آرشیو دروس خارج اصول آیت الله سید علیرضا حائری35

اشارة

سرشناسه:حائری، علیرضا

عنوان و نام پدیدآور:آرشیو دروس خارج اصول آیت الله سید علیرضا حائری35 /علیرضا حائری.

به همراه صوت دروس

منبع الکترونیکی : سایت مدرسه فقاهت

مشخصات نشر دیجیتالی:اصفهان:مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه اصفهان، 1396.

مشخصات ظاهری:نرم افزار تلفن همراه و رایانه

موضوع: خارج اصول

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ذکرنا قبل العطلة أَن الکلام فی الخبر الواحد یقع فی مرحلتین:

المرحلة الأولی: أصل الْحُجِّیَّة.

المرحلة الثانیة: دائرة الْحُجِّیَّة وحدودها.

أما المرحلة الأولی فهناک من یقول بالحجیة کما أَن هناک من ینفی الْحُجِّیَّة، ولکل منهما دلیله، وقد ذکرنا فیما سبق أدلة القائلین بعدم الْحُجِّیَّة من الکتاب والسنة والإجماع والعقل. وناقشنا هذه الأدلة بالتفصیل وانتهینا إِلَیٰ أَنَّهُ لا یوجد لدینا ما یَدُلُّ عَلَیٰ عدم الْحُجِّیَّة.

أما القول الآخر وهو القول بالحجیة فأیضاً اسْتَدَلَّ علیه بالأدلة الأربعة المذکورة. أما الکتاب فقد اسْتَدَلَّ بآیات منها آیة النبأ {یا أیها الَّذِینَ آمنوا إِن جاءکم فاسق بنبأ فتبیّنوا أَن تصیبوا قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَیٰ ما فعلتم نادمین}، حیث اسْتَدَلَّ بهذه الآیة الشریفة عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل؛ لأَنَّ هذه الآیة تَدُلّ بمفهومها عَلَیٰ عدم وجوب التبین عن خبر العادل وهذا یعنی الْحُجِّیَّة.

وطرحنا فیما سبق سؤالین بهذا الصدد:

السُّؤَال الأول: کیف تَدُلّ آیة النبأ بمفهومها عَلَیٰ عدم وجوب التبین عن خبر العادل؟

السُّؤَال الثَّانِی: کیف یَدُلُّ عدم وجوب التبیّن عَلَیٰ الْحُجِّیَّة؟

وقد أجبنا فیما سبق عن السُّؤَال الثَّانِی بصورة مفصلّة، وبقی علینا أَن نجیب عن السُّؤَال الأول وقد قلنا فی مقام الجواب عنه بأن هناک تقریبین لدلالة الآیة الشریفة بمفهومها عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن عن خبر العادل.

التقریب الأول: هو التَّمسُّک بمفهوم الوصف فی الآیة الشریفة، وهذا ما درسناه قبل العطلة بالتفصیل وتبیّن عدم صحّته.

ص: 1

التقریب الثَّانِی: هو التَّمسُّک بمفهوم الشرط، وقد قلنا إِن هناک إشکالین عَلَیٰ التَّمسُّک بمفهوم الشرط فی الآیة لإثبات عدم وجوب التَّبَیُّن عن خبر العادل.

الإشکال الأول: ما ذکره الشَّیْخ الأنصاری وهو أَن القضیة الشرطیة فی الآیة الشریفة قضیة شرطیة مصوغة لبیان الموضوع، وکل قضیة شرطیة مصوغة لبیان الموضوع لا مفهوم لها.

الجواب: وناقشه المحقق الخراسانی قَائِلاً: إِن القضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة لیست مصوغة لبیان الموضوع وَبِالتَّالِی لو آمنا کبرویّاً بمفهوم الشرط (فهو لا یؤمن به) فالآیة لها مفهوم أَیْضاً.

إذن، یجب أَن یدور کلامنا الآن حول أَن القضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة الشریفة هل هی مصوغة لبیان الموضوع کما قال الشَّیْخ کی لا یکون لها مفهوم أم لیست کذلک کی یثبت لها المفهوم بعد الفراغ عن کبری ثبوت مفهوم الشرط. ولکی نعرف الجواب الصحیح عن هذا السُّؤَال نقول: إِن القضیة الشرطیة لها ثلاثة أرکان:

الرکن الأول: الحکم المذکور فی الکتاب.

الرکن الثانی: موضوع هذا الحکم.

الرکن الثالث: شرطُ ثبوت هذا الحکم لهذا الموضوع.

أما الحکم المذکور فی الکتاب فواضح، وأما الرکنان الثَّانِی والثالث فبحاجة إِلَیٰ الإیضاح؛ وذلک لأَنَّ بالإمکان تصنیف الشرط إِلَیٰ ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أَن یکون الشرط عبارة عن محقِّق الموضوع بحیث لا یُتصور للموضوع وجودٌ إِلَّا بالشرط، فیکون قوام الموضوع بالشرط (أَیْ: لیس للموضوع وجود آخر غیر الشرط)، کما إذا کانت القضیة الشرطیة عبارة عن مثل ِن رُزقتَ ولداً فاختنه فیکون الحکمُ وجوب الختان وموضوعه ختان الولد، وشرط ثبوت هذا الحکم لهذا الموضوع هو رزق الولد، فرزق الولد هو عین تحقق الولد، فالشرط هنا عین تحقق الموضوع. فالفرق بین الشرط والموضوع هنا فرق اعتباری.

ص: 2

القسم الثَّانِی: أَن یکون الشرط أجنبیاً عن تحقق الموضوع، ومثاله: ِن جاء زید فأکرمه؛ فَإِنَّ الحکم هنا هو وجوبُ إکرام زید وموضوعه زید وشرطُ ثبوتِ هذا الحکم لهذا الموضوع هو المجیء. ومن الواضح أَن مجیء زید لیس عین تحقق زید، بل أمر طارئ عَلَیٰ زید. فهذا القسم من الشرط لیس مصوغاً لتحقیق الموضوع أصلاً.

القسم الثالث: أَن یکون الشرطُ نحواً من أنحاء وجوب الموضوع، فلا یکون أجنبیاً بالمرة عن الموضوع کما فی القسم الثَّانِی (بل هو نحو من وجوب الموضوع)، ولا کالقسم الأول فلیس الشرط هنا هو النحو الوحید المنحصر لوجود الموضوع خلافاً للقسم الأول. فالموضوع له نحوان من الوجود: تارة یوجَد من خلال الشرط وأخری یوجَد عن طریق آخر غیر الشرط. ومثاله الآیة الشریفة، فلو قلنا بأن هذه الآیة بمثابة أَن الل_ه تعالی قال: ِن جاء الفاسق بالنبأ وجب التَّبَیُّن منه فیکون الحکم عبارة عن وجوب التَّبَیُّن وموضوع الحکمِ النبأُ، والشرط هو مجیء الفاسق بالنبأ. ومن الواضح أَن تقریر وإعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی مجیء الفاسق بالنبأ عبارة عن إنبائه (أَیْ: إیجاده للنبأ) فهذا نحو وجودٍ للموضوع (وهو النبأ)، فلیس أجنبیاً عن النبأ لکنه لیس النحو المنحصر الوحید لتحقق الموضوع؛ فَإِنَّ النبأ قد یتحقق من خلال الشرط (أَیْ: إنباء الفاسق) وقد یتحقق عن طریق آخر (وهو إنباء العادل). والواقع أَن الشرط هنا حصة خاصَّة من وجود الموضوع، فکأنه قال: ذا أوجد الفاسقُ النبأَ یجب تبیُّنه.

أما القسم الأول فلا إشکال فی عدم ثبوت المفهوم له وقد تقدم ذلک فی التنبیه الأول من تنبیهات مفهوم الشَّرط.

وأما القسم الثَّانِی فلا إشکال فی ثبوت المفهوم له بناء عَلَیٰ کبری ثبوت مفهوم الشرط کما هو الصحیح وقد تقدم دلیله بالتفصیل فی بحث مفهوم الشرط.

ص: 3

أما القسم الثالث: فَلَا بُدَّ من معرفة وجه عدم ثبوت المفهوم فی القسم الأول لکی یتضح لنا حال هذا القسم الثالث، وهناک تقریبان لإثبات عدم المفهوم فی القسم الأول:

التقریب الأول: أَن یقال بأن المفهوم فی المصطلح الأصولی عبارة عن انتفاء الحکم المذکور فی الجزاء عن الموضوع عند انتفاء الشَّرط. وَحِینَئِذٍ إِن أرید بالمفهوم فی القسم الأول مفاد الجزاء (أَیْ: نفی وجوب ختان الولد عند انتفاء الشَّرط) فهذا تحصیل للحاصل؛ فَإِنَّ وجوب ختان الولد ینتفی قهراً عند انتفاء الشَّرط (الَّذِی هو عبارة عن وجود الولد) من باب انتفاء موضوعه، وانتفاء الحکم بانتفاء موضوعه أمر ثابت عقلاً ولا شک فیه ولا ربط له بالمفهوم المصطلح، وهو ما یعّبر عنه المناطقة بالقضیة السالبة بانتفاء الموضوع (سواء فی القضیة الشرطیة أم فی القضیة الحملیّة کما إذا قیل: اختن ولدَک أو ختان الولد واجب؛ فَإِنَّ ختان الولد ینتفی عند انتفاء الولد)؛ لِأَنَّهُ لا یوجد هنا تقیید آخر للحکم غیر تقییده بموضوعه.

التقریب الثَّانِی: أَن یقال بأن المفهوم فی القضیة الشرطیة إِنَّمَا یُستفاد بملاک کون الشَّرط قیداً للحکم، وبهذا یتمیّز الشَّرط من الوصف. فإذا کان القید قیداً للموضوع (أَیْ: تقیَّد الموضوع به قبل طروّ الحکم علیه) فلا مفهوم له؛ وذلک لأننا فرضنا أَن الشَّرط فی هذه القضیة یساوق الموضوع، فلم یُعمل المتکلم تقییداً حقیقیاً فی المقام غیر تقیّد الحکم بموضوعه (وإن کان هذا الحکم عند النحاة وحسب صیاغته الظاهریة مقیّداً بموضوعه).

ویبقی الحدیث عن القسم الثالث نذکره غدا إِن شاء الل_ه تعالی.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

ص: 4

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ذکرنا فی القسم الثالث تقریبین ونرید الآن أَن ننفی إمکانیة انطباقهما عَلَیٰ القسم الثالث وَبِالتَّالِی لا یَصِحّ أَن نُلحق القسم الثالث بالقسم الأول، فلا یَصِحّ أَن نقول بِأَنَّهُ قضیة شرطیة مصوغة لبیان الموضوع ولا مفهوم لها؛ وذلک کالآتی:

أما التقریب الأول فلأَنَّنا فرضنا فیه أَن الشَّرط لیس عین الموضوع ولیس أَیْضاً مبایناً للموضوع، فهو أحد طرق تحقق الموضوع. إذن، طالما أَن الشَّرط فی القسم الثالث لیس هو الأسلوب الوحید لتحقق الموضوع فنختار الشق الأول من الشقین المذکورین فی التقریب الأول وهو أَن هذه القضیة الشرطیة الَّتِی یکون الشَّرط فیها من قبیل القسم الثالث لها مفهوم، ونرید بالمفهوم انتفاء مفاد الجزاء عند انتفاء الشَّرط، ولا یلزم منه المحذور المذکور فی التقریب الأول من تحصیل الحاصل؛ لأَنَّ مفاد الجزاء وإن کان متقوماً بموضوعه وموضوعُه متقوم بالشرط، إِلَّا أَن الشَّرط لیس الأسلوب الوحید لتحقق الموضوع، وهذا یعنی أَن الموضوع قد یتحقق ویتقوم بغیر الشَّرط. إذن، وجوب التَّبَیُّن (وهو الجزاء) فی الآیة الشریفة وإن کان متقوماً بالنبأ (وهو الموضوع) والنبأ أَیْضاً متقوم بالشرط (أَیْ: مجیء الفاسق) لکن النبأ کما قد یتقوم بمجیء الفاسق به، کذلک قد یتقوم بمجیء العادل به، فلیس الشَّرط وهو مجیء الفاسق هو الأسلوب الوحید لتحقق الموضوع (أَیْ: النبأ)، فلیس تحصیلاً للحاصل ولا السالبة بانتفاء الموضوع. فلا ینطبق التقریب الأول عَلَیٰ القسم الثالث.

وأما التقریب الثَّانِی: فلا ینطبق أَیْضاً عَلَیٰ القسم الثالث؛ وذلک لأَنَّ الحکم (أَیْ: وجوب التَّبَیُّن) هنا وإن کان ذاتاً متقوّماً بموضوعه (أَیْ: وجود النبأ)، لکن وجود هذا الموضوع وتحقّقه قد یحصل من غیر الشَّرط (أَیْ: عن غیر طریق مجیء الفاسق به) بأن ینبأ العادل بالنبأ مثلاً، فلو لم یکن المتکلم قد أناط الحکم بالشرط لکنا بقلم الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه نقول بوجوب التَّبَیُّن کُلَّمَا تحقق الموضوعُ مُطْلَقاً (أَیْ: بأی نحو وعن أی طریق)، لکن المفروض أَن المتکلم ذکر الشَّرطَ ومعنی ذلک أَنَّهُ قیَّد دائرة الحکم بما إذا تحقق الموضوع عن طریق الشَّرط (إنباء الفاسق). إذن، یوجد هنا تقیید زائد وراء التقیید الثابت فی کُلّ حکم مع موضوعه.

ص: 5

والحاصل أَن التقیید الحقیقی الَّذِی نبتغیه فی القسم الثالث معقول ولیس مستحیلاً کما کان فی القسم الأول.

وتمخض عن کُلّ ذلک عدم تمامیة شیء من تقریبی عدم المفهوم للقضیة الشرطیة المصوغة لبیان الموضوع فی القسم الثالث من الشَّرط وهو الشَّرط الَّذِی یکون أحد أسالیب تحقق الموضوع، فالقسم الثالث أَیْضاً له مفهوم.

إِلَیٰ هنا اتضح أَن الشَّرط فی الآیة الشریفة إِن افترضناه کالقسم الأول فالنتیجة أَن الآیة لا مفهوم لها (أَیْ: تکون القضیة الشرطیة فی الآیة مصوغة لبیان الموضوع) ویکون الحق مع الشَّیْخ الأنصاری .

أما إذا افترضنا أَن الشَّرط فی الآیة الشریفة من القسم الثَّانِی فیکون من الواضح أَن الآیة الشریفة لها مفهوم بناء عَلَیٰ أصل الإیمان بمفهوم الشَّرط، فیکون الحق مع الآخوند الخراسانی.

وأما إذا افترضنا بأن الشَّرط فی الآیة من القسم الثالث فیکون الصحیح والمختار لدینا ثبوتُ المفهوم للآیة الشریفة؛ وذلک من منطلق إیماننا بالمفهوم فی القسم الثالث.

إذن، یبقی علینا أَن نحدد أَن القضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة الشریفة من أی قسم هی؟

الجواب: هو أَنَّهُ لا بد من نلحظ وجه عدم ثبوت المفهوم فی القسم الأول کی یتضح حال هذا القسم ونعرف أَنَّهُ هل یلحق به فی عدم ثبوت المفهوم له أم لا؟

وهناک تقریبان لإثبات عدم المفهوم فی القسم الأول:

التقریب الأول: أَن المفهوم کما قلنا عبارة عن انتفاء الحکم المذکور فی الجزاء عن الموضوع عند انتفاء الشَّرط، وَحِینَئِذٍ ففی القسم الأول (أَیْ: مثل قولک: ِن رزقت ولداً فاختنه) إِن أرید بالمفهوم نفیُ نفس مفاد الجزاء (وهو وجوب ختان الولد) عند انتفاء الشَّرط، فهذا تحصیل للحاصل؛ لأَنَّ وجوب ختان الولد ینتفی قهرا عند انتفاء الشَّرط الَّذِی هو عبارة عن وجود الولد من باب انتفاء موضوعه. ومن الواضح أَن انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه أمر ثابت إعداد وتقریر الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه حَتَّیٰ فی الجملة الحملیة؛ فوجوب الختان حَتَّیٰ لو کان قد بُیّن بنحو القضیة غیر الشرطیة (کقولک: اختن ولد) لکان أَیْضاً ینتفی عند انتفاء وجود الولد؛ فلیس للترکیب الشرطی هنا دخلٌ فی انتفاء مفاد الجزاء عند انتفاء الشَّرط (أَیْ: لیس للقضیة الشرطیة بما هی قضیة شرطیة مفهوم)؛ إذ لیس هناک تقیید آخر للحکم غیر تقییده بموضوعه.

ص: 6

وإن أرید بالمفهوم نفی أمر آخر غیر مفاد الجزاء (کوجوب ختان الأخ مَثَلاً عند انتفاء الشَّرط الَّذِی هو وجود الولد)، فهذا سنخ مفاد آخر غیر الحکم المذکور فی الجزاء؛ بداهةَ أَن وجوب ختان الولد مباین لوجوب ختان الأخ، بینما المفهوم کما قلنا عبارة عن انتفاء مفادا لجزاء عند انتفاء الشَّرط، لا انتفاء مفاد آخر مباین له.

إذن، فعلی کُلّ تقدیر لا مفهوم فی هذا القسم.

وهناک تقریب آخر نذکره غدا إِن شاء الل_ه تعالی.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

التقریب الثَّانِی: أَن المفهوم فی القضیة الشرطیة إِنَّمَا یستفاد بملاک کون الشَّرط قیداً للحکم، وبهذا یتمیّز الشَّرط من الوصف فی القضیة الوصفیة؛ فَإِنَّ الوصف قید للموضوع لا للحکم (أَیْ: أَن مرجعه إِلَیٰ تحدید الموضوع قبل طروّ الحکم علیه، وکل ما یکون کذلک فلا مفهوم له؛ لوضوح أَن تقیّد الحکم بموضوعه وانتفاءه بانتفائه أمر ثابت فی کُلّ قضیة حکمیة.

وعلیه، ففی القسم الأول حیث أَن الشَّرط مساوق للموضوع ونفسه ذاتاً، فلا یعقل إعمال المتکلم لتقیید حقیقی؛ لأَنَّ الحکم هنا ذاتاً متقیّد بموضوعه ولیس الشَّرط سوی تقییدٍ نحوی للحکم بحسب الصیاغة، أما بحسب الروح فلیس تقییداً للحکم وراء تقییده بموضوعه، ومن الواضح أَن تقیید الحکم بموضوعه أمر ثابت فی کُلّ جملة حکمیة، فیتعامل مع هذه القضیة هنا معاملة القضیة الحملیة، وعلیه فمادام لا یُتصوَّر فی المقام تقیید زائد عَلَیٰ تقیید الحکم بموضوعه، إذن فلا یتصور للقضیة مفهوم؛ لأَنَّ المفهوم منتزع من التقیید.

ص: 7

وکلا التقریبین لا یصحّ فی القسم الثالث؛ وذلک:

أما التقریب الأول فلأن الشَّرط فی القسم الثالث مادام لیس هو الأسلوب الوحید لتحقیق الموضوع کما هو المفروض فنختار الشق الأول وهو أَنَّنَا نرید بالمفهوم نفی نفس مفاد الجزاء عند انتفاء الشَّرط، ولا یلزم من ذلک تحصیل الحاصل؛ لأَنَّ مفاد الجزاء وإن کان متقوّماً بموضوعه المتقوّم بالشرط، إِلَّا أَن الموضوع قید یتقوّم بغیر الشَّرط ویتحقق به، فوجوب التَّبَیُّن وإن کان متقومّاً بالنبأ المتقوّم بإنباء الفاسق به، إِلَّا أَن النبأ قد یتقوّم بإنباء العادل به. إذن، فنی وجوب التَّبَیُّن عن النبأ إذا لم یُنبئ به الفاسق بأن أَنبَأَ به العادل لیس تحصیلا للحاصل، ولیس هذا النفی سالبة بانتفاء الموضوع، بل سالبة مع وجود الموضوع، وهو المفهوم.

وإن شئت قلت: إِن الموضوع فی القسم الثالث محفوظ ذاتاً حَتَّیٰ مع انتفاء الشَّرط؛ لأَنَّ الشَّرط حصته خاصَّة من إیجاد ذاک الموضوع، فلا یکون انتفاء الشَّرط مساوقاً لانتفاء الموضوع کی یکون الانتفاء عقلیاً.

وأما التقریب الثَّانِی فلأن الشَّرط فی القسم الثالث قید حقیقی للحکم ولیس مجرد تقیید لَفْظِیّ صیاغی نحوی؛ وذلک لأَنَّ الحکم وإن کان ذاتا متقیّداً بموضوعه، فوجوب التَّبَیُّن فی النبأ مَثَلاً متقیّد ذاتاً بوجود النبأ، إِلَّا أَن وجود الموضوع (أَیْ: النبأ فی المثال) وتحققه لمّا کان من الممکن حصوله عن طریق آخر غیر الشَّرط (أَیْ: غیر إنباء الفاسق به) فلو لم یکن المتکلم قد أناط الحکم (أَیْ: وجوب تبین النبأ) بالشرط (أَیْ: بإنباء الفاسق به) لکنّا نقول: إِن الموضوع (أَیْ: النبأ) کلّما تحقق وبأیّ نحو وطریق حصل (سواء عن طریق الشَّرط وإنباء الفاسق به أم عن طریق آخر کإنباء العادل به) یترتب علیه حکمه ووجوب تبیّنه، لکن حینما ذکر المتکلم الشَّرط یکون بذلک قد ضیق دائرة الحکم وقیّده بما إذا تحقق الموضوع عن طریق الشَّرط. إذن، فهنا تقیید زائد وراء ذاک التقیّد الثابت فی کُلّ جملة حکمیة وَالَّذِی هو عبارة عن تقید الحکم بموضوعه، وهذا التقید الزائد عبارة عن تقیّد الحکم بتحقق الموضوع عن طریق الشَّرط، وعلیه فالتقیید الحقیقی فی هذا القسم معقول ولیس مستحیلاً کما کان فی القسم الأول، ومادام التقیید الحقیقی هنا متصوَّراً ومعقولاً، إذن فیُتصوَّر للقضیة مفهوم.

ص: 8

فالصحیح هو أَن المفهوم ثابت فی القسم الثالث أَیْضاً کالقسم الثَّانِی.

یبقی علینا بعد هذا أَن نشخّص أَن القضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة الشریفة هل هی من القسم الأول الَّذِی یفترض فیه أَن الشَّرط هو الأسلوب الوحید لتحقق الموضوع کی یکون من الواضح عدم ثبوت المفهوم، أم هی من القسم الثَّانِی الَّذِی یفترض فیه أَن الشَّرط أجنبی عن أصل وجود الموضوع وتحققه کی یکون من الواضح ثبوت المفهوم لها بناءً عَلَیٰ قبول مفهوم الشَّرط بشکل عام، أم هی من القسم الثالث الَّذِی یفترض فیه أَن الشَّرط هو أحد أسالیب تحقق الموضوع وحصة خاصَّة من وجوده کی یکون ثبوت المفهوم لها هو الصحیح المختار؟

والجواب عَلَیٰ هذا السُّؤَال یرتبط بالمفاد الَّذِی نستظهره من ترکیب الجملة فی الآیة الشریفة؛ وذلک لأَنَّ الحکم فی الآیة هو وجوب التَّبَیُّن، لکن موضوعه ما هو؟ وشرط ثبوته لموضوعه ما هو؟

هناک أنحاء ثلاثة تُتصوَّر فی المقاد لتحدید الموضوع والشَّرط:

النحو الأول: أَن یکون موضوع الحکم عبارة عن نبأ الفاسق ویکون الشَّرط عبارة عن مجیء الفاسق به، فکأنّه قال: نبأ الفاسق إِن جاءکم به فتبیّنوا أو قال: یجب التبیّن فی نبأ الفاسق إِن جاءکم به، فإذا استظهرنا من الآیة هذا المفاد، کانت القضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة من القسم الأول؛ لأَنَّ الشَّرط حِینَئِذٍ (أَیْ: مجیء الفاسق بالنبأ) هو الأسلوب الوحید لتحقیق الموضوع الَّذِی هو عبارة عن نبأ الفاسق، فبانتفاء الشَّرط ینتفی الموضوع قهراً وعقلاً؛ فالقضیة مسوقة لبیان الموضوع وتحقیقه، فلا مفهوم لها قطعاً؛ وذلک للتقریبین المتقدّمین آنفاً.

النحو الثَّانِی: أَن یکون الموضوع هو النبأ، ویکون الشَّرط هو مجیء الفاسق به، فکأنه قال: النبأ إِن جاءکم به فاسق فتبیّنوا. فإذا استظهرنا ذلک من الآیة، ولو باعتبار أَن الضمیر الواقع موضوعا لوجوب التَّبَیُّن راجع إِلَیٰ النبأ وهو مطلق، ولیس راجعاً إِلَیٰ نبأ الفاسق؛ إذ لم تقل الآیة: إِن جاءکم نبأ الفاسق فتبیّنوا، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه کانت القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة من القسم الثالث؛ لأَنَّ الحکم الثابت عَلَیٰ ذات النبأ، ومجیء الفاسق به شرط، وهذا الشَّرط وإن کان محقَّقاً لوجود الموضوع، لکنه لیس هو الأسلوب الوحید لتحقق الموضوع (أَیْ: النبأ)؛ إذ قد یتحقّق النبأ بمجیء العادل به، فبانتفاء الشَّرط لا ینتفی أصل وجود الموضوع، فیثبت المفهوم عَلَیٰ ما اخترناه فی القسم الثالث؛ لعدم تمامیّة التقریبین المتقدّمین آنفا (لإثبات عدم المفهوم فی القسم الأول) فی القسم الثالث کما عرفت.

ص: 9

النحو الثالث: أَن یکون الموضوع هو الجائی بالنبأ ویکون الشَّرط هو الفسق، فکأنه قال: الجائی بالنبأ إِن کان فاسقاً فتبیّنوا. فإذا استظهرنا ذلک من الآیة، کانت القضیة الشرطیة فیها من القسم الثَّانِی؛ لأَنَّ الشَّرط (وهو فسق الجائی بالنبأ) أجنبی عن أصل تحقق الموضوع (وهو الجائی بالنبأ) وطارئ علیه ولیس نحو وجودٍ للجائی بالنبأ ولا یتحقق به وجوده، بل هو صفة أخری فیه غیر الإنباء. فبانتفاء الشَّرط (أَیْ: الفسق) هنا لا ینتفی أصل موضوع الحکم (أَیْ: الجائی بالنبأ)، فیثبت المفهوم بلا إشکال بناءً عَلَیٰ کبری ثبوت مفهوم الشَّرط.

هذا کله عن الشَّرط وعن موضوع الحکم. ونقصد بموضوع الحکم ما هو مقوّم للحکم، ولا نقصد بالمقوِّم ما هو مقوِّم للحکم فی عالَم جعل الحکم وتشریعه (أَیْ: ما أخذ مفروض الوجود فی علام الجعل والتشریع)؛ إذ من المعلوم أَن الشَّرط أَیْضاً داخل فی الموضوع بهذا المعنی؛ ضرورةَ أَنه جزء ممّا أُخذ مفروض الوجود فی مقام جعل الحکم، بل نقصد بالموضوع المقوِّم للحکم ما تعلّقت به مادّة الجزاء فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقیید الجزاء بالشرط وتعلیقه علیه، کالنبأ فی الآیة الشریفة بناءً عَلَیٰ أَنَّهُ الَّذِی تعلّقت به مادّة التبیّن وأنّ قوله تعالی {فتبیّنوا} یعنی: فتبیّنوا النبأ؛ فَإِنَّ الشَّرط خارج عن الموضوع بهذا المعنی.

