حدیث النفس

هوية الکتاب

سرشناسه : علم الهدی. محمدباقر، 1331- 1389

عنوان و نام پدیدآور : حدیث النفس/ محمدباقر علم الهدی.

مشحصات نشر : قم: باقیات، 1432 ق .=1390.

مشخصات ظاهری : 735 ص.

شابک : 5-007-213-600-978

وضعیت فهرست نویسی : فيپا

یادداشت :عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : نفس - جنبه های مذهبی -- اسلام

موضوع : نفس - احادیث

موضوع : احادیث اخلاقی -- قرن 14

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 14

رده بندی کنگره : 1290 4ح 76 ع/5/BP216

رده بندی دیویی : 297/42

شماره کتابشناسی ملی : 2249292

الأعمال الخيرية الرقمية: جمعية الإمام زمان (عج) إصفهان المساعدة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(7)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ (3) وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ (4)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم

ص: 2

ص: 3

حدیث النفس

تالیف

العلامه المحقق

الشیخ محمد باقرعلم الهدی قدس سره

مکتبه فدک

ص: 4

نبذة عن المؤلف

«علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب. ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل من جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك یدفع عن أبدانهم.»(1)

لقد كان شيخنا المؤلف من المرابطين الأشداء بالثغر الذي يلي منه أبالسة الضلال، ومن الذابين المحامين عن حريم الوحي ومعقل الدين، والمجند المدجج عند باب مدينة العلم، والمحيي لأمر أهل البيت علیهم السلام بقلبه ولسانه ويده.

إنه المحقق الخبير والناقد البصير العلامة الشيخ محمد باقر علم الهدی قدس سره الذي كان حقا ممن نذر نفسه للدفاع عن القرآن وحملته وبذل قصارى جهده في تعلم علوم آل محمد علیهم السلام وتعليمها خالية من شوائب الشرق والغرب، وصرف سنيه في رد مدارس الضلال التي فتحت لدفن مدرسة الوحي فألف ودرس وحاضر في كشف أفكار المسالك المناوءة لمسلك الأنبياء ولا سيما نسائج الفكر اليوناني المستورد وسفاسف الفلسفة الإغريقية المدسوسة مصراً على ضرورة الإستقاء من منبع الدين العذب ومعينه الصافي، كما قال الصادق علیه السلام : «أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا.»(2) وقال : «فليشرق الحكم وليغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم

ص: 5


1- تفسير الإمام: 343 ح 221، عنه البحار: 2/ 5 ح8، وأورده في الإحتجاج: 1/ 17 و 2/ 385 مع بعض التفاوت
2- الكافي: 401/2 ح1

جبرئيل.»(1) وكما قال الباقر علیه السلام للذين أرادا الإنتهال من غير معينهم الثر: «شرقا وغربا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.» (2)

فكان الشيخ علم الهدی قدس سره قد أخذ على نفسه كفالة بعض أيتام آل محمد علیهم السلام المنقطعين عن آبائهم - وهم أئمتهم - ليلقي عليهم علومهم علیهم السلام صافية من نظریات المبطلين، فلم تكن له علقة بالدنيا إلا بمقدار مدارسة كلام الله تعالى وكلام تراجمته، أعني محمداً، وأوصياءه المعصومين علیهم السلام.

ولذلك عندما دنا وعد الله في حقه واشتاق إلى لقائه أقسم عليه بحق وليه وأخي نبيه علي بن أبي طالب علیه السلام في قبض روحه، فاستجاب له دعاءه ففاضت إلى بارئها في ليلة السادس من شهر رمضان المبارك ودفن حسب وصيته في كربلاء المقدسة سنة 1431 ه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

إلا أن ما يسكن الفؤاد أنه ترك تراثا خصباً لطلبة علوم أهل البيت علیهم السلام ومن جملتها الكتاب الذي بين يديك. وقد انتهى من تصحيحه قبل حوالي شهر من وفاته وأوصى في مرضه الذي توفي فيه بإتقانه وإيصاله مرحلة الإيناع

ص: 6


1- الكافي: 1/ 400 ح، عنه البحار: 46/ 335 ح 22، ورواه في بصائر الدرجات: 9-10ح 2، عنه البحار: 2/ 91 ح18، الوسائل: 69/27 ح33225.
2- الكافي: 1/ 399 ح 3، عنه البحار: 46/ 335 ح 21، وعنه أيضا الوسائل: 477/21 ح 27632، 69/27 ح33224، 43/27 ح33166 وقال في ذيله : (وروی الصفار في بصائر الدرجات أحاديث كثيرة بهذا المعنى). لاحظ بصائر الدرجات: 10ح 4، عنه البحار: 2/ 92 ح29، رجال الكشي: 209.

المقدمه

نحمده على ما أنعم علينا من النعم السابغات والمنن المتواليات حمداً لا يعدله حمد الحامدين ونشكره على جميع آلائه شكرا يزيد على شكر الشاکرین.

ونصلي ونسلم على أوليائه وأصفيائه البررة، حبيبه المنتجب محمد ووليه المرتضى أمير المؤمنين وحبيبته الصديقة الطاهرة وأولادهم المعصومين الهداة المهديين، لا سيما ذخيرته وبقيته في العالمين الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالی فرجه الشريف الذي به يملا الله الأرض عدلا وقسطا ونوراً كما ملئت ظلما وجوراً وظلمة، واللعن الدائم السرمد على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم لا سيما من فتح باب الظلم على العترة الطاهرة وأحرق بيت الوحي والعلم والنور والهداية، لعنا دائماً لا نفاد له.

أما بعد، لا ريب في فضل العلم وشرفه فإنه مما لا يرتاب فيه عاقل ولا يشك فيه ذو مسكة، قال الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1)، وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2).

وهو نور يبرهن به الحق ويظهر به الباطل وبه ينجو الإنسان من كل معصية ورذيلة ويرتقي إلى كل كمال وفضيلة وبه یعبد الله ويطاع وحث عليه الكتاب العزيز والقرآن المجيد.

ومن الواضح أنه لا يحصل إلا بالتعلم من ذوي العلم وأولي الألباب الذين حملهم الله تعالى العلم ونور قلوبهم بنوره وأرسلهم لتعليم خلقه ونصبهم لأن يتعلم منهم

ص: 7


1- الزمر: 9.
2- المجادلة: 11.

العلم كل من يطلبه، ولا يوجد العلم الصحيح إلا عندهم(1)، فإنهم العلماء(2) وهم عيش العلم وموت الجهل (3)، وأصول العلم ومواده في بيوتهم(4)، فيجب على كل عاقل الرجوع إلى كلماتهم وما وصل إلينا من آثارهم والإستضاءة بأنوار أحاديثهم حتى يخرج من ظلمات الأوهام التي نسجتها النفوس البشرية وسميت زوراً وكذبا بالعلوم والحكم المتعالية والبراهين العقلية، ويجب على المتعلمين من حملة العلم نشر كلماتهم وتعليم غيرهم، فإن الناس لو علموا محاسن كلامهم لاتبعوهم(5)،

ص: 8


1- في الكافي مسندا، قال أبو جعفر علیه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: (شرقا وغربا فلا تجداني علماً صحيحاً إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.) الكافي: 1/ 399 ح 3، عنه البحار: 46/ 335 ح 21، وعنه أيضا الوسائل: 21/ 477 ح 27632، 69/27 ح33224، 43/27 ح33166 وقال في ذيله: (وروی الصفار في بصائر الدرجات أحاديث كثيرة بهذا المعنى). لاحظ بصائر الدرجات: 10 ح4، عنه البحار: 2/ 92 ح29، رجال الكشي: 209.
2- عن الصادق علیه السلام في حديث: (نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء). بصائر الدرجات: 9-8ح1وح2 وح3 وح4، وح5، عنه البحار: 194/1ح8، وعنه أيضا المستدرك: 17/ 274 ح21320-19، ورواه في الكافي:1/ 34ح4، عنه الوسائل: 18/27 ح33094، 68/27 ح33220، إعلام الوری: 284، أعلام الدين: 132، الخصال: 1/ 123 ح 115، عنه البحار: 186/1 - 187 ح 1.
3- قال أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة له : (..إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه.. إلى أن قال علیه السلام:- فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة، فإنهم خاصة نور یستضاء له وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل.. الحديث.) الكافي: 391/8 ح586، عنه البحار: 76/ 372 ح 34، وعنه أيضا الوسائل: 27/ 185ح335557، ولاحظ نهج البلاغة: الخطبة 147، عنه البحار: 266/26 ح 55، 34/ 233، تحف العقول: 227، عنه البحار: 105/75 ح3.
4- لاحظ بصائر الدرجات: 299 باب 14 في الأئمة علیهم السلام أن عندهم أصول العلم.. وفي ص363ح6 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث: (.. وعندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه وأواخيه). وأورده أيضا في الإختصاص: 308، وفي حديث المعراج في محادثة النبي مع الملائكة في السماء الثانية: (.. فقلت: ملائكة ربي هل تعرفوننا حق معرفتنا؟ قالوا: ولم لانعرفكم وأنتم صفوة الله من خلقه وخزان علمه والعروة الوثقى والحجة العظمى وأنتم الجنب والجانب وأنتم الكراسي وأصول العلم..) تأويل الآيات الظاهرة: 833، عنه البحار: 57/40 ح 90، تفسیر فرات: 372 ح 370-503.
5- عيون الأخبار بالإسناد إلى الهروي قال : سمع أبا الحسن علي بن موسى الرضا علیه السلام يقول: (رحم الله عبدا أحيا أمرنا). فقلت: وكيف يحيي أمركم؟ قال علیه السلام : (يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتبعونا). عيون أخبار الرضا علیه السلام: 307/1 -308 ح69، وأورده في معاني الأخبار: 180 ح 1، عنهما البحار: 2/ 30ح13، ولاحظ الوسائل: 92/27 ح33297.

وزكاة العلم نشره(1).

ثم أنه قد التمس مني بعض الأعزة من أحفاد آية الله السيد محمد کاظم المدرسي - الذي هو من أعاظم تلامذة شيخ مشايخنا العظام العلامة الفهامة فقيه أهل البيت علیهم السلام آية الله الميرزا مهدي الإصفهاني أعلى الله تعالی مقامهما ورفع في الجنان درجتهما - أن أرسم لهم سبيلا يقتفونه للإقتباس من المشكاة النبوية والمصابيح العلوية وطريقاً إلى الإقتطاف من ثمار الشجرة المباركة الطيبة الباقرية والصادقية والإستضاءة بالأنوار الولوية عليهم أفضل الصلوات والتحيات، فمهدت لهم بفضل الله ومنه طريقاً مخضلا بقطرات من بحار أنوار أهل البيت علیهم السلام ومشرباً رويا سائغا من معينهم الصافي، وذلك في مسألة «حديث النفس»، فجمعوا الأحاديث الصادرة عن هداة الخلق وأئمتهم، وتم بحمد الله على نسق جيد وتبویب رائق وتفصيل بديع ينفع أهل العلم ورواد الفضيلة ويسهل على الطالب فهمه، فجزاهم الله تعالى عن خزان العلم وأبواب الهداية علیهم السلام خير الجزاء.

وقد هداني إلى هذا الموضوع وساقني إليه ما أفرغ عنه فؤاد العباس علیه السلام يوم عاشوراء ولهج به لسانه، وملأ الخافقين صداه ودویه، عندما اغترف من ماءالفرات غرفة ليشرب وقد كظه الظما لكنه أراقه قائلا لنفسه: «يا نفس من بعد الحسين هوني».(2)

وارتجز علیه السلام بعد ما قطعت يده اليسرى بقوله:

یا نفس لا تخشي من الكفار *** وأبشري برحمة الجبار

قد قطعوا ببغيهم يساري*** فأصلهم يارب حر النار

فإن تلقينه لنفسه في ذلك الوقت العصيب أنبأ عن ضرورة فهم هذا الأمر، أعني حديث النفس وما يتعلق به من أسباب وآثار و توابع و مقدمات ومؤخرات، فكان تجميع ما ورد عن أئمة الحق علیهم السلام وما ذكره الله تعالى في كتابه في هذا الشأن يراودني زمانا ويشغل

ص: 9


1- غرر الحكم: 44 ح 131، ولاحظ سائر الأخبار في الباب. وفي الكافي عن أبي جعفر علیه السلام قال: (زكاة العلم أن تعلمه عباد الله). الكافي: 41/1 ح3، وفي عدة الداعي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: (لكل شيء زكاة زكاة العلم أن يعلمه أهله). عدة الداعي: 72، عنه البحار: 2/ 24 - 25، 136/93 ح68، مشكاة الأنوار: 139، تحف العقول: 364، عنه البحار: 75/ 247 ضمن ح108.
2- مقتل أبي مخنف الأزدي: 133، و مقتل المقرم: 268.

فکري حينا حتى سهل الله طريقه وأعان عليه بتوفيقه، ويرجع الفضل إلى صاحب لواء أبي عبد الله علیه السلام ، فإليه أهدي هذا المجهود المتواضع، ومن الله تعالى أسأل الرضا والقبول وإياه أشكر على ما وفق وأنعم.

محمد باقر علم الهدی

غرة جمادي الآخرة سنة 1431ه

ص: 10

تمهید

لما كانت بعثة الأنبياء والرسل بصورة عامة، وبعثة نبينا الأعظم محمد صلی الله علیه و آله وسلم والأوصياء من بعده بشكل خاص لتزكية العباد في الظاهر والباطن وتطهيرهم من دنس الشرك بالله العظيم ووضع الإغلال عنهم وفك قيود الأهواء والمطامع والشهوات، وتحريرهم من عبودية غير الله وإخراجهم من ظلمات الوهم إلى نور الفهم ومن درن الجهل إلى هدى العلم، وإثارة دفائن العقول فيهم، من هناكانت إحدى أنظارهم تدور في رحی خطاب الإنسان مع نفسه وحديثه في قلبه، و قد يبدو لأول وهلة أنه أمر لا يستحق كل تلك العناية، ولكن سرعان ما يجد المتأمل أهمية ما راموا إليه من تحديده وعلاجه وتأطيره وتقييده، و يتجلى غوره العميق وأثره الوسيع، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، لأنه هو الخطوة الأولى التي تأتي على إثرها بقية الخطوات نحو الكمال أو نحو الهلاك، فإن من يحث نفسه ويحدثها بالذنب سوف يخطو إليه، ومن يشغل باله بالطاعة سيقوده إلى العمل بها، ومن يطول فكره في شيء ينجر نحوه، کما قال أمير المؤمنين علیه السلام : « فكرك في الطاعة يدعوك إلى العمل بها».(1) و « الفكر في الخير يدعو إلى العمل به». (2)

بل حتى إذا لم يستتبع حديث النفس بعمل فإن له وقعا عظيما وآثاراً دنيوية وأخرى أخروية وأحيانا تترتب عليه أحكام شرعية ووضعية - كماستقف على شواهده عن قريب - وفي الحديث: «ما من عبد يسر خيراً إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر [الله] تعالى له خيرا، و ما من عبد يسر شر إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر [الله] له شراء.(3)

ص: 11


1- غرر الحكم: 61ح698.
2- غرر الحكم: 56 ح540.
3- الكافي: 295/2ح 12، عنه البحار: 289/69 ح 12، وأورد نحوه في المستدرك: 1/ 97 ح 2 عن کتاب جعفر بن محمد بن شریح، مشكاة الأنوار: 72.

وعن الصادق علیه السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: « من أسر سريرة ألبسه الله رداها، إن خيرا فخير و إن شرا فشر».(1)

فيجدر بمن يرنو ويروم إلى نيل المكارم ويسعى في تحصيل المحاسن والمغانم ويشتغل في مراقبة نفسه أن يقف هاهنا مليا، لأنه ذو خطر جليل وأهمية بالغة. و« إنك قد جعلت طبيب نفسك، وبين لك الداء، وعرفت آية الصحة، ودللت على الدواء فانظر كيف قیامك على نفسك ». (2)

و«من لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه ولم یکن له قرین مرشد استمكن عدوه من عنقه».(3)

ثم نسترعي الإنتباه إلى الملاحظات التالية:

1- تعمدنا إيراد النصوص بتمامها، فلم نقتصر على محل الشاهد من حديث النفس، إلا أنا أشرنا إليه باللون الغامق ليسهل تناوله لطالبه(4). ومع ذلك فقد يستلزم تقطيع الخبر وذكر مورد الحاجة فقط وذلك في الصور التالية:

الأول: إذا كان طويلا جدا بحيث يكون ذكره بتمامه مخرجا للكتاب عن محوره المسوق له.

الثاني: إذا كان الخبر الطويل قد ذكر في مكان آخر من الكتاب، حينئذ يتم ذكر محل

ص: 12


1- الجعفريات: 158، عنه المستدرك: 1/ 97 ح3، وفي الكافي مسنداً عن عمر بن يزيد قال : إني لأتعشى مع أبي عبد الله علیه السلام إذ تلى هذه الآية: «بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ» يا أبا حفص، ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بخلاف ما يعلم الله تعالى، إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يقول:(من أسر سريرة رداه الله رداءها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر). الكافي: 2/ 294 ح 4وح15.
2- الكافي: 2/ 454 ح6، عنه الوسائل: 15/ 162 ح20210، ولاحظ تحف العقول: 305، عنه البحار: 75/ 283 ح1، وأورده في مشكاة الأنوار: 244.
3- أمالي الصدوق: 441 ح 2، عنه البحار: 187/71 ح8، وعنه أيضا الوسائل: 41/12 ح15590، 15/ 162 ح20213، وأورده في روضة الواعظين: 2/ 420، مشكاة الأنوار: 85.
4- قد يتعدد حديث النفس في خبر واحد وفي عدة مواضيع، وفي مثل هذه الحالة يغمق محل الشاهد المرتبط بخصوص العنوان دون غيره. ويذكر أن الآيات قد غمقت أيضا وتم تمييزها عن غيرها.

الشاهد فقط في الموضع المكرر، ثم الإشارة إلى محل تمامه في الهامش، مع الأخذ بعين الإعتبار أن ذکر تمام الخبر يكون في الباب الأنسب له حتى إذا لم يكن في الأبواب المتقدمة.

2- قد يتكرر الخبر مرتين أو أكثر بحسب العناوين التي يجب ضمه إليها، وذلك تيسيراً للبحث.

3 - إذا كان في الخبر الواحد موردان لحديث النفس وكان أحدهما لا يندرج إلا في متفرقات باب النوادر والثاني في باب من الأبواب الموجودة فإننا نكتفي بالباب ونعرض عن سرده في المتفرقات.

