ص :2

ص :3

ص :4

بناءً علی ذلک و شعوراً بالمسؤولیة،فقد توجه مسؤول مؤسسة أم أبیها إلیٰ طهران برفقة عدد من طلبة الحوزة العلمیة بقم خلال أیام شهادة الصدیقة الکبریٰ فاطمة الزهراء علیها السلام و ذلک للقاء سماحة العالم المدقق و المحقق الأستاذ حسین أنصاریان لاستئذانه فی تحریر محاضراته المسجّلة علی الأشرطة و التی کان قد ألقاها علی مدی ثلاثین درساً تناول فیها نظام الاُسرة فی المنظور الاسلامی بأسلوب جذّاب و بلیغ ینم عن الحرص و جمعها فی کتاب لیکون فی متناول أیدی الجمیع.

وافق الأستاذ علیٰ ذلک و باشر بتحریر ما تحتویه الأشرطة علی الورق فاستغرقت عملیة تدوین المواضیع و الفهارس مدة أربعة أشهر و بالرغم ممّا کان یعانیه من ضیق الوقت حیث الانشغال بالمحاضرات و التدریس و المقابلات و التصنیف إلّا أنّه استقبل ذلک برحابة صدر و وجه بشوش و راجع ما قد تمّ انجازه و من ثمّ أعاده بغیة طبعه.

و فی الختام نری لزاماً علینا أن نتقدم بوافر الشکر و الامتنان للاخوة العاملین فی مؤسسة أنصاریان للطباعة و النشر لا سیما سماحة السیّد المسؤول محمد تقی أنصاریان لما بذلوه من جهود فی هذا المجال.

دار العرفان

ص:6

بالاضافة إلی ان الاسفار المتعددة من أجل التبلیغ فی جمیع مناطق البلاد قد أخذت جانباً من وقتی،الاّ ان اصرار الاصدقاء بقی علی حاله.

و خلال أیام شهادة السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام)-و هی أسمی مثلٍ للزوجة و الامام علی امتداد التاریخ البشری و سیرتها العائلیة تعد المثل الأعلی لنظام الاُسرة فی الاسلام-حضر إلی طهران الأخ الفاضل رضا کلهر صاحب مؤسسة للطباعة و النشر و هو شاب مؤمن مهذب یتصف بالحیویة و یعمل فی الحوزة العلمیة بقم المقدسة-و أنا أحد طلبتها-فطلب منی الاذن لتحریر هذه الاشرطة و طبعها،فوجدت فی اقتراحه ما یحق طموحی القدیم و طموح اصدقائی، فطلبت منه تولی هذه المهمة حیث لا زلت حینها اعانی من ضیق الوقت،فجری تحریر ثلاثین شریطاً بجهود خاصة من الأخ کلهر،و قام بتحقیق مصادر الروایات الواردة فی المحاضرات بشکل دقیق و راجع کافة المصادر الواردة فی الهوامش.

ثم سلّمنی ما حُرر من الاشرطة،و أثناء مطالعتی لها رأیت من الضروری القیام بعملیة حذفٍ و اضافة و تبدیل لبعض العبارات،و استغرقت عملیة مراجعة النصوص المحررة ما یربو علی الشهرین حتی خرج هذا الکتاب الذی بین أیدیکم،فتبین ان تصنیف کتاب أهون بکثیر من تحریر المحاضرات من الاشرطة.

ان ما فی هذا الکتاب من جمال انما یکمن فی آیات القرآن الکریم و الروایات و القصص التی تتناول حیاة الأولیاء،و ما فیه من نقص فهو یعود إلی تعبیری و ما سطره قلمی،فتقبلوا جماله باحسن القبول،و اصفحوا عن قبیحه بلطفکم،آملا منکم تنبیهی علی کل زلل صدر منی و ذلک من خلال الاتصال بمؤسسة ام أبیها للنشر و عنوانها:

قم-ص.ب 37185/913

ص:8

علی أمل أن یکون هذا الکتاب نافعاً و مفیداً لجمیع العوائل لا سیّما الشباب من کلا الجنسین الذین دخلوا عش الزوجیّة حدیثاً،أو فی نیتهم ذلک و یتمکنوا من تسییر حیاتهم العائلیة وفقاً لما یریده الباری تعالی کی ینالوا السعادة فی الدنیا و الآخرة.

و قد القیت المحاضرات وفق نسقٍ یتضمن الحیاة منذ انطلاقتها و حتی نهایتها علی أساس النظام الخاص بها،و اختیر ثلاثون عنواناً لنصوص المحاضرات ستقرؤوها فی فهرست الکتاب.

و بوسعکم تقدیم الکتاب هدیة لمن دخلوا القفص الذهبی تواً بدلاً عن باقة الورد التی تذبل بعد سویعات و تذهب هدراً،کی تتجلی آثار رحمة الباری عز و جل فی حیاتهم،و یکون سبباً فی حصولکم علی الأجر العظیم.

حسین انصاریان

ص:9

ص:10

«وَ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ»

الذاریات49/

1

ص:12

ص:13

«الم* ذٰلِکَ الْکِتٰابُ لاٰ رَیْبَ فِیهِ» (1).

لقد أودع الباری تعالی برحمته و فضله فی صلب الأزواج و من کل جنسٍ التجاذب و علاقة من الود و التقارب المتبادل،کی یؤول ذلک و فی ظل نظام خاصٍ و ظروف معینة سواءً فی الجانب التکوینی أو التشریعی إلی التزاوج و التناسل و التکاثر النوعی،و من خلال ذلک یحافظ نظام الخلق علی بقائه و تنال جمیع المخلوقات-و من کل الأجناس-السعادة و الهنا فی حیاتها و تتمتع بوجودها و وجود الآخرین.

ان علاقة التکاثر و التناسل فی عالم الجماد و بأیِّ نحو کانت تتم بصورة اتحاد عنصر مع عنصر آخر و فی النتیجة ینتج عنصر ثالث،کما فی اتحاد الاوکسجین مع الهیدروجین،فاحدهما یشتعل و الآخر یساعد الی الاشتعال، فتکون نتیجة اتحادهما ماءً بارداً تتوقف علیه الحیاة و النشاط،أو یحدث ذلک بشکل جاذبیة تتبعها نتائج جمّة،أو علی هیئة تیارین احدهما موجب و الآخر سالب ینتج عنهما ما لا یُعد و لا یُحصیٰ من العجائب الکونیة و تدرّبه رحمة اللّٰه علی الناس.

و العلاقة بین عنصرین أو عدة عناصر و حالة المیل المتبادل،و باختصار حالة العشق السائدة بین الجمادات هی التی تؤدی إلی التکاثر فی النسل و الاستمرار بالنوع،و اقامة النظام الشامخ لعالم الخلق و اضفاء الجمال علی عالم الوجود.

أیُّ قدرة جبارة و ارادة عظیمة هذه التی تقیم مثل هذا التآلف و الانشداد و حالة العشق بین عنصرین احدهما یشتعل و الآخر یساعد علی الاشتعال حیث

ص:14

ینتج عن ذلک التزاوج ماء فرات یشکل انهاراً جارفة و بحاراً متلاطمة و محیطات شاسعة و یتکون منه المطر اللطیف ؟ ! !

أیّ ُ قوة عجیبة هذه التی تؤدی إلی ان تتحد عناصر متعددة مع بعضها بین ثنایا الارض الیابسة و فی جوف الصخور الصماء و اعماق طبقات القیر التی تفوق فی سوادها ظلمة اللیل البهیم فیخرج من ذلک معدن الالماس ؟ !

و أی ارادة قاهرة تلک التی تُخرج لنا من اتحاد عدة مواد من معادن الیمن عقیقاً احمراً،و من طیات التراب فی نیشابور الفیروز الازرق،و تهب لنا آلاف المواد التی یحتاجها البشر و ذلک من خلال امتزاج التراب مع فضلات الحیوانات ؟ !

و أی رحمة تلک التی تمنحنا محصولاً نافعاً مثل الذهب و الفضة و النحاس و الحدید من خلال اتحاد الاحجار مع التراب و مواد اخری مع الحجر ؟ !

أی ارادة و حکمة هذه التی تهب عباد اللّٰه کل هذه النعم بواسطة اتحاد و تزاوج العناصر فیما بینها ؟ و أی ارادة و حکمة هذه التی أودعت کل هذا التآلف و الوئام و الانسجام بین الشمس و عناصرها الملتهبة و بین الأرض حیث ینتج عن اتحاد عناصر الشمس و عناصر الأرض و تزاوجهما نِعمٌ نعجز عن أحصائها کما أکد ذلک القرآن الکریم حین قال: «وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّٰهِ لاٰ تُحْصُوهٰا» .

إنّه «اللّٰهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرٰاتِ رِزْقاً لَکُمْ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْأَنْهٰارَ* وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دٰائِبَیْنِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهٰارَ* وَ آتٰاکُمْ مِنْ کُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّٰهِ لاٰ تُحْصُوهٰا إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَظَلُومٌ کَفّٰارٌ» (1).

ص:15

ان مستوی الجاذبیة بین العناصر و ایجابیتها أو سلبیتها و العلاقة الحمیمة القائمة بینها لغرض التکاثر و التناسل کل ذلک یقوم علی أساس نظام محددٍ و قوانین و مقررات عادلة،و الجاذبیة هذه خارجة عن نطاق الافراط و التفریط، و هذه العلاقة لا یعتریها الفتور ابداً و لا معنی للجفاء و التخاصم و الاختلاف فی هذا العالم الجمیل الوادع و لا وجود للانفصال بعد هذه التزاوج الروحی.

فلو کان وجود للاختلاف و الجفاء و الانفصال فی هذا العالم فلا شک فی ان الفساد و الافساد سیلقی بظلاله و یعقّد الاُمور و یضرب باطنابه فی أساس هذا العالم.

ان للعناصر المکونة لعالم الجماد حجماً و وزناً معینان و فواصل محددة و نمواً یتناسب مع وضعها،و اتحاد کل منهما مع الآخر یقوم علی أساس الکفاءة،فلا تتمرد العناصر علی النظام المحدد لها و لا تبادر إلی المشاکسة و التخاصم فیما بینها،بل تحافظ علی القانون و حدود وجودها اینما کانت فی هذا النظام.

«لاَ الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَهٰا أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّیْلُ سٰابِقُ النَّهٰارِ وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ» (1).

و فی تقدیر وزن الاجرام فی الفضاء الخارجی و حجمها و طولها و عرضها و عمقها و لونها و مواصفاتها و المسافات التی تفصل بینها-و منها المسافة بین الشمس و الکرة الارضیة التی تناهز (150/000/000) کم و لا تتغیر هذه المسافة علی الاطلاق حیث ان زیادتها تعنی تجمد کافة الکائنات علی وجه الارض،و نقصانها یعنی احتراق ما علی الارض-لا یُری شیء سوی علم اللّٰه سبحانه و حکمته الازلیة التی تقوم علی أساس ارادته و مشیئته فی جمیع

ص:16

الکائنات،و متی ما نظر اهل البصائر و المنصفون و اصحاب الضمائر الحیّة و الصالحون إلی نظام الکون ببصائرهم و بقلوب واعیة حینذاک ستخشع قلوبهم لذکر مبدع هذا الخلق و الکون و یرددون من اعماقهم:

«رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً» (1).

نعم،ان النظام و القانون و الحقیقة تتجلی فی ظاهر و باطن عناصر عالم الوجود قاطبة،و اسماء اللّٰه و صفاته تعلو کافة الکائنات،و ان صورتها و ایحاءاتها من الوضوح بحیث تتیسر قراءتها و ادراکها لکل بسیط و امیٍّ من البشر، و الأعجب من ذلک کله ان هذه المخلوقات جمیعاً تسیر سیراً حثیثاً بنظام خاص من أجل الوصول إلی محبوبها و مرادها و هو رب العالمین،و هذا ما یؤیده قوله تعالی:

«وَ أَنَّ إِلیٰ رَبِّکَ الْمُنْتَهیٰ» (2).

خاص،و فی أعلی هذه الخیوط ثمة نتوءٍ صغیر اصفر اللون و فی وسطه کیس صغیر یطلق علیه المتک فیه اربع بؤرٍ تستقر فیها حبوب اللقاح التی لا تُری بالعین المجردة لها شبهٌ بنطفة الحیوانات إلی حدٍ بعید ! !

و بعد حصول عملیة التلقیح بین الجهازین الانثوی و الذکری تتکون البیوض،و حبوب اللقاح رغم صغرها فإن ترکیبها الداخلی و فعالیاتها من الدقة ما یثیر العجب،و فیها مقدار من المواد البروتینیة و الدهنیة و السکریة و النشویة و الآزوتیة،و فی وسط کلٍّ منها نواتان واحدة صغیرة و الاخری اکبر منها، فالکبیرة تسمی نواة النمو و الصغیرة نواة التولید ستعرفون عملها لا حقاً.

الجهاز الانثوی:و هو القسم الذی یستقر أعلی مرکز الزهرة،و یعلوه نتوء یسمی المیسم تغطیه مادة لزجة یتلخص عملها فی استقطاب الحبوب الذکریة و المحافظة علیها و المساعدة علی تنمیتها.

و فی أسفل الجهاز الانثوی الذی یتصل بالقسم الاسفل من الزهرة هنالک جسم منتفخ یسمی المبیض تشاهد فیه بویضات صغیرة لکلٍّ منها خیط خاص یتصل بجدار المبیض و من خلاله تمتص الماء و المواد الغذائیة الضروریة، و البویضات بدورها لها ترکیب ملفت للانتباه.

طریقة التلقیح:بعد أن تتمزق أکیاس حبوب اللقاح و تستقر حبوب اللقاح علی المبیض فانها تبدأ بالنمو،و هنا لا بدّ من التذکیر بأن هنالک طرقاً مختلفة لوصول حبوب اللقاح إلی القسم الانثوی تثیر الدهشة لدی المتأم فی عالم الخلق.

من ذلک،ان حشراتٍ مختلفة تؤدی هذه المهمة دون علمٍ منها،أی انها تطیر نحو الازهار و تقف علیها لما فیها من لونٍ و رائحة جذابةٍ و لوجود المواد السکریة وسط الازهار،و بذلک فانها تحمل حبوب اللقاح بارجلها و تنقلها من مکان إلی

ص:18

آخر،و هذا العمل مهمٌ جداً لا سیما بالنسبة للازهار التی ینفصل فیها الجهاز الانثوی عن الذکری و یستقر کلٌّ منهما علی ساقٍ منفصل.

و کما اسلفنا فإن حبوب اللقاح حینما تستقر علی القسم الانثوی تبدأ حینذاک بالنمو و التکامل و تزامناً مع نموها تنمو النواة الکبیرة فتمتد نحو المبیض و تنتهی کلیاً علی مقربةٍ منه و تنقرض تماماً،الا ان النواة الصغیرة و هی نواة التولید تنفذ من خلال هذا الانبوب الدقیق و تدخل إلی المبیض و تتحد مع البویضات فتحدث عملیة التزاوج فی ظل ذلک الجو المظلم السّری،فتنعقد نطفة الزهرة و تتکون البیضة الاصلیة.

فی عالم النبات کما هو الحال فی الجمادات تأخذ قوانین التزاوج و اسباب الاتحاد و التکاثر و التناسل طریقها وفقاً لارادة الحق تعالی بعیداً عن الاختلاف و الاجحاف و النزاع و الانفصال،و عبر هذا الطریق تمتلیء موائد الکائنات الحیة لا سیّما البشر بانواع الثمار و الحبوب و الفواکه ! !

بالفراخ و توفیر الغذاء لها و تلقینها الاُمور الضروریة و المحافظة علیها من الحوادث و الاخطار و سائر الاحوال التی تسود عالم الحیوان،انما هی فی الحقیقة تجسید لارادة الحق تعالی و یتعین اعتبارها فی عداد عجائب عالم الوجود.

ان عالم اللبائن و الزواحف الملیء بالاسرار و طریقتها فی التلقیح و الولادة و المحافظة علی البیوض أو الاجنّة و الفراخ کل ذلک مما یحیر المرء و یثیر لدیه الدهشة،و ظروف التزاوج و التکاثر و التناسل لدی الحیوانات هی ظروف متجانسة و منبثقة من القوانین الالهیة،یقول تعالی:

«مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِیَتِهٰا إِنَّ رَبِّی عَلیٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِیمٍ» (1).

فلیس هنالک حیوان ینزو علی انثی من غیر جنسه رغم امتلائه بالشهوة الجنسیة،فالذکر لا یلوث شهوته بعملٍ خبیثٍ و قبیح و لا ینحرف عن الصراط المستقیم،و لیس هنالک انحرافٌ لدی الحیوانات فی مجال الغریزة الجنسیة، فنطفة الذکر من الحیوانات تختص بانثاه و هو لا یلتفت إلی غیرها،و لا وجود بینها لنظرة السوء و الاعتداء علی الآخرین،و التجاوز علی انثی تخضع لذکرٍ آخر،و لا فرق فی هذا المجال بین الزواحف و اللبائن.

ان قصة النظام و الانضباط الذی یتحکم فی کافة مفاصل الحیاة لا سیما التوالد و التکاثر عند الطیور و الزواحف و الوحوش و الحیوانات البحریة انما هی قصة عجیبة تثیر الدهشة لدی أهل التأمل و التفکیر،و طریقة حیاة الحیوانات المقترنة بالقوانین التی تحکمها تعد درساً بلیغاً لمن نأوا بأنفسهم عن اجواء الهدایة الربانیة،و انعزلوا عن مصدر النفحات المعنویة و النورانیة،فالحیوانات

ص:20

شأنها شأن الجمادات و سائر عناصر الکون کالشمس و القمر و السماء و الارض، و مثلها مثل النباتات فی التنظیم و الانضباط.

قوة و ان لا یدع الخوف من المستقبل یتسرب إلی نفسه لا سیّما فیما یتعلق بالاُمور المادیة و تکالیف الحیاة فإن ذلک من احابیل الشیطان و ناشئ عن وهنٍ فی النفس و فقدان الثقة بباریء الکون و مدبره.

و فی الآیة التالیة من سورة النور تلمسون الامر الالهی بشأن الزواج و تکفله بتأمین تکالیف الحیاة الزوجیّة،إذ یقول تعالی:

«وَ أَنْکِحُوا الْأَیٰامیٰ مِنْکُمْ وَ الصّٰالِحِینَ مِنْ عِبٰادِکُمْ وَ إِمٰائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَرٰاءَ یُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِیمٌ» (1).

و «وَ أَنْکِحُوا» من الناحیة النحویة فعل أمرٍ،و هذا الأمر موجه إلی ابناء المجتمع فرداً فرداً رجالاً و نساءً،و یستفاد من هذه الآیة الکریمة وجوب الزواج لمن هم بحاجة له و لا یتسنی لهم المحافظة علی سلامتهم و طهارتهم الاّ من خلال هذه الطریق،هذا من جهة،و من جهة اخری ضرورة مبادرة العوائل لا سیما الوالدین و مَنْ تتوفر لدیهم القدرة المالیة إلی تسخیر امکانیاتهم فی هذا المجال من اجل بناء الحیاة الزوجیّة لابنائهم و بناتهم.

الواضحة للجمیع کوضوح الشمس فی رابعة النهار لا سیّما الوالدین ممن لدیهم ابناء و بنات فی سن الزواج.

و الأهم من ذلک کلّه،ان السبیل الامثل و المنهج الاسمی للحد من الموبقات، و اقوی تدبیر لصیانة المجمتع من الانحدار فی مستنقع الفحشاء و المنکرات هو تزویج الابناء و البنات فی الوقت المناسب لحاجتهم إلی ذلک،و هذه حقیقة لا یتوقع انکارها الاّ من قبل الحمقی و الجهلة و فاقدی الشعور.

بناءً علی ذلک فإن المسؤولیة تقع فی بدایة الأمر علی الوالدین و الاقربین و من لهم دور فی مسألة زواج أبناء الاُسرة و بناتها،و ذلک یتمثل فی تیسیر مقدمات هذه السنّة الالهیة و توفیر الارضیة الملائمة للزواج بأیسر السبل و احسن الطرق،و من ثم یأتی دور الابناء و البنات ممن توفرت لدیهم الرغبة فی الزواج،إذ یتعین علیهم تجنب الطموحات غیر المبررة و فرض الشروط المرهقة، کی تأخذ الرغبات و الغرائز و الطموحات طریقها الطبیعی بیسر و سهولة،و یوضع حجر الاساس للحیاة السعیدة،و یُشیّد البناء الذی یُرتجی منه خیر الدنیا و الآخرة.

مما لا شک فیه و استناداً للآیات القرآنیة و الروایات و الاخبار ان اللّٰه سبحانه سیتسامح مع الذین یتسامحون فی شؤون الحیاة لا سیما قضیة زواج ابنائهم و بناتهم،و ییسر امورهم فی الدنیا و الآخرة و بالذات عند الحساب و تطایر الکتب و المیزان فی عرصات یوم المحشر،و ان الغضب الالهی فی الدنیا و الآخرة و سوء الحساب و عذاب جهنم سیحیق بالمتزمتین و المعرقلین لهذا الأمر و یتسببون فی ان یئن ابناؤهم و بناتهم تحت وطأة الغرائز و الشهوات،و یبتلون بالامراض العصبیة و النفسیة،و تسوء اخلاقهم و یتلوثون بالمعاصی و الموبقات،و من ثم تذهب امالهم و طموحاتهم ادراج الریاح.

ان التدقیق الزائد فی مسألة الزواج یجر الانسان إلی التشدد دون علمٍ منه،

ص:23

فالتزاوج بین اثنین فی النظام الکونی یجری بسهولة بالغة،فلو کان التزاوج فی عالم الحیوان صعباً و عسیراً لفقد النظام القائم حالیاً رونقه و صورته المشرقة.

فیا ایها الاباء و الامهات،و ایها الابناء و البنات ! لا تتشددوا فی تمهید مقدمات هذه السُنّة الالهیة،من قبیل فرض المهر و اقامة المراسیم و اجراء احتفال عقد القران و الزفاف و التمسک بالعادات و التقالید،و لا تفرضوا ما هو خارج عن طاقة اسرتی العریسین کی یجری الزواج بسهولة و یمن علیکم الباری تعالی بتیسیر امورکم فی الدنیا و الآخرة.

تعالوا و اقتدوا بمنهاج اهل التقی،و خذوا من منابع الخیر و البرکة تلک درساً و عبرةً و شیّدوا حیاتکم علی أساس سیرة اولئک الأولیاء،إذ ان السعادة و الهناء و بلوغ خیر الدنیا و الآخرة،و الحصول علی الشرف و الکرامة،کل ذلک انما یتأتی فی ظل الاستلهام من اولئک الذین عشقوا الجمال الازلی،یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) واصفاً المتقین:

«أنفسهم عفیفة،و حاجاتهم خفیفة،و خیراتهم مأمولة،و شرورهم مأمونة» (1).

علی ایة حال،الحری بالقائمین علی أمر الزواج أن یتجنبوا الطموحات غیر المبررة و فرض الشروط المرهقة،و اتباع الهوی و المیول النفسیة،و التمسک بالتقالید و الاعراف الخاطئة،و تقلید الآخرین و التشدد فی شؤون الزواج، و علیهم اقامة بناء الزوجیّة منذ الوهلة الاولی علی أساس التقوی و الخیر و الصلاح و تیسیر الاُمور و ان یجعلوا غایتهم نیل رضی الباری تعالی.

بعد ان تنتهی مراسیم الزفاف یتعین علی الزوج مواصلة الحیاة الزوجیّة مع المرأة التی سبق أن التقی بها اثناء الخطبة و رضیها زوجة له و ابرم معها عقد

ص:24

النکاح،و ان یعمل علی ضمان استمرار المودة و الرحمة الالهیة القائمة بینهما، و یتوجب علی الزوجة ان تفتح امام زوجها-الذی کانت قد التقته قبل اجراء عقد الزواج-ابواب الرأفة و التسامح و ان ترعی حقوقه علی کافة الاصعدة.

ان المحافظة علی الشأنیة لا تکمن فی المهر الباهض و الاحتفالات المکلّفة و کثرة المدعوین و التمسک بالتقالید و الاعراف الخاطئة المنافیة للمنطق، و التشدد فی الشروط،بل تکمن فی اختیار الکفو و اجراء المراسیم علی بساطتها،و مراعاة الاخلاق الاسلامیة من قبل کلتا الاسرتین،و المحافظة علی الحقوق الالهیة و الانسانیة من قبل الزوجة و الزوج ازاء بعضهما البعض،و العمل علی استمرار اجواء المحبة و المودة من قبل الزوجین بغیة استمرار الحیاة الزوجیّة،و النأی بحیاتهما عن الفوضی و الاضطراب و العوامل التی من شأنها اثارة الامراض العصبیة و النفسیة.

ان الحیاة الزوجیّة التی عاشها أمیر المؤمنین (علیه السلام) و فاطمة الزهراء (علیها السلام) تمثل افضل درسٍ فی الحیاة بالنسبة لکل مسلمٍ و مسلمة،فقد کانت فاطمة (علیها السلام) مصدر الاستقرار لاسرتها لا سیما بالنسبة لزوجها،و راسیة لدعائم الحیاة فی البیت،و کان علی (علیه السلام) مثلاً اعلی للزوج و الاب،و المربی الرؤوف لاولاده، و معیناً حریصاً فی تسییر شؤون البیت و العائلة،فلم یأبَ یوماً عن انجاز الاعمال الیسیرة فی البیت من قبیل التنظیف و اعداد الخبز و مد ید العون الابنائه،و لم یدع زوجته تشقی فی انجاز اعمال البیت و تقع جمیع شؤون العائلة علی کاهل الزهراء (علیها السلام) لوحدها.

ینبغی للزوج و الزوجة ان یراعی کلٌ منهما حقوق الآخر و ان یساعد احدهما الآخر فی جمیع شؤون الحیاة،و لا یتصوروا ان اطلاق صفة الظلم ینحصر فیما فعله فرعون و النمرود و سائر الطغاة علی مر التاریخ،بل ان کل عملٍ یرتکز علی

ص:25

الباطل من شأنه خدش مشاعر الآخرین فهو ظلم،و ان اللّٰه سبحانه یبغض الظلم و الظالمین و لا یرضی بای نوعٍ من الظلم مهما قلَّ وأیاً کان مصدره.

سنشیر ان شاء اللّٰه تعالی خلال کلامنا و احادیثنا المقبلة إلی جمیع ما یرتبط بنظام الاُسرة فی الاسلام،و فی هذا المقطع من الحدیث نکتفی بنقل بعض الروایات المهمة الواردة فی الکتب المعتبرة و المتعلقة بالزواج و اهمیته و فوائده و مکانة الاُسرة و بنائها و اهمیتها فی الثقافة الاسلامیة،و ندعوکم إلی التأمل فی هذه الروایات کی تقفوا علی قوة الاحکام الالهیة و یتبین لدیکم خلو جمیع الثقافات الاخری من المفاهیم التی تتضمنها الثقافة الاسلامیة.

عن ابی عبد اللّٰه (علیه السلام) قال:جاء رجل إلی أبی فقال له:هل لک من زوجة ؟ قال:لا،فقال أبی:ما أحبّ انّ لی الدنیا و ما فیها انّی بتٌّ لیلة و لیست لی زوجة، ثم واصل أبی حدیثه فقال:الرکعتان یُصلیهما رجلٌ متزوج أفضل من رجلٍ أعزب یقوم لیلة و یصوم نهاره،ثم اعطی أبی سبعة دنانیر إلی ذلک الرجل و قال له اقضِ بها ما تحتاجه لزواجک فقد قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«اتخذوا الاهل فإنّه ارزق لکم» (1).

قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:

«یا معشر الشباب من استطاع منکم الباه فلیتزوج فإنّه اغضّ للبصر،و احصنُ للفرج».

و قال صلی الله علیه و آله:

«ما من بناء فی الاسلام احبّ إلی اللّٰه من التزویج» (2).

و قال صلی الله علیه و آله:

«مَنْ تزوّج فقد اعطی نصف السعادة» (3).

قال النبی صلی الله علیه و آله:

«ما من شاب تزویج فی حداثة سنّة الاّ عجّ الشیطان یا و یلَهُ یا و یلَهُ عصمَ فی ثلثی دینه فلیتق اللّٰه العبد فی الثلث الباقی» (4).

فما هی القیم التی فی الزواج ؟ و ما هی الفوائد العظیمة التی یجنیها کلُّ من الزوج و الزوجة ؟ و ایّ اهمیة و شأن یولیها الاسلام للزواج ؟

لیت عوائلنا تبذل قصاری جهودها لتمهید السبیل من أجل تیسیر هذه السّنة الالهیة و الانسانیة،و یُقلعوا عن التشدد و فرض الشروط المرهقة،و المبادرة إلی اقامة مراسیم الزواج وفقاً لامکانیاتهم،و سلوک طریق القناعة بما توفر و تجود به الایدی،کی ینال ابناؤنا و بناتنا طموحاتهم الطبیعیة و تتحقق آمالهم،و لا یکفر

ص:27

بنعم اللّٰه الکامنة فی غرائزهم و شهواتهم،و لا تتلوث انفسهم بالمعصیة و الرذیلة.

این تکمن جذور الکبت و انحراف الغرائز و الشهوات،و انتشار الفساد و الرذیلة،و اطلاق العنان للبصر و الاهواء النفسیة،و الزنا و التجاوز علی نوامیس الآخرین،و التخلف فی المستوی الدراسی و التقاعس عن اداء العبادات و بروز الامراض العصبیة و النفسیة و سائر الابتلاءات ؟

ان الاجابة علی هذه الأسئلة لا بدّ أن یتولی امرها فی بدایة الأمر الاباء و الامهات المتصلبون الذین وقعوا بین مخالب التقالید و العادات الخاطئة، و تکبّلوا بتقلید الآخرین،و یأتی بعدهم دور الابناء و البنات ممن ابتعدوا عن التقوی،و اخیراً اولئک الذین تتوفر لدیهم الامکانیات اللازمة لتزویج الشباب و یبخلون عن بذل اموالهم فی سبیل اللّٰه،کل هؤلاء علیهم ان یقدموا ما لدیهم من جواب منطقی و عقلی مقنع فی هذه الدنیا و کل ما یقدمونه الآن من اجابة یتحتم تقدیمه حین تقام محکمة العدل الالهی یوم یقوم الناس لرب العالمین ! !

ص:28

«وَ لِبٰاسُ التَّقْویٰ ذٰلِکَ خَیْرٌ»

الأعراف ذاریات26/

2

ص:30

ص:31

لدینا مجتمع یمثّل افراده مصدر خیرٍ بعضهم للبعض الآخر،و یأمنُ بعضهم شر و مکائد البعض الآخر.

المتّقون أحباء اللّٰه و المقربون لدی الأنبیاء و الأئمة (علیهم السلام)،و هم النافعون الذین یفیضون کرماً،قد حَسنُنت سیرتهم و تحولت صورهم إلی صورِ ملکوتیة الهیة،و اتصفوا بمکارم الاخلاق،و تنزّهوا عن المساویء و القبائح و الرذائل.

ان کرامة الفرد و الاُسرة و المجتمع إنّما تکمن فی التقوی،و لیس هنالک شخص او مجتمع اکرم علی اللّٰه من المتّقین،و ما یعرض له الزوج و الزوجة و الآباء و الامهات و الابناء و کافة أبناء المجتمع من ایذاء من قبل بعضهم البعض الآخر انما هو نتیجة لانعدام التقوی،و حالة التوجّس التی یعیشها الناس فی البیت أو المجتمع فیما بینهم إنّما هی من العواقب الوخیمة لفقدان التقوی،و ما یشاهد من خسائر فادحة فی حیاة البشر فذلک بفعل انعدام التقوی.

فالحری بکلٍّ من الزوج و الزوجة التحلّی من أجل تکوین الاُسرة الصالحة، و من الضروری ان یعملا علی أن تأخذ هذه الدعوة الالهیة طریقها إلی نفوس ابنائهما،بل علیهما تمهید السبیل بغیة تحقق التقوی لدیهم منذ نعومة اظفارهم.

حبذا لو تأملتم الفوائد التی تنطوی علیها التقوی التی ذکرتها الآیات القرآنیة و الروایات و من ثم تبادرون إلی تقییم الواقع و تتأملوا صورة الاُسرة و المجتمع فیما لو تحلّی جمیع ابنائنا و بناتنا بالتقوی و بادروا إلی الزواج متزوّدین بهذه الثروة الربانیة.

الخاص،و التقوی الخاصة،و التقوی العامة.

و فی روایة عن الامام الصادق (علیه السلام) یوضح فیها هذه المراتب:

المرتبة الاولی:التقوی باللّٰه فی اللّٰه،و هی عبارة عن ترک الحلال فضلاً عن ترک الشبهة و هذه التقوی خاص الخاص.

المرتبة الثانیة:التقوی من اللّٰه،و هی عبارة عن اجتناب الشبهات جمیعاً فضلاً عن الحرام و هی التقوی الخاصة.

المرتبة الثالثة:التقوی النابعة من الخوف من عذاب جهنم و العقاب الالیم و هی عبارة عن ترک المعاصی و المحرّمات و هی التقوی العامة (1).

و المراد من ترک الحلال فی قول الامام الصادق (علیه السلام) هو ان المتقین فی هذه المرتبة لا یبطلبون الاُمور المحلّلة لعدم شعورهم بالحاجة الیها،و یکتفون من الحلال بما یحتاجون لنیل الکمال.

ان القابلیة علی القناعة متیسرة للجمیع،و من ادعی عجزه عن التزام القناعة لا یُقبل منه هذا الادعاء،فالقناعة بالحلال و التزام الکفاف فی الاُمور المادیة الضروریة للحیاة،و الزهد فی القصور الفخمة و اللوازم النفسیة و الملابس الراقیة و الموائد المتنوعة،یعد ممارسة اخلاقیة و عملاً مستحسناً و سبیلاً لسیادة التقوی فی جمیع مرافق الحیاة.

یسکن فی المدینة و هو ممن یتصف بالعلم و المعرفة و له اضطلاع بالحکمة و الفلسفة و تفسیر القرآن و قد قام بتفسیر القرآن الکریم مرّتین فی المسجد الذی یتصدی لامامة الجماعة فیه.

فأسرعت للقائه،فکانت أخلاقه و سلوکه و حیاته تعکس صورة عن الحیاة المبارکة للحاج السبزواری،و استفسرت منه عن احوال جدّه الجلیل،فشرح لی اموراً تثیر الدهشة عن صفاته و أحواله،منها:بالرغم من ان الحاج السبزواری کان محط اهتمام الشخصیات السیاسة و العلمیة فی البلاد وانهم کانوا یقصدونه من مختلف انحاء البلاد و حتی من المناطق النائیة للتزود من علمه الاّ انه کان قانعاً بالقلیل من ناحیة الدار و المأکل و الملبس ! !

و ربما کان یحتفظ ببعض ملابسه و یستخدمها لمدة عشر سنین بکامل شروط الصحة و الطهارة،و لم یستنکف من ترقیع تلک الملابس،و هذه سیره الأنبیاء و الأولیاء !

ینبغی تجنب تقلید الآخرین فی بناء الحیاة،و الاکتفاء بما هو متیسر من المصروفات،و الابتعاد عن الاسراف و اقتناء ما یُعدّ بهرجة و اسرافاً.

عینا ان لا نقتدی بالغرب فی الزی و نمط الحیاة فانهم قد وقعوا بالکثیر من الاخطاء،و لا یؤدی التطور الصناعی و الفنی الذی بلغوه إلی ان نتصور صواب و صحة کل ما یقولونه و یکتبونه و ان ما هم علیه من اناقة،و اسلوب فی المعیشة مطابق للواقع.

ما یحظی بالاهتمام فی الاسلام هو سلامة الروح و البدن و المدینة و المحلّة، و الذی تُعنی به الثقافة الاسلامیة من الاُمور المادیة و المعنویة،و الاخلاقیة، و الایمانیة للفرد و المجتمع هو ما یصب فی مصلحة الانسان فی الدنیا و الآخرة، و الاسراف و البهرجة و الانهماک بالمصاریف المرهقة و تجمیل ظواهر الحیاة بعیداً عن القناعة و الاقتصاد-حتی فی بناء المساجد التی هی مراکز العبادة بالنسبة للمسلمین-من الاُمور التی یذمها هذا الدین و هذه المدرسة التی تبنی الانسان.

یجب ان تکون المساجد و البیوت زاخرة من الداخل بالروح المعنویة و باعلی درجاتها،و فی ظاهرها یجب ان تتصف بالبساطة و الوداعة کی لا تبتلی القلوب بالوسوسة و التجبر و لا تبتعد النفوس عن ساحة الحق تعالی.

البسوا ما بسط من الملابس و لکم التزموا آداب اللباس،و کلوا ما یسدُّ رمقکم من الطعام و تمثلوا آداب الطعام،و اقتنوا ما یناسبکم من السیارات و لکن علیکم عدم الغفلة عن آداب السیاقة،و استحصلوا الدار الضروریة لحیاتکم علی ان لا تصبحوا اسری لهذه الدار،کل ذلک من ثمار التقوی و الزهد و التوجه إلی اللّٰه تعالی.

ان حیاة الیهود و النصاری هی التی یطغی علیها الاسراف،فی اقتنائهم الدار و الاثاث و واسطة النقل و الملابس و الطعام،فکنائسهم و معابدهم تغص بالذهب

ص:35

و الزخارف و التماثیل و الجواهر الاثریة و اللوحات النفسیة التی تبلغ قیمتها ملایین الدولارات.

و حیاة الحاخامات و القساوسة بل و حتی البابا تضج بالاسراف و التبذیر إلی حدٍ یبعث الدهشة و التعجب،فلو بیع التاج الخاص بالبابا و ملابسه لا مکن انقاذ الملایین من الجیاع.

ان اکتناز الثروة و أکل الربا و ممارسة السرقة فی وضح النهار و غیرها من الفضائح هی اعمال اعداء اللّٰه،أما احباء اللّٰه فیتعین علیهم الالتزام بما اراده هو و صیانة انفسهم من الوقوع بین فکی الاسراف و التبذیر.

و التقوی هی السبب فی الحصول کل المحاسن و هی التی تحفظها،فالبیت العامر بالتقوی،و الازواج الذین یتحلّون بالتقوی انما یتوفرون علی کنزٍ الهی و ثروة ملکوتیة،و بذلک تغدو حیاتهم ترفرف علیهم السعادة و الصفاء و المحبة و راحة البال و الأمن و السلامة و الانصاف و الکرامة و الشرف.

ینبغی ان یتمتّع المسجد و البیت بوضعٍ بحیث یشعر فیهما الانسان بالأمن و الاطمئنان و یتخذ منهما منطلقاً للعروج نحو محبوبه.

و باختصار،یمکن تشیید بناء الزوجیّة عن طریق التزام التقوی و القناعة و التوجه نحو اللّٰه تعالی و الاستعداد لیوم الدین،بنحو یکون البناء وسیلة لبلوغ السعادة الاخرویة و نیل رضی الحق تعالی.

و فی عصرنا الراهن أیضاً یمکن العیش بالقلیل من الدخل بشرط التزام التقوی و القناعة،و إذا ما عرضت مشکلة اثناء ذلک و عجز المؤمن عن مقاومتها، بما توفر لدیه من دخلٍ یتحتم علی المؤمنین ان یهبّوا لا عانته قبل فوات الاوان و انقاذه مما یلم به ضیق و محن.

ص:36

و التهلکة،فلا شک فی ان وزر ذلک و وباله یقع علی عاتق والدیه أو معلمه و مربیه،یقول تعالی:

«یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ» (1).

فکما یهتم الوالدان فی الحؤول دون سقوط الطفل فی نار التنور أو الاحتراق بلهیب الغاز و یمنعونه من الاقتراب من الخطر،فالأولی بهم ان یحولوا دون احتراقه بنار الغضب الالهی یوم القیامة نتیجة لعدم التحصن بالتقوی و سوء اعماله و اخلاقه و ضیاع ایمانه و اعماله الصالحة،و السبیل العملی للمحافظة علی الطفل من العذاب الاخروی یتمثل فی تحلّی الوالدین بالتقوی فی بدایة الأمر و من ثم تربیة الطفل علیها.

علی الوالدین ان یلعبا دور المبلغ الوقور و المعلم الامین و یتمتعا بالحرص و یکونا بمثابة داعیتین إلی الخیر فی سبیل تربیة اطفالهما.

علیهما بادیء ذی بدء تزیین وجودهما بالتقوی و الایمان و العمل الصالح و من ثم السعی لتهذیب الطفل و تأدیبه و تعلیمه محاسن الاخلاق و المحافظة علیه من صدیق السوء و المعلم ذی الاخلاق المذمومة،و یجب علیهما العمل علی عدم تعلق قلب الطفل بالزخارف و الزینة المفرطة و البهرجة و الاسراف و حب الثروة و المال لئلا یتحول فی المستقبل إلی انسانٍ مسرفٍ و طماعٍ و بخیل و ناهب وانانی،إذ ان بناء المجتمع إذا قام علی لبنات خاویة أو بعبارةٍ اخری شُید علی افراد تنقصهم التقوی فإن ذلک البناء سینهدم علی رؤوس أبناء ذلک المجتمع و لا تطاق الحیاة فیه بالنسبة لجمیع ابنائه.

لو کانت التقوی اساساً یقوم علیه بناء کافة الاسر،و تحلّی الزوجان به،

ص:38

و سرت منهما إلی الابناء لانتفت حاجة المجمتع للسجون و قوی الامن و المحاکم،و حینها یخف کاهل الدولة و الامة من المیزانیات المرهقة التی نیبغی تسخیرها فی سبیل توفیر الرفاهیة للجماهیر و لیس توظیفها فی التصدی للناهبین و المفسدین و اللصوص.

«إن آیة الکذاب ان یخبرک بخبر السماء و الارض فاذا سُئل عن شیء من مسائل الحلال و الحرام لم یکن عنده شیء» (1).

و من علائم المتقین أیضاً،الصبر ازاء الاحداث،و مراعاة الآداب و الاحکام الاسلامیة فی کافة الاُمور،و ملازمة الذکر و دوام التفکّر المقترن باخلاص النیة وصفاء الباطن،و مراقبة النفس کی یصل الانسان من خلال طیّه لهذا الطریق إلی علم الیقین و بعده إلی عین الیقین و من ثم حق الیقین.

امور دینهم.

و لا یستهلک وقته و حیاته خارج البیت،و لا یجعل ابتسامته و حیویته حکراً علی اصدقائه و لا یفرط فی ارتیاد المساجد و المجالس الدینیة،فهو یدرک ببان الاسلام یحث علی التزام الاعتدال فی جمیع الاُمور حتی فی العبادات و نهی عن التقصیر بحق العیال بذریعة التزاور مع الاصدقاء أو حضور المجالس.

و هنا یجدر بی ان اوصی اخوتی القائمین علی المساجد و الهیئات ان یختصروا اوقات المجالس فیها و الاکتفاء بصلاةٍ الجماعة و بعض الوقت لبیان الاحکام الشرعیة و المعارف الاسلامیة و دقائق لذکر اهل البیت (علیهم السلام) و هذا ما جرت علیه سیرة الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الاطهار (علیهم السلام) فهم قد ربّوا العظماء من الرجال و النساء بقلیل من الوقت و ایجاز فی البیان.

ان الاسفاف فی التعبد لا سیما فی المستحبات و اطالة المجالس یقضی علی نشاط المستمع و یؤدی تدریجیاً إلی تنامی حالة التذمر فی نفسه من الاُمور الدینیة و هذا لا یخلّف سوی الخسارة بالنسبة للمساجد و الهیئات و کذلک للناس لا سیما ذوی القابلیات المحدودة.

علی ایة حالٍ،المتقی الآداب فی جمیع مرافق الحیاة و بهذا فهو یساعد فی ترسیخ بناء الاُسرة و کسب محبة الزوجة و الاطفال.

اما الزوجة المتقیة،فهی تحافظ علی عفتها و طهارتها و تبادر إلی انجاز الاعمال المنزلیة بکل شغف و شوقٍ،و تمهد الارضیة لازاحة ما یُثقل کاهل زوجها من متاعب اثناء عمله خارج المنزل،و تداری أطفالها بأفضل نحو، و تتعامل مع زوجها و اطفالها وفقاً للاخلاق الاسلامیة و لا تعقل عن عبادتها و تجعل من البیت روضة عامرة بالمحبة و الصفاء و الرأفة و الحنان و الحیویة و النشاط.

ص:41

و هی تطیع زوجها مستندة فی ذلک الی القواعد و الاصول الالهیة و تلبی رغباته المشروعة و تتجنب العصبیة و الغضب و التکبر و تتعامل مع أقارب زوجها برأفة و عطف و اخلاق اسلامیة،و إذا ما عاد زوجها من العمل فهی تهب لاستقباله عند الباب،و تودعه إذا غادر إلی محل عمله،و تدعوه ان لا یُدخل شیئاً إلی بیته الاّ من حلالٍ مؤکدة قناعتهم بما یهبهم اللّٰه من الحلال و ان قلَّ،و عدم لجوئهم إلی الحرام و ان لا یتجاوز الزوج حدود ما انزل اللّٰه متذرعاً بالزوجة و الاطفال و تکالیف الحیاة فیلوث حیاتهم بالحرام.

