الخراج فی الفقه الامامی

اشارة

سرشناسه:هادی، عبدالمطلب رضا

عنوان و نام پدیدآور: ‫الخراج فی الفقه الامامی [کتاب]/ ‫ عبدالمطلب رضا هادی.

مشخصات نشر: ‫قم : ‫مرکزالمصطفی (ص) العالمی للترجمه والنشر ، ‫1436 ق. ‫=2015م. ‫= 1393.

مشخصات ظاهری: ‫200 ص. ؛ ‫14/5×21/5س م.

فروست:مکتب التفطیط و تقنیه التعلیم؛ 903.

شابک: ‫95000 ریال ‫ ‮ 978-964-195-252-7 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

یادداشت: ‫عربی.

یادداشت: ‫کتابنامه: ص. [195]- 200؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:مالیات بر ارزش زمین (فقه)

موضوع:Land value taxation (Islamic law)

شناسه افزوده:جامعة المصطفی(ص) العالمیة. مرکز بین المللی ترجمه و نشر المصطفی(ص)

رده بندی کنگره: ‫BP198/6 /ز84 ‫ ‮ م8 1396

رده بندی دیویی: ‫ ‮ 297/377

شماره کتابشناسی ملی: ‫3659397

ص :1

الإهداء

إلی المجتهدین اللذین عایشوا آلام الناس وذاقوا مرارة الفقر، ثمّ نزلوا إلی سوح الاستنباط، وجمعوا بین رسولی الظاهر والباطن فی أقدس اقتران، ینجب للأمة فقهاً یسیر مع الحیاة، بل یسبق ویصنع الحیاة...

إلی من قلمه سوط علی ظهور الطامعین، وبلسم لجراح المحرومین...

إلی من کتابته تصلح النفس، وتعمّر الأرض

إلی والدی اللذَین ورثت منهما أعظم ثروة، ألا وهی حبّ الفقراء...

إلی شریکة حیاتی التی تقاسمت وتحملت معی الکثیر من المعاناة...

إلی أساتذتی اللذین أناروا لی الدرب...

أهدی هذه البضاعة المزجاة والمجهود المتواضع...

ص:2

ص:3

ص:4

کلمة الناشر

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً .(1)

والصلاة والسلام علی سیدنا محمد خاتم النبیین وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.

لقد شهدت دائرة العلوم الإسلامیة علی اختلاف موضوعاتها وأغراضها عبر تاریخها الطویل، اتّساعاً واضحاً ونموّاً مطّرداً، صاحبَهَا ازدهارٌ مشابهٌ فی العلوم الإنسانیة، وفی الفکر، والثقافة والتعلیم، والفن والأدب.

وقد ازدادت هذه العلوم نشاطاً وحیویّةً وعمقاً وشمولاً بعد انتصار الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینیقدس سره، وتصاعدت حرکة أسلمة العلوم، وترکیز القیم الدینیة والروحیة والإنسانیة، بعد تزاید الحاجة الماسّة إلی إیجاد الحلول للمشاکل والاستفهامات الدائرة فی شتّی الموضوعات الاجتماعیة والسیاسیة والعقائدیة، فی ظلّ المتغیّرات الحاصلة فی مجمل دوائر الفکر والمجتمع، وانتشار شبهات العولمة والفکر الإلحادی، وحتی التکفیری المتطرّف، بخاصّة بعد ثورة الاتصالات الکبری التی هیّأت للعالم فرصة فریدة للاطلاع الواسع بما یحیط به.

ص:5


1- (1) الکهف: 1.

من هنا دعت الحاجة إلی وضع مناهج للبحث والتحقیق، واستخلاص النتائج الصحیحة فی کلّ علمٍ من علوم الشریعة: فی التوحید، والفقه، والأصول، والفلسفة، والکلام، والحدیث، والرجال، والتاریخ، والأخلاق والنفس، والاجتماع، وغیرها؛ لتوقّف سعادة الإنسان علیها فی الدنیا والآخرة؛ ولتحقیق الغرض العبادی الذی خُلق الإنسان من أجله وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ .(1)

فقامت فی الحوزة العلمیة حرکة علمیة کبری بتوجیة من قائد الجمهوریة الإسلامیة الإمام الخامنئی (دام ظلّه) وجهود الفقهاء والعلماء والمفکّرین، والعمل الجاد وبذل غایة الوسع، من أجْل بناء صرح علمی دینی رصین، وصیاغة مناهج جدیدة تُعنی بعلوم الشریعة، وعموم حقول المعرفة الإسلامیة والإنسانیة.

وأخذت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة علی عاتقها المساهمة الفعّالة فی صیاغة کثیر من المناهج الدراسیة، التی تنسجم مع تصاعد الحرکة العلمیة والثقافیة الحدیثة.

فأسست «مرکز المصطفی العالمی للترجمة والنشر» لینهض بنشر هذه الآثار العلمیة وتقدیمها لطلاب العلم وروّاد المعرفة.

نأمل أن تأخذ هذه الآثار مکانها فی المکتبة الإسلامیة، وتلقی جمیل الأثر، وحسن الردّ من رجال العلم والفضیلة؛ بأن یرسلوا إلیها بما یستدرکون علیها من نقص، أو خطأٍ یفوت جهد المحقّق الحصیف، والمؤلّف الحریص.

والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم الخراج فی الفقه الامامیّة تقدّم به فضیلة الاُستاذ عبد المطلب رضا هادی جاء متّسقاً مع أهداف الجامعة،

ص:6


1- (1) الذاریات: 56.

ومفردة من مفردات مناهجها الدراسیة المترامیة الأطراف.

یتقدّم «مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر» بوافر الشکر لمؤلفه الکریم علی ما بذله من جهد وعنایة، ولکلّ من ساهم بجهوده لإعداد هذا الکتاب، وتقدیمه للقرّاء الکرام.

نسأل الله تعالی التوفیق والسداد وهو من وراء القصد.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی

للترجمة والنشر

ص:7

ص:8

شکر وتقدیر

الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنا لنهتدی لولا ان هدانا الله... والصلاة والسلام علی مخرج الناس من الظلمات الی النور محمد واله الطاهرین.

لا یسعنی إلّا أن أقدّم بالغ شکری إلی جمیع الذین کان لهم دور فی إرشادی ومساعدتی علی إعداد هذه الرسالة وعلی رأسهم الاستاذ المشرف الشیخ مجید رضائی، والاستاذ المشاور الدکتور السید نذیر الحسنی (أعزّهما الله وزادهما من فضله).

کما وأشکر اللجنة الفقهیة فی المدرسة العالیة للفقه والمعارف الاسلامیة وکذلک إدارة المدرسة أیدهم الله تعالی.

کما وأتقدم بالشکر لمسؤولی مکتبة الفقه الاُصول لمؤسسة آل البیت وجمیع القائمین علی نشر وترویج فقه ومعارف الاسلام المحمدی الأصیل.

وابتهل إلی المولی الکریم أن یشکر سعیهم ویجزل ثوابهم وأن یجعلهم من أهل کرامته فی الدنیا والاخرة، إنّه أکرم الأکرمین

ص:9

ص:10

الفهرس

خلاصة البحث 8

المقدّمة 8

أولاً: أهمیة بحث الخراج 8

ثانیاً: السابقة الدراسیة لبحث الخراج فی الفقه الإمامی 8

ثالثاً: السؤال الأساسی فی البحث 8

رابعاًً: الاسئلة الفرعیة فی البحث: 8

خامساًً: فرضیة البحث: 8

سادساً: اسلوب الاستدلال 8

سابعاً: هیکلیة البحث 8

الفصل الأوّل: المباحث التمهیدیّة

المبحث الأوّل: معنی الخراج 8

أوّلاً: الخراج لغةً 8

ثانیاً: الخراج اصطلاحاً 8

المبحث الثانی: نظرة تاریخیة حول الخراج 8

المرحلة الأولی: الخراج ما قبل الإسلام 8

أ) الخراج فی الدولة البیزنطیة 8

ص:11

ب) الخراج فی الدولة الفارسیة (الساسانیة) 8

المرحلة الثانیة الخراج فی العصر الاسلامی 8

أ) الخراج فی عصر الرسول صلی الله علیه و آله 8

ب) الخراج فی عصر الخلفاء 8

المبحث الثالث: المصطلحات ذات الصلة بالبحث 8

أوّلاً: المقاسمة 8

ثانیا: الطسق 8

ثالثا: الفیء 8

رابعاً: الأنفال 8

خامساً: بیت المال 8

سادساً: الملکیة 8

سابعاً: الأرض المفتوحة عنوة 8

ثامناً: الموات 8

تاسعاً: الإقطاع 8

عاشراً: الصوافی - الصفایا - القطائع 8

حادی عشر: القبالة 8

الفصل الثانی: موضوع الخراج ومایرتبط به

المبحث الاول: موارد الخراج 8

أقسام الأراضی 8

القسم الأول: الملکیة العامة 8

القسم الثانی: ملکیة الإمام (الحکومة) 8

القسم الثالث: الملکیة الفردیة: 8

القسم الأول: أراضی الملک العام 8

القسم الثانی: الأراضی المملوکة للإمام أو الحکومة 8

أ) الأراضی الموات 8

ب) الأراضی العامرة طبیعیاً 8

ج) أراضی الفیء 8

القسم الثالث: الملکیة الفردیة 8

ص:12

الطریق الأول: أراضی الصلح 8

الطریق الثانی للملکیة الفردیة 8

المبحث الثانی: ماهیة الخراج وعلاقته بالواجبات المالیة الأخری 8

المبحث الثالث: کیف یتم استیفاء الخراج 8

1. نظام المقاسمة 8

2. نظام المساحة 8

3. طریقة القبالة 8

المبحث الرابع: مقدار الخراج 8

المبحث الخامس: مصارف الخراج 8

الفصل الثالث: أدلة مشروعیة الخراج

القسم الأول: أدلة الخراج بالمعنی الأخص 8

أولاً: القرآن الکریم 8

ثانیا: السنة الشریفة 8

الدلیل الأول: الرسول صلی الله علیه و آله وأرض خیبر 8

الدلیل الثانی: إرشاد الامام علی علیه السلام الخلیفة الثانی 8

الدلیل الثالث: إبقاء الإمام علی علیه السلام لطریقة الخلیفة الثانی فی الخراج 8

الدلیل الرابع: الروایات الأخری 8

ثالثاً: الإجماع وأقوال الفقهاء 8

القسم الثانی: أدلة الخراج الأعم أو خراج الأنفال 8

أولاً: القران الکریم 8

أ) آیات سورة الحشر 8

ب) آیة الانفال 8

ثانیاً: السنة الشریفة 8

ثالثاً: أقوال الفقهاء 8

ص:13

الفصل الرابع: حکم الخراج فی زمن الغیبة وأخبار التحلیل

القسم الأول: الخراج الخاص 8

مناقشة أخبار التحلیل 8

القسم الثانی: حکم الخراج العام (خراج الأنفال) 8

دور المفاهیم والاهداف فی معرفة الاحکام 8

التحلیل حکم ولائی مؤقت 8

الفصل الخامس: الدور الممکن للخراج فی الوقت الحاضر

تمهید: 8

المقدمة الاولی: وضعیة الاراضی فی الوقت الحاضر 8

المقدمة الثانیة: الأنفجار السکانی وضرورة تنظیم الأرض 8

المقدّمة الثالثة: ضرورة النهوض بالتنمیة الاقتصادیة 8

المقدمة الرابعة: التطوّر الهائل فی طرق استثمار الارض. 8

نتیجة البحث 8

اولاً: النتائج النظریة 8

ثانیاً: المقترحات والتوصیات 8

المصادر والمراجع 8

ص:14

خلاصة البحث

إنّ الغرض من هذه الرسالة هو البحث حول مسألة الخراج فی الفقه الإمامی، والنظر فی إمکانیة أن یوظَّف الخراج فی الوقت الحاضر ویؤدی دوره من جدید فی التنمیة الاقتصادیة.

فی البدایة ذکرتُ مقدّمات عامة حول تاریخ البحث عن الخراج لدی الإمامیة، ومدی أهمیة ذلک البحث، وماهیة الخراج من الناحیة الفقهیة.

ففی الفصل الأول ذکرتُ بحوث تمهیدیة تناولت المعنی اللغوی والاصطلاحی للخراج، ثمّ تاریخ الخراج فی الدولتین البیزنطیة والفارسیة ومن بعد ذلک عصر الإسلام الذی جری الحدیث فیه عن عهد الرسول ومن بعده عصر الخلفاء، مع الترکیز علی دور أمیر المؤمنین فی هذه الفتر،. ثمّ تناول هذا الفصل توضیح بعض المصطلحات ذات الصلة بالبحث، کالطسق، والفیء والأنفال.

وأما الفصل الثانی، فقد خصصنا الکلام فیه عن موضوع الخراج، وهو: الارض التی قسّمت طبقاً لنوع الملکیة، إلی ملکیة عامة للمسلمین، وملکیة للحکومة أو الامام، والملکیة الخاصّة التی تشمل بعض الأراضی الصلحیة

ص:15

والأرض التی أسلم علیها أهلها، وجری الحدیث أیضاً فی هذا الفصل عن کیفیة تقسیم هذا الخراج ومقداره.

وفی الفصل الثالث تناولنا أدلة الخراج التی قسمت إلی قسمین: أدلّة الخراج بالمعنی الأخص الذی یتعلّق بالأراضی المفتوحة عسکریاً وبعض أراضی الصلح. والخراج بالمعنی الأعم وهو الطسق أو الضریبة التی یأخذها الامام فی مقابل منحه أراضی الأنفال للاستثمار، ولکلّ قسم من القسمین ذُکرت أدلة من الکتاب والروایات والسیرة وأقوال العلماء.

وفی الفصل الرابع تمّ إلقاء الضوء علی عصر الغیبة، وهل یختلف حکم الخراج فیه عن عصر الحضور أم لا؟ وفیه أیضا تمّ تحلیل أخبار التحلیل ومدی دلالتها وصلاحیة العمل بها فی الوقت الحاضر.

إلی أن انتهی البحث فی خامس فصوله إلی النتائج النظریة والعملیة، وبعد ذکر عدد من المقدمات التی تکون لدی القاریء صورة عن وضعیة الأرض وضرورة توزیعها واستثمارها علی أحسن وجه؛ لإنقاذ الأمة من حالة التردّی والسقوط التی تمرّ بها، والتی یعود جلّ أسبابها إلی التخلّف الاقتصادی.

وبعد المقدمات ذکرت النتائج النظریة للبحث ثمّ التوصیات التی قدمت علی شکل مقترح عملی حول ضرورة تصدّی الفقهاء والمثقفین المخلصین لإنشاء مؤسسة علیا تشرف علی استثمار الأرض وتطبیق الخراج، وتأخذ علی عاتقها مسؤولیة توفیر جمیع العوامل والأسباب التی تحقق التنمیة الاقتصادیة الشاملة.

ص:16

المقدّمة

اشارة

الحمد لله ربّ العالمین وصلی الله علی خیر خلقه خاتم النبیین أبی القاسم محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین.

أُعدت الأرض لتکون مرکز خلافة الله بواسطة الإنسان، وقبل أن یهبط أبونا آدم وأمنّا حواء إلیها لیمارسا دورهما فی عملیة الاستخلاف، کُتب علیهما أن یمّرا فی «دورة تعلیمیة وتدریبة ومرحلة تطبیقیة ممهدة للخلافة».(1) والدرس الأساسی الذی أراد جاعل الخلافة أن ینبّه إلیه خلیفته قبل أن ینزل إلی الأرض هو أنّ رغد العیش یعکّر صفوه الطمع، وأن الراحة یذهب بها الحرص والجشع ویحوّل رخاء الإنسان إلی شقاء...

ولذلک فقد أدخله إلی جنّة، وقال له ومعه زوجته وقرینة حیاته یا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُکَ الْجَنَّةَ وَ کُلا مِنْها رَغَداً حَیْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظّالِمِینَ .(2)

یا آدم... یاصفوتی، یاخلیفتی، یا من علمتک الأسماء کلّها، وأسجدتُ

ص:17


1- (1) عبد الله، تفسیر تسنیم (بالفارسیة جوادی آملی): 328/3.
2- (2) سورة البقرة: 35.

لک جمیع ملائکتی، ها أنا قد أدخلتک الجنة، وأبحتک کلّ نعمها ولذائذها، ولکن حذار... حذار، من أن تقترب ممّا لیس لک، وإیاک أیاک أن تتعدی حدودک... هذه أشجار الجنة ونعمها کفیلة بأن توفّر لک العیش الرغید، فکل هنیئاً أنت وزوجک حیث شئتما، ولکن اعلم إنّک إن رکبت مطیة الطمع وخلعت لباس القناعة فإنّک ستوقع نفسک وأهلک فی الشقاء والتعب والضنا...

وفسح المجال لجمیع أعداء آدم فی داخل نفسه وخارجها أن یتحرکوا ویستخدموا جمیع أسالیبهم فی الوسوسة والتزیین، کی یتعرّف آدم علی عدوه وأسالیبه قبل بدء المعرکة.

... و قد شاء النظام الإلهی الأحسن الحاکم فی هذا الکون أن یتکامل أبونا آدم وذریته بإستثمار أخطائهم... فکان ماکان، ووقع أبونا فی خطیئة الطمع وحب التکاثر فأکل من الشجرة التی لم یسمح له الاکل منها، والتی کان غنیاً عنها، وعندما خلع ثوب القناعة بأکله من الشجرة الممنوعة، والتی أعدّت لغیره، انتبه إلی قبح الحرص والطمع الذی لا یجلب للإنسان سوی الشقاء والهلع... وبعدما تحقق الهدف من دخول آدم فی الجنة المدرسیة.

عندها هبط إلی الأرض تائباً باکیاً... ونزل إلیه الهدی والتشریع اِهْبِطُوا مِنْها جَمِیعاً فَإِمّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً فَمَنْ تَبِعَ هُدایَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ1 ، اِهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ...2 وهکذا نزل آدم لیقود معرکة الخلافة فی الأرض بین القانعین والطامعین...

القانعون: اللذین یؤدّون ما علیهم ویأخذون مالهم ولا تمتد عیونهم إلی مال غیرهم...

والطامعون: اللذین لا یشبعهم ما یکفیهم...

ص:18

والتشریع الذی نزل مع آدم هو حدود الله... حدود الأهواء والرغبات، حدود الأطماع والنزوات...

والتشریع هو الأطار الذی فی ضمنه یستثمر الإنسان نعم الله الظاهرة والباطنة، وفیه یصل الإنسان إلی السعادة حیث لا خوف ولا حزن فَمَنْ تَبِعَ هُدایَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ .

حقیقة التشریع هی تحدید وتأطیر الاستثمار لنعم الله فی داخل نفس الإنسان وخارجها... ومن خرج من هذا الإطار فقد ظلم نفسه وَ مَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ1 .

والأرض أهم نعم الله الظاهرة، التی إن استثمرت فی إطار التشریع الإهی لأکلَ الناسُ من فوقهم ومن تحت أرجلهم...

والخراج من أهم الواجبات المالیة التی لو طُبقت لأخرجت الأرض من ید من استولی علیها لأجل الطمع والجشع والتکاثر، وجعلتها بید من یستثمرها لأجل القناعة والحیاة الطیبة...

وفی عصرنا الحاضر الذی أخذت فیه مخالب وأنیاب المجاعة تنهش مئات الملایین من أفراد البشریة، وأمتنا تعیش تخلّفاً وفقراً مکّن الأعداء من رقابها...

والاقتصاد العالمی القائم علی الربا والاحتکار والاستحواذ والمعاملات الوهمیة یتهاوی هذه الأیام أمام ضربات سنن التاریخ...

وهنا لابد لشریعة الله أن تقول قولها، ولا بدّ للفقه أن ینزل إلی المیدان بنحو أعمق وأوسع وأن یتحوّل من فقه الانفعال بالآخرین ومعالجة الموجود إلی فقه الفعل والخلّاقیة والإیجاد، فقه یبعث الحیاة فی الاُمة، کما أراد الله له یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ .(1)

ص:19


1- (2) سورة الانفال: 24.

ولابدّ لفقهنا الیوم أن ینظر إلی الواجبات المالیة بنحو عام والأرض والخراج بنحو خاص بنظرة اقتصادیة تنمویة واسعة ترفع الاُمة من حضیض التخلّف وتجعلها أُمة منتجة ومثمرة وتقیم فی ربوعها العدالة والقسط...

وما هذه الرسالة الّا تذکرة أقدّمها لأصحاب الفکر وحمََلَة العلم، وما أنا فیها إلّا کمخبر جیش یخبر قومه بالخطر المحدق ثمّ یترک المیدان لأهله، راجیاً منهم أن یسقوا مکتبتنا الضامئة إلی البحوث فی فقه الاقتصاد التنموی التی تحرّک الاُمة نحو العزة والقوة والاستقلال، وتعید لها علوّها وسؤددها الآفل وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ .(1)

ونری من اللازم هنا أن نرکّز علی جملة من الاُمور الهامة:

أولاً: أهمیة بحث الخراج

ثانیاً: تاریخ البحث فی المسألة

ثالثاً: السؤال الاساسی فی البحث

رابعاً: الاسئلة الفرعیة

خامساً: فرضیة البحث

سادساً: اسلوب الاستدلال

سابعاً: هیکلیة البحث

أولاً: أهمیة بحث الخراج

یکتسب بحث الخراج أهمیته من موضوعه الذی یرتبط به، وهو الأرض التی هی أهم عناصر الانتاج بل هی أساس الاقتصاد الذی هو شریان حیاة الإنسان بما أنّه کائن حی اجتماعی، فهو لایستغنی عن الارض بما هو کائن حی ولا یستغنی عن تنظیمها بما هو اجتماعی.

ص:20


1- (1) سورة آل عمران: 139.

فمنذ أن وجد الإنسان نفسه مع أُناس آخرین وبدأ ینافس غیره، وغیره یزاحمه علی حاجیاته التی یأخذها من الأرض مباشرة أو غیر مباشرة، عند ذلک الحین رأی الانسان نفسه محتاجاً إلی القانون والنظام الذی یخلّصه من النزاع والصراع وما یؤول إلیه من إفساد وسفک دماء، وقد أنزل الله سبحانه الأنبیاء لأجل حلّ هذا الاختلاف کما أشارت إلیه الآیة الکریمة کانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلاَّ الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ فَهَدَی اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ .(1)

وقد کان هذا النظام الذی أنزلته السماء الی الناس علی ید الأنبیاء نظاماً شاملاً وکاملاً یلبّی حاجات البشریة فی جمیع المجالات الروحیة والبدنیة وعلی مستوی الفرد والاجتماع، ولا یمکن لنظام انزل لأجل علاج الاختلاف بین الناس علی ما نصتّ به الآیة المذکورة إلّا أن یتصدّی لحل أهم مشاکل الناس ألا وهی مشکلة الاقتصاد التی هی من امهات العوامل التی تؤدّی إلی النزاع والاختلاف، فالاقتصاد أولاً، ثمّ الاعتقاد والعمل الصالح یا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّیِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً2 ، کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَ اشْکُرُوا لَهُ/3 ، ولا یمکن لنظام أن یربّی الناس ویغذّیهم بالثقافة الصحیحة، وینمّی فی أنفسهم الفضائل الإنسانیة العالیة إذا لم یوفّر لهم قبل کلّ شیءٍ لقمة العیش واللباس والمأوی ویقضی علی الفقر، تلک الشجرة الخبیثة التی أینما نمت أثمرت الکفر ونبتت حولها الرذائل:

ص:21


1- (1) سورة البقرة: 213.

«کاد الفقر أن یکون کفراً»(1) ، «إذا ذهب الفقر إلی بلد قال الکفر خذنی معک».(2)

والنظام الاقتصادی الصالح هو الذی یمتلک القدرة علی أن یحرّک الناس للعمل ویوفّر لهم وسائل الانتاج ویشرف علی توزیع عناصر الإنتاج وثماره واستهلاکه.

وفی الرؤیة الإسلامیة فأنّ الأرض التی سخّرها الله للانسان قد وفّرت له جمیع ما یحتاج کمّاً ونوعاً آتاکُمْ مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ/3 «أی: کلّ ما تحتاجونه ولم تصلح أحوالکم ومعایشکم إلّا به»(3) ، ولکنّ المشکلة تنبع من الإنسان الذی ضیّع حظه وجلب الویل والشقاء والفقر لنفسه، بعاملین هما: الظلم والکفر، والظلم هو سوء التوزیع، والکفر هو سوء الاستثمار.

فحین یمحی الظلم من العلاقات الاجتماعیة للتوزیع وتجند طاقات الإنسان للاستفادة من الطبیعة واستثمارها تزول المشکلة الحقیقیة علی الصعید الاقتصادی.

وقد کفل الإسلام محو الظلم بما قدّمه من حلول لمسائل التوزیع والتداول، وعالج جانب الکفران بما وضعه للانتاج من مفاهیم وأحکام.(4)

والنظام الإلهی عالج هذه المسألة فی جمیع مراحلها، لا بالمواعظ والنصائح فقط - وإن کان للمواعظ والنصائح أثرها البالغ فی حثّ الإنسان علی العمل واعتباره کالعبادة، وتنظیم الاستهلاک بتحریم الإسراف والتبذیر - وإنما بوضع نظام متقن یدیر عملیتی الانتاج والتوزیع بنحو عادل وحکیم.

ص:22


1- (1) الکافی، الکلینی: 37/2. الخصال، الصدوق: 12.
2- (2) الامام الصادق الجندی: 365.
3- (4) تفسیر الکشاف الزمخشری: 523/2.
4- (5) راجع: اقتصادنا الشهید الصدر: 37/1-38.

ومسألة الخراج تعنی بجانبی الانتاج والتوزیع معاً، ولذلک فإذا اتیح لجهاز أو مؤسسة الخراج أن تقوم بعملها وتأخذ دورها فی المجتمع فإنّها ستمسک بأهم عناصر التنمیة والانتاج فی حیاة الإنسان، وسیتّم بواسطتها تملیک الارأضی أو تخصیصها للعنصر الثانی فی عملیة الانتاج ألا وهو الإنسان العامل الذی یمتلک الخبرة والمهارة فی العمل وتسمح له بحق الاختصاص أو حتی التملّک بشرط الاستثمار کی یکون هذا الحق مشجّعاً له لأجل زیادة الإبداع والانتاج وتأخذ منه الخراج أو الضریبة المناسبة، لکی تقوم هذه المؤسسة بتوزیعها علی حاجات المجتمع المختلفة ولو تمّ تطبیق مثل هذا النظام لما بقیت هناک أرض معطلّة ولا شخصٌ عاطل عن العمل، ولا فقیر محتاج، ولتمت تلبیة جمیع الحاجات الاجتماعیة للاُمة واُصلحت جمیع المرافق الخدمیة فیها.

ولذلک فإنّ بحث الخراج والأراضی من أهم البحوث التی یجب أن یتصدّی لها الباحثون والعلماء فی فقه الاقتصاد الإسلامی کی یتمّ ترمیم أو إعادة بناء هذا الحکم المهمل وحین إذ نکون قد أحیینا مصدراً هاماً لبیت مال المسلمین الذی به قوام المجتمع الاسلامی وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیاماً1 ، ویکفی فی أهمیته فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام،

إنّ الناس کلَّهم عیال علی الخراج وأهله، ولیکن نظرُکَ فی عمارة الأرض أبلغ من نظرک فی استجلاب الخراج.(1)

أی: أن الخراج یجب أن یطبّق بحیث یتجه فی اتجاهین متوازنین أحدهما یکمل الآخر هما: عمارة الأرض، وتلبیة حاجات الناس. وعندما طبق الخراج کانت الدولة الاسلامیة تعتمد علیه فی تمویل نفقاتها العامة وقد بلغت حصیلة الخراج فی عهد الخلیفة الثانی مائة ملیون درهم.

ص:23


1- (2) نهج البلاغة، عهد الامام الی مالک الاشتر.

ولکن مع الأهمیة المالیة للخراج کمورد مالی للدول الاسلامیة، إلّا أنّ هذه الأهمیة قد انخفضت وخاصّة فی الوقت الحاضر بسبب استبدال هذه الفریضة بما یسمی بالضریبة الزراعیة، ولوقوع کثیر من أراضی الدولة الزراعیة تحت الملکیة الفردیة ولتجزّء الدولة الاسلامیة الی عدّة دول، أثر ذلک کلّه فی الأهمیة المالیة للخراج لدرجة أنه لا یکاد یذکر فی الموارد العامة للدول الاسلامیة.(1)

ثانیاً: السابقة الدراسیة لبحث الخراج فی الفقه الإمامی

إنّ المتتبع لمسألة الخراج فی الفقه الإمامی لا یری بحثاً أو باباً مستقلاً کتب فی الخراج قبل نشوء الدولة الصفویة، وإنّما هناک مجموعة من الروایات ذکرها الفقهاء فی أبوب مختلفة من الفقه. وذلک لأنّ الخراج لم یجد طریقه إلی التطبیق وفقاً للرؤیة الإمامیة الخالصة إلّا بنحو محدود فی زمن الرسول صلی الله علیه و آله وفترة خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام، وبعد ذلک انزوی الفقه الإمامی عن الواجهة، فلم یجد حکومة تعمل به حتی تطبّق أحکام الخراج وفقاً لمبانیه أو لیدفع ذلک العلماء إلی تفعیل وترشید البحث حول هذه المسألة الهامّة. وإنّما بقی علماء الفقه الإمامی ینقلون الروایات التی هی إمّا أن تتحدث عن امور نظریة غیر قابلة للتطبیق، أو تعالج مشاکل الشیعة التی نشأت من تعاملهم مع الحکومات الجائرة التی تعاقبت علیهم وذلک، إمّا بتحلیل الأرض أو تحلیل جوائز السلطان وأمواله التی تصل الیهم أو أمرهم بالتعامل مع السلاطین بدفع الخراج الیهم تسلیماً للأمر الواقع، وحفاظاً علی النظم وإخراجاً لشیعتهم من العسر والحرج وضیق المعیشة.

ص:24


1- (1) راجع: کتاب المدخل الی المالیة العامة الاسلامیة الشایجی، د. ولید خالد: 56.

وهنا لابدّ من الإشارة إلی أنّ هناک من علماء الشیعة من لا یری شرعیة حکم الخراج وأنّه بدعة ابتدعها الخلیفة الثانی.(1)

ولکن هذا الرأی ینهار فی أول المواجهه، لما یلاقیه من سیل من الأدلّة والأحادیث التی نقلها حتی المنکرون أنفسهم.(2) لاسیما فی رسائل ووصایا أمیر المؤمنین علیه السلام إلی ولاته من التأکید علی الخراج کما فی قوله:

وتفقد امر الخراج بما یصلح أهله، فإنّه فی صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلّا بهم، لأنّ الناس کلّهم عیال للخراج وأهله.(3)

ولِما سوف یأتی فی ثنایا البحث أن علیاً هو الذی أشار إلی الخلیفة الثانی بعدم تقسیم الأرض وأنه سار علی نفس المنهج الذی أشار به علی الخلیفة الثانی، عندما آلت إلیه الخلافة.(4) ومهما کان فإنّ أول رسالة مستقلّة کتبت فی الفقه الإمامی عن الخراج کانت فی عهد الدولة الصفویة، حیث إنّ هذه الدولة رفعت شعار التشیع وتبنت ترویج ونشر المذهب الشیعی؛ ولذلک قرّبت الفقهاء والعلماء الشیعة وعندها أصبحت المباحث الفقهیة التی تتعلّق بالحکومة وإدارة شؤون المجتمع ساخنة وفعالة وتحولت إلی حدیث الساعة.

ومسألة الخراج من المسائل التی أخرجها وصول الصفویین الی السلطة من سلة المهملات، فأصبحت میداناً للبحث والسجال العلمی الشدید، حیث أصبح الخراج، والاقطاعات والعطایا والهبات التی یدفعها بیت المال الصفوی مصدر عیش المرتبطین بهذه الدولة بما فیهم علماء الدین، وقد تسبب ذلک

ص:25


1- (1) راجع: زمین در فقه اسلامی (فارسی) المدرسی، محمد حسین: 7/2.
2- (2) راجع: المصدر: 71.
3- (3) نهج البلاغة عهد الامام علیه السلام لمالک الاشتر.
4- (4) المصدر: 69.

فی نشوء اختلاف شدید حول حلیّة وحرمة هذه الأموال، وأوّل من أدلی بدلوه فی هذا المضمار وکتب رسالة فی هذا الموضوع الشیخ علی بن عبد العال الکرکی (ت 940) من علماء جبل عامل وقد هاجر من هناک إلی إیران فتلقّی من ملوک الدولة الصفویة التجلیل الکبیر والاحترام الفائق، ولیتبوأ فی هذه الدولة منصباً حکومیاً واجتماعیاً رفیعاً.

وذکر الشیخ محمد هادی الیوسفی فی مقدمة کتاب الخراجیات: إنّه قد صار لغایة تبحره فی العلوم العقلیة والنقلیة معتمداً لحکماء الإسلام ومرجعاً للعلماء الواجبی الاحترام، وکانت فصاحة بیانه وطلاقة لسانة خارجة عن درجة التوصیف ونهایة تدینه وتقواه معترفاً بها عند الأصاغر والأکابر.(1)

وتعد الرسالة التی کتبها المحقق الکرکی انجازاً علمیاً فی مجال الخراج فی الفقه الإمامی، لکنّ الغرض الأصلی منها کما یظهر من کلامه حول العوامل التی دعته إلی تألیفها، هو إثبات حلیّة أخذ الخراج والاستفادة منه فی عصر الغیبة مع وجود سلاطین الجور.(2)

وقد ساق المحقق الکرکی أدلته من الروایات والفتاوی والشواهد العملیة من سیرة السلف الصالح من الفقهاء لأجل إثبات حلیّة الخراج وإقطاعات وهدایا السلاطین وسمّاها: قاطعة اللجاج، حیث یظهر من رسالته أنّه یری أنّ الدولة الصفویة دولة جائرة یصحّ التعاون معها، فمنزلته منها ودوره فیها کدور السید المرتضی، والسید الرضی بالنسبة للحکومات الجائرة فی زمانهما، وکدور العلامة الحلی فی بلاط السلطان محمد خدابنده.(3)

ص:26


1- (1) راجع: مقدمة الشیخ محمد هادی الیوسفی، لکتاب الخراجیات، لجماعة المدرسین: 5.
2- (2) راجع: موقع (دبیرخانة مجلس خبرکان منابع فکر و فقه سیاسی شیعه در دوره صفوی: 183) فی شبکة الانترنیت.
3- (3) المصدر: 182.

وبعد المحقق الکرکی کتب الشیخ إبراهیم القطیفی الذی عرف بالعداء والعناد للمحقق الکرکی رسالة فی تحریم الخراج وهدایا السلطان وسماها: السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج وتهجّم فیها علی رسالة المحقق الکرکی ووصفها بأنها مثیرة العجاج کثیرة الاعوجاج.(1)

وردّ فیها القطیفی علی جمیع الأدلة التی جاء بها المحقق الکرکی، وسار علی نهج القطیفی المقدّس أحمد الاردبیلی فألّف رسالة خراجیة فی حرمة أخذ الخراج، وفی المقابل کتب أحد العلماء المعاصرین للمقدّس وهو ماجد بن فلاح الشیبانی رسالة فی حلیّة الخراج.(2)

کما وکتبت رسائل أُخری للخراج منها کالتالی:

1. الخراجیة لمیرزا عبد الله افندی: توجد نسخة منها فی مکتبة المرعشی النجفی.

2. کتاب الخراج والمقاسمة (باللغة الفارسیة) للعلامة الشیخ أقا بزرگ الطهرانی..

3. الخراج والمقاسمة، للسید المدرسی (ت 1318 ه -).

4. خراجیة المیرزا یوسف بن عبد الفتاح (ت 1336 ه -).

5. رسالة فی الأراضی الخراجیة، محمد بن محمد تقی آل بحر العلوم.(3)

وهناک کتب تضمّنت البحث عن الخراج فی ضمن بحث الأرض وأحکامها أو ضمن البحث عن المکاسب المحرمة، أو عن الحکومة الاسلامیة ومن هذه الکتب:

ص:27


1- (1) راجع: کتاب الخراجیات لجامعة المدرسین الشیبانی، ماجد بن فلاح: 2.
2- (2) راجع: المصدر السابق: 7.
3- (3) موقع (دبیرخانة مجلس خبرکان منابع فکر و فقه سیاسی شیعه در دوره صفوی: 199) فی شبکة الانترنیت

1. کتاب الأرض فی الفقه الإسلامی (بالفارسیة) لمحمد حسین المدرسی الطبابائی.

2. کتاب أحکام الأرض فی الإسلام، للشیخ محمد مهدی الآصفی

3. کتاب الأراضی، للشیخ إسحاق الفیاض.

4. کتاب ولایة الفقیه (المجلد الرابع) للشیخ حسین علی منتظری.

5. (اقتصادنا)، للشهید محمد باقر الصدر رحمة الله الذی تناول فیه مسألة الخراج والطسق من منظار اقتصادی، وبما أنّهما وسیلة لتحقق التنمیة والعدالة الاجتماعیة فنفث فی هذا البحث روح تحریک المجتمع نحو الاستثمار الصحیح والتوزیع العادل، وخرج من طوق البحث التقلیدی للخراج الذی یدور حول حلیّة الأخذ من السلطان أو وجوب الدفع الیه أو عدمهما.

وهناک عدد من الرسائل الجامعیة(1) کتبت حول هذا الموضوع منها:

1. الخراج فی الإسلام، علی میر ابراهیمی، جامعة الفردوسی مشهد، کلیة الإلهیات

2. ترجمة وتحقیق جزء من کتاب الخراج، للقاضی أبی یوسف مع ذکر الآراء الفقهیة الإمامیة، شید الله رستخیز شورکائی

3. الجزیة والخراج فی الإسلام، محمد ملائی

ثالثاً: السؤال الأساسی فی البحث

إنّ البحث فی هذه الرسالة وإن کان یدور حول عنوان الخراج بشکل عام بما أنه حکم شرعی بدأت مراحل تطبیقیة الأولی منذ صدر الإسلام، وأُرید منه حل مشکلة الأراضی التی بدأت تدخل فی حوزة الدورة الإسلامیة بواسطة الفتوحات التی بدأت بعد إقامة أول نواة للحکومة الإسلامیة للمدینة

ص:28


1- (1) راجع: موقع www.iran.doc شبکة الانترنیت مادة خراج.

المنوّرة، لکنّ السؤال الأساسی الذی دعا إلی تألیف هذه الرسالة هو: هل یمکن تطبیق حکم الخراج فی الوقت الحاضر بحیث یؤدی دوره فی تحقیق النهضة التنمویة الاقتصادیة وإغناء بیت مال المسلمین ؟ أم أنّه حکم شرعی لا وجود لموضوعه فی الوقت الحاضر؟ أی أنه حکم شرعی یشبه أحکام الرقیق والعبید وکیفیة تحریرهم الذی أنتهی بانتهاء زمن الفتوحات وغاب عن عرصة التطبیق بزوال موضوعه، کذلک فإنّ موضوع الخراج هو الأراضی المفتوحة عنوة وبأمر الإمام المعصوم، وفی الوقت الحاضر لا غزوات تفتح لنا الأرض، والأرض المفتوحة سابقاً قد بقیت علی حالها بل فقدت عنوانها واختلطت بسائر الأراضی.

رابعاً: الاسئلة الفرعیة فی البحث:

السؤال الأول: ماهو المراد من الخراج ؟

السؤال الثانی: کیف کان الخراج فی زمن النبی صلی الله علیه و آله والخلفاء من بعده ؟

السؤال الثالث: کیف کان الخراج فی زمن أمیر المؤمنین علی علیه السلام ؟

السؤال الرابع: ماهو موضوع الخراج وما هی أدلته من الکتاب والسنّة ؟

السؤال الخامس: ماهو دور الخراج فی فقه اقتصاد الدولة ؟ وهل یمکن توسعة موضوعه ؟

خامساً: فرضیة البحث:

إن حکم الخراج یمکن تطبیقه فی الوقت الحاضر لیؤدی دوره فی تحقیق النهضة التنمویة الاقتصادیة، بل هو ضرورة ملحة تقتضیها الظروف الراهنة التی تمرّ بها الاُمة من فقر وتخلّف وتمییز طبقی، حیث ینتظر للخراج أن یلعب دوراً هاماً فی تحقیق الاستثمار والعدالة معاً.

ص:29

سادساً: اسلوب الاستدلال

إنّ الاُسلوب الذی اتبعناه فی هذه الرسالة هو الاُسلوب الفقهی الاجتهادی وذلک بالرجوع إلی المصادر اللغویة والتاریخیة وآیات القرآن والروایات، وکذلک الاستفادة من الإجماع والارتکازات العقلائیة وأقوال الفقهاء.

وبعد مطالعتنا لکثیر من المصادر الإمامیة التی تحدّثت عن الخراج رأینا أن أکثر الذین کتبوا فی هذا الموضوع قد نظروا إلیه بمنظار سیاسی، وکانت مساعیهم المشکورة مترکزة علی إثبات حرمة الأخذ من السلطان الجائر وعدمها، أو وجوب الدفع الیه وعدمه.

فهو مسألة متفرعة علی طبیعة وحدود العلاقة التی یسمح بها المذهب الإمامی للتعاون مع الحاکم الجائر، ولذلک فقد ادرج هذا البحث عادة ضمن بحث المکاسب المحرّمة عند الحدیث عن حکم جوائز السلطان.

وقد جاء فی موقع مجلس خبراء القیادة فی شبکة المعلومات:

إنّ الفقهاء الشیعة کانوا یواجهون مشکلتین فی بحث الخراج فی عصر الغیبة:

الاُولی: حکم دفع الخراج من قبل الشیعة إلی الحکومة،

والثانیة: الاستفادة منه بواسطة الأفراد الذین کانوا مرتبطین بالحکومة ویتسلّمون رواتبهم من خزانة الدولة

وکان للفقهاء موقفان بالنسبة الی بحث الخراج:

الاول: هو التحریم وهذا هو الموقف الذی یتعلّق عادة بالفقهاء الذین ابتعدوا عن الحکومة، ویعد رأیاً شاذاً ونادراً فی فقه الشیعة.

والثانی: هو التحلیل وهو رأی أکثر الفقهاء.(1)

ص:30


1- (1) موقع: (دبیرخانة مجلس خبرکان منابع فکر و فقه سیاسی شیعه در دوره صفوی: 181) فی شبکة الانترنیت

وأهم الفقهاء الذین اتخذوا الموقف الثانی هو المحقق الکرکی (ت. 94 ه -) الذی هو من أعاظم فقهاء الشیعة الذین لعبوا دوراً کبیراً فی العقود الثلاثة الأولی للدولة الصفویة بعد أن رأی جواز الارتباط بهذه الدولة علی الرغم من اعتقاده بأنّها دولة جائرة، وقد استطاع أن یصل فی هذه الدولة إلی أعلی موقع بعد مقام السلطنة، وهو موقع شیخ الإسلام.(1)

وکان النزاع الشدید الذی دار بینه وبین مناوئیه من أصحاب الموقف الأول وعلی رأسهم الفاضل القطیفی یدور حول حلّیة التعامل مع حکام الجور وعدمها وبالتالی حلّیة اخذ الخراج وعدمه، وکتب المحقق الکرکی رسالة فی الحلّیة سماها: قاطعة اللجاج فی تحقیق حلّ الخراج، وفی مقابله کتب الفاضل القطیفی رسالة فی ردّه سماها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج.

