الحقوق الزوجیه (احکام النشوز و الشقاق)

اشارة

سرشناسه: علی حسین، سوسن

عنوان و نام پدیدآور: الحقوق الزوجیه (احکام النشوز و الشقاق) / سوسن علی حسین (دادرس).

مشخصات نشر: قم: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمه والنشر، 1390.

مشخصات ظاهری: 143 ص.

شابک: 9-609-195-964-978

وضعیت فهرست نویسی: فیپا

یادداشت: عربی.

یادداشت: کتابنامه: ص. 137-143؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع: زناشویی (اسلام) -- احادیث -- روابط

رده بندی کنگره: 1390 7 ح 83 ع/ 253/2 BP

رده بندی دیویی: 297/642

شماره کتابشناسی ملی: 2682501

الحقوق الزّوجیّة (أحکام النّشوز والشّقاق)

المؤلف: سوسن علی حسین (دادرس)

الطّبعة الأولی: 1433 ق / 1390 ش

النّاشر: مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

المطبعة: توحید السّعر: 22000 ریال عدد النّسخ: 2000 نسخة

حقوق الطبع محفوظة للناشر

التوزیع:

قم، ساحة الشهداء، شارع الحجتیّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر.

هاتف - الفکس: 9-02517839305

قم، شارع محمّد الأمین، تقاطع سالاریّة، معرض مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر. هاتف: 02512133106 فکس: 02512133146

www.eshop.miup.ir www.miup.ir

root@miup.ir E-mail: admin@miup.ir

ص :1

الإهداء

أهدی هذا الجهد المتواضع إلی أقوم أسرة فی الوجود إلی ریحانة المصطفی وبعلها سیّد الأوصیاء والمنتجبین فاطمة الزّهراء وأمیر المؤمنین علیهما السلام داعیة من الله العلیّ العظیم أن یتقبلها بقبول حسن.

ص:2

ص:3

ص:4

کلمة الناشر

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) والصلوة والسلام علی النبیّ الأمین محمّد صلی الله علیه و آله وآله الهداة المهدیین وعترته المنتجبین واللعن الدائم علی أعدائهم أعداء الدین.

لقد شهدت علوم الدین مدی أربعة عشر قرناً علی طیلة تاریخها العلمی المشرف مستویً من التغیّر المستمرّ فی الحرکة إلی الأمام علی صعید الثقافة والحضارة الإسلامیة فأوجد تطوّراً منهجیّاً فی العلوم الرئیسة المختصّة بالشریعة ک -: الفقه الاسلامی وعلم الکلام والفلسفة والأخلاق... وتبعاً لهذا الجانب ترک التطوّر انطباعا موازیاً بیّنا فی العلوم الأدواتیة ک -: المنطق وعلم الرجال والحقوق....

وفی ضوء انتصار الثورة الإسلامیة الإیرانیة المعظمّة وحدثها الداعی إلی رؤیة دینیة حدیثة فی نطاق الحکم بغضون القرن الداعی إلی الانفلات من ظلّ الدین والأیدیولوجیة الدینیة وما یعرض فی مسرح أحداثه من تطوّر فی مسار نظریّات العلاقات الدولیة أو تصاعد الأسئلة المعرفیّة المتعلّقة بمفهوم الوجود ومستلزماته الشاغلة لذهن الإنسان الحاضر وکذلک ما حصل من توسّع لدی علم الوجود الإنسانی فی ظلّ الأحداث والمتغیرات المعنیة بهذا الجانب؛ جعلت المفکّر الإسلامی فی أعلی

ص:5

مستوی من المسؤولیة أکثر ممّا سلف خاصّة فی الدول الإسلامیة التی باتت فی محاولة ضروریة لمواجهة الشعارات الخوّاء فی عصر العولمة فی ضوء التدقیق والملاحظة والنقد البنّاء لاجتیاح أیّ فقرة یخشی أن تسبّب مشکلات فی مقتبل الأیام.

ومن هذا المنطلق یتطلّب الصعید الحوزوی النیّر لضرورة الوقوف علی آخر المستجدّات الفکریة فی حقولها المتعدّدة والاستعانة بضروب من التحقیق العلمی الرصین بمعاییر عالمیة حیّة لتوظَّف فی نطاق الدین والشریعة للإجابة علی المتطلّبات العصریة والمنطلق الداعی إلی التکامل و التعالی فی ظلّ الدین والتزام نظامه فی العلم والحیاة من جهة أخری حیث یتطلّب الأمر من الحوزة العلمیة مسؤولیة وضع حدّ لردع الجانب العولمی وتبعاته المنحطّة علی الإنسان بلحاظه العام.

وقد کانت رؤیة التصدّی لهذا الأمر فی عنایة من مؤسسی الحوزة العلمیة هذه الشجرة الطیبة الذی (أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ) ، سیّما الإمام الخمینی رحمه الله الراحل وقائده المبجّل الإمام السیّد علی الخامنئی دام ظله الوارف فی الوقت الراهن.

وقد سعت جامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیة فی ضوء ما تقدم لنیل النجاح فقامت بإرساء مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر حیث تکفّل بنشر نتاج هذا الجانب العلمی الهامّ.

وإنّ هذا الحقوق الزّوجیّة (أحکام النّشوز والشّقاق) جاءت بجهود فضیلة السیّدة سوسن علی حسین (دادرس) متوافقة مع نسق الرؤیة السائدة المتّبعة وهذه الأهداف السامیة.

کما ندعو أصحاب الفضیلة والاختصاص بما لدیهم من آراء بنّاءة وخبرات علمیة ومنهجیة عصریة بالمساهمة معنا والمشارکة فی نشر علوم أهل البیت علیهم السلام.

وختاما لیس لنا إلّا تقدیم الشکر الجزیل لکافّة المساهمین الکرام بجهودهم الخاصّة بإعداد الکتاب للطباعة والنشر.

مرکز المصطفی صلی الله علیه و آله العالمی للترجمة والنشر

ص:6

الفهرس

المقدّمة 11

الفصل الأوّل: بحوث تمهیدیّة

بحوث تمهیدیّة 17

النکّاح 18

1. لغة 18

2. اصطلاحاً 19

النّشوز 21

1. لغة 21

2. اصطلاحاً 24

الشّقاق 26

1. لغة 26

2. اصطلاحاً 28

الحقّ 29

1. لغة 30

2. اصطلاحاً 33

أ) عند الفقهاء 33

ب) عند الحقوقیین 34

الحکم 35

ص:7

1. لغة 35

2. اصطلاحاً 36

الفرق بین الحقّ والحکم 37

دراسة تأریخیّة للحقوق الزّوجیّة فی الدّیانات الإلهیّة السّابقة 38

دراسة تأریخیّة للحقوق الزّوجیّة فی المجتمعات البشریّة 41

الفصل الثّانی: نشوز الزّوجة

التمهید 47

المبحث الأوّل 49

حقوق الزّوج علی زوجته 49

حقّ الطّاعة 49

المبحث الثّانی 59

کیف یتحقّق نشوز الزّوجة 59

المبحث الثّالث 67

آثار نشوز الزّوجة علی العائلة 67

المبحث الرّابع 73

أحکام نشوز الزّوجة 73

1. الوعظ 74

2. الهجر 76

3. الضرب 79

الفصل الثّالث: نشوز الزّوج

التمهید 89

المبحث الأوّل 91

حقوق الزّوجة علی الزّوج 91

الجانب المادّی من حقوق الزّوجة 92

1. حقّ النّفقة 92

2. حقّ المهر 97

الجانب المعنویّ والمشترک من حقوق الزّوجیّة 102

حُسن المعاشرة 102

ص:8

المبحث الثّانی 107

کیف یتحقق نشوز الزّوج 107

المبحث الثّالث 115

آثار نشوز الزّوج علی العائلة 115

1. الأضرار المتوجّهة للمرأة 118

2. الأضرار المتوجّهة للأطفال 118

3. الأضرار المتوجّهة للمجتمع 120

المبحث الرّابع 121

أحکام نشوز الزّوج 121

1. فی حالة عدم الإنفاق وسوء المعاملة 122

2. فی حالة إکراه الزّوجة والضّجر منها 128

خلاصّة البحث 135

المصادر 137

ص:9

ص:10

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی أشرف المرسلین سیّدنا ونبیّنا محمّد وعلی آل بیته ا لطّیبین الطّاهرین.

وبعد...

إنّ الحیاة الزّوجیّة من أهم جوانب الحیاة الإنسانیّة الّتی یمرُّ بها الرّجل والمرأة، فهی تشغل الجزء الأکبر من حیاتهما، بل وأنّ أیّ مجتمع سواء کان شرقیاً أم غربیاً فهو یتکوّن من الأسرة.

وکما نظرت الأدیان السّماویّة وبعض المذاهب الاجتماعیّة إلی الأسرة باهتمام بالغ إلّا أنّها لم تحقّق السّعادة، کما لم تعطِ المرأة کامل حقوقها.

وجاء الإسلام فبدأ ببناء الأسرة فی ضمائر الأفراد ووجدانهم، وغرس فی أعماق أرواحهم بذرة الحبّ ونسم نسمة الرّحمة، ونظر إلی البیت بوصفه سکناً وأمناً، وإلی العلاقة الزّوجیّة بوصف المودّة والرّحمة.

وأعطی للرجل القوامة والقیادة، وجعل الزّوجة ملاذاً للزوج یأوی

ص:11

إلیها بعد جهاده الیومی، ویلقی فی نهایة مطافه بمتاعبه إلی هذا الملاذ... إلی زوجته الّتی ینبغی أن تتلقاه فرحة، مرحة، طلقة الوجه... یجد منها أذناً صاغیة وقلباً حانیاً وحدیثاً رقیقاً یخفف عنه ویذهب ما به.

لکن أحیاناً لا تخلو هذه الحیاة من أن تهب علی سمائها الصّافیة أعاصیر خفیفة تکدّر صفوها وتغیّر ما عهد من هدوئها وسعادتها بالرغم من أنّ الإسلام أقام العلاقة الزّوجیّة علی التوازن بإعطاء کلّ من الزّوجین حقوقاً، وأوجب علیهما واجبات، غیر أنّه یعلم أنّ الطّبائع فی النّاس مختلفة، ولیست متجانسة؛ لذا فإنّ اجتماع الزّوجین قد یحدث منه التّنافر بدل الإنسجام، ومن ذلک فقد تتصاعد الخلافات إلی درجة یصبح استمرار الحیاة بینهما مستحیلاً.

وإن کان لا أحد من الزّوجین یرغب فی وجود مشاکل فی حیاته الزّوجیّة، بل کلاهما یتمنیان السّعادة والإنسجام، لکن وراء هذه الخلافات عوامل منها أسباب ذاتیة تعود إلی ضعف ثقافة العلاقات الزّوجیّة وضعف الوعی الحیاتی، الّذی یشکّل عامل وقایة وحصانة من نشوب الخلافات الضّارة أو اشتدادها وتفاقمها.

وبأثر ذلک یعانی الأطفال مرارة اختلاف آبائهما، ممّا یزید من تفشی البؤس والتّفرق والتّباغض بین الأسر، فتتعدّد المشاکل وتکثر همومها، وهنا تأتی الشّریعة، هذا البحر الضّخم من الأفکار والأحکام والنّتاجات الّذی لم یدعُ مشکلة إلّا عالجها ولا واقعة إلّا وضع لها حکماً،

ص:12

فشمل جمیع میادین الحیاة ودقائقها وکلّ الظّروف والملابسات وفی جمیع الأزمان والبیئات، فوضع الحلول اللازمة لحلّ هذه الخلافات العائلیة، وأوجب سلوکها، فإذا سلکت ولم توصل إلی نتیجة أصبح عند ذلک فصم عری الزّوجیّة أولی من بقائها.

هذا ما أتیت به فی هذا البحث الشّامل لثلاث فصول، حیث ذکرنا المباحث التّمهیدیة، والّذی یشمل علی المعنی اللغوی والإصطلاحی للکلمات الأکثر استخداماً فی البحث، کما ألقینا نظرة علی الحقوق الزّوجیّة فی الدّیانات الإلهیّة والمجتمعات البشریّة، ثمّ شرعنا بالفصل الثّانی الّذی فیه نوع من المقارنة مع الفصل الثّالث، وهما بیان لنشوز الزّوجة والزّوج، حیث أن فی کلّ من الفصلین أربعة مباحث، ذکرنا فیهما أهمّ الحقوق الواردة للزوجین وکیفیة تحقّق النّشوز وآثاره علی العائلة، وفی النّهایة الأحکام الواردة عند النّشوز.

ومن الجدیر بالذّکر أنّ هذا البحث فی واقعه کان بحث التخرج لمرحلة البکالوریوس من «مؤسسة الشهیدة بنت الهدی» التابعة لجامعة المصطفی صلی الله علیه و آله العالمیّة، حیث وفقنا الباری عزّوجلّ علی إخراجه بالشّکل الحالی لیکون فی خدمة القارئ. فإن کنت قد أخطأت فی فکرة أو عبارة فارجو من الله العلیّ القدیر أن یعیدنی إلی الصّواب ویغفر لی ما أخطأت فیه.

ختاماً أقدم جزیل الشّکر والأمتنان لمن ساهم فی تدوین هذا

ص:13

البحث، وبالأخص سماحة الدّکتور العلّامة السیّد نذیر الحسنی (زید عزّه) لما قام به من إشراف وتوجیه، کما أقدم فائق تقدیری إلی الأخوة الأعزاء کلّ من سماحة الأستاذ الشّیخ کاظم البهادلی، وسماحة الأستاذ الشّیخ صباح الربیعی (حفظهما الله ورعاهما).

نهایة المطاف أسأل الله تبارک وتعالی فعل الخیرات وترک المنکرات وإصلاح ذات البین، وأن یجعل أعمالنا صالحة وأن یتقبل هذا الیسیر ویثیبنا علیه یوم نلقاه (یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَی اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ) .

سوسن علی حسین

21 ذی الحجة/ قم المقدّسة/ 1432 ق

ص:14

الفصل الأول: بحوث تمهیدیّة

اشارة

1. تعریف المفردات؛

2. دراسة تأریخیّة لحقوق الزّوجیّة فی الدّیانات الإلهیّة السّابقة؛

3. دراسة تأریخیّة لحقوق الزّوجیّة فی المجتمعات البشریّة.

ص:15

ص:16

بحوث تمهیدیّة

اشارة

عند التّأمل فی مفهوم الزّواج والحیاة المشترکة یُلاحظ؛ أنّ الأرکان الأساسیّة فیه، هما الزّوج والزّوجة، حیث لا حائل بینهما بقوله تعالی:(هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) .(1)

ولکن فی الواقع، لا یکفی وجود هذین العنصرین لبقاء الحیاة المشترکة ودوامها واستمرارها، بل لابدّ من ملاحظة جوانب اخری تحیط بالأجواء وترفع الموانع الّتی یمکن أن تقع فی مسیرة الحیاة الزّوجیّة؛ وذلک لن یتمّ إلّا بمعرفة کلّ من الطّرفین بالوظائف الّتی منحت له والقیام به، وإلّا سوف تتعرض الحیاة إلی أنواع المشاکل والخلافات الّتی لابدّ منها؛ ولذا سوف نتطرّق فی هذا الفصل إلی أهمّ المصطلحات المستخدمة فی البحث لأجل التعرّف علیها.

ص:17


1- (1) البقرة: 187.

النکّاح

1. لغة

ممّا لا یخفی علینا أنّ هذا المصطلح استخدم فی الآیات والرّوایات فی مواضع عدیدة، وجاء أیضاً بمعان متعدّدة عند علماء اللغة، تتراوح أقوالهم بین الاتفاق والاختلاف حول ما کان المراد من النّکاح هو الوطئ أو العقد والنّزاع لا یخرج عن دائرتهما، وإلیک کلماتهم:

ذکر فی الصّحاح:

النّکاح: الوطئ، وقد یکون العقد. تقول: نکحتها ونکحت هی، أی تزوّجت وهی ناکح فی بنی فلان، أی هی ذات زوج منهم، واستنکحها بمعنی نکحها وأنکحها، أی زوّجها.(1)

والملاحظ هنا، إنّ المصنّف لا یفرق بین الوطئ والعقد، فی حین البعض یخالف هذا الرأی ویفرق بینهما، کما جاء فی مجمع البحرین:

نکح، ینکح من باب ضرب، والنکاح، الوطئ، ویقال علی العقد، فقیل مشترک بینهما، وقیل حقیقة فی الوطئ مجاز فی العقد، وقیل وهو أولی؛ إذ المجاز خیر من الاشتراک عند الأکثر، وهو فی الشّرع عقد لفظی مملک للوطئ ابتداءً، وهو من المجاز تسمیة للسبب بأسم مسببه.(2)

وأمّا فی المفردات فجاء بمعنی مخالف تماماً لهذا المعنی، حیث قال:

أصل النّکاح للعقد، ثمّ استعیر للجماع ومحال أن یکون فی الأصل للجماع ثمّ استعیر للعقد؛ لأنّ أسماء الجماع کلّها کنایات

ص:18


1- (1) الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصّحاح: 463/1.
2- (2) الطّریحی، فخرالدین، مجمع البحرین: 369/4.

لاستقباحهم ذکره کاستقباح تعاطیه، ومحال أن یستعیر من لا یقصد فحشاً، أسم ما یستفظعونه لما یستحسنونه.(1)

فی حین جاء فی تاج العروس ما یؤید المعنی السّابق، وذکر:

أنّ النّکاح هو الوطئ فی الأصل والتّزویج؛ لأنّه سبب للوطئ المباح، وقیل هو العقد له، لکن هل هذا حقیقة فی الکلّ أو مجاز فی الکلّ، أو حقیقة فی أحدهما مجاز فی الآخر، یشیر المصنّف إلی أقوال العلماء، ومن ثمّ یرجح الأشتراک، باعتبار أنّ المعنی للوطئ أو العقد لا تفهم الّا من خلال القرینة.(2)

والحاصل، مهما کان الخلاف فهو لا یخرج عن کون المراد هو العقد أو الوطئ. هذا ما ذکر فی المعنی اللغوی.

2. اصطلاحاً

من خلال مراجعة کلمات الفقهاء، یتّضح لنا أنّ هناک قولان للمعنی الاصطلاحی:

1. قول یشیر إلی أنّ المراد من النّکاح هو العقد، وهو رأی أغلب الفقهاء.

2. وآخر یدلّ علی أنّ النّکاح هو اسم للمعنی الاعتباری.

والملحوظ، هو الرأی الأوّل فی کتب الأعلام، وهو العقد لا المعنی الاعتباری.

هذا الّذی حدا بنا أن نقول: إنّ النّزاع المترتب علی المعنی الاصطلاحی، أقلّ بکثیر من المعنی اللغوی.

ص:19


1- (1) الرّاغب الاصفهانی، المفردات: 505.
2- (2) الزّبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس: 240/4.

لهذا، سوف نشیر إلی بعض کلمات الفقهاء حتّی یتبیّن للقارئ، مقدار النّزاع الّذی وقع فی المعنی الشّرعی.

منها ما جاء فی المعجم:

إنّ النّکاح، هو عقد بین رجل وامرأة یفید حل استمتاع کلّ منهما بالآخر ولا یمنع من ذلک مانع شرعی.(1)

وفی القاموس یؤید ما ذکر؛ من أنّ النّکاح هو العقد بین الزّوجین یحل به الوطئ، وعند الفقهاء عقد یفید حل استمتاع الرّجل من امرأة لم یمنع من نکاحها مانع شرعی قصداً.(2)

وذهب فی کشف اللثام:

إلی أنّ استعمال لفظ النّکاح حقیقة فی العقد علی الأشهر، وما جاء من اختصاص قوله تعالی:

(حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ)3 فی الوطئ، أیضاً بمعنی العقد؛ إذ لم یعهد «نکحت» بمعنی وطئت، إلّا أن یجعل بمعنی التقت أو ضُمت أو اختلطت، ویزداد قوة إذا کان فی اللغة بمعناه أیضاً، لأصالة عدم النّقل.(3)

والشّهید الثّانی فی المسالک عبّر عن إرادة معنی الوطئ فی هذه الآیة، لاشتراط الوطئ فی المحلّل، وذکر:

أنّ فیه نظر؛ لجواز إرادة العقد واستفادة الوطئ من السنّة.(4)

ص:20


1- (1) الدکتور أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفری: 429.
2- (2) الدکتور سعدی أبو حبیب، القاموس الفقهی: 360.
3- (4) الفاضل الآبی، کشف اللثام: 5/7.
4- (5) الشهید الثانی، مسالک الأفهام: 7/7.

وأدّعی الإجماع علی معنی العقد صاحب المستند، حیث قال:

یظهر أنّه حقیقة فی العقد أیضاً خاصّة فی الشّرع، ویؤید غلبة الاستعمال فیه کذلک؛ لکونها مظنّة التّبادر واشتهاره، وأدلّة الاشتراک ضعیفة.(1)

وکما ذکرنا یوجد فی قبال هذه الآراء قول آخر مخالف لما ذکر وأشار:

أنّ الظّاهر عدم تمامیّة شیء ممّا أفادوه فی المقام، بل الحقّ أنّه اسم للمعنی الاعتباری المنشأ باللفظ أو الفعل، نظیر سائر أسامِ المعاملات.

توضیح ذلک: أنّه لا إشکال فی أنّ النّکاح من مقولة المعنی لا اللفظ وإلّا لم یعقل إنشائه باللفظ، کما لا إشکال فی أنّه لیس اسماً للوطئ؛ لذا لا یستقبح ذکره ومنشأه باللفظ غیر ذلک من القرائن، فهو اسم لذلک الأمر الاعتباری الثّابت قبل الشّرع، وقد أمضاه الشّارع وأضاف إلیه قیوداً.(2)

النّشوز

اشارة

ولما کان النّشوز رکناً أسیاسیاً یدور حوله البحث، تأتی أهمیة معرفة هذا الرکن علی مستوی اللغة والاصطلاح.

1. لغة

فقد جاء لفظ النّشوز فی اللغة بتعبیرات متعدّدة منها:

1. الارتفاع.

2. النّبوء.

ص:21


1- (1) المحقق النراقی، محمد مهدی، مستند الشیعة: 10/16.
2- (2) السید الروحانی، محمد، فقه الصادق: 9/21.

3. القیام.

4. الخروج عن الطّاعة والعصیان.

وکما یلحظ، هذه التّعبیرات تارة تشیر إلی جهة مادّیة وأخری معنویّة، والمتأمل فی کلمات اللغویین، لا یجد أکثر من هذه المعانی، وإلیک بعض هذه التّعبیرات:

جاء فی المفردات أصل النّشوز:

نشز والنّشز المرتفع من الأرض، ونشز فلان إذا قصد نشزاً، ومنه نشز فلان عن مقرّه نبا وکلّ ناب ناشز، ویعبّر عن الأحیاء بالنّشز والإنشاز؛ لکونه ارتفاعاً بعد اتضاع. ونشوز المرأة بغضها لزوجها، ورفع نفسها عن طاعته وعینها عنه إلی غیره.(1)

وفی مجمع البحرین استشهد بقوله تعالی:(وَ إِذا قِیلَ انْشُزُوا)2 لمعنی النّشوز وقال:

أی: انهضوا وارتفعوا عن مجلس النّبی صلی الله علیه و آله إلی الصّلاة والجهاد وأعمال البر، وقرئ بضم الشّین وکسرها.

وقعد علی نشز من الأرض، بمعنی علی مکان مرتفع وقوله:(وَ انْظُرْ إِلَی الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها)3 أی: نرفعها إلی مواضعها، مأخوذ من النّشز وهو المکان المرتفع، یرید نرفع العظام بعضها علی بعض، وقرئ ننشزها بالرّاء المهملة من النّشر والطّی.(2)

ص:22


1- (1) المفردات: 493.
2- (4) مجمع البحرین: 312/4.

وفی لسان العرب جاء بمعنی مطابق لما ذکر، حیث قال:

النّشز، المتن المرتفع من الأرض، وهو أیضاً ما ارتفع عن الوادی إلی الأرض، ولیس بالغلیظ، والجمع انشاز ونشوز.

ونشز ینشز نشوزاً: أشرف علی نشز من الأرض، وهو ما ارتفع وظهر.

یقال: اقعد علی ذلک النّشاز، ومنه الحدیث: "أتاه رجل ناشز الجبهة" أی: مرتفعها.

وفی التّنزیل العزیز:(وَ إِذا قِیلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)1 معناه: إذا قیل: انهضوا فانهضوا وقوموا، وقیل فی معناه: قوموا إلی الصّلاة أو قضاء حقّ أو شهادة فانشزوا.

ونشز الرّجل ینشز إذا کان قاعداً فقام ورکب ناشز: ناتئ مرتفع، وعرق ناشز: مرتفع منتبر، ونشزت المرأة بزوجها وعلی زوجها تنشز وتنشز نشوزاً، وهی ناشز: ارتفعت علیه واستعصت علیه، وأبغضته وخرجت عن طاعته.(1)

وقد عبّر الزّبیدی عن النّشز، بالمکان، وفی المحکم بالمتن المرتفع من الأرض، کالنّشاز بالفتح، والنّشز محرکة، وقیل: النّشز، والنّشز: ما ارتفع عن الوادی إلی الأرض ولیس بالغلیظ.

وذکر بأنّ جمع النّشز بالفتح نشوز، وجمع المحرک أنشاز، کسبب وأسباب، ونشاز مثل جبل وأجبال وجبال.

ومن المجاز: نشزت المرأة بزوجها وعلی زوجها، تنشز وتنشز نشوزاً، وهی ناشز: استعصت علی زوجها وارتفعت علیه وأبغضته وخرجت عن طاعته وفرکته، وقد تکرّر ذکر النّشوز فی القرآن

ص:23


1- (2) ابن منظور، محمدبن مکرم، لسان العرب: 417/5.

