیمة بین المعیب و الصحیح من الثمن أو المثمن،و ان کان الغالب أن ذلک یثبت فی المبیع فان الثمن غالبا یکون من النقود فلا یکون معیبا و لا داعی للبحث عن ذلک،بأنه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی،

بل المهم هو التکلم
اشارة

فی جهات:

الجهة الاولی:فی ان الأرش هل یثبت فی المقام علی طبق القاعدة،

أو علی خلاف القاعدة

لا شبهة فی أنه یجوز للبائع جبران عیب المبیع و انما الکلام فی أن للمشتری إلزامه علی ذلک أو لا؟فان کان علی طبق القاعدة فله إلزامه علی ذلک،و الاّ فلا،الظاهر أنه یثبت علی خلاف القاعدة،فإنه لا دلیل علی کونه علی حسب القاعدة أصلا فإن الوجه فی کون الأرش علی طبق القاعدة هو أن یکون وصف الصحة الذی یفقد فی المعیب أن یقابل بجزء من الثمن کما أن اجزاء المبیع تقابل بالثمن،فکما أنه إذا فات جزء من المبیع ینقص من الثمن ما یقابله لانحلال الثمن الی کل جزء جزء،و کذلک إذا فات من المبیع وصف الصحة فیکون الثمن ناقصا منه بمقدار ما یقابل من هذا الوصف و لکن لا دلیل علی ذلک من بناء العقلاء و الشرع أصلا.

أما بناء العقلاء فواضح،فإنه لیس منهم بناء علی کون وصف الصحة مقابلا بالثمن لیکون الأرش ثابتا علی طبق القاعدة و مع عدم مقابلته بالمال لیس هنا بناء آخر علی الأرش و أخذ جزء من الثمن علی تقدیر انتفائه.

ص:269

و أما من الشرع فلم یصل إلینا ما یدل علی ذلک،و علیه فلا دلیل علی کون وصف الصحة مقابلا بالمال لیلزم من انتفائه کون الأرش علی طبق القاعدة و من هنا لو لم یطالب المشتری الأرش لم یکن البائع مشغول الذمة علی ذلک مع أنه لو کان وصف الصحة یقابل بجزء من الثمن لکان البائع مع عدم التفات المشتری الی ذلک و عدم مطالبته مشغول الذمة علی ذلک،مع أنه لیس کذلک،فیعلم من جمیع ذلک أن الأرش لم یثبت علی طبق القاعدة،بل هو ثابت بعنوان الغرامة لدلیل خاص یقتضیه،و من هنا لو وقعت المعاوضة بین المعیب و الصحیح و کانا من جنس واحد ربوی لا یلزم الربا مع أن الصحیح زائد عن المعیب بوصف الصحة،و لو زاد علی المعیب فی مقابل وصف الصحة شیء لزم منه الربا فیعلم من ذلک أن وصف الصحة لا یقابل بالمال،و هذا بخلاف ما کان جزء من المبیع ناقصا فإنه یقابل بالمال فیکون البائع مع عدم رجوع المشتری إلیه بغیر التفات مشغول الذمة و هکذا فیکون نقصان الثمن هنا علی طبق القاعدة کما هو واضح.

و علی الجملة لا دلیل علی کون ثبوت الأرش علی طبق القاعدة فیکون ثبوته علی خلاف القاعدة فیکون الثمن بأجمعه ملکا للبائع بمجرّد البیع و علی هذا فلا یلزم من انتفاء الوصف الاّ خیار تخلف الوصف و الشرط،فان مرجع تخلف الوصف الی تخلف الشرط و لکن التزم السیّد(ره)فی حاشیته بأن الأرش علی طبق القاعدة مع تسلیمه جمیع ما ذکرناه من عدم کون الوصف یقابل بالمال و نحو ذلک بدعوی أن للمعاملة مرحلتان مرحلة الظاهر و الإنشاء و مرحلة اللب و لا شبهة أن وصف الصحة و ان لم یقابل بالمال فی المرحلة الاولی و لکنه یقابل بالمال فی المرحلة الثانیة بمعنی أن زیادة بعض الثمن انما هی بلحاظ الوصف المذکور فتمام الثمن فی عالم الإنشاء جعل فی مقابل نفس العین و لیس شیء منه فی مقابل الوصف لکن فی عالم اللب بعض ذلک الثمن

ص:270

الذی جعل فی مقابل نفس العین مقابل للوصف فإذا فرض تخلفه وجب علی البائع أن یغرم ما فات من المشتری و ما اغترم فی عالم اللب بملاحظة ذلک الوصف فبالتخلف لا یلزم الانفساخ لأن الفرض کون تمام الثمن فی مقابل العین المفروض وجودها و لکن لما کان المشتری قد اغترم من جهة ذلک الوصف و أعطی ما لا مقابل له فی ذلک العالم له أن یرجع علی البائع و له أن لا یرجع و لذا لا تشتغل ذمة البائع علی الأرش من حین العقد،بل من حین المطالبة کما هو واضح.

أقول:لا نفهم معنی محصلا لذلک فإنه کلام شبیه بالعرفان فإنه لیس لمعاملات عالمان عالم الظاهر و عالم الباطن،بل ذکرنا مرارا أنها أمور اعتباریة و حقیقتها قائمة بالاعتبار فما وقع فی مقابل الثمن من العین واقع فی مقابله ظاهرا و لبّا کالأجزاء مثلا فما لم یقع فی مقابل الثمن لا یقع فی مقابله أیضا ظاهرا و لبّا کأوصاف الصحة.

و علی الجملة فللمعاملات جهة واحدة لا جهات کثیرة،نعم قد یکون الأوصاف داعیة الی زیادة الثمن فی عالم اللبّ و لکنها غیر مختصة بأوصاف الصحة،بل تجری فی أوصاف الکمال أیضا فإن جمیع الأوصاف داعیة الی الثمن کما هو واضح.

و علی هذا فالأوصاف لا تقابل بالمال أصلا نعم هی موجبة لزیادة المالیة،بل تکون فی بعض الأحیان تمامیة المالیة بذلک بحیث لا تکون للمادة مع قطع النظر عن الصورة و الوصف مالیة أصلا و مع ذلک لا یکون الوصف مقابلا بالمال.

و علی هذا فالأرش لیس علی طبق القاعدة،بل هو غرامة إنما ثبتت بالأخبار الخاصة و علی هذا فلا بدّ فی کیفیة ثبوته من الرجوع إلیها من انه هل هو التفاوت بین المعیب و الصحیح واقعا أو هو التفاوت بین الصحیح

ص:271

و المعیب بالنسبة الی هذه المعاملة.

و الاخبار الواردة فی المقام علی ثلاث طوائف فان فی بعضها أنه یرد قیمة العیب و بعضها مشتمل علی أخذ أرش العیب و بعضها مشتمل علی استرداد مقدار العیب من الثمن و قد أشار السید الی هذه الاخبار فی حاشیته و ظاهر جمیع ذلک وجوب رد تمام قیمة العیب فی هذه المعاملة ان کان قد دفع المشتری الثمن إلی البائع و نقص مقدار العیب من الثمن ان کان لم یدفع الثمن الیه بعد.

و الحاصل:أن المراد من التفاوت تارة یکون هو التفاوت ما بین الصحیح و المعیب،بالفعل أی عند ظهور العیب من غیر ملاحظة التفاوت بینهما حال العقد بأن تقوّم الجاریة مثلا بالنسبة إلی القیمة الواقعیة خمسین دینارا صحیحة و خمسة و عشرون دینارا معیبة و کان أصل الثمن خمسة و عشرون دینارا فإنه لو کان المراد من رد التفاوت ما بین الصحیح و المعیب بحسب القیمة الواقعیة کان اللازم هو رد تمام القیمة و هو خمسة و عشرون دینارا،بل ربما یلزم رد الزائد عن أصل القیمة و هذا لا یمکن الالتزام به لا من جهة لزوم الجمع بین العوض و المعوض فإنه لا محذور فیه مع دلالة الدلیل کما ثبتت نظیر ذلک فی جنایة العبد فإن الجنایة لها مقدر شرعا و ربما یکون ذلک المقدار أزید بمراتب من قیمة العبد لکونه مریضا أو هرما أو نحو ذلک فهل یتوهّم أحد ان هنا یلزم الجمع بین العوض و المعوض،بل المأخوذ انما هو بعنوان الغرامة فلا بأس بکونه أزید من القیمة کما هو واضح علی انک قد عرفت أن الأوصاف لا تکون مقابلة بالثمن و انما الثمن قد وقع فی مقابل العین و علیه فیکون المردود لأجل نقصان الوصف غرامة لا قیمة حتی یلزم الجمع بین العوض و المعوض کما هو واضح.

نعم،بناء علی کون الأوصاف تقابل بالثمن یلزم ذلک فإن الأرش المأخوذ

ص:272

یکون أزید من الثمن الذی یقع فی مقابل الوصف فیلزم الجمع بینهما و هذا هو الحل فی عدم لزوم الجمع بینهما فی باب الجنایة أیضا،بل المانع عن هذا الاحتمال هو عدم ظهور الاخبار فیه و عدم مساعدة الفهم العرفی علی ذلک حیث ان الظاهر منها و بمقتضی الفهم العرفی هو أن التفاوت هو التفاوت بین المعیب و الصحیح بالنسبة الی هذه المعاملة فإن الفهم العرفی قاض بأن المشتری لا بدّ له أن یطالب من البائع ما نقص علیه من قیمة العین بالنسبة الی هذه المعاملة لکونها ربطا بینهما و أما القیمة الواقعیة فلا ترتبط بینهما أصلا و یؤید ذلک التعبیر برد جزء من الثمن فی بعض تلک الاخبار مع انک قد عرفت أن التفاوت بالنسبة إلی القیمة الواقعیة قد یکون أزید من مجموع الثمن فلا تصل النوبة إلی رد جزء من الثمن.

و أما ارادة التفاوت بالنسبة إلی القیمة الواقعیة لا وجه له کما لا وجه للجواب عنه بحمل الاخبار علی الغالب من عدم تفاوت القیمة السوقیة مع أقل القیمة حال العقد من جهة کون الرد بقرینة علی ذلک کما صنعه المصنف أی یکون التعبیر بالرد من الثمن قرینة علی أن المراد من التفاوت هو التفاوت بالنسبة الی هذه المعاملة و الاّ قد لا یکون هنا رد کما فی المثال الذی ذکره المصنف و ذلک لاحتمال أن یکون الرد أیضا محمولا علی الغالب کما هو واضح.

و علی الجملة هنا احتمالان:- أحدهما:أن یکون المراد من التفاوت هو التفاوت ما بین الصحیح و المعیوب بالنسبة الی هذه المعاملة.

و الثانی:أن یکون المراد هو التفاوت بالنسبة إلی القیمة الواقعیة و إطلاق الأخبار و ان کان یشمل کلیهما و لکن مقتضی الارتکاز العرفی ینصرفه الی الشق الأول فتکون ظاهرة فیه کما هو واضح.

ص:273

و من هنا تعرف ما فی عبارة المصنف من الغلط حیث انه أشار الی الاحتمال الثانی بقوله،نعم ظاهر کلام جماعة من القدماء کأکثر لنصوص توهم إرادة قیمة المعیب کلها فان هذا الاحتمال و مورد إرادة قیمة المعیب کلها لم یقل به احد کما هو واضح و الظاهر أن النسخة الصحیحة هو قیمة العیب و مع ذلک لا یصح لمکان کلمة أزید بعده.

و الحاصل:قد ذکرنا سابقا أن الثابت بحسب بناء العقلاء هو کون المبیع واجدا لأوصاف الصحة و أنها معتبرة فیه مع السکوت عن الاشتراط و إذا کان کذلک أو اشترط المشتری ذلک علی البائع فلا شبهة فی أنه یثبت للمشتری خیار تخلف الشرط لذلک،فان بناء العقلاء علی اعتبار الوصف.

و أما الأرش فلم یثبت بناء من العقلاء علی ثبوت الأرش و الاّ لکان البائع مشغول الذمة من الأول و لیس کذلک بل یکون الثمن بأجمعه ملکا للبائع،بمجرد البیع،و مما یؤید ذلک ما ذکرناه فی أول الخیارات من أن الأرش لا یثبت ابتداء،بل انما یثبت مع عدم الرد،و فی طوله مع أنه لو کان الأرش علی القاعدة لکان ثابتا من الأول و کان المشتری مخیرا بین الردّ و الأرش،من الأول فلا بدّ ح من الرجوع الی الأخبار و الظاهر منها بحسب الفهم العرفی هو أن المشتری یأخذ التفاوت فیما بین الصحیح و المعیب بالنسبة الی هذه المعاملة لا التفاوت بحسب القیمة الواقعیة.

و من هنا لم یذهب أحد الی ذلک و ان کان ظاهر الأخبار بحسب النظرة الأولی یساعد علی الاحتمال الثانی و لکن یزول بالتأمل فیها فان المفروض فی هذه الأخبار عدم وجود الخلل فی المعاملة من غیر جهة العیب کالغبن و نحوه فتکون المعاملة المفروض فیها کون المبیع معیبا محمولة علی المعاملة المتعارفة و هی أن یکون ذلک بثمن متعارف فإذا کان هنا أرش فنسئل عن حکم ما یکون الثمن فیه قلیلا بان اشتری المشتری المبیع الذی

ص:274

یسوی بخمسین بخمسة کما یتفق ذلک أحیانا أو اشتراه بثمن متعارف و لکن ترقی و کان بقیمة أغلی الی زمان ظهور العیب،فان قلنا بکونه خارجا عن حدود هذه الأخبار بحیث لم نلتزم بالأرش هنا.

و قلنا أن الأرش انما هو فی المعاملات المتعارفة لکون الأخبار ناظرة إلی حکمها فهو بعید فلا یمکن الالتزام به.

و ان قلنا أن الأخبار انما هی تبین حکم المعاملات المتعارفة من جهة کونها هی الغالب لا أنها مختصة بها،بل هی تبین المیزان الکلی فی جمیع المعاملات فالمعاملات الغیر المتعارفة أیضا علی حسب المعاملات المتعارفة فیکون المناط فیها هو ملاحظة أصل الثمن و أخذ التفاوت بالنسبة إلی أصل الثمن بحسب نسبة التفاوت إلی القیمة الواقعیة.

و علی الجملة المفهوم من هذه الروایات هو الرجوع الی التفاوت بین الصحیح و المعیب بحسب أصل ثمن المعاملة نسبة التفاوت الی الصحیح و المعیب إلی القیمة الواقعیة علی أنه هو المشهور بین الأصحاب،بل لم یذهب الی الاحتمال الرجوع الی التفاوت بحسب القیمة الواقعیة أحد.

الجهة الثانیة:فی ان الأرش هل یجب أن یکون من نفس الثمن أو

یجوز أن یکون من غیره أیضا

الظاهر أنه لا یجب أن یکون نفس الثمن فإنه بعد ما قلنا أن الأرش أمر ثبت علی خلاف القاعدة فلیس ثابتا علی طبق القاعدة لا یلزم أن یکون من نفس الثمن فان الثمن یکون ملکا للبائع بمجرد العقد فلا دلیل علی إجبار البائع علی إعطاء الأرش من ذلک المال الخاص و انما هو غرامة ثبتت بدلیل خاص فللبائع ان یعطیه من غیر الثمن أیضا و لکن المتوهم من بعض الروایات أنه لا بدّ و أن یکون الأرش من نفس الثمن خصوصا من روایة زرارة التی هی المستند لنا فی خیار العیب و قد عبّر عنها المصنف بالصحیحة حیث ذکر فیها أنه یضع له من ثمنها بقدر عیبها و لکن هذا التوهم

ص:275

فاسد فان المفروض فی هذه الروایة و أمثالها أن الثمن لم یرد إلی البائع بل هو عند المشتری بعد و علیه ان الثمن قد یکون کلیّا کما هو الغالب فإن البائع یبیع متاعه بالثمن الکلی نوعا و لا یعین ثمنا خاصا شخصیا،فعلی الأول یقع هنا تهاتر قهری حیث ان المشتری یطلب مثل ما یطلب منه البائع فبمقدار الأرش یقع التهاتر کما هو واضح.

و علیه فیصح ان یقال یضع له من الثمن بقدر العیب و ان کان الثمن شخصیا کما هو غیر الغالب و ح و ان کان ما یطلبه البائع من المشتری عینا شخصیة و یجوز للمشتری ان یدفعه إلی البائع ثم یطلب منه حقه و لا یکون هنا تهاتر قهری و لکن لا یجب علیه ذلک بل له أن یطبق الکلی الذی یطلب من البائع علی هذا الشخص المعین الخارجی کما هو واضح.

و کیف کان لا شبهة فی أن الأرش غرامة علی ذمة البائع بعد مطالبة المشتری فلا یتعین أن یکون من عین الثمن.

نعم،بناء علی کون الأرش علی طبق القاعدة لزم أن یکون من عین الثمن کما هو واضح،و أما فی بقیة الروایات فالمذکور فیها هو أن یرد البائع علی المشتری فضل ما بین الصحیح و المعیب و لیس فیها ما یشعر بکون المردود من الثمن.

الجهة الثالثة:هل یعتبر أن یکون الأرش من النقود أو یکفی کونه من

غیرها أیضا؟

الظاهر من الأخبار الدالة علی ثبوت الأرش هو أن یکون ذلک من النقود فان المستفاد من مجموعها هو أن البائع یرد التفاوت ما بین الصحیح و المعیب سواء کان المراد من التفاوت هو التفاوت بالنسبة إلی القیمة الواقعیة أو بالنسبة الی هذه المعاملة الخاصة و من الواضح أن التفاوت انما یعلم بالمالیة المحضة فان تقویم الأشیاء و العلم بقیمتها انما هو بمالیتها و ما هو متمحض بالمالیة فقط،انما هو النقود فیکون الثابت بالأخبار هو

ص:276

النقود،فالاکتفاء بغیرها یحتاج الی دلیل فلم یثبت ذلک حتی لو کان الثمن من الأعیان فإنه مضافا الی ما ذکرناه أنه لم یتعارف أن یقطع من الفراش الذی نفرضه ثمنا لشیء زراعا بعنوان أنه أرش.

نعم إذا رضی المشتری بذلک فلا بأس به و ان کان الأرش من غیر جنس الثمن،سواء کان الثمن عینا أو نقدا.

و لکن یبقی البحث فی أنه مع رضاء المشتری یکون الأرش عینا هل یکون الأرش هو ذلک الشیء ابتداء کما فی حاشیة السیّد أو بدله فإنه بناء علی الثانی تکون هنا معاوضة ضمنیة و الاّ فیکون الثابت هو الأرش و هذا البحث لا تمر له(و تظهر ثمرته فیما إذا اشترط شیء فی ضمنه فإنه بناء علی المعاوضة لا یکون للشرط ابتدائیا و الاّ فیکون ابتدائیا مقرر)الاّ عملیّا و مع ذلک نقول ان الأرش و ان کان علی خلاف القاعدة و لکن قلنا ان اللازم علی البائع هو إعطاء النقد و علیه فالرجوع الی غیر النقد و لو کان رضاء المشتری یحتاج إلی معاوضة جدیدة فیکون الثابت أولا بعنوان الأرش هو النقد ثم یبدل ذلک بالمتاع بحسب رضاء المشتری بعنوان المعاملة الجدیدة و یکون ذلک تجارة أخری عن تراض.

الجهة الرابعة:أنه ذکر المصنف(ره)(أنه قد تبیّن مما ذکرنا فی

معنی الأرش أنه لا یکون الاّ مقدارا مساویا لبعض الثمن

و لا یعقل أن یکون مستغرقا له) هذا هو المتعین و الوجه فی ذلک أنا و ان ذکرنا مرارا أنه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی المبیع،بل یمکن بیع غیر المتمول لغرض شخصی عقلائی قد تعلق بذلک کما إذا اشتری خط أبیه بقیمة جزاف مع عدم رغبة أحد إلیه لغرض له لحفظ خط أبیه فإنه مع عدم کونه من الأموال جاز له شرائه الاّ أنه مع ذلک لا مناص عما ذکره المصنف هنا من عدم معقولیة استیعاب الأرش القیمة بحیث تبقی العین للمشتری بلا قیمة،و ذلک لأن المستفاد من

ص:277

أخبار الأرش هو ردّ مقدار من الثمن أی بمقدار الذی نقصه العیب علی حسب المتعارف فان النقصان انما یعلم بحسب یقیم أهل الخبرة من أهل العرف و من الواضح أنه لا یتحقق ذلک إلاّ فی الأشیاء التی هی أموال فی نظر العقلاء فان غیر الأموال لا قیمة لها عند العقلاء حتی یتقوم عندهم و یرد ما ینقصه العیب و ان کان لها قیمة عند المشتری بحسب النظر الشخصی فیکون مورد الأرش بحسب هذه الأخبار هی الأموال و علی هذا فکلما ینقص من المال بحسب العیب فلا بدّ و أن یبقی للمعیب شیء من الثمن،فان المفروض هو ملاحظة التفاوت بحسب هذه المعاملة لا بحسب القیمة الواقعیة و علی هذا فلا یعقل ان یکون الأرش مستوعبا لجمیع الثمن کما ذکره المصنف.

و حاصل:الکلام فی الجهة الأولی هو أنه قد ذکرنا سابقا أن أوصاف الصحة مما هو معتبر فی العقد سواء ذکرت عند العقد أم لم یذکر،و بهذا یفترق الحال بینها و بین أوصاف الکمال و علی کل تقدیر أی سواء ذکرت فی ضمن العقد أم لا؟فیلزم من تخلفها خیار تخلف الوصف و الشرط إذ اعتبر فی المبیع ذلک بحسب الارتکاز و بناء العقلاء و من الشروط الضمنیة فیکون تخلفه موجبا للخیار کما هو واضح.

و أما أنه هل یوجب ثبوت الأرش أو لا یوجب ذلک و قد ذکرنا أنه أی الأرش لا یثبت بحسب بناء العقلاء أصلا،بل هو أمر تعبدی محض و غرامة خاصة قد ثبت بالتعبد الشرعی و أما کیفیة ثبوته من أنه هو التفاوت بین الصحیح و المعیب بحسب القیمة الواقعیة أو التفاوت بینهما فی هذه المعاملة بأن یقوم الصحیح و المعیب و تؤخذ نسبة ذلک التفاوت من أصل الثمن و أما هذه الکیفیة فلم تظهر من الاخبار،بل الظاهر من بعضها بدوا هو الاحتمال الأول و ان کان بعضها ساکتا عن ذلک،بل یدل علی أخذ ما نقصّه العیب.

و أما ما فی بعض الأخبار من أنه یوضع عنه من ثمنها بقدر عیب ان

ص:278

کان فیها کما فی روایة ابن سنان و یضع له من ثمنها بقدر عیبها کما فی روایة زرارة و فی روایات أخری أیضا یردّ علیه بقیمة أو بقدر ما نقصه العیب فربما یتوهم منها أن المراد من الثمن هو الثمن فی هذه المعاملة بدعوی أن ردّ مقدار من الثمن قرینة علی أن المراد منه ذلک فإنه هو الذی أعطاه المشتری للبائع فحکم الامام علیه السلام برد مقدار الثمن یکون قرینة علی أن المراد هو ذلک الثمن و لکن لا ظهور فیها فی أن المراد من التفاوت هو التفاوت بین الصحیح و المعیب بحسب ثمن العین فی هذه المعاملة و ذلک فان هذه الأخبار بأجمعها إنما تبین حال المبیع صحیحه و معیبه بحسب القیمة المتعارفة و ذلک لأن المفروض فیها أن المعاملة لا محذور فیها من بقیة الجهات من حیث الغبن و غیره الاّ من حیث اشتمال المبیع علی العیب و من الواضح أن الغالب فی المعاملات الواقعة علی المیزان المتعارف و لم نشتمل علی الغبن و نحوه هو تساوی قیمة المبیع بالنسبة الی هذه المعاملة و الی القیمة الواقعیة و علی هذا فحکم الامام علیه السلام برد مقدار من الثمن أو وضعه من جهة الغلبة و ان الغالب هو تساوی القیمة الواقعیة مع قیمة هذه المعاملة.

و بعبارة أخری أن هذه التعبیرات و ان کان الظاهر منها أن المردود لا یکون أکثر من أصل الثمن لمکان قرینیة کلمة الرد و الوضع فی ذلک و أن هذا لا یکون إلاّ فی ثمن العیب بالنسبة الی هذه المعاملة لأن التفاوت بحسب القیمة الواقعیة ربما یکون أزید من أصل ثمنها بالنسبة الی هذه المعاملة و لکن نقول أن هذا لا یدل علی ذلک فان الغالب هو تساوی القیمتین فی المعاملات المتعارفة الغیر الواقعیة علی الغبن و نحوه بل هو من جهة تساوی القیمة الواقعیة للعین مع قیمتها فی هذه المعاملة فلأجل هذه التساوی یکون ردّ التفاوت ما بین الصحیح و المعیب بحسب القیمة

ص:279

الواقعیة ردا لمقدار من الثمن الذی هو التفاوت بین الصحیح و المعیب بحسب هذه المعاملة و لا یخفی أن الغلبة التی ندعیها فی المقام لیس هو غلبة الأفراد و الاّ فلا نجوز حمل المطلق علی الفرد الغالب،بل الغلبة من جهة أن هذه الروایات تبیّن حکم المعاملة مع فرضها حاویة لبقیة الجهات کما هو المتفاهم العرفی و الاّ فمجرّد تساوی القیمتین بحسب الخارج لا یجوّز حملها علی الغالب.

و بعبارة أخری أن ورود الروایات انما هو لأجل بیان حکم المعیب فقط فلا بدّ و أن یفرض أن المعاملة من بقیة الجهات تامة و علی هذا قل ما تکون قیمة الواقعیة غیر مساویة مع قیمة العین فی هذه المعاملة،و أما الفرض النادر و هو أن یکون قیمة المبیع فی هذه المعاملة أقل بمراتب من القیمة الواقعیة أو أضعاف قیمة العین بحسب القیمة الواقعیة فهو خارج عن محط الروایات و هذا هو محل الکلام فی المقام من أنه مع الاختلاف فالقاعدة فی أخذ الأرش هل هو التفاوت بحسب القیمة الواقعیة أو بحسب هذه المعاملة؟و هذا فالالتزام بأن الأرش مختص بخصوص المعاملات المتعارفة التی کانت القیمتان فیها متساویتین بعید جدا،بل لم یلتزمه أحد فیما نعلم من العاملة و الخاصة.

و لم یعهد من أحد ان یلتزم بثبوت الأرش فی المعاملات فقط و علیه فحکم المعاملات المتعارفة انما هو معلومة بهذه الأخبار و أنها مسوقة لذلک و حکم المعاملات الغیر المتعارفة التی کان الثمن فیها قلیلا جدا أو کثیرا کذلک و لم یکن متوسطات معلومة بالقطع بعدم الفرق بینها و بین المعاملات المتعارفة هذا فاغتنم.

و السرّ فی ذلک و أن المراد من القیمة لیست القیمة الواقعیة،بل القیمة فی هذه المعاملة سواء فی المعاملات المتعارفة کما هو یقتض الأخبار

ص:280

أو فی المعاملات الغیر المتعارفة کما هو مقتضی القطع و السرّ هو أن الضمان هنا أی الضمان بالأرش لیس هو ضمان الید بحیث یکون ذلک بمقتضی الید التی ثبتت علی مال الغیر و تلفت تحتها کما إذا أخذ دابة أحد بغیر اذنه و کسر رجله أو متاعه فأتلفه،فإن الضمان هنا ضمان ید،فلا بدّ و أن یخرج التالف عن عهدة للمتلف،فیقوم ذلک و تؤخذ منه القیمة الواقعیة و فی فرض التعیب یؤخذ منه التفاوت بین الصحیح و المعیب بحسب القیمة الواقعیة فإن المال علی قیمته الواقعیة داخلة تحت ضمان الید فیخرج من عهدته و لیس ذلک الضمان ضمان المعاوضة أیضا بأن یکون ذلک مضمونا بحسب المعاملة أیضا کما إذا اشتری عشرة أمنان من الحنطة کلیة و أسلم البائع تسعة أمنان فان منا واحدا هنا مضمون علی البائع ضمان معاملة فلا بدّ له من تسلیمه إلاّ إذا کان المبیع شخصیا فإنه لا یلزم تسلیمه فان الموجود الخارجی الشخصی الذی هو مبیع قد باعه البائع بما أنه عشرة أمنان فظهر تسعة فیکشف من ذلک عدم وجود المبیع أصلا بالنسبة الی من واحد و هکذا فی کل مورد یکون جزء من المبیع ناقصا فان ضمان البائع لذلک ضمان معاملی أی بحسب اقدامه علی بیع ذلک صار ضامنا له.

و أما عدم کون ضمان الأرش ضمان ید فواضح لعدم دخوله تحت ضمان البائع بالید بحیث یکون المبیع ملکا للمشتری و أخذه البائع عدوانا و أوجب نقصا فیه لیکون ضامنا حسب ضمان الید و أنها عدم کونه من قبیل ضمان المعاوضة فلعدم کون الوصف مقابلا بالمال حتی یکون البائع ضامنا ضمان معاملی مع ظهور المبیع فاقدا للوصف،بل الضمان هنا نحو آخر غیرهما فهو فی حکم ضمان المعاملی،فإن غایة ما یستفاد من هذه الاخبار أن وصف الصحة بمنزلة الجزء الذی یقابل بالمال،لا حقیقة لما عرفت أن الوصف فی الحقیقة لا یقابل بالمال،بل حکما أی کما أن مقتضی نقصان الجزء یوجب

ص:281

نقص الثمن بمقداره،و هکذا نقصان الوصف یوجب نقص مقدار من الثمن و علی هذا فیکون الناقص بملاحظة أصل الثمن کالنقص الجزئی،فإن هذا لا یرید عما هو فی حکمه فتکون القیمة ح هی القیمة بالنسبة الی هذه المعاملة، و الذی الجائی علی هذا أنه لم یذهب أحد من العاملة و الخاصة الی أن المراد من القیمة هنا هی القیمة الواقعیة لیکون التفاوت باعتبارها فیکون ذلک قرینة علی عدم فهمهم ذلک من الأخبار،بل انهم فهموا القیمة فی هذه المعاملة کما هو واضح.

و قد عرفت أنه ذکر المصنف(ره)أنه لا یعقل أن یکون الأرش مستوعبا للثمن و قد عرفت وجهه ثم فرض موردا لذلک فی حصول العیب قبل القبض أو بعده،و فی زمان الخیار بناء علی کون الضمان فیهما علی البائع.

و قال((نعم،ربما یتصور ذلک فیما إذا أحدث قبل القبض أو فی زمان الخیار عیب یستغرق للقیمة مع بقاء الشیء علی صفة التملک بناء علی أن مثل ذلک غیر ملحق بالتلف فی انفساخ العقد به،بل یأخذ المشتری أرش العیب و هو هنا مقدار تمام الثمن) و علیه فتبقی العین فی ملک المشتری ان کانت إضافة الملکیة باقیة و ان خرجت عن المالیة و الاّ فتبقی تحت حقه فتکون العین متعلقة لحقه و لا تکون راجعة إلی البائع،ثم أشکل علیه بان الحالقة بالتلف مشکل.

أقول:لا ربط لهذه الصورة بالمقام أصلا بداهة أن کلامنا فی الأرش و مورده علی ما یستفاد من الاخبار هو ان یکون الشیء معیبا قبل العقد کما ینادی بذلک روایة زرارة أیما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار إلخ، فإن الظاهر منها ان العیب کان موجودا فیه قبل العقد و لا شبهة أن العیب الحادث فی زمان الخیار أو قبل القبض خارج عن مورد أخبار الأرش و علی هذا فان قلنا بکون العین فی ذلک مضمونه علی البائع فیحکم بضمانه بمعنی

ص:282

أن المعاملة ننفسخ و یأخذ المشتری الثمن من البائع و یأخذ البائع العین من المشتری و ان لم یکن مالا،بل و ان لم یکن ملکا أیضا بحیث خرجت عن الإضافة المالیة و الملکیة لا أن المشتری یأخذ الأرش و تبقی العین تحت یده أیضا کما هو مقتضی قانون أخذ الأرش و إذا فالضمان هنا لیس ضمان أرش،بل ضمان خاص أجنبی عن الأرش و یفترق عنه بانفساخ العقد و رجوع العین الی ملک البائع ان کانت إضافة الملکیة باقیة و الاّ فتکون متعلقة لحقه فافهم.

نعم،یمکن تصویر ذلک بأنه إذا اشتری متاعا بثمن ککتاب شرح اللمعة و ظهر معیبا بحیث لو أصلح ذلک و أبقیت مالیته لیکون صحیحا کان مصرفه أکثر من أصل قیمة المعیب أو اشتری عبدا و ظهر مریضا و کانت قیمته خمسین دینارا و لکن کان مصرف مرضه بحیث یکون صحیحا مأة دینار فیکون الأرش فی مثل هذه التصویرات أکثر من قیمة أصل المعیب.

و لکن الظاهر أن هذا أیضا لا تخلو عن المناقشة بداهة أنه مع ذلک أیضا لا تسقط العین عن المالیة بالکلیة بل هی باقیة علی مالیتها بمقدار فإنها تقوم صحیحة و معیبة فعلا و یؤخذ نسبة التفاوت ما بینهما من أصل الثمن لا أن مجموع قیمة الصحیح یؤخذ من البائع حتی یکون مستوعبا.

و علی الجملة فلا نعقل صورة یکون الأرش فیها مستوعبا للثمن.

و بعبارة أخری أن ما تصلح به العین المعیبة و ان کان یستوعب الثمن أو یکون أکثر منه الاّ أنه مع ذلک لا تخرج العین عن المالیة،بل لها قیمة أیضا فلا یکون الأرش مستوعبا للثمن کما هو واضح و لیس ذلک مثل الأعیان التی لا مالیة لها و تسقط عنها کالخل الذی لا حموضة فیه.

ثم انه ذکر المصنف أنه یظهر من العلامة فی کتبه أنه یلتزم بالأرش المستوعب فی العیب المتقدم علی العقد فإنه ذکر العلامة(ره)فی کتبه

ص:283

مسألة بیع العبد الجانی الی أن قال و للمشتری الفسخ مع الجهل فیرجع بالثمن أو الأرش فإن استوعب الجنایة القیمة و الأرش ثمنه أیضا فإن الظاهر من هذه العبارة أن فی صورة عدم الفسخ یکون الأرش الذی یأخذه من البائع للعیب الذی هو الجنایة بمقدار الثمن فلذا عبر بکلمة أیضا غایة الأمر أنه علی المبنی الذی ذکرناه من کون الأرش غرامة یکون مساویا للثمن و لا یکون نفس الثمن و أما بناء علی کون الأرش جزء من الثمن کان الأرش بعینه تمام الثمن.

أقول:تحقیق الکلام فی هذا الفرع الذی ذکره العلامة(ره)فی کتبه هو أن الجنایة الصادرة من العبد علی قسمین لأنها قد تصدر منه خطاء و قد تصدر منه عمدا،أما الأول فلا شبهة فی أن العبد لا یکون متعلقا لحق المجنی علیه أصلا،بل دیة الجنایة علی المولی إذا کان موسرا،نعم إذا کان معسرا و لم یقدر علی إعطاء الدیة کان للمجنی علیه أن یستوفی ذلک من نفس العبد بأن یسترقه ان کانت الجنایة مستوعبة و الاّ یسترق بعضه هذا بالنسبة إلی المجنی علیه و أما المشتری فان کان عالما فلا شیء علی البائع لأنه قد أقدم بذلک مع علمه و رضاه،فلا یرجع الی البائع و ان کان جاهلا و لم یکن المولی معطیا للدیة لإعساره فاسترقه المجنی علیه من المشتری فیرجع المشتری ح علی البائع بما اغترمه للمجنی علیه و هذا واضح.

و أما الجنایة العمدیة فهی توجب کون العبد بنفسه متعلقا لحق الغیر و من هنا یجعلون من جملة الحقوق حق الجنایة و فی هنا أیضا لا یکون البیع باطلا مع وقوعه بدون إجازة المجنی علیه لما قد عرفت فی البیع أن کون شیء متعلقا لحق الغیر کحق الرهن و الجنایة و نحوهما لا یمنع عن صحة البیع سواء أجاز ذو الحق ذلک أم لا،فإن غایة الأمر له أن یستوفی حقه من العین أینما وجدها و أما بطلان البیع فلا،و الفرض أن العین فی

ص:284

ملک البائع أیضا فلیس ملکا للمجنی علیه،بل له أن یسترقها و یدخلها فی ملکه لا أنها تصیر ملکا له بمجرّد الجنایة و أما المشتری فهو مع علمه بالحال لیس له شیء لأنه مع علمه بالحال قد أقدم علی ذلک و أما مع الجهل فله الفسخ أو مطالبة الأرش.

و توهّم سقوط المملوک عن المالیة فی صورة الجنایة العمدیة مع جهل المشتری لکونه معرضا للخطر فاسد فإنه لو کان کذلک کان للعلامة أن یحکم بالبطلان فی صورة العلم مع أنه لا یحکم بذلک فلاحظ کلامه و الوجه فی ذلک أنه ممن یعتبر المالیة فی المبیع و ان لم نعتبرها فی ذلک علی أن توهم سقوطه عن المالیة بلا وجه فان مجرد احتمال أن المجنی علیه یستوف حقه منه بقتله و نحوه لا یخرجه عن المالیة لاحتمال أن لا یستوفی أصلا،فافهم.

قوله:مسألة:یعرف الأرش. بمعرفة قیمة الصحیح و المعیب
اشارة

أقول:لما عرفت أن النقص لعیب و عوار یوجب جواز مطالبة المشتری الأرش من البائع.

و أما طریق معرفته انما هو بمعرفة قیمتی الصحیح و المعیب لیعرف التفاوت بینهما فیؤخذ من البائع بنسبة ذلک التفاوت هذا إذا کانت القیمة معلومه.

و أما إذا لم تکن القیمة معلومة فلا بدّ من الرجوع الی العارف بها و قد

قسّم المصنف ذلک الی ثلاثة أقسام:
الأول:أن تکون القیمة معروفة و معلومة عند أهل البلد من غیر احتیاج

فی معرفتها الی أهل الخبرة

و لکن البائع و المشتری جاهلان بها فیسئلان ممّن هو عارف بها و یخبر عن القیمة المتعارفة بین الناس بأن یخبرون أن هذه الحنطة فی السوق یباع کذا و هذا القسم داخل فی الشهادة فیعتبر فیها التعدد.

ص:285

القسم الثانی:أن لا تکون القیمة معلومة فی السوق لعدم وجوده فیه

أصلا،

و یخبر المخبر عن القیمة بحدثه من جهة ملاحظة أشباهه و نظائره و ان کان من غیر جنسه لأنه من أهل الخبرة یعرف قیمة الأشیاء بملاحظة الأوصاف و الخصوصیات الموجودة فیها،کما إذا کان المبیع تذکرة العلامة بخطه و ظهر معیوبا فإنه لیس له نسخ کثیرة فی السوق حتی یعرف قیمتها منه،بل هو منحصر بنسخة واحدة فأخبار المخبر بقیمتها من جهة حدسه و بملاحظة أوصافها من حیث نظائرها من الکتب الخطیة و هذا خارج عن موضوع الشهادة و الاخبار،بل هو من صغریات اخبار أهل الخبرة کالطبیب و نحوه،و قد ثبت حجیة قوله ببناء العقلاء و من ذلک الرجوع الی قول المجتهد فإنه من أهل الخبرة مع قطع النظر عن الروایات الواردة فی حجیة قوله کما هو واضح.

القسم الثالث:ان تکون قیمة المبیع بحسب أجناسه معلومة فی السوق

و لکن لا یعلم أنه من قسم الردی أو من قسم الجیّد،

فالخبر یخبر علی الانطباق أی انطباق الصحیح بالمبیع و الردی علیه،و الاّ بعد العلم بکونه من أیهما فالقیمة معلومة،فالجهل انما هو فی الانطباق فهذا داخل أیضا فی أهل الخبرة فإن الاطلاع بذلک الخصوصیة التی توجب الانطباق یجعلها أهل خبرة،فقد قام بناء العقلاء علی قبول قوله کما عرفت فی سابقه.

و علی الجملة القسم الأول من قبیل الشهادة و القسمین الأخیرین من باب قبول قول أهل الخبرة أما القسم الأول فلا شبهة فی حجیته مع وجود شروط الشهادة فیه و أما بقیة الأقسام فکک أیضا لوجهین علی سبیل مانعة الخلو فإنه اما من جهة أن دلیل حجیة خبر الواحد یشمل جمیع أقسام الاخبار سواء تعدد المخبر أم لا،و سواء کان الاخبار عن الموضوعات أو عن الأحکام المتعددة کباب المرافعات المسمی بباب الشهادة و نحوه،و

ص:286

قد ذکرنا ذلک فی محله و أن دلیل حجیة الخبر من بناء العقلاء و غیره یقتضی حجیة الخبر بقول مطلق و أن اعتبار بعض القیود من جهة الدلیل الخارجی أو من جهة أن بناء العقلاء قائم علی اعتبار الوجهین الأخیرین أیضا من جهة حجیة قول أهل الخبرة علی أن الوجه هو الذی قلنا من شمول حجیة خبر الواحد بجمیع أقسام الخبر سواء کان فی الموضوعات أو فی الاحکام و اعتبار التعدد فی باب المرافعات و نحوه المسماة بباب الشهادة،انما هو بدلیل خاص و أنه خرج عن ذلک الأصل بدلیل و الاّ فقول العادل الواحد یقبل فی جمیع ذلک کما لا یخفی.

ثم إذا لم یوجد المقوّم فهل یکتفی بمطلق الظن أو یؤخذ الأکثر،أو یکتفی بالأقل،أما الأول فمن جهة حجیة الظن عند انسداد باب العلم و أما الثانی فلان ذمة البائع مشغولة بالأرش مع مطالبة المشتری،فلا تبرء ذمته إلاّ بأداء الأکثر،و أما الثالث فلکونه هو المتیقن،فالظاهر هو الأخیر لما عرفت مرارا فی الأصول و غیره أن الشک فی أمثال ذلک فی أصل اشتغال الذمة بالأکثر من الأول لا أن الذمة اشتغلت و نشک فی برائتها بإعطاء الأقل و علیه فالمتیقن هو إعطاء الأقل کما هو واضح.

مسألة فی تعارض المقومون

قوله:مسألة:لو تعارض المقومون

فیحتمل تقدیم بیّنة الأقل للأصل.

أقول:قد عرفت أنه لا بدّ فی معرفة الأرش من الرجوع الی المقوم من جهة کونه من أهل الخبرة فإذا عرف الحال بالرجوع الیه فبها،و إذا اختلف المقومون فما ذا تقتضیه القاعدة،أقول:إذا اختلف البائع و المشتری فی القیمة بأن ادعی المشتری کون الأرش أکثر و أنکره البائع و رجعا الی المقوم و

ص:287

اختلف المقومون فی ذلک أیضا بحیث کان رجوعهما الی المقومین بعد اختلافهم فی ذلک و لا یخفی أن فرض البائع منکرا من جهة الغلبة حیث یکون المعیب هو المبیع،و الاّ قد یکون المعیب هو الثمن و ینعکس الأمر و کیف کان فالظاهر أن هذه الصورة خارجة عن مورد کلام الشیخ و غیرهم الذین تصدوا لبیان حکم هذه المسألة و أنه لم ینبّه أحد بذلک فیما نعلم.

و بیان ذلک أن کلامهم مسوق لبیان حکم صورة الاختلاف فی الأرش مع جهل المتبایعین بالحال و هذه الصورة انما هی الرجوع الی المقوم مع اختلافهما فی ذلک کما هو واضح.و أما حکم هذه الصورة فالظاهر أنه لا یجری فی المقام ما ذکر فی المدعی و المنکر فان الظاهر من الروایات الواردة فی ذلک هو اختصاص البیّنة للمدعی و اختصاص الیمین بالمنکر و الرجوع الی المقومین،یقتضی أن تسمع بینة المنکر أیضا،و هو علی خلاف تلک الاخبار کما هو واضح.

و علی تقدیر الرجوع الی ذلک القاعدة و شمولها للمقام یکون من قبیل تعارض بیّنة الداخل و الخارج فکلما ذکر فی ذلک یأتی هنا.

و بعبارة أخری أن فی صورة اختلاف المتبایعین فی الأرش من حیث الزیادة و النقصان کان ذلک من قبیل المدعی و المنکر فیکون من صغریات تلک المسألة فان قلنا بسماع بیّنة المنکر،فیکون التعارض بینهما من قبیل تعارض بیّنة الداخل و الخارج و البحث فیه فی محله و ان لم نقل بسماع بیّنة المنکر،بل کان اللازم فی حقه الیمین کما هو الظاهر لم تسمع بینة بل بینة المدعی.

و أما إذا جهل البائع و المشتری بالأرش أصلا و کان رجوعهما الی المقومین من جهة جهلهم بالأرش فمقتضی القاعدة أی شیء فهل یرجع أحد المقومین الذی یکون قوله موافقا للأصل و هو بیّنة الأقل فإن فاختلاف هنا

ص:288

فی الأکثر و لا شبهة أن بیّنة الأقل موافقة للأصل أو یؤخذ ببینة الأکثر فإن جهة الاختلاف هنا عدم وصول بیّنة الأقل بما وصل الیه بیّنة الأکثر فتکون جاهلا بالزیادة أو یرجع الی الحاکم فیکون الحاکم مخیّرا بین أن یأخذ بأی بیّنة شاء علی حسب رأیه أو یرجع الی القرعة لأنها لکل أمر مشتبه أو یرجع الی الصلح لأن لکل منهما حجة شرعیة فمقتضی العمل بها هو الرجوع إلیها کما هو واضح.أو أنه یجمع بینهما بطرح مقدار مفاد کل منهما و الأخذ بالبقیة بأن تؤخذ من کل بینة نصف القیمة لو کان المقومان اثنان أو الثلث لو کان ثلاثة و هکذا و قد اختار المصنف الوجه الأخیر تبعا لمعظم الأصحاب و أشکل فی بقیة الوجوه کلها.

أقول:ان کان نظره أی نظر المصنف من ترجیع ما ذهب الیه المعظم الی الجمع بین الدلیلین مطلقا فإنه لا شبهة فی کونه جمعا عرفیا و مختصا بالموارد التی تکون فی أحد الدلیلین قرینة علی بیان المراد.

و بعبارة أخری أن تلک القاعدة مختصة بموارد کون أحد الدلیلین ذی القرینة دون الأخر،کما إذا صدرا معا من شخص واحد،فإنه نعلم بعدم کذبه فیکون ذلک قرینة علی الجمع بینهما أو صدرا من شخصین الذین فی حکم شخص واحد کالائمة(علیه السلام)فإنهم لسان واحد و من هنا ورد انه یقع نسبة روایة صدرت عن الصادق علیه السلام الی سائر الأئمة(علیه السلام)و لکن ذلک لا یجری فی المقام فان کل واحد من المقومین غیر الأخر فالجمع بینهما علی هذا النحو موجب للمخالفة القطعیة فلا یمکن الأخذ بهذه و قد أشکل علیه المصنف بهذا البیان فی أول التعادل و التراجیح من کتاب الرسائل.

و ان کان نظره فی ذلک هو الرجوع الی هذه القاعدة فی المرافعات المالیة و حقوقها بان یکون العلم بوصول المال الی صاحبه متوقفا علی بذل مقدار منه نظیر المقدمة الوجودیة بأن یتوقف إیصال المال الی صاحبه علی بذل مقدار منه،فیکون المراد من أولویة الجمع من الطرح الأولویة التعینیة

ص:289

کالاولویة فی باب الإرث،بل ذکر المصنف ان اجراء هذه القاعدة هنا أولی من إجرائها فی الأحکام لأن الأخذ بأحدهما کلیة و ترک الآخر کک،فی التکالیف الشرعیة لا ینقص عن التعین الذی هو مثل الجمع بین الدلیلین من الاحکام،و لا یجوز الارتکاب به بخلاف ما نحن فیه الی آخر ما ذکره فهذا لا شبهة فیه لقیام السیرة علی ذلک،فان بناء العقلاء علی إمضاء هذا العمل بل ورد نظیر ذلک فی الأخبار کما فی قضیة الودعی حیث أوجب الإمام علیه السلام أن لکل من الودعیین النصف مع العلم بأن الدرهم لأحدهما و ذلک لأن العلم بوصول المال اعنی الدرهم الی صاحبه متوقف علی إعطاء نصف الدرهم لغیره و ان کان مراده هذا فهو لا شبهة فیه،الاّ أنه أجنبی عن مقامنا و هو الاختلاف فی الأرش فإن ذلک کما عرفت انما هو فی الحقوق المالیة و من الواضح أنه لیس هنا حق مالی حتی یکون الاختلاف فی ذلک و ینتهی النوبة إلی تلک القاعدة و یعمل بها لأجل العلم بإیصال المال الی صاحبه،بل الأمر هنا دائر بین الأقل و الأکثر کما عرفت و الأقل متیقن و الکلام فی أصل اشتغال الذمة بالأکثر فهو أول الکلام فضل عن ان یراجع بقاعدة التنصیف کما هو واضح.

علی أن الرجوع الی أمثال المقام یعطی القطع بعدم جواز الرجوع بقاعدة الجمع بین الدلیلین کما إذا کان اختلاف المتبایعین فی أصل الأرش لا فی الزیادة و النقیصة کما عرفت أن الأمر فی المقام یدور بین الأقل و الأکثر فالنزاع فی الأکثر أنه ثابت أم لا،مثل النزاع فی ثبوت الأرش و عدمه ابتداء و علیه فلا بدّ من الرجوع الی قاعدة الجمع بین الدلیلین.

ثم انه کما لا یمکن الرجوع الی قضیة الودعی و الإشهاد بها للمقام کما عرفت و کذلک لا یمکن الرجوع الی ما ورد فی بعض الأخبار من أن الدار التی تحت ید شخصین و یدعی کل منهما کونها ملکا له أنه تنصف و

ص:290

الوجه فی خروج ذلک عن المقام هو أن الحکم بالتنصیف من جهة قاعدة الید و کون البینتین متعارضتین.

و یمکن التوجیه بوجه آخر و هو أن الحکم بالتنصیف فی قضیة الدار من جهة أن کل منهما یدعی النصف من الآخر و ینکره الأخیر فإن النصف الآخر تحت یده علی نحو المشاء فکل منهما اقام بینة علی ما یدعیه و أوجبت ذلک کون إنکار الآخر ذلک لغوا محضا فیکون النصف له من جهة البینة کما لا یخفی.

انتهی کلا منها الی الجمع بین المقومین و قلنا ان المشهور ذهبوا الیه و أن مقتضی الجمع بین البینتین هو الأخذ بالنصف إذا کانت البینة اثنان و بالثلث إذا کانت ثلاثة و هکذا و قلنا أنه لا وجه لهذا الوجه لأنه إذا کان من جهة الجمع بین الدلیلین کما ذهب الیه الشیخ الطوسی و ذکر أن الجمع بین الدلیلین مهما أمکن أولی من الطرح کما أن هذا یظهر من أول کلام المصنف و هو الذی ذکره المصنف فی التعادل و التراجیح من الرسائل.

و أشکل علیه بأنه لا وجه للجمع بین الدلیلین بذلک حیث انه طرح لهما و هو مخالفة قطعیة الا ان یکون هنا قرینة علی ذلک کما إذا أورد من شخص واحد أو من فی حکم شخص واحد و ان کان المراد من ذلک هو قاعدة العدل و الانصاف و الجمع بین الحقوق کما یظهر ذلک من ذیل کلامه و هو و ان کان متینا لقیام السیرة القطعیة علیه فی الحقوق المالیة،بل ورد علیه الخبر فی الودعی فإن العرف قاض بجواز بذل مقدار من المال مقدمة للعلم بوصول مقدار منه الی صاحبه نظیر المقدمات الوجودیة کبذل مقدار من المال لإیصال مقدار الآخر الی صاحبه و هو حسن و لکن لا ربط له بالمقام حیث ان فی المقام لیس حق مالی و انما الأرش یثبت بالمطالبة و لا شبهة أنه لم یثبت بالمطالبة إلاّ ما هو المتیقن و أما الزائد فلا،کما هو واضح.

ص:291

بل ذکرنا أن اختلاف المقومین فی الزیادة و النقصان مثل اختلافهم فی أصل ثبوت الأرش و عدمه لأن الأقل متیقن و الأکثر مشکوک فیکون الأکثر مثل أصل ثبوت الأرش من الأول کما هو واضح.

و اما قضیة الحکم بتنصیف الدار فقد عرفت أنه من جهة الید أو من جهة قیام البینة علی کون کل من النصفین لکل منهما کما هو واضح.

و أما الرجوع الی القرعة فلا وجه له أیضا،لأن الأدلة العامة للقرعة الدالة علی انها لکل أمر مشتبه لا یمکن الرجوع إلیها و الا فیلزم أن لا یرجع الی شیء من الأصول و الامارات لوجود الشک فی مواردها.

و أما الأدلة الخاصة التی ذکرها السید الدالة علی جریانها فی بعض الموارد فهی خارجة عن المقام لأن الظاهر أنها مختصة بصورة التداعی فإن الإمام علیه السلام حکم فیما تداعیا اثنان و أقام کل منهما بیّنة علی ما یدعیه انه یرجع الی القرعة و کل من خرجت القرعة علی اسمه یحلف و یحکه له فیعلم من ذلک أن القرعة فی مورد التداعی،و أما المقام فلیس بمورد التداعی أصلا کما عرفت فی أول المسألة،بل ربما یعترف کل من البائع و المشتری بأنه لا یدری أن التفاوت بأی مقدار و علیه فکیف یرجع الی القرعة کما هو واضح.

و أما الحکم بأن الحاکم یکون مخیّرا بین الأخذ بأی البینتین شاء فهو أیضا بلا وجه بداهة أنا ذکرنا فی التعادل و الترجیح أنه لا أساس للقول بالتخیر فی باب تعارض الدلیلین أصلا،و علی تقدیر جوازه فإنما یجوز ذلک فی تعارض الروایتین و أما فی تعارض مطلق الدلیلین فلا کتعارض البینة مع البینة و الظاهر مع الظاهر،و الأصل مع الأصل و هکذا.

و أما الرجوع الی بیّنة الأکثر فهو أیضا بلا وجه،لأنه إنما یجوز ذلک فیما إذا کانت بینة الأقل لا یعلم بالزائد،بأن یقول ان المتیقن أن قیمة هذا الشیء هذا المقدار علی الیقین،و بیّنة الأکثر تدعی العلم بان قیمته هذا

ص:292

المقدار الکثیر.

و ح فلا تعارض بین البینتین فان بینة من یدعی الأقل جاهل بالقیمة الزائد عن المقدار القلیل و أنه یدعی القیمة القلیلة من باب القدر المتیقن و هذا بخلاف بینة من یدعی الأکثر فإنه یدعی العلم بکون قیمة هذا الشیء هو هذا المقدار کما هو واضح.

و أما إذا ادعت بینة کل منهما العلم بأن قیمة هذا الشیء هذا المقدار لا أکثر و لا أزید.

و ح لا شبهة فی تعارض البینتین قطعا فلا مرجع للرجوع الی بینة الأکثر بدعوی أن بیّنة الأقل لا یعلم الجزء الزائد کما هو واضح.

و أما الأخذ ببینة الأقل من جهة تعاضدها بالأصل فلا وجه له أیضا لما ذکره المصنف من أن الأصل انما یکون دلیلا إذا لم یکن هنا دلیل لفظی، و الاّ فلا یکون الأصل دلیلا و لا مرجحا کما هو واضح.

و قد حقق ذلک فی علم الأصول فی بحث التعادل و التراجیح.إذا فالمقام من موارد تعارض الدلیلین و تساقطهما فلا بدّ من الرجوع الی الأصول العملیة فإنا ذکرنا فی مورده أن القاعدة الکلیة و الکبری الکلیة فی تعارض الدلیلین هو الحکم بالتساقط و الرجوع الی الأصول العملیة و کذلک المقام کما لا یخفی فإنه من صغریات تلک الکبری و أما الرجوع الی الصلح بان یکونا ملزمین علیه،فلا دلیل علیه،الاّ ان یختار المتبایعان ذلک باختیارهما و علیه فلو ألزما علیه کان الصلح باطلا من جهة کونه إکراهیا کما لا یخفی.

ثم انه علی تقدیر العمل بالجمع بین البینتین فما ذا هو طریق الجمع ذکر المشهور فی طریقه أنه أخذت قیمة واحدة متساویة النسبة إلی الجمیع أی منتزعة منه نسبتها إلیه بالسویة فمن القیمتین یؤخذ نصفهما و من الثلث ثلثها و من الخمس خمسها و هکذا و ضابطه أنه تؤخذ قیمة واحدة منتزعة

ص:293

من المجموع نسبتها إلیه کنسبة الواحد الی عدد ذلک القیم و الوجه فی أخذه کک،أن الترجیح بلا مرجح باطلا فلا بدّ و أن یفعل هکذا أن یجمع القیم الصحیحة علی حدة و المعیبة کک و ینسب إحداهما إلی الأخری و یؤخذ بتلک النسبة من غیر فرق بین أن یکون اختلاف المقومین فی قیمته صحیحا و معیبا أو فی أحدهما.

و توضیح ذلک أنه یؤخذ من القیمتین الصحیح نصفهما و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما،و هکذا فی المعیب،ثم یلاحظ النسبة بین المأخوذ للصحیح و المأخوذ للمعیب و یؤخذ بتلک النسبة مثلا إذا کان إحدی قیمتی الصحیح اثنی عشر و الأخری ستة و إحدی قیمتی المعیب أربعة و الأخری اثنتین أخذ من کلتا قیمتی الصحیح و کلتا قیمتی المعیب النصف أعنی التسعة من قیمتی الصحیح و الثلاثة من قیمتی المعیب فیکون التفاوت بین قیمتی المعیب و قیمتی الصحیح بالثلثین فیکون الأرش ثلثی الثمن فیرد من أصل ثمن المبیع ثلثاه کما هو واضح.

و یمکن ملاحظة مجموع قیمتی الصحیح بالنسبة إلی مجموع قیمتی المعیب و أخذ نصف ما به التفاوت فأن التفاوت بین قیمتی الصحیح و قیمتی المعیب هو الستة فی المثال المذکور و نصفها الثلاث و هکذا فیما إذا کان المقوم ثلاثة أو أربعة کما هو واضح.

مثلا إذا قومه إحداهما باثنی عشر و الأخری بثمانیة أخذ فی نصف الأربعة بقول المثبت و فی نصفها الأخر بقول النافی جمعا بین حقی البائع و المشتری.

و الی هذا یرجع أیضا تنصیف ما به التفاوت بین قیمتی الصحیح أو قیمتی المعیب بأن تعمل نصفه بقول المثبت للزیادة و فی النصف الأخر بقول النافی فإذا قومه إحداهما صحیحا باثنی عشر و الأخر صحیحا بثمانیة أخذ فی

ص:294

نصف الأربعة بقول المثبت و فی نصفها الأخر بقول النافی و کک فی طرف المعیب و هکذا فی المثال المتقدم.

ثم انه قد اعرض الشهید(ره)عن طریقة المشهور من جهة عدم الدلیل علی أخذ القیمة الانتزاعیة و سلک مسلکا آخر و هو الأخذ بنفس النسبة بین قیمة کل معیب الی صحیحها و یجمع قدر النسبة و یؤخذ من المجتمع نسبتها بأن یرجع الی البیّنة فی مقدار التفاوت فقط،و یجمع بین البینات فیه من غیر ملاحظة القیم فإذا قومه إحداهما صحیحا باثنی عشر و معیبا بثمانیة و قومه الأخری صحیحا بالعشرة و معیبا بثمانیة فمقدار التفاوت بین الصحیح و المعیب فی القیمة الاولی هو الثلث و فی الثانیة هو الخمس.

ثم انه قد یتحد طریق الشهید مع طریق المشهور و قد یختلف و انما لم نفصل لأنا لم نساعد الشیخ و المشهور فی المبنی.

قوله:القول فی الشروط التی یقع علیها العقد.

أقول:ذکر المصنف أن للشرط فی العرف معنیان الأول المعنی الحدثی و المصدری أعنی الالتزام،و الإلزام و الشرط بهذا المعنی مصدری یصحّ ان یشتق منه المشتقات فیقال شرط شرط و هو شارط و ذلک الأمر مشروط و فلان مشروط له أو مشروط علیه ففی القاموس أنه التزام الشیء و إلزامه فی البیع و غیره ثم ذکر ان ظاهر کلام القاموس هو أن استعمال الشرط فی الإلزامات الابتدائیة من قبیل المجاز دون الحقیقة.

ثم أشکل علیه بأنه فاسد و لعل صاحب القاموس لم یطلع علی موارد استعمال کلمة الشرط و ما اشتق منها فی الإلزامات الابتدائیة مع أنه کثیر کقوله علیه السلام فی حکایة بیع بریرة ان قضاء اللّه أحق و شرط أوثق و الولاء لمن أعتق و کقول علی علیه السلام فی الردّ علی مشترط عدم التزویج بامرأة أخری فی النکاح ان شرط اللّه قبل شرط کم و قوله علیه السلام:ما

ص:295

الشرط فی الحیوان؟قال:ثلاثة أیام للمشتری،قلت:و فی غیره؟قال:هما بالخیار حتی یفترقا و أیضا قد أطلق الشرط علی العهد و النذر و الوعد فی بعض أخبار النکاح و قد اعترف فی الحدائق بأن إطلاق الشرط علی البیع کثیر فی الأخبار.

و توهم أن الاستعمال فی الموارد المذکورة علی نحو المجاز توهم فاسد لکونه علی خلاف الظاهر و محتاجا إلی القرینة علی أن الامام علیه السلام استدلا بقوله علیه السلام المؤمنون عند شروطهم علی العهد و النذر فی بعض أخبار النکاح و یضاف الی ذلک أنه لا حجیة فی قول القاموس مع تفرده بالنقل و کون الاستعمالات علی خلافه.

و علی الجملة فلا شبهة فی أن هذا المعنی للشرط معنی عرفی و هو الالتزام و قد یطلق علی الملتزم به مجازا فیطلق الشرط و یراد منه المشروط کالخلق بمعنی المخلوق و ح فیراد منه ما یلزمه الإنسان علی نفسه.

المعنی الثانی من المعانی العرفیة ما یلزم من عدمه عدم المشروط من دون أن یلاحظ ناحیة الوجود بأنه یلزم من وجوده الوجود أو لا یلزم فیکون المراد من الشرط بهذا المعنی فی نظر العرف ما یکون دخیلا فی تحقق الشیء و وجوده فی الخارج و لا ریب أن الشرط بهذا المعنی من الجوامد فلا یصح اشتقاق المشتقات منه لعدم کونه مصدرا و لا أنه فعل لأحد و علی هذا فاشتقاق المشروط منه و کک الشارط و نحوهما لیس علی الأصل و القاعدة و لذا لیسا أی الشارط و المشروط بمتضایفین فی الفعل و الانفعال بل الشارط هو بمعنی الجاعل و المشروط هو الذی جعل له الشرط کالمسبب بالکسر و الفتح المشتقین من السبب الذی هو اسم جامد،و الحاصل:أن الشرط بمعنی الثانی نظیر الأمر بمعنی الشیء الذی لا یصح أن یشتق منه شیء،و الشرط بالمعنی الأول نظیر الأمر بمعنی الطلب الذی یصح الاشتقاق منه.

ص:296

ثم ذکر أن للشرط معنیین آخرین اصطلاحین،أحدهما ما وقع علیه اصطلاح النحاة من أن الشرط هی الجملة الواقعة عقیب أدوات الشرط.

و ثانیهما:ما استقر علیه اصطلاح أهل المعقول و الأصول من أن الشرط ما یلزم من عدمه عدم المشروط و لا یلزم من وجوده الوجود،و هذا المعنی الثانی الاصطلاحی أخص من المعنی الثانی العرفی،فإنه أی المعنی الثانی العرفی أعم منه فان لک قد عرفت أنه ما یلزم من عدمه العدم و لکن طرف الوجود مسکوت عنه فإنه قد یلزم من وجوده الوجود فیشمل السبب و قد لا یلزم فیشمل هذا المعنی الثانی الاصطلاحی کما هو واضح لا یخفی فافهم.

ثم ذکر أن فی الاخبار عن الشرط بثلاثة أیام فی أخبار خیار الحیوان مسامحة واضحة لعدم کون ثلاثة أیام شرطا فعلیة فلا بدّ من توجیه ذلک بتقدیر المضاف بأن یکون المراد شرط ثلاثة أیام لیکون الشرط بمعنی خیار کما صرح بکون الشرط بمعنی الخیار المصنف فی ذیل کلامه.

و علیه فیکون ذلک مثل ما ورد فی بعض اخبار خیار الحیوان أن فی الحیوان کله شرط ثلاثة أیام،و لا یحتاج هذا التعبیر الی التوجیه کما توهّم بعض المحشین من کلام المصنف(و لا یخفی توقفه علی التوجیه)بل هو قید لما قبل کلمة النعم أعنی الأخبار المشتملة علی الاخبار عن الشرط بثلاثة أیام.

و کیف کان فالشرط فی هذه الاخبار اما بمعنی ما قرره الشارع و ألزمه المتبایعین أو أحدهما من التسلط علی الفسخ فیکون مصدرا بمعنی المفعول فیکون المراد به نفس الخیار المحدود من الشارع أو یراد به الحاکم الشرعی المقرر و هو ثبوت الخیار.

أقول:الظاهر أن الشرط فی جمیع الموارد قد استعمل بمعنی واحد و هو الربط و الارتباط و الإناطة و لیس له معنی عرفی و معنی اصطلاحی بل جمیعها یرجع الی معنی واحد و إذا لاحظنا جمیع موارد الشرط نری کونه

ص:297

مربوطا بشیء واحد و منوطا به و هذا الإناطة قد تکون أمرا تکونیّا کالشروط التکوینیة کتقید المعلول بعلیة فإن المعلول مشروط وجوده بوجود کل جزء من أجزاء علته و بوجود مجموع اجزاء علته فوجود العلة شرط لوجود معلولها تکوینا و قد تکون أمرا شرعیا و اناطة جعلیّا کالشروط الجعلیة فی العقد،و من ذلک شروط الصلاة و بقیة العبادات و غیرها التی جعلها الشارع شرطا.

و قد ذکرنا فی مقدمة الواجب من علم الأصول أن فی موارد الشروط الشرعیة أن التوقف أیضا عقلی غایة الأمر أن المنشأ أمر مجعول،مثلا توقف الصلاة علی الطهارة أمر تکوینی بعد جعل الطهارة دخیلا فی الصلاة و هکذا فی بقیة موارد الشروط الشرعیة.

نعم،فی المعاملات الشروط جعلیة محضة و هی الربط و هذا الربط بنفسه مجعول.

و بعبارة أخری أن الشرط قد یکون أمرا تکوینا کتوقف المعلول علی العلة و قد یکون أمرا شرعیا کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة،و علی کل تقدیر فالتوقف عقلی،و انما المنشأ شرعی،و قد یکون جعلیّا محضا کالشروط فی المعاملات فإنها عبارة عن الإناطة المحضة و هی مجعولة للجاعل.

ثم ان هذا المعنی الوحدانی یشمل الشروط الابتدائیة أیضا لوجود الإناطة فیها،فان الشرط قد أطلق علی النذر و الیمین،و کذا علی البیع علی ما اعترف به صاحب الحدائق مع أنها لیست فی ضمنه عقد آخر لکی لا تکون شروطا ابتدائیا،بل جمیع الشروط التکوینیة شروط ابتدائیة کالعلة و أجزاءها بالنسبة إلی المعلول،و علی هذا فلا بأس بإطلاق الشرط علی الشروط الابتدائیة کما ذکره المصنف،و لکن لا شهادة فیما ذکره من موارد الاستعمال علی هذا الدعوی.

أما قوله قضاء اللّه أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق،فلعل إطلاق

ص:298

الشرط هنا من جهة المقابلة حیث ان السائل قد شرط عدم کون الولاء لمن أعتق فمقابلة لذلک أطلق الإمام علیه السلام الشرط علی ذلک کما أن المقابلة فی التعبیر فی غیر هذه الموارد أیضا کثیرة کقوله تعالی تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِکَ ،حیث أطلق النفس علی اللّه تعالی مقابلة لإطلاقها علی نفسه و من هنا ظهر ما فی قوله علیه السلام شرط اللّه قبل شرطکم،و أما إطلاق الشرط علی الخیار فی قولهم فی أخبار خیار الحیوان فمن جهة أن العقد منوط بالخیار و محدود به،فلا یکون الشرط ابتدائیا، بل فی ضمن عقد البیع.

ثم ان مرجع هذا المعنی من الشرط فی مقام التحلیل إلی أمرین:

الأول أن یکون نفس الالتزام معلقا بشیء کأن یبیع مثلا علی تقدیر تحقق أمر فلانی،بأن باع عبدا بشرط أن یلتزم المشتری بإعطائه للعالم الفلانی و بحیث أصل الالتزام مربوطا بشیء آخر بمعنی أنه لا یبیع مع عدم هذا الالتزام من المشتری،و لا یضرّ التعلیق هنا لکونه واقعا علی أمر حاصل و انما یضرّ التعلیق إذا کان بأمر استقبالی غیر حاضر کما هو واضح.

و من هذا القبیل الشروط الواقعة فی العقد اللازمة التی لا یجری فیها الخیار کالنکاح،فان معنی الاشتراط فیه هو أن الالتزام بالنکاح علی تقدیر التزام المشروط علیه بالشرط المعلوم،و الاّ فلا یلزم و یکون بذلک مندرجا تحت عموم الوفاء بالعقد،و أما إذا لم یف المشروط علیه بالشرط فلا یثبت للمشروط له ح خیار بذلک،بل لعدم جریان الخیار فی النکاح،بل یلزم فی الحکومة بالوفاء به،و قد ذکرنا فی بحث التعلیق أن هذا لا یضر بالعقد،نعم إذا کان ذلک فی مثل البیع و نحوه مما یجری فیه الخیار فیثبت للمشروط له خیار علی تقدیر عدم الوفاء بما التزم به،فتکون نتیجة الاشتراط أمران کما هو واضح.

ص:299

المعنی الثانی هو أن یکون التزام أحد المتعاقدین بالعقد معلقا علی شیء خاص لا أصل الالتزام بالعقد کما إذا باع أحد متاعا،و الشرط فی ضمن العقد صفة خاصة أی کونه علی وصف خاص أو فعلا بأن یشترط علیه خیاطة ثوب،و قد ذکرنا سابقا أنه لا معنی لاشتراط شیء فی العقد، الاّ التعلیق،أو ثبوت الخیار للمشروط له علی تقدیر التخلف،و حیث لا معنی للأول فیکون معنی الاشتراط هو الثانی.

و قد تحصل مما ذکرنا أن الشرط فی ضمن المعاملات قد یکون بإناطة العقد بفعل کبیع شیء علی تقدیر التزام المشتری ببیعه من شخص آخر أو بفعل آخر اختیاری من الخیاطة و نحوها فإن أصل البیع متوقف علی هذا الالتزام و قد ذکرنا أن التعلیق لا یضرّ فی مثل ذلک لکونه علی أمر متحقق الحصول.

ثم ان المشروط علیه ان و فی بشرطه فهو،و الاّ یثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط و فی الحقیقة أن شرطه هذا منحل الی شرطین أحدهما الالتزام بالفعل الخاص فعلی تقدیر عدم الالتزام لا یحصل البیع أصلا،و الثانی ثبوت الخیار علی تقدیر التخلف و ان کان تحقق الشرط الثانی فی بعض الموارد من العقود أی عقد یجری فیه الخیار و قد یکون باطنة بالأوصاف کأن یبیع العبد بشرط کونه کاتبا أو یبیع العبد بشرط کونه خیاطا و هکذا و قد ذکرنا فی البحث عن خیار الشرط أن الالتزام بأوصاف المبیع لا معنی له الاّ ثبوت الخیار للمشروط له علی تقدیر التخلف فإذا تخلف الوصف ثبت له خیار،و له أن یبقی العقد علی حاله أو یفسخ.

قوله:الکلام فی شروط صحة الشرط.
اشارة

أقول:

من جملة تلک الشروط أن یکون الشرط تحت الخیار المشروط

علیه،

و الاّ فلا یصح الشرط سواء کان صفة لا یقدر العاقد علیه التسلیم

ص:300

بدونها أو کان عملا لا یقدر بإیجاده کأن یبیع داره و اشترط علی المشتری بیعها من عمرو مع أن شراء عمرو إیاها لیس تحت اختیار المشتری أو یشتری منه زراعة و اشترط علیه کون سنبلا أو کان هند زوجة له أو کون زوجة للمشتری مطلقة مع أن الطلاق و الزواج لا یتحققان بغیر سبب عیّنه الشارع و لا بدون اختیار من بیده الطلاق و من بیده أمر النکاح و هکذا من الافعال الغیر الاختیاریة للمشروط علیه و الجامع هو ذلک أی کون الشرط غیر اختیاری للمشروط علیه.

و قد استدل علی بطلان هذا النحو من الشرط و کونه من صغریات الشرط الفاسد بوجوه منها الإجماع و الثانی أن هذا النحو من الشرط غرر فیوجب بطلان البیع للنهی عن بیع الغرر،إذا کما لا بدّ و أن یکون المتبایعین عالما بالعوضین لئلاّ یکون البیع غرریا من ناحیتهما و کذلک لا بدّ و أن یکونا عالمین بالشروط المعتبرة فیه.

و الثالث:أن هذا الشرط لیس مقدور التسلیم للمشروط علیه فإنه کما یعتبر أن یکون المبیع و الثمن مقدور التسلیم و کذلک یعتبر أن یکون الشرط أیضا کک.

و الرابع:ما ذکره شیخنا الأستاذ و اعتمد علیه،و هو أن المشروط علیه لا بدّ و أن یکون مالکا لما یشترط علیه،و الاّ فیکون ذلک مثل بیع ما لا یملک و قد ذکر فی الفلسفة أن فاقد الشیء لا یکون معطیا له کما هو واضح.

أقول:أما الشرط بالمعنی الأول و هو تعلیق العقد بالعفل کتعلیقه علی التزام المشتری مثلا،لا من جهة أن شرط أمر غیر اختیاری موجب للبطلان،بل من جهة أن الالتزام لا یتعلق بأمر غیر اختیاری کما هو واضح.

بل لا یصدر اشتراط التزام الطرف بأمر غیر اختیاری من شخص عاقل أصلا،إلاّ إذا کان غافلا عن کونه غیر مقدور ففی هذه الصورة نتکلم فی ذلک

ص:301

و أما الشرط بالمعنی الثانی بأن یکون معنی اشتراط أمر غیر اختیاری هو ثبوت الخیار علی تقدیر عدم حصول ذلک الأمر کما فی اشتراط الأوصاف فأی دلیل یقتضی بطلان ذلک،أما الإجماع فلا نظن بوجوده،بل نطمئن بعدم حصوله،و لذا خالف فی ذلک الشیخ و القاضی علی ما ذکره المصنف فی المتن و علی تقدیر تحققه فلا نظن أن یکون مستنده رأی المعصوم(علیه السلام) بل یحتمل أن یکون مستنده تلک الوجوه المذکورة فی المقام.

و أما توهم کون هذا الشرط غرریا و موجبا لبطلان المعاملة فهو أیضا واضح الدفع لما ذکرناه فی بحث الغرر أن معناه هو الخطر و الهلاکة فإذا کان مرجع اشتراط أم غیر اختیاری هو جعل الخیار للمشروط له علی تقدیر عدم الحصول فأی خطر فی ذلک،فإنه إذا حصل الشرط لزم البیع و الاّ کان المشروط له بالخیار فأی غرر هنا و أیّ هلاکة مال أو شیء آخر فی المقام، علی أنه لو کان هذا غرریا فأی فرق بین هذا و بین اشتراط الوصف،فإن الثانی أیضا غرری لجهل المتبایعین بالشرط أو جهل الشارط به فیکون غرریا مع أنه لم یقل أحد بالبطلان هنا من جهة الغرر و قد أبدی المصنف الفرق بینهما بأنه للإجماع،و فیه أنه غیر محتمل أصلا بحیث یکون هنا إجماع یکون بعض افراد الغرر موجبا للبطلان دون بعض و أعجب من ذلک،أنه ذکر أن بناء المتعاقدین بالوصف فی اشتراطه یخرج المعاملة عن الغرریة.

و فیه أولا أن البناء أمر قلبی و الغرر عبارة عن الخطر و هو أمر نفسانی اعنی التردد و الحیرة فلا یرتفع بالأمر قلبی لعدم کونه من أفعال القلوب علی أنه لو کان البناء موجبا لرفع الغرر و کیف لا یلتزمون بکونه رافعا للغرر فی المقام أیضا بأن یبنون علی حصول ذلک الأمر فیکون ذلک موجبا لارتفاع الغرر کما لا یخفی.

و أما عدم القدرة علی التسلیم فهو لیس شرطا آخر وراء اعتبار عدم الغرر

ص:302

فإنها شرط واحد و سببه الجهل علی أنه انما یفید إذا کان الشرط، بمعنی الأول.أعنی تعلیق العقد علی الفعل،کالالتزام و نحوه،و أما فی المقام فأی فائدة لکون الشرط مقدور التسلیم فإنک قد عرفت أن مرجع هذا النحو من الاشتراط الی جعل الخیار علی تقدیر عدم الحصول کما إذا باع الزرع و شرط فیه کونه سنبلا بمشیة اللّه و الاّ فیکون له الخیار کما هو واضح، و من هنا ظهر أنه لا وجه لما ذکره شیخنا الأستاذ من اشتراط مالکیة المشروط علیه بالشرط،و الاّ یکون ذلک مثل بیع ما لا یملک،و من هنا ظهر الحال ما فی الفرع المعروف من أنه لو باع متاعه کالدار مثلا من زید و اشترط بیعه من عمرو فإنه لا شبهة فی صحة هذا البیع و یترتب علیه الخیار علی تقدیر عدم البیع و تخلف الشرط کما هو واضح.

و حاصل الکلام:أن الشروط التی یجب الوفاء بها ذکروا فیها شروطا منها أن یکون الشرط مقدورا و قد عرفت أنه استدل علیه بوجوه کالنهی عن الغرر و لزوم القدرة علی التسلیم،و قد یکون الاشتراط فرع کون المشروط علیه قادرا علیه و مالکا له کما ذکره شیخنا الأستاذ،و قد عرفت أنه لا یرجع شیء من ذلک الی محصّل و ذکرنا جملة من الکلام الذی یرجع الی ما نحن فیه.

و تحقیق البحث هنا أن الشرط تارة یکون شرط فعل و أخری شرط صفة.

أما الأول:فقد یکون شرطا لفعل نفس أحد المتعاقدین.

و أخری:شرطا لفعل شخص أجنبی عنهما.

أما الأول:و لو کان امتناعه قیاسیّا کالطیران الی السماء و نحو ذلک مما یکون محالا بالنسبة إلیه،فیکون معنی الشرط هو التزام المشروط علیه بالشرط و علیه فلا معنی لاشتراط أحد المتعاقدین علی الآخر أن یلتزم بغیر مقدور بأن یبیع ماله و یشترط علیه أن یلتزم بأمر غیر مقدور فان هذا لا یصدر

ص:303

من عاقل أصلا.

نعم،لو وقع و لم یکن الشارط ملتفتا یکون الشرط أی ما یتعلق به الالتزام من المستحیلات،ثم انه إذا انکشف کونه من المستحیلات فهل یکون هذا أیضا داخلا تحت الشرط لغیر المقدور فیبطل من الأول،بناء علی بطلان الشرط الغیر المقدور أو یدخل تحت الشرط المتعذر،فالظاهر أن یلاحظ مدرک ذلک،فان کان مدرکه النهی عن البیع الغرری فلا شبهة فی عدم الغرر هنا،حیث ان الغرر علی ما عرفت عبارة عن الخطر و هو قائم بالتردد و الحیرة،و قد فرضنا ان المتبایعین لیسا کک،أی ملتفتین بکون الشرط غیر مقدورا حتی یکون ذلک غرریا،و ان کان مدرکه عدم القدرة علی التسلیم أو ما ذکره شیخنا الأستاذ من کون الشرط فرع کون المشروط علیه مالکا له فلا،بل یحکم بالبطلان و لکن قد عرفت عدم صحة شیء من ذلک.

و سنبین الحق کما أشرنا إلیه سابقا،من کون هو الارتباط و أما إذا کان الشرط متعذرا فی آخر الوقت بعد ما کان مقدورا فی الابتداء،فعل یکون هذا من صغریات الشرط الغیر المقدور أو یکون من مصادیق الشرط المتعذر فلا یوجب فساد العقد فالحق المتعین هو الثانی،لأنه لا معنی لبطلان البیع بتعذر الشرط بعد ما کان صحیحا و الشرط مقدورا و ان قلنا ببطلان البیع بکون الشرط غیر مقدور من الأول.

و أما إذا کان الشرط شرط فعل شخص آخر کأن یبیع و یشترط المشتری علی البائع کون الزرع سنبلا أو البسر تمرا أو غیر ذلک،فإنه ح لا شبهة فی صحة البیع فان معنی الاشتراط هنا لیس هو توقف العقد علی التزام الطرف بالشیء الخارجی،کما کان کک فی القسم الأول،بل معناه هو توقف التزام المشروط له بالعقد و الوقوف علیه و عدم فسخه متوقف علی حصول الفعل الفلانی و صدوره عن شخص فلانی،و إذا لم یصدر الفعل من

ص:304

شخص فلانی ثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط فمرجع هذا النحو من الاشتراط هو جعل الخیار حتی ما لو صرح المتعاقدین باشتراط الإیجاب و القبول کلیهما بحیث یعلم کون الشرط غیر مقدور من حیث الشراء أی یکون بیع المشتری فعلا اختیاریا و لکن شراء شخص آخر منه لیس اختیاریا له کما هو واضح،و علی هذا فلا شبهة فی العقد بل یجوز أن یشترط فیه الفعل الغیر الاختیاری أیضا،کموت زید و سقوط الحجر من شاهق و نحو ذلک فان معنی جمیع ذلک لیس الا جعل الخیار و محدودیة العقد کما هو واضح.

و لعل هذا مراد العلامة فیما إذا باع احد ماله و اشترط بیعه من شخص آخر،بل هو الظاهر حیث التزم بثبوت الخیار علی تقدیر عدم تحقق الفعل،و لم یحکم بالبطلان و مع مخالفة العلامة کیف یسوغ لأحد أن یدعی الإجماع فی المقام علی البطلان و قد عرفت مخالفة الشیخ و القاضی.

نعم،هو احتمل اللزوم حیث ذکر أن الشارط انما یبیع و یشترط علی المشتری بیعه من شخص خاص،انما یشترط هذا علی تقدیر قبول ذلک الشخص الأجنبی الاشتراء،و إذا لم یقبل فیکون البیع لازما و هذا الذی ذکره العلامة أیضا صحیح،و لکنه خارج عن المقام،فان کلامنا فی الشرط الغیر المقدور و ما ذکره العلامة مقدور حیث ان بیع المبیع من شخص أجنبی علی تقدیر قبوله مقدور للمشتری فلا یکون من صغریات الشرط الغیر المقدور کما هو واضح.

هذا کله فی شرط الفعل لأحد المتعاقدین للأجنبی ثم انه إذا علق العقد علی فعل الأجنبی فلا شبهة فی ثبوت الخیار للمشروط له علی تقدیر التخلف کما عرفت الشرط،و إذ فعل الأجنبی من غیر أن یتوقف علیه لزوم العقد و لا أصله فقبل الأجنبی هذا الاشتراط کما یقع ذلک فی العرف کثیرا حیث لا یقبل المشتری و یقبل الأجنبی کما إذا باع داره و اشترط إعطاء

ص:305

درهم للفقیر فلم یقبله المشتری،و لکن یقول الأجنبی هو علیّ،فهل یکون هذا الشرط واجب الوفاء علیه و یشمله عموم المؤمنون عند شروطهم أو لا یشمله لکونه وعدا محضا،فسیأتی الکلام فیه فی الشروط الاتیة من أن أشرط الذی لا یتوقف علیه لزوم العقد و لا أصله،هل هو واجب الوفاء أم لا،و أما إذا لم یقبله المشتری،بل لم یکن حاضرا أصلا فیکون عقد لازما فلا یکون للمشروط له خیار أیضا.

و الحاصل:أنه إذا علق أحد المتبایعین العقد علی فعل الأجنبی فلم یقبله کان باطلا،و إذا قبله و عمل به فهو واضح،و الا کان للمشروط له خیار تخلف الشرط،ثم انه فی فرض قبول الأجنبی الشرط هل یکون ذلک واجب الوفاء علیه أو لا،بل یکون من صغریات الوعد فلا یجب الوفاء سیأتی الکلام فیه فی خلال الشروط الآتیة.

و أما شرط النتیجة،بأن یبیع زید داره و یشترط علی المشتری کونه وکیلا فی بیع داره أو تزویجه أو شیء آخر أو یشترط علیه کون داره الفلانیة ملکا للبائع أو غیر ذلک من شروط النتیجة فإن ذلک کله لا شبهة فیه و خارج عن المقام أعنی اشتراط غیر المقدور فإنه بمجرّد هذا الاشتراط قد تحصل النتیجة جزما فان معنی الوکالة هو اعتبار الغیر وکیلا و إبرازه بمبرز من المبرزات و کذلک بقیة العقود و من الواضح أن البائع إذا اعتبر فی ضمن بیع متاعه من عمرو و کون عمرو وکیلا فی بیع داره أو کون داره الفلانیة له و أظهره بقوله بعت متاعی بهذا الشرط و قبله المشتری،فقد تحصل الوکالة و تکون دار المشتری ملکا للبائع بنفس هذا الإبراز و الإظهار کما هو واضح.

و أما اشتراط کون زوجة المشتری بائنة أو کون بنته زوجة له أو غیر ذلک من الأفعال التی کانت لها أسباب معینة عند الشارع فغیر مربوط بالمقام فان عدم حصول ذلک من جهة أن الشارع قد جعل لها أسبابا خاصة فلا

ص:306

تحصل بغیرها و قد ورد فی الروایات أن الطلاق لیس الا أن یقول الزوج لزوجة أنت طالق علی(عند)شهود و علی هذا فکیف یحصل بمجرد الاشتراط فی ضمن العقد بدون هذا السبب.

و أما شرط الصفة فقد ذکرنا مرارا أن معنی ذلک لیس الاّ اشتراط.

الخیار علی تقدیر عدم ذلک الوصف إذا لا معنی للالتزام بالوصف الاّ هذا.

و توهم أن عدم الغرر هنا من جهة البناء کما علیه المصنف عجیب کما عرفت مضافا علی ما تقدم أن هذا البناء یمکن أن یکون تشریعا بناء کاذبا فان اشتراط الوصف الفعلی لیس الاّ کاشتراط الوصف الاستقبالی،فکلها یرجع الی جعل الخیار کما هو واضح.

و توهم أن الشرط فی الأول غیر مقدور هو فاسد للوجوه المتقدمة توهم فاسد،فان کون فعل الغیر غیر مقدور لا یخلّ بهذه الجهة و هو شرط الخیار لما ذکرنا أن المرجع فی ذلک کلّه الی شرط الخیار کما لا یخفی،فافهم.

و الوجه فی ذلک کلّه هو ما ذکرناه فی معنی الشرط من أنه عبارة عن الربط و الارتباط و الإناطة،فإذا کان ذلک فی ضمن العقد فقد یکون العقد معلقا علی شیء و قد یکون الالتزام به معلقا علی شیء،و فی الثانی لا یفرق بین أن یکون ذلک الشیء المعلّق علیه امرا اختیاریا أولا فإنه علی کل تقدیر فالاناطة موجودة فإذا حصل و تحقق الشرط فهو،و الاّ حکم بکون المشروط له ذی خیار کما لا یخفی.

و توهم أن الإجماع قائم علی البطلان فاسد لما عرفت من عدم الإجماع هنا کما هو واضح.

قد عرفت ان شرط الفعل انما یجوز إذا کان مقدورا من حیث متعلقة فلو شرط الالتزام بشیء محال و لو کان محالا قیاسیّا کالطیران الی السماء

ص:307

لا ینفذ هذا الشرط،بل لا یشترط هذا الشرط عاقل فإنه بعد علمه بعدم تمکن المشروط علیه من ذلک فیکون هذا الاشتراط لغوا محضا.

نعم،إذا لم یلتفت الشارط بکونه غیر مقدور،لا بأس باشتراطه ثم إذا انکشف أنه کان غیر مقدور فان کان الاشتراط راجعا الی نفس الالتزام بالغیر المقدور،ثم نکشف أنه غیر مقدور و قد غرّه المشروط علیه بذلک فیکون العقد باطلا کما إذا اشتری أحد عبدا و اشترط علی البائع کونه کاتبا و التزم البائع بذلک مع أنه لم یکن کاتبا فان هذا البیع یبطل حیث ان البیع المطلق ای بیع العبد علی أی نحو کان لم ینشأ و ما أنشأ أعنی البیع المقید فهو غیر واقع من الأول،فیکون باطلا،و أما إذا کان الشرط هو التزام الطرف لا بما هو واقع الالتزام بدون الإبراز بل یبرزه أیضا و ان کان فی إبرازه کاذبا،و انما غرضه الغش،فح فالشرط قد تحقق،و قد علق العقد بالتزامه و هو قد تحقق بحسب إبراز المشروط علیه،و صار العقد مقیدا به و حصته خاصة أی إنشاء الملکیة أی علی تقدیر الملکیة الخاصة کما تقدم سابقا فی معنی جعل الخیار من أن معناه إنشاء الملکیة الخاصة المحدودة و ح کان العقد صحیحا و لکن حیث کان الشرط متعذرا ثبت للمشروط له ح خیار تخلف الشرط،فلا یکون لهذا الشرط واقع بحسب البقاء لکونه لغوا فان الالتزام بغیر المقدور لغو و کذلک لو کان الشارط ملتفتا من الأول فإن هذا الاشتراط مع العلم بعدم القدرة علیه لغو،فلا معنی للالتزام به و لا یکون العقد خیاریا به،و هذا بخلاف صورة الجهل بکونه غیر مقدورا فان الالتزام من المشروط علیه یمکن هنا و لو من باب خدعة الشارط،و کک یصح الشرط من الشارط و علی کل تقدیر لا یمکن إلزام المشروط علیه بعد العلم بالحال و ان کان العقد خیاریا.

قوله الثانی:أن یکون الشرط سائغا فی نفسه.

ص:308

أقول:الظاهر أن غرضه من هذا الشرط هو ما تقتضیه القواعد حیث أن مقتضی القاعدة أن یکون الشرط سائغا و الاّ فلا یکون نافذا کالالتزام بالمحرم و ما لا ینفذ مخالف لمفهوم الشرط و هو الإناطة،فإن شرط غیر النافذ غیر مربوطا.

و أما بحسب الروایات فسیأتی الکلام فیه فإنها مطبقة علی أن کل شرط نافذ الاّ الشرط الذی خالف الکتاب و السنة و حرّم الحلال و حلّل الحرام فإنه غیر نافذ و علیه فالمقام من صغریات ذلک الشرط و هو الشرط الرابع فان مصادیقه أن یکون سائغا و غیر محرّم،و من صغریاته غیر ذلک فلا مجال لذکر هذا الشرط بالخصوص،و الاّ کان المناسب التعرض لجمیع مصادیق الشرط الرابع کما هو واضح.

قوله الثالث:أن یکون مما فیه غرض معتد به عند العقلاء نوعا،أو

بالنظر الی خصوص المشروط له.

أقول:حاصل کلام المصنف هنا أنه لا بدّ و أن یکون الشرط مما فیه غرض عقلائی و ما لا یکون فیه ذلک یکون فاسدا کاشتراط أن یکون الوزن و الکیل من افراد الکیل و الوزن المتعارفین،و الوجه فی ذلک أن مثل ذلک لا یعد حقا للمشروط له لیکون التصرف فیه حراما أو یتضرر المشروط له بعدم الوفاء به فیثبت له خیار أو یعتنی به الشارع و أوجب الوفاء به،کما هو واضح.

أقول:ان قلنا باعتبار المالیة فی أصل البیع علی ما تقدم فی محله اعتمادا علی ما عن المصباح من أنه مبادلة مال بمال،مع أنه لم نقبله هناک و التزمنا بأن بذل المال فی مقابل التراب أو الخنفساء مثلا لیس ببیع و لم نکشف بالأغراض الشخصیة،و لکن لا دلیل علی اعتبار وجود الأغراض العقلائیة فی الشروط أصلا،بل یصح اشتراط ما تعلق به الغرض الشخصی للشارط فإذا تخلف ثبت له الخیار و یؤید ذلک،بل یدل علیه أنه قد یتعلق الحلف و النذر بالفعل الذی یتعلق به غرض شخصی لا نوعی،فهل یتوهم

ص:309

أحد بطلان ذلک فنفرض المقام أیضا کذلک فیمکن أن یکون غرض الشارط إیقاع المشروط علیه فی الصعوبة و نحو ذلک من الأغراض الشخصیة.

و توهم کون ذلک سفهیة و موجبة للبطلان هذا توهم فاسد لعدم الدلیل علی بطلان المعاملة السفهیة و انما الدلیل علی بطلان معاملة السفیه،و علی تقدیر أنه ورد فی دلیل انه لا بدّ و أن یکون الشرط مما یتعلق به غرض عقلائی کما ورد أنه لا بد و ان لا یکون الشرط مخالفا للکتاب و السنة فأیضا لا یمکن أن یتمسک بقوله(علیه السلام)المؤمنون عند شروطهم عند الشک فی کون شرط خاص هل تعلق به غرض عقلائی أم لا،فان ذلک تمسک للعام فی الشبهة المصداقیة.ثم ذکر المصنف أنه لو شک فی تعلق غرض صحیح به حمل علیه و حمل علیه کلام العلامة فی التذکرة و هذا عجیب منه رحمة اللّه علیه،فإنه أولا لیس معنی حمل فعل المسلم علی الصحة إلاّ عدم معاملة الفعل الحرام مع الفاعل من دون أن یترتب علیه آثار الفعل الصحیح کمن تکلم بشیء فلا یدری أنه سب أو سلم،فمقتضی ضع فعل أخیک علی أحسنه نحمله علی الصحة و نقول أنه لم یسب و لکن لا یجب علیه ردّ السلام ای السامع بدعوی أنه سلم فیجب رده لاقتضاء الحمل علی الصحة.

علی أن الحمل علی الصحة انما هو فی مورد یکون طرف الاحتمال محرما لا لغوا،فان اللغو یصدر عن العقلاء،بل لا یخلو عاقل الاّ و یصدر الفعل اللغو کل یوم مرات عدیدة،و إذا خرق احد قرطاسا فهل یتوهم أن یحمل فعله هذا علی الصحة و یقال انه لیس بلغو بمقتضی حمل فعله علی الصحة و لیس کذلک و العجب منه رحمة اللّه علیه حیث حمل کلام العلامة أیضا علی رأیه مع أنه لیس فی کلامه فرض الشک،و انما هو ره حکم بصحة هذا الشرط الذی لم یکن فیه غرض عقلائی،و حکم بکون العقد خیاریا،و الظاهر أنه أراد ما ذکرناه من عدم الدلیل علی کون الشرط مما یتعلق به غرض عقلائی

ص:310

و لا یلبس الا الخز،ثم انه علی تقدیر ان یرد فی روایة أیضا أنه لا بدّ و ان یکون الشرط مما یتعلق به غرض عقلائی فأیضا لا یمکن الحکم بصحته فی مقام الشک لکونه تمسکا بالعام فی الشبهة المصداقیة و هو لا یجوز.

ثم ان المصنف(ره)ذکر بعض الشروط التی من صغریات الشرط التی لا تکون موردا للغرض العقلائی مثل ما إذا اشتری أحد عبدا کافرا و اشترط علی البائع کونه کافرا ففی صحته و فساده قولان،للشیخ و الحلی من تعلق الغرض المعتد به من جواز بیعه من المسلم و الکافر مع انه لو کان مسلما لم یجز بیعه من الکافر،و لاستغراق أوقاته بالخدمة،فإنه لو کان مسلما لا شغل مقدارا من أوقاته بالعبادات،و القول الآخر أنه یفسد هذا الشرط لأن الإسلام یعلو و لا یعلی علیه،و أن الأغراض الدنیویة لا تعارض الأغراض الأخرویة و لکن الظاهر هو الوجه الأول فإنه مع قطع النظر عن الأغراض المذکورة التی أغراض عقلائیة حکمنا بصحة الشروط التی لا یتعلق بها غرض عقلائی و کیف مع الأغراض المذکورة علی أن اشتری العبد لأجل هدایته من أهم الأغراض العقلائیة فإنه ورد أن هدایة شخص خیر من ملأ الأرض ذهبا الثانی یشبه بالتعلیلات المذکورة فی کتب العلامة و لا یصلح سندا للفتوی الخاصة المبنیة علی أساس صحیح من الکتاب و السنة أما ما ذکره من أن الإسلام یعلو إلخ،فإنه أجنبی عن المقام و الاّ فلا بدّ من الحکم بأنه لا یصح شراء المسلم الکافر مع وجود العبد المؤمن لأن الإسلام یعلو و لا یعلی علیه و أما ما ذکر من عدم تعارض الغرض الدنیوی مع الغرض الأخروی فإنه لیس هنا غرض أخروی حتی یقع التعارض بینهما و یرجح الثانی فإن المعاملات أغلبها للأغراض الدنیویة و ان کان فی طیها أغراض أخرویة أیضا.