وقد اتبع کلّ منهما منهجاً خاصّاً، وساق مجموعة من الأدلة المختلفة من الکتاب والروایات والارتکازات العقلائیة وأقوال الفقهاء لإثبات مقصوده وردّ الآراء المخالفة.

ونحن فی هذه الرسالة وإن کنا نعتبر موافقین لأصحاب الموقف الثانی لکننا موافقون لا بعنوان تحلیل أخذ الخراج من الحاکم أو جواز أو وجوب دفعه إلیه، وإنّما بوجوب تطبیق حکم الخراج بما عنده آلیة شرعیة تتیح للحاکم تنظیم الأرض بما یحقق التنمیة والعدالة فی آن واحد..

وبیان ذلک هو: أننا نری أنّ دور الفقه یجب أن یکون دور القائد الذی یتحرک فی داخل میدان الحیاة، ولیس دور الحکم المحاید الذی یتخذ له مکاناً خارج الساحة ویکتفی بالفتیا و التحلیل والتحریم إذا احتاجة الی حکمه أطراف الصراع.

ص:31


1- (1) راجع: المصدر.

وحتی لو لم تساعد الظروف الموضوعیة الفقهاء علی الإمساک بزمام الاُمور وقیادة الاُمة فی الجانب السیاسی، فأنّ هناک مجالات واسعة أخری یستطیعون فیها تطویر مستوی الاُمة وحلّ مشاکلها، ولا ینبغی لنا عند عدم القدرة علی الإمساک بالخط الاول فی جبهة الصراع ان ننسحب الی اخر الخطوط الخلفیة، الا اذا اضطررنا الی ذلک.

ویستطیع المتمعن فی سیرة الأئمة الأطهار علیهم السلام أن یری أنّهم قد ساروا علی هذا النهج، لاسیما أمیر المؤمنین علیه السلام الذی لم یمنعه غصب حقّه فی الخلافة من أن یبقی فی المیدان معاوناً ومشاوراً لمن تقمّص منه الخلافة، ووصل الأمر به فی التعاون مع الخلافة الی حدّ ما وصفه علیه السلام بقوله عنا الخلیفة الثانی:

کان یشاورنی فی موارد الاُمور ومصادرها لیصدرها عن أمری ویناظرنی فی غوامضها فیمضیها عن رأیی.(1)

وقول الخلیفة الثانی: «لو لا علی لهلک عمر»،(2) وقوله أیضاً «اللهم لا تبقنی لمعضلة لیس لها بن ابی طالب».(3)

إنّ حقل الاقتصاد میدان هام ینبغی علی الحوزة العلمیة أن تتواجد فیه لاسیماأنّ الاقتصاد فی الوقت الحاضر أصبح أساساً لاستقلال الاُمم، فالدولة المحتاجة الی غیرها تکون تابعة لها، وکما قال علی علیه السلام:

استغن عمن شئت تکن أمیره، واحتج إلی من شئت تکن أسیره.(4)

والذی نراه ان الخراج یجب أن یُنظر إلیه بمنظار الفقه الاقتصادی لابمنظار الفقة السیاسی فقط، وأن الخراج یرتبط بنظرة الإسلام إلی الأرض

ص:32


1- (1) الاختصاص المفید: 173؛ الخصال الصدوق: 374.
2- (2) الطوسی، تهذیب الأحکام: 2.6/6؛ الرسائل السعدیة العلامة الحلی: 24 الغدیر الأمینی: 97/3.
3- (3) الغدیر الأمینی: 97/3.
4- (4) کنز الفوائد الکراجکی: 289، روضة الواعظین الفتال النیسابوری: 19.

التی أنزل الله علیها الإنسان لیعمرها أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیها ،(1) وبعث الأنبیاء لیقوم الناس بالقسط لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ .(2)

وبالنتیجة، فإنّ أی ارتباط للانسان بالأرض وأی نحو من التملّک لها یجب أن یکون فی طریق تحقیق الهدف الإلهی وهو الإعمار والاستثمار وإقامة العدل والقسط من جهة أخری.

ولذلک فإنّ المنهج الإنسانی یقوم علی دعوة الإنسان لاستثمار الأرض ویسمح له بتملّکها بشرط الاستثمار والإحیاء، ویفرض علیه عدد من الضرائب الثابتة کالزکاة والخمس، وکذلک الخراج کضریبة متحرکة، بمعنی أنّ أمرها متروک بید ولی الأمر والحاکم یحدد کمیتها وکیفیتها ومصرفها؛ طبقاً لمصلحة الاُمة ولما فیه تشجیع المستثمرین وتقویة اقتصاد الدولة واقامة العدالة.

سابعاً: هیکلیة البحث

تکفلت هذه الرسالة بالجواب علی السؤال الاصلی والاسئلة الفرعیة، فأکدت فی مباحثها التصوریة أن الخراج من حیث المعنی والمفهوم والحقیقة الفقهیة لیس حکماً لعلاج مشکلة مؤقتة، ولا هو قضیة خارجیة وقعت وانتهت وإنّما هو حکم یتناول کیفیة ارتباط الإنسان فی الأرض ویؤدی دوراً هاماً فی حلّ المشکلة الاقتصادیة للبشریة.

وحیث إنّ المشکلة الاقتصادیة فی التصور الإسلامی نابعة من الظلم والکفر، قال تعالی: وَ آتاکُمْ مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ

ص:33


1- (1) سورة هود: 61.
2- (2) سورة الحدید: 25.

اَلْإِنْسانَ لَظَلُومٌ کَفّارٌ1 وحول هذا المعنی یقول الشهید الصدر «فظلم الإنسان فی توزیع الثروة وکفرانه لنعمة بعدم استغلال جمیع المصادر التی تفضل الله بها علیه استغلالا تاماً هما السببان المزدوجان للمشکلة التی یعیشها الإنسان البائس منذ ابعد أصول التاریخ. وبمجرد تفسیر المشکلة علی أساس إنسانی یصبح بالمکان التغلب علیها والقضاء علة الظلم وکفران النعمة بإیجاد علاقات توزیع عادلة وتعبئة کل القوی المادیة لاستثمار الطبیعة واستکشاف کل کنوزها».(1)

والخراج هو الحکم الذی ینظّم کیفیة ارتباط الإنسان بالأرض علی النحو الذی یحقق الاستثمار الأمثل والتوزیع العادل، فهو حکم أساسی یرتبط بهدف خلق الإنسان فلا یمکن الاستغناء عنه، بل یتأکّد حکمه کلّما اشتدت حالة الإنسان لاستثمار الأرض وتنظیمها.

کما أنّ الرسالة أجابت فی مباحثها التصدیقیة وأکّدت أنّ الخراج لایتعلّق بالأراضی المفتوحة عسکریاً فحسب، وأنّما یمتد موضوعه إلی الأراضی الأخری التی هی أراضی الأنفال الشاملة لأراضی الفیء، والموات والأرض التی لا مالک لها وغیرها.

کما أنّ تملیک الأراضی المفتوحة عنوة بواسطة الحکومات واختلاطها واشتباهها بالأراضی الأخری لا یکون مبرراً لإلغاء حکم الخراج بل یؤکّده والمشاکل التی تنشأ عند التطبیق تُحلّ بسبب کون الأرض جمیعها ملکاً للإمام، أو تحت أشراف الإمام کما هو مذکور فی ثنایا هذه الرسالة.

وقد حاولت الرسالة أن تقتنص من الأدلة المختلفة قواعداً واُصولاً وملاکات لتطبقها علی وضع الأرض فی الوقت الحاضر، وما حصل فی العالم من کثافة

ص:34


1- (2) اقتصادنا الشهید الصدر: 674-675.

سکانیة وحاجة شدیدة إلی استثمار الأرض وتنظیمها من جهة، وتطور طرق الاستثمار وأسالیب الاستحواذ من جهة أُخری، لتخرج بنتیجة هی وجوب التصدّی لتطبیق حکم الخراج وسائر الضرائب الإسلامیة؛ لأنّ التنمیة الاقتصادیة وتوفیر العمل والتوزیع العادل للثروات من أهم ما تحتاجه الأمة الیوم لتنظیم شؤونها، والتصدّی لتنظیم أمور المجتمع وفرض النظام ومنع الهرج والمرج من أهم الأمور الحسبیة التی یجب أن یتصدّی لها الفقهاء (أیدهم الله تعالی).(1)

ولذلک فأننا سقنا منهجنا ورسمناهیکلیة البحث وفقاً لهذا المفهوم، فذکرنا فی المباحث التصوریة معنی الخراج وتاریخ العمل به فی الاُمم السابقة للإسلام وما بعد الإسلام، وأشرنا الی أنّه کیف أن العمل بالخراج یؤدی إلی عمارة البلدان وتقویة الاقتصاد، وأنّ ترکه أو العمل غیر الصحیح یؤدی إلی خراب البلدان.

ثمّ بحثنا فی المصطلحات ذات الصلة بالبحث وأشبعنا الحدیث عن مفهوم الملکیة؛ لما لها صلة حساسة بهدف البحث، وکذلک الحدیث عن بیت المال والموازنة، وکذلک الأنفال التی هی أهم وأوسع أنواع الأرض التی یتعلّق بها الخراج فی الوقت الحاضر.

ثمّ بحثنا فی موضوع الخراج وما یتعلّق به وذکرنا أقسام الأرض، وطریقة تملّکها والاختصاص بها حیث اتضح جلیاً أن تملیک الأرض فی الإسلام یتمّ فی إطار استثمارها وإحیائها ولیس هناک تملیک مطلق للأرض.

وفی بحث أدلة الخراج قسّمنا الأدلة إلی نوعین:

الاول: أدلة الخراج بالمعنی الأخص وهو: خراج الأرض المفتوحة عنوة وبعض الأراضی الصلحیة. والثانی: أدلة الخراج بمعنی الأعم الذی هو خراج سائر الأراضی.

ص:35


1- (1) راجع: کتاب تنبیه الأمة ونزیه الملّة المحقق النائینی: 133-134، تعریب: عبد الحسن آل نجف.

وبعد ذکر الأدلة والشواهد من الکتاب والسنة والاجماع والارتکازات العقلائیة وأقوال الفقهاء، انتهینا إلی أنّ هذین النهرین یصبان فی مصب واحد فی وقتنا الحاضر، وبعد أن اختلطت الأراضی وصعب تمییزها وتطورت الحیاة وتداخلت وأصبح بیت المال واحداً، فالخراج بأنواعه قد أصیح جزءاً من الموازنة العامة للدولة ویصعب فصله عنها.

واستطعنا بواسطة الملاکات والقواعد العامة التی استقیناها من أدلة الخراج المختلفة أن نبحث فی زمان الغیبة وأخبار التحلیل، ونستنتج بأنّ مقاصد الشریعة من هذا الحکم لا تفرق بین زمنی الغیبة والحضور، کما أنّ تحلیل الخراج والأنفال علی فرض ثبوته فهو لیس إلّا حکم اضطراری مؤقت.

ثمّ قدّمنا صورة عن وضعیة الأراضی فی الوقت الحاضر وحاجة الاُمة الشدیدة الی تنظیم الأرض وتوزیعها العادل؛ لأجل الاستثمار وأشرنا إلی التخلّف والضیاع الذی أصاب الاُمة بإهمالها لمسألة التنمیة وترکها استثمار أرضها وثرواتها؛ واتکالها علی الأجنبی؛ لنصل إلی النتیجة التی کنا ننظر إلیها من أول البحث وهی وجوب التصدّی لتطبیق حکم الخراج بما أنه رکن أساسی فی النهضة التنمویة الاقتصادیة والقضاء علی الفقر التمییز الطبقی، وتحقیق الازدهار والاستقلال الحقیقی للامة.

ص:36

الفصل الأوّل: المباحث التمهیدیّة

اشارة

وفیه ثلاثة مباحث:

* المبحث الأول: معنی الخراج

* المبحث الثانی: نظرة تأریخیة حول الخراج

* المبحث الثالث: المصطلحات ذات الصلة بالبحث

ص:37

ص:38

المبحث الأوّل: معنی الخراج

أوّلاً: الخراج لغةً

وقال بن منظور فی لسان العرب: «والخرج والخراج واحد، وهو شیء یخرجه القوم فی السنة من مالهم بقدر معلوم». وقال الزجاج: الخرج، المصدر والخراج اسم لما یخرج، والخراج: غلّة العبد والأمه والخرج والخراج: الأتاوه تؤخذ من أموال الناس

وقال الأزهری: والخرج: أن یؤدی ألیک العبد خراجه أی غلّته، والرعیة تؤدی الخرج إلی الولاة.

وروی فی الحدیث، عن النبی صلی الله علیه و آله، أنّه قال: «الخراج بالضمان».

وقال أبو عبید وغیره من أهل العلم: «معنی الخراج فی هذا الحدیث: غلة العبد یشتریه الرجل فیستغله زماناً ثمّ یعثر منه علی عیب دلّسه البائع ولم یطلعه علیه، فله ردّ العبد علی البائع والرجوع علیه بجمیع الثمن، والغلّة التی استغلها المشتری من العبد طیبة له؛ لأنّه کان فی ضمانه ولو هلک هلک من ماله».

وفسر بن الأثیر قوله الخراج بالضمان قال: یرید بالخراج: ما یحصل من غلّة العین المبتاعة عبداً کان أو أمه أو ملکاً؛ وذلک أن یشتریه فیستغله زماناً ثمّ یعثر فیه

ص:39

علی عیبٍ قدیم، فله ردّ العین المبیعة وأخذ الثمن ویکون للمشتری ما استغله؛ لأنّ المبیع لو کان تلف فی یده لکان من ضمانه ولم یکن علی البائع شیء، و «باء» بالضمان متعلّقة بمحذوف تقدیره الخراج مستحق بالضمان، أی بسببه».(1)

جاء فی کتاب الرتاج: «ذکر بعض المستشرقین أنّ کلمة الخراج لیست عربیة الأصل وإنّما هی من مصطلحات الروم الإداریة، حیث اقتبسها العرب منهم بعد ذلک.

فی حین یری آخرون أنّها مقتبسة من لفظة (خورجیا) الیونانیة إلّا أنّ الثابت أنّ لفظة (خراج) وردت علی لسان العرب قبل اختلاطهم بالاُمم الأخری؛ نتیجة للفتوحات الإسلامیة، ویؤید هذا أنّها عندهم تحمل معنی عاماً لا یرادف مدلولها لدی غیرهم من الأمم».(2)

وجاء فی موسوعة الفقه الکویتیة: «ویطلق الخراج أیضاً علی الاُجرة أو الکراء، ومنه قوله تعالی فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً عَلی أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنا وَ بَیْنَهُمْ سَدًّا/3 وقوله تعالی أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّکَ خَیْرٌ .(3)

«والخرج والخراج بمعنی واحد عند أبی عبیده، واللیث، وهو: ما تبرّعتَ به او تصدّقَت به، والخراج: ما لزمک أدؤه».(4)

«ومن معانیه الأجر والثواب، واسم لما یخرج من الأرضین ولما یضرب علیهما. وعلی هذا فإنّ لفظ الخراج مشترک بین هذه المعانی فلا یتحدد معناه فی بعضها إلّا مع وجود القرینة الدالة علی المراد منه».(5)

ص:40


1- (1) لسان العرب ابن منظور: 25/2. مادة خرج.
2- (2) الرتاج المرصد علی خزانة الخراج، الرجبی الحنفی: المقدّمة، 1.
3- (4) المؤمنون: 72.
4- (5) الموسوعة الکویتیة: 51/19.
5- (6) الرتاج المرصد علی خزانة الخراج: المقدّمة، صفحة ب.

ثانیاً: الخراج اصطلاحاً

للخراج فی اصطلاح الفقهاء والاقتصادیین معنیان: عام، وخاص.

فالخراج بالمعنی العام هو: «الأموال التی تتولّی الدولة أمر جبایتها وصرفها فی مصارفها».(1)

والذی یطالع بعض الکتب والأبحاث المؤلفة فی الخراج مثل، کتاب الخراج المعروف الذی ألفه أبو یوسف القاضی استجابة لطلب هارون الرشید یری أنّ الخراج یعنی: جمیع الضرائب والواجبات المالیة التی تصبّ فی بیت مال الدولة، بل هو شامل لجمیع مفاصل اقتصاد الدولة.

والخراج بالمعنی الخاص هو: «الضریبة التی یفرضها الإمام علی الأرض الخراجیة النامیة».(2)

وعرّفه کل من الماوردی، وأبی یعلی بأنه: «ما وضع علی رقاب الأرض من حقوق تؤدی عنها».(3)

وجاءت کلمة الخراج علی ألسنة الفقهاء بمعنی الفیء، فمن ذلک ما قاله أبو یوسف القاضی للرشید: «فأما الفیء عندنا فهو: الخراج، خراج الأرض».(4)

وقال الباحث الاقتصادی الاسلامی الدکتور محمد ضیاء الریس: «إنّ کلمة خراج - إذا ارید منها المعنی العام - أی الإیراد العام للدولة أو غلّة مرافقها کلها».(5)

ص:41


1- (1) الموسوعة الکویتیة: 51/19.
2- (2) المصدر: 52/19.
3- (3) الأحکام السلطانیة الماوردی: 136/2.
4- (4) الخراج القاضی، أبو یوسف: 34.
5- (5) الخراج والنظم المالیة فی الدولة الاسلامیة: 1.

ص:42

المبحث الثانی: نظرة تاریخیة حول الخراج

المرحلة الأولی: الخراج ما قبل الإسلام

أ) الخراج فی الدولة البیزنطیة

یقول الدکتور محمد ضیاء الریس فی کتابه الخراج والنظم المالیة للدولة الإسلامیة: «کانت الضرائب التی فرضتها حکومة بیزنطه کثیرة متنوعة، ولکنّ أهمها علی الإطلاق، ضریبة الأرض ( and Tax )، التی کانت القاعدة الأساسیة التی یقوم علیها النظام المالی البیزنطی کلّه، ولذا فإنّ الدولة کانت صارمة فیما یتعلّق باجراءاتها، فی کلّ مکان لاتقبل فیها صرفاً ولا عدلاً.

ولم تکن ضریبة الأرض محددة ثابتةً لکلِّ عام، بل کان أمر تقدیرها من اختصاص الإمبرا طوریعینها مع مستشاریه من عام إلی عام، بحسب التقدیر السنوی الذی یعمل لنفقات الإمبراطوریة المتوقّعة، ثمّ توزع علی أقسام الإمبراطوریة بالتدریج - حتی ینتهی الأمر إلی الوحدة الصغری، وهی مجتمع القریة أو البلدة، فاذا عُرف المقدار المحدد الذی یفرض علی هذا المجتمع أصبحت القریة کلّها مسؤولة بالتضامن عن دفع الضریبة التی تقررت، وهذا

ص:43

المبدأ مبدأ المسؤولیة التضامنیة أو الجماعیة وهو أحد الاُسس الرئیسة التی کان یقوم علیها النظام المالی البیزنطی.

ولم تکن ضریبة الأرض هی الضریبة الوحیدة التی فرضها الروم علی رعایاهم، فقد کان معها ضرائب شتی مثل: ضریبة الرأس 16 درهم علی کلّ شخص، وضریبة البناء درهم واحد علی کلّ منزل، وضرائب علی الماشیة، وکانت هناک ضرائب علی المهن، والنقل، والمیراث.

ثمّ کانت هناک الوظائف غیر المأجورة، وأعمال السخرة، فوظائف الإدارة المحلیّة فی مصر کانت من غیر رواتب، وکان الکثیر من الناس یهاجرون من أوطانهم لیهربوا من تولّی تلک الوظائف، فکانوا یفّضلون ضیاع أملاکهم علی أن یتحمّلوا متاعب الوظیفة لمدة ثلاث سنوات. وکان أهم أعمال السخرة ما کان الفلاحون مکلّفین به وهو عمل إجباری: من کری القنوات وإصلاح الجسور، کان علی کلٍّ منهم أن یخصص نفسه للعمل خمسة أیام من صیف کل عام، او إذا اختار الإعفاء، یدفع اجرة عامل لمدة خمسة أیام، فهی بمثابة ضریبة

وتحوّل الفلاحون إلی أرقاء للأرض مقیّدین بها، وأصدرت الدولة التشریعات اللازمة لإجبارهم علی الإقامة، کما أنّه من ناحیة أخری تکونت طبقة کبار مُلاک الإقطاعیین

وتمّ هذا التطوّر فی القرن السادس، أی القرن السابق للإسلام وکوّن هؤلاء الملّاک من أتباعهم فرقاً حربیة کانت حرباً علی أمن البلاد، فلم ینقذ بلاد الشرق من عیشهم إلا مجیئ جیوش العرب (الإسلام)».(1)

ب) الخراج فی الدولة الفارسیة (الساسانیة)

کان نظام الحکم فی هذه الدولة فردیاً استبدادیاً، ولقد لقّب أردشیر نفسه

ص:44


1- (1) الخراج والنظم المالیة للدولة الاسلامیة الریس: 34-55.

ملک الملوک أو (شاهنشاه) بل أکثر من ذلک کان الملوک الساسانیون یسمون أنفسهم آلهه أو کائنات إلهیة، ویعتبرون أنّهم ورثوا من أسلافهم القدامی المجد الملکی الذی بمقتضاه آل الیهم الحق الإلهی لیلبسوا تاج دولة الفرس.

وقد بذل هؤلاء الملوک کلّ ما فی الوسع، واتخذوا من المظاهر المؤثّرة ماکان یرمی إلی أن یمکن فی قلوب رعایاهم الاعتقاد بعظمتهم وجلالهم وکان لایمّر کسری برجل إلّا وبرک له، أی سجد.

وکان النظام الاجتماعی فی دولة الفرس الساسانیة یکاد أن یکون کلّه إقطاعیاً، فکانت هناک طبقة واسعة من الأشراف قائمة علی قاعدة التوارث، وهم الدهاقین الذین یملکون العقارات من الأراضی وذوو المصالح فکانوا هم الواسطة بین الملک والشعب، وکان المجتمع مکوناً من طبقات، طبقة الملوک وهم الاُمراء الذین یحکمون فی أطراف الدولة ثمّ طبقة الأشراف وهم رؤساء الاُسر القویة الممتازة، ولقبهم أسبوران ثمّ طبقة النبلاء الذین یُذکرون باسم (اخوذایان) رؤساء العائلة و (دهقانان) رؤساء الریف، وهم یستمدون قوتهم من الملکیة الوراثیة للإرادة المحلّیة، وکان الدهاقین الأساس المتین للإدارة وبناء الدولة، وکانوا هم الرؤساء وملّاک الأراضی والقری.

وطبقة رجال الحرب (الاصبهبدین) وکان الجیش خاضعاً لقائد واحد هو ایران اسبهبد إلی أیام کسری الأول.

ومن جهة کانت هناک طبقات رجال الدین الذین کانوا یسمون (موبذات أو الموابذه) ورئیسهم یسمی (موبذان موبذ) وهو عند أتباع زرادشت بمثابة البابا عند النصاری، وتحتهم (الهرابذه) الذین یوقدون النار فی المعابد.(1)

ونقل بن خلدون فی المقدمة حکایة عن المسعودی تحت عنوان «الظلم

ص:45


1- (1) راجع: المصدر: 63.

مؤذن بخراب البلدان»: «وانظر فی ذلک ماحکاه المسعودی(1) فی أخبار الفرس عن الموبذان صاحب الدین عنده، أیام بهرام بن بهرام وماعرض به (أی الموبذان) للملک فی إنکار ما کان علیه من الظلم والغفله عن عائداته علی الدولة بضرب المثال فی ذلک علی لسان البوم حین سمع الملک أصواتها وسأله عن فهم کلامها، فقال له: إنّ بوماً ذکراً یروم نکاح انثی؛ وأنّها شرطت علیه عشرین قریة من الخراب فی أیام بهرام، فقبل شرطها، وقال لها: إن دامت أیام الملک أقطعتک ألف قریة، وهذا أسهل مرام، فتنبه الملک من غفلته وخلا بالموبذان وسأله عن مراده، فقال له: أیها الملک، إنّ الملک لایتمّ عزّه إلا بالشریعة والقیام لله بطاعته، والتصرّف تحت أمره ونهیه، ولا قوام للشریعة إلّا بالملک، ولا عزّة للملک إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلّا بالمال ولا سبیل إلی المال إلّا بالعمارة، ولا سبیل إلی العمارة إلّا بالعدل، والعدل المیزان المنصوب بین الخلیقة نصبه الربّ، وجعل له قیّماً وهو الملک، وانت أیّها الملک عمدت إلی الضیاع فانتزعتها من أربابها وعمّارها وهم أرباب الخراج، ومن تؤخذ منه الأموال، وأقطعتها الحاشیة والخدم وأهل البطالة، فترکوا العمارة والنظر فی العواقب وما یصلح الضیاع، وسومحوا فی الخراج لقربهم من الملک، ووقع الحیف علی من بقی من أرباب الخراج وعمّار الضیاع، فانجلوا عن ضیاعهم وخلوا دیارهم وآوو إلی ماتعذر من الضیاع فسکنوها، فقلّت العمارة، وخربت الضیاع، وقلّت الأموال، وهلکت الجنود والرعیة، وطمع فی ملک فارس من جاورهم من الملوک، لعلمهم بانقطاع المواد التی لاتستقیم دعائم الملک إلّا بها

ثمّ ذکر بعد ذلک أن المَلِک لما سمع هذه العظة أو هذا النذیر عاد إلی صوابه، وأقبل علی النظر فی ملکه، وانتزع الضیاع من الخاصّة فردّها إلی

ص:46


1- (1) نقلها ابن خلدون عن المسعودی الذی نقلها مفصلة فی مروج الذهب: 276/1-278.

أربابها فعمرت البلاد وکثرت الأموال عند جباة الخراج، وقویت الجنود، وشحنت الثغور.(1)

وکان النظام الذی یتبعه ملوک الفرس قبل عهد کسری الأول أنّهم یقاسمون الزراع أو أصحاب الأرض محصولاتهم علی ما ذکره سایکس فی کتابه تاریخ الفرس، تترواح بین العُشر والنصف، وذکر الجهشیاری، والطبری غیر ذلک.(2)

وقد عدل الملک (قباد بن فیروز 487-531 م) أو شرع فی العدول فی هذا النظام أی نظام المقاسمة، وأراد أن یجعل بدله نظام المساحة، فأمر حینئذ بمسح الأرض سهلها وجبلها لیصبح الخراج علیها، فمسحت غیر أن قباد هلک قبل أن یستحکم له أمر تلک المساحة. وهناک قصة رمزیة یقال: إنّها السبب فی العدول عن المقاسمة وخلاصتها: أن قباذ خرج للصید، ومرّ علی بستان فسمع صبیاً یبکی علی رمانه واُمه تمنعه منها خوفاً من السلطان؛ لأن القاسم لم یأتی بعد، فیأخذحصة السلطان، فرقَّ الملک لها وأمر بتبدیل نظام المقاسمة إلی نظام المساحة.(3)

ولکن لیس هذا السبب الحقیقی فی العدول إلی نظام المساحة وإنما هو مصلحة الدولة حیث إنّ نظام المساحة یجعل الأموال حاضرة ومعدّة فی بیت المال، وتکون نقدیة لاعینیة کما هو الحال فی نظام المقاسمة، وهذا النظام لم یطبق إلّا فی عهد کسری أنو شیروان کما ذکر الطبری.(4)

ویمکن أن یضاف إلی ذلک سبب آخر، هو متصل بما عرف من سیاسة

ص:47


1- (1) المقدمة، ابن خلدون: الفصل 43.
2- (2) الخراج والنظم المالیة فی الدولة الاسلامیة الریس: 74.
3- (3) راجع: المصدر: 71.
4- (4) راجع: تاریخ الأمم والملوک الطبری: 15/2.

کسری العامة، التی کان هدفها أن تشجّع الزراعة والعمل، فنظام المساحة خلافاً للنظام السابق یؤدی إلی أن یشعر الزرّاع بالاطمئنان لأن یجنی هو ثمار عمله وجهده، وتعود إلیه فائدته.

لأنّه لن یطلب منه إلّا أن یدفع ضریبة معینة نقداً بالنسبة إلی المساحة، وأما المحصول فیصبح ملکاً له یتصرّف فیه کما یشاء، ولا یکون عرضة طوال الوقت للتهدید من سلطات الحکم، کما کان الحال فی قصّة المرأة والرمان فی أواخر عهد قباذ. لذلک ذکرت الروایات التی تکلّمت عن إصلاح کسری أنّ نتیجته کانت أن قوة الناس فی معاشهم.(1)

المرحلة الثانیة الخراج فی العصر الاسلامی

أ) الخراج فی عصر الرسول صلی الله علیه و آله

بینما کانت الإمبراطوریتان الفارسیة والبیزنطیة تتقاسمان آسیا الغربیة ویتصاولان علیها کرّاً وفرّاً و... وإذا بنور الإسلام یبزغ؛ لیخرج الناس من ظلمات تألیه الافراد إلی عبادة الله، الذی یتساوی عنده الحاکم والمحکوم، ویرکع ویسجد أمام حکومة عدله، وقسمة الملک والمملوک. وحیث إن الإسلام لیس دین طقوس ومناسک فحسب، بل هو دین ودولة، لذلک فقد بادر إلی بناء الحکومة وإدارة الحیاة منذ أول یوم ثبتت فیه قدماه علی الأرض، وذلک عندما وصل النبی الاکرم صلی الله علیه و آله یثرب التی أصبحت المدینة المنورة بقدومه المبارک وبعد أن فتحها بالقرآن لا بسیف ولا بخیل ولا رکاب، وجاء فی کتاب قدامة بن جعفر حدیث عن الرسول یقول فیه: «إنّ ما یفتح من مصر أو مدینة عنوة فإنّ المدینة فتحت بالقرآن(2). وکان ذلک فی سنة 622 م».

ص:48


1- (1) راجع: کتاب الخراج والنظم المالیة فی الدولة الإسلامیة الریس: 59-74.
2- (2) الخراج وصناعة الکتابة قدامة: المنزلة السابعة، الباب 19، 256.

ومن هذه القاعدة المبارکة انطلق الرسول الکریم یدافع عن دینه، وقد أذن الله له ولأتباعه أن یدفعوا الظلم عنهم، بقتال أعدائهم ووعدهم النصر، فقال تعالی: أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ اَلَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِیَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللّهِ کَثِیراً .(1)

وحیث إنّ طغاة مکّة استحوذوا علی أموال المؤمنین ودیارهم ومنعوهم منها، فقد أذن الله لهم أن یستقصوا قوافل قریش التجاریة.. فکانت أول غنیمة غنمها المسلمون هی إبل لقریش محملة أدما وتجارة، وقد استولی علیها المسلمون بمکان یقال له: «نخلة» بین مکّة والطائف.

وفی السنة الثانیة من الهجرة وقعت غزوة بدر الکبری، فغنم المسلمون أموالاً وسلاحاً، ولما اختلفوا فی تقسیمها نزلت الآیة الکریمة: یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ2 ،.(2)

ویروی أبو إمامة الباهلی قال: سألت عباده بن الصامت عن الأنفال، فقال عبادة ترلت فینا یامعشرء أصحاب بدر، حین اختلفنا فی النفل وساءت فیه أخلاقنا فنزعه الله سبحانه من أیدینا، فجعله إلی رسوله صلی الله علیه و آله فقسّمه بین المسلمین علی السواء.(3) ولم تخمس غنیمة بدر.

أمّا أول أرض ملکها رسول الله صلی الله علیه و آله فکانت الأرض التی أوصی له بها (مخیریق) وهو حبر من أحبار الیهود، من علماء بنی النضیر، آمن برسول الله

ص:49


1- (1) الحجّ: 39 و 4.
2- (3) تفسیر الکشاف الزمخشری: 363/1.
3- (4) الأحکام السلطانیة الماوردی: 139.

وکان رجلا غنیاً کثیر الأموال، وکان یعرف رسول الله صلی الله علیه و آله بصفته، وقد آمن بالرسول وقاتل معه فی أُحُد حتی قتل، وکان لدیه سبعة بساتین فجعلها رسول الله صدقة(1).

والأرض الثانیة هی أرض بنی النضیر، وهی أول أرض أفاءها الله علی رسوله صلی الله علیه و آله فأجلاهم عنها، وکفّ عن دمائهم وجعل لهم ما حملته الأبل من أموالهم إلّا الحلقة وهی السلاح، فخرجوا بما أستقلت أبلهم إلی خیبر والشام، وخلصت أرضهم کلّها لرسول الله صلی الله علیه و آله إلّا ما کان لیامین بن عمیر، وأبی سعد بن وهب فإنّهما أسلما قبل الظفر فأحرز لهما إسلامهما جمیع أموالهما ثمّ قسّم رسول الله صلی الله علیه و آله ما سوی الأرضین من أموالهم علی المهاجرین الأولین دون الأنصار إلّا سهل بن حنیف وأبا دجانه سماک بن خرشة، فإنّهما ذکرا فقراً فأعطاهما وحبس الأرضین علی نفسه، فکانت من صدقاته یضعها حیث یشاء وینفق منها علی أزواجه.(2)

ولما نکث قریظة عهدهم للنبی صلی الله علیه و آله وأعانوا علیه الأحزاب، قصدهم بعد غزوة الخندق، فحاصرهم خمسة عشرة لیلة، ثمّ نزلوا علی حکمه.. وقسم أرضهم بین المسلمین(3).

«وأما أرض خیبر، فقد روی: أن رسول الله صلی الله علیه و آله غزاها سنة سبع للهجرة فقاتله أهلها، فحصرهم قریباً من شهر ثمّ انهم صالحوه علی حقن دمائهم وترک ذراریهم، علی أن یجلوا ویخلوا بینه وبین الأرض والصفراء والبیضاء والحلقة وسائر البزة إلّا ما علی أجسادهم وألا یکتموه شیئاً، فخمّس رسول الله صلی الله علیه و آله الغنیمة من الأرض وغیر ذلک، وقسم الباقی بین

ص:50


1- (1) المصدر: 169.
2- (2) المصدر.
3- (3) الخراج وصناعة الکتابة ابن جعفر، قدامة: 257.

المسلمین، وکانت من ارض خیبر الکتیبة ذهبت للخمس، والشق، والنطأة، وسلالم، والوطیحة للمسلمین، ولم یکن للمسلمین فراغ للقیام علی الأرضین، فدعا رسول الله صلی الله علیه و آله من نزل علی الجلاء من أهل خیبر إلی القیام بها علی أن یکفوا العمل فیها ولهم النصف وللمسلمین النصف من الزرع والنخل، وکان عبد الله بن رواحه یصیر إلیهم فی کل سنّة فیخرص علیهم، ثمّ یخیّرهم بین أن یخرص ویختاروا أو یخرصوا ویختار، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض».(1)

أی بهذا العدل والإنصاف قامت السماوات والأرض، وهذا أول حکم للخراج فی الإسلام قام به رسول الله صلی الله علیه و آله.

ویروی أیضا أنّ الرسول صلی الله علیه و آله فعل نفس عمله فی أرض خیبر فی أرض وادی القری التی فتحها عنوه بعد انصرافه من خیبر، وأصاب المسلمون بها أثاثاً ومتاعاً، فخمّس رسول الله صلی الله علیه و آله ذلک، وترک الأرض والنخل فی أیدی من کان بها، وعاملهم علی نحو ما عامل علیه أهل خیبر، وبقیت أرض خیبر،(2) وأرض وادی القری علی هذا النحو إلی أن جاء عمر، فأجلی الیهود منها وأعطاها للمسلمین.

والأرض الاُخری التی یروی أنّ النبی صلی الله علیه و آله أجری فیها حکم الخراج هی فدک(3) فبعد أن فتح النبی صلی الله علیه و آله أرض خیبر جاء أهل فدک فصالحوه بسفارة محیصة بن مسعود علی أنّ له نصف أرضهم ونخلهم یعاملهم علیه، ولهم

ص:51


1- (1) المصدر: 257، 258؛ وکذا: تاریخ الأمم والملوک: 15/3.
2- (2) المصدر: 261.
3- (3) المقصود من الخراج هنا لیس هو بالمعنی الأخص الذی یتعلّق بالأرض المفتوحة عنوة، بل هو: خراج بالمعنی العام؛ لأنّ فدک لم تفتح عنوه وإنّما هی فیء أفاءه الله علی النبی صلی الله علیه و آله بدون قتال: قال الطبری: فکانت فدک خالصة لرسول الله صلی الله علیه و آله لأنه لم یجلبوا علیها بخیل ولا رکاب. تاریخ الطبری: 15/3.

النصف الآخر، فصار النصف منها من صدقاته معاملة، مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصاً لهم إلی أن أجلاهم عمر عنها فی أیام خلافته، فقّوم فدک ودفع إلیهم نفس القیمة فبلغ ذلک ستین ألف درهم.(1)

وفی تفسیر الدّرالمنثور، للسیوطی روایتان أحدهما عن أبی سعید الخدری والاُخری عن بن عباس:

أنّه لما نزلت آیة الکریمة وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ2 ، دعارسول الله فاطمة فأعطاها فدکا او اقطعها فدکا.(2)

ویروی قدامة بن جعفر.. أنّه لما قُبض رسول الله صلی الله علیه و آله قالت فاطمة (رضوان الله علیها) لأبی بکر:

إنّ رسول الله جعل لی فدکاً، فأعطنی إیاها، وشهد لها علی بن أبی طالب علیه السلام، فسأل عمر عن شاهد آخر، فشهدت لها ام أیمن مولاة النبی صلی الله علیه و آله، فقال عمر: قد علمتِ یابنت رسول الله، إنّه لاتجوز إلا شهادة رجل وامراتین فانصرفت!(3)

وفتح رسول الله صلی الله علیه و آله مکّة عنوة بعد الحدیبیة، وخلافاً لفقه لأهل السنّة الذین یقولون برفع الخراج عن أرض مکّة، فأنّ الفقه الشیعی لایراها خارجة عن قاعدة کون الأرض المفتوحة عنوة خراجیة، ومن یستفید منها دفع الخراج.(4)

وقد فرض رسول الله صلی الله علیه و آله علی سائر الأراضی التی فتحها جزیة علی الرؤوس و اشترط علیهم عدم الربا وضیافة من یمر بهم.. کما فی الطائف

ص:52


1- (1) الأحکام السلطانیة الماوردی: 17.
2- (3) الدر المنثور السیوطی: 373/5-374.
3- (4) راجع: الخراج وصناعة الکتابة: 268.
4- (5) زمین در فقه إسلامی، مدرسی، محمد حسین، (فارسی): 127/1.

وتباله وجرش وتبوک وایله وصالح اهل اذرع کل مائة دینار فی کل رجب وصالح نصاری نجران علی الف حُلّة فی رجب والف فی صفر.(1)

ووجه النبی صلی الله علیه و آله العلاء بن عبد الله بن عمار الحضرمی إلی البحرین فسلم بعضهم ومن لم یسلم صالح عن ارضه وکتب العلاء بینه وبینهم کتابا اوجب علیهم ان یکفونا العمل ویقاسمون علی النصف من الحب والتمر وان علی کل حالم منهم دینارا.(2)

«وفی مصادرنا ان البحرین أنضمت إلی ارض الإسلام بلا قتال فهی تُعَدّ من الانفال»(3).

وکان ذلک فی السنة العاشرة للهجرة وتوالت الوفود علی رسول الله فی ذلک العام وماقبله من جمیع أنحاء الجزیرة العربیة یبایعونه ویدخلون فی دین الله افواجاً.(4)

هکذا کانت الدولة الإسلامیة عند وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وقد امتد سلطانها، حتی اصبح شاملاً لمکّة والمدینة وما حولهما وشمال الحجاز حتی مشارف الشام، ونجران والیمن وعمان والبحرین، ومناطق عدیدة وسط شمال الجزیرة. وکان النبی صلی الله علیه و آله قبیل وفاته (سنة 11 ه) قد أعد جیشاً تحت قیادة (اسامة بن زید) لغزوة البلقاء فی الشام نفسها، وتأخّر هذا البعث حتی أنفذه أبو بکر عند تولّیه الخلافة.

ب) الخراج فی عصر الخلفاء

وبدأ دور جدید هو دور التوسّع خارج حدود جزیرة العرب ومنازلة

ص:53


1- (1) الخراج وصناعة الکتابة ابن جعفر، قدامة: 268-272.
2- (2) المصدر: 278.
3- (3) زمین در فقه اسلامی مدرسی، محمد حسین، (فارسی): 134/1.
4- (4) تاریخ الأمم والملوک الطبری: 139/2-165.

الدولتین اللتین کانتا تحکمان العالم فی ذلک الوقت، الرومیة والفارسیة ولم تکن هذه السیاسة من ابتکار أبی بکر ولکن کان النبی هو الذی أوحی بفکرتها ووضع أساسها. فإنّه هو الذی بعث رسله بالکتب إلی الملوک فی السنة السادسة للهجرة (628 م) إلی قیصر وکسری وغیرهما یدعوا الجمیع إلی الإسلام ثم کانت غزوة مؤتة (8 ه) فتبوک (9 ه) فإعداد جیش اسامة (11 ه) وقد بشر النبی المسلمین غیرمرة فی عبارات واضحة، بأن الله سیفتح لهم بلاد کسری وقیصر(1)

«وکانت خلافة أبی بکر قصیرة، واشتغل فیها بحروب الردة ولم تفتح فی زمانه إلّا بعض الأراضی غرب الفرات، وفی أثناء الفتح صالحه أهل الحیرة علی مالٍ فکان أول جزیة قدم بها من العراق، ولم یتعرّض الفاتح للفلاحین بشیءٍ طبقاً لما أوصاه أبو بکر. بل أقر من لم ینهض منهم للحرب وجعل لهم الذمة.

کما بدأت فی زمان أبی بکر معرکة الیرموک وتمت فیها الفتوحات علی عهد عمر (13-23 ه)، (634-644 م) فبعد وقعة الیرموک فتحت سوریا، وبعد وقعة أجنادین (15 ه) فتحت فلسطین، وبعد القادسیة (14-15 ه) فتح العراق أو السواد ثمّ استمرت الفتوحات فی المشرق حتی تمّ الاستیلاء علی أکثر أقالیم الفرس، ومن المغرب فتحت أیضا مصر، ثم أفریقیا من الأقالیم الرومیة..».(2)

وقد أوجدت هذه الفتوحات الکبیرة مسألة هامة إلا وهی حکم هذه الأراضی الواسعة وکیف یتم التعامل معها ومع أهلها... وهنا تُحدّثنا کتب التاریخ، والکتب التی تحدثت عن الخراج ککتاب الخراج لأبی یوسف،(3)

ص:54


1- (1) الخراج والنظم المالیة فی الدولة الإسلامیة الریس: 1.
2- (2) تاریخ الأمم والملوک، الطبری: 157/4.
3- (3) الخراج، القاضی أبو یوسف: 24.

