نخبه النظار

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمدجواد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : نخبه النظار . برگزیده. شرح

عنوان و نام پدیدآور : نخبه النظار/ تالیف محمد جواد الفاضل اللنکرانی؛ تحقیق و نشر مرکز فقه الائمه الاطهار.

مشخصات نشر : قم: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)، 1430 ق.= 1389.

مشخصات ظاهری : 1 ج.

یادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : ارث زوجه از زوج و...

شناسه افزوده : مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30237234 1390

رده بندی دیویی : 297/3422

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المدخل

الحمدللَّه الذی أذهب اللیل مظلماً بقدرته، وجاء بالنهار مبصراً برحمته وأرسل رسوله محمّداً هادیاً لأُمّته واصلّی واسلّم علیه وعلی عترته.

أمّا بعد فإنّ الفقه من أعظم العلوم شأناً وأوسعها نطاقاً فی حیاة البشر، فإنّا لم نجد موضوعاً لا یتعلّق به حکم من الأحکام الشرعیة التکلیفیة أو الوضعیة، فللفقیه حقّ عظیم فی إرشاد الامّة الإسلامیّة إلی وظائفهم الإلهیّة ولم یصل أحد إلی هذه المنزلة إلّاإذا خالف الهوی واتّبع أمر مولاه، فإذا کان هکذا، أحبّه اللَّه وإذا أحبّه فقّهه فی الدین ویستطیع أن ینظر بنور اللَّه فی الأحکام الإلهیّة التی أوحی بها إلی سیّد المرسلین وکان ممّن اجتهد فی هذا المیدان، المجتهد البارع الاستاذ المعظّم لدروس الخارج فی الحوزة العلمیّة بقم، الشیخ محمّد جواد الفاضل اللنکرانی دامت افاضاته فقد جدّ کمال الجدّ حتّی بلغ بحمد اللَّه مرتبة الإجتهاد والإستنباط فی شباب عمره

ص: 6

بحیث صار مجلس درسه مورداً لتوجّه الفضلاء ووقعت کتبه محلّاً للبحث بین العلماء وهذا الکتاب حصیلة لمجموعة من أبحاثه فی شهر رمضان سنة 1430 ه. ق فی موضوع إرث الزوجة من العقار والأبنیة ألقاها لعدّة من الفضلاء وهذا الموضوع من المباحث الهامّة فی هذا العصر فإنّه من المسائل الغامضة من حیث الدلیل والاستدلال وکثرة الروایات الواردة فیه وتعدّد العناوین المذکورة فیها من جانب ومن المباحث التی تکون نتیجتها مهمّة للثقافیین من جانب آخر وهذا الکتاب تحقیق جامع استدلالی قد روعی فیه ضوابط الاجتهاد عن دقّة عمیقة جدّاً ونحن نهضنا بنشره فی مرکز فقه الأئمّة الأطهار علیهم السلام الذی هو من جهود المرجع الأعلی آیة اللَّه العظمی الشیخ محمّد الفاضل اللنکرانی قدس سره إجابة لدعوة جمع من الأعزّاء الکرام وتعمیماً لفائدته للفضلاء العظام، وفی الختام نشکر من سماحة حجّة الإسلام والمسلمین الشیخ جعفر الطبسی وحجّة الإسلام السیّد جواد حسینی خواه دامت إفاضاتهما حیث بذلا جهدهما لمراجعة مصادر الکتاب ونسئل اللَّه تعالی أن یوفّقنا لمرضاته إنّه قریب مجیب.

مرکز فقه الأئمّة الأطهار علیهم السلام

محمدرضا الفاضل الکاشانی

ص: 7

الحمد للَّه ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی سیّدنا ونبیّنا إبی القاسم محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین المعصومین ولعنة اللَّه علی أعدائهم أجمعین.

أمّا بعد فلا شکّ بین المسلمین جمیعاً فی أنّ الزوج یرث من جمیع ما ترکته المرأة، ولکن الخلاف وقع فی أنّ الزوجة هل ترث من جمیع ما ترکه الزوج أم لا، بل کانت محرومة من بعض الأشیاء؟

ذهب العامّة إلی أنّه لا فرق بینهما من هذه الجهة؛ فکما یرث الزوج من جمیع ما ترکته زوجته، فکذلک ترث الزوجة من جمیع ما ترکه الزوج، فلا فرق بینهما فی الإرث من هذه الجهة.

ولکن الإمامیّة وفقهائهم ذهبوا إلی أنّه لا شکّ فی أصل وجود الحرمان للزوجة بالنسبة إلی شی ء ممّا ترکه الزوج، ولا خلاف بینهم فی هذا المعنی. وإنّما النزاع فی موردین:

ص: 8

الأوّل: فیما تحرم الزوجة منه.

الثانی: فیمن تحرم من الزوجات.

خلفیّة البحث

اشارة

وقبل الورود فی البحث لا بأس بالإشارة إلی خلفیّة البحث، فنقول: إنّ البحث حول إرث الزوجة کان من قدیم الأیّام متداولًا بین علماء الإمامیّة، کما أنّه یعدّ من المسائل المهمّة التی قد وقعت الشیعة مورداً للطعن من المخالفین، وربما اتّهموهم بأنّهم قد خالفوا القرآن وعمومه وخرجوا عن إجماع الامّة، ففی زمن الشیخ المفید قدس سره قد أرسل إلیه وکیله فی صاغان(1) شبهات وأسئلة من قِبل أبی العبّاس وهو الفقیه الحنفی المعاصر المقیم فی نیسابور وقد ذکر فیها سؤالًا حول هذا الموضوع وصرّح بأنّ القول بحرمان الزوجة من بعض ما ترکه الزوج مخالف لعموم القرآن حیث قال اللَّه تبارک وتعالی: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَکْتُمْ إِنْ لَمْ یَکُنْ لَکُمْ وَلَدٌ فَإِنْ کَانَ لَکُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ»(2)، فهذه الآیة عامّة تدلّ علی أنّ الزوجة ترث من جمیع ما ترکه الزوج، وصرّح أیضاً بأنّ هذه الفتوی موجبة للخروج عن


1- صاغانُ بالغین المعجمة، وآخره نون: قریة بمرو وقد تسمّی جاغان کوه، عن السمعانی، والصغانیان: بلاد بماوراء النهر، وقد تشبه النسبة فیهما وتُذکر فی موضعها. معجم البلدان 3: 441.
2- سورة النساء: 12.

ص: 9

إجماع الامّة.

وقد أجاب الشیخ المفید بأنّه لا إشکال فی مخالفة العموم وتخصیصه بالخبر المتواتر، وهذا متّفقٌ علیه بین العامّة والخاصّة، وفیما نحن فیه تکون الروایات فوق حدّ التواتر، ثمّ اعترض علیهم بأنّکم تخصّصون الکتاب بالخبر الواحد الشاذّ وأیضاً أنتم ترفعون الید عن عموم القرآن بالخبر المرسل أو بالقیاس!.

وأیضاً أجابهم بجواب نقضی وهو أنّ قوله تعالی: «لِلرِّجَالِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَکَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَکَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ»(1) عامّ، مع أنّکم خصّصتموها بحدیثٍ مجعول وهو

«إنّا

نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث ما ترکناه صدقة»(2)

، وبعد هذا التخصیص منعتم الصدِّیقة الطاهرة سلام اللَّه علیها من حقّها، ألیس هذا مخالفة للکتاب وتخصیصاً للعموم بمخصّص غیر صحیح؟!

وبهذا الحدیث المجعول قد خصّصتموا نفس هذه الآیة «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَکْتُمْ»(3).

وقال: أیّها الشیخ قد خصّصت وأئمّتک من قبلک عموم هذه الآیة بل رفعتم حکمها فی أزواج النبیّ صلی الله علیه و آله وحرمتموهنّ من استحقاق


1- سورة النساء: 7.
2- الموطأ 2: 993/ 27، صحیح مسلم 3: 1379/ 51، سنن أبی داود 3: 139/ 2963.
3- سورة النساء: 12.

ص: 10

برکات میراثه جملةً وحرّمتموهنّ شیئاً منها بخبر واحد ینقضه القرآن.

وقال أیضاً فی جوابه: من أین زعمت أنّ الشیعة قد خالفت الامّة فی منعها النساء من ملک الرباع علی وجه المیراث من أزواجهنّ وکافّة آل محمّد صلی الله علیه و آله یروون ذلک عن رسول اللَّه ویعملون به وراثةً لسنّته فیه، فأیّ إجماع تخرج منه العترة وشیعتهم لولا عنادک وعصبیّتک. انتهی کلامه(1).

وسیأتی الکلام حول هذه الآیة الشریفة من حیث العموم والإطلاق إن شاء اللَّه تعالی.

وبعد مراجعة الروایات التی هی الأساس الوحید فی هذا البحث یتّضح لنا أنّ الأئمّة المعصومین (صلوات اللَّه علیهم أجمعین) قد أکّدوا علی هذا الرأی ولم یتنازلوا عن هذه الحقیقة، وحینما اعترضوا علیهم بأنّ الناس لم یقبلوا هذا الحکم أجابوا:

«بأنّا إذا ولّیناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلّا ضربناهم علیه بالسیف»(2).

وهذا التعبیر کنایة عن شدّة اهتمامهم ولزوم إجراء هذا الحکم فی المجتمع الإسلامی، وإنّما صلاحهم ونفعهم فی هذا ومع عدمه ربما کان


1- المسائل الصاغانیّة: 97.
2- الکافی 7: 129، کتاب المواریث، باب أنّ النساء لا یرثن من العقار شیئاً، ح 8.

ص: 11

مورداً للخلاف والنزاع وموجباً لمفاسد مهمّة. انتهی ما أردنا ذکره فی المقدّمة، وحینئذٍ نشرع البحث:

النزاع الأوّل: فیما تحرم الزوجة منه

اشارة

أمّا المورد الأوّل فقد وقع الخلاف فیما تُحرم منه، والأقوال فیه متعدّدة، والظاهر أنّه لا شکّ فی أصل وجود الحرمان بمعنی أنّه لم یقل أحدٌ من علمائنا بما یقوله العامّة إلّاابن الجنید بناءً علی ما نقل عنه العلّامة فی المختلف(1) عن کتابه المختصر الأحمدی فی الفقه المحمّدی، وتبعه قاضی نعمان المصری فی دعائم الإسلام(2).

قال الشهید: المشهور بین علمائنا حرمان الزوجة عن شی ء من میراث الزوج فی الجملة، وقال الشهید فی النکت: فإنّ أهل البیت أجمعوا علی حرمانها من شی ء ما ولم یخالف فی هذا علماؤنا الإمامیّة إلّا ابن الجنید وقد سبقه الإجماع وتأخّر عنه(3).

ومع غضّ النظر عن قول الشهید تکون الأقوال ثلاثة علی المشهور وأربعة بناءً علی ما فهمه الشهید الثانی فی رسائله، فاللّازم ذکرها:


1- المختلف 9: 53.
2- دعائم الإسلام، کتاب الفرائض 2، الفصل 8: 392.
3- غایة المراد 3: 583.

ص: 12

القول الأوّل- وهو المشهور بینهم: حرمانها عیناً وقیمةً من جمیع الأراضی سواء کانت أرض رباع أم بستان أم ضیاع، وسواء کانت بیاضاً أم مشغولة ببناء أو زرع، وأیضاً حرمانها من عین الآلات والأبنیة لا من قیمتها، ذهب إلیه جمعٌ من المتقدّمین کالشیخ فی النهایة(1) والمبسوط(2) وابن البرّاج(3) وأبو الصلاح التقی(4) وابن حمزة(5)، والمحقق الحلّی فی الشرائع(6)، والعلّامة فی القواعد(7) والإرشاد(8)، وولده فخر المحقّقین فی الإیضاح(9) والشهید فی غایة المراد(10) والفاضل المقداد فی التنقیح الرائع(11).

وقد ذهب الشهید الثانی فی رسائله(12) إلی الفرق بین قول الشیخ ومن تبعه من المتقدّمین، وبین قول العلّامة ومَن تبعه من المتأخّرین.


1- النهایة: 642.
2- المبسوط 4: 126.
3- المهذّب 2: 140.
4- الکافی فی الفقه: 374.
5- الوسیلة: 391.
6- شرائع الاسلام 4: 29.
7- قواعد الأحکام 3: 376.
8- ارشاد الأذهان 2: 125.
9- الإیضاح 4: 240.
10- غایة المراد 3: 587.
11- التنقیح الرائع 4: 192.
12- رسائل الشهید الثانی 1: 466.

ص: 13

وتوضیح ذلک: أنّ المتأخّرین قد صرّحوا بأنّ النخل والشجر فی حکم الآلات والأبنیة فتعطی قیمتهما، ولکن الشیخ ومن تبعه لم یذکرهما بل المستفاد من عبارات الشیخ وابن البرّاج وأبی الصلاح وابن حمزة أنّ المرأة ترث عین النخل والشجر.

قال الشیخ فی النهایة:

المرأة لا ترث من زوجها من الأرضین والقری والرباع من الدور والمنازل، بل یقوّم الطوب والخشب وغیر ذلک من الآلات وتعطی حصّتها منه ولا تعطی من نفس الأرض شیئاً(1).

وقد ذکر نظیر هذه العبارة فی المبسوط(2) وتبعه ابن البرّاج(3).

فهذه العبارة لا تدلّ علی إرثها من قیمة النخل والشجر، وقوله: غیر ذلک من الآلات، لا یشملها فإنّ الآلة غیر صادقة علی النخل والشجر.

وأیضاً عبارة أبی الصلاح الحلبی فی الکافی، فإنّه قال:

ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرض شیئاً وترث من قیمة آلات الرباع من خشب وآجر کسائر الإرث(4).


1- النهایة: 642.
2- المبسوط فی فقه الإمامیّة 4: 126.
3- المهذّب 2: 141.
4- الکافی فی الفقه: 374.

ص: 14

فقد صرّح فیها بآلات الرباع وفسّرها بالخشب والآجر فلم یذکر النخل والشجر.

والمستفاد من عبارة ابن حمزة فی الوسیلة ذلک، فراجع(1).

فبالنتیجة لا یستفاد من هذه الکلمات أنّ النخل والشجر فی حکم آلات الأبنیة، بل المستفاد منها إرثها من عینها، فیتحقّق الفرق بین قول القدماء والمتأخّرین من هذه الجهة فإنّ المتأخّرین عطفوا النخل والشجر إلی الآلات، ولأجل ذلک قد صرّح الشهید الثانی بالفرق بین قول المتقدّمین والمتأخّرین(2)، مضافاً إلی أنّ لفظ الآلة لغةً وعرفاً لا یشمل النخل والشجر.

نعم، ذهب السیّد المحقّق الحکیم قدس سره إلی أنّ لفظ الآلة لغةً شامل لهما، واستشهد بما ذکره فی القاموس(3) من أنّ الآل الخشب والشخص وعمد الخیمة والشخص سواء الإنسان وغیره(4).

ونلاحظ فیه أنّنا لسنا بصدد تفسیر لفظ الآلة حتّی نرجع إلی اللغة. وبعبارة اخری الرجوع إلی اللّغة إنّما یکون إذا کنّا بصدد تبیین


1- الوسیلة: 391.
2- رسائل الشهید الثانی 1: 461.
3- القاموس المحیط 3: 331.
4- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الارث، مجلة فقه اهل البیت علیهم السلام، العدد 43: 185.

ص: 15

لفظ الآلة الواردة فی الروایات، مع أنّنا بصدد تفسیرها فی کلمات القوم، والظاهر أنّهم لم یریدوا منها النخل والشجر.

ومع ذلک کلّه فلا یمکن لنا أیضاً قبول ما قاله الشهید الثانی؛ وذلک من جهة أنّ مستند القدماء والمتأخّرین فی القول الأوّل مشترک وبعد الرجوع إلیه یتّضح أنّ النخل والشجر فی حکم سائر الآلات، ففی صحیح الأحول عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال:

سمعته یقول: لا یرثنّ النساء من العقار شیئاً ولهنّ قیمة البناء والشجر والنخل(1).

فهذه الروایة صریحة فی اشتراک الحکم بین النخل والشجر والآلات.

وبالجملة: لا نوافق الشهید الثانی فی ذلک ولیس القول الأوّل منحلّاً إلی قولین، وهذا القول هو المشهور بین المتقدِّمین والمتأخّرین.

نعم، الشهید الثانی قد اختار هذا القول فی رسائله وذهب إلی إرثها من عین الشجر والنخل، وقال: إنّ هذا القول أمتن الأقوال دلیلًا وأظهرها من جهة الروایة(2).

فهذا هو القول الثانی فی المسألة وهو مختار الشهید الثانی.

القول الثالث: حرمانها من الرباع وهی الدور والمساکن دون البساتین والضیاع، وتُعطی قیمة الآلات والأبنیة من الدور؛ ذهب إلیه جمعٌ من القدماء کالشیخ المفید وابن إدریس والمحقّق فی النافع، مع


1- من لا یحضره الفقیه 4: 348؛ وسائل الشیعة 26: 211، باب 6، ح 32851.
2- رسائل الشهید الثانی 1: 465.

ص: 16

أنّه فی الشرائع من القائلین بالقول الأوّل، والفاضل الآبی فی کشف الرموز، وإلیک بعض عباراتهم:

قال المفید رحمه الله:

ولا ترث الزوجة شیئاً ممّا یخلفه الزوج من الرباع وتُعطی قیمة الخشب والطوب والبناء والآلات، وهذا هو منصوص علیه عن نبیّ الهدی علیه وآله السلام وعن الأئمّة من عترته علیهم السلام.

والرباع هی الدور والمساکن دون البساتین والضیاع(1).

وقال ابن إدریس:

والإجماع علی أنّها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شیئاً سواء کان لها من الزوج ولد أو لم یکن، وهو ظاهر قول شیخنا المفید فی مقنعته والسیّد المرتضی فی الانتصار(2).

ولا یخفی أنّ ما ذکره فی ذیل کلامه من أنّ السیّد المرتضی موافق للمفید غیر تامّ کما سیأتی ذلک، وقد التبس الأمر علی صاحب الجواهر فزعم أنّه موافق للمفید.

وقال العلّامة فی المختلف:

وقول السیّد المرتضی حسن ثمّ قول شیخنا المفید جیّد ... وبعد هذا کلّه فالفتوی علی ما قاله الشیخ(3).

القول الرابع: حرمانها من عین الرباع خاصّة لا من قیمتها،


1- المقنعة: 687.
2- السرائر 3: 259.
3- مختلف الشیعة 9: 35.

ص: 17

فالحرمان إنّما هو فی دائرة الرباع خاصّة ولا یشمل البساتین والضیاع وفی الرباع أیضاً محرومة من عینها لا من قیمتها. ذهب إلیه السیّد المرتضی فإنّه قال:

ممّا انفردت به الإمامیّة أنّ الزوجة لا ترث من رباع المتوفّی شیئاً، بل تعطی بقیمة حقّها من البناء والآلات دون قیمة العراص، ثمّ قال فی آخر کلامه: وأنّ الرباع وإن لم تسلّم إلی الزوجات فقیمتها محسوبة لها(1).

والظاهر أنّ ابن إدریس لم یلتفت إلی ذیل کلامه وإنّما توجّه إلی صدر کلامه، وهو ظاهر فی مذهب المفید.

والظاهر أنّه لم یوافق علیه أحدٌ من الأصحاب کما صرّح به السیّد الحکیم(2). والعجب من بعض الاعاظم من المعاصرین حیث إنّه صرّح بموافقة الصدوق وأبی الصلاح الحلبی مع السیّد(3)، وهذا غیر تامّ؛ فإنّ الصدوق فی الفقیه(4) بعد أن تعرّض للروایات، ذکر روایة ابن أبی یعفور الدالّة علی إرثها من جمیع ما ترکه الزوج، وقال فی ذیل الروایة:


1- جوابات المسائل الموصلیّات فی ضمن رسائله 1: 259، والانتصار: 585.
2- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الإرث، مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 43: 185.
3- میراث الزوجة من العقار، مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 14، السیّد محمود الهاشمی.
4- من لا یحضره الفقیه 4: 252.

ص: 18

هذا إذا کان لها ولد، أمّا إذا لم یکن لها ولد فلا ترث من الاصول إلّاقیمتها.

ثمّ أیّد ذلک بمقطوعة ابن اذینة الدالّة علی أنّ النساء إذا کان لهنّ ولد اعطین من الرباع.

والظاهر من هذه العبارة بل صریحها إرثها من جمیع قیمة الاصول، والمراد منها الأراضی لا الآلات والتأیید بالمقطوعة، إنّما هو بالنسبة إلی التفصیل لا إلی خصوص الرباع، فتدبّر.

وقال أبو الصلاح الحلبی:

ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضین شیئاً وترث من قیمة آلات الرباع من خشب وآجر کسائر الإرث(1).

وهذه العبارة صریحة فی حرمانها من الرباع وجمیع الأراضی عیناً وقیمةً، ولکن ترث من قیمة آلات الرباع کالخشب والآجر، وقد سبق أنّه من القائلین بالقول الأوّل.

النتیجة فی النزاع الأوّل

إنّ حرمان الزوجة من جمیع الأراضی وإن لم یکن إجماعیّاً لمخالفة جمع من القدماء کالمفید وابن إدریس والمحقّق وکاشف الرموز والسیّد، ولا ریب فی أنّ هذا القول هو المشهور بین المتقدّمین، کما أنّه


1- الکافی فی الفقه: 341.

ص: 19

المشهور بین المتأخّرین أیضاً.

إن قلت: إنّ الشیخ فی الخلاف قد ادّعی الإجماع علی ذلک.

قلت: الظاهر أنّ هذا الإجماع فی قبال الخلاف مع العامّة وبالنسبة إلی أصل الخلاف.

إن قلت: إنّ ابن الجنید الإسکافی(1) وقاضی نعمان المصری(2) قد خالفا أصل الحرمان وذهبا إلی عدم حرمانها من ترکة الزوج لا من العقار ولا من شی ء آخر حتّی إنّ القاضی قد ادّعی إجماع الامّة والأئمّة علی ذلک فلیس أصل الحرمان إجماعیّاً، ویؤیّد ذلک امور أربعة:

الأوّل: خلوّ جملة من کتب أصحابنا المتقدّمین کالمقنع والهدایة والمراسم والإیجاز والتبیان ومجمع البیان وجوامع الجامع والفرائض النصیریّة مع وقوع التصریح فی جمیعها بکون إرث الزوجة ربع الترکة أو ثمنها.

الثانی: قد استظهر صاحب الجواهر، عدم تعرّض علی بن بابویه وابن أبی عقیل لذلک أیضاً وإلّا فی صورة التعرّض لنقل إلینا ولکان شایعاً واضحاً عند الجمیع لاعتنائهم بأقوالهما.

الثالث: خلوّ الفقه الرضوی الذی هو الأصل والأساس عند علیّ


1- حکی عنه فی مختلف الشیعة 9: 53.
2- دعائم الإسلام 2: 396.

ص: 20

بن بابویه وکان معتمده، لعلّه یؤیّد ذلک.

الرابع: الظاهر أنّ مذهب الراوی إنّما یفهم من الروایة التی نقلها، وعلی هذا یمکن أن یُقال إنّ مذهب جمیع رواة الصحیح الذی هو مستند ابن الجنید- وهو ما ذکره ابن أبی یعفور وأبان وفضل بن عبد الملک، من أنّ الزوجة ترث من جمیع ما ترکه الزوج- موافق لمذهب ابن الجنید.

ولأجل هذه الامور الأربعة قد تأمّل صاحب الجواهر رحمه الله فی سبق الإجماع ولحوقه.

قلت: الجواب هو ما ذکره صاحب الجواهر رحمه الله فإنّه عدل عن ما ذکره وقال بعد ذکر کلام دعائم الإسلام:

وهو کما تری من غرائب الکلام، بل هو کلامٌ بعید عن الفقه والفقهاء والرواة والروایات وإنّما نقلناه لیقضی العجب منه وإلّا فهو لا یقدح فی دعوی سبق الإجماع ابن الجنید ولحوقه المستفاد ذلک من تسالم النصوص علیه التی هی فوق رتبة التواتر والفتاوی التی لا ینافیها عدم تعرّض بعض الکتب للمسألة ولعلّه لوضوحه وظهوره، بل العامّة تعرف ذلک من الإمامیّة. ومن هنا اتّجه حمل الصحیح علی التقیّة(1).

انتهی کلامه.

وما ذکره متین جدّاً، وعلیه لا یصحّ أن یقال بموافقة فقیه من


1- جواهر الکلام 39: 207- 210.

ص: 21

الفقهاء الإمامیّة مع ابن الجنید والقاضی نعمان، فأصل الحرمان لا ریب فیه وهو إجماعی من دون تردید. نعم، قد مرّ أنّ الحرمان من جمیع الأراضی لیس إجماعیّاً بل هو المشهور بین القدماء.

النزاع الثانی: فیمن تحرم من الزوجات

اشارة

المورد الثانی: النزاع والخلاف فی الزوجة الممنوعة وفی من تحرم من الزوجات، فهل الزوجة الممنوعة مطلقة من غیر فرق بین ذات الولد وغیره، أم لا بل الممنوعة مختصّة بغیر ذات الولد، وأمّا ذات الولد فترث من جمیع ما ترکه الزوج.

قال الشهید فی رسائله:

وقد اختلف الأصحاب فیه؛ فذهب المفید(1) والمرتضی(2)

والشیخ فی الاستبصار(3) وأبو الصلاح(4) وابن إدریس(5) والمحقّق

فی النافع(6) وتلمیذه الشارح(7)، إلی أنّ هذا المنع عامّ فی کلّ


1- المقنعة: 687.
2- الانتصار: 585.
3- الاستبصار 4: 154.
4- الکافی فی الفقه: 374.
5- السرائر 3: 259.
6- المختصر النافع: 264.
7- کشف الرموز 2: 464.

ص: 22

زوجة سواء کان لها ولد من المیّت أم لا. وقد ادّعی ابن إدریس(1)

وصاحب الریاض(2) وأیضاً النراقی(3) الإجماع علی ذلک.