فتحصل أن شیئا من الشروط المذکورة لصحة الشرط الذی یجب الوفاء

ص:311

قوله الرابع:أن لا یکون مخالفا للکتاب و السنة فلو اشترط رقیة حر أو

توریث أجنبی کان فاسدا.

أقول:لا شبهة فی أن الشرط المخالف للکتاب و السنة غیر نافذ للأخبار المستفیضة،بل المتواترة معنی و الظاهر أنه لم یخالف فی ذلک أحد فیما نعلم

و لکن هنا أمران ربما یحتملان فی المقام
أحدهما أن أدلة

وجوب الوفاء بالشرط یحتمل أن تکون مخصصة لأدلة التحریم و رافعة للحرمة

و یکون المرجع الی أن المحرمات انما تکون محرمة بأدلتها الأولیة إذا لم یطرأ علیها عنوان الشرط فی ضمن عقد،و الاّ تکون مباحة بل واجب الوفاء بمقتضی دلیل وجوب الوفاء بالشرط و یکون ذلک نظیر طروّ عنوان الثانی علی الأشیاء المحکومة بالأحکام بعناوینها الأولیة،و أن لم یکن المقام من ذلک القبیل کما قرر فی محله،لان بعنوان الاضطرار یرتفع الموضوع و لیس التخصیص کذلک و کیف هذا الاحتمال،بل ورد نظیره فی الشریعة فی التکلیفیات و الوضعیات،أما التکلیفیات کجواز الصوم فی السفر بالنذر مع أنه لم یکن مشروعا فی السفر و کجواز الإحرام قبل المیقات مع النذر مع أنه لم یکن مشروعا قبل المیقات بدون النذر،و أما فی الوضعیات کجواز ارث کل من الزوجة أو الزوج من الآخر بالشرط فی ضمن عقد المتعة مع التوارث فی غیر القرابات النسبیة و غیر القرابات السببیة المعروفة منتفیة،الاّ أن هذا الحکم الوضعی قد ثبت بالاشتراط فیکون الدلیل الدال علی نفوذ هذا الشرط تخصیصا للأدلة الدالة علی عدم هذا الحکم الوضعی فی غیر الموارد المذکورة فیمکن أن یکون المقام من هذا القبیل أیضا بأن یکون ما دل علی وجوب الوفاء بالشرط مخصصا علی الأدلة الدالة علی المحرمات أی الأدلة الأولیة.

الأمر الثانی:أنه یحتمل أن تکون الأدلة الدالة علی وجوب الوفاء بالشروط مخصصة

ص:312

للأخبار الکثیرة الدالة علی أن کل شرط جائز بین المسلمین إلا شرطا خالف کتاب اللّه و سنّة نبیه من الأخبار المتواترة بأن یستکشف من تلک الأدلة أی أدلة وجوب الوفاء بالشرط أن الشرط الفلانی المخالف للکتاب أو السنة لا بأس به فهو واجب العمل و هذا الأمر الثانی إن أراد به المحتمل وجوب الوفاء بالشرط تکون مخصصة لواقع ما هو مخالف للکتاب و السنة أی لحکم اللّه سواء ذکر فی القرآن أو لا،بأن یکون الشیء فی نفسه محرما بمقتضی حکم اللّه و لکن یکون مقتضی الشرط هو الجواز،و لا شبهة أن هذا مناقضة محضة لأن عدم رفع الید عن الحکم الأمر بنفوذ الشرط المخالف مناقضة محضة،فلا یمکن الالتزام به،و هل یتوهم أحد جواز ورود التخصیص علی اطاعة المخلوق بطرق المعصیة و من هنا ورد أنه لا طاعة للمخلوق فی معصیة الخالق و ان کان مراده التخصیص بظاهر الکتاب بمعنی أن یکشف من ملاحظة أدلة وجوب الوفاء بالشرط أن ظاهر القرآن لیس بمراد فمرجع ذلک الی الأمر الأول،فإنه إذا لم یکن ظاهر الکتاب مراد یستکشف أنه لیس بحرام فی صورة الاشتراط فی ضمن عقد و هذا هو عین الأمر الأول إذا عرفت هذا فاعلم

ان الکلام فی المقام یقع فی جهات:
الاولی:أن المراد من الکتاب المذکور فی هذه الأخبار المستفیضة أو

المتواترة أی شیء

حیث ذکر فیها أن کل شرط خالف کتاب اللّه فهو باطل علی ما هو مضمون تلک الروایات،فهل المراد من الکتاب هو القرآن کما هو الظاهر منها فی بدو النظر أو المراد من ذلک ما هو مکتوب فی اللوح المحفوظ و بینه بلسان نبیه و لو فی غیر القرآن فیکون المراد من الکتاب هو ما کتب کما ذکر ذلک فی القرآن أیضا بقوله عز من قائل کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ، کَما کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ و قد عرفت أن النظر البدوی یقتضی الاحتمال الأول و کون المراد من الکتاب هو القرآن،و لکن النظر الی تلک الروایات

ص:313

یقتضی أراد الاحتمال الثانی منها بأن یکون المراد بها هو ما کتبه اللّه و بینه بلسان نبیه،و لو کان فی غیر القرآن،و انه ما من شیء الا و قد کتب اللّه فیه حکما،و یدل علیه وجوه.

الأول:أنه ورد فی بعض الروایات لفظ السنة أیضا،بأن لا یخالف الکتاب و السنة فأن ذلک قرینة علی أن یکون المراد من الکتاب ما هو مکتوب للّه من الأحکام.

الثانی:أن مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی التعمیم حیث انه لا خصوصیة فی عدم نفوذ الشرط المخالف بین أن یکون مخالفا للقرآن أن لحکم الشارع و ان لم یکن مذکورا فی القرآن،إذ لا فرق بین أحکام الشرع و أفراد أحکامه فلا خصوصیة للمخالفة مع القرآن حتی لا یکون نافذا و أما مخالف السنة فیکون نافذا،بل جمیع أحکام الشارع علی نسق واحد سواء کان مذکورا فی القرآن أو فی غیره،و قد عرفت أنه لا معنی لجواز مخالفة حکم الشارع مع بقائه علی حاله،فإن أمره بنفوذ الشرط المخالف مع عدم رفع الید عن الحکم مناقضة واضحة و إذا فلا فرق بین أحکام الشارع،و بحسب مناسبة الحکم و الموضوع یحکم بأن المراد من الکتاب کل حکم شرعی فتکون النتیجة مما ذکرنا أن مفاد تلک الاخبار هو أن کل شرط نافذ الاّ شرطا خالف الحکم الشرعی کما هو واضح.

الثالث:أن مخالفة القرآن أعمّ من أن یکون مخالفا لحکم مذکور فی القرآن أن لعموم القرآن و احکامه و من الواضح أن جمیع الأحکام الشرعیة قد أمر فی القرآن بالإطاعة بها و الإتیان بها بمقتضی قوله وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و من الواضح ان شرط ما یکون مخالفا لحکم شرع من أی حکم مخالف للقرآن کما هو واضح،فالمراد من الموافق مما یکون موافقا لحکم الشارع و لو کان مستفادا من القواعد أو کان ثابتا بالأصل الذی

ص:314

دل علیه عموم حدیث الرفع أو غیر ذلک.

الجهة الثانیة:أن المراد من الشرط المخالف للکتاب هو الشرط

الغیر الموافق أو الشرط المخالف،

و قد یظهر من بعض الروایات الاحتمال الأول و من بعضها الثانی،و ذکر فی بعضها ما سوی کتاب اللّه الظاهر أنه لا ثمرة لهذا البحث بعد البناء علی أن المراد من الکتاب هو ما کتبه اللّه من الاحکام،فإنه علی هذا لا یوجد شرط غیر موافق للکتاب الا و یکون مخالفا له کما هو کذلک،و أظهر من الجمیع فی روایات المقام قوله علیه السلام الاّ شرطا سوی ما هو فی کتاب اللّه أی یکون غیر ما کتبه اللّه،نعم لا بأس للتکلم فی ذلک و ان المراد أی العناوین فی الاخبار الواردة فی عرض الاخبار علی القرآن فان المراد من الکتاب هناک هو القرآن و لذا أمر بعرضها علیه و ح فعنوان المخالف یفترق عن عنوان الغیر الموافق.

الجهة الثالثة:فی أن الشرط المخالف یکون علی ثلاثة أقسام:

الأول أن یشترط أحد المتبایعین علی الأخر فعلا محرما کقتل النفس المحترمة أو الکذب أو شرب الخمر و نحو ذلک.

الثانی:أن یشترط اعتبارا من الاعتبارات العقلائیة لکون زوجته مطلقة أو کونه وارثا للآخر أو کون ولاء العتق له مع کون المعتق لشخصا آخر و هکذا و هذا یرجع الی شرط النتیجة و قد عرفت فیما سبق أن مثل هذه الأمور لها أسباب خاصة لا توجد الاّ بها إلاّ إذا کان ذلک الشرط علی نحو یتحقق فی ضمن هذا العقد،بأن یوجد الاعتبار بنفس الاشتراط و یتحقق القبول بقبول المشروط علیه العقد،لما عرفت أن هذا الشرط شرط أمر اعتباری فلا بدّ من ملاحظة المورد بأنه یتحقق هذا الأمر الاعتباری أو لا یتحقق کما هو واضح،فان تحقق خرج الشرط عن کونه مخالف للکتاب و الاّ فیکون مخالفا له.

ص:315

الثالث:أن یشترط أحدهما علی الآخر حکما من الأحکام الشرعیة کما إذا باع داره و اشترط علی المشتری أن یکون الخمر حلالا أو غیر ذلک من الاحکام و هذا هو اشتراط فعل الأجنبی عن العقد.

و قد عرفت أنه أمر غیر المقدور للمشروط علیه و ح فان کان التعلیق هو تعلیق نفس العقد علی الالتزام بفعل الغیر.

و قد عرفت أنه باطل إذ لا معنی للالتزام بالأمر الغیر المقدور حتی لو قلنا بصحة التعلیق فی العقود و عدم بطلانه،فلا یصح الاشتراط هنا إذ لا یمکن الالتزام بأمر غیر مقدور و ان کان مرجع الاشتراط هنا إلی إناطة لزوم العقد بفعل الغیر و أنه علی تقدیر تحققه یلتزم المشروط له بذلک و الاّ فلا فهو صحیح فإنه علی تقدیر تحقق ذلک الفعل یکون العقد لازما و الاّ کان للمشروط علیه خیار تخلّف الشرط کما هو واضح فلا بدّ من التکلم فی هذه الأمور الثلاثة واحدة واحدة.

و قد ورد فی الروایات علی ما عرفت عدم نفوذ الشرط المخالف لکتاب اللّه أو سوی کتاب اللّه أو لا یوافق کتاب اللّه علی ما فی الروایات بالسنة مختلفة و کان الکلام فی معنی هذه الروایات و لا یخفی أن الشرط بحسب الاستقضاء قد یکون متعلقا بالمباح بأن یشترط فعل مباح أو ترکه و المراد من المباح هنا ما لم یکن فیه إیجاب فیشمل المکروه و المستحب أیضا و الظاهر أنه لا شبهة فی نفوذ ذلک و لم نر من یستشکل فیه.

نعم قد ذکر فی روایتین ما یوجب توهم عدم نفوذ ذلک أیضا و أنه مخالف لکتاب اللّه.

الأولی:روایة العیاشی،عن أبن مسلم،عن أبی جعفر علیه السلام قال:(قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی امرأة تزوجها رجل و شرط علیها و علی أهلها ان یتزوج علیها أو هجرها أو اتی علیها سریة فهی طالق،

ص:316

فقال علیه السلام:شرط اللّه قبل شرطکم ان شاء و فی بشرطه و ان شاء أمسک امرأته و تزوج علیها و تسرّی و هجرها إن أتت بسبب ذلک،قال اللّه تعالی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ ،الی آخره،و أحل لکم ما ملکت ایمانکم وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فإن الأمور المذکورة أمور مباحة کما هو واضح.

الثانیة:روایة ابن عمار سماها المصنف موثقة المؤمنون عند شروطهم الاّ شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما فأن اشتراط إلزام بالمباح یوجب عدم جواز العمل به لکونه محرما و الروایة الاولی و ان ذکر فیها بعض الأمور المباحة الاّ أنه لا فرق بین افراد المباح جزما.

أما الروایة الثانیة فهی ضعیفة السند لغیاث بن کلوب فإنه لم یوثق فی الرجال و ان نقل عن الشیخ أنه و ان کان عامیّا و لکن الأصحاب یعملوا بروایته و لکنه لیس بوجه علی أن المذکور فیها أن کل شرط حرّم حلالا فهو غیر نافذ و علیه فلا یبقی مورد للعمل بالشروط الذی ثبت بالأدلة الدالة علی لزوم الوفاء بالشرط و هذا المضمون غیر موجود فی غیر هذه الروایة.

و أما الروایة الأولی فهی أولا ضعیفة السند لعدم ثبوت اعتبار تفسیر العیاشی.

و ثانیا:أن دلالتها غیر تامة فإنها مجملة حیث ان المذکور فی صدر الروایة أن ما تعلق به الشرط انما هو طلاق الزوجة علی تقدیر التزویج و الإتیان بالسریة أو هجرها فی المضجع علی تقدیر إتیان الزوجة بالنشوز و لکن فی ذیل الروایة استدل علیه بالآیة فإن ظاهر الآیة أن نفس تلک الأمور أی الزواج و الإتیان بالسریة و الهجر فی المضاجع مما تعلق به الشرط لا أنها مقدمة للطلاق الذی هو متعلق الشرط کما فی صدر الروایة.

نعم،یمکن توجیه الروایة بأن الآیات الشریفة التی استدل بها الامام علیه السلام علی عدم نفوذ الشرط انما دلت علی جواز تزویج المرأة فوق

ص:317

الواحد و هکذا دلت علی أخذ السریة و علی جواز الهجر مع تحقق سببه و هو النشوز و لا شبهة أن جواز تزویج المرأة الأخری غیر الاولی لیس مخصوصا فی حکم العراب و کذا أخذ السریة،بل فی حق غیرهم أیضا و علیه فالشارع لم یجعل الزواج و أخذ السریة سببا للطلاق،بل سببه شیء آخر و الاّ لم یجز للمزوج أن یتزوّج بامرأة أخری و الاّ یلزم أن یکون ذلک مسببا لطلاقها و ح فجعل الزواج و أخذ السریة سببا للطلاق مخالف للآیات المذکورة و کتاب اللّه الکریم الدالة بالملازمة علی عدم جعله سببا للطلاق و أیضا جعل النشوز سببا للهجر و اشتراط عدم التهجر مع تحقق سببه مخالف للکتاب و هذا التوجیه و ان کان ممکنا فی مقام الثبوت و لکن لا یمکن المسیر الیه بدون الدلیل.

و علی تقدیر کون متعلق الشرط هی الأمور المذکورة فی الروایة و لو بمؤنة التوجیه المذکورة،و أیضا لا دلالة فیها علی عدم نفوذ اشتراط عدم المباح حتی فی الأمور المذکورة و ذلک من جهة أن الامام علیه السلام قد استدل علی بطلان الشرط بقوله و شرط اللّه قبل شرطکم و من الواضح أنه لیس فی المباح شرط اللّه لیتقدم علی شرط المتبایعین فلا یمکن الأخذ بالروایة و الالتزام بکون الشرط متعلقا بالأمور المذکورة من هذه الجهة.

و قد یقال کما فی المتن ان اشتراط الأمور المذکورة مناف للقرآن و أن استدلال الامام علیه السلام شرط اللّه قبل شرطکم صحیح،و ذلک من جهة أن التزویج علی المرأة و أخذ السریة و الهجر فی المضاجع،و ان کان من الأمور الجائزة الاّ أن غرض الشارع قد تعلق بعدم تغیرها عن إباحتها فلا یکون الشرط علی خلافه نافذا،لأن شرط اللّه قبل ذلک،و هو و ان کان ممکنا أیضا فی مقام الثبوت،و لکنه یحتاج الی دلیل و هو منتف بل استدل الامام علیه السلام بالایة علی کون الأمور المذکورة مباحة من غیر کونها مقیدة

ص:318

بشیء،و من الواضح أن الإباحة لیس فیها شرط و علیه فلا معنی للاستدلال بأن شرط اللّه قبل شرطکم علی عدم النفوذ و علیه فلا بد و أن تحمل الروایة اما علی التقدیر المتقدمة أو یرد علمها علی أهلها.

نعم،یتحمل أن یکون بعض المباحات مما لا بدّ و أن یلتزم بکونه مباحا إلی الأبد و أن اللّه اثبت الإباحة فی بعض الأشیاء المباحة و اشتراط خلافها خلاف شرط اللّه و خلاف ما کتبه اللّه فلا یکون ماضیا و أن شرط اللّه أسبق و هذه الکبری و ان کانت صحیحة و لکن لم نجد لها صغری فی المباحات کما هو واضح علی انا لو أخذنا بها و قلنا بأن اشتراط خلاف المباح لا ینفذ لم یبق مورد للأخبار الدالة علی وجوب الوفاء بالشرط فإن أیّ مورد نفرضه لا بدّ و أن فیه حکم من الاحکام إذ لا یوجد شیء الا و فیه حکم اللّه نافذ تشریعا و تکوینا و إذا فلا دلالة فی شیء من هاتین الروایتین علی عدم نفوذ الشرط فی المباحات،فلا بدّ من الرجوع الی بقیة الروایات الذی یستفاد منها کقوله علیه السلام کل شرط نافذ الاّ ما خالف الکتاب أو کان سوی کتاب اللّه أو غیر ذلک من المضامین المختلفة و الذی یستفاد من ذلک مع ملاحظة ما دل علی وجوب الوفاء بالشرط أن أی فعل کان المکلف فیه مطلق العنان و لم یکن فیه إلزام من الفعل و الترک و انما تعلق الإلزام به من ناحیة الالتزام الشرطی لا بدّ من الوفاء به و لا یکون مخالفا للکتاب و السنة أصلا لعدم تعلق شرط به من ناحیة الشارع حتی یجب الوفاء به و یکون وجوب الوفاء بالشرط مناقضا له و الاّ بان یکون الالتزام الشرطی مسبوقا بالالتزام الأخر الشرعی بحیث یجب أن یعمل علی طبق ذلک الالتزام السابق لکونه ملزما و باعثا للعبد نحو الفعل لا بدّ من العمل به و لا یکون شرط المخالف سابقا و مقدما علیه کما هو واضح فان حفظ وجوب الوفاء بالشرط و عدم نفوذ الشرط المخالف للکتاب هو ذلک و مع الغض عما ذکرناه،

ص:319

فالروایتان متعارضتان مع روایة منصور فإنها دلت علی نفوذ الشرط المتعلق بترک التزویج بعد ذمه بئس ما صنع و إرشاده بذلک الذم وقوعه فی المشقة و الشدة فتکون معارضة للروایتین المتقدمتین و یتساقطان و یرجع الی عموم المؤمنون عند شروطهم.

و بالجملة أن هذه الروایة و ان ذکر فیها الذم،الاّ أنه لا یکشف من بطلان الشرط،بل هو إرشاد إلی وقوع المشروط علیه فی المشقة و أنه یندم بعد ذلک و الاّ فقد حکم الامام علیه السلام بنفوذ الشرط فی ذیل الروایة.

ثم انه قد یقال بأن النسبة بین ما دل علی اباحة المباحات و بین ما دل علی نفوذ الشرط هی العموم من وجه ففی مورد الاجتماع نحکم بالتساقط و فیه أولا أن الإباحة إنما تترتب علی الأشیاء بحسب طبیعتها و أنها لا تخالف الإلزام علی تلک الأشیاء و ثانیا أن ما دل علی نفوذ الشرط مذیل بما دل علی عدم نفوذ الشرط المخالف للکتاب و السنة و من الواضح أن المراد من المخالف ما یکون مخالفا مع قطع النظر من الشرط،فان المراد من مخالفة نفس ما تعلق به الشرط کما فی بعض الروایات لا نفس الشرط،کما یتوهم من بعض الروایات الأخری،و الاّ یکون کل شرط مخالفا فلم یبق مورد لوجوب الوفاء بالشرط و من الواضح أن الإباحة غیر مخالفة للکتاب مع قطع النظر عن الشرط بخلاف الحرام مثلا فان فعله مخالف للکتاب و السنة کما لا یخفی.

ثم انه قد یتوهم عدم جواز شرط فعل المباح و الالتزام به لکونه مخالفا للروایة الدالة علی عدم جواز الحلف بترک العصر و أنه التزام خلاف التزم به الشارع و بینه.و فیه أن هذه الروایة فی مورد الحلف و قد یعتبر فیه المرجوح أو أن لا یکون ترکه مرجوحا و لا شبهة أن الالتزام بترک المباح دائما مرجوح فلا یتعلق به الحلف بخلاف المقام فإنه لا بأس بتعلق الشرط بالمرجوح کما هو واضح.

ص:320

هذا کله فیما إذا اشترط احد المتبایعین علی الأخر فعل المباح و قد یکون الشرط علی غیره فی ضمن العقد فعل الحرام بأن یشترط علی غیره شرب الخمر أو أکل المیتة و غیر ذلک،و ح لو کان هنا دلیل علی نفوذ الشرط حتی فی فعل المحرم یکون ذلک تخصیصا لأدلة المحرّمات و نظیره أن العزل عن الزوجة الدائمة حرام،و لکن مع اشتراط ذلک فی ضمن العقد نافذ للدلیل الخاص.

ثم انه قد یتوهّم ان النسبة بین دلیل المحرمات و بین أدلة وجوب الوفاء بالشرط هی العموم من وجه،و فی مورد الاجتماع یحکم بالتساقط و یرجع الی الأصول العملیة(أو الی بناء العقلاء و ارتکازهم فإنه علی العمل بالشرط المقرر)و لکن یرد علیه أولا أن وجوب الوفاء بالشرط انما فی فرض یکون ما تعلق به الشرط فی نفسه خالیا عن الإلزام فإن الظاهر من قوله علیه السلام:«المؤمنون عند شروطهم»أن العمل بالشرط انما هو من علامة الایمان کما ورد أن المؤمن فی عدته،یعنی من علامة الایمان أن المؤمن إذا وعد یفی بوعدته،و من الواضح أن هذا ما هو من علامة الإیمان انما هو الذی لا یکون فیه مبغوضیة فإنه إذا وعد أحد العیاذ باللّه بالزنا أو اللواط أو شرب الخمر.

فهل یتوهم أحد أن العمل بهذا الشرط من علائم الایمان و کذلک الشرط فان وجوب الوفاء بالشرط انما هو فی مورد لا یکون الشیء مبغوض الإیجاد قبل تعلق الشرط به،و الاّ فلا یکون مشمولا لدلیل وجوب الوفاء بالشرط.

الوجه الثانی:أنه قد ذکر فی أدلة وجوب الوفاء بالشرط الاّ ما خالف کتاب اللّه و سنة نبیّه أو بما سوی کتاب اللّه أو لا یوافق کتاب اللّه،و من الواضح أن المراد من المخالف ما یکون کک مع قطع النظر عن تعلق الشرط

ص:321

به بأن یکون متعلق الشرط مخالفا لکتاب اللّه،فان المراد من المخالفة مخالفة متعلق الشرط لا نفسه،و لذا ذکر فی بعض الاخبار ذلک و ما ذکر فی بعضها الأخر من مخالفة نفس الشرط،انما هو بنحو من العنایة و علی هذا فلا شبهة أن متعلق الشرط إذا کان فعل محرم بکون مخالفا لکتاب اللّه کما هو واضح،و قد تحصل من هذین الوجهین أنه لا بدّ من تقدیم جانب الحرمة فی مادة الاجتماع کما هو واضح،فافهم.

و الحاصل:أن ما تعلق به الشرط إذا کان مباحا فلا شبهة فی نفوذ الشرط ح إذ لا وجه لصرف ما دل علی وجوب الوفاء بالشرط الی فعل الواجب أو ترک الحرام،فإذا اشترط أحد المتعاقدین علی الآخر فعل مباح،أو ترکه،یکون نافذا.

و أما ما توهم دلالته علی عدم النفوذ کروایة العیاشی و غیرها فإنه فاسد،فإنه و أن کان روایة التهذیب موثقة و لکن لا یمکن المساعدة علیه من حیث الدلالة لأن المراد من المباح ما کان مباحا فی کتاب اللّه و معه فلا وجه للاستدلال علیه بأن شرط اللّه قبل شرطکم إذ لا شرط فی المباح.

و توهّم أنه أرید من الأمور المذکورة فی الروایة المباحة التی لا تتغیر عنه الرخصة کما ذکره المصنف یحتاج الی دلیل کما أن توهم أن بعض المباح لا بدّ و أن یلتزم بکونه مباحا إلی الأبد أیضا یحتاج الی الدلیل(التوهم الثانی و الثالث شیء واحد).

و أما إذا کان الشرط متعلقا بفعل الحرام فقد عرفت أنه لا یکون مشمولا لعموم الأمر بالوفاء بالشرط و ذلک لأن جملة هذه الأخبار الدالة علی وجوب الوفاء بالشرط قد ذکر فیها الاّ شرطا خالف الکتاب أو ما سوی کتاب اللّه أو ما لا یوافق الکتاب و من الواضح أن المراد من الشرط المخالف هو ما یتعلق به الشرط و یکون مخالفا له مع قطع النظر عن تعلق الشرط و ذلک لأن مخالفة

ص:322

الکتاب مأخوذة فی موضوع الشرط المخالف فلا بدّ و أن یکون الموضوع محققا قبل الحکم بأن یکون متعلق الشرط مخالفا للکتاب قبل الشرط،و أما إطلاق الشرط علیه أی علی المتعلق مع أنا ذکرنا أن الشرط هو الإناطة فهو سهل لکثرة إطلاق الشرط علی متعلقة و لو بالعنایة،و المجاز و لو لم یکن المراد هو ما ذکرناه لم یبق شرط الاّ و یکون مخالفا للکتاب غیر اشتراط ترک الحرام و فعل الواجب و علی هذا فلا شبهة أن اشتراط ترک الواجب أو فعل الحرام مخالف للکتاب مع قطع النظر عن الاشتراط و علیه فلا یشمل دلیل الوفاء بالشرط باشتراط فعل المحرّم و ترک الواجب أصلا.

نعم،یمکن أن یرد التخصیص علی ذلک بأن یکون الشیء حراما و لکن کان بالشرط جائزا فیکون ذلک تخصیصا لما دل علی عدم نفوذ الشرط المخالف للکتاب مع قطع النظر عن الشرط کما ورد نظیر ذلک فی الصوم فی السفر و الإحرام قبل المیقات و العزل عن الزوجة الدائمة مع اشتراطه فی ضمن العقد،کما هو واضح،و دعوی ضعف التخصیص هنا کما ذکره المصنف لا مجال له،فإنه انما یکون التخصیص ضعیفا إذا کان لحاظه مع ملاحظة متعلق الشرط مع الشرط معا،بأن یکون شیء باقیا علی حرمته حتی مع تعلق الشرط به،فإنه ح لا شبهة فی ضعف دعوی التخصیص،و لیس کک کما عرفت،بل التخصیص انما هو فی الشرط المخالف مع قطع النظر عن الشرط،و یکون مع الشرط جائزا.

و بعبارة أخری أنه یمکن نفوذ الشرط المخالف للکتاب إذا کانت مخالفته مع قطع النظر عن الشرط لا مع الشرط أیضا،بأن یکون باقیا علی حرمته مع الشرط أیضا و مع ذلک یکون نافذا و واجب الوفاء کما هو واضح.

علی أن الشرط انما یجب الوفاء به إذا کان ذلک من علائم الایمان کالوعد و الحرام لیس کذلک.کما تقدم،و هل یتوهّم أحد کون فعل الزناء مع

ص:323

الوعد أو الاشتراط من علائم الایمان.

(و أما القسم الثالث)و هو أن یشترط أحد المتعاقدین علی الآخر اعتبار أمر کأن یبیع داره من هند و یشترط علیها أن تکون زوجة له أو یبیع فرسه من غیره و یشترط علیه کون المزرعة الفلانیة ملکا للبائع و هکذا و هو علی ثلاثة أقسام،لأن هذا الأمر الاعتباری الذی یشترط أحدهما علی الآخر تحققه قد یکون علی نحو لا یحتاج الی سبب خاص و لا یکون من فعل شخص آخر،بل یکون فعلا اختیاریا للشارط بحیث یصح اعتباره منه،بأی سبب کان،و بأی نحو ابرز و هذا لا شبهة فی تحققه بالشرط و قبول المشروط علیه،و ذلک کاشتراط أن یکون المشتری وکیلا للبائع فی فعل خاص أو یشترط علیه أن یکون وصیا له أو تکون داره ملکا له بعد موته فان هذه الأمور تتحقق بمجرّد قبول المشتری و یکون قبوله ابرازا للوکالة و الوصیة و التملیک کما هو واضح،فإن الأمور المذکورة أمور اختیاریة للشخص و غیر محتاجة إلی سبب خاص فتکون مبرزة مقبول المشتری،أی من علیه الشرط اشتراط الشارط کما هو واضح.

و قد یکون اعتبار أمر غیر اختیاری للمشروط علیه کأن یشترط علیه کون زوجة زید الذی هو غیر المشروط علیه طالقا،أو کون ابنته زوجة للشارط نحو ذلک فان ذلک و أمثاله من أفعال الأجنبی و من اعتباراته النفسانیة فلا معنی لاشتراطه علی المشروط علیه علی أنها محتاجة إلی سبب خاص، فلا توجد بأی سبب کما هو واضح.

و قد یکون ذلک أمرا اختیاریا للمشروط علیه الاّ أنه لا یوجد لاحتیاجه الی سبب خاصّ و لا یوجد بکلّ سبب کأن یشترط علیه کون زوجة طالقا أو کون بنته الصغیرة زوجة للشارط،فان ذلک و ان کان تحت اختیار الشارط الاّ أنه لا یوجد الاّ بسبب خاص فإنه الطلاق لا یکون طالقا الاّ أن یقول

ص:324

أنت طالق،لا یکفی أن یقول طلقتک،و نحوه،و کذلک النکاح.

نعم،یمکن ورود التخصیص علی کل من الشقین الأخیرین،و یحکم الشارع بتحقق الاعتبار المذکور بالاشتراط فی ضمن العقد،کما یمکن أن یرد التخصیص علی الشق الأول أیضا،بأن یحکم الشارع بعدم تحقق الاعتبار بالاشتراط و ان کان أمرا اختیاریا للمشروط علیه و کان یوجد بأی سبب الاّ أن الشارع حکم بعدم تحققه بقبول الشرط و إبرازه بذلک،فان ذلک کله تحت ید الشارع.

و أما القسم الرابع،و هو ما اشترط علی الآخر فی ضمن العقد جعل وجود حکم من الأحکام الشرعیة کأن یبیع داره و یشترط علیه حلیة الخمر أو شیء آخر من المحرّمات أو إباحة واجب و نحو ذلک،و قد ذکرنا سابقا أن هذا یرجع الی اشتراط فعل الأجنبی.

و علیه فان کان الشارط ملتفتا علی کونه فعل الغیر،غیر مقدور للمشروط علیه،و کان غرض الشارط تعلیق أصل العقد علی ذلک فلا شبهة فی بطلان العقد،فإنه مضافا علی بطلان التعلیق فی العقود،أن هذا باطل لعدم إمکان الالتزام بالغیر المقدور فیکون العقد باطلا لعدم حصول المعلق علیه و هو الالتزام إذ لا یوجد الالتزام،و لا یتحقق الأمر الغیر المقدور.

و ان لم یکن ملتفتا بذلک أی بکونه غیر مقدور و أظهر المشروط علیه أیضا التزامه بالشرط أو کان الشارط ملتفتا بکونه غیر مقدور،و لکن علق الخیار علی ذلک الشیء،فلا شبهة فی صحة العقد،و لکن یکون للشارط الخیار علی تقدیر التخلف حتی لو قال بعتک و اشترط لنفسی الخیار علی تقدیر عدم حلیة الخیار کان صحیحا،فان هذا لیس اشتراط الحرام لیکون مخالفا للکتاب،بل اشتراط الخیار علی تقدیر التخلف و هو صحیح حتی مع العلم بعدم الحصول و کونه حراما فان مرجع جعل الخیار الی تحدید الملکیة و

ص:325

إنشائها محدودة و إنشاء الملکیة المحدودة أی الملکیة علی تقدیر بمکان من الأماکن کما عرفت فی معنی جعل الخیار و هذا واضح لا شبهة فیه.

ثم ان المصنف(ره)بعد ما ذکر حکم مخالفة الشرط للکتاب و السنة ذکر أنه مع الشک فی کون شرط مخالفا للکتاب و السنة یرجع فی مشروعیة الشرط إلی أصالة عدم مخالفته للکتاب،و ما ذکره هنا مخالف لما ذکره فی أصوله و عقد علیه تنبیها خاصا لعدم جریان هذا الأصل فی تنبیهات الاستصحاب و أطال شیخنا الأستاذ الکلام فی عدم جریان هذا الأصل و ذکرنا نحن أیضا فی الأصول أن هذا الأصل غیر جار لأنه ان کان المراد من عدم مخالفة ذلک الشرط للکتاب و السنة هو العدم النعتی فلیس له حالة سابقه إذ فی أی زمان کان هذا الشرط و لم یتصف بعدم کونه مخالفا للکتاب و السنة و ذلک لأن فی العدم النعتی لا بدّ و أن یوجد الموضوع بدون النعت لیکون مسبوقا للعدم النعتی،حتی یمکن استصحاب عدم هذا النعت عند الشک فی اتصاف ذلک الموضوع بهذا النعتی العدمی،و ان کان المراد من العدم العدم المحمول،فهو و ان کان له حالة سابقه و لو قبل الشرع و الشریعة أو بعد الشریعة أیضا بمقدار من الزمان الاّ أن استصحاب ذلک لا یثبت الموضوع الشرعی و لا یثبت أن هذا الشرط غیر مخالف للکتاب و السنة،الاّ علی القول بالأصل المثبت،فان کون هذا الشرط غیر مخالف للکتاب من اللوازم العقلیة للعدم المحمولی و کل ذلک لا شبهة فیه و لا نحتاج الی التطویل،و لکن قد ذکرنا فی محله حجیة العدم الأزلی و معه لا نبتلی بهذه الإشکالات کما هو واضح،فراجع.

و لکن العدم الأزلی لا یجری فی المقام و ذلک لعدم وصول النوبة الیه و بیانه أن الشک تارة یکون فی الجعل و أخری فی تغیر الحکم بالشرط و نحوه،و الشق الأول و ان کان خارجا عن کلام المصنف و لکن نتکلم فیه أیضا

ص:326

توفیة للأقسام و الکلام.

أما الشق الأول فتارة یکون الشک فی الحکم التکلیفی و أخری فی الحکم الوضعی،أما الأول کما إذا باع متاعا من زوجته مثلا،أو تزوّجها و اشترط علیها أن ترقص له فی کل لیلة و شککنا فی أن هذا الشرط مخالف للکتاب أم لا،و لا نکتب هذا المثال،فإنه مزاحی أو اشترط شرب التتن مثلا،و شککنا فی کونه مشروعا و عدمه فإنه بناء علی ما ذکرناه من کون الشرط مخالفا للکتاب هو کون متعلق الشرط مخالفا له مع قطع النظر عن الشرط فلا شبهة فی أن هذا الشرط غیر مخالف له فان مقتضی الأصول العملیة تثبت کون ترقص مباحا،فإنه من الشبهات البدویة و تجری فیه البراءة،و کک الحال إذا أحرزنا حکم المشکوک بالأمارة أو بالأصول الأخر غیر البراءة فإن هذا الموضوع الخاص مباح و غیر مخالف للکتاب و السنة.

و أما إذا شککنا فی الحکم الوضعی بأن اشترط شرطا فی العقد و شککنا فی صحته و فساده أی نفوذه و عدمه فان مقتضی الأصل هو الفساد و هذا هو المعنی من قولهم أن الأصل فی العقود و الإیقاعات هو الفساد الاّ أن یکون الاشتراط هنا من القسم الرابع بأن اشترط فی العقد الخیار علی تقدیر وجود الحکم الفلانی،فقد عرفت أنه مع عدم التحقق یثبت للشارط الخیار بان یکون الشرط أی متعلقة مما یشک فی کونه صحیحا أو فاسدا،نعم إذا کان الشک فی أصل صحة جعل الخیار کان الحکم فیه أیضا الفساد لما عرفت أن الأصل فی العقود الفساد و فی کل من هذین الفرضین للقسم الأول لا تصل النوبة الی الأصل أصلا،حتی یستشکل فیه أنه یجری فی المقام أو لا یجری.

و أما إذا کان الشک فی تغیّر الحکم بالشرط فأیضا لا تصل النوبة الی الأصل،لما عرفت أن المراد من مخالف الکتاب هو المخالف لو لا الشرط و

ص:327

علیه فلا تتغیر ذلک بالشرط إلاّ إذا کان هنا تخصیص و هو یحتاج الی الدلیل،و فی کل مورد ورد دلیل علی نفوذ الشرط المتعلق بالحرام کما فی الأمور المتقدمة یحکم بنفوذه و الاّ نحکم بالبطلان لأجل تلک الأخبار المتواترة الدالة علی أن الشرط المخالف للکتاب و السنة باطل کما هو واضح.

و قد تحصّل أنه لا تصل النوبة فی الموارد المشکوکة الی الأصل أصلا حتی یتکلم فی جریانه و عدمه و ان نقحنا فی الأصول أن الأعدام الأزلیة لا مانع عن جریانها.

ثم انه بقی الکلام فی بعض الفروع التی وقع الکلام فی کون الشرط فیها

مخالفا للکتاب و السنة أم لا،

و قد أشار الی عنوان هذا المطلب المصنف بقوله:و انما الإشکال فی تمیز مصداق أحدهما عن الآخر فی کثیر من المقامات.

(1)

منها کون من أحد أبویه حرة رقا

بأن یشترط صاحب الأمة علی من یتزوجها من الحر أن یکون الولد علی تقدیر حصوله رقا و قد وقع الکلام فی کون هذا الشرط سائغا و عدمه.

و محصل کلام المصنف هنا أنه ان کان عدم کون ولد الحر رقا الثابت بالأدلة المتواترة من قبیل العلة بحیث لم یتخلف عنه الحکم کان هذا الشرط مخالفا للکتاب و السنة فان الولد الحاصل من الحر و الأمة بمقتضی الأدلة الدالة علی تبعیة الولد لا شرف أبویه،یکون حرا،لکونه ولد حر،فلا یکون اشتراط کونه رقا فی عقد الزواج نافذا لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة و ان کان کون الولد للحر من مقتضیات کون الولد حرا لا علّة تامة لذلک فلا یکون الشرط مخالفا للکتاب و السنة،و لکن لم یرجح شیئا عن هذین الاحتمالین.

أقول:قد عرفت أن المراد من کون الشرط مخالفا للکتاب هو مخالفته مع قطع النظر عن الشرط لأن ذلک أی المخالفة مأخوذ فی موضوع الشرط فلا

ص:328

یمکن أن یلاحظ ذلک مع الشرط و علیه فلا شبهة أن اشتراط أن یکون الولد رقا فی ضمن عقد التزویج مخالف للکتاب،لأن الأدلة مطبقة علی کون ولد الحر حرا و ممّا یدل علی کون هذا الشرط مخالفا للکتاب أنه لم یتوهم أحد جواز اشتراط هذا الشرط فی ضمن العقد البیع أو عقد آخر،بل کلمن ذکر هذا انما ذکره فیما إذا اشترط ذلک فی ضمن عقد تزویج الأمة کما هو واضح.

و أما الخلاف فی أن هذا الشرط نافذ أو غیر نافذ فلیس من جهة العمومات الدالة علی وجوب الوفاء بالشرط لیقال انه أی فرق فی التمسک بها بین أن یکون الشرط المذکور فی ضمن عقد الزواج أو فی غیره،بل الخلاف المذکور من جهة الروایات التی دلت جملة منها علی نفوذ ذلک الشرط و جملة أخری علی عدم نفوذها فمن عمل بالطائفة الأولی حکم علی تخصیص ما دل علی عدم کون ولد الحر حرا،بل یکون حرا بالشرط فی ضمن عقد زواج الأمة للحر،و من عمل بالطائفة الثانیة فمنع عن نفوذ ذلک الشرط،فلم یقل بالتخصیص و حیث انه لیس هذا مورد العمل و الأثر الفعلی لم نتعرض لتلک الروایات.

قوله:و منها ارث المتمتع بها هل هو قابل للاشتراط فی ضمن عقد

المتعة أو عقد آخر،أم لا.

أقول:الظاهر لا خلاف فی أن اشتراط إرث الزوجة المتمتع بها بحیث تکون کسائر الزوجات صحیح و ذکر بما حاصله الظاهر أنه اتفق الفقهاء رضوان اللّه علیهم علی عدم مشروعیة اشتراط الشرط المذکور فی ضمن عقد آخر و أیضا اتفقوا علی عدم مشروعیة اشتراط إرث أجنبی آخر فی ضمن أیّ عقد کان سواء کان هذا العقد المتعة أم غیره،و علی هذا یقع الإشکال فی أفراد غیر الوارث و فی أفراد العقود فان کان ثبوت الحکم لموضوعه علی وجه العلة التامة بحیث لا یتخلف بأن یکون غیر الوارث وارثا فلما ذا تخلف فی

ص:329

عقد المتعة،و قد فرضنا أن ثبوت التوارث للأشخاص الخاصة علی نحو العلة التامة و ان فرضنا أن ذلک علی نحو الاقتضاء فلما ذا یجری فی غیر عقد المتعة،و لماذا لا یجوز اشتراط ارث غیر الوارث من غیر الزوجة المتمتع بها فی ضمن عقد المتعة.

أقول:قد عرفت حکم ذلک من الفرع السابق و توضیح ذلک أن العمومات الدالة علی وجوب الوفاء بالشرط بالنسبة إلی اشتراط إرث أی أجنبی من الأجانب و فی أی عقد من العقود سیّان فان کان ثبوت الإرث الذی هو حکم من الأحکام الوضعیة علی موضوعه علی نحو ثبوت المعلول لعلته فلا یصح فی جمیع العقود و لا فی شخص من غیر الوارث،و ان کان ذلک بعنوان المقتضی صح الاشتراط مطلقا.

و قد عرفت فی القسم الثالث من الشرط أن اعتبار أمر اعتباری لشخص لا یکون تحت اختیار الشخص دائما و بأی سبب کان ففی المقام اعتبار مالیة الترکة لغیر الوارث لیس فی اختیار المورث و لکن قد ورد فی جملة من الروایات المعتبرة جواز إرث الزوجة المتمتع بها فی عقد المتعة،و عمل بها المشهور فیکون ذلک تخصیصا لما دل علی ثبوت التوارث فی الموارد الخاصة و نکشف من ذلک أن هذا الشرط المتعلق بما هو مخالف للکتاب مع قطع النظر عن الشرط لیس مخالفا له مع لحاظ الشرط کما هو واضح و من هنا یعلم أنه لا وجه للإشکال المذکور فان جواز الشرط المذکور فی هذا المورد لیس من ناحیة أدلة الوفاء بالشرط حتی یشکل بعدم الفارق بین أفراد العقود و بین أفراد الأجانب،بل بین أن یشترط کون الزوج و الزوجة مثل سائر الزوجات أو مثل بقیة الوارث من الابن و البنت و الأب و الام و غیرهم، کما لا یخفی.

نعم،فی المقام روایتان أشار إلیها السیّد(ره)فی المقام،إحداهما

ص:330

مرسلة الکافی الدالة علی عدم جریان الإرث فی المتعة اشترط أو لم یشترط.

و الثانیة روایة البرقی و هی أیضا بهذا المضمون و قد عمل بمضمونهما السیّد فی حاشیته،و ان التزم فی العروة علی ما ببالی بعدم نفوذ هذا الشرط،و لکن الظاهر أن ما ذهب الیه المشهور من نفوذ هذا الشرط فهو المتعیّن و لا تقاوم هاتین الروایتین بذلک.

أما الروایة الأولی فنحتمل أنها هی روایة البرقی بعینها فان صاحب الکافی لم یسمی بالراوی بل نقل بعنوان روی فلعلها ما نقله البرقی و علی تقدیر کونها روایة مستقلة و هی ضعیفة السند للإرسال،و لذا لم یستند إلیها الکلینی أیضا،و نقله بعنوان روی.

و أما الروایة الثانیة فالظاهر أنها أیضا ضعیفة السند لأن فی سندها حسن و هو لم یوثق و یحتمل أنه حسین و لذا عنوان الشیخ فی أول کلامه بعنوان حسن و سماه فی آخر کلامه بحسین،و علی ما فی رجال المامقانی و یحتمل ان یکون إمامیّا و أما التوثیق فلا،و علی تقدیر أن یکون هاتان الروایتان معتبرتین لا تقاوم الروایات الدالة علی نفوذ الشرط لأنه مضافا الی کونها مشهورة أو قریبة منها،و عمل المشهور بها و کونها أصح سندا أنهما یتعارضان و لا بدّ ح من ترجیح ما دل علی نفوذ هذا الشرط لکونه موافقا للکتاب إذ المذکور فیها أن للزوجة الربع مع عدم الولد و الثمن مع وجود الولد و من الواضح أن الزوجة تطلق علی المتعة کما تطلق علی الدائمة و من هنا استدل الفقهاء فی کثیر من أبواب الفقه علی ترتب أحکام الزوجة علی المتعة بصحة إطلاق الزوجة علیها غایة الأمر قد ثبت بالروایات أن المتعة لا ترث فأوجب ذلک خروجها عن الآیة الاّ أن ذلک لا ینافی ثبوت التوارث بینهما من جهة الاشتراط للروایات الدالة علی نفوذ هذا الشرط فی عقد المتعة و قد فرضنا أن ذلک لا یخالف الکتاب،بل یوافق إطلاقه،کما

ص:331

هو واضح.

قد عرفت أن اشتراط الإرث فی عقد المتعة مما وقع فیه الخلاف بأنه شرط خلاف الکتاب أم لا،فالمشهور هو الثانی و بعضهم إلی الأول.و ذکرنا سابقا أن اعتبار الملکیة لشخص آخر و ان کان امرا اختیاریا لکل شخص و لیس له سبب خاص و لکن اعتبار ملکیة الترکة بعنوان الإرث لغیر الوارث لیس فی اختیار الإنسان إلا إذا کان ذلک من باب الوصیة من الثلث و الاّ فهو شرط علی خلاف حکم اللّه و من ذلک اشتراط الإرث للزوجة المنقطعة فی عقد المتعة و من هنا ورد فی عدة من الروایات أن المنقطعة لا ترث و زواج المتعة لیس زواج ارث.

نعم،ورد فی جملة أخری من الروایات أن المتعة قد تکون زواج ارث کما إذا اشترط فیها التوارث،و قد لا تکون زواج ارث ان لم یشترط فیها الإرث،فیعلم من هذه الأخبار جواز اشتراط الإرث للمنقطعة فی العقد فتکون هذه الأخبار مخصصة لما دل علی عدم الإرث فی المتعة کما أن الاخبار الدالة علی عدم الإرث فی المتعة مخصصة للآیة الشریفة الدالة علی إرث الزوجة لکونها مطلقة تشمل الدائمة و المنقطعة.

و لکن هنا روایتان تدلان علی عدم إرث الزوجة المنقطعة اشترط أم لم یشترط،إحداهما مرسلة الکافی و الثانیة روایة البرقی،و ذکرنا أن المحتمل القوی أن یکون المراد من المرسلة هی روایة البرقی و علی کل تقدیر سواء اتحدا أم تعددا،فروایة الکافی مرسلة و روایة البرقی ضعیفة لما تقدم فلا تکونان متعارضتین لما دل علی ثبوت التوارث فی زواج المنقطعة بالاشتراط و علی تقدیر صحة السند ذکرنا سابقا أنه لا بدّ من ترجیح ما دل علی ثبوت الإرث بالاشتراط لکونه موافقا لعموم القرآن الدال علی ثبوت الإرث فی الزواج مطلقا لإطلاق المزوجة علی الدائمة و المنقطعة کما هو کثیر فی کثیر

ص:332

من أبواب الفقه و لکن نقول أنه لا بدّ من تقدیم ما دل علی عدم التوارث لعدم وصول النوبة إلی الترجیح حتی نأخذ الموافق للکتاب،بل هنا عموم فوق و هو الأخبار الدالة علی عدم التوارث،و علیه فیحکم بالتساقط،أی تساقط ما دل علی ثبوت الإرث بالاشتراط و عدمه سواء اشتراط أم لا،فیرجع الی تلک الأخبار الدالة علی عدم الإرث فی المنقطعة مطلقا.

قوله:و منها أنهم اتفقوا علی جواز اشتراط الضمان فی العاریة.

أقول:المشهور أن اشتراط الضمان فی العاریة صحیح،و لکن اشتراطه فی عقد الإجارة غیر صحیح،و قد أشکل ذلک بأنه ان کانت الامانة موجبة لعدم ضمان الأمین و علة تامة لذلک فلا بدّ و ان لا یتخلف فی الإجارة و العاریة کلیتهما و ان لم تکن علة لذلک بل مقتضیة له فلما ذا تخلف ذلک فی العاریة دون الإجارة مع أن کل من المعیر و المستأجر أمنان فی وضع الید علی العین المعیرة و المستأجرة.

أقول:أن المراد من الضمان هنا لیس ما هو المراد فی باب الضمان أی الضمان علی دین أحد و نحوه،فإنه بمعنی نقل الدین علی ذمة الضامن أو ضم الذمة إلی الذمة کما علیه العامة،بل المراد من الضمان هنا هو ان یشغل الضامن ذمته بالعین علی تقدیر تلفها فیکون المراد منه الضمان بالعین علی تقدیر التلف و سبب هذا الضمان أی ضمان العین أمران أما إتلاف العین التی هی ملک للغیر فیکون المتلف ضامنا لها بمقتضی من أتلف مال الغیر و هو له ضامن و اما بدلیل علی الید ما أخذت حتی تؤدی و لو بضمیمة بناء العقلاء علیه،و لیس هنا سبب ثالث لهذا الضمان و علیه فاشتراط ضمان العین فی ضمن عقد من العقود مخالف لما هو ضروری فی الشرعیة أعنی عدم کون غیر الإتلاف سببا للضمان فیکون شرطا مخالفا لما کتبه اللّه علی عباده و بیّنة بلسان سفرائه الاّ أن یکون هنا مخصص فی مورد بحیث ورد

ص:333

دلیل خاص علی أن الاشتراط فی ضمن العقد الفلانی یکون موجبا للضمان أیضا لا یقال أن دلیل وجوب الوفاء بالشرط یدل علی أن الشرط أیضا من أسباب الضمان،و فیه أنه لیس بمشرع حتی یدل علی ذلک فإنه إنما یشمل الموارد التی کان للشخص جعل ذلک فی طبعه علی نفسه أی یکون سائغا فی نفسه و یکون دلیل الوفاء بالشرط دالا علی الإلزام و لم یثبت فی الشریعة أن یضمن أحد ما إتلافه شخص آخر و عدم ثبوت المانع عنه لا یکفی بل لا بدّ و أن یثبت له حق علی ذلک کما جاز له ان یعطی قیمة العین مع التلف قبل الشرط فیجوز شرطه أیضا،فافهم.

و علی هذا فیرتفع الإشکال فی المقام حیث انه وردت روایات معتبرة علی جواز اشتراط الضمان أی ضمان العین مع التلف علی المعیر فی عقد العاریة فتکون هذه الروایات مخصّصة لما هو ثابت فی الشریعة من عدم کون غیر الإتلاف و الید من موجبات ضمان العین و لکن لم یرد ذلک فی غیر العاریة فیبقی تحت القاعدة الأولیة أعنی عدم وجود سبب لضمان العین غیر الید و الإتلاف و أن الاشتراط لیس من أسبابه و قد عرفت فی القسم الثالث من الشرط أن اشتراط ما لیس بسبب لحکم وضعی أو تکلیفی لا یکون نافذا و یکون الالتزام به لغوا.

ثم ان هذه فیما اشترط الموجر علی الأجیر الضمان،أی ثبوت ضمان العین علی ذمة المستأجر بحیث یکون من جهة دیونه و یکون ثابتا فی الترکة علی تقدیر عدم الإعطاء و أما لو اشترط علیه إعطاء قیمة التالف،فهو لا یکون مخالفا للکتاب و السنة و لا یکون الاشتراط سببا مستقلا للضمان،بل یکون ذلک من شرط الفعل و قد تقدم أنه نافذ،بل قد تقدم فی القسم الثالث من الشرط أن اشتراط اعتبار أمر اعتباری فی ضمن العقد لا بأس به إذا کان فی تحت اختیاره،فهو من شرط الفعل،فیکون نافذا،و مع التخلف

ص:334

ثبت الخیار للمشروط له فیکون الاشتراط موجبا لثبوت حکم تکلیفی علیه و علی تقدیر العصیان لا یثبت فی ماله بحیث یکون من جملة دیونه کما کان الأول کذلک،فان الثابت بمقتضی شرط الفعل هنا یکون هو الحکم التکلیفی فقط و أما ثبوت الخیار فلا مجال له بعد فرض العین المستأجرة تالفا،و یمکن أن یرجع الی ذلک المعاملات الرائجة بین التجار حیث یدخلون أموالهم فی البیمة بان یکون ضمانها مع التلف علی الدولة فإن ذلک من جهة اشتراط کون قیمة المال علی الضامن مع التلف فی ضمن عقد لازم أو یعطی مقدارا من المال للضمان بهبة و یشترط ذلک فی ضمنه کما هو واضح فبذلک تکون معاملة مشروعة و لا یکون ذلک أکلا للمال بالباطل.

قوله:و منها اشتراط أن لا یخرج بالزوجة إلی بلد آخر.

أقول:قد اختلفوا فی صحة هذا الشرط و عدمه و ذهب المشهور ظاهرا الی نفوذه لعموم دلیل وجوب الوفاء بالشرط و ذهب بعضهم الی عدم النفوذ لأن هذا الشرط مخالف للکتاب،فان المکتوب للّه هو وجوب اطاعة الزوجة للزوج فالشرط المذکور مخالف له.

و لکن قد عرفت أن معنی کون الشرط مخالفا للکتاب هو المخالف مع قطع النظر عن الشرط و لا شبهة أن إخراج المرأة من بلدها الی بلد آخر فی نفسه من المباحات و لیس فیه مخالفة للکتاب فلا بأس باشتراط عدم خروجها فی ضمن عقد النکاح،أو البیع،أو غیر ذلک من العقود،فیکون هذا الشرط نافذا و صحیحا کما هو واضح.و هذا لا شبهة فیه.

ثم انه إذا خالف الزوج هذا الشرط و طلب من الزوجة الخروج من بلدها فهل یجب للزوجة أطاعته أو یجوز لها أن یخالفه فی ذلک ربما یقال بالأول لوجوب اطاعة الزوجة لزوجها و الشرط المذکور لا یوجب جواز مخالفتها بعد مخالفة الزوج لکونه مخالفا للکتاب و السنة الدالة علی وجوب

ص:335

اطاعة الزوجة للزوج فی أی شیء یرید منها فی غیر معصیة الخالق.

و لکن هذا الاشکال واضح،الدفع بداهة أنه یجب للزوجة اطاعة زوجها فیما له حق لا فیما لیس له حق،و من الواضح أنه بعد اشتراط أن لا یخرجها الزوج من بلدها الی بلد آخر الاّ برضایتها فی ضمن عقد لازم من العقود لیس له حق فی هذه الجهة علی الزوجة حتی یجب علیها أن تطیعه فی هذه الجهة أیضا و هذا واضح لا شبهة فیه و تحصّل أن هذا الشرط أیضا نافذ و غیر مخالف للکتاب و السنة.

قوله:الشرط الخامس أن لا یکون منافیا لمقتضی العقد.

أقول:ذکر المصنف فی ذیل هذا الشرط فروعا:- منها:ما ذکره بعضهم من أنه إذا باع شیئا و اشترط عدم البیع و لکن ذکر العلامة أنه صحیح و قواه بعض من تأخر عنه.

منها:ما ذکره فی سؤال فی بیع الحیوان من جواز الشرکة فیه إذا قال الربح لنا و لا خسران علیک لصحیحة رفاعة فی الشرکة فی الجاریة،و لکن النص مختص بالجاریة.

و منها:اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها الی بلد آخر،و قد جوّزه جماعة للنص و عدم المانع و منعه آخرون.

و منها:مسألة توارث الزوجین فی عقد المنقطعة.

أقول:الظاهر بل الواقع أنه لم ینقع حقیقة الشرط المخالف للکتاب و السنة و حقیقة الشرط المخالف بمقتضی العقد فی کلمات الفقهاء و لذا ترونهم یذکرون جملة من الفروع مثالا للشرط الذی یکون مخالفا لمقتضی الکتاب،و أیضا یذکرونها بعینها مثالا لما یکون مخالفا لمقتضی العقد و لا بدّ لنا من تنقیح ذلک حتی یتضح لنا واقعهما و حقیقتهما و یعلم أن ما یکون مثالا لأحدهما هل یمکن أن یکون مثالا للآخر أیضا أولا یمکن.

ص:336

فنقول:

أن الشروط فی العقود علی نحوین

لأنها قد تکون معتبرة فی العقود بحسب الارتکاز و بناء العقلاء و تسمی ذلک بالشروط فی ضمن العقد بحیث لا یحتاج الی الذکر و قد تکون معتبرة فیها بالاشتراط و بدونه لا یکون جاریا فیها،بل یکون العقد مطلقا بالنسبة الیه.

اما القسم الأول الشروط التی معتبرة فی ضمن العقد

فهو کثیر

منها ما تقدم من کون المثمن بالقیمة

المساویة للقیمة السوقیة

و الاّ کان للمغبون من البائع أو المشتری خیار الغبن و ان لم یشترط ذلک فان بناء العقلاء بحسب ارتکازهم علی ذلک فیکون هذا الشرط معتبرا فی المعاملة سواء صرح به أم لا،و من هنا قلنا سابقا أن خیار الغبن انما هو ثابت بالشرط الضمنی و بتخلفه یثبت الخیار للمشروط علیه کما هو واضح.

و منها:عدم کون کل من الثمن أو المثمن معیبا

فان الشرط الضمنی علی ذلک و الارتکازی العقلائی یقتضی کونهما خالیین عن العیب و الاّ ثبت الخیار لمن کان ماله معیوبا و من هنا قلنا ان خیار العیب علی القاعدة و و لم یحتاج الی ورود روایة فیه و ان کان ثبوت مطالبة الأرش فیه علی خلاف القاعدة.

و منها:انصراف الثمن الی نقد البلد و هکذا انصراف تسلیم المبیع

الی بلد البیع

و ان لم یصرّحا بذلک و قد ذکرنا سابقا أن المیزان فی الشروط الضمنیة ما یکون معتبرا فی العقد بدون التصریح و الانصراف المذکور کذلک و علی هذا فلو قال البائع أو المشتری انی أرید أن أسلم الثمن أو المبیع فی بلد آخر کان للآخر خیار الفسخ مع أنه لم یشترط الخیار فی ضمن العقد و هکذا کل شرط ضمنی فإن المیزان هو ما ذکرناه فیکون المنشأ فی الحقیقة هو الحصة الخاصة من الملکیة و نحوها علی مقتضیات العقود المعاملیة لما ذکرنا سابقا فی معنی جعل الخیار و قلنا ان معناه هو تحدید المنشأ و

ص:337

إنشاء حصة خاصة من الملکیة مثلا،بل فی الحقیقة أن هذا القسم من الشرط لیس بشرط أصلا،و انما المنشأ هو المنشأ المضیّق من الأول فکان المنشئ للعقد مع وجود الشروط الضمنیة قد إنشاء حصة خاصة و طبیعة مضیقة کما هو واضح و من هنا لا نحتاج فی اعتبار هذه الشروط الضمنیة فی أی عقد کان الی شمول دلیل وجوب الوفاء بالشروط علیها و انما یکفی فی صحتها، و نفوذها نفس عموم أدلة المعاملات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الصلح جائز بین المسلمین و غیر ذلک من الأدلة حسب کل معاملة دلیلا خاصة و مخصوصا بمعاملة خاصة کالصلح جائز بین المسلمین أو عاما کقوله:المؤمنون عند شروطهم و السر فی ذلک هو أن المعاملة المنشأ هو معاملة مضیقة و العقد المتحقق عقد خاص و الدلیل الدال علی وجوب الوفاء بالعقد انما یدل علی الوفاء بهذا العقد المضیق فیکون نفس ما یوجب التضیّق الذی نسمیه شرطا ضمنیا و یترتب علی مخالفته الخیار مشمولا لعموم الوفاء بالعقد،فان العقد الذی وجد فی الخارج و شمله هذا العموم و غیره هو هذا المضیق لا غیر،فافهم.

نعم،انما یجری ذلک فی العقود القابلة للتضیق من حیث الزمان بحیث یکون المنشأ فیها محدودا ککون الملکیة فی البیع الخیاری ملکیة محدودة،و أما العقود التی لا یکون قابلا للتضیّق فلا یجری فیها ما ذکرناه اعنی تضیق المنشأ و إنشاء الطبیعة المحدودة و المضیقة و لو بمؤنة الشروط الضمنیة المأخوذة فیها بحسب ارتکاز العقلاء و ذلک کعقد النکاح فان الشارع قد جعله دائمیا أو مقیدا بأجل خاص فلا بدّ و ان ینشأ اما دواما بحیث لا یزول بالفسخ أصلا إلاّ فی موارد خاصة الثابتة بالنص الخاص و لا یرتفع الاّ بالطلاق أو مؤجلا بأجل معلوم و أما إنشاءه محدودا بأجل غیر معین کالملکیة المحدودة بالخیار فلا،بحیث یکون کل من الزوج أو الزوجة

ص:338

مخیرا فی فسخ عقد النکاح فی أی وقت أراد،فإن عقد النکاح لم یثبت فی الشریعة مقیدا بأجل غیر معین،فحیث جری فیه ما ذکرنا من اعتبار الشروط الضمنیة الموجبة لتضیّق دائرة المنشأ و أن المنشأ فیها لیس إلاّ حصة خاصة فلازم ذلک أن یکون الخیار محدودا بزمان غیر معین أعنی فسخ من له الخیار فی أی وقت أراد و قد عرفت أنه غیر مشروع و بذلک حکمنا بعدم جریان الخیار فی النکاح فی حاشیة العروة من غیر احتیاج الی التمسک بالإجماع کما زعمه بعض الاعلام،فافهم.

و أما القسم الثانی من الشرط و هو ما یکون معتبرا فی العقد بالاشتراط

الصریح.

و هذا قد یکون شرطا موافقا للقواعد الشرعیة کجمیع الشروط السائغة کاشتراط الکتابة و الخیاطة و غیرهما من شرط الفعل و النتیجة فإن ذلک صحیح و نافذ و یجب الوفاء بها بمقتضی دلیل الوفاء بالشرط و یکون مع التخلف موجبا للخیار سواء کان الشرط فی أصل تعلیق العقد بالالتزام بشیء أو فی تعلیق الالتزام بالعقد بشیء و قد تقدم تفصیله.

و قد یکون الشرط مخالفا لمقتضی العقد.

و قد یکون مخالفا للکتاب و السنة و الفارق بینهما أن کل عقد له مقتضی فإذا کان الشرط ینافی ذلک المقتضی کان هذا الشرط منافیا لمقتضی العقد کما إذا باع داره من شخص و اشترط علیه أن یملکها و آجر دابته من غیره و اشترط علیه أن لا تکون منفعتها له،و هکذا فان هذا الشرط مناقض لمقتضی العقد،فان معناه البیع و لا أبیع،ثم انه هل یکون من قبیل الشرط المخالف لمقتضی العقد ما إذا اشترط فی ضمن البیع أن یکون المبیع بلا ثمن أو لیس من ذلک،و قد توهم کونه مخالفا لمقتضی العقد إذ البیع بلا ثمن،لا یعقل،فمرجع هذا الاشتراط الی عدم البیع و هذا لا یلائم البیع

ص:339

و لکنه واضح الدفع فان هذا الاشتراط قرینة علی عدم ارادة البیع من ذلک، بل أرید منه الهبة.

نعم،لو أرید من هذه الجملة معناها اعنی البیع حقیقة کان الشرط، مخالفا لمقتضی العقد،و لکن لیس الأمر کک،نعم هذا الشرط مناف لمقتضی لفظ البیع و هذا لا محذور فیه مع القرینة،فإن المجازات کلها کذلک،إذ القرینة فیها منافیة لمقتضی اللفظ،کما هو واضح.

و بالجملة هذا المثال خارج عن کون الشرط مخالفا لمقتضی العقد، بل القرینة دلت(و هو الاشتراط)علی أن المراد من البیع لیس معناه الحقیقی و انما المراد منه الهبة،نعم یتوقف صحة ذلک علی ما تقدم فی ألفاظ العقود من أن اللفظ المجاز هل یجوز أن یقع به الإنشاء أم لا،فان قلنا بالصحة کما ذهب الیه بعضهم،بل ذهبوا الی صحته بالغلط أیضا کان إنشاء الهبة بلفظ البیع مع القرینة المذکورة صحیحا و الا فلا.

و قد یکون الشرط المذکور مخالفا للکتاب و السنة و المراد من ذلک أن یکون هنا حکم شرعی قد جعله الشارع فیکون الاشتراط مخالفا له بحیث لو لم یکن هنا ذلک الحکم لا یکون الشرط مخالفا لشیء أصلا،بل کان واجب الوفاء و ذلک کبیع شیء و اشتراط أن لا یبیعه من شخص فان هذا مع قطع النظر عن حکم الشارع بجواز بیعه لغیره لا ینافی شیء أصلا،و انما التنافی من جهة جعل الشارع ذلک الحکم علی خلاف الشرط افرض أنه لو کان هنا حکم وجوب یتعلق ببیع ما یشتریه المشتری من غیره و مع ذلک یشترط البائع علی المشتری أن لا یبیعه من غیره کان هذا الشرط منافیا لحکم الشارع و هکذا فی جمیع موارد مخالفة الشرط للکتاب،فالمیزان فیه أن الشرط مع قطع النظر عن حکم الشارع لا ینافی بشیء،و انما یطرء علی العقد عنوان التنافی إذا جعل الشارع هنا حکما و یکون الشرط علی خلافه من دون أن

ص:340

یکون منافیا لمقتضی العقد أصلا فالشرط المنافی لمقتضی العقد منافیة و ناقضة دائما سواء کان هنا حکم شرعی أم لم یکن بخلاف الشرط المخالف للکتاب فتحصل أن الشرط المخالف لمقتضی العقد لا یجتمع مع ما یکون مخالفا لمقتضی الکتاب أصلا،فالاشتباه من جهة عدم التنقیح کما هو واضح.

و ملخص الکلام فی المقام أنه ذکروا من جملة الشروط لصحة الشرط أن لا یکون مخالفا للکتاب و من جملتها أن لا یکون مخالفا لمقتضی العقد و مثلوا لکل منهما أمثلة و لم یمیّز ما بینهما،بل ربما ذکروا فرعا واحدا مثالا للشرط الأول و أیضا ذکروا مثالا للشرط الأخر أیضا،حتی أن المحقق الثانی مع مهارته فی الفقه(بحیث ذکر المصنف فی حقه تارة و بمثل هذا سمی محققا ثانیا و أخری ذکر أنه بهذا قد ثنی المحقق)تکلم فی الشرطین و لم یأتی بشیء ثم ذکر أنه لا بدّ من الرجوع فی ذلک الی الفقیه و أنه یتبع رأیه فی ذلک مع أنه لا شأن لرأی الفقیه فی کون شرط مخالفا للکتاب أو لمقتضی العقد،و أن أی من الشروط مخالف للکتاب أو أی منهما یخالف مقتضی العقد و انما یرجع الی الفقیه فی ما یرجع الی الاحکام من حیث الاستفادة من الأدلة.

و الذی یقتضیه التحقیق فی تمییز کل من الشرطین عن الآخر ما أشرنا إلیه أنفا و حاصله أن ما یقتضیه العقد سواء کان الاقتضاء بلا واسطة أو مع الواسطة،الأول أن یقتضیه بلا واسطة شیء فی البین أصلا کاقتضاء البیع ملکیة العین و اقتضاء الإجارة ملکیة المنفعة و اقتضاء النکاح الزوجیة و هکذا فالعقد بما هو عقد یقتضی الأمور المذکورة من غیر أن یحتاج ذلک الی إمضاء الشرع و اعتباره أو إمضاء العقلاء و اعتبارهم.

و بعبارة أخری أن لکل عقد له مقتضی فی نفسه مع قطع النظر عن إمضاء الشارع و العقلاء و اعتبارهم حتی لو فرضنا لم یکن فی العالم شرع و شریعة

ص:341

و لا العقلاء،و تحقق عقد بین شخصین کان لهما مقتضی(بالفتح).

الأمر الثانی:أن العقد لا یکون مقتضیا لشیء و لکن یکون موضوعا لحکم من الأحکام الشرعیة کجواز النظر إلی المرأة و جواز بیع المبیع بعد شرائه و جواز التصرف فی العین المستأجرة و هکذا فإن الأمور المذکورة لیست من مقتضیات العقد ابتداء و لکن من مقتضیاته ثانیا،أی هو موضوع لها فی نظر الشارع و کل شیء یترتب علی العقد أولا و بالذات ثانیا،و بالعرض لا یخلوا عن هذین الأمرین.

و أما الأفعال الخارجیة فهی بأجمعها خارجة عن مقتضی العقد لا بالمعنی الأول و لا بالمعنی الثانی،فإن وقوع شیء فی الخارج و عدم وقوعه فیه مسبب عن سبب تکوینی غیر مربوط بالعقد فلا یکون العقد مقتضیا له لا ابتداء و لا بالواسطة،نعم یکون الفعل الخارجی موضوعا لحکم شرعی یکون ذلک الحکم الشرعی من مقتضیات العقد بالمعنی الثانی،کأکل مبیع و شربه و نحو ذلک فإن أمثال هذه الافعال لیست من مقتضیات العقد بکلا المعنیین،و لکن موضوعة لحکم الشارع و هو جواز الأکل مثلا و ذلک الحکم من مقتضیات العقد بالمعنی الثانی فإن جواز الأکل مترتب علی شراء ما یؤکل و الاّ کان حرام الأکل لکونه مال الغیر هذا کله،ما یرجع الی مقتضی العقد.

و أما الشرط فقد یطلق علی الشروط الضمنیة،فالشرط الضمنی یرجع غالبا اما الی تضییق المنشأ کالملکیة و نحوها علی اختلاف المنشئات فی العقود و ذلک کخیار الغبن و نحوه ممّا ثبت بالشرط الضمنی لأنا قد ذکرنا فی السابق أن مرجع جعل الخیار هنا الی تضییق دائرة المنشأ و هو الملکیة و قد یرجع الی تضییق دائرة الثمن کانصرافه الی نقد البلد و المصداق الأوضح لذلک ما وقع البیع علی شیء بخمسة دنانیر،فإنه یحمل فی العراق علی الدینار العراقیة و لیس للمشتری أن یدعی بعد المعاملة أن المراد

ص:342

من الدنانیر هو الدینار الایرانی فیکون خمس ألف دینارا منطبقا علی تومان واحد،و هکذا یحمل الثمن علی ثمن البلد،فلا بدّ من إعطائه فی بلد المعاملة و لیس للمشتری أن یدعی إعطائه فی بلد آخر،ففی الحقیقة أن هذا الشرط الضمنی یضیق دائرة الثمن بحیث لا یکون الثمن غیره حتی لو أعطی المشتری الثمن فی غیر هذا البلد و رضی به البائع لا یکون هذا هو الثمن الذی وقع علیه العقد،بل یکون بدلا منه و یصیر معاملة أخری بین الثمن و بین نقد آخر،و هکذا الحال فی المثمن فإذا باع حنطة فی بلد فالشرط الضمنی یوجب حمله علی حنطة هذا البلد أو اشتری حنطة من شخص فی مزرعته فمقتضی الشرط الضمنی تحمل علی حنطة تلک المزرعة و یکون المبیع مقیدا بذلک و مضیقا به بمعنی أن المبیع یکون هو الحصة الخاصة دون غیرها و لو اعطی البائع من غیر ذلک لا یکون ذلک المبیع الذی وقع علیه العقد إذا رضا المشتری به.

نعم،یکون معاملة أخری بین المثمن و بین حنطة أخری کما هو واضح و لیس لأحد أن یقول أن المبیع أو الثمن هنا الکلی فلا یکون المعطی من غیر نقد البلد أو حنطة البلد إعطاء من غیر الثمن و محتاجا إلی مراضاة جدیدة لما عرفت من تضییق دائرتهما بالشرط الضمنی و انما قلنا ان الشرط الضمنی یرجع غالبا الی تضیق دائرة أحد الأمور الثلاثة من جهة أنه قد لا یکون الشرط الضمنی موجبا لتضییق دائرة شیء من تلک الأمور ابتداء کأصل تسلیم الثمن أو المثمن فان الشرط الضمنی بالنسبة إلی تسلیم الثمن أو المثمن موجود و لکن لا یکون موجبا لتضییق دائرة المنشأ أو الثمن أو المثمن ابتداء،بل یوجب الخیار مع التخلف.

ثم ان الشرط الضمنی و ان کان یوجب تضییق دائرة بالنسبة إلی الجهات المذکورة و لکن مع التخلف یثبت الخیار فلا یبطل البیع لانه وقع

ص:343

علی الکلی و ان کان کلیا مضیقا و لم یقع علی الشخص الخاص و مما ذکرناه ظهر ان الشرط الضمنی لا یوجب الاّ تضییق الدائرة و جعل المنشأ أو الثمن أو المبیع حصة خاصة و هو فی الحقیقة لیس بشرط فکأن البائع من الأول باع حنطة مزرعة خاصة و وقع البیع علی نقد هذا البلد بالصراحة.

فهل یتوهم أحد أن الثمن أو المبیع مطلق و غیر مضیق و علی هذا فلا یحتاج اعتبار هذا القسم من الشرط الی شمول دلیل وجوب الوفاء بالشرط علیه،بل یکفی فی مشروعیة نفس الأدلة الدالة علی صحة العقد،فان العقد قد وقع علی شیء خاص و المنشأ انما هو شیء خاص.

فهل یتوهم أحد أنه إذا وقع العقد علی مبیع خاص یحتاج کونه خاصا الی دلیل الشرط،بل المعاملة الواقعة فی الخارج معاملة خاصة فتکون بخصوصیتها مشمولة لعموم ما دل علی صحة العقد کما هو واضح.

ثم انا و ان ذکرنا أن معنی جعل الخیار یرجع الی تحدید المنشأ حتی الخیارات المجعولة الاّ أنه لا ینافی بما ذکرناه هنا من کون الشروط الضمنیة راجعة إلی تضییق الدائرة و أنها لیست بشروط فی الحقیقة و لا یحتاج اعتبارها إلی أدلة الوفاء بالشرط و الوجه فی عدم التنافی هو ما أشرنا إلیه قبیل هذا من أن الشروط المجعولة بحسب جعل المتعاقدین انما هو یوجب إلزام المشروط علیه علی الفعل المشروط و فی هذه المرتبة یحتاج إثبات مشروعیة هذا الإلزام إلی شمول أدلة وجوب الوفاء بالشرط علیه،ثم مع تخلف المشروط علیه علی شرطه یثبت للشارط خیار التخلف شرط و هذا الخیار الثابت بالتخلف و انما یوجب هذا الشرط تضییق دائرة المنشأ فی مرحلة تخلف الشرط لا ابتداء،و الاّ فما هو ثابت ابتداء اعنی إلزام المشروط علیه یحتاج الی دلیل الشرط فالشروط الضمنیة ابتداء یوجب تضییق الدائرة بلا احتیاج الی دلیل الشرط و الخیارات المجعولة توجب تضییق دائرة

ص:344

المنشإ بعد تخلّف الشرط بلا احتیاج الی دلیل الشرط فان الاحتیاج إلیه فی منشأ الخیار و هو الإلزام و أما ثبوت الخیار مع التخلف لا یحتاج الی دلیل أصلا،فافهم.

القسم الثانی من الشروط أن یکون شرط فعل بأن یشترط أحد المتبایعین علی الآخر أن یبیعه من زید أو یشترط ترک فعل بأن لا یبیعه من شخص و من قبیل شرط الفعل أیضا إذا اشترط اعتبار ملکیة مال مخصوص للبائع و قد تقدم هذا فی اشتراط الاعتبار.

و قد ذکر العلامة أنه لو باع العبد و اشترط علی المشتری عتقه صح ذلک لبناء العتق علی التغلیب فکأنه لم یجوّز هذا الشرط أی شرط الفعل و بنی فی عتقه علی الغلبة مع أن کون بناء العتق علی الغلبة لا یجوز غیر المشروع،فهل یتوهم أحد صحة عتق عبد الغیر لبناء الشارع علی الحریة الی غیر ذلک من الأمثلة ففی هنا لا یکون هذا الشرط بنفسه مخالفا لمقتضی العقد و لا الکتاب و السنة من حیث نفسه لما عرفت سابقا أن الفعل الخارجی من حیث الوقوع و عدمه غریب من مقتضی العقد بالکلیة فلا یقتضی العقد وقوع فعل فی الخارج و لا عدمه و کک لا یکون مخالفا للکتاب و السنة لعدم کون الفعل الخارجی من حیث نفسه حکما شرعیا لا وجودا و لا عدما،نعم هو موضوع للحکم الشرعی فلا بدّ من ملاحظة الشرط بالنسبة الی هذا الحکم المترتب علی الفعل فان کان مخالفا له کان باطلا و الاّ صح،کما إذا باع حنطة و اشترط علی المشتری شرب الخمر أو فعل حرام آخر أو اشترط علیه ترک واجب من الواجبات و أما إذا کان الشرط امرا اعتباریا فقد تقدم الکلام فیه من أنه ان اختیار سببه بید المتعاقدین کالملکیة فی البیع و نحوه یصح و الاّ کان أمرا غیر اختیار بان یکون فعلا للأجنبی أو کان سببه سببا خاصا فلا یکون ذلک الشرط و علیه فان کان البیع معلقا علی الالتزام به بطل لعدم إمکان الالتزام

ص:345

لغیر المقدور و للتعلیق و ان کان اللزوم معلقا علیه ثبت للشارط الخیار، أی خیار التخلف الشرط.

و إذا لم یکن شرط الفعل مخالفا للکتاب و السنة بالمعنی المذکور، صح من هذه الجهة و من جهة عدم مخالفته لمقتضی العقد و ان کان له مانع آخر کما إذا باع شیئا بشرط أن لا یبیعه إلا إیاه فذکر العلامة فی التذکرة أنه مستلزم للدور سیأتی الکلام فیه.

و من قبیل شرط الفعل أیضا ما إذا باع شیئا و اشترط أن یبیعه من شخص خاص أو شرط عدمه کأن لا یبیع من أحد فإنه لیس مخالفا لمقتضی العقد و لا أنه مخالف للکتاب و السنة،بل هو شرط سائغ فإذا تعلق به غرض الشارط فلا بأس به و قد ورد فی بعض روایات بیع العبد انه لو باع و اشترط عدم البیع من أحد أو عدم الهبة صح و ان اشترط الإرث فلا یصح فمع قطع النظر عن القاعدة فالروایة أیضا یقتضی صحة الشرط و العجب أنهم ذکروا ان اشتراط عدم بیعه من زید صح و إذا اشترط عدم بیعه من أحد فلا یصح و لا ندری أنه أی فرق بین الشرطین.

و العجب من العلامة فإنه(ره)ذکر أن اشتراط عدم البیع منافی لمقتضی ملکیة فیخالف قوله(صلی الله علیه و آله)الناس مسلطون علی أموالهم.

و وجه العجب أن دلیل السلطنة لم یثبت حکما إلزامیّا من الوجوب أو الترک حتی یلزم من الاشتراط ترک الواجب أو فعل الحرام فیکون مخالفا للکتاب و السنة،بل هو یثبت أمرا مباح و هو کون الإنسان مرخصا فی بیع ماله و ترکه و له الاختیار فی ذلک و قد تقدم أن الشرط فی مورد الأمر المباح بالمعنی الشامل للمکروه و المستحب أیضا لا ینافی الکتاب و السنة بوجه و من هذا القبیل أن یبیع دارا مثلا و یشترط علی المشتری أن یجعلها وقفا فإنه لا ینافی بالکتاب بوجه فإنه فعل مباح سائغ کما هو واضح.

ص:346

القسم الثالث من الشرط أن یشترط أحدهما علی الأخر أمرا وضعیا کما إذا باع متاعه من زید و الشرط علیه أن یکون زوجته مطلقة أو یکون بنته زوجة له و هکذا فان کان ذلک الشرط أمرا منافیا و مناقضا لمقتضی الشرط، فلا یجوز لکونه مناقضة کما إذا باع داره من عمرو و اشترط علیه أن لا تکون الدار ملکا له أو آجر دابته منه و اشترط أن تکون المنفعة مملوکة له أو عقد عقد نکاح و اشترط فی ضمن العقد أن لا تکون زوجة له و هکذا فان ذلک کله مناقضة لمقتضی العقد فلا ینفذ و ان لم یکن الوضع المذکور مناقضا لمقتضی العقد و لکن ذلک مخالف لحکم الشارع لأنه اعتبر فی حصوله سببا خاصا فلا یکون الاشتراط من جهة أسبابه و قد عرفت ذلک سابقا و ذلک کاشتراط زوجیة امرأة فی عقد البیع مثلا أو طلاقها فیه،و هکذا لو اشترط أمرا وضعیا یکون نفس ذلک الأمر الوضعی مخالفا لحکم الشارع کاشتراط أن یکون خمر المشتری ملکا للبائع و هذا أیضا مخالف لحکم الشارع فلا یکون نافذ.

ثم انه من قبیل الشرط المخالف للکتاب أن یشترط أحد الشریکین علی الأخر من المبیع الذی یشتریان مشاعا أن یکون النفع له و الخسران علی الآخر و هذا أیضا مخالف للکتاب فان مقتضی الحکم الشرعی أن ضرر کل مال علی مالکه و لم یثبت فیه جواز ان یلتزم أحدهما علی الآخر ضمانه کما تقدم نظیره فی تعهد ضمان تلف مال شخص آخر فإنه لم یثبت هذا النحو من الضمان فی الشریعة الاّ أن یشترط علی الأخر لزوم إعطاء قیمته من ماله فهو شرط الفعل فلا بأس به،و أما الروایة الدالة علی جواز شراء الجاریة و اشتراط هذا الشرط فی ذلک،فإن أمکن حملها علی شرط إعطاء قیمتها مع الخسران فهو،و الاّ فلا بدّ من الاقتصار بها فی موردها فلا یمکن التعدی عنها الی غیرها لکونها مخالفة للقاعدة کما لا یخفی.

و قد ظهر مما ذکرناه من معنی المقتضی للعقد و من معنی الشرط أنه

ص:347

لا یبقی مورد للشک حتی یحتاج الی التمسک بالأصول،بل قد اتضح أنه کلما یکون شرطا فحکمه معلوم اما بالأمارة أو بالأصول،و لکن العجب من هؤلاء المحققین لم یأتوا شیئا یکون میزا بین کون الشرط مخالفا لمقتضی العقد أو للکتاب حتی المحقق الثانی مع مهارته فی الفقه.

قوله السادس:أن لا یکون الشرط مجهولا.

أقول:ذکر الفقهاء أن من جملة شروط صحة الشرط فی ضمن العقد أن لا یکون الشرط مجهولا فلو اشترط أحد المتبایعین علی الآخر شرطا مجهولا بطل العقد للغرر.

أقول:توضیح الکلام فی المقام أن الشرط المأخوذ فی العقد قد یکون شرطا ضمنیا و معتبرا بحسب الارتکاز العقلائی الذی مرجعه الی کون المنشأ أو الثمن أو المثمن مقیدا و حصة خاصة علی ما تقدم فإنه حینئذ لا تکون الجهالة فی الشرط إلاّ جهالة فی البیع فیکون فی الحقیقة الثمن مجهولا أو المثمن کک فیرجع هذا إلی جهالة العوضین،و قد اعتبرنا عدمها فی شرائط العوضین،فلا یحتاج اعتبارها فی المقام أیضا،إذ قد تقدم أنه لیس فی أمثال المقام اشتراط غالبا،بل الثمن أو المثمن مقید و مضیق بالحصة الخاصة کما إذا قیّد البائع أو المشتری العوضین من الأول بحصة خاصة ککون المبیع عبدا کاتبا أو کون الحنطة من مزرعة فلا نیة فهل یتوهم أن هذا القید اعتبر فی المبیع بعنوان الاشتراط بحیث یحتاج نفوذه الی دلیل الوجوب الوفاء بالشرط و لیس کک،بل انما وقع البیع علی شیء خاص و علی کل مقید علی حصّة مخصوصة کما هو واضح.

و علی الجملة جهالة مثل هذه الشروط عین جهالة العوضین کما إذا باع منا من حنطة مزرعة مجهولة أو علی ثمن مجهول فلا شبهة فی خروج هذا القسم عن محط الکلام،و الظاهر أنه لا یتوهّم أحد کونه داخلا فی المقام و

ص:348

انما نذکره توضیة للأقسام،فافهم.

الثانی:أن یکون الخیار المعتبر فی العقد بحسب اشتراط المتعاقدین مجهولا کأن یبیع أحمد عبدا معلوما من زید و اشترط زید علی أحمد أن یکون العبد کاتبا مع أنه لا یعلم کونه کاتبا أو غیر کاتب،ففی هذه الصورة و ان کان الخیار مجهولا و لکن هذه الجهالة فی الخیار لا یوجب غرریة العقد،لکی یحکم ببطلانه فان الغرر علی ما تقدم فی محله هو الخطر،و من الواضح أنه أی خطر یتوجه علی المشتری من تلک الجهالة إذ لو کان العبد کاتبا فی الواقع و تسلمه علی هذا الشرط یحکم بلزوم البیع و الاّ یکون له الخیار له أن یفسخ العقد و له أن یبقیه علی حاله و یرضی بالعبد غیر الکاتب،نعم لو الزم علی قبول العبد بدون الکتابة و لم یکن له الخیار فی ذلک کان له ضرر مالی و یکون البیع غرریا و خطریا و قد عرفت أن الأمر لیس کک.

الثالث:أن یشترط أحدهما علی الآخر شرطا فی العقد و یکون ذلک الشرط مجهولا کما إذا باع حنطة من شخص و اشترط علی المشتری کونها من مزرعة یعلمها البائع مثلا فهذه الجهالة تسری إلی الجهالة فی نفس المبیع فیکون مجهولا فی نفسه فیکون البیع باطلا من جهة جهالة نفس المبیع لا من جهة جهالة الشرط.

الرابع:أن یشترطا فی ضمن العقد الفعل بان یشترط البائع علی المشتری،أو العکس،أن یخیط له ثوبا و لم یذکر أن الثوب أی شیء،فإنه لا شبهة فی کون البیع غرریا ح لأنه قد یکون ما قصده الشارط قمیصا فتکون أجرته خمسین فلسا و قد یکون جبة فتکون أجرته دینارا فح یکون البیع غرریا لأنه لا یعلم المشروط علیه أن المال الذی وصل إلیه فی مقابل المبیع أو العوض یساوی بما إعطاء من بدله مع وجود هذا الشرط أولا فإن الشرط و

ص:349

ان لم یکن فی مقابله شیء و لکن لا شبهة فی کونه دخیلا فی زیادة الثمن أو المثمن فان ما یعطی من الثمن بدون الشرط لا یعطی معه فتکون هذه المعاملة خطریة و غرریة.

الخامس:أن یشترطا شرط النتیجة بأن یشترط أحدهما علی الأخر فی البیع کون ما بیده من الأموال له و لم یعلم أنها أی مقدار،فإنها أیضا یوجب غرریة المعاملة فتبطل لذلک و کیف مع السیر و التقسیم لا نجد موردا باطلا لوجود الغرر فی نفس البیع و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون الدلیل علی بطلان البیع هو النهی عن بیع الغرری و بین أن یکون النهی عن مطلق الغرر،کما هو واضح.

قوله:الشرط السابع أن لا یکون مستلزما لمحال.

أقول:ذکر العلامة رحمه اللّه أنه لو شرط فی البیع أن یبیعه من البائع لزم الدور و أما لو شرط علی أن یبیعه من غیره فلا یلزم الدور لجواز أن یکون جاریا علی حد التوکیل أو عقد الفضولی بخلاف ما لو شرط البیع علی البائع.

أقول:الذی ذکره العلامة لا بأس به من حیث الکبری و لکن لم نجد له صغری فی المقام و بیان ذلک أنه ان أراد من کلامه هذا الشرط الفلسفی فهو صحیح من حیث الکبری،حیث انه لو کان ما هو من قیود المعلول و شروطه شرطا للعلة و نفس المعلول شرطا فیها لزم الدور لتوقف المعلول علی علته و توقف العلة علی المعلول باعتبار الشروط المعتبرة فیه،و لکن الأمر لیس کک هنا فان الشرط لیس من قیود علة الملکیة و سببه،بل سبب الملکیة فی البیع مثلا هو العقد و الشرط،انما هو شرط اللزوم کما هو واضح و ان کان مراد العلامة هذا المعنی فهو لا یرتب بالمقام و ان کان شیئا آخر فلا ندری ما أراد علی أنه أی فرق بین اشتراط بیعه من البائع و من غیره فان الاشتراط لو کان موجبا للدور یوجب فی کلا الموردین،و الاّ فلا و

ص:350

و ما ذکره من الفارق غیر تام.

نعم،ذکر صاحب الحدائق هذا الشرط و استدل علیه بروایتین فسیأتی الکلام فی ذلک فی النقد و النسیة،بل صرح فی التذکرة بجواز اشتراط أن یقف المشتری المتاع علی البائع و علی عقبه فأی فرق بین هذا و سابقه أی اشتراط بیعه علی البائع بل هذا مثل النذر و العهد کقولک للّه علیّ کذا،ان کان کذا،و الانصاف أن هذا الاشتراط لا بأس به فلا یکون موجبا للمحال فتحصل أنه لم نجد صغری لما ذکره العلامة و ان کانت الکبری صحیحة کما هو واضح،نعم،لو کان الشرط راجعا الی کون المبیع للبائع بهذا البیع بحیث یکون الإیجاب قبولا لبیع المشتری المبیع المأخوذ من البائع له و یکون قبول المشتری بیع البائع إیجابا للبیع الثانی لزم ما ذکر و مع شرط النتیجة ان کان قصدهما کون المبیع له فعلا یکون بیع ما لیس عنده و ان کان المراد کون المبیع له بعدا لزم التعلیق فهو باطل بالإجماع،و لکنه أجنبی عن صورة الاشتراط المذکور کما عرفت فان الشرط المذکور لا بأس به أصلا،و دعوی الإجماع علی هذا الاشتراط باطل جدا فان هذا من العلامة و من بعده فکیف یمکن دعوی الإجماع فیه.

قوله:الشرط الثامن أن یلتزم به فی متن العقد.

أقول:ذکر الفقهاء رضوان اللّه علیهم أن من جملة الشروط لصحة الشرط فی ضمن العقد أن یکون الشرط مذکورا فی ضمن العقد و الاّ فلا یکون واجب الوفاء.

و تحقیق ذلک أن الشروط التی لا یذکر فی العقد قد تکون من الشروط الضمنیة کانصراف العقد الی کون النقد بلدیّا و کون التسلیم فی بلد البیع و هکذا و قد تقدم الکلام فیها و قلنا أن معنی الشرط الضمنی هو أن لا یکون اعتباره محتاجا الی الذکر،بل یکون معتبرا فی العقد سواء ذکر أم

ص:351

لم یذکر کما هو واضح،و هذا القسم من الشروط خارج عن محلّ الکلام جزما فإنها و ان لم تذکر فی ضمن العقد و لکنها معتبرة فیها ببناء العقلاء علیها،و یجب الوفاء بها بنفس الأدلة الدالة علی وجوب الوفاء بالعقد کما تقدم فی الشرط المخالف لمقتضی العقد بلا احتیاج إلی أدلة وجوب الوفاء بالشرط کما هو واضح.

و قد یکون الشرط مذکورا قبل العقد تصریحا و تفصیلا،و لکن لا یذکر فی العقد الاّ بنحو الإشارة کقول البائع بعتک المتاع الفلانی بدینار علی ما علم فیقول المشتری قبلت هکذا فإنه لا شبهة فی ارتباط العقد بالمشروط الذی شرطوه قبل العقد کما هو واضح.

و قد یکون الشرط مذکورا قبل العقد،و لکن یکون مغفولا عنه عند العقد فلا یذکر فی ضمنه نسیانا و غفلة و هذا أیضا خارج عن محل الکلام جزما لکونه غیر مربوطا بالعقد.

و قد یذکر الشرط قبل العقد و لم یذکر فی ضمنه و لکن یقع العقد بانیا علیه بحیث یقصد المتبایعان کون العقد مقیدا بذلک الشرط،فهل یجب الوفاء بهذا الشرط أو لا فهذا هو محل الکلام فی المقام و هل هذا الشرط صحیح أو فاسد؟و علی تقدیر فساده هل هو مفسد للعقد أو لا؟ أما الکلام فی الجهة الثانیة فسیأتی إنشاء اللّه.

و انما الکلام فعلا فی الجهة الأولی فذکر المصنف أن العقد إذا وقع تواطئهما علی الشرط کان قیدا معنویا له،فالوفاء بالعقد الخاص لا یکون الاّ مع العمل بذلک الشروط و یکون العقد بدونه تجارة لا عن تراض،إذ التراضی وقع مقیدا بالشرط فإنهم قد صرحوا بان الشرط کالجزء من أحد العوضین،فلا فرق بین أن یقول بعتک العبد بعشرة و شرطت لک ماله و بین التوائهما علی هذا الشرط مع ذکره قبل العقد.

ص:352

أقول:یرد علیه أولا أنه لا یصح ما ذکره المصنف فی المقیس حیث انا ذکرنا مرارا أن الشرط لا یقابل بالمال و الاّ لکان اللازم وجوب رد جزء من الثمن أو المثمن مع مخالفة الشرط،بل مرجع الشرط فی العقد لیس الاّ تعلیق نفس العقد علیه،مع حصول المعلق علیه،و یترتب علی عدم العمل بمقتضی الالتزام الخیار أو تعلیق نفس الالتزام علی الشرط،فیترتب علی مخالفته الخیار،و أما کون الشرط مقابلا بجزء من الثمن أو المثمن فلا،و علی تقدیر کون الشرط کالجزء من مقابله بجزء من الثمن و لکن لا نسلم بطلان ذلک فی المقیس علیه،بل نقول بکفایة البناء و القصد یکون الجزء الخاص داخلا فی المبیع و لا یلزم التصریح به کما هو واضح،فإنه یکفی إیقاع العقد بانیا علی الثمن و المثمن الذین سبق ذکرهما و لا یحتاج اعتبارها فی البیع إلی الإبراز أیضا،کما یحتاج أصل البیع إلی الإبراز،فافهم هذا ما یرجع الی ما ذکره المصنف الراجع إلی صحة الشرط الذی وقع العقد مبنیا علیه.

ثم انه ذکر للقول بالبطلان وجهان:الأول:الإجماع علی بطلانه لکونه بمنزلة الشرط الابتدائی و فیه أنا لا نسلّم تحقق الإجماع التعبدی علی ذلک الاّ من جهة أن الشرط کنفس العقد یحتاج إلی الإبراز و علیه فیرجع هذا الوجه الی ما ذکره شیخنا الأستاذ من الوجه الثانی الاتی.

الوجه الثانی:ما ذکره شیخنا الأستاذ من أن الشرط کسائر أرکان البیع من الثمن و المثمن محتاج إلی الإبراز و الإظهار فکما أن إیقاع البیع مبنیّا علی کون الشیء الفلانی ثمنا أو مثمنا لا یکفی فی صحة العقد و کذلک إیقاعه مبنیا علی الشرط الذی سبق ذکره أیضا،لا یکفی،بل یحتاج صحة ذلک الشرط،و کونه لازم الوفاء الی ذکره فی متن العقد و بدونه لا یجب الوفاء به أصلا،و لا یقاس ذلک بالشروط الضمنیة حیث ان الشروط الضمنیة بسبب تعهدها عند العرف یصیر من المدلولات العرفیة للفظ قصدها

ص:353

المتعاقدان أو لم یقصدا و هذا بخلاف ما تباینا علیه فإنه لا یکاد یصیر مدلولا للفظ ابدا بداهة أن تبانی المتکلم و المخاطب علی معنی لا یکاد یوجب الدلالة و صیرورة اللفظ دالا علیه بنحو من الدلالة کما هو واضح.

