دررالنحو: تجرید شرح قطر الندی لابن هشام الانصاری

اشارة

سرشناسه:کورانی، علی، 1944 - م.

Kurani,Ali

عنوان قراردادی:قطر الندی و بل الصدی .شرح

عنوان و نام پدیدآور:دررالنحو: تجرید شرح قطر الندی لابن هشام الانصاری/ علی الکورانی العاملی.

مشخصات نشر:قم: دارالانصار، 1431ق.= 1389.

مشخصات ظاهری:176ص.

شابک:40000 ریال: 978-964-8956-80-1

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:واژه نامه.

موضوع:ابن هشام، عبدالله بن یوسف، 708 - 761 ق. . قطر الندی و بل الصدی -- نقد و تفسیر

موضوع:زبان عربی -- نحو

شناسه افزوده:ابن هشام، عبدالله بن یوسف، 708 - 761 ق. . قطر الندی و بل الصدی . شرح

رده بندی کنگره:PJ6151/الف2ق60217 1389

رده بندی دیویی:492/75

شماره کتابشناسی ملی:2106779

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمْ

الحمد لله رب العالمین ، وأفضل الصلاة وأتم السلام

علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین.

وبعد ، فإن علم النحو من العلوم التی أُشْبِعَتْ بَحْثاً وتألیفاً ، وإن کان بقیَ فیه الکثیر ، فکم ترک الأول للآخر ، وَفَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ .

والذی دعانی الی تألیف هذا الکتاب حاجة حوزاتنا العلمیة الی مثله ، فإن أهمَّ کتب النحو التی تُدَرَّسُ فیها هی: شرحُ قَطْرِ الندی ، ومُغْنِی اللبیب ، وکلاهما لابن هشام الأنصاری ، وشرح ألفیة ابن مالک . فإذا أکملها الطالب صار بإمکانه أن یواصل البحث بنفسه ، ویجتهد فی مسائل النحو .

وقد وجد واضعوا المناهج أن کتاب شرح القطر علی أهمیته وفوائده ، ثقیلٌ علی الطالب ، بسبب تعقیده أحیاناً ، وتطویل عبارته ، فاختاروا بدله کتباً لِتَسُدَّ مَسَدَّه ، فلم تَفِ بالغرض ، لأنها دون مستواه ، فی مادتها وخصائص عبارتها .

فکانت الحاجة ماسَّةً الی کتاب یُحبِّبُ الطالب بعلم النحو ، بدلَ أن یَصْدِمه . وقد رأیت أن الحل الأفضل تجرید شرح القطر من التعقید والتطویل ، لأنه

ص: 3

کتاب أثبت جدارته ، وتربَّت علیه أجیال طلبة العلوم الدینیة ، فی عامة الحواضر العلمیة فی العالم الإسلامی .

وقد لمستُ الحاجة الی ذلک هذه الأیام عندما درَّست شرح القطر لحفیدی العزیز السید محمد مُقدم وفقه الله ، فکتبت هذا الکتاب ، وَضَمَّنْتُهُ لُباب شرح القطر ، الذی دَرَسْتُه من صغری وأحببته ، ودَرَّسْتُه مرَّات ، فأعدت صیاغة مسائله ، وأضفت إلیه فوائد عدیدة ، وسمیته: دُرَرُ النَّحْو .

وینبغی أن نذکر ابن هشام الأنصاری جمال الدین بن یوسف بن أحمد ، فهو مصریٌّ من ذریة الأنصار، ولد فی القاهرة سنة 708 هجریة ، وتخصص فی النحو ونبغ فیه ، وألف فیه أکثر من ثلاثین کتاباً ، أشهرها: شرح قطر الندی ، ومغنی اللبیب ، وشذرات الذهب . وقد فضله بعضهم علی سیبویه ، کما تجد فی ترجمته فی مقدمة کتابه المغنی .

أرجو أن یکون هذا الکتاب مفیداً لطلبتنا الأعزاء فی الحوزات الشریفة ، ولطالبی علم العربیة عموماً ، لغة القرآن والسنة ، التی لایصحُّ عملُ باحثٍ إسلامی ولا مجتهدٍ إلا باستیعابها والتخصص فی مسائلها ، لأن کل اجتهاد یتوقف علی استظهار المعنی من النص ، ولا یصح استظهارٌ إلا بفهم اللغة وقواعدها . والله ولی التوفیق والقبول .

کتبه بقم المشرفة: علی الکَوْرَانی العاملی

منتصف شعبان المعظم 1431

ص: 4

الفصل الأول: الکلام وأقسامه

اشارة

الکلمة فی الإصطلاح النحوی هی: القول المفرد ، کرجل ، وکتاب .

ومعنی القول: اللفظ الدال علی معنی ، فهو أعمُّ من اللفظ ، لأنه کل صَوْتٍ یشتمل علی حروف ، وإن لم یکن له معنی .

ومعنی المفرد: اللفظ الذی لایدل جزءُ لفظه علی جزء معناه ، ککتاب ، فهو لفظٌ یدل کله علی کل المعنی . أما المرکب ، فیدل جزء لفظه علی جزء معناه ، کصاحب الکتاب ، فإن کل کلمة منه تدل جزء معناه .

أما فی اللغة ، فالکلمة تشمل الجُمل المفیدة ، تقول: ألقی فلان کلمة . وقال الله تعالی: حَتَّی إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِی أَعْمَلُ صَالِحًا فِی مَا تَرَکْتُ کَلا إِنَّهَا کَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ . فالکلمة التی قالها الکافر عدة کلمات وسمیت کلمة. أما جمع الکلمة فکلامٌ وکَلِم .

وکلام العرب أی اللغة العربیة ، ثلاثة أقسام: إسم ، وفعل ، وحرف . وقد قسمها الی ذلک أمیر المؤمنین (علیه السّلام)عندما وضع علم النحو ، لحفظ لغة

ص: 5

القرآن وضبطها ، فقد کتب (علیه السّلام)صحیفةً ، وعلمها لأبی الأسود الدؤلی (رحمه الله) وأمره بأن یُفَرِّع علیها ، وقال له: أُنْحُ هذا النحو ، فسمی علم النحو .

وروی المؤرخون أن أبا الأسود الدؤلی ، ودؤل بطن من کنانة ، کان یُفَرِّعُ علیها ، ویراجع أمیر المؤمنین (علیه السّلام)حتی استکمل وضع علم النحو .

وقال الزجاج: أخذه عنه عتبة ، ثم ابن أبی إسحق، ثم عیسی، ثم الخلیل، ثم سیبویه ، ثم الأخفش ، ثم المازنی ، ثم المبرد ، ثم ابن السراج ، ثم أبو علی الفارسی، ثم علی بن عیسی، ثم الحسن بن حمدان،ثم أحمد بن یعقوب.

وکان فی الصحیفة: «الکلام ثلاثة أشیاء: إسم وفعل وحرف جاء لمعنی ، فالإسم ما أنبأ عن المسمی ، والفعل ما أنبأ عن حرکة المسمی ، والحرف ما أوجد معنی فی غیره ».

( راجع فی وضع علم النحو وعلامات الإعراب: المناقب:1/325، وسبب وضع علم العربیة للسیوطی/34 ، وتاریخ الخلفاء/141للسیوطی، ومعجم الأدباء للحموی/1097، ووفیات الأعیان:2/535، والنهایة:8/343، وکنز العمال:10/283 ، والمثل السائر لابن الأثیر:1/31، وسیر الذهبی:4/83 ، ومنتقی الذهبی/499، وشرح النهج: 1/20.

والشیعة وفنون الإسلام/156 ، والمفصل فی تاریخ العرب/4776 ، والفصول المختارة/91، والفصول المهمة:1/680 ، والصراط المستقیم:1/220 ، وکشف الیقین/58 ، ومنهاج الکرامة/162، ومجلة تراثنا:13/32 ، و:27/131، وشرح إحقاق الحق:8/11، و32/81).

ص: 6

علامات الإسم وأقسامه

ذکر النحاة للإسم علاماتٍ ، منها: أن یقبل(أل) کرجل، تقول الرجل. ومنها: أن یقبل التنوین ، کزیدٍ وزیدٌ وزیداً ، والتنوین نونٌ ساکنةٌ تلحق آخر الکلمة ، تُلفظ ولا تُکتب . ومنها: أن یقبل الحدیث عنه ، أی یقبل عود الضمیر علیه ، کزید ، تقول: جاء زید ، وذهب زید ، وزید فی الدار . والأخیرة أقوی علامات الإسم وأشملها، لأن الضمیر لایعود علی غیره ، حتی أن الحرف وکذا الفعل لا یصح أن تتحدث عنه حتی تقصد لفظه فتجعله إسماً ، تقول: فی حرف جر ، وضرب فعل ماض ، فتقصد اللفظ .

والإسم منه معرب ومبنی ، فالمعرب: ما یتغیر آخره بحسب العوامل الداخلة علیه ، کزید . والمبنی: الثابتُ علی حالة واحدة ، کهؤلاءِ ، فهی مبنیةٌ علی الکسر ، وأحدَ عشرَ وأخواتها مبنیةٌ علی الفتح ، وقبلُ وبعدُ وأخواتها ، تبنی علی الضم أحیاناً ، وتعرب أحیاناً أخری .

وأصل البناء علی السکون ، کمَنْ وکَمْ ، تقول: جاءنی مَنْ قام ، ورأیت مَنْ قام ، ومررت بمَنْ قام . وتقول: کم مَالُکَ ، وکم عبداً ملکت ، وبکم درهمٍ اشتریت ؟ فکم ساکنة فی الأحوال الثلاثة ، وهی فی المثال الأول فی محل رفع ، مبتدأ عند سیبویه وخبر عند الأخفش . وفی الثانی فی محل نصب علی المفعولیة بالفعل الذی بعدها ، وفی الثالث فی محل جَرٍّ بالباء .

ص: 7

وبعض الأسماء المبنیة مختلف فیها ، وهی: باب حَذَامِ ، وهو الأعلام المؤنثة علی وزن فَعَال ، فأهل الحجاز یبنونه علی الکسر دائماً .

وأکثر بنی تمیم یوافقونهم فیما آخره راء کوَبَار إسمٍ لقبیلة ، وحَضَار إسمٍ لکوکب ، وسَفَار إسمٍ لماء ، فیبنونه علی الکسر دائماً . أما ما لیس آخره راء کحذام وقطام ، فیعربونه إعراب ما لاینصرف ، بالضم رفعاً وبالفتح نصباً وجراً ، فیقولون: جاءتنی حذامُ ، ورأیت حذامَ ومررت بحذامَ بالفتح .

أما القلة من بنی تمیم ، فیعربون باب حذام دائماً إعراب ما لاینصرف .

وأما أمسِ ، إذا أردت به الیوم الذی قبل یومک ، فأهل الحجاز یبنونه علی الکسر فیقولون: مضی أمسِ ، واعتکفتُ أمسِ ، وما رأیته مُذْ أمسِ ، بالکسر فی الأحوال الثلاثة . قال الشاعر:

منع البقاءَ تقلبُ الشمسِ

وطلوعُها من حیث لا تُمسی

طلوعُها حمراءَ صافیةً

وغروبها صفراءَ کالورْس

الیوم أعلمُ ما یجئُ به

ومضی بفصل قضائه أمس

فأمس فی البیت فاعل لمضی ، وهو مکسور .

أما بنو تمیم فمنهم من وافق الحجازیین فی حالة النصب والجر ، ومنهم من أعربه إعراب مالاینصرف ، بالضمة رفعاً والفتحة نصباً وجراً .

وأما أحدَ عشرَ وأخواتها الی تسعةَ عشرَ ، فتبنی علی الفتح دائماً ، إلا اثنا عشرَ، فإن اثنیْ تعرب إعراب المثنی بالألف رفعاً وبالیاء نَصْباً وجراً . وعشرَ تبنی علی الفتح دائماً . تقول جاءنی أحدَ عشرَ رجلاً ، ورأیت أحدَ

ص: 8

عشرَ رجلاً، ومررت بأحدَ عشرَ رجلاً . وکذا أخواتها. وتقول: جاءنی اثنا عشر رجلاً ، ورأیت اثنی عشرَ رجلاً ، ومررت باثنی عشر رجلاً .

قبلُ وبعدُ وأخواتهما

وأما قبلُ وبعدُ ، وأخواتهما أسماء الجهات الست: فوق . تحت . یمین . شمال . أمام . وراء . وکذا أول ودون ، فهی فی أکثر حالاتها معربة ، وأحیاناً تبنی علی الضم .

وأکثر ما وردت فی القرآن مضافة مکسورة ، وأکثر إضافتها الی المصدر کقوله تعالی:إِلامَا حَرَّمَ إِسْرَائِیلُ عَلَی نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ .أی قبل تنزیلها. قَالُوا أُوذِینَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِیَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا.. أی قبل مجیئک وبعده . الخ.

وأضیفت الی الضمائر کقوله تعالی: وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا اُنْزِلَ إِلَیْکَ وَمَا اُنزِلَ مِنْ قَبْلِکَ. الَّذِی خَلَقَکُمْ وَالَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ . أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْکِتَابُ عَلَی طَائِفَتَیْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ کُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِینَ . وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . کَذَلِکَ أَرْسَلْنَاکَ فِی أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ . وَکَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَیْنَاهُمْ . هَذَا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَذِکْرُ مَنْ قَبْلِی .

وأضیفت الی غیر المصدر والضمائر لکن مع مِنْ ، کقوله تعالی: ائْتُونِی بِکِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا . مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِینَ تَضَعُونَ ثِیَابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ . وَلا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِی مَا تَرَاضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ .

ص: 9

کما استعملت فی القرآن منصوبة علی الظرفیة کقوله تعالی: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ إِلا لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالُوا یَا صَالِحُ قَدْ کُنْتَ فِینَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا. وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . قَالَ لا یَأْتِیکُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُکُمَا بِتَأْوِیلِهِ قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَکُمَا. وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ .

کما استعملت مبنیة علی الضم کقوله تعالی: للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ . وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالآنْجِیلَ مِنْ قَبْلُ هُدًی لِلنَّاسِ . قَالُوا هَذَا الَّذِی رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ . کَمَا أَتَمَّهَا عَلَی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ . إِلا کَمَا أَمِنْتُکُمْ عَلَی أَخِیهِ مِنْ قَبْلُ. وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِی یُوسُفَ . وَکَانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا. فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِیَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ . فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْکِحَ زَوْجًا غَیْرَهُ . وَالَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا. لا یَحِلُّ لَکَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ .

والصحیح أن بناءها علی الضم عندما لا یکون للمتکلم غرضٌ فی تحدید الزمن المضافة الیه ، بل یقصد إجماله.

ولم تستعمل قبلُ وبعدُ وأخواتهما منونةً أبداً فی القرآن ، ولا فی أحادیث النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة (علیهم السّلام) ، وهم أفصح العرب ، ولا فی نصوص مشاهیر العرب . وقد استعملها بعضهم بالتنوین فقالوا: قبلاً وبعداً .

وحاول النحاة أن یستخرجوا القاعدة لبنائها علی الضم فقالوا: إن ذلک فی حال عدم إضافتها. « قال ابن سیده: وهو مبنیٌّ علی الضم إلا أن یضاف أو ینکر. وحکی سیبویه: أفعله قبلاً وبعداً ». (لسان العرب:11/536).

ص: 10

ثم وجد ابن هشام أنها تستعمل غیر مضافة لکنها منصوبة علی الظرفیة کما تقدم ، لذا زاد شرطاً هو حذف المضاف ونیة معناه ، فقال: «الحالة الرابعة: أن یُحذف المضاف إلیه ویُنوی معناه دون لفظه ، فیبنیان حینئذ علی الضم ، کقراءة السبعة: للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ».

لکنَّ قبلُ وبعدُ تتضمنان بذاتهما الإضافة الی زمن ، فلا یصح فیهما نیة المضاف دون معناه ، إلا بمعنی عدم تحدید الزمن المضاف الیه ، کما ذکرنا .

ترکیب کلام العرب

الکلام هو الجملة المفیدة ، أی التی یصح الإکتفاء بها ، نحو: قام زید . ولا یشترط أن یکون منطوقاً ، فالمکتوب کلامٌ أیضاً .

وقد یتألف من إسمین کزیدٌ قائم ، أو فعل وإسم کقام زید، أو من جملتین أو من فعل واسمین ، أو من فعل وثلاثة أسماء ، أو من فعل وأربعة أسماء .

أما ائتلافه من إسمین ، فله أربع صور:

إحداها: أن یکونا مبتدأ وخبراً نحو: زید قائم .

والثانیة: أن یکونا مبتدأ وفاعلاً سد مسد الخبر ، نحو: أقائمٌ الزیدان .

وإنما جاز ذلک لأنه فی قوة قولک: أیقوم الزیدان ، وذلک کلام تامٌّ لا حاجة له إلی شئ ، فکذلک هذا .

ص: 11

والثالثة: أن یکون مبتدأً ونائباً عن فاعل سد مسد الخبر ، نحو: أمضروبٌ الزیدان .

والرابعة: أن یکونا إسم فعل وفاعله ، نحو: هیهاتَ العقیقُ ، فهیهات إسم فعل ، وهو بمعنی بعد ، والعقیق فاعله .

وأما ائتلافه من فعل واسم ، فله صورتان:

إحداهما: أن یکون الإسم فاعلاً ، نحو: قام زید .

والثانیة: أن یکون الإسم نائباً عن الفاعل ، نحو: ضُرِبَ زیدٌ .

وأما ائتلافه من الجملتین ، فله صورتان أیضاً:

إحداهما: جملة الشرط والجزاء ، نحو: إن قام زیدٌ قمتُ .

والثانیة: جملتا القسم وجوابه ، نحو: أحلفُ بالله لَزَیْدٌ قائمٌ .

وأما ائتلافه من فعل واسمین ، فنحو: کان زیدٌ قائماً .

وأما ائتلافه من فعل وثلاثة أسماء ، فنحو: علمتُ زیداً فاضلاً .

وأما ائتلافه من فعل وأربعة أسماء ، فنحو: أعْلَمْتُ زیداً عَمْراً فاضلاً .

فهذه صور التألیف ، وأقل ائتلافه من إسمین أو من فعل وإسم .

ص: 12

الفصل الثانی: أقسام الفعل وعلاماته

اشارة

عرَّف أمیر المؤمنین (علیه السّلام)الفعل کما فی صحیفته بأنه: ما أنبأ عن حرکة المسمی ، وهو ما یقصده النحاة بقولهم: الفعل ما دلَّ علی الحَدَث .

وهو ثلاثة أقسام: ماضٍ ، ومضارعٌ ، وأمْر . أما إسم الفعل فهو لفظ یدل علی الحدث والإسم معاً .

الفعل الماضی

علامة الفعل الماضی: أن یقبل تاء التأنیث الساکنة کقام وقعد ، تقول: قامت وقعدت . وحُکمه فی الأصل البناء علی الفتح کما رأیت . ویُبنی علی الضم إذا اتصل بواو الجماعة کقولک: قاموا وقعدوا . ویبنی علی السکون إذا اتصل بضمیر الرفع المتحرک ، کقولک: قمتُ وقعدتُ ، وقُمْنَا وقعدنا ، والنسوة قُمْنَ وقَعَدْنَ .

واختلفوا فی نِعْمَ وبئسَ وعسی ولیس. والصحیح أنها أفعال ، لاتصال تاء التأنیث الساکنة بها . وذهب الفراء الی أن نعم وبئس إسمان لأنهما یقبلان حرف

ص: 13

الجر، فقد قال بعضهم عندما رزق بنتاً: والله ما هی بنعمَ الولد ، وقال آخر: نعم السیر علی بئس الحمار .

والصحیح أن حرف الجر دخل هنا علی إسم محذوف ، والتقدیر: ما هی بولد یقال فیه نعم الولد، ونعم السیر علی حمار یقال فیه بئس الحمار. کما قال الشاعر:

والله ما لیلی بنامَ صاحبُهْ

ولا مُخَالِطٌ الَّلیَّان جانِبُهْ

أی بلیلٍ مقولٍ فیه: نام صاحبه .

فعل الأمر

وعلامته أمران معاً: أن یدل علی الطلب ویقبل یاء المخاطبة ، نحو: قم واقعد ، فهو یدل علی طلب القیام ویقبل یاء المخاطبة ، تقول: قومی واقعدی . قال الله تعالی: فَکُلِی وَاشْرَبِی وَقَرِّی عَیْنًا .

فلو دلت الکلمة علی الطلب ولم تقبل یاء المخاطبة ، نحو صَهْ بمعنی أسکت ، ومَهْ بمعنی أکفف ، أو قبلت یاء المخاطبة ولم تدل علی الطلب ، نحو أنت یا هند تقومین ، لم تکن فعل أمر.

وحکم فعل الأمر البناء علی السکون ، نحو: إضربْ واذهبْ . ویُبنی علی حذف آخره إذا کان معتلاً ، نحو أُغْزُ . إخْشَ . إِرْمِ . ویبنی علی حذف النون إذا کان مسنداً للألف الذی هو ضمیر اثنین ، نحو: قُومَا ، أو واو الجماعة ، نحو: قوموا ، أو یاء المخاطبة ، نحو: قومی .

ص: 14

واختلفوا فی ثلاث کلمات: هلمَّ وهاتِ وتعالَ ، هل هی فعل أمر ، أم إسم فعل، فقال ابن هشام إن هاتِ وتعالَ فعلا أمر لدلالتهما علی الطلب وقبولهما یاء المخاطبة، تقول: هاتِی وتَعَالَیْ، وهاتِیَا وتَعَالَیَا، وهاتِینَ وتعالَیْن. قال تعالی: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ. تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ . فَتَعَالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَّ.

أما هلمَّ فقال ابن هشام إنها إسم فعل لأنها وإن دلت علی الطلب ، لا تقبل یاء المخاطبة ، بل تلزم طریقة واحدة ، قال تعالی: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَکُمُ . وَالْقَائِلِینَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنَا . وتقول: هلمَّ یا زید ، وهلمَّ یا زیدان ، وهلمَّ یا زیدون ، وهلمَّ یا هند ، وهلمَّ یا هندان ، وهلمَّ یا هندات .

أما بنو تمیم فهی عندهم فعل أمر ، لأنهم یلحقون بها یاء المخاطبة والضمائر البارزة ، فیقولون: هَلُمَّا ، وهلموا ، وهلمی .

الفعل المضارع

معنی المُضَارع: المُشَابه ، وسمی به لأنه شابه الإسم فی إعرابه .

وعلامته قبول (لَمْ) کقوله تعالی: لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ . وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ .

ولا بد أن یکون فی أوله أحد حروف (نأتی) نحو: نقوم وأقوم وتقوم ویقوم . وسموها أحرف المضارعة ، وقالوا هی التی جعلته یشبه الإسم .

وحکم المضارع: أن یُضم أوله إذا کان ماضیه رباعیاً ، نحو دحرج یُدحرج ، وأکرم یُکرم ، وأصل أکرم: کَرُمَ ، وزیدت فیه الهمزة . لکنه مع

ص: 15

ذلک یعتبر رباعیاً. أما إذا کان ماضیه أقل من أربعة أحرف أو أکثر ، فیفتح أوله نحو: ذهب یَذهب ، وانطلق یَنطلق ، واستخرج یَستخرج .

وحکمه فی الأصل أن یُرفع فیقال: فعلٌ مضارعٌ مرفوع ، ولایقال مبنی علی الضم، لأنه معرب . ویُبنی علی السکون إذا اتصل بنون النسوة ، کقوله تعالی: وَالْوَالِدَاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ. وَالْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ .

ومنه قوله تعالی: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ یَعْفُونَ ، لأن واوه أصلیة وهی واو عفا یعفو ، ونونه للنسوة ، فبنی علی السکون لاتصاله بها وهی الفاعل، ووزنه: یَفْعُلْن . ولیس هذا کیَعْفُونَ للرجال ، لأن واوه ضمیر الجماعة ، أما واو الفعل فحذفت ، ونونه علامة الرفع ، ووزنه: یَفْعُون ، وهذا یقال فیه: إلا أن یعفوا بحذف نونه ، کما تقول: إلا أن یقوموا.

ویبنی المضارع علی الفتح إذا اتصلت به نون التوکید مباشرة بلا فصل ، کقوله تعالی: کَلا لَیُنْبَذَنَّ فِی الْحُطَمَةِ . أما إذا فصل بینهما حرف ولو کان ضمیراً ، فیکون المضارع معرباً ، کقوله تعالی: فَاسْتَقِیمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِیلَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ . لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ . فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً .

بل یعرب ولا یُبْنَی لو فصل بینهما حرف محذوف ، کقوله تعالی: فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْهَا . وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ . وأصله تسمعون ، فدخلت علیه نون التوکید فصار تسمعونَنْنَ ، فالتقی ساکنان هما الواو والنون الأولی من نون التوکید المشددة ، فحذفت الواو لدلالة الضمة علیها فصار تسمعُنَّ . فهو معرب ولیس مبنیاً ، وإن لحقته نون التوکید .

ص: 16

الفصل الثالث: الحرف وعلامته

اشارة

والحرف کما فی تعریف أمیر المؤمنین

(علیه السّلام): ما دلَّ علی معنیً فی غیره ، أو ما أوْجَدَ معنیٍ فی غیره . وقال النحاة إن علامته أن لا یقبل شیئاً من علامات الإسم ولا الفعل ، فکل ما لیس إسماً ولا فعلاً فهو حرف ، لأن اللغة العربیة ثلاثة أقسام فقط ، کما حصرها أمیر المؤمنین (علیه السّلام).

کلمات اختلفوا فی حرفیتها

وهی أربعة: إذْمَا ، ومَهْمَا ، ومَا المصدریة ، ولمَّا الرابطة .

فأما إذْمَا ، فقال سیبویه إنها حرف مثل إن الشرطیة ، ومعنی: إذْمَا تَقُمْ أقُمْ: إن تقم أقم . وقال المبرد إنها إسم ، لأن أصلها إذْ وهی ظرف زمان ، ثم زِیدَتْ فیها ما ولم تتغیر . وهذا القول أقوی ، وقد اختاره ابن هشام .

وأما مَهْمَا ، فقال أکثر النحاة إنها إسم ، لأن الضمیر یعود علیها ، کقوله تعالی: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آیَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ . فهاء به ضمیر یعود علی مهما، والضمیر لایعود إلا علی الأسماء. قال زهیر بن أبی سلمی:

ص: 17

ومهما تکنْ عندَ أمرئٍ مِنْ خَلیقةٍ

وإن خَالَها تَخفی علی الناس تُعْلَمِ

فمهما: مبتدأ ، وإسم تکن مستتر یعود علی مهما . ومن خلیقة: تفسیر لمهما کما أن من آیة فی الآیة المتقدمة: تفسیر لمهما ، وجملة کان: خبر للمبتدأ .

وزعم السهیلی وابن یَسْعُون أنها حرف ، وأعربا خلیقة إسماً لتکن ، وجعلا مِن زائدة ، فخلا الفعل من ضمیر یعود علی مهما ، فصارت لا محل لها من الإعراب ، إذ لا یصح أن تکون مبتدأ لعدم وجود ضمیر یربطها بجملة الخبر . لکن الصحیح ما ذکرناه من أنها مبتدأ ، واختاره ابن هشام .

وأما ما المصدریة ، فهی التی تؤول مع ما بعدها بمصدر ، کقوله تعالی: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِکُمْ لا یَأْلُونَکُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ . وقول الشاعر:

یسرُّ المرءَ ما ذهبَ اللیالی

وکان ذهابُهُنَّ لهُ ذهابا

أی یسر المرء ذهاب اللیالی .

وینبغی التنبه الی أن (ما) تستعمل فی العربیة نافیة ، وموصولة بمعنی الذی ، وأداة تعجب ، وأداة استفهام ..الخ. (راجع مغنی اللبیب:1/296).

وذهب سیبویه إلی أن ما المصدریة حرفٌ کأن المصدریة . وذهب الأخفش وابن السراج إلی أنها إسم بمعنی الذی والمعنی:ودُّوا العنت الذی عنتموه. وأیَّدَ ابن هشام قول سیبویه بأنها حرف ، لأن الضمیر لایرجع الیها ، فلم یسمع: أعجبنی ما قمتَهُ وما قعدتَهُ .

ص: 18

لکن کلامه یناقض ما قرروه فی علامات الإسم من أن الکلمة التی تقبل واحدة منها تکون إسماً ، وأکثرهم لم یَعُدَّ منها عَوْد الضمیر ، ولا عَدُّوا عدمه دلیلاً علی نفی إسمیتها . وما المصدریة تقبل حرف الجر کقوله تعالی: وَأَحْسِنْ کَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَیْکَ . وتأتی ظرفاً ، أی إسم زمان ، کقوله تعالی: وَإِنِّی کُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ . وتأتی مفعولاً أو صفة لمفعول مطلق محذوف ، کقوله تعالی: قَلِیلاً مَا تَشْکُرُونَ . کما أنها تحتاج الی صلة کبقیة الأسماء الموصولة .

فما الذی ینقصها لتکون إسماً ؟ ولعل الصحیح أن نقول: إن بعض الکلمات فی اللغة العربیة تستعمل إسماً وحرفاً ، ومنها ما المصدریة ، ولا یتسع المجال للتفصیل .

وأما لمَّا ، فتستعمل نافیة کقوله تعالی:کَلا لَمَّا یَقْضِ مَا أَمَرَهُ . أی لم یقض ما أمره. وتستعمل إیجابیة بمعنی إلا کقوله: فأسألک بحق محمد وآله (علیه السّلام) لَمَّا قضیتها لی أی إلا قضیتها .

وتستعمل رابطة لوجود شئ بغیره ، کقولک: لمَّا جاءنی أکرمته . فإنها ربطت الإکرام بالمجئ . واختلفوا فی أنها إسم أو حرف ، فقال سیبویه إنها حرف ربط وجودٍ بوجود . وقال جماعة إنها إسم لأنها ظرف بمعنی حین .

وأید ابن هشام قول سیبویه مستدلاً بقوله تعالی: فَلَمَّا قَضَیْنَا عَلَیْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَی مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ . وقال إنها لیست ظرفاً ، لأنها لو کانت ظرفاً لاحتاجت الی عامل ینصبها ، ولا یصح أن یکون العامل (فقضینا)لأن لمَّا مضافة الی جملته والمضاف الیه لایعمل فی المضاف . کما لایصح أن یکون عاملها (دَلَّهم)لأن قبله

ص: 19

ما النافیة ولایعمل ما بعدها فیما قبلها. وعلیه تکون لمَّا بلا عامل، فلا یکون لها محل من الإعراب ، فتکون حرفاً.

لکن استدلاله لایصح ، لأن العامل فیها دَلَّهم، والمعنی: دلتهم دابة الأرض علی موته وقتما قضینا علیه الموت ، فتکون إسماً ، لأنها ظرفٌ منصوبٌ بدَلَّهم.

ص: 20

الفصل الرابع: الإعراب والبناء

اشارة

تمیزت اللغة العربیة بالإعراب ، وهو حرکةٌ فی آخر الکلمة ، کقولک: جاء زیدٌ ورأیت زیداٌ ومررت بزیدٍ . أو حرکةٌ مقدرة کقولک: جاء الفتی ، ورأیت الفتی ، ومررت بالفتی ، فإنک تقدر الضمة فی الأول ، والفتحة فی الثانی ، والکسرة فی الثالث ، لتعذر ظهور الحرکة علی الألف المقصورة .

والإعراب أربعة أنواع: الرفع ، والنصب ، والجرُّ ، والجَزْم .

والرفع والنصب یشترک فیهما الأسماء والأفعال ، تقول: زیدٌ یقومُ ، وإنَّ زیداً لن یقومَ . والجر تختص به الأسماء ، تقول: مررت بزیدٍ . والجزم تختص به الأفعال ، تقول: لمْ یقمْ

وللإعراب فی الأسماء والأفعال علاماتٌ بالحرکات ، فالضمةُ للرفع ، والفتحةُ للنصب ، والکسرةُ للجر ، وحَذْفُ الحرکة للجزم . وعلاماتٌ بغیر الحرکات ، بحروفٍ أو بحرکةٍ مکان حرکة ، وفیما یلی أبوابها:

ص: 21

1- الأسماء الستة

الأسماءُ الستةُ المعتلةُ المضافة ، هی: أبوه ، وأخوه ، وحموها ، وهنوه ، وفوه ، وذو مال . تُرفعُ بالواو بدلَ الضمة ، وتُنصب بالألف بدلَ الفتحة ، وتُجرُّ بالیاء بدلَ الکسرة . تقول: جاءنی أبوه ، ورأیت أباه ، ومررت بأبیه . وکذا الباقی . والْحَمُ: أقارب زوج المرأة .