وذهب الصدوق(4) والشیخ فی النهایة(5) وابن البرّاج(6)

وابن حمزة(7) والمحقّق فی الشرایع(8) وابن عمّه یحیی فی

الجامع(9) والعلّامة(10) والشهید(11) وباقی المتأخّرین إلی أنّ ذلک

مخصوص بغیر ذات الولد منه(12).

التحقیق حول رأی الشیخ فی المقام

قد مرّ أنّ الشیخ الطوسی قد صرّح فی النهایة والمبسوط بوجود الفرق بین ذات الولد وغیرها، ولکنّه عدل عن ذلک فی الاستبصار،


1- السرائر 3: 259.
2- ریاض المسائل 12: 589.
3- مستند الشیعة 19: 359.
4- الفقیه 4: 252.
5- النهایة: 642.
6- المهذّب 2: 140.
7- الوسیلة: 391.
8- شرائع الإسلام 4: 28 و 29.
9- الجامع للشرائع: 508 و 509.
10- مختلف الشیعة 9: 52.
11- الدروس الشرعیّة 2: 358.
12- رسائل الشهید الثانی 1: 467 و 468.

ص: 23

وقد صرّح بذلک ابن إدریس فی سرائره وقال:

فأمّا إذا کان لها منه ولد اعطیت سهمها من نفس جمیع ذلک علی قول بعض أصحابنا وهو اختیار محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه تمسّکاً بروایة شاذّة وخبر الواحد لا یوجب علماً ولا عملًا، وإلی هذا القول ذهب شیخنا أبو جعفر رحمه الله فی نهایته إلّاأنّه رجع عنه فی استبصاره وهو الذی یقوی عندی(1).

وفی الاستبصار بعد أن ذکر الأحادیث التی دلّت علی حرمان الزوجة عن جمیع الأراضی قال:

فأمّا روایة ابن أبی یعفور فلا تنافی الأخبار الأوّلة من وجهین: أحدهما أن نحمله علی التقیّة؛ لأنّ جمیع من خالفنا یخالف فی هذه المسألة ولیس یوافقنا علیها أحد من العامّة، وما یجری هذا المجری یجوز التقیّة فیه.

والوجه الآخر أنّ لهنّ میراثهن من کلّ شی ء ترک ما عدا تربة الأرض من القرایا والأرضین والرباع والمنازل، فنخصّ الخبر بالأخبار المتقدّمة.

ثمّ قال:

وکان أبو جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه رحمه الله یتأوّل هذا الخبر(2) ویقول: لیس لهنّ شی ء مع عدم الأولاد من

هذه الأشیاء المذکورة، فإذا کان هناک ولد یرثن من کلّ شی ء.


1- السرائر 3: 259.
2- من لا یحضره الفقیه 4: 349.

ص: 24

ثمّ قال:

إنّ الشیخ الصدوق استدلّ علی هذا التوجیه بما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی عن یعقوب بن یزید عن ابن أبی عمیر عن ابن اذینة فی النساء إذا کان لهنّ ولد اعطین من الرباع(1).

انتهی کلامه.

والظاهر أنّ ما فهمه ابن إدریس من کلامه تامّ، ویؤیّد ذلک أنّ العلّامة فی المختلف بعد نقل عبارة الشیخ قال:

وهذا القول من الشیخ فی الاستبصار یشعر بأنّه لا یرتضیه وإلّا لکان یقول فی رحبة المتأوّل: ثلاثة أوجه ثمّ یسند الثالث إلی ابن بابویه، لکنّه لمّا جمع بوجهین ثمّ قال: وکان ابن بابویه یجمع بکذا، فهذا یدلّ علی أنّه غیر قائل به(2).

وسیأتی أنّ صاحب الریاض قد فهم من کلامه ما فهمه ابن إدریس والعلّامة.

اعتراض بعض المعاصرین علی کلام ابن ادریس والمناقشة فیه

ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرین قد اعترض علی ابن إدریس وقال:

إنّ ما ذکره من رجوع الشیخ فی الاستبصار عمّا ذکره فی


1- الاستبصار 4: 155.
2- مختلف الشیعة 9: 56.

ص: 25

النهایة غیر تامّ، فإنّ عبارته فی الاستبصار لا دلالة فیها علی ذلک ... بل تعبیره بأنّ الصدوق کان یتأوّل الخبر الدالّ علی إرث الزوجة من کلّ ما ترکه الزوج بحمله علی ذات ولد، قد یشعر بأنّه بهذا التأویل یرتفع التعارض والتنافی.

وفیه: أنّه إذا کان تأویل الصدوق مرضیّاً عنده فلماذا قد فکّک بین التوجیهین وبین ما ذکره الصدوق.

وبعبارة اخری: بناءً علی ذلک لما کان وجهاً للتفکیک، مع أنّ الظاهر من کلامه أنّه قد ذکر التوجیه الذی ذهب إلیه الصدوق بعنوان إحدی طرق التخلّص عن التنافی لا بعنوان أنّ ذلک مختاره، بل یمکن أن یُقال: الظاهر أنّه قد اعتمد علی التوجیه الأوّل وهو الحمل علی التقیّة. فالحقّ ما ذکره ابن إدریس وأیّده العلّامة من عدم ارتضاء الشیخ لما ذهب إلیه الصدوق.

والعجب أنّ المعترض عقّب کلامه بقوله: وممّا یشهد علی ذلک أنّ الشیخ بنفسه ذکر هذا التأویل واختاره فی التهذیب، وأیضاً ...

أنّ المدار والمعیار لاقتناص فتاوی الشیخ الأعظم إنّما هو کتاباه النهایة والمبسوط، کما أنّ تهذیبه الذی هو شرح لمقنعة المفید هو الکتاب الحدیثی الأهمّ والمعتمد لدیه، فکیف لا ینظر إلی ما أفتی به فی هذه الکتب المعتمدة والتی قد صرّح فیها بالتفصیل بین

ص: 26

ذات الولد وغیر ذات الولد، ثمّ یتشبّث بعبارة الاستبصار الذی ألّفه للجمع بین الأخبار ورفع التعارض بینها لا للإفتاء(1).

ویرد علیه:

أوّلًا: أنّ الاستبصار متأخّر عن التهذیب ولا یکون المتقدّم مؤیّداً للمتأخّر.

ثانیاً: أنّ ما ذکره من عدم کون المدار للاقتناص للفتوی علی المراجعة إلی الاستبصار، بل المدار للفتوی هو الرجوع إلی النهایة والمبسوط، غیر مطابق لما ذکره الشیخ نفسه فی مقدّمة الاستبصار حیث قال:

أبتدأ فی کلّ باب بإیراد ما اعتمده من الفتوی والأحادیث فیه، ثمّ أعقب بما یخالفها من الأخبار وأبین وجه الجمع بینها(2).

فهذا الکلام صریح فی أنّ الشیخ فی استبصاره الذی هو متأخّر عن جمیع کتبه، یذکر ابتداءً مذهبه ومعتمده فی الفتوی وینقل الأخبار التی اعتمد علیها فی الفتوی، ثمّ یذکر ثانیاً الأخبار المتعارضة.

لا یقال: إنّ التعبیر ب «ما اعتمده من الفتوی» شی ء وکون المصنّف بصدد الفتوی شیئاً آخر.


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 17، السیّد محمود الهاشمی.
2- الاستبصار 1: 3.

ص: 27

لأنّا نقول: إنّ هذا التفکیک مکابرة جدّاً خصوصاً التعبیر بأنّ الأخبار المتعارضة یذکرها ثانیاً، فما هو الوجه لذکرها، ألیس ذلک إلّا لتثبیت الفتوی؟

فظهر من جمیع ذلک أنّ مذهب الشیخ فی الاستبصار عدم الفرق فی الحرمان بین ذات الولد وغیرها.

ولعلّ ما ذکره فی الخلاف یستظهر منه الإجماع علی ذلک أیضاً، قال فی الخلاف:

لا ترث المرأة من الرباع والدور والأرضین شیئاً، بل یقوّم الطوب والخشب فتعطی حقّها منه وخالف جمیع الفقهاء فی ذلک(1)

. انتهی کلامه، وهذا ظاهر فی عدم التفصیل.

وما مرّ منّا آنفاً من أنّ الإجماع هو الإجماع علی أصل الحرمان فی قبال العامّة، مجرّد احتمال لا یساعده الظاهر، بل صاحب الریاض قد استظهر منه الإجماع علی ذلک، فتدبّر.

کلام صاحب الریاض

ثمّ إنّه قد صرّح بأنّ عدم الفرق مطابق لقول کثیر من المتقدّمین وقال:

واعلم أنّ مقتضی إطلاق العبارة وغیرها من عبائر الجماعة ممّا اطلق فیه الزوجة عدم الفرق فیها بین کونها ذات ولد من زوجها أم لا، وفاقاً لکثیر من أصحابنا کالکلینی والمرتضی


1- الخلاف 4: 116، مسألة 131.

ص: 28

والشیخ فی الاستبصار والحلبی وابن زهرة ظاهراً والحلّی وجماعة من المتأخّرین صریحاً وفی السرائر وعن الخلاف الإجماع علیه وهو الحجّة(1).

ثمّ إنّه أیّد ذلک بامور أربعة، فقال:

هذا مضافاً إلی إطلاق الأخبار السابقة بل عمومها الثابت من صیغة الجمع فی جملة منها وترک الاستفصال فی اخری وعموم التعلیل ووجه الحکمة فی ثالثة(2).

النتیجة فی النزاع الثانی

إنّ المستفاد من إطلاق کلام المفید فی المقنعة والسیّد المرتضی فی الانتصار والشیخ الطوسی فی الاستبصار وأبو الصلاح الحلبی فی الکافی وتصریح ابن إدریس فی السرائر والمحقّق فی المختصر النافع، عدم الفرق فی الزوجة الممنوعة بین ذات الولد وغیرها.

والمخالف لهم من المتقدّمین هو الشیخ الصدوق فی الفقیه وابن حمزة فی الوسیلة والمحقّق فی الشرائع وابن عمّه یحیی فی الجامع، ومن المتأخّرین أکثرهم.

وقد مرّ أنّه لا یصحّ أن نجعل الشیخ الطوسی من الموافقین للتفصیل، کما أنّ المحقّق أیضاً له قولان فی المسألة، فعلی هذا یصحّ أن


1- ریاض المسائل 14: 385.
2- ریاض المسائل 14: 386.

ص: 29

یقال: إنّ المشهور بین القدماء عدم التفصیل فی الزوجة الممنوعة، فما ذکره بعض الفقهاء(1) من أنّ الأشهر بل المشهور بین الفقهاء اختصاص الحکم بغیر ذات الولد، قریب جدّاً، غریب واقعاً لأنّ التتبّع فی کلمات القوم یدلّ بوضوح علی أنّ المشهور لا یفرّقون فی الزوجة الممنوعة.

إن قلت: التحقیق یقتضی أن لا یستفاد الإطلاق ونفی هذا التفصیل من عبارات الشیخ المفید والسیّد حیث لم یفصّلوا بین الشقّین أیضاً؛ لقوّة احتمال أنّهم غیر ناظرین فیها إلّاإلی أصل المسألة ولیس نظرهم إلی تفاصیل المسألة المختَلف فیها، فهی ساکتة عن التفصیل ولیست دالّة علی عدم ارتضائهم له، وهذا نظیر جملة من کتب القدماء التی لم تذکر أصل المسألة فی إرث الزوجة کالهدایة والمقنع والمراسم وفقه القرآن للراوندی وغیرها، فإنّ سکوتها عن ذلک قد لا یدلّ علی نفیهم لأصل حرمان الزوجة. وقد صرّح بهذا بعض أهل النظر من المعاصرین(2).

قلت: کیف لا یقتضی، مع أنّهم فی مقام الإفتاء والفتوی سیّما أنّ فتوی الصدوق کان بأیدیهم ومع ذلک لم یلتفتوا إلیه، فهذا یکشف عن


1- صیانة الابانة: 196.
2- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 18، السیّد محمود الهاشمی.

ص: 30

عدم ارتضائهم لهذا التفصیل.

هذا مضافاً إلی أنّ تنظیر کلماتهم بکلمات مثل الصدوق فی المقنع والهدایة فی غایة البُعد، فتدبّر.

فالحقّ أنّ عدم التفصیل هو المشهور بین القدماء، بل لا یبعد وجود الإجماع فیه لقلّة المخالف بینهم ومدّعی الإجماع فیه متعدّد کالشیخ فی الخلاف(1) وصاحب الریاض(2) والنراقی(3) وصاحب الجواهر(4).

وعلیه یظهر الضعف فی ما ذکره بعض أهل النظر من المعاصرین فإنّه قال:

والذی تحصّل من مراجعة کلمات الأصحاب أنّ المقدار الممکن دعوی الإجماع فیه إنّما هو أصل حرمان الزوجة غیر ذات الولد من أعیان الرباع لا من قیمتها، فإنّ المسألة لو کانت إجماعیّة فکیف یحمل السیّد والصدوق والحلبی الروایات علی أنّ المراد منها حرمان الزوجة من عین الرباع لا من قیمتها، فإنّ المسألة إذا کانت إجماعیّة وقطعیّة لم یکن وجه لمثل هذا الحمل ولا لغیره


1- الخلاف 4: 117.
2- ریاض المسائل 14: 386.
3- مستند الشیعة 19: 379.
4- جواهر الکلام 39: 207.

ص: 31

من المحامل(1).

والعجب أنّه کیف جعل الحمل منافیاً للإجماع؟ فنحن نری فی کثیر من موارد الإجماع، مخالفة بعض الفقهاء مع المجمعین ومع ذلک نقول: بأنّ مخالفة هؤلاء لا یکون مضرّاً بالإجماع.

دراسة الروایات

إلی هنا اتّضح للقاری دراسة الأقوال فی المسألة، واللّازم صرف الکلام إلی ذکر الروایات المتعدّدة فی المقام، وقبل التعرّض لها نذکر اموراً خمسة:

الأوّل: أنّ أکثر الروایات الواردة نقلها المشایخ الثلاثة فی کتبهم الأربعة، وهذا یوجب الوثوق والاطمینان بصدور هذه الروایات عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام.

الثانی: أنّ کثیراً منها من الصحاح، وهی أیضاً بمقدار التواتر. نعم، بعض منها موثّق والقسم الثالث منها ضعیف.

الثالث: یمکن بعد التأمّل، أن یحصل الوثوق باتّحاد بعض منها مع بعض آخر، ونتیجة ذلک أن نجعل بعضاً منها مفسّراً ومؤیّداً لما هی متّحدة معه.


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّد فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 18.

ص: 32

الرابع: قد یوجد فی کلمات بعض أهل النظر من المعاصرین(1) تقسیم الروایات الواردة إلی طوائف، فقال: وهی بحسب اختلاف دلالتها یمکن تقسیمها إلی عدّة طوائف:

الطائفة الاولی: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والأراضی مطلقاً من دون تعرّض لکیفیّة إرثها من البناء.

الطائفة الثانیة: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والضیاع وإرثها من نفس البناء.

الطائفة الثالثة: ما دلّ علی التفصیل فی إرث الزوجة، فلا ترث من الدور والعقار والأراضی ولکن ترث من قیمة البناء والآلات.

انتهی کلامه.

وسیأتی بعد ذکر الروایات أنّ هذا التقسیم لیس صناعیّاً ولا یترتّب علیه أثرٌ صحیح جدّاً، وإن استفاد منه أمراً فی مختاره وهو مردود علی ما سیأتی إن شاء اللَّه.

ثمّ إنّ بعض الفقهاء قد ذکر تقسیماً آخر فی المقام وهو أنّ الروایات فی المقام علی قسمین:

الأوّل: ما لا یستفاد منه العموم، إمّا لأنّه خاصّ، أو لأنّه ساکت عن حکم غیر أراضی الدور أو مجمل.


1- راجع مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 19.

ص: 33

الثانی: ما یمکن استفادة العموم منه مع قطع النظر عن غیره، ولکن لاحتمال اتّحاده مع غیره، ممّا لا یستفاد منه ذلک إن لم نقل باستفادة خلافه یسقط الاستدلال به(1).

وهذا التقسیم أحسن من التقسیم السابق وسیظهر لک وجهه.

الخامس: إنّ التعابیر الواردة فی الروایات متعدّدة جدّاً، واللّازم البحث حولها، کما أنّ التقسیم الثانی کان لأجل هذا.

وهذه الروایات قد ذکرها صاحب الوسائل فی باب أنّ الزوجة إذا لم یکن لها منه ولد لا ترث من العقار والدور والسلاح والدوابّ شیئاً ولها من قیمة ما عدا الأرض من الجذوع والأبواب والنقض والقصب والخشب والطوب والبناء والشجر والنخل، وأنّ البنات یرثن من کلّ شی ء.

ونلاحظ فیه أنّ الروایات المذکورة فی هذا الباب لا یستفاد منها التفصیل فی الزوجة الممنوعة بین ذات ولد وغیرها، فتدبّر.

ثمّ اعلم أنّ الروایات المرتبطة بحرمان الزوجة أو عدم حرمانها علی طوائف ثلاث:

الطائفة الاولی: وهی کثیرة، تدلّ علی حرمان الزوجة من خصوص عقار الدور والرباع أو من جمیع الأراضی کأرض البستان والزرع وغیرهما.


1- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الإبانة: 178.

ص: 34

الطائفة الثانیة: وهی روایات قلیلة تدلّ علی عدم حرمانها وأنّها ترث من جمیع ما ترکه الزوج، کما أنّ الزوج یرث من جمیع ما ترکته الزوجة.

الطائفة الثالثة: وهی منحصرة بواحدة تدلّ علی حرمان الزوجة غیر ذات الولد، وأمّا ذات الولد فتعطی من الرباع.

أمّا الطائفة الاولی:

1- وهو ما ذکره الکلینی بطرق ثلاثة:

ألف: محمّد بن یعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن ابن محبوب، عن علی بن رئاب، عن زرارة؛

ب: وعن محمّد بن یحیی، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علی ابن رئاب، عن زرارة؛

ج: وعن حمید بن زیاد، عن ابن سماعة، عن ابن محبوب، عن علی بن رئاب، عن زرارة؛

عن أبی جعفر علیه السلام:

إنّ المرأة لا ترث ممّا ترک زوجها من القری والدور والسلاح والدواب شیئاً وترث من المال والفرش والثیاب ومتاع البیت ممّا ترک وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطی حقّها منه(1).

والطرق الثلاثة المذکورة عن طریق الکلینی موثّقة فإنّ محمّد بن


1- الکافی 7: 127، ح 2.

ص: 35

یحیی موثّق علی ما صرّح به النجاشی(1) فإنّه قال فی حقّه: شیخ أصحابنا فی زمانه ثقة عین کثیر الحدیث، وأیضاً حمید بن زیاد وثّقه النجاشی(2)، کما أنّ ما ذکره الشیخ الطوسی(3) بسند آخر صحیح أیضاً. نعم، ما ذکر بسند رواه طربال بن رجاء مجهول، ولا یذهب علیک أنّ التعدّد فی الطریق لا یوجب التعدّد فی الروایة.

وفی هذه الروایة إشکال من جهة الدلالة علی الحرمان من السلاح والدوابّ مع أنّه لم یفت أحدٌ من الفقهاء بحرمان الزوجة منها. وقد أجاب الأعاظم عن هذا الإشکال.

الجواب الأوّل: ما ذکره الشهید الثانی فی رسائله فإنّه قال:

وأمّا ما تضمّنه الخبر من السلاح والدوابّ فلا یسقط عدم القول به بالاحتجاج بالخبر أصلًا، بل یُردّ ما ذکر من حیث إجماع الأصحاب علی ترک العمل به لا من حیث إنّه مروی، ویعمل بالباقی، ومثله کثیر خصوصاً فی روایات الحبوة(4).

الجواب الثانی: ما ذکره فخر المحقّقین(5) فقد أجاب عن هذا الإشکال وحمل السلاح علی ما یحبی به الولد منه کالسیف- فإنّها


1- رجال النجاشی: 353، الرقم 946.
2- رجال النجاشی: 132، الرقم 339.
3- استبصار 4: 153.
4- رسائل الشهید الثانی 1: 452.
5- إیضاح الفوائد 4: 241.

ص: 36

لا ترث منه شیئاً- والدوابّ علی ما أوصی به منها أو وقفه أو عمل به ما یمنع من الإرث.

وأنت تری أنّ الجواب الأوّل أحسن من هذا الجواب.

ثمّ اعلم أنّ القریة لغةً مستعملة فی الضیاع والعقار.

قال ابن الأثیر فی النهایة:

القریة من المساکن والأبنیة والضیاع(1).

وقال ابن منظور فی لسان العرب:

القریة من المساکن والأبنیة والضیاع وقد تُطلق علی المدن(2).

فالروایة شاملة للحرمان من الدور والضیاع وغیرهما.

ولا یخفی أنّ الروایة ظاهرة فی الحرمان من القری والدور عیناً وقیمةً، کما أنّ الإرث من المال والفرش والثیاب ومتاع البیت ظاهر فی العین والقیمة، والشاهد علی ذلک قوله علیه السلام:

(وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب)(3)

، فتدبّر.

2- محمّد بن یعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد (وعن محمّد بن یحیی العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری) عن علیّ بن الحکم، عن علاء، عن محمّد بن مسلم، قال:


1- النهایة فی غریب الحدیث 4: 56.
2- لسان العرب 15: 177.
3- وسائل الشیعة 26: 206.

ص: 37

قال أبو عبد اللَّه علیه السلام:

ترث المرأة من الطوب ولا ترث من الرباع شیئاً، قال: قلت: کیف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع (الأصل) شیئاً؟ فقال: لیس لها منه نسب ترث به وإنّما هی دخیل علیهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا یدخل علیهم داخل بسببها(1).

وهذه الروایة معتبرة وقد أثبتنا فی محلّه اعتبار سهل بن زیاد والاعتماد علی روایاته، نعم علی بن الحکم لم یرد فیه مدحٌ ولا ذمّ ولکن عمل المشهور یجبرها، ولا یبعد أن یکون المراد من الرباع مطلق الأرض والعقار لا خصوص المنزل والدار کما یؤیّد ذلک التعبیر بالأصل فی النقل الآخر.

کما أنّها أیضاً ظاهرة فی الحرمان من العین والقیمة والتعلیل یناسب ذلک أیضاً سیّما التعلیل بأنّه لیس لها نسب ترث به.

3- محمّد بن یعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن علیّ بن الحکم، عن أبان الأحمر، قال: لا أعلمه(2) إلّاعن مُیَسرٍ بَیّاع الزُطّی(3) عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال:

سألته عن النساء ما لهنّ من


1- الکافی 7: 129، ح 5.
2- والظاهر أنّ المراد أنّه لا أنقله.
3- فی تاج العروس 19: 322: الزط جیلٌ من الناس کما فی الصحاح ... واختلف فیهم فقیل هم السبابِجَة: قومٌ من السند بالبصرة .... ونقل الأزهری عن اللیث أنّهم جیلٌ من الهند إلیهم تُنسب الثیاب الزطیّة.

ص: 38

المیراث؟ قال: لهنّ قیمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأمّا الأرض والعقارات فلا میراث لهنّ فیه، قال: قلت: فالبنات؟ قال:

البنات لهنّ نصیبهنّ منه، قال قلت: کیف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمّی؟ قال: لأنّ المرأة لیس لها نسب ترث به، وإنّما هی دخیل علیهم، إنّما صار هذا کذا لئلّا تتزوّج المرأة فیجی ء زوجها أو ولدها من قوم آخرین فیزاحم قوماً آخرین فی عقارهم(1).

وفیه أنّ میسّر لم یرد فیه توثیق، فالروایة غیر معتبرة سنداً وإن کانت موثوقة صدوراً أو مجبورة بشهرة العمل بها، وهذا یکفی فی الحجّیة، وتدلّ علی الحرمان من جمیع الأراضی سواء کان منزلًا أم ضیعة سیّما بملاحظة الجمع فی العقار، فتدبّر.

وقال السیّد المحقّق البروجردی قدس سره:

وهذه الروایة کما تحتمل أن یُراد بها مطلق الأرض، کذلک تحتمل أن یُراد بها خصوص أرض المساکن بقرینة ذکر القیمة لأشیاء مخصوصة بأرض المساکن والدور(2).

ولا یخفی ما فیه؛ لأنّ ذکر القیمة بالنسبة إلی الأشیاء المخصوصة إنّما ذکر فی صدر الروایة والحال أنّ الضابط فی الحرمان جاء فی ذیل الروایة. نعم، إذا قلنا بأنّ الألف واللّام فی الأرض یکون للعهد فیصحّ


1- الکافی 7: 130، ح 11.
2- تقریرات ثلاثة: 115.

ص: 39

ما ذکره واحتمله، ولکن هذا بعید جدّاً وسیأتی.

ثمّ إنّ هذه الروایة أیضاً ظاهرة، بل کالصریح فی الحرمان من العین والعقار، فلو کان المراد خصوص الحرمان عن العین لما کان وجه للتفکیک والفرق بین الطوب والبناء والخشب والقصب وبین الأرض والعقارات.

4- محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن محمّد بن عیسی، عن یونس، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

النساء لا یرثن من الأرض ولا من العقار شیئاً(1).

والروایة صحیحة وهی صریحة فی الحرمان من الأرض والعقار، ولا یتوهّم أنّ الأرض هی الأرض المعهودة وهی الدار، وأمّا العقار فهو عطف تفسیری لها، فتدلّ الروایة علی الحرمان عن الدور فقط، فإنّ هذا التوهّم لا مجال له أصلًا ولیس بین الإمام علیه السلام والمخاطب شی ء معهود.

والمراد بالنساء فیها هی الزوجات وذلک بقرینة بعض الروایات الآتیة.

والظاهر أنّ هذه الروایة أیضاً دالّة علی الحرمان من العین والقیمة سیّما من جهة وقوع النکرة فی سیاق النفی.


1- الکافی 7: 127 ح 1.

ص: 40

5- محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن عمر بن اذینة، عن زرارة وبکیر وفضیل وبرید ومحمّد بن مسلم عن أبی جعفر وأبی عبداللَّه علیهما السلام، ومنهم من رواه عن أحدهما علیهما السلام:

إنّ المرأة لا ترث من ترکة زوجها من تربة دار أو أرض إلّاأن یقوّم الطوب والخشب قیمة فتُعطی ربعها أو ثُمنها(1).