والأحادیث، وهو أن یکون بین الزّوجین. ونشز بعلها علیها ینشز نشوزاً: ضربها وجفاها وأضرّ بها.

وعرق ناشز: منتبر، أی مرتفع لا یزال یضرب، من داء أو غیره.

وقلب ناشز: ارتفع عن مکانه رعباً، أی: من الرعب.

ومنه الحدیث: «لارضاع إلّا ما أنشز العظم» أی: رفعه وأعلاه وأکبر حجمه.

والنشز محرکة: الرّجل المسن القوی، أی: الذی أسن ولم ینقص، ودابة نشیزة: إذا لم یکد یستقر الرّاکب علی ظهرها، ویقال لها: إنّها لنشزة.(1)

وعلی الرّغم من توسع المصنف فی هذا المجال، لکن لا یلحظ فیه أکثر ممّا ذکر.

بناءً علی هذه الآراء، فالنّشوز یأتی بمعان متعدّدة، کالقیام والنّبوء والارتفاع والخروج عن الطاعة، ویمکن جمع کلّ هذه المعانی بمعنیٍ واحد، وهو الارتفاع.

2. اصطلاحاً

خلافاً لما ظهر من المعنی اللغوی، اتّفقت کلمات الفقهاء علی أنّ النّشوز هو خروج أحد الزّوجین عن طاعة الآخر، ولکن اختلفت ألفاظ الفقهاء حول التّعبیر عن هذا المعنی، وسوف نذکر بعض هذه الألفاظ المختلفة...

الشّهید الثّانی فی المسالک:

إنّ النّشوز هو خروج أحد الزّوجین عن طاعة الآخر؛ وذلک لأنّه

ص:24


1- (1) تاج العروس: 159/8.

بمعصیته قد ارتفع وتعالی عمّا أوجب الله علیه؛ ولذلک خصّ النّشوز بما إذا کان الخروج من أحدهما؛ لأنّ الخارج ارتفع علی الآخر فلم یقم بحقّه، أو عن الحقّ.(1)

وفی المعجم جاء النّشوز بمعنی:

رفض أحد الزّوجین إطاعة صاحبه فیما یجب له من حقوق.(2)

أمّا العلّامة الحلّی نظر إلی النّشوز من جانب الرّجل فقط؛ إذ قال:

النّشوز هو أن یکره الرّجل المرأة، وترید المرأة المقام معه وتکره مفارقته، ویرید الرجل طلاقها.(3)

وذهب أحد الفقهاء إلی أنّ:

لکلّ من الزّوج والزّوجة حقوقاً علی الآخر یجب القیام بها، فبارتفاع أحدهما عن الطّاعة یتحقّق النّشوز، بل هو عین النّشوز.(4)

وعبّر آخر بأنّه:

من المعانی العرفیّة الاجتماعیّة بین النّاس، وبهذا المعنی العرفی جعل مورد الحکم الشّرعی، وهو فی الزّوجة خروجها عن طاعة الزّوج الواجبة علیها، ویکون من الزّوج أیضاً بتعدیه علیها وعدم القیام بحقوقه مطلقاً.(5)

هذه جملة من آراء الأعلام عمّا قیل فی المعنی الاصطلاحی للنّشوز، والّذی

ص:25


1- (1) مسالک الأفهام: 354/8.
2- (2) معجم ألفاظ الفقه الجعفری: 420.
3- (3) العلامة الحلی، الحسن بن یوسف، مختلف الشیعة: 403/7.
4- (4) الخوانساری، أحمد، جامع المدارک: 433/4.
5- (5) السیّد السّبزواری، عبدالأعلی، مهذب الأحکام: 217/25.

یظهر منها هو استخدام نفس المعنی وهو الخروج عن الطّاعة.

الشّقاق

اشارة

المتأمل فی کتب الفقهاء یلاحظ، أنّ موضوع الشّقاق عادةً یؤتی به بعد النّشوز؛ لأنّه مرتبط به، بل قیل: إنّهما واحد، ولکن فی الواقع الشّقاق له معان متعدّدة تختلف عن معنی النّشوز من حیث اللغة، بالرغم من اتّفاقهما فی تعدّد المعانی، وسیتضح ذلک من خلال التّعاریف.

1. لغة

وأصله من الشّق بالکسر، وهو مصدر، جاء بمعان متعدّدة أهمّها کما یلی:

1. النّاحیة.

2. الشّدة والمشقة.

3. نصف الشّیء.

4. المخالفة والعداوة.

5. الفراق.

وذهب للمعنی الأوّل الطّریحی؛ إذ قال:

الشّقة بالضم والکسر البعد، والنّاحیة یقصدها المسافر، والسّفر البعید والمشقة، ومنه قوله:(بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ) والشّقاق: المخالفة لکونک فی شق غیر شق صاحبک، أی: ناحیة غیر ناحیته.(1)

وأشار للمعنی الثّانی فی الحدیث:

«لو لا أن أشق علی أمّتی لأخّرت العتمة إلی نصف اللیل» ، أی:

ص:26


1- (1) مجمع البحرین: 530/2.

لو لا أن أثقل علیهم من المشقة، وهی الشدّة، وشقّ الأمر علینا من باب قتل: إذا صعب ولم یسهل فهو شاق.(1)

وذکر الجوهری المعنی الثّالث وهو:

نصف الشّیء یقال: أخذت شق الشّاة وشقة الشّاة، وهذا شقیق هذا، إذا انشق الشّیء نصفین، فکلّ واحد منهما شقیق الآخر، ومنه قیل: فلان شقیق فلان، أی: أخوه. قال الشّاعر وقد صغره:

یا ابن أمّی ویا شقیق نفسی أنت خلیتنی لأمر شدید(2)

أمّا المعنی الرّابع فقد جاء به الرّاغب فی مفرداته:

الشّقاق المخالفة وکونک فی شق غیر شق صاحبک، أو من شق العصا بینک وبینه. قال:(... وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما...)3 و (... فَإِنَّما هُمْ فِی شِقاقٍ...)4 أی: مخالفة. و (... وَ مَنْ یُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ...)5 أی: صار فی شق غیر شق أولیائه نحو من یحادد الله ومن یشاقق الرّسول.(3)

وأیّد ابن منظور المعنی الأخیر، وذکر:

الشّقاق: غلبة العداوة والخلاف، شاقة مشاقة وشقاقاً، خالفه والشّقاق: العداوة بین فریقین والخلاف بین اثنین، سمّی ذلک شقاقاً؛ لأنّ کلّ فریق من فرقتی العداوة قصد شقاً، أی: ناحیة غیر شق صاحبه.(4)

وأضاف إلی ما ذکر معنی آخر، وهو الفراق، حیث قال:

شق أمره یشقه شقاً فانشق: أنفرق وتبدّد اختلافاً وشق فلان

ص:27


1- (1) المصدر السابق.
2- (2) الصّحاح: 1502/4.
3- (6) المفردات: 264.
4- (7) لسان العرب: 183/10.

العصا: أی: فارق الجماعة، وشق عصا الطّاعة فانشقت، وهو منه. وأمّا قولهم: شق الخوارج عصا المسلمین: فمعناه: أنّهم فرّقوا جمعهم وکلمتهم، وهو من الشّق الّذی هو الصّدع.(1)

وعلی هذا یمکن حصر أهمّ معانی الشّقاق بالناحیة والمشقة ونصف الشّیء والعداوة والفراق.

2. اصطلاحاً

اتّفقت کلمات الفقهاء حول المعنی الاصطلاحی للشقاق وهو: حصول الکراهة والارتفاع والاختلاف من کلا الطرفین.

وقد ذهب إلی هذا المعنی کلّ من المحقّق الحلّی(2) والعلّامة(3) والفاضل الهندی(4) والشّیخ یوسف البحرانی(5) والسیّد علی الطّباطبائی(6) والجواهری(7) والسیّد الخوانساری(8) والسیّد الرّوحانی(9) وابن فهد الحلّی،(10) الّا أنّ الشّهید الثّانی أضاف:

ص:28


1- (1) المصدر السابق.
2- (2) المحقق الحلی، نجم الدین أبوالقاسم جعفربن الحسن، شرائع الإسلام: 561/2.
3- (3) العلامة الحلی، الحسن بن یوسف، تحریر الاحکام الشرعیة: 598/3.
4- (4) کشف اللثام: 517/7.
5- (5) الشیخ البحرانی، یوسف، الحدائق الناضرة: 622/24.
6- (6) السید الطباطبائی، علی، ریاض المسائل: 478/10.
7- (7) النجفی، محمدحسن، جواهر الکلام: 209/31.
8- (8) جامع المدارک: 440/4.
9- (9) فقه الصادق: 253/22.
10- (10) ابن فهد الحلی، مهذب البارع: 419/3.

لما کان ارتفاع أحدهما علی الآخر دون صاحبه مختصاً باسم النّشوز، ناسب أن یخص التعدّی من کلّ منهما باسم الشّقاق؛ لأنّهما تشارکا فی التّعدی والتّباعد، فکأن کلّ منهما صار فی شق، أی: جانب غیر جانب الآخر، وحاصله الاختلاف وعدم الاجتماع علی رأی واحد.(1)

ولکن الّذی نقصده من الشّقاق فی البحث، هو الاختلاف الّذی ینطبق علی معنی النّشوز، وهذا ما ذهب إلیه الشّیخ، حیث ساوی بین النّشوز والشّقاق؛ إذ قال:

إذا ظهر الشّقاق بین الزّوجین لم یخلُ من ثلاثة أحوال: إمّا أن یکون النّشوز منه، أو منها، أو یشکل الأمر.(2)

فالمقصود من الشّقاق فی البحث، هو الاختلاف النّاجم من أحد الأطراف، والّذی عُبر عنه بنشوز الزّوج أو الزّوجة، أمّا الشّقاق بالمعنی الاصطلاحی الّذی هو الاختلاف من الطّرفین - کما ذهب إلیه الشّهید الثّانی - فهو غیر منظور فی بحثنا هذا المخصّص الحدیث عن النّشوز من الطّرفین.

الحقّ

اشارة

استخدم هذا المصطلح فی مواقع متعدّدة من الذّکر الحکیم، وکذا فی الأحادیث الشّریفة، کما أنّه استعمل کثیراً فی العرف والمحاورة؛ لهذا توجّب علینا أن نبحث عن هذه المعانی فی مواردها المتعدّدة.

ص:29


1- (1) مسالک الأفهام: 364/8.
2- (2) الشیخ الطوسی، محمدبن الحسن، المبسوط: 339/4.
1. لغة

قد یتصوّر البعض أنّ لجمیع المصطلحات معان لغویة محدّدة یمکن حصرها، ولکن المتتبع لکلمات اللغویین یعلم أنّ المصطلحات علی قسمین:

1. ما کانت لها معان لغویة محدّدة.

2. ما کانت لها معان کثیرة، بحیث لا یمکن حصرها بسهولة.

ومن الأوّل یمکن الإشارة إلی مصطلح النّشوز الّذی ذکرناه سابقاً، حیث حصرنا معانیه بالارتفاع والنّبوء والقیام والخروج عن الطّاعة.

وأمّا مصطلح الحقّ فهو من القسم الثّانی الّذی لا یمکن حصر معانیه بسهولة؛ لذا سوف نتطرّق إلی أهمّ المعانی اللغویة الّتی ذکرت حول الحقّ.

1. الثّابت، ورد هذا المعنی فی آیات متعدّدة من القرآن الکریم منها:

أ)(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلی أَکْثَرِهِمْ)1

ب)(قالَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ)2

ج)(حَقَّتْ کَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَی الْکافِرِینَ)3

واستشهد ابن منظور بهذه الآیات وإنّها بمعنی:

أثبته وصار عنده حقّاً لایشک فیه. وحقّ الأمر یحقّ ویحقّ حقّاً وحقوقاً صار حقّاً وثبت.(1)

ص:30


1- (4) لسان العرب: 49/10.

وفی الصّحاح:

حقّ الشّیء یحقّ بالکسر، أی: وجب، وأحققت الشّیء: أوجبته، واستحققته، أی: استوجبته.(1)

وأمّا فی تاج العروس:

حقّ الشّیء: أوجبه وأثبته، ویقال: یحقّ علیک أن تفعل کذا، أی: یجب کأحقه وحقّقه، وقیل: أحقّه: صیّره حقّاً، وقوله تعالی:

(فَإِنْ عُثِرَ عَلی أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً)2 أی: استوجباه بالخیانة.(2)

2. نقیض الباطل، بهذا المعنی ورد الحقّ علی لسان کثیر من علماء اللغة کالطّریحی(3) والجوهری(4) وابن منظور(5) والزّبیدی(6) واستشهدوا بآیات عدیدة منها:

أ)(یُجادِلُونَکَ فِی الْحَقِّ)8

ب)(إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ)9

ج)(أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ)10

ص:31


1- (1) الصّحاح: 1461/4.
2- (3) تاج العروس: 80/13.
3- (4) مجمع البحرین: 547/1.
4- (5) الصّحاح: 1461/4.
5- (6) لسان العرب: 49/10.
6- (7) تاج العروس: 80/13.

د)(ثُمَّ رُدُّوا إِلَی اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ)1

وغیر ذلک من الآیات، وجمعه حقوق وحقاق، وفی حدیث التّلبیة: لبیک حقّاً، أی: غیر باطل.

3. الیقین، تقول حقّقت الأمر وأحققته إذا کنت علی یقین منه، هذا ما جاء به ابن منظور،(1) وعند الطّریحی حقّقت الأمر أحقّه، إذا تیقنته وجعلته ثابتاً لازماً.(2)

وذکر الزّبیدی:

حقّه حقّاً أحقّه صیّره حقّاً لا یشک فیه، ویقال: بلغ حقیقة الأمر: أی: یقین شأنه، وهو الیقین بعد الشّک.(3)

ودلّ علی هذا المعنی قوله تعالی:(إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْیَقِینِ)5

4. السّهم والنّصیب، والحقّ یعنی الامتیاز أو النّصیب الملحوظ لشخص، والّذی ینبغی للآخرین مراعاته والمحافظة علیه.(4)

وعند الطریحی:

أعط کلّ ذی حقّ حقّه، أی: نصیبه الّذی فرض له.(5)

ص:32


1- (2) لسان العرب: 49/10.
2- (3) مجمع البحرین: 548/1.
3- (4) تاج العروس: 87/13.
4- (6) مجموعة مؤلفین، حقوق الإنسان: 256.
5- (7) مجمع البحرین: 548/1.

ومثل ذلک فی تاج العروس.(1)

5. التّخاصم، عبّر الزّبیدی عن الحقّ بالتّخاصم، وقال:

حاقه محاقه: خاصمه وأدعی کلّ واحد منهما الحقّ، فإذا غلبه قیل: قد حقّه حقّاً، ویقال: ما لی فیک حقّ ولا حقق، أی: خصومة.(2)

وفی الصّحاح:

یقال للرجل إذا خاصم فی صغار الأشیاء: إنّه لنزق الحقاق، ویقال: ما له فیه حقّ، أی: خصومة، والتّحاق: التّخاصم، والاحتقاق: الاختصام.(3)

2. اصطلاحاً
اشارة

لا یخفی علی کلّ باحث، أنّ تعریف الحقّ من المباحث المختلفة الّذی لا تتفق علیه کلمات العلماء، فقد عُرّف الحقّ بتعریفات متعدّدة، ومن هذه التّعریفات ما وجدناه عند الفقهاء والحقوقیین.

أ) عند الفقهاء

عُرّف الحقّ عند الفقهاء تارة بلحاظ السّلطنة، وأخری بالاعتبار، وحاول البعض الجمع بینهما، أمّا بلحاظ السّلطنة عرّفه الشّیخ الأنصاری فی المکاسب، بأنّ الحقّ:

سلطنة فعلیة لا یعقل قیام طرفیها بشخص واحد.(4)

ص:33


1- (1) تاج العروس: 87/13.
2- (2) المصدر السابق.
3- (3) الصّحاح: 1461/4.
4- (4) الشیخ الأنصاری، مرتضی، المکاسب: 9/3.

وکذا المحقّق الیزدی فی الحاشیة أنّه:

نوع من السّلطنة علی شیء متعلق بعین.(1)

لکن السیّد الخمینی عرّفه بلحاظ الاعتبار، حیث قال:

الحقّ ماهیة اعتباریّة عقلائیّة تارة وشرعیّة أخری، کاعتباریّة الملک.(2)

أمّا السیّد محمّد آل بحر العلوم فقد جمع تعاریف الحقّ بهذا التّعریف:

سلطنة مجعولة للإنسان من حیث هو علی غیره ولو بالاعتبار، من مال أو شخص أو هما معاً.(3)

ب) عند الحقوقیین

اختلف تعریف الحقّ عند الحقوقیین باختلاف نظرتهم القانونیّة إلیه، فقد عرّفوه بالمکنة، أو الاستئثار، تحت أطار القانون.

وذکر الدّکتور سلمان بوذیاب أنّ الحقّ:

مکنة قانونیّة محدّدة تحقّق مصلحة ذاتیّة مباشرة.(4)

کما جاء فی الدّروس فی القانون بأنّه:

سلطة یمنحها القانون لشخص معین تخول له الاستئثار بقیمة معینة.(5)

وعبّر ثالث عن الحقّ:

ص:34


1- (1) المحقق الیزدی، حاشیة المکاسب: 55/1.
2- (2) الإمام الخمینی، روح الله، البیع: 39/1.
3- (3) آل بحر العلوم، السید محمد، بلغة الفقیه: 13/1.
4- (4) المبادئ القانونیّة العامّة: 42.
5- (5) الدّکتور مصطفی محمد الجمال والدّکتور حمدی عبدالرّحمن، دروس فی القانون: 151.

باستئثار الشّخص بالشّیء أو القیمة، بحیث یحمیه القانون.(1)

أمّا عند الدّکتور محمّد سامی، فالحقّ:

سلطة یقرّرها القانون لشخص معین، وبمقتضاها یکون لهذا الشّخص میزة القیام بعمل معین.(2)

وبناءً علی ما ذکر أنّ جمیع التّعاریف عند الحقوقیین محدّدة بالقانون خلافاً لنظرة الفقهاء.

والملاحظ هنا، أنّنا لم نأتِ بجمیع التّعاریف الواردة حول الحقّ، بل توجد هناک تعاریف کثیرة لم نتطرّق إلیها.

الحکم

اشارة

علی الرّغم من توسع مصطلح الحکم ومشتقاته فی الکتب اللغویّة، ولکن یمکن حصر معناه فی عدّة معانی نشیر إلیها لما یخصّ البحث.

1. لغة

أهمّ ما ذکر للحکم فی معناه اللغوی، هو العلم والفقه والقضاء بالعدل والمنع، حیث وردت علی ألسنة أغلب علماء اللغة، فقد صرّح ابن منظور بأنّ الحکم:

هو العلم والفقه.

قال الله تعالی:(وَ آتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا) أی: علماً وفقهاً.

وفی الحدیث: إن من الشّعر لحکماً، أی: إن فی الشّعر کلاماً نافعاً یمنع من الجهل والسّفه وینهی عنهما.

ص:35


1- (1) الدّکتور مصطفی مصباح شلیبک، المدخل للعلوم القانونیة: 209.
2- (2) نظریّة الحقّ: 9.

والعرب تقول: حکمت وأحکمت وحکّمت بمعنی: منعت ردّدت، ومن هذا قیل للحاکم بین النّاس حاکم؛ لأنّه یمنع الظّالم من الظّلم، ومعنی الأحکام حینئذ الأحراز.(1)

وفی مجمع البحرین أشار إلی قوله تعالی:

(رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً) قیل: أراد به الحکم بین النّاس بالحقّ، فإنّه من أفضل الأعمال وأکملها، والمراد هو القضاء بالعدل.(2)

وأیّد هذا المعنی الجوهری، وقال:

الحکم مصدر قولک: حکم بینهم یحکم، أی: قضی، والحکم أیضاً الحکمة من العلم.(3)

وما ذکرناه هو معنی الحکم بالضم، أمّا هناک توجد معان کثیرة لمشتقات الحکم، کالحکمة والحکیم والمحکم وغیر ذلک، ولم نُشر إلیها؛ لأنّها لیست فی مجال بحثنا.

2. اصطلاحاً

من خلال التّعاریف الواردة حول الحکم، یلاحظ عدم وجود خلاف بین العلماء فی تعریف الحکم؛ بل نظرة الجمیع تدور بین الاعتبار أو الخطاب أو الرخصة الشّرعیة المرتبطة بأفعال الإنسان.

فتارةً یعرّفه السیّد الحکیم بأنّه:

الاعتبار الشّرعی المتعلق بأفعال العباد تعلقاً مباشراً، أو غیر مباشر.(4)

ص:36


1- (1) لسان العرب: 141/12.
2- (2) مجمع البحرین: 554/1.
3- (3) الصّحاح: 1901/5.
4- (4) الحکیم، السیّد محمدتقی، الأصول العامة للفقه المقارن: ص 51.

وأُخری یعرّفه المحقّق الیزدی:

بجعل الرّخصة فی فعل شیء أو ترکه.(1)

وفی المعجم عُرِّف:

بالتّشریع الصّادر من الله تعالی لتنظیم حیاة الإنسان.(2)

أمّا الموسوعة، فقد عرّفته:

بأثر خطاب الشّارع فی أفعال المکلفین.(3)

والّذی یظهر من هذه التّعبیرات اتّفاق نظرة الفقهاء حول الحکم.

الفرق بین الحقّ والحکم

الحقّ والحکم مفهومان اعتباریان لکلّ منهما معنی خاص به یمیّزه عن الآخر، وهذا التّمییز أیضاً یترک أثره علی المصطلحَین من ناحیة الآثار؛ ولهذا قال السیّد الخوئی:

إنّ الحقّ والحکم أمور اعتباریّة تختلف من حیث الآثار إختلافاً واضحاً.(4)

والمتأمل فی کتب الفقهاء یلاحظ فروق واضحة بین الحقّ والحکم، وهذا ما سنشیر إلیه فی عدّة نقاط:

1. الحقوق قابلة للإسقاط خلافاً للحکم.

2. الحقوق قابلة للنقل خلافاً للحکم.

ص:37


1- (1) حاشیة المکاسب: 55/1.
2- (2) معجم ألفاظ الفقه الجعفری: ص 165.
3- (3) محمد رواس قلعة جی، الموسوعة الفقهیة المیسرة: 766/1.
4- (4) السیّد الخوئی، ابوالقاسم، مصباح الفقاهة: 52/2.

3. تشخیص المصلحة فی الحقّ بید المکلف بینما فی الحکم بید الشّارع.(1)

4. الحکم یتضمّن التّحمیل والضّیق حتّی لو کان غیر إلزامی، أمّا الحقّ یتضمّن الإرفاق بالمکلف.

5. الحقوق دائماً تحتاج إلی طرف ثانی یکون علیه الحقّ، أمّا الأحکام لو کانت تکلیفیة لیست دائماً ذات طرف آخر، کوجوب الصّلاة، أمّا لو کانت وضعیّة فکلّها ذات طرف آخر؛ لأنّها من سنخ المعاملات وهی لا تصدق قطعاً من دون طرفین فأکثر.(2)

دراسة تأریخیّة للحقوق الزّوجیّة فی الدّیانات الإلهیّة السّابقة

کلّ إنسان مدرک یعلم أنّ الصّلة والعلاقة الّتی تربط الزّوج بالزّوجة - وما یعبّر عنها بالزّواج -- هی العُلقة المسبّبة لتکوّن الأسرة والعائلة، وأنّ الحیاة الاجتماعیّة ناشئة من هذا الأمر الّذی أودعه الله تعالی لعباده من أجل استمرار الحیاة البشریّة وبقاءها.

ومهما اختلفت ضوابطه وقیوده وحقوق أطرافه من مجتمع إلی آخر بحسب الاختلاف الّذی وجد بین الأدیان السّماویّة؛ فهو ضرورة من ضرورات الحیاة الإنسانیّة.

ففی الدّیانة الیهودیّة، تطالب التّوراة بزیادة النّسل، وعلی الشّعب المختار أن یتزاید، تقول التّوراة:

ص:38


1- (1) بلغة الفقیه: 16/1؛ انظر: سیف الله صارمی ترجمة، حقّ وحکم وتکلیف: 239.
2- (2) الشهید الصدر، السید محمد، ماوراء الفقه: 225/3.

خلق الله الإنسان، ذکراً وأنثی، خلقهم وبارکهم الله وقال لهم: أثمروا وأکثروا وأملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا علی سمک البحر وعلی طیر السّماء وعلی کلّ حیوان یدب علی الأرض.(1)

وبذلک نری حثّ أحبار الیهود علی التّکاثر والتّناسل، وأنّ النّکاح فرض علی کلّ یهودی، کما جاء فی کتاب الأحکام العبریّة: (إنّ النّکاح بنیة التّناسل ودوام حفظ النّوع الإنسانی، فرض علی کلّ یهودی، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج، کان سبباً فی غضب الله علی بنی إسرائیل) وتتحدّث التّوراة عن تعدّد الزّوجات، وکأنّه أمرٌ مفروغ منه؛ وذلک لحفاظ النّوع الإنسانی من الإنقراض؛ ولتکاثر الشّعب الإسرائیلی، ولم تحدّد عدد الزّوجات، بل ترک الأمر لکلّ الإنسان قدر ما یستطیع ویقتضی الأمر.

وأنّ المرأة مملوکة الرّجل وهو سیّدها، ومتی خرجت الزّوجة من بیت أهلها ودخلت بیت زوجها، صار له علیها حقّ الطّاعة التّامة والامتثال فی جمیع ما یأمرها به، فعلیها ألا تخالفه فی شیء ممّا یطلبه منها، بل تطیعه کما تطیع الجاریة سیّدها.

ویکون جمیع مال الزّوجة ملکاً لزوجها، ولیس لها سوی ما فرض لها من المهر فی عقد الزّواج، تطالب به بعد موته، أو عند الطّلاق إذا وقعت الفرقة.