وقد عرفت آنفاً (فی النحو الثَّانِی من الأنحاء الثلاثة المتقدمة) أَن القضیة الشرطیة فی الآیة الشریفة بلحاظ موضوع الحکم (بهذا المعنی) لیست مسوقة لبیان أصل تحقق هذا الموضوع، بل هی لبیان تحقق حصّة خاصَّة منه بناءً عَلَیٰ استظهار النحو الثَّانِی من الآیة الشریفة.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

ص: 10

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وهناک معنی آخر للموضوع (غیر موضوع الحکم الَّذِی عرفتَه) وهو عبارة عن موضوع نفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة بما هی قضیة شرطیة، والمقصود به ما هو مذکور فی جملة الشَّرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة ولٰکِنَّهُ خارج عن دائرة الفرض والتقدیر الشرطی، وبهذا یمتاز موضوع القضیة عن الشَّرط رغم أَن کلیهما مذکور فی جملة الشَّرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة، لکن الشَّرط داخل فی دائرة الفرض والتقدیر الشرطی، بمعنی أَن تقدیره بارز ولیس مستتراً، بخلاف موضوع القضیة الَّذِی هو خارج عن دائرة الفرض والتقدیر الشرطی بمعنی أَن تقدیره مستتر ولیس بارزاً. إذن، فموضوع القضیة (حَتَّیٰ إذا کانت القضیة حملیة ولم تکن شرطیة) یکون غالباً مقدّر الوجود ومفروضه إذا کانت القضیة الحملیة حقیقیة لا خارجیة، إِلَّا أَن هذا التقدیر والفرض مستتر، فقولنا مَثَلاً: أکرم العالم، قضیة حملیة حقیقیة قدّرنا فیها وجود العالم وفرضناها، إِلَّا أَن هذا التقدیر والفرض لیس تقدیراً وفرضاً شرطیاً (أَیْ: لیس بارزاً)، بل هو خارج عن التقدیر والفرض الشرطی ومستتر غیر بارز، لو أردنا إبرازه قلنا: إِن وجد العالم فأکرمه.

أما الشَّرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فتقدیره وفرضه بارز غیر مستتر وذلک من خلال أداة الشَّرط المذکورة فی الکلام، کما هو الحال فی جملة الشَّرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة مثل قولنا: إِن جاء زید فأکرمه.

إذن، ففی القضایا الشرطیة ما کان مذکوراً فی جملة الشَّرط وداخلاً فی الفرض والتقدیر الشرطی بمعنی أَن تقدیره بارز غیر مستتر (کمجیء زید فی المثال) فهذا هو الشَّرط، وما کان مذکوراً فی جملة الشَّرط وخارجاً عن الفرض والتقدیر الشرطی ولو کان مقدّر الوجود بالمعنی الثابت فی القضایا الحملیة الحقیقیة (أَیْ: أَن تقدیره مستتر وغیر بارز) فهذا هو موضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة، مثل زید فی المثال، حیث أَنَّهُ مذکور فی جملة الشَّرط ولٰکِنَّهُ خارج عن الفرض والتقدیر الشرطی (أَیْ: أَن تقدیره مستتر لو أردنا إبرازه قلنا: إِن کان الجائی زیدً فأکرمه).

ص: 11

إذن، أصبح لدینا فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة اصطلاحان ل_الموضوع:

أحدهما: موضوع الحکم المذکور فی الجزاء، وقد عرفت المقصود منه.

وثانیهما: موضوع نفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة بما هی شرطیة، وقد عرفت أَیْضاً المقصود منه.

والنسبة بین هذین الاصطلاحین هی العموم من وجه، فقد یجتمعان فی شیء واحد (أَیْ: یکون موضوع الحکم وموضوع القضیة واحداً، کما فی المثال المتقدم إِن جاء زید فأکرمه، حیث أَن زید هو موضوع الحکم (أَیْ: أَنَّهُ هو الَّذِی یجب إکرامه)، وهو أَیْضاً موضوع القضیة (أَیْ: أَنَّهُ مذکور فی جملة الشَّرط فی القضیة ولٰکِنَّهُ خارج عن الفرض والتقدیر الشرطی. وقد یفترقان (أَیْ: یکون موضوع الحکم غیر موضوع القضیة) کما إذا قیل: إِن جاء زید فتصدق عَلَیٰ الفقراء حیث أَن موضوع الحکم عبارة عن الفقراء، فهم الَّذِینَ یجب إکرامهم، فی حین أَن موضوع القضیة عبارة عن زید، والشرط هو مجیء زید.

ولیس الشَّرط دخیلاً فی موضوع الحکم بالمعنی المتقدّم لموضوع الحکم، وإن کان بحسب عالم الثبوت موضوعاً للحکم بمعنی دخله فیما قُدّر وفرض فی عالم الجعل، فالمجیء مثلاً فی المثال الأخیر لیس دخیلاً فی الفقراء ولیس موضوعاً للحکم إثباتاً بمعنی أَنَّهُ لم تتعلّق به مادةُ الجزاء (أَیْ: التصدّق) قبلَ تعلیق الجزاء عَلَیٰ الشَّرط وإن کان بحسب عالم الثبوت موضوعاً له بمعنی أَنَّهُ دخیل فیما قدّره المولی وفرضه فی عالم الجعل لکی یجعل الحکم علیه.

والتقدیر الشرطی الَّذِی تَدُلّ علیه أداةُ الشَّرط ینصبّ عَلَیٰ مفاد جملة الشَّرط، وهو عبارة عن النسبة، ففی قولنا مَثَلاً: إِن جاء زید فأکرمه أو قولنا: إِن جاء زید فتصدّق عَلَیٰ الفقراء انصبّ التقدیر الشرطی عَلَیٰ النسبة الثابتة بین المجیء وبین زید، وهذه النسبة وإن کانت عَلَیٰ حدّ سواء بالنسبة إِلَیٰ کُلّ من المجیء وزید؛ إذ أَن کلیهما طرف لها، إِلَّا أَن تقدیر هذه النسبة وفرضها الَّذِی تَدُلّ علیه أداة الشَّرط إِنَّمَا یتّجه نحو المحمول فی هذه النسبة وهو المجیء، لا نحو الموضوع فیها وهو زید (أَیْ: أَن أداة الشَّرط الدَّالَّة عَلَیٰ تقدیر النسبة إِنَّمَا تَدُلّ عَلَیٰ تقدیر المجیء لا عَلَیٰ تقدیر أصل وجود زید.

ص: 12

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وهذا النحو من الموضوع هو فی الواقع تطعیم للقضیة الشرطیة بالقضیة الحملیة الحقیقیة.

توضیح ذلک: أَن القضایا الحملیة عَلَیٰ قسمین:

القسم الأول: القضایا الحملیة الحقیقیة، وهی الَّتِی یکون المحمول فیها منصبّاً عَلَیٰ الموضوع المقدّر الوجود، یعنی أَن المحمول فیها لیس ثابتاً لخصوص الأفراد المحققّة الوجود فی زمانٍ من الأزمنة، بل هو ثابت لکل ما یفرض أَنَّهُ مصداق لهذا الموضوع ولو تقدیراً، کما فی قولنا: النار حَارَّة، الخمر مسکر، بمعنی أَن کُلّ ما یُفرض کونه ناراً أو خمراً (أَیْ: کُلّ ما لو وجد لکان ناراً أو خمراً) یُفرض کونه حاراً أو مسکراً، فالمحمول کما هو ثابت للأفراد المحققة الوجود کذلک هو ثابت للأفراد المقدرة الوجود، وهذا لا محالة یستبطن وجود تلازم بین مَاهِیَّة الموضوع وماهیة المحمول؛ إذ لو لا التلازم بینهما لَما أَمکَن جعل المحمول عَلَیٰ الموضوع بکل مقدَّراته؛ ضرورةَ أَنَّهُ لو لم یکن تلازم بین الماهیتین وکان ثبوت المحمول للموضوع بنحو الاتفاق والصبغة، إذن کیف یُفرض أَن کُلّ ما یقدّر کونه فرداً ومصداقاً للموضوع یکون فردا ومصداقاً للمحمول؟ إذن، فلا بد من وجود التلازم، سواء کان هذا التلازم ثابتاً بالعقل، کما فی قولنا: الأربعة زوج أم کان ثابتا بالتجربة، کما فی قولنا: النار حَارَّة.

ومن هنا نقول: إنا لقضیة الحملیة الحقیقیة هی بحسب روحها قضیة شرطیة مرجعها إِلَیٰ أَنَّهُ إذا وجد شیء وکان مصداقاً للموضوع فهو مصداق للمحمول. فالموضوع مقدّر الوجود فی القضیة الحملیة الحقیقیة، إِلَّا أَن هذا التقدیر وإن کان بارزاً فی عالم المنطق وعند المناطقة، لکنه لیس بارزاً فی عالم الترکیب النحوی وعند النحاة. ومن هنا تُجعل القضیة الحملیة فی مقابل القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی النحو، لا لأجل أَنَّهُ لیس فی الحملیة تقدیر، بل لأَنَّ التقدیر فیها مستتر، أما فی الشرطیة فالتقدیر بارز من خلال أداة الشَّرط.

ص: 13

القسم الثَّانِی: القضایا الحملیة الخارجیة وهی الَّتِی یکون المحمول فیها منصباً عَلَیٰ الموضوع المحقق الوجود خارجاً، یعنی أَن المحمول ثابت لخصوص الأفراد الَّتِی هی موجودة خارجاً فی الزمان الماضی أو الحاضر أو المستقبل. وهذا القسم من القضایا لا یستبطن تقدیراً أصلا للموضوع؛ لأَنَّ موضوعها یختص بالأفراد المحققة الوجود، فهی قضیة ناجزة لیس فیها رائحة الشرطیة حَتَّیٰ عند المناطقة، فهی قضیة فعلیة، ولا معنی لتقدیر ما هو فعلی.

وعلیه فإذا عرفت أَن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة تختلف عن القضیة الحملیة الحقیقیة بأن فیها تقدیراً بارزاً غیر مستتر، فَحِینَئِذٍ نقول: إِن هذه القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة قد تُطعَّم أولاً بروح القضیة الحملیة بحیث یکون لها موضوع حملی مستتر غیر بارز عَلَیٰ نهج ما عرفت فی القضیة الحملیة الحقیقیة، ثُمَّ یکون هذا الموضوع موضوعاً للقضیة الشرطیة، بمعنی أَن الاشتراط وتعلیق الجزاء عَلَیٰ الشَّرط یکون منصبّاً عَلَیٰ هذا الموضوع، ولا یکون هذا التعلیق والاشتراط ثابتاً عند انتفاء هذا الموضوع وانعدامه، بل یکون التقدیر البارز للشرط (من خلال أداة الشَّرط) منصبّاً ومترتّباً علیه ترتّب الحکم عَلَیٰ موضوعه.

وهذا مطلب تترتب علیه ثمرات فی مقام الاستنباط:

منها: أَنَّهُ فی مقام اقتناص المفهوم من القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة لَا بُدَّ من انحفاظ هذا الموضوع الحملی (إذا کان للقضیة الشرطیة موضوع حملی بالمعنی الَّذِی قلناه) فلا تَدُلّ القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة عَلَیٰ انتفاء الجزاء عند انتفاء الشَّرط إذا لم یکن الموضوع الحملی محفوظاً حَتَّیٰ ولو کان موضوع الحکم المذکور فی الجزاء محفوظا. والسرّ فی ذلک هو أَن موضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة کما عرفت عبارة عن الَّذِی حملت علیه القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة بما لها من جملة الشَّرط وجملة الجزاء. ومن الواضح أَن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة لا تمتلک دائما موضوعاً من هذا القبیل، لکن لو کان لها موضوع من هذا القبیل فلا بد من انحفاظه عند انتفاء الشَّرط کی یَتُمُّ المفهوم. والسرّ فی ذلک هو أَن المفهوم إِنَّمَا یستفاد من التعلیق، فإذا کان التعلیق منصبّاً عَلَیٰ شیء فَلَا بُدَّ من انحفاظ ذاک الشَّیْء کی یکون التعلیق محفوظاً، کی یَدُلُّ التعلیق حِینَئِذٍ عَلَیٰ المفهوم. والمفروض أَن موضوع القضیة هو ذاک الشَّیْء الَّذِی انصب علیه التعلیق (أَیْ: تعلیق جملة الجزاء عَلَیٰ جملة الشَّرط). إذن، فَلَا بُدَّ من انحفاظه عند انتفاء الشَّرط کی یَتُمُّ المفهوم، إذن فکلا الموضوعین (موضوع القضیة وموضوع الحکم) لَا بُدَّ من انحفاظهما لکی یَتُمُّ المفهوم وإلا فلا، فمثلا إذا ورد فی الروایة: ذا التقی الختانان وجب الغسل فموضوع الحکم المذکور فی الجزاء هو المکلف الَّذِی یجب علیه الغُسل، لکن موضوع نفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة عبارة عن الختانین، ومعنی کونه موضوعاً لنفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة هو أَن تعلیق وجوب الغُسل عَلَیٰ التقاء الختانین منصبّ عَلَیٰ هذا الموضوع (أَیْ: أَن التعلیق فرع وجود الختانین، فکأنه قال: مَن کان عنده ختان إذا التقی الختانان وجب علیه الغُسل)، فیدل بالمفهوم عَلَیٰ أَن من کان عنده ختان إذا لم یلتق الختانان لا یجب علیه الغُسل، ولا یَدُلُّ بالمفهوم عَلَیٰ أَن مَن لم یکن عنده ختان (کمقطوع الحشفة) إذا أدخل لا یجب علیه الغسل؛ فَإِنَّ هذا لا یمکن أَن یستفاد من الروایة، وهذا من آثار وجود موضوع حملی للقضیة الشرطیة غیر موضوع الحکم؛ إذ لو لا وجود هذا الموضوع لقلنا: إِن الروایة تَدُلّ بالمفهوم عَلَیٰ عدم وجوب الغُسل عند عدم التقاء الختانین مطلقاً، سواء کان هناک ختان ولم یلتقِ أم لم یکن هناک ختان أصلاً. إذن، فالروایة لا مفهوم لها بالنسبة لمثل مقطوع الحشفة، والسبب هو انتفاء هذا الموضوع الحملی الَّذِی هو موضوع أصل القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة وموضوع التعلیق، رغم أَن موضوع الحکم المذکور فی الجزاء وهو المکلف محفوظ.

ص: 14

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ومنها: أَنَّهُ فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة المذکورة فی الآیة الشریفة سوف یکون اندفاع الإشکال القائل بأن القضیة مسوقة لتحقق الموضوع أوضح، ویکون ثبوت المفهوم لها أجلی، وذلک فیما إذا استظهرنا من الآیة الشریفة أَن للقضیة موضوعاً حملیاً بالمعنی الَّذِی قلناه، فلا یعقل حِینَئِذٍ أَن یکون الشَّرط مسوقاً لتحقق الموضوع.

وتوضیحه:

أَنَّنَا تارة نفترض أَن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة المذکورة فی الآیة الشریفة لا موضوع حملی لها، وذلک بأن نقول: إِن کُلّ مدخول أداة الشَّرط فیها هو شرط، فَحِینَئِذٍ یمکن أَن یُثار (حول هذا الشَّرط) الإشکال القائل بِأَنَّهُ شرط مسوق لتحقیق الموضوع؛ لِأَنَّهُ یکون حِینَئِذٍ من النحو الأول من الأنحاء الثلاثة الَّتِی ذکرناها سابقاً المتصوَّرة للشرط ولموضوع الحکم فی الآیة، وهو أَن موضوع الحکم حِینَئِذٍ عبارة عن نبأ الفاسق؛ لرجوع الضمیر المقدَّر (الواقع موضوعاً لوجوب التَّبَیُّن) إِلَیٰ نبأ الفاسق، والشرط عبارة عن مجیء الفاسق بالنبأ، فیکون الشَّرط هو الأسلوب الوحید لتحقیق الموضوع، وبانتفائه ینتفی الموضوع قهراً وعقلاً فتکون سالبة بانتفاء الموضوع، فلا مفهوم لها.

وأخری نفترض أَن لها موضوعاً حملیاً انصبّ علیه تعلیق الجزاء عَلَیٰ الشَّرط (أَیْ: تعلیق وجوب التبیّن عَلَیٰ مجیء الفاسق) وهو النبأ بحیث یکون النبأ هنا بمثابة الختان فی تلک الروایة، فهو موضوع حملی للقضیة الحملیة قبل القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة، ولذا یَصِحّ تقدیمه عَلَیٰ أداة الشَّرط، فیقال: النبأ إذا جاءکم به فاسق فتبیّنوا، من دون أَن یختلّ المعنی؛ فهو لیس داخلاً فی نطاق الفرض والتقدیر الشرطی الَّذِی تَدُلّ علیه الأداة وإلا لَما صحَّ تقدیمه عَلَیٰ الأداة. إذن، فهو لیس شرطاً؛ لأَنَّ الشَّرط لا یَصِحّ تقدیمه عَلَیٰ أداة الشَّرط، إعداد الشَّیْخ محسن الطّهرانیّ عفی عنه بل هو موضوع لنفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة قد انصبّ علیه التعلیق، فهو بَناء عَلَیٰ هذا مقدَّر الوجود ومحفوظ ومفروغ عن وجوده. وعلیه فلا یعقل أَن یکون الشَّرط مسوقاً لتحقّقه؛ لأَنَّ الشَّرط والتعلیق قد لوحظ فی الرتبة المتأخرة عن فرض الفراغ عن وجود النبأ، فیتعین حِینَئِذٍ أَن یکون الشَّرط فی مقام بیان صفة ثانویة بعد الفراغ عن وجود النبأ، وهی صفة الفسق فی المخبِر وأَن تکون القضیة جاءت لإناطة الحکم بهذه الصفة مع الفراغ عن أصل وجود النبأ، فلا یتوهم ولا مجال حِینَئِذٍ لدعوی أَن الشَّرط مسوق لتحقیق الموضوع، فیکون اندفاع الإشکال وثُبوت المفهوم للآیة أجلی وأوضح.

ص: 15

إذن، تحصل مِمَّا قدمناه إِلَیٰ الآن أَن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة المذکورة فی الآیة الشریفة لیست مسوقةً لبیان الموضوع.

إِلَّا أَن الصحیح مع ذلک کله عدم ثبوت المفهوم فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة المذکورة فی الآیة رغم البناء عَلَیٰ کبری ثُبوت مفهوم الشَّرط؛ وذلک لأَنَّ کُلّ ما قدمناه لحد الآن کان مبنیّاً عَلَیٰ افتراض أَن موضوع الحکم بوجوب التبیّن فی الآیة (أَیْ: الَّذِی تعلّقت به مادّة التَّبَیُّن) عبارة عن النبأ کما عرفت، فی حین أَن هناک احتمالاً آخر، وهو أَن یکون موضوع الحکم فیها عبارة عن نفس الفاسق، بأن یکون المقصود وجوب التبیّن عن حال الفاسق وأنه هل له غرض وداعٍ إِلَیٰ الکذب فی هذا الإخبار، وهل توجد بینه وبین الَّذِینَ نسب إلیهم ما یُشینهم عداوة أم لا؟ فإن هذا الاحتمال وارد فی الآیة ویمنع من أَن نستظهر منها رجوع الضمیر الواقع موضوعاً لوجوب التَّبَیُّن المذکور فی الجزاء إِلَیٰ النبأ وَحِینَئِذٍ فبناءً عَلَیٰ هذا الاحتمال یکون من الواضح عدم ثبوت المفهوم لهذه القضیة؛ لأَنَّ قوام المفهوم إِنَّمَا هو بأن یکون لموضوع الحکم (فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقییده بالشرط) إطلاق یشمل فرض عدم وجود الشَّرط، حَتَّیٰ یکون التقیید بالشرط هدماً لذاک الإطلاق فی الرتبة المتأخرة وتقییداً له وینتزع من ذلک المفهوم، أما إذا لم یکن کذلک فلا یتصور أصلا تقییده بالشرط فی الرتبة المتأخرة حَتَّیٰ ینتزع من ذلک المفهوم؛ فَإِنَّ التقیید فرع وجود إطلاق للموضوع فی ذاته، فإذا قیل مَثَلاً: ِن حیّاک شخص بتحیّة رُدَّ علیه التحیّة لم یکن لهذا الکلام مفهوم یَدُلُّ عَلَیٰ عدم وجوب الرد إذا لم یبتدأ شخص بالتحیة؛ لأَنَّ الرد (الَّذِی هو موضوع الحکم) فی نفسه لا یُعقل إذا لم یکن هناک ابتداء بالتحیة من شخص؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطّهرانیّ عفی عنه فهو لیس له إطلاق فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقییده بالشرط یشمل فرض عدم وجود الشَّرط وعدم الابتداء بالتحیة کی یکون التقیید بالشرط هدماً لهذا الإطلاق وَبِالتَّالِی ینتزع منه المفهوم. وعلیه فبناءً عَلَیٰ أَن یکون موضوع الحکم فی الآیة الشریفة عبارة عن نفس الفاسق، فإن هذا الموضوع لیس له فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقییده بالشرط (أَیْ: بمجیء الفاسق بالنبأ) إطلاق یشمل فرض عدم وجود الشَّرط (أَیْ: فرض العدالة کما هو واضح)، ضرورةَ أَن موضوع الحکم إذا کان هو الفاسق فهو لا یشمل العادل، وَحِینَئِذٍ فلا یُتصوَّر أصلا تقییده بالشرط، وَبِالتَّالِی فلا یُنتَزع المفهوم.

ص: 16

إذن، فإذا کان هذا الاحتمال وارداً فی الآیة (وهو احتمال کون موضوع الحکم هو الفاسق) فسوف تکون الآیة مجملة ومردَّدة بین هذا الاحتمال وبین احتمال أَن یکون موضوع الحکم هو النبأ، فعلی أحد الاحتمالین (وهو أَن یکون الموضوع هو النبأ) لا یکون انتفاء الشَّرط (أَیْ: مجیء الفاسق بالنبأ) موجباً لانتفاء الموضوع، وَعَلَیٰ الاحتمال الآخر (وهو أَن یکون الموضوع هو الفاسق) یکون انتفاء الشَّرط موجباً لانتفاء الموضوع، وعلیه فالقضیة عَلَیٰ أحد الاحتمالین مسوقة لبیان الموضوع، وَعَلَیٰ الاحتمال الآخر لیست کذلک، فبالتالی لا ظهور للآیة الشریفة فی المفهوم.

هذا تمام الکلام فی الإشکال الأول عَلَیٰ الاستدلال بمفهوم الشَّرط فی الآیة، وذلک من خلال القول بأن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فیها مسوقة لبیان الموضوع، وقد عرفتَ أَن الإشکال وارد بِالنَّحْوِ الَّذِی قلناه.

وللبحث صلة تأتی إِن شاء الل_ه فی یوم السبت والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

الإشکال الثَّانِی: ما ذکره المحقق الأصفهانی وَالسَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ وهذا الإشکال له صیغتان:

إحداهما: ما ذکره المحقق الأصفهانی فی حاشیته عَلَیٰ الکفایة.

والأخری: ما ذکره السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ عَلَیٰ ما فی تقریرات بحثه، وهی ترجع بروحها إِلَیٰ الصیغة الأولی لکن مع تطویرها إِلَیٰ صیغة أفضل.

أما الصیغة الأولی فهی أَن النبأ (الَّذِی هو موضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة بناءً عَلَیٰ المفهوم) إما أَن یراد به طبیعی النبأ، وإما أَن یراد به الإشارة إِلَیٰ فردٍ ونبأٍ خارجی مفروغ التحقق ومحقَّق الوجود خارجاً کما فی مثل قولنا: ِن کان النبأ الَّذِی قد وصلک من فاسق فیجب التَّبَیُّن عنه، وکل من الشِّقّین یلزم منه محذور:

ص: 17

أما الشق الأول فمن الواضح أَن طبیعی النبأ یشمل نبأ العادل والفاسق؛ لأَنَّ کلا منهما نبأ، فإن التزمنا بأن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة ذات مفهوم لکان معناه أَنَّهُ متی جاء فاسق بطبیعی النبأ وجب التَّبَیُّن، وهذا معناه أَنَّهُ إذا أخبر فاسق بنبأٍ فقد صدق الشَّرط وهو مجیء الفاسق بطبیعی النبأ؛ لأَنَّ الطَّبِیعِیّ یوجد بوجود فرده. إذن، یتحقق الجزاء وهو وجوب التَّبَیُّن عن طبیعی النبأ، وحیث أَن هذا الوجوب المتعلق بطبیعی النبأ یسری لا محالة إِلَیٰ تمام أفراده، یلزم من ذلک أَنَّهُ حینما یخبر الفاسق بنبأ یجب التبیّن عن طبیعی النبأ بما فی ذلک نبأ العادل، فأخبار العدول أَیْضاً یجب التَّبَیُّن عنها حینما یجیء فاسق بنبأ، وبهذا تنتج القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة هنا نتیجة غریبة مخالفة للوجدان، ولا یلتزم بها أحد.

وأما الشق الثَّانِی وهو أَن یکون النبأ المأخوذ موضوعاً عبارة عنا لنبأ الموجود خارجاً، بمعنی أَن النبأ فرض وقوعه ووجوده خارجاً، فهذا خلاف سیاق القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة المذکورة فی الآیة؛ فَإِنَّهَا لیست ظاهرة فی افتراض نبأ خَاصّ فرض وجوده، وإلا لکان ینبغی أَن تصاغ العبارة بنحو یَدُلُّ عَلَیٰ فرضه ووقوعه (أَیْ: بنحو یَدُلُّ عَلَیٰ مضیّ النبأ من قبیل أَن یقال: ِن کان النبأ الَّذِی قد جاءکم من فاسق فتبیّنوا، فی حین أَن العبارة فی الآیة لا تَدُلّ عَلَیٰ المضیّ والوقوع بوجهٍ). إذن، فحمل الآیة عَلَیٰ ذلک خلاف الظاهر، وعلیه فیتعیّن أَن لا یکون النبأ موضوعاً للقضیة الشرطیة المذکورة فی الآیة، وإذا لم یکن هذا موضوعاً فلا مفهوم للآیة.

وأجاب + عن هذا الإشکال بما حاصله ببیانٍ منّا: أَن بالإمکان اختیار الشِّقّ الأول من دون أَن یلزم منه المحذور المذکور والنتیجة الغریبة المشار إلیها آنفاً وذلک بأن نقول: إِن المقصود من کون موضوع وجوب التَّبَیُّن عبارة عن طبیعی النبأ لیس هو الطَّبِیعِیّ الملحوظ بنحو الوجود الساری، بل المراد منه ذات الطَّبِیعِیّ بلا ملاحظة سریانه إِلَیٰ تمام الأفراد، ولا مانع من أَن یکون موضوع الحکم (فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم) مُطْلَقاً بهذا المعنی (أَیْ: ذات الطَّبِیعِیّ) بلا قید مجیئه من الفاسق أو من العادل)، ثُمَّ فی المرتبة المتأخرة عن مرتبة الموضوعیة یتقید من ناحیة الشَّرط ویتحصّص إِلَیٰ حصة مضافة إِلَیٰ الفاسق وحصة مضافة إِلَیٰ العادل، وفائدة الإطلاق فی المرتبة السَّابِقَة (مرتبة الموضوعیة) هی انتزاع المفهوم؛ إذ لو لا فرض إطلاق الموضوع فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التعلیق وَعَلَیٰ تقییده بالشرط لَما أمکن انتزاع المفهوم.

ص: 18

والتحقیق کما أفاد سَیّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِیدُ هو أَنَّهُ لا محصَّل لهذا الجواب، ولا لأصل الإشکال؛ وذلک:

أما الجواب الَّذِی أفاده المحقق الأصفهانی فلأنه یرد علیه:

أَنَّهُ إن أراد التَّفْصِیل بین الإطلاق الملحوظ بنحو الوجود السّاری (وهو ما سمّیناه نحن فی بحث دلالة المطلق باسم الإطلاق اللحاظی، وهو الَّذِی لوحظ فیه السریان) وبین الإطلاق بنحو صرف الوجود (وهو ما سمیناه هناک باسم الإطلاق الذاتی، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وهو الَّذِی لم یلحظ فیه أیّ شیء لا السریان ولا عدم السریان)، وذلک بدعوی أَن الأول یوجب السریان إِلَیٰ تمام الأفراد؛ باعتبار أَنَّهُ لوحظ فیه السریان، بخلاف الثَّانِی؛ باعتبار أَنَّهُ لم یلحظ فیه السریان، وحیث أَن إطلاق النبأ فی القام فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم إِنَّمَا هو من قبیل الثَّانِی الَّذِی لا یوجب السریان؛ لعدم لحاظ السریان فیه، فلذا ینتزع المفهوم من دون أَن یرد المحذور المذکور فی الإشکال؛ لأَنَّ موضوع وجوب التَّبَیُّن عبارة عن ذات النبأ من دون سریانه إِلَیٰ تمام الأفراد، فلا یسری الحکم المتعلق به وهو وجوب التَّبَیُّن إِلَیٰ تمام أفراد النبأ کی یلزم من ذلک وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول عندما یجیء فاسق بنبأ، والسبب فی ذلک هو أَنَّهُ لم یلحظ فیه السریان.