وهذه الروایة المعروفة بصحیحة الفضلاء الخمسة لیست روایات متعدّدة، بل غایتها أنّها حدیثان أحدهما عن الباقر علیه السلام، والثانی عن الصادق علیه السلام، وقد مرّ أنّ تعدّد الراوی لا یوجب تعدّد الروایة.

فالمروی عنه إذا کان واحداً والمضمون أیضاً کان مشترکاً یکون الحدیث متّحداً والتعدّد فی الراوی فی هذا الفرض، لا یوجب التعدّد فی الروایة.

وقال صاحب الوسائل فی ذیل الحدیث:

لا تصریح فیه بأنّ الولد منها، فیحمل علی وجود ولد للمیّت من غیرها(2).

أقول: لا وجه لهذا الحمل ولا تعرّض فی الروایة بالنسبة إلی الولد إلّا بقرینة ثمنها، وکیف کان لا وجه لحمل الروایة والحرمان الموجود فیها علی صورة وجود ولد للمیّت.

وبعبارة اخری: التعبیر بالثمن قرینة علی وجود الولد، ولکن هذا


1- الکافی 7: 128، ح 3.
2- وسائل الشیعة 26: 208.

ص: 41

لا یوجب حمل الروایة والحرمان علی ذلک، فتدبّر.

نعم قد اضیفت فی بعض نسخ الکافی عبارة فی ذیل الروایة وهی:

إن کان لها ولد من قیمة الطوب والجذوع والخشب(1) وأیضاً جاء فی التهذیب(2) هکذا: فتعطی ربعها أو ثمنها إن کان من قیمة الطوب والجذوع والخشب وقد علّق علیها المعلّق المرحوم الغفاری رحمه الله بأن فی الکافی «إن کان لها ولد من ... الخ» وقال وهو الأصوب وذهب فی مفتاح الکرامة(3) إلی عدم وجود هذه الإضافة فی النسخ الصحیحة من الکافی.

أقول: أوّلًا: الظاهر أنّ الزیادة من تفسیر الراوی ولیست فی الروایة ولا من کلام الإمام علیه السلام وهذا واضح، سیّما إذا قلنا بأنّ الروایة منقولة بالمعنی وکیف کان هذه الإضافة تکرار لما سبق وتوضیح لمورد الثمن ولا یوجب التغییر فی المعنی.

ثانیاً: قد مرّ أنّ کلمة الثمن قرینة علی فرض وجود الولد ولکن قلنا إنّ هذا الفرض لا یوجب التصرّف فی الصدر ولا یجعل الحرمان منحصراً بفرض وجود الولد فإنّ الاعتبار یناسب هذا، بمعنی أنّ وجود الولد یناسب عدم الحرمان لا الحرمان.


1- الکافی 7: 128 طبع دار الکتب الاسلامیة.
2- التهذیب 9: 343 طبع مکتبة الصدوق.
3- مفتاح الکرامة 8: 193.

ص: 42

ثالثاً: إذا شککنا فی وجود هذه العبارة وعدمه فلا مجال لأصالة عدم الزیادة لتعارضها مع أصالة عدم النقیصة وعلیه نشکّ فی وجودها فلا مجال للاستناد إلیها.

وکیف کان فهذه الروایة أیضاً ظاهرة فی الحرمان من العین والقیمة، فما ذکره بعض المعاصرین(1) من أنّها ظاهرة فی الحرمان عن العین فقط غیر صحیح، وسیأتی تفصیل الکلام فی ذلک.

6- محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن جمیل، عن زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام.

وأیضاً محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن جمیل، عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

لا ترث النساء من عقار الأرض شیئاً(2).

والروایة صحیحة والعقار بالفتح بمعنی الأرض والضیاع والنخل کما فی الصحاح، ومنه قولهم: ما له دار ولا عقار، ویُقال أیضاً: فی البیت عقار حسن أی متاع.

وقال ابن منظور فی لسان العرب:

العَقر والعقار المنزل والضیعة ... وخصّ بعضهم العقار بالنخل ... وفی الحدیث: من باع


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 46: 11.
2- الکافی 7: 128 ح 4.

ص: 43

داراً أو عقاراً ... العقار: الضیعة والأرض والنخل ونحو ذلک.

وقالت امّ سلمة لعائشة عند خروجها إلی البصرة: «سکّن اللَّه عُقیراک فلا تصحریها»(1)، أی أسکنک اللَّه بیتک وعقارک

وسترک فیه فلا تبرزیها ... عقار البیت أی متاعه ونضده الذی لا یبتذل إلّافی الأعیاد والحقوق الکبار ... وقیل عقار المتاع خیاره(2).

وقال فی مجمع البحرین:

وعقر الدار أصلها وتضمّ العین وتفتح فی الحجاز، وعن ابن فارس، العقر أصل کلّ شی ء ...(3).

فالعقر یُقال علی کلّ شی ء له أصل، فهو بمنزلة الفرع ... وعلیه فلا یُقال فی الأرض الخالیة عقر بل یُقال عقر الدار.

وقد صرّح بعض الفقهاء:

أنّ الأصل فی استعمال العقر والعقار استعمالها فی کلّ شی ء له أصل کالدار وقد استعمل فی خصوص الدار وفی العقر الذی یکون معتمداً لأهل القریة، فلو لم یکن ظاهراً فی خصوص الأراضی المشغولة هنا وخصوص أرض الدار فی ما وقع مقابلًا للبناء والطوب والخشب ولم نقل بأنّ العقار اسم للأرض والبناء أو الأرض والشجر، لیس ظاهراً فی مطلق


1- بلاغات النساء: 16.
2- لسان العرب 4: 597.
3- مجمع البحرین: 1247.

ص: 44

الأراضی أیضاً(1).

وقال أیضاً:

ویظهر من بعض اللّغویّین کالراغب فی مفردات القرآن: إنّ العقر یقال علی کلّ شی ء له أصل، فالعقر بمنزلة الفرع فلا یقال فی الأرض الخالیة عقر ولکن یُقال عقر الدار وعقر الحوض وعقر الروضة وعقر البستان(2).

ولا یخفی ما فیه، فإنّ هذا الکلام من قبیل الاجتهاد فی اللغة وهو ممنوع جدّاً، وقد عرفت أنّ أساطین اللغة قد صرّحوا باستعمال العقار فی مطلق الأرض سواء کانت مشغولة أم خالیة، کما أنّ استعمال هذا اللّفظ فی الروایات یدلّ علی أنّ العقار أعمّ من الدور، فجاء فی بعض الأحادیث: من باع داراً أو عقاراً.

وأمّا ما ذکره الراغب فالظاهر أنّ المراد أنّ إطلاق العقار علی الفرع إنّما هو باعتبار الأصل فیطلق علی الدار باعتبار أرضه التی هی أصله ویطلق علی الضیعة باعتبار أرضها، فلا تدلّ علی أنّه لو لم یکن لها فرع فلا یطلق علیها عقار، ویؤیّد ذلک ما قاله الهروی:

العقار:

الأصل، یُقال لفلان عقار أی أصل مال، ومنه الحدیث: من باع داراً


1- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الابانة: 189. والظاهر أنّ هذه الرسالة تقریرٌ لما أفاده السیّد المحقّق البروجردی قدس سره، وقد أخبرنی دام ظلّه أنّ هذه الرسالة تقریرٌ لبحثه الشریف إلی أوّل النزاع الثانی.
2- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الابانة: 179.

ص: 45

أو عقاراً أی أصل مال(1).

وبالجملة: لا ریب فی أنّه إذا استعمل من غیر إضافة إلی شی ء فقد استعمل فی مطلق الأراضی. نعم، إذا اضیف إلی الدور مثلًا فیدلّ علی أرض الدور خاصّة.

وقد اعترف الفاضل الهندی(2) بأنّ العقار فی غیر مورد إضافته إلی الدور یکون بمعنی الضیعة وجعله الأشهر فی معناه.

والنتیجة أنّ العقار هو الأرض والضیعة.

والنقطة المهمّة فی الروایة حول إضافة العقار إلی الأرض فهل الإضافة بیانیّة بتقدیر کلمة من فکأنّما قال: لا ترث الأرض أو تکون الإضافة بتقدیر کلمة (فی) یعنی عقار فی الأرض، وعلی هذا تکون محدودة بنوع خاصّ من العقار، ولکن الظاهر والراجح هو الاحتمال الأوّل.

فهذه الروایة عامّة دالّة علی الحرمان من جمیع الأراضی عیناً وقیمةً.

ولا یخفی علیک أنّ الروایة لیست روایتین لأنّ المروی عنه هو الإمام الباقر علیه السلام، والظاهر أنّ زرارة ومحمّد بن مسلم فی مجلس واحد قد أخذا الروایة من الإمام علیه السلام.


1- الغریبین 4: 1308.
2- کشف اللثام 9: 467.

ص: 46

7- محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن حمّاد بن عثمان، عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبی عبداللَّه علیه السلام:

لا ترث النساء من عقار الدور شیئاً ولکن یقوّم البناء والطوب وتعطی ثمنها أو ربعها، قال: وإنّما ذلک لئلّا یتزوّجن فیفسدن علی أهل المواریث مواریثهم(1).

والروایة صحیحة ولکن مختصّة بالحرمان عن عقار الدور.

8- محمّد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن محمّد بن عیسی، عن یحیی الحلبی، عن شعیب، عن یزید الصائغ، عن أبی عبداللَّه علیه السلام، قال:

سألته عن النساء، هل یرثن من الأرض؟ فقال: لا، ولکن یرثن قیمة البناء، قال: قلت: إنّ الناس لا یرضون بذا، قال: إذا ولّینا فلم یرضوا ضربناهم بالسوط فإن لم یستقیموا ضربناهم بالسیف(2).

والروایة ضعیفة من جهة أنّ یزید الصائغ من الکذّابین(3).

9- محمّد بن یعقوب، عن الحسین بن محمّد، عن معلّی بن محمّد، عن الحسن ابن علی، عن حمّاد بن عثمان، عن أبی عبداللَّه علیه السلام، قال:

إنّما جعل للمرأة قیمة الخشب والطوب لئلّا یتزوّجن فیدخل


1- الکافی 7: 129؛ وسائل الشیعة 26: 208.
2- الکافی 7: 129 ح 8.
3- راجع معجم رجال الحدیث 20: 121.

ص: 47

علیهم- یعنی أهل المواریث- من یفسد مواریثهم(1).

والروایة ضعیفة لأنّ فی طریق الکلینی معلّی بن محمّد وهو ضعیف مضطرب الحدیث والمذهب علی ما صرّح به النجاشی(2)، مضافاً إلی أنّ معلی بن محمّد ینقل عن الحسن بن علی وهو مشترک بین موثّق ومجهول وضعیف، کما أنّ فی طریق الصدوق محمّد بن الولید الکرمانی وهو مجهول.

ولا یبعد اتّحادها مع الروایة السابقة من جهة اتّحاد المروی عنه الذی هو الإمام الصادق علیه السلام واتّحاد المضمون، مضافاً إلی اتّحاد الراوی الذی هو حمّاد ابن عثمان. نعم، فی الروایة السابعة قد صرّح بالضابطة من أنّ النساء لا ترث من عقار الدور شیئاً، وفی هذه الروایة قد ذکر الراوی قسماً آخر من کلام الإمام علیه السلام، فالجامع ما ورد فی الروایة السابعة، فتدبّر.

10- محمّد بن یعقوب، عن حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن عمّه جعفر بن سماعة، عن مثنّی، عن عبد الملک بن أعین، عن أحدهما علیهما السلام، قال:

لیس للنساء من الدور والعقار شی ء(3).


1- الکافی 7: 129 ح 7.
2- رجال النجاشی: 418، الرقم 1117.
3- الکافی 7: 129 ح 9.

ص: 48

والروایة موثّقة سنداً وعامّة دلالة ولیست مختصّة بالحرمان من الدور فقط.

11- محمّد بن یعقوب، عن محمّد بن أبی عبداللَّه، عن معاویة بن حکیم، عن علی بن الحسن بن رباط، عن مثنّی عن یزید الصائغ، قال:

سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:

إنّ النساء لا یرثن من رباع الأرض شیئاً ولکن لهنّ قیمة الطوب والخشب، قال: فقلت له: إنّ الناس لا یأخذون بهذا، فقال: إذا ولّیناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلّا ضربناهم بالسیف علیه(1).

والروایة ضعیفة، والظاهر اتّحادها مع الروایة الثامنة، ولا یبعد أن یُقال إنّ إضافة الرباع إلی الأرض بیانیّة بمعنی أنّه لا ترث من الأرض فإنّ الرباع جمع ربع وهو المنزل والدار بعینها، والظاهر أنّ الربع لا یطلق بنفسه علی الأرض إلّاإذا اضیف إلی الأرض.

12- محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن الحسن بن محبوب وهو ینقل تارةً عن علیّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام وتارةً عن خطّاب أبی محمّد الهمدانی عن طربال،


1- الکافی 7: 129 ح 10.

ص: 49

عن أبی جعفر علیه السلام:

إنّ المرأة لا ترث ممّا ترک زوجها من القری والدور والسلاح والدوابّ شیئاً وترث من المال والرقیق والثیاب ومتاع البیت ممّا ترک ویقوّم النقض والجذوع والقصب فتعطی حقّها منه(1).

والروایة بسندها الأوّل صحیحة وبسندها الثانی ضعیفة، والظاهر اتّحادها مع الروایة الاولی فإنّ المضمون مشترک والمروی عنه هو الإمام الباقر علیه السلام.

13- محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد ابن زیاد، عن محمّد بن حُمران، عن محمّد بن مسلم وزرارة، عن أبی جعفر علیه السلام:

إنّ النساء لا یرثن من الدور ولا من الضیاع شیئاً إلّا أن یکون أحدث بناء فیرثن ذلک البناء(2).

والروایة موثّقة، والظاهر اتّحادها مع الروایة الرابعة، فإنّ اشتراک الراوی الذی هو محمّد بن مسلم والمروی عنه الذی هو الإمام الباقر علیه السلام یدلّ علی وحدة الروایة، ولا یقال إنّ الموجود فی الروایة الرابعة هو العقار، والمذکور هنا هو الضیاع.

فإنّا نقول: العقار یستعمل فی الضیاع، کما أنّ الضیاع أیضاً یستعمل فی العقار.

قال الفیّومی فی المصباح المنیر:

الضیعة العقار، وکذلک فی المنجد، فلا شکّ فی استعمال الضیعة فی العقار والأرض الغلّة


1- الکافی 7: 127 و 128 ح 2.
2- الاستبصار 4: 153 ح 10، تهذیب الأحکام 9: 300 ح 1073.

ص: 50

والمنازل. قال اللیث: الضیاع المنازل سمّیت ضیاعاً لأنّها إذا ترک تعهّدها وعمارتها تضیع(1).

قال ابن منظور فی لسان العرب:

الضیعة العقار والضیعة الأرض المُغلّة(2).

وإلی هنا قد اتّضح اتّحاد معنی کلمة العقار والضیعة والقریة والأرض، فتدبّر.

14- محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن سنان:

إنّ الرضا علیه السلام کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شیئاً إلّاقیمة الطوب والنقض، لأنّ العقار لا یمکن تغییره وقلبه، والمرأة قد یجوز أن ینقطع ما بینها وبینه من العصمة ویجوز تغییرها وتبدیلها ولیس الولد والوالد کذلک، لأنّه لا یمکن التفصّی منهما، والمرأة یمکن الاستبدال بها، فما یجوز أن یجی ء ویذهب کان میراثه فیما یجوز تبدیله وتغییره إذا أشبهه وکان الثابت المقیم علی حاله کمَن کان مثله فی الثبات والقیام(3).

والظاهر أنّ الروایة ضعیفة من جهات:

الاولی: أنّها مکاتبة واحتمال التقیّة فیها جاریة.


1- مصباح المنیر 1: 366.
2- لسان العرب 8: 230.
3- تهذیب الأحکام 9: 300 ح 1074.

ص: 51

الثانیة: محمّد بن سنان مختلفٌ فیه، وقیل فی حقّه: إنّه غال، وقد نقل عن صفوان أنّ ابن سنان قد همَّ أن یطیر غیر مرّة فقصصناه حتّی ثبت معنا، وربما هذا یدلّ علی اضطراب کان وزال.

وفی رجال الکشّی عن أحمد بن محمّد بن عیسی قال:

کنّا عند صفوان بن یحیی فذکر محمّد بن سنان فقال: إنّ محمّد بن سنان کان من الطیّارة فقصصناه(1).

وقد ضعّفه النجاشی وقال:

ضعیف جدّاً لا یعوّل علیه ولا یلتفت إلی ما تفرّد به(2).

وضعّفه ابن الغضائری وذکر أنّه من أهل الغلوّ والجهل(3).

وقال الشیخ الطوسی:

له کتب وقد طعن علیه وضعّف(4).

وروی الکشّی عن حمدویه أنّه قال:

لا استحلّ أن أروی أحادیث محمّد بن سنان لأنّه قال قبل موته: کلّما احدّثکم به لم یکن لی سماعاً ولا روایة إنّما وجدته(5).

وقد روی الکشّی عن الفضل بن شاذان: أنّ من الکذّابین


1- اختیار معرفة الرجال 2: 795.
2- رجال النجاشی: 328.
3- رجال ابن غضائری: 99.
4- الفهرست: 219.
5- اختیار معرفة الرجال 2: 687.

ص: 52

المشهورین محمّد بن سنان(1).

وقال الشیخ المفید فی رسالته العددیّة:

مطعونٌ فیه لا تختلف العصابة فی تهمته وضعفه(2).

وفی قِبال ذلک فقد عدّه فی الإرشاد(3) من أهل الورع والعلم والفقه ومن خاصّة الإمام علیه السلام وثقاته، وله توثیق عامّ ومن رجال کامل الزیارات(4) وتفسیر علی بن إبراهیم القمّی ووثّقه صاحب الوسائل(5) وابن طاووس(6).

والظاهر أنّ توثیق صاحب الوسائل لا یقبل لأن یعارض مع تضعیف النجاشی والشیخ، کما أنّ التوثیق العامّ کاف إذا لم یکن معارضاً بالجرح الخاصّ، وعلیه لا یمکن أن یعتمد علیه.

ثمّ إنّه قد ذکر الشیخ الطوسی فی الاستبصار هذا الحدیث من تتمّة الحدیث السابق ولم یذکره مستقلّاً فقد جاء فی الاستبصار: عنه (حسن بن محمّد بن سماعة) عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم، وزرارة، عن أبی جعفر علیه السلام: أنّ النساء لا یرثن من الدور ولا من


1- اختیار معرفة الرجال 2: 805.
2- جوابات اهل الموصول: 20.
3- الإرشاد 2: 248.
4- کامل الزیارات: الباب 1، فی ثواب زیارة رسول اللَّه صلی الله علیه و آله ح 3.
5- وسائل الشیعة( الاسلامیة) 20: 329 رقم 1049.
6- التحریر الطاووسی: 508، رقم 372.

ص: 53

الضیاع شیئاً إلّاأن یکون أحدث بناء فیرثن ذلک البناء.

وکتب الرضا علیه السلام إلی محمّد بن سنان فیما کتب من جواب مسائله:

علّة المرأة أن لا ترث من العقار شیئاً ...(1).

وعلیه فالراوی عن محمّد بن سنان هو حسن بن محمّد بن سماعة عن طریقه إلیه، مع أنّ الحدیث علی ما أورده فی الوسائل، یکون الراوی هو الشیخ الطوسی، ولیس فی المشیخة طریق إلی محمّد بن سنان فراجع، ولکن مع ذلک فقد ذکر فی التهذیب علی نحو الاستقلال، والظاهر هو التعدّد وإن کان الراوی عنه لیس الشیخ الطوسی، بل هو حسن بن محمّد بن سماعة، فتدبّر.

الثالثة: أنّ فی طریق الصدوق إلی محمّد بن سنان بعضاً من الضعفاء کعلی بن عبّاس(2).

وقال السیّد المحقّق البروجردی:

وهذه الروایة تنادی بأعلی صوتها أنّها لیست بهذه الألفاظ من الإمام علیه السلام کما یعرف ذلک من کان له أدنی بصیرة فی ألفاظ الأحادیث المنقولة عنهم علیهم السلام(3)

. أقول: لا یبعد هذا الکلام بالنسبة إلی التعلیل الذی ذکره، وأمّا


1- الاستبصار 4: 153.
2- قال النجاشی: رمی بالغلو وغمز علیه ضعیف جدّاً. رجال النجاشی: 255.
3- تقریرات ثلاثة: 111.

ص: 54

المعلّل فالظاهر أنّه من الإمام علیه السلام والروایة ظاهرة فی الحرمان عن جمیع الأراضی.

15- محمّد بن الحسن بإسناده، عن علی بن الحسن بن فضّال، عن أحمد بن الحسن، عن أبیه، عن عبد اللَّه بن المغیرة، عن موسی بن بکر الواسطی، قال: قلت لزرارة: إنّ بکیراً حدّثنی عن أبی جعفر علیه السلام:

إنّ النساء لا ترث امرأة ممّا ترک زوجها من ترثة دار ولا أرض، إلّاأن یقوّم البناء والجذوع والخشب فتُعطی نصیبها من قیمة البناء، فأمّا التربة فلا تُعطی شیئاً من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: هذا لا شکّ فیه(1).

والروایة معتبرة من باب أنّ سند الشیخ إلی علیّ بن الحسن الفضّال معتبر من باب تبدیل السند. نعم، بالنسبة إلی موسی بن بکر إشکال حیث لم یوثّق فی کتب الرجال. والظاهر أنّها متّحدة مع الروایة الخامسة.

16- محمّد بن علی بن الحسین بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال: سمعته یقول:

لا یرثن النساء من العقار شیئاً، ولهنّ قیمة البناء والشجر والنخل- یعنی من البناء الدور وإنّما عنی من النساء الزوجة(2).


1- الاستبصار 4: 154 ح( 580) 11، تهذیب الأحکام 9: 301 ح( 1077) 37.
2- من لا یحضره الفقیه 4: 348 ح 5750.

ص: 55

والروایة غیر معتبرة لأنّ طریق الصدوق إلی حسن بن محبوب ضعیف من جهة وجود محمّد بن موسی بن المتوکّل فإنّه لم یرد فیه توثیق. هذا مضافاً إلی أنّ أحول لقب جمعٍ من أصحاب الصادق علیه السلام والموثّق من بینهم واحد منهم وهو محمّد بن علی بن النعمان المکنّی بأبی جعفر والملقّب ب «مؤمن الطاق» والباقون: بکر بن عیسی وحبیب الخثعمی والحسین بن عبد الملک الذین هم من المجاهیل والمهملین، هذا مضافاً إلی أنّ السیّد البروجردی علی حسب الطبقات التی اخترعها وابتکرها فی الرجال قد أورد اشکالًا فی السند وقال:

إنّ حسن بن محبوب من الطبقة السادسة، والأحول من الطبقة الرابعة، وعلیه یحتمل الإرسال فی السند، ولکن هذا لا یضرّ من جهة انجبار الضعف بعمل الأصحاب.

وکیف کان فلا ریب فی أنّ المراد من العقار جمیع الأراضی خصوصاً مع کون المراد من البناء الدور، فتدبّر.

17- محمّد بن الحسن الصفّار فی بصائر الدرجات، عن محمّد بن الحسین، عن جعفر بن بشیر (عن الحسین بن أبی مخلّد، والظاهر أنّ هذا العنوان محرّف والمراد حسین بن أبی العلاء الخفّاف عن أبی مخلّد السرّاج)، عن عبد الملک قال:

دعا أبو جعفر علیه السلام بکتاب علیّ علیه السلام

ص: 56

فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطویّاً، فإذا فیه: إنّ النساء لیس لهنّ من عقار الرجل (إذا توفّی عنهن) شی ء، فقال أبو جعفر علیه السلام: هذا واللَّه خطّ علیّ علیه السلام بیده وإملاء رسول اللَّه صلی الله علیه و آله(1).

وعبدالملک مشترک بین الثقة وغیره، وعلیه فالروایة ضعیفة ولکن منجبرة بعمل الأصحاب، أو یقال باتّحاد هذه الروایة مع السابعة، والمراد عبد الملک بن أعین وهو ثقة.

والنقطة المهمّة فی هذه الروایة أنّ المستفاد من ظاهرها أنّ الراوی قد رأی کتاب علیّ علیه السلام والإمام الباقر علیه السلام قد حلف علی أنّ هذا خطّ علیّ علیه السلام وإملاء الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

أیّها القارئ والمتأمّل فی هذا الحدیث انظر کیف أصبحت الظروف فی زمن الإمام علیه السلام، وإلی أیّ حدّ وصلت حتّی احتاج الإمام علیه السلام- الذی هو من أبرز مصادیق العدول وموثّق عند الجمیع- إلی الحلف والقسم وإلی إرائة مصحف أمیر المؤمنین علیه السلام وإلی إثبات أنّ ما یقوله لیس بکلامه فقط، بل هو المستفاد من النبیّ صلی الله علیه و آله. وأنا عندما قرأت الحدیث زاد تأسّفی وانتابنی الحزن، والأسف یغمر صدری، لما رأیت من وقع الظلم علیهم علیهم السلام من قِبل المعاندین إلی حدّ کان یوجد الشکّ عند بعض الأصحاب، ولأجل هذا اضطرّ الإمام إلی أن یکشف مصحف علیّ بن أبی طالب علیه السلام.


1- بصائر الدرجات: 185، وسائل الشیعة 26: 212، الباب 6 من أبواب میراث الأزواج، ح 11.

ص: 57

18- محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسین بن سعید، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملک وابن أبی یعفور، عن أبی عبداللَّه علیه السلام، قال:

سألته عن الرجل، هل یرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شیئاً؟ أو یکون فی ذلک بمنزلة المرأة فلا یرث من ذلک شیئاً؟ فقال: یرثها وترثه من کلّ شی ء ترک وترکت(1).