وتنصّ المادة (407) من الأحکام العبریّة علی أنّه:

ص:39


1- (1) تکوین 27:1-28؛ منصور عبد الحکیم، عن العلاقات الزّوجیّة: 155.

(إذا لم تدخل الزّوجة علی زوجها بمالٍ علی ذمة الزّوجیّة، فلا یکلّف الزّوج بأن ینفق علیها فی غیر الحاجات اللازمة الّتی لا بدّ منها. أما إذا دخلت علیه بمال، فیجب علیه التّوسع فی النّفقة بقدر حاله).

ولیس من حقّ الزّوجة أن تطلب الطّلاق من زوجها مهما کانت عیوبه.

أمّا سلطة الزّوج علی الزّوجة فی تعلیم أمور الدّین والدّنیا فهی مطلقة لا حدود لها، وعلیه أن یستعملها فی محلها مع الحکمة والاعتدال.

ومن حقّ الزّوج، متی نوی الطّلاق حرمت علیه معاشرة زوجته، فبمجرد عزمه علی مفارقتها وجب علیه الإسراع إلی طلاقها.(1)

أمّا فی الدّیانة المسیحیّة، نلاحظ رهبان المسیح حدّدوا الزّواج بزوجة واحدة، حیث لا یجوز للمسیحی أن یتزوج بأکثر من واحدة، إلّا أن تتوفی أو یفترق عنها شرعاً، فلا یجوز الجمع بین زوجتین فی وقت واحد، بل یعتبر الزّواج الثّانی باطلاً؛ وذلک لأنّ الله تعالی لم یخلق لآدم أکثر من حواء رغم أنّه لم تنقصه المادة لصنعها ولا القدرة علی ذلک، فالله لم یخلق إلّا معیناً واحداً للرّجل، ولو کان من الضّروری الجمع بین عدّة زوجات، لکان الله خلق العدد المناسب منهم لآدم؛ لذلک عندما سأل الفریسیون الربّ عن ذلک قال لهم:

أما قرأتم أن الّذی خلق منذ البدء خلقهما من ذکر وأنثی، وقال من أجل هذا یترک الرّجل أباه وأمّه ویلتصق بامرأته ویکون الإثنان جسداً واحداً، إذ لیسا بعد اثنین، بل جسداً واحداً فالّذی جمعه الله لا یفرقه الإنسان.(2)

ص:40


1- (1) منصور عبد الکریم، العلاقات الزّوجیّة: 155.
2- (2) مت 4:19-6؛ د. عبد الغنی عبود، عن الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة: 95.

وذلک لیکون الرّباط الزّوجی مؤسساً علی الحبّ، والوحدة بین الإثنین لا یدخل بینهما ثالث یفرقهما.

أمّا الموانع الزّوجیّة عند المسیح کثیرة، منها القرابة بالأصول والفروع، فلا یجوز الزّواج بالفروع الأبویّة ولا الجدّیة، کما لا یجوز الزّواج بزوجة والده أو عمّه أو خاله و... وأیضاً لا یجوز الزّواج بمن ینتمی إلی دین آخر أو مذهب غیر مسیحی.

لکن الطّلاق فی الدیانة المسیحیّة من الأمور الغیر مسموحة إلّا فی أضیق الحدود وأقل الحالات، والکنیسة لا تعترف به إلّا فی ضمن شروط معینة.

وعلی هذا فالعلاقة الزّوجیّة فی المسیح هی علاقة مقدّسة، ولیس وسیلة لطلب الذّریّة فقط، بل هی احتیاج بیولوجی، کما أنّه إعانة لکلّ منهما للآخر لتخفیف متاعب الحیاة.(1)

دراسة تأریخیّة للحقوق الزّوجیّة فی المجتمعات البشریّة

اختلفت الحقوق المترتبة بین الزّوجین بحسب اختلاف نظرة کلّ مجتمع للمرأة والرّجل، وبالتالی للأسرة الّتی هی نواة المجتمع.

کانت حیاة النّساء فی الأمم الغیر متمدنة والقبائل الوحشیّة بالنسبة إلی حیاة الرّجال، کحیاة الحیوانات الأهلیّة. فکما أنّ الإنسان لوجود

ص:41


1- (1) العلاقات الزّوجیّة: 137.

قریحة الاستخدام فیه یری لنفسه حقّاً أن یمتلک الأنعام وسائر الحیوانات الأهلیّة، ویتصرّف فیها کیفما یشاء، کذلک کانت حیاة النّساء، فالمرأة مخلوقة لأجل الرّجل من غیر استقلال فی الحیاة.

فکان للرّجل أن یبیع المرأة ممّن شاء، أو یهبها لغیره، أو یقرضها، أو حتّی یقتلها ویرتزق بلحمها، کالبهیمة، وخاصّة فی المجاعة والمآدب.

وعلی المرأة أن تطیع الرّجل - أباها أو زوجها - فی ما یأمر به طوعاً أو کرهاً، وأن تلبی جمیع أمور البیت والأولاد وما یحتاج إلیه الرّجل، وأن تتحمل من الأشغال أشقها، کحمل الأثقال وما شابه ذلک.(1)

وأمّا حیاة المرأة فی الأمم المتمدنة قبل الإسلام، کالصین والهند ومصر القدیمة وایران ونحوها کانت أرفه حالاً بالنّسبة للأمم غیر المتمدنة، فلم تکن تقتل ویؤکل لحمها، ولم تحرم من تملک المال بالکلیة، بل کانت تتملک فی الجملة من إرث أو زواج وإن لم تتصرف فیها باستقلال، وکان للرّجل أن یتخذ زوجات متعدّدة من غیر تحدید، وله أن یطلّق من شاء منهن، وأن یتزوج بعد موتها ولا حقّ لها فی الغالب.(2)

ولکلّ أمّة من هذه الأمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع وعادات وتقالید موروثة؛ من غیر أن تعتمد علی کتاب أو

ص:42


1- (1) العلامة الطباطبائی، محمدحسین، قضایا المجتمع والأسرة والزواج: 96؛ وکذا فی المیزان: 265/2.
2- (2) قضایا المجتمع والأسرة والزّواج: 99.

قانون ظاهر، لکن هناک أُمم أُخری عاشت تحت سیطرة القانون کالروم والیونان والآشور و....

وقد کانت المرأة عند هؤلاء طفیلیّة الوجود، تابعة للحیاة فی المجتمع، زمام حیاتها وإرادتها بید ربّ البیت، من أبیها إن کانت فی بیت الأب، أو زوجها إن کانت فی بیت الزّوج، أو غیرهما.

یفعل بها ما یشاء ویحکم فیها ما یرید، فربّما باعها، وربّما وهبها أو أقرضها، أو غیر ذلک، وبیده تدبیر مالها إن ملکت شیئاً.

فقد کان الاجتماع متقوّماً بالرّجل، أمّا القوانین الموضوعة کانت تحکم علیهن بالاستقلال، ولا تحکم لهن إلّا بالتّبع إذا وافق نفع الرّجال، فکانت المرأة عندهم تعاقب بجمیع جرائمها بالاستقلال، ولا تثاب لحسناتها، ولا یراعی جانبها إلّا بالتّبع وتحت ولایة الرّجل.

أمّا تعدّد الزّوجات فهو أمر جائزٌ، غیر أنّ الزّوجة إذا زادت علی الواحدة، کانت واحدة منهن زوجة رسمیّة والباقیّة غیر رسمیّة.

وفی الجملة أنّ جمیع هذه القوانین تشیر إلی أنّ المرأة جزء ضعیف من المجتمع الإنسانیّ.(1)

أمّا الأسرة الّتی أصلها من الأسر جاءت بمعنی القید عند العرب قبل الإسلام، وهو العبء الملقی علی الإنسان الّذی یثقل کاهله ویشل حرکته.(2)

ص:43


1- (1) المصدر السابق: 100.
2- (2) الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة: 20.

فکانت العرب لا تری للمرأة استقلالاً فی الحیاة ولا حُرمة ولا شرافة، والنّساء لا تورث، وتعدّد الزّوجات جائز من غیر تحدید بعدّد معین، وکانت العرب تئد البنات وتتشائم بولادتها، وکیف کان، فمعاملتهم مع النساء معاملة مرکبة من الأمم المتمدنة والغیر متمدنة.(1)

ص:44


1- (1) قضایا المجتمع والأسرة والزّواج: 103.

الفصل الثانی: نشوز الزّوجة

اشارة

1. حقّ الزّوج علی زوجته

2. کیف یتحقّق النّشوز

3. آثار نشوز الزّوجة علی العائلة

4. أحکام نشوز الزّوجة

ص:45

ص:46

التمهید

فی الحال الّذی رأینا فیه معاناة المرأة فی المجتمعات البشریّة والدّیانات الإلهیّة السّابقة، جاء الإسلام بشریعة کاملة أغنت الأمّة عن کلّ متطلباتها، کما صبّ اهتماماً خاصّاً علی القاعدة الأساسیّة لبناء المجتمع، وهی الأسرة بعد ما جعل قانون المساواة بین المرأة والرّجل.

فوضع حقوقاً وواجباتاً لکلّ منهما لحفظ الکیان الأسری؛ لأنّ الحیاة غالباً ما تتعرض لمتاعب وتجاذبات بین الطّرفین مهما کانت درجة التّوافق والتّفاهم بینهما عالیة.

ونحن هنا فی هذا الفصل سوف نشیر إلی أهمّ الحقوق المقرّرة للزوج من قبل الشّریعة، حیث بالتخلف عنها تصبح الزّوجة ناشزة.

ثمّ نبیّن ما هی الآثار المترتبة علی نشوز الزّوجة بالنّسبة إلی العائلة والمجتمع، وبالتّالی ما هی أحکام المرأة الناشزة.

ص:47

ص:48

المبحث الأوّل:حقوق الزّوج علی زوجته

حقوق الزّوج علی زوجته

إنّ التّشریع الإسلامی فرض للرجل علی زوجته حقوقاً مقابل وفائه بحقّها والقیام بشؤونها، وقد بیّنت تلک الحقوق تارة فی الآیات وأُخری بالروایات، والمتأمل فی الآیات والرّوایات یجد أنّ الحقوق الزّوجیّة المرتبطة بمبحثنا جُمعت فی حقّ الطّاعة، وأشار إلی ذلک العلماء أیضاً من الفقهاء والحقوقیین باختلاف نظراتهم، فأحیاناً یزید بعضهم علی الحقوق أو ینقص الآخر، ونحن هنا بصدّد ما هو الأهم من تلک الحقوق.

حقّ الطّاعة

ولعلّه من أهمّ الحقوق المطروحة والمتفق علیها فی حقّ الزّوج، حقّ الطّاعة وأنّ الزّوجة بإطاعتها لزوجها تستطیع أن تأسر قلبه فی حبّها وتسحره بخلقها، فلیس هناک عامل أقوی ولا أشدّ فعالیة فی توثیق عری

ص:49

الزّوجیة من إطاعة المرأة لزوجها فی حیاتها العامّة والخاصّة ممّا یقوّم سلوکها ویقوّی مرکزها ومکانتها فی الأسرة، ومنشأ هذا الحقّ هو ما أعطاه الشّارع للرجل من درجة القوامة والقیادة والرئادة لقوله تعالی (وَ لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ) .(1)

وقوله سبحانه (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیًّا کَبِیراً) .(2)

ففی الآیة الأولی جعل الله للزوج علی زوجته درجة، أی الطّاعة وقد أُشیر إلی هذا المعنی فی مجمع البیان،(3) وکذا فی تفسیر الکاشف.(4)

وفی الثّانیة حقّ القوامة الذی استمده الرّجل من تفوّقه التّکوینی علی المرأة، وأیضاً من تحمّله لتکالیف المعیشة الشاقّة، مع أنّ قیمومة الرّجل لا تبیح له التّسلط والخروج عن دائرة المسؤولیّة إلی دائرة التّحکم والتّعامل القسری مع الزّوجة، لئلا یتعارض مع حقّ المرأة فی المعاشرة الحسنة الذی أشار إلیه القرآن صراحة:(... وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...) .(5)

ص:50


1- (1) البقرة: 228.
2- (2) النّساء: 34.
3- (3) الطّبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان: 229/2.
4- (4) مغنیة، محمّدجواد، الکاشف: 342/1.
5- (5) النّساء: 19.

وبهذا المعنی جاء العلّامة فی تفسیر القیمومة بأنّها تتعلق بالجهات العامّة المشترکة بینهما، المرتبطة بزیادة تعقل الرجل وشدته فی البأس وهی جهات الحکومة والقضاء والحرب من غیر أن یبطل بذلک ما للمرأة من الاستقلال فی الإرادة الفردیّة وعمل نفسها بأن ترید ما أحبت وتفعل ما شاءت من غیر أن یحقّ للرجل أن یعارضها فی شیء من ذلک فی غیر المنکر.(1)

وقد یتخیّل البعض أنّ القوامة تعنی السّیادة والسّیطرة، فلیس للمرأة کلمة مقابل کلمة الزّوج، ولیس لها موقف أمام موقفه، سواء فی ذلک فی قضایاها الخاصّة أو العامّة، ویشیر السیّد فضل الله إلی أنّ هذا بعید عن الجوّ الإسلامی فی التّشریعات الخاصّة بالأسرة.

فالزّواج لا یلغی شخصیّة المرأة فی جمیع الأمور الّتی لا یشملها العقد الزّوجی من خلال ما تلتزم به المرأة من شؤون الحیاة، بل کلّ ما یلزمها به من ناحیة قانونیّة، هو الجانب الّذی تلزم به نفسها، فإن لعقد الزّواج مفهوماً محدوداً من خلال ما یفرضه من التّزامات لا بدّ لکلّ منهما من الوقوف عندها تبعاً للالتزام بالعقد.(2)

ولاشک أنّ الإسلام قد طلب من الزّوجة الانقیاد للزوج فی کلّ ما یرتضیه العقل والشّرع، وبدون ذلک لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق.

فجاء بقوله (... فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ...)3 أی: ینبغی أن یتخذن لأنفسهن وصف الصّلاح، فإذا کنّ صالحات فهن لا محالة قانتات، أی: یجب أن

ص:51


1- (1) المیزان: 352/4.
2- (2) السیّد فضل الله، محمد حسین، من وحی القرآن: 229/7.

یقنتن ویطعن أزواجهن إطاعة دائمة فیما أرادوا منهن مما له مساس بالتّمتع، ویجب علیهن أن یحفظن جانبهم فی جمیع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

لکن الإسلام لا یرتضی أن تستخدم هذه القیمومة وسیلة لإذلال المرأة أو الانتقاص من مکانتها، ولم یطرح أن الرّجال سادة علی النّساء بل جاء بلفظ (القوامون) لیفید معنی عالیاً بنّاءً، بمعنی أنّهم یصلحون ویعدلون، لا أنّهم یستبدّون ویتسلّطون، فنطاق القوامة محصور فی مصلحة النّساء وحقوق الزّوج.

ویؤید ذلک قوله تعالی (... فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً...) أی: لا تتخذوا علیهن علّة تعتلون بها فی إیذائهن مع إطاعتهن لکم، ثمّ علّل هذا النّهی بقوله (... إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیًّا کَبِیراً) وهذا إیذان لهم، أنّ مقام ربّهم علیّ کبیر، فلا یغرنّهم ما یجدونه من القوة والشدّة فی أنفسهم، فیظلموهن بالاستعلاء والاستکبار علیهن.(1)

والحاصل أنّ الآیة أشارت إلی أنّه سبحانه ما جعل القوامة للرجال علی النّساء إلّا لیثبت أنّ للأزواج حقّ الطّاعة؛ لأنّ القیّم لا یکون قیماً إلّا إذا نفذت کلمته ووجبت طاعته، ولکی تسیر سفینة الزّواج إلی شاطیء الأمان لا بدّ من إعطاء قائد هذه السّفینة حقوقه المقرّرة له.

أمّا الرّوایات فی هذا الجانب کثیرة نشیر إلی بعض منها.

ص:52


1- (1) المیزان: 352/4.

عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«جاءت امرأة إلی النبیّ صلی الله علیه و آله فقالت: یا رسول الله ما حقّ الزّوج علی المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه ولا تصّدق من بیته إلّا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب ولا تخرج من بیتها إلا بإذنه وإن خرجت من بیتها بغیر إذنه لعنتها ملائکة السّماء وملائکة الأرض وملائکة الغضب حتّی ترجع إلی بیتها...».(1)

ومنها: عن أبی عبدالله علیه السلام:

«إنّ قوماً أتوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: یا رسول الله إنّا رأینا أُناساً یسجد بعضهم لبعض، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله لو أمرت أحداً أن یسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ولیس ذلک إلّا لوجوب الطّاعة».(2)

وأیضاً عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«خرج رسول الله یوم النّحر إلی ظهر المدینة علی جملٍ عاری الجسم، فمّر بالنّساء فوقف علیهن، ثمّ قال: یا معاشر النّساء تصدّقن وأطعن أزواجکن، فإنّ أکثرکن فی النّار. فلما سمعن ذلک بکین ثمّ قامت إلیه امرأة منهن فقالت: یا رسول الله فی النّار مع الکفار، والله ما نحن بکفار فنکون من أهل النّار، فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: إنکن کافرات بحقّ أزواجکن».(3)

وقد میّز الإسلام المرأة الکریمة عن غیرها بمدی طاعتها لزوجها وما یتبع ذلک من حفظه فی عرضها ومالها، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله:

ص:53


1- (1) الکلینی، محمدبن یعقوب، الکافی: 692/2؛ العلامة المجلسی، محمدباقر، بحار الأنوار: 248/103.
2- (2) الکافی: 507/5؛ العلامة المجلسی، محمدباقر، مرآة العقول: 320/20.
3- (3) مرآة العقول: 329/20.

«ما استفاد إمرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إلیها وتطیعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسها وماله».(1)

إلی غیر ذلک من الرّوایات لکن المتأمل فی کلمات الفقهاء یستکشف من کلامهم انحصار حقّ الزّوج فی أمرین: التّمکین والمساکنة الذی یتفرع علیه عدم الخروج من البیت.

قال المحقق الحلی:

لکلّ واحد من الزّوجین حقّ یجب علی صاحبه القیام به... فکذا یجب علی الزّوجة التّمکین من الاستمتاع، وتجنب ما ینفر منه الزّوج... وله منعها من عیادة أبیها وأمها، وعن الخروج من منزله إلّا لحقٍّ واجب.(2)

ومثله فی إیضاح الفوائد،(3) وکما ذکر السبزواری فی کتابه:

ومن حقوق الزّوج تمکین الزّوجة من الاستمتاع وإزالة ما ینفر عنه ومنه عدم الخروج عن منزله بغیر إذنه ولو إلی بیت أهلها وأقاربها حتّی حضور میتهم وتعزیتهم.(4)

وذکر أبو الصّلاح الحلبی:

... وإذا تسلم الزّوجة... یلزمها طاعته فی نفسها وملازمة منزله دون ما عدا ذلک....(5)

ص:54


1- (1) الکافی: 352/5.
2- (2) شرائع الإسلام: 1 و 573/2.
3- (3) فخر المحققین، ابن العلّامة الحلّی، إیضاح الفوائد: 248/3.
4- (4) السبزواری، السید محمد باقر، کفایة الأحکام: 251/2.
5- (5) الحلبی، أبو الصلاح، الکافی فی الفقه: 294.

ومثل هذا الکلام باختلاف التّعابیر عند القاضی ابن البراج(1) وکذا صاحب الحدائق.(2)

أمّا ما جاء فی جواهر الکلام هو:

أنّ لکلّ واحد من الزّوجین حقّ یجب علی صاحبه القیام به، ویستحب کتاباً وسنّة متواترة وإجماعاً وإن کان حقّ الزّوج علی الزّوجة أعظم بمراتب، فإنّه لا حقّ لها علیه مثل ما له علیها، بل ولا من کلّ مائة واحد، بل هو أعظم النّاس حقّاً علیها.(3)

وأشکل علی هذا الکلام الشّیخ شمس الدّین:

بأنّ مقتضی طبع الحقّ فی مقامنا هو الإلزام، ولا یتناسب مع الاستحباب المقتضی للتخییر، وإلّا فمستحاب المعاشرة مع الأرحام والانسباء وسائر الأخوان المؤمنین من الجیران وغیرهم کثیرة جداً، ولکنّها لیست حقوقاً بالمعنی المصطلح.

کما أنّ قوله: «حقّ الزّوج علی الزّوجة أعظم بمراتب» غیر واضح المستند، وأنّ حقوق الزّوج لیست أعظم بمراتب، بل مکافئة لحقوق الزّوجة علیه.(4)

أمّا المراد من التّمکین المروی علی ألسنة الفقهاء فهو التّخلیة بینها وبینه فی الاستمتاع، بحیث لا یختص زماناً ولا مکاناً مع عدم المانع عقلاً أو شرعاً.(5)

ص:55


1- (1) القاضی، ابن البراج، المهذب: 225/2.
2- (2) الحدائق الناضرة: 98/25.
3- (3) جواهر الکلام: 146/13.
4- (4) شمس الدین، الشیخ محمد مهدی، مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 31/4.
5- (5) جواهر الکلام: 146/31؛ الحدائق النّاضرة: 587/24؛ کفایة الأحکام: 296/2.

فللزوج حقّ مطلق فی هذا الشّأن، لا یقیده إلّا المانع الشّرعی، والموانع فهی علی قسمین: إمّا حالة الحیض والنّفاس، أو الواجبات العبادیّة کالصوم الواجب أو القضاء المضیّق أو فی الإحرام بالعمرة والحج، وأمّا حالة صحیة تجعل المرأة غیر مؤهلة للتمکین، وفیما عدا الموانع بقسمیها، یثبت بمقتضی عقد الزّوجیّة التّمکین التّام للزوج.(1)

والمراد من المساکنة، أن تسکن حیث یسکنها الزّوج، بحیث تحصل من لبثها فی البیت مع زوجها حالة المعیّة، فیصدق علیها أنّها ساکنة مع زوجها، والأصل فی ذلک قوله تعالی:(أَسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنْتُمْ مِنْ وُجْدِکُمْ...)2 فوجوب السّکن یدلّ علیه الأمر بإسکانها، وشأنیة المسکن یدلّ علیها قوله (مِنْ وُجْدِکُمْ) واعتبار حصول حالة المعیّة یستفاد من معنی المسکن الزّوجی الّذی تدلّ علیه الآیة، وکذا دلالة العرف علی ذلک.

وهذا کلام متفق علیه عند الفقهاء، إلّا أنّ الاختلاف حصل فی خروج الزّوجة من بیت الزّوجیّة لغیر حقّ واجب ولغیر محرّم کخروجها لأمر مستحب کالزّیارات أو صلة الرّحم وغیر ذلک...

فهل یجب علیه استئذانه فی ذلک أم لا؟ وهل یجوز للزّوج منعها من ذلک أو لا؟

فأجاب الشّیخ شمس الدّین: لقد توهم بعض الفضلاء ابتناء وجوب الإستئذان وعدمه علی تبعیة وجوب المساکنة لحقّ الاستمتاع وعدمها.

ص:56


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 70/4.

فعلی التّبعیة یجب علی الزّوجة الالتزام بالکون فی بیت الزّوجیّة بما یحقّق تمکنه منها إذا أراد الاستمتاع بها، وفیما عدا ذلک فلها أن تخرج من بیته بغیر إذنه ولیس له منعها.

وعلی عدم التّبعیة واعتبار المساکنة حقّاً مستقلاً، یجب علی الزّوجة أن تلتزم بإستئذان الزّوج فی الخروج دائماً، وللزّوج منعها من الخروج کذلک.

ولکن التّدقیق فی المسألة یکشف عن عدم صحة الملازمة المدعاة، وأنّ وجوب الإستئذان وعدمه مسألة مستقلة عن قضیة التّبعیة لحقّ الإستمتاع وعدمها.

فلا ریب فی وجوب الإستئذان علیها فی حالة العلم بإرادة الزّوج الإستمتاع أو تظنّه ذلک، من دون فرق بین کون المساکنة حقّاً مستقلاً فی التّشریع وبین کونها من شؤون حقّ الإستمتاع ولوازمه.

وأمّا فی حالة عدم إرادة الزّوج الإستمتاع، فلا بدّ من البحث فی الأدلّة عن وجوب الإستئذان مطلقاً وعدمه،(1) والحقّ أنّه لا دلیل علی ذلک.

والحاصل أنّ ما حدّدته الشّریعة من حقوق للرجل اتّجاه زوجته، انحصر فی حقّین التّمکین والمساکنة، وقد یظهر من کلمات بعض الفقهاء حقوق أُخری، کحقّ الخدمة والتّأدیب وغیر ذلک، والواقع أنّ کلّ هذه الأمور ترجع إلی حقّ الطّاعة والمعاشرة بالمعروف.

ص:57


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 77/4.

ص:58

المبحث الثّانی:کیف یتحقّق نشوز الزّوجة

وبعد ما اتّضحت الحقوق المفروضة للزّوج اتّجاه زوجته ینتقل الحدیث فیما لو خالفت الزّوجة عن أداء هذه الحقوق ومراعاتها، الحالة الّتی یعبّر عنها بالنّشوز.

وقد ورد لفظ النّشوز فی القرآن، وهو لغة بمعنی الارتفاع، کما یظهر أنّ العرف العام وسّع فی معناه، حیث استعمله فی العلاقات الزّوجیّة، فأطلقه علی کلّ خلاف واختلاف بین الزوجین له طابع النّفور والإیذاء المعنوی أو الجسدی.

