دروس فی اصول الفقه المقارن تلخیص «الاصول العامة للفقه المقارن» للعلامه السیدمحمدتقی الحکیم قدس سره

اشارة

سرشناسه:نیسی، مجید، 1343 -

عنوان قراردادی:الاصول العامه للفقه المقارن .برگزیده

عنوان و نام پدیدآور:دروس فی اصول الفقه المقارن تلخیص «الاصول العامة للفقه المقارن» للعلامه السیدمحمدتقی الحکیم قدس سره / مجید النیسی.

مشخصات نشر:قم: مرکزالمصطفی (ص) العالمی للترجمه والنشر، 1432ق.= 1390.

مشخصات ظاهری:335 ص.

فروست:مرکز دراسات المصطفی صلی الله علیه و آله الدولی؛ 130.

شابک:53000 ریال

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت:عربی.

یادداشت:این کتاب برگزیده کتاب «الاصول العامه للفقه المقارن» تالیف محمد تقی حکیم است.

یادداشت:عنوان دیگر: دروس فی اصول فقه المقارن.

یادداشت:کتابنامه: ص. [329]- 335؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر:دروس فی اصول فقه المقارن.

موضوع:اصول فقه

موضوع:اصول فقه -- مطالعات تطبیقی

شناسه افزوده:حکیم، محمدتقی، 1921 - 2002م . الاصول العامه للفقه المقارن. برگزیده

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

رده بندی کنگره:BP155/ح76الف6018 1390

رده بندی دیویی:297/31

شماره کتابشناسی ملی:2090914

ص:1

اشارة

اللهم إنی أهدی هذا الجهد المتواضع إلی:أمینک علی وحیک إمام الرحمة وقائدالخیر ومفتاحُ البرکة وإلی:أهل بیته علیهم السلام،سفن النجاة أهل السداد وأدلة الرشاد وإلی:أصحابه،خاصة الذین أحسنوا الصحبة و التابعین لهم بإحسان...الذین قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا علی شاکلتهم (1)وإلی:روح السید المبدع محمد تقی الحکیم قدس سره لما قدمه من جهود مبتکرة.

ص:2


1- (1) .الصحیفة السجادیة،للإمام علی بن الحسین بن علی أمیرالمؤمنین علیه السلام،الدعاء 2 و4.

دروس فی أصول الفقه المقارن تلخیص«الأصول العامة للفقه المقارن» للعلامة السید محمد تقی الحکیم قدس سره مجید النّیسی

ص:3

دروس فی أصول فقه المقارن

المؤلف:مجید النّیسی

الطبعة الأولی:1390/1432ش

الناشر:مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر

المطبعة:فاضل السعر:53000 ریال عدد النسخ:2000 نسخة

حقوق الطبع محفوظة للناشر.

التوزیع:

قم،استدارة الشهداء،شارع الحجتیة،معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر.هاتف-الفکس:02517730517

قم،شارع محمد الأمین،تقاطع سالاریة،معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر.هاتف:2512133106-فکس:02512133146

www.miup.ir, www.eshop.miup.ir

E-mail:admin

miup.ir, root

miup.ir

ص:4

کلمة الناشر

إن التطور العلمی الذی یشهده عالمنا الیوم،والوسائل التکنولوجیة الحدیثة قد دفعت بعجلة المدنیة و الثقافة الی الأمام،بل واصبح الانسان یرقب فی کل یوم تصورا آخر،و هذا التطور قد کشف لنا القناع عن بعض المناهج الدراسیة فی معاهدنا ومؤسساتنا العلمیة واذا بها مناهج تحتل زوایة ضیقة من هذا العالم العلمی الفسیح.

من هنا اتخذت المؤسسات العلمیة فی الجمهوریة الاسلامیة فی ایران وفی مقدمتها جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة؛أتخذت علی عاتقها صیاغة بعض المناهج الدراسیة صیاغة تلائم الحرکة العلمیة المعاصرة،ومالها من متطلبات بحیث تنسجم مع المحیط العلمی الجدید.

لقد بادرت الاقسام العلمیة فی جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله بمخاطبة الاساتذة ذوی الأختصاص لیساهموا فی وضع مناهج حدیثة فی علوم القرآن،والفقه،والاصول،والتفسیر،والتاریخ،و...کی تلبی احتیاجات الدارسین فی مختلف المستویات وعلی صعید کل الاختصاصات الأنسانیة و الدینیة.

کانت خطوة الجامعة جریئة وموفقة حیث بذرت بذوراً صالحة تفتقت من خلالها براعم طیبة،وانتجت ثماراً ناضجة تؤتی اکُلها فی کل حین.

نعم،لما کانت بعض المواد الدراسیة لم تتوفر فیها الکتب المنهجیة اللازمة التی تنسجم مع السطح العلمی لعموم المعاهد و المؤسسات العلمیة،فقد أناطت ادارة جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله-الحقل العلمی-مهمة تدوین وتألیف هذه المناهج الجدیدة و البحوث العلمیة ذات الطابع العلمی و الأکادیمی الی جملة من الاستاتذة المختصین و العلماء الأفاضل،وأولتهم رعایة فائقة وتسهیلات محمودة کی یتم انجاز تلک البحوث علی وفق المناهج

ص:5

المقررة.وفعلا تصدی للعمل نخبة من العلماء،واُنجز الکثیر من تلک البحوث و المؤلفات،حیث بذل أصحاب الفضیلة جهوداً مضنیة،ومساعی متواصلة،بغیة المساهمة الجادة فی خلق کادرٍ متخصصٍ فی شتی العلوم و الفنون،ثم جاءت هذه المساهمة صادقة فی کل ابعادها،تجللها النظرة الشمولیة و العمق العلمی و البیان الواضح.

إن جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة اصبحت الیوم محط انظار الدارسین فی الداخل و الخارج،وهی تعد بحقٍ من اکبر المؤسسات العلمیة فی عالمنا الاسلامی و العربی،و قد استقطبت العدید من اصحاب الاختصاص من الاساتذة و المؤلفین،کما أغنت المکتبة الاسلامیة بمجموعة بحوث ومؤلفات قد تم طبعها ونشرها خلال هذه السنین القلائل لتکون منهلاً عذباً للدارسین وطلاب الحقیقة و المعرفة.

ومن منطلق الخدمة العلمیة یتقدم مرکز النشر المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی هذه الجامعة بالشکر و التقدیر لسماحة الاستاذ لما بذله من جهود تستحق الاحترام و التقدیر فی مجید النیسی لکتاب«دروس فی أصول فقه المقارن»کما نشکر اعضاء الکادر الفنی الذی ساهم بشکل حثیث فی انجاز وطبع هذا الکتاب الماثل بین یدی القاریءالکریم.

وکلنا أمل ورجاء بأن نکون قد ساهمنا فی رفد الحقل العلمی و المکتبة الاسلامیة بالبحوث و المؤلفات خدمة للعلم و العلماء ومشارکة منا فی تفعیل الحرکة الثقافیة فی العالم الاسلامی،وما التوفیق إلا من عند الله.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة و النشر

ص:6

الفهرس

المقدمة 71

تحدید معنی التلخیص وحقیقته 18

فوائد التلخیص 19

المنزلة العلمیة لکتاب«الأصول العامة للفقه المقارن»19

التعریف بالمؤلف 21

بحوث تمهیدیة 23

1.الفقه المقارن 24

1.تعریف الفقه المقارن 24

2.فوائد الفقه المقارن 24

3.موضوع الفقه المقارن 25

4.الفرق بین الفقه المقارن وبین علم الفقه 25

5.ضرورة دراسة أصول الفقه المقارن 25

2.أُسس المقارنة 27

1.تعریف أُسس المقارنة 27

2.أهم أصول المقارنة 27

3.نظرة فی أسباب الاختلاف 29

3.مصادر الاحتجاج وتحدید مفهوم الحجة 31

1.أصول الاحتجاج 31

2.الحجة عند اللغویین 32

4.تحدید مفهوم الحجة 35

1.الحجة عند الأصولیین 35

2.الحجة عندنا فی أصول الفقه المقارن 35

3.دور القطع فی المقارنة 36

ص:7

5.أُصول الفقه المقارن 38

تعریف أصول الفقه المقارن 39

6.المنهج فی أصول الفقه المقارن 42

1.منهج الأحناف 42

2.منهج المتکلمین 43

3.المنهج المقارن الأقوم 43

7.المقیاس فی الجمع بین الأدلة أو تقدیم بعضها علی بعض 46

1.التخصیص 46

2.التخصص 47

3.الحکومة 47

4.الورود 47

الباب الأول:الکاشف عن الحکم الواقعی

8.الکتاب العزیز 54

1.تعریف القرآن 54

2.ما یخرج عن مفهوم الکتاب 54

3.حجیة القرآن الکریم 55

4.المحکم و المتشابه 56

5.حجیة آیات الکتاب 56

9.حجیة ظواهر الکتاب 58

1.بدیهیة المسألة 58

2.شبهات فی طریق العمل بظواهر القرآن المجید 58

الأول:شبهة الإخباریین 58

الثانی:مزعمة التحریف 59

الثالث:الاستدلال بالکتاب علی عدم تحریفه!60

10.السنة الشریفة 64

1.تعریف السنة 64

2.الإختلاف فی توسعة دائرة حجیة السنة 65

3.ضرورة حجیة السنة 65

4.حجیة السنة من الأدلة الأربعة 65

11.سنة الصحابة(1)68

الدلیل الأول:القرآن الکریم 68

الدلیل الثانی:تقدیم سنة الصحابة عند ترجیح الأقوال 69

12.سنة الصحابة(2)72

الدلیل الثالث:ما جاء فی الحدیث من الأمر باتباع الصحابة 72

الدلیل الرابع:الأمر بایجاب محبة الصحابة وذم من أبغضهم 74

منهج البحث فی سنة أهل البیت علیهم السلام 76

ص:8

13.حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(1)77

هل الإرادة تکوینیة أم تشریعیة؟77

14.حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(2)81

ما المراد من أهل البیت؟81

شبهة وحدة السیاق 82

بحث فی مفهوم الأهل 82

دعوی نزول الآیة فی نساء النبی صلی الله علیه و آله 83

15.حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(3)865

مناقشات الفخرالرازی فی مصدایق أولی الأمر 87

16.حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من السنة الشریفة(1)90

حدیث الثقلین 90

الأول:دلالته علی عصمة أهل البیت علیهم السلام 92

الثانی:لزوم التمسک بهما معاً لا بواحد منهما منعاً من الضلالة 92

الثالث:بقاء العترة إلی جنب الکتاب إلی یوم القیامة 92

الرابع:دلالته علی تمیزهم بالعلم بکل ما یتصل بالشریعة وغیره 93

17.حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من السنة الشریفة(2)والأدلة العقلیة(للمطالعة)95

حوار مع الشیخ أبی زهرة حول دلالة وسند حدیث الثقلین 95

فی دلالة الحدیث 96

الأدلة العقلیة علی حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام 98

مواضع البحث حول السنة فی مجالات الاستنباط 100

تمهید 100

18.الطرق القطعیة إلی السنة 101

الطرق القطعیة إلی السنة 101

1.الخبر المتواتر 101

حصیلة تحدید الشرائط 102

2.الخبر المحفوف بالقرائن القطعیة 102

3.الإجماع 102

4.بناء العقلاء 103

علاقة بناء العقلاء بالعرف 103

الفرق بین بناء العقلاء وحکم العقل 103

5.سیرة المتشرعة 104

6.ارتکاز المتشرعة 104

ملاحظة مهمة 104

19.الطرق غیر القطعیة إلی السنة(1)(للمطالعة)106

الطرق غیر القطعیة للسنة 106

الخبر الواحد 106

أدلة القائلین بحجیة خبر الواحد 106

ص:9

20.الطرق غیر القطعیة إلی السنة(2)(للمطالعة)110

3.الإجماع 110

4.العقل 110

أدلة المانعین لحجیة خبر الواحد 111

شرائط العمل بخبر الواحد 112

21.الطرق غیر القطعیة إلی السنة(3)(للمطالعة)114

الأمر الأول:الشهرة 114

أ)الشهرة فی الروایة 114

ب)الشهرة فی الإستناد 115

ج)الشهرة فی الفتوی 115

حجیتها:و قد استدلوا علی حجیة الشهرة الفتوائیة بأدلة ثلاثة 115

الأمر الثانی:حجیة مطلق الظن بالسنة 116

22.السنة وکیفیة الاستفادة منها 119

السنة کلها تشریع 119

1.دلالة القول 121

2.دلالة القول عند طوارئ الاحتمالات 121

23.الإجماع(1)124

تعریف الإجماع 124

هل الإجماع أصل مستقل أو حکایة عن أصل؟125

الأقوال فی حجیة الإجماع 125

24.الإجماع(2)128

أدلة مثبتی حجیة الإجماع 128

الآیة الأُولی 128

الآیة الثانیة 129

25.الإجماع(3)(للمطالعة)131

حجیة السنة علی الإجماع 131

نقد وتحلیل 132

حجیة العقل علی الإجماع 132

26.الإجماع(4)(للمطالعة)136

نظریة دخول الإمام فی المجمعین 136

الإجماع الکاشف عن الدلیل 136

صفوة القول فی مبانی الإجماع 136

الطرق إلی إثبات الإجماع 137

1.الإجماع المحصل 137

2.الإجماع المنقول 138

مقدمة 142

ص:10

27.دلیل العقل(1)143

تحدید دلیل العقل 143

ملاحظتان 143

حجیة دلیل العقل 144

تقسیم المدرکات العقلیة 144

28.دلیل العقل(2)147

أقسام الحسن و القبح 147

نقد وتحلیل 147

نظرة أُخری إلی مبانی الحسن و القبح 149

29.دلیل العقل(3)152

أقسام الحسن و القبح عند المعتزلة 152

أدلتهم 152

ما یلاحظ علی هذا الدلیل 153

مقدمة 158

30.القیاس(1)159

تعریف القیاس 159

وقفة مع تعاریف القیاس 159

یورد علی هذا التعریف إشکالان 160

أرکان القیاس 160

ما المراد من العلة؟161

شرائط العلة(أرکان العلة)161

31.القیاس(2)163

أقسام العلة 163

تحلیل ونقاش 164

32.القیاس(3)167

تقسیم الإجتهاد فی العلة 167

الأول:تحقیق المناط 167

ملاحظتان علی النوع الأول 168

الثانی:تنقیح المناط 168

الثالث:تخریج المناط 168

تقسیم مسالک العلة 169

أُسلوب التقسیم 169

الأول:المسالک الصحیحة:وهی علی ثلاثة أقسام:169

33.القیاس(4)172

القسم الثانی 172

القسم الثالث 173

ص:11

أ)طریقة السبر و التقسیم 173

ب)اعتبار مناسبة العلة للحکم 173

34.القیاس(5)175

الثالث:إمکان القیاس وأدلته 175

1.إمکان القیاس وأدلة وقوعه 175

35.القیاس(6)178

2.إمکان القیاس وأدلة عدم وقوعه 178

الأول:ما قام علیها دلیل قطعی 178

الثانی:ما لم یقم علیها دلیل قطعی 179

36.القیاس(7)182

أدلة مثبتی القیاس 182

الأدلة من الکتاب الکریم 182

ویرد علی التقریب 183

37.القیاس(8)(للمطالعة)186

أدلة إثبات القیاس من السنة 186

تقییم سند الروایة 187

تقییم دلالة الحدیث 187

مقدمة 192

38.الإستحسان(1)193

الإستحسان فی اللغة 193

الإستحسان فی الإصطلاح 193

الأُصول الحاکمة علی التعاریف 194

1.الإستحسان وأقوی الدلیلین 194

الأول:الإختلاف فی الدلیلین 194

1.التزاحم 195

39.الاستحسان(2)197

2.التعارض 197

أولاً:موافقة الکتاب ومخالفته 198

ثانیاً:مخالفة وموافقة العامة 198

40.الاستحسان(3)201

ب)الإختلاف فی الأدلة غیر اللفظیة 201

ج)الإختلاف بین الأدلة اللفظیة وغیرها 201

2.الإستحسان و العرف 202

3.الإستحسان و المصلحة 202

4.الإستحسان وبعض الحالات النفسیة 202

حجیة الإستحسان 202

ص:12

الأول:أدلتهم من الکتاب 203

41.الاستحسان(4)205

الثانی-أدلتهم من السنة 205

نفاة الإستحسان وأدلتهم 206

نقد وتحلیل 206

مقدمة 210

42.المصالح المرسلة(1)211

المصلحة عند الأُصولیین 211

معنی الإرسال عند الأُصولیین 211

تعاریف المصالح المرسلة 212

تقسیم الأحکام المترتبة علی المصلحة 213

43.المصالح المرسلة(2)215

أدلة المثبتین 216

الأول:أدلة الحجیة من العقل 216

44.المصالح المرسلة(3)219

الثانی:الإستدلال بسیرة الصحابة 219

قول الحق فی دلیلیة المصالح المرسلة 220

مقدمة 224

45.فتح الذرائع وسدها(1)225

أقسام الذریعة 226

حکم فتح الذرائع وسدها 226

46.فتح الذرائع وسدها(2)229

مبانی أحکام فتح الذرائع وسدها 229

نقد وتحلیل 229

نقد وتحلیل 230

تحقیق قول الحق 230

نتائج وفوائد 231

مقدمة 236

47.العرف(1)237

تعریف العرف 237

تقییم التعاریف 239

تقسیمات العرف 238

الأول:تقسیم العرف إلی عام وخاص 238

الثانی:تقسیم العرف إلی عرف عملی وقولی 239

الثالث:تقسیم العرف إلی الصحیح و الفاسد 239

ص:13

48.العرف(2)241

مجالات العرف فی الاستنباط 241

ومجالات العرف فی علم أصول الفقه ثلاثة 241

حجیة العرف 242

مقدمه 246

49.شرع من قبلنا(1)247

الأقوال فی المسألة وحجیتها 247

أدلة المثبتین 248

2.استشهاد النبی صلی الله علیه و آله بالشرایع السابقة 248

3.الاستناد بالاستسحاب 248

نقد وتحلیل أدلة المثبتین 249

50.شرع من قبلنا(2)251

أدلة نفاة حجیة شرع من قبلنا 251

مقدمه 256

أصل مذهب الصحابی 256

51.مذهب الصحابی 257

و قد اختلفوا فی حجیته علی أقوال أربعة 257

أدلة المثبتین 258

أدلة النافین 258

مناقشة دلیل النافین 259

الباب الثانی:الحکم الواقعی التنزیلی

52.الاستصحاب(1)264

الاستصحاب فی اللغة:264

الاستصحاب فی مصطلح الأصولیین:264

مکانة الاستصحاب فی الاستنباط 266

53.الاستصحاب(2)268

أرکان الاستصحاب 268

حجیة الاستصحاب 269

54.الاستصحاب(3)271

الأدلة الاستصحاب 271

1.السیرة العقلائیة 271

تقریب الاستدلال 271

مناقشة الدلیل 271

2.السنة 272

الروایة الأُولی:صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام:273

التفات دقیق 273

ص:14

الروایة الثانیة:موثوقة عمار عن الإمام الکاظم علیه السلام:274

تقریب الدلالة 274

کلمة فی إطلاق وشمول روایات السنة للاستصحاب:24

55.أصول وتطبیقات الاستصحاب(للمطالعة)277

المسألة الأُولی:هل الأصل المثبت حجة شرعاً؟277

نقد وتحلیل 278

المسألة الثانیة:هل الاستصحاب الکلی حجة؟279

التفات 279

الباب الثالث:ما یکون مثبتاً للوظیفة الشرعیة

56.البراءة الشرعیة 286

حجیة البراءة الشرعیة 286

أدلة المثبتین 287

1.الکتاب الکریم 287

2.السنة الشریفة 287

3.الإجماع 288

4.العقل 289

57.الاحتیاط الشرعی(1)292

الاختلاف فی حجیته 292

أدلة المثبتین:292

ج)استنادهم إلی أصالة الحظر 294

58.التخییر الشرعی 298

تعریف التخییر الشرعی 298

أدلة التخییر 298

نقد وتقییم 299

صلاحیة دلیل التخییر الشرعی 299

الباب الرابع:ما یکون مثبتاً للوظیفة العقلیة

59.البراءة العقلیة 304

حجیة البراءة العقلیة 304

النسبة بین قاعدة قبح العقاب وقاعدة دفع الضرر 304

2.التوارد بین القاعدتین 305

3.لا تعارض بینهما ولا تناقض 305

60.الاحتیاط العقلی 310

الأول.الشبهة البدویة قبل الفحص:310

الثانی:العلم الإجمالی وقابلیته لتنجیز متعلقه:311

1.قابلیته العلم الإجمالی لتتجیز ما تعلق به:311

2.حل العلم الإجمالی 311

ص:15

أنواع الشبهات غیر المحصورة وحکمها 312

3.العلم التفصیلی بتکلیف ما و الشک فی الخروج من عهده 313

دلیل الاحتیاط العقلی 313

61.التخییر العقلی 316

حجیة التخییر الشرعی 316

مناقشة أهم الأقوال:317

تنقیح القول المختار:318

الباب الخامس:ما یکون رافعاً للأمور المشکلة

62.القرعة 324

تحدید القرعة 324

مشروعیة القرعة 324

القائلون بالقرعة وموارد الاستفاده منها 324

أدلة المشروعیة:325

حقیقه القرعة 326

المصادر 329

ص:16

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

لایخفی علی القاریء الکریم ما لعلم أصول الفقه من منزلة سامیة; لأنه المفتاح و الأساس فی استنباط الأحکام الشرعیة.

و إذا ما درسنا هذا العلم علی ضوء المقارنة بین المذاهب الإسلامیة المختلفة،نکون قد فتحنا باباً جدیداً ومنهجاً فریداً فی طریق الاجتهاد و الترجیح بین فتاوی المجتهدین،وآراء المدارس الفقهیة المتعددة،لمعرفة أقربها إلی الدلیلیة.

وبعد ما اتضح ما لأُصول الفقه المقارن من قیمة علمیة کان من المناسب الاهتمام بوضع المناهج العلمیة الصحیحة لدراسة هذا العلم لطلاب العلوم الدینیة وسالکی طریق الاجتهاد.

وبما أن کتاب«الأُصول العامة للفقه المقارن»،للعلامة السید محمد تقی الحکیم،الذی درسه سماحته لطلاب المرحلة الثالثة و الرابعة فی کلیة الفقه الدینیة فی مرحلة السطوح العالیة لعدة سنوات،و قد واجهتنا من مصاعب عدیدة فی تدریس هذا الکتاب من قبیل:الحجم الکبیر لهذا السفر الجلیل-700 صفحة-حیث کان مقرراً الإنتهاء منه خلال خمس وحدات دراسیة،ولم یکن متیسراً عادة إستیعاب جمیع موضوعاته خلال هذه الفترة القصیرة،ولهذا السبب وغیره من الأسباب،التمس منا بعض من له حق علینا من إخوانی الأساتذة وطلاب قسم الفقه و الأصول فی المدرسة العالیة للفقه و المعارف الإسلامیة،وجامعة العلوم الإسلامیة فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة إختصار وتلخیص مطالبه العلمیة،لیتسنی استیعابها فی المراحل الدراسیة المقررة لدراسة هذا العلم; فطلبت الخیرة فی هذا الأمر وقلت:«اللهم أیدنا

ص:17

بیقین المخلصین،ولا تسمنا عجز المعرفة عما تخیرت». (1)وبدأت متوکلاً علی الله تعالی بتلخیص فنی تفصیلی علمی للکتاب المذکور،متوخیاً منهجاً دراسیاً حدیثاً لهذا العلم.

تحدید معنی التلخیص وحقیقته

مرادنا من التلخیص،هو مرحلة من مراحل البیان،أو الکتابة،تعطی وإیجازاً واختصاراً فی اسلوب خاص علی أساس معتبر ومعاییر محددة.

وعرفه أهل الفن فی الاصطلاح بأنه إبراز فکرة بأقل کلمات.وقیده بعض منهم بقید الحفاظ علی صلب النص المکتوب.

وعرفه آخرون بأنه تعبیر عن الأفکار الأساسیة فی موضوع بعبارة قلیلة لا تخل بالمضمون ولا تُبهم المعنی.وأضاف صاحب کتاب«فن التلخیص»بأنه نوع من أنواع الفن له طریقة وترتیب خاص به.

و قد عرفنا عملنا فیما مر بأنه«تلخیص فنی تفصیلی علمی»ولتوضیح هذه الفقرة نشیر إلی أنواع التلخیص و الهدف و الفائدة المتوخاة منه.

و قد ذکر بعض أهل هذا الفن أنواع التلخیص علی النحوالتالی:التلخیص التفصیلی،التلخیص الإرجاعی،التلخیص الحر،التلخیص الفهرستی،التلخیص العلمی،والتلخیص الجدولی.

ونتعرض هنا لبیان التلخیص التفصیلی و العلمی مع بیان الأهداف و الفائدة منهما:

هدف التلخیص التفصیلی،هو تلخیص الکتاب المهم ذی الحجم الکبیر من أجل تیسیر مطالعته لعموم الناس.

و أما فائدته:فإن الکتب المهمة و النافعة کثیرة،فقد بلغت سعة العلوم وآثارها المهمة إلی درجة یتعذر معها وجود الفرصة المناسبة لمطالعتها،کما تحتاج إلی إمکانیات مالیة غیر متیسرة لجمیع الناس،ولهذه الأسباب فقد ابتکر بعض المتخصصین مسألة تلخیص الکتب المهمة و الکبیرة الحجم.

و هذا النوع من التلخیص سار فی العالم لنشر العلوم الإنسانیة و الفلسفیة و الکتب الأدبیة المهمة.

ص:18


1- (1) .المصدر،للإمام علی بن الحسین*.

و أما هدف التلخیص العلمی(النظری)فهو تهیئة خلاصة کتاب بصورة بیان نتیجة ومقصود المؤلف،وعرض رسالته وأُصوله وقواعده ومفاهیمه الخاصة.

و أما التلخیص الفنی،فهو أمر حسن ویزید التراث جمالاً وعظمة من خلال اتباعه للأُسس و المعاییر المطلوبة،ولذلک تری حسن التعبیر فی بیان الأفکار وانعکاس المعلومات أمر فطری یحبه کل إنسان ویقدر فاعله.

فوائد التلخیص

وهی کثیرة،خصوصاً فی عصر السرعة واتساع رقعة العلوم و المعارف،ونکتفی هنا بذکر فائدتین للتلخیص:

1.توفیر الوقت المطلوب للإطلاع علی الکتب المطلوبة.

2.ترویض الذهن علی تحدید العناصر المهمة فی کل علم.

وصفوة القول فی التلخیص،أنه أمر جمیل،بل هو ضروری فی المجامع العلمیة،سیما فی التعبیر التحریری.

و أما المبادئ الأساسیة و القواعد الفقهیة التی أخذت بعین الاعتبار فی هذا التلخیص فهی:

1.الترکیز علی الأفکار الأساسیة بأقل ما یمکن من العبارات.

2.اختیار أهم الأدلة وأقواها والاکتفاء بأظهر المصادیق،وأوضح الأمثلة.

3.الموازنة بین فقرات التلخیص بنحو لایطغی قسم من الموضوع علی قسم آخر.

4.الاطمئنان من سلامة اللغة و التعبیر عند إبدال جملة واحدة بدل عدة جملات،أو کلمة بدل کلمات.

5.حذف بعض البدیهیات وإضافة أمور أخری مما یعتمد علیها فی مجالات الاستدلال.

و قد راعینا أدوات التلخیص وفنونه علی تنوعها وکثرتها ما استطعنا إلی ذلک سبیلاً،وینبغی علی الطالب الانتباه إلی أنه لایمکن الانتقال إلی باب لاحق فی البحث قبل إکمال سابقه; لاعتماد فهم واستیعاب مطالبه علی فهم واستیعاب المطالب السابقة.

المنزلة العلمیة لکتاب«الأصول العامة للفقه المقارن»

رعایة للاختصار ننقل هنا کلاماً لخریت فن دراسةِ مبانی ومناهج تطور الاجتهاد فی المدرسة

ص:19

الإسلامیة،العلامة المجاهد الشیخ محمد مهدی الآصفی فی بیان المنزلة العلمیة للکتاب:

«للسید محمد تقی الحکیم جهدان أساسیان فی کتاب«الأُصول العامة للفقه المقارن»:

أحدهما:الجهد التنظیمی،ونرید منه حسن التبویب و التنظیم و المنهجیة.

وتختلف منهجیة السید الحکیم عن المنهجیات السابقة،فی أنه أضاف إلیها أشیاء جدیدة.

وفی الحقیقة فإن المنهجیة المعاصرة للأصول بدأت من عصر الشیخ الأنصاری.والمراد من أصول الفقه المعاصر:الأصول التی بدأت بعد المحقق البهبهانی و المحقق القمی وشارح المعالم،والمحقق الکاظمی.

فقد ظهر منهج الشیخ الأنصاری فی المباحث العقلیة فی تقسیم حال المکلف الی یقین وظن وشک،واستمر هذا التقسیم حتی جاء تلمیذه صاحب الکفایة فنقض هذا التقسیم الثلاثی وأضاف منهجیة مباحث الألفاظ،ثم استمر هذا المنهج حتی جاء الشیخ محمد حسین الإصفهانی فی حاشیته علی الکفایة،فنظم منهجاً جدیداً فی علم الأصول.و قد أبرز هذا المنهج تلمیذه العلامة الشیخ محمد رضا المظفر،وأخذها السید الخوئی بعین الاعتبار فی الدورة الثانیة لبحوث درس الخارج لأصول الفقه التی حضرتها.وطرح بعدها السید الشهید محمد باقر الصدر«طاب ثراه»منهجین:أحدهما فی بحوثه فی أصول الفقه علی ما قررها تلمیذه السید الشاهرودی،وثانیهما:فی حلقاته فی«دروس فی علم الأصول»حیث اتبع فی کل منهما منهجیة خاصة.

والمنهجیة الأخیرة التی أعرفها هی منهجیة السید محمد تقی الحکیم،وهی حصیلة هذه المناهج المتقدمة مع تعدیل وتکمیل لها.

ثانیهما:المقارنة الممتازة:

نجد فی کتاب«الأصول العامة»مقارنة جیدة،والحق أن السید الحکیم قد وفق فی المقارنة بین أصول الفقه الشیعی وأصول المذاهب الأربعة،و قد أبرزت هذه المقارنة الغنی و الثروة فی أصول فقهاء مذهب أهل البیت علیهم السلام.

والمیزة الثالثة لکتاب«الأصول العامة للفقه المقارن»هی التوفیق فی تذلیل الأبحاث الأصولیة المعمقة العریقة عند فقهاء الإمامیة،وعرضها بتعبیر سهل،وتیسیر المباحث لمن لم یدخل فی عناء هذا العلم من أصحاب الثقافة العامة،و هذه فی الحقیقة میزة هذا الکتاب فإن غیر المتخصص فی الأصول بإمکانه أیضاً الاستفادة منه».

ص:20

و آیة الله الشیخ محمدرضا المظفر أحال طلابه إلی السید الحکیم،فعندما انتهی من مبحث القیاس کتب تنبیهة علی الاستحسان و المصالح المرسلة وسد الذرایع فی کتابه القیم الأُصول الفقه بقوله:«..ونحیل الطلاب علی«محاضرات مدخل الفقه المقارن»التی القاها أُستاذ المادة فی کلیة الفقه،الأخ السید محمدتقی الحکیم،فان فیها الکفایة».

والیوم کذلک من بعد خمسین عاماً لازال یعتمد علی السید وأثره الخالد فی الأوساط العلمیة،یقول الشیخ السبحانی فی مقدمه کتابه أصول الفقه المقارن مع تصحیحها:«و قد الف غیر واحد من فقهاء الفریقین کتاباً ورسائل کثیرة فی ما لا نص فیه،واقتصر علی بیان مذهبه دون أن یتعرض لمذهب الفریق الآخر،من غیر فرق بین الشیعة و السنة إلا ما قام بة الأستاذ السید محمدتقی الحکیم،فألف کتاباً فی إطار أوسع باسم«الأُصول العامة للفقه المقارن»....وله صدی فی الأُصول العلمیة».

التعریف بالمؤلف

مؤلف کتاب«الأصول العامة للفقه المقارن»هو العلامة و الفقیه الأصولی المبدع و الأستاذ المتضلع آیة الله السید محمد تقی الحکیم«طاب ثراه»،ولد فی النجف الأشرف سنة 1942م،وطوی مراحل حیاته العلمیة فیها،وحضر دروس کبار علماء الحوزة العلمیة،منهم أخوه آیة الله السید محمد حسین الحکیم،والسید یوسف،والسید حسن،والسید محمد علی الحکیم،وآیة الله العظمی السید محسن الحکیم،والشیخ حسین الحلی،والمیرزا حسن البجنوردی و السید أبوالقاسم الخوئی زعیم الحوزة العلمیة فی النجف الأشرف«طاب ثراهم و قدس الله أسرارهم».

تخرج علی یدیه المئات من الطلاب فی«کلیة الفقه»و«منتدی النشر»فی الفقه و الأصول و القانون و القواعد الفقهیة وعلمی الأدب و النقد،وأشرف علی رسائل کثیرة فی مرحلتی الماجستیر و الدکتوراه.

وکانت للسید المؤلف نشاطات أخری فی العالم الإسلامی و العالم العربی،منها:

1.اختیاره خبیراً علمیاً أکادیمیاً لترقیة بعض حملة الشهادات العلیا.

2.انتخب عضواً فی مجمع اللغة العربیة فی القاهرة ودمشق.

3.انتخب عضواً فی مجمع الحضارة الإسلامیة فی الأردن.

ص:21

ودُعی للحضور و المشارکة فی العدید من المؤتمرات و الندوات العلمیة فی شتی بلادنا الإسلامیة.

و قد ترک السید محمد تقی الحکیم مؤلفات کثیرة وقیمة،نذکر أهم مؤلفاته فی علمی الفقه وأصول الفقه:

1.الوضع تحدیده،تقسیماته،مصادر العلم به.

2.الاشتراک و الترادف.

3.المعنی الحرفی فی اللغة بین النحو و الفلسفة و الأصول.

4.سنة أهل البیت علیهم السلام.

5.«من تجارب الأُصولیین فی المجلات اللغویة».

6.القواعد العامة فی الفقه المقارن.

7.تعلیقة علی کتاب«مستمسک العروة الوثقی»السید محسن الحکیم.

8.تعلیقة علی کتاب«کفایة الأُصول»شیخ محمد کاظم الخراسانی.

9.الأُصول العامة للفقه المقارن،الذی یعتبر أهم ما کتبه فی أصول الفقه المقارن ونحن أخذنا منه هذه الدروس.

والله من وراء القصد و هو ولی التوفیق

مجید النیسی

شهر رمضان المبارک 1430 ق

ص:22

بحوث تمهیدیة

اشارة

من الطبیعی أن نقدم بعض الدروس التی تتصل اتصالاً مباشراً،أو غیر مباشر،بقسم من أصول الفقه المقارن،ونلقی بعض الأضواء علیها فی مقدمة الکتاب،منها:

تعریف الفقه المقارن وأُصوله،معرفة أُسس المقارنة،مباحث الحکم وتقسیماته،والمنهج المختار فی أصول الفقه المقارن،وطریقة الجمع بین الأدلة،أو تقدیم بعضها علی بعض ومقایستها.

ثم ندخل الأبواب الخمسة من دروسنا فی أصول الفقه المقارن بعونه ومنه.

ص:23

1-الفقه المقارن

1-تعریف الفقه المقارن

یطلق الفقه المقارن ویراد به:

أولاً:جمع الآراء المختلفة فی المسائل الفقهیة علی صعیدٍ واحدٍ دون إجراء موازنةٍ بینها.

ثانیاً:جمع الآراء الفقهیة المختلفة وتقییمها و الموازنة بینها بالتماس أدلتها وترجیح بعضها علی بعض،و هو بهذا المعنی أقرب إلی علم الخلاف.الذی هو علم یقتدر به علی حفظ الأحکام الفرعیة المختلف فیها بین الأئمة،أو هدمها بتقریر الحجج الشرعیة وقوادح الأدلة. (1)

وبهذا یتضح الفرق بین العلمین; فإن وظیفة الخلافی،وظیفة محام یضعُ نفسه طرفاً فی الدعوی للدفاع عمن یتوکل عنه،ولایهمه بعد ذلک أن یکون موکله قریباً من الواقع أو بعیداً عنه.و أما وظیفة المقارن فهی وظیفة الحاکم الذی یعتبر نفسه مسؤولاً عن فحص جمیع الوثائق وتقییمها،وربما عمد إلی تصحیح آرائه السابقة علی ضوء ما ینتهی إلیه.

2-فوائد الفقه المقارن

للفقه المقارن فوائد کثیرة،منها:

أ)محاولة البلوغ إلی واقع الفقه الإسلامی من أیسر طرقه وأسلمها،وهی لا تتضح عادة إلا بعد عرض مختلف وجهات النظر فیها،وتقییمها علی أساس موضوعی.

ص:24


1- (1) .دراسات فی الفلسفة الاسلامیة،ص 127.

ب)تقریب شقة الخلاف بین المسلمین،والحد من تأثیر العوامل المفرقة،التی کان من أهمها وأقواها جهل علماء بعض المذاهب بأُسس ورکائز البعض الآخر.

3-موضوع الفقه المقارن

هی آراء المجتهدین فی المسائل الفقهیة،من حیث تقییمها و الموازنة بینها،وترجیح بعضها علی بعض.

4-الفرق بین الفقه المقارن وبین علم الفقه

و إن تشابه الفقه المقارن وعلم الفقه فی طبیعة البحث،إلا أن الفارق بینهما فارق جذری ینقسم من ناحیتین الی:

1.طبیعة الموضوع:فموضوع علم الفقه فیما نری-هو نفس الأحکام الشرعیة أو الوظائف العملیة،من حیث التماسها من أدلتها،وموضوع الفقه المقارن-کما ذکرنا-هی آراء المجتهدین فیها من حیث الموازنة و التقییم.

2.منهج البحث:إن الفقیه غیر ملزم بعرض الآراء الاُخری ومناقشتها،وإنما یکتفی بعرض أدلته الخاصة،التی التمس منها الحکم; بخلاف المقارن و الخلافی فهما ملزمان باستعراض مختلف الآراء و الأدلة وإعطاء الرأی فیها.

5-ضرورة دراسة أصول الفقه المقارن

وبعد أن اتضح وظیفة المقارن وأنها القضاء،یتضح مدی احتیاجنا إلی دراسة أصول الفقه المقارن کمدخل لدراسة الفقه المقارن بشکل یتکفل لنا بعرض الأُسس التی سوف نرتکز علیها فی مقام الموازنة و التقییم.

ص:25

الخلاصة

1.الفقه المقارن:جمع الآراء المختلفة فی المسائل الفقهیة علی صعید واحد مع إجراء موازنة بینها وترجیح بعضها علی بعض.

2.الفرق بین الفقه المقارن وعلم الخلاف:أن وظیفة الخلافی هی الدفاع عن آراءهِ وهدم ما عداها،بینما وظیفة المقارن،هی وظیفة الحاکم الذی یعتبر نفسه مسؤولاً عن فحص جمیع الوثائق وتقییمها،والتماس أقربها للواقع،تمهیداً لإصدار حکمه.

3.أهم فوائد الفقه المقارن:

أ)الوصول إلی واقع الفقه الإسلامی.

ب)تقریب شقة الخلاف بین المسلمین.

4.موضوع الفقه المقارن:هی آراء المجتهدین فی المسائل الفقهیة،من حیث تقییمها و الموازنة بینها،وترجیح بعضها علی بعض.

الأسئلة

1.عرف الفقه المقارن؟

2.إذکر فائدتین من فوائد الفقه المقارن.

3.ما الفارق بین الفقه المقارن وبین کل من:علم الفقه؟،وعلم الخلاف؟مثل لما تقول.

ص:26

2-أُسس المقارنة

1-تعریف أُسس المقارنة

هی الرکائز التی یجب أن یتوفر علی إعدادها وتمثلها الباحث المقارن; لیصح له اقتحام هذه المجالات و الخوض فی مختلف مباحثها.

2-أهم أصول المقارنة

الأول:الموضوعیة

نقصد منها هنا،أن یکون المقارن مهیاً من وجهة نفسیة للتحرر من تأثیر رواسبه،والخضوع لما تدعوإلیه الحجة عند المقارنة،سواء وافق ما تدعو إلیه الحجة ما یملکه من مسبقات أم خالفها!

الثانی:الخبرة بأُصول الاحتجاج (1)

لیصح له الخوض فی مجالات الموازنة بین الآراء وتقدیم أقربها إلی الحجیة وأقواها دلیلاً.

الثالث:معرفة أسباب الاختلاف بین الفقهاء (2)

وهی من أهم الأُسس التی یجب أن یرتکز علیها المقارن،و قد أوجز ابن رشد فی مقدمة کتابه«بدایة المجتهد ونهایة المقتصد»هذه الأسباب وحصرها فی ستة،منها:

ص:27


1- (1) .سیأتی البحث عن«أُصول الاحتجاج»فی الدرس القادم إن شاءالله.
2- (2) .لقد اهتم الباحثون فی بیان تعداد أسباب الاختلاف وشرحها،أمثال کتاب«أسباب اختلاف الفقهاء»لعلی الخفیف،و«الإنصاف»للبطلیموسی الأندلسی،وأسباب اختلاف الفقهاء،للزملی وغیرها.

أولاً:تردد الألفاظ بین أن یکون اللفظ:

1.عاماً یراد به الخاص.

2.خاصاً یراد به العام.

3.خاصاً یراد به الخاص.

4.له دلیل خطاب أو لایکون.

ثانیاً:الإشتراک الذی فی الألفاظ،وذلک فی:

1.اللفظ المفرد،کلفظ القُرء الذی یطلق علی الطهر وعلی الحیض،ولفظ الأمر،هل یحمل علی الوجوب،أو علی الندب؟وکذلک لفظ النهی،هل یحمل علی التحریم،أو الکراهیة؟

2.اللفظ المرکب،مثل قوله تعالی: إِلاَّ الَّذِینَ تابُوا 1فإنه یحتمل أن یعود علی الفاسق فقط،ویحتمل أن یعود علی الفاسق و الشاهد،فتکون التوبة رافعة للفسق ومجیزة شهادة القاذف.

ثالثاً:اختلاف الإعراب کقراءة لام«أرجلکم»فی آیة الوضوء بالنصب و الجر. 2

رابعاً:تردد اللفظ بین حمله علی الحقیقة أو حمله علی نوع من أنواع المجاز التی هی إما الحذف و إما الزیادة و إما التأخیر و إما تردده علی الحقیقة أو الاستعارة.

خامساً:إطلاق اللفظ تارة وتقییده تارة،مثل إطلاق الرقبة فی العتق تارة،وتقییدها بالإیمان أُخری.

سادساً:التعارض:أ)فی الشیئین فی جمیع أصناف الأصناف الألفاظ؛التی یتلقی منها الشرع الأحکام بعضها من بعض.

ب)فی الأفعال

ج)الإقرارات

د)فی القیاسات أنفسها

ص:28

ه)الذی یترکب من:

1.معارضة القول:أ)للفعل،ب)أو للإقرار،ج)أو للقیاس.

2.معارضة الفعل:أ)للإقرار،ب)أو للقیاس.

3.معارضة الإقرار:للقیاس. (1)

3-نظرة فی أسباب الاختلاف

هذه الأسباب التی اقتسبها ابن رشد وغیر واحد من الباحثین المتأخرین لم تستوف مناشئ الاختلاف من جهة،ولم نتعرض إلی جذورها الأساسیة من جهة اخری.

فالأنسب أن یستوعب الحدیث فی قسمین رئیسیین:

1.الخلاف فی الأصول و المبانی العامة،التی یعتمدها الفقهاء فی استنباطهم،کالخلاف فی حجیة أصالة الظهور الکتابی،أو الإجماع،أو القیاس،أو الاستصحاب،أو غیرها من المبانی،مما یقع موقع الکبری من قیاس الاستنباط.

2.اختلافهم فی مدی انطباق هذه الکبریات علی صغریاتها بعد اتفاقهم علی الکبری،کأن یستفید أحدهم من آیة الوضوء مثلاً-بعد اتفاقهم علی حجیة الکتاب-إن التحدید فیها إنما هو تحدید لطبیعة الغسل وبیان لکیفیته،فیفتی تبعاً لذلک بالوضوء المنکوس،بینما یستفید الآخرون أنه تحدید للمغسول ولیس فیه آیة دلالة علی بیان کیفیة الغسل،فلا بد من التماس بیان الکیفیة من الرجوع إلی الأدلة الأُخری،کالوضوءات البیانیة وغیرها.

وفی هذا القسم تنتظم جمیع تلک المناشی،التی ذکرها«ابن رشد»ونظائرها مما لم یتعرض له،کمباحث المفاهیم و المشتقات ومعانی الحروف،وما یشخص صغریات حجیة العقل،کباب الملازمات العقلیة وغیرها.

ص:29


1- (1) .ابن رشد،بدایة المجتهد ونهایة المقتصد:ج1،ص 5-6.

الخلاصة

1.لابد للباحث المقارن من أمور:

أ)الموضوعیة؛

ب)الخبرة بأصول الاحتجاج؛

ج)معرفة أسباب الاختلاف.

2.المقصود بالموضوعیة فی أصول المقارنة:أن یکون المقارن مهیأ من وجهة نفسیة للتخلص من الرواسب المؤثرة.

3.من أسباب الاختلاف بین الفقهاء وقوع اللفظ المشترک وتردده بین عام یراد به الخاص وعکسه،وأن یکون له دلیل خطاب أو لایکون،ووقوع اختلاف فی الإعراب.

4.أسباب الاختلاف عند المصنف أوسع مما قاله ابن رشد وغیره،و هو یتم بأمرین:

أ)معرفة الخلاف فی الأصول و المبانی العامة،کالخلاف فی حجیة القیاس.

ب)تطبیق الکبریات علی صغریاتها،کتطبیق آیة الوضوء علی الوضوء المنکوس وغیره.

الأسئلة

1.عرف أَسس المقارنة.

2.متی یصح للمقارن الخوض فی مجالات الموازنة بین آراء الفقهاء؟

3.لماذا لم یستوف ابن رشد وغیره أسباب الاختلاف؟

4.ما هو الحل الأنسب علی رأی المؤلف للفحص فی أسباب الاختلاف.

5.بین سبب الاختلاف فی تفسیر آیة الوضوء بأنها إما بیان لطبیعة الغسل أو بیان لتحدید المغسول؟

ص:30

3-مصادر الاحتجاج وتحدید مفهوم الحجة

1-أصول الاحتجاج

إن من أصول المقارنة ورکائزها الأساسیة أن یحیط المقارن-أو غیره ممن یرید الموازنة و الحکم فی آیة قضیة کانت-بأُصول الاحتجاج،ومن أصول الاحتجاج وأولیاته أن یتعرف المقارن أو غیره علی:

1.القضایا الأولیة;

2.القضایا المسلمة.

لیکون فی الانتهاء فصلاً فی القول وإلزاماً فی الحجة،وکل قضیة لا تنتهی إلی هذه الأولیات،أو المسلمات،تبقی معلقة.ویتحول الحدیث فیها من عالم الموازنة و التقییم إلی عالم تأریخ المبانی،والتعرف علی وجهات النظر فحسب.

و قد یکون من نافلة القول أن نؤکد علی أن فقهاء المسلمین وفلاسفتهم علی الإطلاق یعتبرون هذه القضایا الأساسیة لکل احتجاج من البدیهیات،أو المسلمات،وهی القضایا التی یتمثل بها:

1.مبدأ العلیة و المعلولیة،بما فیها من:

أ)امتناع تقدم المعلول علی العلة وتأخرها عنه.

ب)امتناع مساواتها-العلة و المعلولیة-له فی الرتبة ثم امتناع تخلفه عنها.

2.مبدأ استحالة التناقض اجتماعاً وارتفاعاً مع توفر شرائط الاتحاد والاختلاف فیه. (1)

ص:31


1- (1) .یشترط الفلاسفة فی امتناع اجتماع أو ارتفاع النقیضین اجتماع وحدات عشر هی:الموضوع،المحمول،الزمان،المکان،الرتبة،الشرط،الإضافة،الجزء و الکل،القوة و الفعل،الحمل.کما اشترطوا ضرورة الاختلاف فی ثلاثةٍ ٍٍٍ هی:الکم،والکیف،والجهة،ومع تخلف إحدی هذه الوحدات أو عدم توفر الاختلاف فی واحدة من هذه الثلاث لا یمنع العقل من إمکان الاجتماع أو الارتفاع.

3.مبدأ استحالة اجتماع الملکة وعدمها وارتفاعهما مع توفر قابلیة المحل.

4.مبدأ امتناع اجتماع الضدین.

5.مبدأ استحالة الدور.

6.مبدأ استحالة الخُلف.

7.مبدأ استحالة التسلسل فی العلل و المعلولات.

لذلک لا نری آیة ضرورة للدخول فی تفصیل القول فی هذه القضایا وما یشبهها،ما دمنا نعتقد أن الجمیع یؤمنون بها،و إن ظهر من بعضهم خلاف ذلک نتیجة عدم تحدید المصطلحات.

فإن الذی یهمنا فی دروسنا فی الأصول المقارن هو إیمان الأطراف المتنازعة فی المسائل الفقهیة بهذه القضایا،و هذا ما لا موضع لخلاف فیه،حتی أن الغزالی-و هو ممن عرف بإنکار السببیة الطبیعیة فی الفلسفة (1)-لم یعمم إنکارها إلی الفقه وأصوله،وإنما بنی علیها کثیراً من المسائل المهمة فی القیاس وغیره. (2)

و إذا صح هذا،عدنا إلی«تحدید مفهوم کلمة الحجة»لنجعل منها منطلقنا إلی تمییز ما یصلح للاحتجاج به من الأصول و المبانی العامة من غیره.

2-الحجة عند اللغویین

یطلقونها علی کل ما یصح الاحتجاج به،أفاد علماً بمدلوله أم لم یفد،شریطة أن یکون مسلماً لدی المحتج علیه لیکون ملزماً به.

یقول الأزهری:«الحجة الوجه الذی یکون به الظفر عند الخصومة». (3)وقال-إنما سمیت:«حجة لأنها تُحَج،أی:تقصد،لأن القصد لها وإلیها». (4)والمرء عادة لا یقصد إلی الشیء إلا إذا وجد فیه ضالته،والضالة التی ینشدها العقلاء من وراء قصدهم إلی الحجة الشرعیة عادة هی:

ص:32


1- (1) .الأربعین فی أصول الدین للغزالی:10 وما بعدها.
2- (2) .انظر:المستصفی 1:312 وما بعدها.
3- (3) .لسان العرب،مادة حجج.
4- (4) .المصدر.

أ)المعذریة:یراد بها حکم العقل بلزوم قبول اعتذار الإنسان وعدم معاقبته إذا عمل علی وفق الحجة الملزمة شرعاً أو عقلاً،وأخطأ،الواقع.

ب)المنجزیة:یراد بها اعتبار ما تقوم علیه الحجة من الأمور الموصلة إلی واقع ما تقوم علیه،بحیث یسوغ للمشرع أن یعاقب إذا قدر لها إصابة الواقع مع تخلف المکلف عنها.

ج)صحة الإخبار بمدلول الحجة:ویتفرع علی هذا-أی:المعذریة و المنجزیة-صحة الإخبار عن مؤدی ما قامت علیه الحجة ونسبته لمن صدرت عنه،لأن صحة الإخبار ولیدة اعتبار الطریق موصلة إلی مؤداها.

صفوة القول:إن الحجة بالمعنی اللغوی شاملة للعلم ولکل ما ینتهی إلیه من حیث صحة الاحتجاج وإثبات لوازمه،سواء کان أمارة أم أصلاً،کما سیتضح ذلک فیما بعد.

ص:33

الخلاصة

1.من أصول المقارنة التعرف علی أصول الإحتجاج وأولیاته،وأبرز ذلک معرفة أنواع القضایا وهی القضایا،الأولیة و القضایا المسلمة; لیکون فصلاً فی القول وإلزاماً فی الحجة.

2.من جملة القضایا البدیهیة و المسلمة:

أ)امتناع تقدیم المعلول علی العلة وتأخرها عنه؛

ب)استحالة اجتماع الملکة وعدمها فی محل واحد؛

ج)امتناع اجتماع الضدین فی زمان ومکان واحد.

3.المقاصد التی یطلبها الفقیه من الحجیة الشرعیة عبارة عن:

أ)طلب المعذریة؛

ب)طلب المنجزیة؛

ج)صحة الإخبار بمدلول الحجة الشرعیة.

4.إن الحجة المطلوبة لدینا شاملة للعلم ولکل ما ینتهی إلیه،من حیث صحة الاحتجاج وأثبات لوازمه،سواء کانت أمارة أم أصلاً.

الأسئلة

1.بأی شیء یحصل التعرف علی أصول الاحتجاج؟

2.إذکر أربعة من القضایا التی اعتبرها فقهاء المسلمین من البدیهیات،أو المسلمات للعلوم.

3.عرف الحجة فی المصطلح اللغوی.

4.أذکر لوازم الحجة المتوخاة.

ص:34

4-تحدید مفهوم الحجة

1-الحجة عند الأصولیین

عرف شیخنا النائینی الحجة.ب-:«الأدلة الشرعیة من الطرق و الأمارات التی تقع وسطاً لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعی،من دون أن یکون بینها وبین المتعلقات علقة ثبوتیة بوجه من الوجوه». (1)

ومن الواضح عدم الارتباط الواقعی بین نفس الأمارة وما تقوم علیه،سواء أکان موضوعاً خارجیاً،أم حکماً شرعیاً.

أما الموضوع الخارجی فواضح جداً لبداهة عدم الارتباط بین الظن بخمریة شیء وبین الخمر الواقعی،لا علی نحو العلیة و المعلولیة ولا علی نحوالتلازم; لأن الظن بخمریة ماء مثلاً لا یکون علة فی تحویل ذلک الماء إلی خمر واقعی،کما أن لا تلازم واقعاً بین هذا الظن وثبوت مؤداه.

و أما فی الأحکام فأمرها أوضح; لأن الأحکام إنما ترد علی موضوعاتها الواقعیة لا علی ما قام علیه الظن،والظن لا یزید علی کونه واسطة فی إثبات متعلقه لاثبوته.

2-الحجة عندنا فی أصول الفقه المقارن

کل دلیل اعتبره الشارع من علم أو أمارة أو أصل،بحیث یصلح للاحتجاج،ویثبت لوازمه من المعذریة أو المنجزیة ویصح الأخبار بمدلوله الشرعی. (2)

ص:35


1- (1) .فوائدالأصول:3:7.وراجع تقویم الأدلة:13-19 ومیزان الاصول 1:179-181.
2- (2) .هذا التعریف استفدناه من کلام المؤلف هنا وهناک.

الفرق بین إطلاق الحجة علی العلم و الأمارة:

عندما نطلق کلمة الحجة علی العلم یختلف عن إطلاقها علی الأمارة; لأن إطلاقها علی الأول لا یحتاج إلی توسط شیء،وإطلاقها علی الثانی یحتاج إلی توسط جعل من شارع أو عقل،وبهذا صح تقسیمها إلی قسمین:

الأول-الحجة الذاتیة:وهی التی لا تحتاج إلی جعل جاعل،وتختص بخصوص(القطع); لأنها من اللوازم العقلیة الذاتیة له.

الثانی-الحجة المجعولة:وهی التی لا تنهض بنفسها فی مقام الاحتجاج،بل تحتاج إلی من یسندها من شارع أو عقل.وهی إنما تتعلق فیما عدا العلم من الأمارات و الأُصول،إحرازیة أو غیر إحرازیة،أی:فیما ثبتت له الطریقیة الناقصة التی لا تکشف عن الواقع إلا فی حدود ما،أو لم تثبت له لعدم کشفه عنه.

3-دور القطع فی المقارنة

فالقطع بالحجیة هو أساس جمیع الأدلة،وعلی رکائزه تقوم دعائم الموازنة و التقییم وإصدار الحکم،فکل دلیل أنهی إلی القطع بمؤداه فهو الملزم للجمیع،ولایکون القطع ملزماً للجمیع حتی ینتهی الحدیث فیه إلی إحدی تلک القضایا الأولیة،أو المسلمة لدی الطرفین.

والبراعة (1)فی الاحتجاج و الإلزام إنما تکون بمقدار ما یملک صاحبها من إیصال إلی هذه القضایا وإنهاء إلیها.

ص:36


1- (1) .البراعة من مادة بَرَعَ--بُروعاً:فاق نُظراءَه فی أمر.تقول:بَرَع صاحبه:غَلَبه.المعجم الوسیط،مجمع اللغة العربیة القاهرة عدة من المؤلفین بإشراف إبراهیم مذکور.

الخلاصة

1.الحجة عند الأُصولیین:الأدلة الشرعیة من الطرق و الأمارات التی تقع وسطاً لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعی،من دون أن یکون بینها وبین المتعلقات علقة ثبوتیة بوجه من الوجوه.

2.قسموا الحجة إلی قسمین:الحجة الذاتیة،وهی التی لا تحتاج إلی جعل جاعل،وتختص بخصوص القطع.والحجة المجعولة،وهی التی لا تنهض بنفسها فی مقام الإحتجاج،بل تحتاج إلی من یسندها من الشارع أو عقل.

3.القطع إذا انتهی إلی إحدی القضایا الأولیة أو المسلمة لدی الطرفین،یکون ملزماً للجمیع.

4.کل دلیل أنهی إلی القطع لمؤدی الحجیة،أو قام دلیل قطعی علی جعل الطریقیة،أو جعل الحجیة له،فهو الملزم للجمیع،وکل ما لا یکون کذلک فهو لیس بدلیل.

الأسئلة

1.عرف الأصولیون الحجة بأنها:«الأدلة الشرعیة من الطرق و الأمارات التی تقع وسطاً لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعی من دون أن یکون بینها وبین المتعلقات علقة بثبوته بوجه من الوجوه.»

أ)وضح المراد من:«وقوع الأدلة الشرعیة وسطاً لإثبات متعلقاتها».

ب)ما المراد من القید الأخیر فی التعریف؟وإلی أی شیء یشیر؟

2.عرف الحجة فی مصطلح الأُصول المقارن.

ص:37

5-أُصول الفقه المقارن

اشارة

قبل أن نبدأ هذا الدرس،علینا أن نحدد مدلول مفردات هذا الترکیب الإضافی(أُصول الفقه المقارن)لیسهل الانطلاق من هذا التحدید إلی التماس تعریفه فنقول:

کلمة الأُصول

فی اللغة:وهی جمع،مفردها أصل،ومعناها:ما یرتکز علیه الشیء ویبنی. (1)

فی الإصطلاح:ذکروا للأصل معانی،منها:

أ)ما یقابل الفرع،فیقال مثلاً فی باب القیاس:الخمر أصل النبیذ،أی أن حکم النبیذ مستفاد من حکم الخمر.

ب)القاعدة،أی الرکیزة التی یرتکز علیها الشیء کقوله صلی الله علیه و آله:«بُنی الإسلام علی خمسة أُصول» (2)أی:علی خمس قواعد.

ج)ما یجعل لتشخیص بعض الأحکام الظاهریة،أو الوظیفة کالاستصحاب وأصالة البراءة.

المعنی المختار:الظاهر أن هذه المعانی و إن تعددت فی بدو النظر فی اصطلاح الفقهاء،إلا أن رجوعها إلی المعنی اللغوی غیر بعید،فالذی نراه الیق بالمفهوم الذی نرید تحدیده للعنوان،هو کلمة القواعد،کما سنشیر إلی وجه ذلک فیما بعد.

ص:38


1- (1) .لسان العرب 11:16 ومجمع البحرین 1:50.
2- (2) .قال بعض المحققین:«لم نعثر علی حدیث بهذا اللفظ،راجع الأصول من الکافی،ج2،ص18،الحدیث رقم 5.وفیه«خمسة أشیاء»وصحیح مسلم:کتاب الإیمان،الحدیث رقم 19،من دون کلمة(أصول)».

کلمة الفقه

فی اللغة:الفهم و الفطنة.

فی الاصطلاح:له عدة تعاریف الأنسب منها أن نقول:هی مجموع الأحکام الشرعیة الفرعیة الکلیة،أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند عدمها.

کلمة المقارَن:اسم مفعول من المقارنة،التی بمعنی عرض الآراء المختلفة علی صعید واحد،والتماس أقوی الآراء وأقربها للواقع. (1)

وبضم هذه المعانی الثلاثة-الأُصول،الفقه،المقارن-یتضح ما نرید من تعریف أصول الفقه المقارن.

تعریف أصول الفقه المقارن

القواعد التی یرتکز علیها قیاس استنباط الفقهاء للأحکام الشرعیة الفرعیة الکلیة،أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند الیأس من تحصیلها،من حیث الموازنة و التقییم.

توضیح وإلفات

أ)لا نرید بالقواعد هنا غیر الکبریات،التی لوانضمت إلیها صغریاتها لأنتجت ذلک الحکم،أو الوظیفة؛لأن الکبری هی التی تصلح أن تکون قاعدة لقیاس الاستنباط،وعلیها تبنی نتائجه.

ب)کلمة«الفرعیة الکلیة»تخرج الکبریات التی لا تنتج إلا أحکاماً جزئیة،کبعض القواعد الفقهیة وضمیمة الوظائف إلیه.

ج)تلاؤم هذا التعریف مع ما یتبادر من کلمة أصل بمفهومها اللغوی.

د)ربما أطلق علی هذه القواعد کلمة«أدلة»باعتبار مایلزم أقیستها من الدلالة علی الأحکام أو الوظائف بحکم کونها واسطة فی الإثبات،کما یطلق علیها کلمة«حُجج»باعتبار صحة الإحتجاج بها بعد توفر شرائط الحجیة لها.

ه)ما یصلح أن یسمی«أصلاً للفقه هو خصوص الکبری المنتجة; لأنها هی التی تصلح للإرتکاز علیها کقاعدة لبناء الاستنباط».

ص:39


1- (1) .التعریف استفدناه من کلام المؤلف هنا وهناک.

و)السر فی عدم تعمیمنا فی التعریف الی ما یشمل الصغریات-سواء ما وقع منها فی مجالات استکشاف المراد من النص،کمباحث الألفاظ أم غیرها،کمباحث الملازمات العقلیة-لکونها لیست من الأصول التی یرتکز علیها البناء،و إن توقف علیها إنتاج القیاس وإعطاؤها الثمرة العملیة.

ز)إن بحث ما یتصل بمباحث الألفاظ وغیرها مما یلابس قیاس الاستنباط،لایسمی بالأُصول،فالأنسب اعتبارها من المبادی وبحثها علی هذا الأساس.

ص:40

الخلاصة

1.الأصل له معان منها:ما یقابل الفرع،مثلاً فی باب القیاس:الخمر أصل النبیذ،ومنها:«ما یجعل لتشخیص بعض الأحکام الظاهریة،أو الوظیفة،کالإستصحاب»،لکن المعنی المختار للمؤلف قدس سره هو المعنی اللغوی،و هو عبارة عن«ما یرتکز علیة الشیء ویبنی».

2.أصول الفقه المقارن:هی القواعد التی یرتکز علیها قیاس استنباط الفقهاء للأحکام الشرعیة الفرعیة الکلیة،أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند الیأس من تحصیلها،من حیث الموازنة و التقییم.

الأسئلة

1.عرف أصول الفقه المقارن.