والروایة صحیحة ولکنّها تدلّ علی إرث الزوجة من جمیع ما ترکه الزوج. ویمکن أن یُقال بأنّها مخصّصة بما دلّ علی عدم إرثها من العقار، أو یکون محمولًا علی التقیّة کما حمله الشیخ علیها، أو یکون محمولًا علی ما إذا کان للمرأة ولد کما ذکره الصدوق والشیخ وغیرهما. وقال صاحب الوسائل(2): یمکن حمله علی رضا الوارث إعطاء العین فیما عدا الأرض وبإعطاء العین أو القیمة من الأرض.

19- محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن أحمد بن عمران الأشعری، عن یعقوب بن زید، عن ابن أبی عمیر، عن ابن اذینة فی النساء إذا کان لهنّ ولد أعطین من الرباع(3). ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبی عمیر(4)، والروایة مقطوعة وسیأتی الکلام حولها إن شاء اللَّه تعالی.


1- الاستبصار 4: 154.
2- وسائل الشیعة 26: 213.
3- الاستبصار 4: 155 ح( 582) 13، تهذیب الأحکام 9: 301 ح( 1076) 36.
4- من لا یحضره الفقیه 4: 349 ح 5754.

ص: 58

هذه الروایات المذکورة فی الوسائل من میراث الأزواج، وقد استدلّ أیضاً ببعض الروایات التی ذکرت فی مباحث المهور من النکاح.

20- محمّد بن یعقوب، عن الحسین بن محمّد، عن المعلّی بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبید بن زرارة وفضل بن عبد الملک أبو العبّاس البقباق، قالا:

قلنا لأبی عبداللَّه علیه السلام: ما تقول فی رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من کلّ شی ء وإن ماتت فهو کذلک(1).

والروایة بهذا السند صحیحة، والحدیث له طریق آخر وهو صحیح أیضاً وهو ما رواه الشیخ بإسناده عن علی بن إسماعیل، عن فضالة بن أیّوب، عن أبان بن عثمان، عن عبید بن زرارة والفضل أبی العبّاس، عن أبی عبداللَّه علیه السلام(2).

ونظیر هذه الروایة هی الروایة الحادیة عشرة والثانیة عشرة من هذا الباب والراوی عن الإمام علیه السلام هو عبید بن زرارة، والظاهر اتّحادها مع الروایة العاشرة وقد صرّح فیها بأنّها ترثه.

والظاهر أنّ الإمام علیه السلام کان فی مقام بیان الفرق بین الصداق والإرث، فبالنسبة إلی الأوّل لها نصف الصداق، وأمّا بالنسبة إلی


1- وسائل الشیعة 21: 329، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 58، ح 9.
2- الاستبصار 3: 342 ح( 1221) 10.

ص: 59

الثانی فلها الإرث من کلّ شی ء.

والروایات الدالّة علی حرمانها من عقار الدور أو من مطلق العقار منقسمة إلی الصحاح والموثّقة والضعاف، والظاهر أنّها قد بلغت إلی حدّ التواتر، بل فوق التواتر، وقد صرّح بذلک بعض من الفقهاء المتقدّمین، والروایات الضعیفة منجبرة بعمل الأصحاب، وعلیه فلا شکّ فی صدور هذه الروایات عن الأئمّة المعصومین علیهم السلام.

فی اتّحاد بعض الروایات مع بعضها الآخر

هل الروایات متعدّدة بمعنی أنّ کلّاً منها مستقلٌّ عن الآخر أو یرجع بعضها إلی بعض، وقد ذکرنا حین نقلها ثبوت الاتّحاد بینها، فمثلًا ستّة من هذه الروایات وهی رقم 4، 5، 6، 7، 13، 15 متّحدة ولیست متعدّدة، وقد سبق أنّ الملاک فی الاتّحاد هو الاتّحاد فی المضمون والمروی عنه، والتعدّد فی الراوی لا یکون موجباً لتعدّد الروایة؛ فمثلًا حدیث الغدیر وإن کان متواتراً ولکن یکون خبراً لا أخباراً متعدّدة، مع أنّ الراوی فیه تجاوز عن المئات، ولا یذهب علیک أنّ الخبر مع کونه متواتراً ولکن یکون خبراً لا أخبارً، فتدبّر.

وأیضاً الحدیث 1 و 12 وأیضاً الحدیث 8 و 11، ولا یبعد اتّحاد 7 و 9، کما لا یبعد وحدة 10 و 17 من حیث إنّ الراوی فیهما هو عبد الملک.

ص: 60

وسیأتی ثمرة الفرق بین الاتّحاد وعدمه فانتظر.

العناوین الموجودة فی الروایات

فبعد الإحصاء یوجد فیها أحد عشر عنواناً:

1- الحرمان من القری والدور: الحدیث 1 و 12.

2- الحرمان من الرباع: الحدیث 2.

3- الحرمان من الأرض والعقارات: الحدیث 3 و 4.

4- الحرمان من تربة دار أو أرض: الحدیث 5 و 15.

5- الحرمان من عقار الأرض: الحدیث 6.

6- الحرمان من عقار الدور: الحدیث 7.

7- الحرمان من الأرض: الحدیث 8.

8- الحرمان من الدور والعقار: الحدیث 10.

9- الحرمان من رباع الأرض: الحدیث 11.

10- الحرمان من الدور والضیاع: الحدیث 13.

11- الحرمان من العقار: الحدیث 14، 16، 17.

توضیح الألفاظ المذکورة فی الروایات

العقار: قال ابن منظور فی لسان العرب:

العقر والعقار المنزل والضیعة، یقال ما له دار ولا عقار. وخصّ بعضهم العقار بالنخل ...

ص: 61

وقالت امّ سلمة لعائشة حینما أرادت الخروج إلی البصرة: سکن اللَّه عقیراک فلا تصحریها، أی أسکنک اللَّه بیتک وعقارک وسترک فیه فلا تبرزیه(1).

عقار البیت: متاعه ونضده الذی لا یبتذل إلّافی الأعیاد والحقوق الکبار، وقیل عقار المتاع، خیاره وشبیه هذا جاء فی الصحاح وقال:

العقار الأرض والضیاع والنخل(2).

وقد ذکر بعض الفقهاء:

أنّ الأصل فی استعمال العقر والعقار استعمالهما فی کلّ شی ء له أصل کالدار، وقد استعمل فی خصوص الدار وفی العقر الذی یکون معتمداً للقریة ...

ثمّ قال:

فلو لم یکن ظاهراً فی خصوص الأراضی المشغولة ... لیس ظاهراً فی مطلق الأراضی(3).

وقد ذکر الراغب فی مفرداته:

أنّ العقر یُقال علی کلّ شی ء له أصل، فالعقر بمنزلة الفرع فلا یقال فی الأرض الخالیة عقر ولکن یُقال عقر الدار، عقر الحوض، عقر الروضة، عقر البستان(4).

والحاصل: أنّه بعد أن تأمّل فی معنی کلمة العقر قد استفاد من اللغة


1- لسان العرب 4: 597.
2- الصحاح 2: 754.
3- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الابانة: 189.
4- مفردات غریب القرآن: 341.

ص: 62

أنّ هذه الکلمة منحصرة بالأرض المشغولة وفی النتیجة أفتی بالحرمان عن خصوص عقار الدور فقط.

ونلاحظ فیه:

أوّلًا: قد مرّ أنّ لفظ العقار إذا استعمل بنحو مطلق من دون إضافة إلی البیت، یستعمل فی مطلق الأرض. نعم، إذا اضیف إلی البیت یدلّ علی المتاع، وبالنتیجة یوجد الفرق بین الاستعمال علی نحو الإطلاق والاستعمال علی نحو الإضافة إلی خصوص الدور أو البیت، وأمّا إذا اضیفَ إلی الأرض أو إلی الرجل کما فی بعض الروایات فیدلّ علی المعنی المطلق.

ثانیاً: الظاهر سوء الفهم من عبارة الراغب وغیرها ولیس مرادهم من أنّ العقار یستعمل فی کلّ شی ء له أصل، أنّه إذا لم یکن فی البین أصلٌ وفرع لم یصحّ استعمال لفظ العقار، بل المراد أنّ إطلاق العقار علی الفرع إنّما هو باعتبار الأصل فیُقال للبناء والدار والزرع والنخل، عقار باعتبار الأصل وهو الأرض. وبعبارة اخری: لفظ العقار عامّ شامل للأرض الخالیة والأرض المشغولة، ولکن فی الثانی قد یطلق علی الفرع: عقار باعتبار الأصل، فتدبّر.

ویؤیّد ذلک ما ذکره الهروی فی الغریبین: العقار الأصل، ولم یذکر الأرض بل قال: هو الأصل ویقال لفلان عقار أی أصل مال، وفسّر حدیث من باع داراً أو عقاراً بأنّه من باع داراً أو أصل مال.

ص: 63

وبالنتیجة لا یجب فی استعمال هذه الکلمة أن یکون الفرع موجوداً فی الأصل، فلا فرق فی الاستعمال بین وجود الفرع وعدمه.

الرباع: جمع ربع بمعنی المنزل والوطن کما فی العین(1)، وقال الأصمعی:

الربع الدار بعینها(2)

، وقال الفیّومی فی مصباح المنیر:

الربع محلّة القوم(3).

ولا یبعد أن یُقال: إنّ کلمة الرباع إذا اضیفت إلی الأرض بأن یقال رباع الأرض، تدلّ علی مطلق الأرض لا خصوص المنزل والدار، وبعبارة اخری الإضافة بیانیّة.

الضیاع: جمع ضیعة بمعنی العقار والأرض المغلّة، قال الفیّومی:

الضیعة العقار.

القری: جمع قریة، المصر الجامع، أو کلّ مکان اتّصلت به الأبنیة واتّحد قراراً وتقع علی المدن.

قال ابن الأثیر فی النهایة:

القریة من المساکن والأبنیة الضیاع(4).

فتحصّل: أنّ هذه الألفاظ الأربعة تعود إلی معنی واحد، فالعقار والرباع والضیاع والقری تستعمل فی مطلق الأرض ولیس بینها تفاوت من حیث المعنی.


1- العین 2: 133.
2- حکی عنه فی تهذیب اللغة 2: 369.
3- مصباح المنیر: 216.
4- النهایة فی غریب الحدیث 4: 56.

ص: 64

تقسیم الروایات إلی طائفتین

اشارة

الطائفة الاولی: ما دلّ علی حرمان الزوجة عن خصوص أرض الدور، وهی ثلاث روایات:

1- الحدیث 2: ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع، وقد ذکرنا أنّ لفظ الرباع من دون إضافة إلی الأرض یستعمل فی خصوص الدور.

2- الحدیث 7: لا ترث النساء من عقار الدور.

3- الحدیث 11: إنّ النساء لا یرثن من رباع الأرض. هذا إذا لم تکن الإضافة بیانیّة وإلّا یدخل الحدیث فی الطائفة الثانیة.

الطائفة الثانیة: ما دلّ علی حرمان الزوجة من مطلق العقار من دون فرق بین عقار الدور وسائر العقارات:

1- الحدیث 1 و 12: لا ترث من القری والدور، فإنّ العطف من قبیل عطف الخاصّ علی العامّ، وقد مرّ أنّ المراد من القریة هی الضیعة التی هی الأرض، فکأنّما قال: لا ترث من الأرض والدور.

2- الحدیث 3 و 4: لا ترث المرأة من الأرض والعقارات، والجمع فی العقار یستفاد منه التأکید علی العموم ولا یصحّ أن یتوهّم أنّ الألف واللّام فی الأرض جاء للعهد والشاهد علی ذلک أیضاً هو الجمع فی العقار.

ص: 65

وأمّا ما تقدّم من السیّد المحقّق البروجردی قدس سره(1) من احتمال أن یُراد بها خصوص أرض المساکن بقرینة ذکر القیمة لأشیاء مخصوصة بأرض المساکن والدور، فغیر تامّ جدّاً؛ لأنّ الموضوع للآلات فی غیر أرض الدار منتف، وفی أرض الدار لا یمکن للشارع بیان آخر فی ما ترث الزوجة منها وفی ما لا ترث، وفی نظیر هذه الموارد التی لا یمکن للشارع لها طریق آخر، لا یصحّ أن نجعلها قرینة علی شی ء، وقد مرّ أنّ جعل العبارة السابقة قرینة علی العبارة الآتیة مناف للفصاحة والبلاغة.

3- الحدیث 5 و 15: لا ترث ممّا ترک زوجها من تربة دار أو أرض، وکلمة أولیست للتردید بل هی للتنویع والتعمیم.

4- الحدیث 6: لا ترث من عقار الأرض شیئاً.

5- الحدیث 8: سألته عن النساء هل یرثن من الأرض شیئاً؟

فقال: لا. فقد جاء فیه لفظ الأرض علی نحو الإطلاق.

6- الحدیث 10: لا ترث من الدور والعقار.

7- الحدیث 13: لا ترث من الدور والضیاع.

8- الحدیث 14، 16، 17: لا ترث من العقار.

فتبیّن من ذلک أنّ ثلاثة من الروایات تدلّ علی خصوص عقار


1- تقریرات ثلاثة: 107.

ص: 66

الدور وثلاث عشر منها تدلّ علی الحرمان عن جمیع الأراضی، وحینئذٍ فالبحث یقع فی فروض ثلاثة:

الفرض الأوّل: أن نقول بتعدّد الروایات ولم یکن بین بعضها مع البعض الآخر اتّحاد، فهل یمکن أن یقال بجریان قاعدة حمل المطلق علی المقیّد بمعنی أن نحمل الطائفة الثانیة التی دلّت علی الحرمان عن جمیع الأراضی، علی خصوص الحرمان عن الدار؟

قد یُقال: إنّ الطائفة الاولی التی تدلّ علی الخصوص، فقد تدلّ بالمفهوم علی عدم الحرمان عن بقیّة الأراضی فإنّ قوله علیه السلام؛ لا ترث المرأة من الرباع، یدلّ علی إرثها من غیر الرباع، وبهذا المفهوم نقیّد الروایات فی الطائفة الثانیة.

ونلاحظ فیه أنّ هذا المفهوم من قبیل مفهوم اللقب ولا یقول به أحد، إلّاإذا کان المتکلّم فی مقام بیان المفهوم ولم یثبت ذلک، فإنّ الغالب فی الأسئلة فی هذه الروایات هو السؤال عن الدار المسکونة، وقد أجاب الإمام علیه السلام بالنسبة إلی مورد السؤال بأنّها لا ترث من الرباع وترث من قیمة البناء والخشب، فلا یحرز أنّه فی مقام إفادة المفهوم، کیف وقد صرّح بعض بأنّ ذکر الخشب والقصب فی الروایة الثالثة قرینة علی أنّ المراد بالعنوان العام فیه أی الأرض والعقارات، هو خصوص عقار الدور کما صرّح بذلک السیّد البروجردی(1) وهو


1- تقریرات ثلاثة: 122.

ص: 67

وإن اختار فتوی المشهور فی هذه الرسالة ولکن قد نقل عنه أنّه قد عدل عن ذلک فی أواخر حیاته وأفتی بخلافه(1)، وکیف کان إذا احتملنا قرینیّة الموجود فلا یمکن لنا إحراز کونه فی مقام بیان المفهوم.

إن قلت: یمکن حمل الطائفة الثانیة علی الخصوص من طریق حمل المطلق علی المقیّد وقد ثبت فی محلّه أنّ حمل المطلق علی المقیّد لا یتوقّف علی ثبوت المفهوم، فنقول: لو فرضنا عدم المفهوم ولکن مع ذلک یجب حمل المطلق علی المقیّد وحمل الأرض فی الروایات علی الرباع.

قلت: إنّ حمل المطلق علی المقیّد یصحّ فیما إذا کان بینهما تناف عند العرف، ومع عدم وجود التنافی لا یصحّ الحمل، وفی المقام لا تنافی بین قوله: إنّ المرأة لا ترث من الرباع، وقوله علیه السلام: إنّ المرأة لا ترث من الأرض والعقارات. کما أنّه لا تنافی بین قول القائل لا تضرب


1- لایخفی علیک وجود الاختلاف بین رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الإبانة- الذی قسم منه من تقریرات بحث السیّد البروجردی والقسم الآخر من إفاضات المؤلّف المعظّم- دام ظلّه- حسب تصریحه لی وکتاب تقریرات ثلاثة والمستفاد من الأوّل أنّ السیّد قدس سره کان من الأوّل مخالفاً للمشهور، مع أنّ المستفاد من الثانی موافقته لهم، وقد ذکر بعض تلامذته فی شرحه علی المهذّب ما هذا نصّه:« وکان سیّدنا الاستاذ العلّامة البروجردی قدس سره مائلًا إلی قول المفید بدعوی أنّه مقتضی الجمع بین النصوص بعد ارجاع بعضها إلی بعض لاجل اتحاد الراوی لکن یظهر منه فی بعض محاضراته المطبوعة انّه عدل أخیراً عن هذا الرأی إلی قول الأکثر». شرح المهذب 1: 350.

ص: 68

زیداً، وبین قوله لا تضرب أحداً. نعم، إذا کان بینهما تناف فیجب الحمل من دون فرق بین المتوافقین والمتخالفین کما حقّقناه فی مباحثنا الاصولیّة، فراجع.

الفرض الثانی: أن نقول باتّحاد الروایات ورجوع بعضها إلی بعض آخر (فإنّ أحادیث 4، 5، 6، 7، 13، 15 ترجع إلی حدیث واحد، کما أنّ حدیث 8 و 11 أیضاً یرجعان إلی واحد وکذلک حدیث 1، 12) ونلتزم بتغایر العناوین وعدم الوحدة بین المعانی.

وبعبارة اخری: نلتزم بالاضطراب بین التعابیر الأربعة أی العقار والقری والضیاع والأرض.

والمراد من الاضطراب أنّ بعضاً منها یدلّ علی معنی خاصّ وهو خصوص أرض الدور، والبعض الآخر یدلّ علی جمیع الأراضی والعقارات، أو یُقال إنّ قسماً منها یدلّ علی خصوص الأرض المشغولة سواء کانت دوراً أم غیرها، والقسم الآخر یدلّ علی الأعمّ من الأرض المشغولة وغیرها.

ولا ریب أنّه فی هذا الفرض لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقّن منها، ولکن الکلام فی العنوان المتیقّن فما هو القدر المتیقّن فی المقام؟

قد یُقال: بأنّ القدر المتیقّن هو أرض الدور، وبالنتیجة المستفاد من الروایات عدم إرث الزوجة من الأرض المسکونة.

ویؤیّد ذلک:

أوّلًا: ذکر الخشب والقصب والبناء والطوب فی کثیر من

ص: 69

الروایات، والمستفاد من هذه العناوین عدم تعرّض الإمام علیه السلام بالنسبة إلی أرض الزرع وأرض البستان، وأیضاً عدم تعرّضه للأرض الخالیة.

ثانیاً: ذکر العلّة أو الحکمة فی الروایات، فالمستفاد من الحکمة- وهی عدم جواز مزاحمة الآخر لأهل المواریث- إنّ الممنوع هی أرض الدور فإنّ المزاحمة فیها تتحقّق لا فی الأرض الخالیة.

ولکن مع ذلک کلّه نقول: لولا وجود روایات 14، 16، 17 لقلنا بذلک فی هذا الفرض.

وبعبارة اخری: بناءً علی الاتّحاد بین الروایات والتغایر بین التعابیر نلتزم بأخذ القدر المتیقّن، ولکن هذا الأخذ صحیح إذا لم نتوجّه إلی هذه الروایات الثلاث، وأمّا مع التنبّه إلیها فلا یبقی للقدر المتیقّن مجال؛ وذلک لعدم عود هذه الثلاثة إلی بقیّة الروایات ولم یکن واحد منها متّحداً مع سائر الروایات حتّی یقال بالقدر المتیقّن، فقال الإمام علیه السلام فی الروایة 14: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شیئاً. فهذا التعبیر عامّ ولا یختصّ بأرض الدور.

وهکذا فی الروایة 16: سمعته یقول: لا یرثن النساء من العقار شیئاً. وفی هذه الروایة وإن جاء التعبیر بالبناء ولکن لیس هذا قرینة علی أنّ المراد من العقار هو أرض الدور وذلک لوجود التعبیر بالنخل والشجر أیضاً وهما لا یناسبان أرض الدور، فتدبّر جدّاً.

ص: 70

وهکذا جاء فی الروایة 17: النساء لیس لهنّ من عقار الرجل.

وهذا التعبیر أیضاً عامّ.

هذا أوّلًا.

وثانیاً: إنّ الاستدلال للقدر المتیقّن بالحکمة الواردة فی الروایات، غیر تامّ جدّاً لإمکان تحقّق المزاحمة فی أرض الزرع والشجر أیضاً، ولا یختصّ ذلک بأرض الدور فقط.

هذا مضافاً إلی عدم انحصار الحکمة بذلک فی الروایات، بل قد ذکر فیها عنوان أنّها لیس لها نسب ترث به، کما جاء فی الحدیث 3: لأنّ المرأة لیس لها نسب ترث به وإنّما هی دخیل علیهم.

کما أنّه جاء فیها عنوان أنّها لا ترث لأنّها فی معرض التغییر والتبدیل، وما کان قابلًا للتبدیل فالمناسب الإرث عمّا یکون قابلًا للتبدیل وهو غیر الأرض کما جاء فی الحدیث 14: لأنّ العقار لا یمکن تغییره وقلبه، والزوجة قد یجوز أن ینقطع ما بینها وبینه من العصمة ویجوز تغییرها وتبدیلها ولیس الولد والوالد کذلک؛ لأنّه لا یمکن التفصّی منهما، والزوجة یمکن الاستبدال بها، فما یجوز أن یجی ء ویذهب کان میراثه فیما یجوز تبدیله وتغییره.

وقد ذکرنا سابقاً أنّ الشیخ فی الاستبصار قد ذکرها متّصلة بالروایة الثالثة عشر، فراجع.

ص: 71

مقتضی الحِکَم الثلاثة

وهنا بحث وهو أنّه هل المستفاد من الحِکَم الثلاثة أنّ الزوجة لا ترث من أرض الدور فقط أم لا؟

یمکن أن یقال إنّه إذا کنّا نحن ومسألة المزاحمة فقط لقلنا بأنّه لا یبعد اختصاصها بأرض الدور، ولکن مقتضی الحکمة الثانیة والثالثة عدم الإرث من جمیع الأراضی.

الفرق بین العلّة والحکمة

اشارة

الظاهر أنّ التعبیر بالعلّة والحکمة فی الروایات لا یدلّ علی وجود الاختلاف بینهما من جهة علم الحدیث، وقد یعبّر کثیراً عن الحکمة بالعلّة وبالعکس، ولکن بینهما فرق فی اصطلاح الفقهاء والاصولیّین.

وبیان الفرق الحقیقی الدقیق بینهما أیضاً لیس بسهل ولکن نحن نذکر ما یمکن أن یشیر إلی الفوارق الموجودة بینهما:

الفرق الأوّل

إنّ العلّة یدور الحکم علیها وجوداً وعدماً؛ بمعنی أنّه مع وجود العلّة یکون الحکم موجوداً ومع عدمها یکون الحکم منتفیاً بخلاف الحکمة فإنّ الحکم یدور علیها وجوداً ولکن لا یدور علیها عدماً.

وبعبارة اخری: تکون العلّة مطّردة بخلاف الحکمة.

ص: 72

فإنّ الإسکار إذا قلنا بأنّه علّة لحرمة الخمر یکون وجوده موجباً لوجود الحکم، وعدمه موجباً لعدم الحکم، بخلاف النهی عن الفحشاء فی الصلاة فهو مع عدمه لا یکون موجباً لانتفاء الوجوب فی الصلاة. وأیضاً اختلاط المیاه فی العدّة فی باب الطلاق من مصادیق الحکمة، بمعنی أنّه مع عدمه لا یکون لزوم العدّة منتفیاً.

الفرق الثانی

إنّ العلّة عنوان دائمی ولا أقلّ غالبی بخلاف الحکمة فلا یعتبر فیها أن تکون عنواناً غالبیّاً فإنّ الشارع قد اعتمد علیها ولو بالفرد النادر منها؛ فمثلًا فی حرمة الزنا قد اعتمد الشارع علی مسألة اختلاط المیاه، وهذه وإن کانت قلیلة وفرضنا واحداً بین المأة ولکن الشارع قد اهتمّ بها.

الفرق الثالث

إنّ العلّة واحدة غالباً والحکمة متعدّدة غالباً، فقد ذکر لحرمة الزنا حکماً متعدّدة، کما أنّه ذکر لوجوب الصلاة والصیام حکماً عدیدة.

ومع الالتفات إلی هذه الفروق(1) یصحّ أن یُقال إنّ المزاحمة فی


1- وقد ذکرنا بعض هذه الفوارق فی رسالتنا حول التلقیح الصناعی فراجع، ولعلّ المراجع یجد الاختلاف بینها وبین ما ذکرناه فی المقام فلیتدبّر.

ص: 73

المقام من قبیل الحکمة ولیست علّة لحرمان الزوجة عن العقار(1)، وعلیه فلو فرضنا عدم تزویج المرأة المتوفّی عنها زوجها ثانیاً أو تزویجها ولکن وعدت بعدم إتیان الزوج إلی الدار لما کان الحکم بالحرمان منتفیاً.

وبناءً علیه لا یرد ما أورده المحقّق الأردبیلی من أنّ هذه الحکمة إنّما تقتضی الحرمان من عین تلک الامور لا قیمتها(2).

فإنّ الحکمة لیست قابلةً للاستدلال والنقض من جهة أنّها لیست دخیلة فی الحکم ولیست جزءاً من موضوع الحکم.

الفرض الثالث: أن یُقال باتّحاد الروایات وعدم وجود الاضطراب بین التعابیر بمعنی أنّ الأرض والعقار والضیاع والقری کلّها ترجع إلی معنی واحد وقد أثبتنا واخترنا ذلک.

فالنتیجة فی هذا الفرض واضحة وهی أنّ الإمام علیه السلام کأنّه قال: لا ترث الزوجة من جمیع الأراضی، فتدبّر.

والنتیجة إلی هنا أنّ روایات الطائفة الاولی وهی السبعة عشر دالّة علی حرمان الزوجة من جمیع الأراضی.