4 - الوسوسة -کما ستعرف- تعني حديث النفس، من هنا سعينا في ضم أخبار الوساوس إلى الأبواب والفصول والأقسام، وأما الوساوس الشيطانية بالتحديد فإننا أعرضنا عنها إلا ما احتمل فيها الوجهان من كونها حديثا للنفس أو وسوسة الشيطان. ومع ذلك ففي فصل (علاج حديث النفس) ألحقنا علاج الوساوس الشيطانية أيضا.

ثم ما جمعناه من أحاديث النفس على أنحاء :

- حديث النفس مع النفس (كمحاسبة النفس وحثها على الطاعات والإزراء عليها).

. حديث النفس عن النفس (كأن يوجس: أنا أفضل من الآخرين ولم يقصد مخاطبة نفسه ولا غيره).

. حديث النفس مع الجسد (كما في حديث عيسی علیه السلام: يا جسد انصب تسترح).

. حديث النفس مع أحد الأعضاء أو حديث العضو مع النفس ، نحو: «وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ»(1)

- حديث النفس مع الغير مع قصد عدم الإساع (کما إذا خاطب ما لا حياة له أو البعيد النائي، أو كمخاطبة الفقر والغنى والموت والدهر وما إلى ذلك).

۔ حدیث النفس عن الغير سواء شخصا كان أو شيئا (كحديث النفس حول مسألة

ص: 13


1- فصلت: 21.

معينة أو آية أو حكم)

. وينضم أيضا حديث النفس مع الشيطان (کما في الخبر: و أما أعداؤك من الجن فإبليس و جنوده، فإذا أتاك فقال: مات ابنك. فقل: إنما خلق الأحياء ليموتوا...)

- وأدرجنا في الخاتمة الأذكار القلبية والدعاء في النفس للمقاربة بينها وبين حديث النفس.

5 - أعرضنا عن معظم الأسانيد اختصاراً، ولإمكان مراجعتها من مصادرها المشارإليها في الهوامش

6- وينبغي الإشارة إلى أن للأحاديث والأخبار الموجودة في الفصول والأبواب والأقسام ارتباطاً بعضها مع بعض فلا يمكن الإلمام بباب خاص والإحاطة به دون النظر في باقي الأبواب.

ص: 14

الفصل الأول : تعریف حديث النفس

ص: 15

ص: 16

1-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس. (1)

أقول: لما كان حديث النفس فعلا لايسمعه غير صاحبه، وهو من فعل القلب، فالقراءة هنا۔ خلف من لا يأتم به - مثلها لعدم سماع الآخرين لها.

ثم اعلم أن حديث النفس هو من الأفعال الجوانحية القلبية التي تقابلها الأفعال الجوارحية الجسدية، وهي تختلف عن الحالات النفسية التي قد لا يكون للإنسان تجاهها تأثیر مستقیم ولا يتمكن أن يسيرها أو يغيرها إلا بواسطة فعل قلبي أو جسدي (2)، فإن أفعال القلب هي طوع إرادة الإنسان بالمباشرة ولذا قد يرد عليها التكليف ويصح تجاهها الأمر والنهي، فيقال: حدث نفسك بكذا ولا تحدث نفسك بكذا، و لا يختلف عما إذا قيل: اعتقد بالله وأوليائه واكفر بأعدائهم، من جهة كون كليهما من أفعال الروح التي يكون زمامها وخطامها تحت إختيار العبد نفسه، ولذلك كانت تلك الأفعال منسوبة إليه.

وعليه يكون العبد مسؤولا تجاه كل ما يقوم به من أفعال قلبه كما أنه مسؤول تجاه

ص: 17


1- الكافي: 3/ 315ح16، وأورده الشيخ في التهذيب: 2/ 97 – 98 ح134 والإستبصار: 321/1 ح4 ومن لا يحضره الفقيه: 1/ 399 - 400 ح1186 (نحوه) ، وذكره عن محمد بن يعقوب والشيخ في الوسائل: 128/6 ح 7525، أدرجه في باب: أنه يجزي في القراءة خلف من لا يقتدي به أن يسمع نفسه بل يقرأ مثل حديث النفس ولو في الجهرية.
2- لا يخفى أن تغيير الحالات النفسية وكبحها وتبديلها ممكن عبر تكرار الأفعال المسانخة لما يخالف تلك الحالات، فإذا كانت سجية الإنسان البخل فإنه بتكرير الإنفاق - الذي هو من طبع المتصف بصفة الكرم - سوف يتغير طبعه، أو من كان طبعه الجبن يمكنه الإنسلاخ من تلك الحالة بالمثول في مواطن مهولة وبواسطة إعادة الفعل يحول طبعه إلى الشجاعة، والعكس كذلك، فإن من كانت سجيته الجود لو صدرت منه أفعال البخيل وتكررت فإنه يوشك أن يغير سجيته. عن أمير المؤمنين علیه السلام : (أفضل رداء يرتدي به الحلم، فإن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.) نهج البلاغة: الحكمة: 207، خصائص الأئمة: 115، البحار:404/68 ، 427/68

بطش یده وساع أذنه وإبصار عينه، قال عز من قائل : « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(1).

إذا عرفت ذلك، فيجدر الإمعان في النقاط التالية:

النقطة الأولى : لا ينثلم عنوان حديث النفس بمجرد تلفظ صاحبه به، فإن الإنسان إذا حاسب نفسه وحرك شفتيه وتفوه بالكلام بل وحتى إذا سمعه الآخرون، - كما في قول العباس علیه السلام: (يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار..) فإنه خاطب نفسه وأصغت إليه أساع مناوئيه، أو إذا قال القائل: (ألا يا عين بدمعک فاسعديني) وأسمع غيره - فهو في تلك الصورة أيضا مشغول بحديث النفس.

النقطة الثانية : ورد عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق.. الحديث.(2)

وفي فقه الرضا علیه السلام أنه : شئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام : من يطيق ألا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟ (3)

وسرعان ما قد يبدو للناظر في هاذين الحديثين ونظائرهما أن أمر حديث النفس خارج من يد العبد، وهو ينافي النهي عنه أو الأمر به في أخبار كثيرة، ولكن الجواب عن ذلك يتضح بأمور:

أولا: قد يطلق حديث النفس ويراد منه الأعم منه و من الوساوس الشيطانية، أو قد يطلق على خصوص الوساوس الشيطانية، يشهد عليه بيان المحدث الكبير والمتضلع الخبير والمدقق البصير العلامة المجلسي قدس سره بعد أن ذكر حديث الصادق علیه السلام : (ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك).

قال رحمه الله : بيان: المراد بحديث النفس الوساوس الشيطانية في العقائد و القضاء و القدر و الخطورات التي يوجب التكلم بها الكفر. )(4)

أقول: ودلالته على هذا المعنى غير بعيدة لا سيما إذا قرئ (ألا تحدث) على المجهول

ص: 18


1- الإسراء: 36، أقول: سيوافيك تفصيل الكلام عن حكم حديث النفس بخصوصه.
2- الكافي: 108/8 ح86، عنه البحار: 323/55ح 12، وعنه أيضا الوسائل: 366/15 ح 20761
3- فقه الرضا علیه السلام: 385، عنه البحار:128/69ح13، ولاحظ الفقرة الأخيرة في:255/7 ،69/ 281 (نحوه).
4- البحار:354/88 ح 17.

و(نفسه) بالرفع على نائب الفاعل، فيكون الشيطان هو المحدث للنفس وتكون النفس محدثة.

وبناء على هذا يكون حديث النفس بالمعنى المذكور خارجاً عن دائرة التكليف، لأن الشيطان يوسوس في قلب ابن آدم ويؤذيه بالهمز واللمز وليس للعبد إلا الإستعاذة بالله منه والإستعانة به تعالى عليه، ولا ينافي هذا كون حديث النفس - أي: فعل الإنسان - بیده وتحت کامل اختياره وفي النتيجة يجوز تكليفه فيه.

ثم إن إطلاق حديث النفس على وساوس الشيطان هو إما على نحو المشابهة وهو واضح، أو السببية فإن الوسوسة الشيطانية غالبا ما تكون سببا لحديث النفس، شاهده ما ورد من الإستعاذة من الشيطان لمن خاف حديث النفس في الصلاة، فعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا خفت حديث النفس في الصلاة فاطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.(1)

وفي النبوي: إذا ركب الرجل الدابة فسمی، ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، وإذا ركب ولم يسم ردفه شيطان فيقول له: تغن، فإن قال له: (لا أحسن) قال له: (تمن) فلا يزال يتمنى حتى ينزل.(2)

فإن حديث النفس بالأماني يكون بعد استيلاء الشيطان وتمكنه من الوسوسة.

مع أنا نقول أن وسوسة الشيطان في الخاطر وإن لم يكن بيد العبد - لأنه ليس فعله - إلا أنه مسبوق بمقدمات أختيارية صدرت منه، كما هو واضح من الخبر الآنف الذكر، وكذا من الحديث الوارد في مصباح الشريعة:

عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا وقد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهیه و نسي اطلاعه على سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غي و ضلالة و كفر.. الحديث. (3)

وفي الدعاء: (.. فأوصلت إلى قلوب المؤمنين من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر

ص: 19


1- مشكاة الأنوار: 247، عنه البحار: 236/85 ح 38
2- الكافي: 6/ 540 ح17
3- مصباح الشريعة: 79-80، عنه المستدرك: 1/ 178 ح 295 - 3، ولاحظ البحار: 125/69 ح 2.

ووسوسة الصدر..).(1)

وفي الحديث النبوي: أن الشيطان اثنان: شيطان الجن، ويبعد ب(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وشيطان الإنس ويبعد بالصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم . (2)

فإن من يكون دائم الذكر يبقى الشيطان بعيدا عنه ويعجز عن وسوسته. ولعل هذا هو معنى الحديث الذي رواه عبد العظيم عن أبي الحسن الرضا علیه السلام حيث قال: يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا.. الحديث. (3)

أي: لا يفتحوا السبيل لوسوسة الشيطان بالغفلة والإعراض عن ذكر الله تعالى ذكره، ذلك أن القلب الذي يجد الشيطان إليه سبيلا هو القلب الذي غلب عليه الميل إلى متاع الدنيا واتباع الهوى، وأما إذا كان مشغولا بذكر الله وطاعاته وامتثال أوامره، ومعرضا عن حب الدنيا لم يتمكن الشيطان منه، وإنما يترصد لحظة غفلة عن ذكر الله ويتحين ساعة زلة حتى يلقي وساوسه ويبثها في القلب، وفي الخبر : أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس، و إن نسي الله التقم قلبه.(4)

وفي النبوي : إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع.(5)

والشيطان يحوم حول قلب بني آدم ويطوف للإقتحام في أوقات الفلتات، قال الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ».(6)

ولذلك فالقلب العامر بذكر الله منطقة ممنوعة على الشياطين، كما قال سبحانه وتعالى: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ »(7) لأن قوت الشيطان الذي يتقوى به هو

ص: 20


1- مصباح المتهجد: 33 (عن فلاح السائل) مما يقال قبل الشروع في نوافل الزوال، وعنه البحار: 59/84 ح13
2- البحار: 136/92- 137
3- الإختصاص: 247، عنه البحار: 230/71 ح 27، وعنه أيضا مستدرك الوسائل: 102/9 ح8 -10349، 140/9 ح 4-10491
4- لاحظ البحار:42/67،وخنس الشیطان:تراجعه وتأخره
5- عوالي اللآلي: 273/1 ح97، 325/1 ح 66، وذكره في أعلام الدين: 121 وفيه: (بالجوع والعطش). و مجموعة ورام: 101/1 ، ولاحظ البحار: 332/60 ،42/67 .
6- الأعراف: 201.
7- الحجر: 42، الإسراء: 65

الشهوات وحب الدنيا والجنوح إليها فإذا دام ذكر العبد في خلاف أمور الدنيا - أعني ذکر الله واليوم الآخر - يكون الشيطان عاجزاً عن الوسوسة فيه ويكون صاغراً ذليلا أمام ذلك القلب الذاكر الله العلي العظيم، وبناءاً على ذلك فلا يكبح الوسوسة إلا ضدها وهو ذكر الله واستعاذة العبد به تعالى منها، فلاحظ الحديث التالي:

عن أبي عبد الله علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (1)

وسوف يأتي مزيد من البيان في الفصل السادس من هذا الكتاب (علاج حدیث النفس والوساوس) تحت عنوان : حقيقة الإستعاذة بالله سبحانه وتعالى، فراجع.

ثانيا: إذا كان قوله علیه السلام: (من يطيق ألا يحدث نفسه) في أصل حديث النفس لا خصوص القبيح منه فهو بمعنی عدم إمكان تعطيل الفكر جملة وتفصيلا، أي: لا يستطيع الإنسان أن يمتنع من إخطار أي شيء في ذهنه، واستحالة ذلك واضحة، ولذلك تكلم الإمام علیه السلام على هيئة الإستفهام، ولكن هذا المعنى لا ينافي إمكان تحويل القلب من مكان إلى مكان وصرفه من شيء إلى شيء، ولا ينافيه أيضا ما ورد من المنع من حديث النفس في بعض المجالات، كما قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : (لا تحدثوا أنفسكم بطول العمر) فإن العبد يستطيع أن يحدث نفسه بقصر العمر أو بالموت أو غير ذلك، كما أن الإنسان يستطيع أيضا أن يكرر حدیث نفسه بشيء معين دائما، كما جاء في الحديث - عن الدقة في مسألة التوحيد والشرك -: (فالزم ما حدثت به نفسك..).(2)

و إذا كان قوله علیه السلام: (من يطيق ألا يحدث نفسه) في خصوص حديث النفس بمالاينبغي - ولعله هو الأظهر -، فهو إشارة إلى شدة الأمر وصعوبته، وإلا كان العبد عاجزا حتى عن صرف حديث النفس لحظة واحدة وهو- إضافة إلى أنه خلاف الوجدان - ينافيه ما ورد من النهي عن بعض أحاديث النفس.

ص: 21


1- قرب الإسناد: 41، عنه البحار: 295/69 ح20، وأورده في وسائل الشيعة: 479/5 ح 7112.
2- الغيبة: 207، المناقب: 4/ 439، عنها البحار: 250/50،ح 4، 359/70 ح78 ، وأورده في إعلام الوری: 374، کشف الغمة:420/2، الخرائج: 688/2 إلى قوله: (الليلة الظلماء).

ومما يؤيد ما ذكرنا أيضا:

ا- الحديث المزبور من أنه: «ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه ». فقد تمر مدة من دون حديث النفس بالوساوس أو التشكيكات، منتهى الأمر أنها لن تدوم طويلا لشدتها.

2 - الحديث القدسي في خبر المعراج: يا أحمد، و عزتي و جلالي، مامن عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة - إلى أن قال سبحانه: -.. و يحفظ قلبه من الوسواس.. (1) فكيف یعلق الثواب على محال؟

3- ما روي في الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لقي الحسن بن علي علیه السلام عبد الله بن جعفر، فقال علیه السلام: يا عبد الله، كيف يكون المؤمن مؤمناً و هو يسخط قسمه و يحقر منزلته و الحاكم عليه الله؟ و أنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له(2).

وبقيت مسألة، وهي أن سر عدم طاقة الناس وشدة كبح النفس في وساوسها هو لأجل كونها بطبيعتها وثابة على المعاصي وتواقة إلى الذنوب وأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فيجب العمل المستمر الدؤوب على مخالفتها والعزم الدائم المكرر على عصيانها وحبسها عن هواها. كما قال أمير المؤمنين علیه السلام : أكره نفسك على الفضائل، فإن الرذائل أنت مطبوع عليها.(3)

وقال أمير المؤمنين علیه السلام في وصيته:..والله الله في الجهاد للنفس فهي أعدى العدو لكم، إنه تبارك و تعالى قال: « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي» (4) وإن أول المعاصي تصديق النفس والركون إلى الهوى.(5)

ص: 22


1- إرشاد القلوب: 1/ 200 عنه البحار: 21/74 باب 2 ح6.
2- الكافي: 62/2 ح11، عنه البحار: 351/43 ح 25 ،335/69 ح 23 ، وأورده في مشكاة الأنوار: 301، والوسائل: 3/ 251 ح 3549، قال المجلسي قدس سره في ذيل الخبر: (وفي القاموس: هجس الشيء في صدره يهجس : خطر بباله، أو هو أن يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس، و يدل على أن الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.)
3- غرر الحكم: ح 7314
4- يوسف: 53.
5- المستدرك: 11/ 138 ح12644-6 عن دعائم الإسلام.

النقطة الثالثة : النية والتفكر والتوهم والتخيل والتصور والوسوسة كلها أفعال قلبية أدت العناية إلى التغاير في التعابير عن كل واحد منها، وهي كلها من مصادیق احادیث النفس، فتارة يراد المحصل من دون ملاحظة المنشأ أو الفعل، وأخرى يكون التوجه إليه بما أنه فعل للقلب فيكون التعبير عنه بحديث النفس لذلك. ولأجل ما ذكرنا يكون عنوان حديث النفس متعلقاً بعناوين أخرى عديدة، منها:

حديث النفس والنية: كل نية تعتبر حديثا للنفس، وليس العكس، ذلك أن النية هي العزم والتصميم الذي هو حديث النفس، كما أن النية تتعلق بخصوص الفعل أو الترك، فإذا نوى الناوي فعل شيء فهو في الواقع حدث نفسه بفعله، ولكن حديث النفس أعم من امتثال عمل أو ترکه، بل قد لا يرتبط بفعل الشخص نفسه وإنما حول الآخرين، کما أنه قد يكون حول قضية لا تتصل بالحاضر أو المستقبل وإنما بالزمان الغابر، أو قد لا يرتبط بالزمان أصلا كحديث النفس في موضوع من المواضيع.

ولا يخفى أن أفعال القلب لها مراحل ودرجات، فهنالك كلام النفس والمشيئةوالتقدير والقضاء والإبرام، كما أن منها أيضا الإعتقاد والتصديق والإقرار والإذعان وكذا الكفر والجحود والإنكار، نعم إطلاق حديث النفس غالباً وعادة يكون على المرحلة الأولى.

حديث النفس والتفكر: إذا توجه القلب إلى حقيقة معينة - سواء معلومة أو مجهولة - يقال: فكر وتفكر، فحقيقة الفكر ليست إلا الإلتفات والتوجه - وليست هي حركة النفس من المبادي إلى المراد کما قیل -، وأما حديث النفس فلأن فيه عناية الخطاب والحديث لذا فالتفكر وإن كان ينطوي تحت حديث النفس، ويصح أن يقال لمن حدث نفسه: أنه فكر في نفسه، ولكن الجهة مختلفة.(1)

حديث النفس والوهم: الخيالات والأوهام هي مما يقع عليها حديث النفس، فيقال: حدث نفسه بموهوم، أي: أن ما في الذهن هو وهم.