والخراج لیحیی بن آدم(1) ، وکتاب الأموال لأبی عبید(2): «إنّ سعد بن أبی الوقاص کتب إلی عمر یخبره، أنّ الناس سألوه أن یقسم بینهم مغانمهم، وما أفاء الله علیهم» وکذلک کتب أبو عبیده بعد فتح الشام إلی عمر یخبره «بأن المسلمین سألوه أن یقسم بینهم المدن وأهلها والأرض وما فیها من شجر أو زرع، وأنّه أبی علیهم حتی یبعث إلیه عمر برأیه».

وجاء فی کتاب الأرض فی الفقه الإسلامی «أنّ المصادر السنیة والشیعیة والزیدیة کلّها نقلت أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام طلب من عمر بعد فتح أرض العراق (السواد) أن یمتنع عن تقسیمها بین المقاتلین وأن یبقیها کمصدر مالی للأمة الإسلامیة، وأن عمر قد أخذ برأی علی علیه السلام علی رغم مخالفة بعض الصحابة وإصرارهم علی أن تقسّم هذه الأرض بین الفاتحین، وقد جاء فی مصادر شیعیة متعددة بأن الخلیفة الثانی کان یتشاور مع أمیر المؤمنین ویتبع رأیه فی المسائل المختلفة»(3).

وفی زمان أمیر المؤمنین یظهر أنّ حکم الخراج قد استمر علی النحو الذی بدأ فیه فی زمان الخلیفة الثانی والذی کان فی الحقیقة حکم علی علیه السلام لاحکمهُ.

وقد وردت روایات کثیرة توضح لنا کیفیة تعامل أمیر المؤمنین علیه السلام مع حکم الخراج فی مقداره وکیفیة جبایته منها:

عن مصعب بن یزید الأنصاری قال: استعملنی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام علی أربعة رساتیق المدائن: (البهباذات، وبهر سیر، ونهر

ص:55


1- (1) الخراج، القرشی، یحیی بن آدم: 27، 48.
2- (2) الأموال، أبو عبید، القاسم بن سلام: 65.
3- (3) زمین در فقه اسلامی مدرسی، محمد حسین: 71/2، والمصادر الشیعیة هی: 1. الاختصاص للمفید: 173، 2. الخصال للصدوق: 374، 3. بحار الأنوارللمجلسی: 176/38، 4. شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید: 287/12.

جویر، ونهر الملک) وأمرنی أن أضع علی کل جریب زرع غلیظ درهماً ونصفاً، وعلی کلّ جریب وسط درهماً، وعلی کل جریب زرع رقیق ثلثی درهم، وعلی کلّ جریب کرم عشرة دراهم، وعلی کلّ جریب نخل عشرة دراهم، وأمرنی أن ألقی لکلّ نخلِ شاذ عن القری لمارة الطریق وابن السبیل ولا آخذ منه شیئاً، وأمرنی أن أضع علی الدهاقین الذین یرکبون البراذین ویتختمون بالذهب علی کلّ رجلٍ منهم ثمانیة وأربعین درهماٍ وعلی أوساطهم والتجار منهم علی کلّ رجلٍ أربعة وعشرین درهماً، وعلی سفلتهم وفقرائهم اثنی عشر درهماً علی کلّ إنسان منهم، قال فجبیتها ثمانیة عشر ألف ألف درهم فی سنة».(1)

وروی الشیخ الطوسی أیضاً فی کتاب التهذیب.. عن محمد بن أبی نصر البزنطی قال: ذکرنا له الکوفة وما وضع علیها من الخراج، وما سار فیها أهل بیته فقال:

من أسلم طوعاً ترکت أرضه فی یده، واُخذ منها العشر مما سقت السماء والأنهار، ونصف العشر مما سقی بالرشا فیما عمّروه منها، وما لم یعمرّوه منها أخذه الإمام، فیقبلّهُ ممن یعمّرّه وکان للمسلمین....، وما اخذ بالسیف فذلک للإمام یقبله بالذی یری کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله بخیبر قبّل سوادها وبیاضها یعنی أرضها ونخلها.(2)

روی إسماعیل بن مهاجر عن رجل من ثقیف قال: استعملنی علی بن أبی طالب علیه السلام علی بانقیا وسواد من سواد الکوفة، فقال لی والناس حضور:

انظر خراجک فجد فیه ولا تترک منه درهماً، فإذا أردت أن تتوجه إلی عملک فمر بی» قال: فأتیته، فقال: إن الذی سمعت منی خدعة، إیاک أن

ص:56


1- (1) المقنعة المفید: 275، من لایحضره الفقیه: 49/2، تهذیب الأحکام الطوسی: 124/4.
2- (2) تهذیب الأحکام: 12/4.

تضرب مسلماً أو یهودیاً أو نصرانیاً فی درهم خراج، أو تبیع دابة عمل فی درهم فإنّا أمُرنا أن نأخذ منهم العفو.(1)

وذکر صاحب کتاب فقه الملوک الروایة بنحو آخر مع شرحها «قال: وحدثنی إسماعیل بن إبراهیم بن مهاجر البجلی، عن عبد الملک بن عمیر، قال: حدثنی رجل من ثقیف: قال استعملنی علی بن أبی طالب (رضی الله عنه) علی عکبرا: فقال لی وأهل الأرض معی یسمعون:

انظر أن تستوفی ما علیهم من الخراج، وإیاک أن ترخّص لهم من شیءٍ وإیاک أن یروا منک ضعفاً، ثمّ قال: رح ألَّی عند الظلمة، فقال لی: إنما أوصیتک بالذی أوصیتک به قدام أهل عملک. لأنّهم قوم خدع، انظر إذا قدمت علیهم فلا تبیعن لهم کسوة شتاءً ولا صیفاً ولا رزقاً یأکلونه ولا دابةً یعملون علیها، ولا تضربن أحداً سوطاً واحداً فی درهم، ولا تقمه علی رجله فی طلب درهم، ولاتبع لأحدٍ منهم عرضاً من شیءٍ من الخراج؛ فإنّما أُمرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتک به یأخذک به الله دونی، وإن بلغنی عنک خلاف ذلک، عزلتک، قال قلت: إذا أرجع إلیک کما خرجت من عندک، قال: وإن رجعت کما خرجتَ، قال: فانطلقتُ، فعملتُ بالذی أمرنی به، فرجعت ولم انتقص من الخراج شیئاً.(2)

قال صاحب فقه الملوک بعد نقله لهذه الروایة وشرحها، وهذه ثمرة العدل وبرکة اتباع الحقّ.

ص:57


1- (1) المفید، محمد بن محمد، المقنعة: 257.
2- (2) فقه الملوک ومفتاح الرتاج المرصد علی خزانة الخراج: 134.

ص:58

المبحث الثالث: المصطلحات ذات الصلة بالبحث

اشارة

هناک مجموعة من المصطلحات یساعد توضیحها علی بلورة الهدف المقصود من الرسالة أوتکرر إیرادها فی ثنایا البحث ومن هذه المصطلحات مایلی:

أوّلاً: المقاسمة

وهو: اصطلاح یطلق علی الخراج إذا تمت جبایته من محاصیل الأرض فیکو ن قسماً من الناتج من الأرض بعد الحصاد.

وهو فی مقابل خراج المساحة أو خراج الوظیفة الذی لایعتمد علی الکمیة المنتجة من الأرض وإنّما علی مساحة الأرض القابلة للزراعة وهو: مقدار من المال یجب فی ذمة صاحب الأرض، ومقدار یتبع مقدار مساحة الأرض. وخراج المقاسمة هو الذی فرضه النبی صلی الله علیه و آله علی أهل خیبر(1) ، وخراج المساحة أو الخراج الوظیفی هو الذی فرضه عمر علی أرض السواد، ومصر والشام(2).

ص:59


1- (1) فقه در زمین اسلامی مدرسی: 16.
2- (2) الموسوعة الکویتیة: 58/19.

ثانیا: الطسق

ذکر أصحاب قوامیس اللغة العربیة: أنّ أصل هذه الکلمة فارسی، فیما ذکرت بعض المصادر الجدیدة أنّ أصلها یونانی وانتقلت إلی العربیة، وتعنی: سعر الضریبة التی توضع علی الأراضی الخراجیة وتشمل نظام المساحة ونظام المقاسمة وغیره.(1)

وفی اللغة الانجلیزیة یطلق علی الضریبة tax وهی مقلوب کلمة تاسک أو طسق. وفی لسان العرب، الطسق: ما یوضع من الوظیفة علی الجربان - جمع جریب - من الخراج المقرر علی الأرض. وهو فارسی معرّب، وفی التهذیب: الطسق یشبه الخراج، وله مقدار معلوم ولیس بعربیٍ خالص(2)

وقال أبن ادریس الحلی صاحب السرائر: «والطسق: الوضیعة توضع علی صنف من الزرع لکل جریب، وهو بالفارسیة تسک، وهو کالأجرة للإنسان فهذا حقیقة الطسق»(3).

وأورد صاحب کتاب الأموال باباً تحت عنوان «أرض العنوة تُقرّ فی أیدی أهلها ویوضع علیها الطسق وهو الخراج»(4)

ثالثا: الفیء

الفیء - فی اللغة - بمعنی الرجوع، وإنّما سمی المال المأخوذ من الکفار فیئاً؛ لأنّه کان فی الأصل للمؤمنین ثمّ رجع إلیهم.(5)

ص:60


1- (1) فقه در زمین اسلامی: 17/2.
2- (2) لسان العرب: 225/1.
3- (3) السرائر: 477/1.
4- (4) الأموال القاسم بن سلام: 73.
5- (5) مجمع البحرین الطریحی: مادة فیا: 333/1

وقال الماوردی «والفیء والغنیمة متفقان من وجهین ومختلفان من وجهین، أمّا وجها اتفاقهما فأحدهما: أنّ کلّ واحد من المالین واصل بالکفر والثانی: أن مصرف خمسهما واحد.

وأما وجها افتراقهما: فأحدهما أنّ مال الفیء مأخوذ عفواً ومال الغنیمة مأخوذ قهراً.

والثانی: أنّ مصرف أربعة أخماس الفیء کمصرف أربعة أخماس الغنیمة، فمال الفیء هو کلّ مال وصل من المشرکین عفواً من غیر قتال، ولا إیجاف خیل ولا رکاب، کمال الهدنة والجزیة وأعشار متاجرهم، أو کان واصلاً بسبب من جهتهم کمال الخراج.(1)

وقال المدرسی الطباطبائی: «إن الفیء فی الفقه السنی یعنی: جمیع الأموال التی تردّ إلی بیت المال وتکون بید الإمام، أی: الأموال المتعلّقة بجمیع المسلمین، أی بالمجتمع الإسلامی لا بآحاد الأفراد، فیجب أن تصرف فی المصالح المشترکة لجمیع المسلمین. وذکر لهذه الأموال اثنین وعشرین قسماً منها الأراضی والغنائم التی یحصل علیها المسلمون مع القتال وبغیر قتال ومنها أراضی الصلح ومنها الخراج وعشور التجارة، وضرائب أرض الصلح والأقطاعات، وهدایا الملوک، والکنوز التی یُعثَر علیها فی أرض الفتح وسهم النبی صلی الله علیه و آله من خمس غنائم الحرب... الخ.

وبهذا النحو فان الفقه السنی وسع مفهوم الفیء خارج حدود الاصطلاح المستعاد من القرآن».(2)

فی حین أن فقهاء الشیعة ومفسریهم لایفرقون بین آیات سورة الحشر

ص:61


1- (1) الأحکام السلطانیة الماوردی: 136/2.
2- (2) زمین در فقه اسلامی: 29/2

ویقولون: إنّ الذی أشارت إلیه الآیة 6 من سورة الحشر وهی أموال بنی النضیر التی سلط اللهُ نبیِّه علیها هی الفیء، وهو ملک للنبی والأئمة من بعده... وان الآیة (7) من سورة الحشر تذکر الفیء بشکل عام وتبیّن موارد مصرف الفیء المذکور. فالآیة (6) بیّنت أنّ الله سلَّطَ رسوله علی الفیء بغیر إیجاف بخیل ولا رکاب، والآیة (7) بینت للرسول صلی الله علیه و آله کیفیة صرف هذا الفیء لاأنّها تذکر موضوعاً جدیداً(1) ولا تتحدّث عن الغنائم التی تحصل عن طریق العمل العسکری. وهنا یکمن الخلاف بین الرؤیة السنیة والشیعیة فی تحدید مفهوم الفیء والغنیمة. فالفقه السنی یعمم الفیء بما یشمل الغنائم والأموال التی تحصل بواسطة القتال أو غیره، ولکنّ الفقه الشیعی یری الفیء منحصراً بالأموال التی یحصل علیها المسلمون بغیر قتال سواء قُسمت بین المقاتلین أم لم تقسم وترکت لمصالح جمیع المسلمین، کالأراضی.

والفیء فی الفقه الشیعی واضح ومحدد ویتعلّق بالنبی وبخلفائه الأئمة من بعده، وهو ملک لمنصب الإمامة ولیس ملکا شخصیاً للإمام کی یکون لأقاربه وورثته، کما یقول أصحاب المذهب الزیدی الذین یقولون: إنّ الفیء ملک شخصی للإمام.(2)

رابعاً: الأنفال

وردت کلمة الأنفال ومشتقاتها فی القرآن الکریم فی عدة موارد منها بدایة سورة الأنفال الآیة یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ .(3)

ص:62


1- (1) راجع: المیزان فی تفسیر القرآن الطباطبائی: 2.3/19
2- (2) زمین در فقه اسلامی: 4/2.
3- (3) الانفال: 1.

ومنها فی سورة الإسراء مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً .(1)

ومنها فی سورة الأنبیاء فی قوله تعالی وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً وَ کُلاًّ جَعَلْنا صالِحِینَ .(2)

وفی کتاب الوسائل: والأنفال وهی: النفل. وهو: بمعنی الزیادة والفضل والهدیة؛ ولذلک وُصفت صلاة اللیل بأنّها نافلة، واسحق ویعقوب نافلة أی زیادة من الفضل والعطاء لإبراهیم علیه السلام، ونَفَلَ الإمام الجند أی: جعل لهم ما غنموا.

والأنفال فی - اصطلاح الفقهاء الإمامیة - هی: «الأموال التی تختصّ بالنبی صلی الله علیه و آله وخلفائه علیهم السلام وهم یضعونها فیما یرونه من مصلحة».

وآیة سورة الأنفال وإن کانت نازلة فی غنائم معرکة بدر ولکن المورد لا یخصص الوارد، فالأنفال مفهوم عام یشمل جمیع الأموال التی فوق استحقاق عامة الناس وزائدة علیهم، وهی مختصّة بالنبی والأئمة علیهم السلام لأنّ القرآن یعتبرها ثروة زائدة علی استحقاق الناس لها وأنّها للرسول صلی الله علیه و آله ومن یلی مکانه، وکلّ الثروات التی لا یستحقها الناس کأفراد تکون من الأنفال وهی للرسول صلی الله علیه و آله وخلفائه علیهم السلام مثل أراضی الموات والأرض التی باد أهلها ورؤوس الجبال والودیان والآجام.

ولیس المقصود بملک الرسول والإمام لها بمعنی الحیثیة التعلیلیة، أی: کونه إماما یکون سبباً للتملک فیکون ملکاً شخصیاً له، بل بمعنی الحیثیة التقییدیة فهی أموال أی أنّها أموال مقیدة بالإمامة، فهی أموال لمنصب الإمامة ولیست لشخص الإمام کشخص، وإنّما هی له بما أنّه یقوم بأمور المسلمین

ص:63


1- (1) الاسراء: 79.
2- (2) سورة الأنبیاء: 72.

ویدبّر شؤونهم، والأنفال بهذا المعنی والذی تؤیده الکثیر من الروایات یکون أعم من الفیء، فهی شاملة له(1).

کما فی صحیحة أو حسنة البختری،

الأنفال مال لم یوجف علیه بخیل أو رکاب، أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا ما بأیدیهم، وکل أرض خربة وبطون الأودیة فهو لرسول الله، وهو للإمام من بعده یضعه حیث شاء.(2)

ومرسلة حماد

وله (للإمام) بعد الخمس الأنفال، والأنفال: کلّ أرض خربة باد أهلها، وکل أرضٍ لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب ولکن صالحوا صلحاً وأعطوا ما بأیدیهم علی غیر قتال.(3)

وخبر الحلبی

قال: الفیء ما کان من أموال لم یکن فیها هراقة دم أو قتل، والأنفال مثل ذلک هو بمنزلته.(4)

وقال الشیخ الطوسی فی النهایة: «إنّها کلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها وکل أرض لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب، أو یسلمونها هم بغیر قتال، ورؤوس الجبال وبطون الأودیة والآجام، والأرضون الموات التی لا أرباب لها وصوافی الملوک وقطائعهم مما کان فی أیدیهم من غیر وجه الغصب، ومیراث من لا وارث له».(5)

وهی لرسول الله خاصّة فی حیاته، وهی لمن قام مقامه بعده فی أمور المسلمین

ص:64


1- (1) الانفال وآثارها فی الإسلام (بالفارسیة) صانعی: 4-49.
2- (2) وسائل الشیعة: 523/9.
3- (3) المصدر: 524.
4- (4) المصدر: 527.
5- (5) النهایة الطوسی: 199.

وقال صاحب کتاب الأرض فی الفقه الإسلامی: أنّ الفقهاء الشیعة اختلفوا فی کیفیة تملک الإمام للأنفال، فالمتقدّمون منهم قالوا إنّها مشابهة لملکیته للفیء. لکن بعض المتأخرین قالوا: إنّ الإمام لا یملک هذه الأموال وإنّما فقط یتولّی صرفها وإیصالها إلی مستحقها، أی: کما قال فقهاء السنة فی الفیء، وقالوا: إنّ هذا یشمل جمیع أقسام أموال الدولة التی لکلٍّ منها مصرفه الخاص کالأنفال والفیء وسهم الإمام. والبعض قالوا: إنها للإمام بمعنی أنّ له الحکومة والسلطة والمرجعیة القانونیة العلیا من صرف هذه الأموال وهذا لا ینافی الملکیة الفردیة لها؛ لأنّ هذا النحو من السلطة کملکیة الله سبحانه لعالم الوجود، ویترتب علی هذا النحو من الملکیة أنّه لا یجوز التصرّف بها إلإ بإذن ورضا الإمام فهو یستطیع أن یمنع التصرف أو یفرض ضریبة معینة مقابل هذا التصرف. وهذا الرأی الأخیر یختص بالأنفال التی تشمل الثروات الطبیعیة والأراضی الحرة والمتروکة، ولا یشمل إرث من لا وارث له ولا قطائع وصوافی الملوک.

ومن الأموال التی یطلق علیها الأنفال فی الفقه الشیعی، الأراضی والأموال التی تأتی بغیر حرب یعنی الأموال التی یطلق علیها الفیء؛ ولذلک ذکرت بعض المصادر أنّ الفیء من مصادیق الأنفال. بل إنّ البعض قال: إنّ الأنفال هی نفس الأموال التی تسمی بالفیء. ولذا لابدّ من القول بأنّ معنی الأنفال أعم من الفیء لأنّ الأنفال تشمل أقساماً من الثروات لا یمکن أن تدخل فی اصطلاح الفیء بکلا معنییة السنی والشیعی.

ومهما کان فإنّ نتیجة هذا الإدغام بین معنی الأنفال والفیء هی أنّ کلّ ما یقال من نحو تملک الأنفال وطریقة مصرفها فإنّه یکون شاملاً لأراضی وأموال الفیء أیضاً؛ لأن الفیء جزء من الأنفال

فإذا قلنا: إنّ الإمام هو المسؤول عن خزانة هذه الأموال وصرفها وإیصالها

ص:65

إلی مستحقها فحین أذن لا یبقی هناک فرق بین معنی الفیء بالمعنی السنی والأنفال بالمعنی الشیعی، ویکون مفهوم النظام الحقوقی فی الفیء متحداً. بین السنة والشیعة.(1)

خامساً: بیت المال

قال الماوردی فی الأحکام السلطانیة: «فیما اختص به بیت المال من دخل وخَرج فهو: کل مال استحقه المسلمون ولم یتعیّن مالکه منهم، فهو من حقوق بیت المال، فإذا قبض صار بالقبض مضافاً إلی حقوق بیت المال سواءً أدخل إلی حرزه أو لم یدخل، لأنّ بیت المال عبارة عن الجهة لاعن المکان.

وکلّ حقًّ وجب صرفه فی مصالح المسلمین فهو حقّ علی بیت المال فإذا صرف فی وجه صار مضافاً إلی الخراج من بیت المال سواء أخرج من حرزه أو لم یخرج؛ لأنّ ما صار إلی عمال المسلمین أو اخرج من أیدیهم فحکم بیت المال جار علیه من دخله إلیه وخرجه عنه، وإذا کان کذلک فالأموال التی یستحقها المسلمون تنقسم ثلاثة أقسام: فیء، وغنیمة، وصدقة، فأمّا الفیء فمن حقوق بیت المال؛ لأنّ مصرفه موقوف علی رأی الإمام، وأمّا الغنیمة فلیست من حقوق بیت المال لأنّها مستحقة للغانمین الذین تعیّنوا بحضور الوقفة لا یختلف مصرفها برأی الإمام ولا اجتهاده فلم تصر من حقوق بیت المال إلّا فی الأرضین حیث إنّ فیها روایتین: الأولی: أنّه لا رأی له فیها کغیرها من الأموال والثانیة له فیها رأی فی وقفها وفی قسمتها وأما خمس الفیء والغنیمة فیقسم إلی ثلاثة أقسام:

1. قسم منه یکون من حقوق بیت المال، وهو: سهم الرسول المصروف فی المصالح العامة، الموقوف مصرفه علی رأی الإمام واجتهاده

ص:66


1- (1) فقه در زمین اسلامی: 42/2-43

2. قسم منه لا یکون من حقوق بیت المال، وهو: سهم ذوی القربی وهم مالکوه

3. قسم یحفظ فی بیت المال لأجله، وهم الیتامی والمساکین وابن السبیل إن وجدوا دفع إلیهم، وان فقدوا حُرز لهم.

وأما الصدقة فضربان، صدقة مال باطن فلا یکون من حقوق بیت المال، أو صدقة مال ظاهر کأعشار الزروع والثمار وصدقات المواشی».(1)

وقال الداوودی: «بیت المال - فی اللغة - هو: المکان المعدّ لحفظ المال خاصّاً کان أو عاماً، ومأخوذ من البیت وهو موضع المبیت.

وفی الاصطلاح أو فی الشرع «أطلق لفظ بیت المال المسلمین فی صدر الإسلام: للدلالة علی المبنی والمکان الذی تحتفظ فیه الأموال العامة للدولة الإسلامیة. ثمّ تطور بیت المال فی العصور الإسلامیة اللاحقة حتی صار یطلق علی الجهة التی تملک المال العام للمسلمین من النقود والعروض والأراضی».(2)

وجاء فی الموسوعة الکویتیة: «بیت المال لغة، هو: المکان المعدّ لحفظ المال خاصّاً کان أو عاماً.

وأمّا فی الاصطلاح فقد استعمل لفظ (بیت مال المسلمین) أو (بیت مال الله فی صدر الإسلام: للدلالة علی المبنی او المکان الذی تحفظ فیه الأموال العامة للدولة الإسلامیة من المنقولات، کالفیء وخمس الغنائم، ونحوها إلی أن تصرف فی وجوهها، ثمّ اکتفی بکلمة بیت المال للدلالة علی ذلک حتی أصبح عند الإطلاق ینصرف إلیه.

وتطور لفظ بیت المال فأصبح یطلق علی الجهة التی تملک المال العام للمسلمین من النقود والعروض والأراضی الإسلامیة وغیرها

ص:67


1- (1) الأحکام السلطانیة الماوردی: 251/2-252.
2- (2) الأموال الداوودی، أحمد بن نصر: 44.

وإنّ واجبات دیوان بیت المال وهو الإدارة الخاصّة بتسجیل الدخل والخرج والأموال العامة طبقاً لما بیّنه القاضیان الماوردی، وأبو لیلی هی:

أ) تحدید العمل بما یتمیّز به عن غیره وتفعیل نواحیه التی تختلف أحکامها.

ب) أن یذکر مال البلد هل فتحت عنوة أو صلحاً وما استقر علیه حکم أرضها من عُشر، أو خراج بالتفصیل.

ج) أن یَذکر أحکام خراج البلد وما استقر علی أراضیه، هل هو خراج مقاسمة أم خراج وظیفة (دراهم معلومة موظفة علی الأرض)

د) أن یذکر ما فی کلّ ناحیة من أهل الذمة وما استقر علیهم فی عقد الجزیة

ه) إن کان البلد من بلدان المعادن یذکر أجناس معادنه وعدد کلّ جنس لیعلم ما یؤخذ مما ینال منه

و) إن کان البلد یتاخم دار الحرب وکانت أموالهم إذا دخلت دار الأسلام تعّشّر عن صلح استقر معهم؛ اثُبتَ فی الدیوان عقد صلحهم وقُدّر المأخوذ منهم.(1)

وهذا المعنی لبیت المال فی کلمات فقهاء الشیعة یعتریه بعض الإبهام والغموض؛ لأنّ جمیع الموارد المالیة من الزکاة والخمس والفیء والأنفال قد عیّن مالکها ومصرفها ولکن من جهة أخری نری الکثیر من الروایات والنصوص عبارة، «إن هذا ینفق علیه من بیت المال» فقیل إنّ بیت المال هو المحل الاعتیادی لجمیع مصارف الحکومة حتی رواتب أصحاب الوظائف الدینیة وجمیع المصالح العامة للمجتمع ولیس له مصدر مالی خاص

واحتمل البعض من فقهاء الشیعة أنّ المصدر لبیت المال هو سهم سبیل الله من الزکاة، وأنّ بیت المال هو بیت مال الإمام الذی یشمل الفیء

ص:68


1- (1) الموسوعة الکویتیة: 8 کلمة بیت المال.

والأنفال.(1) وکان الشیخ الطوسی أکثر وضوحا. حیث قال ومتی دعا الإمام الغزاة إلی الغزو وجب علیهم أن یخرجوا وعلی الإمام أن یعطیهم قدر کفایتهم.. وما احتاج إلیه الکراع وآلات الحرب کلّ ذلک من بیت المال من أموال المصالح وکذلک رزق الحکام، وولاة الأحداث والصلاة؛ وغیر ذلک من وجوه الولایات فإنهم یعطون من المصالح، والمصالح تخرج من ارتفاع الأراضی المفتوحة عنوة ومن سهم سبیل الله.(2)

وقال ابن إدریس فی السرائر إنّ الخراج یضعه الإمام فی بیت مال المسلمین کی یصرف فی مصالحهم وکذلک میراث مالا وارث له یذهب إلی بیت المال لکن لا کما یقول السنّة إنّه لعامة المسلمین، بل إنّه خاصّ للإمام کما أنه یذّکر أموالا أخری ویقول إنّها للإمام وبالنتیجة فهو یقسّم بیت المال إلی قسمین: قسم للإمام مختص به، وقسم آخر متعلّق بجمیع المسلمین ویصرف فی مصالحهم.(3)

ویقول الشهید الأول فی القواعد: ظاهر کلام علماء الشیعة أنّ وجوه بیت المال منحصرة فی الأموال التی تؤخذ بعنوان الخراج أو المقاسمة من الأراضی المفتوحة عنوة ولکن یمکن إضافة سهم سبیل الله من الزکاة إلیها أیضا.(4)

وبیت المال فی هذا القسم العام یعادل المعنی الثانی والمقیّد للفیء فی الفقه الشیعی (فیء المسلمین) وما یعبّر عنه فی زماننا، أما بالموازنة العامة أو المیزانیة، وهی البیان التقدیری المعتمد لنفقات وإیرادات الدولة ع لمدة مقبلة تقدّر عادة سنة والتی تصوت علیها فی زماننا السلطة التشریعیة بعد أن تقدّمها

ص:69


1- (1) فقه در زمین اسلامی: 0043/2.
2- (2) المبسوط: 74/2-75.
3- (3) راجع: السرائر: 482/1.
4- (4) القواعد والفوائد: 138/1.

له السلطة التنفیذیة ویجری فی نهایة العام تقییم لما تمّ الاتفاق علیه وما تبقی من إیرادات

وعن تاریخ هذه الموازنة یقول د. محمد عمر الحاجی فی کتابه دراسات فی فقه الاقتصاد الإسلامی:

وأما نشأة المیزانیة العامة للدولة الإسلامیة فإنّ کتب التاریخ تفیدنا فی ذلک: فقد کان رسول الله صلی الله علیه و آله سباقاً فی إرساء قواعد وتنظیم الاُمور المالیة للدولة الفتیة، وکان یقدّر احتیاجاته المالیة من الإیرادات العامة، بل وکان یحرص علی تدوینها کما هو الحال فی تقدیر وتدوین بنود المیزانیة الحدیثة فتقدیر الإیرادات أوکله إلی نفر من الصحابة؛ فحذیفة بن الیمان (رض) کان یتولّی تقدیر النخل، والزبیر وجهم بن الصلت کانا یکتبان أموال الصدقات، وأبو هریرة کان یتولّی حفظ زکاة رمضان، ومروان بن الجدع الأنصاری کان أمین سهمان خیبر، وعبد الله بن کعب الأنصاری کان علی خمس الغنائم، ومعیقیب بن أبی فاطمة کان یکتب الغنائم.

ومع ذلک کان رسول الله صلی الله علیه و آله یطّلع علی السجلات التی یدوّن فیها أسماء المسلمین حسب الحروف الأبجدیة، وکان رسول الله یدّخر جزءاً من الإیرادات العامة لمواجهة النفقات غیر المتوقّعة کنفقات النوائب والمفاجآت، وکان أمناؤه علی الإبل یحفظونه جمعاً وکتابة وفی أماکن تواجد المال أحیاناً؛ کمراعی الإبل والغنم ومخازن الحبوب والثمار.

وعنه صلی الله علیه و آله

الا أعطیکم ولا أمنعکم إنّما أنا قاسم أضع المال حیث أُمرت.(1)

وعلی هذا المنوال سار الخلفاء من بعده؛ فدولة الخلفاء دولة حارسة دور

ص:70


1- (1) صحیح البخاری، 49/4؛ مسند أحمد: 314/2.

الموازنة وضمان التوازن بین الموارد العامة والنفقات العامة، فکانت الموازنة وثیقة للمحاسبة العامة تسجّل نفقات الدولة ومواردها. وتحرص علی تساوی الجانبین ولم یکن فی عهد أبی بکر مال مدّخر. وکذلک فی عهد عمر.

وحرص علی بن أبی طالب علیه السلام علی خط التوازن والاعتدال فقد کتب إلی عامله زیاد یقول:

دع الإسراف مقتصداً، واذکر فی الیوم غداً وامسک من المال بقدر ضرورتک وقدّم الفضل لیوم حاجتک.(1)

وکان یحرص کثیراً علی توازن الإیرادات مع النفقات فقال

علیکم بالنمط الأوسط فإلیه ینزل العالی والیه یرتفع النازل(2) ،(3).

سادساً: الملکیة

جاء فی الموسوعة الکویتیة: «إنّ الملک لغة - بفتح المیم وکسرها وضمها - هو: احتواء الشیء والقدرة علی الاستبداد والتصرّف بانفراد

وفی الاصطلاح یعبّر الفقهاء المحدّثون بلفظ الملکیة عن الملک، لکن الفقهاء قبلهم یعبرون بلفظ الملک.

وللملکیة أقسام باعتبارات مختلفة:

فهو باعتبار حقیقته، إمّا ملک تام أو ناقص، وباعتبار المستفید منه أمّا ملک عام أو خاص، وباعتبار سببه إمّا ملک اختیاری أو جبری، وباعتبار احتمال سقوطه إما ملک مستقر أو غیر مستقر.

أما الأول ینقسم الملک باعتبار حقیقته إلی: ملک تام وملک ناقص.

ص:71


1- (1) نهج البلاغة: کتاب الامام إلی زیاد بن أبیه: 58.
2- (2) دراسات فی فقه الاقتصاد الاسلامی، الحاجی، د. محمد عمر: 427/2.
3- (3) الموجود فی نهج البلاغة: هو نحن النمرقة الوسطی، بها یلحق التالی وإلیها یرجع الغالی، نهج البلاغة: قصار الحکم، الحکمة 19.

والملک التام: هو ملک الرقبة والمنفعة،

والملک الناقص: هو ملک الرقبة فقط أو المنفعة فقط أو الانتفاع فقط».(1)

یقول ابن تیمیة: «الملک التام یملک فیه التصرّف فی الرقبة بالبیع والهبة، ویورث عنه، ویملک التصرّف فی منافعه بالإعارة والإجارة والانتفاع وغیر ذلک».(2) أی الملک الذی یستتبع جمیع التصرفات، وخلافه الملک الناقص أو الضعیف کمن یوصی بمنفعة عین لشخصٍ أو یوصی بالرقبة لشخص وبمنفعتها لآخر.

أما ملک المنفعة، فهو: مشاع ویتحقق فی الإجارة بالنسبة للمستأجر والإعارة بالنسبة للمستعیر، والوصیة بالمنفعة فقط، والوقف علی تفصیل فیه والأرض الخراجیة المقرّة فی ید من هی فی یده بالخراج.

أما ملک الانتفاع فقد ذکره جمهورفقهاء المالکیة والشافعیة والحنابلة، وإن اختلفوا فی تفاصیل أحکامه.(3)

وقال ابن رجب الحنبلی، بعد أن قسّم الملک إلی أربعة أقسام: ملک عین ومنفعة، ملک عین بلا منفعة، ملک منفعة بلا عین، وملک انتفاع بلا منفعة، إن ملک المنفعة بدون عین له ضربان:

الضرب الأول: الملک المؤبد ویندرج تحته صور منها الوصیة بالمنافع، ومنها الوقف، فان منافعه وثمراته مملوکه للموقوف علیه.. ومنها الأرض الخراجیة

والضرب الثانی: ملک غیر مؤبد فمنه الإجارة ومنه منافع البیع المستثناة فی العقد مدة معلومة.

وأما ملک الانتفاع المجرّد فله صور متعددة منها: ملک المستعیر فإنّه یملک

ص:72


1- (1) الموسوعة الکویتیة: ج 39، مادة ملک: 31.
2- (2) مجموع الفتاوی ابن تیمیة، أحمد عبد الحلیم: 39/4.
3- (3) الموسوعة الکویتیة: ج 39، مادة ملک: 34.

الانتفاع لا المنفعة إلّا علی روایة ابن منصور عن أحمد، ومنها المنتفع یمَّلک جاره من وضع خشب وممر فی دار ونحوه، ومنها أماکن السوق والأکل من الثمر المعلّق وأکل الضیف من طعام المضیف.(1)

وقد فصّل القرافی المالکی بین ملک الانتفاع وملک المنفعة: بأن الانتفاع أن یباشر هو بنفسه فقط، وتملیک المنفعة أعم وأشمل فیمکن أن یباشر هو بنفسه ویمَّکن غیره من الانتفاع یعوض کالإجارة وبغیر عوض کالاستعارة..

ومثال الانتفاع سکنی المدارس والرباط والمجالس من الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسک والطواف والمسعی ونحو ذلک.

أما مالک المنفعة، فکمن استأجر دارا أو استعارها فله أن یؤاجرها من غیره أو یسکنه بغیر عوض ویتصرّف فی هذه المنفعة تصرّف الملاّک فی أملاکهم.(2)

وأمّا انقسام الملک باعتبار المستفید منه فیقسم إلی ملک خاص وهو الذی له مالک معین فرداً کان أم جماعة.

وإلی ملک عام وهو الذی لا یختص به مالک معین وإنّما هو مباح لجمیع الناس لا علی التعیین کقول الرسول صلی الله علیه و آله:

المسلمون شرکاء فی ثلاث فی الکلأ والماء والنار.(3)

وینقسم الملک باعتبار سببه إلی:

ملک قهری کالذی یحصل بالإرث والوقف.

وملک اختیاری وهو: علی قسمین أحدهما بالأقوال ویکون فی المعاوضات کالبیوع والهبات والوصایا والوقوف إذا اشترطن القبول والثانی بالأفعال کالاصطیاد والأحیاء.

ص:73


1- (1) راجع: کتاب القواعد: 2.8-21.
2- (2) راجع: کتاب ترتیب فروق القرافی، البقوری، أحمد بن إدریس: 399.
3- (3) الشوکانی، محمد بن علی، نیل الاوطار: 24/4.

والشریعة وضعت قیوداً علی أسباب الملک، مثل: أن لا یکون بالغصب أو السرقة أو الربا وقیوداً علی استعمال الملک، کحرمة الإسراف والتبذیر وحرمة الکنز وعدم الضرر والضرار.(1)

ویقول الشیخ الآصفی فی تعریف الملکیة: إنّ معرفة حقیقة الملکیة یتوقف علی معرفة شیءٍ من الحقوق المالیة التی تتشعب عنها الملکیة.

الحق المالی، موضوع البحث مصلحة ذات قیمة مالیة یحمیها القانون، وینقسم إلی قسمین: الحق الشخصی، والحق العینی.

والحق الشخصی أو الالتزام: هو رابطة مابین شخصین دائن ومدین بمقتضاها یطالب الدائن المدین بإعطاء شیءٍ أو القیام بعمل أو الامتناع عن عمل.

والحق العینی: هو سلطة یعطیها القانون لشخص علی عین بالذات. والحقوق العینیة هی: الحقوق الثابتة لأحد فی عین أو مال. والملکیة حقّ فی العین لفرد أو جهة، ولذلک فإن الملکیة تنتظم فی أقسام الحقوق ذات القیمة المالیة.

ویضیف قائلاً تحت عنوان تحدید الملکیة:

تتقارب التعاریف التی یذکرها الفقهاء للملکیة علی أنّها لا تخلو من بعض الاختلاف والملاحظات.

یقول القرافی فی تحدید الملکیة: «إنّها حکم شرعی أو وصف شرعی مقدر فی العین أو فی المنفعة، یقتضی تمکین من یضاف إلیه من الانتفاع بالمملوک ومن المعاوضة عنه».(2)

وعرَّفها فی تهذیب الفروق: بأنها تمکن الإنسان شرعاً بنفسه، أو بنائبه من الانتفاع بالعین أو بالمنفعة ومن أخذ العوض عنها.(3)

ص:74


1- (1) الموسوعة الکویتیة ج 39 مادة ملک: 37-4.
2- (2) الفروق للقرافی: 364/3، الفرق 18.
3- (3) تهذیب الفروق للمالکی: المالکی، محمد علی، الفرق 365/3:18.

ویقول السید الخوئی فی تحدید الملکیة: إنها سلطنة اعتباریة ثبتت باعتبار من بیده الاعتبار من الشارع والعقلاء.(1)

ویقول الدکتور محمد یوسف موسی: «الملک هو حیازة الشیء متی کان الحائز وحده قادراً علی التصرّف فیه والانتفاع به عند عدم المانع الشرعی، فالقَیّم علی المجنون والسفیه، والوصی علی القاصر لا یعتبر أحدٌ منهم مالکاً لما یتصرّف فیه بهذه الصفة من الأموال، لأنّه لیس لأحد منهم أن یتصرّف فیما تحت یده إلّا بصفته المذکورة کما لیس لأحدهم الانتفاع به لنفسه».(2)

وبعد ذکر هذه التعاریف یقول الشیخ الآصفی مما تقدّم یظهر أن هناک عناصر أربعة تدخل من تعریف الملکیة:

1. حقیقة الملکیة هی القدرة أو السلطنة أو الحیازة.

2. ومتعلّقها هی الأعیان والمنافع والحقوق المالیة التی تقبل المعاوضة

3. وحدود القدرة هی التصرف فی العین أو المنفعة أو المعاوضة عنهما

4. والجهة التی تعتبر هذه القدرة مشروعة هی الشرع أو العرف.

ولکی یکون التعریف جامعاً لابدّ أن یشتمل علی الإشارة إلی الجوانب الأربعة المتقدّمة جمیعاً.

إذن، فالملکیة «سلطنة اعتباریة یعتبرها الشارع أو العقلاء علی عین أو منفعة أو حق قابل للمعاوضة یتمکّن صاحبها بموجبها من التصرف فیهما أو المعاوضة عنها».

والملکیة بهذا المعنی لیست منتزعة من الأحکام التکلیفیة فقد تثبت الملکیة فی مورد یخلو عن أی حکم تکلیفی کما لو کان المالک محجوزاً عنه أو کلیاً کملکیة الفقراء للزکاة.

ص:75


1- (1) محاضرات فی الفقه الجعفری، الشاهرودی، حسین: 19/2.
2- (2) الأموال ونظریة العقد فی الفقه الاسلامی، موسی، محمد یوسف: 165.

کما أنّ الملکیة لا تکون من الأعراض المقولیة وذلک لأنّها لو کانت عرضاً لاستحال وجودها عند عدم تحقق موضوعها فإن وجود العرض لنفسه عین وجوده لموضوعه کما هو معروف، والملکیة تثبت للکلّی کما فی ملکیة الفقراء للزکاة(1).

وحول شرعیة الملکیة یقول الشیخ الآصفی:

والملکیة حاجة فطریة للإنسان، فإنّه إن وضع قدمه علی هذه الأرض وجد نفسه بحاجة إلی حیازة الأشیاء التی تنفعه من ماء وملبس ومطعم واندفع یحمی ممتلکاته من اعتداء الآخرین.

وقد أقره الإسلام هذا الحق فیما أقر من الحقوق والأوضاع الاجتماعیة التی اندفع الإنسان إلیها من تلقاء ذاته بصورة فطریة.

وفی أکثر من آیة یقر الإسلام الملکیة الفردیة بصورة أکیدة فتشریع الإرث والزکاة والصدقات والبیع، ویحرم الاعتداء علی أموال الآخرین وأکل أموال الناس بالباطل، کلّ ذلک یدلّ صراحة علی شرعیة الملکیة والاعتراف بهذا الحقّ الفطری الذی اقترن بحیاة الإنسان منذ أول یوم عرف نفسه، کما أنّ فی السنة النبویة أحادیث کثیرة فی شرعیة الملکیة کما فی الحدیث التالی الذی تحدّث به النبی صلی الله علیه و آله بعد فتح مکّة الکفایة.

حیث قال:

ألا وأنَّ دماءکم وأموالَکم وأعراضکم علیکم حرام، کحرمةِ یومکم هذا، فی بلدِکم هذا حتی تلقوا ربَّکم یسألکم عن أعمالکم، ألا فلیبلغ أدناکم أقصاکم.(2)

ص:76


1- (1) راجع: محاضرات فی الفقه الجعفری، الشاهرودی، حسین: 19/2، کتاب ملکیة الارض فی الاسلام، والآصفی: 29.
2- (2) سبل السلام ابن حجر: 214/2.