و علی الجملة البناء علی الشرط فی إنشاء العقد لا یکفی فی إنشائه، بل لا بدّ من تعلیق الإنشاء بنفس الشرط،بحیث ینشأ الشرط مستقلا کما ینشأ العقد کما هو واضح.

أقول:قد تقدم أن الشرط فی العقود بمعنی الربط و الإناطة،فهو یرجع الی أمرین:أحدهما:تعلیق نفس العقد به و هذا فیما إذا کان الشرط هو التزام المشروط علیه فإنه یرتبط العقد به و لا یضر التعلیق هنا لحصول المعلق علیه و هو الالتزام،و ح إذا لم یعمل المشروط علیه بشرطه یکون للشارط الخیار،و لا شبهة أن اشتراط أن یکون هذا النحو من الإناطة محتاجا إلی الإبراز فاسد،و لا دلیل علیه و لا وجه لقیاسه بنفس العقد،من جهة انه محتاج إلی الإظهار و الإبراز فبدونه لا یحصل العقد فی الخارج کما لا یحصل بالقصد السابق،فإنه لیس اسما للاعتبار المحض بل للاعتبار المبرز کما تقدم مرارا و حققناه فی علم الأصول،و هذا بخلاف الشرط،فإنه اسم للإناطة کما عرفت،و هو یتحقق و ان لم یبرز فی الخارج بل یکفی فیه العلم بتحققه کما فی صورة إیقاع العقد بانیا علیه،کما ان الأمر کک فی نفس الثمن و المثمن أیضا فإنه لا یحتاج اعتباره فی البیع إلی إبراز أصلا،و ان کان البیع عبارة عن مبادلة مال بمال،فإنه یکفی فی اعتبار ذلک مجرّد علم المتبایعین بالثمن و المثمن مع إنشاء أصل البیع بمثل بعت و نحوه فقط خالیا عن ذکر الثمن و المثمن لعدم الدلیل علی اعتبار الإبراز فیهما أیضا.

الثانی:من معنی الشرط فی العقود أن یکون الالتزام معلقا علیه

ص:354

بحیث ان العقد انما وقع مطلقا و لکن کونه لازما مشروط بشرط فبدونه یثبت الخیار للمشروط له و هذا کما فی اشتراط الأوصاف الخارجیة و نحوها و قد ذکرنا فی محله سابقا أنه لا معنی للالتزام بالأوصاف الا تعلیق البیع بها أی یبیع علی تقدیر وجود الصفة الخاصة للمبیع و لا شبهة فی بطلانه فیکون خارجا عن صورة الاشتراط لکون المتفاهم من الاشتراط هو القسم الصحیح أو یکون المراد منه جعل الخیار علی تقدیر التخلف،و هذا لا شبهة فی صحته،فیکون المراد من الاشتراط هو هذه الصورة و لا ریب أن هذه الصورة أیضا لا یحتاج الی الذکر،فإن الإناطة التی هی معنی الشرط تحصل بغیر الذکر من القصد و البناء و إیقاع العقد علی هذا البناء کما لا یخفی.

و إذا فلا محذور فی التمسک لإثبات صحة البیع الذی وقع بانیا علی القصد السابق بأحل اللّه البیع و نحوه و مشروعیة الشرط و صحته بعموم المؤمنون عند شروطهم،کما لا یخفی،فافهم.

نعم بناء علی مسلم شیخنا الأستاذ فی الشرط من أنه التزام آخر فی ضمن التزام یحتاج إلی إنشاء آخر،أی کما یحتاج العقد إلی إنشاء و کک الشرط فیحتاج إلی إنشاء آخر.

و أما بناء علی ما ذکرناه من کون الشرط عبارة عن الربط فقط فیکفی فی ربط العقد به،ح بناء العقد علیه مع العلم المتبایعین علی بناء العقد علی هذا القصد و البناء،لا نقول بان الشرط یحتاج إلی الإبراز و العلم به،بل یکفی فیه مجرّد الذکر السابق،بل نقول أنه یکفی فی إبراز الشرط وجود القرینة علی اناطة العقد المنشأ به و ان لم یبرز بمرز،و هذا بخلاف العقد فإنه ما لم یبرز لا یصدق علیه البیع مثلا کما أن الإبراز المجرّد عن القصد لا یصدق علیه البیع أصلا و قد تقدم ذلک فی أول البیع.

ص:355

نعم إذا ذکر الشرط سابقا و لکن نسیا ذلک عند العقد و لم یقصدوا وقوع العقد علی الشرط المذکور سابقا لا یکون العقد مربوطا به کما هو واضح، و لکن الأمر لیس کک فی إیقاع العقد بانیا علی الشرط السابق الذکر کما هو واضح.

قوله:و قد یتوهّم هنا شرط تاسع.

أقول:ذکر بعضهم الظاهر هو المحقق الثانی قدس سرّه أن من جملة الشروط لصحة الشروط المعتبرة فی العقد هو تنجیز الشرط و ذکروا فی سنده أمران:

الأول:أن التعلیق فی الشرط یسری الی تعلیق العقد فان مرجع قولنا بعتک بشرط أن تخیط ثوبی،ان جاء زید الی أن البیع انما هو علی تقدیر مجیء زید و علی تقدیر عدمه لا یبیعه و من الواضح أن التعلیق فی العقد موجب للبطلان لتسالم الفقهاء علیه الاّ فی موارد خاصة.

الوجه الثانی:أن الشرط لو لم یکن مطلقا و منجزا لزم أن یکون البیع واقعا علی ثمنین علی تقدیرین،فان بیع الدار بدینار بشرط خیاطة ثوب البائع علی تقدیر مجیء زید،انما یقع بالدینار المجرّد علی تقدیر عدم مجیء زید و علیه و علی خیاطة الثوب علی تقدیر مجیء زید،فیلزم أن یکون المبیع الواحد له ثمنین علی تقدیرین.

و الذی ینبغی أن یقال أن التعلیق الذی یوجب بطلان العقد علی قسمین:

الأول:أن یکون العقد معلقا علی أمر متأخر کما إذا کان الإنشاء حالیا و المنشأ أمرا استقبالیا بان یحصل فی الاستقبال،و قد وقع نظیره فی باب الوصیة و التدبیر،بل نظائره کثیرة فی العرف،و قد تسالم الفقهاء رضوان اللّه علیهم بکونه مبطلا للعقد،إلاّ فی موردین:أحدهما الوصیة

ص:356

و الثانی:التدبر،و ان لم یکن فی الالتزام به محذورا عقلی و قد تقدم تفصیل ذلک فی باب التعلیق فی العقود.

القسم الثانی:ان یکون التعلیق علی أمر حالی،و لکن لا یعلم بکونه حاصلا أو غیر حاصل،کأن یقول بعتک المتاع الفلانی ان جاء زید و الفرض أنه جاء و لکن لا یدری المتعاملان بمجیئه و هذا أیضا مبطل للعقد، فالتعلیق الذی یوجب البطلان انما هو هذین القسمین.

و أما التعلیق فی الشرط فهل یکون من قبیل هذا القسمین المذکورین لیوجب بطلان العقد أو لا یکون کک،لکی لا یکون موجبا لبطلانه؟فنقول:

قد عرفت فیما سبق أن للشرط فی العقد معنیان:- الأول:أن یکون العقد معلقا علی التزام المشروط علیه بأن یبیع متاعه من زید علی تقدیر التزامه بفعل اختیاری له،و الاّ فلا یبیع،و قد عرفت أنه لا شبهة فی صحته مع حصول الالتزام بالفعل،و علی تقدیر عدم الالتزام، یبطل البیع للتعلیق أولا و عدم الشرط ثانیا،و قد عرفت أیضا أنه مع عدم کون متعلق الالتزام أمرا اختیاریا لا یحصل نفس الالتزام أیضا لاستحالة الالتزام بأمر ممتنع،کما هو واضح.

ثم انه یثبت الخیار للمشروط علیه علی تقدیر عدم العمل بطبق التزامه و اما البطلان فلا لحصول الالتزام حین العقد.

المعنی الثانی:للشرط فی ضمن العقد أن یکون الالتزام العقدی معلقا علی وصف أو فعل و لیس معنی تعلیق الالتزام بذلک الاّ ثبوت الخیار للشارط علی تقدیر التخلف فیکون المنشأ محدودا.

إذا عرفت ذلک فنقول إذا باع أحد متاعه معلقا علی التزام المشتری (علی ما هو المعنی الأول للشرط)بأمر غیر اختیاری علی تقدیر خاص فلا شبهة فی بطلان البیع ح للتعلیق بداهة استحالة تحقق الالتزام بأمر

ص:357

مستحیل کما هو واضح.و لا یخفی أن ما ذکرناه من تفسیر الشرط و تعلیق الالتزام علیه أو ما نذکره الآن من المرتکزات العرفیة و کلامنا شرح للمرتکزات.

و أما علی المعنی الثانی للشرط فإذا باع متاعه مطلقا و لکن جعل فیه شرطا کان مرجعه الی تقیید اللزوم بذلک و فی الحقیقة أن البائع قد أنشأ شیئان أحدهما:أصل العقد،و الثانی:التزامه به علی تقدیر حصول ما علّق علیه التزامه من الکتابة للعبد و نحوها،بحیث یکون له الخیار مع التخلف کما عرفت ثم إذا کان توقف الالتزام علی الشرط المنجز فلا کلام لنا فیه،و ان کان تعلیق اللزوم به الشرط المعلق کان ذلک علی أنحاء،لأن التعلیق قد یکون بأمر متأخر فی ظرفه کأن یقول بعتک هذا الکتاب بشرط أن تخیط لی ثوبا ان جاء زید فی رأس السنة فان ما علق به الشرط و هو الخیاطة أمر استقبالی و هو مجیء زید فی رأس السنة،و قد یکون تعلیق الشرط بأمر حالی حاصل بالفعل،و لکن المتبایعین لا یعلمان به کما إذا قال البائع للمشتری بعتک هذا العبد علی أن تخیط لی ثوبا ان کان العبد کاتبا و کان کاتبا فی الواقع،فان ما علق به الشرط و ان کان حاصلا و هو الکتابة و لکن حیث لا یدریان به المتبایعین فیکون الشرط معلقا فی الظاهر دون الواقع،و قد یجتمع هنا کلا الأمرین کما فی البیع الخیاری بأن باع کتابا و جعل فیه الخیار فی رأس الشهر الآتی علی تقدیر ردّ الثمن فان معلق علیه الخیار أمر متأخر و هو مقید برد الثمن فهو مجهول إذ لا یعلم ان المشروط علیه یرد الثمن أو لا یرد ا لثمن فهو مجهول فقد أجمع الأمران الثانی من تعلیق الشرط أن یکون الالتزام مشروطا بشرط کأن یقول بعتک المتاع الفلانی علی تقدیر التزامک بالخیاطة ان جاء زید فهل هذا یرجع الی التعلیق فی العقد بدعوی أن الخیاطة معلق بمجیء زید فیکون الالتزام معلقا لکونه متعلقا بالخیاطة و یکون العقد معلقا فیبطل العقد للتعلیق.

ص:358

و فیه أن نظیر ذلک قد وقع فی الواجب المعلق و المشروط حیث ان من حکم باستحالة الواجب المعلق لکونه مستلزما لانفکاک الإنشاء عن المنشأ فارجعه الی الواجب المشروط،و قد بسطنا الکلام فی إمکانه فی محله و فی المقام لا محذور أن یکون المقید بالشرط هو الخیاطة و یکون بمنزلة المنشأ الذی یتأخر زمانه فی الواجب المعلق و یکون الالتزام مطلقا و فعلیا و محققا عند تحقق العقد،و یکون ذلک بمنزلة الوجوب و الإنشاء فی الواجب المعلق الذی قلنا ان الوجوب حالی و الواجب استقبالی فلا یلزم من الاشتراط المذکور لزوم التعلیق فی العقد،و کک الحال فی الإجارة أیضا کما إذا آجر الدار من شخص و یشترط المستأجر علی الموجر ان یخدم ضیفه ان جاء فان المشروط علیه قد التزم بالفعل و لا شبهة أن متعلق مشروط و مشکوک الحصول و الالتزام فعلی و الملتزم به أمر استقبالی مشکوک.

الکلام فی حکم الشرط الصحیح

قوله:مسألة فی حکم الشرط الصحیح.

أقول:قد أشرنا فیما تقدم الی أن الکلام فی حکم الشروط یقع فی جهتین:- الاولی:فی حکم الشرط الصحیح.

و الثانیة:فی حکم الشرط الفاسد،أما الکلام فی الجهة:- الأولی:فقد عرفت أن الشرط علی ثلاثة أقسام:- الأول:شرط الفعل،بان یشترط أحد المتعاملین علی الآخر إیجاد فعل أو ترکه علی ما تقدم تفصیله.

و القسم الثانی:هو شرط الصفة بأن یشترط المشتری علی البائع کون

ص:359

العبد کاتبا أو کون الحنطة أبیض أو أصفر أو کون التمر اسود و غیر ذلک من الأوصاف أو ما هو فی حکم اشتراط الأوصاف من الأمور الخارجة عن اختیار المشروط علیه،و قد عرفت فیما سبق أنه لا معنی لاشتراط الأوصاف و التزام المشروط علیه بذلک اما لتعلیق العقد علیها بأن یبیع علی تقدیر تحقق هذا الوصف،فلا شبهة أن هذا تعلیق موجب لبطلان العقد بالإجماع أو مرجع ذلک الی جعل الخیار علی تقدیر تخلف الوصف و قد عرفت سابقا أن هذا هو المتعیّن إذ لم یشک أحد فی صحة هذا الشرط،فلو کان هنا تعلیق لکان باطلا و نفس بنائهم علی صحة هذا الشرط قرینة علی عدم إرادة الصورة الأولی.

القسم الثالث:من الشرط هو شرط النتیجة و شرط تحقق أمر بنفس العقد،و ذلک کاشتراط تحقق أمر اعتباری فی العقد،و ذلک کاشتراط أن یکون بنت المشتری زوجة للبائع أو بالعکس بأن اشترط المشتری علی البائع ذلک أو اشترط انعتاق عبد فلانی للمشتری أو یکون المزرعة الفلانیة ملکا له أو غیر ذلک من الماهیات الاعتباریة و قد عرفت حکم هذا القسم أیضا فیما سبق و قلنا ان هذا الأمر الاعتباری ان کان أمرا اختیاریا للمشروط علیه و سببه أیضا اختیاریا له أی له أن یوجد هذا الأمر الاعتباری بأی سبب أراد یوجد ذلک بمجرّد تحقق العقد الذی اشترط ذلک فیه،و ذلک کالملکیة مثلا فان سبب هذه الماهیة الاعتباریة انما هو تحت ید المعتبر،فإنه بأی نحو ابرز هذه المعتبر تحقق فی الخارج و ینشأ کما هو واضح.

و ان لم یکن ذلک الأمر الاعتباری تحت اختیار المعتبر أو لا یکون سببه تحت یده،بل کان له سبب خاص فإنه لا یوجب ذلک بالعقد کالزوجیة و الطلاق و العبودیة و الانعتاق،و کون المرهون مبیعا عند انقضاء الأجل و

ص:360

نحو ذلک کان الشرط فاسدا لمخالفته للکتاب و السنة کما هو واضح.

ثم انه هل یمکن استفادة حکم هذه الأقسام الثلاثة کلها من دلیل الوفاء بالشرط و أن المؤمنون عند شروطهم یشمل جمیع هذه الأقسام الثلاثة أو لا بل یختص بشرط الفعل فقط،و أن المستفاد من ذلک الوجوب التکلیفی و هو یختص بشرط الفعل کما علیه المصنف،و الظاهر أن دلیل الوفاء بالشرط یشمل جمیع الأقسام المتقدمة و لا یختص بالفعل و أن المستفاد من ذلک الحکم التکلیفی و الوضعی کلیهما فیکون جمیع الأقسام مندرجة تحته و یجب المضی فی جمیع ذلک بمقتضی الشرط و الوجه فی ذلک أن الظاهر من معنی قولهم(علیه السلام)فی الروایات المستفیضة المؤمنون عند شروطهم أو المسلمون عند شروطهم هو أنهم لدی شرطهم کقولهم(علیه السلام):(المؤمنون عند عدته)و أن الشرط لازم له و لا ینفک عنه خصوصا مع أخذ الایمان أو الإسلام موضوعا للحکم،فإنه یرشد الی الایمان و عدم انفکاک الشرط عنه الذی التزم به لا ینفکان و انهما متلازمان،و الشرط لازم له و لاصق به و یعبر عن ذلک بالفارسیة بکلمة(جسبیدن)کان الشرط لصق به و ضمّه و لا شبهة أن هذا المعنی یلائم جمیع أقسام الشرط أما القسم الأول و هو شرط الفعل فواضح،فان معنی اشتراط الفعل أن العقد مربوط به و قد اثبت المشروط علیه ذلک فی ذمته و هو عنده و لا ینفک عنه و لا یجوز له التخلف عن ذلک الفعل.

و أما القسم الثانی و هو شرط الصفة فقد عرفت أن مرجع ذلک الی جعل الخیار و أن الشارط یشترط علی المشروط علیه الخیار و یکون الالتزام بالعقد مربوطا به بحسب التزام المشروط علیه،و أنه لازم الوفاء و أن مقتضی کون المؤمن عند شرطه هو أن یکون الخیار ثابتا علی المشروط علیه علی تقدیر التخلف،لأنه اشترط علی نفسه الخیار إذا تخلّف للوصف فلا بدّ و أن یکون عند شرطه و مقتضی کونه عند شرطه هو نفوذ خیار الشارط و کونه مسلطا علی

ص:361

فسخ العقد و إمضائه و هذا أیضا واضح.

اما القسم الثالث و هو شرط حصول أمر فی العقد فهو أیضا شرط فی العقد،و العقد مربوط به و مقتضی اشتراط المتعاقدین ذلک هو أن یکون هذا أیضا نافذا لکونه شرطا من المؤمن و شرط المؤمن نافذ و ماض و لا ینفک و لا یتخلف و هذا القسم من الشرط شرط أیضا لا یتخلف.

و علی الجملة مقتضی قولهم علیهم السلام المؤمنون عند شروطهم و ان شروطهم نافذ،و إذا شرط المؤمن شرطا ینفذ أن جمیع الأقسام المذکورة من الشرط نافذ فإنه لا شبهة فی صدق الشرط علیها کلها و ارتباط العقد بها و إذا کان شرطا حقیقة و قلنا أن شرط المؤمن نافذ فلا بدّ من الحکم بشمول دلیل الوفاء بالشرط لذلک،کما لا یخفی.فافهم.

و یؤید کون المؤمنون دالا علی الحکم التکلیفی و الوضعی معا تطبیق الامام علیه السلام ذلک،أی المؤمنون عند شروطهم تارة بالحکم التکلیفی و أخری بالحکم الوضعی،أما الأول ما تقدم من الروایة أن أحدا تزوج امرأة و اشترطت علیه أن لا یأخذ علیها امرأة،فقال الامام علیه السلام:بئس ما صنع،فما یدری ما یخطر بباله من اللیل و النهار و إذا اشترط فلیفی بشرطه لأن المؤمنون عند شروطهم.

و أما الثانی:ما دل علی جواز إعطاء الابن مال کتابة الأمة المکاتبة التی هی مزوجة لأبیه و اشتراط أن لا یکون لها الخیار بعد کونها حرة لأنه لو لم یکن هذا الشرط لکان لها الخیار فحکم الامام علیه السلام بنفوذ هذا الشرط وضعا و طبّق علیه قوله(علیه السلام)المؤمنون عند شروطهم فهاتان الروایتان قرینتان علی کون المراد من دلیل الوفاء بالشرط أعم من التکلیفی و الوضعی کما هو واضح.

ثم انه بناء علی ما یظهر من المصنف من اختصاص المؤمنون عند شروطهم

ص:362

بشرط الفعل و عدم شموله لشرط الصفة و النتیجة لأن ذلک یتضمن حکما تکلیفیا فلا بدّ من التعلق بالفعل کالوجوب الوفاء فی النذر و العهد،کما هو واضح،و هل هنا دلیل آخر علی لزوم القسمین الآخرین أم لا؟فذکر السیّد و شیخنا الأستاذ إشکالا علی الشیخ بأنه إذا خصّصتهم ذلک بشرط الفعل و قلتم ان مفاد الدلیل هو الحکم التکلیفی فأی دلیل لکم علی القسمین الآخرین.

و لکن الظاهر أنا لا نحتاج فی إثبات نفوذ الشرط فی القسمین الآخرین الی دلیل الوفاء بالشرط من جهة أنا ذکرنا سابقا أن معنی جعل الخیار عبارة عن تحدید الملکیة المنشئة و جعل المنشئة قسما خاصا،و لا شبهة أن اشتراط الوصف فی العقد الذی مرجعه الی جعل الخیار انما یوجب تضییق دائرة المنشأ فیکون المنشأ هی الحصة الخاصة،و کک المنشأ فی القسم الثالث حیث ان اشتراط العقد بکون الشیء الفلانی حاصلا بذلک العقد أیضا، الذی هو شرط النتیجة یوجب تضییق دائرة المنشإ لأن معنی الشرط کما عرفت هو الربط و الارتباط،و إذا کان العقد مربوطا بشیء یکون المنشأ بلحاظ هذا الشرط مضیقا و علیه فالمتبایعان من الأول قد أنشأ ملکیة خاصة و ملکیة محدودة و یکون المشمول لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو هذه الحصة الخاصة لازمة الوفاء،فإذا کان هذا العقد الخاص واجب الوفاء بدلیل أوفوا،فیکون الشرط الذی یوجب تضییق الدائرة أیضا واجب الوفاء کما هو واضح،فلا نحتاج مع ذلک الی دلیل وجوب الوفاء بالشرط لإثبات کون الشرط فی القسم الأول و الثانی أیضا نافذا وضعا کما لا یخفی.

ثم انه إذا اشترط أحدهما فی ضمن العقد علی الآخر أمرا اعتباریا علی نحو شرط النتیجة و کان ذلک الأمر الاعتباری جائزا فی طبعه کالوکالة فهل یکون لازما باشتراطه فی ضمن العقد أو لا؟یکون کک،بل یکون جائزا کما

ص:363

کان کک،إذا تحقق فی نفسه خالیا عن اشتراطه فی ضمن عقد من العقود و لم تر من تعرض لذلک الاّ السید فی حاشیته،حیث انه ذکر هذا و حکم بکونه لازما من جهة أن المستفاد من القرائن الخارجیة القطعیة أن اعراض الشارط کون المشروط علیه وکیلا من قبل الشارط لیس هو الوکالة حدوثا و ابتداء بحیث یکون المشروط علیه وکیلا له بعد العقد حدوثا فقط لا مستمرا، بل غرضه هو الوکالة المستمرة کما هو واضح.

و فیه لیس لنا کلام فی کون الوکالة المشروطة فی ضمن العقد مستمرة أو غیر مستمرة،بل هی مستمرة بلا ریب،و انما الکلام فی أن هذه الوکالة المستمرة جائزة کالوکالة فی عقد الوکالة أو غیر جائزة،بل هی لازمة کما هو واضح فما ذکره السیّد رحمة اللّه علیه خارج عن محل الکلام،کما لا یخفی و الظاهر أنها لازمة.

و الوجه فی ذلک هو أن دلیل الوفاء بالشرط انما دل علی أن المؤمن عند شرطه و شرطه لازمة علیه و لاصق به و منضم الیه بحیث لو أراد أن لا یفی بشرطه و یفکه عن نفسه لا یمکن و هذا عبارة أخری عن لزوم الشرط فالوکالة و ان کانت جائزة بحسب طبعها و لکن حیث اشترط ذلک فی ضمن العقد اللازم فمقتضی دلیل الوفاء بالشرط هو کونها لازمة و غیر جائزة و أن الوکالة الحاصلة بعنوان شرط النتیجة لا تنحل بالفسخ،بل المأخوذ فی موضوع وجوب الوفاء بالشرط هو الایمان و الإسلام و هما یقتضیان اللزوم بحیث أن یکون هنا شیء لم یکن قبل الشرط و من الواضح أن الجواز فی الوکالة کانت قبل الشرط علی أنا ذکرنا من انه یکفی فی لزوم الشرط نفس دلیل الوفاء بالعقد و لا نحتاج بعد ذلک الی ما یدل علی وجوب الوفاء بالشرط،و ذلک لأن الاشتراط یوجب تضییق دائرة المنشأ و کونه حصة خاصة و لا شبهة أن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ یدل علی وجوب الوفاء بهذا الحصة الخاصة کما لا یخفی

ص:364

فکما أن العقد یکون لازما بالاشتراط و جمیع ما یکون من قیوده و حدوده أیضا یکون لازما بذلک کما هو واضح لا یخفی،فافهم.

نعم إذا اشترط علی الآخر أن یوکل شخصا آخر فی ذلک فإنها یکون جائزة و هذا بخلاف اشتراط کونه وکیلا هذا ما یرجع الی شرط أمر اعتباری بعنوان شرط النتیجة.

و اما شرط الفعل فقد تقدم الکلام فی بعض الجهات الراجعة الیه و من جملتها هی أن مقتضی المؤمنون عند شروطهم هو شرط الفعل فقط، لکونه دالا علی الحکم التکلیفی فلا یتعلق الاّ بالفعل کتعلق النذر به أو یعم بقیة الأقسام فقد عرفت أن المصنف رحمة اللّه علیه ذکر کونه وجوب الوفاء بالنذر بحیث لا یتعلق الاّ بالفعل و أما بقیة الأقسام فلیست مشمولة لذلک و لکن قد عرفت أن الأمر علی خلاف ذلک،و أن مفاد دلیل الوفاء بالشرط هو الأعم من ذلک.

ثم انه خالف الشهید رحمه اللّه فی کون دلیل الوفاء بالشرط دالا علی الحکم التکلیفی أعنی وجوب الوفاء بالشرط،بل ذکر أنه لا یجب علی المشروط علیه فعل الشرط و انما فائدة الشرط هو جعل العقد عرضة للزوال و لکنه واضح الدفع حیث عرفت أن الظاهر من قولهم علیهم السلام المؤمنون عند شروطهم کقولهم(علیه السلام)المؤمن عند عدته حیث یستفاد من أمثال ذلک وجوب الوفاء بالشرط و الوعد علی أن غرض الشارط هو أن یلزم المشروط علیه بحسب شرطه لا مجرّد جعل العقد جائزا و عرضة للزوال،بل قد عرفت أن المأخوذ فی موضوع الوفاء بالشرط هو الایمان و أن الوفاء به من علامته و هو یقتضی أن یکون المشروط علیه ملزما بالوفاء و یجب علیه الوفاء بالعقد خصوصا یتضع أن الحدیث یدل علی وجوب الوفاء تکلیفا بملاحظة روایة منصور المتقدمة حیث دلت علی أنه إذا اشترط ذلک فلیف بشرطه و طبق علیه الامام علیه

ص:365

السلام المؤمنون عند شروطهم.

و من جملة الجهات للبحث هنا هو ان مقتضی دلیل الوفاء بالشرط ما ذکره المصنف رحمه اللّه حیث قال:ان للمشروط له إجبار المشروط علیه من جهة أنه التزم بالعمل له فله إجباره من جهة التزامه العمل للمشروط له و هذا لا من جهة جواز الأمر بالمعروف،بل من جهة ثبوت حق له علیه بالتزام علیه بالشرط حیث انه التزم له فله المطالبة بذلک فما افاده(قده)متین و یؤیده ما فی بعض الاخبار من قوله علیه السلام فلیتم المرأة شرطها،حیث عبر باللام و قال للمرأة الظاهر فی کونه حقا لها و علیه فللمشتری أو للبائع أن یطالب المشروط علیه لشرطه مضافا الی السیرة العقلائیة،فإن العقلاء یرونه حقا علی المشروط علیه،و یطالبون به فی المحاکم العرفیة ثم انه ره استدل علی ذلک بوجه آخر و ملخصه ان الشرط ملک للمشروط له،و له أن یطالب بمملوکه و أن الشرط کأحد العوضین فکما أن أجزء العوضین،لا بدّ من تسلیمهما الی مالکهما و کذا الشرط لأنه کالجزء،لا بدّ من تسلیمه الی مالکه و هذا لا یمکن المساعدة علیه و ذلک لما قدمنا من أن الشرط لا یوجب اشتغال ذمة المشروط علیه بالشرط علی نحو لو مات اخرج من ترکته کما فی العوضین،فإنه لم یثبت کون الشرط کذلک،نعم یجب علیه الوفاء بما اشترطه علی نفسه،و هو حق ثابت للمشروط له،و أما الملکیة فلا،کما لا یخفی.

و المتحصل أن المشروط له یتمکن من مطالبة المشروط علیه بالشرط و إجباره علیه،لأنه حقه حسب التزامه مضافا الی دلالة الروایة المتقدمة،و ثبوت السیرة العقلائیة و أقوی من الکل ان له إسقاطه و هو یؤید کون وجوب الوفاء حقیّا لأنه القابل للإسقاط.

و یمکن ان یقال أن الحکم أیضا یعقل ان یرتفع بإسقاطه من جهة احتمال أنه مشروطا بعدم رفع ید المشروط له منه و هذا أمر ممکن بحسب مقام

ص:366

الثبوت الاّ أنه یحتاج الی دلیل فی مقام الإثبات،هل الحکم،الحکم التکلیفی فقط؟کوجوب الوفاء بالنذر،فإنه لا یجب للمنذور له،بل لا یجوز مطالبة المنذور من الناذر لعدم استحقاقه علی الناذر شیئا أصلا،الاّ من باب الأمر بالمعروف یجوز المطالبة و هو لا یختص بالمنذور و المشروط له، بل هو وظیفة کل مسلم أو یدل علی الحکم الوضعی أیضا بحیث یکون هنا وجوب حقی یجوز للمشروط أن یطالبه من الشارط،بمعنی أن هنا حقا للشارط علی المشروط علیه بحسب الاشتراط بحیث للشارط إجبار المشروط علیه علی الوفاء بشرطه بحسب الاشتراط،و ربما یفصّل بین الشرط الراجع إلی مصلحة أحد المتعاقدین کخیاطة الثوب و نحوها و بین ما لا یرجع الی مصلحتهما کاشتراط کنس المسجد فالتزم بجواز الإجبار فی الأول دون الثانی کما ربما یفصّل بین شرط الذی کالمتعلقات للعقد نظیر اشتراط رهن المبیع عند البائع لعدم اطمینانه للمشتری حتی یوثق بثمنه و بین الشرط الأجنبی نظیر الخیاطة و نحوها ففی الأول یصح الإجبار لأنه من متعلقات العقد، و العمل به کالعمل بالعقد لازم دون الثانی فقد اختار المصنف الوجه الثانی لأن مقتضی العمل بالشرط لیس هو الاّ کتسلیم العوضین،فان المشروط له،له حق بحسب الاشتراط علی المشروط علیه و لذا له أن یجبره علی الوفاء و سیأتی فی البحث الاتی أن الإجبار فی عرض کون الشارط مخیّرا بین الفسخ و الإمضاء لا أنه لیس الإجبار أصلا کما زعمه بعضهم.

نعم،أن الشارط لا یملک شیئا بحسب الاشتراط کما فی کلام المصنف حیث ذکر أن الشارط یملک علی المشروط علیه الشرط إذ لیس هنا مملوک و الاّ فلا بدّ و أن یکون من جملة الإرث علی تقدیر موت الشارط و لیس کک و قد عرفت أن الشرط لا یقابل بجزء من الثمن لیکون مملوکا للشارط،بل هو جعل حق علی المشروط علیه و الشاهد علی ذلک أنه یسقط ذلک بالإسقاط

ص:367

مع أنه لو کان مفاد الدلیل مجرّد الحکم التکلیفی لم یسقط بالإسقاط،کما هو واضح.

ثم ان ما ذکره المصنف من الاستدلال بالروایات الدالة علی أن المؤمنون عند شروطهم علی أنه لیس الوفاء بالشرط مجرّد التکلیف المحض، بل هنا شیء آخر للشارط علی المشروط علیه متین و لکن قد عرفت أنه لیس بملک لعدم ترتب لوازمه من الإرث و نحوه علی ذلک،و انما هو حق من الحقوق،و لا شبهة فی دلالة الروایات المتقدمة علی ذلک و یضاف علی ذلک قیام السیرة القطعیة علی ذلک و أن اشتراط أحد المتعاقدین علی الآخر، مجرّد إثبات الحکم التکلیفی علیه،بل غرضه أن یجعله ملزما بهذا الشرط بحیث یجبره علی ذلک فی المحاکم المختصة علی تقدیر أداءه،بل ربما یلتفت الشارط بالحکم التکلیف أصلا.

و علی الجملة فبناء العقلاء علی ثبوت حق للشارط علی المشروط علیه بالاشتراط و غرض المتبایعین أیضا هو ذلک،فان الشارط غرضه إثبات حق علی المشروط علیه و إلزامه إعطاء ذلک الحق و سیأتی أن الإجبار علی الوفاء بالشرط فی عرض الخیار،و الفسخ لا فی طوله و یدل علی ذلک کله أن للمشروط له إسقاط ذلک،فإنه لو لم یکن من الحقوق لم یقبل ذلک الاسقاط فمن قبوله الاسقاط نستکشف کونه من قبیل الحقوق،کما هو واضح.

و ما عن صاحب جامع المقاصد من توجیه عدم الإجبار بأن له طریقا الی التخلص بالفسخ ضعیف فی الغایة بداهة أن من جعل لنفسه الخیار انما غرضه هو الفسخ بعد تعذر أخذ ما شرط علیه اما لعدم تمکنه أو لعدم تسلط الشارط علی المشروط علیه لشقاوته و أما مع إمکان إجباره و لو بالشکایة الی المحاکمة المختصة فیجبره علیه إذ لو لم یکن للشارط حق الإجبار لتضرر فی معاملیة غالبا،فإنه لو اشتری أحد شیئا مع الشرط علی البائع و ترقی قیمة

ص:368

ذلک الشیء أضعاف قیمته الاولی فلیس للمشروط علیه أن لا یعمل بالشرط و یقول للشارط أفسخ المعاملة،بل یجبره الشارط علی الوفاء،الاّ أن یرید الفسخ علی طبق میلة،و لیس غرضنا من ذکر الضرر التمسک بحدیث نفی الضرر،بل غرضنا استبعاد هذا المطلب أی الالتزام بعدم جواز الإجبار فإن نتیجة ذلک هو تضرر الشارط کثیرا و هو علی خلاف الارتکازات العقلائیة و بنائهم فإنه لیس من المتعارف ان یشترط أحد علی غیره بشرط أو مضی مدة ثم یقول المشروط علیه لیس لک الاّ فسخ العقد.

و علی الجملة لیس الغرض من الشرط هو تخلص الشارط عن المعاملة و لوازمها حتی یقال انه لیس منحصرا بالإجبار بالفسخ،بل غرض الشارط هو الوصول الی غرضه من الشرط من المنافع و دفع الضرر و لو کانت الأغراض شخصیة فلا وجه للقول بأن له وجها الی التخلص.

و بعبارة أخری أن ما افاده جامع المقاصد لا یتم لا من جهة ما ذکره المصنف من الخیار فی مرتبة متأخرة عن الإجبار لوصول النوبة إلیه لما سیأتی أن الإجبار فی عرض الخیار لا فی طوله،بل من جهة أنه ان کان للمشروط له حق المطالبة،فلا شبهة فی جواز الإجبار لمطالبة الحق،و الاّ کان مفاد الشرط هو الحکم التکلیفی فقط کالنذر فلا یسوغ الإجبار مضافا الی قیام السیرة.

و قد یتوهّم أن ظاهر الشرط هو فعل الشیء اختیاریا،فإذا امتنع المشروط علیه فقد تعذر الشرط و حضور الفعل منه کرها بالإجبار غیر ما اشترط علیه لأن اللازم أن یکون متعلق الشرط امرا اختیاریا کما تقدم،فلا یکون الإجبار موجبا للوفاء بالشرط و فیه الظاهر أن هذا التوهم انما نشأ من خلط بین الکلمة الاختیاریة المستعملة فی مقابل عدم القدرة و کلمة الاختیار المستعملة فی مقابل الکره و عدم المحبوبیة و الذی هو موضوع صحة التکالیف هو الأول بمعنی أنه یشترط أن یکون التکلیف متعلقا بأمر اختیاری

ص:369

فلا یصح تعلقه بأمر غیر مقدور و أما الثانی فلا و من الواضح أن الفعل اعنی الشرط فی المقام،و ان یصدر عن المشروط علیه بالکره،و لکن مع ذلک هو فعل اختیاری له و لیس فعلا غیر اختیاری حتی لا یصح کونه متعلقا للشرط الاّ أن یکون الإکراه عن غیر حق.

و بعبارة أخری أن متعلق الشرط لا بدّ و أن یکون امرا مقدورا سواء کان صادرا عن المشروط علیه کرها أم اختیاره مقابل الکره،فلا وجه لهذا التوهم أصلا،نعم لو اشترط علی الآخر فعلا صادرا عنه بالاختیار و عدم الکره کان لهذا التوهم مجالا واسعا کما هو واضح علی جواز مطالبة الحقوق کالأموال هذا کله مع الإغماض عما ذکرناه فی اشتراط الوجوب بالقدرة حیث قلنا ان الوجوب لا یتعلق بغیر المقدور.

و أما إذا کان الفعل مقدورا تارة و غیر مقدور أخری فلا مانع من إیجاب الجامع بین المقدور و غیر المقدور،لأن الجامع بینهما مقدور و کذلک نقول فی المقام أن الالتزام بالعمل الغیر،الغیر الاختیاری و ان کان غیر معقول الاّ أن العمل إذا صدر من الاختیار تارة و من غیر الاختیار أخری فالجامع بین الاختیاری و غیره لا مانع من التزامه و لکن لو لم نقل بذلک فالجواب ما عرفته آنفا.

قد عرفت أن شیخنا الأنصاری(قده)تعرض فی المقام لعدة أمور:

منها:أن الوفاء بالشرط واجب علی المشروط علیه وجوبا تکلیفیا.

و منها:أن لزوم الوفاء بالشرط هل هو حکم تکلیف محض أو أنه من جهة حق للمشروط له علی المشروط علیه،و لذا یمکنه إجبار المشروط علیه علی العمل و الوفاء بما لزمه علی نفسه ذکر المصنف أن له إجبار المشروط علیه بالوفاء من جهة أنه ملک الشرط باشتراطه و قد وافقناه فی النتیجة و ناقشنا فی دلیلها و قد قلنا أن له إجباره و استشهدنا علیه بالسیرة العقلائیة،

ص:370

و قلنا ان لزوم الفعل بالشرط و کونه حقا للمشروط له ثابت ببناء العقلاء و أن الأدلة الدالة علی لزوم الوفاء بالشرط وردت إمضاء للسیرة المذکورة.

ثم انه قد تعرض بعد ذلک علی أمر ثالث و هو أن المشروط علیه إذا امتنع من الوفاء بما التزمه و کان الشرط أمرا قابلا للنیابة کالانشائیات نظیر بیع شیء أو هبته و نحوهما،فهل للحاکم أن یباشر بذلک فیبیع المال المشروط بیعه أو یهبه من قبل المشروط علیه أو أنه لیس للحاکم ذلک و لا یقع عمله نافذا عن قبل المشروط علیه قد قوی تمکنه من ذلک من جهة ما ورد من أن السلطان ولی الممتنع فیندفع ضرر المشروط له بتصدی الحاکم للوفاء بما التزمه المشروط علیه علی نفسه هذا،و الوقت لم یسع للمراجعة الی أن هذه الروایة هل رویت بطریقنا و انها معتبرة أو أنها نظیر من المختصرات لغویة لا اعتبار لها فلیراجع الی مظانها.

ثم علی تقدیر أنها روایة معتبرة لا تکفی بمجردها فی إثبات المدعی و هو صحة تصدی الحاکم علی ما علی الممتنع من الالتزام بل لا بدّ من ضم مقدمة خارجیة إلیها فإن الحاکم لیس بسلطان و لا من دونه بمرتبة أو بمراتب فلا بدّ فی إثبات ولایة الحاکم من دعوی القطع بمناسبة الحکم و الموضوع علی أن هذا الولایة الثابتة للسلطان لیست من الأحکام المختصة للسلطان،بل هو من أحکام المنصب فیثبت للحاکم أیضا لأن المستفاد من الروایة أن الشارع لا یرضی لتضیّع حقوق الناس و هذا کما ثبت للسلطان یثبت للحاکم أیضا إذا تمکن من ذلک و لو لا دعوی القطع المذکورة احتاج إثبات المدعی فی المقام الی ضم کبری کلیة علی هذا الروایة و هی ولایة فی کل ما للسلطان من الاحکام و المناصب أو المناصب المختصة له و قد تقدم فی بحث الولایة أن ولایة الحاکم علی نحو الکلیة غیر ثابتة و أنه لیس له الولایة فی کل ما للإمام و السلطان ولایة و لذا ذکرنا أن إثبات المدعی فی المقام بمجرّد

ص:371

هذه الروایة غیر ممکن الا بضم دعوی القطع علی أن هذه الولایة لیست من مختصات السلطان بمناسبة الحکم و الموضوع.

ثم انه قد تعرض إلی أمر رابع فی المقام و هو أن الخیار الثابت للمشروط له علی تقدیر عدم وفاء المشروط علیه بما التزامه علی نفسه هل هو فی عرض الإجبار أو أنه فی طوله بمعنی أنه إذا تعذر علیه إجباره و لم یتمکن منه تنتهی النوبة إلی الخیار و له أن یفسخ العقد ح أو أنه مع تمکنه من الإجبار متمکن من الخیار أیضا نقل عن بعضهم أن الخیار فی طول الإجبار و عن العلامة أن الخیار فی عرضه و أن مع تمکنه من الإجبار متمکن من الفسخ ثم قوی(قده)عدم ثبوت الخیار مع التمکن من الإجبار.

و فی حاشیة المکاسب من تقریرات شیخنا الأستاذ(قده)أن هذا البحث بعینه البحث السابق و لا اختلاف بینهما إلاّ فی مجرد الألفاظ و احتمل هناک أن یکون تکراره من قلم شیخنا الأنصاری و تعجب منه فی أنه کیف تعرض له ثانیا و لا یخفی وضوح الفرق بین المسألتین لأن البحث فی المسألة الأولی انما کان متمحضا فی ثبوت أصل الإجبار و أنه جائز للمشروط له أولا و أما فی هذه المسألة فالبحث فیها فی أن الخیار الثابت للمشروط له فی عرض الإجبار أو فی طوله فالمسألتان متغایرتان لا ربط من إحداهما إلی الأخری.

و العجب من شیخنا الأستاذ أنه کیف خفی ذلک علیه مع أنه أمر واضح لا یحتاج إلی إقامة الدلیل و لعل الاشتباه من قلمه الشریف دون فلم شیخنا الأنصاری و ذکر بعض المحققین أن أصل عنوان المسألة عجیب لأن استحالة اجتماع الخیار مع التمکن من الإجبار بمکان من الوضوع و الوجه فی ذلک أنا ذکرنا أن الشرط لیس هو مجرّد الوفاء الاختیاری بل یعمّه و الوفاء الإجباری أیضا و من الظاهر أن الخیار انما یثبت فی المقام بعد تعذر الشرط إذ الکلام فی هذا الخیار اعنی خیار تعذر الشرط و مع التمکن من الخیار لا

ص:372

تعذر للشرط،بل هو ممکن و معه لا معنی للخیار.

و بالجملة فرض التمکن من الإجبار فرض عدم تعذر الشرط الذی هو أعم من العمل الاختیاری و الإجباری و فرض عدم تعذر الشرط فرض عدم الخیار فکیف یجتمع التمکن من الإجبار مع الاختیار و ما أفاده رحمة اللّه متین لو کان المراد بالخیار فی المقام خصوص خیار تعذر الشرط إذ مع التمکن من الإجبار لم یتعذر الشرط فلم یتحقق موضوع الخیار و اما لو کان المراد بالخیار الأعم من تعذر الشرط کما سیأتی فلا وجه لما افاده.

و بعبارة أخری انا نلتزم بالخیار عند تعذر الشرط لکن لا من جهة خصوصیة فی التعذر،بل من جهة أنه أحد الأمور الموجبة للخیار و مصداق من مصادیق الموجب للخیار.

و ح یمکن أن یثبت الخیار مع التمکن من الإجبار لیتحقق موضوعه کما سنبینه إنشاء اللّه.

و علیه فلا بدّ من مراجعة مدرکه الخیار لو بنی أنه یثبت مع التمکن من الإجبار أو لا یثبت إذ عدم إمکان اجتماعها لیس من البدیهیات حتی لا یحتاج فیها الی دلیل فنقول أیضا مدرک الخیار عند تخلف الشرط هو الإجماع کما ذهب الیه بعضهم فلا بدّ فیه من الاقتصار علی المورد المتیقن و هو صورة عدم التمکن من الإجبار و أما معها فلا یقین بالإجماع علی ثبوت الخیار ح فلا یثبت الخیار بعد عدم التمکن من الإجبار.

و ان کان المدرک لثبوت الخیار قاعدة لا ضرر کما ذهب الیه المصنف فلا یثبت الخیار مع التمکن من الإجبار أیضا لأنه مع تمکنه من الإجبار لا یتوجه علیه ضرر حتی یدفع بالخیار و من هنا ذکر شیخنا الأنصاری أن الخیار فی طول الإجبار لا فی عرضه و لکنا ناقشنا فی کون مدرک الخیار هو قاعدة لا ضرر فی خیار الغبن فراجع.

ص:373

و أما إذا کان المدرک للخیار عند تخلف الشرط هو الشرط الضمنی الذی اعتمدنا علیه،فالخیار ثابت مع التمکن من الإجبار و ذلک لأن المشروط له قد علق إلزامه فی المعاملة علی التزام المشروط علیه بالشرط،و قد ذکرنا أن الشرط لا بدّ و أن یکون مربوط بالعقد و لا معنی لکونه عبارة عن الالتزام فی ضمن الالتزام بأن یکون العقد ظرفا للشرط فقط،بل لا بدّ و أن یکون مربوطا به و ذکرنا أیضا ان الاشتراط یوجب تعلیق أصل المعاملة علی التزام المشروط علیه بالشرط بحیث لو لا التزامه بالفعل فلا یتحقق المعاملة أصلا کما أن التزامه بالمعاملة و قیامه علیها معلق علی وفائه بالشرط فی الخارج بمعنی أن المشروط علیه ان لم یفه بالتزامه فی الخارج فللمشروط له أن لا یف بالتزامه بالمعاملة.

و بعبارة أخری ان التزام المشروط علیه بالشرط و ان کان محققا بحسب الحدوث و لذا قلنا بتحقق البیع لحصول ما علق علیه الاّ انه ان التزم بالشرط بحسب البقاء أیضا فیلتزم المشروط له أیضا بالمعاملة،و أما إذا لم تلزم المشروط علیه بالشرط بحسب البقاء فللمشروط له أن لا یفی بالتزامه بالمعاملة فیفسخها و علیه فالخبار یثبت للمشروط له بمجرّد عدم وفاء المشروط علیه، بشرطه و عدم التزامه به بقاء و معنی خیاره کونه متمکنا من رفع الید عن التزامه و قد عرفت انه انما یکون متمکنا من رفع الید عن التزامه فیما إذا لم یلتزم المشروط له علیه بالشرط بحسب البقاء و معه لا داعی إلی تقییده بعدم التمکن من الإجبار لأنه کلفة زائدة و بما ذکرنا ظهر أن الخیار فی المقام فی عرض الإجبار لا فی طوله،و یمکن أن یکون نظر المصنف فیما ذکره فی المقام الی ذلک حیث ذکر أن المقام لا یقاس بامتناع تسلیم أحد العوضین لأن تسلیم کل من العوضین الی مالک الآخر انما یجب مع تسلیم الآخر فإذا لم یسلم أحدهما فللآخر أن یمتنع عن التسلیم بمعنی أن الالتزام بالتسلم فی

ص:374

کل من المتبایعین مشروط و هو ثابت لکل منهما و هذا بخلاف المقام لأن الالتزام بالعمل بالشرط انما هو من أحدهما لا من کلیهما فإذا لم یف بما التزمه فللمشروط له أن لا یفی بالتزامه(و لیس للمشروط علیه الامتناع من الوفاء حتی یف الآخر بالتزامه کما فی مسألة التسلیم إذ الالتزام لیس من الطرفین فی المقام).

و قد ذکر المحقق المتقدم أن هذا الکلام من الشیخ یشبه کلام الأطفال فی مقام اللجاج حیث یقول أحدهما للآخر ان لم تعطنی لا أعطیتک و بما ذکرناه عرفت أن الأمر لیس کک و أن هذا الکلام منه کلام متین و لا یشبه کلام الأطفال،لأن المشروط له قد علق التزامه بالمعاملة مع وفاء المشروط علیه بالتزامه فان لم یف بما التزمه،فلا یجب علی المشروط له البقاء علی التزامه فما أفاده العلامة من ان الخیار فی عرض التمکن من الإجبار هو الصحیح.

ثم انه ذکر فی المقام امرا خامسا و هو أنه إذا تعذر الشرط فی الخارج من جهة عروض عمی علی من التزم بالخیاطة أو شلل و نحوهما فلا یثبت للمشروط له الاّ الخیار،و له ان یفسخ المعاملة ح و لا یثبت له الأرش بأن یطالب المشروط علیه ما به التفاوت بین قیمة الشیء مع الشرط کالخیاطة،و قیمته بدونه.و ربما یقال بثبوت الأرش فی موارد تعذر الشرط لتفاوت قیمة المبیع مع الاشتراط و قیمته بدونه.

و ثالثا:یفصّل بین الشروط التی تقابل فی نفسها بالمال کاشتراط خیاطة الثوب لأن لها قیمة فی نفسها و اشتراط مال العبد فی شرائه فیلتزم فیها بالأرش عند تخلفها و تعذرها و بین شرط الأوصاف مما لا یقابل بالمال فی نفسه و انما یوجب زیادة قیمة المشروط نظیر اشتراط القدرة علی الکتابة فی العبد أو القدرة علی الطبخ و غیرهما من الأوصاف الکمالیة الموجبة لاختلاف قیمة الموصوف فیلتزم بعدم الأرش فیها.

ص:375

و لا یخفی علیک أن الشروط سواء کانت من شرط الأوصاف أو غیرها مما لا یقابل بالمال فی المعاملات و یقع شیء من الثمن فی مقابلها،بل الثمن بتمامه یقع فی مقابل ذات المبیع و علیه فلا وجه للأرش و مطالبة ما یخصّ بها من القیمة مطلقا و انما التزمنا بالأرش فی خیار العیب من جهة النصوص لا من جهة مطابقة القاعدة.

و قد أشار السیّد فی حاشیته علی ثبوت الأرش فی تخلف الشروط بدعوی أنها و ان لا تقابل بالمال فی مقام الإنشاء و عالم الظاهر الاّ أنها تقابل بها فی عالم اللب و الواقع و قد تقدم ذلک فی مبحث خیار العیب و به أثبت کون الأرش علی وفق القاعدة و أجبنا عنه هناک بأن المعاملات مما لیس له عالمان ظاهر و واقع و صورة و لب،بل صورتها لبها و لبها صورتها لأنها لیست الاّ الاعتبارات نفسانیة مبرزة بمرز فی الخارج و هو اما موجودة،أو معدومة،و لا معنی لثبوتها لبا دون صورة و علیه فلا یثبت للمشروط له عند تخلف الشروط و تعذرها الاّ الخیار دون الأرش کما عرفت.

ثم ان المصنف ذکر امرا سادسا و هو أن الشروط إذا صار متعذرا و ثبت بذلک الخیار للمشروط له،و لکن العین خرجت عن ملک المشروط علیه و سلطنة لتلف أو نقل لازم فهل یمنع ذلک عن فسخه أو لا؟و علی تقدیر فسخه هل یرجع علی المشروط علیه بقیمتها أو مثلها أو أنه یقتضی الرجوع الی نفس العین بفسخ العقد الواقع علیها من أصلها أو من حین الفسخ و قد تعرض (قده)فی المقام الی جهات:- الجهة الاولی:فی أن المشروط له إذا فسخ هل یرجع الی قیمة العین و لا یرجع إلیها بنفسها بفسخ العقد الواقع علی العین من جهة ان العقد الواقع علی العین قد صدر من أهله و وقع فی محله حیث انه صدر من مالکها فی زمان ملکه فلا وجه لبطلان العقد،بل لو فسخ فلا بدّ من أن یرجع

ص:376

ببدلها أو أن یرجع الی نفس العین بفسخ العقد الصادر من المشتری من أصله أو من حین فسخه و الصحیح أن یرجع الی بدلها لأن العقد الواقع علیها کان صحیحا حین صدوره و لا وجه لبطلانه و تعرضنا لذلک تفصیلا فیما تقدم و المقام اعنی تعذر الشرط مع خروج العین عن ملک المشروط علیه من أحد صغریات ما تقدم فی محله من أن الفسخ بعد انتقال العین الی ملک شخص آخر بعقد صحیح لا یقتضی إلاّ الرجوع الی بدلها فراجع.

الجهة الثانیة:أن الشرط إذا تعذر و خرجت العین عن ملک المشروط علیه بعقد آخر منافی لمقتضی الشرط کما إذا اشترط علیه بیعه من زید و هو باعه من عمرو أو اشترط علیه وقفه و هو باعه و هکذا مما یکون منافیا للاشتراط فهل العقد الواقع علی المال صحیح مع أنه مخالف لمقتضی الشرط أو أنه باطل أو یفصل فیه بین ما إذا قلنا بأن الشرط یقتضی حقا للمشروط له علی المشروط علیه فنلتزم فی الأول بصحة العقد الصادر من المشروط علیه الذی هو مخالف لمقتضی العقد لانه لا یستلزم ح الاّ مجرّد المخالفة للحکم الشرعی بوجوب الوفاء و أما عقده فصحیح و نلتزم فی الثانی بالبطلان إذا لم یسبقه الاذن من المشروط له و لم تلحقه اجازة منه لأنه ح بیع شیء تعلق علیه حق الغیر و بیعه باطل.

و أما إذا سبقه اذنه أو لحقه أجازته فالعقد أیضا صحیح و هذا هو الذی ذهب الیه المصنف.

و ربما یفصل فی المقام بتفصیل آخر و هو التفصیل بین سبقه بالاذن من المشروط له،فالعقد یصحّ و بین لحوقه بإجازته أی المشروط له فیبطل بدعوی أن العقد إذا سبقه اذن من له الحق فعقده وقع صحیحا عند إسناده إلی العاقد.

و أما إذا وقع بلا اذنه حین إسناده إلی قاعدة ثم لحقته الإجازة فلا

ص:377

محالة یقع فاسدا لأنه عقد واحد شخصی قد حکم علیه بالبطلان حین صدوره من العاقد فکیف ینقلب إلی الصحة بالإضافة(و العقد باستمرار الزمان لا یکون متعددا)الی نفس ذلک العاقد،بعد ذلک و قد تقدم هذا التفصیل من الشیخ أسد اللّه التستری فی بیع الفضولی حیث فصل فی تصحیح العقد الأول بالإجازة المتأخرة بین العقد الفضولی المصطلح أعنی ما إذا کان العاقد غیر من ینسب الیه العقد بالإجازة و بین مثل تزویج بنت أخت الزوجة أو بنت أخ الزوجة مما یکون العاقد الفضولی فیه هو المنتسب الیه العقد بالجازة،فالتزم فی مثل ذلک بصحة العقد المذکور فیما إذا سبقه الاذن من الزوجة و بالبطلان فیما إذا لم یسبقه الاذن سواء لحقته الإجازة أیضا أم لم تلحقه،و ذلک من جهة أن العقد حین صدوره من العاقد حکم علیه بالبطلان لعدم اشتماله علی شرط صحته،فلا یمکن أن ینقلب إلی الصحة بالإجازة المتأخرة بالإضافة الی ذلک العاقد لأنه عقد واحد قد حکم بالفساد (و العقد الواحد لا یتعدد بحسب الأزمنة)بالإضافة إلی العاقد فلا یتصف بالصحة بالإضافة إلیه أبدا،و هذا بخلاف الإجازة فی الفضولی المصطلح لأن العقد و ان اتصف بالبطلان بالإضافة إلی العاقد الاّ أنه لا مانع من اتصافه بالصحة بالإضافة إلی المالک إذا أجاز لأنه لم ینسب الیه قبل أجازته لیحکم بصحته أو بفساده،بل ینسب إلیه بإجازته و یحکم بصحته له من حین الانتساب هذا ما فصله الشیخ اسد اللّه التستری هناک.

و التفصیل المذکور فی المقام هو عین هذا التفصیل الذی نقلناه عن الشیخ المذکور.

و قد أجبنا عن ما فصّله شیخ المتقدم هناک بوجوه:- منها:أن مقتضی الأخبار الواردة فی صحة تزویج العبد بدون اذن مولاه إذ الإجازة بعد تزویجه معللا بأنه لم یعص اللّه و انما عصی سیّده،

ص:378

عدم الفرق فی صحة العقد الصادر فضولیّا بالإجازة المتأخرة بین الفضولی المصطلح و تزویج بنت أخت الزوجة أو بنت أخیها و ذلک لأن الأخبار المذکورة تعطی ضابطة کلیة فی صحة العقد الفضولی بالإجازة المتأخرة و هی أن العقد الصادر عن الفضول ان کان معصیة وضعیة للّه تعالی فهو باطل،و لا ینقلب الی الجواز و صحة الفضولی علی طبق القاعدة فی جمیع موارده فلا وجه لرفع الید عنها فی بعض موارده و أما إذا لم یکن معصیة للّه حتی بالإجازة المتأخرة لانه کان معصیة و مخالفة لذلک المجیز فإذا رضی به و أجاز جاز و فی العقد المذکور أیضا إذا رضیت الزوجة و أجازت عقد بنت أختها أو بنت أخیها جاز لأنه لم یکن معصیة للّه و انما کان معصیة للزوجة و مخالفا لحقها فإذا أجازت جاز،فهذا التفصیل ساقط و التفصیل موکول الی محله.

و أما دعوی البطلان مطلق فلعلها من جهة أن العقد ح منهی عنه لأنه مناف للوفاء بالشرط الواجب و النهی فی المعاملات یوجب الفساد.

و یرد علیه وجوه:- الأول:أنه لیس فی المقام نهی مولوی شرعی من بیع المشروط علیه ماله من غیر من اشترط بیعه منه،إذ لم یرد عنه نهی و انما أمر ببیعه ممن اشترط بیعه منه و هو لا یقتضی النهی عن بیعه من غیره الاّ علی القول بأن الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضده و هو ممنوع.

الثانی:ذهب الی أن بیعه من غیر من اشترط بیعه منه مورد للنهی و لو من جهة اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضده إلاّ انا ذکرنا فی محله أن النهی فی المعاملات لا یقتضی فسادها مطلق سواء تعلق بالسبب أو بالمسبب أو التسبیب.

و الثالث:أنا لو سلمنا ان العقد المذکور منهی عنه شرعا و سلمنا أن النهی فی المعاملات یوجب الفساد و لکنه لا یلزم منه الالتزام بفساد العقد

ص:379

المذکور مطلق لأنه إذا رضی به المشروط له إذنا أو اجازة فلا محالة ترتفع النهی عنه إذ النهی عنه لیس الاّ من جهة حق المشروط له فإذا تجاوز عن حقه ارتفع النهی.

و دعوی البطلان مطلق لا یرجع الی وجه صحیح و من ذلک یظهر أن التفصیل بین کون الوجوب تکلیفیا محضا أو کونه حقیا کما ذهب الیه المصنف لا یمکن المساعدة علیه لأن الوفاء بالشرط و لو قلنا أنه من جهة ثبوت الحق للمشروط له علی المشروط علیه الاّ أن هذا الحق لا تتعلق بالمال و العین و انما تتعلق علی العقد فلا یکون بیعه بیعا لمتعلق حق الغیر و لیس المقام عن قبیل بیع العین المرهونة التی متعلق حق الغیر سیما مع ملاحظة أن الخیار منعقد فی المقام فلا وجه للتفصیل بین الصورتین إذ فی کلیهما یکون بیعه مضادا لما یجب علیه الوفاء به تکلیفا أو حقیا ثبت للمشروط له الخیار من دون ان یستلزم بطلان العقد أبدا فالصحیح هو الالتزام بصحة العقد الصادر من المشروط علیه مطلقا و یشمله عمومات حل البیع و الوفاء بالعقود و لکن للمشروط له الخیار و لا وجه للبطلان.

ثم لو قلنا ببطلان العقد الصادر من المشروط علیه فیخرج ذلک عن محل الکلام لان البحث فی تعذر الشرط ببیع المشروط علیه من اشترط بیعه ح و الکلام فی تعذر الشرط.

و هذا بخلاف ما إذا قلنا بصحة العقد من المشروط علیه لأنه ح یکون داخلا فی تعذر الشرط الذی هو محل الکلام فی الجهة الخامسة من عنوان کلام المصنف الاّ أنه إذا کان المشروط علیه متمکنا من العمل بالشرط بفسخ عقده لجوازه أو شرائه منه ثانیا وجب علیه و الزم علیه بمقتضی الاشتراط فیفسخ عقده أن تمکن أو یشتریه ممن باعه منه ثانیا و یصرفه فی محله.

و هذه الصورة لا بدّ من إخراجها عن محل الکلام و فرض البحث فیما

ص:380

إذا لم یتمکن المشروط علیه من إرجاع العین الی ملکه و لو بالشراء حتی یتعذر علیه الشرط فإذا کان الأمر کذلک و قلنا بصحة بیعه فقد تعذر علیه الشرط و یثبت للمشروط له الخیار فهو ان امضی عقده أی عقد نفسه فهو،و لا کلام و أما إذا فسخ عقده فهل یرجع الی بدل عینه أو یرجع الی نفسها بفسخ العقد الواقع علیه من أصله،أو من حین الفسخ وجوه قدّمنا صحیحها و لا مزیة له علی ما تقدم الاّ أن العلامة(ره)ذکر فی هذه المسألة أنه إذا فسخ المشروط له یرجع الی نفس عینه بانفساخ العقد الواقع علیها من المشروط علیه الاّ إذا کان الواقع علیها هو العتق فإنه ح یرجع الی قیمتها لا الی نفسها بفسخ العتق لأن العتق مبنی علی الغالب و هذا الکلام من العلامة مما لم یفهم له معنی محصلا أبدا لأن معنی بناء العتق علی الغالب هو أن العبد إذا عتق منه جزء یسری الحریة الی جمیع اجزائه و منه ضمان أحد الشریکین لحصة شرکه فی العبد إذا عتق نصفه أی حصة نفسه و لکنه کما کان سببا لحریة نصفه الأخر أیضا یضمن لشریکه قیمة ذلک النصف و هذا المعنی غلبة الحریة و العتق لا أن معناه أنه إذا أعتق ملک الغیر یکون هذا موجبا لحریة و المفروض أن فسخ المشروط له یکشف عن أن عتق المشروط علیه وقع فی غیر ملکه فیبطل،فالصحیح ما ذکرناه من صحة العقد مطلق و للمشروط له الخیار و أنه إذا فسخ یرجع الی بدل العین مطلق لأن العقد الصادر من المشروط علیه صدر من أهله و وقع فی محله و لا وجه لبطلانه (بقی هناک مسألة أن الخیار لا یسقط بالتصرف فی العین و نتعرض لها فی عنوان الاتی إنشاء اللّه).

و من جملة ما تعرض له المصنف(ره)هو أن للمشروط له إسقاط شرطه قد استفدنا من القرائن الداخلیة و الخارجیة أن وجوب الوفاء بالشرط لیس من الأحکام المجعولة للّه تعالی ابتداء فإنه لیس من الأحکام الأولیة و انما

ص:381

هو من جهة حق المشروط له الثابت بالاشتراط نظیر وجوب الأداء فی الدین فإنه من جهة ملاحظة حق الدائن لا أنه مجعول ابتدائی للشارع.

و قد عرفت أن الاشتراط یوجب ثبوت حق للمشروط له علی المشروط علیه عند العقلاء أیضا و علیه فلا مانع من أن یرفع المشروط له یده عن حقه إذ به یرتفع وجوب الوفاء بالشرط و هذا أمر ظاهر الاّ أن ذلک وقع مورد الخلاف بین الأعلام فی شرط العتق و قد ذهب جماعة الی عدم سقوطه بالإسقاط فإذا شرط العتق فی معاملة ثم رفع المشروط له یده عن شرطه قالوا بأنه لا یوجب سقوطه،بل یجب علی المشروط علیه الوفاء بالشرط مع إسقاطه المشروط له أیضا و ذلک من جهة أن فی شرط العتق ثلاثة حقوق حق للمشروط له و حق للّه تعالی،و حق للعبد و إذا رفع المشروط له یده عن حق نفسه فهو لا یستلزم سقوط الحقین الآخرین و من هنا قالوا ان إسقاط الشرط فی العتق لا یوجب السقوط هذا و لا یخفی أن کون العتق حقا للّه و للعبد مما لا یرجع الی محصل کما ذکره المصنف،لأنه أرید من کونه حقا للّه تعالی أنه أمر محبوب قد ذهب الیه الشرع فهو و ان کان کذلک الاّ أنه لا یستلزم الحق و لا وجوب الوفاء علیه لأنه أمر استحبابی و الاّ محبوبیة العتق للّه لا یختص بصورة الاشتراط فقط،لأنه محبوب علی کل حال و لازمه وجوب العتق و لو مع عدم الاشتراط و هو مقطوع العدم لأنه مستحب لا وجوب له فضلا عن أن یکون حقا و ان أرید من کونه حقا للّه أنه أمر بالوفاء به علی تقدیر شرطه لأنه حق لشارط ح و هو أیضا صحیح الاّ انه مشترک بین شرط العتق و غیره من الشروط فما ذا وجه عدم سقوط شرط العتق دون غیره،و اما أنه حق للعبد ففیه أن اشتراط العتق لا یوجب حقا للعبد علی المشروط علیه و لیس له المطالبة بذلک أبدا کما ذکرنا نظیره فی النذر لأنه إذا نذر شیئا علی الفقراء،أو غیرهم فلیس للفقراء مطالبة الناذر بالوفاء بالنذر.

ص:382

و أن أرید من ذلک أن العبد ینتفع بعتقه و الیه یرجع نفعه،ففیه أن رجوع المنفعة إلیه لا یوجب الاستحقاق إذ هو نظیر ما إذا اشترط فی ضمن العقد أن یهب لثالث مالا أو یبیعه منه بالعتق من ثمنه فإنهما یوجبان رجوع النفع الی الثالث الا أنه لا یوجب الاستحقاق و علیه فالصحیح أنه لا فرق بین شرط العتق و شرط غیره فی سقوطه بالإسقاط.

ثم ان إسقاط الشرط و الحق تارة یکون باللفظ و أخری یکون بالفعل و هذا الأمر و ان تعرض له المصنف(ره)فی الأمر المتقدم الاّ أن المناسب له ذکره فی هذا الأمر فإذا تصرف المشروط له أو عمل عملا علمنا به انه یسقط بذلک حقه فلا کلام فی سقوطه به و اما إذا لم یدل عمله علی إسقاطه فلا دلیل علی أن مجرّد التصرف أو العمل یوجب السقوط،اللهم الاّ فیما دل الدلیل علی کونه موجبا للسقوط کما دل علی أن التقبیل و المس و نحوهما یسقطان الخیار فی خیار الحیوان الاّ أن التعدی من مورد النص الی غیره غیر ممکن فیما لم یقم دلیل علی أنه یوجب السقوط لا دلیل علی سقوط الخیار به کما قدمنا تفصیل ذلک فی الأبحاث المتقدمة فلیراجع.

و من جملة الشروط التی ذکرها المصنف فی حکم الشروط الصحیحة أخیرا هو أن الشرط ربما لا یکون من قبیل الکم کما فی شرط الخیاطة،و الکتابة،و غیرهما،من الأوصاف و الافعال و أخری یکون الشرط من قبیل الکم متصلا أو منفصلا و الأول کما إذا باع الثوب علی أن عشرة أذرع و الأرض بأنها متر و الثانی کما إذا باع ما فی الکیس من الجوز علی أنه مائة عدد و لا إشکال فی أن تخلف الشرط فی القسم الأول لا یوجب الا الخیار و لهما الإمضاء مع المطالبة بالأرش بما یخصه من الشرط لأن الثمن انما یقع فی مقابل ذات المبیع و لا یقع فی مقابل الشرط أبدا و لو کان الشرط فی نفسه أمرا ممولا کما فی الخیاطة علی ما تقدم و أما إذا تخلف الشرط فی

ص:383

القسم الثانی فأیضا لا خلاف بینهم فی ثبوت الخیار بذلک للمشروط له الاّ أنه وقع الخلاف بینهم فی أنه یتمکن من أخذ الأرش و ما یخص الشرط من الثمن أو الإمضاء أو أنه کالقسم الأول لا یوجب الا الفسخ أو الإمضاء مجانا و لا یتمکن من أخذ الأرش بوجه و ربما قیل بجواز أخذ الأرش فی هذا القسم مطلقا و قیل بعدمه مطلقا و ثالث فصل بین متقارب الاجزاء، (و موافق الاجزاء)و مختلفها بالالتزام بالأرش فی الثانی دون الأول و هذا من غیر فرق بین صورتی التخلف بالنقصان و التخلف بالزیادة و الذی ینبغی أن یقال فی المقام هو أن البیع الشرط یتصور بحسب مقام الثبوت علی أقسام و صور:- الصورة الاولی:أن یکون أصل البیع و المعاملة معلقا علی ذلک الکم کما ربما یعلق علی کیف أو غیره من الأوصاف و الأمور کما إذا صرّح بأن بیعی لهذا الثوب مشروط بان یکون عشرة أذرع بحیث لو کان انقص لا یشتریه المشتری و لا یبیعه البائع أو صرح بأن بیعی لما فی الکیس من الجوز،معلق علی ان مائة عدد و لا أبیعه إذا کان انقص کما یشتریه المشتری إذا کان کک و فی هذه الصورة العقد باطل من رأسه لأنه من التعلیق المبطل و مع البطلان لا یبقی للنزاع فی أن له الإمضاء مجانا أو له أن یطالب بالأرش مجال إذا البیع باطل،و لیس له الإمضاء و لا الفسخ و لا المطالبة بشیء لعدم الموضوع و المعاملة و هذا ظاهر.

الصورة الثانیة أن یکون أصل البیع منجزا علی کل تقدیر و لا یکون معلقا علی ذلک الکم المشترط کما إذا اشتری الثوب علی کل تقدیر الاّ أنه اشترط علی البائع أن یکون ثمنه عشرة دراهم إذا کان الثوب عشرة أذرع و تسعة إذا کان تسعة فاصل المعاملة غیر معلقة الاّ أن یکون الثمن عشرة دراهم معلق علی کون الثوب عشرة أذرع و کأنه اشتری الثوب الخارجی کل ذرع بدرهم من

ص:384

دون أن یعلم أنه عشرة أذرع أو أقل أو أکثر و قد تقدم فی بیع صاع من الصبرة أن هذه المعاملة صحیحة و لا غرر فیها بوجه لأن الثمن بمقدار المثمن ان کان زائدا فزائدا و ان کان ناقصا فناقصا و لا خطر فی هذه المعاملة أصلا و العلم بما فی الصبرة أو بذرع الثوب قبل قبضه و تسلیمه غیر معتبر لانه یظهر عند تسلیمه بلا خطر علی أحدهما فالمعاملة صحیحة فی هذه الصورة و یثبت للمشروط له الخیار علی تقدیر عدم کون الثوب عشرة أذرع مع کون الثمن بمقدار المثمن کل ذرع بدرهم.

و بالجملة أنه اشترط فی هذه الصورة أمران:- أحدهما:أن یکون له الخیار علی تقدیر عدم تحقق الکم المشروط.

و ثانیهما:أن یکون کل ذرع بدرهم أی کون الثمن بمقدار المثمن فإذا ظهر المبیع ناقصا عن الکم المشروط فی هذه الصورة فیثبت للمشروط له الخیار أن الثمن ینقص بمقدار نقص المبیع لأنه لو کان عشرة أذرع کان ثمنه عشرة دراهم و حیث انه تسعة أذرع فقیمته تسعة دراهم حسب الاشتراط و لکن لا یبقی فی هذه الصورة مجال لإمضاء العقد بتمام الثمن أی بلا أخذ الأرش کما هو أحد أطراف الاحتمال فی المقام فإنه صرّح بأنه لو لم یکن عشرة أذرع فلیس ثمنه عشرة دراهم،بل ثمنه تسعة بمقدار المبیع فالإمضاء بتمام الثمن عند ظهور النقص فی المبیع لا یجری فی هذه الصورة.

الصورة الثالثة:ما إذا کان کل من المبیع و الثمن غیر معلقین و کلاهما منجزان علی کل تقدیر کما إذا اشتری الثوب بعشرة دراهم علی کل حال ظهر ناقصا أو غیر ناقص فهذا الموجود اشتراء بهذا الثمن المعین و ان لا یدری أن المثمن عشرة أو أقل الاّ أنه اشترط علی البائع الخیار لنفسه علی تقدیر ظهور النقص فی المبیع و عدم کونه عشرة أذرع و المعاملة فی هذه الصورة صحیحه أیضا و العلم بمقدار المبیع مما لا دلیل علی اعتباره فی غیر

ص:385

المکیل و الموزون الاّ من جهة استلزم الجهل بمقدار الغرر الا أنه للنص کما مرّ فی محله تفصیل ذلک فراجع.

و فی هذه الصورة یثبت للمشروط له الخیار عند ظهور النقص فی المبیع و له أن یمض العقد بتمام الثمن أیضا الاّ أنه لا یتمکن فی هذه الصورة من إمضائه مع المطالبة بالأرش و قیمة الناقص لأنه بلا موجب إذ المفروض أن المعاملة وقعت علی هذا الموجود بهذا الثمن الموجود لا بأقل منه فاحتمال إمضائه مع الأرش الذی هو أحد الاحتمالات فی المسألة غیر جاری فی المقام فلا یجتمع أطراف الاحتمالات المذکورة فی صورة واحدة.

و منه یظهر أن موردی النص و الإثبات فی کلمات الأصحاب متعدد و معه یکون النزاع لفظیّا لأن من یقول بجواز الإمضاء مع المطالبة بالأرش نظره الی الصورة الثانیة کما أن من أنکر الإمضاء مع الأرش و لم یجوز أخذ الأرش فنظره الی الصورة الثالثة و هما مختلفان فالنزاع لفظی هذا کله بحسب مقام الثبوت.

و أما فی مقام الإثبات فیما إذا قال بعتک هذا الثوب بعشرة دراهم علی أنه عشرة أذرع فإن أرجعنا قوله علی یعنی الشرط و التعلیق إلی أمرین أحدهما التزامه بالمعاملة الذی معناه الخیار و ثانیهما ان هذه العشرة فیما إذا الثوب عشرة أذرع أی أرجعناه إلی المثمن یکون من التعلیق فی الثمن و کأنه اشتری کل ذرع بدرهم فیثبت بذلک ما ذکره المصنف من أن له الإمضاء مع المطالبة بالأرش و قیمة النقص.

و بعبارة أخری تکون المعاملة ح من قبیل الصورة الثانیة التی یکون التعلیق تعلیقا لأمرین أحدهما الخیار و الالتزام بالمعاملة،و ثانیهما کون الثمن عشرة دراهم بمعنی أن کون الثمن عشرة دراهم معلق علی کون المبیع عشرة أذرع،فان لم یکن کک فالثمن أیضا لا یکون عشرة دراهم،بل بالنسبة و

ص:386

و لا یبقی لما ذکره جامع المقاصد من الإمضاء بلا مطالبة الأرش مجال لأنه من التعلیق فی الثمن کما مر.

و أما إذا أرجعناه أی قوله علی الی خصوص الالتزام بالمعاملة فقط لا الیه و الی کون الثمن عشرة دراهم الراجعة إلی الصورة الثالثة فیثبت به ما ذکره جامع المقاصد من أنه یثبت له الخیار و له الفسخ و الإمضاء من دون مطالبة الأرش،لأنه باع الثوب بعشرة دراهم بلا تعلیق و لکن الظاهر المطابق للمستفاد العرفی من مثل التعلیق المذکور هو ما ذکره المحقق الثانی من أنه یرجع الی الالتزام بالمعاملة فقط،و بعدمه یثبت له الخیار و لذا قال بأن الإشارة مقدمة علی العنوان بمعنی أنه أشار الی الموجود الخارجی و قال بعتک بکذا فالموجود مبیع فی مقابل الثمن کائنا ما کان لا أنه یرجع الی أمرین أحدهما الالتزام و ثانیهما کون الثمن کذا مقدار بمعنی التعلیق فی الثمن لأنه و ان کان أمرا ممکنا کما ذکرناه الا أنه محتاج الی التصریح به فی مقام الإثبات و مجرّد الظهور اللفظی و التعلیق لا یکفی فیه لأن ظاهره أنه تعلیق للالتزام بالمعاملة،بل ربما یصرّح به البائع أو المشتری و لا یرون الشرط الاّ تعلیقا من الالتزام بالمعاملة لا أنه تعلیق فیه و فی الثمن کما هو ظاهر بحسب الفهم العرفی فما افاده المصنف لا یمکن المساعدة علیه هذا کله فی طرف ظهور النقص.

و کذا الحال فما إذا ظهرت الزیادة لأن البائع تارة یعلق أصل بیعه بأن لا یکون زائدا علی عشرة أمتار فی بیع الأرض مثلا و قد عرفت أنه باطل و لا یجری فیه هذا النزاع أی الإمضاء مجانا أو مع مطالبة الأرش و اخری یعلق التزامه بالمعاملة علی کونه عشرة أذرع کما یعلق کون ثمنها عشرة دراهم علی کون الأرض عشرة أذرع و کأنه یشترط بیع کل ذرع منها بدرهم و عند التخلف یثبت له الخیار و الزیادة باقیة فی ملکه کما أن له أن یفسخ المعاملة

ص:387

فی عشرة أذرع المبیعة أیضا لأنه له الخیار(لأن الغرض التخلف بالزیادة) و ثالثة یبیع هذه الأرض بهذا الثمن منجزا و لکنه یجعل لنفسه الخیار فقط من دون أن یکون الزیادة له لأن الفرض أنه باع الأرض بأجمعها بعشرة دراهم هذا بحسب مقام الثبوت.

و أما فی مقام الإثبات فإن أرجعنا التعلیق إلی أمرین أحدهما الالتزام بالمعاملة و ثانییهما کون ثمنه عشرة دراهم أی کل ذرع بدرهم بالمعنی المتقدم أعنی کون ثمنه عشرة دراهم معلق علی کون الأرض عشرة أذرع فإن زاد یزید و ان نقص ینقص الذی هو الصورة الثانیة فیثبت له الخیار مع مطالبة بالزائد کما ذکره المصنف و ان أرجعناه إلی خصوص التعلیق فی الالتزام الذی هو الصورة الثالثة فیثبت له الخیار فقط دون استحقاق الزیادة کما ذکره جامع المقاصد،و قد عرفت أن الظهور اللفظی علی طبق ما ذکره جامع المقاصد و علیه فالظاهر أن تخلف الشرط فی الکم فی جمیع صور الأربعة أعنی متوافق الاجزاء کما فی الثوب و مختلف الاجزاء کما فی الأرض لجودة بعضها و رداءة بعضها الآخر أو الدار لاختلاف اجزائها کان التخلف بالنقص أم کان بالزیادة لا یوجب الاّ الخیار و لا یجوز مطالبة الأرش معه،لأن التعلیق بحسب المتفاهم العرفی یرجع الی الالتزام بالمعاملة و نتیجته الخیار و لا یرونه راجعا الی کون المثمن عشرة أذرع الذی نتیجته تعلیق الثمن و کون الثمن بقدر المثمن.

و أما ما افاده المصنف فی الجواب عن ذلک بانا لا ننکر أن البیع علی أنه عشرة أذرع بیع مع الاشتراط إلاّ أنا ننکر أن یکون کل شرط غیر مقابل بالمال و لا یتقسط الیه الثمن فهو لا یرجع الی محصل لأن فرض کون التعلیق المذکور شرطا فرض عدم وقوع المال فی مقابله و الشرط مع کونه مقابلا بالمال مما لا یجتمعان فالحق ما افاده جامع المقاصد کما تقدم.

ص:388

القول فی حکم الشرط الفاسد
اشارة

و الکلام فیه یقع فی جهات کما ذکره المصنف:-

الجهة الأولی:لا إشکال فی أن الشرط الفاسد لا یجب الوفاء به و لا

إلزام بفعله شرعا،

لأنه معنی الفساد فی مقابل الصحة و الإلزام به،فمعنی أنه فاسد أنه لا إلزام بفعله،و لا یجب علی المکلف أن یفی به،فالشرط الفاسد بما أنه شرط لا حکم له،نعم إذا کان الشرط الفاسد فی نفسه مشروعا لا مانع من أن یأتی به المشروط علیه لأنه وعده و هذا ظاهر و ینبغی أن یکون محل الکلام هو الشرط الفاسد الذی لم یدل دلیل علی صحته مع فساد شرطه.

و انما الکلام فی أن الشرط الفاسد إذا لم یقم دلیل علی فساد العقد معه أو صحته معه،و علیه فمثل بیع الخشب مشروطا بأن یجعله المشتری صنما خارج عن محل الکلام لأن فساد العقد فی مثله لأجل النصوص،بل بطلان البیع المذکور غیر مستند الی الاشتراط لأنه باطل حتی فی صورة عدم اشتراطه فیما إذا علم البائع أنه یجعله صنما کما تقدم ذلک فی محله و ذکر هناک المصنف أن النص هو الفارق بین بیع الخشب ممن یعلم أنه یجعله صنما و بیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمرا حیث ان الأول باطل و الثانی،صحیح و لا فرق بینهما الاّ ورود النص فی الأول علی البطلان دون الثانی،کما هو ظاهر،و کذا البیع مشروطا ببیعه من البائع ثانیا فإنه و ان کان باطلا الاّ أنه من جهة دلالة الاخبار علی بطلانه و هی الأخبار المعنونة بأخبار العینة و الاّ فالشرط اعنی البیع ثانیا صحیح فی نفسه.

و من هنا لو اشترط بیعه من شخص آخر یصح بلا کلام،لأنه من قبیل

ص:389

شرط فعل سائغ فی نفسه و انما دلت الأخبار علی بطلان العقد عند مقارنته بالشرط المذکور لا أن الشرط فسد و أوجب فساد المشروط و لعله ظاهر فهذا الموارد خارجة عن محل الکلام کما أن الشرط الفاسد إذا أوجب فقد شرط من شروط البیع تکوینا و یکون خارجا عن محل الکلام کما إذا اشتری شیئا و اشترط علیه عمارة داره و لا ندری أن داره وسیعة أو ساحتها ضیقة و هو یوجب اختلاف القیمة لا محاله و لکون المعاملة غرریة بالوجدان لأنه أمر خطری لعدم علمه بمقدار ما التزمه من مخارجات العمارة فیکون البیع فاسدا فی نفسه لفقد شرط من شروطه و هو عدم کونه غرریة و البطلان فی هذه الصورة مستند الی فقد شروط صحة البیع فی نفسه و هذا أیضا خارج عن محل الکلام (و کما إذا باع و اشترط أن یکون ما فی کیس المشتری من المال له مع عدم علمه بمقدار ما فی الکیس)و من هذا القبیل ما إذا اشترطه الخیار فی عقد النکاح فان الفقهاء قد ذهبوا الی أنه یوجب فساد النکاح و لم یتبیّنوا وجه بطلانه أی بطلان النکاح.

و قد ذکرنا الوجه فی ذلک سابقا و أشرنا إلیه فی حواشینا علی کتاب العروة و ملخصه أن الأدلة دلت علی أن النکاح لا یخلو من أحد القسمین لأنه اما دائمی أو موقت بوقت مضبوط،و یعبّر عنه بالانقطاع و التمتع کتوقیة بشهر أو شهرین و نحوهما،و قد عرفت أن معنی جعل الخیار فی معاملة تحدید ذلک المنشأ بالفسخ لأن الإهمال فی الواقع غیر معقول فالمنشأ للمتعاقدین اما هو الملکیة أو الزوجیة علی نحو الإطلاق و أما هو الملکیة أو الزوجیة المقیدة بوقت أو شیء،و معنی جعل الخیار أن المنشأ لیس هو الملکیة المطلقة،بل الملکیة الموقة بزمان الفسخ أو الزوجیة الموقتة بزمان فسخها.

و حیث أن أصل الفسخ و زمانه غیر معینین،فیکون جعل الخیار فی

ص:390

عقد النکاح إنشاء الزوجیة الانقطاعیة المقیدة بوقت غیر معلوم،و قد عرفت أن النکاح لا یخلو عن أحد القسمین،فإنه إما استمراری و دائمی،و اما موقت بوقت مضبوط،و لا ثالث لهما،فالموقت بوقت غیر معلوم باطل،فالشرط فی هذه الصورة قد أوجب فقد شرط من شروط صحة النکاح أعنی التوقیت بوقت مضبوط و هذا أیضا خارج عن محل الکلام.

فالبحث متمحض فی الشرط الفاسد الذی لا یدل دلیل علی بطلان العقد معه و لا یوجب فقد شرط من شروط صحة العقد تکوینا فالکلام یقع فی أنه هل یوجب سرایة الفساد الی المشروط أولا و هذا کما إذا اشترط فی ضمن عقد أن یشرب الخمر أو یکذب أو یترک واجبا فهل فساد الشرط فی المثالین یوجب فساد العقد أولا.

الصحیح أن الشرط الفاسد لا یوجب فساد المشروط أبدا وفاقا لمحققین من المتأخرین کالعلامة و الشهیدین و المحقق الثانی خلافا لبعض المتقدمین کالشیخ و من تبعه.

و الوجه فی ذلک أن الشرط غیر راجع الی تعلیق أصل المعاملة بوجوده و الاّ لکانت المعاملة باطلة فی نفسها کان شرطها فاسدا أم لم یکن،لأن التعلیق فی العقد یوجب البطلان.

بل،الشرط الذی بمعنی الربط یربط شیئین آخرین فی کل معاملة فإنه یستلزم تعلیق أصل المعاملة بالتزام الطرف بالشرط(فی شرط الأفعال الاختیاریة و منه یظهر حال شرط النتیجة أیضا)بحیث لو لا التزامه به فعلا فلا بیع بینهما أصلا و مثل هذا التعلیق لا یوجب البطلان لأنه تعلیق بأمر حاصل بالفعل و هما یعلمان بوجوده فالمعاملة تتحقق بتحقق التزام المشروط علیه بالشرط کما یستلزم تعلیق التزام البائع مثلا ببیعه علی إیجاد المشروط علیه الشرط خارجا.

ص:391

بل،ربما یصرح بأنک ان لم تأت بکذا فلا التزام بالمعاملة و هذا التعلیق یوجب الخیار علی تقدیر عدم إیجاد المشروط علیه ما وجب فی حقه و علیه فإذا باعه شیئا بشرط أن یرتکب محرما أو یرتکب ترک واجبا فقد علق أصل بیعه علی التزام المشروط علیه بذلک المحرم کما علق التزامه به بإیجاد ذلک المحرم فی الخارج،فإذا التزم المشروط علیه بذلک المحرم عصیان أو غفلة عن أنه حرام أو جهلا بالموضوع کما اشترط علیه شرب مائع مخصوص،و التزم بشربه ثم ظهر أنه خمر فلا محال تکون المعاملة صحیحة بحصول ما علقة علیه و هو التزام الطرف بالحرام(بمعنی أن تعلیق الخیار بالالتزام بالحرام کترک الصلاة و نحوه لا یوجب الحرمة و لا البطلان)و شرط الالتزام بالحرام فی المعاملة لیس شرطا مخالفا للکتاب و لا للسنة فلا حرمة فیه،و هو شرط سائغ و حیث انه حاصل بالفعل فالمعاملة متحققة و یشملها العمومات فلا یکون فساد الشرط المذکور شرعا موجبا لبطلان المعاملة لأنها لم یعلق علی وجود الشرط فی الخارج حتی ینتفی بانتفائه،و انما علقت علی التزام المشروط علیه بالشرط و المفروض أن الالتزام به حاصل فالمعاملة متحققة و لا وجه لبطلانها،و الی هنا تحصل أن المقتضی لصحة المعاملة موجود،فلا بد من ملاحظة أنه هل هناک مانع عن صحتها أو لا مانع عنها أیضا(تتمیم) قد عرفت أن الشرط إذا أوجب فقد شرط من شروط العقد تکوینا فلا محالة یوجب فساد العقد الاّ أنه خارج عن محل الکلام کما عرفت أمثلته و من ذلک ما إذا اشترط أمرا مخالفا لمقتضی العقد کما إذا اشترط عدم التملک فی البیع فان هذا الشرط یوجب عدم قصده البیع لا محالة و البیع لا مع القصد باطل لانتفاء شرطه،و هو العقد و القصد معا و هذا أیضا خارج عن محل الکلام.

و ذکر شیخنا الأستاذ أنه إذا باع شیئا و اشترط علیه أن یصرفه فی أمر

ص:392

حرام کما إذا باعه العنب و اشترط علیه أن یصرفه فی الخمر یکون ذلک الشرط موجبا لفقد شرط صحة البیع و به یخرج عن محل الکلام.

و الوجه فی ذلک أن المبیع ح مما لا منفعة محللة مقصودة فیفسد بیعه لأن الانتفاع منه یجعله خمرا قد حرمه الشارع و ألغاه و الانتفاع به فی غیره من الأمور المحللة مما اشترط البائع عدمه علی المشتری و علیه فلا منفعة مقصودة للمال فیفسد بیعه و نظیره ما إذا باعه شیئا و اشترط علیه أن یقامر به و تقریبه ظاهر هذا و لکن الأمر لیس کک لأن الاشتراط المذکور ان کان یمضی شرعا کما إذا أمضاه الشارع و أنفذه فهو یدل علی جواز صرفه فی المورد المذکور لأنه مما أمضاه الشارع أی ألزمه علی أن یصرفه فیه و هو من المنافع المقصودة المحللة بالإمضاء و أن لم یعلق علیه الإمضاء شرعا فهو ساقط و لا اعتبار به بمعنی أن المشتری أراد أن یصرفه فی غیر مورد الاشتراط لأن شرط عدم صرفه فی غیر مورد الشرط وقع فاسدا و علی کل حال لا یستلزم هذا الشرط فقد شرط من شروط صحة البیع فهذا الاشتراط داخل فی محل الکلام نظیر غیره من الشروط الفاسدة.

نعم،کبری المسألة کما عرفتها تامة لأن کل شرط استلزم فقد شرط من شروط صحة البیع فهو مفسد للعقد و یخرج عن محل الکلام و أن کان تطبیقها علی المثال المذکور غیر تام فالبحث متمحض فی الشرط الفاسد فی نفسه من دون أن یستلزم فقد شرط فی أصل المعاملة کما عرفت فلنرجع الی ما کنا بصدده.

و الوجوه التی استدل بها علی فساد العقد بفساد شرطه ثلاثة
الأول

أن للشرط قسطا من الثمن لا محالة

فإذا صح الاشتراط فلا اشکال لوقوع مجموع الثمن فی مقابل مجموع المثمن و هما معلومان و أما إذا فسد الشرط و لم یمض شرعا فقهرا لا ینتقل إلی البائع مثلا ما یقع فی مقابل الشرط لا

ص:393

محالة و حیث أن ما یقابله مجهول فیستلزم ذلک الجهل بالثمن الواقع فی مقابل ذات المبیع فیبطل المعاملة و الجواب عن ذلک مضافا الی النقض بالشرط الفاسد فی النکاح کما نقضه الشیخ(ره)أن الثمن لا یقع فی مقابل الشرط أبدا صحیحا کان الشرط أم فاسدا و انما یقع المال فی مقابل ذات المبیع.

نعم،الشروط مما یوجب زیادة القیمة لا أنها یقع فی مقابل المال و من هنا قلنا ان الشرط إذا تعذر ثبت للمشروط له الخیار فقط و لیس له مطالبة المشروط علیه ما یقابل الشرط من الثمن و لیس هذا الاّ من جهة أن الشرط قید خارجی یوجب زیادة القیمة و لا یقع بإزائه شیء من المال،هذا أولا.

و ثانیا:أن ما یقابل الشرط من الثمن فیما إذا قلنا بمقابلته للمال لیس أمرا مجهولا،بل حاله حال الوصف فی أن الموصوف بالوصف قیمة و لفاقده قیمة أخری،و کذا شراء الثوب بشرط الخیاطة له قیمة و شرائه بدونها له قیمة أخری معلومة عند الناس و لا جهالة فیما یخصه من الثمن،و هذا ظاهر.

و ثالثا:بعد الغض عما تقدم أن المعتبر من العلم بمقدار الثمن و المثمن هو العلم بمقدار مجموعها و لا یعتبر العلم بقیمة کل جزء جزء من المبیع،بل العلم بقیمة مجموع المال کاف فی صحته و لیکن حال الشرط کالجزء فکما إذا باع مال نفسه و مال غیره بثمن واحد صفقة واحدة ثم ظهر أن نصفه للغیر لا یکون المعاملة الواقع علی مال نفسه باطلة مع عدم العلم بما یقع فی مقابله من الثمن فکذلک المقام أو إذا باع خمرا و خلا بقیمة أو شاة و خنزیرا یقع المعاملة فی الخل و الشاة صحیحة بما یخصهما من الثمن مع عدم معرفتهما لما یخصهما من المال فکذا نقول فیما نحن فیه ان العلم بقیمة

ص:394

مجموع المبیع و الشرط یکفی فی صحة المعاملة

و لا یشترط فی صحتها معرفة

ما یخصّ المبیع من الثمن فهذا الوجه الثانی

الذی هو المهم فی المقام هو أن التراضی المعتبر فی المعاملات معلق علی المعاملة مع الاشتراط و لا یرض البائع بالمعاملة المجرّدة عن الشرط فان المقید ینتفی بانتفاء قیده فیکون العقد الواقع علی ذات المبیع من التجارة لا عن تراض و هو باطل لقوله عزّ من قائل لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ .

و الجواب عن ذلک یظهر مما أشرنا إلیه سابقا.

و حاصله أن الرضی المعاملی عند الإنشاء لم یعلق علی وجود الشرط فی الخارج و الاّ لکانت المعاملة باطلة لأنه من التعلیق المبطل و لو فرضنا صحة التعلیق أیضا تکون المعاملة باطلة فیما نحن فیه لعدم حصول ما علق علیه علی الفرض و المعلق ینتفی عند عدم المعلق علیه لا محالة و هذا من غیر فرق بین الشروط الصحیحة و الفاسدة و لازمه بطلان العقود و الإیقاعات عند الاشتراط مطلقا لأنه تعلیق أو عند عدم حصول المعلق علیه إذا قلنا بصحة التعلیق مثلا.

و حیث ان العقود و الإیقاعات لا تبطل عند اشتراط شیء فی ضمنهما أو عند عدم حصول شرطها فنستکشف من ذلک أن الرض المعاملی لم یعلق علی وجود الشرط فی الخارج و الالتزام بإیجاده لما کان حاصلا عند المعاملة و هما یعلمان بوجوده فلا یکون التعلیق علی مثله مبطلا و من الظاهر أن الالتزام بإیجاد الشرط فی المقام حاصل لأنه التزم به علی الفرض و تکون المعاملة تامة و متحققة و کون ذلک أمرا محرما لم یمضه الشارع مطلب آخر غیر مربوط بحصول المعلق علیه للمعاملة کما هو ظاهر.

نعم،ربما یکون البائع بحیث لو کان عالما بحرمة ذلک الشرط أو کان

ص:395

عالما بعدم إمضاء الشارع له لما أقدم علی المعاملة و انما أقدم علیها باحتمال أن الشارع یمض الشرط المحرم فی المعاملة تقصیرا أو قصورا.

الاّ أن ذلک من باب تخلف الدواعی و هو لا یستلزم البطلان و الاّ لزم بطلان المعاملة فما إذا کان البائع بحیث لو علم بترقی قیمة المبیع لم یبیعه أو علم بأن المشتری لا یعمل بشرطه أو لا یدفع الیه ثمنه لم یقدم علی المعاملة مع أن المعاملة فی الأمثلة صحیحة غایة الأمر ثبوت الخیار له فی بعض الفروض کعدم دفعه الثمن أو عدم وفائه بالشرط و هکذا.

و الوجه فی ذلک أن تخلف الدواعی لا ربط له بالرضا المعاملی ابدا فالرضی موجود لتحقق ما علق علیه و هو الالتزام و یشمله عموم أحل اللّه البیع و غیره من العمومات و معه لا وجه للبطلان.