2.إذکر المعنی المختار للأصل فی المصطلح الأُصولی مع ذکر الدلیل.

ص:41

6-المنهج فی أصول الفقه المقارن

اشارة

لابد أن نشیر إلی المنهج الذی نرید أن نسلکه فی دراسة هذه الأصول و القواعد العامة التی عقدت هذه البحوث لدراستها لیکون القارئ الکریم علی هدی فی مسایرة فصولها القادمة.

هناک مناهج لتشخیص الاُصول واستنباطها:

1.منهج الأحناف;

2.منهج المتکلمین;

3.المنهج المقارن الأقوم.

1-منهج الأحناف

(1)

رکز هذا المنهج علی أساس اعتبار الفروع الفقهیة لإمام المذهب المنطلق إلی التماس الضوابط الأُصولیة العامة; لأنهم لا یملکون لأنفسهم حق استنباط الأحکام الشرعیة من أدلتها.وکل ما یهمهم بعد ذلک أن یعرفوا ما اعتمده إمام المذهب من الأُصول،وخیر الوسائل إلی ذلک أن یجعلوا«أحکام الفروع التی نقلت عن أئمتهم مصدراً لهم لاستنباط الأَصول التی اتبعوها عند الحکم فیها». (2)

ص:42


1- (1) .و قد الف علی طریقتهم هذه جملة من أعلام الاصولیین-فیما تحدث بعضهم-کالکرخی،والرازی المعروف بالجصاص،والسرخسی،والنسفی،وغیرهم.
2- (2) .مباحث الحکم عند الأصولیین،ج1،ص50.

2-منهج المتکلمین

(1)

یقوم هذا المنهج علی«تجرید قواعد الأُصول عن الفقه و المیل إلی الاستدلال العقلی ما أمکن،فما أیدته العقول و الحجج أثبتوه،وإلا فلا دون اعتبار لموافقة ذلک للفروع الفقهیة،فهدفهم ضبط القواعد لتکون دعامة للفقه وضابطة للفروع من غیر اعتبار مذهبی». (2)

3-المنهج المقارن الأقوم

أما نحن-کمقارنین-فإن وظیفتنا هی أخذ واعتماد الطریقتین معاً.

إذ احتیاجنا إلی الطریقة الأولی«طریقة الأحناف»إنما یکون فی التماس وتشخیص هذه الأُصول و التعرف علیها من مصادرها لدی الأئمة؛لأن طبیعة المقارنة تستدعی جمع الآراء من مظانها-فی الفقه و الأُصول-والتأکد من نسبتها لأصحابها،ثم التماس أدلتها لدیهم تمهیداً لفحصها وإعطاء الرأی فیها.

واحتیاجنا بعد ذلک لطریقة الکلامیین إنما کان لتقییم هذه الآراء بتقییم أدلتها و التماس أمثلها فی الحجیة و الدلیلیة.إذن،بهذا الترکیب نصل إلی المنهج المقارن الأقوم.

منهجنا فی دراسة مصادر التشریع وطریقة الاستنباط

مصادرالتشریع عند أئمة المذاهب وکبار مجتهدیهم لایتجاوز العشرین أصلاً،علی أن هذه الأصول یمکن إرجاع بعضها إلی بعض،واختصار عددها إلی النصف تقریباً،إلا اننا رأینا أن مجاراة علماء الأصول فی بحثها مستقلة،والإشارة إلی ما ترجع إلیه أیسر علی الباحث وأکثر جدوی له.

والنهج الذی نراه،ما لهذه الأصول من ترتب فی مقام إعمال المجتهد وظیفته فی مجال الاستنباط،وهی خمسة:

1.مرحلة البحث عن الحکم الواقعی و الأصول التی یرجع إلیها أو إلی بعضها الفقهاء،وهی حسب استقرائنا لها أحد عشر أصلاً (3)،ولا یخفی علیک أن أدلة الطرق و الأمارات بعد ما

ص:43


1- (1) .و قد الف علی هذه الطریقة-فیما یقال-کل من الآمدی،والغزالی،والجوینی،ومحمدبن علی البصری،وغیرهم.
2- (2) .مباحث الحکم عند الاصولیین،ج1،ص50.
3- (3) .أی الکتاب،السنة،الإجماع،دلیل العقل،القیاس،الاستحسان،المصالح المرسلة،سد الذرائع،العرف،مذهب من قبلنا،مذهب الصحابی.سنبحث عنها فی الباب الأول من الکتاب.

کان لسانها لسان کشف عن الواقع وإثبات له وأن الشارع أمضی طریقیتها،فمع قیامها لا مجال للرجوع إلی المرحلة التالیة.

2.مرحلة البحث عن الحکم الواقعی التنزیلی،الذی سمته سمة المحرز للواقع تنزیلاً.

3.مرحلة البحث عن الوظیفة الشرعیة،ومع قیام أدلتها لا مجال للوظیفة العقلیة،لورودها علیها بإزالتها لموضوعها وجداناً.

4.مرحلة البحث عن الوظیفة العقلیة،فی هذه المرحلة أخذ فی موضوعها،عدم البیان الشرعی کما هو مقتضی القاعدة القائلة بقبح العقاب بلا بیان،أو احتمال الضرر کما هو مقتضی قاعدة لزوم دفع الضررالمحتمل.

5.مرحلة تعقد المشکلة وعدم التمکن من العثور علی أدلة الحکم أو الوظیفة بأقسامها.

و هذا الترتیب فی وظائف المجتهد-عند إعمال ملکته-هو الترتیب الطبیعی عادة،و قد اقتضته طبیعة أدلة هذه الأصول وتقدیم بعضها علی بعض،وعلی هذا الترتیب رتبنا الکتاب إلی خمسة أبواب.

ص:44

الخلاصة

1.منهج الأحناف لتشخیص الأصول واستنباطها هو اعتبار الفروع الفقهیة لإمام المذهب،وعلیه،فتصیر هی المنطلق لتعیین الضوابط الأصولیة العامة،ولیس لدیهم حق ما وراء ذلک لتأسیس القواعد.

2.منهج المتکلمین لتشخیص الأصول واستنباطها،هو القواعد الأصولیة التی تؤید من قبل العقول و الحجج الشرعیة دون اعتبار لموافقة فرع فقهی.

3.منهج أصول الفقه المقارن:هو الإعتماد علی منهج الأحناف من حیث التعرف علی مصادر أئمة المذاهب والاطمئنان من نسبتها،ومن ناحیة أُخری الأخذ بمنهج المتکلمین لتقییم الآراء و التماس أمثلها وأقربها إلی الحجیة.

4.مراحل إعمال المجتهد وظیفته فی سبیل استنباط الأحکام الخمسة:الأول:ما یکون سمته سمة الکاشف عن الحکم الواقعی،ثم ما یکون سمته سمة المحرز للواقع تنزیلاً و هو الاستصحاب،والمرحلة الثالثة ما یکون مثبتاً للوظیفة الشَرعیة،وعند فقدان هذا المؤمن الشَرعی نذهب إلی المؤمن العقلی،الوظیفة العقلیة-المرحلة الرابعة-وبالتالی و النهایة نعمل بالقرعة.

الأسئلة

1.عرف المناهج الأصولیة لتشخیص الأصول واستنباط الحکم.

2.لماذا کان منهج أصول الفقه المقارن الأقوم عند المصنف شاملاً للمناهج الأخری؟

3.إذکر بعض علماء الأصول باعتبار المناهج الثلاثة:الأحناف،المتکلمین،والمقارنین،ثم اذکر کتب کل منهم.

4.وضح المراحل التی یمر علیها المجتهد عادة فی طریق استنباط الحکم الشرعی؟

ص:45

7-المقیاس فی الجمع بین الأدلة أو تقدیم بعضها علی بعض

اشارة

المقیاس فی الجمع بین الأدلة أو تقدیم بعضها علی بعض من وجهة دلالیة قد یکون لأمور،لعل أهمها أربعة هی: (1)

1.التخصیص;

2.التخصص;

3.الحکومة;

4.الورود.

1-التخصیص

فالمراد بالتخصیص إخراج من الحکم مع دخول المخرَج موضوعاً،ومثاله کل مکلف یجب علیه الصوم فی شهر رمضان إلا المسافر،فالمسافر مکلف ولا یجب علیه الصوم.

إن التقدیم فی التخصیص إنما کان لأجل أن ظهور الخاص فی مصادیقه أقوی من ظهور العام فی مصادیق الخاص،أو أن الخاص نص فیها و العام ظاهر،والنص و الأظهر یقدمان علی الظاهر عادة،أو أن الخاص بمنزلة القرینة علی المراد الجدی،والظهور لایتجاوز الکشف عن المراد الاستعمالی للآمر،ومن عدم القرینة علی تغایر المراد الاستعمالی للمراد الجدی.

ص:46


1- (1) .معرفة المقیاس فی الأخذ بالأدلة بحث هامٌ مفصل فی علم الأصول،ولا یمکن إستنباط الحکم الفقهی إلا بدراستها.ولایخفی علی الباحث الفطن،إن الأدلة الواردة فی بیان الأحکام،کثیراً ما تتعارض فی ما بینها; لأسباب کثیرة ذکرت فی محلها،و إذا تعارض دلالة دلیل مع دلیل آخر فیلزم الجمع بینها،و هو بحث مهم لا غنی للفقیه عنه فی استدلاله الفقهی،و هو علی أقسامٍ:قاعدة تقدیم النص علی الظاهر،وتقدیم الأظهر علی الظاهر،وتقدیم الخاص علی العام،وتقدیم المقید علی المطلق ولکن أهمها الأمور التی سنتعرض لها فی هذا الدرس.

2-التخصص

أما التخصص،فالمراد به الخروج الموضوعی الوجدانی،و هو الذی یسمیه النحویون بالاستثناء المنقطع،ومثاله:کل مکلف یجب علیه الصیام إلا الطفل،فإن الطفل خارج عن موضوع(المکلف)وجداناً.

3-الحکومة

والمراد بالحکومة أن یکون أحد الدلیلین ناظراً إلی الدلیل الآخر.و هو علی قسمین:

1.موسع،نحوما ورد من أن«الفقاع خمر استصغره الناس» (1)،فإن الشارع بدلیله هذا-الحدیث-وسع مفهوم الخمر إلی ما یشمل الفقاع،وأعطاه جمیع أحکام الخمر.

2.مضیق،نحوما ورد فی أدلة نفی الضرر کقوله قدس سره:«لا ضرر ولا ضرار» (2)،وسمة هذه الأدلة إلی أدلة الأحکام الأولیة،سمة المضیق لها إلی ما لا یشمل الأحکام الضرریة،ولسان الکثیر من أدلة هذا النوع من الحکومة،لسان نفی للموضوع تعبداً،ونفی الموضوع یستدعی نفی الحکم إذ لا حکم بلا موضوع.

ولأن لسان الحکومة لما کان لسان شرح وبیان للمراد من الأدلة الأولیة،کان قرینة علی کل حال،فلابد أن ینزل ذوالقرینة علیها عرفاً.

4-الورود

المراد به أن یکون أحد الدلیلین نافیاً للموضوع وجداناً عن دلیل آخر،ولکن بتوسط تعبد شرعی،ومثاله ما ورد عن الشارع من قوله:«رفع عن أُمتی ما لا یعلمون»، (3)ولسانه لسان المؤمن للعبد فی ما لوترک التکلیف المشکوک ولم یأت به مع عجزه عن الوصول إلیه بالأدلة الاجتهادیة المنجزة له،فلوترک استناداً إلی هذا الحدیث فإنه لا یحتمل الضرر،فالقاعدة العقلیة القائلة بوجوب دفع الضرر المحتمل لا یبقی لها موضوع; إذ لا احتمال للضرر مع

ص:47


1- (1) .الکافی،ج6،ص423،باب 30(الفقاع)،الحدیث،9،باختلاف یسیر.
2- (2) .المصدر:ج5،ص280 باب 138(الشفعة)،و قد ورد أیضاً مضمون هذه القاعدة المسماة ب-«قاعدة لاضرر»فی قضیة«سمرة»،الذی کان یدخل دار الأنصاری بغیر إذنه،الحدیث،4; انظر الوسائل،کتاب إحیاء الموات،باب 12،ح 3.
3- (3) .المصدر،ج2،ص463،الحدیث 2،باللفظ«وضع عن أمتی...».

وجود المؤمن الشرعی.فسمة حدیث الرفع إلی هذه القاعدة سمة الوارد علیها،المزیل لموضوعها وجداناً،ولکن بواسطة التعبد الشرعی.

الفارق بین الورود و التخصص:إن التخصص خروج موضوعی جدلی،ولکن لا بتوسط تعبد من الشارع،والورود خروج موضوعی وجدانی،ولکن بواسطة تعبد الشارع،فلو لم یأت حدیث الرفع کان احتمال الضرر موجوداً،وکان حکمه العقلی بلزوم دفعه قائماً أیضاً،ولکن التعبد الشرعی أزال الاحتمال وجداناً،فأُزیل معه حکمه تبعاً لذلک.

الفارق بین الورود و الحکومة:الحکومة و إن کان لسان بعضها لسان نفی الموضوع،إلا أن نفیها له نفی تعبدی لا وجدانی،فقول الشارع:«لا ضرر ولا ضرار»و إن کان فیه نفی للموضوع تعبداً،إلا أن نفیه التعبدی لم یؤثر علی بقائه الوجدإنی،فالضرر الخارجی قائم و إن نفاه الشارع لنفی آثاره الشرعیة،بخلاف الورود،فإن قیام المؤمن الشرعی ینفی احتمال الضرر وجداناً.

ص:48

الخلاصة

1.التخصیص:إخراج من الحکم مع دخول المخرَج موضوعاً،نحو:یجب صوم شهر رمضان علی کل مکلف إلا المسافر.

2.التخصص:الخروج الموضوعی الوجدانی الذی یسمیه النحویون بالإستثناء المنقطع،مثاله:کل مکلف یجب علیه الصیام إلا الطفل.

3.الحکومة:أن یکون أحد الدلیلین ناظراً إلی الدلیل الآخر موسعاً أو مضیقاً له.

4.الورود:أن یکون أحد الدلیلین نافیاً للموضوع وجداناً عن دلیل آخر،مثاله:حدیث رفع عن أُمتی،فسمته إلی هذه القاعدة سمة الوارد علیه،المزیل لموضوعها وجداناً ولکن بواسطة التعبد الشرعی.فهو وارد علی حکم لو ترک لعدم علم أو عجز.

الأسئلة

1.عرف کلا من التخصیص و التخصص.

2.عرف الحکومة و الورود ومثل لکل منهما.

3.ما الفرق بین الحکومة و الورود؟

4.ما هی النسبة التی تلاحظ بین التخصیص و التخصص؟

ص:49

ص:50

الباب الأول: الکاشف عن الحکم الواقعی

اشارة

ما یکون سمته،سمة الکاشف عن الحکم الواقعی أول مراحل البحث سدی المجتهده مرحلة البحث عن الحکم الواقعی و الأصول التی یرجع إلیها أو الی بعضها الفقهاء وهی:

1.الکتاب; 2.السنة; 3.الإجماع; 4.دلیل العقل; 5.القیاس; 6.الاستحسان; 7.المصالح المرسلة; 8.سدالذرائع; 9.العرف; 10.مذهب من قبلنا; 11.مذهب الصحابی.

ینحصر بحثنا فی هذه الباب حول الأصول«الکاشف عن الحکم الواقعی»من حیث انتاجها للحکم الکلی الشرعی فقط،لا من الحیثیات الأخری کصلوحها للدلیلیة علی نفس الأصول،أو إثباتها لما یتعلق بأُصول الدین أو غیرها،فإن لذلک مجالاً آخر غیر هذا الکتاب،و إن کان ملاک الحجیة فیها واحداً.

وستری أن من مجموع البحوث الآتیة الکاشفة عن الحکم الواقعی ما یصلح أن یکون مصدراً من مصادر التشریع یصح الرکون إلیه فی مقام الاستنباط لا یتجاوز أربعة:الکتاب العزیز،والسنة،والعقل،والإجماع-علی قول-وما عداها فهو راجع إلیها فی أغلبیة صوره،وبعضها یمکن أن یعد مصدراً مستقلاً فی مقابلها،إلا أن أدلة حجیته لاتنهض بإثبات ذلک.

ص:51

ص:52

الأصل الأول-الکتاب العزیز

اشارة

ص:53

8-الکتاب العزیز

1-تعریف القرآن

هو کتاب الله عزوجل،الذی أنزله علی نبیه محمد صلی الله علیه و آله الفاظاً ومعانی وأسلوباً،واعتبره قرآناً دون أن یکون للنبی صلی الله علیه و آله دخل فی انتقاء الفاظه أو صیاغته. (1)

2-ما یخرج عن مفهوم الکتاب

أ)ما أنزله الله تعالی علی نبیه من الأحکام وأداها بأُسلوبه الخاص.

ب)ما ثبت من الحدیث القدسی،و هو ما أثر نزوله علی النبی صلی الله علیه و آله ولم یثبت نظمه من قبله فی سلک القرآن.

ج)ما نزل من الکتب السماویة علی الأنبیاء السابقین،کالتوراة و الإنجیل و الزبور،لعدم اعتبارها قرآناً.

د)تفسیر القرآن وترجمته.

و هذه الأمور موضع اتفاق المسلمین علی اختلاف مذاهبهم،ولا أعرف مخالفاً فی ذلک إلا ما یبدو من أبی حنیفة; حیث(جوز القراءة بالفارسیة فی الصلاة لمن لایعرف العربیة ولا یقدر علی القراءة بها)، (2)ووافقه بعضهم علی ذلک (3)،وقیل:إنه عدل عن ذلک،

ص:54


1- (1) .فلو نزل بمعناه فقط لکان عرضة للتبدیل و التغییر،لکنه سبحانه أنزله بلفظه ومعناه وتکفل بحفظه: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر،9.
2- (2) .علم أصول الفقه،ص24.
3- (3) .المبسوط للسرخی1:137،وبدائع الصنائع1:527.

وأفتی لمن لا یقدر علی القراءة بها أن یصلی ساکتاً. (1)

وعلی هذا،فالقرآن هو خصوص ما بین الدفتین دون أن یزاد فیه حرف أو ینقص،ولقد أُحصیت آیاته فبلغت«ستة الاف وثلاثمائة واثنتین وأربعین آیة،منها خمسمائة آیة فقط تتعلق بالأحکام»، (2)و قد انتظمت هذه الآیات فی سور بلغ مجموعها مائة وأربع عشرة سورة،أولها(الحمد)وآخرها(الناس).

وآخر ما نزل من آیاته قوله تعالی: اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً ، (3)و قد نزلت فی الیوم الثامن عشر من ذی الحجة فی غدیر خم عند عودته صلی الله علیه و آله من حجة الوداع،وبعد أن أعلن الولایة لعلی،کما ورد ذلک فی کثیر من الروایات المأثورة لدی الطرفین. (4)

3-حجیة القرآن الکریم

والحدیث حول حجیته موقوف علی تمام مقدمتین:

أولاهما:ثبوت تواتره الموجب للقطع بصدوره،و هذا ما لا یشک فیه مسلم امتحن الله قلبه للإیمان.

والثانیة:ثبوت نسبته لله عزوجل،وعقیدة المسلمین قائمة علی ذلک.

وعلیه فحجیة القرآن أکبر من أن یتحدث عنها بین المسلمین بعد إیمانهم جمیعاً بثبوت تواتره وإعجازه،ومثل هذا الحدیث یقتضی أن یساق إلی غیرهم کوسیلة من وسائل الدعوة إلی الإسلام،لا أن یثار بین صفوفهم ویتحدث فیه. (5)

ص:55


1- (1) .من المسلم أن العربیة جزء ماهیة القرآن،ولذلک لم تکن ترجمته قرآناً،حتی لوقرأ بها المصلی فی صلاته لم تصح،لأن المأمور به قراءة مایسمی قرآناً ولیست الترجمة منه.و قد نسب إلی أبی حنیفة تجویز الصلاة بما ترجم من القرآن إلی الفارسیة،وقیل أنه رجع عنه.انظر أصول الفقه،ص207 لخضری بک،ولکن قال الجزیری فی کتاب الصلاة من«الفقه علی المذاهب الأربعة»،ص201 فی مسألة حکم العاجز عن قراءة الفاتحة أن الحنفیة قالوا:من عجز عن العربیة یقرأ بغیرها من اللغات الأخری وصلاته صحیحة و الأمر واضح.
2- (2) .المدخل الی علم أصول الفقه،ص20.
3- (3) .المائدة:(5)3.
4- (4) .راجع الغدیر للشیخ عبدالحسین الأمینی،الجزء الأول.
5- (5) .الکتاب هو کلیة الشریعة وعمدتها،والسنة هی المعینة علی فهمه(أصول الفقه; خضری بک)فهو إذن الحجة القاطعة بیننا وبینه تعالی،التی لاشک ولا ریب فیها،و هو المصدر الأول لأحکام الشریعة الإسلامیة،الذی یجب أن یعلم أنه قطعی الحجة من ناحیة الصدور فقط،و أما من ناحیة الدلالة فلیس قطعیاً کله،لأن فیه:1.متشابهاً ومحکماً،2.ناسخاً ومنسوخاً،3.عاماً وخاصاً،4.مطلقاً ومقیداً،5.مجملاً ومبیناً.(أصول الفقه،ج 2،الباب الأول،الکتاب العزیز،للمظفر).
4-المحکم و المتشابه

والقرآن فیه محکم ومتشابه; لقوله سبحانه: مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ (1)

و قد اختلف فی تعریفهما علی أقوال:

الأول:المحکم ما لا یحتمل إلا وجهاً واحداً،والمتشابه ما یحتمل وجهین فصاعداً.

الثانی:المحکم ما یعلم تعیین تأویله و المتشابه ما لا یعلم تعیین تأویله. (2)

الثالث:المحکم ما عرف المراد منه إما بالظهور،و إما بالتأویل،والمتشابه ما استأثر الله بعلمه. (3)

لعل التعریف الأخیر یتلاءم مع ما یبدو من ظهور هذه الآیة: فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِیلِهِ وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما یَذَّکَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ ، (4)بناءً علی ظهورها فی أن کلمة«یقولون»خبر إلی«الراسخون»فیکون المتشابه مما استأثر الله عزوجل بعلمه.وما ورد تأویله من غوامض الآیات عن النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام فهو من المحکم.

5-حجیة آیات الکتاب

ومهما أَرید من لفظ المحکم و المتشابه فإن الذی یکون حجة من آیات الکتاب-من دون توسط التأویل-هو:

الأول:ماکان نصاً فی مدلوله،فحجیته للقطع بمدلوله،و هذا موضع اتفاق.

الثانی:ما کان ظاهراً فی مدلوله،فحجیته من صغریات مسألة حجیة الظواهر.

ص:56


1- (1) .آل عمران،7،2.
2- (2) .متشابه القرآن ومختلفه،ص2.
3- (3) .إرشاد الفحول إلی تحقیق الحق مع علم الأصول،ج1،ص32.
4- (4) .آل عمران(3)7.
الخلاصة

1.الکتاب العزیز:هو کتاب الله عز وجل،الذی أنزله علی نبیه صلی الله علیه و آله الفاظاً وأُسلوباً،واعتبره قرآناً.

2.حجیة القرآن موقوفة علی تمام مقدمتین:1-ثبوت تواتره 2-ثبوت نسبته لله عزوجل.وکلا المقدمتین ثابتة عند المسلمین.

3.اختلف فی تعریف المحکم و المتشابه علی ثلاثة أقوال،ویظهر من المؤلف المیل إلی القول الثالث،و هو:المحکم ما عرف المراد منه،إما بالظهور و إما بالتأویل،والمتشابه ما استأثر الله بعلمه.

الأسئلة

1.ما هو المصدر الأول الذی لا ریب فیه فی استنباط الحکم الشرعی عند المسلمین؟

2.إذکر ما یخرج مفهومه عن کلام الله.

3.حجیة القرآن الکریم موقوفة علی أی شیء؟

4.عرف المحکم و المتشابه،وإذکر القول المختار.

5.ما هو الحجة من آیات الکتاب العزیز من دون توسط أی تأویل؟

ص:57

9-حجیة ظواهر الکتاب

1-بدیهیة المسألة

حجیة الظواهر هی أوضح من أن یطال فیها الحدیث مادام البشر فی جمیع لغاته قد جری علی الأخذ بظواهر الکلام وترتیب آثارها ولوازمها علیها،بل لوأمکن أن یتخلی عنها لما استقام له التفاهم بحال; لأن ما کان نصاً فی مدلوله مما ینتظم فی کلامه لا یشکل إلا أقل القلیل.وبالضرورة إن عصر النبی صلی الله علیه و آله لم یکن بدعاً من العصور.

وإننا نعلم أن من الطرق التی سار علیها الشارع المقدس فی تبلیغ أحکامه،الطریقة الشائعة لدی جمیع البشر من الاعتماد علی القرائن المنفصلة أحیاناً،و إن القرآن سار علی الطریقة نفسها،وبذلک خصصت بعض عموماته بقسم من الآیات،کما خصص القسم الآخر منها بالسنة بحکم کونها مبینة للمراد من الکتاب وشارحة له.ولابد لنا قبل أن نعتمد علی أصالة الظهور،أن نفحص عن القرینة المنفصلة،فإن عثرنا علیها خصصنا أو قیدنا بها الکتاب،و إن یئسنا من العثور علیها فی مظانها کان لنا العمل بعموماته أو مطلقاته.وما یقال عن المخصص و المقید یقال عن الناسخ،بناءً علی إمکان النسخ ووقوعه،کما هو رأی جمهور المسلمین.

2-شبهات فی طریق العمل بظواهر القرآن المجید
اشارة

مصادر التشکیک فی حجیة ظواهر القرآن أمور أهمها:

الأول-شبهة الإخباریین

ما نسب إلی الإخباریین من دعوی التوقف عن العمل بظواهر الکتاب وذلک لأمرین.

ص:58

بیان المورد الأول:وجود العلم الإجمالی بطرو مخصصات من السنة،ومقیدات علی عمومات القرآن ومطلقاته.ومن المسلم أن العلم الإجمالی منجز لمتعلقه ومانع جریان الأصول فی أطرافه،ونتیجة ذلک سریان الإجمال لکل ظواهره و التوقف عن العمل بها لاحتمال إرادة خلافها.

والجواب:

1.إن العلم الإجمالی إنما ینجز متعلقه إذا لم یتحول إلی علم تفصیلی فی أحد الأطراف،وإلی شبهة بدویة فی الأطراف الأُخَر،کما هو موضع اتفاقهم.

2.إن العلم هنا بطرو مخصصات ومقیدات منحل بما عثر علیه منها،و هو بمقدار المعلوم بالإجمال،فإن العلم الإجمالی ینحل بذلک،ویرجع فی بقیة أطرافه المشکوکة إلی الاُصول اللفظیة.

3.من المهم معرفة أن هذه الشبهة لا تختص بالکتاب،بل تعم حتی ظواهر السنة بعد العلم بأن الشارع المقدس کان من طریقته التی اتبعها فی البیان،الاتکال-أحیاناً ولمصلحة ما-علی القرائن المنفصلة مع أنهم لا یلتزمون بالإجمال فی السنة.

الأمر الثانی:وجود أحادیث متواترة بین الفریقین الناهیة عن تفسیر القرآن بالرأی،وأیضاً ما ورد من النهی عن العمل بالکتاب دون الرجوع إلی أهل البیت علیهم السلام.

والجواب عدة أُمور منها:

أ)لیس فی جمیع هذه الأحادیث ما یوجب التوقف عن العمل بظواهر الکتاب.

ب)الأحادیث الناهیة عن التفسیر القرآن،خارجة عن ظواهر القرآن تخصصاً؛لأن التفسیر إنما یکون للأشیاء الغامضة.

ج)و أما روایات النهی،فَلِما قلناه فی العلم الإجمالی من لزوم الفحص عن المخصص و المقید،والمفروض أننا لا نرجع إلی التمسک بالظواهر إلا بعد الیأس عن العثور علیهما.

الثانی-مزعمة التحریف

(1)

یمکن فرض تحریف القرآن بنحوین:

ص:59


1- (1) .قال صاحب مجمع البیان،الکلام فی زیادة القرآن ونقصانه فإنه لا یلیق بالتفسیر،فإما الزیادة فمجمع علی بطلان واما النقصان منه فقد روی جماعة من أصحابنا وقوم من حشویة العامة إن فی القرآن تغییراً أو نقصاناً; و الصحیح من مذهب أصحابنا خلافه،و هو الذی نصره المرتضی قدس الله روحه،واستوفی الکلام فیه غایة الإستیفاء فی جواب المسائل الطرابلسیات.مجمع البیان،ج1،ص15.

الأول:التحریف بالزیادة:والتی أنکرها جمهور المسلمین.

الثانی:التحریف بالنقیصة:والظاهر من مذهب المسلمین عدم وقوعها.

ومع تحکم الشبهة لایبقی مجال لاعتماد ظواهر القرآن; لاحتمال دخول النقیصة علی الآیة التی یراد العمل بظهورها.

مبعث الشبهة بالنقیصة أُمور منها

أ)ما ورد فی صحیح البخاری،من خطبة لعمر بن الخطاب:«إن الله بعث محمداً صلی الله علیه و آله بالحق،وأنزل علیه الکتاب،فکان مما أنزل الله آیة الرجم فقرأناها وعقلناها ووعیناها،رجم رسول الله صلی الله علیه و آله ورجمنا بعده،فأخشی إن طال بالناس زمان أن یقول قائل و الله ما نجد آیة الرجم فی کتاب الله،فیضلوا بترک فریضة أنزلها الله...»وعبارة أخری یذکرها وقبلها یقول«إنا کنا نقرأ من کتاب الله». (1)

ب)ما ورد فی صحیح مسلم عن عائشة إنها قالت:«کان فیما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات یحرمن،ثم نسخن بخمس معلومات،فتوفی رسول الله صلی الله علیه و آله وهن فیما یقرأ من القرآن». (2)

ج)فی أصول الکافی عن أبی عبد الله قال:«إن القرآن الذی جاء به جبرائیل إلی محمد صلی الله علیه و آله سبعة عشر الف آیة». (3)

وإلی روایات أخری حفلت بها هذه الکتب وغیرها،و قد نسب القول فی الإیمان بهذه الشبهة إلی الحشویة. (4)، (5)

الثالث-الاستدلال بالکتاب علی عدم تحریفه!

و قد استدل بعضهم علی عدم التحریف بآیات،منها:

ص:60


1- (1) .صحیح البخاری،ج8،ص169،کتاب الحدود،الحدیث 6328.
2- (2) .صحیح المسلم،ج 4،کتاب الرضاع،باب التحریم بخمس رضعات،ص 167.
3- (3) .الکافی،ج 2،ص 634،کتاب فضل القرآن،باب النوادر،ح 28.
4- (4) .مجمع البیان،ج1،ص15.
5- (5) .من أراد التوسع فی هذا الموضوع فلیراجع الأحادیث الواردة فی باب(جمع القرآن وترتیبه)باب(عدد سورة وآیاته وکلماته وحروفه)وغیرها من کتاب الإتقان للسیوطی و التمهید فی علوم القرآن لآیة الله الشیخ محمد هادی معرفة.

1. إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (1)

2. ...وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ* لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ . (2)

و هذا،الاستدلال باطل; لأن الاستدلال بهاتین الآیتین إنما یکون مع الشک فی التحریف،ومع فرض الشک،فإن هذه الآیات لا تصلح للدلالة،للزوم الدور فی بداهة أن دلالتها علی عدم التحریف فی القرآن موقوفة علی أن تکون هی غیر محرفة،وکونها غیر محرفة موقوف علی دلالتها علی عدم التحریف فیه فیلزم الدور.

والظاهر إن هذا الدور لا مدفع له مع الشک.

نعم،من آمن بمذهب أهل البیت علیهم السلام وآمن بإمضائهم للکتاب الموجود،یرتفع هذا الإشکال عنه; لأن دلالة هذه الآیات علی عدم التحریف فی القرآن موقوف علی کونها غیر محرفة،وکونها غیر محرفة یثبت بإمضاء أهل البیت علیهم السلام لها علی ما هی علیه،فهی حجة فی مدلولها،ومدلولها ظاهر فی عدم تحریف القرآن ولا یتوقف علی عدم التحریف فی القرآن،ومتی اختلف الموقوف عن الموقوف علیه ارتفع الدور.

وإمضاء أهل البیت علیهم السلام للقرآن المتداول ضروری،وإخبارهم بالإرجاع إلیه و التمسک به وعرض الأخبار الصحیحة علیه فی غایة التواتر،وعلی هذا فحجیة ظواهر الکتاب مما لامجال للمناقشة فیها،بعد ما ثبت تواتر ما بین الدفتین.

ص:61


1- (1) .الحجر(15)،9.
2- (2) .فصلت(41)،42،41.
الخلاصة

1.حجیة الظواهر واضحة; لأن البشر فی جمیع لغاته قد جری علی الأخذ بظواهر الکلام وترتیب آثارها ولوازمها علیها.وکلام الخالق سار علی طریقة البشر نفسها.

2.مصادر التشکیک فی حجیة ظواهر القرآن:

1.ما نسب إلی الإخباریین;

2.شبهة وقوع التحریف فی القرآن;

3.یمکن فرض التحریف بنحوین:

أ)التحریف بالزیادة،و هو بإجماع المسلمین باطل;

ب)التحریف بالنقیصة،و هذه الشبهة بالتحقیق غیر واردة.

4.روایة التحریف لم نجد لها أی صدی فی نفوس جمیع علماء الإسلام علی اختلاف طوائفهم شیعةً وسنة.

5.إمضاء أهل البیت علیهم السلام للکتاب فی عدم التحریف فیه لایتوقف علی آیات من القرآن،إذن شبهة الدور لعدم التحریف فی القرآن مرتقعة; لأنه قد اختلف الموقوف عن الموقوف علیه ببرکتهم.

الأسئلة

1.ما هو الدلیل علی حجیة ظواهر الکتاب العزیز؟

2.بین الأدلة التی اعتمد علیها الأخباری عن المنع بظواهر الکتاب.

3.إذکر بعض الروایات التی فیها شائبة التحریف.

4.لماذا دون المحدثون موسوعات فیها روایات لا تمثل آراءهم؟

5.عرف شبهة التحریف،وإذکر علة عدم ارتفاعها بنفس القرآن؟

ص:62

الأصل الثانی-السنة

اشارة

ص:63

10-السنة الشریفة

1-تعریف السنة

(1)

فی اللغة:

أ)الطریقة المسلوکة،وأصلها من قولهم:«سَنَنتُ الشیءَ بالمِسَن»إذا أمررته علیه حتی یؤثر فیه سِنا،أی:طریقاً.

ب)وقال الخطابی:«أصلها الطریقة المحمودة،فإذا أطلقت انصرفت إلیها،و قد تستعمل فی غیرها مقیدة، (2)کقوله:من سَن سنة سیئة کان علیه وزرها ووزر من عمل بها إلی یوم القیامة». (3)

وفی الإصطلاح الأصولی:

کل ما صدر عن النبی صلی الله علیه و آله من قول أو فعل أو تقریر وهناک قیود أضافها غیر واحد للتعریف،منها:

أ)أن تکون«من غیر القرآن»أضافها الشوکانی،لکن هذا القید فی غیر موضعه; لأن القرآن لم یصدر عن النبی صلی الله علیه و آله،وإنما صدر عن الله وبلغه النبی صلی الله علیه و آله.

ب)«إذا کان النبی صلی الله علیه و آله فی مقام التشریع»،وإضافة هذا القید علی تعریف سنة النبی صلی الله علیه و آله أیضاً فی غیر موضعه; لأن جمیع ما یصدر عن النبی الأعظم صلی الله علیه و آله بعد ثبوت

ص:64


1- (1) .ذکر کل من الفقهاء و المتکلمین معنی للسنة نذکر ملخصه:قالت الفقهاء:1.السنة یراد بها کل حکم یستند إلی أصول الشریعة فی مقابل البدعة; 2.وایضاً اطلقوا السنة علی خصوص«ما یرجح جانب وجوده علی جانب عدمه ترجیحاً لیس معه المنع من النقیض و هی بذلک ترادف کلمة المستحب.(منه+)والکلامیون استعملوا المعنی الأول فی تعریفهم للسنة.
2- (2) .تراجع هذه الأقوال فی إرشاد الفحول،ص33.
3- (3) .صحیح مسلم،کتاب الزکاة،الحدیث 1691،والنسائی،کتاب الزکاة،الحدیث 2507 باختلاف بسیر.

عصمته لابد أن یکون صادراً عن تشریع حکم وله دلالته فی مقام التشریع العام،إلا ما اختص به صلی الله علیه و آله،وسیأتی الحدیث فیه. (1)

2-الإختلاف فی توسعة دائرة حجیة السنة

أ)قال الشاطبی ووافقه بعض:إن السنة تشمل الصحابة; حیث اعتبر ما یصدر عنهم سنة ویجری علیه أحکامها الخاصة من حیث الحجیة.

ب)وقالت الشیعة:کل ما یصدر عن الأئمة المعصومین قولاً وفعلاً وتقریراً فهو حجة.

3-ضرورة حجیة السنة

الحدیث حول حجیة ما صدر عن النبی صلی الله علیه و آله من قول أو فعل أو تقریر،أوضح من أن یطال فیها الحدیث. (2)إذ لولاها لما اتضحت معالم الإسلام،ولتعطل العمل بالقرآن; لأن أحکام القرآن لم یرد أکثرها لبیان جمیع خصوصیات ما یتصل بالحکم،وإنما هی واردة فی بیان أصل التشریع.

والقول بالإکتفاء بالکتاب عن الرجوع إلی السنة،تعبیر آخر عن التنکر لأصل الإسلام وهدم لأهم معالمه ورکائزه العملیة.

یقول الشوکانی:«والحاصل:إن ثبوت حجیة السنة المطهرة واستقلالها بتشریع الأحکام ضرورة دینیة،ولا یخالف فی ذلک إلا من لاحظ له فی دین الإسلام». (3)

والحقیقة،إنی لا أکاد أفهم معنی للإسلام بدون السنة.

4-حجیة السنة من الأدلة الأربعة

الأول:الکتاب

استدلوا بآیات من القرآن الکریم علی اعتبار الحجیة للسنة،أمثال قوله تعالی: أَطِیعُوا اللّهَ

ص:65


1- (1) .الدرس الثانی و العشرون،السنة وکیفیة الاستفادة منها.
2- (2) .و قد قامت محأولات فاشلة علی عهد رسول الله¦ وبعده للتشکیک بقیمة السنة لا یصغی الیها،و إن صبعت هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمیة.فلیراجع الأصول العامة للفقه المقارن،ص118-119 و المصادر التی اعتمد علیها،مثل:سنن أبی دأود،کتاب العلم،الحدیث:3161،لمزید الإطلاع راجع کتاب المدخل للفقه الإسلامی،ص 184.سنن الترمذی،کتاب العلم،الحدیث:2587; وسنن أبی دأود،کتاب السنة،الحدیث 3989،وسنن ابن ماجة،کتاب المقدمة،الحدیث:13.راجع کتاب فی الحدیث النبوی،ص 16،ط.2،لمصطفی الزرقاء،وبمضمونه وردت عدة أحادیث اقرأها فی الموافقات،ص15-4.
3- (3) .ارشاد الفحول،ص33.

وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ ، (1)وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ، (2)وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی (3)ودلالة هذه الآیات فی الجملة (4)من أوضح الدلالات علی حجیتها.

الثانی:الإجماع

و قد حکاه غیر واحد من الباحثین، (5)ولا یعلم مخالف فی ذلک من المسلمین علی الإطلاق،لکن المتمسک به یواجه اشکالات منها:

الإشکال فی أصل حجیة الإجماع لدی البعض،وحینئذ لا یبقی له حظ من الحجیة.

الثالث:السنة

إن الاستدلال بالروایات علی حجیة السنة موقوفة علی کونها من السنة،وکون السنة حجة،فلوتوقف ثبوت حجیة السنة علیها لزم الدور.

الرابع:العقل

تعریف دلیل العقل:ویراد من دلیل العقل هنا،خصوص ما دل علی عصمة النبی صلی الله علیه و آله،وامتناع صدور الذنب و الغفلة و الخطأ و السهو منه،لیمکن القطع بکون ما یصدر عنه من أقوال وأفعال وتقریرات هی من قبل التشریع وحجة علینا.

و هذا الدلیل من أمتن ما یمکن أن یذکر من الأدلة علی حجیة السنة،وإنکاره مساوق لإنکار النبوة من وجهة نظر عقلیة.

فإذا ثبتت نبوته بالأدلة العقلیة،فقد ثبتت عصمته حتماً للتلازم بینهما،وبخاصة إذا آمنا باستحالة إصدار المعجزة من قبل الله تعالی علی ید من یمکن أن یدعی النبوة کذباً،لقاعدة التحسین و التقبیح العقلیین أو لغیرها علی اختلاف فی المبنی.

والخلاصة:القول فی اعتبار حجیة السنة قولاً وفعلاً وتقریراً ثابت بالضرورة و الأدلة الأربعة،وحسبنا هذا فی مجال المقارنة.

ص:66


1- (1) .النساء(4):من الآیة 59.
2- (2) .الحشر(59):من الآیة 7.
3- (3) .النجم(53):الآیة 4-3.
4- (4) .لأن هذه الآیات-فیما تبدو-أضیق من المدعی; لأنها لا تشمل غیر القول إلا بضرب من التجوز،والمراد إثباته عموم حجیتها لمطلق السنة قولاً وفعلاً وتقریراً منه.
5- (5) .راجع:علم أصول الفقه،لخلاف،ص39; وسلم الوصول لعمر عبدالله،ص261.
الخلاصة

1.السنة فی اللغة عبارة عن الطریقة المسلوکة.

2.السنة عندالأصولی هی ما صدر عن النبی صلی الله علیه و آله من قول أو فعل أو تقریر.

3.اختلف المسلمون فی توسعة دائرة حجیة السنة،فمنهم من قال:هی تشمل الصحابة،ومنهم من قال:السنة شاملة لکل ما یصدر عن الأئمة المعصومین.

4.ججیة السنة النبویة ثابتة بالکتاب و العقل; لأن الله تعالی یقول: ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ... والعقل یحکم بالملازمة بین عصمة النبی صلی الله علیه و آله وامتناع صدور الذنب أو الغفلة أو الخطأ أو السهو منه.

الأسئلة

1.عرف السنة فی مصطلح الأصولیین و الفقهاء.

2.ما هی القیود التی أضافها الشوکانی علی تحدید معنی السنة؟

3.اذکر الأختلاف فی توسعة حجیة السنة.

4.اذکر المقصود من دلیل العقل الذی یتمسک به لاثبات حجبة السنة.

ص:67

11-سنة الصحابة(1)

اشارة

تعریف سنة الصحابة:یقول الشاطبی:سنة الصحابة و الدلیل علی ذلک أمور (1):

الأول:ثناء الله علیهم من غیر مثنویة ومدحهم بالعدالة فی الکتاب العزیز.

الثانی:تقدیم جمهور العلماء سنة الصحابة عند ترجیح الأقوال.

الثالث:الأمر باتباع الصحابة وأن سنتهم کَسنة النبی صلی الله علیه و آله.

الرابع:الأمر بایجاب محبة الصحابة وذم من أبغضهم.

الدلیل الأول-القرآن الکریم

أ)قوله تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ . (2)

ففی هذه الآیة إثبات الأفضلیة علی سائر الأمم،وذلک یقتضی استقامتهم علی کل حال،وجریان أحوالهم علی الموافقة دون المخالفة.

والجواب:

1.من المحتمل جداً أن تکون الآیة إنما فَضلَتْهُم من جهة تشریع الأمر بالمعروف لهم و النهی عن المنکر،کما هو ظاهر تعقیبها بقوله تعالی: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ فلا تکون واردة فی مقام جعل الحجیة لأقوالهم أصلاً.

ص:68


1- (1) .الموافقات،ج4،ص74.
2- (2) .آل عمران(3)،110.

2.أن إثبات الأفضلیة لهم علی سائر الأمم،کما هو مفاد أفعل التفضیل فی کلمة«خیر أمة»لا تستلزم الاستقامة لکل فرد منهم علی کل حال،بل تکفی الاستقامة النسبیة لأفرادها،فیکون معناها أن هذه الأُمة مثلاً فی مفارقات أفرادها أقل من الأمم التی سبقتها،فهی خیرهم من هذه الناحیة.

3.إنها واردة فی مقام التفضیل لا مقام جعل الحجیة لکل ما یصدر عنهم من أقوال وأفعال وتقریرات.

4.إن هذا الدلیل لوتم فهو أوسع من المدعی بکثیر; لکون الأُمة أوسع من الصحابة ولا یمکن الالتزام بهذا التعمیم; إذ هی أجنبیة عن هذه الناحیة،ومع عدم إحراز کونها واردة لبیان هذه الجهة لا یمکن التمسک بها بحال.

ب)قوله تعالی: وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً (1)

من هذه الآیة نستفید إثبات عدالة الصحابة مطلقاً وذلک یدل علی ما دلت علیه الآیة الأولی.

والجواب:

1.فهی بالإضافة إلی المؤاخذات-السابقة-علی الاستفادة منها و الغض عن تسلیم إفادتها لعدالتهم جمیعا.

2.إن مجرد العدالة لا یوجب کون کل ما یصدر عنهم من السنة،وإلا لعممنا الحکم إلی کل عادل سواء کان صحابیاً أم غیر صحابی؛لورود الحکم علی العنوان کما هو الفرض.

3.وغایة ما تقتضیه العدالة هو کونهم لا یتعمدون الخطیئة،أما مطابقة ما یصدر عنهم للأحکام الواقعیة لیکون سنة فهذا أجنبی عن مفهوم العدالة تماماً.

الدلیل الثانی-تقدیم سنة الصحابة عند ترجیح الأقوال

إن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجیح الأقاویل،فقد جعل طائفة قول أبی بکر وعمر حجة ودلیلاً،وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دلیلاً،وبعضهم یعد قول الصحابة علی الإطلاق حجة ودلیلاً.

ص:69


1- (1) .البقرة(2)،143.

وفی علوم الخلاف الدائر بین الأئمة المعتبرین،فتجدهم إذا عینوا مذاهبهم قدموا ذکر من ذهب إلیها من الصحابة،وما ذاک إلا لما اعتقدوا فی أنفسهم وفی مخالفیهم من تعظیمهم وقوة مآخذهم دون غیرهم وکبر شأنهم فی الشریعة،وأنهم ممن یجب متابعتهم وتقلیدهم فضلاً عن النظر معهم فیما نظروا فیه.و قد نقل عن الشافعی أن المجتهد قبل أن یجتهد لا یمنع من تقلید الصحابة ویمنع من غیره،و هو المنقول عنه فی الصحابی:کیف أترک الحدیث لقول من لو عاصرته لحجتهُ؟ (1)

والجواب:

1.أنه أجنبی عن اعتبار ما یصدر عنهم من السنة.

2.وغایة ما یدل علیه-لوصح-أن جمهور العلماء کانوا یرونهم فی مجالات الروایة أو الرأی أوثق أو أوصل من غیرهم.

3.والصدق و الوثاقة وأصالة الرأی شیء،وکون ما ینتهون إلیه هو من السنة شیء آخر،وقول الشافعی الذی نقله نفسه یبعدهم عن هذا المجال; إذ کیف یمکن له أن یحج من کان قوله سنة؟وهل یستطیع أن یقول مثل هذا الکلام عن النبی صلی الله علیه و آله؟

4.علی أن هذا النوع من الترجیح لأقوالهم لا یعتمد أصلاً من أصول التشریع،والعلماء لم یتفقوا علیه لیشکل اتفاقهم إجماعاً یرکن إلیه.

ص:70


1- (1) .الموافقات،ج4،ص77.
الخلاصة

1.آیة کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ لا تدل علی حجیة سنة الصحابة; لأن من المحتمل إنها نازلة فی تشریع الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر،کما هو ظاهر تعقیبها.

2.قال الشاطبی:إن آیة وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ تثبت عدالة الصحابة،وأن سنتهم حجة،ولکن الحق أن مجرد العدالة لا یوجب کون کل ما یصدر عنهم من السنة وإلا لعممنا الحکم إلی کل عادل.

3.واستدل علی حجیة الصحابة بأن جمهور العلماء یقدمونهم عند ترجیح الأقاویل،و هذا یدل علی حجیة قول الصحابة.والحق أن هذا النوع من الترجیح لأقوالهم لایعتمد أصلاً من أصول التشریع.

الأسئلة

1.لماذا لایدل قوله تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ علی حجیة سنة الصحابة؟

2.هل أن مجرد إثبات العدالة لشخص یوجب أن نأخذ منه الحکم الشرعی؟

3.هل أن تقدیم سنة الصحابة عند ترجیح الأقوال یدل علی حجیة سنتهم؟لماذا؟

ص:71

12-سنة الصحابة(2)

اشارة

مضی فی الدرس السابق أن الشاطبی استدل علی حجیة سنة الصحابة بآیات من الکتاب العزیز،وبعمل جمهور العلماء فی تقدیم الصحابة عند ترجیح الأقاویل،ولاعتقادهم بأن الصحابة مما یجب متابعتهم وتقلیدهم.

وإلیک ما بقی من أدلته:

الدلیل الثالث-ما جاء فی الحدیث من الأمر باتباع الصحابة

الأحادیث الدالة علی الأمر باتباع الصحابة وأن سنتهم کسنة النبی صلی الله علیه و آله کثیرة نذکر أهمها:

أ)کقوله:«إن الله اختار أصحابی علی جمیع العالمین سوی النبیین و المرسلین،واختار لی منهم أربعة:أبا بکر وعمر وعثمان وعلیاً،فجعلهم خیر أصحابی،وفی أصحابی کلهم خیر». (1)

ب)ویروی فی بعض الأخبار:«أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم». (2)

ج)تفترق أُمتی علی ثلاث وسبعین فرقة،کلها فی النار إلا واحدة.«قالوا:ومن هی یا رسول الله؟قال:ما أنا علیه وأصحابی». (3)

والجواب عن هذه الأحادیث ونظائرها

1.نتغافل عن أسانیدها وحساب ما جاء فی بعضها من الطعون أمثال ما ذکره«ابن حزم»

ص:72


1- (1) .مجمع الزوائد،ج10،ص18 وکنزالعمال 11:531،ح:32476.
2- (2) .المصدر:ج10،ص16 وکنزالعمال 13:236،ح:36708(مع اختلاف یسیر).
3- (3) .سنن الترمذی،ج5،ص26،ح 2641.

عن حدیث أصحابی کالنجوم من أنه حدیث موضوع مکذوب باطل،وقال أحمد:حدیث لایصح،وقال البزار:لا یصح هذا الکلام عن النبی صلی الله علیه و آله. (1)

2.ما یرد علی الروایات الآمرة بالاقتداء بهم استحالة صدور مضمونها من المعصوم لاستحالة أن یتعبدنا الشارع بالمتناقضین،وتناقض سیرة الخلفاء فی نفسها من أوضح الأمور لمن قرأ تأریخهم واستقرأ ما صدر عنهم من أحداث. (2)وعلی هذا،فأیة هذه السیر هی السنة؟

3.وما أحسن ما ناقض الغزالی أمثال هذه الروایات بقوله:«فإن من یجوز علیه الغلط و السهو ولم تثبت عصمته عنه،فلا حجة فی قوله،فکیف یحتج بقولهم مع جواز الخطأ؟وکیف تدعی عصمتهم من غیر حجة متواترة؟وکیف یتصور عصمة قوم یجوز علیهم الاختلاف؟وکیف یختلف المعصومان؟ (3)

4.علی أن هذه الروایات-علی تقدیر تمامیة دلالتها-مخصصة بما دل علی ارتداد أکثرهم،ففی صحیح البخاری عن أبی هریرة،عن النبی صلی الله علیه و آله قال:«بینا أنا قائم إذا زمرة،حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال:هلم،فقلت:أین؟قال إلی النار و الله،قلت:وما شأنهم؟قال:إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری،ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم،فقال:هلم،قلت:أین؟قال:إلی النار و الله،قلت:ما شأنهم؟قال:إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری،فلا أراه یخلص منهم إلا مثل همل النعم». (4)

وطبیعة الجمع بین الأدلة تقتضی تقیید تلکم الأدلة بغیر المرتدین،فمع الشک فی ارتداد أحد الصحابة لا یمکن التمسک بتلکم العمومات لعدم إحراز موضوعها،و هو الصحابی غیر المرتد،ویکون التمسک بها من قبیل التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.

ص:73


1- (1) .اقرأ ما کتبه الشیخ عبدالله دراز فی تعلیقه علی هذا الحدیث فی نفس المصدر،وما جاء فیه من تضعیف وتصحیح.انظر،الموافقات 4:76.
2- (2) .حسبک أن الشیخین نفسهما مختلفاً السیرة،فأبوبکر ساوی فی توزیع الأموال الخراجیة،وعمر فاوت فیها،وأبوبکر کان یری طلاق الثلاث واحداً،وعمر شرعه ثلاثاً،وعمر منع عن المتعتین،ولم یمنع عنهما الخلیفة الأول ونظائر ذلک أکثر من أن تحصی.«منه».
3- (3) .المستصفی،ج1،ص135.
4- (4) .صحیح البخاری،ج8،ص121 کتاب الرقاق الحدیث 6099؛وأیضاً راجع الحدیث 6097 من کتاب الفتن،والحدیث 6528،الی غیر هذه الروایات مما عرضها البخاری فی باب الحوض وغیره،ولا یهم عرضها.أجوبة مسائل جارالله،للإمام شرف الدین،13.
الدلیل الرابع-الأمر بایجاب محبة الصحابة وذم من أبغضهم

«ما جاء فی الأحادیث من إیجاب محبتهم،وذم من أبغضهم،وأن من أحبهم فقد أحب النبی صلی الله علیه و آله ومن أبغضهم فقد أبغض النبی صلی الله علیه و آله،وما ذاک من جهة کونهم رأوه أو جاوروه فقط،إذ لا مزیة فی ذلک،وإنما هو لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل علی سنته مع حمایته ونصرته،ومن کان بهذه المثابة حقیق أن یتخذ قدوة وتُجعل سیرته قبلة». (1)

والجواب:

1.إن ما ذکره من التعلیل لا یکفی لإعطائهم صفة المشرعین أو الحاق منزلتهم بمنزلة النبوة،وغایة ما یصورهم أنهم أُناس لهم مقامهم فی خدمة الإسلام والالتزام بتعالیمه،ولکنه لا ینفی عنهم الخطأ أو السهو أو الغفلة.

2.علی أن لأرباب الجرح و التعدیل حساباً مع الکثیر من روایات هذا الباب لایهم عرضها الآن.

3.هذا کله من حیث اعتبار ما یصدر عنهم من السنة،أما جعل الحجیة لأقوالهم-من حیث کونهم رواة ومجتهدین-فلذلک حساب آخر یأتی موضعه فی مبحث مذهب الصحابی.

ص:74


1- (1) .الموافقات،ج4،ص79.
الخلاصة

1.حدیث«أصحابی کالنجوم»لا یدل علی سنة الصحابة; لأن سنده غیر صحیح کما قال ابن حزم:حدیث موضوع مکذوب.

2.الأحادیث التی تدل علی الأمر باتباع الصحابة علی فرض صحة سندها غیر تامة; لأن من یجوز علیه الغلط و السهو ولم تثبت عصمة عنه فلا حجة فی قوله کما قال الغزالی.

3.الروایات الآمرة بالاقتداء بالصحابة مخصصة بعدم الإرتداد،وطبیعة الجمع بین الأدلة تقتضی تقیید تلکم الأدلة بغیر المرتدین،فمع الشک لا یمکن التمسک بتلکم العمومات.

الأسئلة

1.لماذا لا یدل حدیث أصحابی کالنجوم،علی حجیة سنة الصحابة؟

2.هل یجوز الأخذ بقول من لم تثبت عصمته؟

3.ناقش قول من ادعی:«إن شدة متابعة الصحابة للنبی صلی الله علیه و آله یدل علی حجیة قولهم».

ص:75

منهج البحث فی سنة أهل البیت علیهم السلام

و قد استدل الشیعة علی حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام بأدلة کثیرة.

والذی یهمنا هو کل ما دل أو رجع إلی لزوم التمسک بهم،والرجوع إلیهم،واعتبار قولهم حجة یستند إلیها فی مقام إثبات الواقع.

ومجرد مدحهم و الثناء علیهم لا یکفی فی اعتبار الحجیة لما یصدر عنهم،و قد سبق أن تحدثنا فیما یشبه الموضوع مع الشاطبی عند ما استدل علی اعتبار سنة الصحابة بأخبار المدح و الثناء علیهم،وما قلناه هناک نقوله هنا.

وفی دلالة سنتهم نأخذ بما اتفق علیه الطرفان ووثقوا رواته،إبعاداً لشبهة من لا یطمئن إلی غیر أحادیث أرباب مذهبه وتخلصاً من شبهة الدور (1)التی أثارها فضیلة الأُستاذ الشیخ سلیم البشری فی مراجعاته القیمة مع الإمام شرف الدین الموسوی، (2)فقد جاء فی إحدی مراجعاته له:فإن کلام أئمتکم لایصلح لأنْ یکون حجة علی خصومهم،والاحتجاج به فی هذه المسألة دوری،کما تعلمون. (3)

والجواب عن هذا الدور واضح جداً إذا تصورنا أن حجیة أقوال أهل البیت علیهم السلام هذه لا تتوقف علی کونها من السنة،وإنما یکفی فی إثبات الحجیة لها کونها مرویة من طریقهم عن النبی صلی الله علیه و آله وصدورها عنهم باعتبارهم من الرواة الموثوقین،وإذن،یختلف الموقوف عن الموقوف علیه فیرتفع الدور،ویکون إثبات کون ما یصدر عنهم من السنة موقوفاً علی روایتهم الخاصة لا علی أقوالهم کمشرعین.

ص:76


1- (1) .تقریب شبهة الدور:أن حجیة أقوال أهل البیت علیهم السلام موقوفة علی إثبات کونها من السنة،وإثبات کونها من السنة موقوف علی حجیة أقوالهم،ومع إسقاط المتکرر ینتج إن إثبات کونها من السنة موقوف علی إثبات کونها من السنة.
2- (2) .المراجعات لشرف الدین:المراجعة،(13)،ص52-51.
3- (3) .عبدالحسین شرف الدین الموسوی،المراجعات،المراجعة(13)52:51.

13-حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(1)

اشارة

ما المراد من«یرید الله»فی آیة التطهیر؟وبأی معنی لهذه العبارة تدل الآیة علی عصمة أهل البیت علیهم السلام؟

استدلوا من الکتاب بآیات عدة علی حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام نکتفی منها بما اعتبروه دالاً علی عصمتهم.

1.قال الله تعالی: إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (1)

وتقریب الاستدلال بها علی عصمة أهل البیت علیهم السلام:

أ)ما ورد فیها من حصر إرادة إذهاب الرجس-أی الذنوب-عنهم بکلمة(إنما)،وهی من أقوی أدوات الحصر.

ب)واستحالة تخلف المراد عن الإرادة بالنسبة له تعالی من البدیهیات.و إن إرادته هی العلة التامة أو آخر أجزائها بالنسبة لجمیع مخلوقاته،واستحالة تخلف المعلول عن العلة من القضایا الأولیة.إذن،لیس معنی العصمة إلا استحالة صدور الذنب عن صاحبها عادة و هو المطلوب.

هل الإرادة تکوینیة أم تشریعیة؟

لا یخفی أن الإرادة-کما یقسمها علماء الأصول-إرادتان:تکوینیة وتشریعیة،وهی من حیث استحالة تخلف المراد عنها واحدة.ولکن هل هی تکوینیة أم تشریعیة؟

ص:77


1- (1) .الأحزاب(33)،33.

1.إن قلنا:تشریعیة،فکأن الآیة تقول:إنما شراعنا لکم الأحکام یا أهل البیت لنذهب بها الرجس عنکم و لنطهرکم بها تطهیرا.

والمؤاخذة:

أ)تفسیر الإرادة هنا بالإرادة التشریعیة یتنافی مع نص الآیة بالحصر المستفاد من کلمة(إنما); إذ لا خصوصیة لأهل البیت فی تشریع الأحکام لهم.

ب)لیست لهم أحکام مستقلة عن أحکام بقیة المکلفین.

ج)والغایة من تشریعه للأحکام إذهاب الرجس عن الجمیع،لا عن خصوص أهل البیت علیهم السلام.

د)علی أن حملها علی الإرادة التشریعیة یتنافی مع اهتمام النبی صلی الله علیه و آله بأهل البیت وتطبیق الآیة علیهم بالخصوص.

2.تکون الإرادة تکوینیة و إن دلت علی معنی العصمة فیهم،لاستحالة تخلف المراد عن إرادته تعالی،إلا أن ذلک یجرنا إلی الالتزام بالجبر وسلبهم الإرادة فیما یصدر عنهم من أفعال،ونتیجة ذلک حتماً حرمانهم من الثواب،لأنه ولید إرادة العبد،کما تقتضیه نظریة التحسین و التقبیح العقلیین،و هذا ما لا یمکن ان یلتزم به مدعو الإمامة لأهل البیت علیهم السلام.

والجواب:

إن جمیع أفعال العبید و إن کانت مخلوقة لله عزوجل ومرادة له بالإرادة التکوینیة; إلا أن خلقه لأفعالهم إنما هو بتوسط إرادتهم الخاصة غالباً وفی طولها وبهذا البیان نرفع الإبهام عن توهم حرمان أهل البیت عن الثواب.

وبذلک صححوا نسبة الأفعال للعبید ونسبتها لله،فهی مخلوقة لله عزوجل حقیقة،وهی صادرة عن إرادة العبید حقیقة أیضاً،وبذلک صحح اصحاب الأئمة الثواب و العقاب،وذهبوا إلی الحل الوسط الذی أخذوه من أقوال أئمتهم علیهم السلام«لا جبر ولا تفویض،وإنما هو أمر بین أمرین». (1)

وبناءً علی ما قلناه یکون مفاد الآیة:«إن الله عزوجل لما علم أن إرادتهم تجری دائماً علی وفق ما شرعه لهم من أحکام،بحکم ما زودوا به من إمکانات ذاتیة ومواهب مکتسبة

ص:78


1- (1) .الکافی،ص1،ص160،الحدیث 13،وفیه«ولکن»بدل و«إنما هو».

نتیجة تربیتهم علی وفق مبادئ الإسلام،فقد صح له الإخبار عن ذاته المقدسة بأنه لا یرید لهم بإرادته التکوینیة إلا إذهاب الرجس عنهم،لأنه لا یفیض الوجود إلا علی هذا النوع من أفعالهم ما داموا هم لا یریدون لأنفسهم إلا إذهاب الرجس و التطهیر عنهم».

وبهذا یتضح معنی الاصطفاء و الإختیار من قبله لبعض عبیده فی أنْ یحملوا ثقل النهوض برسالته المقدسة کما هو الشأن فی الأنبیاء وأوصیائهم علیهم السلام ; علی أن الشبهة لوتمت فهی جاریة فی الأنبیاء جمیعاً.

ص:79

الخلاصة

1.کلمة«إنما»فی آیة إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ... ،تدل علی إرادة إذهاب الرجس عن أهل البیت فقط.

2.إن فسرنا الإرادة بالتشریعیة،یکون معنی الآیة:إنما شرعنا لکم الأحکام یا أهل البیت لنذهب بها الرجس عنکم ولنطهرکم بها تطهیراً.