1- قد صرّح بذلک کثیر من الأعاظم کالشهید الثانی فی رسائله( 1: 482) حیث قال: المطلب الخامس فی بیان الحکمة فی هذا الحرمان، وأیضاً السیّد المحقّق البروجردی فی تقریرات ثلاثة، فراجع.
2- مجمع الفائدة والبرهان 11: 450.

ص: 74

الطائفة الثانیة: ما یکون ظاهرها عدم حرمان الزوجة مطلقاً، وتدلّ علی أنّها ترث من کلّ شی ء ترکه الزوج، وهی:

1- محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسین بن سعید، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملک وابن أبی یعفور، عن أبی عبداللَّه علیه السلام، قال:

سألته عن الرجل هل یرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شیئاً؟ أو یکون فی ذلک بمنزلة المرأة فلا یرث من ذلک شیئاً؟ فقال: یرثها وترثه من کلّ شی ء ترک وترکت(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن أبان.

والروایة موثّقة؛ لأنّ سند الشیخ إلی حسین بن سعید صحیح علی ما ذکره الأردبیلی فی جامع الرواة. وأمّا فضالة فالمراد منه فضالة بن أیّوب الأزدی، قال النجاشی: عربی صمیم سکن الأهواز روی عن موسی بن جعفر علیهما السلام وکان ثقة فی حدیثه مستقیماً فی دینه(2)، ووثّقه أیضاً الشیخ الطوسی(3). وأبان مشترک بین أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهما ثقتان، کما أنّ فضل بن عبد الملک وابن أبی یعفور کلیهما من الثقات.


1- الاستبصار 4: 154 ح( 581) 12، وسائل الشیعة 26: 212، الباب 7، باب أنّ الزوج یرث من کلّ ما ترکت زوجته وکذا جمیع الورّاث، ح 1.
2- رجال النجاشی: 310.
3- رجال الطوسی: 342.

ص: 75

ودلالتها علی إرثها من جمیع ما ترکه الزوج واضحة.

2- بالاسناد عن أبان بن عثمان، عن عبید بن زرارة والفضل أبی العبّاس قالا:

قلنا لأبی عبداللَّه علیه السلام: ما تقول فی رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من کلّ شی ء وإن ماتت فهو کذلک(1).

وقد ذکر الشیخ الطوسی فی استبصاره توجیهین للروایة الاولی:

الأوّل: الحمل علی التقیّة.

والثانی: تخصیصها بسائر الروایات الدالّة علی الحرمان. والجمع مهما أمکن أولی من الطرح(2).

ولا یخفی أنّ التوجیه الثانی غیر صحیح جدّاً؛ فإنّ السؤال الموجود فی الروایة یکون عن دائرة الحرمان، والجواب ظاهر فی عدم الحرمان أصلًا، فمع وجود هذا السؤال کیف یمکن التخصیص فی الجواب؟

اللَّهُمَّ إلّاأن یُقال: إنّ الملاک هو الجواب وخصوصیّات السؤال لا دخل لها فی ظهور الجواب فی العمومیّة، فإنّ کلام الإمام علیه السلام دالّ علی إرثها من جمیع ما ترکه الزوج.

وقد ذکر الشیخ طریقاً ثالثاً وهو حمل موثّقة ابن أبی یعفور علی ما


1- الکافی 6: 119 ح 7، الاستبصار 3: 342 ح( 1221) 10، وسائل الشیعة 21: 329 ح 9 من أبواب المهور.
2- الاستبصار 4: 155.

ص: 76

إذا کان لها ولد من الزوج، والروایات الدالّة علی الحرمان تحمل علی ما إذا لم یکن لها ولد منه وذلک بقرینة مقطوعة ابن أبی اذینة، وسیأتی البحث حولها إن شاء اللَّه تعالی.

وبالجملة: موثّقة ابن أبی یعفور أو ما دلّ علی عدم الحرمان یحمل علی التقیّة کما ذهب إلیها جمعٌ کثیر من الأعاظم، قال الشهید فی رسائله:

وروایة ابن أبی یعفور الدالّة علی عموم الإرث ظاهرة فی التقیّة لأنّها موافقة لمذاهب جمیع من خالفنا(1).

ومع عدم الحمل علی التقیّة نقول إنّها لا یقاوم الروایات المتواترة الدالّة علی الحرمان.

وقد یُقال: إنّ روایة ابن أبی یعفور تعارض الروایات الدالّة علی الحرمان، وفی فرض التعارض نری وجود مرجّح فی کلّ منهما؛ فإنّ الاولی موافقة لظاهر القرآن الکریم: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَکْتُمْ»(2)، والثانیة مخالفة للعامّة، وفی هذا المورد وقع الاختلاف بین الاصولیّین فذکر بعضهم تقدیم المرجّح المضمونی علی المرجّح الجهتی وعلیه تقدّم الاولی، وذهب بعضٌ آخر إلی عکس ذلک وعلیه تقدّم الثانیة أی ما دلّ علی الحرمان، وقد ذکر بعض کالمحقّق الخراسانی(3) بأنّه


1- رسائل الشهید الثانی 1: 468 و 469.
2- سورة النساء: 12.
3- کفایة الاصول: 453.

ص: 77

لا ترتیب بین المرجّحات.

والتحقیق تقدیم المرجّح المضمونی علی المرجّح الجهتی وذلک للروایة الواردة فی المقام وهی:

ما ذکره الراوندی فی رسالته التی ألّفها فی أحوال أحادیث أصحابنا وإثبات صحّتها، عن محمّد، وعلی ابنی علی بن عبد الصمد، عن أبیهما، عن أبی البرکات علی بن الحسین، عن أبی جعفر ابن بابویه، عن أبیه، عن سعد بن عبداللَّه، عن أیّوب بن نوح، عن محمّد بن أبی عمیر، عن عبد الرحمن بن أبی عبداللَّه، قال: قال الصادق علیه السلام:

إذا ورد علیکم حدیثان مختلفان فاعرضوهما علی کتاب اللَّه فما وافق کتاب اللَّه فخذوه وما خالف کتاب اللَّه فردّوه فإن لم تجدوهما فی کتاب اللَّه فاعرضوهما علی أخبار العامّة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه(1).

وقد اختاره المحقّق الخوئی(2) والمحقّق الوالد 0(3) استناداً إلی هذه الروایة.


1- وسائل الشیعة 27: 118 ح 29، باب وجوه الجمع بین الأحادیث المختلفة وکیفیّة العمل بها.
2- مصباح الاصول 3: 419.
3- فی موارد کثیرة، منها: تفصیل الشریعة، کتاب الطهارة 4: 331.

ص: 78

ثمّ إنّه قد احتمل أنّ هذه الروایة من باب قاعدة الالزام فتکون فی مورد تکون الزوجة من الفرقة الإمامیّة والمیّت من المخالفین وبناء علی جریان القاعدة ترث الزوجة من جمیع ما ترکه الزوج، ثمّ قال إنّ هذا الحمل خلاف الإطلاق، وفیه: إنّ هذا الاحتمال بعید جدّاً، فإنّ المفروض عند السائل أنّ المرأة محرومة من العقار وهو یسأل عن الرجل هل هو مثل المرأة أم لا؟ فلا یرتبط سؤاله بمسئلة الالزام.

کلام حول الآیة الشریفة 12 من سورة النساء

اشارة

والظاهر من کلمات من تعرّض لهذه الآیة الشریفة أنّ الإطلاق أو العموم فیها مسلّم، بمعنی أنّ الآیة ظاهرة فی أنّ إرث الزوجة ربعاً أو ثمناً إنّما هو من جمیع ما ترکه الزوج.

قال الفاضل الجواد:

ومقتضی العموم أنّ لها الربع أو الثمن من جمیع ما ترکه الزوج(1).

وقال بعض الفقهاء:

إنّ الموصول موضوع لإیجاد الإشارة، وبهذا امتازت ما الموصولة عن الموصوفة؛ لأنّ معنی ما الموصولة ما یعبّر عنه بالفارسیّة (آن چیزی) بخلاف الموصوفة فإذا کان فی البین شی ء معهود رجعت الإشارة إلیه وإلّا فالموصول یشمل جمیع ما یمکن أن یشار إلیه؛ لأنّ القول باختصاص الإشارة ببعض دون بعض ترجیحٌ بلا مرجّح، فعلی هذا یکون مفاد الآیة


1- مسالک الافهام 4: 175.

ص: 79

الکریمة عموم إرث الزوجة من أعیان الترکة(1).

ولا یخفی ما فیه من أنّه اجتهاد محض فی اللغة وهو غیر صحیح جدّاً.

ونقول: إنّ فی دلالة الآیة علی العموم تأمّلًا جدّاً، ووجهه.

أوّلًا: أنّ کلمة ما الموصولة لیست من ألفاظ العموم، واستفادة الشمول من لفظ- ترکتم- متوقّفة علی الإطلاق وهو مشروط بکون المتکلّم فی مقام البیان من هذه الجهة.

ثانیاً: أنّ الظاهر أنّ اللَّه تبارک وتعالی لیس فی مقام البیان بالنسبة إلی ما ترک، بل فی مقام بیان مقدار السهام من الربع والثمن ولکن لایعیّن ولا یبیّن أنّ السهم هل هو من جمیع ما ترکه الزوج أو من بعض ما ترکه الزوج، کما أنّ قوله تعالی: «فَانکِحُوا مَا طَابَ لَکُمْ»(2) إنّما هو فی مقام بیان موارد الجواز للنکاح ولا یدلّ علی عموم (ما طاب لکم) حتّی یقال بأنّ قوله تعالی: «مَثْنَی وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» مخصّص للعموم.

وکذلک قوله تعالی: «یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلَادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَیَیْنِ»(3) لیس فی مقام بیان ما ترکه المیّت، بل إنّما هو فی مقام


1- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الابانة: 168 و 169.
2- سورة النساء: 3.
3- سورة النساء: 11.

ص: 80

وجود الفرق بین الذکر والانثی فی الورثة.

وبالجملة: فی دلالة الآیة الشریفة علی إرثها من جمیع ما ترکه الزوج تأمّل جدّاً، والآیة من هذه الجهة مجملة، واللَّه أعلم.

وعلیه فلا یصغی إلی ما تخیّله بعض من عدم اعتناء فقهاء الشیعة فی استنباطاتهم الفقهیّة إلی القرآن الکریم، کیف وهم من أدق الباحثین فی القرآن الکریم سیّما فی آیات الأحکام ولا یناسب أن نعترض علی صاحب الجواهر وأمثاله بأنّهم ترکوا القرآن واعتمدوا علی الروایات المخالفة. ولیست هذه النسبة إلّاوفی الواقع اعتراضاً علی الأئمّة الأطهار علیهم السلام حیث إنّهم صرّحوا بحرمان الزوجة من العقار، کما أنّهم صرّحوا باختصاص الحبوة بالولد الأکبر، وفقهاء الشیعة تبعهم بما أنّ کلامهم حجّة علی حسب کلام الرسول الأعظم الوارد فی حدیث الثقلین(1) والذی مفاده أنّ العترة الطاهرة هم المرجع الدینی والعلمی فی جنب القرآن الکریم.

وبالجملة: إمّا أن لا یکون للآیة إطلاق کما اخترناه، وإمّا أن یکون له إطلاق، وکلامهم مخصّص أو مقیّد له.


1- وسائل الشیعة 27: 34؛ بحارالأنوار 2: 100.

ص: 81

ویؤیّد الأوّل أنّه ما اعترض علیهم أحدٌ من أصحابهم علیهم السلام، ولم یناقشوهم بأنّ کلامهم فی حرمان الزوجة مخالف للقرآن العزیز، مع أنّهم فی الموارد الاخری إذا کان فی أذهانهم شی ء من توهّم المخالفة للقرآن ذکروه وطلبوا الجواب من الإمام علیه السلام، فراجع الروایات.

وعلیه فلا یصحّ أن یُقال بترجیح موثّقة ابن أبی یعفور علی سائر الروایات الدالّة علی الحرمان من جهة أنّها موافقة للقرآن الکریم، هذا أوّلًا.

وثانیاً: إنّ المراد من المخالفة ولزوم ترک المخالف للقرآن هی المخالفة الکلّیّة ولا تشمل المخالفة بالعموم والخصوص کما هو واضح.

وثالثاً: إنّ روایة عبد الرحمن وإن صرّح الشیخ بأنّها صحیحة ولکن الظاهر أنّها ضعیفة لا یمکن الاعتماد علیها، وبناءً علی ذلک نقول بتساقط المرجّحین ونذهب إلی أنّ موثّقة ابن أبی یعفور وبعض ما دلّ علی عدم الحرمان لا یقاومانِ الروایات المتواترة الدالّة علی الحرمان کما هو واضح جدّاً.

الطائفة الثالثة: وهی منحصرة بمقطوعة عمر بن اذینة وهی ما ذکره الشیخ الطوسی بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی، عن یعقوب بن یزید، عن ابن أبی عمیر، عن ابن اذینة فی النساء، إذا کان لهنّ ولد اعطین من الرباع(1).


1- الاستبصار 4: 155 ح( 582) 13، وسائل الشیعة 26: 213، الباب 7 ح 2، کتاب الفرائض، أبواب میراث الأزواج.

ص: 82

والمستفاد من هذه الروایة أمران:

الأوّل: أنّها شاهدة للجمع بین الطائفة الاولی والثانیة؛ بمعنی أن نحمل الاولی علی ما إذا لم یکن للزوجة ولد من الزوج، والثانیة علی ما إذا کان لها ولد.

الثانی: لو فرضنا عدم صلاحیّة تعارض الثانیة مع الاولی وقلنا بلزوم حملها علی التقیّة أو الإعراض أو شی ء آخر، فهذه الثالثة قرینة علی تقیید الاولی بما إذا لم یکن لها ولد.

والظاهر أنّ فتوی کثیر من المتأخّرین وجمع من المتقدّمین، بالتفصیل بین ذات الولد وغیرها مستندة إلی هذه المقطوعة وإن کان للقول بالتفصیل طرقٌ اخری نذکرها إن شاء اللَّه تعالی.

والکلام حول هذه الطائفة فی مطلبین:

المطلب الأوّل: هل هذه روایة صادرة عن المعصوم علیه السلام أم لا، بل یحتمل أنّها من فتاوی ابن اذینة من جهة أنّها مقطوعة غیر مسندة إلی الإمام علیه السلام وقد ثبت فی محلّه کبرویّاً عدم اعتبار المقطوعة کالمضمرة والمرسلة.

والظاهر أنّ التعبیر بالمقطوعة فی کلمات الفقهاء هو الأعمّ ممّا إذا لم یذکر اسم الإمام لا صراحة ولا إشارة، وممّا إذا ذکر اسمه الشریف إشارة. نعم، قد خصّ أهل الدرایة هذا الاصطلاح

ص: 83

بالمعنی الأوّل(1).

وکیف کان، فقد اختلفوا فی أنّ المقطوعة هل تجبر بالشهرة- بناءً علی أنّ الشهرة جابرة لضعف السند أم لا، کما أنّ الأحادیث المرسلة والضعیفة تجبران بعمل المشهور أم لا، بل الفرق موجود بین المقطوعة وغیرها؟

فقد صرّح المحقّق السبزواری فی کفایته(2) وتبعه صاحب الجواهر(3) بأنّ عمل المشهور لا یکون جابراً لضعف المقطوعة من جهة أنّ الجبران إنّما هو فیما إذا کان الکلام منقولًا عن الإمام علیه السلام، وأمّا فیما إذا لم یکن منقولًا فلا معنی ولا موضوع للجبران.

وبعبارة اخری: عمل المشهور إذا کان مستنداً إلی الروایة الضعیفة یکون جابراً لضعفها، وفی المقطوعة من جهة أنّه لم یحرز أنّها کلام الإمام علیه السلام أو کلام غیره فلا یحرز استناد المشهور، بل لا موضوع ولا معنی لاستناد المشهور.

نعم، ذهب بعض المحقّقین کالشعرانی إلی عدم الفرق فی المقام، فقال:

ولیس وجه الفرق ظاهراً عندی بل کلاهما (المقطوعة والمضمرة) یجبران بالشهرة إن قیل بالانجبار، ولا فرق بینهما


1- راجع مقباس الهدایة 1: 330 و 331.
2- کفایة الفقه 2: 515.
3- جواهر الکلام 39: 211.

ص: 84

وبین سائر الضعاف؛ لأنّ مناط جبر الشهرة قوّة الظنّ بکون الحدیث أو مضمونه صادراً من المعصوم، وهذا حاصل فی المقطوعة أیضاً(1)

، انتهی کلامه.

وقد تبعه بعض الفقهاء وقال:

لا فرق بین المقطوع والمرسل إذا حصل الاطمئنان بصدور المتن أو المضمون من المعصوم وعمل المشهور وفتوی الأصحاب وتخریجه فی الکتب المعدّة یوجب الاطمئنان بالصدور(2).

وفیه: أنّ حصول العلم أو الاطمینان متوقّف علی استناد المشهور إلی الروایة بما أنّها کلام المعصوم علیه السلام، وموضوع الاستناد فی المقام منتفٍ جدّاً فتدبّر.

هذا، مضافاً إلی أنّا قد أثبتنا فی بیان الأقوال أنّ القول بالتفصیل لیس مشهوراً عند القدماء لو لم یکن القول بالإطلاق مشهوراً، وقد صرّح السیّد بحر العلوم فی بلغة الفقیه بأنّ القولین متکافئان(3).

وبعد ذلک نقول: قد صرّح جمع بکونها روایة عن المعصوم وذلک من جهة القرائن الموجودة؛ ذهب إلیه صاحب مفتاح الکرامة(4)


1- الوافی 13: 787.
2- رسالة فی ارث الزوجة المطبوعة فی کتاب صیانة الإبانة: 197.
3- بلغة الفقیه 3: 97.
4- مفتاح الکرامة 8: 191.

ص: 85

والشعرانی وبعض المعاصرین، ولکن صرّح الکثیر منهم بأنّها غیر محرزة الروایة ویحتمل أن تکون من فتاوی ابن اذینة:

قال الأردبیلی قدس سره:

بل ظاهرها أنّه فتواه حیث ما أسند إلی أحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه کما یقول الإنسان فتواه ولیست هی مثل سائر المقطوعات والمرسلات حتّی یقال الظاهر أنّ نقل مثله إنّما یکون عن الإمام علیه السلام(1).

وقال السبزواری قدس سره:

بل الظاهر أنّه کلام ابن اذینة وفتواه ولیس شأنه شأن سائر المرسلات والمقطوعات والمضمرات التی یقال فیها: إنّ الظاهر أنّ نقل مثلها إنّما هو عن الإمام(2).

وقال الشهید الثانی قدس سره:

وأمّا روایة ابن اذینة فهی مقطوعة لأنّه لم یسند القول إلی الإمام فسقط الاحتجاج بها رأساً(3).

وذکر الشیخ محمّد تقی البروجردی قدس سره:


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 444.
2- کفایة الفقه 2: 86.
3- رسائل الشهید الثانی 1: 469.

ص: 86

لاحتمال کونها رأیاً من الراوی(1).

وتبعه المحقّق الأراکی قدس سره(2).

واللّازم ملاحظة قرائن الطرفین:

القرائن الدالّة علی أنّها روایة

1- تکرّره فی الجوامع العظام الثلاثة الفقیه والاستبصار والتهذیب التی ما سیقت إلّاللروایة عن المعصوم علیه السلام.

وفیه:

أوّلًا: قد مرّ منّا أنّ الشیخ وإن ذکرها فی الاستبصار ولکن کلامه مشعر بعدم ارتضائه کما صرّح به العلّامة فی المختلف(3).

ثانیاً: مجرّد کون الکلام روایة عن الصدوق والشیخ لا یدلّ ولا یوجب أن یکون کذلک عند الجمیع، فربّما حصل لهما اجتهاداً أنّها روایة وهذا لا یجب اتّباعه.

ثالثاً: قد یوجد بعض الفتاوی فی هذه الکتب الثلاثة فإنّ کثیراً ما یوجد فیها المقطوعات التی لم یعتمد علیها الفقهاء فلابدّ من حملها علی کونها من قبیل فتاوی الرواة، وإلیک بعض النماذج:


1- نخبة الأفکار: 13 و 14.
2- رسالتان فی الإرث ونفقة الزوجة: 207 و 208.
3- المختلف 9: 56.

ص: 87

أ- فی مسألة نجاسة الغسالة، وقد ذکرت روایة عن ابن سنان دالّة علی نجاستها.

وقال المحقّق الخوئی:

والروایة مقطوعة لا یُعتمد علیها وإنّما هو کلام من أبی بصیر(1).

فهذا الکلام یحمل علی أنّه من فتاوی أبی بصیر.

ب- فی مسألة کفّارة الادهان أنّها شاة إذا کان عن علم وعمد، قال المحقّق الخوئی:

لکن الذی یهوّن الخطب أنّ مدلول الروایة لم یکن منقولًا عن الإمام علیه السلام، بل الظاهر أنّ ذلک فتوی لمعاویة بن عمّار ... فتکون الروایة مقطوعة، ودعوی الجزم بأنّ معاویة بن عمّار لا یفتی إلّابما سمع من الإمام ولا یخبر إلّاعنه عهدتها علی مدّعیها(2).

ج- قد ذکر المحقّق الإمام الخمینی (رضوان اللَّه علیه) روایة عن رفاعة وقال:

إنّها مقطوعة غیر منسوبة إلی المعصوم علیه السلام ولعلّه فتواه(3).

رابعاً: لو بنینا علی هذه المقطوعة لکان اللّازم قبول سائر المقطوعات أیضاً لوجودها أیضاً فی الکتب الحدیثیّة، مع أنّ دأب القوم لیس کذلک وقد صرّحوا فی کثیر من الموارد بعدم اعتبار المقطوعة، کما أنّهم صرّحوا بأنّ مجرّد الظنّ بکونها موصولة إلی


1- التنقیح 2: 375.
2- موسوعة الإمام الخوئی 28: 461.
3- کتاب الطهارة 2: 190.

ص: 88

الإمام علیه السلام غیر کاف فی الاعتماد علیها؛ فقد صرّح ابن أبی عقیل بأنّ مقطوعة هشام بن سالم (کلّ ما کان فی الإنسان اثنان ففیه الدیة وفی أحدهما نصف الدیة) غیر مُعتمد علیه(1).

وصرّح أیضاً الشیخ فی الاستبصار بأنّ الروایة الواردة فی المصلّی وهو یصلّی وفی قبلته نار؛ بأنّ هذه روایة شاذّة مقطوعة الإسناد(2).

وصرّح صاحب الحدائق بأنّ ما ذکره عمر بن یزید وقال: الرمل فی وادی المحسّر قدر مأة ذراع، مقطوعة غیر قابلة للاعتماد(3).

فالسؤال المهمّ أنّ الفقهاء قد صرّحوا بعدم اعتبار سائر المقطوعات، فکیف ذهب بعضهم إلی جواز العمل بهذه المقطوعة؟!

2- کون الراوی عن ابن اذینة، هو ابن أبی عمیر، وهذا یکشف عن أنّها روایة.

قال فی مفتاح الکرامة:

مضافاً إلی أنّ راویها ابن أبی عمیر الذی علم حاله فی التحفّظ والتحرّز فلعلّها کانت مسندة إلی معصوم عن ثقة ولمّا ذهبت کتبه نسی الثقة والمعصوم فوقف بها علی ابن اذینة وإلّا فما کان ابن أبی عمیر لیروی مذهب ابن اذینة ومثله یعقوب بن یزید الثقة، وکذا محمّد بن أحمد الثقة الجلیل، بل ولا


1- حیاة ابن أبی عقیل وفقهه: 541.
2- الاستبصار 1: 396.
3- الحدائق 17: 5.

ص: 89

کان الشیخ والصدوق الذی لا یروی إلّاما هو عنده حجّة بینه وبین ربّه عزّ وجلّ(1).

وقال المحقّق الشعرانی:

وبالجملة فعمر بن اذینة من أضبط الناس علی ما یعرف من تتبّع روایاته وکان له کتاب الفرائض وما فی کتابه منقول کثیراً عن جماعة من أصحاب الصادقین علیهما السلام ولم یکن یکتفی بالسماع من واحد منهم، واحتمال کون الحکم استنباطاً من رأی ابن اذینة بعید فی الغایة ومدفوع بشهرة العمل بها ولیس ابن اذینة ممّن نقل عنه قول اجتهاداً کالفضل ویونس وجعفر وسماعة، ولابدّ أن یکون علماؤنا عارفین بقرائن فی کتابه تدلّ علی کونه منقولًا عن الإمام علیه السلام(2)

. وفیه:

أوّلًا: إنّا تتبّعنا أکثر الموارد التی نقل ابن أبی عمیر عن ابن اذینة، فقد ورد هکذا:

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن زرارة.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن محمّد بن مسلم.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن محمّد بن حکیم عن میمون.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام.


1- مفتاح الکرامة 8: 191.
2- الوافی 13: 787.

ص: 90

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن الأحول.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن برید العجلی.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن عبداللَّه بن سلیمان عن حمران بن أعین.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن برید بن معاویة عن أبی جعفر علیه السلام.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن أبی اسامة.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن محمّد بن مسلم، زرارة، معمّر بن یحیی وإسماعیل الجعفی.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن زرارة وبکیر ابنی أعین.

- ابن أبی عمیر عن ابن اذینة عن بعض أصحابه عن أحدهما.

وأنت تری أنّه فی جمیع الموارد یذکر من نقله ابن اذینة عنه حتّی فیما إذا کان متعدّداً یصرّح بأسمائهم، فکیف نسی فی هذا المورد؟! وحتّی إذا کان الإمام مردّداً یعبّر عنه بأحدهما ولا یصرّح باسمه الشریف، فکیف فی هذا المورد لم یذکر الراوی والمروی عنه؟!

هذا، ویستفاد من التتبّع أنّ ابن اذینة قلیلًا ما یذکر عن الإمام علیه السلام بدون واسطة، بل فی أکثر الموارد یذکر مع الواسطة.