و المرأة التی تتحلّی بالتقوی تتجنب التقلید الاعمی و لا تدع زوجها یئن تحت وطأة الضیق و الاحراج من اجل مماشاة اقاربه أو اقاربها فی طریقة الحیاة.

مثل هذا الزوج و هذه الزوجة هما ممن یرضی اللّٰه تعالی عنهم،و یمثلون مصدر الخیر و مثالاً بارزاً للانسان الربانی،و فی ظلهما یُشید البیت الذی یرتضیه الباری تعالی،و فی رحابه یتربی مَنْ یرتضیه الحق جلّت قدرته من الذریّة.

علی ایة حالٍ،ینبغی علی الزوجین الانسجام فیما بینهما وفقاً لما تقرره المعارف الالهیة و السنن الاسلامیة و الاحکام الفقهیة،کما هو حال أولیاء اللّٰه.

المواد،فذهب المشتری،فسألت صاحب المحل عن سبب امتناعه عن البیع فلدیه ما یفوق الحاجة،فاجابنی:رأیت صاحب ذلک المحل مغموماً اول الصبح فسألته عن السبب فاجابنی اننی مدینٌ و الیوم موعد اداء الدین الاّ اننی لم أبع شیئاً منذ الأمس ما یکفی لأداء الدین.

و لا قدرة لی ان أری ما یکابده لذلک وجهت المشتری نحوه کی یتخلص من وطأة الدین إذ لا بدّ للمؤمن ان یشعر بما یعانیه اخوه المؤمن.

نعم یجب أن نشعر فیما بیننا بما یعانی بعضنا البعض،لا سیما الزوجین،إذ ینبغی أن تشعر المرأة بما یعانی الرجل و یشعر الرجل بما تعانی المرأة کی یعمر المنزل بالآداب الالهیة و الانسانیة و تخرج منه ذریة توشحها الکرامة و الرشاد.

فیا ایها الاخوة الاعزاء ! عطّروا منازلکم بقراءة القرآن لا سیما اثناء وقت صلاة الصبح،فاصواتکم الملکوتیة عند قراءة القرآن تداعب افئدة اطفالکم و اسماعهم و تحثهم نحو العبادة و تلاوة القرآن و تصنع منهم منبعاً للخیر و التقوی و الکرامة.

ص:43

ص:44

«یُرِیدُ اللّٰهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ»

النساء28/

3

ص:46

ص:47

فیه ذکره و مثال الرفعة و السمو و العظمة و ثمرة لتسبیح الحق تعالی فی اللیل و النهار،یقول تعالی:

«فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ» (1).

و هکذا بیت فیه مثل هذه الاوصاف هو بیتٌ مؤمنٌ تزدهر فیه طاعة اللّٰه و عبادته،قد حصل فیه الزواج وفقاً للأمر الالهی،و یلتزم فیه الزوجان بکافة الواجبات الالهیة و الانسانیة.

اجل،ان القرآن الکریم یأمر بالزوج للتخفیف من المشاکل التی یعانی منها کلٌّ من الرجل و المرأة،و لیسلما من الفساد و لیعملا بواسطة الحیاة الزوجیّة و الانسجام بینهما علی جعل البیت مکاناً لذکر اللّٰه و تسبیحه.

ان الرجل و المرأة فی اجواء مثل هذا البیت عبدان حقیقیان للّٰه،و أولادهما ثمار الفضیلة،و اعمالها و سلوکهما و اخلاقهما مظهر للاداب الالهیة و سنن الأنبیاء الکرام و منهجیتهم.

و حین تقترن المؤمنة بالمؤمن و یری کلٌّ منهما انه مکلفٌ بمراعاة الأوامر الالهیة فإنّهما یحافظان علی اجواء الحیاة الزوجیّة من المشاکل بوصفهما خلیلین یعین احدهما الآخر،و صدیقین شفیقین و رفیقی دربٍ و منبعین للایمان و رکیزتین للحب و المودة،و حینما تحصل مشکلة ما یبادران إلی حلها بسهولة و بساطةٍ و یعالجان الموقف بسلاح الصبر و الحلم وسعة الصدر.

ص:48

اثارة المضایقات لمجتمعهم و یتسببون بخلق مشکلات جمّة فی کافة مرافق الحیاة.

و استناداً إلی الآیات و الروایات و ما أثبتته تجارب الحیاة فإن الزواج یکرّم الانسان و یرفعه و یخلصه من بواعث استحقاق العذاب الالهی و یحفظه من الرذیلة و الانحدار و یحصّنه من الوقوع فی شراک الشیطان،و یصون المرء من ان یصبح مصدراً للشر و الفساد و بالتالی یتعرض لسخط اللّٰه و لعنته،و کل ذلک مدعاة لشیوع الاستقرار و الطمأنینة و الأمن و الطهارة و التقوی و الرخاء فی شؤون الحیاة و تخفیف اعبائها،و لهذا السبب اشار تعالی إلی العلّة من تشریع الزواج فی کتابه الکریم قائلاً:

«یُرِیدُ اللّٰهُ أَنْ یُخَفِّفَ عَنْکُمْ» (1).

و تشیر صفحات التاریخ إلی ان الکثیر من رجال العلم و العظماء و علماء الاسلام قطعوا بعد الزواج مسیرة مئة عامٍ فی لیلةٍ واحدة،و ارتقوا فی ظل الزواج الذی کان سبباً فی استقرارهم و راحة بالهم إلی مقامات شامخةٍ و عظیمة من العلم و اشتهروا لدی العامة و الخاصة بالعلم و التقوی و الطهارة و الکرامة و الخدمة و العبادة.

نقرأ فی الصفحة 95 من کتاب حیاة آیة اللّٰه البروجردی:فی عام 1314 و کان عمره آنذاک 22 ربیعاً،کتب الیه والده کتاباً یستدعیه إلی بروجرد،و ظنّ ان والده ینوی ایفاده إلی النجف الاشرف حیث کانت هناک اکبر حوزة علمیة للشیعة،بید أنه فوجیء عند وصوله و اللقاء بوالده و اقربائه بأنهم قد اعدّوا له مقدمات الزواج،فتأثر و حزن،و حین لا حظ والده ذلک سأله عن السبب، فأجابه:کنتُ منکباً علی طلب العلم بکل جدٍّ و راحة بالٍ،اما الآن فانی اخشی ان یحول الزواج بین و بین هدفی و یصدّنی عن مواصلة الطریق و بلوغ غایتی.

فقال له ابوه:اعلم یا بُنی إنک ان عملت بما یأمرک والدک فإن هناک أملاً فی أن یوفقک اللّٰه لنیل ما تطمح الیه من الرقی،وضع فی بالک احتمال فشلک فی تحقیق ما تصبو الیه من دراستک ان انت أهملت ما یتمناه ابوک رغم جدیتک ! !

فترک کلام أبیه أثراً طیباً فی نفسه و زال کل ما لدیه من شک،و بعد الزواج و المکوث قلیلاً هناک عاد إلی اصفهان لیواصل الدراسة و التدریس فی مختلف العلوم و الفروع لمدة خمس سنوات اخری.

و فی اصفهان وفّرت له زوجته الوفیّة اسباب الراحة و الاستقرار،و کانت له بمثابة الصدیق العطوف و المعین الشفیق و الخادم الرصین و الناصح الرؤوم ما جعله ینطلق نحو الرقی بشتی الوانه و راح ینهل من العلوم علی مدی تلک السنوات الخمس التی قضاها فی اصفهان إلی جانب تلک المرأة الکریمة،

ص:51

و واصل دراسته بنشاط و جدّیة إلی درجة انه کان یقضی بعض اللیالی ساهراً حتی الصباح منهمکاً بالمطالعة،و کان«رحمه الله»یکرر بانه کان یهتم بحفظ القرآن الکریم اثناء اوقات فراغه فاستطاع خلال فترة وجوده فی اصفهان حفظ القرآن من اوله إلی آخر سورة التوبة و واظب علی حفظه حتی آخر عمره المبارک، و استمر فی المواظبة علی حفظ القرآن و تلاوته.

و کان العلامة الطباطبائی«رحمه الله»صاحب تفسیر المیزان یری ان جانباً مما بلغه من کمالٍ و رقیٍّ علمی و معنوی مرهون لزوجته الکریمة.

نعم،ان الزواج یعد سبباً فی الراحة و الامان و قاعدة لتحقق الکمال و تنامی القابلیات.

عُدَّ عبادة و سبباً فی الحصول علی الاجر و الثواب الاخروی.

ان تربیة الذریة الصالحة و اعداد الابناء اللائقین و المحسنین هو عملٌ عظیم یؤدی إلی نیل رضوان اللّٰه جل و علا.

و من أهم الاُمور و افضل العبادات هو المحافظة علی الدار و أهلها بعیداً عن الفساد و الافساد و توفیر الارضیة اللازمة لتکامل الزوجة و الابناء و تربیتهم.

علی ایة حال،فالمجتمع هو ثمرة البیت،و البیت و الاُسرة هما المنطلق الذی منه النائب فی البرلمان الوزیر و رئیس الدولة و کوادر الشعب،و البیت و ارباب البیوت هم المصدر الحقیقی فی تربیتهم و تبلور شخصیاتهم،و البیت کالارض، فإن کانت الارض بمعزل عن الحق و الحقیقة فهی ارض جدباء قاحلة لا تثمر سنابلاً أو زهوراً،و إذا کانت مرتبطة بالحق و الحقیقة فمن العقول و المنطقی ان نتوقع منها السنابل و الزهور.

ان سعادة المرء أو شقاءه تنتقل الیه من ابویه بالدرجة الاولی،فاذا ما سعی الابوان لتحقیق سعادة ولدهما فإنهما بذلک یؤدیان عبادة عظیمة و حینها سینهلان من معطیات الزواج إلی الابد،أما إذا اصبحا عامل شقاءٍ فانهما لن ینتفعا من شجرة الزواج الطیبة بل یبسطان بایدیهما مائدة خسرانهما.

من هنا جاء فی الروایات عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) انه قال:

«الشقی مَنْ شقیَ فی بطن امه و السعید مَنْ سَعُدَ فی بطن امه» (1).

و ینبغی ان یقع الزواج طاعةً لما أمر اللّٰه به و اتباعاً لسنن الأنبیاء (علیهم السلام) و توفیر السعادة للزوج و تربیة الأولاد تربیة الهیة صالحة.

علی الزوجین ان یتأهبا عن طریق الزواج للدخول فی عبادةٍ کبری،و ان یستهدفا من زواجهما بلوغ رضی اللّٰه،و یعلما انهما یحملان أمانة الهیة تتمثل بما یضمه صلب الرجل و رحم المرأة.

علیهما ان یعلما ان ولدهما بمثابة الامانة الالهیة،و هو ضیف فی صلب ابیه لفترة وجیزة ثم یحل ضیفاً فی رحم الام لفترة تتراوح ما بین ستة إلی تسعة شهور،و خلال کلتا المرحلتین یکتسب بلا ارادة منه کل ما لدی الابوین من طبائع و مزایا و ذلک من خلال ما وهبه اللّٰه من قوة استلام دقیقة.

یُروی ان رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله)،کان یأذن احیاناً للنساء الحوامل بالذهاب لمشاهدة مواقع القتال ضد الکفار کی یشاهدن صور الجهاد الرائعة و المبارزة بالسیف و یستمعن لما یردده المجاهدون من شعارات کی یقمن بتغذیة ما فی ارحامهن عن طریق السمع و البصر حتی یصبح الطلفل و هو فی رحم امه مخلوقاً ماهراً یتربی علی الشجاعة و الهمّة العالیة و ینمو محاطاً بالنداء الملکوتی.

ألم تسمعوا ان النبی (صلی الله علیه و آله) امر بالصوم لمدة اربعین یوماً قبل تبلور وجود فاطمة (علیها السلام) فی صلبه و فی اللیلة الاخیرة افطر بطعام من الجنة ثم انتقلت نطفة تلک البضعة الکریمة إلی رحم الام ؟ !

لا تکن العین هی الوسیط بینکم و بین الزواج،و لا تکن الشهوة الدلیل الذی یقودکم نحو الزواج،و لا تکن الغایة من الزواج الحصول علی المال و الثروة و الجاه عن طریق العائلة المقابلة،و لا یکن الغرض من هذا العمل الظفر بوجهٍ جمیل و ظاهرٍ خادع،فقد اثبتت هذه الاُمور لحد الآن سوء عاقبتها و ضآلة ثمارها.

ص:54

اجعلو اللّٰه هو الغایة من الزواج وضعوا نصب اعینکم الجوانب المعنویة و العبادیة و السعی لاداء حق الزوج و تربیة الذریة الصالحة،و خلاصة القول نیل رضی الباری تعالی لیکون هذا الزواج ذا منافع ابدیة و خالدة،و لتکن اللذة و المتعة و الشهوة المحلّلة تابعة لهذه الغایات السامیة کی تکتمل اللذة و المتعة و من خلالها تنالون الاجر الاخروی.

فإن کان الزواج الهیاً لا یؤول إلی الطلاق إذا ان الارتباط الالهی و الملکوتی دائمی و ابدی.

ان مَنْ یتزوج قربة لوجه اللّٰه یرعی حق الزوج بکل وجوده و لا یصدر منه ادنی إذیً تجاه شریک حیاته.

و المحافظة علی شخصیة الزوج امام الأولاد و الأقارب یعد واجباً شرعیاً، کما ان احتقار الزوج للزوجة و الزوجة للزوج یعتبر حراماً.

علی الرجال و النساء من المسلمین التأسی بزواج أمیر المؤمنین و فاطمة الزهرا (علیها السلام)،ذلک الزواج الذی جری قربة إلی اللّٰه و قد لوحظت فیه الغایات الالهیة،فکانت ثمارة ذریة طاهرة ربانیة،و فی روایات الشیعة جری تأویل الآیات التالیة إلی هذا الزواج الطاهر،إذ یقول تعالی:

«مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ یَلْتَقِیٰانِ* بَیْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ یَبْغِیٰانِ یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ» .

فالمراد من البحرین،أمیر المؤمنین،و فاطمة الزهراء،فهما بحران من المعرفة و البصیرة و الحلم و الصبر و الایمان،و المراد من البرزخ هو رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله)، و معنی اللؤلؤ و المرجان الامامان الحسن و الحسین (علیهما السلام) (1).

ص:55

یجب ان یکون نظام الاُسرة نظاماً اسلامیاً والهیاً بکل معنی الکلمة کی یستقطب رحمة اللّٰه سبحانه و فضله.

ان عدم اجتناب السنن الذمیمة و العادات المنافیة للاحکام الالهیة، و الاجواء الشیطانیة و الثقافة الجاهلیة التی أمر رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) باماتتها بقوله:

«أمتْ أمر الجاهلیة الاّ ما سنّه الاسلام» (1).

یکشف عن ما فی الوجه من قبائح و ستکون الثمار التی تعطیها هذه الشجرة فاسدة.

عنهم و یترکونهم علی ذمة البیئة و المجتمع !

و إذا ما علّموا ابناءهم الاخلاق-سواء فی البیت أو المدرسة-فانهم یعلمونهم الاخلاق علی الطریقة الجنتلمانیة و الاخلاق الاقتصادیة و المنافع المادیة دون الاهتمام بجذور الباطن و حقیقته،فهم عاجزون عن تربیة الانسان تربیةً مقبولة.

الا ترون انهم حین یبنون مجتمعاً و یقیمون حکماً،یکون مجتمعهم مصدراً للفساد و حکومتهم مصدراً لاستعمار المستضعفین فی الارض.

ان الجرائم التی ارتکبها خریجو البیوتات و المدارس و الجامعات الغربیة مما لا یمکن تلافیه إلی یوم القیامة.

و إذا ما اتصفوا بالوقار و الهدوء و الرصانة فی بعض الاحیان،و ظهروا ملتزمین بالآداب فلأنهم لم یعثروا علی فریسةٍ و لم یقع نظرهم علی لقمة دسمةٍ و سائغة،و قصتهم تشبه قصة الذی قال لصدیق له انه ادب قطته و هذّبها بحیث یعطیها شمعةً تحملها قرب مائدة تعجُ بانواع الطعام لیستمتع الضیوف بما فی تلک المائدة علی ضوء تلک الشمعة،فاجابه صدیقه:لا یمکن الوثوق بهذه الخصلة لدی القطة و إذا دعوتنی سوف اثبت لک ذلک عند المائدة،فدعاه فنظر إلی القطّة و هی واقفة تمسک بالشمعة لاضاءة الغرفة للضیف لا طمع لها فی الطعام و لا تنوی الهجوم علی المائدة،و بینما هم یتناولون الطعام اخرج الضیف فاراً من جیبه و وضعه وسط المائدة فحاول الفار الهروب و هنا القت القطة بالشمعة جانباً و قفزت کالاسد الغاضب إلی وسط المائدة و اطاحت بتنظیم المائدة من أجل الامساک بالفار فعکّرت الاجواء علی صاحب الدار و ضیفه !

أجل،ان التربیة فی أوربا و الغرب کتربیة القطة،فهم مؤدبون و وادعون ما داموا لم یعثروا علی طعامهم الخاص و ما ان تقع أعینهم علی الذهب و النفط و اما

ص:57

إلی ذلک من معادن الشعوب الضعیفة حتی یلقوا مصباح التربیة جانباً من أجل نهب حقوق الآخرین و یهجمون کالحیوانانت المفترسة لابتلاع جمیع الاعتبارات المادیة و المعنویة للشعوب الضعیفة و یعبرون انهاراً من دماء الابریاء لتحقیق مآربهم المادیة.

ان تفشی الفساد و غلبة النزوات المحرّمة و رذائل الأخلاق و القتل و النهب و الفحشاء و المنکرات بین شعوب الغرب هو نتیجة للدمار الذی ضرب نظام البیت و الاُسرة.

لو کانت البیوت فی اوربا و امریکا قد تمتعت بالسو و زخرت بذکر اللّٰه و بیوتاً یُسبَّح اللّٰه فیها،لکانت ثمارها اناساً یتصفون بالسمو و الکرامة و الرشاد مفعمین بالعاطفة متخلقین باخلاق اللّٰه،غیر ان ثمارها قد تعفنت و اصبحت کریهة الطعم و الرائحة بسبب ابتعادها عن الحق و الحقیقة،و مثل هذا النظام المنهار لیس جدیراً ان یکون قدوةً،و من یتبعهم سیصبح اسوء منهم لا محالة.

ص:58

قال الصادق (علیه السلام):«أکثر الخیر فی النساء»

وسائل الشیعة:11/14

4

ص:60

ص:61

2-انّها کائن ذو روح شیطانیة؛و هی علی ضوء هذا المعیار إما ان تخرج عن حدود الانسانیة أو تُقیَّم بمستویً یشترک بین الانسان و الحیوان،و علیه فلا قیمة لها و لا تستحق الاحترام و لا یمکن تصور ای لون من الوان الاعتبار لها.

3-لا یحق لها التملک و التصرف بما یتسنی لها تملکه،و بوسعها التملک فی حالة رأی الرجل المصلحة فی ذلک،و هذا لا یعنی تملکها ما تشاء.

4-لا تحصل علی ما یترکه الموروتون من ارث،بل هی من الارث أیضاً حیث تورث بعد وفاة الأب أو الزوج.

5-لا نصیب لها من التعبد و ولوج الجوانب المعنویة لافتقاد عباداتها لایة قیمة،و لا نصیب لها من الأجر لانها تعد کائناً فی غایة الضعف من الناحیة العقلیة.

6-لا یحق لها الانتساب إلی الاب أو الابن من الناحیة القانونیة و الحقوقیة و لا یربطها معهما الا الدم،أی انّها تستطیع الانتساب إلی ابیها أو ابنها من خلال اشتراکها معهما فی الدم فقط،لا لکونها بنتاً للاب و اماً للابن ! !

7-إذا ما تزوجت فإنّ أولادها لا یعدون احفاداً لابیها،فالغربة هی التی تحکم العلاقة بین والد المرأة و أبنائها،و النسبة تنحصر فی أبناء الذکور فقط.

8-ثمة تباین تام بینها و بین الرجل فی قضیة الموت،فالرجل یخلد بعد الموت و المرأة تفنی بعد انتهاء عمرها.

9-حکمها حکم الاشیاء فی التصرف،و علی هذا کما یحق للرجل التصرف بأمواله و ثروته یحق له التصرف بالمرأة،فهو یستطیع اعارتها أو اجارتها و وهبها و بیعها و طردها و بالتالی قتلها.

10-انّها بمثابة سلعة للتلذذ،فهی مخلوقة لقضاء حاجة الرجل فقط، و الرجل لا یعرف قانوناً یحدد تمتعه بها و الاستفادة منها،و فی الفقرة العاشرة افرطت اوربا و امریکا بحق المرأة،بما یفوق التصور،فالمرأة فی أغلب بلاد

ص:62

الغرب تمثل سلعةً توظف فی دور السینما و التلفاز و الفیدیو و الاقمار الصناعیة و المجلات علی اختلاف انواعها لغرض استقطاب المزید من الزبائن و الحصول علی المزید من العوائد المالیة ! !

2-لقد اودعت فی المرأة روح الهیة و انسانیة محضة،و هی الروح التی نفخت فیها من قبل اللّٰه سبحانه،و بسبب هذه الروح منحها میزة خاصة و جعلها مصدراً لتجلی الکمالات،و هذه الروح لا تختلف عن روح الرجل،و هویة مماثلة لهویة الرجل و جوهرة توازی جوهرة الرجل قال تعالی:

«یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً کَثِیراً وَ نِسٰاءً» (1).

و قوله تعالی:

«وَ مِنْ آیٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْهٰا» (2).

و قد روی فی تفسیر العیاشی عن الامام الباقر علیه السلام ما مفاده:ان اللّٰه خلق حواء من ما فضل من طینة آدم.

مثل هذه الآیات عدم وجود نقصٍ أو خللٍ فی خلقه المرأة ظاهریاً و باطنیاً، و روحها هی الروح التی نُفخت فیها من قبل اللّٰه تعالی،و المرأة مخلوق کامل و مُتقن فی أحسن تقویم و تجسید لقوله تعالی« أَتْقَنَ کُلَّ شَیْءٍ »و بوسعها الاستفادة من قابلیاتها و فطرتها و روحها و عقلها فی ظل الهدایة الالهیة لبلوغ اسمی المراتب المعنویة،کما بوسعها تجاهل کافة الحقائق و الهبوط إلی اسفل السافلین.

3-للمرأة حق المالکیة،و حیازة ما تحصل علیه عن طریق الاعمال المشروعة و المقبولة التی تؤدیها،کما انّها تماثل الرجل فی مسألة مکلیتها و تصرفها فیما یخضع لمالکیتها دون نقص،یقول تعالی:

ص:64

«وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ مٰا سَعیٰ» (1).

أجل،ان الانسان مالک لجهده و سعیه و عمله و حرکته،و هذه حقیقة منحها اللّٰه لکل انسان رجلاً کان أم امرأة فی الدنیا و الآخرة،قال عزَّ من قائل:

«لاٰ یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئاً» (2).

روی عن الامام الصادق (علیه السلام):

«السرّاق ثلاثة:مع الزکاة،و مستحل مهور النساء،و کذلک مَنْ استدان و لم ینوِ قضاءه» (3).

قال تعالی:

«وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْوٰاجاً وَصِیَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ مَتٰاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْرٰاجٍ» (4).

وعد المهر و الوصیة بمصاریف المرأة بعد موت الزوج،فقد اوصی تعالی الرجال فیما بعد الطلاق أیضاً فقال:

«وَ لِلْمُطَلَّقٰاتِ مَتٰاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ» (5).

4-المرأة ترث أبیها و امها و زوجها و أولادها:یقول تعالی:

«کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوٰالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ» (6).

و قال تعالی:

ص:65

«لِلرِّجٰالِ نَصِیبٌ مِمّٰا تَرَکَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِیبٌ مِمّٰا تَرَکَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ کَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً» (1).

ان هذه الآیة الکریمة ترید محاربة العادات و التقالید الخاطئة التی کانت تحرم النساء و الاطفال من حقوقهم المسلّم بها،و قد کان هذا التقلید الجائر سائداً لدی العرب فجاءت هذه الآیة فابطلته.

5-عبادة المرأه عند اللّٰه کعبادة الرجل فهی تحظی بالاهمیة و نتیجتها الجنة و الأجر الالهی،و الثواب المستحقّ نتیجة العبادة لا ینحصر بالرجال فالفضل و الرحمة الالهیان فوزٌ خالد لعباده رجالاً کانوا ام نساءً.تقرأ فی القرآن الکرم:

«مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثیٰ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیٰاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مٰا کٰانُوا یَعْمَلُونَ» (2).

یستفاد من صریح الآیة الکریمة،ان إیمان المرء و عمله الصالح الذی یعتبر ثمرة إیمانه،هو المعیار الوحید فی میزان اللّٰه و لیس هناک قید أو شرط آخر لبلوغ الحیاة الطیّبة و الاجر الاخروی،لا من حیث الذکورة و الانوثة و لا من حیث العمر و لا من حیث العرق أو القبیلة أو القومیة و لا من حیث المقام و المرتبة الظاهریة.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد،و فاطمة بنت محمد،و مریم بنت عمران،و آسیة بنت مزاحم» (3).

فاذا کانت المرأة من أهل التعبد للّٰه و الایمان به و معرفته فإنّها ستنال حیاة

ص:66

طیبة و أجراً عظیماً من لدن الحق تعالی،اما إذا اتجهت نحو الفساد و الالحاد کالفسقة من الرجال فستکون ممن یستحق العذاب الأبدی.

لقد استحقت امرأتا نوحٍ و لوطٍ العذاب و الخلود فی جهنم لکفرهما بدین اللّٰه و ایغالهن فی انکاره،و قد ورد فی القرآن:

«ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کٰانَتٰا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبٰادِنٰا صٰالِحَیْنِ فَخٰانَتٰاهُمٰا فَلَمْ یُغْنِیٰا عَنْهُمٰا مِنَ اللّٰهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلاَ النّٰارَ مَعَ الدّٰاخِلِینَ» (1).

ان سورة مریم و سورة الدهر و الآیات ذات الصلة بزوجة فرعون کلها تثبت ان المرأة تخطی بمنزلةٍ رفیعةٍ فی الجانب العبادی،و فی الآخرة لها الاجر العظیم و الثواب الجزیل،و کل ذلک یمثل صفعة قویة فی وجه ثراثرة التاریخ الذین یزعمون افتقاد عبادة المرأة للمنزلة عند اللّٰه و الادیان.

6-المرأة بنت أبویها و ام أبنائها و لا یقوی أحدٌ علی سلب هذا النسب عنها حیث یعتبر سلب هذا النسب اجحافاً بحقها و عملاً خبانیاً،و القرآن الکریم یعتبر البنت کالولد أبناءً حقیقین للابوین،و إذا ما تزوجت و انجبت ذریةً فهی امهم.

و قد اعرب القرآن عن سخطه علی العرب لما کانوا یرتکبونه من وأد البنات، و نهی نهیاً مبرماً عن ذلک العمل القبیح قائلاً:

«وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَکُمْ مِنْ إِمْلاٰقٍ» (2).

تلاحظون ان الآیة الکریمة عبّرت عن البنت بأنها ولدٌ،أو ما نقرؤه فی الآیة ذات العلاقة بالارث حیث یقول تعالی:

ص:67

«یُوصِیکُمُ اللّٰهُ فِی أَوْلاٰدِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ» (1).

بصریح الآیة الکریمة عبّر تعالی عن البنت بأنّها ولدٌ،و هذا یمثّل رداً قاطعاً علی مزوری التاریخ.

اما بشأن کونهن امهات أبنائهن فیقول تعالی:

«وَ الْوٰالِدٰاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَیْنِ کٰامِلَیْنِ» (2)

و فیما یتعلق بقصة موسی (علیه السلام) یقول تعالی:

«وَ أَوْحَیْنٰا إِلیٰ أُمِّ مُوسیٰ» (3)

و یقول رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) بحق فاطمة (علیه السلام):

«فاطمة بضعة منّی» (4).

و یقول (صلی الله علیه و آله) فی روایة اخری:

«أولادنا أکبادنا» (5).

7-أما أولاد المرأة فهم احفاد ابیها بلا شک،و الاهتمام الذی کان یولیه الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) للحسن و الحسین (علیهما السلام) یعتبر دلیلاً علی بطلان ثرثرة الجاهلین الذین کانوا یزعمون ان أولاد المرأة لیسوا احفاد أبیها.

و قد أکد الفقه الاسلامی علی ارتباط من کانت امهم علویة بالرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله)،بل ان مرجع الشیعة الکبیر السید المرتضی کان قد افتی بجواز اعطاء الخمس لمن ینتسبون إلی رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن طریق الأم.

8-المرأة لا تفنی بالموت،بل لها کما للرج دار بقاء و حیاة خالدة،و هی

ص:68

تخلد فی الجنان إذا کانت عابدة للّٰه تعالی،و تخلد فی العذاب إذا ما نأت بنفسها عن عبادته،و توضح هذا المعنی بصراحة أکثر من الف آیة تناولت الآخرة.

9-المرأة لیست شیئاً،بل هی بصریح آیات کتاب اللّٰه مخلوقٌ عاقل ذو ارادةٍ و هی علی حدٍ سواء مع الرجل فی جوهر الخلقة و مصدر الطبیعة،و تتمتع بکافة الخصائص و المزایا الانسانیة و الالهیة.

10-المرأة لیست شهوة بل هی شریک الرجل و أحد اسباب بقاء النوع، و تمثل نصف المجتمع،و الاقتران بها یعد عبادة إذا ما کان بنّیة صالحة،و التعامل الصحیح و السلیم معها یعتبر محفزاً للتزود للآخرة و نیل السلامة فی الحیاة الاخرویة.

یقول تعالی:

«نِسٰاؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّٰی شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِکُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ مُلاٰقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ» (1)

و قد اراد سبحانه من خلال التعبیر ب«حرث»ان یجسد ضرورة وجود المرأة فی المجتمع الانسانی،و ان المرأة لیست اداة لاطفاء الشهوة،بل هی قاعدة صالحة و أداة طاهرة للمحافظة علی حیاة النوع البشری.

و یعتبر هذا الکلام تحذیراً جاداً للذین ینظرون للانثی علی انّها دمیة و وسیلة للهو.

و قوله تعالی: «وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِکُمْ» أی اعدّوا لآخرتکم زاداً من خلال ممارسة الجماع مع المرأة و هو اشارة إلی حقیقة ان اللّذة و اشباع الشهوة لا تعتبر الهدف المنشود من الجماع،و یترتب علی المؤمنین الاستفادة من هذا العمل

ص:69

لغرض تربیة الذریة الصالحة،و اعداد هذا العمل المقدس علی انّه ذخیرة معنویة لغدهم،من هنا فإنّ القرآن یوجه تحذیره بضرورة مراعاة قواعد اختیار الزوجة لتکون نتیجة ذلک تربیة أولادٍ صالحین و اعداد هذه الذخیرة الاجتماعیة و الانسانیة العظیمة.

و نظراً لأهمیة موضوع البحث الوارد فی مطلع الآیة و هو المواقعة الجنسیة و هو یتحدث عن أکثر غرائز الإنسان جاذبیة و هی الغریزة الجنسیة فقد دعا سبحانه الانسان من خلال عبارة «وَ اتَّقُوا اللّٰهَ» إلی الدقة فی عملیة المواقعة و الالتزام بالتعالیم الالهیة،و فی آخر الآیة یلفت النظر إلی انهم سیسرعون یوم القیامة إلی لقاء اللّٰه و تلقّف نتائج اعمالهم،و فی القسم الاخیر من الآیة بشّر تعالی المؤمنین الذین یذعنون لهذه التعالیم التی تصب فی صالحهم علی الصعیدین المادی و المعنوی من حیاتهم،فقال:

«وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ» (1).

و فی روایة مهمة عن الامام الصادق (علیه السلام) یبین فیها اهمیة و عظمة هذا الکیان المفعم بالمحبة.

ان اللّٰه عز و جل خلق آدم ثم ابتدع له حواء فجعلها فی موضع الفقرة التی بین ورکیه و ذلک لکی تکون المرأة تبعاً للرجل،فقال آدم:یا رب ما هذا الخلق الحسن الذی قد آنسنی قربه و النظر إلیه ؟ فقال اللّٰه:یا آدم هذه امتی حواء أ فتحب أن تکون معک تؤنسک و تحدثک و تکون تبعاً لامرک ؟ فقال:نعم یا رب و لک بذلک علیّ الحمد و الشکر ما بقیت (2).

نعم،ان المرأة الصالحة و الزوجة الوفیة،نعمة الهیة تستلزم شکر اللّٰه و حمده

ص:70

إلی آخر العمر،یقول الامام الصادق (علیه السلام):

«أکثر الخیر فی النساء» (1).

انّها روایة عجیبة حیث اعتبر الامام (علیه السلام) المرأة منبعاً لأکثر الخیر،نعم، فالزواج من المرأة حفظٌ لنصف الدین،و اداء حقوقها عبادة،و حبُّها طاعة للّٰه تعالی،و الظفر بولدٍ صالحٍ منها زادٌ للآخرة،و خدمتها مدعاة لرضی اللّٰه،و کما یعبّر رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«الجنّة تحت أقدام الامهات» ،و ذلک هو الخیر الذی عبّر عنه الامام الصادق (علیه السلام).

اننیی ادعو الشباب الأعزاء الذن یعتزمون الزواج أو قد تزوجوا،و کذلک أدعو المؤمنین إلی الاهتمام بهذه الحقائق الالهیة حول المرأة،و ان یتورعوا عن اجحاف حقوقها و یقدّروا حیاتهم مع هذه الجوهرة النفیسة،و اوصی الفتیات اللواتی یعتز من الزواج أو اللواتی تزوجن و کذلک ادعو سائر النساء إلی معرفة قدرهنّ من خلال ادراک هذه الاُمور و لیشکرن اللّٰه علی انوثتهن و یکنَّ زوجات لائقات لأزواجهن استناداً إلی هدی القرآن و احادیث النبی الکریم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الاطهار (علیهم السلام) و یستفدن من عواطفهن و مشاعرهن فی مجال الانوثة و الحیاة الزوجیة و الامومة،و یراعین الاوامر الالهیة فی جمیع مرافق الحیاة،کی ینعمنَ ببیتٍ و اسرة صالحة و أولادٍ صالحین و یعشن حیاةً ملؤها و السعادة،و ینلنَ عن هذا الطریق رضی اللّٰه،و یعطرن الحیاة بالصفاء و المحبة و النور و الجمال مَنْ خلال اعمالهن و سلوکهن و اخلاقهن و تصرفاتهن.

ص:71

فی الصین و هضبة التبت لم یکن للنساء حقٌ سوی العمل فی اطار المنزل، و کانوا یقیدون الاناث بقوالب حدیدیة بعد الولاة لاضعاف قدرتهن علی المشی ثم یفصلون تلک القوالب عن اقدامهن عند بلوغهن الخامسة عشر !

و فی الیونان التی کانت مرکزاً للعلم و الفلسفة و الحکمة،کان انجاب المرأة للانثی یعد جرماً،و إذا ما انجبت انثی لمرتین فإنّها تحاکم و تجبر علی دفع غرامةٍ،و إذا ما کررت ذلک ثالثة فإنّها تحکم بالاعدام !

اما فی الجزیرة العربیة فقد کان دفن البنات و هن احیاء امراً عادیاً و بسیطاً کما نوّه الیه القرآن الکریم:

« وَ إِذٰا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثیٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ* یَتَوٰاریٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مٰا بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِکُهُ عَلیٰ هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرٰابِ أَلاٰ سٰاءَ مٰا یَحْکُمُونَ» (1).

هذا بعض ما تعرضت له المرأة من جرائم علی أیدی الجاهلین و الحمقی، و قد وردت تفاصیل ذلک فی الکتب التی تتناول حیاة المرأة و بامکانکم الرجوع الیها.

لقد اطلعتم علی رأی الدین الاسلامی الحنیف بشأن المرأة من خلال النقاط العشر التی طرحت آنفاً،و استناداً إلی ما ورد فی القرآن و الروایات من تعابیر بحق المرأة من قبیل:

ام:مصدر و منبع کل شیء (2)حرث:مبعث بقاع النوع (3).

لباس:غطاء الحیاة (4).

ص:73

تسکین:سبب السکینة (1).

ریحانة:باقة ورد ظریفة (2).

نعمة:رحمة اللّٰه (3).

یتعین علی الرجال و الشباب مَنْ تزوج منهم أو الذین یعتزمون الزواج ایلاء المزید من الاهتمام بالمکانة المعنویة و الآثار الوجودیة لهذا المخلوق الجمیل ذی المنافع الثرّة،و لیعلموا ان انبیاء اللّٰه و الاولیاء و العلماء و العارفین و الحکماء و الکتّاب و المراجع و الصالحین من عباد اللّٰه قد خرجوا من احضانهن الطاهرة إلی دائرة الوجود،و هنَّ منبعُ کل هذا الخیر و البرکة التی تعم حیاة البشر.

و علی الآباء و الامهات التشدید أکثر فأکثر من اجل تبلور الکمال فی نفوس بناتهم،و السعی إلی حد التضحیة لتربیتهن تربیة الهیة و انسانیة،و علی الأزواج اداء حقوقهن بمنتهی الرصانة و الادب حتی تتهیأ احضانهن فی بیوت آبائهن أو فی ظل رعایة الأزواج لحقوقهن لتربیة جیلٍ صالحٍ.و بذلک یتم رفد المجتمع البشری معنویاً و علی افضل نحو.

ألم یولد الامام الثانی عشر،ناشر رایة العدل علی العالمین فی الحضن الطاهر لامرأة کانت تعتنق المسیحیة وقعت اسیرة فی الحرب ثم دخلت بیت الامام الهادی (علیه السلام) و تلقت التربیة الالهیة من قبله و من السیدة حکیمة ؟

هکذا هی المرأة،فهی ینبوع من الکمال و الحقائق الکامنة التی تتفجر حین یشرق علیها نور هدایة الوحی و تخضع لتربیة معلمٍ یتصف بالصلاح،و تصبح مصدراً لمعطیات خالدة و مناهل دائمیة.

ص:74

ان احتقار المرأة و التعرض لشخصیتها و تقییدها باُمورٍ تخرج عن اطار التعالیم الاسلامیة،و زجرها و منعها من زیارة الوالدین و الاقارب و التعایش معها بعنفٍ و حدّة و نقل متاعب العمل و مشاکله إلی البیت و عدم تلبیة حاجاتها لا سیما غرائزها الجنسیة،کل ذلک مما یرفضه الدین و تعتبر اعمالاً قبیحة و ظلماً فاحشاً.

و لو اردتم بناء الحیاة علی اساس الحب و المودة فعلیکم احترام شخصیة المرأة،و التعبیر لها عن محبتکم و مودتکم،و اعانتها فی اعمال البیت،و تجنب ایذائها،و التجاوز عن بعض الاخطاء الناجمة عن الاعمال الیومیة و الاتعاب التی تواجهها و طبیعة تکوینها،حتی تتذوقوا حلاوة الحیاة،و بهذا تکونون قد عبدتم اللّٰه سبحانه عبادة لا تضاهی.

ان المرأة تمثل مصدر الخیر و ینبوعه و حرث الانسانیة،و هی لباسکم فی الدنیا و مدعاة الراحة و هی الریحانة التی تزین حدیقة الوجود،و هی نعمة اللّٰه.

لقد قرن رسول اللّٰه(صلی الله علیه و آله) حبّ المرأة إلی جانب حب الطیب و الصلاة،فقال(صلی الله علیه و آله):

«حَبّبَ الیّ من الدنیا النساء و الطیب و قرة عینی الصلاة» (1).

و إذا ما ادی المرء حقوق المرأة و احترم شخصیتها،و ظفر منها بولدٍ صالحٍ فإنّ ملف عمله لا ینقطع حتی بعد موته،بل ینعم بما یتمتع به ولده من صلاح و طهارة.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا مات الانسان انقطع عمله الاّ من ثلاث:من صدقةٍ جاریة،و علمٍ یُنتفع به،أو ولد صالحٍ یدعو له» (2).

فاعرفوا ایها الآباء و الامهات قدر البنت،و قدّروا ایها الرجال زوجاتکم الطاهرات الصالحات،فالبنت و الزوجة غدیر خیرٍ لدنیا الانسان و آخرته.

ص:75

ص:76

«لا تکن عبد غیرک و قد جعلک اللّٰه حرّاً»

البحار:217/77

5

ص:78

ص:79

الخطایا و سبباً فی الحرمان من رحمة الحق تعالی و تعریض المصالح إلی الخطر بجانبیها المادی و المعنوی.

و من الواجب المحافظة علی الحریة و الارادة و حق الاختیار التی وهبها اللّٰه سبحانه للانسان فی سبیل کماله و تفتح قابلیاته،و یتعین الدفاع عنها إذا ما تعرضت للاخطار حتی و ان کلّف ذلک التضحیة بالنفس.

عند ما یأتی الانسان إلی الدنیا فهو یدخلها طاهراً مطهراً بمثابة الجوهرة النفسیة،مخلوقاً متحرراً من عبودیة الغیر،کریم النفس،شریف الکیان، و باختصار منعتقاً من الرذائل و الموبقات مالکاً للارادة و الاختیار،و قد جاءت الهدایة الالهیة عن طریق العقل و الفطرة و الانبیاء و ما ورد فی القرآن الکریم و سیرة الائمة و جهود العلماء و الحکماء لدفع الانسان من أجل الاستفادة من هذه الحریة و الارادة و الاختیار و یحسن الانتفاع من حریته فی ظل هذه الالطاف و الرعایة الالهیة،و یبادر إلی اختیار ما حَسُن من الامور لینال من خلال هذا السبیل سعادة الدنیا و الآخرة.

و إذا ما غفل الانسان عن ذلک و تنکر للهدایة الالهیة فلا شک فی انّه سیفقد ما بحوزته من جوهرة الحریة و الارادة و حق الاختیار فی مواجهة الفراعنة و الطواغیت و یستسلم ازاء الحرص و التکبر و الحسد و الغرائز و النزعات و یتحول إلی عبد لدنیاه و للآخرین و لشهواته و غرائزه و یقع اسیراً للطمع و البخل و لن ینتهل من منهل الکرامة و السعادة و لا ینعم بخیر الدنیا و الآخرة.

ان الذین یتشبثون بکل فعلٍ منافٍ للشرع و ینغمسون بالمعاصی و الذنوب و یطیعون ما هبَّ و دبَّ من البشر و یصورون الطیش و الانفلات حریة،إنما هم عبید جهلاء و رقیق أذلاء و مخلوقات دنیئة.

یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«من ترک الشهوات کان حراً».

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«الدنیا دارُ ممرٍّ و الناس فیها رجلان:رجلٌ باع نفسه فاوبقها، و رجلٌ ابتاع نفسه فاعتقها».

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«خمس خصالٍ من لم تکن فیه خصلةٌ منها فلیس فیه کثیر مستمتع:أولها الوفاء،و الثانیة التدبیر،و الثالثة الحیاء،و الرابعة حسن الخلق،

ص:81

و الخامسة و هی تجمع هذه الخصال:الحریة» (1).

و عن علی (علیه السلام) انّه قال:

«لا یسترقنّک الطمع و قد جعلک اللّٰه حراً» (2).

و عنه (علیه السلام) أیضاً:

«مِنْ توفیق الحر اکتساب المال من حلِّهِ» (3).

الانسان شبیه بالذرة،فنواته المرکزیة فطرتُه و روح التوحید و العبودیة التی تنطوی بین جوانحه،و قوام کیانه یتمثل فی انجذاب کافة قواه و جوارحه الظاهریة و الباطنیة نحو الحق تعالی و تحرکها علی ضوء المشیئة الالهیة،و لا یبتعد عن باریء الکون و تعالیمه فی کل حرکاته و سکناته،اذ ان الابتعاد عنه تعالی و الخروج عن نطاق معرفته و محبته و الانفصال عن محوریته انما یعنی الفساد و الافساد فی جوارح الانسان و باطنه و ظاهره.

یقول تعالی: «فَأَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذٰاباً شَدِیداً فِی الدُّنْیٰا وَ الْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِینَ» (1).

و الزواج من جملة العوامل التی تمنع الانسان من الوقوع فی بعض المفاسد، فعند ما یتمتع الانسان بالاهلیة أی الایمان و الأخلاق و العمل بما تتسع له طاقته و یظفر بالزوجة الصالحة الکفوءة حینذاک سیسیطر علی کیانه ظاهریاً و باطنیاً إلی حدٍ ما،و بذلک تُحفظ حریته و یصان من عبودیة الشهوات المحرّمة و الموبقات و اصدقاء السوء.

