سرشناسه : علم الهدی. محمدباقر، 1331- 1389
عنوان و نام پدیدآور : حدیث النفس/ محمدباقر علم الهدی.
مشحصات نشر : قم: باقیات، 1432 ق .=1390.
مشخصات ظاهری : 735 ص.
شابک : 5-007-213-600-978
وضعیت فهرست نویسی : فيپا
یادداشت :عربی.
یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.
موضوع : نفس - جنبه های مذهبی -- اسلام
موضوع : نفس - احادیث
موضوع : احادیث اخلاقی -- قرن 14
موضوع : احادیث شیعه -- قرن 14
رده بندی کنگره : 1290 4ح 76 ع/5/BP216
رده بندی دیویی : 297/42
شماره کتابشناسی ملی : 2249292
الأعمال الخيرية الرقمية: جمعية الإمام زمان (عج) إصفهان المساعدة
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(7)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ (3) وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ (4)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم
ص: 2
ص: 3
حدیث النفس
تالیف
العلامه المحقق
الشیخ محمد باقرعلم الهدی قدس سره
مکتبه فدک
ص: 4
«علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب. ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل من جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك یدفع عن أبدانهم.»(1)
لقد كان شيخنا المؤلف من المرابطين الأشداء بالثغر الذي يلي منه أبالسة الضلال، ومن الذابين المحامين عن حريم الوحي ومعقل الدين، والمجند المدجج عند باب مدينة العلم، والمحيي لأمر أهل البيت علیهم السلام بقلبه ولسانه ويده.
إنه المحقق الخبير والناقد البصير العلامة الشيخ محمد باقر علم الهدی قدس سره الذي كان حقا ممن نذر نفسه للدفاع عن القرآن وحملته وبذل قصارى جهده في تعلم علوم آل محمد علیهم السلام وتعليمها خالية من شوائب الشرق والغرب، وصرف سنيه في رد مدارس الضلال التي فتحت لدفن مدرسة الوحي فألف ودرس وحاضر في كشف أفكار المسالك المناوءة لمسلك الأنبياء ولا سيما نسائج الفكر اليوناني المستورد وسفاسف الفلسفة الإغريقية المدسوسة مصراً على ضرورة الإستقاء من منبع الدين العذب ومعينه الصافي، كما قال الصادق علیه السلام : «أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا.»(2) وقال : «فليشرق الحكم وليغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم
ص: 5
جبرئيل.»(1) وكما قال الباقر علیه السلام للذين أرادا الإنتهال من غير معينهم الثر: «شرقا وغربا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.» (2)
فكان الشيخ علم الهدی قدس سره قد أخذ على نفسه كفالة بعض أيتام آل محمد علیهم السلام المنقطعين عن آبائهم - وهم أئمتهم - ليلقي عليهم علومهم علیهم السلام صافية من نظریات المبطلين، فلم تكن له علقة بالدنيا إلا بمقدار مدارسة كلام الله تعالى وكلام تراجمته، أعني محمداً، وأوصياءه المعصومين علیهم السلام.
ولذلك عندما دنا وعد الله في حقه واشتاق إلى لقائه أقسم عليه بحق وليه وأخي نبيه علي بن أبي طالب علیه السلام في قبض روحه، فاستجاب له دعاءه ففاضت إلى بارئها في ليلة السادس من شهر رمضان المبارك ودفن حسب وصيته في كربلاء المقدسة سنة 1431 ه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إلا أن ما يسكن الفؤاد أنه ترك تراثا خصباً لطلبة علوم أهل البيت علیهم السلام ومن جملتها الكتاب الذي بين يديك. وقد انتهى من تصحيحه قبل حوالي شهر من وفاته وأوصى في مرضه الذي توفي فيه بإتقانه وإيصاله مرحلة الإيناع
ص: 6
نحمده على ما أنعم علينا من النعم السابغات والمنن المتواليات حمداً لا يعدله حمد الحامدين ونشكره على جميع آلائه شكرا يزيد على شكر الشاکرین.
ونصلي ونسلم على أوليائه وأصفيائه البررة، حبيبه المنتجب محمد ووليه المرتضى أمير المؤمنين وحبيبته الصديقة الطاهرة وأولادهم المعصومين الهداة المهديين، لا سيما ذخيرته وبقيته في العالمين الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالی فرجه الشريف الذي به يملا الله الأرض عدلا وقسطا ونوراً كما ملئت ظلما وجوراً وظلمة، واللعن الدائم السرمد على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم لا سيما من فتح باب الظلم على العترة الطاهرة وأحرق بيت الوحي والعلم والنور والهداية، لعنا دائماً لا نفاد له.
أما بعد، لا ريب في فضل العلم وشرفه فإنه مما لا يرتاب فيه عاقل ولا يشك فيه ذو مسكة، قال الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1)، وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2).
وهو نور يبرهن به الحق ويظهر به الباطل وبه ينجو الإنسان من كل معصية ورذيلة ويرتقي إلى كل كمال وفضيلة وبه یعبد الله ويطاع وحث عليه الكتاب العزيز والقرآن المجيد.
ومن الواضح أنه لا يحصل إلا بالتعلم من ذوي العلم وأولي الألباب الذين حملهم الله تعالى العلم ونور قلوبهم بنوره وأرسلهم لتعليم خلقه ونصبهم لأن يتعلم منهم
ص: 7
العلم كل من يطلبه، ولا يوجد العلم الصحيح إلا عندهم(1)، فإنهم العلماء(2) وهم عيش العلم وموت الجهل (3)، وأصول العلم ومواده في بيوتهم(4)، فيجب على كل عاقل الرجوع إلى كلماتهم وما وصل إلينا من آثارهم والإستضاءة بأنوار أحاديثهم حتى يخرج من ظلمات الأوهام التي نسجتها النفوس البشرية وسميت زوراً وكذبا بالعلوم والحكم المتعالية والبراهين العقلية، ويجب على المتعلمين من حملة العلم نشر كلماتهم وتعليم غيرهم، فإن الناس لو علموا محاسن كلامهم لاتبعوهم(5)،
ص: 8
وزكاة العلم نشره(1).
ثم أنه قد التمس مني بعض الأعزة من أحفاد آية الله السيد محمد کاظم المدرسي - الذي هو من أعاظم تلامذة شيخ مشايخنا العظام العلامة الفهامة فقيه أهل البيت علیهم السلام آية الله الميرزا مهدي الإصفهاني أعلى الله تعالی مقامهما ورفع في الجنان درجتهما - أن أرسم لهم سبيلا يقتفونه للإقتباس من المشكاة النبوية والمصابيح العلوية وطريقاً إلى الإقتطاف من ثمار الشجرة المباركة الطيبة الباقرية والصادقية والإستضاءة بالأنوار الولوية عليهم أفضل الصلوات والتحيات، فمهدت لهم بفضل الله ومنه طريقاً مخضلا بقطرات من بحار أنوار أهل البيت علیهم السلام ومشرباً رويا سائغا من معينهم الصافي، وذلك في مسألة «حديث النفس»، فجمعوا الأحاديث الصادرة عن هداة الخلق وأئمتهم، وتم بحمد الله على نسق جيد وتبویب رائق وتفصيل بديع ينفع أهل العلم ورواد الفضيلة ويسهل على الطالب فهمه، فجزاهم الله تعالى عن خزان العلم وأبواب الهداية علیهم السلام خير الجزاء.
وقد هداني إلى هذا الموضوع وساقني إليه ما أفرغ عنه فؤاد العباس علیه السلام يوم عاشوراء ولهج به لسانه، وملأ الخافقين صداه ودویه، عندما اغترف من ماءالفرات غرفة ليشرب وقد كظه الظما لكنه أراقه قائلا لنفسه: «يا نفس من بعد الحسين هوني».(2)
وارتجز علیه السلام بعد ما قطعت يده اليسرى بقوله:
یا نفس لا تخشي من الكفار *** وأبشري برحمة الجبار
قد قطعوا ببغيهم يساري*** فأصلهم يارب حر النار
فإن تلقينه لنفسه في ذلك الوقت العصيب أنبأ عن ضرورة فهم هذا الأمر، أعني حديث النفس وما يتعلق به من أسباب وآثار و توابع و مقدمات ومؤخرات، فكان تجميع ما ورد عن أئمة الحق علیهم السلام وما ذكره الله تعالى في كتابه في هذا الشأن يراودني زمانا ويشغل
ص: 9
فکري حينا حتى سهل الله طريقه وأعان عليه بتوفيقه، ويرجع الفضل إلى صاحب لواء أبي عبد الله علیه السلام ، فإليه أهدي هذا المجهود المتواضع، ومن الله تعالى أسأل الرضا والقبول وإياه أشكر على ما وفق وأنعم.
محمد باقر علم الهدی
غرة جمادي الآخرة سنة 1431ه
ص: 10
لما كانت بعثة الأنبياء والرسل بصورة عامة، وبعثة نبينا الأعظم محمد صلی الله علیه و آله وسلم والأوصياء من بعده بشكل خاص لتزكية العباد في الظاهر والباطن وتطهيرهم من دنس الشرك بالله العظيم ووضع الإغلال عنهم وفك قيود الأهواء والمطامع والشهوات، وتحريرهم من عبودية غير الله وإخراجهم من ظلمات الوهم إلى نور الفهم ومن درن الجهل إلى هدى العلم، وإثارة دفائن العقول فيهم، من هناكانت إحدى أنظارهم تدور في رحی خطاب الإنسان مع نفسه وحديثه في قلبه، و قد يبدو لأول وهلة أنه أمر لا يستحق كل تلك العناية، ولكن سرعان ما يجد المتأمل أهمية ما راموا إليه من تحديده وعلاجه وتأطيره وتقييده، و يتجلى غوره العميق وأثره الوسيع، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، لأنه هو الخطوة الأولى التي تأتي على إثرها بقية الخطوات نحو الكمال أو نحو الهلاك، فإن من يحث نفسه ويحدثها بالذنب سوف يخطو إليه، ومن يشغل باله بالطاعة سيقوده إلى العمل بها، ومن يطول فكره في شيء ينجر نحوه، کما قال أمير المؤمنين علیه السلام : « فكرك في الطاعة يدعوك إلى العمل بها».(1) و « الفكر في الخير يدعو إلى العمل به». (2)
بل حتى إذا لم يستتبع حديث النفس بعمل فإن له وقعا عظيما وآثاراً دنيوية وأخرى أخروية وأحيانا تترتب عليه أحكام شرعية ووضعية - كماستقف على شواهده عن قريب - وفي الحديث: «ما من عبد يسر خيراً إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر [الله] تعالى له خيرا، و ما من عبد يسر شر إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر [الله] له شراء.(3)
ص: 11
وعن الصادق علیه السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: « من أسر سريرة ألبسه الله رداها، إن خيرا فخير و إن شرا فشر».(1)
فيجدر بمن يرنو ويروم إلى نيل المكارم ويسعى في تحصيل المحاسن والمغانم ويشتغل في مراقبة نفسه أن يقف هاهنا مليا، لأنه ذو خطر جليل وأهمية بالغة. و« إنك قد جعلت طبيب نفسك، وبين لك الداء، وعرفت آية الصحة، ودللت على الدواء فانظر كيف قیامك على نفسك ». (2)
و«من لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه ولم یکن له قرین مرشد استمكن عدوه من عنقه».(3)
ثم نسترعي الإنتباه إلى الملاحظات التالية:
1- تعمدنا إيراد النصوص بتمامها، فلم نقتصر على محل الشاهد من حديث النفس، إلا أنا أشرنا إليه باللون الغامق ليسهل تناوله لطالبه(4). ومع ذلك فقد يستلزم تقطيع الخبر وذكر مورد الحاجة فقط وذلك في الصور التالية:
الأول: إذا كان طويلا جدا بحيث يكون ذكره بتمامه مخرجا للكتاب عن محوره المسوق له.
الثاني: إذا كان الخبر الطويل قد ذكر في مكان آخر من الكتاب، حينئذ يتم ذكر محل
ص: 12
الشاهد فقط في الموضع المكرر، ثم الإشارة إلى محل تمامه في الهامش، مع الأخذ بعين الإعتبار أن ذکر تمام الخبر يكون في الباب الأنسب له حتى إذا لم يكن في الأبواب المتقدمة.
2- قد يتكرر الخبر مرتين أو أكثر بحسب العناوين التي يجب ضمه إليها، وذلك تيسيراً للبحث.
3 - إذا كان في الخبر الواحد موردان لحديث النفس وكان أحدهما لا يندرج إلا في متفرقات باب النوادر والثاني في باب من الأبواب الموجودة فإننا نكتفي بالباب ونعرض عن سرده في المتفرقات.
4 - الوسوسة -کما ستعرف- تعني حديث النفس، من هنا سعينا في ضم أخبار الوساوس إلى الأبواب والفصول والأقسام، وأما الوساوس الشيطانية بالتحديد فإننا أعرضنا عنها إلا ما احتمل فيها الوجهان من كونها حديثا للنفس أو وسوسة الشيطان. ومع ذلك ففي فصل (علاج حديث النفس) ألحقنا علاج الوساوس الشيطانية أيضا.
ثم ما جمعناه من أحاديث النفس على أنحاء :
- حديث النفس مع النفس (كمحاسبة النفس وحثها على الطاعات والإزراء عليها).
. حديث النفس عن النفس (كأن يوجس: أنا أفضل من الآخرين ولم يقصد مخاطبة نفسه ولا غيره).
. حديث النفس مع الجسد (كما في حديث عيسی علیه السلام: يا جسد انصب تسترح).
. حديث النفس مع أحد الأعضاء أو حديث العضو مع النفس ، نحو: «وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ»(1)
- حديث النفس مع الغير مع قصد عدم الإساع (کما إذا خاطب ما لا حياة له أو البعيد النائي، أو كمخاطبة الفقر والغنى والموت والدهر وما إلى ذلك).
۔ حدیث النفس عن الغير سواء شخصا كان أو شيئا (كحديث النفس حول مسألة
ص: 13
معينة أو آية أو حكم)
. وينضم أيضا حديث النفس مع الشيطان (کما في الخبر: و أما أعداؤك من الجن فإبليس و جنوده، فإذا أتاك فقال: مات ابنك. فقل: إنما خلق الأحياء ليموتوا...)
- وأدرجنا في الخاتمة الأذكار القلبية والدعاء في النفس للمقاربة بينها وبين حديث النفس.
5 - أعرضنا عن معظم الأسانيد اختصاراً، ولإمكان مراجعتها من مصادرها المشارإليها في الهوامش
6- وينبغي الإشارة إلى أن للأحاديث والأخبار الموجودة في الفصول والأبواب والأقسام ارتباطاً بعضها مع بعض فلا يمكن الإلمام بباب خاص والإحاطة به دون النظر في باقي الأبواب.
ص: 14
ص: 15
ص: 16
1-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس. (1)
أقول: لما كان حديث النفس فعلا لايسمعه غير صاحبه، وهو من فعل القلب، فالقراءة هنا۔ خلف من لا يأتم به - مثلها لعدم سماع الآخرين لها.
ثم اعلم أن حديث النفس هو من الأفعال الجوانحية القلبية التي تقابلها الأفعال الجوارحية الجسدية، وهي تختلف عن الحالات النفسية التي قد لا يكون للإنسان تجاهها تأثیر مستقیم ولا يتمكن أن يسيرها أو يغيرها إلا بواسطة فعل قلبي أو جسدي (2)، فإن أفعال القلب هي طوع إرادة الإنسان بالمباشرة ولذا قد يرد عليها التكليف ويصح تجاهها الأمر والنهي، فيقال: حدث نفسك بكذا ولا تحدث نفسك بكذا، و لا يختلف عما إذا قيل: اعتقد بالله وأوليائه واكفر بأعدائهم، من جهة كون كليهما من أفعال الروح التي يكون زمامها وخطامها تحت إختيار العبد نفسه، ولذلك كانت تلك الأفعال منسوبة إليه.
وعليه يكون العبد مسؤولا تجاه كل ما يقوم به من أفعال قلبه كما أنه مسؤول تجاه
ص: 17
بطش یده وساع أذنه وإبصار عينه، قال عز من قائل : « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(1).
إذا عرفت ذلك، فيجدر الإمعان في النقاط التالية:
النقطة الأولى : لا ينثلم عنوان حديث النفس بمجرد تلفظ صاحبه به، فإن الإنسان إذا حاسب نفسه وحرك شفتيه وتفوه بالكلام بل وحتى إذا سمعه الآخرون، - كما في قول العباس علیه السلام: (يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار..) فإنه خاطب نفسه وأصغت إليه أساع مناوئيه، أو إذا قال القائل: (ألا يا عين بدمعک فاسعديني) وأسمع غيره - فهو في تلك الصورة أيضا مشغول بحديث النفس.
النقطة الثانية : ورد عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق.. الحديث.(2)
وفي فقه الرضا علیه السلام أنه : شئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام : من يطيق ألا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟ (3)
وسرعان ما قد يبدو للناظر في هاذين الحديثين ونظائرهما أن أمر حديث النفس خارج من يد العبد، وهو ينافي النهي عنه أو الأمر به في أخبار كثيرة، ولكن الجواب عن ذلك يتضح بأمور:
أولا: قد يطلق حديث النفس ويراد منه الأعم منه و من الوساوس الشيطانية، أو قد يطلق على خصوص الوساوس الشيطانية، يشهد عليه بيان المحدث الكبير والمتضلع الخبير والمدقق البصير العلامة المجلسي قدس سره بعد أن ذكر حديث الصادق علیه السلام : (ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك).
قال رحمه الله : بيان: المراد بحديث النفس الوساوس الشيطانية في العقائد و القضاء و القدر و الخطورات التي يوجب التكلم بها الكفر. )(4)
أقول: ودلالته على هذا المعنى غير بعيدة لا سيما إذا قرئ (ألا تحدث) على المجهول
ص: 18
و(نفسه) بالرفع على نائب الفاعل، فيكون الشيطان هو المحدث للنفس وتكون النفس محدثة.
وبناء على هذا يكون حديث النفس بالمعنى المذكور خارجاً عن دائرة التكليف، لأن الشيطان يوسوس في قلب ابن آدم ويؤذيه بالهمز واللمز وليس للعبد إلا الإستعاذة بالله منه والإستعانة به تعالى عليه، ولا ينافي هذا كون حديث النفس - أي: فعل الإنسان - بیده وتحت کامل اختياره وفي النتيجة يجوز تكليفه فيه.
ثم إن إطلاق حديث النفس على وساوس الشيطان هو إما على نحو المشابهة وهو واضح، أو السببية فإن الوسوسة الشيطانية غالبا ما تكون سببا لحديث النفس، شاهده ما ورد من الإستعاذة من الشيطان لمن خاف حديث النفس في الصلاة، فعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا خفت حديث النفس في الصلاة فاطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.(1)
وفي النبوي: إذا ركب الرجل الدابة فسمی، ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، وإذا ركب ولم يسم ردفه شيطان فيقول له: تغن، فإن قال له: (لا أحسن) قال له: (تمن) فلا يزال يتمنى حتى ينزل.(2)
فإن حديث النفس بالأماني يكون بعد استيلاء الشيطان وتمكنه من الوسوسة.
مع أنا نقول أن وسوسة الشيطان في الخاطر وإن لم يكن بيد العبد - لأنه ليس فعله - إلا أنه مسبوق بمقدمات أختيارية صدرت منه، كما هو واضح من الخبر الآنف الذكر، وكذا من الحديث الوارد في مصباح الشريعة:
عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا وقد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهیه و نسي اطلاعه على سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غي و ضلالة و كفر.. الحديث. (3)
وفي الدعاء: (.. فأوصلت إلى قلوب المؤمنين من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر
ص: 19
ووسوسة الصدر..).(1)
وفي الحديث النبوي: أن الشيطان اثنان: شيطان الجن، ويبعد ب(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وشيطان الإنس ويبعد بالصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم . (2)
فإن من يكون دائم الذكر يبقى الشيطان بعيدا عنه ويعجز عن وسوسته. ولعل هذا هو معنى الحديث الذي رواه عبد العظيم عن أبي الحسن الرضا علیه السلام حيث قال: يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا.. الحديث. (3)
أي: لا يفتحوا السبيل لوسوسة الشيطان بالغفلة والإعراض عن ذكر الله تعالى ذكره، ذلك أن القلب الذي يجد الشيطان إليه سبيلا هو القلب الذي غلب عليه الميل إلى متاع الدنيا واتباع الهوى، وأما إذا كان مشغولا بذكر الله وطاعاته وامتثال أوامره، ومعرضا عن حب الدنيا لم يتمكن الشيطان منه، وإنما يترصد لحظة غفلة عن ذكر الله ويتحين ساعة زلة حتى يلقي وساوسه ويبثها في القلب، وفي الخبر : أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس، و إن نسي الله التقم قلبه.(4)
وفي النبوي : إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع.(5)
والشيطان يحوم حول قلب بني آدم ويطوف للإقتحام في أوقات الفلتات، قال الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ».(6)
ولذلك فالقلب العامر بذكر الله منطقة ممنوعة على الشياطين، كما قال سبحانه وتعالى: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ »(7) لأن قوت الشيطان الذي يتقوى به هو
ص: 20
الشهوات وحب الدنيا والجنوح إليها فإذا دام ذكر العبد في خلاف أمور الدنيا - أعني ذکر الله واليوم الآخر - يكون الشيطان عاجزاً عن الوسوسة فيه ويكون صاغراً ذليلا أمام ذلك القلب الذاكر الله العلي العظيم، وبناءاً على ذلك فلا يكبح الوسوسة إلا ضدها وهو ذكر الله واستعاذة العبد به تعالى منها، فلاحظ الحديث التالي:
عن أبي عبد الله علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (1)
وسوف يأتي مزيد من البيان في الفصل السادس من هذا الكتاب (علاج حدیث النفس والوساوس) تحت عنوان : حقيقة الإستعاذة بالله سبحانه وتعالى، فراجع.
ثانيا: إذا كان قوله علیه السلام: (من يطيق ألا يحدث نفسه) في أصل حديث النفس لا خصوص القبيح منه فهو بمعنی عدم إمكان تعطيل الفكر جملة وتفصيلا، أي: لا يستطيع الإنسان أن يمتنع من إخطار أي شيء في ذهنه، واستحالة ذلك واضحة، ولذلك تكلم الإمام علیه السلام على هيئة الإستفهام، ولكن هذا المعنى لا ينافي إمكان تحويل القلب من مكان إلى مكان وصرفه من شيء إلى شيء، ولا ينافيه أيضا ما ورد من المنع من حديث النفس في بعض المجالات، كما قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : (لا تحدثوا أنفسكم بطول العمر) فإن العبد يستطيع أن يحدث نفسه بقصر العمر أو بالموت أو غير ذلك، كما أن الإنسان يستطيع أيضا أن يكرر حدیث نفسه بشيء معين دائما، كما جاء في الحديث - عن الدقة في مسألة التوحيد والشرك -: (فالزم ما حدثت به نفسك..).(2)
و إذا كان قوله علیه السلام: (من يطيق ألا يحدث نفسه) في خصوص حديث النفس بمالاينبغي - ولعله هو الأظهر -، فهو إشارة إلى شدة الأمر وصعوبته، وإلا كان العبد عاجزا حتى عن صرف حديث النفس لحظة واحدة وهو- إضافة إلى أنه خلاف الوجدان - ينافيه ما ورد من النهي عن بعض أحاديث النفس.
ص: 21
ومما يؤيد ما ذكرنا أيضا:
ا- الحديث المزبور من أنه: «ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه ». فقد تمر مدة من دون حديث النفس بالوساوس أو التشكيكات، منتهى الأمر أنها لن تدوم طويلا لشدتها.
2 - الحديث القدسي في خبر المعراج: يا أحمد، و عزتي و جلالي، مامن عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة - إلى أن قال سبحانه: -.. و يحفظ قلبه من الوسواس.. (1) فكيف یعلق الثواب على محال؟
3- ما روي في الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لقي الحسن بن علي علیه السلام عبد الله بن جعفر، فقال علیه السلام: يا عبد الله، كيف يكون المؤمن مؤمناً و هو يسخط قسمه و يحقر منزلته و الحاكم عليه الله؟ و أنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له(2).
وبقيت مسألة، وهي أن سر عدم طاقة الناس وشدة كبح النفس في وساوسها هو لأجل كونها بطبيعتها وثابة على المعاصي وتواقة إلى الذنوب وأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فيجب العمل المستمر الدؤوب على مخالفتها والعزم الدائم المكرر على عصيانها وحبسها عن هواها. كما قال أمير المؤمنين علیه السلام : أكره نفسك على الفضائل، فإن الرذائل أنت مطبوع عليها.(3)
وقال أمير المؤمنين علیه السلام في وصيته:..والله الله في الجهاد للنفس فهي أعدى العدو لكم، إنه تبارك و تعالى قال: « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي» (4) وإن أول المعاصي تصديق النفس والركون إلى الهوى.(5)
ص: 22
النقطة الثالثة : النية والتفكر والتوهم والتخيل والتصور والوسوسة كلها أفعال قلبية أدت العناية إلى التغاير في التعابير عن كل واحد منها، وهي كلها من مصادیق احادیث النفس، فتارة يراد المحصل من دون ملاحظة المنشأ أو الفعل، وأخرى يكون التوجه إليه بما أنه فعل للقلب فيكون التعبير عنه بحديث النفس لذلك. ولأجل ما ذكرنا يكون عنوان حديث النفس متعلقاً بعناوين أخرى عديدة، منها:
حديث النفس والنية: كل نية تعتبر حديثا للنفس، وليس العكس، ذلك أن النية هي العزم والتصميم الذي هو حديث النفس، كما أن النية تتعلق بخصوص الفعل أو الترك، فإذا نوى الناوي فعل شيء فهو في الواقع حدث نفسه بفعله، ولكن حديث النفس أعم من امتثال عمل أو ترکه، بل قد لا يرتبط بفعل الشخص نفسه وإنما حول الآخرين، کما أنه قد يكون حول قضية لا تتصل بالحاضر أو المستقبل وإنما بالزمان الغابر، أو قد لا يرتبط بالزمان أصلا كحديث النفس في موضوع من المواضيع.
ولا يخفى أن أفعال القلب لها مراحل ودرجات، فهنالك كلام النفس والمشيئةوالتقدير والقضاء والإبرام، كما أن منها أيضا الإعتقاد والتصديق والإقرار والإذعان وكذا الكفر والجحود والإنكار، نعم إطلاق حديث النفس غالباً وعادة يكون على المرحلة الأولى.
حديث النفس والتفكر: إذا توجه القلب إلى حقيقة معينة - سواء معلومة أو مجهولة - يقال: فكر وتفكر، فحقيقة الفكر ليست إلا الإلتفات والتوجه - وليست هي حركة النفس من المبادي إلى المراد کما قیل -، وأما حديث النفس فلأن فيه عناية الخطاب والحديث لذا فالتفكر وإن كان ينطوي تحت حديث النفس، ويصح أن يقال لمن حدث نفسه: أنه فكر في نفسه، ولكن الجهة مختلفة.(1)
حديث النفس والوهم: الخيالات والأوهام هي مما يقع عليها حديث النفس، فيقال: حدث نفسه بموهوم، أي: أن ما في الذهن هو وهم.
حديث النفس والوسوسة: أما الوسوسة الشيطانية فقد تطلق على حديث النفس
ص: 23
لأجل المماثلة بينهما والشباهة لخفاء صوت کليهما ووقوعهما في الروع، وأما الوسوسة النفسية - أعني الخواطر التي ترتبط بالمعاصي والتشكيلات الدينية - فهي القسم المذموم من حديث النفس.
حديث النفس وأذكار القلب: حديث النفس ليس هو الأذكار القلبية ولكنه مثلهامن جهة عدم سماع الآخرين لها ولكون كليهما فعلا قلبياً.
حديث النفس وحقيقة العلم: ينبغي هنا التنبيه على نحو الإختصار الشديد أن العلم هو « ما به الإدراك والكشف» وهو ما يمكن الشخص من التصور والتخيل والتوهم، فهو النور المظهر للإنسان الأشياء- التي من ضمنها الإنسان نفسه -، وحديث النفس وإن كان من الأفعال الإختيارية النفسية، لكن العبد لا يستطيع ذلك إلا ببركة نور العلم الذي يمنحه القدرة على الحديث مع نفسه والتصور والخيال وكذا على المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء.
ولذلك يقع حديث النفس من جملة المعلومات بالعلم والمدركات به ويصح أن يقال: أعلم بحديث النفس.
وبهذا يتضح لك أن حقيقة العلم مباينة مع حقيقة حديث النفس، وليست هي هي کما ذهب إلى ذلك أبناء العلم البشري لما قالوا أن العلم الحصولي هو انطباع صورها في الذهن، فإن حديث النفس - بمعنی اسم المصدر أي: المحدث - هو مفاهيم وأمور وصور ذهنية، وتلك الأمور هي بالبداهة مما كشفه العلم وأظهره لا أنها هي العلم، فالمفاهيم مکشوفات لا كاشفات، و العلم هو الكاشف لجميع المكشوفات التي من جملتها الصور الذهنية والمفاهيم والصور، و القدرة على إيجاد الصور في الذهن لا تكون إلا بنور العلم المباين بإنيته للصور .(1)
ص: 24
ص: 25
ص: 26
1 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن صفوان بن يحيى قال: قل لأبي الحسن علیه السلام : أخبرني عن الإرادة من الله عز و جل و من الخلق.
فقال علیه السلام : الإرادة من المخلوق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل، و أما من الله عز و جل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي و لا یهم ولا يتفكر، و هذه الصفات منفية عنه و هي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك، يقول له: (كن) فيكون، بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكر، و لا كيف لذلك كما أنه بلا كيف.(1)
2 -[ الرضي في نهج البلاغة]، و من كلام له علیه السلام و قد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال علیه السلام : أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: و كيف تراه ؟ فقال علیه السلام: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملابس، بعيد منها غير مباین، متکلم لا بروية، مرید لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لايوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، و تجب القلوب من مخافته.(2)
3 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد - إلى أن قال علیه السلام : مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهامة.. الحديث.(3)
ص: 27
4 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام فكان من سؤاله أن قال له : فله رضا و سخط؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : نعم، و لكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، و ذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل مرکب للأشياء فيه مدخل، و خالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي الذات واحدي المعنى، فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه و ينقله من حال إلى حال، لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين. (1)
أقول: مماثبت بالعقل ودل عليه قطعي النقل أن الله سبحانه لا يشبه مخلوقاته في شيء من الصفات والأفعال، ومن جملتها المشيئة و الإرادة، فإن مشيئة الله تعالى لا يمكن أن تكون بمعنى الضمير والفعل القلبي لأن ذلك من فعل العباد وخصوصياتهم، وما جاز على المخلوق امتنع في الخالق كما أن ما جاز في الخالق امتنع في المخلوق، بل حقيقة المشيئة في الخالق - كما بينته النصوص و الأحاديث - هي إبتداء الفعل.
في الكافي، عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام يقول: لا يكون شيء إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى. قلت: ما معنى شاء؟ قال علیه السلام: ابتداء الفعل.. الحديث.(2)
والظاهر أنه ما يكتب في اللوح المحفوظ، وهو المعبر عنه في بعض الأخبار بالذكر الأول(3).
وأما قوله تعالى على لسان عیسی بن مریم: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» (4)
فإن معناه واضح وهو أنه لا سبيل إلى معرفة ما استأثر الله به لنفسه ولم يظهر عليه
ص: 28
عباده. قال الطبرسي في تفسيره: أي: تعلم غيبي وسري ولا أعلم غيبك وسترك، وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام والعادة جارية بأن الإنسان يسر في نفسه فصار قوله: «مَا فِی نَفسِی» عبارة عن الإخفاء، ثم قال: «مَا فِی نَفسِکَ» على جهة المقابلة، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس أو قلب تحل فيه المعاني.(1)
ص: 29
ص: 30
ص: 31
ص: 32
1- [فقه الرضا علیه السلام ]، أروي: أنه سئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام: من يطيق ألا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟
وسألت العالم علیه السلام عن الوسوسة إن كثرث، قال علیه السلام : لا شيء فيها، يقول: لا إله إلا الله . و أروي أن رجلا قال للعالم علیه السلام : يقع في نفسي أمر عظيم. فقال علیه السلام: قل: لا إله إلا الله . و في خبر آخر: لا حول و لا قوة إلا بالله.
و نروي: أن الله تبارك و تعالی عفا لأمتي عن وساوس الصدر.
ونروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم: أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها إلا ما كان يعقد عليه.(1)
أقول: أشرنا فيما سبق في بيان تعریف حديث النفس أن قوله علیه السلام: (من يستطيع..) يحتمل فيه إرادة الوساوس الشيطانية التي ليست بيد الإنسان، لا سيما إذاقرئ (تحدث) على المجهول و(نفسه) بالرفع على نائب الفاعل، فيكون الشيطان هو المحدث للنفس.
2-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسی علیه السلام ، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالى كاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.
قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام : إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق(2)، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (3)
ص: 33
3- [المجلسی في البحار]، صح عنه صلی الله علیه و آله وسلم قوله: وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم يعمل به أو يتكلم. (1)
4 - [محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : لكل قلب وسوسة، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب و نطق به اللسان أخذ به العبد، و إذا لم يفتق الحجاب و لم ينطق به اللسان فلا حرج.(2)
5 - [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة، قال: حدثني حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت: أصلحك الله، إنه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلا شيء أسمعه منك. قال علیه السلام : فإنه لا يضرك ما كان في قلبك.
قلت: أصلحك الله، إني أقول: إن الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون، و لم يكلفهم إلا ما يطيقون، و أنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره، قال: فقال علیه السلام : هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي. أو كما قال.(3)
وردت طائفة من الأخبار بمضمون و معنی واحد هي كالتالي:
[ الآمدي في غررالحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من كثر فكره في المعاصي دعته إليها.(4)
وقال علیه السلام : خوض الناس في الشيء مقدمة الكائن. (5)
وقال علیه السلام: صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام.(6)
ص: 34
وقال علیه السلام : فكرك [ذكرك] في المعصية يحدوك على الوقوع فيها. (1)
وقال علیه السلام: فكرك [ذكرك] في الطاعة يدعوك إلى العمل بها. (2)
وقال علیه السلام : الفكر في الخير يدعو إلى العمل به. (3)
وقال علیه السلام : طهروا قلوبكم من درن السيئات تضاعف لكم الحسنات. (4)
فهنا ملاحظة هامة
وتمهيدا لها نقول أنه قد وردت الأحاديث الكثيرة التي تدل على أن نية الطاعة وقصدها توجب الأجر والحسنة الواحدة، ومع العمل بعشرة أضعاف، وأن نية المعصية والقصد إليها لا مؤاخذة فيها، ومع العمل تكون فيها المؤاخذة الواحدة.
ولكن يستفاد من مجموع الروايات الواردة في الباب أن نية المعصية والقصد إليها توجب استحقاق العقوبة الأخروية لكنها مرفوعة تفضلاً وامتنانا على هذه الأمة ببركة النبي الأعظم وأهل بيته الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين ، ففي فقه الرضا علیه السلام: و نروي عنه علیه السلام: أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها، إلا ما كان يعقد عليه.(5)
ثم يشهد على ما ذكرنا - من أن النية توجب استحقاق المؤاخذة- أنها جرأة على المولى عقلا وفي حد الطغيان والتجاوز عن حد العبودية، و أيضا ما ورد في الصحيفة المباركة السجادية عن مولانا زین العابدین علیه السلام :
«هذا يا إلهي حال من أطاعك، وسبيل من تعبد لك، فأما العاصي أمرك والمواقع نهيك، فلم تعاجله بنقمتك لكي يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك، ولقد كان يستحق في أول ما هم بعصيانك كل ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك، فجميع ما أخرت عنه من العذاب، وأبطأت به عليه من سطوات النقمة والعقاب ترك من حقك ورضي بدون واجبك، فمن أكرم يا إلهي منك.. » (6) فإن قصد مخالفة المولى فعل له قبح
ص: 35
عقلي ويعتبر خروجا عن الإنقياد التام الذي تكشف العقول ضرورته ولزومه.
مضافاً إلى أن أمر الأئمة علیهم السلام بالإستغفار أحيانا من حديث النفس بما لا ينبغي تارة و تقريرهم لاستغفار أصحابهم تارة أخرى أوتعوذهم منه وما جرى في قلوب بعض أصحابهم - بها سيأتيك عن قریب - شاهد آخر على ما ذكرنا.
ثم إن الحكم برفع العقوبة دليل آخر على ثبوت الإستحقاق وإلا فلا معنى للرفع، وإليك هذان الحديثان:
[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر علیهما السلام قال: إن آدم علیه السلام قال: يا رب، سلطت على الشيطان و أجريته مني مجرى الدم، فاجعل لي شيئا. فقال: يا آدم، جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة، و من هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرة. قال: يارب زدني. قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له. قال: يا رب زدني. قال: جعلت لهم التوبة - أو قال: بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه. قال: يارب حسبي. (1)
[البحار عن كتاب المسلسلات لجعفر بن أحمد القمي]، عبد الله بن المنصور عن أبيه قال: سألت مولانا أبا الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام عن قوله عز وجل: «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(2) قال: فقال علیه السلام لي: سألت أبي علیه السلام ، قال: سألت جدي علیه السلام، قال: سألت أبي علي بن الحسين علیهما السلام ، قال: سألت أبي الحسين بن علي علیهما السلام ، قال: سألت النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن قول الله عز و جل: «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى» قال صلی الله علیه و آله وسلم: سألت الله عز وجل، فأوحى إلي: أني خلقت في قلب آدم عرقين يتحركان بشيء من الهواء، فإن يكن في طاعتي كتبت له حسنات و إن يكن في معصيتي لم أكتب عليه شيئا حتى يواقع الخطيئة، فاذكروا الله على ما أعطاكم أيها المؤمنون.(3)
ص: 36
إذا عرفت هذا فاعلم وتنبه إلى أنه وإن كانت العقوبة مرفوعة عن قصد المعصية إلا أنها
ص: 37
تكون سببا لسلب التوفيقات والخذلان الإلهي، وبسبب ذلك يقع العبد في المعصية. يشهد على هذا المعنى ما ذكرنا من الأخبار عن غرر الحكم والتي تصرح بأن فكر العبد في المعصية يحدو به إلى الوقوع فيها. ويدل عليه أيضا ما رواه:
[محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسى علیه السلام، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالی کاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.
قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام: إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا، و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزناكان كمن أوقد في بيت مزوق(1)، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (2)
أضف إلى ما ذكرنا : الأخبار الكثيرة التي ستوافيك في فصل (آثار حديث النفس بمالا ينبغي) حول تبعات حديث النفس بالمعصية من زوال البركات وذهاب التوفيقات والعواقب المردية والنتائج المهلكة والآثار الغير محمودة، بل العقوبات لبعض الناس في الأمم السابقة، ومع ذلك فإن أثر حديث النفس قد يشتد بالنسبة إلى من منحه الله علماً أو حباه جاها أو خوله منصباً بل ويزداد وقعا في أزمنة وظروف معينة وأماكن وحالات خاصة كما يقف على ذلك التتبع.
بعد أن عرفت ما تلوناه عليك تأمل جيدا في حال القلب المغمور بالدنيا والمولع بزخارفها والمشغوف بزينتها - فضلا عن المفتون بطلب الذنوب والآثام منها - هل يستحق العنايات الإلهية والألطاف الربانية أم أنه يستحق الخذلان والإيكال إلى النفس؟ فإن مثله مثل الميتة التي لا يليق كتابة رسم القرآن الطاهر عليها لأنها ليست له أهلا لكون القرآن أقدس وأطهر من أن تمس النجاسة، والعبد الذي شغل فكره بطلب المعاصي ودام على حديث النفس بالخطايا هو عبد مخذول وبعيد عن رحمة الله تعالى، وليس حرياً لأن يصير موضعا لنور الله ووكرا لحكمته. إن القلب المشغول بالدنيا يمسی مظلماً موحشاً ويبيت
ص: 38
مسكنا ومأوى للوسواس الخناس، وأما القلب المديم على التفكير في طاعة الله وامتثال أمره يبدله نوراً وضياءاً ويرزقه بصيرة وعلما وهداية، ومن ثم يوفقه للأعمال الصالحات فإن (الفكر في الخير يدعو إلى العمل به). وإليك في هذا الصدد الحديث التالي:
عن جابر قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام فقال : يا جابر و الله إني لمحزون و إني لمشغول القلب. قلت: جعلت فداك و ما شغلك و ما حزن قلبك؟
فقال علیه السلام : يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دین الله شغل قلبه عما سواه، یا جابر ما الدنيا و ما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ یا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة. يا جابر، الآخرة دار قرار و الدنيا دار فناء و زوال و لكن أهل الدنيا أهل غفلة، و كأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم و لم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم. و اعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة و أكثرهم لك معونه تذكر فيعينونك و إن نسيت ذكروك قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم و وحشوا الدنيا لطاعة مليكهم و نظروا إلى الله عز و جل و إلى محبته بقلوبهم و علموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه. فأنزل الدنيا کمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه أو کمال وجدته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شيء. إني [إنما] ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب و العلم بالله كفيء الظلال. یا جابر فاحفظ ما استرعاك الله جل و عز من دينه و حكمته و لا تسألن عمالك عنده إلا ما له عند نفسك فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه و لرب کاره لأمر قد سعد به حين أتاه و ذلك قول الله عز و جل : «وَ لِیُمَحّیصَ اللهُ الّذِینَ آمَنُوا وَ یَمحَقَ الکَافِرِینَ»(1)
ص: 39
ص: 40
ص: 41
ص: 42
1 - [الصدوق في الخصال]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه: الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق. (1)
2 -[ الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الصادق علیه السلام قال: ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك.(2)
ص: 43
3-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده . (1)
4 - [فقه الرضا علیه السلام] ، أروي: أنه سئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام: من يطيق إلا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟ (2)
5 -[ سعيد بن هبة الله الراوندي في فقه القرآن]، عن يونس بن عمار: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قوله تعالى: «الَّذِینَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ» (3) أهي وسوسة الشيطان؟ قال علیه السلام : لا، كل أحد يصيبه هذا، ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها. (4)
ص: 44
ص: 45
ص: 46
البقرة: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (284)
1-[محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لكل قلب وسوسة، فإذا فتى الوسواس حجاب القلب و نطق به اللسان أخذ به العبد، و إذا لم يفتق الحجاب و لم ينطق به اللسان فلا حرج. (1)
2- [فقه الرضا علیه السلام ]، و نروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم : أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها إلا ما كان يعقد عليه.(2)
3 - [مصباح الشريعة]، عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا و قد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهیه و نسي اطلاعه على سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب(3) بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غئ و ضلالة و كفر.. الحديث. (4)
ص: 47
1 - [نعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، و لم أحدث
ص: 48
شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفشك ياعثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض.
قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي المساجد. قال: هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال: فلا تفعل، فإني لأشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.
قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه و لا بأحد، إن وجاء أمتي الصيام. قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته - قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل یا عثمان. (1)
أقول، و يناسب أيضا:
2. [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر علیه السلام بسوء. فاشتريت سکينا و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك و جلست، فماشعرت إلا برقعة أبي الحسن علیه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي.) فما بقي أيام [أياما] إلا و مات. (2)
1. [ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مراراً و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوماً إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.
قال : هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني أشتهيه
ص: 49
و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل. قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد، لا تفعل. إن وجاء أمتي الصيام.
قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته کتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة و محي عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة و محي عنه ألف سيئة، و حضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة و محي عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قد غفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد كان لهما وصيف في الجنة.
ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان و قال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، و صرفت وجهه عن حوضي.(1) أقول، ويناسب أيضا:
2 - [الشيخ في التهذيب]، عن فضل مولى محمد بن راشد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: إني تزوجت امرأة متعة، فوقع في نفسي أن لها زوجاً، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا. قال علیه السلام: و لم فتشت؟(2)
ص: 50
ص: 51
ص: 52
1 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق] عن الصادق علیه السلام قال: ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك.(1)
2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق] عن الصادق علیه السلام قال: شکا آدم إلى الله عز وجل حديث النفس، فنزل عليه جبرئيل علیه السلام فقال: قل: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقالها فذهب عنه. قال علیه السلام: فهذا أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله).(2).
3- [البرقي في المحاسن] عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن آدم علیه السلام شكا إلى ربه حديث النفس، فقال: أكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله).(3)
4 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الباقر علیه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشکا إليه الوسوسة و حديث النفس و دینا قد فدحه (4) و العيلة. فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : قل:(توكلت على الحي الذي لا يموت، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيراً) و كررها مراراً. فما لبث أن عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله قد أذهب الله عني الوسوسة و أدى عني الدين و أغناني من العيلة.(5)
5 - [فقه الرضا علیه السلام] ، سألت العالم علیه السلام عن الوسوسة إن كثرث، قال علیه السلام: لا شيء فيها، يقول: (لا إله إلا الله).
ص: 53
وأروي أن رجلا قال للعالم علیه السلام:يقع في نفسي أم عظيم. فقال علیه السلام : قل: (لا إله إلا الله). وفي خبر آخر: (لا حول و لا قوة إلا بالله).(1)
6 - [فقه الرضا علیه السلام ، أروي: إذا خطر ببالك في عظمته و جبروته أو بعض صفاته شيء من الأشياء فقل: (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و علي علیه السلام أمير المؤمنين)، إذا قلت ذلك عدت إلى محض الإيمان.(2)
7 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتى رجل النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي، حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : إذا دخلت في صلاتك، فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة(3)، ثم قل: (بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)، فإنك تنحره و تطرده.(4)
8- [الصدوق في الخصال]، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه علیه السلام : أن أمير المؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه، قال - إلى أن قال علیه السلام : - صوم ثلاثة أيام من كل شهر أربعاءبين خميسين، وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب (5)
9- [علي بن الحسن في مشكاة الأنوار]، عن السكوني، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إذا خفت حديث النفس في الصلاة فأطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: (بسم الله و
ص: 54
بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم).(1)
10 - [المحدث النوري في المستدرك]، عن الشيخ حسين بن عبد الصمد في العقد الحسيني، قال: رويت عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن بعض الصحابة شكا إليه صلی الله علیه و آله وسلم الوسوسة، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني و بين صلواتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : ذلك شيطان يقال له: (خنزب)، فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني.
قال: ورويت عن ابن عباس أنه شكا إليه بعضهم الوسوسة، فقال: إذا وجدت في قلبك شيئا فقل: « ».(2)
11 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن بكر بن صالح، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال: الشؤم للمسافر في طريقه خمسة أشياء: الغراب الناعق عن يمينه و الناشر لذنبه، و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، و الظبي السانح من يمين إلى شمال، و البومة الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقاء فرجها، و الأتان العضباء يعني الجدعاء، فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: (اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي).
قال علیه السلام : فيعصم من ذلك. (3)
ص: 55
12 -[ محمد بن یعقوب في الكافي] عن علي بن مهزیار قال: كتب رجل إلى أبي جعفر علیه السلام يشكو إليه لما يخطر على باله، فأجابه علیه السلام في بعض كلامه: إن الله عز وجل إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً، قد شكا قوم إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحب إليهم من أن يتكلموا به، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أتجدون ذلك؟ قالوا: نعم. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : و الذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: (آمنا بالله و رسوله ولا حول و لا قوة إلا بالله).(1)
13 - [محمد بن يعقوب في الكافي] عن حمران، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: إن رجلا أتی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، إنني نافقت. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : و الله ما نافقت، و لو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الذي رابك، أظن العدو الحاضر أتاك، فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله؟ قال: إي و الذي بعثك بالحق لكان كذا.
فقال صلی الله علیه و آله وسلم: إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستز لكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده .(2)
18 - [المجلسی في البحار] في الرواية : يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا و
ص: 56
كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.(1)
15 - [المجلسي في البحار]، نقل من خط الشهيد رحمه الله، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أن الشيطان اثنان: شیطان الجن، ويبعد ب(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وشيطان الإنس ويبعد بالصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم.(2)
16 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام ]، عن عبد الله بن سنان قال: شکا رجل إلى أبي عبد الله علیه السلام كثرة التمني و الوسوسة، فقال علیه السلام : أمر يدك على صدرك ثم قل:( بسم الله و بالله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم امسح عني ما أحذر)، ثم أمر يدك على بطنك و قل ثلاث مرات، فإن الله تعالى يمسح عنك و يصرف.
قال الرجل: فكنت كثيرا ما أقطع صلاتي مما يفسد علي التمني و الوسوسة، ففعلت ما أمرني به سيدي و مولاي علیه السلام ثلاث مرات فصرف الله عني و عوفيت منه، فلم أحس به بعد ذلك. (3)
17 - [الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هوفي صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (4)
18 - [محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام : أن رجلا أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، إن يكن لأحد قلبان فإن لي قلبين، قلب يأمرني بأن أتابعك، و قلب يأمرني أن لا أتابعك.
فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أعلمك شيئا إن أنت قلته أذهب الله عنك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال صلی الله علیه و آله وسلم : قل: (اللهم أنت الرب و أنت الله و أنت الرحمن و أنت الرحيم، أستعينك
ص: 57
على عدوي فاحبسه عني بها شئت). (1)
19 - [ابن شعبة في تحف العقول]، قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم في جواب شمعون بن لاوي بن یهودا من حواريي عيسی علیه السلام حيث قال: أخبرني عن العقل، ما هو؟ و كيف هو؟ وما يتشعب منه؟ و ما لا يتشعب؟ وصف لي طوائفه كلها. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن العقل عقال من الجهل، و النفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت، فالعقل عقال من الجهل - إلى أن قال: - فقال شمعون: لقد شفيتني و بصرتني من عماي، فعلمني طرائق أهتدي بها.
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يا شمعون، إن لك أعداء يطلبونك و يقاتلونك ليسلبوا دينك من الجن و الإنس، فأما الذين من الإنس فقوم لا خلاق لهم في الآخرة ولا رغبة لهم فيما عند الله، إنما همهم تعبير الناس بأعمالهم، لا يعيرون أنفسهم و لا يحاذرون أعمالهم، إن رأوك صالحا حسدوك و قالوا: مراء، و إن رأوك فاسداً قالوا: لا خير فيه، و أنا أعداؤك من الجن فإبليس وجنوده، فإذا أتاك فقال: مات ابنك. فقل: إنما خلق الأحياء ليموتوا و تدخل بضعة مني الجنة إنه ليسري، فإذا أتاك و قال: قد ذهب مالك. فقل: الحمد لله الذي أعطى و أخذ و أذهب عني الزكاة فلا زكاة علي. و إذا أتاك و قال لك: الناس يظلمونك و أنت لا تظلم. فقل: إنما السبيل يوم القيامة على الذين يظلمون الناس و ما على المحسنين من سبيل. و إذا أتاك و قال لك: ما أكثر إحسانك، يريد أن يدخلك العجب، فقل: إساءتي أكثر من إحساني. و إذا أتاك فقال لك: ما أكثر صلاتك. فقل: غفلتي أكثر من صلاتي. و إذا قال لك: كم تعطي الناس؟ فقل: ما آخذ أكثر مما أعطي. و إذا قال لك: ما أكثر من يظلمك. فقل: من ظلمته أكثر. و إذا أتاك فقال لك: كم تعمل؟ فقل: طال ما عصيت.
إن الله تبارك و تعالى لما خلق السفلى فخرت و زخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت. ثم إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الله الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بها عليها، فذلت الأرض و استقرت. ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت و استطالت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها فذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء
ص: 58
يغلبني؟ فخلق النار، فأذابت الحديد فذل الحديد. ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت. ثم الماء فخر و زخر وقال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح، فحرکت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه فذل الماء. ثم إن الريح قرت و عصفت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال ما يستتر به من الريح و غيرها فذلت الريح.
ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الموت فقهره فذل الإنسان. ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدا. فخاف. ثم قال: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة.(1)
20 - [تفسير الإمام العسكري علیه السلام]، قال محمد بن علي الباقر علیهما السلام : دخل محمد بن علي بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسین زین العابدین صلی الله علیه و آله وسلم و هو كئيب حزين، فقال له زین العابدین علیه السلام : ما بالك مهموماً مغموما؟ قال: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هموم و غموم تتوالى على لما امتحنت به من جهة حساد نعمتي و الطامعين في و من أرجوه و ممن أحسنت إليه فيخلف ظني.
فقال له علي بن الحسین زین العابدین علیه السلام: احفظ لسانك تملك به إخوانك. قال الزهري: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إني أحسن إليهم بمايبدر من كلامي. قال علي بن الحسين علیهما السلام : هيهات هيهات، إياك و أن تعجب من نفسك بذلك، و إياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره و إن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه نكراً يمكنك لأن توسعه عذراً.
ثم قال علیه السلام: یا زهري، من لم يكن عقله أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر مافيه. ثم قال علیه السلام: یا زهري، و ما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، و تجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، و تجعل تربك منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ و أي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ و أي هؤلاء تحب أن تهتك ستره؟ و إن عرض لك إبليس لعنه الله بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان و العمل الصالح فهو خير مني، و إن كان أصغر منك فقل:
ص: 59
قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خير مني، و إن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي و في شك من أمره، فمالي أدع يقيني بشكي.
و إن رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، و إن رأيت منهم جفاء و انقباضاً عنك فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك و كثر أصدقاؤك و قل أعداؤك و فرحت بما يكون من برهم، و لم تأسف على ما يكون من جفائهم. و اعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره فائضاً عليهم و كان عنهم مستغنياً متعففاً، و أكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففاً و إن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يعشقون الأموال فمن لم يزاحمهم فيها يعشقونه کرم عليهم و من لم يزاحمهم فيها و مکنهم منها أو من بعضها كان أعز و أكرم.(1)
أقول، ويناسب الحديث التالي:
21 - [تفسير الإمام العسكري علیه السلام] ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ألا فاذکروا - یا أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم- محمد، وآله علیهم السلام عند نوائبکم و شدائدكم لينصر الله بهم ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم، فإن كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره یکتب سيئاته، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه. فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله و قال: (لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و صلىالله على محمد و آله)، حبس الشيطانان ثم صارا إلى إبليس فشكواه و قالا له: قد أعيانا أمره فأمددنا بالمردة، فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه، فكلما راموه ذكر الله و صلى على محمد و آله الطيبين علیهم السلام لم يجدوا عليه طريقاً و لا منفذاً، قالوا لإبليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه و تغويه. فيقصده إبليس بجنوده، فيقول الله تعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلاناً أو أمتي فلانة بجنوده، ألا فقاتلوه. فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك و هم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار وقسي ونشاشیب (2) وسكاكين وأسلحتهم من نار، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة، فيقول: يا رب، وعدك وعدك قد أجلتني
ص: 60
إلى يوم الوقت المعلوم. فيقول الله تعالى للملائكة: وعدته أن لا أميته و لم أعذه أن لا أسلط عليه السلاح و العذاب و الآلام، اشتفوا منه ضرباً بأسلحتكم فإني لا أميته. فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه فلا يزال سخين العين (1) على نفسه و أولاده المقتولين المقتلين (2) و لا يندمل شيء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم، فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله و ذكره و الصلاة علی محمد و آله علیهم السلام بقي إبليس على تلك الجراحات و إن زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة الله عز و جل و معاصيه اندملت جراحات إبليس ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه و يسرج على ظهره و یركبه، ثم ينزل عنه و یرکب على ظهره شيطاناً من شياطينه و يقول لأصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذل و انقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا.
ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه و ألم جراحاته فداوموا على طاعة الله و ذكره و الصلاة على محمد و آله صلی الله علیه و آله وسلم، و إن زلتم عن ذلك كنتم أسراء فيركب أقفيتكم بعض مردته. (3)
أقول: المتحصل والمستفاد من الأحاديث الشريفة أن ترتيب الأثر على حديث النفس في مقام العمل وعقد القلب يكون سببا لتقوية حديث النفس ورسوخه واشتداده، کما وأن مخالفته في المقامين - العقد والعمل - توجب ضعفه وفي النهاية زواله.
وبناءاً عليه، ففي مقام تثبيت حديث النفس بما ينبغي وترسيخه يجب على العبد العمل بالطاعات والعقد والعزم والقرار على امتثالها والتصميم على القيام بها وإرادتها وطلبها، وفي مقام حديث النفس بما لا ينبغي أن يعزم على ترك المعاصي والرذائل والعمل على خلافها لتنمحي وتزول من قلبه الوساوس، ويجب عليه - إضافة إلى ذلك - دوام التضرع والإلتجاء والإستعانة بالله العلي العظيم فإنه لا حول ولا قوة إلا به، ولا طاعة إلا بعونه ولا نجاة إلا بتوفيقه. (4)
ص: 61
يدل على ما ذكرنا الحديث النبوي في جواب أسئلة شمعون بن لاوي مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم: (.. و إذا أتاك - أي الشيطان . و قال لك: ما أكثر إحسانك، يريد أن يدخلك العجب، فقل: إساءتي أكثر من إحساني. و إذا أتاك فقال لك: ما أكثر صلاتك. فقل: غفلتي أكثر من صلاتي. و إذا قال لك: كم تعطي الناس؟ فقل: ما آخذ أكثر مما أعطي. و إذا قال لك: ما أكثر من يظلمك. فقل: من ظلمته أكثر. و إذا أتاك فقال لك: كم تعمل؟ فقل: طال ما عصيت.. الحديث).
فإن ما يبتغيه الشيطان وراء وسوسته ويقصده من إلقاءاته أن يجر بالعبد إلى القبائح والمآثم كالعجب والجزع، وبتوجه الإنسان إلى واقعه وحقيقة حاله منجانب، والقرار والعزم على عدم الركون إلى وساوسه وطلب خلافها - لعلمه أنه لا يريد له إلا الشر والهلكة -، يزيل من القلب حديث النفس بالقبائح.
الناس: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» (1)«مَلِكِ النَّاسِ»(2)«إِلَٰهِ النَّاسِ»(3)«مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ»(4)«الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ»(5)«مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»(6)
فصلت: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (36)
الأعراف: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (200)قال الطبرسي قدس سره: (معناه: يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إن نالك من الشيطان وسوسة في القلب.) عنه البحار:157/60.
1- [علي بن إبراهيم في تفسيره]، في قوله تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ » قال: إن عرض في قلبك منه شيء و وسوسة.(1)
2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، لوسوسة القلب يقول: « فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
ص: 62
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(1) و يقرأ المعوذتين. (2)
3- [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم فليتعوذ بالله وليقل بلسانه وقلبه: (آمن بالله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، مخلصين له الدين).(3)
4 -[ عماد الدين الطبري في بشارة المصطفی]، سعید بن زيد بن أرطاة، عن کمیل بن زیاد رضی الله عنه في وصية أمير المؤمنين علیه السلام له - إلى أن قال: - یاکمیل، إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، و أعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر و قضي، و أعوذ بإله الناس من شر الجنة والناس أجمعين و سلم تكف مؤونة إبليس و الشياطين معه و لو أنهم كلهم أبالسة مثله. (4)
5 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام]، عن حریز بن عبد الله السجستاني، عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام ؟ قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إني أجد بلابل في صدري و وساوس في فؤادي حتى لربما قطع صلاتي و شوش على قراءتي.
قال علیه السلام : و أين أنت من عوذة أمير المؤمنين علیه السلام؟ قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علمني.
قال علیه السلام : إذا أحسست بشيء من ذلك فضع يدك عليه (5) و قل: (بسم الله و بالله، اللهم مننت علي بالإيمان و أودعتني القرآن و رزقتني صيام شهر رمضان فامنن علي بالرحمة و الرضوان و الرأفة و الغفران و تمام ما أوليتني من النعم و الإحسان، يا حنان يا منان يا دائم یا رحمان سبحانك و ليس لي أحد سواك سبحانك أعوذ بك بعد هذه الكرامات من الهوان، و أسألك أن تجلي عن قلبي الأحزان).
تقولها ثلاثا فإنك تعافي منها بعون الله تعالى، ثم تصلي على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و السلام عليهم و رحمة الله. (6)
6- [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، من أدعية أمير المؤمنين علیه السلام : دعاؤه يوم
ص: 63
الهرير بصفين - إلى أن قال :- (.. وأعوذ بك من الفواحش ماظهر منها وما بطن، وأعوذ بك من وسوسة الأنفس مما لا تحب من القول والفعل والعمل..)(1)
7 -[ الشيخ في مصباح المتهجد]، أخبرني جماعة عن ابن عباس قال : مما خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد رضی الله عنه من الناحية المقدسة : ما حدثني به جبیربن عبد الله قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، ادع في كل يوم من أيام رجب: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك - إلى أن قال:۔ و أصلح لناخبيئة أسرارنا و أعطنا منك الأمان و استعملنا بحسن الإيمان وبلغنا شهر الصيام وما بعده من الأيام والأعوام يا ذا الجلال والإكرام).(2)
أقول، ومما يلحق بالباب أيضا:
8- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن بن شمون عن داود بن القاسم الجعفري قال: سئل أبو محمدعلیه السلام عن قوله تعالى: «إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ»(3)و السائل رجل من قم و أنا حاضر، فقال علیه السلام : ماسرق يوسف، إنما كان ليعقوب علیه السلام منطقة ورثها من إبراهيم علیه السلام، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد، فكان إذا سرقها إنسان نزل جبرائيل علیه السلام فأخبره بذلك، فأخذ [فأخذت] منه و أخذ عبدا. و إن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم علیهما السلام ، و كانت سميت أم إسحاق، و إن سارة أحبت یوسف علیه السلام و أرادت أن تتخذه ولداً لها، و إنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله و قالت ليعقوب علیه السلام : إن المنطقة سرقت.
فأتاه جبرائیل علیهماسلام فقال: يا يعقوب، إن المنطقة مع يوسف علیه السلام، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله. فقام يعقوب إلى يوسف علیه السلام ففتشه وهو يومئذغلام يافع، واستخرج المنطقة. فقالت سارة بنت إسحاق: متى [مني] سرقها يوسف علیه السلام فأنا أحق
ص: 64
به. فقال لها يعقوب علیه السلام : فإنه عبدک على أن لا تبيعيه و لا تهبيه. قالت: فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني و أنا أعتقه الساعة، فأعطاها فأعتقته. فلذلك قال إخوة يوسف: «إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» .
قال أبو هاشم: فجعلت أجيل هذا في نفسي أفكر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من یوسف علیهما السلام و حزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم و المسافة قريبة، فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم، نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك، فإن الله لو شاء أن يرفع السنام الأعلى بين يعقوب و یوسف حتى كانا يتراءان فعل، و لكن له أجل هو بالغه و معلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك، فالخيار من الله لأوليائه. (1)
أقول: مع أن الإستعاذة من الوساوس وحديث النفس بما لا ينبغي مما لا شك في ضرورته في جميع الحالات والأوقات، لكنها تتأكد في أماكن معينة وضروف خاصة، كما ورد عند تسريح اللحية (2)، و تلاوة القرآن (3)، وافتتاح الصلاة ،(4) وفي يوم عرفة(5).
ص: 65
ثم من جملة الأمور التي تنفع للوسوسة وتزيلها كما جاء في الأخبار الشريفة: الخضاب(1)، وأكل الرمان(2)، وغسل الرأس بورق السدر(3) والسواك(4)، وقراءة سورة يس، فإن قارئها لا يصيبه الوسواس(5)،
ص: 66
وصيام ثلاثة أيام في الشهر(1).
تتقوم حقيقة الإستعاذة على أربعة أسس:
أولها: أن يعرف العبد بأن شيطانه عدوه اللدود الذي لا يريدله خيراً أبدا، تلك الحقيقة الذي صرح بها القرآن الكريم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ» (2)
ثانيها: أن يرى ضعف نفسه في مقابل مكائده وخدائعه وأساليبه، فإن الشيطان يجري مجرى الدم ويحتال ويکید ویمکر.
ثالثها: أن يعلم بأن الله تعالى هو القادر على رد وساوسه وقطع حبائله مهما جد و سعی في إضلاله.
رابعها: أن يعلم بأن الله تعالى لا يريد له إلا الخير - كما أن الشيطان لا يريد له سوی الشر -، فإنه سبحانه خلق العباد ليعرفوه ويعبدوه وبذلك يرحمهم ويدخلهم جنانه التي
ص: 67
حشوها البركة وعمارها الملائكة.
ومع الإبتعاد من الشيطان، والتوجه إلى الله عز وجل، يستعين العبد به تعالى ويلجأ إليه ليتغلب على عدوه ويبعد نفسه من خطره.
فالإنسان مكلف في مقابل وعود إبليس ووعيده أن يحسبه عدواً مترصداً لا يحسن الظن به طرفة عين، ولا يطمأن إلى ما يقوله ويوسوسه إليه أبدا ولا يصغي إلى كلامه إطلاقا، وأن يكون تلقيه لأوامر الله تعالى تلقي عبد يعلم أن مولاه لا يريد له سوى صلاح شأنه وحاله، فيجعل رضي الله أمام عينيه ويسعى في طلبه ويتوجه إلى أن الله يدافع عنه.
ففي الحديث فيما أوحي إلى موسي علیه السلام في مناجاته: واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل..(1)
وبناءاً على ذلك، في كل قضية يوسوس فيها إبليس، على العبد أن يتمسك بالوسيلة التي جعلها الله لتلك القضية، فمثلا: عند ابتلاء العبد بالفقر یرید الشيطان أن يوقعه في الحرام عبر کسب المال من غير حله و حسد الأغنياء و سوء الظن بالله، أو في مسألة إشباع اللذات يريد منه أن يدنو من الفواحش ويرتكب المحرمات ويروي غرائزه بالوسائل الممنوعة، وعلى هذا الإنسان في الصورة الأولى أن يعرف ويتوجه إلى أن الرزق بيد الله سبحانه وأنه تعالى عليم حكيم، وهو الرزاق الذي لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو الذي ما من دابة في الأرض إلا عليه رزقها وأن خزائنه لا تفنى وبابه لا يغلق، وأن يتلفت في الصورة الثانية ويتذكر أن الرب المتعال هو المؤمن لما يحتاج إليه على جميع الأنحاء وكافة الأبعاد، وأنه تعالى لا يسد على عبده باب الحلال فهو المنان بالعطيات على أهل مملكته، ويتوجه إلى أن من يتقي الله يجعل له من أمره مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ونظائر ذلك مما لا ينبغي الغفلة عنه ويطلب من الله أن يعينه على ذلك.
وهذه هي حقيقة الإستعاذة التي ترتبط بالقلب في مقابل حديث النفس بالمعصية. فجوهر الإستعاذة بالتوجه والإلتجاء والمعرفة والإعتصام بالله، ويظهر أثرها على اللسان. يرشدك إلى ما ذكرنا:
ما ورد في مصباح الشريعة، عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من
ص: 68
العبد إلا وقد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهيه و نسي اطلاعه علی سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب (1) بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غي و ضلالة و كفر، و الله عز و جل دعا عباده باللطف دعوة و عرفهم عداوته فقال عز من قائل: إن الشيطان «لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (2) وقال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ» الآية(3) ، فكن معه كالغريب مع كلب الراعي يفزع إلى صاحبه في صرفه عنه. و كذلك إذا أتاك الشيطان موسوساً ليصدك عن سبيل الحق و ينسيك ذكر الله فاستعذ بربك و ربه منه، فإنه يؤيد الحق على الباطل و ينصر المظلوم لقوله عز و جل:«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(4)، ولن تقدر على هذا و معرفة إتيانه و مذهب وسوسته إلا بدوام المراقبة و الاستقامة على بساط الخدمة و هيبة المطلع و كثرة الذكر، و أما المهمل لأوقاته فهو صيد الشيطان لا محالة. واعتبر بما فعل بنفسه من الإغراء و الاستكبار من حيث غره و أعجبه عمله و عبادته و بصيرته و رأيه، قد أورثه عمله و معرفته و استدلاله بمعقوله عليه اللعنة إلى الأبد، فما ظنك بنصيحته و دعوته غيره؟ فاعتصم بحبل الله الأوثق و هو الإلتجاء و الإضطرار بصحة الإفتقار إلى الله في كل نفس، ولا يغرنك تزيينه الطاعات عليك، فإنه يفتح لك تسعة و تسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المائة، فقابله بالخلاف و الصد عن سبيله و المضادة باستهزائه. (5)
أقول: عرفت بما مضى أن الأرضية التي يحاول إبليس أن يفسدها بالوسوسة يجب أن تحرث قبله بالخير حتى تفوت عليه فرصته، ومن هنا كان تلقين النفس بالطاعات على كل حال - خصوصا عند الإنتقال من حال إلى حال - ذا أهمية بالغة، فإذا أصبح العبد فقيراً مثلا فإن عليه أن يحدث نفسه بأن الفقر للمؤمن صلاح وكفارة لما سبق من الذنوب وأن في الصبر على الفقر خير ومثوبة، وذلك حتى لا يستطيع إبليس أن يستغل فقره لإغوائه، ويلزم عليه أن يستمر على ذلك التلقين ريثما يتحول إلى حال آخر، وهكذا.
ص: 69
ولعل هذا هو سر تلقين أبي الفضل العباس علیه السلام نفسه عند المواقف الصعبة، فعندما قطع الأعداء شماله قال: (يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار) ، فإنه قال ذلك بحقيقة إيمانه وكل وجوده وعميق قلبه - بصوت سمعه الأعداء - لئلا يدع شائبة شك تهد عزمه وقواه، لأنه وجد ضرفه العصيب أن عليه أن يرغب نفسه بالآخرة ويحرضها على الثبات والإستقامة لينال رحمة الله ويلقنها لكيلا تزل في الشدائد نفسه أو
تثبط في المحن إرادته، وكذا عندما بلغ ماء الفرات لقنها على التصبر، بيد أن النفوس إذا لاقت ما لاقي علیه السلام ومرت بما مر به لما تنآت عن الشرب، ولكنه علیه السلام رأی أن عليه أن يذب عن حجة الله وألا يسبقه في سد ظماه، فقال مخاطباً وملقنا ومؤدباً ومذكراً نفسه الأبية: (يا نفس من بعد الحسين هوني)!(1) لينال المنزلة التي يغطبه بها جميع الشهداء إلى يوم القيامة(2)
هذا وعليك بملاحظة ما ذكرنا في هذا المجال في النقطة الثانية في ذيل الحديث الأول من الفصل الأول فراجع
ص: 70
ص: 71
ص: 72
1- [السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال]، بإسناده إلى هارون بن موسى التلعکبري، مسنداً عن أبي عبد الله علیه السلام: (.. اللهم إني أستغفرك و أتوب إليك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدث فيه، و مما ضيعت من فرائضك و أداء حقك من الصلاة و الزكاة و الصيام و الجهاد و الحج و العمرة أو إسباغ الوضوء و الغسل من الجنابة و قيام الليل و كثرة الذكر و كفارة اليمين و الإسترجاع في المعصية و الصدود من كل شيء قصرت فيه من فريضة أو سنة، فإني أستغفرك و أتوب إليك منه.. و ما رآه بصري و سمعه سمعي و نطق به لساني و بسطت إليه يدي و نقل إليه قدمي و باشره جلدي و حدثت به نفسي مما هو لك معصية، و كل يمين زور، و من كل فاحشة و ذنب و خطيئة عملتها في سواد الليل و بياض النهار في ملاء أو خلاء مما علمته أو لم أعلمه، ذكره أو لم أذكره، سمعته أو لم أسمعه، عصيتك فيه ربي طرفة عين، و فيما سواها من حل أو حرام تعديت فيه أو قصرت عنه، منذیوم خلقني إلى يوم جلست مجلسي هذا، فإني أتوب إليك منه و أنت یا کریم تواب رحیم.. الدعاء). (1)
2 - [محمد بن یعقوب في الكافي] سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح علیه السلام ينعي إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته؟
فالتفت علیه السلام إلى شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا و البلايا، و الإمام أولى بعلم ذلك. ثم قال علیه السلام : يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، و إنك تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق کلمتهم و يخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك؟ فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري.
ص: 73
فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيراً حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا. (1)
3- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی بکر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر علیه السلام كتاباً و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب علیه السلام إلى بحوائج، و في آخر کتابه: عندي سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل إمام.
وکنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله، فلما صرت إلى المدينة و دخلت عليه علیه السلام، نظر إلي فقال: استغفر الله لما أضمرت و لا تعد.
قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟ قال: لا أخبر به أحداً.. الخبر.(2)
4 -[ المجلسي في البحار، من بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستين ومائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان علیه السلام قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: یا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت و هللت و أكثرت من حمد الله عز و جل و الثناء عليه. فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟ فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلس على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا
ص: 74
وبجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: علیل و سمك و تمر و لبن!
فصاح بي: يا عيسى أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتى استحييت، فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق. فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟
فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو) و (متی کان) و( أين ولد) و (من رآه) و (ما الذي خرج إليكم منه )و ( بأي شيء نبأكم) و( أي معجز أتاكم). أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين با عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.
فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشداً. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)
5 - [الطبري في دلائل الإمامة] ، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: يا با خالد، خذ رقعتي فأت غيضة قد سماها فانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به. قال: قلت: أعفني جعلت فداك. قال فقال علیه السلام لي: اذهب یا با خالد.
قال: فقلت في نفسي: یا با خالد، لو أمرك جبار عنيف ثم خالفته إذا كيف يكون حالك؟ قال: ففعلت ذلك حتى إذا صر إلى الغيضة و نشرت الرقعة جاء معي واحد منها، فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إليه واقفاً ما يحرك من شعره شعرة. فأومأ بكلام لم أفهمه قال: فلبثت عنده و أنا متعجب من سكون السبع بين يديه علیه السلام فقال علیه السلام لي: يا با خالد، ما لك تتفكر؟ قال: قلت: أفكر في إعظام السبع.
قال: ثم مضى السبع، فما لبثت إلا وقت قليلا حتى طلع السبع و معه كيس في فيه. قال:
ص: 75
قلت: جعلت فداك إن هذا لشيء عجيب! قال علیه السلام: يا با خالد هذا كيس وجه به إلى فلان مع المفضل بن عمر، و احتجت إلى ما فيه، و كان الطريق مخوفاً فبعثت هذا السبع فجاء به.
قال: فقلت في نفسي: و الله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر و أعلم ذلك. قال: فضحك أبو عبد الله علیه السلام ثم قال لي: نعم يا با خالد، لا تبرح حتى يأتي المفضل. قال فتداخلني و الله من ذلك حيرة. ثم قلت: أقلني جعلت فداك. و أقمت أياما، ثم قدم المفضل و بعث إلي أبو عبد الله علیه السلام فقال المفضل: جعلني الله فداك، إن فلانا بعث معي کیسا فيه مال، فلما صرت في موضع كذا و كذا جاء سبع و حال بيننا وبين رحالنا، فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده.
قال أبو عبد الله علیه السلام: يا مفضل، أتعرف الكيس؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال أبو عبد الله علیه السلام: يا جارية، هاتي الكيس. فأتت به الجارية، فلما نظر إليه المفضل قال: نعم هذا هو الكيس.
ثم قال علیه السلام: يا مفضل تعرف السبع؟ قال: جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب. فقال علیه السلام له: ادن مني. فدنا منه ثم وضع يده عليه، ثم قال لأبي خالد: امض برقعتي إلى الغيضة، فأتنا بالسبع. فلما صرت إلى الغيضة، ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي. فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إلى إعظامه إياه، فاستغفرت في نفسي. ثم قال علیه السلام: يا مفضل هذا هو؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال علیه السلام: يا مفضل أبشر فأنت معنا. (1)
أقول: ذكرنا فيما سبق أن أمر الأئمة علیهم السلام بالإستغفار من حديث النفس تارة وتقريرهم لإستغفار أصحابهم من حديث النفس تارة أخرى شاهد آخر على أن حديث النفس بالمعاصي وبما یوجب التكلم به الكفر، يورث استحقاق العقوبة والخذلان الإلهي، أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك.
ص: 76
ص: 77
ص: 78
1-[محمد بن يعقوب في الكافي] عن سفيان بن محمد الضبعي قال: كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الوليجة و هو قول الله: «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (1)، فقلت في نفسي - لا في الكتاب : من ترى المؤمنين هاهنا! فرجع الجواب: الوليجة الذي يقام دون ولي الأمر، و حدثتك نفك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع، فهم الأئمة علیهم السلام الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم. (2)
2 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، في حديث الحلبي أنه دخل أناس على أبي جعفر علیه السلام و سألوا علامه، فأخبرهم بأسمائهم و أخبرهم عما أرادوا يسألون عنه، و قال علیه السلام : أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب الله: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ» (3) قالوا: صدقت، هذه الآية أردنا أن نسألك. قال علیه السلام : نحن الشجرة التي قال الله تعالى، أصلها ثابت و فرعها في السماء، و نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا. (4)
3 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن داود بن أعين قال: تفكرت في قول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (5) قلت:خلقواللعبادة و يعصون و يعبدون غيره؟ و الله لأسألن جعفراًعلیه السلام عن هذه الآية. فأتي الباب فجلست أريد الدخول عليه علیه السلام، إذ رفع صوته فقرأ: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» ثم قرأ: «لَا
ص: 79
تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا» (1)فعرفت أنها منسوخة. (2)
4 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن البزنطي قال: كنت شاكاً في أبي الحسن الرضا صلوات الله وسلامه عليه، فكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها.
قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه علیه السلام: عافانا الله و إياك، أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول علي صعب و هؤلاء قد ضيقوا على ذلك، فلست تقدر عليه الآن و سيكون إن شاء الله. و كتب علیه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عن الآيات الثلاث في الكتاب، و لا و الله ما ذكرت له منه شيئا، و لقد بقيت متعجبا لما ذكر ما في الكتاب و لم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك فوقفت على معنى ما كتب به علیه السلام.(3)
5 - [الشيخ في الغيبة]، ابن أبي عمير، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر - و هو من آل مهران و كانوا يقولون بالوقف و كان على رأيهم - فكاتب أبا الحسن الرضا علیه السلام و تعنت في المسائل، فقال: كتبت إليه كتابا و أضمرت في نفسي أني متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن و هي قوله: «أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ»(4)و قوله:
«فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ» (5) و قوله: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»(6) ، قال أحمد: فأجابني علیه السلام عن كتابي، و كتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها و لم أذكرها في كتابي إليه علیه السلام. فلما وصل الجواب نسيت ما كنت أضمرته، فقلت: أي شيء هذا من جوابي؟ ثم ذكرت أنه ما أضمرته. (7)
6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: « ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»(8)، فقال : له الأمر من قبل
ص: 80
علیه السلام أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء
فقلت في نفسي: هذا قول الله :«أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (1). فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك، «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» . قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه. (2)
ص: 81
ص: 82
ص: 83
ص: 84
ا- [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن الحسن بن علي الوشاء قال: كتب إليه - أي: أبي الحسن الهادي علیه السلام - محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه ما أنبتت الأرض وأنهم علیه السلام قالوا: لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه وإن حدثت نفسك أنه مما تنبت الأرض فإنه من الرمل والملح، والملح سبخ.(1)
2 - [الصدوق في علل الشرائع]، أبي، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن السياري: أن بعض أهل المدائن كتب إلى أبي الحسن الماضي علیه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي إليه فكرت فقلت: هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه.
قال: فكتب علیه السلام : لاتصل على الزجاج، فإن حدثتك نفسك أنه مما أثبتت الأرض فإنه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الرمل و الملح و هما ممسوخان. (2)
3 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن الحسن بن ظریف قال: كتب إلى أبي محمد علیه السلام و قد تركت التمتع ثلاثين سنة و قد نشطت لذلك، و كان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال
ص: 85
إليها قلبي وكانت عاهراً لا تمنع ید لامس فكرهتها، ثم قلت: قد قال علیه السلام: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أشاوره في المتعة و قلت: أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع؟
فكتب علیه السلام : إنها تحيي سنة و تميت بدعة و لا بأس، و إياك و جارتك المعروفة بالعهر، و إن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال، فهذه امرأة معروفة بالهتك و هي جارة و أخاف عليك استفاضة الخبر فيها. فتركتها و لم أتمتع بها و تمتع بها شاذان بن سعد - رجل من إخواننا و جيراننا ۔ فاشتهر بها حتى علا أمره و صار إلى السلطان و غرم بسببها مالا نفيساً و أعاذني الله من ذلك ببركة سيدي. (1)
4 - [الشيخ في التهذيب]، عن أبي أيوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا جعفر علیه السلام - و أنا أسمع - عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال علیه السلام : فليتم الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، و إن أقام يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بن مسلم : بلغني أنك قلت خمساً؟ قال علیه السلام : قد قل ذلك.
قال أبو أيوب: فقلت أنا : جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال: لا. (2)
5 -[ الشيخ في الإستبصار]، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسی علیه السلام ،في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال علیه السلام : إذا حدث نفسه بالليل في السفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه.(3)
6 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام والخصال]، تمیم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت على بن موسی الرضا علیه السلام يقول: أوحى الله عز و جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله، و الثاني فاكتمه، و الثالث
ص: 86
فاقبله، والرابع فلا تؤيسه، و الخامس فاهرب منه.
قال علیه السلام: فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظیم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا. و بقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله. ثم مضى فوجد طستاً من ذهب، فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا. فحفر له و جعله فيه و ألقي عليه التراب ثم مضى، فالتفت فإذا الطست قد ظهر، فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز و جل.
فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي، فطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربي أن أقبل هذا. ففتح کمه فدخل الطير فيه. فقال له البازي: أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام. فقال: إن الله عزوجل أمرني أن لا أؤيس هذا. فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه. ثم مضى فلما مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: أمرني ربي عز وجل أن أهرب من هذا. فهرب منه ورجع. ورأى في المنام كأنه قد قيل له: إنك قد فعلت ما أمرت به، فهل تدري ماذا كان؟ قال: لا. قال له: أما الجبل، فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه و جهل قدره من عظم الغضب، فإذا حفظ نفسه و عرف قدره و سكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها. و أما الطست، فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد و أخفاه أبی الله عز و جل إلا أن يظهره لیزینه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة. و أما الطير، فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله و اقبل نصيحته. و أما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه. و أما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها. (1)
7 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: ما لي أرى لونك متغيراً؟ قلت: غيره دين فاضح عظيم، و قد هممت بركوب البحر إلى السند لإتيان أخي فلان. قال: إذا شئت. قلت: يروعني عنه أهوال البحر و زلازله. قال: إن الذي يحفظ في البر هو حافظ لك في البحر،یا داود، لولا اسمي و روحي لما اطردت الأنهار ولا أينعت الثمار و لا اخضرت الأشجار.
ص: 87
قال داود: فركبت البحر حتى إذا كنت بحيث ما شاء الله من ساحل البحر بعد مسيرة مائة و عشرين يوما خرجت قبل الزوال يوم الجمعة، فإذا السماء متغيمة و إذا نور ساطع من قرن السماء إلى جدد الأرض، و إذا صوت خفي: يا داود، هذا أوان قضاء دينك، فارفع رأسك قد سلمت. قال: فرفعت رأسي و نودیت: عليك بما وراء الأكمة الحمراء. فأتيتها فإذا صفائح من ذهب أحمر ممسوح أحد جانبيه و في الجانب الآخر مکتوب: «هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)، فقبضتها ولها قيمة لا تحصى. فقلت: لا أحدث فيها حتى آتي المدينة.(2) فقدمتها فدخلت عليه علیه السلام ، فقال لي: يا داود، إنما عطاؤنا لك النور الذي سطع لك لا ما ذهبت إليه من الذهب و الفضة، و لكن هو لك هنيئا مريئا عطاء من رب کریم فاحمد الله.
قال داود: فسألت معتباً خادمه: فقال: كان علیه السلام في ذلك الوقت يحدث أصحابه منهم خيثمة و حمران و عبد الأعلى مقبلا عليهم بوجهه علیه السلام يحدثهم بمثل ما ذكرت، فلما حضرت الصلاة قام فصلى بهم. فسألت هؤلاء جميعا فحكوا لي الحكاية. (3)
8- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، الحسن بن علي بن يحيى، قال: زودتني جارية لي ثوبين ملحمين و سألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام فوضعهما في العيبة، فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوث بالثوبين لألبسهما، ثم اختلج في صدري فقلت: ما أظنه ينبغي لي أن ألبس ملحماً و أنا محرم. فتركتها و لبست غيرهما. فلما صرت بمكة كتبت كتاباً إلى أبي الحسن علیه السلام و بعثت إليه بأشياء كانت عندي و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يجوز له لبس الملحم، فلم ألبث أن جاء الجواب بكل ما سألته عنه و في أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم.(4)
ص: 88
9 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟
فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة .(1)
10 -[ النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال في الأختين المملوكتين: ليس لمولاهما أن يجمعهما بالوطء، فإن وطأ واحدة منهما فلا يطأ الأخرى حتى تخرج الأولى من ملكه فإن وطى الثانية و هما جميعا في ملكه حرمت عليه الأولى حتى تخرج التي وطئ ببيع حاجة لا على أن يخطر في قلبه من الأولى شيء. (2)
نوادر الباب:11
11- [الراوندي في النوادر]، الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن علي علیه السلام قال: من أسر الطلاق و أسر الاستثناء فلا بأس، و إن أعلن الطلاق و أسر الاستثناء في نفسه أخذناه بعلانيته و ألقينا السر. (3)
ص: 89
ص: 90
« يا أحمد، و عزتی و جلالي، ما من عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة: يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه، و يحفظ قلبه من الوسواس، و يحفظ علمي و نظري إليه، و تكون قرة عينه الجوع.. »(1)
ملاحظة: إن المناهي الواردة في هذا الفصل تشمل المحرمة و المكروهة و تروك الأولى، فإن ما ورد في شأن الأنبياء علیهم السلام هو من مصادیق القسم الثالث بالضرورة، وذلك لأنهم لا يقترفون المآثم ولا يرتكبون المنكرات على ما هو ثابت في محله.
ص: 91
ص: 92
الفجر:«فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ» (15)«وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ» (16)
1 - [ابن شهر آشوب في متشابه القرآن]: رآی رجل تناثر الأوراق، فهجس في خاطره: هل يعلم الله عددها؟ فنزل:«أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (1)
2 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن ماجيلويه، بإسناده إلى مجاهد، قال: قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: إن لله تبارك و تعالى ملكاً يقال له دردائیل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء، و الهواء کما بين السماء و الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه: أقوق ربنا جل جلاله شيء؟(2)
فعلم الله تبارك وتعالى ما قال، فزاده أجنحة مثلها فصار له إثنان وثلاثون ألف جناح. ثم أوحى الله عز وجل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، فلما علم الله عز وجل إتعابه أوحى إليه: أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظیم فوق كل عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان. فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة.
ص: 93
فلما ولد الحسين بن علي (صلوات الله علیهما) - و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة - أوحى الله إلى ملك [مالك] خازن النيران أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم ، و أوحي إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولد ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم في دار الدنيا، و أوحي إلى حور العين أن تزین و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمدفي دار الدنيا، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح و التحميد و التمجيد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم في دار الدنيا، و أوحى الله عز و جل إلى جبرئیل علیه السلام أن اهبط إلى نبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم في ألف قبیل، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا صلی الله علیه و آله وسلم بمولوده و أخبره یا جبرئيل إني قد سميته: الحسين علیه السلام و عزّه و قل له: يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد، قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي أكد يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرماً منه. قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و التار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة.
قال: فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مر ب(دردائیل) فقال له دردائیل: یا جبرئیل، ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟
قال: لا، و لكن ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم مولود في دار الدنيا، و قد بعثني الله عز وجل إليه لأهنئه بمولوده.
فقال الملك له: يا جبرئيل، بالذي خلقك و خلقني إن هبطت إلى محمد صلى الله عليه وآله فأقرئه مني السلام و قل له: بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني و يرد علي أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة.
فهبط جبرئیل على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و هنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : تقتله أمتي؟ قال: نعم. فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم، و الله بريء منهم. قال جبرئیل: و أنا بريء منهم يا محمد. فدخل النبی صلی الله علیه و آله وسلم على فاطمة و هناها و عزاها فبكت فاطمة علیها السلام و قالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار. و قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتی يكون منه إمام تكون منه
ص: 94
الأئمة الهادية بعده . ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : الأئمة بعدي: الهادي علي، المهتدي الحسن، الناصر الحسين، المنصور علي بن الحسين، الشافع محمد بن علي، النفاع جعفر بن محمد، الأمين موسی بن جعفر، الرضا علي بن موسی، الفعال محمد بن علي، المؤتمن علي بن محمد، العلام الحسن بن علي، و من يصلي خلفه عیسی بن مریم. فسكنت فاطمة علیها السلام من البكاء.
ثم أخبر جبرئيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقضية الملك وما أصيب به، قال ابن عباس: فأخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم الحسين و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك، لا بل بحقك عليه وعلى جده محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة علیهم السلام عندك قدر فارض عن دردائیل و رد عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة. فاستجاب الله دعاءه و غفر للملك، و الملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله ال صلی الله علیه و آله وسلم.(1)
3 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2) فقال علیه السلام: هل يمحو إلا ما كان و هل يثبت إلا ما لم يكن؟
فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشيء حتى يكون. فنظر علیه السلام إلي، فقال: تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل کونها. قلت: أشهد أنك حجة الله (3)
4 - [ الكشي في رجاله]، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد الله علیه السلام قال: ذکر جعفر ابن واقد و نفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل إنه صار إلي يتردد و قال فيهم: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ » (4) قال: هو الإمام. فقال أبو عبد الله علیه السلام : لا و الله لا يؤويني و إياه سقف بيت أبدا، هم شر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا. و الله ما صقر عظمة الله تصغيرهم شيء قط، و إن غزيراً جال في صدره ما قالت اليهود فمحي اسمه من النبوة. و الله لو أن عيسى أقر بما قالت النصارى لأورثه الله صمما إلى يوم
ص: 95
القيامة. و الله لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لأخذتني الأرض. و ما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على ضر شيء و لا نفع. (1)
1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر و أكبر من فتر(2) فدخلت في خياشيمه، فصعق. فمکث بذلك أربعين يوما، ثم إن الله عز و جل رأف به و رحمه و خرج، فإذا أراد الله جل و عز بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت، فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض. (3)
النساء: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (65)
ا- [الصدوق في إكمال الدين] ، بإسناده إلى الثمالي قال: قال علي بن الحسين علیه السلام : إن دین الله لا يصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاییس الفاسدة، و لا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، و من اهتدى بنا هدي، و من دان بالقياس و الرأي هلك، و من وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو تقضي به حرجا كفر بالذي أنرل السبع المثاني و القرآن
ص: 96
العظيم و هو لا يعلم. (1)
2 -[ الصفار في البصائر]، بإسناده إلى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعته يقول: والله لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و حجوا البيت، وصاموا شهر رمضان [ثم لم يسلموا إلينا لكانوا بذلك مشركين، فعليهم بالتسليم، و لو أن قوما عبدوا الله و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و حجوا البيت و صاموا رمضان ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله : لو صنع كذا و كذا خلاف الذي صنع الكانوا بذلك مشركين، و لو أن قوما عبدوا الله و وحدوه] ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لم صنع كذا و كذا و وجدوا ذلك في أنفسهم لكانوا بذلك مشركين، ثم قرأ «فَلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُومِنُونَ حَتِّي يُحَكِّمُوكَ فَيمَا شَجَرَ بَينَهُم -الي قوله -يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2)
3- [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى الحسن بن الفضل اليماني قال: قصدت سر من رأى فخرج إلي صرة فيها دنانير و ثوبان فرددتها، و قلت في نفسي: أنا عندهم بهذه المنزلة؟ فأخذتني العزة، ثم ندمت بعد ذلك و كتبت رقعة أعتذر و أستغفر، و دخلت الخلاء و أنا أحدث نفسي و أقول: و الله لئن ردت الصرة لم أحلها و لم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني.
فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا ربما فعلنا ذلك بموالینا و ربما سألونا ذلك يتبركون به. و خرج إلى: أخطأت بردك برنا، و إذا استغفرت الله فالله يغفر لك، و إذا كان عزیمتك و عقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا و لا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، و أما الثوبان فلا بد منهما لتحرم فيهما .. الخبر(3)
4 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى داود القطان عن إبراهيم رفعه إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعة.
فقال رجل من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين علیه السلام و لأقولن له: أنا أذهب به، فهو يثق بي، فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا-
ص: 97
المال إلى المدائن. قال: فرفع علیه السلام إلى رأسه ثم قال: إليك عني، خذ طريق الكرخة. (1)
5 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، أن أمير المؤمنين علیه السلام قال يوماً: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه: لآتينه و لأقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية. فجاء إلى علي علیه السلام فقال: أنا أذهب بالمال. فرفع علیه السلام رأسه فقال: إليك عني، تأخذ طريق الشام إلى معاوية.(2)
6 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن جریر بن مرازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني أريد العمرة فأوصني. فقال علیه السلام : اتق الله ولا تعجل. فقلت: أوصني. فلم يزدني علیه السلام على هذا.
فخرجت من عنده علیه السلام من المدينة، فلقيني رجل شامي يريد مكة فصحبني و كان معي سفرة فأخرجتها و أخرج سفرته و جعلنا نأكل فذكر أهل البصرةفشتمهم ثم ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثم ذكر الصادق علیه السلام فوقع فيه، فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه و أحدث نفسي بقتله أحيانا فجعلت أتذكر قوله علیه السلام: (اتق الله ولا تعجل) و أنا أسمع شتمه فلم أعد ما أمرني. (3)
7 - [الطبرسي في مجمع البیان]، عن محمد بن کعب قال: قال حذيفة اليماني: و الله لقد رأينا يوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا يعلمه إلا الله، و قام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فصلی ما شاء الله من الليل ثم قال: ألا رجل يأتينا بخير القوم يجعله الله رفيقي في الجنة؟
قال حذيفة: فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف و الجهد و الجوع. فلما لم يقم أحد دعاني صلی الله علیه و آله وسلم فلم أجد بدا من إجابته، قلت: لبيك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : اذهب فجئني بخبر القوم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع.
قال: و أتيت القوم فإذا ريح الله و جنوده يفعل بهم ما يفعل، ما يستمسك لهم بناء ولا يثبت لهم نار ولا يطمئن لهم قدر. فإني لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله، ثم قال: يا معشر قريش لينظر أحدكم من جليسه.
ص: 98
قال حذيفة: فبدأت بالذي عن يميني فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان. قال: ثم عاد أبو سفيان براحلته فقال: يا معشر قريش، و الله ما أنتم بدار مقام، هلك الخف و الحافر و أخلفتنا بنو قريظة و هذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء. ثم عجل فركب راحلته و إنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها. قال:قلت في نفسي: لو رميت عدو الله فقتلته کنت قد صنعت شيئا. فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس و أنا أريد أن أرميه فأقتله، فذكرت قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : (لا تحدثن شيئا حتى ترجع). قال: فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و هو يصلي، فلما سمع حسي فرج بين رجليه، فدخلت تحته و أرسل علي طائفة من مرطه، فركع و سجد، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : ما الخبر؟ فأخبرته. (1)
8 -[ السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع]، عن حریز قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام :
جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؟
فقال علیه السلام: قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
قال: فقلت في نفسي: اللهم صل على محمد و أهل بيته.
فقال علیه السلام لي: ليس هكذا قلت لك، قل: اللهم صل على محمد و أهل بيته. قال: فقلت: اللهم صل على محمد و أهل بيته. قال: فقال علیه السلام لي: إنك لحافظ یا حريز، فقل کما أقول لك: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا).
قال: فقلت کما قال، فقال علیه السلام لي: قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين ألهمتهم علمك و استحفظتهم كتابك و استرعيتهم عبادك، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أمرت بطاعتهم و أوجبت حبهم و مودتهم، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلی الله علیه و آله وسلم. (2)
9 - [الطوسي في الغيبة]، عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد علیه السلام فقال: إذا خرج القائم علیه السلام أمر بهدم المنارة و المقاصير التي في المسجد. فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فأقبل علیه السلام علي و قال: معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و
ص: 99
لاحجة. (1)
10 - [محمد بن مسعود العياشي في تفسيره]، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام مبتدئا: من ظلم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه.
قال: فذكرت في نفسي فقلت: يظلم هو فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟
فقال علیه السلام لي قبل أن أتكلم: إن الله يقول: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» .(2)
11 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن بن شمون عن داود بن القاسم الجعفري قال: سئل أبو محمد علیه السلام عن قوله تعالى: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» (3) و السائل رجل من قم و أنا حاضر، فقال علیه السلام : ماسرق يوسف، إنما كان ليعقوب منطقة ورثها من إبراهيم، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد، فكان إذا سرقها إنسان نزل جبرئیل فأخبره بذلك، فأخذ[فأخذت] منه و أخذ عبداً. و إن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم، و كانت سميت أم إسحاق، و إن سارة أحبت یوسف و أرادت أن تتخذه ولداً لها، و إنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله و قالت ليعقوب: إن المنطقة سرقت.
فأتاه جبرئيل فقال: يا يعقوب، إن المنطقة مع يوسف، و لم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله. فقام يعقوب إلى يوسف ففتشه و هو يومئذ غلام يافع، و استخرج المنطقة. فقالت سارة بنت إسحاق: متى [مني] سرقها يوسف فأنا أحق به. فقال لها يعقوب: فإنه عبدک على أن لا تبيعيه و لا تهبيه.
قالت: فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني و أنا أعتقه الساعة، فأعطاها فأعتقته. فلذلك قال إخوة يوسف: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» .
قال أبو هاشم: فجعلت أجيل هذا في نفسي أفکر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من يوسف و حزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم و
ص: 100
المسافة قريبة، فأقبل على أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم، نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك، فإن الله لو شاء أن يرفع السنام الأعلى بين يعقوب و یوسف حتى كانا يتراءان فعل، و لكن له أجل هو بالغه و معلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك، فالخيار من الله لأوليائه. (1)
12 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعثه، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجداً، فيما تظن موجدته؟
قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له.
فقال: يا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه [و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمراً و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله و لم ينفذ مراد رسول الله . أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.
قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبى الله إلا إمضاء ما حتم. (2)
13 - [المفيد في الإرشاد]، روی أصحاب السيرة عن جندب بن عبد الله الأزدي، قال: شهدت مع علي علیه السلام الجمل و صفين لا أشك في قتال من قاتله، حتى نزلت النهروان، فداخلني شك في قتال القوم، و قلت: قراؤنا و خیارنا نقتلهم؟ إن هذا الأمر عظيم!
فخرجت غدوة أمشي و معي إداوة ماء حتى برزت من الصفوف، فرکزت رمحي، و وضعت ترسي إليه، و استترت من الشمس. فإني الجالس حتى ورد على أمير المؤمنين علیه السلام فقال: يا أخا الأزد، أمعك طهور؟
قلت: نعم. فناوله علیه السلام الإداوة، فمضى حتى لم أره، ثم أقبل و قد تطهر، فجلس في ظل الترس فإذا فارس يسأل عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا فارس یريدك. قال علیه السلام: فأشر إليه. فأشرت إليه، فجاء فقال: يا أمير المؤمنين، قد عبرالقوم إليهم، و قد قطعوا
ص: 101
النهر. فقال علیه السلام : كلا ما عبروا. فقال: بلى و الله لقد فعلوا. قال علیه السلام : كلا ما فعلوا.
قال: و إنه كذلك إذ جاء آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، عبروا القوم. قال علیه السلام: كلاما عبروا. قال: و الله ما جئتك حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال.
قال علیه السلام : و الله ما فعلوا، و إنه لمصرعهم و مهراق دمائهم. ثم نهض علیه السلام و نهضت معه، و قلت في نفسي: الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل و عرفني أمره، هذا أحد الرجلين: إما رجل كذاب جريء، أو على بينة من ربه وعهد من نبيه، اللهم إني أعطيك عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله و أول من يطعن بالرمح في عينه، و إن كان القوم لم يعبروا أن أنتم على المناجزة و القتال.
فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال كما هو علیه السلام قال، فأخذ علیه السلام بقفاي و دفعني، ثم قال: يا أخا الأزد أتبين لك الأمر؟
قلت: أجل يا أمير المؤمنين، فقال علیه السلام : شأنك بعدوك. فقتلت رجلا من القوم، ثم قتلت آخر، ثم اختلفت أنا و رجل آخر أضربه و يضربني فوقعنا جميعا، فاحتملني أصحابي، و أفقت حين أفقت و قد فرغ من القوم.(1)
14 -[ الكشي في رجاله]، قال: روي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام، عن آبائه صلوات الله عليهم، قال: أتی ميثم التمار دار أمير المؤمنين علیه السلام ، فقيل له: إنه نائم. فنادی بأعلى صوته: انتبه أيها النائم، فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك. فانتبه أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: أدخلوا ميثماً، فقال: أيها النائم، و الله لتخضبن لحيتك من رأسك.
فقال علیه السلام : صدقت، و أنت و الله ليقطعن يداك و رجلاك و لسانك، و لتقطعن النخلة التي في الكناسة، فتشق أربع قطع، فتصلب أنت على ربعها، و حجر بن عدي على ربعها، و محمد بن أكتم على ربعها، و خالد بن مسعود على ربعها. قال میثم: فشككت في نفسي، و قلت: إن عليا ليخبرنا بالغيب! فقلت له: أوكائن ذاك يا أمير المؤمنين؟
فقال علیه السلام: إي ورب الكعبة، كذا عهده إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم. قال: فقلت: لم يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زیاد. قال: و كان علیه السلام يخرج إلى الجبانة و أنا معه، فيمر بالنخلة فيقول لي: یا میثم، إن لك و لها شأنا من الشأن.
ص: 102
قال: فلما ولي عبيد الله بن زياد الكوفة و دخلها، تعلق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق فتطير من ذلك فأمر بقطعها. فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع. قال میثم: فقلت لصالح ابني: فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي، و دقه في بعض تلك الأجذاع. قال: فلما مضى بعد ذلك أيام أتوني قوم من أهل السوق، فقالوا: يا میثم، انهض معنا إلى الأمير نشتكي إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنا ويولي علينا غيره.
قال: و کنت خطيب القوم، فنصت لي و أعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حریث: أصلح الله الأمير، تعرف هذا المتكلم؟ قال: و من هو؟ قال: ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب علیهما السلام . قال: فاستوى جالسا فقال لي: ما تقول؟
فقلت: كذب أصلح الله الأمير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام حقا. فقال لي: لتبرأن من علي علیه السلام و لتذكرن مساویه، و تتولی عثمان و تذكر محاسنه أو لأقطعن يديك و رجليك و لأصلبنك. فبكيت فقال لي: بكيت من القول دون الفعل؟ فقلت: و الله ما بكيت من القول و لا من الفعل، و لكني بكيت من شك كان دخلني يوم أخبرني سيدي و مولاي، فقال لي: وما قال لك؟ قال: فقلت: أتيته الباب، فقيل لي: إنه نائم. فناديت: انتبه أيها النائم، فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك. فقال علیه السلام: صدقت و أنت و الله ليقطعن يداك و رجلاك و لسانك و لتصلين. فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟
فقال علیه السلام : يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زیاد. قال: فامتلأ غيظا ثم قال لي: و الله لأقطعن يديك و رجليك و لأدعن لسانك حتى أكذبك و أكذب مولاك.
فأمر به فقطعت يداه و رجلاه، ثم أخرج و أمر به أن يصلب. فنادى بأعلى صوته: أيها الناس، من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب علیه السلام . قال: فاجتمع الناس، و أقبل يحدثهم بالعجائب. قال: و خرج عمرو بن حریث و هو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة؟ قال: ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب علیهما السلام . قال: فانصرف مسرعاً، فقال: أصلح الله الأمير، بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه، فإني لست آمن أن يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك. قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه، فقال: اذهب فاقطع لسانه.
ص: 103
قال: فأتاه الحرسي، و قال له: یا میثم قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه. قال میثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنه يكذبني و يكذب مولاي؟ هاك لساني. قال: فقطع لسانه و تشحط ساعة في دمه ثم مات، و أمر به فصلب. قال صالح: فمضيت بعد ذلك أيام [بأيام] فإذا هو قد صلب على الربع الذي كتبت و دققت فيه المسار.(1)
أقول: إن لعلم الغيب في النصوص والأخبار إطلاقات عديدة، فمنها ما نفاه الأئمة علیهم السلام عن أنفسهم ومنها ما أثبتوه، وإسناد بعضها إليهم علیهم السلام شرك وبعضها بخلاف ذلك، وتوضيحه - على نحو الإيجاز - هو كالتالي:
1) قد يطلق الغيب ويراد منه العلم الذاتي . فبالنسبة إلى مثل هذا كانوا علیهم السلام ينكرونه وینفونه عن أنفسهم ويقولون: (إنما هو تعلم من ذي علم) (2) وذلك أنهم مهما يعرفون فهو بتعليم من الله تعالى وإفاضته، ويبقون فقراء إليه ومحتاجين إلى نيله في علمهم کما في سایر کمالاتهم، ويبقى هو المالك لما ملكهم وهو وحده من ذاته العلم والكمال. و المراد من الآيات التي وردت في اختصاص الغيب به تعالى هو ما ذكرنا من توحده وتفرده سبحانه بالعلم به کما في أمثاله من الشفاعة وغيرها، فمن أراد أن يطلع على الغيب فلابد أن يعلمه بإعطائه وإذنه تعالى، فإنه المالك المتوحد بجميع ذلك.
2) وقد يطلق علم الغيب على علم الساعة، وهو من العلم الذي استأثر الله به لنفسه،قال تعالى: «قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّ»(3).
3) وقد يطلق « الغائب» على الله سبحانه، فهو غائب عن الحواس الظاهرية والباطنية
ص: 104
والعقول والأوهام والأفهام، فلا يمكن الإحاطة به مطلقاً لأنه تعالى هو المحيط بكل شيء ولا يقع محاطاً أبدا، فكنهه تعالى غیب عما سواه، في الكافي: (وأنت الله لا إله إلا أنت الغائب الشاهد)(1) وفي البحار: (الغائب عن الحواس)(2). ولذلك فمعرفة المخلوق للخالق لا تتجاوز الخروج عن الحدین، حد التعطيل وحد التشبيه.(3)
4) قد يطلق الغيب على الغيبيات التي يمكن الإحاطة بها من طريق الأسباب والعلل العادية، مثل ما يحدث في مكان بالنسبة إلى غير القاطن فيه، فإنه شهادة عند أهله وغيب عند غيرهم، أو مثل ما كان يعد غيباً في الماضي وأحاط به العلماء اليوم من أمور الطبيعة في الأجرام والأفلاك، فلا يستحيل الوقوف على هذه ونظائرها لمن يسلك أسبابها. وعليه فالغيب بهذا المعنى نسبي لأنه معلوم لبعض دون بعض، فالماضي بالنسبة إلى من يعيشه شهادة، أما لمن يعيش الحاضر غیب وكذا العكس، و ما يجري في كل بلد شهود للشاهد وغيب للغائب، أو أن ما يخطره زيد في هاجسه هو معلوم له وغائب عن عمرو.
5) و قد يطلق الغيب على ما ضرب الله عليه الحجاب العمدي ولم يجعل الله له سببا في نیله، ولا يحيط به أحد، فينحصر الإطلاع عليه بإفاضته تعالى لمن يشاء وإظهاره لبعض خاصته على نحو الإعجاز وخرق العادة، وهذا الإطلاق هو الذي جاز إسناده إلى أهل البيت علیهم السلام دون المعاني الثلاثة الأولى، فهم يحيطون علما بكل ما يمكن أن يكون معلوماً وإن كان غائباً، يعرفونه بإفاضة وتعليم منه سبحانه، فما هو غائب عن غيرهم فهو شهود لهم، يضاف إلى ذلك جميع الغيبيات النسبية أيضا.
قال تعالى: «ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ» (4).
ص: 105
وقال سبحانه:«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ »(1).
وروى ابن شهر آشوب في المناقب، عن أبي علیه السلام قال: والله لقد أعطيناعلم الأولين والآخرين. فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك، أعندكم علم الغيب؟ فقال علیه السلام له: ويحك، إني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه، ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي كل حصاة عليها لأخبرتكم.(2)
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا، وأطلعك عليه إلهاماً.(3)
وفي البحار عن الخرائج: روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له: (عاصم)، فقال له: يا محمد، أتعلم الغيب ؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا يعلم الغيب إلا الله. قال: والله لجملي هذا أحب إلي من إلهك. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لكن الله أخبرني من علم غيبه أنه تعالى يبعث عليك قرحة في مسبل لحيتك حتى تصل إلى دماغك فتموت والله إلى النار. فرجع فبعث الله قرحة فأخذت في لحيته حتى وصلت إلى دماغه فجعل يقول: لله در القرشي إن قال بعلم أو زجر أصاب.(4)
فتبين إنهم علیهم السلام يعلمون بكل ما يمكن العلم به بتعريف الله تعالى وتعليمه وإفاضته.
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علیه السلام : والله لو شئت أن أخبر کل رجل منکم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ألا
ص: 106
وإني مفضية إلى الخاصة.(1)
10 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن بیان بن نافع التفليسي قال: خلفت والدي مع الحرم في الموسم، و قصد موسی بن جعفر علیهما السلام ، فلما أن قربت منه، هممت بالسلام عليه، فأقبل علي بوجهه وقال: بر حجك، يا ابن نافع آجرك الله في أبيك، فإنه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه. فبقيت متحيراً عند قوله، و قد كنت خلفته و ما به علة.
فقال علیه السلام : يا ابن نافع أقلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن فقلت: ما وراكن؟ قلن: أبوك فارق الدنيا. قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عما أخفاه و أراني، فقال لي: أبد ما أخفاه و أراك. ثم قال علیه السلام : يا ابن نافع، إن كان في أمنيتك كذا و كذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله و كلمته الباقية و حجته البالغة. (2)
16 - [الراوندي في الخرائج]، روي عن محمد بن الفرج أنه قال: إن أبا الحسن علیه السلام كتب إلي: أجمع أمرك و خذ حذرك. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد فيها کتب به إلى حتى ورد على رسول حملني من مصر مقيداً مصفداً بالحديد، و ضرب على كل ما أملك فمكثت في السجن ثماني سنين. ثم ورد على كتاب من أبي الحسن علیه السلام و أنا في الحبس: لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. فقرأت الكتاب فقلت في نفسي: يكتب إلى أبو الحسن علیه السلام بهذا و أنا في الحبس إن هذا لعجيب!.
فيما مكثت إلا أياما يسيراً حتى أفرج عتي و حلت قيودي و خلي سبيلي. و لما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن علیه السلام، و خرج إلى سر من رأي. قال: فكتبت إليه علیه السلام بعد خروجي أسأله أن يسأل الله ليرد علي ضياعي، فكتب علیه السلام إلى: سوف يرد عليك و ما يضرك أن لا ترد عليك.
قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كتب له بردضياعه، فلم يصل الكتاب إليه حتى مات.(3)
17 - [المجلسي في البحار، عن بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن
ص: 107
أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستین و مائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان عج قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنیزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه.
فلا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟
فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا و بجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: علیل و سمك و تمر و لبن!
فصاح بي: يا عیسی أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت، فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق.
فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟
فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو؟) و (متی کان؟) و( أين ولد؟) و (من رآه ؟ ) و (ما الذي خرج إليكم منه علیه السلام؟) و ( بأي شيء نبأكم؟) و( أي معجز أتاكم؟) أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين، یا عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.
ص: 108
فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشدا. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)
1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى أديم بن الحر، قال أديم: سأله موسی بن أشيم - يعني أبا عبد الله علیه السلام - عن آية من كتاب الله، فخبره بها. فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها، فأخبره بخلاف ما أخبره.
قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله، حتی کنت كاد قلبي يشرح بالسكاكين، و قلت: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الحرف الواحد الواو و شبهها، و جئت إلى من يخطئ هذا الخطاء كله!. فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر، فسأله عن تلك بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني و الذي سأله بعدي، فتجلى عني و علمت أن ذلك تعمد منه. فحدثت نفسي بشيء، فالتفت إلى أبو عبد الله علیه السلام فقال: يا ابن أشيم، لا تفعل كذا و كذا فحدثني علیه السلام عن الأمر الذي حدثت به نفسي.
ثم قال: يا ابن أشيم، إن الله فوض إلى سليمان بن داود علیه السلام فقال: «هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (2) و فوض إلى نبيه صلی الله علیه و آله وسلم فقال: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3)، فما فوض إلى نبيه صلی الله علیه و آله وسلم فقد فوض إلينا. يا ابن أشيم، «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا»(4) أتدري ما الحرج؟ قلت: لا. فقال بيده-و ضم أصابعه -: الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء. (5).
ص: 109
2 - [علي بن يونس في كتاب الصراط المستقيم]: دخل حسين المكاري عليه - أي: على الجواد علیه السلام - ببغداد فلما رأى طيب حاله قال في نفسه: لا يرجع أبدا إلى موطنه. فقال علیه السلام : خبز شعير و ملح جریش و حرم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أحب إلي مما ترى.(1)
3- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام فذكر محمد، فقال علیه السلام : إني جعلت على نفسي أن لا يظلني و إياه سقف بيت. فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر و الصلة، و يقول هذا لعمه! قال: فنظر علیه السلام إلي فقال: هذا من البرو الصلة، إنه متى يأتيني و يدخل علي فيقول و يصدقه الناس، و إذا لم يدخل علي لم يقبل قوله إذا قال.(2)
4 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن الماضي علیه السلام و هو محموم و وجهه إلى الحائط، فتناول بعض أهل بيته يذكر. فقلت في نفسي: هذا خير خلق الله في زمانه يوصينا بالبر و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول؟! قال: فحول علیه السلام وجهه، فقال: إن الذي سمعت من البر، إني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله، و إن لم أقل هذا صدقوا قوله علي. (3)
5- [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى الحسين بن عمر بن یزید، قال: دخلت على الرضا علیه السلام و أنا يومئذ واقف، و قد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست و أمسك عن السابعة. فقل: و الله لأسألنه عما سأل أبي أباه،فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة. فسألته فأجاب علیه السلام بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست، فلم يزد في الجواب واوا و لا ياء و أمسك عن السابعة، و قد كان أبي قال لأبيه: إني أحتج عليك عند الله يوم القيامة أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماماً، فوضع يده على عنقه ثم قال له: نعم، احتج علي بذلك عند الله عز و جل، فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي.
ص: 110
فلما ودعته علیه السلام قال: إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلي ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد.
فقلت في نفسي: و الله ما كان لهذا ذكر. فلما مضيت و كنت في بعض الطريق خرج بي عرق المديني، فلقيت منه شدة. فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه علیه السلام وقد بقي من وجعي بقية، فشكوت إليه و قلت له: جعلت فداك، عوذ رجلي، و بسطتها بين يديه. فقال علیه السلام: ليس على رجلك هذه بأس، و لكن أرني رجلك الصحيحة. فبسطتها بين يديه فعوذها. فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتى خرج بي العرق و كان وجعه يسيراً. (1)
6-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعلیه السلام : يدخل النار مؤمن؟ قال علیه السلام: لا و الله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله . فلما رددت عليه مرارا قال لي: أي زرارة، إني أقول: لا، و أقول: إلا من شاء الله. و أنت تقول: لا، و لا تقول: إلا من شاء الله.
قال: فحدثني هشام بن الحكم و حماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة. قال: فقال علیه السلام لي: يا زرارة، ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟ ما تقول في خدمكم و أهليكم أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا و الله الذي لا علم لي بالخصومة.(2)
7-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين علیه السلام يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي علیه السلام فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟
قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي علیهما السلام و كان رجلا بادناً ثقيلا و هو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله ! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟! أما لأعظنه.
فدنوت منه علیه السلام فسلمت عليه، فرد علي السلام بنهر و هو يتصاب عرقاً. فقل: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا،
ص: 111
أرأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما کنت تصنع؟ فقال علیه السلام : لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال، جاءني و أنا في [طاعة من] طاعة الله عز و جل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، و إنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي الله .
فقل: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني. (1)
8- [ابن شهرآشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟
فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني کشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.(2)
9 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: أدخلت الحجاج بن سفيان العبدي على أبي محمدعلیه السلام فسأله المبايعة، قال: ربما بايعت الناس فتوضعتهم المواضعة إلى الأصل. قال علیه السلام : لا بأس الدينار بالدينارين بينهما خرزة. فقلت في نفسي: هذا شبه ما يفعله الربيون. فالتفت علیه السلام إلي فقال: إنما الربا الحرام ما قصد به الحرام، فإذا جاوز حدود الربا و زوي عنه فلا بأس الدينار بالدينارين يدا بيد، و يكره أن لا يكون بينهما شيء يوقع عليه البيع.(3)
10 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد الجواز، قال: دخلت على أبي
ص: 112
الحسن علیه السلام و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت إليه قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي مظلوم مغصوب مضطهد في نفسي. ثم دنوت منه، فقبلت بين عينيه و جلست بين يديه. فالتفت علیه السلام إلي، فقال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تتصور هذا في نفسك. .
قال: قلت: جعلت فداك و الله ما أردت بهذا شيئا. قال: فقال علیه السلام: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا. لو أردنا أزف إلينا، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية لا بد من الإنتهاء إليها.
قال: فقلت: لا أعود و أصير في نفسي شيئا أبدا. قال: فقال علیه السلام : لا تعد أبدا.(1)
11 - [الديلمي في إرشاد القلوب]، بحذف الإسناد مرفوعاً إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي - ختن معاذ بن جبل و حين مات كانت ابنته تحت معاذ بن جبل، و كان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهاداً -، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدت يوم مات والناس متشاغلون بالطاعون. قال: وسمعته حين احتضر وليس في البيت غيري - وذلك في خلافة عمر بن الخطاب -، فسمعته يقول:ويل لي ويل لي. فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون یهذون و يقولون الأعاجيب. فقلت له: أتهذي؟ قال: لا، رحمك الله.
قلت: فلم تدعو بالويل و الثبور؟ قال: لموالاتي عدو الله علي ولي الله. فقلت له: من هم؟
قال: موالاتي عتيقا و [رمع] على خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و وصيه علي بن أبي طالب علیهما السلام .
فقلت: إنك لتهجر. فقال: يا ابن غنم، و الله ما أهجر. هذان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و علي ابن أبي طالب علیهما السلام يقولان لي: يا معاذ، أبشر بالنار أنت و أصحابك. أفليس قلتم: إن مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أو قتل زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب علیهما السلام فلن تصل إليه. فاجتمعت أنا و [عتیق و رمع] و أبو عبيدة و سالم.
قال: قلت: متی یا معاذ؟
قال: في حجة الوداع، قلنا نتظاهر على علي علیه السلام فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قلت لهم: أنا أكفيكم قومي الأنصار فاکفوني قريشا، ثم دعوث على عهد ..
ص: 113
رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ إنك لتهجر. فألصق خده بالأرض، فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى مات.
فقال ابن غنم: ما حدثت بهذا الحديث یا ابن قيس بن هلال أحداً إلا ابنتي امرأة معاذو رجلا آخر، فإني فزعت مما رأيت و سمعت من معاذ.
قال: فحججت و لقيت الذي غمض أبا عبيدة و سالما فأخبراني أنه حصل لهما ذلك عند موتهما، لم يزد فيه حرفا و لم ينقص حرفا، كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل. فقلت: أولم يقتل سالم يوم التهامة؟ قال: بلى، و لكنا احتملناه و به رمق. قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر، فقال لي: اكتم علي و أشهد أن أبي قد قال عند موته مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي بهجر.
قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان، و حدثته بما سمعت من أبي عند موته فأخذت عليه العهد و الميثاق إلا يكتم علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل ما قال أبوك و ما زاد و لا نقص، ثم تداركها ابن عمر بعد و تخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب علیهما السلام لما علم من حبي له و انقطاعي إليه، فقال: إنما كان يهجر.
فأتيت أمير المؤمنين علیه السلام فأخبرته بما سمعته من أبي و ما حدثني به ابن عمر. فقال علي علیه السلام : قد حدثني بذلك عن أبيك و عن أبيه و عن أبي عبيدة و سالم و عن معاذ من هو أصدق منك و من ابن عمر. فقلت: و من ذاك يا أمير المؤمنين؟
فقال: بعض من حدثني. فعرفت ما عني، فقلت: صدقت، إنما ظننت إنسانا حدثك، و ما شهد أبي و هو يقول ذلك غيري.
قال سليم: قلت لابن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبما مات أبو عبيدة؟ قال مات بالدبيلة(1)، فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غيرك و أخيك عبد الرحمن و عائشة و عمر؟ قال: لا. قلت: و هل سمعوا منه ما سمعت؟. قال: سمعوا منه طرفا فبكوا. و قال [قالوا]: هو يهجر، فأما كل ما سمعت أنا فلا. قلت: فالذي سمعوا ما هو؟ قال: دعا بالويل و الثبور، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، لم تدعو بالويل و
ص: 114
الثبور؟ قال: هذا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و معه علي بن أبي طالب علیه السلام يبشراتي بالنار، و معه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، و هو يقول: قد وفيت بها و ظاهرت على ولي الله، فأبشر أنت و صاحبك بالنار في أسفل السافلين. فلما سمعها عمر خرج و هو يقول: إنه ليهجر. قال: لا و الله لا أهجر، أين تذهب؟ قال عمر: كيف لا تهجر و أنت «ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ » (1) قال: الآن أيضا، أولم أحدثك أن محمدا . و لم يقل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم - قال لي و أنا معه في الغار: إني أرى سفينة جعفررضی الله عنه و أصحابه تعوم في البحر، فقلت: أرنيها، فمسح صلی الله علیه و آله وسلم يده على وجهه فنظرت إليها، و أضمرت عند ذلك أنه ساحر، و ذكرت لك ذلك بالمدينة، فأجمع رأيي و رأيك أنه ساحر.