و مما ذکرنا یظهر الفرق بین الصور النوعیة العرفیة و بین شرط الفعل أو الوصف أو غیرهما مما لا یرجع الی المثمن أو الثمن لأن اختلاف الصورة النوعیة العرفیة و تخلفها یوجب بطلان المعاملة و التعلیق علی مثلها صحیح لأنه تعلیق علی الموضوع فإذا باعه عبدا فظهر جاریة فالمعاملة باطلة عند العرف لأن معنی بعتک هذا العبد أی بعتک هذا الموجود علی أنه عبد مشروطا بأنه کک فإذا ظهر جاریة فالمعلق علیه لم یتحقق فی المعاملة فهی باطلة إذا العرف یری کلا من الجاریة و العبد فردتین متباینین و أحدهما غیر الأخر.

نعم،هما بحسب النظر الفلسفی واحد حقیقة و اختلافهما اختلاف وصف عرضی غیر ذاتی الاّ أن المدار فی الصحة و البطلان هو تخلف الصور النوعیة العرفیة دون الفلسفیة و هذا بخلاف اشتراط غیر الصور النوعیة لأن تخلفه لا یوجب البطلان و المعاملة لا تتعلق علیه و الاّ بطلت من رأسها کما هو ظاهر.

ص:396

الوجه الثالث:الاخبار المسماة بأخبار العینة

و قد تقدم الجواب عنها آنفا و سابقا و حاصل الجواب أن مورد دلالة الدلیل علی فساد المعاملة عند فساد شرطها خارج عن محل الکلام لأن الشرط فیها غیر فاسد فی نفسه إذ البیع من البائع لیس أمرا مخالفا للکتاب و السنة.

فلو سلمنا دخوله فی محل الکلام فهو نص ورد فی خصوص البیع النسیة مشروطا ببیع المشتری له ثانیا نقدا فنلتزم ببطلان هذا الشرط و إفساده العقد فی مورده اعنی خصوص بیع النسیة فمن أحد شرائط صحتها ان لا یشترط فیها بیعه من البائع ثانیا و لو مع کون هذا الشرط فی نفسه صحیحا فهو باطل للنصّ أو لأنه دوری علی ما ذکره العلامة(ره)فهذا الروایات خارجة عن محل الکلام.

و أما روایة عبد الملک الواردة فی حکم من یشتری شیئا و یشترط علی البائع أن تکون خسارة المشتری علی بایع المال فقال علیه السلام لا ینبغی فهی أیضا لا تدل علی فساد العقد عند فساد شرطه لأن قوله علیه السلام لا ینبغی لم یعلم أنه راجع الی أصل هذه المعاملة و البیع أی البیع المذکور مما لا ینبغی أو أن هذا الاشتراط لا ینبغی.

ففی الثانی یخرج عن محل الکلام لأنه نهی ورد علی الشرط ابتداء و ساکتة عن بطلان البیع و هو ظاهر.

و علی الأول یکون دالة علی بطلان العقد بفساد شرطه،بل علی هذا أیضا یخرج عن محل الکلام لأن البحث فی الشرط الفاسد الذی لم یدل دلیل علی فساد العقد به،و علی الأول یکون دالة و لکن الروایة لا دلالة لها علی أحدهما فهی مجملة لا دلالة فیها علی المطلب،هذا أولا.

و ثانیا:ان قوله علیه السلام لا ینبغی،لا یفید الفساد و انما یفید الکراهة و لا ربط لها بالفساد فنذهب ان المعاملة مع الشرط المذکور مکروهة

ص:397

و کلامنا فی الصحة و الفساد.

و ثالثا:نذهب ان قوله علیه السلام لا ینبغی،نص فی الفساد،و التحریم الاّ أنه لا یقتضی الحکم بفساد العقد عند فساد شرطه مطلقا لأنه نص ورد فی مورد خاص و هو البیع بشرط کون خسارة المشتری علی البائع و لا نتعدی عنه الی غیره.

و رابعا:أن دلالة الروایة علی فساد العقد بفساد شرطه مطلقا أو فی موردها متوقف علی أن یکون المراد من کون خسارة المشتری علی البائع ضمان البائع لما یخسره المشتری فی بیعه المبیع فإنه أمر علی خلاف الکتاب و السنة إذ لا وجه فخسارة احد و کون الآخر ضامنا علی خسارته شرعا.

و أما إذا کان المراد من الاشتراط المذکور شرط جبران خسارة المشتری بمال البائع بأن یکون الشرط شرط و هو أن یعطیه البائع مقدارا من ماله للمشتری إذا خسر،فالروایة تکون خارجة عما نحن فیه لأن الشرط المذکور ح شرط سائغ مباح لا فساد فیه أبدا حتی یستلزم فساد العقد أیضا کما ذکرناه سابقا فتکون الروایة أجنبیة عن المقام و معتبرة فی خصوص موردها.

و الی هنا تحصل أن العقد لا یفسد عند فساد شرطه و لا وجه لفساد العقد ابدا مع اقتضاء العمومات صحته لأنه بیع و عقد و هو صحیح علی طبق القاعدة و تعضد القاعدة جملة من الاخبار فی صحة العقد عند فساد شرطه فمنها ما عن المشایخ الثلاثة فی الصحیح عن الحلبی عن الصادق علیه السلام أنه ذکر أن بریدة کانت عند زوج لها و هی مملوکة فاشتراها عائشة فأعتقها فخیرها رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فقال أن شائت قعدت عند زوجها و ان شائت فارقته و کان موالیها الذین باعوها اشترطوا علی عائشة أن لهم ولائها فقال(صلی الله علیه و آله)الولاء لمن أعتق حیث منع(صلی الله علیه و آله)من الشرط لفساده و لم

ص:398

یمنع عن أصل البیع المشروط به.

و منها مرسلة جمیل و صحیحة الحلبی الأولی عن أحدهما(علیه السلام)فی الرجل یشتری الجاریة و یشترط لأهلها أن لا یبیع و لا یهب و لا یورث قال قضی بذلک إذا اشترط لهم الاّ المواریث.

و هذه الروایة أیضا دلّت علی منعه علیه السلام عن شرط عدم الإرث مع تصحیحة العقد و سائر الشروط و غیرها من الأخبار.

و هذه الأخبار أیضا یقتضی صحة العقد عند فساد شرطه و قد عرفت أن الصحة هی المطابقة للقاعدة بحیث لم تکن تحتاج معها الی الأخبار.

و لو لا هذه الأخبار أیضا کنا نحکم بصحة العقد و عدم سرایة الفساد من الشرط الیه هنا.

ثم انه ربما یستدل علی ما ذکرناه من عدم سرایة الفساد من الشرط

الفاسد الی العقد

بان فساد العقد من جهة فساد شرطه أمر مستحیل فی مقام الثبوت.

و الوجه فیه أن صحة الشرط بمعنی وجوب الوفاء علیه متوقف علی صحة العقد إذ وجوب الوفاء بالشرط مانع لوجوب الوفاء بالعقد بمعنی أنه انما یکون واجب الوفاء فیما إذا وقع فی ضمن عقد صحیح و هذا التوقف ظاهر و لذا قلنا ان الشرط الغیر المذکور فی ضمن العقد شرط ابتدائی لا یجب الوفاء علیه و علی ذلک إذا کان صحة العقد أیضا متوقفة علی صحة الشرط کما هو معنی کون العقد فاسدا بفساد شرطه لدار و هذا ظاهر.

و ذکر المصنف أن فی هذا الاستدلال ما لا یخفی و هو کما أفاده فإن وجوب الوفاء بالشرط و ان کان متوقفا علی صحة العقد کما عرفت الا أن صحة العقد لا تتوقف علی وجوب الوفاء بالشرط،بل یتوقف علی ملزوم وجوب الوفاء بالشرط و ملزومه أن لا یکون فاسدا أی أن لا یکون منافیا لمقتضی العقد و لا

ص:399

یکون مخالفا للکتاب و السنة و هکذا فیما تتوقف صحة العقد علی أمر عدمی و هو غیر ما یتوقف صحة العقد فلا دور.

و لأجل فساد هذا الاستدلال لم یتعرض المصنف للجواب عنه هذا تمام الکلام فی بیان صحة العقد عند فساد شرطه بقی الکلام فی أنه هل یثبت للمشروط له الخیار،ح أو لا خیار له ذکر المصنف احتمالین فی المقام.

ثم انه ربما یستدل علی الصحة بأن صحة الشرط فرع علی صحة البیع.

فلو کان الحکم بصحة البیع موقوفا علی صحة الشرط لزم الدور و أجاب المصنف عن ذلک بأن فیه ما لا یخفی و الانصاف أن المسألة فی غایة الاشکال و لم یبین وجهه لوضوحه و هو أنه لا تتوقف صحة کل من الشرط و العقد علی صحة الأخر.

أما الأول فلأن صحة الشرط و کونه لازم الوفاء فرع وجود الدلیل علیه من وجوب الوفاء بالشرط أو غیره و لا شبهة أن هذا المعنی لا یتوقف علی صحة العقد المتوقف علی شمول دلیل صحة العقد علیه،نعم تتوقف صحة الشرط علی الشروط المذکورة لصحة الشرط التی ذکر من جملتها أن لا یکون الشرط ابتدائیا و لیس من جملتها صحة البیع.

و اما الثانی:فلأن صحة العقد لا تتوقف علی وجود الشرط فی ضمن العقد فضلا عن ان تتوقف علی صحته،نعم إذا فسد العقد لا یبقی مجال لوجوب الوفاء بالشرط لأنه یصح ح شرطا ابتدائیا و علی الجملة فهذه الدعوی أیضا فاسدة.

ثم انه علی تقدیر صحة العقد مع فساد الشرط فهل یثبت الخیار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط أولا،و قد وجّه المصنف فی صدر کلامه الاحتمالان:- الأول:بدعوی أنه فی حکم تخلف الشرط الصحیح،فان المانع الشرعی

ص:400

کالعقلی فیدل علیه ما یدل علی خیار تخلف الشرط،ثم ذکر أنه لا فرق فی الجهل المعتبر فی الخیار بین کونه بالموضوع أو الحکم الشرعی و لذا یعذر الجاهل بثبوت الخیار أو فوریته ثم عدل عند هذا الاحتمال و وجه الاحتمال.

الثانی:بدعوی أن العمدة فی خیار تخلف الشرط هو الإجماع و أدلة نفی الضرر أما الإجماع فهو منفی فی المقام لمخالفة کثیر من الفقهاء و ذهابهم الی فساد العقد بفساد الشرط کالمحقق و غیره،بل حکی عدم القول بالخیار من أحد من المتقدمین و أوائل المتأخرین فالإجماع غیر متحقق و مع ذلک لا مجال لدعوی الإجماع علی ثبوت الخیار فی المقام للمشروط له علی تقدیر تخلف إذا کان جاهلا بالحال.

و أما أدلة نفی الضرر،فذکر المصنف أنه لو صح العمل بعمومها لزم منه تأسیس فقه جدید خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحکم الشرعی عذر فرب ضرر یترتب علی المعاملات من أجل الجهل بأحکامها خصوصا الصحة و الفساد،فإن ضرورة الشرع قاضیة فی أغلب الموارد بان الضرر المترتب علی فساد معاملة مع الجهل به لا یتدارک به علی أن الضرر فی المقام لیس من ناحیة إلزام الشارع حتی یرتفع بدلیل نفی الضرر،بل انما هو ناش من اقدام المتضرر،فلا یکون ذلک مشمولا لذلک،هذا کله مع أنا قد ذکرنا فی خیار الغبن أن دلیل نفی الضرر غریب عن إثبات الخیار بالکلیة أصلا،فإنه لا یتکفل لإثبات الحکم الشرعی أصلا،و انما شأنه نفی الحکم الشرعی الضرری کما هو واضح.

و بعبارة أخری أن معنی الخیار کون المنشأ محدودا بالفسخ و أدلة الإمضاء أیضا تمضی هذا المنشأ لا أضیق منه و لا أوسع منه و الاّ فلا تکون العقود تابعة للقصود.

نعم،قد یکون الإمضاء الشارع أوسع مما إنشائه المتعاملان و قد یکون

ص:401

أضیق منه کما فی خیار المجلس حیث ان المتعاقدین أنشأوا البیع لازما من الابتداء و الشارع جعله لازما بعد الافتراق و کذا فی بیع الحیوان بعد ثلاثة أیام و فی بیع الصرف إنشاء و الملکیة من الابتداء و الشارع أمضاها بعد القبض و فی غیر الموارد التی ورد الدلیل علی التوسعة أو التضیق فلا یمکن التخلف،بل ما أنشأه المتعاقدان هو الممضی للشارع و إذا کانت المعاملة المنشئة محدودة بالفسخ فترتفع بالفسخ،و هذا معنی جعل الخیار فیکون ثابتا بالشرط الضمنی الذی مرجعه الی تحدید المنشأ بالفسخ و ارتفاع العقد به کما هو واضح.

نعم،إمضاء الشارع للشرط بمعنی إیجاب الوفاء به فی الخارج مرتفع لأنه فاسد و لا یلزمه الشارع بإیجاد المحرم فی الخارج و أما کون المشروط له متمکنا من الفسخ علی تقدیر عدم ارتکاب المشروط علیه بالحرام أو ترک الواجب فلا مانع له ابدا.

نعم،ظرف ثبوت الخیار و هو ارتکاب الحرام مبغوض للشارع و غیر ممضی لإثبات الخیار له فی ذلک الظرف و هذا نظیر ما لو جعلا الخیار لأحدهما من الابتداء عند عمل المشروط علیه بالحرام أو إتیانه الواجب(لا أنه یشترط شیئا و یکون نتیجته الخیار)فإنه مما لم یذهب أحد إلی بطلانه و عدم ثبوت الخیار له عند إتیان الواجب أو ترک الحرام،فالخیار ثابت للمشروط علیه لا محالة و هذا من غیر فرق بین علمهما ببطلان الشرط و حرمته،و جهلهما و بین جهل أحدهما و علم الآخر و هذا ظاهر.

و منه یظهر أن هذا الخیار لیس ثابتا من ابتداء العقد بدعوی أنه متعذر من الأول لأن الممنوع الشرعی کالممنوع العقلی،بل انما یثبت له فیما إذا لم یف المشروط علیه بالشرط و لو کان فاسدا فإذا فرضنا أنه ارتکب المحرم عصیانا فلا یثبت للمشروط له الخیار،لأنه إنما جعله علی تقدیر عدم

ص:402

إتیانه به و لو معصیة و کون ذلک الفعل محرما مطلب آخر لا یمنع عن عدم ثبوت الخیار،هذا تمام الکلام فی الأمر الأول من الأمور المذکورة فی أحکام الشرط الفاسد،و قد اشتمل علی بحث عدم وجوب الوفاء بالشرط الفاسد و أنه لا یمنع عن صحة العقد أنه یوجب الخیار للمشروط له.

و التحقیق أن یقال أن دلیل الخیار فی تخلف الشرط لیس هو الإجماع و لا دلیل نفی الضرر و لا شیء آخر،بل الدلیل علی ذلک انما هو الشرط الضمنی أو الصریح و قد عرفت ذلک فی خیار الغبن و غیره و توضیح ذلک إجمالا أن کلا من البائع و المشتری إذا اشترط علی الأخر شرطا اما صریحا أو فی ضمنی العقد ثبت للشارط الخیار مع التخلف فان مرجع الاشتراط الی جعل الخیار بداهة أن الشارط إذا اشترط إیجاد فعل علی البائع،أو وصفا فی المبیع معناه أن التزامی علی العقد مشروط بالتزامک علی إیجاد الفعل الفلانی أو بظهور المبیع علی الوصف الفلانی و إذا تخلف ذلک لا یکون المشروط له ملزما بالالتزام بالعقد و معنی أنه لا یکون ملزما بالالتزام علی العقد أن له الخیار فی فسخ العقد و إبقائه و علیه ففی المقام أن المشروط له قد اشترط علی المشروط علیه إیجاد فعل فاسد و شرط فاسد بحیث لو لم یفعله المشروط علیه ثبت له الخیار و لا شبهة ح فی ثبوت هذا الخیار و توهم أن الشرط مخالف للکتاب توهم فاسد،فان الشرط و هو جعل الخیار للشارط لیس مخالفا للکتاب،بل متعلقة مخالف للکتاب کما إذا باع شیئا و الشرط فی ضمنه أن یعصر الخمر و الاّ فله الخیار فان جعل الخیار لیس مخالفا للکتاب،بل متعلقة کک و قد تقدم صحة جعل الخیار علی تقدیر ترک فعل الحرام بان اشترط أحد المتبایعین علی الآخر أن یفعل محرما کما هو واضح.

قوله الثانی:لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد.

ص:403

أقول:ذکر فی تقریر شیخنا الأستاذ أنه لم یسبق هنا أمر أول لیکون هذا ثانیا له و لعله اشتباه من قلم المصنف أو من النساخ و لکنه واضح البطلان لأنه ذکر عند الشروع بأحکام الشرط الفاسد أن الکلام یقع فی أمور و ذکر الأمر الأول و قد أطال البحث فیه و ذکر فی آخره أنه هل یثبت الخیار للجاهل بفساد الشرط أو لا،تم تعرض للأمر الثانی فلا اشتباه من المصنف و لا من النساخ.

و حاصل کلام المصنف هنا أنه بناء علی کون الشرط الفاسد مفسدا للعقد إذا قلنا بصحة العقد و عدم فساده بفساد الشرط فلا شبهة فی صحة العقد و سقوط الخیار بإسقاط الشرط مع القول بثبوت الخیار للمشروط له، و إذا أسقط المشروط له ذلک الشرط فهل یصبح العقد صحیحا أو یبقی فی فساده فقد اختار الأول بدعوی أن العقد قد انعقد بینهما فاسدا فلا ینفع السقاط المفسد بعد ذلک ثم احتمل الصحة بناء علی أن التراضی انما حصل علی العقد المجرّد عن الشرط فیکون کتراضیهما علیه حال العقد.

ثم أجاب عنه بأن التراضی إنما ینفع إذا وقع علیه العقد أو لحق العقد السابق کالعقد الفضولی أو المکره و لکن الأمر فی المقام لیس کذلک لأن التراضی انما هو علی الإنشاء المطلق و هو لم ینشأ و المنشأ انما هو العقد المقید و هو غیر ممض للشارع فلا یفید فی المقام تحقق الرضاء المتأخر علی إطلاق العقد السابق الذی إنشاء مقیدا بالشرط الفاسد و عن العلامة التردد فی فساد العقد مع إسقاط الشرط الفاسد حیث احتمل الوجهین:

الأول:بطلان العقد من أصله لما عرفت.

و الثانی:توقف البیع بدون الشرط علی الرضا فإن رضی به المشروط له بدون الشرط صح العقد و الا بطل و قد رده المصنف أی الاحتمال الثانی بأنه لا یعرف وجه للإیقاف،فافهم.

ص:404

و حاصل اشکال المصنف بانا لا نعرف وجها لإیقاف المعاملة بعد إنشائها و انعقادها باطلا و معه کیف ینعقد صحیحا بإسقاط شرطها و هذا لا یقاس بالرضا و الإجازة المتأخرة أو الأذن السابق فی کفایتها فی صحة العقد،فإن الاذن أو الإجازة ح یتعلقان علی العقد السابق،أو اللاحق،فیوجبان صحته و هذا بخلاف ما إذا تعلقا علی أمر آخر غیر ما رضیا به سابقا و غیر ما عقد علیه فإنه لا یقلب الباطل إلی الصحة.

قوله الثالث:لو ذکر الشرط الفاسد قبل العقد.

أقول:فی بعض النسخ عقد العنوان مسئلتان مکان الأمر الثالث و الأمر الرابع و هو اما سهو من قلم المصنف رحمه اللّه أو من النساخ و الصحیح أن تقول الثالث و الرابع کما فی بعض النسخ الأخری و کیف کان إذا قلنا بأن الشرط الفساد مفسد للعقد و أن فساد الشرط یسری إلیه فهل یختص ذلک بما إذا کان الشرط مذکورا فی متن العقد أو یعم ما إذا کان مذکورا قبل العقد و وقع العقد مبنیّا علیه فان قلنا أن الشرط المذکور قبل العقد الذی لا یذکر فی ضمن العقد خارج عن الشرط فلا کلام لنا فیه فإنه لیس هنا شرط حتی یکون فساده موجبا لفساد الشرط و إذا بیننا علی أنه أیضا شرط و لا عنایة فی إطلاق الشرط علیه و لا دلیل علی ذکره فی ضمن العقد فان معنی الشرط هو الإناطة و الارتباط و هو یحصل بذکره قبل العقد بحیث یقع العقد مبنیّا علیه و مربوطا به لا فی حال الغفلة عن البناء السابق فیکون بذلک مشمولا لعموم المؤمنون عند شروطهم و خارجا أیضا عن الشروط الابتدائیة.

و علیه یقع الکلام فی أنه یفسد العقد أو لا یفسد فذکر المصنف هنا وجهان مبنیان علی تأثیر الشرط قبل العقد فان قلنا بأنه لا حکم له کما هو ظاهر المشهور لم یفسد و الا فسد،و قد فصل بذلک و نقل هنا قولا ثالثا

ص:405

عن المسالک و عبارته غلفة جدا و لا نتعرض لها و لاحظها و الذی ینبغی أن یقال أنه لا شبهة فی صدق الشرط علی ذلک کما عرفت،و ح فلا بدّ من ملاحظة مدرک أن الشرط الفاسد یفسد العقد و یسری فساده إلیه فإن کان ذلک هو الإجماع فلا شبهة فی عدم شموله للمقام لکونه دلیلا لبیّا و المتیقن منه ما یکون الشرط مذکورا فی متن العقد و أما إذا کان مذکورا قبله و وقع العقد مبنیّا علیه فلا یکون داخلا لمعقد الإجماع.و ان کان الدلیل هو نفی الضرر فمقتضی القاعدة هو فساد العقد بفساد الشرط فإنه لا فرق بین هذا الشرط و الشروط المذکورة فی ضمن العقد کما هو واضح.

نعم،بناء علی أن المدرک لفساد العقد بفساد الشرط هو الاخبار الواردة فی بیع الوضیعة و العینة علی ما تقدم فهی منحصرة إلی صورة ذکر الشرط فی متن العقد فلا یکون المقام مشمولا لها.

و بعبارة أخری أن مورد تلک الأخبار صورة ذکر الشرط فی متن العقد و أما إذا وقع العقد مبنیّا علیه أی علی ذکر الشرط السابق فهو خارج عن مورد الأخبار فلا بدّ من الاقتصار بمورد التعبد کما هو واضح الاّ أنها غیر تامة الدلالة کما تقدم.

و بعبارة أخری إذا قلنا بأن فساد العقد عند فساد شرطه علی طبق القاعدة و من جهة قصور المقتضی للصحة ح لأن للشرط قسطا من الثمن فإذا فسد و اخرج قسطه یکون الثمن مجهولا و المعاملة غرریة أو لأن الرضا انما وقع علی عقد خاص و هو المعاملة بهذا الشرط الفاسد فإذا انتفی القید ینتفی المقید،فلا محالة نلتزم بالإفساد عند التبانی أیضا فما إذا قلنا أنه فی حکم الشرط الملفوظ لأن خراج قسط من الثمن فیه أیضا یوجب الجهالة فی الثمن و الرضا بالمعاملة مقید باقترانها للشرط،فإذا انتفی ینتفی الرضا فلا تشمله الأدلة لقصور العقد بحسب المقتضی فیفسد العقد

ص:406

عند فساد التبانی.

و أما إذا کان علی خلاف القاعدة فیقتصر بمورد النص و الظاهر علی ما عرفت أنه بناء علی أن فساد الشرط یسری الی العقد فالشرط السابق علی العقد یوجب فساده أیضا،لکونه شرطا حقیقة علی ما عرفت.

نعم،إذا نسی المتبایعان ذلک و أوجد العقد بغیر بنائه علی الشرط السابق لا یکون الشرط ح مؤثرا فی العقد،فان العقد بحسب القاعدة إذا لم یقید حین الإنشاء بشیء أنشأ مطلقا و غیر مقید بشیء و قد فرضنا أنه لم یقید بشرط و من هنا ذکرنا سابقا أن ترک ذکر الأجل فی المتعة یوجب کون العقد المنشأ دواما علی طبق القاعدة و الروایة الواردة فی ذلک مواقفة للقاعدة لا مخالفة لها،لأن طبع العقد أن یوجد مطلقا مع عدم التقید بشیء.

قوله الرابع:لو کان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به.

أقول:ذکروا موردا یکون الشرط لغوا و لا یکون موجبا لکون العقد لغوا فکأنه مستثنی من موارد فساد العقد بفساد الشرط و هو ما إذا کان الشرط لم یتعلق به غرض العقلاء بأن یشترط أحدهما علی الآخر أن یوزن المبیع بکیل فلانی مع أنه لا فرق بینه و بین الکیل المعروف عندهم بوجه و هذا الشرط لا یزید المالیة بوجه،و لا یکون دخیلا فی الرغبة إلی المبیع أصلا،و قد صرّح فی موارد من التذکرة بعدم الإفساد.

و من هنا ذکر الشهید رحمه اللّه أنه لو اشترط کون العبد کافرا و ظهر مسلما کان الشرط لغوا و لیس له الخیار من ناحیة تخلف الشرط،و وجّه المصنف أن الوجه فی ذلک هو أن الوفاء بمثل هذا الشرط حیث لم یکن واجبا شرعا و لم یکن فی تخلفها أو تعذرها خیار خرج هذا الشرط عن قابلیة تقید العقد بذلک.

ص:407

ثم أشکل علیه بأن لغویتها لا تنافی تقید العقد بها فی نظر المتعاقدین فاللازم اما بطلان العقد و اما وجوب الوفاء کما إذا جعل بعض الثمن مما لا یعد مالا عرفا و هذا لا بأس به لأنا لو أغمضنا عما ذکرناه سابقا من کفایة تعلق الغرض الشخصی فی العوضین فضلا عن الشروط و أنه مع اعتبار المالیة بحسب أغراض العقلاء فی العوضین فلا دلیل علی اعتبار ذلک فی الشروط فلا شبهة أن ما أنشأ بحسب نظر المتبایعین انما هو العقد المقیّد فلا یعقل أن یکون الممضی غیر ما أنشأ حین العقد و علیه فأصل الشرط لیس بلغو فضلا عن أن یتکلم فی أن فساده یسری الی العقد بناء علی السرایة أو لا یسری فهذا البحث لغو أصلا.

و علی الجملة بعد ما فرضنا أن معنی الشرط هو الربط فلا شبهة فی ارتباط العقد بالشرط المذکور و علیه فلا بدّ اما من الالتزام بعدم فساد الشرط مع عدم ترتب الغرض العقلائی علیه لصدق الشرط علیه فیحکم بوجوب الوفاء به،لأدلة الشروط أو لعموم دلیل الوفاء بالعقد و اما أن نلتزم بالإفساد فی هذا الشرط أیضا بناء علی أن عدم ترتب الغرض العقلائی علی الشرط یوجب الفساد فإنه بعد الفساد فلا محالة یوجب فساد العقد بناء علی السرایة،کما هو واضح،فلا وجه للاستثناء أصلا.

الکلام فی أحکام الخیار

اشارة

قوله:الکلام فی أحکام الخیار.

أقول:لا خلاف بین الفقهاء فی أن الخیار یورث بأنواعه و لم نجد فی ذلک خلافا الاّ عن الشافعی فی خیار المجلس و لعله من جهة أنه یری الموت افتراقا،بل ادعی بعضهم الإجماع علی ذلک و استدل علی أنه یورث

ص:408

مضافا الی الإجماع المتقدم بان الخیار حق للمیت فیورث لعموم ما ترکه المیت من حق فلوارثه.

أقول:لا شبهة فی أن الخیار من قبیل الحقوق و ذلک من جهة أنه و ان لم یکن فرق حقیقة بین الحق و الحکم،بل کل ذلک من قبیل الأحکام الشرعیة و لکن قد تقدم فی أول الخیار و فی أول البیع أن ما یکون اختیاره تحت ید الإنسان من الأحکام الشرعیة بحیث حقا یقبل النقل و الانتقال أو السقوط و الإسقاط سمی ذلک حقا و ما لا یکون کک یسمی ذلک حکما فالجواز فی الهبة من قبیل الحکم إذ لا یقبل شیئا من الأمور المذکورة و لا یتغیر عن حاله بوجه الاّ أن یکون هبة لذی رحم أو علی وجه قربی،فإنه یکون لازما و أما غیرهما فلا یکون لازما حتی بإسقاط الواهب حق رجوعه و یقابل هذا الجواز الحکمی اللزوم الحکمی فی النکاح،فإنه أیضا حکم من الأحکام الشرعیة و لذا لا یقبل الانفساخ و لو برضائه الموجب و القابل،بل طریق ارتفاعه الاختیاری منحصر بالطلاق الذی بیّنه الشارع و أما رفعه،بغیر ذلک کاقالة مثلا فلا یکشف من ذلک أن هذا اللزوم حکمی لا حقی کما هو واضح.

و هذا بخلاف الجواز فی الوکالة فإنه یقبل التغیر و کک اللزوم فی البیع فإنه یقبل الحل بالإقالة أیضا و هو الانفساخ کما یقبل الحل بالفسخ فیعلم من ذلک أن اللزوم هنا حقی و قابل للحل و لیس الإقالة بیعا جدیدا حتی یتوهّم أنه لا یکون حلا للعقد السابق إذ تصلح الإقالة بعد تلف العینین و لو کان بیعا جدیدا لما کانت صحیحة،کما هو واضح.

و علی الجملة أنه لا شبهة فی وجود الفرق بین الحق و الحکم و أن کانت حقیقتهما واحدة.

و أما الخیار فهو أیضا من قبیل الحقوق لما عرفت سابقا أنه ملک فسخ العقد علی ما یستفاد من الأخبار کقوله علیه السلام و ذلک رضی بالبیع،و

ص:409

نحو ذلک سواء کان ذلک الخیار مجعولا بجعل شرعی کخیار المجلس،و نحوه،أو مجعولا بجعل المتعاقدین کخیار الشرط و أشباهه کخیار الغبن و العیب و نحوهما الثابت بالشرط الضمنی،فإن جمیع تلک الخیارات التی توجب جواز العقد من قبیل الحقوق و اختیارها بید صاحبها وضعا و حلا و إبقاء و إسقاطا کما هو واضح،فان قوله علیه السلام فذلک رضی بالعقد، ظاهر فی أنه یقبل الاسقاط و هذا هو معنی الحق،فافهم،و لکن الکلام فی شمول النبوی ما ترکه المیت من حق أو مال فهو لوارثه لأن شموله للخیارات یحتاج إلی أمرین:- أحدهما:إحراز أن الخیارات من قبیل الحقوق و قد تقدم ذلک و دلالة جملة من الاخبار علیه کقوله و ذلک رضی بالعقد،أی إمضاء العقد و إسقاط الخیار فإنه لو لم یکن من قبیل الحق لم یکن الاسقاط فضلا عن أن یکون ذلک رضی بالعقد.

و الثانی:أن یحرز أن هذا الحق عما یصدق علیه أنه ترکه المیت بأن یکون قابلا للانتقال حتی یصدق علیه ذلک،فان مفاد النبوی أن ما ترکه المیت و إبقاءه بموته فی الخارج فهو لوارثه و من الواضح أن هذا المعنی یصدق فی مثل حق التحجیر حیث أن المحجّر قد ثبت له حق فی الأرض المحجرة بواسطة التحجیر و قد تعلق حقه بالأرض التی هی موجودة فی الخارج،فإذا مات یصدق علیه أنه ترک فی هذه الأرض حقا و کک فی أمواله فإنها مملوکة له فیصدق علیها أنه قد ترکها المیت و یکون ذلک المتروک للوارث نظیر أن یسافر أحد و ترک متاعه فی منزله فیقال انه مشی و ترک متاعه فی منزله غایة الأمر أن الانتقال هنا من عالم الی عالم آخر کما لا یخفی،و لکن لا یصح ذلک فی الخیارات لما عرفت أن معنی جعل الخیار ابتداء،أو بالالتزام لیس الاّ تقیید العقد بالفسخ فتکون الملکیة المنشئة مغیاة بالفسخ

ص:410

و الفسخ یکون غایة لها و لا شبهة أن من جعل لنفسه الخیار و یقید الملکیة بتلک الغایة لا بجعل تلک الغایة وسیعة أی أعم من فسخ نفسه و فسخ وارثه و مع ذلک کیف یعقل أن یثبت الإرث فی الخیارات الاّ أن یکون هنا إجماع کما هو کک،فان الفقهاء قد تسالموا علی أن الخیار یورث،و قد عرفت أن المخالف هو الشافعی فی خیار المجلس فقط،و لکن مع قطع النظر عن الإجماع فلا یمکن إثبات الإرث فی الخیارات بعموم ما ترکه المیت من حق فلوارثه.

و أما إثبات إرث الخیارات بالتمسک،بالاستصحاب أشکل علی ما ذکره المصنف لأنه یرد علیه.

أولا:أن الشبهة حکمیة و لا یجری الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة للمعارضة دائما،فإن استصحاب ثبوت الخیار بعد الموت معارض بعدم جعله للوارث.

و ثانیا:ان الموضوع غیر محرز إذ لا ندری أن الخیار حق مختص بالمیت و قائم به لکی لا یجری الاستصحاب هنا أو أنه أمر وسیع قائم بالمیت مع وجوده و حیاة و بوارثه مع موته،فیکون ذلک مشکوکا و التمسک بعموم لا تنقض الیقین بالشک فی المقام تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

و ثالثا:أنه بعد ما ذکرنا من اختصاص الخیار بالمیت لکون الملکیة المنشئة محدودة بفسخه لا یبقی هنا مورد للشک حتی نتمسک بالاستصحاب کما هو واضح،و الظاهر أنه لا یمکن إثبات إرث الخیار بغیر الإجماع،و اللّه العالم.

قوله:بقی الکلام فی أن ارث الخیار لیس تابعا لإرث المال.

أقول:و ینبغی التنبیه علی أمور الأول لا شبهة فی أن ما یکون مانعا عن الإرث فی الوارث بحیث لا یکون معه مانع عن الإرث من الموروث شیئا

ص:411

کالقتل و الکفر و نحوهما،و هو مانع عن ارث الخیار أیضا بناء علی جواز ارث الخیار،و هذا لا کلام فیه،و انما الکلام فی أن من لا یکون وارثا بالنسبة إلی شیء خاص من أموال المیت کعدم إرث الزوجة من العقار و عدم ارث غیر الولد الأکبر من الحبوة،هل یکون وارثا للخیار الثابت فی بیع تلک الأموال بأن مات البائع للعقار أو الحبوة بعد بیعه الخیاری فهل یکون غیر الولد الأکبر وارثا لذلک الخیار و کک الزوجة أم لا،ففی المقام وجوه،بل أقوال القول بالإرث مطلقا و بعدمه کک،و ان لم یظهر من یصرح بالعدم و لکن قد استشکل بعضهم فی الإرث أو یفصل بین کون ما یحرم الوارث عنه منتقلا الی المیت أو منتقل عنه الی غیره،فإنه علی الأول یحکم بعدم الإرث و ذلک لأن الخیار علاقة فیما انتقل عنه بعد کونه مسلطا علی ما انتقل الیه بحیث أن یخرج ما انتقل الیه من ملکه الی ملک من انتقل عنه ذلک العین بالفسخ و إدخال ما انتقل عنه الی غیر فی ملکه بذلک،و لا شبهة أن المرأة لیس لها السلطنة علی ما انتقل الی المیت و هو العقار و کیف لها الفسخ و إرجاع کل من المالین الی مالکه الأول بالفسخ و علیه فلا خیار للمرأة فی هذه الصورة لعدم تسلطها علی إرجاع العین الی ما انتقل عنه،و لا یقدر علی إیجاد معنی الفسخ و لا معنی لثبوت الخیار لمن لا یقدر علی الفسخ و هذا بخلاف ما إذا کان ما لا ترث منه الزوجة منتقلا عن المیت الی غیره فإنه ح لها السلطنة علی المال المنتقل الی المیت و هو ثمن العقار فهی قادرة علی الفسخ ح لتحقق مفهوم الخیار هنا.

و القول الرابع ان یفصل علی عکس الصورة السابقة و الوجه فی هذا التفصیل هو أن الثمن المنتقل إلی البائع ملک متزلزل للبائع و إذا فسخ العقد ینتقل الثمن الی المیت فیرث منه کل من الزوجة و غیرها،و هذا بخلاف ما إذا کان العقار منتقلا عن المیت لأن الزوجة لا ترث منه فیما إذا

ص:412

فسخ العقد و رجع المبیع الی ملک المیت فلا خیار لها لأن الخیار حق لصاحبه فیما انتقل عنه یوجب سلطنة ما انتقل عنه بإرجاعه إلی ملکه و المفروض أن الزوجة لیس لها علاقة و لا سلطنة علی العقار فیما إذا انتقل الی المیت بدعوی أنه ان کان ما انتقل من المیت عقارا فلا خیار لها لأنها لا تملک شیئا بعد الفسخ و أما ان کان ما انتقل الیه عقارا فلها الخیار لأنها بالفسخ تملک قیمة العقار لأن الفسخ یجعل العقد کأن لم یکن فیکون ما أعطاه المیت فی مقابل العقار من الثمن مملوکا للزوجة و غیرها بعد الفسخ فان معنی الخیار هو التسلط علی حل العقد و جعله کأن لم یکن،و ان لم یکن الفاسخ مالکا لما انتقل إلی البائع کالأجنبی و قد ذکر المصنف تفصیل ذلک فی المتن.

أقول:الظاهر هو القول بعدم الإرث مطلقا و ذلک لما عرفت من أنه لیس هنا دلیل لفظی دل علی جواز ارث الخیار حتی نتمسک بإطلاقه،بل الدلیل علی ذلک هو الإجماع و لا شبهة أنه إجماع فی المقام بعد هذه الاختلافات کما عرفت و علیه فلا یمکن القول بإرث الزوجة للخیار لعدم الدلیل علیه و علی تقدیر التنزل و القول بأنها ترث الخیار فی فرض بیع المیت العقار أو شرائه ذلک فلا وجه للإشکال فی إرثها لما تعلق به البیع مع الفسخ سواء قلنا بثبوت الخیار لها بالإرث أم لا فإنه علی کل تقدیر ترث الزوجة من متعلق البیع بعد الفسخ کما هو واضح.

فلا ثمرة ح للبحث عن ثبوت الخیار لها بالإرث و عدمها کما هو واضح.

و من جهة أن الزوجة غیر مالکة للعقار فلا سلطنة لها علیها کما ذکره المصنف فکیف لها أن تفسخ العقد و یرجع الثمن من المشتری.

و توضیح ذلک أنه إذا کان المیت قد اشتری عقارا ببیع خیاری بأن

ص:413

کان له الخیار أو کان الخیار لصاحبه و هو المشتری و فسخ الوارث أو المشتری ذلک البیع فان البیع ینقلب الی عدمه فکأنه لم یکن من الأول فتکون العقار ملکا للمشتری و الثمن ملکا للمیت فیکون ذلک من جملة ترکته فترث منه الزوجة أیضا کسائر الورثة و لا وجه فی هذه الصورة فی حرمان الزوجة عن الإرث و الاشکال فی ذلک ح لأن معنی الفسخ هو رجوع کل من العوض و المعوض الی مکانه الأول فیکون الثمن ملکا للمشتری و المثمن ملکا للبائع و ان کان معنی الفسخ هو حل العقد من حین الفسخ کما هو کک الاّ أنه لیس معناه أن الفاسخ یملک العوض بالملکیة الجدیدة لأن الفسخ لیس معاملة جدیدة بل هو اعادة للملک السابق فیکون الفسخ وسیلة لملک المیت العوض أو المعوض بذلک کما إذا نصب شبکة للصید فوقع فیها ذلک الصید بعد موت من نصب الشبکة فإنه یکون مالکا للصید لأنه أوجد سببه قبل الموت.

و علی الجملة أن الفاسخ أی شخص کان یکون فسخه سببا لتملک المیت العوض أو المعوض فتکون الزوجة أیضا وارثة من ذلک و ان لم یکن لها الخیار أصلا لأن المفروض أن المنتقل الی المیت کان عقارا و المنتقل عنه غیرها فبالفسخ ینحل البیع و ینتقل العقار الی غیر المیت و مقابله الی المیت و لا مانع من إرث الزوجة من غیر العقار،کما هو واضح.

و ان کان المنتقل الی المیت بالمعاملة غیر العقار،و لکن فی مقابلها بأن باع العقار بثمن هو غیر العقار فإذا فسخ ذلک العقد اما فسخه الوارث أو فسخه المشتری،أی طرف المیت فح ینحل العقد فترجع العقار الی المیت و ان کان المنتقل الی المیت بالمعاملة غیر العقار،و لکن فی مقابلها بأن باع العقار بثمن هو غیر العقار فإذا فسخ ذلک العقد اما فسخه الوارث أو فسخه المشتری،أی طرف المیت فح ینحل العقد فترجع العقار الی المیت و الثمن إلی المشتری.

و لکن فی هذه الصورة لا معنی من حرمان الزوجة من ثمن العقار الذی کان من جملة ما ترکه المیت و ان کانت محرومة من نفس العقار بتوهّم أن الثمن بعد فسخ العقد یکون ملکا للمشتری فیؤخذ من الورثة و یعطی

ص:414

للمشتری کما هو واضح،و ذلک لأن الثمن قبل فسخ العقد کان ملکا للوارث الذی من جملته الزوجة،فلا وجه لعدم إرثها عنه مع کونه من الترکة غایة الأمر بعد فسخ العقد و رجوع العقار الی ملک المیت کان ثمن العقار من جملة دیون المیت فیخرج من أصل المال فکما ان الإنسان إذا أخرج ماله عن ملکه بالهبة ثم أرجعه الیه فتظهر الثمرة فی إرث الزوجة.

و علی الجملة فبناء علی کون الخیار موروثا فلا وجه لحرمان الزوجة من ثمن العقار التی اشتراها المیت أو ثمنها الذی باعها به کما عرفت سابقا.

ثم ان جمیع ما ذکر فی إرث الزوجة للخیار و عدم إرثها ذلک فی بیع ما لا تملکه الزوجة جاری فی بیع الحبوة أیضا بالنسبة إلی إرث الخیار هنا لغیر الأخ الأکبر،قد ذکر المصنف أن الدین المستغرق لتمام الترکة و ان کان یمنع عن ارث المال الاّ أنه لا یمنع عن ارث الخیار،فللورثة فسخ المعاملة التی أوقعها المیت حال حیاته،ثم ان جمیع ذلک جار فی صورة أن یکون للمیت دین مستغرق و لا یکون له ترکة أزید من الدین،و قد باع شیئا و جعل لنفسه فیه الخیار،فهل ترث الورثة الخیار هنا أو لا ترث؟فما ذکره المصنف من الإشکال فی إرث الزوجة للخیار فی بیع العقار جار هنا أیضا، بل هنا أولی بالإشکال من ذلک کما یستضح لک فلا وجه لتفکیک و نفی الاشکال هنا.

و توضیح ذلک أنه تارة نقول بأنه إذا کان للمیت دین مستغرق لا ینتقل المال منه الی الورثة أصلا،کما إذا لم یکن له دین الاّ بمقدار بعض أموال المیت لا ینتقل ماله إلی الورثة بهذا المقدار کما هو ظاهر قوله تعالی مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ فان المستفاد منها أن الترکة غیر ما یکون مقابلا للدین کما هو واضح،و علی هذا المبنی فلیس للورثة حق فی مال المیت أصلا و معه کیف یکون له الخیار فی فسخ عقد المیت و إرجاع المبیع

ص:415

الی ملک المیت مع أنهم غیر مسلطین علی ما انتقل الی المیت لکونه ملکا للدیان.

و إذا قلنا أن جمیع أموال المیت تنتقل إلی الورثة و لکن تکون ذلک متعلقة لحق الغیر و هم الغرماء و الدیان کما هو خلاف ظاهر الآیة،فإن ظاهرها هی الصورة الاولی و ح و ان کان الوارث مسلطا علی ما انتقل الی المیت و مالکة له،الاّ ان فسخهم العقد ورد ما انتقل الی المیت الی صاحبه ورد ما انتقل عنه إلیه إلی المیت تصرف فی حق الغیر و هو غیر جائزة علی هذا الاشکال،فارث الورثة الخیار هنا أسوء من إرث الزوجة الخیار فی بیع المیت العقار،لأن القول بالإرث هنا یستلزم التصرف فی حق الغیر و لکن القول به هنا لا یستلزم ذلک،و علیه فلا وجه لتوهم ان ارث الورثة للخیار فی صورة الدین المستغرق مورد للوفاق،و إرث الزوجة للخیار فی صورة بیع العقار مورد للخلاف،بل الخلاف فی أحدهما ینافی الوفاق فی الآخری.

ثم أنه لا وجه لثبوت الخیار ح و إرثه له بوجه،و أما علی مسلکه من کون الترکة ملکا للورثة بعد الموت فلان فرع السلطه علی ما بیده من المال حتی یتمکن من إرجاعه إلی مالکه و المفروض أن الورثة لا یتمکنون من التصرف فی الترکة لأنه و ان کان ملکا لهم عند المشهور الاّ أنه متعلق لحق الغرماء و الدیان،و لا یجوز التصرف فی متعلق حق الغیر.

ثم انه بناء علی عدم إرث الزوجة للخیار فلیست الورثة مستقلة فی اعمال الخیار فی بیع العقار و ذلک لا من جهة أن الزوجة لها الخیار،بل قد عرفت أنه لا خیار لها علی الفرض،بل من جهة أن دلیل ارث الخیار کما تقدم لیس هو دلیلا لفظیا لکن یتمسک بظاهره،بل عرفت أن مقتضی القاعدة هو أن یکون الخیار موروثا لأن مرجع جعل الخیار عبارة عن تعلیق اللزوم بالتزام الطرف الآخر بالشرط و مرجع ذلک الی تحدید الملکیة(لا

ص:416

المملوک)بالفسخ و کون الفسخ غایة لها و من الواضح أن الغایة هو فسخ ذی الخیار لا هو،و وارثه،و ح فلا دلیل علی ثبوت الخیار للورثة لکن قامت الضرورة و الإجماع علی ارث الخیار،و من الواضح أن المتیقن من ذلک هو اجتماع جمیع الورثة علی الفسخ لا بعضه دون بعض خصوصا إذا کان الفسخ علی ضرر الزوجة بأن باع المیت عقارا فإذا فسخت الورثة لم ترث الزوجة،فإنا لم نطمئن بثبوت الإجماع هنا إذا،فلا بدّ من ملاحظة المتیقن و هو اجتماع جمیع الورثة و منها الزوجة علی الفسخ،کما هو واضح.

قوله:مسألة:فی کیفیة استحقاق کل من الورثة للخیار.
اشارة

أقول:بعد ما بنی علی جواز ارث الخیار

فیقع الکلام فی کیفیة ذلک مع
اشارة

تعدد الورثة،و قد ذکر فیها وجوه:-

الوجه الأول:أن یکون لکل منهم خیار مستقل،

بحیث یکون کل منهم مستقلا فی الفسخ و الإمضاء بحیث یکون لکل منهم خیار مستقل من حیث الفسخ أو الإمضاء،و یکون اختیار العقد تحت یده علی ما استفدناه من الروایات المتقدمة فی باب الخیار لقولهم علیه السلام و ذلک رضی منه بالعقد فإنه یعلم من هذا التعبیر أن معنی الخیار هو أن یکون اختیار العقد تحت ید ذی الخیار،بحیث کان له الفسخ أو الرضا،فإنه لا یطلق الرضا فی مورد الاّ کان طرفی الأمر من الفعل و الترک تحت اختیار الفاعل کما هو واضح بل هذا هو معنی الفسخ أیضا.

و اما علی مسلکنا فلأنه لا إجماع محقق فی إرث الخیار فی المقام و ذلک لأن المتیقن منه ما إذا لم یکن متعلقة ملکا لشخص آخر أو کان متعلقا لحق الغیر سیما إذا کان استلزم إرث الورثة الخیار ضررا علی الدیان کما إذا اشتراه المیت بأرخص من قیمة السوقیة مثلا،أو اشتراه بخمسین درهما مع ان القیمة السوقیة مائة،فان فسخ الورثة بإرجاع ما یسوی بمائة إلی مالکه الاولی و أخذ ما یقابله ضرر علی الدیان،و حیث لا إجماع فی المقام لا یثبت

ص:417

للورثة الخیار فیما إذا کان للمیت دین مستغرق بحیث یکون لکل منهم ذلک فلو سبق منهم أحد فی الفسخ بان فسخ العقد أو فی الإمضاء بأن أمضاه لم یبق مجال للآخرین.

الوجه الثانی:کصورة السابقة و لکن أن یکون کل منهم مستقلا فی الفسخ

فقط

بحیث إذا فسخ العقد لا یبقی مجال لفسخ الآخرین،و أما الإمضاء فلا یکون إمضائه إمضاء للآخرین،بل یبقی بعد إمضاء أحدهم مجال الإمضاء غیره کما هو واضح،و هذا نظیر الخیار المجلس الثابت للمتعدد فان لکل من المتعاملین فی المجلس فسخ المعاملة دون إجازتهما لا منهما لتتوقف علی اجازة کلیهما،نعم تکون أجازته نافذة فی حقه فقط.

الوجه الثالث:أن یکون الخیار ثابتا للطبیعة و لصرف الوجود

بحیث یکون هنا خیار واحد فکل من الورثة تصدی لإعمال ذلک من حیث الفسخ أو الإمضاء کان له ذلک لتحقق الطبیعة بذلک،و لکن لا یبقی مجال لإعمال غیره خیاره فی ذلک لعدم الموضوع لذلک لأن المفروض أن الخیار قائم بالطبیعة و قد حصل.

الرابع:أن یکون لکل من الورثة الخیار بحسب حصته من الثلث أو النصف

أو الربع

بحیث له أن یفسخ العقد فی نصفه أو ثلثه أو ربعه،و هکذا لا أن الحق یقسم لأنه غیر قابل للتقسیم،بل من جهة أن کل منهم نصف من له الحق أو ربعه أو ثلثه.

الخامس:ما قواه المصنف من ان الخیار حق واحد قائم بالمجموع

فکأن الورثة قائم مقام المیت و مجموعهم شخص واحد،فیکون الخیار للمجموع کما هو واضح،و هذه هی الوجوه التی ذکرت فی المقام و لکن مع اختلافهم فی کیفیة إرث الحق لم یختلفوا فی کیفیة إرث المال،بل اتفقوا و تسالموا علی أن کل من الورثة یرث مقدار حصته و أن المال ینتقل الیه علی نحو التقسیم

ص:418

کما هو واضح،و لم یخالف فی ذلک أحد فیما نعلم.

و یقع الکلام هنا فی مقامین،الأول فی کیفیة انتقال المال إلی الورثة و المقام الثانی فی کیفیة انتقال الحق إلی الورثة.

أما المقام الأول:فالمعروف المشهور،بل المجمع علیه أن المال الذی للمیت انما ینتقل إلی الورثة علی نحو التقسیم،یعنی حین ما ینتقل إلیها المال ینتقل الی کل منهم بمقدار حقه دون الأزید و لا الأنقص،و هذا هو الظاهر من الآیة الشریفة أیضا حیث أنها ظاهر فی أن لکل واحد من الورّاث هو الثلث،أو السدس أو الثمن من حیث الانتقال لا أنه تنتقل الترکة إلی المجموع و هم یقتسمونها بعد ذلک،و قد عرفت أن هذا و ان کان موردا للتسالم،و ظاهرا للآیة و لم نسمع المناقشة فیه من أحد و لکن یشکل الذهاب الیه من جهتین:- الأولی:أن الترکة إذا انتقلت إلی الورثة علی سبیل الافراض فنسل أنها انتقلت إلیهم معینا بحیث یکون حق کل معلوما عند اللّه تعالی و ان کان مجهولا عند الورثة أو علی نحو الغیر المعین مثلا إذا مات زید فترک ابنین و انتقل ماله إلیهما بحیث انتقل نصفه إلی أحدهما و نصفه الآخر الی الآخر،معینا و لو فی علم اللّه تعالی أو غیر معین،فان کان الأول فیرد علیه أنه فالمرجع فی تعیین أحد النصفین لهذا الابن و النصف الآخر للابن الآخر مع أن نسبة المال إلیهما کان علی حد سواء و جهة الانتقال کانت واحدة،و هو الإرث فتخصیص أحد النصفین بأحدهما و النصف الآخر بالآخر تخصیص بلا مخصص و ترجیح بلا مرجح،فلا وجه لتوهم أن المال المیت انتقل إلی الورثة معینا أی حصة کل معینة فی علم اللّه تعالی،و ان کانت مجهولة فی علمهم بحیث أن من کل شیء نصفه المعین لأحدهما و نصفه

ص:419

المعین عند اللّه للآخر.

و ان کان الثانی بأن انتقل حصة کل من الورثة إلیها غیر معینة فیرد علیه أن مال المیت کان شیئا معلوما و أمرا مشخصا کالدینار الخارجی الشخصی مثلا فبماذا صار غیر معین.

و توهم أن کل منهما قد ملک عنوان النصف المشاع و هو أمر غیر معین کما فی الشرکة و بیع نصف الدار مشاعا فلا محذور فیه فاسد،بداهة أن عنوان النصف کعنوان الثلث و الربع و غیرهما من العناوین الانتزاعیة و لیست أمورا واقعیة و کلامنا فی واقع المال الذی ترکه المیت فإنه أمر معین و مشخص بلا شبهة،و الاّ فلو لاحظنا الأمور الانتزاعیة فلازم ذلک أن یملک کل من الورثة أمورا غیر متناهیة لأنا نفرض النصف من الیمین أو الشمال أو الیسار أو ربعا أو خمسا أو سدسا الی غیر ذلک من الفروض الغیر المتناهیة و هذا لا یمکن الالتزام به بأن یقال ان من ملک نصف الدینار فقد ملک أموالا غیر متناهیة کما هو واضح.

نعم،یتصور ذلک فی تملک الکلی فی المعین و تملیکه کبیع صاع من الصبرة المعینة فإن المملوک انما هو العنوان الانتزاعی الکلی ینطبق علی الصیاع الخارجیة و این ذهب التشخص عن ملکه و علیه لا یمکن بناء علی أن مال المیت قد انتقل إلی الورثة مفروضا من الأول،هذا هو الوجه الأول.

الوجه الثانی:أنه إذا فرضنا أن المیت قد خلف عشرة أبناء و ترک من المال فلسا واحدا بحیث لو قسم إلی العشرة تخرج حصة کل منهم عن المالیة و یکون موردا لحق الاختصاص فقط هذه هی المقدمة الأولی.

المقدمة الثانیة:أنا ذکرنا مرارا عدیدة أن دلیل الضمان لا یدل علی أزید من ضمان الأموال کقاعدة الضمان بالإتلاف و نحوها و إذا أتلف أحد مملوک أحد الذی غیر متمول فی نظر العرف لا یکون ذلک موجبا للضمان بل

ص:420

لم یفعل محرما أیضا لأن دلیل دل علی حرمة التصرف فی مال امرأ مسلم لا فی ملکه،و هکذا لو أتلف ما لیس بمملوک لأحد،بل هو متعلق لحق الغیر کالمیتة المختصة لأحد و نحوها،فإنه لا یوجب الضمان،بل لا دلیل علی تحریمه أیضا من حیث التصرف فی متعلق حق الغیر ما لم یوجب ذلک ازالة حقه.

و نتیجة المقدمتین أنه بناء علی المشهور من انتقال الترکة إلی الورثة ابتداء علی سبیل الافراض أن إتلاف الترکة التی کانت قلیلة بحیث مع التقسیم إلی الورثة تخرج عن المالیة کفلس واحد لا یوجب الضمان لأن حق کل منهم لیس بمال و المجموع و ان کان مالا و لکنه لیس مملوکا لأحد کما هو المفروض،و هذا مما لا یمکن الالتزام به و علی هذا فلا بدّ من القول بأن الترکة انما تنتقل إلی الورثة من حیث المجموع و یکون الورّاث بأجمعهم قائمین مقام المیت فکان المیت مالکا للمال بوحدته و قد ملکتها الورثة بأجمعهم، فمجموع الورثة مالک واحد و شخص واحد قد قاموا مقام المیت فکأن کل واحد منهم نصف المالک أو ثلثه أو ربعه أو سدسه علی حسب استحقاقهم و حصصهم و هذا المعنی حیث کان أمرا دقیقا لا یفهمه نوع العرف،و لذا یعبر فی العرف أن کل واحد من الورثة مالک للثلث أو الربع أو السدس أو غیر ذلک و من جهة لحاظا الفهم العرفی قد عبّر فی الآیة بلحاظ حصتهم و ظاهر الآیة طرف القسیمة فلا تنافی الآیة بکون انتقال الترکة إلی مجموع الورثة و ان کل واحد من الورثة مالکیته بمقدار حصته.

و بعبارة أخری أن الآیة لا تنافی مما ذکرناه من کون انتقال الإرث من المیت الی الوارث انما هو بحسب مجموع من حیث المجموع بأن انتقل مجموع الترکة إلی مجموع الورثة بحیث تکون الآیة ظاهرة فی انتقال الترکة إلی الورثة بحسب النسبة ابتداء لتنافی ما ذکرناه فإنه مع القول بما ذکرناه أن استحقاقهم

ص:421

للإرث انما بحسب النسبة أی و ان لم یکن الانتقال بحسب النسبة،بل انتقل مجموع الترکة إلی مجموع الورثة و لکن لم یبق ذلک الی الأبد،بل إذا أرادوا القسمة فاستحقاقهم بعد الانتقال انما هو بحسب النسبة فحیث أن لحاظ جهة الانتقال معنی دقیق لا یلتفت الیه نوع الناس بأن یفهم کل أحد أن مالکیة کل وارث بحسب نسبة استحقاقه لا أن کل واحد مالک للسدس أو الربع،مثلا،بل نصف المالک و ربع المالک و سدس المالک و نحو ذلک و لأجل هذه الجهة أعنی عدم التفاوت نوع الناس بذلک یعبّر فی العرف أن لکل واحد من الورثة المقدار الفلانی،أی یسمی فی مقام البیان و الذکر جهة الاستحقاق التی ثبت عند إرادة القسمة لا عند الانتقال.

و القرآن الکریم أیضا جری فی التعبیر علی هذا المعنی العرفی لا أنه ینکر أن کیفیة الانتقال لیست علی النحو الذی ذکرناه کما هو واضح.

و الحاصل:أن کیفیة انتقال الترکة إلی الوارث و أن کان علی سبیل ما ذکرناه،و لکن فی مقام التعبیر عنها عرفا یلاحظ کیفیة الاستحقاق و نسبة القسمة لأجل السهولة فی الفهم کما عبّر کک فی القرآن أیضا.

و یؤید ما ذکرناه من کون انتقال الترکة إلی الورثة علی نحو العموم المجموعی أنه قد یکون ما ترکه المیت أمرا بسیطا غیر قابل للقسمة کما إذا آجر أحدا لإتیان رکعتین من الصلاة فمات قبل أن یأتی بها الأجیر فإنه بناء علی کون الانتقال بحسب النسبة و علی نحو القسمة ابتداء کیف تکون حال هذا العمل البسیط،فهل یکون بعض الورثة مالکا لرکعة و بعضه الآخر مالکا لرکعة أخری أو بعضه مالکا لفاتحة الکتاب و بعضه للسورة و کل ذلک لم یکن فتعین ما ذکرناه،فافهم.

ثم ان هذا الذی ذکرناه جار فی جمیع موارد الشرکة القهریة و الاختیاریة و کک فی بیع نصف المبیع مشاعا فان معنی الشرکة واقع فی المال الخارجی

ص:422

هو هذا.

نعم،یتصور التملیک علی نحو الکلی و لکنه خارج عن هذا و علی هذا المسلک الذی سلکناه فی إرث المال یتضح الأمر فی إرث الحق أیضا،فإنه إذا کان الانتقال بعنوان المجموع فیما أمکن التبعیض و التقسیم حین الانتقال کإرث الأموال فکون الانتقال علی نحو العموم المجموعی فیما لم یمکن الانتقال بعنوان التبعیض کما فی إرث الحق أولی،فان الحق أمر واحد بسیط غیر قابل للتبعیض فکیف یمکن التقسیم فیه بحیث ینتقل الی کل ورثة نصف الحق علی أن دلیل إرث الحق هو دلیل ارث المال من النبوی ما ترکه المیت من حق أو مال فلوارثه هذا إذا کان دلیل ارث الخیار هو النبوی و اما إذا استشکلنا فیه کما تقدم و قلنا أن مدرکه هو الإجماع و تسالم الفقهاء علی ما تقدم فالمتیقن منه هو أن یلتزم بکون انتقال حق الخیار إلی الورثة علی نحو العموم المجموعی بأن ینتقل مجموع الخیار الی مجموع الورثة فیکون النتیجة علی هذا و علی المسلک المتقدم هو ما ذکره المصنف فلا یکون فسخ کل واحد من الورثة العقد و اعماله الخیار بذلک أو إمضائه ذلک الذی عبر فی الروایات بالرضا فقال علیه السلام و ذلک رضی منه بالعقد فلا یکون ذلک موردا للأثر مع قطع النظر عن اعمال الوارث الآخر الخیار بالفسخ أو الإمضاء.

و إذا لم نقل علی المقالة المتقدمة و قلنا فی إرث المال أنه علی سبیل التبعیض و التقسیم من الابتداء کما هو ظاهر الآیة و مورد تسالم المشهور فح فالأمر فی الحقوق أیضا علی نهج ما سبق و لا یمکن الالتزام بانتقال الحق إلی الورثة علی حسب النسبة و الاستحقاق و ذلک أما بناء علی کون دلیل ارث الخیار هو الإجماع فواضح فان المتیقن منه أن ینتقل الی المجموع و تکون الورثة بأجمعهم فی حکم شخص واحد قائم مقام المیت فإنه لم یکن

ص:423

للمیت الاّ حق واحد بسیط،و لم یتبعض له،فکیف یتبعض للورثة فمقتضی أخذ القدر المتیقن هو ذلک.

و أما علی فرض أن یکون الدلیل علی ذلک هو عموم ما ترکه المیت من حق أو مال فلوارثه فمن جهة أنه لا دلیل علی تبعیض الخیار للورثة بأن ینتقل إلیهم بحسب نسبة استحقاقهم لأن الدلیل انما دل علی أن ما ترکه المیت من الحق فلوارثه و من الواضح أن المیت قد ترک خیارا واحدا و حقا بسیطا غیر متبعض و ح فکیف یکون لکل وارث بعض ذلک الحق،فلا بدّ و أن یکون هذا الحق الواحد البسیط منتقلا الی المجموع من حیث المجموع.

و بعبارة أخری ما ترکه المیت هو الحق الواحد فلا بدّ فی فرض إرث الورثة الحق أن یرثوا هذا الحق الواحد و ما یرثه الوارث من حصص الخیار لم یترکها المیت فلا دلیل علی ارث الخیار حسب نسبة استحقاق الورثة، بل لا بدّ فی فرض الإرث أن یفرض المجموع شخصا واحدا قائما مقام المیت و یکون کل واحد نصف ذی الخیار أو ربعه و هکذا علی فرض نسبة استحقاقهم فی مقام التقسیم،بل الدلیل علی عدم ارث الخیار بحسب نسبة الاستحقاق فی المال هو أی الدلیل علی العدم أن المیت لم یکن له اعمال هذا الحق بالنسبة الی بعض اجزاء المبیع دون بعض سواء فی الخیارات المجعولة من قبل الشارع أو المجعولة لنفسه فلیس له أن یفسخ العقد فی خیار الحیوان فی بعضه دون بعض و کذا فی خیار المجلس و غیره،و قد تقدم ذلک فی ثبوت خیار المجلس للأصیل و الوکیل فإذا لم یکن للمیت ذلک فکیف یکون لورثته أن یفسخ العقد فی بعض المبیع دون بعض علی الجملة فاحتمال أن یرث کل ورثة من المیت خیارا بحسب نسبة استحقاقه فی المال بحیث یکون مسلطا علی فسخ العقد أو إمضائه فی بعض دون بعض واضح البطلان.

و من هنا ظهر أنه لا وجه للقول بثبوت الخیار للطبیعی أیضا بل هذا

ص:424

أسوء من سابقه فان فی السابق کان اقلا لکل ورثة خیار بحسب استحقاقه المال من الترکة و یصدق علیه ان ما ترکه المیت من حق فلوارثه و فی هذه الصورة لیس کک بداهة عدم الدلیل علیه بأن یکون الخیار ثابتا لصرف الوجود فإذا سبق أحد الورثة إلی إعماله فسخا أو إمضاء لم یبق للآخر مجال مع أن الدلیل کان دلا علی أن ما ترکه المیت من حق أو مال فلوارثه لا لطبیعی الوارث لیکون الخیار لمن سبق علی أن دلیل ارث الخیار هو دلیل ارث المال فهل یتوهم أحد کون الإرث ثابتا للطبیعی بحیث کلمن سبق إلی أخذ الترکة لا یکون لغیره ذلک.

و قد اتضح مما ذکرناه بطلان الاحتمال الثانی المتقدم فی أول المسألة و هو أن یکون لکل منهم خیار مستقل من حیث فسخ العقد دون الإمضاء فإنه لا دلیل علی ذلک أیضا علی أنه إذا کان له خیار من حیث الفسخ فلما ذا لیس له خیار من حیث الإمضاء مع أن الدلیل مطلق و کذا لا دلیل علی الاحتمال الأول أیضا بأن یکون الخیار لکل واحد من الورثة فسخا و إمضاء علی نحو الاستحقاق بحیث لا یبقی مجال مع اعماله الخیار إلی الورثة الأخری و ذلک لأن الدلیل کان یقتضی أن یکون ما ترکه المیت من الحق و المال للوارث بأجمعهم لا لوارث واحد.

و بعبارة أخری أن الوارث لم یتلق الخیار ابتداء من الشارع لیکون مستقلا فی اعماله،بل یتلقاه من المیت و هو خیار واحد فلا یمکن أن یکون هذا لکل ورثة خیار مستقل إذا سبق إلی إعماله،بل هذا الخیار الواحد ثبت لمجموع الورثة و لم یتوهّم ذلک أحد فی إرث المال مع أن الدلیل واحد.

و علی الجملة أن ملاحظة کیفیة الإرث فی المال و اتحاد الدلیل علی ارث الخیار و المال یقتضی بطلان هذه المتحملات أجمع فلا دلیل علی أن یرث کل من سبق إلی اعمال الخیار الحق المذکور و لا یبقی مجال للبقیة فما

ص:425

ذکره المصنف من کون الخیار ثابتا للمجموع بحیث لا یؤثر اعمال واحد منهم الخیار فسخا و إمضاء بدون الآخر واضح البطلان کما لا یخفی.

ثم ان ما ذکرناه من کون انتقال الحق إلی مجموع الورثة کان من حیث القاعدة مع أخذ المدرک للإرث فی الخیار هو النبوی ما ترکه المیت من حق أو مال فلوارثه مع العلم الخارجی بأن الحق من جملة ما ترکه المیت و قد ذکرنا أن القاعدة هو ذلک فی تقسیم المال أیضا،و ان کان المال قابلا للقسمة و الحق غیر قابل لها و أما إذا کان المدرک هو الإجماع فالأمر أوضح لأن المتیقن منه أن تکون مجموع الورثة مجتمعین علی الفسخ أو الإمضاء و لا یکون لکل واحد حق فسخ العقد و لو فی البعض علی نحو الاستقلال، بل مقتضی أخذ القدر المتیقن أن لا ینفذ اعماله الخیار فسخا و إمضاء علی نحو الاستقلال حتی فی البعض أیضا کما هو واضح.

ثم انه بعد ما بنی المصنف علی أن ارث الخیار علی نحو المجموع أی ینتقل الخیار من المیت الی المجموع الورثة ذکر أن هذا جار فی مطلق الحقوق الاّ أن یثبت من الخارج عدم سقوط الحق عن الآخر بعفو بعضه بل یکون هو مستقلا فی الاستیفاء و لا یقید استیفاء حقه باجتماع الورثة علی الاستیفاء بحیث إذا خالف أحدهم و عفی عن حقه لم یکن للآخر الاستیفاء بل مع العفو من أحد یستوف الآخر حقه غایة الأمر فی مثل حقه القصاص یدفع الی المقتص منه بمقدار حق من عفی عنه،و الظاهر أن هذا الحکم مشهور بین الفقهاء علی ما فی المتن و ان احتمله فی الدروس من أن أحد الورثة إذا عفی عن الشفعة کان للآخر الأخذ بکل المبیع و کیف فالکلام فی مدرک الفرق بین هذه الحقوق و بین الخیار حیث انا ذکرنا أن الإرث فی الخیار علی نحو المجموع فلیس لأحد الورثة أن یعمل خیاره مع إسقاط الآخر ذلک بخلافه فی الحقوق المذکورة.

ص:426

و ذکر المصنف أن وجه الفرق بینهما هو دلیل لا ضرر حیث ان منع من له حق القذف من الورثة بإسقاط الوارث الآخر حقه و کک فی حق القصاص و الشفعة ضرر علی ذی الحق فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشریکین تضرّر الآخر بالشرکة فیکون دلیل نفی الضرر مانعا عن منع غیر العافی عن اعمال خیاره و کک أن سقوط حق القذف و القصاص بعفو البعض ضرر علی غیر العافی لأن الحکمة فیها التشفی فابطالها بعفو أحد الشرکاء إضرار علی غیر العافی و لا شبهة أن قاعدة لا ضرر غیر موجود فی المقام.

و لکن للنظر فیما ذکره المصنف مجالا واسعا و ذلک من جهة أن عدم سقوط حق القذف عن بعض الورثة بعفو بعض الآخر انما هو من جهة النص الخاص لا من جهة دلیل نفی الضرر،و الاّ کان ذلک مثل الخیار،فهذا الواحد لا کلام فیه للنص الخاص.

و أما عدم سقوط حق القصاص عن البعض بعفو الآخر فمن جهة ان الورّاث الذین فی الطبقة الأولی أو فی الدرجة الأولی یتقدمون علی أهل المرتبة الثانیة و الدرجة الثانیة فمع وجود الأولاد لا تصل النوبة إلی أولاد الأولاد أو الی الاخوة مثلا و یکن مع انتفائهم تصل النوبة إلی المرتبة الثانیة و الدرجة الثانیة لا أن أهل الدرجة الثانیة و المرتبة الثانیة یکونون ولی الدم من جهة إرثهم حق القصاص من المورّث لأن معنی الولی هو الذی یلی أمر المیت،فالورّاث کلهم یلون أمر المیت غایة الأمر کل فی مرتبته و علیه فمقتضی قوله تعالی وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً هو أن کل من یلی أمر المیت و لو من الورّاث الواقعین فی المرتبة الثانیة أو فی الدرجة الثانیة فهو ولی المیت فی أخذ حق القصاص من القاتل و علیه فلکل من الورثة أن یقتص من القاتل یکونه ولیّ الدم و ان عفی الآخر عن حقه غایة الأمر أنه لا بدّ له أن یعطی من دیة المقتص منه لوارثه المقدار الذی عفی الآخر کما

ص:427

أنه لا بدّ له أن یعطی حق الوارث الآخر إذا لم یعف عن حقه و لم یرض بالقصاص أیضا.

و علی الجملة أن عدم سقوط حق القصاص بعفو البعض أیضا غریب عن دلیل نفی الضرر کما هو واضح.

و أما حق الشفعة فان لم یرد فیه نص علی عدم سقوطه بعفو الآخر و لا دلیل آخر یقتضی تلقی الورثة ذلک ابتداء من اللّه تعالی،و لکن لا نلتزم فیه بغیر ما التزمناه فی حق الخیار،بل نجری فیه عین ما ذکرناه فی إرث الخیار بان نقول أن المیت إذا کان له حق الشفعة علی أحد فمات یقومون الورّاث بأجمعهم مقامه فی ذلک فلهم جمیعا أن یأخذوا و یتملکوا حصة الشریک المبیعة بحق الشفعة.

و أما إذا عفی أحدهم عن حقه أو لم یعمل حقه و سکت لا دلیل علی استقلال البقیة بأعمالهم حقهم و الأخذ بالشفعة لما تقدم من التفصیل فی حق الخیار سواء کان المدرک لإرث حق الشفعة هو النبوی ما ترکه المیت من حق أو مال فلوارثه مع العلم الخارجی بأن حق الشفعة من جملة ما ترکه أو کان الدلیل علی ذلک هو الإجماع کما تقدم فی الخیار،فافهم.

و أما ما ذکره المصنف من الفرق بین الخیار و الحقوق المذکورة أعنی حق القذف و حق القصاص و حق الشفعة و دعواه أن حدیث نفی الضرر هو الفارق بینهما فیرد علیه.

أولا:أن لا ضرر انما هو مسوق لنفی الأحکام الضرریة فی الشریعة المقدسة و لیس مسوقا لدفع ما یوجب عدم جلب المنفعة و من الواضح أن الوارث بإعماله حق الشفعة یجلب المنفعة و هی ضم حصة الشریک المبیعة لحصة نفسه خصوصا إذا کانت الحصّة المبیعة مبیعة بقیمة رخیصة و لا شبهة أن عدم ثبوت حق الشفعة له لا یوجب ضررا علیه لما ذکرنا فی قاعدة لا ضرر

ص:428

و فی خیار الغبن أن الضرر انما هو نقص فی المال و الطرف و العرض و لیس هنا نقص بوجه من الوجوه کما هو واضح.

و ثانیا أنه لو کان دلیل نفی الضرر جاریا فی المقام و کان موجبا لثبوت الحق للوارث لتملک حصة الشریک المبیعة بالشفعة فلما ذا لا یجریه المصنف عین ذلک فی الخیار أیضا لکن یلتزم بثبوته للوارث أیضا إذ لا فارق من هذه الجهة بین الخیار و حق الشفعة خصوصا إذا کان ما باعه المیت بقیمة رخیصة فإنه یقال هنا ان عدم ثبوت الخیار للوارث ضرر علیه کما هو واضح.

و ثالثا:أن حدیث نفی الضرر انما ورد فی مقام الامتنان علی الأمة و لا یجری فی الموارد التی کانت علی خلاف الامتنان و من الواضح أن جواز أخذ الوارث الحصة المبیعة من الشریک الذی هو المشتری ضرر علیه فلا یمکن الحکم بشمول المقام لذلک نعم أصل جعل حق الشفعة للشریک مبنی علی الضرر خصوصا بعد ما ورد فی بعض روایات الشفعة من تطبیق لا ضرر و لا ضرار بذلک،الاّ أنه لا بدّ من الاقتصار بمورد التطبیق و أما بالنسبة إلی الوارث فلا نطمئن بذلک فان لاحتمال اختصاص التطبیق بموردة و هو نفس الشفیع مجالا واسعا کما هو واضح.

و علی الجملة فلا یمکن التمسک لإثبات حق الشفعة للوارث بدلیل لا ضرر إذا فحق الشفعة و الخیار علی حدّ سواء فلا بدّ من الالتزام بأن حق الشفعة إذا التزمنا بانتقالها الی الوارث انما ینتقل الی المجموع من حیث المجموع.

علی أنه لو التزمنا بثبوته للوارث أیضا فلما ذا لا یختص کل منها بحصة نفسه بان یفسخ العقد بالمقدار الذی یرث من الحق أی بنسبة حقه الذی وصل الیه من المورّث بل التزم المشهور بان الوارث الواحد أیضا یعمل حقه فی تمام المبیع فان هذا لا یقتضیه دلیل نفی الضرر کما أنه لو قلنا بثبوت

ص:429

الخیار لکل واحد من الورثة له أن یعمل خیاره بنسبة حقه و أما الأزید فلا فإذا أراد الفسخ یحلّ العقد فی مقدار حقه کأنه لم یکن من الأول و فی الشفعة أیضا إذا اعمل حقه فی مقدار نصیبه و فسخه و جعله کأن لم یکن یدفع به الضرر کما هو واضح.

و لکن هذا الإیراد الأخیر واضح الدفع بداهة أن حق الشفعة لا یتعلق بالعقد بحیث یکون مثل الفسخ موجبا لحل العقد و جعله مثل الأول بحیث لم یکن هنا عقد أصلا بل انما یتعلق بالعین و یتملکها بالشفعة و أن کل من له حق الشفعة إذا أعمل حقه فلا بدّ و أن یعمل ذلک فی مجموع الحصة المبیعة و یتملکها بالشفعة و هذا حکم شرعی قد ثبت بالروایات فی الشریعة المقدسة فیکون ذلک مثل الغصب غایة الأمر أنه غصب شرعی لا غصب محرم.

و من هنا ذکر المحقق فی الشرائع الشفعة بعد الغصب لأجل المناسبة بینهما کما لا یخفی و یکون ذلک تخصیصا لدلیل التجارة عن تراض بحیث مع عدم رضا المشتری أیضا یفسخ الشفیع و لو کان البائع باعه بقیمة رخیصة و علیه فحق الشفعة من هذه الجهة أجنبیة عن الخیار بالکلیة کما هو واضح، فلا دفع للإشکال المذکور أی دعوی أنه لا ملزم لإعمال حق الشفعة فی مجموع العقد،بل لا بدّ و أن یعمل فی بعضه المختصّ لنفسه لاندفاع الضرر به.

قوله:فرع إذا اجتمع الورثة کلّهم علی الفسخ فیما باعه مورّثهم.
اشارة

أقول:إذا بنی جمیع الورثة علی الفسخ و فسخوا العقد فیقع البحث هنا فی جهات:-

الجهة الاولی:فی أنه إذا مات من له الخیار و کان له دین مستغرق

للترکة فهل یجوز للورثة الفسخ هنا أو لا

و قد تقدم فی إرث الزوجة الخیار و الاشکال فی إرث الخیار فی صورة استغراق الدین الترکة من جهة أنه أی

ص:430

ذی الخیار لا یتمکن من الفسخ فان قانون الفسخ أن یکون الفاسخ مالکا لمن انتقل الیه لیخرجه من ملکه و یتملک فی مقابله المال المنتقل عنه و من الواضح أن الورثة لیست کک،لما ذکرنا أن المال لا ینتقل إلی الورثة فی صورة استغراق الدین کما هو مقتضی قوله تعالی مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ ،و کک هو مقتضی الروایات کما هو واضح،و کک علی القول بالانتقال إلی الورثة،أن الترکة متعلقة لحق الغرماء فلیس لهم التصرف فی متعلق حق الغیر.

و مع الإغماض عن ذلک أن الفسخ قد یکون موجبا للمفسدة کما إذا کانت الترکة قبل فسخ الورثة العقد تساوی ألف دینار و بعد الفسخ تساوی خمس مائة دینار،لترقی قیمة ما أخذه المیت بالمعاملة الخیاریة فإن الفسخ هنا یوجب المفسدة بین الدیان،و قد لا یکون موجبا للمفسدة کما إذا کانت الترکة تساوی مائة دینار سواء کان قبل الفسخ أم بعده فهل للورثة فی المقام حق الفسخ أو لا فنقول ان کان مدرک ثبوت الخیار للورثة هو النبوی أعنی قوله(صلی الله علیه و آله)ما ترکه المیت فلوارثه فلا إشکال فی جواز الفسخ لهم و ثبوت الخیار لهم کما هو مقتضی الإطلاق بعد إحراز أن حق الخیار مما یصدق علیه الترکة و من جملة ما ترکه المیت أی بعد إحراز الصغری من الخارج و لو بالعلم الوجدانی،فإنه فی هذه الصورة یتمسک بإطلاق الدلیل اللفظی و یحکم بثبوت الخیار للورثة و ان لم یحصل لهم شیء من ذلک،و لیس للدیان المنع من ذلک فإنه لا یجب للورثة حفظ موضوع الترکة للدیان،بل لهم إعدام موضوعها أو إبقائها کما هو واضح،فان الفسخ یعدم موضوع بقاء الترکة بالمقدار الکثیر کما أن عدم الفسخ یوجب کثرتها.

و ان قلنا أن مدرک الخیار هو الإجماع فالمتیقن هو صورة عدم وجود الدین المستغرق للمیت و مع القول بالجواز هنا أی شمول الإجماع لهذه

ص:431

الصورة أیضا فالمتیقن هو کون الفسخ مصلحة للدیان و مع التنزل فلا أقلا لا بدّ و أن یکون الفسخ و عدمه بالنسبة الی حال الورثة سیان بان لا یکون مصلحة لهم و لا مفسدة لهم،کما هو واضح.

الجهة الثانیة:أنه إذا کان الفسخ مصلحة للدیان فهل یجب الفسخ

للورثة أو لهم إجبارهم علی الفسخ أو لیس لهم ذلک،

و لا یجب علیهم الفسخ فإنه لا یجب للورثة إیجاد الموضوع للترکة أصلا،فضلا عن إیجاد الموضوع لکونها زیادة،بل بناء علی ثبوت الخیار لهم بالوراثة فهم مخیرین أیضا فی ذلک،أی فی الفسخ و عدمه،کما هو واضح.

الجهة الثالثة:فیما یعطی لمن هو طرف العقد مع المیت بعد فسخ

العقد،

فصور المسألة هنا ثلاثة،

الصورة الاولی أن یکون دین المیت

مستغرقا لترکته و مع ذلک فسخ الورثة العقد

و ح فتارة تکون عین الثمن الذی أخذه المیت من المشتری أو عین المبیع الذی اشتراه من البائع الأجنبی باقیة بعین أموال المیت،و ح فلا شبهة فی أنه یأخذ المشتری فی الفرض الأول و البائع فی الفرض الثانی عین ماله من أموال المیت،فان قانون الفسخ یقتضی رد کل مال الی صاحبه الاولی،بعد الفسخ،و حیث ان المبیع فی الفرض الأول و الثمن فی الفرض الثانی قد رجع الی ملک المیت و الی محلهما الاولی،فلا بدّ و أن یرجع ما یقابلهما الی محلهما أیضا و المفروض أن فی صورة استغراق الدین لا تنتقل الترکة إلی الورثة،بل هی باقیة فی ملک المیت،کما هو ظاهر قوله تعالی مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ علی ما تقدم فلا بدّ من ردّ عینهما الی مالکهما الأول،کما هو مقتضی ضمان الید و ان لم تکن الثمن أو المثمن فی الفرضین المذکورین باقیین بل کانا تالفین فان ذلک یکون من جهة الدیون أیضا فتضرب الترکة علیهم و تقسم بینهم علی حسب دیونهم،فان مقتضی ضمان الید رد العین المضمونة مع البقاء و مع التلف ینتقل الضمان الی البدل،فیکون من جملة الدیون فان کانت الترکة

ص:432

وافیة بجمیع فهو و الاّ یقدم المشتری و البائع فی أخذ ما یقابل مالهما علی بقیة الدیان أو لا فذکر شیخنا الأستاذ أنهما أحق بذلک بعد فسخ العقد و لکن لا نعرف وجها لذلک،فإن الأحقیة بالنسبة إلی بقیة الدیان قد ثبت فی موردین،الأول:فی العین المرهونة فإنه إذا مات الراهن و لم یفک العین من الرهن و کان عند دیون مستغرقة للترکة فإن المرتهن أولا بالعین المرهونة من البقیة فیبیع ذلک و یستوفی حقه منها و إذا کانت فیها زیادة یردها إلی الترکة و المورد الثانی فیما باع المیت قبل الموت شیئا کلیّا و لم یسلمه قبل الموت حتی مات فإنه یخرج المبیع من ترکته قبل الدیان و کل ذلک للنص الخاص و لا شبهة أن المورد لیس منها و لا أنه ورد فیه نص خاص فما ذهب الیه شیخنا الأستاذ فاسد جدا.

الصورة الثانیة:أن لا یکون للمیت دین أصلا و فسخ الوارث العقد

فان کانت العین المنتقلة إلی المیت بالمعاملة الخیاریة تالفة کان قیمتها دینا علیه بعد الفسخ،فلا بدّ و أن یخرج من ترکته و من الواضح أنه لا فرق فی وجوب أداء دین المیت من الترکة بین الدین القدیم أو الحادث بعد الموت کما علیه الضرورة کما أنه یملک بعد الموت أیضا بلا شبهة لصحة اعتبار الملکیة له کما یصح اعتبار الملکیة للکلی کمساجد و نحوه،إذ الاعتبار خفیف المؤنة فیصح أن یتعلق بالمعدوم کما یصح أن یتعلق بالموجود،فافهم،و الفرض أنه لا دین له فیخرج ذلک منها فیکون ما ینتقل الیه بعد الفسخ من جملة ترکته و الوجه فی ذلک أی فی کون ذلک دینا للمیت و کون ما یرد بالفسخ من جملة ترکته أن قانون الفسخ کما عرفت هو ردّ کل من الثمن و المثمن الی مالکه الأول و مقتضی اعمال قانون الفسخ هو ما ذکرناه،کما هو واضح.

و ان کانت العین باقیة صریح کلام المصنف،بل التسالم بین الفقهاء أن صاحب المیت أعنی الطرف الآخر للمعاملة یأخذ العین بعد الفسخ و یکون ما ینتقل الی المیت بالفسخ من جملة الترکة و لکن للمناقشة فیه مجالا

ص:433

واسعا کما عرفته سابقا فی إرث الزوجة،الخیار و ذلک لأن الترکة بأجمعها مع عدم القرض و الوصیة انتقل إلی الورثة و من جملتها المال المنتقل الی المیت بالمعاملة الخیاریة و مقتضی قانون الفسخ هو أن ینتقل کل من العوضین الی ملک مالکه الأولی و اذن فالمال الذی انتقل من المیت قبل موته بالمعاملة إلی طرف معاملة ینتقل الی المیت کما هو مقتضی قانون الفسخ و لا شبهة فی تصویر مالکیة المیت أیضا کما فی صورة مالکیة المسجد،و الجهات العامة و حیث أن مقابله کان فی حکم التلف لخروجه من ملک المیت و دخوله فی ملک الوارث فیکون ذلک من جملة دیون المیت فلا معنی للحکم بأخذ البائع أو المشتری(الذی هو طرف المعاملة مع المیت)عین ماله من جملة الترکة و علی الجملة فلا دلیل علی أخذ صاحب المیت العین المنتقلة إلی الورثة یعد کونها بذلک فی حکم التلف،کما هو واضح.

الصورة الثالثة:أن یکون للمیت وصیة أو دین و لکن لم یکن دینا مستغرقا

للترکة،ثم فسخ الورّاث العقد،

و ان کانت العین المنتقلة إلی المیت تالفة قبل الفسخ،کان مقابلها من جملة الدیون لأن مقتضی دلیل الید هو لزوم ردّ العین و مع التعذر ینتقل الضمان إلی القیمة و البدل،و یکون بدله دینا للمیت فیخرج من الترکة و یکون ما انتقل من البائع مثلا الی المیت من الثمن بالفسخ من جملة الترکة.

و ان لم یکن العین تالفة فهل یأخذ طرف المیت فی المعاملة عین ما انتقل منه الی المیت أو تنتقل الی البدل أو یلتزم هنا بالأمر المتوسط، الظاهر هو الأخیر،فإنه بعد ما مات أحد و کان عنده دین غیر مستغرق لا ینتقل جمیع أمواله إلی الورثة،بل یبقی بمقدار الدین و الوصیة أیضا لو کانت فی ملک المیت کما هو مقتضی ظاهر الآیة علی ما تقدم و اذن فیکون المیت مشترکا مع الوارث فی الترکة مشاعا لعدم تعین حصة کل منهما بعین خاصة،و من الواضح أن من جملة الترکة تلک العین المأخوذة من الغیر بالبیع فتکون هی أیضا مشترکة بینهم،و علیه فإذا فسخ الورّاث العقد فیرجع ما انتقل من المیت البائع مثلا الی ملک المیت کما هو قانون الفسخ فیکون من

ص:434

جملة الترکة و یردّ من العین المبیعة التی هی کانت تحت ید المیت إلی البائع بعد الفسخ بالمقدار الذی فی ملک المیت،فیکون البائع شریکا بنسبة مالکیة المیت فی العین شرکة مشاعیة،و أما بالنسبة إلی بقیة حقه أی البائع فیکون ذلک دینا فی ذمة المیت فیخرج من أصل الترکة کما تقدم،فافهم و تأمل.

و التکلم فی هذه المسألة لا یتوقف علی القول بارث الخیار بداهة أن الکلام هنا متمحض لبیان حال انفساخ معاملة المیت بعد موته و هذا تارة یکون بفسخ الوارث التی یتوقف علی القول بارث المیت الخیار و أخری یکون طرف المعاملة مع المیت من المشتری أو البائع و هذا لا یتوقف علی القول بارث الخیار،کما إذا باع المیت ماله من غیره بمائة دینار و کانت قیمته خمسین دینارا،فإن للمشتری خیار الغبن،فإذا لم یفسخ حتی مات البائع و فسخ المشتری بخیار الغبن،فان بیان هذه المسألة و تنقیح ذلک لا یتوقف علی القول بارث الخیار،و کک إذا ترافعا فی الفسخ و عدمه و حکم بالفسخ فإنه یکون أیضا من صغریات هذه المسألة کما هو واضح.

ثم أن الظاهر أن تنقیح هذه المسألة یقع فی ضمن صور ثلاثة التی
اشارة

یترتب الأثر علیها

و أما الصور التی لا یترتب علیه الأثر فهی کثیرة و لا یهم التعرض لجمیع ذلک.

الصورة الاولی:أن یکون الدین مستغرقا للترکة

و قد تقدم أنه قد یکون ما أخذه المیت من الغیر من الثمن أو المثمن تألفا و أخری یکون باقیا.

و أما فی صورة البقاء فلا ریب أنه بعد انفساخ العقد من ناحیة الورثة أو من ناحیة من هو طرف المیت من المشتری أو البائع یرجع الی ماله الذی کان منتقلا الی المیت و یسترده و ذلک لما عرفت أن قانون الفسخ هو رجوع کل من العوض و المعوض الی ملک من خرج من ملکه،و من الواضح أن المفروض أن فی صورة استغراق الدین أن الترکة لا تنتقل إلی الورثة،و جملتها ما أخذه المیت من طرفه فی المعاملة فحیث کان ذلک باقیا بعینه فیأخذه فإن مقتضی دلیل ضمان الید أن یأخذ المالک عین ماله من الضامن و مع تلفها یأخذ بدلها و المفروض ان عین المال فی المقام موجودة.

ص:435

و أما فی صورة تلف العین بان یکون ما انتقل الی المیت تالفا،فیکون ذلک من جملة دیون المیت قسم الترکة علیهم بحسب نسبة دیونهم و دعوی أن البائع أو المشتری أو باستیفاء ما انتقل عنه الی المیت من بقیة الدیان کما ادعاه شیخنا الأستاذ لا یمکن المساعدة علیه لعدم الدلیل علیها کما تقدم.

الصورة الثانیة:أن لا یکون للمیت مال أصلا،

و مع ذلک فسخ الوراث أو من باع المال من المیت المعاملة فإنه ح ینتقل الثمن الی المیت و أما المبیع فحیث کان تالفا فیکون المیت مدیونا ببدله و اذن فإن و فی الثمن بقیمة المبیع الذی هو دین علی المیت یستوفی البائع الثمن من المبیع فلا کلام و ان کان هنا دین آخر للمیت أو کان منحصرا به،و لکن لم یکن الثمن وافیا بقیمة المبیع،لکونه أغلی،و قد کان المیت اشتراه بأقل للغبن مثلا و هل یکون الثمن ح دینا علی المیت أو یکون من مال الورثة کما أن الإرث لهم وجهان کما فی المتن.

الوجه الأول:ما قوّاه المصنف فی آخر کلامه من أن الورثة قائمون مقام المیت فی الفسخ برد الثمن أو بدله و تملک المبیع فإذا کان المبیع مردودا علی الورثة من حیث انهم قائمون مقام المیت اشتغلت ذممهم بثمنه من حیث انهم کنفس المیت،کما أن معنی إرثهم لحق الشفعة هو أن یتملک الورثة الحصة المبیع و یعطون الثمن من کیسهم لا من مال المیت فإذا فسخ الورثة العقد فی صورة عدم وجود المال للمیت أو فسخه المشتری الذی هو طرف المعاملة مع المیت کان الضرر علی الورثة أی یعطون الثمن للمشتری من کیسهم کما أن ثمن الحصة المبیعة فی بیع الشریک حقه من کیس الورثة مع أخذهم ذلک بالشفعة.

الوجه الثانی:ان لا یکون الثمن من مال الورثة فی هذه الصورة أعنی صورة عدم وجود الترکة المیت بداهة أن الورثة لهم حق الفسخ فی ذلک و أما لزوم الثمن علیهم فلا،کما إذا کان الخیار للأجنبی أو للوکیل الغائب

ص:436

عن الموکل،فهل یتوهم أحد لزوم الثمن علیهم مع الفسخ،و أعمالهم الخیار فی ذلک العقد الذی لهم الخیار فیه و علیه فإذا فسخوا العقد و حلوه فمقتضی قانون الفسخ دخول المبیع فی ملک المیت و دخول الثمن فی ملک المشتری،و حیث أنه قد تلف الثمن فیکون دینا فی ذمته کما إذا کان له دین آخر مع عدم وجود الترکة له و یوفی عنه دیون المیت و علی هذا فقد خرج الثمن العین عن ملک المشتری فیکون ذمة المیت مشغولة بالثمن الکلی،فلا یکون مال الورثة عوضا عن الثمن،إلاّ إذا أعطوه برضایتهم کما إذا إعطائه شخص آخر أو أبرأه المشتری و مدرک الوجهین هو أن الفسخ هل هو فسخ العقد الواقع بین البائع و المشتری بحیث أنه یعدمه من الأول بقاء و یجعله کأن لم یکن من حیث البقاء لا من حیث الحدوث أولا،بل هو عقد جدید فیحصل به التبادل الجدید بین العوض و المعوض،فإنه علی الأول یکون الفسخ موجبا لرجوع الثمن إلی المشتری و رجوع المبیع إلی البائع کما هو قانون حل العقد و جعله کأن لم یکن و علی الثانی فیکون الفسخ عقدا جدیدا واقعا بین الورثة و المشتری،فیأخذ الورثة المبیع و یردون عوض المثمن إلیهم من مالهم الشخصی،و لکن الظاهر هو الأول فإن معنی الفسخ هو حل العقد من الأول بقاء کأنه لم یکن و علی هذا فلا یمکن المساعدة إلی الوجه الأول،بل لا بدّ من اختیار الوجه الثانی،فإنه بعد کون معنی الفسخ هو حل العقد الأول فلا یبقی مجال لاحتمال کونه عقدا جدیدا،فافهم.و انه هو الصحیح لما عرفت من انه لیس للورثة إلاّ حق الفسخ فقط کالأجنبی.

و أما قیاس المقام بالشفعة واضح،الفساد للفرق البیّن بینهما حیث عرفت سابقا أن فی حق الشفعة إنما یتملک الشفیع الحصة المبیعة بالشفعة من غیر أن یکون له تماس بالعقد من حیث الفسخ و الإمضاء بل من له حق

ص:437

الشفعة فی فرض صحة العقد یتملک الحصة المذکورة بالشفعة تملکا جدیدا کالبیع،غایة الأمر أنه تجارة عن غیر تراض الطرف و غصب شرعی و یکون ذلک تخصیصا لدلیل التجارة عن تراض و غصبا شرعیّا و أی ربط له بفسخ العقد بأعمال الخیار و إرجاع کل من العوض و المعوض الی محلهما الأول.

و ما ذکره المصنف من کون الورثة کالمیت فی فسخ العقد و یقومون مقامه کأنهم نفس المیت و علیه فلا بدّ أن یعطوا الثمن من مالهم کما ان المیت إذا کان حیّا یعطی ذلک عن ماله لا یمکن المساعدة علیه لعدم الدلیل علی ذلک غایة الأمر أن الدلیل قام علی إرث الورثة الخیار،و أما الزیادة فلا،کما لا یخفی،فافهم.

الصورة الثالثة:أن یکون للمیت مال و لم یکن له دین،أو کان و لم

یکن مستغرقا للترکة و باع قبل موته متاعا

و کان له الخیار أو لصاحبه،فإنه ینتقل ماله حینئذ إلی الورثة و إذا فسخ الوارث العقد أو فسخه المشتری فبمقتضی قانون الفسخ ینتقل مال المشتری الی المیت أی ینتقل المبیع الی المیت لأنه کان خارجا من ملکه فیکون من الترکة.

و أما الثمن فان کان تالفا فیکون بدله دینا علی المیت فیخرج من الترکة لعدم الفرق فی إخراج دین المیت من الترکة بین الدین السابق علی الموت و الدین الحادث بعد الموت،فان جمیع ذلک یخرج من الترکة أو یأخذ المشتری مقابل الثمن من المبیع الذی انتقل الی المیت بعد الفسخ فإنه یدخل فی ملک المیت و المفروض أن الثمن قد تلف فی ملک المیت اما تلفا حقیقیا أو تلفا حکمیّا کنقله الی غیره فی حیاته بالبیع أو بالهبة و نحو ذلک فیکون بدله دینا علیه،و ح لا ینتقل ذلک المبیع إلی الورثة لمکان الدین علی ما اخترناه فی إرث المال من انه إذا کان للمیت دین لا ینتقل ماله إلی الورثة بمقدار الدین،و ان کان المبیع وافیا بالثمن الذی یطالبه المشتری

ص:438

من البائع فهو و الاّ فیأخذ البقیة من الترکة التی ورثتها الوارث لما عرفت من عدم الفارق بین الدین السابق علی الموت أو اللاحق به فان جمیع ذلک لا بدّ و ان یخرج من الترکة.