حط رکب الحسین (علیه السلام) رحالة فی منزلٍ ما رحلَ رکب زهیر لینزل فی مکان آخر،فکان یحاول جاهداً انّه لا یری الحسین (علیه السلام) او یقابله ! و علی طول الطریق ثمة نهر عذب المیاه ینبع من جبال مکة لینتهی عند البحر !

لقد کانت مکانة زهیر الاجتماعیة تحتم علیه ان یفعل ذلک،فهو لم یکن من اتباع علی و آل علی (علیه السلام) بل لم یکن علی صلة بهذه الاسرة و انما کان عثمانی الهوی و من المقربین لدی الحکم الاموی و من انصار الجهاز الحاکم.

و من جانب آخر فهو یعرف الحسین (علیه السلام) جیداً و یکنّ فائق الاحترام لآل علی (علیه السلام) و لم یکن یرغب المشارکة فی قتل الحسین بن علی (علیه السلام) بل یرید الوقوف علی الحیاد،فیحافظ علی علاقته بالنظام الاموی و لا یقاتل الحسین (علیه السلام)،و مقابلته للحسین (علیه السلام) تعارض هذا المراد،و قد وصلت الاخبار إلی یزید بما مفاده ان زهیراً قد التقی الحسین (علیه السلام).

ما ذا یصنع إذا دعاه الحسین (علیه السلام) لنصرته ؟ فإن نصره فذلک یعنی الافتراق عن رفاق دربه و مسلکه،و ان ابی فلیس من الوارد رد الحسین (علیه السلام) فهو ابن علی و فاطمة رجل عظیم المنزلة،سبط رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله)،کیف یُعصی أمره،و بمَ یجیب الحق تعالی یوم القیامة،و کیف یتحمل عذاب نارٍ أوقدها بارؤها ؟

الحیاد افضل الخیارات،فلا بد اذن ان ینزل رکب زهیر فی مکان لا یُتوقع فیه مقابلة الحسین (علیه السلام)،...و کان زهیر یرید شیئاً و المصیر یرید شیئاً آخر.

کانت المنازل فی الجزیرة العربیة متباعدة و لا مناص من ان تضع القوافل رحالها فی منزلٍ ما شاءت أم ابت،و اجبرت قافلة زهیر علی أن تجتمع مع قافلة الحسین (علیه السلام) فی أرضٍ واحدة،الأرض التی صنعت من العثمانی علویاً و من الیزیدی حسینیاً ! !

فَنُصبت خیام زهیر،و علی مقربة منها خیام الحسین (علیه السلام)،و قد کان

ص:84

الحسین (علیه السلام) علی علمٍ ببطولة زهیر و رجولته و شهامته و فصاحته و بأسه و علمه،اذن من الغبن بقاؤه خارج نطاق الانسانیة بما یمتلکه من مؤهلات، و یبقی قابعاً فی ظل وحوشٍ کاسرة من امثال بنی امیة،و لا ینتفع هذا الحر من حریته،و لیس من الملائم ان تدفن هذه الجوهرة الثمینة بین الانقاض و تنطفئ جذوة هذا الانسان العظیم.

و فی هذا المنزل أیضاً لم ینفک زهیر عن التزام الحذر،فقد سعی جاهداً ان لا یواجه الحسین (علیه السلام) و لا یدنو منه،فالحسین (علیه السلام) ثائر بوجه الحکم القائم، و زهیر من انصار هذا الحکم،و النظام یتوقع من انصاره معاداة اعدائه و المبادرة إلی قمع المتمردین علیه،فیما یعتبر التقرب إلی هؤلاء الاعداء جُرماً لا یغتفر.

و فیما کان زهیر جالساً فی خیمته یتناول الطعام مع ذویه فاذا برسول الحسین (علیه السلام) یطلّ علیهم مسلماٍ قائلاً:

زهیر ! الحسین بن علی (علیه السلام) یدعوک.

هنا اصبح زهیر أمام ما کان یحذر،فلم یستطع الکلام لما اصابه من اضطراب،و سُدّت أمامه جمیع نوافذ التفکیر،اذ لم یکن یتوقع ذلک،و اصابته الحیرة،ما ذا یصنع ؟ هل یتجاهل دعوة الحسین (علیه السلام) و یتمرد علیها،أم یتنکر لیزید و ینطلق نحو الحسین (علیه السلام) ؟ فکلا الخیارین یتناقضان مع ما کان یبتغیه من حیاد،و قد بلغ الحال حداً یتعذر معه التزام الحیاد.

استحوذ صمتٌ مروع علی الجمیع،و القت الافواه ما فیها من طعام،اذ دُهشوا عن الاکل و الکلام،فیما کان رسول الحسین (علیه السلام) واقفاً یرقب الاوضاع قد استحوذته الحیرة،فأخذ یتساءل مع نفسه:لِمَ هذا السکوت،و لِم لا یأت زهیر معه،و لما ذا لا یرفض المجیء ؟ فلیس هنالک ضغط من قبل الحسین (علیه السلام)، و زهیرٌ حرٌّ فی اتخاذ القرار.

ص:85

مضت دقائق علی هذا المنوال و زهیر لم یقوّ علی اتخاذ القرار،فلا بد هنا من بصیص نورٍ ینقذ زهیراً من الحیرة و الازدواجیة و یدفعه إلی اتخاذ القرار.

لقد کانت اصعب اللحظات علی زهیر مدی حیاته،ففیها وقف علی مفترق طریقی الموت و الحیاة،فهو کان علی علمٍ بصرامة النظام،انّه علی معرفة باصحاب الحسین (علیه السلام)،و یعلم ان الحسین (علیه السلام) مقتولٌ لا محالة هو و من معه، و ان عیاله تُسبی،و یعرف إلی مَ یدعوه الحسین (علیه السلام)،و ان طریق الحسین (علیه السلام) هو طریق الجنة و طریق یزید طریق النار،و تلک السعادة و هذه الشقاء.

و إذا بالبارقة تتقد و تبادر امرأة إلی اختراق جدار الصمت و تعید إلی زهیر القدرة علی اتخاذ القرار،و لم تکن تلک المرأة سوی دلهم زوجته،فقالت:

سبحان اللّٰه ا یدعوک ابن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) و لا تجبه ؟ ! و اسمع ما یقول !

لاحظوا ای عمل صالحٍ تفعله المرأة الصالحة ؟ !

نهض زهیر و توجه نحو الحسین (علیه السلام)،و لم یطل المقام حتی عاد زهیر و البسمة تعلو محیّاه قد زال عنه الهم،و طفح السرور علی تقاسیم وجهه،فقد انجلی الظلام و حلّ النور،ولّی زمان الحیاد و حلَّ زمان الانحیاز إلی الحق.

و لم یکن لاحدٍ علمٌ بما قاله الحسین (علیه السلام) لزهیر و ما سمعه زهیر فی غضون تلک المدة الوجیزة.

لما عاد زهیر إلی خیمته أمر بنقلها إلی جانب خیام الحسین (علیه السلام) فالتحق النهر بالبحر،و تحول زهیر من معسکر یزید إلی معسکر الحسین (علیه السلام) و تحرر من قیود الظلم،و دخل رحاب العدالة،و اصبح علوی الهوی بعد ان کان عثمانیاً.

تأملوا کیف تبحث السعادة بنفسها عن ابن آدم ؟

ثم خاطب زهیرٌ من کان معه قائلاً:من ارادنی فلیتبعنی و الاّ فالوداع، فالتحق به سلمان البجلی و هو ابن عمه و اصبح من انصار الحسین (علیه السلام)،و قد

ص:86

استشهد یوم عاشوراء بعد ان ادی صلاة الظهر خلف الحسین (علیه السلام).

لقد هجر زهیر الدنیا و ما فیها و التحق بالحسین (علیه السلام)،فقد کان مع الحسین و استشهد معه و هو معه الآن خالدٌ فی ذلک العالم.

ودَّع زهیرٌ زوجته قائلاً:الحقی بقومک کی لا یمسکِ سوٌ بسببی،و اعطاها ما لها من حقوق و سرَّحها مع ابن عمها إلی قومها،فبکت دلهم بکاءً شدیداً و ودعت زوجها قائلة:رعاک اللّٰه و نصرک واراک خیراً،و لا ارید منک الاّ ان تذکرنی یوم القیامة عند رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله).

نعم،لقد صودرت الحریة و حق الاختیار من زهیر من قبل الامویین،بید ان زوجته کانت السبب فی عودتها الیه،و فی رحاب تحرره من قیود الطاغوت عروج إلی السعادة الابدیة ! !

بناءً علی ذلک،لیس عبثاً إذا ما قیل ان الزواج یضمن الحریة و الاختیار أو یکون سبباً فی استعادة حریة الانسان و استقلاله.

علینا ان نحافظ من خلال الزواج علی النعمة الالهیة الکامنة فی انفسنا، و نصون مقام الخلافة الذی وهبه اللّٰه لنا من ان تخطفه الشهوات و المفاسد،و نعزز ایماننا و عملنا الصالح،و نعمل علی احراز نصف دیننا و نحافظ علی النصف الآخر من خلال التزام التقوی و تجنب المحرمات.

فالرجل فی ظل الزواج یعد شریکاً فی تنامی کمال المرأة،و هی شریکة فی تسامی مراتبه.

ان المرأة مخلوقٌ عظیم و جدیرٌ و هذا ما حدا بالعظماء إلی التصریح قائلین:

وراء کل عظیم امرأة،و الرجل مخلوق مقدّسٌ و عظیم و کریم حتی قیل بحقه انّه الدافع الذی یقف وراء ارتقاء المرأة المراتب السامیة.

یقول علی (علیه السلام):اول من یدخل الجنة من النساء خدیجة.

ص:87

و هذا یدلل ما تحمله المرأة من روحٍ الهیة،و منزلتها الجلیلة فی خلافة اللّٰه علی ارضه،و تمتعها بالخصال السامیة و الذخائر الانسانیة و الاخلاقیة و الایمانیة.

نعم،فالمرأة المتحررة من قیود الهوی و الطاغوت و الغرائز المحرمة،و کذا الرجل،کلاهما بمثابة الجوهرتین النفیستین و عبارة عن حقیقتین شامختین فی عالم الخلق الرحب.

لقد نسب الامام الحسین (علیه السلام) حریة الحر بن یزید الریاحی إلی امه،و کان امیرالمؤمنین (علیه السلام) یؤکد ان عظمة مالک الاشتر انما هی نفحة من حجر امه الطاهر الذی تربی فیه.

علی الرجل ان یکون قدوة و اسوة لکل خیر فی بیته،و هکذا المرأة، و کلاهما یکونان اسوة حسنة و قدوة صالحة لابنائهما.

و دَعِ التی هوی ابواک» (1).

و نقرأ فی الرسائل العملیة لمراجع الشیعة فی باب الزواج:

«من ارادت الزواج ممن هو کفؤٌ لها شرعاً و عرفاً و اعترض الوالدان فلا یلزم الحصول علی اجازتهما و لها ان تتزوج منه» (2).

علی الآباء و الامهات الکف عن ممارسة الاهواء و المآرب و النعرات القبلیة فی قضیة زواج ابنائهم و بناتهم،اذ ان الاسلام حرّم التسلّط و الخضوع له.

و الرجل و المرأة احرارٌ فی اختیار العمل المشروع أیضاً،و ما یدرّه علیهما من دخلٍ فهو ملک لهما و ملکیتهما له مشروعة،و لا یحق للمرأة التصرف باموال الرجل الاّ باذنه،و العکس صحیح،و علینا الالتفات إلی ان استقلال کلٍّ من الرجل و المرأة یجب أن یصان فی جمیع مرافق الحیاة.

ص:89

ص:90

«یٰا مَرْیَمُ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاکِ وَ طَهَّرَکِ وَ اصْطَفٰاکِ عَلیٰ نِسٰاءِ الْعٰالَمِینَ»

آل عمران42/

6

ص:92

ص:93

الرحمن،من الاسماء الخاصة باللّٰه سبحانه و لا تستخدم بشأن غیره،أما الرحیم فهو وصفٌ یطلق علی من سواه أیضاً،و کلا الصفتین اصلهما من الرحمة.

یقول طائفة من المفسرین:الرحمن اشارة إلی الرحمة الالهیة العامة التی تشمل العباد کافة مؤمنهم و کافرهم،و الرحیم اشارة إلی الرحمة الخاصة التی تصیب الصالحین من الخلق،و الدنیا موضع تجلی الرحمانیة،و الآخرة محل تجلّی الرحیمیة،الّا ان شیئاً من هذا التباین لا یُلاحظ فی القرآن الکریم،إذ یقول تعالیٰ:

«وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ» (1).

و یمکن مشاهدة تجلیات هذه الصفة فی خلق المخلوقات و رزقها و خلاصها من طوارق الاحداث.

ان الاستعانة به تعالی من خلال هاتین الصفتین تبعث فی النفس حالة من العرفان و المعنویات و الحیویة التی تکون ثمرتها رعایة و عنایة من اللّٰه بعبده.

ورد فی المأثور ما مفاده:ان اللّٰه عز و جلّ قال:إنی لاستحی ان یدعونی عبدی برحمتی و لا اجبه.

ان خلق البشر و رزقهم یعدّ تجسیداً لرحمانیة اللّٰه،و هدایتهم و فلاحهم ثمرة الرحیمیة،و قد وصف تعالی نفسه بالرحمة فی القرآن الکریم باسلوب بخر فیقول:خیر الراحمین،أرحم الراحمین،ذو الرحمة،و من أجل تقریب المفهوم إلی الاذهان فقد بیّنها رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) للناس بما یتناسب و فهمهم،و الّا فلا جدوی من العد و الاحصاء علی هذا الصعید.

ان للّٰه مائة درجة من الرحمة أفاض بواحدةٍ منها علی السموات السبع

ص:94

و الارضین السبع و اعطی خلقه جمیعهم ما یحتاجونه منها،و منها یترحم الخلق بعضهم علی بعضٍ،و احتفظ بتسعٍ و تسعین درجة لنفسه حتی تقوم الساعة فیجمع تلک الدرجة إلی هذه الدرجات و یعطیها إلی من آمن و اطاع ! !

و الرب،تعنی المالک الذی تمتد مالکیته لتشمل جمیع المخلوقات فی عالم الوجود و هی ملکیة حقیقیة لا یمکن سلبها،و هو تعالی المالک الذی یمسک بزمام تدبیر و ادارة جمیع الکائنات.

و حیث ان ارتباط مالکیته و تدبیره بجمیع ذرات عالم الوجود ارتباط حقیقی و أزلی و ذاتی فلا معنی فی أن یتخذ الانسان ربّاً یناویء ربوبیته تعالی و یتخذ مالکاً و مدبراً سواه و یرتضی قانوناً غیر قانونه.

ان تجلی التوحید فی جمیع شؤون الحیاة یتمثل فی ان یستظل المرء بکل کیانه فی ظل مالکیة اللّٰه و تدبیره و یرفض کل مدَّعٍ للمالکیة و کل ثقافة أو مذهب یحاول تولّی تدبیر حیاة الانسان ظلماً و خلافاً لما یریده اللّٰه سبحانه،و لیس ثمة معنیً لکلمة«لا اله الّا اللّٰه»الّا ذاک.

نعم،ان رحمة اللّٰه و ربوبیته هی التی تلبی کافة متطلبات الانسان ظاهرها و باطنها،و رحمة اللّٰه و رأفته و فضله تضمن سعادة الانسان فی الدنیا و الآخرة.

شعورهم بالحاجة،برحمة اللّٰه و ربوبیته،فقد دعا آدم (علیه السلام):

«رَبَّنٰا ظَلَمْنٰا أَنْفُسَنٰا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنٰا وَ تَرْحَمْنٰا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِینَ» (1).

و قال نوح (علیه السلام) فی معرض دعائه من أجل نجاته و نجاة المؤمنین و اهلاک الظالمین:

«رَبِّ لاٰ تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکٰافِرِینَ دَیّٰاراً» (2).

و کان ابراهیم (علیه السلام) یقول فی دعائه:

«رَبَّنٰا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوٰادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنٰا لِیُقِیمُوا الصَّلاٰةَ» (3).

و توجه موسی (علیه السلام) عند شدته علی ابواب مدینَ بالدعاء قائلاً:

«رَبِّ إِنِّی لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ» (4).

و دعا یوسف (علیه السلام) قائلاً:

«رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحٰادِیثِ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیٰا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصّٰالِحِینَ» (5).

و دعا زکریا (علیه السلام):

«رَبِّ لاٰ تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوٰارِثِینَ» (6).

و قد علَّم تعالی نبیه (صلی الله علیه و آله) بأن یقول فی دعائه:

ص:96

«رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَیْرُ الرّٰاحِمِینَ» (1).

و ینقل تعالی فی کتابه الکریم ما یردده أولیاؤه و احباؤه و هم یحیون اللیل قیاماً و قعوداً متفکرین فی خلق اللّٰه:

«رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً» (2).

و قد تکررت کلمة«رب»فی الادعیة الواردة عن الائمة المعصومین (علیهم السلام) لا سیما دعاء کمیل و ابی حمزة الثمالی و عرفة و المناجاة الخمسة عشر للامام السجاد (علیه السلام)،و انّ توسل الانبیاء (علیهم السلام) بهذا المقام الربّانی و تکرار هذه الکلمة فی الادعیة لیلٌ علی عظمة الربوبیة و تجلیها فی مفاصل حیاة الانسان و جوانبها،و لم یکتف الداعون بالتوسل بهذا المقام الربانی اثناء الادعیة، بل ان ربوبیة الحق تعالی تتجلی عملیاً و نظریاً فی اجواء حیاتهم و معتقداتهم و افعالهم و اخلاقهم.

المراتب الشامخة و المنازل الملکوتیة بفضل شعورهم بالتبعیة للمالک الحقیقی.

المرأة و الرجل مظهرٌ لتجلّی رحمانیة الباری عز و جل و رحیمیته و ربوبیته، و هذه الحقیقة مستقاه من صریح الآیات القرآنیة و لا مجال فیها للانکار و التردد.

فالمرأة انسانٌ و تتمتع بالقابلیات و القوی المعنویة،و هی علی حدٍّ سواء مع الرجل فی الحقیقة و الجوهر بحکم المنطق القرآنی،و هی تمثل الرحمة الالهیة و رمزاً لربوبیة الحق تعالی،و ان احتقارها و التجاوز علیها و التطاول علی حقوقها و مصادرة تطلعاتها المشروعة و استضعافها و طلاقها اللامبرر و التمییز بینها و بین الرجل،کل ذلک من الآثار التی خلّفها الذین یدّعون ربوبیتهم علی البشر و فراعنة التاریخ و من مخلّفات الثقافات السلطویة الجائرة.

ففی ایطالیا عند ما کان الرجل یرزق بنتاً یکاد یطیر فرحاً لان شیئاً جدیداً قد اضیف إلی ممتلکاته،و بعد ثلاث عشرة أو اربع عشرة سنة یأخذها إلی السوق لیبیعها و یرتزق بثمنها ! !

و عند ما کانوا یغضبون علی البنت فی بعض الاحیان فإنّهم یضعونها فی قدرٍ ملیء بزیت الزیتون المغلی للقضاء علیها،و کانوا یسخّرونها کخادمة او جاریة أو اداة لقضاء حوائجهم،و لم تزل لحد الآن فی عصر حقوق الانسان تعیش الحرمان من اغلب حقوقها المشروعة.

بید انّها تعتبر فی نظر الدین الاسلامی الحنیف و المنطق القرآنی مخلوقاً رفیعاً و معیناً لا ینضب من الکمالات المعنویة و عالماً زاخراً بالقابلیات و طاقة الهیة.

و إذا ما عرفت المرأة قدرها و عملت علی صیانة مکانتها الانسانیة و استلهمت من التعالیم الاسلامیة ما وسعها من أجل تکاملها و تربیة شخصیتها، ستتصف آنذاک بما اتصفت به مریم العذراء و خدیجة الکبری و زینب الحوراء، و الاّ فإنّها ستنال خزی الدنیا و الآخرة و تلاحقها اللعنة الابدیة شأن من انکر نعمَ

ص:98

اللّٰه من الرجال و کفروا بانعمه و لوّوا رؤوسهم ازاء هدایة رب العالمین.

امرأة کائنة فی شرق و لا غرب سمعت بمخرجی هذا إلا و هی علی مثل رأیی،ان اللّٰه بعثک بالحق إلی الرجال و النساء،فآمنّا بک و بالهک الذی ارسلک،و إنا معاشر النساء محصورات مقصورات،قواعد بیوتکم،و مقضی شهواتکم و حاملات أولادکم،و انکم معاشر الرجال فُضِّلتم علینا بالجمعة و الجماعات و عیادة المرضی و شهود الجنائز و الحج بعد الحج،و افضل من ذلک الجهاد فی سبیل اللّٰه، و ان الرجل منکم إذا خرج حاجاً او معتمراً أو مرابطاً حفظنا لکم أموالکم و غزلنا لکم ثیابکم و ربّینا لکم اموالکم فما نشارککم من الاجر یا رسول اللّٰه ؟

فالتفت النبی (صلی الله علیه و آله) إلی اصحابه بوجهه کلّه ثم قال:هل سمعتم مقالة قط احسن من مساءلتها من امر دینها من هذه ؟ فقالوا:یا رسول اللّٰه ما ظنّنا ان امرأة تهتدی إلی مثل هذا ! فالتفت النبی (صلی الله علیه و آله) الیها ثم قال:انصرفی ایتها المرأة و أعلمی مَنْ خلفک من النساء ان حسنَ تبعل احداکنّ لزوجها و طلبها مرضاته و اتباعها موافقته یعدل ذلک کله،فادبرت المرأة و هی تهلل و تکبّر استبشاراً (1).

فی روایة عن الامام الرضا (علیه السلام) عن ابائه عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«مثل المؤمن عند اللّٰه کمثل ملکٍ مقرّبٍ،و ان المؤمن عند اللّٰه عز و جل اعظم من المَلَک، و لیس شیی أحبُّ إلی اللّٰه مؤمنٍ تائبٍ او مؤمنة تائبة» .

الواردة عن أهل البیت (علیهم السلام) بالنبی الباطنی.

و الشهوة بمجراها الطبیعی تعتبر نعمة الهیة و سبیلاً للاستمتاع بالحیاة المادیة و دافعاً یملأ الانسان حرکةً و عملاً و نشاطاً نحو الحیاة الدنیویة و ربما الاخرویة.

و إذا ما استنارت الشهوة بنور العقل و اصبحت تابعة لهذا المنار المعنوی، حینها ستصبح اجواء الحیاة اجواء صالحة،و یکون عالم الوجود بمثابة مائدة تطغی علیها الرحمة الالهیة،و یغدو وجود الانسان مصداقاً للانسانیة و یسمو شأنه علی الملائکة ! !

أما إذا وقع العقل اسیراً للشهوة و حیلَ بینه و بین افاضاته النورانیة،و هیمنت الشهوات الطائشة علی حیاة الانسان،و أطلق العنان للمآرب،و عُمیت العین الظاهریة و الباطنیة الاّ عن المادیات نتیجة لاستحکام الشهوة،و اصبحت حیاة الانسان لا تتعدی الطن و الفرج،حینها ستندثر المعالم الانسانیة و یغدو الانسان اسوء حالاً من الحیوانات و البهائم.

یقول عبد اللّٰه بن سنان:سألت ابا عبد اللّٰه الصادق (علیه السلام) ایهما افضل الملائکة أم بنی آدم،فقال (علیه السلام):قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«ان اللّٰه عز و جل رکَّبَ فی الملائکة عقلاً بلا شهوة،و رکّب فی البهائم شهوةً بلا عقل، و رکّب فی بنی آدم کلتیهما،فمن غلب عقله شهوته فهو خیرٌ من الملائکة و من غلبت شهوته عقله فهو شرٌّ من البهائم» (1).

و هذه الحقیقة إذا تجلّت فی کیان المرأة کما فی الرجل فلا شک فی أن شأنها سیسمو فوق الملائکة،اما إذا تخلّت عن عقلها و تنکّرت لهذا النبی الباطنی و النور الذاتی و صبّت جلّ همها مظاهر علی الزینة و اقتناء الجواهر و اللهاث وراء

ص:101

اسباب الابتذال و التجمیل و ارضاء الشهوات و لتبرج امام الآخرین و الابتعاد عن اللّٰه عزّ و جلّ،فهی و الحالة هذه اسوء حالاً من الحیوان شأنها شأن المفسدین و الکافرین من الرجال الذین تنکروا لأنعم اللّٰه.

العذاب.

و رأیتُ امرأة علی صورة الکلب و النار تدخل فی دبرها و تخرج من فیها و الملائکة یضربون رأسها و بدنها بمقامع من نار.

فقالت فاطمة:حبیبی و قرة عینی أخبرنی ما کان عملهنّ ؟ فقال:

أما المعلقة بشعرها فإنّها کانت لا تغطی شعرها عن الرجال.

و أما المعلقة بلسانها فإنّها کانت تؤذی زوجها.

و أما المعلقة بثدییها فإنّها کانت ترضع أولاد غیر زوجها بغیر اذنه.

و أما المعلّقة برجلیها فإنّها کنت تخرج من بیتها بغیر اذن زوجها.

و أما التی کانت تأکل لحم جسدها فإنّها کنت تزیّن بدنها للناس.

و أما التی تُشد یداها إلی رجلیها و تُسلّط علیها الحیات و العقارب فإنّها کانت قذرة الوضوء و الثیاب و کانت لا تغتسل من الجنابة و الحیض و لا تتنظف و کانت تستهین بالصلاة.

و أما العمیاء الصمّاء الخرساء فإنّها کانت تلد من الزنا فتعلقه فی عنق زوجها.

و أما التی کانت تقرض لحمها بالمقاریض فإنّها کانت تعرض نفسها علی الرجال.

و أما التی کانت تحرق وجهها و بدنها و هی تجرّ امعاءها فإنّها کانت قوّادة.

و أما التی کان رأسها رأس خنزیر و بدنها بدن الحمار فإنّها کانت نمامّة کذّابة.

و أما التی علی صورة الکلب و النار تدخل من دبرها و تخرج من فیها فإنّها کانت قینة (مغنیة) نوّامة حاسدة.

ص:103

ثم قال (علیه السلام):

«ویلٌ لامرأةٍ اغضب زوجها و طوبی لامرأة رضی عنها زوجها» (1).

علی ایة حالٍ،فالمرأة و انطلاقاً من المنطق القرآنی بامکانها تسلّق اسمی المراتب و المنازل المعنویة و الوصول إلی ما وصلت إلیه مریم العذراء (علیها السلام)،أما فی حالة تجاهلها للتعالیم الالهیة و استهانتها بشخصیتها الانسانیة فإنّها ستتسافل إلی أدنی الدرجات و تصبح ادنی شأناً من البهائم و هذا ما قد یبلغه الرجال أیضاً.

ص:104

«یُرِیدُ اللّٰهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَ لاٰ یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ»

البقرة185/

7

ص:106

ص:107

بالنسبة للطرف المقابل و یصرّون علی شروطهم حتی یمضی الوقت المناسب لزواج ابنائهم أو بناتهم و حینها تذبل زهرة حیاتهم.

و قد یتوجه الشاب لخطبة شابة ما فیواجه بعنفٍ و خشونة من قبل اسرتها فیتراجع عن فکرة الزواج،و بذلک تصبح البنت جلیسة الدار و یفوتها قطار الزواج،و قد تحصل مثل هذه الحالة من قبل اسرة الشاب ایضاً.

و قد یتردد الشباب من الأبناء و البنات عن المبادرة إلی الزواج نتیجة ما یعانون من قیود فی اتخاذ القرار و ما یسود المنزل من اجواء استبدادیة یفرضها آباؤهم و امهاتهم،و بذلک یتعرضون لمختلف من الصدمات.

و قد یحول الأبناء و البنات انفسهم دون تحقق الزواج بما یطرحونه من شروط مرهقة علی الطرف المقابل.

ان الاسلام العزیز یری فی هذا لتشدد منافیاً للانصاف و المروة و بعیداً عن الاخلاق الانسانیة و متناقضاً مع الشرع الحنیف،و یوجه تحذیره لمن یتشدد بهذا الأمر بأن عواقب هذا التصرف ستحیق بهم فی الدنیا و الآخرة،و یصرّح بان اللّٰه آلی علی نفسه التساهل مع المتسامحین و التشدد مع المتعنتین فی الدنیا و الآخرة.

فالتعنت بهذا الجانب بمثابة اعلان الحرب علی الغرائز و التطلعات و الآمال الطبیعیة و الانسانیة لدی کلٍّ من الأبناء البنات،و حقیقٌ علی رب العالمین ان یأخذ المتشددین بالشدّة و یحرمهم من لطفه و رحمته.

فی روایة عن حماد بن عثمان یقول فیها:

دخل رجلٌ علی أبی جعفر بن محمد (علیه السلام) عقال له ابو عبداللّٰه:ما لفلان یشکوک ؟ قال:

طالبته بحقیی،فقال ابو عبداللّٰه (علیه السلام):و تری انک إذا استقصیت علیه لم تسیء به ؟ اری

ص:108

الذی حکی اللّٰه عز و جل فی قوله: «وَ یَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ» (1).

یخافون ان یجور اللّٰه علیهم،و اللّٰه ما خافوا ذلک و لکنهم خافوا الاستقصاء فسمّاه اللّٰه سوء الحساب.

فیا ایها الآباء و الاُمهات،و یا ایها الأبناء و البنات احذروا التزمت فی جمیع الامور لا سیما الزواج،و تجنبوا هذا التصرف المنافی للانسانیة،و مهّدوا السبیل لتحقق الزواج و تساهلوا فیما تفرضونه من شروط،و اعملوا علی الحد من اتساع رقعة الفساد و المعاصی و ذلک عن طریق التسامح فی فرض الشروط و التزویج باسهل السبل و ابسطها.

الغریزة فیهما،و الرغبة فی بناء الحیاة الجدیدة،لان ذلک من شأنه العدول عن التعنت،و تمهید الارضیة لتزویج الابن أو البنت بسهولة و یسر.

فی روایة عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) یشیر فیها إلی هذا الأمر المهم قائلاً:

«اجعل نفسک میزاناً فیما بینک و بین غیرک،و احب لغیرک ما تحبّ لنفسک،و اکره له ما تکره لها،لا تظلم کما لا تحب أن تُظلم،و أحسنْ کما تحبّ آن یُحسن الیک،و استقبح لنفسک ما تستقبحه من غیرک و ارضَ من الناس ما ترضی لهم منک» (1).

و قال الامام الحسن المجتبی (علیه السلام):

«صاحبِ الناسَ مثل ما تحب أن یصاحبوک به» (2).

هذه هی دعوة الاسلام لجمیع البشر،و هذه هی تعالیم الدین الحنیف،و هذا هو المنهج القویم الذی یسیّر الحیاة مع الآخرین و یقف أمام اکتساح الموبقات لحریم الحیاة،و یملأ الحیاة نوراً و صفاءً و محبة و وفاءً و یجعلها زاخرة بالسلامة و الاخلاص و البساطة و الیسر.

أیُّها الآباء و الاُمهات علیکم الیوم ان تحبّوا لأولادکم ما کنتم تحبّون لانفسکم أیام شبابهم فیما یتعلق بالزواج،و ذلک عبارة عن الاقتران بمن یناسب شأنکم، و ان تتجنب کلتا الاسرتین الشروط الباهضة و المرهقة،و ان یسارعوا إلی تمهید السبیل لتحقق الزواج،و الابتعاد عن التکالیف التی تقصم الظهر،و تجنب القیل و القال.

ان السعی فی أمر الزواج یستتبعه الاجر الجزیل من قبل الباری تعالی،فیا ایها الآباء و الأمهات سارعوا و کونوا سبباً فی تزویج أولادکم،و سیروا فی هذا الطریق حتی النهایة بروح ملؤها الحب و المودة و الکرم.

یقول رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

ص:110

«مَنْ عمل فی تزویج بین المؤمنین حتی یجمع اللّٰه بینهما زوَّجه اللّٰه الف امرأةٍ من الحور العین و کان له بکل خطوةٍ خطاها أو بکل کلمة تکلّم بها فی ذلک عملُ سنةً».

فأیّ أجر عظیم یُحرم منه اولئک الذین یتشددون فی أمر الزواج مع قدرتهم علی توفیر الظروف الملائمة لتحققه بیسر و بساطة ؟ !

بمَ یجیب هؤلاء ابناءهم حین تقام محکمة العدل الالهیة فی یوم القیامة إذا ما وقع هؤلاء الأبناء فریسة للفساد أ اصیبوا بصدمةٍ عقلیة أو جسدیة أو تعرضوا لازمة نفسیة ؟ !

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«و اعظم الخطایا اقتطاع مال امرءٍ مسلمٍ،و أفضل الشفاعات مَنّ تشفّع بین اثنین فی نکاحٍ حتی یجمع للّٰه شملهما».

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«مَنْ زوّج عزباً کان ممن ینظر اللّٰه الیه یوم القیامة».

و عنه (علیه السلام) أیضاً:

«أربعة ینظر اللّٰه الیهم یوم القیامة:مَنْ اقال نادماً،أو اغاث لهفاناً،أو اعتق نسمةً،أو زوّج عزباً».

من أراد أن یعیق زواج رجل بامرأة،أو أن یفرّق بینهما فسینال غضب اللّٰه تعالی و عذابه فی الدنیا و الآخرة،و یمطره اللّٰه تعالی بألف حجر من النار.

و من سعی فی تفریق امرأة و رجل و لم یبلغ مرامه یبتلیه اللّٰه تعالی فی الدنیا و الآخرة،و یحرمه لقاءه تعالی.

لیت جمیع الآباء و الاُمهات یطّلعون علی هذه المفاهیم کی یطبقوا ما فیها، و بذلک ینالون الاجر العظیم من لدن رب العالمین،ولیت الذین یعرفونها یخلون عن ما یعتریهم من تکبّر فی تطبیق هذه التعالیم لئلا یشملهم الغضب و اللعنة الالهیة یوم یقوم الناس لرب العالمین.

ص:111

«فَسَجَدَ الْمَلاٰئِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّٰ إِبْلِیسَ اسْتَکْبَرَ وَ کٰانَ مِنَ الْکٰافِرِینَ» (1).

و قال تعالی:

«قٰالَ فَاهْبِطْ مِنْهٰا فَمٰا یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیهٰا فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصّٰاغِرِینَ» (2).

و قال علی (علیه السلام):

«إیاک و الکبر فإنّه اعظم الذنوب و الأمُ العیوب و هو حلیة ابلیس» (3).

و عنه (علیه السلام) أیضاً:

«احذر الکبر فإنّه رأس الطغیان و معصیة الرحمن» (4).

«أقبح الخُلق التکبر» (5).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«اجتنبوا الکبر فإنّ العبد لا یزال یتکبر حتی یقول اللّٰه عز و جل اکتبوا عبدی هذا فی الجبارین» (6).

و قال (صلی الله علیه و آله) لأبی ذر:

«یا أبا ذر مَنْ مات و فی قلبه مثقال ذرة من کبرٍ لم یجد رائحة الجنة الّا ان یتوب قبل ذلک» (7).

أنّی للمخلوق من نطفةٍ و لا حول له و لا قوة و یعجز عن الوقوف ازاء مختلف الاحداث و لا قدرة له علی ادارة ادنی شیء فی هذا الکون،ان یتکبر علی بارئه

ص:113

و علی ابناء جلدته،و یری لنفسه التفوق علی الآخرین ؟

ورد فی روایة عن الامام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) قال:

وقع بین سلمان الفارسی (رحمه الله) و بین رجلٍ کلامٌ و خصومة فقال الرجل:من أنت یا سلمان ؟ فقال سلمان:أما أولای و أولاک فنطفة قذرة،و اما اخرای و اخراک فجیفة نتنة،فاذا کن یوم القیامة وضعت الموازین فمن ثقل میزانه فهو الکریم و من خفت میزانه فهو اللئیم (1).

یقول العلامة المجلسی«رحمه الله»بشأن علاج هذا المرض الخطیر:

و أما معالجة الکبر و اکتساب التواضع فهو علمیٌ و عملی،أما العلمی فهو ان یعرف نفسه و ربّه و یکفیه ذلک فی ازالته،فإنّه مهما عرف نفسه حقَّ المعرفة علم انّه اذلّ من کل ذلیل،و اقل من کل قلیل بذاته،و انّه لا یلیق به الّا التواضع و الذلّة و المهانة،و إذا عرف ربه علم انّه لا یلیق العظمة و الکبریاء الّا باللّٰه.

اما العلاج العملی فهو التواضع بالفعل للّٰه تعالی و سائر الخلق بالمواظبة علی اخلاق المتواضعین و ما وصل إلیه من أحوال الصالحین و من أحوال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) حتی انّه کان یأکل علی الأرض،و یقول:انما أنا عبدٌ آکل کما یأکل العبد (2).

فی ضوء هذه المفاهیم علیکم التواضع لاولادکم ذکوراً کانوا ام اناثاً، و التواضع یتمثل فقط بالنظر لهم و قد بلغوا ذروة تطلعاتهم و طموحاتهم و رغباتهم الطبیعیة،و لیس إلی ما درجتم علیه من عادات و تقالید و اعراف،و التسامح فیما تطرحونه من شروط،و القناعة بالحد الادنی مما تطمحون به من الطرف المقابل کی یکون الزواج مبارکاً مضمون الدوام و یتسنی لکلٍّ من الفتی و الفتاة العیش معاً باطمئنان بعد الاقتران.

ص:114

الشاب-یفکر بالزواج و قد عرف العلامة المجلسی بذلک أیضاً،و ذات یوم و بعد الفراغ من الدرس قال العلامة للملا صالح:أ تسمح لی ان اختار لک زوجة ؟ فاطرق الملا برأسه ثم اعرب عن موافقته.

فنهض العلامة المجلسی من مکانه و دخل داره و دعا ابنته آمنة-و هی امرأة عالمة استوعبت العلوم غایة الاستیعاب-و قال لها:لقد اخترت لک زوجاً فی غایة الفقر غیر انّه فی غایة الفضل و الصلاح و الکمال،و الأمر موکول إلیک.

فاجابت تک الفاضلة العفیفة:یا أبه ! ان الفقر لیس من عیوب الرجال،و بذلک عبّرت عن رغبتها الذاتیة فی بناء هذه العلقة،ثمّ اجری عقد القرآن و زُفَّت العروس إلی زوجها.

و فی لیلة الزفاف دخل العریس علی زوجته و رفع عن وجهها الحجاب، و حین رأی جمالها النادر توجه نحو احدی زوایا الغرفة حامداً ربّه و انهمک بالمطالعة.

و صادف ان حدثت مشکلة یصعب حلّها ففهمت آمنة بما تتحلی به من فراسة و فی الیوم التالی حیث خرج زوجها لغرض التدریس دوّنت حل المشکلة بالتفصیل و وضعت الورقة فی مکانه،و حینما وقع بصرُ الملا صالح فی اللیل علی ما کتبته تلک السیدة الفاضلة،ورای ان هذه المعضلة قد حُلَّت بأنامل هذه الفاضلة العالمة،هوی إلی الأرض ساجداً شکراً للّٰه و اشتغل بالعبادة حتی الصباح،و هکذا استمرت مقدمات الزواج مدة ثلاثة أیام ! !

و لما اطلع العلامة المجلسی علی الأمر قال للملا صالح:إذا کانت هذه الزوجة لا تعجبک و لا تناسب شأنک فإنّا علی استعداد لازوجک غیرها،فقال الملا صالح:کلا لیس هذا هو السبب،بل ان ابتعادی عنها کان من اجل ان اؤدی الشکر للّٰه تعالی حیث منَّ علیَّ بمثل هذه النعمة التی اعجز عن اداء شکرها مهما حاولت.

ص:116

و عند سماع العلامة المجلسی لهذا الکلام قال:الاقرار بالعجز عن اداء الشکر للّٰه تعالی هو غایة الشکر.

لاحظوا ان العلامة المجلسی قام بثلاثة امور،أولاً:توفیر جمیع مستلزمات التعلیم لابنته لکسب العلوم علی اعلی المستویات حتی بلغت اوج عظمتها العلمیة،و ثانیاً:انّه جعل منها بنتاً تمثل معدن العفة و الطهارة و الحیاء و مثالاً للاخلاق الاسلامیة و التواضع و القناعة،و ثالثاً:سلک فی تزویجها اسهل الطرق و زوجها إلی من هو کفوء لها من حیث الایمان و الأخلاق و السلوک بعیداً عن التعقیدات،و رابعاً:لم یفرض علیها الزواج من الملا صالح،و لم یُبدِ تکبراً بل أوکلَ امر اختیار الزوج إلیها،و هذا ما أرشدت المعارف الاسلامیة الانسان إلیه، و الأهم من ذلک انّه و بعد مرور ثلاثة أیام علی وقوع الزواج و امتناع الملا صالح عن الاقتراب من زوجته لانشغاله باداء الشکر للّٰه تعالی تصور العلامة ان هذا الرجل لا یرغب بها فعبّر عن استعداده لتزویجه غیرها ان لم ترق له ! !

هذه هی اولیاء اللّٰه و عشاق الحقیقة و الصالحین و خصال العفیفات من البنات المتحصنات بالعفّة و الایمان و من سمات العوائل الطاهرة،و مثل هذا الزواج یطفح بالبرکات الالهیة و تسود اجواءه الرحمة و الألطاف الالهیة.

و قد رُزق الملا صالح من هذه السیدة العالمة ستة من الأبناء العلماء الفقهاء الادباء المتفوهین و بنتین فاضلتین،احداهما زوجة ابی المعالی الکبیر و هی أم المیر ابی طالب و هذا و ابوه کانا من مشاهیر العلماء.

و کان السید محمد البروجردی الجد الخامس لآیة اللّٰه العظمی السید البروجردی-و هو من احفاد المجلسی الاول عن طریق بناته-صهر المیر ابی طالب و من هنا فقد کان ابناؤه ینسبون أنفسهم إلی اسرة المجلسی،و الکریمة الثانیة للملا صالح هی زوجة السید عبد الکریم الطباطبائی الجد السادس لآیة اللّٰه

ص:117

العظمی البروجردی،و هی ام السید محمد الطباطبائی.

روی عن الائمة المعصومین:

«إن اللّٰه عز و جلّ لم یترک شیئاً مما یحتاج إلیه و علّمه نبیه (صلی الله علیه و آله) فکان من تعلیمه إیاه انه صعد المنبر ذات یوم فحمد اللّٰه و أثنی علیه، ثم قال:«ایها الناس ان جبرئیل أتانی عن اللطیف الخبیر فقال:ان الابکار بمنزلة الثمر علی الشجر اذا ادرک ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس،و نثرته الریاح،و کذلک الابکار اذا أدرکن ما یدرک النساء فلیس لهن دواء إلا البعولة و إلّا لم یؤمن علیهنّ الفساد لأنّهنّ بشر» (1).

ینبغی علی الوالدین الالتفات إلی هذه المسألة المهمة،و هی توفیر اسباب الزواج لابنتهم بکل یسر و بساطة حین بلوغها الوعی الضروری للزواج و بلغت السن المناسبة للاقتران بمن ترغب من الرجال،و تمتعت بالقابلیة التی تؤهلها للزواج،و بهذا یکونون قد نفذوا ما أمر اللّٰه به و ینالون بذلک الأجر الجزیل و الثواب الجمیل.

زفافها مماثلاً لما فعلته البنت الفلانیة،و بهذا فهی تصر علی موقفها فی رفض من یتقدم لخطبتها و لا تجد فیه ما تطمح إلیه من مستویً راقٍ من ناحیة الثروة و الغنی،و یطول بها المقام و هی ترفض الزواج حتی تتجاوز السن المناسبة للزواج و حینذاک تری انّها اصبحت مضطرة للاقتران من رجلٍ طاعنٍ بالسن أو أرملٍ،أو تفضل البقاء جلیسة الدار حتی یتوفاها الموت،و علی فرض انّها تتزوج فیما بعد حینها تکون قد استنفدت عنفوان الشباب و طراوته،و فقدت قدرتها علی تحمل متاعب الحیاة الزوجیة و تربیة الاطفال.

فالتقلید اذن یعتبر من العوائق التی تقف فی طریق تحقق الزواج،و من الخصال الشیطانیة و العادات المذمومة،و قد نهی القرآن الکریم فی الآیة 88 من سورة الحجر،و الآیة 131 من سورة طه عن مراقبة ما یتمتع به اهل الدنیا و الأغنیاء،کما ورد فی الروایات عن الائمة الطاهرین (علیهم السلام) ما مفاده:«مَنْ راقب الناس مات هماً».

