حقوق الانسان عند اهل البیت (علیهم السلام)

اشارة

حقوق الانسان عند اهل البیت (علیهم السلام)

بقلم: علی الکورانی العاملی (صفحة أول به جای آن)

الکتاب:......حقوق الإنسان عند أهل البیت(علیهم السّلام)

المؤلف:......علی الکورانی العاملی

الطبعة........الأولی

العدد..............10000نسخة

1427 هجریة - 2006 میلادیة

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین ، وأفضل الصلاة وأتم السلام علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین .

وبعد ، فقد کرَّمَ الله الإنسان ، فأهانه الظالمون ! وأکثر من ظلمه حکام الجَوْر الذین تسلطوا علی الناس بالقهر والغلبة ، وصادروا حقهم فی اختیار حاکمهم أو اختیار الله لهم ، ثم صادروا حریاتهم ومقدراتهم ، وساموهم سوء العذاب !

لکن الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) عرفوا قیمة الإنسان ، فکرموه وعلموه الکرامة ، فکانت حیاة الظالمین ومازالت سلسلة انتهاکات لحقوق الإنسان ، کما کانت حیاة الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) والمؤمنین دفاعاً عنها ، وتطبیقاً لها وتأصیلاً ،وأعظم ما تجلی ذلک فی سیرة نبینا

ص: 3

وأهل بیته الأطهار صلوات الله علیهم .

وفی هذا الموجز ، عرض لحقوق الإنسان فی الیهودیة والمسیحیة والإسلام ، مع لمحة عن تطبیقاتها . ونقصد بحقوق الإنسان: احترام حیاته وماله وعرضه ، وحریته فی الفکر والتعبیر ، وبقیة حقوقه .

وقد بیَّنَّا أن النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد تفردوا باحترام الإنسان ومراعاة حقوقه ، دون غیرهم أو أکثر من غیرهم !

وأوردنا نصین معصومین فی حقوق الإنسان ، أولهما: عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)الی مالک الأشتر(رحمه الله)عندما بعثه حاکماً علی مصر ، فکتب له برنامج عمل للحاکم العادل ، فی مختلف المجالات .

وثانیهما: رسالة الحقوق للإمام زین العابدین(علیه السّلام)التی کتبها برنامجاً لأحد أصحابه ، وشملت حقوق الإنسان وواجباته تجاه فئات الناس فی خمسین بنداً .

صلوات الله علی نبینا وآله الطاهرین ، ونفعنا بسیرتهم ، وجعلنا من أولیائهم المقتدین بهم .

حرره: علی الکَوْرانی العاملی

قم المشرفة فی الحادی والعشرین من شوال 1427

ص: 4

نظرة عامة فی حقوق الإنسان

1- الموضوعیة فی بحث حقوق الإنسان

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَی أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ إِنْ یَکُنْ غَنِیّاً أَوْ فَقِیراً فَاللهُ أَوْلَی بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَی أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً). (النساء: 135).

أول ما یجب علی الباحث فی حقوق الإنسان ، أن یکون منصفاً صادقاً ، فلا یظلم الإنسان بتضخیم عناصر الإیجاب فی مراعاة حقوقه ، والتقلیل من انتهاک الظالمین لها ، کما یفعل بعض الباحثین فیصورون أن حقوق الإنسان مصانة ، عند أهل الأدیان والقوانین ، أو فی سیاسات الدول والحکام ، فی التاریخ أو الحاضر !

لذلک ، یجب علینا الإعتراف بأن مجتمعنا العالمی فی الماضی والحاضر ملیئ بالظلم ونقض حقوق الإنسان ، وأن (قانون الغلبة والقوة والقهر) هو المسیطر من أقدم العصور ، وأن مجتمعات الشعوب قامت علی التمییز الحاد ، القومی والقبلی والطبقی !

فالظلم عند الإنسان هو الأصل ، والعدل استثناء ! وهذه

ص: 5

الإستثناءات وإن کانت صغیرة فی مساحة کل التاریخ، لکنها واحات ظلیلة فی هجیر الظلم ، ومصابیح منیرة فی ظلمات العدوان !

وحتی لا نقع فی الخطأ ، لا بد أن نفصل بین النظریة والتطبیق ، سواء فی الأدیان والقوانین ، فننظر فی حقوق الإنسان فی مصادر الإسلام ثم فی تطبیقات الحکام لها ، ومصادر الیهودیة وتطبیقاتها، ومصادر المسحیة وتطبیقاتها ، وکذلک القوانین وتطبیقاتها .

ولا بد أن نضیف الی ذلک عاملین هما: حالة المجتمع وقدرته فی الرقابة علی الحکومة ، ومنعها من انتهاک حقوق الإنسان ، أو الإفراط فیها . والثانی ، المقومات الفکریة والأخلاقیة للحاکم ومنفذی القوانین . لذلک نفرد عناوین هذه الموضوعات .

2- نظریة الإسلام فی حقوق الإنسان

اشارة

إذا نظرنا الی وضع حقوق الإنسان فی عصر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی العالم وفی جزیرة العرب، نجد أن المجتمع العالمی کان یقوم علی امتیازات القوة والمال والقبیلة والنسب واللون ، فجاء القرآن بمیزان جدید لتقییم الإنسان بالعلم والعمل، وأعلن أن کرامة الانسان بالتزام القانون الإلهی ، وکفِّ عدوانه عن الآخرین ، فقال تعالی: (یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَی وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ

ص: 6

أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ). (الحجرات: 13) .

وکان المجتمع یسترخص قتل الإنسان ویفتخر بسفک الدماء ، فشدد القرآن علی ضمان حیاة الانسان ، فقال تعالی: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهِ سُلْطَاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کَانَ مَنْصُوراً ) . (الإسراء: 33).

وقال: (مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلَی بَنِی إِسْرائیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَیِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِکَ فِی الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ). (المائدة:32) .

وقد بلغت قسوة مجتمع الجزیرة أنهم کانوا یتشاءمون من البنت: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِیمٌ ). (النحل: 58) وکان بعضهم یقتلون بناتهم خوفاً من سبیهن! فاستنکر الإسلام ذلک وحرَّمه ووبخهم علیه فقال: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَیِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ). (التکویر: 8-9).

وفرض أداء الأمانة لجمیع الناس وحرم الخیانة ، فقال: إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَی أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ کَانَ سَمِیعاً بَصِیراً . (النساء: 58) .

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِکُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (لأنفال: 27) .

ص: 7

وأمر بالوفاء بالعهود والعقود وجعله من الإیمان فقال: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . (المائدة: 1) . وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ..وَالَّذِینَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .(المؤمنون: 8) .

وأمر أتباعه بکل حسن معروف ونهاهم عن کل منکر ، ودعا الی تکوین المدینة الفاضلة التی تقوم علی القیم والفضائل ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتَابِ لَکَانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَکْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ . (آل عمران: 110) .

وبذلک کان الإسلام بعقیدته وشریعته مداً حضاریاً ، دعا الی احترام الإنسان وحقوقه ، ومساواة الجمیع أمام الله

والشرع ، وشدد علی تحریم أنواع الإعتداء علی النفس والملکیة والکرامة .

الأصول الحقوقیة فی الإسلام

قامت حقوق الإنسان فی الإسلام علی أصول حقوقیة متعددة:

منها: تکریم الله للإنسان وتسخیر الطبیعة له ، کما فی قوله تعالی:

(وَلَقَدْکَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً) . (الاسراء: 70) .

(وَسَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ). (الجاثیة: 13) .

ص: 8

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَلا هُدیً وَلا کِتَابٍ مُنِیرٍ). (لقمان: 20) .

ومنها: أن حق ملکیة الأرض والحکم فیها ، یقوم علی أصل أنها مخلوقة مملوکة لله تعالی وقد ملَّکها لآدم(علیه السّلام)وذریته بشرط فکری هو الإیمان ، فمن فقد هذا الشرط فلا حق له فی ملکیة الأرض وحتی فی السکن فیها إلا بأجرة ، ومن هنا إذا بعث الله نبیاً(علیه السّلام) یسمی ما یسترجعه من الآخرین ولو بالقوة (فیئاً) لأنه حق فاء الی أهله ورجع ، فإن شارک فیه المسلمون بقتال فهم شرکاء فیه مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلا فهو خالص للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، قال الله تعالی: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَلا رِکَابٍ وَلَکِنَّ اللهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَی مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ . مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَی فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَی وَالْیَتَامَی وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الأَغْنِیَاءِ مِنْکُمْ وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ) . (الحشر: 6-7) .

وعلیه فإن الأصل الفقهی لحقوق الإنسان الطبیعیة ، هو عمومات مادل علی تکریمه وتسخیر ما فی الأرض له ، ثم ما دل علی تملیک الأرض للأنبیاء(علیهم السّلام) والمؤمنین .

ص: 9

الإشکال علی الإسلام بأنه شرع التمییز فی حقوق الإنسان

أشکل بعضهم علی الإسلام بأنه یمیز بین أتباعه وغیرهم فی کثیر من الحقوق ، ومنها الحقوق السیاسیة ، حیث اشترط فی الحاکم أن یکون مسلماً ، وأوجب علی غیر المسلم أن یعطی الجزیة ، وجعل دیته أقل من دیة المسلم ، کما میز بین المرأة والرجل فجعل سهمها من

الإرث ودیتها أقل من الرجل..الخ.

والجواب: أولاً ، أن هذه الظاهرة لاتختص بالإسلام ، فالیهودیة والمسیحیة تتبنیان هذا التمییز ، تبعاً للأصل الحقوقی فی عقیدتهما .

والإسلام کغیره من الأدیان میز أتباعه المسلمین عن غیرهم فی بعض الحقوق ، وشدد علی حقوق المسلم ، وحرم دمه وماله وعرضه ، وجعل لها قوانین حقوقیة وجنائیة وجزائیة .

لکنه امتاز عن الأدیان الأخری بأنه جعل هذه الحقوق بدرجة کبیرة تشمل أهل الکتاب الذین یعیشون فی الدولة الإسلامیة ، بینما تلغی الدیانة الیهودیة حقوق غیر أتباعها ، وتشبهها المسیحیة .

وثانیاً، الأصل الحقوقی لهذا التمییز ، أن خالق الأرض ومالکها هو الله تعالی ، وقد أمر نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یدعو العالم الی الإسلام فمن أسلم فله ما للمسلمین وعلیهم وما علیهم ، ومن لم یسلم فإن کان من الوثنیین والملحدین وجب قتاله حتی یسلم ، وإن کان من أهل

ص: 10

الکتاب أی الیهود والنصاری والمجوس والصابئة ، فهو مخیر بین الإسلام والجزیة والحرب ، والجزیة تعنی اتفاقیة تعایش تحت حکم الدولة الإسلامیة ، أودفع ضریبة

المواطنة ، أوضریبة الجندیة ، أو أجرة السکن فی الأرض ، کما فسرتها بعض الأحادیث .

وفی هذه المواضیع بحوث مفصلة ، ونکتفی بالإشارة الی أن الأصل العقائدی وحده یکفی جواباً علیها، فما دام ثبت أن الله تعالی خالق الخلق ومالکهم ، الحکیم بالمطلق ، والعلیم بالمطلق ، الذی لایحتاج الی ظلم أحد ، ولا یأمر بشئ إلا لمصلحة الإنسان ، وقد أمر بذلک فلا بد أن یکون لمصلحة الإنسان ، ولو لم نعرف وجهه .

علی أنا ندرک سبب بعض التمییزات کالإرث للمرأة حیث جعل الإسلام کل النفقة والمهر علی الرجل ، ومع ذلک أعطی المرأة نصف سهم الرجل لمصارفها الإضافیة .

ص: 11

3- التطبیق النبوی للنظریة الإسلامیة

کانت سیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )العملیة تطبیقاً أمیناً لهذه النظریة ، داخل المجتمع الإسلامی الذی أنشأه ومع مخالفیه وأعدائه ، حیث عاملهم بإنسانیة عالیه . فکانت سیرته العملیة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تطبیقاً لکلام ربه وکلامه ، فلا تجد عنده فرقاً بین النظریة والتطبیق أبداً .

ویکفی أن تعرف أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )استطاع فی مدة قیاسیة أن ینشئ مداً حضاریاً إنسانیاً وسیاسیاً عالمیاً ، وخاض من أجل ذلک حروباً متعددة ، وشملت دولته الجزیرة والیمن والخلیج ، الی مشارف الشام والأردن ، فکان عدد القتلی من الطرفین فی کل هذه الحروب589 شخصاً فقط کما حسبه بعضضهم ، وهذا لانظیر له فی التاریخ !

ونلاحظ أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان معنیاً کل حیاته بترسیخ مبادئ حقوق الإنسان فی فکر أمته ووجدانها ، وقد أکد علیها فی خطبه فی حجة الوداع ، وأحادیثه بعدها حتی لقی ربه عز وجل . وهذه نماذج منها:

فی تحف العقول لابن شعبة الحرانی(رحمه الله)/30: قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (أما بعد: أیها الناس، إسمعوا منی ما أبین لکم ، فإنی لا أدری لعلی لا ألقاکم بعد عامی هذا فی موقفی هذا .

أیها الناس: إن دماءکم وأعراضکم علیکم حرام إلی أن تلقوا

ص: 12

ربکم کحرمة یومکم هذا فی بلدکم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد . فمن کانت عنده أمانة فلیؤدها إلی من ائتمنه علیها . وإن ربا الجاهلیة موضوع ، وإن أول رباً أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب . وإن دماء الجاهلیة موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب . وإن مآثر الجاهلیة موضوعة غیر السدانة والسقایة ، والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفیه مائة بعیر ، فمن ازداد فهو من الجاهلیة .

أیها الناس: إن لنسائکم علیکم حقاً ولکم علیهن حقاً...أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بکتاب الله، فاتقوا الله فی النساء ، واستوصوا بهن خیراً .

أیها الناس: إن ربکم واحد وإن أباکم واحد ، کلکم لآدم وآدم من تراب ، إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاکُمْ . ولیس لعربی علی عجمی فضل إلا بالتقوی ، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم . قال: فلیبلغ الشاهد الغائب) .

وفی تفسیر القمی: 1/171: ( فإن دماءکم وأموالکم وأعراضکم علیکم حرام کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا ، إلی یوم تلقون ربکم ، فیسألکم عن أعمالکم . ألا هل بلغت أیها الناس؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد ).

وفی صحیح بخاری: 5/126: (فإن دماءکم وأموالکم وأعراضکم

ص: 13

علیکم حرام کحرمة یومکم هذا فی بلدکم هذا فی شهرکم هذا ، وستلقون ربکم فسیسألکم عن أعمالکم . ألا فلا ترجعوا بعدی ضلالاً یضرب بعضکم رقاب بعض ).

وفی مجمع الزوائد: 3/265: (أیها الناس: إن النساء عندکم عَوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بکلمة الله...لا یحل لامرئ من مال أخیه إلا ما طابت به نفسه ). انتهی.

وقد تضمنت هذه الخطب مبادئ المساواة ، والوحدة الإنسانیة بین البشر ، وإلغاء التمایز القومی ، ومبدأ حسن معاملة النساء وعدم ظلمهن . کما تضمنت أساس وحدة الأمة الإسلامیة فی ست نقاط:

أ- إلغاء آثار الجاهلیة ومآثرها وتشریعاتها المخالفة للإسلام .

ب- الأخوة والتکافؤ بین المسلمین .

ج- احترام الملکیة الشخصیة ، وتحریم مال المسلم علی غیره .

د- احترام حیاة المسلم ، وتحریم دم المسلم علی غیره .

ه-- احترام أعراض المسلمین وکرامتهم ، وتحریمها علی بعضهم .

ز- من قال لا إله إلا الله ، فقد عصم ماله ودمه .

وقد طبق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هذه المبادئ والقوانین فی حقوق الإنسان وحریاته ، وکانت أعماله تأسیساً وتعویداً للمجتمع علی احترامها .

ص: 14

4- السلطة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحقوق الإنسان

تأخذک الدهشة عندما تری أن منظومة حقوق الإنسان وقوانینها انتهت بمجرد أن أغمض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عینیه ! وأن السلطة الجدیدة استعملت بعد ساعة من وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قانون الغلبة والقهر فی السقیفة ضد الأنصار ، وهموا بقتل سعد بن عبادة زعیم الأنصار ، فکان ذلک انتهاکاً قرشیاً فظیعاً لحق الإنسان فی نظام الحکم وتقریر المصیر !

ثم استعملت قریش وجمهورها من الطلقاء ، نفس قانون الغلبة والقهر ضد بنی هاشم ومن معهم من المهاجرین والأنصار الذین امتنعوا عن البیعة ، فهاجموهم فی بیت علی وفاطمة(علیهماالسّلام) ، رغم أنهم کانوا فی عزاء بوفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکانت جنازته مسجاة لم تدفن بعد ! وهددوهم بإحراق البیت علیهم إن لم یبایعوا ! ولما تأخروا عن الخروج جمعوا الحطب علی باب الدار وأحرقوه بالفعل !

لقد تلقت حقوق الإنسان ضربة قاصمة وانقلبت مئة وثمانین درجة فی مسألة الحکم ، وکان ذلک من کبار أصحاب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )القرشیین ضد عترته أهل بیته(علیهم السّلام) ! فکیف ننتظر أن تطبق منظومة حقوق الإنسان فی المسائل الأصغر من الحکم ، ومع الناس الأقل مکانة؟!