وبذلک یظهر أنّ ما ذکره فی ذیل کلامه من اعتماد الأجلّاء علی هذه

ص: 91

العبارة بعنوان الروایة غیر تامّ؛ فإنّ محمّد بن أحمد بن یحیی قال النجاشی فی حقّه:

کان ثقة فی الحدیث إلّاأنّ أصحابنا قالوا کان یروی عن بعض الضعفاء ویعتمد المراسیل ولا یبالی عمّن أخذ(1).

القرائن الدالّة علی أنّها فتواه ورأیه

1- إنّ هذه المقطوعة کانت بمرأی ومنظر من الشیخ المفید والسیّد المرتضی وابن إدریس والمحقّق فی النافع وکاشف الرموز، فالسؤال أنّهم لِمَ لم یعتمدوا علیها ولم یستندوا إلیها؟

فهل من الممکن أن یکون عندهم بعنوان الروایة ومع ذلک لم یتعرّضوا لها؟

وبعبارة اخری: إذا کانت المقطوعة روایة عندهم فلا أقلّ کان اللّازم أن یذکروها ویصرّحوا بعدم الاعتماد علیها أو لزوم الإعراض عنها، مع أنّا نری عدم تعرّضهم لهذه المقطوعة، فهذا یقوّی کونها فتوی له ولا أقلّ من الشکّ فی کونها روایة.

2- إنّ الروایات النافیة المطلقة کانت بصدد بیان جمیع الخصوصیّات وندّعی أنّها لم تکن فی حدّ الإطلاق فحسب، بل هی أقوی من الإطلاق وتکون بمنزلة المصرّحة بعدم الفرق بین ذات الولد وغیرها، فإنّ السائل حینما کان یسأل عنهم علیهم السلام: ما لهنّ من


1- رجال النجاشی: 348، رقم 939.

ص: 92

المیراث وکان الإمام بصدد بیان جمیع الخصوصیّات ولم یتفوّه بالفرق بین ذات الولد وغیرها، یظهر أنّ الفرق غیر صحیح جدّاً.

وبعبارة اخری الروایات تدلّ علی عدم الفرق من جهة الإطلاق المقامی وهو أقوی من الإطلاق اللفظی، فتدبّر.

فکیف یتصوّر أنّ الإمام علیه السلام یذکر حکم الطوب والخشب والقصب ولکن لم یذکر الفرق بین ذات الولد وغیرها.

3- إنّ الروایة الخامسة من الروایات السبعة عشر (صحیحة الفضلاء الخمسة) التی راویها ابن أبی عمیر عن ابن اذینة صریحة فی عدم الفرق بین وجود الولد وعدمه، فإنّ الإمام یصرّح فیها بأنّها تعطی ربعها أو ثمنها، والربع فی فَرض عدم وجود الولد للمیّت والثمن فی فرض وجوده.

ولا یخفی أنّ التفصیل فی المقام فیما إذا کانت المرأة ذات ولد من المیّت ووجود الفرق بینه وبین وجود الولد للمیّت واضح، فیمکن أن یکون للمیّت ولد من زوجة اخری صارت مطلّقة ولکن بعد التزویج بامرأة اخری لم یکن له منها ولد، ومع وجود الفرق بینهما فی نفس الأمر لکن الظاهر اتّحادهما فی الروایة بمعنی وجود الولد للمیّت من هذه المرأة المتوفّی عنها زوجها، فتدبّر جدّاً.

وبالنتیجة: کیف یمکن لابن اذینة أنّه نقل عن الفضلاء الخمسة من أحدهما علیهما السلام کلاماً دالّاً علی عدم الفرق بین ذات الولد وغیرها، ثمّ

ص: 93

یذکر ثانیاً وجود الفرق بینهما، وهل هذا کاشف عن کون الثانی لیس روایة بل هی فتواه ورأیه.

4- یستفاد من کلمات الرواة فی هذه الروایات أنّ عدم الفرق بین ذات الولد وغیرها کان أمراً مسلّماً عندهم، کما أنّه یستفاد من بعض الروایات أنّ حرمان الزوجة من العقار کان مفروضاً واضحاً عندهم، فما ذکره ابن أبی یعفور من أنّ الرجل یکون فی ذلک بمنزلة المرأة فلا یرث من ذلک یعنی من العقار شیئاً.

5- ما مرّ منّا(1) من أنّه بعد التتبّع فی ما ذکره ابن اذینة نری أنّه فی کثیر من الموارد یذکر عن الإمام علیه السلام مع الواسطة حتّی فی بعض الموارد یذکر عن الإمام علیه السلام بالوسائط المتعدّدة، فهذا یوجب ظنّاً قویّاً لنا فی أنّ المقطوعة لیست کلاماً من الإمام، وأیضاً لم تکن منقولة عن أحد من أصحابه علیه السلام.

فبالنتیجة: القرائن الدالّة علی کونها رأیه وفتواه قویّة جدّاً، ونحن لا نحتاج إلی هذه القرائن، بل یکفی عدم إثبات کونها کلاماً من المعصوم علیه السلام فلا یمکن الاعتماد علیها.

المطلب الثانی: وجود الإشکالات فیها من حیث الدلالة مع فرض کونها کلاماً من الإمام علیه السلام:


1- فی ص 69.

ص: 94

الأوّل: إذا بنینا علی کونها کلاماً من الإمام علیه السلام وجعلناها شاهداً علی الجمع بین الروایات النافیة والروایات العامّة المثبتة فیلزم من ذلک إخراج مورد بعض الروایات منها، وهذا قبیحٌ جدّاً.

توضیح ذلک: أنّ عبید بن زرارة والفضل أبی العبّاس قالا: قلنا لأبی عبداللَّه علیه السلام: ما تقول فی رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من کلّ شی ء.

ففی هذه الروایة من جهة أنّه صرّح علیه السلام بنصف الصداق، نفهم عدم وجود ولد للمیّت، فلو حملنا هذه الروایة- بقرینة مقطوعة ابن اذینة- علی ما إذا لم یکن لها ولد لَلَزم إخراج مورد الروایة، وهذا قبیح.

وهذا الإشکال متین لا یمکن دفعه.

الثانی: أنّ حمل الروایات النافیة علی ما إذا لم یکن لها ولد، حمل علی الفرد النادر فإنّ الغالب وجود الولد لها منه.

وقد اجیب عنه بوجوه:

أوّلًا: بأنّه لیس نادراً، بل کثیراً ما لا یکون للزوجة ولد من زوجها المتوفّی.

وفساده واضح ولعلّه من سهو قلمه الشریف.

ثانیاً: إنّ هذا الحکم حیث إنّه علی خلاف القاعدة والأصل

ص: 95

والروایات الدالّة علیه بحکم التعلیل الوارد فیها تناسب مع غیر ذات الولد(1).

وهذا الجواب لا یرتبط بالإشکال أصلًا، مضافاً إلی أنّ الحکمة لو لم تکن أنسب مع کونها ذات ولد لما کان ظاهراً فی غیر ذات الولد، بل من هذه الجهة عامّ، وقد صرّح صاحب مفتاح الکرامة بأنّ نسبة الحکمة إلیهما سواء وإن کان بالنسبة إلی غیر ذات الولد أقوی(2).

ثالثاً: ورد التفصیل فی الروایات بین قیمة البناء وعین التربة.

وهذا الجواب أیضاً غیر مرتبط بالإشکال کما هو واضح.

رابعاً: عدم مرکوزیّة العمل به فی ذات الولد حتّی من قبل أصحاب الأئمّة علیهم السلام، بمعنی أنّ ارتکاز أصحاب الأئمّة علیهم السلام عدم حرمان الزوجة إذا کان لها ولد.

وفیه: کیف یعتمد علی هذا الارتکاز، وکیف یدّعیه مع أنّ الأصحاب نقلوا هذه الروایات المستفیضة غیر المفصّلة بین ذات الولد وغیرها.

ثمّ قال: فلا یلزم من اختصاصه بخصوص الزوجة غیر ذات الولد تخصیص عمومات أو مطلقات واضحة عامّة البلوی بموارد نادرة لیکون مستهجناً أو غیر محتمل، بل علی العکس من ذلک باعتبار


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 46: 28.
2- مفتاح الکرامة 8: 191.( ط. القدیمة)

ص: 96

غموض أصل مفاد هذه الروایات وکونه علی خلاف الأصل والقاعدة وظواهر القرآن والأحادیث والشهرة وعمل المتشرّعة.

أقول: لا شکّ فی وضوح الإطلاق فی الأخبار والروایات النافیة وادّعاء الغموض فیها غیر صحیح جدّاً، کما أنّ مخالفة الأصل والقاعدة غیر واضحة جدّاً، فأیّ أصل أو قاعدة یدلّ علی إرثها من جمیع الترکة!!! وأمّا ظواهر القرآن فقد مرّ الجواب عنها، کما أنّ النسبة إلی الشهرة قد مرّ بطلانها، وکذلک عمل المتشرّعة.

وبالنتیجة هذه الوجوه للجواب عن الإشکال لا یمکن الاتّکال علیها، وعلیه فالجواب الصحیح أن یقال: إنّ المستهجن هو تخصیصات متعدّدة متکثّرة، وأمّا التخصیص إذا کان واحداً ولکن الأفراد التی تخرج عن دائرة العامّ کانت کثیرة لم یکن مستهجناً، فإذا قال: اعتق رقبة، ثمّ قال: لا تعتق الرقبة الکافرة، فیصحّ التقیید ولو کان أفراد المؤمن بین الرقبات قلیلًا.

الثالث: إنّ ما ذکره ابن اذینة إنّما هو بالنسبة إلی الرباع، فإنّه قال:

فی النساء إذا کان لهنّ ولد اعطین من الرباع، والاعتماد علیه موجب لعدم حرمان الزوجة عن الرباع وحرمانها عن سائر الأراضی، وهذا ممّا لم یقل به أحد.

وقد اجیب عنه:

بأنّ الرباع هی القدر المتیقّن من الحکم

ص: 97

بحرمان الزوجة من إرث الأرض بحیث لا یحتمل فقهیّاً ولا عرفاً- وبحسب لسان الروایات ومناسبة التعلیل الوارد فیها- اختصاص الحرمان بغیر الرباع من الأراضی فتکون الصحیحة دالّة علی عدم حرمان الزوجة من إرث سائر الأراضی غیر الرباع بطریق أولی(1).

وهذا الجواب متین جدّاً، ونضیف إلیه أنّ هذا الإشکال یصحّ علی القول المشهور، وأمّا بناءً علی ما ذهب إلیه المفید فلا یرد کما هو و

اضح.

الدلیل الثانی للتفصیل: انقلاب النسبة

وقد یستدلّ للتفصیل مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اذینة، عن طریق انقلاب النسبة فی المقام.

وتوضیح ذلک: أنّ النسبة بین الطائفة الاولی والطائفة الثانیة هی العموم من وجه، بمعنی أنّ الروایات الدالّة علی حرمان الزوجة من العقار مباینة مع الروایات الدالّة المصرّحة بإرثها من کلّ شی ء، ولکن من جهة وجود الإجماع علی حرمان غیر ذات الولد، تخصّص الثانیة وبعد التخصیص تنقلب النسبة بین الاولی والثانیة إلی العموم والخصوص المطلق، بمعنی أنّ الثانیة أخصّ مطلقاً من الاولی فتخصّص الاولی بها والنتیجة هی الحرمان فی غیر ذات الولد وعدم


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 46: 29.

ص: 98

الحرمان فی ذات الولد:

قال السیّد محمّد آل بحر العلوم:

ربما یتوهّم فی المقام، بل قد توهّمه بعض المعاصرین، تخصیص المطلقات بغیر ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اذینة بدعوی اقتضاء الترتیب فی علاج الأخبار المتعارضة وذلک بتقریب أنّ الأخبار الآمرة بإرثها مطلقاً من کلّ شی ء مخصّصة- أوّلًا- بالإجماع علی حرمان غیر ذات الولد، الخارجة به عن عمومها، وبعده تنقلب النسبة وتکون بینها وبین المطلقات النافیة للإرث نسبة العامّ والخاصّ المطلق فتخصّص تلک المطلقات بها، وهو المنتج للتفصیل بعد الحمل علیه(1).

وفیه:

أوّلًا: الظاهر أنّ النسبة بین الاولی والثانیة مع قطع النظر عن الإجماع، تکون عموماً وخصوصاً مطلقاً؛ بمعنی أنّ الاولی خاصّ والثانیة عامّ، ولیست النسبة تبایناً أو من وجه حتّی تنقلب بعد جریان الإجماع.

ولا ینقضی تعجّبی کیف غفل القوم عن هذا المطلب ولم یتفطّنوا فی الجواب إلی هذه الجهة. ویؤیّد ذلک أنّ الشیخ الطوسی رحمه الله فی


1- بُلغة الفقیه 3: 99.

ص: 99

الاستبصار(1) فی مقام التوجیه بالنسبة إلی الطائفة الثانیة ذکر وجهین:

الأوّل: الحمل علی التقیّة.

الثانی: التخصیص بالطائفة الاولی.

وهذا لا یصحّ إلّاإذا قلنا بأنّ النسبة بینهما من قبیل العموم والخصوص مطلقاً.

ثانیاً: التحقیق بطلان انقلاب النسبة کبرویّاً، واللّازم ملاحظة ظهور کلّ دلیل مع دلیلٍ آخر، بحیث لو کان الدلیل الأوّل عامّاً ثمّ جاء المخصّص الأوّل والمخصّص الثانی لوجب ملاحظة کلّ مخصّص مع العامّ، مع قطع النظر عن التخصیص.

وبعبارة اخری: العامّ بعد التخصیص یکون ظهوره فی العموم باقیاً، وهذا الظهور هو الملاک فی النسبة.

نعم، ذهب بعض کصاحب البلغة إلی قبول الکبری وعدم انطباقها فی المقام، فقالوا:

إنّ انقلاب النسبة أمرٌ صحیح فی المخصّص المتّصل ولکن لا یجری فی المنفصل، وما نحن فیه یکون المخصّص هو الإجماع وهو لیس بمتّصل کما هو واضح(2).

ثالثاً: ما ذکره البلغة وتبعه الشیخ محمّد تقی البروجردی فی


1- الاستبصار 4: 155.
2- بلغة الفقیه 3: 101.

ص: 100

النخبة(1) من عدم وجود إجماع علی حرمان غیر ذات الولد. نعم، هذا هو المتیقّن فی المقام بناءً علی الحرمان، ولکن بین کون شی ء متیقّناً وبین دلالة الدلیل وإقامة الدلیل علیه فرقٌ واضح.

ونلاحظ فیه أنّ فی انقلاب النسبة لا یلزم وجود الدلیل الثالث، بل اللّازم وجود شی ء ثالث موجب للتصرّف فی الدلیل الأوّل والثانی، فلا فرق بین الإجماع علی هذا المقدار من الحرمان وبین کونه قدراً متیقّناً.

رابعاً: ما ذکره السیّد المحقّق الحکیم قدس سره من أنّ الإجماع مدرکی لا یکون حجّة(2).

وفیه: مرّ منّا مراراً أنّ کون الإجماع مدرکیّاً لا یضرّ بحجّیته.

خامساً: ما ذکره السیّد المحقّق الحکیم قدس سره أیضاً

من أنّه بعد تسلیم الکبری لا تنقلب النسبة فی المقام إلی العموم والخصوص المطلق، بل تنقلب إلی عموم وخصوص من وجه؛ وذلک أنّ الأخبار المورثة تصیر بعد التخصیص بالإجماع عامّاً من جهة عدم وجود الفرق بین العقار وغیرها، وخاصّةً من جهة اختصاص الحرمان بغیر ذات الولد، کما أنّ الأخبار النافیة الدالّة علی الحرمان خاصّ من جهة الحرمان عن خصوص العقار وعامّ من


1- نخبة الأفکار: 16.
2- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 43: 199.

ص: 101

جهة عدم وجود الفرق بین ذات الولد وغیرها، فالنسبة بینهما بعد الانقلاب عموم وخصوص من وجه(1).

وفیه: ما ذکرناه سابقاً من أنّ النسبة من أوّل الأمر کانت عموماً وخصوصاً مطلقاً.

سادساً: ما ذکره أیضاً السیّد المحقّق الحکیم قدس سره

من أنّا لو سلّمنا انقلاب النسبة وأیضاً سلّمنا أنّ النسبة تنقلب إلی عموم وخصوص مطلقٍ، ولکن نقول: هذا الخاصّ المطلق لم یکن صالحاً لتخصیص العامّ فی المقام وإن کان الخاصّ فی سائر الموارد یکون مقدّماً علی العامّ(2).

توضیح ذلک: أنّه بعد التخصیص بالإجماع تکون الأخبار المورثة دالّة علی إرثها من الجمیع إذا کانت ذات ولد، والإجماع دالّ علی حرمانها إذا کانت غیر ذات ولد، فأیّ مورد یبقی للأدلّة النافیة؟

ویرد علیه: أنّ مدلول الأخبار النافیة إنّما هو بالنسبة إلی خصوص العقار، وهذا المدلول غیر موجود فی کلّ واحد من الإجماع والأخبار المورثة، فهذا الإشکال من السیّد الحکیم عجیب جدّاً.

فتبیّن من مجموع ذلک أنّ طریق انقلاب النسبة لإثبات التفصیل بین ذات الولد وغیرها، غیر تامّ أیضاً کبطلان الطریق الأوّل، وبناءً


1- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 43: 200.
2- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 43: 201.

ص: 102

علی ذلک لا وجه للتفصیل، وما ذهب إلیه جمعٌ من القدماء من عدم التفصیل حقیقٌ بالاعتماد.

وبالنتیجة فقول المشهور من حرمان الزوجة مطلقاً سواء کانت ذات ولد أم لم تکن، قوی جدّاً ومطابق للتحقیق وموافق للأدلّة الموجودة والروایات المعتبرة ولا بأس هنا بذکر مؤیّد لهذا القول، وهو: أنّ بعض الروایات یدلّ علی أنّ الحسن بن علی علیهما السلام أوصی إلی أخیه الحسین بن علی علیهما السلام بأن یدفنه مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله فقد ذکر المجلسی ...(1) وأن تدفننی مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله فإنّی أحقّ به وببیته ممّن أدخل بیته بغیر إذنه ولا کتاب جاءهم من بعده قال اللَّه فیما أنزله علی نبیّه صلی الله علیه و آله فی کتابه: «یأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ لَاتَدْخُلُواْ بُیُوتَ النَّبِیّ إِلَّآ أَن یُؤْذَنَ لَکُمْ»(2) فواللَّه ما أذن لهم فی الدخول علیه فی حیاته بغیر إذنه ولا جاءهم الإذن فی ذلک من بعد وفاته ونحن مأذونون فی التصرّف فیما ورثناه من بعده.

وأیضاً روی سلیمان بن خالد عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال:

إنّ الحسین بن علی علیهما السلام أراد أن یدفن الحسن بن علی علیهما السلام مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله وجمع جمعاً فقال رجل سمع الحسن بن علی علیهما السلام یقول: قولوا للحسین أن لا یهرق فیّ دماً لولا ذلک ما انتهی الحسین علیه السلام حتّی


1- بحارالأنوار 44: 151.
2- سورة الأحزاب: 53.

ص: 103

یدفنه مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله(1).

وهاتان الروایتان تشعران أو تدلّان علی عدم ارث الزوجة من العقار وعدم حقّ لعائشة فی بیت النبیّ صلی الله علیه و آله وإلّا فما کان لهذه الوصیّة مجال ولما کان لازماً لعائشة أن ترکب البغل وتجی ء إلی المسجد لتمنع من الدفن بل مجرّد أن تعلن عدم رضایتها للدفن کان کافیاً فی ذلک وبعبارة اخری مع وضوح بطلان ما ذکره العامة من أنّ الانبیاء لا یورّثون وإنّما ما ترکوه صدقة ومجعولیة الحدیث الّذی نقلوه فی هذا الأمر، إنّ هذه الوصیّة تدلّ علی عدم إرث زوجات النبیّ عنه صلی الله علیه و آله ولم تکن البیوت ملکاً لاحدیهنّ فی زمان حیاته صلی الله علیه و آله فإنّه لم یملک زوجاته بیوت سکناهنّ بل أسکنهنّ فیها فحسب وما نقل من عائشة عندما جی ء بجنازة الإمام الحسن علیه السلام من قولها: نحوّا ولدکم عن بیتی ولا تدخلوا بیتی من لا احبّ، لیس بصحیح. اللهمّ إلّاأن یراد من البیت، بیت السکنی ونقول بأنّ مدفن النبیّ صلی الله علیه و آله هو بیت سکنی عائشة ولکن لم یقبله المحقّقون فی التاریخ وصرّحوا بأنّ مدفن النبیّ صلی الله علیه و آله إنّما هو بیت فاطمة علیها السلام.

نعم، قد ورد فی بعض الروایات أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله حینما قال لعلی علیه السلام یا علی بیتی قبری، فقالت عائشة واعترضته: یا رسول اللَّه صلی الله علیه و آله فأین


1- بحارالأنوار 44: 155.

ص: 104

أسکن؟ فأجاب النبیّ صلی الله علیه و آله:

أسکنی أنت بیتاً من البیوت وهی بیتی لیس لک فیه من الحقّ إلّاما لغیرک فقرّی فی بیتک ولا تبرّجی تبرّج الجاهلیة الاولی ولا تقاتلی مولاک وولیّک ظالمة شاقّة وإنّک لفاعلة...(1).

فیستفاد من هذه الروایة أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله جعل حقّ السکنی لزوجاته بعد موته سیّما مع الالتفات إلی هذا الحکم من عدم جواز الخروج عن بیوتهنّ وقد صرّح فی هذا الکلام خطاباً لعائشة بأنّ لک من الحقّ ما لغیرک، فالمراد من الحقّ هو حقّ السکنی لا الملکیّة والتملّک فتدبّر.

وکیف کان: فالاستدلال بهذه القضیّة فی المقام غیر تامّ، وإنّما تکون علی حدّ التأیید فقط، فتأمّل.

وبعد إثبات قول المشهور نشیر إلی بعض الإشکالات الواردة فی المقام:

الإشکال الأوّل: الإشکال الثبوتی فی المقام

ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرین من المخالفین لمذهب المشهور قد أورد إشکالًا ثبوتیّاً فی المقام واعتقد بلزوم صرف الروایات عن ظاهرها إلی معنی آخر، إمّا بحملها علی ما ذهب إلیه


1- بحارالأنوار 22: 494.

ص: 105

السیّد المرتضی(1) من الحرمان من عین الرباع خاصّة لا من قیمتها ولا الحرمان من سائر الأشیاء، أو حملها علی ما یطبّقه علیه إمام العصر عجّل اللَّه تعالی فرجه الشریف؛ وذلک بتأیید ما ورد فی ضمن هذه الروایات من أنّهم قالوا: إذا ولّیناهم ضربناهم بالسوط.

وتوضیح کلامه فی ضمن ستِّ نقاط:

الاولی: أنّ الروایات الواردة فی الحرمان صادرة جمیعاً عن الامامین الباقر والصادق علیهما السلام باستثناء روایة واحدة ذکرها ابن سنان عن الإمام الرضا علیه السلام، ولا عین ولا أثر لهذا الحکم فی الروایات الواردة عن النبیّ صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام ومن بعده إلی زمانهما، کما أنّه لا أثر له فیما بعدهما.

الثانیة: إنّ مسائل المیراث قد صدرت فیها روایات وأحکام کثیرة عن أمیر المؤمنین علیه السلام لشدّة ابتلاء المسلمین بها، مع أنّ القرآن الکریم قد تعرّض لمسألة الإرث، بل أسّسها الإسلام علی نظام عادل صحیح قد خالف فیه ما کان رائجاً فی الجاهلیّة من عدم توریث الزوجات والنساء ولا حتّی اولوا الأرحام، بل کان الإرث للأقویاء من عصبة الرجل، فجاء الإسلام بنظام عادل جمع فیه حقّ القرابة والسبب والولاء فجعل للوالدین والأقربین نصیباً وجعل


1- الانتصار: 30.

ص: 106

اولی الأرحام بعضهم أولی ببعض ومنع من التوریث علی أساس التبنّی أو العصبة.

الثالثة: فی بدایة الأمر قد وقع الانحراف فی هذا النظام المهمّ وطلعت مسألة التعصیب والعول وهما من المسائل التی قد اعترض علیها أمیر المؤمنین علیه السلام وأهل البیت وأتباعهم فکانوا من المنادین لإبطال التعصیب والعول فی الإرث واستنکروه شدیداً وصدر عنهم روایات متعدّدة کثیرة فی إبطال ذلک، کما أنّ مقتضی التدقیق فی الآیات الشریفة إبطالهما أیضاً، فهنالک سؤال یطرح نفسه وهو أنّه مع هذا الاهتمام الشدید فی أحکام الإرث والدقّة فی بیانها من ناحیة القرآن الکریم ومع وجود الابتلاء الشدید بمسألة الإرث، کیف لا یذکر الحرمان فی کلمات النبیّ صلی الله علیه و آله وکلمات أمیر المؤمنین علیه السلام، مع أنّ الحرمان فی مسألة العول والتعصیب کان أقلّ بمراتب من الحرمان فی ما نحن فیه.

الرابعة: أنّ هذه المسألة لیست من حقوق اللَّه أو الإمام علیه السلام کما فی الخمس فی أرباح المکاسب، لیُقال بأنّه قد أخّر بیانها إرفاقاً من قبل الأئمّة علیهم السلام بالامّة، بل هی من حقوق الناس والورثة الآخرین فإنّ الزوجة إذا کانت لا ترث من الأراضی شیئاً کانت للآخرین من الورثة لا محالة، فکیف یفرّط بحقوقهم طیلة تلک المدّة وفی حکومة النبیّ صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام العادلة فلا یبیّن حکم اللَّه وفی الواقع

ص: 107

تعطی حقوق سائر الورثة للزوجة إلی عهد الصادقین علیهما السلام.

الخامسة: إنّ الوضع لم یتغیّر حتّی فی زمان الصادقین علیهما السلام، مع أنّ المسألة لم تکن سیاسیّة لیکون فیها موجب للتقیّة.

السادسة: إنّ التعبیر الواقع فی ألسنة هذه الروایات والتعلیل الوارد فیها بأنّ ذلک من أجل أن لا تُدخل المرأة أحداً علی الورثة فیفسد علیهم مواریثهم، مع أنّه قد لا یکون معها وارث آخر أصلًا فضلًا عن التعابیر الاخری من قبیل کونها غیر ثابتة فلا یکون لها إلّا ما لا یکون ثابتاً، أو ما ورد فی بعضها من منعها عن إرث السلاح والدوابّ.