ینبغی ان یقترن الزواج بالنیة الخالصة،و یکون خالصاً لوجه اللّٰه،و تکون الغایة منه تطبیق سنة رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) و انجاب الذریة الصالحة،و بناء الحیاة الزوجیة المقدسة التی تظللها رحمة اللّٰه و لطفه.

فاذا ما قام الزواج عی هذه الدعائم سیکون حینها بناءً راسخاً و محکماً و تفوح البرکة بین جنباته و تتمخض عنه ثمارٌ معنویة.

و إذا ما توفرت مقدمات الزواج یتعین علی الاقارب الاهتمام بانفاذه و بذل الجهود لتجنب التدخل غیر المبرر فی هذه السنة الالهیة،و الکف عن التقییم المجحف و الکلام المثیر للفرقة الذی من شأنه تثبیط أمر الزواج.

ص:119

اضرار لا یمکن تفادیها.

یقول الصادق (علیه السلام):

«من برکة المرأة خفّة مؤونتها و تیسیر ولادتها و من شؤمها شدّة مؤونتها و تعسیر ولادتها».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لا تُغالوا بمهور النساء فإنّما هی سُقْیا اللّٰه سبحانه».

و قال النبی (صلی الله علیه و آله) لامرأة تدعی حولاء:

«یا حولاء و الذی بعثنی بالحق نبیاً و رسولاً،ما من امرأة ثقّلت علی زوجها المهر إلّا اثقل اللّٰه علیها سلاسل من نار» (1).

ان المهر الغالی یعد سبباً فی عزوف الشباب عن الزواج و وقوعهم فی الرذیلة و الموبقات،و ان من یفرض المهر الغالی شریک فی انحراف الشباب و بهذا فهو یستحق العذاب الالهی.

عن الرضا (علیه السلام) انّه قال:

«أیُّما مؤمن خطب إلی اخیه حُرمةً و بذل له خمسمائة درهم فلم یزوجه فقد عقّه و استحق من اللّٰه عز و جل ان لا یزوجه حوراء» (1).

یُروی ان ام سلیم-و هی من نساء الصدر الأول فی الاسلام و من اسرة معروفة و اصیلة-کان مهرها اسلام الشاب الذی تقدم لخطبتها،و هی المرأة التی سلّت زوجها عند وفاة ابنهما و لم تدع الجزع یدب إلیه فوهبه اللّٰه ولداً اصبح فیما من شیعة علی (علیه السلام) جزاءً لصبره و ثباته.

علی البنات إذا ما تقدم الیهن مَنْ فیه الکفاءة و ابدی الاهل تشدداً فی قضیة الزواج لا سیما فیما یتعلق بالصداق-أن یقفن بوجه الاهل بکل ادب و رصانه، و التصدی لتعنتهم من خلال بیان التعالیم الاسلامیة الصائبة،اذ ان قلة الطمع تعد من خصال الانبیاء و الأولیاء و سمة رفیعة و متعالیة.

لقد جعل رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) مهر بضعته سید نساء العالمین (علیها السلام) فی زواجها من علی (علیه السلام) قلیلاً و خفیفاً کی یکون قدوة و اسوة لامته،و من القبیح ان لا تقتفی عوائلنا اثر نبیها فی مسألة الزواج لا سیما المهر.

ص:122

«وَ أَنْکِحُوا الْأَیٰامیٰ مِنْکُمْ وَ الصّٰالِحِینَ مِنْ عِبٰادِکُمْ»

النور32/

8

ص:124

ص:125

و اکرم مخلوق علی وجه البسیطة.

یقول تعالی:

«إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ» (1).

و قد جری بیان صفات المؤمن فی القرآن و الأحادیث الشریفة بنحو یفید انّ مَن اتصف بها هو المؤمن المقبول،منها:

الخشوع فی الصلاة،الاعراض عن اللغو،اداء الزکاة،حفظ الفرج،رعایة العهد و الأمانة،و المحافظة علی الصلاة (2).

و فی موضع آخر:

التواضع فی المشی،مواجهة الجاهلین بالوداعة،احیاء اللیل سجداً و قیاماً، الدعاء للخلاص من العذاب،عدم الاسراف أو البخل عند الانفاق،الورع عن الشرک و قتل النفس و الزنا،الامتناع عن شهادة الزور،ترک اللغو،النظر إلی آیات اللّٰه بعین البصیرة،الدعاء للازواج و الذریة بأن یجعلهم اللّٰه للمتقین اماما (3).

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«المؤمن دأبهُ زهدهُ،و همّهُ دیانتُهُ،عزهُ قناعتُه،جدُّه لآخرته،قد کثرت حسناته، و علت درجاته،و شارف خلاصُهُ و نجاته» (4).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«المؤمنُ دائمُ الذکر،کثیر الفکر،علی النعماء شاکرٌ،و فی البلاء صابرٌ» (5).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

ص:126

«المؤمن من طاب مسکبُهُ،و حسُنَتْ خلیقتُه،و صحّت سریرتُه،و أنفق الفضل من مالهِ،و امسک الفضل من کلامه» (1).

و بشأن عظمة المؤمن ورد فی الروایات:

روی عن الامام الصادق (علیه السلام):

«المؤمن اعظم حرمة من الکعبة».

و قال الامام الباقر (علیه السلام):

«ان المؤمن یُعرف فی السماء کما یعرفُ الرجل اهله و ولدَهُ و انّه لأکرم علی اللّٰه عز و جلّ من مَلَکٍ مقرّب.

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ان اللّٰه جلّ ثناؤه یقول:و عزّتی و جلالی ما خلقتُ من خلقی خلقاً احبٌّ الیَّ من عبدی المؤمن» (2).

و قوله تعالی:

«فَانْکِحُوا مٰا طٰابَ لَکُمْ مِنَ النِّسٰاءِ» (1).

و الطهارة لدی کلٍّ من الرجال و النساء تتمثل أولاً بطهارة الباطن و ذلک عبارة عن الاعتقاد باللّٰه و انبیائه و کتبه و ملائکته و التخلق باخلاق اللّٰه.

بناء علی ذلک لا یحل للمسلم و المؤمن الزواج من غیر المؤمنة أو غیر المسلمة،و إذا ما تم مثل هذا الزواج فهو باطل،و ما ینتج عنه من ذریة لا شک فی أنهم ابناء زنا،کما لا یحل للمسلمة الزواج من غیر المسلم لان مثل هذا الزواج حرام،فالمؤمن و المؤمنة لا یتکافئان مع غیر المؤمن و غیر المؤمنة،و إذا ما تم الزواج علی صورته هذه یکونان قد فتحا امامهما باباً من العذاب یوم القیامة ! !

و قد نهی القرآن الکریم بشدة عن اقتران الطاهر أی المؤمن من غیر الطاهرة أی المشرکة قائلاً:

«وَ لاٰ تَنْکِحُوا الْمُشْرِکٰاتِ حَتّٰی یُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَیْرٌ مِنْ مُشْرِکَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْکُمْ وَ لاٰ تُنْکِحُوا الْمُشْرِکِینَ حَتّٰی یُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَیْرٌ مِنْ مُشْرِکٍ وَ لَوْ أَعْجَبَکُمْ أُولٰئِکَ یَدْعُونَ إِلَی النّٰارِ وَ اللّٰهُ یَدْعُوا إِلَی الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ یُبَیِّنُ آیٰاتِهِ لِلنّٰاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ» (2).

من هنا،حذاری من تزویج المؤمنة من بناتکم لمن لایدین دین الحق و یتخبط فی مستنقع انکار الحقائق،و لا تُنکحوا المؤمن من شبابکم مَن تنکر اصول الدین،اذان اول شرط لصحة الزواج هو ایمان کلٍّ من الرجل و المرأة لیتم بذلک الارتباط بین نورین و مؤمنین طاهرین طیبیین،و یعطی ذلک الارتباط ثماراً طیبة صالحة تتمثل فی الذریة الصالحة.

ص:128

و لا تتصوروا ان ما یتمتع به الخبیث من الرجال أو الخبیثة من النساء من جمال و ثروةٍ و جاهٍ یفضی إلی السعادة و السلامة و ادامة الحیاة.

و من الضروری ان لا تتشدد العوائل فی مسألة الکفو،فاذا کان الفتی و الفتاة متکافئان من حیث الایمان و الأخلاق و السلوک الاسلامی و من حیث الصورة الظاهریة،فهما فی نظر الشرع المقدس متکافئان و متشابهان،و فی زواجهما ستتجلی رحمة الحق عز و جلّ و برکته.

تأملوا الروایات التالیة التی تتعلق بالکفو:

عن أبی عبد اللّٰه (علیه السلام) انّه قال:

«الکفو أن یکون عفیفاً و عنده یسار» (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا جاءکم مَن ترضون دینه و امانته یخطب الیکم فزوّجوه إن لا تفعلوه تکن فتنة فی الأرض و فساد کبیر» (2).

و فی روایة اخری یقول (صلی الله علیه و آله):

«إذا جاءکم مَن ترضون خُلقَهُ و دینه فزوّجوه إن لا تفعلوه تکن فتنة فی الأرض و فساد کبیر» (3).

نعم،فالتعنت فی أمر الزواج من قبل الأهل و افتعال العراقیل فی طریقه، و التشبث بالعادات و التقالید الخاطئة،و فرض الشروط الصعبة،و البحث عن الجمال و الثروة و الجاه،کل ذلک مما یؤدی إلی ازدیاد حالات الاستمناء و اللواط و الزنا و الضغوط العصبیة و الأمراض النفسیة لدی الأبناء و البنات،و کل ذلک فتنةٌ و فسادٌ ستحیق عواقبه الوخیمة فی الدنیا و الآخرة بالوالدین و الأقارب الذین

ص:129

یتعنتون فی أمر الزواج.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«أنکحوا الاکفاء و أنکحوا منهم و اختاروا لنطفکم» (1).

نعم،ان الایمان و الاخلاق و الأمانة و الصدق لدی کل من الفتی و الفتاة تمثل اساساً للکفاءة بینهما،و یتوجب علی کل من الوالدین و سائر العوائل الاسراع بتزویجهما بکل یسر،و الاحتراز عن الشروط التی تتنافیٰ مع التعالیم الالهیة، و تجنب السلوکیات التی تتناقض مع الاخلاق کی ینالوا رضی الباری تعالی و رحمته.

یقول الامام الباقر (علیه السلام):

«ما من رُزأةً اشدُّ علی عبدٍ ان یأتیه ابن أخیه فیقول زوّجنی فیقول:لا افعل أنا أغنی منک».

فی مسألة الزواج یجب ان لا یؤخذ التعصب القومی أو القلبی بنظر الاعتبار، لان الاسلام رفض مثل هذه العصبیات و ابطلها.

فلا تجعلوا من الفقر و الغنی و الانتساب إلی هذه المدینة أو تلک،و الانتماء إلی هذه القبیلة أو تلک،ملاکاً للزواج،فالجمیع رجالاً و نساءً من أبٍ واحدٍ وام واحدة،و لا فضل لاحدٍ علی الآخر قط الّا بالتقوی.

صدیق من الانصار فاغتم لتزویجه بتلک المرأة فسال عنها فأخبر انّها من آل ذی الجدّین من بنی شیبان فی بیت علیٍّ من قومها.

فاقبل علی علی بن الحسین فقال له:جعلنی اللّٰه فداک ما زال تزویجک من هذه المرأة فی نفسی،و قلت:تزوج علی بن الحسین امرأة مجهولة و یقول الناس ایضاً،فلم أزل أسأل عنها عرفتها و وجدتها فی بیت قومها شیبانیة،فقال له علی بن الحسین (علیه السلام)،قد کنت أحسبک أحسن رأیاً عما أری،ان اللّٰه أتی بالاسلام فرفع به الخسیسة و اتمَّ به الناقصة،و کرَّم به اللؤم،فلا لؤم علی المسلم،انما اللؤم لؤم الجاهلیة (1).

بناءً علی ذلک،ان الانتماء إلی نفس القبیلة أو المدینة شأنه شأن التناظر بالثروة لا یعد سبباً فی الکفاءة،و استناداً إلی ما اقره الاسلام فلا فضل لعربی علی أعجمی و لا لأبیض علی أسود و لا لقرشی علی غیره الّا بالتقوی،و المسلم کفو المسلمة بما یتمتعان به من ایمان و تقوی و اخلاق و امانةٍ و عفاف و طهارة و سلامة حتی و ان کان أحدهما عربیاً و الآخر أعجمیاً،أو کان أحدهما مدنیاً و الآخر قرویاً،أو کان أحدهما غنیاً و الآخر فقیراً،أو أبیضاً و الآخر أسوداً،أو أن یکون أحدهما ذا قبیلة و الآخر منقطع النسب.

کتب مولانا الجواد (علیه السلام) إلی علی بن اسباط:

فهمتُ ما ذکرت من أمر بناتک و انک لا تجد أحداً مثلک،فلا تفکر فی ذلک یرحمک اللّٰه،فإنّ رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قال:إذا جاءکم مَنْ ترضون خلقه و دینه فزوجوه و ان لا تفعلوه تکن فتنة فی الأرض و فساد کبیر (2).

لم یجز المؤمن علی شیء أخطر و أضرّ من الثروة،فضرر المال أکثر من ضرر

ص:131

ذئبین عاثوا فی قطیع من الأغنام لیس له راع،فهذان الذئبان ما ذا سیفعلان بهذه الأغنام ؟

قلت:لا یفعلان غیر العبث بها.

قال (علیه السلام):صدقت،فإنّ أقلّ ضرر للمال هو انّ مسلماً یتقدّم لخطبة ابنة مسلم فیردّه أبوها بحجّة انّ الخاطب لا مال له.

و لا یحل تزویج من ساء خلقه و انغمس بالتکبر و التفاخر و الحسد و البخل و الطمع و بذاءة اللسان.

و تزویج الجاهل و السفیه و الأبله الذی لا یقوی علی ادارة شؤون حیاته و لا یجلب للمرأة سوی المشاکل یعد منافیاً لتعالیم الشرع الحنیف و ابتعاداً عن الانسانیة.

و لا یجوز أبداً تزویج شارب الخمر و اللئیم الذی لا یتورع عن ارتکاب ما حرّم اللّٰه.

و فیما یلی نسترعی انتباهکم إلیٰ هذه الطائفة من الأحادیث المهمة فی هذا المجال:

قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«من زوَّج کریمته من فاسقٍ نزل علیه کلَّ یومٍ ألفُ لعنةٍ».

کتب حسین بن بشار إلی الکاظم (علیه السلام):إنّ لی قرابةً قد خطبَ الیَّ و فی خلقه سوءٌ قال (علیه السلام) لا تزوّجه ان کان سیّء الخلق (1).

و قد نهی الامام الصادق (علیه السلام) مستنداً إلی ما ورد فی الآیة 5 من سورة النساء عن تزویج السفیه و الجاهل الذی لا یتمتع بالأهلیة لانه یتصرف بالاموال و لا یمکن الاطمئنان إلیه فی الجوانب الاجتماعیة و الفردیة و اداء الامانة.

قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«مَنْ شربَ الخمر بعد ما حرّمها اللّٰه علی لسانی فلیس بأهلٍ ان یُزوّج إذا خطب».

و قال الامام الرضا (علیه السلام):

«و ایاک ان تُزوّج شارب الخمر،فإنّ زوّجتهُ فکأنّما قدَّمت إلی الزنا».

ص:133

أجل،فمن لا یتمسک بالفرائض الالهیة و لا یتورع عن الفسق و الفجور، و فاقد الارادة الذی لا یحترز عن تناول المشروبات الکحولیة،لیس أهلاً بأن یؤتمن علی امرأةٍ طاهرةٍ و مؤمنة تعد امانة الهیة،اذ ان ذلک لا یجر إلی ضیاعها فحسب،بل ان ما تنجبه من ذلک المنحرف سیتأثرون سلباً به،و قد أوضح الامام الصادق (علیه السلام) هذه الحقیقة قبل ان یتوصل الیها العقل البشری،إذ قال (علیه السلام):

«الحرام یبین فی الذریّة» (1).

«اللهم انی اعوذ بک من ولدٍ یکون علیٌّ رباً،و من مالٍ یکون علیَّ ضیاعاً،و من زوجةٍ تشیبنی قبل أوان مشیبی و من خلیلٍ ماکرٍ».

و قال (صلی الله علیه و آله):

«شرار نسائکم العُقرة،الدَّنسة،اللجوجة،العاصیة،الذلیلة فی قومها،العزیزة فی نفسها،الحصانُ علی زوجها،الهلول علی غیره» (1).

و قال (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«الشؤم فی ثلاثة:فی المرأة و الدابة و الدار،فاما شؤم المرأة فکثرة مهرها و عقمُ رحمها».

و قال (صلی الله علیه و آله):

«شر الاشیاء المرأه السوء» (2).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«شرُّ الزوجات مَنْ لا تؤتی» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«الا أخبرکم بشرار نسائکم ؟ الذلیلة فی أهلها،العزیزة مع بعلها،العقیم الحقود، التی لا تتورع عن قبیح،المتبرجة إذا غاب عنها بعلها،الحصان معه إذا حضر،لا تسمع قوله و لا تطیع أمره،و إذا خلا بها تمنّعت کما تمنّع الصعبة عند رکوبها،و لا تقبلُ منه عذراً،و لا تغفر له ذنباً» (4).

ص:135

ص:136

«النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی»

البحار:ذاریات 220/103

9

ص:138

ص:139

ذواتهم معیناً لا ینضب من الکمالات و الحقائق،بید ان الامور المادیة قد عزّتهم و لم یهمّوا بشیء سوی بناء الجسد الحیوانی،و بقوا یراوحون منذ أول یوم جاؤوا فیه إلی هذه الدنیا فقراء ناقصین،و بالرغم مما فی حوزتهم من اعمال و تجارة و مراکز اداریة و اموال و ثروات و عیال و ذراری إلّا انهم ناقصون.

و بسبب نقصهم فهم مضرون،إذ انهم یرتکبون ما شاؤوا من المعاصی و الموبقات،فیتجاوزون علی حقوق الآخرین و لا یتورعون عن ارتکاب المظالم،و فی الوقت الذی یقتاتون علی مائدة الانعام الالهی یضعون ایدیهم بید اعداء اللّٰه،أی شیاطین الجن و الانس دون حیاد و علی کافة الاصعدة.

نقرأ فی روایة عن الامام موسی بن جعفر (علیه السلام) ما یلی:

«من استوی یوماه فهو مغبون،و من کان آخر یومیه شرّهما فهو ملعون،و من لم یعرف الزیادة فی نفسه فهو فی نقصان،و من کان إلی النقصان فالموت خیرٌ له من الحیاة» (1).

و ثمة روایة أخری عن الامام الصادق (علیه السلام) مقاربة فی مضمونها إلی الروایة المتقدمة وردت فی الکتب الشیعیة المعتبرة (2).

و فی روایة أخری عن الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) نقرأ:

«الکاسب حبیب اللّٰه».

لا شک فی ان ارقی الکسب و افضل التجارة یتمثل فی کسب الفضائل و الحقائق و المبادرة إلی التزود من المعارف الالهیة و الکمالات و المحاسن الأخلاقیة و الانسانیة.

و الکاسب فی مثل هذه المجالات یعد حبیب اللّٰه،هذه المنزلة التی حازها

ص:140

رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله)،و یصبح وجوده زاخراً بالعظمة و یتحول إلی مخلوقٍ بالغ الاهمیة.

هیا بناکی نتحرز عن النقصان و نجنب انفسنا ان یتساوی یومانا و ان لا نقنع بالقلیل من الکمال،اذ من قلَّ نصیبه من الامور المعنویة و النمو العقلی و الکمال الاخلاقی و العملی فهو ملعون و مغبون و خفیف المیزان عند الحساب،و بالتالی فهو مستحق للعذاب،أما من ثقلت موازینه المعنویة أو بتعبیر آخر ثقل ایمانه و اخلاقه و فعله فهو الفائز و الناجی.

و فی هذا المجال تأمّلوا هاتین الآیتین:

«وَ الْوَزْنُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِینُهُ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِینُهُ فَأُولٰئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمٰا کٰانُوا بِآیٰاتِنٰا یَظْلِمُونَ» . (1)

یَقُولُونَ رَبَّنٰا إِنَّنٰا آمَنّٰا فَاغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ* اَلصّٰابِرِینَ وَ الصّٰادِقِینَ وَ الْقٰانِتِینَ وَ الْمُنْفِقِینَ وَ الْمُسْتَغْفِرِینَ بِالْأَسْحٰارِ» (1).

و قد جاء فعل«زُیِّنَ»فی الآیه الکریمة مبنیٌّ للمجهول،و ایراده بهذا النحو ربما کان لبیان اهمیة الفعل و عظمته،و علیه ینبغی القول ان الفاعل هو اللّٰه سبحانه،فهو تعالی الذی سخّر هذه الأشیاء للبشرکی یرکنوا و یرغبوا إلیها بما تقتضیه رغبتهم،و من خلال ذلک ینطلقون نحو بناء حیاتهم عن طرق التزاوج و کسب المال و تسخیر الحیوانات و عمارة الأرض،و بذلک یصلون إلی مرامهم بالانتفاع من الحیاة المادیة هذا من جهة،و من جهة أخری التزود بالتقوی و الایمان و التضرع و الخشیة من العذاب الاخروی و السعی لکسب الصبر و الصدق،و التعبد و الانفاق و الاستغفار کی ینالوا جنان الخلد و رضوانٍ من اللّٰه و الحور العین.

علی ایة حالٍ،علی ضوء ما ورد فی القرآن الکریم،فإنّ ما تتمیز به المرأة من نعومة و جمال الصورة و الحیاء و الصوت الرقیق و الاناقة الاخاذة،کل ذلک یضفی علیها جمالاً یخطف فؤاد الرجل و یجذبه نحوها واثارة شهوته،و یعد سبباً مهماً فی تبلور الرغبة لدیه فی الزواج و بناء الحیاة الزوجیة و انجاب الذریة، و السعی و النشاط للعمل فی الحقول التجاریة و الزراعیة من أجل تأمین الجانب المادی من حیاته و استمرار الکیان الاُسری،و إذا ما اقترن ذلک بالالتزام التقوی و الورع عن المعاصی،و صاحبه الایمان و زیّنته المناجاة و التحلی بالصبر و الصدق و العبادة و الانفاق و الاستغفار بالاسحار،فإنّ ذک یعنی ضمان السعاد بشقیها الدنیوی و الاُخروی و الخیر برکنیه المادی و المعنوی،و سیحظی الانسان

ص:142

بمتع الدنیا و نعم الآخرة،و الأهم من ذلک الفوز بالرضوان الابدی من لدن الباری جلّ و علا.

السنة الفتنة ستستعر فی جمیع مرافق الحیاة إذا لم تراع هذه الضوابط و یتحول الجو الأسری إلی جوٍّ یعصف بالمتاعب و المنغصات و المحن و المکابدات و ینتهی الأمر إلی الطلاق أو تجرع المرارة إلی الأبد أو إلی الجنون أو انتحار أحد الطرفین فیما أذا افتقد لقابلیة التحمل.

علیکم الابتعاد عن المرأة التی لا تعینکم علی ارتفاء سلَّم الکمال الفکری و العقلی و لا تعینکم علی تسلق مدارج الکمال من خلال التحلّی بالایمان و الأخلاق و التقوی،و تجنب الاقتران بالمرأة التی ولدت فی بیتٍ بعید عن عبادة اللّٰه و توحیده و الأخلاق و التقوی و لا تجلب للرجل سوی الافتتان و الفساد و الغوایة و الهلکة.

ثمة روایة مهمة للغایة عن الامام الباقر (علیه السلام) فی هذا المجال:

«مرّ رسول اللّٰه علی نسوةٍ فوقف علیهن ثمّ قال:ما رأیتُ نواقص عقول و دینٍ أذهبَ بعقول ذوی الالباب منکنَّ،انی قد رأیتُ انکنَّ اکثر اهل النار عذاباً فتقربنَ إلی اللّٰه ما استطعنَ...» (1).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«أغلبُ الاعداء للمؤمن زوجة السوء» (2).

و جاء فی روایة اخری:

«أول ما عُصی اللّٰه بستِّ خصال:حبُّ الدنیا،و حب الرئاسة،و حب النوم،و حب النساء،و حب الطعام،و حب الراحة» (3).

من هنا علیکم الالتزام بما فرضه الاسلام من ضوابط فی مسألة اختیار

ص:144

الزوج،تلک الشروط التی ساتطرق الیها من خلال ایراد الروایات الواردة، و السعی ان لا یکون الجمال و حب الزواج و التعلق بأموال المرأة و ثروتها دافعکم الوحید فی الزواج.

عن جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) انّه نهی ان ینکح الرجل المرأة لمالها أو لجمالها،و قال:

«مالها یطغیها و جمالها یغویها،فعلیک بذات الدین» (1).

و فی روایة،قال (صلی الله علیه و آله):

«ان کان الشؤم فی شیء ففی النساء» (2).

نعم،فالمرأة التی لا تتحلی بالمعرفة و الایمان و الأخلاق الفاضلة و حسن المعاملة و الوقار و الکرامة تعتبر مصدر شقاء للرجل و سبباً فی انحراف الحیاه و هلاک الرجل.

و قال (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«شرّ الاشیاء المرأة السوء» (3).

فافتتن بها،و بعد فراغة من الاذان توجه نحو تلک الدار و طرق الباب ففتح صاحب الدار الباب فبادره الشاب:الا تزوجنی ابنتک ؟ فإنّا ارغب بالزواج منها، فقال له الرجل:نحن من النصاری،فلو دخلت فی دیننا زوجتک ابنتی.

فقبل الشاب ذلک الشرط اذ انّه افتتن بالجمال و اهمل شرطذ الکفاءة فی اختیار الزوجة و جعل من النظرة و الشهوة و الجمال دلیلاً له فی أمر الزواج، و خرج من الاسلام إلی الشرک،و فی یوم عقد قرانه من تلک البنت هوی من أعلی سلَّم الدار إلی الارض فهلک.

انما یشتریها باغلی الثمن (1).

و یقول حسن السری:

قلتُ لأبی عبد اللّٰه (علیه السلام) الرجل یرید أن یتزوج المرأه یتأملها و ینظر إلی خلفها و إلی وجهها ؟ قال نعم لا بأس ان ینظر الرجل إلی المرأة إذا اراد ان یتزوجها ینظر إلی خلفها و إلی وجهها (2).

و قال رجل للامام الصادق (علیه السلام):

ا ینظر الرجل إلی المرأة یرید تزویجها فینظر إلی شعرها و محاسنها،قال:لا بأس بذلک إذا لم یکن متلذذاً،و فی خبر:و تقوم حتی ینظر إلیها ؟ قال:نعم و ترقق له الثیاب (3).

و قال (صلی الله علیه و آله) لصحابی خطب امرأة:

«انظر إلی وجهها و کفّیها».

مثل هذه الروایات ترید القول:ان من وقع اختیاره علی امرأة ما زوجة له بعد التحریات اللازمة حول اسرتها و اخلاقها و ایمانها،فلا مانع من ان ینظر إلیها للتعرف علی مزایاها البدنیة من قبیل الشعر و الشکل و الجمال و الطول اذ ربما تعانی من نقصٍ أو عیبٍ،أو انّه یشاهد فیها عیباً بعد یؤدی إلی خیبة امله أو ینتهی بهما إلی الطلاق،و هنا لا یحق له التنقل من دار إلی دار لیستعرض نوامیس المسلمین أو یتفحص النساء علّه یصیب منهن إذا شاء.

2-بعد قبوله المرأة و رغبته فی الزواج منها علیه ان یجعل من نیته بالاقتران

ص:147

منها عملاً فی سبیل اللّٰه إلی جانب حسنها و جمالها و شمائلها الفاتنة،و ان یسیر فی هذا الطریق بنیة تنفیذ الاحکام الالهیة و اجراء سنة انبیاء اللّٰه لا سیما الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله)،و قد وردت روایة مهمة عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) بهذا الصدد أی المبادرة إلی الزواج بقصد التقرب إلی اللّٰه تعالی و نیل رضاه-اذ قال (صلی الله علیه و آله):

«من نکح و انکَحَ للّٰه استحق ولایة اللّٰه» (1).

نعم،فمثل هؤلاء ممن تشملهم الآیة الکریمة:

«اللّٰهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَی النُّورِ» (2).

ان اللّٰه سبحانه یحب الزواج و الانجاب،من هنا فقد منَّ علی زکریا بیحیی و علی ابراهیم باسماعیل و هما فی سنّ الشیخوخة،و خاطب رسوله (صلی الله علیه و آله) فی احدی آیات کتابه بالقول:

«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ أَزْوٰاجاً وَ ذُرِّیَّةً» (3).

3-لیس من الصواب الاستعجال فی عملیة الزواج،فقد ورد فی المأثور ان العجلة من عمل الشیطان،فیجب ان تسیر عملیة اختیار الزوجة بدقة و تریثٍ و تأنٍ و بعد مشورةٍ و اطلاعٍ کامل عنها و عن اسرتها لئلا تخدش مشاعر الطرفین و یتسبب ذلک بوقوع ازمات نفسیه.

یقول الامام الصادق (علیه السلام):

«انما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد» (4).

4-فی الروایات الواردة فی کتب الشیعة عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) و آله الطاهرین (علیهم السلام) جری بیان مزایا المرأة الجدیرة بان تکون زوجة للرجل المؤمن

ص:148

أو الشاب المسلم.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا أراد أحدکم ان یتزوج المرأة فلیسأل عن شعرها کما یسأل عن وجهها فإنّ الشعر أحدُ الجمالین» (1).

5-13-قال جابر بن عبد اللّٰه الأنصاری:کنا جلوساً مع رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) فذکرنا النساء و فضل بعضهن علی بعض،فقال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«الا أخبرکم ؟ قلنا بلی یا رسول اللّٰه اخبرنا،فقال:ان من خیر نسائکم الولود الودود،الستیرة العزیزة فی أهلها الذلیلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان عن غیره التی تسمع قوله و تطیع أمره،و إذا خلا بها بذلت له ما أراد منها و لم تبذل له تبذّل الرجل».

14-18-قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«خیر نساءکم الخمس فقیل ما الخمس،قال:الهیّنة اللیّنة المواتیة التی إذا غضب زوجها لم تکتحل بغمضٍ حتی یرضی،و التی إذا غاب زوجها حفظتهُ فی غیبته فتلک عاملة من عمّال اللّٰه لا تخیب».

19-قال الامام الباقر (علیه السلام):

«أتی رجلٌ رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) یستأمره فی النکاح فقال (صلی الله علیه و آله):نعم إنکح و علیک بذوات الدین تَرِبَتْ یداک،و قال:انما مثل المرأة الصالحة مثل الغراب الاعصم الذی لا یکاد یُقدر علیه،قال:و ما الغراب الاعصم ؟ قال:الابیضُ احدی رجلیه».

20 و 21-عن ابراهیم الکرخی قال:قلتُ للامام الصادق (علیه السلام) إن زوجتی ماتت و کانت لی زوجة صالحة و قد هممت أن أتزوج فقال:

«انظر این تضع نفسک و مَنْ تشرکه فی مالک و تُطلعه علی دینک و سرّک و امانتک فإنّ کنتَ لا بدّ فاعلاً فبکراً تُنسب

ص:149

إلی الخیر و إلی حسن الخلق» (1).

22-قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ان من القِسم المصلح للمرء المسلم ان تکون له امرأة إذا نظر الیها سرَّته و ان غاب عنها حفظته و ان امرها اطاعته».

23-قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«أفضل نساء امتی اصبحهنَّ وجهاً و أقلهنَّ مهراً» (2).

24-عن أمیر المؤمنین (علیه السلام):«أن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قال:أخبرونی أیُّ شیء خیرٌ للنساء ؟ فقالت فاطمة (علیها السلام):

أن لا یرینَ الرجال و لا یراهنَّ الرجال،فاعجب النبی (صلی الله علیه و آله) و قال:ان فاطمة بضعةٌ منی» (3).

25 و26-قال الصادق (علیه السلام):

«خیر نسائکم التی أن اعطیت شکرت و ان مُنعت رَضیتْ» (4).

27-30-قال الصادق (علیه السلام):

«خیر نسائکم الطیبة الریح،الطیبة الطبیخ التی إذا انفقت بمعروف،و إذا امسکت امسکت بمعروفٍ،فتلک عامل،من عمال اللّٰه،و عاملُ اللّٰه لا یخیب و لا یندم».

31-قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«اعظم النساء برکة ایسرهنَّ مؤونة».

32-34-قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«خیار خصال النساء شرار خصال الرجال،الزهو و الجبن و البخل فاذا کانت المرأة

ص:150

ذات زهو لم تمکّن من نفسها،و إذا کانت بخیلةً حفظت مالها و مال بعلها و إذا کانت جبانة فرقت من کل شیء یعرض لها» (1).

35-38-قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«تزوجوا الابکار فإنّهنَّ اعذب افواهاً،و ارتقُ ارحاماً،و اسرعُ تعلُّماً،و اثبت للمودة» (2).

39 و40-قال الصادق (علیه السلام):

«خیر نسائکم التی إذا خلت مع زوجها خلعت له درعَ الحیاء،و إذا لبست لبست درع الحیاء».

هذه هی الخصال التی لا بدّ من توفرها فی المرأة و الزوجة المؤمنة،و یترتب علی الشاب المسلم البحث عن هذه الخصال اثناء اقباله علی الزواج،و اتخاذ من توفرت بها الشروط قدر الامکان زوجةً له و اماً لذریته،و السعی فی أن لا یقع فی قبضة التشدد غیر المبرر و الوسوسة اثناء اختیاره للزوجة،فالوسوسة و التحری الزائد عن الحد یعقّد الامور و ینتهی بعملیة الزواج إلی طریق مسدود.

ص:151

ص:152

«وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّیّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْیُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِینَ إِمٰاماً»

الفرقان74/

10

ص:154

ص:155

و الزوجة و من ثم عیون ذویهما.

فیما سیؤول الصدق و الصراحة إلی صیانة کلتا الاسرتین من الازمات و العواقب الوخیمة و المصائب و یمهد السبیل امامهما من اجل اتخاذ القرار الصائب و یکون سبباً فی فلاحهم و نجاحهم جمیعاً.

و طالما أدی التدلیس و الخداع و المکر و التحایل إلی انهیار عقد النکاح و اسقاط المهر أو فسخ العقد قبل الزواج و هذا حقٌ منحه الاسلام للطرف المغبون.

و قد نهی القرآن الکریم و السنّة المقدسة عن ممارسة الخداع و المکر و التدلیس،و فی کلیهما ورد التأکید علی استحقاق المخادع للعذاب الالهی فی الدنیا و الآخرة.

یقول (صلی الله علیه و آله):

«لیس منا مَنْ ماکر مسلماً» (1).

و یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«المکر بمن ائتمنک کفرٌ» (2).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«مَنْ مکرَ حاق به مکرهُ» (3).

و فی الخطبة 193 من نهج البلاغة یقول (علیه السلام) واصفاً المتقی:

«و لا دنُوه بمکرٍ و خدیعة».

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

ص:156

«المکر و الخدیعة و الخیانة فی النار».

و عنه (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«من کان مسلماً فلا یمکر و لا یخدع فإنی سمعت جبرئیل یقول:ان المکر و الخدیعة فی النار».

و قد وردت تفاصیل المسائل المتعلقة بالتدلیس و اخفاء عیوب الرجل و المرأة و ممارسة الخداع و التحایل،و باختصار،ما یبری ذمة الرجل أو المرأة عن مواصلة الحیاة الزوجیة،أو الطلاق،أو ترک المرأة دون طلاقها أو الزام الرجل بالمهر،أو اسقاط المهر و الصداق،کل ذلک ورد فی الصفحة 361 و ما یلیها من الجزء المائة من کتاب بحار الانوار طبعة مؤسسة الوفاء،و فی ابواب النکاح من الرسائل العملیة لمراجع الدین.

و إذا ما اتفقوا علی المهر و جری تحدید مقداره بعد موافقة الطرفین الرئیسیین،أی العریس و العروس،عند اجراء صیغة العقد یتعین علی الزوج دفع نصف مبلغ المهر فیما یؤجل النصف الآخر کدین فی عنقه إلی ما بعد الزواج و الدخول بالزوجة،اما إذا دفعه اثناء اجراء عقد النکاح حینذاک تبرأ ذمته و تکون الزوجة قد حصلت علی حقها شرعاً و قانوناً.

علی الشباب الالتفات إلی ان دفع المهر واجبٌ و یحرم الامتناع عن ادائه.

ان وجوب دفع المهر یعد حقیقة ورد التصریح بها فی القرآن الکریم فی الآیات 236-237 و241 من سورة البقرة،و الآیة 4 من سورة النساء و الآیة 27 و28 من سورة القصص و الآیة 49 من سورة الاحزاب مما لا یفسح المجال امام أیٍّ کان لا جحاف المرأة حقها فی هذا المجال و غیره من المجالات.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«من ظلم امرأةً مهرها فهو عند اللّٰه زانٍ،یقول اللّٰه عز و جل یوم القیامة:عبدی زوجتک أمتی علی عهدی فلم توفِ بعهدی و ظلمتَ أمتی فیؤخذ من حسناته فیدفع الیها بقدر حقها،فأذا لم تبقَ له حسنة أُمر به إلی النار بنکثه للعهد إن العهد کان مسؤولاً» (1).

و یقول الامام الصادق (علیه السلام):

«السرّاق ثلاثة:مانع الزکاة،و مستحل مهور النساء،و کذلک من استدان و لم ینوِ قضاءه» (2).

و عن الرضا (علیه السلام) عن ابائه عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ان اللّٰه تعالی غافرُ کلّ ذنب إلا من جحد مهراً أو اغتصب أجیراً اجره،أو باع رجلاً

ص:158

حراً» (1).

و قال الصادق (علیه السلام):

«اقذر الذنوب ثلاثة:قتل البهیمة،و حبس مهر المرأة،و منع الاجیر اجره» (2).

و قد تواترت التوصیات من لدن ائمة المسلمین إلی النساء فیما إذا رأینَ الاجواء مناسبة للتنازل عن المهر لازواجهن فلا یتقاعسنَ عن الارتقاء إلی هذه المرتبة الاخلاقیة السامیة التی تنم عن الجود و الکرم و السخاء و العظمة.

فی روایة عن النبی (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«ما منْ امرأة تصدقت علی زوجها بمهرها قبل ان یدخل بها الاّ کتب اللّٰه لها بکلّ دینار عتقَ رقبةٍ،قیل یا رسول اللّٰه فکیف الهبة بعد الدخول ؟ قال:انما ذلک من المودة و الالفة» (3).

التقریع و الاستصغار و التحامل علی حیثیات الآخرین،و یتعین علی ولی أمر الزوجة مراعاة ظروفه و التقید بمکانته الاجتماعیة حین اعداده للجهاز،هذا من ناحیة،و تجنب الاسراف من ناحیة اخری إذ ان اللّٰه لا یحب المسرفین.

فلا ضرورة تستدعی اعداد جهازٍ مکلِّفٍ یضم اثاثاً غالیاً و سلعاً نفیسةً بحیث تخرج تکالیف الجهاز عن الحدود الشرعیة و العقلیة فیترتب علی ذلک دیون تقصم الظهر.

و لا بد بهذا الصدد من تجنب تقلید الآخرین و تتبع ما ارتکبوه من اسرافٍ و لا تعملوا علی اثارة الطمع لدی الشباب بالجهاز الغالی فینصب همهم بالبحث عمَّن یتمتع أباؤهن بالثروة الطائلة،و بذلک تثار المتاعب و المشاکل امام الآخرین فی هذا المجال،فکل ذلک یعد منافیاً للمبادیء الانسانیة و مدعاةً للغضب الالهی و سبباً لحلول العذاب یوم یقوم الناس لرب العالمین.

علیکم اعداد الجهاز من المال الحلال و الطاهر حیث من شأن ذلک ضمان صحة ما یؤدیه العریسان من عبادات بالملابس المشتراة لهما و الفراش و البیت المعد لهما.

فلا توقعوا انفسکم فی المتاعب نتیجة الطموحات العریضة التی یعیشها ابناؤکم،و لا تفتحوا امامکم-بسببهم-باب العذاب و العقاب یوم القیامة.

لفاطمة طیباً،ثم قبض رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) من الدراهم بکلتا یدیه فاعطاه ابابکر و قال:ابتع لفاطمة ما یصلحها من ثیاب و اثاث البیت،و اردفه بعمار بن یاسر و عدّة من اصحابه.

فحضروا السوق فکانوا یعترضون الشیء مما یصلح،فلا یشترونه حتی یعرضوه علی ابی بکر فإن استصلحه اشتروه.

فکان مما اشتروه:

1-قمیص بسبعة دراهم.

2-خمار باربعة دراهم.

3-عباءة خیبریة.

4-سریر مزمل بشریط.

5-فراشین من خیش مصر حشو احدهما لیف و حشو الآخر من جزّ الغنم.

6-اربع مرافق من ادم الطائف حشوها اذخر.

7-ستر من صوف.

8-حصیر هجری.

9-رحی للید.

10-مخضب من نحاس.

11-سقاء من آدم.

12-قعب للبن.

13-شن للماء.

14-مطهرة مزفتة.

15-جرّة خضراء.

16-کیزان خزف.

ص:161

فلما عرض المتاع علی رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) جعل یقلّبه بیده و یقول:بارک اللّٰه لاهل البیت (1).

یقول (رحمه الله) فی کتابه:کان ذلک جهاز بنت مَنْ یدانیه أحد بالهیبة و المحبّة لدی الخلق،و کان اصحابه یفدونه بالارواح و القلوب لا بالذهب و الفضة،غیر انّه لم یجعل صهره یغرق بالدیون و لم یغرف من بیت مال المسلمین لاقامة مظاهر الزینة الزائقة إذا إنه موظف لاعانة المساکین و الیتامی و المصالح العامة،و لم یبالغ فی تکالیف الزواج کی ینجو الاخرون من المتاعب و المنغصات علی مر التاریخ من خلال الاقتداء به (صلی الله علیه و آله).

و الأهم من ذلک کله،ما اتسم به فعله من بساطة و صلاح و صدق و اخلاص، فعند ما وجد نفسه عاجزاً عن اعداد جهاز ابنته،أمر صهره ان یبیع الدرع لاعداد اثاث المنزل بثمنه،و لم یر فی ذلک مدعاةً لخجله وضعته،فیما لم یُبد الصهر ایَّ اعتراضٍ علی ذلک و لم تساوره ازاء ذلک.

فکانت حصیلة ذلک الزواج احد عشر اماماً معصوماً،و ثمرتها امتدت منذ ذلک الحین حتی عصرنا الحاضر فاینعت الآلاف من الفقهاء و العلماء و الحکماء و الشعراء و العارفین و المؤمنین،ذلک الزواج الذی لا نظیر له من حیث البرکة و الخیرات علی مدی تاریخ البشریة.

و من بین الاوقات التی یستحب فیها الدعاء و مد الایدی نحو الحق تعالی، هو قبیل المبادرة إلی الزواج،ففیه یکون الدعاء اقرب للاجابة،و تتوفر القاعدة لتحقق الطموحات المشروعة.

یقول أمیر المؤمنین:

اللهم ارزقنی زوجة صالحة.ودوداً،ولوداً،شکوراً،قنوعاً،غیوراً،إن احسنت شکرت،و ان اسأتُ غفرت،و ان ذکرتُ اللّٰه تعالی اعانت،و ان نسیتُ ذکرت،ان خرجتُ من عندها حفظت،و ان دخلت علیها سرَّت،و ان امرتها اطاعتنی و ان اقسمتُ علیها أبرَّت قسمتی،و ان غضبتُ علیها ارضتنی یا ذا الجلال و الاکرام هب لی ذلک فإنَّما اسألک و لا أجدُ إلا ما قسمت لی،فمن فعل ذلک اطاه اللّٰه ما سأل.

فلیس هنالک مانعٌ شرعی من قراءة التواشیح الدینیة و الاناشید الهادفة و الاشعار المسلّیة التی عادةً ما تروج بین نساء المسلمین فی مثل هذه المحافل و من المتعارف علیه ایضاً السهر فیها،فقد ورد عن الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) !

«لا سهر الاّ فی ثلاث:تهجّد بالقرآن،أو طلب علم،أو عروس تهدی إلی زوجها» (1).

و الاسلام یفضل ان یقع الزفاف لیلاً کما هو الحال فی زفاف الزهراء (علیها السلام).

عن جابر الانصاری قال:

لما زوّج رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) فاطمة من علی (علیهما السلام) اتاه اناسٌ من قریش فقالوا:

انک زوجت علیاً بمهرٍ خسیس،فقال:ما انا زوجتُ علیاً و لکن اللّٰه زوّجهُ لیلة اسری بی عند سدرة المنتهی،اوحی اللّٰه عز و جل إلی السدرة ان انثری ما علیک فنثرت الدر و الجوهر علی الحور العین فهنَّ یتهادینه و یتفاخرن به و یقلنَ:هذا من نثار فاطمة بنت محمد (صلی الله علیه و آله).