ص: 15

تتعجب وأنت تقرأ تاریخنا الإسلامی عندما تجد أن الخلافة الإسلامیة قامت من أساسها علی القهر وإجبار المسلمین علی بیعة من ارتضاه طلقاء قریش وسموه خلیفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وأنه بدأ عهده بتهدید سعد بن عبادة بالقتل ، ومهاجمة بیت النبوة لإجبارهم علی بیعته بحد السیف أو إحراق بیتهم علیهم !

وقد روت ذلک مصادر الشیعة والسنة ، ومنهم ابن قتیبة السنی فی کتابه الإمامة والسیاسة/30 ، قال: ( إن أبا بکر أُخبر بقوم تخلفوا عن بیعته عند علی فبعث إلیهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم وهم فی دار علی وأبوا أن یخرجوا ، فدعا عمر بالحطب فقال: والذی نفس عمر بیده لتخرجن أو لأحرقنها علیکم علی ما فیها ! فقیل له: یا أبا حفص إن فیها فاطمة ! فقال: وإن !! فخرجوا وبایعوا إلا علیاً، فزعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبی عن عاتقی حتی أجمع القرآن، فوقفت فاطمة علی بابها فقالت: لاعهد لی بقوم حضروا أسوأ محضراً منکم! ترکتم جنازة رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین أیدینا، وقطعتم أمرکم بینکم ، لم تستأمرونا ، ولم تروا لنا حقاً ! فأتی عمر أبا بکر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنک بالبیعة ؟ فقال أبو بکر: یاقنفذ وهو مولی له ، إذهب فادع علیاً ، قال: فذهب قنفذ إلی علی فقال: ما حاجتک؟ قال: یدعوک خلیفة رسول الله . قال علی(علیه السّلام): لسریع ما

ص: 16

کذبتم علی رسول الله !! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة قال فبکی أبو بکر طویلاً ! فقال عمر الثانیة: لا تمهل هذا المتخلف عنک بالبیعة . فقال أبو بکر لقنفذ: عُدْ إلیه فقل: أمیر المؤمنین یدعوک لتبایع، فجاءه قنفذ فنادی ما أمر به، فرفع علیٌّ صوته فقال: سبحان الله لقد ادعی ما لیس له ! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة قال: فبکی أبوبکر طویلاً ! ثم قام عمر فمشی ومعه جماعة حتی أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلی صوتها باکیة: یا رسول الله ماذا لقینا بعد أبی من ابن الخطاب وابن أبی قحافة؟! فلما سمع القوم صوتها وبکاءها انصرفوا باکین ، فکادت قلوبهم تتصدع وأکبادهم تنفطر ، وبقی عمر معه قوم فأخرجوا علیاً فمضوا به إلی أبی بکر فقالوا له: بایع ، فقال: إن لم أفعل فمَهْ ؟ قالوا: إذا والله الذی لا إله إلا هو نضرب عنقک ! قال: إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله . قال عمر: أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ! وأبو بکر ساکت لا یتکلم ! فقال عمر: ألا تأمر فیه بأمرک ! فقال: لا أکرهه علی شئ ما کانت فاطمة إلی جنبه . فلحق علیٌّ بقبر رسول الله (ص) یصیح ویبکی وینادی: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکَادُوا یَقْتُلُونَنِی ) ! انتهی.

نعم لابد للباحث أن یعترف بأن مبادئ حقوق الإنسان فی الإسلام قد ماتت بموت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وحکم بدلها منطق القبیلة ، بالقهر

ص: 17

والجبر والمسارعة الی قتل صاحب الرأی الآخر ، بل صاحب التفکیر الآخر ! اللهم إلا ما بقی منها بتطبیق أهل بیته(علیهم السّلام) ، وبفعل رقابة المجتمع ، عندما یستطیع الإطلاع علی المشکلة ویفهمها ، ویکون له الجرأة علی الفعل والتأثیر فیها .

5- الفتوحات الإسلامیة وحقوق الإنسان

طبَّلَ المستشرقون وغیرهم فی انتقاد الإسلام بأنه فتح بلاد الناس بالقوة وأجبر أهلها علی الإسلام ، وقد ضَعُفَ بعض المسلمین أمامهم فأجابوا بأن حروب الإسلام کانت دفاعیة ولیست هجومیة .

والجواب الصحیح: التذکیر أولاً بالأصل العقائدی فی الإسلام ، فما دمنا نؤمن بأن الإسلام وحی الله تعالی العادل الحکیم ، علی رسوله الصادق الأمین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وما دام ثبت أنه عز وجل أمر بدعوة العالم الی الإسلام ، وأجاز للمسلمین فتح أمبراطوریة الفرس والروم وإزالة نظام الحکم فیهما لفتح المجال لأهلها للدخول فی الإسلام لیکون لهم ما للمسلمین وعلیهم ما علیهم.. فأی مانع حقوقی أو منطقی من ذلک ، ومن الذی یعترض علی تصرف الله فی ملکه؟!

وثانیاً ، هناک عنصر لا بد من أخذه بعین الإعتبار فی بحث

ص: 18

فتوحات المسلمین للعراق وإیران وبلاد الشام ومصر وأفریقیا ، وهی معظم الفتوحات الإسلامیة إن لم تکن کلها.. وهو أن موقف الشعوب المستعمرة فی کثیر من البلاد المفتوحة کان مشجعاً للمسلمین ، وقد وصل أحیاناً الی دعوتهم لإسقاط الحکم الرومانی وتسلم حکم البلاد بدلهم ، فلا ننس أن معظم أهل سوریا وفلسطین والأردن ، وقسماً من أهل العراق ومصر ، کانوا عرباً ، وکان الروم غرباء عنهم ظالمین لهم ، ولذلک انسحب الجیش الرومی بعد هزیمته فی هذه البلاد ، الی بلاده بیزنظة وأوروبا .

وعنصر آخر ، أن الفاتحین المسلمین کانت فیهم صفات إیجابیة جعلتهم فی نظر أهل البلاد (أرحم أمة فاتحة) واتصف بعض الجنود بمناقبیة إنسانیة ، من أمثلتها أنهم عندما فتحوا مصر رأوا حمامة بنت عشها علی خیمة من خیام معسکرهم ، ولما رحلوا ترکوا لها الخیمة حتی لا یخرب عشها ، وسموا الخیمة بالفسطاط ، ثم سموا المدینة التی بنوها هناک باسم الخیمة(فسطاط مصر). (معجم البلدان: 4/264).

ومع ذلک، ومع غض النظر عن مقارنة الفتوح الإسلامیة ب(فتوح) الأمم الأخری، فلا بد أن نعترف بأن الفتوحات الإسلامیة تضمنت کثیراً من التجاوزات والتعدیات علی حقوق الإنسان ، فی الأملاک والأرواح ، الأمر الذی دعا أکثر فقهاء مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) الی

ص: 19

القول بأن الفتوحات لم تکن شرعیة ، لأنها تحتاج الی إذن الإمام المعصوم(علیه السّلام)ولم یثبت عندهم أن علیاً(علیه السّلام)أجازها فی زمن أبی بکر وعمر وعثمان ، ولا أجاز الأئمة(علیهم السّلام) ما وقع بعدها من فتوح .

لکن بعض علماء الشیعة قالوا إن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أجاز فتوح العراق وفارس والشام ومصر ، وأدارها ، لکنه لا یتحمل انتهاکات حقوق الإنسان فیها ، لأن إدارتها الکاملة لم تکن بیده(علیه السّلام) .

6- انتهاک الحکام بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لحقوق الإنسان فی بلاد المسلمین والبلاد المفتوحة

قامت سیاسة الحکام من غیر أهل البیت النبوی(علیهم السّلام) ، علی مصادرة حقوق الإنسان المسلم والمعاهد ، وقد أوردنا فی المجلد الثانی من کتاب ألف سؤال

وإشکال/455 مسألة165، فصلاً بعنوان: (صور من قسوة الحکام التی أرادوا تبریرها بنسبتهم القسوة والمُثْلة الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )) ! وذکرنا فیه أن الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)کشف أن أنس بن مالک کذب علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لیبرِّرَ للحکام انتهاک حقوق الإنسان ، وتعذیب من خالفهم من المسلمین، فقال إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عذب شخصاً ودقَّ مسامیرَ فی یده بالحائط ! روی الصدوق(رحمه الله)فی علل الشرائع: 2/541 ،

ص: 20

قول الإمام الباقر(علیه السّلام): ( إن أول ما استحل الأمراء العذاب لکذبة کذبها أنس بن مالک علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه سمَّر ید رجل إلی الحائط ، ومن ثم استحل الأمراء العذاب) ! انتهی.

وهذا یضع یدنا علی السبب فی حرص رواة السلطة فی مصادرهم علی نسبة قسوة القلب والضرب والتعذیب والمُثْلة الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فکل ذلک من مکذوباتهم لتبریر سلوک خلفائهم القرشیین !

وفیما یلی نماذج من انتهاکاتهم من عصور مختلفة:

2- أحرق أبو بکر شخصاً أو اثنین بالنار، وأفتی له أبو موسی الأشعری ومعاذ بن حبل بأن ذلک حلال ! قال ابن کثیر فی النهایة: 6/352: (بعث به إلی البقیع، فجمعت یداه إلی قفاه وألقی فی النار ، فحرقه وهو مقموط)! وفی فتح الباری: 12/243: (وفی روایة الطبرانی التی أشرت إلیها: فأتی بحطب فألهب فیه النار ).وتاریخ الطبری: 2/492 ، وابن الأثیر: 2/146 ، وقال الیعقوبی فی تاریخه: 2/134: (وحرق أیضاً رجلاً من بنی أسد یقال له شجاع بن ورقاء ).انتهی.

وقد اشتهرت قسوة عمر بن الخطاب قبل الإسلام ، فقد کان یعذب ابن عمه لأنه أسلم (بخاری: 8/56) ، وکان یضرب جاریة سوداء لبنی مؤمل(حتی إذا ملَّ قال: إنی أعتذر إلیک ! إنی لم أترکک إلا ملالة ! فتقول: کذلک فعل الله بک) ! (ابن هشام: 1/211).

ص: 21

4- واستمرت هذه الحالة بعد إسلامه: (فسمع نساء یبکین فزبرهن عمر ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا عمر دعهن فإن العین دامعة ، والنفس مصابة، والعهد قریب). (المستدرک: 1/381 ).

5- وفی خلافته ضرب قریبات خالد بن الولید ، وفیهن میمونة زوجة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (فجعل یُخرجهن علیه وهو یضربهن بالدرة فسقط خمار امرأة منهن فقالوا: یا أمیر المؤمنین خمارها ! فقال: دعوها فلا حرمة لها ) ! (کنز العمال:15/730) .

6- ورغم أن أبا بکر مات مسموماًفلم یفتح عمر ملف قتله ، وضرب أخته وقریباته وفیهن عائشة لأنهن أقمن مجلس نوْحٍ علیه: (لما توفی أبو بکر أقامت علیه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتی قام ببابها ، فنهاهن عن البکاء علی أبی بکر فأبین أن ینتهین فقال عمر لهشام بن الولید: أُدْخُل فأَخرج إلیَّ ابنة أبی قحافة أخت أبی بکر! فقالت عائشة لهشام حین سمعت ذلک من عمر: إنی أحرِّج علیک بیتی فقال عمر لهشام: أدخل فقد أذنت لک ، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبی بکر إلی عمر فعلاها الدرة) .(تاریخ الطبری: 2/614 ، وکنز العمال: 15/730) .

7- وکان الصحابة یخافون منه الی حد الرعب ! (بینما عمر یمشی وخلفه عدة من أصحاب رسول الله وغیرهم ، بدا له فالتفت فما بقی

ص: 22

منهم أحداً إلا سقط إلی الأرض علی رکبتیه) !(تاریخ المدینة: 2/681).

8- وکان له شاربان کبیران ، فدعا الحجام لیأخذ منهما فتنحنح: (فأحدث الحجام ، فأعطاه أربعین درهماً ). (تاریخ المدینة: 2/683)

9- (مرَّ برجل یکلم امرأة علی ظهر الطریق فعلاه بالدرة فقال له الرجل:

یا أمیر المؤمنین إنها امرأتی! قال: فهلا حیث لایراک الناس) ! (کنز العمال: 5/462) .

10- ومزق ثیاب رجل لأنها ناعمة ! ( دخل علی عمر وعلیه ثوب ملالاً، فأمر به عمر فمزق علیه فتطایر فی أیدی الناس) ! (مصنف عبد الرزاق:11/80 ).

11- وکان رجل یصلی مقابل آخر فضربه وهو یصلی ! (رأی رجلاً یصلی إلی وجه رجل فعلاهما بالدرة ). (مبسوط السرخسی: 1/38)

12- ( أن أعرابیاً شرب نبیذاً من إداوة عمر فسکر فأمر به فجلد ! فقال: إنما شربت هذا من إداوتک! فقال: إنما أجلدک علی السکر ) ! ( لسان المیزان: 3/27)

13- وضرب طفله الصغیر لأنه فرح بثیابه ! ( دخل ابنٌ لعمر بن الخطاب علیه وقد ترجل(مشَّط شعره) ولبس ثیاباً ، فضربه عمر بالدرة حتی أبکاه ! فقالت له حفصة: لم ضربته؟ قال: رأیته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغِّرها إلیه) !! (مصنف عبد الرزاق: 10/ 416)

ص: 23

14- وبرَّر ضربه لزوجته بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إضربوا نساءکم ولا تسألون عن ذلک ! ( الأشعث بن قیس قال: ضِفْتُ عمر لیلةً ، فلما کان فی جوف اللیل قام إلی امرأته یضربها فحجزت بینهما . فلما أوی إلی فراشه قال لی: یا أشعث إحفظ عنی شیئاً سمعته عن رسول الله: لایسأل الرجل فیمَ یضرب امرأته ) ! (ابن ماجة: 1/639).

15- وأمر عامله بتخریب مدینة ثم ضربه لأنه نفذ أمره ! (کتب لعمیر بن سعد عهداً بأن یخرب عرب سوس إذا لم یستجیبوا لشروطه ، فلما خربها بعد سنة علم عمر بذلک فضربه بالدرة ، فدخل علیه عمیر منفرداً وطلب منه عهده الذی کتبه الیه ! فقال عمر: رحمک الله فهلا قلت لی ذلک وأنا أضربک ؟ قال: کرهت أوبخک یا أمیر المؤمنین ) ! (بغیة الطلب:1/332) .

16- وضرب زعیم ربیعة لأن شخصاً قال: هذا سید ربیعة ! (کان قاعداً وفی یده الدرة والناس عنده فأقبل الجارود ، فلما أتی عمر قال له رجل: هذا سید ربیعة فسمعها عمر وسمعها الجارود وسمعها القوم ، فلما دنا الجارود من عمر خفقه بالدرة علی رأسه ! فقال الجارود: بسم الله ، مه یا أمیر المؤمنین؟ قال: ذلک ! قال: أما والله لقد سمعتَها وسمعتَ ماقال الرجل، قال:

فمه؟ قال: خشیت أن یخالط

ص: 24

قلبک منها شئ فأحببت أن أطأطئ منک) ! (تاریخ المدینة: 2/690) .

17- وضرب کبیر الأنصار وشیبتهم لأن بعض الناس مشوا خلفه ! ( أتینا أبیَّ بن کعب لنحدث إلیه فلما قام قمنا ونحن نمشی خلفه ، فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة ! قال فاتقاه بذراعیه فقال یا أمیر المؤمنین ما تصنع؟ قال: أو ما تری ، فتنة للمتبوع مذلة للتابع) ! (سنن الدارمی: 1/132)

18- وأرسل فی إحضار امرأة فخافت وأسقطت جنینها !(بعث إلی امرأة مغیبة (زوجها غائب) کان یُدخل علیها(أی یدخل الی بیتها بعض الرجال) فقالت: یا ویلها مالها ولعمر ! فبینا هی فی الطریق إذا فزعت فضربها الطلق فألقت ولداً ، فصاح الصبی صیحتین فمات ! فاستشار عمر أصحاب النبی(ص) فأشار بعضهم أن لیس علیک شئ إنما أنت وال ومؤدب ، وصَمَتَ علیٌّ فأقبل علیه عمر فقال: ما تقول یا أبا الحسن؟ فقال إن کانوا قالوا برأیهم فقد أخطأ رأیهم ، وإن کانوا قالوا فی هواک فلم ینصحوا لک ، إن دیته علیک لأنک أفزعتها فألقته) ! (المغنی:9/579).

19- وکان یجبر الجواری علی التهتک ویضربهن إذا تستَّرن ! (کان إذا رأی جاریة متقنعة علاها بالدرة وقال: ألقی عنک الخمار یادفار، أتتشبهن بالحرائر). (المبسوط:1/212، والدفار: مُنْتنة الفرج بالدود)! (کنَّ

ص: 25

إماء عمر یخدمننا کاشفات عن شعورهن تضرب ثدیهن)! (سنن البیهقی:2/227 وابن أبی شیبة:2/82 ، والخطیب:10/303 ، وصححه الألبانی فی إرواء الغلیل:6/203).