حديث النفس والوسوسة: أما الوسوسة الشيطانية فقد تطلق على حديث النفس

ص: 23


1- لاحظ الحديث التالي: الكافي، عن الحسن الصيقل قال : (سألت أبا عبد الله علیه السلام عما يروي الناس أن تفکر ساعة خير من قيام ليلة، قلت : كيف يتفكر؟ قال علیه السلام : يمر بالخربة أو بالدار فيقول : أين ساکنوك؟ أين بانوک؟؟ ما بالتي لا تتكلمين؟.) الكافي: 2/ 54 ح 2، عنه البحار: 320/68 ح 2.

لأجل المماثلة بينهما والشباهة لخفاء صوت کليهما ووقوعهما في الروع، وأما الوسوسة النفسية - أعني الخواطر التي ترتبط بالمعاصي والتشكيلات الدينية - فهي القسم المذموم من حديث النفس.

حديث النفس وأذكار القلب: حديث النفس ليس هو الأذكار القلبية ولكنه مثلهامن جهة عدم سماع الآخرين لها ولكون كليهما فعلا قلبياً.

حديث النفس وحقيقة العلم: ينبغي هنا التنبيه على نحو الإختصار الشديد أن العلم هو « ما به الإدراك والكشف» وهو ما يمكن الشخص من التصور والتخيل والتوهم، فهو النور المظهر للإنسان الأشياء- التي من ضمنها الإنسان نفسه -، وحديث النفس وإن كان من الأفعال الإختيارية النفسية، لكن العبد لا يستطيع ذلك إلا ببركة نور العلم الذي يمنحه القدرة على الحديث مع نفسه والتصور والخيال وكذا على المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء.

ولذلك يقع حديث النفس من جملة المعلومات بالعلم والمدركات به ويصح أن يقال: أعلم بحديث النفس.

وبهذا يتضح لك أن حقيقة العلم مباينة مع حقيقة حديث النفس، وليست هي هي کما ذهب إلى ذلك أبناء العلم البشري لما قالوا أن العلم الحصولي هو انطباع صورها في الذهن، فإن حديث النفس - بمعنی اسم المصدر أي: المحدث - هو مفاهيم وأمور وصور ذهنية، وتلك الأمور هي بالبداهة مما كشفه العلم وأظهره لا أنها هي العلم، فالمفاهيم مکشوفات لا كاشفات، و العلم هو الكاشف لجميع المكشوفات التي من جملتها الصور الذهنية والمفاهيم والصور، و القدرة على إيجاد الصور في الذهن لا تكون إلا بنور العلم المباين بإنيته للصور .(1)

ص: 24


1- للمزيد من التفصيل فيما يتعلق بمبحث العلم راجع کتاب (تنبيهات حول المبدء والمعاد) لشيخنا الأستاذ آية الله الميرزا حسنعلى المروارید قدس سره، وكتاب (توحيد الإمامية) لشيخنا المحقق آية الله محمد باقر الملكي قدس سره.

الفصل الثاني : تنزيه الباري تعالى عن حديث النفس

ص: 25

ص: 26

1 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن صفوان بن يحيى قال: قل لأبي الحسن علیه السلام : أخبرني عن الإرادة من الله عز و جل و من الخلق.

فقال علیه السلام : الإرادة من المخلوق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل، و أما من الله عز و جل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي و لا یهم ولا يتفكر، و هذه الصفات منفية عنه و هي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك، يقول له: (كن) فيكون، بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكر، و لا كيف لذلك كما أنه بلا كيف.(1)

2 -[ الرضي في نهج البلاغة]، و من كلام له علیه السلام و قد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال علیه السلام : أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: و كيف تراه ؟ فقال علیه السلام: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملابس، بعيد منها غير مباین، متکلم لا بروية، مرید لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لايوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، و تجب القلوب من مخافته.(2)

3 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد - إلى أن قال علیه السلام : مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهامة.. الحديث.(3)

ص: 27


1- التوحيد: 147ح17، عیون أخبار الرضا علیه السلام : 1/ 119 ح 11، عنهما البحار: 4/ 137 ح4.
2- نهج البلاغة: الخطبة 179، وأورده في أعلام الدين:65 وفيه بدل: (تجب القلوب) : توجل القلوب.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام:150/1ح51، التوحيد: 37ح 2،عنهما البحار:399/2ح 3، وفي المصدرين: (لا بحول فكرة) بدل : (لا بجول فكرة)، وأورده في الإحتجاج: 2/ 399، أعلام الدين: 59، ولاحظ نهج البلاغة: الخطبة: 186، عنه البحار: 312/74ح14، تحف العقول: 61، أقول: قال المجلسي قدس سره : بیان - قوله علیه السلام : (لا بجول فكرة) أي ليس في تقديره للأشياء محتاجا إلى جولان الفكر وحركته، و في النهج بعد ذلك : (غنى لا باستفادة). قوله علیه السلام: (لا بحركة) أي حركة ذهنية أو بدنية. قوله علیه السلام: (لا بهمامة) أي عزم و اهتمام.

4 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام فكان من سؤاله أن قال له : فله رضا و سخط؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : نعم، و لكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، و ذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل مرکب للأشياء فيه مدخل، و خالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي الذات واحدي المعنى، فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه و ينقله من حال إلى حال، لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين. (1)

أقول: مماثبت بالعقل ودل عليه قطعي النقل أن الله سبحانه لا يشبه مخلوقاته في شيء من الصفات والأفعال، ومن جملتها المشيئة و الإرادة، فإن مشيئة الله تعالى لا يمكن أن تكون بمعنى الضمير والفعل القلبي لأن ذلك من فعل العباد وخصوصياتهم، وما جاز على المخلوق امتنع في الخالق كما أن ما جاز في الخالق امتنع في المخلوق، بل حقيقة المشيئة في الخالق - كما بينته النصوص و الأحاديث - هي إبتداء الفعل.

في الكافي، عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام يقول: لا يكون شيء إلا ما شاء الله و أراد و قدر و قضى. قلت: ما معنى شاء؟ قال علیه السلام: ابتداء الفعل.. الحديث.(2)

والظاهر أنه ما يكتب في اللوح المحفوظ، وهو المعبر عنه في بعض الأخبار بالذكر الأول(3).

وأما قوله تعالى على لسان عیسی بن مریم: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» (4)

فإن معناه واضح وهو أنه لا سبيل إلى معرفة ما استأثر الله به لنفسه ولم يظهر عليه

ص: 28


1- الكافي: 1/ 110 ح ولاحظ قريبا منه: التوحید 170 - 169، معاني الأخبار: 20ح3، عنهما البحار: 66/4 ح7، ولاحظ: 225/3 ذیل ح15.
2- الكافي: 1/ 150ح 1، وأورده في المحاسن: 1/ 244 ح 237، عنه البحار: 5/ 122 ح68. 3.
3- في الكافي مسنداً إلى يونس بن عبد الرحمن، قال: (قال لي أبو الحسن الرضا علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام - : یا يونس، تعلم ما المشيئة؟ قلت: لا. قال علیه السلام: هي الذكر الأول.. الحديث.) الكافي: 1/ 158 ح 5، وأورده علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: 1/ 24، عنه البحار: 5/ 117 ح49.
4- المائدة: 116.

عباده. قال الطبرسي في تفسيره: أي: تعلم غيبي وسري ولا أعلم غيبك وسترك، وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام والعادة جارية بأن الإنسان يسر في نفسه فصار قوله: «مَا فِی نَفسِی» عبارة عن الإخفاء، ثم قال: «مَا فِی نَفسِکَ» على جهة المقابلة، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس أو قلب تحل فيه المعاني.(1)

ص: 29


1- مجمع البيان: 3/ 414، عنه البحار: 237/14

ص: 30

الفصل الثالث : حديث النفس بالمعاصي والتشكيك في العقائد الدينية وعدم المؤاخذة عليه

اشارة

ص: 31

ص: 32

1- [فقه الرضا علیه السلام ]، أروي: أنه سئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام: من يطيق ألا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟

وسألت العالم علیه السلام عن الوسوسة إن كثرث، قال علیه السلام : لا شيء فيها، يقول: لا إله إلا الله . و أروي أن رجلا قال للعالم علیه السلام : يقع في نفسي أمر عظيم. فقال علیه السلام: قل: لا إله إلا الله . و في خبر آخر: لا حول و لا قوة إلا بالله.

و نروي: أن الله تبارك و تعالی عفا لأمتي عن وساوس الصدر.

ونروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم: أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها إلا ما كان يعقد عليه.(1)

أقول: أشرنا فيما سبق في بيان تعریف حديث النفس أن قوله علیه السلام: (من يستطيع..) يحتمل فيه إرادة الوساوس الشيطانية التي ليست بيد الإنسان، لا سيما إذاقرئ (تحدث) على المجهول و(نفسه) بالرفع على نائب الفاعل، فيكون الشيطان هو المحدث للنفس.

2-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسی علیه السلام ، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالى كاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.

قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام : إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق(2)، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (3)

ص: 33


1- فقه الرضا : 385، عنه البحار: 128/69 ح 13، ولاحظ قريباً من الفقرة الأخيرة في: 255/7، 281/69 ، و أيضا: 66/ 38. 2.
2- زوقته تزویقا مثل: زينه تزیینا وزناً و معنی، و هو حسنته. (مجمع البحرین)
3- الكافي:532/5 ح، عنه البحار: 331/14 ح 70، الوسائل: 318/20- 319ح25719، وأورده في عوالي الليالي: 3/ 546 - 547 ح 8.

3- [المجلسی في البحار]، صح عنه صلی الله علیه و آله وسلم قوله: وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم يعمل به أو يتكلم. (1)

4 - [محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : لكل قلب وسوسة، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب و نطق به اللسان أخذ به العبد، و إذا لم يفتق الحجاب و لم ينطق به اللسان فلا حرج.(2)

5 - [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة، قال: حدثني حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت: أصلحك الله، إنه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلا شيء أسمعه منك. قال علیه السلام : فإنه لا يضرك ما كان في قلبك.

قلت: أصلحك الله، إني أقول: إن الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون، و لم يكلفهم إلا ما يطيقون، و أنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره، قال: فقال علیه السلام : هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي. أو كما قال.(3)

فائدة: في وجه عدم التكليف والعقاب وفي ثبوت الإستحقاق والخذلان الإلهي

وردت طائفة من الأخبار بمضمون و معنی واحد هي كالتالي:

[ الآمدي في غررالحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من كثر فكره في المعاصي دعته إليها.(4)

وقال علیه السلام : خوض الناس في الشيء مقدمة الكائن. (5)

وقال علیه السلام: صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام.(6)

ص: 34


1- البحار: 17/ 54.
2- الجعفريات: 168، عنه المستدرك: 5/ 431 ح 6274 - 1.
3- الكافي: 1/ 162 ح4، وأورده في التوحيد بإسناده: 346 ح3 (نحوه)، عنه البحار: 36/5 ح 52، أقول: قال الصدوق في ذيله : مشية الله وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير .
4- غرر الحكم: 186 ح43 35.
5- غرر الحكم: 480 ح 11042.
6- غرر الحكم: 176 ح 3365.

وقال علیه السلام : فكرك [ذكرك] في المعصية يحدوك على الوقوع فيها. (1)

وقال علیه السلام: فكرك [ذكرك] في الطاعة يدعوك إلى العمل بها. (2)

وقال علیه السلام : الفكر في الخير يدعو إلى العمل به. (3)

وقال علیه السلام : طهروا قلوبكم من درن السيئات تضاعف لكم الحسنات. (4)

فهنا ملاحظة هامة

وتمهيدا لها نقول أنه قد وردت الأحاديث الكثيرة التي تدل على أن نية الطاعة وقصدها توجب الأجر والحسنة الواحدة، ومع العمل بعشرة أضعاف، وأن نية المعصية والقصد إليها لا مؤاخذة فيها، ومع العمل تكون فيها المؤاخذة الواحدة.

ولكن يستفاد من مجموع الروايات الواردة في الباب أن نية المعصية والقصد إليها توجب استحقاق العقوبة الأخروية لكنها مرفوعة تفضلاً وامتنانا على هذه الأمة ببركة النبي الأعظم وأهل بيته الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين ، ففي فقه الرضا علیه السلام: و نروي عنه علیه السلام: أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها، إلا ما كان يعقد عليه.(5)

ثم يشهد على ما ذكرنا - من أن النية توجب استحقاق المؤاخذة- أنها جرأة على المولى عقلا وفي حد الطغيان والتجاوز عن حد العبودية، و أيضا ما ورد في الصحيفة المباركة السجادية عن مولانا زین العابدین علیه السلام :

«هذا يا إلهي حال من أطاعك، وسبيل من تعبد لك، فأما العاصي أمرك والمواقع نهيك، فلم تعاجله بنقمتك لكي يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك، ولقد كان يستحق في أول ما هم بعصيانك كل ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك، فجميع ما أخرت عنه من العذاب، وأبطأت به عليه من سطوات النقمة والعقاب ترك من حقك ورضي بدون واجبك، فمن أكرم يا إلهي منك.. » (6) فإن قصد مخالفة المولى فعل له قبح

ص: 35


1- غرر الحكم: 57 ح558.
2- غرر الحكم: 61ح698.
3- غرر الحكم: 56ح540.
4- غرر الحكم: 67 ح 905.
5- فقه الرضا علیه السلام: 385، عنه البحار:69/ 128 ح13.
6- الصحيفة السجادية: الدعاء 37، (وكان من دعاءه علیه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر)، الفقرة 17-16-15، ولاحظ مصباح الكفعمي: 414.

عقلي ويعتبر خروجا عن الإنقياد التام الذي تكشف العقول ضرورته ولزومه.

مضافاً إلى أن أمر الأئمة علیهم السلام بالإستغفار أحيانا من حديث النفس بما لا ينبغي تارة و تقريرهم لاستغفار أصحابهم تارة أخرى أوتعوذهم منه وما جرى في قلوب بعض أصحابهم - بها سيأتيك عن قریب - شاهد آخر على ما ذكرنا.

ثم إن الحكم برفع العقوبة دليل آخر على ثبوت الإستحقاق وإلا فلا معنى للرفع، وإليك هذان الحديثان:

[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر علیهما السلام قال: إن آدم علیه السلام قال: يا رب، سلطت على الشيطان و أجريته مني مجرى الدم، فاجعل لي شيئا. فقال: يا آدم، جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة، و من هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرة. قال: يارب زدني. قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له. قال: يا رب زدني. قال: جعلت لهم التوبة - أو قال: بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه. قال: يارب حسبي. (1)

[البحار عن كتاب المسلسلات لجعفر بن أحمد القمي]، عبد الله بن المنصور عن أبيه قال: سألت مولانا أبا الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام عن قوله عز وجل: «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(2) قال: فقال علیه السلام لي: سألت أبي علیه السلام ، قال: سألت جدي علیه السلام، قال: سألت أبي علي بن الحسين علیهما السلام ، قال: سألت أبي الحسين بن علي علیهما السلام ، قال: سألت النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن قول الله عز و جل: «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى» قال صلی الله علیه و آله وسلم: سألت الله عز وجل، فأوحى إلي: أني خلقت في قلب آدم عرقين يتحركان بشيء من الهواء، فإن يكن في طاعتي كتبت له حسنات و إن يكن في معصيتي لم أكتب عليه شيئا حتى يواقع الخطيئة، فاذكروا الله على ما أعطاكم أيها المؤمنون.(3)

ص: 36


1- الكافي: 2/ 440 ح 1، عنه البحار: 18/6 ح 2، وعنه أيضا الوسائل: 51/1 ح110، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 75 ح201 (نحوه)، عنه البحار: 68/ 248 ح 11، وعنه أيضا المستدرك: 1/ 95 ح16.
2- طه: 7.
3- البحار: 18/ 250ح13 ، أقول: قال المجلسي قدس سره بعد الحديث المذكور: قال الشهيد رفع الله درجته في القواعد : لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذماً ما لم يتلبس بها، و هو مما ثبت في الأخبار العفو عنه.. و قال شيخنا البهائي - قدس الله روحه- في بعض تعليقاته على الكتاب المذكور قوله: (لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما.. إلخ) غرضه - طاب ثراه- أن نية المعصية و إن كانت معصية إلا أنه لما وردت الأخبار بالعفو عنها لم يترتب على فعلها عقاب ولا ذم و إن ترتب استحقاقهما، و لم يرد أن قصد المعصية و العزم على فعلها غیر محرم کما يتبادر إلى بعض الأوهام حتى لو قصد الإفطار مثلا في شهر رمضان و لم يفطر لم يكن آثما، كيف و المصنف مصرح في كتب الفروع بتأثيمه، و الحاصل أن تحريم العزم على المعصية مما لا ريب فيه عندنا و كذا عند العامة، و كتب الفريقين من التفاسير و غيرها مشحونة بذلك بل هو من ضروريات الدين، و لا بأس بنقل شيء من كلام الخاصة و العامة في هذا الكتاب ليرتفع به جلباب الإرتياب، في الجوامع عند تفسير قوله تعالى :«أِنَّ السَّمعَ وَ البَصَرَ وَ الفُوادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنهُ مَسوُلا» يقال للإنسان : سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ و لم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما يحل لك العزم عليه؟ انتهی. و کلامه -رحمه الله- في مجمع البيان قريب من كلامه هذا. و قال البيضاوي و غيره من علماء العامة عند تفسير هذه الآية : فيها دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. انتهی. و عبارة الكشاف موافقة لعبارة الطبرسي قدس سره و كذا عبارة التفسير الكبير للفخري. و قال السيد المرتضی علم الهدی -أنار الله برهانه - في كتاب تنزيه الأنبياء علیهم السلام عند ذكر قوله تعالى : «إذهَمَّت طائِفَتانِ مُ«کُم أَن تَفشَلا وَ اللهُ وَ لِیُّهُما» : إنما أراد تعالى أن الفشل خطر ببالهم و لو كان الهم في هذا المكان عزماً لما كان الله وليهما، ثم قال : و إرادة المعصية و العزم عليها معصية، و قد تجاوز قوم حتى قالوا : العزم على الكبيرة كبيرة و على الكفر كفر. انتهى كلامه نور الله مرقده، و کلام صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية مطابق لكلامه -طاب ثراه- و كذا كلام البيضاوي و غيره، و أيضا فقد صرح الفقهاء بأن الإصرار على الصغائر الذي هومعدود من الكبائر إما فعلي و هو المداومة على الصغائر بلا توبة و إما حكمي و هو العزم على فعل الصغائر متی تمكن منها. و بالجملة فتصريحات المفسرين و الفقهاء و الأصوليين بهذا المطلب ازيد من أن تحصى و الخوض فيه من قبيل توضيح الواضحات، و من تصفح كتب الخاصة و العامة لا يعتريه ريب فيما تلوناه. فإن قلت : قد ورد عن أئمتنا علیهم السلام أخبار كثيرة تشعر بأن العزم على المعصية ليس بمعصية كما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زرارة عن أحدهما علیهما السلام أنه قال : إن الله تعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة و لم يعملها كتبت له حسنة، و من هم بحسنة و عملها كتبت له عشراً، و من هم بسيئة لم تكتب عليه، و من هم بها و عملها كتبت عليه سيئة. و کما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: إن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا تكتب عليه. و الأحاديث الواردة في الكافي و غيره بهذا المضمون كثيرة. قلت : لا دلالة في تلك الأحاديث على ما ظننت من أن العزم على المعصية ليس معصية، و إنما دلت على أن من عزم على معصية - كشرب الخمر و الزنا مثلا - و لم يعملها لم يكتب عليه تلك المعصية التي عزم عليها، و أين هذا عن المعنى الذي ظنته؟. (البحار: 250/68 -251 ح 14 )

إذا عرفت هذا فاعلم وتنبه إلى أنه وإن كانت العقوبة مرفوعة عن قصد المعصية إلا أنها

ص: 37

تكون سببا لسلب التوفيقات والخذلان الإلهي، وبسبب ذلك يقع العبد في المعصية. يشهد على هذا المعنى ما ذكرنا من الأخبار عن غرر الحكم والتي تصرح بأن فكر العبد في المعصية يحدو به إلى الوقوع فيها. ويدل عليه أيضا ما رواه:

[محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسى علیه السلام، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالی کاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.

قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام: إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا، و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزناكان كمن أوقد في بيت مزوق(1)، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (2)

أضف إلى ما ذكرنا : الأخبار الكثيرة التي ستوافيك في فصل (آثار حديث النفس بمالا ينبغي) حول تبعات حديث النفس بالمعصية من زوال البركات وذهاب التوفيقات والعواقب المردية والنتائج المهلكة والآثار الغير محمودة، بل العقوبات لبعض الناس في الأمم السابقة، ومع ذلك فإن أثر حديث النفس قد يشتد بالنسبة إلى من منحه الله علماً أو حباه جاها أو خوله منصباً بل ويزداد وقعا في أزمنة وظروف معينة وأماكن وحالات خاصة كما يقف على ذلك التتبع.

بعد أن عرفت ما تلوناه عليك تأمل جيدا في حال القلب المغمور بالدنيا والمولع بزخارفها والمشغوف بزينتها - فضلا عن المفتون بطلب الذنوب والآثام منها - هل يستحق العنايات الإلهية والألطاف الربانية أم أنه يستحق الخذلان والإيكال إلى النفس؟ فإن مثله مثل الميتة التي لا يليق كتابة رسم القرآن الطاهر عليها لأنها ليست له أهلا لكون القرآن أقدس وأطهر من أن تمس النجاسة، والعبد الذي شغل فكره بطلب المعاصي ودام على حديث النفس بالخطايا هو عبد مخذول وبعيد عن رحمة الله تعالى، وليس حرياً لأن يصير موضعا لنور الله ووكرا لحكمته. إن القلب المشغول بالدنيا يمسی مظلماً موحشاً ويبيت

ص: 38


1- قال في مجمع البحرين : (زؤقته تزویقا) مثل : (زینته تزیینا)، وزناً و معنی، و هو حسنته.
2- الكافي: 5/ 532 ح 7، عنه البحار: 14/ 331 ح 70، الوسائل: 318/20 - 319ح 25719، وأورده في عوالي اللتالي: 3/ 546 - 547 ح8.

مسكنا ومأوى للوسواس الخناس، وأما القلب المديم على التفكير في طاعة الله وامتثال أمره يبدله نوراً وضياءاً ويرزقه بصيرة وعلما وهداية، ومن ثم يوفقه للأعمال الصالحات فإن (الفكر في الخير يدعو إلى العمل به). وإليك في هذا الصدد الحديث التالي:

عن جابر قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام فقال : يا جابر و الله إني لمحزون و إني لمشغول القلب. قلت: جعلت فداك و ما شغلك و ما حزن قلبك؟

فقال علیه السلام : يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دین الله شغل قلبه عما سواه، یا جابر ما الدنيا و ما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ یا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة. يا جابر، الآخرة دار قرار و الدنيا دار فناء و زوال و لكن أهل الدنيا أهل غفلة، و كأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم و لم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم. و اعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة و أكثرهم لك معونه تذكر فيعينونك و إن نسيت ذكروك قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم و وحشوا الدنيا لطاعة مليكهم و نظروا إلى الله عز و جل و إلى محبته بقلوبهم و علموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه. فأنزل الدنيا کمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه أو کمال وجدته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شيء. إني [إنما] ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب و العلم بالله كفيء الظلال. یا جابر فاحفظ ما استرعاك الله جل و عز من دينه و حكمته و لا تسألن عمالك عنده إلا ما له عند نفسك فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه و لرب کاره لأمر قد سعد به حين أتاه و ذلك قول الله عز و جل : «وَ لِیُمَحّیصَ اللهُ الّذِینَ آمَنُوا وَ یَمحَقَ الکَافِرِینَ»(1)

ص: 39


1- . الكافي: 212/2-14 ح16، عنه البحار: 36/70 -17 ح37، ولاحظ تحف العقول في حديث مشابه عن سفيان الثوري والإمام الصادق علیه السلام : 377، عنه البحار: 262/75 ضمن ح 108.

ص: 40

الفصل الرابع : عدم خلو المؤمن من حديث النفس بما لا ينبغي

ص: 41

ص: 42

1 - [الصدوق في الخصال]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه: الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق. (1)

2 -[ الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الصادق علیه السلام قال: ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك.(2)

ص: 43


1- الخصال: 89/1 ح 27، عنه البحار: 11/ 75 ح 2، 323/55 ح13 ،254/70 ح 21 ، وأورده عنه أيضا السيد الجزائري قدس سره في القصص: 19، أقول: قال الصدوق قدس سره بعد ذكر الخبر : معنى (الطيرة) في هذا الموضع هو أن يتطير منهم قومهم، فأما هم علیهم السلام فلا يتطيرون، وذلك كما قال الله عز وجل عن قوم صالح علیه السلام : «قالُوا اطَّیَّرنَا بِکُ وَ بِمَن مَعَکَ قالَ طائِرُکُم عِندَ اللهَ» وكما قال آخرون لأنبيائهم علیهم السلام : «إنَّا تَطَیَّرنا بِکُم لَئِن لَم تَنتَهُوا لَنَر جُمنَّکُم » الآية. وأما الحسد فإنه في هذا الموضع هو أن یحسدوا لا أنهم يحسدون غيرهم، وذلك كما قال الله عز وجل : «اَمْ يَحْسُدُونَ اَلنَّاسَ عَلَيَّ مَا آتَاهُمُ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آۀ اِبْرَاهِيمَ اَلْكِتَابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً». وأما التفكر في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم علیهم السلام بأهل الوسوسة لا غير، وذلك كما حكى الله عز وجل عنهم عن الوليد بن المغيرة المخزومي أنه «فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ كَيْفَ قَدَرَ» يعني قال للقرآن : « فَقالَ اِنَّ هَذَا الاّ سِحْرٌ يُوثَرُ اِن هَذا الاّ قَولُ البَشَرِ» . انتهى كلامه رفع مقامه. وقال المجلسي قدس سره بعد أن ذكر الحديث وكلام الصدوق قدس سره: بیان : ما ذكره رحمه الله توجیه وجيه لكن في الكافي وغيره ورد فيه تتمة تأبی عنه وهي : (لكن المؤمن لا يظهر الحسد)، ويمكن أن يكون المراد بالحسد أعم من الغبطة، أو يقال القليل منه مع عدم إظهاره ليس بمعصية. و(الطيرة) هي التشوم بالشيء وانفعال النفس بما يراه أو يسمعه مما يتشأم به، ولا دليل على أنه لا يجوز ذلك على الأنبياء علیهم السلام. والمراد ب(التفكر في الوسوسة في الخلق) التفكر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق الأشياء وكيفية خلقها وخلق أعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس وحصول شك بسببها. ويحتمل أن يكون المراد ب(الخلق) المخلوقات، وب(التفكر في الوساوس) التفكر وحديث النفس بعيوبهم وتفتيش أحوالهم، ويؤيد كلا من الوجهين بعض الأخبار کا سيأتي في أبواب المكارم، وبعض أفراد هذا الأخير أيضا على الوجهين لا يستبعد عروضها لهم علیهم السلام .انتهى كلامه رفع مقامه (البحار: 11/ 77 ذیل ح2). أقول: ولا يفوتك أيضا كلامه في ذيل الحديث في :323/5-325، أعرضنا عنه مخافة الإطناب.
2- مكارم الأخلاق: 328، عنه البحار: 354/88 ح17، وعنه أيضا المستدرك: 6/ 383 ح 44 70 - 2، قال المجلسي قدس سره في بيانه: المراد بحديث النفس الوساوس الشيطانية في العقائد والقضاء والقدر والخطورات التي يوجب التكلم بها الكفر

3-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده . (1)

4 - [فقه الرضا علیه السلام] ، أروي: أنه سئل العالم علیه السلام عن حديث النفس، فقال علیه السلام: من يطيق إلا تحدث نفسه [يحدث نفسه]؟ (2)

5 -[ سعيد بن هبة الله الراوندي في فقه القرآن]، عن يونس بن عمار: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قوله تعالى: «الَّذِینَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ» (3) أهي وسوسة الشيطان؟ قال علیه السلام : لا، كل أحد يصيبه هذا، ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها. (4)

ص: 44


1- الكافي: 108/8 ح86، عنه البحار: 323/55 ح 12، وعنه أيضا الوسائل:366/15 ح20761.
2- فقه الرضا علیه السلام : 385، عنه البحار: 69/ 128 ح13، وقريب من الفقرة الأخيرة: 7/ 255، 281/69 ، ولاحظ أيضا:38/66.
3- الماعون: 5.
4- فقه القرآن: 1/ 117، وأورده في البحار: 7/80 عن تفسير العياشي، وعنه أيضا الوسائل: 4/ 114 ح4658، المستدرك: 3/ 103 ح 3129-8.

الفصل الخامس : العقد على حديث النفس وترتيب الأثر عليه والعمل به

اشارة

ص: 45

ص: 46

الباب 1: العقد على ما حدث به العبد نفسه يوجب المؤاخذة

البقرة: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (284)

1-[محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لكل قلب وسوسة، فإذا فتى الوسواس حجاب القلب و نطق به اللسان أخذ به العبد، و إذا لم يفتق الحجاب و لم ينطق به اللسان فلا حرج. (1)

2- [فقه الرضا علیه السلام ]، و نروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم : أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها إلا ما كان يعقد عليه.(2)

3 - [مصباح الشريعة]، عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا و قد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهیه و نسي اطلاعه على سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب(3) بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غئ و ضلالة و كفر.. الحديث. (4)

ص: 47


1- الجعفريات: 168، عنه المستدرك:431/5 ح 6274-1.
2- فقه الرضا علیه السلام: 385، عنه البحار: 128/69 ح 13، ولاحظ 255/7، 281/69 (نحوه).
3- هكذا في المصدر ونسخة المستدرك، وفي البحار: (من خارج البدن).
4- مصباح الشريعة: 79-80، عنه البحار: 125/69 ح 2، وعنه أيضا المستدرك: 1/ 178 ح295-3. أقول : والشيخنا المحقق الملكي (اعلى الله مقامه) كلام في خصوص ما نحن فيه نذكره بتفصيله لتعميم الفائدة: قال قدس سره : (قوله تعالى : «وَأِن تُبدُوا مَا أنفُسِکُم أو تُخفُوه یُحَا سِبکُم بِهِ اللهُ» تهدید و تحذير منه سبحانه فيذكرهم بمراقبة جلال الله وكبريائه بأن لا يواجهوه بما یوجب الإستخفاف به تعالى جهلا منهم بنفوذ علمه وغفلة منهم عن أنه تعالى مهيمن على عباده، لا يخفى عليه خائنة الأعين وما تخفی الصدور. فأول الآية تمجيد لله سبحانه بالمالكية، وهذه الفقرة تهدید و تذكرة بأن الله تعالى يعلم ما تكن القلوب وتخفي الصدور، وأنه تعالى يؤاخذ بها إن شاء. وجملة القول في ذلك أن ما في النفس من الخطرات ونفخ الشيطان مما يرد على النفس من غير اختیار من الإنسان فلا إشكال في عدم المؤاخذة عليها، فإن الخبيث يؤذي الإنسان بالنفخة والهمز واللمز، إلا المؤمن فالله تعالى يؤيده بروح منه، وبإبطال ما يلقي الشيطان من تلك الوساوس والهواجس فالآية الشريفة ليست شاملة بهذا النحو من الخطورات، إذ العناية في الآية هو استقرارها في النفس وإضمارها فيها، وليست هذه الخطورات مستقرة فيها. نعم، الخطورات التي ترد على النفس من غير اختیار، وكانت مسبوقة بأمور اختيارية فلابد من التخلص منها بترك مقدماتها. فالتحذير والتهديد منه تعالى على ما أبطنه الإنسان وأضمره في السرائر والضمائر سواء أظهرها أو أخفاها. وليس سياق الآية والغرض المسوقة له الآية بيان أن تلك المضمرات منشأ لأعمال الجواراح، ولا بيان أن إبداءها وإبرازها يكون بواسطة أعمال الجوارح، وأن أعمال الجوارح دالة عليها، بل الآية سیقت لبيان أخذه تعالى على ما تخفي الصدور وتكن القلوب، سواء أكانت خافية أم ظاهرة. والقلب أوسع ساحة وأفسح مكانا للطاعات والمعاصي، فطاعات القلب ومعاصيه أمور مستقلة في قبال أعمال الجوارح الظاهرية، سواءاً لوحظت أنها منشأ للأمور الخارجية أم لا، مثل الإيمان والإنقياد، والولاية والبراءة، والكفر والنفاق، وإضمار السوء لله ولأوليائه، وإضمار الفسوق والمعاصي، والإستكبار في قبال الحق وأهله واحتقاره. ولا يخفى على أولي الألباب أن بعض هذه الأفعال عزائم وفرائض مطلوبة بذاتها لا باعتبار أنها منشأ للآثار الخارجية، وبعضها محرمات كذلك. فتحصل أن الأعمال القلبية لابد من أن تكون محكومة بالأحكام الخمسة مثل أعمال الجوارح، مع ما في الأفعال القلبية من الأهمية بنسبة أهمية القلب والروح إلی البدن. قال تعالى: «اِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اَنْ تَشِيعَ اَلْفَاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُو لَهُمْ عَذَابَ اليمِ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلاَخِرَةِ وَ اَللَّهُ يَعْلَمُ وَ انتم لاَ تَعْلَمُونَ» و «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ اَلشَّهَوَاتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ و الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ اَلْخَلِيلِ اَلْمُسَوَّمَةِ وَ الانعام وَ اَلْحَرْثُ ذَلِكَ مَتَاعُ اَلْحَيَوةِ اَلدُّنْيَا وَ اَللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ اَلْمَآبِ» و«اِلَّا انَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهُم ليَسْتَخْفُوا مِنْهُ الاّ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ اِنَّه عَلِيمٌ بِذَاتِ اَلصُّدُورِ» . وما اكثر الآيات القرآنية التي وردت في مؤاخذة الإنسان بما کسب قلبه وتوبيخ ما في قلبه أو مدحه، وقسوة القلب ومرضه وطهارته وتقواه.) انتهى كلامه رفع مقامه. تفسير مناهج البيان: 120/3-122.

الباب 2: لا يجوز ترتيب الأثر على حديث النفس قبل استئمار النبي أو الإمام وتعلم الحكم

1 - [نعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، و لم أحدث

ص: 48

شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفشك ياعثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض.

قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي المساجد. قال: هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال: فلا تفعل، فإني لأشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.

قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه و لا بأحد، إن وجاء أمتي الصيام. قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته - قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل یا عثمان. (1)

أقول، و يناسب أيضا:

2. [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر علیه السلام بسوء. فاشتريت سکينا و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك و جلست، فماشعرت إلا برقعة أبي الحسن علیه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي.) فما بقي أيام [أياما] إلا و مات. (2)

الباب 3: لا يجوز ترتيب الأثر على حديث النفس بما لا ينبغي فعله

1. [ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مراراً و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوماً إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.

قال : هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني أشتهيه

ص: 49


1- دعائم الإسلام: 2/ 190 ح688.
2- المناقب: 289/4، الخرائج: 649/2 ، عنهما البحار: 48/ 59 ح69، وأورده في البصائر: 252 ح 2 وفيه بدل (موسی بن جعفر) : (الرضا) ، وبدل (يغني) : (ثقتي)، عنه البحار: 47/49 ح 44، 274/49 ح 22.

و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل. قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد، لا تفعل. إن وجاء أمتي الصيام.

قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته کتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة و محي عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة و محي عنه ألف سيئة، و حضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة و محي عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قد غفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد كان لهما وصيف في الجنة.

ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان و قال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، و صرفت وجهه عن حوضي.(1) أقول، ويناسب أيضا:

2 - [الشيخ في التهذيب]، عن فضل مولى محمد بن راشد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: إني تزوجت امرأة متعة، فوقع في نفسي أن لها زوجاً، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا. قال علیه السلام: و لم فتشت؟(2)

ص: 50


1- عوالي اللآلي: 3/ 291ح53.
2- تهذیب الأحکام: 7/ 253ح17، عنه الوسائل: 31/21 ح 26444.

الفصل السادس : علاج حديث النفس و الوساوس

اشارة

ص: 51

ص: 52

1 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق] عن الصادق علیه السلام قال: ليس من مؤمن يمر عليه أربعون صباحا إلا حدث نفسه، فليصل ركعتين و ليستعذ بالله من ذلك.(1)

2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق] عن الصادق علیه السلام قال: شکا آدم إلى الله عز وجل حديث النفس، فنزل عليه جبرئيل علیه السلام فقال: قل: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقالها فذهب عنه. قال علیه السلام: فهذا أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله).(2).

