ص: 2

والیوم تغیرت العصور وبدأ الشیعة یجهرون برأیهم والحمد لله ، ویکشفون للعالم أنهم الوجه الآخر الصحیح للإسلام ، مقابل إسلام الحکومات، وأن عترة النبی(علیهم السّلام) هم الإمتداد الطبیعی الشرعی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن التشیع لهم واتِّباعهم ، هو الإتباع الصحیح لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وقد تفاءلت بالقبول عندما أنهیت الکتاب فجاء عفواً فی اثنی عشر فصلاً فی التعریف بالشیعة الإمامیة الإثنی عشریة .

جاء الفصل الأول عاماً حول معنی التشیع ، وبَیَّنْتُ فیه تأسیس النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )له فی حیاته ، واعتباره الخط الشرعی للإسلام .

ثم بینت جذور التشیع الضاربة فی الأدیان حتی أن إبراهیم کان من شیعة نوح(علیهماالسّلام)، وقد أسس الکعبة لذریته محمد والأئمة من عترته (علیهم السّلام) ، ودعا الله تعالی أن یجعلهم أمة مسلمة ویبعث فیهم رسولاً منهم ، ویجعل لهم لسان صدق علیاً ، ویجعل أفئدة من الناس تهوی الیهم ، وتتشیع لهم .

وبینت فی الفصل الثانی سیطرة القرشیین علی دولة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمجرد وفاته ، واضطهادهم لأهل بیته وعترته(علیهم السّلام) ، وتوارث الحکومات سیاسة اضطهادهم وإصرارها علیها . ثم بینت مواصلة أئمة العترة(علیهم السّلام) جهادهم فی مقاومة السلطة ، وکشف تحریفها للإسلام .

وجعلت الفصل الثالث لعصر غیبة الإمام المهدی، ودور السفراء الأربعة رضوان الله علیهم فی خدمة الشیعة وربطهم بالإمام(علیه السّلام)

ص: 4

ثم أشرت الی ظاهرة توسع التشیع وانتشاره فی عصر السفراء ، رغم تقتیل الأئمة(علیهم السّلام) واضطهاد شیعتهم . وبالمناسبة أشرت الی ظاهرة انتشار التشیع فی عصرنا فی أنحاء العالم الإسلامی ، وأهم أسبابها.

وخصصت الفصل الرابع للمرجعیة عند الشیعة فی عصر غیبة الإمام المهدی(علیه السّلام)، واحترام الشیعة لمرجعیتهم بسبب استقلالها عن التأثر السیاسی ، وبینت تمیزها عن غیرها من المرجعیات بأنها تتم بانتخاب طبیعی حرٍّ من الناس ، ولیس بنصب الحاکم أو أی جهة سیاسیة .

کما استعرضت الرأی القائل بأن المرجعیة ولایة فقیه وقیادة سیاسیة ، والرأی القائل بأنها منصب خبروی ، ولیست قیادة سیاسیة وولایة فقیه .

ثم ترجمت لأبرز المراجع المؤثرین فی حیاة الشیعة الثقافیة بعد السفراء الأربعة ، وهم : الکلینی ، والصدوق ، والمفید ، والمرتضی ، والطوسی ، قدس الله أنفسهم الزکیة .

وخصصت الفصل السادس لمصادر الشیعة وثروتهم العلمیة ، وأشرت الی غارات السلطة علیها لإحراقها وإتلافها ، والکثیر الذی بقی لنا منها.

ثم أشرت الی فتح باب الإجتهاد فی مذهبنا، والی منهجنا العلمی فی البحث والإستنباط الفقهی ، وتصحیح الأحادیث وتضعیفها .

وعرضت فی الفصل السابع المناسبات الدینیة والمشاهد المشرفة عند الشیعة، ومستندهم الفقهی فی بناء قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعترته والأولیاء ، وزیارتها والصلاة عندها ، والتوسل بأصحابها الی الله تعالی.

ص: 5

وبینت أنهم یشترکون فی ذلک مع مذاهب المسلمین، وأن الحزب الوهابی المتطرف شذ عن المسلمین ، وشن حرباً علیهم بحجة تقدیسهم للقبور!

وأشرت الی أن الشیعة خاصة فی العراق خاضوا المعرکة مع الوهابیة المتطرفین ، نیابة عن کل المسلمین .

ثم عقدت بقیة الفصول لبیان عقائد الشیعة فی توحید الله تعالی وتنزیهه ، ونبوة نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإمامة الأئمة الإثنی عشر من عترته(علیهم السّلام) ، وعقیدة الشیعة فی العدل الإلهی ، ونفی الجبر والتفویض .

وتوسعت فی عرض مفردات المعاد ، ابتداء من الإحتضار الی دخول الجنة جعلنا الله وإیاکم من أهلها .

أسأل الله تعالی أن ینفع به ، ویکتبه فی میزان الدفاع عن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وآله الطاهرین ویحشرنا معهم یوم یدعو کل أناس بإمامهم، إنه سمیع مجیب.

حرره: علی الکورانی العاملی عامله الله بلطفه

الحوزة العلمیة بقم المشرفة- شوال المکرم1430

ص: 6

ومضافاً الی ما یقدمه الدین من هدایة للإنسان ، فهو یحقق له الإطمئنان فی شخصیته فیَحِلَّ أکبر مشکلتین فی حیاته ، وهما: الحزن علی ما یفقده ، والخوف من فقدان ما یملکه ! لأن إیمان الإنسان بالله تعالی یجعله یحصر همه فی أداء واجبات عبودیته لربه ، ویعطیه الطمأنینة بأن الله تعالی سیوصله إلی خیره وسعادته ، ویقیه من الشرور والشقاء . قال الله تعالی: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الأَرْضِ وَلا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلا فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِکَ عَلَی اللهِ یَسِیرٌ . لِکَیْ لا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاکُمْ وَاللهُ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور. (الحدید:22-23)

وقال تعالی: الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللهِ أَلا بِذِکْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . (الرعد:28).

إن الدین یوسع أفق الإنسان فیجعله یشمل الحیاة الآخرة والخلود فیها ویطور حبه لذاته ، فیحرره من ضیق الحب المادی للذات، ویجعله حباً لها بمیزان تقوی الله تعالی والفوز برضاه وجنته .

فالدین یُعلمه ترویض نفسه والسیطرة علی غضبه وشهوته، لأنه یجعله یؤمن بقانون الثواب والعقاب علی کل عمل یقوم به: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً یَرَهُ . (الزلزلة:8). وبذلک یضمن حقوق الفرد والمجتمع، ویدفع الإنسان الی الخیر ، ویردعه عن الشر .

والدین فی المجتمع هو الإدارة الکلیة لحرکته فی طریق التکامل ، فهو الذی یهدی مساراته وینسق بین فعالیاته ، لتصب جمیعها فی خدمة سیره الی تکامله المادی والمعنوی .

إن الدین هو العلم الذی یوجه مسار العلوم ، والإدارة التی توجه حرکة الإدارات، والروح التی تعطی الطاقة والوجهة لکافة أفراد المجتمع .

ص: 8

تساوی الفرقة وذلک مراد الآیة . کما تستعمل بمعنی المطاوعة والمتابعة کما فی قوله تعالی: وَإِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لإبْرَاهِیمَ ، وقوله تعالی: فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ. ونحن من المعنی الثانی للفظة الشیعة ».(صراط النجاة:2/437).

وقال تعالی: رَبَّنَا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّکَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِی وَمَا نُعْلِنُ وَمَا یَخْفَی عَلَی اللهِ مِنْ شَئْ فِی الأَرْضِ وَلا فِی السَّمَاءِ . الْحَمْدُ للهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الْکِبَرِ إِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعَاءِ. رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ .

وقال تعالی: وَإِذْ یَرْفَعُ إِبْرَاهِیمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَیْتِ وَإِسْمَاعِیلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ وَأَرِنَا مَنَاسِکَنَا وَتُبْ عَلَیْنَا إِنَّکَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِیمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ وَیُعَلِّمُهُمُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَیُزَکِّیهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ العَزِیزُ الحَکِیمُ .

فکان دعاؤهما(علیهماالسّلام)فی سیاق إخبار الله لهما بأنه سیجعل من ذریتهما أمةً مسلمة ویبعث فیهم رسولاً منهم ، وهذه الأمة منحصرة بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعترته(علیهم السّلام) .

ثم دعا إبراهیم وإسماعیل(علیهماالسّلام)ربهما أن یجعل أفئدة من الناس تهوی الیهم، ولم یقولا إلیها ، أی الکعبة ، لأن أولیاء الکعبة(علیهم السّلام) أئمة الناس وأفضل من الکعبة .

قال علی(علیه السّلام)فی رسالة لمعاویة:«ولکل نبی دعوة فی خاصة نفسه وذریته وأهله. قال إبراهیم وإسماعیل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهما یرفعان القواعد من البیت:رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ ، فنحن الأمة المسلمة. وقالا: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ وَیُعَلِّمُهُمُ الکِتَابَ وَالحِکْمَةَ وَیُزَکِّیهِمْ. فنحن أهل هذه الدعوة، ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) منا ونحن منه بعضنا من بعض، وبعضنا أولی ببعض فی الولایة والمیراث:ذُرِّیَّةً

بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» (الغارات:1/200)

وقال(علیه السّلام)کما فی کتاب سلیم/406: « إنا أهل بیت دعا الله لنا أبونا إبراهیم(علیه السّلام)

ص: 11

فقال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ ، فإیانا عنی الله بذلک خاصة . ونحن الذین عنی الله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَافْعَلُوا الخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ..إلی آخر السورة ، فرسول الله الشاهد علینا ، ونحن شهداء الله علی خلقه ، وحججه فی أرضه ».

وفی دعائم الإسلام:1/31، عن الإمام الصادق(علیه السّلام): « لم یکن من الأمم السالفة والقرون الخالیة والأسلاف الماضیة ، ولا سمع به أحد أشد ظلماً من هذه الأمة ! فإنهم یزعمون أنه لافرق بینهم وبین أهل بیت نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا فضل لهم علیهم !

فمن زعم ذلک من الناس فقد أعظم علی الله الفریة ، وارتکب بهتاناً عظیماً وإثماً مبیناً ! وهو بذلک القول برئ من محمد وآل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی یتوب ویرجع إلی الحق ، بالإقرار بالفضل لمن فضله الله عز وجل علیه...فأصحاب دعوة إبراهیم وإسماعیل(علیهماالسّلام) رسول الله وعلی وفاطمة والحسن والحسین والأئمة(علیهم السّلام) ، ومن کان متولیاً لهؤلاء من ولد إبراهیم وإسماعیل فهو من أهل دعوتهما ، لأن جمیع ولد إسماعیل قد عبدوا الأصنام غیر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی وفاطمة والحسن والحسین (علیهم السّلام) ، وکانت دعوة إبراهیم وإسماعیل لهم».

مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیما» فقال عز وجل(وَالَّذِینَ مَعَهُ)ولم یقل: والذین آمنوا معه ، لأنهم من الأصل مؤمنون علی ملة إبراهیم(علیه السّلام)لم یعبدوا صنماً ، ولیس کذلک

الصحابة.

وهم الذین وصفهم الله تعالی بقوله:أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَیْنَهُمْ ، ولیس کذلک الصحابة ، فقد کان أکثرهم أشداء بینهم حتی قتلوا بعضهم بعضاً!

وهم الذین وصفهم الله تعالی بقوله: سِیمَاهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، ولیس ذلک صفة عامةً فی الصحابة .

وهم الذین وصفهم الله تعالی بقوله: کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ، والزرع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهم شطؤه ، ولیس الصحابة شطأ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن الشطأ أولاد الزرع .

وهم الذین وعد الله الأمة بأنهم شهداء من نفس النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتلونه ، أی یکونون بعده ، فقال تعالی: أَفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ، فرسول الله الذی علی بینة من ربه ، وعلیٌُّ(علیه السّلام)والأئمة من ولده الشاهد التالی .

فأخبر عز وجل أنه استجاب لإبراهیم(علیه السّلام)دعاءه فی الهبة والجعل ، فوهب له ذریة فی فرع إسحاق ویعقوب، وجعل فی فرع إسماعیل(علیه السّلام)أمة مسلمة وبعث فیهم رسولاً منهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وجعل لإبراهیم وآله جمیعاً لساناً مصدقاً هو علی(علیه السّلام).

وقد فسر أهل البیت(علیهم السّلام) (لسان الصدق فی الآخرین) بأنه علی(علیه السّلام)، لأن علیاً فی الآیة علم ولیس صفة ، حیث لم یرد وصف اللسان فی اللغة بأنه علی.

فیکون تصریحاً بإسم علی(علیه السّلام)فی القرآن فی نوع من الکنایة ، کما صرح به تعالی بالکنایة ووصفه بفعل انفرد به علی(علیه السّلام)فقال تعالی: إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَوةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ، وقد روی الجمیع أن الذی آتی الزکاة وهو راکع علی(علیه السّلام)فقط. (تفسیر الطبری:7/389).

وسبب استعمال الله الکنایة عن علی(علیه السّلام)أن قریشاً لا تتحمل اسمه فی القرآن ، وقد هددت فی مرض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنها ستعلن الردة إن أصرَّ علی أن یکتب عهده لعلی والعترة(علیهم السّلام) ، فتنکر نبوته وتقول إنه یرید تأسیس ملک لبنی هاشم ! وکان زعیمها یقول: إستفهموه هل یصرُّ علی کتابة عهده له ! فطردهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: قوموا عنی فما أنا فیه خیر مما تدعونی علیه ، وما دعوه إلا لیبرر لهم الردة !

وقالت تفاسیر السنة إن لسان الصدق لإبراهیم(علیه السّلام)هو الثناء الحسن فی هذه الأمة ، لکنه ضعیف لأن سیاق الآیات عن أشخاص ولیس عن معان ، ولأن الثناء لایوصف بأنه لسان ، کما أن الثناء علیه کان موجوداً قبل الأمة الآخرة.

راجع فی تفسیر لسان الصدق: الکافی:5/13، وتفسیر القمی:2/ 51، و123، والخصال/ 304 ، و307، وکمال الدین/138، و المزار لمحمد بن المشهدی/574، و الصراط المستقیم:1/256. وفتح الباری:11/137، و شرح مسلم للنووی : 4/125، وشرح سنن النسائی:3/45.

ص: 14

وروی الخطیب الخوارزمی عن علی(علیه السّلام)قال: «قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم فتحت خیبر: لولا أن یقول فیک طوائف من أمتی ما قالت النصاری فی عیسی بن مریم ، لقلت الیوم فیک مقالاً لا تمرُّ علی ملأ من المسلمین إلا أخذوا من تراب نعلیک وفضل طهورک ، یستشفون به! ولکن حسبک أن تکون منی وأنا منک ، ترثنی وأرثک، وأنت منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی...وإن شیعتک علی منابر من نور ، رِوَاءٌ مرویین مبیضة وجوههم حولی ، أشفع لهم فیکونون غداً فی الجنة جیرانی . وإن عدوک ظماء مظمئون ، مسودة وجوههم مقمحون ! حربک حربی وسلمک سلمی ، وسرک سری وعلانیتک علانیتی ، وسریرة صدرک کسریرة صدری ، وأنت باب علمی . وإن ولدک ولدی، ولحمک لحمی ودمک دمی...قال علی(علیه السّلام):فخررت له سبحانه وتعالی ساجداً ، وحمدته علی ما أنعم به علیَّ من الإسلام والقرآن ، وحببنی إلی خاتم النبیین وسید المرسلین».(نفحات الأزهار: 10/381، و5:92، وتاریخ بغداد:12/284، وتاریخ دمشق:28/203، و:42/332، وأوسط الطبرانی:3/122، والکبیر:1/320، والزوائد:9/131، وفردوس الأخبار:5/329، وتفسیر الطبری:30/335، وشواهد التنزیل:1/178، و500 و:2/459، و461، و463).

وبهذا یتضح أن شیعة علی(علیه السّلام)کانوا وجوداً ممیزاً من زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویتضح بطلان قول من زعم أن التشیع نشأ بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو فی خلافة علی(علیه السّلام) ، أو بعد ثورة الحسین(علیه السّلام) ، أو بعد ثورة زید بن علی(رحمه الله)!

وقد سمی الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)الشیعة: شیعة آل محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: « یا معشر الشیعة شیعة آل محمد :کونوا النمرقة الوسطی یرجع إلیکم الغالی ویلحق بکم التالی. فقال له رجل من الأنصار یقال له سعد: جعلت فداک ما الغالی؟ قال: قوم یقولون فینا ما لا نقوله فی أنفسنا ، فلیس أولئک منا ولسنا منهم، قال: فما التالی؟قال: المرتاد یرید الخیر یبلغه الخیر یؤجر علیه ». (الکافی:2/75).

وقال الإمام الصادق(علیه السّلام): «یا شیعة آل محمد ، إعلموا أنه لیس منا من لم یملک نفسه عند غضبه ، ومن لم یحسن صحبة من صحبه ».(الکافی:2/637).

ص: 16

محضراً منکم ! ترکتم رسول الله جنازة بین أیدینا وقطعتم أمرکم بینکم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقنا !

فأتی عمر أبا بکر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنک بالبیعة؟ فقال أبو بکر لقنفد وهو مولی له: إذهب فادع لی علیاً ، قال فذهب إلی علی فقال له: ما حاجتک ؟ فقال یدعوک خلیفة رسول الله ، فقال علی: لسریع ما کذبتم علی رسول الله ! فرجع فأبلغ الرسالة ، قال فبکی أبو بکر طویلاً !فقال عمر الثانیة: لا تمهل هذا المتخلف عنک بالبیعة ! فقال أبو بکر لقنفد: عد إلیه فقل له : خلیفة رسول الله یدعوک لتبایع، فجاءه قنفد فأدی ما أمر به ، فرفع علیٌّ صوته فقال: سبحان الله لقد ادعی ما لیس له فرجع قنفد فأبلغ الرسالة فبکی أبو بکر طویلاً!

ثم قام عمر فمشی معه جماعة ، حتی أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلی صوتها: یا أبت یا رسول الله ، ماذا لقینا بعدک من ابن الخطاب وابن أبی قحافة ! فلما سمع القوم صوتها وبکاءها ، انصرفوا باکین وکادت قلوبهم تنصدع وأکبادهم تنفطر ! وبقی عمر ومعه قوم ، فأخرجوا علیاً فمضوا به إلی أبی بکر فقالوا له: بایع ، فقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذا والله الذی لا إله إلا هو نضرب عنقک ، فقال: إذا تقتلون عبداً لله وأخَاً لرسوله! قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بکر ساکت لا یتکلم ، فقال له عمر: ألا تأمر فیه بأمرک! فقال: لا أکرهه علی شئ ما کانت فاطمة إلی جنبه! فلحق علی بقبر رسول الله (ص) یصیح ویبکی وینادی:ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکَادُوا یَقْتُلُونَنِی! ».

ص: 18

وبعد أن هاجموا دار علی(علیه السّلام)وأجبروه وأنصاره علی بیعة أبی بکر ، حمل علی فاطمة(علیهاالسّلام)علی دابة وکانت مریضة لأنها أسقطت جنینها فی حادثة هجومهم ، وأخذ معه ابنیه الحسن والحسین(علیهماالسّلام) ، وقصد بیوت کبار الأنصار ، وطالبهم هو وفاطمة ببیعتهم للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مکة علی أن یحموا أهل بیته وذریته کما یحمون أنفسهم وذراریهم ، ولا ینازعوا الأمر أهله ! فتأثروا بکلامهما ووعدوهما النصرة ، لکنهم خافوا من قریش ، ولم یتحرکوا تحرکاً مؤثراً .

وقد وصف أمیر المؤمنین(علیه السّلام)موقفه فقال:« أخبرنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بما الأمة صانعة بی بعده ، فلم أک بما صنعوا حین عاینته بأعلم منی ، ولا أشد یقیناً منی به قبل ذلک ، بل أنا بقول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أشد یقیناً منی بما عاینت وشهدت ! فقلت یا رسول الله فما تعهد إلیَّ إذا کان ذلک ؟ قال : إن وجدت أعواناً فانبذ إلیهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فاکفف یدک واحقن دمک ، حتی تجد علی إقامة الدین وکتاب الله وسنتی أعواناً!

وأخبرنی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن الأمة ستخذلنی وتبایع غیری وتتبع غیری ، وأخبرنی أنی منه بمنزلة هارون من موسی ، وأن الأمة سیصیرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه...إن موسی أمر هارون حین استخلفه علیهم إن ضلوا فوجد أعواناً أن یجاهدهم ، وإن لم یجد أعواناً أن یکف یده ویحقن دمه ولا یفرق بینهم. وإنی خشیت أن یقول لی ذلک أخی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):لم فرقت بین الأمة ولم ترقب قولی ، وقد عهدت إلیک إن لم تجد أعواناً أن تکف یدک وتحقن دمک ودم أهل بیتک وشیعتک...

ص: 20

فلما قبض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مال الناس إلی أبی بکر فبایعوه وأنا مشغول برسول الله بغسله ودفنه . ثم شغلت بالقرآن ، فآلیت علی نفسی أن لا أرتدی إلا للصلاة حتی أجمعه فی کتاب ، ففعلت .

ثم حملت فاطمة وأخذت بید ابنیَّ الحسن والحسین ، فلم أدع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرین والأنصار إلا ناشدتهم الله فی حقی ودعوتهم إلی نصرتی ، فلم یستجب لی من جمیع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبیر ، ولم یکن معی أحد من أهل بیتی أصول به ولا أقوی به ».

وقال(علیه السّلام):« وأیم الله ، لولا مخافة الفرقة بین المسلمین ، وأن یعود الکفر ویبور الدین ، لکنا علی غیر ما کنا لهم علیه ».

وقال(علیه السّلام): «إن الله لما قبض نبیه استأثرت علینا قریش بالأمر ، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس کافة ، فرأیت أن الصبر علی ذلک أفضل من تفریق کلمة المسلمین وسفک دمائهم ، والناس حدیثوا عهد بالإسلام ، والدین یمخض مخض الوَطَب ، یفسده أدنی وهْن ، ویعکسه أدنی خَلف ».(البحار:32/62).

ناصیة بنی هاشم ، ومن یرفض الإنقیاد لهم وهم أبناء النبی ، وإذا تحققت هذه النوایا والتوجهات ، فمعنی ذلک أن الهاشمیین قد أخذوا النبوة وأخذوا الخلافة معاً ، أو جمعوا ما بین النبوة والخلافة ، وبین الدین والملک معاً ، وهذا یعنی أنهم قد أخذوا الشرف کله ، واختصوا بالفخر کله ، وحرموا منهما بطون قریش،وتلک والله کارثة برأیهم ، الموت خیر من مواجهتها أو العیش فی ظلالها!

وتفتقت عقلیة بطون قریش عن خطة قبلیة سیاسیة مثلی ، تجمع بین الصیغة السیاسیة الجاهلیة وبین نظام الإسلام السیاسی ، وتقوم علی خلط الأوراق وإعادة ترتیبها من جدید ، تحت إشراف رجالات البطون المسکونة أنفسهم بمرض الصیغة السیاسیة الجاهلیة ! لذلک وضعوا مجموعة من الأوراق لمواجهة الترتیبات الإلهیة لعصر ما بعد النبوة ، والإلتفاف علیها »!

ثم عدد المؤلف أوراق البطون القرشیة ، ومنها أنهم عصبوا دم ساداتهم الذین قُتلوا فی مواجهة قریش للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعلی(علیه السّلام)! فهو الذی قتلهم بوصفه حامل رایة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی کل المواقع ، وبوصفه أقوی فرسان الإسلام علی الإطلاق .

ثم أوضح کیف قرر زعماء بطون قریش معالجة منظومة الحقوقیة الإلهیة التی وثقت مکانة أهل البیت(علیهم السّلام) بالقرآن الکریم والسنة ، فاخترقوا الآیات بالتأویل والتفسیر ، وتحمیل النص عدة معان تضیع المقصود الشرعی منه !

ثم اخترقوا سنة النبی بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقریر، برفع شعار: حسبنا کتاب الله، بمعنی أن القرآن وحده یکفی ولاحاجة لسنة النبی ! بل رفعوا هذا الشعار بمواجهة النبی نفسه عندما أراد أن یکتب وصیته للأمة ! رفعه عمر بن الخطاب . وعندما تُوَّج أبو بکر رفعه رسمیاً وتم حصر ما یمکن

ص: 22

حصره من الأحادیث النبویة المکتوبة وأمر بإحراقها ! وکذلک فعل عمر، ومنعا رسمیاً روایة السنة أو کتابتها ، لأن کتاب الله وحده یکفی !

ولم یکتفوا باختراع مقولة لایجوز لبنی هاشم أن یجمعوا بین النبوة والخلافة حتی قرروا عزلهم سیاسیاً عزلاً کاملاً ! ثم قال: «وعملیاً وطوال رئاسة ذلک النفر للأمة لم یصدف أن استعملوا أو استعانوا بأی رجل من آل محمد ، ولا بأی رجل یتعاطف مع آل محمد ، وذلک من قبیل سد الذرائع !

قال عبد الله بن عباس: إن عمر قد أرسل إلیه وقال له: إن عامل حمص قد هلک وکان من أهل الخیر ، وأهل الخیر قلیل وقد رجوت أن تکون منهم ، وفی نفسی منک شئ لم أره منک وأعیانی ذلک فما رأیک بالعمل لی ؟ قال ابن عباس فقلت: لن أعمل لک حتی تخبرنی بالذی فی نفسک ؟ قال عمر ما ترید إلی ذلک؟ قال ابن عباس فقلت: أریده فإن کان شئ أخاف منه علی نفسی خشیت منه علیها الذی خشیت ، وإن کنت بریئاً من مثله علمت أنی لست من أهله فقبلت عملک هنالک ، فإنی قلما رأیتک طلبت شیئاً إلا عاجلته ! فقال عمر: یا بن عباس إنی خشیت أن تأتی الذی هو آت (الموت) وأنت فی عملک فتقول هلم إلینا ولا هلم إلیکم دون غیرکم !

فمن حرص عمر علی مصلحة المسلمین وکراهیته المطلقة لرئاسة آل محمد یرید حتی بعد وفاته أن یتأکد بأنه لا یوجد فی ولایات الدولة ولا أعمالها رجل واحد یؤید حق آل محمد بالرئاسة !

وهو یثق بمعاویة ویثق بکل ولاته لأنه وإیاهم علی خط واحد ، ولهم هدف واحد وهو الحیلولة بین آل محمد وبین الرئاسة العامة للأمة ، لأن ذلک النفر لایرون أنه لیس للأمة مصلحة فی رئاسة آل محمد ، بل المصلحة کل المصلحة

ص: 23

بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة ، وإبعاد أولیاء آل محمد عن الولایات والإمارات والأعمال والوظائف العامة ، حتی لا یوطدوا لآل محمد !

لهذه الأسباب هان علی ذلک النفر تجاهل سنة الرسول ، وکافة الترتیبات الإلهیة المتعلقة بنظام الحکم أو بمن یخلف الرسول ، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتیبات الإلهیة التی أعلنها الرسول فی هذا المجال لیست فی مصلحة الإسلام ، ولا فی مصلحة المسلمین !ومع الأیام أقنعوا الأکثریة التی حکموها بذلک ! إن هذا لهو البلاء المبین !» (راجع للمؤلف نفسه: أین سنة الرسول وماذا فعلوا بها/206).

فاطمة من رضای وسخط فاطمة من سخطی ، فمن أحب فاطمة ابنتی فقد أحبنی، ومن أرضی فاطمة فقد أرضانی ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنی؟

قالا: نعم سمعناه من رسول الله . قالت: فإنی أشهد الله وملائکته أنکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی ، ولئن لقیت النبی لأشکونکما إلیه ! فقال أبو بکر أنا عائذ بالله تعالی من سخطه وسخطک یا فاطمة !ثم انتحب أبو بکر یبکی حتی کادت نفسه أن تزهق وهی تقول:والله لأدعون الله علیک فی کل صلاة أصلیها !

ثم خرج باکیاً فاجتمع إلیه الناس فقال لهم: یبیت کل رجل منکم معانقاً حلیلته مسروراً بأهله وترکتمونی وما أنا فیه ، لا حاجة لی فی بیعتکم أقیلونی بیعتی ! قالوا: یا خلیفة رسول الله إن هذا الأمر لا یستقیم ، وأنت أعلمنا بذلک إنه إن کان هذا لم یقم لله دین، فقال :والله لولا ذلک وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت لیلة ولی فی عنق مسلم بیعة ، بعدما سمعت ورأیت من فاطمة!

قال : فلم یبایع علی کرم الله وجهه حتی ماتت فاطمة رضی الله عنهما ، ولم تمکث بعد أبیها إلا خمساً وسبعین لیلة » !

وفی دلائل الإمامة للطبری/134، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال:« قبضت فاطمة فی جمادی الآخرة یوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدی عشر من الهجرة ، وکان سبب وفاتها أن قنفذاً مولی الرجل لکزها بنعل السیف بأمره ، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلک مرضاً شدیداً ».

وفی مسائل علی بن جعفر/325 ، عن الإمام الکاظم(علیه السّلام)قال: «إن فاطمة(علیهاالسّلام) صدِّیقة شهیدة » .

ص: 25

وفی الإحتجاج:1/109: «ثم نادی عمر حتی أسمع علیاً: والله لتخرجن ولتبایعن خلیفة رسول الله ، أو لأضرمن علیک بیتک ناراً !

ثم رجع فقعد إلی أبی بکر وهو یخاف أن یخرج علیٌّ بسیفه لما قد عرف من بأسه وشدته ، ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم علیه ، فإن امتنع فأضرم علیهم بیتهم ناراً ! فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغیر إذن ، وبادر علی إلی سیفه لیأخذه فسبقوه إلیه فتناول بعض سیوفهم فکثروا علیه فضبطوه وألقوا فی عنقه حبلاً أسود ، وحالت فاطمة بین زوجها وبینهم عند باب البیت ، فضربها قنقذ بالسوط علی عضدها، فبقی أثره فی عضدها من ذلک مثل الدملوج ( السوار) من ضرب قنفذ إیاها ، فأرسل أبو بکر إلی قنفذ: إضربها فالجأها إلی عضادة باب بیتها ، فدفعها فکسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنیناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتی ماتت من ذلک شهیدة ، صلوات الله علیها » !

وروی الشیخ المفید فی الإختصاص/185، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال فی حدیث: «فرفسها برجله وکانت حاملة بابن إسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ! فکأنی أنظر إلی قرط فی أذنها حین نُقِفَت (انخرمت)ثم أخذ الکتاب فخرقه ، فمضت ومکثت خمسة وسبعین یوماً مریضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت » . راجع: المسترشد/376، ومأساة الزهراء(علیهاالسّلام) ، ونظریة عدالة الصحابة/324 .

ص: 26

«ولولا أن قریشاً جعلت إسمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذریعة إلی الریاسة، وسلماً إلی العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته یوماً واحداً، ولارتدت فی حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً وبازلها بکراً !ثم فتح الله علیها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة، فحسن فی عیونها من الإسلام ما کان سمجاً ، وثبت فی قلوب کثیر منها من الدین ما کان مضطرباً ، وقالت: لولا أنه حق لما کان کذا ، ثم نسبت تلک الفتوح إلی آراء ولاتها وحسن تدبیر الأمراء القائمین بها، فتأکد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرین، فکنا نحن ممن خمل ذکره وخبت ناره وانقطع صوته وصیته ، حتی أکل الدهر علینا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فیها ، ومات کثیر ممن یعرف ، ونشأ کثیر ممن لا یعرف! اللهم إنک تعلم أنی لم أرد الأمرة ، ولا علو الملک والریاسة ، وإنما أردت القیام بحدودک والأداء لشرعک ، ووضع الأمور فی مواضعها وتوفیر الحقوق علی أهلها ، والمضی علی منهاج نبیک،وإرشاد الضال إلی أنوار هدایتک» (شرح النهج:20/298).

ومن تلامیذ علی(علیه السّلام)القادة الذین اختارهم للفتوحات:

حذیفة بن الیمان ، وسلمان الفارسی ، وعمار بن یاسر ، وأبو ذر الغفاری ، وخالد بن سعید بن العاص وأخواه أبان وعمرو ، وهاشم بن أبی وقاص المعروف بالمرقال ، وأولاده عبدالله وعتبة ، وبریدة الأسلمی ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أیوب الأنصاری ، وعثمان بن حنیف وإخوته، وعبد الرحمن بن سهل الأنصاری، ومالک بن الحارث الأشتر وإخوته ، وعدد من القادة النخعیین ، وصعصعة بن صوحان العبدی وإخوته ، والأحنف بن قیس ،

ص: 28

وحجر بن عدی الکندی ، وعمرو بن الحمق الخزاعی، وأبو الهیثم بن التیهان ، وجعدة بن هبیرة ابن أخت أمیر المؤمنین(علیه السّلام) ، والنعمان بن مقرن ، وبدیل بن ورقاء الخزاعی ، وجریر بن عبدالله البجلی ، ومحمد بن أبی حذیفة ، وأبو رافع وأولاده ، والمقداد بن عمرو ، وواثلة بن الأسقع الکنانی ، والبراء بن عازب ، وبلال مؤذن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وعبدالله بن خلیفة البجلی ، وعدی بن حاتم الطائی ، وأبو عبید بن مسعود الثقفی ، وجاریة بن قدامة السعدی ، وأبو الأسود الدؤلی ومحمد بن أبی بکر، والمهاجر بن خالد بن الولید..وغیرهم . ولکل واحد من هؤلاء أدوار مهمة عتَّمت علیها الخلافة ، وأبرزت أشخاصاً لیس لهم دور أصلاً، أو لهم أدوارشکلیة أو ثانویة! (راجع دور علی(علیه السّلام)وتلامیذه فی الفتوحات للمؤلف).

ص: 29

وقام بعده ولی عهده ابنه معاویة الثانی ، وفی خطاب العرش طعن فی جده معاویة وأنه غصب الخلافة من علی(علیه السّلام)، وطعن بأبیه یزید لقتله الإمام الحسین(علیه السّلام)، وطلب من بنی أمیة أن یخولوه لیعطی الخلافة الی أهلها ، ولم یخبرهم لمن ! وکان یرید إعطاءها الی الإمام زین العابدین علی بن الحسین(علیه السّلام)!

فبایعه بنو أمیة وطلبوا منه مهلة لیتداولوا فی الأمر. واستمرت مداولاتهم ثلاثة أشهر ، حتی قتلومعاویة الثانی بالسم ، واختلفوا فی مَن یبایعون بعده وبقی منصب الخلافة فارغاً أکثر من سنة ، وانتهی صراعهم بأن اجتمعوا علی عبد الملک بن مروان سنة 65هجریة.

وإبراهیم بن مالک الأشت ، علی العراق وإیران ، لکن الإمام زین العابدین(علیه السّلام) لم یتبن ثورتهم ودولتهم ، وشکرهم لطلبهم بثأر أبیه الحسین(علیه السّلام) ، ولم یقبل الحضور الی العراق لإدارة دولتهم .

ومع معرفة المنصور بمقام الإمام الصادق(علیه السّلام)واعتقاده بأنه إمام ربانی ، فقد قرر قتله وحاول ذلک مرات حتی قتله بالسم !

قال محمد بن الإسکندری: «کنت من خواص المنصور أبی جعفر الدوانقی ، وکنت أقول بإمامة أبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق(علیه السّلام)فدخلت یوماً علی أبی جعفر الدوانیقی وإذا هو یفرک یدیه ویتنفس تنفساً بارداً ، فقلت: یا أمیر المؤمنین ما هذه الفکرة ؟ فقال: یا محمد إنی قتلت من ذریة فاطمة بنت رسول الله ألفاً أو یزیدون ، وقد ترکت سیدهم ! فقلت له: ومَن ذلک یا أمیر المؤمنین؟ فقال: ذلک جعفر بن محمد »! (دلائل الإمامة للطبری الشیعی:298).

وفی مقاتل الطالبیین/233: «حدثنا جعفر بن محمد(علیه السّلام)من فیه إلی أذنی قال: لما قتل إبراهیم بن عبد الله بن الحسن بباخمری ، حُسرنا عن المدینة ولم یُترک فیها منا محتلم ، حتی قدمنا الکوفة فمکثنا فیها شهراً ، نتوقع فیها القتل ! ثم خرج إلینا الربیع الحاجب فقال: أین هؤلاء العلویة؟ أدخلوا علی أمیر المؤمنین رجلین منکم من ذوی الحجی . قال: فدخلنا إلیه أنا والحسن بن زید ، فلما صرت بین یدیه قال لی: أنت الذی تعلم الغیب؟ قلت: لا یعلم الغیب إلا الله . قال: أنت الذی یجبی إلیک هذا الخراج . قلت: إلیک یجبی یا أمیر المؤمنین الخراج . قال: أتدرون لم دعوتکم؟ قلت: لا . قال: أردت أن أهدم رباعکم ، وأروع قلوبکم، وأعقر نخلکم ، وأترککم بالسراة لا یقربکم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق فإنهم لکم مفسدة »!

وروی الطبری:6/343: « لما عزم المنصور علی الحج دعا ریطة بنت أبی العباس

ص: 35

امرأة المهدی، وکان المهدی بالری قبل شخوص أبی جعفر ، فأوصاها بما أراد وعهد إلیها ودفع إلیها مفاتیح الخزائن ، وتقدم إلیها وأحلفها ووکد الإیمان أن لا تفتح بعض تلک الخزائن ، ولا تطلع علیها أحداً لا المهدی ولا هی ! إلا أن یصح عندها موته ، فإذا صح ذلک اجتمعت هی والمهدی ولیس معهما ثالث حتی یفتحا الخزانة ! فلما قدم المهدی من الری إلی مدینة السلام ، دفعت إلیه المفاتیح وأخبرته عن المنصور أنه تقدم إلیها فیه ألا یفتحه ولا یطلع علیه أحداً حتی یصح عندها موته ، فلما انتهی إلی المهدی موت المنصور وولی الخلافة ، فتح الباب ومعه ریطة فإذا أزج کبیر فیه جماعة من قتلاء الطالبیین وفی آذانهم رقاع فیها أنسابهم ! وإذا فیهم أطفال ورجال شباب ومشایخ ، عدة کثیرة ! فلما رأی ذلک ارتاع لما رأی ، وأمر فحفرت لهم حفیرة فدفنوا فیها وعمل علیهم دکان» !

والأزج غرفة مخروطیة داخل غرفة (راجع: لسان:2/208 ، والصحاح:1/298) وکان فیها جماجم العلویین رضوان الله علیهم، وذنبهم أنهم شخصیات یخشی المنصور أن یخالفوا ابنه المهدی بعده فیثوروا علیه ، فقتلهم ولم یُسلِّم جثثهم لذویهم، واحتفظ بهم نموذجاً لیورثه لابنه ویؤکد علیه مواصلة سیاسته فی إبادتهم !ولعله کتب نسب کل منهم فی رقعة لیقول لابنه لاتخف من کونهم أبناء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفاطمة وعلی(علیهماالسّلام) !

ولم یسمع المهدی کلام أبیه المنصور فکان حکمه فسحة للإمام الکاظم(علیه السّلام) وشیعته ، لکن ابنه موسی الهادی واصل سیاسة جده المنصور وعمل لإبادة الأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) وکل ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکذا ابنه هارون الرشید !

ص: 36

وقد دفعت هذه السیاسة العلویین الی الثورة علی العباسیین ، فکانت ثورة فخ وهو مکان قرب مکة ، یعرف بوادی الزاهریة .(معجم البلدان:4/237).

قال الیعقوبی فی تاریخه:2/404: «وبویع لموسی الهادی بن محمد المهدی ، وأمه أم ولد یقال لها الخیزرانة بماسبذان ، وکان غائباً بجرجان وأخذ له أخوه هارون البیعة...وارتحل من جرجان بعد ثلاثة أیام إلی العراق فنزل بعیسی آباذ ، وکان المهدی بنی هذا الموضع فاستتمه موسی وکان به منزله ، وولی الغطریف بن عطاء خاله خراسان وأعمالها ، فقدم خراسان وکانت هادئة والأمور ساکنة والملوک فی الطاعة ، فظهر منه أمور قبیحة وضعف شدید فاضطربت البلاد ، وتحرک جماعة من الطالبیین ، وصاروا إلی ملوک النواحی فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة ، وذلک أن موسی ألح فی طلب الطالبیین وأخافهم خوفاً شدیداً وقطع ما کان المهدی یجریه لهم من الأرزاق والأعطیة ، وکتب إلی الآفاق فی طلبهم وحملهم ! فلما اشتد خوفهم وکثر من یطلبهم ویحث علیهم ، عزم الشیعة وغیرهم إلی الحسین بن علی بن الحسن بن الحسن بن علی ، وکان له مذهب جمیل وکمال ومجد ، وقالوا له: أنت رجل أهل بیتک ، وقد تری ما أنت وأهلک وشیعتک فیه من الخوف والمکروه ، فقال : وإنی وأهل بیتی لا نجد ناصرین فننتصر ، فبایعه خلق کثیر ممن حضر الموسم فقال لهم: إن الشعار بیننا أن ینادی رجل: من رأی الجمل الأحمر ، فما وافاه إلا أقل من خمس مائة ، وکان ذلک فی سنة169بعد انقضاء الموسم ، فلقیه سلیمان بن أبی جعفر ، والعباس بن محمد بن علی ، وموسی بن عیسی بفخ ، فانهزم ومن کان معه وافترقوا ، وقتل

ص: 37

الحسین بن علی وجماعة من أهله ، وهرب خاله إدریس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علی فصار إلی المغرب ، فغلب علی ناحیة تتاخم الأندلس یقال لها فاس، فاجتمعت علیه کلمة أهلها، فذکر أهل المغرب أن موسی وجه إلیه من اغتاله بسم فی مسواک فمات ، وصار إدریس بن إدریس مکانه ، وولده بها إلی هذه الغایة یتوارثون تلک المملکة...فلم تزل البلاد مضطربة أیام موسی کلها ».

ورویت عن الأئمة(علیهم السّلام) فی مدحه عدة روایات وهی تدل علی شرعیة ثورته ، ویظهر أن هدفها وقف خطة العباسیین فی إبادة العلویین !

ففی مقاتل الطالبیین/304: أن صاحب فخ(رحمه الله)قال: «ما خرجنا حتی شاورنا أهل بیتنا ، وشاورنا موسی بن جعفر ، فأمرنا بالخروج ».

وفی مقاتل الطالبیین/302: «جاء الجند بالرؤس إلی موسی والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسین ، فلم یتکلم أحد منهم بشئ إلا موسی بن جعفر(علیه السّلام)فقال له : هذا رأس الحسین !قال : نعم ، إنا لله وإنا إلیه راجعون ، مضی والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً ، آمراً بالمعروف ناهیاً عن المنکر ، ما کان فی أهل بیته مثله !فلم یجیبوه بشئ ».

وفی عمدة الطالب:183، والسلسلة العلویة لأبی نصر البخاری، عن الإمام الجواد(علیه السّلام)قال: «لم یکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ».

ص: 38

وتنافسوا فی الأموال والدنیا ، فلیس أحد یجئ من مصر من الأمصار فیروی فی عثمان منقبة أو فضیلة ، إلا کتب اسمه وأجیز » .

وفی شرح النهج :11/43:«وقد روی أن أبا جعفر محمد بن علی الباقر قال لبعض أصحابه: یا فلان ما لقینا من ظلم قریش إیانا وتظاهرهم علینا ؟! وما لقی شیعتنا ومحبونا من الناس ؟ ! إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قبض وقد أخبر أنا أولی الناس بالناس ، فتمالأت علینا قریش حتی أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجَّت علی الأنصار بحقنا وحجتنا ، ثم تداولتها قریش واحد بعد واحد ، حتی رجعت إلینا فنکثت بیعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم یزل صاحب الأمر فی صعود کؤود حتی قتل ، فبویع الحسن ابنه وعوهد ، ثم غدر به وأسلم ووثب علیه أهل العراق حتی طعن بخنجر فی جنبه ، ونهبت عسکره وعولجت خلالیل أمهات أولاده ! فوادع معاویة وحقن دمه ودماء أهل بیته وهم قلیل حق قلیل !

ثم بایع الحسین(علیه السّلام)من أهل العراق عشرون ألفاً ثم غدروا به ، وخرجوا علیه وبیعته فی أعناقهم ، وقتلوه !

ثم لم نزل أهل البیت نُستذل ونستضام ، ونُقصی ونُمتهن ، ونُحرم ونُقتل ونُخاف ! ولا نأمن علی دمائنا ودماء أولیائنا!

ووجد الکاذبون الجاحدون لکذبهم وجحودهم موضعاً یتقربون به إلی أولیائهم ، وقضاة السوء وعمال السوء فی کل بلدة ، فحدثوهم بالأحادیث الموضوعة المکذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، لیبغضونا إلی الناس !

ص: 40

وکان عظم ذلک وکبره زمن معاویة بعد موت الحسن(علیه السّلام)، فقتلت شیعتنا بکل بلدة ، وقطعت الأیدی والأرجل علی الظنة ، وکان من یذکر بحبنا والإنقطاع إلینا ، سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ! ثم لم یزل البلاء یشتد ویزداد إلی زمان عبید الله بن زیاد قاتل الحسین(علیه السّلام).

ثم جاء الحجاج فقتلهم کل قتلة وأخذهم بکل ظنة وتهمة ، حتی إن الرجل لیقال له زندیق أو کافر ، أحب إلیه من أن یقال شیعة علی(علیه السّلام)! وحتی صار الرجل الذی یذکر بالخیر ولعله یکون ورعاً صدوقاً ، یحدث بأحادیث عظیمة عجیبة من تفضیل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم یخلق الله تعالی شیئاً منها ولا کانت ولا وقعت ! وهو یحسب أنها حق ، لکثرة من قد رواها ، ممن لم یعرف بکذب ولا بقلة ورع » !

وقال الطبری فی تاریخه:4/187: « إن معاویة بن أبی سفیان لما ولی المغیرة بن شعبة الکوفة فی جمادی سنة41 ، دعاه فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: أما بعد فإن لذی الحلم قبل الیوم ما تقرع العصا، وقد أردت إیصاءک بأشیاء کثیرة فأنا تارکها اعتماداً علی بصرک بما یرضینی ویسعد سلطانی ویصلح رعیتی ، ولست تارکاً إیصاءک بخصلة: لا تَتَحَمَّ عن شتم علی وذمه ! والترحم علی عثمان والإستغفار له ، والعیب علی أصحاب علی والإقصاء لهم ، وترک الإستماع منهم ! وبإطراء شیعة عثمان والإدناء لهم والإستماع منهم !