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه غداً والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

والتحقیق کما أفاد سَیّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِیدُ هو أَنَّهُ لا محصَّل لهذا الجواب، ولا لأصل الإشکال؛ وذلک:

ص: 19

أما الجواب الَّذِی أفاده المحقق الأصفهانی فلأنه یرد علیه:

أَنَّهُ إن أراد التَّفْصِیل بین الإطلاق الملحوظ بنحو الوجود السّاری (وهو ما سمّیناه نحن فی بحث دلالة المطلق باسم الإطلاق اللحاظی، وهو الَّذِی لوحظ فیه السریان) وبین الإطلاق بنحو صرف الوجود (وهو ما سمیناه هناک باسم الإطلاق الذاتی، وهو الَّذِی لم یلحظ فیه أیّ شیء لا السریان ولا عدم السریان)، وذلک بدعوی أَن الأول یوجب السریان إِلَیٰ تمام الأفراد؛ باعتبار أَنَّهُ لوحظ فیه السریان، بخلاف الثَّانِی؛ باعتبار أَنَّهُ لم یلحظ فیه السریان، وحیث أَن إطلاق النبأ فی القام فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم إِنَّمَا هو من قبیل الثَّانِی الَّذِی لا یوجب السریان؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه لعدم لحاظ السریان فیه، فلذا ینتزع المفهوم من دون أَن یرد المحذور المذکور فی الإشکال؛ لأَنَّ موضوع وجوب التَّبَیُّن عبارة عن ذات النبأ من دون سریانه إِلَیٰ تمام الأفراد، فلا یسری الحکم المتعلق به وهو وجوب التَّبَیُّن إِلَیٰ تمام أفراد النبأ کی یلزم من ذلک وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول عندما یجیء فاسق بنبأ، والسبب فی ذلک هو أَنَّهُ لم یلحظ فیه السریان.

أقول: إِن کان هذا هو مراد المحقق الأصفهانی فی جوابه المذکور عن الإشکال، فیرد علیه ما حقّقناه فی بحث دلالة المطلق من أَن الإطلاق الذاتی أَیْضاً یقتضی السریان إِلَیٰ تمام الأفراد، فحتی إذا لم یلحظ السریان؛ فَإِنَّهُ مع ذلک بذاته یقتضی السریان، فیعود الإشکال؛ إذ أَن موضوع وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ إذا کان عبارة عن النبأ بنحو صرف الوجود (أَیْ: الإطلاق الذاتی الَّذِی لم یلحظ فیه السریان) فَإِنَّهُ مع ذلک یسری الحکم المتعلق به وهو وجوب التَّبَیُّن إِلَیٰ تمام أفراد النبأ، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فیجب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول عندما یجیء فاسق بنبأ، وهذا هو الإشکال.

ص: 20

والحاصل أَن المحقق الأصفهانی إِن کان یرید أَن یقول: حیث أَن النبأ فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم لم یلحظ فیه السریان إِلَیٰ جمیع الأفراد فلذا لا یسری الحکم الَّذِی تعلق به إِلَیٰ جمیع الأفراد کی یرد محذور وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول عند ما یجیء فاسق بنبأ، فهذا جوابه هو أَنَّهُ حَتَّیٰ إذا لم یلحظ فیه السریان فَإِنَّهُ مع ذلک یسری الحکم ویرد المحذور.

وإن أراد بذلک بیان أَن النبأ من ناحیة تقییده بالشرط لا یسری إِلَیٰ جمیع الأفراد وإن کان فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقییده به مطلقاً ویسری إِلَیٰ تمام الأفراد، فهو یرید أَن یقول: إِن إطلاقه هذا إطلاق مرتبتی (أَیْ: فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم) ولیس إطلاقا واقعیاً؛ فَإِنَّ النّبأ وإن کان فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط (أَیْ: فی مرتبة کونه موضوعاً للحکم مُطْلَقاً) لکنه فی المرتبة المتأخرة عن ذلک حُصِّص (بسبب التقیید بالشّرط) إِلَیٰ حصّتین: إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه حصة مضافة إِلَیٰ الفاسق، وحصة مضافة إِلَیٰ العادل، فَتَعلَّق الحکم بالحصة المضافة إِلَیٰ الفاسق خاصَّة، فلا یسری الحکم إِلَیٰ تمام الحصص والأفراد کی یرد محذور وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول. ولعل هذا هو الظاهر من عبارته ، فهو وإن ذکر عدم لحاظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط، لکنه لم یکن یقصد بذلک أَنَّهُ ما دام لم یلحظ السریان إذاً فلا یسری الحکم، کی یرد علیه جوابنا المتقدم آنفاً القائل بِأَنَّهُ حَتَّیٰ إذا لم یلحظ السریان فإنّ الحکم یسری، بل کان یقصد بذلک أَنَّهُ ما دام لم یلحظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط (أَیْ: فی رتبة الموضوع) إذن فبالإمکان تقیید الإطلاق فی المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ إذ لو کان قد لوحظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة (أَیْ: فی رتبة الموضوع) لم یکن من المعقول حِینَئِذٍ التقیید بعد ذلک فی المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ لوضوح أَن التقیید عبارة عن لحاظ عدم السریان، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فلا یجتمع مع لحاظ السریان. وَعَلَیٰ کُلّ حال فإن کان مقصوده هذا فیرد علیه: أَن الَّذِی یقیَّد بالشرط عبارة عن الحکم (أَیْ: وجوب التَّبَیُّن والفحص لا الموضوع، أی: النبأ)؛ فَإِنَّ مصبّ التقیید بالشرط والتعلیق علیه إِنَّمَا هو الحکم دون الموضوع، فالذی یُفحَص عنه لا زال عبارةً عن طبیعی النبأ، لکن وجوب الفحص عنه مشروط بمجیء الفاسق به. إذن، فیعود الإشکال وهو أَنَّهُ یلزم من ذلک وجوب التَّبَیُّن عن طبیعی النبأ (حَتَّیٰ أَنباء العدول) عند مجیء الفاسق بنبأ، وهو غیر محتمل.

ص: 21

إذن، فالجواب الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانی عَلَیٰ الإشکال غیر تام.

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه غداً والحمد للَه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وإن أراد بذلک بیان أَن النبأ من ناحیة تقییده بالشرط لا یسری إِلَیٰ جمیع الأفراد وإن کان فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تقییده به مطلقاً ویسری إِلَیٰ تمام الأفراد، فهو یرید أَن یقول: إِن إطلاقه هذا إطلاق مرتبتی (أَیْ: فی مرتبة وقوعه موضوعاً للحکم) ولیس إطلاقا واقعیاً؛ فَإِنَّ النّبأ وإن کان فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط (أَیْ: فی مرتبة کونه موضوعاً للحکم مُطْلَقاً) لکنه فی المرتبة المتأخرة عن ذلک حُصِّص (بسبب التقیید بالشّرط) إِلَیٰ حصّتین: حصة مضافة إِلَیٰ الفاسق، وحصة مضافة إِلَیٰ العادل، فَتَعلَّق الحکم بالحصة المضافة إِلَیٰ الفاسق خاصَّة، فلا یسری الحکم إِلَیٰ تمام الحصص والأفراد کی یرد محذور وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول. ولعل هذا هو الظاهر من عبارته ، فهو وإن ذکر عدم لحاظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط، لکنه لم یکن یقصد بذلک أَنَّهُ ما دام لم یلحظ السریان إذاً فلا یسری الحکم، کی یرد علیه جوابنا المتقدم آنفاً القائل بِأَنَّهُ حَتَّیٰ إذا لم یلحظ السریان فإنّ الحکم یسری، بل کان یقصد بذلک أَنَّهُ ما دام لم یلحظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ التقیید بالشرط (أَیْ: فی رتبة الموضوع) إذن فبالإمکان تقیید الإطلاق فی المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ إذ لو کان قد لوحظ السریان فی الرتبة السَّابِقَة (أَیْ: فی رتبة الموضوع) لم یکن من المعقول حِینَئِذٍ التقیید بعد ذلک فی المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ لوضوح أَن التقیید عبارة عن لحاظ عدم السریان، فلا یجتمع مع لحاظ السریان. وَعَلَیٰ کُلّ حال فإن کان مقصوده هذا فیرد علیه: أَن الَّذِی یقیَّد بالشرط عبارة عن الحکم (أَیْ: وجوب التَّبَیُّن والفحص لا الموضوع، أی: النبأ)؛ فَإِنَّ مصبّ التقیید بالشرط والتعلیق علیه إِنَّمَا هو الحکم دون الموضوع، فالذی یُفحَص عنه لا زال عبارةً عن طبیعی النبأ، لکن وجوب الفحص عنه مشروط بمجیء الفاسق به. إذن، فیعود الإشکال وهو أَنَّهُ یلزم من ذلک وجوب التَّبَیُّن عن طبیعی النبأ (حَتَّیٰ أَنباء العدول) عند مجیء الفاسق بنبأ، وهو غیر محتمل.

ص: 22

إذن، فالجواب الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانی عَلَیٰ الإشکال غیر تام.

وأمّا أصل الإشکال فهو أَیْضاً غیر صحیح، وجوابه عبارة عن انحلال القضیة، ونظراً إِلَیٰ أَن هذه الآیة فی نفسها لیس لها مفهوم بحسب الواقع فمن المستحسَن نقل المغالطة الَّتِی ینطوی علیها الإشکال المذکور إِلَیٰ مثال آخر کی یتّضح الجواب عنها. فلنفرض أَن الآیة کانت بالصیغة التالیة: النبأ إِن جاءکم به الفاسق فتبیّنوا ومعناها أَن طبیعی النبأ إِن جاء به الفاسق فتبیّنوا، فیقال: إنه یلزم من ذلک وجوب التَّبَیُّن بالنسبة إِلَیٰ نبأ العادل أَیْضاً بواسطة ثبوت نبأ الفاسق، وهذه مغالطة نشأت من تخیّل سریان الحکم بما هو وبذاته إِلَیٰ تمام الأفراد، مع أَنَّهُ لیس الأمر کذلک؛ فَإِنَّ الحکم إِنَّمَا یسری إِلَیٰ تمام الأفراد لا بما هو وبذاته، بل بما هو معلّق عَلَیٰ الشَّرط.

وبتعبیر آخر: إِن أصل القضیة بما هی قضیة تنحلّ إِلَیٰ قضایا عدیدة، لا أَن جزءاً منها ینحل، وبکلمة أخری: إِن الانحلال ثابت للمعلَّق والمعلَّق علیه والتعلیق معاً، فقولنا: النبأ إِن جاءکم به فاسق فتبینوا یکون عرفاً فی قوّة أَن یقال: هذا النبأ إِن جاءکم به فاسق فتبیّنوا، وذاک النبأ إِن جاءکم به فاسق فتبیّنوا، وذلک النبأ إِن جاءکم به فاسق فَتَبَیَّنُوا، وهکذا... تنحل هذه القضیة الواحدة إِلَیٰ قضایا عدیدة کُلّ واحدة منها مشتملة عَلَیٰ المعلَّق والمعلَّق علیه والتعلیق، ولولا هذا الانحلال لسری الإشکال المذکور إِلَیٰ غیر ما نحن فیه من موارد مفهوم الشَّرط؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی لإمکان تقریبه فی کُلّ قضیة شرطیة ذات المفهوم إذا کانت من قبیل ما نحن فیه (أَیْ: کان الموضوع الَّذِی یُبحث عن تحصّصه وعدم تحصّصه کلّیاً - کما فی المقام حیث أَن الموضوع هو النبأ - لا جزئیاً حقیقیّاً) وکان موضوع الجزاء عائداً إِلَیٰ نفس ذاک الموضوع الموجود فی الشَّرط (کما فی المقام حیث أَن الضمیر المستتر فی الجزاء الَّذِی تعلّقت به مادَّة الجزاء الَّتِی هی عبارة عن التَّبَیُّن عائد إِلَیٰ نفس الموضوع الموجود فی الشَّرط وهو النبأ). إذن، ففی کُلّ مورد یتوفّر فیه هذان الشرطان یکون من قبیل ما نحن فیه، حیث یأتی فیه الإشکال المذکور، فلا مجال لهذا الإشکال حینما یکون الموضوع جزئیاً حقیقیّاً، کما فی قولنا: ِن جاء زید فأکرمه، ولا مجال له أَیْضاً حینما یختلف موضوع الجزاء عن موضوع الشَّرط، کما فی قولنا: ِن رزقت ولداً فتصدّق عَلَیٰ الفقراء. والسبب فی ذلک واضح؛ فَإِنَّ قوام الإشکال إِنَّمَا هو بکون الموضوع هو الطَّبِیعِیّ الکلی القابل للتّحصّص، وکونه عین ما تعلق به الحکم فی الجزاء، فیقال حِینَئِذٍ: إنه یلزم ثبوت الحکم المذکور فی الجزاء لکل أفراد ذاک الطَّبِیعِیّ کلّما تحقّق فرد منه؛ ففی قولنا: ِن جاء زید فأکرمه حیث أَن الموضوع جزئی حقیقی فلا یرد الإشکال ولا معنی لأنْ یقال حِینَئِذٍ: إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی إنه یلزم ثبوت الحکم لکل الأفراد کلّما تحقّق فرد من الموضوع، وفی قولنا: ِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَیٰ الفقراء حیث أَن موضوع الجزاء هو الفقراء بینما الموضوع الموجود فی الشَّرط هو الولد، فأیضا لا یرد المحذور والإشکال؛ إذ لا ضیر فی الالتزام حِینَئِذٍ بثبوت الحکم لکل الأفراد (أَیْ: وجوب التصدق عَلَیٰ کُلّ الفقراء کلّما تحقق فرد من الموضوع الطَّبِیعِیّ الکلی وهو الولد؛ فَإِنَّ هذا لیس أمراً غریبا لا یلتزم به أحد، بل هو ما تقتضیه القاعدة کما هو واضح.

ص: 23

وبهذا ظهر عدمُ صحّة ما أفاده السید الهاشمی حفظه الل_ه من أَن الإشکال المذکور (أَعنی: إشکال المحقق الأصفهانی ) لو تَمَّ أوجب سقوط المفهوم مطلقاً حَتَّیٰ فیما إذا کان الموضوع جزئیاً کقولنا: ِن جاء زید فأکرمه، أو کان موضوع الجزاء غیر راجع إِلَیٰ موضوع الشَّرط کقولنا: ِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَیٰ الفقراء؛ إذ یقال هنا أَیْضاً: إِن کان الشَّرط قیداً فی موضوع الجزاء (بأن فرضنا فی المثال الأول مَثَلاً أَن المجیء قید فی موضوع وجوب الإکرام) فیکون وجوب الإکرام موضوعه عبارة عن زید الجائی، فبانتفاء الشَّرط ینتفی الموضوع، فیکون انتفاء الحکم حِینَئِذٍ من باب انتفاء موضوعه، فلا یکون للکلام مفهوم. وإن لم یکن الشَّرط قیداً فی موضوع الجزاء لزم إطلاق وجوب إکرام زید للإکرام الواقع قبل مجیئه؛ لأَنَّ المفروض کون المنطوق فی طرف الجزاء عبارة عن مطلق وجوب إکرام زید الصادق عَلَیٰ إکرامه قبل مجیئه، مع أَن هذا الإطلاق غیر ثابت فی طرف الجزاء قطعاً.

أقول: هذا الکلام غیر صحیح؛ فَإِنَّنَا نختار الشق الثَّانِی، وهو أَن الشَّرط لیس قیدا فی موضوع الجزاء، لکنه قید فی نفس الجزاء والحکم، فلیس المنطوق فی طرف الجزاء هو مطلق وجوب إکرام زید الصادق عَلَیٰ إکرامه قبل مجیئه، وعلیه فلا یلزم من ذلک إطلاقُ وجوب إکرام زید للإکرام الواقع قبل مجیئه؛ وذلک لما قلناه فی مناقشة الجواب الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانی عَلَیٰ الإشکال من أَن مصبّ التقیید بالشرط والتعلیق علیه لیس هو الموضوع، بل هو الحکم؛ فَإِنَّهُ المقیَّد والمشروط بالشرط والمعلَّق علیه، فبانتفائه لا وجوب للإکرام؛ فالإکرام الواقع قبل مجیئه لم یقع عَلَیٰ صفة الوجوب کی یرد الإشکال الَّذِی ذکره السید الهاشمی حفظه الل_ه کما هو واضح.

ص: 24

وللبحث صلة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وبهذا ظهر عدمُ صحّة ما أفاده السید الهاشمی حفظه الل_ه من أَن الإشکال المذکور (أَعنی: إشکال المحقق الأصفهانی ) لو تَمَّ أوجب سقوط المفهوم مطلقاً حَتَّیٰ فیما إذا کان الموضوع جزئیاً کقولنا: ِن جاء زید فأکرمه، أو کان موضوع الجزاء غیر راجع إِلَیٰ موضوع الشَّرط کقولنا: ِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَیٰ الفقراء؛ إذ یقال هنا أَیْضاً: إِن کان الشَّرط قیداً فی موضوع الجزاء (بأن فرضنا فی المثال الأول مَثَلاً أَن المجیء قید فی موضوع وجوب الإکرام) فیکون وجوب الإکرام موضوعه عبارة عن زید الجائی، فبانتفاء الشَّرط ینتفی الموضوع، فیکون انتفاء الحکم حِینَئِذٍ من باب انتفاء موضوعه، فلا یکون للکلام مفهوم. وإن لم یکن الشَّرط قیداً فی موضوع الجزاء لزم إطلاق وجوب إکرام زید للإکرام الواقع قبل مجیئه؛ لأَنَّ المفروض کون المنطوق فی طرف الجزاء عبارة عن مطلق وجوب إکرام زید الصادق عَلَیٰ إکرامه قبل مجیئه، مع أَن هذا الإطلاق غیر ثابت فی طرف الجزاء قطعاً.

أقول: هذا الکلام غیر صحیح؛ فَإِنَّنَا نختار الشق الثَّانِی، وهو أَن الشَّرط لیس قیدا فی موضوع الجزاء، لکنه قید فی نفس الجزاء والحکم، فلیس المنطوق فی طرف الجزاء هو مطلق وجوب إکرام زید الصادق عَلَیٰ إکرامه قبل مجیئه، وعلیه فلا یلزم من ذلک إطلاقُ وجوب إکرام زید للإکرام الواقع قبل مجیئه؛ وذلک لما قلناه فی مناقشة الجواب الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانی عَلَیٰ الإشکال من أَن مصبّ التقیید بالشرط والتعلیق علیه لیس هو الموضوع، بل هو الحکم؛ فَإِنَّهُ المقیَّد والمشروط بالشرط والمعلَّق علیه، فبانتفائه لا وجوب للإکرام؛ فالإکرام الواقع قبل مجیئه لم یقع عَلَیٰ صفة الوجوب کی یرد الإشکال الَّذِی ذکره السید الهاشمی حفظه الل_ه کما هو واضح.

ص: 25

والحاصل أَنَّهُ لو لا الانحلال الَّذِی ذکرناه لکان الإشکال المذکور ساریاً إِلَیٰ کُلّ الموارد الأخری الَّتِی هی مشابهة لموردنا. وَحَلُّ الإشکال فی جمیع هذه الموارد إِنَّمَا هو بما قلناه من انحلال کُلّ القضیة؛ فنحن فی المقام نختار الشق الأول من الشقین المذکورین فی الإشکال، وهو أَن المراد بموضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة طبیعی النبأ، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه إِلَّا أَن کون الموضوع طبیعی النبأ فی الشَّرط والجزاء لا یعنی وجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ لمجرد تحقق مجیء الفاسق بطبیعی النبأ، وَإِنَّمَا یعنی أَن موضوع الحکم المذکور هو طبیعی النبأ، وهذا الطَّبِیعِیّ کلّیّ انحلالیّ ینحلّ لا محالة إِلَیٰ أفراده، ومعنی کلّیته وانحلاله عبارة عن انحال حکمه بتبع انحلاله، وحکمه هو وجوب التَّبَیُّن المعلَّق والمشروط فی هذا النبأ وفی ذاک النبأ، وهکذا..

إذن، فهنا قضیة کلیة لها موضوع شرطی ومحمول جزائی، والمحمول الجزائی ینحلّ، فکل حصة من طبیعی النبأ لها حصة من وجوب التبیّن المعلَّق.

وبعبارة أخری: کُلّ نبأٍ له حکم مشروط وهو وجوب التَّبَیُّن إذا جاء به فاسق، فمتی جاء فاسق بحصةٍ أصبح الوجوبُ فعلیاً بالنسبة إِلَیٰ تلک الحصة، لا أَنَّهُ أصبح فعلیاً بالنسبة إِلَیٰ سائر الحصص، فلا یثبت بمجیء فاسق بنبأ وجوب التَّبَیُّن بالنسبة إِلَیٰ الحصص الأخری لطبیعی النبأ الَّتِی لم یتحقق فیها الشَّرط، بل وجوب التبیّن بالنسبة إِلَیٰ خصوص ذاک الَّذِی تحقق فیه الشَّرط کما هو واضح، ولیس ذلک إِلَّا باعتبار نکتة انحلال الموضوع والمحمول (أَیْ: الشَّرط والجزاء) وتطابق هذین الانحلالین وکون انحلال الحکم بتبع انحلال الموضوع انحلالاً له بما هو معلَّق ومشروط لا بما هو هو وبذاته.

ص: 26

هذا تمام الکلام فی الصیغة الأولی للإشکال الثَّانِی فی المقام، وهی الَّتِی ذکرها المحقق الأصفهانی وأجاب عنها، وقد عرفتَ أَنَّهُ لا الجوابُ صحیحٌ ولا أصل الإشکال.

وأما الصیغة الثانیة للإشکال فهی الَّتِی ذکرها السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ وأجاب عنها، وهی ترجع بروحها إِلَیٰ نفس ما قاله المحقق الأصفهانی لکن مع تطویره إِلَیٰ صیغة أفضل، حیث قال : إِن موضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة إما هو طبیعی النبأ، وإما هو نبأ الفاسق بالخصوص، وکلا الشِّقَّین فیه محذور:

فإن کان الأول لزم منه الإشکال الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانی ، وهو أَنَّهُ متی ما جاء فاسقٌ بنبأٍ وجب التَّبَیُّن عن طبیعی النبأ الشامل حَتَّیٰ لخبر العادل، وهو باطل کما عرفت.

وإن کان الثَّانِی فبانتفاء الشَّرط ینتفی الموضوع أیضاً فیکون من باب السالبة بانتفاء الموضوع؛ إذ یکون مفاد الآیة بناءً عَلَیٰ هذا: نبأ الفاسق إِن جاءکم به الفاسق فتبیّنوا وهذه قضیة شرطیة مسوقة لتحقیق الموضوع، فلا مفهوم لها؛ لأَنَّ مجیء الفاسق بالنبأ یکون محقّقاً للموضوع وهو نبأ الفاسق.

قال فی مقام بیان الإشکال بکلا شِقَّیْهِ بعنوان التوهّم:

نه لو کان الموضوع طبیعی النبأ وکان مجیء الفاسق به شرطا للحکم (وهذا هو الشق الأول) لزم التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ حَتَّیٰ نبأ العادل فیما إذا تحقق فی الخارج نبأ الفاسق؛ إذ المفروض أَن وجوب التَّبَیُّن ثابت لطبیعی النبأ عَلَیٰ تقدیر تحقق نبأ الفاسق، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وبما أَن ذلک باطل قطعا، یتعین أَن یکون الموضوع فی الآیة نبأ الفاسق عَلَیٰ نحو التقیید وهذا هو الشق الثَّانِی، فلا یبقی للقضیة مفهومٌ.

ص: 27

ثُمَّ أصبح بصدد الإجابة والرد عَلَیٰ هذا التوهم فقال:

إِن القیود تختلف من حیث رجوعها إِلَیٰ الموضوع أو الحکم، حیث أَن القید:

تارةً رجع (بحسب ظاهر القضیة) إِلَیٰ الموضوع، کما فی موارد التوصیف (کقولنا: أکرم العالم العادل).

وأخری یرجع (بحسب حکم العقل) إِلَیٰ الموضوع، کما فی موارد توقف الحکم عقلا عَلَیٰ القید (کقولنا: إِن رزقت ولدا فاختنه).

وثالثة لا یکون شیء من الأمرین، فیرجع القید إِلَیٰ الحکم، ویثبت المفهوم، أی: أَنَّهُ بانتفائه ینتفی الحکم من دون أَن ینتفی الموضوع.

إذن، فالقیود تختلف فی رجوع بعضها إِلَیٰ الموضوع وبعضها إِلَیٰ الحکم، إِلَّا أَن هذا الاختلاف إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات والتعبیر، وأما بحسب مقام الثبوت والواقع فکل القیود لَا بُدَّ من أَن ترجع إِلَیٰ الموضوع، فحتی ما هو قید للحکم إثباتاً قید للموضوع ثبوتاً؛ لاستحالة ثبوت الحکم المقیَّد عَلَیٰ الموضوع المطلق، وهذا هو معنی ما یقال من أَن قیود الحکم ترجع إِلَیٰ قیود الموضوع لا محالة، وعلیه ففی المقام نلاحظ أَن الشَّرط والقید (وهو کون المُخبِر فاسقاً) وإن کان قیدا للحکم بحسب مقام الإثبات، حیث أَن المستظهر من سیاق اللفظ والتعبیر هو أَن الموضوع عبارة عن طبیعی النبأ (أَیْ: الشق الأول) وأن الشَّرط قید للحکم (أَیْ: لوجوب التَّبَیُّن) لا للموضوع (أَیْ: النبأ)؛ إذ لا هو وصف للموضوع کما هو واضح، ولا هو مِمَّا یتوقف علیه الحکم عقلاً؛ لوضوح أَن وجوب التَّبَیُّن عن النبأ لا یتوقف عقلا عَلَیٰ کون المخبر به فاسقا، إذن فهو قید للحکم، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه لکن هذا إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات، فتخرج القضیة إذن عن کونها مسوقة إثباتاً لبیان الموضوع، لکن بحسب مقام الثبوت یکون الشَّرط قیداً للموضوع ایضا، لما قلناه من استحالة ثبوت الحکم المقیّد عَلَیٰ الموضوع المطلق، وعلیه فالحکم بوجوب التَّبَیُّن موضوعه ثبوتاً لیس عبارة عن طبیعی النبأ، بل هو نبأ الفاسق. إذن، فحینا یجیء الفاسق بنبأ یجب التَّبَیُّن عن نبأ الفاسق بالخصوص، لا عن کُلّ نبأٍ حَتَّیٰ نبأ العادل، کی یرد الإشکال، ونظیر هذا قوله: ذا کان الماء قدر کّر لم ینجّسه شیء؛ فَإِنَّهُ لا یقتضی عدم تنجّس کُلّ ماءٍ عندما یتّصف فرد من الماء بالکریة، بل مقتضاه عدم انفعال الکرّ بالخصوص؛ لأَنَّ القید (أَیْ: الکرّیّة) قید للموضوع ثبوتاً.