20- وأفرط فی تعذیب صبیغ التمیمی لأنه سأل عن تفسیر آیة ! ففی سنن الدارمی: 1/54: ( فجعل یسأل عن متشابه القرآن... فأرسل عمر الی رطائب من جرید فضربه بها حتی ترک ظهره دَبِرَة ثم ترکه حتی برأ ثم عاد له ! ثم ترکه حتی برأ فدعا به لیعود له ! فقال صبیغ: إن کنت ترید قتلی فاقتلنی قتلاً جمیلاً... وفی روایة: ثم أمر به فضرب مائة وجعل فی بیت، فلما برأ دعاه فضربه مائة أخری! وحمله علی قتب وکتب الی أبی موسی الأشعری: إمنع الناس من مجالسته...کتب عمر بن الخطاب الی أبی موسی الأشعری أن لا یجالس صبیغاً وأن یحرمه عطاءه ورزقه... رأیت صبیغ بن عسل بالبصرة کأنه بعیر أجرب... قال الشافعی فی تحریم الکلام والبحث العلمی: حکمی فی أهل الکلام حکم عمر فی صبیغ ! أن یضربوا بالجرید ویحملوا علی الإبل ویطاف بهم فی العشائر والقبائل وینادی علیهم: هذا جزاء من ترک الکتاب والسنة وأقبل علی علم الکتَّاب)! (راجع تفصیله فی تدوین القرآن/243) .

21- أجبر معاویة المسلمین علی بیعة ابنه یزید: ( فکتب إلی أهل الأمصار أن یقدموا علیه فقدم علیه قوم من أهل الکوفة وأهل البصرة

ص: 26

وأهل مکة والمدینة وأهل مصر والجزیرة ومن جمیع البلاد).. وأحضر خطیباً إسمه یزید بن المقنع الکندی فجرد سیفه وقال:

( أیها الناس إن أمیر المؤمنین هذا وأشار بیده إلی معاویة ! فإذا مات فوارث الملک هذا وأشار بیده إلی یزید ! فمن أبی فهذا ! وأشار بیده إلی السیف ! فقال له: أجلس فأنت سید الخطباء ) ! (الکامل:3/352 ، والمستطرف:1/138 ، والعقد الفرید: /1082 ، والبیان والتبیین/ 140 ، ونهایة الإرب/4466 ، وفتوح ابن الأعثم:4/333 راجع: جواهر التاریخ:3/346).

22- أوصی ابنه یزید أن یقطِّع ابن الزبیر إرباً إرباً ! (لما مرض مرضته التی هلک فیها دعا ابنه یزید فقال:

یا بنی إنی قد کفیتک الرحلة والرجال، ووطأت لک الأشیاء وذللت لک الأعزاء وأخضعت لک أعناق العرب ، وإنی لا أتخوف أن ینازعک هذا الأمر الذی أسسته إلا أربعة نفر ، الحسین بن علی ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبیر ، وعبد الرحمن بن أبی بکر... وأما الذی یجثم لک جثوم الأسد ویراوغک روغان الثعلب وإذا أمکنته فرصة وثب فذاک ابن الزبیر، فإن هو فعلها بک فقدرت علیه فقطعه إرباً إرباً)! (النهایة: 8/123).

23- وفرض الأمویون التجنید ، وإلا فالتنُّور ! ( بشر بن مروان بن الحکم کان إذا ضرب البعث علی أحد من جنده ثم وجده قد أخل بمرکزه أقامه علی کرسی ثم سمَّر یدیه فی الحائط ثم انتزع الکرسی

ص: 27

من تحت رجلیه فلا یزال یتشحط حتی یموت) ! (تاریخ دمشق:10/256)

24- ویفتخر المتعصبون لخلافة الطلقاء بعصر الخلیفة هارون الرشید ویعتبرونه قمة ازدهار الحضارة الإسلامیة والدولة الإسلامیة التی شملت أکثر العالم المعروف یومها ! لکن علیهم أن یعرفوا الوجه الآخر له وهو (هارون الرشید القصاب) ! روی الطبری فی تاریخه:6/525 ، عن أبی جامع المروزی قال: (کنت فیمن جاء إلی الرشید بأخ رافع (رافع حاکم منطقة خرج علی الرشید) قال: فدخل علیه وهو علی سریر مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعلیه فرشٌ بقدر ذلک أو قال أکثر ، وفی یده مرآة ینظر إلی وجهه ، قال: فسمعته یقول: إنا لله وإنا إلیه راجعون . ونظر إلی أخ رافع فقال: أما والله یا ابن اللخناء (مُدَوِّدة الفرج) إنی لأرجو أن لایفوتنی خامل یرید رافعاً کما لم تفتنی ! فقال له: یا أمیر المؤمنین قد کنت لک حرباً وقد أظفرک الله بی ، فافعل ما یحب الله أکن لک سلماً ، ولعل الله أن یلین لک قلب رافع إذا علم أنک قد مننت علیَّ ، فغضب وقال: والله لو لم یبق من أجلی إلا أن أحرک شفتی بکلمة لقلت: أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لا تشحذ مداک(لاتسن سکاکینک) أترکها علی حالها، وفصِّل هذا الفاسق وعجِّل لایحضرن أجلی وعضوان من أعضائه فی جسمه ! ففصله حتی جعله أشلاء ! فقال: عُدَّ أعضاءه ! فعددت له أعضاءه

ص: 28

فإذا هی أربعة عشر عضواً ، فرفع یدیه إلی السماء فقال: اللهم کما مکنتنی من ثأرک وعدوک فبلغت فیه رضاک ، فمکنی من أخیه ! ثم أغمیَ علیه وتفرق من حضره، وفیها مات هارون الرشید).(والنهایة:10/231)

25- وروی فی شرح النهج: 18/270 ، کیف قتل قریب الخلیفة المنصور عبدالله بن المقفع ، قال: ( اعتزم قتله فاستأذن علیه جماعة من أهل البصرة منهم ابن المقفع فأدخل ابن المقفع قبلهم ، وعدل به إلی حجرة فی دهلیزه ، وجلس غلامه بدابته ینتظره علی باب سفیان ، فصادف ابن المقفع فی تلک الحجرة سفیان بن معاویه وعنده غلمانه وتنور نار یسجر! فقال له سفیان: أتذکر یوم قلت لی کذا؟! أمی مغتلمة إن لم أقتلک قتلةً لم یُقتل بها أحد ! ثم قطع أعضاءه عضواً عضواً وألقاها فی النار وهو ینظر إلیها ! حتی أتی علی جمیع جسده ، ثم أطبق التنور علیه وخرج إلی الناس فکلمهم ! فلما خرجوا من عنده تخلف غلام ابن المقفع ینتظره فلم یخرج ، فمضی وأخبر عیسی بن علی وأخاه سلیمان بحاله ، فخاصما سفیان بن معاویة فی أمره فجحد دخوله إلیه فأشخصاه إلی المنصور ، وقامت البینة العادله أن ابن المقفع دخل دار سفیان حیاً سلیماً ولم یخرج منها ! فقال المنصور: أنا أنظر فی هذا الأمر إن شاء الله غداً ، فجاء سفیان لیلاً إلی المنصور فقال: یا أمیر المؤمنین، إتق الله فی

ص: 29

صنیعتک ومتبع أمرک ، قال: لاتُرَعْ ! وأحضرهم فی غد وقامت الشهادة وطلب سلیمان وعیسی القصاص، فقال المنصور: أرأیتم إن قتلت سفیان بابن المقفع ، ثم خرج ابن المقفع علیکم من هذا الباب وأومأ إلی باب خلفه ، من ینصب لی نفسه حتی أقتله بسفیان ؟ فسکتوا واندفع الأمر ! وأضرب عیسی وسلیمان عن ذکر ابن المقفع بعدها ، وذهب دمه هدراً ) !

26- ووصف الصفدی فی الوافی: 4/26، تَنُّور وزیر الخلیفة المتوکل لتعذیب الأغنیاء وجامعی الضرائب: (وکان ابن الزیات قد اتخذ تنوراً من حدید وفیه مسامیر أطرافها المحددة إلی داخل التنور وهی قائمة مثل رؤس المسالّ ، یعذب فیه المصادرین وأرباب الدواوین المطلوبین بالأموال ، فکیفما انقلب أحدهم أو تحرک من حرارة الضرب دخلت تلک المسالُّ فی جسمه فیجد لذلک ألماً عظیماً ! وکان إذا قال أحدهم أیها الوزیر إرحمنی فیقول: الرحمة خور فی الطبیعة ) ! ووفیات الأعیان: 5/100 .

ص: 30

7- حاضر العالم الإسلامی نسخة عن الماضی !

ما زال العالم الإسلامی الی یومنا یُحکم بتسلط الحاکم الواحد والرأی الواحد ، وقمع الرأی المخالف واضطهاد أهله ! فقد صار ذلک ثقافة للناس لأنه موروث من نظام دینی یتصورونه (مقدساً) !

بل تری مثقفنا یفتخر بشجاعة الحاکم الواحد فی قمع معارضیه ! فیمدح الشاعر حافظ ابراهیم عمر بن الخطاب لأنه هدد علیاً والزهراء(علیهماالسّلام)ومن معهم بأنه یحرق بیتهم علیهم ، إذا لم یبایعوه ! قال:

وقولةٌ لعلیٍّ قالها عمرٌ أکرم بسامعها أکرم بملقیها ما کان غیر أبی حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحامیها حرَّقتُ دارک لاأبقی علی أحد إن لم تبایع وبنت المصطفی فیها !

فإذا کان الإنسان نفسه یقدس السیطرة الآحادیة القمعیة ، فکیف تبقی له أو لمجتمعه حقوقٌ أو قیمة ؟!

ص: 31

8- تطبیق أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لحقوق الإنسان

تمسَّک علیٌّ وأهل البیت(علیهم السّلام) بإعادة العهد النبوی وتطبیق منظومة حقوق الإنسان بکل قیَمها وتشریعاتها ، فکان علی(علیه السّلام)الحاکم الوحید بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی احترم حریة الإنسان المسلم ، فلم یجبر أحداً علی بیعته ، ومنع المسلمین من إجبار أی ممتنع !

کما لم یجبر أحداً علی الحرب معه ، فکان کل من قاتل معه متطوعاً بقناعته وإرادته . ولا استعمل قانون الأحکام العرفیة ، ولا أی قانون استثنائی ، حتی فی حروبه التی استوعبت مدة خلافته کلها !

کما أعطی الحریة لمعارضیه والخوارج علیه، أن یتکلموا ویتحزبوا ویحملوا السلاح ، ولم یقطع رواتبهم وحقوقهم من بیت المال ، ولم یواجههم ، ما لم یشهروا السلاح علی المجتمع ، أو الدولة !

کما ساوی بین المسلمین فی الحقوق المالیة ، وألغی الإمتیازات وقوانین التمییز التی وضعها الحکام قبله !

وبذلک أعاد العهد النبوی فی احترام الإنسان والمساواة ! (راجع المجلد الثالث من جواهر التاریخ).

ولا یتسع المجال لتفصیل ذلک ، لکن یکفیک أن تنظر فی أی مقطع من سیرته الغنیة(علیه السّلام) ، أو تقرأ عهده الی مالک الأشتر(رحمه الله)عندما

ص: 32

بعثه والیاً علی مصر، وشرح فیه أهداف الحکومة ، ووضع فیه برنامج عمل شامل للحاکم فی سیاسته للناس وحیاته الشخصیة .

أو تقرأ رسالة الحقوق لحفیده الإمام زین العابدین(علیه السّلام)وهی رسالة من عشرین صفحة تقریباً ، فی حقوق الإنسان وواجباته ، وهی برنامجٌ للمسلم فی تعامله مع ربه ، ومع نفسه ، ومع الناس .

وقد اهتم بعض العلماء بهذین النصَّیْن العظیمین، لکنهما ما زالا مظلومین لم یأخذا حقهما من البحث فی المجامع الدولیة ، ومعاهد الحقوق العالمیة . وقد شرحهما علماؤنا رضی الله عنهم شروحاً علمیة ، أو وعظیة ، وبقیت الحاجة الی الشرح القانونی ، والدراسة المقارنة بالتشریعات المعاصرة .

وتشمل رسالة الحقوق للإمام السجاد(علیه السّلام)خمسین حقاً علی الإنسان ابتداءً من حقوق الله تعالی ، الی حق نفسه ومحیطه ومجتمعه ، ودولته وأمته ، وحقوق أهل الأدیان الأخری .

وتبدأ بإجمال کالفهرس ، ثم تفصل الحقوق واحداً واحداً . وسیأتی نصها ونص عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)لمالک الأشتر(رحمه الله).

ص: 33

9- أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم لهم فخرها ولیس علیهم وزرها !

لا بد للمنصف أن یُقرّ بأن تاریخ الحکام المسلمین ملیئٌ بالظلم وانتهاک حقوق الإنسان ! سواء فی سیاستهم مع شعوبهم أو مع شعوب البلاد المفتوحة ، بل إن ظلمهم لشعوبهم کان أشد وأقسی !

وهذا لایعنی أنا لا نری قیمة لما حققته الفتوحات من توسیع رقعة الإسلام ودخول أمم وشعوب فی هذا الدین الحنیف ، استفادت من علومه وأغنت تجربته ، وأقامت حضارة بإسم الحضارة الإسلامیة .

لکن هذه الإیجابیات لا تبرر انتهاکات الحکام الصارخة لأبسط حقوق الإنسان ، ولا تغطی جرائمهم التی امتلأت بها حیاتهم وضجَّ بها تاریخهم ! لذلک لا بد من تقییم نظام الخلافة الإسلامی بإیجابیاته وسلبیاته معاً، وقد کان أعظم سلبیاته أنه تأسس من أصله علی الجبریة والقهر ، وفتح الصراع علی السلطة فی هذه الأمة ، فسفکت فیه الدماء وأزهقت من أجله أرواح الملایین . ویلی ذلک فی الدرجة ظلم الحکام وجرائمهم المتنوعة الکثیرة والکبیرة .

وقد کان هذا العاملان (الجبریة والظلم) السبب النهائی فی انهیار الخلافة والأمة ودفنها فی استانبول ، وتسلط الأمم الغربیة علیها !

ولا یجوز تحمیل أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم مسؤولیة انتهاک الخلفاء

ص: 34

لحقوق الإنسان ، لأنهم أنفسهم کانوا ضحیتها ، وتحملوا من حکام الظلم والجور أکثر مما تحملته شعوب البلاد المفتوحة کلها .

ففی الوقت الذی کان علماء السلطة وأئمة مذاهبها یُنَظِّرون للحاکم ویبررون جرائمه، کان أئمتنا(علیهم السّلام) یعارضون وینتقدون ویبرؤون الی تعالی من الظلم والجور ومرتکبیه ، ویقفون الی جانب المظلوم حتی لو کان غیر مسلم . فکانوا أول ضحایا انتهاک حقوق الإنسان وقدموا أنفسهم الشریفة ثمناً لمواقفهم وعقیدتهم، وکذلک شیعتهم الأتقیاء المرضیون . ولا یتسع المجال لسرد مفردات من ذلک عبر التاریخ .

لهذا قلنا إن إنجازات الأمة الإسلامیة وإیجابیاتها فی فتوحها وحضارتها وعلومها یعود فخرها لأهل البیت(علیهم السّلام) ، لأنهم وجهوها وشارکوا فی خیرها ، بینما یتحمل غیرهم ما فیها من أوزار سببت السمعة السیئة للإسلام والمسلمین ، وأدت الی انهیار الأمة !

ص: 35

10- نظریة الدین الیهودی فی حقوق الإنسان

الأصل الحقوقی للیهود فی الدیانة الیهودیة أن الله تعالی اختار إبراهیم(علیه السّلام)وذریته من أبناء یعقوب(علیه السّلام)وفضلهم علی العالمین:

(فالناس عند الیهود قسمان: یهود وجوییم أو أممیون أی کفرة وثنیون ، والیهود شعب الله المختار وهم أبناء الله وأحباؤه لا یتقبل العبادة إلا منهم ، ونفوسهم مخلوقة من نفس الله وعنصرهم من عنصره ، فهم وحدهم أبناؤه الأطهار وقد منحهم الله الصورة البشریة تکریماً لهم . أما الجوییم فخلقوا من طینة شیطانیة ، والهدف من خلقهم خدمة الیهود، ولم یمنحوا الصورة البشریة إلا بالتبعیة للیهود لیسهل التعامل بین الطائفتین إکراماً للیهود . فالیهود أصلاء فی الإنسانیة ، والجوییم أتباع فیها). (مقارنة الأدیان للدکتور أحمد شلبی/275).

وقال فی صفحة/186: (ویقول أرنولد توینبی: إن أشهر الذین یزعمون أنهم شعب مختار هم الیهود ، فالحرکات الصهیونیة والنازیة سواء فی ادعاء هذه الصفة العنصریة ).

وقال الشیخ البلاغی(رحمه الله)فی الهدی إلی دین المصطفی:1/125: (یهوه: إله إبراهیم وإسحاق ویعقوب . وهم شعب الله: أنظر إلی ثالث

ص: 36

الخروج ، وأبناء الله ، أی أولیاؤه: خروج4: 23 ). انتهی.

وقد ذکر الله تعالی مقولاتهم فی القرآن وردَّها فقال: (وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ) . (المائدة: 18) .

(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . (البقرة: 80).

(ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِی دِینِهِمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ). (آل عمران: 24) .

(الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَیْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّی یَأْتِیَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْکُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّنَاتِ وَبِالَّذِی قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ) . (آل عمران: 183) .

(وَمِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِینَارٍ لا یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَیْهِ قَائِماً ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَیْسَ عَلَیْنَا فِی الأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ وَیَقُولُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ). (آل عمران: 75).