ص: 41

فقال المغیرة : قد جُربت وجُربت وعملت قبلک لغیرک ، فلم یذمم بی دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذم ! قال : بل نحمد إن شاء الله »

وتاریخ الکوفة / 315 وجمهرة خطب العرب:2/184 ، والمنتظم :5/241 ، والنصائح الکافیة /100).

وقال أحمد بن حنبل فی مسنده :1/189: «لما خرج معاویة من الکوفة استعمل المغیرة بن شعبة قال: فأقام خطباء یقعون فی علی ، قال: وأنا إلی جنب سعید بن زید بن عمرو بن نفیل( ابن عم عمر ) قال فغضب فقام فأخذ

بیدی فتبعته فقال: ألا تری إلی هذا الرجل الظالم لنفسه ، الذی یأمر بلعن رجل من أهل الجنة »!

وفی سنن البیهقی(5/113):«قال ابن عباس:اللهم العنهم فقد ترکوا السنة من بغض علی»! وهو یدل علی إنکارهم سیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتحریفهم المتعمد لها ، بغضاً بعلی والعترة(علیهم السّلام) !

فأجابه عبد الملک کما روی البیهقی فی المحاسن/39: «جنبنی دماء آل أبی طالب فإنی رأیت بنی حرب لما قتلوا الحسین نزع الله ملکهم».(والیعقوبی:2/304، وأنساب الأشراف/1794، والبصائر والذخائر/546 ، ونثر الدرر/385 ، وخاص الخاص للثعالبی/66 وجواهر المطالب:2/278، والعقد الفرید/966 2، ومروج الذهب:3/179، والإشراف لابن أبی الدنیا/255).

وقال فی العقد الفرید/1103:«فلم یتعرض الحجاج لأحد من الطالبیین فی أیامه ».

وفی الصراط المستقیم:2/180:«کتب الحجاج إلی عبد الملک:إن أردت أن یثبت ملکک فاقتل علی بن الحسین! فرد علیه: جنبنی دماء بنی هاشم ، وبعث بالکتاب إلیه سراً فجاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی النوم إلی علی بن الحسین(علیه السّلام)وأعلمه ! فکتب إلی عبد الملک: إنه قد شکره الله لک وثبَّت به ملکک وزاد فی عمرک، فلما قرأه وجد تاریخ الکتاب واحداً !».

وفی الصواعق المحرقة:2/583: «فکوشف به زین العابدین فکتب إلیه: إنک کتبت للحجاج یوم کذا سراً فی حقنا بنی عبد المطلب بکذا وکذا ، وقد شکر الله لک ذلک وأرسل به إلیه ! فلما وقف علیه وجد تاریخه موافقاً لتاریخ کتابه للحجاج ، ووجد مخرج الغلام موافقاً لمخرج رسوله للحجاج ! فعلم أن زین العابدین کوشف بأمره فَسُرَّ به ، وأرسل إلیه مع غلامه بوقر راحلته دراهم وکسوة، وسأله أن لایخلیه من صالح دعائه » ونحوه الخرائج:1/256.

ولم یقتل عبد الملک الإمام زین العابدین(علیه السّلام)لکن ابنه الولید قتله بالسم !

وظهرت محبة الناس للإمام زین العابدین(علیه السّلام)فی الحج عندما أراد هشام ولی عهد أبیه عبد الملک بن مروان ، أن یستلم الحجر الأسود فلم یستطع من زحام الناس ، فجاء الإمام زین العابدین(علیه السّلام)فانفسح له الناس احتراماً وهیبة !

ص: 43

قال الذهبی فی سیره:4/398: «وکان له جلالة عجیبة ، وَحَقَّ له والله ذلک، فقد کان أهلاً للإمامة العظمی لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وکمال عقله .

قد اشتهرت قصیدة الفرزدق ، وهی سماعنا: أن هشام بن عبد الملک حج قبیل ولایته الخلافة ، فکان إذا أراد استلام الحجر زوحم علیه ، وإذا دنا علی بن الحسین من الحجر تفرقوا عنه إجلالاً له ، فوجم لها هشام وقال: من هذا ، فما أعرفه ! فأنشأ الفرزدق یقول:

هذا الذی تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ

والبیتُ یعرفُهُ والحلُّ والحَرَمُ

هذا ابنُ خَیْرِ عبادِ الله کلِّهِمُ

هذا التّقیُّ النقیُّ الطاهرُ العَلَمُ

هذا الذی أحمدُ المختارُ والدُه

صلی علیه إلهی ما جری القلمُ

لو یعلمُ الرکنُ من قد جاء یلثِمُهُ

لَخَرَّ یَلْثِمُ منهُ ما وطی القَدَمُ

هذا علیٌّ رسولُ الله والدُه

أمست بنور هداه تهتدی الأمم

الی آخر القصیدة. فأمر هشام بحبس الفرزدق فبعث إلیه علی بن الحسین باثنی عشر ألف درهم وقال: أعْذُرْ أبا فراس ، فردَّها وقال: ما قلت ذلک إلا غضباً لله ولرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فردها إلیه وقال: بحقی علیک لمَّا قبلتها ، فقد علم الله نیتک ورأی مکانک ، فقبلها ».

وقال الذهبی فی تاریخه:6/438: «ولیس للحسین رضی الله عنه عقب إلا من زین العابدین ، وأمه أمَة ، وهی سلافة بنت یزدجرد آخر ملوک فارس...

قال أبو جعفر الباقر: عاش أبی ثمانٍ وخمسین سنة . وقال الواقدی: حدثنی حسین بن علی بن الحسن أن أباه مات سنة أربع وتسعین، وکذا قال البخاری ،

ص: 44

وأبو عبید ، والفلاس ، وروی عن جعفر بن محمد ».

وقال الراغب فی محاضرات الأدباء:1/344:«قال عمر بن عبد العزیز یوماً وقد قام من عنده علی بن الحسین(لعله عندما کان والی المدینة): مَنْ أشرفُ الناس؟فقالوا: أنتم . فقال: کلا ، أشرف الناس هذا القائم من عندی آنفاً، من أحب الناس أن یکونوا منه ولم یحب أن یکون من أحد». ونثر الدرر/286، والمناقب:3/304 .

وفی تاریخ الیعقوبی:2/305: «ذکره یوماً عمر بن عبد العزیز فقال: ذهب سراج الدنیا وجمال الإسلام وزین العابدین».

وکان الزهری إمام بنی أمیة: « إذا حدث عن علی بن الحسین قال: حدثنی زین العابدین علی بن الحسین، فقال له سفیان بن عیینة: ولمَ تقول له زین العابدین؟ قال: لأنی سمعت سعید بن المسیب یحدث عن ابن عباس أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: إذا کان یوم القیامة ینادی مناد أین زین العابدین فکأنی أنظر إلی ولدی علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب یخطرُ بین الصفوف» .(علل الشرائع:1/229).

وقد استثمر الإمام زین العابدین(علیه السّلام)هذا الإحترام فنشط فی نشر سلوک التقوی والعبادة فی المسلمین ، وفی مواجهة خطط السلطة فی تحریف الإسلام ومعاداة علی وأهل البیت(علیهم السّلام) .

ص: 45

اثنین وعشرین رجلاً منهم: داود وسلیمان وعیسی وصالح وإسماعیل وعبد الله وعبد الصمد بنو علی بن عبد الله بن عباس ، وموسی بن داود ، وجعفر ومحمد ابنا سلیمان، والفضل وعبد الله ابنا صالح، وأبو العباس ومحمد ابنه، وجعفر ومحمد ابنا المنصور ، وعیسی بن موسی بن محمد ، وعبد الوهاب ومحمد ابنا إبراهیم ، ویحیی بن محمد ، والعباس بن محمد ».

وقال المسعودی فی مروج الذهب/890: «وأخفی أبو سَلَمة أمر أبی العباس ومن معه ووکل بهم وکیلاً.. فبعث بمحمد بن عبد الرحمن بن أسلم وکان أسلم مولیً لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکتب معه کتابین علی نسخة واحدة إلی أبی عبد الله جعفربن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، وإلی أبی محمد عبد الله بن الحسن بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، یدعو کلَّ واحد منهما إلی الشخوص إلیه لیصرف الدعوة إلیه ، ویجتهد فی بیعة أهل خراسان له ، وقال للرسول: العَجَلَ العَجَلَ فلا تکونَنَّ کوافد عاد (بعثوه فاختار لهم سحابة سوداء کانت علیهم) فقدم محمد بن عبد الرحمن المدینة علی أبی عبد الله جعفربن محمد فلقیه لیلاً ، فلما وصل إلیه أعلمه أنه رسول أبی سَلَمة ودفع إلیه کتابه فقال له أبو عبد الله:وما أنا وأبو سَلَمة وأبو سَلَمة شیعة لغیری؟! قال: إنی رسول فتقرأ کتابه وتجیبه بما رأیت ، فدعا أبو عبد الله بسراج ثم أخذ کتاب أبی سلمة فوضعه علی السراج حتی احترق ، وقال للرسول: عرِّف صاحبک بما رأیت !

ص: 48

ثم أنشأ یقول متمثلاً بقول الکمیت بن زید(رحمه الله):

أیا مُوقِداً ناراً لغیرک ضوؤها ویا حاطباً فی غیر حبلک

تحطب» !

وفی الکافی:8/274: «عن الفضل بن سلیمان الکاتب ، قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السّلام)فأتاه کتاب أبی مسلم فقال: لیس لکتابک جواب أخرج عنا ! فجعلنا یسارُّ بعضنا بعضاً فقال: أی شئ تَسَارُّون؟ یا فضل إن الله عز ذکره لا یعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أیسر من زوال ملک لم ینقض أجله! ثم قال: إن فلان بن فلان ، حتی بلغ السابع من ولد فلان . قلت فما العلامة فیما بیننا وبینک جعلت فداک؟ قال: لا تبرح الأرض یا فضل حتی یخرج السفیانی فإذا خرج السفیانی فأجیبوا الینا . یقولها ثلاثاً ، وهو من المحتوم » .

وفی مناقب آل أبی طالب:3/356: «قال أبو هریرة الأبَّار صاحب الصادق(علیه السّلام):

ولما دعا الداعون مولای لم یکن لیُثْنَی علیه عزمُه بصواب

ولما دعوه بالکتاب أجابهم بحرق الکتاب دون رد جواب

وما کان مولای کمشری ضلالة ولا ملبساً منها الردی بثواب

ولکنه لله فی الأرض حجة دلیل إلی خیر وحسن مآب».

وإثبات الوصیة/158، ونحوه الخرائج:2/645 ، وإعلام الوری/272 ، ودلائل الإمامة/140.

ص: 49

فجوابه: أن المنصور العباسی أمره بذلک ، والمأمور معذور !

2- وسئل أبو حنیفة: « من أفقه من رأیت؟ قال: جعفر بن محمد ، لمَّا أقْدَمَهُ المنصور بعث إلیَّ فقال: یا أبا حنیفة إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد ، فهئِّ له مسائلک الشداد ، فهیأت له أربعین مسألة ، ثم بعث إلیَّ أبو جعفر وهو بالحیرة فأتیته فدخلت علیه وجعفر جالس عن یمینه ، فلما بصرت به دخلنی من الهیبة لجعفر ما لم یدخلنی لأبی جعفر ، فسلمت علیه فأومأ إلیَّ فجلست ، ثم التفت إلیه فقال: یا أبا عبد الله هذا أبو حنیفة. فقال: نعم أعرفه . ثم التفت إلیَّ فقال: ألق علی أبی عبد الله من مسائلک ، فجعلت ألقی علیه ویجیبنی ، فیقول: أنتم تقولون وکذا ، وأهل المدینة یقولون کذا ، ونحن نقول کذا ، فربما تابعنا ، وربما تابعهم، وربما خالفنا جمیعاً ، حتی أتیت علی الأربعین مسألة فما أخل منها بشئ !

ثم قال أبو حنیفة: ألیس قد روینا: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»! (المناقب :3/378 ، وتهذیب الکمال:5/79، وسیر الذهبی:6/258، وکامل ابن عدی:2/132، وغیرها).

ولو سألت أبا حنیفة: ما دامت هذه عقیدتک فی أستاذک ، فلماذا أسست مذهباً ضده ، وخالفت فقهه؟ فجوابه: هکذا أمرنی أبو جعفر المنصور !

3- وقال الذهبی فی سیره:6/257: «عن عمرو بن أبی المقدام قال: کنت إذا نظرت إلی جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبیین ! قد رأیته واقفاً عند الجمرة یقول: سلونی ، سلونی! وعن صالح بن أبی الأسود: سمعت جعفر بن محمد یقول سلونی قبل أن تفقدونی ، فإنه لا یحدثکم أحد بعدی بمثل حدیثی»!

4- قال ابن حجر فی الصواعق: « ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به

ص: 51

الرکبان وانتشر صیته فی جمیع البلدان. روی عنه الأئمة الأکابر کیحیی بن سعید وابن جریح ، ومالک ، والسفیانین ، وأبی حنیفة ، وشعبة ، وأیوب » .

5- وقال الشیخ محمد أبو زهرة: «لا نستطیع فی هذه العجالة أن نخوض فی فقه الإمام جعفر ، فإنّ أُستاذ مالک وأبی حنیفة وسفیان بن عیینة ، لا یمکن أن یدرس فقهه فی مثل هذه الإلمامة » . (موسوعة أصحاب الفقهاء:2/30).

6- وقال ابن أبی الحدید: «أما أصحاب أبی حنیفة فأخذوا عن أبی حنیفة ، وأما الشافعی فهو تلمیذ تلمیذ أبی حنیفة ، وأما ابن حنبل فهو تلمیذ الشافعی . وأبو حنیفة قرأ علی جعفر الصادق ، وعلمه ینتهی إلی علم جده علی(علیه السّلام)».

7- وقال الإیجی فی المواقف:3/638: « کان أبو یزید (البسطامی) مع علو طبقته سَقَّاءً فی دار جعفر الصادق رضی الله عنه، وکان معروف الکرخی بواب دار علی بن موسی الرضا، هذا مما لا شبهة فی صحته، فإن معروفاً کان صبیاً نصرانیاً فأسلم علی ید علی بن موسی وکان یخدمه. وأما أبو یزید فلم یدرک جعفراً بل هو متأخر عن معروف ولکنه کان یستفیض من روحانیة جعفر». والطرائف /520.

9- وترجم الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء:3/192، للإمام الصادق(علیه السّلام)بتفصیل، وروی هیبة المنصور له ، وروی منعه لأبی حنیفة من القیاس، قال:« الإمام الناطق ذو الزمام السابق، أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق، أقبل علی العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهی عن الرئاسة والجموع..

أحمد بن عمرو بن المقدام الرازی قال: وقع الذباب علی المنصور فذبه عنه فعاد

ص: 52

فذبه حتی أضجره ، فدخل جعفر بن محمد علیه فقال له المنصور: یا أبا عبدالله لم خلق الله الذباب؟ قال: لیُذَلَّ به الجبابرة !

أقبل علی أبی حنیفة فقال: یا نعمان حدثنی أبی عن جدی أن رسول الله(ص) قال: أول من قاس أمر الدین برأیه إبلیس قال الله تعالی له: أسجد لآدم ، فقال: أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ. فمن قاس الدین برأیه قرنه الله تعالی یوم القیامة بإبلیس لأنه اتبعه بالقیاس !

زاد ابن شبرمة فی حدیثه: ثم قال جعفر: أیهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال قتل النفس. قال: فإن الله عز وجل قبل فی قتل النفسس شاهدین ولم یقبل فی الزنا إلا أربعة ! ثم قال: أیهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة ، قال: فما بال الحائض تقضی الصوم ولا تقضی الصلاة فکیف ویحک یقوم لک قیاسک؟! إتق الله ولا تقس الدین برأیک » .

المدارک/124: «قال مالک: فقلت له: إن أهل العراق لا یرضون علمنا (لأنهم شیعة أو متأثرون بهم) ! قال: یُضربُ علیه عامَّتُهم بالسیف وتقطع علیه ظهورهم بالسیاط» !

وشرط علیه المنصور أن لا یروی عن علی(علیه السّلام)! ولذلک لاتجد فی الموطأ أی روایة عن علی(علیه السّلام)! (مستدرک الوسائل:1/20) .

واعترف أبو حنیفة کما تقدم آنفاً أن المنصور قال له:« إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهئ له مسائلک الشداد.. فلما بصرت به دخلنی من الهیبة لجعفر ما لم یدخلنی لأبی جعفر» !

فهذان إمامان من ائمة المذاهب الأربعة ، أقرَّا بأن السلطة تبنتهما ضد أستاذهما الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)! والشافعی تلمیذ تلمیذ أبی حنیفة ، وابن حنبل تلمیذ الشافعی. (راجع ترجمة المنصور العباسی فی جواهر التاریخ).

ص: 54

قال المأمون: وکنت أجرأ وُلْد أبی علیه ، فلما خرج أبو الحسن موسی بن جعفر قلت لأبی: یا أمیر المؤمنین لقد رأیتک عملت بهذا الرجل شیئاً ما رأیتک فعلته بأحد من أبناء المهاجرین والأنصار ، ولا ببنی هاشم ، فمن هذا الرجل؟!

فقال: یا بنی هذا وارث علم النبیین ، هذا موسی بن جعفر بن محمد ! إن أردت العلم الصحیح فعند هذا ! قال المأمون: فحینئذ انغرس فی قلبی محبتهم».

وفی روایة:«ثم قام ، فقام الرشید لقیامه وقبل عینیه ووجهه ، ثم أقبل علیَّ وعلی الأمین والمؤتمن فقال: یا عبد الله ویا محمد ویا إبراهیم ، إمشوا بین یدی عمکم وسیدکم ، خذوا برکابه وسووا علیه ثیابه وشیعوه إلی منزله. فأقبل علیَّ أبو الحسن موسی بن جعفر سراً بینی وبینه ، فبشرنی بالخلافة فقال لی: إذا ملکت هذا الأمر فأحسن إلی وُلدی ، ثم انصرفنا . وکنت أجرأ ولد أبی علیه ، فلما خلا المجلس قلت: یا أمیر المؤمنین من هذا الرجل الذی قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسک إلیه فاستقبلته وأقعدته فی صدر المجلس وجلست دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الرکاب له ؟! قال : هذا إمام الناس وحجة علی خلقه وخلیفته علی عباده ! فقلت: یا أمیر المؤمنین أولیست هذه الصفات کلها لک وفیک؟ فقال : أنا إمام الجماعة فی الظاهر والغلبة والقهر ، وموسی بن جعفر إمام حق . والله یا بنی إنه لأحق بمقام رسول الله (ص) منی ومن الخلق

جمیعاً ، ووالله لو نازعتنی هذا الأمر لأخذت الذی فیه عیناک ، فإن الملک عقیم !

فلما أراد الرحیل من المدینة إلی مکة أمر بصرة سوداء فیها مائتا دینار ، ثم أقبل علی الفضل بن الربیع فقال له: إذهب بهذه إلی موسی بن جعفر وقل له: یقول

ص: 56

لک أمیر المؤمنین: نحن فی ضیقة وسیأتیک بِرُّنَا بعد الوقت ، فقمت فی صدره فقلت: یا أمیر المؤمنین تعطی أبناء المهاجرین والأنصار وسایر قریش وبنی هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه ، خمسه آلاف دینار إلی ما دونها ، وتعطی موسی بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مئتی دینار أخس عطیةٍ أعطیتها أحداً من الناس؟! فقال: أسکت لا أم لک ، فإنی لو أعطیت هذا ما ضمنته له ما کنت أمنته أن یضرب وجهی غداً بمئه ألف سیف من شیعته وموالیه! فَقْرُ هذا وأهل بیته أسلمُ لی ولکم من بسط أیدیهم وأعینهم »!

ثم حج الرشید ، واعتقل الإمام الکاظم(علیه السّلام)وحبسه فی البصرة ثم فی بغداد ، ففی سیر الذهبی:6/270:« موسی الکاظم الإمام القدوة ، السید أبو الحسن العلوی ، والد الإمام علی بن موسی الرضا ، مدنی نزل بغداد . ذکره أبو حاتم فقال: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمین. قال الخطیب : أقدمه المهدی بغداد ورده ، ثم قدمها وأقام ببغداد فی أیام الرشید ، قدم فی صحبة الرشید سنة تسع وسبعین ومئة ، وحبسه بها إلی أن توفی فی محبسه...حج الرشید فأتی قبر النبی ومعه موسی بن جعفر فقال: السلام علیک یا رسول الله ، یا ابن عم ، افتخاراً علی من حوله ! فدنا موسی وقال: السلام علیک یا أبتِ ، فتغیر وجه هارون وقال: هذا الفخر یا أبا الحسن حقاً ».

وفی کنز الفوائد/166: «ثم نهض معتمداً علی ید أبی الحسن موسی بن جعفر حتی انتهی إلی قبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فوقف علیه فقال: السلام علیک یا رسول الله السلام علیک یا ابن عم ، افتخاراً بذلک علی قبائل العرب الذین حضروا معه

ص: 57

واستطالةً علیهم بالنسب! قال فنزع أبو الحسن موسی یده من یده وقال:السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا أبه ! قال فتغیر وجه الرشید ثم قال: یا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر». وتاریخ بغداد:3/32، وتهذیب الکمال:29/49، والکافی:4/553، وروضة الواعظی/215 ، والفصول المختارة/36، والإحتجاج:2/167.

وأضاف فی المناقب :3/434: «فتغیر وجه هارون وأمر به فأخذ من المسجد».

«بعث موسی الکاظم إلی الرشید برسالة من الحبس یقول: إنه لن ینقضی عنی یوم من البلاء إلا انقضی عنک معه یوم من الرخاء ، حتی نفضی جمیعاً إلی یوم لیس له انقضاء ، یخسر فیه المبطلون » ! (سیر الذهبی:6/271).

وقال الذهبی: «له مشهد عظیم مشهور ببغداد ، دفن معه فیه حفیده الجواد ، ولولده علی بن موسی مشهد عظیم بطوس، وکانت وفاة موسی الکاظم فی رجب سنة ثلاث وثمانین ومئة . عاش خمساً وخمسین سنة وخلف عدة أولاد ».

وروی فی الکافی:1/258 ، عن أحد شهود العدول الرسمیین فی بغداد قال: « جمعنا السندی بن شاهک ثمانین رجلاً من الوجوه المنسوبین إلی الخیر ، فأدخلنا علی موسی بن جعفر ، فقال لنا السندی: یا هؤلاء ، أنظروا إلی هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس یزعمون أنه قد فعل به ویکثرون فی ذلک ! وهذا منزله وفراشه موسع علیه غیر مضیق ، ولم یرد به أمیر المؤمنین سوءً ، وإنما ینتظر به أن یقدم فیناظر أمیر المؤمنین ! وهذا هو صحیح موسع علیه فی جمیع أموره فسلوه ، قال: ونحن لیس لنا هم إلا النظر إلی الرجل والی فضله وسمته ، فقال موسی بن جعفر: أما ما ذکر من التوسعة وما أشبهها فهو علی ما ذکر ، غیر أنی

ص: 58

أخبرکم أیها النفر أنی قد سقیت السم فی سبع تمرات، وأنا غداً أخضرُّ، وبعد غد أموت ! قال: فنظرت إلی السندی بن شاهک یضطرب ویرتعد مثل السعفة » !

وقد أجمع المسلمون علی زیارة قبره والتوسل به الی الله تعالی : «وقد کان الإمام الشافعی بقول: قبر موسی الکاظم التریاق المجرب». (کرامات الأولیاء للسجاعی/6).

ورووا کراماته ونبل أخلاقه ، ومنها : «أن رجلاً من آل عمر کان بالمدینة یؤذیه ویشتم علیاً ، وکان قد قال له بعض حاشیته: دعنا نقتله فنهاهم وزجرهم، وأعطاه مالاً، فقام العمری فقبل رأسه وقال: الله أعلم حیث یجعل رسالاته ، وجعل یدعو له »! (سیر أعلام النبلاء للذهبی:6/271).

وروی الصدوق فی الأمالی/125:«عن أبی الصلت الهروی قال: إن المأمون قال للرضا(علیه السّلام): یا ابن رسول الله ، قد عرفت فضلک وعلمک وزهدک وورعک وعبادتک ، وأراک أحق بالخلافة منی! فقال الرضا: بالعبودیة لله عز وجل أفتخر وبالزهد فی الدنیا أرجو النجاة من شر الدنیا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع فی الدنیا أرجو الرفعة عند الله عز وجل.

فقال له المأمون: إنی قد رأیت أن أعزل نفسی عن الخلافة وأجعلها لک وأبایعک ! فقال له الرضا(علیه السّلام): إن کانت الخلافة لک وجعلها الله لک ، فلا یجوز أن تخلع لباساً ألبسک الله وتجعله لغیرک ، وإن کانت الخلافة لیست لک فلا یجوز لک أن تجعل لی ما لیس لک ! فقال له المأمون: یا بن رسول الله ، لا بد لک من قبول هذا الأمر ، فقال: لست أفعل ذلک طائعاً أبداً ، فما زال یجهد به أیاماً حتی یئس من قبوله فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبایعتی لک ، فکن ولی عهدی لتکون لک الخلافة بعدی!

فقال الرضا(علیه السّلام): والله لقد حدثنی أبی عن آبائه عن أمیر المؤمنین عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنی أخرج من الدنیا قبلک مقتولاً بالسم مظلوماً ، تبکی علیَّ ملائکة السماء وملائکة الأرض ، وأدفن فی أرض غربة إلی جنب هارون الرشید!

فبکی المأمون ، ثم قال له: یا ابن رسول الله ، ومن الذی یقتلک ، أو یقدر علی الإساءة إلیک وأنا حی؟ فقال الرضا(علیه السّلام): أما إنی لو أشاء أن أقول من الذی یقتلنی لقلت! فقال المأمون: یا ابن رسول الله ، إنما ترید بقولک هذا التخفیف عن نفسک ودفع هذا الأمر عنک لیقول الناس: إنک زاهد فی الدنیا !

ص: 60

فقال الرضا(علیه السّلام): والله ما کذبت منذ خلقنی ربی عز وجل ، وما زهدت فی الدنیا للدنیا ، وإنی لأعلم ما ترید !

فقال المأمون: وما أرید ؟ قال: لی الأمان علی الصدق؟ قال: لک الأمان. قال: ترید بذلک أن یقول الناس : إن علی بن موسی لم یزهد فی الدنیا ، بل زهدت الدنیا فیه ، ألا ترون کیف قبل ولایة العهد طمعاً فی الخلافة!

فغضب المأمون ثم قال : إنک تتلقانی أبداً بما أکرهه ، وقد أمنت سطواتی ، فبالله أقسم لئن قبلت ولایة العهد وإلا أجبرتک علی ذلک ، فإن فعلت وإلا ضربت عنقک!

فقال الرضا(علیه السّلام): قد نهانی الله عز وجل أن ألقی بیدی إلی التهلکة ، فإن کان الأمر علی هذا فافعل ما بدا لک ، وأنا أقبل ذلک علی أنی لا أولی أحداً ولا أعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ولا سنة ، وأکون فی الأمر من بعید مشیراً . فرضی منه بذلک وجعله ولی عهده ، علی کراهة منه(علیه السّلام)لذلک».

وقال عضد الدین الإیجی وهو من کبار أئمة السنة ، عن الجفر والجامعة: «وهما کتابان لعلی رضی الله تعالی عنه ، قد ذکر فیهما علی طریقة علم الحروف الحوادث التی تحدث إلی انقراض العالم ، وکان الأئمة المعروفون من أولاده یعرفونهما ویحکمون بهما . وفی کتاب قبول العهد الذی کتبه علی بن موسی رضی الله عنهما إلی المأمون: إنک قد عرفت من حقوقنا ما لم یعرفه آباؤک فقبلت منک عهدک ، إلا أن الجفر والجامعة یدلان علی أنه لا یتم ».( شرح المواقف:2/60).

ص: 61

أذنت أن یسأل أبا جعفر عن مسألة فی الفقه فینظر کیف فهمه، فأذن المأمون فی ذلک ، فقال یحیی لأبی جعفر(علیه السّلام): ما تقول فی محرم قتل صیداً؟

قال أبو جعفر(علیه السّلام): فی حِلٍّ أو فی حرم ، عالماً أو جاهلاً ، عمداً أو خطأ ، صغیراً أو کبیراً ، حراً أو عبداً ، مبتدئاً أو معیداً ، من ذوات الطیر أو غیرها ، من صغار الصید أو من کبارها ، مصراً أو نادماً ، رمی باللیل فی وکرها أو بالنهار عیاناً ، محرماً للعمرة أو الحج؟ فانقطع یحیی انقطاعاً لم یخف علی أحد من أهل المجلس وتحیر الناس تعجباً من جوابه...قال المأمون: یا أبا جعفر إن رأیت أن تبین لنا ما الذی یجب علی کل صنف من هذه الأصناف التی ذکرت...»

وأراد المأمون من الإمام الجواد(علیه السّلام) أن یقیم عنده فی بغداد ، لیکون تحت رقابته ویبعده عن شیعته وعامة المسلمین ، فأقام فی بغداد فترة ثم رجع الی المدینة وأخذ معه زوجته أم الفضل بنت المأمون ، وکانت عدوة له کأبیها ، ولم یرزق منها أولاداً ، بل رزق ابنین وبنتین من غیرها !

وعندما توفی المأمون وولی أخوه المعتصم فرض علی الإمام(علیه السّلام)أن یسکن فی بغداد ، فجاء مع زوجته أم الفضل لفترة أیضاً ، وترک زوجته وأولاده فی المدینة وفی سنة (220هجریة ) قامت أم الفضل بسُمِّ الإمام(علیه السّلام)، فدعا علیها ، فأصیبت بداء فی موضع حساس ولم ینفع لها علاج حتی هلکت ! (دلائل الامامة/395).

وقد حاولت السلطة محاصرة الإمام(علیه السّلام)فی حیاة القصور وإبعاده عن شیعته ، وتضعیف عقیدتهم به ! لکنه(علیه السّلام)کان حاسماً فی برنامجه ، فلم یکن یحضر

ص: 63

مجالسهم إلا مضطراً ، وکان یتصل بالناس ، وقد وجه علماء شیعته لیملؤوا فراغ غیابه ، ویردوا شبهات علماء السلطة !

قال لهم کما فی الإحتجاج (1/9): «من تکفل بأیتام آل محمد المنقطعین عن إمامهم، المتحیرین فی جهلهم ، الأساری فی أیدی شیاطینهم وفی أیدی النواصب من أعدائنا ، فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حیرتهم ، وقهر الشیاطین برد وساوسهم، وقهر الناصبین بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ، لیحفظوا عهد الله علی العباد ، أکثرُ من فضل السماء علی الأرض ، والعرش والکرسی والحُجُب علی السماء ! وفضلهم علی العباد کفضل القمر لیلة البدر علی أخفی کوکب فی السماء ».

وکان فی غیابه المفروض علیه عن شیعته یهیؤهم لتحمل الغیبة الآتیة الطویلة لإمامهم المهدی(علیه السّلام)، قال: « لولا من یبقی بعد غیبة قائمکم من العلماء الداعین إلیه والدالین علیه ، والذابین عن دینه بحجج الله ، والمنقذین لضعفاء عباد الله من شباک إبلیس ومردته ، ومن فخاخ النواصب، لما بقی أحد إلا ارتد عن دین الله ، ولکنهم الذین یمسکون أزمة قلوب ضعفاء الشیعة کما

یمسک صاحب السفینة سکانها . أولئک هم الأفضلون عند الله عز وجل ».

وعندما لم یستطع المعتصم أن یؤثر علی عقیدة شیعة الإمام(علیه السّلام)به ، قرر قتله !

قال عمر بن فرج الرخجی وهو وزیر عباسی(تاریخ الذهبی:17/284): «قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): إن شیعتک تدعی أنک تعلم کل ماء فی دجلة ووزنه، وکنا علی شاطئ دجلة ؟ فقال(علیه السّلام):یقدر الله تعالی علی أن یُفَوِّضَ علم ذلک إلی بعوضة

ص: 64

من خلقه أم لا؟ قلت : نعم یقدر . فقال: أنا أکرم علی الله تعالی من بعوضة ، ومن أکثر خلقه » والبحار:50/100.

وأوصی (علیه السّلام)الی ابنه علی الهادی(علیه السّلام)، قال إسماعیل بن مهران: «لما خرج أبو جعفر(علیه السّلام)من المدینة إلی بغداد فی الدفعة الأولی من خرجتیه ، قلت له عند خروجه: جعلت فداک إنی أخاف علیک فی هذا الوجه ، فإلی من الأمر بعدک ؟ فکرَّ بوجهه إلی ضاحکاً وقال: لیس الغیبة حیث ظننت فی هذه السنة .

فلما أخرج به الثانیة إلی المعتصم صرت إلیه فقلت له: جعلت فداک أنت خارج فإلی من هذا الأمر من بعدک ؟ فبکی حتی اخضلت لحیته ثم التفت إلیَّ فقال : عند هذه یخاف علیَّ ، الأمر من بعدی إلی ابنی علی» . (الکافی:1/323).

ص: 65

ففی الکافی:1/501: «أخذت نسخة کتاب المتوکل إلی أبی الحسن الثالث(علیه السّلام)من یحیی بن هرثمة فی سنة ثلاث وأربعین ومائتین ، وهذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد فإن أمیر المؤمنین عارف بقدرک ، راع لقرابتک، موجب لحقک، یقدر من الأمور فیک وفی أهل بیتک ما أصلح الله به حالک وحالهم ، وثبت به عزک وعزهم ، وأدخل الیمن والأمن علیک وعلیهم ، یبتغی بذلک رضاء ربه وأداء ما افترض علیه فیک وفیهم .

وقد رأی أمیر المؤمنین صرف عبد الله بن محمد عما کان یتولاه من الحرب والصلاة بمدینة رسول الله(ص) ، إذ کان علی ما ذکرت من جهالته بحقک واستخفافه بقدرک ، وعندما قرفک به ونسبک إلیه من الأمر الذی قد علم أمیر المؤمنین براء تک منه ، وصدق نیتک فی ترک محاولته ، وأنک لم تؤهل نفسک له.

وقد ولی أمیر المؤمنین ما کان یلی من ذلک محمد بن الفضل ، وأمره بإکرامک وتبجیلک ، والإنتهاء إلی أمرک ورأیک ، والتقرب إلی الله وإلی أمیر المؤمنین بذلک . وأمیر المؤمنین مشتاق إلیک یحب إحداث العهد بک والنظر إلیک ، فإن نشطت لزیارته والمقام قبله ، ما رأیت شخصت ومن أحببت من أهل بیتک وموالیک وحشمک ، علی مهلة وطمأنینة ، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت ، وتسیر کیف شئت ، وإن أحببت أن یکون یحیی بن هرثمة مولی أمیر المؤمنین ومن معه من الجند مشیعین لک ، یرحلون برحیلک ویسیرون بسیرک ، والأمر فی ذلک إلیک حتی توافی أمیر المؤمنین ، فما أحد من إخوته وولده وأهل بیته وخاصته ألطف منه منزلة ، ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر وعلیهم أشفق

ص: 67

وبهم أبر وإلیهم أسکن منه إلیک ، إن شاء الله تعالی . والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته ، وکتب إبراهیم بن العباس وصلی الله علی محمد وآله وسلم ».

ویتضح منه هیبة المتوکل للإمام الهادی(علیه السّلام)، وأنه کان اتهمه بالتحضیر للثورة علیه ! وأمر والی المدینة بمضایقته ، ثم قرر أن یحضره الی سامراء .

وفی بحار الأنوار(50/207) عن مروج الذهب للمسعودی ، قال: « عن یحیی بن هرثمة قال: وجهنی المتوکل إلی المدینة لإشخاص علی بن محمد بن علی بن موسی(علیه السّلام)لشئ بلغه عنه ، فلما صرت إلیها ضج أهلها وعجوا ضجیجاً وعجیجاً ما سمعت مثله ! فجعلت أسکنهم وأحلف أنی لم أؤمر فیه بمکروه ، وفتشت منزله فلم أصب فیه إلا مصاحف ودعاء وما أشبه ذلک ، فأشخصته وتولیت خدمته وأحسنت عشرته ، فبینا أنافی یوم من الأیام والسماء صاحیة والشمس طالعة إذ رکب وعلیه ممطر قد عقد ذنب دابته فتعجبت من فعله ، فلم یکن من ذلک إلا هنیئة حتی جاءت سحابة فأرخت عزالیها، ونالنا من المطر أمر عظیم جداً فالتفت إلی فقال: أنا أعلم أنک أنکرت ما رأیت ، وتوهمت أنی أعلم من الأمر ما لم تعلم ، ولیس ذلک کما ظننت ولکنی نشأت بالبادیة ، فأنا أعرف الریاح التی تکون فی عقبها المطر فتأهبت لذلک!

فلما قدمت إلی مدینة السلام (بغداد) بدأت بإسحاق بن إبراهیم الطاهری وکان علی بغداد فقال: یا یحیی إن هذا الرجل قد ولده رسول الله(ص)والمتوکل من تعلم ، وإن حرضته علیه قتله وکان رسول الله خصمک ! فقلت: والله ما وقفت منه إلا علی أمر جمیل ! فصرت إلی سامراء فبدأت بوصیف الترکی وکنت من

ص: 68

أصحابه ، فقال لی: والله لئن سقط من رأس هذا الرجل شعرة لا یکون الطالب بها غیری ! فتعجبت من قولهما ، وعرفت المتوکل ما وقفت علیه من أمره ، وسمعته من الثناء فأحسن جائزته ، وأظهر بره وتکرمته » .

أقول: إسحاق بن إبراهیم الطاهری من الأمراء وقادة الجیش عند العباسیین وکان والی بغداد من قبل المتوکل، والطاهری نسبة الی طاهر بن الحسین ، وهو قائد جیش المأمون الذی دخل الی بغداد وقتل أخاه الأمین !

ووصیف الترکی من کبار قادة الجیش العباسی فی سامراء ، وکان کفیل المستعین الذی صار خلیفة . (تاریخ الطبری:7/433) .فکلاهما من أرکان الدولة العباسیة ، ومع ذلک لهما اعتقاد دینی بالإمام الهادی(علیه السّلام)!

ورغم مراقبة المتوکل وتضییقه علی الإمام(علیه السّلام)کانت له مکانةوهیبة فی سامراء ومنزلة خاصة فی نفوس رجال القصر وعائلة المتوکل ، حتی أن والدة المتوکل کانت تنذر له النذور لقضاء حوائجها ، وابنه المنتصر صار من شیعته .

وقد حاول المتوکل أن یشوه صورة الإمام(علیه السّلام)ویجبره علی مشارکته فی شرب الخمر فلم یستطع: «کان المتوکل یقول: ویحکم قد أعیانی أمر ابن الرضا، أبی أن یشرب معی أو ینادمنی أو أجد منه فرصة فی هذا ! فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسی قصاف عزاف ، یأکل ویشرب ویتعشق . قال: إبعثوا إلیه فجیئوا به حتی نموه به علی الناس ونقول ابن الرضا ! فکتب إلیه وأشخص مکرماً وتلقاه جمیع بنی هاشم والقواد والناس علی أنه إذا وافی أقطعه قطیعة وبنی له فیها ، وحول الخمارین والقیان إلیه ووصله وبره وجعل له منزلاً سَرِیاً حتی یزوره هو

ص: 69

فیه ، فلما وافی موسی تلقاه أبو الحسن فی قنطرة وصیف ، وهو موضع یتلقی فیه القادمون ، فسلم علیه ووفاه حقه ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرک لیهتکک ویضع منک ، فلا تقر له أنک شربت نبیذاً قط ، فقال له موسی: فإذا کان دعانی لهذا فما حیلتی؟قال : فلا تضع من قدرک ولا تفعل فإنما أراد هتکک فأبی علیه فکرر علیه، فلما رأی أنه لا یجیب قال: أما إن هذا مجلس لاتجتمع أنت وهو علیه أبداً ! فأقام ثلاث سنین یبکر کل یوم فیقال له: قد تشاغل الیوم فرح فیروح ، فیقال:قد سکر فبکر فیبکر ، فیقال: شرب دواء ! فما زال علی هذا ثلاث سنین حتی قتل المتوکل ولم یجتمع معه علیه »! (الکافی:1/502).

وداهم المتوکل بیت الإمام(علیه السّلام)فی سامراء وأراد به شراً ، فدفع الله شره عنه

قال المسعودی فی مروج الذهب:2/78: «وقد کان سُعِیَ بأبی الحسن علی بن محمد إلی المتوکل ، وقیل له إن فی منزله سلاحاً وکتباً وغیرها من شیعته ، فوجه إلیه لیلاً من الأتراک وغیرهم مَنْ هجم علیه فی منزله علی غفلة ممن فی داره ، فوجده فی بیت وحده مغلق علیه وعلیه مِدْرَعة من شَعَرٍ ، ولا بساط فی البیت إلا الرمل والحصی ، وعلی رأسه مِلحَفة من الصوف متوجهاً إلی ربه یترنم بآیات من القرآن فی الوعد والوعید ، فأخذ علی ما وجد علیه وحمل إلی المتوکل فی جَوْفِ اللیل ، فمثل بین یدیه والمتوکل یشرب وفی یده کأس ، فلما رآه أعْظَمه وأجلسه إلی جَنبِه ولم یکن فی منزله شئ مما قیل فیه ، ولا حالة یتعلل علیها بها فناوله المتوکل الکأس الذی فی یده ، فقال: یا أمیر المؤمنین ما خامر لحمی ودمی قط ،

ص: 70

فأعْفِنِی منه ! فعافاه ، وقال : أنشدنی شعراً أستحسنه ، فقال: إنی لقلیل الروایة للأشعار ، فقال: لا بد أن تنشدنی فأنشده:

باتوا علی قُلَل الأجْبَال تحرسهم

غُلْبُ الرجال فما أغنتهمُ القُلَلُ

واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم

فأودعوا حُفَراً ، یا بئس ما نزلوا

ناداهمُ صارخ من بعد ما قبروا

أین الأسرة والتیجان والحلل ؟

أین الوجوه التی کانت مُنَعَّمة

من دونها تضرب الأستار والکِلَلُ

فأفصح القبر عنهم حین ساءلهم

تلک الوجوه علیها الدود یقتتلُ

قد طالما أکلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأکل قد أکِلُوا

وطالما عمروا دوراً لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلین وانتقلوا

وطالما کنزوا الأموال وادَّخروا

فخلفوها علی الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنَازِلُهم قفْراً مُعَطلة

وساکنوها إلی الأجداث قد رحلوا

قال فأشفق کل من حضر علی عَلِیٍّ ، وظن أن بادرة تبدر منه إلیه ، قال: واللّه لقد بکی المتوکل بکاءً طویلًا حتی بلت دموعه لحیته ، وبکی مَنْ حضره ! ثم أمر برفع الشراب ثم قال له: یا أبا الحسن أعلیک دَیْنٌ ؟ قال : نعم أربعة آلاف دینار فأمر بدفعها إلیه ، ورده إلی منزله من ساعته مکرماً » ! و مآثر الإنافة فی محاسن الخلافة:1/232، وتاریخ أبی الفداء/233، وحیاة الحیوان/553، وکلها مصادر سنیة .

وقال فی مآثر الإنافة فی محاسن الخلافة:1/230، عن المتوکل: «وحظیَ فی زمانه أهل الأدب ، إلا أنه کان شدید البغض لعلیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه ولأهل بیته علی خلاف ما کان علیه المأمون . وکان من جملة ندمائه عبادة المخنث . وکان یشد علی بطنه مخدة تحت ثیابه ویکشف رأسه وهو أصلع ویرقص ویقول: قد

ص: 71

أقبل الأصلع البطین. خلیفة المسلمین ! یعنی علیاً رضی الله عنه ، والمتوکل یضحک ! ففعل ذلک یوماً بحضرة ولده المنتصر فقال له: یا أمیر المؤمنین إن علیاً ابن عمک ، فکل أنت لحمه إذا شئت ولا تدع مثل هذا الکلب وأمثاله یطمع فیه ! فقال المتوکل للمغنین غنوا:

غار الفتی لابن عمه رأس الفتی فی حَرِ أمه

وبلغ من بغضه لعلی وأهل بیته أنه فی سنة ست وثلاثین ومائتین أمر بهدم قبر الحسین بن علی وما حوله من المنازل ، ومنع الناس من زیارته ! ومن غریب ما اتفق له فی ذلک أنه طلب علیاً الزکی ویقال له علی الهادی وعلی التقی ، أحد الأئمة الإثنی عشر ، وبعث إلیه جماعة من الترک لیحضروه ، فهجموا علیه ببیته فوجدوه فی بیت مغلق وعلیه مدرعة شعر ، وهو مستقبل القبلة یترنم بآیات من القرآن.».الی آخر ماتقدم من مروج الذهب .

ونلاحظ أن الإمام الهادی(علیه السّلام)جاء بعائلته معه الی سامراء ، وکان عمر ابنه الإمام الحسن العسکری(علیه السّلام)بضع سنوات.وذکر الدمیری أن الإمام الهادی(علیه السّلام) بقی فی سامراء «عشرین سنة وتسعة أشهر » . (حیاة الحیوان/255).

«وکانت فی أیام إمامته(علیه السّلام)بقیة ملک المعتصم، ثم ملک الواثق خمس سنین وسبعة أشهر، ثم ملک المتوکل أربع عشرة سنة، ثم ملک ابنه المنتصر ستة أشهر، ثم ملک المستعین وهو أحمد بن محمد بن المعتصم سنتین وتسعة أشهر ، ثم ملک المعتز وهو الزبیر بن المتوکل ثمانی سنین وستة أشهر ، وفی آخر ملکه استشهد ولی الله علی بن محمد(علیه السّلام)ودفن فی داره بسر من رأی » . (إعلام الوری:2/109).

ص: 72

یتشاغل ، وإذا نظرنا إلیه ارتعدت فرائصنا ویداخلنا ما لا نملکه من أنفسنا ! فلما سمعوا ذلک انصرفوا خائبین ».