3.إرادة الله تعالی تعلقت بإذهاب الرجس-أی:الذنوب-عن أهل البیت علیهم السلام ; وذلک لما علم أن إرادتهم تجری دائماً علی وفق ما شرعه لهم من أحکام،بحکم ما زودوا به من إمکانات ذاتیة ومواهب مکتسبة.

الأسئلة

1.بین الإستدلال علی عصمة أهل البیت علیهم السلام من آیة التطهیر.

2.ما هو الإشکال الوارد علی تفسیرنا لإرادته سبحانه وتعالی لإذهاب الرجس عن أهل البیت علیهم السلام بالإرادة التشریعیة؟

3.اذکر«شبهة الجبر»الواردة علی تفسیر إرادة الله سبحانه لعصمة أهل البیت علیهم السلام بالتکوینیة مع جوابها.

ص:80

14-حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(2)

ما المراد من أهل البیت؟

عرفت فی الدرس السابق قوة وتمامیة الإستدلال بآیة التطهیر علی عصمة أهل البیت علیهم السلام،وأن إرادته تعالی تعلقت باختیارهم وجعل أقوالهم حجة; لتبیین الکتاب و السنة النبویة الشریفة صیانتها حتی یردا علی النبی صلی الله علیه و آله الحوض.

والمراد من أهل البیت هو الأئمة الاثنی عشر المتفق علیهم لدی الشیعة،لکن أثار البعض الشبهات حول المراد من أهل البیت علیهم السلام.وکان عکرمة ومقاتل من أقدم من تبنی إبعاد آیة التطهیر عن أهل البیت علیهم السلام فی عرف الشیعة،ونزولها فی نساء النبی صلی الله علیه و آله خاصة.

وکان عکرمة ینادی به فی السوق، (1)وکان یقول:«من شاء باهلته أنها نزلت فی أزواج النبی صلی الله علیه و آله». (2)

والذی یبدو أن الرأی السائد علی عهده کان علی خلاف رأیه،کما یشعر فحوی رده علی غیره«لیس بالذی تذهبون إلیه إنما هو نساء النبی صلی الله علیه و آله». (3)

و قد نسب هذا الرأی إلی ابن عباس،ویبدوأنه المصدر الوحید فی النسبة إلیه،و إن کان فی أسباب النزول للواحدی روایة عن ابن عباس یرویها سعید بن جبیر دون توسط عکرمة

ص:81


1- (1) .أسباب النزول،ص370،باب 365،ح 699.
2- (2) .الدرالمنثور،ج 5،ص 198 ذیل الآیة: إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ... من سورة الاحزاب،الآیة 33.
3- (3) .المصدر.

هذا، (1)إلا أن روایة ابن مردویه لها عن سعید بن جبیر عنه (2)-أی عن عکرمة-عن ابن عباس یقرب أن یکون فی روایة الواحدی تدلیس،وهما روایة واحدة.

شبهة وحدة السیاق

و قد استدل هو أو استدلوا له بوحدة السیاق،لأن الآیة إنما وردت ضمن آیات نزلت کلها فی نساء النبی صلی الله علیه و آله،ووحدة السیاق کافیة لتعیین المراد من أهل البیت.

والجواب:

إن دعوی وحدة السیاق-لوتمت-لما کانت أکثر من کونها اجتهاداً فی مقابلة النص،والنصوص السابقة کافیة لرفع الید عن کل اجتهاد جاء علی خلافها،علی أنها فی نفسها غیر تامة،لأن من شرائط التمسک بوحدة السیاق أن یعلم وحدة الکلام لیکون بعضه قرینة علی المراد من البعض الآخر،ومع احتمال التعدد فی الکلام لامجال للتمسک بها بحال.

ووقوع هذه الآیة أو هذا القسم منها ضمن ما نزل فی زوجات النبی لا یدل علی وحدة الکلام،لما نعرف من أن نظم القرآن لم یجر علی أساس من التسلسل الزمنی،فرُب آیة مکیة وضعت بین آیات مدنیة وبالعکس،فضلاً عن إثبات أن الآیات المتسلسلة کان نزولها دفعة واحدة.

ومع تولد هذا الاحتمال لا یبقی مجال للتمسک بوحدة السیاق،وأی سیاق یصلح للقرینیة مع احتمال التعدد فی أطرافه،وتباعد ما بینها فی النزول؟علی أن تذکیر الضمیر فی آیة التطهیر وتأنیث بقیة الضمائر فی الآیات السابقة علیها و اللاحقة لها یقرب ما قلناه; إذ إن وحدة السیاق تقتضی اتحاداً فی نوع الضمائر،ومقتضی التسلسل الطبیعی أن تکون الآیة هکذا إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ لا عنکم.

بحث فی مفهوم الأهل

والذی لاحظته من قسم من الروایات:أن لفظة الأهل لم تکن تطلق فی السنة العرب علی الأزواج إلا بضرب من التجوز،ففی صحیح مسلم:«إن زید بن أرقم سئل عن المراد بأهل

ص:82


1- (1) .أسباب النزول،ص 370،باب 356،ح 698.
2- (2) .الدر المنثور،ج5،ص198.

البیت،هل هم النساء؟قال:لا وأیم الله،إن المرأة تکون مع الرجل العصر من الدهر،ثم یطلقها،فترجع إلی أبیها وقومها». (1)

هذا الحدیث:

أ)یدل علی أن مفهوم الأهل لا یشمل الزوجة،کما أن تعلیل زید بن أرقم یدل علی المفروغیة عن ذلک.

ب)ولا یبعد دعوی التبادر من کلمة أهل،خصوص من کانت له بالشخص وشائج قربی ثابتة غیر قابلة للزوال،والزوجة و إن کانت قریبة من الزوج إلا أن وشائجها معه قابلة للزوال بالطلاق وشبهه،کما ذکر زید.

دعوی نزول الآیة فی نساء النبی صلی الله علیه و آله

فدعوی نزولها فی نساء النبی صلی الله علیه و آله شرف لم تدعه لنفسها واحدة من النساء،بل صرحت غیر واحدة منهن بنزولها فی النبی صلی الله علیه و آله وعلی علیه السلام وفاطمة علیها السلام و الحسن علیه السلام و الحسین علیه السلام.

«أخرج الترمذی وصححه، (2)وابن جریر وابن المنذر،والحاکم وصححه (3)وابن مردویه و البیهقی فی سننه (4)من طرق عن أُم سلمة رضی الله عنها،قالت:فی بیتی نزلت: إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ.. (5)وفی البیت فاطمة وعلی و الحسن و الحسین،فجللهم رسول الله صلی الله علیه و آله بکساء کان علیه،ثم قال:هؤلاء أهل بیتی،فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً». (6)

وحدیث الکساء،الذی کاد أن یتواتر مضمونه لتعدد رواته لدی الشیعة و السنة فی جمیع الطبقات،حافل بتطبیقها علیهم بالخصوص.

والذی یبدو أن الغرض من حصرهم تحت الکساء،وتطبیق الآیة علیهم،ومنع حتی أُم سلمة من الدخول معهم،کما ورد فی روایات کثیرة،هو التأکید علی اختصاصهم بالآیة،وقطع الطریق علی کل ادعاء بشمولها لغیرهم.

ص:83


1- (1) .صحیح مسلم،ج7،ص129،کتاب فضائل الصحابة،الحدیث 4425.
2- (2) .سنن الترمذی،کتاب تفسیر القرآن،الحدیث:3129،وکتاب المناقب،الحدیث 3719.
3- (3) .المستدرک علی الصحیحین،ج 3،ص 146 و147،باب مناقب أهل البیت.
4- (4) .البیهقی،السنن الکبری،ج150،2،کتاب الصلوة،باب الدلیل علیأن أزواجه¦ من أهل بیته...(دارالمعرفة).
5- (5) .سورة الأحزاب(33)،33.
6- (6) .الدر المنثور،ج 5،ص 198.

یقول أبوالحمراء:«حفظت من رسول الله صلی الله علیه و آله ثمانیة أشهر بالمدینة،لیس من مرة یخرج إلی صلاة الغداة إلا أتی إلی باب علی علیه السلام فوضع یده علی جنبتی الباب،ثم قال:الصلاة الصلاة، إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» (1).وفی روایة ابن عباس،قال:«شاهدنا رسول الله تسعة أشهر یأتی کل یوم باب علی بن أبی طالب رضی الله عنه عند وقت کل صلاة،فیقول:السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته أهل البیت إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» . (2)

ص:84


1- (1) .المصدر،ج5،ص199.
2- (2) .لاستیعاب روایات آیة التطهیر راجع:دلائل الصدق،محمدحسن المظفر،ج2،ص 64-74،بحث آیة التطهیر.والکلمة الغراء الملحقة بکتاب الفصول المهمة فی أصول الأئمة،ص 217.
الخلاصة

1.من نداء عکرمة فی الأسواق بأن آیة التطهیر نزلت فی نساء النبی بمقالته:«من شاء باهلته أنها نزلت فی أزواج النبی صلی الله علیه و آله»یبدو أن الرأی السائد علی عهده کان خلاف رأیه کما یشعر فحوی رده علی غیره«لیس بالذی تذهبون إلیه إنما هو نساء النبی صلی الله علیه و آله»

2.إن لفظة الأهل لم تکن تطلق فی السنة العرب علی الأزواج إلا بضرب من التجوز.

3.ان الغرض من حصر أهل البیت علیهم السلام تحت الکساء،وتطبیق الآیة علیهم،ومنع حتی أُم سلمة«رضی الله عنها»من الدخول معهم،کما ورد فی روایات کثیرة،هو التأکید علی اختصاصهم بالآیة،وقطع الطریق علی کل ادعاء بشمولها لغیرهم.

الأسئلة

1.اذکر شأن نزول آیة التطهیر.

2.ما هوالداعی الذی حمل عکرمة ومقاتل علی ادعاء أن الآیة نزلت فی نساءالنبی خاصة؟

3.مما استشهد به علی أن آیة التطهیر نزلت فی نساء النبی«وحدة السیاق»،أذکر دلیلهم و الرد علیه؟

4.ما هو الأُسلوب الذی اختاره النبی الأعظم صلی الله علیه و آله فی التعریف باختصاص آیة التطهیر بأهل البیت علیهم السلام؟

ص:85

15-حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من الکتاب العزیز(3)

اشارة

ما هو الدلیل علی عصمة أُولی الأمر؟

أولی الأمر هل هم الأئمة من أهل البیت علیهم السلام ام غیرهم؟

مما استدل علی حجیة سنة أهل البیت واعتبارها،قوله تعالی:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً . (1)

تقریب الإستدلال:و قد قرب الفخر الرازی دلالتها علی عصمة أُولی الأمر فی تفسیره لهذه الآیة بقوله:«إن الله تعالی أمر بطاعة أولی الأمر علی سبیل الجزم فی هذه الآیة،ومن أمر الله بطاعته علی سبیل الجزم و القطع لابد وأن یکون معصوماً عن الخطأ; إذ لولم یکن معصوماً عن الخطأ کان بتقدیر إقدامه علی الخطأ یکون قد أمر الله بمتابعته،فیکون ذلک أمراً بفعل ذلک الخطأ،والخطأ لکونه خطأ منهی عنه.فهذا یفضی إلی اجتماع الأمر و النهی فی الفعل الواحد بالاعتبار الواحد،وأنه محال،فثبت قطعاً أن أولی الأمر المذکور فی هذه الآیة لابد وأن یکون معصوماً». (2)

ص:86


1- (1) .سورة النساء(4)،59.
2- (2) .التفسیر الکبیر،ج 10،ص 144; المسألة الثالثة،ذیل الآیه 59 من سورة النساء،ویؤید هذا التقریب مساواتهم لله و الرسول فی وجوب طاعتهم،مما یدل علی أن جعل الإطاعة لهم لیس من نوع جعلها للآمرین بالمعروف و الناهین عن المنکر،علی کل حال(المؤلف).
مناقشات الفخرالرازی فی مصدایق أولی الأمر

أولاً:«ذلک المعصوم.أما مجموع الأُمة أو بعض الأُمة،لایجوز أن یکون بعض الأُمة،لأنا بینا أن الله تعالی أوجب طاعة أولی الأمر فی هذه الآیة قطعاً،وإیجاب طاعتهم قطعاً مشروط بکوننا عارفین بهم،قادرین علی الوصول إلیهم والاستفادة منهم،ونحن نعلم بالضرورة أنا فی زماننا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم،عاجزون عن الوصول إلیهم،عاجزون عن استفادة الدین و العلم منهم». (1)

والجواب:بناؤه هذه الاستفادة علی اعتبار معرفة متعلق الحکم من شروط نفس التکلیف،وبانتفاء هذا الشرط; لتعذر معرفة الأئمة و الوصول إلیهم،ینتفی المشروط.

خلط بین ما کان من سنخ مقدمة الوجوب وما کان من سنخ مقدمة الواجب،فلزوم معرفة المتعلق إنما هو من النوع الثانی،أی من نوع ما یتوقف علیه امتثال التکلیف لا أصله.

وعلی هذا فوجوب معرفة المتعلق للتکالیف لا یمکن أخذه شرطاً فیها بما هو متعلق لها; لتأخره رتبة عنها،ویستحیل أخذ المتأخر فی المتقدم للزوم الخلف أو الدور.

ثانیاً:«إن المعصوم الذی أمر الله المؤمنین بطاعته لیس بعضاً من أبعاض الأُمة ولاطائفة من طوائفهم،ولما بطل هذا وجب أن یکون ذلک المعصوم الذی هو المراد بقوله:«وأُولی الأمر»أهل الحل و العقد من الأُمة،وذلک یوجب القطع بأن إجماع الأُمة حجة». (2)

والجواب:إن هذا الإشکال وارد علیه نقضاً،لأن إجماع أهل الحل و العقد هو نفسه مما یحتاج إلی معرفة،وربما کانت معرفته أشق من معرفة فرد أو أفراد،لاحتیاجها إلی استیعاب جمیع المجتهدین،ولیس من السهل استقراؤهم جمیعاً والاطلاع علی آرائهم،وعلی مبناه یلزم تقیید وجوب الإطاعة بمعرفتهم،ویعسر تحصیل هذا الشرط،والإشکال نفس الإشکال.

فیبقی قول الشیعة الذی فسر«أولی الأمر»بالأئمة الأثنی عشر،المنصوص علی إمامتهم وولایتهم علی الأُمة المرحومة حسب النصوص الواردة عن نبی الرحمة بلا مزاحم أو معارض.

ثم إن استفادة الإجماع من کلمة«أُولی الأمر»مبنیة علی إرادة العموم المجموعی منها،وحملها علی ذلک خلاف الظاهر; لأن الظاهر من هذا النوع من العمومات هو العموم

ص:87


1- (1) .التفسیر الکبیر،ج 10،ص 144.
2- (2) .المصادر.

الاستغراقی المنحل فی واقعه إلی أحکام متعددة بتعدد أفراده،ومن استعرض أحکام الشارع التی استعمل فیها العمومات الاستغراقیة،یجدها مستوعبة لأکثر أحکامه،وما کان منها من قبیل العموم المجموعی نادر نسبیاً،فلوقال الشارع:أعطوا زکاتکم لأُولی الفقر و المسکنة-مثلاً-:فهل معنی ذلک لزوم إعطائها لهم مجتمعین،وإعطاء الزکاة مجتمعة أم ماذا؟

وعلی هذا فحمل«أولی الأمر»فی الآیة علی العموم المجموعی حمل علی الفرد النادر من دون قرینة ملزمة.

ثالثاً:«إنه تعالی أمر بطاعة أُولی الأمر،وأُولوالأمر جمع،وعندهم لا یکون فی الزمان إلا إمام واحد،وحمل الجمع علی الفرد خلاف الظاهر». (1)

والجواب:

یتضح جواب هذا الإشکال مما ذکرناه فی اعتبار هذا النوع من الجموع من العمومات الاستغراقیة التی ینال فیها کل فرد حکمه،فإذا قال المشرع الحدیث-مثلاً-حکم الحکام نافذ فی المحاکم المدنیة،فإن معناه أن حکم کل واحد منهم نافذ،لا حکمهم مجتمعین،نعم یظهر من إتیانه بلسان الجمع أن أولی الأمر أکثر من فرد واحد،و هذا ما تقول به الشیعة،ولا یلزمه أن یکونوا مجتمعین فی زمان واحد; لأن صدق الجمع علی الأفراد الموزعین علی الأزمنة لا ینافی ظاهره.

الرابع:قال الله تبارک وتعالی: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ (2)ولوکان المراد بأُولی الأمر الإمام المعصوم،لوجب ان یقال:فإن تنازعتم فی شیء فردوه إلی الإمام،فثبت أن الحق تفسیر الآیة بما ذکرناه. (3)

والجواب:

و هذا الإشکال أمره سهل لجواز الحذف اعتماداً علی قرینة ذکره سابقاً،فی صدر الآیة أن ساوی بینهم وبین الله و الرسول فی لزوم الطاعة،ویؤید هذا المعنی ما ورد فی الآیة الثانیة وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ . (4)

ص:88


1- (1) .المصادر.
2- (2) .سورة النساء(4)،59.
3- (3) .التفسیر الکبیر،ج 10،ص 146.
4- (4) .سورة النساء(4)،83.
الخلاصة

1.إن الله تعالی أمر بطاعة أُولی الأمر علی سبیل الجزم فی هذه الآیة،ومن أمر الله بطاعته علی سبیل الجزم و القطع لابد وأن یکون معصوماً عن الخطأ.

2.استفادة«أهل الإجماع»من کلمة«أُولی الأمر»مبنیة علی إرادة العموم المجموعی منها،وحمل الآیة علیه حمل علی الفرد النادر من دون قرینة ملزمة،و هو غیر جایز.

3.العموم المستفاد من کلمة أُولی الأمر هو العموم الاستغراقی المنحل فی واقعة إلی أحکام متعدد أفراده،لا العموم المجموعی کما زعم الرازی.

4.المثال لحمل أُولی الأمر فی الآیة علی العموم الاستغراقی،مثل أن یقال:الشارع أمر بطاعة أُولی الأمر،وأُولوالأمر جمع،وعندهم لا یکون فی الزمان إلا إمام واحد،وحمل الجمع علی الفرد خلاف الظاهر.

الأسئلة

1.کیف ترد شبهة الرازی:«إن الله تعالی کیف أوجب علینا طاعة أُولی الأمر قبل معرفتنا إیاهم»؟

2.إن المعصوم الذی أمر الله المؤمنین بطاعته هل هو«مجموع الأئمة»أم«فرد منهم»؟إذکر مستند کلا القولین.

3.لماذا لا یمکن أخذ قید المعرفة فی أصل التکلیف؟وضح ذلک بمثال.

ص:89

16-حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من السنة الشریفة(1)

اشارة

هل إن حدیث الثقلین تام السند و الدلالة؟

ما هی الأُمور التی نستفیدها من حدیث الثقلین؟

حدیث الثقلین
اشارة

و هذا الحدیث یکاد یکون متواتراً،بل هو متواتر فعلاً.

ومن حسنات دارالتقریب بین المذاهب الإسلامیة فی مصر،أنها أصدرت رسالة ضافیة الفها بعض أعضائها فی هذا الحدیث،أسمتها:(حدیث الثقلین)،و قد استوفی فیها مؤلفها ما وقف علیه من أسانید الحدیث فی الکتب المعتمدة لدی أهل السنة. (1)

وحسب الحدیث لأن یکون موضع اعتماد الباحثین أن یکون من رواته کل من:صحیح مسلم، (2)وسنن الدارمی، (3)وخصائص النسائی، (4)وسنن أبی داود، (5)وسنن ابن ماجة، (6)ومسند أحمد، (7)

ص:90


1- (1) .و قد جمع هذه الأحادیث الشیخ قوام الوشنوه ای فی کتاب سماه«حدیث الثقلین»،و هی رسالة وجیزه من منشورات دارالتقریب بمصر مطبعه مخیمر.«وقال صاحب الوسائل:و قد تواتر بین العامة و الخاصة عن النبی أنه قال:«إنی تارک فیکم الثقلین...».راجع:الوسائل،ص27-33،باب 5،الحدیث 33144.
2- (2) .صحیح مسلم،کتاب فضائل الصحابة،الحدیث:4425.
3- (3) .سنن الدارمی،کتاب فضائل القرآن،الحدیث:3182.
4- (4) .الخصائص لأمیر المؤمنین،ص 112 باب قول النبی¦ من کنت ولیه،ح 78.
5- (5) .راجع:تذکرة الخواص من الأُمة بذکر خصائص الأئمة،ص 322،الباب الثانی عشر فی ذکر الائمة.
6- (6) .راجع:کفایة الطالب فی مناقب علی بن أبی طالب،ص 53،الباب الأول فی بیان حجة خطبة بما یدعی فما.
7- (7) .مسند أحمد:باقی مسند المکثرین،الحدیث:10681 و10707 و10779 و11135 ومسند الأنصار،الحدیث:20596 ومسند الکوفیین،الحدیث 18464.

ومستدرک الحاکم، (1)وذخائر الطبری، (2)وحلیة الأولیاء، (3)وکنز العمال، (4)وغیرهم،و إن تعنی بروایته کتب المفسرین أمثال:الرازی،والثعلبی،والنیسابوری،والخازن،وابن کثیر،وغیرهم،بالإضافة إلی الکثیر من کتب التأریخ،واللغة،والسیر،والتراجم.

و قد استقصت رسالة دارالتقریب عشرات المؤلفین من هؤلاء وغیرهم (5).وفی غایة المرام وصلت أحادیثه من طرق السنة إلی(39)حدیثاً،ومن طرق الشیعة إلی(82)حدیثاً. (6)

والظاهر أن سر شهرته،تکرار النبی صلی الله علیه و آله له فی أکثر من موضع.یقول ابن حجر:«ومر له طرق مبسوطة فی حادی عشر الشبه،وفی بعض تلک الطرق أنه قال ذلک بحجة الوداع بعرفة،وفی أُخری أنه قال بالمدینة فی مرضه،و قد امتلأت الحجرة بأصحابه،وفی أُخری أنه قال ذلک بغدیر خم،وفی أُخری أنه قال ذلک لما قام خطیباً بعد انصرافه من الطائف...:ولا تنافی; إذ لا مانع من أنه کرر علیهم ذلک فی تلک المواطن وغیرها اهتماماً بشأن الکتاب العزیز و العترة الطاهرة». (7)

ولسان الحدیث کما فی روایة زید بن أرقم:«إنی ترکت فیکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا بعدی:کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض،وعترتی أهل بیتی،ولن یفترقا حتی یردا علی الحوض،فانظروا کیف تخلفوننی فیهما». (8)

ص:91


1- (1) .مستدرک علی الصحیحین،ج 3،ص 148،باب مناقب أهل البیت.
2- (2) .ذخائر العقبی،ص 16 باب فضل أهل البیت علیهم السلام.
3- (3) .حلیة الأولیاء،ج 1،ص 355،ذیل حذیفة بن اسید رقم 57.
4- (4) .کنز العمال،ج1،ص186،ح 4945.
5- (5) .راجع ذلک فی الرسالة المذکورة ص 5 وما بعدها.
6- (6) .أصول الاستنباط،ص24.
7- (7) .الصواعق المحرقة،ص 148.
8- (8) .کنز العمال،ج1،ص44،ح 874; مستدرک علی الصحیحین،ج3،ص109،باب مناقب امیرالمؤمنین.الخصائص النسائی،112،باب قول النبی¦ من کنت ولیه...،ح 78; المناقب للخوارزمی،ص154،ح 182(مع اختلاف فی اللفظ); مناقب الخوارزمی،ص93.ینابیع المودة،ج1،ص96 وما بعدها،الباب الرابع،فصل فی حدیث الثقلین و...:ص 32 ط.والحدیث قد نقل بالفاظ أخر:وفی روایة زید بن ثابت:إنی تارک فیکم خلیفتین:کتاب الله حبل ممدود ما بین السماء و الأرض،أو ما بین السماء إلی الأرض،وعترتی أهل بیتی،وأنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض مسند أحمد،ج5،ص189،182; المعجم الکبیر،للطبرانی،ص5،یوجد ما یقرب من هذا اللفظ تحت ارقام 4922 و4923 و4980 و4981 و4981 و4982 و5025 و5026 و5028 و5040; کنزالعمال،ج1،ص44،ح 837. وروایة أبی سعید الخدری:«إنی أو شک أن أدعی فأجیب،وإنی تارک فیکم الثقلین:کتاب الله عزوجل وعترتی،کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض،وعترتی أهل بیتی،وأن اللطیف أخبرنی أنهما لن یتفرقا حتی یردا علی الحوض،فانظروا کیف تخلفوننی فیهما»مسند أحمد،ج3،ص26،17; کنزالعمال،ج1،ص47،ح 945.

و قد استفید من هذا الحدیث عدة أُمورٍ نعرضها بإیجاز:

الأول-دلالته علی عصمة أهل البیت علیهم السلام

1.لاقترانهم بالکتاب الذی لایأتیه الباطل من بین یدیه ولامن خلفه،وتصریحه بعدم افتراقهم عنه،ومن البدیهی أن صدور آیة مخالفة للشریعة،سواء کانت عن عمد أم سهو أم غفلة،تعتبر افتراقاً عن القرآن فی هذا الحال.والحدیث صریح فی عدم افتراقهما حتی یردا الحوض.

2.ولأنه اعتبر التمسک بهم عاصماً عن الضلالة دائماً وأبداً،کما هو مقتضی ما تفیده کلمة«لن»التأبیدیة،وفاقد الشیء لا یعطیه.

3.علی أن تجویز الافتراق علیهم بمخالفة الکتاب وصدور الذنب منهم تجویز للکذب علی الرسول صلی الله علیه و آله الذی أخبر عن الله عزوجل بعدم وقوع افتراقهما.وتجویز الکذب علیه متعمداً فی مقام التبلیغ و الإخبار عن الله فی الأحکام و الموضوعات وعللها مناف لافتراض العصمة فی التبلیغ،وهی مما أجمعت علیها کلمة المسلمین علی الإطلاق،حتی نفاة العصمة عنه بقول مطلق.

الثانی-لزوم التمسک بهما معاً لا بواحد منهما منعاً من الضلالة

ومن هذا الحدیث یتضح أن التمسک بأحدهما لا یغنی عن الآخر«ما إن تمسکتم بهما»،«ولا تقدموهما فتهلکوا،ولا تقصروا عنهما فتهلکوا».ولم یقل:

«ما إن تمسکتم بأحدهما،أو تقدمتم أحدهما»،وسیأتی السر فی ذلک من أنهما معا یشکلان وحدة یتمثل بها الإسلام علی واقعه وبکامل أحکامه ووظائفه.

الثالث-بقاء العترة إلی جنب الکتاب إلی یوم القیامة

أی لایخلو منهما زمان من الأزمنة ما داما لن یفترقا حتی یردا علیه الحوض،وهی کنایة عن بقائهما إلی یوم القیامة.

ص:92

یقول ابن حجر:«التمسک بأهل البیت إشارة علی عدم انقطاع متأهل منهم للتمسک به إلی یوم القیامة،کما أن الکتاب العزیز کذلک». (1)

الرابع-دلالته علی تمیزهم بالعلم بکل ما یتصل بالشریعة وغیره

کما یدل علی ذلک«اقترانهم وعترتی أهل بیتی»بالکتاب الذی لا یغادر صغیرة ولا کبیرة،ولقوله صلی الله علیه و آله:«ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم» (2)وکتب الحدیث و التأریخ تشهد بأن الأئمة المعصومین ادعوا الأعلمیة فی شؤون الشریعة جمیعاً،من ذلک ما ورد عن أمیرالمؤمنین علیه السلام:«نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائکة،ومعادن العلم وینابیع الحکمة» (3)وقوله علیه السلام«أین الذین زعمرا أنهم الراسخون فی العلم دوننا کذباً وبغیاً علینا أن رفعنا الله ووضعهم... (4)ولایستطیع أحدٌ أن یعلل هذه الظاهرة بتعلیل منطقی یخضع لما نعرف من عوامل طبیعیة بالنسبة إلی الکبار من الأئمة،فهل یصح تعللها فی ابن عشرین سنة أو فی ابن ثمان،کما هو الشأن فی الأئمة الثلاثة:الجواد و الهادی و العسکری علیهم السلام؟ولم یحدث التأریخ فی روایة صحیحة عن احتیاج أحد منهم إلی الاستفسار عن أی مسألة أو أخذها أو دراساتها من الغیر مما کان شأنه.

ص:93


1- (1) .الصواعق المحرقة،ص151،خ التنبیه.
2- (2) .الصواعق المحرقة،ص150،ذیل الآیة الرابعة من الآیات الواردة فی فضیلتهم وبحارالأنوار،ص465،22،الحدیث:19.
3- (3) .نهج البلاغه،تحقیق الدکتور صبحی الصالح ذیل الخطبة 109،ص 162 وفیه ینابیع الحکم.
4- (4) .المصدر،الخطبة 144،ص120.
الخلاصة

1.حدیث الثقلین متواتر لفظاً ومعنی.

2.استدل علی عصمة أهل البیت علیهم السلام بحدیث الثقلین المروی عن النبی صلی الله علیه و آله ; لأنه قال إنهم قُرَناء الکتاب الذی لا یأتیه الباطل،وصرح أیضاً بعدم افتراقهم عنه.

3.التمسک بالکتاب و السنة یشکلان وحدة یتمثل بها الإسلام بواقعه وبکامل أحکامه.

4.الظاهر أن سر شهرة حدیث الثقلین تکرار النبی صلی الله علیه و آله له فی أکثر من موضع.

الأسئلة

1.أَذکر بعض المصادر المعتمدة التی ذکرت حدیث الثقلین.

2.ما هو السر فی شهرة حدیث الثقلین بین الفریقین.

3.أَذکر بعض المواطن التی ذکر فیها حدیث الثقلین.

4.بین کیف أن تجویز افتراق أهل البیت علیهم السلام عن الکتاب علی أساس حدیث الثقلین ینتهی بتکذیب الرسول صلی الله علیه و آله.

5.أَذکر کیف أن حدیث الثقلین یمیز أهل البیت علیهم السلام بالعلم عن باقی الناس.

ص:94

17-حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام من السنة الشریفة(2)

اشارة

والأدلة العقلیة(للمطالعة)

هل أن حدیث الثقلین بروایة لفظ«وسنتی»یتعارض مع الحدیث الذی بلفظ«وعترتی»؟

ما هی الأدلة العقلیة التی أُقیمت علی حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام؟

حوار مع الشیخ أبی زهرة حول دلالة وسند حدیث الثقلین

قال الأُستاذ محمد أبو زهرة:إن کتب السنة التی ذکرت حدیث الثقلین بلفظ(وسنتی)أوثق من الکتب التی روته بلفظ(وعترتی). (1)

نبحث فی هذا الدرس أولاً فی صحة السند وتقییمه.

یقول راوی الموطأ:وحدثنی عن مالک:أنه بلغه«أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال:ترکت فیکم أمرین لن تضلوا ما تمسکتم بهما:کتاب الله،وسنة نبیه». (2)

فنقول:

أ)یکفی فی توهین الروایة أنها مرفوعةٌ ولم یذکر الکتاب رواتها،مما یدل علی عدم اطمئنان صاحبها إلیها ولسانها«عن مالک:أنه بلغه أن رسول الله»،ولعل الموطأ هو أقدم مصادرها فی کتب الحدیث.

ب)إنه فی جمیع طبقاته متواتر،والکتب التی حفلت به أکثر من أن تحصی،وطرقه

ص:95


1- (1) .الإمام الصادق*،ص199.
2- (2) .الموطأ،ج2،ص899،کتاب القدر،باب(1)46،باب النهی عن القول بالقدر،ح 3.

إلی الصحابة کثیرة،کما شهد بذلک الحاکم وغیره. (1)و قد جمع ابن حجر بینهما فی صواعقه بالنحو التالی:«إن الحث وقع علی التمسک بالکتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البیت». (2)

فی دلالة الحدیث

أما من حیث المضمون،علی فرض روایة حدیث الثقلین بلفظ«وسنتی»یتراءی لنا من أوجه المفارقة فیه أُمورٍ:

أ)السنة الشریفة التی یطلب أن تکون مرجعاً إلی المسلمین فی جمیع عصورهم أن یتمسکوا بها إلی جنب الکتاب،وهی غیر مجموعة علی عهده صلی الله علیه و آله،وفیها الناسخ و المنسوخ،والعام و الخاص،والمطلق و المقید؟

ب)الأخذ بنفس السنة أیضاً غیر جایز; لاحتمال صدور الناسخ أو المقید أو المخصص أمام واحد أو اثنین من الصحابة (3)ممن لم یکونوا بالمدینة؟و الحجیة-کما یقول ابن حزم-:لا تتقوم إلا بهم.

ج)والعمل بالعام أو المطلق لا یجوز قبل الفحص عن مخصصه أو مقیدة،ما دمنا نعلم أن من طریقة النبی صلی الله علیه و آله فی التبلیغ هو الاعتماد علی القرائن المنفصلة.

د)المشکلة فی الفحص عن المخصص و المقید قائمة بالنسبة إلی من أدرک الصحابة وهم القلة نسبیاً،فما رأیکم بالمشکلة بعد تکثر الفتوح،وانتشار الإسلام،ومحاولة التعرف علی أحکامه من قبل غیر الصحابة من رواتهم؟!

إن الشیء الطبیعی ما دمنا نعلم أن السنة لم تدون علی عهد الرسول صلی الله علیه و آله وأن النبی صلی الله علیه و آله منزهٌ عن التفریط برسالته،فلا بد أن نفترض جعل مرجع تحدد لدیه السنة بکل خصائصها،وبهذا تتضح قیمة حدیث الثقلین وقیمة إرجاع الأُمة إلی أهل البیت علیهم السلام فیه

ص:96


1- (1) .انظر الصواعق المحرقة2:440،وغایة المرام للبحرانی 2:304-321.
2- (2) .الصواعق المحرقة،ص150 ذیل حدیث ثقلین.
3- (3) .وثیقة تاریخیة:ولقد کان رسول الله¦ کان بالمدینة وأصحابه کما یقول ابن حزم:«مشاغیل فی المعاش،وتعذر القوت علیهم لجهد العیش بالحجاز،وانه کان یفتی بالفتیا ویحکم بالحکم بحضرة من حضره من أصحابه فقط،وأنه إنما قامت الحجة علی سائر من لم یحضره¦ بنقل من حضره،وهم واحد أو اثنان»تمهید لتأریخ الفلسفة الإسلامیة،ص123 نقلاً عنه.

لأخذ الأحکام عنهم،کما تتضح أسرار تأکیده علی أن اقتداء بهم (1)وجعلهم سفن النجاة تارة (2)و أماناً للأمة أخری (3).

بقی سؤال وجهه أبوزهرة،هو:إن المراد من أهل البیت غیر معلوم،وکون القضیة لاتشخص موضوعها؟ (4)

والجواب:

هناک روایات تعرف أهل البیت وتشخصهم لنا مأثورة لدی الشیعة،وأُخری لدی السنة یذکرها صاحب الینابیع (5)وغیره،تصرح بأسمائهم،وفی الصحاح و المسانید تذکرهم بعددهم.والذی یستفاد من تلک الروایات:

1.إن عدد الأُمراء أو الخلفاء لا یتجاوز الإثنی عشر،وکلهم من قریش. (6)

2.و إن هؤلاء الأُمراء معینون بالنص،کما هو مقتضی تشبیههم بنقباء بنی إسرائیل،لقوله تعالی: وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَیْ عَشَرَ نَقِیباً . (7)

3.إن الروایات افترضت لهم البقاء ما بقی الدین الإسلامی،أو حتی تقوم الساعة کما هو مقتضی روایة مسلم فی صحیح مسلم بسنده عن النبی صلی الله علیه و آله:«لا یزال الدین قائماً حتی تقوم الساعة أو یکون علیکم اثنی عشر خلیفة کلهم من قریش»، (8)وأصرح من ذلک روایته الأُخری فی نفس الباب:«لا یزال هذا الأمر فی قریش ما بقی من الناس اثنان». (9)

ص:97


1- (1) .المعجم الکبیر 5:184-185 ح 503-507؛والمستدرک علی الصحیحین 3:128 ومجمع الزوائد 9:103-112.
2- (2) .نفس المصادر السابقة:38،3:37 ح 2638،2636 و2:343 و3:151 و9:168.
3- (3) .المعجم الکبیر:2:448 و457،3:149 وذخائر العقبی:17 و الصواعق المحرقة2:445.
4- (4) .نص عبارة ابوزهرة حول هذا السؤال«بأنه لایقطع بل لا یعین من ذکروهم من الأئمة الستة المتفق علیهم عند الإمامیة الفاطمیین و هو-الحدیث-لایعین أولاد الحسین دون أولاد الحسن،کما لایعین واحداً من هؤلاء بهذا الترتیب».الامام الصادق*،ص199.
5- (5) .ینابیع المودة،ج3،ص99.
6- (6) .صحیح البخاری 9:147 کتاب الأحکام،باب الاستخلاف ح79،وصحیح مسلم 3:1453 کتاب الإمارة باب(1)الناس تبع لقریش و الخلافة فی قریش ح 10.
7- (7) .المائدة(5)،12.
8- (8) .صحیح مسلم 3:1452 کتاب الإمارة،باب(1)ح 4.
9- (9) .المصدر،کتاب الأمارة ح3392 ومسند احمد.
الأدلة العقلیة علی حجیة سنة أهل البیت علیهم السلام

و قد صور هذا الدلیل علی السنتهم بصور ننقلها عن دلائل الصدق بنصها:

الأُولی:«إن الإمام حافظ للشرع کالنبی صلی الله علیه و آله ; لأن حفظه من أظهر فوائد إمامته،فتجب عصمته لذلک; لأن المراد حفظه علماً وعملاً،وبالضرورة لا یقدر علی حفظه بتمامه إلا معصوم،إذ لا أقل من خطأ غیره،وأن النبی صلی الله علیه و آله قد جاء لتعلیم الأحکام کلها وعمل الناس بها علی مرور الأیام». (1)

الثانیة:«إن الحاجة إلی الإمام فی إقامة الحدود وحفظ الفرائض وغیرها یوجب عصمته وإلا لافتقر إلی إمام آخر وتسلسل».

الثالثة:«إن الإِمام لوعصی لوجب الإنکار علیه و الإیذاء له من باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر،و هو مفوت للغرض من نصبه،ومضاد لوجوب طاعته وتعظیمه علی الإطلاق،المستفاد من قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ . (2)

ص:98


1- (1) .المظفر،محمد حسن،دلائل الصدق،ج2،ص10 ومابعدها وللدلیل تتمة مطولة فیها دفع شبه أوردها المصنف علی نفسه وأجاب علیها لاأری حاجة لعرضها.(المؤلف)
2- (2) .النساء(4)،59.
الخلاصة

1.من موارد الجمع بین حدیث الثقلین بلفظی«وسنتی»و«وعترتی»،هو أن الحث وقع علی التمسک بالکتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البیت.

2.بعض المصادر التی ذکر حدیث الثقلین بلفظ«وسنتی»(الموطأ للمالک)مرفوعة إلی النبی صلی الله علیه و آله ولایصح الإستناد إلیها.

3.الأخذ بالسنة النبویة التی هی غیر مدونة علی عهد النبی صلی الله علیه و آله لا یجوز; لأنها تنتهی إلی العمل بالعام من سنته أو المطلق منها مع احتمال المخصص أو المقید فیها،والاطمینان بعدمهما بحاجة إلی الرجوع إلی جمع الصحابة للسؤال عن القرائن الحالیة و المقالیة للسنة،و هذا غیر ممکن.

4.ان الإمام حافظ للشرع کالنبی صلی الله علیه و آله فتجب عصمته لذلک کالنبی صلی الله علیه و آله.

الأسئلة

1.أُذکر موارد جمع حدیث الثقلین بروایة لفظ«وسنتی»مع لفظ«وعترتی».

2.ناقش روایة الثقلین بلفظ«وسنتی».

3.لماذا کان الأخذ بالسنة الشریفة غیر مجموعة علی عهد النبی صلی الله علیه و آله غیر جایز؟

4.بما أن السنة الشریفة لم تدون علی عهد النبی صلی الله علیه و آله،وأن النبی الأعظم صلی الله علیه و آله منزه عن التفریط بالرسالة،فما هو مرجع تحدید السنة بکل خصائصها حینئذ؟

5.ما هو الدلیل العقلی علی لزوم الإمامة للأُمة بعد النبی صلی الله علیه و آله؟

ص:99

مواضع البحث حول السنة فی مجالات الاستنباط

تمهید

والسنة بما هی سنة،و إن کانت حُجیتها-کما قلنا-من الضروریات،إلا أن مجالات الاستفادة منها لبحوثنا الفقهیة موقوفة علی رکائز أُخر بالنسبة الینا.

و قد نکون فی غنی عن هذه الرکائز لوکنا علی عهد المعصومین،ولدینا من المؤهلات البیانیة ما یرفعنا إلی فهم کلماتهم والاستفادة منها.

ولکن بُعدنا عن زمن النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام ولد لنا بحوثاً لابد من اعتمادها رکیزة من رکائز الاستنباط الأساسیة،بعد دراستها و الخروج منها بالثمرة المتوخاة.

فالبحوث(حول السنة)وأقسامها إنما تقع فی مواقع:

1.الطرق المثبتة للسنة بطریق القطع.

2.الطرق المثبتة للسنة بغیر القطع.

3.کیفیات الاستفادة منها.

4.موقع السنة من الکتاب.

ص:100

18-الطرق القطعیة إلی السنة
اشارة

ما هی الطرق القطعیة إلی السنة؟

الطرق القطعیة إلی السنة
اشارة

ونرید بها خصوص ما کان له قابلیة الکشف عن السنة کشفاً تاماً،وتسمی«الطرق الذاتیة»أیضاً.وما یأتی فی هذا الدرس،استقراء الطرق القطعیة المهمة من السنة و البحث عن أدلتها وحجیتها وتقییمها علی أساس مقارن،إن شاء الله تعالی.

1-الخبر المتواتر

تعریفه:ویراد به إخبار جماعة یمتنع تواطؤهم علی الکذب،وصدورهم جمیعاً عن خطأ أو اشتباه أو خداع حواس،علی أن یجری هذا المستوی فی الأخبار فی طبقات الرواة،حتی الطبقة التی تنقل عن المعصوم مباشرة.

شروطه:و قد جعلوا له شروطاً اختلفوا فی تعدادها،یقول المقدسی:وللتواتر ثلاثة شروط:

الأول:أن یخبروا عن علم ضروری مستند إلی محسوس.

الثانی:أن یستوی طرف الخبر ووسطه فی هذه الصفة وفی کمال العدد.

الثالث:فی العدد الذی یحصل به التواتر:واختلف الناس فیه علی أقوال،والصحیح أنه لیس له عدد محصور. (1)

ص:101


1- (1) .أحمد،روضة الناظر وجنة المناظر،50.

ویقول زین الدین العاملی الملقب بالشهید الثانی فی درایته و هو یعرفه ویشیر إلی شروطه:«هو ما بلغت رواته فی الکثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم علی الکذب،واستمر ذلک الوصف فی جمیع الطبقات حیث تعدد،فیکون أوله کآخره،ووسطه کطرفیه،ولا ینحصر ذلک بعدد خاص». (1)

حصیلة تحدید الشرائط

هذه الشرائط وأشباهها من موجبات ما یحصل بها التشخیص،وإلا فإن المدار علی العلم،فإن حصل منها فهو الحجة،و إن لم یحصل احتجنا إلی التماس دلیل علی الحجیة،ولیس فی هذه الشرائط ما یشیر إلیه.وکل ما کتب فی هذا الشأن فإنما هو لتشخیص صغریات ما یقع به العلم عادة.

وأمثلة المتواتر کثیرة،و قد عدواً منها کل ما یتصل بضروریات الدین،کالفرائض الیومیة وحدیث الثقلین.

2-الخبر المحفوف بالقرائن القطعیة

تعریفه:الخبر الذی احتف بقرائن توجب القطع بصدوره عن المعصوم،سواء أکان مشهوراً أم غیر مشهور.

والمدار فی حجیة هذا النوع من الأخبار هو حصول العلم منه کالخبر المتواتر.

3-الإجماع

ینظر إلی بحث الإجماع باعتبارین:

الأول:باعتباره مصدراً مستقلاً من مصادر التشریع فی مقابل الکتاب و السنة.کما لدی الأکثر.

الثانی:باعتبار کشفه عن رأی المعصوم علی نحو القطع علی مبانی أکثر علماء الشیعة.

فیکون من حقه علی الإعتبار الأول أن یبحث عنه فی مصادر التشریع،وعلی مبنی الأخیر یبحث عنه هنا(أی:الطرق القطعیة للسنة).

ص:102


1- (1) .الدرایة فی علم مصطلح الحدیث،12.
4-بناء العقلاء

تعریفه:ویراد به صدور العقلاء عن سلوک معین تجاه واقعة ما صدوراً تلقائیاً،ویتساوون فی صدورهم عن هذا السلوک علی اختلاف فی أزمنتهم وأمکنتهم،وتفاوت فی ثقافتهم ومعرفتهم،وتعدد فی نحلهم وأدیانهم.صدور العقلاء جمیعاً عن الأخذ بظواهر الکلام.

حجیته:وحجیة مثل هذا البناء إنما تتم إذا تم کشفه عن مشارکة المعصوم لهم فی هذا الصدور،فیما تمکن فیه المشارکة،أو إقراره لهم علی ذلک فیما لم تمکن فیه.

وسر ذلک أن هذا البناء لیس من الحجج القطعیة فی مقام کشفه عن الواقع،لجواز تخطئة الشارع لهم فی هذا السلوک ومع کشفه عن الواقع فهو ملزم له،ویقطع الإنسان بصحة الإحتجاج به علی المولی.

علاقة بناء العقلاء بالعرف

وسیأتی مزید حدیث عن بناء العقلاء بما أسموه ب(العرف)واعتبروه من الأدلة المستقلة مع رجوع قسم کبیر منه إلی حجیة هذا البناء.

ولا یخفی أنه توجد بین العرف وبناء العقلاء علاقة وثیقة من حیث الدلالة علی الحجیة.

ومرادنا من العرف فی الأصول هو العرف العام الذی یستکشف منه حکم شرعی فیما لا نص فیه; ولکن لیس هو أصل مستقل بذاته یوصلنا إلی الحکم الواقعی کما زُعِم; بل حجیته راجعة إلی بناء العقلاء-طریق من الطرق القطعیة إلی السنة عند توفر الشرائط-وستری أن قسماً کبیراً من العرف العام راجع إلی حجیة هذا البناء أو سیرة المتشرعة. (1)

الفرق بین بناء العقلاء وحکم العقل

إن حکم العقل فیما یمکنه الحکم فیه ولید اطلاع علی المصلحة أو المفسدة الواقعیة کما یأتی بیانه،و هذا البناء لا یشترط فیه ذلک؛لکونهم یصدرون عنه-کما قلنا-صدوراً تلقائیاً غیر معلل،فهو لا یکشف عن واقع متعلقه من حیث الصلاح و الفساد،ولعل قسماً کبیراً من الظواهر الاجتماعیة منشؤوها هذا النوع من البناء.

ص:103


1- (1) .بحثنا هذا الموضوع لشدة علاقته بالعرف.
5-سیرة المتشرعة

تعریفها:وهی صدور فئة من الناس ینتظمها دین معین،أو مذهب معین،عن عمل ما أو ترکه،فهی من نوع بناء العقلاء مع تضییق فی نوع من یصدر عنهم ذلک البناء.

حجیتها:فما کشف عن السنة من السیرة المتشرعة قولاً،أو فعلاً أو إقراراً کان حجة،وإلا فلا دلیل علی حجیته قطعاً; لأن کل حجة لا تنهی إلی القطع فهی لیست بحجة،و إن الشک فی حجیة شیء ما کاف للقطع بعدمها.

وحجیة مثل هذه السیرة إنما تکون بعد إثبات امتدادها تاریخیاً إلی زمن المعصوم،وإثبات مشارکته لهم فی السلوک فیما یمکن صدوره منه أو إقرارها من قبله.

وسیأتی فی مبحث العرف (1)أن قسماً من الفتاوی التی سادت فی بعض المذاهب لامنشأ لها إلا هذا العرف المنقطع من زمن المعصوم،و هو ما لا یصلح أن یکون حجة.

6-ارتکاز المتشرعة

تعریفه:إن الأصولیین یریدون بارتکاز المتشرعة-بالإضافة إلی توفر السیرة علی الفعل أو الترک بالنسبة إلی شیء ما-شعوراً معمقاً بنوع الحکم الذی یصدر عن فعله،أو ترکه المتشرعون،لا یعلم مصدره علی التحقیق.

حجیته:وحجیة ارتکاز المتشرعة لا تتم إلا إذا علمنا بوجوده فی زمن المعصومین وإقرارهم لأصحابه علیه،ومثل هذا العلم یندر حصوله جداً.

ملاحظة مهمة

إن سیرة العقلاء أو المتشرعة بحکم کونها فعلاً أو ترکاً لا لسان لها،فهی مجملة من حیث تعیین نوع الحکم،و إن دلت علی جوازه بالمعنی العام عند الفعل أو عدم وجوبه عند الترک،لکن ارتکاز المتشرعة یعین نوعه من وجوب،أو حرمة،أو غیرهما.

ص:104


1- (1) .الأصل التاسع:العرف،مجالات العرف فی الاستنباط.
الخلاصة

1.الخبر المتواتر کما عرفه الشهید الثانی هو:«ما بلغت رواته فی الکثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم علی الکذب،واستمر ذلک الوصف فی جمیع الطبقات حیث تعدد،ولاینحصر ذلک بعدد خاص».

2.الإجماع إن اعتبرناه دلیلاً مستقلاً فلا یبحث فی طرق السنة; لأنه حین ذلک یکون مقابلاً لها.

3.الفرق بین ارتکاز المتشرعة وسیرة المتشرعة:أن سیرة المتشرعة بحکم کونها فعلاً أو ترکاً لا لسان لها،فهی مجملة من حیث تعیین نوع الحکم،لکن ارتکاز المتشرعة یعین نوعه من وجوب أو حرمة أو غیرهما.

الأسئلة

1.إذکر لماذا کانت التحدیدات التی اشترطوها للخبر المتواتر لیست بذات ثمرة.

2.عرف بناء العقلاء،ومثل له.

3.ما الفرق بین بناء العقلاء وبین حکم العقل؟

4.متی تکون سیرة المتشرعة صالحة للاستنباط؟

5.ما الفرق بین ارتکاز المتشرعة وسیرة العقلاء(المتشرعة)؟

ص:105

19-الطرق غیر القطعیة إلی السنة(1)(للمطالعة)
اشارة

ماهی الطرق غیر القطعیة إلی السنة؟

ما هی أدلة القائلین بحجیة خبر الواحد؟

الطرق غیر القطعیة للسنة

ونرید بها خصوص ما کان له قابلیة الکشف عن السنة کشفاً ناقصاً،وهی علی قسمین:

القسم الأول:ما قام علی اعتباره دلیل قطعی للسنة و هو ینحصر بأخبار الآحاد.

القسم الثانی:ما لم یقم علی اعتبار،دلیل. (1)

الخبر الواحد

تعریفه:و قد عرفوه بتعریفات متعددة ترجع فی جوهرها إلی ما یقابل الخبر المتواتر و الخبر المحفوف بقرائن توجب القطع،واحداً کان أو أکثر.

أدلة القائلین بحجیة خبر الواحد

وأکثر علماء الإسلام علی حجیته علی اختلاف بینهم فی مستند (2)ذلک و المستندات هی:

ص:106


1- (1) .یبحث عن هذا القسم فی الدرس الحادی و العشرین.
2- (2) .أ)فمنهم:من یستند فی حجیته إلی حکم العقل،وینسب ذلک إلی أحمد بن حنبل وابن شریح وأبوالحسن البصری و الصیرفی من الشافعیة. ب)ومنهم من یقول:إن خبر الواحد یفید بنفسه العلم،حکی هذا القول عن مالک بن انس واحمد بن حنبل فی قوله الثانی وداود الظاهری و الحسین بن علی الکرابیسی و الحارث المحاسبی. فبعضهم استند إلی العقل:کأحمد بن حنبل(فیما نسب الیه)وابی الحسن البصری و الصیر فی من الشافعیة ومنهم من قال ان خبرالواحد یفید بنفسه العلم:مثل مالک بن أنس وداودالظاهری و الحسین بن علی الکرابیسی«منه قدس سره».

1.الکتاب

الأول:قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ . (1)

والظاهر من الآیة بقرینة مورد نزولها أنها واردة مورد الردع عن بناء عقلائی قائم إذ ذاک،و هو الاعتماد علی خبر الواحد و إن کان غیر مؤتمن علی النقل.و قد صبت الآیة ردعها علی خصوص الفاسق،بما أنه غیر مؤتمن علی طبیعة ما ینقله بقرینة تعلیقها التبیین علی نبئه بالخصوص.

وتخصیص التبین بخبر الفاسق،یکشف بمفهوم الشرط عن إقرارهم علی الأخذ بخبر غیره.و هذا الظهور عرفی و هو الأساس فی الحجیة.

الثانی:قوله تعالی: وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ . (2)

والذی یبدو من صدر الآیة أن شبهة عرضت لبعض من هم خارج المدینة من المسلمین فی أن لزوم التفقه المباشر من النبی صلی الله علیه و آله إنما هو من قبیل الواجبات العینیة التی لا یسقطها قیام البعض بها عنهم،ففکروا بالنفر جمیعاً إلی المدینة لیأخذوا الأحکام عنه مباشرة،فنزلت هذه الآیة لتفهمهم بأن هذا النوع من النفر الجماعی لا ضرورة له.

والذی أتصوره أن الطریقة السائدة فی عصورنا من الهجرة إلی مراکز التفقه هی نفس الطریقة التی دأبوا علیها فی عصر النبی صلی الله علیه و آله ودعت إلیها الآیة.

فالآیة علی هذا واردة فی مقام جعل الحجة لأخبار آحاد الطائفة،و إن شئت أن تقول:إنها واردة لإمضاء بناء عقلائی فی ذلک کسابقتها.

2.السنة

و قد استغرقت أدلتهم من السنة جوانبها الثلاث،قولاً وفعلاً وتقریراً.

السنة القولیة:بجمیع طوائفها تری أن الحجیة مجعولة فیها لخبر الثقة بما أنه ثقة،ولیس

ص:107


1- (1) .الحجرات(33)،6.
2- (2) .التوبة(91)،122.

لنحلته أو مذهبه أثر فی الأخذ بحدیثه أو ترکه کما هو الشأن فی کتب بنی فضال و الشلمغانی،وهم من غیر الشیعة الإمامیة،ومناسبة الحکم و الموضوع تقتضیه،لذلک فلا خصوصیة للعدالة أو غیرها من الشروط.

السنة العملیة:وحسبنا من السنة العملیة«ما تواتر من إنفاذ رسول الله صلی الله علیه و آله أُمراءه وقضاته ورسله وسعاته إلی الأطراف،وهم آحاد،ولا یرسلهم إلا لقبض الصدقات،وحل العهود وتقریرها،وتبلیغ أحکام الشرع». (1)وشواهده أکثر من أن تحصی.

فلوکان خبر الثقة لیس بحجة لما کان معنی لهذا الإرسال الملازم لتکلیف المسلمین بالأخذ عنهم وإلزامهم بذلک.

السنة التقریریة:وهی قائمة بإقرار الشارع العقلاء علی الأخذ بأخبار الآحاد إذا کانوا ثقات فی النقل.

ص:108


1- (1) .المستصفی،ج1،ص96.
الخلاصة

1.أکثر علماء الإسلام علی حجیة خبر الواحد علی اختلاف بینهم; فمنهم من أسند حجیته إلی حکم العقل ومنهم من قال:إنه یفید بنفسه العلم.

2.قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ یدل علی الإعتماد علی خبر الواحد وتخصیص التبین بخبر الفاسق یکشف بمفهوم الشرط عن إقرارهم علی الأخذ بخبر غیره.

3.السنة الشریفة تشهد بأن الحجة لأخذ الخبر هو الإعتماد علی ثقة المخبر،ولا خصوصیة لعدالته.

4.السنة التقریریة:وهی قائمة بإقرار الشارع لبناء العقلاء علی الأخذ بأخبار الآحاد إذا کانوا ثقات فی النقل.

الأسئلة

1.ما المراد من الطرق غیر القطعیة إلی السنة؟

2.أُذکر الأقوال فی حجیة خبر الواحد.

3.تخصیص التبین بخبر الفاسق فی آیة النبأ علی أی شیء یدل؟

4.ما الداعی للأخذ بأخبار وکتب بنی فضال و الشلمغانی وهم من غیر الشیعة؟

5.وضح کیف أن السنة التقریریة قائمة بإقرار بناء العقلاء؟

ص:109

20-الطرق غیر القطعیة إلی السنة(2)(للمطالعة)
اشارة

ما هو طریق العقل لإثبات حجیة خبر الواحد؟

ما هی أدلة المانعین عن التمسک بخبر الواحد؟

قد مر علیک فی الدرس السابق بعض أدلة القائلین بحجیة خبر الواحد(دلیل العقل و السنة)ومقدار دلالته علی حجیة هذا الخبر،وإلیک باقی الأدلة:

3-الإجماع

و قد حکاه فی إرشاد الفحول عن الصحابة و التابعین، (1)وحکاه الشیخ الطوسی عن الإمامیة،وغیرهما.لکن الاستدلال بالإجماع لا یتضح له وجه لعدم الطریق إلیه بالنسبة الینا غیر أخبار الآحاد،لبداهة عدم إمکان تحصیله من قبلنا.ولعدم إمکان استیعاب الصحابة و التابعین کما هو الشأن فی الدعوی الأُولی،وعدم إمکان التعرف علی آراء الإمامیة جمیعا بالنسبة للدعوی الثانیة. (2)

4-العقل
اشارة

و قد صور بصور عدة،نذکر بعضها:

الصورة الأُولی

ما ذکره الغزالی:«إن المفتی إذا لم یجد دلیلاً قاطعاً من کتاب أو إجماع أو سنة متواترة،ووجد خبر الواحد،فلولم یحکم به لتعطلت الأحکام». (3)

ص:110


1- (1) .إرشاد الفحول،إلی تحقیق الحق مع علم الاصول،ص49.
2- (2) .وعلی الدلیل مناقشات فلیراجع کتب المطولات منها کتاب حقائق الأصول،ج2،ص136 وغیره.
3- (3) .المستصفی،ج1،ص94.

و أجاب عنه بأن«المفتی إذا فقد الأدلة القاطعة،یرجع إلی البراءة الأصلیة والاستصحاب،کما لوفقد خبر الواحد أیضاً». (1)

والأنسب أن یجاب عنه بأن هذا الدلیل لوتم فهو لا یعین العمل بأخبار الآحاد إلا بضمیمة مقدمات أجنبیة عن حکم العقل; لجواز أن تکون هناک طرق مجعولة من قبله تؤمن هذا الغرض الخاص أو الإیکال إلی الاحتیاط فیها مثلاً.

الصورة الثانیة

قال صاحب الوافیة«إنا نعلم ببقاء التکلیف بالصلاة و الصوم ونحوهما من الضروریات،ولیس لنا علم تفصیلی بأجزائها وشرائطها،فإذا ترکنا العمل بمؤدیات الأمارات،واقتصرنا علی خصوص ما علمناه من الأجزاء و الشرائط،خرجت هذه الأُمور عن حقائقها،لأن الضروریة من الأجزاء و الشرائط لیست إلا أُموراً معدودة،فلا مناص من الرجوع إلی الأخبار المودعة فی الکتب المعتبرة. (2)

فأجابوا بأجوبة منها أن هذاالدلیل أضیق من المدعی لعدم اقتضائه إثبات الحجة لمطلق الأخبار.

ولکن التحقیق أن العقل لایلزم بأخبارالآحاد،وإنماالتعبد واقع به سمعاً کما ذهب إلیه الأکثر من الفریقین. (3)

أدلة المانعین لحجیة خبر الواحد

أما المانعون فقد استدلوا علی المنع بالأدلة السمعیة التالیة:

1.الکتاب:کالآیات الناهیة عن العمل بالظن أو بغیر العلم،باعتبار أن أخبار الآحاد لا تفید علما بمدلولها.

والجواب:

و قد رد هذا الدلیل بجملة من الردود منها:إن هذه الآیات مخصصة بما دل علی جواز العمل بأخبار الآحاد; لأنها أخص منها إن لم تکن هذه الأدلة حاکمة علیها.

ص:111


1- (1) .المصدر.
2- (2) .دراسات فی علم الأََُصول،ص 125.
3- (3) .المستصفی،ج1،ص95 وجل علماءالشیعة; راجح کتبهم المطولة.

2.الإجماع:استدلوا بالإجماع علی المنع من العمل بأخبار الآحاد،و هو مناقش صغری وکبری:

أما الصغری،فلعدم حصوله لما سمعت من أن جُل العلماء یذهبون إلی جواز العمل بها،فأین موقع الإجماع منها؟

و أما الکبری،فلمعارضته بمثله،و هو ما سبق حکایته عن الشیخ الطوسی قدس سره.

شرائط العمل بخبر الواحد

و قد اختلفوا فی الشرائط المعتبرة للعمل بأخبار الآحاد،وفی مقدار اعتبارها،والظاهر أن الحدیث فی شرائطه،کالحدیث عن اعتبار العدالة أو البلوغ أو الذکوریة أو غیرها،إنما هو:

أ)من قبیل اتخاذ الاحتیاطات من قبل بعض الأُصولیین للحد من الفوضی و التسامح فی قبول جمیع الأخبار.

ب)أو هی من بعضهم اعتقاد بعدم إمکان تشخیص الصغریات لما هو حجة من الأخبار إلا من هذه الطریق.

وعلی هذا فافتقاد بعض شرائط العدالة فی الراوی وعلی الأخص فیما تختلف المذاهب فی اعتباره منها،لا یضر بإعتماد الخبر إذا کان راویه من الثقات.

واختلاف المذاهب فی الرواة إذا عرف من حالهم عدم التأثیر والانفعال بمسبقات مذهبهم فی مجال النقل،لا یمنع من اعتماد خبرهم و الأخذ به ما لم تکن هناک قرائن أخر توجب التوقف عن العمل به.

ومن هنا اعتبر الشیعة الإمامیة-خلافاً لما نقل عنهم من قبل بعض المتأخرین من الکتاب غیر المتورعین-أخبار مخالفیهم فی العقیدة حجة إذا ثبت أنهم من الثقات،وأسموا أخبارهم بالموثقات،وهی فی الحجیة کسائر الأخبار،و قد طفحت بذلک جل کتب الدرایة لدیهم،فلتراجع فی مظانها المختلفة.

ص:112

الخلاصة

1.استدل علی حجیة خبرالواحد بدلیل الإجماع،والتحقیق لایجب التعبد به عقلاً،وإنما التعبد به واقع به سمعاً.

2.الشرائط المعتبرة للعمل بأخبار الآحاد اخذت لأجل الاحتیاط ولذلک فإن افتقاد بعض الشرائط فی عدالة الراوی لایضر إذا کان الراوی ثقة.

الأسئلة

1.لماذا کان الإستدلال بالإجماع لإثبات حجیة خبر الواحد غیر تام؟

2.ما هو الداعی للبحث عن اعتبار العدالة أو البلوغ أو غیرها،وجعلها من شرائط العمل بخبر الواحد؟

3.أَذکر أدلة المانعین من حجیة خبر الواحد وناقشها.