لکنّ النّشوز فی الشّرع هو معصیة الله تعالی فیما جعله علی أحد الزّوجین من الحقوق اللازمة بالنّسبة إلی الآخر؛ وذلک بالامتناع عن أداء حقّه إلیه مع التزام الآخر بأداء ما علیه من الحقوق اتّجاه النّاشز؛ وذلک

ص:59

لأنّ النّاشز منهما قد خرج عن الاستقامة علی مقتضی الشّریعة.(1)

فالمرأة النّاشزة هی المتمردة، الخارجة عن طاعة زوجها، الّتی جاء بها القرآن فی قبال المرأة الصّالحة بقوله تعالی:(فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیًّا کَبِیراً) .(2)

والظّاهر من الآیة الکریمة أنّ النّشوز والطّاعة متقابلان، فالزّوجة المطیعة لیست ناشزاً والزّوجة النّاشز لیست مطیعة.

وبما أنّ الزّوجة مکلف کسائر المکلفین المخاطبین بالأحکام الشّرعیّة الملزمة من حیث وجوب امتثالها وترتب الآثار الشّرعیة الوضعیّة والتّکلیفیّة علی مخالفتها وعصیانها، فإذا ارتکبت محرماً شرعیّاً أو ترکت واجباً شرعیّاً فإنّها تکون موضوعاً للأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر کما لو ارتکب المحرم أو ترک الواجب غیرها من المکلفین ولا دخل لعنوان الزّوجیّة فی ذلک إلّا من جهة أن الزّوج هو أکثر النّاس اطلاعاً علی حالها وأقدر علی القیام بواجب الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر بالنّسبة إلیها من غیره من الرّجال الأجانب.(3)

فإذا ظهرت أمارات النّشوز، کتغییر عادتها معه فی القول والفعل بأنّ

ص:60


1- (1) المصدر السابق: 3 و 16/4.
2- (2) النساء: 34.
3- (3) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 28/4.

تجیبه بکلام خشن بعد إن کان بلین، أو غیر مقبلة بوجهها بعد إن کانت تلطف له وتبادر إلیه وتقبل علیه ونحو ذلک، وعرف الزّوج من خلال معرفته بحال زوجته بأنّها لم تنشأ من ظروف صحیّة أو شرعیّة، فعلیه أن یعالج هذه الحالة بذهنیة عادلة بعیدة عن الانفعال والتّشنج، بل بإقامة الحلول الّذی وضعتها الشّریعة من أجل حفظ کیان الأسرة.

وأفاد السیّد السّبزواری بإمکان تحقّق النّشوز بالتّدرج ابتداءً من القول والفعل والأخلاق حتّی تصل إلی المرتبة الشّدیدة منذرة بالنّشوز الوخیم والطّغیان فی الخروج عن الاستقامة والموافقة، فیکون ابتداءً ذلک هو مقام الخوف الّذی هو ظهور علامات النّشوز وقد شرّع الله تعالی فی الاستصلاح أحکاماً خاصّة تتناسب مع تلک الدّرجات.(1)

ثمّ أنّ الظّاهر من النّشوز شرعاً لا یتحقّق بامتناع أحدهما عن المستحب بالنّسبة إلی الآخر وإن کان ذلک موجباً لعدم الملائمة والموافقة وسبباً لتغییر الحالة السّابقة، فامتناع المرأة ممّا لا یجب علیها من الرّضاع والطّبخ والکنس والغسل وما أشبه لیس بنشوز، هذا ما ذکره الشّیرازی ثمّ أضاف ترک الواجب الّذی یوجب النّشوز إنّما هو الواجب الفعلی لا الشّأنی کما هو واضح فإنّ لم تتمکن الزّوجة من استجابة الزّوج لمرض أو غیره لم یکن نشوزاً.(2)

ص:61


1- (1) السید السبزواری، عبدالأعلی، مواهب الرحمن: 178/8.
2- (2) الشّیرازی، السیّد محمدحسین، الفقه: 364/67.

أمّا الشّهید الثّانی صرّح:

بأنّ لیس من النّشوز ولا من مقدماته بذاءة اللسان والشّتم ولکنها تأثم به وتستحق التّأدیب علیه لکن هل یجوز للزّوج تأدیبها علی ذلک ممّا لا یتعلق بحقّ الاستمتاع أم یرفع أمره إلی الحاکم، قولان أقواهما أنّ الزّوج فیما وراء حقّ المساکنة والاستمتاع کالأجنبی وان نغّص ذلک عیشه وکدّر الاستمتاع.(1)

وأمّا الخوف الّذی جاء فی قوله (وَ اللاّتِی تَخافُونَ) عبارة عن حالة تحصل فی القلب عند حدوث أمر مکروه فی المستقبل وجاء فی تفسیر اللباب عن الشّافعی بأنّ دلّالة النّشوز قد تکون قولاً وقد تکون فعلاً فالقول مثل أن تلبیه إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا خاطبها، ثمّ تغیّرت والفعل إن کانت تقوم إلیه إذا دخل علیها أو تسارع إلی أمره وتبادر إلی فراشة باستبشار إذا التمسها، ثم إنها تغیّرت عن کلّ ذلک فهذه أمارات دالة علی النّشوز، فحینئذ ظنّ نشوزها وهذه المقدّمات توجب خوف النّشوز.(2)

لکن الشّیخ ذکر نحو الخوف قولان:

أحدهما: (تخافون) بمعنی تعلمون؛ لأنّ خوف النّشوز للعلم بموقعه، فلذلک جاز أن توضع مکان (تعلم) کما قال الشّاعر:

ولا تدفننی بالفلاة فإنّنی أخاف إذا ما متّ إلّا أذوقها

والثّانی: الخوف الّذی هو خلاف الأمن، کأنّه قال تخافون نشوزهن لعلمکم بالأحوال المؤذنة به، وهذا منقول عن محمد بن کعب.(3)

ص:62


1- (1) مسالک الأفهام: 360/8.
2- (2) أبی حفص عمر بن علی، تفسیر اللباب: 363/6.
3- (3) الطوسی، محمدبن الحسن، التبیان: 450/4.

وقد فسّر محمّد رشید رضا خوف النّشوز بأنّ فی تعبیر القرآن حکمة لطیفة وهی:

إنّ الله تعالی لما کان یحبّ أن تکون المعیشة بین الزّوجین معیشة محبّة ومودة وتراض والتئام، لم یشأ أن یسند النّشوز إلی النّساء اسناداً یدلّ علی أنّ من شأنه أن یقع منهن فعلاً، بل عبّر عن ذلک بعبارة تومئ إلی أنّ من شأنه أن لا یقع؛ لأنّه خروج عن الأصل الّذی یقوم به نظام الفطرة، وتطیب به المعیشة، ففی هذا التّعبیر تنبیه لطیف إلی مکانة المرأة وما هو الأولی فی شأنها، وإلی ما یجب علی الرّجل من السّیاسة لها وحسن التّلطف فی معاملتها.(1)

وأمّا المرأة النّاشزة الّتی عبّرت عنها الرّوایات بشرار النّساء، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله عنها:

«ألا أخبرکم بشرار نسائکم، الذّلیلة فی أهلها العزیزة مع بعلها، العقیم الحقود، الّتی لا توّرع من قبیح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه، إذا حضر لا تسمع قوله ولا تطیع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه کما تمنع الصّعبة عن رکوبها، لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً».(2)

وهذه الصّفات مختصّة بالنّشوز، وفی قبالها قال رسول الله صلی الله علیه و آله قال الله عزّ وجلّ:

«إذا أردت أن أجمع للمسلم خیر الدّنیا والآخرة جعلت له قلباً خاشعاً ولساناً ذاکراً وجسداً علی البلاء صابراً وزوجة مؤمنة تسُّره

ص:63


1- (1) محمد رشید رضا، تفسیر المنار: 72/5.
2- (2) بحار الأنوار: 239/103؛ الحر العاملی، محمدبن الحسن، وسائل الشیعة: 33/20.

إذا نظر إلیها وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسها وماله».(1)

هذا ما ذکر عن کیفیة تحقّق النّشوز من الزّوجة، وحاصله ظهور أمارة العصیان بتقطیبها فی وجه الزّوج والضّجر والسّأم بحوائجه الّتی یجب علیها فعلها من مقدمات الاستمتاع بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إلیه لا مطلق حوائجه، أو تغیّر عادتها فی أدبها معه قولاً أو فعلاً، کأن تجیبه بکلام خشن بعدما کان بلین، أو إعراض بعد اللطف.(2) کما أنّه یتحقّق بالمنع من المساکنة فیما یلیق بها، بأن لا تأتیه، أو تغلق الباب علی نفسها وتمنعه من الدّخول أو تخرج من بیته بغیر إذنه، أو المنع من الاستمتاع المحلل.(3)

لکنّ ما ذکرناه فی شأن حقوق الزّوج علی زوجته وکیفیة تحقّق النّشوز هو ما حدّدته الشّریعة، وهو المرجع فی حالة الألتباس والنّزاع بین الزّوجین فیما للزوجة وعلیها من حقوق وواجبات، وهذا لا یعنی ولایقتضی أن علاقات الالتزام الزّوجی بین الزّوجین یجب أن تخضع لهذا العیار ولا تتعداه، وتنحصر ضمن هذه الحدود الصّارمة لا تتجاوزها، فمثلاً قضیة الخدمة المنزلیة ذات أهمیة قصوی فی الحیاة الزّوجیّة، ومثلها رعایة الأطفال والعنایة بهم، وقد جری عرف أغلب البشر علی قیام الزّوجة بالأعمال المنزلیة والمألوفة من إعداد الطّعام وترتیب المنزل ورعایة الأطفال، وغیر ذلک ممّا یتصل به ویناسبه.

ص:64


1- (1) وسائل الشّیعة: 40/20.
2- (2) ریاض المسائل: 91/12.
3- (3) کشف اللثام: 524/7.

ولدی غالبیة النّاس ارتکاز ذهنی بأنّ هذه الأمور من واجبات الزّوجة ومن حقوق الزّوج علیها، بحیث لو طرحت قضیة أنّ الزّوجة لا تجب علیها الخدمة فی بیت الزّوجیّة ولا رضاعة الأطفال ولا خدمتهم ولا حضانتهم لامتنع کثیر من الرّجال من الزّواج بامرأة لن تقوم بهذه المهمات.

لکنّ هذا الارتکاز لا یتنافی مع حصر حقّ الزّوج فی الاستمتاع والمساکنة علی النّحو الّذی تقدّم بیانه، حیث أنّ ذلک لا یقتضی حصر المشروعیّة به وعدم مشروعیة قیام الزّوجة بأیّة خدمة لزوجها ولأسرتها، بل غایة ما یقتضی عدم إلزامها بذلک بدعوی أنّه من مقتضیات عقد الزّوجیّة بمقتضی طبعه وأصل تشریعه، وهذا لا ینافی قیامها بذلک أو ببعضه تبرعاً أو لسبب من عقد أو شرط.(1)

ص:65


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 127/4.

ص:66

المبحث الثّالث:آثار نشوز الزّوجة علی العائلة

إنّ الخلافات والمشاکل فی الحیاة الزّوجیّة إذا لم تعالج، تسلب الطّرفین راحتهما وسعادتهما وتفقدهما أهمّ میزات وخصائص الارتباط الزّواجی.

ویضغط الخلاف العائلی علی الإنسان أکثر من أی خلاف آخر؛ لأنّه یقع فی أقرب الدّوائر والحلقات إلی ذاته.

کما أنّ واقع الحیاة الزّوجیّة استقراراً کان أو اضطراباً، لا تقتصر آثاره علی حیاة الزّوجین فقط، بل تنعکس نتائجها سلباً وإیجاباً علی الأطفال والمجتمع.

ویبرز دور المرأة أکثر؛ لأنّها بحکم أنوثتها رقیقة العاطفة، مرهفة الحس، سریعة التّأثر، تتغلب عواطفها علی عقلها ومشاعرها، وذلک ما یؤهلها لأداء رسالة الأمومة، فإذا أصبحت الزّوجة تقهر زوجها من خلال

ص:67

مطالبها المادّیة الّتی لا تنتهی وتعنّفه وتوبخّه عند عدم قدرته علی تلبیة ما ترید، وتتعامل معه من منطلق (الندیّة) فینعکس هذا علی أبنائها أیضاً فلا یجدون المناخ الأسری المناسب للانتماء فینشقون عن الأسرة، ویظهر هذا فی عدم الولاء والطّاعة للأبوین.(1)

ذلک لأنّ البیت هو المدرسة الأولی للطفل، یترعرع فی ظلاله وتتکامل فیه شخصیته وتنمو فیه سجایاه متأثراً بأخلاق أبویه وسلوکهما، فعلیهما أن یکونا قدوة حسنة ومثلاً رفیعاً؛ لتنعکس فی نفسه مزایاهم وفضائلهم. فعلی الأم الّتی ترید أن تری من أبنائها قرة عین وذخیرة لها فی مستقبلها أن تسهر علی تربیتهم وترعی سلوکهم وتثبت فی نفوسهم النّزعات الطّیبة والمُثل الکریمة وأن تجنبهم الطّرق المؤدّیة للإجرام والعادات السّیئة؛(2) لأنّها هی النّموذج لفترة طفولة الصبّی، وفی ظلها یتحرک ویتعرّف علی ما یحیط به ویمیّز الأشیاء الحسنة والسّیئة والمفیدة والضّارة، ویتعرّف علی العالم بأسره؛ إذ العواطف والمشاعر الرّکن الأساس فی حیاة الأسرة، والمرأة هی المتلقی لمشاعر الحبّ، وهی المسؤولة عن بثّ هذه الأحاسیس فی جوّ الأسرة.

وإنّ ارتباط المرأة وحبّها الأصیل، هو الّذی یکون استجابة لاحترام وارتباط الرّجل، کما أنّها تزرع بذور الحبّ والاحترام فی نفوس الأبناء

ص:68


1- (1) د. رشاد علی عبد العزیز، سیکولوجیة القهری الأسری: 7.
2- (2) القرشی، باقر شریف، النظام التربوی فی الإسلام: 80.

اتّجاه والدهم، وتعطی القدرة والقیادة لربّ الأسرة ومظهر القدوة.

وتشیر البیانات الّتی تتحدّث عن جنوح الأحداث إلی أنّ النّسبة الغالبة منهم تنتمی إلی عوائل تعانی من اضطرابات فی علاقاتها الزّوجیّة.

کما یلاحظ الموجهون التّربویون فی مدارس التّعلیم إنّ أغلب الطّلاب الّذین یعانون من تدنی المستوی التّعلیمی والأخلاقی، هم من أبناء عوائل تفقد الانسجام الدّاخلی.(1)

ولا ریب فی أنّ معاشرة الزّوج بالمعروف تقتضی من الزّوجة فی بیت الزّوجیّة مع الزّوج والأبناء سلوکاً یتناسب مع طبیعة الحیاة الأسریة.

فإذا استعصت المرأة ونشزت واستخفت بحقوق زوجها واستحقرته أمام الجمع من الأطفال والأهل والأقارب وخرجت من بیته بغیر إذنه، أو انصرفت إلی العمل خارج البیت دون رضاه، وحشرت نفسها فی أجواء العمل حتّی عادت لا تستطیع أن تفرّغ من وقتها جزءاً للبیت، فتذهب کالرّجال جنباً إلی جنب أوّل النّهار لتعود آخره مکدّدة، متعبة، أضناها العمل، وأجهدها التّقلب فی وجوه الحیاة، فکیف یتسنی لها مع ذلک أن تتفرّغ للبیت، وأن توزّع نفسها علی العمل داخل البیت وخارجه!

والأسرة مؤسسة بذاتها تطلب من التّفرّغ ما تطلبه أی مؤسسة اجتماعیّة أخری، فلیست الأسرة حاجة فوقیة وعرضیّة فی حیاة الإنسان حتّی یستطیع أن یستغنی عنها أو یهملها أو یستبدلها.

ص:69


1- (1) الصفار، حسن موسی، فقه الأسرة: 385.

ولا ترتبط المرأة وحدها بالحیاة العائلیّة فحسب، فإنّ سعادة الرّجل واستقراره ونشوء الأطفال واستقامة سلوکهم یرتبط ارتباطاً وثیقاً بالجو العائلی.

فلابدّ ألا یتعارض خروج المرأة مع حقوق الزّوج فی الاستمتاع والمساکنة فی الحدود الّتی قرّرتها الشّریعة بحسب اجتهاد الفقهاء، وألا یتعارض مع المعاشرة بالمعروف فی نطاق الأسرة ومع طبیعة الحیاة الأسریّة، الّتی تقتضی رعایة الأم للأسرة وتربیة أبناءها، فلا ینبغی أن یتحول المنزل الزّوجی بسبب الخروج من البیت أو للعمل وغیر ذلک إلی مکان للنوم وتناول الطعام فقط، بحیث تنعدم أو تتقلص إلی أدنی حدّ علاقات المساکنة بین الزّوجة وزوجها.(1)

فإذا أرادت الزّوجة أن تخرج من بیتها علیها أن تحرص استئذان زوجها، وإن کان هذا الخروج من البیت مثلاً لأجل العمل، وهو من شأنها، إلاّ أنّه یتصل بالمجال المشترک فی الحیاة الزّوجیّة.

کما أنّ حالة نشوز الزّوجة تنعکس علی وحدة تماسک المجتمع والأمن الاجتماعی؛ لأنّ اضطرابها تمتد آثاره إلی مساحة واسعة من عوائل الزّوجین والمتعاطفین معهما، وقد تتصاعد الخلافات لتصل إلی المحاکم والجهات الرّسمیّة، أو تتطوّر إلی نزاعات حادّة.

وقد تشکّل هذه الخلاقات ثغرة فی أمن المجتمع الأخلاقی؛ لأنّ

ص:70


1- (1) شمس الدین، الشیخ محمد مهدی، حقوق الزّوجیّة: 3 و 233/4.

اضطراب العلاقات الزّوجیّة قد یدفع بعض الأزواج إلی البحث عن علاقات عاطفیة خارج أطار البیت الزّوجی، فتحصل الخیانات الزّوجیّة والانحرافات السّلوکیة.

وفی مواجهة هذه الأخطاء لابدّ أن یتحمل المجتمع مسؤولیته فی الوقایة منها، بتوفیر أجواء الاستقرار العائلی ومعالجة أسباب الاضطراب، وبالتّصدی والمبادرة لحلّ الخلافات العائلیّة، فلا یصحّ السّکوت والتّفرج من قبل المجتمع علی حالات الخلاف والنّشوز فی الحیاة الزّوجیّة.(1)

فمهما کانت درجة التّوافق الزّواجی فإنّ حصول شیء من الخلاف أمر محتمل ومتوقع خاصّة عند مواجهة الأزمات والصّعوبات، وهنا یأتی دور الوعی ونضج الشّخصیّة لمعالجة الموقف بتعقل وحکمة، بعیداً عن التّشنج والانفعال الّذی یحوّل المشکلة البسیطة إلی قضیة معقدة.

والتّعالیم الدّینیة الّتی تتحدّث لکلّ من الزّوجین حول حقوق الآخر وفضله ومکانته، وتحثّ علی الاحترام وتحمل ما قد یصدر من الأخطاء أو القصور، ترید تعزیز المناعة فی نفسیة الطّرفین اتّجاه ما قد یواجهها من مشاکل فی علاقتهما الزّوجیّة، فهناک الکثیر من النّصوص الدّینیّة تخاطب الزّوجة لتذکرها بفضل الزّوج ودوره ومکانته فی حیاتها الزّوجیة، فعلیها أن تحترم مقامه کربّ الأسرة ومتحمل لإعبائها ومسؤولیتها.

ص:71


1- (1) فقه الأسرة: 385.

وأخیراً فإنّ الحیاة الزّوجیّة لا تقوم علی أساس الإلزامات الّتی یلزم بها کلّ فریق، وإنّما تقوم علی أساس روحیة العطاء النّاشئة من شعور المودة والرّحمة.

فإنّ المرأة التی تحسن إلی زوجها حتّی لو أساء إلیها، والمرأة الّتی تخدم بیتها حتّی لو لم تکن ملزمة بذلک، تعتبر فی عداد النّساء المجاهدات باعتبار أنّ ذلک یمثّل حسن التّبعل.

وعندما تعیش الزّوجة من موقع إنسانیتها الّتی تتسع لکلّ المعانی الرّوحیّة الإنسانیّة، فإنّ الحیاة الزّوجیّة تکون فرصة للنمو والارتفاع إلی المستوی الکبیر وفرصة للسعادة الزّوجیّة، الّتی تتحوّل إلی سعادة مادّیة، وبذلک یتکامل لها خیر الدّنیا والآخرة.(1)

ص:72


1- (1) السید فضل الله، محمدحسین، تأملات إسلامیّة حول المرأة: 93.

المبحث الرّابع:أحکام نشوز الزّوجة

اشارة

یرغب النّظام الإسلامی فی الزّواج أن یکون قویّاً، سلیم البنیة، یکفل الاستقرار والاستمراریّة، ویضمن الحیاة السّعیدة، وبالرغم من الأسس الّتی وضعها له وما أقامه من دعائم لبناء الأسرة وحمایتها قد یطرأ علی الحیاة الزّوجیّة ما یصدع أرکانها ویخرجها عن حالة الأمن والاستقرار المطلوب فیها؛ لأنّ من شأن البشر أن یعرض بینهم الخلاف وأن یثور النّزاع عند تعارض الرّغبات أو نفور الطّباع.

واعترف الإسلام بإمکان حدوث النّشوز والشّقاق والتّصدع فی مجال الحیاة الزّوجیّة، لکن بما أنّ الشّریعة المقدّسة ترید الحفاظ علی علاقة الزّوجین وإبعادهما عن کلّ عرقلة تقع فی طریق إقامة الکیان الأسری، نری القرآن الکریم یبدأ برسم الخطوط الأولیّة للزّوج؛ لیتفادی

ص:73

بذلک من تهدیم البیت الزّوجی بالطّلاق لو ظهرت بوادر النّشوز من الزّوجة؛ وذلک بقوله تعالی:

(وَ اللاّتِی تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کانَ عَلِیًّا کَبِیراً) .(1)

وهذه هی الإجراءات الأولیّة الّتی ترسمها الآیة الکریمة للزّوج فی حالة ظهور التّمرد وعدم الإطاعة من زوجته، وهی تتلخص فی أمور ثلاثة:

1. الوعظ.

2. الهجر.

3. الضّرب.

1. الوعظ

وهو أوّل الحلول فی طریق عودة الزّوجة إلی حیاتها الزّوجیّة، ومن واجبات القیّم وربّ الأسرة، وهو عمل تهذیبی مطلوب منه فی کلّ حال، وفی هذا الحال بالذّات؛ وذلک بإتباع الأسالیب الفکریّة والرّوحیّة الّتی تحذّر الزّوجة من نتائج عملها علی الصّعید الدّنیوی والأخروی.

فقد ورد لدی الفقهاء کالشّهید الثّانی(2) وصاحب الریّاض(3) والحدائق(4)

ص:74


1- (1) النساء: 34.
2- (2) مسالک الأفهام: 356/8.
3- (3) ریاض المسائل: 91/12.
4- (4) الحدائق النّاضرة: 533/24.

والمدارک(1) کما عند القاضی ابن البراج(2) والشّیخ فی المبسوط،(3) أنّ المراد من الوعظ، أن یخوّفها بالله تعالی، ویقول إتّقی الله فی حقّی الواجب واحذری عذاب الله تعالی ونکاله، ویذکر لها ما ورد من حقوق الزّوج علی الزّوجة من الأخبار النّبویّة وکلام الأئمة علیهم السلام ویبیّن لها أنّ النّشوز یسقط النّفقة وحقّ القسم، فقد تتأدب بذلک.

ولا بدّ فی سبیل تحقیق هذا الهدف من إتباع الطّرق الّتی تؤدی إلی الهدف المنشود من رجوعها إلی الخط المستقیم وعودتها عن الانحراف.

وتختلف الأسالیب باختلاف ذهنیة الزّوجة من ناحیة فکریّة وروحیّة وعاطفیّة، فلابدّ من دراسة ذلک کلّه مع ملاحظة نقاط الضّعف والقوة فی شخصیّتها الذّاتیّة والدّینیّة.(4)

فمنهن من یؤثر فی نفسها التّخوف من الله عزّ وجلّ وعقابه علی النّشوز، ومنهن من یؤثر فی نفسها التّهدید والتّحذیر من سوء العاقبة فی الدّنیا، کشماتة الأعداء والمنع من بعض الرّغائب، کالثیاب الحسنة والحلی، والرّجل العاقل لا یخفی علیه الوعظ الّذی یؤثر فی قلب امرأته.

ویجب أن یکون التّذکیر والوعظ فی أوقات مناسبة وبطریقة مؤثرة،(5) قال بحر العلوم فی کتاب الزّواج:

ص:75


1- (1) العاملی، السید محمد، نهایة المرام: 427/1.
2- (2) المهذب: 264/2.
3- (3) المبسوط: 610/3.
4- (4) من وحی القرآن: 242/7.
5- (5) العک، الشیخ خالد عبدالرحمن، بناء الأسرة المسلمة: 315.

المراد من الوعظ هو أن یجلس الزّوج مع زوجته لیتدارس الزّوجان الأسباب الّتی أدّت إلی فتور الزّوجة وعدم إطاعتها، وفی هذه الحالة ربّما تبدی الزّوجة وجهة نظرها لتقول کلمتها، فتشرح الأسباب الّتی دعتها إلی إتخاذ مثل هذا الموقف الصّارم - ولربّما کانت وجهة نظر معقولة - فإذا بالزّوج هو المقصر حینئذ فلا بدّ من تلافی الأمر، أو لعلّها تلتفت إلی الخطأ الّذی ارتکبته فتصحّح خطأها لتعود المیاه إلی مجاریها الطبیعیّة، وإنّ هذه المحاورة النفسیّة بین الزّوجین لها أثرها العمیق فی حلّ کثیر من المشاکل الّتی تعرقل مسیرة الحیاة الزّوجیّة، علی أنّ نوعیة الوعظ متروکة إلی الزّوج، فله أن یسلک أحسن الطّرق الّتی یراها ملائمة لعزوفه مع زوجته، فلیس فی البین من النّصوص ما یحدّد له ذلک، بل هو فی هذه الحالة أبصر وأخبر بأنفع السّبل بما فیها التّحذیر من مغبة النّشوز.(1)

فإن لم یثمر الوعظ بالکلام، وظلت المرأة علی نشوزها، تأتی مرحلة أخری وهی:

2. الهجر

بعدما أخفق البیان وفشلت الأسالیب العاطفیّة، ولم تجدِ الوسیلة الأوّلی مع الزّوجة النّاشز، فلابدّ أن ینتقل إلی الوسیلة الثّانیة، وهی الهجر فی المضجع، وتلک من أقوی الوسائل العاطفیّة الّتی یبعثها الزّوج لزوجته لبیان غضبه علیها وعدم تحمله سوء تصرفها وخروجها عن طاعته، ومن أقوی الأسالیب المؤثرة فی شخصیّة المرأة؛ لأنّ اهتمام الزّوج بها یعتبر

ص:76


1- (1) بحر العلوم، عزالدین، الزّواج فی القرآن والسنّة: 240.