وکان محمد المنتصر بن المتوکل شیعیاً ، وکان أبوه یسخر منه ویؤذیه ، ویسمیه الرافضی! قال المنتصر: «زرع والدی الآس فی بستان وأکثر منه ، فلما استوی الآس کله وحسن ، أمر الفراشین أن یفرشوا له علی دکان فی وسط البستان وأنا قائم علی رأسه ، فرفع رأسه إلیَّ وقال: یا رافضی سل ربک الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بین ما بقی من هذا البستان قد اصفرّ ، فإنک تزعم أنه یعلم الغیب؟ فقلت: یا أمیر المؤمنین إنه لیس یعلم الغیب !فأصبحت إلی أبی الحسن من الغد وأخبرته بالأمر، فقال: یا بنی إمض أنت واحفر الأصل الأصفر فإن تحته جمجمة نخرة ، واصفراره لبخارها ونتنها! قال ففعلت ذلک فوجدته کما قال ، ثم قال لی : یا بنی لا تخبرن أحداً بهذا الأمر ، إلا لمن یحدثک بمثله» (الثاقب فی المناقب/538).

وفی الخرائج:1/422، عن طبیب نصرانی قال: « کنت تلمیذ بختیشوع طبیب المتوکل وکان یصطفینی ، فبعث إلیه الحسن بن علی بن محمد بن الرضا أن یبعث إلیه بأخص أصحابه عنده لیفصده ، فاختارنی وقال : قد طلب منی ابن الرضا من یفصده فصر إلیه ، وهو أعلم فی یومنا هذا من تحت السماء ، فاحذر أن تعترض علیه فیما یأمرک به! فمضیت إلیه فأمر بی إلی حجرة ، وقال: کن هاهنا إلی أن أطلبک ، قال وکان الوقت الذی دخلت إلیه فیه عندی جیداً محموداً للفصد ، فدعانی فی وقت غیر محمود له ، وأحضر طشتاً عظیماً ففصدت الأکحل ، فلم

ص: 74

یزل الدم یخرج حتی امتلأ الطشت ، ثم قال لی إقطع فقطعت ، وغسل یده وشدها ، وردنی إلی الحجرة ، وقدم من الطعام الحار والبارد شئ کثیر ، وبقیت إلی العصر، ثم دعانی فقال: سرح ودعا بذلک الطشت فسرحت ، وخرج الدم إلی أن امتلأ الطشت فقال: إقطع فقطعت وشد یده ، وردنی إلی الحجرة ، فبت فیها. فلما أصبحت وظهرت الشمس دعانی وأحضر ذلک الطشت وقال: سرح فسرحت ، فخرج من یده مثل اللبن الحلیب إلی أن امتلأ الطشت ، ثم قال إقطع فقطعت وشد یده ، وقدم إلی تخت ثیاب وخمسین دیناراً ، وقال: خذها واعذر وانصرف، فأخذت وقلت: یأمرنی السید بخدمة؟قال: نعم ، تحسن صحبة من یصحبک من دیر العاقول، فصرت إلی بختیشوع وقلت له القصة ، فقال: أجمعت الحکماء علی أن أکثر ما یکون فی بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم ، وهذا الذی حکیت لو خرج من عین ماء لکان عجباً! وأعجب ما فیه اللبن! ففکر ساعة ، ثم مکثنا ثلاثة أیام بلیالیها نقرأ الکتب علی أن تجد لهذه الفصدة ذکراً فی العالم فلم نجد ، ثم قال: لم تبق الیوم فی النصرانیة أعلم بالطب من راهب بدیر العاقول ، فکتب إلیه کتاباً یذکر فیه ما جری، فخرجت ونادیته فأشرف علیَّ فقال: من أنت؟ قلت : صاحب بختیشوع. قال: أمعک کتابه؟ قلت: نعم ، فأرخی لی زبیلاً فجعلت الکتاب فیه فرفعه فقرأ الکتاب ونزل من ساعته! فقال: أنت الذی فصدت الرجل؟ قلت: نعم قال: طوبی لأمک ! ورکب بغلاً وسرنا ، فوافینا سر من رأی وقد بقی من اللیل ثلثه ، قلت: أین تحب: دار أستاذنا أم دار الرجل؟ قال: دار الرجل، فصرنا إلی بابه قبل الأذان

ص: 75

الأول ففتح الباب وخرج إلینا خادم أسود وقال: أیکما راهب دیر العاقول؟ فقال: أنا جعلت فداک ، فقال: إنزل، وقال لی الخادم : إحتفظ بالبغلین وأخذ بیده ودخلا ، فأقمت إلی أن أصبحنا وارتفع النهار ، ثم خرج الراهب وقد رمی بثیاب الرهبانیة ولبس ثیاباً بیضاً وأسلم ، فقال: خذنی الآن إلی دار أستاذک ، فصرنا إلی باب بختیشوع ، فلما رآه بادر یعدو إلیه ثم قال: ما الذی أزالک عن دینک؟ قال: وجدت المسیح وأسلمت علی یده! قال: وجدت المسیح؟! قال: أو نظیره ، فإن هذه الفصدة لم یفعلها فی العالم إلا المسیح ، وهذا نظیره فی آیاته وبراهینه !ثم انصرف إلیه ولزم خدمته إلی أن مات »!

وروی فی الکافی(1/503) عن أحمد بن عبید الله بن خاقان ، وکان ناصبیاً من کبار موظفی الدولة العباسیة ، فجری فی مجلسه یوماً ذکر العلویة ومذاهبهم فقال:

«ما رأیت ولا عرفت بسر من رأی رجلاً من العلویة مثل الحسن بن علی بن محمد بن الرضا ، فی هدیه وسکونه وعفافه ونبله وکرمه عند أهل بیته وبنی هاشم ، وتقدیمهم إیاه علی ذوی السن منهم والخطر ، وکذلک القواد والوزراء وعامة الناس ، فإنی کنت یوماً قائماً علی رأس أبی ، وهو یوم مجلسه للناس إذ دخل علیه حجابه فقالوا: أبو محمد بن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال: إئذنوا له ، فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا یکنون رجلاً علی أبی بحضرته ، ولم یکن عنده إلا خلیفة أو ولی عهد أو من أمر السلطان أن یکنی ، فدخل رجل أسمر ، حسن القامة جمیل الوجه جید البدن حدث السن له جلالة وهیبة ، فلما نظر إلیه أبی قام یمشی إلیه خطی ، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بنی هاشم

ص: 76

والقواد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بیده وأجلسه علی مصلاه الذی کان علیه وجلس إلی جنبه مقبلاً علیه بوجهه ، وجعل یکلمه ویفدیه بنفسه ، وأنا متعجب مما أری منه ، إذ دخل الحاجب فقال: الموفق قد جاء ، وکان الموفق إذا دخل علی أبی ، تقدم حجابه وخاصة قواده ، فقاموا بین مجلس أبی وبین باب الدار سماطین إلی أن یدخل ویخرج ، فلم یزل أبی مقبلاً علی أبی محمد یحدثه حتی نظر إلی غلمان الخاصة ، قال حینئذ: إذا شئت جعلنی الله فداک ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطین حتی لا یراه هذا ، یعنی الموفق ، فقام وقام أبی وعانقه ومضی ، فقلت لحجاب أبی وغلمانه: ویلکم من هذا الذی کنیتموه علی أبی وفعل به أبی هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوی یقال له الحسن بن علی یعرف بابن الرضا ، فازددت تعجباً ولم أزل یومی ذلک قلقاً متفکراً فی أمره وأمر أبی وما رأیت فیه ، حتی کان اللیل وکانت عادته أن یصلی العتمة ثم یجلس فینظر فیما یحتاج إلیه من المؤامرات وما یرفعه إلی السلطان ، فلما صلی وجلس جئت فجلست بین یدیه ولیس عنده أحد فقال لی: یا أحمد لک حاجة؟قلت: نعم یا أبه فإن أذنت لی سألتک عنها؟ فقال: قد أذنت لک یا بنی

فقل ما أحببت ، قلت: یا أبه من الرجل الذی رأیتک بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والکرامة والتبجیل ، وفدیته بنفسک وأبویک؟

فقال: یا بنی ذاک إمام الرافضة ، ذاک الحسن بن علی المعروف بابن الرضا ، فسکت ساعة ، ثم قال : یا بنی لو زالت الإمامة عن خلفاء بنی العباس ما استحقها أحد من بنی هاشم غیر هذا ، وإن هذا لیستحقها فی فضله وعفافه

ص: 77

وهدیه وصیانته وزهده وعبادته وجمیل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأیت أباه رأیت رجلاً جزلاً نبیلاً فاضلاً،

فازددت قلقاً وتفکراً وغیظاً علی أبی وما سمعت منه واستزدته فی فعله وقوله فیه ما قال !فلم یکن لی همة بعد ذلک إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره ، فما سألت أحداً من بنی هاشم والقواد والکتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده فی غایة الإجلال والإعظام والمحل الرفیع والقول الجمیل والتقدیم له علی جمیع أهل بیته ومشایخه ! فعظم قدره عندی إذ لم أر له ولیاً ولا عدواً إلا وهو یحسن القول فیه والثناء علیه !

فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعریین: یا أبا بکر فما خبر أخیه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره؟ أوَیُقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شریب للخمور ، أقل من رأیته من الرجال وأهتکهم لنفسه ، خفیف قلیل فی نفسه ، ولقد ورد علی السلطان وأصحابه فی وقت وفاة الحسن بن علی ما تعجبت منه وما ظننت أنه یکون ! وذلک أنه لما اعتل بعث إلی أبی أن ابن الرضا قد اعتل فرکب من ساعته فبادر إلی دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمیر المؤمنین کلهم من ثقاته وخاصته ، فیهم نحریر ، فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله ، وبعث إلی نفر من المتطببین فأمرهم بالإختلاف إلیه وتعاهده صباحاً ومساء ، فلما کان بعد ذلک بیومین أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف ، فأمر المتطببین بلزوم داره ، وبعث إلی قاضی القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن یختار من أصحابه عشرة ممن یوثق به فی دینه وأمانته

ص: 78

وورعه ، فأحضرهم فبعث بهم إلی دار الحسن وأمرهم بلزومه لیلاً ونهاراً ، فلم یزالوا هناک حتی توفی ، فصارت سر من رأی ضجة واحدة !

وبعث السلطان إلی داره من فتشها وفتش حجرها وختم علی جمیع ما فیها وطلبوا أثر ولده ، وجاؤوا بنساء یعرفن الحمل ، فدخلن إلی جواریه ینظرن إلیهن ، فذکر بعضهن أن هناک جاریة بها حمل فجعلت فی حجرة ووکل بها نحریر الخادم وأصحابه ونسوة معهم ، ثم أخذوا بعد ذلک فی

تهیئته وعطلت الأسواق ، ورکبت بنو هاشم والقواد وأبی وسائر الناس إلی جنازته ، فکانت سر من رأی یومئذ شبیهاً بالقیامة ! فلما فرغوا من تهیئته بعث السلطان إلی أبی عیسی بن المتوکل فأمره بالصلاة علیه ، فلما وضعت الجنازة للصلاة علیه دنا أبو عیسی منه فکشف عن وجهه فعرضه علی بنی هاشم من العلویة والعباسیة والقواد والکتاب والقضاة والمعدلین ، وقال: هذا الحسن بن علی بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه علی فراشه ، حضره من حضره من خدم أمیر المؤمنین وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببین فلان وفلان .

ثم غطی وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ، ودفن فی البیت الذی دفن فیه أبوه ، فلما دفن أخذ السلطان والناس فی طلب ولده ، وکثر التفتیش فی المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة میراثه ، ولم یزل الذین وکلوا بحفظ الجاریة التی توهم علیها الحمل لازمین حتی تبین بطلان الحمل ، فلما بطل الحمل عنهن قسم میراثه بین أمه وأخیه جعفر ، وادعت أمه وصیته وثبت ذلک عند القاضی.

ص: 79

والسلطان علی ذلک یطلب أثر ولده ، فجاء جعفر بعد ذلک إلی أبی فقال: إجعل لی مرتبه أخی وأوصل إلیک فی کل سنة عشرین ألف دینار ، فزبره أبی وأسمعه وقال له: یا أحمق السلطان جرد سیفه فی الذین زعموا أن أباک وأخاک أئمة لیردهم عن ذلک فلم یتهیأ له ذلک ، فإن کنت عند شیعة أبیک أو أخیک إماماً فلا حاجة بک إلی السلطان أن یرتبک مراتبهما ولا غیر السلطان ، وإن لم تکن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا ، واستقله أبی عند ذلک واستضعفه وأمر أن یحجب عنه ، فلم یأذن له فی الدخول علیه حتی مات أبی ، وخرجنا وهو علی تلک الحال ، والسلطان یطلب أثر ولد الحسن بن علی » .

وروی فی الکافی:1/509 ، عن نصیر الخادم قال: «سمعت أبا محمد غیر مرة یکلم غلمانه بلغاتهم: ترک وروم وصقالبة ، فتعجبت من ذلک وقلت: هذا ولد بالمدینة ولم یظهر لأحد حتی مضی أبو الحسن ، ولا رآه أحد فکیف هذا ؟ أحدث نفسی بذلک ، فأقبل علی فقال: إن الله تبارک وتعالی یبین حجته من سائر خلقه بکل شئ ، ویعطیه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث ، ولولا ذلک لم یکن بین الحجة والمحجوج فرق »!

وقال الطبری فی دلائل الإمامة/423: «عاش بعد أبیه أیام إمامته بقیة ملک المعتز ، ثم ملک المهتدی ، ثم ملک أحمد بن جعفر المتوکل المعروف بالمعتمد ، اثنین وعشرین سنة وأحد عشر شهراً ، وبعد خمس سنین من ملکه

استشهد ولی الله وقد کمل عمره تسعاً وعشرین سنة. ومات مسموماً یوم الجمعة لثمان لیال خلون من شهر ربیع الأول ، سنة ستین ومائتین من الهجرة ، بسر من رأی ودفن فی داره إلی جانب قبر أبیه(علیهماالسّلام)» .

ص: 80

أتیت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبایتها فی بیت واحد، فغفوت غفوة ثم استیقظت ، فلم أزل مفکرة فیما وعدنی أبو محمد(علیه السّلام)من أمر ولی الله(علیه السّلام) ، فقمت قبل الوقت الذی کنت أقوم فی کل لیلة للصلاة ، فصلیت صلاة اللیل حتی بلغت إلی الوتر ، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة ، وأسبغت الوضوء ثم عادت فصلت صلاة اللیل وبلغت إلی الوتر ، فوقع فی قلبی أن الفجر قد قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع ، فتداخل قلبی الشک من وعد أبی محمد(علیه السّلام) فنادانی من حجرته: لا تشکی وکأنک بالأمر الساعة قد رأیته ، إن شاء الله تعالی .

قالت حکیمة: فاستحییت من أبی محمد(علیه السّلام)ومما وقع فی قلبی ، ورجعت إلی البیت وأنا خجلة ، فإذا هی قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقیتها علی باب البیت فقلت: بأبی أنت وأمی هل تحسین شیئاً؟ قالت: نعم یا عمة إنی لأجد أمراً شدیداً قلت: لا خوف علیک إن شاء الله تعالی ، وأخذت وسادة فألقیتها فی وسط البیت وأجلستها علیها وجلست منها حیث تقعد المرأة من المرأة للولادة ، فقبضت علی کفی وغمزت غمزة شدیدة ، ثم أنت أنة وتشهدت ، ونطرت تحتها فإذا أنا بولی الله صلوات الله علیه متلقیاً الأرض بمساجده ، فأخذت بکتفیه فأجلسته فی حجری فإذا هو نظیف مفروغ منه ، فنادانی أبو محمد(علیه السّلام): یا عمة هلمی فأتنی بابنی، فأتیته به فتناوله وأخرج لسانه فمسح عینیه ففتحها ، ثم أدخله فی فیه فحنکه ثم فی أذنیه، وأجلسه فی راحته الیسری فاستوی ولی الله جالساً ، فمسح یده علی رأسه وقال له: یا بنی أنطق بقدرة الله فاستعاذ ولی الله(علیه السّلام) من الشیطان الرجیم واستفتح: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ

ص: 82

الرَّحِیم ، وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ . وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الأرض وَنُرِیَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا کَانُوا یَحْذَرُونَ .وصلی علی رسول الله وعلی أمیر المؤمنین والأئمة واحداً واحداً حتی انتهی إلی أبیه ! فناولنیه أبو محمد وقال: یا عمة ردیه إلی أمه حتی تَقَرَّ عَیْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، فرددته إلی أمه وقد انفجر الفجر الثانی فصلیت الفریضة ، وعقبت إلی أن طلعت الشمس ، ثم ودعت أبا محمد وانصرفت إلی منزلی ، فلما کان بعد ثلاث اشتقت إلی ولی الله ، فصرت إلیهم فبدأت بالحجرة التی کانت سوسن فیها ، فلم أر أثراً ولا سمعت ذکراً ، فکرهت أن أسأل ، فدخلت علی أبی محمد ، فاستحییت أن أبدأ بالسؤال ، فبدأنی فقال: هو یا عمة فی کنف الله وحرزه وستره وغیبه ، حتی یأذن الله له ، فإذا غیب الله شخصی وتوفانی ورأیت شیعتی قد اختلفوا فأخبری الثقات منهم ، ولیکن عندک وعندهم مکتوماً ، فإن ولی الله یغیبه الله عن خلقه ویحجبه عن عباده ، فلا یراه أحد حتی یقدم له جبرئیل(علیه السّلام)فرسه، لِیَقْضِیَ اللهُ أَمْراً کَانَ مَفْعُولاً»!

فی کمال الدین:2/475، عن أبی الأدیان من حدیث قال: «ودخلت سر من رأی یوم الخامس عشر کما ذکر لی(علیه السّلام)فإذا أنا بالواعیة فی داره وإذا به علی المغتسل ، وإذا أنا بجعفر بن علی أخیه بباب الدار ، والشیعة من حوله یعزونه ویهنونه ، فقلت فی نفسی: إن یکن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة ، لأنی کنت أعرفه یشرب النبیذ ویقامر فی الجوسق ویلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزیت وهنیت ، فلم یسألنی عن شئ ، ثم خرج عقید فقال: یا سیدی قد کفن أخوک فقم وصل علیه ،

ص: 83

فدخل جعفر بن علی والشیعة من حوله یقدمهم السمان ، والحسن بن علی ، قتیل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا فی الدار إذا نحن بالحسن بن علی صلوات الله علیه علی نعشه مکفناً ، فتقدم جعفر بن علی لیصلی علی أخیه ، فلما هم بالتکبیر خرج صبی بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفلیج ، فجبذ برداء جعفر بن علی وقال: تأخر یا عم فأنا أحق بالصلاة علی أبی ، فتأخر جعفر وقد اربَدَّ وجهه واصْفَرَّ ، فتقدم الصبی وصلی علیه» .

أقول: هکذا انذهل جعفر وتأخر ، وصلی خلف الإمام المهدی(علیه السّلام)ومعه ابن الخلیفة والقضاة والقادة والوزراء وبقیة هیئة الدولة، ثم غاب الإمام(علیه السّلام)قبل أن یقبضوا علیه ! ولما أفاقوا من ذهولهم أخبروا الخلیفة بما حدث فشدد البحث والتفتیش عن الإمام(علیه السّلام)، لأنه یعلم أنه الثانی عشر الموعود ، ویخشی أن یکون ظهوره فی زمنه !

ص: 84

فقلت له: أنت رأیت الخلف من بعد أبی محمد(علیه السّلام)؟ فقال: إی والله ورقبته مثل ذا وأومأ بیده (الی رقبته) فقلت له:فبقیت واحدة ، فقال لی: هات، قلت: فالإسم؟ قال: محرم علیکم أن تسألوا عن ذلک ، ولا أقول هذا من عندی ، فلیس لی أن أحلل ولا أحرم ولکن عنه(علیه السّلام)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضی ولم یخلف ولداً ، وقسم میراثه وأخذه من لاحق له فیه ، وهو ذا وعیاله یجولون لیس أحد یجسر أن یتعرف إلیهم أو ینیلهم شیئاً، وإذا وقع الإسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسکوا عن ذلک ».ونحوه غیبة الطوسی/355، بسند صحیح وفیه: قال: قد رأیته(علیه السّلام) وعنقه هکذا ، یرید أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً ».

وفی غیبة الطوسی/164: «عن الزهری قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتی ذهب لی فیه مال صالح ، فوقعت إلی العمری وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلک عن صاحب الزمان ، فقال لی: لیس إلی ذلک وصول ، فخضعت فقال لی: بکر بالغداة فوافیت ، فاستقبلنی ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً وأطیبهم رائحة ، بهیئة التجار ، وفی کمه شئ کهیئة التجار ، فلما نظرت إلیه دنوت من العمری فأومأ إلی ، فعدلت إلیه وسألته فأجابنی عن کل ما أردت ، ثم مر لیدخل الدار وکانت من الدور التی لا یکترث لها ، فقال العمری إن أردت أن تسأل سل فإنک لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم یسمع ودخل الدار وما کلمنی بأکثر من أن قال: ملعون ملعون من أخر العشاء إلی أن تشتبک النجوم ، ملعون ملعون من أخر الغداة إلی أن تقضی النجوم ، ودخل الدار »

ومثله الإحتجاج:2/479 ، ومنتخب الأنوار/142 ووسائل الشیعة:3/147 ، وتبصرة الولی/781 .

ص: 86

وفی غیبة الطوسی/178، عن علی بن أحمد الدلال القمی قال: «اختلف جماعة من الشیعة فی أن الله عز وجل فوض إلی الأئمة صلوات الله علیهم أن یخلقوا أو یرزقوا ، فقال قوم: هذا محالٌ لا یجوز علی الله تعالی ، لأن الأجسام لا یقدر علی خلقها غیر الله عز وجل ، وقال آخرون: بل الله تعالی أقدر الأئمة علی ذلک وفوضه إلیهم فخلقوا ورزقوا .

وتنازعوا فی ذلک تنازعاً شدیداً فقال قائل: ما بالکم لا ترجعون إلی أبی جعفر محمد بن عثمان العمری فتسألونه عن ذلک ، فیوضح لکم الحق فیه ، فإنه الطریق إلی صاحب الأمر عجل الله فرجه ، فرضیت الجماعة بأبی جعفر وسلمت وأجابت إلی قوله، فکتبوا المسألة وأنفذوها إلیه ، فخرج إلیهم من جهته توقیع نسخته: إن الله تعالی هو الذی خلق الأجسام ، وقسم الأرزاق ، لأنه لیس بجسم ولا حال فی جسم لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئْ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ. وأما الأئمة(علیهم السّلام) فإنهم یسألون الله تعالی فیخلق ، ویسألونه فیرزق ، إیجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم » . ومثله الإحتجاج/471 .

وقد کانت مدة سفارة عثمان بن سعید العمری خمس سنین 260- 265 ، وکان ابنه محمد بن عثمان سفیراً معه ، ثم استقل بالسفارة بعد وفاة أبیه من265- 305 وأوصی بالسفارة الی الحسین بن روح النوبختی ، وکانت سفارته من 305- 326 ، وأوصی بالسفارة الی علی بن محمد السمری ، وکانت سفارته من 326- 329 ، حیث وقعت الغیبة التامة .

وقد عاش السفراء الأربعة فی بغداد ودفنوا فیها ، فقد انتقل عثمان بن سعید بعد مدة من وفاة الإمام العسکری(علیه السّلام)الیها، ویبدو أن ابنه محمداً سکنها قبله ، وفی تلک الفترة اضطرب وضع سامراء وضعف مرکزها وعادت العاصمة منها الی بغداد ! ففی معجم البلدان:3/176، أن سامراء أخذت بالخراب بعد ولایة المستعین العباسی وانتقل الخلفاء منها الی بغداد ، ولم یبق منها إلا مشهد الإمام الهادی والعسکری(علیهماالسّلام)، قال: «وسائر ذلک خراب یباب ، یستوحش الناظر إلیها بعد أن لم یکن فی الأرض کلها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملکاً منها ، فسبحان من لا یزول ولا یحول ! وذکر الحسن بن أحمد المهلبی فی کتابه المسمی بالعزیزی قال: وأنا اجتزت بسر من رأی منذ صلاة الصبح فی شارع واحد ماد ، علیه من جانبیه دور کأن الید رفعت عنها للوقت ، لم تعدم إلا الأبواب والسقوف، فأما حیطانها فکالجدد ، فما زلنا نسیر إلی بعد الظهر ثم سرنا من الغد علی مثل تلک الحال فما خرجنا من آثار البناء إلی نحو الظهرولا شک أن طول البناء کان أکثر من ثمانیة فراسخ».

ص: 88

أقول: یظهر أن بیت الإمام العسکری(علیه السّلام)بقی بعد وفاته مفتوحاً ، وکان فیه والدته ، وکان بوابه عثمان بن سعید العمری(قدسّ سرّه).

فعندما توفی(علیه السّلام)هاجمت السلطة بیته للقبض علی ابنه المهدی(علیه السّلام)فلم تجده ، فقبضوا علی جواریه لعل إحداهن تکون حاملاً .

وادعی جعفر عمه أنه هو وارثه وأنه لا ولد له، وجاء مع الشرطة لتفتیش بیت الإمام(علیه السّلام)! فجاءت أم الإمام(علیه السّلام)من المدینة وردت دعوی جعفر ، ونفعها فی ذلک أن جاریة للإمام إسمها صقیل ادعت أنها حامل ، فقرر القاضی ابن أبی الشوارب التریث حتی یتبین أمر الجاریة ، لذلک بقی الدار علی وضعه.

ثم انشغلت سامراء بثلاثة أحداث ، کان أخطرها حملة یعقوب الصفار القادم من خراسان ، والذی هرب منه الخلیفة الی بغداد لیستعد لحربه !

قال الطبری فی دلائل الإمامة/424: «وتوفی(علیه السّلام)بسر من رأی ، ولما اتصل الخبر بأمه وهی فی المدینة ، خرجت حتی قدمت سر من رأی ، وجری بینها وبین أخیه جعفر أقاصیص فی مطالبته إیاها بمیراثه ، وسعی بها إلی السلطان وکشف ما ستر الله ، وادعت صقیل عند ذلک أنها حامل، وحملت إلی دار المعتمد فجعل نساءه وخدمه ونساء الواثق ونساء القاضی ابن أبی الشوارب یتعاهدون أمرها ، إلی أن دهمهم من أمر الصفار، وموت عبد الله بن یحیی بن خاقان ، وأمر صاحب الزنج وخروجهم عن سر من رأی ، ما شغلهم عنها وعن ذکر من أعقب(علیه السّلام)، من أجل ما یشاء الله ستره ، وحسن رعایته بمنه وطوله ».

ص: 89

قال الذهبی فی سیره:12/543: «وفی سنة261، مالت الدیلم إلی الصفار ونابذوا العلوی فصار إلی کرمان، وأما الزنج فحروبهم متتالیة ، وسار یعقوب الصفار إلی فارس فالتقی هو وابن واصل فهزمه الصفار ، وأخذ له من قلعته أربعین ألف ألف درهم ! وأعیا المعتمد شأن الصفار وحار ، فلانَ له وبعث إلیه بالخلع وبولایة خراسان وجرجان فلم یرض بذلک حتی یجئ إلی سامراء ! وأضمر الشر، فتحول المعتمد إلی بغداد ، وأقبل الصفار بکتائب کالجبال» !

وفی تلک الفترة کان الإمام المهدی(علیهاالسّلام)یتواجد فی سامراء ، وبوابه عثمان بن سعید العمری(رحمه الله). (دلائل الإمامة/425) . نقطة نهایة السطر ویدل حدیث أحمد بن الدینوری (دلائل الإمامة/304) علی أن محمد بن عثمان العمری کان بعد سنة أو أکثر فی بغداد ، وأن الدینوری أراد أن یعطیه أمانات للإمام(علیه السّلام)فلم یقبل، وأرسله الی سامراء فرأی آیات الإمام(علیه السّلام)علی ید عثمان بن سعید ، وأمره الإمام(علیه السّلام)أن یسلم الأمانات الی شخص فی بغداد بواسطة محمد بن عثمان العمری .

بل نص حدیث وفد قم ، الذین وصلوا الی سامراء أیام وفاة الإمام العسکری (علیه السّلام)(کمال الدین/478): «وأمرنا القائم(علیه السّلام)أن لا نحمل إلی سر من رأی بعدها شیئاً من المال ، فإنه ینصب لنا ببغداد رجلاً یحمل إلیه الأموال ، وتخرج من عنده التوقیعات ». وهو یشیر الی أن عثمان بن سعید بقی فی سامراء مدة قلیلة حتی حتی انتهت دعوی جعفر ، وانشغل الخلیفة بحملة الصفار بجیش خراسان.

ص: 90

الحسن(علیه السّلام) لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعید العمری، فما لبثنا إلا یسیراً حتی دخل عثمان فقال له سیدنا أبو محمد(علیه السّلام): إمض یا عثمان فإنک الوکیل والثقة المأمون علی مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر الیمنیین ما حملوه من المال. ثم ساق الحدیث إلی أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: یا سیدنا والله إن عثمان لمن خیار شیعتک ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتک ، وأنه وکیلک وثقتک علی مال الله تعالی.قال: نعم ، واشهدوا علیَّ أن عثمان بن سعید العمری وکیلی ، وأن ابنه محمداً وکیل ابنی مهدیکم » . وإثبات الهداة:3/511 ، والبحار:51/345 .

وتوفی عثمان بن سعید(قدسّ سرّه)فی بغداد وقبره فیها قرب المیدان ، وقد حاول الوهابیون تفجیره هذه الأیام ، أواخر شهر رمضان سنة1430:

0392http://www.alcauther.com/html/modules.php?name=News(رحمه الله)file=article(رحمه الله)sid=

«نفذ التکفیریون وأعوانهم البعثیون تفجیرین بعبوتین ناسفتین ، استهدفتا المرقد الشریف لعثمان بن سعید العمری سفیر الإمام الحجة، وأکد مصدر أمنی مطلع لشبکة نهرین نت أن الإرهابیین زرعوا عبوتین ناسفتین ، واحدة فی المرقد الشریف والأخری فی مرآب قریب من المکان . وأضاف المصدر بأن حصیلة هذین التفجیرین کان استشهاد3 مواطنین وجرح ثمانیة آخرین .

والجدیر بالذکر أن المرقد الشریف للسفیر عثمان بن سعید العمری یقع بالقرب من ساحة المیدان فی العاصمة بغداد ، وأن هذا التفجیر یأتی ضمن سلسلة تفجیرات تستهدف المراقد المقدسة من جدید ».

ص: 92

والوکیل والثقة الأمین ، فارجعوا فی أمورکم إلیه ، وعولوا فی مهماتکم علیه ، فبذلک أمرت وقد بلَّغت . ثم أوصی أبو القاسم بن روح إلی أبی الحسن علی بن محمد السمری ، فلما حضرته الوفاة سئل أن یوصی فقال: لله أمر هو بالغه . ومات(رحمه الله)سنة تسع وعشرین وثلاث مائة » .

وکانت وفاة محمد بن عثمان (قدسّ سرّه)أواخر جمادی الأولی سنة305، وقبره ببغداد فی محلتهم المعروفة باسم الخلانی ، وهو مشهد کبیر من معالم بغداد ، یقصده الناس للزیارة والصلاة فی مسجده .(تهذیب المقال:2/401، ومقدمة علل الشرائع ).

الذهبی:9/467) وجعله مستشاراً ، وبنی بغداد برأیه ، ومن یومها دخلت أسرة نوبخت فی تاریخ بغداد والبلاط العباسی ، وکان لهم حیٌّ وسط العاصمة ، وبیوتهم معروفة یزورها شخصیات الدولة والوزراء .

ویظهر أن آل نوبخت تشیعوا مبکراً قبل زمن المأمون ، ونبغ منهم علماء ومؤلفون الی جانب المنجمین والمترجمین.وکان الشیخ أبو القاسم بن روح(قدسّ سرّه) من علمائهم غیر المعروفین ، فاختاره الله للسفارة .راجع:أنساب السمعانی:5/529 ، ووفیات الأعیان:2/127، ومروج الذهب/1304 ، ورجال النجاشی/373 ، وغیرها .

قال الشیخ الطوسی فی الغیبة/391: «قال ابن نوح: وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر یذکرون أن أبا سهل النوبختی سئل فقیل له: کیف صار هذا الأمر إلی الشیخ أبی القاسم الحسین بن روح دونک؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه ، ولکن أنا رجل ألقی الخصوم وأناظرهم ، ولو علمت بمکانه کما علم أبو القاسم وضغطتنی الحجة لعلی کنت أدل علی مکانه ، وأبو القاسم فلو کانت الحجة تحت ذیله وقرض بالمقاریض ما کشف الذیل عنه ! أو کما قال ».

وقال جعفر بن متیل(رحمه الله)کما فی کمال الدین/503:«لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمری السمان رضی الله عنه الوفاة ، کنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسین بن روح عند رجلیه ، فالتفت إلیَّ ثم قال لی: قد أمرت أن أوصی إلی أبی القاسم الحسین بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بید أبی القاسم وأجلسته فی مکانی ، وتحولت عند رجلیه ».

وفی کمال الدین/519: «قال الحسین بن علی بن محمد المعروف بأبی علی

ص: 95

البغدادی:ورأیت تلک السنة بمدینة السلام امرأة فسألتنی عن وکیل مولانا من هو؟ فأخبرها بعض القمیین أنه أبو القاسم الحسین بن روح وأشار إلیها، فدخلت علیه وأنا عنده ، فقالت له أیها الشیخ أی شئ معی؟ فقال ما معک فألقیه فی الدجلة ثم ائتنی حتی أخبرک ! قال فذهبت المرأة وحملت ما کان معها فألقته فی الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلی أبی القاسم الروحی قدس الله روحه فقال أبو القاسم لمملوکة له: أخرجی إلیَّ الحُق فأخرجت إلیه حُقَّةً فقال للمرأة: هذه الحُقة التی کانت معک ورمیت بها فی الدجلة ، أخبرک بما فیها أو تخبرینی؟ فقالت له: بل أخبرنی أنت! فقال: فی هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة کبیرة فیها جوهرة ، وحلقتان صغیرتان فیهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فیروزج والآخر عقیق ! فکان الأمر کما ذکر لم یغادر منه شیئاً ! ثم فتح الحقة فعرض علیَّ ما فیها فنظرت المرأة إلیه ، فقالت: هذا الذی حملته بعینه ورمیت به فی الدجلة ، فغُشِیَ علیَّ وعلی المرأة ، فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة » !

وروی الطوسی فی الغیبة/394 ، عن الصفوانی قال: «أوصی الشیخ أبو القاسم رضی الله عنه إلی أبی الحسن علی بن محمد السمری رضی الله عنه ، فقام بما کان إلی أبی القاسم، فلما حضرته الوفاة حضرت الشیعة عنده وسألته عن الموکل بعده ، ولمن یقوم مقامه فلم یُظهر شیئاً من ذلک ، وذکر أنه لم یؤمر بأن یوصی إلی أحد بعده فی هذا الشأن » .

ص: 96

المعروف بدرب جبلة فی مسجد الدرب ، یمنة الداخل إلیه ، والقبر فی نفس قبلة المسجد(رحمه الله). قال محمد بن الحسن مصنف هذا الکتاب: رأیت قبره فی الموضع الذی ذکره ، وکان بنی فی وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلی جنبه باب یدخل إلی موضع القبر فی بیت ضیق مظلم ، فکنا ندخل إلیه ونزوره مشاهرةً ، وکذلک من وقت دخولی إلی بغداد وهی سنة ثمان وأربعمائة إلی سنة نیف وثلاثین وأربعمائة . ثم نقض ذلک الحائط الرئیس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلی برَّا وعمل علیه صندوقاً ، وهو تحت سقف یدخل إلیه من أراده ویزوره ، ویتبرک جیران المحلة بزیارته ویقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا هو ابن دایة الحسین(علیه السّلام) ! ولایعرفون حقیقة الحال فیه ، وهو إلی یومنا هذا ، وذلک سنة سبع وأربعین وأربعمائة، علی ما هو علیه» .

کما نص المحدثون علی أن السفیر الثانی محمد بن عثمان(رحمه الله)توفی سنة305 ، وأن الإمام(علیه السّلام)أخبره عن وفاته قبل شهرین ، فاستعد وحفر قبراً وکان یقرأ فیه القرآن ، وکتب علی لوحة آیات القرآن ، وأسماء الأئمة(علیهم السّلام) لیدفنها معه .

کما رووا أن وفاة الحسین بن روح(رحمه الله)کانت سنة326، فی شعبان کما فی غیبة الطوسی/386: «عن بنت أبی جعفر العمری أن قبر أبی القاسم الحسین بن روح فی النوبختیة فی الدرب الذی کانت فیه دار علی بن أحمد النوبختی النافذ إلی التل وإلی الدرب الآخر وإلی قنطرة الشوک . قال: وقال لی أبو نصر: مات أبو القاسم الحسین بن روح رضی الله عنه فی شعبان سنة ست وعشرین وثلاث مائة ، وقد رویت عنه أخباراً کثیرة».

ص: 99

أما وفاة علی بن محمد السمری فکانت سنة329، فی النصف من شعبان، وقد وصف الطوسی(رحمه الله)قبره فقال فی الغیبة/396:«عن أبی نصر هبة الله بن محمد الکاتب أن قبر أبی الحسن السمری رضی الله عنه فی الشارع المعروف بشارع الخلنجی من ربع باب المحول قریب من شاطئ نهر أبی عتاب . وذکر أنه مات فی سنة تسع وعشرین وثلاث مائة ».راجع: أعیان الشیعة:6/21 وتهذیب المقال:2/400

وقال السید محمد صادق بحر العلوم فی مقدمة علل الشرائع/5، ملخصاً:

«أ- أبو عمرو عثمان بن سعید العمری(رحمه الله)... قبره بالجانب الغربی من بغداد مما یلی سوق المیدان ، معروف یزار ویتبرک به الشیعة .

ب-- أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعید العمری(رحمه الله)،وهو المعروف بالخلانی توفی سنة305، آخر جمادی الأولی ، وقبره فی الجانب الشرقی من بغداد عند والدته ، فی شارع باب الکوفة فی الموضع الذی کانت دوره ومنازله

ج- أبو القاسم الحسین بن روح بن أبی بحر النوبختی(رحمه الله) توفی سنة326 ، فی18شعبان ، وقبره ببغداد فی الجانب الشرقی فی سوق العطارین یزار ویتبرک به وهو معروف باسم قبر الحسین بن روح .

د- أبو الحسین علی بن محمد السمری(رحمه الله)، توفی سنة329، وقبره فی الجانب الغربی مما یلی سوق الهرج والسراجین، وهو معروف یزار ویتبرک به » .

ص: 100

دبیس ، وأبو عبد الله بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولی أبی الحسن(علیه السّلام)، وأحمد ومحمد ابنا الحسن ، وإسحاق الکاتب من بنی نیبخت ، وصاحب النواء ، وصاحب الصرة المختومة . ومن همدان: محمد بن کشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران . ومن الدینور: حسن بن هارون ، وأحمد بن أخیه وأبو الحسن . ومن إصفهان: ابن باذشالة . ومن الصیمرة: زیدان . ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، و علی بن محمد بن إسحاق ، وأبوه ، والحسن بن یعقوب . ومن أهل الری: القاسم بن موسی وابنه ، وأبو محمد بن هارون . وصاحب الحصاة ، وعلی بن محمد ، ومحمد بن محمد الکلینی ، وأبو جعفر الرفاء . ومن قزوین: مرداس ، وعلی بن أحمد . ومن فاقتر: رجلان . ومن شهرزور: ابن الخال . ومن فارس: المحروج ومن مرو: صاحب الألف دینار ، وصاحب المال والرقعة البیضاء ، وأبو ثابت . ومن نیسابور: محمد بن شعیب بن صالح . ومن الیمن: الفضل بن یزید ، والحسن ابنه ، والجعفری ، وابن الأعجمی ، والشمشاطی . ومن مصر: صاحب المولودین ، وصاحب المال بمکة،وأبو رجاء ومن نصیبین: أبو محمد بن الوجناء.ومن الأهواز: الحصینی ».

امتنعوا عن بیعة أبی بکر حتی بایع علی(علیه السّلام).

ثم تکاثر أتباع علی(علیه السّلام)فی المدینة ، وکانوا فی خارجها أکثر ، حتی صاروا تیاراً ! وقد تظاهر أهل المدینة بعد قتل عثمان یهتفون باسم الإمام(علیه السّلام)للخلافة .

وتکاثر شیعته فی خلافته(علیه السّلام) ، ثم اضطهدهم معاویة بعده أشدَّ اضطهاد ، فقتل منهم کثیراص وشرد آخرین ، حتی کانت شهادة الإمام الحسین(علیه السّلام)فکان الذین بایعوه علی الموت واستشهدوا معه نحو مائة رجل .

وقد قلَّ الشیعة بعد قتل الحسین(علیه السّلام)مباشرة ، لکن سرعان ما حدثت هزة فی الأمة فثار التوابون والمختار وإبراهیم بن مالک الأشتر ، علی الأمویین مطالبین بثارات الحسین(علیه السّلام)، وسیطروا علی العراق وتوابعه شرق إیران ، وأقاموا دولة .

ثم تزاید الشیعة علی ید الإمام زین العابدین(علیه السّلام)واستمر تزایدهم فی أنحاء البلاد الإسلامیة ، فکانوا تیاراً قویاً مختلطاً بشیعة بنی هاشم عامة .

وقاد هذه الموجة الفرس وتمکن العباسیون من استغلالها فبایعهم الفرس ، لکن بقی شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) بقیادة الإمام الصادق(علیه السّلام)ممیزین .

وقد سمی بعض المؤرخین القرن الرابع الهجری (قرن التشیع) لأنه شهد موجة شیعیة واسعة، ووثَّق ذلک المستشرق آدم متز فی کتابه (الحضارة الإسلامیة فی القرن الرابع) ، فقد تفرع من الشیعة الإسماعیلیون ، وأقاموا الدولة الفاطمیة فی المغرب ، وقویت ، وأخذت تضغط علی مصر حتی احتلتها وجعلتها عاصمتها ، کما أسس الحسنیون دولة الأدارسة فی المغرب أیضاً ، ونجحت ثورة العلویین فی شمال إیران وأسسوا دولتهم فی طبرستان .

ص: 103

کما ادعی القرامطة أنهم شیعة ، وأن قائدهم من ذریة علی(علیه السّلام) ، وتفاقم خطرهم وتواصلت غاراتهم السنویة الوحشیة علی قوافل الحجاج ! ثم أغاروا علی مکة المکرمة وقتلوا الحجاج وسرقوا الحجر الأسود ، وعطلوا الحج ووصلت غاراتهم الی أطراف بغداد ، والی بلاد الشام وفلسطین !

ووفی المقابل ضعفت الدولة العباسیة بسبب سیطرة جیش الأتراک وقادته علی الخلیفة فی سامراء ، وصراعهم الدموی فیما بینهم وعزلهم خلیفة ونصبهم آخر !

وعلی صعید عقائدی ، کان فی الدولة العباسیة خطان یتصارعان: خط النصب والتجسیم الأموی ، الذی أسسه المنصور ووسعه الرشید . وقد واجه المأمون هذه الموجة وکتب منشوراً فی البراءة من معاویة ، وأمر بقتل من قال بالتشبیه ورؤیة الله تعالی ، وأن القرآن جزء من ذات الله سبحانه ولیس مخلوقاً !

ثم جاء أخوه المعتصم فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة . ثم جاء الواثق فأعاد سیاسة المأمون ، فقام مجسمة الحنابلة بحرکة ضده فی بغداد ، فقتل رئیسهم أحمد بن نصر وذبحه بیده سنة إحدی وثلاثین ومئتین ! راجع تاریخ بغداد:5/384، و386، وتهذیب الکمال:1/508 ، وتاریخ الیعقوبی:2/482 ، وغیرها .

ثم جاء المتوکل وتبنی مذهب مجسمة الحنابلة وعداءهم لأهل البیت(علیهم السّلام) ، وأسس حزباً سماه (أهل الحدیث) مهمته مهاجمة مجالس الشیعة فی عاشوراء ، وزوار الکاظمیة وکربلاء ، حتی انتهت موجة المتوکل بقتله علی ید ولده الشیعی، وتبنبی الخلفاء بعده سیاسة الموازنة بین المذاهب والقوی، وکان منهم المقتدر ، حتی قوی الحنابلة علیه وفرضوا علیه وزارة حامد بن العباس .

ص: 104

ویظهر من النصوص المتقدمة فی السفراء أن التشیع انتشر فی مناطق من إیران منها الدینور وهی قرب همدان .وروی الطبری (7/488) ما یدل علی أن بعض قادة الجیش العباسی فی بغداد کانوا شیعة ، فعندما هرب المستعین من سامراء وأقنع محمد بن عبد الله بن طاهر قادة الجیش أن ینصبوه خلیفة ، فقال أحدهم لابن طاهر: «أطال الله بقاءک إن هذا الذی تنصره وتجدُّ فی أمره ، من أشد الناس نفاقاً وأخبثهم دیناً ! والله لقد أمر وصیفاً وبغا (قائدین) بقتلک فاستعظما ذلک ولم یفعلاه ! وإن کنت شاکاً فیما وصفت من أمره فسل تخبره . وإن من ظاهر نفاقه أنه کان وهو بسامرا لا یجهر فی صلاته ببسم الله الرحمن الرحیم ، فلما صار إلی ما قبلک جهر بها مراءاةً لک » .والجهر بالبسملة من علامات التشیع.

وبسبب قوة التشیع فی ذلک العصر، کان العباسیون یتهمون الشیعة بأنهم یمیلون الی الفاطمیین ، أو الی العلویین فی طبرستان ، وحتی الی القرامطة .

ومن الطبیعی فی تلک الظروف أن تظهرحرکات الغلو فی الأئمة(علیهم السّلام) ، فقد ادعی بعضهم السفارة للإمام المهدی(علیه السّلام)ثم ادعی حلول روح الإمام(علیه السّلام)فیه، ثم ادعی حلول الله تعالی فیه! ووجد بعضهم أنصاراً له من بعض شخصیات دیوان الخلافة ، بل لعلهم کانوا یساندونهم لیبرروا ضرب الشیعة!