وعلی هذا، فإن حقوق الإنسان تختص فی الدین الیهودی بأتباعه الذین هم محصورون فی ذریة یعقوب(علیه السّلام)، وغیرهم لیس له من الحقوق إلا ما منحوه إیاه ، تفضلاً منهم !

وبهذا لانحتاج الی بحث تطبیقات الحکام الیهود الی نظریتهم فی

ص: 37

حقوق الإنسان ، لأنها قائمة علی التمییز وإهدار حقوق الشعوب ، بل إن المجتمع الیهودی نفسه حافل بانتهاک حقوق بعضهم البعض وشدة عداوتهم لبعضهم رغم أنهم أقلیة ، قال الله تعالی: (وَقَالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشَاءُ وَلَیَزِیدَنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیَاناً وَکُفْراً وَأَلْقَیْنَا بَیْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ کُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ) . (المائدة: 64) .

ص: 38

11- نظریة حقوق الإنسان فی الدین المسیحیة

من میزات الدین المسیحی أنه دین عالمی مفتوح ، ولیس مقفلاً محصوراً بشعب دون غیره کالیهودیة ، کما أنه یقوم علی توجیهات أخلاقیة مدونة فی الأناجیل الأربعة ، منسوبة الی نبی الله المسیح(علیه السّلام) تدعو الناس الی التعایش والتسامح والشعوب علی اختلاف قومیاتهم ومشاربهم ، فهی تصلح لأن تکون أرضیة لقوانین حقوق الإنسان والمساواة بین الناس . (وأهم ما یروی عنه عظة الجبل ، وهاک مقتطفات منها: طوبی للمساکین بالروح فإن لهم ملکوت السماوات ، طوبی للودعاء فإنهم یرثون الأرض ، طوبی للحزان فإنهم یعزون ، طوبی للجیاع والعطاش إلی البر فإنهم یشبعون ، طوبی لأتقیاء القلوب فإنهم یعاینون الله . ویری المسیحیون أن عظة الجبل وما ماثلها نقلت التشریع فی المسیحیة إلی طور جدید). (مقارنة الأدیان/197).

(الأناجیل تکاد تکون فکرة مکررة عن التسامح والحب وعدم المیل للشر ، حتی فی دفع الشر ، وعن الصلة المباشرة

ص: 39

بین الله والناس... الإنجیل کله حث علی هذه الأخلاق ، فلیفتح القارئ أی صفحة منه فإنه سیجد هذا الاتجاه لا محالة ، وعن الصلة المباشرة بین الله والناس ). (مقارنة الأدیان/223).

(ویقول الکاتب المسیحی(583 . p 3. Encyclopaedia of Religions and Ethics Vol) : وتعالیم المسیح تجمعها الأسس التالیة: 1- قیام مملکة الله حیث المساواة والعدالة 2- الله هو أبو البشر وهو الأمل الذی تهفو نحوه أرواح البشر جمیعاً 3- الکمال التام والحب الشامل . تلک هی الدیانة المسیحیة لا أکثر ولا أقل ، أما ما سوی تلک من أسس دینیة فقد اعتمدت الدیانة المسیحیة فیها علی التوراة ). (مقارنة الأدیان/224).

ومع الإشکالات الکثیرة علی المسیحیة ومصادرها ، لکن مضامینها الأخلاقیة تصلح کما ذکرنا أن تکون أصولاً لقانون حقوق الإنسان .

ص: 40

12- الحکام المسیحیون ونظریة حقوق الإنسان

لا یختلف تطبیق الحکام المسیحیین لحقوق الإنسان المسیحیة ، عن تطبیقات الحکام المسلمین ! فتاریخهم ملیئ بالظلم وانتهاک حقوق الإنسان ، مع شعوبهم ، وشعوب البلاد الخاضعة لحکمهم ، لافرق فی ذلک بین العلمانیین والأصولیین منهم ! کما أن إیجابیاتهم لا تبرر انتهاکاتهم الصارخة لأبسط حقوق الإنسان !

ذلک أن الأصل الذی قام علیه نظام الحکم عندهم نفسه عند الحکام المسلمین: الجبریة والقهر ، والحکم الفردی ، وقمع المعارضة ، والصراع علی السلطة وسفک الدماء وإزهاق الأرواح من أجلها ! بل قد یکون تاریخ أوروبا والبلاد المسیحیة أکثر دمویة من تاریخ البلاد الإسلامیة ! لذلک فإن الحکام باسم الإسلام والمسیحیة نوعان متشابهان فی الظلم ، والحکم فیهما: أهرقهما وتیمم !

13- العالم الغربی یحقق خطوات لمصلحة حقوق الإنسان !

اشارة

لا شک فی أن الفرق کبیر بین حقوق الإنسان فی فرنسا وبریطانیا وأمریکا الیوم ، وبینها قبل ثلاثة قرون أو أربعة !

ص: 41

فقد حدث تطور إیجابی فی حقوق الإنسان فی الغرب ، نتیجة معاناة طویلة وحروب مریرة مرت بها حکوماتهم ومجتمعاتهم ، وتوصلت بسببها الی أنه لا حل إلا بقوانین تحفظ حقوق الإنسان وحریاته الشخصیة الممکنة ، فی إطار حقوق المجتمع العامة .

وکان نتیجة ذلک إعلان الجمعیة الوطنیة الفرنسیة قانون حقوق الإنسان الفرنسی فی26 أغسطس1778 ثم توقیع میثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فی مؤتمر سان فرنسیسکو حزیران سنة 1945، ثم فی سنة1948. وقد أثمرت هذه المقررات ثماراً حسنة فی المجتمعات الغربیة ، فصار الغربی ینشأ فی بلده وهو یشعر بأنه إنسان له حقوقه فی الحیاة والحریة ، وصارت الدولة تعنی عنده الهیأة المنتخبة الموظفة لخدمة الناس ، وصار العمل السیاسی عندهم لعبة معادلات وشطارة وشیطنة فی إطار قوانین الدیمقراطیة .

بینما ینشأ الإنسان فی بلاد الإسلام وبلاد العالم الثالث وهو یشعر بأنه (شئ) فی خدمة الحاکم المفرد وتصرفه،والدولة مالک لکل شئ مسیطر متجبر ! والعمل السیاسی جریمة تسبب الدواهی وتقود الی المشنقة ، إلا فی خدمة الحاکم المقدس ! ثم لا ضوابط ولا قوانین إلا هوی حاکم الجَوْر ، وعلیک أن تسمی هواه دستوراً وقوانین !

ص: 42

نص الإعلان العالمی لحقوق الإنسان

(اعتُمد ونشر بموجب قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة

(217 ألف د-3) فی10 دیسمبر1948)

الدیباجة: لما کان الإقرار بما لجمیع أعضاء الأسرة البشریة من کرامة أصیلة فیهم، ومن حقوق متساویة وثابتة، یشکل أساس الحریة والعدل والسلام فی العالم . ولما کان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضیا إلی أعمال أثارت بربریتها الضمیر الإنسانی، وکان البشر قد نادوا ببزوغ عالم یتمتعون فیه بحریة القول والعقیدة وبالتحرر من الخوف والفاقة ، کأسمی ما ترنو إلیه نفوسهم . ولما کان من الأساسی أن تتمتع حقوق الإنسان بحمایة النظام القانونی ، إذا أرید للبشر ألا یضطروا آخر الأمر إلی اللیاذ بالتمرد علی الطغیان والإضطهاد . ولما کان من الجوهری العمل علی تنمیة علاقات ودیة بین الأمم . ولما کانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت فی المیثاق تأکید إیمانها بحقوق الإنسان الأساسیة ، وبکرامة الإنسان وقدره ، وبتساوی الرجال والنساء فی الحقوق ، وحزمت أمرها علی النهوض بالتقدم الإجتماعی وبتحسین مستویات الحیاة فی جو من الحریة أفسح . ولما کانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة علی ضمان تعزیز الإحترام والمراعاة العالمیین لحقوق الإنسان وحریاته الأساسیة، ولما کان التقاء الجمیع علی فهم مشترک لهذه الحقوق والحریات أمرا بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد، فإن الجمعیة العامةتنشر

ص: 43

علی الملأ هذا الإعلان العالمی لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلی المشترک الذی ینبغی أن تبلغه کافة الشعوب وکافة الأمم ، کیما یسعی جمیع أفراد المجتمع وهیئاته ، واضعین هذا الإعلان نصب أعینهم علی الدوام ، ومن خلال التعلیم والتربیة ، إلی توطید احترام هذه الحقوق والحریات ، وکیما یکفلوا بالتدابیر المطردة الوطنیة والدولیة ، الاعتراف العالمی بها ومراعاتها الفعلیة ، فیما بین شعوب الدول الأعضاء ذاتها ، وفیما بین شعوب الأقالیم الموضوعة تحت ولایتها علی السواء .

المادة 1: یولد جمیع الناس أحراراً ومتساوین فی الکرامة والحقوق . وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعلیهم أن یعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء .

المادة2: لکل إنسان حق التمتع بجمیع الحقوق والحریات المذکورة فی هذا الإعلان، دونما تمییز من أی نوع ، ولا سیما التمییزبسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدین، أو الرأی، سیاسیاً وغیر سیاسی، أو الأصل الوطنی أو الإجتماعی، أو الثروة ، أو المولد ، أو أی وضع آخر . وفضلاً عن ذلک لا یجوز التمییز علی أساس الوضع السیاسی ، أو القانونی ، أو الدولی للبلد أو الإقلیم الذی ینتمی إلیه الشخص ، سواء أکان مستقلاً ، أو موضوعاً تحت الوصایة ، أو غیر متمتع بالحکم الذاتی ، أم خاضعاً لأی قید آخر علی سیادته .

المادة3: لکل فرد حق فی الحیاة والحریة وفی الأمان علی شخصه.

المادة4: لا یجوز استرقاق أحد أو استعباده ، ویحظر الرق والإتجار بالرقیق بجمیع صورهما .

المادة5: لا یجوز إخضاع أحد للتعذیب ، ولا للمعاملة أو العقوبة القاسیة ، أو اللا إنسانیة ، أو الحاطَّة بالکرامة .

ص: 44

المادة6: لکل إنسان فی کل مکان، الحق بأن یعترف له بالشخصیة القانونیة.

المادة7: الناس جمیعاً سواء أمام القانون ، وهم یتساوون فی حق التمتع بحمایة القانون دونما تمییز، ، کما یتساوون فی حق التمتع بالحمایة من أی تمییز ینتهک هذا الإعلان ومن أی تحریض علی مثل هذا التمییز.

المادة8: لکل شخص حق اللجوء إلی المحاکم الوطنیة المختصة ، لإنصافه الفعلی من أیة أعمال تنتهک الحقوق الأساسیة ، التی یمنحها إیاه الدستور ، أو القانون .

المادة9: لا یجوز اعتقال أی إنسان ، أو حجزه ، أو نفیه ، تعسفاً .

المادة10: لکل إنسان، علی قدم المساواة التامة مع الآخرین، الحق فی أن تنظر قضیته محکمة مستقلة ومحایدة، نظراً منصفاً وعلنیاً ، للفصل فی حقوقه والتزاماته وفی أیة تهمة جزائیة توجه إلیه.

المادة11: 1. کل شخص متهم بجریمة یعتبر بریئاً إلی أن یثبت ارتکابه لها قانوناً ، فی محاکمة علنیة تکون قد وفرت له فیها جمیع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2. لایُدان أی شخص بجریمة بسبب أی عمل أو امتناع عن عمل لم یکن فی حینه یشکل جرماً بمقتضی القانون الوطنی أو الدولی ، کما لا توقع علیه أیة عقوبة أشد من تلک التی کانت ساریة فی الوقت الذی ارتکب فیه الفعل الجرمی .

المادة12: لا یجوز تعریض أحد لتدخل تعسفی فی حیاته الخاصة ، أو فی شؤون أسرته ، أو مسکنه ، أو مراسلاته ، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته . ولکل شخص حق فی أن یحمیه القانون من مثل ذلک التدخل ، أو تلک الحملات .

ص: 45

المادة13: 1. لکل فرد حق فی حریة التنقل وفی اختیار محل إقامته داخل حدود الدولة. 2. لکل فرد حق فی مغادرة أی بلد بما فی ذلک بلده ، وفی العودة إلی بلده.

المادة14: 1. لکل فرد حق التماس ملجأ فی بلدان أخری والتمتع به خلاصاً من الإضطهاد. 2. لا یمکن التذرع بهذا الحق إذا کانت هناک ملاحقة ناشئة بالفعل عن جریمة غیر سیاسیة ، أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها .

المادة 15: 1. لکل فرد حق التمتع بجنسیة ما. 2. لا یجوز، تعسفاً، حرمان أی شخص من جنسیته ، ولا من حقه فی تغییر جنسیته.

المادة16: 1. للرجل والمرأة متی أدرکا سن البلوغ حق التزوج وتأسیس أسرة، دون أی قید بسبب العرق أو الجنسیة أو الدین . وهما متساویان فی الحقوق لدی التزوج وخلال قیام الزواج ولدی انحلاله. 2. لا یعقد الزواج إلا برضا الطرفین المزمع زواجهما رضاء کاملاً لا إکراه فیه . 3. الأسرة هی الخلیة الطبیعیة والأساسیة فی المجتمع ، ولها حق التمتع بحمایة المجتمع والدولة .

المادة 17: 1. لکل فرد حق فی التملک، بمفرده أو بالاشتراک مع غیره. 2. لا یجوز تجرید أحد من ملکه تعسفاً .

المادة 18: لکل شخص حق فی حریة الفکر والوجدان والدین ، ویشمل هذا الحق حریته فی تغییر دینه أو معتقده ، وحریته فی إظهار دینه أو معتقده ، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعلیم ، بمفرده ، أو مع جماعة ، وأمام الملأ أو علی حدة .

المادة 19: لکل شخص حق التمتع بحریة الرأی والتعبیر، ویشمل هذا الحق

ص: 46

حریته فی اعتناق الآراء دون مضایقة ، وفی التماس الأنباء والأفکار ، وتلقیها ، ونقلها إلی الآخرین ، بأیة وسیلة ، ودونما اعتبار للحدود .

المادة20: 1. لکل شخص حق فی حریة الإشتراک فی الإجتماعات والجمعیات السلمیة. 2. لا یجوز إرغام أحد علی الإنتماء إلی جمعیة ما .

المادة 21: 1. لکل شخص حق المشارکة فی إدارة الشئون العامة لبلده ، إما مباشرة ، وإما بواسطة ممثلین یُختارون فی حریة . 2. لکل شخص، بالتساوی مع الآخرین ، حق تقلد الوظائف العامة فی بلده . 3. إرادة الشعب هی مناط سلطة الحکم ، ویجب أن تتجلی هذه الإرادة من خلال انتخابات نزیهة تجری دوریاً بالإقتراع العام وعلی قدم المساواة بین الناخبین ، وبالتصویت السری ، أو بإجراء مکافئ ، من حیث ضمان حریة التصویت .

المادة 22: لکل شخص ، بوصفه عضواً فی المجتمع ، حق فی الضمان الإجتماعی ، ومن حقه أن توفر له ، من خلال المجهود القومی والتعاون الدولی وبما یتفق مع هیکل کل دولة ومواردها ، الحقوق الإقتصادیة والإجتماعیة والثقافیة التی لا غنی عنها لکرامته ، ولتنامی شخصیته فی حریة.

المادة 23: 1. لکل شخص حق العمل، وفی حریة اختیار عمله ، وفی شروط عمل عادلة ومرضیة ، وفی الحمایة من البطالة. 2. لجمیع الأفراد ، دون أی تمییز ، الحق فی أجر متساو علی العمل المتساوی. 3. لکل فرد یعمل حق فی مکافأة عادلة ومرضیة ، تکفل له ولأسرته عیشة لائقة بالکرامة البشریة ، وتستکمل ، عند الإقتضاء ، بوسائل أخری للحمایة الإجتماعیة. 4. لکل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرین والإنضمام إلیها ، من أجل حمایة مصالحه .

ص: 47

المادة24: لکل شخص حق فی الراحة وأوقات الفراغ ، وخصوصاً فی تحدید معقول لساعات العمل ، وفی إجازات دوریة مأجورة.

المادة 25: 1. لکل شخص حق فی مستوی معیشة ، یکفی لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته ، وخاصة علی صعید المأکل والملبس والمسکن والعنایة الطبیة ، وصعید الخدمات الإجتماعیة الضروریة ، وله الحق فی ما یأمن به الغوائل فی حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشیخوخة ، أو غیر ذلک من الظروف الخارجة عن إرادته ، والتی تفقده أسباب عیشه. 2. للأمومة والطفولة حق فی رعایة ومساعدة خاصتین . ولجمیع الأطفال حق التمتع بذات الحمایة الإجتماعیة ، سواء ولدوا فی إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.

المادة26: 1. لکل شخص حق فی التعلیم . ویجب أن یوفر التعلیم مجاناً علی الأقل فی مرحلتیه الإبتدائیة والأساسیة ، ویکون التعلیم الإبتدائی إلزامیاً ، ویکون التعلیم الفنی والمهنی متاحاً للعموم ، ویکون التعلیم العالی متاحاً للجمیع تبعاً لکفاءتهم. 2. یجب أن یستهدف التعلیم التنمیة الکاملة لشخصیة الإنسان وتعزیز احترام حقوق الإنسان والحریات الأساسیة . کما یجب أن یعزز التفاهم والتسامح والصداقة بین جمیع الأمم وجمیع الفئات العنصریة أو الدینیة، وأن یؤید الأنشطة التی تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام. 3. للآباء علی سبیل الأولویة حق اختیار نوع التعلیم الذی یعطی لأولادهم .