3- [البرقي في المحاسن] عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن آدم علیه السلام شكا إلى ربه حديث النفس، فقال: أكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله).(3)

4 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الباقر علیه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشکا إليه الوسوسة و حديث النفس و دینا قد فدحه (4) و العيلة. فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : قل:(توكلت على الحي الذي لا يموت، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيراً) و كررها مراراً. فما لبث أن عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله قد أذهب الله عني الوسوسة و أدى عني الدين و أغناني من العيلة.(5)

5 - [فقه الرضا علیه السلام] ، سألت العالم علیه السلام عن الوسوسة إن كثرث، قال علیه السلام: لا شيء فيها، يقول: (لا إله إلا الله).

ص: 53


1- مکارم الأخلاق: 328، عنه البحار: 354/88ح17، وعنه أيضا المستدرك:6/ 383 ح 44 70 - 2، قال المجلسي قدس سره في بيانه: (المراد بحديث النفس الوساوس الشيطانية في العقائد و القضاء و القدر و الخطورات التي يوجب التكلم بها الكفر.)
2- مکارم الأخلاق: 329، وأورده في مهج الدعوات: 303 من کتاب الدعاء لسعد بن عبد الله
3- المحاسن: 41/1 ح 52، عنه البحار: 189/90 ح 20، وعنه أيضا الوسائل: 217/7 ح 9154.
4- أي نزل به، والأمر الفادح: الثقيل الباهض. والعيلة: الفاقة والفقر. (مجمع البحرین)
5- مكارم الأخلاق: 328.

وأروي أن رجلا قال للعالم علیه السلام:يقع في نفسي أم عظيم. فقال علیه السلام : قل: (لا إله إلا الله). وفي خبر آخر: (لا حول و لا قوة إلا بالله).(1)

6 - [فقه الرضا علیه السلام ، أروي: إذا خطر ببالك في عظمته و جبروته أو بعض صفاته شيء من الأشياء فقل: (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و علي علیه السلام أمير المؤمنين)، إذا قلت ذلك عدت إلى محض الإيمان.(2)

7 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتى رجل النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي، حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : إذا دخلت في صلاتك، فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة(3)، ثم قل: (بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)، فإنك تنحره و تطرده.(4)

8- [الصدوق في الخصال]، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه علیه السلام : أن أمير المؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه، قال - إلى أن قال علیه السلام : - صوم ثلاثة أيام من كل شهر أربعاءبين خميسين، وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب (5)

9- [علي بن الحسن في مشكاة الأنوار]، عن السكوني، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إذا خفت حديث النفس في الصلاة فأطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: (بسم الله و

ص: 54


1- فقه الرضا : 385، عنه البحار: 128/69 ح 13 ، ولاحظ قريباً من الفقرة الأخيرة في255/7 ،281/69 ، ولاحظ أيضا:38/66.
2- فقه الرضا علیه السلام: 385، عنه البحار: 128/69 ضمن ح13، وعنه أيضا المستدرك: 431/5 ح 6275-2،303/5 ح 2-5924 .
3- المسبحة: إصبع تلي الإبهام لأنها تشاركها عند التسبيح. (مجمع البحرین)
4- الكافي: 3/ 358 ح4، من لایحضره الفقيه: 1/ 338 ح 984، وأورده في الجعفريات: 37 (نحوه)،دعائم الإسلام: 1/ 190، وذكره في الوسائل عن الكليني: 8/ 249 - 250ح 10560.
5- الخصال: 612/2 ، عنه البحار: 94/10 ح1، ولاحظ: 72/94 ح 15، 96/94 ح 12، وعنه أيضا الوسائل: 422/10 ح 13748، وأورده بتمامه في تحف العقول: 106، و بلبلة الصدر : وسوسته. (مجمع البحرین)

بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم).(1)

10 - [المحدث النوري في المستدرك]، عن الشيخ حسين بن عبد الصمد في العقد الحسيني، قال: رويت عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن بعض الصحابة شكا إليه صلی الله علیه و آله وسلم الوسوسة، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني و بين صلواتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : ذلك شيطان يقال له: (خنزب)، فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني.

قال: ورويت عن ابن عباس أنه شكا إليه بعضهم الوسوسة، فقال: إذا وجدت في قلبك شيئا فقل: « ».(2)

11 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن بكر بن صالح، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال: الشؤم للمسافر في طريقه خمسة أشياء: الغراب الناعق عن يمينه و الناشر لذنبه، و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، و الظبي السانح من يمين إلى شمال، و البومة الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقاء فرجها، و الأتان العضباء يعني الجدعاء، فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: (اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي).

قال علیه السلام : فيعصم من ذلك. (3)

ص: 55


1- مشكاة الأنوار: 247، عنه البحار: 236/85 ح 38.
2- المستدرك: 425/6 ح 7140-3، والآية: الحديد: 3.
3- الكافي:314/8، عنه البحار: 325/55-326 ح15 ، وأورده بإسناده في الفقيه: 2/ 268 ح2403، عنه الوسائل: 11263 ح 15024 ، المحاسن: 348/2 ح 21، مکارم الأخلاق: 242، قال المجلسي قدس سره في بيانه : (الشؤم للمسافر) أي ما يتشأم به الناس، و ربما تؤثر بتأثر النفس بها و يدفع ضررها بالتوكل و الدعاء المذكور في الخبر و غیره کما مر في الطيرة..- إلى أن قال قدس سره - قوله علیه السلام: (و هو مقع) يقال : أقعى الكلب، إذا جلس على استه مفترشا رجليه و ناصباً يديه، و الظاهر رجوع ضميري (يرتفع) و (ینخفض) إلى الذنب، و يقال إن هذا دأبه غالبا إذا لقي إنسانا يفعل ذلك لإثارة الغبار في وجهه.. قوله علیه السلام: (و الظبي السانح) قال في النهاية : البارح ضد السانح، فالسانح ما مر من الطير و الوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك و العرب تتيمن بذلك لأنه أمكن للرمي و الصيد، و البارح ما مر من يمينك إلى يسارك، و العرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتی تنحرف. و نحوه قال الجوهري و غيره فالمراد بالسانح هنا المعنى اللغوي من قولهم : (سنح له) أي عرض له و ظهر، و قال الكفعمي قدس سره : منهم من يتيمن بالبارح و يتشأم بالسانح كأهل الحجاز و أما النجديون فهم على العكس من ذلك. (و المرأة الشمطاء) قال الجوهري : (الشمط) بياض شعر الرأس يخالط سواده و الرجل أشمط و المرأة شمطاء. و قوله : (تلقی فرجها) الظاهر عندي أنه كناية عن استقبالها إياك و مجيئها من قبل وجهك فإن فرجها من قدامها، وقال الفاضل أمين الدین الأسترآبادي قدس سره: الظاهر أن المراد من قوله علیه السلام: (تلقاء فرجها) أن تستقبلك بفرج خمارها فتعرف أنها شمطاء... (و الأتان العضباء) المقطوعة الأذن، و لذا فسرها بالجدعاء لئلا يتوهم أن المراد المشقوقة الأذن، قال الجوهري : (ناقة عضباء) أي مشقوقة الأذن، و قال الفيروزآبادي : (العضباء) الناقة المشقوقة الأذن و من آذان الخيل الذي جاوز القطع ربعها وقال : (الجدع) کالمنع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة.

12 -[ محمد بن یعقوب في الكافي] عن علي بن مهزیار قال: كتب رجل إلى أبي جعفر علیه السلام يشكو إليه لما يخطر على باله، فأجابه علیه السلام في بعض كلامه: إن الله عز وجل إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً، قد شكا قوم إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحب إليهم من أن يتكلموا به، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أتجدون ذلك؟ قالوا: نعم. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : و الذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: (آمنا بالله و رسوله ولا حول و لا قوة إلا بالله).(1)

13 - [محمد بن يعقوب في الكافي] عن حمران، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: إن رجلا أتی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، إنني نافقت. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : و الله ما نافقت، و لو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الذي رابك، أظن العدو الحاضر أتاك، فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله؟ قال: إي و الذي بعثك بالحق لكان كذا.

فقال صلی الله علیه و آله وسلم: إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستز لكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده .(2)

18 - [المجلسی في البحار] في الرواية : يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا و

ص: 56


1- الكافي:425/2 ح 4 أورد عنه بعضه في الوسائل:168/7 ح 9027.
2- الكافي: 2/ 452 ح 5، عنه الوسائل: 168/7 ح9027، أقول: وفي الكافي عن ابن أبي عمير، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : (جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول الله، هلكت ! فقال له صلی الله علیه و آله وسلم: أتاك الخبيث، فقال لك : من خلقك؟ فقلت : الله، فقال لك : الله من خلقه؟ فقال : إي و الذي بعثك بالحق لكان كذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذاك و الله محض الإيمان). قال ابن أبي عمير : فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال : حدثني أبو عبد الله علیه السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إنما عنی بقوله : (هذا و الله محض الإيمان) خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه. الكافي: 425/2ح3، عنه البحار: 324/55ذیل ح13.

كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.(1)

15 - [المجلسي في البحار]، نقل من خط الشهيد رحمه الله، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أن الشيطان اثنان: شیطان الجن، ويبعد ب(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وشيطان الإنس ويبعد بالصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم.(2)

16 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام ]، عن عبد الله بن سنان قال: شکا رجل إلى أبي عبد الله علیه السلام كثرة التمني و الوسوسة، فقال علیه السلام : أمر يدك على صدرك ثم قل:( بسم الله و بالله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم امسح عني ما أحذر)، ثم أمر يدك على بطنك و قل ثلاث مرات، فإن الله تعالى يمسح عنك و يصرف.

قال الرجل: فكنت كثيرا ما أقطع صلاتي مما يفسد علي التمني و الوسوسة، ففعلت ما أمرني به سيدي و مولاي علیه السلام ثلاث مرات فصرف الله عني و عوفيت منه، فلم أحس به بعد ذلك. (3)

17 - [الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هوفي صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (4)

18 - [محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات]، أخبرنا محمد: حدثني موسى: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیه السلام : أن رجلا أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، إن يكن لأحد قلبان فإن لي قلبين، قلب يأمرني بأن أتابعك، و قلب يأمرني أن لا أتابعك.

فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أعلمك شيئا إن أنت قلته أذهب الله عنك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال صلی الله علیه و آله وسلم : قل: (اللهم أنت الرب و أنت الله و أنت الرحمن و أنت الرحيم، أستعينك

ص: 57


1- البحار: 55/ 325 ذیل ح13.
2- البحار: 136/92-137
3- طب الأئمة علیهم السلام : 117، عنه البحار: 138/92 ح3.
4- قرب الإسناد: 41، عنه البحار: 295/69 ح20، وأورده في وسائل الشيعة: 479/5 ح 7112.

على عدوي فاحبسه عني بها شئت). (1)

19 - [ابن شعبة في تحف العقول]، قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم في جواب شمعون بن لاوي بن یهودا من حواريي عيسی علیه السلام حيث قال: أخبرني عن العقل، ما هو؟ و كيف هو؟ وما يتشعب منه؟ و ما لا يتشعب؟ وصف لي طوائفه كلها. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن العقل عقال من الجهل، و النفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت، فالعقل عقال من الجهل - إلى أن قال: - فقال شمعون: لقد شفيتني و بصرتني من عماي، فعلمني طرائق أهتدي بها.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يا شمعون، إن لك أعداء يطلبونك و يقاتلونك ليسلبوا دينك من الجن و الإنس، فأما الذين من الإنس فقوم لا خلاق لهم في الآخرة ولا رغبة لهم فيما عند الله، إنما همهم تعبير الناس بأعمالهم، لا يعيرون أنفسهم و لا يحاذرون أعمالهم، إن رأوك صالحا حسدوك و قالوا: مراء، و إن رأوك فاسداً قالوا: لا خير فيه، و أنا أعداؤك من الجن فإبليس وجنوده، فإذا أتاك فقال: مات ابنك. فقل: إنما خلق الأحياء ليموتوا و تدخل بضعة مني الجنة إنه ليسري، فإذا أتاك و قال: قد ذهب مالك. فقل: الحمد لله الذي أعطى و أخذ و أذهب عني الزكاة فلا زكاة علي. و إذا أتاك و قال لك: الناس يظلمونك و أنت لا تظلم. فقل: إنما السبيل يوم القيامة على الذين يظلمون الناس و ما على المحسنين من سبيل. و إذا أتاك و قال لك: ما أكثر إحسانك، يريد أن يدخلك العجب، فقل: إساءتي أكثر من إحساني. و إذا أتاك فقال لك: ما أكثر صلاتك. فقل: غفلتي أكثر من صلاتي. و إذا قال لك: كم تعطي الناس؟ فقل: ما آخذ أكثر مما أعطي. و إذا قال لك: ما أكثر من يظلمك. فقل: من ظلمته أكثر. و إذا أتاك فقال لك: كم تعمل؟ فقل: طال ما عصيت.

إن الله تبارك و تعالى لما خلق السفلى فخرت و زخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت. ثم إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الله الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بها عليها، فذلت الأرض و استقرت. ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت و استطالت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها فذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء

ص: 58


1- الجعفريات: 227، عنه المستدرك: 302/5-303 ح 5923-1.

يغلبني؟ فخلق النار، فأذابت الحديد فذل الحديد. ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت. ثم الماء فخر و زخر وقال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح، فحرکت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه فذل الماء. ثم إن الريح قرت و عصفت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال ما يستتر به من الريح و غيرها فذلت الريح.

ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الموت فقهره فذل الإنسان. ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدا. فخاف. ثم قال: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة.(1)

20 - [تفسير الإمام العسكري علیه السلام]، قال محمد بن علي الباقر علیهما السلام : دخل محمد بن علي بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسین زین العابدین صلی الله علیه و آله وسلم و هو كئيب حزين، فقال له زین العابدین علیه السلام : ما بالك مهموماً مغموما؟ قال: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هموم و غموم تتوالى على لما امتحنت به من جهة حساد نعمتي و الطامعين في و من أرجوه و ممن أحسنت إليه فيخلف ظني.

فقال له علي بن الحسین زین العابدین علیه السلام: احفظ لسانك تملك به إخوانك. قال الزهري: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إني أحسن إليهم بمايبدر من كلامي. قال علي بن الحسين علیهما السلام : هيهات هيهات، إياك و أن تعجب من نفسك بذلك، و إياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره و إن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه نكراً يمكنك لأن توسعه عذراً.

ثم قال علیه السلام: یا زهري، من لم يكن عقله أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر مافيه. ثم قال علیه السلام: یا زهري، و ما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، و تجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، و تجعل تربك منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ و أي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ و أي هؤلاء تحب أن تهتك ستره؟ و إن عرض لك إبليس لعنه الله بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان و العمل الصالح فهو خير مني، و إن كان أصغر منك فقل:

ص: 59


1- تحف العقول: 21، عنه البحار: 1/ 123ح 11، أقول: الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خير مني، و إن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي و في شك من أمره، فمالي أدع يقيني بشكي.

و إن رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، و إن رأيت منهم جفاء و انقباضاً عنك فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك و كثر أصدقاؤك و قل أعداؤك و فرحت بما يكون من برهم، و لم تأسف على ما يكون من جفائهم. و اعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره فائضاً عليهم و كان عنهم مستغنياً متعففاً، و أكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففاً و إن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يعشقون الأموال فمن لم يزاحمهم فيها يعشقونه کرم عليهم و من لم يزاحمهم فيها و مکنهم منها أو من بعضها كان أعز و أكرم.(1)

أقول، ويناسب الحديث التالي:

21 - [تفسير الإمام العسكري علیه السلام] ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ألا فاذکروا - یا أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم- محمد، وآله علیهم السلام عند نوائبکم و شدائدكم لينصر الله بهم ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم، فإن كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره یکتب سيئاته، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه. فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله و قال: (لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و صلىالله على محمد و آله)، حبس الشيطانان ثم صارا إلى إبليس فشكواه و قالا له: قد أعيانا أمره فأمددنا بالمردة، فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه، فكلما راموه ذكر الله و صلى على محمد و آله الطيبين علیهم السلام لم يجدوا عليه طريقاً و لا منفذاً، قالوا لإبليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه و تغويه. فيقصده إبليس بجنوده، فيقول الله تعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلاناً أو أمتي فلانة بجنوده، ألا فقاتلوه. فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك و هم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار وقسي ونشاشیب (2) وسكاكين وأسلحتهم من نار، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة، فيقول: يا رب، وعدك وعدك قد أجلتني

ص: 60


1- تفسير الإمام علیه السلام : 25، عنه البحار: 229/68 ح6، وذكره في الإحتجاج: 2/ 319، عنه البحار: 155/71ح1مع بعض التفاوت.
2- النشاشيب جمع النشاب بالضم و التشديد و هو النبل (عن البحار).

إلى يوم الوقت المعلوم. فيقول الله تعالى للملائكة: وعدته أن لا أميته و لم أعذه أن لا أسلط عليه السلاح و العذاب و الآلام، اشتفوا منه ضرباً بأسلحتكم فإني لا أميته. فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه فلا يزال سخين العين (1) على نفسه و أولاده المقتولين المقتلين (2) و لا يندمل شيء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم، فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله و ذكره و الصلاة علی محمد و آله علیهم السلام بقي إبليس على تلك الجراحات و إن زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة الله عز و جل و معاصيه اندملت جراحات إبليس ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه و يسرج على ظهره و یركبه، ثم ينزل عنه و یرکب على ظهره شيطاناً من شياطينه و يقول لأصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذل و انقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا.

ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه و ألم جراحاته فداوموا على طاعة الله و ذكره و الصلاة على محمد و آله صلی الله علیه و آله وسلم، و إن زلتم عن ذلك كنتم أسراء فيركب أقفيتكم بعض مردته. (3)

أقول: المتحصل والمستفاد من الأحاديث الشريفة أن ترتيب الأثر على حديث النفس في مقام العمل وعقد القلب يكون سببا لتقوية حديث النفس ورسوخه واشتداده، کما وأن مخالفته في المقامين - العقد والعمل - توجب ضعفه وفي النهاية زواله.