ص:113

21-الطرق غیر القطعیة إلی السنة(3)(للمطالعة)
اشارة

ما هی الشهرة؟

ما هی أقسام الشهرة؟وأی منها یصلح للحجیة؟

القسم الثانی:ما لم یقم علی إعتباره دلیل،أهم الطرق التی لم یقم علیها دلیل قطعی للسنة أمران:

الأمر الأول-الشهرة
اشارة

الشهرة من البحوث المهمة التی کثر ذکرها علی السنة الفقهاء و الأُصولیین،وسنبحث فی هذا الدرس أنواعها وما أُقیم علیها من دلیل.

تعریف الشهرة:ویراد من الشهرة انتشار الخبر،أو الإستناد،أو الفتوی،انتشاراً مستوعباً لجل الفقهاء أو المحدثین،فهی دون مرتبة الإجماع من حیث الإنتشار.

حجیة الشهرة:وربما عللت حجیتها بما لها من کشف عن رأی المعصوم،مما اقتضی أن تعرض ضمن الأدلة الکاشفة عن رأیه.

تقسیم الشهرة:و قد قسموها إلی ثلاثة أقسام،قد تختلف من حیث الحجیة وعدمها:

أ)الشهرة فی الروایة

ومؤداها إنتشار روایة ما،تداولها بین الرواة علی نحومستوعب فی الجملة،ومقابلها الندرة و الشذوذ.

و قد اعتبروها من مرجحات باب التعارض بین الروایات،وأدلتها من السنة کثیرة،

ص:114

بالإضافة إلی أن کثرة النقل عن حس مما یوجب الوثوق بالصدور بخلاف الندرة و الشذوذ،فالقول بحجیتها وصلاحها للترجیح،مما لا ینبغی أن یکون موضعاً لکلام.

ب)الشهرة فی الإستناد

ویراد بها إنتشار الإستناد فی مقام إستنباط الحکم إلی روایة ما من قبل أکثر المجتهدین.

و هذه الروایة قد لا تکون مستوفیة لشرائط القبول،إلا أن إستناد الفقهاء إلیها یکون جابراً لضعفها،کما أن إعراضهم عن روایة ما،و إن کانت صحیحة،یکون من موجبات ترکها وعدم العمل بها.

والمدار فی الحجیة:هو حصول الوثوق بالصدور وعدمه،ولا خصوصیة للاستناد أو الهجران.

ج)الشهرة فی الفتوی

تعریفها:ومضمونها انتشار فتوی مابین الفقهاء انتشاراً یکاد یکون مستوعباً دون أن یعلم لها أی مستند.

حجیتها-و قد استدلوا علی حجیة الشهرة الفتوائیة بأدلة ثلاثة

1.الکتاب

وأهمها التعلیل الوارد فی آیة النبأ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ (1)حیث وجه الإستدلال الآیة فی وجوب التبین علی التعلیل بإصابة قوم بجهالة،ومقتضی ذلک دوران هذا الحکم مدارها وجوداً وعدماً،وبما أن الاستناد إلی الشهرة الفتوائیة لایعد من الجهالة و السفه،فلا یجب التبین معه فی هذا الحال و هو معنی حجیته.

والجواب علی ذلک:

إن دوران حکم مع علة ما وجوداً وعدماً لا یکون إلا مع فرض انحصار العلة،ولا دلیل علی انحصارها،وإنما التزمنا بدوران التبین مدار خبر الفاسق وجوداً وعدماً فی صدر الآیة لدلالة مفهوم الشرط علیها لا أخذاً بهذا التعلیل،فارتفاع السفاهة هنا لا یدل علی ارتفاع التبین لجواز ثبوته بعلة أُخری غیرها.

ص:115


1- (1) .الحجرات(49)،6.

2.السنة

الأدلة علی حجیة الشهرة کثیرة،و قد وردت روایاتها فی باب تعارض الخبرین کمرفوعة زرارة،قال:«قلت:جعلت فداک یأتی عنکما الخبران أو الحدیثان المتعارضان،فبأیهما آخذ؟قال علیه السلام:خذ بما اشتهر بین أصحابک،ودع الشاذ النادر». (1)

و قد قربوا الاستدلال بها أن الموصول فی قوله:«ما اشتهر»مبهم،وصلته معرفة له،وبما أن الشهرة التی اعتبرت فی الصلة مطلقة،فهی شاملة للشهرة فی الفتوی بمقتضی ذلک الإطلاق.

و قد أُجیب:بأن المراد من الشهرة هنا الشهرة بمدلولها اللغوی،وهی الوضوح و الإبانة،وهی مختصة بهذا المعنی بما علم صدوره من الشارع،لا ما ظن أو شک فیه،فکأنه قال علیه السلام:خذ بما وضح وبان انتسابه الینا لدی أصحابک.

3.القیاس

إدعوا أن العلة فی حجیة خبر الواحد هی حصول الظن بمدلوله،وهی متوفرة فی الشهرة الفتوائیة،بل هی فیها أقوی منها فی خبر الآحاد.

لکن الظن لیس معتبراً ولم نعده کعلة من أدلة أخبار الآحاد،فأرکان القیاس إذن لم تتوفر فی الشهرة الفتوائیة.

صفوة القول

الشهرة الفتوائیة لا مستند لها-من الکتاب و السنة و القیاس-لیؤخذ بها،فهی لیست بحجة کما ذهب إلی ذلک الکثیر من الفقهاء.

الأمر الثانی-حجیة مطلق الظن بالسنة

ویراد به العمل بکل ظن یتولد للإنسان من أی سبب کان،إذا کان متعلقا بحکم شرعی یظن أنه ثبت بالسنة.

و قد استدل له بأدلة کلها عقلیة،ولیس فیها ما ینهض بالدلیلیة،وجل أدلته مما ترجع إلی ما یسمی بدلیل الانسداد الکبیر.ومعناه:إن الظن هنا لم یقید بکونه حاصلاً من الأخبار لیکون دلیلاً علی حجیة ما یفید الظن منها کما أفید،بل أطلق لما یشمل کل ظن بالسنة.

ص:116


1- (1) .مستدرک الوسائل،ج17،ص303.

یقول صاحب الحاشیة:«إنا نعلم علماً قطعیاً بلزوم الرجوع إلی السنة بحدیث الثقلین وغیره مما دل علی ذلک،فیجب علینا العمل بما صدر عن المعصومین،فإن أحرز ذلک بالقطع فهو،وإلا فلا بد من الرجوع إلی الظن فی تعیینه،ونتیجة ذلک وجوب الأخذ بما یظن بصدوره». (1)

والجواب:إن دعوی القطع بالعمل بمطلق الظن بالسنة مع عدم إحرازها بالقطع-کما هو مقتضی مفاد دلیله-لا تخلومن مصادرة،لأن الظن بما هو ظن لیس من الحجج الذاتیة،ووجوب العمل بالسنة یتنجز علی المکلف بعد إحرازها بمحرز ذاتی أو مجعول.

وحسبنا من الأدلة الرادعة عن العمل بالظن حجة فی الردع عن مثله،ما دام لم یثبت لنا بهذا الدلیل ما یخصصها أو یحکم علیها لعدم تمامیته وصلاحه لإثبات ما أرید له.

ص:117


1- (1) .الدراسات،ج1،ص125.
الخلاصة

1.من الطرق غیر القطعیة إلی السنة التی لم یقم علیها دلیل قطعی أُمور،أهمها:الشهرة و الأخذ بمطلق الظن.

2.الشهرة الفتوائیة لا مستند لها لیؤخذ بها،فهی لیست بحجة کما ذهب إلی ذلک الکثیر من الفقهاء.

3.الشهرة فی الإستناد:یراد بها انتشار الاستناد فی مقام استنباط الحکم إلی روایة ما من قبل أکثر المجتهدین،ولا یبعد أن یکون الوثوق بالصدور حاصلاً فی أکثر ما إستندوا إلیه،وبعدم الصدور فیما هجروه من الروایات.

4.دعوی القطع بمطلق الظن بالسنة کطریق لتحصیل الحکم الشرعی،لایغنی من الحق،والدلیل علیه غیر تام.

الأسئلة

1.عرف الشهرة وبین أنواع منزلتها من حیث الحجیة؟

2.متی تصلح الشهرة فی الإستناد للحجیة؟

3.بما أن التعلیل الوارد فی آیة النبأ: فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ... غیر موجود فی الشهرة الفتوائیة فهل تکون حجة حینئذ؟ولماذا؟

4.بین معنی قولهم:«إن مطلق الظن حجة».

ص:118

22-السنة وکیفیة الاستفادة منها
اشارة

هل یعتبر کل ما یصدر من النبی صلی الله علیه و آله من قول أو فعل أو تقریر لعمل تشریعاً من الله یطالب به المکلفین؟

السنة کلها تشریع
اشارة

اتفقوا علی تعریف السنة بأنها:قول المعصوم وفعله وتقریره،إلا أنهم قیدوا حجیتها بما أحرز أنها واردة مورد التشریع،وقالوا:«لیس کل ما روی عن الرسول علیه الصلاة و السلام من أقواله وأفعاله وتقریراته تشریعاً یطالب به المکلفین،لأن ما یصدر من الرسول صلی الله علیه و آله ینتظم ضمن الأقسام الآتیة:

1.ما صدر منه بحسب طبیعته البشریة کالأکل و الشرب.

2.ما صدر منه بحسب خبرته وتجاربه فی الحیاة وفی الأُمور الدنیویة.مثل شؤون الزراعة.

3.ما صدر منه علی وجه التبلیغ عن الله تعالی،بصفته رسولاً یجب الاقتداء به و العمل بما سنه من الأحکام،مثل:«تحلیل شیء أو تحریمه أو الحکم بین الناس». (1)

بیان

القسمان الأولان لیسا تشریعاً; لأن مرجع القسم الأول الطبیعة و الحاجة للبشریة،ومرد القسم الثانی الخبرة و التجارب فی الحیاة و التقدیر الشخصی للظروف الخاصة،من غیر أن یکون هناک دخل للوحی الإلهی و النبوة و الرسالة.

ص:119


1- (1) .راجع:سلم الوصول لعمر عبدالله،ص262 و هو کلام جار نظیره علی السنة کثیرة،من أُصولیی السنة.

والقسم الأخیر تشریع عام یجب علی کل مکلف العمل به،وفی الحقیقة،فإن أقوال الرسول وأفعاله وتقریراته إنما تکون دلیلاً من الأدلة،ومصدراً من المصادر التشریعیة التی تستمد منها الأحکام الشرعیة إذا صدرت منه بمقتضی رسالته لسن القوانین وتشریع الأحکام أو بیانها.

نقد وتحلیل

إن هذه التفرقة بین أقسام ما یصدر عنه صلی الله علیه و آله من قول أو فعل أو تقریر،لا تخلومن غرابة،اللهم إلا أن یریدوا بها الإیضاح لا الاحتراز،و هو بعید عن مساق کلامهم.أقصاه أن بعض أفعاله تختلف عن البعض الآخر من حیث دلالتها علی الحکم بعنوانه الأولی أو العنوان الثانوی،ودلالتها أحیانا علی جواز العمل بالحکم الظاهری،وهکذا....فمن المهم التوجه إلی الأُمور التالیة:

أولاً:إن القیود التی جاءوا بها فی تقسیم أفعال الرسول صلی الله علیه و آله فی غیر موضعها; لأن من المعلوم أنه ما من واقعة إلا ولها حکم فی الشریعة الإسلامیة کما هو مقتضی شمولیتها،ولا یفرق فی ذلک بین ما تقتضیه طبیعته البشریة کالأکل و الشرب وغیره،إذا کان صادراً منه عن إرادة،وبین غیره من تجارب.

ثانیاً:والثابت من أدلة عصمة النبی صلی الله علیه و آله أن کل ما یصدر عنه بطبیعة الحال یکون موافقاً لأحکام الشریعة ومعبراً عنها،ومادام الأکل و النوم و الشرب من أفعاله الإرادیة،فهی محکومة حتماً بأحد الأحکام.

فأصل الأکل محکوم بالجواز بالمعنی العام،وأکله لنوع معین یدل علی جوازه،کما أن ترکه لأنواع أخری یدل علی جواز الترک لها.

ثالثاً:و أما ما یصدر منه بحسب خبرته وتجاربه فی الحیاة،ولنا التأسی به فی حدود ما نعلم منها،وحتی قوله-لوصح عنه:«أنتم أعلم بشؤون دنیاکم» (1)فهو إمضاء لهم علی جواز إعمال تجاربهم وخبراتهم الخاصة،فهو لا یخرج عن الدلالة علی التشریع.

رابعاً:نعم ما کان من مختصات النبی صلی الله علیه و آله کالزواج بأکثر من أربع،أو ما کان من أفعاله الطبیعیة غیر الإرادیة،فهو لا یعبر عن حکم عام.

وسنتعرض فی هذا الدرس و الدرس القادم إلی مدی دلالة تشریع السنة:

ص:120


1- (1) .صحیح مسلم،کتاب الفضائل،باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذکره من معایش الدنیا علی سبیل الرأی،وفیه:«أنتم أعلم بأمر دنیاکم».
1-دلالة القول

المراد من القول:عرفنا أن السنة لیست إلا بقول المعصوم أو فعله وتقریره،ودلالة القول أقوی الدلالتین (1)واستفادة ما له من دلالة إنما تکون بحسب ما تدل علیه الألفاظ بمفاهیمها اللغویة أو الاصطلاحیة فیما ثبتت فیه الحقیقة الشرعیة من قبله.

والألفاظ إن کانت نصاً فی مدلولها أو ظاهرة فیه أخذ بها،وإلا فلا بد من الاستعانة-فی غوامض اللغة وغرائبها-بالرجوع إلی أهل الفن فی ذلک.

نعم،یعتبر فی-أهل الفن من اللغویین وغیرهم أن یکونوا خبراء فی فنهم،وأن یکونوا موثوقین فی أداء ما ینتهون إلیه; لأنه هو المتیقن من ذلک البناء أو الحکم العقلی.

2-دلالة القول عند طوارئ الاحتمالات

وهناک أصول لفظیة یرجع إلیها عند الشک فی المراد بسبب بعض الطوارئ التی تولد إحتمالاً علی خلاف الظاهر،کأصالة عدم التخصیص عند الشک فی طرومخصص علی العام،وأصالة عدم التقیید عند الشک فی طرو المقید علی المطلق،وأصالة عدم القرینة عندالشک فی إقامتها علی خلاف الحقیقة،وتجمعها أصالة الظهور،و هذه الأصول ونظائرها،إنما تجری لدی أهل العرف وهم منشأ حجیتها،مع العلم بإقرار الشارع لهم علیها.

ص:121


1- (1) .فی مبحث حجیة السنة النبویة من القرآن قلنا:الآیات لا تشمل غیر القول إلا بضرب من التجوز.
الخلاصة

1.کل ما یصدر عن الرسول الاعظم صلی الله علیه و آله من أفعاله الإرادیة فهو تشریع عام،وصدرت منه بمقتضی رسالته لسن القوانین وتشریع الأحکام وبیانها.

2.عند طواری الاحتمالات فی دلالة القول نرجع إلی الأُصول اللفظیة.

3.مختصات النبی صلی الله علیه و آله کالزواج بأکثر من أربع لیس من السنة،ولایعبر عن حکم عام.

الأسئلة

1.أُذکر:الوجوه الثلاثة التی قیدوا بها حجیة السنة؟

2.کیف توجه کون الأفعال التی تصدر من النبی صلی الله علیه و آله بحسب طبیعته البشریة أیضاً من السنة؟

3.قیل:«ما یصدر عن النبی صلی الله علیه و آله فی الأُمور التی ترجع إلی الأُمور الزراعیة و التدبیرات الحربیة وغیرهما لیست بحجة عقلاً،وقوله صلی الله علیه و آله:«أنتم أعلم بشؤون دنیاکم»یؤیده،ما هو جوابک؟

4.متی نرجع إلی الأصول اللفظیة فی دلالة القول؟وضح ذلک بمثال؟

ص:122

الأصل الثالث-أصلُ الاجماع

اشارة

ص:123

23-الإجماع(1)

اشارة

ما الإجماع؟

هل الإجماع دلیل مستقل بذاته؟

تعریف الإجماع

فی اللغة:الإجماع لفظ مشترک بین العزم و التصمیم،وبین الاتفاق،فیقال:أجمعوا علی القیام بعمل ما،أی:اتفقوا علیه.

وفی اصطلاح الأصولیین:اتفقوا علی دلالته علی الإتفاق،واختلفوا فی متعلقه علی أقوال أهمها:

1.إتفاق مطلق الأُمة.

2.إجتماع المجتهدین من هذه الأُمة فی عصر علی أمر،المحکی عن الحاجبی.

3.إتفاق أهل المدینة علی رأی مالک. (1)

4.إتفاق أُمة محمد صلی الله علیه و آله علی وجه یشتمل علی قول المعصوم. (2)

إلی ما هنالک من أقوال لا تعکس أکثر من إختلافهم فی تحدید هذا المصطلح،تبعاً لاختلافهم فی مقدار ما ثبتت له الحجیة من ذلک الاتفاق.

فالظاهر أن وجه الحق من هذه الأقول هو أن حجیة الإجماع منوطة بإجماع الأُمة،لا

ص:124


1- (1) .أُنظر الأقوال من کتاب:عدة الأصول،للشیخ الطوسی،ص232; أصول الفقه للخضری،ص270،والمستصفی 2:294،والأحکام للآمدی1:168.
2- (2) .فرائد الأصول،ج1،ص184؛وتهذیب الوصول:203 وأنوار الهدایة،ج1،ص254 وما بعدها.

الصحابة ولا أهل المدینة ولا مجموع المجتهدین و...،فتخصیص غیر الأُمة بالحجیة علی أی دعوی من هذه الدعاوی،لا یتضح له وجه ولیس علیه دلیل،نعم ما ذهب إلیه القائلون بإکتشاف رأی المعصوم من دخوله ضمن المجمعین لا یعین الأُمة جمیعاً،بل یکفی منها ما یعتقد فیه بدخول المعصوم.

هل الإجماع أصل مستقل أو حکایة عن أصل؟

المراد من الأصل المستقل:الدلیل الذی له کیان مستقل فی الحکایة عن الحکم الواقعی،ویرتکز علیه قیاس استنباط الفقهاء للأحکام،ولا یحکی عن الکتاب أو السنة أو العقل،وإنما هو مستقل فی مقابلها فی عوالم الحکایة عن الأحکام.وإلیک نظراتهم:

1.والظاهر أن الکثیر من الأُصولیین یری أن الإجماع لا استقلال له فی الحکایة عن الحکم الواقعی،یقول الخضری:«لا ینعقد الإجماع إلا عن مستند». (1)

2.الآمدی وغیره عن بعض الأصولیین:«إنه لا یشترط المستند،بل یجوز صدوره عن توفیق،بأن یوفقهم الله تعالی لاختیار الصواب». (2)

3.إن بعض الأصولیین قائلون باستقلال الإجماع فی الحجیة لظهوره بإعطاء العصمة للأُمة،وجعل ذلک من مزایاها علی أن یکون لاتفاقها خصوصیة فی إصابة الحکم الواقعی بمنأی عن بقیة الأدلة،فهو من باب تعدد الأدلة علی الحکم الواحد کبعض الأدلة السمعیة و العقلیة. (3)

4.ویبدومن بعض أدلة الإجماع إعتبار مستنده بإعتبار حکایته عن رأی المعصوم.

الأقوال فی حجیة الإجماع

أ)«ذهب المتکلمون بأجمعهم،والفقهاء بأسرهم علی اختلاف مذاهبهم،إلی أن الإجماع حجة واختلفوا فی مستنده،فمنهم من قال:إنه حجة من جهة العقل وهم الشذاذ.

ب)وذهب الجمهور الأعظم و السواد الأکثر إلی أن طریق کونه حجة،السمع دون العقل. (4)

ص:125


1- (1) .أصول الفقه،ص275.
2- (2) .الإحکام 1:221.
3- (3) .المحصول 4:36 وما بعدها و الإحکام للآمدی 1:170 وما بعدها.
4- (4) .المحصول 4:35،وإرشاد الفحول 1:260.

ج)وحکی عن النظام و الخوارج و الظاهریة أنهم قالوا:الإجماع-فیما عدا إجماع الصحابة-لیس بحجة. (1)

تحدثوا حول إمکان الإجماع وعدمه وأطالوا الحدیث فی ذلک،فقال قوم منهم النظام:إن ذلک مستحیل.

کما تحدثوا فی حقیقته بقوله:والظاهر أن وجه الاستحالة لدیهم قیاسهم هذا النوع من الاتفاق علی امتناع«اتفاقهم فی الساعة علی المأکول الواحد و التکلم بالکلمة الواحدة».و هذا الوجه لا یصلح لإثبات الاستحالة.

و یمکن أن نستنتج أن خلاف العلماء من الأُصولیین و الفقهاء فی حجیة الإجماع یعود إلی خلافهم فی إمکان انعقاده وعدم إمکان ذلک،فالإجماع الذی یدعیه أحد أطراف النزاع لم یثبت لذی الطرف الآخر،أما إذا تحقق عنده ثبوت انعقاده فهو یقول بحجیته أیضاً کالطرف القائل به.

ص:126


1- (1) .عدة الأصول،ص 232.
الخلاصة

1.الإجماع فی اللغة لفظ مشترک بین العزم و التصمیم وبین الاتفاق.

2.إختلف الفقهاء فی متعلق الإجماع علی أقوال منها:

أ)اتفاق مطلق الأُمة؛ب)اتفاق أهل المدینة؛ج)اتفاق أُمة محمد صلی الله علیه و آله علی وجه یشتمل علی قول المعصوم.

3.وجه الحق فی أقوال الإجماع،أنه منوط بإتفاق الأُمة،ولا یصح تخصیصه بغیر الأُمة.

الأسئلة

1.ما هو الإجماع المتفق علیه و المختلف فیه؟

2.ما هو وجه الحق فی أقوال الإجماع؟لماذا؟

3.هل الإجماع أصل مستقل من أدلة الاستنباط؟

5.ما المراد من أن الإجماع یحکی عن أصل؟

ص:127

24-الإجماع(2)

اشارة

ما هو الدلیل علی حجیة الإجماع من الکتاب العزیز؟

أدلة مثبتی حجیة الإجماع
اشارة

و قد استدلوا علی الحجیة بالأدلة الثلاث،وأقصوا الإجماع عن الإستدلال به علی حجیته لانتهائه إلی الدور.

الکتاب:

الآیة الأُولی [قوله تعالی- وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی... ]

قوله تعالی: وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِیراً . (1)

تقریب الإستدلال:قد قرب صاحب سلم الوصول دلالة الآیة الکریمة علی مذهب الجمهور بقوله:

أ)«إن الله تعالی جمع بین مُشاقة الرسول صلی الله علیه و آله واتباع غیر سبیل المؤمنین فی الوعید: نُوَلِّهِ ما تَوَلّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ ; فیلزم أن یکون اتباع غیر سبیل المؤمنین محرماً مثل مشاقة الرسول».

ب)ویلزم من اتباع سبیلهم أن یکون الإجماع حجة; لأن سبیل الشخص هو ما یختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد». (2)

ص:128


1- (1) .النساء(4)،115.
2- (2) .سلم الوصول،ص 272 وأنظر:نهایة السول 2:388.

ومما یرد علی هذا التقریب

أولاً:والظاهرأن مضمون الآیة:أن من یشاقق الرسول ویخالف المؤمنین فی إتباعه،ویتبع غیره من رؤساءالأدیان و النحل الأُخری،نوله ما تولی،أی أننا نربط مصیره یوم القیامة بمصیر من تولاه.

ثانیاً:إن الآیة لا یمکن أن تحمل علی إرادة الإجماع منها; لما فیها من کلمة«نوله ما تولی»; إذ لا معنی للقول:بأن من یتبع غیر ما أجمعوا علیه من الأحکام نجعل ما إتبعه من الحکم غیر المجمع علیه و الیاً علیه یوم القیامة،وأی معنی لمثل هذا النوع من الکلام؟

الآیة الثانیة [قوله تعالی کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ... ]

کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتابِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَکْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ . (1)

و قد قرب دلالتها الشیخ الطوسی بما نقله فی العدة:«قالوا:وصف الله تعالی الأُمة بأنها خیر الأُمة،وأنها تأمر بالمعروف وتنهی عن المنکر،فلا یجوز أن یقع منها خطأ; لأن ذلک یخرجها من کونها خیاراً،ویخرجها من کونها آمرة بالمعروف وناهیة عن المنکر،إلی أن تکون آمرة بالمنکر وناهیة عن المعروف،ولا ملجأ من ذلک إلا بالامتناع من وقوع شیء من القبائح من جهتهم». (2)

والجواب:

أ)سبق الحدیث عن هذه الآیة فی مبحث(سنة الصحابة)،وذکرنا هناک عدم دلالتها علی أکثر من التفضیل النسبی،و هو لا یستدعی العصمة وعدم الوقوع فی الخطأ.

ب)إنا لانعرف وجهاً للملازمة التی ذکروها (3)هنا فی تقریب دلالة الآیة بین عدم جواز وقوع الخطأ منهم وبین ما علل به من لزوم خروجهم عن کونهم خیاراً.لأن الأخیار یخطئون وان کانوا معذورین کما هو الشأن فی غیر المعصومین من العدول،فإثبات العصمة للأُمة بهذه الآیة لایتضح له وجه.

ص:129


1- (1) .ال عمران(3)،110.
2- (2) .عدة الأصول،ص 242.
3- (3) .ومنهم یقول الطوفی(657-716):إن الحق النظری لایلزم ضرورة عن العدل،بل الحق الأخباری هو المترتب علی العدالة.شرح مختصر الروضة 3:18.
الخلاصة

1.إتفق الأُصولیون علی دلالة الإجماع علی الإتفاق،واختلفوا فی متعلقه علی أقوال منها:أنه إتفاق مطلق الأُمة،ومنها إتفاق الخلفاء الأربعة الراشدین،ومنها:اتفاق أهل المدینة.

2.الخضری و الآمدی وبعض الأُصولیین قالوا بأن الإجماع لا ینعقد إلا عن مستند.

3.إعتبار الإجماع عند الشیعة بمستنده،و هو حکایته عن رأی المعصوم.

4.أُستدل علی الإجماع بقوله تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ،بتقریب:أنه لا یجوز أن یقع من الأُمة خطأ; لأن ذلک یخرجها من کونها خیاراً ویخرجها من کونها آمرة بالمعروف.

الأسئلة

1.عرف الإجماع فی اللغة؟

2.لماذا لا یری المصنف وجهاً لتحدید المراد من الإجماع؟

3.اذکر الأقول فی حجیة الإجماع؟

4.ما معنی أن یکون الإجماع حاک عن أصل؟

5.أستدل علی حجیة الإجماع بقوله تعالی: وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِیراً (1)بین وجه الإستدلال وأذکر هل هو تام أم لا؟

ص:130


1- (1) .النساء(4)،115.

25-الإجماع(3)(للمطالعة)

اشارة

ما هی الأخبار علی حجیة الإجماع؟

ما هی أدلة الإجماع الکاشف عن دلیل؟

قد مر علیک فی الدرس السابق،أن الآیات التی أستدل بها علی حجیة الإجماع بعیدة من مرادهم.وهنا نتناول الأدلة الأخری بعونه تعالی.

حجیة السنة علی الإجماع

و قد أستدلوا بأحادیث مأثورة عن:عمر،وابن مسعود وأبی سعید الخدری،وأنس بن مالک،وغیرهم،وهی علی طوائف نذکر أهمها:

الأُولی:

1.«من سره أن یسکن بحبوحة الجنة فلیلزم الجماعة،فإن دعوتهم تحیط من ورائهم،إن الشیطان مع الواحد و هو من الاثنین أبعد». (1)

2.ید الله مع الجماعة،ولا یبالی الله بشذوذ من شذ.

الثانیة:

1.لاتجتمع أُمتی علی ضلالة. (2)

2.سألت الله أن لایجمع أُمتی علی الضلالة فأعطانیها. (3)

ص:131


1- (1) .المعجم الکبیر،للطبرانی،ج10،ص289،ح 10687 وفیه:«من فارق المسلمین قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
2- (2) .شرح السنة،للبغوی،ص 86; الدرر المنتثرة،للسیوطی،ص 180.وفیهما:«لا تجتمع أمتی علی ضلالة».
3- (3) .مسند أحمد،ج6،ص396،ح 26682.

لا یخفی أن اخبار الطائفة الأُولی،داعیة إلی الأُلفة و التجمع وبعیدة من الإجماع.و أما أخبار الطائفة الثانیة وهی کما یقول المحقق الکاظمی:«وأقوی ما ینبغی أن یعتمد علیه من النقل حدیث(لا تجتمع أُمتی علی الخطأ)وما فی معناه،لاشتهاره وقوة دلالته وادعاء جماعة منهم تواتره معنی،وموافقة العلامة-من أصحابنا-لهم علی ذلک،وتعداده فی القواعد من خصائص نبینا صلی الله علیه و آله عصمة أُمته بناء علی ظاهرها.

نقد وتحلیل

أ)إن الروایات التی ذکرها المحقق الکاظمی-من طرقنا-لیست جامعة لشرائط الحجیة فی أخبار الآحاد.

ب)وأهم ما أُورد علی هذه الروایات من إعتراضات ما ذکره الطوفی من«أن هذا الخبر و إن تعددت الفاظه وروایاته لا نسلم أنه بلغ رتبة التواتر المعنوی،فهی فی القوة دون سخاء حاتم وشجاعة علی،وهما متواتران،وما دون المتواتر لیس بمتواتر،فهذا الخبر لیس بمتواتر لکنه فی غایة الإستفاضة.

ج)تبقی مناقشة وهی واردة علی جملة ما ذکر من الأدلة السمعیة لا علی خصوص هذا الحدیث،وهی ورود لفظ الأُمة فیها،أو ما یؤدی مؤداها و الأخذ بظاهره،لا یفید إلا من قال بأن إجماع الأُمة حجة،أما بقیة الأقوال کإجماع المجتهدین أو أهل الحرمین أو الصحابة أو أهل طائفة ما،فإن هذه الأدلة لا تصلح لإثباتها.

حجیة العقل علی الإجماع

و قد صور دلیلهم بصور عدة منها:

1.ما ذکره الشیخ الطوسی قدس سره من الاستدلال بقاعدة اللطف،و قد قربت هذه القاعدة بتقریب:

أ)إن الله سبحانه یجب علیه،من باب اللطف بالعباد:أن لا یمنعهم عن التقرب و الوصول إلیه،بل علیه أن یکمل نفوسهم القابلة،ویرشدهم إلی مناهج الصلاح،ویحذرهم عن مساقط الهلکة،و هذا هو السبب فی لزوم بعث الرسل وإنزال الکتب.

ب)وعلیه،فلواتفقت الأُمة علی خلاف الواقع فی حکم من الأحکام،لزم علی الإمام المنصوب حجة علی العباد إزاحة الشبهة بإلقاء الخلاف بینهم،فمن عدم الخلاف نستکشف

ص:132

موافقة رأی الإمام علیه السلام دائماً،ویستحیل تخلفه.

والجواب:

أولاً:هذه القاعدة-لو تمت-فهی إنما تتم علی رأی الشیعة فحسب،لاعتقادهم بوجود الإمام المعصوم،و هو ما نؤمن به-کمقارنین-إذا تم ما سبق أن انتهینا إلیه فی مبحث«سنة أهل البیت علیهم السلام».

ثانیاً:علی أن القاعدة لا تتم فی نفسها بالنسبة إلی موضع حدیثنا،لأن القاعدة غایة ما تقتضیه أن یصدر تبلیغ الأحکام للناس علی النحو المتعارف لا أن یوصلها إلی کل فرد.

ثالثاً:وربما یکون الإمام قد بلغ،ولم یصل إلی هؤلاء المجتهدین لبعض العوامل التی اقتضت الاختفاء.

2.ما ذکر من أن الإجماع یکشف عن دلیل معتبر عند المجمعین،بحیث لووصل الینا لکان معتبراً عندنا.و قد ضربوا له من الأمثلة إجماع الصحابة علی إمامة أبی بکر قیاساً علی تقدیمه فی الصلاة. (1)

والجواب:إن الدلیل إما أن یکون کتاباً أو سنة أو حکم عقل أو قیاساً ولایمکن أن یکون إجماعاً من:

ص:133


1- (1) .والمناقشة فی هذا المثال واردة صغری وکبری:أما من حیث الصغری فلعدم انعقاده مع خلاف عشرات من الصحابة أمثال علی*والعباس وولده وبقیة بنی هاشم وعمار وأبی ذر و الزبیر و المقداد وسلمان وسعد بن عبادة وأتباعه إلی غیرهم من أهل الحل و العقد. و أما الکبری فلأن نسبة الاعتماد الیهم جمیعاً علی القیاس لا تخلومن تخرص،لعدم تصریح الجمیع بذلک،بالإضافة إلی عدم حجیة نفس القیاس،کما یأتی الحدیث عنه. والغریب أان تفهم أحداث التأریخ الکبری بهذا المقدار من الفهم الساذج،حیث یعتقد أن الصحابة کانوا علی درجة من الغفلة بحیث یسکتون عن التساؤل عن معرفة مصیرهم بعد النبی¦ و هو الذی عاش ما بین ظهرانیهم مدة من الزمن مریضاً ینعی الیهم نفسه،أما کان فیهم من یجرؤ علی سؤاله عن وظیفتهم فی تعیین الحکم وأسلوبه من بعده؟وهل یعتمد الاختیار؟وکیف؟وما هی شروط الناخب أو المنتخب؟أو یعتمد النص؟ومن هو المنصوص علیه؟و النبی نفسه هل یمکن ان یغفل هذا الأمر الخطیر ویعرض الأُمة إلی رجة قد تأتی-فی أیسر خلافاتها حول أسلوب الحکم وتعیین الحاکم-علی الإسلام نفسه؟وبخاصة إذا لوحظ ظروفها الخارجیة من تعرضها لغزوالروم وخروج مسیلمة وارتداد کثیر من الأعراب،إلی ما هنالک مما یعرض الأُمة لأشد الأخطار لوتعرضت إلی آیة خلافات داخلیة حول الحکم،أمن الحق ان نفترضا أن الصحابة کانوا علی هذه الدرجة من الغفلة،ثم استیقظوا بعد وفاة نبیهم دفعة واحدة فلم یجدوا أمامهم من الأدلة فی تعیین الحاکم إلا هذا النوع من القیاس المظنون لیجعلوه مصدرا لأهم حدث فی تأریخهم الاجتماعی؟أهکذا تفهم احداث التاریخ وبعقلیة أبناء هذا القرن بما جد فیه من تطورات القت کثیراً من الأضواء علی دراسة وفهم احداث التأریخ وربطها بأسبابها الحقیقیة بیئیة وزمانیة ونفسیة؟منه+.

أ)الکتاب:فآیاته محدودة وهی بأیدینا،ومع قیامها لدینا،لا معنی لالتماس الحجة من الإجماع لکفایة المستند.

ب)العقل:إن الأحکام العقلیة لا تتوفر إلا إذا تطابق علیها العقلاء،والمفروض أننا منهم،فلا یمکن أن تختفی عنا لنحتاج إلی استکشافها من اتفاق الفقهاء.

ج)السنة:فالمتواتر منها لا یختفی عنا،وغیر المتواتر لا یکشف عن الحجة سنداً ودلالة لاحتمال اعتماد المجمعین علی ما لا نتفق معهم علی صحة الإعتماد علیه فی روایته لواطلعنا علیها،ولإحتمال اختلافنا معهم فی کیفیة استفادة الحکم منها.

د)القیاس:لما کان نفسه موضع خلاف کبیر بین العلماء-کما یأتی تحقیقه-لا یمکن أن یکون مستنداً للإجماع.

ص:134

الخلاصة

1.قسموا الأخبار الدالة علی حجیة الإجماع علی طوائف أربعة:

أ)الأخبار الداعیة إلی الأُلفة و التجمع.

ب)الأخبار الحاثة علی إطاعة السطان.

ج)الأخبار الدالة علی لزوم الجماعة.

د)الأخبار الدالة علی عدم إجماع الأُمة علی خطأ.

2.فی الأخبار الدالة علی عدم إجماع الأُمة علی خطأ اقوال منها:

أ)إنها متواترة معنی;

ب)إنها مستفیضة;

ج)إنها من خصائص أمة محمد صلی الله علیه و آله.

3.أستدل علی حجیة الإجماع بدلیل العقل منها:إن الإجماع یکشف عن دلیل معتبر عند المجمعین بحیث لو وصل الینا لکان معتبراً عندنا.

الأسئلة

1.ما هی الأخبار علی حجیة الإجماع؟أذکر أقواها دلیلاً؟

2.أذکر الاشکالات علی الإستدلال علی حجیة الإجماع بالأخبار الدالة علی صیانة الأُمة عن الخطأ؟

3.أذکر الأدلة العقلیة علی حجیة الإجماع؟

ص:135

26-الإجماع(4)(للمطالعة)

اشارة

ما هی خلاصة الأقوال فی الإجماع؟

ما هی طرق إثبات الإجماع؟

نظریة دخول الإمام فی المجمعین

وهناک أدلة تعود إلی ضرورة دخول الإمام فی جملة المجمعین-قولاً أو إقراراً-بحکم کونه رئیسهم،فهم لا یخالفونه عادة أو لا یقرهم علی المخالفة.

وهی أدلة لا تتجاوز الحدس، (1)و قد نوقشت فی کتب الشیعة الإمامیة جمیعاً وبخاصة المتأخرین منهم،فلا جدوی من إطالة الحدیث فیها.

الإجماع الکاشف عن الدلیل

بقیت دعوی من یدعی أن الإجماع مما یحصل بسببه القطع بوجود دلیل لو اطلعنا علیه لوافقنا المجمعین علی الحکم،وهی دعوی لاتنفع إلا من یحصل لدیه القطع،ولایبعد أن یحصل غالباً مثل ذلک فی کثیر من الأحکام الإجماعیة،وبخاصة تلک التی لاتتصل بمنابع العاطفة أو العقیدة.

صفوة القول فی مبانی الإجماع

المبنی الأول:یعطی الإجماع قیمة کبری تجعله فی مقابل الکتاب و السنة وحکم العقل،أی

ص:136


1- (1) .ذکر الأصولییون طرقاً إلی ذلک منها:1.الحس بحضوره(الإجماع الدخولی); 2.الحدس بحضوره; 3.التقریر منه; 4.قاعدة اللطف التی مرت علیک آنفاً.

تجعله دلیلاً مستقلاً فی مقابل بقیة الأدلة،کالأدلة السمعیة التی عرضناها مفصلاً،وبخاصة حدیث:«ما اجتمعت أُمتی علی ضلال» (1)لإعطائها فضیلة العصمة وعدم الخطأ،فکان لاجتماعها علی الحکم خصوصیة فی بلوغ الواقع ولومن غیر الطرق المعروفة،کالکتاب و السنة.فعلی هذا یقال:إن الإجماع متی قام أُخذ به،ولا یعارضه دلیل سمعی له ظاهر علی الخلاف،ویستحیل أن یعارض القطعی سنداً ودلالة منها-أی الأدلة-لأن الشارع لا یتناقض مع نفسه.

المبنی الثانی:یعتبر الإجماع کاشفاً عن رأی المعصوم،أو عن دلیل معتبر من الکتاب و السنة،أو القیاس علی اختلاف فی المبانی،ومثل هذه الأدلة لا تعتبر الإجماع دلیلاً مستقلاً،فعده فی مقابلها فی غیر موضعه.فحینئذ متی عرف المستند من کتاب أو سنة نقل الحدیث إلیه،ولا معنی للتعبد به بالخصوص،بل متی احتمل منه الاستناد إلی دلیل ظنی; لم یحصل القطع بحجیته وینقل الحدیث إلی نفس ذلک المستند.

قد تبین أن فرض اتفاق الإجماع من الممکن; الکلام کل الکلام فی تحصیل ذلک وطرقه.

الطرق إلی إثبات الإجماع
1-الإجماع المحصل

تعریفه:«هو ما ثبت واقعاً وعلم بلا واسطة النقل»کما جاء فی تعریفه لدی المحقق الکاظمی،وأراد بهذا التعریف أن یتولی المجتهد نفسه مؤونة البحث عن هؤلاء المجمعین و التعرف علی هو یاتهم وآرائهم فی المسألة التی یرید معرفة حکمها حتی یحصل له العلم بالاتفاق علی الحکم.

إشکال ورد:

و قد نوقش هذا الإجماع من وجهة صغرویة،وأهم ما جاء فی مناقشته ما عرضه الشوکانی فی تعبیره عن وجهة نظر المنکرین لإمکانه بقوله:قالوا:لا طریق لنا إلی العلم بحصوله،لأن العلم بالأشیاء إما أن یکون وجدانیا أو غیر وجدانی.

ولا شک أن العلم باتفاق أُمة محمد صلی الله علیه و آله وجداناً لیس من العلم الإجمالی.و أما الذی لا یکون وجدانیاً فقد اتفقوا علی أن الطریق إلی معرفته لا مجال للعقل فیها،ولا مجال أیضاً للحس فیها.

ص:137


1- (1) .شرح السنة،للبغوی،ص 86 وفیه:«لا تجتمع أمتی علی ضلالة».

فإذاً،العلم باتفاق الأُمة لایحصل إلا بمعرفة کل واحد منهم،وذلک متعذر قطعاً.

والمسألة تتبع المبانی فی إمکان العلم به وعدمه.

نعم ما یتصل منه بضروریات الدین أو بعض المدرکات العقلیة التی یقطع باتفاق العقلاء وتطابقهم علیها بما أنهم عقلاء،فإنکار وقوعه مصادرة لا تعتمد علی أساس.ولکن الحکم فیها لا یستفاد من الإجماع ولا تتوقف حجیته علیه.

خلاصة الکلام:الحق أن تحصیل الإجماع بمفهومه الواسع أمر متعذر فیما عدا الضروریات الدینیة أو العقلیة.

2-الإجماع المنقول

تعریفه:والمراد به بلوغ الإجماع من طریق النقل،و هذا الطریق ینقسم بدوره الی:

1.الإجماع المتواتر:

و هذا التواتر فی النقل للإجماع و إن کان من شأنه أن یفید القطع بمدلوله،إلا أن حساب تحصیله لکل واحدٍ منهم هو نفس ذلک الحساب السابق،والخلاف من حیث الإمکان وعدمه هو نفس ذلک الخلاف،فإذا جوزنا تحصیل الإجماع بأن أخذنا بدعوی من یقول بأنه یکفی فیه اجتماع جماعة یعلم بدخول المعصوم فی ضمنهم،کان هذا التواتر حجة لتحصیله القطع بمدلوله،وإلا فمع احتمال اشتباه کل واحد منهم فی دعوی الإجماع لایمکن أن یحصل من أخبارهم القطع فلایکون حجة.

2.الإجماع المنقول بأخبار الآحاد:

و هذا النوع من الإجماع لا یمکن الإیمان بحجیته إلا بعد معرفة مبنی الناقل للإجماع فی منشأ حجیته،وملاحظة موافقة المنقول إلیه فی المبنی،ثم التعرف علی ما إذا کان من الممکن تحصیله لمثله أو لا،ومع فرض إمکانه معرفة ما إذا کان نقله له مستلزماً لنقل الحجة فی حق المنقول إلیه،أی أن المبنی متحد فی مدرک حجیة الإجماع بینهما،أو أنه یعطی نفس النتیجة التی یعطیها المبنی الآخر من حیث استلزام الحجیة لو قدر لهما الاختلاف.

والمقیاس أن یکون نقل الإجماع نقلاً للحجة الشرعیة،لیدخل فی کبری حجیة أخبار الآحاد.ومع عدم التوفر علی هذه الأُمور لا یمکن الإیمان بحجیة الإجماع المنقول.

و قد أطال أعلامنا فی تقریب حجیته،وجل ما قالوه یرجع إلی ما ذکرناه،فلا حاجة إلی الإطالة فی عرضه و التحدث فیه مفصلاً.

ص:138

الخلاصة

1.للإجماع مبنیان:

الأول:إنه یعتبر دلیلاً مستقلاً فی مقابل الکتاب و السنة.

الثانی:إنه طریق کاشف عن دلیل آخر ولیس بمستقل.

2.الإجماع إذا کان بمفهوم اتفاق الأُمة; فوقوعه غیر ممکن،ویواجه إشکالات مهمة تکاد تکون لا مدفع لها.

3.الإجماع إذا کان بمفهوم اختصاصه بمجتهد خاص أو جماعةٍ یعلم بدخول الإمام فی ضمنهم،فوقوعه وإمکانه قریب مع الفحص عن تلک الجماعة أو ذلک الفرد.

4.الإجماع المنقول بأخبار الآحاد إذا عرفنا مبنی الناقل له فی منشأ حجیته،وملاحظة موافقة المنقول إلیه فی المبنی،وأُمور أخری،یکاد أن یرکن إلیه القلب.

الأسئلة

1.بین مدی حجیة دعوة من یدعی أن الإجماع إذا حصل بیسیر القطع فهو حجة؟

2.أذکر طرق تحصیل الإجماع؟

3.هل یحصل الإجماع باتفاق الأُمة؟لماذا؟

ص:139

ص:140

الأصل الرابع-دلیل العقل

اشارة

ص:141

مقدمة

العقل من الأُصول المهمة التی یستند إلیه الفقهاء و المجتهدون فی مجالات استنباط أحکامهم الشرعیة،و هو أصل بنفسه یصلح لأن یقع کبری لقیاس استنباط الأحکام الفرعیة الکلیة کالکتاب و السنة علی حد سواء.

وستری أن مرادهم من دلیل العقل هو إمکان إدراک العقل للحسن و القبح علی نحو تحکم بجواز الاعتماد علی الإدراکات العقلیة فی إثبات الأحکام الشرعیة،و هو حینئذ طریق إلی العلم بالحکم الشرعی.

وبهذا البیان وعند استماعک لأدلة القوم أجدک لاتصغی إلی قول المنکرین بعد ذلک إلی أتباع أبی منصور محمد الماتریدی من الأحناف،ولا لبعض المتشددین من الأخباریین الشیعة بأنهم لا یؤمنون بدلیل العقل.کیف لا و هو مصدر الحجج وإلیه تنتهی!؟

ص:142

27-دلیل العقل(1)

اشارة

ما المراد من دلیل العقل؟

تحدید دلیل العقل

الإدراک العقلی الذی یتعلق به حکم شرعی مباشرة یسمی بدلیل العقل،و قد عرفه فی القوانین المحکمة بأنه:«حکم عقلی یوصل به إلی الحکم الشرعی،وینتقل من العلم بالحکم العقلی إلی العلم بالحکم الشرعی». (1)

ملاحظتان

الأُولی:یؤخذ علی هذا التعریف من وجهة شکلیة تعبیره بالحکم العقلی مع أنه لیس للعقل أکثر من وظیفة الإدراک.

الثانیة:إن الأحکام العقلیة فی موضع الحدیث کلها مقطوعة،والقطع حجیة ذاتیة.وبالنقاط التالیة یمکن تحدید دائرة دلیل العقل:

أ)وقوعه مصدراً لبعض الفروع التی لا یمکن للشارع المقدس أن یصدر حکمه فیها،کأوامر الإطاعة،وکالانقسامات اللاحقة للتکالیف من قبیل العلم و الجهل بها.

ب)عدم إدراکه-وحده-لکثیر من الأحکام الکلیة کالعبادات وغیرها لعدم ابتناء ملاکاتها-علی نحو الموجبة الکلیة-علی ما کان ذاتیا من معانی الحسن و القبح.وما کان فیه

ص:143


1- (1) .القوانین المحکمة2:2.

اقتضاء التأثیر أو لیس فیه حتی الاقتضاء،ولا طریق له غالبا إلی إحراز عدم المانع فیه أو إحراز عروض بعض العناوین الملزمة علیه،ومع عدم الإحراز لا یحصل له القطع فلا یسوغ له الاعتماد علیه لعدم توفر عنصر الحجیة فیه.

ج)قابلیتهُ لإدراک الأحکام الکلیة الشرعیة الفرعیة،علی سبیل الموجبة الجزئیة وعجزه عن الإدراک فی مجالات التطبیق،ومن هنا نری کثرة الأخطاء فی مجالات التطبیق لبعض المدرکات العقلیة،فالعدالة مثلاً مما تطابق علی حسنها العقلاء،وأقاموا علیها دساتیرهم وأنظمتهم وشرائعهم،ولکنک لو حاولت التعرف علیها فی مجالات التطبیق،لرأیت التفاوت الکبیر بینهم.

حجیة دلیل العقل

مما لا شک فیه أن العقل بإمکانه أن یدرک الحسن و القبح-بما أنه عقل-الملازم لإدراکه-لتطابق العقلاء علیه-بعد تأدبه بذلک-بما فیهم سیدهم-فقد أدرکنا قطعاً حکم الشارع فیها،ولیس وراء القطع حجة.

وإنکار حجیة العقل،إن کان من طریق العقل لزم من وجوده عدمه،لأن الإنکار-لو تم-فهو رافع لحجیة العقل فلا یصلح العقل للدلیلیة علیه ولا علی غیره،و إن کان من غیر العقل فما هو المستند فی حجیة الدلیل؟فان کان من غیر العقل لزم التسلسل.

والمهم فی دلیل العقل هو فی قابلیته العقل لإدراک الأحکام الشرعیة من غیر طریق النقل،أی أن الخلاف واقع فی خصوص المستقلات العقلیة لا غیر،ولإیضاح هذا الجانب نعرض المسألة بشیء من الحدیث.

تقسیم المدرکات العقلیة

لقد قسموا مدرکات العقل إلی قسمین:

1.مستقلة:وأرادوا بها ما تفرد العقل بإدراکه لها دون توسط بیان شرعی،ومثلوا له بإدراک العقل الحسن و القبح المستلزم لإدراک حکم الشارع بهما.وتنحصر فی مسألة التحسین و التقبیح العقلیین.

2.غیر مستقلة:وهی التی یعتمد الإدراک فیها علی بیان من الشارع،مثل إدراک-العقل-نهی الشارع عن الضد العام بعد اطلاعه علی إیجاب ضده.

ص:144

والظاهر أن ما یدرکه العقل من اللوازم علی اختلافها،من بینة بالمعنی الأخص أو الأعم،أو غیر بینة،إذا کانت لازمة لدلیل لفظی،أی أن ما لا یستقل العقل به من المدرکات،لا موضع لخلاف فیه لدی علماء الإسلام،لا من حیث قابلیة الإدراک العقلی،ولا من حیث حجیة مدرکاته.

و إذا کانت هناک خلافات فإنما هی فی تشخیص صغریات القاعدة،کما یستفاد ذلک من عرضهم لمباحث غیر المستقلات العقلیة،وانتهائهم فی الکثیر منها إلی إثبات هذه اللوازم واعتبارها حجة من دون مناقشة فی صلاحیة العقل لهذا الإدراک.

والخلاف بعد ذلک إنما هو فی خصوص المستقلات العقلیة،أو قل فی خصوص مسألة التحسین و التقبیح العقلیین،والظاهر أنها هی المصدر الوحید لجل المدرکات العقلیة المستتبعة لإدراک الأحکام الشرعیة.

والأمثلة التی أوردوها«کوجوب قضاء الدین ورد الودیعة،والعدل و الإنصاف،وحسن الصدق النافع،وقبح الظلم وحرمته،والکذب مع عدم الضرورة،وحسن الإحسان واستحبابه...»، (1)إنما هی من صغریات هذه القاعدة.

وبما أن الحدیث فی هذه القاعدة،صغری وکبری یشکل أهم ما یتصل بمبحث العقل کدلیل،فلابد من صرف الحدیث إلیها وتشخیص مواقع النزاع فیها.فانتظر ذلک فی الدرس اللاحق.

ص:145


1- (1) .أعیان الشیعة،ج1:111.
الخلاصة

1.بإمکان العقل أن یدرک الحسن و القبح العقلیین علی نحو یجعلنا نحکم بجواز الاعتماد علی الإدراکات العقلیة فی إثبات الأحکام الشرعیة.

2.إن الأحکام العقلیة فی باب الحسن و القبح کلها مقطوعة،والقطع حجة ذاتیة.

3.إن الخلاف فی تحدید دلیل العقل هو فی قابلیة العقل لإدراک الأحکام الشرعیة من غیر طریق النقل،أی أن الخلاف واقع فی خصوص المستقلات العقلیة لا غیر.

الأسئلة

1.عرف دلیل العقل؟

2.ماالفرق بین قولنا دلیل العقل هو الإدراک العقلی الذی یتعلق به حکم شرعی مباشرة،وقولنا دلیل العقل هو الحکم العقلی الذی یتعلق به حکم شرعی مباشرة؟

3.لماذا لا یدرک العقل الأحکام الکلیة الشرعیة الفرعیة؟

4.ما هی الملازمة بین إدراکنا للحسن و القبح العقلیین،وأدلتنا لحکم الشارع لهما؟

5.عرف المستقلات العقلیة وبین أقسامها؟

ص:146

28-دلیل العقل(2)

اشارة

ما هی معانی الحسن و القبح؟

ما هو دلیل الأشاعرة بأن فاعل القبح وتارک الحسن قبل بعثة الرسل صلی الله علیه و آله لا یستحق العقاب شرعاً؟

أقسام الحسن و القبح

یطلق الحسن و القبح علی ثلاثة معانی (1):

الأول:الحسن بمعنی الملاءمة للطبع،والقبح بمعنی عدمها،فیقال مثلا:هذا المنظر حسن جمیل،وذلک المنظر قبیح.

الثانی:الحسن بمعنی الکمال،والقبح بمعنی عدمه،فیقال:إن العلم حسن و إن الجهل قبیح،یعنی أن العلم فیه کمال للنفس بخلاف الجهل.

الثالث:الحسن بمعنی إدراک أن هذا الشیء أو ذاک مما ینبغی أن یفعل،بحیث لو أقدم علیه الفاعل لکان موضع مدح العقلاء بما هم عقلاء،والقبح بخلافه.

نقد وتحلیل

فنقول:أما القسمان الأولان،فموضع اتفاق الأشاعرة و المعتزلة وغیرهما،یؤمنون جمیعاً بإمکان إدراک العقل لهما.

ص:147


1- (1) .أنظر:المحصول1:123،وإرشاد الفحول1:55،وأصول الفقه للمظفر2:272،ودلائل الصدق 1:362.

و أما القسم الثالث لمعنی الإدراک«مما ینبغی أن یعمل ویفعل»قد صار موضع الخلاف،وله مناشئ ثلاثة تعود فی واقعها إلی الحسن و القبح بمعنییها السابقین،(أعنی الکمال و النقص أو الملاءمة وعدمها)،ولکن تختلف من حیث ما لها من قابلیة فی التأثیر بالنحو التالی:

أ)ما کان علة تامة فی التأثیر«و یسمی الحسن و القبح فیه بالذاتیین،مثل العدل و الظلم،فإن العدل مثلاً بما هو عدل لا یکون إلا حسناً أبداً،وکذلک الظلم.

ب)ما فیه اقتضاء التأثیر،أی لو خُلی وطبعه لکان مؤثراً،فالصدق مثلاً بما هو صدق،فیه اقتضاء التأثیر فی إدراک العقلاء،لکن هذا التأثیر لا یتم عادة مع وجود مزاحم له.کأن یکون فی الصدق ما یوجب قتل النفس المحترمة.

ج)ما لیس فیه اقتضاء ولا علیة،فهو فاقد للتأثیر لو خُلی ونفسه،ولکنه یتقبل العناوین الأُخر،فقد یأخذ عنواناً له علیة التأثیر فی الحسن فیکون حسناً أو القبح قبیحاً،وأکثر المباحات الشرعیة من هذا القبیل،فشرب الماء مثلاً إذا عرض علیه عنوان إنقاذ حیاة صاحبه،یکون علة فی إدراک العقلاء لحسنه.

أهم دلیل للأشاعرة فی معنی الحسن و القبح الذی نرید الیوم أن نطرحه فی هذا الدرس،ثم نتناول رأی المعتزلة وأدلتهم ونقارن بینهما حسب المبانی المختارة فی الدرس الآتی إن شاءالله.

یقول الاستاذ سلام مدکور:«لو لم یکن الحسن و القبح فی الأفعال بحکم الشارع نفسه،وکان بحکم العقل،لاستحق تارک الحسن وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب،و هذا مخالف لصریح الکتاب»،مثل قوله تعالی:ویقول: وَ لَوْ لا أَنْ تُصِیبَهُمْ مُصِیبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ فَیَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ* فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِیَ مِثْلَ ما أُوتِیَ مُوسی أَ وَ لَمْ یَکْفُرُوا بِما أُوتِیَ مُوسی (1)فإن احتجاج الکافرین برسالة محمد صلی الله علیه و آله علی إیقاع العذاب من غیر إرسال رسل،لو فرض وقوعه،وعدم النکیر من الله تعالی،دلیل علی أنه لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل کما یدل علیه قوله تعالی: رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ لِئَلاّ یَکُونَ لِلنّاسِ عَلَی اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ کانَ اللّهُ عَزِیزاً حَکِیماً . (2)و (3)

ص:148


1- (1) .القصص(28):48،47.
2- (2) .النساء(4):165.
3- (3) .مباحث الحکم عند الأُصولیین1:170.

والجواب:

أولاً:إن العقاب و الثواب إنما یتولدان عن التکالیف الواصلة،ومجرد إدراک العاقل أن هذا الشیء مما ینبغی أن یفعل أو لا یفعل لا یستکشف منه رأی الشارع إلا إذا انتبه إلی أن العقلاء متطابقون علی هذا المعنی بما فیهم الشارع،وإدراکه لتطابق العقلاء لیس من الأمور البدیهیة وإنما هو من الآراء المحمودة التی تحتاج إلی تنبه وتأدب،وأین التأدب فی أمثال هذه القضایا قبل بعثة الرسل؟

فالتکلیف أذن،بالنسبة إلی نوع الناس غیر واصل قبل البعثة،ولا تتم الحجة إلا بوصوله وَ ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً . (1)

ثانیاً:لا تلازم بین المقدم و التالی فی قولهم:«لو لم یکن الحسن و القبح فی الأفعال بحکم الشارع نفسه وکان بحکم العقل لاستحق تارک الحسن وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب».إذ لا تنافی بین القول بأن الحسن بحکم العقل وبین عدم استحقاق العقاب.

فالعقول و إن قلنا بأن لها قابلیة الإدراک إلا أن إدراکها منحصر فی الکلیات

ولا یتناول الأُمور الجزئیة کما لا یتناول مجالات التطبیق إلا نادراً،والکلیات لاتستوعب شریعة ولا تفی بحاجات البشر.

ثالثاً:التفرقة واضحة بین مدح الشارع وذمه-بما أنه سید العقلاء-وبین ثوابه علی الفعل وعقابه،فالذم و المدح یکفی فیهما صدور نفس الفعل من الفاعل بمنأی عن أی انتساب إلی جهة،والثواب و العقاب لا یکفی فیهما ذلک،بل یحتاجان إلی أن یکون صدور الفعل أو ترکه منتسباً إلی المولی لیتحقق فیهما معنی الإطاعة أو العصیان،وهما لا یکونان عادة بدون أن تتنجز التکالیف بالوصول،وتوفر شرائطها بما فیها القدرة علی الأداء،ومن هنا حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان واصل من المشرع.

نظرة أُخری إلی مبانی الحسن و القبح

1.إن للأفعال فی أنفسها حسناً وقبحاً ذاتیاً،و هذا الرأی ینتسب إلی قدامی المعتزلة.

2.إن للأفعال فی أنفسها حسناً وقبحاً لصفة عارضة علیها،و هذا رأی أتباع أبی

ص:149


1- (1) .الاسراء(17)،15.

علی الجبائی.

3.إن الحسن بمعنی ما ینبغی أن یفعل و القبح بخلافه یختلف باختلاف مناشئه من حیث العلیة و الإقتضاء وعدمها.

لا یخفی أن القولین الأولین لهما منشأ سلیم،ولکن لا علی سبیل الموجبة الکلیة،وإنما یصدقان علی سبیل الموجبة الجزئیة فقط.

والمبنی الحق فی مبانی الحسن و القبح هو القول الثالث بحسب المناشئ المعتبرة فیه،التی مرت.

ص:150

الخلاصة

1.الحسن بمعنی إدراک أن هذا الشیء أو ذاک مما ینبغی أن یفعل له مناشئ تختلف بحسب قابلیتها فی التأثیر بالنحو التالی:

أ)ماکان علة تامة فی التأثیر؛

ب)ما فیه اقتضاء التأثیر؛

ج)ما لیس فیه اقتضاء ولا علیة.

2.الحسن هو ما حسنه الشرع و القبیح ما قبحه.

قالت الأشاعرة:إن الحسن و القبح فی الأفعال بحکم الشارع،بصریح الکتاب الکریم: ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً

إذن،لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل کما تشهد لذلک آیات أُخر.

والجواب:إن العقاب و الثواب إنما یتولدان عن التکالیف الواصلة.

3.قالت الأشاعرة:لو کان الحسن و القبح بحکم العقل لاستحق تارک الحسن وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب،و هذا مخالف لصریح آیات القرآن الکریم.

ونجیبهم:إن تطابق العقلاء فی الإدراک لیس من الأمور البدیهیة،بل من الآراء المحمودة التی تحتاج إلی تنبه وتأدب.والتکلیف إلی نوع الناس غیر واصل قبل البعثة.

الأسئلة

1.بین موارد الإتفاق والاختلاف فی معانی الحسن و القبح؟

2.هل إدراکنا لشی بأنه«مما ینبغی أن یفعل أو لا یفعل»یکشف لنا رأی الشارع أیضاً؟لماذا؟

4.بین نظریة من ادعی بأن الحسن و القبح یدرک بحکم العقل؟واذکر هل یخالف ذلک الکتاب الکریم؟

5.أذکر مبانی الحسن و القبح عند المسلمین؟

ص:151

29-دلیل العقل(3)

اشارة

ما هی أقسام الحسن و القبح عند المعتزلة؟

ما هو القول الصحیح-المختار-فی مسألة الحسن و القبح؟

أقسام الحسن و القبح عند المعتزلة

ولقد قسموا الحسن و القبح من حیث نوعیة الإدراک إلی أقسام ثلاثة:

1.«ما یدرک بضرورة العقل کحسن إنقاذ الغرقی و الهلکی،وشکر المنعم.

2.«ما یدرک بنظر العقل کحسن الصدق الذی فیه ضرر،وقبح الکذب الذی فیه نفع».

3.«ما یدرک بالسمع کحسن الصلاة و الحج وسائر العبادات واعتبروها متمیزة لصفة ذاتها عن غیرها بما فیها من اللطف المانع من الفحشاء الداعی إلی الطاعة،لکن العقل لایستقل بدرکه». (1)

أدلتهم

واستدلوا-أو استدل لهم-علی نظریتهم فی الحسن و القبح بعدة أدلة نذکر أهمها:

1.ما استدل به الماتریدیة: (2)«إن الحسن و القبح لو کانا شرعیین،ولم یکن ذلک وصفاً فی الفعل،لکانت الصلاة و الصوم و الزنی و السرقة وغیر ذلک أُموراً متساویة قبل ورود الشرع،

ص:152


1- (1) .المستصفی،ج 1،ص 178-179،وأنظر المحصول 1:124،والبرهان فی أصول الفقه 1:79.
2- (2) .الماتریدی-هو محمد بن محمد بن محمد أبومنصور الماتریدی من الأئمة علماء الکلام نسبته إلی ماترید محلة بسمرقند.من کتبة مآخذ الشرایع فی الأصول و(أوهام المعتزلة)فی الفقه شرح الفقه الأکبر،المنسوب للإمام أبی حنیفة-مات بسمرقند فی سنة 333ه.ق.