المادة 27: 1. لکل شخص حق المشارکة الحرة فی حیاة المجتمع الثقافیة ، وفی الإستمتاع بالفنون ، والإسهام فی التقدم العلمی وفی الفوائد التی تنجم عنه. 2. لکل

شخص حق فی حمایة المصالح المعنویة والمادیة المترتبة علی أی إنتاج علمی أو أدبی أو فنی من صنعه .

ص: 48

المادة 28: لکل فرد حق التمتع بنظام اجتماعی ودولی ، یمکن أن تتحقق فی ظله الحقوق والحریات المنصوص علیها فی هذا الإعلان ، تحققا تاماً .

المادة29: 1. علی کل فرد واجبات إزاء الجماعة ، التی فیها وحدها یمکن أن تنمو شخصیته النمو الحر الکامل . 2. لایخضع أی فرد فی ممارسة حقوقه وحریاته إلا للقیود التی یقررها القانون مستهدفاً منها حصراً ، ضمان الإعتراف الواجب بحقوق وحریات الآخرین واحترامها ، والوفاء بالعادل من مقتضیات الفضیلة والنظام العام ورفاه الجمیع فی مجتمع دیمقراطی . 3. لا یجوز فی أی حال أن تمارس هذه الحقوق علی نحو یناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها .

المادة 30: لیس فی هذا الإعلان أی نص یجوز تأویله علی نحو یفید انطواءه علی تخویل أیة دولة أو جماعة أو أی فرد أی حق فی القیام بأی نشاط أو بأی فعل یهدف إلی هدم أی من الحقوق والحریات المنصوص علیها فیه). انتهی.

أقول: یتکون المنشور من هذه المواد الثلاثین ، وهو خطوة هامة فی إنصاف الإنسان المظلوم وتثبیت حقوقه ولو نظریاً ، بقطع النظر عن التحفظات الشرعیة علی بعض بنوده .

الإشکالات علی حقوق الإنسان عند الغربیین

نعم ، لقد تقدمت الحکومات الغربیة خطوات مهمة فی تطبیق حقوق الإنسان علی مجتمعاتها ، وصار الأصل فیها احترام الإنسان ورعایة حقوقه وحریاته ، لکنهم ما زالوا یعانون من مشکلات داخلیة

ص: 49

وخارجیة کبیرة ، تعوقهم عن الوصول الی التطبیق العادل والشامل لحقوق الإنسان ، ومن أهم مشکلاتهم الداخلیة:

التمییز فی مجتمعاتهم بین الفقراء والأغنیاء ، وبین البیض والسود ، ومواطنی الدرجة الأولی والثانیة ، وبین أهل منطقة ومنطقة !

ومنها ، أن الحکم والسلطة فی مجتمعاتهم بید أصحاب رؤوس الأموال أی (القوارین) ، فهم الذین یملکون توجیه وسائل الإعلام ورسم السیاسات ، ویتفننون فی خداع شعوبهم ، والحکام والسیاسیون فی الغالب موظفون عند هؤلاء القوارین ! ومن هنا ظهر اللوبی الصهیونی لأثریاء الیهود وأتباعهم ، حتی صاروا دولة داخل مجتمعاتهم ، وبنوا علواً یهودیاً یخضع له حتی رؤساء الدول الغربیة کما نری فی (سیناریوهات فضائح الرؤساء فی أمریکا) !

ومن أهم مشکلاتهم الخارجیة: أنهم یفقدون المصداقیة ویقعون فی التناقض بین احترام إنسان بلادهم وظلم إنسان العالم الثالث ، الذی یرزح تحت نفوذهم ونفوذ الحکام المنصوبین منهم !

فحکام الجوْر الذین تشکو منهم بلاد العالم الثالث ، إنما هم مفروضون علی شعوبه من أولئک الغربیین أصحاب النفوذ ! ولو تخلَّوا عن مساندة الحاکم لأسابیع قلیلة فقط لسقط بغضب الناس !

والنتیجة: أنه فی الوقت الذی حقق الغربیون إنجازات هامة فی تطبیق

ص: 50

حقوق الإنسان فی مجتمعاتهم ، فهم ما زالوا ینقضونها فی بعض الشرائح عندهم ، کما یعانون فی تعاملهم مع الشعوب الأخری من أزمة کذبهم

وزیف شعاراتهم عن الدیمقراطیة وحقوق الإنسان !

14- تأصیل أهل البیت(علیهم السّلام) لحقوق الإنسان

کما امتلأت حیاة الحکام الآخرین بانتهاک حقوق الإنسان ، فقد امتلأت حیاة أهل البیت(علیهم السّلام) بالإلتزام بها والتأکید علیها وتأصیلها فی قولهم وعملهم . وهذه سیرتهم العطرة تحفل بمآثر سلوکهم الإنسانی النبیل وآیاته ، ولو أردنا أن نستعرض نماذج من مواقفهم وأقوالهم(علیهم السّلام) ، لطال الکلام .

وهذه ثروتهم العلمیة الفریدة فی تأصیل حقوق الإنسان ، لو استفاد منها المسلمون ، وأساتذة الحقوق فی العالم .

وتتسع هذا الخلاصة لإیراد نصین عظیمین منها ، هما: عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)الی مالک الأشتر(رحمه الله)والیه علی مصر ، وهو بیانٌ یشرح أهداف الحکومة ، وبرنامجٌ عملی للحاکم فی سیاسته مع فئات شعبه وجهاز حکمه ، وحیاته الشخصیة .

ورسالة الحقوق للإمام زین العابدین(علیه السّلام)، وهی رسالة من عشرین

ص: 51

صفحة ، فی حقوق الإنسان وواجباته ، وبرنامجٌ عملی للإنسان فی تعامله مع ربه ومع نفسه ومع الناس ، تقع فی خمسین بنداً .

وقد اهتم بعض العلماء بهذین النصَّیْن الفریدین ، لکنهما ما زالا مظلومین لم یأخذا حقهما من البحث فی المجامع الحقوقیة العالمیة .

ونورد نصهما مع عناوین شارحة ، تساعد علی فهم مضامینهما:

ص: 52

عهد الإمام أمیر المؤمنین (علیه السّلام)الی مالک الأشتر(رحمه الله)(نهج البلاغة:3/82)

هدف الحکم الإسلامی

(بسم الله الرحمن الرحیم. هذا ما أمر به عبد الله علی أمیر المؤمنین مالک بن الحارث الأشتر فی عهده إلیه حین ولاه مصر: جبایة خراجها ، وجهاد عدوها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة بلادها .

أصول الفکر والسلوک للحاکم: الشریعة، نصرة الله ، اتهام النفس

أمره بتقوی الله وإیثار طاعته ، واتباع ما أمر به فی کتابه: من فرائضه وسننه التی لا یسعد أحد إلا باتباعها ، ولا یشقی إلا مع جحودها وإضاعتها ، وأن ینصر الله سبحانه بقلبه ویده ولسانه ، فإنه جل اسمه قد تکفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه .

وأمره أن یکسر نفسه من الشهوات ویزعها عند الجمحات ، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله .

یجب علی الحاکم أن یستحضر نظرة الناس الیه

ثم اعلم یا مالک أنی قد وجهتک إلی بلاد قد جرت علیها دول

ص: 53

قبلک من عدل وجور ، وأن الناس ینظرون من أمورک فی مثل ما کنت تنظر فیه من أمور الولاة قبلک ، ویقولون فیک ما کنت تقول فیهم . وإنما یستدل علی الصالحین بما یجری الله لهم علی ألسن عباده . فلیکن أحب الذخائر إلیک ذخیرة العمل الصالح .

فاملک هواک ، وشح بنفسک عما لا یحل لک ، فإن الشح بالنفس الانصاف منها فیما أحبت أو کرهت .

لزوم حب الحاکم لمواطنیه وشعوره بأنه محکوم لمن هو أعلی منه

وأشعر قلبک الرحمة للرعیة والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تکونن علیهم سبعا ضاریا تغتنم أکلهم ، فإنهم صنفان إما أخ لک فی الدین وإما نظیر لک فی الخلق یفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل ، ویؤتی علی أیدیهم فی العمد والخطأ فأعطهم من عفوک وصفحک مثل الذی تحب أن یعطیک الله من عفوه وصفحه ، فإنک فوقهم ، ووالی الأمر علیک فوقک ، والله فوق من ولاک . وقد استکفاک أمرهم وابتلاک بهم . ولا تنصبن نفسک لحرب الله فإنه لا یدی لک بنقمته ، ولا غنی بک عن عفوه ورحمته .

الأصل هو العفو والعقوبة استثناء ، والأصل اللین والعنف استثناء

ولا تندمن علی عفو ، ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعن إلی بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولن إنی مؤمر آمر فأطاع فإن ذلک

ص: 54

إدغال فی القلب ومنهکة للدین، وتقرب من الغیر.

کیف یُحَصِّن الحاکم نفسه من الغرور والظلم ؟

وإذا أحدث لک ما أنت فیه من سلطانک أبهة أو مخیلة فانظر إلی عظم ملک الله فوقک وقدرته منک علی ما لا تقدر علیه من نفسک ، فإن ذلک یطامن إلیک من طماحک ، ویکف عنک من غربک ، ویفئ إلیک بما عزب عنک من عقلک إیاک ومساماة الله فی عظمته والتشبه به فی جبروته ، فإن الله یذل کل جبار ویهین کل مختال أنصف الله وأنصف الناس من نفسک ومن خاصة أهلک ومن لک فیه هوی من رعیتک ، فإنک إلا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله کان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وکان لله حرباً حتی ینزع ویتوب. ولیس شئ أدعی إلی تغییر نعمة الله وتعجیل نقمته من إقامة علی ظلم، فإن الله سمیع دعوة المضطهدین وهو للظالمین بالمرصاد.

القرارات یجب أن ترضی الجمیع ، وإلا فالعامة دون الخاصة !

ولیکن أحب الأمور إلیک أوسطها فی الحق ، وأعمها فی العدل وأجمعها لرضی الرعیة ، فإن سخط العامة یجحف برضی الخاصة، وإن سخط الخاصة یغتفر مع رضی العامة .

ولیس أحد من الرعیة أثقل علی الوالی مؤونة فی الرخاء ، وأقل معونة له فی البلاء ، وأکره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل

ص: 55

شکرا عند الاعطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر ، من أهل الخاصة . وإنما عماد الدین وجماع المسلمین والعدة للأعداء العامة من الأمة ، فلیکن صغوک لهم ومیلک معهم .

موقف الحاکم من تقاریر المخابرات ، والمتملقین والنمامین

ولیکن أبعد رعیتک منک وأشنؤهم عندک أطلبهم لمعائب الناس ، فإن فی الناس عیوبا الوالی أحق من سترها . فلا تکشفن عما غاب عنک منها فإنما علیک تطهیر ما ظهر لک ، والله یحکم علی ما غاب عنک . فاستر العورة ما استطعت یستر الله منک ما تحب ستره من رعیتک . أطلق عن الناس عقدة کل حقد . واقطع عنک سبب کل وتر . وتغاب عن کل ما لا یضح لک ، ولا تعجلن إلی تصدیق ساع فإن الساعی غاش وإن تشبه بالناصحین .

صفات المستشارین للحاکم

ولا تدخلن فی مشورتک بخیلاً یعدل بک عن الفضل ویعدک الفقر ولا جباناً یضعفک عن الأمور، ولا حریصاً یزین لک الشره بالجور ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتی یجمعها سوء الظن بالله .

صفات الوزراء ، وتفضیل استیزار الوجوه الجدیدة

إن شر وزرائک من کان للأشرار قبلک وزیراً ، ومن شرکهم فی

ص: 56

الآثام ! فلا یکونن لک بطانة ، فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة ، وأنت واجد منهم خیر الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم ، ولیس علیه مثل آصارهم وأوزارهم ، ممن لم یعاون ظالماً علی ظلمه ولا آثما علی إثمه . أولئک أخف علیک مؤونة ، وأحسن لک معونة ، وأحنی علیک عطفا ، وأقل لغیرک إلفاً ، فاتخذ أولئک خاصة لخلواتک وحفلاتک .

صفات الوزراء المفضلین

ثم لیکن آثرهم عندک أقولهم بمر الحق لک ، وأقلهم مساعدة فیما یکون منک مما کره الله لأولیائه ، واقعاً ذلک من هواک حیث وقع ، والصقْ بأهل الورع والصدق ، ثم رُضْهُم علی أن لایطروک ، ولا یَبْجَحُوک بباطل لم تفعله ، فإن کثرة الإطراء تُحدث الزهوة ، وتدنی من الغِرَّة .

محاسبة الوزراء

ولا یکون المحسن والمسئ عندک بمنزلة سواء ، فإن فی ذلک تزهیداً لأهل الإحسان فی الإحسان ، وتدریباً لأهل الإساءة علی الإساءة ، وألزم کلاً منهم ما ألزم نفسه .

فوائد إعطاء الحریة للمواطنین وحسن الظن بهم

واعلم أنه لیس شئ بأدعی إلی حسن ظن راع برعیته من إحسانه

ص: 57

إلیهم ، وتخفیفه المؤونات علیهم ، وترک استکراهه إیاهم علی ما لیس قبلهم ، فلیکن منک فی ذلک أمر یجتمع لک به حسن الظن برعیتک ، فإن حسن الظن یقطع عنک نصباً طویلاً ، وإن أحق من حسن ظنک به لمن حسن بلاؤک عنده ، وإن أحق من ساء ظنک به لمن ساء بلاؤک عنده .

احترام العادات الإجتماعیة وتحسینها

ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة ، واجتمعت بها الألفة، وصلحت علیها الرعیة . ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضی تلک السنن فیکون الأجر لمن سنها . والوزر علیک بما نقضت منها.

المشاورون الکبار فی القضایا الإستراتیجیة

وأکثر مدارسة العلماء ومنافثة الحکماء ، فی تثبیت ما صلح علیه أمر بلادک ، وإقامة ما استقام به الناس قبلک .

تکوَّن کل مجتمع فی العالم من فئات وطبقات

واعلم أن الرعیة طبقات لا یصلح بعضها إلا ببعض ، ولا غنی ببعضها عن بعض . فمنها جنود الله ، ومنها کتاب العامة والخاصة ، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق ، ومنها أهل الجزیة والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلی من ذوی الحاجة والمسکنة وکلا قد

ص: 58

سمی الله سهمه ، ووضع علی حده فریضته فی کتابه أو سنة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، عهداً منه عندنا محفوظاً !

فالجنود بإذن الله حصون الرعیة ، وزین الولاة ، وعز الدین ، وسبل الأمن ، ولیس تقوم الرعیة إلا بهم . ثم لا قوام للجنود إلا بما یخرج الله لهم من الخراج الذی یقوون به فی جهاد عدوهم ، ویعتمدون علیه فیما یصلحهم ، ویکون من وراء حاجتهم .

ثم لا قوام لهذین الصنفین إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والکتاب لما یحکمون من المعاقد ، ویجمعون من المنافع ، ویؤتمنون علیه من خواص الأمور وعوامها . ولا قوام لهم جمیعاً إلا بالتجار وذوی الصناعات فیما یجتمعون علیه من مرافقهم ، ویقیمونه من أسواقهم ، ویکفونهم من الترفق بأیدیهم ما لا یبلغه رفق غیرهم .

ثم الطبقة السفلی من أهل الحاجة والمسکنة الذین یحق رفدهم ومعونتهم ، وفی الله لکل سعة، ولکل علی الوالی حق بقدر ما یصلحه . ولیس یخرج الوالی من حقیقة ما ألزمه الله من ذلک إلا بالاهتمام والاستعانة بالله ، وتوطین نفسه علی لزوم الحق ، والصبر علیه فیما خف علیه أو ثقل .

سیاسة الحاکم مع القوات المسلحة

فول من جنودک أنصحهم فی نفسک لله ولرسوله ولإمامک ،

ص: 59

وأنقاهم جیباً ، وأفضلهم حلماً ، ممن یبطئ عن الغضب ، ویستریح إلی العذر ، ویرأف بالضعفاء وینبو علی الأقویاء . وممن لا یثیره العنف ولا یقعد به الضعف . ثم الصق بذوی الأحساب وأهل البیوتات الصالحة والسوابق الحسنة ، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ، فإنهم جماع من الکرم ، وشعب من العرف .

ثم تفقد من أمورهم ما یتفقده الوالدان من ولدهما ، ولا یتفاقمن فی نفسک شئ قویتهم به . ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل فإنه داعیة لهم إلی بذل النصیحة لک وحسن الظن بک . ولا تدع تفقد لطیف أمورهم اتکالاً علی جسیمها فإن للیسیر من لطفک موضعاً ینتفعون به ، وللجسیم موقعاً لا یستغنون عنه . ولیکن آثر رؤوس جندک عندک من واساهم فی معونته ، وأفضل علیهم من جدته بما یسعهم ویسع من وراءهم من خلوف أهلیهم ، حتی یکون همهم هماً واحداً فی جهاد العدو . فإن عطفک علیهم یعطف قلوبهم علیک .