وبناءاً عليه، ففي مقام تثبيت حديث النفس بما ينبغي وترسيخه يجب على العبد العمل بالطاعات والعقد والعزم والقرار على امتثالها والتصميم على القيام بها وإرادتها وطلبها، وفي مقام حديث النفس بما لا ينبغي أن يعزم على ترك المعاصي والرذائل والعمل على خلافها لتنمحي وتزول من قلبه الوساوس، ويجب عليه - إضافة إلى ذلك - دوام التضرع والإلتجاء والإستعانة بالله العلي العظيم فإنه لا حول ولا قوة إلا به، ولا طاعة إلا بعونه ولا نجاة إلا بتوفيقه. (4)

ص: 61


1- قال الجوهري : سخنة العين نقيض قرتها و قد سخنت عينه- بالكسر- فهو سخين العين، و أسخن الله عينه أي أبكاه (عن البحار).
2- (المقتلين) على بناء المفعول من باب الإفعال أي المعرضين للقتل أو التفعيل تأكيدا لبيان كثرة مقتوليهم. قال الجوهري أقتلت فلاناً عرضته للقتل و قتلوا تقتيلا شدد للكثرة(البحار).
3- تفسير الإمام علیه السلام : 396 - 368ح270، عنه البحار: 271/60 -272 ح 158.
4- بل إن أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله) كان لأجل علاج حديث النفس، ففي مكارم الأخلاق عن الصادق علیه السلام قال : شكا آدم إلى الله عز وجل حديث النفس، فنزل عليه جبرئيل علیه السلام فقال : قل : (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فقالها فذهب عنه. قال علیه السلام : فهذا أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله). مکارم الأخلاق: 329، ومهج الدعوات: 303 من کتاب الدعاء لسعد بن عبد الله.

يدل على ما ذكرنا الحديث النبوي في جواب أسئلة شمعون بن لاوي مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم: (.. و إذا أتاك - أي الشيطان . و قال لك: ما أكثر إحسانك، يريد أن يدخلك العجب، فقل: إساءتي أكثر من إحساني. و إذا أتاك فقال لك: ما أكثر صلاتك. فقل: غفلتي أكثر من صلاتي. و إذا قال لك: كم تعطي الناس؟ فقل: ما آخذ أكثر مما أعطي. و إذا قال لك: ما أكثر من يظلمك. فقل: من ظلمته أكثر. و إذا أتاك فقال لك: كم تعمل؟ فقل: طال ما عصيت.. الحديث).

فإن ما يبتغيه الشيطان وراء وسوسته ويقصده من إلقاءاته أن يجر بالعبد إلى القبائح والمآثم كالعجب والجزع، وبتوجه الإنسان إلى واقعه وحقيقة حاله منجانب، والقرار والعزم على عدم الركون إلى وساوسه وطلب خلافها - لعلمه أنه لا يريد له إلا الشر والهلكة -، يزيل من القلب حديث النفس بالقبائح.

تتميم الفصل: الإستعاذة من الوسوسة و حديث النفس والحرز للوساوس

الناس: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» (1)«مَلِكِ النَّاسِ»(2)«إِلَٰهِ النَّاسِ»(3)«مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ»(4)«الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ»(5)«مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»(6)

فصلت: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (36)

الأعراف: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (200)قال الطبرسي قدس سره: (معناه: يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إن نالك من الشيطان وسوسة في القلب.) عنه البحار:157/60.

1- [علي بن إبراهيم في تفسيره]، في قوله تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ » قال: إن عرض في قلبك منه شيء و وسوسة.(1)

2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، لوسوسة القلب يقول: « فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

ص: 62


1- تفسير القمي: 1/ 253، عنه البحار: 17/ 82 ح4

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(1) و يقرأ المعوذتين. (2)

3- [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم فليتعوذ بالله وليقل بلسانه وقلبه: (آمن بالله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، مخلصين له الدين).(3)

4 -[ عماد الدين الطبري في بشارة المصطفی]، سعید بن زيد بن أرطاة، عن کمیل بن زیاد رضی الله عنه في وصية أمير المؤمنين علیه السلام له - إلى أن قال: - یاکمیل، إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، و أعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر و قضي، و أعوذ بإله الناس من شر الجنة والناس أجمعين و سلم تكف مؤونة إبليس و الشياطين معه و لو أنهم كلهم أبالسة مثله. (4)

5 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام]، عن حریز بن عبد الله السجستاني، عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام ؟ قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إني أجد بلابل في صدري و وساوس في فؤادي حتى لربما قطع صلاتي و شوش على قراءتي.

قال علیه السلام : و أين أنت من عوذة أمير المؤمنين علیه السلام؟ قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علمني.

قال علیه السلام : إذا أحسست بشيء من ذلك فضع يدك عليه (5) و قل: (بسم الله و بالله، اللهم مننت علي بالإيمان و أودعتني القرآن و رزقتني صيام شهر رمضان فامنن علي بالرحمة و الرضوان و الرأفة و الغفران و تمام ما أوليتني من النعم و الإحسان، يا حنان يا منان يا دائم یا رحمان سبحانك و ليس لي أحد سواك سبحانك أعوذ بك بعد هذه الكرامات من الهوان، و أسألك أن تجلي عن قلبي الأحزان).

تقولها ثلاثا فإنك تعافي منها بعون الله تعالى، ثم تصلي على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و السلام عليهم و رحمة الله. (6)

6- [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، من أدعية أمير المؤمنين علیه السلام : دعاؤه يوم

ص: 63


1- النحل: 98. 2.
2- مكارم الأخلاق: 377، عنه البحار: 136/92 ح3.
3- مكارم الأخلاق: 377، عنه البحار: 136/92 ضمن ح3.
4- بشارة المصطفی: 27، عنه البحار: 74/ 273 ح1، وعنه أيضا المستدرك: 426/6 ح 7141-4.
5- قال المجلسي قدس سره: بیان قوله علیه السلام: (فضع يدك عليه) أي على الفؤاد كما يظهر من الخبر الآتي أيضا، و لما كان الصدر محلا للفؤاد فينبغي وضع اليد على الصدر. أقول: ذكرنا الحديث المشار إليه سابقا فراجع.
6- . طب الأئمة علیهم السلام: 27، عنه البحار: 137/92 - 138 ح 1.

الهرير بصفين - إلى أن قال :- (.. وأعوذ بك من الفواحش ماظهر منها وما بطن، وأعوذ بك من وسوسة الأنفس مما لا تحب من القول والفعل والعمل..)(1)

7 -[ الشيخ في مصباح المتهجد]، أخبرني جماعة عن ابن عباس قال : مما خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد رضی الله عنه من الناحية المقدسة : ما حدثني به جبیربن عبد الله قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، ادع في كل يوم من أيام رجب: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك - إلى أن قال:۔ و أصلح لناخبيئة أسرارنا و أعطنا منك الأمان و استعملنا بحسن الإيمان وبلغنا شهر الصيام وما بعده من الأيام والأعوام يا ذا الجلال والإكرام).(2)

أقول، ومما يلحق بالباب أيضا:

8- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن بن شمون عن داود بن القاسم الجعفري قال: سئل أبو محمدعلیه السلام عن قوله تعالى: «إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ»(3)و السائل رجل من قم و أنا حاضر، فقال علیه السلام : ماسرق يوسف، إنما كان ليعقوب علیه السلام منطقة ورثها من إبراهيم علیه السلام، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد، فكان إذا سرقها إنسان نزل جبرائيل علیه السلام فأخبره بذلك، فأخذ [فأخذت] منه و أخذ عبدا. و إن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم علیهما السلام ، و كانت سميت أم إسحاق، و إن سارة أحبت یوسف علیه السلام و أرادت أن تتخذه ولداً لها، و إنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله و قالت ليعقوب علیه السلام : إن المنطقة سرقت.

فأتاه جبرائیل علیهماسلام فقال: يا يعقوب، إن المنطقة مع يوسف علیه السلام، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله. فقام يعقوب إلى يوسف علیه السلام ففتشه وهو يومئذغلام يافع، واستخرج المنطقة. فقالت سارة بنت إسحاق: متى [مني] سرقها يوسف علیه السلام فأنا أحق

ص: 64


1- مهج الدعوات: 101، عنه البحار: 240/91 - 138 ضمن ح 9، قال الإمام الصادق علیه السلام بعد ذکر الدعاء عن أمير المؤمنين علیه السلام : (هذا الدعاء هو لكل أمر مهم شدید و کرب، وهو دعاء لا يرد من دعا به إن شاء الله تعالى).
2- مصباح المتهجد: 803-804، البلد الأمين: 179، وأورده في إقبال الأعمال عن الشيخ: 646، عنه البحار: 393/95 - 392 ضمن ح 1
3- يوسف: 77.

به. فقال لها يعقوب علیه السلام : فإنه عبدک على أن لا تبيعيه و لا تهبيه. قالت: فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني و أنا أعتقه الساعة، فأعطاها فأعتقته. فلذلك قال إخوة يوسف: «إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» .

قال أبو هاشم: فجعلت أجيل هذا في نفسي أفكر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من یوسف علیهما السلام و حزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم و المسافة قريبة، فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم، نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك، فإن الله لو شاء أن يرفع السنام الأعلى بين يعقوب و یوسف حتى كانا يتراءان فعل، و لكن له أجل هو بالغه و معلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك، فالخيار من الله لأوليائه. (1)

أقول: مع أن الإستعاذة من الوساوس وحديث النفس بما لا ينبغي مما لا شك في ضرورته في جميع الحالات والأوقات، لكنها تتأكد في أماكن معينة وضروف خاصة، كما ورد عند تسريح اللحية (2)، و تلاوة القرآن (3)، وافتتاح الصلاة ،(4) وفي يوم عرفة(5).

ص: 65


1- الخرائج: 2/ 738 عنه البحار: 12/ 298 ح 86 باختلاف يسير مع المصدر. أقول: ولاحظ الحرزالذي كتبه أمير المؤمنين علیه السلام بإملاء من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأبي دجانة ولمن بعده من أمته صلی الله علیه و آله وسلم من يخاف العوارض والتوابع، وفيه : (و أعيذ صاحب كتابي هذا.. إلى أن قال :من شر من يوسوس في صدور الناس ويسترق السمع والبصر، وأعيذ صاحب كتابي هذا من النظرة واللمحة والخطوة والكرة والنفخة وأعين الإنس والجن المتمردة، ومن شر الطائف والطارق والغاسق والواقب، وأعيذه من شر كل عقد أو سحر أو استيحاش أو هم أو حزن أو فكر أو وسواس..) إلى آخره. راجع البحار: 223/91 ح 19 قال في أوله : (من الأحراز المشهورة المروية عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم .. ثم أورده عن بعض الكتب مسنداً.
2- في فقه الرضا علیه السلام قال: (ثم تسرح لحيتك من فوق وقل: اللهم سرح عني الغموم والهموم ووسوسة الصدور) فقه الرضا علیه السلام: ص397. عنه المستدرك: 1/ 442 ضمن ح 1111-17. وفي مكارم الأخلاق: 71، عن الصادق علیه السلام : (..ثم يسرح الشعر من فوق ثم يمر المشط على صدره ويقول في الحالين معا : اللهم سرح عني الغموم والهموم ووحشة الصدور ووسوسة الشيطان.. الحديث.) عنه البحار: 73/ 114 ضمن ح 15 ولاحظ سائر الأحاديث في الباب .
3- قال الطبرسي في مجمع البيان في قوله تعالى«فَا ذَا قُرَّاتُ اَلْقِرَانِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ» : (..وتأويله استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل وفي التأويل من الخطل..) عنه البحار: 1/82.
4- لاحظ ما ذكرنا في الفصل 10، الباب 45 (ما يعالج ويدفع به حديث النفس في الصلاة).
5- تهذیب الأحکام: 184/5 ح16 عن بعض اصحابنا، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام: ( ألا أعلمك دعاء يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء، قال صلی الله علیه و آله وسلم : تقول- إلى أن قال : - اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن وساوس الصدور ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر.. الدعاء.)

ثم من جملة الأمور التي تنفع للوسوسة وتزيلها كما جاء في الأخبار الشريفة: الخضاب(1)، وأكل الرمان(2)، وغسل الرأس بورق السدر(3) والسواك(4)، وقراءة سورة يس، فإن قارئها لا يصيبه الوسواس(5)،

ص: 66


1- روضة الواعظين: 474/2، وفي الكافي: 6/ 482 ح12 عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال في حديث: (إن فيه أربع عشرة خصلة: - إلى أن قال : ويقل وسوسة الشيطان وتفرح به الملائكة.. الحديث.) الحديث. عنه الوسائل: 2/ 85 ح1560، ولاحظ الفقيه: 1/ 123 ح 285.
2- ففي حديث الأربعمأة لأمير المؤمنين علیه السلام : (و في كل حبة من الرمان إذا استقرت في المعدة حياة للقلب و إنارة للنفس و تمرض وسواس الشيطان أربعين ليلة.) راجع الخصال: 2/ 636 ح10، عنه البحار: 10/ 114 ح1، وأورده في تحف العقول: 124، وفي الكافي عن أبي الحسن الأول علیه السلام قال: (من أكل رمانة يوم الجمعة على الريق نورت قلبه أربعين صباحا، فإن أكل رمانتين فثمانين يوما، فإن أكل ثلاثاً فمأة وعشرين يوما وطردت عنه وسوسة الشيطان ومن طردت عنه وسوسة الشيطان لم يعص الله عز وجل، ومن لم يعص الله أدخله الله الجنة.) الكافي: 6/ 355 ح 7. وأورده في المحاسن 2/ 544 ح 851، عنه البحار: 63/ 162 ح 39 ،360/86 ح39، وفي الكافي أيضا مسنداً عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (عليكم بالرمان الحلو فكلوه فإنه ليست من حبة تقع في معدة مؤمن إلا أبادت داء وأطفأت شیطان الوسوسة عنه.) الكافي: : 354/6 ح10، عنه الوسائل:153/25 ح31490 ولاحظ سائر الأحاديث في الباب. أقول: وفي بعض الأخبار ورد أكل الرمان على الريق كما في الحديث المذكور عن أبي الحسن الأول علیه السلام، وفي المحاسن أيضا: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (من أكل رمانة على الريق أنارت قلبه فطردت شيطان الوسوسة أربعين صباحاً.) المحاسن: 543/2
3- ففي الحديث عن الصادق علیه السلام قال : (اغسلوا رؤوسكم بورق السدر فإنه قدسه كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما، ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله، ومن لم يعص الله دخل الجنة). من لا يحضره الفقيه: 1/ 125 ح296، عنه الوسائل: 63/2 ح 1491، وأورد قريبا منه في ثواب الأعمال: 20، عنه البحار: 87/73 ح6.
4- ففي أمالي الشيخ عن الإمام الصادق علیه السلام قال في حديث: (.. وعليكم بالسواك فإنه يذهب وسوسة الصدر ..) الأمالي: 667، عنه البحار: 139/73 ح 52، وعنه أيضا الوسائل: 61/5 ح 5915المستدرك: 363/1 ح 861-14.
5- ففي ثواب الأعمال بالإسناد عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر علیه السلام قال : (من قرايس في عمره مرة واحدة كتب الله له بكل خلق في الدنيا و بكل خلق في الآخرة و في السماء و بكل واحد ألفي ألف حسنة ومحا عنه مثل ذلك و لم يصبه فقر و لا غرم ولا هدم و لانصب و لا جنون و لا جذام و لا وسواس و لا داء يضره، و خفف الله عنه سكرات الموت و أهواله، و ولي قبض روحه و كان ممن يضمن الله له السعة في معيشته و الفرج عند لقائه و الرضا بالثواب في آخرته و قال الله تعالى لملائكته أجمعين من في السموات و من في الأرض : قد رضيت عن فلان فاستغفروا له). ثواب الأعمال: 111، عنه البحار: 89/ 289 ح 2، وعنه أيضا وسائل الشيعة: 248/6 ح 7856 ، وأورده الشعيري في جامع الأخبار: 46.

وصيام ثلاثة أيام في الشهر(1).

فائدة: في حقيقة الإستعانة بالله سبحانه وتعالى

تتقوم حقيقة الإستعاذة على أربعة أسس:

أولها: أن يعرف العبد بأن شيطانه عدوه اللدود الذي لا يريدله خيراً أبدا، تلك الحقيقة الذي صرح بها القرآن الكريم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ» (2)

ثانيها: أن يرى ضعف نفسه في مقابل مكائده وخدائعه وأساليبه، فإن الشيطان يجري مجرى الدم ويحتال ويکید ویمکر.

ثالثها: أن يعلم بأن الله تعالى هو القادر على رد وساوسه وقطع حبائله مهما جد و سعی في إضلاله.

رابعها: أن يعلم بأن الله تعالى لا يريد له إلا الخير - كما أن الشيطان لا يريد له سوی الشر -، فإنه سبحانه خلق العباد ليعرفوه ويعبدوه وبذلك يرحمهم ويدخلهم جنانه التي

ص: 67


1- في الكافي بالإسناد عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (صام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حتى قيل : ما يفطر، ثم أفطرصلی الله علیه و آله وسلم حتى قيل: ما يصوم، ثم صام صوم داود علیه السلام يوما ويوما لا، ثم قبض صلی الله علیه و آله وسلم على صيام ثلاثة أيام في الشهر. قال علیه السلام : إنهن يعدلن صوم الشهر ويذهبن بوحر الصدر والوحر الوسوسة). قال حماد: فقلت: وأي الأيام هي؟ قال علیه السلام : (أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه). فقلت : كيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال علیه السلام : (إن من قبلنا من الأمم كان إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام فصام رسول الله هذه الأيام المخوفة). الكافي: 89/4 -90 ح 1، عنه التهذيب: 302/4 ح 1، والإستبصار: 2/ 136 ح 1، ولاحظ الفقيه: 2/ 82 ح1786، ثواب الأعمال: 80، عنه البحار: 101/94 ح27، الوسائل: 415/10 ح13735، ولاحظ أيضا المحاسن: 2/ 301، عنه البحار: 94/ 102 ح34. أقول: وفي البحار عن المجازات النبوية قال صلی الله علیه و آله وسلم : (من سره أن يذهب كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر). 108/94 ح48، وفي بعض الأحاديث: صوم شعبان، ففي حديث الأربعمأة عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: (.. وصوم ثلاثة أيام من كل شهر أربعاء بين خميسين وصوم شعبان يذهب بوسوسة الصدور وبلابل القلب..) الوسائل: 10/ 422 ح13749.
2- فاطر: 6.

حشوها البركة وعمارها الملائكة.

ومع الإبتعاد من الشيطان، والتوجه إلى الله عز وجل، يستعين العبد به تعالى ويلجأ إليه ليتغلب على عدوه ويبعد نفسه من خطره.