فقال عمر: يا هؤلاء، إن أباكم یهجر فاکتموا ما تسمعون عنه لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت. ثم خرج و خرج أخي و خرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا، فقلت له لما خلوت به: يا أبت قل: لا إله إلا الله. قال: لا أقولها ولا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر، فقلت له: أي تابوت؟
فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت: عمر؟ قال: نعم، و عشرة في جب من جهنم عليه صخرة، إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة. قلت: أتهذي؟ قال: لا والله ما أهذي، و لعن الله ابن صهاك هو الذي « أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي» (2) فبئس القرين، ألصق خدي بالأرض. فألصقت خده بالأرض، فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى غمضته، ثم دخل عمر علي، فقال: هل قال بعدنا شيئا؟ فحدثته. فقال: يرحم الله خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، اكتم هذا كله هذيان، و أنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم. قالت عائشة: صدقت. ثم قال لي عمر: إياك أن يخرج منك شيء مما سمعت به إلى علي بن أبي طالب علیه السلام و أهل بيته.
قال: قال سليم: قلت لمحمد: من تراه حدث أمير المؤمنين علیه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟
فقال: رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إنه يراه في كل ليلة في المنام، و حديثه إياه في المنام مثل حديثه
ص: 115
إياه في اليقظة و الحياة. و قد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم و لا يقظة و لا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة.
قال سليم: فقلت لمحمد: فمن حدثك بهذا؟ قال: علي. فقلت: قد سمعت أنا أيضا منه کما سمعت أنت. قلت لمحمد: فلعل ملكا من الملائكة حدثه. قال: أو ذاك. قلت: فهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ كتاب الله «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ»(1) و لا محدث. قلت أنا: أمير المؤمنين محدث؟ قال: نعم، و فاطمة عليهاالسلام محدثة، ولم تكن نبية، و مریم محدثة و لم تكن نبية، و أم موسی محدثة و لم تكن نبية، و سارة امرأة إبراهيم قد عاینت الملائكة و لم تكن نبية، فبشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب. قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر و عزينا أمير المؤمنين علیه السلام، جئت إلى أمير المؤمنين علیه السلام، و خلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر و بما حدثني به ابن غنم.
قال علیه السلام: صدق محمدرحمه الله، أما إنه شهيد حي مرزوق، یاسلیم إني و أوصيائي أحدعشر رجلا من ولدي أئمة هدي مهديون محدثون. قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم؟
قال علیه السلام: ابني [ابناي] الحسن و الحسين، ثم ابني هذا - و أخذ بيد علي بن الحسين علیه السلام و هو رضيع - ثم ثانية من ولده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال:«وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ»(2)، فالوالد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أنا، و ما ولد يعني هؤلاء الأحدعشر وصيا صلوات الله عليهم. قلت: يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان؟ قال علیه السلام: لا، إلا و أحدهما صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.(3)
12 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد بن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، سمى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا بكر الصديق ؟ قال : نعم. قال: فكيف؟ قال علیه السلام: حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال : ادن مني. قال علیه السلام : فدنا منه فمسح صلی الله علیه و آله وسلم على عينيه، ثم قال: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة و هي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل
ص: 116
المدينة، فقال في نفسه: الآن صدقت انك ساحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الصديق أنت. (1)
أقول: معنى قوله: الآن صدقت أنك ساحر، أي إن كنت شاكا فيما مضى بسحرك، فقد أيقنت الآن وما رأيت يصدقه قلبي بأنه سحر وأنك لست بنبي. وأما قول رسول الله صلى الله عليه وآله : الصديق أنت، فإنه صلی الله علیه و آله وسلم صدقه بأن قلبه لم يؤمن.
13 - [المجلسي في البحار، من منتخب البصائر]، عن خالد بن يحيى، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: سمى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا بكر صديقا؟ فقال علیه السلام : نعم، إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة. فقال له أبو بكر: و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم. فقال: يا رسول الله، تقدر أن ترینها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ادن مني. فدنا منه فمسح صلی الله علیه و آله وسلم يده على عينيه، ثم قال له: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر. فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : صديق أنت. فقلت:لم سمي عمر الفاروق؟ قال علیه السلام : نعم، ألا ترى أنه قد فرق بين الحق و الباطل، و أخذ الناس بالباطل. فقلت: فلم سمي سالما الأمين؟ قال علیه السلام: لما أن كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين. قلت: فقال صلی الله علیه و آله وسلم : اتقوا دعوة سعد؟ قال علیه السلام: نعم. قلت: و كيف ذلك؟ قال علیه السلام : إن سعدا يكر فيقاتل عليا علیه السلام. (2)
14 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعته، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن تخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجدا، فيما تظن موجدته؟
قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو
ص: 117
ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له.
فقال: یا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه[ و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمرا و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله و لم ينفذ مراد رسول الله. أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.
قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبى الله إلا إمضاء ما حتم.(1)
10 -[ الطبرسي في إعلام الوری]، من مقاتل الطالبيين بخط أبي الفرج، بإسناده أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء و فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، و أبو جعفر المنصور، و صالح بن علي، و عبد الله بن الحسن، و ابناه محمد و إبراهيم، و محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس إليهم أعينهم، و قد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم و تواثقوا على ذلك حتى يفتح الله و هو خير الفاتحين.
فحمد الله عبد الله بن الحسن و أثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي، فهلم لنبایعه. و قال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، و الله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقا و لا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتی - یرید به محمد بن عبد الله - قالوا: قد والله صدقت، إن هذا الذي نعلم. فبايعوا محمدا جميعا، ومسحوا علی يده .
قال عيسی: و جاء رسول عبد الله بن حسن إلى أبي أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر، و أرسل بذلك إلى جعفر بن محمد علیهما السلام . و قال غير عيسى إن عبد الله بن الحسن قال لمن حضر: لا تريدوا جعفرا علیه السلام فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم.
قال عيسى بن عبد الله بن محمد: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له، فجئتهم و محمد ابن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية. فقلت لهم: أرسلني أبي إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم؟
فقال عبد الله : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله. قال: و جاء جعفر بن
ص: 118
محمد علیهما السلام ، فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر علیه السلام: لا تفعلوا، فإن هذا الأمر لم يأت بعد. إن كنت تری ۔ یعني عبد الله - أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله وليأمر بالمعروف و ینهی عن المنكر، فإنا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبایع ابنك في هذا الأمر.
فغضب عبد الله بن الحسن و قال: لقد علمت خلاف ما تقول، و الله ما اطلعك على غيبه و لكن يحملك على هذا الحسد لابني. فقال علیه السلام: و الله ما ذاك يحملني و لكن هذا و إخوته و أبناؤهم دونكم و ضرب بيده على ظهر أبي العباس ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن و قال: إنها و الله ما هي إليك ولا إلى ابنيك و لكنها لهم، و إن ابنيك لمقتولان. ثم نهض علیه السلام فتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر - یعني أبا جعفر-؟(1) فقال له: نعم. قال: قال: إنا و الله نجده يقتله. قال له عبد العزيز : أيقتل محمدا؟ قال علیه السلام : نعم. فقلت في نفسي: حسده و رب الكعبة. ثم قال: و الله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.
قال: فلما قال جعفر علیه السلام ذلك و نهض القوم و افترقوا، تبعه عبد الصمد و أبو جعفر، فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال علیه السلام: نعم أقوله و الله و أعلمه.(2)
16 . [المفيد في الإختصاص]، جابر، عن أبي جعفر علیه السلام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة. قال: فقال علیه السلام: يا جابر، ما عندنا درهم. فلم ألبث أن دخل عليه الكميت، فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتى أنشدك قصيدة.
قال: فقال علیه السلام : أنشد. فأنشده قصيدة، فقال علیه السلام : يا غلام، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت. قال: فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى. قال علیه السلام: أنشد. فأنشده أخرى، فقال علیه السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت. قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه. قال: فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة. قال علیه السلام له: أنشد. فأنشده، فقال علیه السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه. قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه، فقال الكميت: جعلت فداك، و
ص: 119
الله ما أحبكم لغرض الدنيا، و ما أردت بذلك إلا صلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وما أوجب الله علي من الحق.
قال: فدعا له أبو جعفر علیه السلام، ثم قال: يا غلام، ردها مكانها. قال: فوجد في نفسي و قلت: قال علیه السلام : ليس عندي درهم، و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم!. قال: فقام الكميت و خرج. قلت له علیه السلام: جعلت فداك، قلت ليس عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم. فقال علیه السلام لي: يا جابر، قم و ادخل البيت. قال: فقمت و دخلت البيت فلم أجد منه شيئا. قال: فخرجت إليه فقال علیه السلام لي: يا جابر ماسترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم. فقام و أخذ بيدي و أدخلني البيت، ثم قال و ضرب برجله الأرض فإذا شبیه بعنق البعير قد خرجت من ذهب، ثم قال لي: يا جابر انظر إلى هذا و لا تخبر به أحدا إلا من تثق به من إخوانك، إن الله أقدرنا على ما نرید، و لو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها السقناها.(1)
17 - [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، من کتاب عتیق أسند الخبر إلى الحسن بن علي بن يقطين عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الربيع الحاجب (وذكر خبر استدعاء المنصور للصادق علیه السلام وإدخاله عليه، إلى أن قال: ) قال - الربيع -: فلما وجدت منه - أي من المنصور - خلوة و طيب نفسي، قلت: يا أمير المؤمنين رأيت منك عجبا. قال: ما هو؟
قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت غضبك على جعفر علیه السلام غضبا لم أرك غضبته على أحد قط، و لا على عبد الله بن الحسن، و لا على غيره من كل الناس، حتى بلغ بك الأمر أن تقتله بالسيف، و حتى إنك أخرجت من سيفك شبرا ثم أغمدته ثم عاتبته، ثم أخرجت منه ذراعا ثم عاتبته، ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيرا، فلم أشك في قتلك له، ثم انجلى ذلك كله فعاد رضي حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت، ولا يغلف منها ولدك المهدي و لا من وليته عهدك و لا عمومتك، و أجزته و حملته، و أمرتني بتشييعه مكرما.
فقال: ويحك يا ربيع ليس هو كما ينبغي أن تحدث به و ستره أولى، و لا أحبأن يبلغ ولد فاطمة علیهاالسلام فيفتخرون و يتيهون بذلك علينا، حسبنا ما نحن فيه، و لكن لا أكتمك .
ص: 120
شيئا، انظر من في الدار فنحهم.
قال: فنحيت كل من في الدار، ثم قال لي: ارجع و لا تبق أحدا، ففعلت. ثم قال لي: ليس إلا أنا و أنت و الله، لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لأقتلنك و ولدك و أهلك أجمعين، و لآخذين مالك. قال: قلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله. قال: يا ربيع، قد كنت مصرا على قتل جعفر علیه السلام، و أن لا أسمع له قولا و لا أقبل له عذرا، و كان أمره و إن كان ممن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهم على من أمر عبد الله بن الحسن، فقد كنت أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني أمية. فلما هممت به في المرة الأولى، تمثل لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فإذا هو حائل بيني و بينه، باسط كفيه، حاسر عن ذراعيه، قد عبس و قطب في وجهي عنه، ثم هممت به في المرة الثانية و انتضيت من السيف أكثر مما انتضيت منه في المرة الأولى، فإذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد قرب مني و دنا شديدا، وهم لي أن لو فعلت لفعل، فأمسكت. ثم تجاسرت و قلت: هذا بعض أفعال الزئي (1)، ثم انتضيت السيف في الثالثة، فتمثل لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم باسط ذراعيه، قد تشمر و احمر و عبس و قطب حتى كاد أن يضع يده علي، فخفت و الله لو فعلت لفعل، و كان مني ما رأيت. وهؤلاء من بني فاطمة صلوات الله عليهم لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة، فإياك أن يسمع هذا منك أحد.
قال محمد بن الربيع: فما حدثني به أبي حتى مات المنصور، و ما حدث أنابه حتى مات المهدي و موسی و هارون و قتل محمد.(2)
18 - [علي بن عيسى الإربلي في كشف الغمة]، عن محمد بن طلحة، قال: قال خشنام بن حاتم الأصم: قال لي أبي حاتم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتی حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، و الله لأمضين إليه و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا
ص: 121
قال: يا شقيق،« اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (1) ثم تركني و مضى.
فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بها في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه و لأسألنه أن يحللني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب من عيني. فلما نزلنا واقصة و إذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه و أستحله. فصبرت حتی جلس، و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ» (2) ثم تركني و مضي. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري مرتين - إلى أن قال: فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسی بن جعفر ابن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام. فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. (3)
19 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح] ، عن أبي محمد الرقي قال: دخلت على الرضا علیه السلام فسلمت عليه، فأقبل يحدثني و يسألني إذ قال لي: يا أبا محمد، ما ابتلى الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها إلا كان له مثل أجر شهید
قال: و لم يكن قبل ذلك في شيء من ذكر العلل و المرض و الوجع، فأنكرت ذلك من قوله علیه السلام ، و قلت: ما أخجل هذا - فيما بيني و بين نفسي -، رجل أنا معه في حديث قد عنيت به إذ حدثني بالوجع في غير موضعه، فودعته و خرجت من عنده علیه السلام. فلحقت بأصحابي و قد رحلوا، فاشتكيت رجلي من ليلتي، فقلت: هذا مما عبت، فلما كان من الغد تورمت، ثم أصبحت و قد اشتد الورم، فذكرت قوله علیه السلام، فلما وصلت إلى المدينة جرى فيها القيح و صار جرحا عظيما لا أنام ولا أنتم [أنيم]، فعلمت أنه حدث بهذا الحديث لهذا المعنى، و بقيت بضعة عشر شهرا صاحب فراش. قال الراوي: ثم أفاق ثم نكس منها و مات.(4)
20 -[ الشيخ في الغيبة]، روی محمد بن عبد الله بن الحسن الأفطس، قال: كنت عند
ص: 122
المأمون يوما ونحن على شراب حتى إذا أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه و احتبسني، ثم أخرج جواریه و ضربن و تغنين - إلى أن قال: - فجعل يبكي حتى أبكاني ثم قال: ويلك يا محمد، أيلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علیه السلام علما؟ و الله أن لو بقي لخرجت من هذا الأمر و لأجلسته مجلسي، غير أنه عوجل فلعن الله عبيد الله و حمزة ابني الحسن فإنهما قتلاه.
ثم قال لي: يا محمد بن عبد الله، و الله لأحدثنك بحديث عجيب فاكتمه. قلت: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لما حملت زاهرية ببدر أتيته علیه السلام ، فقلت له: جعلت فداك، بلغني أن أبا الحسن موسی بن جعفر، و جعفر بن محمد، و محمد بن علي، و علي بن الحسين، و الحسين علیهم السلام التي كانوا يزجرون الطير ولا يخطئون،و أنت وصي القوم و عندك علم ما كان عندهم، و زاهرية حظيتي و من لا أقدم عليها أحدا من جواري، و قد حملت غير مرة كل ذلك تسقط، فهل عندك في ذلك شيء ننتفع به؟
فقال علیه السلام : لا تخش من سقطها فستسلم و تلد غلاما صحيحا مسلما، أشبه الناس بأمه، قد زاده الله في خلقه مزيدتين في يده اليمني خنصر و في رجله اليمني خنصر. فقلت في نفسي: هذه و الله فرصة، إن لم يكن الأمر على ما ذكر خلعته. فلم أزل أتوقع أمرها حتى أدركها المخاض، فقلت للقيمة: إذا وضعت فجيئيني بولدها ذکرا كان أم أنثى. فما شعرت إلا بالقيمة و قد أتتني بالغلام کما وصفه زائد اليد و الرجل، كانه کوکب دري. فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ و أسلم ما في يدي إليه، فلم تطاوعني نفسي، لكن رفعت إليه الخاتم فقلت: دبر الأمر فليس عليك مني خلاف، وأنت المقدم وبالله أن لو فعل لفعلت. (1)
ص: 123
21 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن قاسم بن عبد الرحمن و كان زيديا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ماهذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظر إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: یا قاسم بن عبد الرحمن،« أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ».(1)
فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل علیه السلام إلي فقال: «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(2).
قال: فانصرفت و قلت بالإمامة، و شهدت أنه علیه السلام حجة الله على خلقه و اعتقدت.(3)
22 - [الراوندي في الخرائج والجرائح]، رواه مرسلا عن یحیی بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل قال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها و اخرجوا إلى طريق البادية إلى المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا علیه السلام إلى عندي مكرما معظما مبجلا.
قال: ففعلت، و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة، و كان لي كاتب يتشیع و أنا على مذهب الحشوية(4) و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق. فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب علیهما السلام أنه ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو سيكون قبرا؟ فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتى يملاها الله قبورا كما يزعمون؟
قال: فقلت للكاتب: هذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين يموت في هذه التربة العظيمة حتى يمتلئ قبورا؟ و تضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا. قال: و
ص: 124
سرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكل فقال علیه السلام: انزلوا و ليس من جهتي خلاف. قال فلما صرت إليه من الغد، و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه، ثم قال علیه السلام للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمد على الفراغ منها يومك هذا، و بکر بها إلي في هذا الوقت. ثم نظرعلیه السلام إلي و قال: يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمدعلى الرحيل غدا في هذا الوقت.
قال: فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الخفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز و حر الحجاز، و إنما بیننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟ ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، فقال علیه السلام لغلمانه: ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابید و برانس، ثم قال علیه السلام: ارحل يا يحيى. فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأول! أخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس؟ فخرجت و أنا أستصغر فهمه، فعبرنا حتی إذا وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور، ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور، و قد شد علیه السلام على نفسه و على غلمانه الخفاتین و لبسوا اللبابيد و البرانس. قال علیه السلام لغلمانه: ادفعوا إلى يحيی لبادة و إلى الكاتب برنسا. و تجمعنا و البرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانین رجلا و زالت، و رجع الحر كما كان.
فقال علیه السلام: يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك، فهكذا يملأ الله البرية قبورا. قال: فرميت نفسي عن دابتي و عدوت إليه، و قبلت ركابه و رجله و قلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، و قد كنت كافرا و إنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي. قال يحيی: و تشیعت و لزمت خدمته إلى أن مضي.(1)
23 -[ المجلسي في البحار، من كتاب النجوم]، محمد بن جرير الطبري، بإسناده عن
ص: 125
محمد بن إسماعيل بن أحمد القهقلي الكاتب بسر من رأي سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصا، فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختیشوع و هو منصرف من دار موسی بن بغا، فسايرني و أفضى الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟
قلت: و من صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام - و کنا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: فكيف ذلك؟
قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدأ و لا غيرك من الناس، و لكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث به أحداً فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند السلطان، و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم - يعني بني العباس -.
قلت: لك على ذلك فحدثني به و ليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم. قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام و هو على فرس أدهم و عليه ثياب سود و عمامة سوداء و هو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له و قلت في نفسي - لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - قلت في نفسي: ثياب سوداء و دابة سوداء و رجل أسود! سواد في سواد في سواد.
فلما بلغ علیه السلام إلى نظر إلي، و أحد النظر و قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد. قال أبي رحمه الله: فقلت له: أجل فلا تحدث به أحداً. فما صنعت و ما قلت له؟ قال: أسقطت في يدي فلم أحر جوابا، قلت له: فما أبيض قلبك لما شاهدت. قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلى فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواد، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله، و أن علي بن محمد علیهما السلام حجة الله على خلقه و ناموسه الأعظم. ثم مات في مرضه ذلك و حضرت الصلاة عليه رحمه الله.(1)
26 - [المجلسي في البحار، من بعض مؤلفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان، قال: حدثني من أثق إليه من المشايخ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا علیهما السلام ، قال : كانت
ص: 126
تدخل على أبي محمد علیه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، و أنها قالت: دخلت عليه فقلت له کما أقول و دعوت کما أدعو، فقال علیه السلام: يا عمة، أما إن الذي تدعين الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة، - و كانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين - فاجعلي إفطارك معنا.
فقلت: يا سيدي، ممن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال لي علیه السلام : من نرجس يا عمة. قال: فقالت له: يا سيدي ما في جواريك أحب إلي منها. و قمت و دخلت إليها، و کنت إذا دخلت فعلت بي كما تفعل، فانكببت على يديها، فقبلتها ومنعتها مماكانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها. فقالت لي: فديتك. فقلت لها: أنا فداك وجميع العالمين. فأنكرت ذلك، فقلت لها: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لک في هذه الليلة غلاما سيداً في الدنيا والآخرة، وهو فرج المؤمنين. فاستحيت فتأملتها فلم أر فيها أثر الحمل. فقلت لسيدي أبي محمد علیه السلام : ما أری بهاحملا. فتبسم علیه السلام ثم قال: إنا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون و إنما نحمل في الجنب، و لا نخرج من الأرحام و إنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا، لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات.
فقلت له: ياسيدي، قد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ قال علیه السلام لی: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله. قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت ونمت بقرب من نرجس، وبات أبو محمد علیه السلام في صفة في تلك الدار التي نحن فيها. فلما ورد وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة مابها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي، ثم أوترت، فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع و دخل قلبي شيء، فصاح أبو محمد صلی الله علیه و آله وسلم من الصفة: لم يطلع الفجر یا عمة. فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس، فدنوت منها و ضممتها إلى و سميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشيء؟ قالت: نعم. فوقع على سبات لم أتمالك معه أن نمت، و وقع على نرجس مثل ذلك ونامت، فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي علیه السلام وصيحة أبي محمد علیه السلام يقول: يا عمة، هاتي ابني إلى فقد قبلته. فكشفت عن سيدي علیه السلام فإذا أنا به ساجدا يبلغ الأرض بمساجده، و على ذراعه الأيمن مکتوب: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(1)
20 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، مرسلا: قال جويرية بن مسهر: خرج مع أمير
ص: 127
المؤمنين علیه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال علیه السلام : أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه. ثم أنطقه الله عزوجل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصي خاتم النبيين. قال علیه السلام: وعليك السلام یا حیدرة، ما تسبيك؟
قال: أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب عباده مني، سبحانه سبحانه. فمضى أمير المؤمنين علیه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين علیه السلام و قد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنى، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلى علیه السلام بنا العصر. فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت، فأذن علیه السلام و أقام و صلي المغرب ثم ركب و أقبل علي فقال: يا جويرية أقلت هذا ساحر مفتر؟ و قلت ما [لما] رأيت طلوع الشمس و غروبها: أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك ما رأيت من أمر الأسد و ما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز و جل يقول: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ»(1) یا جويرية، إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يوحى إليه، و كان رأسه صلی الله علیه و آله وسلم في حجري، فغربت الشمس و لم أكن صليت العصر، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: صليت العصر؟ قلت: لا. قال: اللهم إن علیا علیه السلام في طاعتك و حاجة نبيك، و دعا بالاسم الأعظم فردت إلى الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني صلی الله علیه و آله وسلم بأبي هو و أمي ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الآن به. یا جويرية، إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فإني قد دعوت الله عز و جل بنسخ ذلك من قلبك، فماذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي ذلك من قلبي. (2)
ص: 128
29 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن عبد الله بن مسكان، عن الحسن الزيات، قال: كان يجلس إلي رجل من أهل البصرة، فلم أزل به حتى دخل في هذا الأمر. قال: و كنت أصف له أبا جعفر علیه السلام، ثم إنا خرجنا إلى مكة، فلما قضينا النسك أخذنا إلى المدينة، فاستأذنا على أبي جعفر علیه السلام فأذن لنا، فدخلنا عليه علیه السلام في بيت منجدو عليه ملحفة وردية، و قد اختضب و اكتحل و حف لحيته.
فجعل صاحبي ينظر إليه و ينظر إلى البيت و يعرض على قلبه، فلما قمناقال علیه السلام : يا حسن، إذا كان غدا إن شاء الله فعد أنت و صاحبك إلي. فلما كان من الغد، قلت لصاحبي: اذهب بنا إلى أبي جعفر علیه السلام . فقال: اذهب و دعني.
قلت: سبحان الله ! أليس قد قال علیه السلام: عد أنت و صاحبك؟ قال: اذهب أنت و دعني. فو الله إن زلت به حتى أمضيت به، فدخلنا عليه فإذا هو علیه السلام في بيت ليس فيه إلا حصى، فبرز و عليه قميص غلیظ و هو شعث، فمال علينا فقال: دخلتم علي أمس في البيت الذي رأيتم و هو بيت المرأة، و ليس هو بيتي و كان أمس يومها، فتزينت و كان علي أن أتزين لها کما تزينت لي، و هذا بيتي، فلا يعرض في قلبك يا أخا البصرة. فقال: جعلت فداك، قد كان عرض، فأما الآن فقد أذهب الله به. (1)
27 -[ الشيخ في التهذيب]، عن علي بن الحسن بن فضال، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي، قال: قال علیه السلام : إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحداً فلا يدخلن في قلبك شيء، فإنه إنما يعمل بأمر الله. (2)
28 - [المعتزلي في شرح النهج]، روي أن مالك الأشتر قال -لماولى علي علیه السلام بني العباس على الحجاز و اليمن و العراق -: فلماذا قتلنا الشيخ بالأمس؟ وإن عليا علیه السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه و اعتذر إليه، و قال له: فهل ولیت حسنا أو حسينا علیهما السلام أو أحدا من ولد جعفر أخي، أو عقيلا أو أحدا من ولده؟ و إنما وليت ولد عمي العباس لأني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الإمارة مراراً فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يا عم، إن الإمارة إن طلبتها وكلت إليها، و إن طلبتك أعنت عليها. و رأيت بنيه في أيام عمر و عثمان يجدون في أنفسهم إن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء و لم يول أحد منهم،
ص: 129
فأحببت أن أصل رحمهم و أزيل ما كان في أنفسهم، و بعد فإن علمت أحدا هو خير منهم فأتني به. فخرج الأشتر و قد زال ما في نفسه.(1)
29 - [الصدوق في الأمالي] ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: كنت عند علي بن الحسين علیهما السلام فجاءه رجل من أصحابه، فقال له علي بن الحسين علیهما السلام :ماخبرك أيها الرجل؟ فقال الرجل: خبري يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أني أصبحت و على أربعمائة دينار دین لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به.
قال: فبكى علي بن الحسين علیهما السلام بكاء شديداً، فقلت له: ما يبكيك يا ابن رسول الله؟ فقال علیه السلام : و هل يعد البكاء إلا للمصائب و المحن الكبار؟ قالوا: كذلك يا ابن رسول الله . قال علیه السلام: فأية محنة و مصيبة أعظم على حر مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خله فلا يمكنه سدها، و يشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها.
قال: فتفرقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المخالفين - و هو يطعن على علي بن الحسين علیهما السلام -: عجبا لهؤلاء! يدعون مرة أن السماء و الأرض و كل شيء يطيعهم، و أن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواص إخوانهم ! فاتصل ذلك بالرجل صاحب القصة، فجاء إلى علي بن الحسين علیهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، بلغني عن فلان كذا و كذا، و كان ذلك أغلظ علي من محنتي. فقال علي بن الحسين علیهما السلام : فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة احملي سحوری و فطوري. فحملت فرصتين، فقال علي بن الحسين علیهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف عنك بهما و ينيلك خیرا واسعا منهما.
فأخذهما الرجل و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما، يتفكر في ثقل دینه و سوء حال عياله، و يوسوس إليه الشيطان: أين موقع هاتين من حاجتك؟ فمر بسماك قد بارت [أي کسدت] عليه سمكة قد أراحت، فقال له: سمكتك هذه بائرةعليك، و إحدى قرصتي هاتين بائرة علي، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة و تأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم. فأعطاه السمكة و أخذ القرصة، ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال: هل لك أن تعطيني ملك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم. ففعل، فجاء الرجل بالسمكة و الملح، فقال: أصلح هذه بهذا، فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين
ص: 130
فاخرتين، فحمد الله عليهما. فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب، فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح قد جاءا، يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله، جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا، و ما نظنك إلا و قد تناهيت في سوء الحال و مرنت على الشقاء، قد رددنا إليك هذا الخبز و طيبنا لك ما أخذته منا.
فأخذ القرصتين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه، قرع بابه، فإذا رسول علي بن الحسين علیهما السلام فدخل فقال: إنه علیه السلام يقول لك: إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا. و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم، قضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله، فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت، بينا علي بن الحسين علیهما السلام لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم! كيف يكون هذا و كيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم؟
فقال علي بن الحسين علیهما السلام : هكذا قالت قریش للنبي صلی الله علیه و آله وسلم: كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة و يرجع إليها في ليلة واحدةمن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما و ذلك حين هاجر منها. ثم قال علي بن الحسين علیهما السلام : جهلوا و الله أمر الله و أمر أوليائه معه، إن المراتب الرفيعة لاتنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه، و ترك الإقتراح عليه، و الرضا بما يدبرهم به. إن أولياء الله صبروا على المحن و المكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عز و جل بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم.(1)
1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى جابر، عن أبي جعفر علیه السلام قال: خطب أمير المؤمنين علیه السلام الناس بصفين، فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، ثم قال: أما بعد - إلى أن قال علیه السلام :- و ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و جسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعاون على ما حمله الله عز و جل من حقه، و لا امرؤ مع ذلك
ص: 131
خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه، و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة، و كل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء.
فأجابه رجل من عسكره لا يدري من هو، و يقال إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على الله عز و جل بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقه علیه السلام، و الإقرار [له] بكل ما ذکر من تصرف الحالات به و بهم. ثم قال: أنت أميرنا و نحن رعيتك، بك أخرجنا الله عز و جل من الذل، و بإعزازك أطلق عباده من الغل، فاختر علينا فأمض اختيارك، و ائتمر فأمض ائتمارك. فإنك القائد المصدق، و الحاكم الموفق، و الملك المخول. لا نستحل في شيء معصيتك، و لا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، و يجل عنه في أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام [فقال]: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه، و جل موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعم الله عليه و لطف إحسانه إليه، فإنه لم تعظم نعم الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما. و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، و يوضع أمهم على الكبر. وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء، و لست بحمد الله كذلك، و لو كنت أحب أن يقال ذلك [لي] لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء، و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجمیل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها، و فرائض لا بد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحقظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى.
ص: 132
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال: أنت أهل ما قلت، و الله فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، و قد حملك الله تبارك و تعالى رعايتنا، و ولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، و إمامنا الذي نقتدي به، و أمرك كله رشد، و قولك كله أدب. قد قرت بك في الحياة أعيننا، و امتلات من سرور بك قلوبنا، و تحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، و لسنا نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك، و لا نجاوز القصد في الثناء عليك، ولن يكن في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك، فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك و تعالى تجبرا، أو دخلك كبر، و لكنا نقول لك ما قلنا تقرب إلى الله عز و جل بتوقيرك، و توسعا بتفضيلك، و شكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا و آثر أمر الله على نفسك و علينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.
فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام فقال: و أنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم، و عما قليل يجمعني و إياكم الموقف بين يديه، و السؤال عما كنافيه ، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن الله عز و جل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.. الخبر.(1)
1 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن محمد بن محمد الخزاعي رضی الله عنه، قال: حدثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي، عن أبيه قال: ورد على توقيع من الشيخ أبي جعفر، محمد ابن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداء لم يتقدمه سؤال: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ»، لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من استحل من مالنا درهما.» قال أبو الحسن الأسدي رضی الله عنه: فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل له، فقلت في نفسي: إن ذلك في كل من استحل محرما، فأي فضل في ذلك
ص: 133
للحجة علیه السلام على غيره؟ قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ» لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا در هما حراما) . قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي: أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذاالتوقيع حتى نظرنا إليه و قرأناه.(1)
2 - [المجلسي في البحار، عن الشافعي ابن المغازلي في كتابه] ، من نحو أكثر من ثلاثين طريقاً، قال بإسناده عن الزبير بن عدي، عن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم طير مشوي، فلما وضع بين يديه، قال صلی الله علیه و آله وسلم : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك حتى يأكل معي من هذا الطير.
قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار. قال: فجاء علي علیه السلام فقرع الباب قرعاً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال علیه السلام : علي. فقلت: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على حاجة. فانصرف علیه السلام. قال: فرجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يقول الثانية: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار.
قال: فجاء علي علیه السلام ، فقرع الباب، فقلت: ألم أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله على حاجة؟ فانصرف علیه السلام . فرجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يقول الثالثة: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير. قال: فجاء علي علیه السلام فضرب الباب ضربا شديدا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: افتح افتح افتح. قال: فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه آله قال: اللهم و إلي، اللهم و إلى، اللهم و إلي. قال: فجلس مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فأكل معه من الطير.
قال المجلسي قدس سره: و في بعض روایات ابن المغازلي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي علیه السلام: ما أبطأك ؟ قال علیه السلام : هذه ثالثة، و يردني أنس. قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أن يكون رجلا من الأنصار. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: يا أنس، أو في الأنصار خير من علي، أو في الأنصار أفضل من علي؟ (2)
ص: 134
3 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، أنه أثنى على أمير المؤمنين علیه السلام رجل منهم، فقال علیه السلام : أنا دون ما تقول، و فوق ما تظن في نفسك. (1)
4 - [الرضي في نهج البلاغة]، قال (أمير المؤمنين علیه السلام ) لرجل أفرط في الثناء عليه، وكان له متهما: أنا دون ما تقول، و فوق ما في نفسك. (2)
5 - [الصدوق في إكمال الدين وعلل الشرائع]، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدس الله روحه - مع جماعة فيهم: علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل، فقال له: أريد أن أسألك عن شيء. فقال
ص: 135
اله: سل عما بدا لك.
فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي علیهما السلام ، أهو ولي الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قاتله، أهو عدو الله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم - قدس الله روحه -: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله عز و جل لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عز و جل بعث إليهم رسولا من أجناسهم و أصنافهم، بشراً مثلهم، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم، فلما جاء وهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه. فجعل الله عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار، فغرق جميع من طغی و تمرد، و منهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً و سلاماً، و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجرى في ضرعها لبنا، و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون، و جعل له العصا اليابسة ثعباناً ف« تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ»(1)، و منهم من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيا الموتى بإذن الله عز وجل، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، و منهم من انشق له القمر و کلمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك، فلما أتوا بمثل هذه المعجزات و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله عز و جل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين و في أخرى مغلوبين، و في حال قاهرين و في حال مقهورين، و لو جعلهم عز و جل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز و جل، و لما عرف فضل صبرهم على البلاء و المحن و الاختبار، و لكنه عز و جل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوی صابرین، و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاکرین، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين، و ليعلم العباد أن لهم علیهما السلام إلها هو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله، و تكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم و ادعى لهم الربوبية أو عاند و خالف و عصی و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و «
ص: 136
»(1).
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح ۔ قدس الله روحه - من الغد، و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم، لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق (2) أحب إلي من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل و مسموع عن الحجة صلوات الله عليه.(3)
6 - [المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا]، قال: حكي عن رجل أسدي، قال: كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر - عسکر بني أمية -، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها، منها: أنه إذا هبت الرياح تمر على نفحات کنفحات المسك و العنبر، إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض و يرقي من الأرض إلى السماء مثلها، و أنا منفرد مع عيالي و لا أرى أحدا أسأله عن ذلك. و عند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة، فأوتي عنه إلى منزلي، فإذا أصبح و طلعت الشمس و ذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً.
فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج، قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم، و أرى منهم ما لم أره من سائر القتلى! فو الله هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلما صار عند غروب الشمس و إذا به أقبل فحققته، و إذا هو هائل المنظر، فارتعدت منه، و خطر ببالي: إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، و أنا أحاكي نفسي بهذا فمثلته و هو يتخطى القتلى، حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت، فبرك عليه. فقل: يأكل منه. و إذا به يمرغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم. فقلت: الله أكبر! ما هذه إلا أعجوبة. فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام، و إذا بشموع معلقة ملأت الأرض، و إذا ببكاء و نحيب و لطم مفجع، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض، ففهمت من ناع فيهم يقول: واحسیناه، وا إماماه. فاقشعر جلدي،
ص: 137
فقربت من الباكي و أقسمت عليه بالله و برسوله صلی الله علیه و آله وسلم من تكون؟
فقال: إنا نساء من الجن. فقلت: و ما شأنكن؟ فقلن: في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين علیه السلام الذبيح العطشان. فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا. قلن: هذا أبوه علي بن أبي طالب علیهما السلام ، فرجعت و دموعي تجري على خدي. (1)
7- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن سليمان بن خالد قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو يكتب كتباً إلى بغداد، و أنا أريد أن أودعه، فقال علیه السلام: تجيء إلى بغداد؟ قلت: بلى. قال علیه السلام: تعين مولاي هذا بدفع كتبه. ففکرت و أنا في صحن الدار أمشي، فقلت: هذا حجة الله على خلقه، يكتب إلى أبي أيوب الجزري و فلان و فلان يسألهم حوائجه! فلما صرنا إلى باب الدار، صاح علیه السلام بي: يا سلیمان ارجع أنت وحدك. فرجعت، فقال علیه السلام : كتبت إليهم لأخبرهم أني عبد ولي إليهم حاجة.(2)
8 -[ المجلسي في البحار، عن محمد بن المشهدي في المزار الكبير]، بإسناده عن سفيان الثوري، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد علیه السلام وهو بعرفة يقول: اللهم اجعل خطواتي هذه التي خطوتها في طاعتك كفارة لما خطوتها في معصيتك (و ساق الدعاء إلى قوله: ) و أنا ضيفك فاجعل قراي الجنة، و أطعمني عنباً و رطباً.
قال سفيان: فو الله لقد هممت أن أنزل و أشتري له تمراً و موزاً، و أقول له:هذا عوض العنب و الرطب، و إذا أنا بسلتين مملؤتين قد وضعتا بين يديه، إحداهما رطب و الأخرى عنب. (3)
9 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسی علیه السلام ، وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة، فإذا أنا بالرضا علیه السلام، فأضمرت في قلبي أمراً، فقلت: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ» الآية(4)، فمر علیه السلام كالبرق الخاطف علي، فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت:معذرة إلى الله و
ص: 138
إليك. فقال علیه السلام : مغفور لك.(1)
10 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، قال عسکر مولى أبي جعفر علیه السلام: دخلت عليه، فقلت في نفسي: يا سبحان الله ! ما أشد سمرة مولاي و أضوأ جسده.
قال: فو الله ما استتمت الكلام في نفسي حتى تطاول و عرض جسده علیه السلام، و امتلا به الإيوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه علیه السلام و قد أظلم حتى صار كالليل المظلم، ثم ابيض علیه السلام حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج، ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر، ثم اخضر علیه السلام حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة، ثم تناقص علیه السلام جسمه حتى صار في صورته الأولة، و عاد لونه الأول و سقطت لوجهي مما رأيت. فصاح علیه السلام بي: يا عسکر، تشکون فننبئکم، و تضعفون فنقويكم، والله لأوصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا وارتضاه لنا وليا.(2)
11 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن قاسم بن عبد الرحمن وكان زیدیا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظرن إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: یا قاسم بن عبد الرحمن، «أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(3).
فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل علیه السلام إلى فقال: «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(4).
قال: فانصرفت و قلت بالإمامة، و شهدت أنه حجة الله على خلقه و اعتقدت. (5)
12 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أبي حمزة نصير الخادم، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام غير مرة يكلم غلمانه و غيرهم بلغاتهم، و فيهم روم و ترك وصقالبة، فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن و لا رآه أحد،
ص: 139
فكيف هذا؟ أحدث بهذا نفسي فأقبل علیه السلام ، و قال: إن الله بين حجته من بين سائر خلقه، و أعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات و الأنساب و الحوادث، و لولا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق.(1)
13 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن إسحاق عن أحمد بن محمد بن الأقرع، قال: حدثني أبو حمزة نصير الخادم قال: سمعت أبا محمد علیه السلام غیر مرة يكلم غلمانه بلغاتهم ترك و روم و صقالبة، فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة، و لم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن علیه السلام ، ولا رآه أحد، فكيف هذا؟ أحدث نفسي بذلك، فأقبل علیه السلام علي فقال: إن الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه بكل شيء، ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.)(2)
14- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات، قال: كنت أطوف بالكعبة، فرأيت أبا عبد الله علیه السلام ، فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع و الذي هو الإمام و هو كذا و كذا. قال: فما علمت به علیه السلام حتی ضرب يده على منکبي، ثم أقبل علي و قال: «أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(3)
1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى الحسين بن بردة، عن أبي عبدالله علیه السلام، و عن جعفر بن بشير الخزاز، عن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: قال أبو عبدالله علیه السلام: يا إسماعيل، ضع لي في المتوضأ ماء. قال: فقمت فوضعت له. قال: فدخل. قال: فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا و كذا و يدخل المتوضأ[يتوضأ]. قال: فلم يلبث علیه السلام أن خرج،
ص: 140
فقال: يا إسماعيل، لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم. اجعلونا مخلوقين، و قولوا فيناما شئتم فلن تبلغوا. فقال إسماعيل: و كنت أقول [فيه] إنه و أقول و أقول. (1)
2. [الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: كنا عند أبي عبد الله علیه السلام و أنا أقول في نفسي: ليس يدرون هؤلاء بين يدي من هم. قال: فأدناني علیه السلام حتى جلست بين يديه، ثم قال لي: يا هذا إن لي ربا أعبده ثلاث مرات.(2)
3- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام و عنده خلق، فقنعت رأسي فجلست في ناحية، و قلت في نفسي: ويحكم ما أغفلكم عند من تكلمون؟ عند رب العالمين. قال: فناداني علیه السلام : ويحك يا خالد، إني و الله عبد مخلوق، لي رب أعبده، إن لم أعبده و الله عذبني بالنار. فقلت: لا والله لا أقول فيك أبدا إلا قولك في نفسك .(3)
4- [علي بن عيسى في كشف الغمة، من كتاب الدلائل للحميري]، عن مالك الجهني، قال: كنا بالمدينة حين أجليت الشيعة و صاروا فرقا، فتنحينا عن المدينة ناحية، ثم خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم، و ما قالت الشيعة، إلى أن خطر ببالنا الربوبية، فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله علیه السلام واقف على حمار، فلم ندر من أين جاء، فقال علیه السلام : يا مالك و یا خالد، متي أحدثتما الكلام في الربوبية؟ فقلنا: ما خطر ببالنا إلا الساعة. فقال علیه السلام : اعلما أن لنا ربا يكلؤنا بالليل و النهار نعبده، يا مالك و یا خالد، قولوا فينا ما شئتم، واجعلونا مخلوقين. فكررها علينا مراراً وهو علیه السلام واقف على حماره.(4)
5 - [ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا علیه السلام، و البيت مملوء من الناس يسألونه، و هو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء، فترك علیه السلام الناس، ثم التفت إلى فقال: يا سلیمان، إن الأئمة علیهم السلام حلماء علماء، يحسبهم الجاهل أنبياء، و ليسوا أنبياء.(5)
ص: 141
- [علي بن عيسى في كشف الغمة، من کتاب الدلائل للحميري]، عن أيوب قال: قال فتح بن یزید الجرجاني: ضمني و أبا الحسن علیه السلام الطريق منصرفي من مكة إلى خراسان وهو صائر إلى العراق، فسمعته و هو يقول: من اتقى الله يتقی، و من أطاع الله یطاع.