سیاسة الحاکم مع قادة الجیش الحکام

وإن أفضل قرة عین الولاة استقامة العدل فی البلاد ، وظهور مودة الرعیة . وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ، ولا تصح نصیحتهم إلا بحیطتهم علی ولاة أمورهم ، وقلة استثقال دولهم ، وترک استبطاء انقطاع مدتهم . فافسح فی آمالهم ، وواصل فی حسن

ص: 60

الثناء علیهم ، وتعدید ما أبلی ذوو البلاء منهم . فإن کثرة الذکر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناکل إن شاء الله .

ثم أعرف لکل امرئ منهم ما أبلی ، ولا تضیفن بلاء امرئ إلی غیره ، ولا تقصرن به دون غایة بلائه ، ولا یدعونک شرف امرئ إلی أن تعظم من بلائه ما کان صغیراً ، ولا ضعة امرئ إلی أن تستصغر من بلائه ما کان عظیماً .

سیاسة الوزراء والولاة فی القضایا المشتبهة

واردد إلی الله ورسوله ما یضلعک من الخطوب ویشتبه علیک من الأمور فقد قال الله تعالی لقوم أحب إرشادهم: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ.. فالرد إلی الله الأخذ بمحکم کتابه، والرد إلی الرسول الأخذ بسنته الجامعة غیر المفرقة .

سیاسة الحاکم مع القوة القضائیة

ثم اختر للحکم بین الناس أفضل رعیتک فی نفسک ممن لا تضیق به الأمور ، ولا تمحکه الخصوم ، ولا یتمادی فی الزلة ، ولا یحصر من الفئ إلی الحق إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه علی طمع ، ولا یکتفی بأدنی فهم دون أقصاه ، وأوقفهم فی الشبهات، وآخذهم بالحجج ، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم علی تکشف

ص: 61

الأمور ، وأصرمهم عند اتضاح الحکم . ممن لا یزدهیه إطراء ولا یستمیله إغراء . وأولئک قلیل .

ثم أکثر تعاهد قضائه ، وافسح له فی البذل ما یزیل علته وتقل معه حاجته إلی الناس ، وأعطه من المنزلة لدیک ما لا یطمع فیه غیره من خاصتک لیأمن بذلک اغتیال الرجال له عندک . فانظر فی ذلک نظراً بلیغاً ، فإن هذا الدین قد کان أسیراً فی أیدی الأشراریُعمل فیه بالهوی ، وتُطلب به الدنیا !

سیاسة الحاکم مع ولاة المحافظات وکبار الموظفین

ثم انظر فی أمور عمالک فاستعملهم اختباراً ، ولا تولهم محاباة وأثرة ، فإنهما جماع من شعب الجور والخیانة ، وتوخ منهم أهل التجربة والحیاء من أهل البیوتات الصالحة والقدم فی الإسلام المتقدمة ، فإنهم أکرم أخلاقا ، وأصح أعراضا ، وأقل فی المطامع إشرافا ، وأبلغ فی عواقب الأمور نظرا . ثم أسبغ علیهم الأرزاق فإن ذلک قوة لهم علی استصلاح أنفسهم ، وغنی لهم عن تناول ما تحت أیدیهم ، وحجة علیهم إن خالفوا أمرک أو ثلموا أمانتک .

جهاز المخابرات الخاص برئیس الدولة

ثم تفقد أعمالهم ، وابعث العیون من أهل الصدق والوفاء علیهم ، فإن تعاهدک فی السر لأمورهم حدوة لهم علی استعمال الأمانة

ص: 62

والرفق بالرعیة . وتحفظ من الأعوان ، فإن أحد منهم بسط یده إلی خیانة اجتمعت بها علیه عندک أخبار عیونک اکتفیت بذلک شاهدا ، فبسطت علیه العقوبة فی بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخیانة ، وقلدته عار التهمة

السیاسة المالیة والضرائبیة

وتفقد أمر الخراج بما یصلح أهله فإن فی صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم ، لأن الناس کلهم عیال علی الخراج وأهله . ولیکن نظرک فی عمارة الأرض أبلغ من نظرک فی استجلاب الخراج ، لأن ذلک لا یدرک إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغیر عمارة أخرب البلاد وأهلک العباد ، ولم یستقم أمره إلا قلیلاً ، فإن شکوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش ، خففت عنهم بما ترجو أن یصلح به أمرهم ، ولا یثقلن علیک شئ خففت به المؤونة عنهم ، فإنه ذخر یعودون به علیک فی عمارة بلادک وتزیین ولایتک ، مع استجلابک حسن ثنائهم وتبجحک باستفاضة العدل فیهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامک لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلک علیهم فی رفقک بهم ، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فیه علیهم من بعد احتملوه طیبة أنفسهم به ، فإن

ص: 63

العمران محتمل ما حملته ، وإنما یؤتی خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنما یعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة علی الجمع ، وسوء ظنهم بالبقاء ، وقلة انتفاعهم بالعبر .

دیوان الحاکم أو الجهاز الخاص به

ثم انظر فی حال کتابک فول علی أمورک خیرهم ، واخصص رسائلک التی تدخل فیها مکائدک وأسرارک بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق ، ممن لا تبطره الکرامة فیجترئ بها علیک فی خلاف لک بحضرة ملأ ، ولا تقصر به الغفلة عن إیراد مکاتبات عمالک علیک ، وإصدار جواباتها علی الصواب عنک وفیما یأخذ لک ویعطی منک . ولا یُضعف عقداً اعتقده لک ، ولا یَعجز عن إطلاق ما عقد علیک ، ولا یجهل مبلغ قدر نفسه فی الأمور ، فإن الجاهل بقدر نفسه یکون بقدر غیره أجهل . ثم لا یکن اختیارک إیاهم علی فراستک واستنامتک وحسن الظن منک ، فإن الرجال یتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم ، ولیس وراء ذلک من النصیحة والأمانة شئ . ولکن اختبرهم بما ولوا للصالحین قبلک ، فاعمد لأحسنهم کان فی العامة أثراً ، وأعرفهم بالأمانة وجهاً ، فإن ذلک دلیل علی نصیحتک لله ولمن ولیت أمره . واجعل لرأس کل أمر من أمورک رأساً منهم لا یقهره کبیرها ، ولا یتشتت علیه کثیرها ، ومهما کان فی

ص: 64

کتابک من عیب فتغابیت عنه ألزمته .

سیاسة الدولة مع التجار والکسبة

ثم استوص بالتجار وذوی الصناعات وأوص بهم خیراً ، المقیم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه ، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق ، وجلابها من المباعد والمطارح ، فی برک وبحرک ، وسهلک وجبلک ، وحیث لا یلتئم الناس لمواضعها ، ولا یجترئون علیها ، فإنهم سلم لا تخاف بائقته ، وصلح لا تخشی غائلته ، وتفقد أمورهم بحضرتک وفی حواشی بلادک .

واعلم مع ذلک أن فی کثیر منهم ضیقاً فاحشاً وشحاً قبیحاً، واحتکاراً للمنافع ، وتحکماً فی البیاعات ، وذلک باب مضرة للعامة وعیب علی الولاة . فامنع من الإحتکار فإن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )منع منه ، ولیکن البیع بیعاً سمحاً ، بموازین عدل وأسعار لا تجحف بالفریقین من البائع والمبتاع . فمن قارف حکرة بعد نهیک إیاه فنکل به ، وعاقب فی غیر إسراف .

سیاسة الحاکم مع الطبقة الفقیرة

ثم الله الله فی الطبقة السفلی من الذین لا حیلة لهم ، والمساکین والمحتاجین ، وأهل البؤسی والزمنی ، فإن فی هذه الطبقة قانعاً ومعتراً . واحفظ لله ما استحفظک من حقه فیهم ، واجعل لهم قسماً

ص: 65

من بیت مالک ، وقسماً من غلات صوافی الإسلام فی کل بلد ، فإن للأقصی

منهم مثل الذی للأدنی ، وکلٌّ قد استرعیت حقه ، فلا یشغلنک عنهم بطر ، فإنک لا تعذر بتضییعک التافه لإحکامک الکثیر المهم ، فلا تشخص همک عنهم ، ولا تصعر خدک لهم ، وتفقد أمور من لا یصل إلیک منهم ممن تقتحمه العیون وتحقره الرجال ، ففرغ لأولئک ثقتک من أهل الخشیة والتواضع ، فلیرفع إلیک أمورهم ، ثم اعمل فیهم بالإعذار إلی الله یوم تلقاه ، فإن هؤلاء من بین الرعیة أحوج إلی الإنصاف من غیرهم ، وکل فأعذر إلی الله فی تأدیة حقه إلیه . وتعهد أهل الیتم وذوی الرقة فی السن ، ممن لا حیلة له ولا ینصب للمسألة نفسه ، وذلک علی الولاة ثقیل والحق کله ثقیل . وقد یخففه الله علی أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ، ووثقوا بصدق موعود الله لهم .

سیاسة الحاکم مع مراجعیه

واجعل لذوی الحاجات منک قسماًتفرغ لهم فیه شخصک ، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فیه لله الذی خلقک ، وتقعد عنهم جندک وأعوانک من أحراسک وشرطک حتی یکلمک متکلمهم غیر متتعتع ، فإنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول فی غیر موطن: لن تقدس أمة لا یؤخذ للضعیف فیها حقه من القوی غیر متتعتع . ثم احتمل

ص: 66

الخرق منهم والعیّ، ونحِّ عنک الضیق والأنَفَ

یبسط الله علیک بذلک أکناف رحمته، ویوجب لک ثواب طاعته . وأعط ما أعطیت هنیئاً ، وامنع فی إجمال وإعذار .

برنامج یومی للحاکم

ثم أمور من أمورک لا بد لک من مباشرتها: منها إجابة عمالک بما یعیی عنه کتابک . ومنها إصدار حاجات الناس یوم ورودها علیک مما تحرج به صدور أعوانک . وأمض لکل یوم عمله فإن لکل یوم ما فیه ، واجعل لنفسک فیما بینک وبین الله أفضل تلک المواقیت ، وأجزل تلک الأقسام ، وإن کانت کلها لله إذا صلحت فیها النیة وسلمت منها الرعیة . ولیکن فی خاصة ما تخلص به لله دینک ، إقامة فرائضه التی هی له خاصة . فأعط الله من بدنک فی لیلک ونهارک ، ووفِّ ما تقربت به إلی الله من ذلک کاملاً غیر مثلوم ولا منقوص ، بالغاً من بدنک ما بلغ . وإذا أقمت فی صلاتک للناس فلا تکونن منفراً ولا مضیعاً ، فإن فی الناس من به العلة وله الحاجة . وقد سألت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین وجهنی إلی الیمن: کیف أصلی بهم؟ فقال: صل بهم کصلاة أضعفهم ، وکن بالمؤمنین رحیما .

لقاءات الحاکم المباشرة مع الناس وحذف البطانة

وأما بعد فلا تطولن احتجابک عن رعیتک ، فإن احتجاب الولاة

ص: 67

عن الرعیة شعبة من الضیق ، وقلة علم بالأمور . والإحتجاب منهم یقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فیصغر عندهم الکبیر ، ویعظم الصغیر ، ویقبح الحسن ویحسن القبیح ، ویشاب الحق بالباطل .

وإنما الوالی بشر لا یعرف ما تواری عنه الناس به من الأمور ، ولیست علی الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الکذب ، وإنما أنت أحد رجلین: إما امرؤ سخت نفسک بالبذل فی الحق ففیم احتجابک من واجب حق تعطیة ، أو فعل کریم تسدیه ؟

أو مبتلی بالمنع ، فما أسرع کف الناس عن مسألتک إذا أیسوا من بذلک ، مع أن أکثر حاجات الناس إلیک مما لا مؤونة فیه علیک ، من شکاة مظلمة ، أو طلب إنصاف فی معاملة .

ثم إن للوالی خاصة وبطانة فیهم استئثار وتطاول ، وقلة إنصاف فی معاملة ، فاحسم مادة أولئک بقطع أسباب تلک الأحوال .

سیاسة الحاکم مع أقاربه وحاشیته

ولا تقطعن لأحد من حاشیتک وحامتک قطیعة ، ولا یطمعن منک فی اعتقاد عقدة تضر بمن یلیها من الناس ، فی شرب أو عمل مشترک یحملون مؤونته علی غیرهم ، فیکون مهنأ ذلک لهم دونک ، وعیبه علیک فی الدنیا والآخرة .

وألزم الحق من لزمه من القریب والبعید ، وکن فی ذلک صابراً

ص: 68

محتسباً ، واقعاً ذلک من قرابتک وخاصتک حیث وقع ، وابتغ عاقبته بما یثقل علیک منه ، فإن مغبة ذلک محمودة .

وإن ظنت الرعیة بک حیفاً فأصحر لهم بعذرک ، واعدل عنک ظنونهم بإصحارک ، فإن فی ذلک ریاضة منک لنفسک ، ورفقاً برعیتک ، وإعذاراً تبلغ به حاجتک من تقویمهم علی الحق .

سیاسة السلم والحذر مع العدو والإلتزام الکامل بالإتفاقیات

ولا تدفعن صلحاً دعاک إلیه عدوک ولله فیه رضی ، فإن فی الصلح دعة لجنودک ، وراحة من همومک ، وأمناً لبلادک .

ولکن الحذر کل الحذر من عدوک بعد صلحه ، فإن العدو ربما قارب لیتغفل ، فخذ بالحزم واتهم فی ذلک حسن الظن .

وإن عقدت بینک وبین عدوک عقدة أو ألبسته منک ذمة فحُطْ عهدک بالوفاء ، وارع ذمتک بالأمانة ، واجعل نفسک جنة دون ما أعطیت ، فإنه لیس من فرائض الله شئ الناس أشد علیه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ، من تعظیم الوفاء بالعهود . وقد لزم ذلک المشرکون فیما بینهم دون المسلمین ،لما استوبلوا من عواقب الغدر ! فلا تغدرن بذمتک ، ولا تخیسن بعهدک ، ولا تختلن عدوک ، فإنه لا یجترئ علی الله إلا جاهل شقی . وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بین العباد برحمته ، وحریما یسکنون إلی منعته

ص: 69

ویستفیضون إلی جواره . فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فیه .

ولا تعقد عقداً تجوز فیه العلل ، ولا تعولن علی لحن قول بعد التأکید والتوثقة ، ولا یدعونک ضیق أمر لزمک فیه عهد الله إلی طلب انفساخه بغیر الحق ، فإن صبرک علی ضیق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خیر من غدر تخاف تبعته ، وأن تحیط بک من الله فیه طلبة ، فلا تستقیل فیها دنیاک ولا آخرتک .

تحذیر الحاکم بشدة من سفک الدماء

إیاک والدماء وسفکها بغیر حلها ، فإنه لیس شئ أدعی لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحری بزوال نعمة وانقطاع مدة ، من سفک الدماء بغیر حقها ! والله سبحانه مبتدئ بالحکم بین العباد فیما تسافکوا من الدماء یوم القیامة ، فلا تقوین سلطانک بسفک دم حرام ، فإن ذلک مما یضعفه ویوهنه بل یزیله وینقله . ولا عذر لک عند الله ولا عندی فی قتل العمد ، لأن فیه قود البدن . وإن ابتلیت بخطأ وأفرط علیک سوطک أو سیفک أو یدک بعقوبة ، فإن فی الوکزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بک نخوة سلطانک عن أن تؤدی إلی أولیاء المقتول حقهم . وإیاک والإعجاب بنفسک والثقة بما یعجبک منها وحب الاطراء ، فإن ذلک من أوثق فرص الشیطان فی نفسه لیمحق ما یکون من إحسان المحسنین .

ص: 70

الخطوط العامة لسیاسة الحاکم مع المواطنین

وإیاک والمن علی رعیتک بإحسانک ، أو التزید فیما کان من فعلک أو أن تعدهم فتتبع موعدک بخلفک ، فإن المن یبطل الإحسان والتزید یذهب بنور الحق ، والخلف یوجب المقت عند الله والناس ، قال الله تعالی: کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ .

التثبت والإعتدال فی اتخاذ القرارات

وإیاک والعجلة بالأمور قبل أوانها ، أو التسقط فیها عند إمکانها ، أو اللجاجة فیها إذا تنکرت ، أو الوهن عنها إذا استوضحت .

فضع کل أمر موضعه وأوقع کل عمل موقعه . وإیاک والإستئثار بما الناس فیه أسوة ، والتغابی عما یعنی به مما قد وضح للعیون ، فإنه مأخوذ منک لغیرک. وعما قلیل تنکشف عنک أغطیة الأمور وینتصف منک للمظلوم .

کیف یکون الحاکم حاکم نفسه ویسیطر علی غضبه ؟

أملک حمیة أنفک ، وسورة حدک ، وسطوة یدک وغرب لسانک . واحترس من کل ذلک بکف البادرة وتأخیر السطوة ، حتی یسکن غضبک فتملک الإختیار . ولن تحکم ذلک من نفسک حتی تکثر همومک بذکر المعاد إلی ربک . والواجب علیک أن تتذکر ما مضی لمن تقدمک من حکومة عادلة ، أو سنة فاضلة ، أو أثر عن

ص: 71

نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو فریضة فی کتاب الله ، فتقتدی بما شاهدته مما عملنا به فیها ، وتجتهد لنفسک فی اتباع ما عهدت إلیک فی عهدی هذا واستوثقت به من الحجة لنفسی علیک ، لکیلا تکون لک علة عند تسرع نفسک إلی هواها .