عاملاً مهماً من عوامل إحساسها بأهمیتها وبقوة شخصیّتها، فهو ضرب من ضروب التّأدیب لمن تحب زوجها ویشقّ علیها هجره إیاها.

واختلفت رؤیة الفقهاء حول معنی الهجر، وقد جمع السیّد السّبزواری(1) آرائهم فی المقام بعدّة نقاط قائلاً: بأنّ الهجر من الأمور الإضافیّة التّشکیکیّة فیکون قابلاً للشّدة والضعف، وله مراتب کثیرة تختلف باختلاف الحالات والأشخاص والعادات، فکم من هجر عند قوم لیس بهجر عند الآخرین، وهو یتصوّر علی أقسام:

1. أن یکون المضجع واحداً، ویولی الرّجل ظهره إلیها فیه بطبعه بلا غرض فی البیان.

2. مثل ما تقدّم ولکن بعنوان المنافرة والمباغضة، کما جاء به صاحب الجواهر(2) والقاضی ابن البراج(3) وما نقله الشّهید الثّانی(4) عن ابن بابویة.

3. تعدّد المضجع بعد أن کان واحداً فی غرفة واحدة بقصد المنافرة والمباغضة، کما اختاره الشّیخ فی المبسوط.(5)

4. ما إذا کان مثل القسم الثّالث، ولکن فی غرفتین أو بیتین.

والمتیقن من الآیة الکریمة وأقوال الفقهاء صورة تحقّق إظهار

ص:77


1- (1) مهذب الأحکام: 220/25.
2- (2) جواهر الکلام: 201/31.
3- (3) المهذب: 264/2.
4- (4) مسالک الأفهام: 356/8.
5- (5) المبسوط: 610/3.

المنافرة والتّباغض فی الهجر، فیشمل جمیع الأقسام إلّا الأوّل.

وأمّا صاحب الرّیاض(1) والخوانساری(2) فقد ذهبا إلی التّخییر بین أن یولّیها ظهره فی الفراش، أو أن یعتزل فراشها، وأفاد صاحب الرّیاض بعد ذلک أنّ الأوّل أحوط وأولی.

وظاهر تفسیر القمی(3) المراد من الهجر هو السبّ، وهو غریب علی ما ذکره الشّیخ یوسف البحرانی(4) حیث أضاف: ولم یذکره غیره فیما أعلم ولا ریب أنّه أحد معانی الهجر لکنه هنا بعید، وقال الشّهید الثّانی(5):

الأولی الرّجوع فیه إلی العرف، وما تستفید المرأة منه الهجران.

والحقّ أنّ هذا النّوع من التّرکیز علی الهجران فی المضجع وإظهار الزّوج کراهیته لها دون بقیة الحالات والأماکن، إنّما هو لمعاکسة المرأة وتحریک عواطفها کزوجة؛ لأنّ هذا الإجراء من الزّوج إنّما هو تعبیر صارخ منه بعدم اعترافه بأنوثتها وحیویتها فی مکان یجب أن تسیطر المرأة فیه علی الرّجل.(6)

أمّا الواجب علی المسلم أن یلتزم بالآداب الإسلامیّة والأخلاق الحمیدة فی جمیع شؤونه فی الحیاة، وخصوصاً فی حلّ مشاکل الحیاة

ص:78


1- (1) ریاض المسائل: 92/12.
2- (2) جامع المدارک: 437/4.
3- (3) القمی، علی بن إبراهیم، التفسیر القمی: 145/1.
4- (4) الحدائق الناضرة: 533/24.
5- (5) مسالک الأفهام: 356/8.
6- (6) الزّواج فی القرآن والسنة: 241.

الزّوجیّة، وفی حالة الغضب والاستیاء وقد مدح الله سبحانه وتعالی المؤمنین بصفة الحلم والعفو عند المقدرة(1) فقال تعالی:(... وَ الْکاظِمِینَ الْغَیْظَ وَ الْعافِینَ عَنِ النّاسِ...) .(2)

فإن تمادت الزّوجة فی العصیان ولم یؤثر فیها الوعظ والهجران، فذلک دلیل علی مرض مشاعرها وانحراف طبیعتها، وهنا تأتی المرحلة الثّالثة، وهی:

3. الضرب

وهذا هو الأسلوب الثّالث فیما لو تجاوزت المرأة فی عصیانها وتمردت فی واجباتها ومسؤولیاتها، ومضت فی طریق العناد واللجاج دون أن ترتدع بالأسالیب السّابقة، فلا النّصیحة تفید، ولا العظة تنفع، ولا الهجر ینجع، ولم یبقَ من سبیل إلّا استخدام العنف، فحینئذ یأتی دور الضّرب (... وَ اضْرِبُوهُنَّ...)3 لدفعها إلی القیام بواجباتها الزّوجیّة؛ لانحصار الوسیلة فی هذه الحالة باستخدام شیء من العنف.

ولهذا سمح الإسلام فی مثل هذه الصّورة بالضّغط علیها من خلال التّنبیه الجسدی.(3)

ص:79


1- (1) بناء الأسرة المسلمة: 315.
2- (2) آل عمران: 134.
3- (4) الشیرازی، الشیخ ناصر مکارم، الأمثل: 195/3.

والحقّ لا بدّ من اتخاذ هذا الإجراء؛ لأنّه یأتی نتیجة الحیرة الّتی تنتاب الرّجل وهو یری زوجته لا زالت مصرّة علی رأیها فی عدم الإطاعة، وقد أخفقت مساعیه الأخلاقیّة الهادئة، ولم تبدِ الزّوجة مبرراً لهذه الحالات السّلبیّة، فلابدّ من علاج هذه المسألة کحلّ تأدیبی یضمن للزّوج فرض سیطرته علی حیاته الزّوجیّة.(1)

وأمّا کیفیته، فإن یضربها ضرب تأدیب کما یضرب الصّبیان علی الذّنب، ولا یضربها ضرباً مبرحاً ولا مدمیاً ولا مزمناً، ویفرّق الضّرب علی بدنها ویتقی الوجه.

وروی أصحابنا أنّه یضربها بالسّواک، وقال قوم: یکون الضّرب بمندیل ملفوف، أو درّة، ولا یکون بسیاط، ولا خشب، هذا ما أفاده الشّیخ فی المبسوط(2) وهو متفق علیه عند باقی الفقهاء، کما جاء فی المهذب(3) وفی نهایة المرام أیضاً(4) والشّهید الثّانی أضاف:

لعلّ حکمة الضّرب بالسّواک توهمها أرادة الملاعبة والأفراح، وإلّا فهذا الفعل بعید عن التّأدیب والإصلاح.(5)

وقال صاحب الجواهر(6) إضافة إلی ما ذکر: وینبغی اتقاء المواضع

ص:80


1- (1) الزّواج فی القرآن والسنة: 241.
2- (2) المبسوط: 611/3.
3- (3) المهذب: 264/2.
4- (4) نهایة المرام: 427/1.
5- (5) مسالک الأفهام: 357/8.
6- (6) جواهر الکلام: 206/31.

المخوفة، کالوجه والخاصرة ومراق البطن ونحوه، وأن لا یوالی الضّرب علی موضع واحد، بل یفرق علی المواضع الصّلبة، مراعیاً فیه الإصلاح لا التّشفی والانتقام، ومثله فی المسالک(1) وإنّه یحرم بقصد التّشفی والانتقام، بل بدون القصد المأذون فیه لأجله.

وجاء فی نهایة المرام لو حصل بالضّرب تلف قیل:

وجب علیه الغرم؛ لأنّه تبیّن بذلک أنّه إتلاف لا إصلاح، بخلاف الولی إذا أدّب الطّفل. وفرق بینهما بأنّ تأدیب المرأة لحظّ نفسه، والولد لحظّه لا لحظّ الولی.

وفی الفرق نظر، وینبغی القطع بعدم غرامة الولی؛ لأنّه بتأدیب الطّفل محسن و (... ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ...)2 ، ولا یبعد إلحاق الزّوج به فی ذلک، خصوصاً إذا کان المقصود من الضّرب تأدیبها علی فعل محرم.(2)

وأورد صاحب الحدائق علی هذا:

یمکن أن یقال: إنّه إن کان الضّرب المذکور لیس ممّا یترتب علیه التّلف بحسب العادة، وإنّما اتّفق بعدّه اتفاقاً فهذا لا یترتب علیه ضمان، وإن کان ممّا یمکن ترتب التّلف علیه فلا یبعد وجوب الضّمان.(3)

وبعد هذا یطرح هنا سؤال وهو: هل الأمور الثّلاثة - الوعظ والهجر والضّرب - علی التّخییر أو الجمع أو التّرتیب بالتّدرج من الأخف إلی

ص:81


1- (1) مسالک الأفهام: 361/8.
2- (3) نهایة المرام: 428/1.
3- (4) الحدائق الناضرة: 534/24.

الأثقل، کمراتب النّهی عن المنکر؟ وعلی التّقادیر، هل هی مع تحقّق النّشوز، أو ظهور أماراته قبل وقوعه أو معهما؟ بمعنی أنّ الوعظ والهجر مع الثّانی والضّرب مع الأوّل، أقوال:

قال العلّامة فی المیزان:

إن الأمور الثّلاثة وإن ذکرت معاً وعطف بعضها علی بعض بالواو، فهی أمور مترتبة تدریجیّة: فالموعظة، فإن لم تنجح فالهجرة، فإن لم تنفع فالضّرب؛ ویدلّ علی کون المراد بها التّدرج فیها أنّها بحسب الطّبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضّعف إلی الشّدة بحسب التّرتیب المأخوذ فی الکلام، فالتّرتیب مفهوم من السّیاق دون الواو.(1)

وذکر محمد رشید رضا:

صرّح کثیر من المفسرین بوجوب التّرتیب فی التّأدیب وإن کان العطف بالواو لا یفید التّرتیب، قال بعضهم: دلّ علی ذلک السّیاق والقرینة العقلیّة؛ إذ لو عکس کان استغناء بالأشدّ عن الأضعف فلا یکون لهذا فائدة، وقال بعضهم: التّرتیب مستفاد من دخول الواو علی أجزائه مختلفة فی الشدّة والضعف مرتبة علی أمر مدّرج فإنّما النّص هو الدال علی التّرتیب.(2)

أمّا الکلام عند الفقهاء کثیر فی هذا المجال والآراء مختلفة، وکما عبّر الشّیرازی:

إنّ هذه الأقوال لا یمکن استظهارها من الآیة الکریمة، وإنّما استظهر کلّ واحد ما استفاد من بعض القرائن الّتی رآها مکتنفة بالآیة من العقل أو النّقل.(3)

ص:82


1- (1) المیزان: 353/4.
2- (2) تفسیر المنار: 76/5.
3- (3) الفقه: 373/67.

حاصله ثلاثة آراء فی المسألة:

1. هناک من رأی أنّ الأمور الثّلاثة متحقّقة بظهور أمارات النّشوز، لکنّها علی التّرتیب فتقدّم الموعظة، فإن لم تنجع فالهجر، فإن لم یفد انتقل إلی الضّرب، وهذا موافق لرأی المحقّق علی ما نقله الشّهید فی المسالک.(1)

2. ورأی آخر یجعل الأمور الثّلاثة مترتبة علی النّشوز بالفعل، لکنّها مترتبة مراتب الإنکار بالتّدرج من الأخف إلی الأثقل، کما جاء به صاحب الجواهر(2) ونقله العاملی عن العلّامة فی نهایة المرام.(3)

3. والرأی الأخیر جاء بالتّفصیل؛ بأنّ الأمور الثّلاثة منزلة علی الحالتین، ظهور أمارات النّشوز وتحقّقه بالفعل، حیث جعلوا الوعظ والهجر معلقین علی ظهور أماراته والضّرب مشروطاً بحصوله بالفعل، ومع ذلک لم یشرطوا فی جواز الضّرب مع تحقّق النّشوز تقدیم الوعظ ولا الهجر، بل جوّزوا الضّرب بأوّل مرّة، وجعلوا الهجر فی الأوّل مشروطاً بعدم نجع الوعظ،(4) وهذا موافق لرأی الشّیخ فی المبسوط(5) وریاض المسائل(6) والمحقّق فی الشّرائع.(7)

ص:83


1- (1) مسالک الأفهام: 357/8.
2- (2) جواهر الکلام: 203/31.
3- (3) نهایة المرام: 426/1.
4- (4) مسالک الأفهام: 358/8.
5- (5) انظر: المبسوط: 610/3.
6- (6) ریاض المسائل: 93/12.
7- (7) شرائع الإسلام: 1 و 577/2.

وأمّا الشّهید فی المسالک قال:

إنّه متی احتمل انزجارها بالوعظ لا ینتقل إلی الهجر، وإن لم یجوّزه جاز الهجر، ولا یجوز الضّرب إلّا مع العلم إنّها لا تنزجر بهما، ومعه یجوز الضّرب ولو فی الابتداء، کمراتب النّهی؛ وذلک حیث تتحقّق المعصیة وبدونه یقتصر علی الموعظة.(1)

وکیف کان فعلی الزّوج أن یخاف الله فی استعمال الحقوق الّتی أباحها له الشّرع، فلا یتجاوز ولا یفرط فی الهجر والضّرب والاستعلاء علی زوجته بقوّته وقدرته الّتی فضّله الله بها ولو شاء لنزعها منه؛ فالله مطّلع علی الجمیع.

لکن فی هذا المجال غالباً ما یخطر سؤال فی الذّهن وهو: کیف سمح الإسلام للرّجال بأن یتوسلوا بأسلوب التّنبیه الجسدی المتمثّل بالضّرب؟

والجواب کما ذکره صاحب الأمثل یتلخص بعدّه نقاط:

1. أنّ الآیة تسمح بممارسة التّنبیه الجسدی فی حقّ من لا یحترم وظائفه وواجباته، الّذی لا تنفع معه أی وسیلة أُخری.

2. أنّ التّنبیه الجسدی المسموح به هنا یجب أن یکون خفیفاً، وأن یکون الضّرب ضرباً غیر مبرح، أی لا یبلغ الکسر والجرح، بل ولا الضّرب البالغ حدّ السّواد.

3. أنّ علماء التّحلیل النّفسی یرون أن بعض النّساء یعانین من حالة نفسیّة تقتضی ارتیاح المرأة لضربها، وأنّ هذه الحالة قد تشتد فی المرأة إلی درجة تحس باللذة والسّکون والرّضا إذا ضربت ضرباً طفیفاً.(2)

ص:84


1- (1) مسالک الأفهام: 359/8.
2- (2) الأمثل: 195/3.

هذا تمام ما قیل حول أحکام النّشوز للزّوجة، لکن هناک تبقی مسألة متّفق علیها من قبل الفقهاء والحقوقیین، وهی عدم استحقاق المرأة النّاشزة للنفقة، وقد ذکرت عند جمیع الفقهاء، کما رتّب القانون علی النّشوز بمعناه وقف نفقة الزّوجة من تاریخ الامتناع عن طاعته زوجها، وقد نصّت المادة رقم 11 بقانون رقم 25 لسنة 1929 للمحکمة العربیة:

إذا امتنعت الزّوجة عن طاعة الزّوج دون حقّ، توقف نفقة الزّوجیّة من تاریخ الامتناع، وتعتبر ممتنعة دون حقّ، إذا لم تعد منزل الزّوجیّة بعد دعوة الزّوج إیاها بإعلان علی ید محضر لشخصها أو من ینوب عنها، وعلیه أن یبیّن فی الإعلان المسکن.(1)

ص:85


1- (1) المستشار حسن حسانین، أحکام الأسرة فی الإسلام: 168.

ص:86

الفصل الثالث: نشوز الزّوج

اشارة

1. حق الزوجة علی الزّوج.

2. کیف یتحقّق النّشوز.

3. آثار نشوز الزّوج علی العائلة.

4. أحکام نشوز الزّوج.

ص:87

ص:88

التمهید

لمّا وضع قانون المساواة الإلهی للزّوج اتّجاه زوجته حقوقاً یؤدی التّخلف عنها نشوز الزّوجة، کذلک وضع للزّوجة اتّجاه زوجها حقوقاً معینة فی المجال المادی والمعنوی، فلو أبدی الزّوج أیّ قصور وإهمال فی هذا الشّأن یجعله ناشزاً؛ ممّا یترتب علی نشوزه آثاراً وأضراراً، سواء بالمرأة أم الأطفال والمجتمع.

وکما أنّ الشّریعة لم تقف مکتوفة الأیدی فی قبال المرأة النّاشزة، کذلک للرّجل النّاشز.

ففی هذا الفصل سوف نشیر إلی أهمّ حقوق الزّوجة المطروحة من قبل التّشریع، حیث عند التّقصیر بها یکون الرّجل ناشزاً، ثمّ نشیر إلی أهمّ الآثار والأحکام المترتبة علی نشوز الزّوج.

ص:89

ص:90

المبحث الأوّل

حقوق الزّوجة علی الزّوج

وضعت الشّریعة الإسلامیّة حقوقاً للزّوجة اتّجاه الزّوج ضامنة لها الحیاة الکریمة من غیر التّعرض لأیّ ظلم أو غبن.

کما أنّ السنّة الشّریفة اهتمّت أیضاً بقضیة المرأة وحقوقها، کقول النبیّ صلی الله علیه و آله:

«ما زال جبرئیل یوصینی بالمرأة، حتّی ظننت أنّه لا ینبغی طلاقها إلّا من فاحشة مبیّنة».(1)

ولمّا کان الرّجل قیّماً علی المرأة بحکم الشّرع، فقد أمره الله تعالی علی أداء حقوق زوجته المادیّة والمعنویّة، وهذه الحقوق هی کالتّالی:

ص:91


1- (1) الکافی: 694/2.

الجانب المادّی من حقوق الزّوجة

1. حقّ النّفقة

عرّفت النّفقة لغةً بالمال الّذی یدفعه الإنسان لمن یعوله.(1)

وفی اصطلاح الشّرع الإدرار علی الشّیء بما به بقاؤه،(2) وهو تعریف شامل لجمیع النّفقات.

وقد أشکل علی هذا التّعریف بأنّ النّفقة لا تقتصر علی ما به البقاء، حیث إنّ هذا المقدار هو النّفقة لرفع الضّرورة ودفع الهلاک، وأمّا النّفقة فی الشّرع - المبنیة علی موازین العرف - فهی ما به البقاء والنّماء.(3)

أمّا نفقة الزّوجة فقد عرّفها الشّیخ عارف البصری بأنّها:

«تکلیف مالیٌ واجب علی الزّوج للزّوجة بما هی زوجة وفق شروط معینة بمستوی الکفایة عرفاً».(4)

إذن من الحقوق الواجبة علی الزّوج لزوجته حقّ النّفقة، فالزّوج هو المتکفل بالانفاق علی زوجته بالقدر المتعارف علیه بین النّاس من غیر إفراط ولا تفریط.

وهذا فی قبال ما فرضه الله تعالی علی الزّوجة من الإطاعة الکاملة لزوجها.

وقد استدل علی وجوب النّفقة بایآت متعدّدة منها:

ص:92


1- (1) ابن همام، فتح القدیر: 321/3.
2- (2) المصدر السابق.
3- (3) مسائل حرجة فی الفقه المرأة: 161/3.
4- (4) الشیخ عارف البصری، نفقات الزوجة: 16.

1. قوله تعالی:(... قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَیْهِمْ فِی أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ...)1

أی: الحقوق الّتی لهن علی الأزواج من الکسوة والنّفقة والمهر وغیر ذلک.

استدل بهذه الآیة الشّیخ فی المبسوط(1) وکذا القاضی ابن البراج،(2) کما ذکرت فی المغنی.(3)

2. قوله تعالی:(لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ...) .(4)

ووجه الاستدلال مبنی علی إرادة الزّوجات، وهو یدلّ علی وجوب الانفاق علیهن واستدل بهذه الآیة صاحب الریّاض(5) والجواهر(6) والمغنی لابن قدامة،(7) کما ذکره الشّهید فی المسالک.(8)

3. قوله تعالی:(الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ...) .(9)

ص:93


1- (2) المبسوط: 324/4.
2- (3) المهذب: 225/2.
3- (4) ابن قدامة، المغنی: 166/8.
4- (5) الطلاق: 7.
5- (6) ریاض المسائل: 163/12.
6- (7) جواهر الکلام: 302/31.
7- (8) المغنی: 166/8.
8- (9) مسالک الأفهام: 439/8.
9- (10) النساء: 34.

وتقریب الاستدلال: إنّ الله سبحانه جعل القیمومة للرّجال علی النّساء؛ لمکان انفاقهم علیهن؛ وذلک یدلّ علی وجوب النّفقة علی الزّوجة.

واستدل الشّیخ فی المبسوط(1) والقاضی ابن البراج(2) وصاحب الجواهر(3) بهذه الآیة علی وجوب الانفاق.

4. قوله تعالی:(... وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...) .(4)

هذه الآیة فی صدد تنظیم وتحدید العلاقات الزّوجیّة، فکان من جملة ما أوجبت علی الرّجال أن یعاشروهن بالمعروف، ولمّا کان الانفاق علی الزّوجة داخلاً فی الأمر بالمعاشرة بالمعروف، بل هو من أظهر مصادیقه، فیمکن أن تعتبر هذه الآیة من أقوی الأدلّة علی وجوب النّفقة للزّوجة علی زوجها، هذا ما جاء به الشّیخ عارف البصری فی حقّ هذه الآیة.(5)

أمّا الشّیخ استدل علی وجوب النّفقة بهذه الآیة منضمة إلی قوله تعالی (... وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...)6 فقال: إذا ثبتت العشرة بالآیة فعلی کلّ واحد منهما أن یکف عمّا یکرهه صاحبه من قول أو فعل، وعلی کلّ واحد منهما أن یوفی الحقوق الّتی علیه من غیر أن یحوج صاحبه إلی الاستعانة بغیره.(6)

ص:94


1- (1) المبسوط: 324/4.
2- (2) المهذب: 225/2.
3- (3) جواهر الکلام: 302/31.
4- (4) النساء: 19.
5- (5) البصری، الشیخ عارف، النفقات الزّوجیّة: 33.
6- (7) المبسوط: 324/4.

کما أنّ الشّیخ شمس الدّین أیضاً أشار إلی وجوب النّفقة بهذه الآیة قائلاً بأنّ:

«المعاشرة بالمعروف من الزّوجة لایکون إلّا بأمور، منها: التّمکین، ومن الزّوج لا یکون إلّا بأمور، منها: النفقة، والإخلال بهما لیس من المعاشرة بالمعروف».(1)

أمّا الاستدلال بالرّوایات أیضاً تامّ فی هذا المجال، وهی کثیرة:

ما رواه الصّادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله:

«إنّ امرأة جاءت إلی النبیّ صلی الله علیه و آله فسألته عن حقّ الزّوج علی المرأة؟ فخبّرها، ثمّ قالت فما حقّها علیه؟ قال: یکسوها من العری، ویطعمها من الجوع، وإذا أذنبت غفر لها. قالت: فلیس لها علیه شیء غیر هذا؟ قال لا».(2)

وعن أبی بصیر المرادی، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:

«من کانت عنده امرأة فلم یکسها ما یواری عورتها، ویطعمها ما یقیم صلبها، کان حقّاً علی الإمام أن یفرّق بینهما».(3)

لکن أکثر هذه الرّوایات تفصیلاً روایة شهاب بن عبد ربّه، قال:

«قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما حقّ المرأة علی زوجها؟ قال: یسد جوعتها ویستر عورتها، ولا یقبح لها وجهاً، فإذا فعل ذلک فقد والله أدّی إلیها حقّها...».(4)

وقد بیّن صاحب الجواهر - بعد ذکر هذه الرّوایة - الضّابطة فی مقدار النّفقة، وهی:

ص:95


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 163/3.
2- (2) وسائل الشّیعة: 225/15.
3- (3) المصدر السابق: 509/21.
4- (4) الکافی: 511/5؛ الطوسی، محمدبن الحسن، التهذیب: 457/7.

القیام بما تحتاج إلیه المرأة من طعام وإدام وکسوة وإسکان وإخدام وآلة الأدهان، کلّ ذلک تبعاً لعادة أمثالها من أهل البلد.(1)

ومثله الشّهید الثّانی فی المسالک،(2) بل وأغلب الفقهاء، علی أنّ المقیاس الشّرعی لمقدار النّفقة هو العرف الاجتماعی الّذی یعیش فیه الزّوجان.

وعلّق الشّیخ شمس الدّین علی ما ذکره الفقهاء من تحدیدات النّفقة للزّوجة بأنّها لیس تحدیدات شرعیّة؛ لأنّ الرّوایة من هذه الجهة لیست دلیلاً شرعیّاً، بل وثیقة تأریخیّة تصوّر مستوی وطبیعة الحیاة المعیشیّة للأسرة المسلمة المتوسطة فی الحدّ الأدنی من مستوی المعیشة، ولا وجه لاعتبارها معاییر عامّة ومطلقة فی الزّمان والمکان والأحوال، بل هی تحدیدات عرفیّة فلابدّ من مراعاة العرف بحسب الأعراف والتّقالید الاجتماعیّة الغیر منافیة للشرع.