فجعل الشارع بعضها مأموراً به،والآخر منهیاً عنه ترجیحاً لأحد المتساویین دون مرجح». (1)

وقالوا:«إنهما لو کانا شرعیین لکانت بعثة الرسل و الأدیان بلاء علی الناس ومثار النزاع،وسبباً فی المتاعب و المشاق،والصد عن بعض الأُمور و الإلزام بالأُخری،وترتب الثواب و العقاب علی ذلک.و قد کان الناس قبلها فی حریة مطلقة،یفعلون ما یرغبون فی فعله ویحجمون عما لا یشتهون دون مخافة عقاب أو ترتب ثواب،وکون بعثة الرسل ضارة بالناس باطل منقوض بقول الله تعالی: وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ . (2)، (3)

ما یلاحظ علی هذا الدلیل

أولاً:قد خلطوا بین الأقسام الثلاثة لمعنی الحسن و القبح.

ثانیاً:هذه الأدلة إنما تصلح لإلزام الأشاعرة ببطلان ما انتهوا إلیه من المبنی فی اعتبار الحسن و القبح شرعیین لبطلان اللوازم الفاسدة التی تترتب علیها،لا فی إثبات أصل المبنی لدی المعتزلة،ولعلها سیقت لهذا الغرض کما هو غیر بعید.

ثالثاً:هذا النوع من الاستدلال-بعد الغض عما یوهمه من الخلط بین أقسام الحسن و القبح لا یتم إلا إذا افترض المفروغیة عن أن فساد الرسالات أو الأحکام أو کونهما ضارة بالناس،ولیست رحمة لهم،والکذب وأمثالها مما لا ینبغی صدوره منه بحکم العقل،وإلا فلا یبطل اللازم بداهة.ولعل محاولة إثبات ذلک بهذه الأدلة لا یخلو من شبهة الدور.

2.ما استدل به العلامة المظفر قدس سره و هو یصحح للعدلیة بعض أدلتهم:«إنه من المسلم عند الطرفین وجوب طاعة الأوامر و النواهی الشرعیة وکذلک وجوب المعرفة،و هذا الوجوب عند الأشاعرة وجوب شرعی حسب دعواهم،فنقول لهم:من أین یثبت هذا الوجوب؟لا بُد أن یثبت بأمر من الشارع،فننقل الکلام إلی هذا الأمر لهم:من أین تجب طاعة هذا الأمر؟فان کان هذا الوجوب عقلیاً فهو المطلوب،و إن کان شرعیاً أیضاً فلا بد له من أمر ولابد له من طاعة،فننقل الکلام إلیه.

ص:153


1- (1) .مباحث الحکم،ج1،ص174.
2- (2) .الأنبیاء(21)،107.
3- (3) .مباحث الحکم،ج1،ص174.

وهکذا نمضی إلی غیر مالانهایة ولا نقف حتی ننتهی إلی طاعة وجوبها عقلی لا تتوقف علی أمر الشارع.و هو المطلوب،بل ثبوت الشرائع من أصلها یتوقف علی التحسین و التقبیح العقلیین،ولو کان ثبوتها; من طریق شرعی لاستحال ثبوتها لأنا ننقل الکلام إلی هذا الطریق الشرعی فیتسلسل إلی مالانهایة،والنتیجة أن ثبوت الحسن و القبح شرعاً یتوقف علی ثبوتهما عقلاً». (1)

3.وخیر ما یستدل به علی أصل المبنی هو البداهة العقلیة،وکل شبهة فی مقابلها فهی شبهة فی مقابل البدیهة.وما أحسن ما قاله الشوکانی بعد عرضه لأدلتهم،وبالجملة«فالکلام فی هذا البحث یطول،وإنکار مجرد إدراک العقل لکون الفعل حسناً أو قبیحاً مکابرة ومباهتة». (2)

ص:154


1- (1) .أصول الفقه للمظفر،ج2،ص29.
2- (2) .إرشاد الفحول،ص9.
الخلاصة

1.أقسام الحسن و القبح عند المعتزلة ثلاثة:

أ)مایدرک بضرورة العقل؛

ب)ما یدرک بنظر العقل؛

ج)ما یدرک بالسمع.

2.ثبوت الشرائع من أصلها یتوقف علی التحسین و التقبیح العقلیین،ولو کان ثبوتها من طریق شرعی لاستحال ثبوتها; لأنه ینتهی إلی التسلسل.

الأسئلة

1.هل العقل یستقل بدرک الحسن و القبح للعبادات الشرعیة؟

2.ما هو دلیل الماتریدیة علی أن الحسن و القبح عقلیان؟

3.طاعة الأوامر و النواهی الشرعیة.

4.إثبات وجوب طاعة الأوامر و النواهی الشرعیة بید من الشارع أم العقل؟لماذا؟

ص:155

ص:156

الأصل الخامس-القیاس

اشارة

ص:157

مقدمة

الحدیث حول القیاس کثر بین الفقهاء کثرة غیر متعارفه،وکتبت عنه المجلدات،وکان موضع خلاف کثیر; نظراً لما یترتب علیه من ثمرات فقهیة واسعة،فما ینبغی الإلتفات إلیه هو أن الحدیث حول حجیته متشعب جداً کما ستری إن شاءالله.

وإلیک فی هذا الموجز أهم آراء الأُصولیین و المدارس الإسلامیة:

1.نسب الغزالی و المقدسی إلی بعض المعتزلة وأهل الظاهر و النظام القول باستحالة التعبد بالقیاس عقلاً.

2.ذهب آخرون إلی أنه«لا حکم للعقل فیه بإحالة ولا إیجاب ولکنه فی مظنة الجواز،ثم اختلفوا فی وقوعه فأنکر أهل الظاهر وقوعه،بل ادعوا حظر الشرع له».

3.والذی علیه أئمة المذاهب السنیة وغیرهم من أعلام السنة هو الجواز العقلی ووقوع التعبد الشرعی به کما هو فحوی أدلتهم،و إن کان فی استدلال بعضهم ما یوجبه عقلاً لو تمت أدلته العقلیة.

وفی قول أحمد:یجتنب المتکلم فی الفقه هذین الأصلین:المجمل و القیاس!وبعض الشافعیة أوجبوا التعبد به شرعاً،و إن لم یوجبوه من وجهة عقلیة.

4.والشیعة منعوا من العمل بقسم من أقسام القیاس و هو من ضروریات مذهبهم،ولکن لم یقولوا إن العقل هوالذی یمنع التعبد به ویحیله،ولذلک احتاجوا إلی بذل جهد فی توجیه ترک العمل به مع إفادته للظن،إذن،لم یؤمنوا بالإحالة العقلیة فی العمل بالقیاس کما زعم البعض.

ص:158

30-القیاس(1)

اشارة

ما هو تعریف القیاس وما هی أرکانه؟

تعریف القیاس

فی اللغة:التقدیر،ومنه:قست الثوب بالذراع إذا قدرته به. (1)

فی الإصطلاح:«مساواة فرع لأصله فی علة حکمه الشرعی» (2)والذی یبدو لنا أن هذا التعریف أسلم التعاریف من الإشکالات التی ستری بعضها.

وقفة مع تعاریف القیاس

مما ینبغی الانتباه إلیه أن أکثر تعاریف القیاس شروح لفظیة،أمثال ما ورد عن الشافعی بأن القیاس یساوق الاجتهاد ببذل الجهد لاستخراج الحق. (3)والذی یقرب من الفن ما ذکره القاضی أبوبکر الباقلانی من أنه«حمل معلوم علی معلوم فی إثبات حکم لهما،أو نفیه عنهما بأمر جامع بینهما من حکم أو صفة». (4)

یقول فی المحصول:«واختاره جمهور المحققین منا»وقریب منه ما عرفه به الغزالی. (5)

ص:159


1- (1) .لسان العرب:6:187 مادة«قیس»،ومجمع البحرین 3:1535 مادة«قیس».
2- (2) .أنظر:بیان المختصر(شرح مختصر ابن الحاجب)3:والبحر المحیط فی أصول الفقه،والوصول إلی قواعد الأصول:257،وارشاد الفحول 2:119.
3- (3) .الإحکام للآمدی،ج3،ص3.
4- (4) .إرشاد الفحول،ص198.
5- (5) .المستصفِی،ج2،ص54.
یورد علی هذا التعریف إشکالان

أحدهما:ما ذکره الآمدی (1)من استلزامه للدور،وتقریبه:أن إثبات الحکم للفرع موقوف علی ثبوت القیاس،وثبوت القیاس موقوف علی تمام کل ما اعتبر فیه،ومنه إثبات الحکم للفرع،فهو-إذن-موقوف علی إثبات الحکم للفرع.

والثانی:إن هذا التعریف مشعر بأن إثبات حکم الأصل إنما هو من نتائج القیاس،مع أن القیاس لا یتکفل بأکثر من إثبات حکم الفرع،والمفروض فیه هو المفروغیة عن معرفة حکم الأصل; إذ هی من متممات الدلیل إلی إثبات الحکم فی الفرع کما هو واضح.ولهذا السبب وغیره عدل کل من الآمدی وابن همام عن ذلک التعریف إلی تعاریف أبعد عن المؤخذات؛فقد عرفه الآمدی بأنه عبارة«عن الاستواء بین الفرع و الأصل فی العلة المستنبطة من حکم الأصل» (2)؛وتعریف ابن الهمام له:«هو مساواة محل لآخر فی علة حکم له شرعی لاتدرک بمجرد فهم اللغة». (3)

أرکان القیاس

للقیاس بمعناه الاصطلاحی المختار أرکان أربعة:

1.الأصل: (4)و هو المحل الذی ثبت حکمه فی الشریعة،ونص علی علته،أو استنبطت بإحدی المسالک الآتیة.

2.الفرع:و هو الموضوع الذی یراد معرفة حکمه من طریق مشارکته للأصل فی علة الحکم.

3.الحکم:ویراد به الاعتبار الشرعی الذی جعله الشارع علی الأصل،والذی یطلب إثبات نظیره للفرع.

4.العلة:وهی-علی نحو الإجمال-الجهة المشترکة بینهما،التی بنی الشارع حکمه علیها فی الأصل.

فإذا قال الشارع-مثلاً-:حرمت الخمر لإسکارها،فالخمر أصل،والحرمة حکمه،

ص:160


1- (1) .الإحکام 3:170.
2- (2) .المصدر:170-171.
3- (3) .سلم الوصول:274.
4- (4) .عبر عن الأصل ب-«المقیس علیه»والفرع ب-«المقیس»أیضاً.

والإسکار علتها،فإذا وجد الإسکار فی النبیذ(و هو الفرع)فقد ثبتت الحرمة له بالقیاس.

و قد ذکروا لهذه الأرکان شرائط،للوقایة عن الوقوع فیما أسموه بالقیاسات الفاسدة.والمهم هنا الکلام حول الرکن الرابع«العلة»; لأنه هو المنطلق للتحدث عن حجیة القیاس وعدمها.

ما المراد من العلة؟

(1)

عرف کل من المقدسی و الغزالی العلة ب«مناط الحکم»،وفسر الغزالی مناط الحکم بقوله:«ما أضاف الشرع الحکم إلیه وناطه به ونصبه علامة علیه».

ومن هذا التعریف یعلم أن غرضهم من العلة ما جعله الشارع علامة و أمارة علی الحکم،وأضاف بعضهم اعتبار المناسبة بین العلة وبین الحکم.

وأراد بالمناسبة أن تکون مظنة لتحقیق حکمة الحکم«أی أن ربط الحکم بها وجوداً وعدماً من شأنه أن یحقق ما قصده الشارع بتشریع الحکم من جلب نفعٍ أو دفع ضررٍ».و قد فضل بعض الأُصولیین أن یعرف العلة بقوله:هی«الوصف الظاهر المنضبط الذی جعله الشارع علامة علی الحکم مع مناسبته له». (2)

شرائط العلة(أرکان العلة)

1.أن تکون وصفاً ظاهراً،أی مدرکاً بحاسة من الحواس الظاهرة لیمکن اکتشافه فی الفرع.

2.أن یکون وصفاً منضبطاً،أی محدداً بحدود معینة یمکن التحقق من وجودها فی الفرع.

3.أن یکون وصفاً مناسباً،ومعنی مناسبته أن یکون مظنة لتحقیق حکمة الحکم.

4.أن لا یکون الوصف قاصراً علی الأصل; لأنه لا تکون العلة أساساً للقیاس إلا إذا کانت متعدیة.

وبهذه الشروط المنتزعة من التعریف،حاولوا إقصاء العبادات عن کونها مجری للقیاس،لأنها مما لا تدرک عللها بالعقل کعدد رکعات کل صلاة،وعدد أیام الصیام،وغیرهما من العبادات،کما الحقوا بها العقوبات المقدرة کعدد الجلد فی الزنی،وقذف المحصنات.

ص:161


1- (1) .ولزیادة تحدید المراد من العلة،والتفرقة بینها وبین السبب و الحکمة و الشرط،و هی الفاظ شائعة الاستعمال علی السنَة الأصولیین،راجع:مباحث الحکم عند الأصولیین،محمد سلام مدکور،ومصادرالتشریع فیما لانص فیه،عبدالوهاب خلاف وغیرها.
2- (2) .مباحث الحکم عندالأصولیین،ج1،ص136.
الخلاصة

1.أسلم تعاریف القیاس«مساواة فرع لأصله فی علة حکمه الشرعی».

2.أرکان القیاس أربعة:

أ)الأصل؛

ب)الفرع؛

ج)الحکم؛

د)العلة نحو:قول الشارع:«حرمت الخمر لإسکارها»; فالخمر أصل،والحرمة حکمه،والإسکار علتها،فإذا وجد الإسکار فی النبیذ(و هو الفرع)فقد ثبتت الحرمة له بالقیاس.

3.أفضل تعاریف العلة:«الوصف الظاهر المنضبط الذی جعله الشارع علامة علی الحکم مع مناسبته له».

4.أرکان العلة:

أ)أن تکون وصفاً ظاهرا

ب)منضبطاً؛

ج)مناسباً؛

د)غیر قاصر عن الأصل.

الأسئلة

1.ما هو التعریف المختار عند المصنف للقیاس؟

2.ما هو إشکال الدور الذی أورده الآمدی علی تعریف القیاس؟

3.ما هی أرکان القیاس؟

4.أذکر شرائط العلة فی القیاس؟

5.کیف تخرج العبادات و العقوبات المقدرة عن مجری القیاس؟

ص:162

31-القیاس(2)

اشارة

ما هی أقسام العلة؟

ما هی تقسیمات العلة باعتبار المناسبة؟

أقسام العلة

فی الواقع العلة هی الرکن المهم فی عملیة القیاس،وهی المنطلق الأساسی للتحدث عن حجیته،فمن المناسب أن نبحث حول تقسیمها،فنقول:فقد قسموا العلة إلی ثلاثة أقسام:من حیث المناسبة والاجتهاد فی العلة ومسالک العلة.ولنأخذ کل واحد منها بشیء من التوضیح و البسط فی هذا الدرس و الدرسَین الآتیین بعونه تعالی.

فقد قسمت العلة من حیث اعتبار الشارع لمناسبتها وعدمه ونوعیة ذلک الاعتبار إلی أربعة أقسام:

الأول:المناسب المؤثر:المراد من المناسب المؤثر،أو قل:العلة المنصوص علیها (1)وهی ما اعتبرها الشارع علة بأتم وجوه الاعتبار،«فکأنه دل علی أن الحکم نشأ عنه وأنه أثر من آثاره،ولهذا سماه الأصولیون المناسب المؤثر»کقوله«الخمر حرام لأنه مسکر»حیث یستفاد منه حکم النبیذ المسکر. (2)

الثانی:المناسب الملائم:و هو الذی لم یعتبره الشارع بعینه علة لحکمه فی المقیس علیه،و إن کان قد اعتبره علة لحکم من جنس هذا الحکم فی نص آخر،

ص:163


1- (1) .المقصود من النص الدلیل من الکتاب و السنة الأعم من النص و الظاهر فی علم الدرایة،راجع:المحصول،للرازی،ج5،ص193.
2- (2) .مصادرالتشریع الإسلامی فیما لانص فیه،ص45.

ومثلوا له بالحدیث القائل:«لا یزوج البکر الصغیرة إلا ولیها». (1)

الذی قاسوا علی البکر الصغیرة ومن فی حکمها من جهة نقص العقل وهی المجنونة أو المعتوهة وتقاس علیها أیضاً الثیب الصغیرة. (2)

الثالث:المناسب الملغی:و هو الذی الغی الشارع اعتباره مع أنه مظنة تحقیق المصلحة«أی أن بناء الحکم علیه من شأنه أن یحقق مصلحة،ولکن دل دلیل شرعی علی الغاء اعتبار هذا المناسب ومنع بناء الحکم الشرعی علیه». (3)ومثلوا له بفتوی من أفتی أحد الملوک بأن کفارته فی إفطار شهر رمضان هو خصوص صیام شهرین متتابعین،لأنه وجد أن المناسب من تشریع الکفارات ردع أصحابها عن التهاون فی الإفطار العمدی.

الرابع:المناسب المرسل:و هو الذی یظهر للمجتهد أن بناء الحکم علیه لا بد أن یحقق مصلحة ما،مع أن الشارع لم یقم علی اعتباره أو الغائه أیما دلیل،ویعبر عنه بالمصالح المرسلة. (4)

تحلیل ونقاش

یرد علی کل واحد من الأقسام،الأمور التالیة:

ففی القسم الأول:قال الأستاذ خلاف:«ولا خلاف بین العلماء فی بناء القیاس علی المناسب المؤثر،ویسمون القیاس بناء علیه قیاسا فی معنی الأصل» (5)و هو کلام فی محله.

ولکن دعوی عدم الخلاف سینقضها ما یرد عن ابن حزم من عدم الأخذ به أصلاً،اللهُم إلا أن یرید من عدم الخلاف هو عدم الخلاف بین خصوص الأخذین بالقیاس کدلیل من الأدلة الشرعیة،و هو خلاف ظاهر کلامه.

وفی القسم الثانی:و هو«المناسب الملائم»،ففی رأی أصحاب القیاس أن الحدیث«لا یزوج البکر الصغیرة إلا ولیها»اشتمل علی وصفین کل منهما صالح للتعلیل و هو الصغر و البکارة،بما أنه علل ولایة الولی علی الصغیرة فی المال فی آیة وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا

ص:164


1- (1) .صحیح مسلم،کتاب النکاح،أحادیث باب تزویج الأب البکر الصغیرة.
2- (2) .مصادر التشریع الإسلامی،فیما لا نص فیه،46.
3- (3) .المصدر.راجع المذاهب فی علم أصول الفقه المقارن،ج5،ص 206 دکتور نملة.
4- (4) .کقیاس شارب الخمر بالقاذف; لأن من شرب سکر و هذی و من هذی قذف و افتری.
5- (5) .مصادرالتشریع الاسلامی فیما لا نص فیه،ص 46.

بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ ، (1)ومادام الشارع قد اعتبر الصغر علة للولایة علی المال،والولایة علی المال و الولایة علی التزویج نوعان من جنس واحد هو الولایة،فیکون الشارع قد أعتبر الصغر علة للولایة علی التزویج بوجه من وجوه الاعتبار. (2)فمن أسقط دلالة لفظ البکارة من الحدیث-فی الاستدلال-یرد علیه أنه یمکن أن تکون جزءاً من التعلیل کما هو مقتضی جمعها مع الصغر لو أمکن استفادة التعلیل من أمثال هذه التعابیر». (3)

وفی القسم الثالث:نقول:إن الاستنتاج-الذی فی مثال الملک-ینافی إطلاق التخییر،فکأن الشارع المقدس الغی بإطلاقه التخییر وعدم تقییده بالأخذ بالأشق هذا المناسب،ولذلک لم یصوبوا هذا المفتی بفتیاه.

و أما الرابع:فسنطیل الوقوف عند هذا القسم فی مبحث المصالح المرسلة إن شاءالله تعالی فانتظر.

ص:165


1- (1) .النساء(4)،6.
2- (2) .مصادرالتشریع الاسلامی،فیما لانص فیه:46.
3- (3) .واعلم انها فی ذلک الحین لا تفید أکثر من الظن بالعلة لا أعم ومن المعلوم ان کل ما یظن فیه مصلحة لا تحصل المصلحة.فیه واقعاً و المصالح وعدمها مبنیة علی أن أفعاله تعالی معللة بالإقراض.
الخلاصة

1.قسمت العلة من حیث اعتبار الشارع لمناسبتها إلی أربعة أقسام:

المناسب المؤثر و الملائم و الملغی و المرسل.

2.المناسب الملائم:و هو الذی لم یعتبره الشارع بعینه علة لحکمه فی المقیس علیه و إن کان قد اعتبره علة لحکم من جنس هذا الحکم فی نص آخر،ومثلوا له بالحدیث القائل:«لا یزوج البکر الصغیرة إلا ولیها».

الأسئلة

1.عرف«المناسب المؤثر»واذکر له مثالاً؟

2.ما«المناسب الملغی»؟

3.عرف«المناسب الملائم»وبین ما یرد علیه؟

ص:166

32-القیاس(3)

اشارة

ما هی تقسیمات الإجتهاد فی العلة؟

ما هی أقسام المسالک الصحیحة للعلة؟

تقسیم الإجتهاد فی العلة
اشارة

قسموا الإجتهاد فی العلة إلی ثلاثة أقسام:

الأول-تحقیق المناط
اشارة

و قد قسمه المقدسی إلی نوعین:

أ)أن تکون القاعدة الکلیة متفقاً علیها أو منصوصاً علیها،ویجتهد فی تحقیقها فی الفرع (1)،ومثل له بالإجتهاد فی القبلة،و هو معلوم بالنص و الإجتهاد إنما یکون فی تشخیص القبلة من بین الجهات.

ب)ما عرف علة الحکم فیه بنص أو إجماع،فیبین المجتهد وجودها فی الفرع باجتهاده،مثل قول النبی صلی الله علیه و آله فی الهرة(إنها لیست بنجس،إنها من الطوافین علیکم و الطوافات) (2)جعل الطواف علة،فیبین المجتهد باجتهاده وجود الطواف فی الحشرات من الفأرة وغیرها لیلحقها بالهر فی الطهارة،فهذا القیاس جلی قد أقر به جماعة ممن ینکر القیاس.

ص:167


1- (1) .روضة الناظر 3:108.
2- (2) .سنن الترمذی،کتاب الطهارة ح 85،مسند أحمد 6:411 حدیث أبی قتادة الأنصاری ح 22074،المستدرک علی الصحیحین 1:160.
ملاحظتان علی النوع الأول

1.هذا موضع اتفاق المسلمین علی الأخذ به،إلا أن اعتباره من قبیل تحقیق المناط مما لا یعرف له وجه،لأنه لا یزید علی کونه اجتهاداً فی مقام تشخیص صغریات موضوع الحکم الکبروی،ولیس هو اجتهاداً فی تشخیص علة الأصل فی الفرع لینتظم فی هذا القسم.

2.لا ینطبق مفهوم القیاس علیه; لأن جمیع القضایا الشرعیة إنما وردت علی سبیل القضایا الحقیقیة لا القضایا الخارجیة،فلا تتکفل تشخیص وتعیین موضوعاتها خارجاً،وإنما یترک تشخیص الموضوعات إلی المکلفین أنفسهم بالطرق و القواعد المجعولة من قبل الشارع لذلک،ومن هنا قیل:إن القضیة لا تعین موضوعها خارجاً إذا کانت قضیة حقیقیة،فالدلیل الذی یأمرک بالصلاة خلف العادل لا یعین لک أن فلاناً مثلاً عادل أو غیر عادل،و هذا من الواضحات.

الثانی-تنقیح المناط

و هو أن یضیف الشارع الحکم إلی سببه،فتقترن به أوصاف لا مدخل لها فی الإضافة فیجب حذفها عن الإعتبار لیتسع الحکم،ومثلوا له بقصة الأعرابی الذی قال للنبی صلی الله علیه و آله:«هلکت یا رسول الله،فقال له:ما صنعت؟قال:وقعت علی أهلی فی نهار رمضان،قال:إعتق رقبة» (1)حیث استفادوا (2)عدم الخصوصیة فی کونه أعرابیاً،فألحقوا به جمیع المکلفین،ولا فی کون المرأة التی وقع علیها أهلاً له فألحقوا به الزنی،ولا خصوصیة لخصوص شهر رمضان الذی وقع فیه علی أهله فألحقوا به جمیع أشهر الصیام،إلی ما هناک من الخصوصیات التی یعلم بعدم مدخلیتها.

ولا یخفی أن:هذه التعمیمات وأمثالها مما تقتضیها مناسبة الحکم و الموضوع،وهناک تعمیمات مظنونة وقعت موقع الخلاف،کالقول بأن النکاح لا خصوصیة له،فلا بد أن یعمم إلی کل مفطر،وهی مبنیة علی حجیة القیاس المظنون.

الثالث-تخریج المناط

و هو أن ینص الشارع علی حکم فی محل دون أن یتعرض لمناط أصلاً،کتحریمه الربا فی البُر فیعمم إلی کل مکیل من طریق استنباط علته،بدعوی استفادة أن العلة فی التحریم هی کونه مکیلاً.

ص:168


1- (1) .صحیح مسلم،کتاب الصیام،ح 1870 باختلاف یسیر.
2- (2) .اُنظر:المستصفی 3:488،والقوانین المحکمة 1:168.
تقسیم مسالک العلة

المراد من مسالک العلة:الطرق المفضیة إلی العلة و الکاشفة عنها،وهی ترتبط ارتباطاً وثیقاً بأهم مباحث القیاس إلا وهی حجیته.

أُسلوب التقسیم
اشارة

و قد آثرنا نهج الغزالی فی تقسیم العلة،و إن لم نقتفه فی جملة ما جاء به من خصوصیات،وخالفنا الکثیر فی نهج البحث ابعاداً لما وقعوا فیه من تداخل بعض أقسامها فی بعض،فنقول:مسالک العلة تنقسم إلی قسمین رئیسین:صحیحة وفاسدة،وکلاهما منهم یقسم علی ثلاثة أقسام بالنحو التالی:

الأول-المسالک الصحیحة:وهی علی ثلاثة أقسام:
القسم الأول-ماکانت العلة مدلولة بالأدلة اللفظیة

(1)وهی علی ثلاثة أقسام:

أ)ماکان دالاً علیها بالدلالة المطابقیة:

ونقصد منها:أن یدل اللفظ علی تمام معناها کدلالة لفظ العلة ومشتقاتها،ودلالة حروف التعلیل کاللام و الفاء وما شاکلهما مما نص اللغویون أو النحاة علی وضعها لهذا المعنی.

ب)ما کانت مدلولة بالدلالة الإلتزامیة:

وهی التی ینتقل الذهن فیها إلی المعنی لمجرد سماعه اللفظ،أی ما کان اللازم فیها بینا بالمعنی الأخص (2)ویدخل ضمن هذا القسم مفهوم الموافقة و المخالفة ودلالة الإقتضاء و الإیماء. (3)

ص:169


1- (1) .المستصفی 3:605.
2- (2) .انظر المستصفی 3:606 و الإحکام للآمدی 3:224 و القوانین المحکمة 2:85.
3- (3) .ایضاح: -مفهوم الموافقة:و هو ما کان اقتضاء الجامع فیه للحکم بالفرع أقوی وأوکد منه فی الأصل،ومثاله ما ورد فی الکتاب من النهی عن التأفف من الوالدین.ویسمی بالقیاس الأولویة أیضاً. -مفهوم المخالفة:کمفاهیم الشرط و الحصر و الوصف و الغایة بناء علی ثبوتها المستلزم لثبوت الحجیة لها،شریطة أن یفهم أن العلة فیها مستقلة ومتعدیة لیستفاد الإطراد منها. -دلالة الاقتضاء:و هی الدلالة المقصودة للمتکلم التی یتوقف صدق الکلام أو صحته عقلاً أو شرعاً أو لغةً علیها،ومثاله ان یسأل سائل ما عن علة جواز الصلاة خلف العالم العادل أ هی العدالة؟فیجیبه الشارع بلی. -دلالة الإیماء و التنبیه:و هی الدلالة المقصودة للمتکلم أیضاً،إلا أن الکلام لا یتوقف صدقه أو صحته علیها،وإنما یقطع أو یستبعد عدم إرادتها،ومثالها قول الشارع مثلاً:طهر فمک لمن قال:شربت ماء متنجساً.مما یستکشف منه ان العلة فی التطهیر هو استعمال المتنجس وأنه منجس ولا خصوصیة للفم.(منه قدس سره)

ج)ما کانت مدلولة بدلالة الإشارة:

المراد من هذه العلة فی مسالک العلة،أن لا تکون مدلولة بالدلالة البینة بالمعنی الأخص،بل بالدلالة غیر البینة أو البینة بالمعنی الأعم،کأن تستفاد العلة المنحصرة المستقلة من الجمع بین دلیلین أو أکثر.

ص:170

الخلاصة

1.قسموا تحقیق المناط إلی نوعین:

أ)أن تکون القاعدة الکلیة متفقاً علیها أو منصوصاً علیها؛

ب)ما عُرِفَ علة الحکم فیه بنص أو إجماع؛

2.استفادوا من قصة الأعرابی أُموراً منها:

أ)عدم الخصوصیة فی کونه أعرابیاً؛

ب)عدم الخصوصیة فی کون المرأة أهله؛

ج)لا خصوصیة لخصوص شهر رمضان.

ولکن لایخفی أن هذه التعلیمات وأمثالها مما تقتضیها مناسبة الحکم و الموضوع.

3.العلة المدلولة بالأدلة اللفظیة الالتزامیة هی التی ینتقل الذهن فیها إلی المعنی لمجرد سماعه اللفظ،وهی أنواع:مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ودلالة الإقتضاء ودلالة الإیماء.

الأسئلة

1.ما قیمة تقسیم المقدسی لتحقیق المناط؟

2.ما معنی تنقیح المناط؟

3.ما المراد من مسالک العلة؟

4.ما هی المسالک الصحیحة؟

ص:171

33-القیاس(4)

اشارة

ما هو اعتبار العلة القائمة بدلیل الإجماع فی القیاس؟

ما هی طرق ثبوت علة القیاس المستنبطة؟

قد مر علیک فی الدرس السابق أن المسالک الصحیحة للعلة ثلاثة،و قد بحثنا النوع الأول منها،والآن نتناول النوع الثانی و الثالث معاً فی هذا الدرس،وهما:المدلول علیها بدلیل الإجماع و الثابت من طریق الاستنباط; بعونه تعالی.

القسم الثانی [ما کانت العلة قائمة بالإجماع]

من المسالک الصحیحة للعلة:ما کانت العلة قائمة بالإجماع:

لا یقع الإجماع إلا إذا قام علی معقد له معلل بعلة خاصة فهم منها الإطراد و الإستقلال بالعلیة،أو قام الإجماع علی نفس العلة المطردة المستقلة.

یقول فی القوانین المحکمة:التعدی من قوله علیه السلام:«إغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه» (1)إلی وجوب غسل البدن و الإزالة عن المسجد وغیرها،إنما هو لأجل استفادة أن علة وجوب الغسل عن الثوب هی النجاسة،ودلیله الإجماع،فیجب الإحتراز عنه فی کل ما یشترط فیه الطهارة». (2)

أقول:عد الإجماع مسلکاً من المسالک إلی العلة غیر صحیح،لعدم القول بحجیته لأنه دلیل من أدلة السنة،فعده فی مقابل السنة فی غیر موضعه.

ص:172


1- (1) .الکافی،ج3،ص57،الحدیث 3.
2- (2) .القوانین المحکمة،ج2،ص84.
القسم الثالث [ما کانت العلة ثابتة من طریق الإستنباط]
اشارة

ما کانت العلة ثابتة من طریق الإستنباط و هو أنواعٌ أهمها:

أ)طریقة السبر و التقسیم

المراد من السبر:الاختبار.

ومن التقسیم:إستعراض الأوصاف التی تصلح أن تکون علة فی الأصل،وتردید العلة بینها.وبعبارةٍ أُخری:تحصرالأوصاف التی یمکن أن تکون علة للحکم ثم یحذف بعضها لقیام الدلیل علی عدم صلاحیتة. (1)

«وخلاصة هذا المسلک أن المجتهد علیه أن یبحث فی الأوصاف الموجودة فی الأصل،ویستبعد ما لا یصح أن یکون علة منها،ویستبقی ما هو علة حسب رجحان ظنه.» (2)

ولا یخفی علیک أنه فی هذا المسلک تتفاوت عقول المجتهدین فی مجالات الإستنباط وتختلف اختلافاً کبیراً،وعلی سبیل المثال نری أن«الحنفیة رأوا المناسب فی تعلیل التحریم فی الأموال الربویة القدر مع اتحاد الجنس،والشافعیة رأوه الطعم مع اتحاد الجنس،والمالکیة رأوه القوت والادخار مع اتحاد الجنس». (3)

ب)اعتبار مناسبة العلة للحکم

إثبات العلة بإبداء مناسبتها للحکم،کأن یقال-مثلاً-إن هذا الوصف فی الأصل هو الذی یناسب أن یکون مظنة لتحقیق الحکمة من هذا الحکم وعلیه فیجب أن یکون هو العلة،و قد مضی منا الحدیث فی أقسام المناسب،وتعیین ما یدخل منها فی موضع النزاع من غیره فلا نعیده هنا.

ص:173


1- (1) .خضری بک،أصول الفقه،ص326.
2- (2) .الخلاف،علم أصول الفقه،ص87.
3- (3) .المصدر.
الخلاصة

1.ثبوت العلة من طریق السبر و التقسیم غیر قابل للإطمئنان; لأن فی هذا المسلک تتفاوت عقول المجتهدین فی مجالات الاستنباط وتختلف اختلافاً کبیراً.

الأسئلة

1.عرف طریقة السبر و التقسیم فی ثبوت علة القیاس؟

ص:174

34-القیاس(5)

اشارة

ما معنی إمکان التعبد بالقیاس ووقوعه؟

الثالث-إمکان القیاس وأدلته
اشارة

إن القیاس فی حدود ما انتهینا إلیه من تعریفه،وأنه(مساواة محل لآخر فی علة حکمه)لا یقتضی أن یکون موضعاً لحدیث حول حجیته وصحة استنباط الحکم الفرعی الکلی منه،لأن العلة التی أخذت فی لسان الدلیل إن أرید بها العلة الواقعیة التامة للحکم،إستحال تخلف معلولها عنها فی الفرع لإستحالة تخلف المعلول عن العلة،و إن أرید بها الوصف الظاهر المنضبط المناسب غیر القاصر الذی أناط به الشارع حکمه وجعله أمارة علیه،إستحال تخلف الحکم فی الفرع عنه أیضاً،وإلا للزم الخلف; لأن معنی إناطته به وجوداً وعدماً عدم تخلفه عنه،فإذا فرض إمکان التخلف-کما هو مفاد عدم الحجیة-کان معناه عدم الإناطة،و هو خلاف الفرض.فتعال معنا لتری مدی دلالة القول بإمکان القیاس بشقیه-تصور وقوعه وعدمه-و هو موضع الشبهة ومن مواقع التأمل.

1-إمکان القیاس وأدلة وقوعه

بعد أن ثبت أن حجیة القیاس ثابتة فی الأُصول،الآن ننظر إلی مدی مشروعیته فی عملیة استنباط الحکم الشرعی منه،وفی الحقیقة تمامیة عملیة الإستنباط موقوفة علی تمامیة مقدمتین:

أُولاهما:معرفة العلة التی أناط بها الشارع حکمه فی الأصل.

وثانیهما:معرفة توفرها فی الفرع بکل شرائطها وقیودها.

ص:175

وکلتا المقدمتین موقوفة علی حجیة الطرق و المسالک إلیهما،ومع إثبات الحجیة لها،وثبوت العلة بها،فلا بد من إستنباط حکم الفرع وإثباته بها.

و قد سبق منا أن مسالک العلة-أی:الطرق المفضیة إلیها و الکاشفة عنها-تنقسم إلی قسمین:

قطعیة وغیرقطعیة.

فأما القطعیة،فحجیتها أوضح من أن یقام علیها دلیل; لأن المسالک المقطوعة ذاتیة لاتقبل الرفع و الوضع; وان الحجیه من لوازمها العقلیة القهریة وهی غیر واقعة ضمن نطاق الشارع وتشریعاته کمشرع وان وقعت ضمن نطاقه إذن لابد من تأویل ما ورد عن الردع عن الاخذ بالقیاس حتی إذا أنهی إلی القطع.ولعل اجمل ما یمکن أن یذکر فی هذا المجال من التوجیه (1)،هو ان الشارع و إن لم یمکنه التصرف فی حجیة العلم أو طریقیته إلا أن یمکنه التصرف بحکمه فیرفعه عن المکلف علی تقدیر المصادفه للواقع وفی هذا القسم ینتظم قیاس الأولیة وما یقطع به لمناسبة الحکم و الموضوع،کمثال الأعرابی السابق،وما شابه ذلک من الأقیسة.

لأنها تکون أشبه بالأحکام التی یبدل واقعها إذا طرأ علیها عنوان ثانوی،وذلک لما یعلم الشارع المقدس من کثرة تفویت الأقیسة لمصالح المکلفین وحرمانهم منها.والذی یهون الأمر أنه لیس فی الأدلة الرادعة عن الأخذ بالقیاس ما هو صریح الردع عن القیاس المقطوع العلة.

ص:176


1- (1) .أنظر:فوائد الأُصول 1:529-532،وکفایة الأصول:325،وفوائد الاصول3:320-321.
الخلاصة

تحقیق القول بإمکان القیاس و القول به لا یقضی أن یکون موضعاً لحدیث حول حجیته وصحة إستنباط الحکم الفرعی الکلی منه،لأن العلة التی أُخذت فی لسان الدلیل:

أ)إن أُرید بها العلة الواقعیة التامة للحکم،إستحال تخلف معلولها عنها فی الفرع لإستحالة تخلف المعلول عن العلة.

ب)و إن أرید بها الوصف الظاهرالمنضبط المناسب غیر القاصر الذی أناط به الشارع حکمه وجعله أمارة علیه،استحال تخلف الحکم فی الفرع عنه أیضاً،وإلا للزم الخلف.

الأسئلة

1.ما هما المقدمتان اللتان إذا توفرتا تثبت حجیة القیاس؟

2.عرف المسالک المقطوعة؟

3.وضح هل تری بین المسالک المقطوعة إلی أخذ القیاس وبین روایة أبان تعارضاً؟

4.هل یمکن للشارع أن یتصرف فی حجیة العلم أو طریقیته؟لماذا؟

ص:177

35-القیاس(6)

اشارة
2-إمکان القیاس وأدلة عدم وقوعه
اشارة

إن المسالک غیر المقطوعة تنقسم إلی قسمین:

الأول-ما قام علیها دلیل قطعی

تحدید المسالک غیر المقطوعة:

ینتظم فی المسالک غیر القطعیة کلما یرجع إلی حجیة الظواهر،أی ما کانت العلة فیها مستفادة من دلیل لفظی،سواء کانت مدلولة له بالدلالة المطابقیة،أم الدلالة الالتزامیة.

و هذه المسألة تعد من صغریات مسألة حجیة الظهور،والأدلة الدالة علی حجیة الظهور-والتی سبق عرضها-دالة علیها،وحالها حال بقیة الظهورات التی هی المستند فی استنباط أکثر الأحکام الشرعیة.

وکل ما وقع فیها من نقاش من بعض نفاة القیاس أمثال السید المرتضی (1)،وابن حزم (2)،إنما هو من قبیل النقاش فی الصغری،أی إنکار الظهور لا التشکیک بحجیته بعد ثبوته.

من المهم أن نعرف أن هذا النوع من المسالک شامل للأدلة الرادعة عن العمل بالقیاس من قبل أهل البیت علیهم السلام،له (3)مثل إحتجاجات الإمام الصادق علیه السلام علی أبی حنیفة

ص:178


1- (1) .الذریعة 2:669 وما بعدها وانظر:القوانین المحکمة،ج2،ص8.
2- (2) .الأحکام 8:487،ابطال القیاس والاستحسان،ص29.
3- (3) .الکافی47،46،45،1:33 کتاب فضل العلم،باب النهی عن القول بغیر علم ح 9 وباب البدع و الرأی و المقائیس ح14،13،9،7،و4:134 و352 کتاب الصیام،باب الرجل بجامع أهله فی السفر او یقدم من سفر فی شهر رمضان ح 5.وتهذیب الاحکام 9:217 کتاب الوصایا،باب(18)وصیته الإنسان لعبده وعتقه له قبل مونه ح 4.

التی مفاد روایاتها أن علل الأحکام لاتبلغ بالظنون کما فی روایة ابن شبرمة:«أیها أعظم:قتل النفس أو الزنی؟

قال:قتل النفس.

قال:فإن الله عزوجل قبل فی قتل النفس شاهدین،ولم یقبل فی الزنی إلا أربعة.

إلی آخر الروایة،ثم قال له:«إتق الله ولا تقس الدین برأیک». (1)

وروایة ابن جمیع:«....قال الصادق علیه السلام:حدثنی أبی عن جدی:أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال:اول من قاس أمر الدین برأیه إبلیس،قال الله تعالی له:أسجد لآدم،فقال: أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ (2)،فمن قاس الدین برأیه قرنه الله تعالی یوم القیامة بإبلیس،لأنه اتبعه بالقیاس. (3)

إیضاح

1.من استشهاده علیه السلام بقیاس إبلیس(أنا خیر منه)ندرک الردع عن القیاس بمصطلحه الجدید الذی تتخیل فیه العلل للأحکام،وتنزل النصوص علیها.وکذلک فی معناه المتعارف الذی یلتمس فیه حکم الفرع من حکم الأصل لوحدة العلة فیهما.

2.روایة ابن شبرمة منصب علی تعجیز العقل علی علل الأحکام بعیداً عن الشرع کما یتضح من النقوض التی ذکرها الإمام علیه السلام علیه.

لأن مسرح العقل فی إدراک علل الأحکام محدود جداً،وفتح الباب له علی مصراعیه یشکل الخطر العظیم علی الشریعة.

الثانی-ما لم یقم علیها دلیل قطعی

وهی کثیرة،کالسبر و التقسیم وإثبات المناسبة،وسلامة العلة عن النقیض وإطراد العلة وأمثالها من مسالک العلة،ومن الواضح أن مجرد مناسبة الوصف لایکفی لعلیته کما یقال:

ص:179


1- (1) .حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء،ج3،ص197.
2- (2) .الأعراف:12.
3- (3) .المصدر.

«حرم الربا فی البر»لابد من علامة تضبط مجرد الحکم من موقعه،ولاعلامة إلا الطعم أو القوت أوالکیل و قد بطل القوت و الکیل بدلیل کذا وکذا،فثبت الطعم» (1).

هذا ما فی طریق السبر و التقسیم مثلاً،وهی لاتفید غیرالظن علی أکثر التقادیر.والظن لیس طریقته ذاتیة لنقصان الکشف فیه.

ص:180


1- (1) .أصول الفقه،خضری بک،328.
الخلاصة

1.ینتظم فی المسالک غیر القطعیة کلما یرجع إلی حجیة الظواهر،أی ما کانت العلة فیها مستفادة من دلیل لفظی سواء کانت مدلولة له بالدلالة المطابقیة،أم الدلالة الإلتزامیة.

2.المسالک غیر القطعیة التی لم یقم علیها دلیل قطعی،لا تفید غیر الظن بأنواع ما حصلت من طریقة السبر و التقسیم وإثبات المناسبة،وسلامة العلة عن النقیض،واطراد العلة.وهی لا تفید غیر الظن علی أکثر التقادیر،والظن لیست طریقیته ذاتیة لنقصان الکشف فیه.

الأسئلة

1.لماذا لیس من المناسب أن نعد المسالک غیر القطعیة من القیاس؟

2.عرف المسالک غیر القطعیة وأذکر أنواعها؟

3.أذکر ما یرد علی المسالک غیر المقطوعة؟

ص:181

36-القیاس(7)

اشارة

ما هی أدلة مثبتی القیاس من الکتاب الکریم؟

أدلة مثبتی القیاس

القیاس إن تمت أرکانه الأربعة-الأصل،الفرع،الحکم و العلة-وکانت العلة مشترکةً بین الأصل و الفرع وثبتت من الطرق القطعیة; فإن هذا النوع من الإستنباط خارج من القیاس تخصصاً،فلابد من صرف الأدلة الرادعة إلی غیره،بل لایمکن أن تکون متناولة له کما یدل علی ذلک ما فی بعضها من التعلیل بأن«دین الله لایصاب بالعقول»; إذ مع فرض کون العلة مستفادة من النص لظهوره فیها یکون المشرع هوالذی دل علیها لا أن العقول أصابتها بمنأی عنه.

و إن کانت العلة تثبت من طرق المسالک غیر القطعیة-قام علیها دلیل أم لم یقم-فإنها بحاجة ماسة إلی دلیل قاطع من الأدلة المعتمدة،ولهذا نری المثبتین للقیاس یبذلون کل ما لدیهم حتی یستدلوا لحجیته من الأدلة الأربعة،فتعال معنا حتی نری مدی دلالتها:

الأدلة من الکتاب الکریم

1.و قد استدلوا بقوله تعالی:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً . (1)

ص:182


1- (1) .النساء(4)،59.

تقریب الإستدلال:وخیر ما تقرب به دلالة هذه الآیة (1):إن القیاس بعد إستنباط علته بالطرق الظنیة من الکتاب و السنة،یکون ردا إلی الله و الرسول،ونحن مأمورون بالرجوع إلیهما بهذه الآیة،ومعناه أننا مأمورون بالرجوع إلی القیاس عند التنازع،ولیس معنی الأمر بذلک إلا جعل الحجیة له.

ویرد علی التقریب

أولاً:إن دلالة الآیة متوقفة علی أن یکون القیاس الظنی ردا إلی الله و الرسول،و هو موضع النزاع،ولذلک احتجنا إلی هذه الآیة ونظائرها لإثبات کونه رداً و المقیاس فی الرد وعدمه قیام الدلیل علیه،فإن کان هذه الآیة لزم الدور.

و إن کان الدال علی کونه ردا غیر هذه الآیة تحول الحدیث إلی حجیته،ومع قیامها لا نحتاج إلی الإستدلال بهذه الآیة.

ثانیاً:الآیة إنما وردت فی التنازع و الرجوع إلی الله و الرسول لفض النزاع والاختلاف،ومن المعلوم أن الرجوع إلی القیاس لا یفض نزاعاً ولا اختلافاً لاختلاف الظنون.

ثالثاً:إن الآیة لا تدل علی حجیة القیاس بقول مطلق إلا بضرب من القیاس،وذلک لورودها فی خصوص باب التنازع،فتعمیمها إلی مقام الإفتاء و العمل الشخصی،لا یتم إلا من طریق السبر و التقسیم أو غیره،وإذن،یکون ظهور الآیة فی حجیة القیاس مطلقاً موقوفاً علی حجیة القیاس،فإذا کانت حجیة القیاس موقوفة علی هذا الظهور لزم الدور.

2.قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْکُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2)

تقریب الإستدلال:وهی التی استدل بها الشافعی علی حجیته حیث قال:«فهذا تمثیل الشیء بعدله»وقال:«یحکم به ذوا عدل منکم وأوجب المثل،ولم یقل أی مثل،فوکل ذلک الی اجتهادنا ورأینا». (3)

ص:183


1- (1) .انظر:الفصول فی الأصول 4:29،وأصول السرخسی 2:128،ومیزان الأصول2:804،والاحکام للآمدی4:287
2- (2) .المائدة(5)،95.
3- (3) .أرشاد الفحول 2:127،أنظر:الرسالة:490،39،ص 201.

والجواب (1):

إن الشارع و إن ترک لنا أمر تشخیص الموضوعات،إلا أنه علی وفق ما جعل لها الشارع أو العقل من الطرق،وکون القیاس الظنی من هذه الطرق کالبینة هو موضوع الخلاف،والآیة أجنبیة عن إثباته.

ثم إن عد تشخیص صغریات الموضوع أو المتعلق من القیاس لو أراد الشافعی ذلک فی کلامه،لا یعرف له وجه،لأن القیاس بجمیع تعاریفه لا ینطبق علیه،فتشخیص أن هذا مثل،أو أن هذه قبلة،بالطرق الاجتهادیة إنما هو من تحقیق المناط بمعناه الأول،و قد قلنا:إنه لیس بقیاس بالبرهان الذی سبق أن ذکرناه.

ص:184


1- (1) .راجع:الذریعة 2:789،والإحکام لابن حزم 7:380 و العدة للطوسی 676،2:675.
الخلاصة

1.القیاس بعد استنباط علته بالطرق الظنیة من الکتاب و السنة،یکون مصداقاً لقوله تعالی: فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ .

2.قال الشافعی:إن القیاس حجة بدلیل قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ لأن قوله عزوجل لم یقل أی مثل،فوکل ذلک إلی اجتهادنا ورأینا.ولکن نقول رداً علیه:نعم،لا بد أن یکون وفق ما جعل لنا الشارع أو العقل من الطرق.

الأسئلة

1.بین تقریب قوله تعالی: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ فی دلالته علی حجیة القیاس؟

2.ما هو الجواب بأن آیة«الرد الی الله و الرسول»علی فرض دلالتها علی القیاس فهی حینئذ غیر تامة؟

ص:185

37-القیاس(8)(للمطالعة)

اشارة

ما هی أدلة مثبتی القیاس من السنة؟

أدلة إثبات القیاس من السنة

الروایات الواردة لإثبات القیاس من السنة تکاد تنتظم فی طائفتین:

الأُولی:إقرار النبی صلی الله علیه و آله للأخذ بالقیاس،مثل حدیث معاذ بن جبل وما یعود إلیه من الأحادیث.

متن الحدیث کما رواه«أحمد» (1)،و«أبو داود» (2)،و«الترمذی» (3)،وغیرهم،من حدیث الحارث بن عمر بن أخی المغیرة بن شعبة،قال:حدثنا ناس من أصحاب معاذ عن معاذ قال:لما بعثه إلی الیمن،قال:کیف تقضی إذا عرض لک قضاء؟قال:أقضی بکتاب الله،قال:فإن لم تجد فی کتاب الله؟قال:فبُسنةِ رسول الله،قال:فإن لم تجد فی سنة رسول الله صلی الله علیه و آله،ولا فی کتاب الله؟قال أجتهد رأیی ولا الو،قال فضرب رسول الله صلی الله علیه و آله صدره،وقال:الحمد لله الذی وفق رسول رسول الله لما یرضاه رسول الله». (4)

دلالة الحدیث:وخیر ما یقرب به هذا الحدیث من وجهة دلالیة أن رسول الله صلی الله علیه و آله أقر الإجتهاد بالرأی فی طول النص بإقراره لإجتهاد معاذ،و هو شامل بإطلاقه للقیاس.

ص:186


1- (1) .مسند أحمد،باب حدیث معاذ بن جبل،ح 21595.
2- (2) .سنن أبی داود،کتاب الأقضیة،باب اجتهاد الرأی فی القضاء،ح 3592.
3- (3) .صحیح الترمذی،کتاب الأقضیة،باب اجتهاد الرأی فی القضاء،ح 1327.
4- (4) .إرشاد الفحول،ص202.
تقییم سند الروایة

1.إنها ضعیفة بجهالة الحارث بن عمرو،حیث نصوا أنه مجهول،وبإغفال راویها لذکر من أخذ عنهم الحدیث من الناس من أصحاب معاذ.قال فی عون المعبود:و هذا الحدیث أورده الجوزقانی فی الموضوعات،وقال:هذا حدیث باطل رواه جماعة عن شعبة،و قد تصفحت هذا الحدیث فی أسانید الکبار و الصغار،وسألت من لقیته من أهل العلم بالنقل عنه،فلم أجد له طریقاً غیر هذا. (1)

2.فإن قیل:إن الفقهاء قاطبة أوردوه واعتمدوا علیه،قیل:هذا طریقه،والخَلَفُ قلد فیه السلف،فإن أظهروا طریقاً غیر هذا مما یثبت عند أهل النقل رجعنا إلی قولهم،و هذا مما لا یمکنهم البتة. (2)

تقییم دلالة الحدیث

1.إن هذا الحدیث غیر وافی الدلالة وذلک:لأن إقرار النبی صلی الله علیه و آله لمعاذ-لو صحت الروایة-ربما کان لخصوصیة یعرفها النبی صلی الله علیه و آله فیه تبعده عن الوقوع فی الخطأ ومجانبة الواقع،وإلا لما خوله هذا التخویل المطلق فی استعمال الرأی.

إن قلت نحتمل عدم الخصوصیة:

قلنا:نفهم من عدم الإستفصال و الإستفسار عن أقسام الرأی التی یستعملها من الآراء التی سلم عدم حجیتها حتی من قبل القائلین بالقیاس ندرک هذه الخصوصیة،ولا أقل من احتمالها.

ومع هذا الاحتمال لا یتم الإستدلال به إلا بعد دفع الخصوصیة،وهی لا تدفع إلا بضرب من القیاس الظنی،ولزوم الدور به فی هذا النوع من الإستدلال واضح.

2.إن هذا الحدیث وارد فی خصوص باب القضاء،وربما إختص باب القضاء بأحکام لا تسری إلی عالم الإفتاء،لما تقتضیه لوازم فض الخصومات من إستعمال بعض العناوین الثانویة أحیاناً،فتعمیمه إلی عوالم الإفتاء و العمل الشخصی للمجتهد موقوف علی الغاء هذه الفوارق،ولا یکون إلا من طریق السبر و التقسیم،أو غیرها من مسالک العلة المظنونة،فیلزم الدور أیضاً بنفس التقریب السابق.

ص:187


1- (1) .هامش الأحکام السلطانیة،لمحمد بن الحسین الفراء،ص46.
2- (2) .المصدر.

وبالتالی کنتیجة،فإذا علمنا بأن عندنا نوعین من الرأی أحدهما فاسد،و هو المردوع عنه،والآخر صحیح،و هو الذی أقر علیه معاذ،فمع الشک بحجیة القیاس الظنی-والمفروض أننا شاکون،ولذلک إحتجنا إلی هذه الأدلة-لا یصح الرجوع فیها إلی هذا الحدیث،وإلا لزم التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة،بداهة أن الحکم فی القضایا الحقیقیة لا یمکن أن یثبت موضوعه.

ص:188

الخلاصة

1.إدعی أن حدیث معاذ یدل علی القیاس; لأنه حین سئل عن طریقه لإستنباط الحکم الشرعی قال:آخذ بالکتاب العزیز،و إن لم أجد بالسنة الشریفة،و إن لم أجد فباجتهادی،فعندئذ ضرب النبی صلی الله علیه و آله صدره وأمضی عمله.

2.حدیث معاذ لا یستقیم فی سنده ولا دلالته علی القیاس وعلی فرض التغافل فإنه وارد فی خصوص باب القضاء.

الأسئلة

1.قرب دلالة حدیث معاذ علی القیاس؟

2.لماذا یعد حدیث معاذ ضعیفاً ولا یصح الإعتماد علیه؟

3.هل نعرف من حدیث معاذ للقیاس عدم الخصوصیة فیه،لماذا؟

4.ما هو المعارض للأخذ بحدیث معاذ علی فرض تمامیته علی حجیة القیاس؟

ص:189

ص:190

الأصل السادس-الاستحسان

اشارة

ص:191

مقدمة

الإستحسان من الأدلة التی وقع فیها إختلاف شدید،و هو عند الشافعی«تشریع محرم»،وعند مالک«تسعة أعشار العلم»ویستعمله فی استنباط الأحکام فی موارد کثیرة،وادعی أن عبدالله بن عمر أول من اعتبره من الأدلة ووسعه أبوحنیفة ورفعه فی جنب القیاس!

الإستحسان عند الشیعة الإمامیة علی أکثر التعاریف لا یعتنی به،و إن عرف ب«الأخذ بأقوی الدلیلین»کما علیه البعض یمکن أن نجعله دلیلاً،ولکن مع ذلک لا یستحق أن یرتقی به کدلیل مستقل فی مقابل الکتاب الکریم و السنة و العقل و الإجماع،وستری أن المجال واسع للتحقیق إن عرفنا مشارع وأُصول البحث.

ص:192

38-الإستحسان(1)

اشارة

ما هی مکانة الإستحسان فی الإستنباط؟

الإستحسان فی اللغة

هو«عد الشیء حسناً سواء کان الشیء من الأُمور الحسیة أو المعنویة». (1)

الإستحسان فی الإصطلاح

فی الواقع تحدید معنی إصطلاحی للإستحسان متفق علیه لدی الأصولیین مشکل وتعریفاتهم تختلف حالها.أنظر التعاریف التالیة:

1.البزودی من الأحناف یعرف الإستحسان قائلاً:هو«العدول عن موجب قیاس إلی قیاس أقوی منه،أو هو تخصیص قیاس بدلیل أقوی منه». (2)

2.الشاطبی المالکی:الإستحسان:العمل بأقوی الدلیلین. (3)

3.الطوفی الحنبلی:«العدول بحکم المسألة عن نظائرها لدلیل شرعی خاص». (4)

4.وذکر شیخ الحنابلة ابن قدامة ثلاثة معانی له:

أحدها:«العدول بحکم المسألة عن نظائرها لدلیل خاص من کتاب أو سنة».

ثانیها:«ما یستحسنه المجتهد بعقله».

ص:193


1- (1) .سلم الوصول،ص296.وانظر:الصحاح5:2099،مختار الصحاح:136،القاموس المحیط 4:201.
2- (2) .مصادر التشریع الاسلامی فی ما لانص فیه،ص58.وانظر:کشف الأسرار للبخاری 4:4.
3- (3) .المصدر،ص 70،وانظر:الموافقات 4:208.
4- (4) .المصدر،ص 70.

ثالثها:«دلیل ینقدح فی نفس المجتهد لا یقدر علی التعبیر عنه». (1)

و قد تری أن تعاریف الأعلام تختلف فیما بینها إختلافاً شدیداً.

و قد ذکر السرخسی فی مبسوطه تعاریف أُخری أعرضنا عنها; لأنها تشبه تسجیعات الأُدباء. (2)

الأُصول الحاکمة علی التعاریف
اشارة

قد حاول بعض الأُصولیین إرجاع مفاهیم هذه التعاریف بعضا إلی بعض،أی إرجاع الخاص منها إلی العام لکن دون جدوی ویصعب التقاؤها فی قدر جامع،وتصور الجامع لها لا یخلو من تعسف فلابد من إستعراضها جمیعاً.لکن یمکن عودها إلی أصول أربعة:

الإستحسان وأقوی الدلیلین؛

الإستحسان و العرف؛

الإستحسان و المصلحة؛

الإستحسان وبعض الحالات النفسیة.

1-الإستحسان وأقوی الدلیلین
اشارة

مر علیک فی بعض تعاریف الإستحسان بأنه العمل أو الأخذ بأقوی الدلیلین،و هذا التعریف بعمومه شامل لأُمور:

الأول-الإختلاف فی الدلیلین
أ)الإختلاف بین الدلیلین اللفظیین

الإختلاف إذا کان بین دلیلین لفظیین،وأحدهما أهم و الآخر مهم،والإدراک فی تقدیم الدلیل الأهم فی باب تزاحم الأدلة اللفظیة فإنه لا یعدو کونه من قبیل تعیین الحجة الفعلیة من بینها; إذ لا نحتمل فی حق الشارع المقدس أن یلزمنا بالمهم ویرفع الید عن التکلیف بالأهم،لإستحالة ترجیحه للمرجوح علی الراجح،ومع إستحالة إمتثالهما-کما هو الفرض-فإنه یتعین أن یکون المرتفع هو التکلیف بالمهم.

ص:194


1- (1) .المصدر.وانظر روضة الناظر2:531-535.
2- (2) .انظر:أسباب اختلاف الفقهاء لعلی الخفیف،ص236،و قد نقل هذه التعاریف عن المبسوط.

والتزاحم إذا کان بین الدلیلین لأجل تساویهما من حیث الأهمیة.فإن فی تقدیم أسبقهما فی زمان الإمتثال بحکم العقل،والا فإن المکلف مخیر فی إمتثال أیهما شاء.

الإختلاف بین الدلیلین اللفظیین قد تکون له مناشئ أهمها:

1-التزاحم

ویراد بالتزاحم هنا صدور حکمین من الشارع المقدس وتنافیهما فی مقام الإمتثال اتفاقاً،إما لعدم القدرة علی الجمع بینهما کما هو الغالب فی باب التزاحم،أو لقیام الدلیل من الخارج علی عدم إرادة الجمع بینهما.

وفی مثل هذا الحال لابد من الرجوع إلی مرجحات باب التزاحم المعروفة فی کتب الشیعة الإمامیة (1)،والتی أنسبها إثنان هما:

1.تقدیم ما کان أهم منهما علی غیره.ومقیاس الأهمیة إحساس المجتهد بأن أحد الدلیلین أهم فی نظر الشارع من غیره کتقدیم الصلاة التی لا تترک بحال بآخر مراتبها علی أی واجب آخر.

2.تقدیم أسبقهما فی زمان إمتثاله مع تساویهما من حیث الأهمیة.کتقدیم صلاة الظهر علی صلاة العصر فیما لو إنحصرت قدرته علی الأداء فی الإتیان بإحدی الصلاتین مثلاً.

ص:195


1- (1) .انظر:فوائد الاصول 4:709،ونهایة الأفکار 4 ق 2:132،ومصباح الأصول 3:357 وأصول الفقه للمظفر 4:217 وما بعدها.
الخلاصة

1.یمکن عود تعاریف الاستحسان إلی أصول أربعة تدور حوله،وهی الاستحسان و العرف،الاستحسان و المصلحة،الاستحسان وبعض الحالات النفسیة.

2.التزاحم بمعنی صدور حکمین من الشارع المقدس وتنافیهما فی مقام الإمتثال اتفاقاً،أو لقیام الدلیل من الخارج علی عدم الإرادة.

3.أهم مرجحات باب التزاحم:

أ)تقدیم ما کان أهم منهما علی غیره؛

ب)تقدیم أسبقهما فی اثنان:زمان امتثاله مع تساویهما من حیث الأهمیة.

الأسئلة

1.اذکر تعاریف کل من البزودی و الشاطی و الطوفی للمعنی الاستحسان.

2.هل یمکن إرجاع مفاهیم الاستحسان إلی أصول تحکم علیه،وکیف؟

3.ما المراد من الاستحسان وأقوی الدلیلین؟

4.ماهی مناشئ الاختلاف بین الدلیلین اللفظیین؟

ص:196

39-الاستحسان(2)

2-التعارض
اشارة

المراد من التعارض:هو التمانع بین دلیلین بالنظر إلی أن کلاً منهما یکشف عن حکم ینقض ما یکشف عنه الآخر فی مقام الجعل و التشریع لا فی مقام الطاعة والامتثال.

ومما لایخفی أن أمر التعارض یختلف باختلاف صور المسألة،و هو علی أقسام:

1.التعارض البدوی (1):هو الذی یعود إلی المضامین،بعد المفروغیة عن صدور الدلیلین من الشارع المقدس.و هو الذی یزول بأدنی ملاحظة،وینتظم فی هذا القسم أُمورٍ:

أ)تعارض العام و الخاص،ویتقدم الخاص علی العام بمقتضی الجمع العرفی؛

ب)التعاریض بین الدلیلین الحاکم و المحکوم ویقدم الأول علی الثانی إن کان لسانه-عرفاً-لسان بیان وشرح للمراد من الأدلة الأولیة.