ولکن مع احترام الإسلام للملکیة الفردیة لکنّه یربی الإنسان المسلم علی ثقافة تجعله ینظر إلی هذه الملکیة بمنظار التکلیف، وأداء المسؤولیة تجاه خالقه وبارئه، وذلک بواسطة التعامل مع هذه الملکیة بالنحو الذی یحقق النفع للناس، ویدفع عنهم الضرر ومنعه الآخرین هی الوسیلة إلی رضا الخالق. ولذلک فقد بین الله سبحانه فی کتابه أنّ، الملکیة الحقیقیة لله وَ لِلّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما .(1)

هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً .(2)

وبیّن أنّ الإنسان خلیفة لله کی یعمر الأرض ویصلحها وأنّ المال أمانة إلهیة بید الإنسان

کما فی قوله تعالی: وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ .(3)

وقوله تعالی: وَ أَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ .(4)

وقوله تعالی: وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِی آتاکُمْ .(5)

فالملکیة الحقیقیة لله ولا یبقی للإنسان فی هذا المال إلّا هذه الملکیة الاعتباریة التی تعتبر فی وقت واحد علاقة ووظیفة معاً، والمال عائد للمجتمع من حیث التکلیف والخدمة فإنّ المال أداة مسخّرة لخدمة المجتمع وتمشیته أعماله وحاجاته المختلفة ولیس أدلّ علی هذه الطبیعة الاجتماعیة للمال فی النظریة الإسلامیة من قوله تعالی: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیاماً .(6)

ص:77


1- (1) المائدة: 18.
2- (2) البقرة: 29.
3- (3) الأنعام: 165.
4- (4) الحدید: 7.
5- (5) النور: 33.
6- (6) النساء: 5.

فعلی رغم أنّ هذه الأموال عائدة للسفهاء فی الملکیة الشرعیة مع ذلک حضرعلیهم التصرّف، لأنّه لا یصبّ فی خدمة المصلحة الاجتماعیة وجعل المال قواماً للمجتمع(1).

سابعاً: الأرض المفتوحة عنوة

جاء فی قاموس لسان العرب، بعدذکر قول الله تعالی: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً2 : «وقال الفرّاء: عنت الوجوه نُصبت له وعملت له، وذکر أیضاً أنّه وضع المسلم یدیه وجبهته ورکبتیه إذا سجد ورکع، وهو فی معنی أن تقول للرجل: عنَوتُ لک خضعتُ لک وأطعتُک، وعنَوتُ للحقّ عنوّاً خضعت، قال ابن سیده: وقیل، کلّ خاضع لحقّ أو غیره عان، والاسم من کلّ ذلک العنوة، والعنوة القهر وأخذته عنوة أی قسراً وقهراً.

وقیل: أخذه عنوه، أی عن طاعة وعن غیر طاعة وفتحت هذه البلدة عنوه أی فتحت بالقتال، أی قوتل أهلها حتی غلبوا علیها، وفتحت البلدة الأخری صلحاً، أی لم یغلبوا ولکن صولحوا علی خراج یؤدونه وفی حدیث الفتح: أنّه دخل مکة عنوة أی قهرا وغلبة».(2)

ومعناها الاصطلاحی هو: «الأراضی التی یتمّ السیطرة علیها من قبل الجیش الإسلامی عسکریا وبعد خوض القتال أو ما یشبه القتال من محاصرة وإنذار وتهدید».

وسیأتی الکلام عن هذه الأرض والآراء الفقهیة فیها عند الحدیث عن موضوع الخراج وأدلته.

ص:78


1- (1) راجع: ملکیة الارض فی الإسلام: 23-3.
2- (3) لسان العرب: فی مادة عنا: 15.

ثامناً: الموات

وهی الأراضی المعطلة عن الاستثمار والانتفاع بسبب عدم کون الأرض صالحة أو لعدم وجود الماء أو انغمارها بالمیاه أو لغیر ذلک من موانع الانتفاع، وسیأتی الکلام بالتفصیل عنها فی بحث أقسام الأرض

تاسعاً: الإقطاع

أی الأراضی التی یُقطعها النبی صلی الله علیه و آله أو الخلفاء أوالولاة، کهدیة أو أجرة أو عطاء بدل أرزاق، کما فعل النبی صلی الله علیه و آله حیث اقطع الزبیر مساحةً من أرض خیبر.(1)

ویقول الماوردی: «إنّ الاقطاع یکون فی الأراضی الموات التی لا یعرف أربابها، وإنّ الإقطاع من قبل الإمام شرط فی جواز الإحیاء؛ لأنّ الإحیاء یشترط فیه إذن الإمام».

فإنّ شرع من الإحیاء صار بکمال الإحیاء مالکاً له وإن أمسک عن إحیائه لعذر ظاهر لم یعترض علیه وأقرّ فی یده إلی زوال عذره، وإن کان غیر معذور ومضی زمان یقدر علی إحیائه، قیل له: إمّا أن تحییه فیقّر فی یدک وإمّا أن ترفع یدک عنه لیعود إلی حاله قبل إقطاعه.

فإن تغلّب علی هذا الموات المستقطَع متغلّبٌ فأحیاه کان محییه أحقّ به من مستقطعه.

أما العامر، فما تعیّن مالکوه، فلا نظر للسلطان فیه إلّا ما یتعلّق بتلک الأرض من حقوق المال إذا کانت فی دار الإسلام سواءً کان لمسلم أو لذمی، وإذا کانت فی دار الحرب التی لم یثبت للمسلمین علیها یدٌ، فأراد الإمام أن یقطعها لیملکها المقطع عند الظفر جاز، وقد سأل تمیم الداری رسول الله صلی الله علیه و آله

ص:79


1- (1) الأحکام السلطانیة: 228-23.

أن یقطعه عیون البلد الذی کان فی الشام قبل فتحه ففعل.(1)

وقد روی الشعبی: أن خزیم بن أوس بن حارثة الطائی قال لرسول الله صلی الله علیه و آله «إن فتح الله علیک الحیره فأعطنی بنت بقیله، فلما أراد خالد صلح أهل الحیره قال له خزیم: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله جعل لی بنت بقیله، فلا تدخلها فی صلحک، وشهد له بشیر بن سعد، ومحمد بن مسلمه، فاستثناها من الصلح، ودفعها إلی خزیم فاشتریت منه بألف درهم وکانت عجوزاً».(2)

وما لم یتعیّن مالکوه فهوه علی ثلاثة أقسام:.

القسم الأوّل: ما اصطفاه الأئمة لبیت المال من فتوح البلاد، إمّا بحق الخمس فیأخذه باستحقاق أهله له، أو بان یصطفیه باستطابة نفوس الغانمین عنه، فقد اصطفی عمر من أرض السواد أموال کسری وأهل بیته، وما هرب عنه أربابه أو هلکوا وکان یصرفها فی مصالح المسلمین، ولم یقطع شیئا منها، ثمّ إنّ عثمان أقطعها لأنه رأی إقطاعها أوفر لغلتها من تعطیلها، وشرط علی من أقطعها إیاه أن یأخذ منها الفیء، فکان ذلک منه إقطاع إجارة لا إقطاع تملیک، فتوفرت غلتها حتی بلغت علی ما قیل خمسین ألف درهم، فکان منها صلاته وعطایاه ثمّ تناقلها الخلفاء بعده.

فهذا النوع من العامر لا یجوز إقطاع رقبته لأنّه باصطفائه صار لبیت المال وملکاً لکافة المسلمین.

والقسم الثانی: أرضٍ الخراج، فلا یجوز إقطاع رقابها تملیکاً لأنّها ضربان ضرب تکون رقابها وقفا وخراجها أجرة، وتملیک الوقف لا یصح بإقطاع ولا بیع ولا هبه، وضربٌ تکون رقابها ملکاً وخراجها جزیة، فلا یصحّ إقطاع مملوک غیر مالکه.

ص:80


1- (1) الأحکام السلطانیة: 229/2.
2- (2) المصدر: 232.

والقسم الثالث: ما مات عنه أربابه ولیس له وارث فینقل إلی بیت المال مصروفاً فی مصالح المسلمین وهی فیء للمسلمین، وما انتقل إلی بیت المال فهو إما أن یصیر وقفاً بنفس الانتقال، فلا یجوز التصرّف فیه إلّا لمصلحة المسلمین، أو یصیر وقفاً بعد أن یَقفه الإمام.

ویجوز له أن یبیع منها أو یقطع من یراه من ذوی الحاجات وأرباب المصالح ویکون تملیک رقبتها کتملیک ثمنها.(1)

ویقول الشیخ الطوسی فی تعریف الإقطاع: «إنّه فی الحقیقة منح الإمام شخصاً من الأشخاص حقّ العمل فی مصدر من مصادر الثروة الطبیعیة التی یعتبر العمل فیها سبباً لتملکها أو اکتساب حقّ خاصّ فیها».(2)

وقال العلامة فی التحریر فی کتاب إحیاء الموات: «أو لا ینبغی للإمام أن یقطع أحداً من الموات ما لا یمکنه عمارته لما فیه من التضییق علی الناس فی مشترک بما لا فائدة فیه».(3)

وفی کتاب مفتاح الکرامة «إن أهمل المقطع العمارة أجبره الإمام علی الإحیاء أو تخلیه عنها؛ لأنّ تعطیلها قبیح وأنّ عمارتها منفعة لدار الإسلام».(4)

وبهذا یتبین أنّ الإقطاع یتمّ لحلّ مشاکل بعض الأفراد المستحقین بشرط أن لا یؤثر علی المصلحة العامة للمسلمین، یقول الشیخ الطوسی: «إن أخّر المُقطَع. قال له السلطان: إما إن تحییها أو تخَّلی بینها وبین غیرک یحییها، فان ذکر عذراً وطلب الأجل منح الأجل وإلّا فإن لم یحیّها بعد التأخیر أخرجها من یده».(5)

ص:81


1- (1) الأحکام السلطانیة: 232/2.
2- (2) المبسوط: 73/3.
3- (3) تحریرالأحکام، کتاب احیاء الموات: 131.
4- (4) مفتاح الکرامة: 27/7-28؛ کتاب إحیاء الموات.
5- (5) المبسوط: 73/3.

وبهذا یتبیّن أن الإقطاع عمل استثماری واقتصادی مؤثّر فی إنعاش الوضع المعاشی للمجتمع ویمنع من ظهور الطبقیة، ولیس هو الإقطاع المعروف من القرون الوسطی من أوربا أو ما فعلوه فی بلداننا عند احتلالهم الغاشم لها، ولما جعلوا المساحات الشاسعة من الأرض تحت أیدی بعض الأفراد بعنوان شیوخ العشائر أو الدهاقین، وسلطوهم علی المزارعین المساکین المضطرین للزراعة فیها لأجل تحصیل أقواتهم، فیسرقون أتعابهم وعرق جبینهم ویحرمونهم من أقل حقوقهم... فمثل هذا العمل المشین لا یقرّه الإسلام وهو بعید کلّ البعد عن الإقطاع فی الفقه الإسلامی.

یقول الشهید الصدر - بعد ذکر أراء بعض فقهاء الشیعة والسنة فی الإقطاع -: «وفی هذا الضوء نستطیع أن نفهم دور الإقطاع ومصطلحه الفقهی، فهو: أسلوب من أسالیب استثمار المواد الخام، یتخذه الإمام حین یری أنّ السماح للأفراد باستثمار تلک الثروات أفضل الأسالیب للاستفادة منها فی ظرف معین..».(1)

ولذلک لا یجوز للإمام إقطاع الفرد ما یزید علی طاقته ویعجز عن استثماره کما نصّ علی ذلک العلامة الحلّی فی التحریر و التذکرة وفقهاء شافعیون وحنابله، لأنّ الإقطاع الإسلامی هو السماح للفرد باستثمار الثروة المقطعة والعمل علیها، فإذا لم یکن الفرد قادرا علی العمل لم یکن الإقطاع مشروعاً.

وقال بعد ذکر أراء الشیخ الطوسی والعلامة بأنّ الإقطاع یفید أحقیة المقطع واختصاصه وقدرته علی الانتفاع ولا یفید التملیک فلا یجوز له أن یبیعه ولا یورث منه.

فالإقطاع إذن، لیس عملیة تملیک وإنما هو: حق یمنحه الإمام للفرد فی

ص:82


1- (1) اقتصادنا: 258/2-259.

مصدر طبیعی خام فیجعله أولی من غیره باستثمار الجزء الذی حدد له من الأرض أو المعدن تبعا لقدرته وإمکاناته.

وإما الإقطاع من الأراضی الخراجیة لشخص والسماح له بالسیطرة علی خراجها فهو فی الحقیقة تسدید أجور لأشخاص یعملون لصالح الأمة کالولاة والقضاة ومهندسی المرافق العامة فهو لیس إقطاعا بالحقیقة وإنما هو تکلیف للفرد التابع الدولة والذی یقدّم خدمات فی المصالح العامة أن یأخذ أجرته من خراج أرض معینه تعطی له للانتفاع لا للتملیک.(1)

عاشراً: الصوافی - الصفایا - القطائع

الصفو والصفوة لغة: من کلّ شیء خیاره و خالصه، والصفی والصفیه: ما اختاره الرئیس لنفسه.(2)

وأما معناها الاصطلاحی، فالصفایا هی: الأموال المنقولة المختصّة بملوک الکفّار، واستولی علیها المسلمون، کسیف الملک، وثوبه، وفرسه. أو ما یختاره أو یصطفیه الإمام لنفسه من الغنائم، وهی من الأنفال وملک للإمام.

وأما الصوافی أو قطائع الملوک فهی: الأموال غیر المنقولة، کالقصور والمزارع الخاصّة بالملوک وهی من الأنفال وتختصّ بالإمام، ولا خلاف بین الفقهاء فی ذلک.(3)

وفی کتاب الأرض فی الفقه الإسلامی: اصطلاح الصوافی فی الفقه الشیعی بمعنی: أموال الملوک فی الأراضی المفتوحة عنوة. ویطلق علیه عادة مصطلح صوافی الملوک وقطائعهم، حیث یقصد بالصوافی: الأموال،

ص:83


1- (1) راجع: المصدر: 458/2-459.
2- (2) اقرب الموارد: مادة صفو: 653/1.
3- (3) انفال وآثار ان در اسلام صانعی، د. سید مهدی: 52.

وبالقطائع: العقارات، ویطلق مصطلح الصوافی أحیانا علی کلا القسمین.. والصفایا والصوافی والقطائع کلّها لها حکم حقوقی واحد وهی أنها ملک للإمام.. وإن کان هناک فرق بین الصفی أو الصفایا، وبین الصوافی والقطائع فالصفایا هی: التی حددها وشخّصها انتخاب الإمام ولکن الصوافی.. وخلافاً لفقه السنة، فإنه لیس للإمام دور فی تشخیصها وإنّما هی أموال وعقارات الملوک السابقین التی تصبح تلقائیاً ملکاً للإمام.(1)

حادی عشر: القبالة

یطلق هذا الاصطلاح علی نحوین مع المعاملة:

الأول: أن یتعهّد شخص للدولة بأن یدفع لها مبلغاً من المال قبال تفویض أمر خراج منطقة معینة إلیه، فیوکل إلیه جمع خراجها ولا تتدخل الدولة فی ربحه أو خسارته. ویسمی هذا النوع من القبالة قبالة الخراج أو الضمان وهو یؤدی إلی ظلم الناس عادة.

الثانی: هو أن یتقبّل الشخص قطعة من الأرض الخراجیة أو الأنفال علی أن یزرعها ویدفع خراجها إلی الدولة طبقاً للاتفاق المبرم فی القبالة، والذی یمکن أن یکون علی أساس المساحة أو المقاسمة أو المقاطعة. ویسمی هذا النوع من القبالة قبالة الأرض.(2)

ص:84


1- (1) زمین در فقه اسلامی (بالفارسیة) مدرسی، محمد حسین: 24/2.
2- (2) المصدر: 18-19.

الفصل الثانی: موضوع الخراج ومایرتبط به

اشارة

وفیه مباحث

* المبحث الأول: موارد الخراج

* المبحث الثانی: ماهیة الخراج وعلاقته بالواجبات المالیة الأخری

* المبحث الثالث: کیف یتم استیفاء الخراج

* المبحث الرابع: مقدار الخراج

* المبحث الخامس: مصارف الخراج

ص:85

ص:86

المبحث الاول: موارد الخراج

اشارة

عرفنا من معنی الخراج أنّه ضریبة الأرض وحیث إنّ أقسام الأراضی تختلف، وکذلک الضرائب، فلیس کلّ أرض تتعلّق بها ضریبة، کما أن الضرائب لا تنحصر بضریبة الخراج، لذلک فإنّ تحدید موضوع الخراج یتوقّف علی تحدید الأرض التی تتعلّق بها ضریبة الخراج، وهذا یحتاج إلی البحث عن أقسام الأراضی فی الإسلام.

أقسام الأراضی

اشارة

هناک عدد من الطرق لتقسیم الأراضی:

1. تقسیم الأرض علی أساس العمران والموات، فالأرض إمّا أن تکون عامره أو مواتاً، والعامرة تنقسم إلی قسمین: فإمّا عامرة بالأصل وهی الأرض المحیاة بشکل طبیعی، أو عامرة بالإحیاء البشری بإن تکون أرضاً بوراً أو غیر قابلة للزراعة والاستثمار، والإنسان بحوّلها بجهده إلی أرض صالحه أو قابلة للانتفاع البشری.

والأرض الموات تنقسم أیضا إلی قسمین: إمّا موات بالأصالة والطبیعة أو تکون ماتت بالخراب وزوال الأعمار والإهمال أو الترک..

2. تقسیم الأرض طبقاً لکیفیة دخولها فی الدولة الإسلامیة أو التقسیم

ص:87

السیاسی. وعلی هذا التقسیم فإنّ الأرض إمّا أن تنضم إلی الوطن الإسلامی عن طریق الفتح والعمل العسکری وهی الأرض التی یطلق علیها المفتوحة عنوه، أو تلتحق عن طریق الصلح مع أهلها علی بنود وشروط معیّنه، أو عن طریق إسلام أهلها. وکلّ قسم من هذه الأقسام ینقسم إلی موات وعامر.

3. التقسیم علی أساس الملکیة، فهناک ثلاثة أنحاء من الملکیة: هی الملکیة العامة؛ وملکیة الدولة أو الإمام، والملکیة الفردیة، وتقسَّم الأرض علی هذه الأنحاء الثلاثة وکما یلی:

القسم الأول: الملکیة العامة

وهی ملکیة الأمة بجمیع قطاعاتها حکّاماً ومحکومین، وتعود هذه الأرض إلی المسلمین جمیعاً لا بصفتهم الفردیة وإنّما بصفتهم المجموعیة علی الامتدادین الزمانی والمکانی.

القسم الثانی: ملکیة الإمام (الحکومة)

وهی الملکیة العائدة إلی الحاکم الشرعی بصفته حاکماً علی المسلمین وهذه الصفة تحدد شکل الملکیة وحدودها فهی لیست ملکاً للإمام بصفته الشخصیة فلا یرثه فیها ورثته کما یرثون عنه سائر ممتلکاته العینیة والنقدیة وإنّما تنتقل بعده إلی الإمام الذی یلیه فی إمامة المسلمین، ویصرف وارد هذه الممتلکات فیما یتعلّق بمصالح الحکم والإمامة. فهی فی الحقیقة ملکیة عائدة إلی الجهاز الحاکم.

القسم الثالث: الملکیة الفردیة:
اشارة

وهی الملکیة العائدة إلی الأفراد من مسلمین وغیرهم بحیث تکون رقیة الأرض عائدة إلی الفرد.(1)

ص:88


1- (1) راجع: ملکیة الأرض فی الإسلام: 15.

ویقول الشیخ الآصفی فی کتاب ملکیة الأرض فی الإسلام: «وقد لاحظت خلال دراسة هذه المسألة أنّ طبیعة ملکیة الأرض فی الفقه الإسلامی لیست طبیعة فردیة، وإنّما یسمح الفقه الإسلامی للفرد بالملکیة فی الأرض بقدر ما تقتضیه الضرورة. وأنّ الإسلام أقر بالملکیة الفردیة فی الأراضی من أجل مصالح وضرورات إسلامیة واجتماعیة.

وکما یری: أن تقسیم الأراضی علی أساس نوع ملکیتها هو أفضل أنواع التقسیم ویقول: إن الباحثین نظموا الأرض وقسموها طبقاً لمبادئها ولأسبابها الشرعیة، ولو عکسوا الموقف ونظموا هذا البحث من حیث النتیجة والحکم لاستقام لهم الأمر فی تنظیم أقسام الأرض من حیث الحکم بالملکیة وتجمیعها فی موضوع واحد من الفقه بصورة متناسقة ومتکاملة».(1)

وقد حاولت وربما لأول مرة. أن أعکس الموقف وأتناول مسألة ملکیة الأراضی فی المنهج والتقسیم من حیث النتیجة والحکم عوض أن أتناولها من حیث مصادرها ومبادئها وأسبابها، وقد لاحظت أنّ المنهج علی هذا الشکل یفی بأقسام الأراضی جمیعاً من حیث الملکیة وینظم مختلف أقسام الأراضی فیها دون اختلال.(2)

ونحن نختار فی بحثنا هذا النحو من التقسیم؛ لأنّه یبدو أنه أفضل أنحاء التقسیم لأجل تنقیح موضوع الخراج أو ضریبة الأرض حیث إنّ فریضة الخراج تتبع نوع الملکیة أو العلاقة التی تربط الإنسان بالأرض.

فالإسلام لم یمنع الفرد من الارتباط بالأرض وحصوله علی نحو من الاختصاص بها، ولم یَحرمه من هذا الحق الفطری الذی یدفعه الی بذل الجهد والاجتهاد والإبداع فی عملیة الإنتاج والاستثمار، ولکنّه فی نفس الوقت جعل

ص:89


1- (1) المصدر: 16.
2- (2) المصدر: 15.

هذه العلاقة بالأرض مقیّدة بإطار المصلحة العامة فلا یملک الإنسان الأرض أو لا یختص بها الّا بشرط الاستثمار والإحیاء ولا یملک ریعها ونتاجها إلّا من بعد أن یؤدی الحق الواجب علیه للأمة او للإمام أو الحاکم الذی یقوم بإرساء مبدأ العدالة فی المجتمع و إیصال الحقوق إلی أهلها. وهذا الحق هو الذی یسمی بالخراج أو الطسِق أو الزکاة أو الضرائب الأخری، فالخراج أو ضریبة الأرض هو الولید الشرعی لارتباط الإنسان بالأرض، وموضوعه هو الأرض التی یمکن ان یرتبط بها الانسان عن طریق الإمام أو من ینوبه. ولکی یتمیز الخراج عن غیره من الضرائب لابدّ من الحدیث عن أقسام هذه الأراضی وکیفیة تملک الإنسان لها ودرجة هذا التملّک.

وهذا الحق الواجب علی الفرد أو المجموعة یختلف بحسب اختلاف نوعیة ودرجة ارتباط الإنسان بالأرض، فإذا کان مالکاً لرقبة الأرض وجب علیه العُشر أو الزکاة کما فی الأرض التی یسلم علیها أهلها، وإذا لم یملک إلّا حق الاختصاص بها فعلیه أن یدفع الخراج مساحة أو مقاسمة أو کلیهما فی الأرض المفتوحة عنوة أو یدفع الطِسق فی مقابل الملک أو الحیازة کما فی أرض الأنفال أو الموات بعد إحیائها.

ولأجل الوقوف علی نوع الملکیة التی تقع موضوعاً لحکم الخراج لابدّ من بیان أقسام الأراضی طبقاً لأنواع ملکیتها فی الإسلام.

القسم الأول: أراضی الملک العام

وقد تظافرت الروایات وأجمع فقهاء الأمامیة علی أنّ الأرض المفتوحة عنوة أی التی فتحت بواسطة الجهاد المسلّح فی سبیل الدعوة تکون ملکاً عاماً للمسلمین، وفی تحلیل ذلک یقول الشهید الصدر «فإنّ کان ضمّ الأرض إلی حوزة الإسلام ومساهمتها فی الحیاة الإسلامیة نتیجة للفتح، فالعمل

ص:90

السیاسی هنا یعتبر عمل الأمة». لا عمل فرد من الأفراد ولذلک تکون الأمة هی صاحبة الأرض ویطبق علی الأرض لأجل ذلک مبدأ الملکیة العامة.

وهذه الأرض تنقسم إلی أقسام: فمنها عامرة حال الفتح والإعمار إمّا بجهد بشری أو طبیعی، ومنها موات، والموات إما بنحو طبیعی أو بالإهمال والترک أو الحوادث

والقسم الذی دلت الروایات وکلمات الفقهاء علی أنّه ملک عام من هذه الأرض هو العامر بجهد بشری،(1) والداخل فی حیازة الإنسان ونطاق استثماره، أی یشترط أن تکون مملوکة للکفار ومحیاة من قبلهم فی حال الفتح، أما الأراضی العامرة طبیعیاً حال الفتح والتی لم یدخل فی إعمارها جهد بشری فهی ملک للإمام أی للحکومة الإسلامیة ولیست ملکاً عاماً للمسلمین، وهذا قول غالبیة الفقهاء استناداً إلی النصّ القائل بأنّ کلّ أرض لا ربَّ لها فهی للإمام علیه السلام ومن الطبیعی أنّ الأرض العامرة شکل طبیعی کالغابات والمراعی الطبیعیة لا ربّ لها، فهی ملک للإمام إلّا أنّ البعض قال: إنّها ملک عام للمسلمین أیضا، فقد قال الشیخ محمد إسحق الفیاض فی کتاب «الأراضی»: «إن مقتضی إطلاق الأدلة القائلة بأن الأرض المفتوحة عنوة ملک للمسلمین مثل صحیحة الحلبی «لمن هو الیوم ولمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم ولمن لم یخلق بعد»(2) ، هو عدم الفرق بین کون عمران الأرض طبیعیاً کالغابات وأمثالها أو کان بشریاً أی بقیام إنسان بإعمارها وإحیائها ولا وجه لتخصیص صحیحة الحلبی بخصوص الصورة الثانیة، وهذه الصحیحة حاکمة علی الحدیث القائل بأنّ کلّ أرض لا ربّ لها فهی للإمام لأنّ الصحیحة تجعل المسلمین ربّاً لهذه الأرض.(3)

ص:91


1- (1) راجع: تفسیر القمی: 254/1.
2- (2) الوسائل: 17 الباب 18 من أبواب إحیاء الموات، ح 1.
3- (3) الاراضی: 28.

کما ذکر الفقهاء أیضا شرطاً آخر یجب أن یتوفّر فی هذه الأرض حتی تکون ملکاً للمسلمین وهو أن تکون، مفتوحة بإذن الإمام وإلّا کانت أیضاً ملکاً للحکومة الإسلامیة.

وقد ناقش بعض الفقهاء فی هذا الشرط الذی یستدل علیه بمرسلة الوراق(1) ، القائلة بأنّه «إذا غزا القوم بغیر إذن الإمام فالغنیمة کلّها للإمام» بأن هذه الروایة ضعیفة بالإرسال ولم یثبت استناد الفقهاء إلیها کی یکون جابراً لها؛(2) وعلی فرض قبولها فهی معارضة بإطلاق الروایات الصحیحة المستفیضة القائلة: إنّ کلّ أرض عامرة فتحت عنوة فهی ملک للمسلمین وبعد التعارض والتساقط یرجع إلی عموم آیة الغنیمة الدالة علی اختصاص الإمام فقط بالخمس من الغنیمة لیس أکثر وبقیة الأخماس ملک للمسلمین عامة.

ویقول الشیخ الاصفی: «إنّ مرسلة الوراق لا تشمل الأراضی المفتوحة عنوة إمّا بالتخصیص وذلک للروایات القائلة بأن أرض السواد لجمیع المسلمین وکلّ أرض فتحت بعد النبی صلی الله علیه و آله ملک للمسلمین أو بالتخصص أی أنّها خارجه تخصصاً، وهو إنّ یقال أن الأرض المفتوحة عنوة بعد النبی فتحت بإذن الإمام فهی خارجة عن مدلول مرسلة الوراق تخصصاً».

أو أن یقال: إنّ هذه الفتوحات تنزّل تعبدّاً بمنزلة الفتوحات التی حدثت عن إذن الإمام ولو لم یکن فی الواقع إذن من الإمام، فتخرج هذه الأراضی عن مرسلة الوراق بالحکومة.

وعلیه فإنّ هذه الأراضی غیر مشمولة بمرسلة الوراق إمّا تخصیصاً أو تخصصا أو حکومة(3) ، ومهما کان فان هذه الملکیة العامة للمسلمین لیست

ص:92


1- (1) وسائل الشیعة: 9 کتاب الخمس: 529 ح 16.
2- (2) محاضرات فی الفقه الجعفری الشاهرودی، سید علی: 485/1.
3- (3) ملکیة الأرض فی الاسلام: 76-77.

بمعنی ملکیة جمیع أفراد الاُمة الإسلامیة علی نحو الشرکة، بل هی بمعنی ملکیة المجموع فلا یکون الفرد مالکاً لأی جزء من هذه الأرض لعدم تعین الملکیة فی آحاد المسلمین وحول هذه المعنی یقول الشیخ الاصفی: «وبما أن الملکیة تتعلّق بالمجموع فلابدّ من ملاحظة المصلحة الاجتماعیة فی الانتفاع منها ولما کان الإمام هو الذی یتولّی أمر المجتمع الإسلامی، فهو الذی یحدد نوعیة الانتفاع منها فی حدود ما تقتضیه المصلحة الاجتماعیة. فقد تقتضی المصلحة أن یکون موضعاً للانتفاع العام دون اختصاص بفرد من الأفراد وذلک کما فی المشاریع والمؤسسات العامة وقد تقتضی المصلحة أن یتوزّع المال علی الأفراد للانتفاع الخاص إلا أنّ ذلک لایبدل حقیقة الملکیة العامة هذه وإنّما تبقی ملکاً للمجموعة ولیس للفرد حق أکثر من الاختصاص، فهی ملک للمسلمین جمیعاً الحاضرین منهم ومن یتجدد بعد ذلک ومن یدخل الإسلام فیما بعد علی امتداد العصور المقبلة ولیس الفرد مالکاً بشکل من الأشکال ولا یکون مالکا علی أیّ حال».

ولما کان الإمام هو الذی یلی أمر المجتمع یجوز له تحدید موارد الصرف والانتفاع من هذه الأراضی فی حدود ما تقتضیه المصلحة کما أنّه حیث یمثّل المجموعة یجوز له بیع أقطاعات من هذه الأراضی. کلما اقتضت المصلحة ذلک.(1)

فالتصرّف بهذه الأرض یتم عن طریق جعلها من قبل الإمام تحت ید من یعمّرها ویحییها فرداً کان أو جماعة أو مؤسسة، علی أن یأخذ منهم الإمام علی قدر طاقتهم من النصف والثلث والثلثین علی قدر ما یکون صلاحاً لهم ولا یضرهم، ولا شکّ فی جواز التصرّف بإذن الإمام مع أداء الخراج الیه وجواز إقامة البناء والعمران

ص:93


1- (1) المصدر: 72.

فی الأرض وزرعها واستثمارها وقد صرّح بذلک الفقهاء بما ینفی وجود أی خلاف بینهم فی المسألة وسیأتی فی الفصل القادم بیان الأدلة علی ذلک.

وهذا النوع من الأرض هو الذی یطلق علیة الأراضی الخراجیة والخراج المفروض علی هذه الأرض هو الخراج بالمعنی الأخص.

إذن، فموضوع الخراج بالمعنی الأخصّ هو: الأرض المفتوحة عنوة العامرة أثناء الفتح.

القسم الثانی: الأراضی المملوکة للإمام أو الحکومة
اشارة

وهی القسم الأعظم من الأراضی وهی أراضی الأنفال أو الفیء طبقاً للفهم الأمامی لهذه الکلمة وتعنی: کلّ أرض زائدة عن حقّ الأُمة وحقوق الأفراد، فهی ملک للإمام أو الحکومة الإسلامیة،

قال العلامة الحلّی فی المنتهی: «الانفال، جمع نفل وهی الزیادة... والمراد هنا کلّ ما یخصّ الإمام وقال أیضاً أنها (الأنفال) تشمل کلّ أرض انجلی عنها أهلها، أوسلموها طوعاً بغیر قتال، وکل أرض خربة باد أهلها... وکل أرض لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب...

ومن الانفال رؤوس الجبال والآجام والأرضون الموات التی لا أرباب لها... ثمّ قال ومن الأنفال المعادن... ومنها صفایا الملوک وقطائعهم... ومن الأنفال مایصطفیه الإمام من غنیمة الحرب... ومن الأنفال میراث من لا وارث له»(1).

وفیما یلی نذکر أهم أقسام هذه الأراضی:

أ) الأراضی الموات

وهی الأرض المعطلة عن الاستثمار إمّا بسبب عدم وجود الماء، أو استیلاء

ص:94


1- (1) راجع: منتهی المطلب العلامة الحلی: 571/9-575.

الماء علیها، أو الأحراش، أو الأهوار، أو موانع الانتفاع الأخری، أو بسبب الإهمال.

وتنقسم هذه الأراضی إلی ثلاثة أقسام، وتنقسم الملکیة تبعاً لهذه الأقسام الثلاثة وهی:

1. ملکیة الأراضی الموات بالأصل التی لم یجر علیها ملک کالمفاوز والبراری.

2. ملکیة الأراضی الموات التی تمّ إحیاءها مع بقاء العمران واستمراره.

3. ملکیة الأراضی الموات التی أحییت ثمّ عرض علیها الخراب والتی تسمی «الموات بالعرض»(1).

وأما القسم الأول: فقد ذهب فقهاء الأمامیة إلی أنّ الأرض الموات بالأصل ملک للنبی ومن بعده للإمام کما فی صحیحة حفص بن البختری: عن ابی عبد الله علیه السلام قال:

الأنفال ما لم یوجف علیه بخیل أو رکاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأیدیهم، وکل أرض خربة، وبطون الأودیة، فهو لرسول الله صلی الله علیه و آله وهو للإمام من بعده یضعه حیث یشاء.(2)

وفی وفی هذا المعنی کونها للإمام أی لمنصب الإمام، ولیست لشخص الإمام یقول الإمام الخمینی رحمة الله بعد ذکر آیة الأنفال: وحیث لم یذکر اللام فی الرسول ولا ینبغی الإشکال فی أنّ مالکیة الرسول کمالکیة الله تعالی،... وعلیه فلا ینبغی الإشکال فی أنّ الظاهر من عطف الرسول علی الله أن ما لله تعالی له (صلی الله علیه واله) فله ولایة التصرّف، وکما أنّ الله تعالی لا یملک الرقبة بالملکیة المتداولة بل له الصرف فیها فکذلک رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم)(3).

یقول الشیخ الآصفی: «فانه مما لا یلائم روح هذا الدین تخصیص

ص:95


1- (1) ملکیة الأرض فی الاسلام: 132.
2- (2) وسائل الشیعة: 9 الباب الاول من الأنفال وما یختص بالإمام ص 523.
3- (3) کتاب البیع الامام الخمینی: 13/3.

الأنفال للنبی أو للإمام من بعده بصفته الشخصیة بحیث یرثها عنه ورثته کما یرثون سائر ما یعود إلیه من مال».

ولم یعهد عن النبی صلی الله علیه و آله أو من أحد من الأئمة أن ورثتهم ورثوا عنهم علی نظام الإرث ما خلّفوه من أنفال

فإذا لم تکن ملکیة هذه الأموال ملکیة شخصیة للنبی صلی الله علیه و آله وللإمام من بعده ولم تکن ملکاً لعموم المسلمین بدلیل ما تقدّم من اختصاصهما بالنبی صلی الله علیه و آله والإمام من بعده دون سائر الناس، فإنّ الشیء الوحید الذی یلائم روح هذا الدین أن تکون هذه الأموال من مختصات منصب رئاسة الدولة یصرفها الإمام فیما یشاء ویضعها فیما یحب بما تقتضیه مصلحة الرئاسة ومصلحة المسلمین.

وحیث کانت هذه الأرض ملکاً للإمام فلا یجوز التصرّف بها دون إذن الإمام. وذلک بحکم العقل الذی یستقبح التصرّف بأموال الآخرین من دون إذنهم.. ویدل علی ذلک أیضاً إجماع فقهاء الطائفة علی اشتراط الأحیاء فی الأراضی الموات بإذن الإمام مطلقا کما ذکر ذلک الشیخ الطوسی فی الخلاف،(1) والعلّامة فی التذکرة،(2) ونفی عنه الشبهة الشهید فی المسالک،(3) وادعی اتفاق الکلمة علیه،(4) وأما الأحادیث التی أطلقت ملکیة المحیی للأرض التی یحییها وقالت «من أحیی أرضا فهی له»(5) فإنها ناظره إلی سببیة الإحیاء شرعاً للتملّک ولا تنفی أن یکون هناک شرط آخر وهو وجوب الاستئذان من الإمام الذی ذکرته روایات أُخری کثیرة.

ص:96


1- (1) الخلاف: 526/3.
2- (2) تذکرة الفقهاء: 185/9-186.
3- (3) راجع: مفتاح الکرامة السید العاملی: 19 أحیاء الموات: 13-14.
4- (4) ملکیة الارض فی الإسلام: 137-138.
5- (5) وسائل الشیعة: 25 الباب الاول من ابواب احیاء الموات ح 5:412.

کما أنّه لا فرق فی اشتراط الإذن بین الغیبة والحضور، لأنّ حکم العقل بقبح التصرف بملک الغیر لا یمکن تخصیصه بزمن دون آخر، فإذا لم یوجد الإمام ینتقل الاستئذان إلی نائبه ومن یمثلّه، وسیأتی البحث حول هذه المسألة وکذلک عن أخبار التحلیل فی بحث مستقل إن شاء الله

وأما القسم الثانی: وهو ملکیة الأرض الموات بعد الإحیاء واستمرار إحیائها.

فلا شکّ أنّ المحیی للأرض الموات یکتسب بالإحیاء حقا فی الأرض یمیزه عن الآخرین إلا أن الفقهاء اختلفوا فی حدود هذا الحق.

فقد ذهب جمهور فقهاء المسلمین إلی القول بإفادة الإحیاء الملکیة، ولکن البعض من فقهاء الأمامیة قالوا: بأنه لا یفید غیر الأحقّیة فی مقابل من قال منهم بإفادة الإحیاء الملکیة، وحول ذلک یقول السید الشهید محمد باقر الصدر رحمة الله: «وهناک رأی فقهی آخر یبدوا أکثر انسجاما مع النصوص التشریعیة یقول: إنّ عملیة الإحیاء لا تغیّر من شکل ملکیة الأرض، بل تظلّ الأرض ملکاً للإمام أو لمنصب الإمامة ولا یسمح للفرد بتملک رقبتها وإن أحیاها وإنّما یکتسب بالإحیاء حقاً فی الأرض دون مستوی الملکیة، ویخوّل له بموجب هذا الحق استثمار الأرض والاستفادة منها ومنع غیره ممن لم یشارکه جهده وعمله من مزاحمته وانتزاع الأرض منه مادام قائماً بواجبها، وهذا القدر من الحق لا یعفیه من واجباته تجاه منصب الإمامة بوصفه المالک الشرعی لرقبة الأرض، فللإمام أن یفرض علیه الأجرة أو الطسق کما جاء فی الحدیث بالقدر الذی یتناسب مع المنافع التی یجنیها الفرد من الأرض التی أحیاها وقد أخذ بهذا الرأی الفقیه الکبیر الشیخ الطوسی فی بحوث الجهاد من کتابه المبسوط فی الفقه، إذ ذکر: إنّ الفرد لا یملک رقبة الأرض بالإحیاء، وإنّما یملک التصرّف بشرط أن یؤدی إلی الإمام ما یلزمه علیها، والیکم نص عبارته: «فإمّا الموات فإنها لا تغنم وهی للإمام خاصّة فإنّ

ص:97

أحیاها أحد من المسلمین کان أولی بالتصرّف فیها ویکون للإمام طسقها».(1)

وهذا الرأی الفقهی الذی یقرره الشیخ الطوسی یستند إلی عدة نصوص ثابتة بطرق صحیحة عن أئمة أهل البیت» علیهم السلام «فقد جاء فی بعضها «من أحیا أرضاً من المؤمنین فهی لهُ وعلیه طسقها».(2)

وجاء من بعضها الأخر:

من أحیی من الأرض من المسلمین فلیعمرها ولیؤد خراجها إلی الإمام وله ما أکل منها.(3)

فالأرض فی ضوء هذه النصوص لا تصبح ملکاً خاصاً لمن أحیاها وإلّا لما صح أن یکلّف بدفع أجرة عن الأرض للدولة وإنما تبقی الأرض ملکا للإمام ویتمتع الفرد بحق فی رقبة الأرض یمکنه من الانتفاع بها ومنع الآخرین عن انتزاعها منه، وللإمام فی مقابل ذلک فرض الطسق علیه.

ویضیف السید الشهید بأن القول بفرض الطسق علی أراضی الدولة لا یختص بفقهاء من شیعة أهل البیت کالشیخ الطوسی، وإنما یشارکهم بذلک مختلف المذاهب الفقهیة إلی أن یقول: «وعلی أیّ حال فإنّ مبدأ فرض الخراج علی الأرض المحیاة تجده بصورة أو أخری فی اتجاهات فقهیة مختلفة».(4)

وأما القسم الثالث: وهی الأرض الموات بالعَرَض.

أی التی تتعرض للخراب بعد إن کانت محیاة فهل تبقی ملکیتها لصاحبها الأول، فلا یجوز للمحییی الثانی إلّا بإذن من الأول أو شراء منه أو إذن من الإمام.. هناک أقوال مختلفة وذهب الکثیر من الفقهاء إلی أنّ

ص:98


1- (1) المبسوط: 29/2.
2- (2) الوسائل الشیعة: 549/9.
3- (3) تهذیب الأحکام، 152/7.
4- (4) راجع: اقتصادنا، 414/2-416.

الملکیة أو الأحقیة التی تحصل بالإحیاء مقیّدة به وتزول بزواله.(1)

یقول السید الخوئی رحمة الله «إن حدیث الإحیاء من أحیی أرضاً فهی له وان کان مطلقاً بالنسبة إلی المسلم والکافر والذکر والأنثی إلّا أنّه لا إطلاق له من حیث استمرار ملکیة المحیی لها حتی إذا طرأ علیها الخراب، لکونه غیر ناظر إلی حال ما بعد زوال الموضوع، کما لا نظر لقوله علیه السلام: «المتغیر نجس» لما بعد زوال التغییر فلا یدل علی نجاسة المتغیر بعد زوال تغیره،. «فالإحیاء سبب للملک مادام باقیاً وإذا زال زالت الملکیة».(2)

ویقول الشیخ الاصفی: «إنّ عبارة (فهی له) إذا أفادت الملکیة فلا مجال للتشکیک فی إطلاق الملکیة، ولکن إذا کان مفاد الروایة فی جملة فهی له هو حق المحیی فی التصرّف فقط کما هو الأرجح فی نظری فإنّ المناقشة فی إطلاق جملة فهی له تکون وجیهة جداً لأنّ الحقوق التی اعتبرها الشارع تختلف من حیث الإطلاق والتقیید».

فقد جعل الخیار فی بیع الحیوان مثلاً إلی ثلاثة أیام، وخیار المجلس ینتهی بانفضاض مجلس المتبایعَین، وبذلک فإن اعتبار الإحیاء موجباً لثبوت حق المحیی فی التصرّف فی الأرض المحیاة یجعل الروایة ظاهرة ظهوراً واضحاً فی هذا النوع من الحقوق المؤقتة بوجود موجبها.(3)

وقد أوضحت صحیحة الکابلی انتقال الأحقیة بالأرض إلی المحیی الثانی وأن علی المحیی الثانی أن یؤدی خراجها إلی الإمام کما کان یفعل المحیی الأول وهکذا إلی ظهور القائم (عج).