و ان کانت العین باقیة و انتقلت الترکة إلی الورثة التی من جملتها تلک العین ثم فسخ الوراث أو المشتری العقد و ح کان المبیع الذی اشتراه المشتری من المیت قبل الموت من جملة الترکة و هل یکون عین الثمن منتقلا إلی المشتری بالفسخ کما هو قانون الفسخ فإنه یقتضی رجوع کل من العوض و المعوض الی ملک من خرج من ملکه أو لا،بل یکون الثمن من جملة الترکة لانتقاله إلی الورثة قبل الفسخ و ان طرأ الفسخ علی العقد بعد ذلک فلا بدّ و أن یکون من جملة دیون المیت فیخرج من الترکة التی من جملتها الثمن المذکور لا عن عین الثمن فقط،کما عرفت،ربما یقال بالثانی کما ذکرناه سابقا و بینّا علیه بدعوی انتقال الترکة إلی الورثة مع عدم الدین و من الواضح أن الثمن کان ملکا للمیت فینتقل إلی الورثة و الفسخ انما نحقق بعد کون الثمن ملکا للورثة فلا معنی لعوده الی المیت بعد فسخ العقد حتی یعود الی ملک المشتری بقانون الفسخ.

و لکن الظاهر هو الاحتمال الأوّل و أنه إذا فسخ العقد اما بفعل الورثة أو بفعل المشتری یرجع کل من العوض و المعوض الی مالکه الأول مع بقاء العین و لو فی ملک الورثة کما هو قانون الفسخ و لا ینتقض قانونه بانتقال الترکة إلی الورثة کما هو واضح.

و السرّ فی ذلک أن مقتضی أدلة الإرث لفظیة کانت أو لبیة لیس أزید من کون ما یملکه المیت علی أی کیفیة کان منتقلا إلی الورثة فإن کان یملک أمواله بالملکیة المطلقة تنتقل تلک الأموال بتلک الکیفیة إلی الورثة و ان کان مالکا لها بالملکیة المقیّدة ینتقل الیه کک فان الدلیل دل أن ما ترکة المیت

ص:439

فلوارثه،و من الواضح أن المیت إذا ترک شیئا فی ملکه بالملکیة المقید لا یقتضی دلیل الإرث انتقاله إلی الورثة بالملکیة المطلقة کما هو واضح.

و علیه فان المیت کان ملکا للثمن أو المبیع مثلا فی البیع الذی له الخیار أو للمشتری بالملکیة المحدودة بالفسخ لا بالملکیة المطلقة لما ذکرنا أن مرجع جعل الخیار فی العقد کالبیع مثلا الی تحدید الملکیة بالفسخ بمعنی أن کل من البائع و المشتری مالک للعوض أو المعوض بالملکیة الخاصة المحدودة بالنهایة المعینة و هی الفسخ فإذا مات البائع مثلا و انتقل ماله الذی من جملته الثمن المأخوذ من المشتری الی الورثة فینتقل ذلک علی تلک الکیفیة الخاصة أی بالملکیة المحدودة فکما أن ملکیته کانت تزول بإیجاد الغایة و هی الفسخ فی حال حیاته و کک تزول ملکیة الورثة بإیجاد تلک الغایة کما هو واضح،و ح فإذا فسخ العقد اما بفعل الورثة أو بفعل المشتری انتقل کل من العوضین الی صاحبه أی ینتقل المبیع الی المیت و من المیت إلی الورثة و ینتقل الثمن من الورثة إلی المشتری لحصول غایة ملکیتهم المغیاة من الأول و من حین البیع،بل هذا أمر ارتکازی للمتشرعة فی باب الإرث و علیه بناء العقلاء،فإنهم حاکمون بأنه إذا انتقل شیء من شخص إلی الورثة لمکان مالکیته له انما ینتقل إلیهم علی الکیفیة التی کان فی ملکه،بل هذا ضروری فی بیع الخیاری کما إذا باع أحد من شخص داره بالبیع الخیاری بقیمة رخیصة لاحتیاجه الی ثمنه و جعل لنفسه الخیار إلی مدة لیفسخ بعد ذلک ثم مات المشتری و هل للورثة ان یتملکوا الدار بالملکیة المطلقة بدعوی أنها انتقلت إلیهم فتکون مملوکة لهم بالملکیة المطلقة،بل لیس للورثة أن یخرجوا المبیع من ملکهم فی زمن الخیار للشرط الضمنی علی المیت عند العقد فیعلم من ذلک أن ما ینتقل من المیت الی الوارث لیس مملوکا بأجمعه بالملکیة المطلقة بحیث یوجب الانتقال تبدل الکیفیة أیضا،بل مالکیتهم تابعة لمالکیة المیت خاصة و عامة کما هو واضح.

ص:440

فتحصل أنه إذا فسخ العقد بفعل الورثة أو بفعل شخص آخر الذی کان له الخیار انتقل مال کل الی مالکه الأول و لو کان منتقل إلی الورثة.

نعم،لو تصرف الورثة فیما انتقل إلیه فی غیر ما یکون المعاملة علیه بالبیع الخیاری فإن البیع الخیاری قد تقدم حکمه اما بإتلافه حقیقة أو بما هو فی حکم الإتلاف کنقله الی غیره ببیع أو هبة أو نحوهما یکون ذلک فی حکم التلف فلیس للمشتری مثلا أن یطالب الورثة عین الثمن و لا یفید ما ذکرناه من کون الملکیة محدودة فی المقام و السرّ فی ذلک بحیث یظهر منه حکم سائر النواقل غیر الإرث هو أن الوارث و ان کان یملک الثمن المنتقل الیه من المیت بالملکیة المحدودة بالفسخ کما ان نفس المیت کان کک،الاّ أن ما کان محدودا انما هو هذه الملکیة فقط و أما المملوک فهو مطلق و غیر مقید بشیء أی المملوک مملوک لمالکه مطلقا بحیث له ان یفعل فیه ما یشاء و کیف یشاء نظیر أن شخص سلطانا لمملکة الی شهر و لکن کون سلطنته مقیدة و محدودة بمدة لا یوجب کون نفوذ سلطنته فیمن له السلطنة علیه أیضا محدودا بتلک المدة،بل یمکن ان یکون نافذا إلی الأبد إلی مدة أزید من مدة السلطنة و المثال الواضح لهذا سلطنة رئیس الوزراء فان سلطنة و ان کانت محدودة و لکن مع ذلک ما یفعله نافذ إلی أزید مدة السلطنة کما هو واضح،و فی المقام أیضا کک حیث ان سلطنة من ملک شیئا بالبیع الذی فیه الخیار و ان کانت محدودة بالفسخ و هو مالک إلی غایة خاصة،و لکن المملوک مملوک له علی نحو الإطلاق فإن کون المبیع ملکا له غیر مقید بوقت أصلا و علیه فإذا تصرف فیه فی أثناء سلطنته المحدودة تصرفا متلفا أو فی حکم الإتلاف کنقله الی غیره یکون ذلک نافذا إلی الأبد و السرّ فی ذلک هو ما ذکرناه أن المحدود انما هو السلطنة و الملکیة دون المملوک و من هذا ظهر الفرق بین الإرث و النواقل الآخر أیضا لأنک قد عرفت أن أدلة الإرث لا یقتضی

ص:441

أزید مما تقدم من کون الورثة مالکا للترکة علی الکیفیة التی کان المورث مالکا لها و أما فی النواقل الأخر حیث وقع بالمملوک الغیر المقید بشیء فیکون نافذا إلی الأبد.

نعم،استثنی من ذلک البیع الخیاری فإنه لا یجوز بیع المبیع بهذا البیع فی مدة الخیار و ذلک للشرط الضمنی و سیأتی ذلک فی خلال البحث فی أحکام الخیار،فإنه لا بدّ من البقاء المبیع الی تمام زمان الخیار فان انقضی زمان الخیار کان البیع لازما فان فسخ المشتری العقد یأخذ المبیع و یعطی بدل الثمن کما هو واضح،لا یخفی.

ثم ان المصنف(ره)قد ذکر فی آخر کلامه أن المقام یحتاج الی التنقیح أزید من ذلک،و کتب السیّد فی حاشیته أنه لم ینقح المصنف المقام أصلا حتی یحتاج الی تنقیح أزید کما أن الصورة الثالثة لم أر من یتعرض لها من الفقهاء و قد حققناها بحول اللّه و قوته،فلاحظ و تأمل.

قوله:لو کان الخیار لأجنبی و مات ففی انتقاله الی وارثه،إلخ.

أقول:إذا کان الخیار للأجنبی و مات فهل یکون خیاره للمتعاقدین أو للورثة أو یکون ساقطا وجوه،فاختار المصنف السقوط لأجل الشک فی مدخلیة نفس الأجنبی إذا الخیار لم یجعل للأجنبی و لوارثه،بل للأجنبی و نتکلم فی ثبوت الخیار لوارثه بأدلة الإرث و نحتمل أن یکون لخصوصیة الأجنبی دخل فی اختصاص الخیار به.

أقول:أن ما ذکره المصنف(ره)من الحکم بالسقوط بموت الأجنبی متین و لکن لا من جهة ما ذکره من الوجه بداهة مدخلیة الأجنبی فی ثبوت الخیار له فضلا عن الشک فیه فان الخیار لیس دائرته وسیعة بحیث یکون مجعولا للأجنبی و مع عدمه فلوارثه أو للمتعاقدین من الأول قطعا،بل انما جعل الخیار لخصوص الأجنبی و خصوصیة الأجنبی دخیل فی الخیار قطعا و لکن

ص:442

نتکلم فی ثبوته لوارثه بأدلة الإرث بأنه إذا مات الأجنبی فهل ینتقل خیاره هذا الی وارثه أم لا و أی ربط لهذا لمدخلیة خصوصیة کونه للأجنبی فی الخیار کما هو واضح.

و علیه فیمکن أن یرث وارث الأجنبی خیاره إذا صدق علیه أنه مما ترکه المیت و ح فان کان مدرک ثبوت الخیار و انتقاله من المیت إلیهم من جهة الإجماع فلا شبهة أنه دلیل لبیّن،فالمتیقن منه هو صورة کون الورثة لذی الخیار من المتعاقدین،و ان کان مدرکه الدلیل اللفظی و عموم ما ترکه المیت من حق أو مال فهو لوارثه فقد عرفت الإشکال فی ذلک.

و مع الإغماض ان الظاهر من الحق المتروک أن یکون لجلب المنفعة و لا منفعة للأجنبی فی ذلک،و الا فسخ العقد(و ان کان یمکن منعه بأنه قد یعطی احد مالا له لیفسخ العقد أو إمضاء علی أنه منقوض بثبوت الخیار لورثة المتعاقدین فی صورة استغراق الدین الترکة من المقرر).

ثم ان المحکی عن القواعد أنه لو جعل الخیار لعبد أحدهما فالخیار لمولاه و وجهّه المصنف بأنه یحتمل أن یکون ذلک من جهة عدم نفوذ فسخ العبد و إمضائه بدون اذن مولاه،و لکن لا نعرف وجها صحیحا لما ذکره فی القواعد و لما ذکره المصنف من التوجیه بداهة أن إرجاع الأمر الی عبد الغیر من الوکالة و غیر ذلک قد یکون تصرفا فیه و یکون ذلک تصرفا فی ملک مولاه فمثل ذلک لا ینفذ بدون اذن مولاه کما إذا أمر عبد غیره أن یمشی إلی السوق و یشتری له متاعا أو أمره بالخیاطة و البنایة و نحو ذلک فان مقتضی قوله تعالی عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ أنه لیس للعبد و لا لغیره أن یتصرفوا فیه بمثل هذه التصرفات.

و قد ورد فی روایة أنه سئل الإمام علیه السلام عن طلاق العبد زوجته فقال الامام علیه السلام:لا،و استدل بقوله تعالی عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ

ص:443

و ذکر أنه شیء لا یقدر علیه العبد و قد یکون ما یرجع الی عبد الغیر من الأمور التی لا یکون تصرفا فی سلطنة مولاه،و لا یکون مزاحما لاستیفاء منافعه بوجه من الوجوه کأن یوکله أحد فی إجراء عقد من النکاح و غیره فان ذلک أمر لا یزاحم المولا و لا یکون تصرفا فی ملکه بدون اذن و لا دلیل علی عدم نفوذ مثل هذه الافعال من العبد(کما أنه لا یتوهم أحد أن تصور العبد شیئا بدون اذن المولی و اطلاعه حرام و هذا أیضا نظیر التصورات القلبیة مقرر).

و أما إذا مات هذا العبد الذی جعل له الخیار فقد ظهر مما ذکرناه أنه لا ینتقل الی وارثه،و أما توهم انتقاله الی مولاه بدیهی الفساد لعدم کونه وارثا للعبد و کون أموال العبد راجعا الی مولاه لیس من جهة الإرث بل من جهة أن العبد لا یملک،و اما بناء علی کون مالکیته فی طول مالکیة المولی لا فی عرضه فیکون أمواله راجعا الی مولاه کما هو واضح.

قوله:مسألة و من أحکام الخیار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخیار

أقول:قد تقدم فی خیاری المجلس و الحیوان أن ما یکون مسقطا للخیار و إمضاء له أمران:- الأول:ما یکون مصداقا للإسقاط بحیث یکون ذی الخیار معتبر الکون العقد لازما و باقیا و یظهره بمبرز سواء کان ذلک المبرز هو الفعل أو القول فان ذلک أی إسقاط الخیار کبقیة الأمور الإنشائیة یحتاج الی الاعتبار أولا، و الی الإظهار ثانیا،بحیث یکون مسقطا له بالحمل الشائع و هذا لا شبهة فیه،و بهذا أشار الإمام علیه السلام فی جملة من الروایات و ذلک رضی بالعقد أی مصداق لإظهار الإسقاط لا أن الروایة تدل علی کون التصرف مسقطا للخیار تعبدا،بل یعلل أن کون مسقطا من جهة الرضا بالعقد و قصد ذی الخیار الاسقاط کما هو واضح.

ص:444

الثانی:أن یکون مسقطا تعبدا و ان لم یکن مصداقا للإسقاط بالحمل الشائع،بل لم یقصد المتصرف سقوطه أو قصد عدمه و لکن التعبد الشرعی أوجب سقوطه بذلک کالتقبیل و اللمس و النظر الی ما لا یحل النظر إلیه فإن ذلک کله یوجب سقوط الخیار تعبدا أو لم یکن هنا تصرف أصلا فی شیء من العوضین کالتفرق الموجب لسقوط خیار المجلس فإنه یوجبه تعبدا کما هو واضح،و قد تقدم ذلک کله و الکلام هنا فی أن ما یوجب سقوط الخیار هل یوجب تحقق الفسخ به أیضا أم لا؟الظاهر أنه لا شبهة فی أن ما یکون مصداقا لسقوط الخیار فهو مصداق للفسخ أیضا،سواء کان بالقول أو بالفعل أو بغیر ذلک،فمن هذه الجهة لا فارق بینهما،هذا لا شبهة فیه.

و انما الکلام فی أن ما یکون موجبا لإمضاء العقد و سقوط الخیار من التصرف اما لکونه مصداقا للسقوط أو تعبد إذا وقع علی ما انتقل إلی ذی الخیار بأن تصرف المشتری فی الحیوان مثلا أو ما اشتراه من المتاع فی مجلس العقد و هل یکون ذلک فسخا تعبدا أو لکونه مصداقا له إذا وقع علی ما انتقل عنه بان باع زید جاریة قبلها یعد التسلیم أو نظر الی ما لا یحل النظر إلیها أو لا مسها أو لا یوجب الفسخ.فقد ذهب جمع من العلماء الی الثانی و أن الفسخ یتحقق بذلک کما أن الإمضاء کان متحققا بها إذا وقعت علی ما انتقل الی المتصرف،أقول:ان کان التصرف فیما انتقل عنه مصداقا للإسقاط فلا شبهة فی کونه موجبا للفسخ و مصداقا له کما کان مصداقا للإمضاء أیضا و ان لم یکن ذلک مصداقا للإسقاط إذا وقع علی ما انتقل الیه،بل یکون مسقطا تعبدا کما إذا تصرف بها و لم یکن ذلک بنفسه مصداقا للفسخ و لا أنه قصد کونه مصداقا له فلا یکون موجبا للفسخ إذا وقع علی ما انتقل عنه لا من جهة التعبد لکونه ثابتا فی التصرف فیما انتقل الیه،فلا یمکن تسریته الی التصرف الواقع علی ما انتقل عنه کما إذا باع جاریة ثم قبلها أو

ص:445

لا مسها أو نظر الی ما لا یحل النظر إلیها و لا من جهة کونه مصداقا للفسخ لما عرفت أنه لم یکن مصداقا للإمضاء و لسقوط الخیار و إمضاء العقد فلا یکون مصداقا للفسخ أیضا،کما هو واضح،لأن کلا منها یحتاج الی الاعتبار و الإظهار،فالتصرفات المذکورة غیر قابلة لذلک.

و علی الجملة ان کان التصرف علی نحو یکون مصداقا للفسخ بحسب المتفاهم العرفی و ان لم یعلم قصد الفاسخ أو علم قصده بأنه أراد بفعله هذا فسخ العقد لا شبهة فی تحقق الفسخ بذلک کما یتحقق به الإمضاء و ان لم یکن کک،بل کان ذلک إمضاء للعقد من جهة التعبد فقط فلا یکون فسخا للعقد قیاسا کما هو واضح،فإن تسریة من مورده و هو التصرف فیما انتقل إلیه إلی التصرف فیما انتقل عنه هذا کله فی مقام الثبوت.

و أما فی مقام الإثبات فإذا تحقق الأمور المذکورة من اللمس و النظر و التقبیل بأن أوقع الأمور المذکورة فیما انتقل منه فهل تکون ذلک أمارة علی کون البائع مثلا قاصدا للفسخ أم لا،و الفرق واضح بین المقام و بین ما تقدم فی مقام الثبوت،فان الکلام هناک فی کونه مصداقا للفسخ مع القصد و عدم کونه مصداقا له مع عدمه و فی المقام البحث فی کاشف القصد بأنه یکشف عند الظهور أم لا؟فافهم ذکر المصنف أن الأمر هنا أسهل بناء علی أن ذا الخیار إذا تصرف فیما انتقل عنه تصرفا لا یجوز شرعا الاّ من المالک أو بإذنه دل ذلک بضمیمة حمل فعل المسلم علی الصحیح شرعا علی ارادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف و نقل ذلک عن بعض الفقهاء أیضا کالعلامة و غیره.

ثم ذکر أن أصالة حمل فعل المسلم علی الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا کما صرح به جماعة کغیرها من الأمارات الشرعیة فیدل علی الفسخ لا من الأصول التعبدیة حتی یقال انها لا تثبت لوازمها،و ذکر أن ذلک حقق فی الأصول.

ص:446

أقول:ذکر فی الأصول أمران،أحدهما:أن لوازم الأصول لیست بحجة بخلاف لوازم الأمارات فإنها تثبت بها کما تثبت الدلالات المطابقیة،و ذکرنا نحن أیضا فی البحث المذکور أنه لا فارق فی ذلک بین لوازم الأصول و لوازم الأمارات فإنها فی کلیها لا تثبت إلاّ إذا قام الدلیل علی ثبوتها و حجیة الأمارات بالنسبة إلیها کما أنها حجة فی الدلالات المطابقیة و قد قام بناء العقلاء علی ثبوت تلک اللوازم فی الأمارات التی کانت من قبیل الألفاظ فإنه کما قام علی حجیة الظواهر و اعتبار الدلالات المطابقیة بحسب ما یستفاد من ظواهر اللفظ و کک قام علی ثبوت لوازمها أیضا و حجیتها بالنسبة إلیها و ذلک کالروایات و القرآن و من القبیل الأقاریر و الجامع أن کل ما یکون فی مقام التکلم و الإفادة و الاستفادة و المرافعات و غیرها من قبیل الألفاظ تثبت فیها ببناء العقلاء لوازمها کما تثبت مدلولاتها المطابقیة أیضا کما هو واضح.

و أما إذا لم یکن من هذا القبیل فلا تثبت اللوازم بثبوت الملزوم،و مثلنا لذلک هناک بأنه ورد أنه إذا اشتبهت القبلة یتحرّی من اشتبه علیه ذلک فیأخذ ما هو أحری فإن الظن و ان کان حجة هنا للمتحری و لکن لا یثبت بذلک لوازمه کالوقت مثلا بأن یثبت بکون القبلة هذا الطرف الخاص المظنون الظهر مثلا،یحکم بان الشمس إذا وصلت الی النقطة الفلانیة یحکم بتحقق الظهر،و مقامنا من هذا القبیل حیث انه علی تقدیر أن حمل فعل المسلم علی الجائز و الصحیح من الأمارات و لکن لا یثبت بها لوازمها لعدم الدلیل علیه،ففی المقام غایة ما یستفاد من السیرة أو من الروایات کقوله علیه السلام ضع فعل أخیک علی أحسنه،و نحو ذلک أن نحمل فعل ذی الخیار الواقع علی ما انتقل عنه علی الصحیح و أنه لم یفعل محرما و أما أنه فسخ العقد لکونه لازم کون فعله صحیحا لا یثبت بذلک کما هو واضح.

ص:447

الأمر الثانی:ما ذکره المصنف أیضا و نحن تبعناه من أن الثابت فی الشریعة المقدسة انما هو حمل فعل المسلم علی أحسنه و علی الوجه الصحیح کما إذا صدر فعل من شخص و احتمل کونه حراما أو حلالا فلا بدّ من أن یحمل علی الصحیح و علی الجائز بأن لا یعامل معه معاملة الفساق من جهة ترتیب أثر الفعل المحرم علی ما صدر منه و مثل لذلک بأنه إذا تجاز شخص عن شخص و تکلم بکلام و احتملنا أنه تسب و احتملنا أنه سلم فان مقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة أن یقال أنه لم یصدر منه السب لأن المسلم لا یفعل محرما و لا یباشره،و أما إثبات أنه سلّم بحیث یجب رد جوابه فلا،لعدم الدلیل علیه،و هذا الذی ذکره(ره)فی قاعدة حمل فعل المسلم علی الصحة فی الأصول و أنها لا تثبت لوازمها متین جدا،و لا یمکن المساعدة علی ما ذکره فی المقام کما هو واضح.

و علیه فالمسلم انما هو حمل فعل المتصرّف علی الوجه الجائز و أنه لم یفعل حراما إنشاء اللّه،و أما فسخ العقد لکونه لازم عدم صدور الحرام منه فلا دلیل علیه کما هو واضح،هذا کله فیما إذا لم یعلم أن التصرف انما صدر منه عن علم و التفات أو علم أنه تصرف عن غیر علم و أما إذا علم أنه تصرف فی ذلک غفلة عن بیعه ذلک أو نسیانا فإن الأمر هنا أوضح فإنه لم یحتمل أحد بل لا یحتمل أنه فسخ العقد بذلک التصرف کما هو واضح.

فتحصل أن حمل فعل المسلم علی الصحة و ان التصرف لم یکن محرما لا یدل علی الفسخ تعبدا لکونه لازما لحمل فعل المسلم علی الصحة الذی من قبیل الامارات فتحصل أن حمل فعل المسلم علی الصحة لیست من الأمارات بل من الأصول العملیة فلا تثبت به لوازمه و هو تحقق الفسخ به و علی تقدیر کونه من الأمارات فلا دلیل علی حجیّة لوازم مطلقا الأمارات لفظیة کانت أم غیرها،کما هو واضح.

ص:448

هذا کله فیما إذا کان التصرف مما یحرم تعلقه بملک الغیر کالتصرفات الخارجیة و لذا احتاج الی حمله علی الصحة.

و أما إذا لم یکن من التصرفات المحرمة کما إذا لم تکن خارجیة،بل من التصرفات الاعتباریة التی یجوز تعلقها بملک الغیر أیضا من غیر أن یکون محرمة تکلیفا و ان کان نفوذه وضعا یحتاج الی الاذن و ذلک کالبیع و الهبة و العتق و نحوها،فان مثل هذه التصرفات الاعتباریة یصح تعلقها بمال الغیر فضولة،فلا یکون محرما.

و دعوی أن الفضولیة لا تجری فی مثل العتق و نحوه من الإیقاعات للإجماع و ان کانت صحیحة الاّ أن ذلک لا یدل علی تحقق الفسخ لاحتمال الغفلة و الاشتباه و الجهل فی حق المتصرف و علیه فإذا تصرف ذی الخیار فیما انتقل عنه تصرفا اعتباریا ناقلا کالبیع و الهبة و العتق و نحوها فإنه لا شبهة فی أن الظاهر من هذه التصرفات أنها وقعت فی ملکه إذ لا بیع إلاّ فی ملک و لا عتق إلاّ فی ملک و لا یجوز هبة مال الغیر فیکشف ذلک عن أنه فسخ بنفس هذه التصرفات و ان کان لا بأس بجواز بیع مال الغیر فضولة الاّ أنه علی خلاف ظاهر هذه الافعال،بل لا یقع عتق مال الغیر صحیحا للإجماع و للتسالم علی عدم جریان الفضولی فی الإیقاعات کالعتق و الطلاق،و لکن الکلام فی حجیة هذا الظاهر و ان کان هو موجودا فان کل ظاهر لیس بحجة،فإنه کان حجیّته بالظن الحاصل من ذلک الظاهر،فان المظنون أن الإنسان إذا باع باع مال نفسه أو عتق مال نفسه و هکذا فلا دلیل علی حجیّته الاّ من جهة الغلبة و لا حجة للظن الحاصل منها.

و بعبارة أخری أن مدرک حجیة هذا الظهور أن کان هو الظن فلا دلیل علی حجیته و ان کان شیء آخر من الأدلة الخاصة فلم نر دلیلا خاصا علی اعتباره کما هو واضح.

ص:449

و قیاس المقام بحجیة ظواهر الألفاظ قیاس مع الفارق بداهة أن الوجه فی حجیة ظواهر الألفاظ هو الوضع بمعنی أن العقلاء تعهدوا علی کلما أرادوا شیئا فلانیا مثلا أن یتکلموا بلفظ فلانی و بنوا أیضا علی أنه إذا تکلم أحد بکلام له ظاهر فی معناه الموضوع له یؤخذ بظهور کلامه و الاّ فلا دلیل علی حجیة مطلق الظواهر کما هو واضح.

و ربما یقال انه إذا باع ذی الخیار مثلا ما انتقل عنه فیحتمل أنه باع ذلک عن مالکه الفعلی فضولة و یحتمل أنه باعه عن نفسه أصالة و لکن فسخ العقد ببیعه هذا،فالأصل عدم قصده بیع ذلک عن غیره.

و فیه أولا:أن هذا الأصل مثبت لأن فسخ العقد من لوازم عدم قصد البیع عن غیره لا نفسه و الأصل المثبت لیس بحجة.

و ثانیا:أنه لا یعتبر القصد فی بیع مال الغیر فضولا کما لا یعتبر ذلک فی بیع مال نفسه،بل یکفی مجرّد قصد البیع و إبرازه بمبرز،و قد ذکرنا فی أول البیع أن حقیقة البیع هو هذا.

و علیه فلا قصد هنا حتی ننفیه بالأصل و هذا واضح،نعم یعتبر ذلک فی بیع الکلی کما تقدم فی بیع الکلی بداهة أنه لا یتعین بدون الإضافة إلی ذمة معینة سواء کانت ذمة نفسه البائع أو شخص آخر،و انما یتعین الکلی بالإضافة إلی محل خاص و تقیده بقید خاص و لکنه أجنبی عن المقام کما هو واضح.

و بالجملة فلا یمکن إثبات کون التصرفات الواقعة علی ما انتقل عنه فسخا للعقد لا بمقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة و لا بظهورها فی الفسخ، و لا بالأصل العملی کما مر،فافهم.

قوله:مسألة هل الفسخ یحصل بنفس التصرف؟
اشارة

أقول:إذا قلنا بان التصرف یحصل به الفسخ سواء کان خارجیا تکوینیا أو اعتباریا،و هل یحصل به الفسخ قبل وقوعه و تحققه أو بعده أو فی أثنائه

ص:450

وجوه ربما یقال بالأول کما عن التذکرة بدعوی أن الإسلام یصان به المسلم عن القبیح،فلو قلنا بعدم حصول الفسخ قبل التصرف فلا بدّ و أن یقع جزء منه أو تمامه محرما و هو ینافی حمل فعل المسلم علی الصحة و صیانة الإسلام المسلم عن ارتکاب القبیح و اذن فلا بدّ و أن یکون التصرف کاشفا عن وقوع الفسخ قبله و استدلوا علی مرامهم بالروایات الدالة علی لزوم العقد بالتصرف معللا بأنه رضی بالعقد،فإنه یکون کاشفا عنه بعد الوقوع،و حملوا علی ذلک کلمات جملة من الأعلام و لا یمکن أن یحصل الفسخ بنفس تلک التصرفات الاعتباریة بداهة أن حصول الملک بالبیع مثلا یحتاج الی حصول الفسخ،و حصول الفسخ لو توقف بمثل هذه التصرفات لزم الدور.

و فیه أولا:أنا ذکرنا آنفا أن التصرف علی تقدیر کونه موجبا للفسخ انما هو من باب کونه مصداقا للفسخ لا کاشفا عنه،فلا معنی لکونه کاشفا عنه علی أنه لو کان الأمر کک،فلازمه ان یکون الإرادة فسخا فان ما هو قبل الفسخ هی الإرادة و من الواضح أنه لیس بفسخ،بل ارادة فسخ کما هو واضح.

و ثانیا:أن لازم ذلک أن لا یحصل الفسخ باللفظ أصلا فإنه یکون کاشفا عنه لعدم الفارق بین کون الفسخ باللفظ أو بغیره و هو خلاف الضرورة بین الفقهاء فإنهم حکموا بکون الفسخ محققا باللفظ أیضا.

و أما الروایات الدالة علی تحقق الرضا بالتصرف فلا شهادة فیها علی ذلک بداهة أن معنی الرضا هنا عبارة عن للإمضاء أی التصرف رضاء بالعقد و إمضاء له ضرورة أنه لا معنی لحمل الرضا الذی هو أمر قلبی علی الفعل التکوینی الخارجی،فیکون الروایات الدالة علی حصول الرضا بالتصرف أجنبیة عن القول بحصول الفسخ بعد التصرف لکونه کاشفا عن الفسخ و بعبارة أخری الرضا له معنیان أحدهما الرضا القلبی و الثانی الرضاء الخارجی،و المراد

ص:451

منه فی المقام الثانی بمعنی أن التصرف إمضاء للعقد و إنفاذا له و اجازة و رضاء علمی به لا أنه رضاء قلبی و القرینة علی کون الثانی مرادا هو عدم صحة حمل الأمر القلبی علی الفعل الخارجی کما هو واضح،و یمکن حمل کلمات الفقهاء أیضا علی ذلک فان حکمهم بکون التصرف رضاء بالعقد لعله من جهة کون بنائهم علی کون التصرف مصداقا للرضا العلمی و للإمضاء و الإجازة.

و من هنا التجأ بعضهم الی کون الفسخ حاصلا بعد تحقق التصرف فی الخارج و ح فیکون التصرف مصداقا للفسخ.

و لکن یرد علیه أن لازم ذلک وقوع التصرف الاعتباریة کلها فی ملک الغیر فإذا باع یکون بیعه فی ملک الغیر و إذا وهب أو عتق یکون کل ذلک واقعا فی ملک الغیر،فیلزم أن الأمور المذکورة لم تقع فی ملک نفس الإنسان المتصرف.

نعم،لا بأس به بناء علی جواز بیع الإنسان شیئا ثم ملکه الاّ أنه لا یجری فی مثل العتق للإجماع علی أنه لا یجری الفضولیة فی الإیقاعات کما عرفت،بل ربما یکون التصرف حراما و إذا ترتب علیه الأثر و هو الفسخ،و تملک الفاسخ المال المنتقل عنه کما إذا کانت التصرفات خارجیة کالتقبیل و الوطی و اللمس فی الجاریة و غیر ذلک من التصرفات التکوینیة الخارجیة و هذا کله لا یمکن الالتزام به و قد اختار المصنف معنی متوسطا بین کون الفسخ حاصلا من الأول و قبل التصرف أو بعده.

و قال بما حاصل کلامه:أن المراد بالبیع هو النقل العرفی الحاصل من العقد لا نفس العقد لأن العرف لا یفهمون من لفظ البیع الاّ المعنی المأخوذ من العرف فی قولهم بعت و علیه فالفسخ الموجب لملک الفاسخ، المال المنتقل عنه انما یحصل بأول جزء من التصرف الاعتباری أو الخارجی

ص:452

و أما النقل و التملک العرفی،إنما یحصلان بتمام التصرف أی بالبیع و العتق مثلا،و ح یقع البیع أو العتق أو غیرهما من التصرفات القولیة عقدا کان أو إیقاعا فی الملک و لا دلیل علی کون البیع أو العتق و غیرهما من التصرفات القولیة واقعا فی الملک بجمیع أسبابها و مسبباتها،بل یکفی فی وقوعها فی الملک أن یقع فیها عند تمام السبب أی و یحصل المسبب فی الملک و أما لا بدّ و أن یکون سببه أیضا بجمیع اجزائه حتی الجزء الأول فی الملک،فلا دلیل علیه کما هو واضح.

ثم التزم بحرمة الجزء الأول تکلیفا فی التصرفات الخارجیة کالوطی و التقبیل و نحوهما،و لکن هذا لا ینافی حرمة ذلک حصول الفسخ به وضعا أی لا ینافی حرمة السبب من بعض الجهات صحة حصول المسبب،کما لا یخفی.

ثم قال و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهید الثانیان لا یخلو عن قوة و به ترتفع الاشکال عن جواز التصرفات وضعا و تکلیفا و کذا لا ندری أنه کیف یرتفع الاشکال بما ذکره عن جواز التصرفات وضعا و تکلیفا مع أنه رحمه اللّه صرّح قبل أسطر بحرمة الجزء الأول من التصرفات الخارجیة و أیضا کیف ظهر من کلامه أن الحق ما ذهب الیه المحقق و الشهید الثانیان مع أنهما ذهبا الی حصول الحل و الفسخ قبل التصرف بالقصد المقارن کما تقدم رأیهما قبل أسطر فی کلامه.

و الحاصل:أن الکلام فی تحقق الفسخ بالتصرف فی ما انتقل عن ذی الخیار الی غیره بأنه هل یحصل الفسخ قبل التصرف و التصرف کاشف عنه أو بعده أو یحصل فی أثناء التصرف وجوه،و قد ذکر غیر واحد أنه یحصل قبل الفسخ بدعوی صیانة الإسلام المسلم عن فعل القبیح،فلا بدّ من الالتزام بحصول الفسخ قبل التصرف،لئلا یکون أمثال البیع و العتق و غیرهما من

ص:453

التصرفات الاعتباریة تصرفا فی ملک الغیر،و لئلا یکون مثل الوطی و التقبیل و أمثال ذلک من التصرفات الخارجیة محرّمة تکلیفا،و لکن ذکرنا أنه واضح البطلان من جهة أن البیع و غیره من التصرفات الاعتباریة و کک التصرفات الخارجیة بنفسها مصداق للفسخ و مبرز له لا أنه کاشف عن تحقق الفسخ قبلها،و الاّ فلا بدّ و أن یکون الفسخ محققا بإرادة الفسخ،و من الواضح أن ارادة الفسخ لیس بفسخ علی أنه مخالف لکلمات الفقهاء القائلین بأن الفسخ یتحقق بنفس التصرف،و یضاف الی ذلک أن لازم ذلک هو عدم تحقق الفسخ باللفظ أیضا،بل لا بدّ و أن یکون ذلک کاشفا عنه لعدم الفرق فی ذلک بین اللفظ و غیره،و هو بدیهی البطلان،لحکم جمع من الاعلام بأن الفسخ یتحقق باللفظ و کیف کان فهذا الوجه لا یمکن الذهاب الیه،کما هو واضح علی أنه ذکر المصنف و غیره بأن الفسخ لا یحصل بالنیة و البناء القلبی،بل هی من الأمور الإنشائیة فلا بدّ و أن یتحقق بالإظهار بمبرز فبمجرّد ارادة الفسخ لا یتحقق الفسخ کما هو واضح.

و قد تقدم الاستدلال علی ذلک بروایات لسقوط الخیار بالتصرف کقولهم علیهم السلام و ذلک رضی بالعقد و الجواب عن ذلک فی البیان الأول فراجع و من هنا التجأ بعضهم الی أن الفسخ انما یتحقق بعد التصرف و یکون حاصلا بعد تمامیة السبب.

و فیه أن لازم ذلک أن یکون التصرفات الاعتباریة من البیع و الهبة و العتق واقعة فی ملک الغیر و الالتزام بجواز بیع مال الغیر ثم تملکه و أن کان متینا و لکنه لا یتم فی العتق حیث انه وقع التسالم بین الفقهاء بعدم صحة العتق بالإجازة المتعقبة و عدم جریان الفضولیة فیه فلا یمکن رفع الاشکال بهذا الالتزام.

و أما التصرفات الخارجیة من الوطی و التقبیل و غیر ذلک فتکون محرّمة

ص:454

تکلیفا و الحال أنه وقع التسالم علی حصول الفسخ بالتصرفات الاعتباریة و الخارجیة من غیر أن یلزم منه محذور کما هو واضح.

و قد أجاب المصنف عن الاشکال بالالتزام بالأمور المتوسط و حاصله أن التصرفات الوضعیة فإنما یحصل الفسخ بها بالجزء الأول و یحصل النقل و الانتقال بتمامیة السبب غایة الأمر لا یکون تمام السبب فی ملک البائع أو المعتق و هذا لا دلیل علیه بأن یکون تمام السبب واقعا فی ملک البائع و انما المسلم هو لزوم کون البیع واقعا فی ملک و المفروض أنه وقع فیه و بهذا یحمل الأخبار الدالة علی أنه لا بیع إلاّ فی ملک و لا عتق إلاّ فی ملک فان الظاهر منها أن یکون البیع واقعا فی الملک و کذا العتق و أما أن یکون تمام سببها أیضا واقعا فی الملک فلا یقتضیه الدلیل و السرّ فی هذا الالتزام هو أن المراد من البیع هو البیع العرفی و هو النقل و الانتقال المعبّر عنه بمبادلة مال بمال و لا شبهة فی حصول المبادلة و النقل و الانتقال هنا بنظر العرف و ان کان جزء سبب ذلک واقعا فی ملک الغیر فان ذلک لا یضرّ بالمسبب الذی یسمی بیعا أو غیره من المعاملات.

و بعبارة أخری البیع الحقیقی و واقع البیع عبارة عن المسبب الذی هو البیع العرفی المسمی بالمبادلة و هو حاصل فی ملک البائع و کذلک العتق و أما السبب فلیس بواقع البیع و حقیقته فلا محذور فی وقوع جزء منه فی ملک الغیر.

و أما فی التکلیفیات فلم یدفع الاشکال و التزم بکون التصرفات الخارجیة محرمة بالنسبة إلی الجزء الأول نعم ذکر فی النتیجة أن الأقوی ما ذکره الشهید و المحقق الثانیان بالنسبة إلی الجواز التکلیفی و الوضعی و لکنه لم یبین وجه ذلک و دلیله فیبقی الاشکال علی حاله کما هو واضح،هذا، محصل کلام المصنف.

ص:455

و لکنه لا یمکن المساعدة علیه فیما ذکره فی الوضعیات أیضا و ذلک لأن ما تقدم من الاشکال علی کون التصرف مسقطا قبل العقد جار هنا أیضا، فإن ذلک یرجع الی کون ارادة الفسخ مسقطا أو لیس بمسقط بداهة أن الجزء الأول من التصرف بنفسه لیس مصداقا للفسخ حتی یقال انه حصل الفسخ بنفس الجزء الأول و اذن فلا بدّ من الالتزام بکونه کاشفا عن ارادة الفسخ و یکون ذلک هو المسقط کما هو واضح،لا یخفی فافهم،علی أنه لو حصل الفسخ بالجزء الأول من الفعل لحصل بالجزء الأول من القول أیضا کالتکلم بکلمة بع من دون أن یعقب ببقیة الصیغة مع أنه لم یلتزم به أحد علی أن لازم ذلک أنه لو ندم بعد إیجاد الجزء الأول من التصرف عن البیع أن یلتزم بالفسخ و یقال انه حصل بمجرّد لفظ(بع)و هذا أیضا بدیهی البطلان و لم یلتزم به أحد فیما نعلم،بل المصنف أیضا فلا وجه للذهاب الی أن الجزء الأول من التصرف یکون مسقطا کما هو واضح.

و التحقیق أن یقال انه تارة یقع الکلام فی الوضعیات و أخری فی
اشارة

التکلیفیات،

أما الکلام فی الأولی فأیضا یقع فی جهتین

الأولی فی العقود و الثانیة فی الإیقاعات أیضا.

أما الجهة الاولی فی العقود

فنلتزم فیها بأن الفسخ انما فی الإنشاء و لکن لا علی النحو الذی ذکره المصنف،بل بالإیجاب فقط فإنه بعد ما تم سواء کان بالفعل أو بالقول کان ذلک مصداقا للفسخ و إیجابا للبیع و لم یتحقق البیع به بعد حتی یقال ان الفسخ قد حصل بعد التصرف فیقع فی ملک الغیر بداهة أن البیع لم یتم بالإیجاب الساذج،بل یتوقف تمامیته بتحقق القبول بعده و بالقبول یتحقق تمام البیع فلا یکون البیع بما هو بیع فی ملک الغیر، بل الإیجاب فقط و من الواضح أنه لیس ببیع،بل کونه بیعا معلق علی مجیء القبول و تحققه فی الخارج فکأنه قال البائع بعتک علی تقدیر تحقق القبول

ص:456

من القابل و لا یضرّ التعلیق هنا فان توقف الإیجاب علی القبول و تعلقه علیه من طبیعی البیع و بقیة العقود فهو فی مثل ذلک ضروری.

و قد ذکرنا فی أول البیع فی أنه مبادلة مال بمال أن مثله لا یضر حیث ذکرنا أن البیع لیس مطلق المبادلة،بل المبادلة الخاصة أی علی تقدیر قبول المشتری و کونه تعلیقا لا یضر فإنه طبیعی البیع و من الأمور الضروریة فإنه لا یبیع البائع متاعه مطلقا و لو لم یقبل الآخر،بل علی تقدیر قبول الآخر کما هو واضح،و وقوع الإیجاب فقط فی ملک الغیر لا یضر بالبیع لما ذکره المصنف من أن ما یضر بالبیع هو وقوع ذلک فی ملک الغیر لا ما هو جزء السبب فإنه لا یزید من اللفظ کقوله بعتک المتاع الفلانی فلا یقال بمجرّد وقوع الإیجاب من اللفظ و غیره فی ملک الغیر أن البیع وقع فی ملک الغیر ضرورة أن البیع عبارة عن المسبب و هو بعد لم یتحقق بالإیجاب و کیف یکون واقعا فی ملک الغیر و لا دلیل أیضا علی عدم جواز وقوع السبب فی ملک الغیر و الروایات الدالة علی أنه لا بیع إلاّ فی ملک انما هی ناظرة الی عدم تحقق البیع(الذی هو المسبب و البیع العرفی الذی هو النقل و الانتقال کما فی المتن)إلاّ فی ملک لا ما هو جزء السبب أعنی الإیجاب الساذج.

أما الجهة الثانیة:أعنی الإیقاعات

فالجواب المتقدم و ان لم یکن جاریا هنا و لکن یمکن الجواب عن الاشکال هنا بمثل ما التزم به المشهور فی المعاطاة من کونها مفیدة للإباحة أن الملکیة فی مثل أعتق عبدک عنی إنما تحصل آنا ما ثم یعتق العبد و ذلک لا من جهة اقتضاء الدلیل العقلی أو العرفی ذلک،بل من جهة الجمع بین الأدلة حیث ان مقتضی الروایات أنه لا بیع إلاّ فی ملک و أن مقتضی تسلط الناس علی أموالهم هو وقوع العتق عن الغیر فمقتضی الجمع بینها أن الملکیة إنما تحصل آنا ما بحیث لا یترتب علیها أی آثار فرضتها الاّ العتق و قلنا ان الالتزام بذلک الذی سمی بالملکیة

ص:457

التقدیریة لیس مجرّد فرض کما ربما یتوهم من التعبیر بالملکیة التقدیریة بل لها حقیقة و أن الملکیة تحصل حقیقة و واقعا غایة الأمر أن زمانه قلیل و ان هذه الملکیة غیر قابلة لأن یترتب علیه أثر غیر العتق فقط.

و مثل هذا الکلام نلتزمه هنا أیضا بأن یقال انه تحصل الملکیة الآنیة الحقیقیة التی تسمی بالملکیة التقدیریة للمتصرف ثم یعتق.

و بیانه أن الفاسخ إذا تکلم بصیغة العتق فقبل أن تتم الصیغة بأن یبقی منها حرف واحد فقط نلتزم بحصول الملکیة الآنیة بین هذا الحرف الباقی و ما تحقق منها فنحکم بوقوع العتق فی الملکیة فإن العتق انما یحصل بعد تمامیة الصیغة أجمع بحیث لا یبقی منها حرف واحد لکونها سببا للعتق لا ما هو جزء من الصیغة فإنه جزء السبب فلا یتحقق المسبب الذی هو العتق إلاّ بتمامیة سببه،و قد عرفت أنه لا محذور فی وقوع مقدار من سبب البیع و العتق فی ملک الغیر لأنه لم یدل دلیل علی أنه لا بدّ و أن یکون سبب العتق واقعا فی ملک،بل انما دل علی وقوع المسبب فیه و عدم وقوعه فی ملک الغیر و هو العتق کما هو واضح.

نعم،عند إیجاد السبب لم یحصل العتق،بل هو متوقف علی تمامه فیکون حصول العتق معلقا علی حصول الملکیة الآنیة المتوقفة علی تحقق الفسخ و قد فرضنا أنه أی الفسخ یحصل بإیجاد السبب الاّ الجزء الأخیر منه فمن زمان الاشتغال بإیجاد السبب الی زمان تحقق الجزء الأخیر منه لا بدّ و أن یلتزم بالتعلیق و لکن مثل هذا لا یضر بالعقد لکونه تعلیقا علی الموضوع و التعلیق بالموضوع لا یضرّ کما إذا قال بعتک المتاع الفلانی علی تقدیر کونه موجودا و هذا الجواب یجری فی العقود أیضا إذا منعنا عن وقوع الفسخ بالإیجاب فقط فإنه یلتزم بالملکیة التقدیریة فی الآن الأخیر من زمان تمامیة القبول من ناحیة المشتری و من جمیع ما ذکرناه ظهر لک أن ما ذکره بعضهم

ص:458

من لزوم الدور علی تقدیر الالتزام بحصول الفسخ بالتصرف لا یرجع الی محصل و تقریب الدور هو أن البیع یتوقف علی الملکیة أی حصولها للبائع و حصولها للبائع یتوقف علی الفسخ و الفرض أن الفسخ لا یحصل الاّ بالبیع الذی یتوقف علی الملکیة،فلزم الدور المستحیل لا لما ذکره الشهید(ره)من کون الدور معیّا إذ لا نفهم أنه ما ذا أراد من کلامه هذا بداهة أن الدور المعی انما هی فی المتلازمین الذین معلولان لعلة واحدة کالبنتین الموضوعتین علی هیئة خاصة و لا نعقل هذا المعنی فی المقام فان الدور لو کان فإنما هو توقفی لا معی،و لکن الذی یسهل الخطب أنه لا دور فی المقام،هذا کلّه فی الوضعیات فقد اتضع أنه لا إشکال فی تحقق الفسخ بذلک.

و أما الحال بالنسبة إلی الحکم التکلیفی فی التصرفات الخارجیة

فقد ذکر المصنف أولا أنه یحرم التصرف الخارجی فی الجزء الأول تکلیفا ثم ذکر و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهید الثانیان فی المسألة لا یخلو عن قوة و به ترتفع الاشکال عن جواز التصرفات تکلیفا و وضعا و لم یبیّن وجه ذلک أقول تارة نقول أن جواز التصرف فی المال هو مترتب علی کونه ملکا له قبل هذا التصرف قبلیة رتبیة،فلو لم تحصل الملکیة للمتصرف بعد و انما تحصل الملکیة بنفس التصرف لا یجوز ذلک و لا یکفی فی الجواز التکلیفی الاّ أن یترتب التصرف علی الملکیة.

و أما لاتحاد الزمانی فلا یکفی فی الجواز التکلیفی و ان حصل الفسخ بذلک وضعا و کک التصرف فی الأمة و هذا نظیر أن یقال أن التصرف فی المرأة حرام ما لم تحصل الزوجیة قبل ذلک بان یقال ان الظاهر من قوله تعالی إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ أن جواز النظر أو التصرفات الأخر التی لا تجوز لغیر الزوج فی زوجته فی مرتبة متأخرة عن الزوجیة و الملک الیمین فلو حصلت الزوجیة أو الملکیة فی زمان واحد فلا یکفی ذلک فی جواز

ص:459

ذلک التصرف الذی به تحصل الملکیة و الزوجیة،ففی المقام أن الملکیة إنما تحصل بنفس التصرف الخارجی فیتحققان فی زمان واحد و ان کان التصرف متقدما علی الملکیة من حیث الرتبة.

و علی الجملة قد یقال بأن المستفاد من الآیة الشریفة أن حلیة الأمة بحیث یجوز التصرف فیها لا بدّ و ان تکون مترتبة علی الملکیة بحیث أن تحرز الملکیة فی الرتبة المتقدمة ثم یجوز التصرف الخارجی فیها و کک فی الأعیان الأخر التی وقعت مبیعة أو ثمنا بأن یقال أن جواز التصرف فیها تکلیفا مترتبة علی تحقق الملکیة قبل ذلک و الاّ فلا یجوز التصرف تکلیفا و ان حصلت الملکیة و التصرف فی زمان واحد نظیر أن یقال أن جواز التصرف فی المرأة مترتب علی تحقق الزوجیة قبل هذه المرتبة و علیه فلا یجوز التصرف التکلیفی فی المال المنتقل عنه بحیث یحصل الفسخ و الملکیة بذلک فإذا قلنا بذلک فالحرمة باقیة علی حالها و ان حصل الفسخ بالتصرف کما هو واضح.

و کنظیر ما ورد أن الماء إذا بلغ قدر کرّ لا ینجسه شیء أن الظاهر هو أن تکون الکریة متحققة قبل تحقق الملاقاة بحیث لو کانت الکریة متحقق حین تحقق الملاقاة یحکم بالنجاسة لأجل ملاقاة النجاسة بما لیس بکرّ فان ظاهر قوله علیه السلام الماء إذا بلغ قدر کرّ لا ینجسه شیء أن الکریة لا بدّ و ان یتحقق قبل الملاقاة بالنجاسة قبلیة رتبیة.

و أخری نقول بأنه یکفی فی جواز التصرف فی الأموال کونها مملوکا للمتصرف و لو کانت الملکیة حین زمان التصرف کما فی حصول طهارة البدن و الغسل بالغسلة الأولی فیما إذا کان البدن متنجسا بنجاسة لا یحتاج تطهیرها الی تعدد الغسل فإن الأقوی حصول التطهیر و الغسل عن النجاسة أو عن غیرها بهذه الغسلة الوحدة کما ذکرناه فی حاشیة العروة إلاّ إذا کانت النجاسة مما یحتاج تطهیرها الی تعدّد الغسل فإنه لا

ص:460

یمکن الالتزام ح بحصول التطهیر و الاغتسال بالغسلة الواحدة بل تبقی النجاسة بعد علی حالها و علی هذا فیمکن الالتزام بجواز التصرف لأحد المتعاملین فیما انتقل عنه لکفایة حصول الملکیة فی زمان التصرف فی جواز التصرف تکلیفا من غیر احتیاج الی تحقق الملکیة قبل التصرف رتبة.

و علی الجملة فإن قلنا بالاحتمال الأول فلا یمکن دفع الاشکال عن التصرف بالنسبة إلی الجواز التکلیفی،بل لا بدّ من الالتزام بالحرمة التکلیفیة و ان قلنا بالثانی فیجوز التصرف تکلیفا لکفایة تحقق الملکیة فی زمان الفسخ و التصرف فی الحکم بجواز التصرف تکلیفا کما هو واضح.

و الذی ینبغی أن یقال هو أن الظاهر من قوله علیه السلام لا یجوز التصرف فی مال أمرا إلاّ بطیب نفسه هو أن التصرف الواقع فی ملک الغیر بدون اذنه حرام بحیث لم یکن التصرف فی زمان کون الشیء ملکا له و أما إذا کان التصرف فی زمان حصول الملکیة للمتصرف و ان لم یکن فی مرتبة فإنه لا یشمله دلیل حرمة التصرف لعدم کونه فی مال الغیر،بل انما هو فی مال نفسه.

و بعبارة أخری أن مقتضی الظاهر من الأدلة الدالة علی حرمة التصرف فی مال الغیر هو أن یکون المال مال للغیر فی زمان التصرف بأن یکون المال حین اشتغال المتصرف بالتصرف مال للغیر و أما لو کان ما تصرف فیه المتصرف مال نفسه فی زمان التصرف،و ان کان مرتبة التصرف قبل مرتبة الملکیة بحیث ان التصرف بحسب الرتبة قد وقع فی مال الغیر فلا یشمله دلیل حرمة التصرف و اللّه العالم،و یکون ذلک نظیر حصول طهارة البدن و الغسل بغسلة واحدة فی زمان واحد،کما هو واضح.

نعم،کون التصرف الخارجی جائزا تکلیفا فی مثل الأمة متوقف علی إثبات أن یکون المراد من قوله تعالی أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ أیضا ظاهرة فی کون

ص:461

حصول الملکیة فی زمان التصرف کافیا فی الجواز التکلیفی و ان کانت رتبة التصرف قبل الملکیة.

ثم انه نقل المصنف عن بعض أن الفسخ إذا جاز بحکم الخیار جاز کل ما یحصل به قولا کان أو فعلا و أجاب عنه بأنه فاسد فان معنی جواز الفسخ لأجل الخیار الجواز الوضعی لا التکلیفی فلا ینافی تحریم ما یحصل به الفسخ و لکن ظاهر المصنف أنه فککّ بین الجواز الوضعی و الجواز التکلیفی فکأنه حکم یکون التصرف مع کونه حراما تکلیفا موجبا لانفساخ العقد وضعا لعدم الملازمة بینهما الاّ أن هذا و أن کان تماما فإنه لا ملازمة بین الأحکام التکلیفیة و الوضعیة و لکن الأمر فی المقام لیس کک حیث أن الشارع قد حکم بجواز الفسخ وضعا و تکلیفا و أنه مباح تکلیفا و لکنه من الأفعال التولیدیة فیحصل بالقول تارة و بالفعل أخری.

و علی کل تقدیر لا ملازمة بین جواز الفسخ وضعا و تکلیفا الذی حکم الشارع بذلک و بین جواز ما یتولد منه الفسخ من الفعل،بل القول أیضا فإنه قد یکون الفعل الموجب للفسخ مباحا،و قد یکون حراما کما إذا باع خبزا بأخذه فی شهر رمضان و أکله حیث ان الفعل مع کونه حراما لأن الأکل فی شهر رمضان حرام و مع ذلک یتحقق به الفسخ،و کذلک القول کما إذا قال فسخت العقد و لکن کان هذا القول فی أثناء الصلاة،فإن التکلم فی الصلاة حرام،و لکن مع کونه حراما یحصل به الفسخ و لعل مراد المصنف هذا یعنی لا ملازمة بین جواز الفسخ بان یکون جائزا وضعا و تکلیفا و بین جواز ما یتولد منه ذلک من الفعل أو القول،فإنه ربما یکون حراما لا أن یکون مراده هو التفکیک بین الجواز الوضعی و الجواز التکلیفی بأن یکون الفسخ جائزا وضعا و حراما تکلیفا،فان هذا لا یمکن المساعدة علیه بداهة أن الشارع قد حکم بإباحة الفسخ لذی الخیار،فکیف معه یکون حراما فی نفسه بما هو فسخ،

ص:462

نعم یمکن أن یحکم بحرمة سببه بما هو سبب الفسخ،و هذا غیر حرمة الفسخ فی نفسه مع قطع النظر عن سببه کما هو واضح،فافهم.

قوله:فرع:لو اشتری عبدا بجاریة مع الخیار.

أقول:عقد العنوان و لو کان فی شراء العبد بجاریة و لکنه یجری فی غیرهما أیضا،فالمیزان هو اعمال الخیار بالنسبة إلی الفسخ و الإمضاء معا کما هو واضح،إذا اشتری أحد عبدا بجاریة،ثم قال أعتقهما،فهل یکون ذلک اجازة فی العبد و فسخا فی الجاریة،أو فسخا فی الجاریة فقط،و لا یکون اجازة فی العبد أو اجازة فی الجاریة و لا یکون فسخا فی العبد وجوه:

أما الاحتمال الأول:فلا یمکن المساعدة علیه بوجه بداهة أنه لا یعقل اجتماع الإجازة و الفسخ فی آن واحد،فإنه یستلزم المناقضة و الخلف و أما الاحتمال الثانی:أعنی حصول الفسخ فی الجاریة فقط،و لا یکون اجازة فی العبد من جهة دعوی أن الفسخ یتقدم علی الإجازة.

و یرد علیه ما ذکره المصنف من أنه لا دلیل علی تقدم الفسخ علی الإجازة،و لم یرد فی ذلک آیة و لا روایة،نعم یتقدم الفسخ علی الإجازة فیما إذا صدر الفسخ من طرف و الإجازة من طرف آخر،و لکن التقدیم هنا لیس من جهة الدلیل الخاص،بل لأجل ما یقتضیه القاعدة بداهة أن الإجازة انما هی اجازة من قبل المجیز فقط،فلا یکون ذلک اجازة من قبل الطرف الآخر الذی له الخیار فنفرضها البائع و المشتری،و هذا بخلاف الفسخ،فإن أیا من البائع و المشتری فسخ العقد،ینحل و ینفسخ فلا یبقی لا إجازة الأخر مجال أصلا و ان جاز قبل فسخ الفاسخ و لکن إذا کان الفسخ و الإجازة من طرف واحد بان یتحققا معا سواء اتحد المجیز و المجاز أو تعدد،فلا وجه لتقدیم أحدهما علی الآخر،کما إذا أوجد الفسخ و الإمضاء دفعة واحدة بأن یقول أعتقهما کما تقدم أو کان للبائع وکیل و قد

ص:463

جعل الخیار له و لوکیله فأجاز أحدهما العقد و فسخ الأخر فإنه لا دلیل فی شیء من هذین الموردین علی تقدیم الفسخ علی الإجازة أو العکس، فان تحققهما معا یستلزم المناقضة بأن یقال بصحة العقد و بطلانه فهو محال و تقدیم أحدهما علی الآخر ترجیح بلا مرجح فیسقط کلاهما،و کذلک الأمر فی المقام حیث ان نفوذ العتق بالنسبة إلیهما یستلزم التناقض و ترجیح الفسخ علی الآخر أی الإجازة ترجیح بلا مرجح فیسقط کلاهما کما هو واضح، لا یخفی فافهم.

و أما احتمال أن یعتق العبد و تبقی الجاریة بدعوی تقدیم الإجازة علی الفسخ ففیه أنه لا دلیل علیه أیضا فإنه یستلزم الترجیح بلا مرجح،کما تقدم،و قد ذکر المصنف(ره)أنه ربما یقال بتقدیم الإجازة علی الفسخ من جهة أنها إبقاء للعقد و الأصل فیه الاستمرار.

و فیه أولا أن أصالة استمرار العقد لا یثبت کون المعتق هو العبد، الاّ علی القول بالأصل المثبت.

و ثانیا:أن الصادر من ذی الخیار انما هو قوله أعتقهما معا و لا شبهة أن القول بعتق العبد یستلزم القول بعتق الجاریة کما أن العکس کذلک و علیه فلا بدّ من الالتزام بما ذکره المصنف من القول بأن الأصل هو استمرار العقد،و مع ذلک لا یحصل الفسخ و لا الإجازة کما هو واضح،لا یخفی.

نعم،لا بدّ و أن یحکم بحصول العتق فی العبد الذی اشتراه بالجاریة و بعدم حصول العتق فی الجاریة لأن تحقق العتق فی الجاریة یتوقف علی تحقق الفسخ الذی هو مؤنة زائدة بخلاف تحقق العتق فی العبد فإنه ملک نفسخ فیکون عتقه نافذا لأن الناس مسلطون علی أموالهم.

و الحاصل:أن الکلام کان فیما لو اشتری عبدا بجاریة و کان له أی للمشتری خیار فإنه وقع الکلام هنا فی أنه هل یقدم الفسخ علی الإجازة أو

ص:464

تتقدم الإجازة علی الفسخ بأن یکون العبد معتقا دون الجاریة أو لا یکون شیء منهما معتقا فان عتق کلیهما غیر معقول لکونه مستلزما لتناقض،و عتق واحد منهما دون الآخر ترجیح بلا مرجح فیحکم بسقوط کلیهما.

و قد ذکر المصنف و شیخنا الأستاذ و بعض المحققین أن المقام خارج عن بحث تقدیم الإجازة علی الفسخ أو العکس و الوجه فیه أن النزاع فی أن الفسخ یتقدم علی الإجازة أو العکس انما هو فی مورد یکون الخیار لکل من الطرفین فإنه ح إذا فسخ أحدهما و أجاز الآخر یکون الفسخ هنا متقدما علی الإجازة و لکن هذا لیس من جهة دلیل خارجی،بل لأجل اقتضاء القواعد ذلک حیث ان الإجازة انما هی رضاء بالعقد و إمضاء له من قبل نفسه،و هذا بخلاف الفسخ فإنه هدم للعقد من أصله فیتقدم علی الإجازة و أما إذا کان الخیار لواحد أو لمتعدد من طرف واحد،فلا دلیل علی تقدم أحدهما من الآخر،و علیه فیحکم ببقاء العقد علی حاله و سقوط العتق من الجانبین أی من العبد و الجاریة کلیهما.

و لکن یرد علیه ما ذکرناه من أن نفوذ العتق فی الجاریة یتوقف علی الفسخ لترجع الی ملکها و لو آنا ما لیتحقق العتق لأنه لا عتق إلاّ فی ملک و هذا بخلاف نفوذ العتق و تحققه فی العبد،فإنه لا یتوقف علی شیء بل ینفذ ابتدأ لکونه ملکا للمعتق فیصح عتقه لأن الناس مسلطون علی أموالهم و لا یکون العتق متحققا فی الجاریة فإنها مال الغیر،و لا عتق إلاّ فی ملک فان کونها ملکا للمعتق یحتاج الی الفسخ و الفسخ لم یتحقق بعد لکونه مزاحما مع الإجازة،و علیه فلا وجه للحکم بسقوط کلا العتقین من جهة عدم الترجیح لأحدهما،فالترجیح بلا مرجح باطل.

نعم،هذا کلام صحیح بالنسبة إلی الإجازة و الفسخ حیث انه لا ترجیح لأحدهما علی الآخر،فیحکم بعدم تحقق شیء منهما و لا منافاة بین تحقق

ص:465

العتق و القول بصحته،و عدم تحقق الإجازة فإنه لا ملازم بینهما فإنه لا یکون التصرف بالعتق اجازة للعقد،فإنه ربما یکون قصده مع هذا التصرف علی الفسخ بعد ذلک فان التصرف انما یکون إجازة إذا کان مصداقا للإجازة و هذا لا یکون الاّ مع القصد الا کان التصرف اجازة بالتعبد و سیأتی کما هو واضح.

و بعبارة أخری لم تقع المزاحمة هنا بین عتق العبد و عتق الجاریة بل وقعت المزاحمة بین الإجازة و الفسخ فسقوط الإجازة و الفسخ معا لا یستلزم سقوط العتقین کک کما هو واضح،لعدم کون عتق العبد محتاجا إلی شیء هذا کله بالنسبة إلی الحکم الوضعی،و کک الکلام بالنسبة إلی الحکم التکلیفی فإنه جائز فیما أخذ المشتری من الغیر و غیر جائز فی ما انتقل عنه الی غیره مثلا إذا اشتری فاکهة بخبز فأکلهما معا فان هذا التصرف بالنسبة إلی الفاکهة جائز لکونه تصرفا فی مال نفسه،و لا یتوهم احد حرمته و أما بالنسبة إلی الخبز غیر جائز،فإنه تصرف فی مال الغیر فهو غیر جائز،إلاّ باذنه و کک إذا کان التصرف فی العبد و الجاریة معا تصرفا لا یکون فسخا أو اجازة تعبدا بأن أمرهما معا بالإتیان بالماء أو شیء آخر فإنه جائز بالنسبة الی العبد دون الجاریة،هذا کله إذا کان التصرف بنفسه مصداقا للفسخ و قصد الفاسخ أو المجیز الفسخ أو الإجازة بذلک.

و بعبارة أخری أن الفسخ أو الإجازة من الأمور الإنشائیة فیعتبر فیها القصد و الإبراز و ما ذکرناه من الاحکام انما یجری فی صورة القصد بکونه إجازة أو فسخا لیکون التصرف مبرزا لهما و مصداقا لهما خارجا.

و أما إذا کان التصرف من التصرفات التی تکون اجازة تعبدا و بحکم الشارع لا من جهة کونها إنشاء للإجازة و قاصدا به ذلک،بل یتحقق به الإجازة بحکم الشارع حتی مع عدم القصد بها،بل مع القصد بعدمها فإنه

ص:466

ح لا شبهة فی کون التصرف إجازة أیضا مضافا الی ما تقدم فی خیار الحیوان و ذلک کالتقبیل و اللمس و الوطی و نحو ذلک من التصرفات التی تکون مسقطة تعبدا کما هو واضح،هذا فیما إذا کان الخیار لخصوص المشتری.

و أما إذا کان الخیار هنا للبائع فقط و مع ذلک أعتقهما المشتری فان عتقه بالنسبة إلی الجاریة لا ینفذ أما مع عدم اجازة مالکها فعدم النفوذ قطعی کما هو واضح،و أما مع الإجازة فأیضا لا یصح لما مر مرارا أن الفضولی لا یجری فی العتق لکونه من الإیقاعات،و قد قام الإجماع بعدم صحة الفضولی فی الإیقاعات کما هو واضح.

و أما بالنسبة الی العبد الذی هو ما له فنفوذ العتق فیه وضعا متوقف علی البحث الآتی من أحکام الخیار و هو أنه هل یجوز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه بما یوجب خروج العین عن ملکه بأنه یتلفه أو یتصرف فیه بما هو فی حکم الإتلاف أم لا یجوز،فان قلنا بالجواز کما هو الحق فلا شبهة فی نفوذ العتق و الاّ فلا ینفذ لما سیأتی من أنه متعلق لحق الغیر فلا ینفذ التصرف فیه.و أما تصرف البائع فیهما معا فالکلام فیه هو الکلام فیما تقدم من صورة ثبوت الخیار للمشتری فقط و تصرف فیهما معا فلاحظ و تأمّل.

و أما إذا کان الخیار ثابتا لهما معا فأعتق المشتری العبد و الجاریة معا،فهل هنا أیضا یتقدم الفسخ علی الإجازة أو العکس أو یحکم بالسقوط فنقول إذا بیننا فی المسألة الآیة علی جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه تصرفا متلفا أو ما هو فی حکم الإتلاف کاخراجه عن ملکه ببیع أو شراء،و ح یجری فی المقام جمیع ما ذکرناه فیما کان الخیار ثابتا لخصوص المشتری و قد ذکرنا هناک أن العتق ینفذ فی العبد فقط دون الجاریة و أن نفوذه فی العبد لا یتوقف علی شیء لکونه عتقا فی ملکه و الناس مسلطون علی أموالهم و أما عتقه فی الجاریة لا ینفذ فإنه یحتاج الی الفسخ و لم یتحقق الفسخ بعد

ص:467

لکونه مزاحما مع الإجازة کما هو واضح،و هکذا الکلام فی طرف البائع لأن کلا منهما ممن له الخیار و یجری هنا ما ذکره المصنف أیضا کما أشار إلیه فی المتن و جوابه ما قدمناه.و ان قلنا بأنه لا یجوز لمن علیه الخیار أن یتصرف فی المال الذی انتقل الیه لکونه متعلقا لحق الغیر،فلا یکون عتق کل من البائع و المشتری العبد و الأمة نافذا کما ینفذ تصرفاتهما الأخری الناقلة و المتلفة و إذا تصرف کل من البائع و المشتری فی هذا الفرض فیما انتقل عنه لا فیما انتقل الیه،حتی یتوقف علی المسألة الآتیة ینفسخ العقد قطعا فیکون التصرف فسخا لعدم تزاحمه بالإجازة لأن المفروض أن التصرف فیما انتقل الیه لا یجوز لکونه ممن علیه الخیار و اذن فلا تزاحم بین الفسخ و الإجازة کما هو واضح.

ثم انک قد عرفت أن المصنف و ان عنوان الکلام فی العبد و الجاریة و لکنها من باب المثال،فان البحث یجری فی غیرهما أیضا و المیزان هو أنه هل ینفذ تصرف المشتری فی کل من المبیع و الثمن أو لا؟بل فی أحدهما فقط أو لا،ینفذ فی شیء منهما،بل یحکم بالسقوط و التفصیل هو ما ذکرناه فافهم.

قوله مسألة:من أحکام الخیار عدم جواز تصرّف غیر ذی الخیار تصرّفا
اشارة

یمنع من استرداد العین.

أقول:قد وقع الخلاف بین الأعلام أن التصرفات المانعة عن استرداد العین هل هی جائزة وضعا و تکلیفا لمن علیه الخیار أو غیر جائزة قد یقال بالأول،و قد یقال بالثانی،و ربما یفصل بین التصرف عتقا فهو نافذ لکونه بانیة علی التغلیب و بین غیره فلا ینفذ و فرق بعضهم بین الإتلاف و غیره و جوّز فی الثانی دون الأول لکن إذا فسخ العقد ینفسخ من أصله،و قیل بالانفساخ من حین الفسخ وجوه،بل أقوال،و لا بدّ و أن یعلم أن هذا

ص:468

البحث انما له ثمر و وجه إذا لم نقل بمقالة الشیخ الطوسی من القول بأنه لم تحصل الملکیة لکل من ذی الخیار و من علیه الخیار فی زمن الخیار و انما یحصل ذلک بعد انقضاء مدة الخیار،فإنه علی هذا لا یجوز التصرّف لمن علیه الخیار لکونه تصرفا فی ملک الغیر بدون اذنه فهو حرام.

ثم انه بناء علی حصول الملکیة لکل من البائع و المشتری فی زمن الخیار غایة الأمر أن ذی الخیار له حق الرجوع الی ماله بفسخ المعاملة فإن کانت العین باقیة یرجع الی عینه و الاّ فإلی مثله،فلا شبهة علی هذا المبنی من وجود المقتضی لجواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه و هو الملکیة و لا نعرف وجها لمنع المقتضی و انما الوجه فی عدم جواز تصرف من علیه الخیار فی العین المنتقلة إلیه هو وجود المانع عن التصرف و هو کون العین متعلقة لحق الغیر و ح فتصرفه انما یکون تصرفا فی حق الغیر فهو غیر جائز نظیر التصرف فی العین المرهونة مع کونها متعلقة لحق المرتهن و کالتصرف فی المبیع فی البیع الخیاری و کالتصرف فی أموال المفلس فإنها متعلق لحق الغرماء فهو لا یجوز،و کتصرف الورثة فی ترکة المیت مع کون الدین مستغرقا للترکة،فإن ذلک تصرف فی حق الغرماء و غیر ذلک من الموارد التی یحکم بحرمة التصرف من جهة کونه واقعا علی متعلق حق الغیر و مقامنا من هذا القبیل حیث ان العین متعلقة لحق الغیر فیکون التصرف فیها تصرفا لا فی متعلق حقه،بل موجبا لزوال حقه فهو لا یجوز کما هو واضح لا یخفی.

و أجاب عنه المصنف بان الثابت من خیار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ بعد تلف العینین هی سلطنة ذی الخیار علی فسخ العقد بحیث ان الخیار حق تعلق بالعقد لا بالعین،و الاّ فحین تلف إحدی العینین أو کلاهما لسقط حق الفسخ و لیس کک،بل یجوز الفسخ مع تلف العینین

ص:469

و لکن یرجع الی البدل و علی هذا فلا مانع من تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل إلیه فی العین لکونه مسلطا علی ماله.

کان کلامنا فی جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه و قد ذکرنا أن البحث هنا متوقف علی القول بحصول الملکیة من الأول فی البیوع الخیاریة کما تحصل فی البیوع اللازمة أیضا،غایة الأمر أنها فی البیوع الخیاریة ملکیة متزلزلة فإنه علی هذا المنهج یقع البحث فی أنه هل یجوز لمن علیه الخیار أن یتصرف فیما انتقل إلیه أم لا؟ و أما علی ما سلکه الشیخ الطوسی(ره)من عدم حصول الملک أصلا فی زمان الخیار لکل ممن له الخیار و علیه الخیار فان عدم جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه لا یحتاج الی البحث فإنه تصرف فی مال الغیر فهو لا یجوز بدون اذنه،و اذن فالمقتضی لجواز التصرف قاصر من غیر احتیاج الی وجود المانع و أما علی المسلک المعروف فلا شبهة فی وجود المقتضی لذلک و هو حصول الملکیة من حین العقد و انما الکلام فی وجود المانع.

و الذی قیل فی وجه المنع عن التصرف لمن علیه الخیار فی ما انتقل الیه هو أن العین أی ما انتقل الی من علیه الخیار انما هی متعلقة لحق الغیر و هو من له الخیار و من الواضح أنه لا یجوز التصرف فی متعلق حق الغیر بدون اذنه کما لا یجوز التصرف فی مال الغیر بدون اذنه کما لا یجوز التصرف فی العین المرهونة بدون اذن المرتهن و فی أموال المحجورین علیهم من جهة الفلس بدون اذن الغرماء و فی الأمة المستولدة لتعلق حق العتق بها و هکذا و المتحصل أن الخیار حق یتعلق بالعقد المتعلق بالعوضین من حیث إرجاعهما بحل العقد الی مالکهما السابق فالحق بالأخرة متعلقة بالعین التی انتقلت منه الی صاحبه و اذن فلا یجوز أن

ص:470

یتصرف فیها بما یبطل ذلک الحق کالتصرف المتلف أو ما هو بحکم الإتلاف.

و أشکل علیه المصنف(ره)بأن الخیار أمر تعلق بالعقد حیث ذکرنا فی أول الخیارات أنه ملک فسخ العقد أو إمضائه لا أنه تعلق بالعین لیکون ذلک متعلقا لحق الغیر فلا یجوز التصرف فیه و علیه فالمقتضی لجواز تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل الیه و هو الملکیة موجود و ما ذکر من المانع لا یصلح للمانعیة فیبقی دلیل جواز تصرف الملاک فی أموالهم علی حاله أعنی النبوی المعروف الناس مسلطون علی أموالهم و مما یدل علی تعلق حق الفسخ بالعقد دون العین جواز تفاسخ العقد بعد تلف العینین أیضا بدیهة أنه لو کانت العین موردا لحق الغیر لما جاز التفاسخ بعد تلف العینین کما هو واضح.

و لا یقاس المقام بحق الرهن الذی تعلق بالعین الموجب لعدم جواز إتلافها فإن العین هنا وثیقة فاتلافها ینافی ذلک،و ثانیا أن النص انما دل علی عدم جواز التصرف فیها هذا محصل کلام المصنف فالنتیجة أنه یجوز تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل الیه بلا ریب کما هو واضح.

أقول:ان کان غرض المانعین من کلامهم هذا ما فهم المصنف من کون الخیار و حق الفسخ متعلقا بالعین بحیث یکون العین ابتداء متعلقة لحق الغیر فما ذکره المصنف من الجواب عنه متین جدا فان الفسخ یتعلق بالعقد دائما دون العین و لذا یسقط حق الفسخ بتلف احدی العینین أو کلیتهما و قد یکون غرضهم من ذلک هو أن الفسخ یتعلق بالعقد بحیث یرتفع به العقد و الاعتبار الذی کان مظهرا فی الخارج و کأنه لم یکن هنا عقد و بقانون هذا الفسخ یرجع کل من العوضین الی ملک مالکه الأول و یفرض العقد الموجود کالعدم و لکن مرجع ذلک بالأخرة لیس الاّ کون العین متعلقة لحق الغیر بداهة أنه إذا أوجب الفسخ ارتفاع العقد و جعله کالعدم فیکون شأن کل من العوضین شأن أنه لم ینتقل من

ص:471

مالکه الأول إلی غیره فالعین بالأخرة تکون موردا لحق الغیر و متعلقا له،فإنه بانهدام العقد و إعدامه یرجع الی تلک العین بمقتضی دلیل الید.نعم مع عدم بقائه یرجع الی قیمته و لکنه لا یجوز إتلافها اختیارا بعد العلم بأنه ربما یفسخ العقد و یفرض کالعدم و یرجع مالک کل عوض الیه کما هو واضح.

و اذن فلا وجه لما أجاب به المصنف عن کلامهم فإنهم لا یدعون عدم تعلق الفسخ بالعقد،بل یدعون تعلقه به کما هو ظاهر کلامهم الذی ینقله المصنف و لکن حیث انه بعد فسخ العقد یرجع کل من البائع و المشتری الی ماله فبالأخرة العین متعلقة لحق من له الخیار فإنه مسلط علی فسخ العقد فیحتمل أن یفسخ هو ذلک العقد و یرجع الی ماله فمن الآن أی قبل الفسخ أن تلک العین المنتقلة عمن له الخیار متعلقة لحقه کما أن العین المرهونة متعلقة لحق الراهن بلحاظ أنه مع عدم إعطاء الراهن حق المرتهن یبیعها المرتهن و یستوفی منها حقه.

و الحاصل أن الفسخ انما یتعلق بالعقد و لکن بعد الفسخ و فرض العقد کالعدم أن المرجوع إلی ذی الخیار هو تلک العین التی کانت عند من علیه الخیار فتکون من الأول متعلقة لحقه فلا یجوز التصرف فیها و لا ینافی ذلک انتقال حق من له الخیار الی بدلها إذا فسخ العقد و وجد العین تالفة عند من علیه الخیار کما هو واضح و علی هذا فلا وجه لما أجاب به المصنف عن دلیل المانعین.

و الذی ینبغی أن یقال فی جوابهم هو أنه لا شبهة فی کون العین المنتقلة الی من علیه الخیار متعلقة لحق من له الخیار،و لکن لا دلیل علی عدم جواز التصرف فی کل ما یکون هو متعلق حق الغیر،فان ذلک لیس من الضروریات حتی لا یحتاج الی دلیل،بل انما هو من الأمور النظریة فیحتاج الی دلیل فلا یمکن إثباته بلا دلیل،فان هذا التصرف انما هو

ص:472

صدر من اهله لکونه مالکا و وقع فی محله،بل انما ثبت ذلک فی موارد عدیدة من جهة الدلیل الخاص کعدم جواز التصرفات المتلفة فی العین مرهونة، بل مطلق التصرف إلاّ بإذن المرتهن فان ذلک من جهة النص و کذلک عدم جواز بیع ما تعلق به حق الاستیلاد کالأمة المستولدة و کعدم جواز التصرف فی أموال من هو محجور بالفلس لکون أمواله متعلقة لحق الغرماء،و أما فی غیر هذه الموارد فلا،ففی المقام أیضا لم یرد دلیل خاص علی عدم جواز تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل الیه تصرفا متلفا مع کون التصرف صادرا من اهله و هو المالک و واقعا فی محله،بل انما ذهب المشهور الی ذلک من جهة البرهان المتقدم من حرمة التصرف فی متعلق حق الغیر،و الاّ لو کان هنا مدرک آخر من الاخبار و غیرها لوصل إلینا و کان فی مرأی من الناس و مسمع خصوصا من المانعین حیث یذکرونه فی مقام الاستدلال علی مقصدهم فیعلم من عدم ذکرهم ذلک و تمسکهم بالدلیل المذکور أنه لیس هنا دلیل آخر یدل علی الحرمة کما هو واضح.

و ما ذکروه من الدلیل واضح المنع فان المقام شبیه بکون أموال کل شخص متعلقة لحق الورثة قبل الموت و هل یتوهم أحد أنه لا یجوز للملاک التصرف المتلف فی أموالهم لکونها متعلقة لحق الورثة و لا یجوز التصرف فی متعلق حق الغیر و کذا فی المقام فان العین و ان کانت متعلقة لحق ذی الخیار فی زمن الخیار،بان یفسخ العقد و یرجع إلیها فی زمان الخیار و لا دلیل علی حرمة مثل هذا التصرف کما هو واضح.

نعم،قامت القرینة القطعیة علی عدم جواز تصرف من علیه الخیار تصرفا متلفا فی المبیع فی البیع الخیاری فیما إذا اشترط البائع علی المشتری أن لا یبیع المبیع فی مدة الخیار و لا یوهبه کک،کما إذا باع أحد داره التی تساوی ألف دینار بخمسمائة دینار و اشترط علی المشتری الخیار إلی سنة فان

ص:473

جاء بالثمن فهو،و الاّ یسقط خیاره أو اشترط علیه أن لا یبیعها إلی سنة و لا یوهبها،فان تقلیل الثمن فی ذلک لمکان جعل الخیار قرینة قطعیة علی عدم جواز التصرف المتلف فی المبیع فی مدة الخیار و قد أشرنا الی ذلک فی طی بعض المسائل السابقة قبیل هذا،بل قامت السیرة القطعیة الارتکازیة علی ذلک،حیث ان من احتاج الی نقد یبیع متاعه الذی مورد احتیاجه و لا یرید أن یخرج من ملکه یبیعه بعنوان بیع الخیاری و یجمع بذلک بین دفع احتیاجه بثمنه و بین عدم خروج متاعه عن ملکه بقدر الإمکان و الاّ لو کان نظره الی إخراجه من ملکه جزما و لازما لباعه من الأول بثمن کان ضعف الثمن الذی کان فی صورة اشتراط الخیار فیکون هذا المورد أیضا من جهة الموارد التی قام الدلیل علی عدم جواز التصرف فی متعلق حق الغیر فی موارد وجود الخیار و لکن لا یقاس بذلک بقیة الموارد من البیوع الخیاریة فإن ما انتقل الی من علیه الخیار و ان کان متعلقة لحق من له الخیار الاّ أنه لا دلیل علی حرمة التصرف فی تلک العین.

ثم ان هنا کلاما بیننا و بین شیخنا الأستاذ فی تصرف من علیه الخیار فی المبیع فی البیع الخیاری من أنه هل یحرم التصرف فی ذلک وضعا و تکلیفا أو تکلیفا فقط،فبنی شیخنا الأستاذ فی ذلک و أمثاله علی أن الممنوع شرعا کالممتنع عقلا فحکم بفساد المعاملة بذلک و بهذا بنی فی باب النهی عن المعاملات هل یوجب الفساد أو لا؟علی فساد المعاملة المنهی عنها،و ننقل ذلک فی المبحث المذکور قریبا فی بحث الأصول و نورد علیه بأنه لم یرد دلیل علی أن الممنوع الشرعی کالممنوع العقلی،بل المسلم من المنع الشرعی هو التحریم التکلیفی فقط،و علیه فتصرف من علیه الخیار فی البیع الخیاری المشروط فیه الخیار أو عدم البیع و الهبة إلی مدة خاصة یکون حراما فقط تکلیفا من جهة مخالفة الشرط و أما من حیث الوضع فلا یترتب علیه فساد

ص:474

المعاملة المشروط فیها هذا الشرط و اذن فإذا فسخ ذی الخیار و وجد العین تالفة أو ما هو فی حکم التلف یرجع الی بدلها من المثل أو القیمة و ان لم تکن العین تالفة یرجع الی نفسها کما هو واضح.

و کیف کان فلا شبهة فی جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه من العوض،بل هذا مما قام علیه الإجماع و تسالم الفقهاء فی بعض الموارد کالثمن فی بیع الحیوان،فإنه هل سمعت من أحد یتوقف فی التصرف هذا الثمن تصرفا متلفا بدعوی أنه متعلق لحق الغیر و کذا فی الثمن فی البیع الخیاری حتی مع وجود الخیار للمشتری أیضا من خیار المجلس أو الحیوان أو الشرط فإنه لم یتوهم أحد فی جواز التصرف ح فی الثمن،بل بناء البیع الخیاری علی التصرف فی الثمن إذ البائع إنما باع ذلک العین بثمن رخیص مع الخیار مدة لاحتیاجه الی التصرف فی الثمن کما هو واضح.

و السر فی جمیع ذلک هو أن التصرف انما هو صدر من اهله و وقع فی محله،بل تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه من الضروریات کما فی خیار الرویة و التأخیر و الغبن،فان الغابن أو الذی یؤخر الثمن عن المدة المعلومة فی المبیع المؤجل أو عن المدة التی رضی البائع بالتأخیر فی هذه المدّة فی بیع النقد و کذا فیما اشتری شیئا برؤیة قدیمة ثم ظهرت العین علی غیر الوصف السابق فان فی جمیع ذلک لا شبهة فی جواز تصرف من علیه الخیار فی المبیع،بل هو أمر ارتکازی ضروری فلا یحتاج إلی التأمل أصلا.

و توهم أن الخیار فی الموارد المذکورة لیس من الأول،بل من زمان ظهور الغبن أو الرؤیة أو تأخیر الثمن عن المدّة المعینة توهم فاسد بداهة ثبوت الخیار فیها من الأول کما تقدم فی السابق و الوجه فی ذلک هو ما ذکرناه فی مبحث خیار الغبن و الرؤیة و العیب من وجود الشرط الضمنی من المتعاملین من حین المعاملة علی تساوی العوضین فی المعاملة لئلا

ص:475

یتحقق الغبن و ظهور کل من العوضین علی الصفة المرئیة فی خیار الرؤیة و عدم تعیب المبیع فی خیار العیب،و إذا کان هذا الشرط الضمنی موجودا فیثبت من تخلفه الخیار أی خیار تخلّف الشرط و حیث ان هذا الشرط موجود من الأول من المتعاملین فیکون الخیار أیضا ثابتا من الأول کما هو واضح.

نعم،زمان ظهور الغبن و تحقق تأخیر الثمن و ظهور المبیع علی غیر الوصف السابق هو زمان ظهور الخیار لا زمان ثبوته کما هو واضح.

نعم،قد یوجد الخیار بعد تحقق العقد بزمان بحیث لم یکن هنا خیار من الأول کما إذا باع شیئا من شخص بثمن مؤجل أو نقد فرضی بتأخیره إلی مدة فعرض الحجر لفلس علی المشتری فی أثناء المدة و صار مفلسا و محجورا بحکم الحاکم و تعلق حق الغرماء فإنه ح یثبت الخیار للبائع من زمان عروض الحجر فیکون مخیرا فی فسخ العقد و أخذ عین ماله لوجود النص الخاص فی المقام و هذا هو الذی ذکرناه سابقا و قلنا ان البائع أولی بالعین المبیعة من بقیة الدیان و الغرماء و أما فی غیر هذا المورد من الموارد لا نعرف موردا یکون الخیار موجودا بعد زمان من حین تحقق العقد بل هو موجود من الأول لوجود مقتضیة غایة الأمر لم یظهر من حین العقد و انما ظهر بعد مدة کما هو واضح،فافهم.

ثم ان هذا کله فیما کان التصرف الصادر ممن علیه الخیار تصافا لازما فقد تحصل أنه لا مانع من تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه من العوض وضعا و تکلیفا و أنه لا دلیل علی المنع عن ذلک و ان کانت العین متعلقة لحق ذی الخیار و أنه لا یزید علی تعلق حق الورثة بأموال الإنسان و لم یتوهم أحد حرمة تصرفه مراعاة لحق الورثة و لا دلیل علی وجوب إبقاء متعلق حق من له الخیار فیما نحن فیه کما أنه لم یرد دلیل علی وجوب إبقاء الإرث للورثة کما هو واضح.

ص:476

ثم هنا فروع ثلاثة:
الأول:ان مورد البحث کما عرفت هو تصرف من علیه الخیار فیما انتقل

الیه تصرفا متلفا للعین أو ما هو فی حکم الإتلاف

مع کون تصرفه فی زمن الخیار و قد تقدم الکلام مفصّلا فی جوازه و ان منعه جمع من الأکابر و انما الکلام فی أن المراد من الخیار الذی یقع التصرف فی زمانه هل هو الخیار الفعلی أو یعم الخیار إنشائی أیضا بمعنی أن مورد البحث ما یکون هنا خیار بالفعل أو یعم صورة وجود الخیار بعد ذلک،و ان لم یکن فعلیا،و انما یکون سببه فعلیّا فنقول أن الخیار بحسب ثبوته بالفعل أو بالقوة علی ثلاثة أقسام:- الأول:أن یکون ثابتا فعلا کخیار المجلس و الحیوان و نحوهما فان الخیار فی أمثال ذلک موجود بالفعل أی من أول العقد،و إذا تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه کان تصرفه فی زمن الخیار فموضوع الخیار فی هذا القسم انما هو العقد و لیس فیه تعلیق علی شیء بوجه فیکون حکمه و هو الخیار أیضا فعلیّا کما هو واضح.

الثانی:أن یکون الخیار فعلیّا حتی باعتبار سببه أیضا،بل منشئه کنفسه یکون ثابتا فی زمان متأخر عن العقد کالخیار الناشئ من الفلس حیث انه لم یکن فی زمان تحقق العقد،بل العقد حینما تحقق انما تحققا لازما و غیر خیاری،بل انما نشأ الخیار من کون المشتری مفلسا و غیر قادر علی أداء الثمن،فإنه ورد النص هنا بکون البائع له الخیار بالنسبة إلی نفس المبیع ان کان باقیا فیکون هذا الخیار ناشئا من فلس المشتری مع کونه قادرا أولا و انما لم یترق الثمن اما لکون البیع مؤجلا أو لعذر فی ذلک.

و بعبارة أخری إذا باع شخص متاعه من عمرو مؤجلا أو نقدا مع رضائه بتأخیر الثمن مع کون المشتری غیر محجور بالفلس،بل واجدا للمال کثیرا و

ص:477

قادرا لإعطاء الثمن ثم طراءة الفلس بعد زمان مع بقاء المبیع بعینه فإنه یثبت الخیار للبائع ح بالنسبة إلی إرجاع عین ماله و أنه لا یضرب مع الغرماء،و هذا الخیار سببه هو الفلس و انما یحصل ذلک و نفس الخیار بعد زمان مضی من زمان العقد.

الثالث:أن یکون منشأ الخیار من زمان العقد و لکن یکون نفس الخیار متأخرا عن العقد بزمان،کما فی الخیار الثابت بتخلف الشروط الضمنیة أو الصریحة أی المذکورة فی ضمن العقد حیث ان الخیار لیس بثابت من زمان العقد،و لا یکون فعلیّا من حینه بحیث لو تصرف من علیه الخیار انما یقع تصرف فی غیر زمان الخیار الفعلی قبل ثبوت الخیار کما فی القسم الثانی أیضا کان کک و انما یثبت الخیار بعد التخلف.

و بعبارة أخری الخیار مجعول من زمان العقد و لکن ظرفه متأخر حیث ان المتبایعین جعلا خیارا للمشترط علیه عند إیجاد العقد و فی زمان تحققه و لکن مشروطا بتخلف الشرط فیکون ذلک نظیر الواجب المشروط.

فهل هذه الأقسام الثلاثة مورد للبحث المذکور و هو جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه و عدم جوازه أو بعضها داخل و بعضها غیر دخل،فنقول أما القسم الأول فلا شبهة فی دخوله فی محل النزاع فان الخیار فعلی و محقق عند تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه،فلو تم ما ذکر من وجه المنع من کون التصرف فی متعلق حق الغیر فهو لا یجوز لجری فی المقام فان المصداق الواضح لهذا البحث هو هذا القسم.

و أما القسم الثانی:فهو خارج عن محل الکلام جزما بداهة أنه لا یمکن أن یقال أن تصرف المشتری فی المبیع تصرف فی حق الغیر باعتبار أنه یطرأه الفلس بعد ذلک فیثبت الخیار للبائع و تکون العین المبیعة متعلقة لحق البائع مع عدم وجود سبب الخیار و منشئه لا فی زمان العقد و لا فی زمان

ص:478

التصرف،بل کان البیع لازما من جمیع الجهات و لم یکن فیه خیار حتی بنحو المشروط نظیر الواجب المشروط و مع ذلک کیف یمکن أن یکون المبیع متعلقا لحق الغیر حتی یباحث فی جواز التصرف فیه و عدمه و علیه فسواء قلنا بجواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل إلیه أم لم نقل فهذا القسم خارج عن حریم البحث جزما کما هو واضح،و انما المتصرف قد تصرف فی ملکه اللازم من جمیع الجهات من غیر أن یکون فیه شوب الجواز و صدر ذلک التصرف من أهله و وقع فی محله کما هو واضح،لا یخفی فافهم.

و أما القسم الثالث من الخیار فهو مورد البحث و النزاع فی أنه داخل فی محل الکلام أولا بحیث إذا قلنا بحرمة تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه کون تصرفه هنا غیر جائز قبل فعلیة الخیار أو أنه خارج عن مورد البحث بحیث انه مع القول بحرمة تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه لا یمکن القول به هنا ففیه کلام و اشکال،من حیث ان الخیار لیس بفعلی عند التصرف لعدم ثبوته فی زمان العقد فیکون التصرف جائزا حتی مع القول بحرمة تصرف من علیه الخیار فیما انتقل إلیه بداهة أن هذا التصرف لم یکن فی زمان الخیار و من حیث ان سبب الخیار کان موجودا فی زمان التصرف فمع تمامیة البرهان المتقدم للمانعین فالعین هنا متعلق لحق الغیر أیضا غایة الأمر أن رجوعه أی ذی الخیار فی القسم الأول کان علی تقدیر واحد و هو الفسخ و فی هذا القسم علی تقدیرین أحدهما التخلف الموجب لثبوت الخیار،و الثانی الفسخ فی فرض التخلف،و هذا هو الأقوی فإن کون رجوع العین إلی ذی الخیار بتقدیر و تقدیرین لا یوجب الفرق بین کون العین متعلقا لحق ذی الخیار،فیقع التصرف فی متعلق حق الغیر کما هو واضح فافهم.

الفرع الثانی أنه بناء علی عدم جواز تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل

الیه تصرفا متلفا للعین أو ما هو بحکم الإتلاف

هل یجوز لمن علیه الخیار

ص:479

أن یتصرفه فیه بما هو المعرض لفوات العین أو لا یجوز ذلک کما لا یجوز التصرف المتلف فی العین،فالمعروف هو الأول و لم یظهر من المصنف اختیار أحد الطرفین و جزم شیخنا الأستاذ علی العدم،و مثال ذلک وطی الأمة،فإنه معرض لکونها مستولدة و الاستیلاد مانع عن الرد و علی هذا فیرد الاشکال علی المشهور بأنه کیف یمکن الجمع بین الحکم بمانعیة الاستیلاد عن الرد و بین تجویز الوطی الموجب للاستیلاد و من هنا منع بعضهم عن ذلک و لکن تجویز الوطی مع الالتزام بمانعیة الاستیلاد عن الرد بأنه قد یعلم الواطی بعدم حصول الحمل بالوطی لکون الأمة یائسة و ح فلا فرق بین الوطی و التقبیل و غیره من التصرفات الغیر المانعة عن الرد و ان قلنا بعدم جواز التصرف المانعة عن الرد من التصرفات الاعتباریة و الخارجیة و علیه فالوطی یلازم الاستیلاد احتمالا أیضا بحیث أن الواطی یحتمل حصول الاستیلاد و مع عدم العلم بذلک فالظاهر أن مراد من یجوز الوطی مع قوله بمانعیة الاستیلاد عن الرد هو أن الواطی لا یعلم بحصول الاستیلاد غایة الأمر أنه یحتمل ذلک فبناء علی جریان الاستصحاب فی الأمور الاستقبالیة کما هو کک یحکم بعدم حصول الاستیلاد بهذا الوطی و مع الإغماض عن هذا الاستصحاب فیمکن التمسک باستصحاب العدم الأزلی.

و توضیح ذلک أنا نشک فی أن الوطی مفوت للعین و معرض لها الی التلف أم لا،نستصحب عدم ذلک و مع الغض عن ذلک فنتمسک بأصالة البراءة و الحلّ و نحکم بجواز الوطی لمن علیه الخیار و أن التزمنا بمانعیة الاستیلاد عن الردّ کما هو واضح.

و علی هذا فلا وجه لما أفاده شیخنا الأستاذ من تقویة حرمة الوطی بناء علی عدم جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه.