ج)التعارض بین الناسخ و المنسوخ،ومن الثابت أن دلیل الناسخ لا یزید علی کونه شارحاً للمراد من الدلیل المنسوخ وقرینة علی عدم إرادة الظهور وحاله حال التخصیص. (2)

2.التعارض المستقر (3):ویسمی بالتعارض المستحکم أیضاً،و هو الذی لا یزول بأدنی ملاحظة ولا یری العرف طریقاً للجمع بین مضامین ما تحقق فیه،کما فی المتباینین أو العامین من وجه.ومرجع التسمیة:صحیحة وردت عن الإمام الصادق علیه السلام:«إذا ورد علیکم حدیثان

ص:197


1- (1) .فوائد الاصول 4:715 وما بعدها.
2- (2) .والمزید الفائدة،راجع:البیان فی تفسیر لقرآن،السید الخوئی،ص291.
3- (3) .فوائد الاصول 4:703-704.

مختلفان فاعرضوهما علی کتاب الله،فما وافق کتاب الله فخذوه،وما خالف کتاب الله فردوه،فإن لم تجدوه فی کتاب الله فاعرضوهما علی أخبار العامة،فما وافق أخبارهم فذروه،وما خالف أخبارهم فخذوه». (1)

هذه الروایة عرضت للمرجحات المضمونیة وهی لا تفترض عادة،إلا بعد تساوی الروایتین المتعارضتین من حیث السند ولیس فی إحداهما ما یوجب الإطمئنان بالصدور.

ومن هذه الصحیحة ندرک أن الترجیح المضمونی لا یتجاوز أحد الأمرین التالیین من مرجحات،و إذا لم تتوفر هذه المرجحات کُلاً أو بعضاً فالمرجع التساقط،کما هو مقتضی القاعدة لدوران الأمر بین الحجة و اللاحجة فیهما،أو التخییر علی قول،ولم نعرف من الفقهاء من عمل به.

أولاً-موافقة الکتاب ومخالفته

ویراد بموافقة الکتاب أن یکون الحکم داخلاً ضمن إطار أحکامه العامة أو الخاصة،وبالمخالفة أن یصادمها علی نحو التباین أو العموم و الخصوص من وجه،أی فی المواضع التی لا یمکن فیها الجمع العرفی أصلاً.

ومن تقدیم هذا المرجح علی موافقة العامة وجعل المرجح الثانی فی طوله،ندرک أن موافقة الکتاب وعدم مخالفته هی المقیاس الأول،کانت هناک موافقة للعامة أو مخالفة لها،فالحدیث الموافق للکتاب أو غیر المخالف یؤخذ به علی کل حال،وافق العامة أم لم یوافقها،والحدیث المخالف للکتاب یطرح سواء وافق العامة أم خالفها.

ثانیاً-مخالفة وموافقة العامة

والمراد بالعامة هنا أولئک الرعاع وقادتهم من الفقهاء الذین کانوا یسیرون برکاب الحکام ویبررون لهم جملة تصرفاتهم بما یضعون لهم من حدیث حتی انتشر الوضع علی عهدهم انتشاراً فظیعاً صحح لمثل یحیی بن سعید القطان أن یقول:«لو لم أرو إلا عمن أرضی ما رویت إلا عن خمسة»ولیحیی بن معین قوله:«کتبنا عن الکذابین وسجرنا به التنور وأخرجنا

ص:198


1- (1) .بحار الأنوار،ج2،ص235،ج 20؛وسائل الشیعة 27:118؛کتاب القضاء باب(9)وجوه الجمع بین الأحادیث المختلفة ح 29.

خبزاً نضیجاً»إلی غیرها من آراء وأقوال أرباب الجرح و التعدیل.

ولیس المراد بالعامة فی الصحیحة وأمثالها أُولئک الأئمة الذین عرفوا بعد حین بأئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم; لأن هؤلاء الأئمة ما کان بعضهم علی عهد الإمام الصادق علیه السلام کالشافعی،وابن حنبل،والذین کانوا علی عهده ما کان لهم ذلک الشأن،بحیث یکونون رأیاً عاماً لیصح إطلاق لفظ العامة علیهم وعلی أتباعهم.

إذن،إذا وجدنا حدیثین لا تعرض للکتاب لمضمونهما أحدهما موافق للعامة وهم ممن یستسیغون الکذب علی المعصوم،والآخر مخالف لهم،لابد وأن یکون الموافق هو الذی یستحق وضع علامات الإستفهام علیه.

ص:199

الخلاصة

1.التعارض هو التمانع بین دلیلین بالنظر إلی أن کلاً منهما یکشف عن حکم ینقض ما یکشف عنه الآخر فی مقام الجعل و التشریع لا فی مقام الطاعة و الإمتثال.

2.إن الترجیح مضمونی المستقر-المستفاد من الصحیحة المشار إلیها فی الدرس-لایتجاوز أحد الأمرین التالیین:

أ)موافقة الکتاب ومخالفته؛

ب)مخالفة وموافقة العامة؛

3.الفرق بین التعارضین هو أن التعارض البدوی بعد إجراء الأُصول فیه یزول فی حال أن المستقر إذا استقر نأخذ به،و إن لم تتوفر فیه المرجحات کُلاً أو بعضاً،فالمرجع التساقط أو التخییر علی قول.

الأسئلة

1.ما المراد من التعارض؟

2.أذکر الأنواع الرئیسة للتعارض؟

3.أذکر أقسام التعارض البدوی؟

4.ما هو السر فی تقدیم الدلیل الحاکم علی الدلیل المحکوم؟

5.ما الفرق بین التعارض المستقر و البدوی؟

ص:200

40-الاستحسان(3)

اشارة

ما هی موارد الإختلاف فی الأدلة اللفظیة وغیر اللفظیة إذا عرفنا الإستحسان بالأخذ بأقوی الدلیلین؟

ما هی حجیة دلیل الإستحسان؟

ب)الإختلاف فی الأدلة غیر اللفظیة

والأمر فی الأدلة غیر اللفظیة یختلف بالنحو التالی:

1.أن یکون الدلیلان فی رتبتین کما هو الشأن فی الاستصحاب وأصل البراءة،قدم السابق رتبة وأعتبر أقوی من لاحقة-إن صح هذا التعبیر.

2.أن یکون الدلیلان فی رتبة واحدة وکان أحدهما أقوی من الآخر-کما هو الشأن فی التماس علل الأحکام فی القیاس إذا کانت مستنبطة-قدم القیاس ذو العلة الأقوی بناء علی حجیة أصل القیاس،و قد قصر تعریف الإستحسان فی بعض الألسنة علی:تقدیم قیاس أقوی علی قیاس.

3.أن یکون الدلیلان متساویین فی الرتبة وتعارضا،تساقطا حتماً،ویرجع إلی الأدلة اللاحقة لها فی الرتبة.

ج)الإختلاف بین الأدلة اللفظیة وغیرها
اشارة

وفی هذا الحال،لابد من تقدیم الدلیل اللفظی وما هو برتبته علی غیره من الأدلة; لما سبق من بیان حکومته علی غیرها من الأُصول،ما لم یکن بعض هذه الأُصول مزیلاً لموضوعها،کما هو الشأن فی الإستصحابات الموضوعیة بالنسبة إلی بعض الأدلة اللفظیة.

ص:201

2-الإستحسان و العرف

وینتظم فیه ما أُخذ فی الاستحسان من رجوعه إلی العرف،کالاستحسان فی عقد الإستصناع«و هو عقد علی معدوم وصح إستحسانا لأخذ العرف به»و هذا النوع من الإستحسان من صغریات مسألة«العرف»وحجیته. (1)

3-الإستحسان و المصلحة

ویدخل ضمن هذا النوع ما یرجع منه إلی إدراک العقل لمصلحة توجب جعل حکم من الشارع له علی وفقها،و هذا ما یرجع إلی«الإستصلاح»،وسیأتی الحدیث عنه فی مبحث«المصالح المرسلة»وتشخیص ما یصلح للحجیة منه. (2)

4-الإستحسان وبعض الحالات النفسیة
اشارة

وینتظم فیه من تعاریف الإستحسان أمثال قولهم:«دلیل ینقدح فی نفس المجتهد لا یقدر علی التعبیر عنه».

ومثل هذا النوع من الإستحسان لا یمکن عده من مصادر التشریع لکونه عرضة لتحکم الأهواء فیه بسبب من عدم ذکر الضوابط له،حتی فی أنفس المستحسنین کما هو الفرض،علی أنه لا دلیل علیه،اللهم إلا أن یدعی بعض أصحابه حصول القطع منه أحیاناً،وربما کانت وجهة نظر القائلین«بالذوق الفقهی»تلتقی هذا النوع من الاستحسان،إلا أن حجیته مقصورة علی مدعی القطع به من الفقهاء ومقلدیهم خاصة،وهی لیست من القواعد المحددة لیمکن أن تکون أصلاً قائماً برأسه کسائر الأصول.

حجیة الإستحسان

و قد إستدلوا علی حجیة الإستحسان بعدة أدلة أهمها; آیات من الکتاب الکریم وکلام منسوب إلی النبی الکریم صلی الله علیه و آله،و أما الاستدلال بالإجماع فمما لا یمکن الالتفات إلیه.

ص:202


1- (1) .سیأتی أنه لا یکون حجة ودلیلاً إلا إذا وصل الحکم الذی یقوم علیه إلی زمن المعصومین وأقر من قبلهم،وعندها یکون إقرار المعصوم هو الدلیل لا الإستحسان العرفی وإقرار المعصوم من السنة کما مر.
2- (2) .وسیأتی إرجاع المصالح المرسلة إلی صغریات حجیة العقل وإنها لیست من الأصول القائمة بذاتها.
الأول-أدلتهم من الکتاب

قوله تعالی: اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ . (1)

وأیضاً قوله تعالی: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ . (2)

تقریب الاستدلال:إن الله تعالی مدحهم علی اتباع أحسن ما یستمعونه من القول فی الآیة الأُولی،وألزمهم باتباع أحسن ما أنزل إلیهم من ربهم فی الآیة الثانیة،والمدح و الإلزام أمارة جعل الحجیة له.

الجواب:

ویرد علی الإستدلال بهاتین الآیتین ونظائرهما عدة اشکالات:أهمها:

أولاً:إن هذه الآیات استعملت لفظة(أَحْسَنَ)فی مفهومه اللغوی،و هو أجنبی عما ذکروه لها من المعانی الإصطلاحیة،ولو سلم فعلی أیها ینزل لیصلح للدلیلیة علیه؟مع أنها متباینة; نعم،القائلون بأن الإستحسان هو الأخذ بأقوی الدلیلین یمکنهم التمسک بهذه الآیات.

ثانیاً:إن الآیة اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ افترضت أن هناک أقوالاً بعضها أحسن من بعض،وترجیح بعض الأقوال علی بعض إذا کانت صادرة من شارع،نظراً لأهمیتها-کما هو مقتضی التعبیر عنها بکونها أحسن-إنما هو من شؤون الکتاب و السنة.

توضیح:من الواضح أن ترجیح دلیل لفظی علی دلیل عند المزاحمة أو المعارضة یعود فی واقعه إلی تعیین الحجة الفعلیة من بین الأقوال،فهو راجع إلیها،فعد الإستحسان دلیلاً فی مقابلها-بأمثال هذه الآیات-لا یتضح وجهه،ومن الواضح أن الأخذ بأقوی الدلیلین لا یتعدی الأخذ بأحدهما فهو لیس دلیلاً فی مقابلهما.

ص:203


1- (1) .الزمر:من الآیة 18.
2- (2) .المصدر:من الآیة 55.
الخلاصة

1.الاستحسان-إذا عرف بالعمل و الأخذ بأقوی الدلیلین-یمکن تصور الاختلاف فیه بین الأدلة اللفظیة علی ثلاثة أنحاء:

أ)أن یکون الدلیلان فی رتبتین؛

ب)أن یکون الدلیلان فی رتبة واحدة؛

ج)أن یکون الدلیلان متساویین.

2.الإستحسان-إذا عرف بأنه دلیل ینقدح فی نفس المجتهد-لا یمکن عده من مصادر التشریع لکونه عرضة لتحکم الأهواء فیه بسبب من عدم ذکر الضوابط له،وربما کانت وجهة نظر القائلین«بالذوق الفقهی»تلتقی هذا النوع من الإستحسان.

3.الدلیل علی حجیة الاستحسان من الکتاب بالآیات الآمره باتباع القول الأحسن،فهی ناظرة إلی اتباع الأحسن فی خصوص ما أُنزل من الشارع-من الکتاب و السنة-وبناء علی من نزلها فی الإستفادة فی الإستحسان بمعنی ترجیح دلیل لفظی علی دلیل عند المزاحمة أو المعارضة،فهی تعود إلی تعیین الحجیة الفعلیة من بین الأقوال،وبالتالی الإستحسان راجع إلیها.

الأسئلة

1.ما المراد من رجوع الإستحسان إلی العرف؟

2.بین معنی قولهم:إن الإستحسان دلیل ینقدح فی نفس المجتهد؟

3.هل تلقی الإستحسان من الحالات النفسیة التی تنقدح فی نفس المجتهد تسمی الذوق الفقهی؟لماذا؟

ص:204

41-الاستحسان(4)

الثانی-أدلتهم من السنة

و قد إستدلوا بما روی عن عبدالله بن مسعود من أنه قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» (1)

ویرد علی الإستدلال بها:

أولاً:إنها موقوفة علی ابن مسعود ولم یروها أحد عنه عن رسول الله صلی الله علیه و آله (2)،وربما کانت کلاماً له لا حدیثاً عن النبی صلی الله علیه و آله،ومع هذا الإحتمال لا تصلح للدلیلیة أصلاً.

ثانیاً:والظاهر أن هذه الروایة-لو صح ورودها عن النبی صلی الله علیه و آله فإنما هی تصلح إما:

أ)لتأکید قاعدة الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرع،أی:ما أطبق العقلاء علی حسنه فهو عند الله حسن،و هذا إنما یتم إذا أردنا من لفظة المسلمین،المسلمین-بما أنهم عقلاء-؛

ب)و إما أن تکون من أدلة الإجماع إذا اعتبرنا خصوصیة لهذه اللفظة(المسلمین)وحملناها علی العموم المجموعی.

ثالثاً:إطلاق لفظ الحسن علی الاستحسان بالمعنی المصطلح فی هذه الروایة لا دلیل علیه لیکون الاستحسان من المعانی المستحدثة لدی المتأخرین،فکیف یصح نسبة مضمونها إلی ابن مسعود؟ومع الغض عن ذلک،فأی معانی الإستحسان التی عرضناها ینطبق علیه هذا التعبیر؟

ص:205


1- (1) .ابطال القیاس و الرأی،ص50.
2- (2) .المصدر(الهامش).
نفاة الإستحسان وأدلتهم

نفاة الإستحسان أظهرهم الشافعی،و قد علل وجهة نظره بقوله:«أفرأیت إذا قال المفتی فی النازلة لیس فیها نص خبر ولا قیاس،وقال:أستحسن،فلابد أن یزعم أن جائزاً لغیره أن یستحسن خلافه فیقول کل حاکم فی بلد ومفت بما یستحسن،فیقال فی الشیء الواحد بضروب من الحکم و الفتیا،فإن کان هذا جائزاً عندهم فقد أهملوا أنفسهم،فحکموا حیث شاءوا،و إن کان ضیقاً فلا یجوز أن یدخلوا فیه». (1)

نقد وتحلیل

أولاً:ومثل هذا الکلام غریب علی الفن لانتهائه-لو تم-إلی حظر الإجتهاد مطلقاً،مهما کانت مصادره،لأن الاختلاف واقع فی الإستنباط منها،إلا نادراً،ولا خصوصیة للاستحسان فی ذلک.

ثانیاً:ویورد علیه نقضاً فی إجتهاده بمنع الإستحسان مثلاً،إذ یقال له:إذا أجزت لنفسک الإجتهاد فی منعه،فقد أجزت لغیرک أن یجتهد فی تجویزه،فیلزم الإختلاف فی الشیء الواحد بضروب من الحکم و الفتیا.

ثالثاً:الظاهر أن مراده هو الردع عن خصوص القسم الرابع من الأقسام التی ذکرناها،کما تومئ إلیه بقیة أقواله،مما لا تخضع لضوابط من شأنها أن تقلل من وقوع الإختلاف وتفسح المجال أمام المتطفلین علی منصب الإفتاء لیرسلوا کلماتهم بسهولة إستناداً إلی ما یدعونه لأنفسهم من انقداحات نفسیة وأدلة لا یقدرون علی التعبیر عنها،مما یسبب إشاعة الفوضی فی عوالم الفقه و التشریع.

رابعاً:ولکن الأنسب أن نقول:إن الإستحسان بهذا المعنی-ما ینقدح فی نفس المجتهد-لم یقم الدلیل علی حجیته،لأن ما ذکروه من الأدلة لا یصلح-علی الأقل-لإثبات ذلک علی الخصوص،ویکفی شکنا فی الحجیة للقطع بعدمها.کما یقول ابن القفال-ما یقع فی الوهم من إستقباح الشیء وإستحسانه من غیر حجة دلت علیه من أصل ونظیر فهو محظور و القول به غیر سائغ». (2)

ص:206


1- (1) .فلسفة التشریع الإسلامی،ص174.
2- (2) .إرشاد الفحول إلی تحقیق الحق مع علم الاصول،ص241.
الخلاصة

1.روایة:ما رآه المسلمون حسناً فهو عندالله حسن لا تصلح لحجیة الاستحسان لأنها إما لتأکید قاعدة الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرع،و إما تشیر إلی دلیل الإجماع.

2.الاستحسان بمعنی ما ینقدح فی نفس المجتهد لم یقم الدلیل علی حجیته.

الأسئلة

1.أُذکر الحدیث الذی استندوا إلیه علی حجیة الاستحسان؟

2.ما هی المناقشة الواردة علی حدیث ابن مسعود؟

3.أُذکر نفاة الإستحسان وبین دلیلهم؟

ص:207

ص:208

الأصل السابع:المصالح المرسلة

اشارة

ص:209

مقدمة

هذا الترکیب الحاضر-المصالح المرسلة-لایستقیم علی شیء،أما من حیث الاسم فبعض رادف بینها وبین الاستصلاح کما رادف آخر بینها وبین الإستدلال.

و أما التعاریف لاتحکم عن واقع واحد،والکلام حول مشروعیته للإستنباط و الأحکام المرتبة علیه،فصار معرکة لآراء الأُصولیین من کل مذهب:بعض غالی فیه و قدمه علی أصل الإجماع وآخر نفاه وجعله تشریعاً محرماً وکثرة الخلاف تمنع بعض الذمة من الإسلام العزیز.

ومن الواضح أن الآراء اذا اختلفت وتعددت فی غیر البحث الموضوعی اتبع بعض رخص بعض المذاهب،فیفضی إلی مفسدة الإنحلال و الفجور کما قال بعضهم:

ومن وراء ذلک کله عوامل لاترتبط بالدین وکانت السیاسة من وراء أکثرها.

فالحق-کما سترون-أن المصالح المرسلة إن استفیدت من النصوص و القواعد العامة فملحقة بالسنة الشریفة،و إن أدرکها العقل فهو أحق منها.

ص:210

42-المصالح المرسلة(1)

اشارة

ما معنی المصالح المرسلة؟

ولتحدید معنی المصالح المرسلة لابد من تحدید معنی المصلحة أولاً،ثم تحدید معنی الإرسال فیها لیتضح معنی هذا الترکیب الخاص.

المصلحة فی اللغة:جلب منفعة أو دفع مضرة.

الإرسال فی اللغة:الإطلاق و الإهمال. (1)

المصلحة عند الأُصولیین

1.الغزالی:«المحافظة علی مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة:و هو أن یحفظ علیهم دینهم،ونفسهم،وعقلهم،ونسلهم،ومالهم:فکل ما یتضمن هذه الأُصول الخمسة فهو مصلحة،وکل ما یفوت هذه الأُصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة». (2)

2.الطوفی:«السبب المؤدی إلی مقصود الشرع عبادة وعادة»وأراد بالعبادة«ما یقصده الشارع لحقه»والعادة«ما یقصده الشارع لنفع العباد وانتظام معایشهم وأحوالهم». (3)

معنی الإرسال عند الأُصولیین

1.عدم الإعتماد علی أی نص شرعی،وإنما یترک للعقل حق إکتشافها.

ص:211


1- (1) .أرسَلَ الشیءَ:أطلقه وأهمله.یقال:أرسلتُ الطائَر من یدی ویقال:أرسل الکلامَ:اطلقه من غیر تقیید.(المعجم الوسیط«ماده رسل».)
2- (2) .المستصفی،ج1،ص140.
3- (3) .رسالة الطوفی المنشورة فی مصادر التشریع،ص93.

2.عدم الإعتماد علی نص خاص،وإنما تدخل ضمن ما ورد فی الشریعة من نصوص عامة.

وکما تری أن تعریفهم للإرسال قد وقع موقع الإختلاف،واستناداً إلی هذا التفاوت فی معنی الإرسال تفاوتت تعاریف المصلحة المرسلة.

تعاریف المصالح المرسلة

1.ابن برهان یعرفها:«ما لا تستند إلی أصل کلی أو جزئی». (1)وربما رجع إلی هذا التعریف ما ورد علی لسان بعض الأُصولیین المحدثین«من أنها الوصف المناسب الملائم لتشریع الحکم الذی یترتب علی ربط الحکم به جلب نفع أو دفع ضرر،ولم یدل شاهد من الشرع علی اعتباره أو الغائه». (2)

2.الأُستاذ المعروف الدوالیبی یقول:«الإستصلاح (3)فی حقیقته هو نوع من الحکم بالرأی المبنی علی المصلحة،وذلک فی کل مسألة لم یرد فی الشریعة نص علیها،ولم یکن لها فی الشریعة أمثال تقاس بها،وإنما بنی الحکم فیها علی ما فی الشریعة من قواعد عامة برهنت علی أن کل مسألة خرجت عن المصلحة لیست من الشریعة بشیء،وتلک القواعد هی مثل قوله تعالی: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ (4)وقوله علیه الصلاة و السلام:«لا ضرر ولا ضرار». (5)

توجه:

إن التعاریف التی نقلناها،لا تحکی عن واقع واحد لیلتمس تعریفه الجامع المانع من بینها،وربما إختلف الحکم فیها لدیهم باختلاف مفاهیمها فلا جدوی بمحاکمتها.

والأنسب أن تعرض أحکامها وتحاکم علی أساس ما ینتظمها من الأدلة نفیا أو إثباتا علی أسس من تعدد المفاهیم.

ص:212


1- (1) .إرشاد الفحول،ص242.
2- (2) .سلم الوصول إلی علم الأصول،ص309.
3- (3) .أخد الأستاذ الدوالیبی معنی المصالح المرسلة بمعنی«الإستصلاح»وفی الواقع،قد رادف بعض الأصولیین بین المصالح المرسلة وبین«الإستصلاح»کما هو صریح کلامهم،هو بناء الحکم علی المصلحة المرسلة لا أنه عینها،کما أن الإستدلال إنما یکون بها لا أنها عین الإستدلال.منه*.
4- (4) .النحل(16)،90.
5- (5) .المدخل إلی أصول الفقه،ص284.
تقسیم الأحکام المترتبة علی المصلحة

و قد قسموا أحکامها المترتبة علیها-بلحاظ ما لمصالحها من رتب-إلی أقسام ثلاثة وذکروا لها ثمرات،أهمها تقدیم بعضها علی بعض فی مجالات التزاحم فهی مرتبة من حیث الأهمیة،فالأول منها مقدم علی الأخیرین و الثانی علی الثالث.

1.الضروری:«و هوالتضمن لحفظ مقصود من المقاصد الخمس التی لم تختلف فیها الشرائع،بل هی مطبقة علی حفظها». (1)یقول الغزالی:«فهی أقوی المراتب فی المصالح،ومثاله قضاء الشرع بقتل الکافر المضل،وعقوبة المبتدع الداعی إلی بدعته،فإن هذا یفوت علی الخلق دینهم،وقضاؤه بإیجاب القصاص; إذ به حفظ النفوس،وإیجاب حد الشرب; إذ به حفظ العقول التی هی ملاک التکلیف،وإیجاب حد الزنی; إذ به حفظ النسل و الأنساب،وإیجاب زجر الغصاب و السراق; إذ به یحصل حفظ الأموال التی هی معاش الخلق وهم مضطرون إلیها». (2)

2.الحاجی:وأرادوا به«ما یقع فی محل الحاجة لا الضرورة» (3)کتشریع أحکام البیع،والإجارة،والنکاح لغیر المضطر إلیها من المکلفین. (4)

3.التحسینی:وأرادوا به ما یقع ضمن نطاق الأُمور الذوقیة،کالمنع عن أکل الحشرات،واستعمال النجس فیما یجب التطهیر فیه،أو ضمن ما تقتضیه آداب السلوک کالحث علی مکارم الأخلاق،ورعایة أحسن المناهج فی العادات و المعاملات.

ص:213


1- (1) .إرشاد الفحول،ص216.
2- (2) .المستصفی،ج1،ص140.
3- (3) .إرشاد الفحول،ص216.
4- (4) .المستصفی،ج1،ص140.
الخلاصة

1.المصلحة عند الغزالی:المحافظة علی مقصود الشرع فی الأُمور الخمسة:حفظ الدین و النفس و العقل و النسل و المال.

2.المصالح المرسلة:الوصف المناسب الملائم لتشریع الحکم الذی یترتب علی ربط الحکم به جلب نفع أو شاهد من الشرع علی اعتباره أو الغائه.

3.الأحکام المرتبة علی المصلحة ثلاثة:الضروری،الحاجی و التحسینی.

الأسئلة

1.ما هو تعریف ابن برهان للمصالح المرسلة؟

2.ما معنی الإرسال عند الأُصولیین؟

3.ما المراد من المصلحة فی الحاجی و التحسینی؟

ص:214

43-المصالح المرسلة(2)

اشارة

ما هی آراء المذاهب فی المصالح المرسلة؟

قد وقع إختلاف بین المدارس الإسلامیة فی حجیة المصالح المرسلة،فبعض أنکرها من الأساس و البعض الآخر غالی فیها،ولعل الفصل فی هذه الأقوال نفیاً أو إثباتاً یتضح مما عرضوه من أدلة للحجیة.

1.مالک وأحمد ومن تابعهما:إن الاستصلاح طریق شرعی لاستنباط الحکم فیما لا نص فیه ولا إجماع. (1)

2.والطوفی من علماء الحنابلة:اعتبرها الدلیل الشرعی الأساس فی السیاسات الدنیویة و المعاملات،و قدمها علی ما یعارضها من النصوص عند تعذر الجمع بینها. (2)

3.والشافعی ومن تابعه:لا إستنباط بالإستصلاح،ومن إستصلح فقد شرع کمن استحسن،والإستصلاح کالإستحسان متابعة للهوی. (3)وللغزالی و هو من الشافعیة تفصیل فیها،وخلاصة ما انتهی إلیه فی ذلک اعتبار أُمور ثلاثة إن توفرت فی شیء ما کشفت عن وجود الحکم فیه،وهی:

أ)کون المصلحة ضروریة;

ب)کونها قطعیة;

ج)کونها کلیة. (4)

ص:215


1- (1) .مصادر التشریع،ص73.
2- (2) .المصدر،ص81.
3- (3) .المصدر،ص74.
4- (4) .المستصفی،ج1،ص141.

و هذا کله إذا وقعت فی مرتبة الضروری،و إن وقعت فی مرتبة الحاجی فقد رأی فی المستصفی ردها،وفی شفاء الغلیل قبولها.

4.أما الأحناف فالمنسوب إلیهم أنهم لا یقولون بالمصالح المرسلة،ولا یعتبرونها دلیلا.

5.إن الشیعة لا یقولون بالمصالح المرسلة إلا ما رجع منها إلی العقل علی سبیل الجزم،کما هو مقتضی مبناهم الذی عرضناه فی دلیل العقل،وما عداه فهو لیس بحجة.

یقول المحقق القمی:«والمصالح المرسلة إما معتبرة فی الشرع وبالحکم القطعی من العقل من جهة إدراک مصلحة خالیة من المفسدة کحفظ الدین و النفس و العقل و المال و النسل،فقد إعتبر الشارع صیانتها وترک ما یؤدی إلی فسادها». (1)

أدلة المثبتین
اشارة

قد استدل المثبتون علی حجیة المصالح المرسلة بأدلة من العقل،وبسیرة الصحابة،وأُصول أُخری مثل حدیث لا ضرر،نأتی بها علی ترتیب ما ذکروه فی التقدیم و التأخیر.

الأول-أدلة الحجیة من العقل

1.إن الأحکام الشرعیة إنما شرعت لتحقیق مصالح العباد،و إن هذه المصالح التی بنیت علیها أحکام الشریعة معقولة،أی مما یدرک العقل حسنها،کما أنه یدرک قبح ما نهی عنه،فإذا حدثت واقعة لا نص فیها«وبنی المجتهد حکمه فیها علی ما أدرکه عقله من نفع أو ضرر،کان حکمه علی أساس صحیح معتبر من الشارع،ولذلک لم یفتح باب الإستصلاح إلا فی المعاملات ونحوها مما تعقل معانی أحکامها فلا تشریع فیها بالإستصلاح». (2)

والجواب:

هذا الإستدلال لا یتم إلا علی مبنی من یؤمن بالتحسین و التقبیح العقلیین،والدلیل-کما ترون-قائم علی الاعتراف بإمکان إدراک العقل لذلک.

و قد سبق أن قلنا:إن العقل قابل للإدراک،ولو أدرک علی سبیل الجزم کان حجة قطعاً; لکشفه عن حکم الشارع،ولکن الإشکال کل الإشکال فی جزمه بذلک لما مر من أن أکثر

ص:216


1- (1) .القوانین المحکمة،ج2،ص92.
2- (2) .مصادر التشریع،ص75.

الأفعال الصادرة عن المکلفین،إما أن یکون فیها إقتضاء التأثیر أو لیس فیها حتی الاقتضاء،وما کان منها من قبیل الحسن و القبح الذاتیین فهو نادر جداً،وأمثلته قد لا تتجاوز العدل و الظلم وقلیلاً من نظائرهما.

وما فیه الإقتضاء یحتاج إلی إحراز تحقق شرائطه وإنعدام موانعه،أی إحراز تأثیر المقتضی و هو مما لا یحصل به الجزم غالباً لقصور العقل عن إدراک مختلف مجالاته،وربما کان بعضها مما لا یناله إدراک العقول کما مر عرض ذلک مفصلاً.

2.قولهم:«إن الوقائع تحدث و الحوادث تتجدد،فلو لم یفتح للمجتهدین باب التشریع بالإستصلاح ضاقت الشریعة الإسلامیة عن مصالح العباد وقصرت عن حاجاتهم،ولم تصلح لمسایرة مختلف الأزمنة و الأمکنة و البیئات و الأحوال،مع أنها الشریعة العامة لکافة الناس،وخاتمة الشرائع السماویة کلها». (1)

والجواب:

و قد أجبنا علی نظیر هذا الإستدلال فی مبحث القیاس،وبینا أن أحکام الشریعة بمفاهیمها الکلیة لا تضیق عن مصالح العباد ولا تقصر عن حاجاتهم،وهی بذلک مسایرة لمختلف الأزمنة و الأمکنة و البینات و الأحوال،وبخاصة إذا لوحظت مختلف المفاهیم بعناوینها الأولیة و الثانویة،وأُحسن تطبیقها و الإستفادة منها.

والحقیقة أن تأثیر الزمان و المکان و الأحوال إنما هو فی تبدل مصادیق هذه المفاهیم.

فالآیة الآمرة بالإستعداد بما یستطیعون له من قوة لإرهاب أعداء الله وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ... . (2)قد لا نجد لها مصداقاً فی ذلک الزمن إلا بإعداد السیوف و الرماح و الخیول وأمثالها،لأن القوة السائدة هی من هذا النوع،ولکن تبدل الزمان وتغیر وسائل الحرب حول الاستعداد إلی إعداد مختلف الوسائل السائدة فی الأُمم المتحضرة للحروب کالقنابل النوویة وغیرها،فالتبدل فی الحقیقة،لم یقع فی المفاهیم الکلیة،وإنما وقع فی أفرادها ومصادیقها.

ص:217


1- (1) .مصادر التشریع،ص75.
2- (2) .انفال:60.
الخلاصة

1.المصالح المرسلة عند مالک وأحمد طریق شرعی لاستنباط الحکم فیما لا نص فیه ولا إجماع.

2.المصالح الرسلة عند علماء الحنابلة:دلیل شرعی فی السیاسات الدنیویة و المعاملات.

3.الشافعی نفی الإستحسان وإعتبره متابعة للهوی.

4.من الأدلة العقلیة المثبتة للمصالح المرسلة أن المجتهد إذا أدرک عقله من نفع أو ضرر کان حکمه علی أساس معتبر من الشارع،ولکن الأُصولی المقارن یقول:هذا الدلیل لا یمکن المساعدة علیه لأن العقل لا یجزم إلا فی الحسن و القبح الذاتیین،وأمثلته لا تتجاوز العدل و الظلم.

الأسئلة

1.عرف الإستصلاح علی رأی مالک وأحمد؟

2.أذکر الأُمور الثلاثة التی أعتبرها العزالی فی دلیل الإستحسان؟

3.بماذا تجیب علی من آمن بالمصالح المرسلة وقال:لو لم یفتح للمجتهدین باب التشریع بالإستصلاح لضاقت الشریعة الإسلامیة عن مصادر العباد؟

ص:218

44-المصالح المرسلة(3)

اشارة

ما هو الإستدلال بسیرة الصحابة علی حجیة المصالح المرسلة؟

ما هو القول الحق فی دلیلیة المصالح المرسلة؟

الثانی-الإستدلال بسیرة الصحابة

إستدلوا أیضاً علی حجیة المصالح المرسلة بسیرة الصحابة،ومما جاء فی دلیلهم:

إن أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله لما طرأت لهم بعد وفاته حوادث وجدت لهم طوارئ شرعوا لها ما رأوا أن فیه تحقیق المصلحة،وما وقفوا عن التشریع،بل إعتبروا أن ما یجلب النفع أو یدفع الضرر حسبما أدرکته عقولهم هو المصلحة،واعتبروه کافیاً لأن یبنوا علیه التشریع و الأحکام،فأبوبکر جمع القرآن فی مجموعة واحدة،وحارب مانعی الزکاة،ودرأ القصاص عن خالد بن الولید،وعمر أوقع الطلاق الثلاث بکلمة واحدة،ووقف تنفیذ حد السرقة فی عام المجاعة،وقتل الجماعة فی الواحد،وعثمان جدد أذاناً ثانیاً لصلاة الجمعة. (1)

والجواب:

إن النقاش فی هذا النوع من الإستدلال واقع فی الصغری و الکبری.

أما المناقشة فی الصغری فلعدة نکات منها

عدم إمکان تکوین سیرة لهم من مجرد نقل أحداث عن أفراد منهم یمکن أن تنزل علی

ص:219


1- (1) .مصادر التشریع الاسلامی فیما لانص فیه،ص75 وانظر:المحصول 6:167.

هذا الدلیل أو ذاک،ومن شرائط السیرة أن یصدر المجموع عنها فی سلوکهم الخاص،وکذلک لو أُرید من هذا الدلیل إجماعهم السکوتی.

و أما المناقشة فی الکبری فلعدة نکات منها

أ)لعدم حجیة مثل هذه السیرة أو الإجماع علی أمثال هذه الأدلة،لأن هذه التصرفات غیر معللة علی السنتهم،وما یدرینا أن الباعث علی صدورها هو إدراک المصالح من قبلهم،والسیرة مجملة لا لسان لها لنتمسک به.

ب)غایة ما یمکن أن تدل علیه هو حجیة نفس ما قامت علیه من أفعال لو کانت مثل هذه السیر من الحجج التی یرکن إلیها.

قول الحق فی دلیلیة المصالح المرسلة

بناءاً علی تعریف المصالح المرسلة بأنها تستفاد المصلحة من النصوص و القواعد العامة،کما هو مقتضی استفادة الدوالیبی و الطوفی،فإن مقتضی هذا النوع من التعاریف الحاقها بالسنة،والإجتهاد فیها إنما یکون من قبیل تحقیق المناط بقسمه الأول،أی تطبیق الکبری علی صغراها بعد التماسها-أعنی الصغری-بالطرق المجعولة من الشارع لذلک،ولا یضر فی ذلک کونها غیر منصوص علیها بالذات،إذ یکفی فی الحاقها بالسنة دخولها تحت مفاهیمها العامة.

و أما علی تعاریفها الأُخر کتعریف ابن برهان فینحصر إدراکها بالعقل وهی علی قسمین:

القسم الأول:إن کان ذلک الإدراک کاملاً-أی:إدراکا للمصلحة بجمیع ما یتعلق بها فی عوالم تأثیرها فی مقام جعل الحکم لها من قبل الشارع-فهی حجة; إذ لیس وراء القطع،کما سبق تکراره،مجال لتساؤل أو استفهام.

ولکن القول بحجیتها هنا لا یجعلها دلیلاً مستقلاً فی مقابل العقل.

و أما القسم الثانی:و إن لم یکن إدراکه لها کاملاً بأن کان قد أدرک المصلحة،وإحتمل وجود مزاحم لها یمنع من جعل الحکم،أو احتمل أنها فاقدة لبعض شرائط الجعل کما هو الغالب فیها،بل لا یتوفر الإدراک الکامل إلا فی حالات نادرة وهی التی تکون المصلحة ذاتیة

ص:220

-کما سبق-فإن القول بحجیتها-أعنی هذا النوع من المصالح المرسلة-مما یحتاج إلی دلیل،ولیس لدینا من الأدلة ما یصلح لإثبات ذلک،لما قلناه من أن الإدراک الناقص-و هو الذی لا یشکل الرؤیة الکاملة-لیست حجیته ذاتیة،بل هی محتاجة إلی الجعل و الأدلة غیر وافیة بإثباته.والشک فی الحجیة کاف للقطع بعدمها.

ص:221

الخلاصة

1.إستدل علی مشروعیة المصالح المرسلة بأن أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله لما طرأت لهم الحوادث ما وقفوا عن التشریع،بل إعتبروا أن ما یجلب النفع أو یدفع الضرر حسبما أدرکته عقولهم هو المصلحة و هذا الإستدلال باطل صغیرویاً وکبرویاً.

2.من ظن أن المصالح المرسلة أصل خامس فقد أخطأ; لأنا رددنا المصلحة إلی حفظ مقاصد الشرع ومقاصد الشرع تعرف بالکتاب و السنة و الإجماع.

3.المصالح المرسلة تستفید المصلحة من النصوص و القواعد العامة کما هو مقتضی إستفادة الدولیبی و الطوفی.

الأسئلة

1.هل الإستدلال بسیرة الصحابة تام؟لماذا؟

2.هل المصالح المرسلة أصل مستقل بعد الکتاب و السنة و الإجماع و القیاس؟لماذا؟

3.ما هو القول الحق فی دلیلیة المصالح المرسلة؟

ص:222

الأصل الثامن-الذرائع وسدها

اشارة

ص:223

مقدمة

أصل فتح الذرائع وسدها علی ماسمته اصولیون من اهل السنة وبالمقدمات الواجبة و الحرام و المستحبه و المکر قدس سره وه تارة وبالواجب الغیری علی لسان الشیعة أصل جار فی عملیة الاستنباط ورتب فقهاء الإسلام علیه فروع کثیره; ولکن لایعدون کونه من صغیریات السنة اوالعقل ولایصح اعتباره أصل فی مقابل بقیه الأصول کالکتاب العزیر و السنة الشریفة.

ص:224

45-فتح الذرائع وسدها(1)

اشارة

ما هو المقصود من فتح الذرائع وسدها؟

معنی الذریعة لغة:الوسیلة التی یتوصل بها إلی الشیء. (1)

وفی الإصطلاح:یقول الشاطبی«التوسل بما هو مصلحة إلی مفسدة». (2)

وعرفها بعض المتأخرین،«ما یتوصل به إلی شیء ممنوع مشتمل علی مفسدة». (3)

یرد علی هذین التعریفین:أنهما غیر جامعین لإقتصارهما علی وسائل الأُمور المحرمة،بینما تعم الذریعة-کدلیل-جمیع الوسائل سواء کانت وسائل لمحرمات أم واجبات أم غیرهما من الأحکام،یقول القرافی:«الذریعة کما یجب سدها یجب فتحها وتکره وتندب وتباح». (4)وقریب منه قول سلام:«الذرائع إذا کانت تفضی إلی مقصد هو قربة وخیر أخذت الوسیلة حکم المقصد،و إذا کانت تفضی إلی مقصد ممنوع هو مفسدة أخذت حکمه. (5)

أقرب التعاریف وأنسبها

ولعل أقرب تعاریفها إلی السلامة ما ذکره ابن القیم من أن«الذریعة ما کان وسیلة وطریقاً إلی الشیء» (6)،و هو مأخوذ من مفهومها اللغوی،إلا أن تعمیم الشیء فیه یجعله غیر مانع من الغیر

ص:225


1- (1) .الصحاح 3:1211 ماده«ذرع»،ولسان العرب 8:96.
2- (2) .الموافقات،فی أصول الشریعة،4،ص191.
3- (3) .المدخل للفقه الإسلامی،ص266.
4- (4) .المصدر.
5- (5) .شرح تنقیح الفصول:449،المدخل للفقه الاسلامی 226.
6- (6) .اعلام الموقعین،ج3،ص147.

لدخول جمیع الوسائل المفضیة إلی غیر الأحکام الشرعیة،و هو ما لا یتصل بحثه بوظیفة الأصولی،فالأنسب تعریفها ب-(الوسیلة المفضیة إلی الأحکام الخمسة)لیشمل بحثها کل ما یتصل بالذریعة وأحکامها من أبحاث سواء أفضت إلی مصالح أم مفاسد أم غیرها.

أقسام الذریعة

و قد قسمها ابن القیم إلی أقسام أربعة:

الأول:الوسائل الموضوعة للإفضاء إلی المفسدة،ومثل لها بشرب المسکر المفضی إلی مفسدة السکر.

الثانی:الوسائل الموضوعة للأمور المباحة،إلا أن فاعلها قصد بها التوسل إلی المفسدة،ومثالها فعل من یعقد البیع قاصداً به الربا.

الثالث:الوسائل الموضوعة للأمور المباحة،والتی لم یقصد التوسل بها إلی المفسدة لکنها مفضیة إلیها غالباً ومفسدتها أرجح من مصلحتها،ومثالها مسبة الهة المشرکین بین ظهرانیهم فیسبوا الله عدواً.

الرابع:الوسائل الموضوعة للمباح،و قد تفضی إلی المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها،ومثلوا لها بالنظر إلی المخطوبة و المشهود علیها وکلمة الحق عند سلطان جائر.

حکم فتح الذرائع وسدها

فقد إختلفوا فیه علی أقوال:

أ)فالذی علیه ابن مقیم وجماعة أن الوسیلة تأخذ حکمها مما تنهی إلیه،وقرب ذلک بقوله:«لما کانت المقاصد لا یتوصل إلیها إلا بأسباب وطرق تفضی إلیها،کانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها،فوسائل المحرمات و المعاصی فی کراهتها و المنع منها بحسب إفضائها إلی غایاتها وارتباطاتها بها،ووسائل الطاعات و القربات فی محبتها و الإذن فیها بحسب إفضائها إلی غایاتها.

ومن رأیه تحریم جمیع تلکم الأقسام التی ذکرها للوسیلة،عدا القسم الرابع و هو ما کان موضوعا للمباح،و قد یفضی إلی مفسدة،ومصلحته أرجح من مفسدته. (1)

ص:226


1- (1) .اعلام الموقعین،ج3،ص147.

ب)ولکن المالکیة و الحنابلة رکزوا فی الحرمة علی خصوص القسم الثانی منها-أعنی الوسائل الموضوعة للأمور المباحة-ویقصد فاعلها التوصل بها إلی المفسدة. (1)

ج)وعلماء الشیعة کادت أن تطبق کلمتهم علی اعتبار المقدمة تابعة فی حکمها لذی المقدمة،ولعل أقواها أدلة هو ما ذهب إلیه بعض المتأخرین (2)،من إنکار تبعیتها لذی المقدمة فی حکمها،وإنما لها حکمها المستقل المأخوذ من أدلته الخاصة.

ص:227


1- (1) .المدخل للفقه الإسلامی،ص269.
2- (2) .نهایة الدرایة،ج1،ص122.
الخلاصة

1.أنسب تعاریف فتح الذرائع وسدها:الوسیلة المفضیة إلی الأحکام الخمسة لیشمل بحثها کل ما یتصل بالذریعة وأحکامها من أبحاث،سواء أفضت إلی مصالح،أم إلی مفاسد،أم غیرها.

2.قسم ابن القیم أقسام الذریعة إلی أربعة:

1.الوسائل الموضوعة للإفضاء إلی المفسدة؛

2 و3.الوسائل الموضوعة للأُمور المباحة،إلا أن فاعلها قصد بها التوسل إلی المفسدة،وأخری لم یقصد ولکنها مفضیة إلیها غالباً؛

4.الوسائل الموضوعة للمباح،و قد تفضی إلی المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها.

الأسئلة

1.عرف المعنی الاصطلاحی لفتح الذریعة.

2.ما هو التعریف الذی استحسنه المؤلف لفتح الذرائع وسدها؟

3.ما هی أقسام الذریعة عند ابن القیم؟

4.إذکر حکم فتح الذرائع وسدها علی رأی علماء المذاهب الإسلامیة.

ص:228

46-فتح الذرائع وسدها(2)

اشارة
مبانی أحکام فتح الذرائع وسدها

فی الدرس السابق تعرضنا إلی أحکام فتح الذرائع وسدها،والیوم سبنحث عن أدلتها وتحقیق قول الحق،أهم المبانی التی ذکرت لتوافق فی الحکم بین المقدمة وذیلها ثلاثة:

الأول:مبنی اتحاد الحکم فی الوسائل وما تفضی إلیه من الکتاب و السنة:

استقرأ ابن القیم ما یقارب المائة بین آیة وحدیث فوجد فیها جمیعاً اتحاد الحکم وما تفضی إلیه،مما یدل علی أن الشارع یعطی الوسائل دائماً حکم ما تنهی إلیه منها.

نقد وتحلیل

أولاً:لیس فیها ما یصرح بأن التحریم کان من أجل کونها وسیلة إلی الغیر لا لمفاسد فی ذاتها توجب لها التحریم النفسی،کضربهن بأرجلهن فی قوله تعالی: وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ . (1)

ثانیاً:لا نمنع أن تکون هذه المقدمات،قد اتخذها الشارع احتیاطات لبعض أحکامه التی یحرص أن لایفوتها المکلف بحال،فیأمر أو ینهی عن بعض ما یفضی إلیها،إلا أن ذلک لایتخذ طابع القاعدة العامة لأن یتمسک بعمومه أو اطلاقه لتحریم جمیع المقدمات التی تقع فی طریق المحرمات.

ص:229


1- (1) .نور(24)،31.

الثانی:مبنی اتحاد الحکم فی الوسائل وما تفضی إلیه من دلیل العقل:

من المعلوم توجد ملازمة بین حکم الشارع بوجوب أو حرمة شیء،ووجوب أو حرمة وسائله وذرائعه،فإذا حرم الرب تعالی شیئاً وله طرق ووسائل تفضی إلیه،فإنه یحرمها ویمنع منها تحقیقاً لتحریمه وتثبیتاً له ومنعاً أن یقرب حماه،ولو أباح الوسائل و الذرائع المفضیة إلیه لکان ذلک نقضاً للتحریم وإغراء للنفوس به،وحکمته تعالی وعلمه یأبی ذلک. (1)

نقد وتحلیل

أولاً:إن الأحکام الواقعیة إنما هی ولیدة مصالح أو مفاسد فی متعلقاتها،و إذا کان فی الشیء مفسدة توجب جعل الحرمة له من قبل الشارع،فلا یلزم أن یکون فی ذرائعها مفاسد أیضاً لیلزم وضع الحرمة علی وفقها.

ثانیاً:لایلزم أن یکون المتلازمان متحدان من حیث اشتمالهما علی ملاک الحکم لیتحدا فی الحکم; وغایة ما تلزم به الملازمة أن لایفترقا فی حکمهما علی نحوالوجوب و الحرمة،لتعذر امتثالهما معاً،وفی هذا الحال تعود المسألة إلی صغریات باب التزاحم الأمری،الذی یدعو إلی الموازنة فی مقام الثبوت لدی الآمر نفسه،واختیار أصلحهما للمکلف.

الثالث:مبنی اتحاد الحکم فی الوسائل وما تفضی إلیه من طریق فرضیة کشف دواعی کشف الأحکام.

قد یقال بأن الهدف من جعل الأحکام هو جعل الدواعی فی نفوس المکلفین لامتثال تکلیف المولی،وإنما جعلت الأحکام علی الذرائع توفیراً لدواعی امتثال ما تفضی إلیه.

والجواب:

إن الدواعی إلی الامتثال إن أحدثها الأمر بذی المقدمة أو النهی عنها،فالأمر بالمقدمة لایضع شیئاً ولا یولد داعیاً للزوم تحصیل الحاصل،و إن لم یحدثها-لتمرد المکلف علی مولاه-فألف أمر بالمقدمة لایؤثر شیئاً ولایحدث داعیاً.

تحقیق قول الحق

مر علیک أن علماء الأُصول قسموا الواجب إلی تقسیمات کثیرة منها:تقسیمه إلی الواجب

ص:230


1- (1) .أعلام الموقعین،ج3،ص148.

النفسی و الغیری.وعرفوا النفسی ما کان واجباً لنفسه لا لواجب آخر،ومثلوا بوجوب الصلاة،والغیری ما وجب لواجب آخر کالوضوء بالنسبة للصلاة.

و قد اختلفوا فی المقدمة وهی ما یتوقف علیه الإتیان بذی المقدمة من الأفعال و التروک بأقسامها الشرعیة أو التکوینیة أو العقلیة،وهل هی واجبة بالواجب الغیری،أم لها حکمها الخاص المأخوذ من أدلته الخاصة؟

والتحقیق عدم الضرورة بالتزام بالواجب الغیری شرعاً،و هو قول الحق فی التوافق فی الحکم بین المقدمة وذیها; لکن بتقریر آخر یفترق جوهریاً عن کلام ابن القیم و هو وجهة نظر أساتذتنا المتأخرین کالشیخ محمدحسین الأصفهانی،والسید محسن الحکیم،والسید أبوالقاسم الخوئی قدس سره،و قد ذکر الشیخ المظفر نسبة هذا الرأی إلیهم واستدل له بقوله:«وذلک لأنه إذا کان الأمر بذی المقدمة داعیاً المکلف إلی الإتیان بالمأمور به،فإن دعوته هذه-لامحالة بحکم العقل-تحمله وتدعوه إلی الإتیان بکل مایتوقف علیه المأمور به تحصیلاً له،ومع فرض وجود هذا الداعی فی نفس المکلف لاتبقی حاجة إلی داع آخر من قبل المولی مع علم المولی-بحسب الفرض-بوجود هذا الداعی،لأن الأمر المولوی سواء کان نفسیاً أم غیریاً،إنما یجعله المولی لغرض تحریک المکلف نحو فعل المأمور به،إذ یجعل الداعی فی نفسه حیث لا داعی،بل یستحیل فی هذا الفرض جعل الداعی الثانی من المولی; لأنه یکون من باب تحصیل الحاصل». (1)

وما یقال عن الوجوب یقال عن بقیة الأحکام الاقتضائیة لوحدة الملاک فیهما. (2)

نتائج وفوائد

1.وبهذا یتضح أن ماورد علی لسان الشارع مما هو صریح بالردع عن الإتیان بالمقدمات المحرمة،إنما هو من قبیل الإرشاد إلی حکم العقل و التأکید له،لا أنها أحکام تأسیسیة.

2.وصح القول بأن الأوامر و النواهی الغیریة لاتستدعی ثواباً ولاعقاباً.

3.اتفقوا علی أن الثواب و العقاب إنما هو علی خصوص ذی المقدمة فالشخص إذا یترک الصلاة مثلاً لایعاقب علی أکثر من ترکها،فالوجوب المقدمی المتوجه علی التستر

ص:231


1- (1) .أصول الفقه،ج2،ص85.
2- (2) .راجع:اجود التقریرات،ص248.

والاستقبال وغیرها من المقدمات لاتستحق مخالفته عقاباً فی مقابل ذی المقدمة،وهکذا بالنسبة إلی مقدمات الحرام.

استثنی مما قلنا

لایبعد القول:إن مخالفة بعض النواهی کالأحکام المتعلقة بالدماء و الأموال و الفروج مما ثبت نهی الشارع عن اقتحام شبهاتها حذراً من الوقوع فی مفاسدها تستدعی عقاباً علی المخالفة حتی مع عدم مصادفة الشبهة للواقع،ولکن من باب التجری أو ما یشبه لو قلنا باستحقاق العقاب علیه لامن باب مخالفة الحکم الواقعی کما هو الفرض.

ص:232

الخلاصة

1.أهم المبانی التوافق فی الحکم بین المقدمة وذیلها ثلاثة:

من الکتاب و السنة.

من دلیل و العقل.

من طریق فرضیة کشف دواعی کشف الأحکام.

2.المقدمه بأقسامها-الشرعیة،التکوینة و العقلیة

یمکن أن یکون لها حکمها الخاص.

3.إن الأوامر و النواهی الغیریة لا تستدعی ثواباً ولا عقاباً.

الأسئلة

1.بین وجه دلالة قوله تعالی ...وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ... علی مشروعیة سد الذرایع.

2.إذا شککتا فی کون الحرمة نفسیة أو غیریة،فمقضی إطلاقها أنها نفسیة؛لأن الحرمة الغیریة مما تحتاج إلی بیان زائد.

3.ناقش تمامیة ما قاله ابن القیم«إذا حرم الرب تعالی شیئاً وله طرق ووسائل تفضی إلیه،فإنه یحرمها ویمنع».

ص:233

ص:234

الأصل التاسع-العرف

اشارة

ص:235

مقدمة

العرف من الأُمور المهمة لدی الفقهاء و الحقوقیین فی عملیة استنباط الحکم الشرعی،تقنین وتفسیر مواد لقانون و...ومن قولهم:«العرف فی الشرع له اعتبار»و«الثابت بالعرف کالثابت بالنص»و«المعروف عرفاً کالمشروط شرطاً»والعرف شریعة محکمة.

وفی الحقیقة فإن العرف-بما فیه سلوک الأکثریة-أقرب إلی السیرة،ومن ناحیة إقرار الشارع له یکون من السنة.ومهما بلغ لا یمکن عده أصلاً مستقلاً فی مقابل الکتاب و السنة و الأُصول الأُخری،وستری أن حجیته تختلف باختلاف أنواعه ومجالاته.

ص:236

47-العرف(1)

اشارة

ماالمقصود من العرف؟

ما هو الدلیل علی حجیة العرف؟

العرف له دور کبیر فی فهم النص واستنباط الحکم المتناسب معه وبتبعه-فی الواقع-العرف یعلمنا کیف نحدد الموضوع و المواضع،ونعرف البیئة وعصر النزول وما یشترک وما یفترق منها،ویفتح المجال للفقیه،ونتعامل مع النصوص،فإذن،دور العرف فی تشخیص الموضوعات علی مدی الأزمنة و البیئات یجعلک تری تفاوت الأحکام; لأن القرآن خاطب الأُمة الإسلامیة بقوله یا أیها المؤمنون.

تعریف العرف

ذکروا للعرف تعریفات متعددة منها:

الجرجانی«العرف ما استقرت النفوس علیه بشهادة العقول،وتلقته الطبائع بالقبول». (1)

وقال الأُستاذ علی حیدر:العرف بمعنی العادة،والعادة هی الأمر الذی یتقرر فی النفوس ویکون مقبولاً عند ذوی الطباع السلیمة بتکراره المرة بعد المرة.

وقریب منهما تعریف ابن عابدین له. (2)

خلاف:«العرف ما تعارفه الناس وساروا علیه من قول أو فعل أو ترک،ثم قال:ویسمی العادة». (3)

ص:237


1- (1) .سلم الوصول،ص317.
2- (2) .المصدر،ص317.
3- (3) .علم أصول الفقه،الخلاف،ص99.
تقییم التعاریف

الریاحی التونسی:العرف المعتبر هو ما یخصص العام ویقید المطلق. (1)

ویرد علی هذه التعاریف:

أ)أخذها شهادة العقول وتلقی الطباع له بالقبول فی مفهومه،مع أن الأعراف تتفاوت وتختلف باختلاف الأزمنة و الأمکنة،فهل تختلف العقول و الطباع السلیمة معها؟!

ب)إن قسماً من الأعراف أسموها بالأعراف الفاسدة،فهل إن هذه الأعراف مما تقبلها العقول و الطباع السلیمة؟وکیف یتسع التعریف لها وهی مجانبة للسلیم من الطباع؟مع أنهم جمیعاً یذکرون فی تقسیماته انقسامه إلی فاسد وصحیح.وما قاله الریاحی التونسی:فی الواقع لاتستکشف منه مرادات الشارع فیما یصلح أن یکون قرینة علیها.وما اشتهر علی السِنة الفقهاء و الحقوقیین«الثالث بالعرف کالثابت بالنص»و«العادة محکمة»لاتستند بعمومها علی أساس.

ولعل أقرب هذه التعاریف ما قاله الأُستاذ لقربه إلی الفن.

تقسیمات العرف
اشارة

و قد ذکروا للعرف تقسیمات متعددة،نعرض أهمها:

الأول-تقسیم العرف إلی عام وخاص

أ)العرف العام:ویراد به العرف الذی یشترک فیه غالبیة الناس علی اختلاف فی أزمانهم وبیئاتهم وثقافاتهم ومستویاتهم،فهو أقرب إلی ما أسموه ببناء العقلاء.وینتظم فی هذا القسم کثیر من الظواهر الاجتماعیة العامة وغیرها،مثل رجوع الجاهل إلی العالم.

ب)العرف الخاص:و هو العرف الذی یصدر عنه فئة من الناس تجمعهم وحدة من زمان معین أو مکان کذلک أو مهنة خاصة أو فن،کالأعراف التی تسود بین أرباب مهنة خاصة أو علم أو فن،ویدخل فی هذا القسم کثیر من عوالم استعمال الألفاظ وإعطائها طابعاً خاصاً له تمیزه عند أهل ذلک العرف،وقسم من المعاملات التی یتمیزون بها عن غیرهم من أهل الأعراف الأخر.

ص:238


1- (1) .مصادر التشریع الاسلامی فیما لانص فیه،ص125.
الثانی-تقسیم العرف إلی عرف عملی وقولی

العرف العملی:وأرادوا به العرف الذی یصدرون عنه فی قسم من أعمالهم الخاصة،کشیوع البیوع المعاطاتیة فی بعض البیئات.

العرف القولی:و هو الذی یعطی الألفاظ عندهم معانی خاصة تختلف عن مدالیلها اللغویة،وعن مدالیلها عند الآخرین من أهل الأعراف،کإطلاق العراقیین لفظة الولد علی خصوص الذکر،بینما یطلق فی اللغة علی الأعم من الذکر و الأنثی.

الثالث-تقسیم العرف إلی الصحیح و الفاسد

العرف الصحیح:«و هو ما تعارفه الناس ولیست فیه مخالفة لنص ولا تفویت مصلحة ولا جلب مفسدة،کتقدیم بعض المهر وتأجیل بعضه،وتعارفهم علی أن ما یقدمه الخاطب إلی خطیبته من ثیاب وحلوی ونحوها یعتبر هدیة ولیس من المهر». (1)

العرف الفاسد:و هو الذی یتعارف علیه بین قسم من الناس،وفیه مخالفة للشرع کتعارفهم علی بعض العقود الربویة.

ص:239


1- (1) .المصدر،ص124.
الخلاصة

1.قالت الفقهاء فی بیان منزلة العرف:هو ثابت بالنص.

2.أقرب تعاریف العرف هو ما تعارفت علیه الناس من قول أو فعل أو ترک،وساروا علیه فی مدی الزمان و المکان.

3.یمکن أن نقسم العرف إلی الأنواع التالیة:

1.العرف العام و الخاص،2.العملی و القولی،3.الصحیح و الفاسد.

الأسئلة

1.ما هو تعریف العرف عند الأصولیین؟

2.ما هی الردود الواردة علی تعاریف العرف؟

3.ما المراد من العرف العام و الخاص؟

4.ما هی النسبة بین العرف الخاص و العرف الصحیح؟

ص:240

48-العرف(2)

اشارة

ما هو دلیل حجیة العرف؟

ما هی مجالات العرف فی الإستنباط؟

مجالات العرف فی الاستنباط
ومجالات العرف فی علم أصول الفقه ثلاثة

1.ما یستکشف منه حکم شرعی فیما لا نص فیه،مثل الاستصناع وعقد الفضولی.وإنما یکشف منه مثل هذا الحکم بعد إثبات کونه من الأعراف العامة التی تتخطی طابع الزمان و المکان،لنستطیع أن نبلغ بها عصر المعصومین ونضمن إقرارهم لها لتصبح سنة بالإقرار،ویدخل ضمن هذا المجال کل ما قامت علیه سیرة المتشرعة أو بناء العقلاء.

2.ما یرجع إلیه لتشخیص بعض المفاهیم التی أو کل الشارع أمر تحدیدها إلی العرف مثل لفظ الإناء و الصعید ونظائرها،مما أخذ موضوعاً فی السنة بعض الأدلة.ومصاریف الزکاة التی ذکرتها الآیة المبارکة أکثر مواضیعها عرفیة،ففی سبیل الله مثلاً یتفاوت حسب درجة حضارة الأُمة ومستواها تتغیر،فالأُمة التی تحتاج إلی صنع مرکبة فضائیة لضروراتها الحضاریة التی لا تتنافی مع الشریعة لا تخرج فی صنعها لها علی موضوع سبیل الله تعالی.

3.المجال الذی یرجع إلیه لاستکشاف مرادات المتکلمین عندما یطلقون الألفاظ،سواء کان المتکلم هو الشارع أم غیره،وینتظم فی هذا القسم بالنسبة إلی استکشاف مرادات الشارع ما یرجع إلی الدلالات الالتزامیة بالنسبة لکلامه إذا کان منشأ الدلالة الملازمات

ص:241

العرفیة،کحکم الشارع مثلاً بطهارة الخمر إذا انقلب إلی خل الملازم عرفاً للحکم بطهارة جمیع أطراف إنائه.

و أما بالنسبة إلی استکشاف مرادات غیره فیدخل ضمن هذا القسم منه کلما یرجع إلی أبواب الإقرارات و الوصایا و الشروط و الوقوف وغیرها،إذا استعملت بألفاظ لها دلالاتها العرفیة،سواءاً کان العرف عاماً أم خاصاً.

نقد وتحلیل

ومن هذه المجالات یستکشف أن العرف لیس أصلاً بذاته فی مقابل الأُصول،لأن:

1.ما یتصل بالمجال الأول فواضح لرجوعه إلی السنة بالإقرار،لأن المدار فی حجیته هو إقرار الشارع له،ومن رجوعه إلی حجة قطعیة،ولیست هی إلا إقرار الشارع أو إمضائه له.

2.أما المجالان الآخران،فلا یزید أمرهما علی تشخیص صغریات السنة حکما أو موضوعاً،و قد مضی القول منا أن کل ما یتصل بتشخیص الصغری لمسألة أُصولیة فهو لیس من الأصول بشیء،فعد العرف أصلاً فی مقابل الأُصول لا أعرف له وجهاً.