فی هذا الخضم کان الإمام المهدی(علیه السّلام)یوجه سفراءه لحفظ استقلال الشیعة عن الفاطمیین فی المغرب ومصر ، والقرامطة فی الجزیرة وأطرافها ، والزیدیة فی طبرستان، ویمیزهم عن مفتریات المغالین وأکاذیبهم . وکانت لکل واحد من السفراء أعمال جلیلة فی ذلک ، خاصة الحسین بن روح(قدسّ سرّه) قال الذهبی فی

ص: 105

سیره:15/222: «الباب ، کبیر الإمامیة ، ومن کان أحد الأبواب إلی صاحب الزمان المنتظر، الشیخ الصالح أبو القاسم حسین بن روح بن بحر القینی . قال ابن أبی طی فی تاریخه: نص علیه بالنیابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمری.فروی علی بن محمد الأیادی عن أبیه قال: شاهدته یوماً وقد دخل علیه أبو عمر القاضی فقال له أبو القاسم: صواب الرأی عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا یفعل القاضی ما عزم علیه ! فرأیت أبا عمر قد نظر إلیه ثم قال: من أین لک هذا؟ فقال: إن کنت قلتُ لک ما عرفتَهُ فمسألتی من أین لک فضول ! وإن کنت لم تعرفه فقد ظفرت بی .قال: فقبض أبو عمر علی یدیه وقال: لا بل والله أؤخرک لیومی أو لغدی ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأیت محجوجاً قط یلقی البرهان بنفاق مثل هذا ! کاشفته بما لم أکاشف به غیره !

ولم یزل أبو القاسم وافر الحرمة إلی أن وزر حامد بن العباس فجرت له معه خطوب یطول شرحها ، ثم سرد ابن أبی طی ترجمته فی أوراق ، وکیف أخذ وسجن خمسة أعوام ، وکیف أطلق وقت خلع المقتدر ، فلما أعادوه إلی الخلافة شاوروه فیه فقال: دعوه فبخطیته أوذینا! وبقیت حرمته علی ما کانت إلی أن مات فی سنة ست وعشرین وثلاث مئة » .

وقال ابن حجر فی لسان المیزان:2/283: «أحد رؤساء الشیعة فی خلافة المقتدر ، وله وقائع فی ذلک مع الوزراء إلی أن قال: کان کثیر الجلالة فی بغداد ».

أقول: معنی ذلک أن قاضی القضاة کان یزور الحسین بن روح(قدسّ سرّه)فی بیته کغیره من الوزراء والخلیفة ووالدته ! ولم أجد نصاً فی أنه کان یزور أحداً منهم !

ص: 106

ویظهرأن قاضی القضاة عزم علی أمر کبیر ، کقتل أحد المسؤولین فی صراع السلطة الذی کانت الأطراف فیه تحتاج الی حکم القاضی بالقتل وسمل العیون والمصادرة والنهب . فأمره الحسین بن روح(قدسّ سرّه)أن لایفعل ما عزم علیه ! فارتبک وسأله: من أخبره بما عزم علیه؟! فأجابه ابن روح(رحمه الله): مادام ما أقول لک صحیحاً فلماذا تسأل من أین عرفته؟وإن کان غیر صحیح فلک الحق أن تتهمنی! عندها قال القاضی: لا أتهمک ، لکن أمهلک یوماً أو یومین حتی تخبرنی من أین عرفت !

فأظهر ابن روح(قدسّ سرّه)تعجبه من نفاقه ، وأنه بدل أن یخضع للبرهان الذی کوشف به ویشکره علی نصیحته ، نافق وقال: أمهلک أیاماً حتی تخبرنی !

وهذا یدلنا علی أن القاضی اعترف ضمناً بأن ما أخبره به صحیح ، فهو یعرف أن مصدر ابن روح هو الإمام المهدی(علیه السّلام)الملهم من ربه تعالی !

ثم وضوح عقائد الشیعةوجاذبیتها ، وقوة أدلة فقههم ومنطقیتها .

ومن الأسباب التی ذکرها: تمیز مذهبهم بالأدعیة البلیغة ومجالس الدعاء.

وکذلک غنی مذههم بالبعد الأخلاقی .

کما ذکر تأثیر أحداث السیرة والتاریخ التی تکشف أحقیة أهل البیت ومذهبهم ومظلومیتهم خاصة مظلومیة الإمام الحسین (علیه السّلام).

ومن الأسباب التی عددها أن التشیع برنامج متکامل لمن اعتنقه .

ومنها رقة الشیعة وإنسانیتهم فی تبلیغ الدین وهدایة الناس ، ویقابله الخشونة والتکفیر عند الوهابیین .

وذکر عامل استقلال المرجعیة والمؤسسة الدینیة عند الشیعة .

وذکر العتبات المقدسة ومشاهد أهل البیت(علیهم السّلام) .

والکرامات التی تظهر لأهل البیت(علیهم السّلام) فی مشاهدهم وغیرها .

کما ذکر من الأسباب: السلوک المنحرف لمتدینین سنیین ، والخواء العقائدی والجهل عند بعضهم ، وصراع الفئات والجماعات السنیة وتخبطها .

وختم بعامل عقیدة المهدیوقوة روایات آخر الزمان فی المذهب الشیعی .

ص: 108

«عن مسلم بن أبی حیة قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السّلام)فی خدمته ، فلما أردت أن أفارقه ودعته وقلت:أحب أن تزودنی ، فقال : إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع منی حدیثاً کثیراً ، فما رواه لک فاروه عنی » . (وسائل الشیعة:18/107).

«قال علی بن المسیب الهمدانی: قلت للرضا(علیه السّلام): شقتی بعیدة ولست أصل إلیک فی کل وقت ، فممن آخذ معالم دینی؟ قال: من زکریا بن آدم القمی المأمون علی الدین والدنیا . قال علی بن المسیب : فلما انصرفت قدمنا علی زکریا بن آدم ، فسألته عما احتجت إلیه » . (وسائل الشیعة:18/106).

وقال جمیل بن دراج: «سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: بشر المخبتین بالجنة: بَرید بن معاویة العجلی ، وأبو بصیر لیث بن البختری المرادی ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء ، أمناء الله علی حلاله وحرامه . لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست » . (وسائل الشیعة:18/108) .

«عن المفضل بن عمر ، أن أبا عبد الله(علیه السّلام)قال للفیض بن المختار فی حدیث : فإذا أردت حدیثنا فعلیک بهذا الجالس ، وأومأ إلی رجل من أصحابه ، فسألت أصحابنا عنه ، فقالوا: زرارة بن أعین ».(وسائل الشیعة:18/104).

«عن معاذ بن مسلم النحوی ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: بلغنی أنک تقعد فی الجامع فتفتی الناس؟ قلت : نعم وأردت أن أسألک عن ذلک قبل أن أخرج ، إنی أقعد فی المسجد فیجئ الرجل فیسألنی عن الشئ فإذا عرفته بالخلاف لکم أخبرته بما یفعلون،ویجئ الرجل أعرفه بمودتکم وحبکم فأخبره بما جاء عنکم، ویجئ الرجل لا أعرفه ولا أدری من هو فأقول: جاء عن فلان کذا وجاء عن

ص: 110

فلان کذا ، فأدخل قولکم فیما بین ذلک، فقال لی: إصنع کذا فإنی کذا أصنع». (وسائل الشیعة:18/107).

«عن محمد بن صالح الهمدانی قال: کتبت إلی صاحب الزمان(علیه السّلام): إن أهل بیتی یقرعونی بالحدیث الذی روی عن آبائک(علیهم السّلام) أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فکتب ، ویحکم ما تقرؤون ما قال الله تعالی: وَجَعَلْنَا بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بَارَکْنَا فِیهَا قُرًی ظَاهِرَةً، فنحن والله القری التی بارک فیها وأنتم القری الظاهرة » (وسائل الشیعة:18/110،وفی حدیث:والقری الظاهرة:الرسل ، والنقلة عنا إلی شیعتنا).

أقول: فی مدة القرنین ونصف التی تشرفت بحضور الأئمة(علیهم السّلام) وظهورهم ، کان من تلامیذهم فقهاءُ کبار مراجع لأهل مناطقهم . وفی زمن الغیبة الصغری للإمام(علیه السّلام)أجمع الشیعة علی وثاقة السفراء الأربعة وجلالتهم قدس الله أرواحهم ، ورأوا منهم الکرامات الظاهرة والمعجزات الباهرة .

وکان للشیعة فی عصر السفراء علماء کبار أیضاً ، خاصة فی الکوفة ، وبغداد وقم ، وکان السفراء أحیاناً یُرجعون الناس الیهم .

وقد أخبر الإمام المهدی(علیه السّلام)شیعته بغیبته الکبری وأرجعهم الی الفقهاء العدول الجامعی الشروط ، فی حدیثه المشهور: «أما ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک،إلی أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا ، فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله». (وسائل الشیعة:27/140).

ص: 111

أما مرجعیة الشیعة فقاومت، ووقف جمهورها معها ، متحملاً البأساء والضراء ، حتی خرجت منتصرة مرفوعة الرأس ، فی العراق ، وإیران ، ولبنان ، وأینما حل الشیعة .والسبب فی ذلک طبیعة المذهب الشیعی ، وأن تمویل المرجعیة شعبی من عطاءات الناس الطوعیة ، ولیس حکومیاً .

وکذا یعرف بالشیاع المفید للعلم . وکذا الأعلمیة تعرف بالعلم ، أو البینة غیر المعارضة ، أو الشیاع المفید للعلم ».

فالمکلف یبحث عن الفقیه الأعلم بسؤال العلماء الذین یثق بخبرتهم وتقواهم وعندما تتعارض الشهادات عنده یُرجِّح تقلید من یطمئن الیه أکثر ، أو یتخیر أحد الذین تدور بینهم الأعلمیة .

ویتمُّ التقید بأن ینوی الرجوع الی فلان المرجع فیما یحتاج الیه من أحکام ، ویأخذ رسالته العملیة لیعمل بفتواه فی صلاته وعباداته ومعاملاته ، ویرجع الیه أو الی وکیله عندما یلزمه ذلک .

وطبیعی أن تختلف قناعات الناس ، وینتج عنها تعدد المراجع الذین یرجع الیهم الشیعة ، ولا بأس بذلک فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، بل إن التعدد نوعٌ من ضمان الحریة ، مادام ناتجاً من اختیار الناس . والمرجع الذی یرجع الیه أکثریة الشیعة فی العالم یکون مرجع الشیعة البارز فی عصره ، والآخرون الی جنبه .

وینبغی التنبیه علی أن الفقهاء القائلین بولایة الفقیه والنافین لها ، متفقون علی أن من مهام المرجعیة وواجباتها: التوعیة الدینیة ، وتبلیغ الأحکام ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، والجهاد الدفاعی إذا تعرض بلد مسلم لخطر خارجی وأمکن مقاومة المحتل ، ونُصح الحاکم بما یحقق مصلحة شعبه .

فالخلاف بین الإتجاهین: فی العمل السیاسی والثورة لإقامة حکم إسلامی، وفی تسلم المرجع والعلماء للسلطة مباشرة ، أو بقائهم موجهین ناصحین فقط .

وقد بحث فقهاؤنا هذه مسائل ولایة الفقیه فی باب الإجتهاد والتقلید من الفقه الإستدلالی وفی مواضع أخری من الفقه .

قال المرجع المحقق النائینی(قدسّ سرّه): « لا إشکال فی ثبوت منصب القضاء والإفتاء للفقیه فی عصر الغیبة ، وهکذا ما یکون من توابع القضاء کأخذ المدعی به من المحکوم علیه ، وحبس الغریم المماطل ، والتصرف فی بعض الأمور الحسبیة ، کحفظ مال الغائب والصغیر ونحو ذلک . وإنما الإشکال فی ثبوت الولایة ».

(تقریرات أبحاثه- منیة الطالب فی شرح المکاسب للخوانساری:2/232).

وقال السید الخوئی(قدسّ سرّه)فی کتاب الاجتهاد والتقلید/419: «وقد ذکرنا فی الکلام علی ولایة الفقیه من کتاب المکاسب أن الأخبار المستدل بها علی الولایة المطلقة قاصرة السند أو الدلالة ، وتفصیل ذلک موکول إلی محله ، نعم یستفاد من الأخبار المعتبرة أن للفقیه ولایة فی موردین وهما الفتوی والقضاء ، وأما ولایته فی سائر الموارد فلم یدلنا علیها روایة تامة الدلالة والسند ».

ص: 115

وفی صراط النجاة من فتاوی المرجعین السید الخوئی والمیرزا التبریزی(قدسّ سرّه):1/10:

«سؤال 1: هل هناک إجماع من علمائنا المراجع المتقدمین والمتأخرین علی ولایة الفقیه؟ وضحوا لنا لیتبین لنا من سماحتکم حقیقة المسألة عند علمائنا الأعلام الذین أفتوا بولایة الفقیه فی عصر غیبة قائم آل محمد.

الخوئی: أما الولایة علی الأمور الحسبیة کحفظ أموال الغائب والیتیم ، إذا لم یکن من یتصدی لحفظها کالولی أو نحوه ، فهی ثابتة للفقیه الجامع للشرائط ، وکذا الموقوفات التی لیس لها متولٍّ من قبل الواقف ، والمرافعات فإن فصل الخصومة فیها بید الفقیه ، وأمثال ذلک ، وأما الزائد علی ذلک فالمشهور بین الفقهاء عدم الثبوت ، والله العالم .

التبریزی: ذهب بعض فقهائنا إلی أن الفقیه العادل الجامع للشرائط نائب من قبل الأئمة(علیهم السّلام) فی حال الغیبة فی جمیع ما للنیابة فیه مدخل .

والذی نقول به هو أن الولایة علی الأمور الحسبیة بنطاقها الواسع ، وهی کل ما علم أن الشارع یطلبه ولم یعین له مکلفاً خاصاً ، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد وتهیئة المعدات والإستعدادات للدفاع عنها ، فإنها ثابتة للفقیه الجامع للشرائط ، یرجع فی تفصیله إلی کتابنا ( إرشاد الطالب ) وکذا للفقیه القضاء فی المرافعات وفصل الخصومات. ».

وفی صراط النجاة:3/358: «س1096: ما هو المقصود من الأمور الحسبیة؟

ج: الأمور الحسبیة هی الأمور التی لابد من حصولها فی الخارج ، ولم یعین من یتوجه إلیه التکلیف بالخصوص ، کما لو مات شخص ولم ینصب قیماً علی

ص: 116

الطفل أو المجنون ، وکذا الحال فی مال الغائب ، والأوقاف والوصایا التی لاوصی لها وأمثال ذلک. فالقدر المتیقن للتصدی لها هو الفقیه الجامع للشرائط أو المأذون من قبله. هذا فیما کانت القاعدة فی ذلک عدم جواز التصرف ، کالأموال والأنفس والأعراض . وأما فیما کانت القاعدة جواز التصرف کالصلاة علی المیت الذی لاولی له فإنه لا یحتاج إلی إذن الفقیه ولذا نلتزم بکونه واجباً کفائیاً».

وقال السید الخمینی(قدسّ سرّه)فی کتاب الإجتهاد والتقلید/53: «المستفاد من المقبولة کما ذکرناه هو أن الحکومة مطلقاً للفقیه ، وقد جعلهم الإمام حکاماً علی الناس ، ولا یخفی أن جعل القاضی من شؤون الحاکم والسلطان فی الإسلام ، فجعل الحکومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة ، فالحکام علی الناس شأنهم نصب الأمراء والقضاة وغیرهما مما تحتاج إلیه الأمة..

فالقول بأن الأخبار فی مقام بیان وظیفتهم من حیث الأحکام الشرعیة والقضاء بین الناس ساقط.. وتخصیصها بالقضاء لا وجه له بعد عموم اللفظ ومطابقة الإعتبار ، والإنصراف لو کان فهو بَدْوی ، ینشأ من توهم کون مورد المقبولة هو القضاء ».

وقال السید الخامنئی فی أجوبة الإستفتاءات:1/23:«س64: ما هو تکلیفنا تجاه الأشخاص الذین لا یرون ولایة الفقیه العادل إلا فی الأمور الحسبیة فقط ؟ علماً بأن بعض ممثلیهم یشیعون ذلک أیضاً ؟

ص: 117

ج: ولایة الفقیه فی قیادة المجتمع وإدارة المسائل الإجتماعیة فی کل عصر وزمان من أرکان المذهب الحق الإثنی عشری ، ولها جذور فی أصل الإمامة .

ومن أوصله الإستدلال إلی عدم القول بها فهو معذور ، ولکن لا یجوز له بث التفرقة والخلاف ».

وقد أفتی أصحاب النافون لولایة الفقیه بأنها مسألة فقهیة محضة ، تخص مقلدی المرجع القائل بها ، ولا تشمل غیرهم .ففی صراط النجاة:3/336: «س 1255: ما هو الفارق الأساسی بین الأحکام الولائیة والأحکام الفتوائیة ؟

ج: الفتوی عبارة عن الحکم الکلی الفرعی المستنبط من أدلته ، وأما الحکم الولائی فهو لمن کانت له الولایة علی الأمر والنهی فی الأمور المباحة ، والله العالم . نقطة اول السطرس 1256: هل أن الأحکام یمکن أن تصدر من مطلق فقیه جامع للشرائط ، حتی لو لم یری ولایة الفقیه المطلقة ؟ نعم یمکن أن تصدر من غیر القائل بالولایة ، لیعمل بها من یقلد الفقیه القائل بها ، والله العالم .

س 1257: هل أن الحکم الولائی یجب تنفیذه علی کافة المسلمین حتی من لم یقلدوا الحاکم أم لا ؟

ج: یجب علی المکلف فی هذه المسألة ، کما فی سائر المسائل ، أن یرجع إلی مقلده الواجد لشرائط التقلید ، والله العالم » .

بینما أفتی أصحاب الإتجاه المثبت لولایة الفقیه ، بأنها ملزمة حتی لمن لایقول بها من الفقهاء ومقلدیهم ، فیجب علیهم جمیعاً طاعة الفقیه الولی.

ص: 118

قال السید الخامنئی فی أجوبة الإستفتاءات:1/23:« س 65: هل أوامر الولی الفقیه ملزمة لکل المسلمین أم لخصوص مقلدیه ؟ وهل یجب علی مقلد من لا یعتقد بالولایة المطلقة إطاعة الولی الفقیه أم لا ؟

ج: طبقاً للفقه الشیعی یجب علی کل المسلمین إطاعة الأوامر الولائیة الشرعیة الصادرة من ولی أمر المسلمین ، والتسلیم لأمره ونهیه حتی علی سائر الفقهاء العظام فکیف بمقلدیهم ! ولا نری الإلتزام بولایة الفقیه قابلاً للفصل عن الإلتزام بالإسلام وبولایة الأئمة المعصومین(علیهم السّلام) ».

وفی نفس المصدر:1/315: « س1025: قرأت فی أحد أجوبة سماحتکم عن الخمس أنه یدفع إلی ولی الخمس أو وکیله فی الأمور الحسبیة ، والسؤال هو: من هو المقصود من ولی الخمس هل هو مطلق المجتهد ، أم ولی أمر المسلمین ؟

ج: ولی الخمس هو ولی الأمر ، الذی له الولایة علی أمور المسلمین ».

ویتصور البعض أن هذین الإتجاهین یستوجبان الصراع بین الشیعة ، لأن من یقولون بولایة الفقیه یرون أن الفقیه المتصدی له ولایة علی جمیع المسلمین ، ویجب علی المراجع ومقلدیهم طاعته ، ویجب دفع الخمس الیه دون غیره .

بل یضیفون إن ولایة الفقیه متفرعة عن ولایة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) ، فهی لذلک مسألة عقائدیة ، ولیست فقهیة محضة ، کما یقول أصحاب الإتجاه الثانی .

لکن الفقهاء توصلوا عملیاً الی التعایش الأخوی بین أصحاب الإتجاهین ، فکل منهما یعذر الآخر فی اجتهاده ، وولی الفقیه یطاع فی البلد الذی یحکم فیه.

ص: 119

کما أن الفقیه ولی الأمر تعامل مع المقلدین لغیره بسعة صدر ، فهم یرجعون الی مراجعهم فیما یتعلق بولایة الفقیه ، ویدفعون الیهم الحقوق الشرعیة .

وکنموذج لذلک العلاقة الطیبة بین المرجعین السید السیستانی والسید القائد الخامنئی حفظهما الله ، والتی انعکست بین مقلدیهما، مع أن السید الخامنئی یقول بولایة الفقیه المطلقة ، والسید السیستانی لا یقول بها ، وقد أفتی بأن یحکم الشعب العراقی نفسه عن طریق الإنتخابات ، وأعطی الشرعیة لمن ینتخبه الشعب ، ونصح العلماء وطلبة العلم أن لایدخلوا فی الحکم ومؤسساته ، إلا بقدر الضرورة التشریعیة أحیاناً .

فالمرجع خبیر فی الشریعة الإسلامیة علی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) بل هو کبیر الخبراء وأعلم الفقهاء . والمیزان فیه علمه وتقواه بقطع النظر عن قومیته وبلده ، فکل عالم شیعی من أی بلد وقومیة وصل الی هذه المرتبة ، واستوفی بقیة الشروط تکون مرجعیة الشیعة من حقه بل من واجبه .

ومرجعیته لیست مدینة لدولة ولا لجهاز إعلام ، بل مدینة للإنسان الشیعی الذی اختاره مرجعاً له یأخذ منه الفتاوی والتوجیهات ، ویصرف حقوقه الشرعیة حسب فتواه وإجازته .

وبهذا فإن المرجعیة عند الشیعة شعبیة بالکامل ، تتم بانتخاب طبیعی .

علی زیارة قبره والتبرک به والصلاة والدعاء عنده ، وقد یقصد زیارته ماشیاً علی قدمیه مع زوجته وأطفاله ، لعشرات الکیلو مترات أو مئاتها .

وینظر الشیعی الی مراجعه وعلمائه باحترام وتقدیس ، أکثر من احترام بقیة المذاهب وتقدیسهم لکبار علمائهم، فهو یعظم المرجع ویبجله ، ویأخذ بفتواه وتوجیهه ، ویقبل یده ویتبرک به ، ویطلب منه أن یدعو له ، ویعتقد بأن برکة أهل البیت(علیهم السّلام) شملته لارتباطه القوی بهم . وکذلک ینظر الشیعی باحترام الی العلماء والخطباء والمؤلفین الذین یخدمون أهل البیت(علیهم السّلام) .

لکن تقدیسه للمراجع بسبب أنهم فقهاء أتقیاء ، یحملون علم الأئمة(علیهم السّلام) ویهتدون بهدیهم ، ویعلمونه فقههم وسیرتهم . ولیس بسبب أنهم بأنفسهم أئمة أو معصومون ، فالعصمة مختصة بالأربعة عشر(علیهم السّلام) وهم النبی وفاطمة والأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) ، ولا عصمة لغیرهم .فقد یخطئ المرجع ویناقشه مقلده !

بل لایصح عند الشیعی أن یقاس بالمعصومین(علیهم السّلام) غیرهم ، لأن المعصومین قمم سماویة وغیرهم مهما کبروا قمم أرضیة، ولا یقاس السماوی بالأرضی!

ویخطئ بعض الناس فیتصورون أن الشیعة یجعلون مراجعهم وعلماءهم معصومین کالأئمة(علیهم السّلام) ، بینما الفرق کبیر جداً فی عقیدة الشیعی ، بین المحترمین غیر المعصومین من العلماء والمراجع ، وبین المعصومین الأربعة عشر (علیهم السّلام) .

بل تری الشیعة ینتقدون الغلو الذی قد یرتکبه البعض فی حق العالم أو المرجع ، فیقولون له: إن عصمة غیر المعصوم یساوی سلب العصمة عن المعصوم !

ص: 122

کما أن هذا الطرح لایلبی الحاجة الی التقلید ، لأن المذهب الشیعی جعل اختیار المرجع من حق المکلف وواجبه ، ودور العلماء هو الشهادة بفقاهة هذا المرجع وعدالته وأعلمیته ، وتبقی المسألة متوقفة علی قناعة الإنسان الشیعی .

فلو شکل الشیعة مجلس علماء عالمی واختار هذا المجلس مرجعاً ، ثم لم یقتنع به الناس فی هذا البلد أو ذاک ، أو هذه القریة أو تلک ، واقتنعوا بأن فلاناً هو الأعلم والأفقه من المرجع الذی انتخبه المجلس العالمی ، فیجب علیهم أن یقلدوه، ولا یجوز لهم تقلید المرجع المنتخب !

ومعنی ذلک أنه سیکون للشیعة مرجع رسمی ، ومرجع آخر شعبی أو أکثر اختارهم الناس مقابله !

لذلک کان الواجب ترک المرجعیة لعملیة الإنتخاب الطبیعی ، فهی التی تضمن استقلالها عن السیاسة ، وتضمن حریة اختیار الإنسان الشیعی لمرجعه !

ومن هنا نتعرف علی أحد أهم امتیازات المرجعیة عند الشیعة ، وهو أن المذهب الشیعی ربطها باختیار المکلف ، بینما ربطتها مرجعیات المذاهب الأخری بتعیین الحاکم ، أو المجالس الواقعة تحت سیطرة الحاکم .

ص: 124

وعمدة مالیة المرجعیة الأخماس التی یدفعها الشیعة تطوعاً ،لأنها فریضة شرعیة ، وهی عشرون بالمئة مما زاد علی مصارف الإنسان الشیعی سنویاً.

والذین یؤدونها هم الشیعة المتدینون وهم قلة فی مجموع الشیعة فی العالم ، لکن أخماسهم تبلغ بضعة ملایین دولار سنویاً ، وتعطی الی وکلاء المرجع فی مناطقهم ، أو ترسل الی المرجع مباشرة ، وکثیراً ما یستجیز منه صاحب الخمس أو عالم المنطقة ، أن یصرف الخمس أو قسماً منه علی مصارفه فی منطقته .

کما یقوم المرجع بصرف ما یصله من الخمس فی مصارفه المحددة شرعاً ، وهی المحتاجون من السادة بنی هاشم أعزهم الله ، وحاجات الحوزات العلمیة من شؤون المدارس ، والمکتبات ، ومساعدات الطلبة ، والمبلغین ، والمساجد ، والحسینیات .

ص: 126

رجالات الفقه والحدیث ، منهم خاله علان ، وکان شیخ الشیعة فی وقته بالری ووجههم، ثم سکن بغداد فی درب السلسلة بباب الکوفة وحدث بها وقد انتهت إلیه رئاسة فقهاء الإمامیة فی أیام المقتدر .

وقد أدرک زمان سفراء المهدی(علیه السّلام)وجمع الحدیث من مشرعه ومورده ، وقد انفرد بتألیف کتاب الکافی فی أیامهم إذ سأله بعض رجال الشیعة أن یکون عنده کتاب کاف یجمع من جمیع فنون علم الدین ما یکتفی به المتعلم ویرجع إلیه المسترشد . وکان مجلسه مثابة أکابر العلماء الراحلین فی طلب العلم، یحضرون حلقته لمذاکرته ومفاوضته ، والتفقه علیه .

وکان(رحمه الله)عالماً متعمقاً محدثاً ثقة حجة عدلاً ، سدید القول ، یعدُّ من أفاضل حملة الأدب ، وفحول أهل العلم، وشیوخ رجال الفقه، وکبار أئمة الإسلام ، مضافاً إلی أنه من أبدال الزهادة والعبادة والمعرفة والتأله والإخلاص .

تآلیفه:1- کتاب تفسیر الرؤیا 2- کتاب الرجال 3- کتاب الرد علی القرامطة 4- کتاب الرسائل ، رسائل الأئمة(علیهم السّلام) 5- کتاب الکافی. 6- کتاب ما قیل فی الأئمة(علیهم السّلام) من الشعر

والکافی والحق أقول ، جؤنةٌ حافلة بأطائب الأخبار ونفیس الأعلاق ، من العلم والدین والشرائع والأحکام والسنن والآداب والآثار .

وتنمُّ مقدمة ذلک الکتاب القیم وطائفة من فقره التوضیحیة ، فی أثناء کل باب من الأبواب ، علی علو قدره فی صناعة الکتابة ، وارتفاع درجته فی الإنشاء ، ووقوفه علی سر العربیة ، وبسطته فی الفصاحة ، ومنزلته فی بلاغة الکلام .

ص: 129

وکان مع ذلک عارفاً بالتواریخ والطبقات صنف کتاب الرجال . کلمانیاً بارعاً ألف کتاب الرد علی القرامطة .

وأما عنایته بالآداب فمن أمارتها کتاباه: رسائل الأئمة(علیهم السّلام) وکتاب ما قیل فیهم من الشعر ، ولعل کتابه تفسیر الرؤیا خیر کتاب أخرج فی باب التعبیر.

روی الکلینی عمن لایتناهی کثرة من علماء أهل البیت(علیهم السّلام) ورجالهم ومحدثیهم، منهم:

1- أبو علی أحمد بن إدریس بن أحمد الأشعری القمی المتوفی سنة306. 2- أحمد بن عبد الله بن أمیة 3- أبو العباس ، أحمد بن محمد بن سعید بن عبد الرحمن الهمدانی المعروف بابن عقدة المتوفی سنة333 . 4- أبو عبد الله أحمد بن عاصم العاصمی الکوفی . 5- أبو جعفر أحمد بن محمد بن عیسی بن عبد الله بن سعد بن مالک بن الأحوص بن السائب بن مالک بن عامر الأشعری القمی 6- أحمد بن مهران 7- إسحاق بن یعقوب 8- الحسن بن خفیف 9- الحسن بن الفضل بن یزید الیمانی....

یروی عن الکلینی فئة کثیرة ، منهم:1- أبو عبد الله أحمد بن إبراهیم ، المعروف بابن أبی رافع الصیمری 2- أبو الحسین أحمد بن أحمد الکاتب الکوفی . 3- أبو الحسین أحمد بن علی بن سعید الکوفی..9- أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن جعفر الکاتب النعمانی ، المعروف بابن زینب ، کان خصیصاً به یکتب کتابه الکافی 10- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال الصفوانی ، نزیل بغداد کان تلمیذه الخاص به یکتب کتابه الکافی وأخذ عنه العلم والأدب وأجاز له فی قراءة الحدیث .

ص: 130

قال النجاشی : شیخ أصحابنا فی وقته بالری ووجههم ، وکان أوثق الناس فی الحدیث وأثبتهم . ونقل هذه الکلمة العلامة الحلی وابن داود . وقال الطوسی: ثقة ، عارف بالأخبار . وقال أیضاً:جلیل القدر عالم بالأخبار...

وقال ابن الأثیر: أبو جعفر محمد بن یعقو الرازی، الإمام علی مذهب أهل البیت ، عالم فی مذهبهم کبیر ، فاضل عندهم مشهور .وعده الطیبی من مجددی الأمة علی رأس تلک المائة: قال:ومن الفقهاء أبو جعفر الرازی الإمامی .

وقال ابن حجر: وکان من فقهاء الشیعة والمصنفین علی مذهبهم، من رؤساء فضلاء الشیعة فی أیام المقتدر .

. وقال الشیخ حسین بن عبد الصمد الحارثی الهمدانی : شیخ عصره فی وقته ، ووجه العلماء والنبلاء ، کان أوثق الناس فی الحدیث وأنقدهم له وأعرفهم به .

وقال القاضی الشوشتری: رئیس المحدثین الشیح الحافظ .

وقال محمد تقی المجلسی: والحق أنه لم یکن مثله فیما رأیناه فی علمائنا ، وکل من یتدبر فی أخباره وترتیب کتابه ، یعرف أنه کان مؤیداً من عند الله تبارک وتعالی ، جزاه الله عن الإسلام والمسلمین ، أفضل جزاء المحسنین .

وقال الشیخ أسد الله الشوشتری: ثقة الإسلام وقدوة الأنام وعلم الأعلام ، المقدم المعظم عند الخاص والعام، الشیخ أبی جعفر محمد بن یعقوب الکلینی .

وقد یسر الله له تألیف هذا الکتاب الکبیر فی عشرین سنة ، وقد سأله بعض الشیعة من البلدان النائیة تألیف کتاب الکافی لکونه بحضرة من یفاوضه

ص: 131

ویذاکره ممن یثق بعلمه. ویعتقد بعض العلماء أنه عُرض علی القائم صلوات الله علیه، فاستحسنه وقال: کاف لشیعتنا .

قال فی مقدمة الکافی: «وقلت ، إنک تحب أن یکون عندک کتاب کاف یجمع من جمیع فنون علم الدین ما یکتفی به المتعلم ویرجع إلیه المسترشد ، ویأخذ منه من یرید علم الدین ، والعمل به بالآثار الصحیحة عن الصادقین(علیهم السّلام) ».

فکتابه خلاصة آثار الصادقین(علیهم السّلام) وعیبة سننهم القائمة، وقد کان شیوخ أهل عصره یقرؤونه علیه ویروونه عنه ، سماعاًوإجازة ،کما قرؤوه علی تلمیذه أبی الحسین أحمد بن أحمد الکوفی الکاتب ، ورواه جماعة من أفاضل رجالات الشیعة عن طائفة من حملته ، ومن رواته الأقدمین: النجاشی والصدوق وابن قولویه والمرتضی والمفید والطوسی...وقد ظل حجة المتفقهین عصوراً طویلة ، ولا یزال موصول الإسناد والروایة ، مع تغیر الزمان وتبدل الدهور.

وقد اتفق أهل الإمامة وجمهور الشیعة ، علی تفضیل هذا الکتاب والأخذ به ، والثقة بخبره ، والإکتفاء بأحکامه ، وهم مجمعون علی الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره ، علی أنه القطب الذی علیه مدار روایات الثقات المعروفین بالضبط والإتقان إلی الیوم ، وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الأحادیث.

جمع فنون العلوم الإلهیة ، واحتوی علی الأصول والفروع ، وهو یزید علی ما فی الصحاح الستة ، عدا عن التأنی فی تألیفه الذی بلغ عشرین سنة.

ص: 132

توفی الکلینی(رحمه الله)ببغداد سنة 329 ، سنة تناثر النجوم، وعند الشیخ الطوسی سنة 328 ، وقال السید رضی الدین بن طاووس: وهذا الشیخ محمد بن یعقوب کانت حیاته فی زمن وکلاء المهدی(علیه السّلام): عثمان بن سعید العمری ، وولده أبی جعفر محمد وأبی القاسم حسین بن روح ، وعلی بن محمد السمری، وتوفی محمد بن یعقوب قبل وفاة علی بن محمد السمری ، لأن علی بن محمد السمری توفی فی شعبان سنة 329 ، وهذا محمد بن یعقوب الکلینی توفی ببغداد سنة 328.

ودفن بباب الکوفة بمقبرتها فی الجانب الغربی ، وکان ابن عبدون یعرف قبره ، قال:رأیت قبره فی صراة الطائی ، وعلیه لوح مکتوب فیه اسمه واسم أبیه ، وقد دُرس فی أواخر القرن الرابع الهجری ، وقبره الیوم قائم فی الجانب الشرقی ، علی شاطئ دجلة عند باب الجسر العتیق جسر المأمون الحالی بالقرب منه ، علی یسار الجائی من جهة المشرق ، وهو قاصد الکرخ. قال المیرزا عبد الله الأفندی: قبره ببغداد ، ولکن لیس فی المکان الذی یعرف الآن بقبره .

وقال محمد تقی المجلسی: قبره ببغداد فی مولوی خانه ، معروف بشیخ المشایخ ویزوره العامة والخاصة ، وسمعت من جماعه من أصحابنا ببغداد ، أنه قبر محمد بن یعقوب الکلینی ، وزرته هناک . وقال الشیخ یوسف البحرانی:وقبر هذا الشیخ الآن ، بل قبل هذا الزمان فی بغداد مزارٌ مشهور ، وعلیه قبة عالیة ».

ص: 133

منها ولدین فقیهین فولادته تکون نحو سنة306،ویکون مقامه مع والده ومع شیخه الکلینی فی الغیبة الصغری نیفاً وعشرین سنة ، لأن وفاتهما سنة 329، وهی السنة التی توفی فیها السمری آخر السفراء .

وکان الشیخ الصدوق(رحمه الله)یقول: کان أبو جعفر محمد بن علی الأسود رضی الله عنه کثیراً ما یقول إذا رآنی اختلف إلی مجالس شیخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید رضی الله عنه ، وأرغب فی کتب العلم وحفظه: لیس بعجب أن تکون لک هذه فی العلم وأنت ولدت بدعاء الإمام(علیه السّلام).

قال النجاشی المتوفی سنة450، فی رجاله: أبو جعفر القمی نزیل الری ، شیخنا وفقیهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وکان ورد بغداد سنة 355 ، وسمع منه شیوخ الطائفة وهو حدث السن ، وله کتب کثیرة .

وقال شیخ الطائفة المتوفی سنة 460 فی رجاله: جلیل القدر حَفَظَة ، بصیر بالفقه والأخبار والرجال . وقال فی الفهرست :جلیل القدر ، یکنی أبا جعفر ، کان جلیلاً حافظاً للأحادیث ، بصیراً بالرجال ، ناقداً للأخبار ، لم یر فی القمیین مثله فی حفظه وکثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنف .وقال ابن شهرآشوب المتوفی سنة 588، فی معالم العلماء: مبارز القمیین له نحو من ثلاث مائة مصنف.

وقال العلامة الحلی المتوفی سنة 726 فی الخلاصة: أبو جعفر نزیل الری ، شیخنا وفقیهنا ووجه الطائفة بخراسان ، ورد بغداد سنة355، وسمع منه شیوخ الطائفة وهو حدث السن ، کان جلیلاً حافظاً للأحادیث بصیراً بالرجال ، ناقداً

ص: 135

للأخبار ، لم یر فی القمیین مثله فی حفظه وکثرة علمه ، له نحو ثلاث مائة مصنف ، ذکرنا أکثرها فی کتابنا الکبیر. مات رضی الله عنه فی الری سنة 381 . نقطة

نهایة الفقرة

وقال الشیخ حسین بن عبد الصمد الحارثی المتوفی سنة 985، والد الشیخ البهائی: وأما کتاب مدینة العلم ومن لا یحضره الفقیه فهما للشیخ الجلیل النبیل أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی ، وکان هذا الشیخ جلیل القدر ، عظیم المنزلة فی الخاصة والعامة حافظاً للأحادیث ، بصیراً بالفقه والرجال والعلوم العقلیة والنقلیة ، ناقداً للأخبار ، شیخ الفرقة الناجیة وفقیهها ووجهها بخراسان وعراق العجم ، وله أیضاً کتب جلیلة ، لم یر فی عصره مثله فی حفظه وکثرة علمه . ورد بغداد سنة 355 ، وسمع منه شیوخ الطائفة وهو حدث السن ، ومات فی الری سنة381 » .

وقبره فی الری بالقرب من قبر السید عبد العظیم الحسنی رضی الله عنه ، وهو مزارٌ یرده الناس ویتبرکون به ، وقد جدد عمارة المرقد الشریف السلطان فتح علی شاه القاجاری حدود سنة 1238.

رحل الشیخ الصدوق فی طلب العلم لمختلف دیار الإسلام ، واجتمع خلال رحلاته مع مشیخة العلم والحدیث ، فقرأ علیهم وسمع منهم واستجازهم فی مختلف الفنون ، وأدناه قائمة بأسماء المشایخ مأخوذة من الکتب التی ترجمت للشیخ الصدوق.. (وعدد نحو مئتین من شیوخه، ومن تلامیذه نحو ثلاثین).

ص: 136

نشأ الشیخ الصدوق فی بیت علم وتربی فی أحضان فضیلة ، فقد کان أبوه علی بن الحسین بن موسی بن بابویه شیخ القمیین فی عصره ومتقدمهم وفقیههم وثقتهم . وعاش شیخنا الصدوق فی کنف أبیه وظل رعایته نیفاً وعشرین سنة ، ینهل من معارفه ویستمد من فیض علومه

ویقتبس من أخلاقه وآدابه. وکانت بلدة قم إحدی مراکز العلم یومئذ ، تعج بالعلماء وحملة الحدیث ، وکانت مهبط شیوخ الروایة ، یقصدونها من شتی دیار الإسلام.

وقد أکثر الشیخ الصدوق من مجالسة العلماء فی قم والسماع منهم والروایة عنهم ، أمثال الشیخ محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید ، وحمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زید بن علی ، وغیرهما.

وفی مثل هذه الأجواء ، بدت فی شیخنا الصدوق ملامح النبوغ والرقی ، وذلک بدعاء الإمام(علیه السّلام)، ولم تمض برهة حتی أصبح آیة فی الحفظ والذکاء ، ففاق أقرانه وطار صیته ، حتی أشیر إلیه بالبنان .

وکان عصر الصدوق(قدسّ سرّه)عصر حکم آل بویه الدیلمیین المعروفین بحسن خدمتهم لأهل العلم وإکرامهم وتبجیلهم، وقد حکموا من سنة 321- 447 وکانت الدولة العبیدیة الفاطمیة فی شمال أفریقیا (296- 567 ) والحمدانیة فی الموصل وبلاد الشام (333- 394).

غادر الصدوق(رحمه الله)بیئته وطاف البلاد ورحل إلی الأمصار ، وتتابعت أسفاره فی أمهات الحواضر العلمیة آنذاک ، واجتمع فی تلک الرحلات مع مشیخة العلم والحدیث ممن کانت تشد إلیهم الرحال لتحمُّل الروایة والعلم ، فقد سافر الی

ص: 137

الری حیث استدعاه رکن الدولة البویهی المتوفی سنة366، بطلب من أهالی البلد فلبی طلبهم وأقام هناک ، ویمکن تحدید هذه الفترة بین سنة 339 و 347، حیث روی بقم عن الشیخ حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زید بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) فی رجب سنة339 ، وحدث بالری عن الشیخ أبی الحسن محمد بن أحمد بن علی بن أسد الأسدی ، المعروف بابن جرادة البردعی ، فی رجب سنة 347 .

والتف حوله فی الری ذوو الفضل والعلم فأفاض علیهم من علومه ومعارفه ، وأخذ هو عن شیوخهم وعلمائهم ، حیث سمع من الشیخ ابن جرادة البردعی ، ویعقوب بن یوسف بن یعقوب ، وأحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل ، وأبی علی أحمد بن الحسن القطان ، وغیرهم .

وسافر الی خراسان ، قال(رحمه الله): لما استأذنت الأمیر السعید رکن الدولة فی زیارة مشهد الرضا(علیه السّلام)فأذن لی فی ذلک فی رجب من سنة352. والظاهر أن هذه أولی زیاراته لمشهد الإمام الرضا(علیه السّلام).

وله زیارة أخری فی سنة 367 حیث أملی بها المجلس (25) من کتاب الأمالی یوم الجمعة لثلاث عشرة لیلة بقین من ذی الحجة .

وأملی المجلس (26) یوم غدیر خم لاثنتی عشرة لیلة بقین من ذی الحجة من نفس السنة المذکورة ، ورجع من زیارته سنة 368، حیث أملی المجلس (27) فی یوم الجمعة غرة المحرم من سنة 368، بعد رجوعه من المشهد المقدس.

ص: 138

والظاهر أن له زیارة ثالثة لمشهد الإمام الرضا(علیه السّلام)، وذلک عند خروجه إلی بلاد ما وراء النهر ، حیث أملی فیه المجالس (94،95،96) یوم الثلاثاء والأربعاء والخمیس من (17-19) من شعبان سنة 368 .

وخلال طریقه إلی خراسان مرَّ باسترآباد وجرجان ، وسمع بهما من الشیخ أبی الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادی الخطیب ، ومن الشیخ أبی محمد القاسم بن محمد الاسترآبادی ، ومن الشیخ أبی محمد عبدوس بن علی بن العباس الجرجانی ، ومن الشیخ محمد بن علی الاسترآبادی.

وبعد منصرفه من زیارته لمشهد الرضا(علیه السّلام)أقام فی نیسابور مدة ، قال فی مقدمة کتابه کمال الدین: إنی لما قضیت وطری من زیارة علی بن موسی الرضا(علیه السّلام) صلوات الله علیه ، رجعت إلی نیسابور وأقمت بها فوجدت أکثر المختلفین إلی من الشیعة قد حیرتهم الغیبة، ودخلت علیهم فی أمر القائم(علیه السّلام)الشبهة ، وعدلوا عن طریق التسلیم إلی الآراء والمقاییس ، فجعلت أبذل مجهودی فی إرشادهم إلی الحق وردهم إلی الصواب بالأخبار الواردة فی ذلک عن النبی والأئمة صلوات الله علیهم . وحدث فی نیسابور عن کثیر من مشایخها ، منهم الشیخ أبو علی الحسین بن أحمد البیهقی حدثه بداره فیها ، والشیخ عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النیسابوری ، والشیخ أبو منصور أحمد بن إبراهیم بن بکر الخوزی ، والشیخ أبو سعید محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذکر النیسابوری المعروف بأبی سعید المعلم، والشیخ أبو الطیب الحسین بن أحمد بن محمد

ص: 139

الرازی، والشیخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزی ، والشیخ أبو نصر أحمد بن الحسین بن أحمد الضبی المروانی النیسابوری . وغیرهم.

ومرَّ أیضاً بمرو الروذ وأخذ عن جماعة ، منهم الشیخ محمد بن علی المرو الروذی ، والشیخ أبو یوسف رافع بن عبد الله بن عبد الملک .وورد سرخس أیضاً وحدث بها عن الشیخ أبی نصر محمد بن أحمد بن تمیم السرخسی الفقیه.

وسافر إلی بغداد سنة352، وسمع منه جملة من شیوخها وحدث بها .

وورد بغداد سنة 355، أیضاً کما فی رجال النجاشی ، والظاهر أنه وردها بعد منصرفه من الحج حیث أقام بها وسمع من شیوخها ، منهم الشیخ أبو محمد الحسن بن محمد بن یحیی الحسینی العلوی المعروف بابن أبی طاهر ، والشیخ إبراهیم بن هارون الهیتی ، وغیرهما .

وتشرف شیخنا(رحمه الله)بحج بیت الله الحرام سنة354، وزار قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقبور أهل البیت(علیهم السّلام) . وفی طریقه إلی الحج ورد الکوفة سنة354 ، وسمع بمسجدها من جماعة کالشیخ محمد بن بکران النقاش ، والشیخ أحمد بن إبراهیم بن هارون الفامی ، والشیخ الحسن بن محمد بن سعید الهاشمی ، والشیخ أبی الحسن علی بن عیسی المجاور ، وحدث بالکوفة أیضاً عن الشیخ أبی ذر یحیی بن زید بن العباس بن الولید البزاز ، والشیخ أبی القاسم الحسن بن محمد السکونی المذکر الکوفی ، وسمع من الشیخ أبی الحسن علی بن الحسین بن سفیان بن یعقوب بن الحارث بن إبراهیم الهمدانی فی منزله بالکوفة.