ص: 28

وتأتی تتمة الحدیث فی الیوم الدراسی القادم إِن شاء الل_ه تعالی والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

إذن، فالقیود تختلف فی رجوع بعضها إِلَیٰ الموضوع وبعضها إِلَیٰ الحکم، إِلَّا أَن هذا الاختلاف إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات والتعبیر، وأما بحسب مقام الثبوت والواقع فکل القیود لَا بُدَّ من أَن ترجع إِلَیٰ الموضوع، فحتی ما هو قید للحکم إثباتاً قید للموضوع ثبوتاً؛ لاستحالة ثبوت الحکم المقیَّد عَلَیٰ الموضوع المطلق، وهذا هو معنی ما یقال من أَن قیود الحکم ترجع إِلَیٰ قیود الموضوع لا محالة، وعلیه ففی المقام نلاحظ أَن الشَّرط والقید (وهو کون المُخبِر فاسقاً) وإن کان قیدا للحکم بحسب مقام الإثبات، حیث أَن المستظهر من سیاق اللفظ والتعبیر هو أَن الموضوع عبارة عن طبیعی النبأ (أَیْ: الشق الأول) وأن الشَّرط قید للحکم (أَیْ: لوجوب التَّبَیُّن) لا للموضوع (أَیْ: النبأ)؛ إذ لا هو وصف للموضوع کما هو واضح، ولا هو مِمَّا یتوقف علیه الحکم عقلاً؛ لوضوح أَن وجوب التَّبَیُّن عن النبأ لا یتوقف عقلا عَلَیٰ کون المخبر به فاسقا، إذن فهو قید للحکم، لکن هذا إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات، فتخرج القضیة إذن عن کونها مسوقة إثباتاً لبیان الموضوع، لکن بحسب مقام الثبوت یکون الشَّرط قیداً للموضوع ایضا، لما قلناه من استحالة ثبوت الحکم المقیّد عَلَیٰ الموضوع المطلق، وعلیه فالحکم بوجوب التَّبَیُّن موضوعه ثبوتاً لیس عبارة عن طبیعی النبأ، بل هو نبأ الفاسق. إذن، فحینا یجیء الفاسق بنبأ یجب التَّبَیُّن عن نبأ الفاسق بالخصوص، لا عن کُلّ نبأٍ حَتَّیٰ نبأ العادل، کی یرد الإشکال، ونظیر هذا قوله: ذا کان الماء قدر کّر لم ینجّسه شیء؛ فَإِنَّهُ لا یقتضی عدم تنجّس کُلّ ماءٍ عندما یتّصف فرد من الماء بالکریة، بل مقتضاه عدم انفعال الکرّ بالخصوص؛ لأَنَّ القید (أَیْ: الکرّیّة) قید للموضوع ثبوتاً.

ص: 29

والحاصل أَن المتوهِّم قد خَلَط بین رجوع القید إِلَیٰ الموضوع إثباتاً ورجوعه إلیه ثبوتا، فَتَوَهَّم أَن القید الَّذِی لا یرجع إِلَیٰ الموضوع إثباتا لا یرجع إلیه ثبوتاً أَیْضاً، ولذا قال: إنه یلزم وجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ (حَتَّیٰ نبأ العادل) إذا جاء فاسق بنبأ.

وحاصل جوابه هو أَنَّنَا نختار الشق الأول دون الثَّانِی؛ فالموضوع بحسب مقام الدلالة والإثبات لیس عبارة عن المقیَّد (أَیْ: نبأ الفاسق) کی تکون القضیة مسوقة لبیان الموضوع ویکون انتفاء الحکم بانتفاء القید والشرط سالبة بانتفاء الموضوع وَبِالتَّالِی لا یبقی للقضیة مفهوم، بل الموضوع هو المطلق (أَیْ: طبیعی النبأ)، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وأما الشَّرط (أَیْ: مجیء الفاسق بالنبأ) فلیس دخیلا فی الموضوع بحسب مقام الإثبات، بل هو شرط وقید للحکم، فمتی ما تحقق الشَّرط یثبت الحکم ویجب التَّبَیُّن إِلَّا أَن هذا لا یعنی أَنَّهُ یجب التَّبَیُّن حِینَئِذٍ عن ذاک الطَّبِیعِیّ المطلق کی یرد الإشکال ویقول: إذن یلزم وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ عن أخبار العدول، بل یجب التَّبَیُّن عن خبر الفاسق؛ لأَنَّ الشَّرط وإن لم یکن دخیلا فی الموضوع إثباتا کما عرفت، لکنه دخیل فیه ثبوتاً ولبّاً، فکل شرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة هو قید لموضوع الحکم ببرهان لزوم رجوع القیود إِلَیٰ الموضوع واستحالة کون موضوع الحکم المقید مطلقاً، وعلیه فیستحیل أَن یکون للموضوع (أَیْ: للنبأ الَّذِی یجب التَّبَیُّن عنه عند مجیء الفاسق بالنبأ) إطلاق لنبأ العادل؛ لِأَنَّهُ نبأ مقیّد بقید الحکم لباً وثبوتاً، وإن کان قد وضع القید لساناً وإثباتاً للحکم، لا للموضوع.

إِلاَّ أَن هذا الجواب غیر صحیح؛ إذ یرد علیه:

ص: 30

أَوَّلاً: أَن ما ذکره من رجوع کُلّ القیود إِلَیٰ الموضوع لبّاً وثبوتاً صحیح فیما إذا أرید بالموضوع ما یؤخذ مفروض الوجود فی مقام الجعل، وهو اصطلاح أسَّسه المحقق النائینی، فکل القیود فی الحکم المجعول عَلَیٰ نهج القضیة الحقیقیة لا بد من أَن تکون مفروضة الوجود فی مقام جعل الحکم، فالموضوع بهذا المعنی یَصِحّ فیه ما ذکره من ضرورة رجوع القیود ثبوتاً إلیه بالبرهان، وهو ینطبق عَلَیٰ الشَّرط أیضاً؛ فَإِنَّ الشَّرط فی القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة لَا بُدَّ من أَن یکون أَیْضاً مفروض الوجود فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ الجعل؛ ضرورةَ استحالة أَن یَجعل المولی وجوباً للتبیّن عن النبأ مشروطاً بمجیء الفاسق بالنبأ من دون أَن یکون قد فرض فی الرتبة السَّابِقَة مجیء الفاسق بالنبأ کما هو واضح، إِلَّا أَن الموضوع بهذا المعنی غیر الموضوع المراد والمبحوث عنه فی المقام؛ فَإِنَّ المراد والمبحوث عنه هنا هو الموضوع بالمعنی المقابل للشرط، وهو بهذا المعنی لا برهان عَلَیٰ رجوع کُلّ القیود إلیه لبّاً وثبوتاً، فَمَن قال: إنه لَا بُدَّ من أَن یرجع کُلّ قید إِلَیٰ وصفٍ للموضوع بالمعنی المقابل للشرط؟ بل بالإمکان جعلا لحکم المشروط بشرطٍ عَلَیٰ موضوعٍ مطلق، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه بحیث یکون حکم ذلک الموضوع نفس القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة کما إذا قال: ِن زالت الشمس وجبت الصلاة، بحیث یکون وجوب الصلاة المشروط بزوال الشمس مجعولاً عَلَیٰ مطلق المکلف حَتَّیٰ الَّذِی لم تزل علیه الشمس، فالموضوع بالمعنی المقابل للشرط هنا هو عبارة عن المکلف، ولا برهان عَلَیٰ ضرورة رجوع زوال الشمس إِلَیٰ وصفٍ وقید للمکلَّف، بحیث یکون الحکم مجعولاً عَلَیٰ خصوص المکلف الَّذِی زالت علیه الشمس. نعم، زوال الشمس لَا بُدَّ من رجوعه إِلَیٰ الموضوع بالمعنی الأول (أَیْ: ما فرض وجوده فی مقام جعل الحکم، ضرورةَ استحالة أَن یجعل المولی وجوباً للصلاة مشروطاً بالزوال من دون أَن یکون قد فرض وجود الزوال، إِلَّا أَن هذا کما عرفت اصطلاح آخر للموضوع غیر الَّذِی نتکلم عنه. وعلیه ففی المقام من الممکن أَن یکون المولی إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه قد جعل وجوبا للتبین مشروطاً بمجیء الفاسق بالنبأ عَلَیٰ موضوع مطلق وهو طبیعی النبأ (وهذا هو الشق الأول من الإشکال). وَحِینَئِذٍ یعود الإشکال الَّذِی کان السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ بصدد الإجابة عنه، وهو أَنَّهُ یلزم التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ حَتَّیٰ نبأ العادل فیما إذا تحقق فی الخارج نبأ الفاسق؛ إذ المفروض أَن وجوب التَّبَیُّن المعلَّق والمشروط ثابت لطبیعی النبأ؛ إذ لا استحالة فی أَن یکون لهذا الموضوع المبحوث عنه فی المقام إطلاقٌ لنبأ العادل کما هو واضح.

ص: 31

وثانیا: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا قیام برهان عَلَیٰ ما أفاده من أَن کُلّ قید وحیثیة تعلیلیة للحکم لَا بُدَّ من أَن یکون قیداً وحیثیة تقییدیة للموضوع بالمعنی المبحوث عنه فی المقام (أَیْ: ما یقابل الشَّرط)؛ فَإِنَّهُ مع ذلک لا یَتُمُّ جوابه عن الإشکال، بل یبقی الإشکال؛ وذلک لأَنَّ البرهان المفتَرض لا یقتضی سوی تقیید الموضوع بمقدار القید لا أکثر، فلنفرض أَن البرهان قائم عَلَیٰ أَن الشَّرط الَّذِی هو قید وحیثیة تعلیلیة للحکم لَا بُدَّ من أَن یکون أَیْضاً قیداً وحیثیةً تقییدیة للموضوع، فیتقیّد الموضوعُ بمقدار الشَّرط لا أکثر. وصاحب الإشکال فی المقام یدّعی أَن الشَّرط الَّذِی هو القید والحَیْثِیَّة التَّعْلِیلِیَّةُ لوجوب التَّبَیُّن عن النبأ عبارة عن مجیء الفاسق بطبیعی النبأ، وهذا یتحقق بصرف مجیء فاسق بنبأٍ. إذن، یکون هذا المقدار هو الَّذِی یجب أَن یُؤخذ (لُبّاً وثبوتاً) قیداً وحیثیّةً تقییدیة للموضوع (أَیْ: النبأ) لا أکثر من هذا المقدار. والنتیجة حِینَئِذٍ تکون عبارة عن أَن الحکم هو وجوب التَّبَیُّن، وموضوعه وإن لم یکن عبارة عن طبیعی النبأ، بل أصبح مقیّداً بمجیء فاسقٍ بنبأٍ فی الجملة، لکن هذا معناه کفایة مجیء فاسق بطبیعی النبأ لوجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأٍ حَتَّیٰ نبأ العادل، فکأنه قال: النبأ إِن جاء به فی الجملة فاسق یجب التَّبَیُّن عنه حَتَّیٰ إذا جاء به عادل، نظیر ما إذا قال: إذا نزل المطر فأکرم الفقیر، وقلنا: إِن الشَّرط وهو نزول المطر الَّذِی إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه هو قید للحکم (أَیْ: وجوب الإکرام) قید للموضوع أَیْضاً (أَیْ: الفقیر)؛ فَإِنَّ هذا معناه أَن الفقیر مقیّد بمجیء طبیعیّ المطر فی الجملة، ولیس مقیَّداً بأکثر من ذلک (أَیْ: مجیء أمطار بعدد الفقراء)، فحتی إذا لم تنزل أمطار بعدد الفقراء بل نزل طبیعیّ المطر فی الجملة؛ فَإِنَّهُ حِینَئِذٍ یکون الموضوع قد تحقَّق، ویثبت حکمه وهو وجوب إکرام کُلّ فقیر؛ ففی ما نحن فیه أَیْضاً ما دام قد جاء فاسق بنبأ فی الجملة، إذن فقد تحقق موضوع الحکم وَحِینَئِذٍ یثبت الحکم وهو وجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ حَتَّیٰ نبأ العادل، إذن فقد عاد الإشکال ولم ینحلّ.

ص: 32

هذا تمام الکلام فی الصیغة الثانیة للإشکال الثَّانِی فی المقام، وهی الَّتِی ذکرها السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ وأجاب عنها، وقد عرفتَ عدمَ تمامیّة جوابِه.

وللحدیث صلة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وثانیاً: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا قیام برهان عَلَیٰ ما أفاده من أَن کُلّ قید وحیثیة تعلیلیة للحکم لَا بُدَّ من أَن یکون قیداً وحیثیة تقییدیة للموضوع بالمعنی المبحوث عنه فی المقام (أَیْ: ما یقابل الشَّرط)؛ فَإِنَّهُ مع ذلک لا یَتُمُّ جوابه عن الإشکال، بل یبقی الإشکال؛ وذلک لأَنَّ البرهان المفتَرض لا یقتضی سوی تقیید الموضوع بمقدار القید لا أکثر، فلنفرض أَن البرهان قائم عَلَیٰ أَن الشَّرط الَّذِی هو قید وحیثیة تعلیلیة للحکم لَا بُدَّ من أَن یکون أَیْضاً قیداً وحیثیةً تقییدیة للموضوع، فیتقیّد الموضوعُ بمقدار الشَّرط لا أکثر. وصاحب الإشکال فی المقام یدّعی أَن الشَّرط الَّذِی هو القید والحَیْثِیَّة التَّعْلِیلِیَّةُ لوجوب التَّبَیُّن عن النبأ عبارة عن مجیء الفاسق بطبیعی النبأ، وهذا یتحقق بصرف مجیء فاسق بنبأٍ. إذن، یکون هذا المقدار هو الَّذِی یجب أَن یُؤخذ (لُبّاً وثبوتاً) قیداً وحیثیّةً تقییدیة للموضوع (أَیْ: النبأ) لا أکثر من هذا المقدار. والنتیجة حِینَئِذٍ تکون عبارة عن أَن الحکم هو وجوب التَّبَیُّن، وموضوعه وإن لم یکن عبارة عن طبیعی النبأ، بل أصبح مقیّداً بمجیء فاسقٍ بنبأٍ فی الجملة، لکن هذا معناه کفایة مجیء فاسق بطبیعی النبأ لوجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأٍ حَتَّیٰ نبأ العادل، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فکأنه قال: النبأ إِن جاء به فی الجملة فاسق یجب التَّبَیُّن عنه حَتَّیٰ إذا جاء به عادل، نظیر ما إذا قال: إذا نزل المطر فأکرم الفقیر، وقلنا: إِن الشَّرط وهو نزول المطر الَّذِی هو قید للحکم (أَیْ: وجوب الإکرام) قید للموضوع أَیْضاً (أَیْ: الفقیر)؛ فَإِنَّ هذا معناه أَن الفقیر مقیّد بمجیء طبیعیّ المطر فی الجملة، ولیس مقیَّداً بأکثر من ذلک (أَیْ: مجیء أمطار بعدد الفقراء)، فحتی إذا لم تنزل أمطار بعدد الفقراء بل نزل طبیعیّ المطر فی الجملة؛ فَإِنَّهُ حِینَئِذٍ یکون الموضوع قد تحقَّق، ویثبت حکمه وهو وجوب إکرام کُلّ فقیر؛ ففی ما نحن فیه أَیْضاً ما دام قد جاء فاسق بنبأ فی الجملة، إذن فقد تحقق موضوع الحکم وَحِینَئِذٍ یثبت الحکم وهو وجوب التَّبَیُّن عن کُلّ نبأ حَتَّیٰ نبأ العادل، إذن فقد عاد الإشکال ولم ینحلّ.

ص: 33

هذا تمام الکلام فی الصیغة الثانیة للإشکال الثَّانِی فی المقام، وهی الَّتِی ذکرها السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ وأجاب عنها، وقد عرفتَ عدمَ تمامیّة جوابِه.

وهذا یتضح لنا أَن الجواب الصحیح عن الإشکال هو ما قلناه من انحلال کُلّ القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة، بمعنی أَن موضوع القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة فی الآیة عبارة عن طبیعیّ النبأ، وهو ینحل إِلَیٰ أفراده، وبتبع انحلاله إِلَیٰ أفراده ینحل حکمه الَّذِی هو عبارة عن وجوب التَّبَیُّن المعلَّق، فکل فرد من أفراد النبأ له حکم مشروط ومعلق، وشرطه عبارة عن مجیء الفاسق به، فکلما جاء فاسق بفرد من النبأ أصبح وجوب التَّبَیُّن عن ذاک الفرد فعلیاً من دون أَن یصبح وجوب التَّبَیُّن عن الأنباء الأخری الَّتِی لم یتحقق فیها الشَّرط ولم یجیء بها الفاسق فعلیّاً، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فأنباء العدول لا یجب التَّبَیُّن عنها بمجرد جیء الفاسق بالنبأ؛ لأَنَّ الشَّرط فیها لم یتحقق، فلا یصبح وجوب التَّبَیُّن عنها فعلیا کما هو واضح.

هذا تمام الکلام فی الإشکال الثَّانِی عن الاستدلال بمفهوم الشَّرط فی الآیة، وقد عرفت أَن هذا الإشکال غیر تام، وَإِنَّمَا الإشکال الأول تام کما تقدم، وَبِالتَّالِی فلا ظهور للآیة فی المفهوم.

وعلیه فالتقریب الثَّانِی من تقریبی إثبات المقتضی فی الآیة للمفهوم (وهو التَّمسُّک بمفهوم الشَّرط) أَیْضاً غیر تام کالتقریب الأول.

وبهذا تم الکلام فی المقام الأول وهو البحث عن أصل ثبوت المقتضی فی الآیة لِلدَّلَالَةِ عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد وثبوت مفهوم لها ینفی وجوب التَّبَیُّن عن خبر الثقة أو العادل وقد عرفت عدم ثبوت المقتضی فیها للمفهوم وأن أصل الظهور الاقتضائی فی الآیة للمفهوم غیر تام.

ص: 34

وأما المقام الثَّانِی: وهو الکلام حول ثبوت المانع الَّذِی منع عن تأثیر المقتضی بعد تسلیم أصل وجود المقتضی وتمامیة الظهور الاقتضائی للآیة فی المفهوم ففیه بحثان:

البحث الأول: حول المانع الداخلی الْمُتَّصِل بالآیة الَّذِی یمنع عن انعقاد الظهور الفعلی للآیة فی المفهوم.

البحث الثَّانِی: حول المانع الخارجی المنفصل عن الآیة الَّذِی یمنع عن حجّیّة الظهور بعد افتراض فعلیة الظهور فی المفهوم.

أما البحث الأول: فحاصله هو أَن الشَّیْخ الأنصاری ذکر أَن هناک مانعاً داخلیاً یهدم أصل الظهور للآیة فی المفهوم ویمنع عن فعلیته بعد فرض وجود المقتضی للمفهوم فیها، والمانع عبارة عن عموم التعلیل المذکور فی ذیل الآیة الشریفة المبارکة {أَن تصیبواً قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَیٰ ما فعلتم نادمین} حیث أَن هذا التعلیل بیان لنکتة وجوب التَّبَیُّن وهی عبارة عن الجهل بالواقع وعدم العلم به، فتکون الإصابةُ إصابةً بجهالة، ومن الواضح ان هذه النکتة (أَیْ: خوف الإصابة عن جهلٍ بالواقع وعدم العلم به) عامّة وموجودة فی کُلّ خبر غیر قطعی وکل أمارة غیر علمیة وإن کان خبر العادل، ولا تختصّ بخبر الفاسق، وهذا معناه وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ فی خبر العادل وعدم حجیته. إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه إذن، فعموم التعلیل مانع عن دلالة الآیة بمفهومها عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل. وبعبارة أخری: یکون عموم التعلیل الوارد فی ذیل الآیة قرینة عَلَیٰ إلغاء المفهوم، ولا أقلّ من معارضته له، فیوجب الإجمال، فلا یبقی ظهور فعلیّ للآیة فی المفهوم؛ نظراً إِلَیٰ وجود هذا التعلیل المتّصل بالکلام.

وإن شئت قلت: إِن مورد نزول الآیة وإن کان هو إخبار الولید بارتداد بنی المصطلق، إِلَّا أَن موضوع القضیة المذکورة فی الآیة هو نبأ الفاسق لا خصوص نبأ الولید، وعلیه فکر صابة القوم بجهالة فی مقام التعلیل إِنَّمَا هو لمناسبة المورد باعتبار أَن الولید أَخبَر عن حال قومٍ وارتدادهم، وإلا فإنّ الفاسق لا یُخبر دائماً عن حال قومٍ، بل ربما یخبر عن حال شخصٍ، أو ملکیة فردٍ أو جهةٍ، أو کرّیّة ماءٍ أو طهارته ونحو ذلک، فالمراد من صابة القوم بجهالة هو مطلق الوقوع فی المفسدة الَّتِی یعقبها الندم، وحی أَن العمل بخبر الفاسق لا یستلزم الوقوع فی المفسدة دائماً، فالمراد بالتعلیل هو أَن الأخذ بخبر الفاسق والعمل به یکون فی معرض الوقوع فی المفسدة بسبب الجهل وعدم العلم بمطابقته للواقع، وهذه العلة جاریة وساریة فی خبر العادل أَیْضاً؛ لِأَنَّهُ وإن کان عادلاً لا یتعمّد الکذب، إِلَّا أَن عدالته لا تمنع عن احتمال غفلته واشتباهه، فالعمل به أَیْضاً یکون فی معرض الوقوع فی المفسدة لعدم العلم بمطابقة ما أخبر به للواقع. فعموم التعلیل قرینة قطعیة عَلَیٰ عدم إرادة المفهوم، ولا أقل من کونه صالحاً للقرینیّة، فلا ینعقد للقضیة ظهور فی المفهوم.

ص: 35

وهناک عدة أجوبة عن هذا المانع نذکر المختار منها فی الأیام القادمة إِن شاء الل_ه تعالی والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وأما المقام الثَّانِی:

وهو الکلام حول ثبوت المانع الَّذِی منع عن تأثیر المقتضی بعد تسلیم أصل وجود المقتضی وتمامیة الظهور الاقتضائی للآیة فی المفهوم ففیه بحثان:

البحث الأول: حول المانع الداخلی الْمُتَّصِل بالآیة الَّذِی یمنع عن انعقاد الظهور الفعلی للآیة فی المفهوم.

البحث الثَّانِی: حول المانع الخارجی المنفصل عن الآیة الَّذِی یمنع عن حجّیّة الظهور بعد افتراض فعلیة الظهور فی المفهوم.

أما البحث الأول: فحاصله هو أَن الشَّیْخ الأنصاری ذکر أَن هناک مانعاً داخلیاً یهدم أصل الظهور للآیة فی المفهوم ویمنع عن فعلیته بعد فرض وجود المقتضی للمفهوم فیها، والمانع عبارة عن عموم التعلیل المذکور فی ذیل الآیة الشریفة المبارکة {أَن تصیبواً قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَیٰ ما فعلتم نادمین} حیث أَن هذا التعلیل بیان لنکتة وجوب التَّبَیُّن وهی عبارة عن الجهل بالواقع وعدم العلم به، فتکون الإصابةُ إصابةً بجهالة، ومن الواضح ان هذه النکتة (أَیْ: خوف الإصابة عن جهلٍ بالواقع وعدم العلم به) عامّة وموجودة فی کُلّ خبر غیر قطعی وکل أمارة غیر علمیة وإن کان خبر العادل، ولا تختصّ بخبر الفاسق، وهذا معناه وجوب التَّبَیُّن حَتَّیٰ فی خبر العادل وعدم حجیته. إذن، فعموم التعلیل مانع عن دلالة الآیة بمفهومها عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل. وبعبارة أخری: یکون عموم التعلیل الوارد فی ذیل الآیة قرینة عَلَیٰ إلغاء المفهوم، ولا أقلّ من معارضته له، فیوجب الإجمال، فلا یبقی ظهور فعلیّ للآیة فی المفهوم؛ نظراً إِلَیٰ وجود هذا التعلیل المتّصل بالکلام.

ص: 36

وإن شئت قلت: إِن مورد نزول الآیة وإن کان هو إخبار الولید بارتداد بنی المصطلق، إِلَّا أَن موضوع القضیة المذکورة فی الآیة هو نبأ الفاسق لا خصوص نبأ الولید، وعلیه فکر صابة القوم بجهالة فی مقام التعلیل إِنَّمَا هو لمناسبة المورد باعتبار أَن الولید أَخبَر عن حال قومٍ وارتدادهم، وإلا فإنّ الفاسق لا یُخبر دائماً عن حال قومٍ، بل ربما یخبر عن حال شخصٍ، أو ملکیة فردٍ أو جهةٍ، أو کرّیّة ماءٍ أو طهارته ونحو ذلک، فالمراد من صابة القوم بجهالة هو مطلق الوقوع فی المفسدة الَّتِی یعقبها الندم، وحی أَن العمل بخبر الفاسق لا یستلزم الوقوع فی المفسدة دائماً، فالمراد بالتعلیل هو أَن الأخذ بخبر الفاسق والعمل به یکون فی معرض الوقوع فی المفسدة بسبب الجهل وعدم العلم بمطابقته للواقع، وهذه العلة جاریة وساریة فی خبر العادل أَیْضاً؛ لِأَنَّهُ وإن کان عادلاً لا یتعمّد الکذب، إِلَّا أَن عدالته لا تمنع عن احتمال غفلته واشتباهه، فالعمل به أَیْضاً یکون فی معرض الوقوع فی المفسدة لعدم العلم بمطابقة ما أخبر به للواقع. فعموم التعلیل قرینة قطعیة عَلَیٰ عدم إرادة المفهوم، ولا أقل من کونه صالحاً للقرینیّة، فلا ینعقد للقضیة ظهور فی المفهوم.

وهناک عدة أجوبة عن هذا المانع نختار منها ما یلی:

الجواب الأول: أَن المفهوم أخص من عموم التعلیل؛ لأَنَّ المفهوم یختص بخبر العادل غیر القطعی، بینما التعلیل عامّ یشمل کُلّ خبر غیر قطعی، فیُخصَّص التعلیل بالمفهوم. فالتعارض هنا وإن وقع بین المفهوم وعموم التعلیل، حیث أَن الأول یقتضی حجّیّة خبر العادل، بینما الثَّانِی یقتضی عدم حجّیّته، إِلَّا أَن هذا التعارض إِنَّمَا هو بنحو العموم والخصوص المطلق، حیث أَن المفهوم یقتضی حجّیّة خصوص خبر العادل، بینما التعلیل یقتضی عدم حجّیّة کُلّ خبر غیر قطعی، سواء کان خبر العادل أم کان غیره، فیُقدَّم المفهوم بالأَخَصِّیَّة، وبذلک یثبت المفهوم لهذه الآیة.

ص: 37

والحاصل أَن نکتة الأخصیّة توجب انهدام ظهور التعلیل فی العموم، وبذلک یرتفع المانع الداخلی المذکور.

وقد اعترض السَّیِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِیُّ عَلَیٰ هذا الجواب بأن التعارض هنا فی الواقع إِنَّمَا هو بین العموم والإطلاق، حیث أَن دلالة القضیة عَلَیٰ المفهوم إِنَّمَا هی بواسطة مقدمات الحکمة (عَلَیٰ ما تقدم فی بحث المفاهیم من أَن قوام المفهوم إِنَّمَا هو بالإطلاق) حیث أَن أحد رکنیه عَلَیٰ الأقل (وهو الرکن القائل بأن المعلَّق عَلَیٰ الشَّرط أو الوصف أو غیرهما هو طبیعیّ الحکم لا شخصه) إِنَّمَا یَتُمُّ من خلال الإطلاق ومقدمات الحکمة، إذن، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فیدخل المورد فی موارد المعارضة بین العموم والإطلاق إذا کانا فی کلام واحد، وفی مثله یُقدَّم العموم عَلَیٰ الإطلاق؛ لأَنَّ العموم إِنَّمَا هو بالوضع، بینما الإطلاق إِنَّمَا هو بمقدمات الحکمة. إذن، فی المقام یثبت تقدیم عموم التعلیل عَلَیٰ المفهوم، فلا یکون للآیة مفهوم.

أقول: إِن هذا الاعتراض غیر صحیح؛ لأَنَّ المورد لیس من موارد التعارض بین العموم والإطلاق؛ فَإِنَّ دلالة القضیة عَلَیٰ المفهوم وإن کانت بالإطلاق، إِلَّا أَن دلالة التعلیل لیست بالوضع، بل هی أَیْضاً بالإطلاق؛ إذ لیس فی الآیة الشریفة أیّ أداةٍ من أدوات العموم، وکأنّ منشأ هذا الالتباس والاشتباه الغریب الصادر من السَّیِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِیِّ هو تعبیر الشَّیْخ الأعظم الأنصاری بعموم التعلیل؛ فَإِنَّ استعمال لفظة العموم من قِبَلِ الشَّیْخ أوجبت لدی السَّیِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِیِّ تصوّر أَن التعلیل له عموم (بالمعنی المصطلح للعموم المقابل للإطلاق)، ولذا دخل فی بحث احتیاج العامّ إِلَیٰ مقدمات الحکمة، وقال: إِنَّنَا قد بیَّنا فی محلّه أَن شمول مدخول أداة العموم لیس مستنداً إِلَیٰ مقدمات الحکمة؛ لأَنَّ نفس الأداة مصرّحة بالشمول، فلذا یُقدَّم عموم التعلیل هنا عَلَیٰ المفهوم؛ لِأَنَّهُ بالوضع بخلاف المفهوم الَّذِی هو بالإطلاق. بینما الواقع هو أَن هذا البحث لا ربط له بالمقام؛ إذ لیس للتعلیل هنا عموم وضعی، وَإِنَّمَا یَدُلُّ التعلیل عَلَیٰ الشمول بالإطلاق. وأما تعبیر الشَّیْخ بعموم التعلیل فیراد به شمول التعلیل لخبر العادل وعدم اقتصاره عَلَیٰ مورد الحکم المعَلَّل وهو خبر الفاسق، ومن الواضح أَن هذا الشمول أَیْضاً إِنَّمَا هو بالإطلاق حیث أَن قوله تعالی: {أَن تصیبوا قوماً بجهالة...} یَدُلُّ بالإطلاق عَلَیٰ عدم الفرق بین خبر غیر قطعی وخبر آخر غیر قطعیّ؛ لنکتة واحدة. إذن، فلیس التعلیل عامّاً وضعیاً کی یُقدَّم عَلَیٰ الإطلاق فی جانب المفهوم.