فلما کانت لیلة الزفاف اتی النبی (صلی الله علیه و آله) ببغلته الشهباء و ثنی علیها قطیفة و قال لفاطمة (علیها السلام) ارکبی،و أمر سلمان رحمة اللّٰه علیه ان یقودها،و النبی (صلی الله علیه و آله) یسوقها فبینا هو فی بعض الطریق إذ سمع النبی (صلی الله علیه و آله) وجبة فإذا هو بجبرئیل (علیه السلام) فی سبعین الفاً،و میکائیل فی سبعین الفاً،فقال النبی (صلی الله علیه و آله):ما اهبطکم إلی الارض ؟ قالوا:جئنا نزف فاطمة إلی زوجها،و کبَّر جبرئیل و کبّر میکائیل و کبّرت الملائکة و کبّر محمد (صلی الله علیه و آله) فوضع التکبیر علی العرائس من تلک اللیلة (2).

نعم،یتعین ان تقام مراسم الزفاف و لیلة الفرح بنحوٍ یکون مدعاةً لهبوط ملائکة اللّٰه عز و جل.

ص:164

قال الصادق (علیه السلام):

«زفّوا عرائسکم لیلاً».

و قال الرضا (علیه السلام):

«من السنّة التزویج باللیل لان اللّٰه جعل اللیل سکناً و النساء انّما هنَّ سکنٌ».

ورد فی الروایة:

انّه صلّی اللّٰه علیه و آله أمر بنات عبد المطلب و نساء المهاجرین و الانصار ان یمضینَ فی صحبة فاطمة و ان یفرحن و یرجُزنَ و یکبِّرن و یحمدن و لا یقولَنَّ ما لا یرضی اللّٰه.

و یستحب فی الاسلام اطعام الحاضرین ممن تجشموا عناء استجابة الدعوة و الموجهة الیهم من اسرتی العریسین.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لا ولیمة الاّ فی خمسٍ:فی عُرسٍ،أو خُرسٍ،أو عذار،أو وکار أو رکاز،فالعرس التزویج،و الخرس النفاس بالولد،و العذار الختان،و الوکار الرجل یشتری الدار، و الرّکاز الرجل یقدم من مکة».

یروی ان رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قال لعلی (علیه السلام) لیلة زواجه من فاطمة (علیها السلام):

«یا علی اصنع لاهلک طعاماً فاضلاً،ثم قال:من عندنا اللحم و الخبز،و علیک التمر و السمن،یقول امیرالمؤمنین (علیه السلام):فاشتریت تمراً و سمناً،فحسر رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن ذراعه و جعل یشدخ التمر فی السمن حتی اتخذه حیساً،و بعث الینا کبشاً سمیناً فذبح و خبز لنا خبزاً کثیراً و قال لی:ادع من احببت».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) مشیراً إلی الدعوة إلی العرس:

«إذا دعیتم إلی العُرسات فابطؤا فإنها تذکّر الدنیا،و أذا دُعیتم إلی الجنائز فاسرعوا فانها تذکّر الآخرة».

ص:165

علی الاُسر ان تقیم محافل عقد القران و الزفاف بطریقةٍ تخلوا من کل دواعی الافساد بالنسبة للاطفال و الیافعین و الشباب و ما یعد مشجعاً و مرغباً نحو المعاصی و الرذائل،و من ثم لیتسنی للمؤمنین رجالاً و نساءً الذین وجهت الیهم الدعوة المشارکة و هم مطمئنون مرتاحوا البال.

فالمحفل الذی یقام علی ضوء الضوابط الاسلامیة و تُراعی فیه الحدود الالهیة یعتبر درساً للشباب و مهبطاً تنهال علیه الرحمة الالهیة.

و تجنب الجماع فی اول الشهر و وسطه و آخره،و بعد الظهر،و یکره الکلام عند الجماع،و النظر إلی فرج المرأة و مجامعة المرأة بشهوة غیرها.

ان لا یتجامع الرجل و المرأة إلا و مع کلٍّ منهما خرقة فإنّ ذلک اقرب للوقار و الاخلاق.

عدم ممارسة الجماع من قیام فإنّ ذلک من فعل الحمیر.

الاحتراز عن ممارسة الجماع لیلة الفطر و الاضحی و تحت الشجرة المثمرة و فی وجه الشمس و بین الاذان و الاقامة و لیلة الخامس عشر من شعبان و علی سقوف البنیان،و اثناء السفر.

و یستحب الجماع لیالی الاثنین و الثلاثاء و لیلة الخمیس و یومه و لیلة الجمعة و عصرها و فیه منافع مادیة و معنویة جمّة.

ففی الموارد التی منع فیها الجماع یُحتمل حدوث اضرار بالنسبة للطفل من قبیل الاصابة بالجنون و الجذام و الحماقة و الحول و الخرس و العمی و البخل و الخنوثة أو الطلاق و العقم أو ان یکون الطفل ذا ستة اصابع أو أربعة،و الفقر أو ان یکون الولد قتالاً أو عریفاً أو أعمی القلب أو مشوه الوجه أو معدماً.

أما الاوقات التی یستحب فیها الجماع فیحتمل ان تتحقق فیها للولد امور کثیرة من قبیل حفظ القرآن و الرضا بما قسم اللّٰه أو الایمان و الأمن من العذاب،أو ان یکون رحیم القلب طاهر اللسان،و الکرم و السخاء،و العلم و المعرفة، و السلامة فی الدین و الدنیا أو بلوغ ما وصله اولیاء اللّٰه.

هذه الطائفة من التعالیم لا یمکن تشخیصها بالآلات المادیة أو الاجهزة الطبیة،انّها حقائق اوصی بها النبی الکریم (صلی الله علیه و آله) إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) و اوصاه

ص:167

بحفظها کما حفظها هو (صلی الله علیه و آله) عن جبرئیل (1).

و نُهیَ عن الجماع دون ملاعبة فانه یعد ظلماً للمرأة،فیجب ان تجری المواقعة بعد مقدمات تصب فی مصلحة الرجل و المرأة نفسیاً و جسمیاً.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ثلاثة من الجفاء:ان یصحب الرجل الرجل فلا یسأله عن اسمه و کنیته،أو یُدعی الرجل إلی طعام فلا یجیب فلا یأکل،و مواقعة الرجل اهله قبل الملاعبة» (2).

و قال الصادق (علیه السلام):

«ثلاث من سنن المرسلین:العطر و احفاء الشعر و کثرة الطروقة (3).

و یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام):

و تحرم المواقعة اثناء فترة الحیض،و ترکها اکثر من اربعة اشهر بلا عذر أو دون رضیً من الزوجة موجب للغضب الالهی،و کما ان الجماع یکره فی حالة الجنب.

یقول علی (علیه السلام):

«إذا اراد احدکم ان یأتی زوجته فلا یعجّلها فإنّ للنساء حوائج،إذا رأی احدکم امرأة تعجبه فلیأتِ اهله فإن عند اهله مثل ما رأی و لا یجعلن للشیطان إلی قلبه سبیلاً، لیصرف بصره عنها،فإن لم تکن له زوجة فلیصلِّ رکعتین و یصلّی علی النبی و آله ثم لیسأل اللّٰه من فضله یبیح له برأفته ما یغنیه» (4).

ص:168

ان الثواب المترتب علی تلبیة حاجة المرأة من الناحیة الجنسیة من الوفرة بحیث یدهش المرء،فقد ورد فی روایة ان النبی (صلی الله علیه و آله) قال لرجل:

«أصبحتَ صائماً ؟ قال:لا،قال فعُدْتَ مریضاً ؟ قال:لا،قال:فاتبعتَ جنازة ؟ قال:لا، قال فاطعمت مسکیناً ؟ قال:لا،فارجع إلی أهلک فأصبهم فإنّه علیهم منک صدقة» (1).

و ینبغی تجنب المواقعة بحضور الصبی لما فی ذلک من ضررٍ علیه من الناحیة النفسیة و الاخلاقیة،و ربما یورثه الزنا فی المستقبل کما صرح بذلک الامام الصادق علیه السلام (2)،و کذلک ینبغی تجنب الجماع علی امتلاء لما فی ذلک من اضرارٍ بدنیة (3)،و الامتناع اتیان الزوجة و هنالک رضیعٌ ینظر الیهما (4).

ما اعظم الاسلام من دین یتمتع بهذه الجوانب الاخلاقیة و العاطفیة و التربویة،لا سیما ما یتعلق بالمرأة و حقوقها،و ادارته لمرافق الحیاة باسرها، و ما اعجبه من مدرسةٍ تتمیز بالرؤیة و البصیرة أزاء الشؤون الفردیة و الاُسریة و الاجتماعیة،و کافة الجوانب المعنویة و المادیة،و لا بد أن یکون کذلک لانه تجسیدٌ للوحی الالهی و علم اللّٰه سبحانه و رؤی النبی صلی الله علیه و آله و أهل بیته،و لیس منبثقاً عن الفکر البشری المحدود.

ص:169

ص:170

«إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ»

البقرة222/

11

ص:172

ص:173

ظاهریاً و باطنیاً و یولون العنایة لصحة ابدانهم و ارواحهم،و یحافظون علیها من الادران علی اختلاف انواعها،إذ یقول تعالی:

«إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ» (1).

ان الاسلام یعتبر لا نظیر له بین سائر الادیان فی اهتمامه بالطهارة و النظافة و الصحة علی کافة الاصعدة،و القوانین الصحیة لهذه المدرسة التی تربو علی الخمسة آلاف قانون و التی جاء جانبٌ منها فی الجزئین الاول و الثانی من وسائل الشیعة،تفوق القوانین الصحیة باسرها،و هی تثیر الدهشة فی ظرافتها و حثها و ترغیبها علی الالتزام بهذه القوانین.

و قد حدد الاسلام خمسة عشر شیئاً علی انّها من وسائل الطهارة و النظافة، حیث لا یری مثل هذا السیاق و النهج فی سائر المذاهب الموجودة فی العالم.

و حرّم الاسلام فی کثیر من الموارد التلوث و التلویث و العمل علی التلویث، و اعتبر مرتکبه ضالاً یستحق العذاب الالهی یوم القیامة.

فقد اعتبر الماء الجاری و ماء البئر و العین و الماء الراکد الذی یتجاوز ثلاثة اشبار و نصف طولاً و عرضاً و عمقاً،و الماء القلیل الذی یسقط علی الجسم النجس و هو بمقدارٍ یطهر ذلک الجسم،و الارض و اشعة الشمس المباشرة و الاستحالة،کل ذلک اعتبره من المطهرات.

و قد اشار الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) فی بعض الاحادیث إلی اهمیة النظافة و الطهارة،تعتبر من عجائب الأحکام الاسلامیة.

یقول (صلی الله علیه و آله):

«الطهور شطرٌ من الایمان» (2).

ص:174

وا عجبا ! إذ یکمن نصف الایمان فی الجوانب الاخلاقیة و العملیة و نصفه الآخر فی النظافة و الطهارة ! !

و یقول (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«أول ما یحاسبُ به العبدُ طهورهُ» (1).

و کان رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) اکثر الناس اهتماماً بصحة الفم و الاسنان،و شعر الرأس و الوجه،و الملابس و اثاث البیت،و المحلة و الشارع و المدینة،وبل انّه کان شدید الاهتمام ازاء الاموات،فحکمه بتغسیل الاموات بالسدر و الکافور و الماء الصافی و تحنیط مواضع السجود بالکافور و حفر القبر و الدقة و التنظیم بحفر اللحد و اهالة التراب کی تُصان الجوانب الصحیحة للمدینة و المنازل و البشر من خلال تحلل جسد المیت داخل القبر و تفاعله مع التراب و الکافور،کل ذلک یعد من عجائب احکامه و خوارق علومه و رؤاه (صلی الله علیه و آله).

لقد بلغت عنایة ذلک الوجود المقدس بالطهارة ظاهریاً و باطنیاً مستویً رفیعاً بحیث انّ معصوماً کأمیر المؤمنین (علیه السلام) الذی کان علمه و بصیرته یعتبر تجلیاً لعلم اللّٰه و حکمته،وصفوه بانه الاطیب و الاطهر،و دعا العالمین إلی الاقتداء به (صلی الله علیه و آله) فی تطهیر الروح و البدن،فیقول (علیه السلام):

«فتأسَّ بنبیِّک الأطیب الاطهر (صلی الله علیه و آله) فإنّ فیه اسوة لمن تأسّی» (2).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ان اللّٰه طیبٌ یحبُّ الطیّب،نظیفٌ یحب النظافة» (3).

ان اهمیة النظافة و الطهارة و منزلتهما من الرفعة و السمو بحیث یرتبط

ص:175

الحدیث عنهما بالذات الالهیة المقدسة.

یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«تنظفوا بالماء من النتنِ الریح الذی یتأذی به،تعهّدوا انفسکم فإنّ اللّٰه عز و جل یبغض من عباده القاذورة الذی یتأنّف به من مجلس الیه» (1).

و یقول الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله):

«طهروا هذه الاجساد طهّرکم اللّٰه،فانّه لیس عبدٌ یبیت طاهراً الاّ باتَ معه مَلَکٌ فی شعاره،و لا یتقلب ساعةً من اللیل الاّ قال:اللّهم اغفر لعبدک فانّه بات طاهراً» (2).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«بئس العبدُ القاذورة» (3).

و عنه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«هلکَ المتقذرون».

عن جابر بن عبد اللّٰه،قال:أتانا رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) فرأی رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال:أما کان یجد هذا ما یُسکِّن به شعره ؟ ورای رجلاً آخر و علیه ثیاب وسخة،فقال:أما کان هذا یجد ماءً یغسل به ثوبه ؟ (4).

و قال الباقر (علیه السلام):

«کنسُ البیوت ینفی الفقر» (5).

و قال الصادق (علیه السلام):

ص:176

«غسل الاناء و کنس الفناء مجلبةُ للرزق» (1).

و قال أمیر المؤمنین (صلی الله علیه و آله):

«لا تأووا التراب خلف الباب فإنّه ماوی الشیاطین» (2).

و قد اشتقت«الشیطان»من الشطن،و هی تعنی الخبیث و اللئیم و المخلوق المؤذی الشرّیر.

هذه المعجزة العظیمة و الخارقة تعتبر نتاجاً للرؤیة التی کان یتمتع بها الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) و الائمة الطاهرون (علیهم السلام) حیث انهم انبأونا بذلک قبل قرون متطاولة من اکتشاف المیکروبات مستخدمین لفظ الشیطان أی المخلوق الخبیث و اللئیم.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لا تبیّنوا القمامة فی بیوتکم و اخرجوها نهاراً فإنها مقعد الشیطان» (3).

و عنه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«تنظفوا بکل ما استطعتم فإنّ اللّٰه تعالی بنی الاسلام علی النظافة،و لن یدخل الجنّة الاّ کلُّ نظیف» (4).

و قال الرضا (علیه السلام):

«من اخلاق الانبیاء التنظیف» (5).

و قال (صلی الله علیه و آله) لعائشة:

«إغسلی هذین الثوبین،أما عملتِ ان الثوب یسبّح،فإذا اتسخ انقطع تسبیحهُ» (6).

ص:177

علی ضوء الآیات المتعلقة باسباب التطهیر،و الطهارة و النظافة و محبّة الحق تعالی لهما،و کذلک الروایات بشأن الطهارة و النظافة،یتعین علی اهل الدار العنایة بنظافة اجسامهم و ملابسهم و نظافة أثاث المنزل و جوانبه بما وسعته قدرتهم و طاقتهم،و اسنتاداً إلی القاعدة القرآنیة التی تحث علی التعاون علی البر و التقوی،یتعین علی صاحب الدار ان یعین زوجته علی صعید التنظیف.

و علی الزوجة ایضاً ان تلتزم بواجبها الاخلاقی و تحافظ علی نظافة الدار و اثاثه و ملابس نزلائه،کی تدخل السرور علی زوجها بذلک تنال رضی الحق تعالی،و تضمن سلامة اهل الدار و تقضی علی اجواء المرض و الآلام.

علی ربّة البیت ان تعلم بأن العمل من اجل المنزل و تدبیر اموره و توفیر سبل الراحة و الاستقرار لاهله یُعتبر عبادة تستحق علیها الاجر و الثواب ممن لدن الباری تعالی.

الکریهة-التی قد تبلغ حداً لا یطاق-و هی نتاج لاهمال الفم و الاسنان و نتیجة لتجمع بقایا الطعام بین الاسنان و تحت اللثة.

ان التسوس الذی یعد من الامراض الخطیرة و الذی یفتک بالاسنان و اللثة و هو مصدر للکثیر من الامراض و منها مرض القلب،انما هو من مخلّفات عدم الاهتمام بسلامة الفم و الاسنان.

و إذا ما خصص الناس قلیلاً من أوقاتهم لتنظیف الفم بعد تناول کل وجبة من الطعام و تنظیف الاسنان بالمسواک و المضمضة بقلیل من الماء و الملح فانهم حینذاک سیساهمون فی المحافظة علی سلامة الفم و الاسنان و البلعوم من جهة، و الوقایة من تکالیف العلاج الباهضة التی تُصرف من أجل استعادة سلامة الاسنان التی تُفقد إذا ما اهمل هذا الجانب من جهة اخری و بوسعهم التنعم باسنانهم سنوات طویلة بل مدی عمرهم.

و بالرغم من بزوغ فجر الاسلام فی ارضٍ قاحلةٍ غیر ذی زرع و فی مجتمع یخلو ممن یعرف القراءة و الکتابة،الاّ انّه طرح من الأحکام و المقررات التی تصون سلامة المجتمع من الناحیة الصحیة و علی کافة الاصعدة لا سیما صحة الفم و الاسنان ما یکشف عن عظمة هذا الدین و هذه المدرسة،و یبرهن علی ان المبشر بهذا الدین قد بُعث من قبل الحق تعالی لهدایة الناس و ارشادهم و انّه تعالی قد اجتبی الائمة الاثنی عشر (علیهم السلام).

تأملوا هذه الطائفة من الأحکام الصادرة عن قادة دیننا فیما یتعلق بسلامة الفم و الاسنان:

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

ص:179

«لو لا ان اشقَّ علی امتی لأمرتهم بالسواک مع کلِّ صلاة» (1).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«من اخلاق الانبیاء السواک» (2).

و قال الباقر (علیه السلام):

«لو یعلم الناس ما فی السواک لأباتوه معهم فی لحاف» (3).

و قیل للصادق (علیه السلام):

«اتری هذا الخلق کلّه من الناس ؟ فقال:القِ منهم التارک للسواک» (4).

عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ما زال جبرئیل یوصینی بالسواک حتی خفتُ أنْ أدْرَدَ» (5).

و فی کلام آخر قال (صلی الله علیه و آله):

«ما زال جبرئیل یوصینی بالسواک حتی ظننتُ انّه سیجعله فریضة» (6).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«فی السواک اثنتا عشرة خصلة:هو من السُنَّة،و هو مطهرة للفم و مجلاة للبصر و یرضی الرحمن و یبیض الاسنان و یذهب بالحفر و یشدّ اللثة و یشهّی الطعام و یذهب بالبلغم و یزید فی الحفظ و یضاعف الحسنات و یفرّح الملائکة» (7).

و فیما یتعلق بطریقة السواک-حیث یؤکد الاطباء و المختصون بأمراض الفم

ص:180

و الاسنان علی أن یکون السواک عرضیاً و بتؤده لعدة دقائق-ثمة روایة مهمة عن الرسول الاکرم (صلی الله علیه و آله) لا بد من الاعتراف بانها من معاجزه العلمیة نظراً لتقدم بعثته (صلی الله علیه و آله) فی التاریخ،إذ یقول (صلی الله علیه و آله):

«استاکوا عرْضاً و لا تستاکوا طولاً» (1).

و کان النبی (صلی الله علیه و آله) یستاک کل لیلة ثلاث مرات:مرة قبل نومه،و مرة إذا قام من نومه إلی ورده و مرّة قبل خروجه إلی صلاة الصبح،و کان یستاک بالاراک أمره بذلک جبرئیل (2).

«یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَیِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاکُمْ وَ اشْکُرُوا لِلّٰهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیّٰاهُ تَعْبُدُونَ» (1).

«یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ کُلُوا مِمّٰا فِی الْأَرْضِ حَلاٰلاً طَیِّباً وَ لاٰ تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّیْطٰانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ» (2).

و قوله تعالی:

«کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ» (3).

المطروح فی هذه الاحکام و هو الطهارة و الحلال و اجتناب الاسراف، فالواجب طهارة المأکل و حلیته،و الحرام الاسراف فی الاستهلاک.

ان عدم الاهتمام بحلّیة المأکل و تناول المواد المحرّمة و الخبیثة التی تخلو من الطهارة،و السقوط فی حبائل الاسراف،کل ذلک یعتبر تمرداً علی الحق تعالی و ظلماً بحقٍ النفس و الآخرین،و هو مما یؤدی إلی عذاب اللّٰه و عقوبته بلا شک و لا تردید.

و یتعین علی صاحب الدار ان یلمَّ بالتعالیم السامیة التی یطرحها الاسلام فی هذا المجال و یعمل علی ان تأخذ طریقها إلی اهل الدار کی تحافظ الدار و العائلة علی طهارتهما،و یتسنی لاهل الدار طیّ سبیل الکمال و السمو،و بذلک یتحولون إلی روافد خیر و برکة بالنسبة لهم و للآخرین.

ص:182

«لیس شیءٌ ابغضُ ألی اللّٰه من بطنٍ ملآن» (1).

و قال الامام موسی بن جعفر (علیه السلام):

«لو أنَّ الناس قصدوا فی الطعم لاعتدلت ابدانهم» (2).

و ثمة حکمٍ عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) بشأن الاکل حریٌّ بنا القول انّه من عجائب احکامه (صلی الله علیه و آله) و من قواعد الطب أذ یقول (صلی الله علیه و آله):

«کُل و انت تشتهی و أمسک و أنت تشتهی» (3).

من المسلّم به ان الاکل علی الشبع یعتبر مضراً للمعدة و تهدیداً جدیاً لصحة البدن،و ان الاکل عن جوعٍ و الامساک قبل الشبع یعتبر من أهم عوامل المحافظة علی سلامة الجسم و حیویته و طول العمر و تمتع المرء بالذکاء و المهارة.

المجرَّب» (1).

و قد نهی رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن أکل الحار حتی یبرد و اعلن ان اللّٰه سبحانه وضع البرکة فی البارد،کما نهی (صلی الله علیه و آله) عن ان یُنفخ فی الطعام کی یبرد (2).

کما ورد النهی المؤکد عن ان یأکل المرء و هنالک ذو روح ینظر الیه و لا یطعمه.

عن نجیح قال:رأیت الحسن بن علی (علیهما السلام) یأکل و بین یدیه کلبٌ کلما أکل لقمةً طرح للکلب مثلها،فقلت له:یا بن رسول اللّٰه ؟ أ لا ارجمُ هذا الکلب عن طعامک ؟ قال:دعه،انی لاستحی من اللّٰه ان یکون ذو روحٍ ینظر فی وجهی و انا آکل ثم لا اطعمه» (3).

نعم،لا بد من الأکل و کذلک لا بد من الاطعام،فالأکل ضروری للبدن، و الاطعام تجسید للاخلاق و الکرم وحل لمشاکل المحتاجین،و مدعاة لنزول الثواب و المغفرة و لطف اللّٰه و رحمته،و ان التقتیر بهذا الشأن ازاء العیال و الارحام و سائر الناس یعتبر عملاً منافیاً للانصاف و محاباة للشیطان.

یقول الامام المجتبی (علیه السلام):

«فی المائدة اثنتی عشرة خصلة یجب علی کل مسلم ان یعرفها:اربعٌ منها سنّة و اربعٌ تأدیب،فاما الفرض:فالمعرفة و الرضاء و التسمیة و الشکر،و أما السنّة:فالوضوء قبل الطعام و الجلوس علی الجانب الایسر و الأکل بثلاثة اصابع و لعق الاصابع و اما التأدیب:فالأکل مما یلیک و تصغیر اللقمة و تجوید المضغ و قلة النظر فی وجوه الناس» (4).

ص:185

و قال الامام الرضا (علیه السلام):

«من اراد ان یکون صالحاً خفیف الجسم فلیقلل من عشائه باللیل» (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«مَنْ کثر تسبیحه و تمجیده و قلّ طعامه و شرابه و منامه اشتاقته الملائکة» (2).

و قال (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«إلبسوا و کلوا و اشربوا فی انصاف البطون فإنه جزءٌ من النبوة» (3).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«قلّة الغذاء کرمُ النفس و ادوم للصحة» (4).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«إذ اراد اللّٰه سبحانه صلاح عبده الهمهُ قلة الکلام و قلّة الطعام و قلّة المنام» (5).

و ثمة امور اخری یترتب علی رب الاسرة الالتزام بها بجدیة أولاً و من ثم اهل الدار منها الاحتراز عن التبوغ من قبیل السیجارة و الغلیون و المخدرات، فالتدخین علی اختلاف انواعه یعدُ حراماً فی نظر بعض فقهاء الشیعة،لأنّه یمثل تهدیداً لکیان الاُسرة و قد یجر إلی المفاسد الاخلاقیة و الاجتماعیة.

و من الامور الاخری التی نهی عنها الاسلام هو الاشتراک بالمشط و المندیل و المسواک و سائر المستلزمات ذات الصبغة الشخصیة.

ان الأمل یحدونا بأن تلتزم العوائل بأسرها لا سیما اربابها بهذه الجوانب حفاضاً علی السلامة البدنیة و الروحیة و الاخلاقیة بالنسبة للجمیع،لان الالتزام بهذه الأحکام یعد عبادة کالالتزام بالاحکام الشرعیة و عصیانها ذنبٌ یستلزم العتاب و العقاب الالهیین.

ص:186

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):«علیکم بحسن الخلق فإنّ حسنَ الخلق فی الجنّة لا

محالة،و ایاکم و سوء الخلق فإنّ سوء الخلق فی

النار لا محالة».

الوسائل 29/10

12

ص:188

ص:189

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«الاسلام حسنُ الخلق» (1).

و قال الامام الحسن (علیه السلام):

«انّ احسنَ الحسن،الخلق الحسن» (2).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«حسنُ الخلق ذهب بخیر الدنیا و الآخرة» (3).

و قال علی (علیه السلام):

«حسنُ الخلق رأس کلّ بر» (4).

و قال الصادق (علیه السلام):

«لا عیشَ اهنأ من حسن الخلق» (5).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«مَنْ حَسنُتَ خلقه بلّغهُ اللّٰه درجة الصائم القائم» (6).

و عنه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«أول ما یوضع فی میزان العبد یوم القیامة حسنُ خلقُهِ» (7).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«انّ احبّکم الیّ و اقربکم منی یوم القیامة مجلساً احسنکم اخلاقاً و اشدّکم

ص:190

تواضعاً» (1).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله) لأمیر المؤمنین (علیه السلام):الا اخبرکم باشبهکم بی أخلاقاً ؟ قال بلی یا رسول اللّٰه،قال:

«احسنکم خُلقاً و اعظمکم حلماً و ابرّکم بقرابته و اشدّکم من نفسه انصافاً» (2).

و لمکارم الاخلاق و حسن الخلق من الاهمیّة و العظمة ما جعل رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) یصرّح بأنها الغایة من بعثته حیث قال صلی الله علیه و آله:

«انما بعثتُ لاُتمم مکارم الاخلاق» (3).

و قوله (صلی الله علیه و آله):

«انما بُعثتُ لاُتمم حسنَ الخلق» (4).

ان مکارم الاخلاق و محاسنها تمثل تجلیاً لصفات الحق تعالی و اخلاق الانبیاء و الأئمة المعصومین (علیهم السلام) و منشأ خیرٍ و برکة لمن تحلّی بها،أما قبائح الاخلاق فهی تجسید للالاعیب الشیطانیة و سببٌ فی تأزم الحیاة و تدهور العلاقات الاجتماعیة و مدعاة لفقدان الامن واثارة التفرقة و التذمّر بین الناس و خراب الدنیا و الآخرة.

بین الرجل و المرأة و عظمتها لا سیما محبة الرجل للمرأة،إذ یقول تعالی:

« وَ مِنْ آیٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْهٰا وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذٰلِکَ لَآیٰاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» (1).

ان هذا المودة و المحبّة تتفتح براعمها و تبلغ ذروتها فی مطلع الحیاة الزوجیة بل و حتی قبل عقد القران،و علی الزوجین المحافظة علی هذه النعمة و هذه العاطفة القلبیة السامیة التی تبعث السعادة فی الحیاة و المعاشرة،و تنمّی الصفاء و الطهارة من خلال التودد لبعضهما البعض و التحلی بالحلم و العفو و مکارم الاخلاق و التعاون و التسامح بالحقوق المتبادلة و صیانة شخصیة الطرفین و حیثیاتهما،و التورع عن أسباب تصدع هذه المودة و المحبّة،إذ ان المحافظة علی بناء المودة من العبادة،و تهدیم عرش المحبّة لا ریب فی انّه ذنبٌ و معصیةٌ توجب العذاب و العقاب الالهیین یوم المحشر،و سببٌ فی اثارة الشقاء الدنیوی.

و قد دعا الصادق (علیه السلام) لمن تمتع بقدرة کسب محبة الآخرین،إذ یقول (علیه السلام):

«رحم اللّٰه عبداً اجتر مودة الناس إلی نفسه...» (2).

ان تبدیل المودة و الحب إلی بغض و ضغینةٍ و عداء دون توفر مبررٍ عقلی و شرعی لذلک،انما هو تبدیل النعمة إلی کفران،و المحافظة علی المودة و تفعیلها و نقلها إلی الطرف المقابل تعتبر سبباً فی تحقق السعادة الدنیویة و الاخرویة.

قال الامام الصادق (علیه السلام):

«ویل لمن یبدل نعمة اللّٰه کفراً،طوبی للمتحابّین فی اللّٰه» (3).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

ص:192

«أفضل الناس مِنّةً مَنْ بالمودة» (1).

و الانسان محکومٌ بأن یبذل المودة لمن یستحق المحبة و الود و الصداقة فضلاً عن المقربین الیه من الزوجة و الاولاد.

ورد فی حدیث قدسی:

«الخلقُ عیالی،فاحبُّهم الیَّ الطفهم بهم و اسعاهم فی حوائجهم» (2).

علی ضوء ما تقدم فإنّ المحبّة الکامنة فی قلب المرأة تجاه الرجل و بالعکس تعتبر من آیات اللّٰه سبحانه و من النعم الالهیة الخاصة،و أهم دافع لتشکیل الحیاة الصالحة و استمرارها،و شیوع الصفاء و الصدق فی ربوع الحیاة،و علیه من الواجب المحافظة علیها و العمل علی اضطرادها و تجنب عوامل زوالها.

قال الصادق (علیه السلام):

«من أخلاق الأنبیاء حبُّ النساء» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«جُعل قرة عینی فی الصلاة،و لذّتی فی الدنیا النساء،و ریحانتی الحسن و الحسین» (4).

و قال الصادق (علیه السلام):

«ما تلذذ الناس فی الدنیا و الآخرة أکثر لهم من لذة النساء و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ« زُیِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ وَ الْبَنِینَ...»

إلی آخر الآیة،ثم قال:و ان أهل الجنة ما یتلذذون بشیء من الجنة اشهی عندهم من النکاح،لا طعام و لا شراب» (5).

ص:193

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«قول الرجل للمرأة انی احبک لا یذهب من قبلها ابداً» (1).

و قال الصادق (علیه السلام):

«العبدُ کلّما ازداد للنساء حباً ازداد فی الایمان فضلاً» (2).

و بطبیعة الحال لا بد من الالتفات هذه الحقیقة و هی ان لا تأخذ المحبّة و المودة تجاه المرأة طابع الافراط،فالافراط بالمحبّة یحول دون سلوک المرء لصراط اللّٰه المستقیم و القیام بالاعمال الصالحة و بذل الخیرات و المبرّات،لا سیما إذا حاولت المرأة التحکم بالرجل من خلال استغلال محبته لها و فرض المزید من رغباتها علیه.

یجب ان یکون حبُّ المرأة و کل شیء تابعٌ لایمان الانسان باللّٰه سبحانه و المعاد و ان لا یعیق الانسان عن السیر نحو الکمالات و القیام بالصالحات.

و إذا ما اراد حبُّ المرأة ان یتحول إلی بؤرة للمعاصی و الذنوب و الاسراف و التبذیر،أو البخل و الحرص أو سببٌ فی الامساک عن اداء القرائض،یجب و الحالة هذه تصحیح مساره،فمثل هذا الحبّ انما خلیطٌ مع نفثات الشیطان و یعیدٌ عن رضی الحق تعالی.

و بعد مدة وجیزة یتفهم الزوجان بعضهما البعض نوعاً ما و یتعرف کلٌّ منهما علی قابلیة الآخر بدنیاً و روحیاً،و علی الزوجین أن یدرکا انّ الحق تعالی قد وضع فی الاعتبار مسألتین حین شرع التکلیف للانسان:

اولهما:انّه تعالی لم یکلف الانسان ما یخرج عن امکانیته و یفوق طاقته و وسعه،و ثانیهما:انّه تعالی وضع التکالیف و الواجبات الشرعیة علی ضوء وسع الانسان و هو ما عبّر عنه المحققون بالمرحلة التی تقل عن حدود قدرته.

و هذا لیس سوی تجلٍّ لرحمة اللّٰه و رأفته بعباده و البشر قاطبة إلی قیام یوم الدین،و قد اشار تعالی إلی هذه الحقیقة فی الآیات 233 و286 من سورة البقرة و الآیة 152 من سورة الانعام و الآیة 42 من سورة الاعراف و الآیة 62 من سورة المؤمنون.

« لاٰ تُکَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّٰ وُسْعَهٰا»

و قوله ایضاً:

« لاٰ یُکَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً»

بناءً علی ذلک یتعین علی کلا الزوجین التأسی بهذه الاخلاق الکریمة و الصفات الرحیمیة للحق تعالی فی قضیة الطلبات و الطموحات المتقابلة،إذ علیهم:

اولاً:عدم الطلب من الطرف المقابل ما یخرج عن الطاقة و القابلیة علی الصعیدین المادی و المعنوی إذ ان فرض ما هو خارجٌ عن حدود القدرة و طلب ما لا یمکن تحمله یعد ظلماً،و جوراً علی البعد الروحی،و مدعاة لحلول العقاب الالهی.

ثانیاً:مراعاة قابلیة بعضهما البعض اثناء طرح الطلبات،بل تحدید الطلبات و الطموحات علی ضوء الوسع و القابلیة،و طرح التکالیف الطبیعیة و الحیاتیة

ص:195

بینهما و الطلب من بعضهما البعض بنحوٍ یجری انجازه بکل شغفٍ و لهفة.

و إذا کان بوسعهما-و هو کذلک-التحلّی بالانصاف ازء بعضهما البعض إذ ان ذلک من اخلاق اللّٰه تعالی و من فعال الانبیاء و الائمة و من خصال اولیاء اللّٰه.

ربما تتخذ المبالغة بالآمال طابع تکلیفٍ یفوق الطاقة،و لا شک بأن المطالب الثقیلة لو لم تُنفد من قبل الزوج فإنّ ذلک مما یعکر الاجواء و یؤلم القلوب و بالتالی یثیر الضغینة و النفور و تکون نتیجة ذلک تأزم الحیاة و انهیار صرح الصفاء و الصدق و المودة.

ان المبالغة بالآمال خصلة مذمومة و حاصل الکبر و الغرور و هو مرض نفسانی و فعلٌ خارج عن اطار الانسانیة و صفةٌ قبیحة.

و التسامح بالطموحات انما هو ثمرة الوقار و التأدب و حاصل المعرفة و الکرم،و ثمره طیبة من ثمار التواضع.

فإنّ اردتم حیاةً تفوق فی حلاوتها الشهد المصفی لا مجال فیها لاختلاف یعتد به،و لا یتعرض الزوج إلی ما یکدر صفو حیاته،و لا تتعرض شخصیته للاحتقار،و لا ینتقل التأزم و المرارة إلی الآخرین،فعلیکم التسامح بالطموحات ازاء بعضکم البعض فی جمیع شؤون الحیاة و اعلموا ان ذلک مدعاة لبلوغ رضی الحق تعالی بالنسبة لکم لانه نفحةٌ من رحمته تعالی فی الحیاة الدنیا.

علی ایة حالٍ،علی الزوجین التحلّی باللین و الصفاء و ان یکونا مصدر مودةٍ و محبةٍ و یتسامحا فیما بینهما علی کافة الاصعدة الحیاتیة،إذ ان هذا التسامح یعتبر باباً من ابواب المعروف،و ان اهل المعروف و مَنْ تطهروا و تطیّبوا عن المنکرات روحیاً و اخلاقیاً هم ممن تشملهم عنایة الباری عز و جل و ممن یستحقون الاجر الجمیل و الثواب الجزیل من لدنه تعالی.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

ص:196

«اول مَن یدخل الجنة المعروف و اهله،و اول من یرد علیَّ الحوض» (1).

و قال الصادق (علیه السلام):

«ان للجنّة باباً یقال له:المعروف،لا یدخله الّا أهل المعروف،و أهل المعروف فی الدنیا هم اهل المعروف فی الآخرة» (2).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«کلّ معروف صدقة» (3).

و فی القرآن الکریم اکد جل شأنه ان ثواب کلّ معروفٍ بعشرة امثاله:

« مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا» (4).

ان التسامح فی الطموح ضربٌ من المعروف و حسنةٌ من محاسن الروح و نوع من الصدقات تقابل بعشرة اضعافٍ من الاجر،فلِم لا یبادر الزوجان إلی هذه التجارة الرابحة و یحرمان انفسهما من هذه النعمة الالهیة مدی الحیاة ؟ حیث ان حرمان النفس من عنایة رب العالمین و رحمته ظلمٌ فاحشٌ و ذنب لا یغتفر و خسارةٌ لا تعوّض.

فی ادارة شؤون البیت و تقییمه لزوجته،فما کان من الاخطاء یمکن التغاضی و الحلم عنه من قبل الطرفین فالتجاوز یکون فی محله،اما فی الاحوال التی تکون الحیاة تقطع اشواطها الطبیعیة فلا مجال فیها للتجاوز.

ان الواجب الشرعی و الاخلاقی یحتّم علی الزوج العفو عن زوجته عند الحاجة،و کذا بالنسبة للمرأة،و من القبیح هنا التشبث بالمکابرة و التعنّت و الانانیة و عدم الاعتناء بحیثیات الطرف المقابل و التنکّر للتعالیم الإلهیة و وصایا الانبیاء و الائمة فیما یتعلق بالعفو و الحلم و ذلک مما یعد محرماً فی بعض الحالات و یستوجب العقاب الالهی.

العفو و الحلم من متفرعات الاحسان،و المُحسن استناداً للمنطق القرآنی یعتبر حبیب اللّٰه:

« وَ الْعٰافِینَ عَنِ النّٰاسِ وَ اللّٰهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ» (1).

و العفو و الحلم من الاهمیة بمکان بحیث ان أجر العافی یقع علی اللّٰه تعالی:

« فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّٰهِ» (2).

قال الامام الصادق (علیه السلام):

«ثلاث من مکارم الدنیا و الآخرة:تعفو عمن ظلمک،و تصل من قطعک،و تحلمُ إذا جُهل علیک» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ان اللّٰه عفوٌّ یحبُّ العفو» (4).

ص:198

و قال (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«مَنْ اقال مسلماً عثرته اقال اللّٰه عثرته یوم القیامة» (1).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«إنّا أهل البیت مُروتُنا العفو عمّن ظلمنا» (2).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«تجاوزوا عن ذنوب الناس یدفع اللّٰه عنکم بذلک عذاب النار» (3).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«قلّة العفو اقبح العیوب،و التسرع إلی الانتقام اعظم الذنوب» (4).

و عنه (علیه السلام) انه قال:

«شر الناس من لا یعفو عن الزلّة و لا یستر العورة» (5).

و قال الصادق (علیه السلام):

«عفواً من غیر عقوبة،و لا تعنیف و لا عتب» (6).

و استناداً إلی الآیات القرآنیة و الروایات،فإنّ اللّٰه یحب العفو،و هو تعالی تکفل بأجر العافی،و العفو من مکارم الدنیا و الآخرة،و مدعاة للنجاة من النار، و اتباع لاهل البیت (علیهم السلام)،و قلّة العفو دلیل علی المرض النفسی و شرانیة نفس الانسان.

فلما ذا لا یعفو الزوجان عن بعضهما البعض إذا بدر من احدهما خطأٌ خلال

ص:199

مسیرة حیاتهما کی یصبحا احباء اللّٰه و ینعما بثوابه و یتحولا إلی منهلٍ لمکارم الدنیا و الآخرة،و یعبّرا عن ولائهما لائمة اهل البیت (علیهم السلام) و یصبحا من زمرتهم، فکل ذلک انما هو ثمرة تجارة معنویة مع اللّٰه سبحانه من غیر المعقول تضییعها،لا سیما و ان التحلّی بذلک یعتبر فعلاً یسیراً و بسیطاً لا تکلیف فیه.

فإذا ما اتخذ الزوجان من العفو منهجاً لهما و مارسا هذه الخصلة الالهیة لفترة وجیزة،فانها سوف تترسخ لدیهما و بذلک یصبحا ممن اتصف بهذه المیزة الالهیة بعد قصیرٍ من الوقت.

«اشرف اخلاق الکریم کثرة تغافله عمّا یعلم» (1).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«لا عقلَ کالتجاهل،لا حلم کالتغافل» (2).

ان التدقیق و الشدة فی المحاسبة و تصور عصمة الطرف المقابل من جمیع الجوانب و عدم الصفح و تثبیت الاخطاء و کما تعارف علیه التنقیب عن الخطأ کل ذلک مما ینافی الاخلاق،و کما یعبّر أمیر المؤمنین (علیه السلام):

ان العفو و الصفح و الاسمی منهما التغافل و التجاهل هی من الامور الضروریة التی لا بد للرجل و المرأة التحلی بها و عن طریق هذه الخصال الحمیدة و الاخلاق الفاضلة تهنأ الحیاة و تعمّها السعادة،و تتمتع الاعصاب بالراحة التامة،و یسلمُ کلٌّ من البدن و الروح من الکثیر من الامراض.

ان العفو و الصفح و التجاهل و التغافل ما هی الّا ثمرة طیبة لکبح جموح الغضب أو ما عبر عنه القرآن الکریم«کظم الغیظ»،و تجنب الحدّة و الهروب من نیرانها.

و الغضب و الحدّة و المراء و العناد و الجدال غیر المبرر،انما هی مما یرفضه الحق تعالی،و من شعب جهنم،و صفات ذمیمة،و خُلقٌ عدوانیَّ،و مما یؤدی إلی انهیار صرح الحیاة و دافعٌ ینتهی إلی الطلاق و الانفصال،و الغرق فی وحل الکثیر من المعاصی و الموبقات،و الانغماس بکل ما هو شرٌ و باطل.

و قد ورد بشأن المراء بالباطل و العناد:

ان رجلاً قال للحسین بن علی (علیه السلام) اجلس حتی نتناظر فی الدین،فقال (علیه السلام):یا هذا انا بصیرٌ بدینی مکشوفٌ علیَّ هُدای فإنّ کنتَ جاهلاً بدینک فاذهب و اطلبه،مالی

ص:201

و للمماراة،و ان الشیطان لیوسوس للرجل و یناجیه... (1).

مما لا شک فیه ان الجدال و النقاش إذا کان من أجل اثبات الحق و من مصادیق الجدال بالتی هی احسن،فذلک مما لا اشکال به،بل یمثل السبیل للتطور العلمی و استجلاء الحقیقة و مما یقره العلم و العقل و الشرع،اما إذا کان من باب العناد و محاولة تحطیم الطرف الآخر و النیل من کرامته و خلخلة الاستقرار، فلا شک فی انّه محرّمٌ یعتبر مرتکبه عاصیاً و یستحق علیه العقاب.

قال الامام الرضا (علیه السلام) لعبد العظیم الحسینی.

یا عبد العظیم ! ابلغ عنّی اولیائی السلام و قل لهم ان لا یجعلوا للشیطان علی انفسهم سبیلاً،و مُرهُمْ بالصدق فی الحدیث و اداء الامانة،و مرهم بالسکوت و ترک الجدال فیما لا یعنیهم (2).

«الغضب یثیرُ کوامنَ الحقد» (1).

و قال الامام الصادق علیه السلام:

«الغضب مفتاح کل شرٍّ» (2).