وعلی هذا یدخل فی النّفقة بحسب عرفنا وزماننا إضافة إلی الطعام والأدام والکسوة والفراش وآلة الطّبخ والتّنظیف والسّکن و... ما یتصل بالاعتبار والاحترام الاجتماعی.

والحقّ إنّ السّبب الموجب للنّفقة علی الزّوج هو مجموع عقد الزّوجیّة وتمکین الزّوجة من نفسها، علی أنّ أصل الوجوب یحصل بالعقد الدّائم، فتکون الزّوجة موضوعاً للنّفقة بنحو الشّأنیة والاقتضاء، وبالتّمکین یکون الوجوب فعلیاً ومنجزاً.(3)

ص:96


1- (1) جواهر الکلام: 330/31.
2- (2) مسالک الأفهام: 355/8.
3- (3) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 168/4.

وأمّا المعیار من حیث الاعسار والیسار فی وجوب الانفاق بالمعروف، هو اعتبار کلا الطّرفین من الزّوج والزّوجة بما یناسب مستواهما، ومع اختلافهما یراعی الأحسن حالاً منهما حال الأضعف، ویبذل الأضعف أقصی ما یستطیعه؛ لأنّ هذا هو مقتضی المعاشرة بالمعروف.(1)

2. حقّ المهر

ومن جملة حقوق الزّوجة علی الزّوج، هو المهر، أو قُل الصّداق، کما جاء قوله تعالی:(وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً...) .(2)

وفی هذه الآیة یتابع القرآن حدیثه عن العلاقة الزّوجیّة فی خط العدل فی بعض الالتزامات المالیّة اللازمة علی الرّجل؛ لیؤکد الحقیقة الإیمانیّة الّتی توجه الإنسان إلی اعتبار هذه العلاقة مسؤولیّة شرعیّة قانونیّة هدفها الحصول علی رضا الله؛ لئلا یخیّل للرّجل أنّ موقعه داخل هذه العلاقة یبرز له التّصرف دون تحمل المسؤولیّة لیرجع إلی الإحساس بإنسانیّة العلاقة الّتی تجعل لأی من الطّرفین حقّاً لا یملک الآخر أن یعتدی علیه، سواء کان الحقّ مالاً، أو غیره إلّا إذا تنازل عنه بطیب نفسه کان للآخر ان یتصرف فیه بما یشاء.

ثمّ إنّ الصّدقة بضم الدّال وفتحها، والصّداق هو المهر، والنّحلة هی العطیّة، ذکره العلّامة وأضاف أنّ إضافة الصّدقات إلی ضمیر "هن" دلّالة

ص:97


1- (1) المصدر السابق؛ نفقات الزوجة: 64.
2- (2) النساء: 4.

علی أنّ الحکم بوجوب الإیتاء مبنی علی المتداول بین النّاس فی سنن الزّواج من تخصیص شیء من المال، أو أی شیء له قیمة، مهراً لهن کأنّه یقابل به البضع مقابلة الثّمن المبیع.(1)

وأشار الرّازی إلی معنی النّحلة بأنّها إمّا عطیّة من الزّوج؛ لأنّ الزّوج لا یملک بدله شیئاً؛ لأنّ البضع فی ملک المرأة بعد النّکاح، کما هو قبله، فالزّوج أعطاها المهر ولم یأخذ منها عوضاً یملکه.

وإمّا النّحلة هی عطیّة من الله، بأنّ الله تعالی جعل منافع النّکاح من قضاء الشّهوة والتّوالد مشترکاً بین الزّوجین، ثمّ أمر الزّوج بأن یؤتی الزّوجة المهر، فکان ذلک عطیّة من الله ابتداءً،(2) کما جاء مغنیة بهذا المعنی فی تفسیره.(3)

ومثل ذلک فی الأمثل عند قوله تعالی (وَ آتُوا النِّساءَ...) أی: إعطوا المهر للزّوجة کاملاً، واهتموا بذلک کما تهتمون بما علیکم من دیون فتؤدونها کاملة دون نقص، أمّا إذا أخذنا لفظة النّحلة بمعنی العطیّة والهبة، یکون تفسیر الآیة أعطوا النّساء کامل مهرهن الّذی هو عطیّة من الله لهن؛ لأجل أن یکون للنساء حقوق أکثر فی المجتمع، وینجبر بهذا الأمر ما فیهن من ضعف جسمیّ نسبیّ.

ثمّ یضیف إلی ذلک بأنّ صحیح المهر فی نظر القوانین الإسلامیّة یتعلق بذمة الرّجل من لحظة انعقاد الرّابطة الزّوجیّة وقیامها بین المرأة

ص:98


1- (1) المیزان: 175/4.
2- (2) التّفسیر الکبیر: 492/3.
3- (3) تفسیر الکاشف: 251/2.

والرّجل ویحقّ للمرأة المطالبة به فوراً، ولکن حیث إنّ الغالب هو أن یتخذ الصّداق صفة الدَّین المتعلق فی الذّمة، یکون لذلک بمثابة توفیر المرأة تستفید منه فی مستقبلها، کما یعتبر خیر دعامة لحفظ حقوقها إلی جانب أنّه یساعد علی حفظ الرّابطة الزّوجیّة من التّبعثر والتّمزق.(1)

وفی الواقع هذه الآیة عالجت موضوع المهر، فاعطته الصّفة الّتی لا ترهق إنسانیّة الإنسان فی المرأة، فلم تعتبرها ثمناً وعوضاً کما یخیّل للبعض أن یراه کذلک، بل اعتبرته نحلة، وهی العطیّة الّتی یمنحها الإنسان للآخر من دون مقابل؛ لتکون رمزاً للمحبة والمودة.(2)

هذا ما ورد فی التّفاسیر، وأمّا الرّوایات جاءت لتؤکّد هذا الأمر، وهی کثیرة:

منها: عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«الصّداق ما تراضیا علیه النّاس من قلیل أو کثیر، فهذا صداق».(3)

ومنها: عن أبی عبدالله علیه السلام قال:

«المهر ما تراضی علیه النّاس، أو اثنتا عشرة أوقیة ونش، أو خمس مائة درهم».(4)

ومنها: عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«الصّداق کلّ شیء تراضی علیه النّاس قلّ أو کثر، فی متعة أو تزویج غیر متعة».(5)

ص:99


1- (1) الأمثل: 94/3.
2- (2) من وحی القرآن: 69/7.
3- (3) التّهذیب: 409/7.
4- (4) وسائل الشیعة: 2/15.
5- (5) المصدر السابق.

کما ورد عن علی علیه السلام:

«أنّ امرأة أتته برجل قد تزوجها ودخل بها، وسمّی لها مهراً، وسمّی لمهرها أجلاً، فقال له علیه السلام: لا أجل لک فی مهرها إذا دخلت بها، فأدّ حقّها إلیها».(1)

ثمّ إنّ المهر کثیراً ما ورد علی لسان الفقهاء، فقد ذکر الشّهید الثّانی فی المسالک: لیس المراد من النّحلة ما هو بمعنی العطیّة المتبرع بها، لأنّه عوض البضع، بل إمّا من الانتحال، وهو التّدیّن، أو لأنّه فی حکم التّبرع من حیث تحقّق الاستمتاع للزوجین، فکان للزّوجة فی معنی النّحلة وإن کان عوضاً، أو لأنّ الصّداق کان للأولیاء فی غیر شرعنا، کما ینبّه علیه قصّة شعیب، وجعل مهر ابنته رعی غنمه، فکان جعله لهن فی شرعنا بمنزلة النّحلة.

ثمّ أضاف الشّهید الثّانی بأنّ المهر لیس رکناً فی النّکاح، کالمبیع والثّمن فی البیع؛ لأنّ المقصود الأظهر منه الاستمتاع ولواحقه، وأنّه یقوّم بالزّوجین، فهما الرّکن فیجوز إخلاء النّکاح عن المهر، ولکن الأحبّ تسمیته مهراً کیلا یشبه نکاح الواهبة نفسها للنبیّ.(2)

والمتتبع لکلمات الفقهاء یلاحظ أنّ أکثر أحکام الصّداق متفق علیها، فهی مشهورة وواضحة؛ إذ أنّ الصّداق ما یعطیه الزّوج لزوجته طبقاً لإستحقاقها، وکما یذکر السیّد السّبزواری هو ما یثبت علی الزّوج للزّوجة

ص:100


1- (1) الطوسی، الاستبصار: 306/3.
2- (2) مسالک الأفهام: 158/8.

بعقد النّکاح(1) وقد وردت مرادفات المهر فی القرآن الکریم فی مواضع متعدّدة، تارةً بالصّداق، وأخری بالنّحلة، أو الأجر والحباء وغیرها.

ثمّ إنّ ذکر المهر فی العقد لیس بواجب، بل مستحب، وکلّ ما یملک یصّح أن یکون مهراً، سواء کان عیناً أو منفعة، هذا ما جاء به أغلب المتقدّمین، بل المتأخرین من الفقهاء، ومنهم العلّامة الحلّی فی کتابه یشیر إلی ذلک، ثمّ أضاف:

وحتّی بتعلیم صنعة، أو شیء من القرآن، أو غیر ذلک من الأعمال المحلّلة.(2)

وقال الشّهید الصّدر:

إنّ المهر لا یتعین أن یکون نقداً معجلاً، بل یمکن أن یکون دیناً فی الذّمة مؤجلاً، والمرأة تملک المهر بالعقد، فإن لم یدفعه بقی فی ذمته تأخذه من ترکته إن مات مقدماً علی المیراث، کما هو الحال فی کلّ الدّیون، وإن أصبح زوجها مفلساً ضربت مع الغرماء بنسبة مهرها کأی دین آخر.(3)

والواقع أنّ المهر هو رمز لعلاقة الزّوج بالزّوجة ولیس مجرد مال یدفع فی مقابل ما تبذله المرأة من نفسها، وإنّما عطیة من الزّوج، إمّا لاجتذاب محبتها، أو لأنّ الرّجل فی العرف العامّ هو المستفید من الزّواج.

ونری أنّ الشّهید المطهری قد صوّر دلالة الآیة لثلاثة مفاهیم أساسیّة:

1. جاء التّعبیر ب - (صدقاتهن) بضم الدّال، لا المهر؛ للدلالة علی صدق علاقة الرّجل.

ص:101


1- (1) مهذب الأحکام: 145/25.
2- (2) تحریر الاحکام الشّرعیّة: 546/3.
3- (3) ما وراء الفقه: 293/6.

2. جاء التّعبیر ب - (صدقاتهن) مع ضم ضمیر (هن) للإشارة إلی أنّ المهر متعلق بالمرأة لا بالأب أو الأم، فهو لیس ثمن تنشئتها ورضاعتها وتغذیتها من قبل أبویها.

3. من خلال التّعبیر ب (نحلة) لا یکون للمهر أی عنوان سوی الهدیّة والعطیّة.(1)

والحاصل: أنّ المهر لیس ثمن للمرأة، فهی لا تقدر بثمن، بل إنسان کامل یتمتّع بحریة، وقد شرّع المهر لأجل حفظ حقوقها، والمحافظة علی مصلحتها، بدخولها فی حقل الحیاة الزّوجیّة، مع أنّ من المستحب فی الشّرع المقدّس تخفیف المؤنة علی الزّوج، وبالأخص المهر، فقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال:

«أفضل نساء أمتی أصبحهن وجهاً، وأقلّهن مهرا».(2)

هذا ما ذکر إجمالاً حول المهر، ولم نتطرق لتفاصیله المذکورة فی طیّات الکتب الفقهیّة.

الجانب المعنویّ والمشترک من حقوق الزّوجیّة

حُسن المعاشرة

وأوجب الإسلام حُسن المعاملة والمعاشرة بالمعروف بین أفراد المجتمع عامّة وأفراد الأسرة خاصّة، وبین الزّوجین بصورة مؤکّدة بنصوص من

ص:102


1- (1) الشهید المطهری، مرتضی، حقوق المرأة: 218.
2- (2) وسائل الشیعة: 251/21؛ بحار الأنوار: 237/103.

القرآن الکریم والسنّة الشّریفة.

قال تعالی مخاطباً الأزواج:(... وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسی أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ یَجْعَلَ اللّهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً) .(1)

قیل: إنّ «المعروف» کلمة تجمع کلّ جمیل فی الخَلق وجمیل فی الخُلق والسلوک، أمّا العلامة الطّباطبائی فسّر المعروف بالأمر الّذی یعرفه النّاس فی مجتمعهم، من غیر أن ینکروه ویجهلوه، وحیث قیّد به الأمر بالمعاشرة، وکان المعنی الأمر بمعاشرتهن، المعاشرة المعروفة بین هؤلاء المأمورین.

والمعاشرة الّتی یعرفها الرّجال ویتعارفونه بینهم، أنّ الواحد منهم جزء مقوّم للمجتمع یساوی سائر الأجزاء فی تکوینه المجتمع الإنسانی؛ لغرض التّعاون والتّعاضد العمومی النّوعی، فیتوجّه علی کلّ منهم من التّکلیف أن یسعی بما فی وسعه من السّعی فیما یحتاج إلیه المجتمع.(2)

وجاء فی تفسیر الشّعراوی:

أنّ المعروف أوسع دائرة من کلمة المودة، فالمودة هی أنّک تحسن لمن عندک ودادة له وترتاح نفسک لمواددته، إنّک فرح به وبوجوده، لکن المعروف قد تبذله ولو لم تکره.(3)

وبهذا فقد أمر القرآن الکریم الأزواج بالصّبر علی المعاشرة بالمعروف حتّی مع الکراهیة، فقد یکره الإنسان أمراً ویجعل الله فیه خیراً کثیراً.

ص:103


1- (1) النساء: 19.
2- (2) المیزان: 262/4.
3- (3) الشعراوی، محمد متولی، تفسیر الشعراوی: 2088/4.

ونلاحظ أیضاً أنّ النبیّ الأکرم صلی الله علیه و آله مجمع الصّفات الحسنة ومنبع الکمالات الإنسانیة، فقد مدحهُ القرآن الکریم ب -(وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ)1 لما فی هذه الخصلة من المزایا الجلیلة والحمیدة.

وعلی هذا المرتکز الأخلاقی والقاعدة الإسلامیّة المتینة یبنی الإسلام أهمّ صرح تنعم بظله الحیاة الزّوجیّة، حیث یجعل فی مقدّمة الصّفات الّتی لابدّ منها للزّوج، هی الأخلاق الفاضلة والمعاشرة الحسنة، فقد جاء فی الأحادیث الشّریفة

«إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه».(1)

وإنّ هذا التّشریک فی العطف بین الدّین وطیب الخلق؛ لیبیّن لنا مدی اهتمام الشّارع المقدّس بالأخلاق، وأنّ الزّوج لابدّ أن یکون مثال الخلق الرفیع؛ لیتمکن من إدارة البیت، ومن ورائه الأسرة بکلّ مفاهیمها.

فالأسرة کما یقومها الغذاء الجسمی یقدّمه الزّوج کنفقة واجبة، کذلک یقومها الغذاء الرّوحی، والّذی یتجسّد فی المرحلة الأولی بما یبدیه الزّوج من خُلق کریم.(2)

أمّا المعاشرة بالمعروف الّذی صرّح به القرآن، قد شرحتها السنّة فی الرّوایات تارة بالکسوة والطعام، وتارة بالغفران.

فقد روی عن إسحاق بن عمار: قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام:

«ما حقّ المرأة علی زوجها الّذی إذا فعله کان محسناً؟ قال:

ص:104


1- (2) وسائل الشیعة: 51/14.
2- (3) الزّواج فی القرآن والسنة: 234.

یشبعها ویکسوها، وإن جهلت غفر لها».(1)

وعن شهاب بن عبد ربّه: قلت لأبی عبدالله علیه السلام:

«ما حقّ المرأة علی زوجها؟ قال: یسد جوعتها ویستر عورتها ولا یقبح لها وجهاً، فإذا فعل ذلک فقد والله أدّی حقّها».(2)

وعن یونس بن عمار، قال:

«زوّجنی أبو عبدالله علیه السلام جاریة کانت لإسماعیل ابنه، فقال: أحسن إلیها، فقال: وما الإحسان إلیها؟ فقال: أشبع بطنها وأکس جثتها وأغفر ذنبها».(3)

ومثل هذه الرّوایات کثیرة فی کتب الأحادیث، وهذا یعنی أنّ الرّوایات قد بیّنت وجهین للمعاشرة، أحدهما: الوجه المادّی، وهو النفقة بالمعنی العام، وثانیهما: الوجه المعنویّ والأخلاقیّ.

وقد تعرّض الفقهاء للوجه المادی وأفاضوا فی شرحه دون الوجه المعنوی، وهو التّصرف مع الزّوجة علی نحو تتوفر فی الکرامة الإنسانیة والمودة العاطفیة. وقد لاحظ الشّارع هذا النّحو من التّصرف، وعبّر عنه فی السنّة ب - (الغفران) من قبل الزّوج للزّوجة.

وقد ورد هذا المفهوم فی السنّة باعتباره من حقوق الزّوجة علی الزّوج، تارة بصیغة «وإن جهلت غفر لها» وأخری «إذا أذنبت غفر لها» والظّاهر إنّ الجهل أو الذّنب الّذی أمر الزّوج بغفرانه، هو ما یکون من الإنسان فی بعض الأحیان فی تعامله مع غیره، من أخطاء فی القول أو الفعل وسوء الخلق و...

ص:105


1- (1) وسائل الشّیعة: 121/14؛ مرآة العقول: 323/20.
2- (2) مرآة العقول: 325/20.
3- (3) المصدر السابق.

من دون أن یکون قد صدر من الغیر ما یقتضی ذلک أو یبرّره، بل یکون سببه ما یعتری الإنسان من حالات نفسیة أو مزاجیة.

ولعلّ نصّ الشّارع علی استحقاق الزّوجة للغفران، وإغفال النّص علی استحقاق الزّوج لذلک علی الزّوجة، هو من جهة أنّ مرکز الزّوجة فی الأسرة بالنسبة إلی الزّوج أضعف من مرکز الزّوج بالنسبة إلیها، فهی - لذلک - أکثر عرضة لعدوان الزّوج، والزّوج مهیأ لأن یکون أکثر منها غفلة عن مراعاة جانب الأنصاف والعدالة معها وعدم المبالات بما لها علیه من الحقوق، فاقتضی ذلک من الشّارع النصّ علیه بالخصوص فی حقّها علیه بالغفران.

وهذا بخلاف حال الزّوج فأنّ مرکزه القوی فی الأسرة یجعل الزّوجة أکثر وعیاً لحقوقه علیها فی التّوقیر وأکثر مراعاة لمقامه، وتجنباً من التّهاون فی المعاملة معه.(1)

ص:106


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 158/4.

المبحث الثّانی:کیف یتحقق نشوز الزّوج

وبعد ما بینت الشّریعة الحقوق الزّوجیّة، أخذت بعین الاعتبار الجوانب السّلبیة، الّتی قد تحدث عند أحد الزّوجین، حیث یتخلف عن تأدیة ما یلزم تحقیقه إزاء صاحبه. وقد ظهر ممّا ذکرنا أنّ النّشوز صفة تنطبق علی کلّ واحد من الزّوجین إذا لم یلتزم بحقوق الآخر علیه، مع التزام الآخر بحقوق النّاشز.

فکما یتحقق النّشوز من الزّوجة إذا لم تلتزم بحقوق الزّوج علیها مع التزامه بحقوقها، کذلک یتحقّق من الزّوج إذا لم یلتزم بحقوق زوجته علیه مع التزامها بحقوقه علیها.(1)

وهذا هو الموافق للاستعمال القرآنی، قال الله تعالی:(وَ إِنِ امْرَأَةٌ

ص:107


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 18/4.

خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَیْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً) .(1)

أی: وإن توقعت من بعلها نشوزاً وترفعاً علیها بما لاح لها من مخایل ذلک وأماراته، بأن منعها نفسه ونفقته والمودة والرّحمة الّتی تکون بین الرّجل والمرأة، أو آذاها بسبِّ أو ضرب أو نحو ذلک، أو إعراضاً عنها بأن قلّل فی محادثتها ومؤانستها لبعض أسباب من طعن فی سن أو دمامة أو شیء فی الأخلاق، أو الخلق أو ملال لها، أو طموح إلی غیرها.(2)

والخوف لا یحصل إلّا بظهور الإمارات الّتی تدل علی وقوع الخوف، وقیل: معنی خافت عملت، وقیل: ظنت.(3)

قد تلمح المرأة فی حیاتها مع الزّوج تغیّراً فی معاملتها وتمرداً علی حقوقها وإعراضاً عنها بوجهه، وربّما کان ذلک نتیجة کِبَر أو میل إلی زوجة أخری أو غیر ذلک من الأسباب، ومن الطبیعی إنّ الإسلام لم یرخص للرّجل فی ذلک، فقد أراد الله له أن یعاشر زوجته بالمعروف، ولکنه فی الوقت نفسه رخّص له فی الطّلاق عندما تموت العاطفة فی الرّوح، ویتبدّل الجوّ الطّیب إلی حالة من النّفور، وقد لا تحب الزّوجة أن تفارق زوجها بسبب بعض المؤثرات الذّاتیّة، فلها أن تدخل معه بالمفاوضات الّتی تنتهی إلی الصّلح.(4)

ص:108


1- (1) النساء: 128.
2- (2) المراغی، أحمد مصطفی، تفسیر المراغی: 222/2.
3- (3) الأندلسی، أبو حیان، البحر المحیط: 86/4.
4- (4) من وحی القرآن: 488/7.

هذا، وأمّا المراد من النّشوز موضع البحث هنا، یختلف فی معناه عن النّشوز الوارد فی الآیة المبارکة، فنشوز الرّجل فی نص القرآن الکریم یختلف عن نشوز المرأة فی هذا النّص، حیث إنّ نشوز المرأة إخلال بالتّکلیف الشّرعی، ونشوز الرّجل فی النّص القرآنی لیس إخلالاً بالتّکلیف الشّرعی، بل تعبیر عن خلل فی العلاقة العاطفیّة، واختلاف المیل والمزاج ما یؤدی إلی الکراهیّة والطّلاق.

فإذا لم تمانع المرأة فی ذلک، أو مانعت ولم یستجب الزّوج لممانعتها، فإنّ الطّلاق یقع من الزّوج، ویکون للمرأة المطلّقة حقوقها الّتی أجملتها الآیات فی المقام، وإذا مانعت واستجاب الزّوج لممانعتها، فإنّها تفتدی نفسها من الطّلاق، وتستمر فی علاقتها الزّوجیّة بالتّنازل عن بعض حقوقها، کما أجملت الآیة وفصّلت السنّة فی ذلک.

لکن ما نحن بصدّده هنا، هو نشوز الزّوج عن جادة الشّرع بالنّسبة إلی ما علیه من حقوق للزّوجة، بحیث یخرج فی سلوکه معها عن المعروف بما یستبطنه من معانی السّکن واللباس، فیکون ظالماً لها، ویدخل إمساکه لها وعیشه معها، فی باب العضل والضّرار والاعتداء.(1)

أمّا مخالفة الزّوج لبعض التّکالیف الشّرعیة الّتی لم تنشأ من عقد الزّوجیّة، بل هی ثابتة علیه فی أصل الشّرع؛ باعتباره مکلّفاً لا باعتباره زوجاً، فإنّه یکون موضوعاً للمؤاخذة الشّرعیّة بهذا الاعتبار، لا باعتباره

ص:109


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 145/4.

زوجاً ناشزاً، وإذا کانت لهذه المخالفة آثار وضعیّة فإنّها تثبت علیه بما هو مکلّف لا بما هو زوج، فلا یکون ناشزاً بمخالفة هذه التّکالیف إلّا إذا أدّی ارتکابها إلی الإخلال بالمعیار الشّرعی فی علاقة الزّوجین، وهو المعاشرة بالمعروف.

وکما قلنا إنّ الحقوق الواجبة الّتی قرّرتها الشّریعة للزّوجة اتّجاه زوجها، هی عبارة عن النّفقة والمهر وحُسن المعاشرة، ولکنّ المستفاد من کلمات الفقهاء أنّ حقوق الزّوجة الثّابتة لها بمقتضی عقد الزّوجیّة - حیث یصبح الزّوج ناشزاً عند مخالفتها - علی نحو الأجمال ینحصر فی حقّین:

أحدهما: حقّ العلاقة الجنسیّة بالمعنی الواسع، الّذی یشمل المضاجعة.

ثانیهما: حقوق العیش المشترک بالمعنی العامّ، الذی یشمل الجانب المادیّ والمعنویّ.

أمّا الأوّل، فالمراد منه المبیت عندها فی المکان الّذی تنام فیه لیلة من کلّ أربع لیالٍ، وهذا الحقّ ثابت للزّوجة فی حالة التعدّد، فلو کان عنده زوجتان وجب علی الزّوج القسّمة بینهما، بأن یبیت عند کلّ واحدة منهما لیلة من أربع، وله أن ینفرد بنفسه فی لیلتین من أربع، وله أن یقسّمها بین الزّوجتین، وله أن یختص بهما إحداهما، وقس علی هذا لو کانت لدیه ثلاث أو أربع نسوة.

وأمّا فی حالة وحدة الزّوجة فلیس فی روایات المسألة ما یدّل علی وجوب القسّمة لها، بأن یبیت عندها لیلة من أربع، فإنّ الرّوایات بأجمعها

ص:110

واردة فی صورة التّعدد؛ ولذا فإنّ مقتضی الأصل الأوّلی، القاضی بولایة الرّجل علی نفسه فی هذا الشّأن، عدم وجوب القسّمة للزّوجة الواحدة بالمبیت عندها لیلة من أربع لیال، فله أن یستقل فی مکان مبیته عنها ما لم یصدق علیه عنوان الهجر والمضارة، بحیث تکون معاملته لها فی هذا الشّأن بغیر المعروف.