ص: 38

وعلیه، فاعتراض السَّیِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِیِّ عَلَیٰ الجواب الأول غیر تامّ.

والصحیح فی ردّ هذا الجواب ما یلی:

أَوَّلاً: أَن هذا الجواب إِنَّمَا یَتُمُّ فیما إذا انعقد للکلام ظهور فی المفهوم یَدُلُّ عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل غیر القطعی، وعارضه عموم یَدُلُّ عَلَیٰ عدم حجّیَّة کُلّ خبر غیر قطعی؛ فَإِنَّ المفهوم حِینَئِذٍ یخصِّص ذاک العموم، وأما فی المقام فلا ینعقد للکلام ظهور فی المفهوم بسبب کون المفهوم متصلاً بالتعلیل الصالح للقرینیة عَلَیٰ عدم انحصار علة وجوب التَّبَیُّن بالشرط أو الوصف وهو کون الخبر خبر فاسق، وَحِینَئِذٍ فلا ینعقد الظهور فی المفهوم لکی یکون مخصِّصاً.

ثانیاً: أَنَّنَا لو تنزّلنا عن ذلک وَسَلَّمْنَا بانعقاد الظهور فی المفهوم، وسلّمنا أَیْضاً بِأَخَصِّیَّة المفهوم، مع ذلک نقول: إِن هذه الأخصیة إِنَّمَا تکون موجبةً لتقدیم المفهوم عَلَیٰ عموم التعلیل باعتبار قرینیّتها العرفیة فیما إذا لم یکن فی التعلیل ملاک آخر للقرینیة العرفیّة أقوی من قرینیّة الأخصیة؛ فَإِنَّ نکتة تقدیم الْخَاصّ عَلَیٰ العام إذا کانت عبارة عن نفس الأَخَصِّیَّة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تکون نکتةً للتقدیم بلحاظ قرینیّتها فی نظر العرف، وهذه القرینیة العرفیة إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه إِنَّمَا توجب التَّقْدِیم عرفاً إذا لم تکن فی قبالها قرینیة أخری أقوی منها، وفی المقام یوجد فی عموم التعلیل ملاک أقوی للقرینیة عند العرف، وهو کون التعلیل ناظراً إِلَیٰ الحکم المعلَّل، فیکون حاکماً عَلَیٰ مفاد القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة أو الوصفیة، وَإِنَّمَا نقول: إِن قَرِینِیَّةَ النَّظَرِ مرجعها إِلَیٰ جعل القرینة من قِبَل شخص المُتَکَلِّم فی حین أَن قَرِینِیَّة الأَخَصِّیَّة مرجعها إِلَیٰ جعل القرینة مِن قِبَل العرف، ولا شک فی تقدیم الأول عند العرف؛ لأَنَّ العرف إِنَّمَا یجعل شیئا قرینةً فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مرامه ما لم یجعل شخص المُتَکَلِّم فی کلامه قرینةً تبیّن مقصوده، وإلا فإن العرف یری أَن ما جعله المُتَکَلِّم قرینة یکون هو القرینة دون غیره.

ص: 39

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

والحاصل أَن مقام التَّعْلِیل مقام النَّظَر إِلَیٰ المعلَّل، فیکون فیه قَرِینِیَّة بملاک الحکومة والنظر وهی القرینیة الشخصیة، وهذه خصوصیة أقوی من الأَخَصِّیَّة الَّتِی هی قَرِینِیَّة نوعیة، فتتقدّم علیها فی مقام اقتناص مراد المُتَکَلِّم.

وإن شئت قلت: نحن إِنَّمَا نقول فی المقام بتقدیم عموم التَّعْلِیل عَلَیٰ المفهوم بسبب أَن نکتة التَّعْلِیل توجب فی نظر العرف الحکومة عَلَیٰ الجملة المعلَّلة وتوسّع دائرة وجوب التبیّن وحدوده، وأن هذه النکتة فی نظهرهم مُقَدّمَة عَلَیٰ نکتة الأَخَصِّیَّة الموجبة لتقدیم المفهوم الْخَاصّ عَلَیٰ التَّعْلِیل الْعَامّ. فَکَأَنَّ الْعِلَّةَ کما هی تحدّد المعلول وتشخّص حدوده ثبوتاً، کذلک هی بحسب نظر العرف تحدّد المعلول إِثْبَاتاً حَتَّیٰ لو کان فی المعلول مقتضٍ لمفهوم أخصّ من عموم الْعِلَّة، فکما أَن الأَخَصِّیَّة توجب قَرِینِیَّة الْخَاصّ عَلَیٰ الْعَامّ، کذلک التَّعْلِیل یوجب قَرِینِیَّة جملة التَّعْلِیل عَلَیٰ جملة الحکم المعلَّل، والثانیة مُقَدّمَة عرفاً عَلَیٰ الأولی.

ولو تنزّلنا عن تقدیم نکتة التَّعْلِیل عَلَیٰ نکتة الأَخَصِّیَّة وفرضنا تساویهما عرفاً من حیث الأقوائیة کفی ذلک فی سقوط المفهوم، ولو بسبب التعارض مع هذا المانع الداخلی (أَیْ: أعنی عموم التَّعْلِیل وتساقطهما)، فلا یکون للآیة الشریفة ظهور فعلیّ فی المفهوم.

ثالثاً: أَن الْخَاصّ إِنَّمَا یتقدم عَلَیٰ نفس الْعَامّ (أَیْ: عَلَیٰ الکلام الَّذِی هو بصدد بیان حکم عَامّ وإثبات الحکم عَلَیٰ تمام الأفراد فی عرض واحد، لا عَلَیٰ الکلام الَّذِی هو بصدد بیان تعمیم الحکم وإلغاء خصوصیة المورد)؛ فَإِنَّ هذا الکلام الَّذِی یکون ابتداءً فی مقام بیان نفس التعمیم سوف یضادّ الْخَاصّ الَّذِی هو فی مقام بیان التخصیص، ویکون معارضاً له، لا أَن الْخَاصّ یُقدّم علیه. فمثلا لو ورد فی الدَّلِیل: لا تُکْرِم الفقیرَ الفاسقَ وورد: أکرم کُلّ فقیر، فلا إشکال فی أَن الأول یقدّم عَلَیٰ الثَّانِی بالأَخَصِّیَّة؛ لأَنَّ مفاد الثانی هو إثبات حکم عَامّ وبیان أَنَّهُ یجب إکرام تمام أفراد الفقیر فی عرض واحد، فیکون الأول مُخرِجاً للفقیر الفاسق عن تحت هذا الحکم الَّذِی أثبَتَه الثَّانِی لتمام أفراد الفقیر. أما لو ورد: لا تُکْرِم الفقیرَ الفاسقَ وورد: ِن ملاک وجوب الإکرام لیس هو العدالة، بل هو الفقر، فلا إشکال حِینَئِذٍ فی أَن الکلام الأول لا یقدّم عَلَیٰ الکلام الثَّانِی؛ لأَنَّ الکلام الثَّانِی لیس بصدد بیان حکم عَامّ وأنه یجب إکرام تمام أفراد الفقیر کی یکون الکلام الأول مُخرِجاً للفقیر الفاسق عن تحته، بل هو بصدد بیان تعمیم وجوب الإکرام وأن کُلّ فقیر یجب إکرامه ولو کان فاسقا، فیکون معارضاً للکلام الأول الدال عَلَیٰ عدم وجوب إکرام الفقیر الفاسق.

ص: 40

والمقام من هذا القبیل، فلو کان یرد فی کلامٍ مستقل النهی عن الأخذ بالخبر غیر القطعی لکان مفهوم آیة النبأ مقدّماً علیه بالأَخَصِّیَّة؛ لأَنَّ النهی عن الأخذ بالخبر غیر القطعی إِنَّمَا هو فی مقام بیان حکم عَامّ وهو عدم حجّیّة کُلّ خبر غیر قطعی، فیکون مفهوم الآیة الدال عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل غیر القطعی مُخرِجاً له عن تحته، إِلَّا أَن ما نحن فیه لیس کذلک؛ فَإِنَّ الآیة تَعَرَّضت أولاً لعدم حجّیّة خبر الفاسق، ثُمَّ عَلَّلت هذا الحکم بتعلیلٍ عامٍ لا یختصّ بخبر الفاسق، والتعلیل الْعَامّ هو بحسب الفهم العرفی تعمیم للحکم المعلَّل وإسراء لوجوب التَّبَیُّن وعدم الْحُجِّیَّة إِلَیٰ کُلّ خبر وإن کان خبر العادل. فمفاده هو وجوب التَّبَیُّن فی کُلّ خبر وإن کان خبر عادل، ومن الواضح أَن مثل هذا الکلام الَّذِی هو بصدد بیان نفس التعمیم معارضٌ للکلام الَّذِی هو بصدد بیان التخصیص وعدم التعمیم ومضادٌ له، لا أَن بیان التخصیص یقدّم عَلَیٰ بیان التعمیم، بل یتعارضان.

والحاصل أَن عموم التَّعْلِیل فی المقام مفاده العرفی هو تعمیم وجوب التَّبَیُّن، وإلغاء خصوصیة المورد (أَیْ: خبر الفاسق)، وبیان أَن السبب فی وجوب التَّبَیُّن هو مخافة إصابة قومٍ بجهالة، ومثل هذا یقتضی عدم حجّیّة خبر العادل غیر العلمی، وَحِینَئِذٍ یکون معارضاً للمفهوم الَّذِی یقتضی حجیته، ولا یکون المفهوم مخصِّصاً له.

رابعاً: أَن أَخَصِّیَّة المفهوم ممنوعة؛ فَإِنَّ التعارض بین المفهوم والتَّعْلِیل إِنَّمَا هو بنحو العموم من وجه، وذلک بناءً عَلَیٰ اشتمال المفهوم عَلَیٰ السالبة بانتفاء الموضوع والسالبة بانتفاء المحمول؛ فَإِنَّنَا إذا بنینا عَلَیٰ ذلک وقلنا: إِن مفهوم الآیة عبارة عن أَنَّهُ عند عدم مجیء فاسق بنبأٍ لا یجب التَّبَیُّن، سواء لم یجئ أحد بنبأٍ أو جاء عادل بنبأٍ، فسوف تکون حجّیّة خبر العادل مستفادة من إطلاق المفهوم، وَحِینَئِذٍ یقال بأن التعارض إِنَّمَا هو بین إطلاق التَّعْلِیل وإطلاق المفهوم، لا أصل المفهوم، والنسبة حِینَئِذٍ هی العموم من وجه، فلا أَخَصِّیَّة فی البین؛ إذ کما أَن التَّعْلِیل ادال عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن مطلقٌ یشمل خبر العادلِ وخبرَ الفاسقِ، کذلک المفهومُ الدال عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن مطلقٌ یشمل فرضَ مجیء العادل بالنبأِ ویشمل فرض عدم مجیء نبأٍ أصلاً، فیفترق المفهوم عن التَّعْلِیل فی فرض عدم مجیء نبأٍ أصلاً، حیث یَدُلُّ المفهوم فی هذا الفرض عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن، ویفترق التَّعْلِیل عن المفهوم فی فرض مجیء الفاسق بالنبأ، حیث یَدُلُّ التَّعْلِیل فی هذا الفرض عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن، ویجتمعان معاً فی فرض مجیء العادل بالنبأ، حیث یَدُلُّ المفهوم عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن، ویدل التَّعْلِیل عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن. إذن، دعوی الأَخَصِّیَّة غیر تامَّة.

ص: 41

وعلیه فالجواب الأول عَلَیٰ المانع الداخلی الْمُتَّصِل بالمفهوم وهو أَن المفهوم أخصّ، جواب غیر صحیح.

وللبحث صلة تأتی إِن شاء الل_ه تعالی فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

والحاصل أَن عموم التَّعْلِیل فی المقام مفاده العرفی هو تعمیم وجوب التَّبَیُّن، وإلغاء خصوصیة المورد (أَیْ: خبر الفاسق)، وبیان أَن السبب فی وجوب التَّبَیُّن هو مخافة إصابة قومٍ بجهالة، ومثل هذا یقتضی عدم حجّیّة خبر العادل غیر العلمی، وَحِینَئِذٍ یکون معارضاً للمفهوم الَّذِی یقتضی حجیته، ولا یکون المفهوم مخصِّصاً له.

رابعاً: أَن أَخَصِّیَّة المفهوم ممنوعة؛ فَإِنَّ التعارض بین المفهوم والتَّعْلِیل إِنَّمَا هو بنحو العموم من وجه، وذلک بناءً عَلَیٰ اشتمال المفهوم عَلَیٰ السالبة بانتفاء الموضوع والسالبة بانتفاء المحمول؛ فَإِنَّنَا إذا بنینا عَلَیٰ ذلک وقلنا: إِن مفهوم الآیة عبارة عن أَنَّهُ عند عدم مجیء فاسق بنبأٍ لا یجب التَّبَیُّن، سواء لم یجئ أحد بنبأٍ أو جاء عادل بنبأٍ، فسوف تکون حجّیّة خبر العادل مستفادة من إطلاق المفهوم، وَحِینَئِذٍ یقال بأن التعارض إِنَّمَا هو بین إطلاق التَّعْلِیل وإطلاق المفهوم، لا أصل المفهوم، والنسبة حِینَئِذٍ هی العموم من وجه، فلا أَخَصِّیَّة فی البین؛ إذ کما أَن التَّعْلِیل ادال عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن مطلقٌ یشمل خبر العادلِ وخبرَ الفاسقِ، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه کذلک المفهومُ الدال عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن مطلقٌ یشمل فرضَ مجیء العادل بالنبأِ ویشمل فرض عدم مجیء نبأٍ أصلاً، فیفترق المفهوم عن التَّعْلِیل فی فرض عدم مجیء نبأٍ أصلاً، حیث یَدُلُّ المفهوم فی هذا الفرض عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن، ویفترق التَّعْلِیل عن المفهوم فی فرض مجیء الفاسق بالنبأ، حیث یَدُلُّ التَّعْلِیل فی هذا الفرض عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن، ویجتمعان معاً فی فرض مجیء العادل بالنبأ، حیث یَدُلُّ المفهوم عَلَیٰ عدم وجوب التَّبَیُّن، ویدل التَّعْلِیل عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن. إذن، دعوی الأَخَصِّیَّة غیر تامَّة.

ص: 42

وعلیه فالجواب الأول عَلَیٰ المانع الداخلی الْمُتَّصِل بالمفهوم وهو أَن المفهوم أخصّ، جواب غیر صحیح.

الجواب الثَّانِی: أَن المفهوم حاکم عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل، وهذا هو جواب المحقق النائینی ومدرسته بناءً منهم عَلَیٰ أَن معنی جعل الْحُجِّیَّة هو جعل العلمیة؛ فَإِنَّهُ عَلَیٰ هذا المبنی سوف یکون المفهوم الدال عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل دالاً عَلَیٰ أَن خبر العادل علمٌ، فیکون حاکماً عَلَیٰ التَّعْلِیل الدَّالّ عَلَیٰ عدم حجّیّة کُلّ خبر غیر عِلْمِیّ؛ لِأَنَّهُ ینفی موضوعه تَعَبُّداً أو یُخرج خبر العادل عن الخبر غیر الْعِلْمِیّ إخراجاً تَعَبُّدِیّاً ویقول: إِن العمل بخبر العادل لیس عملاً بجهالة بل هو عمل بالعلم. والحاصل أَن المفهوم عَلَیٰ تقدیر ثبوته یکون حاکماً عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل ورافعاً لموضوعه، فکیف یکون العموم مانعاً عن انعقاد ظهور القضیة فی المفهوم؟ فإن القضیة الحقیقیة لا تتکفّل إثباتَ موضوعِها، بل إِنّ إحراز الموضوع لَا بُدَّ من أَن یکون من الخارج، فإذا ورد دلیل یُخرج فرداً عن موضوع الْعَامّ، فلا یُعقل أَن یکون الْعَامّ مانعاً عنه؛ لأَنَّ شمول الْعَامّ لفردٍ متوقّفٌ عَلَیٰ عدم ثبوت دلیلٍ حاکمٍ یُخرج ذاک الفرد عن موضوع الْعَامّ، والمقام من هذا القبیل؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فَإِنَّ التَّعْلِیل قضیة حقیقیة عامّة تَدُلّ عَلَیٰ ثبوت وجوب التَّبَیُّن عَلَیٰ الموضوع المفروض وجوده، وهو الخبر غیر الْعِلْمِیّ، ولا یتکفّل هو بیانَ أنّ أیّ خبر هو علمیّ وأیّ خبر هو غیر عِلْمِیّ، فی حین أَن المفهوم یقول: إِن خبر العادل علمٌ (بناء عَلَیٰ مبنی جعل العلمیة) وَحِینَئِذٍ فسوف لا یکون التَّعْلِیل الْعَامّ مانعاً عن ذلک ومنافیاً له.

ص: 43

نعم، لو وقع (فی موردٍ) التنافی بین العموم وعموم التَّعْلِیل أمکن القولُ بکون العموم مانعاً عن المفهوم، کما لو قیل: ِن کان هذا رمّاناً فلا تأکله؛ لِأَنَّهُ حامض؛ فَإِنَّ عموم التَّعْلِیل فیه یمنع عن أکل کلّ حامضٍ وإن لم یکن رمّاناً فی حین أَن مفهوم الشَّرط یقتضی جواز أکله إذا لم یکن رمّاناً، فیقع التنافی بینهما فی الحامض غیر الرّمان؛ لأَنَّ المفهوم هنا لا یقول: إِن غیر الرّمان لیس حامضاً کی لا تکون هناک منافاة بینه وبین عموم التَّعْلِیل، أما فی ما نحن فیه فلیس الأمرُ کذلک؛ لأَنَّ المفهوم یقول: إِن خبر غیر الفاسق علمٌ، فلا یتنافی مع عموم التَّعْلِیل القائل: إِن الخبر غیر الْعِلْمِیّ لیس حجةً.

وبهذا البیان اتّضح أَنَّهُ لا یرد عَلَیٰ هذا الجواب ردُّنا الأول عَلَیٰ الجواب السَّابِق، وهو الرد القائل: إِن الجواب إِنَّمَا یَتُمُّ إذا انعقد للکلام ظهور فی المفهوم فی حین أَنه یوجد هنا فی الکلام ما یصلح للقرینیة عَلَیٰ عدم المفهوم، وهو التَّعْلِیل، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه ومع وجوده لا ینعقد الظهور فی المفهوم لکی یکون مخصِّصا؛ فَإِنَّ هذا الرد لا یتّجه إِلَیٰ هذا الجواب الثَّانِی (جواب المحقق النائینی ومدرسته)؛ لأَنَّ المیرزا لا یقول: إِن المفهوم أخص من التَّعْلِیل، بل یقول: إنه حاکم، والحکومة عنده لیست من موارد المعارضة والتنافی أصلا؛ لأَنَّ الحکومة عنده نفی الموضوع ونفی الموضوع لا یتنافی مع الدَّلِیل الَّذِی یُثبت حکماً عَلَیٰ ذاک الموضوع، فلا تنافیَ هنا أصلا عنده بین المفهوم وعموم التَّعْلِیل، کی یقال: إِن التَّعْلِیل صالح للقرینیة عَلَیٰ عدم المفهوم؛ فَإِنَّ التَّعْلِیل إِنَّمَا یمنع عن انعقاد المفهوم لو کان منافیاً له فی حین أَن المیرزا یقول: إِن المفهوم حاکم ولا منافاة بین الحاکم والمحکوم عنده، وهذا بخلاف الجواب السَّابِق الَّذِی کان یتمسک بِأَخَصِّیَّة المفهوم من التَّعْلِیل لا بحکومته علیه؛ فَإِنَّ التنافی ثابت حِینَئِذٍ بینهما؛ ضرورةَ تنافی الْعَامّ والخاص، فکان یَصِحّ لنا أَن نقول فی رده: إِن المفهوم إِنَّمَا یخصّص التَّعْلِیل فیما إذا انعقد للکلام ظهورٌ فیه فی حین أَن هنا لا ینعقد للکلام ظهور فیه؛ لوجود ما یصلح للقرینیّة عَلَیٰ عدمه وهو التَّعْلِیل.

ص: 44

کما أَنَّهُ اتضح بهذا أَیْضاً عدم ورود اعتراض المحقق الأصفهانی عَلَیٰ جواب المیرزا هذا؛ فَإِنَّهُ بعد أَن سَلَّم بأصل صلاحیّة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل ناقَشَ فی هذه الحکومة قَائِلاً: إنها تستلزم الدَّوْر؛ لأَنَّ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل متوقّفة عَلَیٰ تمامیة المفهوم وانعقاده وهذا بدوره متوقّف عَلَیٰ عدم تمامیة عموم التَّعْلِیل وشموله لخبر العادل؛ إذ مع عمومه وشموله له لا ینعقد المفهوم؛ لاتصاله به، وعدم تمامیة عموم التَّعْلِیل متوقف عَلَیٰ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل؛ فالحکومة هذه لا تکون إذن إِلَّا عَلَیٰ وجهٍ دائرٍ؛ فإن هذا الاعتراض غیر وارد عَلَیٰ المحقق النائینی ومدرسته بناءً عَلَیٰ مبنی هذه المدرسة فی الحکومة القائل بِأَنَّهَا لا ترجع فی روحها إِلَیٰ التخصیص بعد التعارض، وَإِنَّمَا هی أمر فی قبال التخصیص؛ حیث أَن الْخَاصّ ینفی الحکم المذکور فی الْعَامّ فی حین أَن الحاکم ینفی موضوع الحکم المذکور فی المحکوم، فلا تعارض أَصلاً بین الحاکم والمحکوم، لا أَن هناک تعارضاً بینهما وقُدِّم أحدُهما عَلَیٰ الآخر بنکتةٍ من النکات، وعلیه فنحن إذا سلّمنا (فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تلفیق الدَّوْر بِالنَّحْوِ المذکور) بأصل صلاحیّة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل، وقلنا: إِن عموم التَّعْلِیل لیس فیه هذه الصلاحیة المماثلة، وإن أحدهما لیس فی رتبة الآخر، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه کما هو مفروض کلام المحقق الأصفهانیّ فَحِینَئِذٍ لا تعارض بین المفهوم وعموم التَّعْلِیل کی یفترض أَن تمامیة المفهوم متوقّفة عَلَیٰ عدم تمامیة العموم فی التَّعْلِیل، بل المفهوم بنفسه حِینَئِذٍ یُفنی هذا العمومَ، حیث أَن عموم التَّعْلِیل یقول: إِن الخبر غیر الْعِلْمِیّ یجب التَّبَیُّن عنه ولا یجوز اتباعه فی حین أَن المفهوم یقول: إِن خبر العادل علمٌ، فلا تنافی بین مدلول المفهوم ومدلول التَّعْلِیل کی یَتُمُّ التعارض بین الدلالتین. وإذا لم یکن هناک تعارض بینهما فلا مبرّر لسقوط دلالة المفهوم بسبب دلالة التَّعْلِیل عَلَیٰ العموم؛ فَإِنَّ هذا السقوط فرع التنافی والتعارض الَّذِی یوجب انتفاء الدلالة فی فرض الاتصال وانتفاء حجیّتها فی فرض الانفصال، أما مع عدم التنافی والتعارض فلا وجه للسقوط.

ص: 45

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

کما أَنَّهُ اتضح بهذا أَیْضاً عدم ورود اعتراض المحقق الأصفهانی عَلَیٰ جواب المیرزا هذا؛ فَإِنَّهُ بعد أَن سَلَّم بأصل صلاحیّة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل ناقَشَ فی هذه الحکومة قَائِلاً: إنها تستلزم الدَّوْر؛ لأَنَّ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل متوقّفة عَلَیٰ تمامیة المفهوم وانعقاده وهذا بدوره متوقّف عَلَیٰ عدم تمامیة عموم التَّعْلِیل وشموله لخبر العادل؛ إذ مع عمومه وشموله له لا ینعقد المفهوم؛ لاتصاله به، وعدم تمامیة عموم التَّعْلِیل متوقف عَلَیٰ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل؛ فالحکومة هذه لا تکون إذن إِلَّا عَلَیٰ وجهٍ دائرٍ؛ فإن هذا الاعتراض غیر وارد عَلَیٰ المحقق النائینی ومدرسته بناءً عَلَیٰ مبنی هذه المدرسة فی الحکومة القائل بِأَنَّهَا لا ترجع فی روحها إِلَیٰ التخصیص بعد التعارض، وَإِنَّمَا هی أمر فی قبال التخصیص؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه حیث أَن الْخَاصّ ینفی الحکم المذکور فی الْعَامّ فی حین أَن الحاکم ینفی موضوع الحکم المذکور فی المحکوم، فلا تعارض أَصلاً بین الحاکم والمحکوم، لا أَن هناک تعارضاً بینهما وقُدِّم أحدُهما عَلَیٰ الآخر بنکتةٍ من النکات، وعلیه فنحن إذا سلّمنا (فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ تلفیق الدَّوْر بِالنَّحْوِ المذکور) بأصل صلاحیّة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل، وقلنا: إِن عموم التَّعْلِیل لیس فیه هذه الصلاحیة المماثلة، وإن أحدهما لیس فی رتبة الآخر، کما هو مفروض کلام المحقق الأصفهانیّ فَحِینَئِذٍ لا تعارض بین المفهوم وعموم التَّعْلِیل کی یفترض أَن تمامیة المفهوم متوقّفة عَلَیٰ عدم تمامیة العموم فی التَّعْلِیل، بل المفهوم بنفسه حِینَئِذٍ یُفنی هذا العمومَ، حیث أَن عموم التَّعْلِیل یقول: إِن الخبر غیر الْعِلْمِیّ یجب التَّبَیُّن عنه ولا یجوز اتباعه فی حین أَن المفهوم یقول: إِن خبر العادل علمٌ، فلا تنافی بین مدلول المفهوم ومدلول التَّعْلِیل کی یَتُمُّ التعارض بین الدلالتین. وإذا لم یکن هناک تعارض بینهما فلا مبرّر لسقوط دلالة المفهوم بسبب دلالة التَّعْلِیل عَلَیٰ العموم؛ فَإِنَّ هذا السقوط فرع التنافی والتعارض الَّذِی یوجب انتفاء الدلالة فی فرض الاتصال وانتفاء حجیّتها فی فرض الانفصال، أما مع عدم التنافی والتعارض فلا وجه للسقوط.

ص: 46

والحاصل أَنَّنَا إذا سلّمنا بأصل الحکومة فی المقام وصلاحیة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل بنکتةٍ من النکات فلا معنی حِینَئِذٍ للقول بأن تمامیة المفهوم دائریة؛ وذلک لأَنَّ هذه الصلاحیة بنفسها رافعة لعموم التَّعْلِیل، لا أَنَّها متوقّفة عَلَیٰ عدمه؛ لأَنَّ کُلّ دلیل حاکم فهو یُفنی الدَّلِیل المحکوم ولا یتوقف عَلَیٰ عدمه، وإلا لکانت حکومة أیّ دلیلٍ عَلَیٰ دلیل آخر دائریة، فثبوت دلالة المفهوم فی المقام بل کل دلالةٍ حاکمةٍ عَلَیٰ دلالةٍ أخری لیس متوقفاً عَلَیٰ عدم الدلالة المحکومة، بل هو متوقف عَلَیٰ عدم دلالة غیر محکومة، وعلیه فلا یمکن أَن یکون الدَّوْر المذکور هو البرهان عَلَیٰ إبطال الحکومة، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه بل فی المرتبة السَّابِقَة عَلَیٰ الدَّوْر إِن کانت الحکومة تامّة وصلاحیة المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل ثابتة وصحیحة فلا دور، وإن لم تکن الحکومة فی نفسها تامّة ولم یکن هناک اقتضاء فی المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل، إذن فلا حاجة إِلَیٰ تلفیق الدَّوْر، فَلَا بُدَّ من إبطال أصل الصلاحیة والاقتضاء فی المفهوم للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل، ومع إبطاله لا نحتاج إِلَیٰ تلفیق مثل هذا الدَّوْر.