قال: فتلطفت في الوصول إليه علیه السلام، فسلمت عليه، فرد علي السلام، و أمرني بالجلوس، و أول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح، من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق. و إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، و أنى يوصف الخالق الذي يعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال: (كيف؟)، و این الأين فلا يقال: (أين؟)، إذ هو منقطع الكيفية و الأينية، هو الواحد «الصَّمَدُ لَم یَلِدَ وَلَم یُولَد وَلَم یَکُن لهُ کُفُواً احَد » ، فجل جلاله. بل كيف يوصف بکنهه محمد صلی الله علیه و آله وسلم و قد قرنه الجليل باسمه و شركه في عطائه و أوجب لمن أطاعه جزاء
طاعته، إذ يقول: «وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِ»(1)و قال يحكي قول من ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: «يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ»(2) ، أم كيف يوصف بکنهه من رن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم، حيث قال: «أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ اِطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ اُولِي اَلاَمْرِ مِنْكُمْ» ، و قال:«وَ لوردوه اليّ الرَّسُولُ و اِليُّ اولِي اَلاَمْرِ مِنْهُمْ» ، و قال:«إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمَانَاتُ إِلَى أَهْلِهَا»و قال: «فَسَالُوا اَهْلَ اَلذِّكْرِ اَنْ كُنْتُمْ لَا تَعلَمُونَ» . يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و الخليل و ولد البتول علیهما السلام ، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا. فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصينا أكرم الأوصياء، و اسمهما أفضل الأسماء، و کنیتهما أفضل الكنى و أحلاها. لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، ولولم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد. أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما و أنداهم كفا و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الأمر و سلم إليهم، أماتك الله مماتهم و أحيا حياتهم إذا شئت رحمك الله .
ص: 142
قال فتح: فخرجت، فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه صلی الله علیه و آله وسلم، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: يا ابن رسول الله، أتأذن في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟
قال علیه السلام : سل و إن شرحتها فلي و إن أمسكتها فلي، فصحح نظرك و تثبت في مسألتك و أصغ إلى جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعنيت و اعتن بما تعتني به، فإن العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش. و أما الذي اختلج في صدرك، فإن شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً «إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ » (1) فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، و كل ما اطلع عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فقد اطلع أوصياؤه علیهم السلام عليه، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته و جواز عدالته. یا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك و شكك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب. معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.
فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد أبو الحسن علیه السلام وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخراً خاضعاً. قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال علیه السلام :یا فتح، کد أن تهلك و تهلك، وما ضر عیسی علیه السلام إذا هلك من هلك. انصرف إذا شئت رحمك الله.
قال: فخرجت و أنا فرح بما کشف الله عني من اللبس بأنهم هم، و حمدت الله على ما قدرت عليه. فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا، إذ كان ذلك آفة، و الإمام غير ذي آفة. فقال علیه السلام: اجلس یا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون «يَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ»(2)، وكل جسم مغذو هذا إلا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم يجزأ بتناه ولم يتزاید و لم يتناقص، مبرأ من ذاته ما رکب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد«لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ » ، منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، وهو السميع العليم اللطيف الخبير
ص: 143
الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيراً، لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربرب و لا الخالق من المخلوق و لا المنشئ من المنشأ لكنه فرق بينه و بين من جسمه و شيأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى و لا يشبه شيئا. (1)
1- [الصدوق في فضائل الشيعة]، عن محمد بن موسی بن المتوكل، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال مالك: بينما أنا عنده علیه السلام ذات يوم جالس و أنا أحدث نفسي بشيء من فضلهم، فقال لي: أنتم و الله شيعتنا، لا تظنن أنك مفرط في أمرنا. يا مالك، إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، و کمالا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فكذلك لا يقدر على صفتنا، و كما لا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن.
يا مالك، إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما و الذنوب تتحات عن وجوههما حتى يتفرقا، و إنه لن يقدر على صفة من هو هكذا. و قال: إن أبي علیه السلام كان يقول: لن تطعم النار من يصف هذا الأمر.(2)
2 - [الإربلي في كشف الغمة من كتاب الدلائل]، عن مالك الجهني، قال: إني يوما عند أبي عبد الله علیه السلام و أنا أحدث نفسي بفضل الأئمة من أهل البيت علیهم السلام إذ أقبل علي أبو عبد الله علیه السلام فقال: يا مالك، أنتم و الله شیعتنا حقا، لا ترى أنك أفرطت في القول في فضلنا، یا مالك إنه ليس يقدر على صفة الله و کنه قدرته و عظمته و لله المثل الأعلى، و كذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن و يقوم به کما أوجب الله له على أخيه المؤمن، يا مالك إن المؤمنين ليلتقيان فيصافح كل واحد منهما صاحبه فلا يزال الله ناظراً إليهما بالمحبة و المغفرة، و إن الذنوب لتتحات عن وجوههما حتى يفترقا، فمن يقدر على صفة من هو هكذا عند الله ؟(3)
ص: 144
1- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات، قال: كنت أطوف بالكعبة، فرأيت أبا عبد الله علیه السلام ، فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع و الذي هو الإمام و هو كذا و كذا، قال: فما علمت به علیه السلام حتى ضرب يده على منكبي ثم أقبل علي و قال: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(1)
2 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن يعقوب بن یزید، بإسناده إلى هشام بن سالم، قال: لما دخلت إلى عبد الله بن أبي عبد الله، فسألته فلم أر عنده شيئا فدخلني من ذلك ما الله به عليم، وخفت أن لا يكون أبوعبدالله علیه السلام ترك خلفا. فأتيت قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فجلست عند رأسه أدعو الله و أستغيث به، ثم فكرت، فقلت: أصبر على الزنادقة، ثم فكرت فيما يدخل عليهم، و رأي قولهم يفسد، ثم قلت: لا، بل قول الخوارج فأمر بالمعروف و أنهی عن المنكر و أضرب بسيفي حتى أموت، ثم فكرت في قولهم و ما يدخل عليهم، فوجدته يفسد. ثم قلت: إلى المرجئة، ثم فكرت فيما يدخل عليهم فإذا قولهم يفسد. فبينا أنا أفكر في نفسي و أمشي إذا مر بعض موالي أبي عبد الله علیه السلام ، فقال لي: يجب أن أستأذن لك على أبي الحسن علیه السلام . فقلت: نعم. فذهب فلم يلبث أن عاد إلى فقال: قم و ادخل عليه.
فلما نظر إلى أبو الحسن علیه السلام فقال لي مبتدئا: یا هشام، لا إلى الزنادقة، ولا إلى الخوارج، ولا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، و لكن إلينا. قلت: أنت صاحبي. ثم سألته فأجابني عما أردت. (2)
ص: 145
3 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟
فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.(1)
4 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعته، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجداً، فيما تظن موجدته؟
قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له. فقال: يا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه [و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمرا و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسول الله . أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.
قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول
ص: 146
الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبي الله إلا إمضاء ما حتم. (1)
5 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد، قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذا أتاه ابن عباس بعد القتال، فقال: إن لي حاجة. فقال علیه السلام : ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم. قال: نعم، أريد أن تؤمنه. قال علیه السلام : آمنته، و لكن اذهب و جئني به، و لا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.
قال أمير المؤمنين علیه السلام : أتبايع؟ قال: نعم و في النفس ما فيها. قال علیه السلام : الله أعلم بما في القلوب. فلما بسط يده ليبايعه أخذ علیه السلام كفه عن كف مروان فنترها، فقال: لا حاجة لي فيها، إنها كف يهودية، لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته. ثم قال: هيه يا ابن الحكم، خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة، كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الأمة خسفا و يسقونه كأسا مصبرة.(2)
6 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسی علیه السلام وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة فإذا أنا بالرضا علیه السلام ، فأضمرت في قلبي أمراً فقلت: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ»الآية(3) ، فمر علیه السلام كالبرق الخاطف علي فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت: معذرة إلى الله و إليك. فقال علیه السلام : مغفور لك.(4)
7 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح]، مرسلا عن یحیی بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل قال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها و اخرجوا إلى طريق البادية إلى المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام إلى عندي مكرما معظما مبجلا.
قال: ففعلت، و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة، و كان لي كاتب يتشیع و أنا على مذهب الحشوية (5) و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى
ص: 147
مناظرتهما لقطع الطريق. فلا صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلا و هي قبر أو سيكون قبرا؟ فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا کما یزعمون؟
قال: فقلت للكاتب: هذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين يموت في هذه التربة العظيمة حتى يمتلئ قبوراً؟ و تضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا. قال: و سرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكل فقال علیه السلام : انزلوا و ليس من جهتي خلاف. قال فلما صرت إليه من الغد، و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه، ثم قال علیه السلام للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمد على الفراغ منها يومك هذا، و بکر بها إلي في هذا الوقت. ثم نظر علیه السلام إلي و قال: يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمد على الرحيل غدا في هذا الوقت.
قال: فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الحفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز و حر الحجاز، و إنما بیننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟ ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، فقال علیه السلام لغلمانه: ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس، ثم قال علیه السلام : ارحل يا يحیي.
فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأول! أخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس؟ فخرجت و أنا أستصغر فهمه، فعبرنا حتى إذا وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور، ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور، و قد شد علیه السلام على نفسه و على غلمانه الخفاتین و لبسوا اللبابيد و البرانس. قال علیه السلام لغلمانه: ادفعوا إلى يحیی لبادة و إلى الكاتب برنسا. و تجمعنا و البرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت، و رجع الحركما كان.
فقال علیه السلام: يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،
ص: 148
فهكذا يملا الله البرية قبوراً. قال: فرميت نفسي عن دابتي و عدوت إليه، و قبلت ركابه و رجله و قلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، و قد كنت كافراً و إنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي. قال يحيى: و تشیعت و لزمت خدمته إلى أن مضى.(1)
8 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن غلال بن أحمد عن أبي الرجاء المصري، - و كان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد علیه السلام ، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين. فسمعت صوتا و لم أر شخصا: یا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فآمنتم به؟ قال أبو رجاء: لم أعلم أن اسم أبي (عبد ربه)، و ذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها، فلما سمعت الصوت لم أعرج على شيء و خرجت.(2)
أقول، ويناسب الباب أيضا:
9 -[ الشيخ في الأمالي] ، عن المفيد، بإسناده إلى جابر الأنصاري، قال: خطبنا النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال في خطبته: من آمن بي و صدقني فليتول عليا علیه السلام بعدي، فإن ولايته ولايتي و ولايتي ولاية الله. أمر عهده إلي ربي و أمرني أن أبلغكموه، ألا هل بلغت؟
فقالوا: نشهد أنك قد بلغت. قال صلی الله علیه و آله وسلم : أما إنكم تقولون: (نشهد أنك قد بلغت) و إن منكم لمن ينازعه حقه و يحمل الناس على كتفه.
قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليك - سمهم لنا. قال صلی الله علیه و آله وسلم : أمرت بالإعراض عنهم، و
ص: 149
كفى بالمرء منكم ما يجد لعلي في نفسه. (1)
10 - [علي بن عيسى في كشف الغمة]، و من مناقب أحمد بن مردویه، عن ابن أبي اليسر الأنصاري [عن ]أبيه قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة، قال: فقالت: من قتل الخارجية؟ قال: قلت: قتلهم علي. قالت: ما يمنعني الذي في نفسي على علي أن أقول الحق، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: يقتلهم خير أمتي من بعدي. و سمعته صلی الله علیه و آله وسلم يقول: علي علیه السلام مع الحق، والحق مع علي.(2)
11 - [ابن نما في مثير الأحزان]، قال: رویت بإسنادي أنه - أي الحر الرياحي رضی الله عنه - قال للحسين علیه السلام : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنودیت من خلفي: أبشر يا حر بخير. فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: و الله ما هذه بشارة و أنا أسير إلى الحسين علیه السلام و ما أحدث نفسي باتباعك. فقال علیه السلام: لقد أصبت أجرا و خيرا.(3)
1-[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى سماعة بن مهران، قال: أخبرني الكلبي النسابة (في خبر ذهابه إلى عبد الله بن الحسن ثم مجئيه إلى الإمام الصادق علیه السلام في خبر طويل، إلى أن قال: ).. فقرعت الباب، فخرج غلام له، فقال: ادخل يا أخا كلب. فو الله لقد أدهشني. فدخلت و أنا مضطرب، و نظرت فإذا شيخ على مصلی بلا مرفقة ولا بردعة، فابتدأني علیه السلام بعد أن سلمت عليه، فقال لي: من أنت؟
فقلت في نفسي: يا سبحان الله، غلامه يقول لي بالباب: (ادخل يا أخا کلب) و يسألني المولى: (من أنت؟) فقلت له: أنا الكلبي النسابة. فضرب علیه السلام بيده على جبهته وقال: كذب العادلون بالله و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا. يا أخا كلب، إن الله عز
ص: 150
و جل يقول: «وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا» (1)، أفتنسبها أنت؟ فقلت: لا، جعلت فداك. فقال لي: أفتنسب نفسك؟ قلت: نعم، أنا فلان بن فلان بن فلان، حتى ارتفعت. فقال لي: قف، ليس حيث تذهب. ويحك أتدري من فلان بن فلان؟ قلت:نعم، فلان بن فلان. قال: إن فلان بن فلان ابن فلان الراعي الكردي، إنما كان فلان الراعي الكردي على جبل آل فلان، فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الذي كان يرعى غنمه عليه، فأطعمها شيئا و غشيها فولدت فلانا، و فلان بن فلان من فلانة و فلان بن فلان. ثم قال: أتعرف هذه الأسامي؟ قلت: لا و الله، جعلت فداك، فإن رأيت أن تكف عن هذا فعلت. فقال علیه السلام: إنما قلت فقلت. فقلت: إني لا أعود. قال علیه السلام: لا نعود إذا، و اسأل عما جئت له..الخبر.(2)
2 - [محمد بن يعقوب في الكافي] سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح علیه السلام ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شیعته؟
فالتفت علیه السلام إلى شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، قد كان رشید الهجري يعلم علم المنايا و البلايا، و الإمام أولى بعلم ذلك. ثم قال علیه السلام : يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، و إنك تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك؟ فقلت: فإني أستغفر الله بها عرض في صدري. فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيراً حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.(3)
أقول، ويناسب الباب أيضا:
3- [الصدوق في الأمالي وعيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عبد الله بن سنان، عن الفضيل، قال: انتهيت إلى زيد بن علي علیه السلام صبيحة خرج بالكوفة، فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمدا بالحق بشيرا لا يعينني منكم على قتالهم
ص: 151
أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.
قال: فلما قتل اكتریت راحلة و توجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر ابن محمد علیهما السلام ، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زید بن علي فيجزع عليه. فلما دخلت، قال علیه السلام لي: يا فضيل، ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة. فقال لي: قتلوه؟ قلت: إي و الله قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي و الله صلبوه. فأقبل علیه السلام يبكي و دموعه تنحدر على دیباجتي خده كأنها الجمان، ثم قال: يا فضيل، شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال فلعلك شاك في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكا ما قتلتهم. قال: فسمعته و هو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضي و الله زيد عمي و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب علیهما السلام و أصحابه .(1)
1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجال و عمرو بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة، عن المطرفي قال: مضى أبو الحسن الرضا علیه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي: ذهب مالي. فأرسل إلى أبو جعفر علیه السلام : إذا كان غدا فأتني، و ليكن معك میزان و أوزان. فدخلت على أبي جعفر علیه السلام، فقال لي: مضى أبو الحسن علیه السلام و لك عليه أربعة آلاف درهم. فقلت: نعم. فرفع علیه السلام المصلي الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها إلى.(2)
ا- [محمد بن یعقوب في الكافي]، عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين علیهما السلام يدع خلفاً أفضل منه
ص: 152
حتى رأيت ابنه محمد بن علي علیهما السلام فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟
قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي علیهما السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله ! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟! أما لأعظنه.
فدنوت منه علیه السلام الا فسلمت عليه، فرد علي السلام بنهر وهو يتصاب عرقاً. فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أرأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما کنت تصنع؟ فقال علیه السلام: لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال، جاءني و أنا في [طاعة من] طاعة الله عز و جل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، و إنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي الله. فقلت: صدقت يرحمك الله، أرد أن أعظك فوعظتني. (1)
2- [الطبري في دلائل الإمامة]، علي بن حسان الواسطي - المعروف بالعمش -، قال: حملت معي إليه - أي إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام - من الآلة التي للصبيان، بعضا من فضة، و قلت: أتحف مولاي أبا جعفر علیه السلام بها، فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم، قام فمضى إلى صریا و اتبعته، فلقیت موفقا، فقلت: استأذن لي على أبي جعفر علیه السلام . فدخلت و سلمت، فرد علي السلام و في وجهه الكراهة و لم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه و فرغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر إلي نظر مغضب، ثم رمي يمينا و شمالآ ثم قال: مالهذا خلقني الله، ما أنا و اللعب. فاستعفيته فعفا عني، فخرجت. (2)
ص: 153
1- [الشيخ في الغيبة] ، عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة کامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد علیه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و علیه السلامنهانا عن لبس مثله!
فقال علیه السلام متبسما: یا كامل، و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده علیه السلام ، فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لی: يا کامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت: يا سيدي، و من هم؟
قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ» (1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلى أبومحمد علیه السلام متبسما فقال: يا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجه من بعدي. فقمت و خرجت ولم أعاینه بعد ذلك.
قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به.(2)
ص: 154
1 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن بعض أصحابنا، قال: حملت مالا لأبي عبد الله علیه السلام فاستكثرته في نفسي، فلما دخلت عليه علیه السلام دعا بغلام، و إذا طشت في آخر الدار، فأمره أن يأتي به. ثم تكلم علیه السلام بكلام لما أتي بالطشت فانحدرت الدنانير من الطشت حتی حالت بيني و بين الغلام. ثم التفت علیه السلام إلي و قال: أترى نحتاج إلى ما في أيديكم؟ إنما نأخذ منكم ما نأخذ لنطهركم.(1)
* الباب 13: حديث النفس بنوم الإمام علیه السلام في السجود ونحوه(2)
1-[ المجلسي في البحار، من الكتاب العتيق]، الشعبي، عن عدي بن حاتم، أنه رأی أمير المؤمنين علیه السلام صلى ركعتين أوجزهما و أكملهما، ثم سلم ثم سجد سجدة أطالها، قال:
ص: 155
فقلت في نفسي: نام و الله . فرفع علي رأسه ثم قال:
لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيانا و صدقة، لا إله إلا الله تعبدا و رقا، یا معز المؤمنين بسلطانه، یا مذل الجبارين بعظمته، أنت کهفي حين تعيني المذاهب عند حلول النوائب فتضيق على الأرض بر حبها، أنت خلقتني يا سيدي رحمة منك لي، و لولا رحمتك لكن من الهالكين، و أنت مؤيدي بالنصر على أعدائي، و لولا نصك لكن من المغلوبين، یا منشئ البركات من مواضعها، و مرسل الرحمة من معادنها، فيا من ض نفسه بالعز و الرفعة، فأولياؤه بعره يعتزون، و یا من وضع له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطوتهخائفون، أسألك بكبريائك التي شققتها من عظمتك، و بعظمتك التي استويت بها على عرشك و علوت بها في خلقك، فكلهم خاضع ذليل لعزتك، صل على محمد و آل محمد و افعل بي أولى الأمرين بك، تباركت يا أرحم الراحمين.
قال عدي بن حاتم الطائي: ثم التفت إلى أمير المؤمنين علي بكله، فقال: ياعدي، أسمعت ما قلت أنا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما دعا به مکروب و لا تؤل به إلى الله محروب و لا مسلوب إلا نفس الله خناقه و حل وثاقه و فرج همه و علیه السلامر غمه، و حقيق على من بلغه أن يتحقظه. قال عدي: فيا ترك الدعاء منذ سمعته من أمير المؤمنين ان حتى الآن. (1)
ص: 156
2 -[ الصدوق في الأمالي]، بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقل القوم مالا و أكثرهم ورعا، و أشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام .
قال: فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت و ليقل کل قوم منكم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب علیهما السلام بشويحطات النجار، و قد اعتزل عن مواليه و اختفى ممن يليه و استتر بمغيلات النخل، فافتقدته و بعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي، و هو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك.
فشغلني الصوت و اقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب علیهما السلام بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع علیهما السلام ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء و البكاء و البث و الشكوى، فكان مما به الله ناجاه أن قال: إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال علیه السلام : آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبیلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء. ثم قال علیه السلام : آه من نار تنضج الأكباد و الكلى،آه من نار نزاعة للشوی، آه من غمرة من ملهبات لظى.
قال: ثم أنعم علیه السلام في البكاء، فلم أسمع له حسا و لا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك و زويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، مات و الله علي بن أبي طالب علیهما السلام !. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة علیهما السلام: يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه و من قصته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي و الله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله. ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق و نظر إلي و أنا أبكي فقال: مما بکاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء، فكيف ولو
ص: 157
رأيتني و دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوشتني ملائكه غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمني الأحباء و رحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية.
فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.(1)
1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان، عن سماعة، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام و أنا أحدث نفسي، فرآني فقال: ما لك تحدث نفسك؟تشتهي أن ترى أبا جعفر؟ قلت: نعم. قال علیه السلام: قم، فادخل البيت. فدخلت فإذا هو أبو جعفر علیه السلام.
و قال: أتي قوم من الشيعة الحسن بن علي علیه السلام بعد قتل أمير المؤمنين علیه السلام ، فسألوه، فقال: تعرفون أمير المؤمنين إذا رأيتموه؟ قالوا: نعم. قال: فارفعوا الستر. فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين علیه السلام لا ينكرونه. و قال أمير المؤمنين علیه السلام : يموت من مات منا و ليس بميت، ويبقى من بقي ما حجة عليكم.(2)
2 - [الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: کنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو وجع فولاني علیه السلام ظهره و وجهه إلى الحائط، فقلت في نفسي: ما أدري ما يصيبه علیه السلام في مرضه و ما سألته عن الإمام بعده، فأنا أفكر في ذلك إذ حول علیه السلام وجهه إلى فقال: إن الأمر ليس كما تظن، ليس على من وجعي هذا بأس.(3)
3 -[ الصدوق في الأمالي]، بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال:
ص: 158
كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقل القوم مالاً و أكثرهم ورعاً، و أشدهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام .
قال: فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء: یا قوم إني قائل ما رأيت و ليقل کل قوم منكم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب علیهما السلام بشويحطات النجار، و قد اعتزل عن مواليه و اختفى ممن يليه و استتر بمغيلات النخل، فافتقدته و بعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي، و هو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك.
فشغلني الصوت و اقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب علیهما السلام بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء و البكاء و البث و الشكوى، فكان مما به الله ناجاه أن قال: إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال علیه السلام: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبیلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء. ثم قال علیه السلام : أو من نار تنضج الأكباد و الكلى، آه من نار نزاعة للشوى، أو من غمرة من ملهبات لظی.
قال: ثم أنعم علیه السلام في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول الشهر، أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك و زويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، مات و الله علي بن أبي طالب!. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة علیهما السلام: يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه و من قصته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي و الله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله. ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق و نظر إلي و أنا أبكي فقال: مما بکاؤك يا أبا الدرداء؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء، فكيف و لو رأيتني و دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوشتني ملائكه غلاظ
ص: 159
و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء و رحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية.
فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .(1)
4 - [مهج الدعوات، من کتاب عتیق]، بسند متصل إلى محمد بن الربيع حاجب المنصور، قال (في خبر استدعاء المنصور لمولانا الصادق علیه السلام وإدخاله عليه) قال محمد ابن الربيع: ثم أطرق - المنصور - و ضرب يده إلى السيف، فسل منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه، فقلت: إنا لله ! ذهب و الله الرجل، ثم رد السيف و قال: یا جعفر، أما تستحي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب أن تنطق بالباطل و تشق عصا المسلمين، تريد أن تریق الدماء و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟
فقال علیه السلام: لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي.
فانتضی من السيف ذراعا، فقلت: إنا لله، مضي الرجل، و جعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا علیه السلام ، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور و إن أتي ذلك علي و على ولدي و تبت إلى الله عز و جل مماکنت نويت فيه أولا، فأقبل يعاتبه و جعفر علیه السلام يعتذر. ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيراً منه، فقلت: إنا لله، مضي و الله الرجل. ثم أغمد السيف و أطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: أظنك صادقاً، یا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة. فأتيته بها فقال: أدخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته و كانت بيضاء فاسودت، و قال لي: أحمله على فاره من دوابي التي أركبها و أعطه عشرة آلاف درهم، و شيعه إلى منزله مکرماً، و خيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينة جده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
فخرجنا من عنده و أنا مسرور فرح بسلامة جعفر علیه السلام، و متعجب مما أراد المنصور و ما صار إليه من أمره، فلما صرنا في الصحن قلت له: يا ابن رسول الله إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك و ما أصارك الله إليه من کفایته و دفاعه، و لا عجب من أمر الله عزو جل، و قد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدر ما هو إلا أنه طويل، و رأيتك قد حرکت شفتيك هاهنا - أعني الصحن - بشيء لم أدر ما هو. فقال علیه السلام لي: أما الأول فدعاء
ص: 160
الكرب و الشدائد، لم أدع به على أحد قبل يومئذ، جعلته عوضأ من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي، لأني لم أترك أن أدعو ما کنت أدعو به، و أما الذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم الأحزاب.. الخبر.(1)
5- [المفيد في الإرشاد]، بالإسناد عن محمد بن حمزة، عن محمد بن علي الهاشمي، قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و کنت تناولت من أول الليل دواء، فأول من دخل في صبيحته أنا و قد أصابني العطش، و کرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر علیه السلام في وجهي و قال: أراك عطشاناً. قلت: أجل.
قال علیه السلام : یا غلام، اسقنا ماء. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، و اغتممت لذلك، فأقبل الغلام و معه الماء، فتبسم علیه السلام في وجهي، ثم قال: ياغلام ناولني الماء. فتناول علیه السلام و شرب، ثم ناولني و شربت و أطلت عنده، و عطشت فدعا بالماء ففعل کما فعل بالمرة الأولى فشرب ثم ناولني و تبسم علیه السلام .
قال محمد بن حمزة: قال لي محمد بن علي الهاشمي: و الله إني أظن أن أبا جعفر علیه السلام يعلم ما في النفوس کما تقول الرافضة. (2)
1- [الطبرسي في مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن]، عن حماد اللحام، قال: أتی رجل أبا عبد الله علیه السلام فقال: إن فلانا ابن عمك ذكرك، فيا ترك شيئا من الوقيعة و الشتيمة إلا قاله فيك.
فقال أبو عبد الله علیه السلام للجارية: ائتيني بوضوء. فتوضأ علیه السلام و دخل. فقلت في نفسي: يدعو عليه. فصلى علیه السلام ركعتين، فقال: يا رب، هو حقي قد وهبه له، و أنت أجود مني و
ص: 161
أكرم، فهبه لي و لا تؤاخذه بي و لا تقایسه. ثم رق فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجب.(1)
1- [المجلس في البحار، من کتاب فتح الأبواب، نقلا من كتاب الدعاء لسعد بن عبد الله]، أنه كان يقول أبو عبد الله علیه السلام: من استخار الله في أمره فعمل أحد الأمرين، فعرض في قلبه شيء فقد اتهم الله في قضائه. (2)
2 -[ التميمي في دعائم الإسلام]، عن أبي جعفر محمد بن علي علیهما السلام أنه قال: كان في بني إسرائيل قاض و كان يقضي بينهم بالحق، فلما حضره الموت قال لامرأته: إذا أنامت و دليت في لحدي فانزلي إلي و انظري إلى وجهي فإنك ترين ما يسرك إن شاء الله.
ففعلت، فرأت دودة عظيمة تعترض في منخره، ففزعت من ذلك. فلما كان الليل رأته في منامها، فقال لها: أفزعك ما رأيت متي؟
قالت: أجل لقد فزعت! قال: ما كان الذي رأيت إلا من أجلك، خاصم إلي أخوك رجلا، فلما جلسا إلي قلت في نفسي: اللهم اجعل الحق له و وجه القضاء على صاحبه، فلما اختصما كان الحق کما أحببت، فوجهت القضاء، فأصابني من ذلك ما رأيت.(3)
3 - [الكشي في رجاله]، عن الحكم بن علي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر علیه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان و أبو ذر و المقداد. قال: قلت: فعمار؟
قال علیه السلام: قد كان جاض جيضة (4) ثم رجع.
ثم قال علیه السلام: إن أردت الذي لم يشك و لم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه [عارض] أن عند أمير المؤمنين علیه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض، و هو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتی ترکت کالسلعة، فمر به أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال له:
ص: 162
يا أبا عبد الله، هذا من ذلك، بایع. فبائع. و أما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين علیه السلام بالسكوت و لم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم، فمر به عثمان فأمر به. ثم أناب الناس بعد، وكان أول من أناب: أبو ساسان الأنصاري وأبو عبيدة وشتيرة، وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين علیه السلام إلا هؤلاء السبعة.(1)
4 -[ المجلس في البحار، عن المزار الكبير للسيد فخار أو بعض من عاصره من الأفاضل الكبار]، بإسناد الأخير إلى علي بن میثم، عن ميثم رضی الله عنه قال: أصحربي مولاي أمير المؤمنين علیه السلام ليلة من الليالي قد خرج من الكوفة، و انتهى إلى مسجد جعفي، توجه علیه السلام إلى القبلة و صلى أربع ركعات. فلما سلم و سبح بسط كفيه و قال: إلهي كيف أدعوك و قد عصيتك (الدعاء)، ثم قام و خرج.
فاتبعته حتى خرج إلى الصحراء، و خط لي خطة و قال: إياك أن تجاوز هذه الخطة. و مضى عني و كانت ليلة مدلهمة، فقلت: يا نفسي، أسلمت مولاک وله أعداء كثيرة! أي عذر يكون لك عند الله و عند رسوله صلی الله علیه و آله وسلم؟ و الله لأقفون أثره و لأعلمن خبره و إن کنت قد خالفت أمره، و جعلت أتبع أثره، فوجدته علیه السلام مطلعاً في البئر إلى نصفه يخاطب البئر و البئر تخاطبه، فحس علیه السلام بي و التفت وقال علیه السلام : من؟
قلت: میثم.
قال علیه السلام: یا میثم، ألم آمرك أن لا تجاوز الخطة؟
قلت: يا مولاي خشيت عليك من الأعداء فلم يصبر لذلك قلبي.
فقال علیه السلام: أسمعت مما قل شيئا؟ قلت: لا يا مولاي.
فقال علیه السلام: یا میثم،
وفي الصدر لبانات *** إذا ضاق لها صدري
نكت الأرض بالكف *** وأبدیت لها سري
فمهما تنبت الأرض *** فذاك النبت من بذري(2)
ص: 163
بذري(1)
5- [المجلسي في البحار، عن بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستین و مائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان عج قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت وهللت و أكثرت من حمد الله عزوجل والثناء عليه.
فلا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟
فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلس على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا و بجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: عليل و سمك و تمر و لبن!
فصاح بي: يا عیسی أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتى استحيت،فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق. فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟ فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو؟) و (متی کان؟) و ( أين ولد) و (من رآه ؟ ) و (ما الذي خرج إليكم منه؟) و ( بأي شيء نبأكم؟) و ( أي معجز أتاكم؟). أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام
ص: 164
مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام ولم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين، یا عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.
فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشدا. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)
أقول، ويناسب الباب أيضا:
6-[ الشيخ في الأمالي]، في خروج طلحة والزبير على أمير المؤمنين علیه السلام وتوقف جماعة عن نصرته علیه السلام، إلى أن قال: و كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي علیه السلام تخبره بمسير عائشة و طلحة و الزبير، فأزمع علیه السلام المسير [أي عزم عليه ] فبلغه تثاقل سعد و أسامة بن زید و محمد بن مسلمة، فقال سعد: لاأشهر سيفاً حتى يعرف المؤمن من الكافر. و قال أسامة: لا أقاتل رجلا يقول: (لا إله إلا الله)، و لو كنت في زبية الأسد لدخلت فيه معك. وقال محمد بن مسلمة: أعطاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سیفاً و قال: إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد و الزم بيتك.
و تخلف عنه عبد الله بن عمر، فقال عمار بن ياسر: دع القوم. أما عبد الله فضعيف، و أما سعد فحسود، و أما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت بأخيه مرحبا. ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة: أما تقاتل المحاربين؟ فوالله لو مال علي علیه السلام جانبا لملت مع علي.. إلى أن قال: و قام الأشتر إلى علي علیه السلام فكلمه بكلام يحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك علي علیه السلام حتى شکاه و كان من رأي على علیه السلام أن لا يذكرهم بشيء، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إنا و إن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا فيهم و هذه بيعة عامة و الخارج منها عاص و المبطئ عنها مقصر، و إن أدبهم اليوم باللسان و غدا بالسيف، و ما من ثقل عنك كمن خف معك، و إنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك. فقال علي علیه السلام: يا مالك، دعني. و أقبل على علیه السلام عليهم فقال: أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نکث بیعته أكنتم تستحلون قتالهم؟ قالوا: نعم. قال علیه السلام: و كيف تحرجون من القتال معي وقد بایعتموني؟
ص: 165
قالوا: إنا لا نزعم أنك مخطئ و أنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك، و لكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الأشتر: دعني يا أمير المؤمنين أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال علیه السلام: کف عني. فانصرف الأشتر و هو مغضب.
ثم إن قیس بن سعد لقي مالكاً الأشتر في نفر من المهاجرين و الأنصار، فقال قيس للأشتر: يا مالك، كلما ضاق صدرك بشيء أخرجته، و كلما استبطأت أمراً استعجلته! إن أدب الصبر التسليم و أدب العجلة الأناة، و إن شر القول ما ضاهي العيب و شر الرأي ما ضاهي التهمة، فإذا ابتليت فاسأل و إذا أمرت فأطع، و لا تسأل قبل البلاء و لا تكلف قبل أن ينزل الأمر، فإن في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشق على صاحبك. فغضب الأشتر، ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه من غضبه فرضي..الخبر.(1)
1-[ المجلسي في البحار، نقلا من كتاب الترغیب و الترهيب، وعن البيهقي في الشعب]، عن ابن عباس: أن ملكا من الملوك خرج يتصيد في مملكته مختفيا من الناس. فنزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة، فحدث الملك نفسه أن يأخذها. فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها، ثم راحت فحلبت نصف ذلك. فدعا الملك صاحبها فقال: أخبرني عن بقرتك هذه، لم نقص حلابها؟ ألم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس؟ قال: بلى، و لكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوء، فنقص لبنها. فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم، ذهبت البركة.
قال: فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها و لا يظلم أحداً. قال: فغدت ثم راحت فحلبت حلابها في اليوم الأول، فاعتبر الملك بذلك و عدل و قال: إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة، لا جرم لأعدلن و لأكونن على أفضل الحالات.(2)
ص: 166
1 - [ ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل: (ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا).
فقلت في نفسي: إن هذا هو الدقيق! ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شيء. فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود.(1)
1 - [ابن شعبة في تحف العقول]، من الوصية الجامعة لأمير المؤمنين إلى ولده الإمام المجتبی صلوات الله وسلامه عليهما - إلى أن قال علیه السلام :- و اعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، و للفناء لا للبقاء، و للموت لا للحياة، و أنك في منزل قلعة و دار بلغة و طريق إلى الآخرة، أنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه و لا بد أنه يدركك يوما فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فتحول بينك و بين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك - إلى أن قال علیه السلام: ولا تأمن خدع الشيطان وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة (2) وقد أيقنوا بالمعاد.. الحديث. (3)
1 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث التفس، ولم
ص: 167
أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الأرض.
قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي المساجد. قال: هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني لأشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.
قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه ولا بأحد، إن وجاء أمتي الصيام.
قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل یا عثمان.(1)
2 - [ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون رضی الله عنه من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مراراً و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك.
فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟
قال: هممت أن أسيح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.
قال هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني أشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.
قال: و هممت أن أجب نفسي. قال: يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد، لا تفعل. إن وجاء أمتي الصيام.
قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته كتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، و حضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة ومحا عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا
ص: 168
إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قدغفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولدكان لهما وصيف في الجنة.
ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان وقال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، وصرفت وجهه عن حوضي.(1)
1- [نعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه وجه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال:- و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه و لا بأحد. إن وجاء أمتي الصيام..الحديث.(2)
2 - [ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون رضی الله عنه من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال : يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد لا تفعل، إن وجاء أمتي الصيام.. الحديث.(3)
1 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، ولم
ص: 169
أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته - قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل یا عثمان.(1)
2 - [ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - وهممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته -. قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته کتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة وحضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة ومحا عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قد غفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد كان لهما وصيف في الجنة.
ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان و قال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، و صرفت وجهه عن حوضي.(2)
1 - [الشيخ في التهذيب]، عن فضل مولى محمد بن راشد، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال: قلت: إني تزوجت امرأة متعة، فوقع في نفسي أن لها زوجا، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجاً. قال علیه السلام : و لم فتشت؟ (3)
ص: 170
1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، بإسناده إلى سعید بن عمرو الجعفي، قال: خرجت إلى مكة و أنا من أشد الناس حالا، فشكوت إلى أبي عبد الله علیه السلام، فلما خرجت من عنده علیه السلام وجدت على بابه کیسا فيه سبعمائة دينار، فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته، فقال علیه السلام: يا سعید، اتق الله عز و جل و عرفه في المشاهد. و كنت رجوت أن يرخص لي فيه، فخرجت و أنا مغتم، فأتیت منی و تنحيت عن الناس و تقصيت حتى أتيت الموقوفة، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟
قال: فأول صوت صوته فإذا رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس. قال: فقلت في نفسي: أنت فلا كنت. قل: ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته، فدفعه إليه. قال: فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين دیناراً فقال: خذها حلالا خير من سبعمائة حراما. فأخذتها ثم دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فأخبرته كيف تنحيت و كيف صنعت.