ص:99


1- (1) ملکیة الارض فی الاسلام: 161.
2- (2) محاضرات فی الفقه الجعفری، قسم المعاملات المحرمة المحرمة: 496 تقریراً لأبحاث المحقق الخوئی.
3- (3) ملکیة الأرض فی الاسلام: 162.

وصحیحه الکابلی هی

من أحیا أرضا من المسلمین فلیعمّرها ولیؤد خراجها إلی الإمام من أهل بیتی، وله ما أکل منها، فان ترکها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمین من بعده، فعمّرها وأحیاها فهو أحق بها من الذی ترکها فلیؤدی خراجها إلی الإمام من أهل بیتی، وله ما أکل منها حتی یظهر القائم من أهل بیتی بالسیف، فیحویها ویمنعها ویخرجهم منها کما حواها رسول الله ومنعها.(1)

وهناک روایات أوضحت أنّ الترک لا یتحقق من قبل المحیی الأول إلّا بعد ثلاث سنین فإذا ترک صاحب الأرض أرضه ثلاث سنین سقط حقّه فیها وجاز للإمام أخذها منه وإعطاءها لغیره کما فی خبر محمد بن یعقوب.. عن العبد الصالح علیه السلام قال:

«إنّ الأرض لله تعالی، جعلت وقفاً علی عباده فمن عطّل أرضا ثلاث سنین لغیر ما علّة، أخذت عن یده ودفعت إلی غیره».(2)

إذن، فالأرض الموات قبل الإحیاء ملک للحکومة الإسلامیة وهی تُملّکها لمن یحییها بشرط أدائه الخراج أو الطسق، أو ضریبة الأرض، وإذا عطّل الأرض، وتأکد ذلک بمرور ثلاث سنین تملّک لمن یحییها ثانیة بنفس الطریقة السابقة وهکذا.. فالأرض الموات هی موضوع آخر لحکم الخراج، وإن اختلف الخراج هنا من جهة الاسم وکذلک المصرف کما سیأتی، لذلک فان الخراج فی الأراضی المفتوحة عنوه خراج بالمعنی الأخص وهنا خراج بالمعنی الأعم.

ب) الأراضی العامرة طبیعیاً

وهی الأراضی العامرة بنفسها دون تدخل الید البشریة فی إعمارها کالغابات والأحراش وسواحل الأنهار والجزر.

ص:100


1- (1) وسائل الشیعة: ج 25 الباب الثالث من أبواب إحیاء الموات ح 2.
2- (2) المصدر، 433/25، الباب 17 من ابواب إحیاء الموات.

وقد ذکر أکثر فقهاء الأمامیة أنّها من الأنفال والأنفال ملک للحکومة الإسلامیة أو ملک الإمام

یقول الشیخ الأنصاری فی المکاسب: «والقسم الثانی من الأراضی ما کانت عامرة بالأصالة، أی لا من معمر والظاهر أنّه أیضا للإمام».(1)

وهل تملک هذه الأراضی بالحیازة أم أن الحائز لا یحصل سوی حقّ التصرف بها وجهان البعض استدل علی الملکیة بإخبار التحلیل ودلیل السبق.

یقول الشیخ الأنصاری: «وهل تملک هذه بالحیازة وجهان، من کونه مال الإمام (عج)، ومن عدم منافاته للتملک بالحیازة کما تملک الموات بالإحیاء مع کونه مال الإمام فدخل فی عموم النبوی: «من سبق إلی ما لم یسبق إلیه مسلم فهو أحق به».(2)

وحول هذا الحدیث یقول الشیخ النائینی «هذا العموم فی مقام بیان أحقیّة السابق وعدم جواز مزاحمته... وهذا یفید فیما إذا ثبت استحقاق کلّ أحدٍ فی السبق إلیه کالرباطات والخانات والمساجد والمدارس الموقوفة علی عموم من یستوفی منافعها ولیس بصدد بیان أنّ کلّ شیءٍ یتعلّق به حقّ بالسبق إلیه، هذا مضافا إلی أن الحقّ ظاهر فی غیر التملک».(3)

وسیأتی مناقشة أخبار التحلیل فی فصل مستقل وأنّها حکم مؤقت ولا تدلّ علی أکثر من الإذن فی حیازة هذه الأراضی التی هی من أموال الإمام والانتفاع منها ولیس فیها ما یدلّ علی ملکیة الحائز.(4)

ویدّعی ابن زهرة فی الغنیة، الإجماع علی ذلک، حیث قال «وأمّا أرض الأنفال هی کلّ أرض أسلمها أهلها من غیر حرب أو جلوا عنها وکلّ أرض

ص:101


1- (1) المکاسب: 57/2.
2- (2) المصدر: 57/2.
3- (3) منیة الطالب الخوانساری: 342/1.
4- (4) ملکیة الأرض فی الإسلام: 2.

مات مالکها ولم یخلف وارثاً بالقرابة ولا بولاء العتق وبطون الأودیة، ورؤوس الجبال، والآجام، وقطائع الملوک من غیر جهة غصب، والأرضون الموات، فللإمام خاصّة دون غیره وله التصرّف بما یراه من بیع أو هبه أو غیرهما، وأن یقبّلها بما یراه، ودلیل ذلک کلّه الإجماع المتکرر وفیه الحجة».(1)

ج) أراضی الفیء

وسبق أن ذکر معناه فی توضیح المصطلحات المرتبطة بالبحث وهو کلّ ما سیطر علیه المسلمون من المشرکین دون قتال أو محاصرة أو إرعاب.

وتسمی هذه الأراضی أیضا بأراضی الجلاء قال صاحب الجواهر فی تعریف الأراضی التی جلا عنها أهلها: «الأرض التی تملک من غیر قتال ولم یوجف علیها بخیل ولا رکاب».(2)

وخلافاً لنظر فقهاء الجمهور اللذین یوسعون مصطلح الفیء لیشمل جمیع الأموال ما عدا الغنائم، فإنّها بنظر مذهب الأمامیة من الأنفال وهی ملک لله ورسوله وان رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصرفها فی شؤون المسلمین وسدّ حاجاتهم وقضایا تجهیز الجیوش والأمور المتعلّقة بإدارة المجتمع الإسلامی، وتنتقل ملکیة الأنفال إلی الإمام الذی یلیه فی الحکم وإمامة المجتمع، کما یناط أمر هذه الأنفال ومنها أراضی الفیء فی عصر الغیبة إلی الحاکم الشرعی الذی ینوب عن الإمام فی الحکم بصورة مشروع.(3)

ومن الروایات الدالة علی أنّ هذه الأرض من الأنفال ما روی عن الإمام الصادق علیه السلام:

ص:102


1- (1) الجوامع الفقهیة ابن زهرة، کتاب الجهاد: 523.
2- (2) جواهر الکلام: 136/16.
3- (3) ملکیة الارض فی الإسلام: 222 نقلاً عن کتاب هدایة الأنام فی أموال الإمام، للمامقانی.

الأنفال ما کان من أرض لم یکن فیها هراقه دم.. فهذا کله من الفیء، والأنفال لله والرسول فما کان لله فهو للرسول یضعه حیث یحب».(1)

ومما لا شکّ فیه أنّ الرسول وخلفاءه لا یضعون هذه الأرض فی غیر مصلحة الأمة، فإما أن یضعوها تحت ید من یخدم الإسلام والمسلمین أو یهبوها، أو یستثمروها بید أفراد، أو مؤسسات، لیصرف خراجها فی شؤون المسلمین وسدّ حاجاتهم وحلّ قضایا الحکومة الإسلامیة وبهذا یمکن أن تکون أراضی الفیء والأنفال موضوعاً للخراج بالمعنی الأعم والذی هم ملک الإمام والذی یصرف لصالح الحکومة الإسلامیة

وخلاصة البحث أنّ الأراضی التابعة للإمام أو الحکومة والتی یجمعها اصطلاح الأنفال موضوع للخراج والطِسق الذی هو ضریبة استثمار هذه الأراضی بأذن وإشراف الإمام أو الحاکم.

القسم الثالث: الملکیة الفردیة
اشارة

وهی: الأراضی التی تملک بواسطة الأشخاص ویتمّ ذلک عن طریقین:.

الطریق الأول: أراضی الصلح

وهی الأراضی التی یدخلها المسلمون بعد إبرام الصلح والعقد بینهم وبین الکفار وهی علی نحوین

النحو الأول: الأرض التی یتمّ التصالح علیها بین المسلمین والکفار علی أن تکون للمسلمین، علی أن یقرّونهم المسلمون علیها مقابل خراج یؤدونه للمسلمین أو جزیة علی الرؤوس.

ص:103


1- (1) وسائل الشیعة: ج 9، الباب الاول من ابواب الانفال، ح 1.

النحو الثانی: أن یتمّ التصالح بأن تبقی الأرض للکفار ویقرّهم المسلمون علی أن یعطوا للمسلمین خراجاً أو جزیة علی الرؤوس(1).

فأما أراضی الصلح علی النحو الأول فهی أراضی صلح دار الاسلام، وویری فقهاء الأمامیة ان العامر من هذه الأرض للمسلمین وخراجها لمصلحة المسلمین، کالحکم فی الأراضی المفتوحة عنوة وأن الموات منها للامام.(2)

ولا یجوز للذمی بیع هذه الأرض لأنّه ملک للمسلمین ولا یملک الذمی غیر حقّ السکنی واستثمارها بخراج یؤدیه للمسلمین.

نعم، یجوز له بیع حقّ الاختصاص وعلی المشتری أن یضمن للدولة خراج هذه الأراضی.(3)

فقد روی الشیخ الطوسی بسنده عن أبی برده بن رجا قال:

قلت لأبی عبد الله علیه السلام: کیف تری فی شراء أرض الخراج ؟ قال: «من یبیع ذلک، هی أرض المسلمین ؟» قال: قلت: یبیعها الذی هی بیده قال: «ویصنع بخراج المسلمین ماذا؟» ثم، قال: «لا بأس، یشتری حقّه منها ویحّول حقّ المسلمین علیه، ولعله یکون أقوی وأمل بخراجها منه».(4)

یقول الشیخ الآصفی: ولا منافاة بین الاستدلال بهذا الحدیث: «علی أراضی دار السلام الصلحیة وعلی الأراضی العنویة؛ فإنّ الأراضی الصلحیة أیضا ملک للمسلمین بناءاً علی الرأی المعروف عند فقهاء المسلمین فتکون الأراضی الخراجیة شاملة لها وللأراضی العنویة علی حدًّ سواء.

ولا یملک أهل الذمة هذه الأرض بالإسلام، فقد تقدّمت علی إسلامهم

ص:104


1- (1) ملکیة الارض فی الإسلام: 25.
2- (2) تحریرالأحکام: 483/4.
3- (3) ملکیة الارض فی الإسلام: 252.
4- (4) وسائل الشیعة: 155/15 کتاب الجهاد.

ملکیة المسلمین، وبذلک تحوّلت هذه الأراضی إلی ملکیة المسلمین ولا موجب لانتقالها إلی ملکیة أصحابها بالإسلام

وعلیه فان الأرض تبقی خراجیة بعد إسلام أهلها، ویکون هو أولی بها مادام قائماً بتقدیم خراج الأرض للدولة، وله کذلک بیع حقّ الاختصاص فی الأرض إلی آخر، وینتقل مع الأرض خراجها إلی ذمة المشتری».(1)

وأما أراضی الصلح علی النحو الثانی فهی التی تسمّی أراضی، وهی التی تمّ الصلح علیها بأن تکون لأصحابها، فهی لأصحابها من دون اختلاف بین فقهاء المسلمین

ولا یجب فی هذه الأراضی علی الذمیین من أصحاب الأراضی غیر أداء الخراج أو الجزیة التی تمّ الاتفاق علیها مع إمام المسلمین.

واستثنی بعض فقهاء الإمامیة من ملکیة أهل الذمة فی هذا القسم من الأراضی أراضی الموات، لأنّها بناء علی عمومات أراضی الموات داخلة فی ملک الإمام، إذا لم تکن قد دخلت فی عقد الصلح، أمّا لو دخلت الموات فی عقد الصلح فتکون عند ذلک ملکا لأصحابها بلا خلاف.(2)

وهل یجوز لهم التصرّف بهذه الأراضی بالبیع والهبه وهل یرثهم وارثهم ؟

واذا أسلم أصحابه فهل یبقی الخراج علیهم ؟

فی جواب ذلک یقول العلامة الحلی: «ارض الصلح: «وهی: کلّ أرض صالح أهلها علیها وهی أرض الجزیة یلزمهم ما یصالحهم الإمام علیه من نصف أو ثلث أو ربع أو غیر ذلک، ولیس علیهم غیر ذلک.

وإذا اسلم أربابها کان حکم أرضهم حکم أرض من أسلم طوعاً ابتداءً ویسقط عنهم الصلح لأنه جزیة.

ص:105


1- (1) ملکیة الأرض فی الإسلام: 253.
2- (2) ملکیة الأرض فی الاسلام: 254.

ویصح لأربابها التصرّف فیها بالبیع والشراء والهبه وغیر ذلک ولو باعها المالک من مسلم صحّ، وانتقل ما علیها إلی رقبة البائع، هذا إذا صولحوا علی أنّ الأرض لهم.(1)

ولو باعها الذمی إلی مسلم فان رأی الإمامیة هو أنّ الجزیة تتحوّل من رقبة الأرض إلی ذمة البائع فیبقی واجباً علیه طبقاً لعقد الصلح أن یؤدی الجزیة وقد ادعی ابن زهرة فی الغنیة الإجماع علی ذلک بقوله: «وأما أرض الصلح فهی أرض الجزیة إذا شاء الإمام أن یضعها علی الأرض بدلاً من الرؤوس وتسمّی الخراجیة، وقد بینا أنّ ذلک یختص بأهل الکتاب، وهذه الأرض یصحّ التصرّف فیها لأربابها، واذا بیعت الأرض لمسلم یسقط خراجها وانتقلت الجزیة الی رأس بایعها، ودلیل ذلک الإجماع المتکرر وفیه الحجة».(2)

وخلاصة البحث فی الأراضی الصلحیة أنّ هذه الأرض إمّا أن یتمّ التصالح علیها علی أن تکون ملکاً للمسلمین، فهنا یکون عامرها للمسلمین وغامرها للإمام، ویجب علی أهل الذمة المستثمرین لها أداء الخراج، فهذا القسم لا یندرج فی قسم الملکیة الفردیة، ولکنّ الشیخ الآصفی أدرجه فی ضمن الملکیة الفردیة من باب وحدة الموضوع او للتغلیب، ولعله رأی أن الأرض الصلحیة فی اغلب الأحیان تبقی علی ملکیة أربابها.

وأما القسم الثانی وهو التصالح علی أن تبقی الأرض بید الکفار فهی ملک لهم بشرط أن یؤدوا الجزیة أو الخراج وهذه الأرض تندرج فی الملکیة الفردیة للکفار.

وعلی کلّ حال فإنّ الأرض الصلحیة بقسمیها موضوع للخراج بنوعیة الأخص والأعم.

ص:106


1- (1) تحریر الأحکام: 483/4.
2- (2) الجهاد من کتاب الجوامع الفقهیة: 523.

فإذا کانت ملکاً للمسلمین فعلیها الخراج بالمعنی الأخص، واذا کانت ملکاً للکفار فخراجها هو خراج الجزیة أو خراج بالمعنی الأعم.

ویتبین لنا فی بحث الأراضی الصلحیة أنّ قسماً منها یدخل فی الملکیة العامة وهی التی یتصالح علیها علی أن تکون للمسلمین وقسم منها یدخل فی الملکیة الفردیة للکفار وهی التی یتصالح علیها بأن تکون ملکاً للکفّار بشرط الجزیة أو الخراج.

الطریق الثانی للملکیة الفردیة

الأراضی التی أسلم علیها أهلها

وهی علی قسمین:

القسم الأول: الأرض التی تحولت إلی دار الإسلام بإسلام أهلها، کالذی حصل فی المدینة المنورة أو أندنوسیا فهی ملک لأصحابها، وتدخل فی نطاق الملکیة الفردیة، ولا یجب علیهم شیءٌ سوی الزکاة التی تجب علی عامة المسلمین.

کما فی الروایة عن الإمام الرضا علیه السلام عن محمد بن بن أبی نصر قال:

ذکرت لأبی حسن الرضا علیه السلام الخراج وما سار به فی أهل بیته، فقال «العشر ونصف العشر علی من أسلم طوعاً وترکت أرضه فی یده، واُخذ منه العشر ونصف العشر فیما عمر منها.(1)

هذا فی الأرض العامرة أمّا الأرض الموات بالأصل أو التی لا ربّ لها التی تحوّلت إلی دار الإسلام فانّها تدخل فی عمومات الأنفال وهی ملک للإمام أو الدولة الاسلامیة لأنّها لم تکن ملکاً لمن أسلم حتی تبقی له بل هی ملک للإمام.. وأما الأرض العامرة التی أصبحت مواتاً بالعرض وبالأهمال، فقد نقل الآصفی:

ص:107


1- (1) وسائل الشیعة: 158/15.

الرأی الأولی: للمشهور من الأمامیة ذهب إلی أن الإمام یأخذها من أصحابها ویقبلها لمن یعمل فیها بحصة من الأرض، ویعطی مالکها الأول حصةً، والباقی یصرفه فی مصالح المسلمین.

وهناک رأی آخر یقول: إنّ الأرض تبقی علی ملک مالکها ولا یجوز لأحد حتی الإمام أنّ یتصرّف بها بغیر إذنه.

ورأی ثالث: یقول: إن الأرض تتحول إلی ملک للمسلمین ویقبلها الإمام لمن یراه لأعمارها بحصة من الحاصل ویصرف سائر الحصص علی المسلمین».(1)

القسم الثانی: الأرض التی أسلم أصحابها فی دار الحرب قبل الفتح.

ورأی المذهب الأمامی فی هذه الأرض أنّها فیء للمسلمین وأنّ الحربی إذا أسلم فی دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ینتقل کالذهب والفضة والأمتعة دون ما لا ینقل کالأرضین والعقار.

ذکر ذلک صاحب الجواهر وقال «بلا خلاف أجده فی ذلک»(2).

وقال صاحب الریاض: «ولو أسلم الحربی فی دار الحرب أو الإسلام قبل السبی حقن دمه وماله - الی أن قال: أما الدور والأرضون فهی فیء لا تکون له (للحربی) لأنّ الأرض هی أرض حربیة لم یجز فیها حکم أهل الإسلام».(3)

فهی إذن ملک للإمام وتعود إلی ملکیة الحکومة الإسلامیة.

وبهذا یتبین من خلال البحث فی أراضی الصلح والأراضی التی اسلم علیها أهلها والتی بحثها الشیخ الاصفی تحت عنوان الملکیة الفردیة إن هذا النوع من الملکیة فی أراضی الصلح لا یصدق إلا إذا کان الصلح قد تم علی أن تکون الأرض لأهل الذمة فتکون ملکاً لهم بشرط أدائهم للخراج أو

ص:108


1- (1) ملکیة الأرض فی الإسلام: 265.
2- (2) جواهر الکلام: 143/21.
3- (3) ریاض المسائل: 112/8.

الجزیة، وأما إذا کان الصلح تمّ علی أن تکون الأرض للمسلمین فلا توجد هنا ملکیة فردیة وإنّما الأرض ملک للمسلمین، والکفار لا یملکون حقّ التصرّف فیها سوی استثمارها والاستفادة منها مقابل الخراج، وفی الأراضی التی أسلم علیها أهلها فأنَّ تمَّلک المسلم لرقبة الأرض أی الملکیة الفردیة لا یتم إلا إذا أسلم جمیع أو أکثر أهلها طوعاً، وأمّا لو أسلم البعض وهم فی دار الحرب ثم فُتحت أرضهم، فالمسلمون مکرمون محترمون فی أموالهم وأنفسهم، ولکنّ أرضهم حکمها حکم دار الحرب فإن کانت فُتحت فیما بعد عنوة فهی ملک لعامة المسلمین، أو فتحت بلا قتال فهی ملک للامام.

وحتی الموارد التی یحصل فیها الفرد علی ملکیة رقبة الأرض فإنّ هذه الملکیة لیست مطلقة وثابتة بل هی أیضا مشروطة بقیام الشخص بأداء واجبه تجاه الأرض، وحول هذا المعنی.

یقول الشهید محمد باقر الصدر: «الاختصاص الشخصی للفرد بالأرض - سواء کان علی مستوی حق أو علی مستوی ملکیة - لیس اختصاصاً مطبقاً من الناحیة الزمنیة، بل هو اختصاص وتفویض محدود بقیام الفرد بمسؤولیته تجاه الأرض، فإذا أخّل بمسؤولیته. بالصورة التی توضحها الروایات. سقط حقه فی الأرض ولم یجز له احتکارها وتحجیرها ومنع الآخرین من أعمارها واستثمارها، وبذلک اتخذ المفهوم القائل بأنّ الملکیة وظیفة اجتماعیة یمارسها الفرد فیها.

وبعد ذکره لعدد من الروایات وأقوال الفقهاء الدالّة علی هذا المعنی یقول الشهید الصدر:

وهکذا نعرف أنّ الاختصاص بالأرض حقاً أو ملکاً محدود بانجاز الفرد لوظیفته الاجتماعیة فی الأرض، فإذا أهملها وامتنع عن أعمارها حتی خربت انقطعت صلتها به وتحررت الأرض من قیوده، وعادت ملکا طلیقاً للدولة. إن

ص:109

کان مواتا بطبیعتها وأصبحت ملکاً عاماً للمسلمین. إن کان الفرد الذی أهملها وسقط حقّه فیها قد ملکها بسبب شرعی، کما فی الأراضی التی أسلم علیها أهلها طوعاً.(1)

وبذلک یتبیّن أنّ موضوع الخراج بقسمیه الخاص والعام موضوع واسع یکاد أن یشمل جمیع الأراضی وذلک کما یلی.

1. الأراضی المفتوحة عنوة: ملک عام للمسلمین وموضوع للخراج بالمعنی الأخص وهی الأرض التی فتحها المسلمون بواسطة القوة العسکریة.

2. أراضی الأنفال الشاملة للموات قبل الإحیاء وبعد الإحیاء والعامرة طبیعیاً والفیء، وهی: الأرض التی سلّمها أهلها دون قتال وکذلک الأرض الذی سلّمها أهلها فی دار الحرب، والإقطاع والصفایا، والأرض التی لا مالک لها، کلّها ملک للإمام، وللإمام أن یفرض الطِسق أو الخراج علی من یقبلها له.

3. أراضی الصلح إمّا أن تکون للمسلمین فیجب علیها الخراج بالمعنی الأخص، أو تکون للکفّار فیجب علیها خراج الجزیة

4. الأراضی التی أسلم علیها أهلها ملکٌ لهم ولکن إذا عطّلها المالک تحولت إما إلی ملک للإمام أو ملک للمسلمین، وللإمام أن یفرض علی مستثمرها إما الخراج بالمعنی الأعم أو بالمعنی الأخص.

ص:110


1- (1) اقتصادنا: 476-479.

المبحث الثانی: ماهیة الخراج وعلاقته بالواجبات المالیة الأخری

ثمة بحث یدور بین الفقهاء حول ما هیة الخراج، فهل هو حکم ولائی بحت اقتضته المصالح المرسلة عند العامة أو ضرورة حفظ النظام عند الشیعة، أم هو تابع لعقود أخری کالإجارة، والجعالة، أو المزارعة، وغیرها، أم هو حکم شرعی مستقل ؟

یقول البعض: إنّه جزیة الأرض التی تؤخذ عن غیر المسلمین إضافة الی جزیة الرؤوس، وإنه کما أن الجزیة کانت تؤخذ من غیر المسلمین فی قبال حراستهم والمحافظة علیهم فإذا لم تکن هناک حاجة لحراستهم فلا جزیة، کذلک الخراج هو الجزیة الذی تؤخذ فی قبال المحافظة علی أرضهم الزراعیة، وإذا لم تکن هناک حمایة لأرضهم فلا خراج علیهم. ولذلک فان تملک الأراضی الخراجیة والتصرّف بها یعتبره البعض أمراً قبیحاً ومعیباً؛ لأنّه یوجب الجزیة.

وهذا ناشیء من اشتباه المفهوم بالمصداق، فالخراج له مفهوم عام یشمل جمیع الأموال العامة أو إیراد الدولة، ولذلک کتب کلّ من القاضی أبو یوسف ویحیی بن آدم کتاباً فی الأموال العامة للدولة، وسمیاه الخراج، وحیث إنّ

ص:111

أول خراج فرض فی الإسلام کان الخراج الذی فرضه الرسول علی أهل الذمة بعنوان الجزیة، فقبل للجزیة التی تؤخذ من أهل الذمة أنّها خراج.(1)

فالصحیح أنّ الجزیة یصح أن یطلق علیها خراج بالمعنی الأعم، ولکن الخراج لیس معناه الجزیة کما سیتضح ذلک خلال هذه الرسالة.

والنظریة الأُخری حول ماهیة الخراج، تقول: إنّه اجرة الأرض المفتوحة عنوة، فحیث إنّ هذه الأرض لیست ملکاً خاصاً لأحد وهی ملک لعامة المسلمین، فإذا وضعت تحت ید أحد فهی کالأرض المؤجّرة.

یقول ابن رجب الحنبلی: «وقالت طائفة هو اجرة: وهو قول من یقول إنّ عمر وقفها علی المسلمین وجعل الخراج اجرة علیها یؤخذ ممن أقرّت بیده من مسلم ومعاهد، وهذا هو المشهور عند أصحابنا»(2) ، وفیه أنّ عقد الإجارة فیه شروط لا تنطبق علی الخراج منها: وجوب تعیین مدة الإجارة. ولذلک قال ابن رجب فی بقیة کلامه السابق: «ولکن عُمَر لم یقدر مدة الإجارة بل أطلقها، وهذا یخالف اصول الإجارات».(3)

وقال المحقق الکرکی: «إنّ الخراج والمقاسمة کالاُجرة. وهی منوطة بالعرف متفاوته بتفاوت الرغبات، أما الاُولی فلأنها فی مقابل منافع الأرض، ولا نرید بمشابهتها للاُجرة إلّا ذلک».(4)

فهو فی الحقیقة لا یطابق عقد الإجارة وإن أطلق علیه إحیاناً عبارة اجرة الأرض تجوّزاً، کما أنّه یمکن أن یقال بأن القول بکون الخراج إجارة إذا کان بمعنی: أن الأرض ملک للمسلمین أو للدولة والفلاح کالأجیر، فهذا لا

ص:112


1- (1) راجع: کتاب الخراج والنظم المالیة للدولة الاسلامیة، الریس، د: محمد ضیاء: 9.
2- (2) الاستخراج لأحکام الخراج، الحنبلی، ابن رجب: 179.
3- (3) المصدر، ص 18.
4- (4) رسالة قاطعة اللجاج من کتاب الخراجیات، الکرکی، علی بن عبد العالی: 7.

یتناسب مع روح النظام الاقتصادی الإسلامی الذی لا یرید أن یجعل من الناس اجراء وفلاحین بید الحکومة کما یفعل النظام الاشتراکی والشیوعی فهو فی نفس الوقت الذی یسیطر علی الأرض ولا یدعها تقع بأیدی فئة خاصّة من الرأسمالیین والطامعین والإقطاعیین. ویقوم بتوزیعها علی المستثمرین والمنتجین مقابل الخراج فإنّه یسمح لهم بالتملّک المشروط لهذه الأرض وریعها، وطرح الخراج بهذا المفهوم له أثره النفسی الإیجابی علی المزارع حتی ولو لم یؤثر خارجاً فی کمیة المحصول الذی یکون من نصیبه.

والبعض قال: إنّ ما هیة الخراج هی قیمة الأرض وکأن هذه الارض تباع إلی من یتقبّلها والقیمة التی یدفعها هی الخراج، وقال البعض: إنّ الخراج کعقد المزارعة أو کالجعالة(1). ولکنّ هذه العقود لا تنطبق علی حکم الخراج الذی سوف تتضح معالمه فی تفاصیل هذه الرسالة.

وقال البعض: إنّه ضریبة الأرض بمعنی الحکم الولائی الذی یفرضه الحاکم علی المزارعین. لکن هذا القول أیضا لاینسجم مع أدلة الخراج الواردة فی الأراضی المفتوحة عنوة وغیرها، حیث یستفاد منها الحکم الکلّی والدائمی، الذی مفاده أن هذه الأرض ملک عام للمسلمین أو ملک للإمام ولایجوز التصرّف بها إلّابإذن الإمام وفی مقابل الخراج أو الطسق، وهذا هو الحکم الأصلی الذی یستفاد من الأدلة، وإذا کان هناک حکم آخر، کالحکم بتحلیل الخراج أوالانفال، فهو حکم طاری وثانوی، یطرأ علی الحکم الأصلی، ففی الحقیقة أنّ حکم الخراج قد یکون محکوماً للحکم الولائی أحیانا، لا أنّه حکم ولائی فالأرض ملک لله ملّکها للرسول صلی الله علیه و آله ومن بعده «الأرض کلّها للإمام»(2) والخراج هو المفتاح الذی یستطیع سائر الناس أن

ص:113


1- (1) راجع: زمین در فقه اسلامی (بالفارسیة): 153/2.
2- (2) الکافی: 47/1؛ وسائل الشیعة: 415/25.

یدخلوا به الأرض ویحیوها ویعمروها ومثل هذا الحکم أساسی وأصلی؛ لأنه یرتبط بمبدأ أساسی من مبادئ نظام الشریعة وهو أن الأرض ملک للامام الذی یشرف علی توزیعها واستثمارها بالنحو الذی یؤدی إلی إعمار الأرض الذی خُلق الإنسان من أجله هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیها1 .

وإذا کان هذا الحکم قد توقّف فی بعض الفترات بسبب تسلط الحکومات الجائرة، أو بسبب وجود حالة تزاحم مع مصالح أهم أو لأجل دفع العسر والحرج عن الشیعة، فإنّ هذا لایعنی إلغاء هذا الحکم؛ لأنّ من الواضح أن الأحکام الثانویة لا تلغی الاحکام الأولیة.

ولذلک فإنّ حقیقة الخراج هو حکم شرعی یتعلّق بالأرض، ویمکن أن یقال، کما أن عقد النکاح هو الأطار الشرعی لارتباط الرجل بالمرأه، کذلک الخراج هو الإطار الشرعی لارتباط الانسان بالأرض، ولکن حیث إنّ الدولة الإسلامیة فی بدایة تأسیسها لم تکن تملک سوی أرض محدودة؛ لذلک لم یبیّن الرسول صلی الله علیه و آله هذا الحکم بشکل واضح، ومع بدایة الفتواحات بدأ الرسول بتطبیق هذا الحکم عندما أعطی قسماً من أرض خیبر فی مقابل النصف، وهذا هو بمثابة النواة والأساس لحکم الخراج کحکم شرعی، وأما تفاصیل هذا الحکم وکیفیته ومقداره فقد ترک للائمة من بعده، وقد تطوّر هذا الحکم عند توسع هذه الرقعة الاسلامیة فی زمن الخلیفة الثانی وأصبح الخراج من أهم مصادر خزانة الدولة بحیث أن أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: «... لان الناس کلهم عیال للخراج وأهله»(1).

وأما علاقة الخراج بالواجبات المالیة الأخری کالزکاة والخمس، فالخراج حکم عام یتعلّق بالأرض وانتاجها بشکل عام، أما الزکاة فهی واجب شرعی

ص:114


1- (2) نهج البلاغة؛ عهد الإمام إلی مالک الاشتر.

یتعلّق ببعض محاصیل الأراضی العشریة المملوکة لأصحابها ملکیة خاصّة، مضافاً إلی تعلّقه ببعض المعادن والأنعام، وإذا قلنا: بأن وجوب الزکاة مطلق یشمل غلات الأراضی الخراجیة أیضاً(1).

فیمکن القول: بأنّ النسبة بین الخراج والزکاة هی العموم والخصوص من وجه، فمحلّ افتراق الزکاة فی المعادن والأنعام، وغلات الأراضی العشریة، ومحل افتراق الخراج فی الأراضی المفتوحة عنوة والفی والأنفال أو المحاصیل الزراعیة من غیر الغلاة الأربع، ومحل الاجتماع هو الغلاة الأربع فی غیر الأراضی العشریة من عامة الأرض وهنا یقول البعض بوجوب الخراج فقط(2) ، والبعض یقول باجتماعهما(3). کما أن الخراج یختلف عن الزکاة فی المصرف، فالخراج یصرف فی المصالح العامة للمسلمین ومصالح الحکومة، أمّا الزکاة فتصرف فی المصارف الثمانیة التی عیّنها القران الکریم.(4) فلا تعارض بین الزکاة والخراج.

وأما الخمس فیجب فی الأرباح الزائدة علی المؤونة، والخراج واجب مالی یدفعه المزارع فی مقابل إحیاء الأرض واستثمارها، فهو من مؤونة التحصیل التی تستثنی قبل إخراج الخمس،(5) فإذا أدی صاحب الأرض الخراج وزاد من مؤو نة سنته مالاً، وجب علیه تخمیس ذلک المال، فلا تعارض بین الخمس والخراج.

ص:115


1- (1) راجع: فقه الزکاة، القرضاوی: 42/1.
2- (2) الوسائل: ج 9، باب زکاة الغلات، باب 7، ح 1.
3- (3) جواهر الکلام: 223/15، کتاب الزکاة.
4- (4) التوبة: 6.
5- (5) الیزدی، محمد کاظم، العروة الوثقی، الطبعة الجدیدة، ج 4 ص 285، مسألة 61.

ص:116

المبحث الثالث: کیف یتم استیفاء الخراج

اشارة

هناک عدة طرق ذکرتها الروایات والمصادر التاریخیة عن کیفیة أخذ الخراج ممن وجب علیه وهی حسب الترتیب التاریخی کالأتی:

1. نظام المقاسمة

وهو النظام الذی اتبعه الرسول صلی الله علیه و آله وطبقه مع مستثمری الأراضی الزراعیة التی فتحت عنوة فی خیبر، ویبتنی علی أخذ حصّة معیّنة من محاصیل الأرض الزراعیة، وقد ذکر أبو یوسف فی کتاب الخراج

«حدثنا مسلم الحزامی عن أنس بن مالک أن رسول الله صلی الله علیه و آله دفع خیبر الی الیهود مساقاة بالنصف وکان یبعث إلیهم عبد الله بن رواحة، فیخرص علیهم، ثمّ یخیّرهم أی النصفین شاءوا».

أو یقول لهم اخرجوا أنتم وخیرونی فیقولون: «بهذا قامت السماوات والأرض»(1) أی بالعدل الذی أمر به الإسلام حتی مع أعدائه

ص:117


1- (1) الخراج، القاضی، ابو یوسف: 61.

2. نظام المساحة

ویسمی بنظام الوظیفة أیضا وطریقته، هی بأن یتم مسح الأرض المزروعه ثُم تقدر ضریبة علی کلّ وحدة مساحة مزروعة من الأرض، کالجریب والهکتار مثلاً، وحسب نوع الزرع، وهذه الطریقة هی التی اتبعها الخلیفة عمر عندما فرض الخراج علی أرض السواد، حیث إنّه أرسل إلی سعد بن أبی وقاص بأنّ لا یُوزع الأراضی علی الغانمین، وسأل عن رجل له جزالة وعقل یضع الأرض مواضعها ویحدد انواعها لیقدر علی کلّ نوع ما تحمله من وظائف الخراج آخذاً بمصلحة المجموع، فأشاروا علیه بعثمان بن حنیف، فإنّ له بصراً وعقلاً وتجربة، فأسرع إلیه عمر فولّاه مساحة أرض السواد.

ونقلت المصادر الروائیة ما مؤداه أن عثمان بن حنیف مسح السواد فبلغ ستة وثلاثین جریباً، ووضع علی کل جریب مزروع بالنخیل ثمانیة دراهم وعلی کلّ جریب من قصب السکر ستة دراهم، وعلی کلّ جریب مزروع بالحنطة أربعة دراهم، وعلی کل جریب مزروع بالشعیر درهمین، وعلی کلّ جریب زرع بالسمسم خمسة دراهم؛ وعلی کلّ جریب زرع بالقطن خمسة دراهم أیضا؛ وعلی کلّ جریب من الزیتون اثنی عشر درهماً.

وهذه الروایات تدل علی أن نظام خراج المساحة أو الوظیفة فَرض علی کلّ جریب معیّن من الأرض الزراعیة المحررة عنوة مبلغاً معیناً من المال، وأنّ المبلغ المفروض یختلف تبعاً لنوع المحصول الزراعی المنتج، وأنّ الخراج فرض علی المحاصیل الرئیسیة والأکثر انتشاراً فی إقلیم الدولة الإسلامیة(1).

وفی روایة أن الخلیفة عمر بعث عثمان بن حنیف لمسح الأراضی التی تقع غرب دجلة، وبعث حذیفة بن الیمان لمسح الأراضی التی تقع وراء نهر

ص:118


1- (1) الخراج مقادیره وأحکامه، الکبیسی، حمدان: 17.

دجلة، وفوضّهما الخراج علی الأرض المزروعة فعلاً وکان حریصاً ألا یضعا مقادیر عالیة ترهق دافعی الخراج، ویروی أبو یوسف فی کتاب الخراج: «أن الإمام علی بن ابی طالب علیه السلام کان یوصی عامله علی عکبرا بأن یرفق بدافعی الخراج قائلا:

إذا أقدمت علیهم فلا تبعن لهم کسوة شتاء، ولا صیف، ولا رزقٍ یأکلونه ولا دابة یعتملون علیها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً فی درهم ولا تبع لأحدهم عرضاً فی شیء من الخراج، فانّا أمُرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتک یأخذک الله به دونی، وإن بلغنی عنک خلاف ذلک عزلتک، قال: قلت: إذن، أرجع إلیک کما خرجت من عندک»، قال: «وإن رجعت کما خرجت» قال: فانطلقت، فعملت بالذی أمرنی به فرجعت ولم انتقص من الخراج شیئاً.(1)

ومن هذا یفهم بأن تقدیر الخراج مفوض للعامل علی الخراج المعیّن من قبل الخلیفة أو الإمام یقدره وفقاً لکمیة المنتوج ونوعیته وبالمقدار الذی لایرهق أهل الأرض ولا یحملهم فوق طاقتهم.

3. طریقة القبالة

وذلک بان یلغی دور موظفی الدولة فی جبایة الخراج ویتحوّل أمر الجبایة إلی شخص أو مجموعة مقابل مبلغ من المال فهو فی الحقیقة بیع للخراج أو خصخصة لجبایة الخراج، وقد ورد النهی عن هذا النوع من الجبایة لأنّه یؤدی إلی التعسف وظلم أهل الخراج؛ لأن المتقبّل للخراج أو المتضمّن له لا یراعی القدرة المالیة لدافعی ضریبة الخراج ولا یلزمهم بما هو مقرر علیهم شرعاً وإنّما ینصرف همه بصلاح أمره فی قبالته ویعمل جاهداً من أجل أن یحقق الربح والفائدة الأکثر فی قبالته.

ص:119


1- (1) الخراج، القاضی، أبو یوسف: 25.

وذکر الماوردی فی الأحکام السلطانیة أنّ رجلاً جاء الی عبد الله بن عباس زمن تقلّده ولایة البصرة للإمام علی بن أبی طالب، وطلب أن یتقبّل منه الأبّله بمائة ألف درهم فعاقبه ابن عباس عقاباً شدیداً.(1)

وأجاز أبو یوسف الأخذ بطریقة القبالة فی تحصیل ضریبة الخراج فی حالة قبول أهل منطقة برجل منهم یتولّی قبالة خراجهم یثقون بدینه وأمانته وعفته، وعندئذ یقر الخلیفة هذه القبالة علی أن یصیر معه موظف معتمد من قبل الخلیفة یوثق بعدله ونزاهته لکی یراقب المتقبّل ویمنعه من ظلم أحدٍ من أهل الخراج أو أخذ زیادة علی المقادیر المقررة علی کلّ واحدٍ منهم أو تحمیلهم شیئاً لا طاقة لهم به وغیر مکلفین به شرعاً(2).

ص:120


1- (1) راجع: الأحکام السلطانیة: 176/1.
2- (2) راجع: الخراج: 119-12؛ الخراج أحکامه ومقادیره: 132.

المبحث الرابع: مقدار الخراج

یظهر من کلمات الفقهاء أن الخراج لیس له مقدار محدد شرعاً وإنّما هو تابع لنوع المحصول وکمیة الانتاج وطبیعة الأسعار ویتحدد مقدار الخراج طبقاً لمصلحة المسلمین ومصلحة صاحب الأرض، والقول الفصل فی ذلک للإمام أو الحاکم ومن یعین من قِبَلِه للجبایة.

وفی هذا الموضوع یقول المحقق الکَرکی فی قاطعة اللجاج «اعلم أن الخراج هو ما یضرب علی الأرض کالأجرة لها، وفی معناه المقاسمة غیر أن المقاسمة تکون جزءً من حاصل الزرع، والخراج مقدار من النقد یضرب علیها، وهذا هو المراد بالقبالة والطِسق فی کلام الفقهاء ومرجع ذلک ای نظر الإمام حسب ما تقتضیه مصلحة المسلمین عرفاً ولیس له، فی نظر الشرع، مقدار معین لا تجوز الزیادة علیه ولا النقصان منه»(1).

وقد ذکر المحقق الکرکی أدلة علی ذلک منها

الأول: أن الخراج والمقاسمة کالاُجرة وهی منوطة بالعرف متفاوته بتفاوت الرغبات، أما الأولی فلأنها فی مقابل منافع الأرض ولا نرید بمشابهتها

ص:121


1- (1) رسالة قاطعة اللجاج من کتاب الخراجیات: ص 7.

للاُجره إلّا ذلک، وأما الثانیة فظاهرة.

الثانی: الحدیث المروی عن الامام الکاظم علیه السلام

والأرض التی أُخذت عنوه بخیل ورکاب فهی موقوفة متروکه فی أیدی من یعمرها ویحییها علی صلح ما یصالحهم الوالی، علی قدر طاقتهم من الخراج النصف او الثلث أو الثلثان، وعلی قدر ما یکون صالحاً وإلّایغر بهم الحدیث(1).

وبعد ذکره لهذا الحدیث یقول المحقق الکرکی: «وهذا صریح فیما قلناه، فإن تنویع الخراج إلی النصف والثلث والثلثین وإناطته بالمصلحة بعد ذلک صریح فی عدم انحصار الأمر فی شیء بخصوصه، ولا أعرف لهذا رادا من الأصحاب.