فهذه النقاط والخصوصیّات توجب الاستبعاد القوی فی أن یکون المقصود من هذه الروایات ما هو ظاهرها الأوّلی من حرمان الزوجة من إرث العقار والأرضین والدور والقری والضیاع والبساتین کلّیة إلّا قیمة الأنقاض والخشب والشجر فیها، بل إمّا أن یکون المقصود ما ذکره السیّد المرتضی من حرمان الزوجة من عین الرباع دون قیمتها، أو یکون النظر فیها إلی حکم خاصّ سیطبّقه الإمام المعصوم علیه السلام بعد ظهوره، وقد یشعر به ما ورد فی بعض الروایات من أنّه إذا ولّینا ضربناهم بالسوط فإن أخذوا به وإلّا ضربناهم بالسیف، ثمّ قال: قد یطمئن الإنسان بملاحظة مجموعة الجهات أنّ المراد من هذه الروایات لیس ظاهرها الأوّلی حرمان الزوجة من العقار.

ص: 108

ثمّ استدرک فی آخر هذا الإیراد وقال:

نعم، حرمانها من عین العقار والبناء فی الجملة وفی أرض الدار فحسب بنحو یحفظ فیه حقّ سائر الورثة کی لا یفسد علیهم إرثهم وفی خصوص ما إذا لم تکن ذات ولد، لعلّه أمرٌ مسلّم من قبل الطائفة، إلّاأنّ ذلک أیضاً بنحو لا ینافی استحقاقها من القیمة، کما أنّه لا ینافی النکات التی أشرنا إلیها لانحفاظ سهمها من الربع والثمن من جمیع الترکة وصحّة إعطائها من العین أیضاً(1).

انتهی کلامه مع ترتیب قلیل منّا.

ولا یخفی أنّ هذا البیان وإن کان ناشئاً عن الدقّة وفی الواقع دقّة عمیقة فی استنباط الأحکام المبتنیة علی ظواهر الروایات وینبّه الفقیه بأنّ اللّازم علیه ملاحظة النکات المؤثّرة فی فهم المراد من الروایات وعدم تسریعه للحمل علی الظاهر الأوّلی.

وبعبارة اخری: یرجع هذا الطریق إلی ما ذکره جمعٌ من الاصولیّین من لزوم الفحص عن وجود القرینة الصارفة عن ظاهر العبارة ولکن مع ذلک لنا ملاحظات ستِّ علی هذا الإیراد.

الملاحظة الاولی: إنّ النکات المذکورة لیست إلّامجرّد استبعاد کما صرّح به نفسه، وهذا لا یصلح لرفع الید عن الظاهر فإنّه متوقّف


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 32- 36.

ص: 109

علی الاستحالة الثبوتیّة وإثباتها ومع عدمها لا وجه للتصرّف فی الإثبات کما هو واضح.

الملاحظة الثانیة: وجود التهافت فی الصدر والذیل فإنّ النکات المذکورة تقتضی عدم حرمانها حتّی من عین الرباع، فما ذکرتم من عدم وجود هذا الحکم فی زمن النبیّ وأمیر المؤمنین إلی زمان الصادقین علیهم السلام، وأیضاً ما ذکرتم من أنّه حقّ الناس لا حقّ اللَّه وأیضاً سائر النکات تقتضی عدم حرمانها أصلًا. وبالجملة الاستدراک فی الذیل ینافی النکات المذکورة، والعجب أنّه کیف یصرّح بأنّه لا ینافی؟!

الملاحظة الثالثة: إنّه قد ذکر بأنّ الروایات الواردة إنّما هی من الصادقین علیهما السلام، وقد ذکر ذلک أیضاً السیّد المحقّق البروجردی قدس سره، وما ذکره بأنّ مسائل المیراث قد صدرت فیها روایات وأحکام کثیرة عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام، فتلاحظ فیه:

أوّلًا: إنّ الروایات الواردة عن الصادقین علیهما السلام فی مسألة الإرث کانت أکثر بمراتب من الروایات الواردة عن أمیر المؤمنین علیه السلام حتّی فی الموارد التی کانت مورداً للابتلاء کما ورد فی أنّ الکافر لا یرث المسلم ولو کان ذمّیاً، فقد ذکر صاحب الوسائل فی هذا الباب أربعاً وعشرین حدیثاً وتکون تسعة عشر منها من الصادقین واثنتان منها من النبیّ صلی الله علیه و آله وواحدة منها من أمیر المؤمنین علیه السلام، مع أنّ مسألة إرث

ص: 110

الکافر من المسلم کانت شایعة فی ذلک الزمان أیضاً.

وأیضاً بعد المراجعة إلی موسوعة مسند الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام نجد فی الجزء 20 ما یقارب 121 حدیثاً وفی الجزء 21 ما یقارب 35 حدیثاً، وفی الجزء 22 ما یقارب 25 حدیثاً، وفی الجزء 25 ما یقارب 144 حدیثاً، والمجموع منه علیه السلام ما یعادل 320 حدیثاً، مع أنّ المذکور فی کتاب الإرث من وسائل الشیعة ما یقرب إلی 700 حدیث لیس فی بینها أکثر من 50 حدیثاً لأمیر المؤمنین علیه السلام والباقی من الصادقین علیهما السلام.

وسرّ ذلک ما ذکره أهل التاریخ من منع تدوین الحدیث بعد النبیّ صلی الله علیه و آله إلی زمان یقرب إلی مائتی سنة.

ثانیاً: نحن نری أنّ أکثر خصوصیّات الحجّ والصلاة والصوم قد نقلت عن الصادقین علیهما السلام، فهل یجوز التشکیک فیها، مع أنّ کثیراً منها کان مورداً لابتلاء الناس سیّما فی مسائل الحجّ.

الملاحظة الرابعة: ما ذکره فی آخر کلامه کما أنّه ذکره فی الإیراد الثانی الذی سیأتی من عدم انحفاظ سهام الزوجة من الربع والثمن فی فرض الحرمان، وانحفاظه فی فرض عدم الحرمان، وتوضیح ذلک: أنّا لو قلنا بحرمان الزوجة من العقار لصار سهم الزوجة منها أقلّ من الربع أو الُثمن، ولو قلنا بعدم حرمانها لکان سهماً مساویاً للربع من جمیع ما ترکه الزوج أو الثمن.

ص: 111

لکن یرد علیه أنّ هذا الإشکال یجری فی فرض الوصیّة وعدمها أیضاً، فإذا أوصی الزوج بثلث ماله، فطبعاً یقلّ سهم الزوجة، وإذا لم یوص بذلک فطبعاً لا یقلّ السهم.

والإنصاف أنّ هذا المطلب من مثله عجیب جدّاً، فتدبّر.

الملاحظة الخامسة: إنّ المستفاد من مجموع ما ذکره فی الإیراد الأوّل، إنّه من قبیل الاجتهاد فی مقابل النصّ وإن جهد واجتهد جدّاً کثیراً.

الملاحظة السادسة: إنّ التعبیر الوارد فی أنّهم علیهم السلام لو ولّوا الناس لضربوهم بالسوط إنّما هو فی جواب من قال بأنّ الناس لم یقبلوا، ولا ریب فی أنّ المراد من الناس هو الناس فی زمان السائل والمجیب لا فی زمن آخر. وبعبارة اخری لا شکّ فی أنّ المتیقّن من هذا التعبیر هو الناس فی زمان السائل وإن کان لا ینافی شموله للناس فی سائر الأزمنة.

ولعمری کیف قال إنّ هذا التعبیر یشعر بأنّ تطبیق هذا الحکم إنّما هو فی زمن الإمام الحجّة (عجّل اللَّه تعالی فرجه الشریف).

هذه بعض من الملاحظات الواردة علی کلامه، والمتأمّل فی کلامه یری مواضع اخر للملاحظة أیضاً ونحن نکتفی بهذا المقدار، والحمد للَّه.

ص: 112

الإیراد الثانی: ما ذکره أیضاً بعض أهل النظر من المعاصرین(1) ونلخّصه فی امور:

الأوّل: إنّ النسبة بین الروایات الدالّة علی الحرمان والآیة الشریفة «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَکْتُمْ»(2) لیست فی مستوی التخصیص والتقیید، بل من قبیل معارضة الظاهر والأظهر أو الظاهر والصریح، بمعنی أنّ الزوجة إذا کانت لا ترث من العقار شیئاً فسوف یقلّ سهمها عن الربع والثمن للترکة وتقیید ذلک بالربع والثمن ممّا ترث منه من الترکة لا من کلّ الترکة- وإن کان یحفظ عنوان الربع أو الثمن- إلّاأنّ هذا عندئذٍ یکون خلاف مقام التحدید، وتعیین السهام بالنسب والفروض بمعنی أنّه یوجب اختلال المیزان للفرائض والسهام ویکون أشبه بالألغاز والتعمیة حینئذٍ ولیس بابه باب التقیید والتخصیص ... وعلی القول بإرثها من قیمة الأرض الذی هو مختار السیّد المرتضی لا یلزم اختلال السهام والفرائض وإنّما مخالفة ظهور الخطاب فی کون السهم بنحو الإشاعة من العین.

وإن شئت قلت: إنّ روایات حرمان المرأة من العقار صریحة فی عدم إرثها من عین الأرض، أمّا عدم إرثها من قیمتها فهی ظاهرة فی ذلک ولیست صریحة فیه، والآیة الشریفة صریحة فی الإرث من


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 45: 36- 39.
2- سورة النساء: 12.

ص: 113

القیمة وظاهرة فی الإرث من العین فیرفع الید عن ظهور کلّ من دلالتی الآیة والروایات بصراحة الاخری.

الثانی: إنّ التفکیک بین العین والمالیّة أمرٌ عرفیّ فی باب الأموال والحقوق، ویشهد له نفس الروایات الدالّة علی الحرمان فی البناء والطوب والخشب حیث فصّلت بین المالیّة والعین فی إرث الزوجة منها.

الثالث: إنّ ذکر إعطاء قیمة البناء إلیها فی الروایات لیس فی قبال عدم إعطائها من قیمة الأرض، بل فی قبال عدم إعطائها من أعیان اصول العقار، فیمکن إعطائها من قیمتها، ولهذا جاء بلسان الاستثناء عن عدم إعطائها من العقار، فلیست روایات التفصیل صریحة فی عدم إعطائها قیمة العقار.

الرابع: تخصیص الآیة أو تقییدها بالروایات یکون مستلزماً للاختلال فی عنوان الربع أو الثمن، ودفعاً لهذه المخالفة الشدیدة العرفیّة نجعل الآیة بما أنّها صریحة، قرینة علی التصرّف فی الروایات الظاهرة من باب التصرّف فی الظاهر وحمله علی النصّ کسائر موارد الجمع العرفی ونتیجة الجمع حمل الروایات المانعة علی المنع عن خصوص العین فی الأرض، وعلیه فتعطی لها قیمة الأرض.

والشاهد لهذا الجمع ما ورد من التعلیل بأنّ ذلک الحکم لأجل أن لا تدخل الزوجة علی الورثة من یفسد علیهم مواریثهم فإنّ ظاهر

ص: 114

هذا التعلیل إنّ مواریثهم نفس المواریث والنسب لا أنّه تزداد مواریثهم ویقلّ میراثها من الترکة وإلّا کان ینبغی أن یقول لیس لها الحقّ فیها وأنّها میراثهم لا میراثها و ...

وهذا (التعلیل) یناسب حرمانها من العین فقط وإرثها من القیمة فی البناء والأرض معاً، فهذا النحو من الجمع الذی صنعه السیّد المرتضی متین جدّاً ومناسب مع التعلیل الوارد فی أکثر هذه الروایات، فیثبت مذهب السیّد المرتضی من حرمان الزوجة من عین العقار دون القیمة إمّا مطلقاً أو فی خصوص غیر ذات الولد بناءً علی العمل بصحیح ابن اذینة. انتهی کلامه مع تغییر یسیر منّا.

ولنا ملاحظات علی هذا الإیراد:

الاولی: کیف تکون الآیة الشریفة صریحة فی إرث الزوجة من جمیع ما ترکه الزوج، وهل هذه إلّامکابرة؟! وقد مرّ منّا المناقشة حتّی فی إطلاق الآیة، فلو سلّمنا الإطلاق لکانت ظاهرة فی الإرث من جمیع ما ترکه المیّت لا صریحة، والإنصاف أنّ الآیة ظاهرة أوّلًا فی العین والقیمة، وثانیاً ظاهرة فی جمیع الترکة، ولیست فی الآیة صراحة بالنسبة إلی کلّ واحد من الأمرین، فلا صراحة فی الآیة لا فی العین ولا فی القیمة، کما أنّه لا صراحة فیها بالنسبة إلی جمیع ما ترکه الزوج.

وأمّا الروایات فلا شکّ فی صراحتها بالنسبة إلی العقار، ومن هذه الجهة تکون مقیّدة لإطلاق الآیة.

ص: 115

وأمّا بالنسبة إلی العین أو القیمة فلو لم نقل بأنّ دلالة الروایات أقوی من الآیة فلا أقلّ نقول من هذه الجهة متساویة، وکلتاهما فی مرتبة الظاهر، ولکن بما أنّ الإطلاق فی الروایات بالنسبة إلی العین والقیمة مقامی بخلاف الإطلاق فی الآیة فإنّه لفظی فیقدّم الأوّل علی الثانی خصوصاً من جهة التعبیر ب شیئاً فإنّ الظاهر القوی منه فی الامور المالیّة هو النفی المطلق بنحو یکون استثناء القیمة منها غیر مطابق للفصاحة والبلاغة، فلو قال شخص إنّک لا تأخذ شیئاً ثمّ قال تأخذ قیمة هذا المال لکان رکیکاً فی الاستعمال.

وبالجملة: کیف فرّق فی الروایات بین العین والقیمة وجعل الحرمان بالنسبة إلی العین صریحاً وبالنسبة إلی القیمة ظاهراً، وکیف فرّق فی الآیة بینهما وجعل الإرث بالنسبة إلی القیمة صریحاً وبالنسبة إلی العین ظاهراً، والإنصاف أنّه لا وجه ولا توجیه فنّیاً لذلک، فتدبّر.

الثانیة: قد وقع الخلط فی کلامه بین أمرین:

الأوّل: أنّ الآیة الشریفة فی مقام التحدید والتعیین للسهام والحرمان عن العقار عیناً وقیمةً یوجب التقلیل فی سهامها عن الربع أو الثمن.

الثانی: ملاحظة الظهور والصراحة فی کلّ من الآیة والروایات.

ولا یخفی أنّه فی الأمر الثانی لا دخل للتقلیل وعدمه، کما أنّه فی الأمر الأوّل لا وجه لتأثیر الظهور والصراحة.

ص: 116

وکیف کان فالجواب عن الأمر الأوّل، أنّ التقلیل لا ینافی کونه فی مقام التحدید فإنّ سهم الزوجة عبارة عن الربع أو الثمن بالنسبة إلی ما ینطبق علیه عنوان ما ترکه الزوج، فأمّا ما هو هذا المقدار وما هی دائرته فلا دلالة فی الآیة لأنّه بالضرورة تتغیّر بالنسبة إلی الأفراد وأموالها، کما أنّه یختلف بالنسبة إلی مورد الوصیّة بالثلث وعدمه.

فظهر أنّ التقیید بما عدا العقار لیس منافیاً لکونه فی مقام التحدید، هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا کون التقیید منافیاً فلا شکّ فی أنّه بناءً علی مذهب المرتضی أیضاً تکون النتیجة هکذا، ومن هذه الجهة لا فرق بین مذهب السیّد ومذهب المشهور، فکیف یقول بعدم لزوم الاختلال علی قول السیّد؟ فتدبّر.

الثالثة: ما ذکره من أنّ التفکیک بین العین والقیمة عرفی، غیر معروف جدّاً، بل التفصیل بین العین والمالیّة فی البناء والطوب أمرٌ تعبّدی مستفاد من النصّ ولولاه لا یفهم أحدٌ ذلک.

کما أنّ ما ذکره من أنّ ذکر إعطاء القیمة من البناء لیس فی قبال عدم إعطائها من قیمة الأرض، بل فی قبال عدم إعطائها من أعیان الاصول غیر تامّ جدّاً، فإنّ التفصیل بین المالیّة والعین فی الطوب والبناء والخشب یکون قرینة واضحة علی عدم التفصیل بین العین والمالیّة فی العقار، وهذا واضح جدّاً.

الرابعة: إنّ الجمع بین الآیة والروایات بحمل الروایات علی

ص: 117

خصوص الحرمان من العین دون القیمة لیس جمعاً عرفیّاً لما مرّ من عدم تفکیک العرف بین العین والمالیّة فی باب الإرث، والظاهر أنّ الجمع العرفی هو تقیید الآیة بما عدا العقار وذلک لا یوجب الاختلال فی السهام کما مرّ.

الخامسة: إنّ ما ذکره فی آخر کلامه من أنّ التعلیل بعدم إدخال الزوجة مَنْ یفسد المواریث، ظاهر فی أنّ مواریثها نفس مواریثهم وجعله شاهداً علی الجمع العرفی، بعید جدّاً عن المتفاهم العرفی، کیف هو شاهد علی ذلک، مع أنّ المعلّل عبارة عن القلّة والحرمان فی خصوص العقار، والتعلیل مناسب لحرمانها من العقار عیناً وقیمةً وإلّا لو کان التعلیل مختصّاً بالحرمان من العین لصار لغواً؛ لأنّه لو لم تکن الورثة قادرین علی إعطاء القیمة لکانت النتیجة لا محالة إدخال من یفسد علیهم.

الإیراد الثالث: ما ذکره أیضاً بعض أهل النظر من المعاصرین(1) بعنوان الإشکال الثالث علی المشهور، وخلاصته ما یلی فی ضمن بنود:

1- إنّ جملة من الروایات ظاهرة فی الحرمان عن العین فقط کصحیحة الفضلاء حیث قال الإمام علیه السلام:

إنّ المرأة لا ترث من ترکة زوجها من تربة دار أو أرض (وأرض)


1- میراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 46: 11.

ص: 118

إلّا أن یقوّم الطوب والخشب قیمةً فتُعطی ربعها أو ثمنها(1)، وأیضاً روایة الواسطی: لا ترث امرأة ممّا ترک زوجها من تربة دار ولا أرض إلّا أن یقوّم البناء والجذوع والخشب فتُعطی نصیبها من قیمة البناء.

فأمّا التربة فلا تعطی شیئاً من الأرض ولا تربة دار(2)، ومثلها روایة الصائغ.

فإنّ الظاهر من إضافة المنع إلی تربة الدار والأرض هو أنّ النظر إلی عین الأرض وترابها أی ذاتها لا ما قد یتولّد فیها وعلیها من الأموال الإضافیّة حتّی المالیّة والقیمة نتیجة الإحیاء والبناء، ولهذا استدرک بلسان الاستثناء المتّصل، مع أنّ الطوب والخشب لیسا من الأرض، فکیف استثنی منها.

وقبل التعرّض للبنود الاخری من کلامه نلاحظ فی هذا البند ونقول:

إنّ أکثر الروایات الواردة ظاهرة فی الحرمان من العین والقیمة معاً إن لم نقل بجمیعها، والمراجعة إلی التعابیر الواردة فیها تدلّ بوضوح علی ذلک.


1- الاستبصار 4: 151 ح( 570) 1، تهذیب الأحکام 9: 298 ح( 1064) 24، وسائل الشیعة 26: 208 ح 5.
2- الاستبصار 4: 154 ح( 580) 11، تهذیب الأحکام 9: 301 ح( 1077) 37، وسائل الشیعة 26: 211 ح 15.

ص: 119

وأمّا الاستدلال بإضافة المنع إلی الذات فهذا أیضاً نافع لنا حیث إنّ المنع عن الذات یدلّ علی جمیع ما یرتبط بالذات من العین والقیمة، وحتّی یشمل ما کان حادثاً فیه کالبناء والزرع.

ومن العجب أنّه حفظه اللَّه قد صرّح فی موضع آخر من کلامه إنّ بعض الروایات الدالّة علی المنع بظاهرها شاملة للبناء أیضاً، فراجع العدد 46 من فقه أهل البیت ص 15 سطر 15 فإنّه قال: خصوصاً ما کان ظاهراً فی عدم الإرث حتّی من البناء کما فی روایة عبد الملک عن أحدهما علیهما السلام، قال: لیس للنساء من الدور والعقار شی ء.

فلا ریب فی أنّ النهی والمنع عن شی ء، شامل لجمیع ما یرتبط به وظاهر فی الحرمان المطلق، وبناءً علی ذلک یصحّ الاستثناء المتّصل حیث إنّ المستثنی منه هو الحرمان المطلق الذی هو شامل لقیمة الخشب والطوب وغیرهما.

وأمّا ما ذکره لأجل تصحیح الاتّصال فی الاستثناء، من أنّ المستثنی منه هو مطلق الإضافات حتّی یکون المستثنی هو الإضافات الحاصلة فی القیمة والمالیّة سواء بالنسبة إلی ذات البناء أو الأرض وما أحدث فیها وعلیها، بسبب الإحیاء والبناء من المالیّة، فلا یمکن المساعدة علیه، بل هو خارج عن المتفاهم العرفی جدّاً، فإنّ العرف یفهم الحرمان المطلق ویستثنی منه قیمة الطوب وغیره.

ص: 120

2- من المظنون قویّاً أنّ قیمة الأرض وقتئذٍ کانت تحسب من خلال قیمة البناء والإحیاء وأنّ ذات الأرض المجرّدة الخالیة من الإحیاء والبناء لم تکن ذات قیمة، بل بناء علی أنّ الأرض تملک بالإحیاء وأنّ المالک إنّما یملک حیاتها لا ذات الرقبة، وإنّما یکون له حقّ الاختصاص بها، فتمام مالیّة الأرض إنّما کانت بمالیّة البناء علیها والإحیاء فیها، فاکتفت الروایات فی مقام تحدید سهم الزوجة من مالیّة الأرض بذکر قیمة البناء وما علی الأرض أو فیها من آثار الإحیاء والبناء.

ویرد علیه: أنّ الأرض بحسب الظاهر کانت فی السابق ذات قیمة ولکن کانت ذات قیمة قلیلة یسیرة بالنسبة إلی البناء، مضافاً إلی أنّه لو لم تکن لها القیمة لما کان وجهاً للتعرّض لها أبداً، بل کان من اللّازم الاقتصار من أوّل الأمر علی البناء والخشب والطوب وأمثالها، فالتعرّض لخصوص الأرض فی قبال الامور الحادثة فیها دلیل علی وجود القیمة لها، وأیضاً مضافاً إلی أنّ الملاک فی الإرث لا یکون بحسب ثبوت القیمة والمالیّة، بل یمکن تحقّق الانتفاع العقلائی أو الشخصی من شی ء من دون وجود قیمة له.

وأمّا ما ذکره من أنّ المالک یملک بالإحیاء حیاتها لا ذات الرقبة، بل یکون له حقّ الاختصاص بها، فمضافاً إلی مخالفته لظواهر الأدلّة، نقول: إنّه لا ملازمة بین ثبوت حقّ الاختصاص للمالک وبین کون تمام

ص: 121

المالیّة متقوّماً بمالیّة البناء والإحیاء، فیمکن تصوّر وجود مالیّة للأرض مع قطع النظر عن مالیّة البناء، ولا ینافی هذا مع وجود حقّ الاختصاص، کما أنّه لا ملازمة بین ثبوت الملکیّة لنفس الأرض وبین کون مالیّتها موجودة مع قطع النظر عن مالیّة البناء.

والحاصل: أنّ مالیّة الأرض غیر مرتبطة بمسألة حقّ الاختصاص للأرض والملکیّة لها، کما أنّ وجود حقّ الاختصاص لا دلیل له علی کون مالیّة الأرض مندکّة فی مالیّة البناء، وهذا واضح جدّاً.

هذا کلّه مضافاً إلی أنّه لو قلنا بکون المالک له حقّ اختصاص لقلنا بأنّه لا فرق من هذه الجهة بین الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ الروایات تنادی بأعلی صوتها بإرث الورثة من نفس العقار، فتدبّر.

وأمّا ما ذکره فی آخر هذه العبارة من أنّ الروایات اکتفت فی مقام تحدید سهم الزوجة من مالیّة الأرض بذکر قیمة البناء وما علی الأرض، فخلاف الظاهر جدّاً، ونحن ندّعی عدم تعرّض فی الروایات بالنسبة إلی قیمة الأرض فضلًا عن جعلها فی ضمن قیمة البناء، ولا یقال هذا إنّما یکون بحسب الواقع الخارجی ولا یحتاج إلی التعرّض، لأنّا نقول مضافاً إلی عدم کونه فی الخارج هکذا، لو کان کذلک لکان اللّازم علی الإمام التنبّه إلیه من جهة أنّه فی مقام بیان السهام والنصیب.

3- التعبیر بإعطائها من قیمة البناء والطوب والخشب ونحو ذلک

ص: 122

یمکن أن یکون المقصود منه عرفاً التفکیک بین العین والمالیّة وأنّ الزوجة لا ترث من الأصل أی العین وترث من الفرع أی المالیّة والقیمة، والمراد من الأصل والفرع فی الروایات أیضاً هکذا.

وهذا المطلب عجیب جدّاً، والمستفاد بوضوح من الروایات أنّ المراد من الأصل هو الأرض ومن الفرع هو البناء والطوب، وقد مرّ منّا مراراً أنّ التفکیک بین العین والمالیّة لیس أمراً عرفیّاً واضحاً، بل هو تعبّدی یحتاج إلی البیان بخلاف التفکیک بین الأصل والفرع، فهذا واضح عند العرف، فالأصل هو الأرض والفرع هو البناء وما احدث فیها.

وأعجب من ذلک ما ذکره فی سطر آخر من حمل ما ورد فی روایة الأحول أی: یعنی من البناء الدور. علی کون قیمة الدور مشتملة علی قیمة الأرض ومالیّتها.