ص: 140

وبعد منصرفه من بیت الله الحرام ورد فِید (بین الکوفة والمدینة) وحدث بها عن الشیخ أبی علی أحمد بن أبی جعفر البیهقی، وورد همدان بعد منصرفه من الحج أیضاً سنة354، وحدث بها وسمع من شیوخها ، منهم الشیخ أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدویه السراج الزاهد الهمدانی ، وأجازه بها الشیخ أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الکندی الهمدانی ، ومحمد بن الفضل بن زیدویه الجلاب الهمدانی .

وسافر الی بلاد ما وراء النهربعد زیارته الثالثة لمشهد الرضا(علیه السّلام)سنة 368 ، حیث أملی المجلس (94) یوم الثلاثاء السابع عشر من شعبان سنة 368، فی مشهد الإمام الرضا(علیه السّلام)عند خروجه إلی دیار ما وراء النهر.

وقد رحل إلی إیلاق وبلخ وسمرقند وفرغانة ، وفی مدة إقامته بإیلاق اجتمع بالشریف أبی عبد الله محمد بن الحسن الموسوی المعروف بنعمة،ووقف الشریف نعمة علی جملة مصنفات الشیخ الصدوق والبالغة آنذاک (245)کتاباً ، وقد نسخ وسمع منه أکثرها ورواها عنه ، وسأله أن یصنف له کتاباً فی الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحکام ، ویسمیه ( من لا یحضره الفقیه) فأجابه الشیخ الصدوق وصنفه له، قال فی مقدمته: لما ساقنی القضاء إلی بلاد الغربة وحصلنی القدر منها بأرض بلخ من قصبة إیلاق ، وردها الشریف الدین أبو عبد الله المعروف بنعمة ، وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسین بن إسحاق بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب (علیهم السّلام) ، فدام بمجالسته سروری ، وانشرح بمذاکرته صدری ، وعظم بمودته

ص: 141

تشرفی ، لأخلاق قد جمعها إلی شرفه ، من ستر وصلاح وسکینة ووقار ، ودیانة وعفاف ، وتقوی وإخبات ، فذاکرنی بکتاب صنفه محمد بن زکریا المتطبب الرازی ، وترجمه بکتاب (من لا یحضره الطبیب ) وذکر أنه شاف فی معناه ، وسألنی أن أصنف له کتاباً فی الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحکام ، موفیاً علی جمیع ما صنفت فی معناه ، وأترجمه بکتاب ( من لا یحضره الفقیه ) لیکون إلیه مرجعه ، وعلیه معتمده وبه أخذه ، ویشترک فی أجره من ینظر فیه وینسخه ویعمل بمودعه ، هذا مع نسخه لأکثر ما صحبنی من مصنفاتی ، وسماعه لها وروایتها عنی ووقوفه علی جملتها ، وهی مائتا کتاب وخمسة وأربعون کتاباً ، فأجبته أدام الله توفیقه إلی ذلک ، لأنی وجدته أهلاً له ، وصنفت له هذا الکتاب .

وروی بإیلاق عن الشیخ أبی الحسن محمد بن عمرو بن علی بن عبد الله البصری، والشیخ أبی نصر محمد بن الحسن بن إبراهیم الکرخی الکاتب ، والشیخ أبی محمد بکر بن علی بن محمد بن الفضل الحنفی الشاشی الحاکم، والشیخ أبی الحسن علی بن عبد الله بن أحمد الأسواری وغیرهم. وسمع من مشایخ بلخ أیضاً ، منهم الشیخ أبو عبد الله الحسین بن محمد الأشنانی الرازی العدل ، والشیخ أبو عبد الله الحسین بن أحمد الاسترآبادی العدل ، والشیخ أبو علی الحسن بن علی بن محمد بن علی بن عمرو العطار ، والشیخ أبو القاسم عبد الله بن أحمد الفقیه ، والشیخ طاهر بن محمد بن یونس بن حیاة الفقیه ، والشیخ

ص: 142

أبو الحسن محمد بن سعید بن عزیز السمرقندی الفقیه ، والحاکم أبو حامد أحمد بن الحسین بن الحسن بن علی وغیرهم .

وحدثه بسمرقند أبو محمد عبدوس بن علی بن العباس الجرجانی ، والشیخ أبو أسد عبد الصمد بن شهید الأنصاری وغیرهما. وحدثه بفرغانة الشیخ تمیم بن عبد الله بن تمیم القرشی ، والشیخ أبو أحمد محمد بن جعفر البندار الشافعی الفرغانی ، والشیخ إسماعیل بن منصور بن أحمد القصار ، والشیخ أبو محمد محمد بن أبی عبد الله الشافعی وغیرهم .

تدل الکتب التی أثبتها النجاشی أنه کان یجیب علی مسائل ورسائل ترده من مختلف الأطراف والبلدان ، وأن مرجعیته فی الفتیا والأحکام کانت ممتدة فی حواضر إسلامیة مختلفة . قال أبو العباس النجاشی: وله کتب

کثیرة منها: کتاب جوابات المسائل الواردة علیه من واسط ، کتاب جوابات المسائل الواردة علیه من قزوین ، کتاب جوابات مسائل وردت من مصر ، کتاب جوابات مسائل وردت من البصرة ، کتاب جوابات مسائل وردت من الکوفة ، جواب مسألة وردت علیه من المدائن فی الطلاق ، کتاب جواب مسألة نیسابور ، کتاب رسالته إلی أبی محمد الفارسی فی شهر رمضان ، کتاب الرسالة الثانیة إلی أهل بغداد فی شهر رمضان، وله أیضاً رسالة فی الغیبة إلی أهل الری والمقیمین بها.

صنف الشیخ الصدوق(رحمه الله)فی شتی فنون العلم وأنواعه ، وکان غزیر التألیف حتی قال الشیخ الطوسی فی الفهرست: له نحو من ثلاث مائة مصنف ،

ص: 143

وفهرست کتبه معروف وعد منها40 کتاباً ، وذکر ذلک ابن شهرآشوب فی معالم العلماء، وعد منها59 کتاباً ، وقال النجاشی: له کتب کثیرة وعد منها نحو 197 کتاباً.وعندما سافر الی بلاد ما وراء النهر کان معه من مصنفاته 245 کتاباً.

وفیما یلی قائمة بأسماء مؤلفاته حسب الحروف مع الإشارة إلی المطبوع منها وهو الأقل، جمعناها من مصادر ترجمته سیما ما ذکره النجاشی والشیخ الطوسی وابن شهرآشوب ، والشیخ آقا بزرک فی الذریعة:

1- إبطال الإختیار وإثبات النص. 2- إبطال الغلو والتقصیر.3- إثبات الخلافة لأمیر المؤمنین(علیه السّلام).4- إثبات النص علی الأئمة(علیهم السّلام) 5- إثبات النص علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام) 6- إثبات الوصیة لعلی(علیه السّلام) 7- أخبار أبی ذر الغفاری رضی الله عنه. 8- أخبار سلمان رضی الله عنه وزهده وفضائله . 9- أدعیة الموقف 10- الإستسقاء . 11- الإعتقادات ویسمی أیضاً: دین الإمامیة ، وهو مطبوع. 12- الإعتکاف . 13- الأغسال . 14- الأمالی وهو المعروف بالمجالس وهو مطبوع . 15- الإمامة . 16- امتحان المجالس . 17- الإنابة . 18- الأوائل . 19- الأواخر . 20- الأوامر . 21- أوصاف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 22- التاریخ . 23- التجارات . 24- التعریف . 25- تفسیر القرآن . 26- تفسیر قصیدة فی أهل البیت(علیهم السّلام) 27- التقیة 28- التیمم . 29- ثواب الأعمال وهو مطبوع .30- جامع آداب المسافر للحج.31- جامع أخبار عبد العظیم بن عبد الله الحسنی . 32- جامع التفسیر المنزل فی الحج . 33- جامع الحج . 34- جامع حجج الأئمة(علیهم السّلام) 35- جامع حجج الأنبیاء(علیهم السّلام) 36- جامع زیارة الرضا(علیه السّلام) 30 › 37- جامع علل الحج . 38- جامع فرض الحج والعمرة . 39- جامع فضل الکعبة والحرم . 40- جامع فقه الحج . 41- جامع نوادر الحج 42- الجزیة فی الفقه . 43- الجمعة والجماعة . 44- الجمل . 45- جواب رسالة وردت فی شهر رمضان . 46- جواب مسألة وردت علیه من المدائن فی الطلاق 47- جواب مسألة نیسابور . 48- جوابات مسائل وردت علیه من البصرة . 49- جوابات المسائل الواردة من

ص: 144

قزوین . 50- جوابات مسائل وردت من الکوفة . 51- جوابات مسائل وردت علیه من

مصر . 52- جوابات المسائل الواردة علیه من واسط . 53- حجج الأئمة(علیه السّلام) 54- الحدود . 55- الحذاء والخف . 56- حذو النعل بالنعل.57- حق الجداد . 58- الحیض والنفاس . 59- الخصال وهو مطبوع.60- الخطاب.61- خلق الإنسان .62- الخمس. 63- الخواتیم.64- دعائم الإسلام فی معرفة الحلال والحرام . 65- دعائم الإعتقاد . 66- دلائل الأئمة(علیهم السّلام) .67- الدیات.68- دین الإمامیة ، وهو کتاب الإعتقادات المتقدم.69- ذکر المجلس الذی جری له بین یدی رکن الدولة.70- ذکر مجلس آخر.71- ذکر مجلس ثالث.72- ذکر مجلس رابع.73- ذکر مجلس خامس.74- الرجال.75- الرجال المختارین من أصحاب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 76- الرجعة.77- الرسالة الأولی فی الغیبة إلی أهل الری والمقیمین بها وغیرهم.78- الرسالة الثانیة فی الغیبة.79- الرسالة الثالثة فی الغیبة.80- الرسالة الأولی فی شهر رمضان ، کتبها إلی أبی محمد الفارسی فی جواب رسالته إلیه.81- الرسالة الثانیة إلی أهل بغداد فی معنی شهر رمضان.82- الرسالة الثالثة فی شهر رمضان.83- رسالة فی أرکان الإسلام.84- الروضة فی الفضائل.85- الزکاة.86- زهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).87- زهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام) 88- زهد فاطمة (علیهاالسّلام).89- زهد الحسن(علیه السّلام) 90- زهد الحسین (علیه السّلام).91- زهد علی بن الحسین(علیهماالسّلام). 92- زهد أبی جعفر (علیه السّلام).93- زهد الصادق(علیه السّلام).94- زهد أبی إبراهیم (علیه السّلام).95- زهد الرضا (علیه السّلام).96- زهد أبی جعفر الثانی (علیه السّلام)97- زهد أبی الحسن علی بن محمد(علیه السّلام).98- زهد أبی محمد الحسن بن علی(علیه السّلام)99- زیارات قبور الأئمة(علیهم السّلام) 100- السر المکتوم إلی الوقت المعلوم.101- السکنی والعمری.102- السلطان.103- السنة.104- السهو.105- السواک.106 الشعر.107- الشوری .108- الصدقة والنحلة والهبة.109- صفات الشیعة ، وهو مطبوع.110- صلاة الحاجات.111- الصلوات سوی الخمس.112- الصوم.113- الضیافة.114- الطرائف.115- العتق والتدبیر والمکاتبة. 116- عقاب الأعمال ، وهو

ص: 145

مطبوع.117- علامات آخر الزمان.118- العلل.119- علل الحج.120- علل الشرائع وهو مطبوع.121- عیون أخبار الرضا (علیه السّلام) ، مطبوع

122- غریب حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة(علیهم السّلام) 123- الغیبة ، وهو کمال الدین الآتی.124- فرائض الصلاة.125- الفرق.126- الفضائل.127- فضائل الأشهر الثلاثة ، وهو ثلاثة کتب : کتاب فضائل شهر رجب ، وکتاب فضائل شهر شعبان ، وکتاب فضائل شهر رمضان ، وهو مطبوع.128- فضائل جعفر الطیار(علیه السّلام).129- فضائل الشیعة.130- فضائل الصلاة.131- فضائل العلویة.132- فضل الحسن والحسین(علیهماالسّلام).133- فضل الصدقة.134- فضل العلم.135- فضل المساجد.136- فضل المعروف.137- الفطرة.138- فقه الصلاة.139- الفوائد.140- القربان.141- القضاء والاحکام.142- کتاب فی تحریم الفقاع.143- کتاب فیه ذکر من لقیه من أصحاب الحدیث ، وعن کل واحد منهم حدیث . 144- کتاب فی زید بن علی (علیه السّلام).145- کتاب فی زیارة موسی ومحمد(علیهماالسّلام). 146- کتاب فی عبد المطلب وعبد الله وأبی طالب وآمنة بنت وهب 147- کمال الدین وتمام النعمة ، وهو مطبوع. 148- اللباس.149- اللعان.150- اللقاء والسلام.151- المتعة. 152- المحافل.153- المختار بن أبی عبیدة الثقفی.154- مختصر تفسیر القرآن.155- مدینة العلم.156- المدینة وزیارة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) 157- المرشد .58- المسائل.أ- مسائل الوضوء . ب- مسائل الصلاة . ج- مسائل الزکاة . د- مسائل الخمس . ه- مسائل الحج . و- مسائل الوقف . ز- مسائل النکاح . ح- مسائل العقیقة . ط- مسائل الرضاع . ی- مسائل الطلاق . ک- مسائل الوصایا . ل- مسائل المواریث . م- مسائل الحدود . ن- مسائل الدیات . 159- مصادقة الإخوان.160- المصابیح ، وهی عدة کتب فی الرجال حسب الطبقات علی الترتیب الآتی: أ- المصباح الأول ذکر من روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الرجال . ب- المصباح الثانی ، ذکر من روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من النساء.ج- المصباح الثالث ، ذکر من روی عن أمیر المؤمنین (علیه السّلام).د- المصباح

ص: 146

الرابع ، ذکر من روی عن فاطمة(علیهاالسّلام). ه- المصباح الخامس ، ذکر من روی عن أبی محمد الحسن بن علی(علیه السّلام).و- المصباح السادس ، ذکر من روی عن أبی عبد الله الحسین بن علی(علیه السّلام) ز- المصباح السابع ، ذکر من روی عن علی بن الحسین(علیه السّلام) ح- المصباح الثامن ، ذکر من روی عن أبی جعفر محمد بن علی(علیه السّلام) ث- المصباح التاسع ، ذکر من روی عن أبی عبد الله الصادق (علیه السّلام) . ی- المصباح العاشر ، ذکر من روی عن موسی بن جعفر(علیه السّلام) ک- المصباح الحادی عشر ، ذکر من روی عن أبی الحسن الرضا (علیه السّلام). ل- المصباح الثانی عشر ، ذکر من روی عن أبی جعفر الثانی (علیه السّلام) . م- المصباح الثالث عشر ، ذکر من روی عن أبی الحسن علی بن محمد(علیه السّلام) ن- المصباح الرابع عشر ، ذکر من روی عن أبی محمد الحسن بن علی(علیه السّلام). س- المصباح الخامس عشر ، ذکر الرجال الذین خرجت إلیهم التوقیعات.161- مصباح المصلی.162- معانی الأخبار ، وهو مطبوع.163- المعایش والمکاسب.164- المعراج.165- المعرفة بالفضائل ، فی فضل النبی وأمیر المؤمنین والحسن والحسین(علیهم السّلام) .166- المعرفة برجال البرقی.167- مقتل الحسین (علیه السّلام).168- المقنع فی الفقه وهو مطبوع . 169- الملاهی.170- المناهی.171- من لا یحضره الفقیه ، وهو أحد الأصول الأربعة التی علیها مدار الشیعة ومعول علمائنا فی أخذ الأحکام وهو مطبوع . 172- المواریث فی الفقه.173- المواعظ والحکم.174- مواقیت الصلاة.175- الموالاة.176- مولد أمیر المؤمنین (علیه السّلام).177- مولد فاطمة(علیهاالسّلام) 178- المیاه.179- الناسخ والمنسوخ.180- النبوة.181- النص182- النکاح.183- النهج.184- نوادر الصلاة.185- نوادر الطب.186- نوادر الفضائل.187- نوادر النوادر.188- نوادر الوضوء.189- الهدایة فی الفقه 190- الوصایا. 191- الوضوء.192- الوقف ».

أقول:هذه خلاصة ترجمة الصدوق(قدسّ سرّه)من مقدمة الأمالی ، وله ترجمات فی مقدمات کتبه ، للسید محمد صادق بحر العلوم ، والسید محمد مهدی الخرسان

ص: 147

فیها فروقات فی التفصیل ، ومن أوسعها ترجمةلجنة التحقیق التابعة لمؤسسة الإمام الهادی(علیه السّلام)فی مقدمة کتابه الهدایة، وقد عدَّدوا من کتبه231 کتاباً ، وقالوا: «ما یبعث علی الأسف إنه لم یصل إلینا إلا النزر الیسیر من بین هذا العدد الکبیر من مؤلفات الصدوق(رحمه الله) التی تقدمت الإشارة إلیها ، فقد أتت ید الزمان علی معظمها لتحرمنا منها ، حتی أن مدینة العلم هذا السفر العظیم الذی کان یعد خامس الکتب الأربعة قد فقد وضاعت علینا أخباره!

قال المولی المجلسی(رحمه الله): ولم یبق من کتبه ظاهراً عندنا إلا کتاب إکمال الدین وکتاب عیون أخبار الرضا(علیه السّلام)وکتاب علل الشرائع والأحکام وکتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال وکتاب معانی الأخبار وکتاب الخصال وکتاب النصوص علی الأئمة الإثنی الإثنی عشر(علیهم السّلام) ، وکتاب التوحید ، وکتاب المقنع فی الفقه وکتاب الهدایة فی الفقه، وکتاب الإعتقادات ، وکتاب من لا یحضره الفقیه.

وجاء فی/192: «کتاب مدینة العلم ذکره النجاشی . وقال الشیخ: وکتاب مدینة العلم أکبر من:مَن لا یحضره الفقیه ! وقال ابن شهرآشوب: مدینة العلم عشرة أجزاء . وقال العلامة الطهرانی:کتاب مدینة العلم هو خامس الأصول الأربعة القدیمة للشیعة الإمامیة الاثنی عشریة . قال الشیخ حسین بن عبد الصمد الحارثی فی درایته: وأصولنا الخمسة الکافی ومدینة العلم وکتاب من لا یحضره الفقیه والتهذیب والإستبصار ، بل هو أکبر من کتاب من لا یحضره الفقیه فالأسف علی ضیاع هذه النعمة العظمی من بین أظهرنا وأیدینا ، من لدن عصر والد الشیخ البهائی . إن العلامة المجلسی صرف أموالاً جزیلة فی طلبه

ص: 148

وما ظفر به ، وکذا حجة الإسلام الشفتی بذل من الأموال ولم یفز بلقائه ، نعم ینقل عنه

السید علی بن طاووس فی فلاح السائل وغیره .

وجاء فی هذه الترجمة/202: « کتاب النبوة ، ذکره الصدوق والنجاشی وکذا ابن شهرآشوب وقال إنه تسعة أجزاء. قال الصدوق فی الفقیه:1/179 ذیل ح3: وقد أخرجت الخبر فی ذلک علی وجهه فی کتاب النبوة ، و:2 / 149 ذیل ح 6: لم أحب تطویل هذا الکتاب بذکر القصص ، وقد ذکرت القصص مشروحة فی کتاب النبوة .

وفی التوحید/288 ذیل ح 4:وقد أخرجته بتمامه فی آخر أجزاء کتاب النبوة ، وفی/316 ذیل ح 3: وقد أخرجته بتمامه فی آخر کتاب النبوة ، وفی الخصال/280 ذیل ح 25: وقد أخرجته بتمامه فی آخر الجزء الرابع من کتاب النبوة ، وفی العلل/ 44 والخصال/60 ذیل ح 80 و/492 ذیل ح70.الخ. وقال العلامة الطهرانی: ینقل عنه جمال الدین یوسف بن حاتم الفقیه الشامی تلمیذ المحقق الحلی، وینقل عنه أیضاً ابن طاووس فی الدر النظیم والإقبال.

وجاء فی الترجمة المذکورة /230، عن کتاب سبیل الرشاد/20: « أما المقربون فلا یبلی جسدهم کما شاهدت ذلک فی جسد الصدوق محمد بن علی بن بابویه القمی رضی الله عنهما ، المدفون فی أرض ری فی سرداب ، دخلت السرداب بعد مضی سنوات قریبة من عشرة من ظهور جسده الطیب الطاهر ، فشاهدته کإنسان حی تام الأعضاء بلا نقص وفساد وبلاء ، نائم مستلقیاً..قال المحدث القمی فی تتمة المنتهی/321: خلال القرون المتأخرة ، وبحدود سنة 1238حصلت ثغرة فی قبره الشریف وقد شاهد الناس ومنهم العلماء وذوی البصائر وغیرهم جسده الطاهر طریاً ، وهذا الأمر لیس مجرد مشهور فحسب بل هو مقطوع فی صحته ».

ص: 149

إمام مِنَّة! کان نشیطاً للبحث والمناظرة ، صبوراً علی الخصم ، وکان یناظر أهل کل عقیدة فلا یدرک شأوه ، ولم یکن فی زمانه من یدانیه أو یضاهیه فی هذا المضمار ، حتی جعل المخالفین فی ضیق شدید بقوة حجته وتأثیر کلامه فی الناس الذین راحوا یتهافتون لولوج باب السعادة والفوز ، وسلوک نهج واحد أصیل وواضح ، ألا وهو نهج آل البیت(علیهم السّلام) مما أثار حفیظة بعض المتعصبین الذین کان دأبهم الإنتصار لأنفسهم ، فجانبوا الإنصاف بحق من خالفهم وإن کان محقاً دونهم، کابن العماد الحنبلی والیافعی والخطیب البغدادی ، الذین راحوا یعلنون فرحهم وسرورهم بوفاة هذا المصلح العظیم ، ناسین جلیل قدره ، فقالوا: هلک به خلق من الناس إلی أن أرواح الله المسلمین منه !

کان شدیداً علی أهل البدع والأهواء وحملة الأفکار المنحرفة ، وکان بعضهم یتفادی مناظرته ویخشی حجاجه ، وله مع البعض الآخر کالقاضی عبد الجبار المعتزلی ، والقاضی أبی بکر الباقلانی رئیس الأشاعرة ، مناظرات کثیرة ، رواها تلامذته ، وحفلت بها کتبه کالعیون والمحاسن .

وکتب أکثر من خمسین کتاباً ورسالة فی الرد علیهم وتفنید آرائهم، ومن أقطابهم: الجاحظ ، ابن عباد ، ابن قتیبة ، ثعلب ، الجبائی ، أبو عبد الله البصری ابن کلاب القطان من رؤساء الحشویة ، الخالدی ، النفسی ، النصیبی ، الکرابیسی ، ابن رشید ، ابن الإخشید ، الحلاج ، وغیرهم ، ألزمهم فیها الحجة بالمنطق والدلیل الذی لا ینقض.

ص: 151

کما خص الإمامة وما یتفرع عنها من بحوث عقائدیة وکلامیة بمجموعة من مصنفاته القیمة ، ککتاب الإفصاح فی إثبات إمامة أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

قال فی دیباجته: إنی بمشیئة الله وتوفیقه مثبت فی هذا الکتاب جملاً من القول فی الإمامة یُستغنی ببیانها عن التفصیل ، ومعتمد فی إیضاحها علی موجز یغنی عن التطویل وراسم فی أصول ذلک رسوماً یصل بها إلی فروعها ذوو التحصیل.

وقال فی خاتمته: قد أثبت فی هذا الکتاب جمیع ما یتعلق به أهل الخلاف فی إمامة أئمتهم ، من تأویل القرآن والإجماع...

وقد أورد فی الإفصاح أدلة علماء العامة علی صحة إمامة أئمتهم ، وآراء المتکلمین والمفسرین وأصحاب المذاهب المتعددة ، ثم أجاب عنها بفهم قوی ، ونظر دقیق ، وأسلوب جمیل ، مبیناً ضعفها ، مستشهداً فی جمیع ذلک بکثیر من الآیات القرآنیة، مستعیناً بطریقی النقل الصحیح المتواتر المتفق علیه والعقل .

کما تعرض فی هذا الکتاب لآراء أبرز الفرق کالسنة والمعتزلة والحشویة والخوارج وحججهم فیما بینهم ، مؤکداً قدرته وتفوقه وسعة اطلاعه ».

وفی أعیان الشیعة(9/420) ملخصاً: « انحدر به أبوه وهو صبی إلی بغداد ، حاضرة العلم ومهوی أفئدة المتعلمین.. ویحدثنا المفید عن زیارته الأولی للرمانی فیقول: دخلت علیه والمجلس غاص بأهله ، وقعدت حیث إنتهی بی المجلس ، فلما خف الناس قربت منه فدخل علیه داخل وطال الحدیث بینهما ، فقال الرجل لعلی بن عیسی: ما تقول فی یوم الغدیر والغار؟ فقال: أما خبر الغار فدرایة وأما خبر الغدیر فروایة ، والروایة لا توجب ما توجبه الدرایة ،

ص: 152

وانصرف. فقلت: أیها الشیخ مسألة؟ فقال هات مسألتک ، فقلت:ما تقول فیمن قاتل الإمام العادل ؟ قال: یکون کافراً ، ثم استدرک فقال: فاسق، فقلت: ما تقول فی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)؟ قال: إمام ، قلت: ما تقول فی یوم الجمل وطلحة والزبیر؟ فقال : تابا ، فقلت: أما خبر الجمل فدرایة وأما خبر التوبة فروایة ، فقال لی: کنت حاضراً وقد سألنی البصری ؟ فقلت: نعم ، روایة بروایة ودرایة بدرایة !

فقال بمن تعرف وعلی من تقرأ ؟ قلت: أعرف بابن المعلم وأقرأ علی الشیخ أبی عبد الله الجُعَل ، فقال: موضعک ، ودخل منزله وخرج ومعه ورقة قد کتبها وألصقها فقال لی : أوصل هذه الرقعة إلی أبی عبد الله ، فجئت بها الیه فقرأها ولم یزل یضحک بینه وبین نفسه ، ثم قال: ألیس جری لک فی مجلسه فقد وصانی بک ولقبک المفید ، فذکرت المجلس بقصته.

قال السید هبة الشهرستانی: هو نابغة العراق ونادرة الآفاق ، غرة المصلحین أستاذ المحققین ، رکن النهضة العلمیة فی المائة الرابعة الهجریة ، آیة الله فی العوالم معلم الأعاظم ، وابن المعلم .

وله مباحثات وحکایات طریفة أفرد لها المرتضی کتاباً ، منها أن أبا بکر الباقلانی قال له بعد مناظرة جرت بینهما وأفحمه فیها المفید: لک أیها الشیخ فی کل قدر مغرفة ! فقال المفید: نعم ما تمثلت به أیها القاضی من أداة أبیک ! فضحک الحاضرون وخجل القاضی . یقصد(رحمه الله)قدر

الباقلاء ومغرفة !

ص: 153

وجاء فی ترجمته فی مقدمة کتابه: المقنعة ، ملخصاً: «أول من ذکره من أرباب الفهارس معاصره محمد بن إسحاق الندیم توفی 385 ، قال: ابن المعلم أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، فی عصرنا انتهت إلیه رئاسة متکلمی الشیعة ، مقدم فی صناعة الکلام علی مذهب أصحابه ، دقیق الفطنة ، ماضی الخاطر ، شاهدته فرأیته بارعاً وله من الکتب..

وقال تلمیذه الشیخ الطوسی فی کتابه الفهرست: أبو عبد الله المعروف بابن المعلم من أجلَّة متکلمی الإمامیة، انتهت إلیه رئاسة الإمامیة فی وقته، وکان مقدماًفی العلم وصناعة الکلام ، وکان فقیهاً متقدماً فیه ، حسن الخاطرة دقیق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قریب من مائتی مصنف کبار وصغار ، وفهرست کتبه معروف ، ثم عد زهاء عشرین کتاباً من کتبه وقال: سمعنا منه هذه الکتب کلها بعضها قراءة علیه وبعضها یقرأ علیه وهو یسمع غیر مرة . ولد سنة ثمان وثلاثین وثلاثمائة ، وتوفی للیلتین خلتا من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة . وکان یوم وفاته یوماً لم یُرَ أعظم منه من کثرة الناس للصلاة علیه ، وکثرة البکاء من المخالف والمؤالف .

أما تلمیذه الآخر الشیخ النجاشی فقال: شیخنا وأستاذنا رضی الله عنه ، فضله أشهر من أن یوصف ، فی الفقه والکلام والروایة والثقة والعلم . ثم عد 174 کتاباً من کتبه ، والمعروف أن النجاشی شرع فی کتابه الفهرست المعروف بالرجال ، بعد صدور کتابی الفهرست والرجال للطوسی تصحیحاً لما کان یخطئه فیه ، وعلیه فقد خالفه فی تاریخ مولد المفید ووفاته فقال: کان مولده یوم

ص: 154

الحادی عشر من ذی القعدة سنة ست وثلاثین وثلاثمائة ، وقیل: مولده سنة ثمان وثلاثین وثلاث مائة. ومات(رحمه الله)لیلة الجمعة لثلاث لیال خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة ، وصلی علیه الشریف المرتضی أبو القاسم علی بن الحسین ، بمیدان الأشنان ، وضاق علی الناس مع کبره، ودفن فی داره سنین ونقل إلی مقابر قریش بالقرب من السید أبی جعفر(علیه السّلام).

وأرخ له المتعصبون ضدنا، فقال ابن کثیر فی النهایة:12/19:«ابن النعمان شیخ الإمامیة الروافض، والمصنف لهم والمحامی عن حوزتهم، کانت له وجاهة عند ملوک الأطراف لمیل کثیر من أهل ذلک الزمان إلی التشیع ، وکان مجلسه یحضره خلق کثیر من العلماء من سائر الطوائف، وکان من جملة تلامیذه الشریف الرضی والمرتضی ، وقد رثاه بقصیدة بعد وفاته فی هذه السنة ، منها قوله:

من لعضل أخرجت منه حساما

ومعان فضضت عنها ختاما

من یثیر العقول من بعدما

کن هموداً ویفتح الأفهاما

من یعیر الصدیق رأیاً

إذا ما سل فی الخطوب حساما

وقال الیافعی فی مرآة الجنان فی تأریخ مشاهیر الأعیان:3/28: « کان عالم الشیعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانیف الکثیرة ، شیخهم المعروف بالمفید وبابن المعلم أیضاً ، البارع فی الکلام والجدل والفقه ، و کان یناظر أهل کل عقیدة مع الجلالة والعظمة فی الدولة البویهیة ، وقال ابن أبی طی: کان کثیر الصدقات ، عظیم الخشوع ، کثیر الصلاة والصوم ، خشن اللباس . وقال غیره: کان عضد الدولة ربما زار الشیخ المفید . وکان شیخاً ربعة نحیفاً أسمر. عاش ستاً وسبعین

ص: 155

سنة ، وله أکثر من مئتی مصنف . وکانت جنازته مشهودة ، شیعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشیعة ، وأراح الله منه» ! (الفوائد الرجالیة:3/322 والغدیر:3/277).

وقال الذهبی فی تاریخه:28/332: «محمد بن محمد بن النعمان البغدادی ، ابن المعلم المعروف بالشیخ المفید ، کان رأس الرافضة وعالمهم . صنف کتباً فی ضلالات الرافضة ، وفی الطعن علی السلف . وهلک فی خلق حتی أهلکه الله فی رمضان ، وأراح المسلمین منه . وقد ذکره ابن أبی الطئ فی تاریخ الشیعة فقال: هو شیخ مشایخ الطائفة ولسان الإمامیة ورئیس الکلام والفقه والجدل ،کان أوحد فی جمیع فنون العلوم ، الأصولین والفقه والأخبار ومعرفة الرجال ، والقرآن والتفسیر ، والنحو والشعر . ساد فی ذلک کله . وکان یناظر أهل کل عقیدة ، مع جلاله العظیم فی الدولة البویهیة ، والرتبة الجسمیة عند الخلفاء العباسین . وکان قوی النفس ، کثیر المعروف والصدقة ، عظیم الخشوع ، کثیر الصلاة والصوم ، یلبس الخشن من الثیاب . وکان بارعاً فی العلم وتعلیمه ، وملازماً للمطالعة والفکرة. وکان من أحفظ الناس. ثم قال : حدثنی رشید الدین المازندرانی: حدثنی جماعة ممن لقیت ، أن الشیخ المفید ما ترک کتاباً للمخالفین إلا وحفظه وباحث فیه ، وبهذا قدر علی حل شبه القوم . کان یقول لتلامذته: لا تضجروا من العلم فإنه ما تعسر إلا وهان ولا أبی إلا ولان .

وقال غیره: کان الشیخ المفید ذا منزلة عظیمة من السلطان ، ربما زاره عضد الدولة ، وکان یقضی حوائجه ویقول له: إشفع تشفع. وکان یقوم لتلامذته بکل ما یحتاجون إلیه...وکان المفید ربعة نحیفاً أسمر ، وما استغلق علیه جواب

ص: 156

معاند إلا فزع إلی الصلاة یسأل الله فییسر له الجواب. عاش ستاً وسبعین سنة ، وصنف أکثر من مائتی مصنف . وشیعه ثمانون ألفاً ، وکانت جنازته مشهودة ».

وقال الذهبی فی میزان الاعتدال:4/30: «محمد بن محمد بن النعمان الشیخ المفید . عالم الرافضة أبو عبد الله بن المعلم ، صاحب التصانیف البدعیة وهی مائتا مصنف طعن فیها علی السلف . وله صولة عظیمة بسبب عضد الدولة شیعه ثمانون ألف رافضی ، مات سنة ثلاث عشرة وأربع مائة » !

وقال الخطیب فی تاریخ بغداد:10/381: « أبو القاسم الحفاف ، المعروف بابن النقیب.رأی أبا بکر الشبلی... کتبت عنه وکان سماعه صحیحاً وکان شدیداً فی السنة ، وبلغنی أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شیخ الرافضة ، وقال: ما أبالی أی وقت متُّ بعد أن شاهدت موت ابن المعلم »!

وقال ابن حجر فی لسان المیزان:5/368: « محمد بن محمد بن النعمان الشیخ المفید عالم الرافضة أبو عبد الله بن المعلم صاحب التصانیف البدعیة ، وهی مائتا تصنیف طعن فیها علی السلف . له صولة عظمیة بسبب عضد الدولة ، شیعته ثمانون ألف رافضی. مات سنة ثلاث عشرة وأربع مائة ».

قال الخطیب: صنف کتباً کثیرة فی ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن علی الصحابة والتابعین وأئمة المجتهدین ، وهلک بها خلق إلی أن أراح الله منه فی شهر رمضان . قلت:وکان کثیر التقشف والتخشع والإکباب علی العلم تخرج به جماعة وبرع فی مقالة الإمامیة حتی کان یقال له علی کل إمام منة ، وکان أبوه معلما بواسط وولد بها وقتل بعکبراء ، ویقال إن عضد الدولة کان یزوره فی داره

ص: 157

ویعوده إذا مرض . وقال الشریف أبو یعلی الجعفری وکان تزوج بنت المفید: ما کان المفید ینام من اللیل إلا هجعة ثم یقوم یصلی أو یطالع أو یدرس أو یتلو القرآن »!

وقال ابن الندیم فی الفهرست/226: «ابن المعلم أبو عبد الله، فی عصرنا انتهت ریاسة متکلمی الشیعة إلیه ، مقدم فی صناعة الکلام فی مذاهب أصحابه . دقیق الفطنة، ماض الخاطر، شاهدته فرأیته بارعاً، وله من الکتب» .

ونلاحظ أن ابن حجر أقلهم تعصباً ، وأن ابن الندیم غیر متعصب ، وقد ترک مکان کتب المفید(قدسّ سرّه)لیکتبها ، وکأنه لم یملهه الزمن .

وقال إسماعیل باشا البغدادی فی هدیة العارفین :2/61: «المفید الشیعی أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعید العکبری البغدادی ، ابن المعلم الملقب بالشیخ المفید الشیعی الإمامی توفی سنة 413 ثلاث عشرة وأربع مائة. قال الذهبی فی میزان الإعتدال: له تآلیف کثیرة منها أحکام النساء. الإرشاد فی الفقه. الإستبصار فیما جمعه الشافعی من الآثار. الإنتصار. الإیضاح فی الإمامة. أوائل المقالات. إیمان أبی طالب.البیان فی تألیف القرآن . البیان فی من غلط وطرب فی القرآن. بیان وجوه الأحکام. تاریخ الشریعة. تفضیل الأئمة علی الملائکة. تهذیب الأحکام. جوابات الشرقیین فی فروع الدین جوابات مسائل السرویة.جوابات مسائل العکبریة. الرد علی ابن إخشید. الرد علی ابن الرشید. الرد علی ابن عبد الله البصری. الرد علی الجاحظ. الرد علی الجبائی. الرد علی الشعبی.الرسالة العلویة.الرسالة المقنعة فی رقاق

ص: 158

البغدادیین من المعتزلة.الزاهرات فی المعجزات. عدة الصوم والصلاة.عمدة مختصر علی المعتزلة. العیون والمحاسن. الفرائض الشرعیة. الفصول من العیون والمسائل. کتاب الأرکان.کتاب الأشراف.کتاب الأعلام.کتاب الکامل.کتاب الموضح فی الوعید.کشف الإلتباس.کشف السرائر.الکلام فی فنون الخبر المختلف بغیر أثر. الکلام فی وجوه إعجاز القرآن.لمح البرهان.المجالس المحفوظة فی فنون الکلام . المسائل الحاجبیة.المسألة الکافئة فی إبطال توبة الخاطئة.مصابیح النور. مقابس الأنوار فی الرد علی أهل الأخبار.مناسک الحج.النصرة لسید العترة.نقض کتاب الأمم فی الإمامة. نهج البیان علی سبیل الإیمان ».

أقول: نص اسماعیل باشا علی أن هذه الکتب ذکرها الذهبی فی میزان الإعتدال لکنک لا تجدها فی نسخته ! ولعل هذا من تحریف الوهابیین للکتب !

وقد نص الشیخ الطوسی وغیره علی أن للمفید قریباً من مائتی مصنف کباراً وصغاراً ، وعدَّ النجاشی منها مائة وأربعاً وسبعین کتاباً ورسالة، وعدَّ السید حسن الخرسان فی مقدمة التهذیب 194 کتاباً ، نذکر منها:

1- أحکام أهل الجمل.2 - أحکام النساء.3 - اختیار الشعراء.4 - الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد.5 - الأرکان فی دعائم الإیمان .6 - الإستبصار فی ما جمعه الشافعی من الأخبار 7 - الإشراف فی أهل البیت(علیهم السّلام) .8 - أصول الفقه. 9 -الإعلام فیما اتفقت علیه الإمامیة من الأحکام 10 – الإفتخار.11 - أقسام المولی فی اللسان .12- الإفصاح فی الإمامة .13 - الإقناع فی وجوب الدعوة.14 - الأمالی .15 – الإنتصار.16 - أوائل

ص: 159

المقالات .17 - الإیضاح فی الإمامة .18 - إیمان أبی طالب(علیه السّلام).19 - البیان عن غلط قطرب فی القرآن .20 - البیان فی تألیف القرآن .

وجاء فی مقدمة کتابه المسائل الصاغانیة ، ملخصاً:« کان له مجلس نظر فی داره بدرب رباح ، یحضره کافة العلماء من سائر الطوائف ، یناظر أهل کل عقیدة ، زاره ابن الندیم صاحب الفهرست فی ذلک المجلس ، وقال عنه: شاهدته فرأیته بارعاً..کان من أحفظ الناس وأحرصهم علی التعلیم ، یدور علی حوانیت الحاکة والمکاتب ، فیتلمح الصبی الفطن فیستأجره من أبویه .

توفی فی بغداد ، فی العقد الثامن من عمره سنة413 ، و شیعه ثمانون ألفاً من الباکین علیه ، وصلی علیه تلمیذه الشریف المرتضی بمیدان الأشنان ، وضاق بالناس علی کبره ، ودفن عند رجلی الإمام محمد بن علی الجواد(علیه السّلام)بجنب أستاذه الشیخ أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه القمی ، صاحب کتاب کامل الزیارات ، ورثاه الشریف المرتضی ، والشیخ عبد المحسن الصوری وغیرهما من الشعراء ، ومهیار الدیلمی ».

أقول: شملت مرجعیة الشیخ المفید(قدسّ سرّه)کافة البلاد الإسلامیة لأن الشیعة کانوا مننتشرین فیها ، وکان یرسل وکلاءه ونوابه الیها، وقد رثاه الشیخ عبد المحسن الصوری فی قصیدة ، منها:

یا له طارقاً من الحدثان

ألحقَ ابنَ النعمان بالنعمان

برئت ذمة المنون من الإیمان

لما اعتدت علی الإیمان

وأری الناس حیث حلوا من الأرض

وحیث انتحوا من الأوطان

ص: 160

یطلبون المفید بعدک والأسماء

تمضی فکیف تبقی المعانی

فجعة أصبحت تبلغ أهل الشام

ومن قصیدة مهیار الدیلمی:

صوت العویل من بغدان

ما بعد یومک سلوة لمعلل

منی ولا ظفرت بسمع معذل

وتشابه الباکون فیک فلم یبن

دمع المحق لنا من المتعمل

یا مرسلا إن کنت مبلغ میت

تحت الصفائح قول حی مرسل

من للجدال إذا الشفاه تقلصت

وإذا اللسان بریقه لم یَبلل

ولغامض خاف رفعت قوامه

وفتحت منه فی الجواب المقفل

رحل الحمام بنا غنیمة فائز

ما ثار قط بمثلها عن منزل

کانت ید الدین الحنیف وسیفه

فلأبکین علی الأشل الأعزل

لو فل غرب الموت عن متدرع

بعفافه أو ناسک متعزل

لحمته أید لاتنی فی نصره

صدق الجهاد وأنفس لا تأتلی

وغدت تطارد عن قناة لسانه

أبناء فهر بالقسی الذبل

سمح ببذل النفس فیهم قائم

لله فی نصر الهدی متبتل

نزاع أرشیة التنازع فیهم

حتی یسوق إلیهم النص الجلی

یصبو لها قلب العدو وسمعه

حتی ینیب فکیف حالک بالولی

ومن قصیدة تلمیذه الشریف المرتضی:

إن شیخ الإسلام والعلم والدین

تولی فأزعج الإسلاما

والذی کان غُرةً فی دجی

الأیام أودی فأوحش الأیاما

کم جلوت الشکوک تعرض فی

نصِّ وحیٍ وکم نصرتَ إماما

ص: 161

وخصوم لُدٍّ ملأتهم بالحق

فی حومة الخصام خصاما

عاینوا منک مصمتاً ثغرة

النحس وما أرسلت یداک سهاما

وشجاعاً یفری المرائر ، ما

کل شجاع یفری الطلا والهاما

من یثیر العقول من بعد ما

کن هموداً وینتج الأفهاما

فامض صفراً من العیوب فکم

بان رجال أثروا عیوباً وذاما

وقال القاضی نور الله فی مجالس المؤمنین: وجدت علی قبره رقعة مکتوب فیها:

لا صوَّتَ الناعی بفقدک إنه

یومٌ علی آل الرسول عظیم

إن کنت قد غُیبت فی جدث الثری

فالعلم والتوحید فیک مقیم

والقائم المهدی یفرح کلما

تلیت علیک من الدروس علوم

ص: 162

النجاشی، ودفن فی داره أولاً ، ثم نقل إلی جوار جده الحسین(علیه السّلام)ودفن فی مشهده المقدس مع أبیه وأخیه ، وقبورهم ظاهرة مشهورة.

قال تلمیذه الشیخ الطوسی فی الفهرست: متوحد فی علوم کثیرة ، مجمع علی فضله ، مقدم فی العلوم ، مثل علم الکلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعانی الشعر واللغة . وقال أیضاً فی الرجال: أکثر أهل زمانه أدباً وفضلاً ، متکلم فقیه ، جامع للعلوم کلها ، مد الله فی عمره.

وقال النجاشی: حاز من العلوم ما لم یدانه فیه أحد فی زمانه ، وسمع من الحدیث فأکثر ، وکان متکلماً شاعراً ، عظیم المنزلة فی العلم والدین والدنیا .

وقال العلامة فی الخلاصة: وبکتبه استفادت الإمامیة منذ زمنه(رحمه الله)إلی زماننا هذا وهو سنة ثلاث وتسعین وست مائة ، وهو رکنهم ومعلمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خیراً.

وقال السید ابن زهرة فی غایة الإختصار: علم الهدی الفقیه النظار ، سید الشیعة وإمامهم ، فقیه أهل البیت ، العالم المتکلم البعید ، الشاعر المجید ، کان له بر وصدقة وتفقد فی السر ، عرف ذلک بعد موته(رحمه الله)کان أسن من أخیه ، ولم یر أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونبلاً وجلالاً ورئاسةً وتحابباً وتوادداً .لما مات الرضی لم یصلِّ المرتضی علیه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالکاً فی الحزن. ترک المرتضی خمسین ألف دینار ، ومن الآنیة والفراش والضیاع ما یزید علی ذلک .

ص: 164

وقال المحقق الکرکی فی رسالته قاطعة اللجاج فی حل الخراج: کان(رحمه الله)ربع القامة نحیف الجسم أبیض اللون حسن الصورة ، فصیح اللسان ، یتوقد ذکاء ، مد الله له فی العمر فنیف علی الثمانین ، وبسط له فی المال والجاه والنفوذ ، ففی المال کانت له ثمانون قریة .

وقال السید الصدر فی تأسیس الشیعة لعلوم الإسلام: انتهت إلیه رئاسة الإمامیة فی الدین والدنیا ، ولم یتفق لأحد ما اتفق له من بسط الید ، وطول الباع فی إحیاء دوارس المذهب ، کان یدرس فی کل العلوم الإسلامیة ، لا سیما الکلام والفقه والأدب والحدیث ، ویجری علی تلامذته رزقاً ، وتخرج علیه أعلام علماء الإسلام وأئمة الفقه والکلام ، وصنف أصولاً وتأسیسات غیر مسبوق بمثلها ، وأکثر فی التصنیف فی المعقولات لنصرة الدین فی تلک الطبقات بتلک المصنفات فکانت له آیات بینات وکرامات کالمعجزات. إمام أئمة الأدب والکلام والفقه والحدیث والتفسیر واللغة والنحو والشعر ، کان شاعراً غلب علمه علی شعره.