و حاصل کلامه أن الاستیلاد أمر خارج عن اختیار المکلف فإنه أمر قهر

ص:480

الحصول بعد تحقق الوطی و علیه فلا یکون ذلک موردا لتعلق النهی به و انما متعلق النهی هنا هو الأمر الاختیاری من فعل المکلف الذی یکون وسیلة للاستیلاد و هو الوطی فیکون الوطی فی نفسه ممنوعا عنه و علیه فنفس الوطی تفویت لحق ذی الخیار لا فی معرض التفویت و لا یقاس ذلک بعرض المبیع للبیع لأنه بنفسه لیس تفویتا بل المفوت هو البیع الذی هو أمر اختیاری للمکلف و هذا الوجه الذی ذکره الأستاذ قد یسر علیه فی عدة موارد خصوصا فی الأصول و بنی أن التکالیف قد یتعلق بالمسبب و قد یتعلق بالسبب و وجه الظهور أن مقتضی الاستصحاب هو عدم کونه مفوتا کما تقدم،و مقتضی أصالة البراءة هو جواز الوطی کما یجوز التقبیل،فافهم.

الفرع الثالث:أنّه إذا نقل من علیه الخیار العین الی غیره بعقد جائز

فهل یفسخ العقد الثانی بفسخ ذی الخیار العقد الأول أو لا ینفسخ،

و علی تقدیر عدم الانفساخ فهل لمن له الخیار إجبار البائع الثانی علی فسخ العقد الثانی أو لیس له ذلک.

أقول:أما بناء علی عدم جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه فلا شبهة فی عدم جواز تصرفه فی ذلک سواء کان بالتصرف الخارجی أو الاعتباری و سواء کان التصرف الاعتباری من التصرفات اللازمة أو الجائزة کما هو واضح و قد تقدم الکلام فی ذلک.

و أما بناء علی الجواز تصرف فان نقل من علیه الخیار العین الی غیره بعقد لازم فلا شبهة فی أن فسخ من له الخیار العقد لا یکون فسخا للعقد الثانی و لا أن له إجباره برد العین من المشتری الثانی فإن تصرف البائع الثانی تصرف صدر من أهله و وقع فی محله فإنه و ان کانت ملکیته محدودة الاّ أن العین کان مملوکا له مطلقا لا مقیدا بزمان.و ان کان النقل بعقد جائز و فسخ البائع الأول الذی هو ذو الخیار العقد فهل یکون فسخه فسخا للعقد

ص:481

الثانی أیضا أو لا؟الظاهر أنه لا یکون فسخا بداهة أن المشتری الثانی لم یتلق البیع من البائع الأول حتی یکون البائع الأول مسلطا علی فسخ العقد الثانی کما ذکره المصنف و لا أن سلطنة البائع الثانی من فروع سلطنة البائع الأول و فی طولها لیکون مسلطا علی فسخ العقد الثانی من هذه الجهة بل انما یتلقی المشتری الثانی البیع من البائع الثانی الذی کان مالکا للعین و قد نقلها الیه فیکون نافذا لکون الناس مسلطون علی أموالهم،ثم هل لذی الخیار إجبار البائع الثانی علی فسخ العقد الثانی بعد فسخه العقد الأول أو لا ذکر بعضهم و منهم السیّد فی حاشیته أن له ذلک فان قانون الفسخ رجوع کل من العوضین الی مالکه الأول فإذا کان مقتضی قانون الفسخ هو ذلک فیکون من علیه الخیار ضامنا بالعین ابتداء ضمانا معاوضیا فان تمکن من أداء العین فلا بدّ له ذلک و الاّ فیکون منتقل الی المثل أو القیمة و حیث ان البائع الثانی الذی هو من علیه الخیار متمکن عن رد العین إلی البائع الأول بفسخه العقد الثانی فلا بدّ له أن یفسخ هذا العقد الثانی و یرجع العین الی مالکها الأول و هو ذی الخیار کما فی ضمان الحیلولة.

أقول:تارة نقول أن سلطنة ذی الخیار لم تنقطع عن العین و اخری نقول بانقطاعها عنها و انما یکون مالکا لها بالفسخ أی ترفع الید عن العقد بالفسخ و ترجع العین الی ملک ذی الخیار من غیر أن تکون سلطنة مستمرة فی ذلک،فعلی الوجه الأول فلا شبهة فی أن له أن یجبر الثانی علی إرجاع العین الیه کما فی موارد البدل الحیلولة و لکن لم یتوهم أحد أن سلطنة البائع الأول لم تنقطع عن العین کما هو واضح.

و أما الثانی کما هو کک فالظاهر أنه لیس لذی الخیار بعد فسخه العقد أن یجبر البائع الثانی و هو من علیه الخیار علی فسخ العقد الثانی بداهة أن مقتضی قانون السلطنة انما هو رجوع کل من العوضین الی مالکه

ص:482

الأول علی تقدیر بقاء کل منهما فی سلطنة من انتقل إلیه بأنه إذا فرض العقد ح کالعدم بواسطة الفسخ یرجع کل من العوضین الی مالکه الأول کأنه لم یقع هنا عقد و أما إذا لم یکن باقیا فی ملک من انتقل الیه فقهرا ینتقل العوض الی البدل فبقانون الفسخ یکون البائع الثانی مشغول الذمة ببدل العین من المثل أو القیمة و لا دلیل علی إجبار البائع الأول البائع الثانی علی إرجاع العین بفسخ العقد الثانی.

و بعبارة أخری أن العقد إذا انفسخ فیرجع کل عوض الی مالکه الأول کأن العقد لم یقع فیخرج کل من العوضین عن سلطنة من انتقل الیه و یدخل فی ملک من انتقل عنه.

و أما إذا لم یکن هنا سلطنة لأحد الطرفین علی العین لخروجها عن ملکه و لو لعقد الجائز فقهرا ینتقل الی البدل کما هو واضح.

و توهم أن الذمة ابتداء تشتغل بالعین کما هو مقتضی الضمان الخارجی بحسب الید المضمنة و إذا لم یمکن من أداء العین تنتقل العین الی البدل و من الواضح أن أداء العین هنا ممکن بفسخ العقد الثانی توهم فاسد بداهة أن هذا غیر الضمان الخارجی فإن الذمة هناک مشغولة بالعین ابتداء بخلاف المقام فان مقتضی قانون الفسخ رجوع کل من العوضین الی مالکه الأول بفرض العقد کأن لم یکن و لکن إذا فسخ العقد و لم تکن العین موجودة عند من انتقل إلیه فإن مقتضی قانون الفسخ هنا لیس إلاّ إرجاع المالکیة السابقة لکل من المتبایعین فحیث لم تکن العین موجودة فلا بدّ من أن تکون موجودة فی متعلق آخر کالبدل.

و بعبارة أخری أن ذمة من نقل العین الی غیره لا تکون مشغولة ابتداء الا بالبدل لأن مقتضی قانون الفسخ لیس إلا إرجاع ملکیة الفاسخ بفسخ العقد فان کانت العین باقیة فترجع السلطنة فی ضمنها و الاّ فی ضمن بدلها

ص:483

لا أن الذمة تکون مشغولة بالعین ابتداء ثم مع التعذر تنتقل الی البدل فان العقد انما انفسخ فی زمان لم تکن العین موجودة فی ذمة من علیه الخیار حتی تکون ذمته مشغولة بها،بل کانت منتقلة إلی الغیر فلا ترجع بقانون الفسخ إلاّ الملکیة فقط فی ضمن البدل و علیه فلا وجه لدعوی أن البائع فی البیع الثانی متمکن من فسخ العقد لفرض کونه جائزا فما دام متمکن من إرجاع العین لا تنتقل الی العوض لما عرفت أن الذمة أصلا لا تشتغل بالعین،بل حینما تشتغل تشتغل بالبدل،فافهم.

لا یقال ان معنی الخیار هو تحدید الملکیة المنشئة ففی المقام أن الملکیة المنشئة لمن علیه الخیار انما هی محدودة بالفسخ و هو قد نقل العین الی غیره بالعقد الجائز بحیث له فسخه أی العقد الثانی،فیکون المنشأ هنا أیضا ملکیة محدودة ففی الحقیقة قد بقی هنا حصة من الملکیة فی اختیاره بان فسخ البائع الأول العقد الأول فله أن یرجع الی هذه الملکیة الباقیة أی لحصته بعد الفسخ فیجبره بذلک أی البائع الثانی بفسخ العقد الثانی فإنه یقال انما یرجع الی هذه السلطنة مع بقاء العین،و الفرض أنه منتقل الی غیره و ح لا یرجع بالفسخ الاّ مطلق السلطنة فتکون متعلقة بالبدل علی أن مقتضی ما ذکر هو انفساخ العقد الثانی بفسخ العقد الأول و قد عرفت ان المشتری الثانی لم یتلق البیع من البائع الأول،فلا معنی لانفساخ العقد بفسخ البائع الأول العقد الأول.

و بعبارة أخری و ان کان مقتضی قانون الفسخ هو فرض العقد الأول کأن لم یکن بحیث یرجع کل من العوضین الی مالکه،و لکن إذا کانت العین تالفة کان مقتضی قانون الفسخ هو فرض العقد کالعدم،الاّ أنه بإرجاع الملکیة السابقة متعلقة بالبدل و أما إرجاع السلطنة السابقة المتعلقة بالعین مع کون العین منتقلة إلی الغیر،فلا فإن السلطنة المتعلقة بالعین لا ترجع

ص:484

الاّ مع کون العین موجودة کما هو واضح.

فرعان
قوله الثانی:أنه هل یجوز اجارة العین فی زمان الخیار بدون إذن

ذی الخیار

فیه وجهان:- أقول:تحقیق هذه المسألة فی أنه إذا آجر من علیه الخیار العین المستأجرة من غیره،فهل تبطل الإجارة بفسخ ذی الخیار لکون الإجارة بعد ذلک واقعة فی ملک الغیر،أی بقاء و ان کانت واقعة فی ملک الموجر حدوثا أو لا یبطل لأنها واقعة فی ملک المؤجر الذی کان مالکا بالعین مطلقا و ان کانت ملکیته محدودة.

فذهب المحقق القمی إلی بطلان الإجارة بفسخ البیع بخیار رد مثل الثمن و علله بأنه یعلم بفسخ البیع أن المشتری لم یملک منافع ما بعد الفسخ و أن الإجارة کانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة فسخ البیع و ذهب المصنف إلی الصحة فغایة الأمر یأخذ ذی الخیار ممن علیه الخیار مثل منفعة العین أی أجرة مثل فی المدة الباقیة.

و حاصل ما ذکره فی وجه ذلک أن من علیه الخیار انما ملک العین ملکیة مستعدة للدوام من غیر أن تقید ملکیة بقید و من نماء هذه الملکیة المطلقة المنفعة الدائمة فإذا استوفاها المشتری بالإجارة فلا وجه لرجوع تلک المنفعة إلی الفاسخ و انما تعود العین الیه مسلوب المنفعة فی مدة الإجارة کما إذا باع العین فی زمن الخیار فإنه لا شبهة فی نفوذ البیع و کما إذا تفاسخ البائع و المشتری فإنه لم یحتمل أحد ببطلان الإجارة بالتفاسخ مع أنه لا فرق بین الفسخ و التفاسخ.

ثم ذکر الفارق بین المقام و اجارة العین الموقوفة للأولاد فإنه إذا آجرها البطن الأول إلی مدة معینة فتبطل الإجارة بعد انقراضه و لا تنتقل العین الموقوفة إلی البطن الثانی الا مسلوبة المنفعة.

ص:485

و حاصل ما ذکره من الفارق هو أن البطون المتأخرة إنما یتلقون الوقف من المالک الأول لا البطن الأول فمالکیتهم أی البطون المتأخرة للانتفاع من الوقف من شئون ملک الواقف دون البطن الأول و اذن فلیس للبطن الأول أن یتصرف فی العین الموقوفة إلا بمقدار حقه فان حقه محدودا بموته و لیس له أن یوجر العین إلی خمسمائة سنة و یأخذ آجرتها فتبقی العین مسلوبة المنفعة بالنسبة إلی البطون المتأخرة لعدم سلطنة علی هذا المقدار من التصرف فی العین کما هو واضح.

و علی الجملة فلب مرام المصنف أن من علیه الخیار انما ملک العین علی نحو الإطلاق و ان کان لذی الخیار إرجاع ذلک الی ملکه و لکن قبل أن یرجعها الی ملکه فلمن علیه الخیار أن یتصرف فیها کیف یشاء بإعدام العین أو إعدام منافعها الی وقت خاص و هذا واضح جدا.

و لکن مضافا الی بعد ذلک فی نفسه و مخالفته للارتکاز حیث انه من البعید أن یقال أن المشتری مثلا بمجرّد أن اشتری شیئا مع البیع الخیاری إن آجر ذلک الی خمسین سنة أو أزید فإذا فسخ ذی الخیار العقد فیقول أن العین کانت مملوکة لی و قد آجرتها للغیر فأنت مستحق للعین مسلوبة المنفعة فإن ذلک خلاف الضرورة قطعا،فافهم.

و لکن هذا المطلب یتوقف علی ما ذکرناه من معنی الخیار و حاصله أن معنی جعل الخیار فی العین لیس إلا إنشاء الملکیة المحدودة بالفسخ بحیث تکون غایتها حاصلة بالفسخ و تنتهی مدته لا أن الفسخ رافع للملکیة و انما نقول بکونه رافعا لها بالمسامحة و المساهلة و الاّ ففی الحقیقة أن المنشأ لیس أزید من الملکیة الخاصة المحدودة و من الواضح أن الأمور المحدودة ینتهی أمدها بحصول الغایة کالصوم المغیی بدخول اللیل و جواز الأکل فی شهر رمضان المغیی بدخول الفجر و إذا کانت الملکیة علی

ص:486

العین محدودة بالفسخ و بالتبع تکون الملکیة علی المنافع أیضا مقیدة بالفسخ تابعة للعین،و الملکیة علیها مترتبة علی ملکیة العین فلا یعقل أن یکون ملکه للمنافع مطلقة و لکن ملکه للعین مقیدة بالفسخ و علیه فإذا فسخ ذی الخیار العقد تنفسخ الإجارة أیضا لتمامیة أمد ملک من علیه الخیار أعنی موجر العین لغیره بالفسخ و حصول غایته بذلک،نعم المملوک و ان کان مملوکا لمن علیه الخیار مطلقا بحیث له أن یتصرف فیه کیف یشاء و ان کانت ملکیته لها مقیدة بالفسخ کالسلطنة الموقت و الوزارة الموقتة و غیرها من المناصب و الموقة و کرئیس الجمهور فی مدة أربع سنوات مثلا فإنه و ان کانت سلطنتهم موقته و لکن التصرفات الواقعة فی زمان هذه السلطنة الموقتة یمکن ان تکون مطلقة،فإنهم مالکون للتصرف فی الأمور فی هذه المدة علی نحو الإطلاق و کذلک فی المقام حیث ان الملکیة و ان کانت مقیدة بالفسخ مغیاة به و لکن المملوک فی مدة هذه السلطنة مملوکة مطلقة و علیه فینفذ فیه جمیع التصرفات من الإتلاف حقیقة أو حکما کالنقل الی غیره ببیع و نحوه و لکن مع ذلک کله فإذا آجر العین من غیره فلا تکون الإجارة نافذة لما بعد الفسخ أیضا.

و السرّ فی ذلک أن العین فی فرض الإجارة لم تخرج من ملک الموجر بل انما ملک المنفعة للمستأجر فإذا فرضنا أن ملکیته للعین مقیدة بالفسخ بمعنی أن العین إذا بقیت فی ملکه فملکیته لها مقیدة بالفسخ فتکون المنافع أیضا کک،و لسنا نقول ان ملکیة المنفعة لا تنفک عن ملکیة العین حتی یقال انه قد یبیع الإنسان العین مسلوبة المنفعة کما إذا آجرها لشخص ثم باعها من شخص آخر،بل نقول انه إذا ملک الإنسان العین بالملکیة المحدودة فلا یعقل أن یملک المنفعة بالملکیة المطلقة لأن الملکیة الثانیة مترتبة علی الاولی کما هو واضح.

و علی هذا فالوقف و ما ذکرناه شیء واحد و لا فارق بینهما أصلا فما

ص:487

ذکره المصنف من الفارق ممنوع و من هنا لا وجه للقول بأنه کما یمکن لمن علیه الخیار أن یملک العین لشخص آخر ملکیة مطلقة فی زمان الخیار کالبیع و نحوه،و لم یکن البیع باطلا بالفسخ،بل ینتقل العوض الی البدل فکذلک الحال فی المنفعة أیضا و ذلک من جهة أن العین لمکان کونها من قبیل الجواهر لا یتقید بالزمان کما ذکره أهل المعقول فأن الزمان لا یکون مقدرا للجواهر فلا یقال دار الیوم و دار الغدو أن أحدهما غیر الآخر و لکن المنافع تقدّر بذلک لکونها من قبیل الأعراض و علیه فیمکن تملیک المنفعة بمقدار خاص من الزمان و لکن لا یمکن ذلک فی تملیک العین بأن یملکها لشخص زمانا خاصا و علیه فلا یمکن تملیک العین للغیر مقیدة بزمان و أما المنافع فلمکان کونها من قبیل الأعراض فیمکن أن تقدر بالزمان و ح فحیث کانت ملکیة المنافع یتبع ملکیة العین و المفروض أنها باقیة فی ملک من علیه الخیار فإذا فسخ ذو الخیار العقد فیرجع الی العین فبتبع ذلک یرجع الی المنفعة أیضا لما عرفت أن تملیک المنفعة فی زمان ممکن،نعم إذا ملک العین من شخص ببیع و نحوه و لا یمکن الرجوع إلیها بعد الفسخ لما عرفت أن الملکیة العین لا تقطع بالزمان لکون العین من الجواهر،و الجواهر لا یقید بالزمان کما ذکر أهل المعقول فافهم.

و ما ذکره المصنف من قیاس المقام بالتفاسخ قیاس مع الفارق بداهة أن معنی الفسخ هل هو حل العقد السابق و حصول أمد الملکیة الحاصلة بالعقد و لیس هنا ملکیة جدیدة حاصلة بالعقد و هذا بخلاف التفاسخ فإن الملکیة الحاصلة به ملکیة جدیدة و حاصلة بالمرضاة الجدیدة کما هو واضح.

و علیه فیکون اجارة العین للغیر قبل التفاسخ نظیر بیع العین المستأجرة

ص:488

فتکون منتقلة إلی المشتری مسلوبة المنفعة و هذا بخلاف المقام فإن الملکیة لیست جدیدة کما عرفت فما ذکره المحقق القمی هو متین جدا و لعل غرضه هو ما ذکرناه من ذهابه الی کون الملکیة مقیدة بالفسخ و ان لم یصرح به.

لا یقال انه لو آجر من علیه الخیار العین المنتقلة إلیه ثم فسخ ذی الخیار العقد لا تبطل الإجارة لعدم کون الملکیة علی هذا مقیدة بالفسخ فإنه یقال ان ملکیته لما انتقل إلیه تابعة لملکیة ما انتقل عنه فإذا کانت الملکیة هناک مقیدة فتکون هنا أیضا مقیدة و علیه فإذا قلنا ببطلان الإجارة هناک فنقول ببطلانها هنا أیضا.

(أقول:قد أوردت علی الأستاذ بهذا الاشکال و أجاب عنه بهذا الجواب و لکنه أیضا لا یتم فإن الملکیة فی هذا الطرف أیضا لو کانت مقیدة لما أوجب زیادة القیمة فی ناحیة من علیه الخیار و نقصانه فی ناحیة من له الخیار،فافهم).

لا یقال أن الملکیة فی البیع الخیاری إذا کانت مقیدة بالفسخ فیما ذا انتقل هذه الملکیة اعنی الحصة الباقیة الی من علیه الخیار بالإجازة.

فإنه یقال انها تنتقل الیه بالفسخ مجانا و لیس بیعا ثانیا حتی یورد علیه بعدم ترتب آثار البیع علیه و لیس له الرجوع إلیها ثانیا کما هو الحال فی الهبة المجانیة فإن الرجوع انما یکون إذا کانت الهبة متعلقة بالعین لا بنفس الملکیة.

و دعوی أنه لا معنی لإسقاط الملکیة لعدم شمول دلیل السلطنة علیه مدفوعة بأن الإسقاط بدلیل أدلة إسقاط الخیار کقوله علیه السلام اللّه،و ذلک رضی منه بالبیع لا بدلیل السلطنة لیورد بعدم شموله علی رفع الید عن السلطنة کما هو واضح،و ان شئت فقل ان معنی الخیار هو کون المنشأ هو الملکیة المحدودة بالفسخ علی تقدیر عدم إمضاء ذی الخیار ذلک،فح لا

ص:489

نحتاج بذلک الطریق الاعوجاج من نقول أن دائرة المنشأ مضیقة من الأول بعدم الإمضاء لا أنه مضیق مع قطع النظر عنه حتی یرد الاشکال المذکور.

قوله:ثم انه لا إشکال فی نفوذ التصرف بإذن ذی الخیار.

أقول:ذکر المصنف أنه إذا أذن من له الخیار لمن علیه الخیار فی إجارة العین یسقط خیاره بذلک لدلالة العرف علی ذلک و منع بذلک عما ذهب الیه المحقق الأردبیلی من منع دلالة الاذن علی سقوط الخیار ثم أبدل ذلک بأنه لا یکون الاذن فی البیع أقل من التقبیل الموجب لسقوط الخیار و کذلک أیده بروایة السکونی من کون العرض علی البیع موجبا لسقوط و التزاما بالعقد فالإذن لا یقل عنه.

أقول:هذا المسألة أیضا متوقفة علی ما ذکرناه فی معنی الخیار فإنه إذا کان معنی الخیار هو تحدید الملکیة و أن ملکیة المنفعة تابعة لملکیة العین کما عرفت فتکون ملکیة المنفعة أیضا محدودة بالفسخ بالتبع فلا محال یکون الاذن موجبا بسقوط الخیار و ذلک إذ لیست ملکیة من علیه الخیار للعین مطلقة حتی لا تبقی خیار لذی الخیار بداهة أنه إذا آجر من علیه الخیار العین باذن من له الخیار إلی مدة و غیر مقیدة بالفسخ فقهرا تکون الإجارة بالنسبة إلی الزائد عن زمان الفسخ بإذن ذی الخیار فیکون معناه ح أن ذی الخیار رفع الید عن التحدید المذکور و مع ذلک القول ببقاء الخیار التزام بالتحدید و لیس هذا الاّ خلفا و مناقضة کما هو واضح هذا إذا اذن من له الخیار لمن علیه الخیار أن یوجر العین لنفسه و أما لو اذن فی الإیجار فقط من غیر أن یقیده بکون الإجارة لمن علیه الخیار فلا وجه للبطلان لعدم دلالة ذلک الکلام علی کون الإجارة لمن علیه الخیار حتی یکون ذلک دالا علی إلغاء التحدید عن ملکیة من علیه الخیار فیحکم بسقوط الخیار،بل یمکن أن یکون إذنا فی الإجارة لتکون أجرته للموجر و هو من

ص:490

علیه الخیار فی مدة الإجارة و لمن له الخیار بعد الفسخ و اذن فلا دلالة لکلامه علی سقوط خیاره کما إذا صرح بذلک فإنه لیس فیه محذورا أصلا فافهم.

فما ذکره المصنف من دلالة الإذن عرفا علی السقوط ممنوع علی إطلاقه و انما هو یدل علی ذلک فی الصورة الأولی دون الثانیة کما لا یخفی.

و حاصل الکلام أن من جملة الفروع التی ذکرها المصنف أنه هل یجوز

إیجار العین فی زمان الخیار أو لا،

و تحقیق هذه المسألة فی ضمن جهات

الاولی:فیما یرجع الی عبارة المصنف

حیث انه ذکر أولا فی مطلع کلامه أنه هل یجوز اجارة العین فی زمان الخیار بدون إذن ذی الخیار فیه وجهان،من کونه ملکا له فیکون التصرف صادرا من أهله و واقعا فی محله فیحکم بصحة الإجارة و من کون العین متعلقة لحق الغیر فیحکم ببطلان هذا التصرف فان الفاسخ مسلط لأخذ العین و مع ذلک فلا وجه للحکم بصحة الإجارة فإنه بعد ما أخذ الفاسخ العین من المستأجر لا یبقی مجال لصحة الإجارة فإن صحتها متوقفة علی أن یأخذ المستأجر العین لاستیفاء المنفعة منها ثم ذکر أنه لو آجر العین باذن من له الخیار أو من نفس ذی الخیار ثم فسخ ذی الخیار فلا تبطل الإجارة ثم بعد أسطر ذکر أنه لا شبهة فی نفوذ التصرف إذا کان الإیجار بإذن من له الخیار و انما الکلام فی أنه هل یکون ذلک الاذن موجبا لسقوط الخیار أو لا و علی القول بعدم سقوطه بالاذن فهل تبطل الإجارة بنفس التصرف المتحقق فی الخارج أولا،فیعلم من ذلک أن ما ذکره من أنه لو آجر العین باذن من له الخیار أو من نفس ذی الخیار ففسخ لا تبطل الإجارة أمر مسلم فلا شبهة فیه و کان هذا لیس موردا للإشکال بین الفقهاء،بل الظاهر أن کلام المحقق القمی أیضا لیس فی هذه الصورة و انما مورد الخلاف و مورد کلام القمی هو الشق الأول أعنی

ص:491

ما إذا آجر من علیه الخیار العین من غیر ذی الخیار بدون اذن من له الخیار،و ح کیف ساغ للمصنف(ره)عن تعقیب ما هو لیس بمورد للخلاف بالتعلیل بأن من علیه الخیار قد ملک العین ملکیة مطلقة إلخ،ثم نقل فیه خلاف المحقق القمی و الظاهر و اللّه العالم،أن فی العبارة سقطا فکأنه لما ذکر الوجهان،فی الشق الأول و هو فرض اجارة العین بغیر إذن ذی الخیار ثم ذکر الشق الثانی و حکم فیه بعدم بطلان الإجارة بالفسخ ثم ذکر و أما الشق الأول فالأظهر و الأقوی هو صحة الإجارة و علله بما ذکره الی آخر کلامه،و الاّ فالشق الثانی لیس مورد التکلم أصلا فضلا عن مخالفة القمی فی ذلک،و لذا لم یستشکل فیه فیما بعد أیضا من حیث بطلان الإجارة و عدمه و انما تکلم فیه من حیث کون الإذن إسقاطا للخیار و عدمه،و مع عدم کونه مسقطا فهل یسقط بالتصرف أو لا.

الجهة الثانیة:أنه ذکر المصنف(ره)وجهان فیما إذا آجر من علیه

الخیار العین للأجنبی بدون اذن من له الخیار

ثم اختار صحة ذلک من جهة أن من علیه الخیار انما آجر العین فی زمان کان مالکا لها فی ذلک الزمان ملکیة مطلقة مستعدة للدوام و من نماء تلک الملکیة المطلقة المنفعة الدائمة،فإذا استوفاها المشتری بالإجارة فلا وجه لرجوعها الی الفاسخ، بل یعود الملک الیه مسلوب المنفعة فی مدة الإجارة نظیر البیع بعد الإجارة فإن العین تکون ح ملکا للمشتری مسلوب المنفعة فی مدة الإجارة ثم ذکر الفارق بین المقام و اجارة البطن الأول العین الموقوفة(علی البطون علی حساب البطن بعد البطن)أزید من مدة عمرهم فإنه تبطل الإجارة هنا بموت البطن الأول بخلاف ما نحن فیه،فان الفارق هو أن البطون المتأخرة انما تلقوا العین الموقوفة من أصل السبب و هو الواقف دون البطن الأول فلا یکون البطن الأول مالکا للانتفاع بالوقف أزید من مدة حیاته لکونه أی البطن

ص:492

الأول مالکا للمنفعة المحدودة بالموت فکأن الواقف صرّح بذلک کما هو واضح بخلاف المقام فإن المشتری الأول قد ملک العین و منافعها مطلقة ما دام لم یفسخ فله التصرف فیها و فی منافعها کک،أی علی وجه الإطلاق فیکون تصرفه نافذا لکونه صادرا من أهل و واقعا فی محله و اذن فلا وجه لبطلان الإجارة بالفسخ،ثم ذکر أن المقام بعینه نظیر اجارة العین إلی مدة،ثم تفاسخا المتبایعان بالإقالة حیث انه لم یحتمل احد هنا بطلان الإجارة و کک إذا باع من علیه الخیار العین فی مدة الخیار فان البیع یکون نافذا فلا یبطل بالفسخ،بل یرجع مالک العین فی الصورة الاولی الی عین ماله و لکن مسلوبة المنفعة و فی الثانیة یرجع الی بدل العین کما هو واضح،هذا ملخص کلامه فی المقام.

و لکنه لا یتم علی مسلکنا الذی استثناه فی معنی الخیار و قلنا ان حقیقته یرجع الی تحدید الملکیة المنشئة بالفسخ علی تقدیر عدم الإمضاء و علی هذا فلا معنی لصحة الإجارة الواقعة بدون إذن ذی الخیار بعد فسخه العقد،و یکون عقد الإجارة بالنسبة إلی المدة الباقیة من زمان الإجارة بعد الفسخ فضولیة و موقوفة علی اجازة المالک و هو ذو الخیار ذلک العقد أی عقد الإجارة،و الاّ بطلت إذ ملکیة المنافع کانت تابعة لملکیة العین فبعد ما کانت ملکیة العین محدودة بالفسخ فکانت ملکیة المنافع أیضا کک فإذا فسخ العقد مع عدم خروج العین عن ملک من علیه الخیار فکما یتم أمد ملکیة العین فکذلک یتم أمد ملکیة المنفعة أیضا کما هو مقتضی التبعیة.

نعم،لو کانت العین منتقلة إلی شخص آخر ببیع و نحوه و لم یکن له الرجوع إلیها بعد الفسخ فإن ملکیة من علیه الخیار و ان کانت مطلقة و لکن المملوک کان مملوکا مطلقا کما مثلناه بمثل السلطنة و الوزارة و حیث ان العین من قبیل الجواهر و هی لا تتقید بزمان فیکون الانتقال إلی المشتری الثانی

ص:493

أبدیا و هذا بخلاف المنافع فإنها من قبیل الأغراض فتقدره بالزمان فیمکن أن تملک حصة منها دون الحصة الأخری و علیه فبالاجارة تملک للمستأجر الی أن یتحقق الفسخ،و أما الحصة الباقیة بعد الفسخ فلا،کما هو واضح.

و أما قیاس المصنف ذلک بالتفاسخ قیاس مع الفارق بداهة أن معنی الفسخ هو إرجاع الملکیة السابقة و ان کان انحلال العقد انما هو من زمان الفسخ،و هذا بخلاف التفاسخ،فإنه تملیک جدید من الطرفین فلا بأس فی التملیک الجدید أن تملیک الإنسان العین مسلوبة المنفعة کما إذا آجرها من شخص ثم باعها من شخص آخر و کک الأمر بالتفاسخ،و اذن فالمقام بعینه مثل الوقف و لا فارق بینهما من هذه الجهة أصلا فما ذکره المصنف من الفرق بینهما غیر واضح.

قوله:ثم انه لا إشکال فی نفوذ التصرف بإذن ذی الخیار و أنه یسقط خیاره.

أقول:قد عرفت أن المصنف(ره)قد أشار الی عدم بطلان الإجارة بالاذن فیها أو باستئجار نفسه العین ممن علیه الخیار و هذا لا شبهة فیه و لا أنه مورد الخلاف بین الفقهاء و لذا أرسله المصنف إرسال المسلم علی النهج الذی ذکرناه من وقوع التصحیف فی العبارة و انما أشار الی جهتین أخیرتین فی المقام،إحداهما سقوط الخیار بالإذن فی الإیجار،و الثانیة مع قبول عدم سقوط بذلک لسقوطه بالتصرف بحیث أن الجهة الثانیة فی طول الجهة الاولی أما الجهة الأولی فبناء علی مسلکنا فی معنی الخیار من کونه عبارة عن کون المنشأ مقیدة بالفسخ علی تقدیر عدم الإمضاء،و علیه فما لم یأذن من له الخیار فی الإیجار أو لم یجز العقد بعد الإیجار،یکون العقد فضولیّا بالنسبة الی ما بعد الفسخ فتبطل الإجارة بالرد و بعدم الإمضاء و أما إذا اذن فیه أن یستأجر العین لنفسه بأن قال أجر هذه العین و لک

ص:494

أجرتها.

أو بعبارة أخری تدل علی کون الأجرة للموجر فلا شبهة ح فی صحة الإجارة مطلق و سقوط الخیار بهذا الإذن بداهة أنه لا یعقل کون مجموع الأجرة للموجر مع عدم الفسخ،فان من علیه الخیار الذی هو الموجر لم یکن مالکا للعین و المنفعة إلاّ بالملکیة المحدودة بحیث کان أمدها حاصلا بعد الفسخ و صارت العین و منفعتها ملکا للمستأجر و إذا صرّح ذی الخیار کون جمیع أجرة العین فی زمان الإجارة للموجر حتی بعد الفسخ فلا یعقل هذا الاّ برفع الید عن الفسخ و إمضاء العقد و جعل ملکیة من علیه الخیار مطلقة و الاّ یلزم التناقض فان مقتضی کون مجموع الأجرة له الملکیة مطلقة و الاّ لم یکن الأجرة بعد الفسخ له و مقتضی عدم سقوط الخیار أن الملکیة لیست بمطلقة و هما متناقضان،فافهم.

نعم،لو لم یدل الاذن علی کون الأجرة للموجر،بل یجتمع مع کونها لذی الخیار أیضا بعد الفسخ،فلا یسقط الخیار بالاذن المذکور،فإن الإذن بالإیجار لا یناف بقاء الخیار کما إذا صرّح بذلک و یقول إذنک فی إیجار العین کیف شئت الاّ أن الأجرة لک ما لم تفسخ العقد و أما بعد الفسخ فهی ملک لی و هذا واضح.

و أما علی مسلک المصنف فإنه(ره)قد استدل علی سقوط الخیار بوجهین،الأول:دلالة الإذن عرفا علی سقوط الخیار،فإن أهل العرف یفهمون من مثل ذلک السقوط کما هو واضح.

ثم ناقش فی دلالة الاذن علی السقوط فی آخر کلامه و شبهه باذن المرتهن للراهن ببیع العین المرهونة حیث ذکر أنه لا یسقط حق الرهانة بذلک عن العین المرهونة بحیث له الرجوع عن اذنه قبل البیع و کک فی المقام.

ثم تمسک بالوجه الثانی للقول بإسقاط الإذن ذلک و هو أن الاذن

ص:495

تضمن للرضاء بالعقد بداهة أنه لیس بأدون من تقبیل الجاریة فکما أنه یدل علی سقوط الخیار فیها و کک الاذن فی التصرف فإنه یکشف عن رضاء ذی الخیار بالعقد،فیحکم بالسقوط ثم أیده بروایة السکونی فی کون العرض علی البیع موجبا لسقوط الخیار،فالإذن بالتصرف أولی بذلک منه کما هو واضح.

أما الوجه الأول:فیرد علیه أن المراد من دلالة الاذن فی التصرف من ذی الخیار أن کان هو الدلالة المطابقیة أو التضمنیة فهو بدیهی البطلان بداهة أنه لیس لسقوط الخیار من ذی الخیار باذن منه فی تصرف من علیه الخیار فی العین التی انتقلت الیه معنی مطابقیّا للاذن و لا معنی تضمنیّا لذلک لعدم وضع هذه اللفظ فی لغة من اللغات علی ذلک فلا یعقل معه دعوی الدلالة المطابقیة أو التضمنیة.

و أما الدلالة الالتزامیة فهی أیضا منفیة و ذلک من جهة أن اذن ذی الخیار فی التصرف من علیه الخیار فی العین لا یزید علی ما یقتضیه طبع العقد شیئا فإن مقتضی البیع هو أن کون من علیه الخیار مالکا للتصرف فیما انتقل الیه غایته ملکیة محدودة و لا شبهة أنه یجوز للملاک أن یتصرفوا فی أموالهم لکونهم مسلطین علی ذلک سواء اذن لهم من له الخیار أو سکت، بل منع عن التصرف فإذا کان ذلک من مقتضیات طبع المعاملة فلا یترتب علی الاذن فی تصرفه فیها أثر أصلا،إذ لا یزید علی أصل مقتضی طبع المعاملة شیئا أصلا فحیث ان المصنف(ره)قد التزم بحصول الملکیة المطلقة لمن علیه الخیار من غیر أن تکون مقیدة بالفسخ فلا محالة فجاز له التصرف بحسب مقتضی طبع العقد کک،و اذن من له الخیار فی ذلک لا یوجب شیئا وراء ما یقتضیه أصل طبع المعاملة،فهل یتوهم أحد أنه لو أشتری شخص ثوبا و قال له صاحبه و هو البائع ألبسه أن هذا إسقاط لخیار المجلس و کذلک نظائره فإن العرف لا یشکون فی عدم دلالة قوله ألبسه علی سقوط الخیار و أی فرق

ص:496

بینه و بین المقام کما هو واضح،بل یمکن أن یتوهم أن دلالة اذن المرتهن للراهن ببیع العین المرهونة علی سقوط حق الرهانة عن العین دلالة عرفیة موجودة و لکن لا سبیل لهذا التوهم هنا و ذلک لأن الراهن لم یکن له التصرف فی العین المرهونة قبل اذن المرتهن و هذا بخلاف المقام،فان من علیه الخیار له التصرف فی العین المنتقلة إلیه بحسب مقتضی طبع العقد بدون إذن ذی الخیار کما عرفت.

و بعبارة أخری معنی الدلالة الالتزامیة أن یلزم العلم باللازم بتصور الملزوم فی الالتزام البین بالأخص،و فی البین بالمعنی الأعم أن یلزم من تصور اللازم و الملزوم و النسبة بینهما العلم باللزوم و من الواضح أن کلیهما منفی فی المقام،فإنه لا یلزم من تصور الاذن و سقوط الخیار و تصور الملازمة بینهما العلم بالملازمة بینهما فعلی مسلک المصنف فلا وجه لسقوط خیار ذی الخیار بإذنه فی التصرف من علیه الخیار فی التصرف فی العین المنتقلة إلیه کما هو واضح.

و من هنا ظهر أیضا أنه لو اذن ذی الخیار لمن علیه الخیار فی بیع العین من غیره فلا یسقط خیاره،فان جواز نقل العین لمن علیه الخیار من مقتضیات نفس العقد فلا یکون الاذن فیه موجبا للزیادة الاذن فی التصرف لیکون التصرف مستندا الیه لیکون الاذن ح موجبا لسقوط الخیار.

و الحاصل:أن الاذن لا یوجب زیادة التصرف الذی لم یکن قبل الاذن بحیث یکون مشروعیة ذلک التصرف مستندا الی الاذن لکی یحکم بدلالة الإذن ح علی سقوط الخیار کما هو واضح،و من هنا التزمنا بسقوط الخیار بالإذن فی التصرف بناء علی مسلکنا،فان جواز تملک من علیه الخیار منفعة العین بعد فسخ العقد أیضا مستند إلی إذن ذی الخیار لعدم وجوده قبل ذلک فیکون ح دالا علی سقوط الخیار لتحقق الملازمة بینهما علی

ص:497

هذا،بل یمکن أن یکون مع اذنه بانیا علی الفسخ،بل یصرح بذلک مع انه لو کان الاذن دالا علی السقوط لکان ذلک منافیا لمفهوم الاذن.

و أیضا قد ظهر مما ذکرناه أنه لو آجر ذو الخیار العین المنتقلة الی من علیه الخیار من الغیر لنفسه بان تکون الأجرة له،فلا مناص عن کون ذلک فسخا للعقد مقابل ما ذکرناه من اذنه له أن یوجرها من غیرها لتکون الأجرة له أی لمن علیه الخیار فإنه لا معنی لبقاء العین فی ملکه أی من علیه الخیار مع أن تکون المنافع ملکا لذی الخیار،بحیث تکون الأجرة التی فی مقابل المنافع ملکا له کما هو واضح.

و أما الوجه الثانی:و هو الالتزام بدلالة الاذن علی کون ذی الخیار راضیا بالعقد کالتقبیل،ففیه أنا ذکرناه فی خیار الحیوان أن أمثال هذه التصرفات کالتقبیل و اللمس و النظر،بل الوطی علی کون المتصرف راضیا بالعقد،بل یمکن ذلک مع بنائه علی عدم الفسخ أصلا فضلا عن أن یکون خالیا عن البناء أیضا و کک الاذن فإنه یمکن أن یأذن فی التصرف علی ما هو مقتضی طبع العقد و مع ذلک کان بنائه علی الفسخ أو مسکوتا عنه من غیر أن یکون ذلک منافیا لمفهوم الاذن کما عرفت،نعم التزمنا بکون الأمور المذکورة موجبة لسقوط الخیار لا من جهة کشفها عن الرضا بالعقد،بل من جهة التعبد الشرعی و دلالة النص علی السقوط بها کما هو واضح،فافهم.

(و من هنا ظهر عدم دلالة روایة السکونی أیضا علی ذلک لکونها واردا علی نحو التعبد علی أنها ضعیفة السند)علی الظاهر نعم إذا کانت هنا قرینة خارجیة دلت علی سقوط الخیار بالاذن و أنه مصداق لذلک فلا بأس به.

لا یقال علی ما التزمتهم من کون الخیار راجعا الی تحدید الملکیة یلزم الالتزام بصحة البیع إلی أمد خاص مع أنه لم یلتزم به أحد،و فیه أنه لم یکن نص علی بطلان مثل ذلک البیع لم یکن محذور فیه،و لکن النص دل علی

ص:498

بطلانه لا یقال بناء علی ما التزمتهم من المبنی المذکور یمکن لنا القول بجواز رجوع ذی الخیار الی من علیه الخیار،فیما إذا نقل العین الی غیره و أبقی المنفعة فی ملکه فإنه مع الفسخ یرجع الی المنفعة و یتملکها بالفسخ و أن الفسخ إرجاع الملکیة الاولی.

و فیه أن ملکیة المنفعة تابعة لملکیة العین فإذا أمکن إرجاع العین إلی الملکیة السابقة فترجع معها المنفعة و الاّ فلا،کما هو واضح،و أما الرجوع الی المنفعة فقط دون العین علی خلاف الارتکاز العرفی من تبعیة ملکیة المنفعة لملکیة العین،فافهم.

الجهة الثانی:(أعنی سقوط الخیار بوقوع التصرف فی الخارج بإذن ذی الخیار)أنه ذکر المصنف(ره)أن التصرف الواقع تفویت لمحل هذا الحق و هی العین باذن صاحبه فلا ینفسخ التصرّف و لا یتعلق الحق بالبدل لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العین فی حال حلول الحق فیه،لا مع سقوط الحق عنه.

أقول:ان کان مراد من هذه العبارة أنه یعتبر أن یکون التلف فی زمان وجود الحق لا فی حال سقوطه،بمعنی أنه انما یبقی حق الفسخ لذی الخیار مع تصرف من علی الخیار فی زمان وجود حق الفسخ لذی الخیار و حلوله فإنه ح یکون التصرف فی متعلق حق الغیر فلا یکون مثل هذا التصرف موجبا لسقوط الخیار فان حین تحققه أی التصرف قل تحقق فی متعلق حق الغیر و علیه فله أی لذی الخیار أن یفسخ العقد بعد التصرف المذکور فان کانت العین باقیة یرجع الی العین و الاّ فإلی البدل و أما إذا کان التصرف واقعا علی العین فی زمان لیس لذی الخیار حق،بل سقط ذلک بواسطة التصرف و لم یکن التصرف فی متعلق حق الغیر فح لا یکون له خیار حتی یفسخ العقد و یرجع الی البدل و من المفروض أنه إذا أذن لمن علیه الخیار

ص:499

أن یتصرف فی العین فقد أسقط خیاره بذلک،و وقع التصرف فی زمان سقوط الخیار لا فی زمان وجوده و حلوله لیکون التصرف واقعا فی متعلق حق الغیر فلا یکون منافیا لثبوت الحق.

و ان کان مراده هو هذا،فلا نفهم معنی ذلک بوجه و لا یمکن تصحیحه بوجه إذ یرد علیه:

أولا:أن کلامنا فی سقوط الخیار بالتصرف بأنه هل یسقط بذلک أو لا یسقط،ففرض سقوط الخیار به بحیث یکون التصرف واقعا فی زمان سقوط الخیار لیس الاّ دورا واضحا،فان سقوط الخیار یتوقف علی وقوع التصرف و کون التصرف مسقطا للخیار متوقف علی سقوط الخیار لیکون واقعا فی زمان سقوطه لا فی زمان حلوله کما هو واضح.

و الحاصل:لو قلنا بان التصرف فی مثل القرض یکون مسقطا یلزم الدور علی أنه کیف یکون التصرف مسقطا للخیار مع أنه فی زمان کان له الخیار لیس هنا التصرف و فی زمان تحقق فیه التصرف لیس هناک خیار فلا ربط بالتصرف بسقوط الخیار أصلا کما لا یخفی.

و ثانیا:لا دلیل علی وقوع التصرف الذی یثبت منه الخیار أی لا یضر بوجوده فی زمان وجود الحق لیکون التصرف فی متعلق حق ذی الخیار، بل مع کونه واقعا فی زمان عدم الخیار أیضا یمکن أن یبقی لذی الخیار حق الفسخ،فإذا أتلف من علیه الخیار العین فبفسخ ذی الخیار العقد فیأخذ ممن علیه الخیار بدل العین کما إذا کان لأحد المتبایعین خیار منفصل ککون فی رأس الشهر فقد تصرف الآخر فی العین تصرفا متلفا أو ما هو فی حکم الإتلاف کنقله الی غیره ببیع و نحوه فان ذلک یمنع عن ثبوت الخیار لذی الخیار فی رأس شهر و لم یحتمل أحد سقوط الخیار بتصرف من علیه الخیار قبل وصول زمان الخیار و علیه فإذا وصل وقت الخیار و فسخ ذو الخیار العقد

ص:500

ینتقل ضمان العین الی البدل فیأخذ ممن علیه الخیار بدل ماله من المثل أو القیمة فلا ملازمة بین فسخ العقد و الرجوع الی البدل و بین کون التلف أو ما هو فی حکمه فی زمان حلول الحق لا فی زمان سقوطه کما هو واضح.

و أیضا لا شبهة فی جواز تفاسخ المتبایعین بالإقالة مع تلف إحدی العینین أو کلیهما فإنه بعد ذلک یرجع الی البدل مع أنه لم یکن حق لأحدهما کما فیما انتقل الی الآخر و بالعکس لیکون التلف فی زمان وجود الحق کما هو واضح،فکیف مع عدم الدلیل علی ما ذکره المصنف علی ما هو ظاهر کلامه فالدلیل علی خلافه کما عرفت فلا یمکن المساعدة علی هذا الرأی بوجه.

و حیث کان هذا الاحتمال بعیدا عن المقام المصنف و لم یکن له معنی محصلا أصلا،فقد وجه شیخنا الأستاذ سقوط خیار من له الخیار بتصرف من علیه الخیار بإذن ذی الخیار بوجه آخر،و لعله هو مراد المصنف أیضا و قال أن الاولی أن یعلل لسقوط الخیار بالتصرف بما أشرنا إلیه فی خیار الغبن،و هو أن التصرف المأذون فیه مفوت لمحل الحق،حیث ان الغرض من الفسخ استرجاع الملک السابق اما بعینه أو ببدل و کل منهما متعذر أما العین فلخروجها عن ملک المشتری بالتصرف الناقل أو بالإتلاف،و أما البدل فلأنه فرع کون العین مضمونة علیه و بعد کونه مأذونا فی التصرف لا یمکن أن یکون ضمان العین علیه،فلا موضوع لانتقال الضمان الی بدلها فإذا امتنع الضمان امتنع الفسخ فامتنع الخیار.

و هذا الذی ذکره الأستاذ له وجه،و قد ذکرنا أنه یمکن أن یکون مراد المصنف و لکن یرد علیه أنه کما أن اذن ذی الخیار فی تصرف من علیه الخیار لا یوجب سقوط الخیار،و کذلک وقوع التصرف فی الخارج بإذن ذی الخیار أیضا،لا یوجب سقوط الخیار و ان کان التصرف واقعا فی متعلق حق الاذن

ص:501

و السرّ فی ذلک هو ما تقدم من أن جواز تصرف من علیه الخیار فیما انتقل الیه من العوض انما هو من مقتضیات طبع العقد سواء أذن له ذو الخیار أم لم یأذن،لأن العین کانت مملوکا له و لا شبهة فی جواز تصرف الملاک فی ملکهم بأی تصرف شائوا و علی هذا فاذن ذی الخیار فی التصرف فیها مع تحقق التصرف أیضا فی الخارج لا یوجب سقوط حقه،و عدم کون التصرف فی متعلق حقه بل یمکن أن یکون بنائه أی الآذن هو الفسخ،و لو بعد تلف العین أو یصرح بذلک و أنه یرجع الی البدل مع کون التصرف متلفا للعین، مع أنه لو کان بینهما منافاة لما جاز التصریح بذلک.

نعم،لو کانت العین مملوکة لذی الخیار لکان اذنه فی التصرف فیها موجبا لسقوط الضمان،و لیس کک،فاذن لا شبهة فی بقاء حق ذی الخیار مع تحقق التصرف فی الخارج،و ح فإذا فسخ ذی الخیار العقد فان مقتضی قانون الفسخ هو رجوع کل من العوضین الی مالکه الأولی و مع عدم بقاء العین یرجع الی البدل.

و بعبارة أخری أن مقتضی طبع العقد هو جواز تصرف من علیه الخیار فی ما انتقل الیه من العین سواء اذن به ذو الخیار أم لا،و سواء تحقق التصرف فی الخارج باذن من له الخیار أم لا،فان اذن من له الخیار فی ذلک لا یزید بالنسبة إلی أصل الجواز شیئا أصلا،و علیه فلا ینافی إذن ذی الخیار فی ذلک ببقاء الخیار أصلا کما إذا صرح بذلک لعدم التنافی فی ذلک أصلا.

و أما کون من علیه الخیار ضامنا بالبدل بعد فسخ العقد فإنما هو من جهة قاعدة ضمان الید أو ضمان الإتلاف و ذلک فان مقتضی قانون الفسخ هو رجوع کل من العوضین الی مالکه الاولی بعد الفسخ،فإذا فسخ فمقتضی دلیل الید هو لزوم أداء العین فحیث لم تکن العین موجودة فمقتضاه لزوم

ص:502

أداء البدل و هذا هو الذی تقتضیه قاعدة الضمان بالإتلاف،فإن مقتضی من أتلف مال الغیر فهو له ضامن الرجوع الی البدل من المثل أو القیمة فإنه بعد رجوع العوض الی مالکه الأول ان ما أتلفه من علیه الخیار انما أتلف مال غیره فهو له ضامن بأداء المثل أو القیمة فافهم،فلا یکون الاذن ممن له الخیار فی التصرف و وقوع التصرف فی الخارج سببا لسقوط خیار ذی الخیار أصلا،نعم إذا صدر الاذن فی التصرف من المالک و وقع التصرف المتلف أو ما هو فی حکم الإتلاف فی الخارج فلا شبهة فی کون هذا النحو من الاذن موجبا لعدم ضمان المتلف بذلک العین فإن الاذن قد صدر من أهله و لا بدّ من الالتزام بلوازمه و هذا غیر من له الخیار فی التصرف فیما انتقل الی من علیه الخیار فان ذلک التصرف کان مقتضی طبع العقد بخلاف التصرف هنا فإنه لم یجز لمأذون له أن یتصرف فی مال غیره قبل الاذن،و انما جاز ذلک بعده کما هو واضح فلا یکون موجبا للضمان فکأن شیخنا الأستاذ خلط بین التصرف الواقع فی الخارج فی مال شخص آخر بإذنه فإنه لا یوجب الضمان سقوط حقه عن ماله باذنه بالإتلاف و بین المقام حیث أن وقوع هذا التصرف المتلف فی الخارج لا یوجب سقوط حق من له الخیار عن العین أعنی أنه لو فسخ لکانت العین له،فان وقوع التصرف المذکور بإذنه فی الخارج لا یوجب سقوط حقه عن الرجوع الی البدل بعد فسخ العقد لعدم کون اذنه فی هذا التصرف موجبا لشیء لم یکن لمن علیه الخیار کما هو واضح.

نعم،لو ثبت من القرائن الخارجیة أن أذن من له الخیار التصرف فی العین الخارجیة لمن علیه الخیار موجب لسقوطه لکونه قاصدا به سقوط خیار أو أنه قصد ذلک بوقوع التصرف فی الخارج و ان لم یکن قاصدا ذلک بالاذن لکان للقول بالسقوط مجالا واسعا و لکنه خلف الفرض فإنه الکلام فی دلالة نفس الاذن علی سقوط الخیار کما فی الجهة الأولی فی دلالة نفس

ص:503

وقوع التصرف فی الخارج علی سقوط الخیار کما فی الجهة الثانیة،فافهم ذلک.

قوله:مسألة المشهور المبیع یملک بالعقد و اثر الخیار تزلزل الملک.
اشارة

أقول:الظاهر أن الاولی تقدیم هذه المسألة علی المسألة السابقة، کما أشرنا إلیه فی أول المسألة السابقة بأن یتکلم أولا فی توقف حصول الملکیة بانقضاء زمان الخیار أولا و عدمه ثم یتکلم فی أنه هل یجوز تصرف غیر ذی الخیار فیما انتقل الیه أو لا فقد ذکرنا أنه لا یجوز ذلک علی قول الشیخ لکونه تصرفا فی ملک الغیر بدون اذنه فهو لا یجوز و أما علی قول غیر الشیخ من المشهور القائلین بعدم توقف الملکیة علی انقضاء زمان الخیار ففیه خلاف فالمقصود أن الاولی تقدیم هذه علی المسألة السابقة لتوقفها علیها بخلاف العکس کما عرفت ثم ان المعروف و المشهور بین الفقهاء أن الملکیة حاصلة من حین العقد فی البیع الخیاری غایته ملکیة متزلزلة.

و لکن الظاهر من الشیخ الطوسی و من تبعه انها تحصل بعد انقضاء زمان الخیار لکل من ذی الخیار و غیره إذ لا معنی لحصول الملکیة لطرف واحد دون الأخر فإن البیع مبادلة مال بمال فلا معنی للانتقال من طرف دون الآخر فافهم.

و قد اضطربت کلمات الفقهاء فی فهم کلام الشیخ و بیان مراده فان ظاهر إطلاق المحکی عن المحقق و جماعة أن الشیخ التزم بعدم حصول الملکیة فی زمان الخیار المختص بالمشتری أیضا.

بل صرح فی التحریر بشموله لذلک لکن ذکر الشهید فی الدروس خلافا فی حصول الملکیة من حین العقد أو بعد انقضاء الخیار ثم نسب الی الشیخ التزامه بحصول الملکیة من حین العقد فی الخیار المختص للمشتری و نقل عن ابن الجنید توقف حصول الملکیة علی انقضاء زمان الخیار ثم وقع الخلاف

ص:504

بین الأعلام فی أن الشیخ فیما یقول بتوقف الملکیة علی انقضاء زمان الخیار هو من باب الکشف أو النقل و أیضا وقع الکلام فی أنه یقول بذلک فی الخیارات المتصلة فقط أو مطلقا و ان کانت الخیارات منفصلة عن العقد و أن مراده هو ذلک فی صورة کون الخیار لکل من البائع و المشتری أو للبائع،و أما إذا اختص بالمشتری فلا یقول بذلک أو یقول به مطلقا کما عرفت الإشارة إلی کون کلامه مطلقا بالنسبة إلی الخیار المختص بالمشتری أیضا علی ما هو المحکی عن المحقق و جماعة،و ظاهر بعضهم عدم التوقف فی صورة اختصاص الخیار بالمشتری کخیار الحیوان و نحوه.

و علی الجملة اضطربت کلمات الفقهاء فی نسبة القول بتوقف الملکیة علی انقضاء زمان الخیار الی الشیخ،فان منهم من قال بان الشیخ التزم بذلک فی مطلق زمان الخیار و ان کان مختصا بالمشتری أو یقول بذلک فیما کان الخیار ثابتا للمتبایعین معا أو لخصوص البائع و أیضا وقع الخلاف فی أنه یقول بذلک فی الخیار المتصل أو فی الخیار المنفصل أیضا و قد نسب إلیه فی القول بعدم التوقف فیما إذا صار أحد المتبایعین مفلسا الی غیر ذلک من الاختلافات و الاضطرابات کما ذکره المصنف فی المتن،و لا یهمنا تحقیق هذا المطلب و انما المهم بیان مدرک الشیخ القائل بالتوقف مطلقا أو فی الجملة و بیان مدرک المشهور القائلون بعدم التوقف،بل التزموا بحصول الملکیة من حین العقد.

الظاهر أنه لا شبهة فی دلالة عمومات صحة العقود و المعاملات،و لزومها علی کون الملکیة حاصلة من الأول لا أنها متوقفة علی شیء،فان الظاهر من قوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ، أن ما ینتقل الی کل من المتبایعین بوسیلة البیع یجوز له التصرف فیه بخلاف ما کان فیه الربا،فإنه لا یجوز فان معنی حلیة البیع ملازم لحلیة ما یحصل النقل و الانتقال بواسطة البیع و کک

ص:505

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،خصوصا قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ. فإن الأکل لیس هو الازدراد،بل هو کنایة عن التملک فمحصل الآیة أنه لا تتملکوا أموالکم بالباطل،و لکن تتملکوا بالتجارة عن تراض،فاللّه تبارک و تعالی قد حصر أسباب التملک المشروع بمقتضی النفی و الإثبات بالتجارة عن تراض و جعلها سببا وحیدا لذلک مقابل التملک الباطل،فمقتضی ذلک أن الملکیة حاصلة من حین العقد لصدق التجارة عن تراض علی البیع من حین العقد،و قد فرضنا أن التجارة عن تراض هو السبب الوحید لحصول الملکیة فتحصل الملکیة فی البیع من حین العقد من غیر توقف علی انقضاء زمان الخیار،بل هذا هو الذی قامت علیه السیرة بین الناس فإنهم یعاملون مع المثمن معاملة الملکیة من حین العقد من غیر توقف فی ذلک علی شیء و من الواضح أن الشارع قد أمضی ما هو المتعارف بین الناس من المعاملات و لیس له فی ذلک طریق خاص غایة الأمر قد منع عن بعض المصادیق تخطئة للعرف کما أضاف إلیها بعض الشروط لذلک و مع الشک فی مورد أنه اعتبر الشارع هنا شرطا أو لم یعتبر فیتمسک بالإطلاقات و العمومات الدالة علی صحة المعاملات و نفوذها و یحکم بحصول الأثر من الأول و عدم توقفه علی شیء آخر،بل هذا هو مقتضی ما إنشاءه المتعاملان فان غرضهما جعل البیع سببا للملکیة و هو یقتضی حصولها من حین العقد الاّ دل دلیل خارجی علی توقفها علی شیء آخر کما فی بیع الصرف و السلم،فان الدلیل الخاص دل علی توقف حصول الملکیة بالتقابض فی المجلس و عدم حصولها بمجرّد البیع کما هو واضح.

ثم انه لا یکفی مجرد وجود هذه العمومات و الإطلاقات فی بطلان مسلک الشیخ،بل لا بدّ و أن یلاحظ أن هنا روایة تدل علی مسلکه أولا و علی تقدیر وجود الروایة علی ذلک فهل هنا روایة أخری تدل علی مسلک

ص:506

المشهور و روایة آخر تدل علی مسلک الشیخ مع تمامیة میزان الحجیة فیهما فیقع المعارضة فاما یحکم بالتساقط فیرجع الی عمومات الکتاب و إطلاقاتها أو یؤخذ ما هو موافق للکتاب و هو ما دل علی عدم توقف حصول الملکیة علی انقضاء زمان الخیار فیثبت بذلک أیضا قول المشهور و اذن فلا بدّ من صرف عنان الکلام الی ما استدل به علی کل واحد من القولین.

و قد استدل علی القول المشهور و هو عدم توقف حصول الملک علی
اشارة

انقضاء زمان الخیار بوجوه

مضافا الی اقتضاء العمومات ذلک.

الأول:الاخبار الواردة فی خیار المجلس

کقولهم علیهم السلام:

البیعان بالخیار ما لم یفترقا فإذا افترقا وجب البیع،حیث ان الظاهر من لفظ الخیار الوارد فیها هو کون البیّع مخیرا فی فسخ العقد و عدمه بحیث قد فرض هنا بیع ثم حکم بثبوت الخیار له،و من الواضح جدا أن البیع انما یصدق علی المتعامل بعد حصول الملکیة فالمتحصل من الروایة بقرینة إطلاق البیع علی المتبایعین هو حصول الملکیة فی زمن الخیار إذ ما لم تتحقق الملکیة لم یتحقق البیع و إذا لم یتحقق البیع لا یصدق البیّعان علی المتعاملین فحیث أطلق البیعان علیهما فنکشف من ذلک حصول الملکیة فی زمان الخیار کما لا یخفی.

و من هنا اتضح أنه لا یتوقف الاستدلال بهذه الروایات علی المقصود علی کون الخیار بمعنی الاختیار فی استرجاع العین و کون المتبایعین مخیرین فی بیع العوضین من شخص آخر مثلا،و إبقائها کذلک فإنه علی هذا استکشف حصول الملکیة من الأول،و وجه الفساد انک قد عرفت وجه الاستدلال مع تعلق الخیار بالعقد.

و توهم أن إطلاق البیع باعتبار حصول صورة البیع و إیجادهما ما یکون مستعدا لذلک،أی لحصول النقل و الانتقال و الملکیة بعد ذلک کما فی

ص:507

الفضولی توهم فاسد فإنه خلاف الظاهر من الإطلاق و من هنا نفی البیع فی بیع الصرف و السلم قبل القبض الذی لم تحصل الملکیة مع أن صورة البیع قد حصلت کما لا یخفی،فلا بأس بدلالتها علی المقصود،فافهم.

الثانی:الأخبار الواردة فی جواز النظر إلی الجاریة و تقبیلها،

بل وطیها فی زمان الخیار بعد شرائها بحیث لم یجز ذلک قبل الشراء فیدل ذلک علی حصول الملکیة فی زمان الخیار فإنه لو لم تحصل الملکیة فی ذلک الزمان لکان زمان الخیار و قبله سیان فی ذلک،فلم یجز التصرف فی زمان الخیار أیضا کما لا یجوز التصرف قبل زمان الخیار أیضا.

و ناقش المصنف فی دلالة هذه الأخبار بأنه یمکن أن یکون التصرفات الواقعة علی الجاریة بعد العقد فی زمان الخیار إمضاء للعقد و إسقاطا للخیار کما یتحقق الرجوع بنفس الوطی فی زمان العدة فی المطلقة الرجعیة فإنه إذا طلق الرجل زوجته ثم وطئها فی العدة بغیر أن یرجع إلیها یکون رجوعا إلیها و ان لم یقصد الرجوع بذلک،بل کان قاصدا عدمه کما هو واضح.

و لکنه توهم فاسد بداهة ان فی المطلقة الرجعیة ان علقة الزوجیة لم تنقطع بعد الطلاق و من هنا اشتهر فی السنة الفقهاء أن المطلقة رجعیة زوجة و علیه فلو وطئها الزوج انما وطئ زوجته حقیقة من غیر أن تکون الزوجیة حاصلة بنفس الوطی و انما الوطی یکون دلیل علی الرجوع و رافعا لأثر الطلاق فقط،سواء قصد به الرجوع أم لا،بل الأمر کک حتی لو قصد عدم الرجوع،بل قصد الزناء أیضا کأن کان جاهلا لحصول الرجوع بذلک الوطی و قصد الزناء فإنه لا یکون الاّ تجرّیا محضا و أما الحرام فلا بداهة أن الوطی انما صدر من اهله و وقع فی محله فیکون رافعا لأثر الطلاق لما أنه یوجد الزوجیة أیضا بحیث کانت الزوجیة منتفیة(فأوجب)الوطی رجوعها،بل الزوجیة کانت ثابتة فالوطی أوجب رفع أثر الطلاق فقط،کما هو واضح،هذا

ص:508

بخلاف المقام،فإنه علی القول بعدم حصول الملکیة فی زمن الخیار یکون التصرف واقعا فی ملک الغیر فیکون حراما و قد حکم الامام علیه السلام بحلیة ذلک،فیکشف من ذلک أن الملکیة قد حصل فی زمان الخیار و الحلیة مستندة إلیها.

الاّ أن یقال بما أشرنا إلیه سابقا من کون الملکیة حاصلة فی زمان التصرف و لم نعتبر التقدم الرتبی فی جواز التصرف و نقول بذلک فی کفایة جواز التصرف فی ملک الیمین و نقول بان المستفاد من قوله تعالی أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ هو کون المملوک مملوکا للمتصرف فی زمان التصرف و ان حصلت الملکیة فی زمان التصرف و لم تکن متقدمة علیه رتبة و ح یجوز التصرف فی الأمة فی زمان الخیار بما لا یجوز لغیر المالک إذا قصد المتصرف لتصرفه،هذا إمضاء العقد کما هو لیس ببعید،بان نقول بکفایة حصول الملکیة فی زمان التصرف فی جوازه و لکنه لم نلتزم الفقهاء بذلک،فالظاهر أن من حکم بجواز التصرف فیها بالأمور المذکورة انما هو من جهة حصول الملکیة بالعقد فی زمان الخیار کما هو واضح،فإذا فتدل الروایة علی مسلک المشهور.

الاّ أن یقال أن غایة ما یستفاد من هذه الروایات هو حصول الملکیة للمشتری فی زمن خیار الحیوان،لأن المفروض أنه اشتری جاریة و تصرف فیها ما لا یجوز لغیر المالک و أن جوازه یکشف عن حصول الملکیة له بالعقد و لکن الشیخ لم یلتزم فی فرض وجود الخیار للمشتری بخلاف مقالة المشهور و اذن فالروایة غریبة عن ما نحن فیه کما هو واضح.

الثالث:ما تقدم فی أدلة بیع الخیار أی البیع المشروط برد الثمن

المسمی فی العرف بالبیع شرط و البیع الخیاری و بیع الخیار فان فی هذه الروایة ما یدل علی أن نماء المبیع فی زمن الخیار للمشتری و تلفه أیضا علیه فیکشف من ذلک أن المبیع ملک للمشتری من زمان العقد،و الاّ لم یکن وجه

ص:509

لکون الملک للبائع و النماء للمشتری فإن النماء تابع للملکیة.

و قد أورد علیه المصنف(ره)بوجهین:- الأول:أنه یمکن أن یکون هذه الروایات غریبة عما نحن فیه أعنی البیع بشرط الخیار لیکون ما ذکر فیها من کون النماء ملکا للمشتری شاهدا علی حصول الملکیة فی زمان الخیار،بل انما هو من قبیل اشتراط الانفساخ فی البیع برد الثمن بأن ینفسخ بنفسه متی رد البائع الثمن من غیر احتیاج الی الفسخ فلا یکون هذه الروایات مربوطة بالمقام.

و فیه أنه بعید عن مساق هذه الروایات غایته کما أشار إلیه المصنف و خلاف الظاهر منها،بل اشتراط انفساخ العقد بلا سبب أمر غیر مشروع فی الشریعة فإنه لم یثبت جواز ذلک فی نفسه فلا یکون ما هو غیر مشروع مشروعا بالاشتراط کما هو واضح.

الوجه الثانی:ما ذکره من أنه یمکن أن یکون هذه الروایات خارجة عن مورد کلامنا فان محل الکلام انما هو عدم حصول الملکیة فی زمان الخیار و علیه فلو کان النماء فی هذه المدة لمن انتقل الیه العین کان للتمسک بهذه الروایات علی إثبات حصول الملکیة فی زمان الخیار وجه و لکن الأمر لیس کذلک فان النماءات انما حصلت فی زمان لزوم العقد فان الخیار انما یحصل للبائع بعد رد الثمن لا قبله فلا منشأ لهذه التوهم أصلا إذ ما یتوهم کونه کاشفا عن حصول الملکیة به لم یکن حاصلا فی زمان الخیار،بل فی زمان لزوم العقد کما هو واضح.

و فیه أولا ان إطلاق الروایة یشمل صورة کون الخیار بشرط رد الثمن من أول العقد أیضا و ثانیا أنه لم یعلم من مذهب الشیخ القائل بتوقف حصول الملکیة علی انقضاء زمان الخیار إخراج الخیارات المنفصلة عن مورد الکلام،بل ما ذکره أعم من خیاری المنفصل و المتصل أیضا،فهذه الروایات

ص:510

أیضا لا بأس بدلالتها علی حصول الملکیة فی زمن الخیار.

الوجه الرابع:الأخبار الواردة فی خیار الحیوان

الدالة علی ثبوت الخیار للمشتری فی ضمن ثلاثة أیام،کقوله علیه السلام صاحب الحیوان المشتری،بالفتح أو الکسر،بالخیار إلی ثلاثة أیام،حیث ان الظاهر من إطلاق صاحب علی المشتری ظاهر فی أن الملکیة إنما حصلت فی زمان الخیار و الاّ لم یصح إطلاق الصاحب علیه،و توهم أنه باعتبار أنه سیصیر صاحبا خلاف الظاهر من الروایة جدا فالروایة ظاهرة الدلالة علی المقصود.

اللهم الاّ أن یقال بأن غایة ما یدلّ هذه الروایات هو أن الملکیة حاصلة للمشتری فی زمان خیاره،و الشیخ لا ینکر ذلک،و انما لم یلتزم الشیخ بعدم حصول الملکیة فی زمان الخیار إذا کان الخیار للبائع فقط أو للبائع و المشتری معا،فإنه یلتزم بعدم حصول الملکیة لذی الخیار و غیره إذا الملکیة إذا حصلت،حصلت للطرفین فلا معنی لحصولها لغیر ذی الخیار و عدم حصولها لذی الخیار فان البیع تبدیل مال بمال و اذن فالروایة أجنبیة عن المقام.

الوجه الخامس:الأخبار الواردة فی العینة

و هی أن یشتری الإنسان شیئا نسیة ثم یبیعه بأقل منه فی ذلک المجلس نقدا،فان الظاهر من جملة منها ان البیع انما یکون فی مجلس الاشتراء و بضمیمة صحیحة یسار بن یسار یتم المطلوب و هو حصول الملکیة فی زمن الخیار،و هی أنه سئل عن الرجل یبیع و یشتریه عن صاحبه الذی یبیعه منه،قال:نعم لا بأس به،قلت:

اشتری متاعی،فقال علیه السلام:لیس هو متاعک و لا بقرک و لا غنمک،فان ظاهر الذیل،بل صریحها و هو قوله علیه السلام لیس هو متاعک و لا غنمک أن المبیع قد انتقل إلی المشتری و لم یبقی فی ملک البائع و قد عرفت عن جملة منها أن البیع الثانی قد وقع فی مجلس البیع الأول،و المفروض أن

ص:511

هذا الزمان زمان خیار المجلس فتدل الروایة علی ان الملکیة قد حصلت فی زمان خیار المجلس فإذا حصلت الملکیة للمشتری حصلت ملکیة الثمن للبائع أیضا،لأن البیع مبادلة مال بمال،بل یمکن التمسک لإثبات أن الملکیة قد حصلت فی زمان الخیار بإطلاق الصحیحة مع قطع النظر عن ضمیمة الطائفة الأولی کما لا یخفی.

و قد أشکل المصنف علی الروایة بعدم دلالتها علی حصول الملکیة فی زمان الخیار،إذ البیع عند القائل بالتوقف جائز،و لکن یکون لازما بالتواطی کما صرح الشیخ فی المبسوط فتحصل الملکیة قبل البیع الثانی و بهذا دفع الاشکال،و قد تقدم نظیره سابقا من أن الملک إذا حصل بنفس البیع الاشکال و قد تقدم نظیره سابقا من أن الملک إذا حصل بنفس البیع الثانی مع أنه موقوف علی الملک للزم الدور و قد کان هذا الاشکال واردا علی من صحّح البیع الذی یتحقق به الفسخ،و علی هذا حمل قول السائل اشتری غنمی علی رکوز مذهب الشیخ فی أذهانهم فأجاب الإمام علیه السلام بأنه لیس غنمک لکون التواطی مسقطا للخیار.

و فیه أن مجرد التواطی علی البیع مع عدم التصریح به لا یکون موجبا للزومه کما أن التبانی علی الخیار لا یوجب أن یکون العقد خیاریا و السر فی ذلک أن إسقاط الخیار أو الفسخ من الأمور التی یحتاج إلی الإنشاء و الإظهار علی ما تقدم فی مبحث الخیارات فلا تحقق بمجرّد القصد و البناء ما لم یبرزه فی الخارج بمرز و قول السائل اشتری غنمی لیس من جهة رکوز مذهب الشیخ فی أذهانهم إذ لا سبیل لنا الی هذه الدعوی،بل سئواله هذا من جهة استغرابه من صحة شرائه باعه قبل هذا الزمان بقلیل لأن الغرض أن البیع الثانی قد تحقق فی مجلس البیع الأول و مع تسلیم أن مسلک الشیخ کان مرکوزا فی أذهانهم من أین یعلم أنه کان صحیحا و مسلما حتی عند الامام علیه السلام بحیث کان جواب الامام علیه السلام مبنیّا

ص:512

علی کون التواطی علی البیع السابق موجبا لسقوط الخیار و یصیر البیع به لازما کما هو واضح و کیف کان فظهور هذه الأخبار فی إثبات مسلک الشیخ واضح جدا.

الوجه السادس:صحیحة محمد بن مسلم

عن رجل أتاه فقال اتبع لی متاعا لعلی أشتریه منک بنقد أو نسیئة فاتباعه الرجل من اجله قال لیس به بأس إنما یشتریه منه بعد ما یملکه فإن إطلاق قوله علیه السلام لیس له بأس إنما یشتریه منه بعد ما یملکه شامل لحصول الملکیة عن زمان العقد و من الواضح أن حصولها من زمان العقد یقتضی حصولها فی زمان خیار المجلس أیضا کما هو واضح،و اذن فتدل الروایة علی مسلک المشهور.

و لکن یرد علی هذا الاستدلال ان هذه الروایة ناظرة الی أن هذه المعاملة لیست من قبیل بیع ما لیس عنده لاستیجاب العقد الأول کما ذکره المصنف فی المتن فقوله ما یملکه إشارة الی هذا الاستیجاب فلیست الروایة ناظرة إلی حصول الملکیة من حین العقد و عدمه إذ لیس تلک الجهة موردا للسؤال أصلا،و قد ورد فی جملة من الروایات لا توجب البیع قبل أن تستوجبه و فی بعضها أنه قال علیه السلام أ لیس ان شاء فعل و ان شاء ترک،یعنی أن الأمر إذا کان کک بحیث أن من وعد لأحد أن یشتری شیئا و هو أیضا یشتری منه بنقد أو نسیئة أ لیس له أن یشتری بعد اشترا من کان بینهما تبان و تعاهد أو ترک ذلک و لم یشتری فإن کان کک فلا بأس لأنه لیس إیجابا قبل الاستیجاب،بل وعد محض و الاّ ان کان مجبورا فی قبوله لتحقق البیع فی عقیدتهم فهو باطل لکونه إیجابا قبل الاستیجاب علی أن وقوع الثانی فی مجلس البیع الأول نادر جدا فان الغالب،أن المشتری بعد استیجاب البیع الأول یتفرق من مجلس العقد و یذهب الی صاحبه لإنشاء البیع الثانی،بل علی هذا سیرة التجار فإنهم لا یبیعون

ص:513

ما یشترون عند البائع،بل یخفون أمر المعاملة الثانیة و علی هذا فلا یبقی هنا خیار المجلس حتی یکون قوله علیه السلام ما یملکه دلیلا علی حصول الملکیة فی زمان الخیار کما هو واضح،لیکون التملک بنفس العقد فافهم.

و قد استدل علی قول الشیخ بالروایات الدالة علی أن تلف المبیع فی ضمن ثلاثة أیام فی خیار الحیوان أو شرط أیام معدودة من مال البائع کصحیحة ابن سنان عن الرجل یشتری العبد أو الدابة بشرط الی یوم أو یومین،فیموت العبد أو الدابة أو یحدث فیه حدث علی من ضمان ذلک؟ فقال علی البائع،حتی ینقض الشرط ثلاثة أیام و یصیر المبیع للمشتری شرط له البائع أو لم یشترط،قال و ان کان بینهما شرط أیام معدودة فهلک فی ید المشتری فهو من مال البائع حیث استدلوا بهذه الروایة علی أن المبیع فی زمان الخیار فی ملک مالکه الأول فهو البائع،و لذا یکون تلفه علی البائع و انما تحصل الملکیة بعد مضی زمان الخیار و لذا قال علیه السلام حتی ینقضی ثلاثة أیام و یصیر المبیع للمشتری.

أقول:الظاهر أنه لا ینکر ظهور الروایة فی قول الشیخ و ان التزم هو (ره)فی الخیار المختص بالمشتری حصول الملکیة بالعقد من حینه،و لکن حیث عرفت ظهور الروایات المتقدمة،بل صراحة بعضها فی حصول الملکیة بالعقد فیمکن حمل هذه الصحیحة علی أن لزوم الملکیة و استقرارها انما هو من زمان انقضاء الخیار لا أصل تحققها،و یکون المراد من قوله علیه السلام و یصیر المبیع له أن یثبت و یجب کما ورد فی أخبار خیار المجلس البیعان بالخیار ما لم یفترقا،فإذا افترقا وجب البیع أی یکون لازما و ثابتا،فان المراد من الکون و الثبوت و اللزوم و الصیرورة المبیع للمشتری هو التحقق و الاستقرار و الثبوت لا الحدوث بعد ما لم یکن.

و علی الجملة فالروایة قابلة للحمل علی هذا المعنی بعد کون ظهور

ص:514

الروایات المتقدمة فی حصول الملکیة من حین العقد أقوی،و مع الإغماض عن ذلک فیقع التعارض و التکافؤ بین الروایات المتقدمة الظاهرة فی حصول الملکیة من زمان العقد و بین صحیحة ابن سنان الظاهر فی حصولها من حین انقضاء الخیار،فذکر المصنف أن فی فرض المعارضة بینهما یرجع الی أصالة عدم حصول الملکیة من حین العقد،و لکن التعارض منتف فی المقام بداهة أن الطائفة الأولی معروفة و مشهورة،فلا بدّ من الأخذ بها و رفع الید عن الصحیحة لکونها غیر معروفة فتکون الشهرة المؤیدة بالإجماع موجبا لترجیح تلک الطائفة الاولی و رفع الید عن الصحیحة و ان کانت صحیحة.

أقول:کأن نظر المصنف من ترجیح الأولی من الروایات إلی الشهرة الفتوائیة و الاّ فکلتا الطائفتین من حیث الناقل و الراوی فی مرتبة واحدة فإن کلیتهما خبر واحد،نعم المشهور من الفقهاء ذهبوا الی حصول الملکیة من زمان العقد،فتکون الشهرة فتوائیة،فبناء علی کون اعراض المشهور موجبا لوهن الخبر الصحیح تکون هذه الشهرة موجبة لوهن الصحیحة و ترجیح لطائفة الاولی و لکن الأمر لیس کذلک،إذا المراد من الشهرة الموجبة لترجیح فی مقام التکافؤ هو الشهرة فی الروایة بمعنی کون الروایة فی نفسها ظاهرة و بارزة کما ذکره المصنف فی الرسائل و استدل علی ذلک بالإطلاقات العرفیة و اللغویة فیقال سیف شاهر أی ظاهر،و مقابل هذه الشهرة هو النادر و الخفی أی تکون الروایة الأخری فی مقلبها نادرة و شاذة و هذا المعنی غیر مربوط بالشهرة الفتوائیة کما هو واضح.

و اذن فلا بد من معاملة المعارضة بینهما بعد الإغماض عن الحمل المذکور فلا یکون هذه الشهرة رافعة للمعارضة بکونها موجبة لترجیح الطائفة الاولی و مع التکافؤ فلا بدّ من الرجوع الی العمومات الدالة علی حصول الملکیة من الأول کما ذکرناه قبل ذکر أدلة الطرفین و علیه فلا وجه لرجوع إلی أصالة

ص:515

عدم حصول الملکیة من زمان العقد کما ذکر المصنف(ره).

و علی الجملة مقتضی القاعدة هو الأخذ بقول المشهور کما هو واضح لا یخفی،فافهم.

لا یقال ان غرض المصنف من دعوی کون الطائفة الأولی متقدمة علی التائیة لأجل الشهرة و ان غرضه هو الشهرة فی الفتوی و لکن مبنی المصنف أن الشهرة الفتوائیة إذا قامت علی خلاف الخبر الصحیح یکون موجبا لضعفه و وهنه و اذن فتکون الروایات الدالة علی حصول الملکیة من حین العقد متعینة و هذا لا ینافی لکون الشهرة الموجبة لترجیح احدی الروایتین المتکافئتین هی الشهرة فی الروایة دون الفتوی.

فإنه یقال نعم و لکنه علی هذا لا تصل النوبة إلی التکافؤ أصلا،بل یکون ما هو موافق للشهرة حجة و ما هو مخالف لها غیر حجة لإعراض المشهور عنها،و قد فرض المصنف التکافؤ ثم رجح الطائفة الأولی بالشهرة فی الفتوی کما لا یخفی.

و التحقیق أن یقال انه بناء علی الإغماض عن الحمل المذکور فلا بدّ من ترجیح ما هو المدرک للمشهور بعد فرض التکافؤ فإنها موافقة لعموم الکتاب و إطلاقه الدالة علی حصول الملکیة من الأول کما هو واضح.

ثم استدل علی کل من قولی المشهور و الشیخ بالنبوی المشهور الخراج بالضمان أما الاستدلال علی قول المشهور فبتقریب أن المبیع فی زمان الخیار المشترک أو المختص بالبائع فی ضمان المشتری و خراجه له و بقاعدة التلازم بین ملک المنفعة و ملک العین یثبت حصول الملک بنفس العقد.

و بعبارة أخری أن یکون الضمان للمشتری فی زمن الخیار یکشف کون المنفعة له کشفا لمیّا و یکون المنفعة له یکشف کون العین داخلة فی ملکه بالعقد کشفا إنیّا.

ص:516

و فیه أولا أنه لم یعلم من القائلین بالتوقف کالشیخ و من تبعه التزامهم بکون التلف فی زمان خیار المشتری له و ضمانه علیه،و الذی هو المبدء لهذا الاستدلال هو إثبات ضمانه فی زمن الخیار للمشتری و هو ممنوع.

و ثانیا علی القول بالضمان أن الملازمة بین ضمان العین و ملک المنافع انما یتم بناء علی ما ذکره أبی حنیفة من القول بکون الخراج لمن علیه الضمان و ان کان ذلک الضمان بالغصب حیث ذکر فی الدابة المغصوبة أن الضمان للغاصب و المنافع أیضا له و لکنه علی هذا المبنی أیضا لا یکون ملک المنافع کاشفا عن ملک العین أنّا قد ذکرنا فی المقبوض بالعقد الفاسد،فساد هذا المبنی،و قلنا ان المراد من النبوی الخراج بالضمان هو الضمان المعاملی لا مطلق الضمان،یعنی أن من ضمن الشیء بالمعاملة بحیث لو تلف لکان التلف من کیسه،فالمنافع أیضا له،و من المعلوم أن الضمان المعاملی فی المقام معدوم بناء علی مسلک الشیخ لعدم تحققها فی الحقیقة الملک الی انقضاء زمان الخیار،فکیف یحکم بالضمان غایة الأمر یکون المقام من قبیل الضمان فی المقبوض بالسوم کما هو واضح،فلا دلالة فی الحدیث علی مسلک المشهور.

و ثالثا:قد عرفت أنه لیس المعروف من مسلک الشیخ أن تکون الملکیة متوقفة علی انقضاء الخیار فی کون الخیار للمشتری أیضا،بل التزم فی هذا الفرض بعدم التوقف و اذن فلا یکشف من حصول الملکیة من زمان العقد فی فرض کون الخیار للمشتری بالحدیث حصولها بنفس العقد مطلقا کما هو واضح.

و علی الجملة فلم یتم الاستدلال بالنبوی علی قول المشهور.

و أما الاستدلال به علی قول الشیخ فان مقتضی النبوی الخراج بالضمان هو أن المنافع بإزاء الضمان و ینعکس بعکس النقیض الی أن من لیس

ص:517

ضامنا لیس الخراج له،و بضمیمة قاعدة التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له ینتج عدم حصول الملک فی زمان الخیار،فان کون التلف علی البائع فی زمان خیار المشتری یقتضی أن یکون منافع المبیع للبائع لأن الخراج بالضمان و مقتضی کون المنافع له أن یکون المبیع أیضا فی ملکه،و اذن فلم تحصل الملکیة للمشتری فی زمان الخیار،و هکذا العکس بأن کان الخیار للبائع دون المشتری کما هو واضح.

و لکن یرد علیه أنه مضافا الی اعتراف الشیخ بحصول الملکیة للمشتری فی زمان خیاره و مقتضی النبوی هو عدم الحصول أنک قد عرفت أن المراد من النبوی هو الضمان المعاملی دون مطلق الضمان بمعنی أن المستفاد منه أن الضمان العقدی فی مقابل الضمان الغصبی یقتضی کون المنافع للضامن و ح فالضمان فی المقام و إذا کان حاصلا لمن لا خیار له و لیس المقام مثل الاستدلال السابق حتی نمنع عدم الضمان و لکن هذا الضمان لیس بضمان معاملی إذ المنافع لذی الخیار و لا ضمان غصب،بل هو ثابت بالتعبد،و علیه فکون التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له یکون خارجا عن القاعدة بالنص،فان مقتضی القاعدة کون تلف کل مال علی مالکه،فهذا الضمان لا ضمان غصب و لا ضمان معاملی،بل ضمان تعبدی،و کک کون التلف قبل القبض من مال البائع أیضا خارج عن القاعدة بالنص فان مقتضی القاعدة هو کون تلف کل مال علی مالکه و انما التخلف هنا بواسطة النص فالضمان هنا تعبدی کما هو واضح.

و علی الجملة کون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له و کک کون التلف قبل القبض من مال البائع إنما خرج عن القاعدة الکلیة أعنی کون تلف کل مال علی مالکه بواسطة النص فالضمان فیها لا معاملی و لا غصبی،بل هو تعبدی،فلا یکشف من هذا الضمان أن الملکیة لم تحصل قبل القبض أو فی

ص:518

زمان الخیار کما هو واضح،بل الضمان حاصل و لکنه ضمان تعبدی بخلافه فی الاستدلال بالنبوی علی القول المشهور فان الضمان أیضا هناک لم یکن حاصلا.

و علی الجملة فلا دلالة فی النبوی علی قول الشیخ أیضا و یضاف الی جمیع ذلک أی الأجوبة المذکورة عن الاستدلالین أن النبوی ضعیف السند و غیر منجبر بشیء و لم ینقل فی کتب الخاصة إلاّ مرسلا فلا یکون حجة لنا فی شیء أصلا.

قوله مسألة:و من أحکام الخیار کون المبیع فی ضمان من لیس له الخیار
اشارة

فی الجملة،

بمعنی انفساخ العقد بالتلف لا أن یکون علی من لا خیار له إعطاء بدل المبیع کما هو واضح،

و یتضح هذه المسألة فی ضمن جهات:
الأولی:فی بیان أن هذا الحکم تختص بخیاری الحیوان و الشرط أو یجری

فی غیرهما من الخیارات

کما ذهب الیه صاحب الریاض و غیره مدعیا له الاتفاق.

و بعبارة أخری بعد ما قلنا بکون التلف بعد القبض فی زمن الخیار من مال لا خیار له فی خیاری الشرط و الحیوان یقع الکلام فی أن هذا الحکم من مختصات هذین الخیارین أم لا؟بل یجری فی غیرهما من الخیارات أیضا فنقول:أما ثبوت ذلک الحکم فی الخیارین المذکورین أعنی خیاری الشرط و الحیوان فممّا لا شبهة فیه لروایة ابن سنان و ان کان بینهما شرط أیّاما معدودة فهلک فی ید المشتری فهو من مال بایعه حتی ینقضی شرطه،و یصیر المبیع للمشتری و قد تقدم أن المراد من صیرورة المبیع للمشتری کونه له مستقرا فإنه کان قبل انقضاء زمان الخیار له متزلزلا لا أنه لم یحصل الملک له أصلا علی ما سلکه الشیخ الطوسی و قد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا و کیف کان فلا شبهة فی صراحة هذه الروایة فی أن التلف فی زمان خیار الحیوان و الشرط ممن لا خیار له و ان کان ذلک أی التلف بعد القبض.

ص:519

و انما الکلام فی جریان هذا الحکم فی غیرهما من الخیارات،و قد استدل علی کونه من أحکام جمیع الخیارات بوجوه،منها الاتفاق،حیث انه قد ادعی صاحب الریاض و غیره کالمحقق آقا جمال فی حاشیة اللمعة الاتفاق علی جریان ذلک فی غیر خیاری الحیوان و الشرط من بقیة الخیارات.

و فیه أولا:أن وجود الاتفاق أعم من وجود الإجماع إذ یمکن أن یکون هنا اتفاق العلماء علی مسألة و لا یکون هنا إجماع تعبدی لوجود مخالف لم یصل الی مدعی الاتفاق فلا یلازم دعوی الاتفاق دعوی الإجماع التعبدی کما هو واضح.

و ثانیا:علی تقدیر أن یکون الاتفاق إجماعا فیمکن أن یکون مستنده الوجهان الإتیان فلا یکون هنا إجماع تعبدی أصلا کما هو واضح.

و ثالثا:لیس هنا اتفاق کیف فإنه خالف فی المسألة جملة من الأکابر کالمحقق و أمثاله کما هو لا یخفی.

الوجه الثانی:أنه قد ثبت ضمان المبیع علی البائع و ضمان الثمن علی المشتری قبل القبض فنشک فی ثبوت ذلک علیهما بعد القبض و فی زمن الخیار أی ثبوت الضمان علی البائع فی زمان خیار المشتری و ثبوت الضمان علی المشتری فی زمان خیار البائع و عدمه نستصحب ذلک حتی یصیر العقد لازما.

و فیه أولا أن الاستصحاب لا یجری فی الشبهات الحکمیة علی ما ذکرناه فی محله للمعارضة الدائمیة.

و ثانیا:أنه تعلیق فلا نقول بحجیة الاستصحاب التعلیقی و فیه أن الاستصحاب التعلیقی فیما إذا کان الحکم التعلیقی ثابتا بعد الاستصحاب ففی المقام الحکم الثابت قبل القبض نستصحبه بعده.

و ثالثا:أن الموضوع غیر باق فی حاله بداهة أن الضمان انما ثبت

ص:520

قبل القبض و کلامنا بعد القبض و قد تبدل موضوع القضیة المتیقنة إلی موضوع آخر فلا اتحاد بین موضوعی قضیتین المشکوکة و المتیقنة فلا یجری الاستصحاب مع تبدل الموضوع.

و رابعا:أن المقام من صغریات المسألة المتقدمة فی محلها من دوران الأمر بین العمل بالعام أو استصحاب حکم المخصّص و قد قلنا انه یتمسک بالعموم،فان مقتضی العمومات هو حصول المبادلة بین المالین و صیرورة کل منهما ملکا للآخر بحیث یکون تلف کل من مالکه الفعلی و قد خرج من ذلک العموم زمان قبل القبض فیبقی الباقی تحت العام کما هو مقتضی العمل بالعمومات بحسب الأزمان کما هو واضح،و قد تقدم ذلک مفصلا فی بعض المباحث السابقة.

و خامسا:أن الدلیل أخصّ من المدعی،فإنه قد لا یکون ضمان علی البائع من أول الأمر حتی قبل القبض لکی یستصحب ذلک الضمان بعد القبض فی زمن الخیار الی أن ینقض ذلک کما إذا کان المبیع عند المشتری قبل البیع و ح فلا ضمان للبائع حتی یستصحب ذلک الی زمان لزوم العقد کما هو واضح.

و علی الجملة فلا یمکن إثبات کون التلف فی زمن الخیار علی من لا خیار له بمثل هذه الوجوه،و اذن فلا بدّ من ملاحظة دلیل أصل الحکم أعنی الروایة الواردة فی المقام لیلاحظ أنه هل تشمل هذه الروایة لغیر خیاری الشرط و الحیوان أم لا،فان قلنا بأن المراد من قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان حتی ینقضی شرطه أو الشرط باللام خالیا عن الضمیر و کذا المراد من قوله علیه السلام فان کان بینهما شرط أیاما معدودة ان کان المراد من کلمة الشرط فی هذه الروایة الطبیعة المطلقة الشاملة لکل شرط سواء کان فی الحیوان أو فی غیره،و سواء کان مجعولا للمتعاقدین و ثابتا باشتراطهما

ص:521

أم لا کخیار المجلس و غیره و کذلک خیار الرؤیة و العیب و الغبن فلا شبهة فی صدق الشرط علی جمیع ذلک و علیه فمقتضی الروایة أن یکون التلف فی زمن أیّ خیار من مال من لا خیار له،و ان کان غیر خیاری الحیوان و الشرط و ان قلنا ان المراد من الشرط المذکور فی الروایة هو العهد بأن یراد منه خصوص الشرط فی خیار الحیوان المجعول للشارع أو خصوص الشرط الثابت فی خیار الشرط الثابت بجعل المتعاقدین فلا تشمل الروایة لغیر خیاری الحیوان و الشرط و لکن الظاهر هو الثانی،فإن الظاهر أن اللام فی قوله علیه السلام حتی ینقض الشرط إشارة إلی الشرط المعهود فی خیار الحیوان و هذا ظاهر لو کانت النسخة حتی ینقض شرطه،فان الضمیر یرجع الی الحیوان،و من هنا یتضح الحال من قوله علیه السلام ان کان بینهما شرط أیاما فإنه و ان لم یکن مصحوبا باللام و لا ملحوقا بالضمیر الاّ أن المراد منه هو الشرط الذی الشرط باللام الداخل فیه أی الشرط المعهود کما تقدم فإنهما قد ورد فی روایة واحدة فیکون ما هو المراد من مصحوب اللام هو المراد من الخالی منه،و کیف کان فارادة الطبیعة منهما خلاف الظاهر من الروایة،فإن محط الکلام فی الروایة هو الشرط فی بیع الحیوان و الشرط الذی جعل بجعل المتعاقدین علی أنه مع الغض عن ذلک أن قوله علیه السلام ان کان بینهما شرط أیاما معدودة ظاهر فی خیاری الحیوان،و الشرط بحیث یکون المراد من القید أعنی أیاما معدودة هو القید الاحترازی فلا نرید أن نتمسک بالمفهوم حتی یستشکل فیه بعدم حجیة مفهوم الوصف بل نقول ان مقتضی الظاهر أن قید الأیام قید احرازی بمعنی ان الموضوع من الأول مضیق بما إذا کان الشرط أیاما معدودة بحیث یکون محدودا من الأخیر فالحکم ثابت علی هذا الموضوع المضیق و لا شبهة أن الشرط أیاما معدودة و محدودا من الآخر لا یکون إلا فی خیار الحیوان الذی إلی ثلاثة

ص:522

أیام و فی خیار الشرط فإنه أیضا یکون أیاما بحسب الجعل و محدودا من الآخر.

و أما فی غیرهما و ان کان یمکن أن یکون أیاما و لکنه لا یکون محدودا من الأخر لیکون أیاما معدودة فإن الشرط فی غیرهما قد یکون قلیلا و قد یکون کثیرا،کما إذا کان المتبایعین محبوسین فی مکان،فان خیار المجلس یبقی مدة و قد یکون قلیلا کما إذا تفرقا بعد دقیقة و کذا خیار العیب و الرویة و الغبن هذا إذا قلنا بأن الخیار فی موارد خیار الغبن و الرؤیة و العیب،انما ثبت من الأول حیث أنه یمکن أن یکون قلیلا و یمکن أن یکون کثیرا،الاّ أنه غیر محدود بحد و لیس ذلک مثل خیار الحیوان لیکون ثلاثة أیام دائما و محدودا و لا مثل خیار الشرط لیکون أیاما عدیدة أیضا و محدودا و من هنا یعلم أنه لا تشمل الروایة لغرض قبل خیار الشرط لازما مدة العمر لعدم کونه محدودا و أما إذا قلنا بان الخیار فی أمثال ذلک،انما ثبت من زمان ظهور العیب فقط فشمول الروایة لها أشکل حتی مع القول بعدم اختصاص الحکم بخیاری الحیوان و الشرط بداهة أن الظاهر من قوله علیه السلام حتی ینقضی الشرط،و یصیر المبیع للمشتری،أن الحکم مختص بمورد لم یتصف العقد باللزوم بعد بحیث یکون لازما و یکون المبیع للمشتری ملکیة مستقرة بعد زوال زمن الخیار و أما إذا کان العقد لازما فی زمان و یکون الخیار طارء علیه بعد اللزوم بحیث یکون الخیار خیارا منفصلا،فلا شبهة فی عدم شمول الروایة لهذه الصورة أصلا لعدم صدق قوله علیه السلام حتی یصیر المبیع ملکا له کما هو واضح لا یخفی،فافهم،لان المبیع قد صار ملکا لازما له قبل ذلک و ظاهر الروایة أنه لم یصیر ذلک ملکا له کک،بل انما یکون کک بانقضاء زمن الخیار لما عرفت أن المراد من صیرورة المبیع ملکا له لیس هو کونه ملکا له حقیقة من ذلک الزمان،بل المراد أن یکون ملکا له

ص:523

لازما و الاّ کان ملکا له متزلزلا بنفس العقد.