فقال علیه السلام : أما إنك حين شكوت إلي أمرنالك بثلاثين دينارا، يا جارية، هاتیها. فأخذتها و أنا من أحسن قومي حالا.(1)
1-[الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى ابن أسلم، عن عمر بن یزید، قال: دخلت إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو مضطجع، ووجهه إلى الحائط، فقال علیه السلام لي حين دخلت عليه: یا عمر، اغمز رجلي. فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسي: الساعة أسأله عن عبد الله وموسى أيهما الإمام؟ قال: فحول علیه السلام وجهه إلى وقال: إذن والله لا أجيبك.(2)
ص: 171
أقول، ويناسب أيضا:
2. [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام ليلة من الليالي، ولم يكن عنده علیه السلام أحد غيري. فمد رجله في حجري. فقال: اغمزها يا عمر. فغمزت رجله، فنظرت إلى اضطراب في عضلة ساقيه، فأردت أن أسأله: إلى من الأمر من بعده، فأشار علیه السلام إلى فقال: لا تسألني في هذه الليلة عن شيء، فإني لست أجيبك.(1)
3 - [الإربلي في كشف الغمة، من کتاب الدلائل للحميري]، حدث محمد بن شرف، قال: كنت مع أبي الحسن علیه السلام أمشي بالمدينة، فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلى. فأردت أن أسأله عن مسألة، فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: نحن على قارعة الطريق، و ليس هذا موضع مسألة. (2)
1-[ المجلسي في البحار، عن أسرار الصلاة]، روي أن رجلا من بني إسرائيل قال: و الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي، وصائما لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدة طويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.
فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلانا، الآن أقبل على الخير.(3)
أقول، ويناسب أيضا:
2 -[ الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام ، أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هو في صلاته فقال: إنك مراء،
ص: 172
فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث.(1)
1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سأله رجل في المسجد الحرام: من أعظم الناس وزرا؟
فقال علیه السلام: من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة، و سعي بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، و صلی خلف مقام إبراهيم علیه السلام، ثم قال في نفسه، أو ظن أن الله لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا.(2)
المائدة: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ»(52) (3)
ا- [أمين الإسلام في إعلام الوری]، ..ثم كانت غزوة بني النضير، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال: مرحبا بك يا أبا القاسم و أهلا، فجلس رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أصحابه، فقام كأنه يصنع لهم طعاما، وحدث نفسه أن يقتل
ص: 173
رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فنزل جبرئیل علیه السلام فأخبره بما هم به القوم من الغدر، فقام صلی الله علیه و آله وسلم كأنه يقضي حاجة و عرف أنهم لا يقتلون أصحابه و هو حي. فأخذه صلی الله علیه و آله وسلم الطريق نحو المدينة، فاستقبله بعض أصحاب کعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فأخبر کعبأ بذلك، فسار المسلمون راجعين.
فقال عبد الله بن صوریا - و كان أعلم اليهود : إن ربه أطلعه على ما أردتموه من الغدر، و لا يأتيكم و الله أول مايأتيكم إلا رسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم يأمركم عنه بالجلاء، فأطیعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم و أموالكم، و إلا فإنه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم، فقالوا: هذه أحب إلينا.
قال: أما إن الأولى خير لكم منها، و لولا أني أفضحكم لأسلمت. ثم بعث محمد ابن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل و الجلاء عن ديارهم و أموالهم، و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.(1)
2 - [القمي في تفسيره]، أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم و بين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عهد و مدة، فنقضوا عهدهم، و كان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، و كان قصد کعب بن الأشرف. فلما دخل على کعب قال: مرحبا يا أبا القاسم و أهلا. و قام كأنه يصنع له الطعام، و حدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و يتبع أصحابه، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى المدينة، و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عز و جل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب.. الخبر.(2)
3- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال: ما كان أحد أبغض إلى من محمد صلی الله علیه و آله وسلم، و كيف لا يكون و قد قتل منا ثمانية، كل منهم يحمل
ص: 174
اللواء. فلما فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله، و قلت في نفسي: قد دخلت العرب في دينه، فمتى أدرك ثاري منه؟ فلما اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ منه الله صلی الله علیه و آله وسلم فأقتله، و دبرت في نفسي كيف أصنع، فلما انهزم الناس و بقي محمد صلی الله علیه و آله وسلم وحده و النفر الذين معه، جئت من ورائه و رفعت السيف حتى إذا كدت أحطه غشي فؤادي، فلم أطق ذلك، فعلمت أنه ممنوع.
و روي أنه قال: رفع إلى شواظ من نار حتى كاد أن يمحيني، ثم التفت إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم فقال لي: ادن يا شيبة فقاتل. و وضع صلی الله علیه و آله وسلم يده في صدري فصار أحب الناس إلي، و تقدمت و قاتلت بين يديه، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال لي: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. وحدثني بجميع ما رويه في نفسي. فقلت: ما اطلع على هذا إلا الله، وأسلمت.(1)
4 -[ الطبرسي في مجمع البيان] ، قال الزهري: بلغني أن شيبة بن عثمان قال: استدبرت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم حنين و أنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان و عثمان بن طلحة، و كانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسوله على ما في نفسي، فالتفت صلی الله علیه و آله وسلم إلي و ضرب في صدري و قال: أعيذك بالله يا شيبة. فأرعدت فرائصي فنظرت إليه و هو أحب إلي من سمعي و بصري، فقلت أشهد أنك رسول الله، و أن الله أطلعك على ما في نفسي.(2)
5 - [ابن شهر آشوب في المناقب عن ربيع الأبرار]، أنه دخل أبو سفيان على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و هو يقاد، فأحس بتكاثر الناس، فقال في نفسه: و اللات و العزی یا ابن أبي كبشة(3)
ص: 175
لأملانها عليك خيلا و رجلا، و إني لأرجو أن أرقى هذه الأعواد.
فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أويكفينا الله شرك يا أبا سفيان؟ (1)
1- [المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة]، فيما جرى بين ابن ملجم وقطام واشتراطها قتل أمير المؤمنين علیه السلام ، إلى أن قال: (.. فمد ابن ملجم عينيه إليها فحار عقله و هوی لحينه مغشيا عليه ساعة. فلما أفاق قال: يا منية النفس، ما شرطك فاذكريه لي، فإني سأفعله و لو كان دونه قطع القفار و خوض البحار و قطع الرءوس و اختلاس النفوس؟
قالت له الملعونة: شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب علیهما السلام بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه، يأخذ منه ما يأخذ، و يبقى ما يبقى. فلما سمع ابن ملجم كلامها استرجع و رجع إلى عقله و أغاظه و أقلقه، ثم صاح بأعلى صوته: ويحک ما هذا الذي واجهتني به! بئس ما حدثتك به نفسك من المحال. ثم طأطأ رأسه يسيل عرقا ، و هو متفكر في أمره.. الخبر).(2)
2 - [الطبرسي في الإحتجاج]، عن ابن عباس أنه قال: كنت قاعداً عند علي علیه السلام حين دخل عليه طلحة و الزبير، فاستأذناه في العمرة، فأبي علیه السلام أن يأذن لهما وقد قال: قد اعتمرنما. فأعادا عليه الكلام فأذن لهما. ثم التفت علیه السلام إلى، فقال: و الله ما يريدان العمرة. قلت: فلا تأذن لهما. فردهما، ثم قال علیه السلام: و الله ما تريدان العمرة، و ما تريدان إلا نکثا لبيعتكا و إلا فرقة لأمتكما. فحلفا له، فأذن لهما.
ثم التفت علیه السلام إلي، فقال: و الله ما يريدان العمرة. قلت: فلم أذنت لهما؟ قال علیه السلام: حلفا لي بالله. قال: فخرجا إلى مكة، فدخلا على عائشة، فلم يزالا بها حتى أخرجاها.(3)
وعن مسند العشرة عن أحمد بن حنبل: قال علیه السلام لطلحة و الزبير - و قد استأذناه في
ص: 176
الخروج إلى العمرة -: و الله ما تريدان العمرة، و إنها تريدان البصرة. و في رواية: إنما تريدان الفتنة.
و قال علیه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر و خرجا بوجه غادر، و لا ألقاهما إلا في كتيبة و أخلق [أخاف ] بهما أن يقتلا. (1)
وقال علیه السلام لابن عباس وهو علیه السلام يخبره عن استیذانهما في العمرة: إني أذنت لهما مع علمي بما انطويا عليه من الغدر، فاستظهرت بالله عليهما، وإن الله سيرد كيدهما ويظفرني بهما. وكان كما قال علیه السلام (2)
3 - [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، بإسناد صحيح عن عبد الله بن مالك الخزاعي، قال:
دعاني هارون الرشيد، فقال: يا أبا عبد الله، كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلا عبد من عبيدك. فقال: امض إلى تلك الحجرة و خذمن فيها و احتفظ به إلى أن أسألك عنه.
قال: فدخلت فوجدت موسی بن جعفر علیهما السلام ، فلما رآني سلمت عليه و حملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي، و کنت أتولی خدمته. و مضت الأيام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول: أجب أمير المؤمنين. فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال: ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟
فقلت: صالح. فقال: امض إليه و ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم و اصرفه إلى منزله و أهله. فقمت و هممت بالانصراف، فقال لي: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: نمن على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون، أطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فانتبهت، فقلت: لعلها لما في نفسي منه. فقمت إلى هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون، أمرتك أن تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فلم تفعل، فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه و إذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كان أولها بالمشرق و آخرها
ص: 177
بالمغرب، و قد أومأ إلي و هو يقول: و الله يا هارون، لئن لم تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك. فأرسل إليك، فامض فيما أمرتك به و لا تظهره إلى أحد فأقتلك، فانظر لنفسك. .
قال: فرجعت إلى منزلي و فتحت الحجرة و دخلت على موسی بن جعفر علیهما السلام ، فوجدته قد نام في سجوده. فجلست حتى استيقظ و رفع رأسه، و قال: يا أباعبد الله، افعل ما أمرت به. فقلت له: يا مولاي، سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هل دعوت الله عز و جل في يومك هذا بالفرج؟ فقال علیه السلام : أجل، إني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا موسى، أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. فقال: ادع بهذه الدعاء: یا سابغ النعم، يا دافع النقم، یا بارئ النسم، یا مجلي الهمم، یا مغشي الظلم، یا کاشف الضر والألم، يا ذا الجود والكرم، یا سامع كل صوت، یا مدرك كل فوت، یا محيي العظام وهي رمیم، یا منشئها بعد الموت، صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا یا ذا الجلال والإكرام. فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه حتى سمعته يقول: قد استجاب الله فيك. ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك. (1)
4 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح] ، روي أن عليا علیه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليا علیه السلام إذا سلم من صلاة الفجر بالناس. فأتی خالد و جلس إلى جنب علي علیه السلام و معه سیف، فتفكر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله: أن بني هاشم يقتلونني إن قتل علي علیه السلام ، فلما فرغ من التشهد، التفت إلى خالد قبل أن يسلم و قال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.
فقال علي علیه السلام لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم. فمد علیه السلام يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و کادت عيناه تسقطان، و ناشده بالله أن يتركه، و شفع إليه الناس، فخلاه.
ثم كان خالد بعد ذلك يرصد الفرصة و الفجأة لعله يقتل عليا علیه السلام غرة، فبعث بعد ذلك عسكراً مع خالد إلى موضع، فلما خرجوا من المدينة و كان خالد مدججا و حوله شجعان قد أمروا أن يفعلوا كل ما أمرهم خالد، فرأى عليا علیه السلام يجيء من ضيعة له منفردا .
ص: 178
بلا سلاح، فقال خالد في نفسه: الآن وقت ذلك. فلما دنا منه، فكان في يد خالد عمود من حدید، فرفعه ليضربه على رأس علي علیه السلام، فانتزعه علیه السلام من يده و جعله في عنقه و فتله كالقلادة.
فرجع خالد إلى أبي بكر، و احتال القوم في كسره فلم يتهيأ لهم، فأحضروا جماعة من الحدادين، فقالوا: لا يمكن انتزاعه إلا بعد حله في النار، و في ذلك هلاكه، و لما علموا بكيفية حاله، قالوا: إن عليا علیه السلام هو الذي يخلصه من ذلك كما جعله في جيده، و قد ألان الله له الحديد كما ألانه لداود علیه السلام، فشفع أبو بكر إلى علي علیه السلام ، فأخذ العمود و فك بعضه من بعض بإصبعه. (1)
أقول، ويناسب الباب أيضا:
5- [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ، قال: صلينا مع أمير المؤمنين علیه السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل فقال علیه السلام: من أين؟ قال: من الشام. قال علیه السلام: ما أقدمك؟ قال: لي حاجة. قال علیه السلام : أخبرني و إلا أخبرتك بقضيتك. قال: أخبرني بهایا أمير المؤمنين. قال: نادي معاوية يوم كذا و كذا، من شهر كذا و كذا، من سنة كذا و كذا: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرة آلاف دينار، فوثب فلان و قال: أنا. قال: أنت. فلما انصرف إلى منزله ندم و قال: أسير إلى ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أبي ولديه فأقتله؟ ثم نادى منادیه اليوم الثاني: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرون ألف دينار. فوثب آخر فقال: أنا. فقال: أنت. ثم إنه ندم و استقال معاوية فأقاله. ثم نادى مناديه اليوم الثالث: من يقتل عليا علیه السلام فله ثلاثون ألف دينار، فوثبت أنت، و أنت رجل من حمير. قال: صدقت. قال علیه السلام : فما رأيك، تمضي إلى ما أمرت به، أو ما ذا؟ قال: لا، و لكن أنصرف. قال علیه السلام : يا قنبر، أصلح له راحلته، و هيئ له زاده و أعطه نفقته.(2)
1-[ ابن فهد الحالي في عدة الداعي]، فيما أوحى الله إلى داود علیه السلام: من انقطع إلى كفيته، و من سألني أعطيه، و من دعاني أجبته، و إنما أؤخر دعوته و هي معلقة و قد استجبتها
ص: 179
حتى يتم قضائي، فإذا تم قضائي أنفذت ما سأل. قل للمظلوم إنما أؤخر دعوتك و قد استجبتها لك على من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك و أنا أحكم الحاكمين، إما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك و لا عليك، و إما أن تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي إلا بظلمه لك لأني أختبر عبادي في أموالهم و أنفسهم. و ربما أمرضت العبد فقلت صلاته و خدمته، و لصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين، و لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه و أحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الإلتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، و ذلك الذي حدثته نفسه: لو ولي أمرا لضرب فيه الأعناق ظلما.
یا داود، نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم و قد بسطتها بسط الأديم و ضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار، ثم سلطت عليهم موبخا لهم يقول: يا أهل النار، هذا فلان السليط فاعرفوه. کم ركعة طويلة فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه فوجدته إن سلم من الصلاة و برزت له امرأة و عرضت عليه نفسها أجابها، و إن عامله مؤمن خانه.(1)
ا- [الإربلي في كشف الغمة]، عن جریر بن مرازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني أريد العمرة فأوصني.
فقال علیه السلام: اتق الله ولا تعجل. فقلت: أوصني. فلم يزدني علیه السلام على هذا. فخرجت من عنده علیه السلام من المدينة، فلقيني رجل شامی یرید مكة فصحبني و كان معي سفرة فأخرجتها و أخرج سفرته و جعلنا نأكل فذكر أهل البصرة فشتمهم ثم ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثم ذكر الصادق علیه السلام فوقع فيه، فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه و أحدث نفسي بقتله أحيانا فجعلت أتذكر قوله علیه السلام: (اتق الله ولا تعجل) و أنا أسمع شتمه، فلم أعد ما أمرني. (2)
ص: 180
1۔ [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر علیهما السلام بسوء. فاشتريت سکيناً و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك، و جلست فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن علیه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي). فما بقي أيام [أياما] إلا و مات.(1)
2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن محمد بن عبد العزيز البلخي، قال: أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم، فإذا بأبي محمد علیه السلام أقبل من منزله یرید دار العامة. فقلت في نفسي: ترى إن صحت: (أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه) يقتلوني. فلما دنا علیه السلام مني أومأ بإصبعه السبابة على فيه أن: اسكت، و رأيته علیه السلام تلك الليلة يقول: إنه هو الكتمان أو القتل، فاتق الله على نفسك. (2)
1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الحسين بن علي، عن عيسى عن مروان، عن الحسين بن موسى الخياط، قال: خرجت أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسي حاجين. قال: وكان يقول عائذ لنا: إن لي حاجة إلى أبي عبدالله علیه السلام أريد أن أسأله عنها.
قال: فدخلنا عليه علیه السلام، فلما جلسنا، قال علیه السلام لنا مبتدئا : من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك قال: فغمزنا عائذ، فلماقمنا قلنا: ماحاجتك؟ قال: الذي سمعنا منه إني رجل لا أطيق القيام بالليل، فخفت أن أكون مأثوماً مأخوذا به فأهلك.(3)
ص: 181
1 - [الصقار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى داود القطان عن إبراهيم رفعه إلى أميرالمؤمنين علیه السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعة.
فقال رجل من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين علیه السلام ولأقولن له: أنا أذهب به، فهو يثق بي، فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن. قال: فرفع علیه السلام إلى رأسه ثم قال: إليك عني، خذ طريق الكرخة.(1)
2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، أن أمير المؤمنين علیه السلام قال يوما: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه: لآتينه و لأقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية. فجاء إلى علي علیه السلام فقال: أنا أذهب بالمال. فرفع علیه السلام رأسه فقال: إليك عني، تأخذ طريق الشام إلى معاوية.(2)
3- [محمد بن يعقوب في الكافي ] عن محمد بن إبراهيم بن مهزیار قال:
شککت عند مضي أبي محمد علیه السلام ، و اجتمع عند أبي مال جليل فحمله و ركب السفينة، و خرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا فقال: يا بني، ردني فهو الموت. و قال: لي اتق الله في هذا المال، و أوصى إلى فمات.
فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق و أكتري دارا على الشط و لا أخبر أحدا بشيء و إن وضح لي شيء کوضوحه في أيام أبي محمد علیه السلام أنفذته و إلا قصفت به.(3)
فقدمت العراق و اکتريت دارا على الشط و بقي أياما ، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها:
ص: 182
یا محمد، معك كذا و كذا في جوف كذا و كذا، حتى قص على جميع ما معي مما لم أحط به علما، فسلمته إلى الرسول و بقيت أياما لا يرفع لي رأس (1) و اغتممت ، فخرج إلي: قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله . (2)
أقول، ويلحق بالباب أيضا:
4 - [الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال] ، حفص بن غیاث، عن الصادق جعفر ابن محمد، عن آبائه عن علي علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم في الجحيم، ينادون بالويل و الثبور. يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى؟ فرجل معلق في تابوت من جمر، و رجل يجر أمعاءه، و رجل يسيل فوه قيحا و دما، و رجل يأكل لحمه. فقيل لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد قد مات و في عنقه أموال الناس، لم يجد لها في نفسه أداء و لا وفاء. ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول:إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده. ثم يقال للذي يسيل فوه قيحا و دما: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يحاكي فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها و يحاكي بها. ثم يقال للذي كان يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة و يمشي بالنميمة.(3)
5 - [الصدوق في الفقيه]، عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجل يبتاع الثوب من السوق لأهله، و يأخذه بشرط فيعطى الربح في أهله. قال علیه السلام : إن رغب في الربح فلیوجب الثوب على نفسه، و لا يجعل في نفسه أن يرد الثوب على صاحبه إن رد عليه .(4)
ص: 183
القصص: «فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (79)
1 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حدث نفسه بكاذب الطمع كذبته العطية.(1)
2 - [الإربلي في كشف الغمة]، أن أمير المؤمنين علیه السلام كان قد ولى على عكبرا رجلا من ثقيف. قال: قال له علي علیه السلام: إذا صليت الظهر غدا فعد إلي، فعدت إليه علیه السلام في الوقت المعين فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه. فوجدته جالسا و عنده قدح و کوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتی يخرج إلى جوهرا، فكسر علیه السلام الختم و حله، فإذا فيه سويق(2) فأخرج منه، فصبه في القدح و صب عليه ماء فشرب و سقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته؟
فقال علیه السلام : أما و الله ما أختم عليه بخلا به، و لكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره، و أنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك أحترز عليه كما تری، فإياك و تناول ما لا تعلم حله.(3)
3 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، موعظة أمير المؤمنين علیه السلام ووصفه المقصرين:
ص: 184
لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، و يرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا قول الزاهدين و يعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، و إن منع لم يقنع. يعجز عن شکر ما أوتي ويبغي الزيادة فيما بقي، ويأمر بما لا يأتي. يحب الصالحين و لا يعمل بأعمالهم، و يبغض المسيئين و هو منهم، و يكره الموت لكثرة سيئاته و لا يدعها في حياته. يقول: کم أعمل فأتعنى، ألا أجلس فأتمنى. فهو يتمنى المغفرة و یدأب في المعصية، و قد عمر ما يتذكر فيه من تذكر. يقول فيما ذهب: لو كنت عملت و نصبت لكان خيرا لي، و يضيعه غير مكترث لاهياً. إن سقم ندم على التفريط في العمل، و إن صح أمن مغترا. يؤخر العمل، تعجبه نفسه ما عوفي، و يقنط إذا ابتلي. تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن، لا يثق من الرزق بما قد ضمن له، ولا يقنع بما قسم له.. الحديث.(1)
4 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی إسماعيل بن أبي الحسن، قال: كنت مع الرضا علیه السلام و قد مال بيده إلى الأرض كأنه يكشف شيئا، فظهرت سبائك ذهب، ثم مسح علیه السلام بيده على الأرض فغابت. فقلت في نفسي: لو أعطاني واحدة منها. قال علیه السلام : لا، إن هذا الأمر لم يأت وقته. (2)
قال المجلسي قدس سره في بيان الحديث: يعني خروج خزائن الأرض و تصرفنا فيها إنما هو في زمن القائم عجل الله فرجه
5 -[ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، روي أن سلیمان بن داود علیهما السلام كان معسكره مائة فرسخ في مائة فرسخ، و قد نسجت الجن له بساطاً من ذهب و إبريسم،فرسخان في فرسخ، فكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب، فيقعد عليه و حوله ستمائة ألف كرسي من ذهب و فضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب، و العلماء على كراسي الفضة، و حولهم الناس، و حول الناس الجن و الشياطين، و تظلله الطير بأجنحتها، و كان يأمر الريح العاصف يسيره، و الرخاء يحمله، فيحكى أنه مر بحراث فقال: لقد أوتي ابن داود ملكا عظيما! فألقاه الريح في أذنه، فنزل و مشى إلى الحراث و قال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه. ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود.
ص: 185
وفي حديث آخر: لأن ثواب التسبيحة يبقى و ملك سليمان علیه السلام يفني.(1)
1۔ [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال ابن عباس: سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أوصني. فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.(2)
2 - [الديلمي في إعلام الدين]، قال رجل للصادق علیه السلام : عظني. فقال علیه السلام: لا تحدث نفسك بفقر.(3)
3- [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال موسی بن جعفر علیهما السلام في حديث: لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(4)
4 - [فقه الرضا علیه السلام]، باب حق النفوس: سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة، فإنه أروي عن العالم علیه السلام أنه قال: إنه الملك الخفي، إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها. و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة و لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدنيا، فإنه نروي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، و دینه لدنياه.. الحديث.(5)
ص: 186
5 -[ الكراجكي في معدن الجواهر]، قال رجل لأحدهم علیهم السلام : عظني يابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم . فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بشيئين: بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدث نفسه بطول العمر حرص.(1)
1-[ المجلسي في البحار من كتاب العتيق الغروي]، ومن مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه: (..رب حسنت خلقي و عظمت عافيتي و وسعت علي في رزقي ولم تزل تنقلني من نعمة إلى كرامة، و من كرامة إلى فضل، تجدد لي ذلك في ليلي ونهاري، لا أعرف غير ما أنا فيه، حتى ظن أن ذلك واجب عليك لي، و أنه لا ينبغي لي أن أكون في غير مرتبتي، لأني لم أدر ما عظيم البلاء فأجد لذة الرخاء، و لم يذلني الفقر فأعرف فضل الأمن، فأصبحت و أمسيت في غفلة ممافيه غيري ممن هو دوني، فكفرت و لم أشكر بلاءك، و لم أشك أن الذي أنا فيه دائم غير زائل عني، لا أحدث نفسي بانتقال عافية و تحویل فقر و لا خوف و لا حزن، في عاجل دنیای و آجل آخرتي، فيحول ذلك بيني و بين التضرع إليك في دوام ذلك لي، مع ما أمرتني به من شكرك، و وعدتني عليه من المزيد من لدنك، فسهوت و لهوت و غفلت و أمنت و أشرت و بطرت و تهاونت، حتى جاء التغييرمكان العافية بحلول البلاء..الدعاء).(2)
1-[ الشيخ في الأمالي] ، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب، أو كأنك عابر سبيل، و عد نفسك في أصحاب القبور.
قال مجاهد: و قال لعبد الله بن عمر: و أنت يا عبد الله، إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن تصبح، و إذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، و خذمن حياتك لموتك، و من
ص: 187
صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.(1)
2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن أبيه بإسناده إلى أبي حرب بن أبي الأسود الدولي، عن أبي الأسود، قال: قدمت الربذة، فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضی الله عنه فحدثني أبو ذر، قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مسجده، فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله و علي علیه السلام إلى جانبه جالس، فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت و أمي، أوصني بوصية ينفعني الله بها.
فقال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم و أكرم بك يا أبا ذر، إنك منا أهل البيت، و إني موصيك بوصيةفاحفظها، فإنها جامعة لطرق الخير و سبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان. - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم :
يا أبا ذر، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، و خذ من صحتك قبل سقمك و حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.. الحديث.(2)
3 -[ الشيخ في الأمالي]، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : كن في الدنيا كأنك غريب، أو كأنك عابر سبيل، و عد نفسك في أصحاب القبور.
قال مجاهد: و قال لعبد الله بن عمر: و أنت يا عبد الله، إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن تصبح، و إذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، و خذمن حياتك لموتك، و من صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.(3)
4 -[ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لبعض أصحابه: كيف بك إذا بقيت في قوم يجبون رزق سنتهم لضعف اليقين؟ فإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، فإنك لا تدري ما اسمك غداً. (4)
5 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال موسی بن جعفر علیه السلام في حديث: لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها
ص: 188
بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(1)
6 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال ابن عباس: سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أوصني. فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.(2)
7- [فقه الرضا علیه السلام]، باب حق النفوس: سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة، فإنه أروي عن العالم علیه السلام أنه قال: الملك الخفي إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها. و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة و لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدنيا، فإنه نروي: ليس منا من ترك دنياه لدينه،ودينه لدنياه، و تفقهوا في دين الله فإنه أروي: من لم يتفقه في دينه ما يخطئ أكثر مما يصيب، فإن الفقه مفتاح البصيرة و تمام العبادة و السبب إلى المنازل الرفيعة وحاز المرء المرتبة الجليلة في الدين و الدنيا، فضل الفقيه على العبادكفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يزك الله له عملا.(3)
1- [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى الحسن بن الفضل اليماني قال: قصدت سر من رأى فخرج إلى صرة فيها دنانير و ثوبان فرددتها، و قلت في نفسي: أنا عندهم بهذه .
ص: 189
المنزلة؟ فأخذتني العزة، ثم ندمت بعد ذلك و کتبت رقعة أعتذر و أستغفر، و دخلت الخلاء و أنا أحدث نفسي و أقول: و الله لئن ردت الصرة لم أحلها و لم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني.
فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا ربما فعلنا ذلك بموالینا و ربما سألونا ذلك يتبركون به. و خرج إلي: أخطأت بردك برنا، و إذا استغفرت الله فالله يغفر لك، و إذا كان عزيمتك و عقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا، و لا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، و أما الثوبان فلا بد منهما لتحرم فيهما.. الخبر.(1)
2 - [الصدوق في الخصال]، عن أبيه، عن سعد عن الأصفهاني، عن المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث- إلى أن قال علیه السلام :- فإن أردت أن تقر عينك و تنال خير الدنيا و الآخرة فاقطع الطمع مما في أيدي الناس، و عد نفسك في الموتى، ولا تحدث لنفسك أنك فوق أحد من الناس، و اخزن لسانك کما تخزن مالك.(2)
3 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل بن بزیع، و غیره رفعوه، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون كل من حدث بها نفسه.(3)
4 - [الصدوق في علل الشرائع]، ابن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال: إن الخضر كان نبيا مرسلا، بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده، و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه. و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، و إنما سمي (خضراً) لذلك، و كان اسمه: تالیا بن ملکان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح علیه السلام.
و إن موسی علیه السلام لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آیته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و
ص: 190
القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر وغرق الله عز و جل فرعون و جنوده عملت البشرية فيه، حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني.
فأوحى الله عز و جل إلى جبرئیل: يا جبرئیل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابداً فاتبعه، و تعلم منه.
فهبط جبرئیل علیه السلام على موسى علیه السلام، بما أمره به ربه عز وجل، فعلم موسی علیه السلام أن ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر علیه السلام يتعبد الله عز و جل «فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا» (1)
قال له موسی علیه السلام: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ» له الخضر «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» لأني ؤكلت بعلم لا تطيقه، و وكلت أنت بعلم لا أطيقه.
قال موسی علیه السلام : بل أستطيع معك صبراً. فقال له الخضر علیه السلام : إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره، «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» قال موسى: «سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا» .
فلا استثني المشية قبله. قال: «قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا» . فقال موسى علیه السلام : لك ذلك علي. «فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ» الخضر علیه السلام ، فقال له موسى علیه السلام: «أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ،قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ» موسى « لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ» أي: بما تركت من أمرك، و« وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ » الخضر ، فغضب موسی، و أخذ بتلبيبه، و قال له: « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا»
قال له الخضر علیه السلام : إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني و اصبر عليه، فقد كنت علمت «لَن تَستَطیعَ مَعِیَ صَبرَاً» .
قال موسی علیه السلام: «إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ» و هي الناصرة، و إليها نسب النصارى، «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ » فوضع الخضر علیه السلام يده عليه
ص: 191
«فَاقَامَه» ، فقال له موسی علیه السلام : «لَو شِئتَ لَآ تّخذتُ عَلَیهِ اجرَآً» .
قال له الخضر علیه السلام : «هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا» . فقال: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ » صالحة « غَصْبًا فَأرَدتُ» بما فعلت أن تبقى لهم و لا يغصبهم الملك عليها. فنسب
الإبانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك.
ثم قال: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ» طلع کافرا، و علم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه و افتتنا به و ضلا بإضلاله إياهما، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله و أراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة، فاشترك بالإبانة بقوله: «فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا» . و إنما اشترك في الإبانة لأنه خشي و الله لا يخشى لأنه لا يفوته شيء و لا يمتنع عليه أحد أراده، و إنما خشي الخضر علیه السلام من أن يحال بينه و بين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه، ووقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى علیه السلام، لأنه صار في الوقت مخبرا و كليم الله موسی علیه السلام مخبرا، و لم یکن ذلك باستحقاق للخضر علیه السلام للرتبة على موسي علیه السلام و هو أفضل من الخضر، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.
ثم قال: «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا » و لم يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة، و لكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب: «عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم، عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها».«وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا» كان بينهما و بين هذا الأب الصالح سبعون أبا، فحفظهما الله بصلاحه، ثم قال: «فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا » فتبرأ من الإبانة في آخر القصص، و نسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك، لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد، و يصير موسی علیه السلام به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له، فتجرد من الإبانة و الإرادة تجرد العبد المخلص، ثم صار متصلا مما أتاه من نسبة الإبانة في
ص: 192
أول القصة، و من ادعاء الاشتراك في ثاني القصة، فقال: « رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا».
ثم قال جعفر بن محمد علیهما السلام : إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، و من حمل أمر الله على المقاييس هلك و أهلك. إن أول معصية ظهرت: الإبانة من إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا و أبي إبليس اللعين أن يسجد، فقال عز و جل: «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» (1) ، فكان أول كفره قوله: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ » ثم قياسه بقوله: «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ، فطرده الله عز و جل عن جواره و لعنه، و سماه: رجيما، و أقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار. (2)
5- [العياشي في تفسيره]، عن عبد الرحمن بن سیابة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن موسی علیه السلام صعد المنبر و كان منبره ثلاث مرات، فحدث نفسه: أن الله لم يخلق خلقا أعلم منه، فأتاه جبرئیل علیه السلام فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك، فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زادا و انطلق بنا. فاشتری حوتا فخرج بأذربيجان، ثم شواه ثم حمله في مكتل. ثم انطلقا يمشيان في ساحل البحر، و النبي إذا مر في مكان لم يعي أبدا حتی يجوز ذلك الوقت.
قال علیه السلام: فبينما هما يمشيان حتى انتهيا إلى شيخ مستلقي معه عصاه موضوعة إلى جانبه، و علیه کساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه، و إذا غطى رجليه خرج رأسه، قال: فقام موسی علیه السلام يصلي، و قال ليوشع: احفظ علي. قال: فقطرت قطرة من السماء في المكتل، فاضطرب الحوت، ثم جعل يجر المكتل إلى البحر، قال: و هو قوله: «فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا» (3).
قال علیه السلام: ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر، ثم أدخل منقاره فقال: يا موسی، ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر. قال: ثم قام فمشى فتبعه یوشع، فقال موسى لما أعيی حيث جاز الوقت فيه: « آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا
ص: 193
نَصَبَاً» إلى قوله : « فِي الْبَحْرِ عَجَبًا»(1).
قال علیه السلام: فرجع موسى يقتض أثره، حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق، فقال له موسى: السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل. قال: ثم وثب فأخذ عصاه بیده، قال: فقال له موسى لئلا : إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدة. فقال كما قص عليكم:«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» (2). قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى معبر، فلا نظر إليهم أهل المعبر فقالوا: و الله لا نأخذ من هؤلاء أجرة اليوم نحملهم. فلا ذهبت السفينة وسط الماء خرقها، قال له موسي علیه السلام كما أخبرتم، ثم قال: «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا» . قال : و خرجا على ساحل البحر، فإذا غلام يلعب مع غلمان، عليه قمیص حریر أخضر، في أذنيه درتان، فتورکه العالم (3) فذبحه، قال له موسى: « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا»قال:«فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا»خبزة نأكله، فقد جعنا. قال: و هي قرية على ساحل البحر يقال لها: ناصرة و بها تسمى النصاری، فلم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحدة حتى تقوم الساعة، و كان مثل السفينة فيكم و فينا: ترك الحسين البيعة لمعاوية(4)، و كان مثل الغلام فيكم: قول الحسن بن علي ليلا لعبد الله بن علي: لعنك الله من کافر، فقال له: قد قتلته یا أبا محمد(5)، و كان
ص: 194
مثل الجدار فيكم: علي و الحسن و الحسين علیهم السلام. (1).
6- [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن مسند أبي يعلى الموصلي، و إبانة ابن بطة العكبري، و عقد ابن عبد ربه الأندلسي، و حلية أبي نعيم الأصفهاني، و زينة أبي حاتم الرازي، و كتاب أبي بكر الشيرازي، أنه: ذكر رجل بين يدي النبي بكثرة العبادة. فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: لا أعرفه. فإذا هو قد طلع، فقالوا: هو هذا.
فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أما إني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان (2)، فلما رآه قال له: هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك؟ قال: نعم. ثم دخل المسجد فوقف يصلي، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه و صمد نحوه، فرآه راكعا فرجع. فقال: أقتل رجلا يركع و يقول لا إله إلا الله؟
فقال صلی الله علیه و آله وسلم : اجلس فلست بصاحبه. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : ألا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجداً فقال: آقتل رجلا يسجد و يقول لا إله إلا الله؟
فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: اجلس فلست بصاحبه، قم ياعلي فإنك أنت قاتله إن أدركته. فمضى علیه السلام و انصرف و قال له: ما رأيته.
فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: لو قتل لكان أول فتنة و آخرها.
وفي رواية: هذا أول قرن يطلع في أمتي، لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.
ص: 195
و قال أبي و أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى: «ثَانِیَ عطفِهِ لِیُضِلَّ عَن سَبیلِ اللهِ لَهُ فِی الدُّنیَا خِزِیٌ» وهو القتل«وَ نُذِیقُهُ یَومَ القِیَامَةِ عَذَابَ الحَریقِ» بقتاله علي بن أبي طالب علیه السلام . (1)
7- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، بإسناده إلى البزنطي، قال: بعث الرضا علیه السلام إلى بحمار فركبته و أتيته فأقمت عنده بالليل، إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد علیه السلام أن ينهض، قال لي: لا أراك تقدر على الرجوع إلى المدينة. قلت: أجل، جعلت فداك. قال علیه السلام: فبت عندنا الليلة، و اغد على بركة الله عز و جل. قلت: أفعل، جعلت فداك . قال علیه السلام: يا جارية، افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها، و ضعي تحت رأسه مخدتي.
قال: فقلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه، لقد جعل الله لي من المنزلة عنده علیه السلام، و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحداً من أصحابنا، بعث إلي بحماره فركبته، و فرش لي فراشه و بت في ملحفته، و وضعت لي مخدته، ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا.
قال: وهو علیه السلام قاعد معي و أنا أحدث نفسي، فقال علیه السلام لي: يا أحمد، إن أمير المؤمنين علیه السلام أتى زيد بن صوحان في مرضه يعود، فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، و تذلل لله عز و جل. و اعتمد على يده علیه السلام فقام.(2)
8- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ومعاني الأخبار]، بإسناده إلى الهروي، قال قلت للرضا علیه السلام: یا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما کانت؟ فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها العنب، و منهم من يروي أنها شجرة الحسد.
فقال علیه السلام : كل ذلك حق. قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟
فقال علیه السلام : يا أبا الصلت، إن شجر الجنة تحمل أنواعاً، فكانت شجرة الحنطة، و فيها عنب، و لیست کشجر الدنيا. و إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلم الله عز و جل ما وقع في
ص: 196
نفسه، فناداه: ارفع رأسك يا آدم، فانظر إلى ساق عرشي. فرفع آدم علیه السلام رأسه، فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله، علي بن أبي طالب علیه السلام أمير المؤمنين، و زوجه [زوجته] فاطمة علیهاالسلام سيدة نساء العالمين، والحسن و الحسين علیهما السلام سیدا شباب أهل الجنة.
فقال آدم علیه السلام: یا رب، من هؤلاء؟ فقال عز و جل: من ذريتك، و هم خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و النار، و لا السماء و الأرض. فإياك أن تنظر إليهم علیهم السلام بعين الحسد فأخرجك عن جواري. فنظر إليهم بعين الحسد (1)، و تمنى منزلتهم، فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة علیهاالسلام بعين الحسد، حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم، فأخرجهما الله عز و جل عن جنته، و أهبطهما عن جواره إلى الأرض.(2)
9 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن البزنطي أنه قال: إني كنت من الواقفة على موسی بن جعفر علیهما السلام ، و أشك في الرضا علیه السلام ، فكتبت أسأله علیه السلام عن مسائل، و نسيت ما كان أهم المسائل إلي. فجاء الجواب من جميعها، ثم قال علیه السلام : و قد نسيت ما كان أهم المسائل عندك. فاستبصرت، ثم قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، أشتهي أن تدعوني إلى دارك في أوقات تعلم أنه لا مفسدة لنا من الدخول عليكم من أيدي الأعداء.
قال: ثم إنه علیه السلام بعث إلي مركوبا في آخر يوم، فخرجت وصليت معه العشاءين، و قعد علیه السلام يملي علي العلوم ابتداء و أسأله فيجيبني، إلى أن مضى كثير من الليل. ثم قال للغلام: هات الثياب التي أنام فيها لينام أحمد البزنطي فيها.
قال: فخطر ببالي: ليس في الدنيا من هو أحسن حالا مني، بعث الإمام علیه السلام مركوبه إلى، و جاء و قعد إلي، ثم أمر لي بهذا الإكرام. و كان قد اتكأ علیه السلام على يديه لينهض، فجلس و قال: يا أحمد، لا تفخر على أصحابك بذلك، فإن صعصعة بن صوحان مرض، فعاده
ص: 197
أمير المؤمنين علیه السلام و أكرمه و وضع يده على جبهته و جعل يلاطفه، فلما أراد علیه السلام النهوض قال: يا صعصعة، لا تفخر على إخوانك بما فعلت، فإني إنما فعلت جميع ذلك لأنه كان تكليفالى.(1)
10 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما خلق الله جل و عز خلقا إلا و قد أمر علیه آخر يغلبه فيه، و ذلك أن الله تبارك و تعالى لما خلق البحار السفلي فخرت و زخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها، فذلت. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض و استقرت.
ثم إن الجبال فخرت على الأرض، فشمخت و استطالت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقرت الجبال و ذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد. ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها، فذلت. ثم إن الماء فخر و زخر، و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه، فذل الماء. ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أديالها، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال و اتخذ مایستتر به من الريح و غيرها، فذلت الريح.
ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره، فذل الإنسان.
ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحيیك أبدأ فترجي أو تخاف.
و قال صلی الله علیه و آله وسلم أيضا: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة.
ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره.(2)
ص: 198
11 - [البرقي في المحاسن]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما خرج ملك القبط یریدهدم بیت المقدس، اجتمع الناس إلى حزقيل النبي علیه السلام ، فشكوا ذلك إليه، فقال: لعلي أناجي ربي الليلة. فلما جنه الليل ناجي ربه، فأوحى الله إليه: أني قد كفيتكهم، و كانوا قد مضوا (1)، فأوحى الله إلى ملك الهواء أن: أمسك عليهم أنفاسهم، فماتوا كلهم. فأصبح حزقيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم و أخبر قومه بذلك، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا. و دخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علیه السلام علي و قد أعطيت مثل هذا؟
قال علیه السلام: فخرجت قرحة على كبده فآذته، فخشع لله و تذلل و قعد على الرماد، فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج. ففعل فسكن عنه ذلك.(2)
12 - [المجلسي في البحار]، روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، و كانت على رأس العابد غمامة تظله. لما مر الخليع به، فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل، كيف أجلس بجنبه؟ و قال العابد: هو خليع بني إسرائيل، كيف يجلس إلي؟ فأنف منه، و قال له: قم عني.
فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع، و أحبطت عمل العابد.
وفي حديث آخر: فتحولت الغرامة إلى رأس الخليع. (3)
13 - [البرقي في المحاسن]، خالد الضيقل، عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن الله فوض الأمر إلى ملك من الملائكة، فخلق سبع سماوات و سبع أرضين، فلما رأى أن الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلي؟ فأرسل الله عليه نويرة من النار.
قلت: و ما النويرة؟ قال علیه السلام : نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق،فيحك
ص: 199
(فتحللت) لذلك، حتى وصلت إلى نفسه، لما أن دخله العجب. (1)
14 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن داود الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: اتقوا الله، و لا يحسد بعضكم بعضا. إن عيسى ابن مريم علیهما السلام كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سیحه و معه رجل من أصحابه قصير، و كان كثير اللزوم لعيسى علیه السلام، فلما انتهى عيسى إلى البحر، قال: (بسم الله) بصحة يقين منه، فمشی على ظهر الماء. فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسی علیه السلام جازه: (بسم الله) بصحة يقين منه، فمشي على الماء و لحق بعیسی علیه السلام ، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عیسی روح الله يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء، فما فضله علي؟
قال علیه السلام : فرمس في الماء، فاستغاث بعیسی علیه السلام فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير؟ قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء، و أنا أمشي على الماء، فدخلني من ذلك عجب. فقال له عیسی: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز و جل مما قلت. قال: فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله، ولا يحسدن بعضكم بعضا.(2)
15 -[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، حفص بن غیاث، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:قال علیه السلام : من ذهب أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين.
فقلت: إنما یری أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي. فقال علیه السلام : هيهات هيهات، فلعله أن يكون غفر له ما أتی، و أنت موقوف محاسب، أما تلوت قصة سحرة موسی علیه السلام .. الحديث. (3)
16 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، عن بعض أصحابنا: إن الله سبحانه أوحي إلى موسی علیه السلام : إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه.فجعل موسى لا
ص: 200
يعترض [يعرض] أحدا إلا و هو لا يجسر[يجترئ] أن يقول: إني خير منه.
فنزل عن الناس، و شرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: أصحب هذا، فجعل في عنقه حبلاً. ثم مر [جر] به، فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل و أرسله، فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده. فقال الله تعالى: و عزتي وجلالي، لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة.(1)
أقول، ويناسب الباب أيضا:
17 - [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى داود بن فرقد، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم، و كان في علم الله أنه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحمية و الغضب، فقال: «خَلَقتَنی مِن نَارٍ وَ خَلَقتَهُ مِن طِینٍ» .(2)
1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: جعلت فداك، ما أقلنا، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال علیه السلام : ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلا و أشار بيده -: ثلاثة.
قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال علیه السلام : رحم الله عمارا أبا اليقظان،
ص: 201
بایع و قتل شهيدا. فقلت في نفسي: ماشيء أفضل من الشهادة. فنظر علیه السلام إلی ،فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات أيهات! . (1)
1-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال علیه السلام: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلا - و أشار بيده -: ثلاثة.
قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال علیه السلام: رحم الله عمارا أبا اليقظان، بایع و قتل شهيدا. فقلت في نفسي: ماشيء أفضل من الشهادة. فنظر علیه السلام إلي، فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أیهات أيهات!.(2)
1 - [الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة] ، جعفر الفزاري، عن محمد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام ، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد علیه السلام نظرت إلى ثياب بیاض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله!
ص: 202
فقال علیه السلام متبسما: یا كامل، و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لي: يا کامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت:یا سیدي، و من هم؟ قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ»(1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلى أبو محمد علیه السلام متبسما فقال: یا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجه من بعدي. فقمت و خرجت ولم أعاینه بعد ذلك.
قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به.(2)
يوسف: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» (53)
1 -[ السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال]، بإسناده إلى هارون بن موسى التلعکبري، بإسناده إلى أبي عبد الله علیه السلام ، قال: تقول عند حضور شهر رمضان:
(اللهم هذا شهر رمضان المبارك الذي أنزلت فيه القرآن و جعلته هدى للناس وبينات من الهدى و الفرقان قد حضر، فسلمنا فيه و سلمه لنا و تسلمه منا في يسر منك و عافية.
و أسألك اللهم أن تغفر لي في شهري هذا و ترحمني فيه و تعتق رقبتي من النار .. اللهم
ص: 203
إني أستغفرك و أتوب إليك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه، و مما.. حدثت به نفسي مما هو لك معصية، و كل يمين زور، و من كل فاحشة و ذنب و خطيئة عملتها في سواد الليل و بياض النهار في ملاء أو خلاء مما علمته أو لم أعلمه، ذكرته أو لم أذكره، سمعته أو لم أسمعه، عصيتك فيه ربي طرفة عين، و فيما سواها من حل أو حرام تعديت فيه أو قصرت عنه، منذ يوم خلقني إلى يوم جلست مجلسي هذا، فإني أتوب إليك منه و أنت یا کریم تواب رحيم.. الدعاء.) (1)
2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی بکر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر علیه السلام كتابا و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب علیه السلام إلى بحوائج، و في آخر کتابه: عندي سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل إمام.
و کنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله، فلما صرت إلى المدينة و دخلت عليه علیه السلام، نظر إلي فقال: استغفر الله لما أضمرت و لا تعد.
قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟ قال: لا أخبر به أحدا. قال: و خرج بإحدى رجلي العرق المدني، و قد قال لي قبل أن خرج العرق في رجلي، و قد عاهدته فكان آخر ما قال: إنه ستصيب وجعا فاصبر، فأيما رجل من شيعتنااشتکی فصبر و احتسب كتب الله له أجر ألف شهيد.
فلما صرت في بطن مر ضرب على رجلي و خرج بي العرق، فما زلت شاكيا أشهرا. و حججت في السنة الثانية، فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك، عوذ رجلي، و أخبرته أن هذه التي توجعني. فقال علیه السلام: لا بأس على هذه، أرني رجلك الأخرى الصحيحة. فبسطتها بين يديه و عوذها، فلا قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي فعلمت أنه عوذها قبل من الوجع، فعافاني الله من بعد. (2)
ص: 204
1- [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، و لم أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك یاعثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها فإن سياحة أمتي المساجد..الحديث. (1)
2-[ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهادالصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس و لم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.. الحديث.(2)
1 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال: كنت فيما بين مكة والمدينة أنا و صاحب لي، فتذاكرنا الأنصار، فقال أحدنا: هم نزاع من قبائل. و قال أحدنا: هم من أهل اليمن. قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو جالس في ظل شجرة، فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا: إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زماناً طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرماً و بنيتهم ربا أو ربة. فقال: إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم و سبيت ذريتهم و هدمت بنيتهم.
قال: فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه. قال: فدعا العلماء و أبناء الأنبياء، فقال:
ص: 205
انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟ قال: فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم. قالوا: حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك. قال: و لم هذا؟ قالوا: لأن البلد حرم الله و البيت بيت الله و سکانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن علیه السلام . فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.
قال: فحدث نفسه بخير، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مکانهما. قال: فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم، ثم أتي البيت و كساه و أطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال، و نثرت الأعلاف في الأودية للوحش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.(1)
2 - [الطبرسي في مجمع البيان]، عن محمد بن إسحاق قال: أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء، فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك، قال: و بالمدينة إذ ذاك اليهود و الأوس و الخزرج، فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة، فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح، و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي، فقال له أحيحة: أيها الملك، نحن قومك، و قال بنيامين: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت.
قال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحاً قصفت يديه و رجليه، و شنجت جسده، فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟
قالوا: حدثت نفسك بشيء؟ قال: نعم. و ذکر ما أجمع عليه من هدم البيت وأصابه ما فيه. قالوا: ذاك بیت الله الحرام، ومن أراده هلك. قال: ويحكم، وما المخرج ممادخلت فيه؟
قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له. فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا والمروة و کسا البيت.. الخبر.(2)
ص: 206
1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسی علیه السلام ، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالى كاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.
قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام : إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (1)
2 - [المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا]، قال: حكي عن زید النساج، قال: كان لي جار و هو شيخ كبير عليه آثار النسك و الصلاح، و كان يدخل إلى بيته و يعتزل عن الناس ولا يخرج إلا يوم الجمعة.
قال زيد النساج: فمضيت يوم الجمعة إلى زيارة زين العابدين، فدخلت إلی مشهده و إذا أنا بالشيخ الذي هو جاري قد أخذ من البئر ماء و هو يريد أن يغتسل غسل الجمعة و الزيارة، فلما نزع ثيابه و إذا في ظهره ضربة عظيمة فتحتها أكثر من شبر و هي تسيل قيحا و مدة، فاشمأز قلبي منها فحانت منه التفاتة فرآني فخجل، فقال لي: أنت زید النساج؟ فقلت: نعم. فقال لي: يا بني عاوني على غسلي. فقلت: لا و الله لا أعاونك حتى تخبرني بقصة هذه الضربة التي بين كتفيك، و من كف من خرجت، و أي شيء كان سببها؟
فقال لي: يا زيد أخبرك بها بشرط أن لا تحدث بها أحداً من الناس إلا بعد موتي. فقلت: لك ذلك. فقال: عاوني على غسلي فإذا لبس أطماري حدثتك بقصتي. قال زيد: فساعدته فاغتسل ولبس ثيابه وجلس في الشمس وجلست إلى جانبه، وقلت له: حدثني يرحمك الله.
فقال لي: إعلم أنا كتا عشرة أنفس قد تواخينا على الباطل، و توافقنا على قطع الطريق وارتكاب الآثام. و كانت بيننا نوبة نديرها في كل ليلة على واحد منا، ليصنع لنا طعاما
ص: 207
نفيساً و خمراً عتيقاً و غير ذلك. فلما كانت الليلة التاسعة و كنا قد تعشينا عند واحد من أصحابنا و شربنا الخمر ثم تفرقنا و جئت إلى منزلي و نمث أيقظتني زوجتي و قالت لي: إن الليلة الآتية نوبتها عليك، و لا عندنا في البيت حبة من الحنطة. قال: فانتبهت و قد طار السكر من رأسي و قلت: كيف أعمل؟ و ما الحيلة؟ و إلى أين أتوجه؟ فقالت لي زوجتي: الليلة ليلة الجمعة و لا يخلو مشهد مولانا علي بن أبي طالب علیه السلام من زوار یأتون إليه يزورونه، فقم و امض و اکمن على الطريق فلا بد أن ترى أحداً فتأخذ ثيابه فتبيعها و تشتري شيئا من الطعام لتتم مروءتك عند أصحابك و تكافئهم على صنيعهم.
قال: فقمت و أخذت سيفي و حجفتي، و مضيت مبادراً و كمنت في الخندق الذي في ظهر الكوفة، و كانت ليلة مظلمة ذات رعد و برق، فأبرقت برقة فإذا أنا بشخصين مقبلين من ناحية الكوفة. فلما قربا مني برقت برقة أخرى فإذا هما امرأتان، فقلت في نفسي: في مثل هذه الساعة أتاني امرأتان. ففرحت و وثبت إليهما، و قلت لهما انزعا الحلي الذي عليكما سريعا. فطرحاه، فأبرقت السماء برقة أخرى، فإذا إحداهما عجوز و الأخرى شابة من أحسن النساء وجها، كأنها ظبية قناص أو درة غواص، فوسوس لي الشيطان على أن أفعل بها القبيح، و قلت في نفسي: مثل هذه الشابة التي لا يوجد مثلها حصلت عندي في هذا الموضع و أخليها؟ فراودتها عن نفسها، فقالت العجوز: يا هذا، أنت في حل مما أخذته منا من الثياب و الحلي، فخلنا نمضي إلى أهلنا، فو الله إنها بنت يتيمة من أمها و أبيها و أنا خالتها، و في هذه الليلة القابلة تزف إلى بعلها، و إنها قالت لي: يا خالة إن الليلة القابلة أزف إلى ابن عمي، و أنا و الله راغبة في زيارة سيدي علي بن أبي طالب علیه السلام، و إني إذا مضيت عند بعلي ربما لا يأذن لي بزيارته علیه السلام، فلما كانت هذه الليلة الجمعة خرجت بها لأزورها مولاها و سیدها أمير المؤمنين علیه السلام، فبالله عليك لا تهتك سترها و لا تفض ختمها و لا تفضحها بين قومها.
فقلت لها: إليك عني. و ضربتها و جعلت أدور حول الصبية و هي تلوذ بالعجوز و هي عريانة ما عليها غير السروال و هي في تلك الحال تعقد تكتها و توثقها عقداً فدفعت العجوز عن الجارية و صرعتها إلى الأرض و جلست على صدرهاو مسكت يديها بيد واحدة و جعلت أحل عقد التكة باليد الأخرى و هي تضطرب تحتي كالسمكة في يد الصياد و هي تقول: المستغاث بك يا الله، المستغاث بك يا علي بن أبي طالب علیه السلام ، خلصني
ص: 208
من يد هذا الظالم.
قال: فو الله، ما استتم كلامها إلا و حسست حافر فرس خلفي، فقلت في نفسي: هذا فارس واحد و أنا أقوى منه، و كانت لي قوة زائدة، و كنت لا أهاب الرجال قليلا أو كثيرا، فلما دنا مني فإذا عليه ثياب بيض و تحته فرس أشهب تفوح منه رائحة المسك. فقال لي: يا ويلك، خل المرأة. فقلت له: اذهب لشأنك فأنت نجوت و تريد تنجي غيرك. قال: فغضب من قولي، و نقفني بذبال سيفه بشيء قليل فوقعت مغشيا علي، لا أدري أنا في الأرض أو في غيرها، و انعقد لساني و ذهبت قوتي، لكني أسمع الصوت و أعي الكلام، فقال لهما: قوما البسا ثیابکما و خذا حليکما و انصرفا لشأنكما. فقالت العجوز: فمن أنت يرحمك الله، و قد من الله علينا بك، و إني أريد منك أن توصلنا إلى زيارة سيدنا و مولانا علي بن أبي طالب علیه السلام.
قال: فتبسم في وجوههما، و قال لهما: أنا علي بن أبي طالب. ارجعا إلى أهلكما فقد قبلت زیارتكما. قال: فقامت العجوز والصبية وقبلتا يديه ورجليه وانصرفتا في سرور وعافية.
قال الرجل: فأفقت من غشوتي و انطلق لساني، فقلت له: يا سيدي أنا تائب إلى الله على يدك، و إني لا عدت أدخل في معصيته أبدا. فقال: إن تبت تاب الله عليك. فقلت له: تبت، و الله على ما أقول شهيد. ثم قلت له: يا سيدي إن تركتني و في هذه الضربة هلكت بلا شك. قال: فرجع إلي و أخذ بيده قبضة من تراب ثم وضعها على الضربة، و مسح بيده الشريفة عليها، فالتحمت بقدرة الله تعالى.
قال زيد النساج: فقلت له: كيف التحمت وهذه حالها؟ فقال لي: و الله إنها كانت ضربة مهولة أعظم مما تراها الآن، و لكنها بقيت موعظة لمن يسمع ويري. (1)
1- [الشيخ في كتاب الغيبة] ، عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري القمي، قال: حدثني يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصبهان، قال:
حججت في سنة إحدى و ثمانین و مائتين، و ذكر دخوله في مكة و نزوله في بيت يعرف
ص: 209
بدار الرضا علیه السلام، و فيها عجوز من خدام أبي محمد الحسن علیه السلام، و كانت تلقى الحجة علیه السلام و كانت واسطة بينه علیه السلام و بين يعقوب إلى أن قال:
فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستة رضوية من ضرب الرضا علیه السلام قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم علیه السلام ، و كنت نذرت و نویت ذلك، فدفعتها إليها و قلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة علیهاالسلام أفضل مما ألقيها في المقام و أعظم ثوابا، فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة علیهاالسلام ، و كان في نيتي أن الذي رأيه هو الرجل، و إنما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت و بقيت ساعة ثم نزلت فقالت: يقول علیه السلام لك: ليس لنا فيها حق،اجعلها في الموضع الذي نویت، و لكن هذه الرضوية خذ منا بدلها و ألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت.. الخبر.(1)
1- [ابن شهر آشوب في المناقب]، في تأويل قوله تعالى:«إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (2)، عن تفسير وكيع، والسدي، وعطاء، عن ابن عباس أنه قال: أهدي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ناقتان عظيمتان سمینتان، فقال صلی الله علیه و آله وسلم للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما و ركوعهما و سجودهما ووضوئهما و خشوعهما، لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، و لا يحدث قلبه بفكر الدنيا، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين؟ فقالها صلی الله علیه و آله وسلم مرة ومرتين و ثلاثا، لم يجبه أحد من أصحابه . فقام أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أنایا رسول الله أصلي ركعتين، أكبر التكبيرة الأولى إلى أن أسلم منهما، لا أحدث نفسي بشيء من أمور الدنيا، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا علي، صل صلى الله عليك.
قال: فكبر أمير المؤمنين علیه السلام ودخل في الصلاة، فلا سلم من الركعتين هبط جبرئيل علیه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: أعطه إحدى الاقتين.
ص: 210
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أنا شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء من أمور الدنيا أن أعطيه إحدى الناقتين، و إنه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ.
فقال جبرئیل: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: تفكر علیه السلام أيهما يأخذ أسمنهما فينحرها فيتصدق بها لوجه الله تعالى، فكان تفكره لله تعالى لا لنفسه ولا للدنيا. فبکی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أعطاه كلتيهما فنحرهما و تصدق بهما، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية يعني به أمير المؤمنين علیه السلام أنه خاطب نفسه في صلاته لله تعالى لم يتفكر فيها بشيء من أمور الدنيا. (1)
2- [فقه الرضا علیه السلام ]، باب الصلوات المفروضة، قال صلوات الله عليه: إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة، فلا تقم إليها متکاسلا و لا متناعسا و لا مستعجلا ولا متلاهيا، و لكن تأتيها على السكون و الوقار و التؤدة،- إلى أن قال علیه السلام :۔
واعلم أنك بين يدي الجبار، و لا تعبث بشيء من الأشياء، و لا تحدث لنفسك، و أفرغ قلبك، و ليكن شغلك في صلاتك، و أرسل يديك، ألصقهما بفخذيك، فإذا افتتحت الصلاة فكبر و ارفع يديك بحذاء أذنيك، و لا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك، و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك، و لا بأس بذلك في النافلة و الوتر، فإذا رکعت فألقم ركبتيك براحتيك، و تفرج بين أصابعك، و اقبض عليهما .. الخبر.(2)
3 - [الصدوق في علل الشرائع]، بإسناده إلى حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: عليك بالإقبال على صلاتك، فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه منها بقلبك، و لا تعبث فيها بيديك و لا برأسك و لا بلحيتك، و لا تحدث نفسك، و لا تتثاءب و لاتتمط ولا تكفر فإنها يفعل ذلك المجوس، ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك: (آمین)، فإن شئت قلت: (الحمد لله رب العالمين).. الخبر.(3)
4 -[ المجلسي في البحار، عن الشيخ محمد بن علي الجبعي رحمه الله ، نقلا من جامع البزنطي] بإسناده عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها، و لا تحدث نفسك
ص: 211
إن قدرت على ذلك، و اخضع برقبتك، و لا تلتفت فيها، ولا يجز طرفك موضع سجودك، و صف قدميك و أثبتهما، و أرخ يديك، و لا تكفر، و لا تورك.(1)
5 - [الشيخ في المصباح والسيد ابن طاووس في جمال الأسبوع]، صلاة أخرى لعلي علیه السلام : تصلي يوم الجمعة، فأول ما تبدأ به أن تقول عند وضوئك: (بسم الله .. الدعاء، ثم امض إلى المسجد وقل حين تدخله قبل أن تستفتح الصلاة - وذكر دعاءاً -، ثم أمكن قدميك من الأرض، و ألصق إحداهما بالأخرى، وإياك والإلتفات و حدیث النفس، واقرأ في الركعة الأولى: «الحَمدُ لِلهِ رَبِّ العَلَمِینَ» و«قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ» الخبر.(2)
6 - [الصدوق في الخصال]، أبو بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه علیهم السلام ، أن أميرالمؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه و دنياه، إلى أن قال علیه السلام :- و لا يقومن أحدكم في الصلاة متكاسلا ولا ناعسا، و لا يفكرن في نفسه، فإنه بين يدي ربه عز وجل، و إنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها بقلبه..الحديث.(3)
7 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي أن عليا علیه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليا إذا سلم من صلاة الفجر بالناس. فأتی خالد و جلس إلى جنب علي علیه السلام و معه سیف، فتفكر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله: أن بني هاشم يقتلونني إن قتل علي علیه السلام ، فلما فرغ من التشهد، التفت إلى خالد قبل أن يسلم و قال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.
فقال علي علیه السلام لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم. فمد علیه السلام يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و كادت عيناه تسقطان، و ناشده بالله أن يتركه، و شفع إليه الناس، فخلاه.. الخبر(4)
ص: 212
1-[ محمد بن یعقوب في الكافي]، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتى رجل النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، أشكو إليك ما ألقي من الوسوسة في صلاتي، حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان.
فقال صلی الله علیه و آله وسلم : إذا دخلت في صلاتك، فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة(1)، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنك تنحره و تطرده .(2)
2 - [علي بن الحسن في مشكاة الأنوار]، عن السكوني قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا خفت حديث النفس في الصلاة فأطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.(3)
3 -[ الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هو في صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (4)
4 - [المحدث النوري في المستدرك]، الشيخ حسين بن عبد الصمد في العقد الحسيني، قال: رويت عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن بعض الصحابة شكا إليه صلی الله علیه و آله وسلم الوسوسة، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلواتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ذلك شيطان يقال له: (خنرب)، فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعل ذلك فأذهب الله عني.
قال: و رويت عن ابن عباس أنه شكا إليه بعضهم الوسوسة، فقال: إذا وجدت في قلبك شيئا فقل: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (5)
ص: 213
5 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام] ، حریز بن عبد الله السجستاني، عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، إني أجد بلابل في صدري و وساوس في فؤادي حتى لربما قطع صلاتي و شوش على قراءتي.
قال علیه السلام : وأين أنت من عوذة أمير المؤمنين علیه السلام ؟ قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علمني.
قال علیه السلام: إذا أحسست بشيء من ذلك فضع يدك عليه (1)و قل: بسم الله و بالله، اللهم مننت علي بالإيمان و أودعتني القرآن و رزقتني صيام شهر رمضان فامنن علي بالرحمة و الرضوان و الرأفة و الغفران و تمام ما أوليتني من النعم و الإحسان، يا حنان يا منان يا دائم یا رحمان سبحانك و ليس لي أحد سواك سبحانك أعوذ بك بعد هذه الكرامات من الهوان، و أسألك أن تجلي عن قلبي الأحزان.
تقولها ثلاثا فإنك تعافي منها بعون الله تعالى، ثم تصلي على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و السلام عليهم و رحمة الله . (2)
6 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام]، عن عبد الله بن سنان قال: شکا رجل إلى أبي عبد الله علیه السلام كثرة التمني و الوسوسة، فقال علیه السلام : أمر يدك على صدرك ثم قل: بسم الله و بالله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم امسح عني ما أحذر. ثم أمر يدك على بطنك و قل ثلاث مرات، فإن الله تعالى يمسح عنك و يصرف. قال الرجل: فكنت كثيرا ما أقطع صلاتي مما يفسد علي التمني و الوسوسة، ففعلت ما أمرني به سيدي و مولاي ثلاث مرات فصرف الله عني و عوفيت منه فلم أحس به بعد ذلك. (3)
1 - [المجلسي في البحار، من كتاب الحسين بن سعيد و النوادر]، الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: سمعته علیه السلام يقول: إن داود النبي صلوات الله عليه كان
ص: 214
ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدت حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود، و حدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة؟ فأوحى الله إليها: تكلمي. فقالت له: يا داود، هل سمعت حسي، أو استبنت على الصفا أثري؟ فقال لها داود: لا. قالت: فإن الله يسمع دبيبي ونفسي وحتي، ويرى أثر مشي، فاخفض من صوتك.(1)
1- [الصدوق في الأمالي]، بالإسناد أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام فأذن لي، فلما جلست قال علیه السلام : يا أبا هاشم، أي نعم الله عز و جل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبو هاشم: فوجمت (2) فلم أدر ما أقول له علیه السلام .
فابتدأ علیه السلام، فقال: رزقك الإيمان، فحرم بدنك على النار، و رزقك العافية، فأعانتك على الطاعة، و رزقك القنوع، فصانك عن التبذل. یا أبا هاشم، إنما ابتدائك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها. (3)
1 -[ العياشي في تفسيره]، عن بكر بن محمد الأزدي عن عمه عبد السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال علیه السلام: يا عبد السلام، احذر الناس و نفسك. فقلت: بأبي أنت و أمي، أما الناس فقد أقدر على أن أحذرهم، و أما نفسي فكيف؟
قال علیه السلام: إن الخبيث يسترق السمع يجيئك فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي فيقول: قال عبدالسلام. فقلت: بأبي أنت وأمي هذاما حيلة له! قال قال علیه السلام : هو ذاك.(4)
ص: 215
ص: 216
ص: 217
ص: 218
1 - [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]، عن ابن عباس، في جواب أمير المؤمنين علیه السلام عن سؤال اليهودي الذي سأله عن قصة أصحاب الكهف وأسمائهم وعددهم واسم کلبهم واسم کهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم، فقال علي علیه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود،- إلى أن قال علیه السلام: - فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له:( تمليخا)، و كان غلاما، فقال في نفسه: لو كان دقیانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع، و ما كان يبول و لا يتغوط، و ما كان ينام، و ليس هذه من فعل الإله.
قال علیه السلام : و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم، و کانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه، قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام و الشراب و المنام. قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء، فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد و لا علاقة من فوقها؟ و من أجرى فيها شمسا و قمرا آيتان مبصرتان [آیتین مبصرتين؟] و من زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض، فقلت : من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ و أطلت فكري في نفسي: من أخرجني جنينا من بطن أمي، و من غذاني؟ و من رباني؟ إن لها صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك، و ما هو إلا ملك الملوك، و جبار السماوات.
فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها و قالوا: بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشرعلينا.. الخبر.(1)
ص: 219
1- [الصدوق في علل الشرائع]، عن صالح بن سعيد الترمذي، عن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه: أن إدريس علیه السلام كان رجلا طويلا ضخم البطن، عريض الصدر، قليلا شعر الجسد، كثيرا شعر الرأس، و كانت إحدى أذنيه أعظم من الأخرى، و كان دقيق الصدر، دقيق المنطق، قریب الخطا إذا مشى، و إنما سمي (إدريس) لكثرة ما كان يدرس من حكم الله عز و جل و سنن الإسلام و هو بين أظهر قومه.
ثم إنه فكر في عظمة الله و جلاله، فقال: إن لهذه السماوات و لهذه الأرضین و لهذا الخلق العظيم و الشمس و القمر و النجوم و السحاب و المطر و هذه الأشياء التي تكون لربا يدبرها و يصلحها بقدرته، فكيف لي بهذا الرب فأعبده حق عبادته؟
فجلا بطائفة من قومه فجعل يعظهم و يذكرهم و يخوفهم و يدعوهم إلى عبادة خالق هذه الأشياء، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد حتى صاروا سبعة، ثم سبعين، إلى أن صاروا سبعمائة. ثم بلغوا ألفا، فلما بلغوا ألفا قال لهم: تعالوا نختر من خيارنا مائة رجل. فاختاروا من خيارهم مائة رجل، و اختاروا من المائة سبعين رجلا، ثم اختاروا من السبعين عشرة، ثم اختاروا من العشرة سبعة، ثم قال لهم: تعالوا فليدع هؤلاء السبعة و ليؤمن بقيتنا، فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته.
فوضعوا أيديهم على الأرض و دعوا طويلا، فلم يتبين لهم شيء، ثم رفعوا أيديهم إلى السماء فأوحى الله عز و جل إلى إدريس علیه السلام و نبأه و دله على عبادته و من آمن معه، فلم يزالوا يعبدون الله عز و جل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عز و جل إدريس علیه السلام إلى السماء و انقرض من تابعه على دينه إلا قليلا. ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك و أحدثوا الأحداث و أبدعوا البدع حتى كان زمان نوح علیه السلام.(1)
2. [تفسير الإمام العسكري علیه السلام ]، قال الله تعالى في قصة يحيي علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام -:
ص: 220
«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(1)يعني تا رأی زکریا علیه السلام عند مریم فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء، و قال لها: «يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2)، و أيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا و إن كنت شيخا و كانت امرأتي عاقرا، ف «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ » فقال: «قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»
قال الله عز و جل: «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» يعني نادت زکریا علیه السلام،«وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» قال: «مُصدِّقَاً» بعيسى علیه السلام، يصدق يحیی بعیسی،«وَسیِّدَاً» ، يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته، «وَحَصُورَاً» و هو الذي لا يأتي النساء، «وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(3) الحديث.(4)
3 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن رجاء بن أبي الضحاك، عن الرضا علیه السلام في حديث أنه علیه السلام كان يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد و آله، و يكثر من ذلك في الصلاة و غيرها، و كان إذا قرأ «قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ» ، قال علیه السلام سرا: (هو الله أحد)، فإذا فرغ منها قال: (كذلك الله ربنا) ثلاثا.. الخبر.(5)
4. [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: «للهِ الامرُ مِن قَبلُ وَمَن بَعدُ»(6)، فقال علیه السلام : له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.
فقلت في نفسي: هذا قول الله:«ألَا لَهُ الخَلقُ وَ الامرُ تَبَارَکَ اللهُ رَ بُّ العَالَمینَ»(7).
ص: 221
فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك،«ألَا لَهُ الخَلقُ وَالامرُ تَبَارَکَ اللهُ رَبُّ العَالَمِینَ»قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه. (1)
5- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام و الخصال]، تميم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت علي بن موسى الرضا علیهما السلام يقول: أوحى الله عزو جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله - إلى أن قال علیه السلام : - فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا! و بقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.. الحديث.(2)
6- [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام ]، عن عبد الله بن عباس قال: لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود، فسألوه عن أقفال السماوات ما هي؟ و عن مفاتيح السماوات ما هي؟ و عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وعمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس؟ و عن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لن يخلقوا في الأرحام؟ و ما يقول الدراج في صياحه؟ و ما يقول الديك و الفرس و الحمار و الضفدع و القنبر؟
فنکس عمر رأسه و قال: يا أبا الحسن، ما أری جوابهم إلا عندك.
فقال لهم علي علیه السلام: إن لي عليكم شريطة إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا. قالوا: نعم- وأسرد الخبر إلى أن قال:۔
و كانت الأحبار ثلاثة، فوثب اثنان و قالا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله. قال: فوقف الحبر الآخر و قال: يا علي، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي، و لكن بقيت خصلة أسألك عنها.
فقال علي علیه السلام : سل. قال: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فاتوا ثلاثمائة و تسع سنين، ثم أحياهم الله، ما كان قصتهم؟
ص: 222
فابتدأ علي علیه السلام و أراد أن يقرأ سورة الكهف، فقال الحبر: ما أكثر ما سمعنا قرآنكم، فإن کنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء، و بأسمائهم و عددهم و اسم کلبهم و اسم کهفهم و اسم ملكهم و اسم مدينتهم.
فقال علي علیه السلام : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود، حدثني محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها: أقسوس [أفسوس]، و كان لها ملك صالح فمات ملكهم، فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له: دقیانوس، فأقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة أقسوس [أفسوس] فاتخذها دار مملكته و اتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ، و اتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك، من الرخام الممرد، و اتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب، و اتخذ ألف قنديل من ذهب، لها سلاسل من اللجين (1) تسرج بأطيب الأدهان، ۔ إلى أن قال علیه السلام:۔
فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له:
(تمليخا)، و كان غلاما، فقال في نفسه: لو كان دقیانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع، و ما كان يبول و لا يتغوط، وما كان ينام، و ليس هذه من فعل الإله.
قال: و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم، و كانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه، قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام و الشراب و المنام. قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء، فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آیتان مبصرتان [آيتين مبصرتين]؟ ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض، فقلت: من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ و أطلت فکري في نفسي: من أخرجني جنينا من بطن أمي، و من غذاني؟ و من رباني؟ إن لها صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك، و ما هو إلا ملك الملوك، و جبار السماوات.
فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها وقالوا: بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشر
ص: 223
علينا.
قال: فوئب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم، و صرها في ردنه و ركبوا خيولهم و خرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تملیخا: يا إخوتاه، جاءت مسكنة الآخرة و ذهب ملك الدنيا، انزلوا عن خيولكم و امشوا على أرجلكم لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا و مخرجا.
فنزلوا عن خيولهم و مشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما. قال علیه السلام: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي: عندي ما تحبون، و لكن أرى وجوهكم وجوه الملوك و ما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك.
قالوا: يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها و يقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، و لكن أمهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها و ألحق بكم. فتوقفواله فرد الأغنام و أقبل يسعى يتبعه الكلب له..الخبر.(1)
1۔ [ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل:(ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا). فقلت في نفسي: إن هذا هو الدقيق ! ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره ومن نفسه كل شيء.
فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود(2)
ص: 224
1 - [الصدوق في إكمال الدين]، سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له: أحمد ابن فارس الأديب يقول: سمعت ب(همذان) حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أثبتها له بخطي و لم أجد إلى مخالفته سبيلا، و قد كتبتها و عهدتها إلى من حکاها، و ذلك أن بهمذان ناسا يعرفون ب(بني راشد) و هم كلهم يتشيعون و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشیعهم من بين أهل همذان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا و سمتا: إن سبب ذلك أن جدنا الذي ننسب إليه خرج حاجا فقال: إنه لما صدر من الحج و ساروا منازل في البادية قال: فنشطت في النزول والمشي، فمشيت طويلا حتى أعييت و تعبت، و قلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.
قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس، ولم أر أحدا، فتوحشت و لم أر طريقا و لا أثرا، فتوكلت على الله عز وجل، و قلت: أسير حيث وجهني. و مشیت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، و إذا تربتها أطيب تربة و نظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف، فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده و لم أسمع به؟
فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا علي ردا جميلا و قالا: اجلس فقد أراد الله بك خيرا. و قام أحدهما فدخل و احتبس غير بعيد، ثم خرج فقال: قم فادخل. فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوأ منه، و تقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل. فدخلت البيت فإذا فتی جالس في وسط البيت و قد علق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمس رأسه، و الفتی بدر يلوح في ظلام، فسلمت فرد السلام بألطف الكلام و أحسنه، ثم قال لي: أتدري من أنا؟
فقلت: لا و الله. فقال: أنا القائم من آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف . -و أشار إليه -، فأملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. فسقطت على وجهي و تعفرت، فقال: لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان.
ص: 225
قلت: صدقت یا سیدی و مولاي. قال: فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيدي، و أبشرهم بما أتاح الله عز و جل لي. فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي وناولني صرة و خرج و مشی معي خطوات، فنظرت إلى ظلال و أشجار و منارة مسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأستاباد و هي تشبهها. قال: فقال: هذه أستاباد، امض راشدا.
فالتفت فلم أره و دخلت أستاباد و إذا في الضرة أربعون أو خمسون دینارا، فوردت همذان و جمعت أهلي و بشرتهم بما أتاح الله لي و يسره عز وجل، و لم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.(1)
2 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن أسباط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لقي الحسن بن علي علي علیهما السلام عبد الله بن جعفر رضی الله عنه، فقال علیه السلام : يا عبد الله، كيف يكون المؤمن مؤمنا و هو يسخط قسمه و يحقر منزلته و الحاكم عليه الله؟ و أنا الضامن لمن لم یهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له. (2)
قال المجلسي قدس سره : في القاموس: هجس الشيء في صدره يهجس: خطر بباله، أو هو أن يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس، و يدل على أن الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.
1 -[ الشيخ في الغيبة]، سعد بن عبد الله، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري علیه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر، و قد كان أشار إليه و دل عليه، و إني لأفكر في نفسي و أقول: هذه قصة أبي إبراهيم علیه السلام و قصة إسماعيل.
فأقبل علي أبو الحسن علیه السلام و قال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي جعفر، و صير مكانه أبا محمد علیه السلام، کما بدا له في إسماعيل بعد ما دل عليه أبو عبد الله علیه السلام و نصبه، و هو كما
ص: 226
حدثتك نفسك و إن كره المبطلون. أبو محمد علیه السلام ابني، الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، و معه آلة الإمامة و الحمد لله .(1)
2. [محمد بن يعقوب في الكافي] ، علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، و إني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما - أعني أبا جعفر و أبا محمد علیه السلام - في هذا الوقت كأبي الحسن موسی علیه السلام و إسماعيل ابني جعفر بن محمد علیه السلام، و إن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد علیه السلام المرجی بعد أبي جعفر، فأقبل علي أبو الحسن علیه السلام قبل أن أنطق، فقال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي محمد علیه السلام بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسی علیه السلام بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله، و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون، و أبو محمد علیه السلام ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، و معه آلة الإمامة. (2)
1 - [المجلسي في البحار، عن أسرار الصلاة]، روي : أن رجلا من بني إسرائيل قال: و الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي، و صائما لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدةطويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.
فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلانا، الآن أقبل على الخير.(3)
ص: 227
1-[ الطبرسي في مجمع البيان]، في قوله تعالى: «وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ»(1) قال الطبرسي رحمه الله: في سبب نزوله أقوال:
أحدها: أن قريشا قالت للنبي صلی الله علیه و آله وسلم: لا ندعك تستلم الحجر حتى تلم بآلهتنا. فحدث نفسه و قال: ما علي في أن ألم بها و الله يعلم أني لها لكاره و يدعونني أستلم الحجر، فنزلت. عن ابن جبير.. الخ.(2)
1- [الصدوق في إكمال الدين]، علي بن مهزیار، عمن ذكره، عن موسی بن جعفر علیهما السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي رضی الله عنه؟
قال علیه السلام: نعم، حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و آله و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام لسلمان: یا با عبد الله، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟
فقال سلمان: و الله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته - وساق الخبر إلى أن قال: فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: و الله ما هؤلاء كلهم أنبياء، و إن فيهم نبيا. قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط و الغمامة تسير معهم، فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام و أبو ذر و المقداد و عقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل، و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لهم: كلوا الحشف و لا تفسدوا على القوم شيئا. فدخلت على مولاتي فقلت لها: يامولاتي، هبي لي طبقا من رطب. فقالت: لك ستة أطباق.
ص: 228
قال: فجئت فحملت طبقا من رطب، فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة و يأكل الهدية، فوضعته بين يديه فقلت: هذه صدقة. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : كلوا و أمسك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب، و قال لزيد: مد يدك و کل. فأكلوا و قلت في نفسي: هذه علامة. فدخلت إلى مولاتي، فقلت لها: هبي طبقا آخر. فقالت: لك ستة أطباق. قال: جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية. فمد صلی الله علیه و آله وسلم يده قال: بسم الله، کلوا فمد القوم جميعا أيديهم و أكلوا. فقلت في نفسي: هذه أيضا علامة. قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلی الله علیه و آله وسلم التفاتة، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا روزبه، تطلب خاتم النبوة؟
فقلت: نعم، فکشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه، عليه شعرات. قال: فسقطت على قدم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أقبلها.. الخبر.(1)
2 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، سلمة اللؤلؤي، عن رجل، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان و أبي ذر؟
فقال الرجل - و أخطأ -: أما إسلام سلمان فقد عرفته، فأخبرني بإسلام أبي ذر فقال علیه السلام: إن أبا ذر كان في بطن مر يرعى غنما له، فأتي ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر، ثم قال له أبو ذر: ما رأيت ذئبا أخبث منك و لا شرا.