وقال ابن حجر فی لسان المیزان: هو أول من جعل داره دار العلم ، وقدرها للمناظرة ، ویقال إنه امرؤ لم یبلغ العشرین ، وکان قد حصل علی رئاسة الدنیا العلم مع العمل الکثیر فی الیسیر ، والمواظبة علی تلاوة القرآن وقیام اللیل ، وإفادة العلم ، وکان لا یؤثر علی العلم شیئاً ، مع البلاغة وفصاحة اللهجة .

وقال فی تتمیم یتیمة الدهر: قد انتهت الرئاسة الیوم ببغداد إلی المرتضی ، فی المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والکرم ، وله شعر فی نهایة الحسن.

ص: 165

وقال فی مرآة الجنان: إمام أئمة العراق بین الإختلاف والإفتراق ، إلیه فزع علماؤنا وأخذ عنه عظماؤنا ، صاحب مدراسها وجامع شواردها وآنسها ، ممن سارت أخباره ، وعرفت بها أشعاره ، وحمدت فی ذات الله مآثره وآثاره. وتوالیفه فی أصول الدین ، وتصانیفه فی أحکام المسلمین ، مما یشهد أنه فرع تلک الأصول ، ومن أهل ذلک البیت الجلیل...تولی نقابة النقباء الطالبیین شرقاً وغرباً ، وإمارة الحاج والحرمین ، والنظر فی المظالم ، وقضاء القضاة ، ثلاثین سنة وأشهراً .

وقال فخر الدین الرازی فی بعض کتبه بعد ذکر بعض فضائله: إن فضائله لکثیرة ، وکفی شهادة فی فضله کتابه الموسوم بالدرر والغرر.

وقال ابن الأثیر فی جامع الأصول: کانت إلیه نقابة الطالبیین ببغداد ، وکان عالماً فاضلاً کاملاً متکلماً فقیهاً علی مذهب الشیعة ، وله تصانیف کثیرة .

عاصر الشریف المرتضی من الخلفاء أربعة هم: المطیع ، وکانت خلافته من سنة 334 إلی سنة 363 ، وکان عمر الشریف المرتضی حین وفاة المطیع لم یتجاوز ثمانیة أعوام ، لذا لم یرد ذکره فی الدیوان . ثم ولی الخلافة الطائع إلی سنة 381 ، حیث ولیها القادر إلی سنة422 ، إذ ولیها ابنه القائم وهو شاب ، کان هذا الخلیفة القائم آخر من عاصره الشریف المرتضی ، حیث توفی المرتضی سنة 436 وبقی القائم إلی سنة 467.

ص: 166

وعاصر المرتضی من الملوک البویهیین بهاء الدولة البویهی وأبناءه شرف الدولة وسلطان الدولة ورکن الدین جلال الدولة ، ثم الملک أبا کالیجار المرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة.

وعاصر من الوزراء : أبا غالب محمد بن خالف ، والوزیر أبا علی الرخجی والوزیر أبا علی الحسن بن أحمد ، والوزیر أبا سعد بن عبد الرحیم ، والوزیر أبا طالب محمد بن أیوب بن سلیمان البغدادی ، والوزیر أبا منصور بهرام بن مافنة وزیر الملک أبی کالیجار ، وغیرهم.

وعاصر من النقباء والده الشریف أبا أحمد الموسوی ، وخاله الشریف أحمد بن الحسن الناصر وأخاه الشریف أبا الحسن محمداً الرضی ، والشریف أبا علی عمر بن محمد بن عمر العلوی، والشریف نقیب النقباء أبا الحسن الزینبی ، والشریف أبا الحسین بن الشیبة العلوی ، وغیرهم.

وعاصر من الأمراء: الأمیر أبا الغنائم محمد بن مزید المقتول سنة 401، وعمید الجیوش أبا علی أستاذ هرمز المتوفی فی هذه السنة أیضاً ،وأمیر الأمراء أبا منصور بویه بن بهاء الدولة ، والأمیر أبا شجاع بکران بن بلفوارس ، والأمیر عنبر الملکی المتوفی سنة420، وأمیر عقیل غریب بن مقفی المتوفی سنة 415.

وکان (قدسّ سرّه)یجری علی تلامذته رزقاً ، فکان للشیخ أبی جعفر الطوسی(قدسّ سرّه)أیام قراءته علیه کل شهر اثنا عشر دیناراً ، وللقاضی ابن البراج کل شهر ثمانیة دنانیر، ووقف(قدسّ سرّه)قریة علی کاغد الفقهاء .

ص: 167

وأصاب الناس قحط فاحتال رجل یهودی علی تحصیل قوت یحفظ به نفسه ، فحضر یوماً مجلس المرتضی وسأله أن یقرأ علیه شیئاً من علم النجوم ، فأذن له وأمر له بجرایة تجری علیه کل یوم ، فقرأ علیه برهة ثم أسلم علی یدیه !

ثم عدَّد السید الحسینی مؤلفاته کما فی الذریعة وهی117مؤلفاً ، نذکر منها:

1- إبطال القیاس. 3 - الأمالی فی التفسیر 4 - الإنتصار فی انفرادات الإمامیة. 5-الذریعة فی أصول الفقه . 6 - إنقاذ البشر من الجبر والقدر 7 - الرسالة الباهرة فی العترة الطاهرة 8 - کتاب البرق فی علم الأدب 9 - تفسیر الخطبة الشقشقیة 11 - تفضیل الأنبیاء علی الملائکة 12 - تقریب الأصول فی علم الکلام ، 13 - تکملة الغرر والدرر. 14 - تنبیه الغافلین عن فضل الطالبیین فی الآیات النازلة فی شأن الأئمة الطاهرین(علیهم السّلام) 15 - تنزیه الأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) .18 - جواب أهل الحجاز فی نفی سهو النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 22 - جواب الملاحدة فی قدم العالم. 23 - جوابات المسائل البادرائیات 24 - جوابات المسائل التبانیات. 26 - جوابات المسائل الجرجانیة ،27 - جوابات المسائل الحلبیة الأولی.30 - جوابات المسائل الرازیة 31 - جوابات المسائل الرسیة الأولی 33 - جوابات المسائل الرملیات. 34 - جوابات المسائل السلاریة 35 - جوابات المسائل الصیداویة. 36 - جوابات المسائل الطبریة 37 - جوابات المسائل الطرابلسیة الأولی41 - جوابات المسائل الطوسیة ، 43 - جوابات المسائل المصریات الأولی 46 - جوابات المسائل الموصلیات الأولی ، 50 - جوابات المسائل المسائل الناصریة 51 - حجیة الإجماع ، 52 - الحدود والحقائق 53 - الخلاف فی أصول الفقه. 59 - الرد علی ابن جنی فی تعریضه لأبیات المتنبی 61 - الرد علی من أثبت حدوث الأجسام من الجواهر67 - الشافی فی الإمامة وإبطال حجج العامة 72 - الطیف والخیال فی الأدب ، 73 - عجائب الأغلاط 74 - رسالة فی العصمة. 79 - کشف آیات القرآن 82 - المحکم والمتشابه .95 - مسألة فی توارد الأدلة 109 -

ص: 168

مسألة فی نفی الرؤیة.110 - مسألة فی الولایة من قبل السلطان الجائر 112 - کتاب المعرفة فی إعجاز القرآن 115 - مناظرة أبی العلاء المعری ، الذریعة 22 / 286 . 116 - مناظرة الخصوم وکیفیة الإستدلال علیهم. 117 - منقذ البشر من أسرار القضاء والقدر ».

وفی ترجمته فی مقدمة کتابه الإنتصارللمحامی رشید الصفار، ماخلاصته:

«کان الشریف المرتضی(قدسّ سرّه)خلیفة أستاذه العلامة الشیخ المفید(قدسّ سرّه)فی علم الکلام وفن المناظرة ، وکان مجلسه کمجلس شیخه المفید یحضره أقطاب العلماء من کافة المذاهب ، بل وسائر الملل ، وقد مر علیک دراسة الیهودی علیه ، وکثرة اختلاف الصابی وتردده إلیه ، وما قاله ابن الجوزی فی أول الترجمة بأن المرتضی کان یناظر عنده فی کل المذاهب ، وهذا یدل علی فضل اطلاعه علی فوارق المذاهب ومواد الخلاف فیما بینهم، وهو مع ذلک کان محترماً لدی جمیعهم ، معظماً عندهم ، إلا عند حساده ومناوئیه .

قال الخطیب البغدادی: کتبت عنه وکان رأساً فی الإعتزال ، کثیر الإطلاع والجدال ! وقال الثعالبی صاحب یتیمة الدهر: وقد انتهت الریاسة الیوم ببغداد إلی المرتضی فی المجد والشرف والعلم والأدب ، والفضل والکرم.

وقد سئل عنه فیلسوف المعرة أبو العلاء بعد أن حضر مجلسه فقال:

یا سائلی عنه لما جئت أسأله

فإنه الرجل العاری عن العار

لو جئته لرأیت الناس فی رجل

والدهر فی ساعة والأرض فی دار ».

ص: 169

من شهر ربیع الأول سنة436 ، فاستقل شیخ الطائفة فی المرجعیة، وکانت داره فی الکرخ مأوی الأمة ، وتقاطر إلیه العلماء والفضلاء للحضور تحت منبره ، وبلغ تلامیذه ثلاث مائة من مجتهدی الشیعة ، وأکثر منهم من العامة ، وقد اعترف الجمیع بمکانته العلمیة حتی أن الخلیفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد خصه بکرسی الکلام والإفادة ، وهو أعلی کرسی علمی فی الخلافة لمن برز فی علومه وتفوق علی أقرانه .

بعد إحدی عشرة سنة من زعامته العلمیة ، جاءت موجة آل سلجوق وأنهوا حکم آل بویه ، وحدثت الفتن بین الشیعة والسنة ، وأمر طغرل بیک أول ملوک السلاجقة بشن حملة شعواء علی الشیعة فی بغداد ، وأمر بإحراق المکتبة التی أنشأها أبو نصر سابور بن أردشیر ، وزیر بهاء الدولة البویهی ، وکانت من دور العلم المهمة فی بغداد ، بناها هذا الوزیر الجلیل والأدیب الفاضل فی محلة بین السورین فی الکرخ سنة 381 ، علی مثال بیت الحکمة الذی بناه هارون الرشید ، جمع فیها ما تفرق من کتب فارس ، والعراق ، واستکتب تآلیف أهل الهند والصین والروم ، ونافت کتبها علی عشرة آلاف ، من مهام الأسفار وجلائل الآثار ، وأکثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلفین !

قال یاقوت الحموی: وبها کانت خزانة الکتب التی أو قفها الوزیر أبو نصر سابور بن أردشیر وزیر بهاء الدولة بن عضد الدولة ولم یکن فی الدنیا أحسن کتباً منها ، کانت کلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة إلخ.

ص: 171

وکان من جملتها مائة مصحف بخط ابن مقلة علی ما ذکره ابن الأثیر، فاحترقت هذه المکتبة العظیمة فیما احترق من محال الکرخ ، وهاجموا مسجد الشیخ الطوسی(قدسّ سرّه)وبیته لیقتلوه !

قال ابن الجوزی فی حوادث سنة 448: وهرب أبو جعفر الطوسی ونهبت داره ثم قال فی حوادث سنة 449: وفی صفر فی هذه السنة کبست دار أبی جعفر الطوسی متکلم الشیعة بالکرخ ، وأخذ ما وجد من دفاتره وکرسی کان یجلس علیه للکلام ، وأخرج إلی الکرخ وأضیف إلیه ثلاث سناجیق بیض ، کان الزوار من أهل الکرخ قدیماً یحملونها معهم إذا قصدوا زیارة الکوفة ، فأحرق الجمیع !

هاجر الشیخ الطوسی(قدسّ سرّه) إلی النجف الأشرف لائذاً بجوار أمیر المؤمنین(علیه السّلام) وصیرها مرکزاً للعلم ، وأخذت تشد إلیها الرحال ، وقام فیها صرح الإسلام ، وتخرج منها فی زمنه وبعده آلافٌ مؤلفةٌ من أساطین الدین وأعاظم الفقهاء ، وکبار الفلاسفة ، ونوابغ المتکلمین ، وأفاضل المفسرین ، وأجلاء اللغویین ، وغیرهم ممن خبروا العلوم الإسلامیة بأنواعها .

من أمعن النظر فی تاریخ الشیعة وفی مؤلفات الشیخ الطوسی المتنوعة ، علم أنه فی الطلیعة من فقهائهم، فقد أسس طریقة الإجتهاد المطلق فی الفقه وأصوله واشتهر بالشیخ ، فهو المراد به إذا أطلق فی کلمات الأصحاب ، من عصره إلی عصر زعیم الشیعة بوقته أبی ذر زمانه الشیخ مرتضی الأنصاری ، المتوفی سنة

ص: 172

1281، فقد یطلق الشیخ فی عصرنا ویکون المراد به الشیخ الأنصاری ، أما فی کتب القدماء والسلف فالمراد هو شیخ الطائفة(قدسّ سرّه).

لاحظ شهادة العلامة الحلی بحقه ، والعلامة هوالذی طبقت العالم الإسلامی شهرته ، وتضلع من سائر العلوم ، ونبغ فی کافة الفنون ، وانتهت إلیه ریاسة علماء عصره فی المعقول والمنقول ، وألف فی کل علم عدة کتب ، ولم یشک أحد فی أنه من عظماء العالم ونوادر الدهر ، هذا الرجل ذکر شیخ الطائفة فی کتابه خلاصة الأقوال فی معرفة أحوال الرجال/73 ، ووصفه بقوله: شیخ الإمامیة ووجیههم ، ورئیس الطائفة ، جلیل القدر ، عظیم المنزلة ، ثقة ، عین ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والکلام والأدب ، وجمیع الفضائل تنسب إلیه ، صنف فی کل فنون الإسلام ، هو المهذب للعقائد فی الأصول والفروع ،

الجامع لکمالات النفس فی العلم والعمل الخ .وکذا غیر العلامة من کبار علماء المذهب قدس الله أرواحهم .

عدَّ صاحب الذریعة(قدسّ سرّه)46من مؤلفاته ، مع ملاحظات حول کل منها ، نذکر منها:

1 - الأبواب : سمی بذلک لأنه مرتب علی أبواب بعدد رجال أصحاب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأصحاب کل واحد من الأئمة(علیهم السّلام) ویسمی برجال شیخ الطائفة .

2 - اختیار الرجال: هو کتاب رجال الکشی الموسوم ب معرفة الناقلین لأبی عمرو محمد بن عمر بن عبد العزیز الکشی معاصر ابن قولویه المتوفی سنة 369 والراوی کل منهما عن الآخر، وکان کتاب رجاله کثیر الأغلاط کما ذکره النجاشی لذلک عمد شیخ الطائفة إلی تهذیبه وتجریده من الأغلاط وسماه بذلک ، وأملاه علی تلامیذه فی المشهد الغروی وکان بدء إملائه یوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456 .

ص: 173

3 - الإستبصار فیما اختلف من الأخبار: هو أحد الکتب الأربعة والمجامیع الحدیثیة التی علیها مدار استنباط الأحکام الشرعیة عند الفقهاء الإثنی عشریة من عصره الی الیوم .

4 - أصول العقائد : قال فی فهرسه عند ترجمته لنفسه وتعدید تصانیفه ما لفظه: وکتاب فی الأصول کبیر خرج منه الکلام فی التوحید وبعض الکلام فی العدل .

5 - الإقتصاد الهادی إلی طریق الرشاد : وهو فیما یجب علی العباد من أصول العقائد والعبادات الشرعیة علی وجه الإختصار .

6 - الأمالی: فی الحدیث ، ویقال له المجالس لأنه أملاه مرتباً فی عدة مجالس .

9 - التبیان فی تفسیر القرآن : وهو أول تفسیر جمع فیه مؤلفه أنواع علوم القرآن .

10 - تلخیص الشافی: فی الإمامة ، أصله للسید المرتضی ، ولخصه تلمیذه شیخ الطائفة .

. 12 - تهذیب الأحکام : أحد الکتب الأربعة والمجامیع القدیمة المعول علیها عند الأصحاب من لدن تألیفها حتی الیوم .

13 - الجمل والعقود : فی العبادات ، وقد رأیت منه عدة نسخ فی النجف الأشرف ، وفی طهران ، ألفه بطلب من خلیفته فی البلاد الشامیة ، وهو القاضی عبد العزیز بن نحریر بن عبد العزیز بن البراج قاضی طرابلس المتوفی سنة 481.

19 - الفهرست: ذکر فیه أصحاب الکتب والأصول ، وأنهی إلیهم وإلیها أسانیده عن مشایخه ، وهو من الآثار الثمینة الخالدة .

20 - ما لا یسع المکلف الاخلال به، فی علم الکلام ، ذکره النجاشی فی رجاله .

. 22 - المبسوط فی الفقه ، من أجل کتب هذا الفن، یشمل جمیع أبوابه فی نحو سبعین کتاباً .

23 - مختصر أخبار المختار بن أبی عبید الثقفی : ویعبر عنه بأخبار المختار أیضاً.

. 28 - مسألة فی تحریم الفقاع : ذکرها الشیخ نفسه فی الفهرست .

31 - الفرق بین النبی والإمام ، فی علم الکلام .

32 - المسائل الألیاسیة . وهی مائة مسألة فی فنون مختلفة .

ص: 174

34 - المسائل الحائریة ، فی الفقه ، وهی نحو من ثلاث مائة مسألة .

40 - مصباح المتهجد ، فی أعمال السنة ، وهو من أجل الکتب فی الأعمال والأدعیة ، وهو قدوتها وأصلها ودوحتها.

41 - المفصح : فی الإمامة ، وهو من الآثار الهامة .

42 - مقتل الحسین(علیه السّلام).

43 - مقدمة فی المدخل إلی علم الکلام .

44 - مناسک الحج فی مجرد العمل .

6 - النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی،وهو من أعظم آثاره وأجل کتب الفقه ومتون الأخبار.

47 - هدایة المسترشد وبصیرة المتعبد ، فی الأدعیة والعبادات .

ثم ذکر صاحب الذریعة مشایخه الذین تدور روایته علیهم فی الغالب . والذین أکثر الروایة عنهم ، وتکرر ذکرهم فی الفهرست وفی مشیخة کل من کتابیه التهذیب والإستبصار خمسة:

1 - الشیخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز المعروف بابن الحاشر مرة ، وبابن عبدون أخری ، والمتوفی سنة 423

. 2 - الشیخ أحمد بن محمد بن موسی . المعروف بابن الصلت الأهوازی المتوفی سنة 408

3 - الشیخ أبو عبد الله الحسین بن عبید الله بن الغضائری المتوفی سنة 411

4 - الشیخ أبو الحسین علی بن أحمد بن محمد بن أبی جید المتوفی بعد سنة 408

5 - شیخ الأمة ومعلمها محمد بن محمد بن النعمان الشهیر بالشیخ المفید والمتوفی سنة 413

ثم عدَّ.صاحب الذریعة(رحمه الله)اثنین وثلاثین عالماً من أساتیذه وشیوخه .وستة وثلاثین عالماً من تلامیذ الشیخ الطوسی المعروفین ..

ص: 175

وقد أحضر المنصور سلیمان الأعمش لیلاً لیمنعه من روایة مناقب علی(علیه السّلام) وقال له:«فأخبرنی بالله وقرابتی من رسول الله کم رویت من حدیث علی بن أبی طالب ، وکم من فضیلة من جمیع الفقهاء؟ قلت: شئ یسیر یا أمیر المؤمنین ! قال: کم؟ قلت: مقدار عشرة آلاف حدیث وما یزداد ! قال: یا سلیمان ألا أحدثک بحدیث فی فضائل علی یأکل کل حدیث رویته عن جمیع الفقهاء؟ فإن حلفت لا ترویه لأحد من الشیعة حدثتک به» ! (فضائل علی(علیه السّلام)لابن المغازلی/226).

وقال الشهید نور الله التستری فی الصوارم المهرقة/214: «إن أهل بغداد أجمعوا علی أنه لم یظهر من زمان ابن مسعود إلی زمان ابن عقدة من یکون أبلغ منه فی حفظ الحدیث . وأیضاً قال الدارقطنی: سمعت منه أنه قال: قد ضبطت ثلاث مائة ألف حدیث من أحادیث أهل البیت وبنی هاشم(علیهم السّلام) ، وحفظت مائة ألف حدیث بأسانیدها ! ونقل الذهبی عن عبد الغنی بن سعید أنه قال: سمعت عن الدارقطنی قال: إن ابن عقدة یعلم ما عند الناس ، ولا یعلم الناس ما عنده !

وقال الثلاثة: إن ابن عقدة کان یقعد فی جامع براثا من الکوفة ، ویذکر مثالب الشیخین عند الناس ، فلهذا ترکوا بعض أحادیثه ، وإلا فلا کلام فی صدقه».

وقال الذهبی فی تذکرة الحفاظ:3/840: « قال الحاکم ابن البیِّع: سمعت أبا علی الحافظ یقول: ما رأیت أحفظ لحدیث الکوفیین من أبی العباس بن عقدة . وعن ابن عقدة قال: أنا أجیب فی ثلاث مائة ألف حدیث من حدیث أهل البیت وبنی هاشم . حدث بهذا عنه الدارقطنی . وعن ابن عقدة قال: أحفظ مائة ألف حدیث بأسانیدها.. وقال أبو سعد المالینی: أراد ابن عقدة أن ینتقل فکانت کتبه

ص: 178

ست مائة حملة». وذکر نحوه فی وسائل الشیعة: 20/131 ، ونقل قول الشیخ الطوسی فیه: «أمره فی الثقة والجلالة والحفظ ، أشهر من أن یذکر ».

وفی مجلة تراثنا: 21/180: « أفرد الذهبی رسالة عن حیاته ، مذکورة فی مؤلفاته فی مقدمة سیر أعلام النبلاء باسم: ترجمة ابن عقدة. ترجم له أعلام العامة بکل تجلة وتبجیل ووثقوه ، وأثنوا علی علمه وحفظه وخبرته وسعة اطلاعه ، وأرخوا ولادته لیلة النصف من المحرم سنة249، ووفاته فی7 ذی القعدة سنة332 ، ومن المؤسف أن هذا الرجل العظیم لم یبق من مؤلفاته الکثیرة الکبیرة سوی وریقات توجد فی دار الکتب الظاهریة بدمشق ، ضمن المجموعة رقم4581 ، باسم: جزء من حدیث ابن عقدة من الورقة 9-15» !

أما الیوم فلا تجد حتی الترجمة التی کتبها الذهبی لابن عقدة !

ویتضح لک حجم جریمة الحکومات فی تضییع علم العترة(علیهم السّلام) ، إذا عرفت أن کل ألفی حدیث تبلغ مجلداً تقریباً ، وأن صحیح بخاری ومسلم وبقیة الکتب الستة مع حذف المکرر تبلغ:9780 حدیثاً ، وکل ما فی الصحیحین:2980 حدیثاً .

http:

//www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=2586 9

فتکون أحادیث جابر بن یزید الجعفی خمساً وثلاثین مجلداً ! وحجم العشرة آلاف حدیث التی یرویها سلیمان الأعمش فی فضائل أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أکثر من مجموع الکتب الستة ! أما أحادیث أحمد بن عقدة عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فتبلغ خمسین مجلداً ، وعن أهل البیت(علیهم السّلام) وبنی هاشم ، مئة وخمسین !

ولم تکتفِ السلطة بمصادرة الکتب وإحراقها ، حتی أفتی علماؤها بأن کل من

ص: 179

روی شیئاً فیه نقد ولو بسیط لأبی بکر وعمر ، فحکمه أن یدفن حیاً فی بئر !

قال الذهبی فی میزان الإعتدال:2/75، عن العلل لأحمد بن حنبل:3/8: «قال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معین عنه فقال: رجل سوء یحدث بأحادیث سوء.. قلت: فقد قال لی: إنک کتبت عنه؟ فحول وجهه وحلف بالله إنه لا أتاه ولا کتب عنه. وقال: یستأهل أن یحفر له بئر فیلقی فیها » !

فهل یجوز أن تخسر أجیال الأمة هذه الثروة العظیمة ، بسبب روایات تنتقد بعض الصحابة ؟ أمَا کان الواجب علیهم أن یرووها ویردوا علیها ؟! لکنها سیاسة التجهیل وحرمان أجیال المسلمین من معرفة الحقائق ، وإحراق کل ما خالف هوی الحاکم !

ورغم هذه السیاسة الوحشیة ، بقی للشیعة من ثروتهم العلمیة الکثیر ، وکم من أحادیث وحقائق من السیرة والتاریخ ، توجد فی مصادرهم ، ولا توجد عند غیرهم !

إسلامیة ، حتی شاع إسم«مجتهدی الشقق» الذین أخذوا یجتهدون فی أصول الدین وفروعه ، ویجمعون أنصاراً ویصدرون الفتاوی بالجهاد ، وسفک الدماء ، ودعوة الناس الی طاعة أمیرهم مفتی الشقة والمرشح للخلافة بالقوة !

وکذلک فعل الوهابیة ففتحوا باب الإجتهاد لکل من هب ودب ، وأفتی کبار علمائهم لمدرِّسة عادیة أن تجتهد وتفتی فقد کتبت لهم: «أنا مدرسة دین متخرجة من الکلیة المتوسطة قسم دراسات إسلامیة ، وقد اطلعت علی مجموعة من الکتب الفقهیة ، فما هو الحکم حین أسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن علی حسب معرفتی ، أی عن طریق القیاس والإجتهاد ، دون التدخل فی أحکام الحرام والحلال ؟ج :علیک مراجعة الکتب والإجتهاد ثم الإجابة بما غلب علی ظنک أنه الصواب ولا حرج علیک فی ذلک، أما إذا شککت فی الجواب ولم یتبین لک الصواب فقولی لا أدری وعدیهن بالبحث ثم أجیبیهن بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم للإهتداء إلی الصواب حسب الأدلة الشرعیة »

فأجابتها لجنة علمائهم الکبار بفتوی رقم4400: «کل من تعلم مسألة من مسائل الشریعة الإسلامیة بدلیلها ووثق من نفسه فیها ، فعلیه إبلاغها وبیانها عند الحاجة »(اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء فی المملکة السعودیة (5/48) رقم الفتوی 4798).

ومعناه أنه یجوز لأغلب الذین یقرؤون ویکتبون أن یفتوا فی الدین ، وتکون فتوی أحدهم صحیحة مبرئة لذمة من یعمل بها ؟!

ص: 181

فإذا کان الأمر کذلک ، فلماذا یحملون خشبة الخلاف مع المسلمین ، ولا یحترمون اجتهاداتهم المخالفة لهم ، مع أن الفکر الوهابی کله اجتهاد شخص هو محمد بن عبد الوهاب ، بل هو مقلد لمجتهد آخر إسمه ابن تیمیة ؟!

لکن الشیعة وضعوا شروطاً مشددة للمجتهد ، منها أن یکون مجتهداً فی عدة علوم یتوقف علیها الإستنباط الفقهی مثل النحو واللغة والمنطق والبلاغة والتفسیر والحدیث وأصول الفقه.. وأن یکون بلغ درجة الإجتهاد التی تعرف بشهادة الفقهاء الکبار ، حتی لایدخل المتطفلون والحفاة ، فیعبثون بمسائل الدین ویصدرون الفتاوی باسم الإجتهاد !

ولهذا السبب احتاج المجتهد الشیعی الی أهلیة خاصة ، وجهد کبیر ، ووقت طویل حتی یصل الی درجة الإجتهاد ، واحتاج المرجع الی وقت أطول حتی یکون مرشحاً للمرجعیة ، وهذا هو السبب فی أنک لاتجد مرجعاً شاباً للشیعة ، فغالباً ما یکون فی الخمسینات والستینات من عمره .

المسلمین بهما ، فکل ما فی کتاب محمد بن إسماعیل البخاری من الجلد الی الجلد هو صحیح یحرم رد أی حدیث منه ، بل یحرم مناقشته والطعن فیه !

وکذلک مسلم القشیری تقریباً !

وفی المقابل أصر علماء الشیعة علی إبقاء باب الإجتهاد مفتوحاً لکل من جمع شروط الإجتهاد ، ورفضوا حصر الأحادیث الصحیحة بکتاب أو کتابین ، بل رفضوا الحکم بصحة ما صححه عالم فی کتابه سواء کان شیعیاً أم سنیاً ، لأن تصحیح المجتهد حجة علیه هو ومن قلده فی عصره ، ولیس حجة علی المجتهد الذی یعاصره أو یأتی بعده !

ولذلک اعتبروا جمیع ما رواه السنة والشیعة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مواد محترمة ، لکن یجب أن تخضع للبحث العلمی فی کل عصر ، ویجب أن یکون فی المسلمین مراجع وأهل اختصاص فی کل عصر یرجع المسلمون الیهم فی التصحیح والتضعیف ، فیأخذوا الحکم منهم بصحة هذا الحدیث أو ضعفه .

وبهذا تعرف أن منهج الشیعی علمی ، ومنهج غیرهم خاضع للسیاسة !

الخمس التالیة لبحثک العلمی ، فی المواضیع الإسلامیة:

الأولی: أن حجیة العقل محصورة بمدرکاته القطعیة کحسن العدل وقبح الظلم أما ظنونه واحتمالاته فلاتغنی من الحق شیئاً ، کما أرشدک الله تعالی فی کتابه .

الثانیة ، أن نص القرآن قطعی فلا بد أن تکون دلالته قطعیة ، أو تنتهی إلی القطع ، وإلا فهو الظن أو الإحتمال الأبخس من الظن ، وکلاهما لاقیمة له .

الثالثة ، لابد لک من العلم بصدور النص الذی تستدل به من المعصوم(علیه السّلام)، فإن علمت بصدور لفظه أو مضمونه أو قامت عندک حجة قطعیة علیه ، فاعتمده ، وإلا فهو ظن أو احتمال لاقیمة له ، لا عند الله تعالی ولا عند العقل .

الرابعة، إن لم تجد علماً من نص قطعی ودلالة قطعیة أو حجة قطعیة ، فاعلم أن طریق الضلال یبدأ من هنا ! فاحذر أن تضل وتقول إنی لم أستطع تحصیل العلم فلا بد أن أعمل بظنی، فتحطب احتمالات وتنسبها الی دین الله تعالی!

فهذه الطریق لاتحل مشکلتک ، بل حلها أن تعرف أنک فی حالة شک فی حکم الله تعالی ومفاهیم دینه ، فابحث عن الحکم العملی للشاک فی الأصول العملیة ، فهو حکم قطعی من الکتاب والسنة والعقل ، فاعمل به بعلم . نقطة نهایة السطر

الخامسة: لکل واقعة فی علم الله حکمٌ شرعی ، وهو واحد ولیس متعدداً . وعندما یختلف المجتهدون فی استنباط الحکم ، یکون مایستنبطونه حکماً ظاهریاً وهو وإن کان قطعیاً عند مستنبطه ، فقد یطابق حکم الله الواقعی وقد یخالفه .

إن الإجتهاد عندنا عملیة اکتشاف لا اختراع ، فهو بذل الجهد لمعرفة الأحکام

ص: 184

الشرعیة والمفاهیم الإسلامیة ، فإن لم یکن لنا طریق للعلم ، فالحل أن نبحث عن الوظیفة الشرعیة للمکلف فی حالة الشک ، لا أن نرکب ظنوننا ونتبع احتمالاتنا ، فذلک هو العمل بالظن المنهی عنه فی القرآن والسنة، وهو اجتهاد یرفضه الشیعة، اللهم إلا أن یدل دلیل خاص علی حجیة الظن فی مورد ، فیقتصر علیه ، کظن الشاک فی اتجاه القبلة ، وظن الشاک فی عدد رکعات الصلاة ، وغیرهما.

قال السید محمد تقی الحکیم فی الأصول العامة للفقه المقارن/86:

«فمراحل البحث لدی المجتهد إذن خمسة:1- مرحلة البحث عن الحکم الواقعی

2- مرحلة البحث عن الحکم الواقعی التنزیلی وأهم أصوله: الإستصحاب...

3- مرحلة البحث عن الوظیفة الشرعیة ، وأصولها هی: البراءة الشرعیة ، الإحتیاط الشرعی ، التخییر الشرعی .

4- مرحلة البحث عن الوظیفة العقلیة ، وأصولها: البراءة العقلیة ، الإحتیاط العقلی التخییر العقلی .

5- مرحلة تعقد المشکلة وعدم التمکن من العثور علی أدلة الحکم أو الوظیفة بأقسامها ، والأصول التی یرجع إلیها عادة هی القرعة».

(راجع ألف سؤال وإشکال :2/484: تأسیسهم دین الظنون واتهامهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالعمل بالظن).

ص: 185

وعلی مدار أیام السنة توجد مناسبات وفیات وموالید النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والزهراء(علیهاالسّلام) والأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) ، یحتفی بها الشیعة فیقیمون لها المجالس فی مساجدهم وحسینیاتهم وبیوتهم ، ویقرأ فیها القارئ شیئاً من سیرة المعصوم وفضائله(علیهم السّلام) ، وفی مناسبة الوفاة یذکر ماجری من أحداث الوفاة والشهادة ، وأبیاتاً من الشعر الفصیح أو الشعبی فی التعزیة بالمعصوم(علیه السّلام) .

وفی مناسبة المولد یقرأ فضائل المعصوم(علیه السّلام)ومدائحه،وقد یشارک فی الإحتفال عدة خطباء ، شعراً ونثراً . کما تعقد النساء مجالس مشابهة لمجالس الرجال . ویشارک أولاد الشیعة بأناشید ، بالشعر الشعبی أو القریض .

وهکذا یعیش الشیعی فی أیام سنته فی أجواء المعصومین(علیه السّلام)، ویتعرف علی سیرتهم ، کما یستفید من هذه المجالس ثقافة دینیة وأدبیة واسعة .

وتتفاوت المناسبات الدینیة فی سعة اهتمام الشیعة بها وتنوعه ، وأهمها عندهم مناسبة عاشوراء ، ویحتفلون بها عشرة أیام من أول محرم ، فیوشحون مجالسهم وبیوتهم بالسواد ، ویدعون الخطباء والمحاضرین والمداحین (الروادید) ویستمعون الی المحاضرات ، والقصائد ، والعزاء والنوح ، ویبکون .

ویلی ذلک فی الإهتمام الشعبی عند الشیعة شهر رمضان ، فیعقدون فیه مجالس القرآن والدعاء ، والمحاضرات والتعزیة . ویشارکون بقیة المسلمین فی الأنشطة والأجواء الرمضانیة الأخری . وأبرز مناسباتهم فیه الإحتفال بمولد الإمام الحسن السبط(علیه السّلام)فی منتصفه ، واحتفالهم بشهادة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)حیث ضُرب فی لیلة التاسع عشر ، واشتشهد فی لیلة الحادی والعشرین من رمضان .

ص: 188

ویلی شهر رمضان فی سعة الإهتمام احتفالهم بشهادة الزهراء(علیهاالسّلام)فیقیمون لها ثلاثة مجالس ، لأنه توجد فی شهادتها ثلاث روایات: أنها عاشت بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) خمساً وأربعین یوماً ، وخمساً وسبعین ، وخمساً وتسعین .

6 - البرامج المسموعة والمرئیة عن عاشوراء .

7 - التمثیلیات الشعبیة عن جوانب من واقعة عاشوراء .

8 - تعطیل الأعمال یوم التاسع والعاشر، أو العاشر فقط من شهر محرم .

9 - مسیرات المعزین فی الشوارع من نقطة الی نقطة فی البلد، فی مواکب تنقسم الی مجموعات ، وتقرأ الشعر الفصیح والشعبی، وتلطم علی صدورها. ویرافق الموکب عادة ضرب طبول وسناجق ، تستعمل فی الحزن ، وتشبه النغم العسکری .

10 - الذهاب مشیاً علی الأقدام إلی زیارة الإمام الحسین (علیه السّلام) ، وهذه عادة أوسع ماتکون فی زیارة الأربعین فی العراق ، حیث تتجه ملایین الشیعة وبعض السنة ، من محافظات العراق المختلفة مشیاً علی الأقدام إلی کربلاء ، وتصل بعض المسافات إلی 500 کیلومتر .

11 - لبس الأکفان یوم عاشوراء ، وضرب الرؤوس بالسیوف ( جرح الجلد فی أعلی الرأس ) حزناً علی الإمام الحسین (علیه السّلام)، ورمزاً لاستعداد الشخص أن یضحی بالدم فی نصرة الإسلام ، کما ضحی الإمام(علیه السّلام)فی کربلاء .

12 - مسیرة المشاعل ، رمزاً للذین جاؤوا لنصرة الإمام الحسین (علیه السّلام) وساروا نهاراً ولیلاً بالمشاعل ، وهی عادة موجودة فی النجف وبعض مناطق العراق .

ولا یعترض المسلمون من بقیة المذاهب علی هذه المجالس والفعالیات ، وقد یشارکون فیها، ویعتقدون ببرکتها ، ویستشفون بطعامها ، وینذرون لها النذور

ص: 190

بینما یغتاظ منها الوهابیون ، ویزعمون أنها بدعة وشرک ، ویعملون لتعطیلها بالدعایة الواسعة ضدها فی کلامهم وخطب شیوخهم وفضائیاتهم !

وأخیراً عادوا الی فعل أجدادهم مجسمة الحنابلة فی بغداد ، فاستعملوا أسلوب التفجیر لقتل أکبر عدد من المشارکین فیها !

وفی المقابل یزداد الشیعة تمسکاً بها ، والعمل علی توسیعها وتنویعها وتطویرها، ونشر محاضراتها وقصائدها وأناشیدها .

وفی السنوات الأخیرة صار عندهم فضائیات زاخرة بها ، وصارت ثقافة عاشوراء موسماً عالمیاً مشهوداً ، یهتم به الشیعة ویستفید منه غیرهم .

ویشارک بقیة المسلمین الشیعة فی هذه العقیدة بقدر وآخر ، ویضیفون الی أهل البیت(علیهم السّلام) مشاهد الأولیاء من العلماء والعُبَّاد ، کمشهد السید البدوی ، ومشاهد أهل البیت(علیهم السّلام) فی مصر، ومشهد عبد القادر وأبی حنیفة ، فی العراق .

وقد تنطع فی القرن الثامن شیخ یسمی ابن تیمیة ، فکفَّر جمیع المسلمین لزیارتهم قبور النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) والأولیاء ، واعتبر قصد الزیارة والتوسل بهم شرکاً وکفراً بالله تعالی .

ثم ظهر له أتباع فی القرنین الأخیرین یسمون الوهابیة ، عملوا بعنف وقسوة لمنع المسلمین من زیارة القبور المشرفة ، بأسلوب التهریج وقتل الزوار!

وقد اعتبرالشهید الأول محمد بن مکی(قدسّ سرّه)المعاصر لابن تیمیة ، فتاواه تلک مراغمةً منه للشیعة وحسداً لهم ، لما رأی من اهتمامهم بزیارة مشاهد الأئمة(علیهم السّلام) والمجاورة عندها ! قال فی ذکری الشیعة :3/111:« وارتکب واحد من العامة تحریم زیارة الأنبیاء والأئمة والصالحین(علیهم السّلام) متمسکاً بهذا الخبر علی مطلوبه (لاتشد الرحال إلا الی ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجدی ومسجد الأقصی- أحمد:2/278)، ذاهباً إلی أنه لابد من إضمار شئ هنا ولتکن العبادة ، لأن الأسفار المطلقة لیست حراماً، وهو تحکم محض لأن إباحة الشد للأسفار المطلقة یستلزم أولویة إباحته لما هو عبادة ، إذ العبادة أرجح فی نظر الشرع من السفر المباح ، ویلزمه عدم الشد لزیارة أحیاء العلماء وطلب العلم وصلة الرحم ، وقد جاء :من زار عالماً فکمن زار بیت المقدس . وورد :أطلبوا العلم ولو بالصین ، و سرْ سنتین بِرَّ والدیک .ولا

ص: 192

یخالف أحد فی إباحة هذا مع أنه عبادة فتعین أن المراد بالحدیث: لایستحق، أو لا یتأکد ، أو لا أولی بالشد

من هذه الثلاثة، أو یضمر المساجد ، کما سبق ذکره .

وهذا القائل کلامه صریح فی نفی مطلق زیارة قبور الأنبیاء والصلحاء ، لأنه احتج بأنه لم یثبت فی الزیارة خبر صحیح ، بل کل ما ورد فیها موضوع بزعمه!

وکل هذا مراغمةً للفرقة المحقة والطائفة الناجیة ، الذین یرون تعظیم الزیارات والمزارات ، ویهاجرون إلیها ویجاورون ، وفی رضی الله تعالی لأهلهم ودیارهم یفارقون، انعقد إجماع سلفهم وخلفهم علی ذلک وفیهم أهل البیت (علیهم السّلام) الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا ، ویروون فی ذلک أخباراً تفوق العد وتتجاوز الإحصاء بالغة حد التواتر ، وقد روی منها الحافظ ابن عساکر من العامة طرفاً صالحاً ، منها حدیث: وستکون حثالة من العامة یعیرون شیعتکم بزیارتکم کما تعیر الزانیة بزناها ! وغیره .

مع أن جمیع المسلمین مجمعون علی زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )منذ نقله الله إلی دار عفوه ومحل کرامته إلی هذا الزمان ، ففی کل سنة یُعملون المطیَّ ویشدون الرحال ولا ینصرفون إلا بعد السلام علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وانعقاد الإجماع فی هذه الأعصار قبل ظهور صاحب هذه المقالة الشنیعة وبعده ، حجة قاطعة ».

وکانو وما زالوا یشدون الرحال الی زیارتها فی مواسم ومراسم ، سواء من داخل البلد ، أو من بلد الی بلد آخر .

ولم یرُقْ ذلک لابن تیمیة فأعلن الحرب علی هذه المظاهر الدینیة الشعبیة ، وأفتی بأنها حرام واستدل بروایة أحمد بن حنبل ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد) کما رأیت . ثم صعَّد فتواه فزعم أن هذه المظاهر شرکٌ یجب منعها !

وقد رد علیه علماء عصره ، ومن أبرزهم السبکی الذی کان مرجع مصر وبلاد الشام ، فألف کتابه المشهور (شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام ) .

وسجنت السلطة ابن تیمیة واستتابه علماء المذاهب الأربعة فتاب إلا قلیلا!

کان ذلک فی أوائل القرن الثامن ، وانتهی الأمر فی ذلک العصر ، واستمر المسلمون علی زیارة قبور الأنبیاء والأولیاء(علیهم السّلام) خمسة قرون ولم یعکر صفوهم أحد ، حتی جاء شیخ نجدی هو محمد بن عبد الوهاب وقام بحرکة فی الجزیرة شعارها محاربة الخلافة العثمانیة بمساعدة الإنکلیز ، ومحاربة المسلمین بحجة أنهم مشرکون بالله ، لزیارتهم قبور الأنبیاء والأولیاء(علیهم السّلام) والتوسل بهم !

وقد أغار الوهابیة علی المشاهد المشرفة فی العراق وعلی الحلة ، عدة مرات فی مطلع القرن الثالث عشر الهجری، لیستولوا علی هذه المدن ویهدموا مشاهد الأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) ویمنعوا المسلمین من زیارتها، لکن العراقیین قاوموهم وهزموهم فرجعوا خائبین.

ص: 194

وفی عصرنا عمل الوهابیة علی إیجاد حالة فوضی بعد سقوط طاغیة العراق صدام لاستغلالها فی هدم المشاهد المشرفة فی العراق وإبادة الشیعة وإقامة نظام حکم وهابی ! فدعموا تنظیم القاعدة وبقایا أجهزة صدام ، وقاموا بموجات مجنونة من القتل الطائفی والتفجیر ، ورکزوا علی تجمعات الزوار الشیعة فی النجف وکربلاء والکاظمیة وسامراء ، فقتلوا المئات والألوف ، ثم قاموا بجریمة تفجیر مشهد الإمامین العسکریین(علیهماالسّلام)فی سامراء ، فحدثت ردة فعل قویة من شیعة بغداد جعلت الإرهابیین یعیدون النظر فی خطتهم !

لکن مشایخ الوهابیة واصلوا إصدار الفتاوی والخطب ، یحرضون بها الإرهابیین علی إبادة الشیعة ، وهدم مشاهد الأئمة(علیهم السّلام) ! وکانت حجة مفتیهم أن الرافضة إذا تمکنوا فی العراق ینغلق باب الدعوة أمام الوهابیة فی العالم ، لأن الشیعة العراقیین یدعون الی مذهبهم !

وفی المقابل زاد الشیعة فی العراق والسنة فی مصر تمسکاً بزیارة مشاهد وقبور الأئمة والأولیاء ، وفاق عدد الذین ذهبوا مشیاً الی زیارة الإمام الحسین(علیه السّلام) فی العراق عن العشرة ملایین !

والعجیب فی الأمر أن الوهابیة ما زالوا یُصِرُّونَ علی فرض مذهبهم علی المسلمین فی العالم ، ولو بالعنف والقتل والتفجیر ، وهذا یدل علی تخلفهم وطغیانهم معاً !

ص: 195

ص: 196

ص: 198

وروی أن نمروداً لمَّا رأی النار صارت برداً وسلاماً علی إبراهیم (علیه السّلام)سأله: من أنجاک ؟! قال: ربی ورب العالمین . فقال نمرود لمن حوله: لقد نفعه ربه، فمن أراد أن یتخذ إلهاً فلیتخذه مثل إله إبراهیم ! (الکافی:8/369).

یقصد نمرود أنه هو وأمثاله لا یحتاجون الی اتخاذ إله ! وبهذا حرَّف القضیة من الإعتراف بحقیقة موضوعیة ، وجعلها حاجة لبعض الناس ، أما هو فلا یحتاج !

إن أصل جریمة الملحد أنه قرر مسبقاً أن ینفی وجود الله تعالی ،

ویرفض الأدلة علیه مهما کانت قویة ! وهذا هو الظلم والعلو الذی قال الله تعالی عنه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ.والآیة تدل علی أن الإلحاد یستتبع الإفساد، لأن الملحد ظالم متکبر ، فهو یفسد فی المجتمع لا محالة !

وهم عاجزون عن الإجابة لأن الأذن والأعصاب تنقل الذبذبات الی المخ، وهی موجودات محسوسة ، والسمع الذی نسمع به وجودٌ غیر محسوس !

وفی الحقیقة أن الأذن لیست هی التی تسمع ، بل هی جهاز ینقل الذبذبات کأی طبلة وأسلاک ، والمخ لیس هو الذی یسمع ، بل هو جهاز ینقل الإشارات الی السمع ، فهذا السمع إن کان موجوداً مادیاً فأین هو وأین مکانه؟ وإن لم یکن موجوداً فلا یمکن أن نسمع ! ولاجواب إلا أنه موجود غیر مادی عرفناه بالعقل فهو غیبی ولیس مادیاً !