وشرط إعرابها بالحروف ثلاثة أمور :

الأول: أن تکون مفردة ، فلو کانت مثناةً أعربت إعراب المثنی ، بالألف رفعاً وبالیاء جراً ونصباً ، تقول:جاءنی أبوان ، ورأیت أبویْن ، ومررت بأبوین . وإن جُمعت جمعَ تکسیر أعربت بالحرکات کقولک: جاءنی آباؤک ، ورأیت آباءک ، ومررت بآبائک . وإن جُمعت جمع تصحیح ، أعربت بالواو رفعاً وبالیاء جراً ونصباً ، تقول: جاءنی أبُونَ، ورأیت أبینَ، ومررت بأبین. ولم یجمع منها هذا الجمع إلا الأب والأخ والحم .

الثانی: أن تکون مکبَّرة ، فلو صُغِّرت أعربت بالحرکات ، نحو: جاءنی أُبَیُّکَ ، ورأیت أُبَیَّکَ ، ومررت بأُبَیِّکَ .

الثالث: أن تکون مضافة لغیر یاء المتکلم ، فلو کانت مفردة أعربت بالحرکات ، نحو: هذا أبٌ ، ورأیت أباً ، ومررت بأبٍ .

ص: 22

وإن أضیفت الی یاء المتکلم أعربت بالحرکات المقدرة ، تقول: هذا أبی ، ورأیت أبی ، ومررت بأبی .

والهَنُ: کنایة عن الشئ المستقبح ، وقد أسقطه بعض النحاة من الأسماء الستة کالفراء والزجاجی فعدُّوها خمسة .

وقال ابن هشام إن الأفصح إعرابه بالحرکات لأنه إسم منقوصٌ کغد ، لأن أصله هَنَوٌ ، تقول: هذا هَنٌ ، ورأیت هَناً ، ومررت بَهنٍ ، کما تقول یعجبنی غدٌ ، وأصوم غداً ، واعتکفت فی غدٍ .

وکلام ابن هشام صحیح ، فقد قال سید الفصحاء أمیر المؤمنین (علیه السّلام)فی خطبته الشقشقیة یصف نقاشهم فی الخلافة: « فَصَغَی رجلٌ منهم لِضِغْنِه ، ومال الآخر لصهره ، مع هَنٍ وهَنٍ ». (نهج البلاغة:1/35).

2-المثنی وما ألحق به

یُرفع المثنی بالألف بدل الضمة ، ویُجر وینصب بالیاء بدل الکسرة والفتحة ، تقول: جاءنی الزیدان ، ورأیت الزیدین ، ومررت بالزیدین .

ومنه اثنان واثنتان دائماً ، تقول: جاءنی اثنان واثنتان ، ورأیت اثنین واثنتین ، ومررت باثنین واثنتین . وکذا إذا أضیفا الی الضمیر ، نحو: إثناهم . أو للظاهر نحو: إثنا أخویک . أو کانا مرکبین مع العشرة ، نحو: جاءنی إثنا عشر ، ورأیت اثنی عشر ، ومررت باثنی عشر .

ص: 23

ومن المثنی کلا وکلتا ، بشرط أن یکونا مضافین إلی الضمیر ، تقول: جاءنی کلاهما ، ورأیت کلیهما ، ومررت بکلیهما . فإن أضیفا الی الظاهر أعربا بالحرکات المقدرة علی الألف ، لأنهما مقصوران کالفتی ، تقول: جاءنی کلا أخویک ، ورأیت کلا أخویک ، ومررت بکلا أخویک .

3- جمع المذکر السالم

یُرفع جمع المذکر السالم بالواو ، ویجر وینصب بالیاء ، تقول: جاءنی الزیدون ، ورأیت الزیدین ، ومررت بالزیدین .

ومنه أولوا: قال الله تعالی: وَلا یَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْکُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبَی وَالْمَسَاکِینَ . فأولوا فاعل ، وعلامة رفعه الواو. وأولی مفعول وعلامة نصبه الیاء. قال تعالی: إِنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکْرَی لأُولِی الأَلْبَابِ . فعلامة جره الیاء

ومنه عشرون وأخواته إلی التسعین: تقول: جاءنی عشرون ، ورأیت عشرین ومررت بعشرین . وکذا الباقی .

ومنه أهْلون: قال الله تعالی: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا . مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِیکُمْ . إِلَی أَهْلِیهِمْ أَبَدًا . فالأول فاعل ، والثانی مفعول ، والثالث مجرور .

ومنه وابِلون: وهو جمع وابل ، وهو المطر الغزیر .

ومنه أرَضُون: بتحریک الراء ، ویجوز إسکانها فی ضرورة الشعر .

ص: 24

ومنه سِنون وبابه: وهو کل إسم ثلاثی حذفت لامه وعُوِّض عنها هاء التأنیث ، وجُمع جمعاً سالماً . فسنة أصلها سَنَوٌ أو سَنَهٌ ، لأنهم یجمعونها بالألف والتاء علی سَنَوَات وسَنَهَات ، فحذفوا آخرها وجمعوها جمع مذکر سالم ، فأعربت مثله بالواو والنون رفعاً ، وبالیاء والنون جراً ونصباً .

وکذا نظائرها وهی: عِضَة وعِضُون، وعِزَة وعِزُون، وثُبَة وثُبُون، وقُلَة وقُلُون. قال الله تعالی:أَلَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ. عَنِ الْیَمِینِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِینَ.

ومنه بَنُون وعِلِّیُون وما أشبهه: من الجموع التی جعلت إسماً ، فعِلِّیُون جمع عِلِّیٍّ ، وسمی به أعلی الجنة فأعرب إعراب جمع المذکر السالم ، قال الله تعالی: إِنَّ کِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ . وَمَا أَدْرَاکَ مَا عِلِّیُّونَ . فلو سمیتَ رجلاً زیدون ، أعربته هذا الإعراب .

4- المجموع بألف وتاء مزیدتین

یُرفع ما جمع بألف وتاء مزیدتین بالضمة علی الأصل ، ویُجَر بالکسرة . کما أنه ینصب بالکسرة أیضاً بدل الفتحة، تقول: رأیت الهنداتِ والزینباتِ قال الله تعالی: خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ . أَصْطَفَی الْبَنَاتِ عَلَی الْبَنِینَ .

ویشمل هذا الحکم کل ما جمع بألف وتاء ، سواء کان مؤنثاً بالمعنی کهنداتٍ ، أو بالتاء کطلحاتٍ ، أو بهما کفاطماتٍ ، أو بالألف المقصورة کحُبْلَیَاتٍ ، أو بالألف الممدودة کصَحْرَاوَاتٍ ، أو کان مفرده مذکراً

ص: 25

کإصطبلاتٍ وحَمَّامات ، أوسلمت بُنْیَةُ واحدهِ کضَخْمَة وضَخْمَات ، أو تغیرت کسَجْدَة وسَجَدَات .

ولا یشمل ما کانت ألفه وتاؤه أصلیتین ، کبیتٍ وأبیاتٍ ، ومَیْتٍ وأمواتٍ فهذا یُنصب بالفتحة علی الأصل ، تقول: سکنت أبیاتاً ، وحضرت أمواتاً قال الله تعالی: کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللهِ وَکُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْیَاکُمْ .

وکذلک قُضاة وغُزاة ،لأن ألفهما أصلیة منقلبة عن یاء وواو ، وأصلهما قُضَیَة وغَزَوَة ، فینصبان بالفتحة علی الأصل تقول: رأیت قُضَاةً وغُزَاةً .

5- إعراب مالا ینصرف

اشارة

أما ما لا ینصرف فیُجر بالفتحة ، تقول: بأفضلَ منه ، إلا إذا دخلت علیه أل أو أضیف ، فیُصْرَفُ ویجر بالکسرة علی الأصل، قال الله تعالی: وَأَنْتُمْ عَاکِفُونَ فِی الْمَسَاجِدِ . لَقَدْ خَلَقْنَا الآنْسَانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ .

والممنوع من الصرف هو: ما کان فیه علتان فرعیتان من علل تسع کفاطمة ، ففیه التعریف والتأنیث ، وهما علتان فرعیتان عن التنکیر والتذکیر . وأحمد وأفضل ، وفیهما علتان: الصفة ، ووزن أفعل .

أو کان فیه علة واحدة تقوم مقام علتین ، کمساجدَ ، ومصابیحَ ، وأکالبَ وأصائلَ ، وکل ما کان علی وزن مفاعل ومفاعیل، لأنه منتهی الجموع ، فکأنه جمع مرتین فقام ذلک مقام علتین .

ص: 26

وکذلک صحراء وحبلی ، فإن تأنیثهما اللازم قام مقام علتین . تقول مررت بفاطمةَ ومساجدَ ومصابیحَ وصحراءَ ، فتفتحها کما تقول:رأیت فاطمةَ ومساجدَ ومصابیحَ وصحراءَ. قال الله

تعالی:وَأَوْحَیْنَا إِلَی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ . وقال تعالی: یَعْمَلُونَ لَهُ مَا یَشَاءُ مِنْ مَحَارِیبَ وَتَمَاثِیلَ .

وقال ابن هشام: (فیجر بالفتحة نحو بأفضلَ منه ، إلا مع أل ، نحو: بالأفضلِ ، أو الإضافة نحو: بأفضلِکم).

ثم قال: ( وتمثیلی فی الأصل بقولی: بأفضلکم أولی من تمثیل بعضهم بقوله: مررت بعثمانِنَا ، فإن الأعلام لاتضاف حتی تُنَکَّر ، فإذا صار نحو عثمان نکرة ، زال منه أحد السبین المانعین له من الصرف ، وهو العلمیة ، فدخل فی باب ما ینصرف ، ولیس الکلام فیه ) .

وقوله: الأعلام لاتضاف حتی تنکر ، خطأ فاحش ، فقد تصور أن الإضافة تعریفٌ ، والتعریف مختص بالنکرات.

والصحیح أن التعریف أمرٌ نسبی تحتاجه النکرة والمعرفة ، فهو فی المثال یزید عثمان تعریفاً ، بأنه عثماننا لاعثمانهم .

ولو سلمنا أن عثمان صار نکرة بالإضافة ، فهو عَلَمٌ قبلها ، وفیه ألف ونون فیستحق المنع من الصرف ، ثم بتنکیره وإضافته یستحق الصرف .

هذا ، وسیأتی أن السبب الحقیقی للمنع من الصرف لیس العلل التسع التی ذکروها ، بل السماع من العرب .

ص: 27

الأفعال الخمسة والمضارع المعتل الآخر

وتسمی الأمثلة الخمسة ، وهی: تَفعلان ویَفعلان وتَفعلون ویَفعلون وتَفعلین . أی الأفعال المضارعة التی تتصل بها ألف الإثنین ، أو واو الجمع للغائب والحاضر ، أو یاء المخاطبة .

وحکمها أنها ترفع بثبوت النون بدل الضمة ، وتجزم وتنصب بحذف النون بدل السکون والفتحة . تقول: أنتم تقومون ولم تقوموا ولن تقوموا. فالأول مرفوع لخِلُوِّه من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه النون . والثانی مجزوم بلم . والثالث منصوب بلن ، وعلامة الجزم والنصب حذف النون. قال الله تعالی: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ، فالأول مجزوم ، والثانی منصوب ، وکلاهما بحذف النون .

أما الفعل المضارع المعتل الآخر ، فیُجزم بحذف آخره ، نحو: لم یَغْزُ ، ولم یَخْشَ ، ولم یَرْمِ ، فیحذف منه الحرف ، بدل حذف الحرکة .

ص: 28

الإعراب المقدر

فی الموارد التالیة یوجد مانعٌ من ظهور علامة الإعراب ، فتکون مقدرة:

1- تقدر حرکات الإعراب کلها فی الإسم المقصور ، وهو الذی آخره ألف مقصورة ، تقول: جاء الفتی، ورأیت الفتی، ومررت بالفتی، فالأول مرفوع بضمة مقدرة ، والثانی منصوب بفتحة مقدرة ، والثالث مجرور بکسرة مقدرة ، وذلک لتعذر ظهور الحرکات علی الألف المقصورة .

2- تُقدر الضمة والکسرة فقط فی الإسم المنقوص ، وهو الذی آخره یاء مکسور ما قبلها ، کالقاضی والداعی ، وسبب ذلک الإستثقال ، فیقال مرفوعٌ أو منصوبٌ أو مجرورٌ بحرکة مقدرة منع من ظهورها الإستثقال.

3- تقدر حرکات الإعراب کلها فی الإسم المضاف إلی یاء المتکلم ، نحو غلامی وأخی وأبی ، فیرفع وینصب ویجر بحرکة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال آخر الکلمة بحرکة المناسبة لیاء المتکلم .

4- تقدر الضمة والفتحة للتعذر فی الفعل المعتل بالألف ، تقول: یخشی زید ، ولن یخشی عمرو ، فالأول مرفوع بضمة منع من ظهورها التعذر لأنه معتل بالألف . والثانی منصوب بفتحة مقدرة کذلک .

ص: 29

5- تقدر الضمة وحدها فی الفعل المعتل بالواو ، نحو: زید یدعو ، وبالیاء نحو: زید یرمی . أما الفتحة فتظهر علی الیاء لخفتها فی الأسماء والأفعال ، وعلی الواو فی الأفعال ، کقولک: إن القاضیَ لن یقضیَ ، ولن یدعوَ ، قال الله تعالی: یَا قَوْمَنَا أَجِیبُوا دَاعِیَ اللهِ. لَنْ یُؤْتِیَهُمُ اللهُ خَیْرًا اللهُ. لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً.

رفع الفعل المضارع

إذا تجرد الفعل المضارع من الناصب والجازم کان مرفوعاً ، کقولک یقومُ زیدٌ ، ویقعدُ عمرٌو . واختلفوا فی الرافع للمضارع فقال الفراء: رافعه نفس تجرده من الناصب والجازم . وقال الکسائی: حروف المضارعة . وقال ثعلب: مضارعته للإسم . وقال البصریون: حلوله محل الإسم .

ورجح ابن هشام قول الفراء ، وهو الذی یجری علی ألسنة المعربین یقولون: مرفوع لتجرده من الناصب والجازم .

والصحیح أن الأسباب التی ذکروها تعلیلات بعد الوقوع ، وأن سبب رفع المضارع المجرد عن الناصب والجازم: السماع من العرب .

ص: 30

الفصل الخامس: نواصب المضارع

اشارة

نواصب المضارع أربعة: لَنْ وأَنْ وکَیْ وإِذَنْ . وتسمی أدوات ، وحروفاً .

الناصب الأول: لَن

وهی أداة نفیٍ واستقبال ، وقال الزمخشری إنها للنفی المؤبد ، ولا یصح ذلک ، لأن قولک: لن أقوم ، کقولک لا أقوم ، قد تقصد به أنک لا تقوم أبداً ، أو فی بعض المستقبل .

وزعم ابن السراج أنها تستعمل للدعاء ، کقوله تعالی عن لسان نبیه موسی (علیه السّلام): قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیرًا لِلْمُجْرِمِینَ . قال إن معناه: فاجعلنی لا أکون . والصحیح أنها نفی ومعاهدة منه لله تعالی أن لا یناصر مجرماً ، جزاءً بما أنعم علیه .

وقال الفراء أصلها لا ، فأبدلت ألفها نوناً . وقال الخلیل إنها مرکبة من لا وأن ، فحذفت الهمزة تخفیفاً والألف لالتقاء الساکنین . ولا دلیل عندهما .

ص: 31

الناصب الثانی: کی المصدریة

وتکون ناصبة إذا کانت مصدریة بمنزلة أن ، وإنما تکون کذلک إذا دخلت علیها اللام لفظاً ، کقوله تعالی: لِکَیْ لا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ . لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ . أو تقدیراً نحو: جئتک کی تکرمنی ، إذا قدرت أن الأصل لکی ، وأنک حذفت اللام استغناء عنها بنیتها ، فإن لم تُقَدِّر اللام کانت کی حرف جر للتعلیل ، وأن مضمرة بعدها إضماراً لازماً.

ونقل عن الأخفش أن کی حَرْفُ جَرٍّ دائماً ، والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوباً ، وربما ظهرت للضرورة کقول الشاعر:

فقالت أکُلَّ الناس أصبحت مانحاً

لسانَک کیما أن تُغَرَّ وتُخدعا

الناصب الثالث: إذن

وهی حرف جواب وجزاء عند سیبویه . وقال الشلوبین: هی کذلک فی کل موضع . وقال الفارسی: فی الأکثر ، وقد تتمحض للجواب فیقال: أحبک ، فتقول: إذا أظنک صادقاً ، إذ لا مجازاة بها هنا .

وإنما تکون ناصبة بثلاثة شروط:

الأول ، أن تقع فی صدر الکلام ، فلو قلت: زید إذن، قلت أکرمُه بالرفع.

الثانی ، أن یکون الفعل بعدها مستقبلاً ، فلو حدثک شخص فقلت: إذن تصدقُ ، رفعت لأن المراد به الحال .

ص: 32

الثالث ، أن لا یفصل غیر القسم نحو: إذن أکرمَک ، وإذن والله أکرمَک . قال الشاعر:

إذن والله نرمِیَهم بحربٍ

تُشیبُ الطفلَ من قبل المشیب

ولو قلت: إذن یا زید ، قلت أکرمُک بالرفع . وکذا إذا قلت: إذن فی الدار أکرمُک ، وإذن یوم الجمعة أکرمُک . کل ذلک بالرفع.

الناصب الرابع: أن المصدریة

وهی أهم أدوات النصب ، کقوله تعالی: وَالَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ أَلدِّینِ . یُرِیدُ اللهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ . وتعمل ظاهرةً ومضمرة ، ونبین فیما یلی أنواعها ، وما ینصب منها وما لاینصب:

1. أنْ المفسِّرة للقول ، وتکون بمعنی أی ، وهی المسبوقة بمعنی القول دون حروفه نحو: کتبت إلیه أنْ یفعلَ کذا .

2. أنْ الزائدة ، وهی الواقعة بین القسم ولو ، نحو: أقسم بالله أنْ لو یأتیَنی زید لأکرمنه .

3. أنْ المخففة من الثقیلة لزوماً ، وهی التی یتقدم علیها ما یدل علی العلم . ویُرفع المضارع بعدها ویفصل عنها بحرف التنفیس وحرف النفی وقد ولو. فالأول نحو: عَلِمَ أَنْ سَیَکُونُ مِنْکُمْ مَرْضَی. والثانی نحو: أَفَلا یَرَوْنَ أَلایَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً. والثالث نحو: علمتُ أن قد یقومُ زید . والرابع نحو: أَفَلَمْ

ص: 33

یَیْأَسِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ لَوْ یَشَاءُ اللهُ لَهَدَی النَّاسَ جَمِیعاً . قال المفسرون: معناه أفلم یعلم ، وهی لغة النخع وهوازن . قال الشاعر سحیم:

أقول لهم بالشِّعب إذ یأسروننی

ألم تیأسوا أنی ابنُ فارسٍ زَهْدَمِ

أی ألم تعلموا . وأنکر الفراء أن تکون ییأس بمعنی یعلم .

4. أنْ المخففة من الثقیلة جوازاً ، وهی التی یتقدم علیها ظنٌّ ، فیجوز أن تکون مهملة وأن تکون ناصبة وهو الأکثر فی کلام العرب ، کقوله تعالی: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ . واختلفوا فی قوله تعالی: وَحَسِبُوا أَلا تَکُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ، فقرئ بالوجهین.

5. أنْ المصدریة الناصبة ، إذا لم یسبقها علمٌ ولا ظن ، کقوله تعالی: وَالَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ أَلدِّینِ .

6. أن المضمرة جوزاً ، وذلک بعد لام الجر ، سواء کانت لام تعلیل کقوله تعالی: وَأَنْزَلْنَاإِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ . وقوله تعالی: إِنَّافَتَحْنَا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً لِیَغْفِرَ لَکَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ . أو لام العاقبة کقوله تعالی: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا . فقد التقطوه لیکون لهم قرة عین ، فکانت عاقبته أن صار لهم عدواً وحزناً .

أو کانت اللام زائدة کقوله تعالی: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ. فالفعل فی الجمیع منصوب بأن المضمرة ، ولو أظهرت لجاز .

ص: 34

وکذلک تضمر أنْ جوازاً إذا کانت جملتها معطوفة علی إسم محض ، کقوله تعالی: وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولاً فَیُوحِیَ بِإِذْنِه . فوحیاً إسمٌ لا یقدر بفعل ، ویُرْسِلَ منصوب بأن المضمرة والتقدیر: أو أن یرسل، وجملة أن والفعل معطوفان علی وحیاً ، أی وحیاً أو إرسالاً. قال الشاعر:

ولُبْسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرَّ عَینی

أحبُّ إلیَّ من لُبْسِ الشَّفُوفِ

6. أنْ الظاهرة وجوباً ، وذلک إذا اقترن الفعل الذی دخلت علیه بلا النافیة، کقوله تعالی: لِئَلا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَیْکُمْ حُجَّةٌ . أو الزائدة کقوله تعالی: لِئَلا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَلا یَقْدِرُونَ عَلَی شَئْ . أی لیعلم أهل الکتاب .

7. أنْ المضمرة وجوباً ، وذلک فی خمس موارد:

أ. بعد لام الجحود ، وهی المسبوقة بکان الماضة ، کقوله تعالی: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِیهِمْ . وکذا لو کان المضیُّ فی المعنی نحو: لَمْ یَکُنِ اللهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ .

ب. بعد حتی ، کقولک: حتی ترجعَ ، أی حتی أن ترجعَ. بشرط أن یکون مستقبلاً بالنسبة إلی ما قبلها ، کقوله تعالی: لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عَاکِفِینَ حَتَّی یَرْجِعَ إِلَیْنَا مُوسَی. فإن رجوع موسی (علیه السّلام)مستقبلٌ بالنسبة إلی فعلهم . وقوله تعالی: وَزُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَی نَصْرُ اللهِ . فقول الرسول مستقبل بالنسبة إلی زلزالهم .

ص: 35

وتأتی حتی بمعنی کیْ ، إذا کان ما قبلها علةً لما بعدها ، نحو: أسلم حتی تدخلَ الجنة . أما إذا کان ما بعدها غیر مسبب عما قبلها بنحوٍما ، فیُرفع ولا ینصب ، کقولک: سرتُ حتی تطلعُ الشمس ، لأنه لا سببیة بینهما .

وتأتی حتی بمعنی إلی ، إذا کان ما بعدها غایة لما قبلها ، کقوله تعالی: لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عَاکِفِینَ حَتَّی یَرْجِعَ إِلَیْنَا مُوسَی .

والنصب فی هذه المواضع وشبهها بأن مضمرة بعد حتی ، وقال الکوفیون بحتی نفسها ، ورد ذلک ابن هشام بأنها تعمل فی الأسماء کقوله تعالی: حَتَّی مَطْلَعِ الْفَجْرِ . وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ . ولا یوجد فی العربیة عاملٌ یعمل تارةً فی الأفعال وتارةً فی الأسماء . وکلامه استبعادٌ لا أکثر .

ج. بعد أو التی بمعنی إلی أو إلا ، کقولک لألزمنک أو تقضیَنی حقی ، أی إلی أن تقضینی حقی . وقال الشاعر:

لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدرکَ المنی

فما انقادتِ الآمالُ إلا لصابر

لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدرکَ المنی

فما انقادتِ الآمالُ إلا لصابر

وقولک: لأحبسنک أو تعطیَ الحق لصاحبه ، وقول الشاعر:

وکنت إذا غمزتُ قناةَ قومٍ

کسرتُ کُعوبَها أو تستقیما

أی إلا أن تستقیم فلا أکسر کعوبها ، لأن الإستقامة لا تکون غایة للکسر.

د. بعد فاء السببیة المسبوقة بنفی محض ، کقوله تعالی: لا یُقْضَی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا ، وقولک: ما تأتینا فتحدثَنا .

ص: 36

أما إذا قلت: ما تزال تأتینا فتحدثُنا، فترفع المضارع ولا تنصبه ، لأن نفی النفی إثبات ، وکذا: ما تأتینا إلا فتحدثُنا ، لانتقاض النفی بإلا .

ه-. بعد فاء السببیة المسبوقة بطلب بالفعل. والطلب یشمل الأمر کقوله:

یا ناق سیری عَنَقاً فسیحا

إلی سلیمانَ فنستریحا

والنهی ، کقوله تعالی: وَلا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی .

والتحضیض نحو: لَوْلا أَخَّرْتَنِی إِلَی أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ .

والتمنی نحو: یَا لَیْتَنِی کُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ .

والترجی نحو: لَعَلِی أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ .

والدعاء ، کقول الشاعر:

رب وفقنی فلا أعدلَ عنْ

سُنن الساعینَ فی خیر سنن

والإستفهام ، کقول الشاعر:

هل تعرفون لُباناتی فأرجوَ أن

تقضی فیرتدُّ بعض الروح للجسد

والعرْض ، کقول الشاعر:

یا ابن الکرام ألا تدنُو فتبصرَ ما

قد حدثوک فما راءٍ کمن سمعا

یا ابن الکرام ألا تدنُو فتبصرَ ما

قد حدثوک فما راءٍ کمن سمعا

وقال الکسائی لایشترط فی الطلب أن یکون بالفعل ، فقد یکون بإسم الفعل ونحوه ، فتقول: نَزَالِ فنکرمَک ، وصَهْ فنُحدثَک .

ص: 37

و. بعد واو المعیة المسبوقة بالنفی أو الطلب المتقدمین ، کقوله تعالی: وَلَمَّا یَعْلَمِ اللهُ أَلَّذِینَ جَاهَدُوا مِنْکُمْ وَیَعْلَمَ الصَّابِرِینَ . یَا لَیْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُکَذِّبَ بِآیَاتِ رَبِّنَا وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ . فی قراءة حمزة وابن عامر وحفص ، وقال الشاعر:

ألم أک جارکم ویکونَ بینی

وبینکم المودة والإخاء

وقال:لاتنه عن خلق وتأتیَ مثله

عارٌ علیک إذا فعلت عظیم

وتقول: لا تأکل السمک وتشربَ اللبن ، فتنصب تشرب إن قصدت النهی عن الجمع بینها .

وتجزم ، إن قصدت النهی عن کل واحد منهما ، أی لا تأکل السمک ولا تشرب اللبن .

وترفع ، إن نهیت عن الأول وأبحت الثانی ، أی لا تأکل السمک ، ولک شرب اللبن .

ص: 38

الفصل السادس: جوازم المضارع

اشارة

یُجزم الفعل المضارع بالطلب بأنواعه، ویجزم بأدوات الجزم وهی: لم ، ولما واللام ، ولا السلبیتین . ومنها ما یجزم فعلین: إن وإذما وأین وأنی وأیان ومتی ومهما ومن وما وحیثما . ویسمی الأول شرطاً والثانی جواباً وجزاء .

ما یجزم فعلاً واحداً

الجازم الأول الطلب: فإذا تقدم ما یدل علی أمر أو نهی أو استفهام ، أو غیرها من أنواع الطلب ، وجاء بعده فعل مضارع مجرد من الفاء ، وقصد به الجزاء، جُزِم بذلک الطلب لأن فیه معنی الشرط ، کقوله تعالی: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ، لأن المعنی: تعالوا فإن تأتوا أتل علیکم ، فالتلاوة علیهم مسببة عن مجیئهم ، وعلامة جزمه حذف آخره وهو الواو . قال الشاعر:

قفا نبکِ من ذکری حبیبٍ ومنزلِ

بِسِقْطِ الِّلوی بین الدَّخُولِ فحَوْمَلِ

وتقول: إئتنی أکرمْک ، وهل تأتینی أحدثْک ، ولا تکفر تدخلِ الجنة .

ص: 39

أما لو کان المتقدم علی المضارع نفیاً أو خبراً مثبتاً ولیس طلباً ، فلا یجوز جزمه ، نحو: ما تأتینا تحدثُنا ، ونحو أنت تأتینا تحدثُنا ، برفع المضارع .

وأما قول العرب: إتقی الله إمرؤ فعلَ خیراً یُثَبْ علیه ، بالجزم ، فوجهه أن المراد بهما الطلب وإن کانا ماضیین والمعنی:لیتق الله امرؤ ولیفعل خیراً. وکذا قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلَی تِجَارَةٍ تُنْجِیکُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . یَغْفِرْ لَکُمْ . فهو بمعنی آمِنوا وجاهِدوا .

وکذا لو لم یقصد بالفعل المضارع الجزاء ، فلا یجزم کقوله تعالی: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ، لأن معناه: خذ من أموالهم صدقة مطهرة ، فتطهرهم صفة لصدقة . وقرئ قوله تعالی: فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیّاً . یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ ، بالرفع بجعل یرثنی صفة لولیاً ، وبالجزم علی جعله جزاءً . فالملاک فی النصب أن یصلح الفعل جزاء للأمر.

واعلم أنه لا یجوز الجزم فی جواب النهی إلا إذا صح تقدیر شرط مکانه مقرون بلا النافیة ، نحو: لا تکفر تدخلِ الجنة ، ولا تَدْن من الأسد تسلمْ . فلو قیل بدلهما إن لا تکفر تدخل الجنة ، وإن لا تَدْنُ من الأسد تَسلم، صحَّ بخلاف لا تکفر تدخلُ النار ، ولا تدن من الأسد یأکلُک ، لأنه لایصح: إن لا تکفر تدخل النار ، وإن لا تدن من الأسد یأکلک .

ولهذا أجمع القراء السبعة علی الرفع فی قوله تعالی: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَکْثِرُ ، ولا یجوز فیه الجزم ، لأنه لایصح أن یقال: إن لا تمنن تستکثر . بل معناه: لا

ص: 40

تمنن مستکثراً ما تعطیه ، أو طالباً العوض ممن تعطیه . وقد أخطأ الحسن البصری فجزم تستکثر , وهو خطأٌ لا تبریر له .

الجازم الثانی ، لَم: وهی حرف نفی وجزم ٍوقلب ، تقلب المضارع وتجعله ماضیاً ، کقولک: لم یقم ولم یقعد . وکقوله تعالی: لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ .

الجازم الثالث ، لمَّا: کقوله تعالی: کَلا لَمَّا یَقْضِ مَا أَمَرَهُ . بَلْ لَمَّا یَذُوقُوا عَذَابِ . وتشترک مع لم فی أربعة أمور: الحرفیة ، والإختصاص بالمضارع ، وجزمه ، وقلب زمانه إلی الماضی .

وتختلف عنها فی أربعة أمور، أحدها: أن المنفی بها مستمر إلی الحال والمنفی بلم قد یکون مستمراً مثل: لَمْ یَلِدْ ، وقد یکون منقطعاً مثل: هَلْ أَتَی عَلَی الآنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُوراً ، لأنه کان بعدها شیئاً مذکوراً . ولذا امتنع أن تقول: لمَّا یقمْ ثم قام ، لأنه تناقض ، وجاز لم یقم ثم قام .

والثانی: ذکر الزمخشری أن لمَّا تشیر الی توقُّع ما بعدها ، نحو: بَلْ لَمَّا یَذُوقُوا عَذَابِ ، أی إلی الآن لم یذوقوه وسوف یذوقونه . بینما لا تشیر لَمْ الی ذلک .

والثالث: أن الفعل یحذف بعدها ، یقال: هل دخلت البلد؟فتقول: قاربتُها ولمَّا. أی ولما أدخلها ، ولا یجوز قاربتها ولمْ .

والرابع: أنها لا تقترن بحرف الشرط بخلاف لم ، تقول: إن لم تقم قمت ، ولا یجوز: إن لمَا تقم قمت .

ص: 41

الجازم الرابع اللام الطلبیة: وهی الدالة علی الأمر نحو: لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، أو الدعاء نحو: لِیَقْضِ عَلَیْنَا رَبُّکَ .

الجازم الخامس ، لا الطلبیة: وهی الدالة علی النهی نحو: لا تُشْرِکْ بِاللهِ . أو الدعاء نحو: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا .

ما یجزم فعلین

وهو إحدی عَشْرَةَ أداة ، وهی: إنْ ، نحو: إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وأیْنَ ، نحو: أَیْنَمَا تَکُونُوا یُدْرِکْکُمُ الْمَوْتُ . وأیٌّ ، نحو: أَیًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَی. ومَنْ ، نحو: مَنْ یَعْمَلْ سُوءً یُجْزَ بِهِ . ومَا ، نحو: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ یَعْلَمْهُ اللهُ . ومَهْمَا ، کقول امرئ القیس:

أغَرَّکَ منی أن حُبَّک قاتلی

وأنک مهما تأمری القلب یفعلِ

ومَتَی ، کقول الشاعر :

أنا ابن جَلا وطلاع الثنایا

متی أضعِ العمامةَ تعرفونی

وأیَّان ، کقول الشاعر:

إذا النعجةُ العجفاء کانت بقَفْرَةٍ

فأیَّان ما تعدلْ بها الریح تنزل

وحَیْثُما ، کقول الشاعر:

حیثما تستقم یقدِّرُ لک الله

نجاحاً فی غابر الأزمان

ص: 42

وإذْمَا ، کقول الشاعر:

وإنک إذ ما تأتِ ما أنت آمرٌ

به تَلْفَ من إیاه تأمر آتیا

وأنَّی ، کقول الشاعر:

فأصبحتَ أنی تأتها تستجرْ بها

تجد حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجا

اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائیة

یسمی الفعل الأول من الجملة شرطاً والثانی جواباً وجزاء ، وقد تحتاج جملة الجواب الی أن تُقرن بالفاء ، أو بإذا .

والذی یُقرن بالفاء الجملة الإسمیة ، أو الفعلیة التی فعلها طلبی ، أو جامد ، أو منفی بلن ، أو بما ، أو المقرون بقد ، أو بحرف تنفیس ، نحو قوله تعالی: وَإِنْ یَمْسَسْکَ بِخَیْرٍ فَهُوَعَلَی کُلِّ شَئْ قَدِیرٌ . قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ . إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مَالاً وَوَلَدًا . فَعَسَی رَبِّی. وَمَا یَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ فَلَنْ یُکْفَرُوهُ . وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَلا رِکَابٍ . إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ . وَمَنْ یُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللهِ فَیُقْتَلْ أَوْ یَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا .

ویجوز فی الجملة الإسمیة أن تُقرن بإذا الفجائیة ، کقوله تعالی: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذَا هُمْ یَقْنَطُونَ.

ص: 43

ص: 44

الفصل السابع: المعرفة والنکرة

اشارة

ینقسم الإسم الی نکرة ومعرفة . فالنکرة الإسم الشائع فی جنس کرجل، فهو یصدق علی کل ما وجد من هذا الجنس . وقد یکون جنسه مقدراً کشمس ، فإنها إسم موضوع لما کان کوکباً نهاریاً ، فیصدق علی کل ما وجد من هذا الجنس ، ولم یوضع لمسمی خاص ، کزید وعمرو .

أقسام المعرفة

المعرفة ستة أقسام :

الأول ، الضمیر: وهو أعرف الستة ، وهو ما دل علی متکلم کأنا ، أو مخاطب کأنت ، أو غائب کهو .

وینقسم إلی مستتر وبارز ، فالبارز ماله لفظ کتاء قمتُ ، والمستتر المقدر فی نحو قولک: قم ، أی أنتَ .

ص: 45

وینقسم المستتر إلی واجب الإستتار وهو ما لا یقوم الظاهر مقامه کالضمیر المرفوع بالفعل المضارع المبدوء بهمزة کأقوم ، أو بنون کنقوم ، أو بتاء کتقوم ، فلا تقول: أقوم زید ، ولا تقول: نقوم عمرو .

ومستتر جائز الإستتار ، وهو ما یصح قیام الظاهر مقامه ، کالضمیر المرفوع بفعل الغائب ، نحو: زید یقوم، فیجوز أن تقول:زید یقوم غلامه.

وأما البارز فینقسم إلی متصل ومنفصل ، فالمتصل الذی لا یستقل بنفسه کتاء قمت ، والمنفصل الذی یستقل بنفسه ، کأنا وأنت وهو .

وینقسم المتصل إلی مرفوع المحل ، ومنصوبه ، ومخفوضه .

فالمرفوع کتاء قمتُ فإنه فاعل ، ومنصوبه ککاف أکرمک فإنه مفعول ، ومخفوضه کهاء غلامه فإنه مضاف إلیه .

وینقسم المنفصل إلی مرفوع الموضع ومنصوبه، فالمرفوع اثنتا عشرة کلمة: أنا ، نحن ، أنت ، أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتن ، هو ، هی ، هما ، هم ، هن .

والمنصوب اثنتا عشرة کلمة أیضاً: إیای ، إیانا ، إیاک ، إیاک ، إیاکما ، إیاکم، إیاکن ، إیاه، إیاها ، إیاهما ، إیاهم ، إیاهن . فهذه الإثنتا عشرة الأخیرة لا تأتی إلا فی محل نصب . کما أن الإثنتا عشرة الأولی لا تأتی إلا فی محل رفع ، تقول: أنا مؤمن . فأنا مبتدأ مرفوع . وإیاک أکرمت . فإیاک مفعول مقدم منصوب ، ولا تقول: إیای مؤمن ، وأنت أکرمت . وعلی هذا فقس الباقی . ولیس فی الضمائر المنفصلة ما هو مخفوض المحل .

ص: 46

الضمیر المتصل أولی من المنفصل

القاعدة أنه مهما أمکن أن یؤتی بالمتصل فلا یجوز العدول عنه إلی المنفصل ، لاتقول: قام أنا ، ولا: أکرمت إیاک ، لأنک تستطیع أن تقول قمتُ ، وأکرمتک ، بخلاف قولک: ما قام إلا أنا ، وما أکرمتَ إلا إیاک ، لأن إلا مانعة من الإتصال . ویستثنی من هذه القاعدة حالتان:

أولاهما: أن یجتمع ضمیران أولهما أعرف من الثانی ولیس مرفوعاً نحو: سِلْنِیهِ وخِلْتُکَهُ ، فیجوز أن تقول فیهما: سلنی إیاه ، وخلتک إیاه ، لأن ضمیر المتکلم أعرف من المخاطب، وضمیر المخاطب أعرف من الغائب.

والثانیة: أن یکون الضمیر خبراً لکان أو إحدی أخواتها ، سواء کان مسبوقاً بضمیر نحو: الصدیق کنتُه ، أو غیر مسبوق نحو: الصدیق کانَهُ زید ، فیجوز أن تقول فیهما: کنتُ إیاه ، وکان إیاه زید .

واتفقوا علی أن الوصل أرجح إذا لم یکن الفعل قلبیاً ، نحو: سلنیه وأعطنیه ، ولذلک لم یأت فی التنزیل إلا به کقوله تعالی: أَنُلْزِمُکُمُوهَا . إِنْ یَسْأَلْکُمُوهَا . فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ .

واختلفوا فیما إذا کان الفعل قلبیاً نحو: خِلْتُکَهُ وظننتکه ، وفی باب کان نحو: کنتُه وکانهُ زید . فقال الجمهور: الفصل أرجح فیهن . واختار ابن مالک فی جمیع کتبه الوصل فی کان ، واختلف رأیه فی الأفعال القلبیة ، فتارة وافق الجمهور ، وتارة خالفهم .

ص: 47

العَلَم وأقسامه

الثانی من أنواع المعارف ، العَلَم: وینقسم إلی: عَلَم شَخْصٍ کزید وعمرو ، وعَلَم جِنْسٍ ، کأسامة للأسد ، وثُعَالة للثعلب ، وذُؤَالة للذئب ، فإن هذه الألفاظ تصدق علی کل واحد من أفراد أجناسها ، تقول لکل أسد رأیته: هذا أسامة مقبلاً ، وتقول: أسامة أشجع من ثُعالة ، أی صاحب هذه الحقیقة أشجع من صاحب هذه الحقیقة ، ولا یجوز أن تطلقها علی شخص غائب ، لاتقول لمن بینک وبینه عهد فی أسد خاص: ما فعل أسامة ؟

کما ینقسم العَلَم إلی: مفرد ، ومرکب . فالمفرد کزید وأسامة ، والمرکب ثلاثة أقسام: مرکب ترکیب إضافة کعبد الله ، وترکیب مزج کبَعْلَبَک ، وترکیب إسناد ، وأصله جملة جعلت إسماً مثل: شابَ قرناها.

وحکم المرکب المضاف أن یُعرب جزؤه الأول بحسب العوامل الداخلة علیه ، ویجرّ الثانی بالإضافة .

وحکم المرکب ترکیب مزج: أن یُعرب إعراب ما لا ینصرف ، فیُجر بالفتحة ، إلا المختوم بوَیْه فیبنی علی الکسر، کسیبویه .

وحکم المرکب ترکیب إسناد: أن العوامل لاتؤثر فیه ، بل یحکی علی ما کان علیه قبل النقل .

ص: 48

وینقسم العَلَم إلی: إسم وکنیة ولقب . وذلک لأنه إن بدئ بأب أو أم ، کان کنیة کأبی زید وأم زید ، وإلا فإن أشعر برفعة المسمی کزین العابدین، أوضِعَتِهِ کقُفَّة وبَطَّة وأنْف الناقة ، فلقب . وإلا فإسم ، کزید وعمرو .

وإذا اجتمع الإسم مع اللقب ، وجب فی الأفصح تقدیم الإسم وتأخیر اللقب . ثم إن کانا مضافین کعبد الله زین العابدین ، أو کان الأول مفرداً والثانی مضافاً کزید زین العابدین ، أو کان الأمر بالعکس کعبد الله قُفة ، وجب کون الثانی تابعاً للأول فی إعرابه ، إما علی أنه بدل منه ، أو عطف بیان علیه .

وإن کانا مفردین کزیدٌ قفة ، وسعید کُرز ، فالکوفیون والزجَّاج یجیزون فیه إتْبَاع اللقب للإسم ، وإضافة الإسم إلی اللقب . وجمهور البصریین یوجبون الإضافة . والصحیح الأول .

ص: 49

إسم الاشارة

الثالث من أنوع المعارف ، إسم الإشارة: وهو ثلاثة أقسام: ما یشار به الی المفرد والی المثنی والی الجماعة . وکل منها ینقسم إلی: مذکر ومؤنث .

فللمفرد المذکر لفظةٌ واحدةٌ هی: ذا .

وللمفردة المؤنثة عشرة ألفاظ ، خمسة مبدوءة بالذال وهی: ذی ، وذِهِی بالإشباع ، وذهِ بالکسر ، وذهْ بالإسکان ، وذاتُ ، والمشهور استعمالها بمعنی صاحبة کقولک: ذاتُ جمال ، أو بمعنی التی فی لغة بعض طئ . وحکی الفراء: بالفضل ذو فضلکم الله به ، والکرامة ذاتُ أکرمکم الله بها أی التی أکرمکم الله بها . فلها حینئذ ثلاث استعمالات .

وخمسة مبدوءة بالتاء وهی: تی ، وتهی بالإشباع ، وتهِ بالکسر ، وتِهْ بالإسکان ، وتَا .

ولتثنیة المذکر: ذَان بالألف رفعاً ، کقوله تعالی: فَذَانِکَ بُرْهَانَانِ . وذَیْن بالیاء جراً ونصباً ، کقوله تعالی: رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَیْنِ .

ولتثنیة المؤنث: تَان بالألف رفعاً ، کقولک: جاءتنی هاتان . وهاتین بالیاء جراً ونصباً ، کقوله تعالی: إِحْدَی ابْنَتَیَّ هَاتَیْنِ .

ولجمع المذکر والمؤنث: أولاءِ ، قال تعالی: وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وقال تعالی: هَؤُلاءِ بَنَاتِی . وبنو تمیم یقولون: أولی بالقصر .

ص: 50

ثم إن المشار إلیه ، إن کان قریباً جئ بإسم الإشارة مجرداً من الکاف وجوباً ، ویجوز أن تقرنها بهاء التنبیه ، وهی إسم إشارة ، تقول: جاءنی هذا وجاءنی ذا . وإذا لحقته هاء التنبیه لم تَلحقه لام البعد .

وإن کان بعیداً جئ بالکاف بدون لام ، نحو: ذاک ، أو معها، نحو: ذلک . ولا تصح اللام مع هاء التنبیه ، تقول: هذاک ، ولا یجوز هذا لک . وفی المثنی تقول: ذَانِک وتَانِک ، ولاتقول: ذان لک وتان لک .

وکذا فی جمع أولئک ، ولا یجوز أولاء لک . ومن قصره قال: أولالک .

الإسم الموصول

الرابع من أنواع المعارف ، الأسماء الموصولة: وتنقسم الی أسماء خاصة ومشترکة ، وتحتاج إلی صِلَةٍ وعَائِد .

أما الخاصة فهی: الذی للمذکر. والتی للمؤنث . واللذان للمثنی المذکر. واللتان للمثنی المؤنث . ویعربان بالألف رفعاً وبالیاء جراً ونصباً . والأُولی والذین ، لجمع المذکر ویستعمل الذین بالیاء دائماً . ویقول بنو هذیل وبنو عقیل: الَّذون رفعاً ، والذین جراً ونصباً .

واللائی واللاتی لجمع المؤنث . ویجوز فیهما إثبات الیاء وحذفها .

أما المشترکة فهی: من ، وما ، وأی ، وأل ، وذو ، وذا . فهذه الستة تطلق علی المفرد والمثنی وجمع المذکر والمؤنث ، تقول: یعجبنی من جاءک ، ومن

ص: 51

جاءتک ، ومن جاآک ، ومن جاءتاک ، ومن جاءوک ، ومن جئنک . وتقول لمن قال اشتریتُ حماراً أو أتاناً أو حمارین أو أتانین أو حمراً أو أتنا: أعجبنی ما اشتریته ، وما اشتریتها ، وما اشتریتهما ، وما اشتریتهن . وکذا الباقی.

وإنما تکون أل موصولة إذا دخلت علی إسم الفاعل کالضارب ، وإسم المفعول کالمضروب ، والصفة المشبهة کالحسن .

فإذا دخلت علی اسم جامد کالرجل، أو وصف یشبه الجامد کالصاحب، أو للتفضیل کالأفضل والأعلی ، فهی حرف تعریف .

وإنما تکون ذو موصولة فی لغة طئ خاصة ، تقول: جاءنی ذو قام . وسُمِع بعضهم یقول: لا وذو فی السماء عرشه. وقال شاعرهم:

فإن الماءَ ماءَ أبی وجدی

وبئری ذو حفرتُ وذو طویت

وإنما تکون ذا موصولة بشرط أن یتقدمها ما الإستفهامیة ، نحو: مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ . أو من الإستفهامیة ، نحو قوله:

وقصیدة تأتی الملوک غریبة

قد قلتها لیقال من ذا قالها

أی ما الذی أنزل ربکم ، ومن الذی قالها . فإن لم یدخل علیها شئ من ذلک فهی اسم إشارة ، خلافاً للکوفیین ، وقد استدلوا بقول الشاعر:

عَدَسْ ما لعَبَّادٍ علیکِ أمارةٌ

أمِنْتِ وهذا تحملین طلیقُ

قالوا:هذا موصول مبتدأ وطلیقٌ خبره، وتحملین صلته ، والعائد محذوف والتقدیر:والذی تحملینه طلیق. والظاهر أنها خطأ من الشاعر أو ضرورة .

ص: 52

صلة الموصول

الصلة واجبة للموصول لأنها تفسر إبهامه ، وقد تکون جملة أوشبه جملة . والجملة إسمیه أوفعلیة ، وشرطها أن تکون خبریة لا إنشائیة ، فلا یصح: جاء الذی أضربه . بخلاف جاء الذی ضربته .

وشرطها أن تشتمل علی ضمیر یعود الی الموصول ویطابقه فی الإفراد والتثنیة والجمع والتذکیر والتأنیث ، نحو: جاء الذی أکرمته ،وجاءت التی أکرمتها ، وجاء اللذان أکرمتهما ، وجاءت اللتان أکرمتهما ، وجاء الذین أکرمتهم ، وجاء اللاتی أکرمتهن .

وقد یحذف الضمیر ، سواء کان مرفوعاً کقوله تعالی: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ کُلِّ شِیعَةٍ أَیُّهُمْ أَشَدُّ . أی الذی هو أشد . أو منصوباً نحو: وَمَا عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ ، قرأ غیر حمزة والکسائی وشعبة:عَمِلَتْهُ بالهاء علی الأصل ، وقرأ هؤلاء بحذفها. أو مخفوضاً بالإضافة کقوله تعالی: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ، أی ما أنت قاضیه . وقول الشاعر:

ستبدی لک الأیامُ ما کنتَ جاهلاً

ویأتیک بالأخبار من لم تُزَوِّدِ

أی ما کنت جاهله . أو مخفوضاً بالحرف ، کقوله تعالی: یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَیَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ، أی منه . وقول الشاعر:

نصلی للذی صلَّت قریشٌ

ونعبده وإن جَحَد العمومُ

ص: 53

وقد تکون صلة الموصول شبه جملة ، وهی ثلاثة أشیاء: الظرف ، نحو الذی عندک . والجار والمجرور ، نحو: الذی فی الدار . والصفة الصریحة وهی إسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ، التی تکون صلة أل .

وإذا وقع الظرف والجار والمجرور صلة ، کانا متعلقین بفعل محذوف وجوباً تقدیره: إستقر ، وفاعله ضمیر مستتر . ویشترط فیهما أن یکون تامین فلا یجوز: جاء الذی بک ، ولا جاء الذی أمس ، لنقصانهما .

المعرف بأداة التعریف

الخامس من أنواع المعارف ، المعرف بأل: ویسمی ذو الأداة ، نحو: الفرس والغلام .

واختلف النحاة فی المُعَرِّف ، فقال الخلیل إن المعرف أل ، وقال سیبویه المعرف اللام ، والألف زائدة . ولا تترتب علی ذلک ثمرة عملیة مهمة .

وأل التعریف ثلاثة أنواع: لتعریف العهد ، وتسمی أل العهدیة . ولتعریف الجنس وتسمی أل الجنسیة ، أو التی لبیان الماهیة وبیان الحقیقة .

ولاستیعاب کل أفراد المعرَّف ، وتسمی أل الإستغراقیة .

وأل العهدیة قسمان: لأن العهد قد یکون ذکریاً کقولک: إشتریت فرساً ثم بعت الفرس ، أی المعهود المذکور . ولو قلت: ثم بعت فرساً ، لکان غیر الفرس الأول . قال الله تعالی: مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاةٍ فِیهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِی زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ کَأَنَّهَا کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ .

ص: 54

وقد یکون العهد ذهنیاً ، کقولک: جاء القاضی ، إذا کان بینک وبین مخاطبک عهدٌ فی قاضٍ خاص .

وأما التی لتعریف الجنس فکقولک: الرجل أفضل من المرأة ، إذ لم تُرد به رجلاً بعینه ولا امرأة بعینها ، بل أردت أن هذا الجنس أفضل من هذا . ولیس معناها أن کل واحد من الرجال أفضل من کل واحدة من النساء ، لأن الواقع بخلافه ، وکذلک قولک: أهلک الناسَ الدینارُ والدرهم ، وقوله تعالی: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَئْ حَیٍّ .

وأما التی للإستغراق ، فقد تکون لاستغراق حقیقة الأفراد ، ویصح حلول کلّ محلها کقوله تعالی: وَخُلِقَ الآنْسَانُ ضَعِیفًا ، أی کل واحد من أفراد الإنسان ضعیف . أو لاستغراق صفاتهم ، کقولک: أنت الرجل ، أی الجامع لصفات الرجال المحمودة . ولا یصح حلول کلٍّ محلها إلا علی المبالغة کما تقول: أنت کل الرجل . کما قال الشاعر:

لیس علی الله بمستنکر

أن یجمع العالم فی واحد

ولغة حِمْیَر إبدال اللام میماً ، وقد تکلم بها النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال لهم: لیس من امْبرِّ امْصیامُ فی امْسفر . وعلیه قول الشاعر:

ذاک خلیلی وذو یواصلنی

یرمی ورائی بامْسهمِ وامْسَلَمَه

ص: 55

التعریف بالإضافة

السادس من المعارف ، ما أضیف إلی أحد المعارف الخمسة: نحو: غلامی ، وغلام هذا ، وغلام الذی فی الدار ، وغلام القاضی .

وتکون رتبته فی التعریف کالمضاف إلیه ، فالمضاف إلی العلم فی رتبة العلم ، والمضاف إلی الإشارة فی رتبة الإشارة ، وکذا الباقی ، إلا المضاف إلی الضمیر فلیس فی رتبته بل فی رتبة العلم ، لأنک تقول: مررت بزید صاحبک ، فتصف العلم بالمضاف إلی الضمیر ، ولو کان فی رتبته للزم أن تکون الصفة أعرف من الموصوف .

ص: 56

الفصل الثامن: المبتدأ والخبر

تعریف المبتدأ

حاول النحاة أن یُعَرِّفوا المبتدأ فیخرجوا منه الأسماء المرفوعة بغیر الإبتداء کالفاعل، والمرفوعة بالنواسخ کإسم کان وخبر إن .

وقد تکلفوا فی ذلک وأطالوا . والأولی أن یعرفوه بأنه إسم تبتدئ به الجملة بشروط معینة .

وقد یکون المبتدأ إسماً صریحاً نحو: زیدٌ قائم ، أو مصدراً مؤولاً ، کقوله تعالی: وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ ، أی وصیامُکم خیر لکم .

وذکر النحاة أن الأصل فی المبتدأ أن یکون معرفة ، وقال ابن هشام: لأن النکرة مجهولة غالباً ، والحکم علی المجهول لا یفید .

والصحیح أن الحکم علی المجهول نوع من التعریف . ولغة العرب ملیئة بالإبتداء بالنکرة ، وقد اضطر النحاة الی تجویز ذلک ، وأخذوا یعددون المسوغات حتی عدَّد بعضهم أکثر من ثلاثین مسوغاً ، وهو تکلف !

ص: 57

تعریف الخبر ورابطه

والخبر مفرد أو جملة أو شبه جملة ، یُخبر به عن المبتدأ ، وهو نوع من الحکم علیه . ولا بد أن یرتبط به بأحد روابط أربعة:

الأول: الضمیر وهو أصل الروابط ، کقولک: زید أبوه قائم . فزیدٌ مبتدأٌ أول ، وأبوه مبتدأٌ ثان ، والهاء مضاف إلیه ، وقائمٌ خبرُ المبتدأ الثانی ، والمبتدأ الثانی وخبره خبرُ المبتدأ الأول ، والرابط بینهما الضمیر .

الثانی: الإشارة ، کقوله تعالی: وَلِبَاسُ التَّقْوَی ذَلِکَ خَیْرٌ . فلباس مبتدأ والتقوی مضاف إلیه ، وذلک مبتدأٌ ثان ، وخیٌر خبر المبتدأ الثانی ، والمبتدأ الثانی وخبره خبر المبتدأ الأول ، والرابط بینهما الإشارة .

الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه کقوله تعالی: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ، فالحاقة مبتدأ أول ، وما مبتدأ ثان ، والحاقة خبر المبتدأ الثانی ، والمبتدأ الثانی وخبره خبر المبتدأ الأول ، والرابط بینهما إعادة المبتدأ بلفظه .

الرابع: العموم ، نحو: زید نعم الرجل ، فزید مبتدأ ، ونعم الرجل جملة فعلیة خبرُه ، والرابط بینهما العموم . وذلک لأن أل فی الرجل للعموم وزید فرد من أفراده ، فدخل فی العموم .

هذا کله إذا لم تکن الجملة نفس المبتدأ فی المعنی، کقوله تعالی: قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، فهو مبتدأ ، والله أحدٌ مبتدأ وخبر ، والجملة خبر المبتدأ الأول ، وهی مرتبطة به لأنها نفسه فی المعنی ، لأن هو فیها بمعنی الشأن .

ص: 58

وقد یکون الخبر شبه جملة

ویقع الخبر شبه جملة ، أی ظرفاً منصوباً ، کقوله تعالی: وَالرَّکْبُ أَسْفَلَ مِنْکُمْ أوجاراً ومجروراً ، کقوله تعالی: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ . وهما حینئذ متعلقان بمحذوف وجوباً ، تقدیره مستقر أو استقر . واختار الأول جمهور البصریین بحجة أن المحذوف الخبر ، والأصل فیه أن یکون إسماً مفرداً . واختار الثانی الأخفش وجماعة ، بحجة أن المحذوف العامل فی الظرف ومحل الجار والمجرور ، والأصل فیه أن یکون فعلاً .

والصحیح أن العامل المحذوف یجب أن یتناسب مع معنی الجملة ، فقد یکون إسماً أو فعلاً ، فقولک: زید فی الدار ، أی کائن أو موجودٌ فیها . وإذا سئلت أین کان زید ؟ فأجبت: زید فی الدار ، أی کان فیها .

وقولک: الحمد لله ، أی الحمد ثابتٌ ومستحقٌّ له . وهکذا .

لا یخبر بالزمان عن الذات

ینقسم الظرف إلی: زمانی ومکانی ، والمبتدأ إلی جوهر کزید وعمرو ، وعرض کالقیام والقعود .

فإن کان الظرف مکانیاً صح الإخبار به عن الجوهر والعرض ، تقول: زید أمامک ، والخیر أمامک . وإن کان زمانیاً صح الإخبار به عن العرض

ص: 59

دون الجوهر ، تقول: الصوم الیوم ، ولا یجوز زید الیوم ، أما قولهم: اللیلة الهلال ، فهو علی حذف مضاف والتقدیر: اللیلة طلوع الهلال .

قد یکون الخبر مرفوع الوصف

إذا کان المبتدأ وصفاً بعد نفی أو استفهام ، استغنی بمرفوعه عن الخبر تقول: أقائم الزیدان ، وما قائم الزیدان ، فالزیدان فاعل والکلام مستغن عن الخبر ، لأن الوصف هنا کالفعل والمعنی: أیقوم الزیدان . قال الشاعر:

خلیلیَّ ما وافٍ بعهدیَ أنتما

إذا لم تکونا لی علی من أقاطعُ

وقال الشاعر:

أقاطنٌ قوم سلمی أم نَوَوْا ظَعَناً

إن یظعنوا فعجیبٌ عیش من قطنا

تعدد الخبر

یجوز أن یخبر عن المبتدأ بأکثر من خبر کقوله تعالی: وَهُوَالْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِیدُ . فَعَّالٌ لِمَا یُرِیدُ .

وزعم بعضهم أن الخبر واحد وفی الآیة مبتدآت محذوفة ، أی: وهو الودود ، وهو ذو العرش . مثل قولک: زید شاعر وکاتب ، والزیدان شاعر وکاتب ، وهذا حلو حامض ، وکل ذلک لا تعدد فیه ، لأن الثانی معطوف ، أو لأن کل واحد مخبر عنه بخبر ، أولأن الخبرین بمعنی خبر واحد . فالحلو الحامض هو المُرّ . لکن هذه التقدیرات خلاف الأصل .

ص: 60

وقد یتقدم الخبر علی المبتدأ

وقد یکون تقدیمه واجباً لئلا یلتبس بالصفة کقولک: فی الدار رجل . أو لأنه استفهام له صدر الکلام کقولک: أین زید . أو لتحاشی عود الضمیر علی متأخر لفظاً ورتبة ، کقولهم: علی التمرة مثلُها زبداً .

وقد یکون تقدیمه جائزاً نحو: فی الدار زید ، وقوله تعالی: سَلامٌ هِیَ . وَآیَةٌ لَهُمُ الْلَیْلُ . ولم یجعلوا المقدم مبتدأ لئلا یخبر عن النکرة بالمعرفة .

وقد یحذف المبتدأ أو الخبر

قد یحذف أی منهما إذا دل علیه دلیل کقوله تعالی: قُلْ أَفَأُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِکُمُ النَّارُ ، أی هی النار . وقوله تعالی: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ، أی هذه سورة. وقوله تعالی: أُکُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ، أی دائم . وقوله تعالی: ءأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ، أی أم الله أعلم . وقد اجتمع حذف کل منهما وبقاء الآخر فی قوله تعالی: سَلامٌ قَوْمٌ مُنْکَرُونَ ، فسلام مبتدأ حذف خبره ، أی سلام علیکم ، وقوم خبر حذف مبتدؤه ، أی: أنتم قوم .

ویجب حذف الخبر فی أربعة موارد:

1. قبل جواب لولا ، کقوله تعالی: لَوْلا أَنْتُمْ لَکُنَّا مُؤْمِنِینَ ، أی لولا أنتم صددتمونا عن الهدی ، بدلیل أن بعده: أَنَحْنُ صَدَدْنَاکُمْ عَنِ الْهُدَی .

ص: 61

2. قبل جواب القسم الصریح ، کقوله تعالی: لَعَمْرُکَ إِنَّهُمْ لَفِی سَکْرَتِهِمْ یَعْمَهُونَ ، أی لعمرک یمینی أو قسمی . أما اللفظ الذی یستعمل للقسم وغیره ، کعهد الله ، فیجوز فیه إظهار الخبر ، تقول: علیَّ عهدُ الله .

3. قبل الحال التی یمتنع کونها خبراً ، کقولهم: ضربی زیداً قائماً ، أصله ضربی زیداً حاصلٌ إذا کان قائماً ، فحاصل خبر ، وإذا ظرف مضاف إلی کان التامة ، وفاعلها مستتر عائد علی مفعول المصدر ، وقائماً حالٌ منه لا یصح کونها خبراً ، فلا تقول ضربی قائم ، لأن الضرب لایوصف بالقیام. وکذلک قولک: أکثر شربی السویق ملتوتاً، وأخطب ما یکون الأمیر قائماً.

4. بعد واو المصاحبة الصریحة ، کقولهم: کل رجل وضَیْعتُه ، أی کل رجل مع ضیعته مقرونان ، وقد دل علی الإقتران معنی المعیَّة فی الواو .

ص: 62

الفصل التاسع : نواسخ حکم المبتدأ والخبر

اشارة

سمیت کان وأخواتها وإنَّ وأخواتها وظنَّ وأخواتها: النواسخ ، لأنها تنسخ حکم المبتدأ والخبر ، فکان ترفع المبتدأ ویسمی إسمها وفاعلها ، وتنصب الخبر ویسمی خبرها. وإنَّ تنصب المبتدأ وترفع الخبر ، ویسمیان إسمها وخبرها . وظن تنصبهما ، فیسمیان مفعولاً أولاً وثانیاً.

کان وأخواتها

وهی ثلاث عشرة لفظة . منها ثمانیة ترفع المبتدأ وتنصب الخبر بلا شرط وهی: کان ، وأمسی ، وأصبح ، وأضحی ، وظل ، وبات ، وصار ولیس .

والصحیح أنها تسعة ، إذ لاوجه لعدم عدِّهم بقیَ من أخوات کان ، لأنها مثلها تأخذ إسماً وخبراً ، وتأتی ناقصة وتامة: تقول: بقی زید قائماً .

ومن أخوات کان: ما یشترط أن یتقدم علیه نفی وهو: زال وبرح وفتئ وانفک .کقوله تعالی: وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ ، وشبهه النهی والدعاء ، کقوله:

ص: 63

ألا یا اسلمی یا دار مَیٍّ علی البلی

ولا زال مُنْهَلاًّ بجَرْعَائِکَ القَطْرُ

ومنها: ما یعمل بشرط أن یتقدم علیه ما المصدریة الظرفیة ، وهو دام کقوله تعالی: وَأَوْصَانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکَوةِ مَا دُمْتُ حَیًّا ، أی مدة دوامی حیاً.

وقد یتوسط الخبر بین الفعل والإسم

یجوز فی هذا الباب أن یتوسط الخبر بین الإسم والفعل ، کما یجوز فی باب الفاعل أن یتقدم المفعول علی الفاعل ، قال الله تعالی: وَکَانَ حَقًّا عَلَیْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ . أَکَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَیْنَا إِلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ . وقرأ حمزة وحفص: لیسَ البِرَّ أن تُوَلُّوا وُجُوهَکَم ، بنصب البر . وقال الشاعر:

سلی إن جهلتِ الناس عنا وعنهمُ

فلیس سواءً عالمٌ وجهولُ

لاطیبَ للعیش ما دامت منغصةً

لذَّاتُه بادِّکار الموتِ والهرمِ

وهذا یردُّ ما نقل عن بعض النحاة من منع تقدیم خبر لیس ودام .

وقد یتقدم الخبر علی الفعل واسمه ، کقوله تعالی: أَهَؤُلاءِ إِیَّاکُمْ کَانُوا یَعْبُدُونَ ، فتقدمُ إیاکم وهو مفعول یعبدون ، یدل علی جواز تقدم فعله .