دعاء أمیر المؤمنین(علیه السّلام)للتوفیق فی تحقیق أهدافه فی الحکم

وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظیم قدرته علی إعطاء کل رغبة ، أن یوفقنی وإیاک لما فیه رضاه ، من الإقامة علی العذر الواضح إلیه وإلی خلقه ، مع حسن الثناء فی العباد ، وجمیل الأثر فی البلاد ، وتمام النعمة وتضعیف الکرامة ، وأن یختم لی ولک بالسعادة والشهادة ، وإنا إلیه راغبون . والسلام علی رسول الله وآله الطیبین الطاهرین ، وسلم تسلیماً کثیرا ).

ص: 72

رسالة الحقوق للإمام زین العابدین(علیهم السّلام)

وتشمل خمسین حقاً علی الإنسان ، ابتداءً من حقوق الله تعالی الی حق نفسه ومحیطه ومجتمعه ودولته ، وحقوق أهل الأدیان الأخری . وتبدأ بإجمال کالفهرس، ثم تفصل الحقوق واحداً واحداً .

وقد صحح روایتها علماؤنا ، وبحث أسانیدها العلامة الجلالی فی کتابه جهاد الإمام السجاد(علیه السّلام)/269، وشرحها العلامة السید حسن القبانجی(رحمه الله)باسم (شرح رسالة الحقوق للإمام علی بن الحسین زین العابدین(علیه السّلام)) ، وذکر شروحها وترجماتها صاحب الذریعة(رحمه الله): 7/42 ومعجم المطبوعات النجفیة/220، وموسوعة مؤلفی الإمامیة: 1/233.

(راجع: رجال النجاشی/116، وتحف العقول لابن شعبة الحرانی/255، والخصال/564 ، ومعجم رجال الحدیث للسید الخوئی: 4/293، ومستدرک الوسائل: 11/154، والبحار: 71/10، ونهج السعادة: 7/211، وأعیان الشیعة: 1/638، ومجلة تراثنا: 61/140).

ونورد نصها من الخصال ، مع عبارات من تحف العقول:

ص: 73

فهرس رسالة الحقوق والواجبات

اشارة

(عن أبی حمزة الثمالی قال: هذه رسالة علی بن الحسین(علیه السّلام)إلی بعض أصحابه: إعلم أن لله عز وجل علیک حقوقاً محیطة بک فی کل حرکة تحرکتها أو سکنه سکنتها ، أو حال حلتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت فیها (بعضها أکبر من بعض) ، فأکبر حقوق الله تعالی علیک ما أوجب علیک لنفسه من حقه الذی هو أصل الحقوق ، ثم ما أوجب الله عز وجل علیک لنفسک من قرنک إلی قدمک ، علی اختلاف جوارحک ، فجعل عز وجل للسانک علیک حقاً ، ولسمعک علیک حقاً ، ولبصرک علیک حقاً ، ولیدک علیک حقاً ، ولرجلک علیک حقاً ، ولبطنک علیک حقاً ، ولفرجک علیک حقاً ، فهذه الجوارح السبع التی بها تکون الأفعال .

ثم جعل عز وجل لأفعالک علیک حقوقاً ، فجعل لصلاتک علیک حقاً ، ولصومک علیک حقاً ، ولصدقتک علیک حقاً ، ولهدیک علیک حقاً . ثم تخرج الحقوق منک إلی غیرک من ذوی الحقوق علیک فأوجبها علیک حقوق أئمتک، ثم حقوق رعیتک ، ثم حقوق رحمک فهذه حقوق یتشعب منها حقوق .

فحقوق أئمتک ثلاثة أوجبها علیک: حق سائسک بالسلطان، ثم حق سائسک بالعلم، ثم حق سائسک بالملک . (وکل سائس إمام) وحقوق رعیتک ثلاثة أوجبها علیک: حق رعیتک بالسلطان ، ثم

ص: 74

حق رعیتک بالعلم فان الجاهل رعیة العالم ، ثم حق رعیتک بالملک ، من الأزواج وما ملکت الإیمان . وحقوق رحمک کثیرة متصلة بقدر اتصال الرحم فی القرابة وأوجبها علیک: حق أمک ثم حق أبیک ثم حق ولدک ثم حق أخیک ، ثم الأقرب فالأقرب والأولی فالأولی . ثم حق مولاک المنعم علیک ثم حق مولاک الجاریة نعمته علیک

ثم حق ذوی المعروف لدیک ، ثم حق مؤذنک لصلاتک ، ثم حق إمامک فی صلاتک ثم حق جلیسک ، ثم حق جارک ، ثم حق صاحبک ، ثم حق شریکک ، ثم حق مالک ، ثم حق غریمک الذی تطالبه ، ثم حق غریمک الذی یطالبک ، ثم حق خلیطک ثم حق خصمک المدعی علیک ثم حق خصمک الذی تدعی علیه . ثم حق مستشیرک ، ثم حق المشیر علیک ، ثم حق مستنصحک ثم حق الناصح لک ثم حق من هو أکبر منک ، ثم حق من هو أصغر منک ، ثم حق سائلک ، ثم حق من سألته ، ثم حق من جری لک علی یدیه مساءة بقول أو فعل عن تعمد منه أو غیر تعمد ، ثم حق أهل ملتک علیک ، ثم حق أهل ذمتک ثم الحقوق الجاریة بقدر علل الأحوال ، وتصرف الأسباب . فطوبی لمن أعانه الله علی ما أوجب علیه من

ص: 75

حقوقه ، ووفقه لذلک وسدده .

حق الله علیک أن تطیعه بإخلاص

فأما حق الله الأکبر علیک فأن تعبده لا تشرک به شیئاً ، فإذا فعلت ذلک بإخلاص ، جعل لک علی نفسه أن یکفیک أمر الدنیا والآخرة .

(ویحفظ لک ما تحب منها ).

حقوق نفسک وجوارحک علیک

وحق نفسک علیک أن تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدی إلی لسانک حقه وإلی سمعک حقه ، وإلی بصرک حقه ، وإلی یدک حقها وإلی رجلک حقها ، و إلی بطنک حقه ، وإلی فرجک حقه ، وتستعین بالله علی ذلک .

حق لسانک علیک

وحق اللسان إکرامه عن الخنی وتعویده الخیر ، وترک الفضول التی لا فائدة فیها ، والبر بالناس ، وحسن القول فیهم . (ویعد شاهد العقل ،والدلیل علیه وتزین العاقل بعقله وحسن سیرته فی لسانه )

حق سمعک علیک

وحق السمع تنزیهه عن سماع الغیبة ، وسماع ما لا یحل سماعه ، (فإنه باب الکلام إلی القلب ، یودی إلیه ضروب المعانی علی ما فیها من خیر أو شر) .

ص: 76

حق بصرک علیک

وحق البصر أن تغمضه عما لا یحل لک ، وتعتبر بالنظر به ، (وترک ابتذاله إلا لموضع عبرة ، تستقبل بها بصراً ، أو تستفید بها علماً ، فإن البصر باب الإعتبار) .

حق یدک ورجلک علیک

وحق یدک أن لا تبسطها إلی ما لا یحل لک ، (فتنال بما تبسطها إلیه من الله العقوبة فی الأجل ، ومن الناس بلسان اللائمة فی العاجل ، ولا تقبضها عما افترض الله علیها ولکن توقرها به) .

وحق رجلک أن لا تمشی بها إلی ما لا یحل لک فیها (ولا تجعلها مطیتک فی الطریق المستخفة بأهلها فیها ، فإنها حاملتک وسالکة بک مسلک الدین) بها تقف علی الصراط ، فانظر أن لا تزل بک فتتردی فی النار .

حق بطنک وفرجک علیک

وحق بطنک أن لا تجعله وعاء للحرام ، ولا تزید علی الشبع، (فإن الشبع المنتهی بصاحبه إلی التخمة مکسلة ومثبطة ومقطعة عن کل بر وکرم ، وإن الریَّ المنتهی بصاحبه إلی السکر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة ).

وحق فرجک أن تحصنه عن الزناء ، وتحفظه من أن ینظر إلیه ،

ص: 77

(والإستعانة علیه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان ، وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ ، وکثرة ذکر الموت والتهدد لنفسک بالله ، والتخویف لها به ).

حق الصلاة علیک

وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلی الله عز وجل ، وأنک فیها قائم بین یدی الله عز وجل ، فإذا علمت ذلک قمت مقام الذلیل الحقیر ، الراغب الراهب ، والراجی الخائف ، المستکین المتضرع ، المعظم لمن کان بین یدیه ، بالسکون والوقار (والإطراق وخشوع الأطراف ولین الجناح ، وحسن المناجاة له فی نفسک ، والطلب إلیه فی فکاک رقبتک ، التی أحاطت بها خطیئتک واستهلکتها ذنوبک) وتقبل علیها بقلبک وتقیمها بحدودها وحقوقها .

حق الحج علیک

وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلی ربک ، وفرار إلیه من ذنوبک ، وبه قبول توبتک ، وقضاء الفرض الذی أوجبه الله علیک .

حق الصوم علیک

وحق الصوم أن تعلم أن حجاب ضربه الله علی لسانک وسمعک وبصرک وبطنک وفرجک ، لیسترک به من النار ، فإن ترکت الصوم خرقت ستر الله علیک .

ص: 78

حق الصدقة علیک

وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرک عند ربک عز وجل ، وودیعتک التی لا تحتاج إلی الإشهاد علیها ، وکنت بما تستودعه سراً أوثق منک بما تستودعه علانیة ، وتعلم أنها تدفع البلایا والإسقام عنک فی الدنیا ، وتدفع عنک النار فی الآخرة . (ثم لم تمتن بها علی أحد لأنها لک ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن یکون بها مثل تهجین حالک منها إلی من مننت بها علیه ، لأن فی ذلک دلیلاً علی أنک لم ترد نفسک بها ، ولو أردت نفسک بها لم تمتن بها علی أحد ) .

حق الأضحیة فی الحج علیک

وحق الهدی أن ترید به الله عز وجل ، ولا ترید به خلقه ، ولا ترید به إلا التعرض لرحمة الله ونجاة روحک یوم تلقاه .

حق الحاکم علیک

(فأما حق سائسک بالملک فأن تطیعه ولا تعصیه إلا فیما یسخط الله عز وجل فانه لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق) .

وحق السلطان أن تعلم أنک جعلت له فتنة ، وأنه مبتلی فیک بما جعل الله عز وجل له علیک من السلطان ، وأن علیک أن لا تتعرض لسخطه ، فتلقی بیدیک إلی التهلکة ، وتکون شریکاً له فیما یأتی إلیک من سوء ، (وأن تخلص له فی النصیحة ، وأن لا تماحکه وقد

ص: 79

بسطت یده علیک ، فتکون سبب هلاک نفسک وهلاکه . وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضی ما یکفُّه عنک ، ولا یضر بدینک ، وتستعین علیه فی ذلک بالله ، ولا تعازَّه ولا تعانده ، فإنک إن فعلت ذلک عققته وعققت نفسک ، فعرضتها لمکروهه ، وعرضته للهلکة فیک ، وکنت خلیقاً أن تکون معیناً له علی نفسک ، وشریکاً له فیما أتی إلیک) . (وأما حق سائسک بالملک فنحو من سائسک بالسلطان إلا أن هذا یملک ما لا یملکه ذاک ، تلزمک طاعته فیما دق وجل منک ، إلا أن تخرجک من وجوب حق الله ، فإن حق الله یحول بینک وبین حقه وحقوق الخلق فإذا قضیته رجعت إلی حقه فتشاغلت به).

حق أستاذک وقدوتک

وحق سائسک بالعلم التعظیم له ، والتوقیر لمجلسه ، وحسن الإستماع إلیه ، والإقبال علیه ، (والمعونة له علی نفسک فیما لا غنی بک عنه من العلم ، بأن تفرغ له عقلک ، وتحضره فهمک ، وتزکی له قلبک ، وتجلی له بصرک ،

بترک اللذات ونقض الشهوات) ، وأن لا ترفع علیه صوتک ، ولا تجیب أحداً یسأله عن شئ ، حتی یکون هو الذی یجیب ، ولا تحدِّث فی مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذکر عندک بسوء ، وأن تستر عیوبه وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدواً ولا تعادی له ولیاً ، فإذا فعلت ذلک شهد لک

ص: 80

ملائکة الله بأنک قصدته ، وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس .

حق من تحکمهم علیک

وأما حق رعیتک بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعیتک لضعفهم وقوتک ، فیجب أن تعدل فیهم ، وتکون لهم کالوالد الرحیم ، وتغفر لهم جهلهم ، ولا تعاجلهم بالعقوبة ، وتشکر الله عز وجل علی ما آتاک من القوة علیهم .

حق تلامیذک علیک

وأما حق رعیتک بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلک قیما لهم فیما آتاک من العلم وفتح لک من خزائنه ، فإن أحسنت فی تعلیم الناس ، ولم تخرق بهم ، ولم تضجر علیهم ، زادک الله من فضله . وإن أنت منعت الناس علمک ، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منک ، کان حقاً علی الله عز وجل أن یسلبک العلم وبهاءه ویسقط من القلوب محلک .

حق زوجتک علیک

وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لک سکناً وأنساً فتعلم أن ذلک نعمة من الله علیک ، فتکرمها وترفق بها ، وإن کان حقک علیها أوجب فإن لها علیک أن ترحمها لأنها أسیرک ، وتطعمها وتکسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها .

ص: 81

حق مملوکک علیک

وأما حق مملوکک فأن تعلم أنه خلق ربک وابن أبیک وأمک ولحمک ودمک تملکه ، (لأنک صنعته من دون الله، ولا خلقت شیئاً من جوارحه ، ولا أخرجت له رزقاً ، ولکن الله عز وجل کفاک ذلک ثم سخره لک وائتمنک علیه واستودعک إیاه ، لیحفظ لک ما تأتیه من خیر إلیه . فأحسن إلیه کما أحسن الله إلیک ، وإن کرهته استبدلت به ، ولا تعذب خلق الله عز وجل ).

حق أمک علیک

وأما حق أمک فأن تعلم أنها حملتک حیث لا یحتمل أحد أحداً ، وأعطتک من ثمرة قلبها ما لا یعطی أحد أحداً ، ووقتک بجمیع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمک ، وتعطش وتسقیک ، وتعری وتکسوک ، وتضحی وتظلک ، وتهجر النوم لأجلک ، ووقَتْکَ الحر والبرد ، لتکون

لها ، فإنک لا تطیق شکرها إلا بعون الله وتوفیقه.

حق أبیک علیک

وأما حق أبیک فأن تعلم أنه أصلک ، وأنه لولاه لم تکن ، فمهما رأیت فی نفسک مما یعجبک ، فاعلم أن أباک أصل النعمة علیک

ص: 82

فیه، فاحمد الله واشکره ، علی قدر ذلک .

حق ولدک علیک

وأما حق ولدک فأن تعلم أنه منک ومضاف إلیک فی عاجل الدنیا بخیره و شره ، وأنک مسؤول عما ولیته به من حسن الأدب والدلالة علی ربه عز وجل ، والمعونة له علی طاعته ، فاعمل فی أمره عمل من یعلم أنه مثاب علی الإحسان إلیه ، معاقب علی الإساءة إلیه .

(فاعمل فی أمره عمل المتزین بحسن أثره علیه فی عاجل الدنیا المعذر إلی ربه فیما بینک وبینه بحسن القیام علیه ، والأخذ له منه).

حق أخیک علیک

(وأما حق أخیک فتعلم أنه یدک التی تبسطها ، وظهرک الذی تلتجی إلیه ، وعزک الذی تعتمد علیه ، وقوتک التی تصول بها ، فلا تتخذه سلاحاً علی معصیة الله ، ولا عدة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته علی نفسه ، ومعونته علی عدوه ، والحول بینه وبین شیاطینه وتأدیة النصیحة إلیه ، فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له ، وإلا فلیکن الله آثر عندک وأکرم علیک منه) .

حق المولی علی عبده الذی أعتقه

وأما حق مولاک المنعم علیک ، فأن تعلم أنه أنفق فیک ماله وأخرجک من ذل الرق ووحشته ، إلی عز الحریة وأنسها ، فأطلقک

ص: 83

من أسر الملکة ، وفک عنک قید العبودیة ، وأخرجک من السجن ، وملکک نفسک ، وفرغک لعبادة ربک . وتعلم أنه أولی الخلق بک فی حیاتک وموتک ، وأن نصرته علیک واجبة بنفسک ، وما احتاج إلیه منک .

حق المعتَق علی المولی الذی أعتقه

وأما حق مولاک الذی أنعمت علیه ، فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقک له وسیلة إلیه ، وحجاباً لک من النار ، وأن ثوابک فی العاجل میراثه ، إذا لم یکن له رحم مکافأة بما أنفقت من مالک ، وفی الآجل الجنة .

حق صاحب الفضل علیک

وأما حق ذی المعروف علیک ، فأن تشکره وتذکر معروفه ، وتکسبه المقالة الحسنة ، وتخلص له الدعاء فیما بینک وبین الله عز وجل ، فإذا فعلت ذلک کنت قد شکرته سراً وعلانیة ، ثم إن قدرت علی مکافأته یوماً کافأته .

حق مؤذن المحلة

وأما حق المؤذن ، فأن تعلم أنه مذکر لک ربک عز وجل ، وداع لک إلی حظک ، وعونک علی قضاء فرض الله علیک ، فاشکره علی ذلک شکرک للمحسن إلیک .