الثالث: الإجماع المستفاد من تتبع کلام من وصل إلینا کلامه من الأصحاب، وعدم العثور علی مخالف ولا محکیاً فی کلام المتصدّین لحکایة الخلاف».(2)

وقال صاحب الجواهر «وکیف کان فالخراج والمقاسمة لیس لهما مقدار معین فی الشرع بلا خلاف أجده منه؛ بل هو راجع إلی نظر الإمام علیه السلام علی حسب ما تقتضیه مصلحة جمیع المسلمین بحسب الأزمنة والأمکنة والأحوال التی تختلف معها الرغبات وغیرها من المنتفعین بالأرض أو بخراجها، کما فعله أمیر المؤمنین فی أیام خلافته»(3)

وهنا یذکر المحقق الکرکی، عدداً من أقوال الفقهاء کقول الشیخ الطوسی فی النهایة فی حکم الأرض المفتوحة عنوة: «وکان علی الإمام أن یقبلها من یقوم بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث أو الربع».(4)

ص:122


1- (1) تهذیب الأحکام: 138/4، باب الخمس والغنائم.
2- (2) رسالة قاطعة اللجاج من کتاب الخراجیات: ص 7-71.
3- (3) جواهر الکلام: 199/22.
4- (4) النهایة: 2.2/1.

وکذلک ینقل قول الشیخ فی المبسوط باب الزکاة فی باب حکم الارضین من کتاب الزکاة فی حکم الأرض المفتوحة عنوة: «وعلی الإمام تقبیلها لمن یقوم بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث».(1)

وقوله فی کتاب الجهاد فی المبسوط عند ذکر سواد العراق وغیره مما فتحت عنوة: «ویکون للإمام النظر فیها وتقبیلها بما شاء ویأخذ ارتفاعها ویصرفه فی مصالح المسلمین».(2)

وقول ابن إدریس فی السرائر فی حکم المفتوحة عنوة:

«علی الإمام أن یقبلها لمن یقوم بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غیر ذلک».(3)

هذا فی خراج الأرض المفتوحة عنوة وهو الخراج بالمعنی الخاص وأما خراج الأراضی الأخری کالموات والأنفال والفیء وغیرها فإن تعیین مقداره یکون بید الإمام بطریق أولی، لأن الأراضی المفتوحة عنوه ملک للمسلمین ودور الإمام فیها دور المشرف علیها فی تقبیلها وصرف ریعها وارتفاعها ووضعه فی مواضعه وأما الأراضی الأُخری کأرض الموات والفیء والأنفال فان أصلها ملک للإمام وبیده التصرّف فیها کیف یشاء وبما یراه من مصلحة للإمامة والحکومة الإسلامیة

ص:123


1- (1) المبسوط: 125/1، باب الزکاة.
2- (2) المصدر: 568/1.
3- (3) السرائر: 477/1.

ص:124

المبحث الخامس: مصارف الخراج

اتضح من البحوث السابقة أن الخراج علی قسمین أحدهما الخراج بالمعنی الخاص وهو خراج الأراضی المفتوحة عنوة والأراضی الصلحیة وأنه ملک للمسلمین، ویجب أن یصرف فی المصالح العامة المشترکة للمسلمین.. وحول هذا الموضوع یقول السید حسین المدرسی فی کتابه الأرض فی الفقه الإسلامی؛ «إنّ جمیع فقهاء الشیعة تقریباً یرون أنّ مصرف الخراج یکون فی المصالح المشترکة للمسلمین، کتشکیل جیش الإسلام وتقویته وتأسیس الجهاز القضائی، وحمایة ثغور المسلمین، وبناء الجسور والقناطر وتشیید الطرق وبقیة المرافق والخدمات الاجتماعیة».(1)

وینقل الشیخ المحقق الکرکی فی قاطعة اللجاج(2) عن الشیخ فی المبسوط، باب الجهاد.(3)

ویکون للإمام النظر فیها وتقبیلها وتضمینها بما شاء ویأخذ ارتفاعها ویصرفه

ص:125


1- (1) مدرسی، محمد حسین، زمین در فقه اسلامیٍٍ [الفارسیة]: ج 2.
2- (2) کتاب الخراجیات: 46-47.
3- (3) المبسوط: 34/2.

فی مصالح المسلمین وماینوبهم من سد الثغور ومعونة المجاهدین وبناء القناطر وغیر ذلک من مصالح المسلمین وینقل عن العلامة فی المنتهی باب الجهاد قوله «قد بیّنا أن الأرض المأخوذة عنوة لا یختص بها الغانمون بل هی للمسلمین قاطبة إن کانت محیاة وقت الفتح ولا یصح بیعها ولا هبتها ولا وقفها بل یُصرف الإمام حاصلها فی المصالح، مثل: سد الثغور، ومعونة الغزاة وبناء القناطر، ویخرج منها أرزاق القضاة والولاة وصاحب الدین، وغیر ذلک من مصالح المسلمین».

واذا کان مصرف الخراج محدداً بالمصالح المشترکة للمسلمین فلا یجوز الاستفادة منه فی المصالح الفردیة أو المصالح المتعلّقة بفئة معینة إلّا اذا اندرج هذا المصرف لشخص ما کالقاضی او جماعة معینة کقوی الجیش تحت عناوین عامة وکانت خدمتهم تصب فی تحقیق مصالح عامة المسلمین.(1)

وإما القسم الآخر من الخراج وهو الخراج بالمعنی الأعم الذی یتعلّق بسائر الأراضی، کالأنفال، وقد تقدّم لدی الحدیث عن موضوع الخراج العام أنّها ملک للإمام وأنه یقبلها لمن یستثمرها ویحییها مقابل أداء الطِسق للإمام، والإمام هو الذی یتصرّف بهذا الطِسق أو الضریبة لمصالح الحکومة الإسلامیة.

مضافا إلی ذلک یجب الالتفات إلی أنّ الأحکام التی ذکرت فی الفقه الشیعی للخراج الذی یقبضه السلطان الجائر شاملة لجمیع أنواع الخراج الأعم من خراج أراضی الملک العام المشترک وخراج الأراضی الحکومیة کالأنفال. استناداً إلی أنّ لفظ الخراج فی الروایات شامل لجمیع هذه الأقسام.

ومن جهة أخری فإنّ السیرة العملیة للشیعة جرّت إلی النظرة الواحدة إلی جمیع أنواع الخراج المسجّل فی الدیوان، وأنّ لهذا الخراج بجمیع أقسامه وضعا حقوقیا واحداً.(2)

ص:126


1- (1) راجع: زمین در فقه اسلامی [الفارسیةٍ]: 263/2.
2- (2) راجع: المصدر: 264-265.

وبذلک یتبین أن الخراج بجمیع أقسامه سواء کان متعلقاً بأراضی الملک العام أو أراضی الدولة فإنه یصبّ فی مصبًّ واحد هو المصلحة التی یقوم بتشخیصها الإمام، ویمکن القول: إنّ هناک تداخلاً بین المصلحة العامة للمسلمین ومصلحة الإمامة والدولة الإسلامیة فما کان للمصلحة العامة للمسلمین فهو یحقق أهداف الإمامة، وما فیه مصلحة للدولة والحکومة الإسلامیة فهو یحقق مصلحة الأمة الإسلامیة.

ص:127

ص:128

الفصل الثالث: أدلة مشروعیة الخراج

اشارة

وهی قسمان:

* القسم الأول: أدلة الخراج بالمعنی الأخص

* القسم الثانی: أدلة الخراج الأعم أو خراج الانفال

ص:129

ص:130

القسم الأول: أدلة الخراج بالمعنی الأخص

أولاً: القرآن الکریم

استدل علماء السنة علی مشروعیة الخراج بآیات سورة الحشر؛ وذلک لأنّهم یرون أن الفیء هو الخراج کما قال القاضی أبو یوسف للرشید:

«فإما الفیء یا أمیر المؤمنین فهو الخراج عندنا خراج الأرض».(1)

ومصدر استدلالهم بآیات سورة الحشر هو استشهاد الخلیفة الثانی بها عندما حکم بعدم جواز تقسیم أرض السواد علی الغانمین ووجوب بقائها لعامة المسلمین کما فی الروایة التی یرویها أبو یوسف فی کتاب الخراج.

قال: «وحدثنی محمد بن اسحق عن الزهری أن عمر بن الخطاب أشار الناس فی السواد حین افتتح فرأی عامتهم أن یقسمه... الی قوله: ثم لم یرضَ حتی خلط بهم غیرهم فقال: وَ الَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّکَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ .(2)

ص:131


1- (1) الخراج: 34.
2- (2) الحشر: 10.

فکانت هذه عامة لمن جاء من بعدهم فقد صار هذا الفیء بین هؤلاء جمیعا فکیف نقسمه لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغیر قسم، فاجمع علی ترکه وجمع خراجه(1).

وقد ناقش الشیخ الآصفی فی کتاب ملکیة الأرض رأی الخلیفة الثانی بالاستدلال بآیات سورة الحشر علی فرض الخراج علی أرض السواد والأرض المفتوحة عنوة وعدم تقسیمها، وبعد أن ذکر عدداً من الأقوال لکبار مفسری السنة والشیعة «کالزمخشری، والقرطبی، والرازی، والطبرسی» فی أن آیتی سورة الحشر تحدّثنا عن الفیء، وهو: الأرض التی لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب وفتحت بلا قتال وأن الآیة الثانیة بیان للآیة الأولی، وأنها تبیّن لرسول الله صلی الله علیه و آله ما یصنع بما أفاء الله علیه وأن الفیء یقسّم کالخمس، بعد ذلک یقول، ولذلک کلّه فلا تجد وجهاً لتوجیه استدلال الخلیفة عمر بن الخطاب بآیة الفیء فی إبقاء أراضی: سواد العراق، ومصر والشام، وعدم توزیعها علی المقاتلین، وصرف خراجها علی شؤون الدولة ونفقات الجیش وحاجات الفقراء وغیر ذلک، فإنّ الخلیفة وإن کان قد أصاب أصل الحکم إلّا أن استدلاله بآیة الفیء لا یخلو عن مناقشة لما تقدّم من أنّ آیة الفیء فی سورة الحشر لا تتعرض لحکم غنائم الحرب إطلاقا المنقولة وغیرالمنقولة، وإنما هی تخصّ الأموال التی افاءها الله علی المسلمین من المشرکین من دون قتال وحرب.

ثم ذکر الشیخ الاصفی عدداً من الروایات التی ذکرت أنّ الخلیفة الثانی کان یری أن آیة الفیء الثانیة من سورة الحشر تخصّ الغنائم والأراضی التی استولی علیها المسلمون.

ص:132


1- (1) الخراج: 34.

ویقول الشیخ الاصفی فی نهایة مناقشته لرأی الخلیفة الثانی «ولعل الخلیفة کان یجد لهذا التفسیر وجهاً أو دلیلاً لم ینقل إلینا»(1).

والذی یمکن أن یقال هو: إنه لعل الخلیفة الثانی نظر إلی العلّة التی ذکرت فی الآیة الثانیة من سورة الحشر والتی تعدّ من قواعد النظام الإسلامی وهو قوله تعالی: کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ وحیث إنّ العلّة المنصوصة تعمم وهذه القاعدة المذکورة فی الآیة ناظرة إلی منع وقوع الظلم فی المجتمع بإلغائها لأسباب نشوء التمایز الطبقی، فهی غیر قابلة للتخصیص فکما أنّ أراضی الفیء والتی فتحت دون قتال یجب أن تقسّم بحیث لا تتراکم بید طبقة الأغنیاء، فکذلک الغنائم وأراضی العنوة یجب أن یتم التعامل معها بحیث لا تؤدی إلی تبلور ونشوء طبقة غنیة ومترفة علی حساب الفقراء والمحرومین، ویجب أن یتم تفتیت هذه الثروة الکبیرة بحیث تتوزع علی عموم الأمة فی عصر الفتح والأجیال القادمة فی العصور اللاحقة.

ومهما کان فأنّ الآیة وإن لم یمکن الاستدلال بها علی الخراج الخاص أی خراج الأراضی المفتوحة عنوة فلعله یمکن الاستدلال بها علی الخراج العام وهو خراج أراضی الفیء الشامل للأراضی الموات المحیاة والأنفال وغیرها والتی هی ملک للرسول والإمام فیمکن أن یقال: إنها بعد أن بینت أن الرسول هو المالک لهذه الأراضی، فإنها أرشدته إلی قاعدة عامة وهی أن علیه توزیع هذه الأراضی واستثمارها بحیث لا تنحصر بید جماعة محدودة من الأغنیاء، وأن علیه کذلک أن ینظر إلی الأجیال اللاحقة فلا تقسّم أراضی الفیء والأنفال بحیث تسیطر علیها مجموعة من الناس فتنتقل إلی ورثتها، وتأتی الأجیال اللاحقة فلا تری لها باباً فی الحیاة سوی ان تکون طبقة عاملة

ص:133


1- (1) ملکیة الأرض فی الإسلام: 259-26.

وأجیره وتابعة لهؤلاء المالکین، بل أن علیه ان یبقی الأرض ملکاً عاماً یسیطر علیها من أحیاها واستثمرها وبذل الجهد فی سبیل أعمارها من الحیل الحاضر والأجیال القادمة حتی إذا جاءت الأجیال القادمة استغفرت وترحمت علی الأجیال السالفة، وقالت: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ .

یقول الشیخ القرضاوی: فی هذا الشأن «وقد نبهت الآیة الکریمة علی حکمة توزیع الفیء علی الطبقات الضعیفة المحتاجة بهذه الکلمة الرائعة کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ فسبقت بهذا المبدأ ما نادی به بعد قرون طویلة - دعاة العدالة الاجتماعیة وأنصار الاشتراکیة.

وأشرکت مع هذا الجیل الذی بذل وضحی أجیالا أخری عبّر عنهم القرآن بقوله: وَ الَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّکَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ1 وبهذا علمتنا الآیات الکریمة ان الأمة کلها واحدة متکاملة علی اختلاف الأمکنة وامتداد الأزمنة وأنّها علی مرّ العصور حلقات متماسکة یعمل أولها لخیر آخرها، ویغرس سلفها لیجنی خلفها ثم یأتی الآخر فیکمل ما بدأه الاول ویفخر الأحفاد بما فعله الأجداد، ویستغفر اللاحق للسابق ولا یلعن آخر الأمة أولها.

وبهذا التوزیع العادل تفادی الإسلام خطأ الرأسمالیة التی تؤثر مصلحة الجیل الحاضر ومنفعته مغفلة فی الغالب ما وراءه من الأجیال، کما تجنب خطأ الشیوعیة التی تتطرف کثیراً إلی حدّ التضحیة بجیل أو أجیال قائمة فی سبیل أجیال لم تطرق بعد أبواب الحیاة.(1)

ص:134


1- (2) فقه الزکاة، القرضاوی: 415/1.

ثانیا: السنة الشریفة

الدلیل الأول: الرسول صلی الله علیه و آله وأرض خیبر

یمکن أن یکون ما قام به الرسول صلی الله علیه و آله من جعله قسماً من أرض خیبر تحت ید الیهود مقابل النصف، من الأدلة علی مشروعیة الخراج وقد ذکرنا هذا الأمر فی البحث التاریخی ویدل علیه من الروایات:

1. جاء فی کتاب وسائل الشیعة عن الکافی:

وما أخذ بالسیف فذلک الی الامام یقبله بالذی یراه کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله بخیبر، قبل سواها وبیاضها أی أرضها ونخلها.(1)

2. وفی کتاب الأموال لأبی عبید عن ابن عباس

أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله دفع خیبر أرضها ونخلها إلی أهلها مقاسمة علی النصف.

وفی نفس الکتاب عن ابن عمر انه قال وعامل رسول الله صلی الله علیه و آله:

«أهل خیبر علی شطر ما یخرج منها من ثمر أو زرع».(2)

وقال السید الشهید الصدر فی اقتصادنا فی بحث إثبات الملکیة العامة للأرض المفتوحة ومناقشة القائلین بالملکیة الخاصة، فهو بعد ذکره عدداً من الروایات التی تذکر أن الرسول قسّم خیبر علی الغانمین، یقول: وهناک ظاهره أخری وهی أنّ رسول الله کان یمارس بنفسه السیطرة علی أراضی خیبر بالرغم من تقسیم جزء منها علی الأفراد إذ باشر الاتفاق مع الیهود علی مزارعة الأرض ونصّ علی انّ له الخیار فی إخراجهم متی شاء، ثمّ یذکر السید الشهید عدداً من الروایات التی یدلّ بعضها علی أنّ الرسول صلی الله علیه و آله قسّم جزءاً من أرض خیبر علی المحتاجین، والبعض الآخر یدلّ علی أنّه أبقی

ص:135


1- (1) وسائل الشیعة: 158/15؛ أحکام الأرضین، ح 1.
2- (2) ابو عبید، الاموال، ص 82-83.

الأرض بید الیهود مقابل النصف من محصولها، یقول السید الشهید فی تفسیره لهاتین الطائفتین من الروایات: ونحن إذا جمعنا بین هاتین الظاهرتین من سیرة النبی صلی الله علیه و آله: بین احتفاظه بجزء کبیر من خیبر لمصالح المسلمین وشؤون الدولة، وبین ممارسته بوصفه ولی الأمر لشؤون الجزء الأخر أیضاً، الذی نفترض أنّه قسّمه بین المقاتلین، فإذا جمعنا بین ذلک کلّه نستطیع أن نضع للسیره النبویة تفسیراً ینسجم مع الأحکام التشریعیة السابقة التی تقرر مبدأ الملکیة العامة فی الأرض المفتوحة، فإنّ من الممکن أن یکون رسول الله صلی الله علیه و آله قد طبّق علی أرض خیبر مبدأ الملکیة العامة، الذی یقتضی تملک الأمة لرقبة الأرض، ویحتّم لزوم استخدامها فی مصالح الأمة وحاجتها العامة

والحاجات العامة للأمة یومئذ کانت من نوعین: أحدها تیسیر نفقات الحکومة التی تنفقها خلال ممارستها لواجبها فی المجتمع الإسلامی، والآخر إیجاد التوازن الاجتماعی ورفع المستوی العام الذی کان متردیاً الی درجة قالت السیدة عائشة فی وصفه: «إنّا لم نشبع من التمر حتی فتح الله خیبر»، فإنّ هذه الدرجة من التردّی التی تقف حائلاً دون تقدّم المجتمع الفنی وتحقیق مثله فی الحیاة یعتبر علاجها حاجة عامة للأمة.

وقد حققت السیرة النبویة إشباع کلا النوعین من الحاجات العامة للأمة، فالنوع الأول ضمن النبی صلی الله علیه و آله إشباعه بالنصف الذی تحدثت الروایات عن تخصیصه للنوائب والوفد ونحو ذلک، والنوع الثانی من الحاجات عولج عن طریق تخصیص ریع النصف الآخر من أرض خیبر لمجموعة کبیرة من المسلمین لیساعد ذلک علی تجنید الطاقات العامة فی المجتمع الإسلامی، وفسح المجال أمامها لمستوی أرفع. فلم یکن یعنی تقسیم خیبر علی عدد کبیر من المسلمین منهم ملکیة رقبة الأرض

ص:136

واختصاصها لمبدأ الملکیة الخاصّة، وإنّما هو تقسیم للأرض باعتبار ریعها ومنافعها مع بقاء رقبتها ملکاً عاماً.(1)

الدلیل الثانی: إرشاد الامام علی علیه السلام الخلیفة الثانی

إنّ أهم الأدلة عند أهل السنة علی مشروعیة الخراج هو ما قام به عمر عندما فتحت أرض السواد حیث إنّه منع من تقسیمها علی المقاتلین، وأمر بان تبقی ملکاً عاماً للمسلمین وأن یؤخذ ممن یستثمرها الخراج لیوضع فی المصالح العامة، وإنّ هذا الحکم لم یقدم علیه الخلیفة عمر إلّا من بعد مشورة الأصحاب وعلی رأسهم الإمام علی علیه السلام فأشار علیه بأن لا یقسّمها علی المقاتلین،(2) فهذا الحکم قد صدر بإرشاد من الإمام المعصوم وموافقة منه، ویؤید ذلک أنّ عمر بعد أن قرر علی أرض السواد بأن تکون أرضا خراجیة جعل علیها عثمان بن حنیف وعمار بن یاسر وهما من خیرة أصحاب أمیر المؤمنین لاسیما عمار الذی هو من حواری أمیر المؤمنین، ومن البعید جداً أنّه یتولّی أمر الخراج دون موافقة إمامه الحقیقی وهو علی أمیر المؤمنین علیه السلام.

وقال صاحب الجواهر فی حدیثه عن اشتراط إذن الإمام فی الأرض المفتوحة: «ومما یدل علیه فعل عمار فإنّه من حلفاء أمیر المؤمنین علیه السلام ولولا أمره لمال ساغ له الدخول فی أمرها».(3)

وقد نقل الخبر السید الشهید الصدر فی کتاب اقتصادنا عن تاریخ الفتوحات الاسلامیة وقال کالأتی: «إنّ الخلیفة الثانی طولب بتقسیم الأرض المفتوحة بین المحاربین فی الجیش الإسلامی، علی أساس مبدأ الملکیة

ص:137


1- (1) الشهید الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، ج 2، ص 40-43.
2- (2) الخراج: 35.
3- (3) جواهر الکلام: 161/21.

الخاصّة، فاستشار الصحابة، فأشار علیه الامام علی علیه السلام بعدم التقسیم، وقال له معاذ ابن جبل إنّک إن قسمتها صار الریع العظیم فی أیدی القوم، ثم یبیدون فیصیر ذلک الی الرجل الواحد او المرأة ثم یأتی من بعدهم قومٍٍ یسدون من الاسلام مسداً، وهم لایجدون شیئاً، فانظر أمراً یسع أولهم وآخرهم فقضی عمر بتطبیق الملکیة العامة، فکتب الی سعد بن أبی وقاص: «اما بعد فقد بلغنی کتابک أنّ الناس قد سألوا أن تقسّم بینهم غنائمهم، فیما أفاء الله علیهم، فانظر ما أجلبوا به علیک فی العسکر من کراع أو مال فاقسمه بین من حضر من المسلمین، واترک الأرضین والانهار لعمالها، لیکون ذلک فی اعطیات المسلمین، فإنا لو قسمناها بین من حضر لم یکن لمن بعدهم شیء».

ویرد الشهید الصدر علی قول البعض من أن هذا یعنی أنّ رقبة الأرض صارت لأهل السواد والخراج للمسلمین، وقول البعض: إنّ هذا تأمیم للخراج ولیس تأمیماً للأرض. فیقول: «ولکنّ الحقیقة إن قیام إجراءات عمر علی أساس الإیمان بمبدأ الملکیة العامة وتطبیقه علی رقبة الأرض کان واضحاً کل الوضوح، ولم یکن ترک الأرض لأهلها اعترافا منه بحقّهم فی ملکیتها الخاصّة وإنما دفعها إلیهم مزارعةً أو إجارةً؛ لیعملوا فی أراضی المسلمین وینتفعوا بها مقابل خراج یقدّمونه إلیهم(1).

الدلیل الثالث: إبقاء الإمام علی علیه السلام لطریقة الخلیفة الثانی فی الخراج

لاشکّ أن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام استمر فی عصر خلافته علی الطریقة التی سار علیها الثانی فی مسألة الخراج.

یقول السید حسن المدرسی فی کتابه الأرض فی الفقه الإسلامی ما

ص:138


1- (1) اقتصادنا: 397/2.

معناه: «إن أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی عصر خلافته لم یغیر نظام الخراج الذی وضعه عمر فی أرض السواد وحافظ علی ذلک المنهج الضرائبی

وذکر المدرسی روایات تبیّن طریقه أمیر المؤمنین فی الخراج وقد ذکرت هذه الروایات فی البحث التاریخی فلا نعیدها، ثم ذکر المدرسی الروایة عن الإمام الباقر التی تقول:

إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قد سار فی أهل العراق بسیرة، فهی إمام لسائر الارضین...(1)

ثم قال: «إنّ المصدر القانونی لضریبة الخراج فی الفقه الشیعی حصل من الجمع بین هذین الأمرین وهما: أن الإمام علی علیه السلام لم یغیر منهج الخلیفة الثانی فی الخراج، وأن الروایة عن الإمام الباقر علیه السلام تقول: إن مسیرة الإمام هی الأنموذج المقتدی به فی جمیع الأراضی التی فتحت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله».(2)

وما ذکره الشیخ الطوسی فی المبسوط بقوله: «ولما أفضی الأمر إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أمضی ذلک لأنه لم یمکنه أن یخالف ویحکم بما یجب عنده فیه...»(3)

فالظاهر أنّ مراده ما عنده من تفاصیل ومقادیر الخراج لا أصل الحکم وإلّا کیف یمکن أن یتصور أنّ علیاًً لم یستطع تغییر حکم الخراج وأنّه أبقی علیه تقیة، وظروف علی علیه السلام لم تکن ظروف تقیة حیث إنّ السلطة کانت بیده وقد عرف منه الشدة فی الأمور المالیة والإداریة وما یرتبط بمسألة العدالة الاجتماعیة، فکیف یرضی بان یغتصب حق الملایین من المزارعین أو أموال عامة المسلمین - کما أنّ کلامه فی شأن الخراج ینفی هذا الاحتمال حیث روی الشریف الرضی فی نهج البلاغة أنه علیه السلام قال فی کتابه لمالک الأشتر

ص:139


1- (1) التهذیب: 118/4.
2- (2) زمین در فقه اسلامی [الفارسیة]، مدرسی: 147/2-148.
3- (3) المبسوط، الطوسی: 34/2 کتاب الجهاد.

وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا یُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فی صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاََنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِیَالٌ علی الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.

وَلْیَکُنْ نَظَرُکَ فی عِمَارَةِ الاَْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِکَ فی اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَِنَّ ذلِکَ لاَ یُدْرَکُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَیْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَکَ الْعِبَادَ، وَلَمْ یَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِیلاً.

فَإِنْ شَکَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ یصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ یَثْقُلَنَّ عَلَیْکَ شَیْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ یَعُودُونَ بِهِ عَلَیْکَ فی عِمَارَةِ بِلادِکَ، وَتَزْیِینِ وِلاَیَتِکَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِکَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِکَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِیهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِکَ لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِکَ عَلَیْهِمْ فی رِفْقِکَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الاُْمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِیهِ عَلَیْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَیِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا یُؤْتَی خَرَابُ الاَْرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، إِنَّمَا یُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ علی الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.(1)

الدلیل الرابع: الروایات الأخری

1. منها ما رواه الشیخ الطوسی بسنده عن أحمد بن عیسی، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البیزنطی قال:

«ذکرت لابی الحسن الرضا علیه السلام الخراج وما سار به أهل بیته، فقال: «العشر ونصف العشر علی من أسلم تطوعاً ترکت أرضه فی یده، وأخذ منه العشر ونصف العشر فیما عمر منها، وما لم یعمر منها أخذه الوالی فقبله ممن یعمره وکان للمسلمین، ولیس فیما کان أقل من

ص:140


1- (1) نهج البلاغة: عهد الامام لمالک الاشتر.

خمسة أوساق شیءٍ، وما أخذ بالسیف فذلک للإمام یقبّله بالذی یراه کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله بخیبر... الحدیث».(1)

2. محمد بن یعقوب عن علی بن ابراهیم عن ابیه عن حماد، عن حریز، عن ابی بصیر ومحمد بن مسلم جمیعاً، عن أبی جعفر علیه السلام إنهما قالا له هذه الأرض التی یزارع أهلها ما تری فیها؟ فقال:

کل أرض دفعها إلیک السلطان فما حرثته فیها فعلیک مما أخرج الله منها الذی قاطعک علیه، ولیس علی جمیع ما اخرج الله منها العشر، إنّما علیک العشر فیما یحصل فی یدک بعد مقاسمته لک.(2)

فالروایة تدل علی وجوب دفع الخراج حتی لو کان سلطاناً جائراً وهذه الروایة تصلح دلیلاً للخراج بالمعنی الأعم، لأنّه لم یحدد نوع الأرض

3. عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن علی بن أحمد بن أشیم عن صفوان بن یحیی، وأحمد بن محمد بن أبی نصر، قالا: ذکرنا له الکوفة وما وضع علیها من الخراج وما سار فیها أهل بیته، فقال:

من أسلم طوعاً، تُرکت أرضه فی یده إلی أن قال - وما اخذ بالسیف فذلک إلی الإمام یقبّله بالذی یری، کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله بخیبر، وعلی المتقبّلین سوی قبالة الأرض العشر ونصف العشر فی حصصهم.(3)

4. وبإسناده عن احمد بن محمد بن عیسی، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر فی حدیث قال: ذکرت لأبی الحسن الرضا علیه السلام الخراج وما سار به أهل بیته، فقال:

وما أخذ بالسیف فذلک إلی الإمام یقبّله بالذی یری، وقد قبّل رسول الله صلی الله علیه و آله خیبر، وعلیهم فی حصصهم العشر ونصف العشر».(4)

ص:141


1- (1) التهذیب: 119/4.
2- (2) الوسائل: ج 188/9، أبواب زکاة الغلات، باب 7: ح 1.
3- (3) المصدر، ح 2.
4- (4) المصدر ح 3.

5. محمد بن یعقوب، عن محمد بن یحیی، عن احمد بن محمد، عن عبد الله بن مالک، عن أبی قتاده، عن سهل بن الیسع... وسأل أبا الحسن موسی علیه السلام عما یخرج منها، ما علیه فقال:

إن کان السلطان یأخذ خراجه فلیس علیک شیء، وإن لم یأخذ السلطان منها شیئاً فعلیک إخراج عشر ما یکون فیها.(1)

أی ان الخراج الذی یأخذه السلطان یسقط الزکاة الواجبة فهو بمثابة البدل عن الواجب

6. وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن رفاعة بن موسی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

سألته عن الرجل یرث الأرض أو یشتریها فیؤدی خراجها إلی السلطان هل علیه عشر قال: «لا».(2)

أی ان الخراج یکفی بدلاً عن الزکاة

7. عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

من أخذ منه السلطان الخراج فلا زکاة علیه.(3)

والاستدلال بهذه الروایات الأخیرة علی مشروعیة الخراج مبنی علی أنّ الخراج یحلّ محل الزکاة ویکون بدلاً عنها

8. مرسلة حماد

محمد بن یعقوب عن أبیه عن حماد بن عیسی عن بعض أصحابه عن الإمام الکاظم علیه السلام فی حدیث:

«... والأرضون التی أخذت عنوه بخیل أو رکاب فهی موقوفة متروکة فی

ص:142


1- (1) المصدر: باب 10، ح 1.
2- (2) المصدر: باب 1.، ح 2.
3- (3) المصدر: ح 3.

یدی من یعمرها ویحییها، ویقوم علیها علی ما صالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من النصف أو الثلث أو الثلثین علی قدر ما یکون لهم صلاحا ولا یضرهم...»(1).

9. التهذیب، باب الأنفال

الشیخ عن صفوان بن یحیی عن أبی برده بن رجاء قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: کیف تری فی شراء أرض الخراج؛ قال:

ومن یبیع ذلک وهی أرض المسلمین ؟! قال قلت یبیعها الذی هی فی یدیه: قال: ویصنع بخراج المسلمین ماذا؟ ثمّ قال: «لا بأس یشتری حقّه منها ویحوّل حق المسلمین علیه ولعله یکون أقوی علیها وأملک بخراجها منه.(2)

ثالثاً: الإجماع وأقوال الفقهاء

ذکر بعض الفقهاء دلیل الاجماع فی ثنایا استدلالهم علی الخراج ومن هؤلاء الفقهاء مایلی:

1. قال المحقق الکرکی فی رسالة قاطعة اللجاج فی الأرض المفتوحة عنوة: «وهذه الأرض للمسلمین قاطبة لا یختص بها المقاتلة عند أصحابنا کافة خلافاً لبعض العامة».

ولا یفضلون فیها علی غیرهم ولا یتخیّر الإمام بین قسمتها ووقفها وتقریر أهلها علیها بالخراج، بل یقبّلها الإمام علیه السلام لمن یقوم بعمارتها بما یراه من النصف أو الثلث أو غیر ذلک. وعلی المتقبِّل أخراج مال القبالة الذی هو حقّ الرقبة وفیما یفضل فی یده إذا کان نصاباً، إما العشر أو نصف العشر.

ولا یصح التصرّف فی هذه الأرض بالبیع والشراء والوقف وغیر ذلک.

ص:143


1- (1) الوسائل: 11/15.
2- (2) النهذیب: 146/4، باب الانفال.

وللإمام علیه السلام أن ینقلها من متقبل الی آخر، إذا انقضت مدة القبالة أو اقتضت المصلحة ذلک وله التصرّف فیها بحسب مایراه الإمام علیه السلام من المصلحة للمسلمین، وانتفاع الأرض یصرف إلی المسلمین والی مصالحهم، ولیس للمقاتلة فیه إلّا مثل ما لغیرهم من النصیب فی الارتفاع.

وقال: وفی الأرض التی أسلم علیها أهلها طوعاً ثمّ ترکوا عمارتها وترکوها خراباً فهی أیضا تصبح للمسلمین قاطبة، وجاز للإمام علیه السلام أن یقبّلها ممن یعمرها بما یراه من النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلک

وعلی المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومؤونة الأرض مع وجود النصاب العشر أو نصفه، وللإمام علیه السلام أن یعطی أربابها حقّ الرقبة من القبالة علی المشهور.

وقال فی أرض الصلح وهی کلّ أرض صالح أهلها علیها وهی أرض الجزیة، فیلزمهم ما یصالحهم علیه السلام علیه من نصف أو ثلث أو ربع أو غیر ذلک ولیس علیهم شیء سواه، وإما إذا صولحوا علی أن تکون الأرض للمسلمین وعلی أعناقهم الجزیة کان حکمها حکم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمین ومواتها للإمام.

وفی تعلیقه علی مرسلة حماد قال المحقق الکرکی: «وهذا الحدیث وإن کان من المراسیل إلّا أن الأصحاب تلقّوه بالقبول ولم تجد له راداً وقد عملوا بمضمونه واحتج به علی ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة فی المنتهی، وما هذا شأنه فهو حجة بین الأصحاب، فان ما فیه من الضعف ینجبر بهذا القدر من الشهرة»(1).

2. وقال الفاضل الشیبانی فی رده علی المقدّس الأردبیلی: «انّ هذه المسألة لیس للاجتهاد فیها دخل لأنها من المسائل الاجماعیة، ولهذا لم

ص:144


1- (1) راجع: الکرکی، علی بن عبد العالی، رسالة قاطعة اللجاج، کتاب الخراجیات: 44-49.

یذکرها العلامة فی مختلفه الذی اجتهد فیه علی ذکر المسائل الخلافیة».(1)

3. وقال صاحب الجواهر:

«ولا تجب الزکاة إلا بعد إخراج حصة السلطان، بلا خلاف أجده، کما عن جماعة الاعتراف به أیضا، بل عن الخلاف: الإجماع علیه، بل فی المعتبر: خراج الأرض یخرج وسطاً، ویؤدی زکاة ما بقی إذا بلغ نصاباً إذا کان لمسلم، وعلیه فقهاؤنا وأکثر علماء الإسلام»(2).

وفی موضع آخر قال صاحب الجواهر.

بل لا ینبغی التأمل (فی إخراج الخراج قبل الزکاة) فی حصة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة ضرورة إنها کالحصة من المزارعة التی یستحقها مالک الأرض(3)

4. وقال السید الخوئی رحمة الله فی منهاج الصالحین (قسم العبادات). مسألة 43:

«الأرض المفتوحة عنوة التی هی ملک عام للمسلمین أمرها بید ولی الأمر فی تقبیلها بالذی یری ووضع الخراج علیها حسب ما یراه من المصلحة کماً وکیفاً».

مسألة 44:

«ولا یجوز بیع رقبتها ولا شراؤها علی أساس ما عرفت من أنّها ملک عام للامة، نعم، یجوز شراء الحق المتعلّق بها من صاحبه وقد دلّت علی کلا الحکمین..» مضافاً إلی أنّهما علی القاعدة عدة من الروایات منها صحیحة الحلبی:

«قال سئل أبو عبد الله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال: «هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم، ولمن یدخل فی الاسلام بعد الیوم، ولمن لم یخلق

ص:145


1- (1) کتاب الخراجیات، الشیبانی: 18.
2- (2) جواهر الکلام: 223/15، کتاب الزکاة.
3- (3) المصدر: 224.

بعد» فقلت: الشراء من الدهاقین. قال: «لا یصلح إلّا أن تشتری منهم علی أن یصیّرها للمسلمین، فإن شاء ولی الأمر أن یأخذها أخذها» قلت: فان أخذها منه ؟ قال:

«یردّ علیه رأس ماله وله ما أکل من غلتها بلا عمل، ولذلک لا یصحّ وقفها ولا هبتها وغیر ذلک من التصرّفات المتوقّفة علی الملک إلّا إذا کان بإذن ولی الأمر»(1)

ص:146


1- (1) الخوئی، ابو القاسم، منهاج الصالحین والعبادات، ج 1، ص 381.

القسم الثانی: أدلة الخراج الأعم أو خراج الأنفال

اشارة

تقدّم فی بحث الأنفال أنّ هذا المصطلح شامل لجمیع الأراضی التی هی موضوع ملکیة الحکومة وأنها بمعنی أو الزیادة أو الهبة التی وهبها الله ورسوله کما نصّت الآیة الکریمة یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ1

أی أنها ملک خالص للرسول فلا ینبغی الاختلاف والنزاع ویجب طاعة الرسول فی ذلک کی تتحقق التقوی والاصلاح، ومعنی کونه للرسول أی: لمقام الرسالة وقیادة الاُمة، فهو بما أنه رسول وإمام یضع هذه الأراضی وریعها ونتاجها کیف یشاء وإنما یحب، ولا شک أن الرسول لایحب إلّا مایرضی الله سبحانه ولا یرضی الله سوی اقامة العدل فی ربوع الأرض.

وهناک أدلة کثیرة علی أنّ هذه الأراضی یجب التعامل معها واستثمارها من قبل الإمام بالطریقة التی یحقق خراجها ونتاجها للصالح العام وأهداف الحکومة الإسلامیة العادلة.

وهذه الادلة هی:

ص:147

أولاً: القران الکریم

أ) آیات سورة الحشر

وقد تقدّم البحث فیها عند مناقشة رای العامة بأن هذه الآیات تدلّ علی الخراج الخاص، وذلک لأنهم فسّروا الفیء بالغنیمة، وقلنا: إنّ الفیء عندنا هو کل ما دخل فی ملکیة الدولة الإسلامیة بغیر حرب وعمل عسکری، وأنه ملک للرسول، وأن الآیة رقم (7) من سورة الحشر ترشد الرسول صلی الله علیه و آله إلی کیفیة تقسیم الفیء کما أن قوله تعالی کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ وکذلک قوله وَ الَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فیه إرشاد للرسول أن یتعامل بالفیء بالنحو الذی یمنع فیه حصول التمایز الطبقی وتمرکّز المال عند فئات معینة ویراعی به مصلحة الأجیال القادمة وأن هذه الآیات، إذا لم تدلّ علی حکم الخراج بالمعنی الخاص بتنقیح المناط، فإنّها تدلّ علی الخراج بالمعنی العام، لأن موضوعها وموردها هو الفیء.

فالایة الکریمة تأمر بأن یستثمر الفیء بحیث یعود ریعه علی الفئات المذکورة فی الآیة، وبالنحو الذی یقضی علی الطبقیة والفقر، لا فی عصر الآیة فحسب وإنما فی العصور اللاحقة أیضاً حتی یاتی الجیل اللاحق ویستغفر للجیل السابق ویترحم علیه

ب) آیة الانفال

فقد جاء فی تفسیر هذه الآیة عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

وما کان من فتح لم یقاتل علیة ولم یوجف علیه بخیل ولا رکاب إلّا أن أصحابنا یأتونه فیعاملون علیه، فکیف ما عاملهم علیه النصف أو الثلث أو الربع أو ما کان یسهم له خاصة ولیس لأحد فیه شیء إلّا ما أعطاه هو منه (أی الرسول أو الامام)، وبطون الأودیة ورؤوس الجبال

ص:148

کلها هی له، وهو قوله تعالی: یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ أن تعطیه منه قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ»1 .

وعن کتاب الوسائل أیضاً عن علی بن الحسین المرتضی فی رسالة (المحکم والمتشابه) نقلا عن تفسیر النعمانی بإسناده عن علی علیه السلام بعد ذکر الخمس وأن نصفه للإمام، ثم قال:

إنّ للقائم باُمور المسلمین بعد ذلک الأنفال التی کانت لرسول الله صلی الله علیه و آله، قال الله عز وجل یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ وإنما سألوا الأنفال لیاخذوها لأنفسهم فأجابهم الله بما تقدّم ذکره والدلیل علی ذلک قوله تعالی: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ أی الزموا طاعة الله واصلحوا ذات بینکم فی أن لا تطلبوا مالا تستحقونه، فما کان لله والرسول فهو للإمام.(1)

أی أن الأنفال لا تقسم أی تکون ملکاً للأشخاص وإنما هی ملک مقام الرسالة والإمامة ویقوم الرسول أو الإمام باستثمارها بواسطة الأفراد أو المؤسسات مقابل الخراج أو الطِسق او الضریبة العقاریة أو ما شابه ذلک.

ثانیاً: السنة الشریفة

أ) ما رواه الشیخ فی الصحیح عن عمر بن یزید «أنّه سمع رجلاً یسأل الصادق علیه السلام، عن رجل أخذ أرضاً مواتاً ترکها أهلها فعمرها وأکری أنهارها وبنی فیها بیوتا وغرس فیها نخلاً وشجراً، قال: فقال أبو عبد الله علیه السلام

کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول من أحیی أرضاً من المؤمنین فهی له وعلیه طِسقها یؤدیه إلی الإمام من أهل بیتی، فإذا ظهر القائم علیه السلام، فلیوطئ نفسه علی أن تؤخذ منه.(2)

ص:149


1- (2) المصدر، ج 9، ص 531، ح 19.
2- (3) التهذیب: 145/4، باب زیادات الأنفال.

ب) عن الإمام الباقر علیه السلام، قال:

وجدنا فی کتاب علی علیه السلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ1 أنا وأهل بیتی اللذین أورثنا الأرض ونحن المتقون، والأرض کلّها لنا، فمن أحیا أرضاً من المسلمین فلیعمرها ولیؤدی خراجها إلی الإمام من أهل بیتی وله ما أکل منها فإن ترکها وأخربها، فأخذها رجلاً من المسلمین من بعده فعمّرها وأحیاها فهو أحق بها من الذی ترکها فلیؤدی خراجها إلی الامام من أهل بیتی وله ما أکل منها حتی یظهر القائم علیه السلام.(1)

وهذه الروایة منضمة إلی الآیة الکریمة المذکورة فیها لاتبقی أی شک وریب وإبهام فی معرفة المنهج الفکری والنظرة الإسلامیة إلی الإرض وکذلک تحدد بوضوح طریقة تعامل الاسلام مع الارض فهو یفتح الباب لاستثمار الأراضی وإعمارها وفی نفس الوقت یمنع الاستحواذ علی الأرض وتملک رقبتها وتعطیلها دون استثمار، الأمر الذی یؤدی إلی تعطیل الأرض وتضخّم الثروات عند فئة علی حساب أُخری، فالإسلام یدعو الی استثمار الأرض والاختصاص بها ما دام الانتاج والإحیاء مستمرّاً ومقابل دفع الاجرة والخراج إلی الامام وولی الأمر.