ولا یجوز تقدیم خبر لیس ودام ، لأنه یوجب التباس المعنی .

ص: 64

وذهب الفارسی وابن جنی إلی جواز تقدیم خبر لیس ، مستدلین بقوله تعالی: أَلا یَوْمَ یَأتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ، فقد تقدم یوم وهو متعلق بمصروفاً وتقدم المعمول یؤذن بجواز تقدم العامل .

والجواب: أنهم توسعوا فی الظروف ما لم یتوسعوا فی غیرها .

أفعال الصیرورة

تستعمل کان ، وأمسی ، وأصبح ، وأضحی ، وظل ، بمعنی صار ، کقوله تعالی وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ، فَکَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ، وَکُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً . ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً . وقال الشاعر:

أمستْ خلاءً وأمسی أهلها احتملوا

أخْنَی علیها الذی أخنی علی لُبَدِ

وقال الآخر :

أضحی یمزق أثوابی ویضربنی

أبعد شیبی یبغی عندی الأدبا

الأفعال الناقصة تکون تامة

تستعمل أفعال الباب تامة فتستغنی بالفاعل عن الخبر ، إلا لیس وفتئ وزال . قال الله تعالی: وَإِنْ کَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَی مَیْسَرَةٍ . فَسُبْحَانَ اللهِ حِینَ تُمْسُونَ وَحِینَ تُصْبِحُونَ. خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ. وقال الشاعر:

تطاول لیلُک بالإثْمِدِ

وباتَ الخلیُّ ولم تَرقُدِ

ص: 65

وبات وباتتْ له لیلةٌ

کلیلة ذی العائر الأرمد

وذلک من نبأٍ جاءنی

وخُبِّرْتُهُ عن بنی الأسْوَدِ

وقد اختلفوا فی معنی تمامها ونقصانها ، فذهب أکثر البصریین الی أن تمامها دلالتها علی الحدث والزمان ، فإن سلبت الدلالة علی الحدث وتمحضت فی الدلالة علی الزمان کانت ناقصة . وهو وجه قوی ، لکن ابن هشام اختار أنها ناقصة ، لأنها لم تکتف بالمرفوع واحتاجت الی منصوب .

کان الزائدة

تستعمل کان فی العربیة ناقصة فتحتاج إلی إسم وخبر . وتامة فتحتاج إلی مرفوع فقط . وتستعمل زائدة فلا تحتاج إلی شئ ، وشرط زیادتها أن تکون بلفظ الماضی ، وتکون بین شیئین متلازمین ، لیسا جاراً ومجروراً کقولک: ما کان أحسن زیداً ، أصله: ما أحسن زیداً ، فزیدت فیه کان .

وقد یحذف آخر مضارع کان

یجوز حذف آخر کان إذا کانت بلفظ المضارع مجزومة ، وغیر موقوف علیها ، ولامتصلة بضمیر نصب ، ولا بساکن . کقوله تعالی: وَلَمْ أَکُ بَغِیًّا . أصله أکون ، فحذفت الضمة للجازم والواو للساکنین ، وهما حذفان واجبان . وحذفت النون للتخفیف ، وهو حذفٌ جائز .

ص: 66

ولا یجوز الحذف فی نحو: لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ .لأنها مکسورة لاتصال الساکن بها . ولا فی نحو: إن یکنه فلن تُسَلَّط علیه ، لاتصالها بالضمیر المنصوب ، ولا فی الموقوف علیها .

وقد تحذف کان وحدها أو مع إسمها

قد تحذف کان وحدها ویبقی إسمها وخبرها ، ویعوض عنها بما .

وقال النحاة: إن ذلک یکون بعد أن المصدریة لتعلیل فعل بفعل ، کقولک: أمَّا أنت منطلقاً انطلقت ، أصله انطلقت لأن کنت منطلقاً ، فقدمت اللام وما بعدها ، فصار لأن کنت منطلقاً ، ثم حذف الجار وکان اختصاراً ، فانفصل الضمیر فصار: أن أنت ، ثم زید ما عوضاً فصارت: أن ما أنت ، ثم أدغمت النون فی المیم فصار أما أنت ، کقول الشاعر:

أبا خراشة أما أنتَ ذا نفرٍ

فإن قومیَ لم تأکلْهُمُ الضَّبُعُ

وکلام النحاة فیه مناقشة ، والمتیقن أن: أمَّا أنت ، بمعنی أمَّا کنت .

وقد تحذف کان مع إسمها ویبقی الخبر ، ولایعوض عنها شئ ، وذلک بعد إن ولو الشرطیتین ، کقولهم: المرء مقتول بما قُتل به ، إن سیفاً فسیفٌ وإن خنجراً فخنجرٌ ، والناس مجزیُّون بأعمالهم إن خیراً فخیرٌ ، وإن شراً فشر . وقال الشاعر:

لا تَقْرَبَنَّ الدهرَ آلَ مُطَرَّفٍ

إن ظالماً أبداً وإن مظلومَا

ص: 67

وقولهم: التمس ولو خاتماً من حدید .

وقول الشاعر:

لا یأمن الدهر ذو بغیٍ ولو ملکاً

جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبل ُ

ما ولا ولات النافیة

تعمل ما ، ولا، ولات النافیة عمل لیس، فترفع الإسم وتنصب الخبر .

أما ما ، فالحجازیون یُعملونها عمل لیس ، وبها جاء التنزیل ، قال الله تعالی: مَا هَذَا بَشَراً . مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ . ولإعمالها عندهم ثلاثة شروط أن یتقدم إسمها علی خبرها، وأن لا تقترن بإن الزائدة ، ولایقترن خبرها بإلا، فلهذا أهملت فی قولهم: ما مسئٌ من أعتب ، لتقدم الخبر . کما أهملت لوجود إن فی قول الشاعر:

بنی غدانة ما إن أنتمُ ذهب

ولا صریفٌ ولکن أنتمُ الخزفُ

کما أهملت لاقتران خبرها بإلا فی قوله تعالی: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ .

أما بنو تمیم فلا یُعملونها عمل لیس أبداً ، ویقرؤون: ما هذا بشرٌ .

وأما لا النافیة ، فتعمل عمل لیس بأربعة شروط: أن یتقدم إسمها ، ولا یقترن خبرها بإلا ، وأن یکون إسمها وخبرها نکرتین ، ویکون ذلک فی

ص: 68

الشعر لا فی النثر ، فلا یجوز إعمالها فی نحو: لا أفضلُ منک أحدٌ ، ولا فی نحو: لا أحدٌ إلا أفضل منک ، ولا فی نحو: لا زیدٌ قائم ولا عمرو . ولهذا غلط المتنبی فی قوله:

إذا الجودُ لم یُرزقْ خلاصاً من الأذی

فلا الحمدُ مکسوباً ولا المال باقیا

وأما لات النافیة ، فهی لا ، زیدت علیها التاء لتأنیث اللفظ أو للمبالغة ، وتعمل فقط فی لفظ الحین ویحذف إسمها ، کقوله تعالی: فَنَادَوْا وَلاتَ حِینَ مَنَاصٍ . والتقدیر: فنادی بعضهم بعضاً أن لیس الحینُ حینَ فرار .

ص: 69

ص: 70

الفصل العاشر: الثانی من النواسخ: إن وأخواتها

اشارة

الثانی من نواسخ المبتدأ والخبر: ما ینصب الإسم ویرفع الخبر، وهو ستة أحرف: إن ، وأن ، ومعناهما التأکید تقول: زید قائم ، ثم تؤکد الخبر بإن فتقول: إن زیداً قائم .

وکذلک أن ، لکن یجب أن یسبقها کلام ، کقولک بلغنی أو أعجبنی ونحوه ، فتعقب الکلام برفع ما یتوهم ثبوته أو نفیه ، تقول: زیدٌ عالم فیوهم ذلک أنه صالح فتقول: لکنه فاسق . وتقول: ما زیدٌ شجاع ، فیوهم ذلک أنه لیس بکریم ، فتقول: لکنه کریم .

وکأن للتشبیه، کقولک:کأن زیداً أسد، أو الظن کقولک:کأن زیداً کاتب.

ولیت للتمنی، وهو طلب ما لاطمع فیه کقول الشیخ:لیت الشباب یعود، أو ما فیه عسر ، کقول المعدم الآیس: لیت لی قنطاراً من الذهب .

ولعل للترجی ، وهو طلب المحبوب المستقرب حصوله ، کقولک: لعل زیداً قادمٌ ، أو للتعلیل کقوله تعالی: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیِّنًا لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ ، أی لکی یتذکر ، نص علی ذلک الأخفش .

ص: 71

ما الحرفیة تبطل عمل إن وأخواتها

إذا دخلت ما الحرفیة علی إن وأخواتها أبطلت عملهن ، وصح دخولهن علی الجملة الفعلیة ، قال الله تعالی: قُلْ إِنَّمَا یُوحَی إِلَیَّ أَنَّمَا إِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ . وقال تعالی: کَأَنَّمَا یُسَاقُونَ إِلَی الْمَوْتِ . وقال الشاعر:

فوالله ما فارقتکم قالیاً لکم

ولکنَّ ما یُقضی فسوف یکونُ

وقال الآخر:

أعد نظراً یا عبدَ قیسٍ لعلما

أضاءت لک النارُ الحمارَ المقیدا

ویستثنی منها لیت ، فلا تدخل علی الجملة الفعلیة ، فلا یقال: لیتما قام زید . ولذا أجازوا فی لَیْتَمَا أن تعمل وأن تهمل .

أما ما الإسمیة فإنها إذا دخلت علی إن واخواتها لا تبطل عملها ، کقوله تعالی: إِنَّمَا صَنَعُوا کَیْدُ سَاحِرٍ ، أی إن الذی صنعوه کید ساحر .

إن المکسورة المخففة لا تعمل

إذا خففت إن المکسورة یجوز إعمالها وإهمالها کقولک: إنْ زیدٌ لمنطلق ، وإنْ زیداً منطلق . والأرجح الإهمال، قال تعالی: إِنْ کُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَیْهَا حَافِظٌ. وَإِنْ کُلٌّ لَمَّا جَمِیعٌ لَدَیْنَا مُحْضَرُونَ . وَإِنَّ کُلاً لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمَالَهُمْ . قرأ الحرمیان وأبو بکر فی الأخیرة بالتخفیف والإعمال .

ص: 72

أما لکن المخففة فتهمل ، لأنها تدخل حینئذ علی الجملة الفعلیة ، قال الله تعالی: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ کَانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ . وقال تعالی: لَکِنِ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ . فدخلت علی الجملتین .

أن المخففة المفتوحة تبقی عاملة

إذا خففت أنَّ المفتوحة فصارت أنْ ، بقیت عاملة ، لکن یجب أن یکون إسمها ضمیراً بمعنی الشأن ، وأن یکون محذوفاً .

وأما خبرها فیجب أن یکون جملة ، وقد یجب فصله عنها بفاصل من أربعة فواصل هی: قد ، والسین ، ولو ، ولا . کقوله تعالی: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا . لِیَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا . عَلِمَ أَنْ سَیَکُونُ مِنْکُمْ مَرْضَی . أَفَلا یَرَوْنَ أَلا یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً . وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ.وربما جاء بغیر فصل کقول الشاعر:

علموا أن یُؤمَّلُونَ فجادوا

قبل أن یُسألوا بأعظمِ سُؤْلِ

لکن الجملة الإسمیة لاتحتاج الی فاصل ، کقوله تعالی: أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ ، تقدیره أنه الحمد لله ، أی الشأن .

وکذا الفعلیة إذا کان فعلها جامداً کقوله تعالی: وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ . وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَی. والتقدیر:وأنه عسی، وأنه لیس.

وکذا الجملة الفعلیة إذا کان فعلها دعاء کقوله تعالی: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَیْهَا ، فی قراءة من خفف أنْ وکسر الضاد .

ص: 73

وربما جاء خبرها فی ضرورة الشعر غیر مفصول ، کقول الشاعر:

علموا أن یُؤمَّلُونَ فجادوا

قبل أن یُسألوا بأعظمِ سُؤْلِ

أو مصرحاً به غیر ضمیر شأن ، کقول الشاعر:

بأنْکَ ربیعٌ وغیثٌ مَریعٌ

وأنْکَ هناک تکون َالثمِّالا

حکم کأنَّ إذا خففت

إذا خففت کأنَّ وجب إعمالها مثل أنَّ ، ویذکر إسمها أکثر من أنْ ، ولا یلزم أن یکون ضمیراً ، قال الشاعر:

ویوماً تُوافینا بوجهٍ مُقَسَّمٍ

کأنْ ظبیةٌ تعطو إلی وارقِ السَّلَمْ

یروی برفع ظبیة وهو الأصح ، أی کأنها ظبیة تمد عنقها لتأکل ورق شجر السلم . ویروی بنصبها علی أنها إسم کأنْ والجملة بعدها صفة ، والخبر محذوف أی: کأن ظبیةً تشبه هذه المرأة ، فیکون من عکس التشبیه .

وإن کان خبر کأن المخففة فعلاً ، وجب أن یفصل عنها إما بلَمْ أو قَدْ ، کقوله تعالی: کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ، وقول الشاعر:

کأن لم یکن بین الحجون إلی الصفا

أنیسٌ ولم یَسْمَر بمکة سامِرُ

وقول الآخر:

ص: 74

أزف الترحل غیر أن رکابنا

لما تَزَل برحالنا وکأنْ قدِ

أی: وکأن قد زالت ، فحذف الفعل .

تقدیم خبر إن وأخواتها

لایجوز تقدیم خبر إن وأخواتها کما فی باب کان ، فلاتقول: إنَّ قائمٌ زیداً، کما تقول: کان قائماً زید . ذلک أن الأفعال أمکنُ فی العمل من الحروف . وما أحسن قول ابن عنین یشکو تأخره:

کأنیَ من أخبار إنَّ ولم یُجِز

لها أحدٌ فی النحو أن تتقدما

ویستثنی إذا کان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً ، قال الله تعالی: إِنَّ لَدَیْنَا أَنْکَالاً . إِنَّ فِی ذَلِکَ لَعِبْرَةً لِمَنْ یَخْشَی .

وجوب کسر همزة إن

اتفق النحاة علی أن همزة تفتح إذا صح تأویلها وما بعدها بمصدر ، وتکسر فیما عدا ذلک ، قال ابن مالک:

وهمزَ إنَّ افتحْ لِسَدِّ مصدرِ

مسدَّها وفی سوی ذاک اکْسِرِ

وذکر ابن هشام أنها تکسر فی أربعة مواضع:

ص: 75

أحدها: إذا جاءت فی ابتداء الجملة ، کقوله تعالی: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ . إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ . أَلا إِنَّ أَوْلِیَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ .

الثانی: بعد القسم ، کقوله تعالی: حم. وَالْکِتَابِ الْمُبِینِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ. یس . وَالْقُرْآنِ الْحَکِیمِ . إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ .

الثالث: أن تکون محکیة بالقول ، کقوله تعالی: قَالَ إِنِّی عَبْدُ اللهِ ..

الرابع: أن تقع اللام بعدها ، کقوله تعالی: وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَکَاذِبُونَ . فإن لم تکن لام فتحت ، کقوله تعالی: عَلِمَ اللهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَکُمْ . شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ .

دخول اللام علی خبر إن وإسمها

یجوز دخول لام الإبتداء علی خبر إن المکسورة أو إسمها ، بشرط أن یتأخرا ولا یتقدما ، کقوله تعالی: وَإِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ . إِنَّ فِی ذَلِکَ لَعِبْرَةً .

کما یجوز دخولها علی معمول الخبر نحو: إن زیداً لطعامک آکل ، وعلی ضمیر الفصل ، کقوله تعالی: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ .

وقد یجب دخول اللام إذا خففت وأهملت کقولک: إنْ زیدٌ لمنطلقٌ ، وذلک للتمییز بینها وبین إن النافیة کالتی فی قوله تعالی: إِنْ عِنْدَکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا . وتسمی اللام الفارقة .

ص: 77

لا النافیة للجنس العاملة عمل إن

تعمل لا النافیة للجنس عمل إنَّ بشرطین: أن یکون إسمها وخبرها نکرتین ، وأن یکون خبرها مؤخراً .

فإن کان إسمها مفرداً مضافاً أو شبهه ، ظهر علیه النصب ، کقولک: لا صاحبَ علمٍ ممقوت . ولا طالعاً جبلاً حاضر .

وإن کان غیر مضاف یبنی علی ما ینصب به کقولک: لا أحدَ عندی . ولا رجالَ عندی . ولا مسلمین فی الدار.

وقد تُلحق صفة إسمها به فی البناء علی الفتح ، شبیهاً بترکیب خمسةَ عشرَ مثل: لا رجلَ ظریفَ عندی ، فإن فصل بینهما فاصل لم یَجز البناء علی الفتح ، وجاز النصب أو الرفع کقولک: لا رجلَ فی الدرا ظریفاً أو ظریفٌ وکذا شبه المضاف کقولک: لا رجلَ طالعاً جبلاً ، أوطالعٌ جبلاً .

أما النکرة المجموع بألف وتاء فیبنی مع لا علی الکسر ، وقد یبنی علی الفتح ، وروی بالوجهین قول الشاعر:

لا سابغاتَ ولا جَأْواءَ باسلةً

تقی المنونَ لدی استیفاءِ آجال

فإن کانت لا نافیة للوحدة ولیس للجنس عملت عمل لیس ، نحو: لا رجل فی الدار بل رجلان . وإن کانت ناهیة اختصت بالفعل وجزمته ،

ص: 77

نحو: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا . وإن کانت زائدة لم تعمل شیئاً ، نحو: ما منعک ألا تسجد إذ أمرتک .

أما إذا کان معمولها معرفة ، فلا تعمل ووجب تکرارها ، کقولک:لا زیدٌ فی الدار ولا عمروٌ . وکذا إن تقدم خبرها کقوله تعالی: لا فِیهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا یُنْزَفُونَ .

إذا تکررت لا النافیة للجنس

إذا تکررت لا مع النکرة کقولک: لاحولَ ولاقوةَ إلا بالله ، جاز فی الأولی الفتح والرفع ، فإن فتحتَ جاز فی الثانیة الفتح والنصب والرفع ، وإن رفعتَ جاز فی الثانیة الرفع والفتح ، ویمتنع النصب .

فتحصل أنه یجوز فیها خمسة أوجه: فتح الإسمین ورفعهما ، وفتح الأول ورفع الثانی ، وعکسه ، وفتح الأول ونصب الثانی .

فإن لم تتکرر مع النکرة الثانیة لم یجز فی الأولی الرفع ولا فی الثانیة الفتح بل تقول: لاحولَ وقوةً أو قوةٌ ، بفتح حول لا غیر ونصب قوة أو رفعها.

ص: 78

ظن وأخواتها

الباب الثالث من النواسخ: ما ینصب المبتدأ والخبر معاً ، وتسمی أفعال القلوب وهی: ظَنَّ ، نحو: وَإِنِّی لاظُنُّکَ یَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا . ورأی ، نحو: إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیدًا . وَنَرَاهُ قَرِیبًا . وقول الشاعر:

رأیت اللهَ أکبرَ کلِّ شئ

محاولةً وأکثرَهم جنودا

وحَسِبَ ، نحو: لاتحسبوه شراً لکم . ودَرَی: کقول الشاعر:

دُرِیتَ الوفیَّ العهدِ یاعُرْوُ فاغتبط

فإنَّ اغتباطاً بالوفاء حمیدُ

وخَالَ ، کقول الشاعر: یخال به راعی الحمولة طائرا .

وزعم ، کقول الشاعر:

زعمتنی شیخاً ولست بشیخٍ

إنما الشیخ من یَدُبُّ دبیبا

ووَجَد ، کقوله تعالی: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَیْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا .

وعَلِمَ ، کقوله تعالی: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ .

ص: 79

إلغاء أفعال القلوب وتعلیقها

یجوز إلغاء أفعال القلوب وإبطال عملها فی اللفظ والمحل ، إذا تقدم المفعولان أو أحدهما علیها ، کقولک: زیداً ظننت عالماً بالإعمال ، ویجوز زید ظننت عالمٌ بالإهمال ، قال الشاعر:

أبا الأراجیز یا ابن اللؤم توعدنی

وفی الأراجیز خلت اللؤمُ والخور

فقد ألغی خِلتُ ورفع اللؤم فهو مبتدأ مؤخر ، وخبره فی الأراجیز .

وتقول: زیدٌ عالمٌ ظننت بالإهمال ، وهو الأرجح بالإتفاق ، ویجوز زیداً عالماً ظننت بالإعمال ، قال الشاعر:

القوم فی أثری ظننت فإن یکن

ما قد ظننت فقد ظفرت وخابوا

فأهمل ظن لتأخرها . أما إذا تقدم الفعل القلبی علی المبتدأ والخبر ، فلا یجوز إهماله ، لا تقول: ظننت زیدٌ قائمٌ بالرفع ، وأجازه الکوفیون .

وأما التعلیق ، فهو إبطال عملها لفظاً لا محلاً ، لدخول ما النافیة بینها وبین معمولیها کقوله تعالی: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ یَنْطِقُونَ . فهؤلاء مبتدأ وینطقون خبره ، ولیسا مفعولاً أولاً وثانیاً .

وکذلک إذا دخلت لا النافیة کقولک: علمت لا زیدٌ قائمٌ ولا عمرٌو . وإن النافیة کقوله تعالی: وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِیلاً ، أی ما لبثتم إلا قلیلا.

ص: 80

ولام الإبتداء ، کقولک: علمت لزید قائم . قال الله تعالی: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِی الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ . ولام القسم کقول الشاعر:

ولقد علمتُ لتأتینَّ مَنِیَّتی

إن المنایا لا تَطِیشُ سهامُها

والإستفهام کقولک: علمت أزید قائم .

وکذا إذا کان فیها إسم استفهام سواء کان جزءً من الجملة ، کقوله تعالی: وَلَتَعْلَمُنَّ أَیُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَی . أو لم یکن جزءً من الجملة کقوله تعالی: وَسَیَعْلَمُ أَلَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ . فأی منقلب منصوبة بینقلبون ، ولا یصح أن تکون منصوبة بیعلم ، لأن الإستفهام لا یعمل فیه ما قبله ، فتکون یعلم معلقة لما فیها من إسم استفهام .

وسمی هذا الإهمال تعلیقاً لأن فعل القلب فی قولک: علمت ما زیدٌ قائم، عاملٌ فی المحل ، بدلیل العطف علی محل الجملة بالنصب ، کقول کثیر:

وما کنت أدری قبل عَزَّةَ ما البُکا

ولا موجعاتِ القلب حتی تَوَلَّتِ

فعطف موجعات بالنصب علی محل جملة ما البکا ، مع أن أدری عُلقت عن العمل فیه بسبب الإستفهام .

ص: 81

ص: 82

الفصل الحادی عشر: الفاعل

اشارة

الفاعل: إسم صریح أو مؤول به ، أسند إلیه فعلٌ أو مؤول به ، مقدمٌ علیه بالأصالة . سواء کان واقعاً منه کقولک: ضرب زید عمراً ، أو قائماً به کقولک: علم زید ، ومات زید . لأن العلم والموت قائمان به .

ویدخل فی قولنا: أو مؤول به ، نحو: أن تخشع ، فی قوله تعالی: أَلَمْ یَأْنِ لِلَّذِینَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ ، فإنه فاعل ، لأنه تأویله: خشوع قلوبهم .

ویدخل فی قولنا: أو مؤول به ، مختلفٌ فی قوله تعالی: مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ ، فألوانه فاعل ، لأنه أسند إلیه مختلف وهو بمعنی: یختلف .

وخرج بقولنا: مقدم علیه ، نحو زید من قولک: زید قام ، فلیس بفاعل لأن الفعل المسند إلیه مؤخر عنه ، فهو مبتدأ والفعل خبر .

وخرج بقولنا بالأصالة ، نحو: زید من قولک: قائم زید ، فإن تقدیمه علیه لیس بالأصالة ، بل هو فی نیة التأخیر .

ص: 83

وخرج بقولنا: واقعاً منه ، نحو زید من قولک: ضُرب زید ، فإن الفعل المسند إلیه واقع علیه لا منه .

أحکام الفاعل

ذکر النحاة للفاعل عدة أحکام ، منها: أن یتقدم عامله علیه ولایتأخر عنه ، فلا یجوز فی: قام أخواک ، أن تقول: أخواک قام ، بل تقول: أخواک قاما ، فأخواک مبتدأ ، وقاما: فعل وفاعل ، والجملة منهما خبر .

ومنها: أن عامله لا تلحقه علامة تثنیة ولا جمع ، فلا یقال: قاما أخواک ولا قاموا إخوتک ، ولا قمن نسوتک . بل یقال فی الجمیع قام ، بالإفراد . ومن العرب من یلحقها بالعامل ، وقد روی عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه تکلم بها مع أحد فقال: یتعاقبون فیکم ملائکةٌ باللیل وملائکةٌ بالنهار .

ومنها: أن الفاعل إذا کان مؤنثاً لحقت عامله تاء التأنیث الساکنة ، إن کان ماضیاً ، أو المتحرکة إن کان وصفاً ، فتقول: قامت هند ، وزید قائمة أمه .

ویجوز إلحاق تاء التأنیث وحذفها فی أربع مسائل:

1. فی المؤنث المجازی ویقصدون به ما لا فرج له ، فتقول طلع الشمس ، قال الله تعالی: قَدْ جَاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ . وقال عز وجل: فَقَدْ جَاءَکُمْ بَیِّنَةٌ . وقال بعضهم: إن إلحاق التاء أفصح، ویرده أنه لایوجد فی القرآن غیر الأفصح .

ص: 84

2. أن یکون حقیقی التأنیث منفصلاً عن فاعله بغیر إلا، کقولک: حضرت القاضی امرأة ، ویجوز: حضر القاضی امرأة ، والأول أفصح .

3. أن یکون العامل نعم أو بئس، نحو: نعمت المرأة هند ونعم المرأة هند.

4. أن یکون الفاعل جمع تکسیر، نحو: جاء الزیود وجاءت الزیود . وجاء الهنود وجاءت الهنود . فمن أنَّثَ فعلی معنی الجماعة ، ومن ذَکَّر فعلی معنی الجمع . أما جمع التصحیح فحکمه حکم مفرده ، تقول: جاءت الهنداتُ بالتاء لا غیر ، وقام الزیدون بترک التاء لا غیر .

وذکر النحاة أنه یجب إلحاق التاء فی غیر ذلک ، کما إذا کان الفاعل مؤنثاً حقیقیاً غیر مفصول عن عامله ولا واقعاً بعد نعم أو بئس، کقوله تعالی: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ. أو کان الفاعل ضمیراً متصلاً کقولک: الشمس طلعت.

حذف الفاعل

یحذف الفاعل وجوباً فی أربعة مواضع:

الأول: فی قولک: ما قام إلا هند ، فقد أوجبوا فیه ترک التاء ، لأن ما بعد إلا لیس الفاعل ، بل هو بدل من فاعل مقدر قبل إلا ، وهو المستثنی منه وهو مذکر ، والتقدیر: ما قام أحد إلا هند .

والثانی: فاعل المصدر کقوله تعالی: أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذی مَسْغَبَةٍ . یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . تقدیره أوطعامه یتیماً .

ص: 85

والثالث: فی باب النیابة نحو: وقُضِیَ الأمْرُ . أصله: وقضی الله الأمر .

والرابع: فاعل أفعل فی التعجب اذ دل علیه مثله ، کقوله تعالی: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأبْصِرْ . أی وأبصر بهم ، فحذف بهم من الثانی لدلالة الأول علیه ، وهو فی موضع رفع فاعل عند الجمهور .

تأخر الفاعل عن الفعل

الأصل فی الفاعل أن یلی عامله ، وحق المفعول أن یأتی بعدهما ، قال الله تعالی: وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ ..

وقد یتأخر الفاعل عن المفعول جوازاً أو وجوباً ، فالجائز کقوله تعالی: وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ، وقول الشاعر:

جاء الخلافةَ أو کانت لهُ قدراً

کما أتی ربَّهُ موسی علی قَدَرِ

فلو قیل فی الکلام: جاء النذر آل فرعون ، لکان جائزاً ، لأن الضمیر حینئذ یکون عائداً علی متقدم لفظاً ورتبة ، وهو الأصل فی عود الضمیر .

أما تأخیر الفاعل وجوباً فکقوله تعالی: وَإِذِ ابْتَلَی إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ ، لأنک لو قدمت الفاعل فقلت: ابتلی ربه إبراهیم ، لزم عود الضمیر علی متأخر لفظاً ورتبة ، وذلک لا یجوز . وکذلک قولک: ضربنی زید ، لأنک لو قلت: ضرب زید إیای فصلت الضمیر مع التمکن من وصله ، وهو لا یجوز .

ص: 86

ویجب أیضاً تقدیم الفاعل إذا التبس بالمفعول کقولک: ضرب موسی عیسی ، فلو وُجدت قرینة معنویة تدل علیه نحو: أرضعت الصغری الکبری ، وأکل الکمثری موسی ، أو قرینة لفظیة کقولک: ضربت موسی سلمی ، وضرب موسی العاقل عیسی ، جاز تأخیره ، لانتفاء اللبس .

وقد یجب تقدیمه کقوله تعالی: أَیًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی ، فأیاً مفعول تدعو مقدم وجوباً لأنه شرط وله صدر الکلام ، وتدعو مجزوم به .

فاعل نعم وبئس

یجب فی فاعل نِعْمَ وبئس أن یکون إسماً معرفاً بأل ، نحو: نعم العبد ، أو مضافاً لما فیه أل ، کقوله تعالی: وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِینَ . فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ ، أو مضمراً مستتراً مفسراً بنکرة بعده منصوبة علی التمییز ، کقوله تعالی: بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً ، أی بئس هو أی البدل بدلاً .

وإذا استوفت نعم فاعلها الظاهر أو المضمر وتمییزه ، جئ بالمخصوص بالمدح أو الذم ، فقیل: نعم الرجل زید ، ونعم رجلاً زید . وإعرابه مبتدأ والجملة قبله خبر ، والرابط بینهما العموم الذی فی الألف واللام .

ولا یجوز بالإجماع أن یتقدم المخصوص علی الفاعل ، فلا یقال: نعم زید الرجل ، ولا علی التمییز خلافاً للکوفیین ، فلا یقال: نعمَ زیدٌ رجلاً . ویجوز بالاجماع أن یتقدم علی الفعل والفاعل نحو: زید نعم الرجل.

ص: 87

ویجوز أن تحذفه إذا دل علیه دلیل ، قال الله تعالی: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَابٌ . أی هو ، أی أیوب .

نائب الفاعل

قد یحذف الفاعل للجهل به أو لغرض آخر ، کقولک: سُرق المتاعُ . وقولهم: من طابت سریرتُه حُمدت سیرتُه ، وقوله تعالی: إِذَا قِیلَ لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِی الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا یَفْسَحِ اللهُ لَکُمْ وَإِذَا قِیلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا . وقول الشاعر:

وإن مُدت الأیدی إلی الزاد لم أکن

بأعجلهم إذ أجشعُ القوم أعجلُ

فحذف الفاعل فی ذلک کله لجهالته أو لغرض آخر ، وأقیم مقامه المفعول به وأخذ أحکامه ، فصار مرفوعاً بعد أن کان منصوباً ، وعمدةً بعد أن کان فضلةً ، وواجب التأخیر عن الفعل بعد أن کان جائز التقدیم ، ویؤنث له الفعل إن کان مؤنثاً ، تقول فی ضرب زید هنداً: ضُرِبَتْ هندٌ .

یکون نائب الفاعل إسماً غیر صریح

إذا لم یوجد مفعول للنیابة عن الفاعل ، فقد ینوب عنه المصدر أو الظرف أو الجار والمجرور ، تقول: جُلِسَ جلوس الأمیر ، وسِیرَ فرسخٌ ، وصِیمَ رمضان ، ومُرَّ بزید .

ص: 88

ویشترط فی الظرف والمصدر: أن یکون محدداً ولو بوصف ، کقولک: ضُرِبَ ضربٌ شدید ، وصیم زمنٌ طویل . ولایصح أن تقول: ضُرِبَ ضربٌ ، ولا صِیمَ زمنٌ ، ولا اعتُکف مکان ، لعدم اختصاصها .

کما یشترط أن لا یکون ممنوعاً من الصرف ، ولا منصوباً علی الظرفیة ، أو المصدریة ، أی مفعولاً مطلقاً ، فلا یجوز سبحانُ الله بالضم ، بقصد یُسَبَّحُ سبحانَ الله ، ولا: یجُاء إذا جاء زید ، علی أن إذا نائب الفاعل .