ص: 84

حق إمام الجماعة

وحق إمامک فی صلاتک ، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فیما بینک وبین ربک عز وجل ، (والوفادة إلی ربک) وتکلم عنک ولم تتکلم عنه ، ودعا لک ولم تدع له ، وکفاک هول المقام بین یدی الله عز وجل ، (والمسألة له فیک) فإن کان(فی شئ من ذلک)نقص کان به دونک ، وإن کان تماماً کنت شریکه ، ولم یکن له علیک فضل ، فوقی نفسک بنفسه وصلاتک بصلاته ، فتشکر له علی قدر ذلک .

حق من تجالسه

وأما حق جلیسک فأن تلین له جانبک ، وتنصفه فی مجاراة اللفظ ولا تقوم من مجلسک إلا بإذنه ، ومن یجلس إلیک یجوز له القیام عنک بغیر إذنه ، وتنسی زلاته وتحفظ خیراته ، ولا تسمعه إلا خیراً .

حق جارک علیک

وأما حق جارک ، فحفظه غائباً ، وإکرامه شاهداً ، ونصرته إذا کان مظلوماً ، ولا تتبع له عورة ، فإن علمت علیه سوءا سترته علیه ، وإن علمت أنه یقبل نصیحتک نصحته فیما بینک وبینه ، ولا تسلمه عند شدیدة ، وتقیل عثرته ، وتغفر ذنبه ، (لا تتبع له عورة ، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه من غیر إرادة منک ولا تکلف ، کنت لما علمت حصناً حصیناً وستراً ستیراً ، لا تستمع علیه من

ص: 85

حیث لا یعلم ، ولا تسلمه عند شدیدة ، ولا تحسده عند نعمة ، تقیله عثرته ، وتغفر زلته ، ولا تذخر حلمک عنه إذا جهل علیک ، ولا تخرج أن تکون سلماً له ، ترد عنه لسان الشتیمة ، وتبطل فیه کید حامل النصیحة ، وتعاشره معاشرة کریمة).

حق من ترافقه

وأما حق الصاحب ، فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف ، وتکرمه کما یکرمک ، ولا تدعه یسبق إلی مکرمة ، فإن سبق کافأته ، وتوده کما یودک ، وتزجره عما یهم به من معصیة ، وکن علیه رحمة ولا تکن علیه عذاباً .

حق شریکک فی عمل

وأما حق الشریک ، فإن غاب کفیته ، وإن حضر رعیته ، ولا تحکم دون حکمه ، ولا تعمل برأیک دون مناظرته ، وتحفظ علیه ماله ، ولا تخونه فیما عز أو هان من أمره ، فإن ید الله تبارک وتعالی علی أیدی الشریکین ما لم یتخاونا .

حق مالک علیک

وأما حق مالک ، فأن لا تأخذه إلا من حله ، ولا تنفقه إلا فی وجهه ، ولا تؤثر به علی نفسک من لا یحمدک ، فاعمل فیه بطاعة ربک ، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة .

ص: 86

حق غریمک الذی یطالبک

وأما حق غریمک الذی یطالبک ، فإن کنت موسرا أعطیته (ولم ترده وتمطله ، فإن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: مطل الغنی ظلم) ، وإن کنت معسراً أرضیته بحسن القول ، (وطلبت إلیه طلباً جمیلاً) ، ورددته عن نفسک رداً لطیفاً ، (ولم تجمع علیه ذهاب ماله وسوء معاملته ، فإن ذلک لؤم ) .

حق من تعیش معه

وحق الخلیط أن لا تغره ولا تغشه ولا تخدعه ، وتتقی الله تبارک وتعالی فی أمره (ولا تکذبه ، ولا تغفله ، ولا تخدعه ، ولا تعمل فی انتقاضه ، عمل العدو الذی لا یبقی علی صاحبه ، وإن اطمأن إلیک استقصیت له علی نفسک وعلمت أن غبن المسترسل ربا ).

حق خصمک الذی یدعی علیک

وحق الخصم المدعی علیک ، فإن کان ما یدعی علیک حقاً کنت شاهده علی نفسک ولم تظلمه ، وأوفیته حقه ، وإن کان ما یدعی به باطلاً ، رفقت به ولم تأت فی أمره غیر الرفق ، ولم تسخط ربک فی أمره . (فإن کان ما یدعی علیک حقاً لم تنفسخ فی حجته ولم تعمل فی إبطال دعوته ، وکنت خصم نفسک له ، والحاکم علیها ، والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود . وإن کان مایدعیه باطلاً ،

ص: 87

رفقت به وردعته وناشدته بدینه ، وکسرت حدته عنک بذکر الله ، وألقیت حشو الکلام ولفظة السوء الذی لا یرد عنک عادیة عدوک بل تبوء بإثمه ، وبه یشحذ علیک سیف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر ، والخیر مقمعة للشر ) .

حق خصمک الذی تدعی علیه

وحق خصمک الذی تدعی علیه ، إن کنت محقاً فی دعواک أجملت مقاولته ، ولم تجحد حقه ، (فإن کان ما تدعیه حقاً أجملت فی مقاولته بمخرج الدعوی ، فإن للدعوی غلظة فی سمع المدعی علیه ، وقصدت قصد حجتک بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبین البیان ، وألطف اللطف ، ولم تتشاغل عن حجتک بمنازعته بالقیل والقال ، فتذهب عنک حجتک ، ولا یکون لک فی ذلک درَک ) .

وإن کنت مبطلاً فی دعواک اتقیت الله عز وجل ، وتبت إلیه ، وترکت الدعوی .

حق من یستشیرک

(وأما حق المستشیر ، فإن حضرک له وجه رأی جهدت له فی النصیحة ، وأشرت علیه بما تعلم أنک لو کنت مکانه عملت به ، وذلک لیکن منک فی رحمة ولین ، فإن اللین یونس الوحشة ، وإن الغلظ یوحش من موضع الأنس . وإن لم یحضرک له رأی وعرفت

ص: 88

له من تثق برأیه وترضی به لنفسک ، دللته علیه وأرشدته إلیه ، فکنت لم تأله خیراً ، ولم تدخره نصحاً ).

حق من تستشیره

وحق المشیر علیک أن لا تتهمه فیما لا یوافقک من رأیه ، وإن وافقک حمدت الله عز وجل . (فإنما هی الآراء وتصرف الناس فیها واختلافهم ، فکن علیه فی رأیه بالخیار إذا اتهمت رأیه . فأما تهمته فلا تجوز لک إذا کان عندک ممن یستحق المشاورة ، ولا تدع شکره علی ما بدا لک من إشخاص رأیه ، وحسن وجه مشورته ، فإذا وافقک حمدت الله وقبلت ذلک من أخیک ، بالإرصاد بالمکافأة فی مثلها إن فزع إلیک ).

حق من یطلب منک النصحیة

(وأما حق المستنصح ، فإن حقه أن تؤدی إلیه النصیحة علی الحق الذی تری له أن یحمل ، ویخرج المخرج الذی یلین علی مسامعه ، وتکلمه من الکلام بما یطیقه عقله ، فإن لکل عقل طبقة من الکلام ، یعرفه ویجیبه ، ولیکن مذهبک الرحمة ).

حق من نصحک

وحق الناصح أن تلین له جناحک ، وتصغی إلیه بسمعک ( حتی تفهم عنه نصیحته) ، فإن أتی بالصواب حمدت الله عز وجل ،

ص: 89

(وقبلت منه وعرفت له نصیحته) وإن لم یوافق رحمته ولم تتهمه ، (وعلمت أنه لم یألک نصحاً إلا أنه أخطأ) ، ولم تؤاخذه بذلک ، إلا أن یکون مستحقاً للتهمة ، فلا تعبأ بشئ من أمره علی حال .

حق کبیر السن

وحق الکبیر توقیره لسنه ، وإجلاله لتقدمه فی الإسلام قبلک ، وترک مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلی طریق ، ولا تتقدمه ، ولا تستجهله ، وإن جهل علیک احتملته وأکرمته، لحق الإسلام وحرمته .

حق صغیر السن

وحق الصغیر رحمته فی تعلیمه ، والعفو عنه ، والستر علیه ، والرفق به ، والمعونة له . (والستر علی جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة ، والمداراة له وترک مماحکته ، فإن ذلک أدنی لرشده ).

حق من یسألک حاجة أو تسأله حاجة

وحق السائل إعطاؤه علی قدر حاجته ، وحق المسؤول إن أعطی فاقبل منه بالشکر والمعرفة بفضلة ، وإن منع فاقبل عذره .

وأما حق المسؤول ، فإن أعطی فاقبل منه ما أعطی بالشکر له ، والمعرفة لفضله ، واطلب وجه العذر فی منعه وأحسن به الظن ، واعلم أنه إن منع ماله منع ، وأن لیس علیه التثریب فی ماله ، وإن کان ظالماً ، فإن الإنسان لظلوم کفار ) .

ص: 90

حق من أحسن الیک بخدمة

(وأما حق من سرک الله به وعلی یدیه ، فإن کان تعمدها لک حمدت الله أولاً ثم شکرته علی ذلک بقدره ، فی موضع الجزاء ، وکافأته علی فضل الإبتداء ، وأرصدت له المکافأة .

وإن لم یکن تعمدها ، حمدت الله وشکرته ، وعلمت أنه منةٌ توحدک بها.. سبباً من أسباب نعم الله علیک ).

حق من أساء الیک

وحق من ساءک أن تعفو عنه . وإن علمت أن العفو یضر انتصرت قال الله تبارک وتعالی: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِکَ مَا عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ. (فإن لم یکن عمداً لم تظلمه بتعمد الإنتصار منه ، فتکون کافأته فی تعمد علی خطأ، ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر علیه).

حق أهل ملتک ودینک علیک

وحق أهل ملتک إضمار السلامة لهم والرحمة لهم ، والرفق بمسیئهم ، وتألفهم واستصلاحهم ، وشکر محسنهم ، وکف الأذی عنهم ، وتحب لهم ما تحب لنفسک ، وتکره لهم ما تکره لنفسک ، وأن یکون شیوخهم بمنزلة أبیک ، وشبابهم بمنزلة إخوتک ، وعجائزهم بمنزلة أمک ، والصغار بالمنزلة أولادک .

ص: 91

حق أهل الکتاب فی بلدک

وحق الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عز وجل بعهده.(وتفی بما جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتکلمهم إلیه فیما طلبوا من أنفسهم وأجبروا علیه ، وتحکم فیهم بما حکم الله به علی نفسک فیما جری بینک وبینهم من معاملة، ولیکن بینک وبین ظلمهم من رعایة ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله).

حق أقاربک وعشیرتک

(وأما حق أهل بیتک عامة فإضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسیئهم ، وتألفهم واستصلاحهم ، وشکر محسنهم إلی نفسه وإلیک ، فإن إحسانه إلی نفسه إحسانه إلیک إذا کف عنک أذاه ، وکفاک مؤنته، وحبس عنک نفسه ، فعمهم جمیعاً بدعوتک وانصرهم جمیعاً بنصرتک ، وأنزلهم جمیعاً منک منازلهم ، کبیرهم بمنزلة الوالد وصغیرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاک تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاک بما یجب للأخ علی أخیه . فهذه خمسون حقاً محیطة بک ، لاتخرج منها فی حال من الأحوال یجب علیک رعایتها ، والعمل فی تأدیتها ، والإستعانة بالله جل ثناؤه علی ذلک ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . والحمد لله رب العالمین ). انتهی.

(تم الکتاب والحمد لله رب العالمین).

ص: 92

فهرس الموضوعات

نظرة عامة فی حقوق الإنسان

1- الموضوعیة فی بحث حقوق الإنسان......................5

2- نظریة الإسلام فی حقوق الإنسان........................6

الأصول الحقوقیة فی الإسلام...............................8

الإشکال علی الإسلام بالتمییز فی حقوق الإنسان...9

3- التطبیق النبوی للنظریة الإسلامیة.................12

4- السلطة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحقوق الإنسان...................15

5- الفتوحات الإسلامیة وحقوق الإنسان...........18

6- انتهاک الحکام بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لحقوق الإنسان فی البلاد المفتوحة.........20

7- حاضر العالم الإسلامی نسخة عن الماضی ! ..31

8- تطبیق أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لحقوق الإنسان الإسلامیة.....................................32

9- أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم لهم فخرها ولیس علیهم وزرها ! ......................34

10- نظریة الدیانة الیهودیة فی حقوق الإنسان.......36

11- نظریة حقوق الإنسان فی الدیانة المسیحیة............39

12- الحکام المسیحیون ونظریة حقوق الإنسان.........41

13- العالم الغربی یحقق خطوات لمصلحة حقوق الإنسان ! ............................41

نص الإعلان العالمی لحقوق الإنسان...................43

الإشکالات علی حقوق الإنسان عند الغربیین......49

14- تأصیل أهل البیت(علیهم السّلام) لحقوق الإنسان.........51

عهد الإمام أمیر المؤمنین(علیه السّلام)الی مالک الأشتر

هدف الحکم الإسلامی...............53

أصول الفکر والسلوک للحاکم: الشریعة، نصرة الله ، اتهام النفس...................53

یجب علی الحاکم أن یستحضر نظرة الناس الیه..........53

لزوم حب الحاکم لمواطنیه وشعوره بأنه محکوم لمن هو أعلی منه................54

ص: 93

الأصل هو العفو والعقوبة استثناء ، والأصل اللین والعنف استثناء......................54

کیف یحصن الحاکم نفسه من الغرور والظلم؟..............55

القرارات یجب أن ترضی الجمیع وإلا فالعامة دون الخاصة ! ...........................55

موقف الحاکم من تقاریر المخابرات والمتملقین والنمامین.........56

صفات المستشارین للحاکم...................56

صفات الوزراء وتفضیل الوجوه الجدیدة

فی الوزارة......................56

صفات الوزراء المقربین...........57

محاسبة الوزراء.........................57

فوائد إعطاء الحریة للمواطنین وحسن الظن بهم..........57

احترام العادات الإجتماعیة وتحسینها.................58 المشاورون الکبار فی القضایا لإستراتیجیة...................58

58 تکوَّن کل مجتمع فی العالم من فئات وطبقات.........................58

سیاسة الحاکم مع القوات المسلحة......................59 سیاسة الحاکم مع قادة الجیش الحکام............60

سیاسة الوزراء والولاة فی القضایا المشتبهة.......61

سیاسة الحاکم مع القوة القضائیة...............61

سیاسة الحاکم مع ولاة المحافظات وکبار الموظفین....62

جهاز المخابرات الخاص برئیس الدولة...............62 السیاسة المالیة والضرائبیة..................63

دیوان الحاکم أو الجهاز الإداری الخاص به..........64

سیاسة الدولة مع التجار والکسبة.........................65

سیاسة الدولة مع الطبقة الفقیرة........................65

سیاسة الحاکم مع مراجعیه.........................66

برنامج یومی للحاکم..............................67

لقاءات الحاکم المباشرة مع الناس وحذف البطانة......68

سیاسة الحاکم مع أقاربه وحاشیته...........68

سیاسة السلم والحذر مع العدو والإلتزام الکامل بالإتفاقیات...69

تحذیر الحاکم الشدید من سفک الدماء.....................70

ص: 94

الخطوط العامة لسیاسة الحاکم مع المواطنین.............71

التثبت ولإعتدال فی اتخاذ القرارات..............71

کیف یکون الحاکم حاکم نفسه ویسیطر علی غضبه؟.........71

دعاء أمیر المؤمنین(علیه السّلام)للتوفیق فی تحقیق أهدافه فی الحکم............................72

رسالة الحقوق للإمام زین العابدین(علیهم السّلام)

فهرس رسالة الحقوق والواجبات.............................74 حق الله علیک أن تطیعه بإخلاص..............................76

حقوق نفسک وجوارحک علیک.........................76

حق لسانک علیک........................76

حق سمعک علیک.....................76 حق بصرک علیک.................................77

حق یدک ورجلک علیک........................77

حق بطنک وفرجک علیک......................77

حق الصلاة علیک.......................................78

حق الحج علیک............................78

حق الصوم علیک...............................78

حق الصدقة علیک..............79

حق الأضحیة فی الحج علیک.................................79 حق الحاکم علیک.............................................79 حق أستاذک وقدوتک...........80

حق من تحکمهم علیک..........................81

حق تلامیذک علیک................81

حق زوجتک علیک.......................81

حق مملوکک علیک....................82

حق أمک علیک......................................82

حق أبیک علیک...................................................82 حق ولدک علیک................................................83 حق أخیک علیک......................83.

ص: 95

حق المولی علی عبده الذی أعتقه...........83

حق المعتَق علی المولی الذی أعتقه..................84

حق صاحب الفضل علیک.......................84

حق مؤذن المحلة.......................84

حق إمام الجماعة.....................................85

حق من تجالسه......................................................85

حق جارک علیک.................................85

حق من ترافقه...................................................86 حق شریکک فی عمل................................86

حق مالک علیک...............................87

حق غریمک الذی یطالبک.................87

حق من تعیش معه...............87

حق خصمک الذی یدعی علیک..............................87 حق خصمک الذی تدعی علیه....................88

حق من یستشیرک.....................................88

حق من تستشیره................89

حق من یطلب منک النصحیة.....................89

حق من نصحک................................89

حق کبیر السن..................89

حق صغیر السن..........................90

حق من یسألک حاجة أو تسأله حاجة.....................90 حق من أدی الیک خدمةً...............................................91

حق من أساء الیک.......................................91 حق أهل ملتک ودینک علیک.........................92

حق أهل الکتاب فی بلدک...................92

حق أقاربک وعشیرتک.....................92

فهرس الموضوعات.........................93

ص: 96

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.