فقال له الذئب: شر و الله مني أهل مكة، بعث الله عز وجل إليهم نبيا فكذبوه و شتموه. فوقع في أذن أبي ذر، فقال لامرأته: هلمي مزودي و إداوتي و عصای ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب و ما أتاه به، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة و قد تعب و نصب، فأتی زمزم و قد عطش، فاغترف دلوا فخرج لبن، فقال في نفسه: هذا و الله يدلني على أن ما خبرني الذئب و ما جئت له حق. فشرب و جاء إلى جانب من جوانب المسجد، فإذا حلقة من قریش، فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي صلی الله علیه و آله وسلم كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم و الشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه..
ص: 229
- إلى أن قال - فقال أبو عبد الله علیه السلام : هذا حديث أبي ذر و إسلامه رضی الله عنه و أما حديث سلمان فقد سمعته. فقال: جعلت فداك، حدثني بحديث سلمان.
فقال علیه السلام : قد سمعته. ولم يحدثه لسوء أدبه. (1)
3 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى الحسين بن عمر بن یزید، قال: دخلت على الرضا علیه السلام و أنا يومئذ واقف، و قد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست و أمسك عن السابعة. فقلت: والله لأسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة. فسألته فأجاب علیه السلام بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست، فلم يزد في الجواب واوا و لا ياء و أمسك عن السابعة، و قد كان أبي قال لأبيه: إني أحتج عليك عند الله يوم القيامة أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما، فوضع علیه السلام يده على عنقه ثم قال له: نعم، احتج على بذلك عند الله عز وجل، فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي.
فلما ودعته علیه السلام قال: إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلي ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: و الله ما كان لهذا ذكر. فلا مضيت و کنت في بعض الطريق خرج بي عرق المديني، فلقيت منه شدة. فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه علیه السلام و قد بقي من وجعي بقية، فشكوت إليه و قلت له: جعلت فداك، عوذ رجلي، و بسطتها بين يديه.
فقال علیه السلام لي: ليس على رجلك هذه بأس، و لكن أرني رجلك الصحيحة. فبسطتها بين يديه فعوذها. فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتى خرج بي العرق و كان وجعه يسيرا.(2)
4 - [المجلسی في البحار من کتاب مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش]، بطريقين إلى سلمان و البراء، قالا: قالت أم سلیم: کن امرأة قد قرأت التوراة و الإنجيل فعرفت أوصياء الأنبياء و أحببت أن أعلم وصي محمد صلی الله علیه و آله وسلم فلما قدمت رکابنا المدينة أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و خلفت الركاب مع الحي فقلت: يا رسول الله - إلى أن قال: - قد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصيا واحدا في حياتك و بعد وفاتك، فبين لي بنفسي
ص: 230
أنت يا رسول الله من وصيك؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن لي وصيا واحدا في حياتي و بعد وفاتي. قلت له: من هو؟
فقال صلی الله علیه و آله وسلم: ایتيني بحصاة. فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه، ثم فركها بیده کسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه صلی الله علیه و آله وسلم، فبدا النقش فيها للناظرين، ثم أعطانيها و قال: يا أم سليم، من استطاع مثل هذا فهو وصيي. قالت: ثم قال لي: يا أم سليم، وصیي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن. فنظرت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و قد ضرب بيده اليمنى إلى السقف و بيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلی الأرض ولا يرفع نفسه بطرف قدميه.
قالت: فخرجت فرأيت سلمان يكنف عليا علیه السلام و يلوذ بعقوته(1) دون من سواه من أسرة محمد صلی الله علیه و آله وسلم وصحابته على حداثة من سنه. فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي، صاحب الأوصياء و عنده من العلم ما لم يبلغني، فيوشك أن يكون صاحبي.
فأتيت علياً فقلت: أنت وصی محمد صلی الله علیه و آله وسلم ؟ قال علیه السلام: نعم، ما تريدين؟ قلت: وما علامة ذلك؟ فقال علیه السلام: ایتيني بحصاة. قالت: فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين. ثم مشى علیه السلام نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فالتفت علیه السلام إلي ففعل مثل الذي فعله صلی الله علیه و آله وسلم، فقلت: من وصيك يا أبا الحسن؟ فقال علیه السلام : من يفعل مثل هذا.. الخبر.(2)
5- [ابن شهرآشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى
ص: 231
غرق بالمطر. و عاد علیه السلام و هو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة. (1)
6 -[ المجلسی في البحار من کتاب مجموع الدعوات للتلعکبري]، عن علي بن يقطين ابن موسى الأهوازي، قال: كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، و كان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام ما أستهزئ به و لا أقبله. فدعتني الحال إلى دخول سر من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلما كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح، و ركب أبو الحسن علیه السلام في زي الشتاء و عليه لبادة برنس و على سرجه تجفاف طويل، و قد عقد ذنب دابته و الناس يهزأون به و هو يقول: ألا «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» (2).
فلما توسطوا الصحراء و جازوا بين الحائطين ارتفعت سحابة و أرخت السماء عزاليها و خاضت الدواب إلى ركبها في الطين و لوثتهم ذنابها، فرجعوا في أقبح زي و رجع أبو الحسن علیه السلام في أحسن زي و لم يصبه شيء مما أصابهم. فقلت: إن كان الله عز و جل أطلعه على هذا السر فهو حجة، و جعلت في نفسي أن أسأله عن عرق الجنب، فقلت: إن هو علیه السلام أخذ البرنس عن رأسه و جعله على قربوس سرجه ثلاثا فهو حجة. ثم إنه علیه السلام لجأ إلى بعض السقائف فلما قرب نحى البرنس و جعله على قربوس سرجه ثلاث مرات، ثم التفت علیه السلام إلى و قال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام. فصدقته علیه السلام و قلت بفضله و لزمته.. الخبر.(3)
7- [الخرائج و الجرائح]، قال يحيى بن المرزبان: التقيت مع رجل من أهل السيب سیماه الخير فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة و القول في أبي محمد علیه السلام و غيره، فقلت: لا أقول به أو أرى منه علامة. فوردت العسكر في حاجة، فأقبل أبو محمد علیه السلام،
ص: 232
فقلت في نفسي متعنتا: إن مد علیه السلام يده إلى رأسه فكشفه، ثم نظر ورده قلت به.
فلما حاذاني، مد يده إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه في ثم ردهما، ثم قال علیه السلام: یا یحیی، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة؟ قلت: خلفته صالحا. قال علیه السلام : لا تنازعه. ثم مضي.(1)
8 -[ الصدوق في إكمال الدين]، قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب: حدثنا أبو الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام و أحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتبا وقال: تمضي بها إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك، فمن؟ قال علیه السلام: من طالبك بجوابات کتبي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني. فقال علیه السلام: من يصلي علي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني.
فقال علیه السلام: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته علیه السلام أن أسأله ما في الهميان. و خرجت بالكتب إلى المدائن و أخذت جواباتها، و دخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي علیه السلام ، فإذا أنا بالواعية في داره و إذا أنا بجعفر بن على أخيه بباب الدار و الشيعة حوله يعزونه و یهنئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ و يقامر في الجوسق(2)، و يلعب بالطنبور. فتقدمت فعزيت و هنیت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد کفن أخوك فقم للصلاة عليه.
فدخل جعفر بن علي و الشيعة من حوله يقدمهم السمان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفربن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي
ص: 233
بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ(1) رداء جعفر بن علي و قال: تأخريا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي.
فتأخر جعفر و قد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه علیه السلام، و دفن إلى جانب قبر أبيه علیه السلام . ثم قال: يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك. فدفعتها إليه و قلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان.
ثم خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي؟ ليقيم عليه الحجة، فقال: والله مارأيته قط ولا عرفته. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي صلوات الله عليه فعرفوا موته، فقالوا: فمن نعزي؟
فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنأوه وقالوا:معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول:يريدون منا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان و فلان و هميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلسة. فدفعوا الكتب و المال و قالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام. فدخل جعفر بن علي على المعتمد و کشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية و طالبوها بالصبي فأنكرته و ادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، و بغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة و خروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم و الحمد لله رب العالمين لا شريك له.(2)
9- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی أبو محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل کاتب إبراهيم بن محمد قال: كنا أجرينا ذكر أبي الحسن علیه السلام فقال لي: يا أبا محمد، لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي و على أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم و الشتم، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن علیه السلام، فخرجنا إلى المدينة. فلما خرج علیه السلام و صرنا في بعض الطریق و طوينا المنزل - و كان منزلا صائفا شديد الحر-، فسألناه علیه السلام أن ينزل، فقال علیه السلام : لا.
ص: 234
فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب، فلما اشتد الحر و الجوع و العطش فبینما و نحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا و لا ظل ولا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه، قال علیه السلام: و ما لكم؟ أحسبكم جياعا و قد عطشتم.
فقلنا: إي و الله يا سيدنا قد عيينا. قال علیه السلام : عرسوا و كلوا و اشربوا. فتعجبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه و لا نرى ماء و لا ظلا.
فقال علیه السلام: ما لكم عرسوا. فابتدرت إلى القطار لأنيخ، ثم التفت و إذا أنا بشجرتين عظيمتين تستظل تحتهما عالم من الناس، و إني لأعرف موضعهما إنه أرض براح قفراء، و إذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده، فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا، و إن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، و جعلت أحد النظر إليه أتأمله طويلا، و إذا نظرت إليه تبسم و زوی وجهه عني. فقلت في نفسي: و الله لأعرفن هذا كيف هو، فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرین و تغوطت في ذلك الموضع و تهيأت للصلاة. فقال أبو الحسن علیه السلام: استرحتم؟ قلنا: نعم. قال: فارتحلوا على اسم الله. فارتحلنا، فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر و السيف کما وضعت و العلامة، و كأن الله لم يخلق ثم شجرة و لا ماء و لا ظلالا و لا بللا، فتعجبت من ذلك، و رفعت يدي إلى السماء، فسألت الله الثبات على المحبة و الإيمان به و المعرفة منه، و أخذت الأثر، فلحقت القوم.
فالتفت إلى أبو الحسن علیه السلام و قال: يا أبا العباس، فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد کنت شاکا و أصبحت أنا عند نفسي من أغنى الناس في الدنيا و الآخرة. فقال علیه السلام: هو كذلك، هم معدودون معلومون، لا يزيد رجل ولا ينقص.(1)
10 - [حسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات]، روي عن الحسن بن علي الوشاء، قال: شخصت إلى خراسان و معي حلل وشي للتجارة، فوردت مدينة مرو ليلا، و کنت أقول بالوقف على موسی بن جعفر علیهما السلام ، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: يقول لك سيدي: وجه إلي بالحبرة التي معك لأكفن بها مولى لنا قد توفي.
فقلت له: و من سيدك؟ قال: علي بن موسى الرضا علیهما السلام . فقلت: ما معي حبرة و لا حلة إلا وقد بعتها في الطريق. فمضى، ثم عاد إلي فقال لي: بلى قد بقيت الحبرة قبلك.
ص: 235
فقلت له: إني ما أعلمها معي. فمضى و عاد الثالثة فقال: هي في عرض السفط الفلاني.
فقلت في نفسي: إن صح قوله فهي دلالة، و كانت ابنتي قد دفعت إلى حبرة (1)و قال [قالت]: ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج و السبج من خراسان (2) ونسيتها، فقلت لغلامي: هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إلي و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه، فدفعتها إليه و قلت: لا آخذ لها ثمنا.
فعاد إلي و قال: تهدي ما ليس لك، دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا و سبجا فابتع لها بهذا ما سألت، و وجه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان، فعجبت مما ورد علي.. الخبر.(3)
11 -[ البرسي في مشارق الأنوار]، أن رجلا من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار، و قال في نفسه: إن عرف الرضا علیه السلام معناه فهو ولي الأمر. فلما أتى الباب وقف ليخف المجلس، فخرج إليه الخادم و بیده رقعة فيها جواب مسائله بخط الإمام علیه السلام ، فقال له الخادم: أين الطومار فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي الله علیه السلام : هذا جواب ما فيه. فأخذه و مضى.(4)
12 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنه كان بديار ربيعة كاتب نصراني، و كان من أهل كفرتوثا، يسمى: يوسف بن يعقوب. و كان بينه و بين والدي صداقة، قال:
فوافي فنزل عند والدي، فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت إلى حضرة المتوكل، و لا أدري ما يراد مني، إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، و قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا علیهم السلام معي.
فقال له والدي: قد وفقت في هذا. قال: و خرج إلى حضرة المتوكل و انصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له والدي: حدثني حديثك. قال: صرت إلى سر من رأى
ص: 236
و ما دخلتها قط، فنزلت في دار و قلت: أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا علیه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل و قبل أن يعرف أحد قدومي. قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، و أنه ملازم لداره. فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره. قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره علیه السلام من غير أن أسأل أحدا.
قال: فجعلت الدنانير في كاغذة و جعلتها في كمي و ركبت، فكان الحمار يتخرق الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟
فقيل: هذه دار ابن الرضا علیهما السلام . فقلت: الله أكبر! دلالة و الله مقنعة. قال: و إذاخادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل. فنزلت فأقعدني في الدهليز فدخل، فقلت في نفسي: هذه دلالة أخرى، من أين عرف هذا الغلام اسمي و ليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخله قط؟
قال: فخرج الخادم، فقال: مائة دينار التي في كمك في الكاغذهاتها. فناولته إياها، قلت: و هذه ثالثة.
ثم رجع إلى و قال: ادخل. فدخلت إليه علیه السلام و هو في مجلسه وحده، فقال: يايوسف، ما آن لك؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفي. فقال علیه السلام: هيهات، إنك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شیعتنا.
يا يوسف، إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا و الله، إنها لتنفع أمثالك، امضي فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب. قال: فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كل ما أردت فانصرفت. قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا - يعني بعد موت والده - و الله و هو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية و أنه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول: أنا بشارة مولاي علیه السلام.(1)
ص: 237
أقول، ويناسب الباب أيضا:
13 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل الصيرفي، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فسألته عن أشياء و أردت أن أسأله عن السلاح فأغفلته، فخرجت و دخلت على أبي الحسن بن بشير، فإذا غلامه علیه السلام و معه رقعته، و فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي علیه السلام و وارثه، و عندي ما كان عنده).(1)
1۔ [ابن شهر آشوب في المناقبه]، عن عكرمة قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لحقني من الجزع عليه صلی الله علیه و آله وسلم ما لم يلحقني قط ولم أملك نفسي، و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليفر، و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل. و حملت على القوم فأفرجوا عني و إذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه صلی الله علیه و آله وسلم فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟
فقلت: كفروا یا رسول الله و ولوا الدبر من العدو و أسلموك. فنظر النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة. فحملت عليهاأضربها بسيفي يمينا و شمالا حتى ولوا الأدبار فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أما تسمع يا علي مديحك في السماء؟ إن ملكا يقال له: رضوان، ينادي: (لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي علیه السلام ). فبكيت سرورا و حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته.. الخبر.(2)
ص: 238
1-[ المحدث النوري في المستدرك من كتاب عبد الملك بن حكيم]، عن بشير النبال قال: كنت على الصفا و أبو عبد الله علیه السلام قائم عليها إذ انحدر و انحدرت في أثره.
قال: و أقبل [أبو] الدوانيق على جمازته و معه جنده على خيل و على إبل، فزحموا أبا عبد الله علیه السلام حتى خفت عليه علیه السلام من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي و أكون بينهم و بينه بيدي. قال: فقلت في نفسي: يا رب، عبدك و خير خلقك في أرضك، و هؤلاء شر من الكلاب قد كانوا يتعبونه.
قال: فالتفت علیه السلام إلى و قال: يا بشير. قلت: لبيك. قال علیه السلام : ارفع طرفك لتنظر. قال: فإذا و الله وافية أعظم مما عسيت أن أصفه. قال: فقال علیه السلام : يا بشير، إنا أعطينا ما ترى، و لكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا. (1)
2 -[ الصدوق في علل الشرائع]، عنه أبيه، و ابن الوليد معا، عن سعد، عن البرقي، عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله علیه السلام قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام إذ دخل عليه غلام کندة، فاستفتاه في مسألة فأفتاه علیه السلام فيها. فعرفت الغلام و المسألة، فقدمت الكوفة، فدخلت على أبي حنيفة فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها، فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله علیه السلام.
فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة، إني كنت العام حاجا فأتيت أبا عبد الله علیه السلام مسلما عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته.
فقال: و ما يعلم جعفر بن محمد؟ أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال و سمعت من أفواههم، و جعفر بن محمد صحفي. فقلت في نفسي: و الله لأحجن و لو حبوا.(2)
قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة، فحججت فأتيت أبا عبد الله علیه السلام، فحكيت له الكلام، فضحك علیه السلام، ثم قال: عليه لعنة الله، أما في قوله: إني رجل صحفي، فقد
ص: 239
صدق، قرأت صحف إبراهيم و موسی.
فقلت له علیه السلام: ومن له بمثل تلك الصحف؟ قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق و كان عنده جماعة من أصحابه . فقال علیه السلام للغلام: انظر من ذا. فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة. قال علیه السلام : أدخله. فدخل فسلم على أبي عبد الله علیه السلام فرد، ثم قال: أصلحك الله، أتأذن لي في القعود؟ فأقبل علیه السلام على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه، ثم قال الثانية و الثالثة، فلم يلتفت إليه. فجلس أبو حنيفة من غير إذنه. فلما علم علیه السلام أنه قد جلس التفت إليه فقال : أين أبو حنيفة؟ فقال: هو ذا أصلحك الله. فقال علیه السلام : أنت فقيه أهل العراق ؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، ولقد ادعیت علما ! ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم. ويلك، ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلی الله علیه و آله وسلم، وما ورثك الله من كتابه حرفا، فإن كنت کما تقول - ولست کما تقول - فأخبرني عن قول الله عزوجل: «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ»(1)، أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة.
فالتفت أبو عبد الله علیه السلام إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة و مكة، فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم و يقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة. فقال علیه السلام : يا أبا حنيفة، أخبرني عن قول الله عز و جل : «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا»(2) أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال علیه السلام : أفتعلم أن الحجاج بن یوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت. ثم قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله و لم تأت به الآثار و السنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس و أعمل فيه برأيي.
قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك و تعالى،فقال: « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(3) فسكت أبو حنيفة.
فقال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول. فقال علیه السلام: الناس
ص: 240
يغتسلون من الجنابة و لا يغتسلون من البول. فسكت. فقال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أيما أفضل الصلاة أم الصوم؟
قال: الصلاة. فقال علیه السلام: فما بال الحائض تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟ فسكت. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أخبرني عن رجل كانت له أم ولد و له منها ابنة، و كانت له حرة لا تلد، فزارت الصبية بنت أم الولد أباها، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر فواقع أهله التي لا تلد و خرج إلى الحمام، فأرادت الحرة أن تكید أم الولد و ابنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت إليها و هي نائمة فعالجتها كما يعالج الرجل المرأة، فعلقت أي شيء عندك فيها؟
قال: لا و الله ما عندي فيها شيء. فقال علیه السلام : يا أبا حنيفة، أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوجها من مملوك له و غاب المملوك فولد له من أهله مولود، و ولد للمملوك مولود من أم ولد له فسقط البيت على الجاريتين و مات المولى، من الوارث؟ فقال: جعلت فداك، لا و الله ما عندي فيها شيء. فقال أبو حنيفة: أصلحك الله، إن عندنا قوما بالكوفة يزعمون أنك تأمرهم بالبراءة من فلان و فلان.
فقال علیه السلام: ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا معاذ الله. فقال: أصلحك الله، إنهم يعظمون الأمر فيهما. قال علیه السلام: فما تأمرني؟ قال: تكتب إليهم. قال علیه السلام :بماذا؟ قال:تسألهم الكف عنهما. قال علیه السلام: لايطيعوني. قال: بلى أصلحك الله، إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرسول أطاعوني.
قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أبيت إلا جهلا، كم بيني و بين الكوفة من الفراسخ؟ قال: أصلحك الله، ما لا يحصى. فقال علیه السلام : كم بيني و بينك؟ قال: لا شيء. قال علیه السلام : أنت دخلت علي في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرات فلم آذن لك، فجلست بغير إذني خلافا علي، كيف يطيعوني أولئك و هم ثم و أنا هاهنا؟ قال: فقنع رأسه و خرج و هو يقول: أعلم الناس، و لم نره عند عالم.
فقال أبوبكر الحضرمي: جعلت فداك، الجواب في المسألتين الأولتين؟ فقال علیه السلام: يا أبابكر، «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ»(1) فقال: مع قائمنا أهل البيت، وأما قوله: «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ» (2)، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه
ص: 241
كان آمنا.(1)
3 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بأسناید متعددة، عن سلام الهاشمي، قال محمد ابن علي، وقد سمعته عنه عن أبي عبد الله علیه السلام قال: بعث طلحة و الزبير رجلا من عبد القيس يقال له: (خداش) إلى أمير المؤمنين علیه السلام و قالا له: إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك و أن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم، و اعلم أنه أعظم الناس دعوی فلا يكسرنك ذلك عنه، و من الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام و الشراب و العسل و الدهن و أن يخالي الرجل، فلا تأكل له طعاما ولا تشرب له شرابا و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه، و احذر هذا كله منه و انطلق على بركة الله، فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة، و تعوذ بالله من کیده و كيد الشيطان، فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله (2) ولا تستأنس به، ثم قل له: إن أخويك في الدين و ابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة(3) و يقولان لك: أما تعلم أنا تركنا الناس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز و جل محمدا صلی الله علیه و آله وسلم ، فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا و قطعت رجاءنا، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النأي عنك و سعة البلاد دونك، و أن من كان يصرفك عنا و عن صلتنا كان أقل لك نفعا و أضعف عنك دفعا ما، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا عنك انتهاك لنا و دعاء علينا، فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب، أتتخذ اللعن لنا دينا و ترى أن ذلك يكسرنا عنك؟.
فلما أتی خداش أمير المؤمنين علي صنع ما أمراه، فلما نظر إليه علي و هو يناجي
نفسه ضحك و قال: هاهنا يا أخا عبد قيس - و أشار له إلى مجلس قريب منه -
فقال: ما أوسع المكان، أريد أن أؤدي إليك رسالة. قال : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك، قم با قنبر فأنزله. قال: ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة. قال عل : فأخلو بك. قال: كل ستر لي علانية. قال : فأنشدك بالله الذي هو أقرب إلیک
ص: 242
من نفسك، الحائل بينك و بين قلبك، الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، أتقدم إليك الزبير بماعرضت عليك؟
قال: اللهم نعم. قال علیه السلام: لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك(1)، فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني؟
قال: اللهم نعم. قال علي علیه السلام : آية السخرة؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فاقرأها. فقرأها و جعل علي علیه السلام يكررها و يرددها و يفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة، قال الرجل: ما یری أمير المؤمنين علیه السلام أمره بترددها سبعين مرة(2)!
ثم قال علیه السلام له: أتجد قلبك اطمأن؟ قال: إي و الذي نفسي بيده . قال علیه السلام: فما قالا لك؟ فأخبره، فقال علیه السلام: قل لهما: کفی بمنطقکما حجة عليکما و لكن الله لا يهدي القوم الظالمين، زعمتما أنكما أخواي في الدين و ابنا عمي في النسب، فأما النسب فلا أنكره و إن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام، و أما قولكما إنكما أخواي في الدين فإن کنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز و جل و عصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين، وإلا فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين.
و أما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلی الله علیه و آله وسلم فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما (3) مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا زعمتها، و ذلك قولكما: (فقطعت رجاءنا) لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا، و أما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفکما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابکما کما یخلع الحرون لجامه(4) و هو الله ربي لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق.
ص: 243
و أما قولكما إني أشجع فرسان العرب و هربکما من لعني و دعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل (1) و ملا سحراكما أجوافكما (2) فثم يكفيني الله بکمال القلب، و أما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتها .
ثم قال علیه السلام : اللهم أقعص الزبير بشر قتلة (3) و اسفك دمه على ضلالة، و عرف طلحة المذلة و ادخر لهما في الآخرة شراً من ذلك إن كانا ظلماني و افترياعلي و کتما شهادتهما و عصیاك و عصیا رسولك صلی الله علیه و آله وسلم في، قل: آمين. قال خداش: آمين. ثم قال خداش لنفسه: و الله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك (4) حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا، أنا أبرأ إلى الله منها.(5)
قال علي علیه السلام : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت. قال: لا و الله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا و أن يوفقني لرضاه فيك. ففعل علیه السلام، فلم يلبث أن انصرف و تل معه يوم الجمل رحمه الله .(6)
4 -[ السيد ابن طاووس في اليقين]، کتاب المناقب لأحمد بن مردویه، بالإسناد إلى ابن عباس، قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة و عمر على بغل و أنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب علیهما السلام ، فقال : أم و الله يا بني عبد المطلب لقد كان صاحبكم أولى بهذا الأمر مني و من أبي بكر.
فقلت في نفسي: لا أقالني الله إن أقلتك، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين، و أنت و صاحبك اللذان وثبتما و انتزعتم منا الأمر دون الناس!.
فقال: إليكم يا بني عبد المطلب، أما إنكم أصحاب عمر بن الخطاب(7)، فتأخرت و
ص: 244
تقدم هنيئة، فقال: سر.. لا يرت، فقال: أعد علي كلامك. فقلت: إنما ذكرت شيئا فرددت جوابه، و لو سكت سکتنا. فقال: والله إنا ما فعلنا ما فعلنا عداوة، و لكن استصغرناه و خشينا أن لا تجتمع عليه العرب و قریش لما قد وترها، فأردت أن أقول كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها فلم يستصغره فتستصغره أنت و صاحبك، فقام لا جرم، فكيف ترى و الله ما نقطع أمرا دونه، و لا نعمل شيئا حتى نستأذنه. (1)
5 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الموفقیات للزبير بن بكار الزبيري عن رجاله عن ابن عباس قال: إني لأماشي عمر بن الخطاب في سکة من سكك المدينة إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما.
قلت في نفسي: و الله لا يسبقني بها، فقلت: یا عمر فاردد ظلامته. فانتزع يده من يدي و مضى و هو يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس، ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه. فقلت في نفسي: هذه و الله شر من الأولى. فقلت: و الله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك. قال: فأعرض عني. (2)
6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن داود بن كثير الرقي قال: وفد من خراسان وافد يکني: أبا جعفر، و اجتمع إليه جماعة من أهل خراسان فسألوه أن يحمل لهم أموالا و متاعا و مسائلهم في الفتاوي و المشاورة، فورد الكوفة و نزل و زار أمير المؤمنين علیه السلام و رأى في ناحية رجلا حوله جماعة، فلما فرغ من زيارته علیه السلام قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون من الشيخ، فقالوا: هو أبو حمزة الثمالي
قال: فبينما نحن جلوس إذ أقبل أعرابي فقال: جئت من المدينة وقد مات جعفر بن محمد علیه السلام ، فشهق أبو حمزة ثم ضرب بيده الأرض ثم سأل الأعرابي: هل سمعت له بوصية؟
قال: أوصى إلى ابنه عبد الله و إلى ابنه موسی علیه السلام و إلى المنصور. فقال: الحمد لله الذي
ص: 245
لم يضلنا، دل على الصغير و بين على الكبير و سر الأمر العظيم(1). ووثب إلى قبر أمير المؤمنين علیه السلام فصلی و صلينا ثم أقبلت عليه و قلت له: فسر لي ما قلته.
قال: بين أن الكبير ذو عاهة(2) و دل على الصغير أن أدخل يده مع الكبير و سر الأمر العظيم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور من وصيه؟ قيل: أنت. قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله، و وردت المدينة و معي المال و الثياب والمسائل و كان فيما معي درهم دفعته إلى امرأة تسمى شطيطة و منديل فقلت لها: أنا أحمل عن مائة درهم، فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق، فعوجت الدرهم و طرحته في بعض الأكياس(3)، فلما حصلت بالمدينة سألت عن الوصي فقيل: عبد الله ابنه، فقصدته فوجدت بابا مرشوشا مکنوسا عليه بواب، فأنكرت ذلك في نفسي و استأذنت و دخلت بعد الإذن فإذا هو جالس في منصبه فأنكرت ذلك أيضا، فقلت: أنت وصي الصادق علیه السلام الإمام المفترض الطاعة؟
قال: نعم. قلت: كم في المائتين من الدراهم الزكاة؟ قال: خمسة دراهم. فقلت: و کم في المائة؟ قال: در همان و نصف. قلت: و رجل قال لامرأته: أنت طالق بعدد نجوم السماء، تطلق بغير شهود؟ قال: نعم و يكفي من النجوم رأس الجوزاء ثلاثا.
فتعجبت من جواباته و مجلسه فقال: احمل إلى ما معك. قلت: ما معي شيء. و جئت إلى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فلما رجعت إلى بيتي إذا أنا بغلام أسود واقف فقال: سلام عليك. فرددت علیه السلام ؟ ، قال: أجب من تريد. فنهضت معه فجاء بي إلى باب دار مهجورة و دخل فأدخلني، فرأيت موسی بن جعفر علیهما السلام على حصير الصلاة، فقال علیه السلام إلي: يا أبا جعفر، و أجلسني قريبا، فرأيت دلائله أدبا و علما و منطقا، و قال لي: أحمل ما معك، فحملته إلى حضرته، فأومأ علیه السلام بيده إلى الكيس، فقال لي: افتحه. ففتحته و قال لي: اقلبه. فقلبته فظهر درهم شطيطة المعوج، فأخذه علیه السلام و قال: افتح تلك الرزمة ففتحتها و أخذ المنديل منها بیده و قال - و هو مقبل على -: إن الله لا يستحيي من الحق، يا أبا جعفر اقرأعلى شطيطة السلام مني و ادفع إليها هذه الصرة، و قال لي: اردد ما معك إلى من حمله و ادفعه إلى أهله
ص: 246
و قل: قد قبله و وصلكم به. و أقمت عنده علیه السلام و حادثني و علمني و قال: ألم يقل لك أبو حمزة الثمالي بظهر الكوفة و أنتم زوار أمير المؤمنين علیه السلام كذا و كذا؟ قلت: نعم. قال علیه السلام : كذلك يكون المؤمن إذا نور الله قلبه، كان علمه بالوجه (1). ثم قال علیه السلام : قم إلى ثقات أصحاب الماضي علیه السلام فسلهم عن نصه. قال أبو جعفر الخراساني: فلقيت جماعة كثيرة منهم شهدوا بالنص على موسي علیه السلام .. الخبر(2)
7- [الطبرسي في الإحتجاج]، عن جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام، عن آبائه علیهم السلام عن علي علیه السلام قال: كنت أنا و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المسجد بعد أن صلى صلی الله علیه و آله وسلم الفجر، ثم نهض و نهضت معه و كان إذا أراد أن يتجه إلى موضع أعلمني بذلك فكان إذا أبطأ في الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنه لا يتقار قلبي على فراقه ساعة، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: أنا متجه إلى بيت عائشة فمضی و مضيت إلى بيت فاطمة علیهاالسلام ، فلم أزل مع الحسن و الحسين علیهما السلام و هي و أنا مسروران بهما، ثم إني نهضت و صرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب فقالت لي عائشة : من هذا؟
فقلت لها: أنا علي، فقالت: إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم راقد. فانصرفت، ثم قلت: النبي راقد و عائشة في الدار! فرجعت و طرقت الباب، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فقالت: إن النبي على حاجة، فانثنيت مستحيیا من دقي الباب و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا، فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا عنيفا فقالت لي عائشة : من هذا؟ فقلت: أنا علي. فسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لها: ياعائشة افتحي له الباب. ففتحت فدخلت فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: اقعد يا أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه أو تحدثني بإبطائك عني؟
فقلت: يا رسول الله حدثني فإن حديثك أحسن. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا أبا الحسن، کنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلما دخلت بيت عائشة و أطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به مددت يدي و سألت الله القريب المجيب، فهبط علي حبيبي جبرئیل علیه السلام و معه هذا الطير - و وضع إصبعه على طائر بين يديه - فقال: إن الله عز و جل أوحي إلي أن آخذ هذا الطير
ص: 247
و هو أطيب طعام في الجنة فأتيتك به يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم. فحمدت الله كثيرا و عرج جبرئیل فرفعت يدي إلى السماء فقلت: اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني يأكل معي هذا الطائر، فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب،فرفعت يدي ثم قلت: اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني و تحبه و أحبه يأكل معي هذا الطائر، فسمعت طرقك للباب و ارتفاع صوتك فقلت لعائشة: أدخلي عليا فدخلت فلم أزل حامدا لله حتى بلغت إلي إذ كنت تحب الله و تحبني و يحبك الله و أحبك، فكل يا علي. فلما أكلت أنا و النبي صلی الله علیه و آله وسلم الطائر قال لي: يا علي، حدثني. فقلت يا رسول الله: لم أزل منذ فارقتك أنا و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام مسرورين جميعا ثم نهضت أريدك، فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي. فقالت: إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم راقد، فانصرفت، فلما صرت إلى الطريق الذي سلكته رجعت فقلت: النبي راقد و عائشة في الدار! لا يكون هذا. فجئت فطرقت الباب فقالت لي: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فقالت: إن النبي على حاجة فانصرفت مستحييا. فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبرا و قلت: النبي على حاجة و عائشة في الدار! فرجعت فدققت الباب الدق الذي سمعته یا رسول الله فسمعتك يا رسول الله أنت تقول لها: أدخلي عليا علیه السلام.
فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أبيت إلا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء! ما حملك على هذا؟ فقالت: یا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطير. فقال لها: ما هو بأول ضغن بينك و بين علي علیه السلام و قد وقفت على ما في قلبک لعلي، إن لتقاتلينه. فقالت: يا رسول الله و تكون النساء يقاتلن الرجال؟
فقال صلی الله علیه و آله وسلم لها: يا عائشة، إنك لتقاتلين عليا علیه السلام ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أصحابي فيحملونك عليه وليكونن في قتالك له أمر تتحدث به الأولون والآخرون و علامة ذلك أنك تركبين الشيطان ثم تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرجوع فيشهد عندك قسامة أربعين رجلا ماهي كلاب الحوأب فتصيرين إلى بلد أهله أنصارك، هو أبعد بلاد على الأرض إلى السماء و أقربها إلى الماء و لترجعين و أنت صاغرة غير بالغة إلى ما تريدين ويكون هذا الذي يردك مع من يثق به من أصحابه إنه لك خير منك له و لينذرك ما يكون الفراق بيني و بينك في الآخرةو كل من فرق علي بيني و بينه بعد وفاتي ففراقه جائز.
ص: 248
فقالت: يا رسول الله، ليتني مت قبل أن يكون ما تعدني. فقال صلی الله علیه و آله وسلم لها: هيهات هيهات، و الذي نفسي بيده ليكونن ما قلت حتى كأني أراه. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: قم يا علي فقد وجبت صلاة الظهر حتى آمر بلالا بالأذان، فأذن بلال و أقام الصلاة و صلی صلی الله علیه و آله وسلم و صليت معه و لم نزل في المسجد.(1)
1- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن علي القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر علیه السلام و معه كتابه، فأمرني أن أصير إليه فأتيته و هو بالمدينة نازل في دار بزيع، فدخلت عليه علیه السلام و سلمت و ذکر صفوان و ابن سنان و غيرهما ماقدسمعه غير واحد. فقلت في نفسي: أستعطفه على زکریا بن آدم لعله يسلم مما قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أنا حتى أتعرض في هذا و شبهه لمولى هو أعلم بما يصنع؟!
فقال علیه السلام : يا أبا علي، ليس على مثل أبي يحیی تعجل و قد كان لأبي من خدمته صلى الله عليه .(2)
2 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبامحمد علیه السلام عن قوله تعالى: «هِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»(3)، فقال علیه السلام: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بمايشاء.
فقلت في نفسي: هذا قول الله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». (4)
فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك، «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ».
قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه.(5)
ص: 249
3-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عدة من أصحابنا مسندا إلى القاسم بن سلیمان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعت أبي علیه السلام يقول: أتى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية، فعلمني جوامع الكلام (1) فقال صلی الله علیه و آله وسلم : آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات(2)، حتى رجع الرجل إلى نفسه (3)، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا بالخير.. الخبر.(4)
4 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، مهزم، عن أبي بردة قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام ، قال علیه السلام : ما فعل زید؟ قلت: صلب في كناسة بني أسد. فبكي علیه السلام حتی بکت النساء من خلف الستور. ثم قال علیه السلام : أما والله لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه. فكنت أتفكر من قوله علیه السلام حتى رأيت جماعة قد أنزلوه يريدون أن يحرقوه، فقلت: هذه الطلبة التي قال علیه السلام لي. (5)
5- [ الكشي في رجاله ]، الحسين بن بشار، قال: لا مات موسی بن جعفر علیه السلام خرجت
ص: 250
إلى علي بن موسی علیه السلام غير مؤمن بموت موسی علیه السلام(1)، و لا مقراً بإمامة علي علیه السلام ، إلا أن في نفسي أن أسأله و أصدقه، فلما صرت إلى المدينة انتهيت إليه علیه السلام وهو بالصؤار فاستأذنت عليه و دخلت فأدناني و ألطفني، و أردت أن أسأله عن أبيه علیه السلام فبادرني فقال لي: يا حسين، إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب و تنظر إلى الله من غير حجاب فوال آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم و وال ولي الأمر منهم. قال: قلت أنظر إلى الله عز و جل؟ قال علیه السلام: إي و الله . قال حسين: فجزمت على موت أبيه علیه السلام و إمامته.
ثم قال علیه السلام لي: ما أردت أن آذن لك لشدة الأمر و ضيقه و لكني علمت الأمر الذي أنت عليه. ثم سكت علیه السلام قليلا ثم قال: خبرت بأمرك؟ قال: قلت له: أجل.(2)
6- [الشيخ في الغيبة]، أيوب بن نوح عن ابن فضال قال: سمعت علي بن جعفر يقول: كنت عند أخي موسی بن جعفر علیهما السلام فكان و الله حجة في الأرض بعد أبي علیه السلام إذ طلع ابنه علي علیه السلام فقال علیه السلام لي: يا علي، هذا صاحبك و هو مني بمنزلتي من أبي فثبتك الله على دينه. فبكيت و قلت في نفسي: نعي علیه السلام و الله إلى نفسه. فقال علیه السلام: يا علي، لا بد من أن يمضي مقادير الله في، ولي برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أسوة و بأمير المؤمنين و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام . و كان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام.(3)
7 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل قال:نزلت ببطن مر فأصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي، فدخلت على الرضا علیه السلام بالمدينة فقال علیه السلام : مالي أراك متوجعا؟
فقلت: إني لما أتيت بطن مر أصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي. فأشار علیه السلام إلى الذي في جنبي تحت الإبط فتكلم بكلام و تفل عليه ثم قال علیه السلام: ليس عليك بأس من هذا و نظر إلى الذي في رجلي فقال: قال: أبو جعفر علیه السلام من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر کتب الله عز و جل له مثل أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: لا أبرأ و الله من رجلي أبدا. قال الهيثم :
ص: 251
فما زال يعرج منها حتى مات.(1)
8- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن أبي الحسن بن راشد قال: قدمت علي أحمال فأتاني رسول الرضا علیه السلام قبل أن أنظر في الكتب أو أوجه بها إليه فقال لي: يقول الرضا علیه السلام: سرح إلى بدفتر، و لم يكن لي في منزلي دفتر أصلا. قال: فقلت: و أطلب مالا أعرف بالتصديق له، فلم أجد شيئا و لم أقع على شيء. فلما ولى الرسول قلت: مكانك، فحللت بعض الأحمال فتلقاني دفتر لم أكن علمت به إلا أني علمت أنه علیه السلام لم يطلب إلا الحق فوجه به إليه. (2)
9 -[ الشيخ في الغيبة]، عن جماعة عن التلعکبري رحمه الله قال: كنت في دهليز أبي علي محمد بن همام رحمه الله على دكة إذ مر بنا شيخ كبير عليه دراعة، فسلم على أبي علي بن همام فرد عليه السلام و مضى فقال لي: أتدري من هو هذا؟ فقلت: لا. فقال لي: هذا شاكري (3) لسيدنا أبي محمد علیه السلام، أفتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئا؟ قلت: نعم. فقال لي: معك شيء تعطيه ؟ فقلت له: معی در همان صحيحان. فقال: هما يكفيانه. فمضيت خلفه فلحقته فقلت له: أبو علي يقول لك: تنشط للمصير إلينا؟ فقال: نعم. فجئنا إلى أبي علي بن همام فجلس إليه فغمزني أبو علي أن أسلم إليه الدرهمين فقال لي: ما يحتاج إلى هذا. ثم أخذهما فقال له أبو علي بن همام: یا با عبد الله محمد حدثنا عن أبي محمد علیه السلام با رأيت.
فقال: كان أستاذي صالحا من بين العلويين لم أر قط مثله و كان يركب بسرج صفته بزيون مسكي و أزرق، قال: و كان يركب إلى دار الخلافة بسر من رأى في كل اثنين و خميس، قال: و كان ي