فالإنسان مكلف في مقابل وعود إبليس ووعيده أن يحسبه عدواً مترصداً لا يحسن الظن به طرفة عين، ولا يطمأن إلى ما يقوله ويوسوسه إليه أبدا ولا يصغي إلى كلامه إطلاقا، وأن يكون تلقيه لأوامر الله تعالى تلقي عبد يعلم أن مولاه لا يريد له سوى صلاح شأنه وحاله، فيجعل رضي الله أمام عينيه ويسعى في طلبه ويتوجه إلى أن الله يدافع عنه.

ففي الحديث فيما أوحي إلى موسي علیه السلام في مناجاته: واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل..(1)

وبناءاً على ذلك، في كل قضية يوسوس فيها إبليس، على العبد أن يتمسك بالوسيلة التي جعلها الله لتلك القضية، فمثلا: عند ابتلاء العبد بالفقر یرید الشيطان أن يوقعه في الحرام عبر کسب المال من غير حله و حسد الأغنياء و سوء الظن بالله، أو في مسألة إشباع اللذات يريد منه أن يدنو من الفواحش ويرتكب المحرمات ويروي غرائزه بالوسائل الممنوعة، وعلى هذا الإنسان في الصورة الأولى أن يعرف ويتوجه إلى أن الرزق بيد الله سبحانه وأنه تعالى عليم حكيم، وهو الرزاق الذي لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو الذي ما من دابة في الأرض إلا عليه رزقها وأن خزائنه لا تفنى وبابه لا يغلق، وأن يتلفت في الصورة الثانية ويتذكر أن الرب المتعال هو المؤمن لما يحتاج إليه على جميع الأنحاء وكافة الأبعاد، وأنه تعالى لا يسد على عبده باب الحلال فهو المنان بالعطيات على أهل مملكته، ويتوجه إلى أن من يتقي الله يجعل له من أمره مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ونظائر ذلك مما لا ينبغي الغفلة عنه ويطلب من الله أن يعينه على ذلك.

وهذه هي حقيقة الإستعاذة التي ترتبط بالقلب في مقابل حديث النفس بالمعصية. فجوهر الإستعاذة بالتوجه والإلتجاء والمعرفة والإعتصام بالله، ويظهر أثرها على اللسان. يرشدك إلى ما ذكرنا:

ما ورد في مصباح الشريعة، عن الصادق علیه السلام قال: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من

ص: 68


1- الكافي: 8/ 45 ح8، عنه البحار: 34/74 ح 7، ولاحظ: تحف العقول: 492 - 493، عنه البحار: 13/ 334 ح13، أعلام الدين: 219-220، مجموعة ورام: 2/ 44.

العبد إلا وقد أعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن إلى نهيه و نسي اطلاعه علی سره، فالوسوسة ما يكون من خارج القلب (1) بإشارة معرفة العقل و مجاورة الطبع، و أما إذا تمكن في القلب فذلك غي و ضلالة و كفر، و الله عز و جل دعا عباده باللطف دعوة و عرفهم عداوته فقال عز من قائل: إن الشيطان «لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (2) وقال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ» الآية(3) ، فكن معه كالغريب مع كلب الراعي يفزع إلى صاحبه في صرفه عنه. و كذلك إذا أتاك الشيطان موسوساً ليصدك عن سبيل الحق و ينسيك ذكر الله فاستعذ بربك و ربه منه، فإنه يؤيد الحق على الباطل و ينصر المظلوم لقوله عز و جل:«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(4)، ولن تقدر على هذا و معرفة إتيانه و مذهب وسوسته إلا بدوام المراقبة و الاستقامة على بساط الخدمة و هيبة المطلع و كثرة الذكر، و أما المهمل لأوقاته فهو صيد الشيطان لا محالة. واعتبر بما فعل بنفسه من الإغراء و الاستكبار من حيث غره و أعجبه عمله و عبادته و بصيرته و رأيه، قد أورثه عمله و معرفته و استدلاله بمعقوله عليه اللعنة إلى الأبد، فما ظنك بنصيحته و دعوته غيره؟ فاعتصم بحبل الله الأوثق و هو الإلتجاء و الإضطرار بصحة الإفتقار إلى الله في كل نفس، ولا يغرنك تزيينه الطاعات عليك، فإنه يفتح لك تسعة و تسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المائة، فقابله بالخلاف و الصد عن سبيله و المضادة باستهزائه. (5)

أقول: عرفت بما مضى أن الأرضية التي يحاول إبليس أن يفسدها بالوسوسة يجب أن تحرث قبله بالخير حتى تفوت عليه فرصته، ومن هنا كان تلقين النفس بالطاعات على كل حال - خصوصا عند الإنتقال من حال إلى حال - ذا أهمية بالغة، فإذا أصبح العبد فقيراً مثلا فإن عليه أن يحدث نفسه بأن الفقر للمؤمن صلاح وكفارة لما سبق من الذنوب وأن في الصبر على الفقر خير ومثوبة، وذلك حتى لا يستطيع إبليس أن يستغل فقره لإغوائه، ويلزم عليه أن يستمر على ذلك التلقين ريثما يتحول إلى حال آخر، وهكذا.

ص: 69


1- هكذا في المصدر ونسخة المستدرك، وفي البحار: (من خارج البدن.)
2- البقرة: 168،البقرة: 208، الأنعام: 142، علیه السلامس: 60، الزخرف: 62.
3- فاطر:6
4- النحل: 99.
5- مصباح الشريعة: 79-80، عنه البحار: 125/69 ح 2، وعنه أيضا المستدرك: 1/ 178 ح 295 - 3.

ولعل هذا هو سر تلقين أبي الفضل العباس علیه السلام نفسه عند المواقف الصعبة، فعندما قطع الأعداء شماله قال: (يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار) ، فإنه قال ذلك بحقيقة إيمانه وكل وجوده وعميق قلبه - بصوت سمعه الأعداء - لئلا يدع شائبة شك تهد عزمه وقواه، لأنه وجد ضرفه العصيب أن عليه أن يرغب نفسه بالآخرة ويحرضها على الثبات والإستقامة لينال رحمة الله ويلقنها لكيلا تزل في الشدائد نفسه أو

تثبط في المحن إرادته، وكذا عندما بلغ ماء الفرات لقنها على التصبر، بيد أن النفوس إذا لاقت ما لاقي علیه السلام ومرت بما مر به لما تنآت عن الشرب، ولكنه علیه السلام رأی أن عليه أن يذب عن حجة الله وألا يسبقه في سد ظماه، فقال مخاطباً وملقنا ومؤدباً ومذكراً نفسه الأبية: (يا نفس من بعد الحسين هوني)!(1) لينال المنزلة التي يغطبه بها جميع الشهداء إلى يوم القيامة(2)

هذا وعليك بملاحظة ما ذكرنا في هذا المجال في النقطة الثانية في ذيل الحديث الأول من الفصل الأول فراجع

ص: 70


1- . مقتل الحسين علیه السلام لأبي مخنف الأزدي: 133، وأورده المقرم في مقتله: 268.
2- الأمالي للصدوق: 462 ح10، عن الإمام زین العابدین علیه السلام في حديث: (..رحم الله العباس فلقد آثر و أبلی و فدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز و جل بهما جناحين يطير بها مع الملائكة في الجنة کما جعل لجعفر بن أبي طالب و إن للعباس عند الله تبارك و تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.) ولاحظ الخصال: 1/ 68ح 101، عنه وعن الأمالي: البحار: 44/ 298 ح 4، 22/ 274 ح 21

الفصل السابع : الإستغفار من حديث النفس بما لا ينبغي والميل إلى الباطل والإنحراف عن الحق

ص: 71

ص: 72

1- [السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال]، بإسناده إلى هارون بن موسى التلعکبري، مسنداً عن أبي عبد الله علیه السلام: (.. اللهم إني أستغفرك و أتوب إليك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدث فيه، و مما ضيعت من فرائضك و أداء حقك من الصلاة و الزكاة و الصيام و الجهاد و الحج و العمرة أو إسباغ الوضوء و الغسل من الجنابة و قيام الليل و كثرة الذكر و كفارة اليمين و الإسترجاع في المعصية و الصدود من كل شيء قصرت فيه من فريضة أو سنة، فإني أستغفرك و أتوب إليك منه.. و ما رآه بصري و سمعه سمعي و نطق به لساني و بسطت إليه يدي و نقل إليه قدمي و باشره جلدي و حدثت به نفسي مما هو لك معصية، و كل يمين زور، و من كل فاحشة و ذنب و خطيئة عملتها في سواد الليل و بياض النهار في ملاء أو خلاء مما علمته أو لم أعلمه، ذكره أو لم أذكره، سمعته أو لم أسمعه، عصيتك فيه ربي طرفة عين، و فيما سواها من حل أو حرام تعديت فيه أو قصرت عنه، منذیوم خلقني إلى يوم جلست مجلسي هذا، فإني أتوب إليك منه و أنت یا کریم تواب رحیم.. الدعاء). (1)

2 - [محمد بن یعقوب في الكافي] سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح علیه السلام ينعي إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته؟

فالتفت علیه السلام إلى شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا و البلايا، و الإمام أولى بعلم ذلك. ثم قال علیه السلام : يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، و إنك تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق کلمتهم و يخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك؟ فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري.

ص: 73


1- الإقبال: 49، عنه البحار: 329/94ح 1 ، أقول: الدعاء طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيراً حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا. (1)

3- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی بکر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر علیه السلام كتاباً و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب علیه السلام إلى بحوائج، و في آخر کتابه: عندي سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل إمام.

وکنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله، فلما صرت إلى المدينة و دخلت عليه علیه السلام، نظر إلي فقال: استغفر الله لما أضمرت و لا تعد.

قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟ قال: لا أخبر به أحداً.. الخبر.(2)

4 -[ المجلسي في البحار، من بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستين ومائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان علیه السلام قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: یا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت و هللت و أكثرت من حمد الله عز و جل و الثناء عليه. فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟ فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلس على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا

ص: 74


1- الكافي: 1/ 484 ح7، عنه البحار: 68/48 ح91، وقريب منه إلى قوله : (والإمام أولى بذلك) في بصائر الدرجات: 264 ح 9، عنه البحار: 123/42 ح4، 54/48 ح 53، وأورده أيضا في دلائل الإمامة: 160، وكشف الغمة: 2/ 242.
2- الخرائج: 1/ 387 - 388، عنه البحار:53/50 ح 31، أقول: وأورده في طب الأئمة علیهم السلام :17 عن عبد الله بن سنان (نحوه).

وبجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: علیل و سمك و تمر و لبن!

فصاح بي: يا عيسى أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتى استحييت، فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق. فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟

فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو) و (متی کان) و( أين ولد) و (من رآه) و (ما الذي خرج إليكم منه )و ( بأي شيء نبأكم) و( أي معجز أتاكم). أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين با عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.

فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشداً. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)

5 - [الطبري في دلائل الإمامة] ، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: يا با خالد، خذ رقعتي فأت غيضة قد سماها فانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به. قال: قلت: أعفني جعلت فداك. قال فقال علیه السلام لي: اذهب یا با خالد.

قال: فقلت في نفسي: یا با خالد، لو أمرك جبار عنيف ثم خالفته إذا كيف يكون حالك؟ قال: ففعلت ذلك حتى إذا صر إلى الغيضة و نشرت الرقعة جاء معي واحد منها، فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إليه واقفاً ما يحرك من شعره شعرة. فأومأ بكلام لم أفهمه قال: فلبثت عنده و أنا متعجب من سكون السبع بين يديه علیه السلام فقال علیه السلام لي: يا با خالد، ما لك تتفكر؟ قال: قلت: أفكر في إعظام السبع.

قال: ثم مضى السبع، فما لبثت إلا وقت قليلا حتى طلع السبع و معه كيس في فيه. قال:

ص: 75


1- البحار: 68/52 ح54.

قلت: جعلت فداك إن هذا لشيء عجيب! قال علیه السلام: يا با خالد هذا كيس وجه به إلى فلان مع المفضل بن عمر، و احتجت إلى ما فيه، و كان الطريق مخوفاً فبعثت هذا السبع فجاء به.

قال: فقلت في نفسي: و الله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر و أعلم ذلك. قال: فضحك أبو عبد الله علیه السلام ثم قال لي: نعم يا با خالد، لا تبرح حتى يأتي المفضل. قال فتداخلني و الله من ذلك حيرة. ثم قلت: أقلني جعلت فداك. و أقمت أياما، ثم قدم المفضل و بعث إلي أبو عبد الله علیه السلام فقال المفضل: جعلني الله فداك، إن فلانا بعث معي کیسا فيه مال، فلما صرت في موضع كذا و كذا جاء سبع و حال بيننا وبين رحالنا، فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده.

قال أبو عبد الله علیه السلام: يا مفضل، أتعرف الكيس؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال أبو عبد الله علیه السلام: يا جارية، هاتي الكيس. فأتت به الجارية، فلما نظر إليه المفضل قال: نعم هذا هو الكيس.

ثم قال علیه السلام: يا مفضل تعرف السبع؟ قال: جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب. فقال علیه السلام له: ادن مني. فدنا منه ثم وضع يده عليه، ثم قال لأبي خالد: امض برقعتي إلى الغيضة، فأتنا بالسبع. فلما صرت إلى الغيضة، ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي. فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إلى إعظامه إياه، فاستغفرت في نفسي. ثم قال علیه السلام: يا مفضل هذا هو؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال علیه السلام: يا مفضل أبشر فأنت معنا. (1)

أقول: ذكرنا فيما سبق أن أمر الأئمة علیهم السلام بالإستغفار من حديث النفس تارة وتقريرهم لإستغفار أصحابهم من حديث النفس تارة أخرى شاهد آخر على أن حديث النفس بالمعاصي وبما یوجب التكلم به الكفر، يورث استحقاق العقوبة والخذلان الإلهي، أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك.

ص: 76


1- دلائل الإمامة: 128، عنه البحار: 62/ 74 ح.

الفصل الثامن : حديث النفس بالآيات

ص: 77

ص: 78

1-[محمد بن يعقوب في الكافي] عن سفيان بن محمد الضبعي قال: كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الوليجة و هو قول الله: «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (1)، فقلت في نفسي - لا في الكتاب : من ترى المؤمنين هاهنا! فرجع الجواب: الوليجة الذي يقام دون ولي الأمر، و حدثتك نفك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع، فهم الأئمة علیهم السلام الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم. (2)

2 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، في حديث الحلبي أنه دخل أناس على أبي جعفر علیه السلام و سألوا علامه، فأخبرهم بأسمائهم و أخبرهم عما أرادوا يسألون عنه، و قال علیه السلام : أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب الله: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ» (3) قالوا: صدقت، هذه الآية أردنا أن نسألك. قال علیه السلام : نحن الشجرة التي قال الله تعالى، أصلها ثابت و فرعها في السماء، و نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا. (4)

3 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن داود بن أعين قال: تفكرت في قول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (5) قلت:خلقواللعبادة و يعصون و يعبدون غيره؟ و الله لأسألن جعفراًعلیه السلام عن هذه الآية. فأتي الباب فجلست أريد الدخول عليه علیه السلام، إذ رفع صوته فقرأ: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» ثم قرأ: «لَا

ص: 79


1- التوبة: 16.
2- الكافي: 508/1 ح9، عنه البحار: 245/24 ح 2، وعنه أيضا تأويل الآيات الظاهرة: 204 - 205، وأورده في المناقب: 4/ 432، عنه البحار: 50/ 285 ضمن ح60 مع الإختلاف في النسخ.
3- إبراهيم: 24-25
4- مناقب آل أبي طالب: 193/4 ، عنه البحار: 266/46 ضمن ح65.
5- الذاریات: 56.

تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا» (1)فعرفت أنها منسوخة. (2)

4 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن البزنطي قال: كنت شاكاً في أبي الحسن الرضا صلوات الله وسلامه عليه، فكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها.

قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه علیه السلام: عافانا الله و إياك، أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول علي صعب و هؤلاء قد ضيقوا على ذلك، فلست تقدر عليه الآن و سيكون إن شاء الله. و كتب علیه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عن الآيات الثلاث في الكتاب، و لا و الله ما ذكرت له منه شيئا، و لقد بقيت متعجبا لما ذكر ما في الكتاب و لم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك فوقفت على معنى ما كتب به علیه السلام.(3)

5 - [الشيخ في الغيبة]، ابن أبي عمير، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر - و هو من آل مهران و كانوا يقولون بالوقف و كان على رأيهم - فكاتب أبا الحسن الرضا علیه السلام و تعنت في المسائل، فقال: كتبت إليه كتابا و أضمرت في نفسي أني متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن و هي قوله: «أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ»(4)و قوله:

«فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ» (5) و قوله: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»(6) ، قال أحمد: فأجابني علیه السلام عن كتابي، و كتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها و لم أذكرها في كتابي إليه علیه السلام. فلما وصل الجواب نسيت ما كنت أضمرته، فقلت: أي شيء هذا من جوابي؟ ثم ذكرت أنه ما أضمرته. (7)

6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: « ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»(8)، فقال : له الأمر من قبل

ص: 80


1- الطلاق: 1.
2- کشف الغمة: 2/ 199، عنه البحار: 148/47 ضمن ح203، 318/5 ح 18 ، أقول: ولاحظ بیان المجلسي قدس سره في ذيله.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 212ح18، عنه البحار: 36/49 ح17.
4- الزخرف: 40.
5- الأنعام: 125.
6- القصص: 56.
7- الغيبة: 71 - 72،عنه البحار:48/49 ح46، وأورده مختصراً في المناقب: 4/ 336.
8- الروم: 4.

علیه السلام أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء

فقلت في نفسي: هذا قول الله :«أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (1). فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك، «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» . قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه. (2)

ص: 81


1- الأعراف: 54.
2- الخرائج: 686/2 ، عنه البحار: 4/ 115 ح 41، 50/ 257ح13.

ص: 82

الفصل التاسع : حديث النفس بالأحكام الشرعية

ص: 83

ص: 84

ا- [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن الحسن بن علي الوشاء قال: كتب إليه - أي: أبي الحسن الهادي علیه السلام - محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه ما أنبتت الأرض وأنهم علیه السلام قالوا: لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه وإن حدثت نفسك أنه مما تنبت الأرض فإنه من الرمل والملح، والملح سبخ.(1)

2 - [الصدوق في علل الشرائع]، أبي، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن السياري: أن بعض أهل المدائن كتب إلى أبي الحسن الماضي علیه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي إليه فكرت فقلت: هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه.