و الحاصل:أنک قد عرفت الکلام فی الجهة الاولی و ملخّصه أنه لا شبهة فی أن التلف فی زمان خیار الحیوان و الشرط من مال البائع للروایات الخاصة فتکون تلک الروایات موجبة لرفع الید عن مقتضی القاعدة و هو کون تلف کل مال علی مالکه،و أما التعدی من خیار الحیوان و الشرط الی غیرهما فإنما هو من وجوه،و هی الاتفاق و الاستصحاب و الاستفادة من الروایة و شیء من ذلک لم یتم دلالتها علی المقصود و لا یمکن رفع الید بها عن مقتضی القاعدة و هو کون تلف مال کل مالک علی مالکه هذا هی الجهة الأولی.

الجهة الثانیة:أنک قد عرفت الکلام فی کون التلف فی زمان خیار

المشتری من مال البائع

و أن هذا الحکم مختص بخیاری الحیوان و الشرط و انما الکلام فی هذه الجهة فی أنه إذا کان الخیار للبائع و تلف المبیع فی زمان خیاره،فهل یکون ذلک من المشتری أم لا؟ أقول:تارة یقع الکلام بعد قبض المشتری المبیع و أخری قبله أما الکلام فی الأول فلا شبهة فی کون التلف من المشتری لکونه موافقا للقاعدة،إذ المفروض أنه مملوک له فیکون تلفه علی مالکه و لیس ذلک مثل الجهة الأولی بأن یکون التلف علی غیر المالک حتی نحتاج الی الدلیل الذی یکون مخرجا عن القاعدة کما هو واضح،بل هو موافق للقاعدة کما لا یخفی.

و أما إذا کان التلف قبل القبض ففی المقام تظهر الثمرة فإن قلنا بشمول قاعدة أن التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له شاملة لما قبل القبض أیضا فیکون التلف للمشتری مع أنه کان من البائع لکونه تلفا قبل القبض و ان قلنا بعدم الشمول کان التلف من البائع الظاهر أنه لا یکون من المشتری و أن القاعدة لا تشمل لما قبل القبض و ذلک لأن الظاهر من الروایات الدالة علی هذه القاعدة أی کون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له أنها واردة

ص:524

فی مقام توسعة ضمان البائع حیث ان ضمان المبیع علی البائع قبل القبض فقد أثبتت هذه القاعدة کونه علی البائع بعد القبض أیضا توسعة لذلک و ح لا معنی للالتزام بکونها تخصیصا لقاعدة أن التلف قبل القبض من مال البائع بان لا یکون له فی زمان خیاره للمشتری،بل کانت القاعدة حاکمة علیها و واردة فی مقام التوسعة القاعدة الاولی،و علیه فلا مورد لهذه القاعدة أصلا،أعنی قاعدة کون التلف لمن لا خیار له فیما لم یقبض البائع المبیع مع کون الخیار له فلا یکون هذه الصورة مشمولة للروایات الدالة علی کون التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له علی ان المذکور فی الروایات هو البائع و لم یذکر المشتری فی شیء منها بان یکون التلف من المشتری فی فرض کون الخیار للبائع کما هو واضح.

الجهة الثالثة:فی أن هذا الحکم مختص بالمبیع أو یشمل الثمن أیضا

بأن تلف الثمن فی زمان خیار البائع و علیه فإذا تلف الثمن فی بیع الخیار کان علی البائع دون المشتری،و ذلک من جهة أنا نعلم أن الضمان الثابت هنا عبارة عن ضمان واحد ثابت من أول العقد الی انقضاء زمان الخیار و هو عدم کون عهدة المبیع علی ذی الخیار و کون عهدته علی غیره،و من الواضح أن الثابت من حین العقد الی زمان القبض لیس الضمان الاّ انفساخ العقد بالتلف لا کون مثل المبیع أو قیمته علی البائع فیکون معناه بعد القبض أیضا کک فقد حکم الامام علیه السلام فی هذه الروایات باستمرار ذلک الضمان الثابت قبل القبض الی بعد القبض أیضا،و علیه فلا یکون هذه القاعدة مخصّصة للضمان قبل القبض،بل حاکمة لها بمعنی توسعة دائرتها فلو کان ضمان المبیع علی المشتری إذا تلف قبل القبض مع کون الخیار للبائع فلازمه أن یلتزم بضمان المثل أو القیمة و من هنا ظهر عدم شمول القاعدة مورد خیار تأخیر التسلیم کما هو واضح،فافهم.

ص:525

و قد عرفت أن ما دل علی تسریة الحکم الی غیر خیار الحیوان و الشرط انما هو بأحد وجوه ثلاثة الاتفاق و الاستصحاب و الاستفادة من الروایات و قد عرفت الجواب عن جمیع ذلک،و هل یمکن التمسک بشیء من تلک الوجوه هنا لتسریة الحکم الی الثمن أم لا؟و الظاهر أنه لا یصح،أما دعوی الاتفاق فهی مجازفة لعدم تصریح أحد بذلک ممن یعتد بقوله من الأکابر،فکیف یمکن دعوی الإجماع هنا و علی تقدیر ثبوته،فالجواب هو الجواب الذی تقدم فی الجهة الاولی.

و أما الاستصحاب فیقرب بأن الثمن قبل أن یقبضه المشتری من البائع کان ضمانه علی المشتری دون البائع،فإذا أقبضه منه و کان الخیار للبائع فانا نشک فی بقاء الضمان علیه،و عدمه فنستصحب ضمان المشتری قبل الإقباض.

و لکن یرد علیه جمیع ما ذکرناه فی الجهة الاولی من عدم کون الاستصحاب حجة فی الشبهات الحکمیة و من تبدل الموضوع بداهة أن الضمان کان علی المشتری قبل القبض،ففی المقام بعد القبض و من کون الدلیل أخص من المدعی،فإنه قد لا یکون ضمان الثمن علی المشتری من الأول فلا یکون هنا موضوع للاستصحاب و من أن مقتضی العمومات هو کون العقد ثابتا بعد التحقق فی جمیع الأزمنة إلاّ فیما کان التلف فی زمن خیار المشتری فی خیاری الشرط و الحیوان،فإنه یکون العقد ح منفسخا،ففی المقام لا دلیل علی الانفساخ لعدم الوجه لاستصحاب حکم المخصص.

و بعبارة أخری ان المقام من قبیل دوران الأمر بین الحکم بحکم العام و بین العمل بحکم المخصّص و قد ذکرنا مرارا هنا و فی الأصول أنه یتمسک بالعام فی غیر زمان التخصیص دون استصحاب حکم المخصص کما هو واضح فما ذکره المصنف(ره)من التمسک بالاستصحاب ضمان المشتری قبل القبض

ص:526

لا وجه له.

و قد بقی الکلام فی أن هذا الاستصحاب الذی یتوهم جریانه فی المقام و فی الجهة الأولی أیضا استصحاب تنجیزی أو استصحاب تعلیقی،فنقول ان کان معنی الضمان هنا عبارة عن کون مثل التالف أو قیمته ثابتا علی عهدة البائع الذی لیس له خیار،فالاستصحاب تنجیزی کما التزم به شیخنا الأستاذ مع کون مبناه أن الضمان بمعنی انفساخ العقد الذی مقتضاه أن یقول بکون الاستصحاب تعلیقیّا الذی لا یقول بحجیته بداهة أن ضمان الثمن کان علی المشتری قبل الإقباض و عهدته علیه و ثبوت المثل أو القیمة علی تقدیر التلف من أحکام ذلک،و من آثار ثبوت العهدة علی المشتری لا أن معنی الضمان عبارة عن التعهد بالمثل أو القیمة علی تقدیر التلف لکی یقال ان الاستصحاب تعلیقی بمعنی أنه لو تلف کان مثله أو قیمته علی المشتری فان هذا الحکم کان ثابتا قبل القبض فنستصحب بعد القبض أیضا،و علی هذا فالاستصحاب تنجیزی و لکنه لا یجری فی المقام لأنه من القسم الثالث للاستصحاب الکلی لأن ثبوت العهدة علی المشتری قبل الإقباض موجود حیث لم یقبض الثمن،و أما بعده فنشک فی حدوث سبب آخر للضمان و فرد آخر یوجب ثبوت العهدة علی المشتری مقارنا لذهاب الفرد الأول من سبب الضمان و هو کون المال تحت یده قبل القبض فلا یجری الاستصحاب فی ذلک.

و بعبارة اخری أن الضمان قبل القبض انما هو من جهة الشرط الضمنی فیرتفع موضوعه بالتسلیم و ثبوته بعده انما هو سبب آخر مشکوک الحدوث فالمستصحب داخل فی القسم الثالث من استصحاب الکلی فلا یجری الاستصحاب فی مثل ذلک،و أما إذا کان الضمان هنا بمعنی انفساخ العقد کما علیه المصنف و أن المبیع أو الثمن یدخل فی ملک الضامن آنا ما فیتلف

ص:527

من ملکه فیکون الاستصحاب تعلیقیا لأن الانفساخ انما یثبت و یتحقق بعد التلف فالانفساخ علی تقدیر التلف حکم تعلیقی فاستصحابه بعد التلف یتوقف علی جریان الاستصحاب التعلیقی،فلا نقول به کما لا یقول به شیخنا الأستاذ فیکون هذا اشکالا آخر للتمسک بالاستصحاب هنا و فی الجهة الأولی کما لا یخفی سیأتی الکلام فیه إنشاء اللّه تعالی.

و أما استفادة حکم ذلک من الأخبار سواء قلنا بالتعدی عن خیار الحیوان و الشرط أم لم نقل بذلک،فلا یمکن ذلک لأن المذکور فی الروایات انما هو تلف المبیع دون الثمن فیکون فرض تلفه خارجا عن حدود الروایات کما هو واضح،الاّ أن تمسک بها من جهة تنقیح المناط بدعوی أن المناط فی کون تلف المبیع علی البائع فی زمان الخیار انما هو تزلزل العقد و هذا المناط موجود فی صورة کون التالف هو الثمن فی زمان خیار البائع فیکون تلفه علی المشتری و لکنه واضح البطلان لکونه مبنیا علی جواز العمل بالقیاس و الاستحسان و نحن لا نقول به فلا یمکن تعدیة الحکم الی الثمن سواء قلنا بتعدیته الی غیر خیار الحیوان و الشرط أم لا؟و من هنا ظهر أنه لا وجه لتوهم کون التلف ممّن علیه الخیار فی بیع الخیار بان باع داره بثمن و جعل لنفسه الخیار إلی سنة ثم تلف الثمن فی ذلک زمان فإنه لا یکون علی البائع.

الجهة الرابعة:فی أن المراد من الضمان الذی نبحث فی ذلک أی

شیء

هل المراد منه ثبوت عهدة المبیع علی البائع بالمثل و القیمة أو المراد من ذلک انفساخ العقد،و الذی یظهر من الشهید و اختاره شیخنا الأستاذ هو الأول،و لکن المشهور المعروف بل المتسالم علیه هو الثانی کما اختاره فی المتن و الوجه فی ذلک أمران:- الأول:أن الظاهر من الضمان الذی ثبت فی المقام هو ضمان واحد

ص:528

ثابت من أول العقد و ابتدائه إلی انتهاء خیار الحیوان و الشرط أو خیار آخر أیضا بناء علی التعدی من خیاری الحیوان و الشرط الی غیرهما.

و لا شبهة أن الضمان الثابت قبل القبض لیس الا هو انفساخ العقد علی تقدیر التلف و لم یتوهم أحد کون الضمان هنا هو التعهد بالمثل أو القیمة،بل معناه هو انفساخ العقد و فرضه کأن لم یکن إذ الشارع قد حکم بکونه أی التلف قبل القبض من البائع و کأنه لم یتحقق العقد و لم یخرج البائع من ضمان العین بالإقباض و إذا کان قبل القبض بهذا المعنی، فیکون کک بعد القبض أیضا فإن الظاهر أن الضمان الوارد فی الروایات الدالة علی أن التلف فی زمن الخیار ممن لا خیار له بمعنی واحد و علی نهج فارد کما لا یخفی.

و دعوی ثبوت القاعدة فی مورد خیار التأخیر بلا وجه،و قد تقدم عدم ثبوت القاعدة قبل القبض لیکون مقتضیا للضمان قبل القبض بأن یکون التلف من المشتری فی زمان خیار البائع.

الأمر الثانی:أن المذکور فی الروایات أن التلف فی زمن الخیار من مال البائع فی جواب السائل عن کون الضمان علی من،و لا شبهة أنه انما یکون من مال البائع إذا کان الضمان هنا بمعنی انفساخ العقد فإنه یکون المبیع للبائع أنا ما قبل التلف ثم یتلف و أما إذا کان الضمان بمعنی التعهد بالمثل أو القیمة فلا یکون التلف من مال البائع،بل یکون من مال شخص آخر إذ لا معنی لنسبة التلف الی مال البائع مع کون التالف مال شخص آخر فیعلم من ظاهر الروایة أن الضمان هنا بمعنی انفساخ العقد کما هو واضح.

الجهة الخامسة:من الکلام فی أن مورد هذه المسألة هل هو العین

الشخصیة

بأن باع شیئا فتلف فی زمن الخیار سواء کان مختصا بالمبیع أو أعم منه،و من الثمن و سواء کان مختصا بخیاری الحیوان و الشرط أو أعم منهما

ص:529

أو یعم مورد البحث عین الکلیة أیضا بأن باع کلیّا و اقبض فردا منه ثم تلف ذلک الفرد فی زمن الخیار،الظاهر هو الأول لوجهین:- الأول:أن ما وقع علیه العقد انما هو الکلی دون الفرد،و الفرد انما دفعه البائع إلی المشتری من جهة انطباق الکلی علیه لا أنه هو المبیع و لذا لو ظهر فیه عیب أو غش أو تخلف وصف یبدله بشخص آخر غیره،لا أنه یکون مخیرا بین الفسخ و الإمضاء مع الأرش أو مجانا کما کان الأمر کذلک لو ظهر المبیع الشخصی معیوبا،و فی المقام أیضا کک فإنه إذا باع کلیّا و سلّم فردا منه و تلف ذلک فی زمان خیار الحیوان،أو الشرط،فإنه لا یکون ذلک من مال البائع لعدم کون المبیع تالفا،فإنه هو الکلی و الکلی لا یتلف و انما التالف هو ما انطبق علیه الکلی،و من الواضح أن الظاهر من الروایة هو أن یکون التالف هو المبیع بنفسه کما هو واضح لمن راجع إلیها.

الوجه الثانی:انک قد عرفت أن الضمان هنا بمعنی انفساخ العقد و کون التالف علی البائع کأن لم یکن هنا عقد أصلا،بحیث یکون المبیع داخلا فی ملک البائع آنا ما قبل التلف فیکون تلفه علیه،و لا معنی لانفساخ العقد الواقع علی الکلی،بإتلاف الفرد کما ذکره المصنف(ره).

الجهة السادسة:أنه هل مورد البحث مختص بما إذا کان التالف

مجموع المبیع أو یعم

بما إذا کان التالف جزء منه أو وصفا من أوصافه الصحة، بل وصفا غیر دخیل فی الصحة و أنه علی تقدیر عمومه لذلک فما هو معنی الضمان هنا،فقد ذکر المصنف أن معنی الضمان فی فرض کون التالف هو جزء المبیع انفساخ العقد فی الجزء کبیع ما یملک و ما لا یملک فی صفقة واحدة فإنه یفسخ فی أحدهما دون الآخر لانحلاله الی بیعین و سکت عن کون التالف وصفا من أوصاف المبیع سواء کان ذلک وصف الصحة أم لا،و لکن الظاهر أن مورد البحث لا یعم بصورة کون التالف جزء من المبیع أو وصفا

ص:530

من أوصافه.

و الذی ینبغی أن یقال هو أن مورد البحث مختص بتلف المبیع بأجمعه،فلا یعم بما إذا کان التالف جزء منه أو وصفا من أوصافه و ذلک لأن الظاهر من قول السائل إذا حدث فیه حدث علی من یکون ضمانه و من قوله علیه السلام علی البائع،و ان کان یشمل تلف الجزء و الوصف کلیهما و هذا لا شبهة فیه،و لکن لا بدّ و أن یلاحظ أن المراد من الضمان هو التعهد بالعین و کون عهدتها علی الضمان،و هذا معنی واحد یشمل لصورة تلف العین قبل القبض و بعده فی زمان الخیار فیکون العقد منفسخا و یکون المراد من کون عهدة العین التالفة علی البائع کون التلف فی ملکه کأنه لم یقع علیه العقد و فی صورة کون التالف هو الوصف کون العهدة علی البائع عبارة عن فرض هذا التلف قبل البیع،فلو کان البیع واقعا علی مبیع بعنوان کونه واجدا لوصف الصحة أو الکمال الموجب لزیادة المالیة أو لوصف لا یکون دخیلا فی زیادة المالیة ثم علم بذلک فإن المشتری یکون له الخیار أی خیار تخلف الوصف و فی فرض ظهور المبیع معیوبا یکون مخیرا بین الفسخ و الإمضاء مجانا أو مع الأرش،و قد تقدم تفصیل ذلک و کون الأرش واقعا فی الطول أو العرض.

و إذ عرفت ذلک ففی المقام أیضا کذلک حیث ان المبیع إذا حدث فیه حدث فی زمان الخیار،فمعنی کون التلف علی البائع فرض ذلک الحدث فی المبیع قبل وقوع العقد علیه،فکما کان المشتری فی فرض ظهور المبیع معیوبا أو فاقدا للوصف مخیرا فی فسخ العقد و إمضائه،و فی صورة کونه معیوبا کان له أخذ الأرش أیضا،و کذلک له ذلک إذا کان حدوث الحدث فیه فی زمان الخیار کما تقدم و من هنا اتضح أنه لا ینفسخ العقد فی صورة تلف جزء المبیع کما ذهب الیه شیخنا الأستاذ بل یثبت للمشتری خیار الفسخ بداهة

ص:531

أن الظاهر من الروایات الدالة علی کون التالف من مال البائع أن یکون مجموع المبیع تالفا لا بعضه و من جمیع ما ذکرناه ظهر أنه لا یکون الضمان الوارد فی الروایات فی هذه المسألة مستعملا فی أکثر من معنی واحد لما عرفت أنه بمعنی کون التالف علی عهدة البائع و هذا المعنی تختلف بحسب اختلاف المصادیق و لا شبهة أن اختلاف المصادیق بحسب الموارد أجنبی عن استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد کما لا یخفی،و أیضا ظهر من ذلک أن ما ذکرناه سابقا من کون الاستصحاب تنجیزیا متوقف علی کون الضمان بمعنی العهدة و فی المقام بمعنی الانفساخ فیکون الاستصحاب تعلیقیا لیس کذلک،بل الضمان بمعنی انفساخ العقد فیکون الاستصحاب تنجیزیا کما هو واضح.

و أما ما دل علی کون ضمانه علی البائع فی زمان خیار المشتری إذا حدث فیه حدث فقد عرفت معناه و أن المراد من ذلک فرض الحدث حادثا قبل البیع کما لا یخفی.

و علی الجملة فلا یستفاد من الروایات انفساخ العقد بالنسبة إلی الجزء الفائت فی زمان الخیار.

لا یقال ان البیع و ان کان بحسب الحدوث واحدا و لکنه منحل الی الاجزاء کما فی بیع ما یملک مع ما لا یملک،و علیه فلا بأس من الالتزام بانفساخ العقد فی الجزء الفائت کما ذهب الیه المصنف و اختراه شیخنا الأستاذ أیضا.

فإنه یقال ان الانحلال و ان کان صحیحا بحسب نفسه و لکن لا یمکن الالتزام به فی جمیع الموارد،بل یختلف بحسب اختلاف الأحکام کما تقدم فی خیار المجلس فإنه إذا باع أحد شیئین بصفقة واحدة و ان کان البیع منحلا إلی شیئین و لکن لیس له أن یفسخ العقد فی أحدهما بخیار المجلس

ص:532

دون الآخر فان الانحلال لا یجری بالنسبة إلی مثل هذا الأحکام الثابتة لمجموع المبیع بما هو مجموع و مقامنا أیضا من هذا القبیل حیث ان الظاهر من الدلیل أن التلف انما یکون موجبا لانفساخ العقد إذا کان واقعا علی مجموع المبیع لا علی بعضها و ان کان البیع الواقع علی کل جزء بحسب الانحلال و لکن بیعا مستقلا و الانحلال لا یجری بالنسبة الی هذا الحکم لکونه علی خلاف الظاهر من الروایة کما هو واضح،فافهم.

الجهة السابعة:أنه لا شبهة فی أنه إذا کان التلف بآفة سماویة أو

نحوها

بان اقترسه حیوان أو مات لمرض و نحوه کالسقوط من شاهق أن التلف یکون ح من مال البائع،فیما إذا کان التلف فی زمان خیار المشتری،هذا هو مورد الروایات لقوله علیه السلام أو هلک،فان الظاهر من ذلک هو هلاکة بمعنی إتلاف متلف،و هل یعم الحکم بصورة الإتلاف بان یستند التلف الی فعل أحد الصادر عنه بالإرادة و الاختیار فیکون ح أیضا من مال لا خیار له.

أو لا یعم الحکم بذلک،بل یکون التلف من المتلف فنقول ان الصور المعقولة المتصورة فی المقام لا یخلو عن ثلاثة:- الاولی:أن یکون المتلف هو الذی کان علیه الخیار کالبائع مثلا.

الثانیة:أن یکون هو المشتری الذی له الخیار.

الثالثة:أن یکون المتلف هو الشخص الأجنبی.

أما الصورة الاولی:فلا شبهة أن التلف یکون علیه لأنه هو السبب التام فی ذلک فمقتضی قاعدة الضمان بالإتلاف یکون التلف محسوبا علیه من غیر احتیاج إلی قاعدة کون التلف فی زمن الخیار علی من لا خیار له.

و أما الصورة الثانیة:فکک أیضا فإن الضمان انما علی المشتری فلا یکون ذلک موجبا لانفساخ العقد،و الاّ لا یتمکن أحد من شراء حیوان و ذبحه و أکله و ضیافته فی زمان الخیار،فإنه بالذبح المجرد ینفسخ العقد و یفرض

ص:533

کالعدم و یکون المذبوح راجعا الی ملک البائع کما هو واضح،و هذا علی خلاف الضرورة من الشرع و العقلاء،بل إتلاف ذی الخیار المبیع مع العلم بالحکم یکون إسقاطا للخیار و التزاما للعقد،و الحاصل أن اقدامه بإتلاف المبیع بإرادته و اختیاره موجب لثبوت الضمان له و إسقاط خیاره و إقرار للعقد فلا یکون مثل هذا الإتلاف وسیلة لکون التلف ممن لا خیار له کما هو واضح.

و من هنا ظهر الحال فی الصورة الثالثة أیضا حیث ان ضمان ذلک المال علی المتلف لا علی من علیه الخیار کما لا یخفی.

ثم ان هنا مسألة أخری یوهم کلام المصنف الخلط بینها و بین المسألة

المتقدمة من تجزیة الإتلاف عن التلف

فیتخیل أن المسألة الثانیة من تتمة المسألة الاولی و من ذیلها و لکن الأمر لیس کک،بل غرض المصنف مع غلق عبارته و اضطرابه أنه استند التلف إلی الإتلاف فما ذا یصنع فی المقام فهل یبقی الخیار فی حاله أو لا،و مع فسخ ذی الخیار فی هذه الحالة الی من یرجع و ذکر أنه ان کان المتلف هو ذی الخیار فلا شبهة فی سقوط خیاره فان العقد لازما بهذا التصرف کما عرفت فلا خیار له،و ح و ان کان المتلف هو من علیه الخیار کان خیار المشتری باقیا فی حاله فإن أراد أن یفسخ العقد و یرجع الی الثمن الذی هو عین ماله السابق علی العقد و ان أراد ان یمضی العقد فیرجع الی من علیه الخیار فهو البائع فی المقام و یأخذ منه بدل المبیع و هذا أیضا لا کلام فیه و انما الکلام فیما إذا کان المتلف هو الأجنبی فإنه ح لا شبهة فی بقاء خیار المشتری علی حاله فإن أمضی العقد أو خرج زمان الخیار و لم یمض العقد فیرجع هو الی الأجنبی و یأخذ منه بدل ماله و هذا أیضا لا شبهة فیه و ان فسخ العقد فمقتضی قانون الفسخ أن یرجع کل من العوضین الی مالکه الأصلی و ح فلا شبهة فی رجوع

ص:534

الثمن الی ملک المشتری فیرجع المشتری الی البائع و یأخذ الثمن منه کما لا شبهة فی رجوع بدل المبیع إلی البائع و لکن الکلام فی أن البائع هل یرجع الی المشتری أو لا.

و الحاصل:أن المتلف لا یخلو اما أن یکون هو البائع الذی علیه الخیار أو المشتری الذی له الخیار أو الأجنبی أما الأول فلا شبهة فی کون ضمان التالف علیه لقاعدة الضمان بالإتلاف.و ح لا تصل النوبة إلی قاعدة أن التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار بحیث یحکم بانفساخ العقد فإن القاعدة فی مورد لا یکون هنا ما یدل علی ضمان شخص معین بالخصوص سواء کان هو من له الخیار أو من علیه الخیار،بل المشتری الذی له الخیار مخیر بین إمضاء العقد و الرجوع الی البائع بالمثل أو القیمة أو الفسخ و الرجوع الی الثمن.

و ان کان المتلف هو المشتری فلا شبهة أن ضمانه علیه،بل یسقط خیاره أیضا فضلا عن أن یکون التلف من مال من لا خیار له،فان هذا النحو من التصرف کاشف عن رضاه بالعقد فیکون لازما و هذا مما لا ریب فیه.

و أما إذا کان المتلف هو الأجنبی فأیضا یکون الضمان هو الأجنبی لقاعدة الضمان بالإتلاف فلا یتوهم فی شیء فی صور الإتلاف کون التلف ممّن لا خیار له.

نعم،لو کان هنا أیضا دلیل علی کون التلف من مال من لا خیار له لأخذنا به و لکنه منتف فلا بدّ من الرجوع الی دلیل آخر و هو قاعدة الضمان بالإتلاف.

ثم انه لا شبهة فی بقاء خیار المشتری إذا کان المتلف هو الأجنبی کما أنه کان باقیا فی فرض کون المتلف هو البائع و ح ان کان راضیا بالعقد و ممضیا له فلا شبهة فی لزوم العقد و سقوط خیاره فیتعین علیه الرجوع الی

ص:535

الأجنبی و ان فسخ العقد فإنه یرجع الی البائع الذی من علیه الخیار فیأخذ الثمن منه،و اما البائع فهل یرجع هو الی المشتری أو إلی الأجنبی أو یتخیّر فی الرجوع الی أی منهما شاء،وجوه و قبل التعرض لبیان مدرک الوجوه و ترجیح المختار منها علی غیره لا بدّ و ان یعلم أن مورد البحث فی کلام المصنف هو تلف المبیع و أن الفاسخ هو المشتری کما هو مسوق الکلام من الأول فما ذکره شیخنا الأستاذ من جعل مورد البحث هو تلف الثمن و أن الفاسخ هو البائع استنادا إلی أمور و قرائن استفادها من العبارة لا وجه له.

نعم،الظاهر ان کلمة الفاسخ فی الموارد الثلاثة و کلمة المفسوخ علیه فی آخر العبارة اما من سهو القلم أو من اشتباه النساخ فإنه لا بدّ و ان یکون المذکور مکان الفاسخ کلمة المفسوخ علیه و فی مکان کلمة المفسوخ علیه کلمة الفاسخ کما هو واضح.

أما الوجه فی رجوع البائع إلی المتلف فقد ذکر المصنف فیه وجهین:

الأول:أن بدل العین التالفة انما هو فی ذمة المتلف.

و الثانی:أن العین التالفة بعد الفسخ ملک للمالک السابق و هی فی عهدة المتلف فتکون کما لو کانت موجودة عنده،فلا بدّ من الرجوع علیه و أجاب المصنف عن ذلک أن البدلیة إنما هی بالنسبة إلی التلف من حیث وجوب دفعه الی المالک و أن ذمة المتلف غیر فارغة عن ذلک لا أنه یترتب علی هذا البدل جمیع الآثار المترتبة علی العین بحیث کما أن العین لو کانت موجودة فی ید الأجنبی کان البائع المفسوخ علیه یرجع الیه و کذلک البدل و لیس کک،بل البدل مثل العین فی اشتغال ذمة المتلف بذلک فقط لا فی جهة أخری و ح فیرجع البائع إلی المشتری،فالمشتری یرجع الی الأجنبی،و أیضا أن مقتضی الفسخ و ان کان عود العین التالفة إلی المالک

ص:536

السابق لکن تلک العین التالفة مضمونة ضمانا معاوضیا علی المشتری الذی یفسخ العقد بحیث لا بدّ له أن یعطی البدل للبائع الذی هو المالک السابق للمبیع و علیه فلا بدّ و أن یخرج المشتری عن عهدة ذلک و یعطی بدله للبائع و اذن فیرجع البائع الیه و أما الأجنبی فهو ضامن ضمانا غرامیّا بالنسبة إلی المالک حین الفسخ،و هو من له الخیار و علیه فالوجه هو الرجوع الی المشتری.

و قد اختاره السید فی حاشیته و أیده بأن الأمر کذلک فی الإقالة أیضا،فإن فیها أیضا یرجع البائع إلی الآخر و ان کان المتلف هو الأجنبی.

و علی الجملة حکم الفسخ و الانفساخ مطالبة العوض من الطرف کما هو قانون الفسخ فإنه یقتضی أن یخرج کل من المتبایعین عن عهدة العوض و یرجع ذلک الی ما انتقل عنه ذلک العوض الیه کما هو واضح.

و أما وجه التخیر فقد ذکر المصنف أن ید الفاسخ ید ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقیمة بعده و إتلاف الأجنبی أیضا سبب للضمان فیتخیر فی الرجوع ثم ذکر أن هذا أضعف الوجوه.

أقول:الظاهر أن القول بالتخیر أصح الوجوه،و ذلک من جهة أن جواز الرجوع الی الفاسخ لأجل ضمان المعاوضة فإن مقتضی الضمان المعاوضی أن یرجع البائع إلیه بالثمن فإذا فسخ المشتری العقد فیرجع البائع إلیه بالمبیع کما هو مقتضی قانون الفسخ فحیث کانت العین تالفة فیرجع الی بدلها کما هو واضح.

و أما جواز رجوعه الی المتلف فمن جهة أن المتلف قد اشتغلت ذمته ببدل العین التالفة بمقتضی قاعدة الضمان بالإتلاف و کان اللازم علیه أن یعطی ذلک الی المشتری حدوثا الی زمان فسخ المشتری العقد،و إذا فسخ المشتری العقد کانت ذمته مشغولة ببدل العین التالفة بقاء بالنسبة

ص:537

إلی البائع کما إذا کان مال أحد تحت ید أجنبی أما بعنوان الغصب أو بعنوان الامانة فمات المالک فإنه لا بد أن یعطی ذلک الی وارثه و هکذا لو کانت ذمته مشغولة لأحد لأجل إتلاف ماله ثم مات المالک فإنه یجب علیه أن یعطی بدله لوارثه و المقام أیضا کک کما هو واضح.

و اذن فخیار للمفسوخ علیه أن یتخیّر بین الرجوع الی الفاسخ أو المتلف ثم انه لا یفرق فی الحکم بالتخییر بین القول بأن ضمان المتلف بقیمة یوم التلف أو أعلی القیم،أو قیمة یوم المطالبة،فإنه إذا قلنا بقیمة یوم التلف مع کونه زائدا عن قیمة یوم الفسخ،و المطالبة،یعتبر من حین الفسخ اشتغال ذمة المتلف بذلک القیمة و لا یلزم من ذلک أن نقول یتعین الرجوع الی الفاسخ و الاّ لزم أن یکون الزائد عن قیمة یوم الفسخ للفاسخ کما هو واضح.

نعم،فرق بین الرجوع الی المتلف و الفاسخ فإنه ان رجع الی الفاسخ فیرجع الفاسخ الی المتلف و ان رجع الی المتلف فلا یرجع المتلف الی أحد لاستقرار الضمان علیه کما هو واضح،و من هنا ظهر أنه لا وجه لقیاس المقام ببیع ذی الخیار المبیع من شخص آخر فی زمان الخیار فإنه بعد الفسخ لا یرجع البائع إلی المشتری الثانی لعدم اشتغال ذمته فعلا ببدل العین التالفة حتی ینتقل ذلک الی البائع بقاء،نعم یصح قیاسه بباب تعاقب الأیدی فی الغصب مع تلف العین المغصوبة کما هو واضح.

قوله:مسألة و من أحکام الخیار ما ذکره فی التذکرة فقال لا یجب علی
اشارة

البائع تسلیم المبیع و لا علی المشتری تسلیم الثمن فی زمان الخیار.

أقول:أن هنا فرعان:-

الأول:أنه لا یجب علی البائع تسلیم المبیع فی زمان إذا لم یسلم

المشتری الثمن

و ذلک من جهة الشرط الضمنی فإن العقلاء بانون علی اشتراط

ص:538

تسلیم المبیع بتسلیم الثمن فبانتفاء الثانی لا یجب الأول و هذا واضح.

الفرع الثانی:انه إذا سلم البائع المبیع لا یجب علی المشتری تسلیم

الثمن فی زمان خیاره

بتوهم أنه من أحکام الخیار و قد استشکل علیه بأنه بأی دلیل لا یجب ذلک فمجرّد کون المشتری له الخیار لا یثبت جواز تأخیر التسلیم،بل لا بدّ و ان یکون له دلیل و لذا ذکر المصنف أیضا أنه لا نعرف وجها لهذا الحکم.

نعم،لو قلنا بمقالة الشیخ الطوسی(ره)علی ما نسب الیه من القول بتوقف حصول الملک علی انقضاء زمان الخیار،و أنه لم تحصل الملکیة قبل ذلک لتوجّه ما ذکره العلامة من عدم وجوب التسلیم علی المشتری فی زمان خیاره،و ان سلم البائع أیضا المبیع إلیه إذ لیس الثمن ملکا للبائع حتی یجب تسلیمه الیه کما أن المبیع لیس ملکا للمشتری و ان سلمه البائع الیه،و لکن قد تقدم الإشکال فی ذلک و عدم الدلیل علیه و قلنا ان مقتضی العمومات حصول الملکیة لکل من البائع و المشتری من أول العقد غایة الأمر تکون الملکیة فی زمان الخیار متزلزلة و انما تستقر بانقضاء زمان الخیار کما لا یخفی.

ثم ان شیخنا الأستاذ قد تعجب من قول المصنف حیث ذکر أنا لا نعرف وجها للقول بعدم وجوب تسلیم الثمن علی المشتری مع تسلیم البائع المبیع إیاه،ثم ذکر الوجه فی ذلک و حاصله أن أدلة الوفاء بالعقد قد خصّصت بمدلولاتها المطابقیة و هی لزوم العقد بالأدلة الدالة علی ثبوت الخیار للمتبایعین أو لأحدهما و کان العقد فی زمان الخیار جائز و متزلزلا،بحیث کان العقد بجمیع مدلولاته المطابقیة و الالتزامیة تحت ید ذی الخیار لا یجب علیه التسلیم کما لا یجب علیه الوفاء بأصل العقد فلا یکون هذا مخالفا لقاعدة السلطنة لأن من لا خیار له لو انتقل الیه المال علی نحو کان لمالکه الأصلی التسلّط علی عدم التسلیم لم یثبت له السلطنة المطلقة.

ص:539

و بالجملة ان قاعدة السلطنة قابلة للتضیق و کیف أن الوجه فی عدم وجوب تسلیم الثمن علی المشتری فی زمان خیاره قدرته علی فسخ العقد فحیث کان قادرا علی ذلک فقادر علی لوازمه و من جملة لوازمه عدم وجوب تسلیم الثمن کما هو واضح.

و لکن هذا الکلام،الکلام عجیب منه من جهة أن دلیل التخصیص انما ورد علی العمومات من حیث دلالتها علی لزوم العقد مطلقا و جعله جائزا فی زمان الخیار و أما الملکیة الحاصلة من أول العقد فهی باقیة علی حالها و غیر مخصّصة بأدلة الخیار،و ح فلا یجوز لذی الخیار المنع من تسلیم العوض فإنه تصرف فی مال الغیر بدون اذنه فهو حرام.

و دعوی تضییق دائرة دلیل السلطنة بأدلة الخیار أو انصراف الأدلة الدالة علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون اذنه عن موارد البیوع الخیاریة کما عن بعض دعوی جزافیة بداهة أنه لا دلیل علی التضییق و لا موجب للانصراف،بل لا بدّ من الأخذ بمفادها و الحکم بوجوب تسلیم مال الغیر الیه الاّ إذا رضی بالبقاء عنده.نعم یمکن توجیه عدم وجوب التسلیم کما ذکره العلامة من جهة انه لا یتعین التسلیم لعدم لزوم العقد،بل ان یفسخ العقد فمراد من التزم بعدم التسلیم ان ذی الخیار له فسخ العقد لکی یکلف بالتسلیم فیکون البیع لم یقع کما هو واضح و لکن هذا توجیه بعید کما ذکره فی المتن و مع ذلک ذکرانا لا نعرف وجها لذلک أی لعدم وجوب التسلیم لذی الخیار.

قوله:مسألة:قال فی عد لا یبطل الخیار بتلف العین.

أقول:لا شبهة أن موضوع هذا البحث انما هو صورة عدم انفساخ العقد و علیه فلا تزاحمها قاعدة التلف قبل القبض و قاعدة التلف فی زمان خیار الحیوان أو خیار الشرط،فإنک قد عرفت أن مقتضی القاعدة فی هذه الموارد هو انفساخ العقد کما هو واضح،و أیضا أن مورد البحث ما إذا لم یکن اعمال الخیار فیه متوقفا علی بقاء العین کما فی مورد خیار العیب بداهة

ص:540

أنه یتوقف علی بقاء العین بحالها فلو تغیّرت عما وقع العقد علیه و لم تکن العین قائمة بعینها سقط الخیار و یکون النزاع فی سقوطه بالتلف أو بقائه لغوا کما هو واضح،بل یتعین علیه أخذ الأرش و السر فی ذلک أن المستفاد من روایات خیار العیب هو کون الخیار متوقفا علی رد المعیوب و أیضا أن مورد البحث ما إذا لم یکن الخیار بحسب جعل المتعاقدین مختصّا بصورة بقاء العین بأن یکون المجعول هو الحصة الخاصة من الفسخ فیکون المقتضی من الأول مضیقا کما إذا جعل لنفسه الخیار فی بیع مقیدا برد مثل الثمن کأن باع داره بثمن معین و اشتراط جواز رده برد مثل الثمن إلی مدة خاصة و تلف الدار فی ضمن هذه المدة فإنه یسقط الخیار بالتلف فلا یبقی خیار هنا فان المجعول انما کان هو الخیار الخاص و الفسخ الخاص اعنی الفسخ مع بقاء العین کما هو واضح.

و کذا الحال إذا کان الخیار متعلقا برد العینین کما فی المعاملات فإنه بناء علی کونها جائزة فإنما یکون جواز الرد متعلقا بالعین و هذا انما یتحقق ما دام العین باقیة فی حالها و إذا تلفت سقط موضوع جواز الرد أصلا کما هو واضح،بل یحکم بلزوم العقد.

إذا عرفت ذلک فنقول انه وقع الکلام فی سقوط الخیار و عدمه فی جملة من موارد الخیارات کخیار الغبن فان المحقق الثانی تردد فی سقوط خیار الغبن بتلف المغبون فیه و منها المرابحة فیما إذا ظهر کذب البائع فی رأس المال بأن أخبر بأنه اشتراه عشرة دراهم و یأخذ منه الربح درهمین فیکون الثمن اثنا عشر درهم،فظهر أنه اشتراه بثمانیة دراهم فإنه قد تخلف الشرط فی المقام فقد وقع الخلاف فی سقوط الخیار هنا بتلف العین و عدمه.

و قد تردد العلامة فی ذلک،بل عن المبسوط الجزم بالعدم و علّل ذلک بأن الرد انما یتحقق مع بقاء العین،و لکن قوی فی المسالک و جامع المقاصد ثبوته،و منها خیار الرؤیة فإن المحقق الثانی ألحقه بخیار الغبن فی سقوطه بتلف العین و کذلک تلف الثمن فی خیاری الحیوان و الشرط

ص:541

المجعول علی نحو الإطلاق لا فی تلف المبیع،فإنک قد عرفت خروجه عن مورد البحث،و تعین انفساخ العقد هناک.

و الظاهر أن القائلین بسقوط الخیار فی الموارد المذکورة و غیرها انما توهموا أن الخیار انما تعلق برد العین و من الواضح أن هذا انما یکن فیما إذا کانت العین باقیة و أما إذا تلفت فلا یمکن الرد فیسقط الخیار کما هو واضح.

و لکن التحقیق فی المقام أن یقال:ان الخیار تارة یثبت بالأدلة الخاصة و الروایات الدالة علی ذلک و أخری بالشرط الضمنی.

أما الأول:کخیار المجلس مثلا،فالظاهر بقاء الخیار بعد تلف العین أیضا لإطلاق الأدلة و عدم تقیدها بصورة تلف العین کما هو واضح،فان مقتضی قولهم علیهم السلام البیعان بالخیار ما لم یفترقا هو کون الخیار دائرا مدار الاجتماع فما دام المتبایعان فی المجلس کان الخیار باقیا،و إذا تفرقا یسقط الخیار و لا شبهة أن التفرق قد یکون بعد تلف العین و أخری قبله،فإطلاق الروایة محکّم و من هنا ظهر أنه لا وجه لتوهم أنه لا نجد فی أدلة الخیارات کما فی کلام المصنف تکون مطلقة فی إثبات الخیار بالنسبة الی ما بعد تلف العین و کذلک إطلاق قوله علیه السلام:و هم بالخیار إذا دخلوا السوق،فإنه مطلق بالنسبة الی ما بعد التلف و ما قبله.

و أما إذا کان دلیل الخیار هو الشرط الضمنی فقد مرّ مرارا أن معنی جعل الشرط فی العقد مرجعه الی جعل الخیار و من الواضح فی کون الإنسان مخیرا فی فسخ العقد و إمضائه،لا یفرق فیه بین تلف العین و بقائه کما هو واضح،کما أن الإقالة لیست بمقیدة ببقاء العین فکک الفسخ إذ لا فرق بینهما الاّ من أن الإقالة فسخ من الطرفین و الفسخ بالخیار، فسخ من طرف واحد،اذن فمقتضی القاعدة هو الحکم بثبوت الخیار بتلف العین کما هو واضح،و من هنا ظهر أنه لا وجه للتمسک بالاستصحاب کما

ص:542

فی المتن لعدم وصول النوبة إلیه،حتی یستشکل فیه بما ذکرناه سابقا من عدم کون الاستصحاب جاریا فی الشبهات الحکمیة و غیر ذلک من المناقشات.

قوله:مسألة:لو فسخ ذو الخیار فالعین فی یده مضمونة بلا خلاف.

أقول:إذا فسخ ذو الخیار العقد فلا شبهة فی کون العین مضمونة لصاحبها علی الفاسخ إذا فرّط فی إعلان صاحبها و جعله متمکنا فی أخذ ماله عرفا فان یده ح ید ضمان من حیث البقاء و ان لم یکن کذلک من حیث الحدوث و بناء العقلاء أیضا علی ذلک و أما إذا جعل صاحبه متمکنا من الأداء بإعلانه إیاه و نحو ذلک لا یکون ذلک ضامنا علیه فان یده أمانة شرعیة کما هو واضح.

و أما المفسوخ علیه فهل یکون ضامنا لمال الفاسخ أو لا،فقد ذکر شیخنا الأستاذ أنه یکون ضمانه علیه لدلیل الید و ذلک فان المستفاد من من الدلیل أن کون مال الغیر تحت استیلاء شخص یقتضی أن یکون ضمانه علیه الاّ أن یتحقق رافعه و لم یؤخذ مال الغیر عنوانا للمأخوذ حتی یقال انه حین الأخذ لم یکن مال غیره فلا یشمله قوله علی الید ما أخذت،بل اعتبر بالقرینة العقلیة موضوع الحکم یوجب الأداء و لا شبهة أنه حین الحکم بوجوب الأداة هذا العنوان موجود لأنه فی هذا الحین مال الغیر و ان لم یکن حین الأخذ کک.

و بالجملة المال المقبوض إذا طرأ علیه عنوان مال الغیر یترتب علیه الضمان کما أنه لو خرج عن هذا العنوان یرتفع عنه الضمان.

و لکن یر علیه:- أولا:أن علی الید ما أخذت حتی تؤدی روایة نبویة مرویة من طرق العامة فلا یمکن المساعدة علی صحتها کما تقدم سابقا.

ص:543

و ثانیا:أن شیخنا الأستاذ و قد اعتبر فی مفهوم الأخذ عنوان القادریة و الاستیلاء کما هو کذلک فی قوله تعالی لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ ،و من الواضح أنه لیس هنا کذلک،بل المدرک لهذه القاعدة انما هو السیرة القطعیة العقلائیة و لا شبهة أنها منتفیة فی المقام،بل هی علی عکس ذلک فإن السیرة قائمة علی أنه لا ضمان فی مثل هذه الموارد.

الکلام فی النقد و النسیة

اشارة

قوله:القول فی النقد و النسیة.

أقول:أن البیع بحسب تقسمه الی النقد و النسیة له أربعة أقسام لأنه اما یکون کل من العوضین نقدا فهو بیع النقد،و اما یکونا کلاهما نسیة،و هو الکالی بکالی،و اما یکون أحدهما نقدا و الآخر نسیة،فان النقد هو الثمن و النسیة هو المثمن،و هو بیع السلم،و اما بالعکس فهو بیع النسیة المعروف،ثم ان القسم الثانی أعنی بیع الکالی بکالی ثم ان المراد من بیع الکالی بکالی أن یکون کلّ من العوضین کلیّا فی الذمة و دینا للآخر بأن باع أحد منا من الحنطة کلیّا بدرهم کلی مع کون کل منهما مؤجلا و أما إذا کانا لشخصیین فقد أجل فی التسلیم من الطرفین فلا یکون من بیع الکالی بکالی فتقسیم البیع الی النقد و النسیة أمر آخر لا یکون مربوطا بتقسیمه الی الحاضر و غیره و الوجه فی اختصاص الکالی بکالی بالکلی هو روایة النهی عن بیع الدین بالدین و الإجماع فإن الدین لا یکون الاّ کلیّا و المتیقن من الإجماع هو ذلک،فافهم،نعم المعنی اللغوی للکالی بکالی موجودة هنا فان العوضین من الطرفین فلو اشترط فیهما الأجل فإن التأخیر هنا بحسب الشرط فما ذکره شیخنا الأنصاری من المراد بالمؤجل خصوص الکلی إشارة

ص:544

الی ذلک.

ثم ان المراد من کون المثمن أو الثمن نسیة أی شیء و قد یکون المراد من ذلک کون التملیک فی أمثال ذلک تعلیقیا من ناحیة المؤجل بأن یملک البائع مثلا فعلا و لکن الملکیة تحصل بعد زمان بحیث یکون الإنشاء فعلیا، و المنشأ استقبالیا نظیر الوصیة و لکنه باطل و صحته فی باب الوصیة لدلیل خاص و بیان ذلک أن العلماء ذکروا فی بیان بطلان التعلیق فی العقود مثلا تارة ینشئ تملیک ماله للمشتری علی تقدیر أن یکون هذا الیوم یوم جمعة مع تردده فی کونه یوم جمعة فإنه یملک علی هذا التقدیر.

و أخری ینشئ ملکیة ماله لشخص فی مقابل العوض الخاص بعد عشرة أیام بحیث یکون البیع حاصلا بعد عشرة أیام،کما إذا آجر داره بعد شهر و فی المقام من الآن یبیع المبیع الفلانی بعد سنة بحیث تکون الملکیة من الطرفین حاصلة بعد سنة و لیس الموجود من الآن إلاّ إنشاء البیع فقط، لیس الاّ و قد اتفقت کلمات الأصحاب علی بطلان کلا هذین القسمین و لکن بطلان البیع هنا علی تقدیر کون إنشاء التملیک علی التقدیر المذکور بحیث یکون الإنشاء فعلیّا و المنشأ استقبالیّا لا یتوقف علی بطلان التعلیق،بل لو لم یقم الإجماع علی بطلان التعلیق فأیضا لا بدّ من الالتزام ببطلان ذلک من جهة أنا ذکرنا فی محله أن البیع مبادلة مال بمال بحیث یدخل الثمن فعلا فی ملک من خرج المعوض من ملکه،و من الواضح أنه علی التقدیر المذکور قد صار الثمن ملکا للبائع فعلا،من غیر أن یکون المبدل أی المبیع داخلا فی ملکه و لا شبهة أن هذا خارج عن مفهوم المبادلة المفروض حصولها بالفعل فلا یکون مشمولا لمفهوم المبادلة کما هو واضح و أیضا یحکم ببطلانه من جهة عدم صدق البیع علیه سواء قلنا ببطلان التعلیق أم لا.

و قد یقال أن معنی البیع النسیة عبارة عن کون الإنشاء فعلیّا و المملوک

ص:545

متأخرا کالواجب المعلق و کبعض أقسام الإجارة کما إذا آجر الدار المعهودة فعلا بعد عشرة أیام،ففی المقام أن البائع یملک المشتری ماله بعنوان أن یکون الإنشاء حالیّا و کک المنشأ و لکن المملوک یکون متأخرا کما فی الإجارة،حیث أن الموجر الآن یوجر الدار المعینة بعد شهر فإنه بذلک یملک منفعتها من الآن ملکیة فعلیة و لکن المملوک متأخر و کک فی المقام،و هذا و ان کان معقولا فی الإجارة و لکنه غیر معقول فی البیع بداهة أن الإجارة تملیک المنفعة و هی من الاعراض و الاعراض تقدر بالزمان و لکن البیع لیس کذلک،فإنه تملیک الأعیان فهی لا تقدر بالزمان،فإن حنطة الیوم مثلا هی عین هذه الحنطة بعد عشرة أیام و هکذا و علیه فلا معنی أن یملک البائع للمشتری حنطة الشهر الآتی،بحیث تکون هذه الحصة من الحنطة مبیعا کما هو واضح.

و علی الجملة لا یعقل بیع الأعیان فعلا،و تملیکها بالملکیة الفعلیة بعد مدة نظیر تملیک الدار المعینة فعلا،لشخص بعد مدة بحیث یکون مملوک المشتری متأخرا و ذلک لما عرفت فافهم،بل المناط فی النسیة هو کون کل من العوضین للآخر بالفعل و تکون ذمته مشغولة بذلک بحیث یجب لکل منهما الخروج عن العهدة فعلا،و لکن یشترط أحدهما علی الآخر تأخیر الثمن الی وقت کما فی النسیة أو تأخیر المثمن کما فی السلّم فیکون التأجیل من ناحیة الشرط لا من ناحیة کیفیة الإنشاء کالتعلیق و نحوه لیلزم المحاذیر المتقدمة و هذا الذی ذکرناه لا یحتاج الی التفتیش الذی ذکرناه،بل هو أمر عرفی و ثابت بحسب ارتکاز العقلاء أیضا کما هو واضح،و علیه فلا یجب دفع الثمن المشترط تأخیره إلی مدة حتی مع مطالبة الطرف إذ لیس له حق المطالبة قبل الوقت المعیّن.

قوله:مسألة:إطلاق العقد یقتضی النقد.

ص:546

أقول:قد ظهر مما ذکرناه أن إطلاق العقد یقتضی التعجیل و ذلک من جهة أنه إذا کان مقتضی البیع هو مبادلة مال بمال بالفعل فمقتضی ذلک أن کل من العوضین ملک لکل من المتبایعین بالفعل و هذا یقتضی أن یعطی کل منهما العوض للآخر بغیر تأخیر عند المطالبة فإن جواز تأخیر أداء مال الغیر مع المطالبة یحتاج الی دلیل،بل یجب ذلک بدون المطالبة أیضا،فإن کل من کانت ذمته مشغولة بمال الغیر وجب علیه إفراغ ذمته و أداء مال الغیر الیه سواء طالب أم لم یطالب،فان عدم المطالبة لا یکشف عن رضاه بذلک،فإنه ربما یکون من جهة الغفلة.

نعم،إذا انکشف بالقرائن الخارجیة جواز تأخیر الأداء و رضی المالک بالبقاء عنده،لا یجب الأداء فورا و من هنا اتضح أنه لا یتوقف وجوب إیصال مال الغیر الیه،علی المطالبة،بل مقتضی اشتغال ذمة المدیون أو من وضع یده علی مال الغیر،أن یوصله الیه،و ان لم یطالب ذلک لأنه لا یحل مال أمر مسلم الاّ بطیب نفسه،فإنه شامل بإطلاقه لذلک أیضا راجع فی ذلک الی حاشیة السیّد الا مع العلم برضاه للبقاء عنده ما لم یطالب کما هو واضح.

و علی هذا فلو اشترط أحد المتبایعین علی الآخر التعجیل فی التسلیم و عدم التأخیر کان هذا تأکیدا للإطلاق لا تأسیسا إذ ما یستفاد من الشرط انما یستفاد من الإطلاق کما عرفت فلا یکون للاشتراط فائدة کما ذکره الشهید فی الدروس من أن فائدة الشرط ثبوت الخیار إذا عین زمان النقد فأخل المشتری،بل نفس هذه الفائدة مترتبة علی الإطلاق أیضا کما ذکره الشهید الثانی مع الإطلاق أیضا یعین عدم تعیین الزمان إذا أخل به فی أول وقته.

نعم،للاشتراط فائدة إذا کان الإطلاق یقتضی وجوب التسلیم و لکن بحسب العرف بأن یقضی العرف بلزوم التسلیم فی ستة أیام مثلا و هو یشترط

ص:547

علی صاحبه التسلیم فورا فان هذا المقدار من الفوریة لا تستفاد من الإطلاق و أیضا تترتب القاعدة علی الاشتراط إذا کانت القرینة العرفیة قائمة علی رضاء کل من المتبایعین ببقاء کل من العوضین عند الآخر فان بالاشتراط ترتفع هذه القرینة و تکون فائدة الاشتراط هو لزوم التسلیم فورا و لا یجوز التأخیر اعتمادا الی رضاء الطرف بمقتضی الاشتراط کما هو واضح.

ثم ان لصاحب الجواهر هنا کلاما و هو أن الخیار هنا انما هو مع عدم التمکن من الإجبار و انه واقع فی طوله و الاّ فلا یثبت الخیار و قد أشکل علیه المصنف بأن ذلک غیر مربوط بالمقام،فان الکلام هنا فی ثبوت خیار تخلف الشرط و عدمه فی نفسه و الشرائط الآخر غیر مربوطة بذلک فإنه یبحث فی بقیة الشرائط فی مواردها فمن جملتها اشتراط ثبوت الخیار مع التمکن من الإجبار أو بوجوبه معه و شیء منهما لا یرتبط بالمقام کما هو واضح هذا أولا.

و ثانیا:أنه لا معنی لاعتبار عدم التمکن من الإجبار أو وجوبه مع التمکن منه فی ثبوت الخیار بداهة أن الخیار هنا من ناحیة تأخیر التسلیم فی المدة المعیّنة المضبوطة بحسب الاشتراط فی ضمن العقد بحیث یکون الخیار هنا من ناحیة التأخیر فی الزمان الخاص و ح فما لم یصل ذلک الزمان فلا معنی للإجبار إذ لا حق له فی ذلک قبل وصول الوقت فضلا عن وجوب الإجبار و بعد وصوله فإذا کان وقت الأداء باقیا أیضا لا وجه لجواز الإجبار أو وجوبه لوسعة الوقت و إذا خرج الوقت فقد فات الوقت و ثبت الخیار فأیضا لا یبقی مجال للإجبار کما هو واضح.

و علی الجملة بعد السبر و التقسیم و التفتیش لا نری وجها لکون الخیار مشروطا بعدم التمکن من الإجبار أو وجوبه بعد التمکن منه،نعم إذا اشترط فعل فی ضمن العقد کالخیاطة و نحوها فأمکن اعتبار هذا الشرط فیه لعدم کون الخیار من حیث الزمان.

ص:548

أما ما ذکره المصنف من الوجه الأول فهو متین،فإنه لا معنی لذکر جمیع شرائط خیار تخلف الشرط فی المقام،بل لها مورد آخر قد تقدم الکلام فی ذلک فاعتبار عدم التمکن من الإجبار أو وجوبه مع التمکن منه فی ثبوت خیار التأخیر الذی من مصادیق خیار تخلف الشرط لا وجه له یعنی لا مورد له هنا،بل مورده محل آخر.

و أما ما ذکره صاحب الجواهر فهو أیضا حسن،فإنه نبّه علی أن هذا الشرط موجود فی موارد خیار تخلف الشرط و هذا المورد منها فیعتبر فیه ذلک أیضا و هو تنبیه حسن،و لکن الکلام فی أصل اعتبار هذا الشرط و أن الخیار واقع فی طوله.

و قد تقدم فی مورده أنه لا دلیل علی هذا الشرط بداهة أن خیار تخلف الشرط ثابت علی فرض التخلف بالشرط الضمنی المعتبر فی العقد عند التحقق و لا شبهة أنه لم یقید هذا الشرط من حیث کونه تخلفه موجبا للخیار لم یقید بالتمکن من الإجبار و وجوبه معه،بل بمجرّد أن المشروط علیه تخلف عن العمل بالشرط ثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط کما هو واضح.

و أما ما ذکره ثانیا فلا یمکن المساعدة علیه،فإنه لو صح لجری فی جمیع الشروط أیضا حتی الخیاطة و الکتابة و نحوهما فإنه یقال انه لا معنی لاشتراط هذا الشرط أصلا فإنه قبل زمان الشرط لا معنی للإجبار و فی زمانه فالوقت موسع و بعد خروج الوقت لا یبقی مجال لذلک،أی للإجبار، بل یجری ذلک فی الواجبات التکلیفیة أیضا بعین ما ذکر.

و قد ذکر نظیر ذلک الایروانی فی المحرمات و قد تقدم فی البحث عن حرمة الإعانة علی الإثم من انه لا یتوجه النهی إلی المکلف قبل الاقدام بالحرام و بعده،قد فات محله فإنه بالنسبة إلی جرئة لم یشربها من الخمر

ص:549

لم یتوجه الیه التکلیف و بالنسبة إلی جرئة شربها قد مضی وقت النهی فأیضا یکون توجهه الیه غیر مقدور کما لا یخفی فافهم.

و کیف کان فلا مجال لما ذکره المصنف من الإشکال الثانی،بل المراد من اعتبار عدم التمکن من الإجبار فی ثبوت الخیار،و أنه مع التمکن منه لا یثبت الخیار أنه إذا وصل وقت الشرط و علم من المشروط علیه علائم عدم الوفاء بالشرط مع مضی مدة من الوقت إذا کان الوقت موسعا و فی أول الوقت إذا کان مضیقا فإنه ح یجبر علی الوفاء به،و هذا هو مرادهم من التمکن من الإجبار،و لکن الکلام فی أصل وجود الدلیل علی اشتراط هذا الشرط و قد عرفت المناقشة فی ذلک و قد تقدم تفصیل ذلک فی محله.

قوله:مسألة:یجوز اشتراط تأجیل الثمن مدة معینة.

أقول:الکلام فی ضرب المدة فی البیع المؤجل و کیفیة ذلک لا شبهة فی انه لا بدّ من ضرب الأجل المعین فی البیع المؤجل و لو لم یعین الأجل کان ذلک موجبا لبطلانه للغرر المنفی بالنص و الإجماع بداهة أن الغرر بمعنی الخطر و من الواضح أن عدم تعیین المدة فی البیع المؤجل موجب للخطر فی المال ضرورة أن مالیة المبیع تختلف باختلاف زیادة المدة و نقصانها،حیث ان قیمة المبیع تزید بزیادة تأخیر ثمنه و یقل نقصانه فلو باعه نسیة بقیمة رخیصة بزعم أنه یسلّم المشتری الثمن بعد عشرة أیام و لم یسلّم إلی سنة فان ذلک من أوضح أفراد الغرر المنفی بالنص و الإجماع علی تقدیر تمامیتهما.

و علیه فلا بدّ من ضرب المدة المعینة فی البیع المؤجل و قد استدل المصنف علی اعتبار تعیین الأجل هنا بما ورد فی السلم من لزوم تعیین المدة فإن کان نظره من ذلک الی وجود الملازمة بینهما و تنقیح المناط القطعی بدعوی أنه نقطع بعدم الفرق بینهما،فإن الأجل فیهما علی حد

ص:550

سواء و لا نحتمل الخصوصیة فی السلم فهو،و الاّ فلا وجه لذلک الاستدلال فان کل من السلم و البیع المؤجل أمر مستقل فی نفسه،فلا یرتبط أحدهما بالآخر کما هو واضح.

ثم ان هذه المدة المعینة لا بدّ و أن لا یکون علی مقدار کثیر أوجب خروج الثمن عن المالیة و عدم اعتبار العقلاء المالیة لذلک کاشتراط تأجیل الثمن عشرة آلاف ملیون سنة فان العقلاء فی مثل ذلک لا یعتبرون المالیة للثمن،فمثل هذه التأجیلات خارج عن مورد البحث کما هو واضح.

و توهم صحة ذلک بدعوی أن الأجل و ان کان طویلا و لکن بالموت یکون الثمن حالا توهم فاسد،فان حلول الثمن بالموت من أحکام البیع المؤجل فهو مترتب بالبیع الصحیح فلا یمکن الحکم بصحة البیع بهذا اللحاظ و قد فرضنا أن البیع مع قطع النظر عن لحاظ الحکم الشرعی فاسد لعدم اعتبار المالیة علی الثمن.

ثم انه لا فرق فی الأجل المعین بین القصیر و الطویل ما لم ینجر الی خروج الثمن عن المالیة فی نظر العقلاء کالفرض المتقدم،و لکن عن الإسکافی أنه لا بدّ و أن لا یکون المدة إلی ثلاث سنین،و قد یستشهد له بالنهی عنه فی بعض الأخبار حیث جوّز فیها الامام علیه السلام للسائل التأجیل فی المعاملة مع أهل الجبل إلی سنة و سنتین و لم یجوّز ذلک الی ثلاث سنین،و لکن الظاهر أن النهی فی الروایتین لیس تحریمیا بحیث لا یجوز التأخیر إلی ثلاث سنین أو أکثر،بل إرشاد الی أن التأجیل مع أهل الجبل بمقدار ثلاث سنین ینجر الی تلف المال و إنکارهم الثمن و مسامحتهم فی الأداء بحیث یوجب ذلک ذهاب رأس المال أیضا فکأن السائل مشاور الامام علیه السلام فی ذلک فهو لم یر مصلحة فی معاملتهم التأجیل بهذا المقدار،کما لا یخفی.

ص:551

ثم انه إذا ضرب الأجل بمقدار لا یبقی المتبایعان الی هذه المدة فی ذلک الأجل عادة کألف سنة أو مائتین سنة مثلا فهل یصح ذلک أو لا،فذکر المصنف أن فی الصحة نظر من حیث خروج الثمن عن الانتفاع به و من الأجل المضبوط و حلوله بموت المشتری،ثم اختار الثانی و قربه بأن ما فی الذمة و لو کان مؤجل الاّ أنه مال یصح الانتفاع به فی حیاته بالمعاوضة علیه بغیر البیع،بل و بالبیع أیضا کما فی التذکرة ثم أشکل علیه بوجهین:- الأول:أن هذا الاشتراط لغو محض بداهة أنه یکون حالا بالموت فأی فائدة لذلک.

و الثانی:أن الاشتراط المذکور و هکذا الشرط کلاهما مخالف للمشروع و للسنة بداهة أنه قد ثبت فی السنة أن الأجل یحلّ بموت المشتری و مرجع الشرط إلی أنه لا یحلّ هو باق بعد الموت أیضا فإن المفروض أن الأجل أکثر من مدة عمر المشتری فیکون الاشتراط و الشرط مخالفین للسنة فیکون الشرط فاسدا بل ربما کان مفسدا بناء علی کون الشرط الفاسد مفسدا للعقد.

و الجواب عن ذلک،أن کون الشرط مخالفا للمشروع أو غیر مخالف له انما یلاحظ بالنسبة إلی العقد الصحیح لا بلحاظ حکم العقد و بعد الفراغ عن العقد،و فرض تحققه فی الواقع صحیحا یترتب علیه الحکم کما هو واضح.

و علی هذا فلا یکون اشتراط التأجیل بالمدة المزبورة مخالفا للمشروع إذا لم تکن المدة بحیث توجب عدم اعتبار العقلاء المالیة للثمن و أما مجرّد کون التأجیل بمقدار یعلم عادة عدم بقاء المتبایعین الی هذه المدة لا یوجب بطلان المعاملة و کون الشرط مخالفا للمشروع،بل یعتبرون العقلاء المالیة للثمن،و یترتب علیه آثار المال و یعاملون علیه المعاملات و الاّ فلازم ذلک أن یکون جل المعاملات المشروط فیها التأجیل باطلا و لو کانت المدة

ص:552

قلیلة إذا مات المشروط علیه قبل وصول الأجل و صار الثمن حالا فإنه یکشف بذلک أن الشرط المذکور کان مخالفا للشرع کما هو واضح.

و من هنا ظهر أن هذا الاشتراط لیس بلغو أیضا،فإن اللغویة انما تکون إذا کان لحاظ الشرط باعتبار الحکم،و قد عرفت أنه یلاحظ مع قطع النظر عن الحکم و فی العقد الصحیح و بعد تحقق العقد صحیحا یترتب علیه الحکم کما هو واضح،و ذکرنا ان هذا الاشتراط فی نفسه لیس بلغوا أصلا ما لم یکن منجرا الی عدم اعتبار العقلاء المالیة للثمن و الاّ فمجرّد بعد الأجل و کونه زائدا عن وقت العمر لا یجعل الشرط لغوا.

و دعوی کون هذا الشرط مجهولا من حیث عدم العلم بوقت الموت لیکون حالا و موجبا لبطلان العقد من جهة الغرر کما توهم دعوی فاسدة.

بداهة أن الشرط أمر مضبوط و أنه فی نفسه صحیح یعتبر العقلاء معه المالیة للثمن،فلا وجه للحاظه الی وقت الموت،لیکون مجهولا و موجبا لغرریة المعاملة کما هو واضح،إلاّ إذا کانت المدة المشروطة من أصلها مجهولة فهو أمر آخر قد تقدم الکلام فی ذلک،و کونه موجبا للغرر و بطلان المعاملة آنفا.

ثم ان المناط فی تعیین المدة هل هو تعیینها فی نفسها بحیث یکون معینا فی الواقع و عند أهل العرف سواء علم بذلک المتعاقدان أم لا یعلما بذلک،أو لا بدّ من علم المتعاقدین بذلک،أو لا بدّ مع اشتراط علم المتعاقدین من اشتراط علم عادلین بالأجل من غیرهما و لکن الظاهر هو اشتراط علم المتعاقدین فی صحة العقد المؤجل إذ لا یرتفع الغرر بدونه فلو باع شیئا بمتن مؤجل إلی النیروز و هو عید الفرس أو المهرجان و هو عید آخر لهم،و لکن لا یعلم کل من المتعاقدین أن النیروز بعد شهر أو بعد ستة أشهر،و کک المهرجان فان ذلک یوجب الغرر البیّن بداهة أن بعد

ص:553

الأجل و قربه دخل فی زیادة مالیة المبیع و نقصانه،فیکون ذلک خطرا فی مالیة المبیع،بلا شبهة کما هو واضح فیکون البیع باطلا و ان کان ذلک معلوما فی الواقع و عند الأشخاص الآخرین،فان ذلک لا یرفع الغرر،و قد یتوهم قیاس المقام بأوزان البلد حیث انهم ذکروا کفایة الشراء و البیع بأوزان البلد المضبوط فی نفسها و ان لم یعرف المتعاقدین مقدار الوزن تفصیلا،و لکنه واضح البطلان بداهة أن الحکم غیر مسلّم فی المقیس علیه أیضا و تسلیمه فیه أحیانا من جهة ارتفاع الغرر المشاهدة و نحوه و الاّ المقیس و المقیس علیه داخلان تحت أصل واحد و أن جهل المتعاقدین یوجب الغرر الموجب لبطلان البیع علی أنه لو کان معلومیة العوضین أو الأجل فی الواقع کافیا فی صحة البیع و ارتفاع الغرر لزم الحکم بصحة کل ما هو مجهول عند المتعاقدین و معلوم عند اللّه من العوضین أو الأجل فی البیع أو الشروط الأخر غیر شرط التأجیل مع أنه واضح البطلان علی أنه یلزم أن یکون النهی الوارد عن بیع الغرر بلا مورد،فإنه ما من بیع مهول بالأجل إلاّ فهو معلوم کما عرفت،و من هنا ظهر بطلان توهم کفایة العلم فی صحة البیع المؤجل من غیر المتعاقدین،و أما الاحتمال الثالث فهو محکی عن الشافعی و لعله من جهة قطع الترافع إذا وقع النزاع بین المتبایعین و لکنه أیضا واضح الفساد بداهة ان قطع الترافع لا ینحصر بذلک،بل یمکن بالحلف أیضا کما هو واضح.

قوله:مسألة:لو باع بثمن حالا و بأزید منه مؤجلا.

اشارة

أقول:إذا باع أحد متاعه بثمنین علی تقدیرین بأن یکون ثمن عشرة علی تقدیر کونه حالا و عشرون علی تقدیر کونه مؤجلا،فهل یصح ذلک أم لا تحقیق الکلام هنا یقع فی مقامین:- الأول:من حیث القواعد.

و الثانی:من حیث الروایات.

ص:554

أما المقام الأول من حیث القواعد
اشارة

فلا بدّ من بیان المراد من هذا البیع و تصویره و أنه کیف یکون بیع واحد بثمنین فنقول أن هذا البیع یحتمل وجوها:-

الأول:أن یکون المراد من ذلک أن البائع قد باع ماله علی تقدیر أن

یکون البیع مؤجلا،یکون ثمنه عشرون

و علی تقدیر أن یکون حالا یکون ثمنه عشرة،و یقبل المشتری علی هذا النحو و یقول قبلت کذلک،من غیر أن یکون الثمن أحدهما المعین أو أحدهما المخیّر مع کون البیع منشأ جزما و هذا لا شبهة فی بطلانه.

و وجه البطلان أن البیع مبادلة مال بمال بحیث إذا خرج المثمن من ملک البائع فیدخل المبیع فی ملک المشتری،و یدخل الثمن فی ملک البائع مکان المثمن،و لا یمکن ذلک الاّ بتملک کل من المتبایعین من الآخر بالبیع بدل ما یملکه للآخر و لا شبهة أن البائع لم یتملک فی هذه الصورة أی مع کون الثمن مرددا بین أمرین مشیئا أصلا،إذ لا واقعیة للأمر المردد حتی فی علم اللّه و حیث لا واقعیة للأمر المردد الذی جعل ثمنا فی البیع فبأی شیء یملک البائع حتی یکون ذلک مکان ماله و هو المبیع،و اذن فمفهوم البیع أصلا غیر صادق علی هذه الصورة.

و علی الجملة هذه الصورة خارجة عن البیع بثمنین إذ لا معنی لاختلاف العلماء فی ذلک أصلا بعد کونها باطلة قطعا.

الثانی أن یراد من البیع بثمنین التعلیق

بأن یقول بعتک هذا المتاع ان کان الثمن نسیة بعشرین و ان کان نقدا بعشرة،و یقبله المشتری کک بحیث بأن البائع ینشئ بإنشاء واحد بیعین و یکون الإنشاء واحدا و المنشأ و هو البیع اثنین،و المشتری أیضا یقبله کذلک و الفارق بین هذه الصورة و الصورة الاولی أن البیع فی الصورة الأولی قد أنشأ جزما و لکن التردید فی الثمن بخلاف هذه الصورة فإن البیع لم ینشأ منجزا و انما أنشأ معلقا،و

ص:555

المشتری أیضا قبل ذلک،هکذا فبعد القبول ان أعطی الثمن نقدا یکون الثمن عشرة و ان لم یعطی نقدا کان الثمن عشرون فیعطیه مؤجلا،و لا شبهة أن التعلیق فی العقود لیس مستحیلا فی نفسه لیکون باطلا من هذه الجهة و انما هو باطل للإجماع،فإن قلنا بشمول الإجماع لذلک فیحکم بالبطلان و الاّ فلا،کما هو المحتمل إذ بطلان البیع بثمنین مورد الخلاف للعلماء، فلیس هنا إجماع و سیأتی الکلام فی صحة الإجماع و بطلانه من جهة هذه المخالفة.

و یحتمل بعیدا أن یراد التخیّر بأن یبیع البائع المتاع بأحد الثمنین علی التقدیرین بحیث ینشئ البیع منجزا و یکون التردید فی الثمن لا علی نحو لا یکون له واقعیة کما فی الصورة الأولی لیکون البیع باطلا،بل یملک المثمن للمشتری و یتملک منه الثمن و هو أحد الثمنین و لا شبهة أن عنوان أحدهما له واقعیة کالواجب التخییری کما هو واضح،الاّ أن هذا بعید فلا یمکن حمل کلام الفقهاء و حمل الروایات الواردة فی المقام علی ذلک.

و الثالث:أنه یمکن أن یراد من هذا البیع البیع المؤجل،المنجز دون

المعلق

و لکن یکون لتقدیر الآخر و هو کون الثمن نقدا شرطا فیه بأن یبیع البائع المتاع من المشتری بعشرین إلی سنة أی یشترط المشتری علی البائع فی ضمن العقد التأجیل و أیضا یشترط علیه شرطا آخر و هو أنه إذا أعطی الثمن نقدا أن یکون عشرة بأن ینزل من العشرین إلی العشرة.

و بعبارة أخری یشترط المشتری علی البائع النزول علی تقدیر و لا شبهة فی جواز هذا الاشتراط و صحته فان النزول جائز بدون الاشتراط فلا بأس بإتیانه تحت الإلزام بالاشتراط و إذا أرید من البیع بثمنین هذه الصورة فلا شبهة فی صحة ذلک،و لکن ذلک مخالف لصراحة الروایات بداهة أن موردها و کک مورد کلمات الفقهاء هو البیع بثمنین و هذا الشق لیس من البیع بثمنین

ص:556

بداهة أن الثمن هنا واحد و هو عشرون و أما کفایة إعطاء العشرة علی تقدیر أن یعطیه نقدا لیس من جهة کونه ثمنا آخر،بل هو من جهة اشتراط النزول،و لا شبهة أن باب الشروط خارج عن ما نحن فیه کما هو واضح.

و ان کان المراد عکس هذه الصورة بأن یبیع نقدا بعشرة و لکن اشترط علی المشتری أنه إذا لم یرد الثمن نقدا أن یعطی بعشرین و هذا مضافا الی کونه خارجا عن البیع بثمنین کما عرفت فی عکسه أنه بیع ربوی فیکون محرما و لعل من أفتی بحرمة البیع مع التزامه بالصحة حمل الروایات علی ذلک مراده هذه الشق کما هو واضح.و لکن قد عرفت خروج ذلک عن مورد المسألة.

ثم انه إذا کان اشتراط زیادة الثمن علی فرض التأخیر کاشتراطا للرباء الذی هو شرط فاسد فهل یکون بعد فساده للبائع حق مطالبة الثمن قبل الأجل و معجلا أو لیس له ذلک،ربما یقال بلزوم الأقل و یکون التأخیر جائزا من طرف المشتری و لازما من طرف البائع لرضاه بالأقل،فالزیادة ربا و لذا ورد النهی عنه،و هو غیر مانع من صحة البیع،و قد ذهب الشهید الی ذلک فی الدروس و استقر به و أشکل علیه المصنف بان الزیادة لیست فی مقابل الأجل إسقاط البائع حقه من التعجیل الذی یقتضیه العقد لو خلی و طبعه و الزیادة و ان کانت ربا کما سیجیء الاّ أن فساد مقابلتها لا یقتضی فساد إسقاط البائع حق مطالبته الثمن إلی أجل خاص کما احتمل ذلک فی حق القصاص بعبد یعلمان استحقاق الغیر له أو حرمته،بل قال فی التحریر بالرجوع إلی الدیة و ح فلا یستحق البائع الزیادة و لا المطالبة قبل الأجل لکن المشتری لو أعطاه وجب علیه القبول إذ لم یحث له بسبب المقابلة الفاسدة حق فی التأجیل حتی یکون له الامتناع عن القبول قبل الأجل و انما سقط حقه فقط عن التعجیل.

أقول:یرد علیه أن جواز مطالبة البائع حقه من المشتری الثمن لیس

ص:557

من قبیل الحقوق حتی یقبل الإسقاط بإسقاطه فی مقابل العوض لیتوهم بقاء الاسقاط،و ان بطلت المقابلة،بل هو حکم من الأحکام الشرعیة الغیر القابلة للإسقاط،و لا یقاس ذلک بحق القصاص فإنه حق قابل للإسقاط و علیه فیجوز للبائع مطالبة الثمن قبل وصول الأجل،بل یجب للمشتری أن یعطیه إیاه أیضا و ان له یطالب إذا لم یعلم بکون البائع راضیا بالتأخیر و ذلک لأن التصرف فی مال الغیر و إبقائه عنده بدون رضاه حرام فلا یحل ذلک الاّ بطیب نفسه،و المفروض أنه لم یحرز طیب نفسه بالإبقاء،فیجب الأداء کما لا یخفی،فافهم.

إذا عرفت هذه الشقوق فعلمت أن مورد البحث و محط الروایات و محلها هو الشق الثانی بداهة أن الفرضین الأخیرین خارجان عن البیع بثمنین و الفرض الأول خارج عن مفهوم البیع و التأخیر فیثبت الشق الثانی و هو التعلیق و هو نفسه لا محذور فیه،و لکن الإجماع قائم علی بطلانه فی العقود،الاّ أن یقال بعدم وجود الإجماع فی المقام لوجود القول بالصحة و لا یضر خلافهم بالإجماع هذا کله بحسب القواعد.

و أما بحسب الروایات

فالمستفاد من بعض الروایات صحة ذلک البیع و لکن علی نحو خاص ففی روایة محمد بن قیس أنه قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) من باع سلعة و قال ثمنها کذا و کذا یدا بید و ثمنها کذا و کذا نظرة، فخذها بأی ثمن شئت.فإن الظاهر من هذه الروایة هو صحة ذلک البیع و أنه صفقة واحدة و لکن لا تعرض فی ذلک لکون البیع مؤجلا علی تقدیر أن یعطیه المشتری بثمن نقد،بل حکم الامام علیه السلام علی نحو الإطلاق بالأخذ بقوله فخذها من غیر تعرض فیها لعدم جواز مطالبة البائع الثمن الی آخر الأجل،إلاّ بعد و عدم جوازه کما هو واضح،هذه هی الروایة الأولی.

ص:558

الثانیة:روایة السکونی عن جعفر عن أبیه عن آبائه أن علیّا علیه السلام قضی فی رجل باع بیعا و اشترط شرطین بالنقد کذا و بالنسیة کذا،فأخذ المتاع علی هذا الشرط،فقال هو بأقل الثمنین و أبعد الأجلین فإن هذه الروایة أیضا تدل علی صحة البیع بثمنین،و لکن مقیدا بکون الثمن هو الأقل و کون الأجل هو الأبعد فقد تعرضت هذه الروایة بالمدة أیضا و أن البائع لیس له حق المطالبة الی أن یصل الأجل الأبعد و اذن فلا مانع من الالتزام بصحة البیع بثمنین علی هذا النحو الذی استفدناه من روایة السکونی فإن کانت الروایتین معتبرتین کما حکم الشیخ باعتبار الاولی و السید باعتبار الثانیة فبها و لا بدّ من الرجوع الی سند الروایتین خصوصا الأخیرة،لأنها هی العمدة فی المقام،و الاّ فلا بد من الرجوع الی مقتضی القواعد و قد تقدم الکلام فی ذلک،و قلنا أنه لا إشکال فی هذا البیع من غیر ناحیة التعلیق و هو مجمع علی بطلانه فی العقود و ان لم یکن فیه محذور فی نفسه.

و توهم عدم وجود الإجماع فی المقام لوجود القائل بالصحة توهم فاسد فانا نعلم قطعا أن القائل بالصحة قد اعتمد علی الروایة و بعد ضعف الروایة فلا مدرک له فیکون الإجماع تماما و مخالفة القائلین بالصحة غیر مضرة کما هو واضح.

و أما الروایات الناحیة عن البیع بثمنین و الآمرة بتعیین الثمن فهی محمولة علی الکراهة بقرینة ما تقدم من الروایتین،روایتی محمد بن قیس و السکونی الدالتان علی جواز البیع کذلک و تعیّن الثمن الأقل و الأجل البعید کما هو واضح.

ثم انه بناء علی العمل بروایتی السکونی و محمد بن قیس الدالتان علی جواز المبیع المذکور و لکن علی النحو الخاص یلزم أن لا یکون العقد تابعا للقصد فإن البائع قد أنشأ البیع بثمن خاص علی تقدیر و بثمن آخر علی

ص:559

تقدیر آخر و روایة السکونی دلت علی إمضائه بأقل الثمنین و بأبعد الأجلین فهو غیر مقصود للمتبایعین فما هو مقصود لم یقع و ما هو واقع غیر مقصود.

و فیه أنه لا محذور فی الالتزام بذلک بعد دلالة الروایة علیه تعبدا کما وقع نظیره فی عقد المتعة فإنه مع عدم ذکر الأجل انقلب دائما بناء علی عدم إفادتهما الملک فإنه مقتضی الجمع بین الدلیلین هو حصول الإباحة الشرعیة کما ذهب الیه صاحب الجواهر و کیف کان بعد دلالة الروایة فی المقام علی الحکم المذکور لا یکون تخلف العقد عن القصد فیه محذور أصلا انتهی کلامنا الی البیع شیء بثمنین معجلا بکذا و مؤجلا بکذا.

و قد وردت هنا روایات فطائفة منها تدل علی المنع و أنه نهی النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم عن البیع بثمنین معجلا بکذا و مؤجلا بکذا و طائفة أخری تدل علی الجواز کروایة السکونی،و لکن رموا روایة السکونی علی الضعف و لأجل ذلک استشکلوا فی صحة ذلک البیع،و لکن ذکر فی الحدائق أن دلیل الصحة لیس منحصرا بروایة السکونی لترمی بالضعف و نحکم بعدم جواز مثل هذا البیع،بل هنا روایتان عن محمد بن قیس أحدهما صحیحة و هی ما روی عن طریق الفقیه و الثانیة حسنة کالصحیحة و هی ما روی عن طریق الکافی و هاتان الروایتان تدلان علی أن أمیر المؤمنین علیه السلام قضی فی مثل هذا البیع بأقل الثمنین و بأبعد الأجلین و لذا عبر الشیخ(ره) فی المتن عن روایة محمد بن قیس بالمعتبرة.

و کیف کان فلا إشکال فی الروایة من حیث السند و انما الکلام فی دلالة ذلک و المحتمل فی دلالتها و ان کان کثیرا و لکن القریب الی الذهن منها وجهان:- الأول:أن یکون غرض الامام علیه السلام من البیع بثمنین بیع متاع بثمن لعشرة دنانیر معجلا،و لکن یشترط البائع علی المشتری کون الثمن

ص:560

عشرون دینارا علی تقدیر التخلف فی الأداء عن المدة المؤجلة فیکون الزائد فی مقابل المدة الزائدة کما هو واضح،و حیث کان هذه الزیادة رباء و هو حرام،فحکم الامام علیه السلام بلزوم البیع بأقل الثمنین و بأبعد الأجلین.

و لکن یرد علی هذا الوجه أن شرط الربا من الشروط الفاسدة المخالفة للکتاب و السنة فلا یکون نافذا و علیه فلا یکون البائع ملزما بتأخیر الثمن إلی أبعد الأجلین فحمل الروایة علی هذا الوجه مشکل من هذه الجهة،بل مقتضی حملها علی هذا أن لا یجوز للمشتری تأخیر الثمن الی هذه المدة المضروبة و یجوز للبائع أن یطالب الثمن معجلا و قبل وصول المدة المضروبة لأن التصرف فی مال غیره بدون اذنه غیر جائز و کیف یجوز للمشتری أن لا یعطی مال الغیر بدون رضاه کما هو واضح.و لأجل هذا الاشکال قد وجّه المصنف هذه الروایة بأن البائع قد أسقط حق مطالبته بهذا الاشتراط و ان کان الشرط فاسدا و لکن فساد شرطه لا یضر بإسقاطه حقه کما یسقط حق القصاص بمصالحة ولی الدم حقه بعبد یعلمان استحقاق الغیر له أو کونه حرا و فی المقام أیضا کذلک فان فساد الشرط لا یضر بالإسقاط.

و لکن ما أفاده المصنف(ره)لیس بتمام من جهة أن حق القصاص و ان کان أیضا حکما شرعیا و لکنه حق من الحقوق المصطلحة لأنه یقبل لإسقاط بالکتاب و السنة و هذا بخلاف حق المطالبة،فإنه حکم شرعی غیر قابل للإسقاط حتی لو أسقطه لم یسقط،بل له أن یطالب حقه بعد ذلک،نعم له أن لا یطالب حقه و یرضی بتأخیر حقه،و ح فلا یجب للمشتری المبادرة بالأداء،و أما مع عدم الرضاء فلا یجوز له التأخیر لما عرفت من أن التصرف فی مال غیره بدون اذنه حرام.

و التحقیق أن تحمل الروایة علی الوجه الثانی الذی هو مورد النقض

ص:561

و الإبرام فی المقام حیث نفاه بعضهم و أثبته آخر،و هو أن یقال أن المراد بالروایة هو التعلیق حیث ان البائع قد أنشأ بإنشاء واحد بیعین علی تقدیرین یعنی علی تقدیر کون الثمن معجلا أنشأ بیعا و علی تقدیر کونه مؤجلا أنشأ بیعا آخر،فهنا بیعان معلقان بثمنین علی تقدیرین و لا محذور للالتزام بذلک الاّ التعلیق الذی باطل فی العقود إجماعا،الاّ أنه لیس هنا إجماع و ذلک لاختلاف العلماء و فی ذلک حیث حکم جمع بالبطلان و حکم جمع آخر بالصحة فلا یکون المقام مشمولا للإجماع،و علیه فلا بأس بحمل الروایة علی إمضاء ذلک البیع التعلیقی و لکن علی نحو خاص بأن یکون الأجل من أحدهما و الثمن من الآخر،حیث قال یمضی بأقل الثمنین و أبعد الأجلین.

و لکن أشکل الأردبیلی علی الروایة بأنها مخالفة للقواعد العقلیة و الشرعیة فإن مقتضی القواعد هو أن یکون البیع واقعا علی النحو الذی إنشائه المتبایعان و المفروض أن الروایة تدل علی صحته غیر الشکل الذی أنشأه البائع،و قد دلت الأدلة الشرعیة و القواعد العقلیة علی حرمة التصرف فی مال غیره بدون اذنه،و طیب نفسه و المفروض أن المنشئ اعنی البائع لا یرضی بالتصرف فی ماله بغیر ما أنشأه و اذن فتکون الروایة مخالفة لتلک القواعد العقلیة و الشرعیة فتسقط عن الحجیة و یرجع علمها إلی أهلها.

و ما ذکره الأردبیلی متین جدا،فان القواعد العقلیة و الشرعیة تقتضی ذلک و لکن لیست تلک القواعد من القواعد التی تکون غیر قابلة للتخصیص و اذن فلا مانع بتخصیصها بهذه الروایة الصحیحة فإنها تدل علی جواز التصرف فی مال غیره إذا أنشأ بیع ماله علی هذا الشکل،فالشارع رغما لأنفه حکمه بإمضاء علی غیر الشکل الذی أنشأه و أخبر عنه أی إمضاء الشارع الامام علیه السلام،بل وقع نظیره کثیرا کإذن الشارع فی أکل مال غیره فی المخمصة

ص:562

و حکم الشارع بعدم الملکیة فی بیع الصرف و السلم الی زمان القبض و غیر ذلک من الموارد فان ذلک کله حکم بالتصرف فی مال الغیر علی خلاف قصد المالک و کک حکمه بدوام العقد مع قصد الانقطاع.

و علی الجملة أن الروایة الصحیحة إذا دلت علی حکم تعبدی یکون تخصیصا للقواعد و تبعیة العقود للقصود لیست من الاحکام التی تکون غیر قابلة للتخصیص کما هو واضح.

فما ذکره الأردبیلی لا یمکن المساعدة علیه و ان کان متینا فی نفسه.

نعم،لا یعقل تخلف العقد عن القصد إذا أمضی الشارع غیر المنشأ بحیث یکون حکمه بعنوان الإمضاء لا بعنوان الحکم المولی بحیث یکون إنشاء المنشئ موضوعا لحکم الشارع کما هو واضح.

ثم انه ان کانت الروایات الدالة علی المنع معتبرة فلا بدّ من حملها علی الکراهة لأنها ظاهرة فی التحریم و ما یعارضها أعنی روایة محمد بن قیس صریحة فیه فیرفع الید بنص هذه الروایة عن ظهور روایة المنع فتحمل علی الکراهة کما هو واضح،و یمکن حملها علی وجوه أخر غیر الکراهة و قد ذکرها فی الحدائق.

ثم هل یمکن التعدی من مورد الروایة الی ما یکون البیع بثمنین علی تقدیرین بحیث یکون کل تقدیر منهما مؤجلا لا أحدهما مؤجلا و الآخر معجلا غایة الأمر یکون الثمن بالنسبة إلی الأجل القلیل أقل و بالنسبة إلی الأجل البعید أکثر،و قد جعل فی الحدائق هذا الفرع ملازما للفرع الأول و موردا لحکم الفقهاء بالصحة ان حکموا بصحة الفرع الأول و بالفساد ان حکموا بفساد الفرع الأول،و لکن الظاهر أن هذا الفرع بعید عن الفرع الأول،و أن الامام علیه السلام قد حکم فی الفرع الأول بالصحة علی خلاف القواعد تعبدا فلا بدّ من الاختصار بموردها و التعدی من ذلک الی غیره قیاس فلا

ص:563

نقول بحجیته،و اذن فلا بدّ اما من الحکم بالبطلان فی الفرع الثانی للإجماع علی بطلان التعلیق أو الحکم بالصحة علی النحو الذی أنشأه المنشئ أعنی البیع بثمنین إلی أجلین إذا لم یکن هنا تعلیق لا الحکم بصحة البیع بأقل الثمنین و بأبعد الأجلین کما هو واضح.

و الظاهر هو البطلان لعدم وجود الاختلاف هنا و ان زعم صاحب الحدائق الملازمة بین الفرعین و نسبه إلیهم ذلک و کیف کان فالمیزان هو ما ذکرناه،فافهم.

قوله:مسألة:لا یجب علی المشتری دفع الثمن المؤجل قبل حلول

اشارة

الأجل.

أقول:من جملة أحکام المؤجل أنه لا یجب علی المشتری أن یدفع الثمن إلی البائع قبل حلول الأجل،سواء طالب البائع أم لم یطالب و هذا إجماعی علی أن ذلک فائدة الاشتراط کما هو واضح.

ثم انه إذا تبرع المشتری بدفعه هل یجب علی البائع قبوله أم لا؟ الظاهر هو الثانی،بل لا خلاف فیه بین الأصحاب،بل عن الریاض دعوی الإجماع علیه و فی باب السلم من جامع المقاصد نسبة الخلاف فی ذلک الی بعض العامة و لکن الظاهر أن المقام لیس مما یکون مورد الإجماع التعبدی فإن الأمر فی المقام یدور مدار الاشتراط و عدمه و علی کل تقدیر فیتبع حکمه و علیه فلعل القائل بعدم الوجوب قد لاحظ کون الشرط من البائع علی المشتری أیضا بان لا یسلم الثمن قبل الأجل و الاّ فلو کان الاشتراط من خصوص المشتری علی البائع فلا مناص یجب للبائع أن یقبل الثمن لأنه ماله و لا یجب للمشتری حفظ مال شخص آخر،و من هنا ظهر فساد ما ذکره العلامة من تعلیل عدم الوجوب بأن فی ذلک منة علی البائع فإن التعجیل کالتبرع بالزیادة و وجه الظهور أن التعجیل انما هو بحسب القواعد و لیس

ص:564

فیه منة،بل إیصال حق الغیر الیه بخلاف إعطاء الزیادة فإن فیه منة کما هو واضح.

(أقول:لعل کلام العلامة مبنی علی الفرع الثانی من الشرط لا یسقط بالإسقاط و ح یکون التعجیل تبرعا و تکون فیه منة علی البائع إذ فی التبرع منة مع وجود الحق للمشتری،نعم إذا قبل ذلک الاسقاط کما هو کذلک فلا منة مقرر)و علیه فلا بدّ من التکلم هنا فی بیان ذلک من ناحیة مقامی الإثبات و الثبوت فنقول

أن الاشتراط التأخیر بحسب مقام الثبوت یتصور علی وجوه:
الأول:أن یکون الشرط لخصوص المشتری

بأن یشترط المشتری علی البائع أن لا یکون للبائع حق المطالبة إلی أجل خاص و ح فلو تبرّع المشتری و أعطی الثمن قبل و حصول الأجل لوجب علی البائع قبول ذلک لأنه ماله و لیس له حق أن لا یقبل لعدم اشتراطه علی المشتری ذلک،بل الغرض من اشتراط التأخیر هو التوسعة علی المشتری فقط و علی هذا یترتب فساد ما ذکره العلامة من أنه لا یجب للبائع قبول ذلک لأن فیه منّة فإنه أی منّة فیه فی ذلک بعد ذلک بعد ما کان غرض المشتری إیصال مال البائع الیه.

الثانی:أن یکون الشرط من ناحیة البائع علی المشتری

بأن یشترط البائع علی المشتری أن لا یسلم الثمن الاّ بعد مدة خاصة کما إذا کان فی بلد أخری غیر بلده و باع متاعا و یخاف من أخذ ثمنه أن یسرقه السارق فان الحق هنا للبائع فقط فلیس للمشتری أن یسبق الی دفع الثمن و یدفعه إلی البائع قبل الأجل فإنه علی خلاف اشتراط البائع علی المشتری.

الثالث:أن یکون الاشتراط من کل من الطرفین علی الآخر

و قد ظهر حکمه من القسمین المتقدمین هذا بحسب مقام الثبوت.

و أما فی مقام الإثبات فالظاهر هو القسم الأول مع عدم القرینة علی القسمین الأخیرین،فإن المرتکز بحسب عامة الناس و المتعارف عندهم أن

ص:565

الغرض من الاشتراط انما هو التوسعة علی المشتری للتهیئة إلی أداء الثمن و من هنا لو تبرع المشتری بأداء الثمن و أعطی الثمن للبائع وجب له القبول إذ لا یجب للمشتری حفظ ماله و لا أن للبائع أن یمتع عن قبوله لما عرفت أنه لیس له حق فی ضرب الأجل و من هنا ظهر الجواب عما احتمله المصنف من أن التأجیل کما هو حق للمشتری یتضمن حقا للبائع من حیث التزام المشتری لحفظ ماله فی ذمته و جعله إیاه کالودعی،فإن ذلک حق عرفا کما ظهر ما ذکره من ابطال توهم اختصاص الحق بالمشتری و أیضا عرفت جواب ما ذکره العلامة فیما تقدم،فإنه لا منّة فی إعطاء حق البائع له،إذ لیس هو الاّ مجرد إعطاء الحق و علیه فلا یجوز للبائع عدم القبول و لا یقاس ذلک بإعطاء الزائد عن الثمن فان فی ذلک منّة فلا یجب علیه قبوله کما هو واضح.

و اذن فما ذکره بعض العامة هو الصحیح هذا کله فی أصل ثبوت الحق و جعله و أنه بأی کیفیة جعل.

ثم إذا أسقط المشتری حقه أی حق تأخیر الثمن إلی أجل خاص فهل

یسقط هذا أو لا یسقط؟

و قد ذکر فی التذکرة أنه لو أسقط المدیون أجل الدین مما علیه لم یسقط و لیس لصاحب الدین مطالبته فی الحال و علله فی جامع المقاصد بأن التأجیل انما ثبت بعقد لازم فلا یسقط بالإسقاط إلاّ بمثل الإقالة لارتباط الشرط بالطرفین.

و فیه أن الشرط و ان ثبت فی عقد لازم و لکنه حق لخصوص المشتری فقط،فیسقط بإسقاطه مع أنه لو کان ذلک أی الثبوت فی العقد اللازم وجها لعدم السقوط کان اللازم علیه أن لا یقبل سقوطه حتی مع الإقالة أیضا الاّ أن تکون الإقالة فی أصل العقد،ثم ذکر أن فی الأجل حق لصاحب الدین

ص:566

أیضا و لذا لم یجب علیه القبول قبل الأجل و لذا یجوز لهما التقایل.