کما لا تصح نیابة المصدر والظرف والجار والمجرور ، إذا کان المفعول به موجوداً ، فلا تقول: ضُرب الیوم زیداً ، خلافاً للأخفش والکوفیین . واحتجوا بقراءة أبی جعفر: لِیُجْزَیَ قَوْماً بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ . وبقول الشاعر:

وإنما یرضی المنیبُ ربَّهْ

ما دام معنیاً بذکر قلبَهْ

فأقیم بما وبذکر مقام الفاعل ، مع وجود قوماً وقلبه . وأجیب عن البیت بأنه للضرورة ، وعن القراءة بأنها شاذة .

صیغة الفعل المبنی للمجهول

إذا حذف الفاعل تغیر الفعل من المبنی للمعلوم الی المبنی للمجهول ، فیُضم أوله ماضیاً کان أو مضارعاً ، ویُکسر ما قبل آخره فی الماضی ویفتح فی المضارع ، تقول ضُرب ویُضرب . وإذا کان أوله تاء ضُمَّ أوله وثانیه ،

ص: 89

تقول: تُعُلِّمَتِ المسألةُ . وإن کان أوله همزة وصل ضُمَّ أوله وثالثه ، تقول أُنْطُلِقَ بزید ، قال الله تعالی: فَمَنِ اضْطُرَّ ، وقال الهذلی:

سبقوا هَوِیَّ وأعنقوا لهواهمُ

فتُخُرِّمُوا ولکل جنبٍ مصرع

وإذا کان ماضیاً ثلاثیاً معتل الوسط نحو: قال وباع ، جاز لک فیه ثلاث لغات ، أفصحها کسر ما قبل الألف فتقلب یاء ، تقول: قِیلَ وبِیعَ . ویجوز إشمام الکسر شیئاً من الضم . ویجوز ضم أوله وقلب الألف واواً ، فتقول: قُولَ وبُوعَ . وهی لغة غیر مستعملة فی عصرنا .

الإشتغال

معنی الإشتغال عند النحویین: أن یتقدم الإسم ویکون عامله مشغولاً عنه بالعمل فی ضمیره ، أو بما یتعلق به ، کقولک: زیداً ضربته ، أو ضربت أخاه ، أو مررت به . فلو قلت: زیداً ضربتُ لما کان اشتغالاً ، لأن العامل لا یشغله شئ عن العمل فی زید ونصبه مفعولاً مقدماً .

وحکم الإسم المقدم فی حالة الإشتغال أنه یجوز رفعه بالإبتداء ، والجملة بعده فی محل رفع ، خبره . ویجوز نصبه مفعولاً بفعل محذوف مناسب فسره الفعل الموجود ، مثل: ضربتُ ، وأهنتُ ، وجاوزتُ ، وأمثالها .

وقد تورط النحاة فقالوا إن النصب أرجح إذا کان الفعل للطلب نحو: زیداً إضربه ، فواجههم إجماع القراء علی الرفع فی قوله تعالی: وَالسَّارِقُ

ص: 90

وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُمَا ، وقوله:الزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . بل فی قوله عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا . فحاولوا تعدیل قاعدتهم ، وقالوا إن الفعل عمل فیما یتعلق بالسارقَیْن ، ولیس فی ضمیرهما.. الخ.

لکن قولهم بترجیح النصب لا یصح ، لأن القرآن لیس فیه ما هو مرجوح ولا أقل فصاحة ، فلا بد أنهم لم یعرفوا وجه الرفع فی الآیتین .

بینما ورد النصب فی قوله تعالی: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ ، فقد یکون الرفع مرتبطاً بعلاقة العقوبة بالجرم ، أو بالمأمور بتنفیذ العقوبة ، أو بنوع الطلب.. الخ.

فالقدر المتیقن جواز الرفع والنصب ، ولا عبرة بترجیح النحویین لهذا ، أو لذاک .

متی یجب الرفع فی الإشتغال

قال ابن هشام: وأما وجوب الرفع ففیما إذا تقدم علی الإسم أداة خاصة بالدخول علی الجملة الإسمیة کإذا الفجائیة ، کقولک: خرجت فإذا زیدٌ یضربه عمرو ، فهذا لا یجوز فیه النصب لأنه یقتضی تقدیر الفعل ، وإذا الفجائیة لا تدخل إلا علی الجملة الإسمیة .

وأما الذی یستویان فیه فضابطه أن یتقدم علی الإسم عاطف مسبوق بجملة فعلیة ، مخبر بها عن إسم قبلها ، کقولک: زید قام أبوه وعمراً أکرمته . وذلک لأن (زید قام أبوه) جملة کبری ، أی فی ضمنها جملة ، وهی

ص: 91

إسمیة الصَّدر فعلیة العَجْز ، فإن راعیت صدرها رفعت عمرواً فعطفت جملة إسمیة علی إسمیة ، وإن راعیت عجزها نصبته فعطفت فعلیة علی فعلیة . فالمناسبة حاصلة علی کلا التقدیرین .

وأما الذی یترجح فیه الرفع فما عدا ذلک ، کقولک: زید ضربته ، قال الله تعالی: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا. أجمعت السبعة علی رفعه وقرئ شاذاً بالنصب. وإنما یترجح الرفع فی ذلک لأنه الأصل ولا مرجح لغیره . ولیس منه قوله تعالی: وَکُلُّ شَئْ فَعَلُوهُ فِی الزُّبُرِ ، لأن المعنی أن کل مافعلوه ثابت فی الزبر ، ولیس أنهم فعلوا کل شئ فی الزبر حتی یصح تسلیط الفعل علی ما قبله ، فالرفع هنا واجب لا راجح ، والفعل المتأخر صفة للإسم .

التنازع

معنی التنازع عند النحاة: أن یتقدم عاملان أو أکثر ، ویتأخر معمول أو أکثر ، یصلح کل منها لکل منها، کقوله تعالی: آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْرًا . فآتونی یحتاج إلی مفعول ثان ، وأفرغ یحتاج إلی مفعول ، وقطراً یصلح لکل منهما .

ومثال تنازع العاملین أکثر من معمول: ضرب وأکرم زید عمراً

ومثال تنازع أکثر من عاملین معمولاً واحداً: کما صلیت وبارکت وترحمت علی إبراهیم . فعلی إبراهیم ، مطلوب للعوامل الثلاثة .

ص: 92

ومثال تنازع أکثر من عاملین أکثر من معمول ، ما روی عنه (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) : تسبحون وتحمدون دُبُرَ کل صلاة ثلاثاً وثلاثین، وتکبرون أربعاً وثلاثین .

واختلف النحاة فی العامل الذی یجب أن یعمل ، فالکوفیون یُعملون الأول لسبقه ، والبصریون یُعملون الأخیر لقربه . وإن أعملتَ الأول أو الثانی أضمرتَ فی الآخر ما یحتاج الیه من عوامل تناسب الجملة .

هذا ، وقد نبه النحاة علی أنه لیس من التنازع قول امرئ القیس:

ولو أن ما أسعی لأدنی معیشةٍ

کفانی ولم أطلب ، قلیلٌ من المال

وذلک لأن المعنی : کفانی قلیلٌ من المال ، ولم أطلب الملک . وهو واضح .

ص: 93

ص: 94

الفصل الثانی عشر:المفعول وأنواعه

اشارة

الفاعل مرفوع أبداً ، والمفعول منصوب أبداً . وقالوا إن سبب ذلک أن الفاعل واحد والمفعول متعدد ، والنصب أخفُّ فجعلوه للمتعدد المتکرر .

والمفعول خمسة أنواع: المفعول به کضربت زیداً. والمفعول المطلق أو المصدر کضربت ضرباً . والمفعول فیه أو الظرف کصُمْتُ یوم الخمیس ، وجلست أمامک . والمفعول له کقمت إجلالاً لک . والمفعول معه ، کسرتُ والنِّیلَ .

ونقَّصَ الزجاج منها المفعول معه فجعله مفعولاً به ، لأنه التقدیرفیه: سرت وجاوزت النیل . ونقَّص الکوفیون منها المفعول له فجعلوه من باب المفعول المطلق مثل: قعدت جلوساً . وزاد السیرافی سادساً هو المفعول منه نحو: وَاخْتَارَ مُوسَی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً، لأن المعنی من قومه. وسمی الجوهری المستثنی مفعولاً دونه .

المفعول به

المفعول به: وقد عرفه ابن الحاجب بأنه: ما وقع علیه فعل الفاعل ، کضربت زیداً . وأُشْکِلَ علیه بقولک: ما ضربت زیداً ، ولا تضرب زیداً ، وأجاب بأن المراد بالوقوع تعلقه به بشکل ما . فهو إذن تعریف للغالب .

ص: 95

المنادی

جعل النحاة المنادی من المفعول به ، لأن قولک: یا عبد الله أصله: أدعو عبد الله . وهو تسامح ، لأن المنادی نوع مستقل فی معناه وأحکامه .

وینصب المنادی فی ثلاث حالات:

1. أن یکون مضافاً کقولک: یا عبد الله ، ویا رسول الله . قال الشاعر:

ألا یا عباد الله قلبی متیمٌ

بأحسن من صلی وأقبحهم بعلا

2. أن یکون شبیهاً بالمضاف ، وهو ما اتصل به شئ یتمم معناه ، إما إسم مرفوعٌ بالمنادی کقولک: یامحموداً فعله ، ویاحسناً وجهه ، ویا جمیلاً فعله ، ویا کثیراً بِرُّه . أو منصوبٌ به کقولک: یا طالعاً جبلاً . أو مجرورٌ بجار یتعلق به کقولک: یا رفیقاً بالعباد ، ویا خیراً من زید . أو معطوفٌ علیه قبل النداء کقولک: یا ثلاثةً وثلاثین ، لرجل سمیته بذلک .

3. أن یکون نکرة مطلقة،کقول الأعمی: یا رجلاً خذ بیدی، قال الشاعر:

فیا راکباً إما عرضتَ فَبَلِّغَنْ

ندامایَ من نجرانَ أنْ لا تلاقیا

ویبنی المنادی علی الضم أو علی ما یرفع به ، بشرطین: أن یکون مفرداً ومعرفة . ومعنی المفرد: أن لا یکون مضافاً ولا شبیهاً به . ومعنی المعرفة هنا یشمل العَلَم کزید وعمرو ، والمعیَّن بالنداء کرجل وإنسان ، عندما ترید بهما معیناً ، فتقول: یا زیدُ بالضم ، ویا زیدان بالألف ، ویا زیدون

ص: 96

بالواو ، قال الله تعالی: قَالُوا یَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا . یَا جِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُ . فنوح علم ، وجبال صارت معرفة بالنداء .

المنادی المضاف الی یاء المتکلم

یجوز فی المنادی المضاف إلی یاء المتکلم کغلامی ، ستة وجوه:

1. إثبات الیاء الساکنة ، کقوله تعالی: یَا عِبَادِی لا خَوْفٌ عَلَیْکُم .

2. حذف الیاء وإبقاء الکسرة دلیلاً علیها ، کقوله تعالی: یَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ .

3. ضم الحرف الذی کان مکسوراً لأجل الیاء وهی لغة ضعیفة ، حکوا من کلامهم: یا أمُّ لا تفعلی ، بالضم ، وقرئ: قَالَ رَبُّ احْکُمْ بِالْحَقِّ .

4.فتح الیاء ، قال الله تعالی: قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ .

5. یا غلاما ، بقلب الکسرة قبل الیاء فتحةً فتصیر الیاء ألفاً لتحرکها وانفتاح ما قبلها. قال الله تعالی: یَا حَسْرَتَی عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللهِ . یَا أَسَفَاً عَلَی یُوسُفَ .

6. حذف الألف وإبقاء الفتحة دلیلاً علیها ، کقول الشاعر:

ولست براجعٍ ما فات منی

بلهفَ ولا بلیتَ ولا لوَ انی

أما إذا کان المنادی المضاف إلی الیاء أباً أو أماً ، فیجوز فیه عشر لغات ، وهی الست المذکورة ، وأربعُ لغاتٍ أخر:

1. إبدال الیاء تاء مکسورة ، وبها قرأ السبعة (عدا ابن عامر): یَا أَبَتِ .

2. إبدالها تاء مفتوحة ، وبها قرأ ابن عامر: یَا أَبَتَ .

ص: 97

3. یا أبتا ، بالتاء والألف ، وبها قرئ شاذاً .

4. یا أبتی بالتاء والیاء . وهاتان اللغتان قبیحتان .

أما إذا کان المنادی مضافاً إلی مضاف إلی الیاء ، مثل یا غلام غلامی ، فلا یجوز فیه إلا إثبات الیاء مفتوحة أو ساکنة ، إلا ابن أم وابن عم ، فیجوز فیهما فتح المیم وکسرها . وقرأ السبعة بهما فی قوله تعالی: قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی . قَالَ یَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی .

ویجوز فیه لغتان قلیلتا الإستعمال: إثبات الیاء وقلبها ألفاً ، کقول الشاعر:

یا ابن أمی ویا شُقَیِّق نفسی

أنت خَلَّفتنی لدهرٍ شدید

وقال الشاعر: یا ابنة عما لا تلومی واهجعی .

حکم تابع المنادی

إذا کان المنادی مبنیاً ، وکان تابعه نعتاً أو تأکیداً أو بیاناً أو نَسَقاً بالألف واللام ، مفرداً أو مضافاً ، جاز فیه الرفع علی لفظ المنادی ، والنصب علی محله . تقول فی النعت: یا زیدُ الظریفُ بالرفع ، والظریفَ بالنصب .

وفی التأکید: یا تمیمُ أجمعون وأجمعین . وفی البیان: یا سعیدُ کُرْزِ وکُرْزاً . وفی النسق: یا زید والضحاک ، قال الشاعر:

فما کعب ابن مامة وابن أروی

بأجودَ منک یا عُمَرُ الجوادا

ص: 98

والقوافی منصوبة . وقال الله تعالی: یَا جِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُ وَالطَّیْرَ . وقرئ شاذاً والطیرُ . وتقول: یا زیدُ الحسنُ الوجه ، والحسنَ الوجه . وقال الشاعر:

یا صاحِ یا ذا الضَّامر العَنْسٍ

والرَّحل ذی الأقتاب والحَلْس

فإن کان تابع المنادی مضافاً ولیس فیه أل ، وجب نصبه علی المحل ، کقولک: یا زیدُ صاحبَ عمرو ، ویا زیدُ أبا عبد الله ، ویا تمیمُ کلکم أو کلهم ، ویا زید وأبا عبد الله .قال الله تعالی:قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.

وإن کان صفةً لأی وجب رفعه ، کقوله تعالی: یَا أَیُّهَا النَّاسُ. یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ .

وإن کان بدلاً أو نسقاً بغیر أل ، أخذ حکم المنادی ، تقول فی البدل: یا سعید کرزُ بضم کرز بغیر تنوین ، کما تقول یا کرزُ . ویا سعید أبا عبد الله بالنصب ، کما تقول یا أبا عبد الله . وفی النسق: یا زید وعمرو بالضم ، ویا زید وأبا عبد الله بالنصب . وکذا حکم البدل والنسق مع المنادی المعرب.

وإذا تکرر المنادی المفرد مضافاً نحو: یا زید زید الیعملات ، جاز فی الأول الضم بجعله منادی مفرداً ، ویکون الثانی عطف بیان بتقدیر أعنی ، أو منادی سقط منه حرف النداء . وجاز فیه الفتح لأن الأصل: یا زید الیعملات زید الیعملات . فحذف الیعملات من الثانی

لدلالة الأول علیه کما قال سیبویه ، وقال المبرد حذف من الأول لدلالة الثانی علیه .

ولا دلیل علی قول أی منهما .

ص: 99

ترخیم المنادی المعرفة

یجوز ترخیم المنادی بحذف آخره تخفیفاً. فإن کان آخره تاءً صح ترخیمه مطلقاً ، فتقول فی ثُبَة وهی الجماعة: یاثُبُ ، کما تقول فی عائشة: یا عَائشُ . وإن لم یکن مختوماً بالتاء فلا یصح ترخیمه إلا إذا کان علماً مبنیاً علی الضم وأکثر من ثلاثة أحرف ، تقول فی حارث وجعفر: یا حارِ ویا جعفُ ، ولا یجوز فی نحو عبد الله ، لأنه لیس مضموماً ، ولا فی إنسان مقصوداً به معین لأنه لیس علماً ، ولا فی نحو زید لأنه ثلاثی . وأجاز الفراء الترخیم فی حَکَم وحَسَن ، ونحوهما من الثلاثیات المحرکة الوسط .

والغالب أن یحذف من المنادی المرخم حرفٌ واحد ، وقد یحذف منه حرفان بشرط أن یکون ما قبل الحرف الأخیر زائداً ، ومعتلاً، وساکناً ، ویکون قبله ثلاثة أحرف فما فوقها ، نحو: سلمان ومنصور ومسکین علماً ، فتقول: یا سلمُ ویا منصُ ویا مسکُ ، وقال الشاعر فی مروان:

یامروُ إن مطیتی محبوسةٌ

ترجو الحباءَ وربُّها لم ییأس

وقال الآخر:

قفی فانظری یا أَسْمُ هل تعرفینه

أهذا المغیریُّ الذی کان یُذکر

ویجب الإقتصار علی حذف الحرف الأخیر فی نحو مختار علماً ، لأن المعتل أصلی والأصل: مُختِیر أو مختَیَر، فأبدلت الیاء ألفاً.وأجاز الأخفش حذفها.

ص: 100

وقد یکون المحذوف کلمة برأسها ، وذلک فی المرکب ترکیب مزج ، نحو معدی کرب وحضرموت ، تقول: یا معدی ویا حَضْرُ .

المستغاث به

من أقسام المنادی: المستغاث به، وهو المنادی لیُخَلِّص من شدة ، أو یُعین علی دفع مشقة . ولا یستعمل له من حروف النداء إلا (یا) خاصة .

والغالب استعماله مجروراً بلام مفتوحة ، فتقول: یا لَلمسلمین، ویا لَزید . واللام ومجرورها متعلقان بفعل محذوف عند ابن الصائغ وابن عصفور ، وینسب ذلک إلی سیبویه . وقال ابن خروف هی زائدة لا تتعلق بشئ . وعند ابن جنی متعلقان بیا لأن فیها معنی الفعل .

وإذا عطفت علی المستغاث وأعدت معه یا ، فتحت اللام ، قال الشاعر:

یا لَقومی ویا لَأمثال قومی

لأناسٍ عُتُوُّهم فی ازدیاد

وإن لم تُعد یا ، کسرت لام المعطوف ، کقول الشاعر:

یبکیک ناء بعید الدار مغتربُ

یا لَلکهول وللشبان لِلعجب

وللمستغاث به استعمالان آخران ، أحدهما: أن تُلحق آخره ألفاً فلا تَلْحَقُهُ حینئذ اللام من أوله ، وذلک کقول الشاعر:

یا یزیدَا لِآملٍ نیلَ عِزٍّ

وغنیً بعد فاقةٍ وهَوَانِ

ص: 101

والثانی: أن لاتدخل علیه اللام من أوله ولا الألف من آخره ، فیجری علیه حکم المنادی فتقول: یا زیدٌ لِعمرو ، بضم زید ، ویا عبدَ الله لِزید ، بنصب عبد الله ، قال الشاعر:

ألا یا قومِ للعجبِ العجیبِ

وللغَفَلات تَعْرُضُ للأریبِ

حکم المندوب

المندوب هو: المنادی المتفجع علیه ، أو المتوجع منه ، کقول المتنبی:

واحرَّ قلباه ممن قلبه شَبِمُ

ومَن بجسمی وحالی عنده سَقَمُ

ولا یستعمل فیه من حروف النداء إلا الواو غالباً ، وتختص به ، ویا ، إذا لم یلتبس بالمنادی . وحکمه حکم المنادی ، فتقول: وازیدُ بالضم ، وتقول: یاعبد الله بالنصب . ولک أن تلحق آخره ألفاً ، فتقول: وازیدا .

ولک أن تلحق بها هاء الوقف أو هاء السکت ، فتقول: وازیداه .

ویجب حذف هذه الهاء إذا وصلت الکلام إلا فی الضرورة کما مرَّ فی بیت المتنبی . وحینئذ تُضم تشبیهاً بهاء الضمیر ، أوتُکسرلالتقاء الساکنین .

المفعول المطلق

الثانی من المفاعیل المفعول المطلق: وهو مصدر فَضْلَةٌ تَسَلَّطَ علیه عامل من لفظه أو من معناه . کقوله تعالی: وَکَلَّمَ اللهُ مُوسَی تَکْلِیماً . وقولک: قعدت جلوساً ، وتألَّیْتُ حِلْفَةً. قال الشاعر :

ص: 102

تَألَّی ابنُ أوس حِلْفَةً لیردنی

إلی نسوة کا أنهن مفائد

وذلک لأن الإلیة هی الحلف ، والقعود هو الجلوس .

ولیس من باب المفعول المطلق قولک: کلامک کلام حسن ، وقول العرب: جَدَّ جِدُّه ، وإن کان عامله من لفظه ، لأن کلام الثانیة وجِدَّهُ عمدةٌ فی الکلام ولیسا فضلة ، أی إضافة . وقد قلنا إن عامله من لفظه علی مذهب سیبویه فی أن عامل الرفع فی الخبر هو المبتدأ .

المفعول المطلق النائب عن المصدر

وقد تنصب کلمات علی المفعول المطلق ولیست مصدراً ، بل نائبة عن المصدر ، مثل کل وبعض مضافین إلی المصدر ، کقوله تعالی: فَلا تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ . وَلَوْ تَقَوَلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ . والعدد نحو: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِینَ جَلْدَةً فثمانین مفعول مطلق وجلدةً تمییز . وأسماء الآلات نحو: ضربته سوطاً ، أو عصاً ، أو مِقْرَعَةً .

ولا تنوب عن المصدر صفته نحو: وَکُلا

مِنْهَا رَغَدًا ، خلافاً للمعربین زعموا أن الأصل أکلاً رغداً فحذف الموصوف ونابت عنه صفته فنصبت. ومذهب سیبویه أنها حال من مصدر الفعل المفهوم منه ، والتقدیر: فکلا حالة کون الأکل رغداً ، ویدل عیه أنهم یقولون: سِیرَ علیه طویلاً ، فیقیمون الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولا یقولون طویلٌ بالرفع ، فدل علی أنه حالٌ لا مصدر ، وإلا لجازت إقامته مقام الفاعل کالمصدر .

ص: 103

المفعول له

الثالث من المفاعیل: المفعول له ویسمی المفعول لأجله ومن أجله . وهو کل مصدر مُعَلَّل لحدث مشارک له فی الزمان والفاعل . کقوله تعالی: یَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِی آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ . فالحذر مصدر منصوب ، ذُکر علةً لجعل الأصابع فی الآذان ، وزمنه وزمن الجعل واحد ، وفاعلهما أیضاً واحد وهم الکافرون . فلما استوفی هذه الشروط ، انتصب .

فلو فقد المعلل شرطاً من هذه الشروط وجب جرُّهُ بلام التعلیل ، فمثال مافقد المصدریة قوله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعاً ، فإن المخاطبین هم العلة فی الخلق ، وقد خفض ضمیرهم باللام ، لأنه لیس مصدراً . وکذلک قول امرئ القیس:

ولو أن ما أسعی لأدنی معیشة

کفانی ولم أطلب قلیلٌ من المال

فأدنی أفعل تفضیل ولیس مصدراً ، فلهذا جاء مخفوضاً باللام .

ومثال ما فقد اتحاد الزمان قول الشاعر:

فجئت وقد نَضَّتْ لنومٍ ثیابها

لدی الستر إلا لِبْسَةَ المتفضِّل

فإن النوم وإن کان علة فی خلع الثیاب لکن زمن الخلع سابق علیه .

ومثال ما فقد اتحاد الفاعل قول الشعر:

وإنی لتعرونی لذکراک هَزَّةٌ

کما انتفض العصفورُ بلَّلَهُ القَطْرُ

ص: 104

فإن الذکری علة عُرُوِّ الهزة وزمنها واحد ، لکن فاعل العُرُوّ الهزة وفاعل الذکری المتکلم، فالمعنی: لذکری إیاک . فاختلف الفاعل وخفض باللام . وعلی هذا جاء قوله تعالی: لِتَرْکَبُوهَا وَزِینَةً ، فإن ترکبوها بتقدیر لأن ترکبوها ، وهو علة لخلق الخیل والبغال والحمیر ، وجئ به مقروناً باللام لاختلاف الفاعل، لأن فاعل الخلق هو الله تعالی وفاعل الرکوب بنو آدم. ونصب زینةً ، لأن فاعل الخلق والتزیین هو الله تعالی .

المفعول فیه أو ظرف المکان والزمان

الرابع من المفعولات: المفعول فیه ، وهو الظرف أو إسم الزمان والمکان الذی یأتی بمعنی: فی ، کقولک: صمت یوم الخمیس ، وجلست أمامک . فلیس من الظرف یوماً وحیثُ ، فی قوله تعالی: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا یَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِیرًا . وقوله تعالی: اللهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ، لأنهما لیسا بمعنی فی ، بل المعنی یخافون نفس الیوم ، ویعلم الله تعالی نفس المکان المناسب لوضع الرسالة ، ولهذا أعربا مفعولاً به ، وحیثُ منصوب بفعل یعلم المقدر . ولیس منهما أیضاً نحو: (أن تنکحوهن) من قوله تعالی: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْکِحُوهُنَّ ، لأنه بمعنی فی ، لکنه لیس زماناً ولا مکاناً .

نصب أسماء الزمان والمکان علی الظرفیة

جمیع أسماء الزمان تقبل النصب علی الظرفیة ، لا فرق فیها بین المختص والمعدود والمبهم . والمختص: ما یقع جواباً لمتی ، کأن تقول یوم الخمیس .

ص: 105

والمعدود: مایقع جواباً ل (کم) کالأسبوع والشهر والحول . والمبهم: ما لا یقع جواباً لشئ منهما ، کالحین والوقت .

أما أسماء المکان فلا ینصب منها علی الظرفیة إلا المبهم وهو ثلاثة أنواع:

1.أسماء الجهات الست وهی: فوق وتحت وأعلی وأسفل ویمین وشمال وذات الیمین وذات الشمال ووراء وأمام . وما بمعناها ، کعند ولدی .

قال الله تعالی: وَفَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ . قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیًّا . وَالرَّکْبُ أَسْفَلَ مِنْکُمْ . وَتَرَی الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذَاتَ الْیَمِینِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ . وَکَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِکٌ .

2. أسماء مقادیر المساحات ، کالفرسخ والمیل والبرید .

3. ما کان مصوغاً من مصدر عامله ، کقولک: جلست مجلس زید ، فالمجلس مشتق من الجلوس الذی هو مصدر لعامله وهو جلست . قال الله تعالی: وَأَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ . ولو قلت: ذهبت مجلس زید أو جلست مذهب عمرو ، لم یصح ، لاختلاف مصدره ومصدر عامله.

المفعول معه

الخامس من المفعولات: المفعول معه ، وهو ما جاء بعد الواو وقصد به المعیة ، وسبقه فعل أو ما فیه حروفه ومعناه .

ص: 106

ولیس منه المنصوب بعد الواو فی قولک: لا تأکلِ السمکَ وتشربَ اللبن لأن معناه الجمع أی لا تفعل هذا مع فعلک هذا ، فلایسمی مفعولاً معه .

ولیس منه الجملة الحالیة فی نحو: جاء زیدٌ والشمسُ طالعةٌ ، وإن کان معناه جاء زید مع طلوع الشمس ، إلا أنه جملة ولیس مفرداً .

ولیس منه ما بعد الواو فی نحو: إشترک زید وعمرو ، فإن المفعول معه فضلة ، وهذا عمدة ، أی لایستغنی عنه فلا یقال: إشترک زید .

وشرط المفعول معه أن یکون مسبوقاً بفعل کقولک: سرتُ والنیلَ . وقوله تعالی: فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَشُرَکَاءَکُمْ . أو بما فیه معنی الفعل وحروفه ، کقولک: أنا سائرٌ والنیلَ . فلا یجوز النصب فی قولهم: کل رجل وضیعته خلافاً للصیمری ، لأنه لیس فیه فعلٌ ولا ما فیه معنی الفعل .

وکذا لا یجوز: هذا لک وأباک ، بالنصب ، لأن اسم الإشارة وإن کان فیه معنی الفعل وهو أشیر ، لکن لیس فیه حروفه .

حکم الإسم بعد الواو

للإسم الواقع بعد الواو المسبوقة بفعل أومعناه ، ثلاث حالات:

إحداها: وجوب نصبه مفعولاً معه ، إذا کان العطف ممتنعاً لمانع معنوی أو نحوی ، کقولک: لا تَنْهَ عن القبیح وإتْیَانَه . أی مع إتیانه ، فلو عطفته للزم التناقض . وکقولک: قمتُ وزیداً ، لأنه لا یجوز العطف علی الضمیر المرفوع المتصل إلا بعد توکیده بمنفصل ، کقوله تعالی: لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ

ص: 107

وَآبَاؤُکُمْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ . وکذا فی مثل قولک: مررت بک وزیداً ، لأنه لا یجوز العطف علی الضمیر المخفوض إلا بإعادة الخافض ، کقوله تعالی: وَعَلَیْهَا وَعَلَی الْفُلْکِ تُحْمَلُونَ . وقد أجاز ذلک بعضهم .

والثانیة: رجح ابن هشام فی قولک: کن أنت وزیداً کالأخ ، نصبه مفعولاً معه ، لأنک لو عطفت زیداً علی ضمیر کن لزم أن یکون زید مأموراً ، وأنت لا ترید أن تأمره ، وإنما ترید أن تأمر مخاطبک ، قال الشاعر:

فکونوا أنتمُ وبنی أبیکم

مکان الکُلیتین من الطَّحال

ثم ذکر ابن هشام أنه لایصح أن تقول: کالأخوین ، لأن ما بعد المفعول معه یجب أن یطابق الطرف الذی قبله ولیس الطرفین ، وهو مقتضی السماع والقیاس، وقیل إن الأخفش أجاز مطابقتهما قیاساً علی العطف . ومع ذلک جَوَّزَ ابن هشام العطف وإن رجَّح النصب علی المفعول معه . والصحیح أنه یجب هنا النصب ولایجوز العطف لأنه معنی غیر مقصود .

والثالثة: وجوب العطف وعدم جواز النصب علی المفعول معه ، وذلک إذا أمکن العطف بغیر ضعف فی اللفظ ولا فی المعنی ، نحو: قام زید وعمرو ، لأن العطف هو الأصل ولا مضعف له ، فیجب .

والعجیب أن ابن هشام جعل العطف هنا راجحاً ولم یوجبه ! ولعله یقصد بتضعیف المفعول معه وترجیح العظف ، وجوبه .

ص: 108

الفصل الثالث عشر: الأسماء التی تعمل عمل أفعالها

اشارة

یعمل عمل فعله سبعةُ أسماء منها: هیهات بمعنی: بَعُدَ ، وصَهْ بمعنی أسکت ، وَوَیْ بمعنی: أعجبُ .

1- اسم الفعل

ویکون للماضی کهیهات بمعنی بعد ، قال الشاعر:

فهیهاتَ هیهاتَ العقیقُ ومَنْ به

وهیهاتَ خِلٌّ بالعقیق نواصله

ویکون إسم فعل أمر ، کصَهْ ، بمعنی أسکت ، وفی الحدیث: إذا قلت لصاحک والإمام یخطب: صَهْ ، فقد لغوت .

ویکون إسم مضارع ، نحو وَیْ بمعنی أعجب ، قال تعالی: وَیْکَأَنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکَافِرُونَ . أی أعجب لعدم فلاحهم . ویقال فیه: وَا ، قال الشاعر:

وا بأبی أنت وفوک الأشنبُ

کأنما ذُرَّ علیه الزَّرْنَبُ

وواهاً ، قال الشاعر :

واهاً لسلمی ثم واهاً واهَا

یا لیت عیناها لنا وفاها

ص: 109

ومن أحکام إسم الفعل: أنه لا یتأخر عن معموله ، فلا یجوز أن تقول: زیداً علیک ، تقصد: علیک زیداً ، وقد أجازه الکسائی محتجاً بقوله تعالی: کِتَابَ اللهِ عَلَیْکُمْ ، قال معناه علیکم کتاب الله ، أی إلزموه .