ومن خلال هذه النکتة الأخیرة الَّتِی ذکرناها (وهی أَن الحاکم یُفنی المحکومَ ولا یتوقف عَلَیٰ عدمه) اتضح أَنَّهُ حَتَّیٰ عَلَیٰ مبنی إرجاع الحکومة إِلَیٰ التخصیص لا یَتُمُّ اعتراض المحقق الأصفهانیّ ؛ لِأَنَّهُ حِینَئِذٍ وإن کان یوجد هناک تنافٍ وتعارض بین المفهوم وعموم التَّعْلِیل؛ باعتبار أَن المفهوم حاکم بحسب الفرض، والحکومة ترجع إِلَیٰ التخصیص، والخاص ینافی الْعَامَّ، إِلَّا أَن هذا معناه أَنَّهُ یقع فی المقام التزاحم فی التأثیر بین مقتضی المفهوم ومقتضی عموم التَّعْلِیل؛ فالثانی یقتضی وجوب التَّبَیُّن وعدم الْحُجِّیَّة فی کُلّ خبر غیر عِلْمِیّ وإن کان خبر العادل فی حین أَن الأول یقتضی الْحُجِّیَّة وعدم وجوب التَّبَیُّن فی خبر العادل، وهذا وإن کان منافیاً لذاک (باعتبار رجوع الحکومة بروحها إِلَیٰ التخصیص الَّذِی هو نفی لذاک الحکم المذکور فی التَّعْلِیل الْعَامّ) لکن مع ذلک یتقدم مقتضی المفهوم فی التأثیر عَلَیٰ مقتضی العموم؛ لأَنَّ هذا النفی نفی للحکم بلسان الحکومة ولحنها الَّذِی هو لسان نفی الموضوع، فهو یُفنی المحکومَ.

ص: 47

وبعبارة أخری: إِن مقتضی المفهوم فی الآیة وإن کان یقتضی حجّیّة خبر العادل ونفی وجوب التَّبَیُّن، لکن لمّا کان هذا النفی بلسان أَن خبر العادل علمٌ فهو یُفنی العموم، وعلیه فمقتضی المفهوم فی الآیة ما دام یُفنی عمومَ التَّعْلِیل، إذن فلا یتوقف عَلَیٰ عدمه کی یرد محذور الدَّوْر الَّذِی ذکره المحقق الأصفهانیّ .

فالصحیح إذن فی دراسة الجواب الَّذِی أفاده المحقق النائینی ومدرسته هو أَن نتکلم فی أصل حکومة المفهوم الَّتِی سَکَت عنها المحقق الأصفهانیّ وسَلَّم بها وناقَشَ المحققَ النائینی مبنیّاً علیها، فهل هذه الحکومة صحیحة وهل أَن مفهوم الآیة صالح للحکومة عَلَیٰ التَّعْلِیل حَقّاً؟

الجواب کما أفاد سَیّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِیدُ أَنَّها غیر صحیحة؛ وذلک لما یلی:

أَوَّلاً: أَن هذه الحکومة متوقّفة عَلَیٰ تفسیر المفهوم (الدَّالّ عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل وعدم وجوب التَّبَیُّن) بجعل خبر العادل علماً وطریقاً وبیاناً، کی یکون المفهوم حِینَئِذٍ نافیاً لموضوع التَّعْلِیل الْعَامّ الدَّالّ عَلَیٰ عدم حجّیّة کُلّ ما لیس علماً، مع أَن هذا التفسیر لا معیِّن له؛ فَإِنَّ عنوان الْحُجِّیَّة وعدم وجوب التَّبَیُّن لیس معناه متعیّناً فی العلمیة، فقد ذکرنا بما لا مزید علیه فی بحث الجمع بین الحکم الواقعی والحکم الظاهری وفی بحث قیام الأمارات مقام القطع أَن جعل العلمیة لیس سوی أحد أنحاء جعل الحکم الظاهری الممکنة ثبوتاً الواقعة إِثْبَاتاً، ولیس هو النحو الوحید الممکن ثبوتاً والواقع إثباتاً لجعل الحکم الظاهری، بل کما یمکن ثبوتاً جعله بهذا النحو، کذلک یمکن ثبوتاً جعله بنحو آخر، من قبیل جعل الْحُجِّیَّة وجعل المنجّزیّة والمعذّریة وجعل الحکم التکلیفی المماثل، وغیرها من الأنحاء، هذا عن مقام الثبوت، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وکذلک فی مقام الإثبات لیس لسان جعل العلمیة هو اللِّسَان الوحید لجعل الحکم الظاهری فی باب الأمارات، بل إِن غیره من الألسنة أَیْضاً یمکن اختیاره إِثْبَاتاً. إذن، فلا معیِّن للقول بأنَّ مفهومَ الآیة الشریفة فی المقام بصدد جعل العلمیة لخبر العادل، نعم هو محتمل، کما أَن غیره أَیْضاً محتمل. وعلیه فلا نحرز کون المفهوم ذا مفادٍ حاکمٍ، فتکون النتیجة أَن الآیة مفهوماً وتعلیلاً صدراً وذیلاً؛ لاتصالهما. فلا یمکن التَّمسُّک بالمفهوم لإثبات حجّیّة خبر العادل، کما لا یمکن التَّمسُّک بالتعلیل أَیْضاً لإثبات عدم حجّیّته.

ص: 48

ثانیاً: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا بأن الْحُجِّیَّة معناها العلمیة؛ فَإِنَّهُ مع ذلک لا تتمّ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل؛ وذلک لما ذکرناه فی أدلة عدم حجّیّة خبر الواحد (عند البحث عن الاستدلال عَلَیٰ عدم الْحُجِّیَّة بالآیات الشریفة الناهیة عن العمل بالظن) من أَن جعل العلمیة والطریقیة إِنَّمَا یکون حاکماً عَلَیٰ الأدلة الَّتِی تُثبِتُ حکماً مّا عَلَیٰ موضوع عدم العلم کحرمة إسناد ما لا علم به إِلَیٰ الشَّارِع، بینما الآیات الناهیة عن العمل بالظن تنفی ابتداءً (عَلَیٰ حد تعبیرهم) العلمیة والطریقیة، فیقع التعارض لا محالة بینها وبین ما یُبت العلمیة والطریقیة، وکذلک نقول فیما نحن فیه: إِن عموم التَّعْلِیل یَنفی جعل العلمیة والطریقیة بینما المفهوم یُثبته، فهما فی عرض واحد ومتعارضان، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه ولا وجه لحکومة المفهوم عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل؛ إذ کما أَن إثبات الْحُجِّیَّة معناه جعل العلمیة، کذلک نفیها معناها نفی العلمیة. إذن، فنحن حَتَّیٰ لو سلّمنا أَن مفاد الْحُجِّیَّة هو جعل الخبر علماً، فَإِنَّهُ حِینَئِذٍ یکون مفاد المفهوم إثبات العلمیة لخبر العادل، ومفاد التَّعْلِیل سلبها عنه، فکل منهما ینظر إِلَیٰ شیء واحد فی رتبة واحدة، فلا حکومة لأحدهما عَلَیٰ الآخر؛ فَإِنَّ المفهوم إذا کان مفاده اعتبار خبر العادل علماً، فسوف یکون مفاد المنطوق نفی هذا الاعتبار عن خبر الفاسق، والتعلیل ناظر إِلَیٰ توسعة دائرة هذا النفی وتعمیمه عَلَیٰ کُلّ ما لا یکون علما، فَکَأَنَّ التَّعْلِیل یقول: إِن کُلّ ما لا یکون علماً وجداناً لا أعتبره علماً، وبذلک یکون مفاد التَّعْلِیل ومفاد المفهوم فی رتبة واحدة، أحدهما یُبت اعتبار خبر العادل علماً، والآخر ینفی هذا الاعتبار، فلا موجب لحکومة أحدهما عَلَیٰ الآخر.

ص: 49

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ثانیاً: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا بأن الْحُجِّیَّة معناها العلمیة؛ فَإِنَّهُ مع ذلک لا تتمّ حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل؛ وذلک لما ذکرناه فی أدلة عدم حجّیّة خبر الواحد (عند البحث عن الاستدلال عَلَیٰ عدم الْحُجِّیَّة بالآیات الشریفة الناهیة عن العمل بالظن) من أَن جعل العلمیة والطریقیة إِنَّمَا یکون حاکماً عَلَیٰ الأدلة الَّتِی تُثبِتُ حکماً مّا عَلَیٰ موضوع عدم العلم کحرمة إسناد ما لا علم به إِلَیٰ الشَّارِع، بینما الآیات الناهیة عن العمل بالظن تنفی ابتداءً (عَلَیٰ حد تعبیرهم) العلمیة والطریقیة، فیقع التعارض لا محالة بینها وبین ما یُبت العلمیة والطریقیة، وکذلک نقول فیما نحن فیه: إِن عموم التَّعْلِیل یَنفی جعل العلمیة والطریقیة بینما المفهوم یُثبته، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فهما فی عرض واحد ومتعارضان، ولا وجه لحکومة المفهوم عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل؛ إذ کما أَن إثبات الْحُجِّیَّة معناه جعل العلمیة، کذلک نفیها معناها نفی العلمیة. إذن، فنحن حَتَّیٰ لو سلّمنا أَن مفاد الْحُجِّیَّة هو جعل الخبر علماً، فَإِنَّهُ حِینَئِذٍ یکون مفاد المفهوم إثبات العلمیة لخبر العادل، ومفاد التَّعْلِیل سلبها عنه، فکل منهما ینظر إِلَیٰ شیء واحد فی رتبة واحدة، فلا حکومة لأحدهما عَلَیٰ الآخر؛ فَإِنَّ المفهوم إذا کان مفاده اعتبار خبر العادل علماً، فسوف یکون مفاد المنطوق نفی هذا الاعتبار عن خبر الفاسق، والتعلیل ناظر إِلَیٰ توسعة دائرة هذا النفی وتعمیمه عَلَیٰ کُلّ ما لا یکون علما، فَکَأَنَّ التَّعْلِیل یقول: إِن کُلّ ما لا یکون علماً وجداناً لا أعتبره علماً، وبذلک یکون مفاد التَّعْلِیل ومفاد المفهوم فی رتبة واحدة، أحدهما یُبت اعتبار خبر العادل علماً، والآخر ینفی هذا الاعتبار، فلا موجب لحکومة أحدهما عَلَیٰ الآخر.

ص: 50

ثالثاً: إِن الآیة الشریفة عَلَّلت وجوبَ التبیّن عند مجیء الفاسق بالنبأ بلزوم الاجتناب عن الإصابة بجهالة، وعَلَّلت لزومَ الاجتناب عن الإصابة بجهالة باحتمال الوقوع فی الندم. فَالْعِلَّة الأصلیة لوجوب التَّبَیُّن عبارة عن احتمال الندم، والمقصود بالندم إما هو الندم الحاصل عَلَیٰ ما فات من مصالح الواقع؛ باعتبار أَنَّهُ بعد تبین مخالفة خبر الفاسق إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه للواقع یحصل الندل للإنسان عَلَیٰ ما فاته من ملاک الواقع ومصلحته نتیجةَ العمل بخبره، وإما هو الندم الحاصل عَلَیٰ مخالفة الحکم الواقعی المولویّ بلا عذر شرعی؛ باعتبار أَن ذاک الحکم کان قد تَنَجَّز عَلَیٰ المکلف؛ لأَنَّ خبر الفاسق لم یکن حجةً شرعاً، فیحصل الندم له عَلَیٰ مخالفة الحکم الشرعی المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب.

فإن کان المقصود بالندم هو الأول (أَیْ: أَن علة وجوب التَّبَیُّن خوف الندم عَلَیٰ فوت مصلة الواقع وملاکه) فلا وجه للحکومة الَّتِی ادعاها المحقق النائینی فی المقام (أَیْ: حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل) حَتَّیٰ لو سلمنا بأن المفهوم یجعل العلمیة لخبر العادل؛ لأَنَّ جعل العلمیة والطریقیة لخبر العادل لا یرفع احتمال الندم (بهذا المعنی) عند العمل بخبر العادل. نعم، جعل العلمیة یرفع احتمالَ کون الإصابة حِینَئِذٍ إصابةً بجهالةٍ وخطأٍ وعدم علم؛ باعتبار أَنَّهُ یجعل خبر العادل علماً، فیرتفع احتمالُ الخطأ والجهالة فی العمل بخبر العادل، إِلَّا أَن احتمال الخطأ هذا ملازم لاحتمال الندم تکویناً؛ فاحتمال الخطأ واحتمال الندم مَثلا زمان؛ لأَنَّ الندم لازم تکوینی لانکشاف الخطأ، والشَّارِع قد نفی (تشریعاً وتعبّداً) احتمال الخطأ بجعل خبر العادل علماً، ولم یَنفِ احتمال الندم؛ لوضوح أَن نفی احتمال شیءٍ تشریعاً لا یُعدُّ نفیاً تشریعیاً لاحتمال ما یلازمه تکویناً. نعم، لو کان الندم أثراً ولازماً شرعیاً لنقیض ما أخبر به العادل (أَیْ: للواقع المنکشف من خلال انکشاف خطأ خبر العادل) لکان جعل العلمیة لخبر العادل ونفی احتمال الخطأ تشریعاً نفیاً ورفعاً تشریعیاً لاحتمال الندم، لکن لیس الأمر کذلک؛ لوضوح أَن الندم لازم تکوینی لانکشاف الخطأ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه ولیس لازماً شرعیاً له. إذن، فنی أحد الاحتمالین المتلازمین تَعَبُّداً بجعل العلمیة والطریقیة لا یعنی نفی الاحتمال الآخر تَعَبُّداً؛ بداهةَ أَنَّهُ قد یُفرض أَن أحد الاحتمالین الَّذَین هما متلازمان تکویناً منفیّاً بجعل العلمیة والطریقیة، لکن الاحتمال الآخر لا مبرّر لافتراض عدمه ونفیه؛ لأَنَّ جعل العلمیة والطریقیة إِنَّمَا ثبت فی قبال أحد الاحتمالین دون الاحتمال الآخر.

ص: 51

ولا یخفی أَن هذا الکلام یرجع بروحه إِلَیٰ إنکار حجّیّة مثبتات الأمارة ولوازمها بناءً عَلَیٰ مبنی جعل الْعِلْمِیَّة وَالطَّرِیقِیَّةِ. اللهم إِلَّا أَن یقال بناء عَلَیٰ هذا المبنی: إِنَّنَا إذا فهمنا من دلیل حجّیّة الأمارة أَنَّها إِنَّمَا جُعلت علماً وطریقاً بما لها من کاشفیة تکوینیة، وکانت کاشفیتها عن الشَّیْء وعن ملازمه عَلَیٰ حد سواء. إذن، فجعل الْعِلْمِیَّة وَالطَّرِیقِیَّة یَتُمُّ بلحاظ کلا الأمرین المتلازمین؛ فخبر العادل کما هو کاشف عما أخبرَ به کذلک هو کاشف عن أَنَّهُ سوف لن یحصل الندم، فنکون عالِمین تَعَبُّداً بالمخبَر به وبعدم الندم، وَحِینَئِذٍ تتمّ حکومة المفهوم عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل کما ادعاها المحقق النائینی.

وأما إِن کان المقصود بالندم هو الثَّانِی (أَیْ: أَن علة وجوب التَّبَیُّن هو خوف الندم) الحاصل بعد تبین مخالفة خبر الفاسق للواقع عَلَیٰ مخالفة الحکم الواقعی المولویّ المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب (وبعبارة أخری: خوف الندم لأجل العقاب) فأیضا لا تتم الحکومة الَّتِی ادعاها المحقق النائینی (أَیْ: حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل)؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وذلک لأنه حِینَئِذٍ سوف یکون المفهوم وارداً عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل لا حاکماً علیه؛ إذ أَنَّهُ بجعل الْحُجِّیَّة لخبر العادل ینتفی تکویناً موضوع التَّعْلِیل وهو احتمال الندم لأجل العقاب؛ ضرورةَ أَنَّهُ إذا کانت علة وجوب التَّبَیُّن فی خبر الفاسق عبارة عن احتمال الوقوع فی الندم بعد ذلک لأجل العقاب عَلَیٰ مخالفة الحکم المولویّ الواقعی بلا عذر شرعی فسوف ینتفی هذا الاحتمال تکویناً بجعل الْحُجِّیَّة لخبر العادل؛ لأَنَّ خبر العادل وإن خالف الحکم الواقعی المولویّ، إِلَّا أَن المکلف کان معذوراً شرعاً فی مخالفته هذه؛ وذلک لحجیة خبر العادل شَرْعاً، فلا یحتمل العقاب أَصلاً عَلَیٰ العمل بخبر العادل.

ص: 52

إذن، ففی هذا الفرض أَیْضاً لا یَتُمُّ جواب المحقق النائینی القائل بالحکومة کما عرفتَ. وللکلام صلة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ولا یخفی أَن هذا الکلام یرجع بروحه إِلَیٰ إنکار حجّیّة مثبتات الأمارة ولوازمها بناءً عَلَیٰ مبنی جعل الْعِلْمِیَّة وَالطَّرِیقِیَّةِ. اللهم إِلَّا أَن یقال بناء عَلَیٰ هذا المبنی: إِنَّنَا إذا فهمنا من دلیل حجّیّة الأمارة أَنَّها إِنَّمَا جُعلت علماً وطریقاً بما لها من کاشفیة تکوینیة، وکانت کاشفیتها عن الشَّیْء وعن ملازمه عَلَیٰ حد سواء. إذن، فجعل الْعِلْمِیَّة وَالطَّرِیقِیَّة یَتُمُّ بلحاظ کلا الأمرین المتلازمین؛ فخبر العادل کما هو کاشف عما أخبرَ به کذلک هو کاشف عن أَنَّهُ سوف لن یحصل الندم، فنکون عالِمین تَعَبُّداً بالمخبَر به وبعدم الندم، وَحِینَئِذٍ تتمّ حکومة المفهوم عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل کما ادعاها المحقق النائینی.

وأما إِن کان المقصود بالندم هو الثَّانِی (أَیْ: أَن علة وجوب التَّبَیُّن هو خوف الندم) الحاصل بعد تبین مخالفة خبر الفاسق للواقع عَلَیٰ مخالفة الحکم الواقعی المولویّ المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب (وبعبارة أخری: خوف الندم لأجل العقاب) فأیضا لا تتم الحکومة الَّتِی ادعاها المحقق النائینی (أَیْ: حکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل)؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وذلک لأنه حِینَئِذٍ سوف یکون المفهوم وارداً عَلَیٰ عموم التَّعْلِیل لا حاکماً علیه؛ إذ أَنَّهُ بجعل الْحُجِّیَّة لخبر العادل ینتفی تکویناً موضوع التَّعْلِیل وهو احتمال الندم لأجل العقاب؛ ضرورةَ أَنَّهُ إذا کانت علة وجوب التَّبَیُّن فی خبر الفاسق عبارة عن احتمال الوقوع فی الندم بعد ذلک لأجل العقاب عَلَیٰ مخالفة الحکم المولویّ الواقعی بلا عذر شرعی فسوف ینتفی هذا الاحتمال تکویناً بجعل الْحُجِّیَّة لخبر العادل؛ لأَنَّ خبر العادل وإن خالف الحکم الواقعی المولویّ، إِلَّا أَن المکلف کان معذوراً شرعاً فی مخالفته هذه؛ وذلک لحجیة خبر العادل شَرْعاً، فلا یحتمل العقاب أَصلاً عَلَیٰ العمل بخبر العادل.

ص: 53

إذن، ففی هذا الفرض أَیْضاً لا یَتُمُّ جواب المحقق النائینی القائل بالحکومة کما عرفتَ.

کما أَنَّهُ بناءً عَلَیٰ هذا الفرض (وهو أَن تکون علة وجوب التَّبَیُّن خوفُ الندم عَلَیٰ مخالفة الواقع بلا عذر الموجبة للعقاب) لا یَتُمُّ أصل الإشکال الَّذِی کان المحقق النائینی بصدد الإجابة عنه (وهو الإشکال القائل بأن عموم التَّعْلِیل مانعٌ عن دلالة الآیة بمفهومها عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل)؛ إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وذلک لأَنَّ التَّعْلِیل بناء عَلَیٰ هذا لیس تعلیلاً لعدم جعل الْحُجِّیَّة لخبر الفاسق؛ لأَنَّ الوقوع فی الندم من ناحیة العقاب إِنَّمَا هو فی طول عدم جعل الْحُجِّیَّة ومعلول له، فلا معنی لتعلیل عدم جعل الْحُجِّیَّة بذلک. وبعبارة أخری: إِن مخافة العقاب عَلَیٰ العمل بالخبر إِنَّمَا تنشأ من عدم حجّیّة الخبر، فکیف تکون هی المنشأ وَالْعِلَّة لعدم حجیته؟ إذن، فلا دلالة فی التَّعْلِیل عندئذٍ عَلَیٰ تعمیم عدم الْحُجِّیَّة لکل خبر غیر عِلْمِیّ؛ لأَنَّ التَّعْلِیل لیس تعلیلاً لعدم الْحُجِّیَّة ولا یصلح لذلک، بل هو تعلیل حِینَئِذٍ للأمر الإرشادی بالتبین (أَیْ: أَن الأمر بالتبین حِینَئِذٍ یکون إرشاداً إِلَیٰ ما یستقلّ به العقل من لزوم التَّمسُّک بعروة الیقین) وضرورةَ أَن یکون رأس الخیط فی العمل هو العلم.

رابعاً: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا بأن مفاد المفهوم فی المقام سنخ مفادٍ حاکمٍ عَلَیٰ التَّعْلِیل کما یقول المحقق النائینی إِلَّا أَن الحکومة عندنا روحها روح التخصیص کما ذکرنا ذلک مراراً؛ فهی نفی للحکم المذکور فی الدَّلِیل المحکوم لکن لا بلسان نفی الحکم کما هو الحال فی التخصیص، بل بلسان الحکومة ونفی الموضوع. وعلیه، فیکون حال الحکومة حال التخصیص الَّذِی زعمه صاحب الجواب السَّابِق (أَیْ: الجواب الأول الَّذِی کان یجب عن إشکال کون عموم التَّعْلِیل مانعاً عن المفهوم بدعوی أَخَصِّیَّة المفهوم من التَّعْلِیل)؛ فکما قلنا فی ردّنا الثَّانِی عَلَیٰ ذاک الجواب: إنه کما یوجد فی المفهوم ملاک القرینیة فی النَّظَر العرفی وَبِالتَّالِی یوجد فیه ملاک للتقدیم عَلَیٰ التَّعْلِیل الْعَامّ وهو ملاک الأَخَصِّیَّة، کذلک یوجد فی التَّعْلِیل ملاک للقرینیة فی النَّظَر العرفی وَبِالتَّالِی یوجد فیه ملاک للتقدیم عَلَیٰ المفهوم وهو ملاک النَّظَر إِلَیٰ الحکم المعلَّل)، إعداد الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه کذلک نقول هنا فی الرّدّ عَلَیٰ هذا الجواب الَّذِی أفاده المحقق النائینی: إنه کما أَن المفهوم ناظر إِلَیٰ التَّعْلِیل حسب دعوی المحقق النائینی؛ ففیه ملاک للحکومة، کذلک التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ المفهوم؛ وذلک لما ذکرناه هناک من أَن التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ الحکم المعلَّل؛ ففیه ملاک للحکومة عَلَیٰ مفاد القضیة المذکورة فی الآیة؛ فَإِنَّ نکتة التَّعْلِیل بنفسها توجب فی نظر العرف الحکومة عَلَیٰ الجملة المعلَّلة وتوسّع دائرة وجوب التَّبَیُّن وحدوده لیشمل کُلّ خبر غیر عِلْمِیّ ولو کان خبر عادل.

ص: 54

وللکلام صلة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

کما أَنَّهُ بناءً عَلَیٰ هذا الفرض (وهو أَن تکون علة وجوب التَّبَیُّن خوفُ الندم عَلَیٰ مخالفة الواقع بلا عذر الموجبة للعقاب) لا یَتُمُّ أصل الإشکال الَّذِی کان المحقق النائینی بصدد الإجابة عنه (وهو الإشکال القائل بأن عموم التَّعْلِیل مانعٌ عن دلالة الآیة بمفهومها عَلَیٰ حجّیّة خبر العادل)؛ وذلک لأَنَّ التَّعْلِیل بناء عَلَیٰ هذا لیس تعلیلاً لعدم جعل الْحُجِّیَّة لخبر الفاسق؛ لأَنَّ الوقوع فی الندم من ناحیة العقاب إِنَّمَا هو فی طول عدم جعل الْحُجِّیَّة ومعلول له، فلا معنی لتعلیل عدم جعل الْحُجِّیَّة بذلک. وبعبارة أخری: إِن مخافة العقاب عَلَیٰ العمل بالخبر إِنَّمَا تنشأ من عدم حجّیّة الخبر، فکیف تکون هی المنشأ وَالْعِلَّة لعدم حجیته؟ إذن، فلا دلالة فی التَّعْلِیل عندئذٍ عَلَیٰ تعمیم عدم الْحُجِّیَّة لکل خبر غیر عِلْمِیّ؛ لأَنَّ التَّعْلِیل لیس تعلیلاً لعدم الْحُجِّیَّة ولا یصلح لذلک، بل هو تعلیل حِینَئِذٍ للأمر الإرشادی بالتبین (أَیْ: أَن الأمر بالتبین حِینَئِذٍ یکون إرشاداً إِلَیٰ ما یستقلّ به العقل من لزوم التَّمسُّک بعروة الیقین) وضرورةَ أَن یکون رأس الخیط فی العمل هو العلم.

رابعاً: أَنَّهُ حَتَّیٰ لو سلّمنا بأن مفاد المفهوم فی المقام سنخ مفادٍ حاکمٍ عَلَیٰ التَّعْلِیل کما یقول المحقق النائینی إِلَّا أَن الحکومة عندنا روحها روح التخصیص کما ذکرنا ذلک مراراً؛ فهی نفی للحکم المذکور فی الدَّلِیل المحکوم لکن لا بلسان نفی الحکم کما هو الحال فی التخصیص، بل بلسان الحکومة ونفی الموضوع. وعلیه، فیکون حال الحکومة حال التخصیص الَّذِی زعمه صاحب الجواب السَّابِق (أَیْ: الجواب الأول الَّذِی کان یجب عن إشکال کون عموم التَّعْلِیل مانعاً عن المفهوم بدعوی أَخَصِّیَّة المفهوم من التَّعْلِیل)؛ فکما قلنا فی ردّنا الثَّانِی عَلَیٰ ذاک الجواب: إنه کما یوجد فی المفهوم ملاک القرینیة فی النَّظَر العرفی وَبِالتَّالِی یوجد فیه ملاک للتقدیم عَلَیٰ التَّعْلِیل الْعَامّ وهو ملاک الأَخَصِّیَّة، کذلک یوجد فی التَّعْلِیل ملاک للقرینیة فی النَّظَر العرفی وَبِالتَّالِی یوجد فیه ملاک للتقدیم عَلَیٰ المفهوم وهو ملاک النَّظَر إِلَیٰ الحکم المعلَّل)، کذلک نقول هنا فی الرّدّ عَلَیٰ هذا الجواب الَّذِی أفاده المحقق النائینی: إنه کما أَن المفهوم ناظر إِلَیٰ التَّعْلِیل حسب دعوی المحقق النائینی؛ ففیه ملاک للحکومة، کذلک التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ المفهوم؛ وذلک لما ذکرناه هناک من أَن التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ الحکم المعلَّل؛ ففیه ملاک للحکومة عَلَیٰ مفاد القضیة المذکورة فی الآیة؛ فَإِنَّ نکتة التَّعْلِیل بنفسها توجب فی نظر العرف الحکومة عَلَیٰ الجملة المعلَّلة وتوسّع دائرة وجوب التَّبَیُّن وحدوده لیشمل کُلّ خبر غیر عِلْمِیّ ولو کان خبر عادل.