و فیه أن الصغری ممنوعة فإنه لیس هنا الاّ حق واحد مجعول للمشتری أعنی التأجیل و لیس فیه حق للبائع أصلا،بحیث یکون مشترکا بینهما لعدم الدلیل علیه علی أن وحدة الحق الثابت للمجموع تتصور فی مثل ارث الخیار کما تقدم،و لکن لا یعقل هنا لأن أطرافه متعددة من جمیع الجهات کما فی حاشیة بعض مشایخنا المحققین،فراجع و لعل المحقق الثانی لم یعتمد علی الوجه الأول،بل علی الوجه الثانی و لذا حکم بجواز الإقالة فی الوجه الثانی،فإن مقتضی الوجه الأول کما عرفت عدم جواز الإقالة بخلاف مقتضی الوجه الثانی فإنه یجوز الإقالة لکون الحق واحدا و مشترکا بینهما کما لا یخفی.

و یمکن أن یکون مراد جامع المقاصد من الوجه الثانی أن یکون لکل من البائع و المشتری حق مستقل لا أن هنا حقا واحدا مشترکا بینهما و ح فیکون الجواب عنه هو المناقشة فی الصغری أیضا و أنه لا دلیل علی جعل الحق علی البائع أیضا و ان ذلک ممکنا فی مقام الثبوت کما لا یخفی،فافهم و ذکر العلامة(ره)هنا وجها رابعا و هو أن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجیدة الدنانیر الصحیح الجودة لصحة لم یسقط.

و فیه أن الشرط لا یقاس مما ذکره من عدم إسقاط صفة الجودة و الصحة من المستحق لذلک فان ذلک الوصف تقیید فی المبیع فلا یمکن الإسقاط إلاّ بالتراضی الجدید بأن تکون هنا معاملة أخری غیر المعاملة السابقة لأن ما وقع علیه البیع هو هذه الحصة الجیدة أو الصحیحة و غیرهما لیس بمبیع أصلا،و معه کیف یمکن إسقاط صفة الجودة و الصحة بدون التراضی الجدید و المعاملة الجدیدة و هذا بخلاف المقام،فان اعتبار التأجیل من الاشتراط

ص:567

فیجوز لمن له الشرط أن یسقط ذلک لکونه حقا کما عرفت،و یجوز التبعیة لا تمنع عن الاسقاط.

نعم،لو کان اعتبار الجودة و الصحة فی المبیع من باب الاشتراط بأن وقع البیع علی الحنطة المطلقة و علی طبیعی الحنطة أو علی طبیعی الدینار و اشترط المشتری الصحة فی ذلک،فان ذلک قابل للإسقاط فالمانع عن الإسقاط فی المقیس علیه هو کون الوصف قیدا فی المبیع و کون المبیع هو الحصة الخاصة لا أن التبعیة مانعة عن ذلک،و الاّ لم یقبل شیء من الشروط الاسقاط حتی بالتقایل أیضا لوجود الملاک المذکور و هو التبعیة کما هو واضح،مع أنه وقع الاتفاق علی أنه یجوز الاسقاط بالتقایل مع أنه لو کان ما ذکره العلامة تماما لا تصح الإقالة أیضا و أیضا لا شبهة أن بعض الشروط یقبل الاسقاط،بل لم یخالف فیه أحد ظاهرا کشرط الخیاطة و نحوها،و لا شبهة أنه لا فارق بینما نحن فیه و بین شرط الخیاطة کما هو واضح.

و قد انتهی الکلام إلی أنه

لو أسقط المشتری أجل الدین فهل یسقط
اشارة

حق المشتری أو لا یسقط،

فالمشهور بین العلماء أنه لا یسقط
اشارة

و ذکروا فی وجه ذلک وجوها:

الأول:ما ذکره فی جامع المقاصد أن التأجیل قد ثبت

فی العقد اللازم فلا یسقط بمجرد الاسقاط

و فیه أولا أنه لا حق هنا الاّ لخصوص المشتری و هو یسقط بإسقاطه و بعده لیس للبائع حق بالنسبة إلی التأجیل حتی یسقط بالإسقاط،و ثانیا أنه لو کان ذلک غیر قابل للإسقاط بإسقاط المشتری لم یکن قابلا له بالإقالة أیضا مع أنه کغیره یلزم سقوطه بالإقالة.

الوجه الثانی:أن الحق لکل من البائع و المشتری بحیث یکون لکل

منهما حق مستقل

فإذا أسقط المشتری حقه لا یسقط معه حق البائع،بل یبقی هو علی حاله و هذا الوجه یمکن أن یکون مراد المحقق الثانی من الوجه

ص:568

الثانی فی کلامه من أن فی الأجل حقا لصاحب الدین،إلخ،و فیه أنه و ان یقبل الإقالة و لکن ذکرنا فیما سبق أنه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات و ان کان ممکنا فی مقام الثبوت علی أن ثبوت حق للبائع أیضا لا یمنع عن سقوط حق المشتری کما هو واضح.

الثالث:أن الحق و ان کان واحدا و لکن قد ثبت ذلک الحق الواحد

لکل من البائع و المشتری

و علیه فلا یسقط ذلک بإسقاط المشتری فقط و فیه أولا أن الصغری ممنوعة إذ لیس هنا الاّ حق واحدا ثابت لخصوص المشتری و لیس هنا حق للبائع أصلا لعدم الدلیل علیه.

و بعبارة أخری أن هذا الحق ثابت بالاشتراط و هو انما بالنسبة إلی خصوص المشتری فقط کما هو الظاهر من المعاملات المؤجلة حیث ان الغرض هو تسهیل الأمر علی المشتری بتأخیر الثمن کما هو واضح.

نعم بناء علی هذا فأیضا یسقط ذلک بالإقالة کما التزم به المحقق الثانی أیضا،نعم یمکن الالتزام بذلک مع مساعدة الدلیل علیه کما التزمنا به فی ثبوت حق الخیار للورثة علی القول به،فإنه لیس هنا الاّ حق واحد ثابت لمجموع الورثة.

الرابعة:ما ذکره العلامة من أن الأجل صفة تابعة لا یفرد بالإسقاط

إلخ،و قد تقدم جوابه فراجع.

الوجه الخامس:ما ذکره المصنف(ره)

من أن الحق و ان کان واحدا و ثابتا لخصوص المشتری دون البائع و لکن مرجع التأجیل فی البیع الی أن البائع قد أسقط حق المطالبة و من الواضح أن الزائل لا یعود و علیه فإسقاط المشتری حق التأجیل و عدمه سیان من هذه الجهة کما هو واضح ثم قاس ذلک بأنه لو شرط فی العقد التبری من عیوب لم یسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد بأن التزم بالصحة و لم تعد العیوب مضمونة کما کانت

ص:569

مضمونة لو کانت بدون الشرط.

و فیه أولا:أن جواز المطالبة لیس من الحقوق لیسقط بالإسقاط،بل هو حکم شرعی لا یقبل الاسقاط کما تقدم سابقا و هل یتوهم أحد أنه إذا أسقط البائع حق مطالبة الثمن بعد البیع یسقط ذلک،بل له بعد إسقاطه أن یطلب الثمن أیضا و السرّ فی ذلک هو أن جواز المطالبة لیس من الحقوق المصطلحة من الأحکام الشرعیة غیر القابلة للإسقاط کما هو واضح.

و ثانیا:أن لازم ذلک أن لا یقبل الإقالة أیضا بأن لا یکون للبائع حق المطالبة حتی بعد الإقالة مع أن الفقهاء التزموا بجواز الإقالة کما هو واضح.

و ثالثا:أن التأجیل لیس الاّ جعل الحق للمشتری علی البائع فقط و أنه لا یجوز له المطالبة فی ظرف هذه المدة فإذا أسقط المشتری حقه فبمقتضی تسلط الناس علی أموالهم أنه یجوز للبائع المطالبة،بل یجب للمشتری رد ماله إلیه،فإن التصرف فی مال الغیر بدون اذنه حرام.

و رابعا:أنه لا وجه لقیاس المقام بالتبری عن العیوب،فان عدم سقوط التبری بالإسقاط و التزام المتبری بالصحة بعد العقد لا یستلزم عدم سقوط اشتراط التأجیل،فإن عدم لزوم الالتزام بالصحة بعد العقد انما هو من أحکام العقد اللازم،فإنه بعد ما صار لازما لا یکون جائزا و المفروض أن البائع لم یلتزم بالعیب و التزامه بعد العقد لا یکون لازما الاّ أن یکون هنا تراض جدید بین المتبایعین و هو أیضا غیر مربوط بالعقد الأول.

و بعبارة أخری أن العقد قد وقع علی المبیع الغیر المقید بکونه صحیحا الذی یعتبر فی ضمن العقد بحسب الارتکاز و یکون شرطا ضمنیا لأن البائع قد أسقط هذا الشرط بالتبری عن العیب و تحقق العقد اللازم خالیا عن الشرط و بعد ما صار هذا العقد لازما فلا یمکن اشتراط شرط الصحة فی

ص:570

ضمنه بعد لزومه و ان کان اشتراطه بالتراضی الجدید کما هو واضح،و هذا بخلاف المقام فإن المشتری،قد اشترط علی البائع التأجیل و صار له حق علیه فله أن یبقی هذا الشرط و له إسقاطه و لذا تجوز فیه الإقالة و أما فی التبری فلا یجوز فیه الإقالة أیضا،فإنه هل یتوهم أحد أنه إذا تبری البائع عن العیب ثم أقال البائع مع المشتری فی إسقاط التبری یکون اشتراط الصحة فی المبیع لازما و هذا واضح لا شبهة فیه فتحصل أن ما ذهب الیه المشهور من انه لا یسقط التأجیل بالإسقاط غیر صحیح و ما ذکروه من الوجوه علی ذلک غیر تام

و ما ذهب الیه غیر المشهور

و نسب الی بعض العامة من أنه یسقط بالإسقاط صحیح کما هو واضح علی ما عرفت.

قوله:مسألة:إذا کان الثمن بل کل دین حالا أو حلّ وجب علی مالکه

اشارة

قبوله عند دفعه إلیه.

أقول:

قد أشار المصنف(ره)فی هذه المسألة الی جهات من الکلام:
الجهة الاولی:انه إذا کان الثمن مؤجلا و حلّ أجله أو کان معجلا

و أعطاه المشتری للبائع،

فهل یجب علی البائع قبوله أم لا یجب علیه ذلک وجهان و لعل المشهور أنه یجب علی البائع قبوله و قد اختار المصنف(ره) و استدل علیه بأن فی امتناع البائع عن القبول إضرارا و ظلما إذ لا حق له علی من فی ذمته فی حفظ ماله فی ذمته.

أقول:الکلام هنا فی وجوب القبض مع الإقباض و لا کلام لنا فی أن القبض بأی شیء یتحقق فلا یرد أنه إذا لم یقبل فالتخلیة بین الثمن و البائع اقباض.إذا عرفت ذلک فنقول أن المراد من الضرر تارة یکون الضرر الخارجی و أخری یکون الضرر الاعتباری أما الأول فهو عبارة عن النقص فی المال أو الأعضاء أو الاعراض و لا شبهة أن عدم قبول البائع الثمن لا یستلزم شیئا من هذه الأمور فلا یکون هنا ضرر خارجی.

ص:571

و أما الضرر الاعتباری و الشؤنی فنعم فإنه لو لم یقبل البائع الثمن لم تفرغ ذمة المشتری و یکون مدیونا و یعد بین الناس مدیونا و یقل بذلک اعتباره بینهم و لا شبهة فی أن هذا ضرر علیه و لکن الکلام فی أن اندفاع هذا الضرر منحصر بالإقباض لیقع المشتری بعدم قبول البائع الثمن علی الضرر الاعتباری أو لیس بمنحصر بذلک،و الظاهر أنه غیر منحصر به،بل یمکن دفعه أن یلقی بالطریق أو یدفعه الی الحاکم أو یکون عنده أمانة، نعم قبوله الثمن موضوع لرفع الضرر و من الواضح أن إیجاد هذا الموضوع لیس بواجب.

و بعبارة أخری أن دلیل الضرر انما یرفع الحکم الناشی منه الضرر و لا شبهة أن الحکم الذی ینشأ منه الضرر انما هو حکم الشارع بلزوم دفع الثمن إلی البائع فإذا امتنع البائع عن القبول یکون بقاء هذا الحکم علی حاله ضرریّا علی المشتری و من الواضح أن اندفاع هذا الضرر لا ینحصر بقبول البائع لیحکم بوجوبه علیه،بل کما یدفع بوجوبه کک یدفع ذلک بدفعه الی الحاکم أو بإلقائه فی الطریق أو بجعله عند نفسه أمانة شرعیة کما هو واضح.

و توهم أن قبض الحاکم لا یدفع الإضرار و الظلم و هکذا بعزله و کون ضمانه علی مالکه توهم فاسد کما عرفت و لا وجه لقیاس ذلک بمن یجب علیه بیع ماله لنفقة عیاله،فان الوجوب هنا باق علی حاله حتی مع قیام الغیر علی بیع ماله و صرفه فی نفقة عیاله،فإنه من جهة ما دل علی وجوب الاتفاق لا لدلیل الضرر کما هو واضح و کیف کان فإذا امتنع عن قبول حقه سقط وجوب الإعطاء له لا أنه یبقی علی حاله و سقط اعتبار رضاه فی بیع ماله کما لا یخفی.

الجهة الثانیة:أنه إذا قلنا بوجوب الإقباض للبائع و امتنع هو عن

قبوله

فربما یقال أن الحاکم یجبره بالقبض لأنه ولی الممتنع فله أن یجبره بذلک و لکنه واضح الدفع فإنه لا دلیل علی ثبوت الولایة للحاکم فقط فی

ص:572

أمثال الموارد لأنّه لیس الاّ من جهة الأمر بالمعروف و أنه یجب علیه أن یقبض و لا یمتنع عن ذلک و لا شبهة أن الأمر بالمعروف یشترک فیه الحاکم و غیره فإنه واجب لکل من یقدر علیه و لا یختص ذلک بالحاکم لإطلاق أدلة الأمر بالمعروف بالنسبة إلی الحاکم و غیره و بالنسبة إلی العدول و غیرهم و علیه فالتخصیص بالحاکم أولا ثم بعدول المؤمنین و هکذا بلا وجه.

و الحاصل:أن الکلام فی هذه المسألة یقع فی جهات:الاولی:أنه هل یجب علی البائع قبول الثمن و قبضه مع حلول أجله إذا إعطاء المشتری أو لا یجب.فذکر المصنف أنه یجب علی البائع قبوله إذا لم یرض المشتری ببقائه عنده لدلیل نفی الضرر و لکن قد عرفت أن الضرر انما نشاء من حکم الشارع باشتغال ذمته و کونه مدیونا فإنه ضرر علی اعتباره و لم ینشأ الضرر من عدم قبوله،نعم قبوله سبب لارتفاع الضرر و موضوع له و لکن لا یجب علیه إیجاد هذا الموضوع و بمقتضی دلیل نفی الضرر یکون هذا الحکم الذی نشأ منه الضرر مرتفعا و له أن یدفع حقه الیه و إذا لم یقبل و امتنع عن ذلک یدفعها الی الحاکم أو یطرحه فی الطریق ثم علی القول بوجوب الإقباض و امتناعه عن قبوله فهل یجبره الحاکم بالقبول أو لا،و الظاهر هو عدم اختصاص الحاکم بذلک فإنه بناء علی وجوب القبض و امتناعه عنه یکون المورد من موارد الأمر بالمعروف و من الواضح أن عدول المؤمنین،بل فساقهم فی عرض الحاکم فی ذلک لإطلاق أدلة وجوب الأمر بالمعروف کما هو واضح و قد اعترف المصنف أیضا بکون ذلک من باب الأمر بالمعروف فی أثناء کلامه.

الجهة الثالثة:أن البائع إذا امتنع عن القبض اما لعدم وجوبه،أو

لعدم إمکان إجباره

فهل یتولی الحاکم بالقبض لکونه ولی الممتنع أو لا یجب علیه ذلک و الظاهر أنه لا دلیل علی مباشرة الحاکم بذلک إذا لا ولایة له علی ذلک،غایة الأمر أنه ولی الممتنع عن أداء الحق فإنه یجبره علی الأداء

ص:573

بل یجبره عدول المؤمنین،بل فساقهم علی ذلک فإنه من باب الأمر بالمعروف و مع عدم قبوله یتولاه الحاکم و غیره من المؤمنین و أما إذا کان الامتناع عن قبول حق نفسه فلا دلیل علی ولایة الحاکم علیه بأن یقبل ماله و یقبضه ولایة عنه و ان قلنا للغائب و نحوه حسبة و کذا لیس للحاکم أن یطالب المدیون بالدین مع حلول الأجل و رضاء المالک ببقائه فی ذمته أی المدیون و کیف کان فمباشرة الحاکم بالقبض فی أمثال الموارد تصرف فی مال الغیر بدون اذنه فیحتاج الی دلیل و مع رضا بذلک فیجوز للحاکم قبضه لا أنه یجب علیه بحیث یکون ذلک وظیفة له بما أنه حاکم و هذا واضح جدا.

و من هنا ظهر أن ما ذهب إلیه فی السرائر من الحکم بوجوب القبض للحاکم و عدم وجوب إجبار الدائن لیس فی محله و کذلک لا وجه لما رجّحه جامع المقاصد من تولی الحاکم بالقبض مع عدم الإکراه للبائع.

الجهة الرابعة:أنه بعد ما کان اشتغال ذمة المدیون ضررا علیه مع

عدم قبول الدائن دینه

فلا بدّ من عزل حقه و تعیینه فی شخص معیّن و هل المتصدی لهذا العزل هو المدیون أو الحاکم أو شخص آخر،و الظاهر أنه هو الحاکم،فان ما یدفع به الضرر هو جواز العزل و أما أن یکون المتصدی هو المدیون فلا یقتضیه دلیل نفی الضرر لما ذکرنا فی باب الولایة أنه و ان کان لا دلیل علی ولایة الحاکم و لکن مع ذلک نلتزم بثبوت الولایة له من باب القدر المتیقن و کذلک فی المقام فإنه قد اقتضی دلیل نفی الضرر ارتفاع حکم الشارع باشتغال ذمة المدیون و أنه یعزل حقه مع امتناعه و لکن الأمر دائر بین أن المتصدی لذلک هو الحاکم أو غیره فالقدر المتیقن هو أن یکون المتصدی لذلک هو الحاکم.

ثم انه بعد العزل هل یدفع الی الحاکم أو یجعل أمانة عند المدیون أو عند شخص آخر أو یلقی الی نفس المالک سواء أخذ أم لا،و قد یقال أنه

ص:574

یعطی للحاکم لأنه ولی من لا ولی له و لکنه واضح الدفع فإنه إنما یدفع المال إلیه إذا لم یکن مالکه حاضرا و لم یکن له ولی یحفظه فإنه یعطی للحاکم و هو یأخذه و یحفظه حسبة و أما فی المقام فالمالک حاضر فلا حسبة لأخذه عنه و لا دلیل بالخصوص یدلنا علیه فلا دلیل لوضعه عند الحاکم کما لا دلیل علی لزوم أن یأخذه الحاکم کما تقدم بحیث یکون وظیفة له و من هنا ظهر حکم غیر الحاکم أیضا.

و أما المدیون فذکر المصنف أنه یجعل عنده فان تلف فعلی ذی الحق لأن هذا فائدة العزل و ثمرة إلغاء قبض ذی الحق.

و مع ذلک لا یخرج بالعزل عن ملک مالکه لعدم الدلیل علیه فان التملک کان مشروطا بالقبض فلا یسقط بدلیل نفی الضرر،بل یسقط الضمان و نماء المعزول أیضا للمدیون لما عرفت أنه ملکه فیکون المقام عکس قاعدة الخراج بالضمان فلا تکون القاعدة المذکورة جاریة هنا فان نفی الضرر ینفی الضمان و اعتبار القبض فی الملک یدل علی عدم خروج المعزول عن الملک و یکون ذلک کتعلق حق المجنی علیه برقبة العبد الجانی.

و لکن یرد علیه أنه إذا کان المعزول باقیا فی ملک المدیون و کانت ذمته أیضا فارغة عن الدین فأین ذهب ملک الدائن مع أنه کان مالکا لذمته قطعا فلا مناص عن تعین ملکه بالمعزول و قد عرفت أن دلیل نفی الضرر یقتضی أزید ما یدفع به ضرر المدیون إذا عزل حق الدائن لا انعدام ملکه بالکلیة و قد عرفت أنه یندفع بعزل الحاکم و إذا عزله الحاکم فیتعین حقه بذلک و علیه فیکون تلفه عن المالک فیکون نماؤه أیضا له علی ما تقتضیه قاعدة الخراج بالضمان کما هو واضح.

الجهة الخامسة:أنه إذا عزل حق الدائن فهل حفظه علی الدائن

أو للحاکم أو لیس علی أحد حفظه

أما الحاکم فقد عرفت الکلام فیه فإنه ولی

ص:575

الغائب لا ولی الحاضر و کک المدیون،فإنه لا دلیل علی وجوب حفظه علیه بل حفظه کذلک أضر من بقائه فی ذمته کما ذکره المصنف و علیه فللمدیون أن یحفظ ذلک و له أن یطرحه علیه أو علی الطریق فإنه بعد ما عرض ذلک علی مالکه و امتنع مالکه عن القبض فلا یکون حفظه علی أحد حسبة،بل علی مالکه و المفروض أن المالک لا یأخذه فسقط احترام ماله من حیث وجوب الحفظ فیلقیه المدیون این ما یرید کما هو واضح.

ثم انه بقی هنا شیء قد تعرض له المصنف و أن لم یکن مربوطا بالمقام و هو أن مورد حدیث نفی الضرر هو أن النبی صلی اللّه علیه و آله قد أسقط ولایة سمرة و أمر بقلع الشجرة و رمیها الیه،و لکن قد ذکرنا فی البحث عن قاعدة لا ضرر أن هذا و ان کان یدل علی نفی الحکم الضرری فی الإسلام و لکن لا دلالة فیه علی سقوط ولایة المالک عن ماله لأن حکم النبی صلی اللّه علیه و آله بقلع الشجرة لیس من جهة الضرر لأن بقائها فی بستان الأنصاری لم یکن ضررا علیه،بل الضرر انما کان ناشئا عن دخول سمرة علی الأنصاری بلا استیذان منه و کان یندفع الضرر بمنعه عن الدخول علیه بدون الاستیذان و انما کان أمر النبی صلی اللّه علیه و آله بذلک من جهة التأدیب حیث انه لم یقبل کلما وعده النبی صلی اللّه علیه و آله تأدیبا له بقلع شجرته و رمیها الیه و الاّ فالحدیث لا یقتضی رفع ولایة المالک عن ماله بعنوان لا ضرر.

ثم انه بقی هنا فرعان قد تعرض لهما المصنف لأجل المناسبة
اشارة

و ان لم یکونا مربوطین بالمقام:- الأول:أنه إذا کان مال مشترک عند شخص و أخذ الغاصب منه بقصد أنه من حصة شریکه لا ممن عنده مال،فهل یکون المأخوذ محسوبا من صاحبه أو یکون محسوبا منهما.

الثانی:أن یصدی الظالم بنفسه لذلک بأن أخذ من المال المشترک

ص:576

مقدار نصیب صاحبه.

و قد ذکر المحقق الثانی هذین الفرعین ثم ذکر أنا لم نجد تصریحا بهما فی کلمات الأصحاب و تردد هو فیما بعد حکمه فیما نحن فیه بکون تلف المعزول من صاحب الدین،و لکن لا وجه لتوهم أن الفرعین مما نحن فیه کما ذکره المصنف و حکم بخروجهما عن المقام بان یدعی أن دلیل نفی الضرر ینفی کون الضرر ممن بیده المال لعدم توجه الضرر علیه،بل یکون من صاحبه بأن یکون دلیل الضرر مقتضیا لکون المعزول ممن قصد الظالم وقوع الضرر علیه.

أما الفرع الثانی فمن جهة أنا لا نسلم کون المأخوذ من صاحب الشریک

کما فیما نحن فیه

لأن دلیل نفی الضرر بنفسه لا یقتضی تأثیر نیة الظالم فی التعیین،فإذا أخذ الظالم جزء خارجیّا من المشاع فتوجیه الضرر الی من نواه الظالم دون الشریک لا وجه له فان نیته لیست موجبة لتعین المال لعدم کونها فارزة کما إذا أخذ الظالم من المدیون مقدار مال الغریم بنیة أنه من الدائن أو أجبر أحدا أن یبیع ماله من شخص ثم أخذ الغاصب المال المعلوم فان دلیل لا ضرر لا یثبت الولایة لأحد أن یبیع ماله من شخص أصالة عن نفس و ولایة عن غیره و هذا واضح جدا.

نعم،هنا کلام من جهة أخری و هی أن الضرر المتوجه الی شخص هل یجب دفعه لغیره عنه مع تمکنه عن ذلک أو لا یجب دفعه علیه و قد تقدم ذلک فی الجزء الأول و قلنا انه لا یجب دفعه و لکنه غیر مربوط بالمقام لما عرفت أن الضرر هنا انما توجه الی المال المشاع المشترک و نیة الظالم لا یوجب توجهه الی خصوص ما قصده الغاصب فان نیته لا توجب تعین حق أحدهما فإن أمر الافراز لیس بیده،و لا أن دلیل نفی الضرر یقتضی ذلک بعد توجه الضرر الی المال المشاع.

ص:577

و أما الفرع الأول:فربما یتوهم أن الشریک لما کان فی معرض التضرر

لأجل مشارکة شریکه جعل له ولایة القسمة بمقتضی دلیل نفی الضرر،

و لکنه توهم فاسد کما ذکره المصنف،و فیه أن التضرر و ان کان یجوز القسمة و لکن القسمة أیضا ضرر علی الطرف الآخر فیکون دلیل نفی الضرر بالنسبة إلیهما متعارضا.

و بعبارة أخری أن دلیل نفی الضرر انما ورد فی مقام الامتنان فکما أن الامتنان یقتضی جواز القسمة و هکذا ان الامتنان یقتضی عدم جواز القسمة فعدم کل منهما خلاف الامتنان فیتعارضان فلا یکون دلیل نفی الضرر شاملا لما نحن فیه.

قوله:مسألة:لا خلاف علی الظاهر من الحدائق المصرح به فی غیره.

أقول:لما کان الکلام فی البیع المؤجل فتعرض المصنف لأجل المناسبة لعدم جواز التأجیل فی الثمن،بل فی مطلق الدین بأزید منه بأن یزاد فی الأجل بزیادة الدین بحیث تکون زیادة الثمن فی مقابل الأجل الزائد و کیف کان فلا شبهة فی حرمة ذلک و کونه ربوی محرما و لم تسمع خلاف أحد فی ذلک ثم ان مورد الکلام ما إذا کانت الزیادة فی مقابل الأجل ابتداء بأن یزید الدین بمقدار من الأثمان فیزید الدائن الأجل و لا یختص ذلک بمعاملة دون معاملة و لا بمعاملة دون دین،بل یجری فی جمیع ذلک فالمیزان الکلی ازدیاد الثمن فی مقابل ازدیاد الأجل من غیر أن یکون ذلک فی ضمن معاملة.

و أما إذا صالح المدیون بإبراء الدین الحال بأزید منه مؤجلا،فلا بأس به و أنه خارج عن المقام،و کذلک ما إذا باع ما فی ذمته من المتاع الربوی کالحنطة مثلا،بأزید منها مؤجلا،فإنه باطل لا من جهة الربا و الزیادة العینیة،بل من جهة أن بیع الحال بمثله مؤجلا فی الربویین باطل

ص:578

کما هو المشهور لا من جهة کون الزیادة فی مقابل الأجل فهذا أیضا خارج عن المقام.و أیضا لیس مربوطا بالمقام ما إذا باع الحال بما فی ذمته من الأثمان کالدینار و الدرهم بأزید منه من غیر جنسه معجلا کالمروءات و نحوه فلا بأس به أیضا.

و علی الجملة فمورد الکلام ما إذا زاد المدیون علی الدین بعد حلوله أو فی وقت المداینة فی مقابل الأجل بحیث تکون الزیادة فی مقابل الأجل الزائد،و قد اتفقت کلمات الأصحاب علی حرمة ذلک من غیر خلاف بینهم نصا و فتوی.

و قد استدل المصنف(ره)علی حرمة ذلک بوجوه الأول،الخبر الذی رواه فی مجمع البیان عن ابن عباس فی تفسیر قوله تعالی وَ حَرَّمَ الرِّبا من أنه کان الرجل من أهل الجاهلیة إذا حلّ دینه علی غریمه فطالبه قال المطلوب منه زدنی فی الأجل أزیدک فی المال حتی إذا قیل لهم ربا،فیتعجبون من ذلک و یقولون هما سواء بمعنی أنه کزیادة الثمن حال البیع فکما أنها لیست بحرام و کذلک الزیادة فی مقابل الأجل بعد البیع فذمّتهم اللّه و الحق بهم الوعید و خطاهم فی ذلک بقوله أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

و فیه أن هذه الروایة و ان کانت دلالتها تامة و لکن لم تثبت حجیتها لعدم کونها منقولة من طرقنا.

الثانی:أنه استدل علی ذلک بروایات من طرقنا عن الأئمة علیهم السلام اللّه و هی علی طائفتین.

الأولی:ما دل علی جواز وضع البعض مع إعطاء البعض من الدین کصحیحة ابن ابی عمیر قال سئل عن الرجل یکون له دین إلی أجل مسمی فیأتیه غریمه فیقول له انقدنی کذا و کذا واضع عنک بقیته أو انقدنی بعضه و أمدّ لک فی الأجل فیما بقی علیک،قال علیه السلام:اللّه لا اری به بأسا،

ص:579

انه لم یزد علی رأس ماله قال اللّه تعالی فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ ،فإنه علیه السلام علل جواز التراضی علی تأخیر أجل البعض بنقد البعض بعدم الازدیاد علی رأس المال کما ذکره المصنف فیدل علی أنه لو زاد ذلک علی رأس ماله لم یجز التراضی علی التأخیر،فیکون ذلک رباء کما یقتضیه ذیل الآیة أعنی قوله تعالی فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ ،إلخ.فهذه الروایة تدل علی عدم جواز الزیادة فی مقابل الأجل بعد الدین فتدل علی حرمتها عند المداینة أیضا إذ لا فرق فی ذلک بین الحدوث و البقاء.

و الطائفة الثانیة الأخبار الواردة عن تعلیم طریق الحیلة فی جواز تأخیر الدین بزیادة باشتراط التأخیر فی ضمن معاملة أخری للفرار عن الربا فلو جاز التأجیل بزیادة ابتداء و بقاء لم یکن داعی إلی التوصل بأمثال تلک الحیل حتی صاروا علیه السلام بذلک موردا لاعتراض العامة فی استعمال بعض هذه الحیل کما فی غیر واحد من الأخبار الواردة فی ذلک و کیف فتدل هذه الروایة أیضا علی حرمة الزیادة فی مقابل الأجل حدوثا و بقاء.

و علی الجملة أن ما استدل به المصنف علی مقصوده بهذه الروایات صحیحة و تامة.

قوله:مسألة:إذا ابتاع عینا شخصیة بثمن مؤجل،جاز بیعه من بایعه

اشارة

و غیره قبل حلول الأجل

و یعده بجنس الثمن و غیره مساویا له أو زائدا علیه أو ناقصا حالا أو مؤجلا.

أقول:الکلام فی بیع العین الشخصیة بعد شرائه مؤجلا من الشخص الذی اشتراه منه،

فالکلام یقع هنا فی ثلاث مسائل:
اشارة

الاولی فی أنه هل یجوز بیع العین الشخصیة من الشخص الذی اشتراه منه مؤجلا أو لا یجوز بیعه منه قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن الذی اشتراه منه أو بغیره مساویا له أو زائدا علیه أو ناقصا عنه حالا أو مؤجلا،ففی هنا مسائل

ص:580

الاولی:أنه یجوز بیع ما اشتراه الإنسان مؤجلا و قد منع الشیخ عن ذلک بعد حلول الأجل بنقصان من الثمن.

و المسألة الثانیة:ما نسب الی الشیخ أیضا فی خصوص الطعام بأنه بعد حلول الأجل،فإن کلام الشیخ و ان کان فی بیع الطعام و لکن علله علی نحو یفهم منه التعمیم،فراجع المتن و لا یجوز أخذ الطعام بدلا عن الثمن الا بما یساویه المسألة الثالثة أن یبیع الشیء بشرط أن یبیعه منه بالمال کما نسب الی المشهور.

أما المسألة الأولی فی أنه هل یجوز بیع العین الشخصیة من الشخص الذی اشتراه منه مؤجلا

فالظاهر أنه لا خلاف فی جواز ذلک بین الأصحاب إلاّ عن النهایة للشیخ،فإنه حکم بعدم جواز أن یأخذ البائع من المشتری ما کان باعه إیاه أن یأخذ منه بثمن ناقص فما باع منه و لزمه ثمنه الذی کان أعطاه به کما هو ظاهر عموم کلامه فی بیع الطعام و عن الشهید أنه تبع الشیخ فی ذلک جماعة.و لکن الظاهر ما هو المشهور و یدل علیه مضافا علی العمومات الدالة علی صحة المعاملات و لزومها صحیحة (1)بشار بن یسار قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یبیع المتاع بنساء مرابحة فیشتریه من صاحبه الذی یبیعه منه،فقال:نعم لا بأس به،إلخ.فهذه الروایة و ان کانت خاصة من حیث اختصاصها بشراء البائع المتاع الذی باعه من المشتری مؤجلا و لکنها مطلقة من حیث کون الشراء ثانیا بأقل من الثمن الذی باعه أو أزید أو مساوی،و کذلک مطلقة من حیث کون الشراء ثانیا بعین الثمن الذی باع به أولا أو بغیره قبل حلول الأجل أو بعده،فهذه الروایة بإطلاقها من حیث ترک الاستفصال بین الحلول و عدمه تدل علی المقصود.

ص:581


1- 1) وسائل:ج 12،ص 370.

و تدل علی المقصود أیضا صحیحة (1)ابن حازم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال:رجل کان له علی رجل دراهم من ثمن غنم أشتریها منه، فأتی الطالب المطلوب یتقاضاه،فقال له المطلوب أبیعک هذه الغنم بدراهمک التی لک عندی فرض قال لا بأس بذلک فهذه الروایة لیست مطلقة من حیث کون البیع الثانی قبل الأجل أو بعده بل الظاهر منها أن المطالبة انما کانت بعد حلول الأجل و لذا قال السائل انه اتی الطالب المطلوب یتقاضاه فإنه لو کان ذلک قبل الأجل لم یکن له حق المطالبة و لکن الظاهر من الروایة أن للبائع حق المطالبة(الاّ أن یکون البیع حالا فتکون الروایة علی ذلک أجنبیة عن المقام)و لکن الروایة لیست فیها صراحة بالنسبة کون البیع الثانی واقعا علی المبیع الأول،بل هی مطلقة من هذه الجهة فلا دلالة لها علی ذلک الاّ من حیث الإطلاق.

و یؤید ذلک ما من کتاب (2)علی بن جعفر عن أخیه قال:سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة إلی أجل،ثم اشتراه بخمسة بنقد فهذه الروایة علی تقدیر صحة سندها ظاهرة فی المطلوب و لکن لا صراحة فیها أیضا فی کون البیع قبل حلول الأجل أو بعده و کیف کان ففی هذه الروایات مع العمومات الواردة فی صحة المعاملات غنی و کفایة.

و قد استدل الشیخ علی مقصود بروایتین الأولی روایة خالد بن الحجاج قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخیر إلی أجل مسمی فلما جاء الأجل أخذته بدراهمی فقال:لیس عندی دراهم و لکن عندی طعام فاشتراه منی،فقال:لا تشتره منه،فإنه لا خیر فیه.

ص:582


1- 1) وسائل:ج 12،ص 370.
2- 2) وسائل:ج 12،:ص 371.

و فیه أنه علی تقدیر صحة الروایة فلا دلالة فیها علی المقصود إذ لیس فیها أن المبیع ثانیا عین المبیع أولا،فإن المشتری قال لیس عندی طعام فاشتر منی طعاما فیمکن أن یکون هذا الطعام غیر الطعام الذی وقع علیه البیع أولا،کما یقتضیه التعبیر عنه بالنکرة حیث انه طلب الثمن فأعطاه الطعام عنه،بل قیل أن تکرار النکرة بالنکرة یدل علی التعدد کما فی قوله تعالی إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً ،إلخ.و أما إذا کان تکرار النکرة بالمعرفة فیدل التکرار علی الاتحاد،نعم لا یبعد شمولها للمبیع الأول بالإطلاق و ثانیا لا دلالة فیها علی الحرمة،بل الظاهر منها الکراهة و لذا لم یقتصر الامام علیه السلام فی المنع بقوله لا تشتر،بل عقبه بالتعلیل بقوله فإنه لا خیر فیه فان الظاهر من کلمة لا خیر هو الکراهة فإنها مثل کلمة لا ینبغی و لا یصلح و نحو ذلک.

و علی الجملة فظهور الروایة فی المنع عن الاشتراء من حیث کون البیع ثانیا هو الطعام الأول،و من حیث الزیادة و النقیصة و المساواة،و الشیخ لا یقول بذلک فلا تنطبق الروایة علی مسلکه.

الثانیة:روایة عبد الصمد بن بشر قال:سأله محمد بن قاسم الحناط، فقال:أصلحک اللّه أبیع الطعام من رجل الی أجل فیجئنی فقد تغیّر الطعام من سعره فیقول:لیس عندی دراهم،قال:خذ منه بسعر یومه،فقال أفهم أصلحک اللّه انه طعامی الذی اشتراه منی فقال لا تأخذ منه حتی یبیعه و یعطیک،فهذه الروایة صریحة فی کون المبیع ثانیا هو المبیع أولا فعلی تقدیر صحتها فتدل علی المقصود من هذه الجهة و لکن لا دلالة فیها علی خصوص مذهب الشیخ و هو عدم جواز البیع بثمن ناقص من الثمن الذی اشتراه المشتری به من البائع کما لا دلالة علی ذلک فی الروایة الأولی أیضا علی تقدیر شمولها المبیع الأول بإطلاقها و الوجه فی ذلک أنه لا شبهة فی أن هذه الروایة صریحة فی کون البیع مؤجلا کما أنها صریحة فی کون المبیع ثانیا عین

ص:583

المبیع أولا،و ان دلت هذه الروایة علی الجهة الثالثة أیضا،و هی أن یکون الثمن فی البیع الثانی أقل من الثمن فی البیع الأول فتکون هذه الروایة أخص من العمومات الدالة علی صحة هذا النحو من البیع و أیضا تکون أخص من الروایتین المتقدمتین فبمقتضی الجمع العرفی کون هذه مخصصة لها إذ لیس فی المقام ما یعارض هذه الروایة،بل العمومات و الروایتین المتقدمتین کلها أعم من هذه الروایة.

و لکن الظاهر أن روایة عبد الصمد مع الغض عن سندها و الحکم باعتبارها من حیث السند فلا دلالة لها علی المقصود فإنها إما مجملة،أو خارجة عن المقام جدا و الوجه فی ذلک أن الراوی حیث سأل الإمام علیه السلام عن جواز شراء الطعام ثانیا الذی باعه من شخص مؤجلا،و قد حلّ الأجل حیث یقول المشتری لیس عندی دراهم خذ طعامک فقد تغیر سعره فقال الامام علیه السلام:اللّه خذ طعامک بسعر یومه الذی تطلب منه الثمن ثم کرر السائل السؤال،فقال هو طعامی فأجاب الإمام علیه السلام أنه لا یجوز أن تشتری منه،بل لا بدّ و أن یبیع لشخصا آخر فیعطیک ثمنه ثم ندم السائل عن سؤاله ثانیا حیث قال أرغم اللّه أنفی،إلخ.لا شبهة أن المبیع الثانی الذی سأل السائل عن حکمه لیس الثمن فیه مساویا للبیع الأول،بل اما زائد عنه أو ناقص و لذا قال الراوی فقد تغیّر سعره فان کان المراد هو الناقص فدلت الروایة علی مقصود الشیخ فإنه تکون الروایة أخص من العمومات و الروایتین المتقدمتین فتکون هی مخصصة لهما،و لکن لیس فی الروایة ظهور فی ذلک،بل الظاهر منها أن السائل بعد ما سأل عن حکم البیع الثانی فجوّزه الامام علیه السلام فرأی أنه لیس علی نفعه لکون الثمن فیه زائدا من ثمن بیع الأول فأراد الفرار عن ذلک فسأل ثانیا أنه طعامی فکیف أعطی الثمن أکثر مما أعطاه المشتری لی،بل لا بدّ و أن یعطیه المشتری لی بمثل

ص:584

الثمن الذی أعطیه إیاه فأجاب الإمام علیه السلام بأنه لا تأخذ منه إلخ، فتخیل السائل من ذلک أنه لا یجوز البیع بأزید من الثمن الذی فی البیع الأول،فقال أرغم اللّه انفی رخص لی فررت علیه و شدد علیّ فان الظاهر من هذه(و لکن الظاهر من ذیل الروایة أنه کان الثمن فی البیع الثانی فمنع، الامام علیه السلام منه فتکلم هو بهذه الجملة فإنها أمس بصورة القلة و الندامة بها اخری و أما فی الزائد فلا من المقرر)الجملة أنه فهم عدم الجواز من الشراء بالزائد فتندم لأنه کان حاضرا بالشراء الزائد،و لکن لا دلالة فی قول علیه السلام لا تأخذ منه،إلخ.علی عدم جواز الشراء ثانیا بالأکثر کما تخیله الراوی بل الامام علیه السلام أرشده إلی أنه إذا ثقل علیه أن تشتری متاعک بالثمن الزائد من الذی بایعته فلا تأخذ منه ذلک فخلی أن یبیعه من غیرک فیعطیک دراهمک و علیه فلا دلالة فی الروایة علی المنع عن البیع بأزید من الثمن الذی کان فی البیع الأول و علی هذا فالروایة بالکلیة أجنبیة عن رأی الشیخ الطوسی فإن الروایة لا نمنع عن البیع الثانی لا بالثمن الناقص من البیع الأول کما صرح به الشیخ الطوسی و قال انه لا یجوز بالناقص،و لا بالثمن الزائد کما هو ظاهر کلامه فی مورد بیع الطعام،و ان أبیت عن ظهورها فی ذلک فلا ظهور لها فی المنع عن البیع بالثمن الناقص من الثمن الأول فلا أقل من الإجماع کما هو واضح.

ثم انه ربما یستدل علی مذهب الشیخ بما نسب إلیه فی السلم من أنه لو باع أحد طعاما من غیره سلما فحل الأجل و لم تمکن البائع من تحویل الطعام،فإنه لا یجوز له أن یعطی درهما بدل الطعام الاّ بنحو التساوی فإنه یرجع الی بیع الدرهم بدرهم فهو لا یجوز فی غیر صورة التساوی و عکس ذلک فی البیع المؤجل فإنه إذا باع طعاما بدراهم مؤجلا فحل الأجل و لم یتمکن المشتری من إعطاء الدراهم فإنه لا یجوز له أن یعطی الطعام بدل

ص:585

الدراهم لرجوعه الی بیع الطعام بالطعام،فهو لا یجوز الاّ بنحو التساوی و الاّ یلزم منه الربا و الأصل فی ذلک ما ورد فی السلم من خبر علی بن جعفر علیه السلام قال:سألته عن رجل له علی آخر تمر أو شعیر أو حنطة یأخذ بقیمته دراهم قال علیه السلام:إذا قوّمه دراهم فسد لأن الأصل الذی یشتری به دراهم و لا یصلح دراهم بدراهم.

و فیه أولا أن الروایة ضعیفة السند.

و ثانیا:أنها معارض فی موردها بروایة أخری،و ثالثا:أن مورد هذه الروایة هو البیعی الکلی،فإنه قال علیه السلام سألته عن رجل له علی تمر و لا أقل من إطلاقه بالنسبة إلی الکلی و الشخصی و لا شبهة أن کلام الشیخ فی البیع الشخصی دون الکلی بداهة جواز ذلک فی الکلی و اذن فلا مانع من هذه الناحیة أیضا لأن البیع الثانی بأقل من الثمن الأول لا بأس به.

فتحصل ان مذهب الشیخ(ره)مبنی علی وجوه ثلاثة کلها لا یرجع الی محصل کما هو واضح.

و أما المسألة الثالثة فهی أن یبیع شیئا و یشترط فی ضمنه أن یبیعه

ثانیا،

فقد نسب الی المشهور بطلان ذلک و علله العلامة بأنه مستلزم للدور و هو محال،و ما یلزم منه المحال فهو محال،و لکنه لا یناسب مقام العلامة، بل مقام من هو دونه و ذلک لأنه ان کان معنی الاشتراط هو تعلیق البیع علی الشرط بحیث أن یکون البیع علی تقدیر هذا الشرط و الاّ فلا بیع، فلتوهم الدور مجال لأن حصول البیع الأول متوقف علی البیع الثانی فالبیع الثانی متوقف علی الملکیة الحاصلة من البیع الأول فیتوقف البیع الثانی علی البیع الأول فهو دور و لکن الأمر لیس کک،فإنک قد عرفت أن معنی الشرط لیس هو التعلیق الذی قام الإجماع علی بطلانه،بل الالتزام معلق علی الشرط و العقد معلق

ص:586

علی الالتزام بالشرط و لا یضرّ مثل هذا التعلیق لأنه إنما تعلیق بأمر حاصل لتحقق الالتزام حال العقد و التعلیق بأمر حاصل لا تضرّ کما هو واضح،و انما الذی هو غیر حاصلة هو الملتزم به دون نفی الالتزام کما هو کک فی جمیع الشروط غیر شرط النتیجة کشرط الخیاطة و البنایة و نحوهما و أما علی ما هو المعروف من معنی الشرط من ارتباط الالتزام بالعقد مستمرا متوقف علی الشرط و الارتباط انما هو بینهما فالملکیة حاصلة بالبیع سواء حصل الشرط أعنی الملتزم به أم لم یحصل غایة الأمر أنه یثبت للمشروط له خیار تخلف الشرط،و أما توقف الملکیة علی الشرط المتوقف حصوله علی البیع الثانی،فلا، کما هو واضح.و حیث ان هذا المعنی من الشرط واضح فلا وجه للزوم الدور بوجه علی أنه منقوض بالإجارة أیضا فإنه لو باع عینا من شخص و اشترط استجارها للبائع لزم الدور المذکور و کذلک ینتقض باشتراط بیعه من شخص آخر فان توهم الدور متوجه فی جمیع ذلک فلا وجه له للفرق بینهما.

ثم انه حیث ان الدور بظاهره الذی عرفت بشیع و القول بلزومه فی صورة اشتراط البیع للبائع منقوض بالأمور المذکورة فقد وجهه المصنف بوجه آخر،و حاصله أن الشرط لا بدّ و أن یکون محرز الصحة قبل البیع و لا یکون ممتنعا قبله،فلو کانت صحة الشرط ناشئة من ناحیة الاشتراط فی البیع بحیث یکون البیع موجبا لمعقولیته لزم الدور ففی المقام لا شبهة أن بیع مال الشخص من نفسه معقول فلو اشترط ذلک فی ضمن البیع لکان صحة هذا الشرط متوقفة علی البیع و المفروض أن صحة البیع أیضا متوقفة علی هذا الشرط فیلزم الدور و لکن یرد علیه نقضا و حلا أما النقض فلأن النقوض المذکورة و ان لم تکن واردة فإن بیع المالک ماله من شخص آخر و کک إیجار له صحیح فی نفسه فیمکن أن یکون ذلک شرطا فی البیع أیضا و لکن ینقض ذلک بما إذا اشترط الإیجار لنفسه فان الظاهر أن العلامة لم یمنع فی ذلک کما هو المتعارف

ص:587

کثیرا،أو یشترط کون السکنی له إلی سنة و یشترط ان یرهن عنده و دعوی المصنف أن النقض بالرهن غیر وارد لأنه من توابع البیع و مصالحه فیجوز اشتراطها نظیر نقد الثمن أو عدم تأخیره عن وقت دعوی لا نفهمها،إذ الإشکال لیس من ناحیة جعل مال الغیر وثیقة فإنه کثیر،فإنه ربما یستعیر مال شخص آخر و یجعله وثیقة عند شخص و یأخذ منه الدراهم،بل الاشکال من ناحیة أن مال شخص لا یمکن أن یجعل عنده رهنا و أنه إذ لا یعقل أن یجعل مقدار من مال شخص ثم یجعل رهنا عنده،فحیث کان هذا غیر معقول،فلا بدّ و ان لا یکون اشتراط ممکنا فی البیع أیضا علی توجیه المصنف لکلام العلامة و أوضح من النقضین المذکورین أن یبیع أحد ماله و اشترط أن یقفه علیه مع أن وقف الإنسان ماله لنفسه غیر معقول و الظاهر أن العلامة لم یلتزم بعدم الجواز فی شیء مما ذکر،فالأمر یدور بین أن یلتزم بعدم صحة الشرط فی الموارد المذکورة أیضا و هو بعید أو لا یلتزم بعدم الصحة فی اشتراط أن یبیع المشتری المبیع من البائع ثانیا فحیث لا یمکن الالتزام بالأول فلا بدّ من عدم الالتزام بذلک فی الثانی أیضا.

و أما أن الشرط غیر مقدور قبل البیع فکیف یمکن اشتراطه فیه،فواضح الاندفاع لأنه لا یعتبر فی الشروط أن یکون مقدورا قبل العقد،بل یکفی فی مقدوریته کونه مقدورا بالعقد أیضا کما فی المقام،و تقدم نظیره سابقا فی حصول جواز التصرف بنفس البیع کما هو واضح.

و أعجب من کلام العلامة ما استدل به الشهید علی بطلان البیع الأول أن البائع لا قصد له علی البیع،و الاّ لم یشترط بیعه من البائع ثانیا،و وجه العجب أن البائع قد قصد النقل إلی المشتری و دعوی أنه لم یقصد مکابرة و أن أبیت عن ذلک فنفرض الکلام فیما إذا صرّح البائع بذلک القصد غایة الأمر أنه مع هذا القصد قد اشترطا بیعه ثانیا من البائع الأول و تعلق القصد به

ص:588

أیضا علی أنه لو کان اشتراط البیع من البائع الأول ثانیا مضرا لکان قصد المتبایعین النقل إلی البائع الأول،من دون اشتراطها إیاه لفظا أیضا، مضرا و موجبا لعدم القصد إلی البائع الأول،بل قد یقصد رجوع المبیع إلی البائع کما فی البیع بشرط ردّ الثمن،فان غرض البائع تسهیل أمره مع حفظ متاعه بذلک البیع فیبیعه کذلک و یجعل لنفسه الخیار إلی مدة بحیث إذا أتاه الثمن أخذ المتاع.

و علی الجملة فلا نری بأسا بما إذا باع أحد ماله و اشترط فی ضمن البیع أن یبیعه المشتری منه ثانیا لا من حیث الالتزام لیکون تعلیقا و لا من حیث الملتزم به،بان یوجب الدور،بل قد یشترط رجوع البائع إلی المبیع إذا أتی بالثمن فضلا عن البیع له ثانیا کما عرفت.

و الحاصل أن الکلام فی صحة البیع و اشتراط أن یبیع المشتری المبیع ثانیا من البائع،و قد تقدم أن المانع ذلک هو الدور الذی ذکره العلامة و قد عرفت جوابه و أنه لیس هنا دور،بل المقام کبقیة اشتراط من غیر فرق بینها فإذا لزم الدور من الاشتراط فیلزم فی جمیعها و الاّ فلا فحیث لم نر محذورا فی بقیة الشروط من حیث الالتزام و لا من حیث الملتزم به لکونه أمرا مقدورا و کانت مقدوریته بنفس العقد فلا محذور فی صحة ذلک البیع الذی وقع فیه هذا الشرط،بل قد عرفت أن البیع المشروط بردّ الثمن من البدیهیات صحته مع أن اشکال الدور لو تم لجری فیه أیضا بتوهم أن البیع متوقف علی صحة الشرط و صحة الشرط متوقف علی صحة البیع و کیف کان فاصل صحة البیع الأول غیر متوقفة علی شیء،بل هو یفید الملکیة سواء عمال المشروط علیه بالشرط أم لا غایة الأمر أنه مع التخلف و عدم العمل بالشرط تثبت الخیار للمشروط له و هذا جار فی جمیع الشروط کما هو واضح.

و أما ما ذکره الشهید(ره)من أنه لا قصد للبائع إلی البیع مع هذا

ص:589

الشرط فقد عرفت جوابه و أنه قصد النقل بهذا البیع و اشتراط هذا الشرط لا ینافیه أی لا ینافی قصده هذا کما هو واضح.

ثم انه قد استدل صاحب الحدائق و بعض آخر علی فساد البیع الذی وقع فیه هذا الشرط بروایة الحسین بن المنذر الدالة علی فساد البیع بهذا الشرط و بروایة علی بن جعفر المرویة فی قرب الاسناد،و لکن الظاهر من الروایة کما ذکره المصنف هو بطلان البیع الثانی و یدلنا علی ذلک اختلاف أهل المسجد فیه،و حکمهم بأنه لا یجوز البیع فی مکانه،بل بعد أشهر فإن هذا فی البیع الثانی دون الأول و الامام علیه السلام أیضا حکم بجواز البیع الثانی ان کان البیع الأول متحققا بحیث کان المشتری بعده له أن یبیع و له أن لا یبیع و من البدیهی أن مورد البحث کان هو البیع الأول کما هو ظاهر کلام المشهور،بل صریح کلام بعضهم و اذن فالروایتین أجنبیتان عن مورد المسألة و تدلان علی بطلان البیع الثانی.

و لکن الذی یسهل الخطب أنهما ضعیفتان السند أما الأولی فلحسین ابن المنذر و أما الثانی فلعبد اللّه ابن الحسن فلا تصلحان للمانعیة عن صحة البیع الثانی أیضا،و علیه فمقتضی القاعدة المتصیدة من العمومات الدالة علی صحة المعاملات هو صحة البیع الثانی أیضا کما هو واضح.

القول فی القبض

اشارة

قوله:و هو لغة الأخذ مطلقا،إلخ.

أقول:

اختلفت الأقوال فی معنی القبض

علی ما ذکره المصنف فی المتن و لکن الظاهر أن القبض بمعنی واحد فیکون بهذا العنوان شاملا لجمیع الموارد و هو ما یکون به ضمان الغاصب و هذا المعنی الواحد عبارة

ص:590

عن الاستعلاء علی المال بحیث یکون اختیاره تحت یده أو ید من یؤول إلیه أمر المالک و هذا المعنی هو الذی یحکم به العرف و یوافقه اللغة العربیة، بل کلّ لغة و لیس له حقیقة شرعیة أو متشرعیة حتی تکون متبعة و علی هذا المعنی فیختلف القبض بحسب اختلاف الموارد فإنه فی مثل الدار عبارة عن التخلیة بین المالک و بینها فان استعلاء المالک یحصل بذلک و فی مثل الجواهر هو القبض بالکف و فی مثل الحیوان هو الأخذ باللجام أو السوق أو نحوهما و کیف کان فالقبض له معنی عرفی واضح لیس فیه اختلاف أصلا و انما الاختلاف فی مصادیقه و أفراده کما هو واضح.

نعم ربما یعبر عما قبضه بالتخلیة بالإقباض مسامحة و لا یلزم من ذلک أن یکون المراد منه هو القبض بالکف کما یقال فی تسلیم الثمن أو المثمن الی کل من المتبایعین بالإقباض و یقال:انه یجب الإقباض و لکن هذا تعبیر مسامحی و المراد هو إقباضه بما یناسبه و اختلاف الحکم فی تحقق القبض هنا من ناحیة الاستناد إلی روایة عقبة الدالة علی تحققه بمطلق التخلیة بقرینة الإخراج من البیت أو النبوی کل مبیع تلف قبل القبض فهو من مال بایعه الظاهر فی تحقق الفعل من المشتری لا یرتبط بحقیقة القبض و یمکن أن الغرض من الروایتین واحدا.

و کذلک وقع الکلام فی أن إقباض الغاصب مال المغصوب بأی شیء یحصل بمعنی أنه بما ذا تفرغ ذمته و هذا أیضا لیس مربوطا بحقیقة القبض و ماهیته فان القباض کل شیء بحسبه کما عرفت و بحسب اختلاف المغصوب یختلف الحکم بفراغ ذمته أیضا و لعل هذا هو المقصود من النبوی علی الید ما أخذت حتی تؤدی نعم إذا کان المراد من الأداء،الأداء الخارجی فیعتبر فراغ من ذمة الغاصب الأداء لا مجرّد التخلیة بین المال و صاحبه و لکن فی المنقولات لا فی غیرها و أیضا وقع الکلام فی أنه إذا باع أحد ما

ص:591

اشتراه من المکیل و الموزون هل یکفی الوزن أو الکیل الأول فی البیع الثانی أم لا،بل لا بدّ من الوزن و الکیل ثانیا مع کون الکلام فی أن هذا الوزن أو الکیل ثانیا إقباض أم لا،و هذا أیضا غیر مربوط باختلاف حقیقة القبض بل هو حکم آخر قد تقدم الکلام فیه عند البحث فی الشرائط البیع و أنه یکفی الوزن فی البیع الأول عن الوزن فی البیع الثانی أولا و أما أنه إذا أوجبنا الوزن فی الثانی فهل أنه قبض أو یحتاج الی قبض آخر فسیأتی الکلام فیه و علی الجملة فشیء من الأحکام المزبورة لا یرتبط بالقبض کما هو واضح.

قوله:القول فی وجوب القبض.

مسألة یجب علی کل من المتبایعین تسلیم ما استحقه الآخر بالبیع

أقول:لا شبهة فی وجوب الإقباض لکل من المتبایعین فإنه بعد تحقق البیع یکون الثمن مال للبائع و یکون المثمن مالا للمشتری فیحرم إمساکه لکل منهما لأنه تصرف فی مال الغیر و إمساکه إیاه بغیر اذنه فهو حرام و انما الکلام فی أنه یجب ذلک علی الإطلاق سواء سلم الآخر العوض أم لا؟ کما ذهب إلیه الأردبیلی أو یجب علی البائع فقط دون المشتری کما ذهب الیه بعضهم أو یجب علی کل منهما مشروطا کما ذهب الیه المصنف،و أما ما ذهب إلیه الأردبیلی ففیه ما ذکره المصنف من أن تسلیم کل من البائع و المشتری العوض للآخر مشروط بتسلیم الآخر العوض إیاه بحسب بناء العقلاء و إذا امتنع أحدهما من التسلیم فللآخر أیضا أن یمتنع من ذلک و علیه فلا وجه للقول بالوجوب علی وجه الإطلاق کما هو واضح.

و أما توهم أنه واجب علی البائع مطلقا دون المشتری فإنه یجب علیه التسلیم مشروطا بدعوی أن الأصل فی البیع هو المعوّض و الثمن عوض عنه فیجب ابتداء تسلیم المعوّض سواء سلّم المشتری العوض أم لا،و لکنه واضح البطلان فان کون الثمن عوضا فی مقام الإنشاء لا یقتض عدم وجوب التسلیم مطلقا مثل المثمن،بل بعد تمامیة البیع یصیر کل منهما مالا للآخر فإذا أوجب

ص:592

علی البائع التسلیم بأی کیفیة وجب علی المشتری التسلیم علی هذا النحو أیضا و حیث قلنا انه واجب علی کل منهما مشروطا بحسب بناء العقلاء فیکون هذا التوهم فاسدا من أصله.

ثم انه ذکر المصنف انه یجبر الحاکم الممتنع عن التسلیم بالتسلیم أو غیر الحاکم من باب النهی عن المنکر فان منع مال الغیر عنه منکر فینهی عنه و لکنه واضح الدفع بداهة أنه بعد ما کان وجوب التسلیم وجوبا مشروطا فلا یکون عدم تسلیم کل منهما مع منع الآخر عن التسلیم منکرا حتی یجب ذلک من باب النهی عن المنکر،نعم إذا لم یمتنع أحدهما عن التسلیم و لکن امتنع الآخر عنه فلا بأس لکلام المصنف هنا من إجبار الممتنع من باب النهی عن المنکر.

ثم انه إذا کان کل منهما حاضرا للتسلیم و وافقا لتسلیم الآخر و لکن لا یبادره الاّ أن یبادر الآخر بالتسلیم لغرض فی ذلک فهل تجری الوجوه المتقدمة هنا أیضا أم لا؟الظاهر أن هذه مسألة أخری غیر المسألة المتقدمة و الظاهر أن ما ذکره الأردبیلی متین هنا بداهة أنه لم یثبت بناء من العقلاء فی المعاملات علی وجوب التسلیم فورا لعدم تعلق الغرض العقلاء بذلک حتی یجیء ذلک تحت الشرط الضمنی،بل بناؤهم انما یثبت علی اشتراط أصل تسلیم کل من العوض و المعوّض لتسلیم الآخر و علیه فیکون المبادرة لکل منهما واجبة کما هو واضح،و دعوی أن المبادرة واجبة علی البائع لقبح أن یطلب تبادر من المشتری بتسلم الثمن بخلاف العکس دعوی فاسد،بل الوجوب من کلا الطرفین.

ثم انه إذا کان البیع من ناحیة مؤجلا أما الثمن کما فی بیع النسیئة أو المثمن کما فی بیع السلم و لم یسلم البائع الی أن حلّ الأجل فهل یجب علی المشتری التسلیم بعد حلول الأجل أم لا؟و هل یجب علی البائع ذلک أم لا؟

ص:593

أما المشتری فقد ظهر حکمه من المسألة السابقة حیث ان الشرط الضمنی بحسب بناء العقلاء انما هو علی وجوب التسلم مشروطا و قد أخرج المشتری مقدارا من الزمان عن تحت هذا الاشتراط بالتصریح أی یشرط عدمه علی خلاف بناء العقلاء فبقی الباقی تحت الشرط الضمنی و أما البائع فقد یقال انه یجب علیه التسلیم سواء سلم المشتری أم امتنع عن ذلک فإنه أی غیر مؤجل قد التزم بالتسلیم بحسب الشرط الضمنی و ان لم یسلم الآخر من ناحیة مؤجل و لکنه أیضا واضح الدفع فإنه إنما التزم بالتأجیل برهة من الزمان لا مطلقا فإذا خرج هذا الزمان الخاص فیکون حاله حال المشتری و حال کلاهما ما ذکرناه فی المسألة السابقة من کون تسلیم کل منهما مشروطا بتسلیم الأخر، کما لا یخفی،فافهم.فتحصل أن الإقباض انما یجب لکل من البائع و المشتری علی تقدیر تسلیم الآخر و الاّ فلا،حتی فی البیع المؤجل بعد خروج الأجل کما هو واضح.

ثم انه لو قبض المشتری الثمن بدون اذن من البائع فیما لو کان المبیع من الأعیان الشخصیة فهل یحسب هذا قبضا أم لا،فنقول:تارة تکون المعاملة مما یتوقف الملکیة فیها علی القبض کما فی بیع الصرف و السلم،و أخری لا یتوقف علی ذلک،و لکن کان البقاء المبیع للبائع عنده عن حق فعلی الأول فلا شبهة أن ما أخذه المشتری هو مال الغیر فلا یحصل الملکیة بقبضه بل لا بدّ له أن یرده الی صاحبه،فان المفروض أن المعاملة لیست بوحدتها سببا وحیدا لحصول الملکیة و انما هی مع إقباض البائع دخیل فی ذلک فإذا انتفی الإقباض انتفی الملکیة الاّ أن یرضی البائع ببقائه عند المشتری فهو و ان لم یکن عن قبض حدوثا و لکنه یکون قبضا بقاء.

و علی الجملة فمع عدم رضاء البائع بما أخذه المشتری و قبضه لا بدّ له أن یرده إلی البائع کما هو واضح.

ص:594

و أما إذا لم تتوقف الملکیة علی القبض،بل کان للبائع حق الإبقاء المبیع عنده فقط فالظاهر أنه لا شبهة فی جواز التصرف فی المبیع للمشتری لأنه لم یتصرف إلاّ فی ماله غایة الأمر أن القبض لم یکن عن حق.

و توهم أن التصرف فی متعلق حق الغیر کالتصرف فی ماله فلا یجوز و هو توهم باطل،فإنه بعد کون متعلق حق الغیر مالا للمتصرف فلا معنی لحرمة التصرف فیه،نعم لا یترتب علی المبیع الأحکام المترتبة علی القبض کبیعه من شخص آخر،فإنه قبل قبض المبیع عن البائع اما حرام،أو مکروه فلا یرتفع ذلک الاّ بالقبض من البائع کما هو واضح.

ثم انه إذا حصل القبض من جانب و امتنع الآخر من التسلیم فهل یجوز للممتنع أن یتصرف فیه أو لا یجوز،الظاهر أنه لا مانع من التصرف فیه لأنه ماله غایة الأمر إذا لم یسلم العوض الی حدّ کان للآخر خیار تخلف الشرط الضمنی فإذا فسخ العقد یسترجع المبیع من المشتری.

قوله:مسألة:یجب علی البائع تفریغ المبیع من أمواله مطلقا.

أقول:هذه المسألة غیر المسألة السابقة أعنی وجوب تسلم العوض علی کل من البائع و المشتری،نعم وجوب کل منهما بالشرط الضمنی بحسب بناء العقلاء فإنه کما أن العقلاء یحکمون بوجوب التسلیم علی کل منهما و کذلک یحکمون بوجوب التسلیم مفرغا بمعنی أنه یجب علی البائع مثلا أن یسلم العوض للمشتری مفرغا عن ماله و غیر مشغول به،و لیس هذا عین المسألة السابقة، فإنه یمکن انفکاک إحداهما عن الآخر إذ یمکن أن یحصل التسلیم و مع ذلک یکون المسلم به مشغولة بمال المسلّم کما إذا باع زید دارا و سلمها إلی المشتری و لکن کانت مشغولة بمال البائع بحیث لا یمکن إفراغه عادة الی شهر أو شهرین مثلا،أی لا یمکن افراغها فی مدة یتسامح فیها عرفا کیوم أو نصف یوم،بل لا بدّ و أن تبقی مشغولة فی مدة معتد بها کشهر أو شهرین و ح

ص:595

یثبت للمشتری خیار الفسخ کما یثبت ذلک مع عدم أصل التسلیم علی ما تقدم.

ثم انه ذکر المصنف أنه إذا لم یفرغ البائع المبیع إلی مدة یتضرر فیها المشتری ثبت له خیار الفسخ،و الظاهر أنه لا وجه لهذا التقیید بداهة أن الخیار لم یثبت بدلیل نفی الضرر حتی یکون مقیدا بعدم الضرر،بل انما هو من جهة التخلف بالشرط الضمنی و علیه فیثبت له الخیار بمجرّد طول المدة و ان لم یتضرر المشتری،بل کان عدم الفراغ علی نفعه کما إذا کان فی مسافرة فلو حصل الفراغ لم یکن أحد حافظا للمبیع و هذا واضح لا شبهة فیه و یجب علی البائع ح أن یعطی الأجرة فی المدة التی اشغلها علی تقدیر عدم فسخ المشتری و عدم رضاه بالبقاء مجانا کما هو واضح،و لا یفرق فی ذلک بین أن یکون عدم الإفراغ عن قصور أو عن تقصیر فما ذکره المصنف من الجزم بالخیار فی الثانی دون الأول لا وجه له فان التصرف فی مال الغیر لا یجوز علی کل تقدیر و معه یکون ضامنا له سواء فوت عینه أو منفعته کما هو واضح،ففی المقام حیث فوت منفعة مال الغیر فیکون علیه ضمانها.

ثم ان هذه الفروع فی فرض جهل المشتری بالواقع و الاّ فمع علمه یکون المبیع مشغولة و مع ذلک أقدم علی الشراء مع علمه بأنه لا یحصل الفراغ الی شهر لا یکون له الخیار الاّ مع تسامح البائع بأزید من ذلک،و قد یقال انه إذا کان المشتری غافلا عن کون المبیع مشغولا و أقدم علی الشراء ثم انکشف أنه کان مشغولا فإنه لا یکون له الأجرة فی ذلک لأنه مثل أن تکون العین مستأجرة فکما لیس للمشتری مطالبة الأجرة علی ذلک فی مدة الإجارة و کذلک لیس له الأجرة مع انکشاف کون المبیع مشغولا بمال البائع،نعم یثبت له الخیار فقط من ناحیة تخلف الشرط و لکنه واضح الفساد بداهة أن مقتض کون العین و جمیع منافعها مملوکة للمشتری بالبیع،فلا بد للبائع أن یخرج من عدة ماله مع إتلاف شیء منها،و لو کان هی المنفعة و لا یقاس ذلک بکون العین مستأجرة

ص:596

فإن المنفعة لم تکن داخلة فی ملک المشتری حتی یکون ضمان تفویتها علی البائع،بل کانت حین البیع مملوکة لشخص آخر و هذا بخلاف المقام،فإن المنفعة هنا کأصل العین صارت مملوکة للمشتری بواسطة البیع فتفویتها یوجب الضمان کما لا یخفی.

و علی الجملة فإذا کانت العین مشغولة بمال البائع مثلا مدة معتدة بها لا بما یتسامح عرفا کان للمشتری خیار تخلف الشرط و علی تقدیر عدم الفسخ یستحق الأجرة فی مدة عدم الفراغ کما هو واضح.

ثم انه لو اشتری أحد أرضا و علم کونها مشغولة بالزرع و الأشجار فلا شیء علی البائع کما فی الفرع الأول.

و ان لم یعلم بذلک فهل یکون المشتری مخیرا بین قلعها و إبقائها، أو یتخیر البائع فی ذلک،و قد یقال ان قلع الأشجار أو الزرع ضرر علی البائع فیکون مرفوعا بدلیل نفی الضرر و یکون هو مخیرا بین القلع و الإبقاء و لکن یرد علیه أن دلیل نفی الضرر لا یشمل المقام فإنه معارض بکون البقاء ضررا علی المشتری فلا یشمل دلیل نفی الضرر لمورد یکون فیه ضرر الغیر لکونه فی مقام الامتنان.

و دعوی أن ضرر المشتری متدارک بالخیار دون البائع دعوی فاسدة، لأنا ذکرنا مرارا أن دلیل نفی الضرر انما یرفع الضرر الحکم الضرری الذی یتوجه الضرر منه الی الشخص و لا نظر فیه الی کون الضرر متدارکا بحکم آخر و الاّ فیمکن أن یتدارک ضرر البائع من بیت المال بأن یلتزم بحدیث نفی الضرر بوجوب إعطاء ضرر البائع من بیت المال.

و علی الجملة أن حدیث نفی الضرر وارد فی مورد نفی الضرر الناشی من قبل الحکم الشرعی من غیر ملاحظة أنه یتدارک بشیء آخر أم لا؟فلا نظر له بوجه الی تدارکه بشیء أصلا فالاختیار فی القلع و الإبقاء للمشتری لأنه

ص:597

مسلط علی ماله،فلیس لأحد أن یزاحمه فی تصرفاته السائغة بأی نحو من أنحاء المنع.

ثم انه لو رضی المشتری ببقاء الزرع و الأشجار فی الأرض فهل یستحق الأجرة بذلک أم لا؟الظاهر هو الاستحقاق لأنه مالک لمنفعة الأرض فتفویتها موجب للضمان و لا یصح قیاس المقام ببیع الدار و انکشاف کونها مستأجرة فإن المنفعة هناک مملوکة لشخص آخر بخلاف المقام کما عرفت.

ثم انه إذا قلع البائع زرعه و أشجاه فلا بدّ له أن یطم مواضعها و یصلح الأرض لأنه نشأ من قبله فلا بدّ له إصلاحه،و لکن هنا نزاع فی أن مثل هذه النواقص التی أوردها شخص علی مال غیره هل هی من قبیل القیمیات أو المثلیات و من هذا القبیل کسر زجاجة الغیر و نحو ذلک،الظاهر أنه یختلف ذلک باختلاف الموارد فلا یبعد أن یکون الزجاجة من قبیل المثلیات لأنه یمکن عرفا اعادة مثل الأول فلو کسر أحد زجاجة شباک أحد فعلیه أن یعید مثله،و فی مثل تخریب القبة و نحوها یحکم بوجوب القیمة ظاهرا،فان الظاهر أنها من القیمیات لأنه لا یمکن عادة إعادة مثل القبة الأولی لاختلافها اختلافا فاحشا من حیث الجدد و العتافة و جودة المواد و الأساس،و ردائتها و غیر ذلک من الجهات الموجبة للاختلاف کما هو واضح فافهم.

قوله:لو امتنع البائع من التسلم.

أقول:یقع الکلام هنا فی مقامین:الأول أن یکون امتناع البائع من التسلیم لحق و هذا علی نحوین:- الأول:أن یکون البحث فی ذلک من حیث استحقاق المشتری الأجرة و الثانی من حیث الآثار الوضعیة.

أما الأوّل:فقد یقال بأن المشتری یستحق الأجرة للمبیع لأن البائع إنما فوّت علیه منافع العین و هی مملوکة للمشتری فیکون ضامنا لها فلا بدّ و

ص:598

أن یعطی الأجرة له و لکنه واضح البطلان بداهة أنه بعد کون الامتناع عن حق فلا یکون ضامنا للأجرة أیضا و یکون اشتراط عدم التسلیم وسیلة لتقیید بناء العقلاء علی الضمان کما هو واضح.

و أما الآثار الوضعیة فهو أن نفقة المبیع هل هی علی البائع فی ضمن الحفظ أو علی المشتری فذکر فی جامع المقاصد أنها فی المقام کنفقة الزوجة علی الزوج فکما أن امتناع الزوجة عن الزوج لا تکون موجبة لسقوط نفقة و هکذا فی المقام ثم احتمل العدم و الظاهر هو الأول و لکن ثبوت النفقة علی المالک هنا بملاک المالکیة فإن نفقة المال علی مالکه و فی الزوجیة بملاک الزوجیة و لم یرد للأول تخصیص إلاّ إذا کان الأخذ غاصبا و فی الثانی قد خرج عنه النفقة حال النشوز فإنه لیست نفقة الزوجة علی الزوج ح و لکن فی غیر حال النشوز لم یرد تخصیص کما هو واضح.

و أما المقام الثانی و هو أن یکون عدم التسلیم لحق فلا شبهة هنا فی ثبوت الأجرة علی البائع فی زمان عدم التسلیم کأن باع دارا من زید و سلّم زید الثمن و البائع لم یسلّم المبیع،فإنه یثبت له الأجرة فی هذا الزمان علی البائع.

و أما الحکم الوضعی فأیضا لا شبهة فی ترتبه علیه ککون النفقة علی البائع فإن الغاصب ملزم بحفظ مال المالک و رده الیه فکل ما یصرف فی طریق الحفظ فیکون علیه،و قد ذکر ذلک فی صحیحة أبی ولاد المتقدمة فی باب الضمان بالمثل أو القیمة و هو موافق للقواعد أیضا،لأنک عرفت أن حفظ مال المغصوب علی الغاصب ما دام تحت یده بمقتضی دلیل الید و ما ذکره المصنف فی المتین من أن مقتضی القاعدة ان نفقته علی المشتری اما زائدا أصلا أو سقطت عنه کلمة لیست أی ان مقتضی القاعدة أن نفقته لیست علی المشتری و الاّ فنفی المصنف،قد ذکر ذلک فی باب الضمان بالمثل و حکم هناک بأن

ص:599

النفقة علی الغاصب و لیست للمقام خصوصیة تقتضی کون النفقة علی المشتری کما هو واضح،هذا کله فی فرض أن لا یکون البائع شاغلا للمبیع و الاّ فثبوت الأجرة علیه بلا شک و ریب کما هو واضح.

الکلام فی أحکام القبض

قوله:مسألة من أحکام القبض انتقال الضمان ممن نقله الی القابض.

أقول:ذکر الفقهاء أن من أحکام القبض اللاحق علیه أن یکون الضمان مع التلف علی البائع بل لا خلاف فی ذلک بینهم و الکلام فی مدرک ذلک،و قد استدل علیه بالنبوی المشهور التلف قبل القبض من البائع و فیه أن هذه الروایة نبویة غیر منقولة من طرقنا فلا تکون حجة و علی تقدیر استناد المشهور بها قلنا ان الشهرة لا توجب انجبار ضعف الروایة.و قد استدل أیضا بروایة عقبة بن خالد الدالة علی کون الضمان علی البائع حتی یخرج المال من بیته،و یقبضه من المشتری،و لکن هذه الروایة أیضا ضعیفة السند و غیر منجبرة بعمل المشهور صغری و کبری و قد یستدل علی ذلک بالإجماع و لکنه أیضا لیس بحجة لأن مدرکه هو القطع بقول الامام علیه السلام و منشأه اما دخوله بالمجمعین و هو غیر معلوم أو قاعدة اللطف و هی غیر تامة أو الحدث القطعی و هو أیضا غیر معلوم إذ لا نعلم ان الحکم الذی وصل إلینا یدا بید أنه بإمضاء الإمام علیه السلام و رضائه بذلک و لعل القائلین بذلک استندوا بعضهم بالنبوی کما فی کتب الاستدلالیة و بعضهم بروایة عقبة بن خالد و بعضهم بالشهرة و بمجرّد أنه رأی المسألة مشهورة بین الأصحاب ذهب الیه تبعا لهم فیکون الإجماع أیضا ساقطا فی المقام و العمدة هو التمسک بالسیرة التی نسمیها بالدلیل الرابع نوعا لا من جهة کونها فی المقام دلیلا رابعا،بل من جهة الاصطلاح کالدلیل الانسدادی المسمی بالدلیل الرابع.

و توضیح ذلک أن الدائر بین الناس بل ما یجری علیه بنائهم أن التسلیم

ص:600

و التسالم فی المعاملات من مکملات الملکیة بحیث أن العرف یری إجمالا عدم حصول الملکیة قبل التسلیم و التسالم و لذا یعبر عن ذلک فی الفارسیة بلفظ «داد و ستد»و نعم التعبیر هو و علی هذا فإذا تلف المبیع قبل التسلیم و التسلم یکون التلف من البائع فإن ملکیة المشتری لم تتم بعد علی العین و ان کان مملوکا له فی الجملة.

و بعبارة أخری ان البیع یفید الملکیة و التسلم لیس شرطا فیه و لکن السیرة قائمة علی کون التسلیم من مکملات البیع بمعنی أنه ینحل بدون التسلیم فیکون شأن السیرة شأن النبوی الدال علی أن التلف قبل القبض من مال بایعه لا أن الملکیة ناقصة بدون التسلیم.

و بعبارة ثالثة أن الملکیة مقیدة بالانفساخ الحاصل بالتلف فیکون کتقید الملکیة بالفسخ فی مورد الخیار و لا نقول أن التسلیم و التسلم من شرائط حصول الملکیة،بل نقول أن السیرة قائمة علی أن المشتری لا یلزم بدفع الثمن قبل دفع البائع المثمن الیه،بل یقول ما أعطیت لی شیئا حتی أعطیک الثمن و الاّ فالملکیة حاصلة حتی لو لم تکن هذه السیرة لکان التلف من المشتری لأنه ماله و هذا ثمرة واضحة فإنه بناء علی کون المدرک هو السیرة فلا یفرق فی کون التلف قبل القبض علی المالک الأول بین أن یکون التالف هو الثمن أو المثمن فإن السیرة موجودة فیهما و أما بناء علی کون المدرک هو الروایة أو الإجماع فینحصر الحکم بالمبیع أما الروایة فلان المذکور فیها هو المبیع فلا یتعدی الی الثمن،بل یقتصر فیما خالف الأصل علی موضع النص و أما الإجماع فلان المتیقن منه هو ذلک و أیضا تظهر الثمرة فیما إذا خلی البائع بین المشتری و المبیع و لم یأخذه المشتری حتی تلف فإنه بناء علی کون المدرک هو السیرة یکون الضمان علی المشتری لأن المتیقن منها هو صورة کون المال تحت ید البائع و قد رفع الید عنه و ان لم یحصل القبض لما ذکرنا سابقا

ص:601

أن القبض عبارة عن الاستعلاء الذی یحصل به الغصب و لا شبهة أن مجرّد التخلیة لا یحقق القبض کما لا یخفی.و هذا بخلاف ما إذا کان المدرک هو الروایة فإن المذکور فیها هو القبض و هو لا یتحقق بالتخلیة کما عرفت.

و أیضا تظهر الثمرة فیما إذا قبض المشتری قهرا علی البائع بحیث لم یصدق القبض و لم یتحقق فیکون التلف ح أیضا علی المشتری بناء علی کون المدرک هو السیرة لأن المتیقن منها هو کون التلف تحت ید البائع و لم یتلف المال هنا تحت یده و هذا بخلاف ما إذا کان الدلیل هو الروایة فإن الظاهر منها أن یکون التلف علی البائع ما لم یتحقق القبض و المفروض أنه لم یتحقق هنا کما لا یخفی،فافهم.

و هذا کله إذا کان التلف سماویا و أما إذا کان ذلک بفعل متلف فهل یکون ذلک أیضا من البائع و یحسب علیه أو من المشتری أو من المتلف فنقول ان المتلف قد یکون هو المشتری نفسه و قد یکون هو البائع و قد یکون هو الأجنبی أما إذا کان المتلف هو المشتری نفسه فالظاهر أنه لا خلاف فی ثبوت الضمان علی المشتری فلا یحکم بانفساخ العقد لیکون التالف علی البائع و ذلک من جهة أن المشتری قد أتلف مال نفسه فیکون ضمانه علیه علی ما تقتضیه القاعدة و النبوی و هکذا روایة عقبة منصرفات عن هذه الصورة قطعا و الإجماع دلیل لبّی لا یشمل المقام و السیرة قائمة علی ضمان المشتری فضلا عن قیامها علی ضمان البائع و لا یفرق فی ذلک بین علم المشتری یکون المبیع ماله و بین جهله بالحال فان العلم و الجهل فی باب الضمانات غیر مؤثر فی الفرق.

نعم یفرق بین العلم و الجهل إذا کان المشتری مقدما علی الإتلاف بتغریر البائع بأن أقدم البائع الطعام المشتری علی المشتری فأکله المشتری

ص:602

فیکون المتلف هنا هو البائع بقاعدة الغرر فان المتلف هو الغار الذی هو البائع و المشتری لم یقدم علی إتلاف ماله،بل أقدم علی إتلاف مال البائع مجانا هذا فی غایة الوضوح مع علم البائع بالحال.

و أما مع جهله بالحال،فقد احتمل المصنف فیه وجهان و لکن الظاهر أن لا یفرق بین علم البائع بالحال و جهله بها فإنه علی کل تقدیر لم یقدم المشتری علی إتلاف ماله،بل علی إتلاف مال البائع مجانا و أن السبب فی ذلک هو تقدیم البائع ذلک الیه و علی هذا فیکون ذلک من صغریات إتلاف البائع و سیأتی حکمه إنشاء اللّه تعالی.

و علی الجملة فلا وجه لضمان المشتری مع کون البائع غارا له فی الإتلاف کما هو کک،فی غیر المقام أیضا کما إذا أودع أحد ودیعة عند شخص فقدم الودعی الأمانة علی المستودع فأتلفه المستودع فإنه و ان أتلف فی الواقع مال نفسه،و لکن ذلک بإغراء الودعی فیکون الودعی ضامنا و هکذا و هکذا.

و أما لو کان المتلف هو البائع الذی من مصادیق إتلافه ما تقدم من کونه غارا للمشتری للإقدام بالإتلاف،فهل یکون یحکم بانفساخ العقد کما عن المبسوط و الشرائع و التحریر لعموم ان التلف قبل القبض من مال البائع بذلک أو یحکم بضمان البائع للقیمة لخروج المورد عن منصرف دلیل الانفساخ فیدخل تحت قاعدة من أتلف مال الغیر فهو له ضامن،أو تکون المشتری مخیرا بین مطالبة القیمة و مطالبة الثمن اما لتحقق سبب الانفساخ و هو من جهة التلف قبل القبض المقتضی للانفساخ و سبب الضمان المقتضی للضمان فیتخیر المشتری فی اختیار أی منها أو یقال بالتخییر بوجه آخر،بان یقال ان التلف علی هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دلیل الانفساخ فیکون ذلک داخلا تحت حکم تعذر تسلیم المبیع فیکون المشتری مخیرا بین أخذ عوض المبیع من المثل أو القیمة و بین أن یفسخ العقد و یرجع الی عین الثمن الذی أعطاه

ص:603

للبائع و هذا ملخّص ما ذکره المصنف و کل ذلک محتمل الاّ التخییر علی الوجه الأول بأن یکون المشتری مخیرا بین الانفساخ و الأخذ بقیمة المبیع،بل هو غیر معقول بداهة أن انفساخ العقد أمر عارض لطبع العقد من بعض العوارض فلا یکون هو مربوطا باختیار أحد المتبایعین و معه فکیف یعقل کون المشتری مخیرا بین الانفساخ و أخذ قیمة المبیع.

و بعبارة أخری أنه مع انفساخ العقد لا یبقی مجال لاختیار المشتری کما هو واضح،بل یتعین ذلک،نعم القول بتخیر المشتری علی النحو الثانی الذی ذکره المصنف ثانیا،و قواه متین فان المال التالف مال للمشتری فله أن یرجع الی البائع لکونه متلفا و من أتلف مال الغیر فهو له ضامن و له أن یفسخ العقد لأنه ثبت له خیار تخلف الشرط الثابت بحسب بناء العقلاء ضمنا و هو تحقق التسلیم و التسلم و من الواضح أنه لو یتحقق التسلیم من البائع بتعذر فیکون للمشتری خیار تعذر التسلیم.

ثم انه علی القول بثبوت الخیار للمشتری و اختیاره أن یأخذ قیمة المبیع أو مع القول بثبوت الضمان من الأول لقاعدة الضمان بالإتلاف و عدم شمول قاعدة التلف قبل القبض له لانصرافه عن ذلک فرجع الی البائع فهل للبائع أن یمتنع عن الأداء قبل أخذ الثمن أو لا بدّ له من الأداء فذکر المصنف وجهین من أنها بدل عن العین و من أن دلیل الحبس و هو الانفهام یختص بالبدل ثم ذکر أن أقواهما العدم،و لکن الظاهر أنه لا شبهة فی جواز حبس البدل ما لم یرد الیه الثمن فان مقتضی قانون الضمان بالبدل هو ذلک بداهة أن دلیل الضمان یقتضی الضمان بالعین ابتداء و مع عدم التمکن من أداء العین فیقتضی الضمان بالمثل ثم الضمان بالقیمة و علیه فیثبت للبدل کلما ثبت للأصل لا أنه یحکم فی البدل بوجوب الدفع فورا،بل السیرة أیضا تقتضی ذلک الحکم فإنها قائمة علی أنه لیس للمشتری قبل أن یعطی الثمن

ص:604

أن یطالب المثمن من البائع،بل یضحک علیه لو فعل ذلک.

و أما لو کان المتلف هو الأجنبی فیکون المشتری مخیرا بین أن یرجع الی البائع أو الی المتلف،کما فی تعاقب الأیدی فی الغصب،أما الی البائع فلأنه لم یقبض ماله بعد و أما الی المتلف فلا أنه أتلف ماله،و أما التخیر بین الانفساخ و الرجوع الی القیمة فقد تقدم أنه غیر معقول کما هو واضح.

و قد اتضح لک مما ذکرناه من جعل الدلیل علی کون ضمان التالف علی من تلف العوض عنده أنه لا یفرق فی ذلک بین الثمن و المثمن و لا بین البیع و بقیة المعاملات المعاوضیة و ان ذکر المصنف انی لم أجد مصرحا بذلک فإن السیرة جاریة فی کلها فان الغرض من المعاوضة هو الأخذ و الإعطاء الذی یعبر عنه بالفارسیة(به داد و ستد)و یقال فی العرف و بین أهل السوق أنک لم تعطی لی شیئا حتی تأخذ شیئا آخر فی مقابله.

و علی الجملة فالتلف قبل القبض فی جمیع ذلک علی حین تلف التالف عنده کما ذهب الیه المشهور،بل ذکروا الضمان فی صداق النکاح و عوض الخلع و لکن وقع الکلام فیها فی أن الضمان فی بقیة المعاملات المعاوضیة هو انفساخ العقد و من الواضح أن النکاح و الخلع غیر قابلین للانفساخ و لکن ذکر الفقهاء الضمان فی ذلک و الظاهر أنه وقع الخلط هنا بین الضمان فی التلف قبل القبض الذی هو کون التلف علی المالک الأول و انفساخ العقد به أی بالتلف لأن معنی الضمان هو أن قیمة التالف أو مثله یثبت للمالک الأول و هذا بخلاف الضمان فی مثل الخلع و الصداق فان الضمان هنا ضمان ید أی کون التلف موجبا لثبوت الضمان علی ذی الید،اما من جهة قاعدة الضمان بالید أو بدلیل آخر،و عین ذلک ذکروا فی المقبوض بالسوم،إذا تلف فی ید من یرید الشراء ففی أمثال ذلک لا یمکن الحکم بالضمان بالدلیل

ص:605

الذی حکمنا بالضمان فی التلف قبل القبض فی المعاملات المعاوضیة لما عرفت،بل لا بدّ من طلب دلیل آخر و حیث انه لیس هنا دلیل غیر قاعدة الید و قاعدة الضمان بالإتلاف فیشکل الحکم بالضمان لأن قاعدة الید لا تشمل المقام،فان الظاهر منها أن یکون هنا أخذ من الغیر و اعتداء علیه و لیس هنا کذلک،بل مقتضی القاعدة هو أن یکون تلف مال کل شخص علی مالکه،ففی المقام أیضا کذلک و أما ید ذی الید لیست الاّ ید أمانة و کذلک قاعدة الضمان بالإتلاف فإنها أیضا لا تشمل المقام لأن من بیده المال لم یتلف المال کما هو واضح،بل تلف المال بآفة سماویة.

قوله:لو تلف بعض المبیع قبل قبضه.

أقول:لا شبهة أن البیع منحل الی البیوع المتعددة حسب تعدد المبیع و ان کان کل بیع یحسب جزء من مجموع المبیع و لکنه لا ینافی الانحلال فی الحقیقة و حسبان المجموع مبیعا واحدا من جهة المسامحة کما هو واضح و علیه فما ذکرناه من قیام السیرة علی کون التسلیم من مکملات البیع جار فی أجزاء المبیع أیضا فإن العرف لا یرون البیع تماما ما دام لم یقع التسلیم و التسالم فیه و هذا لا شبهة فیه.

نعم،یمکن المناقشة فیه بناء علی ما ذکره المصنف من کون مدرک الحکم هو الإجماع أو الروایة أما الإجماع فإن تحصیل قول الامام علیه السلام فی أصل المسألة کان مشکلا فضلا فی المقام،و أما الروایة فلأن الظاهر منها تمام المبیع لا الجزء،ثم انه بعد انفساخ العقد فی الجزء یکون للمشتری خیار تبعض الصفقة،بل یمکن القول بثبوت الخیار للبائع أیضا(و لکنه یمکن دفعه بأنه بناء علی الانحلال یکون الأبعاض أیضا مبیعا المقرر)هذا کله فی الاجزاء التی تلاحظ بعنوان المبیعیة بحیث یکون ذلک مبیعا مستقلا بعد الانحلال و أما الاجزاء التی هی أجزاء لذات المبیع لا للمبیع بعنوان المبیعة بمعنی

ص:606

أن الملحوظ فی المقام کون ذات الشیء مبیعا مع قطع النظر عن اجزائه بحیث لا یسقط الثمن الی الأجزاء و الاّ فلا معنی لکون الجزء جزء للمبیع و مع ذلک لا تقسط الیه الثمن و النکتة فی عدم التقسیط هذا کما لا یخفی و لا شبهة فی عدم الانحلال هنا و علیه فلا نحکم بالانفساخ فی صورة ورود العیب به قبل القبض و ملحق بذلک فوت کل وصف یکون وصف الصحة للمبیع دون الأوصاف الکمالیة و لکن هل یثبت الرد و الأرش للمشتری فیکون مخیرا بینهما أو الرد فقط دون الأرش،أو العکس،أو لا یثبت شیء منها،فالمقام کما ذکره المصنف من صغریات العیب الحادث بعد البیع و قبل القبض فان قلنا بأنه مثل العیب الحادث قبل البیع فیثبت الأرش و الرد و الاّ فلا بدّ من طلب دلیل آخر علیهما و لکن حیث لا دلیل علی کونه مثله فلا بدّ من مطالبة دلیل آخر.

فنقول أما الأرش فهو علی خلاف القاعدة فإن التعیب انما کان فی ملک نفسه فلا معنی لکون الغرامة علی شخص آخر و الدلیل الدال علی ثبوته فی مورده لا یدل علی ثبوته فی المقام فإنه دل علی أن کل مبیع فیه عیب أو عوار فعهدته علی البائع و من الواضح أن المبیع لیس فیه عیب أو عوار،و انما العیب فی مملوک المشتری.

و أما الرد فقد یقال بأن الانفساخ قد ثبت فی الکل فیکون ثابتا فی فقدان الأوصاف الصحة أیضا،و لکن علی نحو یناسب لها و فیه أنه قیاس محض فلا نقول به(علی أن أصل القیاس هنا لیس بتمام فان القیاس یقتضی الانفساخ فلا یمکن الانفساخ فی أوصاف الصحة المقرر)و قد استدل المصنف علی ثبوت الرد بقاعدة نفی الضرر و لکنه فاسد فإنه کما یکون عدم ثبوت الرد ضررا علی المشتری فیکون ثبوت الرد أیضا ضررا علی البائع فقاعدة لا ضرر خارجة عن أمثال المقام و دعوی انجبار ضرر المشتری بالخیار دون البائع

ص:607

دعوی فاسدة کما تقدم ذلک.

و قد استدل بعین هذا العلامة علی ثبوت الأرش أیضا و قد ظهر جوابه علی أن مقتضی التمسک بدلیل نفی الضرر هو أن یؤخذ الأرش من شخص آخر أیضا،فلا معنی لاختصاص الأخذ من البائع فإنه لا فرق بینه و بین شخص آخر،الاّ مجرّد أن البائع باع هذا المبیع و الاّ فهو بالفعل أجنبی عنه کبقیة الأشخاص و أیضا مقتضی التمسک بدلیل نفی الضرر فی إثبات الأرش أو الرد هو ثبوت ذلک بعد القبض أیضا،فإن کون المبیع معیوبا ضرر علی المشتری و لو کان التعیب بعد القبض مع أنه لم یقل به أحد.

نعم هنا دلیل ثالث یمکن إثبات جواز الرد به دون الأرش لأن ثبوت الأرش فی مورده علی خلاف القاعدة فیقتصر فیه بمورده فلا یتعدی الی غیره و لیس هنا دلیل آخر تثبت الأرش به کما تقدم.

و توضیح ذلک الدلیل الثالث الدال علی ثبوت الرد هو أن بناء العقلاء انما علی کون تسلیم کل من الثمن و المثمن علی نحو صحیح و غیر معیوب و لا شبهة أن هذا معتبر فی ضمن العقد بحسب بناء العقلاء فإذا تعیب ذلک و لو کان بعد البیع فلا یکون التسلیم تسلیما صحیحا فیثبت للمشتری فی المقام خیار تعذر التسلیم فله أن یفسخ العقد و له أن یرضی به بلا ثبوت أرش له کما هو واضح.

ثم ان هذا کله فیما إذا تعیب المبیع قبل القبض بآفة سماویة أو ما هو بحکمها کافتراس الأسد ذلک و نحوه.

و أما لو کان التعیب بواسطة إتلاف المتلف فان کان هو المشتری فلا یثبت له الأرش و لا الرد لأنه أورد العیب فی ماله فلا یکون له شیء فی ذلک و ان کان هو البائع أو شخص آخر،فذکر المصنف أنه یثبت للمشتری علی البائع أرش الجنایة دون الخیار،ثم احتمل ثبوت الخیار أیضا،أما ثبوت

ص:608

الأرش فلا شبهة فی ذلک لأن الجانی ضامن لما أحدثه من العیب فی مال الغیر لبناء العقلاء علی ذلک،و أما الخیار فهو من جهة أن بناء العقلاء فی المعاملات علی التسلیم الصحیح و المفروض أنه متعذر هنا لتعیب المبیع فیثبت له خیار تعذر التسلیم.

و علی الجملة الظاهر أنه لا شبهة فی ثبوت الأرش و الخیار علی نحو التخییر فی هذه الصورة ثم مع کون المتلف هو غیر البائع فللمشتری أن یرجع فی أرش الجنایة إلی البائع أو الی شخص الجانی و إذا رجع الی البائع فهو یرجع الی الجانی،أما رجوعه أی المشتری الی البائع من جهة أنه الموظف بالتسلیم و أما الی الجانی لأنه أورد النقص فی ماله.

و الحمد للّه رب العالمین،قد وقع الفراغ من المکاسب صبیحة یوم الاثنین 6-ع 1-سنة 1377 ه.

ص:609

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.