ویدل علی أن السمع لیس انعکاساً مادیاً لأدواته، أن أدواته لو لم توجد فهو موجود ، ولو وجدت وسیلة أخری غیر الأذن تؤدی دورها لحصل السمع!

وإن أصروا علی أن السمع أثر للمادة ، فالسؤال: هل هو أثرٌ مادی أم غیر مادی؟ فإن کان مادیاً فأین هو؟وإلا فقد سقطت النظریة الحسیة من أصلها !

فالصحیح فی السمع والحس أنه موجود بشکل مستقل عن الجسم، وأنه قوةٌ من قوی الروح التی ترتبط بالبدن بنحو تتقبل رموز تفاعلاته المادیة ،وتترجمها الی مدرکات ! والذی یکلمک لیس بدن مخاطبک بل روحه، بوسیلة آلیة معینة. والذی یفهم منه ویجیبه لیس بدنک بل روحک بواسطة آلیة معینة !

قال الله تعالی: وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِیلاً. (الإسراء:85). وستبقی معلومات البشر عن الروح قلیلة، وستبقی روح المؤمن والملحد التی بین جنبیه لغزاً ، بها یحیا ویفکر ویتساءل ولایعرف عنها إلا القلیل ! وکلما اکتشفوا معلومة منها ، انکشفت جوانب أکثر إعجازاً وإلغازاً !

ص: 201

وهو قول الله تعالی:أم خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَئٍ أم هُمُ الْخَالِقُونَ. وقد سأل رجل الإمام الرضا(علیه السّلام):«یا ابن رسول الله ما الدلیل علی حدوث

العالم؟فقال: أنت لم تکن ثم کنت،وقد علمت أنک لم تُکوِّنْ نفسک، ولا کوَّنک من هو مثلک». (البحار:3/36).

3- دلیل النظم الکونی: فکل ما فی الکون مخلوق علی قواعد وأصول ، بعلم وحکمة ، من أصغر ذراته الی أکبر مجراته !

فکما نستدل بالسطر مکتوب علی وجود کاتبه ، فکذلک نستدل بالنبتة علی وجود خالقها عز وجل ، فأی علم وحکمة أعطی الماء والتراب سراً یبعث الحبة من یبسها وموتها نباتاً حیاً سویاً؟ وأعطی لجذرها قدرة علی شق الأرض والعثور علی قوته وغذائه فی مائدة التراب الغنیة .

وأی قدرة وحکمة خلقت الجذور واعیةً لعملها، ضاربةً فی أعماق التربة. والجذوع والفروع باسقةً الی أعلی الفضاء! یکافح کل منهما قانوناً یضاده ویمضی فی مساره ، هذه فی الأعماق وهذه فی الآفاق؟! إن التأمل فی شجرة واحدة وأنظمتها ، من عروقها الی آلاف أوراقها، یبعث فی الإنسان الدهشة والذهول أمام علم الخالق وقدرته اللامتناهیة: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَاکَانَ لَکُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ. (راجع مقدمة منهاج الصالحین للوحید الخراسانی) .

ص: 203

فقال له ابن أبی العوجاء: وکیف أوجبتَ هذا الإسم لهذا الشیخ ، دون هؤلاء؟

قال: لأنی رأیت عنده ما لم أره عندهم ! فقال له ابن أبی العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فیه منه! قال فقال ابن المقفع: لا تفعل فإنی أخاف أن یفسد علیک ما فی یدک . فقال: لیس ذا رأیک ، ولکن تخاف أن یضعف رأیک عندی فی إحلالک إیاه المحل الذی وصفت !

فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علیَّ هذا فقم إلیه ، وتحفظ ما استطعت من الزلل ، ولا تثنی عنانک إلی استرسال فیسلمک إلی عقال !وسِمْهُ مالک أو علیک.

قال فقام ابن أبی العوجاء وبقیت أنا وابن المقفع جالسین، فلما رجع إلینا ابن أبی العوجاء قال: ویلک یا ابن المقفع ما هذا ببشر! وإن کان فی الدنیا روحانیٌّ یتجسد إذا شاء ظاهراً ، ویتروَّح إذا شاء باطناً، فهو هذا !

فقال له: وکیف ذلک؟ قال: جلست إلیه فلما لم یبق عنده غیری ابتدأنی فقال: إن یکن الأمر علی ما یقول هؤلاء ، وهو علی ما یقولون ، یعنی أهل الطواف ، فقد سلموا وعطبتم ، وإن یکن الأمر علی ما تقولون ، ولیس کما تقولون ، فقد استویتم وهم !

فقلت له: یرحمک الله وأی شئ نقول وأی شئ یقولون؟ ما قولی وقولهم إلا واحداً ! فقال: وکیف یکون قولک وقولهم واحداً ، وهم یقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ، ویدینون بأن فی السماء إلهاً ، وأنها عمران. وأنتم تزعمون أن السماء خراب لیس فیها أحد ! قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن کان الأمر کما یقولون أن یظهر لخلقه ویدعوهم إلی عبادته حتی لایختلف منهم اثنان ! ولم

ص: 205

احتجب عنهم وأرسل إلیهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه کان أقرب إلی الإیمان به ؟ فقال لی: ویلک وکیف احتجب عنک من أراک قدرته فی نفسک: نُشوءک ولم تکن ، وکبرک بعد صغرک ، وقوتک بعد ضعفک ، وضعفک بعد قوتک ، وسقمک بعد صحتک ، وصحتک بعد سقمک ، ورضاک بعد غضبک ، وغضبک بعد رضاک، وحزنک بعد فرحک ، وفرحک بعد حزنک وحبک بعد بغضک ، وبغضک بعد حبک ، وعزمک بعد أناتک ، وأناتک بعد عزمک ، وشهوتک بعد کراهتک ، وکراهتک بعد شهوتک ، ورغبتک بعد رهبتک ورهبتک بعد رغبتک ، ورجاءک بعد یأسک ویأسک بعد رجائک ، وخاطرک بما لم یکن فی وهمک ، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنک... وما زال یُعدِّد علیَّ قدرته التی هی فی نفسی التی لا أدفعها حتی ظننت أنه سیظهر فیما بینی وبینه!».(الکافی:1/74).

3 - قال محمد بن إسحاق:إن عبد الله الدیصانی(ملحد معروف)سأل هشام بن الحکم فقال له: ألک رب؟ فقال: بلی ، قال أقادرٌ هو ؟ قال: نعم قادر قاهر. قال: یقدر أن یدخل الدنیا کلها البیضة لا تکبر البیضة ولا تصغر الدنیا؟ قال هشام: النظرة(أی أمهلنی)فقال له: قد أنظرتک حولاً ، ثم خرج عنه فرکب هشام إلی أبی عبد الله(الإمام الصادق(علیه السّلام))فاستأذن علیه فأذن له فقال له: یا ابن رسول الله أتانی عبد الله الدیصانی بمسألة لیس المعول فیها إلا علی الله وعلیک، فقال له أبو عبدالله(علیه السّلام):عن ماذا سألک؟فقال قال لی:کیت وکیت، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام):یا هشام کم حواسک؟ قال خمس. قال: أیها أصغر؟ قال الناظر، قال: وکم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها . فقال له: یا هشام ! فانظر أمامک وفوقک

ص: 206

وأخبرنی بما تری ، فقال: أری سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراری وجبالاً وأنهاراً . فقال له أبو عبد الله(علیه السّلام): إن الذی قدر أن یدخل الذی تراه العدسة أو أقل منها قادر أن یدخل الدنیا کلها البیضة ، لا تصغر الدنیا ولا تکبر البیضة ! فأکب هشام علیه وقبل یدیه ورأسه ورجلیه وقال: حسبی یا ابن رسول الله ، وانصرف إلی منزله .

وغدا علیه الدیصانی فقال له: یا هشام إنی جئتک مسلِّماً ولم أجئک متقاضیاً للجواب، فقال له هشام: إن کنت جئت متقاضیاً فهاک الجواب، فخرج الدیصانی عنه حتی أتی باب أبی عبد الله(علیه السّلام) فاستأذن علیه فأذن له ، فلما قعد قال له: یا جعفر بن محمد دُلَّنی علی معبودی.فقال له أبو عبد الله: ما اسمک؟ فخرج عنه ولم یخبره باسمه فقال له أصحابه: کیف لم تخبره باسمک؟ قال: لو کنت قلت له: عبد الله ، کان یقول: من هذا الذی أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إلیه وقل له یدلک علی معبودک ولا یسألک عن اسمک . فرجع إلیه فقال له: یا جعفر بن محمد دلنی علی معبودی ولا تسألنی عن إسمی .فقال له أبو عبدالله(علیه السّلام): أجلس ، وإذا غلام له صغیر فی کفه بیضة یلعب بها فقال له أبو عبد الله: ناولنی یا غلام البیضة فناوله إیاهافقال له أبو عبدالله(علیه السّلام): یا دیصانی، هذا حصن مکنون له جلد غلیظ ، وتحت الجلد الغلیظ جلد رقیق وتحت الجلد الرقیق ذهبة مائعة وفضة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهی علی حالها لم یخرج منها خارج مصلح فیخبر عن صلاحها ، ولا دخل فیها مفسد فیخبر عن فسادها ، لا یدری للذکر خلقت أم للأنثی ، تنفلق عن مثل

ص: 207

ألوان الطواویس ، أتری لها مدبراً؟! قال: فأطرق ملیاً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله وأنک إمام وحجة من الله علی خلقه، وأنا تائب مما کنت فیه» (الکافی:1/79).

سفینة تَعْبُرُ بالناس من جانب إلی جانب بلا ملاح ، ولا ماصِر! (مسؤول حرکة السفن).فقال له صاحبه الملحد وکان بحضرته: إن هذا أصلحک الله لَمَجنون !

قال فقلت: وکیف ذاک؟ قال: خشبٌ جمادٌ لا حیلة له ولا قوة ولا حیاة فیه ولا عمل کیف یَعْبُرُ بالناس؟

فقال أبو الحسن: فأیهما أعجب؟ هذا أو هذا الماء الذی یجری علی وجه الأرض یَمْنَةً ویَسْرةً بلاروح ولا حیلة ولا قوی، وهذا النبات الذی یخرج من الأرض، والمطر الذی ینزل من السماء ، تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا کله ، وتنکر أن تکون سفینة تتحرک بلا مدبر وتَعْبُر بالناس ! قال: فبهت الملحد » !

وقد سئل الصادق(علیه السّلام): لم لا یجوز أن یکون صانع العالم أکثر من واحد؟ فقال(علیه السّلام): ثم یلزمک إن ادعیت اثنین فرجة ما بینهما حتی یکونا اثنین ، فصارت الفرجة ثالثاً بینهما قدیماً معهما ، فیلزمک ثلاثة ، وإن ادعیت ثلاثة لزمک ما قلنا فی الإثنین، حتی تکون بینهم فرجة فیکونوا خمسة! ثم یتناهی فی العدد إلی ما لا نهایة له فی الکثرة».

قال الصدوق(قدسّ سرّه): « اعتقادنا فی التوحید:لیس کمثله شی، قدیم لم یزل، سمیع بصیر ، علیم حکیم ، حی قیوم ، عزیز ، قدوس ، قادر غنی ، لا یوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سکون ولا حرکة ولا مکان ولا زمان . وأنه تعالی متعال عن جمیع صفات خلقه خارج من الحدین حد الإبطال

وحد التشبیه ، وأنه تعالی شی لا کالأشیاء ، أحد صمد لم یلد فیورث ، ولم یولد فیشارک ، ولم یکن له کفواً أحد ، ولا ند ولا ضد ولا شبه ، ولا صاحبة، ولا مثل ولا نظیر ولا شریک ، لاتدرکه الأبصار والأوهام وهو یدرکها ، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطیف الخبیر، خالق کل شئ ، لا إله إلا هو له الخلق والأمر، تبارک الله رب العالمین .ومن قال بالتشبیه فهو مشرک ومن نسب إلی الإمامیة غیر ما وصف فی التوحید فهو کاذب، وکل خبر یخالف ما ذکرت فی التوحید فهو موضوع مخترع ، وکل حدیث لایوافق کتاب الله فهو باطل ، وإن وجد فی کتاب علمائنا فهو مدلس . والأخبار التی یتوهمها الجهال تشبیهاً لله تعالی بخلقه فمعانیها محمولة علی ما فی القرآن من نظائرها ، لأن فی

ص: 210

القرآن: کل شی هالک إلا وجهه، ومعنی الوجه: الدین والدین هو الوجه الذی یؤتی الله منه ویتوجه به إلیه . وفی القرآن: یوم یکشف عن ساق ویدعون إلی السجود والساق وجه الأمر وشدته . وفی القرآن: أن تقول نفس یا حسرتی علی ما فرطت فی جنب الله ، والجنب: الطاعة. وفی القرآن: ونفحت فیه من روحی ، والروح هی روح مخلوقة جعل الله منها فی آدم وعیسی(علیهماالسّلام)، وإنما قال روحی کما قال بیتی وعبدی وجنتی ».

الخالق ، البارئ ، المصور ، الملک ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهیمن ، العزیز ، الجبار ، المتکبر ، الرحمن ، الرحیم ، اللطیف ، الخبیر ، السمیع ، البصیر ، العلی ، العظیم ، البارئ ، المتعالی ، الجلیل ، الجمیل ، الحی ، القیوم ، القادر ، القاهر ، الحکیم ، القریب ، المجیب ، الغنی ، الوهاب ، الودود ، الشکور ، الماجد ، الأحد الولی ، الرشید ، الغفور ، الکریم ، الحلیم ، التواب ، الرب المجید ، الحمید ، الوفی ، الشهید ، المبین ، البرهان ، الرؤوف ، المبدئ ، المعید ، الباعث ، الوارث ، القوی، الشدید ، الضار ، النافع ، الوافی ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل الرازق ، ذو القوة ، المتین ، القائم، الوکیل، العادل ، الجامع ، المعطی المجتبی ، المحیی ، الممیت ، الکافی ، الهادی ، الأبد ، الصادق ، النور ، القدیم ، الحق ، الفرد ، الوتر، الواسع، المحصی، المقتدر، المقدم، المؤخر، المنتقم ، البدیع».

أقول: یبدو أن الأسماء المقدسة تتعلق بأنواع فاعلیات الله تعالی فی الوجود ، وأن نظام الأسماء الحسنی عمیق فی وجود الکون وحیاته ومساره ، ومن هذا الأفق یمکن أن تفهم معنی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) هم الأسماء الحسنی أو مظاهرها.

ففی الکافی:1/143، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)فی تفسیر قوله تعالی: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا، قال: نحن والله الأسماء الحسنی ، التی لایقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا ».

ص: 212

حال أبداً، وهذا مثل قوله عزوجل: وَلا یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیَاطِ، ومعناه أنهم لا یدخلون الجنة أبداً ، کما لایلج الجمل فی سم الخیاط أبداً.

فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، أی ظهر للجبل بآیة من آیاته ، وتلک الآیة نور من الأنوار التی خلقها ألقی منها علی ذلک الجبل: جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً ، من هول تزلزل ذلک الجبل علی عظمه وکبره .

فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ: أی رجعت إلی معرفتی بک عادلاً عما حملنی علیه قومی من سؤالک الرؤیة ، ولم تکن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبیاء(علیهم السّلام) لا یذنبون ذنباً صغیراً ولا کبیراً ، ولم یکن الإستیذان قبل السؤال بواجب علیه ، لکنه کان أدباً یستعمله ویأخذ به نفسه متی أراد أن یسأله. علی أنه قد روی قوم أنه قد استأذن فی ذلک فأذن له ، لیعلم قومه بذلک أن الرؤیة لا تجوز علی الله عزوجل . وقوله: وأنا أول الْمُؤْمِنِینَ ، یقول: وأنا أول المؤمنین من القوم الذین کانوا معه وسألوه أن یسأل ربه أن یریه ینظر إلیه ، بأنک لا تری».

ثم ظهرت أفکار الرؤیة والتشبیه وشاعت فی عهد عمر وبعده ، فنهض أهل البیت(علیهم السّلام) وبعض الصحابة لردها وتکذیبها ! وقالت عائشة إنها فِرْیَة عظیمة علی الله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فقد روی بخاری فی صحیحه:6/50: «عن مسروق قال: قلت لعائشة: یا أُمَّتَاه هل رأی محمد(ص)ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعری مما قلت! أین أنت من ثلاث من حدثکهن فقد کذب: من حدثک أن محمداً (ص) رأی ربه فقد کذب ، ثم قرأت:لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَیُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ . وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. ولکنه رأی جبرئیل فی صورته مرتین».«من زعم أن محمداً رأی ربه فقد أعظم علی الله الفریة».(مسلم:1/110).

وروی المجلسی فی بحار الأنوار:36/194: « عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب یوماً وعنده کعب الحبر .إذ قال عمر یا کعب أحافظٌ أنت للتوراة؟ قال کعب: إنی لأحفظ منها کثیراً . فقال رجل من جنبة المجلس: یا أمیر المؤمنین سله أین کان الله جل ثناؤه قبل أن یخلق عرشه ومِمَّ خلق الماء الذی جعل علیه عرشه؟ فقال عمر: یا کعب هل عندک من هذا علم ؟ فقال کعب: نعم یا أمیر المؤمنین ، نجد فی الأصل الحکیم أن الله تبارک وتعالی کان قدیماً قبل خلق العرش وکان علی صخرة بیت المقدس فی الهواء ، فلما أراد أن یخلق عرشه تفل تفلة کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التی کانت تحته ، وآخر ما بقی منها لمسجد قدسه ! قال ابن عباس: وکان علی بن أبی طالب(علیه السّلام) حاضراً فَعَظَّمَ عَلِیٌّ ربه ، وقام علی قدمیه ونفض ثیابه ! فأقسم علیه

ص: 215

عمر لمَاَ عاد إلی مجلسه ، ففعله. قال عمر: غص علیها یا غواص ، ما تقول یا أبا الحسن، فما علمتک إلا مفرجاً للغم!

فالتفت علی(علیه السّلام) إلی کعب فقال: غلط أصحابک وحرفوا کتب الله وفتحوا الفریة علیه ! یا کعب ویحک ! إن الصخرة التی زعمت لا تحوی جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذی ذکرت لا یحوز أقطاره ولو کانت الصخرة والهواء قدیمین معه لکان لهما قدمته ، وعزّ الله وجل أن یقال له مکانٌ یُومَی إلیه ، والله لیس کما یقول الملحدون ولا کما یظن الجاهلون ، ولکن کان ولا مکان ، بحیث لا تبلغه الأذهان ، وقولی(کان)عجزٌ عن کونه ، وهو مما عَلَّمَ من البیان یقول الله عز وجل:خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَیَانَ ، فقولی له(کان) ما علمنی من البیان لأنطق بحججه وعظمته، وکان ولم یزل ربنا مقتدراً علی ما یشاء محیطاً بکل الأشیاء، ثم کَوَّنَ ما أراد بلا فکرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت علیه فیما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غیر شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وکان قدیراً أن یخلق الظلمة لا من شئ کما خلق النور من غیر شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور یاقوتة غلظها کغلظ سبع سماوات وسبع أرضین ، ثم زجر الیاقوتة فماعت لهیبته فصارت ماءً مرتعداً ولا یزال مرتعداً إلی یوم القیامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علی الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان یسبح الله کل لسان منها بعشرة آلاف لغة لیس فیها لغة تشبه الأخری ، وکان العرش علی الماء من دونه حجب الضباب، وذلک قوله: وکان عرشه علی الماء لیبلوکم . یا کعب ویحک ، إن من کانت البحار تفلته علی قولک ، کان أعظم من أن تحویه صخرة

ص: 216

بیت المقدس أو یحویه الهواء الذی أشرت إلیه أنه حل فیه ! فضحک عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر ، وهکذا یکون العلم لا کعلمک یا کعب . لا عشت إلی زمان لا أری فیه أبا حسن» !

وفی نهج البلاغة:2/99:«سأله ذعلب الیمانی فقال: هل رأیت ربک یا أمیر المؤمنین؟ فقال: أفأعبد ما لا أری ! فقال: وکیف تراه؟! فقال: لا تراه العیون بمشاهدة العیان ، ولکن تدرکه القلوب بحقائق الإیمان ، قریبٌ من الأشیاء غیر ملامس ، بعیدٌ منها غیر مباین، متکلمٌ لا برویة، مریدٌ لا بهمَّة ، صانعٌ لابجارحة، لطیفٌ لا یوصف بالخفاء ، کبیرٌ لا یوصف بالجفاء ، بصیرٌ لا یوصف بالحاسة ، رحیمٌ لا یوصف بالرقة . تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته». انتهی.

فالقول برؤیة الله بالعین جاء من تأثر المسلمین بالیهود والنصاری والمجوس، وقد وقف أهل البیت(علیهم السّلام) وجمهور الصحابة ضده ، ونفوا نسبته إلی الإسلام ، لأنه یستلزم التجسیم.

والدلیل البسیط علی ذلک أن ما تراه العین لا بد أن یکون موجوداً داخل المکان والزمان، والله تعالی وجود متعال علی الزمان والمکان ، لأنه خلقهما وبدأ شریطهما من الصفر والعدم، فلا یصح أن نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانینهما !

ص: 217

قوله:علی صورته ، یعود علی الله بدلیل ما جاء فی روایة أخری صحیحة : علی صورة الرحمن»!

وکلامه تقلید لإمامه ابن تیمیة الذی تبنی الحدیث المکذوب عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال فی کتابه التأسیس فی الرد علی أساس التقدیس: «وهذا یدل علی أنه رآه ، وأخبر أنه رآه فی صورة شاب دونه ستر وقدماه فی خضرة ، وأن هذه الرؤیة هی المعارضة بالآیة والمُجاب عنها بما تقدّم ، فیقتضی أنها رؤیة عین ،کما فی الحدیث الصحیح المرفوع عن قتادة ، عن عکرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص) : رأیتُ ربی فی صورة أمرد ، له وفرة ، جعد ، قطط فی روضة خضراء »! راجع أیضاً: نقض عثمان بن سعید علی المریسی/438، وتفسیر ابن کثیر:6/448.

ص: 219

فی الوجود ، فلا یصح أن نقیس ذاته عز وجل علی ذواتنا ، ولا أفعاله علی أفعالنا . ولعل أکثر الخلاف بین العدلیة والمجبرة ناشئ من هذا القیاس .

إن أکبر العلماء فی أرضنا هو الذی یفهم شیئاً من قوانین عمل الله تعالی فی بعض مجالات الطبیعة ! والعبقری النابغة عندنا هو الذی یتعمق فی دراسة المادة ویصل الی معرفة ترکیب الخلیة أو الذرة . وهذه من فاعلیات الله العادیة فی کونه الوسیع ! لذلک وجب علینا أن نتهم أنفسنا بالقصور وعدم الفهم ، بدل أن ننسب الی الله تعالی مالا یجوز علیه أو لا یلیق به.

باب الإعتقاد فی الإرادة والمشیئة: إعتقادنا فی ذلک قول الصادق(علیه السّلام): شاء الله وأراد ولم یحبّ ولم یرض . شاء أن لا یکون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلک، ولم یحب أن یقال له ثالث ثلاثة ، ولم یرض لعباده الکفر. قال الله تعالی: إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ. وقال تعالی: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ یَشَاءَ اللهُ . وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لامَنَ مَنْ فِی الأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعًا أَفَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ. وقال عز وجل: وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ.کما قال تعالی: وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ کِتَابًا مُؤَجَّلاً.وکما قال عز وجل:قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلَی مَضَاجِعِهِمْ. وقال تعالی: وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا یَفْتَرُونَ..وقال الله تعالی: یُرِیدُ اللهُ لِیُبَیِّنَ لَکُمْ وَیَهْدِیَکُمْ سُنَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَیَتُوبَ عَلَیْکُمْ. وقال تعالی: یُرِیدُ اللهُ أَلا یَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِی الأَخِرَةِ . وقال: یُرِیدُ اللهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ وقال تعالی: یُرِیدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ...

فهذا اعتقادنا فی الإرادة والمشیئة ، ومخالفونا یشنعون علینا فی ذلک ویقولون إنا نقول إن الله تعالی أراد المعاصی ، وأراد قتل الحسین بن علی(علیهماالسّلام)، ولیس هکذا نقول، ولکنا نقول: إن الله تعالی أراد أن تکون معصیة العاصین خلاف طاعة المطیعین ، وأردا أن تکون المعاصی غیر منسوبة إلیه من جهة الفعل ، وأراد أن یکون موصوفاً بالعلم بها قبل کونها، ونقول: أراد الله أن یکون قتل الحسین(علیه السّلام) معصیة خلاف الطاعة . ونقول: أراد الله أن یکون قتله منهیاً عنه غیر مأمور به..

ونقول أراد الله ألا یمنع من قتله بالجبر والقدرة، کما منع منه بالنهی والقول ، ولو منع منه بالجبر والقدرة کما منع منه بالنهی والقول لاندفع القتل عنه (علیه السّلام)کما

ص: 223

اندفع الحرق عن إبراهیم(علیه السّلام)حین قال تعالی للنار التی ألقی فیها: قُلْنَا یَا نَارُ کُونِی بَرْدًا وَسَلامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ... ونقول: ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن...

باب الإعتقاد فی القضاء والقدر: إعتقادنا فی ذلک قول الصادق (علیه السّلام)لزرارة حین سأله فقال : ما تقول یا سیدی فی القضاء والقدر؟ قال: أقول إن الله تعالی إذا جمع العباد یوم القیامة سألهم عما قضی علیهم.

وروی أن أمیر المؤمنین (علیه السّلام)عدل من عند حائط مائل إلی مکان آخر ، فقیل له: یا أمیر المؤمنین تفر من قضاء الله ؟ فقال (علیه السّلام): أفر من قضاء الله إلی قدر الله.! وسئل الصادق (علیه السّلام)عن الرُّقی هل تدفع من القدر شیئاً؟فقال: هی من القدر».

أقول: فی العدل الإلهی بحوث عدیدة عقلیة ونقلیة، تجدها فی الکتب الکلامیة.

ص: 224

نبی وأربعة وعشرون ألف نبی ومائة ألف وصی وأربعة وعشرون ألف وصی(علیهم السّلام) ، لکل نبی منهم وصی أوصی إلیه بأمر الله تعالی . نعتقد فیهم أنهم جاءوا بالحق من عند الحق ، وأن قولهم قول الله تعالی وأمرهم أمر الله تعالی ، وطاعتهم طاعة الله تعالی ، ومعصیتهم معصیة الله تعالی.

وأنهم لم ینطقوا إلا عن الله تعالی وعن وحیه. وأن سادة الأنبیاء الذین علیهم دارت الرحی خمسة، هم أصحاب الشرایع، وهم أولو العزم: نوح ، وإبراهیم ، وموسی ، وعیسی ، ومحمد ، صلوات الله علیهم أجمعین .

وأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سیدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلین، وأن الذین کذبوا به لذائقوا العذاب الألیم ، وأن الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذی أنزل معه أولئک المفلحون الفائزون .

ویجب أن نعتقد أن الله تعالی لم یخلق خلقاً أفضل من محمد والأئمة(علیهم السّلام) ، وأنهم أحب الخلق إلی الله وأکرمهم علیه ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله میثاق النبیین ، وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم؟ قالوا بلی.

وأن الله تعالی بعث نبیه محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلی الأنبیاء فی الذر، وأن الله تعالی أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر معرفته نبینا ، وسبقه إلی الإقرار به .

وأن الله تعالی خلق جمیع ما خلق له ولأهل بیته(علیهم السّلام) ، وأنه لولاهم لما خلق الله السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ، ولا الملائکة ، ولا شیئاً مما خلق . صلوات الله علیهم أجمعین ».

ص: 227

وإنما قال تعالی ذلک لأن الناس منهم من کان یعتقد الربوبیة لعیسی ویتعبد له ، وهم صنف من النصاری ، ومنهم من عبد الملائکة وهم الصابئون وغیرهم ، فقال الله عز وجل: لَنْ یَسْتَنْکِفَ الْمَسِیحُ ، والمعبودون دونی أن یکوا عباداً لی .

والملائکة روحانیون معصومون لا یعصون الله ما أمرهم ویفعلون ما یؤمرون. لایأکلون ولایشربون ولا یألمون ولا یسقمون ولا یشیبون ولا یهرمون ! طعامهم وشرابهم التسبیح والتقدیس ، وعیشهم من نسیم العرش ، وتلذذهم بأنواع العلوم ، خلقهم الله أنواراً وأرواحاً ، کما شاء وأراد ».

العترة النبویة الطاهرة ، صلوات الله علیهم .

وقد نشر الیهود قصص الأنبیاء(علیهم السّلام) وفیها انتقاصهم والإفتراء علیهم ، وتبنتها حکومات الخلافة القرشیة ، وأعطت رواتها مناصب علیا فی الدولة !

کما نشرروایات الإنتقاص من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لتبریر عمل الخلفاء ، بل فضلوا خلفاءهم علی الأنبیاء(علیهم السّلام) أحیاناً ! (راجع العقائد الإسلامیة:5، وألف سؤال وإشکال:2).

وقد سأل هشام بن الحکم الإمام الصادق(علیه السّلام)عن العصمة ، فقال: «المعصوم هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله ، وقال الله تبارک وتعالی: ومن یعتصم بالله فقد هدی إلی صراط مستقیم » (معانی الأخبار للصدوق/132) . نقطة نهایة السطر وقال الإمام زین العابدین(علیه السّلام)کما فی معانی الأخبار/132: « الإمام منا لایکون إلا معصوماً ، ولیست العصمة فی ظاهر الخلقة فیعرف بها ، ولذلک لایکون إلا منصوصاً. فقیل له: یا ابن رسول الله فما معنی المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لایفترقان إلی یوم القیامة ، والإمام یهدی إلی القرآن والقرآن یهدی إلی الإمام ، وذلک قول الله عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ ».

وفی معانی الأخبار/132: «عن محمد بن أبی عمیر قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحکم فی طول صحبتی له شیئاً أحسن من هذا الکلام فی صفة عصمة الإمام(علیه السّلام)فإنی سألته یوماً عن الإمام أهو معصوم؟ فقال: نعم. فقلت: فما صفة العصمة فیه؟ وبأی شئ تعرف؟ فقال: إن جمیع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منفیة عنه ، لا یجوز

ص: 230

أن یکون حریصاً علی هذه الدنیا وهی تحت خاتمه ، لأنه خازن المسلمین ، فعلی ماذا یحرص؟ ولا یجوز أن یکون حسوداً لأن الإنسان إنما یحسد من فوقه ولیس فوقه أحد ، فکیف یحسد من هو دونه ؟

ولا یجوز أن یغضب لشئ من أمور الدنیا إلا أن یکون غضبه لله عز وجل ، فإن الله عز وجل قد فرض علیه إقامة الحدود ، وأن لا تأخذه فی الله لومة لائم ، ولا رأفة فی دینه حتی یقیم حدود الله عز وجل .

ولا یجوز له أن یتبع الشهوات ویؤثر الدنیا علی الآخرة ، لأن الله عز وجل حبب إلیه الآخرة کما حبب إلینا الدنیا ، فهو ینظر إلی الآخرة کما ننظر إلی الدنیا فهل رأیت أحداً ترک وجهاً حسناً لوجه قبیح وطعاماً طیباً لطعام مر، وثوباً لیناً لثوب خشن، ونعمةً دائمةً باقیة لدنیا زائلة فانیة»!(وعلل الشرائع:1/204،والخصال/215)

أقول: هذه الدرجة إنما أعطاها الله للمعصوم(علیه السّلام)بجهاده .قال الإمام زین العابدین(علیه السّلام):«إن المراتب الرفیعة لاتنال إلا بالتسلیم لله جل ثناؤه وترک الإقتراح علیه والرضا بما یدبرهم به. إن أولیاء الله صبروا علی المحن والمکاره صبراً لمَّا یساوهم فیه غیرهم ، فجازاهم الله عز وجل عن ذلک بأن أوجب لهم نجح جمیع طلباتهم ، لکنهم مع ذلک لایریدون منه إلا مایریده لهم»! (أمالی الصدوق/539).

یرتکب معصیة ولا عملاً غیر لائق ، بل کان قدوة وقمةً فی النبل والسمو والرفعة . کما یدل علی عصمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعصمة عترته(علیهم السّلام) آیة التطهیر: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ، والعصمة هی الطهارة من الذنوب ، وما لایلیق .

کما یدل علیها وجوب طاعتهم(علیهم السّلام) فی مثل قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ ، فهووجوب مطلق فی کل الأمور وکل الحالات ، ولو کانت المعصیة تصدر منهم لما أمرنا الله بطاعتهم مطلقاً .

ومن الأدلة علی عصمة الأئمة(علیهم السّلام) : وصیة النبی لأمته بالقرآن وبهم بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی تارک فیکم الثقلین ، کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وهو حدیث صحیح متواتر عند الجمیع ، یدل علی أنهم کالقرآن ، لا یأتیهم الباطل من بین أیدیهم ولا من خلفهم ، بل هم المفسرون الشرعیون للقرآن ، والمبلغون لسنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . أما حدیث إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وسنتی ، فلم یصح له سند ، ولو صح فمعناه: أوصیکم بالقرآن وسنتی وعترتی ، فخذوا القرآن وسنتی منهم .

الی عشرات الأدلة التی دونها علماؤنا فی الکتب المبسوطة فی العقائد والإمامة.

ص: 232

ومع حصرهم للإمامة فی الحکم فقد وقع الخلاف بینهم فی أمور فیها:

1- صاحب الحق فی تعیین الإمام عندنا هو الله تعالی ، أما عندهم فهو الأمة لکنهم اختلفوا فی آلیة اختیار الإمام والخلیفة ، فقال بعضهم یصیر خلیفة وإماماً ببیعة شخص واحد یصفق علی یده ویبایعه فیصیر إماماً یجب علی جمیع المسلمین أن یقبلوه ویبایعوه ، کما حدث لأبی بکر !

لکن عمر بن الخطاب أفتی بأن هذه البیعة باطلة وجریمة ، فقال کما فی البخاری إنها فلتة فمن عاد لمثلها فاقتلوه لأن عمله ابتزاز للخلافة ! فیجب أن تکون بالشوری ، وهی محصورة فی أهل الحل والعقد ، وهم المهاجرون والأنصار بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکان عددهم مئات .

وفی عصرنا حیث لا یوجد مهاجرون وأنصار ، فهل تکون الشوری باستفتاء شعبی، فینتخب الحاکم من کل الناس ، أم من أهل الحل والعقد ، ومن الذی یعینهم ، هل بانتخاب من الناس ، أم یعینهم الحاکم السابق ؟

2- هل تصح الإمامة بوصیة الحاکم السابق الی اللاحق ، کما فعل أبو بکر فأوصی لعمر ، أم هی وصیة باطلة غیر ملزمة للأمة ، کما قال عمر ؟

3- هل یجوز للحاکم السابق أن یجعل الخلافة فی بضعة أشخاص ، ویأمرهم بالتوافق أو التصویت ، ویأمر بقتل من خالف الأکثریة منهم ؟ أو یعطی حق النقض لأحدهم ویأمر بقتل من خالفه ، کما فعل عمر بن الخطاب فأعطی حق النقض لعبد الرحمن بن عوف وأمر بقتل من خالفه ؟

4- هل یجوز للحاکم السابق أن یترک الناس بدون خلیفة وإمام ، وبدون ضوابط وآلیة محددة لانتخاب الخلیفة ، کما زعموا أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فعله !

والی الآن لم یحل فقهاء المذاهب السنیة هذه المعضلات فی الخلافة والإمامة .

ص: 234

أما قادة الحرکات التی تعمل لإعادة الخلافة ، فهم لایؤمنون بالشوری أبداً ، بل یدعون المسلمین لطاعة قائدهم ، ویعملون لفرضه بالقوة أمیراً وخلیفة !

5- ینبغی التنبیه الی أن الإمامة الربانیة منحصرة عندنا بالإثنی عشر إماماً(علیهم السّلام) وهم الذین بشر بهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وخاتمهم المهدی الغائب الموعود. ولا یمکن للأمة أن تنصب إماماً لأن العصمة صفة خفیة لایعرفها إلا الله تعالی .

أما حکم الناس فی عصر غیبة الإمام(علیه السّلام)وحتی یبعثه الله تعالی ، ففیه رأیان فقهیان فی مذهبنا:

أولهما: أنه حقٌّ للفقیه الجامع للشروط وهو المعروف باسم ولایة الفقیه .

وثانیهما: أن الحکم متروک للناس یختارون بالإنتخاب شکل الحکم ، وشخص الحاکم . ودور الفقهاء إنما هو التوجیه العام ، ولیس ممارسة السلطة .

تعالی بطاعتهم ، وأنهم الشهداء علی الناس، وأنهم أبواب الله ، والسبیل إلیه ، والأدلاء علیه. وأنهم عیبة علمه ، وتراجمة وحیه ، وأرکان توحیده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً ،وأن لهم المعجزات والدلائل، وأنهم أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء، وأن مثلهم فی هذه الأمة کسفینة نوح أو کباب حطة، وأنهم عباد الله المکرمون ، الذین لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون .

ونعتقد فیهم أن حبهم إیمان وبغضهم کفر، وأن أمرهم أمر الله تعالی ، ونهیهم نهی الله تعالی، وطاعتهم طاعة الله تعالی، وولیهم ولی الله تعالی ، وعدوهم عدو الله تعالی ، ومعصیتهم معصیة الله تعالی .

ونعتقد أن الأرض لا تخلو من حجة لله علی خلقه ، إما ظاهر مشهور ، أو خائف مغمور . ونعتقد أن حجة الله فی أرضه وخلیفته علی عباده فی زماننا هذا ، هو القائم المنتظر محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، وأنه هو الذی أخبر به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الله عز وجل باسمه ونسبه، وأنه هو الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً ، وأنه هو الذی یظهر الله به دینه علی الدین کله ولو کره المشرکون، وأنه هو الذی یفتح الله علی یدیه مشارق الأرض ومغاربها ، حتی لا یبقی فی الأرض مکان إلا نودی فیه بالأذان ، ویکون الدین کله لله تعالی وأنه هو المهدی الذی أخبر به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه إذا خرج نزل عیسی بن مریم فصلی خلفه ، ویکون المصلی إذا صلی خلفه کمن کان مصلیاً خلف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 236

لأنه خلیفته . ونعتقد أنه لا یجوز أن یکون القائم غیره ، بقی فی غیبته ما بقی، ولو بقی فی غیبته عمر الدنیا ، لم یکن القائم غیره، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة(علیهم السّلام) دلوا علیه باسمه نسبه، وبه نصوا وبه بشروا ، صلوات الله علیه ».

ودعا علیاً(علیه السّلام)وأصعده المنبر ورفع بیده وقال: من کنت مولاه فهذا علی مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله !

وقد روی أتباع السلطة هذه الحدیث النبوی وصححوه ، لکنهم عملوا بعکسه ، ورفعوا فی مقابل أئمة العترة شعار الصحابة وقدموهم علیهم ! بل أبعدوا أهل البیت(علیهم السّلام) واضطهدوهم وقتلوهم ، واضطهدوا شیعتهم !

قال أبو الفتح الکراجکی فی کتابه التعجب/150: «ومن العجب أنهم یسمعون قول الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی مخلف فیکم الثقلین ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا: کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، فإنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ، وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مثل أهل بیتی فیکم کمثل سفینة نوح ، من رکبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق. وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بیتی أمان لأمتی.

فی أمثال هذه الأخبار الواردة مورد الظهور والإنتشار ، المتضمنة إعلامهم بأن الله تعالی قد أزاح بأهل بیت نبیه(علیهم السّلام) عللهم وأغناهم بهم عن غیرهم ، فیهجرونهم ولا یرجعون فی مسألة من الفقه إلیهم،ویتعلقون بأذیال مالک وأبی حنیفة والشافعی وسفیان الثوری وداود وابن حنبل ، المختلفی الأفعال والأقوال ، المتباینی الأحکام فی الحلال والحرام ، فیتبعونهم مقتدین بهم ، ویعتمدون علیهم فی معالم الدین ، ویتقربون بما یأخذونه منهم إلی رب العالمین ، ویقولون هم علماء الأمة وفقهاء أهل القبلة ، وأئمة الأنام وحفظة الإسلام ، الذین هذبوا الشرع وتمموا الناقص من السمع ! ومن سواهم لا یأخذون منه علماً ، ولا یصوبون له عملاً ! بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً ».

ونورد فیما یلی شریطاً لأقوال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی بیان مکانة علی(علیه السّلام)وخلافته ، فقد أکَّد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیه وعلی العترة (علیهم السّلام) فی کل مراحل نبوته من أولها الی ختامها

ص: 238

ورواه النسائی فی خصائص أمیر المؤمنین/99، وفیه:«فقلت: یا رسول الله بالصحبة إلا بسطت یدک حتی أبایعک علی الإسلام ». فطلب تجدید إسلامه لأنه کَفَرَ ببغضه لعلی!

سرائر قلبک فلم أجد فی قلبک أحب إلیک من علی بن أبی طالب فخاطبتک بلسانه کیما یطمئن قلبک». ومنهاج الکرامة/90، وکشف الیقین/229.

«أخذ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بیده یوم بدر فرفعها حتی نظر الناس إلی بیاض إبطیه وهو یقول: ألا إن هذا ابن عمی ووزیری ، فوازروه وناصحوه فإنه ولیکم بعدی ». (الإحتجاج:1/209).

تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَی أَحَدٍ وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْرَاکُمْ فَأَثَابَکُمْ غَمًّا بِغَمٍّ. فقاتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قتال الأبطال حتی وقع فی حفرة ، فأمره جبرئیل أن یستطل بالصخرة ویدافع عنه علی(علیه السّلام). (سیرة ابن هشام:3/655).

« قتل علی بن أبی طالب(علیه السّلام) یوم أحد أربعة عشر رجلاً ، وقتل سائر الناس سبعة ، وأصابه یومئذ ثمانون جراحة ، فمسحها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فلم ینفح منها شئ ». (الثاقب فی المناقب/63).قال علی(علیه السّلام):« أصابنی یوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلی الأرض فی أربع منهن ، فأتانی رجل حسن الوجه حسن اللمة طیب الریح فأخذ بِضِبْعِی فأقامنی ثم قال: أقبل علیهم فإنک فی طاعة الله وطاعة رسول الله وهما عنک راضیان ! فأتیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبرته فقال: یاعلی أقر الله عینک ذاک جبرئیل» . (المناقب:1/385 و: 2/78) .

وفی مبسوط السرخسی:1/73:«کسرت زند علی یوم أحد وفی یده لواء رسول الله (ص) فسقط اللواء من یده ، فتحاماه المسلمون أن یأخذوه ، فقال رسول الله(ص): فضعوه فی یده الشمال فإنه صاحب لوائی فی الدنیا والآخرة ».

ولعل ذلک فی الجولة الأولی بعد قتله أصحاب الألویة ، ثم مسح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) جراحه ، فواصل جهاده کأنه لم یصبه شئ!

من بیننا إلی السماء ، فکسرت جفن سیفی وقلت فی نفسی: لأقاتلن به عنه حتی أقتل ، وحملت علی القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد وقع علی الأرض مغشیاً علیه ، فقمت علی رأسه فنظر إلیَّ وقال: ما صنع الناس یا علی؟ فقلت: کفروا یا رسول الله وولوا الدبر وأسلموک ! فنظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی کتیبة قد أقبلت إلیه فقال لی: رد عنی یا علی هذه الکتیبة فحملت علیها بسیفی أضربها یمیناً وشمالاً حتی ولوا الأدبار..فقال لی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أما تسمع یا علی مدیحک فی السماء ، إن ملکاً یقال له رضوان ینادی: لاسیف إلا ذو الفقار ولا فتی إلا علی. فبکیت سروراً وحمدت الله سبحانه علی نعمته ».(الإرشاد:1/86 ، والمناقب:2/315) .

عبد إلا أحببته ، ومن أحببته لم أعذبه بناری ، ولا یبغضه عبد إلا أبغضته ، ومن أبغضته ما له فی الجنة من نصیب »! (الجواهر السنیة/301).

یقول:فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ . وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد قتله: الآن نغزوهم ولایغزوننا ». (إعلام الوری:1/382 ، والإرشاد: 1/102، والحاکم: 3/34 ).

فألقاه بالأرض ، ففتح الله ذلک الحصن الذی هو حصن ناعم، وهو أول حصن فتح من حصون النطاة علی یده رضی الله عنه». والسیرة الحلبیة:2/737

وقاتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قتال الأبطال ، وقصده قائد هوازن کعب بن مالک فاعترضه أیمن فقتله کعب ! وأحاط بنو هاشم بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلم یصل الیه ، وکان لایقترب من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أحد لایعرفونه ، إلا قتلوه !

وغاص علی(علیه السّلام)فی جیش هوازن وهم عشرون ألفاً ، فأخذ یقصد أصحاب الرایات ویقتلهم ، وکان یأسر منهم ویأتی بهم الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبذلک أبعد المعرکة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فنظر الیه عمه العباس وسیفه یلمع فی وسطهم فقال : «برٌّ، ابنُ برّ ، فداه عمُّ وخال» ! فضرب یومئذٍ أربعین مبارزاً کلهم یقدُّه حتی أنفه ! وکانت ضرباته مبتکرة ». (أمالی الطوسی/575).

فنزلت السکینة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والثابتین معه وأولهم علی(علیه السّلام)ونزلت الملائکة فنصر الله المسلمین بعلی والملائکة. قال ابن هشام:4/896:« فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزیمتهم حتی وجدوا الأساری مکتَّفین عند رسول الله (ص)»

فمن الذی أسرهم وکتَّفهم ، إلا علی(علیه السّلام)والملائکة ؟!

علی بن أبی طالب مکان خالد وأمره أن یُقفل خالداً ، وقال: مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن یعقب معک فلیعقب ومن شاء فلیقبل...الی آخره، وفیه: «وقال: إذا کان قتال فعلیٌّ الأمیر ، قال: فافتتح علیُّ حصناً فغنمت أواقی ذوات عدد وأخذ علی منه جاریة ، قال: فکتب معی خالد إلی رسول الله یخبره ! قال الترمذی: یعنی النمیمة! قال: فلما قدمت علی رسول الله (ص) وقرأ الکتاب رأیته یتغیر لونه فقال: ما تری فی رجل یحب الله ورسوله ویحبه الله تعالی ورسوله؟ فقلت:أعوذ بالله من غضب الله تعالی وغضب رسوله ، إنما أنا رسول . فسکت.