ص: 55

وعلیه، فکل من المفهوم والتَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ الآخر؛ ففی کُلّ منهما ملاک للحکومة عَلَیٰ الآخر، وَحِینَئِذٍ فإما أَن نقول بتقدیم التَّعْلِیل عَلَیٰ المفهوم؛ لوجود ملاکٍ فیه للقرینیة والتقدیم أقوی عرفاً من الملاک الموجود فی المفهوم للقرینیة والتقدیم نظراً إِلَیٰ أَن التَّعْلِیل قرینة شخصیة قد جعلها شخص المُتَکَلِّم فی کلامه لیکون قرینةً عَلَیٰ مرامه فی حین أَن المفهوم الَّذِی فرضناه حاکماً حسب دعوی المحقق النائینی یکون (بعد إرجاع الحکومة بروحها إِلَیٰ التخصیص کما هو الصحیح) قرینةً نوعیةً قد جعلها العرف قرینةً فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مرامه؛ لأَنَّ الْخَاصّ قرینة نوعیة، ولا شک فی تقدیم القرینة الشخصیة عَلَیٰ القرینة النوعیة عند العرف؛ لأَنَّ العرف والعقلاء إِنَّمَا یجعلون شیئاً قرینة فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مقصوده ومرامه ما لم یجعل شخصُ المُتَکَلِّم فی کلامه قرینةً تبین مقصوده ومرامه؛ إذ مع جعله قرینةً کذلک یری العرف أَن ما جعله المُتَکَلِّم قرینة فهو القرینة دون غیره. وإما أَن نقول بتساویهما عرفاً من حیث قوة ملاک التَّقْدِیم، وَحِینَئِذٍ فیتعارضان ویتساقطان، وتصبح الآیة الشریفة مجملةً مفهوماً وتعلیلاً، فلا یکون فی الآیة ظهورٌ فعلی فی المفهوم. إذن، فعلی کلا التقدیرین لم یَتُمّ کلامُ المحقق النائینی القائل بتقدیم المفهوم.

نعم، لو ادعی أَن المراد بالجهالة وعدم العلم فی التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الأعمّ من العلم الحقیقی والعلم الاعتباری، لم یکن التَّعْلِیل حِینَئِذٍ ناظراً إِلَیٰ المفهوم ومتصرّفاً فیه، بل یکون المفهوم وارداً عَلَیٰ التَّعْلِیل ورافعاً لموضوعه حقیقةً وتکویناً؛ لأَنَّ موضوع التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الحقیقی والتعبدی الاعتباری، وبما أَن المفهوم یجعل خبر العادل حجةً أو یجعله علماً (بناء عَلَیٰ جعل الْعِلْمِیَّة)، إذن فیخرج خبر العادل عن موضوع التَّعْلِیل حقیقة، ولا یکون المفهومُ مخصِّصاً للتَّعلیل، بل یکون وارداً علیه، ولا معنی للقول حِینَئِذٍ بأن التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ المفهوم ومتصّرف فیه ویُثبت عدم حجة خبر العادل؛ لأَنَّ مفاد التَّعْلِیل عَلَیٰ هذا هو أَن ما لا یکون حجةً فلا یُعمل به، أو أَن ما لا یکون علماً حقیقیّاً ولا علماً اعتباریاً تَعَبُّدِیّاً فلا یُعمَل به، فیکون قد أخذ فی موضوع التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة أو عدم العلم حقیقةً واعتباراً، وَحِینَئِذٍ فیستحیل أَن نُثبت بهذا التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة.

ص: 56

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وبناء عَلَیٰ ما تقدم یکون کل من المفهوم والتَّعْلِیل ناظراً إِلَیٰ الآخر؛ ففی کُلّ منهما ملاک للحکومة عَلَیٰ الآخر، وَحِینَئِذٍ فإما أَن نقول بتقدیم التَّعْلِیل عَلَیٰ المفهوم؛ لوجود ملاکٍ فیه للقرینیة والتقدیم أقوی عرفاً من الملاک الموجود فی المفهوم للقرینیة والتقدیم نظراً إِلَیٰ أَن التَّعْلِیل قرینة شخصیة قد جعلها شخص المُتَکَلِّم فی کلامه لیکون قرینةً عَلَیٰ مرامه فی حین أَن المفهوم الَّذِی فرضناه حاکماً حسب دعوی المحقق النائینی یکون (بعد إرجاع الحکومة بروحها إِلَیٰ التخصیص کما هو الصحیح) قرینةً نوعیةً قد جعلها العرف قرینةً فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مرامه؛ لأَنَّ الْخَاصّ قرینة نوعیة، ولا شک فی تقدیم القرینة الشخصیة عَلَیٰ القرینة النوعیة عند العرف؛ لأَنَّ العرف والعقلاء إِنَّمَا یجعلون شیئاً قرینة فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مقصوده ومرامه ما لم یجعل شخصُ المُتَکَلِّم فی کلامه قرینةً تبین مقصوده ومرامه؛ إذ مع جعله قرینةً کذلک یری العرف أَن ما جعله المُتَکَلِّم قرینة فهو القرینة دون غیره. وإما أَن نقول بتساویهما عرفاً من حیث قوة ملاک التَّقْدِیم، وَحِینَئِذٍ فیتعارضان ویتساقطان، وتصبح الآیة الشریفة مجملةً مفهوماً وتعلیلاً، فلا یکون فی الآیة ظهورٌ فعلی فی المفهوم. إذن، فعلی کلا التقدیرین لم یَتُمّ کلامُ المحقق النائینی القائل بتقدیم المفهوم.

نعم، لو ادعی أَن المراد بالجهالة وعدم العلم فی التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الأعمّ من العلم الحقیقی والعلم الاعتباری، لم یکن التَّعْلِیل حِینَئِذٍ ناظراً إِلَیٰ المفهوم ومتصرّفاً فیه، بل یکون المفهوم وارداً عَلَیٰ التَّعْلِیل ورافعاً لموضوعه حقیقةً وتکویناً؛ لأَنَّ موضوع التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الحقیقی والتعبدی الاعتباری، وبما أَن المفهوم یجعل خبر العادل حجةً أو یجعله علماً (بناء عَلَیٰ جعل الْعِلْمِیَّة)، إذن فیخرج خبر العادل عن موضوع التَّعْلِیل حقیقة، ولا یکون المفهومُ مخصِّصاً للتَّعلیل، بل یکون وارداً علیه، ولا معنی للقول حِینَئِذٍ بأن التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ المفهوم ومتصّرف فیه ویُثبت عدم حجة خبر العادل؛ لأَنَّ مفاد التَّعْلِیل عَلَیٰ هذا هو أَن ما لا یکون حجةً فلا یُعمل به، أو أَن ما لا یکون علماً حقیقیّاً ولا علماً اعتباریاً تَعَبُّدِیّاً فلا یُعمَل به، فیکون قد أخذ فی موضوع التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة أو عدم العلم حقیقةً واعتباراً، وَحِینَئِذٍ فیستحیل أَن نُثبت بهذا التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة.

ص: 57

وعلیه، فکل من المفهوم والتَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ الآخر؛ ففی کُلّ منهما ملاک للحکومة عَلَیٰ الآخر، وَحِینَئِذٍ فإما أَن نقول بتقدیم التَّعْلِیل عَلَیٰ المفهوم؛ لوجود ملاکٍ فیه للقرینیة والتقدیم أقوی عرفاً من الملاک الموجود فی المفهوم للقرینیة والتقدیم نظراً إِلَیٰ أَن التَّعْلِیل قرینة شخصیة قد جعلها شخص المُتَکَلِّم فی کلامه لیکون قرینةً عَلَیٰ مرامه فی حین أَن المفهوم الَّذِی فرضناه حاکماً حسب دعوی المحقق النائینی یکون (بعد إرجاع الحکومة بروحها إِلَیٰ التخصیص کما هو الصحیح) قرینةً نوعیةً قد جعلها العرف قرینةً فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مرامه؛ لأَنَّ الْخَاصّ قرینة نوعیة، ولا شک فی تقدیم القرینة الشخصیة عَلَیٰ القرینة النوعیة عند العرف؛ لأَنَّ العرف والعقلاء إِنَّمَا یجعلون شیئاً قرینة فی کلام المُتَکَلِّم عَلَیٰ مقصوده ومرامه ما لم یجعل شخصُ المُتَکَلِّم فی کلامه قرینةً تبین مقصوده ومرامه؛ إذ مع جعله قرینةً کذلک یری العرف أَن ما جعله المُتَکَلِّم قرینة فهو القرینة دون غیره. وإما أَن نقول بتساویهما عرفاً من حیث قوة ملاک التَّقْدِیم، وَحِینَئِذٍ فیتعارضان ویتساقطان، وتصبح الآیة الشریفة مجملةً مفهوماً وتعلیلاً، فلا یکون فی الآیة ظهورٌ فعلی فی المفهوم. إذن، فعلی کلا التقدیرین لم یَتُمّ کلامُ المحقق النائینی القائل بتقدیم المفهوم.

نعم، لو ادعی أَن المراد بالجهالة وعدم العلم فی التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الأعمّ من العلم الحقیقی والعلم الاعتباری، لم یکن التَّعْلِیل حِینَئِذٍ ناظراً إِلَیٰ المفهوم ومتصرّفاً فیه، بل یکون المفهوم وارداً عَلَیٰ التَّعْلِیل ورافعاً لموضوعه حقیقةً وتکویناً؛ لأَنَّ موضوع التَّعْلِیل عدم الحجة أو عدم العلم الحقیقی والتعبدی الاعتباری، وبما أَن المفهوم یجعل خبر العادل حجةً أو یجعله علماً (بناء عَلَیٰ جعل الْعِلْمِیَّة)، إذن فیخرج خبر العادل عن موضوع التَّعْلِیل حقیقة، ولا یکون المفهومُ مخصِّصاً للتَّعلیل، بل یکون وارداً علیه، ولا معنی للقول حِینَئِذٍ بأن التَّعْلِیل ناظر إِلَیٰ المفهوم ومتصّرف فیه ویُثبت عدم حجة خبر العادل؛ لأَنَّ مفاد التَّعْلِیل عَلَیٰ هذا هو أَن ما لا یکون حجةً فلا یُعمل به، أو أَن ما لا یکون علماً حقیقیّاً ولا علماً اعتباریاً تَعَبُّدِیّاً فلا یُعمَل به، فیکون قد أخذ فی موضوع التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة أو عدم العلم حقیقةً واعتباراً، وَحِینَئِذٍ فیستحیل أَن نُثبت بهذا التَّعْلِیل عدم الْحُجِّیَّة.

ص: 58

إِلَّا أَنَّهُ بناءً عَلَیٰ هذا ینسلخ التَّعْلِیل عن کونه تعلیلاً لمنطوق الآیة الدَّالّ عَلَیٰ وجوب التَّبَیُّن؛ لأَنَّ قوله تعالی: {فَتَبَیَّنُوا} مفاده عدم الْحُجِّیَّة، فإذا حملنا التَّعْلِیل (أَیْ: قوله تعالی: {أَن تصیبوا قوما بجهالة}) عَلَیٰ کونه تعلیلاً؛ لعدم الْحُجِّیَّة المذکور فی الذیل، وفرضنا أَنَّهُ قد أخذ فی موضوع هذا التَّعْلِیل عدمُ الْحُجِّیَّة أو عدم العلم الحقیقیّ والاعتباریّ، فَحِینَئِذٍ یلزم أَن یکون عدم الْحُجِّیَّة مأخوذاً مفروض الوجود فی ملاک عدم الْحُجِّیَّة ونکتته وعلّته، فیکون معنی الآیة حِینَئِذٍ أَنَّ خبر الفاسق لیس بحجة؛ لِأَنَّهُ لیس بحجة أو لأنه لم یجعل علماً، فیرجع لُبّاً إِلَیٰ تعلیل عدم الْحُجِّیَّة بعدم الْحُجِّیَّة، وهذا لا معنی له ولا یمکن أَن یُعلِّل عدم الْحُجِّیَّة فی موردٍ بتعلیل أخذ فی موضوعه عدم الْحُجِّیَّة؛ لأَنَّ مقتضی کون عدم الْحُجِّیَّة موضوعاً للتعلیل هو أَن التَّعْلِیل فی طوله فی حین أَن مقتضی کون عدم الْحُجِّیَّة معلَّلاً هو أَن عدم الْحُجِّیَّة فی طول التَّعْلِیل؛ لأَنَّ عدم الْحُجِّیَّة إِنَّمَا هو فی طول علّته کأیّ معلولٍ.

وبهذا اتضح أَیْضاً أَنَّهُ بناءً عَلَیٰ ورود المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل لا یمکن التَّمسُّک بعموم التَّعْلِیل عند الشک فی حجّیّة خبر العادل أو غیره من الأمارات؛ لِأَنَّهُ تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة باعتبار أَن موضوع التَّعْلِیل هو عدم الحجة أو عدم العلم الحقیقی والاعتباری، فمع الشک فی الْحُجِّیَّة یشک فی الموضوع، فلا یمکن التَّمسُّک بالعام.

هذا تمام الکلام فی الجواب الثَّانِی عَلَیٰ المانع الداخلی الْمُتَّصِل بالمفهوم، وهو جواب المحقق النائینی القائل بحکومة المفهوم عَلَیٰ التَّعْلِیل، وقد عرفتَ أَنَّهُ أَیْضاً کالجواب الأول غیر صحیح.

وللکلام تتمة تأتی إِن شاء الل_ه فی الیوم القادم والحمد لل_ه رب العالمین.

ص: 59

آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

مانع آخر للمنع عن حجیة مفهوم آیة النبأ:

هناک مانع آخر یمنع عن حجیة مفهوم آیة النبأ ویتلخص هذا المانع فی ثلاث نقاط:

النقطة الأولی: أن مورد آیة النبأ مفهوماً ومنطوقاً هو النبأ فی الموضوع الخارجی؛ إذ أن منطوق الآیة یتعرض لنبأ الفاسق فی الموضوع الخارجی، ومفهومها یتعرض لنبأ العادل فی الموضوع الخارجی أیضاً؛ لأن الآیة وردت بشأن الولید عندما أنبأ عن ارتداد جماعة والنبأ عن الارتداد موضوعٌ خارجی ولیس نبأ عن الحکم الشرعی وإن کان الموضوع الخارجی مما یترتب علیه الحکم الشرعی.

النقطة الثانیة: أن إخراج مورد الکلام بشکل عام عن الکلام أمر غیر جائز ومستهجن، فإخراج النبأ عن الموضوع الخارجی منطوقاً ومفهوماً غیر جائز؛ فقد قلنا فی النقطة الأولی بأن النبأ عن الموضوع الخارجی، وبالتالی إخراج النبأ فی الموضوع الخارجی عن منطوق الآیة ومفهومها غیر جائز.

النقطة الثالثة: أن هناک أدلة دلت علیٰ أن الخبر فی الموضوعات الخارجیة غیر حجة حتی لو کان نبأ العادل، فلا نکتفی فیها بخبر الواحد أو الثقة بل لابد من البیّنة (الشاهدین العادلین).

والنتیجة: وقوع التعارض بین مفهوم الآیة الدال علیٰ حجیة خبر الواحد (سواء فی الموضوع أو فی الأحکام، ولا یمکن تخصیص هذا المفهوم بخبر الواحد فی الأحکام، أی: إخراج الخبر فی الموضوع الخارجی عن تحت المفهوم، وهذا هو إخراج المورد وهو غیر جائز حسب النقطة الثانیة) وبین ما دلّ علیٰ عدم حجیة خبر الواحد فی الموضوعات الخارجیة. هذا هو المانع والمعارِض الخارجی لمفهوم الآیة، وبالتالی یتساقطان فلا یبقی عندنا مفهوم للآیة.

ص: 60

جواب الشیخ الأنصاری عنه:

وقد أجاب الشیخ الأعظم الأنصاری ره عن هذا الإشکال بأن الآیة جعلتْ (فی منطوقها) الشرطَ لوجوب التبین مجیء الفاسق، والمقصود مجیءُ طبیعی الفاسق بالنبأ لا خصوص مجیء فاسق واحد، وشرط المفهوم الدال علیٰ حجیة خبر العادل أیضاً یکون هذا (أی: مجیء طبیعی العادل ولیس خصوص عادلٍ واحد). إذن، إطلاق المفهوم یشمل العادل الواحد والعادلین، أی: إن جاءکم عادل (سواء کان عادلاً واحداً أو أکثر من واحد) فلا یجب الفحص والتبیّن. إذن، إطلاق المفهوم منذ البدایة یشمل العادلین، أی: یشمل البیّنة، لکن بعد ذلک جاء الدلیل الدال فی النقطة الثالثة لیدل علیٰ أن فی خصوص الشبهات الموضوعیة لابد من عادلین، فقُیِّد إطلاقُ المفهوم فی الشبهات الموضوعیة لتکون النتیجة حجیة خبر العادل فی الشبهات الموضوعیة بشرط انضمام عادل آخر إلیه، فلم یلزم من ذلک إخراج المورد من الکلام، فارتفع الإشکال.

والحاصل أن بالإمکان الالتزام؛ لأن الآیة الشریفة تدل بالمفهوم علیٰ حجیة خبر الواحد حتی فی الشبهة الموضوعیة (أی: حتی فی موردها) من دون أن یلزم من ذلک إخراج المورد عن المفهوم، وإنما غایة ما یلزم من ذلک تقیید إطلاق المفهوم بقید التعدد (أی: عادلین)، وهذا القید استفدناه من دلیل اشتراط البینة فی الموضوعات الخارجیة، فنقول: إن خبر الواحد حجة مطلقاً فی الشبهات الحکمیة سواء کان واحداً أو أکثر، ولکنه حجة فی الموضوعات بشرط أن یکون أکثر من واحد حتی تتشکل البیّنة. إذن، إنَّ دلیل اشتراط البیّنة فی الموضوعات قیّد إطلاقَ المفهوم بقید التعدد فی خصوص مورد الآیة وهو الشبهات الموضوعیة. فهذا تقیید لإطلاق المفهوم فی مورده ولیس تخصیصاً للمفهوم وإخراجاً لمورده عن حکمه حتی یکون مستهجناً (1) .

ص: 61


1- الأنصاری، فرائد الأصول: ج 1، ص 271، طبعة مجمع الفکر الأولی.

أقول: توجد هنا ثلاثة إشکالات:

الإشکال الأول: أصل هذا المانع الخارجی المذکور غیر ثابت عندنا؛ إذ لم تتمّ عندنا فقهیاً الدلیل علیٰ عدم حجیة خبر الواحد فی الموضوعات وهذا بحث نتعرض له فی آخر بحثنا عن حجیة خبر الواحد فی جهة من جهات البحث فی حدود الحجیة وشروطها، وسوف نثبت هناک أن الصحیح حجیة خبر الواحد فی الموضوعات أیضاً کما هو حجة فی الأحکام، أی: لا یشترط فی الموضوعات قیام البینة، بل یکفی عادل واحد، بل ثقة واحد. طبعا، هناک موضوعات خاصة اشترط الشارع فیها البینةَ من قبیل الشهادة علیٰ الزنا وبعض الأمور المهمّة الأخری. ومورد الآیة (وهو الخبر فی الموضوع الخارجیّ) لیس خارجاً عن المفهوم أساساً، فلا یتوجّه الإشکال إلینا أبداً؛ لأن الإشکال إنما یرتبط بأولئک الذین یقولون بأن خبر الواحد لیس حجةً فی الموضوعات.

الإشکال الثانی: أنه حتی لو ثبت من الخارج عدم حجة خبر الواحد فی الموضوعات (أی: فی مورد الآیة) فإن هذا لا یتنافی مع مفهوم الآیة (وهذا أمر مهم)، فهذا لا یشکل مانعاً عن عدم حجیة المفهوم فی الآیة؛ لأنه إنما یشکّل مانعاً عن حجیة خبر الواحد ویتنافی مع ثبوت المفهوم فی الآیة فیما إذا التزمنا بالنقطة الثانیة (وهی عدم جواز إخراج المورد من الکلام) فی حین أنه لا مبرر للالتزام بهذه الفکرة؛ فإن الواقع أنه أساساً لا یوجد مبرر للالتزام بأن إخراج المورد عن الکلام غیر جائز، بل یجوز إخراج المورد عن المفهوم وإن لم یجز إخراج المورد عن المنطوق (أی: أننا نفرّق بین المنطوق والمفهوم من هذه الناحیة ونقول بأنه لا یمکن إخراج مورد الکلام عن منطوق الکلام، لکن إخراج المورد عن مفهوم الکلام لا محذور فیه).

ص: 62

توضیح ذلک: أنه لا إشکال فی أن إخراج مورد الکلام عن منطوق الکلام غیر جائز؛ فإنه لو سأل سائل: هل أُکرم زیداً فقیل له فی الجواب: أکرم کل فقیر وفرضنا أن زیداً فقیر، فلا یجوز هنا إخراج زید بالتخصیص عن منطوق هذا الجواب؛ فلیس من المعقول أن زیداً الذی هو فقیر لا یشمله الجواب؛ فإن الجواب نص فی وجوب إکرام زید وظاهر بالنسبة إِلَیٰ سائر الفقهاء بالظهور الإطلاقیّ أو العمومی؛ لأن انطباق الکلام علیٰ مورده قطعیّ، فزید فی هذا المثال هو القدر المتیقن ممن یجب إکرامه، فیقع التنافی والتعارض، لا التخصیص؛ فإن السؤال لیس عاماً قابلاً للتخصیص. هذا بالنسبة لإخراج المورد عن المنطوق، وقد تبین أن الإخراج غیر جائز.

أما بالنسبة إِلَیٰ إخراج المورد عن مفهوم الکلام فمثاله أن زیداً من الناس کان هاشمیاً وکان فقیراً، وسأل سائل: هل یجب إکرام زید؟ فأُجیب بقضیة شرطیة: ن کان الإنسان فقیراً وجب إکرامُه، وفرضنا أننا علمنا من الخارج أن زیداً بالخصوص حتی لو لم یکن فقیراً فهو هاشمیّ یجب إکرامُه. فزیدٌ داخل فی منطوق الکلام ولکن بالنسبة إِلَیٰ المفهوم القائل بأن الإنسان إن لم یکن فقیراً لا یجب إکرامه، فهل یجب الالتزام به بأنه لو لم یکن فقیراً لا یجب إکرامه، لکن نخرج زیداً عن تحت المفهوم (ومحذوره إخراج مورد الکلام عن المفهوم). والخلاصة أنه هل یجوز إخراج المورد عن المفهوم رأساً والالتزام بحفظ المفهوم لغیر المورد (زید)؟

فیقع التعارض بین المفهوم القائل بأن زیداً إذا لم یکن فقیراً لا یجب إکرامه وبین علمنا الخارجی بأن زیداً حتی لو لم یکن فقیراً یجب إکرامه؛ لکونه هاشمیاً.

ص: 63

الجواب یأتی فی یوم السبت إِن شاء الل_ه تعالی.

آیة النبأ/السنة/أدلة عدم الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/السنة/أدلة عدم الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

کان الکلام فی الإشکال الأخیر الَّذِی أورد عَلَیٰ الاستدلال بمفهوم آیة النبأ عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد، وکان هذا الإشکال عبارة عن أَن هناک معارضا لمفهوم الآیة؛ فَإِنَّنا نفترض أَن مفهوم الآیة یَدُلُّ عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد لکن هناک معارضاً لهذا المفهوم وهو ما دلّ عَلَیٰ عدم حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات. فنحن إما أَن نلتزم بإخراج الخبر فی الموضوع الخارجی عن مفهوم الآیة ونقول بأن مفهوم الآیة یَدُلُّ عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد فی غیر الموضوعات الخارجیة، حَتَّیٰ لا یتنافی مع ما دل عَلَیٰ عدم حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات.

ومحذور ذلک أَن إخراج الخبر فی الموضوع الخارجی عن مفهوم الآیة معناه إخراج مورد الآیة عن مفهوم الآیة؛ لأَنَّ مورد الآیة هو الخبر فی الموضوع الخارجی ومن الواضح أَن إخراج مورد الکلام عن تحت الکلام أمرٌ مستهجن جداً، فلا سبیل إلیه فَحِینَئِذٍ یقع التنافی بین المفهوم الَّذِی یَدُلُّ عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد (فی الأحکام وفی الموضوعات أَیْضاً) وبین ما دل عَلَیٰ عدم حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات.

هذا هو الإشکال، ولکننا قلنا:

أَوَّلاً: لم یثبت لدینا أَن خبر الواحد فی الموضوعات لیس حجةً، بل الصحیح هو أَن خبر الواحد حجة حَتَّیٰ فی الموضوعات (کما یأتی تفسیره إِن شاء الل_ه عندما ندخل فی المرحلة الثانیة من مرحلتی البحث وهی مرحلة البحث عن حدود حجّیّة خبر الواحد ودائرتها الواسعة الشاملة للأحکام وللموضوعات).

ص: 64

ثانیاً: حَتَّیٰ لو سلّمنا بأن الخبر الواحد فی الموضوعات لیس حجةً مع ذلک لا یلزم إشکال فی المقام؛ وذلک لأَنَّ المحذور هو محذور الالتزام بإخراج مورد الآیة عن مفهوم الآیة؛ إِلَّا أَنَّهُ لا محذور فی هذا الالتزام؛ لأَنَّ إخراج مورد الکلام عن مفهوم الکلام لا إشکال فیه وَإِنَّمَا المحذور فی إخراج مورد المنطوق عن منطوق الکلام؛ لأَنَّ دلالة الکلام بالمفهوم عَلَیٰ انتفاء الحکم عند انتفاء الشَّرط أساساً متوقّفة عَلَیٰ إجراء الإطلاق فی الحکم، فإذا ثبت أَن القَضِیَّة الشَّرْطِیَّة مَثَلاً تَدُلّ عَلَیٰ أَن مطلق الحکم المذکور فی الجزاء متوقف عَلَیٰ الشَّرط فَحِینَئِذٍ یثبت المفهوم وانتفاء مطلق الحکم عند انتفاء الشَّرط هو المفهوم المصطلح الَّذِی نحن بصدده. بقلم الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه إذن، دلالة الکلام بالمفهوم عَلَیٰ انتفاء الحکم عند انتفاء الشَّرط دلالةٌ متوقّفة أساساً عَلَیٰ إجراء الإطلاق فی الجزاء وإثبات أَن مطلق الجزاء متوقف عَلَیٰ الشَّرط، لا شخص هذا الجزاء، کما تقدم هذا مفصلاً فی بحث المفاهیم عند الحدیث عن ضابط المفهوم.

وفی المقام لو ثبت من الخارج عدمُ حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات، یکون معناه إخراج مورد الآیة (أَیْ: الخبر فی الشبهة الموضوعیة) عن مفهوم الآیة (القائل بأن النبأ إِن لم یجئ به فاسقٌ، بل جاء به عادلٌ فهو حجة) ونحن أخرجنا مورد الآیة (وهو الخبر فی الموضوع الخارجی) من تحت هذا المفهوم بموجب الدَّلِیل الدَّالّ عَلَیٰ عدم حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات الخارجیة، ولا یلزم من هذا غیر التصرف فی إطلاق المنطوق (الحکم المذکور فی الجزاء). إذن، تزامناً مع إفادة الحکم من خلال إطلاقه عَلَیٰ أَن المعلَّق عَلَیٰ مجیء الفاسق طبیعیُّ وجوب التَّبَیُّن وسنخ وجوبه، بقلم الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه تزامناً مع ذلک جاء الدَّلِیل ودل عَلَیٰ أَنَّهُ فی خصوص مورد الآیة (أَیْ: أَنَّهُ فی خصوص الشبهة الموضوعیة) لیس المعلَّق عَلَیٰ فسق المخبر (أی: حَتَّیٰ لو کان المخبر عادلاً) طبیعیُّ وجوب التَّبَیُّن (کی ینتفی بانتفائه ولا یجب التَّبَیُّن بمجیء العادل بالنبأ)؛ فقد علمنا من الخارج أَن هناک حصةً من وجوب التَّبَیُّن ثابتة للخبر بملاک کونه خبر شخص واحدٍ، وهذا معناه أَن خبر العادل الواحد فی الشُّبْهَةِ الْمَوْضُوعِیَّةِ لیس حجةً. والنتیجة أَنَّهُ فی خصوص الموضوعات الخارجیة کُلّ حصص وجوب التبین عن النبأ معلقة عَلَیٰ فسق المخبر إِلَّا تلک الحصة من وجوب التبین الثابتة للنبأ بملاک کونه نبأ إنسان واحدٍ حَتَّیٰ لو لم یکن المخبر فاسقاً (أَیْ: کان عادلاً) وجب التَّبَیُّن. هذا فی خصوص الموضوعات.