ومن هنا فقد ذهب بعض الفقهاء إلی عدم وجوب ذلک علیه فی حالة وحدة الزّوجة، ولکنّ المشهور بین الفقهاء، هو القول بوجوب القسّمة علیه للزّوجة الواحدة بالمبیت عندها لیلة من أربع لیال.(1)

وجاء فی تفسیر الأمثل أنّ حکماً مثل تقسیم أیام الأسبوع بین الزّوجات، له طابع الحقّ أکثر من طابع الحکم؛ ولذلک فبإمکان المرأة التّخلی عن هذا الحقّ بشکل تام إذا شاءت أو بصورة جزئیّة.(2)

ثمّ إنّه لم یرد فی نصوص السنّة بیان لخصوصیات المبیت، وأنّه یکفی الاشتراک فی المکان تحت سقف واحد ووراء باب واحد، أو أنّه لابدّ مع ذلک من المجاورة فی مکان النّوم، أو أنّه لابدّ من الاشتراک فی فراش واحد وغطاء واحد، فلیس للرّوایات تحدید للمبیت من أیّة جهة من هذه الجهات.(3)

فالإهمال بشأن هذا الحقّ ینتج النّشوز وإنّ بإمکان الزّوجة مطالبته من الزّوج؛ لأنّه حقّ ثابت لها، لکن من المسلّم به أنّ حقّ المضاجعة لا یتضمن

ص:111


1- (1) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 147/4.
2- (2) الأمثل: 418/3.
3- (3) مسائل حرجة فی فقه المرأة: 3 و 153/4.

حقّ الوطئ الثّابت مرّة واحدة کلّ أربعة أشهر، المتفق علیه لدی الفقهاء، بل هو المبیت فقط فللزّوج أن یکتفی بالمبیت فقط، وله أن یجامع زوجته.(1)

وکما أن القصور فی هذا الحقّ یوجب نشوز الزّوج، کذلک فی الحقّ الثّانی الشّامل للنفقة وحُسن المعاشرة.

أمّا بالنّسبة للنفقة، فالمشهور أنّ الزّوجة تملک علی الزّوج نفقة کلّ یوم، ممّا یصرف عینه، فلها أن تطالبه بها، فلو منعها مع التّمکین وانقضی الیوم، استقرت فی ذمته وصار دیناً علیه؛(2) لأنّ النّفقة فی قبال ما فرض الله علی الزّوجة من الإطاعة الکاملة لزوجها.

وأمّا حُسن المعاشرة، فینبغی فیه طلاقة الوجه والإحسان إلی الزّوجة، فعن الإمام الصّادق علیه السلام:

«رحم الله عبداً أحسن فیما بینه وبین زوجته، فإنّ الله عزّ وجلّ قد ملّکه ناصیتها وجعله القیّم علیها».(3)

وعن الإمام علی علیه السلام:

«فداروهن علی کلّ حال، وأحسنوا لهن المقال؛ لعلهن یحسن الفعال».(4)

وأیضاً یتحقّق النّشوز فیما لو تعدّی الزّوج علی زوجته بالضّرب والإیذاء

ص:112


1- (1) الشّهید الثانی، زین الدین بن علی، الرّوضة البهیّة: 472/2.
2- (2) النجفی، السید محمد، الأحوال الشّخصیّة: 216.
3- (3) وسائل الشیعة: 170/20؛ الصّدوق، محمدبن علی، من لا یحضره الفقیه: 320/3.
4- (4) من لا یحضره الفقیه: 413/3.

والتّخویف والإرعاب، وحتّی بما تخاف منه علی حیاتها، فإنّ الفقهاء فی مثل هذه الحالات یخولون الزّوجة فی أن تتقدّم بطلب إلی الحاکم الشّرعی بما یؤمن لها حیاتها ویجنبها ما یؤذیها.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

«... ألا أخبرکم بشرّ رجالکم، فقلنا: بلی، فقال: إن من شرّ رجالکم البهات، البخیل الفاحش الآکل وحده، المانع رفده، الضّارب أهله وعبده، الملجئ عیاله إلی غیره، العاق بوالدیه».(1)

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله:

«أیضرب أحدکم المرأة ثمّ یظل معانقها»،(2) وغیرها من الرّوایات.

کما أنّه یتحقّق لو لم یتعدَّ نشوز الزّوج إلی هذه المراحل، بل اقتصر علی الضّجر منها، وإظهار النّفور، وما یشبه ذلک، ما یشعرها بکراهیته لها، أو العزم علی فک عری الزّوجیّة بطلاقها.(3)

فهذه جملة من الأمور المؤدیّة لنشوز الزّوج، وسوف نبیّن فیما بعد ما هی الأحکام المقرّرة من قبل الشّریعة عند الإخلال بها.

ص:113


1- (1) وسائل الشّیعة: 18/14.
2- (2) المصدر السّابق: 119.
3- (3) الزّواج فی القرآن والسنة: 243.

ص:114

المبحث الثّالث:آثار نشوز الزّوج علی العائلة

اشارة

یؤثر تصدّع الأسرة بالنّشوز کان، أم بغیره، علی حیاة أفراد العائلة، سواء علی الزّوجین أم الأطفال؛ لأنّهم وفی الحال هذا یجتازون تجربة ألیمة، نتیجة وجودهم داخل أسرة مفککة باطناً؛ فیعیش القلق کلّ من الزّوجین بالوهلة الأولی صورة أزمة نفسیّة، یجدون أنفسهم مضطرین إلی مواجهة المشاکل.

هذا إلی جانب مشاعر الحقد والکره والضغینة، الّتی یحملها کلّ منهما للآخر؛ لاعتقاده بأنّه السبب فی ذبذبة حیاته وتحطیم آماله، وما ینشده من استقرار عائلی، ویتولد عن ذلک الشّعور بعدم الأمن والثّقة فی الطّرف المقابل.

وتشتد هذه الصّورة خاصّة عند الزّوجة؛ باعتبارها العنصر الضّعیف فی العلاقة الزّوجیّة، وهی المتضررة الأکثر فی هذا المجال، وبالذات

ص:115

عندما یقهرها الزّوج، ولا یراعی حقوقها، ولا یضعها فی المکانة الّتی تلیق بها، ویستخدم معها أسالیب المعاملة السّیئة المختلفة، الّتی تسبب فی أحداث إیذاء أو ألم جسدی أو جنسی أو نفسی، أو الحرمان التّعسفی من الحریة، سواء حدث فی إطار الحیاة العامّة أو الخاصّة.(1)

فلم تترک هذه الأمور طابعها السّلبی علی المرأة فقط، بل علی الأطفال والمجتمع أیضاً، وهذه الأمور هی الّتی عبّر عنها علماء النّفس اصطلاحاً بالعنف، وهو کلّ سلوک أو فعل یتّسم بالعدوانیّة، ویصدر عن طرف بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر فی علاقة غیر متکافئة، ممّا یتسبب عنه إحداث أضرار مادّیة أو معنویّة أو نفسیّة، وضد المرأة بشکل خاصّ، هو استخدام للقوة والسّیطرة علی المرأة.(2)

وقد تأخذ أقل صورة لها، کالاستخفاف والسّخریّة من آراء الزّوجة أمام الآخرین، ثمّ تتزاید إلی أن تصل للسّب وخدش الحیاء، أو منعها من الخروج من المنزل، أو للعمل أو للسفر، أو التّضییق علیها مادیّاً، أو ترکها بلا نفقة، الأمر الّذی قرّره الشّارع ضماناً لها مقابل ارتباطها بزوجها؛ لتأمین مستلزمات حیاتها مادامت ملتزمة بحقوقها.

وقد یصل حد العنف لارتکاب جرائم معاقب علیها، مثل ضربها ومعاملتها بقوة، وما إلی ذلک.

ص:116


1- (1) د. ثریا بن سعد، آثار الطّلاق بین الشّریعة والقانون: 124.
2- (2) دکتورة عبلة عبدالعزیز، العنف ضد المرأة: 13.

فمن خلال ما نراه الآن من وقائع وأحداث، نجد أنّ عدم التّناغم بین أفراد الأسرة أصبح السّمة السّائدة بین العوائل، فنسبة کبیرة من الأسر تعانی من القهر المادّی والمعنویّ، وقد أثار بعض الباحثین إنّ الأسرة هی مکان محتمل لحدوث العنف، حیث إنّ الأزواج والزّوجات یتعرّضون لکثیر من الاحباطات؛ نتیجة الأعباء الاقتصادیّة، والمشاکل الزّوجیّة، وعبء تربیة الأطفال.

وقد تعدّ المرأة ذاتها أحد العوامل الرّئیسیّة لممارسة العنف ضدها؛ وذلک لتقبلها ذلک، أو السّکوت عن ممارسة حقّها فی الشّکوی بسبب الخوف الشّدید من الرّجل، أو المجتمع، ممّا یدفعها للاستسلام لقدر بسیط من العنف تتزاید حدته فیما بعد، فقد تتقبل المهانة والسّخریّة من أجل تجنب عنف جسدیّ أشدّ.

کما أنّ الشّکوی من المرأة ضد زوجها تعدّ من المحظورات الاجتماعیّة، فقد توصم بالعار طیلة حیاتها؛ نتیجة لاستخدامها هذا الحقّ؛ لذا نری غالب النّساء تحت الضّغوط الاجتماعیّة تفضّل العودة للحیاة الّتی تعیشها متحلّیة بالصّبر علی أذی زوجها، غیر أنّ الأعراض النّاجمة عن هذا الأمر تزداد سوءاً یوماً بعد یوم.(1)

ونحن هنا من خلال هذا البحث سوف نشیر إلی أهمّ الآثار السّلبیة والأضرار النّاتجة عن نشوز الزّوج بالنّسبة إلی المرأة والأطفال والمجتمع.

ص:117


1- (1) العنف ضد المرأة: 35.

1. الأضرار المتوجّهة للمرأة

وقد أثبتت الدّراسات الّتی أجریت فی هذا الصدّد أنّ المرأة الّتی تتعرّض للعنف، تعانی من أمراض نفسیّة، کالقلق والاکتئاب ودوام الإحساس بالتّعب والأرق، کما یؤدی سوء معاملة الزّوج إلی انخفاض الإحساس بتقدیر الذّات وفقد الثقة بالنفس والیأس والإحباط، وقد تصل المرأة إلی محاولة الانتحار.

ولا یقتصر آثار العنف علی الجانب النفسیّ فقط، بل تمتد أیضاً لیشمل أعراضاً بدنیّة مرضیّة.

وقد تصاب المرأة بعاهة مستدیمة، تجعلها بدلاً من کونها أداة بناء للمجتمع والأسرة عاجزة تحتاج إلی من یعولها.

فتفتقد الأسرة والمجتمع العنصر الفعّال والغالب فی التّربیة والتّنشئة، وقد تلجاً الزّوجة إلی العنف المضاد ضد الزّوج نفسه، وبالتالی تتحول الأسرة من سکن ومودة ورحمة إلی حلبة صراع ترتکب داخلها کافة أنواع الصّراعات والجرائم الشّاذة، وقد تلجأ الزّوجة إلی الانحراف کردّ فعل داخلیّ للانتقام من العنف، أو قد ترکن إلی علاقة عاطفیّة غیر مشروعة مع من یتعامل معها برفق.(1)

فهذه جملة من الأضرار المتوجّهة للمرأة عند نشوز الزوج إلیها.

2. الأضرار المتوجّهة للأطفال

وتعتبر الأسرة أهمّ المؤسسات التّربویّة؛ لأنّ تأثیرها أقوی أثراً وأشدّ عمقاً وأصعب زوالاً من غیرها من المؤسسات، فیها یجد الطّفل من یصحّح

ص:118


1- (1) العنف ضد المرأة: 47.

أخطاءه ویقوّمه؛ لأنّ سلوک الإنسان سلوک مکتسب من البیئة المحیطة به أساساً، فلا یمکن لأطفال یعیشون داخل أسر تحدث فیها عملیات العنف، أن یکونوا أسویاء بالشّکل المطلوب لضمان استقرار المجتمع، فالأطفال یصابون بأمراض نفسیّة خطیرة حتّی لو لم یتعرّضوا للعنف مباشرة؛ لأنّ مشاهدة الطّفل لعملیة ضرب الأب للأم لها آثار خطیرة، حیث تشکّل الأم صدراً حانیاً للطفل فیشاهدها تتعرّض للضّرب والأذی أمامه، وهو بدوره غیر قادر علی الدّفاع عنها، وأنّ من یضربها لیس بغریب عنه، بل هو والده، وهو شخص عزیز علیه أیضاً، ویمثل له القدوة.

فقد أثبت علم النّفس إنّ الطّفل یتعرّض للأذی الجسدیّ غیر المباشر عند مشاهدته لواقعة العنف من الأب ضد الأم، مثل الحرمان من النّوم وفقدان التّرکیز والتّبوّل اللیلی اللاإرادی، واختلال فی الأکل والشّعور بالقلق وعدم الثقة بالنفس والغضب والخوف وعدم احترام الذات.

فینشأ الطفل ومعه مترسبات الماضی والعقد النّفسیّة، فیشب مصاباً بالاحباط والاکتئاب وفقدان الاتصال بالأسرة أو الأصدقاء، وبالتّالی المجتمع.

وأخیراً؛ فإنّ الطّفل قد یقلد أباه فی کافة تصرفاته، حیث کان یمثّل له القدوة، فیصبح الطّفل عنیفاً بدوره، سواء فی ألعابه أو معاملاته مع الغیر، أو مع الرّجال، کردّ فعل نفسیّ، حیث یکره الرّجال جمیعاً فی صورة الأب الّذی کان یقسو علی مصدر حبّه وحنانه، أو یقوم بأفعال

ص:119

العنف ضد المرأة بفضل التقلید والمحاکاة، وبالتّالی تنشأ أجیال أخری عنیفة لدیها سلوکیات ممزقة ذات شخصیات متقلبة.(1)

3. الأضرار المتوجّهة للمجتمع

لا یمکن إنکار الواقع بأنّ المرأة نصف المجتمع، وهی الأم والأخت والزّوجة والأبنة، وبالتّالی فهی جزء رئیسیّ فی هذا المجتمع لا یمکن تجاهله، ولا یمکن تصوّر مجتمع فاقد المرأة، فاستمرار بقاء المرأة مهانة یعوّق المجتمع من التّقدّم والتّطوّر، حیث فاقد الشّیء لا یعطیه.

فإذا کانت النّساء مهزوزات غیر قادرات علی اتخاذ القرارات، فکیف بالأجیال القادمة، فهی حتماً ستکون بنفس المستوی، ممّا ینذر بانهیار المجتمع وعدم وجود قوی خلّاقة؛ لأنّ المجتمع القوی المتماسک یبدأ من بناء أسرة صحیحة نفسیّاً وعملیّاً وعلمیّاً(2) وعلی قول الشاعر:

وإذا النّس - اء نش - أن فی أمّیة رضع الرّجال جهالة وخمولاً

ص:120


1- (1) العنف ضد المرأة: 49.
2- (2) المصدر السّابق: 50.

المبحث الرّابع:أحکام نشوز الزّوج

اشارة

یحرص الإسلام دائماً علی تجنب الزّوجین المشاکل والخلافات، ویقدّم أنفع الحلول والطّرق المؤدیّة لرفع التّخاصم علی ضوء الحکمة والصّبر والتّسامح، لکن بما أنّ الزّوجان لیسا دمیة بلا إحساس، ولا مخلوقان بلا عواطف، بل إنسانان تحکمهما الأمزجة، وهی قد تختلف وتتحکم فیها الطّباع، فقد تتنافر القلوب وتبتعد، فحینها تصاب الحیاة الزّوجیّة بما لا یستطاع معه العشرة، وتصبح جحیماً بعد أن کان سکناً وراحة؛ وذلک لأسباب کثیرة.

فتنهض من تلک الأسباب، عوامل الفشل والأعراض والفرقة، وهنا نجد الإسلام یقیّم کلّ ما یمکن إقامته من هدی علی طریق الزّوجین، ومن تلک الحالات فیما لو نشز الرّجل وقد أخل بواجباته المقرّرة له

ص:121

اتّجاه زوجته، فما هو الموقف الّذی یمکن أن تتخذه الزّوجة عند سوء معاملة زوجها لها، أو عند الإکراه بل وحتّی فی حالة عدم الإنفاق؟

لاشک إنّ الشّریعة قد وضعت الحلول اللازمة فی هذا المجال، کما قد وضعتها لنشوز الزّوجة، ففی هذا المبحث سوف نشیر إلی تلک الحلول المطروحة عند قصور الزّوج بواجباته، والّتی قسّمناها إلی قسمین:

1. فی حالة عدم الانفاق وسوء المعاملة (الاخلال بالحقوق الواجبة)

2. فی حالة إکراه الزّوجة والضّجر منها (الاخلال بالحقوق غیر الواجبة)

1. فی حالة عدم الإنفاق وسوء المعاملة

إذا امتنع الزّوج عن الإنفاق علی زوجته، أو ساء المعاملة معها، سواء بالسبّ أو الضّرب، وغیر ذلک، فللزوجة فی هذا الحال أن ترفع أمرها إلی الحاکم الشّرعی، شاکیة زوجها فی عدم الانفاق علیها من قِبله أو ولیه، ویقوم الحاکم الشّرعی بتبلیغ الزّوج بشکوی زوجته، وتکون هذه الدّعوی کبقیّة الدّعاوی الّتی تُعرض علی الحاکم.

وعند حضور الزّوج وعجزه عن إبطال دعوی زوجته، یخیّر الحاکم الزّوجة بین البقاء علی هذه الحالة مع الزّوج، أو اتّخاذ الإجراءات فی حقّه.

وتتلخص إجراءات الحاکم فی صورة إصرار الزّوج علی عدم الانفاق وعدم وجود مبرر شرعیّ له فی ذلک، فی تأدیبه بما یراه مناسباً فی مثل هذه الحالة.(1)

ص:122


1- (1) الزّواج فی القرآن والسنة: 244.

فقد نصّت المادة رقم 91 لسنة 2000 للمحکمة العربیة:

إذا امتنع المحکوم علیه من تنفیذ الحکم الصّادر فی النّفقات، أو أجر الحضانة أو الرضاعة أو المسکن، یرفع ذلک إلی المحکمة الجزائیة الّتی صدّرت الحکم، أو الّتی بدائرتها محل التّنفیذ، ومتّی ثبت لدیها أن المحکوم علیه قادر علی القیام بما حکم به وأمرته ولم یمتثل، حکمت بحبسه، ولا یجوز أن تزید مدّة الحبس عن ثلاثین یوماً.(1)

وعند عدم الجدوی، یتصدّی لبیع ما یوازی مقدار النّفقة من أمواله، وعند عدم الإمکان، أو عدم وجود ما یباع عند الزّوج، فللزّوجة فی مثل هذه الحالة من التّقدّم إلی الحاکم لیطلقها جبراً علیه إن أبی الزوج أن یخلی سبیلها بالطلاق.(2)

ومؤید لما ذُکِرَ کلام الفقهاء المجمع علیه عند تعدّی الزّوج علی زوجته بمنع بعض حقوقها الواجبة علیه، من نفقة أو قسمة وغیر ذلک، فلا ریب أنّ لها مطالبته بما أخل به من الحقوق بنفسها؛ وذلک کما قال السیّد السّبزواری:

لقاعدة

«إنّ لکلّ ذی حقّ مطالبة حقّه ممّن یعطله ویضیّعه» الموافقة للعقل والنّقل، وعن نبینا الأعظم صلی الله علیه و آله

«لصاحب الحقّ الید واللسان».

فإن نجع فیه وعظها وإلّا رفعت أمرها إلی الحاکم.(3)

ص:123


1- (1) المستشار حسن حسانین، أحکام الأسرة فی الإسلام: 440.
2- (2) الزّواج فی القرآن والسنة: 244.
3- (3) مهذب الأحکام: 224/25.

ومثله ما لو تعدّی علیها بإساءة خلق أو أذیة وضرب بغیر سبب مبیح له ذلک، لکن لیس لها هجره ولا ضربه للأصل وظهور الاجماع واشتمال الآیة المبارکة علی ضرب الزّوج للزوّجة عند نشوزها دون العکس،(1) وإن رُجی بهما عوده إلی الحقّ؛ لأنّهما متوقفان علی الأذن الشّرعی، وفی الآیتین (34 و 128 من سورة النّساء) ما ینبّه علی تفویض ذلک إلیه لا إلیها، وهو اللائق بمقامه.

ثمّ الحاکم إن عرف الحال بإطلاع أو إقرار الزّوج أو بشهود مطّلعین علی حالهما، وإلّا نصّب علیهما ثقة فی جوارهما، أو غیره یخبرهما ویحکم بما یتبیّن، فإن ثبت تعدّی الزّوج نهاه عن فعل ما یحرم، وأمره بفعل ما یجب، فإن عاد إلیه عزّره بما یراه، ولو امتنع من الإنفاق مع قدرته جاز للحاکم أن ینفق علیه من ماله، ولو ببیع شیء من عقاره إذا توقف علیه.

هذا ما ذکره الشّهید الثّانی(2) ومثله فی الجواهر(3) وغیر ذلک من الکتب الفقهیّة ولم أرَ مخالف إلّا ما طرحه السیّد الشّیرازی فی کتابه (الفقه) وما جاء فی تفسیر الفرقان.

قال السیّد الشّیرازی: الظّاهر حقّ المرأة فی کلّ ذلک - یعنی النّشوز - أیضاً کحقّ الرّجل من الوعظ والهجر والضّرب لقوله سبحانه (... وَ لَهُنَّ

ص:124


1- (1) المصدر السّابق: 224/25.
2- (2) مسالک الأفهام: 362/8.
3- (3) جواهر الکلام: 207/31.

مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...)1 ولا ینافی ذلک قوله سبحانه (... وَ لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ...)2 إذ الدّرجة إنّما هو فیما فضّل الله بعضهم علی بعض، وفیما انفقوا من أموالهم، کما صرّح به فی الآیة الکریمة، وفی الطّلاق وما أشبه ممّا صرّح به فی النّص والفتوی.

وقوله سبحانه (بالمعروف) لا ینافی ذلک أیضاً؛ لأنّ إرجاع الزّوج إلی الطّاعة لله سبحانه وتعالی فی إعطاء المرأة حقّها معروف.

ولقوله سبحانه (... هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ...)3 ممّا یدلّ علی التّساوی إلّا فیما خرج، ولیس فی نصّ أو إجماع، أنّه ممّا خرج؛ ولأنّه من الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، فیشمله إطلاق الأدلّة، ولم یقل أحد فی بابهما بخروج الزّوج بالنّسبة إلی الزّوجة عن ذلک. ولجملة من الرّوایات الدّالة علی تساوی الرّجل والمرأة فی الحقوق والواجبات إلّا ما خرج، مثل ما رواه الصّدوق فی عقاب الأعمال عن النبیّ صلی الله علیه و آله:

«قال: من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها، حتّی تعتبه وترضیه وإن صامت الدّهر وقامت، واعتقت الرّقاب، وانفقت الأموال فی سبیل الله، وکانت أوّل من ترد النّار، ثمّ قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: وعلی الرّجل مثل ذلک الوزر والعذاب إذا کان لها مؤذیاً، إلی غیر ذلک».

ولا ینافی ذلک عدم ذکره فی الآیة بالنّسبة إلی الرّجل مع أنّه ذُکر بالنّسبة

ص:125

إلی المرأة؛ لتعارف الثّانی دون الأوّل، ویؤیده أنّه لم یذکر الوعظ أیضاً فیما إذا نشز، وهل یقال: إنّه لیس لها وعظه إذا نشز، ولیس ذلک إلّا لعدم التّعارف، ولخوف المرأة من الطّلاق إن فعلت أمثال هذه الأمور.

ثمّ الظّاهر أنّ للزّوجة إجبار الزّوج بأخذ حقّها منه، مثل غلق الباب علیه فی لیلة حقّها لیبیت عندها، ومثل تخویفها إن لم یؤدّ حقّها و... وعلیه فهی مخیّرة بین الرّجوع إلی الحاکم وبین أخذ هذه الحقوق علی ما ذکرناه، کما أنّه مخیّر بین الرّجوع إلی الحاکم وبین الهجر وما أشبه، بل والظّاهر أنّ لها المنع عن بعض حقّه فی قبال المنع عن حقّها؛ إذ یظهر من الآیة والرّوایة من التّقابل بین الحقّین، أنّهما کذلک، کمنع نفسها فی قبال منع الزّوج إعطائها مهرها، إلی غیر ذلک.

وأمّا ما یتوهّم من استفادة اشتراط وجوبه علیها بعدم نشوز الزّوج من النّصوص المتکفلة لبیان حقّ کلّ منهما علی الآخر، حیث یستفاد منها مقابلة حقوق کلّ منهما بحقوق الآخر، ففیه منع استفادة ذلک منها علی نحو یجوز لکلّ منهما الإمتناع عن القیام بحقّ الآخر عند امتناع الآخر عن القیام بحقّه؛ ولذا لم یقل أحد فیما إذا ظهر من الزّوج النّشوز بمنع حقوقها الواجبة من نفقة وقسم ونحوها، بجواز امتناعها عن القیام بحقّه، بل قالوا: لیس لها هجره، بل لها المطالبة بحقوقها، وإلّا رفعت أمرها إلی الحاکم. انتهی.(1)

ص:126


1- (1) الفقه: 381/67.

هذا تمام ما أفاده الشّیرازی فی المقام، إلّا أنّه أتمّه بهذه العبارة:

«ما ذکرناه هو مقتضی الصّناعة، وإلا فللفتوی مقام آخر، والله العالم» ما یشعر بأنّ فتواه مؤیّدة لکلام المشهور.