وهکذا یستمر هذا البرنامج حتی ظهور القائم (عج) وتشکیل حکومة الصالحین.

ج) هناک عدد من الروایات ذکرت فی الفصل الثانی عند الحدیث عن موضوع الأراضی المملوکة للإمام أو الحکومة وهی تدلّ علی وجوب دفع الطِسق مقابل إحیاء الاراضی.(2)

ثالثاً: أقوال الفقهاء

أ) وقال المحقق الکرکی فی أرض الأنفال: «وهی کلّ أرض انجلی أهلها

ص:150


1- (2) وسائل الشیعة: 415/25.
2- (3) راجع: ص 38-40. من هذه الرسالة.

عنها وترکوها وکانت مواتاً لغیر مالک فأحییت أو کانت آجاما وغیرها مما لا یزرع فاستحدثت مزارع فإنها للإمام علیه السلام خاصّة لا نصیب لأحد معه فیها وله التصرّف فیها بالبیع والشراء والهبة والقبض حسب ما یراه، وکان له أن یقبلها بما یراه من نصف أو ثلث أو ربع، ویجوز له نزعها من ید متقبلها إذا انقضت مدة القبالة إلّا ما أُحییت بعد موتها فإنّ من أحیاها أولی بالتصرّف فیها إذا تقبلها بما یتقبله غیره فان أبی کان للإمام نزعها من یده وتقبیلها لمن یراه وعلی المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فیما یحصّل العشر أو نصفه».(1)

ب) قال السید الشهید الصدر فی تحلیله لمسألة أخذ الطِسق فی مقابل إحیاء الأرض:

«وأما الأرض فلما کانت بطبیعتها لا تسمح لانتفاع فردین بها فی وقت واحد، فقد شرع الطسق الذی ینفقه الإمام علی مصالح الجماعة لیتاح للآخرین الاستفادة عن هذا الطریق، بعد أن حال الحقّ الخاص لصاحب الأرض الذی أحیاها عن انتفاع الآخرین بتلک الأرض انتفاعاً مباشراً...»

وما دام الطِسق یعتبر تشریعیاً من الأنفال فمن المعقول أن یعتبر ضریبة نابعة من النظریة العامة فی العدالة الاجتماعیة وما تضم من مبادیء الضمان والتوازن العام. وإنّما اختصت الأرض، فشرعت هذه الضریبة وقایة للمجتمع الإسلامی من إعراض الملکیة الخاصة للارض، التی منیت بها المجتمعات غیر الإسلامیة، ومقاومة لمآسی الریع العقاری التی ضجّ بها تاریخ الأنظمة البشریة، ودوره فی إشاعة الفروق والتناقصات وتعمیقها. ویشابه الطِسق علی هذا الأساس الخمس الذی فرض ضریبة علی ما یستخرج من المعدن.(2)

ص:151


1- (1) الخراجیات، الکرکی: 44.
2- (2) اقتصادنا: 562.

ص:152

الفصل الرابع: حکم الخراج فی زمن الغیبة وأخبار التحلیل

اشارة

وهی:

القسم الأول: الخراج الخاص

البحث الثانی: حکم الخراج العام (خراج الأنفال)

ص:153

ص:154

القسم الأول: الخراج الخاص

اشارة

تقدم فی البحث الماضی ذکر الأدلة علی أن التصرّف فی الأرض علی اختلاف أنواعها لا یجوز إلّا بأذن عام أو خاص من الإمام الذی یعتبر هو المالک للأرض بنحو مباشر کما فی أراضی الأنفال والفیء أو بنحو غیر مباشر کما فی الأراضی المفتوحة عنوة أو الصلحیة التی هی ملک للمسلمین، وحیث أنّ التصرّف بها واستثمارها مرهون بإذن الإمام فهی بیده وإن لم تکن ملکاً له، وفی مقابل هذه الأدلة فإنّ هناک رأیین وقولین فی جواز التصرّف فی الأراضی المفتوحة عنوة فضلاً عن الأراضی الأخری وأنه یجوز التصرف بالأرض دون الحاجة إلی الإذن من الإمام ولا غیره، والقولان هما:

1. الإباحة المطلقة فی التصرّف فی عصر الحضور والغیبة.

2. التفصیل بین عصر الغیبة وعصر الحضور فیباح التصرف فی الأراضی المفتوحة عنوة فی عصر الغیبة ویتوقف علی الإذن فی عصر الحضور.

وجواب القول الأول هو الادلة الکثیرة التی ذکرت فی الفصل الثالث من الرسالة عند الحدیث عن أدلة الخراج، فلا نعیدها.

وأما جواب القول الثانی، فإضافة إلی إطلاق أدلة سابقة التی ذکرت فی

ص:155

الفصل الثالث من الرسالة الذی یدل علی شمول الخراج لحالتی الحضور والغیبة فإن هناک أدلة علی عدم الفرق فی وجوب الاستئذان من الإمام وکذلک دفع الخراج إلیه عند التمکّن فی زمانی الحضور والغیبة.

وحول هذا الموضوع یقول الشیخ الاصفی بعد ذکره عدداً من الأدلة فی عدم جواز التصرف الفردی بهذه الارض الا بأذن من الامام الحاکم:

ولا شک فی جواز التصرف بإذن الإمام مع أداء الخراج إلیه، وجواز إقامة البناء والعمران فی الأرض وزرعها واستثمارها وقد صرح بذلک الفقهاء بما ینفی وجود أی خلاف بینهم فی المسألة.

وقد نفی استاذنا السید محسن الحکیم رحمة الله وجود أی خلاف فی المسألة فی هذه الحدود.

هذا فی عصر الامام، وأما فی عصر غیبته فإنّ الأصل المتقدّم فی حرمة التصرّف فی أراضی المسلمین یبقی علی وضعه، ولیس من موجب لتحول الأصل المتقدّم فی عصر غیبة الإمام إلی اباحة التصرّف وینتقل الحق المتقدّم للامام إلی من ینوب عنه فی ولایة المسلمین وهم الفقهاء.(1)

وقد دلت روایات کثیرة وأدلة عقلائیة وعقلیة فی إثبات ولایة أو نیابة العلماء العدول فی زمن الغیبة والتحقیق فی هذه المسألة خروج عن غرض هذه الرسالة، وإنما نذکرها فقط ما یرتبط بمسألة الخراج فقد قال المحقق الثانی: «فان قلت فهل یجوز أن یتولّی من له النیابة حال الغیبة ذلک - مسألة أخذ الخراج او المقاسمة - أعنی الفقیه الجامع للشرئط قلنا: لا نعرف للأصحاب فی ذلک تصریحاً، لکن مَن جوّز للفقهاء حال الغیبة تولّی استیفاء الحدود وغیر ذلک من توابع منصب الإمامة ینبغی له تجویز ذلک بطریق أولی لا سیما

ص:156


1- (1) ملکیة الأرض فی الأسلام: 1.

والمستحقون لذلک موجودون فی کلّ عصر ومن تأمل فی أحوال کبراء علمائنا الماضین مثل علم الهدی، ونصیر الملّة والدین، وبحر العلوم، العلامة الحلّی رحمهم الله، وغیرهم نظر متأمل منصف لم یشک فی أنهم کانوا یسلکون هذا المسلک، وما کانوا یودعون فی کتبهم إلّا ما یعتقدون صحته...»(1).

یقول الشیخ الانصاری فی تعلیقه علی کلام المحقق الثانی هذا: «وحمل ما ذکره من تولّی الفقیه فی زمان الغیبة علی حالة عدم وجود الحاکم الجائر خلاف الظاهر»(2).

ویقول العلامة محمد آل بحر العلوم فلا مناص: «عن القول بالتوقّف علی إذن الإمام، أو من یقوم مقامه، وهو لا ینافی الحکم بملکیة الآثار لمن کانت یده علیها، حملا للتصرفات علی الوجه الصحیح من تحقق الإذن عند إیجادها وإحداثها ودعوی سقوط اعتبار الإذن فی زمان الغیبة علی عهدة مدَّعیها».(3)

واختار هذا القول أیضا الشیخ محمد حسین الاصفهانی فی حاشیته علی المکاسب، وجمع غفیر من علماء الطائفة.(4)

مناقشة أخبار التحلیل

وأما أخبار التحلیل التی استدل بها القائلون بالإباحة مثل استدلالهم بصحیحه ابن سنان قلت:

لأبی عبد الله علیه السلام إن لی أرض خراج وقد ضقت بها، أفأدعها؟ قال فسکت هنیئة ثمّ قال إنّ قائمنا لو قام کان نصیبک من الأرض أکثر منها.

ص:157


1- (1) کتاب الخراجیات؛ رسالة قاطعة اللجاج: 74.
2- (2) کتاب المکاسب، الانصاری: 219/2.
3- (3) بلغة الفقیه: 235/1-236.
4- (4) حاشیة کتاب المکاسب، الاصفهانی: 63/3. ملکیة الأرض فی الإسلام: 12.

أو أخبار الإباحة التی تبیح للمسلمین احیاء الأراضی المتروکة والموات وتثبیت للقائم بالإحیاء حقّاً بالاختصاص أو الملکیة فی الأرض، کقوله علیه السلام «من أحیی أرضا فهی له» وغیر ذلک من روایات الباب فقد ناقش المحققق الاصفهانی دلالة هاتین الطائفتین من الروایات فقال: وفیه «إن ارید تحلیل نفس الأرض بحیث یکون ملکا لمن بیده فهو مناف لکونها ملک المسلمین ولا معنی لتحلیل ملک الغیر، وإن ارید إباحة التصرّف فقط، فان کان مجاناً فهو أیضا مناف لکون الأرض خراجیة، وإن کان بالخراج لا مجاناً فأخبار التحلیل قاصرة عن إثبات جواز التصرّف بالخراج».

وبالجملة: فما یلائم أخبار التحلیل من التملیک أو الإباحة المالکیة مجاناً فهو لا یلائم کون الأرض بمنافعها للمسلمین، وأما روایات التملک بالإحیاء فقال: (وفیه: «إن ما تقدّم من زوال الملک بالموَّتان، حتی یکون الإحیاء المأذون فیه سبباً للملک أو الحق، إنّما هو فیها إذا کانت المحیاة مملوکة بالإحیاء من السابق وأما إذا کانت بسبب آخر فلا، ومن البیِّن أن الأرض الخراجیة ملکها المسلمون بالاغتنام دون الإحیاء، مع حقه بامتناعه عن القیام بعمارة الأرض، لا بمجرد خرابها وامتناع المسلمین عن القیام بعمارتها أو امتناع ولی أمرهم عن ذلک غیر مفروض هنا، حتی یزول الملک المسلمین ویدخل تحت عنوان الإحیاء».(1)

وقال الشیخ الأنصاری فی المکاسب بعد ذکر کلام صاحب المسالک حول عدم جواز الامتناع عن دفع المقاسمة والخراج الی الجائر ولا التصرف من غیر أذنه وقول بعض الأساطین بحرمة سرقة الحصة وخیانتها والامتناع عن تسلیمها وعن تسلیم ثمنها بعد شرائها إلی الجائر وان حرمت علیه دخل تسلیمها فی الإعانة علی الإثم:

أقول: «ان أُرید منع الحصة مطلقاً، فیتصرّف فی الأرض دون أجرة فله

ص:158


1- (1) حاشیة کتاب المکاسب: 62/3.

وجه؛ لأنها ملک للمسلمین فلا بدّ لها من اجرة تصرف فی مصالحهم، وإن أرید منها من خصوص الجائر فلا دلیل علی حرمته، لأن اشتغال ذمة مستعمل الأرض بالأجرة لا یوجب دفعها الی الجائر بل یمکن القول بأنه لا یجوز مع التمکّن؛ لأنه غیر مستحق فیسلم إلی العادل أو نائبه الخاص أو العام، ومع التعذّر یتولّی صرفه فی المصالح حسبةً احتساباً وقربة إلی الله تعالی».(1)

ویقول الشیخ الآصفی: «فإن القاعدة الأولیة فیما هو ملک للغیر توقّف التصرّف علی إذنه أو إذن ولیّه، وحیث إنّ ملکیة هذه الأراضی تعود للمسلمین، ولا یمکن تحصیل الإذن من المسلمین عامة علی الامتدادین الزمانی والمکانی، فإن جواز التصرّف فیها یتوقّف علی إذن الإمام ویخلّفه فی ذلک الحاکم الشرعی فی عصر الغیبة».

وعلی فرض وجود روایات صریحة فی تحلیل الأراضی المفتوحه عنوة بحیث لایمکن حملها علی الأراضی الأنفال فقط، فلا تکون هذه الروایات مع ذلک دالة علی إذن عام فی التصرّف غیر قابل للتبدّل، وذلک أنّ الأئمة علیهم السلام یمثّلون فی أحادیثهم شخصیتین:

فهم امتداد لشخصیة الرسول صلی الله علیه و آله فی تبلیغ الشریعة من جانب؛ یبلّغون عن النبی صلی الله علیه و آله ما یتصل بشؤون الشریعة، وهم امتداد لشخصیة النبی صلی الله علیه و آله فی الولایة علی المسلمین من جانب آخر فی ممارسة الصلاحیات المحوّلة إلیهم فی قیادة المجتمع وإدارته، وهذا هو الجانب التنفیذی من شخصیتهم فی قبال الجانب الأول الذی هو الجانب التبلیغی من شخصیتهم

والأحادیث الواردة عنهم کذلک قد تکون تبلیغا لإحکام الشریعة فیما یروون عن رسول الله صلی الله علیه و آله وهی أحکام الهیة ثابتة لا تتغیر کالأحکام المتعلّقة بالصلاة والصوم والحجّ وغیر ذلک من أبوب الشریعة.

ص:159


1- (1) راجع: کتاب المکاسب: 518/1.

وقد تکون أحکاما ولائیة خوّلت إلیهم صلاحیة إصدارها وإقرارها أو إلغائها فی کلّ عصر وفی کلّ ظرف بید الإمام القائم بشؤون المسلمین.

فإنّه مما لا ریب فیه أنّ ملکیة هذه الأراضی من ناحیة تشریعیة للمسلمین عامة والإشراف علیها للإمام، وهذا هو الجانب التشریعی الذی لا یمکن أن یتغیّر.

وأما الإذن بالتصرّف علی نحو خاص أو عام فهو حکم ولائی تنفیذی یکون أمر إصداره أو إلغائه بید الإمام أو الحاکم الذی یتولّی أمر المسلمین بصورة مشروعة ویبقی للائمة الذین یتعاقبون فیما بعد علی منصب الإمامة حق إلغاء هذا الحکم کلما اقتضت المصلحة الإسلامیة ذلک، کما یبقی هذا الحق للفقهاء فی عصر الغیبة بمقتضی أدلة ولایتهم علی شؤون المسلمین نیابة عن الأئمة علیهم السلام وبما تقدّم یظهر أنّ جواز التصرّف فی هذه الأراضی بإحداث بناء أو عماره أو زرع واستثمار الأرض فی شیءٍ، موقوف علی إذن الإمام فی عصر الحضور وعلی إذن الفقیه الجامع للشرائط فی عصر الغیبة، وهو الرأی الذی ذهب الیه المشهور من فقهاء الطائفة.(1)

ص:160


1- (1) ملکیة الارض فی الاسلام، الآصفی: 14.

القسم الثانی: حکم الخراج العام (خراج الأنفال)

اشارة

ذکر فی البحوث السابقة أنّ الأنفال عنوان شامل ینطبق علی کلّ أرض زائدة عن حقّ الاُمة، وأنّها حقّ للإمام بما أنّه قائد ومدیر لشوؤن الحکومة الاسلامیة وأنّ الإمام یوزّع هذه الأرض بالنحو الذی یدبّر به شوؤن الحکومة الإسلامیة ویبسط العدل فی المجتمع الإسلامی، وأرض الأنفال: «أرض واسعة تشمل الکثیر من العناوین کالأرض المفتوحة بغیر قتال، وأرض الموات، والأرض التی لا مالک لها، ورؤوس الجبال، وبطون الأودیة والآجام والأهوار، وقطائع الملوک وصفایاهم، وصفایا الغنیمة، وغنائم المقاتلین دون إذن الإمام، والمعادن، ومیراث من لا وارث له، والبحار والأرض المعطلّة ثلاث سنین علی قول».(1)

وذکرتُ فی الفصل الثالث الأدلة التی تدلّ علی أنّ التصرّف فی هذه الأرض غیر جائز دون إذن الامام، وأن الإمام یعطیها حسب مایراه من المصلحة فی مقابل أخذ الطسق الذی یصرفه الإمام فی شوؤن الحکومة

ص:161


1- (1) راجع: مدرسی، محمد حسین، زمین در فقه إسلامی (الفارسیة): 93/1. ولایة الفقیه، المنتظری: 31/4-12.

الإسلامیة وفی مقابل تلک الأدلة فإنّ هناک من یقول بتحلیل وإباحة الأنفال من قبل الأئمة لشیعتهم لاسیما فی زمان الغیبة، وفی ما یلی نبحث فی هذه الأدلة ومقدار دلالتها، لکی ننتهی إلی مایمکن أن یحکم به حول هذه الأراضی فی زماننا الحاضر، وقبل الخوض فی أصل هذا البحث لابدّ من ذکر مقدّمة هامة هی بمثابة الملاک المستنبط من نصوص الشریعة وعلی ضوئه تتحدد الأحکام والقوانین الاقتصادیة للشریعة، وهذه المقدّمة هی:

دور المفاهیم والاهداف فی معرفة الاحکام

من أجل معرفة الأحکام الإسلامیة لابدّ للمستنبط أن یکون محیطاً بالمفاهیم الاسلامیة العامة ورؤیة الإسلام فی کیفیة إدارة الحیاة والأهداف التی یتوخی الإسلام تحقیقها للفرد وللاُمة فیحدد علی ضوئها الإطار الذی یستنبط أحکامه الشرعیة فی ضمنه، بحیث تتحرک کلّ الأحکام التی یستنبطها فی الطریق الذی یصل إلی الأهداف الإسلامیة العلیا.

وفی موضوع الملکیة یجب أن نعرف قبل البحث فی الأحکام الجزئیة فی المعاملات، أن مفهوم الإسلام عن الملکیة یقول بأن الله تعالی استخلف الجماعة علی المال والثروة فی الطبیعة، وجعل من تشریع الملکیة الخاصّة اسلوباً یحقق ضمنه الفرد متطلبات الخلافة من استثمار المال وحمایته وإنفاقه فی مصلحة الإنسان، فالملکیة عملیة یمارسها الفرد لحساب الجماعة، ولحسابه ضمن الجماعة کما ویجب أن نعرف رأی الإسلام فی التداول بوصفه ظاهره مهمة من ظواهر الحیاة الاقتصادیة، فأنه یری أنّ التداول بطبیعته الأصیلة یشکل شعبة من الإنتاج، فالتاجر حین یبیع منتجات غیره یساهم بذلک الإنتاج؛ لأنّ الإنتاج دائماً هو إنتاج منفعة ولیس إنتاج مادة؛ لأنّ المادة لا تُخلق من جدید، والتاجر بجلبه للسلعة المنتجة ووضعها فی متناول ای

ص:162

المستهلکین یحقق منفعة جدیدة، بل لامنفعة بالنسبه للمستهلکین بدون ذلک العمل، وکل اتجاه فی التداول یبعده عن واقعه الأصیل هذا ویجعله عملیة طفیلیة مقصوده للإثراء فحسب، ومؤدیة إلی تطویل المسافة بین السلعة والمستهلک، فهو اتجاه شاذ یختلف عن الوظیفة الطبیعیة للتداول.

فمثل هذه المفاهیم تقوم بدور الإشعاع علی بعض الأحکام وتیسّر مهمة فهمها من نصوصها الشرعیة، والتغلّب علی العقبات التی تعترض ذلک فالمفهوم الأول عن الملکیة الخاصّة یهیئ الذهنیة... لتقبل نصوص شرعیة تحدّ من سلطة المالک، وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة للجماعة. لأنّ الملکیة بموجب ذلک المفهوم وظیفة اجتماعیة، یسندها الشارع إلی الفرد، لیساهم فی حمل أعباء الخلافة التی شرف الله بها الإنسان علی هذه الارض، ولیست حقاً لا یقبل التخصیص والاستثناء، فمن الطبیعی أن تخضع الملکیة لمتطلبات هذه الخلافة. الیسیر فی هذا الضوء تقبل نصوص تحدّ من سلطة المالک، وتسمح بانتزاع المال من ید صاحبه فی بعض الأحایین، کالنصوص الإسلامیة فی الأرض، التی تؤکد علی أنّ الأرض إذا لم یقم صاحبها باستثمارها ورعایتها وفقاً لمتتطلبات الخلافة تنتزع منه، ویسقط حقّه فیها، وتعطی للآخر.

وقد تردد کثیر فی الأخذ بهذه النصوص، لأنّها تهدر حرمة الملکیة المقدّسة، ومن الواضح أنّ هؤلاء المترددین لو کانوا ینظرون إلی تلک النصوص بمنظار المفهوم الإسلامی عن الملکیة، لما صعب علیهم الأخذ بها والتجاوب مع فکرتها وروحها.

وبهذا نعرف أنّ المفاهیم الإسلامیة فی الحقل الاقتصادی قد تشکّل إطاراً فکریاً، یکون من الضروری اتخاذه لتتبلور ضمنه النصوص التشریعیة فی الإسلام تبلوراً کاملاً ویتیسر فهمها دون تردد.

ص:163

ونحن نجد بعض تلک النصوص التشریعیة قد لاحظت هذا المعنی بوضوح فأعطت المفهوم أو الإطار تمهیداً لاعطاء الحکم الشرعی، فقد جاء فی الحدیث بشأن الأرض وملکیة الإنسان لها

أنّ الأرض لله تعالی جعلها وقفاً لعباده، فمن عطّل أرضاً ثلاث سنین متوالیة لغیر ما علة اخذت من یده ودفعت الی غیره.(1)

فنحن نری أن الحدیث قد استعان بمفهوم معیّن عن ملکیة الأرض ودور الفرد فیها علی توضیح الحکم بانتزاع الأرض من مالکها وتبریرذلک وبعض المفاهیم یقوم بإنشاء قاعدة یرتکز علی أساسها ملء الفراغ الذی اعطی لولی الأمر حق مَلئه، فالمفهوم الإسلامی عن التداول الذی عرضناه سابقاً یصح أن یکون أساساً لاستعمال الدولة صلاحیاتها فی مجالات تنظیم التداول، فتمنع - فی حدود الصلاحیات - کل محاولة من شأنها الابتعاد بالتداول عن الانتاج، وجعله عملیة لإطالة الطریق بین المستهلک واسعة المنتجة بدلاً عن أن یکون عملیة اعداد للسلعة وإیصال لها إلی ید المستهلک.

فالمفاهیم الإسلامیة تقوم إذن، بدور الإشعاع علی النصوص التشریعیة العامة، أو بدور تموین الدولة بنوعیة التشریعات الاقتصادیة التی یجب أن تملأ بها منطقة الفراغ.(2)

ونوعیة التشریعات التی یقوم النبی أو الامام - بوصفه ولیّ الأمر والحاکم - بملیء منطقة الفراغ بها تتبع الأهداف التی یرید تحقیقها النبی أو الامام فی سیاسته الاقتصادیة، وحول هذا الموضوع یقول الشهید الصدر: «نوعیة التشریعات التی ملأ النبی صلی الله علیه و آله بها منطقة الفراغ من المذهب بوصفه ولیّ الأمر لیست أحکاماً دائمیة بطبیعتها؛ لأنّها لم تصدر من النبی بوصفه مبلغاً للأحکام

ص:164


1- (1) وسائل الشیعة: 433/25.
2- (2) راجع: اقتصادنا: 354/2-356.

العامة الثابتة بل باعتباره حاکماً وولیاً للمسلمین، فهی إذن، لا تعتبر جزاءاً ثابتاً من المذهب الاقتصادی فی الإسلام، ولکنّها تلقی ضوءً إلی حدّ کبیر علی عملیة ملیء الفراغ التی یجب أن تمارس فی کلّ حین وفقاً للظروف، وتیسّر فهم الأهداف التی توخاها النبی صلی الله علیه و آله فی سیاسته الاقتصادیة، الأمر الذی یساعد علی ملیء منطقة الفراغ دائماً فی ضوء فی تلک الأهداف».(1)

ویمکن تحدید الإطار العام وتلخیص الرؤیة الاسلامیة حول الأرض بشکل عام والأنفال بنحو خاص، وطریقة التعامل معها بما یلی:

1. أن الملکیة الحقیقة للأرض هی لله سبحانه.

2. أن الله سبحانه خلق الإنسان بعنوان خلیفة له فی الأرض لیعمّرها ویصلحها.

3. لأجل أن یقوم الإنسان بإعمار الأرض، سخّر الله له الأرض وأعطاه الحق بالارتباط بها بدرجة من التملّک الاعتباری والاختصاص.

4. الرسول أو الإمام هو الذی یشرف علی عملیة الإعمار والاستثمار ممثّلاً عن المالک الحقیقی وهو الله "تعالی" ولذلک فقد أمر الناس بطاعتهما طاعة مطلقة.

وهذه النقاط الأربع بمثابة اضلاع تشکل الإطار الإسلامی الثابت الذی دلت علیه نصوص قرآنیة کثیرة، ذکر الکثیر منها فی ثنایا البحث وفی ما یلی بعض هذه النصوص:

قوله تعالی: أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ2

وقوله تعالی: وَ لِلّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ/3

وقوله تعالی إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ4

ص:165


1- (1) راجع: المصدر: 357.

وقوله تعالی: وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ1

وقوله تعالی: هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیها2

وقوله تعالی: آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ/3

وقوله تعالی: یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ أَطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ4

وقوله تعالی: ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ5

وقوله تعالی: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ6

وما روی عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال

وجدنا فی کتاب علیّ... أنا وأهل بیتی اللذین أورثنا الأرض ونحن المتقون، والأرض کلّها لنا فمن أحیی أرضاً من المسلمین فلیعمرها ولیؤدی خراجها الی الامام من أهل بیتی...، فإن ترکها وأخربها فأخذها رجل من المسلمین من بعده فعمّرها وأحیاها فهو أحق بها من الذی ترکها، فلیؤد خراجها إلی الإمام من أهل بیتی وله ما أکل منها حتی یظهر القائم علیه السلام.(1)

ص:166


1- (7) وسائل الشیعة: 415/25.

وبعد بیان هذه المقدمة نأتی إلی الحدیث عن أخبار التحلیل، وهی کثیرة، بل هی بالغة حدّ التواتر بحیث یُقطع بمضمونا بالجملة،(1) وإذا کان هناک کلام فی نفی تحلیل الخمس فلا کلام فی تحلیل الفیء والأنفال، بل إنّ البعض یقول باختصاص أخبار التحلیل بالفیء والأنفال.(2)

وفیما یلی جملة من الأخبار وأقوال الفقهاء فی هذ الشأن: قال الشیخ الطوسی فی التهذیب.

«وأما أراضی الخراج وأراضی الأنفال التی قد انجلی أهلها عنها فإنّا قد أبحنا أیضاً التصرف فیها مادام الإمام مستتراً، فاذا ظهر یری هو علیه السلام فی ذلک رأیه فنحن نکون فی تصرفنا غیر آثمین».(3)

وروی الشیخ ایضاً عن أبی جعفر علیه السلام قال: أمیر المؤمنین علیه السلام:

هلک الناس فی بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم یؤدوا إلینا حقّنا، ألا وإنّ شیعتنا من ذلک وآباءهم فی حل.(4)

وجاء فی کتاب الجوامع الفقهیة:

«والانفال له أیضاً: وهی: کلّ أرض فتحت من غیر أن یوجف علیها بخیلٍٍ ولارکاب، والأرض الموات و... فلیس لأحد أن یتصرّف فی شیءٍ إلّا بإذنه، فمن تصرّف فیه بإذنه فله أربعة أخماس، وللإمام الخمس، وفی هذا الزمان فقد أحلّونا مما یتصرّف فیه من ذلک کرماً وفضلاً لنا خاصة».(5)

وقال العلامة فی جهاد التذکرة: «الأرض الخربة والموات ورؤوس الجبال وبطون الأودیة والآجام من الأنفال یختص بها الإمام، ولیس لأحد

ص:167


1- (1) راجع: کتاب الخمس، الشاهرودی: ج 2.
2- (2) الجوامع الفقهیه، ابن زهره: 644.
3- (3) راجع: التهذیب: 144/4، کتاب الزکاة، باب زیادات الانفال.
4- (4) الاستبصار: 58/2، ح 5.
5- (5) الجوامع الفقهیة، ابن زهره: ص 644، الطبعة الحجریة.

التصرّف فیها إلّا بإذنه حال ظهورة علیه السلام، ویجوز للشیعة حال الغیبة؛ لأنهم علیهم السلام أباحوا شیعتهم ذلک».(1)

وجاء فی کتاب المنتهی عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

من وجد برد حبنا فی کبده فلیحمد الله علی أول النعم، قال: قلت: جعلت فداک، ما أول النعم ؟ قال: طیب الولادة، ثم قال علیه السلام: قال أمیر المؤمنین علیه السلام لفاطمة علیه السلام: أحلّی نصیبک من الفیء لأباء شیعتنا لیطیبوا، ثمّ قال أبو عبدالله علیه السلام إنا أحللنا امهات شیعتنا لابآئهم لیطیبوا.(2)

وجاء فی مفتاح الکرامة للسید العاملی قوله بعد ذکر الأنفال وأقسامها: «ویجوز للشیعة حال الغیبة التصرف فیها ولینو المتصرف فیها ولیوطن نفسه أنّه یؤدی طِسقها إذا طلبه الإمام منه.(3)

التحلیل حکم ولائی مؤقت

ولکن وجود الأخبار الکثیرة فی المقابل والتی تقول: إنّ الأنفال والفیء بل الأراضی ملک للإمام ولا یسمح لتملک هذه الأراضی إلّا بشرط الإحیاء بعد الاستئذان من الإمام وبشرط أداء الأجرة أو الطِسق أو الخراج، وفی هذا المعنی یقول أبو الصلاح الحلبی وهو من أعاظم فقهاء الامامیة، وکان معاصراً اللشیخ الطوسی، وقد قرأ علیه وعلی علم الهدی طاب ثراهما(4): «فلا رخصة فی ذلک (أداء حق لخمس والانفال) بما ورد من الحدیث فیها، لان فرض الخمس والانفال ثابت بنص القرآن وإجماع الاُمة، وإن اختلفت فی من یستحقه ولإجماع آل محمد علیه السلام علی ثبوته، وکیفیة

ص:168


1- (1) تذکرة الفقهاء: 188/9، مسألة 11.
2- (2) منتهی المطلب: 583/9.
3- (3) مفتاح الکرامة: 239/4.
4- (4) ولایة الفقیه، المنتظری: 1.7/4.

استحقاقهم وقبضهم إیاه، ومدح مؤدّیه، وذم المخلّ به، ولا یجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الاخبار».(1)

وکذلک قال الشیخ المفید رحمة الله: «ولیس لأحد أن یعمل فی شیءٍ مما عددناه إلّا بإذن الإمام العادل علیه السلام فمن عمل فیها بغیر إذنه فحکمه حکم العامل فیما، لایملکه بغیر إذن المالک من سائر المملوکات».(2)

هذا من جهة، ومن جهة أُخری مع الأخذ بنظر الاعتبار الأهداف العلیا للشریعة المقدّسة والملاکات المستنبطة من نصوصها، والتی أُشیر إلیها فی مقدّمة هذا البحث، کلّ ذلک یحتم علینا أن نفسر أخبار التحلیل بالمعنی الذی لا یعارض هذه الأخبار، ولا یصطدم بالإطار العام للرؤیة الإسلامیة حول الأرض وهوأن یقال: إنّ أخبار التحلیل أحکام ولائیة صدرت من قبل الأئمة علیه السلام، لتعالج حالات استثنائیة تمرّ بها الأمة وأنها من قبیل دفع الأفسد بالفاسد، وذلک عندما یتحکّم السلطان الجائر بنحو یکون فی الرجوع ؤإلیه فساد وظلم أکبر من التصرف المباشر فی الارض والانتفاع منها، او عندما یغیب الامام والقائد بحیث لیس للناس أیة وسیلة للتصال به ولا أحد یستطیع تنظیم الحیاة نیابة عنه، فهنا لا شک أنّ الإمام الذی یقدّر مثل هذه الظروف التی یواجهها أتباعه وشیعته بین الحین والآخر، لا یمکن أن یترکهم دون حلّ، وهنا جاءت أخبار االتحلیل لتسمح للشیعة أن یتصرّفوا بالأنفال دون الحاجة إلی الرجوع إلی الإمام، ولذلک عقد الشیخ العاملی فی کتاب وسائل الشیعة باب أخبار التحلیل تحت عنوان: «باب جواز تصرّف الشیعة فی الأنفال وسائر حقوق الإمام مع الحاجة وتعذر الایصال»(3) ، ففی الحقیقة إن أخبار

ص:169


1- (1) الکافی، الحلبی، أبو الصلاح: 174.
2- (2) المقنعة، المفید: 279.
3- (3) وسائل الشیعة: 543/9.

التحلیل تدل علی ما هو کالحکم الاضطراری والثانوی الذی لو لم یسمح به الإمام لأوقع شیعته فی عسر وحرج. وکماجاء فی الروایة عن الشیخ الطوسی:

... هلک الناس فی بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم یؤدوا إلینا حقنا، الاوان شیعتنامن ذلک واباءهم فی حل..(1) ،

لکن مع وجود الإمام، أومن ینوبه من الفقهاءالذین یستطیعون تنظیم حیاة الناس ویدیرون عملیة الاستثمار الصحیحة للأنفال، فهنا لا یمکن أن نقول إنّ الإسلام یسمح بالإغماض عن تحقیق أهدافه العلیا والأمام یترک دوره کمالک ومدیر للانفال.

یقول السید الهاشمی الشاهرودی: «من الواضح أن الإمام علیه السلام مالک للخمس والأنفال بما هو إمام وولی، لابما هو شخص حقیقی، فالمالک هو منصب الإمامة، وحیث إنّ الأئمة لم یکونوا متولّین ظاهراً، وکانت الولایة الظاهریة للجائرین وکانت حقوقهم تصل إلی ایدی اولئک الجائرین، فمن أجل التفضل علی شیعتهم أباحوها لهم بالخصوص مادام الظلم قائماً، والاموال لاتصل إلی یدِ ولیّها الحقیقی. وأما بعد فرض قیام دولة الحق فالأموال المذکورة سوف تُردّ إلی أهلها وتصرف فی مصارفها، ویکون الحاکم الشرعی مبسوط الید فی أخذ الخمس والفیء من المخالف، والموالف داخل دولته، فلامعنی لبقاء التحلیل فإنه خلف مصلحة جعل هذه الفریضة».

وقد ورد فی بعض نصوص التحلیل أیضا ثبوته حتی ظهور أمرهم، وورد فی معتبرة یونس

«ما أنصفناکم لو کلفناکم ذلک الیوم»(2) ،

وهو کنایة عن یوم سیطرة الظلمة علی الامر والحکم، فلا موضوع

ص:170


1- (1) المصدر: 543/9.
2- (2) وسائل الشیعة: 545/9.

للتحلیل فی زمان دولة الحق ولاإطلاق فی أدلته لمثل ذلک الزمان بل علی الحاکم الاسلامی أن یأخذ حق الإمام والولایة ولو بالإجبار...(1).

وقال الشیخ المنتظری: «والأنفال أموال عامه خلقها الله للأنام وجعلها تحت اختیار الإمام الذی هو سائس المجتمع وممثل الأمة، لیصرفهافی مصالح الإمامة والاُمة، ولاغنی للبشر فی حیاتهم عن هذه الأموال العامة، ولاعن الإمامة، بل علیهما یبتنی أساس الحیاة والبقاء. فلو قیل کما قد یقال: بأنه فی عصر غیبة الإمام المنتظر لایجب علی المسلمین تأسیس دولة إسلامیة مجریة لحدود الإسلام وأحکامه، بل هو عصر الهرج والمرج وإن طال الزمان، والإسلام أهمل أمر الناس فیه أو فوض امورهم إلی الجبابرة والطغاة حتی یظهر الامام المنتظر - عجل الله فرجه الشریف - فلامحالة کان علی أئمتنا علیهم السلام أن یحللوا الأنفال والأموال العامة للأنام....»

واما اذا قلنا کما هو الحق بأن الاسلام دین کامل کافل لسعادة الدارین، لایهمل امور الناس فی السیاسة والاقتصاد، ولایرضی بالهرج والمرج ولو لساعة، والحکومة والدولة لابدّ منها فی إدامة الحیاة وإجراء أحکام الإسلام وحدوده فی المجالات المختلفة کما صرح بذلک امیر المؤمنین علیه السلام فی کلام له فی الخوارج:

هؤلاء یقولون: لا امرة إلّا لله. وإنّه لابدّ للناس من أمیر بر أو فاجر یعمل فی أمرته المؤمن ویستمتع فیها الکافر، ویبلغ الله فیها الأجل ویجمع به الفیء ویقاتل به العدو وتأمن به السبل ویؤخذ به الضعیف من القوی حتی یستریح بر ویستراح من فاجر.(2)

وبعد ذکره روایات أخری بهذا المعنی یقول: «فلا محالة یجب فی عصر

ص:171


1- (1) الخمس، الشاهرودی، محمود: 92.
2- (2) نهج البلاغة: الخطبة 4.

الغیبة ایضاً السعی فی تأسیس الدولة والحکومة الحقة مع رعایة الشروط التی اعتبرها الشرع فی المتصدی لها وقد مرت فی محلّها، ولا محالة تحتاج هذه الدولة إلی الضرائب والمنابع المالیة فیجب أن تجعل الزکوات والأخماس وکذا الأنفال التی هی أموال عامة تحت سلطتها لتستفید منها فی مصالح الدولة والأمة، فان الملاک الذی أوجب جعلها تحت اختیار الإمام فی عصر الظهور یوجب جعلها تحت اختیار نوابه فی عصر الغیبة أیضاً وإلّا لما تیسّر لهم إدارة شؤون الأمة، وتحقیق العدالة الاجتماعیة، وقطع جذور الخلاف والتشاجر الذی ربما یظهر عند امتلاک الأموال العامة».

نعم، فرق بین الأئمة الأثنی عشر علیه السلام وبین الفقهاء فی عصر الغیبة بوجود العصمة فیهم دون الفقهاء، ولکن عمّال الحکومة وأمراءها مطلقاً علی وزان واحد فربما یعصون او یخطئون ولکن وجود الحکومة ولو کانت ناقصة اولی من الفوضی والفتن وما لا یدرک کله لا یترک کله.

فأدلة تحلیل الأنفال مطلقاً أو بعض الأصناف منها لو ثبتت وإن شمل إطلاقها لعصر الغیبة أیضاً، ولکن للحکومة الحقّة الصالحة علی فرض تأسیسها ولو فی منطقة خاصّة التدخل فیها والتصدّی لتقسیمها، أو الاستثمار منها ینفع الإسلام والمسلمین. ویجب علی الناس لا محالة إطاعتها وإجراء أوامرها، فیتحدد التحلیل لامحالة بصورة عدم تدخل الدولة الحقّة فیها لعدم تحققها، أو عدم قدرتها،... ولانری فرقاً بین سهم الإمام الذی افتی أصحابنا بوجوب إیصاله الی الإمام أو الفقیه النائب عنه وبین الانفال مع کون کلیهما للامام بماهو إمام لا لشخصه، فیرجع أمر کلیهما الی سائس المسلمین والمتصدّی لامورهم من غیر فرق بین زمان الحضور وزمان الغیبة(1).

ص:172


1- (1) ولایة الفقیه، المنتظری: 1.7/4.

وعلیه فأن أخبار التحلیل لا یمکن إلّا أن تکون أحکاماً ولائیة ومؤقته لعلاج حالة عدم الوصول إلی الإمام أو من یقوم مقامه، أو عدم قدرة الحاکم العادل علی إدارة شؤون الأمة، فإذا زالت هذه الحالة فإن الحکام الاولیة یجب ان تطبق لان الضرورات تقدر بقدرها.

ولذلک فان المحقق النائینی فی مقام بیانه لواجباتنا فی عصر الغیبة یقول:

«إنّ أول وأهم الوظائف فی هذا الباب هو ضبط الخراج وتنظیم موارد الدولة ومصارفها. ومن البدیهی أنّ حفظ النظام وصیانة بیضة الإسلام لاتتحقق إلّا بتشکیل قوی داخلیة تقوم بحمایة الثغور والحدود، ومن الواضح أیضاً أنّ جمیع هذه الترتیبات متوقفة علی تصحیح وتعدیل الخراج، وحفظه من الوقوع فی أیدی الطواغیت لیتصرفون فیه بما تملی علیهم اهوائهم وشهواتهم».(1)

وهنا نأتی الی ما ینبغی فعله فی زماننا الحاضر بالنسبة الی الأرض وکیف ینبغی للمسلمین عامة ولأتباع أهل البیت خاصة أن یتعاملوا مع الأرض فی عصرنا الحاضر؟ جواب هذا السؤال سیأتی فی الفصل القادم الذی هو بمنزلة هذه الرسالة.

ص:173


1- (1) النائینی، محمد حسین، رسالة تنبیه الامة وتنزیه المله ص 182.

ص:174

الفصل الخامس: الدور الممکن للخراج فی الوقت الحاضر

اشارة

ص:175

ص:176

تمهید

اشارة

وصلنا فی بحث الخراج الی أنه حکم شرعی ومسألة شرعیة ترتبط بأهداف الشریعة المقدّسة، وأنه یجب تطبیقه إذا تهیأت الظروف الی ذلک، وفی نهایة هذا البحث ینبغی ان نری هل انه یمکن تطبیق هذا الحکم فی الوقت الحاضر لا سیما وأننا نمتلک فی العصر الحاضر دولة کبیرة یقودها فقیه جامع للشرائط، کما أنه هناک دول أُخری لاتحکم بالإسلام کنظام سیاسی، ولکنها ترید محاربة الفقر وتنمیة اقتصاد بلدانها وهی بحاجة إلی الطریقة الأمثل لاستثمار الارض وتطبیق الخراج هو السبیل إلی استثمار الأرض.