وفی روایة: فجعل یقرأ الکتاب وأقول صدق ، فإذا النبی (ص) قد احمرَّ وجهه ، فقال: من کنت ولیه فعلی ولیه ! ثم قال: یا بریدة أتبغض علیاً؟!فقلت: نعم. قال: لاتبغضه فإن له الخمس أکثر من ذلک! وفی روایة: والذی نفسی بیده لنصیب علی فی الخمس أفضل من وصیفة ، وإن کنت تحبه فازدد له حباً. وفی روایة: لا تقع فی علی فإنه منی وأنا منه وهو ولیکم بعدی ! قال بریدة: فما کان فی الناس أحد أحب إلی من علی »! وأکمل علی(علیه السّلام)مهمته فی الیمن ونصب حاکماً علیها خالد بن سعید بن العاص، ووافی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حجة الوداع .

(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا أیها الناس ما فیکم من أحد إلا وله خاصة من أهله ، ألا إن علیاً منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی »! (المسترشد لمحمد بن جریر الطبری الشیعی/443، وهو حدیث متواتر ).

وفی تلک الفترة حاول المنافقون قتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی رجوعه من تبوک ، وحاولوا قتل علی(علیه السّلام)فی المدینة ! (الإحتجاج: 1/59).

وکان أکد علیه یوم فتح مکة !

لذلک کان الحل برأی قریش مواصلة العمل لقتل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ومنعه من إعلان علیٍّ خلیفة ، حتی بالتشویش علی کلامه ، والقول للناس إنه لم یقل ، وتهدیده بإعلان الردة عندما یلزم ذلک !

حق ؟قالوا: بلی یا رسول الله. قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا لکم فرط وأنتم واردون علیَّ الحوض ، فانظروا کیف تخلفونی فی الثقلین، وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، فلا تقدموهم فتهلکوا ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم .

أیها الناس: ألستم تعلمون أن الله عز وجل مولای وأنا مولی المؤمنین وأنی أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا: بلی یا رسول الله قال: قم یا علی ، فقام علی عن یمین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخذ بیده ورفعها حتی بان بیاض إبطیهما ، وقال: من کنت مولاه فعلی مولاه . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حیث دار . فقام أحدهم فسأله وقال: یا رسول الله ولاؤه کماذا؟ فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):ولاؤه کولائی من کنت أولی به من نفسه فعلی أولی به من نفسه » ! وأمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المسلمین بتهنئة علی(علیه السّلام)فقم عمر بن الخطاب فقال له: بخٍ بخٍ لک یا بن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کل مؤمن ومؤمنة ! (راجع کتاب آیات الغدیر).

والثالثة: قوله تعالی: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . لِلْکَافِرِینَ لَیْسَ لَهُ دَافِعٌ. (المعارج:1-2) نزلت عندما اعترض علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معترضون من قریش. وفی کلٍّ منها أحادیث صحیحة فی مصادرنا ومصادر السلطة.راجع کتاب: تفسیر آیات الغدیر.

فضاقت الدنیا فی وجه القرشیین وتفننوا فی تسویف الوقت ، فطعنوا فی تأمیر أسامة علیهم وهم شیوخ قریش ، فغضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأکد أهلیة أسامة ! ثم تخلفوا فحثهم علی الحرکة ، حتی أنه لعن من تخلف عن جیش أسامة !

وقد حاول أتباع السلطة أن یردوا هذه الحجة وزعم بعضهم أن أبا بکر لم یکن فی جیش أسامة ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمره أن یصلی مکانه ! لکن ابن حجر العسقلانی ، وهو من کبار أئمة السلطة ، قال فی فتح الباری (8/115): «وقد أنکر ابن تیمیة فی کتاب الرد علی ابن المطهر أن یکون أبو بکر وعمر فی بعث أسامة ! ومستند ما ذکرناه ما أخرجه الواقدی بأسانیده فی المغازی ، وذکره ابن سعد أواخر الترجمة النبویة بغیر إسناد ، وذکره ابن إسحاق فی السیرة المشهورة ولفظه: بدأ برسول الله (ص) وجعه یوم الأربعاء، فأصبح یوم الخمیس فعقد لأسامة فقال: أغز فی سبیل الله وسر إلی موضع مقتل أبیک ، فقد ولیتک هذا الجیش، فذکر القصة وفیها: لم یبق أحد من المهاجرین الأولین إلا انتدب فی تلک الغزوة منهم أبو بکر وعمر ! وعند الواقدی أن عدة ذلک الجیش کانت ثلاثة آلاف ، فیهم سبعمائة من قریش» !

ویدل عدد المقاتلین القرشیین فی جیش أسامة (سبع مئةمقاتل) علی أن ألوف الطلقاء جاؤوا من مکة الی المدینة والتفوا حول عمر بن الخطاب لیأخذوا خلافة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن عددهم کان ألوفاً لأن المقاتل لا یکون إلا من بضع نفرات ! وقد نجحوا فی إبطال جیش أسامةوتسللوا الی المدینة وتعللوا بالأعذار حتی توفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصفقوا علی ید أبی بکر ، وأجبروا الناس علی بیعته !

قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): « فلم أشعر بعد أن قبض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلا برجال من بعث أسامة بن زید وأهل عسکره ، قد ترکوا مراکزهم وأخلوا مواضعهم ،

ص: 259

وخالفوا أمر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیما أنهضهم له وأمرهم به ، وتقدم إلیهم من ملازمة أمیرهم والسیر معه تحت لوائه ، حتی ینفذ لوجهه الذی أنفذه إلیه ، فخلفوا أمیرهم مقیماً فی عسکره ، وأقبلوا یتبادرون علی الخیل رکضاً إلی حل عقدة عقدها الله عز وجل لی ولرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أعناقهم فحلوها ، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنکثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم ، من غیر مناظرة لأحد منا بنی عبد المطلب ، أو مشارکة فی رأی ، أو استقالة لما فی أعناقهم من بیعتی !

فعلوا ذلک وأنا برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مشغول وبتجهیزه عن سائر الأشیاء مصدود فإنه کان أهمها وأحق ما بدئ به منها ! فکان هذا یا أخا الیهود أقرح ما ورد علی قلبی مع الذی أنا فیه من عظیم الرزیة وفاجع المصیبة ، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارک وتعالی ، فصبرت علیها إذ أتت بعد أختها علی تقاربها وسرعة اتصالها».(الخصال/371، والإختصاص/170).

ولا ینبغی عندی التنازع. فخرج ابن عباس یقول: إن الرزیئة کل الرزیئة ما حال بین رسول الله (ص) وبین کتابه» وفی صحیح مسلم:5/75: «عن ابن عباس أنه قال: یوم الخمیس وما یوم الخمیس ! ثم جعل تسیل دموعه حتی رأیت علی خدیه کأنها نظام اللؤلؤ ! قال: قال رسول الله (ص): إئتونی بالکتف والدواة أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا: إن رسول الله یهجر »!وفی مسند أحمد:3/346: «دعا عند موته بصحیفة لیکتب فیها کتاباً لایضلون بعده قال فخالف علیها عمر بن الخطاب حتی رفضها» .

وفی مجمع الزوائد:9/33: «عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض النبی قال: أدعوا لی بصحیفة ودواة أکتب کتاباً لاتضلون بعدی أبداً، فکرهنا ذلک أشد الکراهة! ثم قال: أدعوا لی بصحیفة أکتب لکم کتاباً لا تضلون بعده أبداً ! فقال النسوة من وراء الستر: ألاتسمعون ما یقول رسول الله ؟ فقلت: إنکن صواحبات یوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعینکن وإذا صح رکبتن رقبته . فقال رسول الله: دعوهن فإنهن خیر منکم» !

أنا وجزء علی».وفی تاریخ دمشق:42/67:«کنت أنا وعلی نوراً بین یدی الله ، مطیعاً یسبح الله ذلک النور ویقدسه ، قبل أن یخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم رکز ذلک النور فی صلبه ، فلم نزل فی شئ واحد حتی افترقنا فی صلب عبد المطلب ، فجزء أنا وجزء علی».

وقال تعالی: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَمُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیَاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ . (النحل:97 ).

وقال الله تعالی : وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .(الأنعام:32).وقال تعالی: اللهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا فِی الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ . (الرعد:26).

وقال تعالی: هَذَا کِتَابُنَا یَنْطِقُ عَلَیْکُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا کُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَیُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِی رَحْمَتِهِ ذَلِکَ هُوَالْفَوْزُ الْمُبِینُ . وَأَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا أَفَلَمْ تَکُنْ آیَاتِی تُتْلَی عَلَیْکُمْ فَاسْتَکْبَرْتُمْ وَکُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِینَ.(الجاثیة:29-31 ).

مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.(النمل:89 ).

وَإِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاکِبُونَ. (المؤمنون:74).

قُلْ سِیرُوا فِی الأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَئٍْ قَدِیرٌ . (العنکبوت:20 )

وقال تعالی: مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِیهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَی لَهَا سَعْیَهَا وَهُوَمُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ کَانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُورًا کُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّکَ وَمَا کَانَ عَطَاءُ رَبِّکَ مَحْظُورًا أنْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَکْبَرُ تَفْضِیلاً(الإسراء:18-21)

وقال تعالی: وَإِنَّ کُلاً لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا یَعْمَلُونَ خَبِیرٌ . (هود:111). فَوَرَبِّکَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ .عَمَّا کَانُوا یَعْمَلُونَ . (الحجر:-9293).

ص: 264

الدائمة ، فأیکم یکره أن ینتقل من سجن إلی قصر ، وهؤلاء أعداؤکم کمن ینتقل من قصر إلی سجن وعذاب ألیم! إن أبی حدثنی عن رسول الله: إن الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر ، والموت جسر هؤلاء إلی جناتهم ، وجسر هؤلاء إلی جحیمهم ، ما کذبت ولا کُذِّبت.

وقیل لعلی بن الحسین(علیه السّلام): ما الموت ؟ فقال: للمؤمن کنزع ثیاب وسخة قَمِلة وفک قیود وأغلال ثقیلة ، والإستبدال بأفخر الثیاب وأطیبها روائح ، وأوطأ المراکب ، وآنس المنازل . وللکافر کخلع ثیاب فاخرة ، والنقل عن منازل أنیسة والإستبدال بأوسخ الثیاب وأخشنها ، وأوحش المنازل ، وأعظم العذاب !

وقیل لمحمد بن علی (علیه السّلام): ما الموت ؟ فقال: هو النوم الذی یأتیکم فی کل لیلة إلا أنه طویل مدته ، لا ینتبه منه إلا یوم القیامة، فمنهم من رأی فی منامه من أصناف الفرح ما لا یقدر قدره، ومنهم من رأی فی نومه من أصناف الأهوال ما لا یقدر قدره ، فکیف حال من فرح فی الموت ووجل فیه ! هذا هو الموت فاستعدوا له .

وقیل للصادق (علیه السّلام): صف لنا الموت ؟ فقال : هو للمؤمنین کأطیب ریح یشمه فینعس لطیبه ، فینقطع التعب والألم کله عنه.وللکافر کلسع الأفاعی وکلدغ العقارب وأشد ! قیل: فإن قوماً یقولون هو أشد من نشر بالمناشیر وقرض بالمقاریض ورضخ بالحجارة، وتدویر قطب الأرحیة فی الأحداق؟ فقال: کذلک هو علی بعض الکافرین والفاجرین ، ألا ترون منهم من یعاین تلک الشدائد ، فذلک الذی هو أشد من هذا إلا من عذاب الآخرة ، فإنه أشد

ص: 267

من عذاب الدنیا ! قیل: فما لنا نری کافراً یسهل علیه النزع فینطفئ وهو یتحدث ویضحک ویتکلم ، وفی المؤمنین من یکون أیضاً کذلک ، وفی المؤمنین والکافرین من یقاسی عند سکرات الموت هذه الشدائد ؟

قال (علیه السّلام): ما کان من راحة هناک للمؤمنین فهو عاجل ثوابه ، وما کان من شدة فهو تمحیصه من ذنوبه ، لیرد إلی الآخرة نقیاً نظیفاً ، مستحقاً لثواب الله لیس له مانع دونه. وما کان من سهولة هناک علی الکافرین فلیوفی أجر حسناته فی الدنیا لیرد الآخرة ولیس له إلا ما یوجب علیه العذاب.وما کان من شدة علی الکافر هناک فهو ابتداء عقاب الله عند نفاد حسناته.ذلکم بأن الله عدل لا یجور.

ودخل موسی بن جعفر(علیه السّلام)علی رجل قد غرق فی سکرات الموت وهو لا یجیب داعیاً ، فقالوا له: یا ابن رسول الله وددنا لو عرفنا کیف حال صاحبنا وکیف یموت؟ فقال: إن الموت هو المصفاة، یصفی المؤمنین من ذنوبهم ، فیکون آخر ألم یصیبهم کفارة آخر وزر علیهم، ویصفی الکافرین من حسناتهم فتکون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تکون لهم .

أما صاحبکم فقد نُخل من الذنوب نخلاً ، وصُفِّیَ من الآثام تصفیةً ، وخَلُص حتی نقی کما ینقی ثوب من الوسخ ، وصَلُح لمعاشرتنا أهل البیت فی دارنا دار الأبد .

ومرض رجل من أصحاب الرضا(علیه السّلام)فعاده فقال: کیف تجدک ؟ فقال: لقیت الموت بعدک ، یرید به ما لقی من شدة مرضه. فقال:کیف لقیته؟فقال: ألیماً شدیداً ! فقال : مالقیته ، لکن لقیت ما ینذرک به ویعرفک بعض حاله! إنما

ص: 268

الناس رجلان:مستریح بالموت ومستراح منه ، فجدد الإیمان بالله وبالولایة تکن مستریحاً . ففعل الرجل ذلک..والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة .

وقیل لمحمد بن علی بن موسی(علیهم السّلام) : ما بال هؤلاء المسلمین یکرهون الموت ؟ فقال: لأنهم جهلوه فکرهوه ، ولو عرفوه وکانوا من أولیاء الله حقاً لأحبوه، ولعلموا أن الآخرة خیر لهم من الدنیا! ثم قال: یا عبد الله ، ما بال الصبی والمجنون یمتنع من الدواء المنقی لبدنه والنافی للألم عنه؟فقال : لجهلهم بنفع الدواء. فقال: والذی بعث محمداً بالحق نبیاً ، إن من قد استعد للموت حق الإستعداد فهوأنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج ، أما إنهم لو علموا ما یؤدی إلیه الموت من النعم ، لاستدعوه وأحبوه أشد مما یستدعی العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات .

ودخل علی بن محمد(علیهماالسّلام)علی مریض من أصحابه وهو یبکی ویجزع من الموت ، فقال له:یا عبد الله تخاف من الموت لأنک لا تعرفه، أرأیتک إذا اتسخت ثیابک وتقذرت ، وتأذیت بما علیک من الوسخ والقذرة ، وأصابک قروح وجرب ، وعلمت أن الغسل فی حمام یزیل عنک ذلک کله ، أما ترید أن تدخله فتغسل فیزول ذلک عنک ، أو ما تکره أن لا تدخله فیبقی ذلک علیک؟

قال : بلی یا ابن رسول الله. قال: فذلک الموت هو ذلک الحمام، وهو آخر ما بقی علیک من تمحیص ذنوبک وتنقیتک من سیئاتک ، فإذا أنت وردت علیه وجاوزته،فقد نجوت من کل غم وهم وأذی ، ووصلت إلی سرور وفرح. فسکن الرجل ونشط واستسلم ، وغمض عین نفسه ومضی لسبیله .

ص: 269

وسئل الحسن بن علی(علیهماالسّلام)عن الموت ما هو ؟ فقال: هو التصدیق بما لا یکون! إن أبی حدثنی عن أبیه عن جده عن الصادق(علیه السّلام)أنه قال : إن المؤمن إذا مات لم یکن میتاً ، وإن الکافر هو المیت ، إن الله عز وجل یقول: یُخْرِجُ الْحیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ ، یعنی المؤمن من الکافر ، والکافر من المؤمن .

وجاء رجل إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا رسول الله ما بالی لا أحب الموت؟ قال: ألک مال؟ قال : نعم قال: قدمته ؟ قال: لا . قال:فمن ثَمَّ لا تحب الموت !

وقال رجل لأبی ذر(رحمه الله): ما لنا نکره الموت ؟ فقال : لأنکم عمرتم الدنیا وخربتم الآخرة ، فتکرهون أن تنقلوا من عمران إلی خراب ! وقیل له : کیف تری قدومنا علی الله؟ قال : أما المحسن فکالغائب یقدم علی أهله ،

وأما المسئ فکالآبق یقدم علی مولاه !قیل: فیکف تری حالنا عند الله؟ فقال: أعرضوا أعمالکم علی کتاب الله ، یقول الله تعالی : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِی نَعِیمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِی جَحِیمٍ . قال الرجل:فأین رحمة الله؟ قال : إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ ».

«وقال أبو جعفر (الإمام الباقر(علیه السّلام)): إن آیة المؤمن إذا حضره الموت أن یبیض وجهه أشد من بیاض لونه ، ویَرْشُح جبینه ، ویسیل من عینیه کهیئة الدموع فیکون ذلک آیة خروج روحه . وإن الکافر تخرج روحه سلّا من شدقه کزبد البعیر ، کما تخرج نفس الحمار ».(الفقیه:1/135).

عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: «حضر رجلاً الموت فقیل یا رسول الله إن فلاناً قد حضره الموت ، فنهض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعه ناس من أصحابه حتی أتاه وهو مغمی علیه، قال فقال : یا ملک الموت کف عن الرجل حتی أسأله ، فأفاق الرجل فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما رأیت؟ قال ، رأیت بیاضاً کثیراً وسواداً کثیراً ، قال: فأیهما کان أقرب إلیک ؟ فقال: السواد ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قل: اللهم اغفر لی الکثیر من معاصیک واقبل منی الیسیر من طاعتک، فقال: ثم أغمی علیه فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):یا ملک الموت خفف عنه حتی أسأله ، فأفاق الرجل فقال:ما رأیت؟قال: رأیت بیاضاً کثیراً وسواداً کثیراً ، قال: فأیهما أقرب إلیک؟ فقال: البیاض ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): غفر الله لصاحبکم !

فقال أبو عبد الله (علیه السّلام):إذا حضرتم میتاً فقولوا له هذا الکلام لیقوله». (الکافی:3/124).

وعن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: « قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قال الله عز وجل: وعزتی وجلالی لا أخرج عبداً من الدنیا وأنا أرید أن أرحمه حتی أستوفی منه کل خطیئة عملها ، إما بسقم فی جسده ، وإما بضیق فی رزقة ، وإما بخوف فی دنیاه ، فإن بقیت علیه بقیة شددت علیه عند الموت !

ص: 271

وعزتی وجلالی لا أخرج عبداً من الدنیا وأنا أرید أن أعذبه حتی أوفیه کل حسنة عملها ، إما بسعة فی رزقه ، وإما بصحة فی جسمه ، وإما بأمن فی دنیاه فإن بقیت علیه بقیة هونت علیه بها الموت».(الکافی:2/444).

وعن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: «إذا حیل بینه وبین الکلام أتاه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ومن شاء الله ، فجلس رسول الله عن یمینه والآخر عن یساره ، فیقول له رسول الله: أما ما کنت ترجو فهوذا أمامک ، وأما ما کنت تخاف منه فقد أمنت منه ، ثم یفتح له باب إلی الجنة فیقول: هذا منزلک من الجنة فإن شئت رددناک إلی الدنیا ولک فیها ذهب وفضة ، فیقول : لا حاجة لی فی الدنیا ! فعند ذلک یبیضُّ لونه ویرشح جبینه وتقلص شفتاه وتنتشر منخراه وتدمع عینه الیسری ، فأی هذه العلامات رأیت فاکتف بها .

فإذا خرجت النفس من الجسد فیعرض علیها کما عرض علیه وهی فی الجسد فتختار الآخرة ، فتُغَسِّلُه فیمن یغسله وتُقلبه فیمن یقلبه ، فإذا أدرج فی أکفانه ووضع علی سریره ، خرجت روحه تمشی بین أیدی القوم قدماً ! وتلقاه أرواح المؤمنین یسلمون علیه ویبشرونه بما أعد الله له جل ثناؤه من النعیم .

فإذا وضع فی قبره رد إلیه الروح إلی ورکیه ثم یسأل عما یعلم ، فإذا جاء بما یعلم فتح له ذلک الباب الذی أراه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیدخل علیه من نورها وضوئها وبردها وطیب ریحها.

قال قلت: جعلت فداک فأین ضغطة القبر ؟ فقال: هیهات ماعلی المؤمنین منها شئ، والله إن هذه الأرض لتفتخر علی هذه فتقول: وطأ علی ظهری مؤمن ولم

ص: 272

یطأ علی ظهرک مؤمن وتقول له الأرض:والله لقد کنت أحبک وأنت تمشی علی ظهری فأما إذا ولیتک فستعلم ماذا أصنع بک، فتفسح له مد بصره » (الکافی:3 /129).

«وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن المؤمن إذا حضره الموت وثقه ملک الموت فلولا ذلک لم یستقر! وما من أحد یحضره الموت إلا مثل له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والحجج صلوات الله علیهم أجمعین حتی یراهم ، فإن کان مؤمناً یراهم بحیث یحب، وإن کان غیر مؤمن یراهم بحیث یکره. قال الله تبارک وتعالی: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِینَئِذٍ تَنْظُرُونَ.وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْکُمْ وَلَکِنْ لا تُبْصِرُونَ (الفقیه:1/135).

وقال المفید(قدسّ سرّه)فی أوائل المقالات/73: «القول فی رؤیة المحتضرین رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأمیر المؤمنین(علیه السّلام)عند الوفاة: هذا باب قد أجمع علیه أهل الإمامة وتواتر الخبر به عن الصادقین من الأئمة(علیهم السّلام) وجاء عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال للحارث الهمدانی:

یا حارِ همدان من یمتْ یَرَنی

من مؤمنٍ أو منافقٍ قُبَلا

«قال جمیل بن صالح: وأنشدنی أبو هاشم السید الحمیری(رحمه الله)فیما تضمنه هذا الخبر:

قول علیٍّ لحارثٍ عجبٌ

کم ثَمَّ أعجوبةٌ لهُ حملا

یا حارِ همدان من یمتْ یَرَنی

من مؤمنٍ أو منافقٍ قُبَلا

یعرفنی طرفُه وأعرفه

بنعْتِهِ واسمه وما عملا

وأنت عند الصراط تعرفنی

فلا تخفْ عثرةً ولا زللا

أسقیک من بارد علی ظمأ

تخاله فی الحلاوة العسلا

أقول للنار حین توقف للعرض

دعیه لا تقربی الرجلا

دعیه لا تقربیه إن له

حبلاً بحبل الوصی متصلا ».

وأمالی الطوسی/627، ومناقب آل أبی طالب:3/34

ص: 273

وعن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: « یسأل المیت فی قبره عن خمس ، عن صلاته وزکاته وحجه وصیامه وولایته إیانا أهل البیت، فتقول الولایة من جانب القبر للأربع: ما دخل فیکن من نقص فعلیَّ تمامه ».(الکافی:3/241).

أقول:ورد عن أهل البیت(علیهم السّلام) أن الروح تکون فی شکل الجسد ، تتنعم فی الجنة أو تتعذب فی النار ، وأن الجسد یبلی إلا ذرةٌ منه ، تُزرع فی الأرض یوم المحشر ویخلق منها بدن الإنسان حسب عمله ، وتعود الیه روحه .

ففی الکافی:3/252، أن الإمام الصادق(علیه السّلام): « سئل عن المیت یبلی جسده؟ قال: نعم حتی لا یبقی له لحم ولا عظم إلا طینته التی خلق منها فإنها لا تبلی ، تبقی فی القبر مستدیرة حتی یخلق منها کما خلق أول مرة »!

وَسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلَی جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّی إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ آیَاتِ رَبِّکُمْ وَیُنْذِرُونَکُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا قَالُوا بَلَی وَلَکِنْ حَقَّتْ کَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَی الْکَافِرِینَ قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ وَسِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّی إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ.

وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِی صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِینَ وَتَرَی الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِیلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ . (الزمر:68-75 ).

وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ.قَالُوا یَا وَیْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ کَانَتْ إِلا صَیْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنَا مُحْضَرُونَ.فَالْیَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. (یس:51-54).

وفی تفسیر القمی:2/216، عن الإمام الباقر(علیه السّلام): «فإن القوم کانوا فی القبورفلما قاموا حسبوا أنهم کانوا نیاماً، قَالُوا یَاوَیْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا، قالت الملائکة: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ».

ومعنی قوله تعالی : إِلَی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ: أی یهرولون ویسرعون .(کتاب العین:7/257).

ص: 277

والله تعالی یخاطب عباده من الأولین والآخرین بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة ، یسمع منها کل واحد قضیته دون غیرها ، ویظن أنه المخاطب دون غیره ، ولا تشغله تعالی مخاطبة عن مخاطبة ، ویفرغ من حساب الأولین والآخرین فی مقدار ساعة من ساعات الدنیا!

ویخرج الله لکل إنسان کتاباً یلقاه منشوراً ، ینطق علیه بجمیع أعماله لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصاها ، فیجعله الله حسیب نفسه والحاکم علیها ، بأن یقال له: إِقْرَأْ کِتَابَکَ کَفَی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیبًا ».

أقول: لا تنافی بین إکمال حساب البشر فی ساعة من ساعات الدنیا ، وبین مانص علی طول الحساب ومواقفه وعقباته الخمسین .

قال الصدوق(قدسّ سرّه)فی الإعتقادات: «باب الإعتقاد فی العقبات التی علی طریق المحشر:إعتقادنا فی ذلک أن هذه العقبات إسم کل عقبة منها علی حدة اسم فرض، أو أمر ، أو نهی. فمتی انتهی الإنسان إلی عقبة إسمها فرض، وکان قد قصر فی ذلک الفرض ، حبس عندها وطولب بحق الله فیها. فإن خرج منه بعمل صالح قدمه أو برحمة تدارکه ، نجا منها إلی عقبة أخری !

فلا یزال یدفع من عقبة إلی عقبة ، ویحبس عند کل عقبة ، فیسأل عما قصر فیه من معنی اسمها، فإن سلم من جمیعها انتهی إلی دار البقاء ، فحییَ حیاة لا موت فیها أبداً ، وسعد سعادة لا شقاوة معها أبداً ، وسکن جوار الله مع أنبیائه وحججه والصدیقین والشهداء والصالحین من عباده(علیهم السّلام) .

ص: 279

وإن حبس علی عقبة فطولب بحق قصر فیه ، فلم ینجه عمل صالح قدمه ، ولا أدرکته من الله عز وجل رحمة ، زلت قدمه عن العقبة فهوی فی جهنم نعوذ بالله منها !

وهذه العقبات کلها علی الصراط ، إسم عقبة منها الولایة ، یوقف جمیع الخلائق عندها فیسألون عن ولایة أمیر المؤمنین والأئمة من بعده(علیهم السّلام) فمن أتی بها نجا وجاز ، ومن لم یأت بها بقی فهوی وذلک قوله تعالی: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ . واسم عقبة منها: المرصاد ، وذلک قوله تعالی: إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصَادِ ویقول تعالی: وعزتی وجلالی لا یجوز بی ظلم ظالم!

وإسم عقبة منها: الرحم واسم عقبة منها: الأمانة. وإسم عقبة منها الصلاة . وباسم کل فرض أو أمر أو نهی عقبة یحبس عندها العبد فیسأل ».

ففی الخصال/415: «عن زید بن أرقم: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): أعطیت فیک یا علی تسع خصال: ثلاث فی الدنیا وثلاث فی الآخرة واثنتان لک وواحدة أخافها علیک ، فأما الثلاثة التی فی الدنیا فإنک وصیی وخلیفتی فی أهلی وقاضی دینی ، وأما الثلاث التی فی الآخرة فإنی أعطی لواء الحمد

فأجعله فی یدک ، وآدم وذریته تحت لوائی ، وتعیننی علی مفاتیح الجنة ، وأحکمک فی شفاعتی لمن أحببت ، وأما اللتان لک فإنک لن ترجع بعدی کافراً ولا ضالاً. وأما التی أخافها علیک فغدرة قریش بک بعدی ».ونحوه أمالی الصدوق(قدسّ سرّه)/ 403. نقطة نهایة السطر

وفی تفسیر فرات/437، عن الإمام الصادق(علیه السّلام): «قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إن الله تبارک وتعالی إذا جمع الناس یوم القیامة وعدنی المقام المحمود وهو وافٍ لی به. إذا کان یوم القیامة نُصب لی منبر له ألف درجة لا کمراقیکم ، فأصعد حتی أعلو فوقه ، فیأتینی جبرئیل بلواء الحمد فیضعه فی یدی ویقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله ، فأقول لعلی: إصعد ، فیکون أسفل منی بدرجة ، فأضع لواء الحمد فی یده .ثم یأتی رضوان بمفاتیح الجنة فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله فیضعها فی یدی فأضعها فی حجر علی بن أبی طالب .

ثم یأتی مالک خازن النار فیقول:یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله هذه مفاتیح النار، أدخل عدوک وعدو ذریتک وعدو أمتک النار ، فآخذها وأضعها فی حجر علی بن أبی طالب. فالنار والجنة یومئذ أسمع لی ولعلی من العروس لزوجها ، فهو قول الله تبارک وتعالی فی کتابه: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ ، ألق یا محمد ویا علی عدوکما فی النار.

ص: 281

ثم أقوم فأثنی علی الله ثناء لم یُثْنِ علیه أحد قبلی، ثم أثنی علی الملائکة المقربین ثم أثنی علی الأنبیاء والمرسلین ثم أنثی علی الأمم الصالحین ، ثم أجلس ، فیثنی الله ویثنی علیَّ ملائکته ، ویثنی علی أنبیاءه ورسله ، ویثنی علیَّ الأمم الصالحة . ثم ینادی مناد من بطنان العرش: یا معشر الخلائق غضوا أبصارکم حتی تمر بنت حبیب الله إلی قصرها ، فتمر فاطمة بنتی علیها ریطتان خضراوان ، حولها سبعون ألف حوراء » !

ففی الکافی(8/95) أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سئل عن الآیة فقال:« یا علی إن الوفد لا یکون إلا رکباناً ، أولئک رجال اتقوا الله ، فأحبهم الله واختصهم ورضی أعمالهم فسماهم المتقین .ثم قال له : یا علی أما والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنهم لیخرجون من قبورهم ، وإن الملائکة لتستقبلهم بنوق من نوق العز ، علیها رحائل الذهب ، مکللة بالدر والیاقوت ، وجلائلها الإستبرق والسندس ، وخطمها جدل الأرجوان ، تطیر بهم إلی المحشر، مع کل رجل منهم ألف ملک من قدامه وعن یمینه وعن شماله ، یزفونهم زفاً ، حتی ینتهوا بهم إلی باب الجنة الأعظم ، وعلی باب الجنة شجرة ، إن الورقة منها لیستظل تحتها ألف رجل من الناس ، وعن یمین الشجرة عین مطهرة مزکاة .قال: فیُسقون منها شربة فیطهر الله بها قلوبهم من الحسد ، ویسقط من أبشارهم الشعر ، وذلک قول الله عز وجل: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ، من تلک العین المطهرة .

قال: ثم ینصرفون إلی عین أخری ، عن یسار الشجرة فیغتسلون فیها ، وهی عین الحیاة ، فلا یموتون أبداً !

قال: ثم یوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبداً ، قال: فیقول الجبار جل ذکره للملائکة الذین معهم: أحشروا أولیائی إلی الجنة ، ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضای عنهم ، ووجبت رحمتی لهم ، وکیف أرید أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسیئات .

قال: فتسوقهم الملائکة إلی الجنة ، فإذا انتهوا بهم إلی باب الجنة الأعظم ضرب الملائکة الحلقة ضربة ، فتصر صریراً یبلغ صوت صریرها کل حوراء أعدها الله

ص: 285

عز وجل لأولیائه فی الجنان ، فیتباشرون بهم إذا سمعوا صریر الحلقة ، فیقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولیاء الله ، فیفتح لهم الباب ، فیدخلون الجنة وتشرف علیهم أزواجهم من الحور العین والآدمیین ، فیقلن :مرحباً بکم ، فما کان أشد شوقنا إلیکم ، ویقول لهن أولیاء الله مثل ذلک !

فقال علی(علیه السّلام): یا ر سول الله أخبرنا عن قول الله عز وجل: غرف مبنیة من فوقها غرف ، بماذا بنیت یا رسول الله ؟

فقال:یا علی تلک غرف بناها الله عز وجل لأولیائه بالدر والیاقوت والزبرجد، سقوفها الذهب محبوکة بالفضة ، لکل غرفة منها ألف باب من ذهب ، علی کل باب منها ملک موکل به ، فیها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض، من الحریر والدیباج بألوان مختلفة ، وحشوها المسک والکافور والعنبر ، وذلک قول الله عز وجل: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ..

ثم وصف(علیه السّلام)مجئ الملائکة رسلاً من الله تعالی لتهنئة ولی الله بدخوله الجنة ثم قال: والأنهار تجری من تحت مساکنهم ، وذلک قول الله عز وجل:تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ، والثمار دانیة منهم وهو قوله عز وجل: وَدَانِیَةً عَلَیْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِیلاً ، من قربها منهم یتناول المؤمن من النوع الذی یشتهیه من الثمار بفیه وهو متکئ ، وإن الأنواع من الفاکهة لیقلن لولی الله : یا ولی الله کلنی قبل أن تأکل هذا قبلی!

قال:ولیس من مؤمن فی الجنة إلا وله جنان کثیرة ، معروشات وغیر معروشات ، وأنهار من خمر ، وأنهار من ماء ، وأنهار من لبن ، وأنهار من عسل

ص: 286

فإذا دعا ولی الله بغذائه أتی بما تشتهی نفسه عند طلبه الغذاء ، من غیر أن یسمی شهوته ! قال: ثم یتخلی مع إخوانه ، ویزور بعضهم بعضاً ، ویتنعمون فی جناتهم ، فی ظل ممدود فی مثل ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، وأطیب من ذلک ، لکل مؤمن سبعون زوجة حوراء ، و أربع نسوة من الآدمیین . والمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع الآدمیة ، وساعة یخلو بنفسه علی الأرائک متکئاً ، ینظر بعضهم إلی بعض . نقطة نهایة السطر

ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): أما الجنان المذکورة فی الکتاب فإنهن جنة عدن وجنة الفردوس وجنة نعیم وجنة المأوی ، قال: وإن لله عز وجل جناناً محفوفةً بهذه الجنان، وإن المؤمن لیکون له من الجنان ما أحب واشتهی.الخ.».وتفسیر القمی:2/53.

وقد استفاضت أحادیث الطرفین فی وصف شجرة طوبی العظیمة التی أصلها فی دار النبی وعلی وفاطمة(علیهم السّلام) وفی ملک کل مؤمن غصن من طوبی هو أعز علیه من کل ما یملک ، لأنه ممیز بثماره ، وطیوره ، وأنغام حفیف أوراقه ، والثیاب التی تنبت علیه ، وکل ذلک فوق ما تشتهی الأنفس وتلذ الأعین !

ففی الکافی(2/239) «قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن لأهل الدین علامات یعرفون بها: صدق الحدیث وأداء الأمانة ووفاء العهد وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة المواتاة للنساء، وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الخلق واتباع العلم وما یقرب إلی الله عز وجل زلفی ، طوبی لهم وحسن مآب . وطوبی شجرة فی الجنة أصلها فی دار النبی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیس من مؤمن إلا وفی داره غصن منها ، لا

ص: 287

یخطر علی قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ، ولو أن راکبا مجداً سار فی ظلها مائة عام ما خرج منه »! والخصال/483 ، والبحار:8 /151، . نقطة نهایة السطر ولیس فاصلة

وفی تفسیر القمی:2/336 ، بسنده عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): « رأیت فی الجنة شجرة طوبی أصلها فی دارعلی ، وما فی الجنة قصر ولا منزل إلا وفیها فرع منها ».

وفی تفسیر فرات/212: « ورقها وبُسْرُها برودٌ خضر ، وزهرها ریاض صفر ، وأفناءها سندس وإستبرق ، وثمرها حلل خضر ، وطعمها زنجبیل وعسل ، وبطحاءها یاقوت أحمر وزمرد أخضر ، وترابها مسک وعنبر وکافور أصفر ، وحشیشها زعفران . یتفجر من أصلها السلسبیل والرحیق و المعین.». ونحوه من مصادر السنة: الدر المنثور:4/60، وفتح الباری:11/366.

ومنهم المتنعمون بأنواع المآکل والمشارب والفواکه والأرائک والحور العین ، واستخدام الولدان المخلدین ، والجلوس علی النمارق والزرابی ، ولباس السندس والحریر. کل منهم إنما یتلذذ بما یشتهی ویرید ، علی حسب ما تعلقت علیه همته ، ویعطی ما عبد الله من أجله..

واعتقادنا فی النار أنها دار الهوان ، ودار الإنتقام من أهل الکفر والعصیان ، ولا یخلد فیها إلا أهل الکفر والشرک ، وأما المذنبون من أهل التوحید فإنهم یخرجون منها بالرحمة التی تدرکهم ، والشفاعة التی تنالهم . وروی أنه لا یصیب أحداً من أهل التوحید ألم فی النار إذا دخلوها ، وإنما تصیبهم الآلام عند الخروج منها ، فتکون تلک الآلام جزاء بما کسبت أیدیهم ، وما الله بظلام للعبید..

واعتقادنا فی الجنة والنار أنهما مخلوقتان ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد دخل الجنة ، ورأی النار حین عرج به . واعتقادنا أنه لا یخرج أحد من الدنیا حتی یری مکانه من الجنة أو من النار ، وأن المؤمن لا یخرج من الدنیا حتی ترفع له الدنیا کأحسن ما رآها ویری، مکانه فی الآخرة ، ثم یخیر فیختار الآخرة ، فحینئذ تقبض روحه»

تمَّ الکتاب والحمد لله رب العالمین .

ص: 289

ص: 290

12- خُطة الأمویین والعباسیین لإبادة شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) .................39

13- خلفاء بنی أمیة یقدسون الإمام زین العابدین(علیه السّلام) ................. 42

14- احترام خلفاء بنی أمیة وبنی العباس للإمام الباقر(علیه السّلام) ..................... 46

15- رفض الإمام الصادق(علیه السّلام)قبول الخلافة ! ................................. 47

16- الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)أبو المذاهب وأستاذ أئمتها ................. 50

17- أسس المنصور العباسی المذاهب لمواجهة الإمام الصادق(علیه السّلام) ..................................... 53

18- الإمام الکاظم(علیه السّلام)یواجه طغیان بنی العباس ! ................................. 55

19- المأمون یُجبر الإمام الرضا(علیه السّلام)علی ولایة عهده ! .............................. 59

20- قتل المأمون للإمام الرضا(علیه السّلام)وقتل المعتصم للإمام الجواد(علیه السّلام) ................ 62

21- المتوکل العباسی یجبر الإمام الهادی(علیه السّلام)علی الإقامة بسامراء ..................... 66

22- الإمام الحسن العسکری(علیه السّلام)یواجه النظام العباسی الدموی ........... 73

23- الخلیفة العباسی یستنفر للقبض علی الإمام المهدی(علیه السّلام) ............... 81

الفصل الثالث: عصر غیبة الإمام المهدی(علیه السّلام)والسفراء الأربعة

1- الإمام المهدی(علیه السّلام)یعتمد وکیل أبیه سفیراً له ............................. 85

2- تعریف بالسفراء الأربعة رضوان الله علیهم ... 87

3- السفیر الأول: عثمان بن سعید العَمْری(قدسّ سرّه) .91

4- السفیر الثانی: محمد بن عثمان بن سعید العَمْری(قدسّ سرّه) ............... 93

5- السفیر الثالث: أبو القاسم الحسین بن روح النوبختی(قدسّ سرّه) ............. 94

6- السفیر الرابع: أبو الحسن علی بن محمد السمری(قدسّ سرّه) ................... 97

7- قبور السفراء الأربعة والمؤلفات فیهم ............... 98

8- سفراء ووکلاء آخرون فی عصر السفراء الأربعة .....101

9- ظاهرة اتساع التشیع فی عصر السفراء الأربعة .... 102

10- ظاهرة انتشار التشیع فی عصرنا ؟ ............... 107

ص: 292

الفصل الرابع: المرجعیة عند الشیعة

1- مرجعیة الأئمة(علیهم السّلام) وتلامیذهم وثقاتهم 109

2- صمود المرجعیة الشیعة أمام الأعاصیر ......... 112

3- کیف یختار الشیعة مرجع التقلید؟ .................. 113

4- هل المرجعیة منصب خبروی أم ولایة للفقیه ؟ .... 114

5- المرجع لیس مدیناً لأی دولة أو جهة ..... 120

6- لماذا یقدس الشیعة مراجعهم ؟ ............... 121

7- لماذا لا یجعل الشیعة المرجعیة الی مؤسسة کالفاتیکان ؟ ............ 123

8- مالیة المرجعیة الدینیة والمؤسسات التابعة لها ... 125

الفصل الخامس: المراجع الأکثر تأثیراً فی حیاة الشیعة

أبرز مراجع الشیعة بعد السفراء الأربعة ................. 127

1- محمد بن یعقوب الکلینی(قدسّ سرّه) ............ 128

2- الشیخ الصدوق محمد بن علی بن الحسین(قدسّ سرّه) ....... 134

3- الشیخ المفید محمد بن محمد بن النعمان(قدسّ سرّه) ......... 150

4- الشریف المرتضی علی بن الحسین الموسوی(قدسّ سرّه) .......... 163

5- شیخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسی(قدسّ سرّه) ......... 170

تأسیس الشیخ الطوسی(قدسّ سرّه)لحوزة النجف الأشرف ................ 176

الفصل السادس: المصادر العلمیة عند الشیعة

1- مصادر الشیعة وثروتهم العلمیة ......... 177

2- فتح باب الإجتهاد عند الشیعة .......................... 180

3- منهج التصحیح والتضعیف عند الشیعة ................ 182

4- یقوم فقه الشیعة علی العلم ویرفض الظن ...... 183

5- تمیز المنهج الشیعی بالتعمق فی أصول الفقه .... 186

ص: 293

الفصل السابع: المناسبات الدینة والمشاهد المقدسة عند الشیعة

1- کیف یمضی الشیعی أیام سنته ؟ ............ 187

2- عاشوراء أهم موسم جماهیری عند الشیعة ...... 189

3- مشاهد المعصومین(علیهم السّلام) والأولیاء ..... 191

4- فتاوی الوهابیة وعملهم لتهدیم مشاهد الأئمة(علیهم السّلام) ................ 193

خلاصة عقائد الشیعة

الفصل الثامن: اعتقادنا بتوحید الله عز وجل

1- شخصیة الملحد ضد المنطق .................... 199

2- النظریة الحسیة غیر محسوسة ! ................ 200

3- الطرق العلمیة لمعرفة الله تعالی ................. 202

4- من استدلال الأئمة(علیهم السّلام) علی وجود الله تعالی ................. 204

5- ما دام للکوْن عُمْرٌ فله خالق ! ............... 208

6- من أدلة توحید الله عز وجل ............................. 209

7- أسماء الله الحسنی وصفاته عز وجل ....... 211

8- مسألة الرؤیة أصل کل الخلاف فی التوحید ......... 213

9- نشر کعب الأحبار رؤیة الله تعالی بالعین ! ...... 214

10- من الرؤیة بالعین وصلوا الی عبادة الشاب الأمرد ! .. 218

11- سبب نشوء المذاهب والطرق فی معرفة الله تعالی ......... 220

الفصل التاسع: اعتقادنا بالعدل الإلهی

1- أصول الدین الخمسة ................. 221

2- عجز العقل البشری عن إدراک کنه ذات الله تعالی وأفعاله ....................................................... 221

3- إعتقادنا بالعدل الإلهی المطلق ..................... 222

ص: 294

4- إعتقادنا فی نفی الجبر والتفویض ..... 222

الفصل العاشر: إعتقادنا فی الأنبیاء والرسل والحجج(علیهم السّلام)

1- ضرورة وجود الأنبیاء والأوصیاء(علیهم السّلام) ... 225

2- أدلة نبوة نبینامحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).......... 226

3- نؤمن بجمیع الأنبیاء والرسل وأوصیائهم(علیهم السّلام) ....... 226

4- نعتقد أن المعصومین أفضل من الملائکة(علیهم السّلام) ..................... 228

5- نعتقد بعصمة الأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) عصمة کاملة شاملة ........... 229

6- من الأدلة علی عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) ............................ 231

الفصل الحادی عشر : اعتقادنا بالإمامة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

1- تعریف الإمامة وتعدد المذاهب فیها ................... 233

2- إعتقادنا بإمامة الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) .............................................. 235

3- الأدلة علی إمامة الأئمة الإثنی عشر(علیهم السّلام) ................................................ 237

4- تأکیدات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) طوال بعثته علی إمامة عترته(علیهم السّلام) ................ 239

الفصل الثانی عشر :اعتقادنا بالمعاد والآخرة

1- العقل والأدیان دلت علی وجود الآخرة .............. 263

2- لاحجة عند منکری المعاد إلا الإستبعاد ! ............. 265

3- الإعتقاد فی الموت ........................... 266

4- ما یجری علی المؤمن فی حال الإحتضار .......... 270

5- غیر الشیعة وغیر المسلمین قد یدخلون الجنة ................................. 274

6- المساءلة فی القبر وحیاة البرزخ .....................275

7- البعث والحشر بعد الموت .......................... 276

8- باب الإعتقاد فی الحساب والمیزان .......... 277

ص: 295

9- نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رئیس المحشر وصاحب لواء الحمد ...................... 280

10- نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صاحب حوض الکوثر ............................................... 282

11- نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صاحب الشفاعة فی المحشر .......................................... 283

12- نصب الصراط فوق جهنم والعبور الی الجنة .................... 284

13- مراسم دخول المؤمنین الی الجنة .............. 284

14- النعیم والخلود فی الجنة ، والخلود فی النار ............... 288

ص: 296