حجیة العرف

من الأدلة التی ساقوها علی حجیة العرف:

الدلیل الأول:ما روی عن عبدالله بن مسعود قوله علیه السلام:«ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن». (1)

تقریب الإستدلال

قال السرخسی فی مبسوطه:«وتعامل الناس من غیر نکیر أصل من الأُصول کبیر،لقوله:(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)،کما استدل ابن الهمام بها علی ذلک». (2)

والجواب:

1.إن الروایة مقطوعة السند.

2.ویحتمل أن تکون کلاماً لابن مسعود ولم یروها أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله.

ص:242


1- (1) .مسند أحمد:مسند المکثرین من الصحابة،ح 3418.وفیه«فما رأی المسلمون».انظر اصل الاستحسان،ادلتهم من السنة.
2- (2) .سلم الوصول،ص322 نقلاً عنهما.

3.إن العرف لا علاقة له بعوالم الحسن لعدم ابتنائه علیها غالباً،وما أکثر الأعراف غیر المعللة لدی الناس،والمعلل منها-أی الذی یدرک العقل وجه حسنه-نادر جداً.

الدلیل الثانی:إن الشارع الإسلامی فی تشریعه راعی عرف العرب فی بعض أحکامه،فوضع الدیة علی العاقلة،واشترط الکفاءة فی الزواج. (1)

والجواب:

1.إن الشارع لم یراع العرف بما أنه عرف،وإنما وافقت أحکامه بعض ما عند العرف فأبرزها بطریق الإقرار،ولذلک اعتبرنا إقراره سنة.

2.وفرق بین أن یقر حکما لدی أهل العرف لموافقته لأحکامه،وبین أن یعتبر نفس العرف أصلاً یرجع إلیه فی الکشف عن الأحکام الواقعیة،فما أقره من الأحکام العرفیة یکون من السنة ولیس أصلاً برأسه فی مقابلها.

ص:243


1- (1) .مصادر التشریع الاسلامی فیما لانص فیه،ص124.
الخلاصة

1.تستکشف خلاصة الحکم الشرعی لمسألة من العرف إذا ثبت کونه من الأعراف العامة من زمننا الحاضر إلی عصر التشریع وإمضاء المعصوم.

2.الشارع لم یراع العرف بما أنه عرف،وإنما وافقت أحکامه بعض ما عند العرف.

الأسئلة

1.إذکر مجال العرف فی استنباط الحکم الشرعی.

2.ما معنی أن العرف لیس أصلاً بذاته؟

3.کیف نستکشف أن العرف لیس أصله بذاته؟

4.هل العرف حجة؟لماذا؟

5.هل الشارع الإسلامی فی تشریعه راعی عرف العرب،لماذا؟

ص:244

الأصل العاشر-شرع من قبلنا

اشارة

ص:245

مقدمه

شرع من قبلنا:

هذا الأصل إن تم لایدل علی أکثر من صحة إقرار الشارع لأصل الشرائع السابقة،والاستری أنه ینفعنا فی مجالات الاستنباط.فتعال معنا أخی العزیز للبحثِ عنه أیدک الله تعالی.

ص:246

49-شرع من قبلنا(1)

اشارة

ما المراد من شرع من قبلنا فی علم الأُصول؟

المراد بشرع من قبلنا:هو.خصوص الشرائع التی أنزلها الله عزوجل علی أنبیائه،وثبت شمولها فی وقتها لجمیع البشر،کالیهودیة و المسیحیة.

الأقوال فی المسألة وحجیتها

1.إنها شرع لنا مطلقاً إلا ما ثبت نسخه فی شریعتنا. (1)

2.لیست بشرع لنا مطلقاً،وأن النسخ مسلط علیها جملة وتفصیلا،«بحیث لو کان حکم فی الشریعة اللاحقة موافقاً لما فی الشریعة السابقة،لکان الحکم المجعول فی الشریعة اللاحقة مماثلاً للحکم المجعول فی الشریعة السابقة،لا بقاء له مثل إباحة شرب الماء». (2)

3.إن ما قصه علینا الله ورسوله من أحکام الشرائع السابقة ولم یرد فی شرعنا ما یدل علی أنه مکتوب علینا کما کتب علیهم،أو أنه مرفوع أو منسوخ،کقوله تعالی: مِنْ أَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وقوله تعالی: وَ کَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ ، (3)شرع لنا وعلینا اتباعه وتطبیقه مادام قد قص علینا،ولم یرد فی شرعنا ما ینسخه. (4)

ص:247


1- (1) .الفوائد الحائریة:413.
2- (2) .مصباح الأصول،ص141.
3- (3) .المائدة(5)،32 و45.
4- (4) .انظر:الفصول فی الأصول3:19،وتقویم الأدلة:253،وأصول السرخسی2:99 وکشف الأسرار للبخاری3:316.

و قد حکی هذا القول الأخیر عن جمهور الحنفیة وبعض المالکیة و الشافعیة. (1)

ولا یبعد تمامیة ماذهب إلیه جمهور الحنفیة وغیره،لجمعه بین ما دل علی أصل الإمضاء للشرائع السابقة،وما یقتضیه العلم الإجمالی من عدم حجیة ظواهر ما دل علی أحکام الشرائع السابقة من کتبها المنزلة،لأن ما نقل منها فی الکتاب العزیز لاتدخله شبهة التحریف فیکون هو الحجة وحده.

أدلة المثبتین
1-الإستدلال بالکتاب العزیز

مثال قوله تعالی: أُولئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ،وقوله تعالی: ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً ،وقوله سبحانه: شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصّی بِهِ نُوحاً ،وقوله تعالی: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً وَ نُورٌ یَحْکُمُ بِهَا النَّبِیُّونَ .تدل بالفحوی علی اعتبار الشرایع السابقة لشریعة النبی صلی الله علیه و آله مطلقاً.

2-استشهاد النبی صلی الله علیه و آله بالشرایع السابقة

کما استدلوا باستشهاد النبی صلی الله علیه و آله فی مقام التشریع بأحکام وردت فی شریعة سابقة،کاستشهاده فی أثناء قوله صلی الله علیه و آله:«من نام عن صلاة أو نسیها،فلیصلها إذا ذکرها»،بقوله تعالی: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ،و هو خطاب مع موسی علیه السلام،إلی غیر ذلک من الأحادیث. (2)

3-الاستناد بالاستسحاب

و قد تمسک بعضهم بالاستصحاب عند الشک فی ارتفاع حکم ثبت فی الشریعة السابقة بادعاء العلم بثبوته،والشک بارتفاعه بالنسخ بالنسبة الینا،فحکم ببقائه أخذاً بالروایة الشریفة:«لا تنقض الیقین بالشک. (3)

والجواب:

إن النسخ فی الأحکام الشرعیة إنما هو بمعنی الدفع وبیان أمد الحکم،لأن النسخ بمعنی رفع الحکم الثابت مستلزم للبداء المستحیل فی حقه سبحانه وتعالی.

ص:248


1- (1) .الخلاف،علم أصول الفقه،ص105.
2- (2) .اقرأ ذلک فی المستصفی،ج1،ص134.
3- (3) .وسائل الشیعة،ج1،ص245،الحدیث 631.

-وأضف-فإن الشک فی نسخ الشرائع السابقة،شک فی ثبوت التکلیف بالنسبة إلی المعدومین،لا شک فی بقائه بعد العلم بثبوته،فإن احتمال البداء مستحیل فی حقه تعالی،فلا مجال حینئذ لجریان الاستصحاب.

نقد وتحلیل أدلة المثبتین

إن طرو العلم الإجمالی بالتحریف فی الشرائع السابقة یمنع من الأخذ بظواهرها جمیعاً.والعلم الإجمالی بالتحریف (1)یمنع من الأخذ بظواهرها جمیعاً،لأن کل طرف نمسکه نحتمل طرو التحریف علیه.

ولایمکن التمسک بأصالة عدم التحریف فی هذا المجال; لعدم جریان الأُصول فی أطراف العلم الإجمالی المنجز.

ص:249


1- (1) .تقریب تحریف الشرائع السابقة واضح جداً; لأنا نعلم أن هذه الشرائع المتداولة لیست هی الشرائع بکامل خصوصیاتها لتناقض مضامین کل شریعة علی نفسها،وانتشار السخف فی قسم من محتویاتها،إبتعاد أکثرها من کونها نظاماً للحیاة،و هو الأساس لکل رسالة سماویة مما یدل إجمالاً علی طرو التحریف علیها.
الخلاصة

1.المراد بشرع من قبلنا:هو خصوص الشرائع التی أنزلها الله عزوجل علی أنبیائه وثبت شمولها فی وقتها لجمیع البشر.

2.ما قصه علینا الله ورسوله من أحکام الشرائع السابقة فهو حجة علینا مالم یرد أنه مرفوع أو منسوخ.

3.لامجال لتقویة رأی من آمن بأصل العمل-الاستصحاب-فی تأیید دلیل شرع من قبلنا.

الأسئلة

1.هل الشرایع السابقة کالیهودیة و المسیحیة حجة علی المسلمین؟لماذا؟

2.ما الفرق بین ما یقصه علینا الرسول الکریم من أحکام الشرائع السابقة وبین ما یوجد فی التوراة الإنجیل؟

3.بین الرأی السدید فی شرع من قبلنا بتوضیح.

4.هل آیات الکتاب الکریم تدل علی حجیة الشرایع السابقة،لماذا؟

5.بین جریان أصل الاستصحاب فی دلیل شرع من قبلنا.

ص:250

50-شرع من قبلنا(2)

اشارة

ما هی أدلة نفاة حجیة شرع من قبلنا؟

أدلة نفاة حجیة شرع من قبلنا

استدل به نفاة حجیة الشرائع السابقة ثلاثة أدلة:

أولها:حدیث معاذ المعروف:و هو:«أنه صلی الله علیه و آله لما بعث معاذا إلی الیمن قال له:«بم تحکم؟قال:بالکتاب و السنة والاجتهاد ولم یذکر التوراة و الإنجیل،وشرع من قبلنا; فزکاه رسول الله صلی الله علیه و آله وصوبه،ولو کان ذلک من مدارک الأحکام لما جاز العدول إلی الاجتهاد إلا بعد العجز عنه». (1)

والجواب:

أولاً:فی الحقیقة هذا الاستدلال متین جداً لو لم تکن روایة معاذ من الموضوعات علیه،و قد ذکرنا فی الدرس(الثامن و الثلاثون)أن الروایة ضعیفة بجلها،ووجود الحارث بن عمرو،حیث نصوا علی أنه مجهول.

وثانیاً:إن هذا الحدیث وارد فی خصوص باب القضاء،علی فرض تمامیته،وربما اختص باب القضاء بأحکام لا تسری إلی عالم الإفتاء،لما تقتضیه لوازم فض الخصومات من استعمال بعض العناوین الثانویة أحیاناً،-کما مر علیک-فلا نعوده.

وثانیها:إن دلیل شرع من قبلنا لو کان مدرکاً،لکان تعلمها ونقلها وحفظها من فروض

ص:251


1- (1) .المستصفی،ج1،ص133.

الکفایات کالقرآن و الأخبار،ولرجعوا إلیها فی مواضع اختلافهم،حیث أُشکل علیهم،کمسألة العول ومیراث الجد و الربا فی النسیئة (1)ومتعة النساء،وغیرها من الأحکام التی لا تنفک الأدیان و الکتب عنها.لم ینقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وکثرة وقائعهم واختلافاتهم مراجعة التوراة،لا سیما و قد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم،کعبدالله بن سلام،وکعب الأحبار،ووهب،وغیرهم. (2)

والجواب:

أولاً:نقول هذا الاستدلال من أمتن الأدلة; للقطع بمضمونه،بل ربما حول المسألة إلی کونها من الضروریات،إلا أنه لا ینفی إقرار أصل الشرائع السابقة کما لا ینفی صحة ما ذهب إلیه جمهور الحنفیة. (3)

ثانیاً:غایة ما ینفیه عدم الرجوع إلی الکتب المتداوله للشرائع وهی مما یعلم بدخول التحریف علیها.

ص:252


1- (1) .المستصفی،ج1،ص134،والأمثلة التی ذکرها لا یخلو بعضها من مناقشة لورود النص فیه،اقرأ ما کتبه المؤلف عن المتعة فی کتابه(الزواج الموقت ودوره فی حل مشاکل الجنس)طبعة دار الأندلس،وما کتبه الإمام شرف الدین فی النص والاجتهاد(المؤلف+).
2- (2) .المستصفی،ج1،ص134.
3- (3) .مصباح الأصول،148.
الخلاصة

1.إن شرع من قبلنا لو کان مدرکاً،لکان تعلمها ونقلُها وحفظُها من فرض الکفایات کالقرآن و الأخبار.

2.لا یجری الاستصحاب فی أحکام الشرایع السابقة; لأن الشک فی جریانه بالنسبة الینا الحاضرین شک فی ثبوت التکلیف لجمیع المکلفین.

الأسئلة

1.لماذا حدیث معاذ علی فرض صحة سنده لا ینصر رأی من آمن بدلیل شرع من قبلنا؟

2.ما هو رأی السید فی دلیل شرع من قبلنا،اذکره وناقشه؟

ص:253

ص:254

الأصل الحادی عشر-أصل مذهب الصحابی

اشارة

ص:255

مقدمه

أصل مذهب الصحابی

هو الأصل الحادی عشر من الباب الأول الذی کان سمته الکشف عن الحکم الواقعی،وبالطبع هو آخر أصل من حیث إمکانه; لإنتاج الحکم الشرعی منه،ونحن کمقارنین سنبحث عنه أیضاً،مبینین لمفهومه ومدی دلالته ومبانی المثبتین و النافین له،ونحتج علیهم کما أسلفنا علی الأصول السابقة،ولایهمنا من عدة مذهب الحنبلی فی الأصول الموهمه.وختاماً لهذا الباب نأتی بکلام للأُستاذ خضری:

«و خلاصة القول:إن أدله الشرع منها الکتاب و السنة أجمع علیهما المسلمون علی اختلاف نحلهم،والإجماع لم یخالف فی الاحتجاج به إلا شواذ ممن لایرتضی لهم القول،والقیاس احتج به جمهور المسلمین وخالف فیه أهل الظاهر وماعدا ذلک من الأدلة راجع إلی هذه الأربعة». (1)

ص:256


1- (1) .أصول الفقه،ص358.

51-مذهب الصحابی

اشارة

ما هو المقصود من مذهب الصحابی؟

هل مذهب الصحابی حجة؟

تعریف مذهب الصحابی:یریدون بمذهب الصحابی:القول أو السلوک الذی یصدر عنه الصحابی ویتعبد به من دون أن یعرف له مستند.

تحریر محل النزاع و الألفاظ ذات الصلة:

نتکلم عن الصحابی فی مواضع:

أ)فی بحث سنة الصحابة واعتبار مایصدر عنهم من السنة.

ب)فی بحث الاجتهاد وأحکام المجتهدین فحساب الصحابی حساب من یثبت اجتهاده وتوفر شرائطه کأحد المجتهدین.

ج)مذهب الصحابی بما أنه مشرع واجب الاتباع و الکلام فیه هنا.

و قد اختلفوا فی حجیته علی أقوال أربعة
اشارة

1.فذهب قوم إلی أن مذهب الصحابی حجة مطلقاً.

2.وقوم إلی أنه حجة إن خالف القیاس.

3.وقوم إلی أن الحجة فی قول أبی بکر وعمر خاصة.وقیل قول الخلفاء الراشدین إذا اتفقوا.

4.لیس مذهب الصحابی حجة علی صحابی مثله بلا نزاع،و أما بالنسبة لغیره،فقال

ص:257

الجمهور لیس بحجة مطلقاً. (1)

5.مذهب الصحابی لیس بحجة و هو المختار. (2)

أدلة المثبتین

استدل المثبتون علی حجیة أقوالهم-علی اختلاف بینهم فی سعة المبنی وضیقه-بجملة من الأحادیث،أمثال:«أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم»أو قوله:«علیکم بسنتی وسنة الخلفاء الراشدین من بعدی» (3)،أو قوله:«اقتدوا بالذین بعدی أبی بکر وعمر» (4)،وأمثالها.

ومما استدلوا به أیضاً:أن الصحابی لایفتی إلا بروایة عن رسول الله صلی الله علیه و آله. (5)

والجواب:

و قد ذکرنا-فی مبحث سنة الصحابة-ضعف أسانید بعضها واستحالة التعبد الشرعی من قبل الشارع بها،للزوم التعبد بالمتناقضات ومعارضتها بأخبار الحوض،فلا بد من تأویلها أو تأویل ما یصح منها بغیر مجالات اعتبار الحجیة; صوناً لکلام الشارع من الوقوع فی التناقض.

والشاهد الأخیر خیر دلیل علی أن مذهب الصحابی لیس أصلاً مستقلاً; وإنما هو راجع إلی السنة إذا قاله عن نص قاطع،والآخر«ربما قاله عن دلیل ظنه دلیلاً وأخطأ فیه،والخطأ جائز علیه». (6)

أدلة النافین

و قد قام الغزالی برد جمیع الأقوال الواردة فی حجیة مذهب الصحابی واستنکرهم بشدة وسألهم:«إن من یجوز علیه الغلط و السهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة فی قوله،فکیف یحتج بقولهم مع جواز الخطأ؟وکیف تدعی عصمتهم من غیر حجة متواترة؟وکیف یتصور عصمة قوم یجوز علیهم الاختلاف؟وکیف یختلف المعصومان؟کیف و قد اتفقت الصحابة

ص:258


1- (1) .محمد خضری بک،أصول الفقه،ص357.
2- (2) .المستصفی،ج1،ص135.
3- (3) .سنن الترمذی،کتاب العلم،ح 2600.
4- (4) .کتاب المناقب،ح 3595.
5- (5) .أصول الفقه،ص358.
6- (6) .المستصفی،ج1،ص136.

علی جواز مخالفة الصحابة؟فلم ینکر أبوبکر وعمر علی من خالفهما بالاجتهاد،بل أوجبوا فی مسائل الاجتهاد علی کل مجتهد أن یتبع اجتهاد نفسه».

ثم قال:«فانتفاء الدلیل علی العصمة ووقوع الاختلاف بینهم وتصریحهم بجواز مخالفتهم فیه،ثلاثة أدلة قاطعة». (1)علی أن مذهب الصحابی لا یصح عده من مصادر التشریع.

مناقشة دلیل النافین

1.فی الحقیقة إن القائلین بمذهب الصحابی لا یریدون إثبات العصمة له وإلا لاعتبروه سنة کما اعتبره الشاطبی،و إن کان عده من مصادر التشریع یوهم ذلک.

ص:259


1- (1) .المصدر،ج1،ص135.
الخلاصة

1.المراد من مذهب الصحابی:القول و السلوک الذی یصدر عنه الصحابی ویعتمد علیه من دون أن یعرف له مستند.

2.ونحن کمجتهدین لا نرید من مذهب الصحابی مبرراً شرعیاً لتصرفات الصحابة،بل نطلب من وراء هذا الدلیل اعتبار وحجیة قولهم أو سلوکهم-بیننا وبین الله-من دون أن نعرف مستندهم و هو غیر حاصل.

الأسئلة

1.ما هو المقصود من مذهب الصحابی؟

2.بین دلیل النافین لحجیتة مذهب الصحابی؟

3.هل الأحادیث التی استند إلیها المثبتون لحجیته مذهب الصحابی تامة السند و الدلالة؟لماذا؟

ص:260

الباب الثانی: الحکم الواقعی التنزیلی

اشارة

ما یکون سمته،سمة المحرز للواقع تنزیلاً المرحله الثانیة لدی المجتهد عند إعمال ملکته،مرحله البحث عن الحکم الواقعی التنزیلی وأهم أُصوله:الاستصحاب.

من المهم أن نعرف أن الأصول التی تدخل ضمن هذا الباب کثیرة نسبیاً کأصالة الصحة وقاعدتی التجاوز و الفراغ،إلا أن الذی یغلب علی إنتاجها هو الحکم الفرعی الجزئی،وأحکامها-علی الأکثر-لا تتجاوز أبواباً معینة من الفقه.

ولکن الاستصحاب یختلف عنها من حیث وفرة إنتاجه للأحکام الکلیة من جهة-علی ما قیل-وعدم اقتصاره علی باب من الفقه دون باب،لذا آثرنا قصر هذا الباب علیه وإطالة التحدث فیه فی حدود ما تدعو إلیه طبیعة المقارنة،وبحث مواقع الالتقاء منها بین الأعلام،مع التوسع فی بعض البحوث نسبیاً.

ص:261

ص:262

الاصل الثانی عشر-أصل الاستصحاب

اشارة

ص:263

52-الاستصحاب(1)

اشارة

ما هو الاستصحاب؟

ما هی مکانة الاستصحاب فی الاستنباط؟

الاستصحاب فی اللغة-

(1)

مأخوذ من المصاحبة تقول:«استصحبت فی سفری الکتاب أو الرفیق،أی جعلته مصاحباً لی،واستصحبت ما کان فی الماضی،أی جعلته مصاحباً إلی الحال». (2)

الاستصحاب فی مصطلح الأصولیین-

قد ذکر له تعاریف متعددة نذکر أهمها:

1.فالذی علیه قسم من قداماء الأصولیین،إن الاستصحاب من الأمارات الکاشفة عن الحکم،وعلیه بنی غیر واحد حجیة مثبتاته ولوازمه غیر الشرعیة،باعتبار أن ما یکشف عن الواقع یکشف عن لوازمه،فیکون حجة فیها وفیما یترتب علیها من أحکام.والذی یناسب هذا المبنی من التعاریف ما ذکره الشیخ عنهم:«من أن الاستصحاب هو:کون الحکم متیقناً فی الآن السابق،مشکوک البقاء فی الآن اللاحق» (3)،«فإن کون الحکم متیقناً فی الآن السابق أمارة علی بقائه ومفیدة للظن النوعی». (4)

ص:264


1- (1) .الصحاح 1:161-162،ولسان العرب 1:520 ومجمع البحرین 2:1010 ماده«صحب».
2- (2) .مصادر التشریع الاسلامی فیما لا نص فیه،ص127.
3- (3) .فرائد الأصول،ج2،ص54.
4- (4) .مصباح الأصول،ص5.

2.والذی علیه أکثر متأخری الأصولیین:إنه من قبیل الأُصول لا الأمارات،و إن کان یختلف عنها من بعض الجهات،والذی یناسبه من التعاریف ما ذکره الأُستاذ خلاف من أنه«استبقاء الحکم الذی ثبت بدلیل فی الماضی قائماً فی الحال حتی یوجد دلیل یغیره». (1)

الفرق بین التعریفین

بناءً علی التعریف الأول یعتبر الاستصحاب کاشفاً عن الحکم فالحکم بالبقاء-و هو العمده فی الاستصحاب-ولید إجرائه،فهو متأخر رتبة عنه ولا یسوغ أخذه فیه للزوم الخلف أو الدور.

و الأُستاذ خلاف قصر التعریف علی الاستصحابات الحکمیة مع أن مفهومه یتسع لها،والاستصحابات الموضوعیة وکلمة الاستبقاء وکلمة الحکم المأخوذة فی التعریف تعطی الاستصحاب مضمون الوظیفة لا الکشف عن الواقع.

3.وقال صاحب الکفایة الاستصحاب«هو الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شک فی بقائه». (2)

هذا التعریف یشمل الاستصحابات الحکمیة والاستصحابات الموضوعیة ولهذا نراه أقرب إلی الفن.

4.وفی رأی الأُستاذ المحقق السید الخوئی:إن تعریف الاستصحاب یجب أن ینتزع عن مدلول أدلته،فالصحیح فی تعریفه أن یقال:«إن الاستصحاب هو حکم الشارع ببقاء الیقین فی ظرف الشک من حیث الجری العملی». (3)

ولما لاحظ سالکو هذا المسلک أن لسان اعتبار الاستصحاب یختلف عن کل من لسان جعل الطریقیة للأمارة وجعل الحجیة للأُصول المنتجة للوظائف الشرعیة.

فقد اعتبر فی لسان جعله عدم نقض الیقین بالشک،فهو من ناحیة فیه جنبة نظر إلی الواقع،ولکن هذه الناحیة لم یرکز علیها الجعل الشرعی،وإنما رکز الجعل علی الأمر باعتبار المکلف مشکوکه متیقناً،وإعطائه حکم الواقع،وتنزیله منزلته من حیث ترتیب جمیع أحکامه علیه،فهو من حیث الجری العملی واقع تنزیلاً،و إن کانت طریقیته للواقع غیر ملحوظة فی مقام الجعل،

ص:265


1- (1) .مصادر التشریع،ص127.
2- (2) .کفایة الأصول،ص435.
3- (3) .مصباح الأصول،ص6.

سموا أصل الاستصحاب بالأصل الإحرازی.و أما الأصل غیر الإحرازی فهو لا یتعرض إلی أکثر من اعتبار الجری العملی علی وفقه مع فرض اختفاء الواقع.

مکانة الاستصحاب فی الاستنباط

من الواضح أن الأمارة مقدمة علی الاستصحاب وحاکمة علیه; إذ مع قیام الأمارة وانکشاف الواقع بها تعبداً لا موضع للشک لیطلب الیک اعتباره متیقناً،و هو أحد أرکان الاستصحاب فلیس للفقیه أن یأخذ بالاستصحاب ما لم یفحص عن الأمارة الکاشفة عن الحکم،أی عن الرتبة السابقة له.

وقبل الأخذ بالاستصحاب بناءً علی القول بجریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیة توجد ثلاثة نظریات علی لزوم الفحص:

الأُولی:نظریة وجود العلم الإجمالی بوجود تکالیف الزامیة من الشارع ووجود طرق مجعوله إلیها من قبله ومع قیام العلم الإجمالی لایجوز الرجوع.إلی الاستصاب مثلاً فی أطرافه،و هذا ما یوجب الفحص-لإخراج المشکوک عن المعلوم بالإجمال وحینئذ ینحل العلم الإجمالی بما یعثر علیه منها ونرجع بالباقی إلی الأصول. (1)

الثانیة:دعوی استقلال العقل بلزوم الفحص قضاءًً لحق العبودیة،وعلی هذا حکم العقل بلزوم الفحص یکون بمنزلة القرینة المتصلة المانعة من ظهور ما یأتی من الإطلاقات فی أدلة الاستصحاب الدالة علی جواز العمل به من دون فحص،فهی مقیدة به ابتداءً.

الثالثة:الاستدلال بالآیات الدالة علی وجوب التعلم،ولعلها واردة کلها لتأکید حکم العقل بلزوم الفحص،ولیست أحکاماً تأسیسیة لوضوح أنه لا موضوعیة للتعلم أکثر من الوصول به إلی أحکام المولی تحصیلاً للحجة،ومع عدم التعلم و الفحص عن أحکام المولی یری العقل أن الحجة لله إذ ذاک علی العبد.

ص:266


1- (1) .قد اقترح صاحب الکفایة منهجاً آخر لانحلال العلم الإجمالی:و هو بالعثور علی المقدار المعلوم بالإجمال منها.
الخلاصة

1.الاستصحاب هو الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شک فی بقائه.

2.الاستصحاب أمارة،و هو ما علیه قسم من قداماء الأُصولیین،وبناءً علی هذا تکون مثبتاته ولوازمه غیر الشرعیة حجة.

3.الاستصحاب أصل إحرازی،و هو رأی أکثر متأخری الأُصولیین،وقبل الأخذ بالاستصحاب-بناءً علی جریانه فی الأحکام الکلیه-یلزم الفحص وحل العلم الإجمالی و الرجوع بالباقی إلی الأُصول.

الأسئلة

1.عرف الاستصحاب فی مصطلح الأُصولی؟

2.ما هو لسان اعتبار الاستصحاب؟

3.لماذا لا یجوز للفقیه الأخذ بالاستصحاب قبل الفحص؟

4.ما هی النظریات الموجودة فی جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیه؟

ص:267

53-الاستصحاب(2)

اشارة

ما هی أرکان الاستصحاب؟

ما هی الأدلة علی حجیة الاستصحاب؟

أرکان الاستصحاب

أرکان الاستصحاب المستفادة من التعریف المختار سبعة:

1.الیقین ویرید به الأصولیون هنا،انکشاف واقع متعلقه وجداناً أو تعبد؛

2.الشک:ویریدون به ما یقابل الیقین بمعنییه-الوجدانی و التعبدی-فکل ما لیس بیقین فهو شک عندهم،سواء کان شکاً بالمعنی المنطقی-أی تساوی الطرفین-أم کان ظناً غیر معتبر،أم وهماً،فالجمیع فی مصطلحهم شک،ویجری علیها أحکامه.

3.وحدة المتعلق فیهما،أی ان ما یتعلق به الیقین هو الذی یکون متعلقاً للشک لا غیره.

4.فعلیة الشک و الیقین فیه،فلا عبرة بالشک التقدیری لعدم صدق النقض به،ولا الیقین کذلک لعدم صدق نقضه بالشک.

5.وحدة القضیة المتیقنة و القضیة المشکوکة فی جمیع الجهات،أی أن یتحد الموضوع و المحمول و النسبة و الحمل و الرتبة،وهکذا...ویستثنی من ذلک الزمان فقط،رفعاً للتناقض.

6.إتصال زمان الشک بزمان الیقین،بمعنی أن لا یتخلل بینهما فاصل من یقین آخر،کما هو مفاد تسلط النقض بالشک علی الیقین.

7.سبق الیقین علی الشک-ولو کان السبق رتبیاً-لیتم صدق عدم نقض الشک له.

فإذا اجتمعت هذه الأرکان فی موضع أمکن جریان الاستصحاب فیه،وترتب حکمه

ص:268

بعد ثبوت حجیته-طبعاً-ومع تخلف بعضها لا یمکن جریانه أصلاً.

لایخفی إن قاعدة الیقین تشارک أصل الاستصحاب فی جملة أرکانه إلا ما یتصل بفعلیه الیقین و الشک منها،وأیضاً قاعدة المقتضی و المانع لا تنطبق علی الاستصحاب لعدم تمامیة أرکانها وأرکان الاستصحاب،لاعتبارنا فی الاستصحاب وحدة المتعلق للیقین و الشک بخلاف قاعدة المقتضی و المانع،فإن متعلق الیقین فیها هو وجود المقتضی للشیء،ومتعلق الشک هو حصول المانع من تأثیره.

حجیة الاستصحاب

اختلفت المذاهب الإسلامیة فی حجیة الاستصحاب علی أقوال لا یهمنا کمقارنین ذکرها تفصیلاً،فالأنسب التعرف علی أهمها ثم التماس الأدلة التی تدل علی أصل الحجیة،وبیان مقدار ما تدل علیه،ومنها یعرف القول الحق من جمیع هذه الأقوال.

الأقوال:

1.«ذهب أکثر العلماء-کما حکاه ابن الحاجب-ومنهم المالکیة و الحنابلة وأکثر الشافعیة:إلی أن الاستصحاب حجة شرعیة،فیحکم ببقاء الحکم الذی کان ثابتاً فی الماضی مادام لم یقم دلیل برفعه أو بتغییره،فیبقی الأمر الثابت فی الماضی ثابتاً فی الحال بطریق الاستصحاب». (1)

2.وفی المعالم نسبة الحجیة إلی الأکثر،وخالف فی ذلک السید المرتضی (2)کما خالف«أکثر الحنفیة و المتکلمین کأبی الحسین البصری». (3)

3.وذهب أکثر المتأخرین من علماء الحنفیة إلی«أن الاستصحاب حجة دافعة لا حجة مثبتة،أی أنه حجة لدفع ما یخالف الأمر الثابت بالاستصحاب،ولیس هو حجة علی إثبات أمر لم یقم دلیل علی ثبوته». (4)

4.وللشیعة تفصیلات فی أقسام الاستصحاب کثیرة،أهمها:تفصیل الشیخ الأنصاری بین ما إذا کان الشک فی المقتضی فلا یجری الاستصحاب،أو الشک فی الرافع فیجری.

ص:269


1- (1) .سلم الوصول،ص305.
2- (2) .معالم الاصول،ص218.
3- (3) .ارشاد الفحول،ص237.
4- (4) .سلم الوصول،ص237.
الخلاصة

1.الیقین فی الاستصحاب عبارة عن انکشاف واقع متعلقه وجداناً أو تعبداً.والشک ما یقابل الیقین بمعنییه-الوجدانی و التعبدی-.

2.أرکان الاستصحاب علی تعریفنا سبعة ومع تخلف بعضها لا یمکن جریانه أصلاً.

3.ذهب أکثر العلماء السنه(منهم المالکیه،الحنابله و الشافعیه)إلی أن الاستصحاب حجة شرعیه فیحکم ببقاء الحکم مادام لم یقم دلیل برفعه أو بتغییره فیبقی الأمر الثابت فی الماضی ثابتاً فی الحال بطریق الاستصحاب.

4.قال الشیخ الأنصاری:الاستصحاب لا یجری إذا کان الشک فی المقتضی ویجری إذا کان الشک فی الرافع.

الأسئلة

1.أإذکر أهم أرکان الاستصحاب؟

2.ما معنی الیقین و الشک فی الاستصحاب؟

3.إذکر رأی الأُصولیین فی حجیة الاستصحاب؟

4.وضع مراد الشیخ الأنصاری«فی جریان الاستصحاب اذا کان الشک فی المقتضی»؟

ص:270

54-الاستصحاب(3)

اشارة

ما هی المناقشة الواردة علی الاستدلال علی حجیة الاستصحاب بالسیرة العقلائیة؟

ما هی الأحادیث المستدل بها علی حجیة الاستصحاب؟

الأدلة الاستصحاب
اشارة

فقد استدلوا علی الاستصحاب بعدة أدلة،أهمها:

1-السیرة العقلائیة
تقریب الاستدلال

یقول الأُستاذ خلاف:«إن ما فطر علیه الناس وجری به عرفهم فی عقودهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم،إنهم إذا تحققوا من وجود أمر غلب علی ظنهم بقاؤه موجوداً حتی یثبت لهم عدمه،و إذا تحققوا من عدم أمر غلب علی ظنهم بقاؤه معدوماً حتی یثبت لهم وجوده.

مثلاً:من عرف زوجیة زوجین شهد بها بناءً علی ظن بقائها،والقاضی یقضی بالملکیة فی الحال بناء علی سند ملکیة بتأریخ سابق،ویقضی بالدین فی الحال بناء علی شهادة شاهدین باستدانة سالفة». (1)

مناقشة الدلیل

«قال السید الخوئی فی مصباح الأُصول:إذا ثبت من قولهم«غلبه الظن ببقاء الشیء علی ما

ص:271


1- (1) .مصادر التشریع،ص128.

کان ما دام لم یوجد ما یغیره،بناءً علی استقرار سیرة العقلاء علی العمل اعتماداً علی الحالة السابقة غیر ثابت; لأن عملهم یمکن اتکالاً علی أحد الأنحاء الثلاثة التالیة:

1.فتارة یکون عملهم لاطمئنانهم بالبقاء،کما یرسل تاجر أموالا إلی تاجر آخر فی بلدة أُخری لاطمئنانه بحیاته لا للاعتماد علی مجرد الحالة السابقة،ولذا لو زال اطمئنانه بحیاته،کما لو سمع أنه مات جماعة من التجار فی تلک البلدة لم یرسل الأموال قطعاً.

2.وأُخری یکون رجاءً واحتیاطاً کمن یرسل الدرهم و الدینار إلی ابنه الذی فی بلد آخر لیصرفهما فی حوائجه،ثم لو شک فی حیاته فیرسل إلیه أیضاً للرجاء والاحتیاط حذراً من وقوعه فی المضیقة علی تقدیر حیاته.

3.یکون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه،فلیس لهم التفات،حتی یحصل لهم الشک فیعملون اعتماداً علی الحالة السابقة،کمن یجیء إلی داره بلا التفات إلی بقاء الدار وعدمه». (1)

والظاهر أن هذه المناقشة لاتدفع وجود السیرة.والذی یبدو لی أن الاستصحاب من الظواهر الاجتماعیة العامة التی ولدت مع المجتمعات ودرجت معها،وستبقی-مادامت المجتمعات-ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها،ولو قدر للمجتمعات أن ترفع یدها عن الاستصحاب لما استقام نظامها بحال.و ما أعمقه من کلام:إن عملهم علی طبق الحالة السابقة«إنما هو بإلهام الهی حفظاً للنظام». (2)

و إذا صح ما ذکرناه من کونها من الظواهر الاجتماعیة العامة،فعصر النبی صلی الله علیه و آله ما کان بدعاً من العصور ولا مجتمعه بدعاً من المجتمعات لیبتعد عن تمثل وشیوع هذه الظاهرة،فهی بمرأی من النبی صلی الله علیه و آله حتماً-ولو ردع عنها لکان ذلک موضع حدیث المحدثین،و هو ما لم یحدث عنه التأریخ،فعدم ردع النبی صلی الله علیه و آله عنها یدل علی رضاه وإقراره لها وبخاصة و هو قادر علی الردع عن مثلها ولیس هناک ما یمنعه عنه.

2-السنة
اشارة

المراد من السنة خصوص ما ورد عن أهل البیت علیهم السلام فی هذا المجال لعدم إطلاعنا علی

ص:272


1- (1) .مصباح الاصول،ص11.
2- (2) .قاله شیخنا النائینی(); راجع تمام کلامه فی مصباح الاصول،ص11.

أحادیث نبویة من غیر طریقهم بهذا المضمون،فإن فی أخبارهم (1)الکفایة،بعد أن ثبتت حجیة ما یأتون به.

الروایة الأُولی-صحیحة زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام:

«قال:قلت له:أصاب ثوبی دم رعاف،أو غیره أو شیء من المنی،فعلمت أثره إلی أن أصیب له الماء،فحضرت الصلاة ونسیت أن بثوبی شیئاً وصلیت،ثم إنی ذکرت بعد ذلک.قال علیه السلام:تعید الصلاة وتغسله.قلت:فإن لم أکن رأیت موضعه وعلمت أنه قد أصابه،فطلبته ولم أقدر علیه فلما صلیت وجدته،قال علیه السلام:تغسله وتعید.قلت:فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتیقن ذلک،فنظرت فلم أرَ شیئاً فصلیت فرأیت فیه.قال علیه السلام:تغسله ولا تعید الصلاة،قلت:لم ذلک؟قال علیه السلام:لأنک کنت علی یقین من طهارتک فشککت فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً.قلت:فإنی قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أین هو فأغسله،قال علیه السلام:تغسل من ثوبک الناحیة التی تری أنه قد أصابها،حتی تکون علی یقین من طهارتک.قلت:فهل علی إن شککت فی أنه أصابه شیء أن أنظر فیه؟قال علیه السلام:لا،ولکنک إنما ترید أن تذهب الشک الذی وقع فی نفسک.قلت:إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة؟قال علیه السلام:تنقض الصلاة وتعید إذا شککت فی موضع منه ثم رأیته،و إن لم تشک ثم رأیته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنیت علی الصلاة لأنک لا تدری لعله شیء أوقع علیک،فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک». (2)

التفات دقیق

و هذه الروایة من أهم الروایات وأصحها،و قد اشتملت علی عدة مسائل فقهیة أثارها عمق الراوی ودقة نظرته (3)،و قد تحدث عنها الأعلام أحادیث مفصلة،ولکنها لا تتصل

ص:273


1- (1) .والروایات التی أثرت عنهم کثیرة وبعضها مستوعب لشرائط الصحة،و قد استغرق الحدیث فیها وفی ملابساتها مئات الصفحات فی الموسوعات الأصولیة أمثال:رسائل الشیخ،وحقائق الأصول،وفوائد الأصول،وغیرها.
2- (2) .تهذیب الاحکام،ج1،ص421،الحدیث 8،والاستبصار،ج1،ص183،الحدیث:13.
3- (3) .لزرارة صاحب هذه الروایة صحیحتان أخریان تجریان بهذا المستوی و العمق من کثرة التفرعات فی الأسئلة وقوة الدلالة علی حجیة الاستصحاب،راجع:مصباح الأصول،ص 49-50.(المؤلف)

بطبیعة بحثنا هذا،وما یتصل منها بموضع الحاجة قوله علیه السلام:فی مقامین منها:«فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک»وهی کبری کلیة طبقها علیه السلام علی بعض مصادیقها فی المقامین.

والذی یبدو من التعبیر«فلیس ینبغی»وهی کلمة لا تقال عادة فی غیر مواقع العتب،ولا موضع لهما هنا لو لم تکن هذه الکبری مفروغاً عنها عند الطرفین،وهی من المسلمات لدیهما،کما أن التعلیل فیها«لأنک کنت علی یقین»وإرساله علی هذا النحو من الإرسال یوحی أنه تعلیل بأمر مرتکز معروف،و هو ما سبق أن استقربناه عند الاستدلال ببناء العقلاء من أنه من الأُمور التی یصدر عنها الناس فی واقعهم صدوراً تلقائیاً لعل مصدره ما ذکره شیخنا النائینی من الهام الله لهم ذلک،أو ما عبر عنه الأُستاذ خلاف بفطرة الله الناس علیها،فهی فی الحقیقة من أدلة الإمضاء لما علیه بناء العقلاء.

الروایة الثانیة-موثوقة عمار عن الإمام الکاظم علیه السلام:

عن أبی الحسن علیه السلام (1):«قال:إذا شککت فابن علی الیقین،قلت:هذا أصل؟قال علیه السلام:نعم». (2)

تقریب الدلالة

دلالة هذه الروایة علی الحجیة واضحة،وبخاصة إذا تصورنا أنه لا معنی للبناء علی الیقین إلا البناء علی المتیقن،والتعبیر ب«هذا أصل»یدل علی سعة القاعدة وعدم تقیدها فی الموارد التی بعثت بالسائل علی الاستفسار و السؤال.

کلمة فی إطلاق وشمول روایات السنة للاستصحاب-

کما تری أن دلالة الروایات وافیة وشاملة لجمیع أقسام الاستصحاب سواء کان المشکوک فیه هو الحکم أم موضوعه،وسواء کان سبب الیقین بالحکم الشرعی الدلیل العقلی أم غیره-ما یکفی لإلغاء جمیع هذه التفصیلات وغیرها مما ذکروه،والمقیاس فی جریان الاستصحاب وعدمه هو توفر الأرکان السابقة التی انتزعناها جمیعاً من مضمون هذه الروایات.

ص:274


1- (1) .یراد به ابوالحسن الاول الامام الکاظم*.
2- (2) .وسائل الشیعه،ج8،ص212،الحدیث 10452.

ثم شک بأن هذا الشخص هل کان حیاً عند ما ضربه،أی أن الموت استند إلی الضرب أو إلی غیره،فاستصحاب حیاته إلی حین الضرب لا یکشف عن أن الموت کان مستنداً إلی ضربته،فلا یرتب علیه آثار القتل الشرعیة فی هذا الحال،لوضوح أن الاستناد وعدمه لیساً من آثار حکم الشارع ببقائه حیاً،وإنما هو من آثار حیاته الواقعیة،وهی غیر محرزة هنا.

فالقاعدة غیر مسلمة لبداهة أن الأثر الشرعی المجعول علی شیء لا یکون أثراً شرعیاً للوازمه العقلیة أو العادیة.

ص:275

الخلاصة

1.فرض استقرار سیرة العقلاء علی العمل اعتماداً علی الحالة السابقه غیر ثابت دائماً.

2.إن الاستصحاب من الظواهر الإجتماعیة العامة التی ستبقی مادامت المجتمعات،ضمانةً لحفظ نظامها واستقامتها،وعصر النبی صلی الله علیه و آله ما کان بدعاً من العصور ولا مجتمعه بدعاً من المجتمعات لیبتعد عن تمثل هذه الظاهرة.

3.نستفید من قول الإمام علیه السلام.«کنت علی یقین من طهارتک فشککت،فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً»أن الکبری مسلمة عند العقلاء،والإمام علیه السلام طبقها علی بعض مصادیقها.

4.روایة صحیحه زرارة وموثوقة عمار وغیرهما،تدل علی جمیع أقسام الاستصحاب،سواء کان المشکوک فیه هو الحکم أم موضوعة،وسواء کان السبب الیقین بالحکم الشرعی و الدلیل العقلی أم غیره.

الأسئلة

1.قرب دلیل السیرة العقلائیة علی حجیة الاستصحاب؟

2.اذکر مناقشة سیرة العقلائیة علی حجیة الاستصحاب علی مبنی السید الخوئی.

3.ما المراد من أن الاستصحاب من الظواهر الاجتماعیه؟

4.بین دلالة أهم الروایات وأصحها،یعنی صحیح زرارة علی حجیة الاستصحاب؟

5.عرف الأصل المثبت ومثل له؟

ص:276

55-أصول وتطبیقات الاستصحاب(للمطالعة)

اشارة

ما هی أدلة عدم حجیة لأصل المثبت؟

ما هو الاستصحاب الکلی وما هی أقسامه؟

فمن المناسب الآن أن نبحث عن عدة من المسائل المهمة،ونحاول تقییمها بعد عرض وجهات نظرهم فی ذلک:

المسألة الأُولی-هل الأصل المثبت حجة شرعاً؟
اشارة

المراد من الأصل المثبت:الأصل الذی تقع فیه الواسطة غیر الشرعیة-عقلیة أو عادیة-بین المستصحب و الأثر الشرعی الذی یراد إثباته،علی أن تکون الملازمة بینهما-أعنی المستصحب و الواسطة-فی البقاء فقط.

ومثاله ما لو علمنا بوجود الکُر فی البیت ولم نشخص موضعه،وشککنا فی ارتفاعه،فمقتضی الاستصحاب هو بقاء الکر،ثم فحصنا بعد ذلک فوجدنا کمیة من الماء نحتمل أنها هی الکر ولم نجد غیرها،فبمقتضی الملازمة العادیة أن الکر المستصحب هو هذا الماء،إلا أن تطبیق الکر المستصحب علی الموجود خارجاً لیس مما یقتضیه حکم الشارع،وإنما اقتضته الملازمة العادیة أو العقلیة-بحکم عدم عثورنا علی غیره-فتطبیق أحکام الکر علی هذا الماء إنما هو بالأصل المثبت،فإذن هل هذا حجة شرعاً؟

والجواب:بحسب المبانی التالیة یختلف:

1.القول بالحجیة-مطلقاً-علی مبنی القدماء.

2.القول بالحجیة علی مبنی القیاسیین:

ص:277

إن ما یقتضیه قیاس المساواة هو القول بحجیه اصل المثبت وذلک أن الواسطة العرفیة أو العقلیة من آثار المتیقن سابقاً،والحکم او الموضوع الشرعی الذی یراد اثباته من آثار الواسطة،وأثر الأثر أثر-فالدلیل الدال علی اعتبار المشکوک متیقناً إذا شمل الأول،فقد شمل آثاره المرتبة علیه طبعاً.

نقد وتحلیل

أولاً:إن هذه الکلیة أعنی-أن أثر الأثر أثر-و إن کانت مسلمة عقلاً،إلا أنها فی خصوص ما إذا کانت الآثار الطولیة کلها من سنخ واحد،کما فی الحکم بنجاسة الملاقی ونجاسة ملاقی الملاقی،أما إذا اختلفت الآثار فکان بعضها عقلیاً و الآخر شرعیاً،مثل من ضرب شخصاً خلف ستر؛

ثانیاً:إن الاستصحاب لما لم یکن من سنخ الأمارات الکاشفة عن الواقع،وأخذنا به إنما هو من قبیل التعبد المحض،فإذن علینا أن نتقید فی حدود ما عبدنا به الشارع مما یرجع جعله إلیه ولا نتجاوز إلی لوازم إثبات الحکم أو الموضوع العادیة أو العقلیة لاحتیاج هذا النوع من التجاوز إلی الدلیل،وحتی الأمارات کذلک لاتثبت لوازمها علی رأی بعض أساتذتنا-إلا إذا ثبت عموم التعبد بها لهذا النوع من اللوازم و الأخبار و الإقرارات،وما یشبهها من الأمارات شرعاً.

الحجیة:

3.القول بعدم الذی علیه محقق و المتأخرین،وذلک ل-:

أولاً:لبعض الأرکان التی انتزعناها من أدلة الحجیة-فیما مضی-و هو وجود الیقین السابق و الشک اللاحق مفقود،ومن البین هنا أنه لا یقین بکریة هذا الموجود سابقاً لتستصحب،وإنما الیقین بوجود الکر،ومع فقد الیقین السابق لا مجال لترتیب آثار الاستصحاب لفقده رکناً من أرکانه و هو الیقین.

ثانیاً:الرکن الرابع للاستصحاب-أیضاً-هنا مفقود،وهی وحدة المتعلق للیقین و الشک لیصدق النهی عن نقض الیقین بالشک إذ مع اختلاف المتعلق لا معنی لأن ینقض الیقین بالشک،ومتعلق الیقین الذی بأیدینا هو وجود الکر سابقاً لا کریة الموجود،لفرض جهالة حالته السابقة،والمشکوک الذی نرید معرفة حکمه هو الکر الموجود لا وجود أصل الکر،لعدم الثمرة الشرعیة بالنسبة لمعرفته لنا فعلاً.

ص:278

3.و إن قیل:إن الواسطة العرفیة أو العقلیة من آثار المتیقن سابقاً،والحکم أو الموضوع الشرعی الذی یراد إثباته من آثار الواسطة،وأثر الأثر أثر،فالدلیل الدال علی اعتبار المشکوک متیقناً إذا شمل الأول فقد شمل آثاره المترتبة علیه طبعاً.وإذن،بقیاس المساواة تمت حجته.

4.بین آراء الاصولیین علی حجیة اصل المثبت شرعاً؟

المسألة الثانیة-هل الاستصحاب الکلی حجة؟

المراد من الاستصحاب الکلی الاستصحاب الذی یکون المستصحب فیه أمراً کلیاً الغیت فیه الخصوصیات الشخصیة،ولهذا الاستصحاب صور أهمها:

أُولاها:ما إذا وجد الکلی فی ضمن فرد معین،ثم شک فی ارتفاعه،کما لو وجد الإنسان ضمن شخص فی الدار وشک فی خروج ذلک الشخص منها،فاستصحاب بقائه فیها یوجب ترتیب جمع الآثار الشرعیة علی ذلک البقاء-أعنی بقاء الکلی-لو کان هناک آثار شرعیة له،ومثل هذا الاستصحاب لا شبهة فیه.

ثانیتها:ما إذا فرض وجود الکلی فی ضمن فرد مردد بین شخصین،علم ببقاء أحدهما علی تقدیر وجوده وارتفاع الآخر کذلک،کما لو فرض وجوده ضمن فرد وشک فی کونه محمداً أو علیاً،مع العلم بأنه لو کان محمداً لکان معلوم الخروج عن الدار،ولو کان علیاً لکان معلوم البقاء.

والاستصحاب فی هذا القسم یجری وتترتب جمیع آثاره للعلم بوجود الکلی و الشک فی ارتفاعه،فأرکان الاستصحاب فیه متوفرة.

ثالثتها:ما إذا علم بوجود الکلی ضمن فرد خاص وعلم بارتفاعه واحتمل وجود فرد آخر له کان مقارناً لارتفاع ذلک الفرد أو مقارناً لوجوده.

وکما تری إن فی هذا القسم،أهم رکن من أرکان الاستصحاب و هوالیقین السابق مفقود; لأن الکلی لایمکن أن یوجد خارجاً إلا ضمن الفرد،فهو فی الحقیقة غیر موجود منه إلا الحصة الخاصة المتمثلة فی هذا الفرد أو ذاک.

التفات

إن الیقین فی القسم الثالث،قد تعلق بوجود الکلی المتخصص بخصوصیة معینة،و قد ارتفع

ص:279

هذا الوجود یقیناً،وما هو محتمل للبقاء فهو وجود الکلی المتخصص بخصوصیة أُخری،الذی لم یکن لنا علم به فیختلف متعلق الیقین و الشک،و هذا بخلاف القسم الثانی،فإن المعلوم فیه هو وجود الکلی المردد بین الخصوصیتین،فیحتمل بقاء هذا الوجود بعینه،فیکون متعلق الیقین و الشک واحداً،فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه. (1)

ص:280


1- (1) .مصباح الأصول،ص114 وما بعدها.
الخلاصة

1.إن کثیراً من قدماء الأصُولیین یثبتون حجیة الأصل المثبت بادعاء تناول أدلة الاستصحاب لمثله،ولکن الذی علیه محقق و المتأخرین عدم الحجیة.

2.للاستصحاب الکلی صور أهمها:

أ)إذ وجد الکل فی ضمن فرد معین شک فی ارتفاعه،و هذا مما لا شبهه فی جریانه.

ب)إذ افرض الوجود الکلی فی ضمن فرد مردد بین شخصین،علم ببقاء أحدهما علی تقدیر وجوده وارتفاع الآخر کذلک وهنا.أیضا یجزی الاستصحاب ویترتب جمیع آثاره.

الأسئلة

1.ما هوالأصل المثبت؟مثل له.

2.ما هی صور الاستصحاب الکلی؟

3.أی قسم من أقسام الاستصحاب الکلی یجری فیه الاستصحاب؟

ص:281

ص:282

الباب الثالث: ما یکون مثبتاً للوظیفة الشرعیة

اشارة

المرحلة الثالثة من وظائف المجتهد عند إعمال ملکته و هو علی حسب الترتیب الطبیعی البحث عما یکون مثبتاً للوظیفة الشرعیة.

ولقد أطال الأعلام فی التحدث عن البراءة الشرعیة والاحتیاط و التخییر الشرعیین.و قد استغرق الحدیث فیه المجلدات الواسعة،وسنقتصر منه علی المواضع التی نراها أهم من غیرها،ونقلل من النماذج التطبیقیة و التفرعات علی أصل المبنی احتفاظاً بطبیعة ما تقتضیه بحوثنا من إیجاز واقتراب نسبی من المفاهیم المشترک بحثها بین أعلام المذاهب علی اختلافها،تحقیقاً لمنهجنا فی المقارنة.وستری أن التقییم لصالح المدارس الشیعیة ولا یوجد له نظیر فی المذاهب الأُخری.إن شاء الله تعالی.

ص:283

ص:284

الاصل الثالث عشر-البراءة الشرعیة

اشارة

ص:285

56-البراءة الشرعیة

اشارة

ما هی البراءة الشرعیة؟

تعریف البراءة الشرعیة:یراد بها الوظیفة الشرعیة النافیة للحکم الشرعی عند الشک فیه و الیأس من تحصیله.

من المناسب أن نشیر إلی أن البراءة تشترک مع الإباحة الشرعیة من حیث تخییرها فی السلوک بین الفعل و الترک.

ولکن تفترقان فی الأُمور التالیة:

أ)البراءة الشرعیة یمکن أن تؤدی وظیفة الإباحة الشرعیة من حیث تخییرها فی السلوک بین الفعل و الترک.

ب)الإباحة الشرعیة ولیدة انعدام المصلحة و المفسدة،أو تساویهما فی متعلقها،بخلاف البراءة الشرعیة.

ج)البراءة الشرعیة غیر ناظرة إلی الواقع،فقدیکون فیه مصلحة توجب الإلزام بالإتیان به،والشارع جعل الحکم الإلزامی له،إلا أنه لم یصل الینا،أو أن فیه مفسدة توجب الردع الإلزامی عنه کذلک.

حجیة البراءة الشرعیة
اشارة

الأُصولیون من الشیعة:اعتبروا حجیتها مطلقاً،سواء فی ذلک الشبهات الموضوعیة أم الحکمیة،وسواء کانت الشبهة وجوبیة أم تحریمیة.لکن الأخباریین من الشیعة ذهبوا إلی اختصاص البراءة الشرعیة بالشبهات الوجوبیة دون التحریمیة.

ص:286

البراءة الشرعیة عند السنة:الذی یبدو منهم إرسال حجیتها إرسال المسلمات لعدم تعرضهم-فی حدود ما اطلعت علیه-لمخالف فیها معلوم،و إن لم یظهر لدیهم أدلة من الشرع علیها فنسبتها إلی البراءة العقلیة عندهم أولی،ولذا آثرنا التعرض لها هناک،فانتظر.

أدلة المثبتین
اشارة

المراد من المثبتین هم الذین وسعوا فی اعتبارها سواء فی الشبهات الموضوعیة أم الحکمیة،وسواء کانت الشبهة وجوبیة أم تحریمیة،واستدلوا بأدلة کثیرة مستغرقة للأدلة الأربعة نذکر أوفاها بالدلالة:

1-الکتاب الکریم

أظهر ما استدلوا به من الکتاب آیتان کریمتان هما:

1.قوله تعالی: لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها (1)

2.قوله تعالی: وَ ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً (2)

وسنقتصر هنا علی الکلام فی الأُولی،وعلی من أراد التوسع الرجوع إلی المطولات،فنقول:

لعل أسلم التقریبات لدلالة الآیة أن یقال:إن المراد من الموصول فی(ما أتاها)هو الحکم،والمراد بالإیتاء فیها هو الموصول،فیکون مفاد الآیة نفی التکلیف بالحکم غیر الواصل،أی أن الله لا یکلف نفساً إلا بالحکم الذی یصل إلیها.وبالطبع إن معنی نفی التکلیف هنا هو نفی آثاره الأُخرویة،أی نفی المؤاخذة،وإلا فإن التکلیف ثابت فی حقوق العالمین و الجاهلین علی السواء.

2-السنة الشریفة

وأدلتهم من السنة الشریفة کثیرة جداً نجتزی بذکر حدیث الرفع المشهور منها:

حدیث الرفع:

نص الحدیث:و قد روی بسند جامع لشرائط الصحة عن حریز،عن أبی عبدالله قال:

ص:287


1- (1) .الطلاق(65)،7.
2- (2) .الاسراء(17):15.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:رفع عن أُمتی تسعة:الخطأ،والنسیان،وما أُکرهوا علیه،وما لا یعلمون،وما لا یطیقون،وما اضطروا إلیه،والحسد،والطیرة،والتفکر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطق بشفة». (1)

دلالة الحدیث:

و قد قربت دلالته بأن أحکام الشارع علی اختلافها،من وضعیة وتکلیفیة،لما کان أمر رفعها ووضعها بیده،و إن بوسعه أن یضع الحکم الإلزامی فی حالتی العلم و الجهل،أی أن یضع الحکم الواقعی و الظاهری علی المکلفین کما أن بوسعه أن یرفعهما عنه،فإن هذا الحدیث جاء للتعبیر عن رفع الشارع الحکم الإلزامی فی حال الشک،ولیست هناک آیة منافاة بین رفع الحکم عند الجهل به وبقائه واقعاً کما هو مقتضی ما دل علی ثبوت الأحکام فی حق العالمین و الجاهلین علی السواء،ویکون مفاد الرفع فی هذا الحدیث هو رفع العقاب أو المؤاخذة.

ونعتقد أن الحدیث وافی الدلالة فی شموله لمختلف الشبهات موضوعیة أو حکمیة.

و إذا صحت استفادة رفع الحکم منه فتعمیمه إلی مختلف ما فیه ثقل من أنواع الحکم سواء کان وضعیاً أم تکلیفیاً لا یحتاج إلی کلام.کما أن شموله لجمیع مناشئ عدم العلم بالحکم من فقدان النص،أو تعارض النصین،أو الجهل بالموضوع،أو غیرها واضح جداً.

3-الإجماع

قولهم:إن المسلمین اتفقوا علی صحة قاعدة(قبح العقاب بلا بیان)وبها تثبت حجیة البراءة الشرعیة.

والذی یرد:

1.إن القاعدة و إن کانت ثابتة فی واقعها،إلا أن ثبوتها لا یکشف عن حکم الشارع بها لکونها قاعدة عقلیة محضة.

2.إنها لا تثبت الترخیص فی الشبهات التحریمیة-موضع النزاع مع الأخباریین-لادعائهم وجود البیان فیها،فهی خارجة عن موضوع هذا الحکم العقلی بالورود.

ص:288


1- (1) .بحار الأنوار،ج2،ص280،الحدیث:47; من لا یحضره الفقیه،ج1،ص59،الحدیث 132 وفیه:«وضع عن أمتی...»راجع الدراسات،للسید الخویی،ج3،ص142.
4-العقل

عمدةَ ما استدلوا به هو قاعدة(قبح العقاب بلا بیان)،فهی و إن کانت وافیة الدلالة علی البراءة إلا أنها لا تفی بإثبات البراءة الشرعیة،لعدم کشفها عن رأی الشارع-کمشرع-إذ المفروض فیما أخذ فیها هو عدم البیان الشرعی بجمیع مراتبه،ومع کشفها عن رأی الشارع تکون هی بیاناً،فیلزم من قیامها هدم موضوعها وارتفاعها تبعاً لذلک.ولهذا السبب اعتبرالعلماء ورود ما دل علی البراءة الشرعیة علی هذه القاعدة لإزالته لموضوعها وجداناً بواسطة التعبد الشرعی.

ص:289

الخلاصة

1.یراد بالبراءة الشرعیة:الوظیفة الشرعیة النافیة للحکم الشرعی عند الشک فیه و الیأس من تحصیله.

2.اعتبر الشیعة حجیة البراءة الشرعیة مطلقاً سواء فی ذلک الشبهات الموضوعیة أم الحکمیة،وسواء کانت الشبهة وجوبیة أم تحریمیة.

3.حدیث الرفع جاء للتعبیر عن رفع الشارع الحکم الإلزامی فی حال الشک،ولیست هناک آیة منافاة بین رفع الحکم عند الجهل به وبقائه واقعاً کما هو مقتضی ما دل علی ثبوت الأحکام فی حق العالمین و الجاهلین علی السواء،ویکون مفاد الرفع فی هذا الحدیث هو رفع العقاب أو المؤاخذة.

الأسئلة

1.بین حجیة البراءة الشرعیة عند الشیعة و السنة.

2.اذکر أظهر ما استدل به المثبتون علی حجیة البراءة الشرعیة من الکتاب الکریم وبین مقدار دلالتها.

3.هل حدیث الرفع یشمل الشبهات الموضوعیة و الحکمیة معاً؟وضح ذلک بإیجاز.

4.هل الإجماع یدل علی مشروعیة دلیل البراءة الشرعیة؟

ص:290

الاصل الرابع عشر-الاحتیاط الشرعی

اشارة

ص:291

57-الاحتیاط الشرعی(1)

اشارة

ما هو الاحتیاط الشرعی؟

ما هی الروایات التی وردت علی وجوب الاحتیاط الشرعی؟

تعریف الاحتیاط الشرعی:یراد به حکم الشارع بلزوم الإتیان بجمیع محتملات التکالیف أو اجتنابها عند الشک بها،والعجز عن تحصیل واقعها مع إمکان الإتیان بها أو اجتنابها جمیعاً.

الاختلاف فی حجیته
اشارة

و قد اختلفوا فی حجیته،فالذی علیه أکثر علماء الأُصول أنه لیس بحجة مطلقاً،وخالف الأخباریون فی ذلک فاعتبروه حجة فی خصوص الشبهات التحریمیة-أی الشک فی حرمة أمر ما:

أدلة المثبتین-

و قد استدل الأخباریون،أو استدل لهم بعدة أدلة نعرض أبرزها:

أ)أدلتهم من الکتاب:

1.قوله تعالی: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ . (1)

باعتبار أن الترخیص فی الشبهات التحریمیة قول بغیر علم،و قد نهت هذه الآیة المبارکة عنه.

والجواب علی ذلک:إن الترخیص فیها قول بعلم لقیام أدلة البراءة السابقة علیه،فهو خارج عن الآیة موضوعاً لحکومة أدلة البراءة علیها.

ص:292


1- (1) .الاسراء(17)،36.

2.قوله تعالی: وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ . (1)

و قد قربوا دلالتها بکون اقتحام الشبهات التحریمیة القاء بالنفس إلی التهلکة،و قد حرمته هذه الآیة.