نعم،فالمغتاظ یرتکب ما شاء من الاخطاء،و یتحامل علی کرامة الطرف المقابل،و یثیر اعصابه و قلبه،فتنتفخ ادواجه و یحمّرٌ وجهه،فیضرب و یدمّر و یحرق و یطلِّقُ و یلحق الضرر و...الخ.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«الغضب جمرة من الشیطان» (3).

و قال علی (علیه السلام):

«الحدّةُ ضربٌ من الجنون لأن صاحبها یندم فإن لم یندم فجنونه مستحکمٌ» (4).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«الغضب یُفسد الالباب و یُبعد من الصواب» (5).

و یقول (علیه السلام) متحاملاً علی هذه المیزة الشیطانیة:

«لیس منّا مَنْ لمْ یملک غضبه» (6).

و قال (علیه السلام):

«منْ غلبت علیه غضبه و شهوتُه فهو فی حیِّز البهائم» (7).

ص:203

قال الباقر (علیه السلام) بشأن کظم الغیظ:

«مَنْ کظمَ غیظاً و هو یقدرُ علی امضائه حشا اللّٰه قلبه امناً و ایماناً یوم القیامة» (1).

و قال علی (علیه السلام):

«مَنْ کفَّ غضبهُ ستر اللّٰه عورتَهُ» (2).

و کتب إلی الحارث الهمدانی:

«و اکظمِ الغیظ،و تجاوز عند المقدرة،و احلمُ عندَ الغضب،و اصفح مع الدولة تکن لک العاقبة» (3).

و قد تواترت الروایات فی الکافی،و وسائل الشیعة و بحار الانوار تؤکدان الامان و القرب من اللّٰه یوم القیامة هو الأجر الذی یستتبع کظم الغیظ.

سُئل المسیحُ (علیه السلام) عن العلة فی الغضب فقال:

«الکبر و التجبّرُ و محقرة الناس».

و جاء فی وصایا النبی (صلی الله علیه و آله) لأمیر المؤمنین (علیه السلام):

«لا تغضب،فإذا غضبتَ فاقعد،و تفکّر فی قدرة الربّ علی العباد و حلمه عنهم،و إذا قیل لک اتَّقِ اللّٰه فانبذ غضبک و راجع حلمک».

ان الزوجین إذ یجمعها میثاق اخلاقیٌ و شرعیٌ،بعد ان ارتضی کلٌّ منهما الآخر من خلال لقائهما قبل الزواج و معرفتهما باحوال کلٍّ منهما من ناحیة الاسرة و الثروة و الجمال و القبیلة،و اصبحا الآن یعیشان حیاة مشترکة،یتعین علیهما-إذا ما حدث طاریءٌ-ان یتجنبا التفاخر الاُسری و المادی و ذکر الحسب و النسب و الثروة و الجمال و الشباب و العلم،إذ ان ذلک من شأنه إثارة کوامن النفس و الغلیان الباطنی،و ربما یثیر الخجل،و یتسبب فی اشعال نار الغضب و التذمر و الحقد و العداء و یؤدی إلی ردود فعلٍ معاکسة لدی الطرف الآخر،و غالباً ما یجر إلی النزاع و المخاصمة و التفرقة و الطلاق،و کل ذلک من العواقب الوخیمة الناجمة عن التفاخر و لا تقع تبعاتهما الّا فی رقبة المتفاخر.

قال امیرالمؤمنین (علیه السلام):

«لا حُمقَ اعظمُ من الفخر» (1).

و فی کلام له (علیه السلام):

«ضع فخرک و احطُط کبرک،و اذکر قبرک» (2).

ان التفاخر و الخیلاء من القبح بمکان بحیث ان السجاد (علیه السلام) یدعو اللّٰه تعالی ضمن دعائه التاسع عشر فی الصحیفة قائلاً:

«و اعصمنی من الفخر».

و قال علی (علیه السلام):

«ما لابنِ آدمَ و الفخر،اوله نطفة و آخره جیفة،لا یرزقُ نفسه و لا یدفع حتفه» (3).

و قد ذکر الباری تعالی فی کتابه و فی مواضع عدیدة،ان اللّٰه لا یحب المتفاخر

ص:205

المتکبر،منها قوله تعالی:

« إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ کُلَّ مُخْتٰالٍ فَخُورٍ» (1).

علی ایة حالٍ،ینبغی علی کلٍّ من الزوج و الزوجة تجنب التفاخر فیما بینهما علی صعید الاسرة و الجمال و الثروة و العلم،فکل ذلک زائل لا محالة،و ان هذه الخصال الشیطانیة انما هی مصدرٌ للمتاعب و الازمات و ذهول الفکر و سببٌ فی زوال المودة و المحبّة و مدعاة لاثارة الخصام و النزاع و الحرمان من رحمة اللّٰه سبحانه.

ازواجهنَّ إذ ان الانسجام و الحیاة الهانئة انما تتحقق فی ظل مراعاة هذه الحقائق من قبل الطرفین.

لنسعی من أجل أن یکون سلوک کلٍّ منا و تصرفه تجاه الآخر مصداقاً واقعیاً للعمل الصالح و السلوک الصائب کی نفلح فی تمشیة الامور الحیاتیة،و کذلک ننعم بالأجر و الثواب الاخروی نتیجة ما نقوم به من عملٍ و ارضائنا بعضنا لبعض.

«لو لا تکثیر فی کلامکم و تمریجٌ فی قلوبکم لسمعتم ما اسمع و لرأیتم ما اری» (1).

«فعلیکم الکف عن اللغو و الاسفاف فی الکلام و الادلاء بما لا ینفع فی الدنیا و الآخرة.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«منْ حُسنِ اسلام المرء ترکهُ الکلام فیما لا یعنیه» (2).

مرَّ امیرالمؤمنین (علیه السلام) برجل یتکلم بفضول الکلام فوقف علیه،ثم قال:یا هذا انک تُملی علی حافظیک کتاباً إلی ربک فتکلّم بما یعنیک ودع ما لا یعنیک.

و قال ابوذر (رضی الله عنه):

«اجعل الدنیا کلمتین:کلمة فی طلب الحلال،و کلمة للآخرة،و الثالثة تضرُّ و لا تنفع فلا یَرِدْها» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«کلُّ کلام ابنِ آدم علیه لا له الّا أمرٌ بمعروفٍ أو نهیٌ عن منکر أو ذکرُ اللّٰه» (4).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«مَنْ کثُر کلامه کثُر خطؤهُ و من کثر خطأوه قلَّ حیاؤه،و من قلَّ حیاؤه قلَّ ورعه،و من قلَّ ورعهُ مات قلبهُ،و من مات قلبه دخل النار» (5).

علی الزوجین ان ینصبَّ حدیثهما داخل المنزل حول شؤون الحیاة و متطلبات المنزل و ما یحتاجانه و کذلک ما یحتاجه الاولاد،و ابداء الود و المحبّة تجاه بعضها البعض،و التواصی فیما بینهما بالحق و الصبر،و المحافظة علی اسرار بعضهما البعض و عدم نقل ما یدور فی المنزل إلی بیوت الاهل و الاقارب

ص:208

و الاصدقاء،و یجعلا من الدار موطناً یُتداول فیه قول الحق،و الصلاة و تلاوة القرآن،و بُنای فیه عن الکذب و الغیبة و قول السوء و الفحشاء،إذ یستفاد من آیات القرآن الکریم و الروایات ان الکذب و الغیبة و البهتان و الفحشاء و قول السوء و السخریة و الاحتقار تُبعد الانسان عن رحمة الباری تعالی و تلقی به فی لهوات النقمة الالهیة.

علی الرجل ان یحترز من استضافة اهل المعاصی فی منزله و اقامة المجالس التی تتنافی و التعالیم الالهیة،إذ ان اضرار ذلک ستحیق به و بعیاله و بذلک یضع اخرته و آخرة عیاله فی مهب الریح.

و علی الزوجة ان تتورع عن الاسراف فی تمشیة شؤون الحیاة و تتجنب الاهدار فی الانفاق الذی ربما ینجم عن تقلید الآخرین،إذ ان لکلّ دینارٍ حساباً خاصاً یوم القیامة.

علی الزوجین ان ینقلا حالة الوقار و التأدیب و التدین و طهارة النفس بشکلٍ عملیٍّ إلی ابنائهما و المحیطین بهما و ذلک من خلال سلوکهما و حدیثهما و تصرفهما،و إذ ان هدایة شخصٍ واحدٍ و ان کان الولد بمثابة هدایة الناس جمیعاً.

ص:209

ص:210

« وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلیٰ جُیُوبِهِنَّ وَ لاٰ یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ»

النور31/

13

ص:212

ص:213

الانظار فی الشارع و السوق و المتنزهات و الاماکن العامة و المستشفیات و المؤسسات و المراکز التجاریة،لا یطلقون حینها العنان لنظراتهم و اهوائهم و میولهم فی مطاردة الفتیات و التجاوز علی نوامیس الناس،و لا یُصابون بالرکود الذهنی و الانهیار العصبی و البلوغ العاجل،و لا یلجأون إلی الاستمناء و اللواط و الزنا و لا یستحوذ علیهم شرود الافکار و المنغصات و القلق و فقدان الاهتمام بالتحصیل العلمی،و العلاقات غیر المشروعة و الامراض النفسیة،و بالتالی تعطیل قدراتهم الانسانیة.

بناءً علی ذلک ینبغی القول:ان الحجاب واجبٌ علی المرأة،و فرضٌ مبرمٌ، و لا شک فی کفر من ینکره و خروجه عن الاسلام و هو یعلم بأنّه من ضروریات الدین و هو من اوامر اللّٰه التی وردت فی القرآن الکریم.

و الشاب الذی یُنکر الحجاب لا یمکنه الزواج من المسلمة،إذ أنّ هذا الزواج باطلٌ و لا یترتب ایّ ُ أثر للعقد الموقع بینهما،و العلاقة التی تجمعهما تعتبر علاقة محرّمة،و ابناؤهما ابناء حرامٍ و فعلهما بحکم الزنا،و کذا الحال بالنسبة للمرأة التی تنکر الحجاب فإنّ الأحکام ذاتها تجری بحقها.

فالحجاب یحافظ علی وقار المرأة و شخصیتها و کرامتها و عظمتها و یحتفظ بجمالها و محاسنها للزوج فحسب.

و فی نفس الوقت الذی تلتزم به المرأة بحجابها فإن بامکانها تسلق مدارج التحصیل العلمی و طیّ سبیل الکمال و الفضائل،و ما یثار من أنّ الحجاب یمثل حائلاً لها فی طریق التکامل و الرقی ما هو الّا من وساوس الشیطان و ایحاء فکریٌ خاطیء القاه المستعمرون الناهبون و اللصوص الذین ینقضون علی النوامیس و اذناب الشرق و الغرب.

ان حالة التآلف التی تسود کیان العائلة و استحکام العلاقة بین الزوجین

ص:214

و دوام الحیاة الزوجیة و استکانة قلوب الرجال و رسوخ انسجام الرجل و محبته مع زوجته الشرعیة و تشیید الکیان العائلی و توطید ثقة الرجل و رکونه لزوجته، کل ذلک مرهون بالتزام نساء البلد بالحجاب و عدم وقوع انظار الرجال علی محاسن و جمال غیر نسائهم.

فإذا ما تسنی للرجال ان تمتد ایدیهم للنساء بیسر و سهولة و فی جمیع المرافق الاجتماعیة فلن یکون هنالک ضمان للمحافظة علی محبتهم و تعلقهم بزوجاتهم و سیؤدی تهییج شهواتهم و رغباتهم إلی قتل حالة الرغبة فیهم نحو حیاتم الزوجیة و سیتحولون إلی معاول تدمر کیان العائلة الدافیء.

ان الاضرار الناجمة عن السفور و اطلاق العنان للنساء و الحریة الممنوحة لهنّ بنمطها الغربی،مما لا تعد و لا تحصی،فقد تسبب السفور إلی الآن باغواء الملایین من الرجال،و انزلاق آخرین فی الموبقات،و تفشی الطلاق بین الوائل، و بروز ظاهرة الغرام بین الرجل و المرأة المتزوجة،و العلاقات غیر المشروعة، و کما اراد الیهود و النصاری فقد اصبح سبباً فی خروج الکثیر من الرجال و النساء من رحاب الاسلام و التدین.

و قد شعر الذین أرسوا قواعد السفور بالانزعاج من هذه الظاهرة معتبرین إیاها من الظواهر المشؤومة التی برزت خلال القرون المتأخرة.

لقد کان نظام الاسرة فی ایران نظاماً قویاً راسخاً یقوم علی اساس الحیاء و العفاف و الاتزان و الآداب،و الایمان و التقوی و من النادر ان یحصل فیه،بید إنه و منذ ان سلّط الاستعمار ذلک الجاهل اللئیم و الخائن القذر رضا خان بهلوی و بادر إلی خلع الحجاب من النساء تبدل وضع البیت و الاسرة فارتفعت حالات الطلاق إلی الحد الذی بلغت فیه طلبات الطلاق المقدّمة إلی المحاکم خلال الفترة الاخیرة من حکم هذه العائلة سیئة الصیت ما بین ستة آلاف إلی سبعة آلاف طلب

ص:215

فی الشهر الواحد،فاصبح المتزوجون بلا نساء و المتزوجات بلا رجال،و بذلک فقد انضمت الفئتان إلی المجتمع متفرغین من رباط الزوجیة و اخذوا بنشر الفساد و الافساد.

و بعد واقعة کشف الحجاب کان المرجع الکبیر آیة اللّٰه الشاه آبادی (رحمه الله) - و کما نقل لی من استمع له-ینادی کراراً من علی منبره و فی المحافل العامة و الخاصة:ان رضا خان بسطوه علی الحجاب و قتله للثائرین ضد السفور فی مسجد گوهرشاد و حرم الامام الرضا (علیه السلام) قد قصم ظهر مائه و اربعة و عشرین الف نبی ! !

نعم،فإنّ ذلک العارف المتأله البصیر الذی کان مجتهداً متضلعاً فی الأحکام الاسلامیة و الفلسفة و متبحراً قلّ نظیره،کان یعتبر کشف الحجاب و السفور قصماً لظهور رسل اللّٰه ! !

یقول سید قطب فی کتابه«هل نحن مسلمون ؟»:طبقاً للوثائق التی بحوزتی،فإنّ أحد الابواب جمع کافة القساوسة و الکاردینالات فی الفاتیکان و طلب منهم تقدیم ما یقترحونه من اجل القضاء علی الاسلام و اخماد جذوته باسلوبٍ لا یکلِّف الفاتیکان و المسیحیة الکثیر من التکالیف،فتشکلت اللجان لهذا الغرض،و بادر الکل لابداء وجهات نظرهم،و من بین جمیع الآراء و النظریات حظی رأیٌ واحدٌ بموافقة البابا و سائر القساوسة و الکاردنیالات، و مفاد هذا الرأی:ان امضی سلاحٍ و أزهد سبیل للقضاء علی الاسلام یتمثل فی اخراج النساء المسلمات من الحجاب و تعریضهن امام الشباب و الرجال سافرات فی الزقاق و السوق و الاماکن العامة و المتنزهات و صالات السینما و المؤسسات و المراکز التجاریة و المسارح و المراکز الاجتماعیة !

و قد جری تنفیذ ذلک علی ایدی الخونة،و قد ساعدت رغبات و نزوات من

ص:216

ضعف ایمانهن أو فقدن الایمان علی اضرام نار هذه الفتنة المدمرة،و وصل الحال فی البلاد الاسلامیة و لا سیما فی ایرن إلی ان یمحی الاسلام من الوجود، الاسلام الذی یعتبر حصیلة جهود الانبیاء و الائمة و العلماء،و یُخمد نبراس هدایته،الّا ان ید الحق تعالی امتدت من جدید عن طریق سلیل النبوة و حفید الامامة،أی محطم الاصنام الخمینی الکبیر (رحمه الله) لتوجه صفعة للناهبین و تنقذ الاسلام من قیود الاشرار و تعید الحجاب التستر به نوامیس المسلمین.

یتعین علی ابناء الامة الاسلامیة الحافظة علی هذه الثورة التی قادها ذلک الرجل الالهی،و الدفاع عن قیمها و ان لا یَدعُوا مجالاً للاعداء فی تشویه هذا النور أو اخماده و یعیدوا الشعب الایرانی إلی الوراء،کی یتسنی تصدیر ثقافة الثورة بکل صلابة و ثبات و اعادة سائر الشعوب الاسلامیة إلی حظیرة الاسلام.

من خلال ما تقدم ندرک اهمیة قول المفکر الشهید المطهری الذی طالما نادی فی خطبه:ان الحجاب صیانة و لیس تقییداً.

نعم،فالحجاب صیانةٌ للمرأة و زوجها و اسرتها و المجتمع لا سیما الشباب و مَنْ لم یدخلوا بیت الزوجیة بعد،صیانةٌ من آلاف الاخطار و شتی المفاسد، و سداً یقف امام انهیار کیان الاسرة الدافیء.

و قد أکد المحققون ان حجاب المرأة قد ذُکر فی اربع عشرة آیة من آیات القرآن الکریم فیما یعتقد البعض ان هذا المعنی یستشف من ما یناهز الخمس و عشرین آیة.

فی کلام لأمیر المؤمنین (علیه السلام) مع ابنه الحسن (علیه السلام)-و بالحقیقة انه (علیه السلام) یخاطب الناس جمیعاً-یقول (علیه السلام):

«...و اکفف علیهنَّ من ابصارهنَّ بحجابک إیاهنَّ فإنّ شدّة الحجاب خیرٌ لک و لهنَّ من الارتیاب،و لیس خروجهنَّ بأشد من دخول من لا

ص:217

یوثق به علیهنّ،و ان استطعت ان لا یعرفن غیرک من الرجال فافعل» (1).

و فی روایة،یقول الراوی:

کنت قاعداً فی البقیع مع رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) فی یومِ دجنٍ و مطر إذ مرّت امرأة علی حمار فهوت ید الحمار فی وهدةٍ فسقطت المرأة فاعرض النبی (صلی الله علیه و آله) بوجهه،قالوا:یا رسول اللّٰه ! انّها متسرولة،قال:اللهم اغفر للتمسرولات، ثلاثاً،یا ایّها الناس ! اتخذوا السراویلات فانها من استر ثیابکم و حصّنوا بها نساءکم إذا خرجنَ (2).

علی المرأة ان تعترف بعبودیتها للّٰه تعالی و ترعی ما وهبها من نعمٍ،و رعایة مواهب المنعم و المالک و الربّ الحقیقی تتمثل بتعظیمه و الخشیة من المعاد و محکمته،و ان تطیع أحکامه التی وردت فی القرآن الکریم و جرت علی لسان الانبیاء و الائمة کی تأمن هی و اسرتها و مجتمعها من الوقوع فریسة للسفور و التبرج،و قد قال تعالی:

« وَ أَمّٰا مَنْ خٰافَ مَقٰامَ رَبِّهِ وَ نَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَویٰ«40»

فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْویٰ» (3).

و مما یؤسف له ان الکثیر من البنات و النساء فی هذا الزمان و علی امتداد عالمنا قد سلکن طریق التحلل و اطلقن العنان لشهواتهن و غرائزهن و بسطنَ مائدة الفساد و الافساد بشکل لم یسبق له مثیل فی التاریخ،و ما یحزّ فی النفس إن طائفة من بنات المسلمین و نسائهم ممَّن یُحسبنَ علی رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قد اخذن بتقلید تلکم النساء.

ص:218

یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) بشأن هاتیک النساء:

«یظهر فی آخر الزمان و اقتراب الساعة،و هو شر الازمنة،نسوةٌ کاشفات عاریات، متبرجات،من الدین خارجات،فی الفتن داخلات،مائلات إلی الشهوات مسرعاتٌ إلی اللذات،مستحلات المحرمات،فی جهنم خالدات» (1).

سمعتها إلی الابد و تحرق کیان زوجها بنارٍ لا تخمد ابداً و تبتلیه بمصیبة الیمة.

لو کان زوج تلک المرأة غیوراً و لا یَدَع زوجته الشابة الجمیلة تتلاقفها العیون و بامکان الجمیع النظر الیها و هی علی ذلک الجمال الجذّاب لما قُتلت تلک الطفلة البریئة و احترق فؤاد أبیها بنارٍ ابدیةٍ،و لما خُدشت عفة زوجته،و لما وقع الشاب بهذا الشکل فی اتون الشقاء و التعاسة،و لما انهار کیان هذه الاسرة الفتیة،نعم فالحجاب صیانة و لیس تقیید.

باسم الحریة،و استطاع الرجال امتاع انظارهم منها و هی شبه عاریة بکل یسر و سهولة متی ما شاؤوا،حینها فقدوا ما لدیهم من وفاء و صدقٍ تجاه زوجاتهم و عوائلهم و تحولوا إلی اناسٍ ماکرین مخادعین.

ان آثار التبرج و السفور و حریة المرأة فی اقامة العلاقات مع من تشاء و ما نجم عن هذه الظاهرة من افرازات هو مما یستعصی علی الحاسبات حصرهُ.

نتیجة لرؤیة الرجال لهذه المشاهد فقد تنصلوا عن زوجاتهم،و کما یعبر عنه بالخلاص من تکالیف المنزل التی کانت علی عواتقهم،و توجهوا نحو الاسواق الحرّة لاشباع غرائزهم،و حیث ان من لم یتزوج من الشباب وجدوا ما یطفیء جذوة شهوتهم بازهد الاثمان فقد عزفوا عن بناء الحیاة الزوجیة و توجهوا نحو المغازلة و اصطیاد نوامیس الناس،و هکذا انهار البناء العائلی فی الغرب و مَن قلّدهم من الشرقیین و تحولت الاوضاع إلی ما یشبه حیاة الغاب.

و تضیف السیدة الزیماری فی مقالتها:هنالک الکثیر من الآنسات الحسناوات فی جمیع انحاء السوید حالیاً ممن یحملن بالزواج،و کثیرٌ منهنَّ قد اضطررن لاقامة علاقات مع الرجال.

نعم،فهنَّ بانتظار من یتقدم للزواج منهنّ،و لکن لیس هنالک من یتقدم للزواج،لان الشباب بامکانهم الحصول علی النساء بایّ کیفیة شاؤوا،و لا یرون بأنفسهم حاجة للزواج،و هنالک الکثیر من الرجال المتزوجین قد طلّقوا زوجاتهم کی یتسنی لهم ارضاء غرائزهم بحریة ! !

ثم تقول السیدة الزیماری:وصیتی للفتیات ان لا یقمن أی علاقة مع أی رجلٍ قبل الزواج.

أیُّ دعوة مهمةٍ هذه ؟ انّها دعوة لا تمثل حلاً عملیاً لما تعیشه المرأة حالیاً من وضعٍ فی العالم قاطبة،و مع ما یعیشه الرجل من طیش فی المجتمع الغربی،فإذا

ص:221

ما اراد العالم ان ینال الصلاح و السداد علیه العمل بالاحکام الشرعیة و الانسانیة للاسلام فیما یتعلق بالمرأة،و فی مقدمة هذه الأحکام عودة المرأة الی حجابها و رجوعها إلی عفتها و براءتها و وقارها و حیائها،و فی غیر ذلک لیس هنالک من علاج لهذه المفاسد الهدّامة.

ان الظلم الذی مارسه الغرب بحق المرأة لا نظیر له علی امتداد التاریخ البشری،فقد وجّه اهتمام المرأة و ارادتها نحو الزینة و التبذل و غوایة الرجال و الظهور فی الشوارع و الاسواق و اشاعة الفساد فی کافة جوانب الحیاة،و بدَّلها إلی سلعة رخیصة لاثارة الشهوات،و استغلها لکسب المال و الثروة و ارضاء الشهوات.

قال علی (علیه السلام) فی نهج البلاغة:

«ان البهائم همُّها بطونها،و ان السباع همُّها العدوان علی غیرها،و ان النساء همُهنَّ زینة الحیاة الدنیا و الفساد فیها،ان المؤمنین مستکینون،ان المؤمنین مشفقون،ان المؤنین خائفون» (1).

جواریه الزهراء (علیها السلام) فی المنام و هی تدعو بالویل علی یزید،فقامت هذه الجاریة من نومها مذعورة مضطربة و توجهت إلی مجلس یزید حاسرة الرأس و لما رآها یزید صاح بها و القی علیها إزاره.

وا عجبا ! إذ ان یزیداً شارب الخمور اللاعب بالکلاب و القردة لم یتحمل ان تخرج جاریته حاسرة الرأس و القی علیها ازاره و ابعدها عن الاجانب،الا ان هنا لک من الرجال مَنْ غیرة له علی ناموسه فیخرج زوجته سافرة متزینة و یدعها تذهب اینما شاءت أو یصطحبها معه ! !

قال النبی (صلی الله علیه و آله) حول الغیرة.

«ان الغیرة من الایمان» (1).

و قال الصادق (علیه السلام):

«ان اللّٰه غیورٌ یحبُّ کلَّ غیور،و من غیرته حرَّم الفواحش ظاهرها و باطنها» (2).

و الروحیة،اما بشأن النساء فقد قال تعالی:

« یٰا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِکَ وَ بَنٰاتِکَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذٰلِکَ أَدْنیٰ أَنْ یُعْرَفْنَ فَلاٰ یُؤْذَیْنَ وَ کٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِیماً» (1).

اما فیما یتعلق بالاثنین:

« قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِکَ أَزْکیٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِیرٌ بِمٰا یَصْنَعُونَ* وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» (2).

قال الامام الصادق (علیه السلام):ان عیسی قال لاصحابه:

«إیاکم و النظرة فانها تزرع فی القلب الشهوة،و کفی به لصاحبها فتنة،طوبی لمن جعل بصره فی قلبه و لم یجعل بصره فی عینه» (3).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«لیس فی البدن شیء أقل شکراً من العین فلا تعطوها سُؤلها فتشغلکم عن ذکر اللّٰه عز و جل» (4).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«لکل عضوٍ حظٌّ من الزنا،فالعین زناه النظر» (5).

و حینما قالت بنتُ شعیب لابیها-و هو ما اورده القرآن-:

«یا ابتِ استأجره انَّ خیر من استأجرت القوی الأمین.

قال لها شعیب (علیه السلام):

یا بنیّة هذا قویٌّ قد عرفتیه بدفع الصخرة،الأمین من این عرفتیه ؟ قالت:یا أبتِ انی مشیت قدّامه،فقال:امشِ من خلفی فإنّ ضللتُ فارشدینی إلی

ص:224

الطریق فانا قومٌ لا ننظر فی ادبار النساء» (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«مَن ملأ عینه من حرامٍ ملأ اللّٰه عینه یوم القیامة من النار الّا ان یتوب و یرجع» (2).

و عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن اللّٰه سبحانه:

«النظر سهمٌ من سهام ابلیس،من ترکها من مخافتی ابدلتُهُ ایماناً یجدُ حلاوته فی قلبه» (3).

فیا ایّتها المسلمات،و البنات من امة محمد (صلی الله علیه و آله) ! اطعنَ الأحکام الالهیة من أجل خیر دنیاکنَّ و آخرتکنَّ.

و یا ایّها الغیاری،ایّها الشباب ! حافظوا علی نوامیسکم من تجاوزات الطائشین و ذلک بالتزام الحجاب الاسلامی،و اجعلوا من زوجاتکم ملکاً لکم،لا أن یتلذذ الآخرون بجمالهنَّ و زینتهن و اجسادهنَّ،و هذا خلاف الغیرة و الرجولة و الاخلاق و الشرف و المروة.

ص:226

« مٰا أَصٰابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ»

النساء79/

14

ص:228

ص:229

یتلألأ فی باطن الوجود بحرٌ من نورٍ یوفر جانباً من الأمان الباطنی الذی یسری بشکلٍ طبیعی من الانسان إلی الزوجة و الولد،حیث ینهلان إلی جانبه من نعمة الأمن الباطنی،و بالتالی تتنور اجواء الحیاة بنور الاستقرار إلی حدٍ ما.

ان العلوم الدینیة فی حدود الواجب العینی،و المسائل الفقهیة،ای معرفة الحلال و الحرام،و العلوم المادیة بالقدر الضروری،ضروریة بالدرجة الاولی لرب الاُسرة الذی یمسک بزمام إدارتها،و فی المرحلة اللاحقة تعتبر ضروریة للمرأة و الولد لیعیشوا معاً فی مملکة البیت الصغیرة متعمتعین بالمعرفة و البصیرة و الوعی و یأمنون شر الجهل و اضراره و الخسائر المترتبة علی عدم الفهم.

نعم،ان المعرفة بحدود سعتها تفیض بالأمن،أما الجهل فهو یفرز الخسران و الدمار.

و سُئل رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن علامات الجاهل،فقال:

«إن صَحِبْتَهُ عنّاک،و ان اعتزلته شتمک،و ان اعطاک مَنَّ علیک،و ان اعطیته کفَّرک، و ان اسررت الیه خانک» (1).

و إذا کان رب الاُسرة جاهلاً بالمسائل المعنویة و الأصولیة و الجوانب المادیة و الظاهریة فإنّه یصبح مصدراً للاضطراب و اللاأمن و الأذی و العناء فی البیت و خارجه،و عندها یتعرض المال و الثروة و الحیاة الزوجیة و الأولاد إلی الخطر و الخسران.

ان تأکید الاسلام علی کسب المعرفة و التحلی بالبصیرة فی الأمور المعنویة و المادیة بالمقدار اللازم إنما هو من أجل توفیر الأمان ظاهریاً و باطنیاً و غرسه فی نفوس الزوجة و الأولاد و المحافظة علیهم من شر الانسان و خطره،و لا یلحق الضرر بدنیاهم و آخرتهم أو یستحوذ علیهم الشقاء.

ورد فی الکتب الاسلامیة ان المسیح شوهد یوماً هارباً فسأله رجلٌ عن السبب فکان جوابه انّه هرب من الجاهل.

نعم،یجب الهروب من الجهل و الجاهل اتباعاً لسیرة الأنبیاء و تأمیناً للسعادة فی الدنیا و الآخرة.

ان الجاهل فقیرٌ و ان کان ثریاً،و العالم الواعی ثریٌ و ان کان فقیراً.

« هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لاٰ یَعْلَمُونَ» (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا أتی علیَّ یومٌ لا ازداد فیه علماً یقربنی إلی اللّٰه تعالی فلا بورک لی فی طلوع الشمس ذلک الیوم (2).

و عنه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«قلبٌ لیس فیه شیءٌ من الحکمة کبیتٍ خربٍ،فتعلّموا و علِّموا و تفقَّهوا و لا تموتوا جهالاً فإنّ اللّٰه لا یعذر علی الجهل» (3).

و فی کتاب غرر الحکم ینقل عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) وصفه العلم و المعرفة بما یلی:العلم یُنجد،العلم حجابُ من الآفات،العلم أفضل غنیة،العلم مصباح العقل،العلم نعم دلیل،العلم افضل هدایة،العلم جمال لا یخفی،العلم أفضل الأنیسین،العلم أفضل الاحساب،العلم ضالة المؤمن،العلم قائد الحلم،لا کنز انفع من العلم،کفی بالعلم شرفاً.

و فی جملة موجزة یوضح رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) کافة الحقائق الناجمة عن العلم و المعرفة فی الدنیا و الآخرة.

«العلم رأس الخیر کلّه» (4).

و یذکر الامام علی (علیه السلام) سبعة فوارق جوهریة بین المال و العلم حیث یقول (علیه السلام):

الأول:العلم میراث الأنبیاء،و المال میراث الفراعنة.

ص:232

الثانی:العلم لا ینقص بالنفقة و المال ینقص بها.

الثالث:یحتاج المال إلی الحافظ و العلم یحفظ صاحبه.

الرابع:العلم یدخل فی الکفن و یبقی المال.

الخامس:المال یحصل للمؤمن و الکافر و العلم لا یحصل الّا للمؤمن خاصة.

السادس:جمیع الناس یحتاجون إلی صاحب العلم فی أمر دینهم و لا یحتاجون إلی صاحب المال.

السابع:العلم یقوّی الرجل علی المرور علی الصراط و المال یمنعه (1).

ان السفینة الفارغة أکثر تعرضاً إلی خطر الأمواج و التحطم و التیه و الغرق فی عرض البحر،أما السفینة المحمّلة و الثقیلة فهی تشق الأمواج و تسیر باطمئنان و امانٍ نحو غایتها،و الأولی مثلها کالانسان الجاهل،أما الثانیة فهی کالبصیر الواعی و العارف.

کیف یتصرف مَنْ تحلّی بباطنٍ زاهرٍ بنور التوحید،و قلبٍ مطمئنٍ بالحقیقة و فؤادٍ یعیش فی ظل القیامة،و یعلم ان ذلک الیوم یوم:

« فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ» (2).

و یری انّه مسافرٌ فی هذه الدنیا،و ان الآخرة هی دار البقاء،و یعتبر نعم اللّٰه امانةً لدیه،و انّه مکلّفٌ و مسئول تجاه کل واحدة من هذه النعم،و یری ان الزوجة و الأولاد و البیت و المتجر و الثروة کلها من عطاء اللّٰه و تقوم علاقته مع جمیع الأشیاء علی ضوء المعرفة ؟

من المسلّم انّ تصرفه سیکون نابعاً من الحکمة،و عمله نورانیاً،و تحرکاته عین الحقیقة،و تعامله مع کل شیء لا سیما الزوجة و الأولاد یقوم علی أساس

ص:233

الصلاح و السداد و الرأفة و الرحمة و الکرامة،و مثل هذا الانسان یفیض اماناً و طمأنینة سواء فی داخل البیت أو خارجه،و یعیش الآخرون معه بکل اطمئنان و هدوء و ثقة،و هذا ما یریده الاسلام من الرجل بصفته رباً للاسرة و زوجاً و أباً.

الطبائع فإنّ صاحبه سیتحول إلی مخلوقٍ خطیر و ضارٍ خبیث و ظالمٍ لا یأمنه أحد.

و لا بد من الاشارة إلی من لم یتزوج بعد من الشباب:إذا رأیتم قلوبکم قد تلوثت بهذه الطبائع الذمیمة فعلیکم المبادرة إلی اصلاحها و من ثم المبادرة إلی الزواج کی تشعر البنات بالأمن و هنَّ یغادرن بیوتهن و یودعنّ احضان آبائهن و امهاتهنّ الطافحة بالمحبة و الحنان یحدوهنّ الأمل نحو بیوتکم و من ثم ینجبن لکم الذریة،و یعشنّ معکم بکل طمأنینة،فیتمکن من اداء مسؤلیات الزوجیة و الأمومة علی أحسن وجه.

و ان الدار التی تفتقد للأمن،و الانسان المخل بالأمن مثلهما کجهنم،و الویل لمن لا یأمنه عیاله و یحیون معه بمرارةٍ و شقاء دائم،و الویل لمن یتجرع زوجها و أولادها منها الشقاء و العناء و التی تعمل علی تبدیل جو الاُسرة إلی جوٍّ ملیء بالرعب و الفوضی دون وجلٍ من اللّٰه سبحانه،و الویل للذین یؤذون والدیهم و لا یأمن جانبهم.

و لأمیر المؤمنین (علیه السلام) تصورٌ عجیب حول القلب فهو ان لم یرتبط باللّٰه سبحانه و یکون مفعماً بمحبته فایُّ بلاءٍ سیجلبه لصاحبه،یقول (علیه السلام):أعجبُ ما فی الانسان قلبه و له موادٌ من الحکمة،و اضدادها من خلافها فان سنح له الرجاء أذّلهُ الطمع،و ان هاج به الطمع اهلکه الحرص و ان ملکه الیأس قتله الأسف،و إن عرض له الغضب اشتد به الغیظ،و ان سعد بالرضا نسی التحفظ،و إن ناله الخوف شغله الحذر،و إن اتسع له الأمن استلبته الغرَّة،و إن جدّدت له النعمة اخذته العزّة، و ان اصابته مصیبةٌ فضحهُ الجزع،و إن استفاد مالاً اطغاه الغنی،و إنْ عضّته فاقة شغله البلاء،و إن جهده الجوع قعد به الضعف،و إنْ افرط فی الشبع کظّته البطنة،

ص:235

فکلُّ تقصیر به مضرٌّ،و کل افراطٍ به مفسدٌ (1).

و حول سلامة القلب و مرضه روی عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قوله:

«فی الانسان مضغةٌ إذا هی سلمت و صحّت سلم بها سائر الجسد،فإذا سقمت سقم بها سائر الجسد و هی القلب» (2).

و عنه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«ان للّٰه تعالی فی الأرض أوانی الا و هی القلوب،فاحبُّها إلی اللّٰه ارقُّها و اصفاها و اصلبها،أرقُّها للاخوان،و اصفاها من الذنوب،و اصلبها فی ذات اللّٰه» (3).

و روی عن أمیر المؤمنین حدیث غایة فی الأهمیة بشأن سلامة القلب اذ قال (علیه السلام):

«لا یسلم لک قلبک حتی تحب للمؤمنین ما تحب لنفسک» (4).

ما أعجبه من اقتراح عجیب لسلامة القلب،و یا له من حدیث مفعم بالنور و الحکمة ورد عن سید الأولیاء و العاشقین ؟ !

أجل،فإذا اراد المرء للآخرین ما یریده لنفسه،طهر قلبه من الرذائل تدریجیاً فیتحول حینها إلی قلب سلیمٍ،و عند ذاک یمتلیء ایماناً و حبّاً و رأفة و رحمة و کرامة و اخلاصاً و سینعم الناس جمیعاً لا سیما المرأة و الأولاد إلی جانبه من بخیر الدنیا و الآخرة.

علی الشباب الذین لم یدخلوا عش الزوجیة بعد العمل علی سدِّ ما یجدونه

ص:236

من نواقص فی قلوبهم،و الّا فإنّهم سیظلمون زوجاتهم و أولادهم فیما بعد،و علی المتزوجین المبادرة إلی علاج ادران الرذائل إن هُم احسّوا بوجودها فی قلوبهم، و الّا فلن یکون زوجاتهم و أولادهم فی مأمنٍ منهم،و لیعلم الجمیع حقیقة ان عذاب البرزخ انما یصیب الذین یشقی عیالهم معهم نتیجة ابتلائهم بسوء الخلق.

إذا ما رُفد العقل بالعلم و تخلّق القلب باخلاق اللّٰه،حینها تصبح النفس نفساً نورانیة و تتحول حرکات البدن إلی حرکات ملکوتیة،و یصبح للانسان إلی منهل خیر و فضیلة و أمان،و الآن تأملوا هذه الآیة الکریمة بهذا الصدد:

« اَلَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یَلْبِسُوا إِیمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولٰئِکَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» (1).

نعم،کما تقدم فی بدایة البحث فإنّ الحسنات جمیعها من اللّٰه سبحانه أما السیئات فهی من الانسان،و یمکن اکتساب الحسنات و محو السیئات من صفحة الوجود من خلال الاقبال علی اللّٰه عن طریق التمسک بالانبیاء و القرآن و الأئمة و العلماء الربانیین و استثمار القوی الظاهریة و الباطنیة.

و بعد اکتساب الحسنات تکون مسؤولیة الانسان العمل علی نقلها إلی الآخرین لا سیما زوجته و ولده،و فی هذا المجال یعتبر الاهمال ذنباً کبیراً یستوجب عقاب اللّٰه.

لقد دعانا الأئمة (علیهم السلام) إلی ان نکون اسوة للآخرین باعمالنا لا بالسنتنا، حیث ان کلَّ انسان یلمس جمال الباطن فی شخص ما فهو یندفع إلی اکتسابه.

علی رب الاُسرة ان یکون حجة للّٰه فی بیته و ان یکون اسوة حسنة لعیاله علی صعید الجمال بجوانبه المعنویة و الأخلاقیة و العملیة،و لا یکون هکذا ما لم یغذّی العقل و الروح و البدن بالقدر الممکن من العلم و الأخلاق و الصفاء و الطهارة و التقوی و العمل الصالح حتی یتحول بیته و أهله إلی شعبةٍ من دار أهل

ص:237

البیت (علیهم السلام) و مظهر لاولیاء اللّٰه،و هنا تتضح ضرورة المشارکة فی المجالس الدینیة النافعة و ارتیاد المساجد و مجالسة الفقیه،و العالم الربانی،فیما ینجم من الابتعاد عن هذه الحقائق تراکم الجهل و تفشی الأمراض القلبیة و الانحرافات النفسیة و العمیلة.

و مع تجلّی الوحی فی القرآن الکریم و ما وصلنا من آثار الأنبیاء و الأئمة فی الکتب القیمة و المعتبرة،و توفّر المساجد و المجالس الدینیة،و العلماء الربانیین، لسلوک الصراط الالهی و طریق السلامة،لن تبقی لأیِّ أحدٍ حجة و لا عذر عند اللّٰه سبحانه.

فی الدنیا و الآخرة.

علی أیة حالٍ،یتعین علی الزوجین العمل علی توفیر الأمان المطلوب فی الحیاة الدنیا لهم و لأولادهم و ارحامهم و اقربائهم مستعینین بالایمان و الأخلاق و العمل الصالح و الصفاء و الوفاء و الصدق و الحلم و الصبر وسعة الصدر،لینالوا بذلک الأمان یوم القیامة بالاضافة إلی ما ینعمون به من أمان فی هذه الدنیا حیث یقول النبی (صلی الله علیه و آله):

«الدنیا مزرعة الآخرة».

و یقول الامام الباقر (علیه السلام):

«و لنعم دار المتقین» (1).

فالمتقون یتزودون من دنیاهم لآخرتهم،و یعمّرون آخرتهم بدنیاهم، فیعیشون فی الدنیا سعداء،و فی الآخرة أکثر سعادة.

ان المؤمنین و المتقین یتاجرون و یکسبون و یزرعون و یملکون و یتزوجون، و یدیرون شؤون البیت و الحیاة علی أحسن وجه و یقضون حوائج الناس و یتزاورون و یتصدقون،و خلاصة القول یتمتعون بدنیاهم فی أجواء ملؤها السلامة و الأمان و الایمان و الاخلاق،و من بعدها یحظون بآخرةٍ افضل.

لیت البیوت جمیعها تعیش الأمان و السلامة،و یا لیت دیارنا باسرها یسودها الایمان و الأخلاق و العمل الصالح،و یا لیت جمیع الرجال و النساء مزینون بالمحاسن و مطهرون من الرذائل،لئلا یتعرض أحدٌ إلی المشاکل و یعیش الجمیع سویةً مستظلین بظلال السلامة لاطمئنان و یهنئون بالمواهب الالهیة.

و قد وصف جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) المؤمن الحقیقی قائلاً:

ص:239

«الناس منه فی راحةٍ و نفسه منه فی تعب» (1).

فلما ذا لا تولون ولدکم-هذه النعمة الالهیة-الاهتمام الذی یستحقه علی الأصعدة المادیة و المعنویة ؟ فإنّ الظفر بالولد و الاهتمام به و تلبیة متطلباته الانسانیة یُعد تجارةً رابحةً فی الدنیا و الآخرة.

ص:241

ص:242

قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:«من تزوّج للّٰه و لصلة الرحم توجّه اللّٰه بتاج المُلک»

الوسائل 51/20

15

ص:244

ص:245

نبیعُ شیئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً،فقال له شعیب:لا و اللّٰه یا شابّ و لکنها عادتی و عادة آبائی،نقری الضیف و نطعم الطعام،فجلس موسی فأکل (1).

وا عجبا ! بعد تلک الفترة الطویلة التی مضت علی خروج موسی من مصر و تنقله فی الصحراء دون ان یحصل علی طعام اذ کان یتغذی علی اعشاب الصحراء،فهو یدخل علی شعیب (علیه السلام) و یری مائدته قد اعدّت،بید انّه ابی تناول الطعام بالرغم مما کان علیه من جوعٍ لئلا یؤثر ذلک فی عمله الذی قام به خالصاً لوجه اللّٰه سبحانه،لکنه عند ما اطمئن إلی خلوص نیّة شعیب فی هذه الضیافة جلس امام المائدة.

لقد ادی اخلاص شعیب إلی ان یرعی اغنامه أحد انبیاء اولی العزم لمدة ثمانی سنوات،فیما اثمر اخلاص موسی عن زواجه من ابنة شعیب !

الحسین (علیه السلام).

و فی یوم خمیسٍ دُعیت إلی منزل أحد کبار العلماء فی اطراف المدینة، فطلب منی ان ارتقی المنبر فاجبتهم إلی ذلک فتحدثت عن الموت مستنداً إلی بضع احادیث من نهج البلاغة،فبکی صاحب الدار بکاءً شدیداً و استمر بکاؤه حتی نهایة المجلس،و فی الخمیس القادم دُعیتُ ثانیة الی ذلک البیت و طُلب منی ان اتحدث باسلوب اکثر بساطة لان هذا الرجل الجلیل یبکی بکاءً مرّاً حین یتذکر ما تناولت فی المحاضرة السابقة،ثمّ ذکروا لی قصة مثیرة عن اخلاصه.