ومنعه البصریون وقالوا إن کتاب الله مصدر محذوف العامل ، والتقدیر: کَتَبَ اللهُ ذلک کتاباً علیکم .

ومن أحکامه: أنه إذا دل علی الطلب جاز جزم المضارع فی جوابه ، تقول: نزال نحدثْک بالجزم ، کما تقول: إنزل نحدثْک ، وقال الشاعر:

وقولی کلَّمَا جَشَأتْ وجَاشَتْ

مکانَک تُحمدی أو تَستریحی

فمکانک فی الأصل ظرف مکان ، ثم جعل إسماً للفعل ومعناه: أثبتی. وقوله تُحمدی مضارع مجزوم فی جوابه ، وعلامة جزمه حذف النون .

ومن أحکامه أن الفعل بعد الفاء لاینصب فی جوابه ، فلا یصح: مکانِک فتُحمدی ، وصَهْ فتُحدثُک ، خلافاً للکسائی . بل فتحمدین ونحدثُک .

2- المصدر

اشارة

الثانی من الأسماء العاملة عمل الفعل، المصدر: وقد یضاف الی الفاعل کقوله تعالی: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ . وَأَکْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ . أویضاف الی المفعول ، کقول الشاعر:

ألا إن ظلمَ نفسه المرءُ بیِّنٌ

إذا لم یَصُنْهَا عن هَویً یغلب العقلا

ص: 110

وقول الشاعر ، کما فی کتاب سیبویه:

تنفی یداها الحصی فی کل هاجرةٍ

نفیَ الدراهیم تِنْقَادَ الصَّیاریف

وقد یکون المصدر منوناً وإعماله أقیس من إعمال المضاف ، لأنه یشبه الفعل بالتنکیر ، کقوله تعالی: أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذی مَسْغَبَةٍ . یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . تقدیره: أو أن یطعم فی یوم ذی مسغبة یتیماً .

وقد یکون المصدر العامل معرفاً بأل ، وإعماله شاذ ، کقول الشاعر:

عجبتُ من الرزق المسئ إلُههُ

ومن ترک بعض الصالحین فقیرا

أی عجبت من أن رَزَق المسئَ إلهُه ، ومن أن تَرَکَ بعض الصالحین فقیراً.

شروط عمل المصدر

استنبط النحاة من استقرائهم للعربیة ، ثمانیة شروط لعمل المصدر:

1. أن یصح أن تقدیره بفعل مع أن أو مع ما ، کقولک: أعجبنی ضربک زیداً ، ویعجبنی ضربک عمراً . فیصح أن تقول مکانه: أعجبنی أن ضربت زیداً ، ویعجبنی أن تضرب عمراً . وقولک: یعجبنی ضربک زیداً الآن ، لأنک تقدر مکانه الفعل وما المصدریة فتقول: یعجبنی ما تضرب . قال تعالی: بِمَا رَحُبَتْ . أی برحبها . وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ . أی عَنَتَکُم .

ص: 111

بینما لایصح فی قولک: ضرباً زیداً ، أن تجعل المصدر عاملاً وزیداً مفعوله ، لأن المصدر حلَّ محل الفعل وحده بدون حرف مصدری . فیکون زیداً منصوباً بفعل محذوف هو الناصب للمصدر ، أی: إضرب زیداً ضرباً .

کما لاتستطیع أن تقدر المصدر فی نحو: مررت بزید فإذا له صوتٌ صوتَ حمار ، فصوت الثانی لا یصح نصبه بصوت الأول ، لأن المعنی یأبی أن یحل محل الأول فعلٌ مع حرف مصدری ولا بدونه ، لأن المراد أنک مررت به وهو فی حالة تصویته ، لا أنه أحدث التصویت عند مرورک به .

2. أن لایکون مصغراً ، فلا یجوز: أعجبنی ضُرَیْبُک زیداً .

وقاس بعضهم علیه المصدر المجموع فمنع إعماله ، لأن کلاً منهما یختلف عن الفعل . وأجاز إعماله کثیر من النحاة ، واستدلوا بنحو قول الشاعر:

وعدتَ وکان الخُلْفُ منک سجیةَ

مواعیدَ عُرْقٌوبٍ أخاه بیثربِ

3. أن لا یکون مضمراً ، فلا تقول ضربی زیداً حسن، وهو عمراً قبیح . وأجاز ذلک الکوفیون واستدلوا بقول زهیر بن أبی سلمی:

وما الحربُ إلا ما علمتمْ وذقتمُ

وما هو عنها بالحدیث المُرَجَّمِ

أی: وما الحدیث عنها بالحدیث المرجم ، قالوا (عنها) متعلق بالضمیر وهذا البیت نادر قابل للتأویل ، فلا تبنی علیه قاعدة

4. أن لا یکون محدوداً ، فلا تقول: أعجبنی ضربتک زیداً . وشذ قوله:

ص: 112

حابی به الجَلْدُ الذی هو حازمٌ

بضربة کفیهِ الملا نفسَ راکب

فأعمل الضربة فی الملا ، ونفس راکب مفعول لیحابی . ومعناه أنه عدل عن الوضوء إلی التیمم ، وسقی الراکب ماء وضوئه فأحیا نفسه .

5. أن لا یکون موصوفاً قبل العمل ، فلا یقال: أعجبنی ضربک الشدید زیداً ، فإن أخرت الشدید جاز ، قال الشاعر:

إن وجدی بک الشدیدَ أرانی

عاذراً فیک من عهدت عذولا

6. أن لایکون محذوفاً ، وبهذا ردوا من قال فی: مالَکَ وزیداً ، تقدیره وملابستک زیداً ، ومن قال إن تقدیر البسملة: ابتدائی بسم الله ثابت ، فحذف المبتدأ والخبر وأبقی معمول المبتدأ . وجعلوا من الضرورة قوله:

هل تذکرن إلی الدیرین هجرتکم

ومسحکم صلبکم رحمان قربانا

بتقدیر: وقولکم یا رحمن قرباناً.

7. أن لا یکون مفصولاً عن معموله ، ولهذا لم یرتضوا أن تکون یوم تبلی السرائر فی قوله تعالی: إِنَّهُ عَلَی رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . یَوْمَ تُبْلَی السَّرَائِرُ ،

معمولاً لرجعه لأنه فصل بینهما بالخبر .

8. أن لا یکون مؤخراً عنه ، فلا یجوز: أعجبنی زیداً ضربک . وأجاز السهیلی تقدیم الجار والمجرور واستدل بقوله تعالی: لا یَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً.

وقولهم: اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً .

ص: 113

3- إسم الفاعل

الثالث من الأسماء التی تعمل عمل فعلها: إسم الفاعل، وهو الوصف الدال علی الفاعل کضارب ومکرم . فإن کانت معه أل عمل مطلقاً، ماضیاً کان أو حالاً أو مستقبلاً ، تقول: جاء الضارب زیداً أمس ، أو الآن أو غداً ، لأنه حلَّ محل الفعل ضرب فی الماضی ویضرب فی غیر الماضی . والفعل یعمل فی جمیع الحالات . قال امرؤ القیس:

القاتلین الملک الحَلاحِلا

خیرَ مَعَدٍّ حَسَباً ونائلا

وإن کان مجرداً من ألْ عمل بشرطین:

الأول: أن یکون للحال أو الإستقبال ، وخالف الکسائی وهشام وابن مضاء ، فأجازوا إعماله إن کان للماضی ، واستدلوا بقوله تعالی: وکلبهم باسط ذراعیه بالوصید . وأجیب بأن الجملة هنا حالیة أی الآن باسط یدیه ویصح أن تقول: وکلبهم یبسط ذراعیه ، وهی جملة حالیة ، ولأن الله تعالی قال: وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْیَمِینِ ، ولم یقل وقلبناهم .

الشرط الثانی:أن یعتمد علی نفی أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف کقوله:

خلیلیَّ ما وافٍ بعهدیَ أنتما

إذا لم تکونا لی علی من أقاطع

فأنتما فاعل بواف لاعتماده علی النفی . ومثال الإستفهام قوله:

أقاطنٌ قوم سلمی أم نَوَوْا ظَعَناً

إن یظعنوا فعجیبٌ عیش من قطنا

ص: 114

ومثال اعتماده علی المخبر عنه ، قوله تعالی: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ .

ومثال اعتماده علی الموصوف:مررت برجل ضارب زیداً، وقول الشاعر:

إنی حلفت برافعین أکفهم

بین الحطیم وبین حوضی زمزم

وذهب الأخفش إلی أنه یعمل وإن لم یعتمد علی شئ ، واستدل بقوله:

خبیرٌ بنو لِهبٍ فلاتک مُلغیاَ

مقالة لِهبْیٍّ إذا الطیر مرتِ

خبیرٌ بنو لِهبٍ فلاتک مُلغیاَ

مقالة لِهبْیٍّ إذا الطیر مرتِ

فبنو لهْب فاعل بخبیر مع أن خبیراً لم یعتمد. وأجیب: بأنا نحمله علی التقدیم والتأخیر ، فبنو لهب مبتدأ وخبیر خبره .

ورُدَّ بأنه لایُخبر بالمفرد عن الجمع . وأجیب بأن وزن فعیل قد یستعمل للجماعة ، کقوله تعالی: وَالْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ .

4- أمثلة المبالغة

الرابع مما یعمل عمل فعله: أمثلة المبالغة ، وهی خمسة: فَعَّال وفَعُول وفَعِیل وفَعِل . قال الشاعر:

أخا الحرب لَبَّاساً إلیها جِلابَها

ولیس بِوَلاجِ الخوالفِ أعقلا

وقال الآخر:

ضَروبٌ بنصل السیف سُوقَ سِمانها

إذا عُدموا زاداً فإنک عاقرُ

وقالوا: إنه لمِنْحَارٌ بَوائکَها . والله سمیعٌ دعاءَ من دعاه . وقال الشاعر:

ص: 115

أتانی أنهم مَزِقُونَ عِرضی

جِحَاشُ الکِرْمِلِینَ لها فَدَیدُ

والثلاثة الأولی أکثر استعمالاً ، وکلها تقتضی تکرار الفعل ، فلا یقال ضرَّابٌ لمن ضرب مرة واحدة ، وکذا الباقی .

وحکم أمثلة المبالغة وشروطها کإسم الفاعل سواء، وإعمالها قول سیبویه وأصحابه ، وحجتهم السماع وأنها محولة عن إسم الفاعل للمبالغة.

ولم یُجز الکوفیون إعمال شئ منها لمخالفتها أوزان المضارع ومعناه ، وحملوا نصب الإسم بعدها علی تقدیر فعل ، ومنعوا تقدیمه علیها .

ویرد علیهم قول العرب: أما العسلَ فأنا شرَّابٌ .

ولم یُجز بعض البصریین إعمال فعیل وفعل ، وأجاز الجرمی إعمال فَعِل لأنه علی وزن الفعل ، کعَلِمِ وفَهِمٍ .

وینبغی أن نُنبه هنا: الی أن تسمیتهم لها بأمثلة المبالغة فیه ضعف ، فقصدهم أن الضرَّاب والأکول والشریف یتصفون بهذه الصفات بدرجة عالیة مُرَکَّزة ، فسموها صفات مبالغة ، لأن معنی بالغ أن یبلغ الشخص من العمل جهده ومن الصفة درجة عالیة ، لکن المبالغة فی عرف الناس تشمل الکذب فأوهمت تسمیتهم بأن أمثلة المبالغة لامصداقیة لها ، وهو خطأ. (راجع کتاب العین للخلیل:4/421، وغریب الحدیث للحربی:1/310، و:2/407، والصحاح:4/1316، وشرح الرضی للشافیة:4/240، ولسان العرب:8/419، وفیه: والمبالغة: أن تبلغ فی الأمر جهدک . ویقال: بلغ فلان أی جَهِد ، قال الراجز :

إن الضباب خضعت رقابها للسیف لما بلغت أحسابها . أی مجهودها ).

ص: 116

5- إسم المفعول

الخامس مما یعمل عمل فعله ، إسم المفعول: کمضروب ومُکرم ، وهو کاسم الفاعل فی أنه لا یعمل إلا بشرط اعتماده علی (أل) أو علی نفی وشبهه . تقول: جاء المضروبُ عبدُه ، فترفع العبد بمضروب علی أنه قائم مقام فاعله ، سواء قصدت الماضی أو الحال أو الإستقبال ، لأن فیه (أل).

لکن لاتقول: زیدٌ مضروبٌ عبدُه ، إن أردت الحال أو الإستقبال . ولا تقول: مضروب عبدُه وأنت ترید الماضی ، خلافاً للکسائی . ولا تقول: مضروب الزیدان ، لعدم اعتماده علی نفی وشبهه ، خلافاً للأخفش .

أقول: هذا رأی ابن هشام وابن عقیل وغیرهما، لکنه أمرٌ سماعی ، یکفی فیه شهادة مثل الکسائی بأن العرب یعملونه للماضی بدون اعتماده علی أل ونفی وشبهه .

6- الصفة المشبهة

النوع السادس من الأسماء التی تعمل عمل فعلها: الصفة المشبهة باسم الفاعل ، وهی الصفة المصوغة لإفادة نسبة الحدث إلی موصوفها لغیر تفضیل ، ودون إفادة حدوث ولا استمرارٍ وتجدد ، مثل حسن ، فی قولک: مررت برجل حسن الوجه ، فحسنٌ صفة ، لأنها تدل علی حدث وصاحبه ولم تُصَغْ للتفضیل ، کما هو الحال فی: أفضل وأعلم وأکثر .

1. ذکر ابن هشام أن صیغة الصفة المشبهة تخالف إسم الفاعل وحرکات المضارع غالباً ، وأن معمولها لا یتقدم علیها فلا تقول: زیدٌ وجهَه حسن ، بنصب الوجه ، ویجوز فی إسم الفاعل أن تقول: زیدٌ أباه ضارب . وعلل

ص: 117

ذلک بأن الصفة المشبهة ضعیفة ، لأنها فرعٌ عن إسم الفاعل ، بینما إسم الفاعل قوی ، لأنه فرعٌ عن أصل هو الفعل .

2. وذکر أن معمول الصفة المشبهة لا یکون إلا سببیاً متصلاً بضمیر الموصوف ، نحو: مررت برجل حسنٍ وجهُه ، أو بما یقوم مقام ضمیره، نحو: مررت برجل حسنِ الوجه، لأن أل قائمة مقام الضمیر المضاف إلیه.

أو مقدراً معه ضمیر الموصوف ، نحو: مررت برجل حسن وجهاً ، ولا تقول: مررت برجل حسن عمراً .

وکل هذا بخلاف إسم الفاعل فإن معموله یکون سببیاً وأجنبیاً ، نحو: مررت برجل ضارب عمراً.

3. وقد یکون معمول الصفة مرفوعاً نحو: مررتُ برجل حسن وجهُه، فهو مرفوع علی الفاعلیة أو الإبدال من ضمیر مستتر فی الوصف ، قال تعالی: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ . ففی مفتحة ضمیر مرفوع نائب عن الفاعل ، والأبواب بدل منه ، بدل بعض من کل .

4. وقد یکون معمولها منصوباً ، فإن کان نکرةً فنصبه علی التمییز وهو الأرجح ، أو التشبیه بالمفعول به . وإن کان معرفة کان منصوباً علی التشبیه بالمفعول به فقط ، لأن التمییز لا یکون معرفة .

5. وقد یُجر معمولها بالإضافة، تقول: زید حسنُ الوجه ، وحسنُ وجهٍ .

ص: 118

6. اختلفوا فی الصفة المشبهة، هل هی قیاسیة تصاغ من الأفعال المتعدیة کإسم الفاعل ، أو تصاغ من إسم الفاعل ، أم سماعیة یقتصر فیها علی السماع من العرب ، فذهب عدد منهم ابن مالک الی أنها قیاسیة ، فیمکن أن تصوغها من أی فعل متعد ، قال:

صفةٌ استُحْسِنَ جَرُّ فاعلِ

معنیً بها المُشْبِهَةُ اسمِ الفاعل

صفةٌ استُحْسِنَ جَرُّ فاعلِ

معنیً بها المُشْبِهَةُ اسمِ الفاعل

وصوْغُها من لازمٍ لحاضر

کطاهر القلب جمیل الظاهر

وقال الرضی فی شرح الشافیة: (3/433): (صیغ الصفة المشبهة لیست بقیاسیة کإسم الفاعل وإسم المفعول ، وقد جاءت من الألوان والعیوب الظاهرة قیاسیة ، کأسود وأبیض وأدعج وأعور علی وزن أفعل. وإنما عملت الصفة المشبهة وإن لم توازن صیغها الفعل ، ولا کانت للحال والإستقبال وإسم الفاعل یعمل لمشابهته الفعل لفظاً ومعنی ). وهو رأیٌ قوی .

7. سماها النحاة الصفة المشبهة باسم الفاعل ، وقالوا إنها محولة عنه أو مشتقة منه ، فضرَّاب مشتقة من ضارب . لکن یردُّ ذلک کثیر منها کحسن وجمیل ، فلیسا مشتقین من حاسن وجامل .

قال ابن هشام: وإنما سمیت هذه الصفة مشبهة لأنها کان أصلها أنها لا تنصب ، لکونها مأخوذة من فعل قاصر أی إسم الفاعل ، فهی مباینة للفعل تؤنث وتثنی وتجمع ، فتقول: حسن وحسنة وحسنان وحسنتان وحسنون وحسنات، کما تقول فی إسم الفاعل: ضارب وضاربة وضاربان

ص: 119

وضاربتان وضاربون وضاربات ، وهذا بخلاف اسم التفضیل کأعلم وأکثر ، فإنه لا یثنی ولا یجمع ولا یؤنث ، أی فی غالب أحواله ، فلهذا لا یجوز أن یشبه باسم الفاعل .

وزعم ابن هشام أن إسمی الفاعل والمفعول بعکسها یفیدان الحدوث والتجدد ، مع أن ضاربٍ ومضروب ، لا یدلان علی تجدد الضرب !

کما لادلیل علی أن الصفة المشبهة محولة أو مشتقة من الفاعل ، فهی قسمٌ مستقل ، یشترک مع إسم الفاعل ویفترق عنه .

هذا ، وفی الصفة المشبهة مسائل مهمة، بحثها علماء اللغة وأصول الفقه .

7- أفعل التفضیل

اشارة

النوع السابع من الأسماء التی تعمل عمل أفعالها: إسم التفضیل ، وعرفوه بأنه صفة تدل علی المشارکة والزیادة ، کأفضل وأعلم وأکثر . والصحیح أنه لایدل علی المشارکة دائماً فقد یستعمل لتأکید الوصف فی المفضل فقط .

قال الحر العاملی

(رحمه الله) فی : الإثنا عشریة/151: ( أما التفضیل فقد استعمل کثیراً مع عدم المشارکة). وقال الحموی فی معجم الأدباء: 1/56: ( لما قال الفرزدق:

إن الذی سَمَک السماءَ بنی لنا

بیتاً دعائمُه أعَزُّ وأطوَلُ

قال بعض الحاضرین: أعز وأطول من ماذا؟ فتفکر الفرزدق فوافق ذلک قول المؤذن فی الآذان: الله أکبر، فرفع رأسه فقال:یافلان أکبر من ماذا ؟)!

ص: 120

وروی ابن عطیة (4/335) فی تفسیر قوله تعالی: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْه ، عن ابن عباس والربیع بن خیثم: المعنی وهو هین . راجع: شرح ابن عقیل:2/182.

لهذا ، نقول إن الصحیح أن التفضیل یدل علی المشارکة وزیادة غالباً ، لا دائماً .

لأفعل التفضیل أربع استعمالات

1. ففی الحالة الأولی یستعمل مفرداً مذکراً بعده مِن ، کقولک: زید أفضل من عمرو. وکذا الزیدان ، والزیدون ، وهند ، والهندان ، والهندات فی کلها بصیغة المفرد .قال الله تعالی: إِذْ قَالُوا لَیُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَی أَبِینَا مِنَّا. وقال تعالی: قُلْ إِنْ کَانَ آبَاؤُکُمْ وَأَبْنَاؤُکُمْ وَإِخْوَانُکُمْ وَأَزْوَاجُکُمْ وَعَشِیرَتُکُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسَادَهَا وَمَسَاکِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.. ِ

2. یستعمل مضافاً إلی نکرة ، تقول: زید أفضل رجل ، وکذا الزیدان ، والزیدون ، وهند ، والهندان ، والهندات.. وأفضل فی کلها مفرد .

3.یستعمل مطابقاً لموصوفه ، وذلک إذا کان مع أل ، نحو: زید الأفضل والزیدان الأفضلان ، والزیدون الأفضلون ، وهند الفضلی ، والهندان الفضلیان ، والهندات الفضلیات أو الفضَّل .

4. وإذا کان مضافاً لمعرفة فتجوز المطابقة وعدمها ، تقول: الزیدان أفضل القوم، ویجوز: أفضلا القوم . وکذا الباقی ، قال الله تعالی: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَی حَیَاةٍ ، فأفرد التفضیل . وقال تعالی: وَکَذَلِکَ جَعَلْنَا فِی کُلِّ قَرْیَةٍ أَکَابِرَ مُجْرِمِیهَا ، فطابقه مع الجمع .

ص: 121

التفضیل یَرفع ولا یَنْصِب

اتفق النحاة علی أن إسم التفضیل یرفع الضمیر المستتر ، تقول: زید أفضلُ من عمرو ، ففاعل أفضل ضمیر مستتر فیه یعود علی زید .

وشذ رفع الظاهر به کقولک: مررت برجلٍ أفضلَ منه أبوهُ ، فأفضل صفة لرجل وأبوه فاعل ، والأصح جعل أفضل خبراً مقدماً .

وأوجب أکثرهم الرفع فی مسألة الکحل ، وهی تفضیل الشی علی نفسه باعتبارین أو فی حالتین ، کقولهم: ما رأیت رجلاً أحسن فی عینه الکحل منه فی عین زید ، وقول الشاعر:

ما رأیت امرءً أحب إلیه البذ

لُ منه إلیک یا ابن سنان

وکذا لو تقدمه استفهام ، کقولک: هل رأیت رجلاً أحسن فی عینه الکحل منه فی عین زید ؟ أونهیٌ کقولک :لا یکن أحدٌ أحب إلیه الخیر منه إلیک .

کما اتفق النحاة علی أن إسم التفضیل لاینصب مفعولاً ، ولهذا قالوا فی قوله تعالی: إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ یَضِلُّ عَنْ سَبِیلِهِ ، إن مَنْ لیست منصوبة بأعلم ، بل بفعل محذوف یدل علیه أعلم ، أی: یعلم من یضل .

ونُنبه هنا الی أن ابن هشام انفرد بالإستشهاد بهذا البیت ، ولیس فیه تفضیل الشئ علی نفسه باعتبارین ، ولیته استشهد ببیت سیبویه فی مؤلفه القیِّم: الکتاب:2/32:

مَرَرتُ علی وادی السِّباعِ ولا أَری

کوادی السِّباع حین یُظْلِمُ وادِیا

ص: 122

الفصل الرابع عشر: الحال

اشارة

عَرَّفَ النحاة الحال بأنها: وصفٌ ، فضلةٌ ، یصلح أن یکون جواب کیف کقولک: ضربت اللصَّ مکتوفاً.

وقد یشکل علیه بأن ثُبات فی قوله تعالی: فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ ، لیست وصفاً ، وجوابه أنها وصف بمعنی متفرقین .

والفضلة باصطلاح النحاة ما لیس رکناً فی الجملة فی اللفظ ، وإن کان رکناً فی المعنی ، لأن مَرَحاً فی قوله تعالی: وَلا تَمْشِ فِی الأَرْضِ مَرَحاً ، رکنٌ فی المعنی، وکذا کئیباً فی قول الشاعر:

لیس من مات فاستراحَ بمیتٍ

إنما المیْتَ میِّتُ الأحیاء

إنما المیْتُ من یعیش کئیباً

کاسفاً بالُه قلیلَ الرجاء

لکن ملاک النحاة اللفظ فقط ، والفعل والفاعل عندهما رکنا اللفظ .

ص: 123

شرط الحال أن تکون نکرة

شرط الحال أن تکون نکرة ، فإن جاءت معرفة وجب تأویلها بنکرة ، کقولهم: أدخلو الأول فالأول . أی أوَّلاً فأوَّل ، وکذا أرسلها العراک . وقرأ بعضهم: لیَخْرُجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، بفتح الیاء وضم الراء . وهذه المواضع ونحوها مخرَّجَة علی زیادة الألف واللام .

وقولهم: إجتهد وحدک ، مؤول بما لا إضافة فیه أی: إجتهد منفرداً .

شروط صاحب الحال

وشرط صاحب الحال أحد أمور أربعة:

الأول: التعریف کقوله تعالی: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ یَخْرُجُونَ ، فخشعاً حال من الضمیر فی قوله تعالی: یخرجون ، والضمیر أعرف المعارف .

والثانی: التخصیص کقوله تعالی: فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِینَ . فسواء حال من أربعة ، وهی وإن کانت نکرة لکنها مخصصة بالإضافة إلی أیام .

والثالث: التعمیم کقوله تعالی: وَمَا أَهْلَکْنَا مِنْ قَرْیَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ ، فجملة لها منذرون حال من قریة ، وهی نکرة عامة لوقوعها فی سیاق النفی .

والرابع: التأخیر عن الحال ، کقول الشاعر:

لِمَیَّةَ موحشاً طللُ

یلوحُ کأنهُ خِللُ

ص: 124

فموحشاً حال من طلل ، وهو نکرة لتأخیره عن الحال . والخِلل بکسر الخاء جمع خلة ، وهی صفائح منقوشة تصنع منها جفان السیوف .

التمییز

من المنصوبات التمییز ، وهو یلتقی مع الحال بأنه : إسمٌ نکرةٌ فضلةٌ ، ویتمیز عنه بأنه جامدٌ ویفسر الذات المبهمة . بینما الحال یُبیِّن الهیئات .

وهو نوعان: النوع الأول: تمییز مفسر لمفرد ، ویستعمل فی أربعة موارد:

1. مفسر للمقادیر ، وهی المساحات ، کجَریبٍ نخلاً . والکیل ، کصَاعٍ تمراً . والوزن ، کمَنَوَیْنِ عَسَلاً .

2. مفسر العدد وهو غیر المقادیر ، کأحدَ عشرَ درهماً ، ومنه قوله تعالی: إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَبًا . وکذا حکم الأعداد من الأحدَ عشرَ إلی التسعةَ والتسعین . قال الله تعالی: إِنَّ هَذَا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً . وفی الحدیث: إن لله تسعة وتسعین إسماً .

ومن تمییز العدد تمییز: کم الإستفهامیة ، لأنها کنایة عن عدد مجهول الجنس والمقدار ، یُسأل بها عن کمیة الشئ ، وتمییزها منصوب مفرد ، تقول: کم عبداً ملکت ، وکم داراً بنیت .

بخلاف کم الخبریة بمعنی کثیر ، وتستعمل للإفتخار والتکثیر .

ص: 125

وتمییزها مجرور دائماً ، تقول: کم کتابٍ ملکت ، کما تقول عشرةُ کتبٍ ملکت ، وثلاثة دراهمَ ملکت .

کما یجوز جر تمییز کم الإستفهامیة بحرف الجر تقول: بکمْ درهمٍ اشتریت ، وزعم الزجاج أن جرها بالإضافة .

3. تمییز ما دل علی مماثلة کقوله تعالی: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا . وقولهم: إن لنا أمثالها إبلاً .

4. تمییز ما دل علی مغایرة ، نحو: إن لنا عیرها إبلاً ، أو شاء .

والنوع الثانی من التمییز، مفسر نسبة: وهو علی قسمین: محوَّل وغیر محوَّل فالمحول ثلاثة:

1. محوَّل عن الفاعل ، کقوله تعالی: وَاشْتَعَلَ الرَّاسُ شَیْبًا ، أصله اشتعل شیب الرأس ، فجعل المضاف إلیه فاعلاً والمضاف تمییزاً .

2. محوَّل عن المفعول ، کقوله تعالی: وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُیُونًا ، أصله وفجرنا عیون الأرض ، فجری علیه ما ذکرنا .

3. محوَّل عن مضاف غیرهما ، وذلک فی حالات بعد أفعل التفضیل ، کقولک: زید أکثر منک علماً . قال تعالی: أَنَا أَکْثَرُ مِنْکَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً .

وقد یجب جره بالإضافة کقولک: مال زید أکثرُ مالٍ . إلا إذا کان أفعل التفضیل مضافاً إلی غیره فینصب ، نحو: زید أکثر الناس مالاً .

ص: 126

هذا ، وقد اعترف النحاة بأن الحال والتمییز أوسع من تعریفهم ! قال ابن هشام: وقد یقع الحال والتمییز مؤکداً غیر مبین لهیئة ولا ذات ، مثال ذلک فی الحال قوله تعالی: وَلا تَعْثَوْا فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ . ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ . وَیَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا . فَتَبَسَّمَ ضَاحِکًا مِنْ قَوْلِهَا. وقال الشاعر:

وتضئ فی وجه الظلام منیرةً

کجمانة البحریِّ سُلَّ نظامها

ومثال التمییز قوله تعالی: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا . وَوَاعَدْنَا مُوسَی ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِیقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً .

وقول أبی طالب (علیه السّلام):

ولقد علمتُ بأنَّ دین محمدٍ

من خیر أدیان البریة دینا

ومنه قول الشاعر:

والتغلبیون بئس الفحلُ فحلهم

فحلاً وأمهم زلاء منطیق

ومنع سیبویه أن یقال: نعم الرجل رجلاً زید . وتأولوا فحلاً فی البیت علی أنه حال مؤکدة . لکن الشواهد علی جواز المسألة کثیرة ، فلا حاجة إلی التأویل . ودخول التمییز فی باب نعم وبئس أکثر من دخول الحال .

ص: 127

ص: 128

الفصل الخامس عشر: الإستثناء

اشارة

من المنصوبات المستثنی فی بعض أقسامه . فیجب نصبه إذا کان الإستثناء بإلا ، وکانت مسبوقة بکلام تام مثبت ، سواء کان متصلاً ، نحو: قام القوم إلا زیداً ، وقوله تعالی: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِیلاً مِنْهُمْ . أو منقطعاً کقولک: قام القوم إلا حماراً ، وقوله تعالی: فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلا إِبْلِیسَ.

وإذا تقدم علی المستثنی منه وجب نصبه مطلقاً ، سواء کان الإستثناء منقطعاً أو متصلاً ، نحو: ما قام إلا زیداً القوم . قال الکمیت:

ومالیَ إلا آلُ أحمدَ شیعةً

ومالیَ إلا مذهبُ الحقِّ مذهبُ

وإنما امتنع الإتْباع فی ذلک ، لأن التابع لایتقدم علی المتبوع .

أقول:لا یصح أن تکون شیعة فی البیت تمییزاً ، لأنه من الإستثناء المتصل الذی تقدمه نفی ، ومعناه: مالی شیعةٌ إلا آل أحمد . وحکمه عندهم وجوب النصب ، لکن الکمیت رفعه بدلیل عجز البیت ، فلا بد أن نقول بجواز ذلک فی الشعر ، لأن الکمیت (رحمه الله) من أفصح العرب .

ص: 129

حکم المستثنی بعد النفی

وإذا تقدم المستثنی وکان الکلام السابق غیر مثبت ، أی فیه نفی أو نهی أو استفهام ، فیختلف الحال بین الإستثناء المتصل والمنقطع .

ففی المتصل یجوز الوجهان: أن یجعل تابعاً للمستثنی منه علی أنه بدل منه بدل بعض من کل عند البصریین ، أو عطف نسق عند الکوفیین .

وأن ینصب علی أصل الباب ، وهو عربی جید ، والإتْباع أجود منه .

مثال النفی قوله تعالی: مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِیلٌ مِنْهُمْ . قرأ السبعة غیر ابن عامر بالرفع علی الإبدال من الواو . وقرأ وحده بالنصب علی الإستثناء .

ومثال النهی قوله تعالی: وَلا یَلْتَفِتْ مِنْکُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَکَ. قرأ أبو عمرو وابن کثیر بالرفع علی الإبدال من أحد ، وقراءتهم مرجوحةٌ لأن الروایة بالنصب ، ومرجع القراءة الروایة لا الرأی .

وقرأ الباقون بالنصب علی الإستثناء من أهلک . وهو الصحیح .

ومثال الإستفهام قوله تعالی: وَمَنْ یَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ . قرأ الجمیع بالرفع علی الإبدال من الضمیر فی یقنط ، ولو قرئ الضالین بالنصب علی الاستثناء لجاز ، ولکن القراءة روایة .