وأیدّه صاحب تفسیر الفرقان، حیث قال:

ومن إصلاحها - کإصلاحه - أن تعظه وتهجره فی المضاجع، أو أن تضربه إن استطاعت أمراً بالمعروف ونهیاً عن المنکر، ولکنها لموضع ضعفها وعدم إمکانیتها لمثلث الإصلاح لم تؤمر به صراحاً، بل أجمل عن إصلاحها إیاه، فادمج فی إصلاحه (... أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً...) أمراً لهما أن یتعاونا فی ذلک الإصلاح دون إفساد، ولا تفارق والصّلح خیر ممّا سواه.(1)

والواقع إنّا لو نظرنا لقوله تعالی:(وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَیْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً)2 نجد أنّها لم تطبق الإجراءات الّتی رسمتها فی نشوز الزّوجة بالنّسبة إلی الزّوج، لو ظهرت بوادر النّشوز منها، وأهمّها الهجران والضّرب؛ إذ لیس من الهیّن جعل هاتین الوسیلتین بیَد المرأة لتأدیب الزّوج؛ ذلک لأنّ الزّوج مهما تمادی فی أخلاقه فهو ربّ الأسرة وکفیلها، وأیّ قیمة تبقی له فی بیت یشاهد أفراده، الزّوجة تضربه وتنزل به أنواع الإهانات.

ولماذا نذهب بعیداً، فالزوجة نفسها لا تری فی نفسها أیّ تقدیر

ص:127


1- (1) الصادقی، محمد، الفرقان فی تفسیر القرآن: 5 و 365/6.

لمثل هذا الزّوج، الّذی تطاولت علیه، وحینئذ فأین تکون القوامیّة المفروضة علی المرأة، والبیت الّذی یضم المجموعة من الأم وملحقاتها.(1)

2. فی حالة إکراه الزّوجة والضّجر منها

وفی حالة خوف الزّوجة من بعلها نشوزاً، أی: تجافیاً عنها وترفعاً عن مصاحبتها، کراهة لها ومنعاً لحقوقها أو إعراضاً، بأن یقل مجالستها ومحادثتها ولا یأنس بها، ففی مثل هذه الحالة یجمل بالزّوجین أن یجلسا مجلساً هادئاً بعیداً عن الانفعالات النّفسیّة والتّوترات الشّعوریّة، لا أنّ الزّوجة تقابل النّشوز بمثله، والإعراض بالصّد؛ فإنّ ذلک یوسع الهوة بینهما ویفک الأسرة، وینتهی الأمر إلی شقاق لا لقاء بعده، فالمرأة مدعوة فی هذه الحالة إلی الصّبر والحکمة والتّصرف بدقة إن تحسّست من زوجها النّفور، حفاظاً علی الرّابطة الزّوجیّة، فتستطیع بسیاستها وحنکتها وحسّها الأنثوی أن تتبیّن سبب الإعراض والجفاء، وتحاول إزالة هذه الأسباب وإصلاح الحال، والتّعرف علی مواطن الدّاء والعلّة لعلاجها.

ولیس معنی ذلک إنّ أیّ إعراض من الرّجل یعتبر نشوزاً، فهناک کثیر من المسائل الحیاتیّة المهمّة قد تشغل باله وتأخذ من وقته وجهده الکثیر، کالمسائل الاقتصادیّة والسّیاسیّة، أو العلمیّة والعملیّة، یستغرق فیها طاقته وجهده، فیأتی إلیها وهو مجهد متعب لا یستطیع معها مناغاتها ومسامرتها ومباعلتها، فالواجب علیها أن تتبیّن کلّ هذه الأسباب، وتثبت فیما تراه وتشعر

ص:128


1- (1) الزّواج فی القرآن والسنّة: 252.

به من إمارات النّشوز والإعراض، فإن کان کما شرحنا، أو غیرها من الأسباب، فإنّه یجب علیها الصّبر والتّحمل ومساعدته إن استطاعت إلی ذلک سبیلاً، وأن تهیئ له جواً من الرّاحة النّفسیّة والسّکون الرّوحیّ فی الدّار، وتزیل عنه الکرب والشّقاء بلطافتها وحنانها، وما یلاقیه من متاعب فی الخارج.

وغالباً ما تزول أسباب الخلاف إن راعت الزّوجة مثل هذه الأمور فی حیاتها الزّوجیّة، والإسلام یدعو إلی بذل کلّ الجهود؛ لتثبیت دعائم الحیاة وتقویة عراها؛ لأنّ رابطة الزّوجیّة من أعظم الرّوابط وأحقّها بالحفظ، ومیثاقها أغلظ المواثیق وأجدرها بالوفاء.(1)

وإلّا فنری الآیة الکریمة تنحو نحواً آخر فی معالجة الموقف من قبل الزّوجة، یتلخص فی استمالة الزّوج إلی جانبها، عبّرت عنه بالصّلح، والّذی فُسّر باسترضاء الزّوج بإسقاط بعض ما لها من الحقّ علیه، من مال أو قسمة أو ما شاکل ذلک، ممّا یجلب رضاه.(2)

قال صاحب الجواهر فی هذا المجال:

وإن کان لا یمنعها شیئاً من حقوقها الواجبة ولا یفعل ما یحرم علیه بها، إلّا أنّه یکره صحبتها لکبر أو غیره، فیهمّ بطلاقها، فلها ترک بعض حقوقها أو جمیعها من قسمة أو نفقة؛ استمالة له ویحل للزّوج قبول ذلک بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه، مضافاً إلی الأصل والکتاب والسنّة.(3)

ص:129


1- (1) بناء الأسرة المسلمة: 312.
2- (2) الزّواج فی القرآن والسنّة: 252.
3- (3) جواهر الکلام: 207/31.

وفی المسالک مثل ما جاء به صاحب الجواهر، إضافة إلی:

أنّ ما ذکر حکم بذلها الحقّ مع عدم تقصیره، وظاهر الآیة جواز قبوله ذلک وحلّه له، وإن کان آثماً فی نشوزه؛ لأنّ مثل ذلک لا یعد إکراهاً علی بذل حقّها، وإن أثم فی تقصیره.(1)

وجاء فی المهذب للسیّد السّبزواری:

لو ترک بعض حقوقها الواجبة، أو آذاها بالضّرب أو الشتم، وغیر ذلک، فبذلت مالاً أو ترکت بعض حقوقها لیقوم بما ترک من حقها أو لیمسک عن آذیتها أو لیخلعها فتخلص من یده، حرم علیه ما بذلت؛ لأنّها حینئذ کالمظلوم الّذی یبذل ماله للتخلّص عن ظلم الظّالم، فالأخذ حرام عقلاً وإجماعاً، وإن کان البذل منها یجوز حفظاً للنفس حینئذ.(2)

أمّا الرّوایات فی المقام کثیرة:

روی عن أبی عبدالله علیه السلام قال:

«سألته عن قول الله عزّ وجلّ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا...) فقال: هی المرأة تکون عند الرّجل فیکرهها، فیقول لها: إنّی أرید أن أطلّقک، فتقول له: لا تفعل إنّی أکره أن تشمت بی، ولکن انظر فی لیلتی، فاصنع بها ما شئت».(3)

وعن علی أبی حمزة، قال:

«سألت أبا الحسن علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ (وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً...)

فقال: إذا کان کذلک فهم بطلاقها قالت

ص:130


1- (1) مسالک الأفهام: 363/8.
2- (2) مهذب الأحکام: 225/25.
3- (3) الکافی: 145/6؛ التّهذیب: 94/8.

له: امسکنی وادع لک بعض ما علیک واحلّلک من یومی ولیلتی، حلّ ذلک ولاجناح علیهما».(1)

وعن أبی الحسن الرّضا علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ (وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً...) .

فقال: النّشوز، الرّجل یهمّ بطلاق امرأته فتقول له: أدع ما علی ظهرک، وأعطیک کذا وکذا وأحلّلک من یومی ولیلتی علی ما اصطلحا فهو جائز».(2)

وعن زرارة قال:

«سئل أبو جعفر علیه السلام عن النّهاریة - إلی أن قال: - ولکنّه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزاً، أو خافت أن یتزوج علیها أو یطلّقها، فصالحته من حقّها علی شیء من نفقتها، أو قسمتها، فإنّ ذلک جائز لا بأس به».(3)

وقال صاحب الحدائق بعد ذکر الأخبار: وهذه الأخبار بعد حمل مطلقها علی مقیّدها، ومجملها علی مبینها، ظاهرة الاتفاق فی تخصیص صحة الصّلح - وبراءة ذمة الزّوج ممّا أسقطته عنه المرأة - بما لو کرهها أو أراد التّزویج علیها، أو نحو ذلک، ممّا لا یتضمن إخلالاً بواجب أو ارتکاب محرم.

وبذلک یظهر ضعف قول من قال: أنّه أو أخل الزّوج بحقوقها

ص:131


1- (1) الکافی: 145/6.
2- (2) وسائل الشّیعة: 351/21.
3- (3) المصادر السّابق.

الواجبة أو بعضها، فترکت له بعض الحقوق، جاز ذلک وبرئت ذمته وإن کان آثماً فی نشوزها؛ لأنّ الآیة بمقتضی الرّوایات الّتی وردت بتفسیرها، أکثرها صریح فی تخصیص ذلک بکراهته لها ونحو ذلک دون الإخلال بالحقوق الواجبة علیه لها، وما أطلق فقرائن ألفاظه ظاهر فی ذلک أیضاً.

وبالجملة فإنّ المستفاد من الآیة والأخبار أنّ النّشوز الموجب لصحة الصّلح بإسقاط بعض الحقوق، هو ما لم یتحقق إخلال الزّوج بشیء من الحقوق الواجبة علیه، علی أنّه متی کان القسم والنّفقة من الأمور الواجبة علیه، فترکت له النّفقة مثلاً لأجل القسم، فإنّه یکون هذا التّرک لا فی مقابلة عوض؛ لأنّ القسم واجب علیه، ترکت النّفقة أم لم تترکها، فیکون إسقاط النّفقة من غیر سبب یوجبه قبیحاً، ولو قهرها علی بذل ما ترکت له، فلا ریب فی عدم حلّه؛ لأنّه أکراه بغیر حقّ شرعیّ.(1)

والحاصل: أنّه لم تتحدّث الآیات عن حالة نشوز الزّوج وتمرده علی أداء حقوق الزّوجة الشّرعیّة؛ وقد أثیرت المسألة فی أبحاث الفقه، واختلفت الآراء فی موقف الزّوجة، هل تکتفی برفع أمرها إلی الحاکم الشّرعی لیجبره علی أداء حقوقها الشّرعیّة، أم یجوز لها أن تتصرف بأسالیبها الخاصّة؛ فتمنعه بعض حقوقه علیها، علی أساس المعاملة بالمثل، أم یفصل بین الحالات؟

ص:132


1- (1) الحدائق النّاضرة: 536/24.

ذهب الکثیرون إلی أنّ المسألة مربوطة بقرار الحاکم؛ لأنّ الله لم یجعل لها أمر تنفیذ حدوده، کما جعل للرّجل ذلک من خلال صفة القوامة.

أمّا امتناعها عن أداء حقوقه فلا مبرر له؛ لأنّ معصیته لله فی أمرها لا تبرر لها المعصیة فی أمره، بعد أن کان لکلّ واحد منهما تکلّیف مستقل لا یرتبط بالآخر، فإذا رفعت أمرها إلی الحاکم، فیمکن للحاکم أن یطّلق بنفسه إذا امتنع الزّوج من الطّلاق والإنفاق، بعد تخییره بینهما؛ وذلک إذا کانت الحالة حالة النّشوز عن النّفقة؛ ویمکنه أن یجبره فی حالات أُخری علی حسب القانون الشّرعیّ المتبع فی مثل هذه الأمور.

وذهب البعض إلی أنّ لها الحقّ فی الامتناع؛ لما یفهمه من المقابلة بین الحقوق، فللزّوج الحقّ علی زوجته مقابل ما لها من الحقّ علیه، فإذا امتنع عن أداء ذلک کان لها الحقّ فی الإمتناع.

وتحفّظ بعض آخر، فلم یجزم بأحد الرأیین؛ لأنّ القضیة باقیة لدیه فی حدود الإشکال الّذی یبحث عن الوضوح، والله العالم بحقائق أحکامه.(1)

ص:133


1- (1) من وحی القرآن: 251/7.

ص:134

خلاصّة البحث

غالباً ما نسمع فی حیاتنا عن النّشوز، ونری اتّصاف المرأة بها من قبل عامّة النّاس، دون معرفتهم بنشوز الزّوج أیضاً، بل ویعتبرون التّخلی وقصور الزّوجة فی کلّ أمر یجعلها ناشزة، وحینئذ یصبح کلّ الحقّ لدی الزّوج باستخدام شتی وسائل العنف ضدها، لکن الشّریعة الإسلامیّة لم تکن آحادیة النّظرة فی معالجتها للمواضیع الاجتماعیّة، فکما راعت حقوق الزّوج، کذلک راعت حقوق الزّوجة، وأعطت لکلّ منهما حقّاً یختصّ به، وبالتّخلف عن هذا الحقّ یصبح کلّ منهما ناشزاً دون التّبعیض، کما أنّ النّشوز له آثاره الّذی لا تتوقف علی موضع الزّوجین فقط، بل تمتد لکی تسلب راحة الأطفال والمجتمع أیضاً.

وفی ختام هذا البحث، أود أن أشیر إلی مجموعة من النّتائج الّتی توصلنا إلیها، والّتی یمکن تلخیصها بما یلی:

1. مساواة الشّریعة بین المرأة والرّجال ولا فارق إلّا بالتّقوی.

ص:135

2. لکلّ من الزّوجین حقّ، وفی قباله واجب یجب الإلتزام به.

3. یتحقّق النّشوز بالتّخلی عن الحقّ المقرّر من قبل التّشریع الصّادر، ولیس کلّ أمر موجباً للنّشوز.

4. یترک النّشوز آثاره ابتداءً علی الزّوجین بتغییر سلوکهم، ثمّ یمتد إلی أن یتصل إلی الأطفال، وبالتّالی إلی المجتمع.

5. وضع الشّارع أحکاماً للمرأة النّاشزة، کما أنّه سلب منها النّفقة الموضوعة لها قبال التّمکین.

6. کذلک وضع الشّارع أحکاماً للرّجل النّاشز بسبب عدم إنفاقه أو سوء خلقه مع زوجته.

والحمدلله ربّ العالمین.

ص:136

المصادر

1. القرآن الکریم.

2. آثار الطّلاق بین الشّریعة والقانون، د. ثریا بن سعد، المغاربیّة للطباعة والاشهار، 2009 م.

3. أحکام الأسرة فی الإسلام، المستشار حسن حسانین، دار الآفاق العربیّة الطّبعة الأولی، 1422 ه -

4. الأحوال الشّخصیة، السّید محمّد النّجفی، منشورات المرکز العالمی للدّراسات الإسلامیّة، الطبعة الأولی 1428 ق.

5. الاستبصار، الشّیخ الطّوسی، دار الکتب الإسلامیّة، الطّبعة الرّابعة 1363 ه -.

6. الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة، د. عبدالغنی عبود، دار الفکر العربی، الطّبعة الأولی 1979 م.

7. الأصول العامّة للفقه المقارن، السیّد محمدتقی الحکیم الطباطبایی، المجمع العالمی لأهل البیت، الطبعة الثّانیة 1418 ه -.

8. الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولی 1413 ه -.

ص:137

9. البحر المحیط، أبو حیان الأندلسی الغرناطی، دار الفکر، 1425 ق.

10. البیع، الإمام الخمینی، مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، الطّبعة الأولی 1421 ق.

11. التبیان، الشّیخ الطّوسی، مؤسسة النّشر الإسلامی تابعة لجماعة المدرسین بقم المقدّسة، الطّبعة الأولی 1420 ق.

12. تفسیر القمی، علی بن إبراهیم القمی، مؤسسة الأعلمی، الطّبعة الأولی 1412 ه -.

13. التّفسیر الکبیر، الإمام محمد الرازی، دار الفکر، 1415 ه -.

14. الحدائق النّاضرة، الشیخ یوسف البحرانی، دار الأضواء، الطّبعة الثّالثة، 1413 ه -.

15. الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، الشّهید زین الدین الجبعی العاملی، منشورات دار التّفسیر، الطّبعة التّاسعة 1429 ه -.

16. الزواج فی القرآن والسنة، عزّ الدین بحر العلوم، دار الزهراء، الطّبعة الثّالثة، 1407 ه -.

17. الصّحاح، الجوهری، دار المعرفة، الطّبعة الأولی، 1426 ق.

18. العلاقات الزّوجیّة، منصور عبدالحکیم، دار الکتب العربی، الطّبعة الأولی 2006 م.

19. العنف ضد المرأة، د. عبلة عبدالعزیز، دار النّهضة العربیة، 2010 م.

20. الفرقان فی تفسیر القرآن، محمد الصّادقی، انتشارات فرهنگ إسلامی، الطّبعة الثّانیة، 1408 ق.

21. الفقه، السیّد محمد الحسینی الشّیرازی، دار العلوم للتّحقیق والطّباعة، الطّبعة الثّانیة 1409 ه -.

22. القاموس الفقهی، د. سعیدی أبو حبیب، دار الفکر، الطّبعة الثّانیة 1408 ق.

ص:138

23. الکافی، الکلینی، إحیاء الکتب الإسلامیّة، الطّبعة الأولی، 1428 ق.

24. الکافی فی الفقه، أبو الصّلاح الحلبی، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام.

25. المبادئ القانونیّة العامّة، د. سلمان بوذیاب، المؤسسة الجامعیّة للدّراسات والنّشر، الطّبعة الأولی 1415 ق.

26. المبسوط، الشّیخ الطوسی، المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریّة، الطّبعة الثّانیة، 1388 ق.

27. المدخل للعلوم القانونیّة، د. مصطفی مصباح شلیبک، الجامعة المفتوحة طرابلس، الطّبعة الأولی 1370 ق.

28. المغنی، ابن قدامة، دار إحیاء التراث العربی.

29. المفردات، الرّاغب الأصفهانی، دفتر نشر الکتاب، 1404 ق.

30. المکاسب، الشّیخ الأنصاری، مجمع الفکر الإسلامی، الطّبعة الثّامنة، 1427 ق.

31. المهذب، عبدالعزیز بن البراج الطّرابلسی، مؤسسة النّشر الإسلامی التّابعة لجماعة المدرسین بقم، 1406 ق.

32. المهذب البارع، ابن فهد الحلّی، مؤسسة النّشر الإسلامی التّابعة لجماعة المدرسین بقم، الطّبعة الثّانیة، 1429 ق.

33. الموسوعة الفقهیة المیسرة، محمّد رواس قعله جی، دار النّفائس، الطّبعة الأولی، 1421 ق.

34. المیزان فی تفسیر القرآن، العلّامة الطّباطبائی، مؤسسة الأعلمی، الطّبعة الأولی، 1417 ه -

35. النظام التّربوی فی الإسلام، باقر شریف القرشی، دار الکتب الإسلامیة 1417 ق.

ص:139

36. النظام القانونی للأسرة فی التّشریع الإسلامی، د. علی محجوب، المعهد العالمی للدراسات الإسلامیّة، 1426 ق.

37. ایضاح الفوائد، فخر المحققین ابن العلّامة الحلّی، مؤسسة إسماعیلیان، الطّبعة الأولی 1389 ق.

38. بحار الأنوار، العلامة المجلسی، دار التعارف للمطبوعات، الطّبعة الأولی، 1421 ق.

39. بلغة الفقیه، السیّد محمد آل بحر العلوم، منشورات مکتبة الصّادق، الطّبعة الرّابعة، 1403 ق.

40. بناء الأسرة المسلمة، الشّیخ خالد عبدالرّحمن العک، دار المعرفة، الطبعة الخامسة 1423 ق.

41. تاج العروس، مرتضی الزبیدی، مؤسسة إحیاء التراث العربی، الطبعة الأولی، 1422 ق.

42. تأملات إسلامیة حول المرأة، السید محمد حسین فضل الله، دار الکتب الإسلامیّة، الطّبعة الأولی، 1425 ق.

43. تحریر الأحکام، العلامة الحلی، مؤسسة الإمام الصّادق، الطّبعة الأولی، 1421 ق.

44. تفسیر الشّعراوی، محمد متولی الشّعراوی، إخبار الیوم قطاع الثقافة.

45. تفسیر الکاشف، محمد جواد مغنیة، دار الکتب الإسلامیة، الطّبعة الأولی 1424 ق.

46. تفسیر اللباب فی علوم الکتاب، أبی حفص عمر بن علی، دار الکتب العلمیّة، الطّبعة الأولی، 1419 ق.

47. تفسیر المراغی، أحمد مصطفی المراغی، دار الفکر، 1426 ق.

48. تفسیر المنار، محمد رشید رضا، دار المعرفة، 1414 ق.

ص:140

49. تهذیب الأحکام، الشّیخ الطّوسی، دار الاضواء، الطّبعة الثّانیة 1413 ق.

50. جامع المدارک، السیّد أحمد الخوانساری، مؤسسة إسماعیلیان، الطّبعة الثّانیة 1405 ق.

51. جواهر الکلام، محمّد حسن النّجفی، دار الکتب الإسلامیة، الطّبعة الرّابع 1373 ق.

52. حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی، دار المصطفی صلی الله علیه و آله لإحیاء التّراث، الطّبعة الأولی، 1423 ق.

53. حق وحکم وتکلیف، سیف الله صارمی، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامی، الطّبعة الأولی 1385 ق.

54. حقوق الإنسان، مجموعة مؤلفین، مرکز الحضارة لتنمیة الفکر الإسلامی، الطّبعة الأولی، 2008 م.

55. حقوق المرأة فی النّظام الإسلامی، الشّهید المطهری، مؤسسة الأعلمی، الطّبعة الأولی، 1406 ق.

56. دروس فی القانون، د. مصطفی محمد الجمال - د. حمد عبدالرحمن، الدّار المصریّة للطّباعة والنّشر، 1971 م.

57. ریاض المسائل، السیّد علی الطّباطبائی، مؤسسة آل البیت لإحیاء التّراث، الطّبعة الأولی، 1421 ق.

58. سیکولوجیة القهر الأسری، د. رشاد علی عبدالعزیز موسی، عالم الکتب، الطّبعة الأولی، 1429 ق.

59. شرائع الإسلام، المحقّق الحلی، نشر الفقاهة، الطّبعة الأولی، 1427 ق.

60. شرح فتح القدیر، ابن الهمام، دار الفکر.

61. فقه الأسرة، حسن موسی الصّفار، دار الهادی، الطّبعة الأولی، 1425 ق.

62. فقه الصادق، السیّد الرّوحانی، مؤسسة دار الکتاب، الطّبعة الثّالثة، 1413 ق.

ص:141

63. قضایا المجتمع والأسرة والزّواج، العلّامة الطّباطبائی، دار الصّفوة، الطّبعة الأولی 1416 ق.

64. کشف اللثام عن قواعد الأحکام، الفاضل الآبی، مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الثانیة، 1422 ق.

65. کفایة الأحکام، العلامة محمد باقر السّبزواری، مؤسسة النّشر الإسلامی التّابعة لجامعة المدرسین بقم، 1381 ق.

66. لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، الطّبعة الأولی، 1977 م.

67. ما وراء الفقه، السیّد محمد الصّدر، المحبین للطّباعة والنّشر، الطّبعة الرّابعة، 1427 ق.

68. مجمع البحرین، الطّریحی، دار إحیاء التّراث العربی، الطّبعة الثّانیة، 1402 ه -.

69. مجمع البیان، الطّبرسی، مؤسسة الأعلمی، 1415 ق.

70. مختلف الشیعة، العلامة الحلی، مکتب الأعلام الإسلامی، الطّبعة الأولی، 1416 ق.

71. مرآة العقول فی شرح أحبار آل الرسول، العلامة المجلسی، دار الکتب الإسلامیّة، الطّبعة الأولی، 1401 ق.

72. مسائل حرجة فی فقه المرأة، الشّیخ محمّد مهدی شمس الدّین، المؤسسة الدولیّة للدّراسات والنّشر، الطّبعة الأولی، 1996 م.

73. مسالک الإفهام، زین الدین بن علی العاملی، مؤسسة المعارف الإسلامیّة، الطّبعة الأولی، 1416 ق.

74. مستند الشّیعة، المحقّق النّراقی، مؤسسة آل البیت لإحیاء التّراث، الطّبعة الأولی 1419 ق.

75. مصباح الفقاهة، السیّد الخوئی، مؤسسة نشر الفقاهة، الطّبعة الأولی 1420 ق.

ص:142

76. معجم ألفاظ الفقه الجعفری، د. أحمد فتح الله، مطابع المدوخل، الطّبعة الأولی، 1415 ق.

77. من لا یحضره الفقیه، الصّدوق، دار الأضواء، الطّبعة الثّانیة 1413 ق.

78. من وحی القرآن، السیّد محمد حسین فضل الله، دار الملاک، الطّبعة الثّانیة 1419 ق.

79. مهذب الأحکام، السیّد عبدالأعلی السّبزواری، دفتر آیة الله العظمی السیّد السّبزواری، الطّبعة الرّابعة، 1417 ق.

80. مواهب الرّحمن، السیّد عبدالأعلی السّبزواری، انتشارات دار التّفسیر، الطّبعة الثّانیة، 1419 ق.

81. نظریة الحقّ، د. محمد سامی مرکود، دار الفکر العربی، 1951 م.

82. نفقات الزّوجة فی التّشریع الإسلامی، الشّیخ عارف البصری، الدّار الإسلامیّة، الطّبعة الأولی، 1401 ق.

83. نهایة المرام، السیّد محمد العاملی، مؤسسة النّشر الإسلامی التّابعة لجماعة المدرسین بقم، الطّبعة الأولی، 1413 ق.

84. وسائل الشّیعة، الحر العاملی، المکتبة الإسلامیّة، الطبعة الخامسة، 1399 ق.

ص:143

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.