فکان مما قالوا:عند ما کان اعزباً لم ینفع مع الحاحنا علیه بالزواج،غیر انّه وافق علی الزواج فی آخر المطاف،فاقترح علیه الزواج من شابة لم تتزوج بعد، و بعد لقائه بها حسب التعالیم الشرعیة رفض الزواج منها،ثم مضت مدة من الزمن فسمعنا انّه تزوج من امرأة ارملةٍ سوداء الوجه قبیحة المنظر و لها من الأولاد ثلاثة فدهشنا لذلک،و عند ما سألناه عن السبب أجاب:حین رأیت الفتاة الباکر اعجبتنی و کلما حاولت ان اخلص نیتی فی هذا الزواج و اقدم علی ذلک قربة لوجه اللّٰه سبحانه الّا اننی لم افلح فترکتها،و لما رأیتُ هذه الأرملة فقیرة الحال و معها ثلاثة أیتام لا رغبة لأحدٍ بالزواج منها،حینها عثرت علی قاعدة الاخلاص فتزوجت قربة إلی اللّٰه و طمعاً فی الربح الحقیقی یوم القیامة ! !

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«طوبی لمن اخلص للّٰه عمله و علمه و حبّه و بغضه و اخذه و ترکه و کلامه و صمته و فعله و قوله» (1).

و قال (علیه السلام):

ص:247

«الاخلاص اشرف نهایة» (1).

و عنه (علیه السلام):

«فی الاخلاص یکون الخلاص» (2).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«الاخلاص ملاک العبادة» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«طوبی للمخلصین اولئک مصابیح الهدی،تنجلی عنهم کلُّ فتنة ظلماء» (4).

و قال الامام الحسن العسکری (علیه السلام) واصفاً عظمة المخلصین:

«لو جعلت الدنیا کلّها لقمةً واحدةً و لقمتها مَنْ یعبدُ اللّٰه خالصاً لرأیت انی مقصرٌ فی حقه» (5).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«أخلصوا اعمالکم للّٰه فإنّ اللّٰه لا یقبل الّا ما خلص له» (6).

و قال (علیه السلام):

«ضاع من کان له مقصدٌ غیر اللّٰه» (7).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«تمام الاخلاص اجتناب المحارم» (8).

ص:248

إذا لم یطغَ الهوی و الغرائز و التقلید الأعمی و التعلق المفرط بالامور المادیة، و الغفلة فإنّ زهرة الاخلاص ستتفتح فی کلِّ عملٍ من دوحة الباطن فیملأ عطرها کل ارجاء الحیاة.

ما اجمل ان یبنی الرجل و المرأة الزواج علی اساس من الاخلاص و یستمران علی ذلک فی مسیرة الحیاة رغم العراقیل.

یقول تعالی:

« قُلْ إِنَّ صَلاٰتِی وَ نُسُکِی وَ مَحْیٰایَ وَ مَمٰاتِی لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ» (1).

ان الریاء فی الواجبات مبطلٌ لها،و فی المندوبات سببُ للتقلیل منه قیمة العبادة.

التکالیف و المسئولیات.

ان نقاط ضعف المرأة یجب ان تُجبر بالتعامل الطیب للرجل،فهی غیر قادرة علی ان یحاربها الرجل و یجعل من البیت ساحةً للحرب و الجدال معها،و فی هذا الصدد ادعوکم لتدبر هاتین الروایتین.

فقد کتب أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی ابنه الحسن (علیه السلام) ذکّره فیها بقضایا مهمّة، منها ما ذکره حول ماهیة المرأة فقال (علیه السلام):

«فإنّ المرأة ریحانةٌ و لیست بقهرمانة» (1).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«أکثر اهل الجنة من المستضعفین النساء،علم اللّٰه ضعفهنّ فرحمهنَّ».

لهذا یتعین علی الرجل ان یتقی اللّٰه و یتعامل مع زوجته برحمة و رأفة و محبّة، و یراعی فی تعامله معها وضعها الجسمی و الروحی بوصفها باقة وردٍ عطرةٍ و یتجنب الافراط و التفریط و الاجحاف بحقها بای نحو کان،فاللّٰه تعالی-و هو خالق المرأة-یأمر بمراعاة التقوی ازاء النساء و الاحسان إلی أمة اللّٰه (2)فی البیت بشکلٍ مناسب علی الأصعدة المادیة و المعنویة.

و لکن علی المرأة ان تدرک ان الرجل یتحمل المصاعب لادارة هرون البیت و لا بد ان یسعی لتوفیر السکن و اللباس و الطعام من أجل سعادة زوجته و ولده و تدبیر امورهم و هی امور لا تتحقق دون مواجهة المصاعب و مزاولة العمل و تحمّل مشاق السفر و الحضر،من هنا علیها ان تستقبله حین یعود إلی البیت

ص:250

بتعامل کریمٍ و اخلاق حسنةٍ و تلبی رغباته الطبیعیة فتعطّر اجواء المنزل بالسلوک الحمید و الابتسامة و الثناء علی جهوده خارج البیت.

أجل،ان التقوی و العدالة و الأخلاق الفاضلة و التصرف الممدوح و الابتسامة التی تنم عن الرضا و تثمین الجهود و المحافظة علی الهدوء و الاستقبال اللائق.

کلها فضائل یجب أن تُلقی بظلالها علی الحیاة الزوجیة للزوجین و تتنور حیاتهما ببرکة هذه الحقائق.

و فی روایات الشیعة هنالک فصلٌ هامٌ یتناول مسألة معاشرة المرأة مع زوجها و الرجل مع أهل بیته،یثیر الاعجاب من حیث عدد تلک الروایات و ما یتضمنه ذلک الکلام الملکوتی من مفاهیم.

فلا یجوز ان یظلم احدهما الآخر و لو بمقدار حبة خردل،و علی الظالم ان یعلم انّه سیواجه عقوبةً شدیدةً.

ان المرأة لیست ملکاً للرجل کی یتصرف بها کما یشاء،و المرأة لا تتمتع بالحریة التامة ازاء الرجل حتی یحق لها القیام بأی عملٍ دون وازعٍ،بل هنالک تکالیف و مسئولیات لکلٍّ منهما فرضها اللّٰه و رسوله و الأئمة المعصومون،و فی اطار تلک التکالیف یمکنهما التعامل فیما بینهما،و کلُّ عملٍ آخر یخرج عن الحدود الالهیة و الواجبات الانسانیة و الأخلاقیة هو ظلمٌ له مردوداته فی الدنیا و الآخرة.

و فیما یرتبط بظلم الزوجة للزوج و ظلم الزوج للزوجة-و هو عملُ شیطانی یتنافی مع الکرامة و الفضیلة-ثمة روایة مهمة جداً عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) حریٌّ بنا التأمل بها،حیث یقول (صلی الله علیه و آله).

من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل اللّٰه صلاتها و لا حسنة من عملها حتی تعنیه و ترضیه و ان صامت الدهر قامت و اعتقت الرقاب و انفقت الأموال فی سبیل اللّٰه،و کانت

ص:251

اول من ترد النار،ثم قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):و علی الرجل مثل ذلک الوزر و العذاب إذا کان لها مؤذیاً ظالماً.. (1).

لیعلم امثال هذه المرأة و الرجل ان اللّٰه تعالی عبّر فی کتابه عن سخطه علی الظالم و ابعاده عن دائرة محبته:

« وَ اللّٰهُ لاٰ یُحِبُّ الظّٰالِمِینَ» (2).

و علی الرجل و المرأة ان یعرفا ایضاً ان الظلم لا ینحصر بالظلم البدنی و الایذاء الجسمی،بل ان النظرة المصحوبة بالغضب و سوء الخلق و الکلام البذیء و السب و الاحتقار و عدم التمکین من مصادیق الظلم.

ان المرأة التی تظلم زوجها،و الزوج الذی یظلم زوجته لیسا فی عداد المسلمین الحقیقیین،و انما ممن خرج عن دائرة الهدایة و غرق فی مستنقع الضلال،لقوله تعالی:

« بَلِ الظّٰالِمُونَ فِی ضَلاٰلٍ مُبِینٍ» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«بین الجنة و العبد سبع عقبات أهونها الموت،قال انسٌ:یا رسول اللّٰه فما اصعبها ؟ قال:الوقوف بین یدی اللّٰه عز و جلّ إذا تعلّق المظلومون بالظالمین» (4).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«بئس الزاد إلی المعاد العدوان علی العباد».

و قال (علیه السلام):

ص:252

«الظلمُ یزِّلُّ القدم و یسلبُ النّعم و یهلک الأمم» (1).

و عنه (علیه السلام) انّه قال:

«و اللّٰه لو أعطیتُ الأقالیم السبعة بما تحت افلاکها علی ان اعصی اللّٰه فی نملةٍ اسلبها جلبُ شعیرة ما فعلت» (2).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«اتقوا الظلم فإنّه ظلمات یوم القیامة» (3).

و قال رجلٌ لرسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«احب أن احشر یوم القیامة فی النور ؟ قال:لا تظلم أحداً،تحشر یوم القیامة فی النور» (4).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«کلُّ ظلمٍ الحادٌ و ضربُ الخادم فی غیر ذنبٍ من ذلک الالحاد» (5).

اَلْمُنْکَرِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاٰةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکٰاةَ وَ یُطِیعُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ» (1).

و هذه الآیة من جملة الآیات القرآنیة التی وردت بشأن المؤمنین تکفی لوحدها للاطلاع علی ظاهرهم و باطنهم.

و مثل هؤلاء الرجال و النساء حینما یعیشون حیاةً زوجیة،تکون حیاتهم مزیجاً من النور و الصفاء و الطهارة و الخیر و البرکة و الصدق،فالرجل فی هذه الحیاة تعتبر مثالیاً و کذا المرأة،و حیاتهما طیبة و دنیاهما و آخرتهما عامرتان.

یقول العلامة المجلسی (رحمه الله):هنالک من الرجال مَن إذا خرج إلی العمل قال له عیاله:ایاک و کسب الحرام فإنا نصبر علی الجوع و الضرِّ و لا نصبر علی النار فایُّ فضیلةٍ اسمی من الصبر و الاستقامة ازاء المشکلات و المصاعب حفاظاً علی النفس من عذاب یوم القیامة ؟

و قد رأیت بنفسی بعض العظماء ینهون نساءهم و أولادهم عن المطالبة بما یفوق طاقتهم متوسلین بالاسلوب الطیب و الکلام اللین مع الوعد بتلبیتها عند تحسن الوضع.فیوافق العیال و یتجنبون ایذاء آبائهم روحیاً و ممارسة الضغط علیهم،فیهنئون فی حیاتهم و ینعمون بحیاة هادئة نورانیة لطیفة.

لقد کانت خدیجة الکبری تشاطر زوجها الکریم المعاناة و الآلام أیام محنته، و عاش النبی (صلی الله علیه و آله) معها حیاةً بحیث انه (صلی الله علیه و آله) کلّما ذکرها بعد وفاتها دعا لها بالرحمة و بکی علیها.

ففی بدایة زواجها من رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) بذلت کلّ ثروتها له و هو (صلی الله علیه و آله) کان یصرفها لقضاء حوائج المحتاجین و الرسالة الاسلامیة حتی لم یبق من تلک

ص:254

الثروة شیٌء یذکر،و فی اواخر حیاتها عاشت خدیجة مع زوجها فی بیتٍ متواضعٍ بسیط الاثاث،و هی فی الرمق الأخیر و فی تلک الظروف الصعبة،سألت رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):ان کان قد رضی عنها،فهبط أمین الوحی مخبراً الرسول (صلی الله علیه و آله) برضی اللّٰه عن خدیجة ففرحت خدیجة فرحاً غامراً فعبّرت عن ان الموت و الحیاة بالنسبة لها فی غایة العذوبة.

و حینما افتقدت فاطمة الزهراء (علیها السلام) امها و هی لم تتجاوز آنذاک سن الرابعة، سألت أباها عنها فاخبرها (صلی الله علیه و آله) بأنها قد ارتحلت إلی الملکوت الأعلی.

نعم،ان المؤمنة التی تتجلی آثار ایمانها فی افعالها و اخلاقها انما هی کائن ملکوتی و منهل لرضی الحق تعالی،و منبعٌ للفضائل و الکمالات.

ساور القلق الجمیع،الّا انّه کان یواسیهم،فلم یکن هنالک من یعقل ذلک، و فی مساء الیوم التالی و بعد فراغه من الصلاة توجه للّٰه بالدعاء قائلاً:الهی لقد وعدت باغاثة المحتاج،و أنا الآن محتاجٌ الیک حیث اسافر إلی القیامة فاعنّی،ثم نطق بکلماتٍ طیبة و فارق الدنیا و هو علی سجادة الصلاة،و قد دُفنا فی قبر واحد.

و ذات لیلة رایته فی عالم الرؤیا فقلت له:این انت الآن ؟ فاجابنی:بقیت و زوجتی فی المکان الذی دُفنّا فیه لمدة ثلاثة ایام ثم نقلنا عند سیدالشهداء (علیه السلام) و نحن الآن نعیش حیاةً هانئة فی اجواء البرزخ الملکوتیة !

بندی الایمان و الأخلاق الحسنة و العمل الصالح.

فقد ذکر ذلک الرجل العظیم:ان الذی بنی مسجد جوهر شاد المجاور لمرقد الامام الرضا (علیه السلام)-و هو یعد الیوم من أهم المساجد علی وجه الأرض حیث تُصلی فیه آلاف الرکعات یومیاً و تقرأ فیه الزیارات آلاف المرات و تُقعد فیه عشرات المجالس و حلقات الدرس لتعلّم العلوم الاسلامیة و التربیة علی أیدی العلماء الربانیین-کانت امرأة کریمة فهیمة متدینة عالمة عفیفة.

و قبل الشروع ببناء المسجد طلبت من البنّائین و المسئولین عن العمل ان یوفروا أوانٍ لتقدیم الماء و العلف للحیوانات التی کان من المقرر أن تنقل مواد البناء علی طول الطریق الواصل بین مکان هذه المواد و المسجد لئلا تنقل الحیوانات حمولتها و هی تعانی الجوع و العطش،لأن ذلک مما لا یرضاه الحق تعالی و الوجدان،و قالت لهم:لا یحق لاصحاب المراکب ضرب الحیوانات، و یجب تحدید ساعات العمل،و علیکم التعامل برافةٍ و رفق مع البنائین و العمال و تسدید اجورهم علی قدر جهودهم،و فی حالة الحاجة إلی التنبیه یتم ذلک بلینٍ،و لا تزعجوا احداً و اشتروا البیوت المجاورة بقیمة مناسبة فنحن نرید بناء مسجد للعبادة و مکاناً للزیارة و محلاً لدراسة العلوم الالهیة،و ایاکم ان تظلموا انساناً أو حیواناً و لو بمقدار ذرةٍ لما فی ذلک من أثر فی قیمة العمل.

جاء فی نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین (علیه السلام):

فإنّکم مسؤولون حتی عن البقاع و البهائم.

و اضاف ذلک العالم قائلاً:کانت السیدة جوهر شاد کثیراً ما تزور المسجد للاطلاع و تقدیم التعلیمات اللازمة.

و فی أحد الأیام شاهدها أحد العمال خلسةً فتعلّق بها و لم یجرؤ علی البوح بذلک،لخطورة الموقف،حیث ان السیدة جوهر شاد کانت زوجة المیرزا

ص:257

شاهرخ و کنه تیمور گورگانی فلا معنی لهذا التعلق و الحبّ،لکن هذه الأمور لم تکن مفهومة لدی ذلک العامل البسیط.

و مرض العامل،فعرفت بمرضه من خلال تقریر العمل الیومی،و کان یسکن مع امه فی بیتٍ خرب،فذهبت لعیادته،فوجدته ملقیً علی فراش المرض یئن مصفر الوجه ناحل البدن،و بعد ان سألت عن حاله و اصرّت علی معرفة سبب المرض اندفعت امه-بسذاجة تفوق سذاجة ابنها-فافصحت عن السبب،فلم تغضب السیدة جوهر شاد و لم تستغل سلطانها و انما توجهت باللوم لام العامل، و عبّرت عن استعدادها للزواج منه بعد الانفصال من زوجها،و طلبت ان یدفع المهر قبل الاقدام علی ذلک الأمر و هو أن یتعبّد الشاب لمدة اربعین یوماً فی محراب المسجد الذی هو فی طور السیناء.

فقبل الشاب و راح یتعبد لعدة ایام یدفعه إلی ذلک حبّه و تعلقه القلبی،الّا ان موقفه تغیر بعد ذلک بتوفیق اللّٰه و رعایة الامام الرضا (علیه السلام) و هی الحقیقة التی کانت جوهر شاد علی علم بها.

و بعد أربعین یوماً ارسلتْ الیه تسأل عن حاله فقال لمبعوث السیدة جوهر شاد:لو عرفت لذة ترک اللّذة لما اعتبرت لذة النفس لذة.

بامکاننا تحویل اجواء البیت إلی مظهر للفضائل المعنویة و الآثار الالهیة و الانسانیة من خلال الایمان باللّٰه و الحذر من القیامة و التحلّی بالاخلاق الفاضلة و السلوک الحمیدة،و هو لیس بالأمر الصعب،و من ینال توفیق اللّٰه یسهل علیه قطع الطریق و ان شقَّ علی الآخرین.

ص:258

16

ص:260

ص:261

ان الأموال و ما تدرّه التجارة تعتبر بالنسبة لمن توسّم الآداب الالهیة و عشق الحق تعالی،منطلقاً للعروج نحو الملکوت و وسیلة لبلوغ القرب من رب العالمین و سبباً فی نزول صلواته و رحمته و موجباً لنیل الثواب العظیم و النعم الأبدیة.

نعم،فالمال بالنسبة للمؤمن الذی تحلّی بالجود و الکرم و الرأفة و تخلّق باخلاق اللّٰه سبحانه،یعتبر رأس مالٍ للاتجار من أجل الآخرة و وسیلة للسفر نحو النعیم الأبدی،و منبع خیرٍ فی الدنیا و الآخرة.

أ وَ لَم یعبّر الباری تعالی فی سورة البقرة عمّا یترکه المؤمن بعد رحیله من الدنیا ب«الخیر»؟ (1)نعم،ان رمز ایمان المؤمن و کرمه و جوده و رأفته یتمثل فی وصیته بأمواله حیث ینفق ثلث منها فی اعمال البرّ وفقاً لوصیته،أما الثلثان الآخران فیکونان من حصة الورثة طبقاً لما یقرّه القرآن الکریم.

و فی بیانه لمضمون الآیة الکریمة:

« رَبَّنٰا آتِنٰا فِی الدُّنْیٰا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً» (2).

یقول الامام الصادق (علیه السلام):

«رضوان اللّٰه و الجنّة فی الآخرة،و السعة فی الرزق و المعاش و حسن الخلق فی الدنیا» (3).

بناءً علی ذلک،یعتبر المال و الثروة بمثابة المصنع الذی یدرّ برضی اللّٰه و الجنان علی المؤمنین،اذ ان المؤمن یکسب المال عن طریق الحلال و من خلال

ص:262

اتباعه للجوانب الشرعیة بعیداً عن التعامل المحرّم ملتزماً بما خُلِّل من المعاملات،و باختصار مستظلاً بظلال طاعة اللّٰه سبحانه،ثم ینفقه علی عیاله و یؤدی ما علیه من واجبات کالخمس و الزکاة،و یبادر إلی اعانة السائل و المحروم،یأخذ بید الضعیف و المظلوم،و یعین الأقربین و المعارف.

و فی الحقیقة فإنّ انفاق المال المکتسب عن طریق الحلال فی هذه الموارد الشرعیة و الطبیعیة یعتبر طاعة و عبادة،و کما عبّر القرآن الکریم عنه بخیر الدنیا و الآخرة،و من هنا عُبِّر فی کتاب اللّٰه عن المال و الثروة بالخیر او الحسنة،و کسبه و انفاقه کالعبادة بالنسبة للمؤمن و مدعاة للحصول علی الأجر العظیم و الثواب الأبدی.

و ما یقوله أمیر المؤمنین (علیه السلام) بشأن وقوع المال بأیدی من لا دین له و مَنْ وقع اسیراً لهواه جدیرٌ بالاستماع،اذ یقول (علیه السلام):

«المال مادّة الشهوات،المال نهبُ الحوادث،المال یقوِّی الآمال،المالُ سلوةُ الوارث، المال یکرمُ صاحبه فی الدنیا و یضعه فی الآخرة» (1).

و قال رسول (صلی الله علیه و آله):

«ان الدینار و الدرهم أهلکا مَنْ کان قبلکم و هما مُهلکاکم» (2).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«ان لکلِّ امةٍ عجلاً و عجلُ الأمة الدینار و الدرهم» (3).

نعم،فمن ضعف ایمانهم ینحدرون من خلال المال فی الشهوات و طغیان الطموحات و خزی الدنیا و الآخرة،و کما یعبّر النبی (صلی الله علیه و آله) بانهم یصابون بعبادة العجل و لکن بصورة عبادة المال.

ص:263

یقول تعالی:

« یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ کُلُوا مِمّٰا فِی الْأَرْضِ حَلاٰلاً طَیِّباً وَ لاٰ تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّیْطٰانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ* إِنَّمٰا یَأْمُرُکُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشٰاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ» (1).

و یقول تعالی فی موضع آخر:

« وَ لَقَدْ کَرَّمْنٰا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰاهُمْ مِنَ الطَّیِّبٰاتِ» .

و قال الامام الباقر (علیه السلام):

«لیس من نفسٍ الا و قد فرض اللّٰه لها رزقها حلالاً یأتیها فی عافیةٍ،و عرض لها بالحرام من وجهٍ آخر،فإن هی تناولت من الحرام شیئاً قاصَّها به من الحلال الذی فرض اللّٰه لها و عند اللّٰه سواهما فضلٌ کبیر» (2).

و قال الباقر (علیه السلام):

«من طلب الدنیا استعفافاً عن الناس و سعیاً علی أهله و تعطفا علی جاره لقیَ اللّٰه عز و جل یوم القیامة و وجهه مثل القمر لیلة البدر» (1).

و قال الصادق (علیه السلام):

«لا خیر فی مَنْ لا یحبّ جمع المال من حلالٍ فیکفُّ به وجهه و یقضی به دینه» (2).

و عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«مَنْ بات کالّاً من طلب الحلال بات مغفوراً له» (3).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«ان اللّٰه یحبُّ ان یری عبدهُ تعِباً فی طلب الحلال» (4).

و قد ورد فی الروایات ان سعة الرزق و ضیقه انما هو ابتلاء للعبد کی ینال رفیع الدرجات من لدن الباری عز و جل.

«طوبی لعبد جاع و صبر و شبع فشکر» (5).

فالمؤمن لا یهن إذا ما ضاق رزقه،و لا یصاب بالغرور إذا توسع علیه،و إذا ما ضاق رزقه فهو لا یجانب الحلال،و إذا ما وُسِّع علیه فهو یأکل و یطعم و یبادر إلی اداء التکالیف الالهیة.

نلمس فی آیات القرآن الکریم و الأحادیث الکثیر من موجبات زیادة الرزق،و بالاضافة إلی ان الالتزام بها یؤدی إلی زیادة الرزق،فإنّها تبعث علی تنامی الجانب الأخلاقی و العاطفی لدی الاُسرة و المجتمع.

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«فی سعة الأخلاق کنوز الأرزاق» (1).

و قال (علیه السلام):

«العسرُ یُفسد الأخلاق،التساهل یدرُّ الأرزاق» (2).

و قال (علیه السلام) أیضاً:

«مواساة الأخ فی اللّٰه یزید الرزق» (3).

و عنه (علیه السلام):

«استعمال الامانة یزید فی الرزق» (4).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«مَنْ حَسُنَ برُّه أهل بیته زید فی رزقه» (5).

و عنه (علیه السلام):

«ان البرّ یزید فی الرزق» (6).

و قال (علیه السلام):

«حسن الخلق یزید فی الرزق» (7).

ص:269

و قال علی (علیه السلام):

«استنزلوا الرزق بالصدقة» (1).

و قال الباقر (علیه السلام):

«علیک بالدعاء لاخوانک بظهر الغیب فإنّه یُهیل الرزق» (2).

و عنه (علیه السلام):

«الزکاة تزید فی الرزق» (3).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«من حسُنت نیّته زید فی رزقه» (4).

و سائر الحقوق الشرعیة انما هی بحکم الحلال المختلط بالحرام،و هی مما لا یجوز التصرف به،و اطعام العیال من الحرام أو ما اختلط به یعتبر بحد ذاته معصیة غیر المعصیة التی ترتکب فی کسب الحرام أو منع الحقوق الشرعیة.

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«شرّ الأموال یخرج منه حق اللّٰه سبحانه» (1).

و قال الامام الباقر (علیه السلام):

«ان اللّٰه تبارک و تعالی یبعث یوم القیامة ناساً من قبور هم مشدودة ایدیهم الی اعناقهم،لا یستطیعون أن یتناولوا بها قیس انملة،معهم ملائکة یعیرونهم تعییراً شدیداً،یقولون:هؤلاء الذین منعوا خیراً قلیلاً من خیرٍ کثیرٍ،هؤلاء الذین اعطاهم اللّٰه فمنعوا حقَّ اللّٰه فی أموالهم» (2).

و قال الامام المجتبی (علیه السلام):

فیا اخوتی،یا من تتحملون الیوم مسؤولیة توفیر الجوانب المادیة و التربیة الروحیة لزوجاتکم و اولادکم،و یا من تزمعون بناء الحیاة الزوجیة فی المستقبل !

ان لعیالکم حقاً علیکم،و هو الحق الذی عُبِّر عنه فی الکتب الفقهیة بالنفقه، و هم لیسوا مسؤولین عن عملکم و تجارتکم،و فی المحشر اذ لا خبر لدیهم عن ما یحیط بکم لا یتحمّلون ما اکتسبه رب الاُسرة من حرام،فنیران الحرام لا تحقیق الا بمن کسب الحرام اذا علیه ان یتجرع ضعفین من العذاب،عذاب نتیجة کسبه للحرام،آخر لاطعامه الآخرین منه،فعلیکم التزام جانب الحذر فیما یردکم من دخلٍ و علیکم التزام القناعة بما احلَّ اللّٰه لکم،و اجتناب ما حرّم اللّٰه،و علیکم اداء ما علی الأموال من حقوق شرعیة کی تعمر دنیاکم و آخرتکم.

ص:271

و کفَّ عن الحرام فعاد إلی طهران بذلک المبلغ و طوی صفحة الماضی، و اشتغل بکسب الحلال بتلک النقود فتحسن وضعه کثیراً و تغیرت حیاته و وجّه زوجته و اولاده للسیر فی طریق الحق تعالی،و تکفل باقامة مجلسٍ دینی،حتی توفی فی عام 1994 م و کانت وفاته فی لیلة جمعة،و لما لم یبق من عمره سوی لحظات خاطب الامام الحسین (علیه السلام) بعیون باکیة:إننی قد افنیت شطراً کبیراً من عمری فی خدمتک و الآن یحدونی الأمل بأن احظی برعایتک،و کما تنقل زوجته و ولده:فقد توجه ببصره نحو زاویة من الغرفة و سلَّم علی سید الشهداء (علیه السلام) ثم اسلم روحه إلی باریء الأرواح.

نعم ایّها الأحبة،فإنّ باب التوبة مفتوحٌ للجمیع،و التوبة تطهیر للباطن و تنویرٌ للقلب و تهذیبٌ للاخلاق و تنقیة لظاهر الحیاة.و تطهیر للمال من الحرام، فلما ذا لا ننعم بهذه التجارة الرابحة ؟ و لما ذا لا نخرج من الظلمات نحو النور و نحن نعیش أیامنا الأخیرة ؟ حیث ان جمیع ما فی الدنیا من ثروات لا تستحق البقاء فی ظلمات المعصیة،لنتب إلی اللّٰه فالتائب حبیب اللّٰه:

« إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ...» (1).

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لیس شیء احبُّ إلی اللّٰه من مؤمنٍ تائبٍ أو مؤمنة تائبة» (2).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«أما و اللّٰه اشدّ فرحاً بتوبةِ عبده من الرجل براحلته» (3).

و عنه (صلی الله علیه و آله):

ص:273

«للّٰه افرحُ بتوبة من العقیم الوالد،و من الضّال الواجد،و من الظمآن الوارد» (1).

و قال (صلی الله علیه و آله) أیضاً:

«التائب من الذنب کمن لا ذنب له» (2).

و قال علی (علیه السلام):

«التوبة تطهِّرُ القلوب و تغسل الذنوب» (3).

و للتوبة النصوح آثار اشار الیها النبی (صلی الله علیه و آله)،و إذا ما تجلّت تلک الآثار حینها یمکن الیقین بحصول التوبة و الّا فلا بدّ من التشبث بانوار التوبة من جدید.

یقول (صلی الله علیه و آله):

«التائب إذا لم یستبن اثر التوبة فلیس بتائب:یُرضی الخصماء،و یعید الصلاة، و یتواضع بین الخلق،و یتّقی نفسه عن الشهوات،و یهزل رقبته بصیام النهار» (4).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لقائل بحضرته-استغفر اللّٰه-:ثکلتک امک أ تدری ما الاستغفار ؟ ان الاستغفار درجة العلیین و هو اسمٌ واقعٌ علی ستة معانٍ،أولها الندم علی ما مضی،و الثانی العزم علی ترک العود الیه ابداً،و الثالث أن تؤدی الی المخلوقین حقوقهم حتی تلقی اللّٰه أملس لیس علیک تبعة،و الرابع ان تعمد الی کل فریضة علیک ضیَّعتها فتؤدی حقّها،و الخامس أن تعمد الی اللحم الذی نبت علی السحت فتذیبه بالاحزان حتی یلصق الجلد بالعظم و ینشأ بینهما لحم جدید،و السادس أن تذیق الجسم ألم الطاعة لما أذقته حلاوة المعصیة،فعند ذلک تقول:

استغفر اللّٰه (5).

ص:274

« تَعٰاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْویٰ وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ»

المائدة2/

17

ص:276

بالضعف و الشلل و ینحرف الانسان عن صراط الاعتدال و ینحدر إلی اودیة الافراط و التفریط.

فالذین هوَوْا فی الافراط أو التفریط فی حیاتهم انما ذلک نتیجة لغلبة شهوتهم و غضبهم و حرصهم و طمعهم علی عقلهم.

ان اطلاق العنان للشهوات و الغرائز،و معاشرة اهل البدع و المعاصی،و انکار الحقائق،هی من العوامل التی تُضعف العقل و توهنه،و تشل هذه الموهبة الالهیة، و إذا ما عُطل العقل عن العمل حینذاک یصعب بل یتعذر تشخیص الحق و الباطل و معرفة الحقائق،و عندها یستحق الانسان خزی الدنیا و عذاب الآخرة و ان تشبث بألف وسیلةٍ من المکر و الخداع لبلوغ الخیر المادی و أمن الشر الظاهری (1).

و هذا ما یؤکده خطاب خزنة جهنم لاهلها:

«...أَ لَمْ یَأْتِکُمْ نَذِیرٌ«8»* قٰالُوا بَلیٰ قَدْ جٰاءَنٰا نَذِیرٌ فَکَذَّبْنٰا وَ قُلْنٰا مٰا نَزَّلَ اللّٰهُ مِنْ شَیْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّٰ فِی ضَلاٰلٍ کَبِیرٍ* وَ قٰالُوا لَوْ کُنّٰا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مٰا کُنّٰا فِی أَصْحٰابِ السَّعِیرِ» (2).

و التعقل ممکنٌ ما لم تکن قوةٌ اخری هی صاحبة الکلام فی وجود الانسان، فإذا کانت الشهوة هی صاحبة الکلام حینها یفقد العقل قدرته علی هدایة الانسان.

سُئل الامام الصادق (علیه السلام) عن العقل،قال:

«ما عُبد به الرحمن و اکتُسب به الجنان» (3).

ص:278

فقیل له:فالذی کان فی معاویة ؟ فقال:تلک النکراء،تلک الشیطنة،و هی شبیهة بالعقل و لیست بالعقل.

فایُّ نعمةٍ عظیمة هذه حیث یغدو الانسان فی ظلها عبداً حقیقیاً للّٰه سبحانه ینال علی أثرها الجنّة.

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«همَّةُ العقل ترک الذنوب و اصلاح العیوب» (1).

و نور هذه النعمة من القوة بمکان بحیث ان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول:

«لو لم ینهَ اللّٰه سبحانه عن محارمه لوجب ان یتجنبها العاقل» (2).

و ما یقصده (علیه السلام) هو ان هذه القوة المعنویة تتمتع بعظیم الادراک.

و جاء فی باب العقل من کتاب غرر الحکم،عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) انّه قال:

«العاقل من غلب هواه و لم یبع اخرته بدنیاه،العاقل من عصی هواه فی طاعة ربِّه، العاقل من یملک نفسه إذا غضب و إذا رغب و إذا رهب،شیمة العقلاء قلةُ الشهوة و قلة الغفلة» (3).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«انّما یدرک الخیر کلُّه بالعقل،و لا دین لمن لا عقل له» (4).

و قد ورد فی الکثیر من الروایات ان عقاب الانسان یوم القیامة منوط بالعقل فهو ملاک المسؤولیة و التکلیف (5)،و الانسان هو الذی یجب علیه استثمار العقل

ص:279

للتفریق بین الحق و الباطل و الخیر و الشر،و الاقبال نحو الحقائق،و ان تعطیل العقل انما هو ذنبٌ لا یغتفر.

یتعین علی رب الاُسرة صیانة العقل من جموح الشهوات و الغرائز و المفاسد و ذلک کی یتنعم بعقله الذی یعدّ مصباح الهدایة و الحجة الباطنیة و مصدر ادراک الحق و الباطل و الخیر و الشر،و ان لا یدع عقله یقع اسیراً للشهوات و الأهواء النفسیة و کذا یفعل مع افراد اسرته،اذ ان تعطیل العقل عن ممارسة دوره یجعل الانسان ینحدر من صف الأدمیة إلی حضیرة الحیوانیة.

و علی هذا الصعید،لا بد من الحؤول دون تردد المفسدین و اهل البدع إلی البیت و الاتصال بالعائلة،و عدم التردد علی بیوتهم،و ان تخضع الزیارات و المعاشرات و الضیافات للقواعد الاسلامیة.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

قال عیسی بن مریم للحواریین:تحبّبوا الی اللّٰه و تقرّبوا الیه،قالوا:یا روح اللّٰه بما ذا تحب الی اللّٰه و نتقرّب ؟ قال:ببغض أهل المعاصی و التمسوا رضی اللّٰه بسخطهم،قالوا:

یا روح اللّٰه فمن نجالسُ اذن ؟ قال:مَن یذکّرکم اللّٰه رؤیته،و یزید فی عملکم منطقه، و یرغبکم فی الآخرة عمله (1).

و قال الامام علی بن الحسین (علیه السلام):

«مجالسة الصالحین واعیةٌ إلی الاصلاح» (2).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

لا تجلسوا إلّا عند کلّ عالمٍ یدعوکم من خمسٍ الی خمسٍ:من الشک الی الیقین،و من الریاء الی الاخلاص،و من الرغبة الی الرهبة،و من الکبر الی التواضع،و من الغش الی

ص:280

النصیحة (1).

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«لا یأمن مجالس الأشرار غوائل البلاء» (2).

و قال الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله):

«ایاکم و مجالسة الموتی،قیل یا رسول اللّٰه منِ الموتی ؟ قال:کلُّ غنیٍّ أطغاه غناه» (3).

و عن علی (علیه السلام):

«جانبوا الأشرار و جالسوا الأخیار» (4).

فإذا ما اردتم ان یسود العقل فی حیاتکم،جنّبوا انفسکم و اهلیکم مصاحبة الأشرار و معاشرة المفسدین،و غلبة الشهوات.

و فی عصرنا الراهن تعتبر اشرطة الفیدیو و اللاقطات الفضائیة من جملة الأشرار التی تلف البشریة قاطبة،فالجلوس امام مصدری الشر هذین یفسد العقل و یدمّر الأخلاق و یطیح بصرح الانسانیة.

المعرفة و البصیرة و فیه علاجٌ لعمی القلوب،و هو الصراط المستقیم و الفرقان بین الحق و الباطل و مبیّنٌ لفضائل الأخلاق و تفصیل لحیاة الصادقین و الأبرار،و حجة اللّٰه یوم القیامة.

و الرجل و المرأة مسؤولان امام هذه النعمة الالهیة،و مسئولیتهما تتمثل فی تعلم القرآن و العمل بمضمون آیاته علی کافة الأصعدة الحیاتیة.

ان هجران کتاب اللّٰه یعدّ ذنباً عظیماً و معصیةً لا تغتفر،فالقرآن رسالة من اللّٰه إلی عبده یتوجب علی العبد الاجابة علیها،و الاجابة تکون من القلب و تتمثل بالایمان بالعقائد الحقّة،و من النفس و تکون بالالتزام بفضائل الأخلاق،و من البدن و تکون بالانهماک فی صالح الأعمال.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا التبست علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم فعلیکم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفَّعٌ و ما حلٌّ مصدق،و من جعله امامه قادة إلی الجنّة،و من جعله خلفه ساقه إلی النار،و هو الدلیل یدلُّ علی خیر سبیل» (1).

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«أفضل الذکر القرآن به تُشرح الصدور،و تستنیر السرائر» (2).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«مَنْ لم یعرف الحقَّ من القرآن لم یتنکَّب الفتن» (3).

و عن علی (علیه السلام):

«ان احسن القصص و ابلغ الموعظة و انفع التذکر کتاب اللّٰه عز و جل» (4).

ص:282

و عنه (علیه السلام) أیضاً:

«ان فیه شفاءً من أکبر الداء و هو الکفر و النفاق و الغیُّ و الضلال» (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«القرآن غنیً لا غنی دونه و لا فقر بعده» (2).

و قال الصادق (علیه السلام):

«ینبغی للمؤمن ان لا یموت حتّی یتعلّم القرآن أو یکون فی تعلّمه» (3).

و عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«خیارُکم مَنْ تعلّم القرآن و علّمه».

علی ضوء هذه الروایات المهمة تتضح اکثر عظمة المسؤولیة الملقاة علی عاتق رب الاُسرة.

فعلی رب الاُسرة ان یتعلم القرآن و یوفر الأجواء من اجل ان یتعلمه اهله أیضاً،و من ثم یبادرون جمیعاً للعمل بتعالیم کتاب اللّٰه،کی تتطهر ربوع الحیاة من الخبائث و تغدو زاکیةً طاهرةً،و بالتالی تتحول الدار و العائلة إلی نفحة من نفحات الجنّة الأخرویة.

انها دارٌ خلت من الظلم و العدوان،و تتنعم بالبر و التقوی،و تتعطر اجواؤها بالامن و الاستقرار و الصدق و الأمانة.

و هی الدار التی لجأ اهلها إلی القرآن و منه ینالون کمالهم العقلی و الفکری،اذا ان اتساق العقل مع القرآن یجعل منه عقلاً ملکوتیاً و منهلاً الهیاً،تکون معطیاته عبادة الحق تعالی و بلوغ جنّة الخلد.

ص:283

فالاحسان و الجود و الصبر و قضاء حاجة المؤمن و الطهارة و البُشر و حب النساء و اقامة الصلاة و التعطّر،کلها من أخلاق الأنبیاء.

و قد دعا الأنبیاء الناس إلی التقوی و الطهارة و الأمانة و الصدق و الشجاعة و الوفاء و الصلاح و التکامل و الرأفة و العطف و الاحسان،و انذروهم من ارتکاب قبائح الأعمال.

و الأنبیاء هم میزان الاعمال یوم القیامة و بهم یقاس الناس فإن کان الناس علی ما هو علیه الأنبیاء نجوا و الّا فالعذاب مصیرهم.

هم حجج اللّٰه علی خلقه ایضاً بعد الأنبیاء و الائمة،و علی الناس اتباعهم،اذ ان اتباع العالم الجامع للشرائط بمثابة اتباع النبی أو الامام و ذلک مدعاة للنجاة و الفلاح.

علی رب الاُسرة ان یعی هذه الحقیقة و هی وجوب ان یخصص جانباً من وقته لتعلم القرآن و معرفة الأنبیاء و الأئمة و ولایة الفقیه،و ان یبادر إلی تعریف عائلته بهذه الحقائق أو یتولی ذلک مَنْ له اختصاص بها،اذ ان التزود العملی من کتاب اللّٰه و الأنبیاء و الائمة و قیادة العلماء الجامعین للشروط یعدّ موجباً لبلوغ خیر الدنیا و الآخرة و اشراقة الحیاة الطیبة.

ان التخلّی عن العقل و الابتعاد عن القرآن و الغفلة عن الأنبیاء و الأئمة و تجاهل العالم الربانی ما هو الّا خسرانٌ و هلاک و مبعث لحلول الخزی فی الدنیا و الآخرة.

و علی افراد الاُسرة اعانة رب الاُسرة فی هذا المجال،و ان یقدّروا له ما یقوم به من اعمال صالحة و مفیدة و یتعرفوا علی التعالیم الالهیة بما وسعهم،و هذا هو معنی التعاون علی البر و التقوی لیس الّا.

و إذا ما اصیب رب الاُسرة بالوهن فی هذا الجانب،عی زوجته و اولاده تشجیعه و ترغیبه و حثه علی توفیر الأرضیة اللازمة لتجلّی هذه الحقائق،اما إذا ابدی عناداً فعلیهم عدم الانصیاع له و لکن بالتزام الأدب و الرصانة و یبادرون بانفسهم من اجل تعلّم القرآن و معرفة النبی و الامام و العالم الربانی کی ینالوا السعادة نتیجة ما توفر لدیهم من ارادة.

علی رب الاُسرة ان یُعطّر اجواء الدار بقراءة القرآن و الدعاء و المناجاة و التضرع و ذکر اللّٰه لا سیما الصلاة کی تتسق دنیاهم مع دینهم و بذلک ینال اهل الدار حسن العاقبة.

ص:286

«اوصیکم بالصلاة و حفظها فإنّها خیر العمل و هی عمود دینکم» (1).

و قد وصف القرآن الکریم الصلاة بانها تنهی عنها القبائح ظاهرها و باطنها:

« إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهیٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْکَرِ» (2).

و قال الامام الباقر (علیه السلام):

«انّ أول ما یحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها».

ان تضییع الصلاة و الاستخفاف بها او ترک هذه العبادة الکبری أحد اسباب الحرمان من شفاعة النبی (صلی الله علیه و آله) و الخزی یوم القیامة و حلول اللعنة الالهیة و الحرمان من دخول الجنّة (3).

علینا الاهتمام بصلاتنا و صلاة اهلینا لئلا یشکونا إلی اللّٰه فی المحشر و یضجون إلی اللّٰه قائلین:لو کنا قد دعینا إلی الصلاة لأجبنا،فخلو صحائفنا من الصلاة انما هو تقصیر الأزواج و الآباء أولاً،و من بعده وقع التقصیر منا،الهنا فخذ بحقنا منهم و ادخلهم فی لعنتک و اذقهم ضعفین من العذاب لانهم هم الذین صدّونا عن الصلاة نتیجة غفلتهم عنها ! !

ان الأطفال یعدّون مصورین ماهرین،اذ انهم یقلّدون کل ما یمارسه الکبار من تصرفات و أخلاق و حرکات،فإذا ما اقمتم الصلاة و صمتم و قرأتم القرآن و تحلیتم بدماثة الأخلاق و المودة و ابدیتم الوقار و التأدیب،فإنّهم یقلدونکم فی ورد فی روایة:مرّ عیسی بن مریم (علیها السلام) بقبر یعذَّب صاحبه ثم مرّ به من قابل فإذا هو لیس یعذّب،فقال:یا رب مررت بهذا القبر عام أول و هو یعذب،و مررت به العام و هو لیس یعذّب،فاوحی اللّٰه جل جلاله الیه:یا روح اللّٰه قد ادرک له ولد

ص:288

صالح فاصلح طریقاً و آوی یتیماً فغفرت له بما عمل ابنه (1).

فیا ایّها الأحبّة ! ان تربیة الذریة الصالحة الذین یصبحون من أهل العبادة و البر لا تدرّ المنفعة فی الدنیا فحسب بل ان منافعها تمتد إلی البرزخ و یوم القیامة، فلا تغفلوا عن هذه التجارة الرابحة.

ص:289

ص:290

« یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ»

التحریم6/

18

ص:292

هی الذنوب و المعاصی.

و فی واقع الأمر،فإنّ الجرم و الجزاء فی الآخرة من سنخ واحدٍ،علی العکس منهما فی الدنیا ففیهما اختلاف ذاتی و سنخی،فالذی یرتکب ما یخالف قوانین المرور کأن یسیر بسیارته فی الجانب الأیسر من الطریق،أو یسیر فی طریق یمنع فیه السیر یغرَّم مبلغاً من المال،فالجریمة هنا عملیة إنسانیة،اما الجزاء فهو مالی،و هنالک اختلاف سنخی بین العمل و المال أما فی النظام الکونی فإنّ الجریمة و الجزاء من سنخ واحد،بمعنی ان من ارتکب جریمة فإنّ هذه الجریمة تظهر یوم القیامة علی شکل نارٍ مندلعة منه.