أما إذا کان الإستثناء منقطعاً ، فأهل الحجاز یوجبون النصب ، وقد جاء التنزیل بلغتهم ، قال الله تعالی: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ .

ص: 130

وبنو تمیم یجیزون النصب والإبدال ، ویقرؤون إلا اتِّبَاعُ الظن بالرفع ، علی أنه بدل من العلم باعتبار الموضع .

ولا یجوز أن یُقرأ بالخفض علی الإبدال من لفظ علمٍ ، لأن من زائدة لا تعمل إلا فی النکرات المنفیة أو المستفهم عنها ، فکیف یُبدل من معمولها إتباع الظن ، وهو معرفة موجبة . قال تعالی: مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَی مِنْ فُطُورٍ .

الإستثناء المفرغ

إذا لم یذکر المستثنی منه فی الجملة یسمی الإستثناء مُفَرَّغاً ، تقول: ما قام إلا زیدٌ ، فهو مفرغٌ من وجود المستثنی منه ، لأنه محذوف تقدیره: ما قام أحدٌ إلا زید . وهو مفرغ أیضاً من حکم الإستثناء ، لأنه یعرب وکأنَّ إلا غیر موجودة . لکن النحاة بسلیقتهم أهملوا هذین التفریغین ، وقالوا إنه مفرغٌ لأن العامل قبل إلا تفرغ عن العمل بانتظار ما بعدها .

وتقول: ما رأیت إلا زیداً بالنصب ، وما مررت إلا بزیدٍ ، بالجر ، کما لو لم تکن إلا . وکذلک الأمر فی المستثنی بغیر ، وسوی ، وخلا ، وعدا ، وحاشا ، وما خلا ، وما عدا ، ولیس ، ولا یکون .

الإستثناء بغیر إلا

یستثنی بأدوات استثناء غیر إلا ، ومنها ما یجرُّ دائماً ، ومنها ما ینصب دائماً ، ومنها یجرُّ تارة وینصب أخری .

ص: 131

فالذی یجر دائماً: غیر وسوی ، تقول: قام القوم غیر زید ، وقام القوم سوی زید ، بخفض زید فیهما . وتعرب غیر وسوی بما یستحقه الإسم الواقع بعد إلا ، فتقول: قام القوم غیر زید بنصب غیر ، کما لو قلت: قام القوم إلا زیداً بنصب زید . وتقول: ما قام القوم غیرُ زید وغیرَ زید بالنصب والرفع ، کما تقول: ما قام القوم إلا زیداً وإلا زیدٌ . وتقول فی الإستثناء المنقطع: ما قام القوم غیرَ حمار ، بالنصب عند الحجازیین ، وبالنصب أو الرفع عند التمیمیین . وعلی ذلک فقس .

وأما ما ینصب دائماً ، فهو أربعة: لیس ، ولا یکون ، وماخلا ، وما عدا. تقول: قاموا لیس زیداً ، ولا یکون زیداً ، وما خلا زیداً ، وما عدا زیداً . وقال لبید:

ألا کل شئ ما خلا اللهَ باطلُ

وکلُّ نعیمٍ لا محالةَ زائلُ

ونصبه بعد لیس ولا یکون علی أنه خبرهما ، واسمهما مستتر وجوباً .

ونصبه بعدما خلا و ما عدا علی أنه مفعولهما والفاعل مستتر فیهما .

أما ما یجر تارة وینصب أخری ، فهو ثلاثة: خلا وعدا وحاشا ، لأنها تکون حروف جر وأفعالاً ماضیة ، فإن قدرتها حروفاً جررت بها المستثنی وإن قدرتها أفعالاً نصبته بها علی المفعولیة ، وقدرت الفاعل مضمراً فیها.

ص: 132

الفصل السادس عشر: حروف الجر

اشارة

تُجَرُّ الأسماء بالحروف وبالإضافة . وقال النحاة إن الأصل الجرُّ بالحرف . وحروف الجر عشرون ، وعدها بعضهم أکثر ، وهی: مِن ، وإلی ، وعن ، وعلی ، وفی ، واللام ، والباء ، ورُبَّ ، ومُذْ ، ومُنْذُ ، والکاف ، وحتی ، وواو القسم ، وتاؤه ، وخلا وعدا ، وحاشا . وشذ الجر بلعل ومتی وکی ولولا . قال ابن مالک :

هاکَ حروفَ الجر وهی: من إلی

حتی خلا حاشا عدا فی عن علی

مذْ منذُ ربَّ اللامُ کی واوٌ وتا

والکافُ والبا ولعل ومتی

ومنها أربعة لایُجر بها إلا شذوذاً ، وهی: لعل ، ومتی ، وکی ، ولولا . فلعل لا یَجُرُّ بها إلا بنو عقیل ، قال شاعرهم:

لعل اللهِ فضَّلکم علینا

بشئ أن أمکم شریمُ

و متی لا یجر بها إلا بنو هذیل ، قال شاعرهم أبو ذؤیب یصف السحاب:

سقی أمُّ عمرو کلَّ آخرِ لیلةٍ

حَنَاتِمُ غُرٌّ ماؤهن نجیجُ

شربن بماء البحر ثم ترفعت

متی لججٍ خضر لهن نئیجُ

ص: 133

والمعنی: سقی الله أم عمرو سحائب ارْتَوَیْنَ من لجج ماء البحر الخضراء ثم ارتفعن، فلهن دویُّ رعد . (راجع: أضواء البیان:5/329، وخزانة الأدب:7/89).

فاستعمل متی بمعنی من ، لکن روی أنها عند هذیل بمعنی: وسط .

أما کَیْ ، فلا یجر بها إلا ما الاستفهامیة ، وذلک فی قولهم فی السؤال عن علة الشئ: کَیْمَهْ ، بمعنی لمِهْ . وأما لولا ، فلا یجر بها إلا الضمیر فی قولهم: لولای ، ولولاک ، ولولاه . وهو نادر ، قال الشاعر:

أومَتْ بعینیها من الهودج

لولاکَ فی ذا العام لم أحججِ

والأکثر فی العربیة: لولا أنا ، ولولا أنت ، ولولا هو ، قال الله تعالی: لَوْلا أَنْتُمْ لَکُنَّا مُؤْمِنِینَ .

هذا ، وقسموا حروف الجر إلی: ما وضع علی حرف واحد وهو: الباء واللام والکاف والواو والتاء . وما وضع علی حرفین وهو: من وعن وفی ومذ . وعلی ثلاثة وهو: إلی وعلی ومنذ . وأربعة وهو: حتی ، وحدها .

وقسموها إلی ما یجر الظاهر دون المضمر وهو سبعة: الواو والتاء ومذ ومنذ وحتی والکاف ورب ، وما یجر الظاهر والمضمر ، وهو البواقی .

وما لایجر إلا الزمان وهو مذ ومنذ ، تقول: ما رأیته مذ یومین ، أو منذ یوم الجمعة ، وما لا یجر إلا النکرات، وهو رُبَّ ، تقول:رب رجل صالح. وما لا یجر إلا لفظ الجلالة وقد یجر لفظ الرحمن ولفظ الرب ، والکعبة ، وهو التاء ، قال الله تعالی: وَتَاللهِ لأکِیدَنَّ أَصْنَامَکُمْ . تَاللهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللهُ عَلَیْنَا

ص: 134

وقالوا: ترب الکعبة لأفعلن کذا ، وهو قلیل . وقالوا: تالرحمن لأفعلن کذا ، وهو أقل .

المجرور بالإضافة

قَسَّمَ النحاة الإضافة الی قسمین : إضافة لفظیة ، ومعنویة .

فالإضافة اللفظیة: إضافة إسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة الی معمولها. کقولک:حسنُ الوجه، وضاربُ زید ، ومعمورُ الدار . وکلها بمعنی الآن أو غداً . وسماها النحاة إضافة لفظیة ،لأنها تفید تخفیف معنی اللفظ ، لأن قولک: ضاربُ زید ، أخف من قولک: ضاربٌ زیداً .

وقالوا إنها لاتفید تعریفاً ولا تخصیصاً ، ولهذا صح وصف هدیاً ببالغ مع إضافته إلی المعرفة فی قوله تعالی: هَدْیًا بَالِغَ الْکَعْبَةِ ، وصح مجئ ثانیَ حالاً مع إضافته إلی المعرفة فی قوله تعالی: ثَانِیَ عِطْفِه .

لکن تسمیة النحاة لها إضافة لفظیة ، وقولهم بعدم فائدتها ضعیف ، ولا یتسع المجال لبحثه .

والإضافة المعنویة: کغلام زید ، لأنها تفید أمراً معنویاً وهو التعریف إن کان المضاف الیه معرفة ، والتخصیص إن کان نکرة ، کغلام امرأة .

وقد تکون هذه الإضافة بین إسمین لیسا صفة ولا معمولاً کغلام زید ، أو یکون المضاف صفة ولایکون المضاف إلیه معمولاً لها نحو: کاتب

ص: 135

القاضی وکاسب عیاله . أویکون المضاف إلیه معمولاً للمضاف ، ولیس المضاف صفة نحو: ضَرْبُ اللص .

والاضافة المعنویة تکون علی معنی: فی وعلی واللام ، فإذا کان المضاف الیه ظرفاً للمضاف ، کانت بمعنی فی ، کقوله تعالی: بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ .

وإذا کان المضاف الیه کلاً للمضاف ، کانت بمعنی من ، کخاتم حدید ، وباب ساج . وهذا المضاف الیه یصح جعله خبراً عن المضاف تقول: خاتمٌ حدید . بینما لایصح الإخبار به علی معنی اللام ، کقولک: یَدُ زید .

لاتجتمع الإضافة مع التنوین

لا تجتمع الاضافة مع التنوین ، ولا مع النون التالیة للإعراب ، ولا مع الألف واللام . تقول: جاءنی غلامٌ ، وإذا أضفت قلت: جاءنی غلامُ زید فتحذف التنوین . وتقول: جاءنی مسلمانِ ومسلمون ، فإذا أضفت قلت: مسلماک ومسلموک ، فتحذف النون کقوله تعالی: إِنَّکُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ . إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ .وقرأ بعضهم: وَالْمُقِیمِی الصَّلَوةَ . والأصل: المقیمین والذائقون ومرسلون . فإذا بقیت النون کان ما بعده معمولاً لامضافاً الیه ، قال لبید:

نحن بنی أم البنین الأربعهْ

الضاربونَ الهامَ یومَ المعمعهْ

والمطعمونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ

ونحن خیرُ عامرِ بنِ صَعْصَعَهْ

ص: 136

أما إذا کانت النون من أصل الکلمة کحین ومساکین ، أو نونَ مفردٍ أو جمع تکسیر ، فلا تحذف بالإضافة ، تقول: آتیک حین طلوع الشمس ، وهؤلاء شیاطین الإنس .

ویستثنی من حذف الألف واللام ما إذا کان المضاف مثنی نحو: الضاربا زید ، أو جمع مذکر سالم ، نحو: الضاربو زید .

أو کان المضاف الیه فیه ألف ولام ، نحو الضارب الرجل .

أوکان مضافاً إلی ما فیه ألف ولام ،نحو: الضارب رأس الرجل .

أو کان مضافاً إلی ضمیر عائد علی ما فیه ألف ولام ، نحو: مررت بالرجل الضارب غلامه .

ص: 137

ص: 138

الفصل السابع عشر:التوابع

اشارة

التوابع هی: الکلمات التی تعرب تبعاً لغیرها ، وهی خمسة: النعت ، والتأکید ، وعطف البیان ، وعطف النسق ، والبدل . وکلها مشتقة ، أومؤولة بمشتق.

النعت أو الصفة

وفائدته تخصیص النکرة ، أو توضیح المعرفة ، أو المدح ، أو الذم ، أو الترحم ، أو التأکید .

فتخصیص النکرة کقولک: مررت برجل کاتب .

وتوضیح المعرفة کقولک: مررت بزید الخیاط .

والمدح کقوله تعالی: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ .

والذم کقولک: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم .

والترحم کقولک: اللهم ارحم عبدک المسکین .

والتوکید کقوله تعالی: تِلْکَ عَشَرَةٌ کَامِلَةٌ.فإذا فَإِذَا نُفِخَ فِی الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ.

ص: 139

الصفة تتبع الموصوف

للإسم بحسب الإعراب ثلاثة أحوال: رفعٌ ونصبٌ وجرٌ ، وبحسب الإفراد والتثنیة والجمع ثلاثة أحوال، وبحسب التذکیر والتأنیث حالتان ، وبحسب التنکیر والتعریف حالتان .

فهذه عشرة أحوال للاسم ، ولا یکون علیها کلها فی وقت واحد ، لما فی بعضها من التضاد ، وإنما یجتمع منها فی وقت واحد أربعة أمور ، تقول: جاءنی زید ، فیکون فیه الافراد والتذکیر والتعریف والرفع ، ویجب أن یتبعه فیها النعت .

وهذا مقصود المعربین من أن النعت یتبع المنعوت فی أربعة من عشرة ، فلا یجوز فی النعت أن یخالف منعوته فی: الإعراب والتعریف والتنکیر .

وحکمه أن یتبع الفعل الذی یحل محله فی الإفراد والتثنیة والجمع والتذکیر والتأنیث ، تقول: مررت برجل قائم ، وبرجلین قائمین ، وبرجال قائمین ، وبامرأة قائمة ، وبامرأتین قائمتین ، وبنساء قائمات .

کما تقول فی فعله: مررت برجل قام ، وبرجلین قاما ، وبرجال قاموا ، وبامرأة قامت ، وبامرأتین قامتا ، وبنساء قُمن .

وإن کان الوصف رافعاً لاسم ظاهر ، کان تذکیره وتأنیثه بحسبه لا بحسب المنعوت . وذلک کالفعل الذی یحل محله ، تقول: مررت برجل

ص: 140

قائمة أمه ، فتؤنث الصفة لتأنیث الأم ، ولا تلتفت لتذکیر الموصوف ، لأنک تقول فی الفعل: قامت أمه .

وتقول فی عکسه: مررت بامرأة قائم أبوها ، فتذکِّر الصفة لتذکیر الأب ، کما فی الفعل ، ولاتلتفت لتأنیث الموصوف ، فإنک تقول: قام أبوها .

قال الله تعالی: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا .

کما یجب إفراد الوصف کالفعل ، ولو کان فاعله مثنی أو مجموعاً ، فتقول: مررت برجلین قائم أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ،کما تقول: قام أبواهما، وقام آباؤهم .

وأجازوا أن تجمع الصفة جمع تکسیر إذا کان الإسم المرفوع جمعاً ، فتقول: مررت برجال قیام آباؤهم ، وبرجل قعود غلمانه .

قطع الصفة عن الموصوف

إذا کان الموصوف معلوماً بدون الصفة ، جاز لک فی الصفة الإتباع والقطع . مثال ذلک فی صفة المدح: الحمد لله الحمید . أجاز فیه سیبویه الجر علی الإتباع ، والنصب بتقدیر أمدح ، والرفع بتقدیر هو .

ومثاله فی صفة الذم قوله تعالی: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ . قرأ الجمهور بالرفع علی الإتباع ، وقرأ عاصم بالنصب علی الذم .

ص: 141

ومثاله فی صفة الترحم: مررت بزید المسکین ، فیجوز فیه الخفض علی الإتباع ، والرفع بتقدیر هو ، والنصب بتقدیر: أرحم .

ومثاله فی صفة الإیضاح: مررت بزید التاجر ، فیجوز فیه الخفض علی الإتباع ، والرفع بتقدیر هو ، والنصب بتقدیر: أعنی .

موارد نقض القاعدة

وجد النحاة ما ینقض قاعدتهم فی تبعیة الصفة لموصوفها فی الإعراب ، وحاولوا الإجابة علیه ، مثل قول العرب: هذا جُحْرُ ضبٍّ خَرِبٍ ، فوصف المرفوع بالمخفوض ، وقوله تعالی: وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، الَّذِی جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ، فوصف النکرة وهی کل هُمزة ، بالذی وهو معرفة .

وقوله تعالی: حَم . تَنْزِیلُ الْکِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ . غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِیدِ الْعِقَابِ ذِی الطَّوْلِ . فوصف المعرفة وهو اسم الله تعالی بالنکرة ، وهی شدید العقاب .

وقوله تعالی فی سورة المائدة: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَی ، فلم یُتبع المعطوف الی المعطوف علیه ، مع أنه أتبعه فی سورة البقرة فقال: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالنَّصَارَی وَالصَّابِئِینَ .

وأجابوا عن ذلک بأن (خربٍ) کسرت لمجاورتها لضبٍّ المکسورة ، للتناسب بین المتجاورین فی اللفظ ، أخذاً للجار بجرم الجار ، وأن المعطوف قد یعطف علی اللفظ أو علی المحل .

ص: 142

لکنها إجابة غیر مقنعة ، والصحیح أن یقال إن تبعیة الصفة للموصوف غالبیة ولیست مطلقة ، فیجوز أن یتعمد المتکلم تمییز إعراب الصفة عن الموصوف لغرض تمییز أحدهما ، کما تضع تحت الکلمة خطاً مثلاً .

ص: 143

التأکید

الثانی من التوابع: التوکید ، ویقال فیه أیضاً التأکید بالهمزة ، وبإبدالها ألفاً : التاکید، علی القیاس فی نحو فأس ورأس.

وینقسم التوکید الی نوعین: التأکید اللفظی ، وهو إعادة اللفظ بعینه ، وقد یکون إسماً ، کقول الشاعر:

أخاک أخاک إن من لا أخاً له

کساع إلی الهیجا بغیر سلاح

فأخاک منصوب بفعل مضمر أی إحفظ أو إلزم . والثانی تأکیدٌ له .

أو یکون فعلاُ کقول الشاعر:

فأین إلی أین النجاة ببغلتی

أتاک أتاک اللاحقون احْبِسِ احْبِسِ

فأتاک الثانیة تأکیدٌ ولا فاعل له لأن الغرض منه التأکید لا للإسناد ، وقیل إنه فاعل بهما معاً. وقوله: احبسِ احبسِ ، تکریر للجملة ، لأن الضمیر المستتر فی الفعل فی قوة الملفوظ به .

وقد یکون التأکید حرفاً ، کقول الشاعر:

لا لا أبوح بحب بثنة إنها

أخذت علیَّ مواثقاً وعهودا

ولیس من تأکید الإسم قوله تعالی: کَلا إِذَا دُکَّتِ الأَرْضُ دَکًّا دَکًّا . وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ، خلافاً لکثیر من النحویین . لأنه روی أن معناه دکاً بعد

ص: 144

دک ، وأن الدک کرر علیها حتی صارت هباءً منبثاً ، وأن معنی صفاً صفاً أنه تنزل ملائکة کل سماء فیصطفون صفاً بعد صف . فلیس الثانی تأکیداً للأول ، بل المراد به التکریر کما یقال: علمته الحساب باباً باباً .

ولیس من تأکید الجملة قول المؤذن: الله أکبر الله أکبر، خلافاً لابن جنی لأن الثانی لم یؤت به لتأکید الأول ، بل لإنشاء تکبیرٍ ثانٍ ، بخلاف قوله: قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فإن الجملة الثانیة خبر ثان جئ به لتأکید الخبر الأول .

النوع الثانی: التأکید المعنوی ، ویکون بلفظ النفس والعین لرفع قصد المجاز، تقول: جاء زید ، فیحتمل مجیؤه بنفسه ، ویحتمل مجئ خبره ، أو کتابه ، فإذا قلت نفسه ، ارتفع الإحتمال الثانی .

ویجوز التأکید بهما بتقدیم النفس مع ضمیر یعود علی المؤکد ، تقول: جاء زید نفسه عینه ، ویمتنع: جاء زید عینه نفسه . ویجب إفرادهما مع المفرد وجمعهما علی وزن أفعل مع التثنیة والجمع، تقول: جاء الزیدان أنفسهما أعینهما ، والزیدون أنفسهم أعینهم ، والهندات أنفسهن أعینهن .

ومن ألفاظ التأکید کل، لرفع إرادة الخصوص تقول: جاء القوم ، فیحتمل جمیعهم أوبعضهم ، فإذا قلت: کلهم ، رفعت هذا الاحتمال .

ویؤکد بلفظ کل ، المفرد والجمع دون المثنی، بشرط أن یکون له أجزاء ویتصل بضمیر یعود علی المؤکد ، کقوله تعالی: فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.

ص: 145

وقولک: اشتریت البیت کله ، فإن البیت یتجزأباعتبار الشراء ، ولایجوز: جاء زید کله ، لأنه لایتجزأ لا بذاته ولا بعامله .

ونسب ابن هشام الی الفراء والزمخشری أنها اختارا أن تکون کلاً للتأکید فی قوله تعالی: قَالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُلٌّ فِیهَا . ولم یرتضه . لکن الذی قاله الزمخشری فی الکشاف (3/430): ( وقرئ کلاً علی التأکید لإسم إن وهو معرفة ، والتنوین عوض من المضاف إلیه ، یرید إنا کنا ، أو کلنا فیها ). فجعلها قراءة ولم یخترها ، والموجود فی القرآن بالرفع .

ومن أدوات التأکید: کلا وکلتا ، تقول: جاء الزیدان ، فإذا قیل کلاهما اندفع الإحتمال . ویشترط أن یکون المؤکد بهما دالا علی اثنین ، وأن یصح حلول الواحد محلهما ، فلا یصح أن یقال: اختصم الزیدان کلاهما ، لأنه لا حاجة للتأکید . وأن یکون المسند الیهما معنی واحداً ، فلا یجوز: مات زید وعاش عمرو کلاهما . ویجب اتصالهما بضمیر عائد علی المؤکد .

ومن أدوات التأکید:أجمع وجمعاء ، وجمعهما وهو: أجمعون . ویؤکد بها غالباً بعد کل ، فتستغنی عن الضمیر ، تقول: إشتریت البیت کله أجمع ، والأرض کلها جمعاء ، ورأیت الأهل کلهم أجمعین ، والأخوات کلهن جمع. قال الله تعالی: فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.

وتستعمل بدون کل، قال الله تعالی: وَلاغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ . وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِینَ . ولایثنیان ، فلا یقال: أجمعان ولا جمعاوان .

ص: 146

الفرق بین التأکید والنعت

1. إذا تکررت فأنت فیها مخیر بین ذکر حرف العطف وحذفه ، کقوله تعالی: سبح اسم ربک الأعلی الذی خلق فسوی والذی قدر فهدی والذی أخرج المرعی . وکقول الشاعر:

إلی الملک القرم وابن الهمام

ولیث الکتیبة فی المزدحم

وکقوله تعالی: وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلافٍ مَهِینٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیمٍ .

2. تُنعت المعرفة والنکرة ، ولا تُؤکد إلا النکرة ، لأن أدوات التنکیر معارف فلا تجری علی النکرات ، وشذ قول الشاعر:

لکنه شاقه أن قیل ذا رجب

یا لیت عدة حول کله رجب

3. تتعاطف النعوت لأنها مختلفة المعنی ، ولا أدوات التأکید لأنها بمعنی واحد ، لا یقال: جاء زید نفسه وعینه ، ولا جاء القوم کلهم وأجمعون ، لأن الشئ لا یعطف علی نفسه .

ص: 147

العطف

الباب الثالث من أبواب التوابع: العطف: وهو فی اللغة إمالة الشئ نحو الغرض، ویستعمل لازماً ، ومتعدیاً بإلی وعلی وعن وغیرها ، ویختلف معناه ، لکن معنی المیل والإمالة ثابت فیه . تقول: عطف یده ، وعطف دابته ، وعطف قلبه ، وعطف نحو کذا ، أی مال واتجه .

وعرفه ابن هشام بأنه الرجوع إلی الشئ بعد الإنصراف عنه ، لکن مصادر اللغة لم تذکر الإنصراف ولا الرجوع ، إلا إذا قصد به المیل .

وسمی ردُّ کلمة أو جملة الی أخری عطفاً ، لأنه بمثابة إمالة المعطوف الی المعطوف علیه .

عطف البیان

وسمی بذلک لأنه یفید فائدة النعت فی إیضاح متبوعه وتخصیصه، ویجب أن یوافقه فی التنکیر ، والتذکیر ، والإفراد ، وفروعهن ، کالنعت .

ویکون موضحاً للمعارف ، کقول أبی سفیان (تاریخ الیعقوبی:2/126):

فما الأمر إلا فیکم وإلیکم

ولیس لها إلا أبو حسن علی

ومخصصاً للنکرات کقوله تعالی: وَیُسْقَی مِنْ مَاءٍ صَدِیدٍ . وقوله تعالی: أَوْ کَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاکِینَ .وقول النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :لایصلی الرجل وفی یده خاتم حدید.

ص: 148

(الفقیه:1/253) . وقد جوزوا فی صدید وحدید

ومساکین ، أن تکون بدلاً، وعطف بیان ، ونعتاً .

کل عطف بیان بدل تقریباً

لما کان عطف البیان موضحاً لمتبوعه ، فهو فی المعنی صفة له وبدل منه، فیصح القول إن کل عطف بیان بدل ، إلا إذا منع مانع ، وقد ذکروا مثالین لا یصح فیهما جعل عطف البیان بدلاً ، الأول قول الشاعر:

أنا ابن التارکٍ البٍکْرِیَّ بشرٍ

علیه الطیرُ ترقُبُهُ وُقُوعَا

فلا یصح أن تقول: أنا ابن التارک بشرٍ ، لأنه ما فیه أل لا یضاف إلا لما فیه أل ، فیتعین أن یکون بشر عطف بیان . والمثال الثانی قول أبی طالب (علیه السّلام):

أیا أخوینا عبد شمس ونوفلاً

أعیذکما بالله أن تحدثا حربا

فلا یصح أن تقول: أیا عبد شمس ونوفلاً ، لأن نوفلاً مفرد علم منادی مبنی علی الضم ، وعبد شمس منادی مضاف منصوب ، فإذا عطفته بالنسق قلت: عبد شمس ونوفلٌ . لذا یتعین أن یکون عطف بیان .

ونلفت الی أن بعضهم نسب هذا البیت الی طالب بن أبی طالب وأنه قاله بعد بدر ، مع أن طالباً (رحمه الله) فُقد فی ذهابه الی بدر ، قتلوه بسبب میله الی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . والصحیح أنه لأبی طالب (علیه السّلام)کما فی العقد الفرید (3/71) وأنساب الأشراف/34، وقبله:

فما أن جنینا فی قریش عظیمة

سوی أن منعنا خیر من وطأ التربا

ص: 149

عطف النسق بالواو والفاء وأخواتهما

الواو للعطف المجرد

قال السیرافی: أجمع النحویون واللغویون من البصریین والکوفیین علی أن الواو للجمع من غیر ترتیب . أی لاتدل علی ترتیب المعطوفات بها ، فإذا قیل جاء زید وعمرو ، فمعناه أنهما اشترکا فی المجئ ثم یحتمل أن یکونا جاءا معاً أو علی الترتیب أو عکس الترتیب .

فالواو لمجرد الإشتراک بین المعطوفین فیما أسند الی الأول ، ولا تفید شیئاً آخر غیره، بل لا بد أن یفهم غیره من غیرها، کما فُهمت المعیة فی نحو قوله تعالی: وَإِذْ یَرْفَعُ إِبْرَاهِیمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَإِسْمَاعِیلُ. وکما فُهم الترتیب فی قوله تعالی: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ، وَقَالَ الآنْسَانُ مَا لَهَا . وکما فُهم عکس

الترتیب فی قوله تعالی عن منکری البعث: إِنْ هِیَ إِلا حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا ، فلو کانت للترتیب لکان اعترافاً بالحیاة بعد الموت .

ومما یدل علیه علی الترتیب بالعطف وعدمه ، قول العرب: اختصم زید وعمرو ، وامتناعهم من عطفه بالفاء أو بثَمَّ .

الفاء للترتیب والتعقیب

تفید الفاء التشریک فی الحکم والترتیب والتعقیب ، فإذا قیل: جاء زید فعمرو ، فمعناه أن مجئ عمرو وقع بعد مجئ زید من غیر مهلة .

ص: 150

وتتفاوت مدة التعقیب ، لأن الوقت فی کل شئ بحسبه ، فالوقت فی قولک: دخلت البصرة فبغداد ، یختلف عنه فی قولک: أمطرت السماء فجری السیل ، وفی قولک: أمطرت السماء فنبت النبات ، وفی قولک: تعبت فنمت ، واتکأت علی کرسی فانکسر .

کما أن الفاء فی عطف الجُمل تدل غالباً علی التسبیب کقولک: تعب فنام ، وقوله تعالی: فَتَلَقَّی آدَمُ مِن رَّبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ . ولذلک استعملت لربط جواب الشرط نحو: من یأتینی فإنی أکرمه . وإذا قیل من دخل داری فله درهم ، أفاد استحقاق الدرهم بدخول الدار .

وقلنا غالباً لأن الفاء العاطفة للجمل قد تخلو الترتیب ، کقوله تعالی: لَّذِی خَلَقَ فَسَوَی ، وَالَّذِی قَدَّرَ فَهَدَی ، وَالَّذِی أَخْرَجَ الْمَرْعَی ، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَی .

ثم للترتیب والتراخی

إذا قیل جاء زید ثم عمرو ، أفادت ثُم التشریک فی الحکم والترتیب والتراخی . أما قوله تعالی: وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَرْنَاکُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ ، فقیل إن التقدیر: خلقنا أباکم ، فحذف المضاف .

حتی ، للغایة والتدریج

معنی الغایة آخر الشئ ، ومعنی التدریج أن ما قبلها ینقضی شیئاً فشیئاً إلی أن یبلغ إلی الغایة وهو الإسم المعطوف . ولذلک وجب أن یکون

ص: 151

المعطوف بها جزءً من المعطوف علیه ، إما تحقیقاً کقولک: أکلت السمکة حتی رأسها ، أو تقدیراً ، کقول الشاعر:

ألقی الصحیفةَ کیْ یُخفِّفَ رَحْلَهُ

والزادَ حتی نعلهُ ألقاها

فعطف نعله بحتی ولیست جزء مما قبلها تحقیقاً لکنها جزء تقدیراً ، لأن معنی الکلام: ألقی ما یثقله حتی نعله .

وهی کالواو للجمع مطلقاً لا للترتیب ، کقول الإمام الصادق (علیه السّلام): إن دواب الأرض لتصلی علی طالب العلم حتی الحیتان فی الماء. فلا یدل علی أن استغفار الحیتان متأخر.

أو ، لأحد الشیئین أو الأشیاء

وتکون أو لأحد الشیئین ، کقوله تعالی: قَالُوا لَبِثْنَا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ ، ولأحد الأشیاء کقوله تعالی: فَکَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاکِینَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِیکُمْ أَوْ کِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ . ولذا لایصح أن تقول: سواء علیَّ هذا الشئ ، لأن سواء لا بد فیها من شیئین .

وتستعمل أو بعد الطلب للتخییر والإباحة . وبعد الخبر للشک والتشکیک . کقولک: تَزَوَّجْ هنداً أو أختها ، أی إحداهما . وادرس عند زید أوعمرو . تقصد أیاً منهما ، ولا تمنع من الجمع بینهما . وکقولک: جاء زید أو عمرو . إذا لم تعلم من جاء منهما . وقولک: جاء زید أو عمرو . إذا کنت عالماً بمن جاء ، ولکنک تُبهم علی المخاطب .

ص: 152

ومنه قوله تعالی: فَکَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاکِینَ.. الآیة . وقوله تعالی: أَنْ تَأْکُلُوا مِنْ بُیُوتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ آبَائِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أُمَّهَاتِکُمْ .. الآیة . وقوله: قَالُوا لَبِثْنَا یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ . وقوله : وَإِنَّا أَوْ إِیَّاکُمْ لَعَلَی هُدًی أَوْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ .

أَمْ ، لطلب التعیین

وتستعمل بعد الهمزة ، تقول: أزیدٌ عندک أم عمرٌو ، إذا کنت تعلم أن أحدهما عنده ، وشککت من هو ، ویکون الجواب بالتعیین لا بنعم أولا . وتسمی أم: المُعَادِلة ، لأنها عادلت بین شیئین تساوی حکمهما عندک . وتسمی أیضاً: المتصلة، لأن ما قبلها وما بعدها متصلان لایستغنی عنهما .

لا ولکن وبل ، للرد عن الخطأ

تشترک لا ولکن مع بل، بأنها عاطفة تفید رد السامع عن الخطأ .