من أجل بیان نتائج هذا البحث والوصول الی آلیة تطبیق هذا الحکم لابدّ من بیان مقدمات:

المقدمة الاولی: وضعیة الاراضی فی الوقت الحاضر

عندما نلقی نظرة الی الأراضی فی هذا العصر، نجدها بین أراضی سکنیة تناقلتها الأیدی بالوراثة أو البیع أو الحیازة أو بطرق أخری مختلفة ومن الصعب التعرف علی أصل مالکیتها، وأراض اخری زراعیة وصناعیة مملوکة بأسماء الأفراد وهی غالباً من الاراضی السلطانیة أو الاراضی الأمیریة وهی

ص:177

فی العراق، وبعض الدول العربیة کسوریة وفلسطین أراضٍ منحها بعض السلاطین العثمانیین علی أن تکون رقبة الأرض للدولة، وتکون المنفعة للممنوحین، ثم تعددت وتطورت القوانین الناظمة لهذه الأراضی وأصبح بالامکان تغییر صفتها من ملک أمیری الی ملک شرعی.(1)

وطبقا لقانون تملیک الأراضی (الطابو) الصادر سنة 1858 من قبل الدولة العثمانیة، فإنّ الکثیر من الأغنیاء وأصحاب النفوذ والوجهاء لدی الحکومة العثمانیة استحوذوا علی مساحات شاسعة من الأراضی کما حصل لاراضی البصرة، کمثال لأراضی العراق وفقاً لما نقله موقع المکتبة البصریة:

وفی الواقع أن قانون الأراضی وأنظمة الطابو کان قد صدر فی عام 1858 وجرت علیهما التعدیلات، لکن هذه القوانین لم یجر العمل بها، ولم یتم تأسیس دائرة الطابو بصورة صحیحة، فحصل البعض علی إقطاعتهم الواسعة بالرشوة واتبعت طرق احتیال الحصول علی الأرض، وکان ذووا النفوذ فی البصرة یحصلون علی مساحات شاسعة بهذه الوسائل، وأصبح قسم منهم یملکون إقطاعات واسعة والفلاحون الصغار وعوائلهم کانوا تحت رحمتهم، ولم یکن بمقدور هؤلاء شراء أرضی بالطابو لارتفاع أسعار الأراضی، وهکذا کان الفلاح یعانی من نظام الالتزام ونظام الطابو.(2)

والحالة نفسها حصلت فی إیران أیضا اذ ینقل موقع مدیریة الارضی الایرانیة ما معناه:

إنّ الکثیر من الملاک والمقربین إلی الحکومة (حکومة الشاه وما قبلها من حکومات) قاموا بتسجیل الأراضی الموات (الأنفال) باسمائهم، ولم یحصل فیها أی عمل زراعی، ولذلک ولأجل الاستجابة لطلبات الفلاحین والراغبین

ص:178


1- (1) الأراضی الأمیریة، من شبکة الانترنت، موقع دائرة الإفتاء والتدریس الدینی فی حلب.
2- (2) موقع المکتبة البصریة فی شبکة الانترنت.

فی المشاریع الزراعیة والصناعیة والحیوانیة، فقد تقرر إبطال هذه الأسناد وإرجاع الأرض إلی الدولة.(1)

وهذه الاراضی منها ما کان مفتوحا عنوه وعلیه روایات وشواهد تاریخیة کثیرة تبعث الظن المتاخم للعلم والاطمئنان، کأکثر أراضی العراق، والکثیر من مدن إیران والشام ومصر، وبعضها أسلم علیها أهلها فهی ملک له کالمدینة المنورة واندنوسیا وبعضها اراضی صلحیة وبعضها دخلت فی الدولة الاسلامیة بغیر قتال وهی تدخل فی الفیء والانفال الذی یعد القسم الاکبر من الارض فی الوقت الحاضر.

من الصعب التمییز بین هذه الأراضی بنحو یورث العلم، فلا مناص من اللجوء إلی الظن الناشیء إلی الشواهد التاریخیة والروائیة.

لکن یهون الخطب أن الإمام هو المشرف والمتولّی علی جمیع أنواع الأرض، ومع هذا التوسّع والتطوّر الکبیر فی حاجات المجتمع کمّا ونوعاً وتداخل المصالح العامة مع مصالح الحکومة واتحاد بیت المال مع خزانة الدولة فإنّ المصرف یکون واحداً ولیست هناک ثمرة عملیة مهمة تستوجب صرف جهد علمی وتحقیقات کبیرة من أجل التمییز بین الارضی واصولها.

وفی هذا المعنی یقول محقق کتاب الخراجیات، نشر لجماعة المدرسین: «بالرغم من أن بعض الفقهاء یحاول أن یمیّز بین ملک الإمام وملک المسلمین بصفة أن الأول منها من المممکن أن یستثمره الإمام لأفراد باعیانهم، والآخر یصرف فی مصالح عامة إلّا أنّ هذا الفارق لا شاهد له من النصوص ما دمنا نعرف أن ملکیة الإمام لیست شخصیة بل هی باعتبار المنصب الرسمی مما یعنی أن الأموال بقسمیها موکولة إلی نظره سواءٌ صرفت فی نطاق أفراد بأعیانهم أو صرفت بمصالح عامة».(2)

ص:179


1- (1) موقع (مدیریت امور اراضی) من شبکة الانترنت.
2- (2) الکرکی، علی بن عبد العالی، حاشیة کتاب الخراجیات نشر لجماعة المدرسین، ص 6.

وحتی عند العامة أیضا فإنّ مصرف الخراج متحد معهم مع مصرف الفیء، وحول ذلک یقول صاحب کتاب منهج عمر بن الخطاب فی التشریع: «لم یفرق الفقهاء بین الخراج والفیء فی الصرف کما فرقوا بین الفیء والزکاة، من جهة والفیء، والغنیمة من جة أخری، والفیء یتوقف صرفه علی اجتهاد الامام فی تقدیر المصالح وتقدیم الاهم علی المهم

ص:180

الذین قاموا بدورهم باستغلال الناس الضعفاء الذین لا أرض لهم وصیروهم فلاحین اجَراء، یکدحون لیلهم ونهارهم ولا یحصلون حتی علی ما یسدّ رمقهم، واضطرتهم الحاجة والإعواز لأن یکونوا عمّالاً بسطاء یعیشون علی فتات موائد الأغنیاء، أو أن ینخرطوا فی جیوش حمایة الرؤساء الذین انصرفوا عن الانتاج والزراعة والتنمیة، واکتفوا بموراد النفط یملأون بها جیوبهم التی ما برحت تصیح (هل من مزید)، ویحاربون بها مخالفیهم بید من حدید، وتحوّل أکثر عامة الشعب الی عمال أو شرطة أو جنود أو باعة متجولین، وصرنا نأکل الحنطة الأمریکیة أوالرز التایلندی واللحم الاسترالی والدجاج البرازیلی والزبدة الهولندیة، وأهملت الأرض، وراحت تقفّر وتتصحّر یوماً بعد یوم وفتحت دوائر التملیک (الطابو) ابوابها للأغنیاء وسماسرة الأرض والمقرّبین من السید الرئیس وحماته لیتملکوها بغیر حدود، ویستحوذوا علیها متربصین الفرصة کی یبیعوها بأضعاف مضاعفة، ولعل أهم الأسباب التی أدّت إلی الارتفاع الجنونی فی أسعار الأراضی، هو احتکار سماسرة الأرض لمساحات کبیرة منها، والتملیک والحیازة غیر المشروعة التی حصلت ولا زالت مستمرة، ولعل اسوأ ما نواجهه الیوم فی مسألة الارض هو ما حصل ویحصل فی العراق بعد الغزو الأمریکی لهذا البلد المظلوم، وإشاعة الهرج والمرج بواسطة المحتلّین حیث أصبحت الحیازة بلا رادع ولا مانع، وقد حدّثنی من أثق به أنّ رجلاً ذهب هو وأولاده مسلحین وقاموا بتحجیر وتسویر مساحة کبیرة من الأرض فی غرب مدینة السماوة، وأعلنوا بأنّ هذه الأرض من هنا إلی الحدود السعودیة (أکثر من 2.. کلم طولاً) لنا ومن یتجاوز علیها فإننّا سنقتله!!!.

ولکثرة التلاعب فی دوائر التملیک فقد اضطرت السلطات العراقیة إلی الغاء قانون التملیک، فقد کتبت جریدة الشاهد المستقل:

ص:181

«بعد أن صارت السرقة ومصادرة أراضی الغیر والسطو علی العقارات سمة من سمات هذا العصر، بادرت الجهات العلیا إلی إیقاف العمل ببیع وشراء الدور والأراضی والبساتین، وبجمیع أنواعها لحین التحقق من حقیقة السرقات الحاصلة فی بغداد وسائر المحافظات».(1)

ولذلک فإننا الیوم بحاجة إلی التدخّل لأجل تنظیم الأرض وتوزیعها بالشکل الصحیح لأن هذا النحو من التنظیم من ضرورات مجتمع الیوم ویتطلب تدخل الفقهاء إذا لم یکن من باب الولایة المطلقة فمن باب الحسبة.(2) لتنظیم الأمور ومنع حالة الهرج والمرج الحاصلة فی مسألة الارض اما تدخلاًَ مباشراً اذا کان الفقیه قادراً ومبسوط الید کما فی الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة او علی نحو الارشاد والاشراف اذا لم یکن قادراً علی التدخل المباشر وعلی الامة وعلی رأسها الحکومات طاعة الفقهاء فی ذلک.

المقدّمة الثالثة: ضرورة النهوض بالتنمیة الاقتصادیة

مما لا شک فیه أن السبیل الوحید للقضاء علی الفقر، وتحقیق الغنی والعزة والاستقلال للاُمة الاسلامیة، هو الاستغناء عن الکفار والأجانب بتحقیق التنمیة

ص:182


1- (1) جریدة الشاهد المستقل من شبکة الانترنت.
2- (2) من جملة الثوابت الموجودة فی مذهبنا الامامیة هو انه فی عصر الغیبة هناک ولایات تسمی بالوظائف الحسبیة لا یرضی الشارع المقدس باهمالها، حیث نعتقد أن نیابة فقهاء عصر الغیبة قدر متیقن فیها وثابت بالضرورة حتی مع عدم ثبوت النیابة العامة لهم فی جمیع المناصب، إذ إنّ الشارع المقدّس لا یرضی باختلال النظام وذهاب بیضة الإسلام ومن جهة اخری نجد أن اهتمام الشارع بحفظ البلدان الإسلامیة وتنظیمها أکثر من اهتمامه بسائر الاُمور الحسبیة، ومن هنا یثبت لدینا بما لاشک فیه نیابة الفقهاء والنواب العمومیین فی عصر الغیبة فیما یتعلّق بالوظائف المذکورة. رسالة تنبیه الامة وتنزیه الملّة، النائینی: 133-134.

الاقتصادیة، وأن إهمال هذا الأمر یعرّضنا إلی خسارة الدنیا والآخرة، لأن الرحمة الإلهیة بعیدة عن الإنسان الذی یکفر بنعم الله ولا یشکرها بالاستثمار الصحیح، ویوقع نفسه فی الفقر والذل والحاجة إلی أعدائه، وفی ذلک قال إمیر المؤمنین علیه السلام: «من وجد ماءاً وتراباً ثم افتقر فابعده الله

ص:183

أما الحوار علی مستوی الاقتصاد المفتوح، أی أخذ الاقتصاد الاسلامی ضمن حرکة الاقتصاد العالمی، وبوصفه جزءا من السوق العالمیة، فان التقصیر بمهمة الاستخلاف فیه (فی المجتمع الاسلامی) إذ یتجسّد فی انخفاض انتاجیة العمل الاجتماعیة، فإنه ینعکس رأساً فی تدنّی مستوی تلک الانتاجیة عن المعدل العالمی، وبالتالی تصبح نسب التبادل التجاری مائلة الی الانخفاض دائماً. لذا، فإنّ معیار الانتاجیة الإجتماعیة للمجتمع الإسلامی، مقارنة بنظائرها الخارجیة، یغدومعیاراً للمقدرة الاقتصادیة للاقتصاد الاسلامی.

فکلما کانت المقدرة الاقتصادیة کبیرة کبر اجمالی القوة المنتجة والانتاج الاجتماعی، وبالتالی توسعت وتعمقت مکانة الاقتصاد الإسلامی فی قسمة العمل الدولیة.

فالاستقلال الاقتصادی - کما نراه - هو المکانة التی یحققها الاقتصاد بالمعنی المقابل للاقتصاد الدولی، تمشیاً مع مقدرته الاقتصادیة التی لیست هی إلّا إجمالی القوة المنتجة، زائداً علی مجموع الإنتاج الاجتماعی.(1)

المقدمة الرابعة: التطوّر الهائل فی طرق استثمار الارض.

بعد النهضة الصناعیة التی وفرت للانسان وسائل انتاجیة واستثماریة جدیدة، أصبح بامکان الإنسان بواسطتها أن یستثمر الأرض ویتیح منها ما یزید علی ما تنتجه أدواته ووسائله القدیمة بالآف بل ملایین المرات بل تمکن الانسان بواسطة الالات الحدیثة أن یصلح الأراضی غیر الصالحة للزراعة فی السابق ویحییها، ویحول الصحاری والقفار إلی مزارع وبساتین وحدائق غناء، وهناک أمر جدید هام فی مجال إحیاء الأرض حصل بعد الثورة الصناعیة ألا وهو الإحیاء

ص:184


1- (1) دراسات فی الاقتصاد الفکری الاسلامی: د. عبد الامیر زاهد من شبکة الانترنت من موقع http://www.islamicfeqh.com/books/EKTESAD/ektesa.1.htm

الصناعی الذی یمکن أن یقال فیه إنه لم یبق جزءاً فی الأرض من الصحاری والبحار والجبال إلّا وجعله قابلاً لأن یکون مصدراً مالیاً کبیراً قادراً علی إغناء دول کبیرة، فکم من صحراء احییت الیوم بإقامة المعامل أوالمصافی أو محطات الطاقة أو المطارات التی تدر علی خزانة الدولة أموالا طائلة، ویکفی أن نذکر عائدات قناة السویس التی احدثت بشق الصحراء بین البحر الأبیض المتوسط والبحر الأحمر فأصبحت الیوم أهم الموارد المالیة لالاقتصاد مصر فحسب وانما فی الاقتصاد والتجارة العالمیة، وقد جاء فی موقع الجزیرة نت.

حققت عائدات قناة السویس ارتفاعاً ملحوظاً بالربع الأول من العام الجاری بلغ نحو 175.7 ملیون دولار مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضی.

وقال مسؤول بهیئة القناة: إنّ العائدات خلال الفترة من أول ینایر/ کانون الثانی حتی نهایة مارس/آذار بلغت نحو 1.29 ملیار دولار مقابل 852.9 ملیون دولار خلال الفترة المقابلة من العام الماضی.

وأضاف أن إجمالی عدد السفن المارة خلال نفس الفترة بلغ 48.7 سفن مقابل 4422 العام الماضی بزیادة 385 سفینة، کما أن حمولات السفن المارة بالفترة نفسها حققت أیضا ارتفاعا بواقع 25.1 ملیون طن لتصل إلی 197.6 ملیوناً مقابل 172.5 ملیوناً قبل عام.

وعزا المسؤول هذا الارتفاع إلی نمو حرکة شحن البضائع باستخدام سفن الحاویات بسبب الانتعاش التجاری العالمی لاسیما بالهند والصین.

وحققت قناة السویس عام 2..6 عائدات بلغت 3.82. ملیارات دولار وهو أعلی مستوی فی تاریخها.(1)

کما أن هناک أحیاءاً تحت البحار کالنفق الذی احدثَ تحت البحر بین

ص:185


1- (1) موقع الجزیرة نت نقلا عن وکالة انباء رویتر.

بریطانیا وفرنسا وراح یربط بین هاتین الدولتین العظمیین وتسیر فیه القطارات والسیارات، وهناک إحیاء فوق البحار کالجسر الذی تم إحداثه علی البحر بین السوید والدنمارک، وبعبارة موجزة أن التطور العلمی أو الصناعی جعل جمیع أجزاء الأرض والبحار قابلة للاستثمار وأکثرها تدخل فی الانفال لتی یجب أن یشرف الامام علی استثمارها وإحیاءها.

وبعد هذه المقدمات یمکن أن یقال: إنّ العمل بحکم الخراج لیس ممکنا فحسب، بل إنّ هناک ضرورة ملحة إلی تطبیقه فی الوقت الحاضر، وإن فی تعطیله تضییعاً لمقاصد الشریعة واستمراراً لحالة التخلف التی تعیشها الامة.

فلا یمکن أن یرضی الشارع المقدس والارض التی خلقها الله للانام وسخرها للناس جمیعا والتی هی ملک الإمام کی یحقق بها العدل، ویقوم بالقسط قد أصبحت نهباً بید فئة قلیلة من الرأسمالیین وحماة السلاطین وسماسرة الأرض، ویسودها الهرج والمرج والعبث، فلا إحیاء ولا استثمار ولا انتاج، بل إنّ الأکثریة من الناس لا تجد لها ملجأ یؤویها إلّا عن طریق الاستئجار وبشق الأنفس، ولا شک أن استمرار هذا الحال من التخلف الناشیء من عدم الاستثمار الصحیح للأرض وثرواتها سیجلب لاُمتنا وشعوبنا المزید من الضعف والهوان، وسیمکّن أعداء الإسلام من السیطرة الکاملة علیها واذلالها.(1)

ولذلک فلابدّ من التدخل لإنقاذ البلاد والعباد وحفظ بیضة الإسلام؛ لأن حفظ البلاد إلاسلامیة وتنظیمها من أهم الوظائف الحسبیة التی لایرضی

ص:186


1- (1) والعراق شاهد حیّ علی ذلک، فبعد السنین السود العجاف من الحکم الصدامی البعثی المقیت الذی حول أرض السواد الی أرض الدماء والرماد، ولم یعمر فیها سوی المعسکرات والسجون والمقابر، فکانت النتیجة أن أصبح العراق صیداً سهلاً للغزاة الأمریکان اللذین أکملوا مسلسل الدمار الذی بدأه صدام بأمرهم.

الشارع بإهمالها، والتی نعتقد أنّ نیابة فقهاء عصر الغیبة قدر متیقن وثابت بالضرورة، حتی مع عدم ثبوت النیابة العامة فی جمیع المناصب.(1)

وما أعظم ماقاله الأخوند الخراسانی بهذا الصدد وهو: «اذا لم نتصد نحن بوصفنا رؤساء الإسلام وأمناؤه لهذه الحضارة التی أخذت شکل السیل العارم المنحدر من بلاد الغرب صوب البلدان إلاسلامیة، واذا لم نهب جمیعاً لتثبیت اسس ودعائم الحضارة إلاسلامیة فی الوقت المناسب فسوف یجرف هذا السیل الخطیر بناء الإسلام ورکاءزه ویمحوه من صفحة الوجود».(2)

وأما کیفیة وآلّیة تطبیق الخراج فی الوقت الحاضر فسوف نذکرها فی قسم التوصیات التی سوف تأتی فی نتیجة البحث.

ص:187


1- (1) محمد حسن، انظر: کتاب تنبیه الامة وتنزیه الملة، النائینی، تعریب: عبد الحسن آل نجف: 133-134.
2- (2) راجع: المصدر: 173.

ص:188

نتیجة البحث

اولاً: النتائج النظریة

نستنتج مما تقدّم من البحث حول مسألة الخراج ما یلی:

1. أنه حکم مهم وأساسی یتعلّق بأهم عنصر من عناصر الإنتاج، وهی الأرض، وأن الاُمم والحکومات التی سبقت الإسلام قد عملت بهذا الحکم بطریقتها الخاصّة، وفی الإسلام بدأ تطبیق هذا الحکم بدرجة معینة فی عهد الرسول صلی الله علیه و آله علی قسم من الأراضی التی تمّ الاستیلاء علیها فی العصر النبوی، وقد تبلور هذا الحکم فظهرت معالمه بنحو کامل مع توسع الفتوحات فی عهد الخلیفة الثانی، وبعدما أرشده وأشار علیه الإمام علی علیه السلام طبقاً للکثیر من الروایات والشواهد، وأن أمیر المؤمنین علیه السلام استمر علی نفس المنهج وأکد کثیراً علی هذا الحکم فی کلماته ورسائله.

2. إن الروایات الکثیرة عن المعصومین علیه السلام تؤکّد علی وجوب أداء الخراج إلی الإمام، بل بعضها یوجب دفعه حتی إلی الحاکم الجائر عند عدم وجود الإمام العادل.

3. وأما فی الأخبار الواردة فی تحلیله وإباحته سواءً کانت فی زمان

ص:189

الحضور أو زمان الغیبة، فهی ناظرة إلی حالة عدم القدرة علی الوصول إلی الإمام أو من یقوم مقامه فی تطبیق هذا الحکم ولئلا یقع الشیعة فی العسر والحرج، وأما علی فرض وجود حکومة تحت أمرة الفقیه الجامع للشرائط الذی هو فی حکم النائب العام للإمام المعصوم، أو حکومة یمکن إرشادها وهدایتها بواسطة الفقهاء، لتنفیذ هذا الحکم، فهنا لا مجال لأخبار التحلیل، لاسیّما ونحن نلاحظ أن الاُمة الإسلامیة تعانی فی عصرنا الحاضر من الفقر والتخلّف الذی أدی بها الی التبعیة للکفار والأجانب.،

4. إنّ أدلة الخراج دلّت علی وجوب الخراج فی الأراضی المفتوحة عنوة والصلحیة، وعلی وجوب الطِسق فی أراضی الفیء والأنفال والموات، ولکن حیث إنّ الأرض قد اختلطت بعد هذه المدة الطویلة وأصبح من الصعب جداً تشخیص أصل الأراضی وکیفیة دخولها فی الدولة الاسلامیة وحیث إن مصرف الخراج والطِسق بید الإمام وأن من المفترض أن تکون الخزانة وبیت المال واحداً بیده أو تحت إشرافه وأنّ مصالح عموم المسلمین مع مصارف الحکومة الاسلامیة متداخلة واحدهما یکمل الآخر؛ ولذلک فإنّ الخراج سیکون واحداً بالنسبة إلی جمیع الأراضی التی تشملها أدلة الخراج وهذا الرأی اختاره المحقق النائینی فی رسالته المعروفة تنبیه الامة وتنزیه المله.(1)

5. التطور الهائل فی طرق وآلات الاستثمار یحتم علینا إضافة إلی ضرورة الاستفادة منها فی الاستثمار الافضل، لأجل القضاء علی الفقر والسیطرة علی الأراضی وعدم ترکها تتجمع بید فئة قلیلة؛ لأنّ توفّر الوسائل الحدیثة یجعل أصحاب رؤوس الأموال یسعون لتضخیم أموالهم بالاستحواذ

ص:190


1- (1) کتاب تنبیه الامة وتنزیه الملة: 183.

علی مساحات شاسعة من الأراضی واستثمارها بالالات الحدیثة مع استغلال الأعداد الکبیرة من الأفراد المحرومین من الأرض، بالاستفادة منهم فی مشاریعهم کعمال وفلاحین باُجور زهیدة، مما یؤدی الی تحوّل المجتمع إلی طبقتی ملاک ورأسمالیین استغلالیین من جهة، وعمال وفلاحین اجراء من جهة اخری، وهذا خلاف ما جاء لأجله الإسلام من إقامة القسط والعدل، وتوزیع الثروة ومنعها من أن تکون دولة بین الأغنیاء فقط.

6. کما أن التطور الهائل فی مجال الصناعة جعل الکثیر من الأراضی الموات والصحاری قابلة للإحیاء الصناعی حتی إذا لم تکن قابلة للاحیاء الزراعی، وهذا یفتح باباً جدیداً واسعاً للطسق الذی یؤخذ فی مقابل إحیاء الموات ویمکن أن یرفد خزانة الدولة بمبالغ مالیة کبیرة. أی أنّ الأراضی الصحراویة والقفار والبحار التی یمکن استثمارها فی مشاریع التصنیع أوالمواصلات أوغیر ذلک، قد أصبحت الیوم موضوعاً للخراج.

ثانیاً: المقترحات والتوصیات

بعد البحث عن حکم الخراج وأدلته وجوانبه العلمیة والعملیة وبعد المقدّمات الممهدة للنتائج والتی أردنا بها أن نقدّم صورة عن الحالة التی تعیشها امتنا الإسلامیة، یمکن أن نقول: أن بحث الخراج لایراد منه حلّ مشکلة التعامل مع السلاطین الجور وإثبات حلیّة أو تحریم الأراضی والاقطاعات والجوائز والهبات السلطانیة، وإنّما یراد به ما صرح أمیر المؤمنین علیه السلام به من عمارة البلاد، وبسط العدالة فیها، ولذلک فإنّ حلّ أزمات السکن والفقر والتبعیة الاقتصادیة بل حتی السیاسیة للأجنبی، یمکن أن تحلّ بواسطة تفعیل مسألة الخراج والطِسق، بمعنی قانون التوزیع الاستثماری العادل للأرض، والذی نقترح أن تدیره مؤسسة یشرف علیها

ص:191

الولی الفقیه أو المرجعیة أو السلطة العلیا، ولیکن اسم هذه المؤسسة علی سبیل المثال لا الحصر:

1. مؤسسة التوزیع والاستثمار العادل للأراضی

2. مؤسسة التنمیة الاقتصادیة العادلة للأراضی

3. مؤسسة الخراج.

وتقوم هذه المؤسسة بما یلی:

1. تحدید الحدّ الأعلی لتملّک الاراضی السکنیة وانتزاع الفائض مقابل تعویض المالک السابق قیمة البناء والمسقّفات، وقیمة الأرض أیضاً إذا ثبت أنّه قد تملّکها بالطرق المشروعة، أو أن تبقی بیده فیکون فی حکم المحیی لهذه الأرض وتبقی بیده فی مقابل دفع الطِسق أو الخراج إلی المؤسسة

2. تحدید الحدّ الأعلی للملکیة الزراعیة والاستیلاء علی ما زاد عن ذلک، وتوزیعه علی الافراد أو المؤسسات أو التعاونیات القادرة علی الاستثمار الزراعی بنحو مباشر، فردی أو تعاونی، مع تعویض الملاّک السابقین قیمة الأرض إذا کانوا قد ملکوها بطریق مشروع. وعلی المستثمرین الجدد دفع الخراج أو الطسق إلی المؤسسة، وتکون الأرض تحت أیدیهم بشرط استمرار الأحیاء

3. مسح جمیع الأراضی وتشخیص الصالح منها للإحیاء الزراعی بالفعل أو بالقوة، وإمهال أصحابها إذا کانت مملوکه مدة کی یحیوها، وإلّا انتزعت منهم وتقسّم کما فی البند الثانی.

4. الإشراف علی الأراضی القابلة للاحیاء الصناعی، کالاراضی الواقعة قرب منابع النفط أو الغاز أو المعادن والمواد الأولیة الأُخری، أو الأراضی التی یمکن أن تبنی فیها مجمعات صناعیة أو سکنیة أو مشاریع للمواصلات أو الاتصالات، فهذه الأراضی فی صورة إناطة مهمتها إلی القطاع الخاص

ص:192

فإنه إضافة إلی ما یؤخذ بعنوان (السر قفلیة) یجب علی المستثمر أن یعطی حقّ الخراج أو الطسق إلی المؤسسة المذکورة.

5. لأجل أن تقوم هذه المؤسسة بتنفیذ خطتها التنمویة لابدّ من رفدها بواسطة الدولة وإعانتها بمبالغ مالیة من إیرادات النفط مثلاً إلی حین بلوغها درجة الاکتفاء الذاتی، وذلک لأجل أن تقوم بالأعمال التالیة:

أ) تنفیذ مشاریع الاستصلاح الاراضی ومکافحة التصحّر ومشاریع إروائیة.

ب) تنفیذ مشاریع صناعیة بالمنتجات الزراعیة المختلفة مثل معامل التعلیب.

ج) شراء المحاصیل من المنتجین بأسعار تضمینیة.

د) بناء مخازن مکیّفة کبیرة لخزن المحاصیل.

ه) تسلیف المزارعین الجدد وتزویدهم بالآلات والبذور وبقیة المواد اللازمة.

و) إقامة مؤسسات تعلیمیة وإرشادیة ومراکز ثقافیة لرفع المستوی العلمی والثقافی للمستثمرین، والسعی لتطهیر ذهنیة المجتمع من بعض العادات والرسوم الخاطئة، مثل عدم احترام بعض أصناف الزراعة وبعض المهن والرکون إلی التکاسل وتضییع الوقت، وتبدیلها بثقافة حب الزراعة والعمل واحترام الوقت والصدق فی التعامل لا سیما فی إتقان ومراعاة القواعد العلمیة والتقنیة فی العمل حتی نقدّم للمجتمع منتوجات زراعیة وصناعیة تنافس المنتوجات العالمیة وحتی نستطیع أن نخرج أنفسنا من ذلّ التبعیة للأجانب.

وعند وصول المشاریع الصناعیة والزراعیة إلی مستوی الانتاج الهائل ( massprodection ) فإن عائدات الخراج ستکون کافیة للقیام بالأعمال المذکورة وما زاد عن ذلک سیحول إلی خزانة الدولة، لیصرف فی المصالح والخدمات العامة.

وقد طبق ما یشبه هذا المقترح فی الجمهوریة الإسلامیة فی إیران بعد انتصار الثورة الاسلامیة، وصدر قانون إحیاء وإقطاع الأراضی الزراعیة

ص:193

فی 26-1-1359 ه ش وتأسست لجنة سباعیة (هیئة هفت نفره) لتوزیع الأراضی علی المحرومین من الراغبین بالزراعة وفی إطار تعاونیات مشاعة أو شرکات سهامیة زراعیة إو تعاونیات إنتاجیة، وتملّک الکثیر عن هذا الطریق أراضی زراعیة، وثبتوا فی قراهم، کما بدأت الهجرة العکسیة، فی الکثیر من المناطق وبتنفیذ هذا القانون حصلت خطوة هامة فی طریق تحقیق العدالة الاجتماعیة.(1)

ص:194


1- (1) موقع (مدیریت امور ارضی) من شبکة الانترنت.

المصادر والمراجع

1. القرآن الکریم

2. نهج البلاغة، جمع الشریف الرضی، انتشارات لقاء قم، 1383 ه. ش.

3. الآصفی، محمد مهدی، ملکیة الأرض فی الإسلام، نشر توحید، 14.9 ه. ق.

4. بحر العلوم، محمد، بلغة الفقیه، مکتبة الصادق طهران، ط 4، 1403 ه ق.

5. ابن الجوزی، علی الموضعات، المکتبة السلفیة، المدینة المنورة، ط 1، 1386 ق.

6. ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحلیم، مجموع الفتوای، مکتبة الرشد بیروت، ط 1، 2005 م.

7. ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، طبعة دار صادر، بیروت.

8. ابن خلدون، عبد الرحمن بن أحمد، مقدمة بن خلدون، دار الکتاب العربی بیروت 2005 م.

9. ابن منظور، جمال الدین محمد بن مکرم الإفریقی المصری، لسان العرب، دار الفکر، بیروت، ط 1، سنة 1411. ه. ق.

10. ابن هشام، السیرة النبویة، انتشارات المصطفوی قم، ط 3، 1368 ه. ش.

11. أبو عبید، القاسم بن سلام، الأموال: دار الکتب العلمیة - بیروت، ط 1، 1986 م.

12. الأصفهانی، محمد حسین، حاشیة کتاب المکاسب، المطبعة العلمیة، ط 1، 1418 ه ق.

13. الأمینی، عبد الحسین، الغدیر، دار الکتاب العربی بیروت، ط 4، 1397 ق.

14. الأنصاری، مرتضی، المکاسب، منشورات دار الحکمة - قم، ط 1، سنة 1416 ه. ق.

15. الانصاری، مرتضی، المکاسب، مؤسسة الهادی - قم الطبعة الاولی، سنة 1417 ه ق.

ص:195

16. البحرانی، یوسف، الحدائق الناضرة، طبعة مؤسسة النشر الاسلامی، جماعة المدرسین، قم.

17. البخاری، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری، دار الفکر بیروت، طبعة، 1401 ه.

18. البغدادی، قدامة بن جعفر، الخراج والکتابة، دار الرشید للنشر، بغداد، 1981 م.

19. البلاذری، أحمد بن یحیی، فتوح البلدان، مکتبة النهضة المصریة القاهرة 1379 ق.

20. التاجی، محمد، منهج عمر بن الخطاب فی التشریع، دار السلام القاهرة الطبعة الاولی 1423 ه، ق.

21. التبریزی، جواد، ارشاد الطالب الی المکاسب، مطبعة اسماعلیان، قم، ط 3، 1416 ه. ق.

22. الجصاص، أحمد بن علی، أحکام القرآن، دار الکتاب العربی بیروت، 1406 ه.

23. الجندی، عبد الحلیم، الإمام الصادق، مجموعة المعجم الفقهی.

24. الحاجی، الدکتور محمد عمر، دراسات فی الفقة الاسلامی، دار المکتبی، دمشق، ط 1، سنة 1427 ه ق

25. الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، مؤسسة آل البیت، ط 3، 1414 ه. ق

26. الحلی، الحسن، بن یوسف، تذکرة الفقهاء، مطبعة ستارة، قم 1419 ه. ق

27. الحلبی، أبو الصلاح، الکافی، مکتبة أمیر المؤمنین علیه السلام أصفهان 1400 ه. ق

28. الحلّی، الحسن بن یوسف، تذکرة الفقهاء، مؤسسة آل البیت، ط 1، 1419 ه. ق

29. الحلّی، الحسن بن یوسف، منتهی المطلب، طبعة الاُستانة الرضویة

30. الحلّی، حسن بن یوسف، الرسائل السعدیة، مکتبة المرعشی النجفی، ط 1، 1410 ه.

31. الحلّی، محمد بن إدریس، السرائر، مؤسسة النشر الاسلامی، جماعة المدرّسین قم، ط 4، 1417 ه -.

32. الحنبلی، ابن رجب، الاستخراج لأحکام الخراج، هجر للطباعة والنشر الجیزة مصر، ط 1، 1997 م

33. الخمینی، روح الله، کتاب البیع، مؤسسة إسماعیلیان قم، ط 4، 141. ق

34. الخوئی، السید أبو القاسم بن السید علی أکبر، منهاج الصالحین، مطبعة مهر قم، ط 28، سنة 14.3 ه. ق

35. الخوری، سعید، أقرب الموارد، منشورات مکتبة المرعشی النجفی - قم، 1403 ه.

36. الداوودی، أبو جعفر أحمد بن نصر، الأموال، دار السلام القاهرة، ط 2، 2006 م.

ص:196

37. الرجبی الحنفی، عبد العزیز بن محمد، الرتاج فی أحکام الخراج، مطبعة الإرشاد بغداد، 1973 م

38. الریس، محمد ضیاء، الخراج والنظم المالیة فی الدولة الإسلامیة، ط 5، 1985 م مکتبة دار التراث القاهرة

39. زاهد، الدکتور عبد الأمیر، دراسات فی الاقتصاد الفکری الإسلامی، شبکة المعلومات شبکة الانترنیت: www.islamicfeqh.com

40. الزمخشری، محمود بن عمر، تفسیر الکشاف، طبعة عبد الرحمن محمد، مصر، 1343 ه.

41. الزمخشری، محمود بن عمر، تفسیر الکشّاف، مؤسسة دار إحیاء التراث العربی، 1997 م.

42. الشالجی، الدکتور ولید خالد، المدخل إلی المالیة العامة الاسلامیة، دار النفائس للنشر الأردن، ط 1، 2005 م

43. الشاهرودی، السیدحسین علی، محاضرات فی الفقه الجعفری، دار الکتاب الإسلامی قم، ط 1، 1409 ه. ق

44. الشوکانی، محمد بن علی، نیل الأوطار من أحادیث سید الأخیار، دار الجیل بیروت

45. الشیبانی، علی بن أبی الکرم، المعروف بابن الأثیر، الکامل فی التاریخ، دار صادر، بیروت 1979 م

46. الشیبانی، فاضل، رسالة فی الخراج، من کتاب الخراجیات، لجماعة المدرسین، ط 1، سنة 1413 ه ق

47. الشیرازی، ناصر مکارم تفسیر الأمثل، مؤسسة البعثة بیروت، 1992 م

48. صالحی، الدکتور صالح، المنهج التنموی فی الاقتصاد الاسلامی، دار الفجر للنشر والتوزیع القاهرة، ط 1، 2006 م.

49. صانعی، د. سید مهدی، أنفال وآثار آن در اسلام، انتشارات دفتر تبلیغات، ط 1، 1379 ه. ش

50. الصدر، السید محمد باقر، اقتصادنا، دار الفکر، بیروت، ط 3، 1969 م

51. الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، دار الکتاب اللبنانی ودار الکتاب المصری، ط 1، سنة 1977 م

52. الصدوق، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، الخصال، مؤسسة النشر الإسلامی، جماعة المدرسین، قم، ط 1.

ص:197

53. الصدوق، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه، من لا یحضره الفقیه، مؤسسة النشر لجماعة المدرسین، ط 3، سنة 1414 ه. ق

54. الطباطبائی، علی بن سید محمد علی، ریاض المسائل، مؤسسة آل البیت - قم، ط 1، سنة 1418 ه. ق

55. الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، مؤسسة اسماعیلیان، ط 2، 1971 م

56. الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الاُمم والملوک، طبعة دار المعارف، مصر

57. الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک، دار المعارف، مصر 1969 م

58. الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، المکتبة الرضویة - قم، ط 2، 1362 ه. ش

59. الطوسی، محمد بن الحسن، النهایة، مطبعة دانشکاه 1342 ش.

60. الطوسی، محمد بن الحسن، الاستبصار، دارالکتب الإسلامیة،

61. الطوسی، محمد بن الحسن، التهذیب، دار الکتب الاسلامیة، ط 1، 1365 ه. ش

62. الطوسی، محمد بن الحسن، المبسوط، مؤسسة النشر الإسلامی، جماعة المدرسین، قم 1422 ه. ق

63. الطوسی، محمد بن الحسن، المبسوط، المکتبة المرتضویة - قم سنة 1387 ه. ق

64. الطوسی، محمد بن الحسن، النهایة، دار الأندلس، بیروت.

65. العاملی، عبد الله بن محمد بن مکی، قواعد الأحکام، مؤسسة النشر الإسلامی جماعة المدرسین، ط 1، 1413 ه. ق

66. العاملی، عبد الله بن محمد بن مکّی، قواعد الأحکام، منتدی النشر، النجف الأشرف

67. العاملی، محمد جواد، مفتاح الکرامة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

68. العاملی، محمد جواد، مفتاح الکرامة، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، ط 1، سنة 1428 ه. ق

69. العسقلانی، محمد بن إسماعیل بن حجر، سبل السلام، مطبعة مصطفی الحلبی مصر، ط 4، 1379 ه.. ق

70. بن زهره، الغنیة من کتاب الجوامع الفقهیة، منشورات مکتبة المرعشی النجفی -، قم سنة 1404 ه. ق

71. الفیاض، محمد إسحاق، الأراضی، طبعة النجف، نشر مؤسسة طباعة وتجلید دار الکتاب قم.

72. القاضی، ابن البراج، المهذّب، مؤسسة النشر جماعة المدرسین - قم سنة 1406 ه.

ص:198

73. القاضی، أبو یوسف، الخراج، المکتبة الازهریة، سنة 1999 م

74. القرافی، أحمد بن إدریس، الفروق، دار الکتب العلمیة بیروت، ط 1، 1998 م

75. القرشی، یحیی ابن آدم، الخراج ضمن مجموعة فی التراث الاقتصادی الإسلامی دار الحداثة، بیروت. 199. م

76. القرضاوی، یوسف، فقه الزکاة، مکتبة وهبة، القاهرة، ط 25، 1427 ه.

77. القمی، علی بن ابرهیم، تفسیر القمی، مؤسسة دار الکتاب، قم، ط 4، 1404 ق

78. الکبیسی، الدکتور حمدان، الخراج أحکامه ومقادیره، شرکة المطبوعات للتوزیع والنشر - بغداد، ط 1، سنة 2004 م.

79. الکراجکی، محمد بن علی، کنز الفوائد، مکتبة المصطفوی، قم، ط 2، 1410. ق

80. الکرکی، علی بن عبد العالی، قاطعة اللجاج، من کتاب الخراجیات لجماعة المدرسین، ط 1، سنة 1413 ه ق

81. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، دار الکتب الاسلامیة، ط 4، 1365 ه. ش

82. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، دار الکتب الاسلامیة قم، ط 3، 1388 ه. ق

83. المالکی، محمد علی، تهذیب الفروق، دار الکتب العلمیة بیروت، ط 1، 1998 م

84. الماوردی، علی بن محمد بن حبیب، الأحکام السلطانیة، دفتر تبلیغات إسلامی -، ط 1، قم.

85. الماوردی، محمد بن الحسین، الأحکام السلطانیة، دفتر تبلیغات إسلامی قم.

86. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، المطبعة الاسلامیة، سنة 1385 ه. ق

87. مجموعة من الفقهاء، الجوامع الفقهیة، انتشارات جهان

88. المحقق الحلّی، جعفر بن الحسن، شرائع الاسلام فی مسائل الحلال والحرام: مطبعة الآداب، النجف الاشرف، 1969 م

89. مدرّسی، حسین، زمین در فقه اسلامی، دفتر نشر فرهنکی اسلامی، قم، ط 1، 1363 ه ش

90. المسعودی، علی بن الحسین، مروج الذهب، مؤسسة دار الهجرة قم، ط 2، 1409 ه. ق

91. المعتزلی، عبدالحمید ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، دار إحیاء الکتب العربیة بیروت، 1959 م

92. المفید، محمد بن محمد النعمان، المقنعة، مؤسسة النشر لجماعة المدرسین، ط 4، 1417 ه. ق

ص:199

93. المفید، محمد بن محمد بن النعمان، الاختصاص، طبعة دار المفید، ط 2، 1414 ه. ق

94. المفید، محمد بن محمد بن النعمان، الاختصاص، مؤسسة النشر الاسلامی جماعة المدرسین، قم

95. المنتظری، حسین علی، دراسات فی ولایة الفقیه وفقه الدولة الإسلامیة، مکتب الإعلام الإسلامی، ط 2، 14.9 ه. ق

96. موسی، محمد یوسف، الأموال ونظریة العقد فی الفقه الإسلامی، دار الکتاب العربی، مصر، ط 1، 1952 م.

97. موقع www.iran.doc.com مادة خراج

98. موقع الجزیرة نت، عائدات قناة السویس (شبکة الانترنیت): www.aljazeera.net

99. موقع المکتبة البصریة فی شبکة الانترنیت Basrahcity.net

100. موقع دائرة الإفتاء والتدریس الدینی فی حلب، شبکة الأنترنیت www.eftaa-aleppo.com

101. موقع دبیر خانة مجلس خبرکان، فی شبکة الانترنیت، منابع فکر وفقه سیاسی شیعه در دورة صفوی: www.majlese khobregan .ir

102. موقع فی شبکة الانترنیت، جریدة الشاهد المستقل. www.alshahid-almustakil

103. موقع مدیرت امور أراضی أصفهان، شبکة الانترنیت www.esfahan-omoorarazi.ir

104. النائینی، محمد حسین، تنبیه الاُمة وتنزیه الملّة، تعریب: عبد الحسن ال نجف، مؤسسة أحسن الحدیث، قم، ط 1، 1419 ه. ق

105. النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام، دار إحیاء التراث العربی، ط 7، بیروت.

106. النیسابوری، محمد بن الفتال، روضة الواعضین، منشورات الرضی، قم

107. الهاشمی، الشاهرودی محمود، کتاب الخمس، ط 1، مکتب الإعلام الإسلامی، 141. ه. ق

108. وزارة الأوقاف الکویتیة، الموسوعة الکویتیة، ط 2، 2006 م.

109. الیزدی، محمد کاظم، العروة الوثقی، مؤسسة النشر الاسلامی جماعة المدرسین، ط 1، 1420. ه. ق

ص:200

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.