فعند ما یصدر ذنبٌ عن الإنسان سواء علی الصعید العملی أو الأخلاقی مادیاً و معنویاً فإنّ ذلک یعنی دخوله فی النار الّا ان ظهور هذه النار مؤجل إلی یوم القیامة.

هنالک الکثیر ممن قضوا اعمارهم فی شتی المعاصی و لم یبق منهم عضوٌ نزیه،فهؤلاء فی الحقیقة قد اختزنوا الکثیر من النار فی وجودهم حیث تتجلی هذه بهیئتها المادیة یوم تنکشف الحجب و حینها تحیق بصاحبها إلی الأبد و فی هذا المجال تأملوا هاتین الآیتین من کتاب اللّٰه:

« إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ الْکِتٰابِ وَ یَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِیلاً أُولٰئِکَ مٰا یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّٰارَ وَ لاٰ یُکَلِّمُهُمُ اللّٰهُ یَوْمَ الْقِیٰامَةِ وَ لاٰ یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِیمٌ» (1).

« إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوٰالَ الْیَتٰامیٰ ظُلْماً إِنَّمٰا یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً» (2).

ص:293

ففی کلتا الآیتین اعتبر تعالی أکل الحرام أکلاً للنار،و رغم انّه یتمثل الیوم بأکل لقمة لذیذة إلّا انّه یتجلی یوم القیامة بصورته الحقیقة بصورة نارٍ ملتهبة.

و هذا حدیث ذلک الوجود المقدس الذی یعتبر الوجود و الخلق بما فیهم الجن و الملائکة و الانس و العرش من نفحات ارادته.

فهو الذی یری الذنب و المعصیة ناراً،و إن نظرنا إلی ذلک علی انّه عملٌ شیقٌ و لقمة لذیذة،و هو یشهد التهام النار حین ارتکاب المعصیة،و ان خفی عنا،و یری لهیباً عجیباً لتلک النار رغم عدم شعورنا به.

غداً عند ما ینصرف الناس من الحساب تتصاعد النیران من أبصار البشر نتیجة نظرة الحرام،و من آذانهم نتیجة لسماع ما حرَّم اللّٰه،و من السنتهم لما ارتکبوه من غیبةٍ و فحشاء و بهتان،و من بطونهم لأکلهم الحرام،و من غرائزهم لما ارتکبوه من زنا و لواط و ممارستهم للعادة السرّیة،و من ایدیهم لما ارتکبوه من ظلمٍ و جورٍ و تزویر و شهادة زور و ما خطت ایدیهم من کلام مضلّلٍ و من ارجلهم لما سعوا إلی مجالس الحرام،و یئن اصحاب تلک الاعضاء و الجوارح فی العذاب الالیم و لا مفرّ له من ذلک.

فیا الارباب الاسر ! حافظوا علی انفسکم و اهلیکم من هذه النار الّتی هی حصیلة الذنب و المعصیة،و التزموا التقوی فی جمیع جوانب حیاتکم،و لا توقعوا انفسکم و اهلیکم فی نار وقودها الانسان نفسه طمعاً فی دنیا معدودة ایامها و لذةٍ زائلة و ثروة فانیة.

و من بین المواد التی تعدّ وقوداً للنار هو الفحم الحجری الذی یعرفه الجمیع بالصلابة و القوة و ارتفاع الحرارة و طول مدة الاحتراق.

هنالک کمیات هائلة من الفحم الحجری و المواد الذائبة و المحترقة تغلی فی بطن الارض و علی مدی ملایین السنین،و قد تخرج هذه المواد الذائبة من قمم

ص:294

الجبال علی شکل براکین تحرق کل ما یصادفها و تقضی علیه،و تتمیز نیران هذه المواد بعدم نفادها بل انها-و کما یصرح القرآن الکریم-ستعم الکرة الارضیة جمیعها بحیث انها تحرق البحار جمیعاً فی المستقبل.

« وَ إِذَا الْبِحٰارُ سُجِّرَتْ» (1).

و قد توقع العلماء المعاصرون بهذه الحقیقة ایضاً و هی أن الارض ستتبدل مستقبلاً إلی برکانٍ من نارٍ:

« یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ» (2).

علی ضوء ما تستبطنه الارض من بحر عجیب من المواد الذائبة و الوقود، و نظراً لما ینتظر الارض من مستقبل تتحول فیه إلی برکانٍ من نار.فإنّنا نذعن للروایات القائلة بأن جهنم و طبقاتها انما تکمن فی هذه الارض.

ان وقود النار فی ذلک الیوم الناس و الحجارة،فالانسان وقوده الذنب و المعصیة،و الارض وقودها الحجارة المتجمعة فی بطن الارض و خارجها و لا یخفی ان حجمها و وزنها لیس بالقلیل بالاضافة إلی دیمومتها التی جاءت بناءً علی الارادة الالهیة،کما ان خلود الانسان فی ذلک العالم یأتی وفقاً لارادته جلّ و علا.

بناءً علی ذلک،علی رب الاسرة الاستماع أکثر فأکثر إلی هذا النداء الملکوتی:

« یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ» (3).

ان مجادلة خزنة جهنم-و هم ملائکة غلاظ شداد-لا تتیسر لأیٍّ کان،و ان

ص:295

اهل النار ضعفاء و اذلاء و لا مفر لهم منها ابداً،و مَنْ خفَّ میزانهم و لحقت بهم الذلّة یکون مستقرهم یوم القیامة مستقراً ذلیلاً و مأواهم النار الکامنة تحت هذه الارض،و وقودها الناس و الحجارة،و خزنتها غلاظٌ شداد،و عذابها شاملٌ و ألیم و ابدی،و اهلها لاهم من الاحیاء و لا هم من الاموات.

« ثُمَّ لاٰ یَمُوتُ فِیهٰا وَ لاٰ یَحْییٰ» (1).

و خدمة عباد الرحمن،فحافظوا علی انفسکم و أهلیکم من التزود لجهنم، و تزودوا للجنّة،حیث ان مسؤولیتکم الآن و انتم تتحملون اعباء عوائلکم عظیمة جداً.

اتخذوا من رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) قدوةً لکم فی تصرفه مع افراد اسرته بدءً من الزوجة و الاولاد و انتهاءً بالخادمة،کی تأمنوا عذاب القیامة و تبلغوا النعیم الابدی أی جنة المأوی.

فقد فاق (صلی الله علیه و آله) جمیع من فی الأرض فی ادائه لحق المرأة و جهد فی اداء حق أولاده.

و لم یکن (صلی الله علیه و آله) من أهل الافراط و التفریط،بل التزم الاعتدال فی حبّه و رأفته بعیاله و فی اخلاقه و ممارساته،و رغم رفقه و رقّته مع عیاله فهو لم یغفل عن حثِّهم علی التعبّد و تخدیرهم من عذاب یوم المحشر.

و کان (صلی الله علیه و آله) یتعامل داخل الدار مع المرأة علی انها امرأة و یتصابی للصبی، فقد کان (صلی الله علیه و آله) نموذجاً للادب و اسوة فی الفضیلة و قدوةً فی الأخلاق،و عَلماً فی توحید الباری جلّ و علا،و مثالاً فی العبودیة،و مناراً للهدایة.

من أجل توفیر الجوانب المادیة لغرض تمشیة حیاة الزوجة و الاطفال أجراً، و للسعی من أجل الجوانب المعنویة لغرض هدایتهم أجراً آخر،و مثل هؤلاء من ارباب الاسر یعیشون فی بحبوحةٍ من الأجر و الرحمة.

ص:300

« تِلْکَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ مَنْ یُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنّٰاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا

الْأَنْهٰارُ خٰالِدِینَ فِیهٰا وَ ذٰلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ»

النساء13/

19

ص:302

« قَدْ عَلِمْنٰا مٰا فَرَضْنٰا عَلَیْهِمْ فِی أَزْوٰاجِهِمْ» (1).

عن اسحاق بن عمار قال:سألت جعفر بن محمد (صلی الله علیه و آله):

«ما حقّ المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً ؟ قال یشبعها و یکسوها،و ان جهلت غفرَ لها،و قال أبو عبد اللّٰه،کانت امرأةٌ عند أبی تُؤذیه فیغفر لها».

و عن الصادق (علیه السلام) قال:قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«أوصانی جبرئیل بالمرأة حتی ظننتُ أنّه لا ینبغی طلاقها الّا من فاحشة مبیِّنةٍ».

و عنه (علیه السلام) أیضاً:

«رَحِمَ اللّٰه عبداً احسنَ فیما بینه و بین زوجته فإنّ اللّٰه عزّ و جلَّ قد ملّکهُ ناصیتها و جعله القیِّمَ علیها».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«ملعونٌ ملعونٌ مَنْ ضیَّعَ مَنْ یعول».

و عنه (صلی الله علیه و آله):

«خیرُکُمْ خیرُکُمْ لاهلهِ و أنا خیرکُم لأهلی».

و قال (صلی الله علیه و آله):أیضاً:

«عیالُ الرجل اسراؤه و احبُّ إلی اللّٰه عزّ و جلَّ أحسنُهُمْ صُنعاً إلی اسرائه».

«فعلیکم رزقُهنَّ و کسوتُهنَّ بالمعروف».

و قال الامام السجاد (علیه السلام):

«لئنْ ادخُل السوق و معیَ درهمٌ أبتاعُ به لحماً لعیالی و قد قرنوا الیه احبُّ الیَّ من أن اعتقَ نسمةً».

و قال الصادق (علیه السلام):

«من سعادة الرجل ان یکونَ القیِّم علی عیاله».

و عن النبی (صلی الله علیه و آله) إنّه نهی ان یشبع الرجل و یجیع أهله.

و قال الصادق (علیه السلام):

«ان المرء یحتاج فی منزله و عیاله إلی ثلاث خلال یتکلّفها و ان لم یکن فی طبع ذلک:

معاشرةٌ جمیلةٌ و سعةٌ بتقدیر،و غیرةٌ بتحصنٍ.

و قال الامام علی بن الحسین (علیه السلام):

«ان ارضاکم عند اللّٰه اسبغکم علی عیاله».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«إذا انفق المسلم علی اهله نفقةً و هو یحتسبها کانت له صدقةً».

و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«...و إنّهنَّ امانةٌ فلا تُضارُّوهنَّ و لا تعضلوهنّ».

سألت حولاً رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) عن حق المرأة علی الرجل.

ازواجهم تلبیة ما یحتاجون فی جمیع الاموال،هؤلاء هم الظلمة الذین یستحقون التأنیب و التوبیخ.

الشجار و النزاع و توقد الزوجة ناراً مدمّرة لا تخمد ما لم یستسلم الرجل أو یبادر إلی طلاقها.

یقول (علیه السلام) بشأن مثل هؤلاء الرجال ضعاف الشخصیة و الاذلاء.

«کلُّ امریءٍ تدبِّره امرأةٌ فهو ملعون».

و قال (علیه السلام):

«من اطاع امرأته اکبّه اللّٰه علی وجهه فی النار،قیل و ما تلک الطاعة قال:تطلب الیه..

الثیاب الرقاق فیجیئها».

شکی رجال من اصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) نساءه فقام (علیه السلام) خطیباً فقال:

معاشر الناس،لا تطیعوا النساء علی حالٍ و لا تأمنوهنّ علی مالٍ و لا تذروهنّ یدبِّرن أمر العیال،فإنّهنّ إن ترکن و ما أردنَ أوردن المهالک.

و عدون أمر المالک،فإنّا وجدناهنّ لا ورع لهنّ عند حاجتهن،و لا صبر لهنّ عند شهوتهن،التبرّج لهنّ لازمٌ و ان کبرن،و العجب لهنّ لاحقٌ و إن عجزنَ، رضاهنّ فی فروجهنّ،لا یشکرن الکثیر إذا مُنعن القلیل،ینسین الخیر و یحفظن الشر،یتهافتن بالبهتان و یتمادین فی الطغیان و یتصدین للشیطان،فداروهنّ علی کل حال،و احسنوا لهنّ المقال،لعلّهنّ یحسنّ الفعال (1).

الصعید و تجنب ما یقوله الآخرون حول زوجها،و رفض تدخل المحیطین بها.

لعل الآخرون مخطئین فی أقوالهم و احکامهم،أو انهم یقصدون سوءً بحیاة الزوجین و ما تتمتع به من جمالٍ و استقرار،و لعل تدخل الآخرین فی الحیاة الزوجیة لزوجین قد دخلوا القفص الذهبی تواً نابعٌ عن الحسد.

ان المرأة تتمیز بسهولة تأثرها،بناءً علی ذلک علیها الحذر من هذه الحالة الطبیعیة و امکانیة وقوع الآخرین فی الخطأ و الحسد،و ان تضع اللّٰه سبحانه و تعالی نصب عینیها فی اداء حقوق زوجها و ذلک یعنی اداءً للحقوق الالهیة و الانسانیة،و ان تضع بالاعتبار ذلک الیوم الذی یقوم فیه الناس لرب العالمین.

فالرجل یودُّ ان تکون زوجته مختصةً به و تحافظ علی طبائعها کامرأة و ان لا تخرج عن طورها کانثی و قد خلقت کذلک،و ان تحتفظ بانوثتها و رقّتها و جذابیتها و ساحریتها لزوجها فحسب و لا تکون مقلِّداً للآخرین و لا ترتضی تدخل الاقارب بعیدین کانوا ام قریبین و الجیران.

علیها ان تکون شریکة لزوجها و تحیا معه ملبیةً طموحاته المشروعة و تدیر شؤون المنزل علی ضوء تطلعات و تکون اماً صالحة لاولادها.

هنالک طائفة من النساء ینسینَ انوثتهن و یتعاملن بعنفٍ و خشونة و صرامةٍ، فتؤدی هذه الطبائع إلی احباط تطلعات الرجل و تجعله یندم علی زواجه و قد تثیر فی نفسه النفور من الحیاة.

أن تمکین الزوجة الزوج من نفسها حین الحاجة،و اطاعتها له فی جمیع الامور الشرعیة و الأخلاقیة،و عدم الخروج من البیت أو السفر إلّا باذنه،عدا السفر للحج،هی من الحقوق الواجبة للرجل علی زوجته،و منها ما هو مستحب أیضاً.

ص:309

و فوزها فی الدنیا و الآخرة.

الاکرم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الطاهرین (علیهم السلام) فی هذا الجانب تلافیاً للمشاکل،و لکی لا تلعب الشهوة بالرجل خارج المنزل،و إلّا سینهار صرح الحیاة الزوجیة فیقع وزر ذلک علی عواتقهن یوم المحشر !

ثمة حکمٍ اصدره رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) فیما یتعلق برغبة الرجل و تمکین الزوجة لزوجها،و هو ما اجاب المرأة التی سألته (صلی الله علیه و آله) عن حق الرجل،فقال (صلی الله علیه و آله):

«و لا تمنعه نفسها و ان کانت علی ظهر قتبٍ».

کما قال (صلی الله علیه و آله):

«لا تُطوِّلنَ صلاتکنَّ لتمنعنَ ازواجکنَّ».

و المسلمین من البلاء ما لا یعوّض حتی قیام یوم الدین !

نهی رسول اللّٰه ان تخرج المرأة من بیتها بغیر اذن زوجها فإنّ خرجت لعنها کلُّ ملَکِ فی السماء و کلُّ شیء تمرُّ علیه من الجنِّ و الانس حتی ترجع إلی بیتها.

قال الامام الصادق (علیه السلام):

«ان رجلاً من الانصار علی عهد سول (صلی الله علیه و آله) خرج فی بعض حوائجه فعهد إلی امرأته عهداً ان لا تخرج من بیتها حتی یقدم.قال:و ان أباها قد مرض فبعثت المرأة إلی رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) تستأذنه ان تعوده فقال:لا،اجلسی فی بیتک و اطیعی زوجک،قال:فثقل فارسلت الیه ثانیاً بذلک فقال:اجلسی فی بیتک و اطیعی زوجک،قال:فمات أبوها فبعثت الیه ان أبی قد مات فتأمرنی ان اصلّی علیه ؟ فقال:لا اجلسی فی بیتک و اطیعی زوجک، قال:فدُفن الرجل فبعث الیها رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):ان اللّٰه قد غفر لک و لأبیک بطاعتک لزوجک».

«المرأة المغاضبة زوجّها هل لها صلاةٌ و ما حالها ؟ قال:لا تزال عاصیةً حتی یرضی عنها».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) لحولا:

«یا حولا،و الذی بعثنی بالحق نبیا و رسولاً و هادیاً و مهدیا،ان المرأة إذا غضب علیها زوجها فقد غضب علیها ربّها» (1).

ان النبی (صلی الله علیه و آله) یرید من النساء ان لا یحملن الرجال أکثر من طاقتهم و قابلیاتهم،و ان لا یذهبن بکرامتهم أمام أحدٍ من الناس من الاقارب کان ام غریباً.

قال الصادق (علیه السلام):

«ملعونةً ملعونةً امرأة تؤذی زوجها و تغمُّهُ،و سعیدة سعیدةٌ امرأة تکرم زوجها و لا تؤذیه،و تطیعُهُ فی جمیع احواله».

«ان فاطمة علیها السلام ضمنت لعلیّ عمل البیت و العجین و الخبز و قمَّ البیت، و ضمن لها علیُّ ما کان خلف الباب نقل الحطب و أن یجیءُ بالطعام».

«یا حولاء و الذی بعثنی بالحقّ نبیاً و رسولاً،کل امرأة صبرت علی زوجها فی الشدة و الرخاء و کانت مطیعة لامره،حشرها اللّٰه تعالی مع امرأة ایوب (علیه السلام)» (1).

و عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«حقُّ الرجل علی المرأة انارة السراج،و اصلاح الطعام،و ان تستقبله عند باب بیتها فتُرَحِّبَ،و ان تقدِّمَ الیه الطست و المندیل و ان توضأه،و ان لا تمنعهُ نفسها إلّا من علّةٍ.

و عند وفاة فاطمة (علیها السلام) وقف أمیر المؤمنین (علیه السلام) عند نعشها و قال:اللهم انی راضٍ عن ابنة نبیک،اللهم انها قد اوحشت فآنِسْها».

النار،فقصِّروا أجنحة نسائکم و لا تُطوِّلوها فإنّ فی تقصیرِ اجنحتها رضیً و سروراً» (1).

« حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلیٰ وَهْنٍ وَ فِصٰالُهُ فِی عٰامَیْنِ»

لقمان14/

20

ص:319

ص:320

الزوج أو الزوجة،لا شک أنّ علیهم تقدیم الاجابة عن ذلک یوم تقوم محکمة العدل الالهیة،و بالطبع فإنّهم عاجزون عن ذلک،یومذاک حیث یوم العدل و الانصاف سینالهم العذاب الالیم بما ارتکبوه من ظلم.

و القرآن الکریم یری أن الجمیع مسؤولون أزاء ممارساتهم و اخلاقهم و حرکاتهم و سکناتهم و تصرفاتهم صغیرها و کبیرها:

« فَوَ رَبِّکَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ* عَمّٰا کٰانُوا یَعْمَلُونَ» (1).

« وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» (2).

« إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ کُلُّ أُولٰئِکَ کٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً» (3).

لقد وصلتنی الکثیر من الرسائل أیام ذهابی إلی مختلف نقاط ایران للتبلیغ خلال اشهر رمضان و محرّم و صفر،من الذین دخلوا عش الزوجیة تواً،و قد ساهمت فی حلِّ الکثیر من الاختلافات الناشبة بین العوائل،و کانت نسبة عالیة من التقصیر صادرة عن الکبار و المحیطین بالزوجین،و فی الأغلب کان السبب فی الاختلاف هو الآمال غیر المبررة لا بوی الزوج لا سیما امه،أو التدقیق الزائد لا بوی الزوجة تجاه صهرهم،أو الحسد الذی عبّر عنه الامام الصادق (علیه السلام) بأنه منشأ الاختلافات المنافیة للاخلاق و الدین،و بطبیعة الحال فإنّ بعض العرائس لم یکونوا بریئین من التسبب فی جانب من الاختلافات،و ذلک انما یأتی بسبب صغر سنّهما و قلّة تجربتهما و یمکن تجاوزه،الاّ ان الکبار لم یفعلوا،و علی اثر ذلک کانت تندلع نیران الاختلاف،اضف إلی ذلک النواقص الأخلاقیة و الدینیة التی کانت تمثل عاملاً مساعداً فی تأجیجها أکثر فأکثر فیبلغ الأمر فی بعض الأحیان

ص:321

ان تنهار حیاة شابین و تذهب احلامهما ادراج الریاح.

الکل یعلم،ان الانسان رجلا کان أم امرأة مجبول علی الاستقلال و یتعطش للحریة،و سلب هذه الحریة و هذا الاستقلال من وجهة النظر الاسلامیة،من قبل ایٍّ کان،و بحق ایٍّ یعتبر ذنباً کبیراً و معصیة قبیحة.

ان الدعوة للعنایة بالحامل و المحافظة علی امنها لا یعنی تجویز اهمالها و الاساءة الیها أثناء خروجها من فترة الحمل،لما تتمتع به المرأة من ظرفٍ حساسٍ أثناء تلک الفترة،بل من الواجب و الضروری للجمیع احترام حریة الناس و استقلالهم فی کلِّ ظرفٍ و زمان.

و إذا کان بمقدور ذوی العریسین توفیر مسکنٍ مستقلٍّ لهما منذ البدایة،و ان یتعاملوا معهما بعیداً عن الافراط فی التمنّی،تعاملاً مقترناً بالعفو،تعاملاً اسلامیاً و انسانیاً،و علی والدی الطرفین التردد علیهما و دعوتهما الی بیوتهم و اعتبار ذلک صلة للرحم،و خلال هذه الزیارات ینبغی تجنب الغیبة و البهتان و التدخل غیر المبرر و القیل و القال،واثارة روح التذمّر لدی العریسین ازاء بعضهما البعض،اذ ان مثل هذه الخلق أکثر سوءاً من تصرفات الحیوانات و شبیهاً بالوحشیة.

و إذا لم یکن بوسع ذوی العریسین توفیر مسکنٍ مستقلٍ لهما،ینبغی توفیر جانب من المنزل لهما و السعی لان یعیشا حیاةً هانئةً تطفح بالمحبة فیما بینهما کی لا تتعکر حیاتهما.

ان العروس بمثابة الامانة الالهیة لدی عائلة الزوج،إذ أنها قد دخلت حیاتها الجدیدة یحدوها الأمل نافضةً یدیها من حیاتها السابقة،و الصهر بمثابة النعمة الالهیة بالنسبة لعائلة العروس علیهم المحافظة علیه کما یحافظون علی ابنائهم، و هذا یعتبر عبادة فی منظور الآیات الکریمة و الاحادیث الشریفة،و عاقبة العبادة بلوغ رضی الحق تعالی و دخول جنان الخلد.

ص:322

ربما لمس العریسان الخیر و المحبّة من قبل والدیهما أو المحیطین بهما و اقربائهما و قضیا اجمل أیام شبابهما و مطلع و زواجهما إلی جانبهم،و ربما کان العکس من ذلک ففی الوقت الذی کان لا بد أن یقضی العریسان احلی ایامهما، یکونان قد ذاقا الأمرّین من والدیهما أو غیرهم من الأهل و تجرّعا العذاب منهم.

علی أیّة حالٍ،الیوم إذ أصبح للأهل صهر أو عروس علیهم أن یضعوا انفسهم مکانهما و یتصوروا الدور الذی یلعبه الأمن و الاستقرار بالنسبة لهذین الشابین فی المحافظة علی الصفاء و المحبّة و الارتباط بینهما،و انّه یهیءّ الارضیة لان یمضیا حیاتهما بکل هناء و ینعما بما وهبهما الباری تعالی،و بالعکس من ذلک ما تفعله التدخلات غیر المبررة و التقولات و المبالغة فی الامانی و سوء الخلق،فی تعکیر الاجواء واثارة التذمر،قد تؤدی إلی تزلزل الأمن و الاستقرار و تثیر الضغینة بین الاسرتین،و بالتالی احتراق حیاة شابین بریئین.

و علی ما اتذکر فإنّی قد قرأت هذه الروایة المهمة فی اصول الکافی مضمونها:

ان الامام الرضا (علیه السلام) قال ان آدم (علیه السلام) لما بدأ حیاته علی الأرض واجه اول المصاعب و هی ان اللّٰه سبحانه نصحه.

احب لنفسک ما تحب لغیرک،و اکره لها ما تکره لغیرک.

نعم،علی ذوی الزوج و الزوجة و المحیطین بهما و اقاربهما ان یحبّوا لهما ما یحبّون لانفسهم و ان یکرهوا لهما ما یکرهوا لانفسهم،و هذه القاعدة إذا ما روعیت من قبل الجمیع ازاء بعضهم البعض لن تحصل مشکلة ابداً،و إذا ما حصلت فإنّها تحلُّ بیسر و سهولة.

و الآن تأملوا هاتین الایتین المتعلقتین بالحمل:

ص:323

« وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلیٰ وَهْنٍ» (1).

« وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَیْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ کُرْهاً» (2).

أ لیس من الضروری المحافظة علی المرأة الحامل و مراعاة الجوانب الضروریة بالنسبة لها أثناء هذه الفترة الحرجة،التی هی فترة ضعفٍ علی ضعفٍ، و فترة المشقة و العذاب،و الاضطراب و القلق ؟ و مداراتها تقع بالدرجة الاولی و من وجهة النظر الشرعیة و العرفیة و الأخلاقیة علی عاتق الزوج،و من بعده اقرباؤه للماحفظة علی سلامة الأم و الجنین بدنیاً و نفسیاً.

أو یتسبب فی اثارة المتاعب للمرأة الحامل،غافلات عن ان الحامل علیها ان تأخذ بنظر الاعتبار انها لم تعد شخصاً واحداً منذ بدایة الحمل بل شخصین و علیها ان تلتزم نظاماً غذائیاً یوفر السلامة لها و لجنینها،لئلا تبقی بعد الحمل جلداً ملتصقاً علی العظم،و یخرج طفلها ضعیفاً نحیفاً نتیجة لسوء التغذیة.

من أجل ان تمر فترة الحمل بسلام،و لا یزداد وزن المرأة بحیث تصاب بالبدانة و التی تتسبب بمرضها،أو تبتلی بالنحافة بحیث تعجز عن تحمل الجنین، علیها تحدید غذائها الیومی وفق برنامج صحیح و تناول ما هو ضروری من الغذاء و بدقة متناهیة.

و بسبب ازدیاد افرازات الغدد الداخلیة تتصاعد عملیة الاحتراق و البناء داخل البدن و تسیر بوتیرة عالیة،لذا فإنّ عملیة الامتصاص تزداد بصورة تلقائیة، و علیه فلولا الجنین لاصیبت الام بالسمنة،غیر ان تصاعد الفعالیات داخل البدن انما تکون بسبب وجود الجنین،و بناءً علی ذلک فهو یضطر فی حالة خفض تغذیة الأم إلی الاستفادة من الاحتیاطی المخزون فی الکبد و مخ العظام و سائر الاجهزة فی بدن الام و بذلک یعوِّض ما یحتاجه.

و من أجل بناء مختلف اجهزته فإنّ الجنین یحتاج إلی عناصر الکالسیوم و الحدید،و هنالک اعتقاد سائد بأنّ الجنین یبنی جسمه من الحدید و الکالسیوم.

ان الحدید ضروری لبناء دم الطفل،و بدون الحدید لن تُبنی مادة الهمو غلوبین التی تمثّل النواة الاولیة لکریات الدم،و لا مناص للجنین الاّ التغذی من ما تختزنه الأم من عنصر الحدید،لذا فإنّها تصاب تدریجیاً بفقر الدم،و لا شک فی ان الطفل سیصاب بفقر الدم ایضاً بعد الولادة.

و لکی تتمکن الام من توفیر عنصر الحدید اللازم لها و لجنینها لا بد لها من تناول کمیات من الحبوب کاللوبیا و الباقلاء و العدس أو سائر الاطعمة التی

ص:325

تحتوی علی الحدید کالکبد و اللحوم و الفواکه الغنیة بالحدید مثل التفاح و العنب و التمر و ما شابه ذلک.

و المواد الغنیة بالکالسیوم تعتبر اهم المواد التی یقوم بها بناء جسم الجنین فهو یحتاج خلال فترة مکوثة فی رحم الام إلی ما لا یقل عن 40-50 غم یومیاً من عنصر الکالسیوم،و علی الام تناول هذا المقدار من الکالسیوم مع غذائها الیومی کی یُستهلک من أجل بناء عظام الجنین،و إلاّ فإنّ الجنین یحاول الاستفادة عن الکالسیوم الموجود فی بدن الاُم و بذلک تصاب عظامها بالضعف تدریجیاً، و تتسوس اسنانها و یتساقط شعرها و تصاب بالضعف و النحول یوماً بعد یوم.

و بالامکان تغذیة الاُم بالمواد الغنیة بالکالسیوم من خلال الالبان و مشتقاتها کالحلیب و الجبن و اللبن و القشطة أو الحبوب کالحنطة و الشعیر أو الفواکه کالکمثری و التفاح و غیرها،و بذلک تتم اعانة الجنین فی تغذیته و نموه.

و هنالک انظمة اخری اقرّها الاسلام الحنیف لتغذیة الام اثناء فترة الحمل بغیة المحافظة علی صحتها و علی نمو الجنین بدنیاً و عقلیاً و جمالیاً و کذلک تغذیة الطفل بعد الولادة،بامکانکم الرجوع إلی الکتب المتعلقة بهذا الجانب لمطالعتها.

ان نوع الملابس و لونها،و نعو الحذاء،و اماکن تردد الام،و تردد المحارم و غیرهم إلی البیت اثناء فترة حمل المرأة،و کلُّ ما یتحتم الالتزام به،هی من الامور التی اشار الیها دیننا الحنیف.

فإذا لم تغفل الأم خلال فترة الحمل عن ذکر اللّٰه و عن حضور المجالس الدینیة،و عن قراءة القرآن و الالتزام بالفرائض و المحافظة علی استقرارها فذلک مما یؤثّر ایجابیاً علی الجنین روحیاً و عقلیاً و یؤثّر علی تکامله الروحی و المعنوی.

ان الحمل بذاته یعتبر من وجهة نظر الاسلام نوعاً من العبادة یترتب علیها

ص:326

اجرٌ عظیمٌ.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

بلی إذا حملت المرأة کانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه و ماله فی سبیل اللّٰه» (1).

ان بامکان الزوجین الاتفاق علی عدم الانجاب،بید انهما سیخسران بهذا الفعل تجارة رابحة،کما لا ینبغی الافراط فی مسألة الانجاب،بل لا بد من الاخذ بنظر الاعتبار قابلیتهما و قدرتهما روحیاً و بدنیاً و صبرهما علی تربیة الاولاد و العنایة بهم و تحمّل نفقاتهم،لئلا یتجاوز عدد الاولاد الحد الذی یخفق الوالدان عن اداء واجباتهما تجاههم،فیصبحوا-لا سمح اللّٰه-افراداً یجلبون اللعنة لآبائهم.

«النُّفساء تُبعث من قبرها بغیر حسابٍ لأنها ماتت فی غمِّ نفاسها».

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لیکن اول ما تأکل النفساء الرطب فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ قال لمریم بنت عمران:و هزِّی الیک بجذع النخلة تساقط علیک رطباً جنیاً،قیل یا رسول اللّٰه فإنّ لم یکن إبان الرطب ؟ قال:سبع تمرات من تمرات المدینة،فإنّ لم یکن فسبع تمرات من تمرات امصارکم فإنّ اللّٰه تبارک و تعالی قال:و عزّتی و جلالی و عظمتی و ارتفاع مکانی لا تأکل نفساء یوم تلد الرطب فیکون غلاماً إلاّ کان حلیماً و ان کانت جاریةً تکون حلیمةً» (1).

و قد اهتم الاسلام بالغ الاهتمام بقضیة الولادة و مکانها و القابلة و الحاضرین حین الولادة و ذلک عنایةً منه بصحة الام و طفلها بدنیاً و نفسیاً.

و بتربة قبر الحسین،فإن لم یکن فبماء السماء (1).

الفرسنیة و لم تصادق فرنسیاً مدی حیاتها،و فجأة بادرت امها إلی حلِّ ذلک السرّ فقالت:کانت ابنتی فی الشهر الثالث من عمرها حینما لجأ بعض الفرنسیین إلی امریکا أثر اندلاع الحرب العالمیة الثانیة و کان من بینهم سیدة تعمل فی التمریض و ملتزمة بالمسیحیة،فالتخذت لها بیتاً إلی جوارنا،و کانت تتردد فی بعض الاحیان إلی دارنا و تحمل الطفلة فی حضنها و تناغیها بغیة تهدئتها و اسکاتها عن البکاء،و کان واضحاً بما ذا تناغیها اذ کان یحمل طابعاً دینیاً.

لقد طبع ذلک النشید فی دماغها منذ ذلک الیوم،و الآن فهی فی الثالثة و العشرین من العمر،و بعد أن تفیق من غیبوبتها یجری النشید من دماغها إلی لسانها فتردده دون ارادةٍ منها.

اذن لا یخلو الاذان و الاقامة حین الولادة،و التلقین فی اللحظات الاولی من الموت،من أثرٍ،اذان الاذن هی أول عضو یباشر عمله،و آخر عضو یتوقف عن العمل !

و اعتبر الامام الصادق (علیه السلام) العقیقة مستحباً مؤکداً حتی عبر عنها بالواجب، فیقول (علیه السلام):

«العقیقة واجبةٌ» (1).

و سُئل الامام موسی بن جعفر (علیه السلام) عن ختان الصبی لسبعة أیام قال:

«لسبعة أیام من السنة» (2).

ان الحلیب المترشح من ثدی الاُم یحتوی علی نسبة 6 ر 1%من البروتینات و4%من الدهنیات،و8ر 3%من السکریات و بعض الاملاح و الفیتامینات،و هذا ما لا یمکن الحصول علیه من أیة مادة اخری علی الاطلاق،و صدر الاُم وحده الذی یستطیع انتاج مثل هذا الغذاء للضیف الذی قد حلّ تواً !

ثمة فارق قلیل بین هذا الحلیب و بین حلیب الحیوانات،أی ان الحیوانات التی تنمو بسرعة کالجاموس تزداد نسبة البروتینات فی حلیبها،و العکس صحیحٌ.

ان حلیب الاُم یشهد تغییرات مستمرة علی مدی اشهر الرضاعة،اذ تشهد نسبة السکریات و الدهنیات انخفاضاً علی مرور الأیام،أما البروتینات فهی تسیر نحو الازدیاد.

ان لثم الطفل لثدی امه بالاضافة إلی انّه یؤدی إلی اشباعه و استمرار حیاته، فهو یؤدی إلی مضاعفة ادرار الحلیب و عمل غدد الثدی ایضاً.

خلال الایام الخمسة عشر الاولی من الولادة یکون عدد دفعات الرضاعة سبع مرات یومیاً تبدأ من الساعة السادسة صباحاً و تستمر حتی الثانیة عشرة مساءً بمعدل رضعة واحدة کل ثلاث ساعات،و الطفل خلال هذه الفترة یجب ان یخلد إلی الراحة من الساعة الثانیة عشرة مساءً و حتی السادسة صباحاً،و بعدها تُقلل مرات الارضاع إلی ستِّ،أی یقطع الحلیب عنه فی الساعة التاسعة مساءً و یُنوَّم کی تخلد الام إلی الراحة،و لیستعد الجهاز الهضمی للطفل إلی عملیة هضم جدیدة.

و علی الاُم التأکد من أن ینام الطفل شبعاناً بعد کل مرةٍ ترضعه فیها،و هذا ما یمکن تحقیقه بقلیل من الصبر و التحمل،و بعد اشباعه یطرح علی جانبه الایمن ثم تتوجه إلی اعمالها الیومیة.

ص:332

ان الطفل الذی ینام مطمئناً بعد کل مرّة من الرضاعة و لا یضطرب فی نومه، و إذا ما اجری الفحص علی وزنه و وجد انّه یزداد من 25-30 غرام،فإنّه طفل صحیح البنیة،و امتلاک مثل هذا الطفل مدعاة للفرح و السرور.

بالرغم من کثرة مشاغل رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) الا انّه کان کثیر الاهتمام بحلیب الاطفال،فقد کان (صلی الله علیه و آله) یأتی بیت فاطمة (علیها السلام) و یضع سبابته فی فم الحسین (علیه السلام) لیختبر شهیّته من خلال مصّه للاصبع،کی تبادر امة إلی ارضاعه إذا کانت لدیه شهیة إلی الحلیب،اما إذا کانت شهیته کاذبة و بکاؤه لیس سبب جوعه فلا ترضعه من أجل اسکاته،لان تراکم الحلیب فی معدته یورث التخمة،و یتسبب فی بطء عمل المعدة،و بالتالی فإنّه یترک أثراً سلیباً فی ترکیب الطفل،و یتسبب فی خموله و ضعفه.

قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله):

«لیس للصبی لبنٌ خیر من لبن امِّه» (1).

لقد صدرت هذه العبارة من رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) منذ قرون مضت،و هی حقیقة ادرکها کبار العلماء حدیثاً،حیث ورد فی الدراسات التی قام بها علماء الغرب - و أکثر العوائل فی الغرب تودع اطفالها فی دور الحضانة کی یشبّوا علی الحلیب الصناعی-:لیس هنالک حلیبٌ و غذاءٌ افضل من حلیب الام بالنسبة للطفل.

و إذا شحَّ حلیب الام-و هذا قلیلاً ما یحدث-علیها التفحص فی اختیار مرضعةٍ له کما اکدت علی ذلک الروایات،لما یترکه الحلیب من أثر بالغٍ فی جسم الطفل و عقله و روحه.

فقد ورد فی الروایات نهیٌ عن استرضاع سیئة الخلق و المجنونة و الحمقاء

ص:333

و الفحشاء و الیهودیة و النصرانیة و المجوسیة و شاربة الخمر اذ ان طبائعهن تنقل إلی الصبی مع اللبن (1).

و قال رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) لاُم سلمة و قد قالت له:ذهب الرجال بکل خیر فایُّ شیء للنساء المساکین ؟ بلی إذا حملت المرأة کانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه و ماله فی سبیل اللّٰه،فإذا وضعت کان لها من الأجر ما لا یدری أحد ما هو لعظمه،فإذا ارضعت کان لها بکلّ مصّة کعدل عتق محرر من ولد اسماعیل،فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملک کریم جنبها و قال:استأنفی العمل فقد غفر اللّٰه لک (2).

علی الامهات التزام ما نبّه الیه الامام الصادق (علیه السلام) فی مسألة الرضاعة،إذ قال (علیه السلام) لامرأة تدعی ام اسحاق:

«لا ترضعیه من ثدیٍ واحدٍ و ارضعیه من کلیهما،یکون احدهما طعاماً و الآخر شراباً».

«استحسنوا اسماءکم فإنّکم تُدعون بها یوم القیامة» (1).

یقول الراوی:

دخلت علی أبی عبد اللّٰه (علیه السلام) و هو واقفٌ علی راس أبی الحسن موسی (علیه السلام) و هو فی المهد یساره طویلاً،فجلست حتی فرغ فقمت الیه فقال:ادن من مولاک فسلِّم،فدنوت منه فسلمت فردَّ علی بکلام فصیح ثم قال لی:اذهب فغیِّر اسم ابنتک التی سمیتها أمس،فإنّه اسم یبغضه اللّٰه،و کانت ولدت لی ابنة فسمّیتها بالحمیراء،فقال أبو عبد اللّٰه (علیه السلام):انتهِ إلی أمره ترشد،فغیّرتُ اسمها (2).

عن الامام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام):

«ان رسول اللّٰه کان یغیّر الاسماء القبیحة فی الرجال و البلدان» (3).

و قال الامام الباقر (علیه السلام):

«أصدقُ الاسماء ما سُمیَ بالعبودیة و أفضلها اسماء الأنبیاء» (4).

و قال الامام موسی بن جعفر (علیه السلام):

«لا یدخل الفقر بیتاً فیه اسم محمد أو أحمد أو علی أو الحسن أو الحسین أو جعفر أو طالب أو عبد اللّٰه أو فاطمة من النساء» (5).

علیکم استبدال اسماء أولادکم إذا کانت مغایرة لاسماء الأنبیاء و الأئمة أو امهاتهم،طلباً لمرضاة اللّٰه و ادخال السرور إلی قلوب الأنبیاء و الأئمة،لئلا یشکوکم فی المحشر بسبب الاسماء التی یحملونها و التی تذکّر بقبائح ابطال الجریمة و الرذیلة.

ص:335

ص:336

«من سعادة الرجل أن یکون له ولد یستعین بهم»

الامام السجاد (علیه السلام)،اصول الکافی:2/6

21

ص:338

ص:339

و کذا زکریا فإنّه دعا-و هو شیخ کبیر-ربّه ان یرزقه الولد:

« فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا* یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ» (1).

یروی اسحاق بن عمار عن أبی عبد اللّٰه الصادق (علیه السلام)،ان فلاناً رجل سمّاه-قال:انی کنت زاهداً فی الولد حتی وقفتُ بعرفة،فإذا إلی جنبی غلام شاب یدعو و یبکی و یقول:

یا رب،والدیَّ،فرغبنی فی الولد حین سمعت ذلک (2).

ان الاموات من الآباء و الامهات ینعمون بما یقوم به ولدهم من عبادات و ادعیة إذا ما کانوا من اهل الایمان.

روی عن رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) انّه قال:

«خمسةٌ فی قبورهم و ثوابهم یجری إلی دیوانهم:مَنْ غرس نخلاً،و من حفر بئراً، و من بنی مسجداً،و مَن کتبَ مصحفاً،و مَنْ خلّف ابناءً صالحاً» (3).

و قال الامام الصادق (علیه السلام):

«لما لقی یوسف أخاه قال:کیف استطعت ان تتزوج بعدی ؟ فقال:ان أبی امرنی فقال:ان استطعت ان یکون لک ذریة تثقل الارض بالتسبیح فافعل» (4).

و قال الامام علی بن الحسین (علیه السلام):

«من سعادة المرء المسلم ان یکون متجرة فی بلاده،و یکون خلطاؤه صالحین، و یکون له ولد یستعین به» (5).

فما اعظم نعمة الولد،اذ جاء فی کتاب اللّٰه:

« وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوٰاجاً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَزْوٰاجِکُمْ بَنِینَ وَ حَفَدَةً

ص:340

وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّبٰاتِ» (1).

قال الامام الصادق (علیه السلام):

«ان أولاد المسلمین موسومة عند اللّٰه:شافعٌ و مشفَّع،فإذا بلغوا اثنی عشر سنة کتبت لهم الحسنات،فإذا بلغوا الحلم کتبت علیهم السیئات» (2).

و عن الامام موسی بن جعفر (علیه السلام):

«سعد امرؤٌ لم یمت حتی یری خَلَفاً من نفسه» (3).

ان نعمة الولد من العظمة ما عبّر عنه أمیر المؤمنین (علیه السلام):

«فی المرض یصیب الصبیَّ انّه کفارة لوالدیه» (4).

و قال النبی (صلی الله علیه و آله):

«الولد الصالح ریحانةٌ من اللّٰه قسمها بین عباده» (5).

و قال (صلی الله علیه و آله):

«الولد الصالح ریحانةٌ من ریاحین الجنّة» (6).

و جاء فی روایة:

«کان رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) یخطب علی المنبر فجاء الحسن و الحسین و علیهما قمیصان أحمران یمشیان و یعثران فنزل رسول اللّٰه (صلی الله علیه و آله) من المنبر فحملهما و وضعهما بین یدیه ثم قال:« أَنَّمٰا أَمْوٰالُکُمْ وَ أَوْلاٰدُکُمْ فِتْنَةٌ» (7).

یروی ان رجلاً یدعی الحاج علی رضا کان قد حفر بئراً فی طهران استفاد

ص:341

منها اهالی طهران أکثر من مائة عامٍ،قال أحد کبار العلماء:ان شخصاً رآه فی المنام وسط حدیقة کبیرةٍ إلی جانب نهرٍ عظیم،فقال له:ان هذه الروضة من ریاض الجنّة و هذا النهر من انهارها و قد وهبه اللّٰه لی جزاءً لذلک البئر،و لکن لیت لی ولدٌ یردد و لو مرة واحدة«لا اله الاّ اللّٰه»ثم یموت کی تشملنی نعمة اقراره بالتوحید !.

قال الصادق (علیه السلام):

«قال موسی (علیه السلام):یا ربِّ ایُّ الاعمال افضل عندک ؟ قال:حبّ الاطفال» (1).