وتفترقان عنها بأن لا تکون لقصر القلب وقصر الإفراد ، وبل ولکن تکونان لقصر القلب فقط . ومعنی قصر القلب: رد الإعتقاد بالشئ ، وقصر الإفراد : إفراد أحد أو شئ بالحکم . تقول: جاءنی زید لا عمرو. رداً علی من اعتقد أن عمراً جاء دون زید ، أو أنهما جاءا معا. وتقول: ما جاءنی زید لکن عمرو ، أو بل عمرو . رداً علی من اعتقد العکس .

وتفترقان بأن (لا) یعطف بها بعد الإثبات، و(بل ولکن) یعطف بهما بعد النفی . وقد یعطف ببل بعد الإثبات ، ویکون معناها إثبات الحکم لما بعدها وجعله فیما قبلها مسکوتاً عنه ، کقولک: جاءنی زید بل عمرو .

ص: 153

الخامس: البدل

الباب الخامس من أبواب التوابع، البدل: وهو فی اللغة العوض ، قال الله تعالی: عَسَی رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَیْرًا مِنْکُنَّ . وفی الإصطلاح تابع مقصود بالحکم بلا واسطة ، وأقسامه سته:

الأول: بدل کل من کل . وذلک إذا کان عین المبدل منه ، کقولک: جاءنی محمد أبو عبد الله ، وقوله تعالی: إِنَّ لِلْمُتَّقِینَ مَفَازًا حَدَائِقَ .

وقال ابن هشام: إنه لم یقل بدل الکل من الکل ، لأن الأصح عدم دخول أل علی کل وکذا علی بعض.

الثانی: بدل بعض من کل ، عندما یکون الثانی جزءً من الأول ، کقوله تعالی: وَللهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً . واختار ابن هشام أن من استطاع بدلٌ من الناس .وذکر قول الکسائی إنها شرطیة مبتدأ جوابها محذوف ، أی من استطاع فلیحج ، فلاحاجة لدعوی الحذف .

وذکر قولاً بأن لله علی الناس فاعل بالحج ، أی أن یحج مستطیعهم . وردَّه بأنه لایصح أن یکون الوجوب موجهاً الی الناس ، لکن لا مانع منه .

والثالث: بدل الإشتمال ، عندما یکون بین الأول والثان علاقة بغیر الجزئیة ، کقوله تعالی: یَسْأَلُونَکَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِیهِ .

ص: 154

وقد اتضح أن البدل والمبدل منه یکونان نکرتین ، کقوله تعالی: مَفَازًا حَدَائِقَ ، ومعرفتیْن ، کما فی آیة الحج ، ومختلفیْن ، کما فی آیة الشهر الحرام .

والرابع والخامس والسادس: بدل الإضراب، وبدل الغلط، وبدل النسیان کقولک:تصدقت بدرهم ، دینار . فیحتمل أنک أخبرت أنک تصدقت بدرهم ، ثم أردت أن تخبر بأنک تصدقت بدینار ، فیکون بدل إضراب . ویحتمل أنک قصدت أنک تصدقت بدینار فسبق لسانک إلی الدرهم ، فیکون بدل غلط . أو نسیت وقلت تصدقت بدرهم فعرفت أنک أخطأت فقلت: بدرهم . وهذا بدل نسیان. فالغلط فی اللسان والنسیان فی الجنان.

العدد

ألفاظ العدد ثلاثة أقسام:

أحدها: ما یجری علی القاعدة دائماً، فیذکر مع المذکر ویؤنث مع المؤنث ، وهو الواحد والإثنان ، وما کان علی صیغة فاعل ، کثان وثالث ورابع إلی عاشر ، وتقول فی المؤنث:واحدة واثنتان . وثانیة وثالثة ورابعة إلی عاشرة.

والثانی: ما یجری بعکس القاعدة دائماً ، فیؤنث مع المذکر ویذکر مع المؤنث ، وهو الثلاثة والتسعة وما بینهما ، تقول: ثلاثة رجال ، وثلاث نسوة . قال تعالی: سَخَّرَهَا عَلَیْهِمْ سَبْعَ لَیَالٍ وَثَمَانِیَةَ أَیَّامٍ حُسُوماً .

ص: 155

والثالث: ماله حالتان وهو العشرة ، فإن استعملتْ مرکبة جرت علی القاعدة تقول: ثلاثة عشر رجلاً بالتذکیر ، وثلاث عشرة امرأة بالتأنیث ، وإن استعملت غیر مرکبة جرت علی خلاف القاعدة تقول: عشرة رجال بالتأنیث ، وعشر نساء بالتذکیر .

أما أسماء العدد التی علی وزن فاعل ، فلها أربع حالات: إحداها: الإفراد ، تقول: ثانٍ ثالث رابع خامس. ومعناه واحد موصوف بهذه الصفة .

الثانیة: أن یضاف العدد إلی ما هو مشتق منه ، فتقول: ثانی اثنین ، وثالث ثلاثة ، ورابع أربعة . ومعناه واحد من اثنین ، وواحد من ثلاثة ، وواحد من أربعة . قال الله تعالی: فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِینَ کَفَرُوا ثَانِیَ اثْنَیْنِ . وقال الله تعالی: لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ .

الثالثة: أن یضاف إلی ما دونه کقولک: ثالثُ اثنین ، ورابعُ ثلاثة ، وخامسُ أربعة . ومعناه جاعل الإثنین ثلاثة ، والثلاثة أربعة ، قال الله تعالی: مَا یَکُونُ مِنْ نَجْوَی ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ .

الرابعة: أن یَنصب ما دونه ، فتقول رابعٌ ثلاثةً ، وهذا لایجوز خلافاً للأخفش وثعلب .

ص: 156

الفصل الثامن عشر: علل المنع من الصرف

إذا وجد فی الإسم المعرب بالحرکات ، علتان من علل تسع ، أو واحدة منها تقوم مقام علتین ، منعته من الصرف . فیجر بالفتحة بدل الکسرة تقول: بأفضلَ منه ، إلا إذا دخلت علیه أل أو أضیف ، فتقول: بالأفضل وبأفضلکم . وقد تقدم إعرابه . وقد جمع بعضهم العلل فی هذا البیت:

إجمعْ وَزِنْ عادلاً أنِّثْ بمعرفةٍ

رَکِّبْ وزِدْ عُجْمَةً فالوصفُ قد کملا

العلة الأولی، وزن الفعل: بأن یکون علی وزن خاص بالفعل، کأن تسمی رجلاً قَتَّلَ بالتشدید ، أو ضُرب ونحوه من المبنی للمجهول ، أو انطَلَق ونحوه من الماضی المبدوء بهمزة وصل ، فهذه أوزان خاصة بالفعل .

أو یکون فی أوله زیادة کزیادة الفعل وهو علی وزنه ، کأحمد ویزید ویشکر وتغلب ونرجس ، وتجعله علماً .

العلة الثانیة ، الترکیب المزجی: کبعلبک وحضرموت ومعد یکرب ، ولیس ترکیب الإضافة کامرئ القیس .ولا المزجی المختوم بویه کسیبویه .

ص: 157

العلة الثالثة ، العجمة: کإبراهیم وإسماعیل وإسحاق (علیه السّلام) . وکل أسماء الأنبیاء أعجمیة إلا أربعة: محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وصالح وشعیب وهود (علیه السّلام) .

ویشترط أن یکون الإسم علماً فی لغته أعجمیة ، وأن یکون أکثر من ثلاثة حروف . فلهذا انصرف نوح ولوط فی قوله تعالی: إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّیْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. وقال تعالی: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَی قَوْمِهِ .

العلة الرابعة ، التعریف بالعلمیة: ولیس منه الضمیر والإشارة والموصول لأنها مبنیات ، ولا ذو الأداة والمضاف ، فإنهما موجبان لإعرابه وإعراب الممنوع من الصرف أیضاً .

العلة الخامسة ، أن یکون معدولاً: فبعض الأوزان فی اللغة العربیة، معدولة عن وزن آخر .

1. منها وزن فُعَل کعمر وزُفَر وزُحَل ، معدولٌ عن عامر وزافر وزاحل.

2. حَذام وقَطام ورَقاش عند تمیم . فأما الحجازیون فینبونه علی الکسر .

3. أما سحر فهو ممنوع من الصرف إذا کان ظرفاً من یوم معین کقولک: جئتک یوم الجمعة سحر ، لأنه حینئذ معدول عن السحر . فإن لم یکن لیوم معین انصرف ، کقوله تعالی: نَجَّیْنَاهُمْ بِسَحَرٍ.

4. الصفات المعدولة ، وهی من العدد علی وزن فَعَال ومَفْعَل ، فی الواحد الی الأربعة ، تقول: أحَاد ومَوْحد ، وثُناء ومَثْنی ، وثُلاث ومَثْلث

ص: 158

ورُبَاع ومَرْبع ، فهذه الألفاظ الثمانیة معدولة عن لفظ العدد المکرر، لأن أحاد معناه واحد واحد ، وثناء معناه: اثنان اثنان . وکذا الباقی . قال الله تعالی: أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنَی وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ، فمثنی وما بعده صفة لأجنحة ، والمعنی أولی أجنحة اثنین اثنین وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة . وأما قوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :صلاة اللیل مثنی مثنی ، فمثنی الثانی للتأکید لا للتکرار .

وأما الصفة المعدولة فی غیر العدد ، فهی کلمة أُخَر جمع الأخری ، زعموا أنها معدولة عن (الأخری) لأنها تستعمل بدون أل ، وأخری لاتستمعمل إلا مع أل ، کقوله تعالی: إِنَّهَا لاحْدَی الْکُبَرِ . ولا یجوز أن تقول صغری ولا کبری ولا کُبَّر ولا صُغَّر ، ولهذا خطؤوا العروضیین فی قولهم: فاصلة کبری وفاصلة صغری ، وخطؤوا أبا نواس فی قوله:

کأن صغری

وکبری من فقاقعها

حصباءُ دُرٍّ علی أرضٍ من الذهب

ولهذا قالوا إن الصحیح الأُخر مع أل ، فعدلوا الی أخر. قال الله تعالی فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ . کما عدل بنوتمیم أمس ، وعدل العرب سحر عما فیه أل.

العلة السادسة الوصف: کأحمر وأفضل وسکران وغضبان .

1. ویشترط فیه أن یکون من أصله وصفاً ، فلو استعملت صفواناً وأرنباً بمعنی مجازی للقاسی والذلیل ، فقلت: هذا قلبه صفوان ، وهذا رجل أرنب ، فإنک تُصرفهما ، لأن الوصف فیهما لیس أصلاً .

ص: 159

2. کما یشترط فی الوصف أن لایقبل تاء التأنیث ، فلهذا تَصْرِف: مررت برجل عریانٍ ورجلٍ أرملٍ ، لأنهما یقبلان تاء التأنیث فتقول: عریانة وأرملة ، بخلاف سکران وأحمر ، فإن مؤنثهما سکری وحمراء بغیر تاء .

العلة السابعة ، أن یکون بإحدی صیغتی الجمع: وهما مفاعل ومفاعیل ، کمساجد ودراهم ، ومصابیح وطواویس .

العلة الثامنة ، أن یکون فیه ألف ونون زائدتان: نحو عثمان ، وسکران .

العلة التاسعة ، التأنیث: بالألف کحبلی وصحراء ، وهویؤثر مطلقاً . أما التأنیث بالتاء کطلحة وحمزة ، فهو یؤثر المنع من الصرف بشرط العَلَمیة .

وأما التأنیث بالمعنی کزینب وسعاد ، فیؤثر المنع من الصرف إن زادت الکلمة علی ثلاثة أحرف کسعاد وزینب ، أو تحرک وسطها کسقر ولظی ، أو کانت أعجمیةً ، کحِمْص وبَلْخ . أما ما عدا ذلک کهند ودعد وجُمْل ، فیجوز فیها الصرف وعدمه . وقد اجتمع الأمران فی قول الشاعر:

لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ

ولم تُسْقَ دعدٌ فی العُلَب

واعلم أن العلل التسع منها ما یؤثر وحده بدون انضمام علة أخری وهو: الجمع وألفا التأنیث . ومنها: ما یؤثر مع العلمیة وهو التأنیث بغیر الألف والترکیب والعجمة ، نحو: فاطمة وزینب ومعدیکرب وإبراهیم . ولهذا

ص: 160

انصرف مُسْلِمَة وإن کان مؤنثاً ووصفاً ، وصَنْجَه وإن کان مؤنثاً أعجمیاً، وصولجان وإن کان أعجمیاً ذا زیادة ، وذلک لانتفاء العلمیة فیهن .

ومنها: ما یؤثر بشرط وجود العلمیة أو الوصفیة ، وهو العدل والوزن والزیادة . کعمر وأحمد وسلمان ، وثلاث وأحمر وسکران .

وینبغی التنبیه فی الختام أن النحاة لاحظوا أن العرب یَجُرُّون کلمات بالفتحة بدل الکسرة ، فسموها ممنوعة من الصرف ، ثم أرادوا أن یضعوا لها ضوابط فوجدوها کلمات کثیرة متنوعة ، فقسموها الی تسعة أقسام ، ووضعوا هذه العلل التسع.

ثم وجدوا أنها غیر وافیة ، فوضعوا لها شروطاً واستثناءات ، فجاءت معقدة ، وفی عدد منها مناقشات ، وخلاف .

والصحیح أن میزان المنع من الصرف هو السماع ، فلا بد من شاهد قطعی له من استعمال العرب ، کما أن أکثر تعلیلات النحاة ضعیفة .

ص: 161

ص: 162

الفصل التاسع عشر: التعجب

اشارة

للتعجب ألفاظ کثیرة وبعضها لم یذکره النحاة ، کقوله تعالی: کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللهِ وَکُنْتُمْ أَمْوَاتًا . وقول النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) للأعرابی:سبحان الله ، بلی والله لقد بعتنی . وقولهم: لله دَرُّهُ فارساً . وقول الشاعر:

یا سیداً ما أنتَ من سَیِّدٍ

مُوَطَّأُ الأکنافِ رَحْبُ الذراعْ

والمشهور منه صیغتان: ما أفْعَلَ، وأَفْعِلْ به . نحو: ما أحْسَنَ زیداً ، وأکْرِمْ به . وإعراب الصیغة الأولی أن (ما) إسم تعجب مبتدأ ، وأحسَنْ فعل ماض فاعله ضمیر مستتر ، وزیداً مفعول ، والجملة خبر ما . والتقدیر: شئٌ عظیمٌ حسَّنَ زیداً ، کما قالوا: شرٌّ أهرَّ ذا ناب . أی حَدَثَ شَرٌّ کبیر أوجب نُباح الکلب . وقال الأخفش إن ما موصولة معرفة ، والمعنی: الذی حسن زیداً شئ عظیم . وقال سیبویه إنها نکرة تامة .

وقال الکوفیون إن (أحسن) إسم ، لأنه یُصَغَّر، تقول: ما أحیسنه . وقال البصریون إنه فعل ماض وتصغیره شاذ لشبهه بالإسم ، وهو الصحیح لأنه تلحقه یاء المتکلم مع نون الوقایة ، تقول: ما أحسننی .

أما إعراب أَفْعِلْ فی مثل قولک: أحْسٍنْ بزید ، فهی فعل لفظه لفظ الأمر ومعناه التعجب وهو خال من الضمیر ، وأصله أحسن زید ، أی صار ذا

ص: 163

حسن ، کما قالوا: أورق الشجر ، وأزهر البستان ، وأثری فلان ، وأترب زید ، وأغدَّ البعیر . بمعنی صار ذا ورق ، وذا زهر ، وذا غُدَّة ، وذا ثروة ، وذا متربة أی فقر وفاقة . فضُمِّنَ معنی التعجب ، وجعلت صیغته أفْعِل ، شبیهاً بصیغة: أُمْرُرْ بزید ، فالباء تشبه الباء التی زیدت فی الفاعل فی قوله تعالی: وَکَفَی بِاللهِ شَهِیدًا . لکنها لازمة لا تحذف .

بناء فعل التعجب وإسم التعجب

ذکر النحاة شروطاً لبناء فعل التعجب وإسمه ، لکنهم أقروا بأن العرب خالفتها فی بناء صیغ التعجب ! فقالوا إن صیغة التعجب لا تبنی إلا من فعل وخَطَّأُوا من بناه من جِلْف وحِمار فقال: ما أجلفه وما أحمره . لکن العرب قالوا : ما ألصَّهُ ، وهو ألصُّ من شظاظ ، إسم لص مشهور. وقالوا: لا تبنی إلا من فعل ثلاثی ، ونقلوا جواز بنائه منه بعد تجریده . وقال سیبویه بجواز بنائه من أفعل ، نحو أکرم وأحسن وأعطی .

وقالوا: لایبنی التعجب مما کان إسم فاعله علی وزن أفعل ، کعمیَ وعرجَ فلا یقال: ما أعماه وما أعرجه ، ولا من الألوان ، فلا یقال: ما أسوده ، وما أحمره . ولا من أفعال الحلی التی وصفها علی وزن أفعل، فلا یقال : ما أعماه ، وما أعرجه ، وما أدعجه ، وما ألمْاه . والدعج سواد العین ، واللمیة الشفة التی یمیل لونها الی السواد . ولا مما لایقبل التفاوت ، کمات وفنی .

لکن العرب خالفوا ذلک . والمیزان هو لغة العرب ولیس کلام النحاة .

ص: 164

الفصل العشرون : الوقف والهمزة

جعل العرب للوقف علی أواخر الکلمات قواعد ، منها:

1. الوقف علی تاء التأنیث الساکنة یُبقیها کما هی نحو: قامت وقعدت .

2. أما المتحرکة ولیست جمعاً بألف وتاء ، فالأفصح إبدالها هاءً ، تقول هذه رحمهْ ، وهذه شجرهْ . وبعضهم یقف بالتاء فیقول: هذه رحمتْ . وسمع بعضهم یقول: یا أهل سورة البقرتْ . فقال بعض من سمعه: والله ما أحفظ منها آیتْ . وقال الشاعر:

والله أنجاک بکفیْ مُسلمت

من بَعْدِ ما وبَعد ما وبَعد مَتْ

کانت نفوس القوم عند الغَلْصَمَتْ

وکادت الحرةُ أن تُدعی أمتْ

لکن هذا الشعر لم یعرف قائله ، وقد تکون روایته الصحیحة یالهاء.

3. وإن کان الموقوف علیه جمعاً بالألف والتاء ، فالأصح الوقوف علیه بالتاء وبعضهم یقف علیه بالهاء ، وسمع من کلامهم: کیف الإخْوَهْ والأخواهْ . وقالوا دَفْنُ البَنَاهْ من المکرُمَاهْ .

ص: 165

4. إذا کان المنقوص منوناً ، فالأفصح الوقف علیه فی الرفع والجر بالحذف ، تقول: هذا قاضْ ، ومررت بقاضْ . ویجوز أن تقف علیه بالیاء کما وقف ابن کثیر علی هاد ووال وواق ، فی قوله تعالی: وَلِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍی . وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالی . وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقی. وهی فی القرآن بدون یاء

5. إذا کان المنقوص غیر منون ، جاز الوقف علیه رفعاً وجراً بإثبات الیاء کقولک: هذا القاضی، ومررت بالقاضی . ویجوز الوقف بحذفها ، کما وقفوا فی قوله تعالی: عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ الْکَبِیرُ المُتَعَالِ . لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ .

6. إذا کان المنقوص منصوباً وجب الوقف بإثبات یائه ، فإن کان منوناً أبدل تنوینه بألف ، کقوله تعالی: رَبَّنا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِیاً. وإن کان غیر منون وقف علی الیاء ، کقوله تعالی: کَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِیَ .

7. یجب فی الوقف علی إذاً قلب نونها ألفاً ، وبعضهم یکتبها بالنون . وقد اتفق القراء علی الوقف بالألف فی نحو قوله تعالی: وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَداً .

8. تقلب نون التوکید الخفیفة الواقعة بعد الفتحة ، ألفاً ، کقوله تعالی: لَنَسْفَعاً ، ولَیَکُوناً ، قال الشاعر:

وإیاک والمیْتَات لا تقربَنَّهَا

ولا تعبد الشیطان والله فاعبدا

9. وقفوا علی تنوین الإسم المنصوب بالألف ، نحو: رأیت زیداً . ووقف بنو ربیعة علی نحو: رأیت زیداً ، بالحذف ، قال شاعرهم:

ألا حبذا غُنْمٌ وحسن حدیثها

لقد ترکت قلبی بها هائماً دنفْ

ص: 166

10. اختلفوا فی کتابة الألف الموقوف علیها بالنون ، فقال بعضهم تکتب ألفاً علی أصلها ، وقال بعضهم تکتب بالنون کما یوقف علیها .

11. فرَّق النحاة واللغویون بین واو الجماعة وواو الفعل ، فکتبوا بعدها ألفاً ، نحو: قاموا . وکتبوا واو الفعل وحدها ، فی مثل: یدعو .

12. إذا کانت الکلمة أکثر من ثلاثة أحرف کتبت الألف فی آخرها یاءً نحو: استدعی والمصطفی . وکذا إن کانت منقلبة عن یاء ، نحو رَهَی، وهَدی، وفَتی . وإن کانت ثلاثة أحرف وکان ثالثها منقلباً عن واو ، کتبت ألفاً نحو: دعا وعفا ، والعصا والقفا.

وإذا أشکل علیک أمر الفعل ولم تعرف حرف علته ، فَصِلْهُ بتاء المتکلم أو المخاطب ، یظهر لک أصله . مثلاً تقول فی رمی وهدی: رمیت وهدیت ، وفی دعا وعفا: دعوت وعفوت .

وإذا أشکل أمر الإسم فثنِّه یظهر لک أصله ، فتقول فی الفتی والهدی: الفتیان والهدیان ، وفی العصا والقفا: العصوان والقفوان.

قال القاسم بن فِیرة الشاطبی الأندلسی ، صاحب الشاطبیة فی القراءات :

وتثنیة الأسماء تکشفُها وإن

ردَّت إلیک الفعل صادفتَ منبلا

وقال الحریری صاحب المقامات:

إذا الفعل یوماً غمَّ عنک هجاؤه

فَأَلْحِقْ به تاء الخطاب ولا تقفْ

فإن تَرَهُ بالیاء یوماً کتبته

بیاء وإلا فهو یکتب بالألفْ

ص: 167

همزة الوصل وهمزة القطع

همزات الوصل هی التی تثبت فی الإبتداء ، وتحذف فی الوصل .

فالإسم غیر المصدر همزته دائماً همزة وصل ، إلا فی عشرة أسماء هی: إسم ، وإست ، وإبن ، وإبنة ، وإبنم ، وإمرؤ ، وإمرأة ، وإثنان ، وإثنتان ، وإبنان وإبنمان ، وإمرآن ، وإمرأتان . قال الله تعالی: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .

أما الجمع فهمزته همزة قطع ، قال الله تعالی: إِنْ هِیَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا . فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ .

وأما أسماء مصادر الأفعال الخماسیة والسداسیة ، فهمزتها همزة قطع ، کالإنطلاق ، والإقتداء ، والإستخراج.

وکذا المضارع ، نحو: أعوذ بالله . أستغفر الله. وأحمد الله .

وکذا الماضی الثلاثی والرباعی، نحو: أخذ ، وأکل ، وأخرج ، وأعطی .

أما الماضی الخماسی والسداسی فهمزته وصل نحو: انطلق ، واستخرج .

وأما الأمر فإن کان من ماض رباعی ، فهمزته قطع، نحو: أکرمْ، وأجبْ.

وأما همزة الحروف فهی همزة قطع نحو: أم ، وأو ، وأل .

وأما همزة أل ، فعن الخلیل أنها همزة قطع ، أسقطت فی الدرج تخفیفاً لکثرة استعمالها ، کما حذفت من شر وخیر ، بمعنی أشر وأخیر .

ص: 168

وأما حرکة همزة الوصل ، فهی فی کلمة إسم مکسورة ، وشذ ضمها . وهمزة أل تفتح فقط ، وهمزة: أیمن الله لأفعلنَّ ، تفتح فی الأفصح ، وشذ کسرها .

وهمزة الأمر الثلاثی المضموم الثالث ، تضم فقط ، نحو: أُقْتُلْ وأُکْتُبْ وأدخل ، وأغزی یا هند ، لأن أصله أغزوی . ولیس منه قولک: إمشوا ، فإنه یبتدئ بالکسر ، لأن أصله إمشیُوا بکسر الشین .

أما بقیة همزات الفعل فتکسر لا غیر . وکسر الهمزة هو الأصل .

(تمَّ الکتاب ، والحمد لله رب العالمین )

ص: 169

ص: 170

فهرس الموضوعات

الفصل الأول: الکلام وأقسامه

علامات الإسم وأقسامه . . . . . . . . . . . . . . . . . .7

قبلُ وبعدُ وأخواتهما . . . . . . . . . . . . . . . . . .......9

ترکیب کلام العرب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .11

فعل الأمر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ........14

الفعل المضارع . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .15

الفصل الثالث: الحرف وعلامته . . . . . . . . . . . .17

کلمات اختلفوا فی حرفیتها . . . . . . . . . . . . . .17

الفصل الرابع: الإعراب والبناء

1- الأسماء الستة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .22

2-المثنی وما ألحق به . . . . . . . . . . . . . . . . . .23

3- جمع المذکر السالم . . . . . . . . . . . . . . . . .24

4- المجموع بألف وتاء . . . . . . . . . . . . . . . . . .25

4- إعراب مالاینصرف . . . . . . . . . . . . . . . . . .26

الإعراب المقدر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .29

رفع الفعل المضارع . . . .. . . . . . . . . . . . . . . .30

الفصل الخامس: نواصب المضارع

الناصب الأول: لن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .31

ص: 171

الناصب الثانی: کی المصدریة . . . . . . . . . . . . . . .32

الناصب الثالث: إذن . . . . . . . . . . . . .. . . . . ........32

الناصب الرابع: أن المصدریة . . . . . . . . . . . . . . ...33

الفصل السادس: جوازم المضارع

ما یجزم فعلاً واحداً . . . . . . . . . . . . . . . . .............39

ما یجزم فعلین . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...........42

اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائیة . .. . . . . . . .43

الفصل السابع: المعرفة والنکرة

أقسام المعرفة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .45

الضمیر المتصل أولی من المنفصل . . . . . . . . . . . . . .47

العَلَم وأقسامه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .48

إسم الاشارة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .50

الإسم الموصول . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .51

صلة الموصول . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .53

المعرف بأداة التعریف . . . . . . . . . . . . . . . . . .54

التعریف بالإضافة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .56

الفصل الثامن: المبتدأ والخبر

تعریف المبتدأ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .57

تعریف الخبر ورابطه . . . . . . . . . . . . . . . . . . .58

وقد یکون الخبر شبه جملة . . . . . . . . . . . . . . . .59

لا یخبر بالزمان عن الذات. . . . . . . . . . . . . . . . .59

قد یکون الخبر مرفوع الوصف . . . . . . . . . . . . . . . .60

تعدد الخبر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...........60

وقد یتقدم الخبر علی المبتدأ . . . . . . . . . . . . . .61

ص: 172

وقد یحذف المبتدأ أو الخبر . . . .. . . . . . . . . . . .61

الفصل التاسع : نواسخ حکم المبتدأ والخبر

کان وأخواتها . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . .63

وقد یتوسط الخبر بین الفعل والإسم . . . . . . . . . . . .64

أفعال الصیرورة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .65

الأفعال الناقصة تکون تامة . . . . . . . . . . . . . . . .65

کان الزائدة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .66

وقد یحذف آخر مضارع کان . . . . . . . . . . . . . . . . .66

وقد تحذف کان وحدها أو مع إسمها . . . . . . . . . . . . .67

ما ولا ولات النافیة . . . . . . . . . . . . . . . . . ...........68

الفصل العاشر: الثانی من النواسخ: إن وأخواتها

ما الحرفیة تبطل عمل إن وأخواتها . . . . . . . . . . . . .72

إن المکسورة المخففة لا تعمل . . . . .. . . . . . . . . .72

أن المخففة المفتوحة تبقی عاملة . . . .. . . . . . . . . .73

حکم کأنَّ إذا خففت . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .......74

تقدیم خبر إن وأخواتها . . . . . . . . . . . . . . . . .........75

وجوب کسر همزة إن ؟ . . . . . . .. . . . . . . . . . . . .75

دخول اللام علی خبر إن وإسمها . .. . . . . . . . . . . . .76

لا النافیة للجنس العاملة عمل إن . . . . . . . . . . . .77

إذا تکررت لا النافیة للجنس . . . .. . . . . . . . . . . .78

ظن وأخواتها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .......79

إلغاء أفعال القلوب وتعلیقها . . . . . . . . . . . . . .80

ص: 173

الفصل الحادی عشر: الفاعل

حذف الفاعل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .85

تأخر الفاعل عن الفعل . . . .. . . . . . . . . . . . . . .86

فاعل نعم وبئس . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . .87

نائب الفاعل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .88

یأتی نائب الفاعل إسماً غیر صریح . . . . . . . . . . . .88

صیغة الفعل المبنی للمجهول . . . . . . . . . . . . . . . 89

الإشتغال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...........90

متی یجب الرفع فی الإشتغال . . . . . . . . . . . . . . .91

التنازع . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . ...............92

الفصل الثانی عشر: المفعول وأنواعه

المفعول به . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .95

المنادی . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .96

المنادی المضاف الی یاء المتکلم . . . . . . . . . . . . .97

حکم تابع المنادی . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .98

ترخیم المنادی المعرفة . . . . . . . . . . . . . . . . . .100

المستغاث به . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .......101

حکم المندوب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .102

المفعول المطلق . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .102

المفعول المطلق النائب عن المصدر . . . . . . . . . ..103

المفعول له . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .........104

المفعول فیه أو ظرف المکان والزمان . . . . . . . . . . . .105

نصب أسماء الزمان والمکان علی الظرفیة . . . . . ..105

المفعول معه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .106

ص: 174

حکم الإسم بعد الواو . . . . . . . . . . . . . . . . . . .107

الفصل الثالث عشر: الأسماء التی تعمل عمل أفعالها

1- اسم الفعل . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .109

2- المصدر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .110

شروط عمل المصدر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .111

3- إسم الفاعل . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . .114

4- أمثلة المبالغة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .115

5- إسم المفعول . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .117

6- الصفة المشبهة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .117

لأفعل التفضیل أربع استعمالات . . . . . . . . . . . . . .121

التفضیل یَرفع ولا یَنْصِب . . . . . . . . . . . . . . . .122

الفصل الرابع عشر: الحال123

شرط الحال أن تکون نکرة . . . . .. . . . . . . . . . . . .124

شروط صاحب الحال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .124

التمییز . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .125

الفصل الخامس عشر: الإستثناء

الفصل

الخامس عشر: الإستثناء

حکم المستثنی بعد النفی . . . . . . . . . . . . . . . . .129

الإستثناء المفرغ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .131

الإستثناء بغیر إلا . . . . . . . . . . . . . . . . . . .131

الفصل السادس عشر: حروف الجر133

المجرور بالإضافة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .135

لاتجتمع الإضافة مع التنوین . . . . . . . . . . . . . . .136

ص: 175

الفصل السابع عشر: التوابع

النعت أو الصفة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .139

الصفة تتبع الموصوف . . . . . . . . . . . . . . . . . . .139

قطع الصفة عن الموصوف . . . . . . . . . . . . . . . . . .141

موارد نقض القاعدة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .142

التوکید . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .143

الفرق بین التأکید والنعت . . . . . . . . . . . . . . . .146

العطف . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .147

عطف البیان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .148

عطف النسق بالواو والفاء وأخواتهما . . . . . . . . . . . .149

الواو للعطف المجرد . . . . . . . . . . . . . . . . . . .149

الفاء للترتیب والتعقیب . . . . . . . . . . . . . . . . .150

ثم للترتیب والتراخی . . . . . . . . . . . . . . . . . . .151

حتی ، للغایة والتدریج . . . . . . . . . . . . . . . . . .151

أو ، لأحد الشیئین أو الأشیاء . . . . . . . . . . . . . .152

أَمْ ، لطلب التعیین . . . . . . . . . . . . . . . . . . .153

لا ولکن وبل ، للرد عن الخطأ . . . . . . . . . . . . . . .153

الخامس: البدل . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . .154

العدد . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . .155

الفصل الثامن عشر: علل المنع من الصرف157

الفصل التاسع عشر: التعجب

بناء فعل التعجب وإسم التعجب . . . . . . . . . . . . . . .164

الفصل العشرون : الوقف والهمزة

همزة الوصل وهمزة القطع . . . . . . . . . . . . . . . . .168

ص: 176

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.