ویا للعجب کیف صرّح قریباً من أنّ الأرض المجرّدة الخالیة من البناء، لم تکن ذات قیمة وهنا یصرّح بأنّ قیمة الأرض داخلة فی قیمة البناء.

وکیف کان، من أیّ تعبیر فی روایة الأحول یستفاد اندکاک قیمة الأرض فی قیمة الدور والبناء؟!!

وعلیه فما ذکره السیّد البروجردی رحمه الله من أنّ روایة الأحول مبعدة لکلام السیّد المرتضی حیث قابل فیها بین عدم الإرث من العقار،

ص: 123

وبین الإرث من قیمة البناء والشجر ونحو ذلک، فلو کانت ترث من القیمة مطلقاً لما کان للتقابل معنی(1). تامّ جدّاً، مطابق للظاهر العرفی منها، وتفسیر البناء بالدور بما هی دور لا تدلّ علی اشتمالها علی قیمة الأرض.

4- التعبیر بالإعطاء ربعها أو ثمنها دالّ علی کون الإمام علیه السلام فی هذه الروایات فی مقام التقسیم والإفراز لحقوق الورثة، وظاهر فی أنّ حقّها من الترکة- الربع أو الثمن- لا یعطی من عین الأرض والعقار، بل یعطی لها من سائر الترکة، ومثل هذا بیان عرفی فإنّه إذا قال الأب لأبنائه مثلًا هذا البیت لکم إلّاأنّ فلاناً لا تعطوه الغرفة الفلانیّة فإنّه لا یعنی حرمانها من أصل الاستحقاق بل یعطی حقّها من سائر الغرف.

ویرد علیه:

أوّلًا: کیف یکون التعبیر بالإعطاء ظاهراً فی عدم إعطائها من العین وکونه فی مقام التقسیم والإفراز لا یکون دلیلًا وقرینة علی ذلک.؟

ثانیاً: وجود الفرق بین المثال والممثل؛ ففی مثال الأب قد صرّح الأب بکون البیت جمیعه لأبنائه لکن فی مقام الإعطاء یحدّد أحد


1- تقریرات ثلاثة: 107.

ص: 124

أبنائه، ولکن فی المقام لا تصریح بکون الزوجة متساویة مع سائر الورثة حتّی یُقال إنّ التعبیر بإعطائها قرینة علی عدم الإعطاء من العین فقط.

5- الظاهر من التعلیل الوارد بشأن هذا الحکم فی جملة من الروایات کصحیح محمّد بن مسلم: لا ترث النساء من عقار الدور شیئاً ولکن یقوّم البناء والطوب وتعطی ثمنها أو ربعها، قال: وإنّما ذلک لئلّا یتزوّجن فیفسدن علی أهل المواریث مواریثهم، فإنّ علّة الإفساد علی سائر الورثة إنّما تنشأ من إرثها من العین دون المالیّة، ولهذا جعل هذا التعلیل فی أکثر الروایات المعلّلة تعلیلًا لإرثها من قیمة البناء أیضاً، کما أنّ ظاهر التعلیل انحفاظ نسبة المواریث لهم ولها بلحاظ أصل السهام لا تغیّرها.

ویرد علیه:

أوّلًا: لا یستفاد من التعلیل أنّ علّة الإفساد ناشئة من إرث العین فقط، بل التعلیل صادق بالنسبة إلی مجموع العین والقیمة، مضافاً إلی عدم کونه علّة بل تکون حکمة، ومضافاً إلی وجود العلّة الاخری کعدم کونها نسباً ترث به.

ثانیاً: ظاهر الروایات أنّ المعلّل إنّما هو خصوص الحرمان عن العقار ولو کان ظاهر بعض الروایات عبارة عن قیمة البناء، لکان اللّازم صرفها عن ظاهرها وإرجاعها إلی الحرمان عن العقار. وکیف

ص: 125

کان لا معنی للتعلیل بالنسبة إلی الإرث من نفس قیمة البناء.

ثالثاً: قد مرّ مراراً أنّ القول بکون ظاهر التعلیل، انحفاظ نسبة المواریث لهم ولها بلحاظ أصل النسبة؛ لیس بصحیح ولا دخل للتعلیل فی ذلک، وهذا واضح.

6- إنّه ذکر بعنوان الحاصل للمطالب أنّ مجرّد سکوت الروایات عن التصریح بإعطائها من قیمة الأرض لا ینبغی أن یجعل دلیلًا علی حرمانها من الأرض عیناً وقیمةً، بل بالقرائن المذکورة الأربعة، وهی:

أ- ظهور الاستثناء فی الاتّصال.

ب- ظهور التأکید فی بعض الروایات بعدم الإعطاء من تربة الأرض، فی النظر إلی العین دون المالیّة.

ج- ظهور التعبیر بإعطائها من قیمة البناء، فی إعطاء قیمة البناء والدور بما هی دور قائمة وباقیة علی الأرض وهی التی هی قیمة الأرض فی تلک الأیّام.

د- ظهور التعلیل فی إرادة حفظ عین العقار لهم لا أکثر.

ثمّ استنتج أنّ هذه القرائن إن لم توجب ظهور الروایات المفصّلة فی أنّ المراد حفظ عین الدور والعقار لسائر الورثة لا حرمان الزوجة من أصل حقّها من المالیّة ... فلا أقلّ من أنّها مجملة ومحتملة لهذا المعنی قویّاً بحیث لا یکون فیها ظهور فی أکثر من حرمان الزوجة من عین

ص: 126

العقار لا أکثر، فتبقی القیمة والمالیّة للدور والمساکن والعقارات بما فیها منفعة نفس الأرض باقیة تحت إطلاق أدلّة التوریث.

ونلاحظ فیه:

أوّلًا: نحن لا نقبل سکوت الروایات عن إعطاء قیمة الأرض، بل ندّعی أنّها ظاهرة فی الحرمان عیناً وقیمة کما مرّ.

ثانیاً: هذه النتیجة قابلة للأخذ إذا اکتفینا علی عقار الدور فقط کما ذهب إلیه المفید، وأمّا بناءً علی مذهب المشهور من عدم الفرق بین الدور والبساتین والمزارع فلا یصحّ الأخذ بها؛ لأنّه فی عقار الدور یمکن تصویر اندکاک قیمة الأرض فی قیمة البناء، ولکن فی أرض الزراعة لا یمکن، بل الزراعة حینما کانت قائمة لها قیمة خاصّة بالنسبة إلی الزرع وبعد الحصاد تزید قیمتها، ومع ذلک قیمة الأرض عند العرف محفوظة فی نفسها سواء کان الزرع قائماً أم لا.

ثالثاً: قد مرّ بطلان جمیع القرائن الأربعة خصوصاً القرینة الاولی وأنّ کلمة إلّالیست للاستثناء، بل بمعنی غیر.

7- ثمّ إنّه استدرک قائلًا: نعم، الروایات التی اقتصرت علی ذکر أنّ المرأة لا ترث من العقار أو الأرض شیئاً من دون تفصیل واستثناء لقیمة البناء ونحوه- کما فی صحیح زرارة ومحمّد بن مسلم- ظاهرة

ص: 127

إطلاق لفظ الشی ء فیها نفی الإرث من المالیّة أیضاً(1).

إلّا أنّه من المطمأنّ به أنّ هذه الروایة تقطیع لنفس الروایات المفصّلة- ولیست حدیثاً مستقلّاً لوحدة الرواة فیها عن المعصوم- بل لو استظهرنا من روایات التفصیل أنّ المقصود حرمانها من إرث العین دون المالیّة کانت بنفسها قرینة علی إرادة نفس المعنی من عدم الإرث من الأرض شیئاً، خصوصاً ما کان ظاهراً فی عدم الإرث حتّی من البناء کما فی روایة عبدالملک عن أحدهما علیهما السلام قال:

لیس للنساء من الدور والعقار شی ء(2).

فإنّه لا إشکال فی إرثهنّ من قیمة بناء الدور، فیکون المقصود عدم الإرث من أعیانها، بل إنّ هذا الظهور لا یمکن أن یقاوم ظهور الکتاب الکریم فی حفظ نسبة الربع والثمن للزوجة- بل تحمل بقرینة أقوائیّة الظهور- علی إرادة عدم الإرث شیئاً من عین التربة والعقار فیثبت بالنتیجة مذهب السیّد المرتضی، هذا بقطع النظر عن صحیح ابن اذینة وإلّا کانت الزوجة ذات الولد ترث من العین أیضاً.

ویرد علیه:


1- « النساء لا یرثن من الأرض ولا من العقار شیئاً»؛ الاستبصار 4: 152 ح( 572) 3، تهذیب الأحکام 9: 298 ح 26، وسائل الشیعة 26: 207 ح 4.
2- الکافی 7: 129 ح 9، الاستبصار 4: 152 ح 7، تهذیب الأحکام 9: 299، وسائل الشیعة 26: 209 ح 10.

ص: 128

أوّلًا: لا فرق فی المقام بین التقطیع وعدمه؛ فإنّ لفظة «شیئاً» قرینة واضحة علی الحرمان عن العین والقیمة سواء کانت الروایة مقطّعة أم لا.

ثانیاً: لو سلّمنا أنّ الروایات المفصّلة ظاهرة فی الحرمان عن العین فقط، لکن کیف تکون قرینة علی التصرّف فی روایة زرارة ومحمّد بن مسلم، بل الأمر بالعکس فإنّ ظهور کلمة شیئاً فی الحرمان المطلق عن العین والقیمة أقوی من ظهور روایات التفصیل لو قلنا بظهورها فی الحرمان عن خصوص العین.

کلام المحقّق الشعرانی

ثمّ إنّ المحقّق الشعرانی قدس سره قد رجّح کلام السیّد المرتضی فی بعض الموارد وقال:

أکثر الأراضی خصوصاً فی العراق وما والاها کانت من المفتوحة عنوةً وکان ملک الناس إیّاها تبعاً لملک الآثار والحقوق، وعدم الإرث هنا، عدم الإرث من العین، ولا ینافی ثبوت القیمة بدلیل آخر.

ثمّ قال:

وهذا (فتوی المشهور فی الحرمان عن العین والقیمة) مسلّم فی الأراضی المفتوحة عنوةً. وأمّا غیرها فقول السیّد أرجح وأولی لأنّه موافق لظاهر القرآن لأنّ مفاد الآیة عموم إرث الزوجة

ص: 129

من جمیع الترکة عیناً ویخصّص بمقتضی الروایات، وما شکّ فی تخصیصه یبقی علی العموم ولا تدلّ الروایات علی محرومیّتها من قیمة الأراضی إلّابسکوت الإمام عن ذکر قیمة الأرض مع ذکره علیه السلام قیمة الآلات. وهذا غیر کاف فی التخصیص فلعلّه لم یذکر قیمة الأرض؛ لأنّ أکثر الأراضی خصوصاً ما کان بید الشیعة فی الکوفة ونواحیها من المفتوحة عنوة وکان ملکهم لها حقّ اختصاص بسبب تملّک الآلات، وقیمة الأراضی کانت قیمة حقّ التصرّف فی الأرض لقبالته من السلطان سنین معیّنة أو غیر معیّنة، وکان تصرّفهم فی الأرض نظیر تصرّف المستأجرین لملک المنفعة، فکما أنّه إذا مات المستأجر وکان لمنفعته وتصرّفه فی مورد الإجارة قیمة ورثت منها الزوجة، کذلک حقّ الاختصاص فی الأراضی المفتوحة عنوة. وسکوته علیه السلام عن ذکر قیمة هذا الحقّ لا یدلّ علی عدم إرثها؛ لأنّه علیه السلام ذکر ما ذکر تمثیلًا لیقاس علیه الباقی(1).

ونلاحظ فیه:

أوّلًا: الظاهر من کلامه قدس سره أنّ الصادقین علیهما السلام کانا یقصدان أرض العراق وما والاها فی مسألة الحرمان، مع أنّه لو کان کذلک لما کان


1- الوافی 13: 779.

ص: 130

فرق بین الزوجة وسائر الورثة فإنّ الأراضی المفتوحة عنوة غیر قابله للتملّک، بل الملکیّة متعلّقة بحقّ الاختصاص والبناء والامور الحادثة فیها، وعلیه فلا فرق بین الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ من المسلّم والمستفاد القطعی من الأدلّة إرث سائر الورثة من العقار.

ثانیاً: لم یظهر لنا وجه هذا الکلام أنّه قدس سره لماذا قال کلام المشهور فی المفتوحة عنوة مسلّم، وفی غیرها کلام السیّد أرجح، مع أنّ کلّاً منهما (المشهور والسیّد) لم یفرّقا بین المفتوحة عنوةً وغیرها، ولا یصحّ الفرق فی المقام من هذه الجهة.

ثالثاً: أنّ دلالة الروایات علی الحرمان من العین والقیمة لیست بالسکوت، بل بشی ء هو کالصریح فإنّ التعبیر بکلمة شیئاً کأنّه صریح فی الحرمان من العین والقیمة معاً.

فظهر بذلک عدم تمامیّة ما ذهب إلیه الشعرانی، مضافاً إلی أنّ التعبیر الکلّی العامّ کتربة دار أو أرض أو التعبیر الجامع کالأرض والعقارات وأیضاً التعبیر بالقری والضیاع کلّها تدلّ علی أنّ مقصودهم علیه السلام لیس الأرض المفتوحة عنوة، بل کلامهم علی نحو القضیّة الحقیقیّة بالنسبة إلی جمیع الأراضی والعقار.

هذا تمام الکلام فی المسألة ولها تنبیهات نذکرها فی مجال آخر إن شاء اللَّه، وقد وقع الفراغ من تسوید هذه الأوراق فی شهر رمضان المبارک من سنة 1430 من الهجرة النبویّة علی مهاجرها آلاف

ص: 131

التحیّة والثناء، ونسأل اللَّه تبارک وتعالی أن یجعلنا من العارفین به والمقرّبین لدیه والفائزین فی الدُّنیا والآخرة، ونطلب منه تعالی إعطاء ثواب هذا الجُهد العلمی إلی روح الوالد الفقیه المجاهد الذی له علیَّ حقٌّ عظیمٌ فی جمیع شؤون الحیاة علماً وعملًا وعلی کثیرٍ من الفضلاء والأساتذة فی الحوزة العلمیّة فی هذا العصر؛ فإنّ کثیراً منهم من تلامذته، ونسأله تعالی أن یرفع درجاته ویصعّد روحه وأن یجعله فی أعلی علیّین ویجعلنا حافظین لأمانة سیّد المرسلین وحججه الطاهرین صلوات اللَّه وسلامه علیهم أجمعین.

ص: 132

ص: 133

فهرس المصادر

1- القرآن الکریم

2- إرشاد الأذهان إلی أحکام الإیمان، للعلّامة أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهّر الحلّی (648- 726)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1410 ه.

3- الإنتصار، للسیّد علی بن الحسین الموسوی، المعروف بالشریف المرتضی وعلم الهدی (355- 436)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1415 ه.

4- إیضاح الفوائد فی شرح القواعد، لفخر المحقّقین محمد بن الحسن بن یوسف بن المطهّر (م 771) المطبعة العلمیة، قم، الطبعة الأولی، 1387 ه.

5- بحار الأنوار، للعلّامة محمد باقر بن محمّد تقی المجلسی (1037- 1110)، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1385 ه.

ص: 134

6- بلغة الفقیه، لمحمّد بن محمّد تقی بحرالعلوم، مکتبة الصادق، طهران، 1403 ه.

7- تاج العروس، لمحبّ الدین أبی فیض السیّد محمّد مرتضی الحسینی الواسطی الزبیدی الحنفی، دار الفکر، بیروت، 1414 ه.

8- تفصیل الشریعة فی شرح تحریر الوسیلة، کتاب الطهارة، النجاسات وأحکامها، لسماحة الفقیه آیة اللَّه العظمی الحاج الشیخ محمد الفاضل اللنکرانی، المطبعة العلمیّة، قم، الطبعة الاولی، 1368 ش.

9- تقریرات ثلاثة لبحث آیة اللَّه العظمی آقا حسین البروجردی، للشیخ علی پناه الإشتهاردی، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1413 ه.

10- التنقیح الرائع لمختصر الشرائع، لجمال الدین المقداد بن عبداللَّه السیوری الحلّی، المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، من منشورات مکتبة آیة اللَّه المرعشی النجفی، قم، الطبعة الاولی، 1404 ه.

11- تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة، لشیخ الطائفة أبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (385- 460)، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1401 ه.

12- الجامع للشرائع، لنجیب الدین یحیی بن سعید الحلّی (601- 690)، مؤسسة سیّد الشهداء علیه السلام العلمیة، قم، الطبعة الأولی، 1405 ه.

13- جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، للشیخ محمّد حسن بن باقر النجفی (م 1266)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة السابعة.

14- الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، للشیخ المحدِّث یوسف بن أحمد البحرانی (م 1186)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم [بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف].

15- الخلاف، لشیخ الطائفة أبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (385- 460)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1418 ه.

ص: 135

16- الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة، لشمس الدین محمد بن جمال الدین مکی العاملی، المعروف بالشهید الأوّل (م 786)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1417 ه.

17- دعائم الإسلام، لأبی حنیفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حیّون التمیمی المغربی (م 363)، المنارة، بیروت.

18- الرجال، لأبی العبّاس أحمد بن علیّ بن أحمد بن العبّاس النجاشی الأسدی الکوفی (372- 450)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة السادسة، 1418 ه.

19- الردّ علی أصحاب العدد- جوابات أهل الموصل فی العدد والرؤیة، لأبی عبداللَّه محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، المعروف بالشیخ المفید (336- 413)، کنگره جهانی هزاره شیخ مفید، قم، 1413 ه.

20- رسائل الشهید الثانی، لزین الدین بن علی العاملی، المعروف بالشهید الثانی (911- 965)، دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم، قم، 1421 ه.

21- رسالة إرث الزوجة، للشیخ لطف اللَّه الصافی الگلپایگانی، المطبوع فی ضمن صیانة الإبانة، دار القرآن الکریم، قم، 1405 ه.

22- رسالة نخبة الأفکار فی حرمان الزوجة من الأراضی والعقار، لمحمّد تقی النجفی البروجردی، مطبعة النعمان، نجف، 1378 ه.

23- رسالة فی حرمان الزوجة من بعض الإرث، للسیّد محسن الطباطبائی الحکیم، مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد الثالث والأربعون، السنة الحادیة عشرة، 1427 ه.

24- رسالة فی «میراث الزوجة من العقار (1 و 2)»، للسیّد محمود الهاشمی الشاهرودی، مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد الخامس والأربعون، السنة الثانیة عشرة، 1428 ه.

ص: 136

25- رسالة فی «میراث الزوجة من العقار (3)»، للسیّد محمود الهاشمی الشاهرودی، مجلة فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد السادس والأربعون، السنة الثانیة عشرة، 1428 ه.

26- الاستبصار فیما اختلف من الأخبار، لشیخ الطائفة أبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (385- 460)، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الثالثة، 1390 ه.

27- السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی، لأبی جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدریس الحلّی (543- 598)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1410 ه.

28- سنن أبی داود، لسلیمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشیر بن شدّاد بن عمرو بن عامر السجستانی (202- 275) دار ابن حزم، بیروت، الطبعة الاولی، 1418 ه.

29- شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام، للمحقّق الحلّی أبی القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن بن سعید الهذلی (602- 672)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الأولی، 1389 ه.

30- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربیة)، لأبی نصر إسماعیل بن حمّاد الجوهری، (المتوفی حدود 400)، بیروت دار العلم للملایین، الطبعة الثالثة، 1404 ه.

31- صحیح المسلم، لمسلم بن الحجّاج، دار ابن حزم ومؤسسة ریان، بیروت، 1375 ه.

32- العین، لخلیل بن أحمد الفراهیدی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1420 ه.

33- غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد، لمحمد بن جمال الدین مکی العاملی، المعروف بالشهید الأوّل (م 786)، مرکز النشر التابع لمکتب الاعلام الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1414 ه.

34- الغریبین فی القرآن والحدیث، لأحمد بن محمّد الهروی، بیروت، 1419 ه.

ص: 137

35- الفهرست، لأبی جعفر محمّد بن الحسن بن علیّ الطوسی (385- 460)، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الأُولی، 1417 ه.

36- القاموس المحیط، لمجد الدین محمّد بن یعقوب الفیروز آبادی (729- 817)، دار الجیل، بیروت.

37- قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام، للعلّامة جمال الدین الحسن بن یوسف بن المطهّر الحلّی (648- 726)، منشورات الرضی، قم، 1404 ه [بالاوفست عن طبعته الحجریة].

38- الکافی، لثقة الإسلام أبی جعفر محمّد بن یعقوب الکلینی (م 329)، دار الکتب الإسلامیّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1388 ه.

39- کامل الزیارات، لأبی القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسی بن قولویه القمّی (م 368) نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاولی، 1417 ه.

40- کتاب الضعفاء المعروف ب «رجال ابن الغضائری»، لأحمد بن أبی عبداللَّه المعروف ب «ابن الغضائری»، مؤسسة إسماعیلیان، قم، 1406 ه.

41- کتاب الطهارة، للإمام الخمینی قدس سره، مؤسسة تنظیم ونشر آثار امام خمینی، طهران، 1421 ه.

42- کشف الرموز، لحسن بن أبی طالب الیوسفی، المعروف بالفاضل الآبی (من أعلام القرن السابع)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثالثة، 1417 ه.

43- کشف اللثام، لبهاء الدین محمد بن الحسن بن محمد الاصفهانی، المعروف بالفاضل الهندی (1062- 1137)، مکتبة آیة اللَّه المرعشی النجفی، قم، 1405 ه.

44- کفایة الاصول، الآخوند محمّد کاظم الخراسانی (م 1329)، مؤسّسة النشر الإسلامی، قم، الرابعة، 1418.

45- لسان العرب، لجمال الدین محمّد بن مکرم رویفعی افریقی المعروف ب «ابن منظور»، دار صادر، بیروت، 1414 ه.

ص: 138

46- المبسوط فی فقه الإمامیة، لشیخ الطائفة أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی (385- 460)، المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة، طهران.

47- مجمع البحرین ومطلع النیّرین، لفخر الدین بن محمّد الطریحی (979- 1085)، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الأولی، 1414 ه.

48- مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان، للمولی أحمد بن محمّد، الشهیر بالمحقّق والمقدّس الأردبیلی (م 993) مؤسّسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الاولی، 1407- 1416 ه.

49- المختصر النافع فی فقه الإمامیة، لأبی القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن الحلّی (م 676)، منشورات المکتبة الأهلیة، بغداد، 1383 ه.

50- مختلف الشیعة فی أحکام الشریعة، للعلّامة حسن بن یوسف بن المطهّر الحلّی (648- 726)، مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة، قم، الطبعة الأولی، 1412 ه.

51- المسائل الصاغانیة، لأبی عبداللَّه محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، المعروف بالشیخ المفید (336- 413)، کنگره جهانی هزاره شیخ مفید، قم، 1413 ه.

52- مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، لزین الدین بن علی العاملی، المعروف بالشهید الثانی (911- 965)، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم، الطبعة الأولی.

53- مستند الشیعة فی أحکام الشریعة، للمولی أحمد بن المولی محمّد مهدی بن أبی ذرّ، المعروف بالفاضل النراقی (1185- 1245) مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم، الطبعة الاولی، 1415- 1420 ه.

54- مصباح الاصول، محمّد سرور البهسودی، تقریرات بحث السیّد أبی القاسم الموسوی الخوئی، مکتبة الداوری، قم، الثانیة، 1412.

ص: 139

55- المصباح المنیر، لأحمد بن محمد بن علی الفیّومی (م 770)، مؤسسة دار الهجرة، قم، الطبعة الأولی، 1405 ه.

56- معجم البلدان، لفرید عبدالعزیز الجندی، دار الکتب العلمیّة، بیروت، 1410 ه.

57- معجم رجال الحدیث، السیّد أبوالقاسم الموسوی الخوئی (م 1413)، مرکز نشر آثار الشیعة، قم، الرابعة، 1410.

58- مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلّامة، للسیّد محمد جواد الحسینی العاملی (المتوفی حدود 1226)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

59- المفردات فی غریب القرآن، لأبی القاسم الحسین بن محمد المعروف بالراغب الاصفهانی (م 502) المکتبة المرتضویة، طهران.

60- مقباس الهدایة فی علم الدرایة، لعبداللَّه المامقانی، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم، 1411 ه.

61- المقنعة، لأبی عبداللَّه محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، المعروف بالشیخ المفید (336- 413)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1410 ه.

62- من لا یحضره الفقیه، لأبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، المعروف بالشیخ الصدوق (م 381)، دار الکتب الإسلامیة، النجف، 1376 ه.

63- المهذّب البارع فی شرح المختصر النافع، لجمال الدین أبی العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّی (757- 841)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثالثة، 1414 ه.

64- المهذّب، للقاضی عبد العزیز بن البرّاج الطرابلسی (حوالی 400- 481)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1406 ه.

65- النهایة فی غریب الحدیث والأثر، لأبی السعادات مجد الدین المبارک بن محمّد

ص: 140

الجزری المعروف بابن الأثیر (544- 606)، دار الفکر، بیروت، الطبعة الثانیة، 1399 ه.

66- النهایة فی مجرّد الفقه والفتاوی، لشیخ الطائفة أبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (385- 460)، دار الکتاب العربی، بیروت، الطبعة الأولی، 1390 ه.

67- الوافی، لمحمّد محسن، المشتهر بالفیض الکاشانی (1007- 1091)، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام، إصفهان، الطبعة الأولی، 1412 ه.

68- وسائل الشیعة (تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة)، للشیخ محمد بن الحسن الحرّ العاملی (1033- 1104)، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولی، 1409 ه.

69- الوسیلة إلی نیل الفضیلة، لعماد الدین أبی جعفر محمد بن علی الطوسی المعروف بابن حمزة (من أعلام القرن السادس)، مکتبة آیة اللَّه المرعشی النجفی، قم، الطبعة الأولی، 1408 ه. الإنتصار، للسیّد علی بن الحسین الموسوی، المعروف بالشریف المرتضی وعلم الهدی (355- 436)، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1415 ه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.