ص: 65

أما فی غیر الموضوعات (أَیْ: الأحکام) فلا (أَیْ: کُلّ حصص وجوب التَّبَیُّن معلقة عَلَیٰ فسق المخبر بلا استثناء)، فإذا انتفی فسق المخبر فی الأحکام (أَیْ: کان المخبر عادلاً) تنتفی کُلّ حصص وجوب التَّبَیُّن (أَیْ: أَن الخبر حجة فی الأحکام). إذن، مفهوم الآیة باقٍ عَلَیٰ حاله ولا تعارضَ بین مفهومِ الآیةِ وبین ما دلَّ عَلَیٰ حجّیّةِ خبرِ الواحدِ فی الموضوعاتِ.

فإخراج المورد عن المفهوم لا یتنافی مع ثبوت المفهوم؛ بقلم الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه لِأَنَّ إخراج المورد عن المفهوم لا یعنی إِلَّا رفع الید عن إطلاق الحکم (المذکور فی الجزاء)، ورفع الید عن الإطلاق لا یتنافی مع التحفظ عَلَیٰ الإطلاق فی سائر الموارد.

والحاصل أَن ما دلَّ عَلَیٰ عدم حجّیّة خبر الواحد فی الموضوعات لا ینافی ثبوتَ المفهوم فی الآیة ولا یعارضه أبداً، وَبِالتَّالِی فهو لا یشکل مانعاً عن حجّیّة المفهوم فی الآیة الشریفة.

هذا هو الإشکال الثَّانِی.

الإشکال الثالث: هو أَن کلام الشَّیْخ الأنصاری إِنَّمَا یَصِحّ فیما إذا استظهرنا عرفاً من کلمة فاسق فی الآیة الشریفة اسم الجنس والمعنی الطَّبِیعِیّ، کما هو الحال فیما لو کانت الکلمة معرّفة باللام (أَیْ: اسم الجنس)، أی: لو کانت الآیة قائلة: ِن جاءکم الفاسق بنبأ، لکانت هذه الکلمة دالةً عَلَیٰ الطَّبِیعِیّ الجامع بین الواحد والمتعدد، فتکون حالة الواحد وحالة التعدد متساویتین، فیدل مفهوم الآیة عَلَیٰ عدم حجیة النبأ عند مجیء الفاسق به، وهذا یشمل حالة کون الجائی بالنبأ فاسقاً واحداً أو فاسقین. هذا فی المنطوق.

إطلاق المفهوم یَدُلُّ عَلَیٰ حجیة النبأ عند مجیء العادل، وهذا الإطلاق أَیْضاً یشمل حالة کون الجائی بالنبأ عادلاً واحداً وَأَیْضاً یشمل حالة کون الجائی بالنبأ عادلین اثنین، فلا یکون المقام حِینَئِذٍ من موارد إخراج مورد الکلام عن المفهوم حَتَّیٰ یأتی المحذور، أقرّه وکتبه الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه وَإِنَّمَا یکون من موارد تقیید إطلاق المفهوم؛ لکن هذا دونه خرط القتاد، أی: کیف نستظهر اسم الجنس من کلمة فاسق فی الآیة المنوّنة بتنوین الوحدة الدال عَلَیٰ فاسق واحد دون جنس الفاسق، فتدل الکلمة عَلَیٰ الطَّبِیعَة المقیدة بقید الوحدة، فکأن الآیة قالت: ِن جاءکم فاسق واحد بنبأ فَتَبَیَّنُوا، وَحِینَئِذٍ یکون قید الوحدة مأخوذاً فی المفهوم کما هو مأخوذ فی المنطوق أَیْضاً.

ص: 66

وتتمة الکلام تأتی غدا إِن شاء الل_ه تعالی والحمد لل_ه رب العالمین.

آیة النبأ/السنة/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/السنة/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

قلنا: إِن ما أفاده الشَّیْخ الأعظم الأنصاری فی مقام التخلص من الإشکال بعد التسلیم بأن الخبر الواحد فی الموضوعات غیر حجة، وبعد التسلیم أَیْضاً بأن إخراج مورد الآیة عن مفهوم الآیة غیر جائز، بعد التسلیم بهذین المطلبین قال : إِنَّنَا لا نخرج المورد من الآیة، وَإِنَّمَا نلتزم بمفهوم الآیة غایة الأمر إِنَّنَا نقیِّد إطلاق هذا المفهوم فی خصوص الموضوعات الخارجیة بقید التعدد؛ فَإِنَّ المفهوم مطلق یَدُلُّ عَلَیٰ حجیة خبر العادل مُطْلَقاً سواء کان واحداً أم کان اثنین، من دون أَن نُخرج مورد الآیة وهو الخبر فی الموضوع الخارجی (أَیْ: یبقی موضوع الآیة شاملاً للخبر حَتَّیٰ فی الموضوع الخارجی لکن بقید التعدد).

قلنا بالأمس بأن هذا الکلام إِنَّمَا یَصِحّ فیما إذا استظهرنا من کلمة فاسق فی الآیة الشریفة معنی الجنس وَالطَّبِیعَة، حِینَئِذٍ یکون اسم الجنس شاملاً للواحد وللمتعدد فیصح کلام الشَّیْخ؛ لِأَنَّ المفهوم یکون حِینَئِذٍ دالا عَلَیٰ حجیة خبر العادل سواء کان واحداً أم متعدداً، فنقیِّد إطلاق هذا المفهوم بقید التعدد، لکن إذا استظهرنا عرفاً من هذه الکلمة الواردة فی الآیة الشریفة بقرینة التنوین فاسق الدال عَلَیٰ الوحدة (أی: طبیعة الفاسق مقیدة بقید الوحدة)، فکأن الآیة قالت: إِن جاءکم فاسق واحد، أو إِن جاءکم فرد من الفساق، وَحِینَئِذٍ یکون مفاد الآیة الفاسق الواحد أو الفرد من الفساق وَحِینَئِذٍ یکون قید الوحدة مأخوذاً فی منطوق الآیة وفی مفهوم الآیة معاً.

ص: 67

المنطوق یَدُلُّ عَلَیٰ عدم حجیة النبأ عند مجیء فاسقٍ واحدٍ.

المفهوم یَدُلُّ عَلَیٰ حجیة النبأ عند مجیء عادلٍ واحدٍ.

فکأَنَّ الآیة الشریفة بناء عَلَیٰ هذا وردت فی خصوص خبر الشخص الواحد بقرینة تنوین الوحدة، أی: علقت وجوبَ التبین عن خبر الشخص الواحد عَلَیٰ فسق المخبر. فهنا فی مثل هذا الفرض لا یَتُمُّ کلامُ الشَّیْخ الَّذِی قال: ِن الالتزام بالتعدد فی الموضوعات تقییدٌ لإطلاق المفهوم؛ فَإِنَّهُ بناء علیه یکون إلغاءً لقید الوحدة؛ فَإِنَّهُ لا إشکال فی تقیید المطلق ولٰکِنَّ إلغاء القید المذکور فی الآیة غیر جائز؛ فَإِنَّنَا لو قلنا لَا بُدَّ من البینة فمعناه أَنَّنَا قلنا بإلغاء قید الوحدة الواردة فی الآیة. فیقع التنافی إذن بین المفهوم من جهة وبین ما دل عَلَیٰ عدم حجیة خبر الواحد فی الموضوعات.

فلو أردنا أَن نعمل بالمفهوم من دون أَن نخرج الموضوعات (کما هو مفروض کلام الشَّیْخ) تعارضنا مع ما دل عَلَیٰ عدم حجیة خبر الواحد فی الموضوعات. فیعود الإشکال ولا ینفع کلام الشَّیْخ.

فالصحیح ما ذکرناه فی جواب الإشکال من أَنَّهُ:

أَوَّلاً: مورد الآیة أساساً غیر خارج عن مفهوم الآیة فقهیاً؛ فَإِنَّ مفهوم الآیة یَدُلُّ عَلَیٰ أَن خبر الواحد حجة سواء فی الموضوعات أم فی الأحکام (فنحن لم نقبل بعدم حجیة خبر الواحد فی الموضوعات).

وثانیاً: حَتَّیٰ لو کان خارجاً عن مفهوم الآیة فهذا لا یشکل مانعاً لحجیة المفهوم، بل یقیِّد إطلاق المفهوم (أَیْ: إطلاقَ الجزاء).

وبهذا تم البحث الثَّانِی وهو البحث عن المانع الخارجی المنفصل عن الآیة الَّذِی یمنع من حجیة ظهور الآیة فی المفهوم، وعرفنا أَن الصحیح هو عدم وجود مانع من هذا القبیل. وانتهینا به عن المقام الثَّانِی وتبین أَن هناک مانعاً داخلاً یمنع من انعقاد ظهور فعلی للآیة فی المفهوم والمانع عبارة عن عموم التعلیل حیث آمنا بهذا المانع.

ص: 68

وبهذا تم الکلام حول الآیة الأولی آیة النبأ من الآیات الَّتِی اسْتَدَلَّ بها عَلَیٰ حجیة خبر الواحد، وخلاصة ما انتهینا إلیه فی هذه الآیة الشریفة هی أَن دلالة هذه الآیة عَلَیٰ حجیة خبر الواحد غیر تامة عندنا؛ أَوَّلاً لا مقتضی فی الظهور فی مفهوم الشرط (فإن مفهوم الوصف غیر موجود) فی هذه الآیة؛ لما قلنا من أَن الآیة مجملة بین أَن یکون موضوعها النبأ، وبین أَن یکون موضوعها نفس الفاسق، ومع الإجمال لا یبقی اقتضاء للظهور فی المفهوم، هذا أَوَّلاً.

وثانیاً حَتَّیٰ لو سلمنا بأن فیها مقتضیاً للظهور فی المفهوم لکن للأسف یوجد فی داخل الآیة مانعٌ داخلی متصل یمنع من أثر هذا المقتضی وهو انعقاد ظهور فعلی للآیة فی المفهوم، وهذا المانع الداخلی عبارة عن عموم التعلیل المذکور فی ذیل الآیة، فلا تدل آیة النبأ عَلَیٰ حجیة خبر الواحد.

الآیة الثانیة: آیة النفر

وهی قوله تعالی: {وَمَا کَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفُرُوا کَافَّةً، فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ} (1) .

فقد اسْتَدَلَّ بهذا الآیة من قبل بعض الأصولیین عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد ووجوب العمل بخبر الواحد، حَتَّیٰ أَن بعض الأصولیین شَدد عَلَیٰ دلالة هذه الآیة عَلَیٰ الْحُجِّیَّة، فعلی سبیل المثال جعلها المحقق النائینی من أوضح الآیات دلالةً عَلَیٰ الْحُجِّیَّة. راجع عنه: الکاظمی، فوائد الأصول: ج2، 77، واعتبر السَّیِّد الأستاذ الخوئی دلالة هذه الآیة عَلَیٰ الْحُجِّیَّة أظهر من آیة النَّبَأ کما فی دراسات فی علم الأصول: ج3، ص166.

ص: 69


1- توبه/سوره9، آیه122.

وقد شّدد البعض الآخر فی المقابل عَلَیٰ عدم دلالة هذه الآیة عَلَیٰ الحجیة إِلَیٰ حدّ أَنه جعلها من حیث وضوح عدم الدلالة عَلَیٰ الحجیة عَلَیٰ وزان دلالة الحدیث النبوی المعروف: من حفظ عَلَیٰ أمتی أربعین حدیثاً بعثه الل_هُ یوم القیامة فقیهاً عالماً المذکور فی جامع أحادیث الشیعة: ج 1، باب حجّیّة أخبار الثِّقَات، وفیه مجموعة من الأحادیث مرقمة من 68 إِلَیٰ 73، أَیْضاً فی خصال الصدوق: ج2، ص541، ویذکر فی أربعین الشَّیْخ البهائی ص 40-41: أَن الاستدلال بحجیة خبر الواحد بهذا الحدیث لیس بأدون من الاستدلال عَلَیٰ الْحُجِّیَّة بآیة النفر).

وَعَلَیٰ کُلّ حال هناک وجوه عدیدة ذکرت لتقریب الاستدلال بهذه الآیة عَلَیٰ الْحُجِّیَّة، ویوجد قدر مشترک بین هذه الوجوه حیث أَن هذه الوجوه بأجمعها تحاول أن تستفید من الآیة الشریفة وجوب الحذر عند إنذار المنذر، وتستفید أَیْضاً من الآیة أَن وجوب الإنذار وجوب مطلق، سواء حصل لک العلم بصدق المنذر أم لم یحصل لک العلم. بقلم الشَّیْخ محسن الطهرانی عفی عنه فإذا ثبت هذا الوجوب بطریق مّا، فَحِینَئِذٍ یُجعل برهاناً عَلَیٰ حجّیّة خبر الواحد، وذلک بالقول بِأَنَّهُ لو لم یکن خبر الواحد حجةً لما وجب الحذر عند الإنذار إِلَّا فی فرض حصول العلم لنا بصدق المنذِر، إذن فوجوب الحذر عند الإنذار حَتَّیٰ وإن لم یعلم بصدقه ملازمٌ لحجیة إنذار المنذر وإخباره.

هذا هو القدر المشترک الَّذِی تنصب علیه کُلّ الوجوب.

أما نقطة الاختلاف فی هذه الوجوه رغم اشتراکها فی هذا المطلب، عبارة عن کَیْفِیَّة استفادة وجوب الحذر من الآیة؛ فَإِنَّ کلها تقول بأن الآیة تدل عَلَیٰ وجوب الحذر کما سوف یتضح من خلال استعراض الوجوه.

ص: 70

إذن، وجه الاستدلال بالآیة عَلَیٰ حجیة خبر الواحد هو أَن یقال: إِن کان الحذر عند إنذار المنذر واجباً حَتَّیٰ مع عدم حصول العلم والیقین من خبره، إذن فخبره حجةٌ (أَیْ: قضیة شرطیة، فیها مقدم وفیها تالی). ویثبت المقدَّم فیها بالآیة الشریفة، فیثبت التالی (وهو أَن خبر الواحد حجة) أَیْضاً.

فهذا الاستدلال له رکنان:

الرکن الأول: دعوی الملازمة بین وجوب الحذر عند إنذار المنذر حَتَّیٰ ولو لم یحصل العلم وبین الحجیة.

والدلیل عَلَیٰ هذه الملازمة هو أَنَّهُ لو لم یکن إنذار المنذر وإخبارُه حجةً لَمَا تنجّز الواقعُ عَلَیٰ المکلف بسبب إخبار هذا المنذر؛ لِأَنَّ إخباره لیس حجّة، فلا یحتمل المکلفُ العقابَ عَلَیٰ المخالفة، ومع عدم احتمال العقاب لا یجب الحذر؛ فَإِنما یحذر مَن یحتمل العقاب، وإذا لم یکن معنی للحذر من العقاب، فلا یکون الحذر واجباً. هذه طریقة بیان الملازمة بین وجوب الحذر وبین الْحُجِّیَّة.

یبدو أَن الأصحاب بأجمعهم (سواء من یقول بتَمَامِیَّة الاستدلال أم من یقول بعدم تَمَامِیَّته) تَسَالَموا عَلَیٰ هذه الملازمة (بین وجوب الحذر وبین الْحُجِّیَّة)، وَإِنَّمَا رکّزوا کلامَهم عَلَیٰ الرکن الثَّانِی الَّذِی نذکره، فآمن به مَن آمن بتَمَامِیَّة الاستدلال بهذه الآیة، وأنکر (الرکنَ الثَّانِی) مَن أنکر (تمامیةَ الاستدلال بهذه الآیة).

والرکن الثَّانِی هو دعوی أَن الآیة الشریفة تَدُلّ عَلَیٰ وجوب الحذر مُطْلَقاً حَتَّیٰ إن لم یحصل العلمُ، والخلاف کلّه هنا بأن الآیة هل تدل عَلَیٰ وجوب الحذر مُطْلَقاً أو لا؟

کُلّ الوجوه الثلاثة الَّتِی سوف نذکرها إِن شاء الل_ه تعالی تحاول إثبات الرکن الثَّانِی. وهذا ما یأتی إِن شاء الل_ه غدا والحمد لله رب العالمین.

ص: 71

آیة النبأ/السنة/أدلة عدم الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النبأ/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

قلنا إِن الاستدلال بآیة النفر عَلَیٰ حجیة خبر الواحد متوقف عَلَیٰ رکنین:

الأول: أَن نقول بأن الآیة تدل عَلَیٰ وجوب الحذر عند إنذار المنذر مُطْلَقاً سواء حصل للسامع العلم بصدق المنذر أم لا.

الثَّانِی: أَن نقول بأن الآیة إذا دلت عَلَیٰ وجوب الحذر عند إنذار المنذر مُطْلَقاً إذن فهی تدل عَلَیٰ حجیة إخبار المنذر، أی: وجود الملازمة بین وجوب الحذر عند الإنذار وبین الحجیة عند الإنذار، بحیث إذا لم یکن الإنذار حجة فلا یجب الحذر عند الإنذار.

وقلنا: إِن هذا الرکن الثَّانِی یبدو أَنَّهُ مسلَّم عند الأصحاب جمیعاً، ونکتة الملازمة هی أَن الإنذار إذا لم یکن حجةً فلا ینجّز الإنذار علینا الحکم الشرعی؛ لأنه غیر حجة، فلا نحتمل العقابَ عَلَیٰ المخالفة، وَبِالتَّالِی لا معنی للحذر؛ فَإِنَّ الحذر إِنَّمَا یکون له معنی فیما إذا کان احتمال العقاب موجوداً؛ فَإِنَّ من لا یحتمل العقاب بشأنه لا معنی للحذر، وَبِالتَّالِی لا معنی لوجوب العقاب علیه.

إِنَّمَا الاختلاف فی الرکن الثَّانِی، فکل من یقبل بأن الآیة تدل عَلَیٰ وجوب الحذر عند إنذار المنذر فهو یقبل بدلالة الآیة عَلَیٰ حجیة خبر الواحد، وکل من لا یقبل بهذا الرکن الأول فلا یَتُمُّ عنده الاستدلال بالآیة عَلَیٰ حجیة خبر الواحد.

وهناک ثلاثة تقریبات تحاول إثبات الرکن الأول:

الوجه الأول: أَن یستفاد وجوب الحذر من کلمة {لعل} فی الآیة: {لعلهم یحذرون}، ومن المعلوم فی لغة العرب أَن مدخول لعل مِمَّا یُرجی حصولُه ترجّیاً، فما نفهمه هو ترجی المتکلم لهذا المدخول، هذا هو مقتضی الظهور التصوری لهذه الکلمة. ومقتضی الظهور الجدی لهذه الکلمة عبارة عن أَن الداعی الَّذِی دعا المتکلم إِلَیٰ التعبیر بهذه الکلمة هو داعی الترجی الحقیقی. ومقتضی أصالة التطابق بین هذین العالمین هو أَن یکون إنشاء الترجی من قبل المتکلم ناشئاً من داعی الترجی الحقیقی بِأَنَّهُ یرجو حصول هذا المطلب، غیر أَن هذا الداعی بالنسبة للمولی تبارک وتعالی غیر معقول؛ فلا مناص من حملها عَلَیٰ أقرب شیء إِلَیٰ الترجی الحقیقی، وهو داعی المطلوبیة والمحبوبیة؛ إعداد وتقریر الشَّیْخ محسن الطهرانی فَإِنَّ من یرجو شیئاً یحبه ویطلبه. والمقتضی للحذر عبارة عن احتمال العقاب الأخروی ومن الواضح أَن احتمال العقاب الأخروی مساوق للتنجز والوجوب، فإذا لم یکن مقتضی الحذر موجوداً ولم یحتمل العقاب فلا معنی للحذر حِینَئِذٍ، وَبِالتَّالِی لا معنی لمطلوبیة الحذر ومحبوبیته واستحبابه؛ لِأَنَّهُ لا یوجد موضوع للمطلوبیة حَتَّیٰ بنحو الاستحباب.

ص: 72

وإذا وجب الحذر بالآیة نتمسک بإطلاق الآیة لإثبات هذا الوجوب فی کُلّ حالة حَتَّیٰ فی حالة عدم حصول العلم للسامع من إخبار المنذر، وبهذا یثبت بالآیة الشریفة وجوبُ الحذر مطلقاً، وهذا هو المطلوب. هذا هو الوجه الأول.

آیة النفر/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول بحث الأصول

العنوان: آیة النفر/الکتاب/أدلة الحجیة/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِیّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

قلنا إِن هناک وجوهاً ثلاثة ذکرت لإثبات أَن آیة النفر تدل عَلَیٰ وجوب الحذر عند إنذار المنذر، وقد تقدم الوجه الأول منها بالأمس وحاصله هو أَن کلمة لعل الموجودة فی آخر الآیة تدل عَلَیٰ وجوب الحذر؛ لِأَنَّهَا تدل عَلَیٰ مطلوبیة الحذر ومطلوبیة الحذر ملازمة لوجوبه.

الوجه الثَّانِی: جعل الحذر فی الآیة الشریفة غایة للواجب، فیقال بأن غایة الواجب واجبةٌ، فالحذر واجب.

وتوضیح ذلک أَن الآیة الشریفة تدل عَلَیٰ وجوب النفر {وما کان المؤمنون لینفروا کافة فلولا نفر من کُلّ فرقة منهم طائفة}، ثُمَّ تدل الآیة عَلَیٰ وجوب التفقّه، فالتفقه واجب أَیْضاً، ثُمَّ تدل الآیة عَلَیٰ وجوب الإنذار، فالآیة تدل عَلَیٰ وجوب هذه الثلاثة: 1- النفر. 2- التفقه. 3- الإنذار. فالحذر أصبح علة غائیة للإنذار. وقد قلنا إِن الإنذار واجب، فإذا کان الإنذار واجباً وکان غایته الحذر، فالحذر واجبٌ؛ لِأَنَّ غایة الواجب واجبة أَیْضاً کالواجب نفسه؛ لِأَنَّ اهتمام المولی بالغایة لیس أقل من اهتمامه بذی الغایة، إِن لم یکن اهتمامه بالغایة أکثر من ذی الغایة.

لکن تارة تکون الغایة من الأمور الخارجة عن اختیار الإِنْسَان کما إذا قال الطبیب للمریض: اشرب الدواء لعلک تشفی، فشرب الدواء أصبح واجباً، ومن الواضح أَن اهتمام الطبیب بالمریض لیس أقل من اهتمامه بشرب المریض الدواءَ، لکن هذا الاهتمام بالغایة لا یمکن أَن یصل إِلَیٰ حد الوجوب؛ لِأَنَّ الشفاء فعل غیر اختیاری، والوجوب لا یمکن أَن یتعلق بأمر غیر اختیاری. ومثاله فی الشرع أَن یأمر الشارع المکلفَ بالوضوء، فطالما أمر بمقدمة الصلاة فلا یکون اهتمامه بالصلاة أقل من اهتمامه بالوضوء إِن لم تکن الصلاة عنده أهم من الوضوء. فالآیة تدل عَلَیٰ وجوب الحذر؛ لِأَنَّهُ جُعل غایة للواجب (وهو الإنذار). فتدل الآیة عَلَیٰ وجوب الحذر، وَحِینَئِذٍ نتمسک بإطلاق الآیة لإثبات هذا الوجوب حَتَّیٰ فی حالة عدم حصول العلم للسامع بصدق الإنذار؛ لِأَنَّهَا مطلقة ولم تقل: لعلهم یحذرون إذا حصل لهم العلم بصدق المنذرین، فالحذر واجب عَلَیٰ السامع حَتَّیٰ إذا لم یحصل له العلم، وإلا لم یکن للإنذار غایة وهذا خلف.

ص: 73

وبهذا یثبت بالآیة الشریفة وجوب الحذر مُطْلَقاً وهذا هو المطلوب.

الوجه الثالث: أَن یُستفاد وجوب الحذر من وجوب الإنذار والأمر به؛ وذلک بنکتة دلالة الاقتضاء (وصون کلام المولی عن اللَّغویة) وذلک بتقریب أَن الآیة تدل عَلَیٰ وجوب الإنذار قطعاً، ووجوب التفقه ووجوب الإنذار، ومقتضی إطلاق الآیة أَن الوجوب مطلق سواء أوجب الإنذارُ العلمَ للسامعِ أم لا، وَحِینَئِذٍ یقال بأن وجوب الإنذار مطلقاً یلازمُ وجوب الحذر والقبول مُطْلَقاً، وإلا لو کان الإنذار واجباً مطلقاً ولا یجب الحذر والقبول عَلَیٰ السامع فَحِینَئِذٍ یکون الأمر بالإنذار لغواً.

والفرق بینه وبین الوجه الثَّانِی واضح؛ إذ المقصود فی هذا الوجه الثالث هو إثبات دلالة الآیة عَلَیٰ وجوب الحذر بقطع النظر عن جملة {لعلهم یحذرون} وهذا ما نستفیده من وجوب الإنذار؛ لِأَنَّ الإنذار إذا کان واجباً یجب أَن یکون الحذر واجباً وإلا کان لغواً، فی حین أَن المقصود فی الوجه الثَّانِی هو إثبات دلالة الآیة من جملة {لعلهم یحذرون}، أی: نستفید الوجوب من الغایة، أی: بما أَن الحذر جُعل غایة للإنذار، فجعلُه غایة للإنذار یَدُلُّ عَلَیٰ وجوبه.

هذا ما قالوه فی مقام تقریب الاستدلال بالآیة عَلَیٰ وجوب الحذر.

وهناک اعتراضات عدیدة عَلَیٰ الاستدلال بهذه الآیة عَلَیٰ حجیة خبر الواحد فی کلماتهم، فکان ما ذکرناه عرضاً مجملاً لما هو موجود فی الکتب.

وینبغی الآن أَن نبحث فی أمور ثلاثة:

الأول: دراسة الرکن الثَّانِی الَّذِی تسالموا علیه واتفقوا عَلَیٰ قبوله وهو عبارة عن الملازمة وجوب الحذر وبین الحجیة، ولٰکِنَّ الکلام کان فی وجوب الحذر. ولٰکِن یجب أَن ندرس هذه الملازمة. (الکبری).

ص: 74

الثَّانِی: التکلم حول الرکن الأول، وهو دلالة الآیة عَلَیٰ وجوب الحذر . (الصغری).

الثالث: عمدة ما ذُکر فی کلماتهم من الاعتراض عَلَیٰ الاستدلال بهذه الآیة عَلَیٰ الحجیة.

وَحِینَئِذٍ نکون قد استوفینا البحث حول هذه الآیة.

أما الأمر الأول (وهو الملازمة المتسالم علیها من قِبَل الکلّ) فلا نؤمن بهذه الملازمة؛ فالآیة حَتَّیٰ لو دلت عَلَیٰ وجوب الحذر (وهی لا تدل عَلَیٰ ذلک کما سیأتی فی الأمر الثَّانِی، فی الصغری)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلاً وجوب الحذر فی الآیة الشریفة لم یُرتَّب عَلَیٰ إخبار المخبِر حَتَّیٰ یکون هذا الوجوب ملازماً لحجیة الإخبار بأن کانت الآیة تقول: ولیخبروا قومهم إذا رجعوا إلیهم لکنَّا (إعداد وتقریر الشَّیْخ محسن الطهرانی) نقول بأَنَّ وجوب الإخبار یلازم وجوب الحذر والقبول (أَیْ: الحجیة)، وعنوان الإنذار غیر عنوان الإخبار؛ فَإِنَّ الإنذار عبارة عن إخبار خَاصّ، إخبار بشیء مخوف، الإخبار الَّذِی یستبطن الکشف عن الخطر الَّذِی یُهدّدک ویخوّفک.

وبعبارة أخری: لا یصدق عنوان الإنذار ما لم یکن هناک ملاک وموجبٌ للخوف فی المرتبة السَّابِقَة عَلَی الإنذار، فیأتی المنذر یکشف لک عن هذا الملاک الَّذِی کنتَ تخاف منه. والملاک للخوف والحذر فیه احتمالان بدویان ندرسهما غدا إِن شاء الل_ه تعالی.

ص: 75

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.