والجواب:

أ)إن کون اقتحام الشبهات التحریمیة القاء بالنفس إلی التهلکة أو لیس بإلقاء،لا تشخصه الآیة،لبداهة أن القضیة لا تثبت موضوعها،والمقیاس فی کونه القاء إذا أرید من التهلکة الأُخرویة-أی:العقاب-هو نهی الشارع عنه ومخالفة ذلک النهی،وتوجه النهی إلی اقتحام الشبهات إن أرید إثباته بهذه الآیة لزم الدور،و إن أرید إثباته بغیرها فالغیر هو الدلیل لا هذه الآیة.

ب)علی أن أدلة البراءة-بعد تمامیتها-تکون واردة علی الآیة ومزیلة لموضوعها وجداناً; إذ مع کون هذه الأدلة مؤمنة من العقاب فی جمیع مواقع اقتحام الشبهات بما فیها التحریمیة،لا یکون اقتحام التحریمیة منها تهلکة فهو خارج وجداناً بواسطة التعبد الشرعی.

هذا کله لو أُرید من التهلکة العقاب الأُخروی،أما إذا أرید بها التهلکة الدنیویة فالوجدان قاضٍ بأن اقتحام الشبه لیس فیه احتمال التهلکة دائماً،فضلاً عن القطع بوجودها،ولعل إرتکاب أکثر المحرمات المعلومة لا یوجب تهلکة دنیویة و إن أوجب ضرراً فضلاً عن اقتحام شبهها.

ب)أدلتهم من السنة:وهی علی طوائف:

من الطائفة الأُولی:ما یصلح للاستدلال به من السنة طائفتان انتظمت عشرات من الروایات فیهما نذکر لکل طائفة نموذجاً،فمن أراد فلیراجع کتب القوم رضوان الله علیهم.

من الطائفة الأولی ما أخذ فیها لفظ الشبهة و الوقوف عندها،أمثال:مقبولة ابن حنظلة:و قد جاء فیها:«إنما الأمور ثلاثة:أمر بین رشده فیتبع،وأمر بین غیه فیجتنب،وشبهات بین ذلک،فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات،ومن أخذ بالشبهات وقع فی المحرمات وهلک من حیث لا یعلم،والروایة الأُخری الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة». (2)

ص:293


1- (1) .البقرة(2)،195.
2- (2) .وسائل الشیعة،ج27،ص157،أبواب صفات القاضی،باب وجوب التوقف والاحتیاط فی القضاء و الفتوی،ح9.

والجواب:

إن کلمة الشبهة التی أخذت فیها جمیعاً ظاهرة فی الشبهة المتحکمة،أی التی لم یعرف حکمها الواقعی أو الظاهری،ولم یجعل لها الشارع مؤمنات من قبله.

إن لسان الأمر بالتوقف وما انطوت علیه من تعلیل فی بعضها،یدلنا علی کونها أوامر إرشادیة لاتصالها بشؤون التحذیر من الوقوع فی العقاب،وشؤون العقاب و الثواب لاتقبل أوامر مولویة للزوم التسلسل فیها.

2.من الطائفة الثانیة ما ورد فیها لفظة الأمر بالاحتیاط أمثال قوله علیه السلام«أخوک دینک فاحتط لدینک» (1)وقوله علیه السلام:«خذ بالحائطة لدینک». (2)

والجواب:

أ)إنها أمرت بالاحتیاط للدین،و هو لا یکون إلا بعد إحراز موضوعه،فمع الشک فی کون الشیء دیناً أو لیس بدین لا تتکفل هذه الروایات إثبات کونه منه،لما قلناه مراراً من أن القضیة لا تثبت موضوعها.

والمفروض فی مواقع الشبهات هو الشک فی أن متعلقاتها من الدین أو لا،فلا تکون متناولة لها.نعم إذا أحرز کون الشیء من الدین وجب الاحتیاط فیه.

ج)استنادهم إلی أصالة الحظر ربما استدل علی وجوب الاحتیاط بالقاعدة المعروفة«الأصل فی الأشیاء الحظر»والمراد منها أن الأشیاء المحکومة بالحظر قبل ورود الشریعة بها،و هو الذی ذهب إلیه البعض، (3)وتقرب بما هو معلوم بالضرورة من أن المکلفین عبیدلله عزوجل،وأفعالهم جمیعاً مملوکة له،ولا یسوغ التصرف فی ملک الغیر إلا بإذنه.

ص:294


1- (1) .وسائل الشیعة،ص167،ج27،ابواب صفات القاضی،باب وجوب التوقف والاحتیاط فی القضاء و الفتوی ح 42 و46.
2- (2) .المصدر،وفیه«تأخذ بالحائطة لدینک».
3- (3) .المستصفی،ج1،ص40; مصادر التشریع،ص129 فی حقیقة مقاله«ان الاصل فی الاشیاء الحظر»قول جماعة من المعتزلة وهل تثبت أصل الاستصحاب أم من صغریات؟فلیراجع الجواب فی الأصول العامة للفقه المقارن للسید محمدتقی الحکیم،ص 456-455.

والجواب

إن هذه القاعدة لو تم الاستدلال بها علی الاحتیاط الشرعی بهذا التقریب،فهی محکومة لما دل علی ورود الإذن الشرعی فی إباحة التصرفات،أمثال قوله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً (1)

ولیس وراء اللام من(لکم)ما یدل علیه،بالإضافة إلی حکومة أدلة البراءة السابقة،ولا أقل من معارضتها بروایة:«کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی»وإسقاطها لذلک.

ص:295


1- (1) .البقرة(2)،29.
الخلاصة

1.یراد به حکم الشارع بلزوم الإتیان بجمیع محتملات التکالیف أو اجتنابها.

2.لا یخفی أن الشبهة التی أُخذت فی قوله علیه السلام:(من أخذ الشبهات وقع فی المحرمات وهلک من حیث لا یعلم)ظاهرة فی الشبهة المتحکمة،أی التی لم یعرف حکمها الواقعی أو الظاهری،ولم یجعل لها الشارع مؤمنات من قبله.

3.خذ بالحائط لدینک لا تثبت دلیل الاحتیاط; لأن الشک فی کون الشیء دیناً أو لیس بدین لا تتکفل هذه الروایات إثبات کونه منه.

4.أصالة الحظر المعروفة محکومة لأدلة الإباحة مثل قوله تعالی هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً .

الأسئلة

1.ما المراد من الاحتیاط الشرعی عند الأصولیین؟

2.هل الآیة الکریمة وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ تدل علی الاحتیاط؟لماذا؟

3.لماذا آیة وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ لا تشخص أن الاقتحام بالشبهات التحریمیة القاء بالنفس إلی التهلکة؟

4.قیل:إن أدلة روایات الاحتیاط إرشادیة،وضح ذلک.

5.بین مفاد قوله علیه السلام:«خذ بالحائطة لدینک»؟

6.هل مبنی الغزالی فی جریان الاستصحاب براءة الذمة یفید دلیل الاحتیاط؟

7.کیف یمکن أن یستدل علی وجوب الاحتیاط بأصالة الحظر؟

ص:296

الأصل الخامس عشر-التخییر الشرعی

اشارة

ص:297

58-التخییر الشرعی

اشارة

ما هو التخییر الشرعی؟

تعریف التخییر الشرعی

یراد به جعل الشارع وظیفة اختیار إحدی الأمارتین للمکلف عند تعارضهما وعدم إمکان الجمع بینهما،أو ترجیح إحداهما علی الأخری بإحدی المرجحات.

توضیح:مرادنا من التخییر هو الوظیفة الشرعیة الذی یجعل لرفع الحیرة ومصلحة التیسیر فقط ولا یکشف عن وجود مصلحة فی متعلق الجعل لیکون من سنخ الأحکام-إذن-هو غیر الواجب المخیر الذی یوجه التکلیف إلیه علی سبیل البدل.ومن الواضح جعل التخییر کوظیفة شرعیة علی خلاف مقتضی الأصل،لاقتضائه التساقط فی المتعارضین.

ومما ینبغی الإرشاد إلیه،أن القائلین بالتخییر لم نعرف لأحد منهم فتوی فقهیة مستندها ذلک،وربما وجدت فی الموسوعات وضیعها علینا نقص الفحص.

أدلة التخییر

استند فی حجیة التخییر الشرعی إلی روایات عدة نذکر نماذج منها:

1.ما رواه أحمد بن علی بن أبی طالب الطبرسی،عن الحسن بن الجهم،«عن الرضا علیه السلام قلت:یجیؤنا الرجلان وکلاهما ثقة بحدیثین مختلفین،ولا نعلم أیهما الحق.قال علیه السلام:فإذا لم تعلم فموسع علیک بأیهما أخذت». (1)

ص:298


1- (1) .التحفة السنیة،ص14 وراجع مصباح الأصول،ص423.

ومثله مرسلة الکافی«بأیهما أخذت من باب التسلیم وسعک». (1)

مناقشة:دلالة هذه الروایة وافیة جداً،إلا أنها مرمیة بالضعف لإرسالها.

2.ما رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمد،عن العباس بن معروف،عن علی بن مهزیار قال:«قرأت فی کتاب لعبد الله بن محمد إلی أبی الحسن علیه السلام:اختلف أصحابنا فی روایاتهم عن أبی عبد الله فی رکعتی الفجر فی السفر،فروی بعضهم علیه السلام:صلهما فی المحمل،وروی بعضهم:لا تصلهما إلا علی الأرض،فوقع علیه السلام:مُوسع علیکَ باِیة عَملِتَ». (2)

نقد وتقییم

هذه الروایة لا دلالة لها علی أکثر من التخییر فی أفراد الکلی،لأن کلا من الصلاتین صحیحة ومحققة للغرض وفی الحقیقة أن هذه الأنواع من الروایات لیست متعارضة فی واقعها،و إن تخیلها الراوی کذلک،والإمام لم یصنع أکثر من تنبیهه علی إمکان الجمع بینها بمفاد(أو)،والکلام إنما هو فی الروایات المتعارضة.

صلاحیة دلیل التخییر الشرعی

إن أدلة التخییر لو تمت دلالتها فهی لا تتعرض إلی أکثر من التعارض بین الأخبار،ولا صلاحیة فیها لاستیعاب أبواب التعارض کلها،فالدلیل-إذن-أضیق من المدعی.ولذا لم نعرف من عمم أدلة التخییر إلی جمیع الأبواب،فالقاعدة تبقی محکمة،ومقتضاها التساقط إلا فی الأخبار،بناء علی تمامیة هذه الأدلة.

ص:299


1- (1) .الکافی،ج1،ص66،باب اختلاف الحدیث 7.
2- (2) .تهذیب الأحکام،ج3،ص228،ح 92 ومصباح الأصول،ص424.
الخلاصة

1.التخییر الشرعی عبارة عن الوظیفة الشرعیة الذی یجعل لرفع الحیرة ومصلحة التیسیر فقط ولایکشف عن وجود مصلحة فی متعلق الجعل.

2.توقیع الإمام عن السؤال فی رکعتی الفجر فی اتیانها فی السفر موسع علیک بأیة عملت،لا تدل علی أکثر من التخییر فی أفراد الکلی،والروایتان لیستا متعارضتین فی واقعهما.

الأسئلة

1.ما الفرق بین التخییر أن یکون حکماً أو وظیفة؟

2.بین دلالة روایته علیه السلام:«فإذا لم تعلم فموسع علیک بأیهما أخذت»علی التخییر؟

3.وضح المراد من النص التالی(إن أدلة التخییر لو تمت دلالتها فهی لا تتعرض إلی أکثر من التعارض بین الأخبار).

ص:300

الباب الرابع: ما یکون مثبتاً للوظیفة العقلیة

اشارة

المرحله الرابعة من وظائف المجتهد عند اعمال ملکته

فی الاستنباط،البحث عما یکون مثبتاً للوظیفة العقلیة

ولقد أطال الأعلام فی التحدث عن البراءة العقلیة وأخواتها(الاحتیاط و التخییر العقلیین).و قد استغرق الحدیث فیه المجلدات الواسعة،وسنقتصر منه علی المواضع التی نراها أهم من غیرها،ونقلل من النماذج التطبیقیة و التفرعات علی أصل المبنی احتفاظاً بطبیعة ما تقتضیه بحوثنا من إیجاز واقتراب نسبی من المفاهیم المشترک بحثها بین أعلام المذاهب علی اختلافها،تحقیقاً لمنهجنا فی المقارنة.ستواجه أن التقییم یستقر فی المدارس الشیعیة،ولا یوجد له نظیر فی المذاهب الأُخری.إن شاء الله تعالی.

ص:301

ص:302

الأصل السادس عشر-البراءة العقلیة

اشارة

ص:303

59-البراءة العقلیة

اشارة

ما هی البراءة العقلیة؟

تعریف البراءة العقلیة:یراد بها الوظیفة المؤمنة من قبل العقل عند عجز المکلف عن بلوغ حکم الشارع أو وظیفته.

حجیة البراءة العقلیة

قد استدل لها بالقاعدة العقلیة المعروفة بقاعدة:«قبح العقاب بلا بیان وأصل من الشارع».و قد عبر عنها بعض المشرعین المحدثین بقوله«لا عقاب بغیر القانون»وربما کان غرض القائلین بأن«الأصل براءة الذمة هو الإشارة إلی هذه القاعدة العقلیة».

مفاد القاعدة:إن العقل یدرک قبح عقاب الشارع لعبیده إذا لم یؤذنهم بتکالیفه وخالفوها،أو آذنهم بها ولم تصل إلیهم مع فحصهم عنها واختفائها عنهم مهما کانت أسباب الاختفاء ویأسهم عن بلوغها.

و هذه القاعدة مما تطابق علیها العقلاء علی اختلاف مللهم ومذاهبهم،وتباین أذواقهم ومستویاتهم،وتشعب أزمانهم وبیئاتهم.

وتفترض عند اختفاء الأحکام الشرعیة،ولیس فیها جنبة نظر للواقع،ولا حکایة عنه،بل لیس فیها ما یکشف عن رأی الشارع.

النسبة بین قاعدة قبح العقاب وقاعدة دفع الضرر
1-وجود التعارض بینهما

وموقع التعارض بینهما أن القاعدة قبح العقاب بلا بیان،مع احتمال التکلیف وعدم تنجزه

ص:304

بالوصول تنفی العقاب من الشارع وتمنعه،وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل (1)لاتمنعه،بل تصحح صدوره منه وتلقی التبعة علی المکلف إن قصر فی امتثاله،فالأُولی مؤمنة من الضرر،والثانیة غیر مؤمنة،وموضوعهما واحد.

والجواب:

من الثابت فی محله أن التعارض فی الأحکام العقلیة مستحیل،لأن العقل لا یتناقض علی نفسه بإصدار حکمین متناقضین علی موضوع واحد،فلا بد من التماس محاولاتهم لرفع هذا التناقض.

2-التوارد بین القاعدتین

و قد ذهب بعضهم إلی أنهما-أعنی القاعدتین-مختلفتان فی الرتبة،وقیام إحداهما یکون مزیلاً لموضوع الأخری،وبهذا جعلوا«قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل»واردة علی«قاعدة قبح العقاب بلا بیان»لادعائهم أن هذه القاعدة تصلح أن تکون بیاناً یمکن للشارع أن یعتمد علیه،ومع فرض کونها بیاناً من قبله،فقاعدة«قبح العقاب بلا بیان»لا یبقی لها موضوع.

والجواب:

إمکان عکس الدعوی علیهم،والنقض بورود القاعدة الأُولی علی الثانیة.

بتقریب:أن قاعدة«قبح العقاب بلا بیان واصل»بنفسها مؤمنة ورافعة لاحتمال الضرر،فمع قیامها لا احتمال للضرر لیلجأ إلی القاعدة الثانیة،وبهذا یتضح أن قیام القاعدة الأولی یکون رافعاً لموضوع القاعدة الأخری ووارداً علیها.فالقاعدتان-اذن-متواردتان،والإشکال یبقی قائماً ینتظر.

3-لا تعارض بینهما ولا تناقض

قبل بیان هذا الوجه لابد من توضیح معنی الضرر المکنون فی هذا المجال أولاً،ثم إبراز الرأی الذی نراه أقرب إلی حل المشکلة.

ص:305


1- (1) .معنی القاعدة واضح جداً و هی مما تطابق علیها العقلاء بتقریب ان العقل متی احتمل الضرر فی شیء ما الزم بتجنبه،واستحق صاحبه اللائمة لو أقدم علیه وصادف وقوعه فیه.

أ)تحدید الضرر:یطلق الضرر ویراد به النقص الذی یدخل علی الإنسان بسبب عمل أو ترک شیء ما،سواء کان روحیاً أم مادیاً،و هو علی قسمین:دنیوی وأُخروی،ولکل من هذین القسمین حساب بالنسبة إلی موضع بحثناً.

1.احتمال الضرر الدنیوی:

و هذا الاحتمال إذا کان علی درجة من الأهمیة کبیرة،وکان الضرر مما لا یتسامح فیه عادة،یمکن أن یدرک العقل لزوم الاحتیاط علی وفقه،ومنه یدرک رأی الشارع بإلزامه به-أعنی الاحتیاط-إبعاداً للمکلف عن الوقوع فیما یبغضه.

ومن المعلوم أن للشارع أن یجعل الاحتیاط للمحافظة علی بعض التکالیف،کما هو الشأن فی الدماء و الفروج و الأموال علی قول.

2.احتمال الضرر الأخروی،أی:العقاب.

و هذا الاحتمال لا یستتبع جعلاً شرعیاً للاحتیاط علی وفقه،لبداهة أن کل ما یتصل بشؤون الإطاعة و العصیان مما هو فی طول التکالیف لا تکون أوامره-لو وجدت-من قبیل الأوامر المولویة،لاستحالة صدور هذا النوع من الأوامر عنه.ومن الواضح أن بعض الأحکام العقلیة لاتستتبع أوامر شرعیة مثل الأمر بالطاعة،لأن احتمال العقاب لایستطیع أن یوجه الشارع نهیاً عن الوقوع فیه للزوم التسلسل.

ب)البیان المختار:فی الحقیقة فالقاعدتان لا تعارض بینهما ولا تناقض فی حکم العقل،لأن قاعدة«وجوب دفع الضرر المحتمل»إنما تختص فی المواقع التی یمکن للشارع أن یجعل تکالیفه علیها،ولو کانت التکالیف احتیاطیة.

وهی لا تشمل غیر قسم من الاحتمالات لأضرار دنیویة بالغة،یعلم من الشارع بغض وقوعها من العبد،وما عداها فقاعدة«قبح العقاب بلا بیان»تبقی قائمة ومع قیامها یقطع بعدم الضرر الأُخروی،وهی هادمة بقیامها للقاعدة الأُخری لتحصیلها القطع بالمؤمن الرافع لاحتمال العقاب.

ص:306

الخلاصة

1.عبر عن قاعدة قبح عقاب بلا بیان بعض المشرعین المحدثین ب«لا عقاب بغیر قانون».

2.تفترض عند اختفاء الأحکام الشرعیة،ولیس فیها جنبة نظر للواقع ولا حکایة عنه،بل لیس فیها ما یکشف عن رأی الشارع.

3.قد تصور الأُصولیون أن النسبة بین قاعدة قبح العقاب وقاعدة دفع الضرر فرض أُمور ثلاثة:

1.وجود التعارض بینهما؛

2.التوارد بین القاعدتین؛

3.لا تعارض بینهما ولا تناقض.

الأسئلة

1.ما المراد من البراءة العقلیة؟

2.ما هو مستند البراءة العقلیة؟

3.بین الآراء فی نسبة قاعدة قبح العقاب وقاعدة دفع الضرر.

4.عرف الاحتمالین فی معنی الضرر.

5.إذکر سعة کل من القاعدتین«قاعده وجوب دفع الضرر»و«قاعده قبح العقاب بالبیان».

ص:307

ص:308

الأصل السابع عشر-الاحتیاط العقلی

اشارة

ص:309

60-الاحتیاط العقلی

اشارة

ما هو الاحتیاط العقلی؟

تعریف الاحتیاط العقلی: (1)حکم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التکلیف المنجز إذا کان ممکناً.

وغرضنا من ذکر قید الإمکان إخراج بعض صور العلم بالتکلیف،کما فی بعض صور دوران الأمر بین المحذورین مما لا یمکن الجمع بینهما بحال.ویدخل ضمن هذا التحدید أقسام ثلاثة:

1.الشبهة البدویة قبل الفحص.

2.العلم الإجمالی بتکالیف الزامیة إذا کان الاحتیاط ممکناً،ولو بالإتیان بجمیع المحتملات أو ترکها.

3.العلم التفصیلی بتکلیف ما،والشک فی الخروج عن عهدته بالامتثال لبعض الجهات.

والآن نبحث ما یمکن أن تنتظم فی هذا التعریف.

الأول.الشبهة البدویة قبل الفحص-

یجب الاحتیاط فی الشبهات البدویة قبل الفحص ولعل الدلیل الأهم هنا الاستناد بالعلم الإجمالی المنجز بوجود تکالیف الزامیة،وبهذا المعنی فالشبهة البدویة قبل الفحص التی تدخل فی تحدید الاحتیاط العقلی تکون من صغریات مسأله العلم الإجمالی القادمة.

ص:310


1- (1) .الاحتیاط الذی یحکم به العقل ولو لم یحکم به الشرع.موسوعة الفقه الإسلامی،ج 6،ص 164.

واَما قاعدة:«شغل الذمة الیقینی»غیر تامة هنا لبداهة عدم الیقین فی الشبهة البدویة إذ ذاک بالشغل لتکون بالشغل لتکون نتیجه للقاعدة المذکورة وقاعدة«وجوب دفع الضرر المحتمل»

أیضاً لاتجری کدلیل فی وجوب الاحتیاط فی الشبهات البدویة لعدم وجود المؤمن،ولعدم جریان البراءة الشرعیة فیها لقصور أدلتها عن شمولها لکونها مقیدة عرفاً بما بعد الفحص.

ولأن البیان الواصل المأخوذ فی موضوع البراءة العقلیة أعنی:قاعدة قبح العقاب بلا بیان واصل لایراد به فعلیة الوصول بداهة،بل یراد به معرضیة الوصول لأن الشارع غیر مسؤول عن إیصال التکالیف إلی کل واحد من المکلفین،وإنما علیه أن یبلغ بالطرق المتعارفة،وعلیهم السعی إلی معرفتها.

الثانی-العلم الإجمالی وقابلیته لتنجیز متعلقه:
اشارة

ومما یدخل فی تحدید الاحتیاط العقلی،العلم الإجمالی بتکالیف الزامیة إذا کان الاحتیاط ممکناً ولو بالاتیان بجمیع المحتملات أو ترکها،والحدیث حول العلم الإجمالی یقع فی جهات متعددة أهمها جهتان:

1-قابلیته العلم الإجمالی لتتجیز ما تعلق به-

من الواضح إن حال العلم الإجمالی حال العلم التفصیلی فی تنجیز متعلقه وکونه بیاناً یتکل علیه الشارع فی إیصال تکالیفه،والذی یعتبر فی موضوع حکم العقل بقبح مخالفة المولی،أن یکون المکلف یخالف التکلیف الفعلی الواصل-لا فعلیة الوصولی-ولذلک لاریب فی حکم العقل بقبح ارتکاب جمیع أطراف العلم الإجمالی دفعیاً کالنظر إلی امرأتین یعلم بحرمة النظر إلی إحداهما،کما فی ارتکاب المحرم تفصیلاً،إذن،قابلیة العلم الإجمالی للتنجیز أمر بدیهی،ولذا لانجد عاقلاً من العقلاء یقدم علی شرب إناءین یعلم إجمالاً بوجود السم فی أحدهما بدعوی عدم تمییزه للإناء الذی وجد فیه السم من بینهما.

2-حل العلم الإجمالی
اشارة

إن المقیاس فی تأثیر العلم الإجمالی هو احتمال انطباق التکلیف المعلوم علی کل واحد من الأطراف،علی نحو لو انطبق علیه لکان مولداً للتکلیف فیه ولذا لو قدر انطباق المعلوم علی

ص:311

بعض الأطراف التی لایتولد فیها تکلیف،انحل العلم الإجمالی وفقد تأثیره،ولم ینجز مدلوله علی من قام لدیه.

لأن العلم الإجمالی لایزید فی منجزیته علی العلم التفصیلی،فلو قدر توجه شک إلی ذلک العلم التفصیلی علی نحو یسری إلیه لفقد ذلک العلم تنجیزه لمتعلقه وإیصاله إلی المکلف بداهة،وعلیه فمع عدم وصول التکلیف بالعلم أو العلمی هنا لامانع من جریان الأُصول فی بقیة الأطراف; إذ العلم بالتکلیف علی هذا التقریر غیر واصل لاحتمال انطباقه علی ذلک الطرف الذی لو قدر له الانطباق علیه لما ولد تکلیفاً فیه.

ینحل العلم الإجمالی بأمورٍ،ولکن رکز بعض الأعلام تحدیده للشبهات غیر المحصورة.

أنواع الشبهات غیر المحصورة وحکمها

1.أن تکثر أطرافها کثرة یعسر معها العدو مُثل له فی العروة الوثقی بنسبة الواحد إلی الألف. (1)

وربما رجع إلی هذا المعنی ما ذهب إلیه شیخ الأنصاری من ضعف انطباق الاحتمال علی کل واحد منها لکثرة الأطراف. (2)

2.ما اختاره المحقق النائینی:«من ان المیزان فی کون الشبهة غیر محصورة عدم تمکن المکلف عادة من المخالفة القطعیة بارتکاب جمیع الأطراف،ولو فرض قدرته علی ارتکاب کل واحد منها». (3)

3.أن یکون بعض الأطراف خارجا من محل الابتلاء:أو تکون الأطراف مما یعسر مخالفتها جمیعاً،او یکون المکلف مضطرا إلی بعضها،إلی غیر ذلک مما یوجب انحلال العلم الاجمالی.و قد تبغی صاحب الکفایة هذا الرأی. (4)

والظاهر أن العلم الإجمالی إذا کان متوفراً علی عوامل تنجزه،فإنه یؤثر أثره،سواء کانت الأطراف قلیلة أم کثیرة.

و إن لم یتوفر علیها فهو منحل قلت أطرافه أو کثرت،والمقیاس هو التنجیز وعدمه،

ص:312


1- (1) .العروة الوثقی،ج1،ص14،الماء المشکوک نجاسة المسأله 2.
2- (2) .فرائد الاصول،ج 1،ص 434.
3- (3) .الدراسات فی علم الاصول 3:ص 242.
4- (4) .کفایة الاصول،408.

وعلی هذا فتقسیم الشبهه إلی محصورة وغیر محصورة لا أساس له مادام المقیاس فی تنجیز العلم الإجمالی متوفراً فیهما معاً،ومع توفره فالعلم الإجمالی منحل کثرت أطرافه أو قلت،وتسمیته بالعلم إذ ذاک لاتخلو من تجوز ومسامحة.

3-العلم التفصیلی بتکلیف ما و الشک فی الخروج من عهده

و هذا أظهر موارد الاحتیاط،فمن علم تفصیلاً بتوجه تکلیف إلیه،وشک فی تحقق الامتثال بما أتی به،ولیس لدیه محرز لتمامیته من أمارة أو أصل،فالعقل یحکم بضرورة الإتیان به من باب الاحتیاط لقاعدة الشغل،وإلا فلا معذوریة له لو أقدم علی مخالفة الاحتیاط،وأخطأ الواقع وکان مستحقاً للعقاب بنظر العقل.

دلیل الاحتیاط العقلی

ومما درسنا اتضح أن دلیل الاحتیاط العقلی هو القاعدة التی تطابق علیها العقلاء من أن«شغل الذمة الیقینی یستدعی فراغاً یقینیاً»والقاعدة الأُخری«وجوب دفع الضرر المحتمل».

ومن الثابت أن القاعدتین ناظرتین إلی عالم استحقاق العقاب،إذن،الاحتیاط العقلی لایتجاوز عن کونه وظیفة جعلت من قبل العقل تحرزاً من مخالفة أحکام المولی المنجزة.

ص:313

الخلاصة

1.دلیل الاحتیاط العقلی:القاعدة التی تطابق علیها العقلاء من أن شغل الذمة الیقینی یستدعی فراغاً یقینیاً ووجوب دفع الضرر المحتمل.

2.یجری الاحتیاط فی الشبهة البدویة قبل الفحص لأن العلم الاجمالی المنجر بوجود التکالیف الزامیة.

3.مرادنا بالقابلیة تنجز متعلق العلم الاجمالی یعنی صلوحه لأن یکون بیاناً یتکل علیه الشارع فی ایصال تکالیفه من دون حاجة إلی جعل منه.

4.قال بعض الأصولیین إن العلم الإجمالی لیس فیه أکثر من اقتضاء التنجیز،وتنجیزه موقوف علی عدم المرخص فی أطرافه.

5.إن المقیاس فی تأثیر العلم الإجمالی هو احتمال انطباق المعلوم علی کل واحدٍ من الأطراف،والکلام یقع فی منشأ تنجیزه وإمکان جعل المرخص علی خلافه.

الأسئلة

1.عرف الاحتیاط العقلی؟

2.اذکر الاقسام التی تدخل ضمن الاحتیاط العقلی.

3.إذکر الأقسام التی تدخل ضمن الاحتیاط العقلی.

4.ما المراد من قولهم«إن العلم الإجمالی قابل لتنجیز متعلقه»؟

5.عرف الشبهة غیر المحصورة،وإذکر حکمها.

ص:314

الأصل الثامن عشر-التخییر العقلی

اشارة

ص:315

61-التخییر العقلی

اشارة

ما هو التخییر العقلی؟

تعریف التخییر العقلی:المراد بالتخییر العقلی،الوظیفة العقلیة التی یصدر عنها المکلف عند دوران الأمر بین المحذورین-الوجوب و الحرمة-وعدم تمکنه حتی من المخالفة القطعیة.

وصورة فرضه ما إذا کانت الواقعة واحدة غیر متکررة وکان التکلیف توصلیاً.

والأقوال فی صورة دوران الأمر بین المحذورین خمسة:

1.جریان البراءة عن کل منهما عقلاً وشرعاً.

2.تقدیم جانب الحرمة علی جانب الوجوب بملاک ما قیل من أن دفع المفسدة أولی من جلب المصلحة.

3.الحکم بالتخییر بینهما شرعاً.

4.التخییر بینهما عقلاً لعدم خلو المکلف تکویناً عن الفعل و الترک مع الرجوع إلی أصالة الإباحة الشرعیة.

5.التخییر بینهما عقلاً،مع عدم جریان شیء من القواعد الشرعیة فیهما.

حجیة التخییر الشرعی
اشارة

الظاهر أن أسد الأَقوال هو القول الخامس،وحجیته تتضح إذا علمنا السر فی عدم جعل شیء من الأمارات أو الأصول الشرعیة فیهما(الوجوب و الحرمة)مجتمعین أو منفردین فی مقام الثبوت،وتوضیح ذلک ضمن النقاط التالیة:

ص:316

الأُولی:جعل الأمارات بالنسبة إلی الوجوب و الحرمة معاً مستحیلاً لاستحالة التعبد بالمتناقضین،وجعلها لأحدهما غیر المعین لا أثر له،والمعین ترجیح بلا مرجح.

الثانیة:والأُصول الإحترازیة کذلک مستحیل لما تنتهی إلیه من طلب اعتبار غیر الواقع واقعاً،مع العلم بالواقع لو جعلت بالنسبة لهما معاً،ومع جعلها لأحدهما غیر المعین،لا تترتب علیه آیة ثمرة،وللمعین ترجیح بلا مرجح.

الثالثة:وأصالة الحل لا یمکن جعلها لمنافاتها للمعلوم بالإجمال،و هو الحکم الإلزامی،أما البراءة الشرعیة-أیضاً لا یمکن جعلها-فلأن رفع الإلزام فیها ظاهراً لا یکون إلا فی موضع یمکن جعله فیه،وحیث إن جعل الاحتیاط هنا مستحیل لعدم قابلیة المحل له،فرفعه کذلک.

مناقشة أهم الأقوال-

1.التخییر وإجراء البراءتین یرد علیهما أن جمع البراءة العقلیة و الشرعیة علی صعید واحد مع اختلافهما رتبة،وعدم إمکان الجمع بینهما.

2.ومفاد القول الثانی و هو تقدیم جانب الحرمة،لقاعدة«دفع المفسدة أولی من جلب المصلحة»یرد من منظرین:

المنظر الأول:المناقشة فی القاعدة کبرویاً،لأن العقلاء جمیعاً یقدمون علی ما فیه المصلحة الکبیرة،و إن تعرضوا لشیء من المفاسد الصغیرة،وربما أقدموا علی ما فیه احتمال المصلحة الراجحة،و إن ضحوا فی سبیله بالکثیر.وهی لیست لدی العقلاء فی جمیع الموارد،کما لم یقم علیها دلیل شرعی لنتعبد بها.

فالمسألة لا تخرج-إذن-عن کونها من صغریات باب التزاحم.

المنظر الثانی:إن مسألتنا هذه أجنبیة عن القاعدة،لأن القاعدة-لو تمت-فإنما هی فی المفسدة و المصلحة المعلومتین.أما المفسدة و المصلحة المشکوکتان فلا تجری بینهما هذه الموازنة.

3.القول الثالث الحکم بالتخییر الشرعی بینهما و قد أوردوا علی هذا التخییر من جانبین أیضاً:

الجانب الأول:ان کان فی مسألة الأصولیة:أعنی اختیار أحدهما و الإفتاء علی طبقه-فهو غیر سلیم لعدم الدلیل علیه،وقیاسه علی الخبرین المتعارضین قیاس مع الفارق،لوجود النص فیهما.

ص:317

الجانب الثانی:إن کان فی المسألة الفقهیة:أعنی فی مقام العمل بأن یکون الواجب علی المکلف أحد الأمرین،تخییراً من الفعل أو الترک،کما فی غیر المقام من الواجبات التخییریة،فهو أمر غیر معقول،لأن أحد المتناقضین حاصل لا محالة. (1)

تنقیح القول المختار-

إن القول بالتخییر العقلی أو التکوینی-علی الأصح لأن صدور المکلف عن أحدهما تخییراً لا یحتاج إلی من یرشده إلیه-هو المتعین فی هذه الصورة; لبطلان بقیة الأقوال،ومن بطلانها یتضح السر فی اعتبارها وظیفة عقلیة لا حکماً شرعیاً ولا وظیفة کذلک.

أما بقیة الصور مما تمکن فیها المخالفة القطعیة أو الموافقة،فهی خارجة عن مجالات التخییر العقلی،وملحقة بالأقسام السابقة من البابین علی اختلاف فی کیفیة الإلحاق.

ص:318


1- (1) .الدراسات،ج3،ص206.
الخلاصة

1.عند دوران الأمر بین المحذورین نجری التخییر العقلی بینهما; لعدم جعل شیء من الأمارات أو الأصول الشرعیة فیهما مجتمعین أو منفردین فی مقام الثبوت.

2.التمسک بالأُصول الإحترازیة عند الدوران بین المحذورین مستحیل لا ینتهی إلیه من طلب اعتبار غیر الواقع واقعاً.

3.إن القول بالتخییر العقلی أو التکوینی علی الأصح هی وظیفة عقلیة،لا حکماً شرعیاً ولا وظیفة کذلک.

الأسئلة

1.ما هو القول الأسد فی دوران الأمر بین المحذورین؟

2.لماذا أصالة الحل لا یمکن جعلها عند الدوران بین المحذورین،کوجوب وحرمة؟

3.لماذا عند دوران المحذورین لا یصح تقدیم جانب الحرمة علی جانب الوجوب؟

ص:319

ص:320

الباب الخامس: ما یکون رافعاً للأمور المشکلة

اشارة

المرحلة الخامسة و الأخیرة من وظائف المجتهد عند إعمال ملکته،مرحلة البحث عما یکون رافعاً للأمور المشکلة بعد تعقدها وفقد الدلیل علیها أی البحث عن القرعة بعد تمامیة دلیلها ودلالتها

ولکن عدها من مصادر التشریع وإفرادها بباب مستقل فیه شیء من الغرابة لخروجه علی إجماع المؤلفین فی علم الأصول.

ولکن نسبة بعض المؤلفین المحدثین عدها من المصادر الکاشفة عن الحکم،إلی بعض الفرق الإسلامیة-کما توهمه عبارته-اقتضانا أن نبحثها علی هذا الصعید،ونلتمس أدلة تشریعها ورتبتها من الأدلة ورأی من نعثر علی رأیه من علماء المذاهب فیها وفق ما قدمناه من النهج المقارن.

ص:321

ص:322

الأصل التاسع عشر-أصل القرعة

اشارة

ص:323

62-القرعة

اشارة

ما هی القرعة؟

تحدید القرعة

وهی إجالة السهام أو غیرها بین أطراف مشتبهة لاستخراج الحق من بینها.

مشروعیة القرعة

والظاهر أن مشروعیتها علی سبیل الموجبة الجزئیة تکاد تکون موضع اتفاق المسلمین.ویرجع الفقهاء إلی القرعة حیث لا یوجد طریق شرعی یفصل به بین الخصمین. (1)

القائلون بالقرعة وموارد الاستفاده منها

1.الأئمة الثلاثة-إلا أباحنیفة-جواز الرجوع إلی القرعة فی الرقیق،إذا تساوت الأعیان و الصفات.

2.الشیعة:والکتب الفقهیة الشیعیة لا تأبی الأخذ بها فی موارد خاصة،یرجع إلیها فی مظانها من کتب الفقه و الحدیث.

3.جمهور علماء الحنفیة:یسوغ الإستدلال فی الجملة.

4.الشافعی:عند تعارض البینات. (2)

5.الشعرانی:فی باب القسمة وکتاب الدعاوی و البینات. (3)

ص:324


1- (1) .الشوکانی،نیل الأوطار،ج8،ص302 باب التعارض البینتین و الدعوتین.
2- (2) .الشعرانی،المیزان،ج2،ص199; وانظر کتاب رحمة الأُمة فی اختلاف الائمة،للشیخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقی المطبوع فی هامش المیزان،المجلد الثانی،ص202.
3- (3) .المکی السید الحسین،عقیدة الشیعة فی الإمام الصادق*،ص369.

لا یخفی علی الطالب الفطن،أن مشروعیة القرعة لیست محددة فی مجالات العمل بها علی السنة الفقهاء،واستقراء مواقع استعمالها لدیهم لا یخرجها عن الموضوعات أو عن قسم منها،بل لا یخرجها عن موارد النصوص ووقائعها الخاصة،علی أن فی بعض نصوصها تعمیمات لکل مجهول أو مشتبه سواء کان المجهول حکماً وضعیاً أم تکلیفیاً.

أدلة المشروعیة-

1.الکتاب الکریم:

قال الله تعالی: وَ إِنَّ یُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ* فَساهَمَ فَکانَ مِنَ الْمُدْحَضِینَ (1)

بتقریب أن المساهمة فی اللغة هی المقارعة بإلقاء السهام،والمدحض هو المغلوب.فإذا کان یونس و هو من المرسلین ممن یزاول القرعة،فلا بد أن تکون مشروعة إذ ذاک.

وکذلک فی سورة ال عمران ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَیُّهُمْ یَکْفُلُ مَرْیَمَ وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یَخْتَصِمُونَ (2)

والآیة واردة لحکایة الاقتراع علی کفالة مریم،و قد ظفر بها زکریا،و هو من الأنبیاء وممن شارک فی الاقتراع.والموقف من الاستدلال بهاتین الآیتین،وهما حاکیتان عن وقائع صدرت فی الشرائع السابقة موقف علی حجیة الشرائع السابقة،فمن ذهب إلی نسخها جملة لا یصلح له الإستدلال بهما.ومن ذهب إلی بقائها جملة-إلا ما ثبت فیه النسخ-ساغ له الإستدلال بهما.

2.أدلة القرعة من السنة الشریفة:

والأدلة من السنة کثیراً جداً،و قد عقد لها البخاری باباً فی جزئه الثانی أسماه باب:(القرعة فی المشکلات)،وإقراع النبی صلی الله علیه و آله بین نسائه-عند ما یرید السفر لأخذ من یخرج سهمها معه-معروف لدی المورخین.وفی روایات أهل البیت علیهم السلام نصوص کثیرة تدل علی مشروعیتها.

ومن الواضح أن السنة تدل علی إقرار مضامین الآیتین-من سورة الصافات وآل عمران-فی ثبوت أصل المشروعیة لها.

ص:325


1- (1) .الصافات(37)،139-141.
2- (2) .ال عمران(3)،44.
حقیقه القرعة

قال الأُستاذ الخوئی:«والذی یستفاد من مجموع الروایات فی القرعة ومواردها،أنها جعلت فی کل مورد لا یعلم حکمه الواقعی ولا الظاهری،و هذا المعنی هو المراد من لفظ المشکل فی قولهم:«إن القرعة لکل أمر مشکل».فإن المراد من قولهم:هو مشکل أو فیه إشکال،عدم العلم بالحکم الواقعی وعدم الاطمئنان بالحکم الظاهری لجهة من الجهات،وتقدم الاستصحاب علی القرعة تقدم الوارد علی المورود إذ بالإستصحاب یحرز الحکم الظاهری فلا یبقی للقرعة موضوع بعد کون موضوعه الجهل بالحکم الواقعی و الظاهری،بل یقدم علی القرعة أدنی أصل من الأُصول،کأصالة الطهارة وأصالة الحل وغیرهما مما لیس له نظر إلی الواقع،بل یعین الوظیفة الفعلیة فی ظرف الشک فی الواقع،إذ بعد تعیین الوظیفة الظاهریة تنتفی القرعة بانتفاء موضوعها.» (1)

والخلاصه:أن العمل بها إنما یقتصر علی خصوص الموارد المنصوصة،ولیس عندنا من الأدلة ما یرفعها إلی مصاف ما عرضناه من مصادر التشریع.

ص:326


1- (1) .مصباح الأصول،342.

الخلاصة

1.قد استدل علی أصل مشروعیة القرعة بآیة من القرآن الکریم وَ إِنَّ یُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ* إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ* فَساهَمَ فَکانَ مِنَ الْمُدْحَضِینَ .

2.التمسک بالأصول الإحترازیة عند الدوران بین المحذورین مستحیل لا ینتهی إلیه من طلب اعتبار غیر الواقع واقعاً.

3.إن القول بالتخییر العقلی أو التکوینی-علی الأصح-هی وظیفة عقلیة لا حکماً شرعیاً ولا وظیفة کذلک.

4.أدلة القرعة تبقی قائمة فی کل ما لم یعرف حکمه الواقعی أو الظاهری،أی فیما لا مجال لمعرفة رأی الشارع فیه مطلقاً حکماً أو وظیفة لولا شبهة إسقاطها بکثرة التخصیص.وبهذا یظهر أن«ما هو المعروف فی السنتهم من أن أدلة القرعة قد تخصصت فی موارد کثیرة،وکثرة التخصیص موجبة لوهنها،فلا یمکن الأخذ بها»لا یخلو من أصالة.

الأسئلة

1.هل القرعة من المصادر الکاشفة عن الحکم؟

2.ما هی الأقوال فی العمل بالقرعة؟

3.هل القرعة بما أنها عمل بها بعض الأنبیاء علیهم السلام علی ما نصت الآیات علیها مشروعة فی شریعتنا؟

4.بین مکانة القرعة بین الأدلة.

ص:327

و قد ختم سیدنا المبدع العلامة محمدتقی الحکیم قدس سره کتابه-الاصول العامة للفقه المقارن-بقوله:

«خاتمه المطاف رأینا أن نتعرض فی هذا الخاتمة إلی المهم من مباحث الاجتهاد و التقلید لا للأخذ بما جری علیه الأصولیون من تقلید فحسب،بل لما فی إثارتها من ثمرات ثعود علی الفکر الإسلامی الیوم بأعظم الفوائد،بالإضافة إلی صلوحها لأن تکون نماذج تطبیقیة لما درسناه من تلکم الاصول و قد آثرنا أن ندرسها علی أساس مقارن تحقیقاً للنهج الذی رسمناه لهذه البحوث فی مدخل الکتاب.»

و نحن اعرضنا عنها رعایةً لمنهجنا التلخیصی فی دروس أصول الفقه المقارن.

هذا و الحمدلله رب العالمین

ص:328

المصادر

1.القرآن الکریم.

2.أجوبة مسائل موسی جار الله(ضمن موسوعة السید عبدالحسین شرف الدین)،السید عبدالحسین شرف الدین ت 1377ه،إعداد وتحقیق مرکز العلوم و الثقافة الإسلامیة،دار المؤرخ العربی،بیروت الطبعة الأولی،1427 ه،2006م.

3.أجود التقریرات،تقریرات أبحاث المیرزا محمدحسین النائینی ت 1355ه،تألیف السید أبوالقاسم الخوئی،تحقیق ونشر مؤسسة صاحب الزمان،قم،الطبعة الأُلی،1419ه.

4.الإحکام فی أصول الأحکام،سیف الدین أبوالحسن علی بن أبی علی بن محمد الآمدی ت631ه،ضبطه وکتب حواشیه الشیخ إبراهیم العجوز،دارالکتب العلمیة،بیروت.

5.الإحکام فی أصول الأحکام،أبو محمد علی بن حزم الأندلسی الظاهری ت 494ه،تحقیق لجنة من العلماء،دارالجیل،بیروت،الطبعة الثانیة،1407ه،1987م.

6.الأربعین فی أصول الدین،أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالی ت 505ه،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1409ه،1988م.

7.إرشاد الفحول،الحافظ محمد بن علی الشوکانی ت 1250ه،تحقیق محمد حسن محمد حسن إسماعیل الشافعی،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1419ه،1999م.

8.أسباب نزول القرآن،أبو الحسن علی بن أحمد الواحدی ت 468ه،تحقیق کمال بسیونی زغلول،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُلی،1411ه،1991م.

9.أُصول الاستنباط،السید علی نقی الحیدری ت 1400ه،دار الأعراف،بیروت،الطبعة الأولی،1413ه،1993م.

10.أُصول السرخسی،أبوبکر محمد بن أحمد بن أبی سهل السرخسی ت 490ه،تحقیق أبو الوفاء الأفغانی،دار المعرفة،بیروت.

ص:329

11.أُصول الفقه،الشیخ محمدرضا المظفر ت 1383ه،تحقیق ونشر مؤسسة النشر الإسلامی،قم،الطبعة الأُولی،1422ه.

12.أُصول الفقه،شمس الدین محمد بن مفلح المقدسی ت 763ه،تحقیق وتعلیق فهد بن محمد السرحان،مکتبة العبیکان،الریاض،الطبعة الأُولی،1420ه،1999م.

13.أصول الفقه،الشیخ محمد الخضری،دار الفکر،بیروت،1421ه،2001م.

14.أصول الفقه،أبوالثناء محمود بن زید اللامشی الحنفی الماتریدی ت 501ه،تحقیق عبدالمجید ترکی،دار الغرب الإسلامی،بیروت الطبعة الأُولی،1995م.

15.أعلام الموقعین عن رب العالمین،شمس الدین أبو عبدالله محمد بن أبی بکر ابن قیم الجوزیة ت 751ه،مراجعة وتعلیق طه عبد الرؤوف سعد،دار الجیل،بیروت.

16.أعیان الشیعة،السید محسن الأمین ت 1371ه،تحقیق حسن الأمین،دار التعارف للمطبوعات،بیروت،1406ه،1986م.

17.الإمام الصادق،محمد أبو زهرة،دار الفکر العربی

18.الإنصاف،أبو محمد عبدالله بن محمد ابن السید البطلیوسی ت 521ه،تحقیق الدکتور محمد رضوان الدایة،دار الفکر،دمشق،الطبعة الأُولی،1394ه،1974.

19.بحارالأنوار،الشیخ محمد باقر المجلسی ت 1110ه،مؤسسة الوفاء،بیروت،الطبعة الثانیة،1403ه،1983م.

20.البحر المحیط فی أصول الفقه،بدرالدین محمد بن بهادر بن عبدالله الزرکشی ت 794ه،تحریر عمر سلیمان الأشقر،دار الصفوة،الطبعة الأُولی،1409ه،1988م.

21.بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع،علاءالدین أبو بکر بن مسعود الکاسانی الحنفی ت 587ه تحقیق الشیخ علی محمد معوض و الشیخ عادل أحمد عبد الموجود،دار الکتب العلمیة،بیروت الطبعة الثانیة،1421ه،2003م.

22.بدایة المجتهد ونهایة المقتصد،أبو الولید محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبی ت 595ه،تحقیق الشیخ علی معوض و الشیخ عادل أحمد عبد الموجود،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الثانیة،1424ه،2003م.

23.البرهان فی أصول الفقه،إمام الحرمین أبو المعالی عبدالملک بن عبدالله بن یوسف الجوینی ت 478ه،تحقیق الدکتور عبد العظیم محمود الدیب،دار الوفاء،المنصورة،الطبعة الأُولی،1412ه،1992م.

24.البیان فی تفسیر القرآن،السید أبوالقاسم الموسوی الخوئی ت 1413ه،دار الزهراء،بیروت،الطبعة الثامنة،1401ه،1981م.

25.بیان المختصر(شرح مختصر ابن الحاجب)،شمس الدین أبو الثناء محمود بن عبدالرحمان بن أحمد الإصفهانی ت 749ه،تحقیق الدکتور محمد مظهر بقا،نشر جامعة أُم القری،مکة المکرمة،الطبعة الأُولی،1406ه،1986م.

ص:330

26.تذکرة الخواص من الأُمة بذکر خصائص الأئمة،یوسف بن قزاُوغلی البغدادی سبط بن الجوزی ت 654ه،تحقیق حسین تقی زاده،المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام،قم،الطبعة الاُولی،1426ه.

27.التعریفات،علی بن محمد الجرجانی،ضبط وفهرسة محمد عبدالحکیم القاضی،دار الکتاب المصری،القاهرة،الطبعة الأُولی،1411ه،1991م.

28.التفسیر الکبیر(مفاتیح الغیب)،فخر الدین محمد بن عمر التمیمی الرازی ت 606ه،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1421ه،2000م.

29.تقویم الأدلة فی أصول الفقه،أبو زید عبید الله بن عمر بن عیسی الدبوسی الحنفی ت 430،تحقیق وتقدیم الشیخ خلیل محیی الدین المیس،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1421ه،2001م.

30.تهذیب الوصول إلی علم الأُصول،جمال الدین أبو منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الحلی ت 726ه،تحقیق محمد حسین الرضوی الکشمیری،منشورات مؤسسة الإمام علی علیه السلام،لندن،الطبعة الأُولی،1421ه،2001م.

31.حدیث الثقلین،الشیخ محمد قوام الدین الوشنوه ای،نشر دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة،القاهرة،1374ه،1955م.

32.حقائق الأُصول،السید محسن الطباطبائی الحکیم ت 1390ه،مؤسسة ال البیت،قم.

33.حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء،أبونعیم أحمد بن عبدالله الإصبهانی ت 430ه،دارالکتاب العربی،بیروت،الطبعة الرابعة،1405ه.

34.دراسات فی علم الأُصول،تقریرات أبحاث السید أبی القاسم الموسوی الخوئی ت 1413ه،تألیف السید علی الهاشمی الشاهرودی،طبع مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامی،الطبعة الأُولی،1419ه،1998م.

35.دراسات فی الفلسفة الإسلامیة،الغنیمی،طبعة مصر.

36.الدرایة فی علم مصطلح الحدیث،زین الدین العاملی ت 965ه،مطبعة النعمان،النجف الأشرف.

37.الدر المنثور،عبدالرحمان جلال الدین السیوطی ت 911ه،تحقیق ونشر دارالفکر،بیروت،الطبعة الأُولی،1403ه،1983م.

38.دلائل الصدق،الشیخ محمدحسن المظفر ت 1375ه،دارالعلم،القاهرة،الطبعة الثانیة،1396ه،1976م.

39.ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی،أحمد بن جریر الطبری ت 694ه،نشر مکتبة القدسی،1356ه.

40.الذریعة إلی أصول الشریعة،أبو القاسم علی بن الحسین الشریف المرتضی ت 436ه،تصحیح وتعلیق أبو القاسم گرجی،مؤسسة النشر فی جامعة طهران،الطبعة الثانیة.

41.الرسالة،محمد بن إدریس الشافعی ت 402ه،تحقیق وشرح أحمد محمد شاکر،المکتبة العلمیة،بیروت.

ص:331

42.رسالة الإسلام،تصدر عن دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة،القاهرة،السنة الأُولی،العدد الرابع،1368ه،1949م.

43.روضة الناظر وجنة المناظر،موفق الدین عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسی ت 620ه،تحقیق الدکتور عبدالکریم بن علی بن محمد النملة،مکتبة الرشید،الریاض،الطبعة الرابعة،1416ه،1995م.

44.سلم الوصول إلی علم الأُصول،عمر عبدالله،مطبعة معهد دون بوسکو الاسکندریة.

45.سنن ابن ماجة،أبوعبدالله محمد بن یزید القزوینی ت 275ه،تحقیق محمد فؤاد عبد الباقی،دار الفکر.

46.سنن أبی داود،الحافظ أبو داود سلیمان بن الأشعث السجستانی الأزدی ت 275ه،ضبط وتعلیق محمد محیی الدین عبدالحمید،دارالفکر،بیروت.

47.سنن الترمذی،أبو عیسی محمد بن عیسی بن سورة ت 279ه،تحقیق عبد الوهاب عبد اللطیف وعبد الرحمان محمد عثمان،دار الفکر،بیروت،الطبعة الثانیة،1403ه.

48.سنن الدارمی،أبو محمد عبدالله بن عبد الرحمان بن الفضل بن بهرام التمیمی السمرقندی الدارمی،ت 255ه،تحقیق الشیخ محمد عبد العزیز الخالدی،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی 1417ه،1996م.

49.السنن الکبری،أبو عبد الرحمان أحمد بن شعیب النسائی ت 303ه،تحقیق الدکتور عبد الغفار سلیمان البنداری وسید کسروی حسن،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1411ه،1991م.

50.السنن الکبری،أبو بکر أحمد بن الحسین بن علی البیهقی ت 458ه،تحقیق محمد عبد القادر عطا،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الثالثة،1424ه،2003م.

51.شرح مختصر الروضة،نجم الدین أبو الربیع سلیمان بن عبد القوی بن عبد الکریم بن سعید الطوفی ت 716ه،تحقیق الدکتور عبدالله بن عبدالمحسن الترکی،مؤسسة الرسالة،بیروت،الطبعة الثانیة 1419ه،1998م.

52.شفاء الغلیل فی بیان الشبه و المخیل ومسالک التعلیل،أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالی ت 505ه،تحقیق الدکتور أحمد الکبیسی،مطبعة الإرشاد،بغداد،1390ه،1971م.

53.الصحیفة السجادیة،الإمام زین العابدین علیه السلام ت 94ه،تحقیق ونشر مؤسسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف،قم الطبعة الأُولی،1411ه.

54.الصواعق المحرقة،أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علی ابن حجر الهیثمی ت 973ه،تحقیق عبدالرحمان بن عبدالله الترکی وکامل محمد الخراط،مؤسسة الرسالة،بیروت،الطبعة الأُولی،1417ه،1997م.

55.العدة فی أصول الفقه،أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی ت 460ه،تحقیق محمدرضا الأنصاری القمی،مؤسسة البعثة،قم،الطبعة الأُولی،1417ه.

ص:332

56.علم أصول الفقه،عبدالوهاب خلاف ت 1956م،الدار المتحدة،دمشق،الطبعة السادسة عشر،1992م.

57.غایة المرام وحجة الخصام،السید هاشم البحرانی ت 1109ه،تحقیق العلامة السید علی عاشور،مؤسسة التاریخ العربی،بیروت،1422ه،2001م.

58.فرائد الأُصول،الشیخ مرتضی الأنصاری ت 1281ه،تحقیق ونشر مجمع الفکر الإسلامی،قم،الطبعة الأُولی،1419ه.

59.الفصول فی الأُصول،أحمد بن علی الرازی الجصاص ت 370ه،تحقیق الدکتور عجیل جاسم النشمی،نشر وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامیة،الکویت،الطبعة الأُولی،1405ه،1985م.

60.الفصول المهمة فی أصول الأئمة،محمد بن الحسن الحر العاملی ت 1104ه،تحقیق محمد بن محمد الحسین القائینی،مؤسسة معارف إسلامی امام رضا علیه السلام،قم.

61.فوائد الأُصول،تقریرات أبحاث المیرزا محمد حسین النائینی ت 1355ه،تألیف الشیخ محمد علی الکاظی الخراسانی ت 1365ه،مؤسسة النشر الإسلامی،قم.

62.الفوائد الحائریة،الشیخ محمد باقر بن محمد أکمل«الوحید البهبهانی»،ت1205ه،تحقیق ونشر مجمع الفکر الإسلامی،قم،الطبعة الأُولی،1415ه.

63.الفوائد المدنیة،المحدث محمد أمین الأسترابادی ت 1033،تحقیق ونشر مؤسسة النشر الإسلامی،قم،الطبعة الأُولی 1424ه.

64.القوانین المحکمة،المیرزا أبو القاسم القمی ت 1231ه،طبعة حجریة.

65.القیاس فی الشرع الإسلامی،تقی الدین أحمد بن تیمیة الحرانی الدمشقی ت 728ه،وتلمیذه شمس الدین محمد بن أبی بکر بن قیم الجوزیة ت 751ه،مطبعة الزمان،بغداد.

66.الکافی،أبو جعفر محمد بن یعقوب الکلینی الرازی ت 329ه،تقدیم وتعلیق علی أکبر الغفاری،المکتبة الإسلامیة،طهران،1388ه.

67.کشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدودی،علاء الدین عبد العزیر بن أحمد البخاری ت 730ه،تحقیق عبدالله محمود محمد عمر،دارالکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1418ه،1997م.

68.کفایة الطالب فی مناقب علی بن أبی طالب،أبو عبدالله محمد بن یوسف بن محمد الگنجی الشافعی ت 658ه،تحقیق محمد هادی الأمینی،طبعة النجف الأشرف،1970م.

69.کنزالعمال فی سنن الأقوال و الأفعال،علاء الدین علی المتقی بن حسام الدین الهندی البرهان فوری ت 975ه،ضبط وتصحیح الشیخ بکری حیانی و الشیخ صفوة السقا،مؤسسة الرسالة،بیروت،الطبعة الخامسة،1405ه،1985م.

70.لسان العرب،أبو الفضل جمال الدین محمد بن مکرم بن منظور ت 711ه،نشر أدب حوزة،قم 1405ه.

71.مباحث الحکم عند الأُصولیین،محمد سلام مدکور،مطبعة لجنة البیان العربی.

72.المبسوط،أبوبکر محمد بن أحمد بن أبی سهل السرخسی الحنفی ت 490ه،تحقیق أبی

ص:333

عبدالله محمد حسن محمد حسن إسماعیل الشافعی،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1421ه،2001م.

73.متشابه القرآن ومختلفه،أبو جعفر محمد بن علی بن شهر آشوب المازندرانی ت 588ه،نشر بیدار.

74.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،للحافظ نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی ت 807ه،دار الکتاب العربی،بیروت،الطبعة الثالثة،1402ه،1982م.

75.محاضرات فی أسباب اختلاف الفقهاء،الاُستاذ علی الخفیف،معهد الدراسات العالمیة،1956م.

76.مختار الصحاح،محمد بن أبی بکر عبد القادر الرازی ت 666ه،دار الکتب العربی،بیروت،1401ه 1981م.

77.المدخل إلی علم أصول الفقه،معروف الدوالیبی،مطبعة الجامعة السوریة،الطبعة الثالثة.

78.المدخل للفقه الإسلامی،محمد سلام مدکور،مطبعة الرسالة،مصر.

79.المراجعات،السید عبد الحسین شرف الدین العاملی ت 1377ه،تقدیم الدکتور حامد حفنی داود و الشیخ محمد فکری عثمان،مطبوعات النجاح،القاهرة،الطبعة العشرون،1399ه 1979م.

80.المستدرک علی الصحیحین،أبو عبدالله محمد بن عبدالله المعروف بالحاکم النیسابوری ت 405،دار الفکر،بیروت،1398ه 1978م.

81.المستصفی،أبو حامد محمد بن محمد الغزالی ت 505ه،تحقیق الدکتور حمزة بن زهیر حافظ،شرکة المدینة المنورة للطباعة و النشر،جدة.

82.مسند الشامیین،الحافظ أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی الطبرانی ت 360ه،تحقیق حمدی عبدالمجید السلفی،مؤسسة الرسالة،بیروت،الطبعة الثانیة،1417ه 1997م.

83.مصابیح الأُصول،تقریرات أبحاث السید أبی القاسم الموسوی الخوئی ت 1413ه،تألیف السید علاء الدین بحر العلوم،مرکز نشر الکتاب،طهران.

84.مصادر التشریع الإسلامی فیما لانص فیه،عبدالوهاب خلاف،دار القلم،الکویت،الطبعة الخامسة،1421ه 1982م.

85.مصباح الأُصول(الأُصول العملیة)،تقریرات أبحاث السید أبی القاسم الموسوی الخوئی ت 1413ه،تألیف السید محمد سرور الواعظ الحسینی البهسودی،نشر مکتبة الداوری،قم،الطبعة الخامسة،1417ه.

86.مصباح الأُصول(مباحث الألفاظ)،تقریرات أبحاث السید أبی القاسم الخوئی ت 1413ه،تألیف السید محمد سرور واعظ البهسودی،تحقیق جواد القیومی،نشر مکتبة الداوری،قم،الطبعة الأُولی،1422ه.

87.المعجم الکبیر،الحافظ أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی ت 360ه،تحقیق حمدی عبد المجید السلفی،دار إحیاء التراث العربی.

ص:334

88.الموافقات فی أصول الشریعة،إبراهیم بن موسی اللخمی الغرناطی الشاطبی ت 790ه،شرح الاُستاذ الشیخ عبدالله دراز،دار المعرفة،بیروت.

89.مواهب الجلیل لشرح مختصر خلیل،أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالرحمان المغربی المعروف بالحطاب الرعینی ت 954ه،ضبط وتخریج الشیخ زکریا عمیرات،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعة الأُولی،1416ه 1995م.

90.الموسوعة الفقیهیة المیسرة،الشیخ محمدعلی الانصاری،مجمع الفکر الاسلامی،طبعة الثلاثة،قم،1424ه.

91.میزان الأُصول،علاء الدین شمس النظر أبو بکر محمد بن أحمد السمرقندی،ت 553ه،تحقیق عبدالملک عبدالرحمان السعدی،مطبعة الخلود،الطبعة الأولی،1407ه 1987م.

92.نهایة الأفکار،تقریرات أبحاث الشیخ ضیاء الدین العراقی ت 1361ه،تألیف الشیخ محمدتقی البروجردی،مؤسسة النشر الإسلامی،قم،الطبعة الرابعة،1422ه.

93.نهایة السؤل(المطبوع مع شرح البدخشی)،جمال الدین عبدالرحیم الأسنوی ت 772ه دار الکتب العلمیة،بیروت الطبعة الأُولی 1405ه 1984م.

94.نهج البلاغة،الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام ظبط الدکتور صبحی الصالح،دار الکتاب اللبنانی،بیروت،الطبعة الثانیة،1982م.

95.وسائل الشیعة،المحدث الشیخ محمد بن الحسن الحر العاملی ت 1104ه،تحقیق ونشر مؤسسة ال البیت لإحیاء التراث،قم،الطبعة الأُولی،1412ه.

ص:335

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.