قال: فكتب علیه السلام : لاتصل على الزجاج، فإن حدثتك نفسك أنه مما أثبتت الأرض فإنه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الرمل و الملح و هما ممسوخان. (2)

3 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن الحسن بن ظریف قال: كتب إلى أبي محمد علیه السلام و قد تركت التمتع ثلاثين سنة و قد نشطت لذلك، و كان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال

ص: 85


1- کشف الغمة: 2/ 384، عنه البحار:176/50 ضمن ح 55، وعنه أيضا الوسائل: 360/5 ضمن ح6792، وأورده في دلائل الإمامة: 218 (نحوه) وفي آخره: فإنه من الرمل والملح سبخ والرمل المسبخ بلد ممسوخ.
2- علل الشرائع: 2/ 342 ح5، عنه البحار: 147/82 ح2 ، وأورده في الكافي: 3/ 332 ح 14 (نحوه) وليس فيه: (فإنه مما أنبتت الأرض)، عنه البحار:37/48 ح 12، ولاحظ التهذيب: 2/ 304 ح 87، أقول: قال الصدوق قدس سره في ذيل الحديث : ليس كل رمل ممسوخاً و لا كل ملح و لكن الرمل و الملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان، وذكر المجلسي قدس سره كلام الشيخ ثم أورد الحديث الثاني ثم قال: (إيضاح: لعل السائل زعم أن المراد بما أنبتت الأرض كل ما حصل منها. قوله علیه السلام:(ممسوخان) أي: مستحيلان خارجان عن اسم الأرض، ويدل على عدم جواز السجود على الرمل ولم أر به قائلا . ويمكن أن يقال: الرمل مؤيد للمنع ومناط التحريم الملح، أو المعنى انهما استحيلا حتى صارا زجاجاً، فلو كان أصله من الأرض أيضا لم يصح السجود عليه، ولعل هذا مراد الصدوق رحمه الله وإن كان بعيداً من عبارته، وإلا فلا يعرف محصلاً، وعلى ما في رواية الحميري يرتفع الإشكال رأساً.)

إليها قلبي وكانت عاهراً لا تمنع ید لامس فكرهتها، ثم قلت: قد قال علیه السلام: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أشاوره في المتعة و قلت: أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع؟

فكتب علیه السلام : إنها تحيي سنة و تميت بدعة و لا بأس، و إياك و جارتك المعروفة بالعهر، و إن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال، فهذه امرأة معروفة بالهتك و هي جارة و أخاف عليك استفاضة الخبر فيها. فتركتها و لم أتمتع بها و تمتع بها شاذان بن سعد - رجل من إخواننا و جيراننا ۔ فاشتهر بها حتى علا أمره و صار إلى السلطان و غرم بسببها مالا نفيساً و أعاذني الله من ذلك ببركة سيدي. (1)

4 - [الشيخ في التهذيب]، عن أبي أيوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا جعفر علیه السلام - و أنا أسمع - عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال علیه السلام : فليتم الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، و إن أقام يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بن مسلم : بلغني أنك قلت خمساً؟ قال علیه السلام : قد قل ذلك.

قال أبو أيوب: فقلت أنا : جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال: لا. (2)

5 -[ الشيخ في الإستبصار]، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسی علیه السلام ،في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال علیه السلام : إذا حدث نفسه بالليل في السفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه.(3)

6 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام والخصال]، تمیم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت على بن موسی الرضا علیه السلام يقول: أوحى الله عز و جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله، و الثاني فاكتمه، و الثالث

ص: 86


1- کشف الغمة:423/2، عنه البحار: 291/50 - 292 ضمن ح 65، 319/100 - 320 ح 44.
2- التهذيب: 3/ 219 - 220 ح 57، عنه البحار: 86/ 39 ذیل ح13، الإستبصار: 1/ 238 ح3، وأورده في الكافي: 3/ 436 ح3، عنه وعن التهذيب الوسائل: 501/8 ح 11286، قال في الوسائل بعد ذكر الحديث: (أقول: حمل الشيخ قدس سره حكم الخمسة على من كان بمكة أو المدينة لما يأتي، وجوز حمله على الإستحباب، والأقرب الحمل على التقية لموافقته لكثير من العامة).
3- الإستبصار: 2/ 98 ح3، وأورده في التهذيب: 228/4 ح33، قال الشيخ قدس سره في التهذيب: ومتی خرج الإنسان إلى السفر بعدما أصبح، فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار وإن لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم، وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضا الإفطار وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل والذي يدل على ما ذكرناه (ثم ذكر عدة أحاديث منها ما ذكرناه).

فاقبله، والرابع فلا تؤيسه، و الخامس فاهرب منه.

قال علیه السلام: فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظیم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا. و بقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله. ثم مضى فوجد طستاً من ذهب، فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا. فحفر له و جعله فيه و ألقي عليه التراب ثم مضى، فالتفت فإذا الطست قد ظهر، فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز و جل.

فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي، فطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربي أن أقبل هذا. ففتح کمه فدخل الطير فيه. فقال له البازي: أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام. فقال: إن الله عزوجل أمرني أن لا أؤيس هذا. فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه. ثم مضى فلما مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: أمرني ربي عز وجل أن أهرب من هذا. فهرب منه ورجع. ورأى في المنام كأنه قد قيل له: إنك قد فعلت ما أمرت به، فهل تدري ماذا كان؟ قال: لا. قال له: أما الجبل، فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه و جهل قدره من عظم الغضب، فإذا حفظ نفسه و عرف قدره و سكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها. و أما الطست، فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد و أخفاه أبی الله عز و جل إلا أن يظهره لیزینه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة. و أما الطير، فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله و اقبل نصيحته. و أما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه. و أما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها. (1)

7 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: ما لي أرى لونك متغيراً؟ قلت: غيره دين فاضح عظيم، و قد هممت بركوب البحر إلى السند لإتيان أخي فلان. قال: إذا شئت. قلت: يروعني عنه أهوال البحر و زلازله. قال: إن الذي يحفظ في البر هو حافظ لك في البحر،یا داود، لولا اسمي و روحي لما اطردت الأنهار ولا أينعت الثمار و لا اخضرت الأشجار.

ص: 87


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 1/ 275 - 276 ح12، الخصال: 1/ 267 ح 2، عنهما البحار: 14/ 456 و 457 ح9، 418/68 ح48، 250/72 ح23، 18/74 ح1، 444/75 ح 1، وعنه أيضا مشكاة الأنوار: 308.

قال داود: فركبت البحر حتى إذا كنت بحيث ما شاء الله من ساحل البحر بعد مسيرة مائة و عشرين يوما خرجت قبل الزوال يوم الجمعة، فإذا السماء متغيمة و إذا نور ساطع من قرن السماء إلى جدد الأرض، و إذا صوت خفي: يا داود، هذا أوان قضاء دينك، فارفع رأسك قد سلمت. قال: فرفعت رأسي و نودیت: عليك بما وراء الأكمة الحمراء. فأتيتها فإذا صفائح من ذهب أحمر ممسوح أحد جانبيه و في الجانب الآخر مکتوب: «هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)، فقبضتها ولها قيمة لا تحصى. فقلت: لا أحدث فيها حتى آتي المدينة.(2) فقدمتها فدخلت عليه علیه السلام ، فقال لي: يا داود، إنما عطاؤنا لك النور الذي سطع لك لا ما ذهبت إليه من الذهب و الفضة، و لكن هو لك هنيئا مريئا عطاء من رب کریم فاحمد الله.

قال داود: فسألت معتباً خادمه: فقال: كان علیه السلام في ذلك الوقت يحدث أصحابه منهم خيثمة و حمران و عبد الأعلى مقبلا عليهم بوجهه علیه السلام يحدثهم بمثل ما ذكرت، فلما حضرت الصلاة قام فصلى بهم. فسألت هؤلاء جميعا فحكوا لي الحكاية. (3)

8- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، الحسن بن علي بن يحيى، قال: زودتني جارية لي ثوبين ملحمين و سألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام فوضعهما في العيبة، فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوث بالثوبين لألبسهما، ثم اختلج في صدري فقلت: ما أظنه ينبغي لي أن ألبس ملحماً و أنا محرم. فتركتها و لبست غيرهما. فلما صرت بمكة كتبت كتاباً إلى أبي الحسن علیه السلام و بعثت إليه بأشياء كانت عندي و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يجوز له لبس الملحم، فلم ألبث أن جاء الجواب بكل ما سألته عنه و في أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم.(4)

ص: 88


1- ص: 39.
2- أقول: لما لم يكن حكم المال بيناً وواضحاً للرقي فإنه لم ير نفسه مجازاً ومخولا في التصرف بها ولذلك قال: (لا أحدث فيها حتى آتي المدينة) ليسأل الإمام علیه السلام عن حاله وحكمه، ولذلك أدرجنا الخبر هنا.
3- الخرائج والجرائع: 2/ 622 - 623، عنه البحار: 100/47-101 ح120 (نحوه).
4- الخرائج والجرائح: 357/1 - 358، عنه البحار: 50/49-51 ح52، 141/96-142 ح 1، کشف الغمة: 2304 - 305، ولاحظ وسائل الشيعة: 284/12 ح 16840، الصراط المستقیم:196/2-197 ح 8.

9 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟

فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة .(1)

10 -[ النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال في الأختين المملوكتين: ليس لمولاهما أن يجمعهما بالوطء، فإن وطأ واحدة منهما فلا يطأ الأخرى حتى تخرج الأولى من ملكه فإن وطى الثانية و هما جميعا في ملكه حرمت عليه الأولى حتى تخرج التي وطئ ببيع حاجة لا على أن يخطر في قلبه من الأولى شيء. (2)

نوادر الباب:11

11- [الراوندي في النوادر]، الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن علي علیه السلام قال: من أسر الطلاق و أسر الاستثناء فلا بأس، و إن أعلن الطلاق و أسر الاستثناء في نفسه أخذناه بعلانيته و ألقينا السر. (3)

ص: 89


1- المناقب: 413/4 ، عنه البحار: 50/ 173 ذیل ح53، و 117/77 ح 5.
2- دعائم الإسلام: 1/ 130، عنه المستدرك: 409/14 ح 17118 ح5.
3- نوارد الراوندي: 52، عنه البحار: 159/101 ح 84، وأورده في الجعفريات بإسناده: 111 (نحوه)، عنه المستدرك: 314/15-315 ح 18356-1.

ص: 90

الفصل العاشر : حديث النفس بما لا ينبغي

اشارة

« يا أحمد، و عزتی و جلالي، ما من عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة: يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه، و يحفظ قلبه من الوسواس، و يحفظ علمي و نظري إليه، و تكون قرة عينه الجوع.. »(1)

ملاحظة: إن المناهي الواردة في هذا الفصل تشمل المحرمة و المكروهة و تروك الأولى، فإن ما ورد في شأن الأنبياء علیهم السلام هو من مصادیق القسم الثالث بالضرورة، وذلك لأنهم لا يقترفون المآثم ولا يرتكبون المنكرات على ما هو ثابت في محله.

ص: 91


1- إرشاد القلوب: 1/ 200 عنه البحار: 21/74 باب 2 ح.

ص: 92

الباب 1: حديث النفس بما لا ينبغي لله سبحانه وتعالى وبعدم علمه وبما ينافي التوحيد

الفجر:«فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ» (15)«وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ» (16)

1 - [ابن شهر آشوب في متشابه القرآن]: رآی رجل تناثر الأوراق، فهجس في خاطره: هل يعلم الله عددها؟ فنزل:«أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (1)

2 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن ماجيلويه، بإسناده إلى مجاهد، قال: قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: إن لله تبارك و تعالى ملكاً يقال له دردائیل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء، و الهواء کما بين السماء و الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه: أقوق ربنا جل جلاله شيء؟(2)

فعلم الله تبارك وتعالى ما قال، فزاده أجنحة مثلها فصار له إثنان وثلاثون ألف جناح. ثم أوحى الله عز وجل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، فلما علم الله عز وجل إتعابه أوحى إليه: أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظیم فوق كل عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان. فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة.

ص: 93


1- متشابه القرآن: 1/ 54، والآية : الملك : 14.
2- قال المجلسی قدس سره بیان : (لعل هذا- على تقدير صحة الخبر - كان بمحض خطور البال من غير اعتقاد بكون البارئ تعالى ذا مكان، أو المراد بقوله : (فوق ربنا شيء) فوق عرش ربنا، إما مكاناً أو رتبة، فيكون ذلك منه تقصيراً في معرفة عظمته وجلاله فيكون على هذا ذكر نفي المكان لرفع ما ربما يتوهم والله يعلم..)

فلما ولد الحسين بن علي (صلوات الله علیهما) - و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة - أوحى الله إلى ملك [مالك] خازن النيران أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم ، و أوحي إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولد ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم في دار الدنيا، و أوحي إلى حور العين أن تزین و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمدفي دار الدنيا، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح و التحميد و التمجيد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم في دار الدنيا، و أوحى الله عز و جل إلى جبرئیل علیه السلام أن اهبط إلى نبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم في ألف قبیل، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا صلی الله علیه و آله وسلم بمولوده و أخبره یا جبرئيل إني قد سميته: الحسين علیه السلام و عزّه و قل له: يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد، قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي أكد يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرماً منه. قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و التار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة.

قال: فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مر ب(دردائیل) فقال له دردائیل: یا جبرئیل، ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال: لا، و لكن ولد لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم مولود في دار الدنيا، و قد بعثني الله عز وجل إليه لأهنئه بمولوده.

فقال الملك له: يا جبرئيل، بالذي خلقك و خلقني إن هبطت إلى محمد صلى الله عليه وآله فأقرئه مني السلام و قل له: بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني و يرد علي أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة.

فهبط جبرئیل على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و هنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : تقتله أمتي؟ قال: نعم. فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم، و الله بريء منهم. قال جبرئیل: و أنا بريء منهم يا محمد. فدخل النبی صلی الله علیه و آله وسلم على فاطمة و هناها و عزاها فبكت فاطمة علیها السلام و قالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار. و قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتی يكون منه إمام تكون منه

ص: 94

الأئمة الهادية بعده . ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : الأئمة بعدي: الهادي علي، المهتدي الحسن، الناصر الحسين، المنصور علي بن الحسين، الشافع محمد بن علي، النفاع جعفر بن محمد، الأمين موسی بن جعفر، الرضا علي بن موسی، الفعال محمد بن علي، المؤتمن علي بن محمد، العلام الحسن بن علي، و من يصلي خلفه عیسی بن مریم. فسكنت فاطمة علیها السلام من البكاء.

ثم أخبر جبرئيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقضية الملك وما أصيب به، قال ابن عباس: فأخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم الحسين و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك، لا بل بحقك عليه وعلى جده محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة علیهم السلام عندك قدر فارض عن دردائیل و رد عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة. فاستجاب الله دعاءه و غفر للملك، و الملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله ال صلی الله علیه و آله وسلم.(1)

3 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2) فقال علیه السلام: هل يمحو إلا ما كان و هل يثبت إلا ما لم يكن؟

فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشيء حتى يكون. فنظر علیه السلام إلي، فقال: تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل کونها. قلت: أشهد أنك حجة الله (3)

4 - [ الكشي في رجاله]، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد الله علیه السلام قال: ذکر جعفر ابن واقد و نفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل إنه صار إلي يتردد و قال فيهم: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ » (4) قال: هو الإمام. فقال أبو عبد الله علیه السلام : لا و الله لا يؤويني و إياه سقف بيت أبدا، هم شر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا. و الله ما صقر عظمة الله تصغيرهم شيء قط، و إن غزيراً جال في صدره ما قالت اليهود فمحي اسمه من النبوة. و الله لو أن عيسى أقر بما قالت النصارى لأورثه الله صمما إلى يوم

ص: 95


1- کمال الدين: 1/ 284 ح 36 ، عنه البحار: 3/ 248 ح 24.
2- الرعد: 39.
3- الخرائج: 2/ 687، عنه البحار: 4/ 90 ح 253/50،33 ح 14.
4- الزخرف: 84.

القيامة. و الله لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لأخذتني الأرض. و ما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على ضر شيء و لا نفع. (1)

الباب 2: حديث النفس بالإستغناء في الأفعال عن الله تعالى

1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر و أكبر من فتر(2) فدخلت في خياشيمه، فصعق. فمکث بذلك أربعين يوما، ثم إن الله عز و جل رأف به و رحمه و خرج، فإذا أراد الله جل و عز بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت، فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض. (3)

الباب 3: حديث النفس بمخالفة أمر النبي أو الإمام علیهما السلام والتدليس عليه والتشكيك في أخباره وكلامه وبما ينافي التسليم له

اشارة

النساء: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (65)

ا- [الصدوق في إكمال الدين] ، بإسناده إلى الثمالي قال: قال علي بن الحسين علیه السلام : إن دین الله لا يصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاییس الفاسدة، و لا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، و من اهتدى بنا هدي، و من دان بالقياس و الرأي هلك، و من وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو تقضي به حرجا كفر بالذي أنرل السبع المثاني و القرآن

ص: 96


1- رجال الكشي:300ح538، عنه البحار: 25/ 294 ح 53.
2- قال في لسان العرب عن الجوهري: الفتر ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحهما. أقول: وأما الشبر فهو - کما عن مجمع البحرين - المساحة بين طرفي الخنصر والإبهام.
3- الكافي: 8/ 255 ح 365، عنه البحار: 30/57 ح 25.

العظيم و هو لا يعلم. (1)

2 -[ الصفار في البصائر]، بإسناده إلى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعته يقول: والله لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و حجوا البيت، وصاموا شهر رمضان [ثم لم يسلموا إلينا لكانوا بذلك مشركين، فعليهم بالتسليم، و لو أن قوما عبدوا الله و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و حجوا البيت و صاموا رمضان ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله : لو صنع كذا و كذا خلاف الذي صنع الكانوا بذلك مشركين، و لو أن قوما عبدوا الله و وحدوه] ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لم صنع كذا و كذا و وجدوا ذلك في أنفسهم لكانوا بذلك مشركين، ثم قرأ «فَلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُومِنُونَ حَتِّي يُحَكِّمُوكَ فَيمَا شَجَرَ بَينَهُم -الي قوله -يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2)

3- [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى الحسن بن الفضل اليماني قال: قصدت سر من رأى فخرج إلي صرة فيها دنانير و ثوبان فرددتها، و قلت في نفسي: أنا عندهم بهذه المنزلة؟ فأخذتني العزة، ثم ندمت بعد ذلك و كتبت رقعة أعتذر و أستغفر، و دخلت الخلاء و أنا أحدث نفسي و أقول: و الله لئن ردت الصرة لم أحلها و لم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني.

فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا ربما فعلنا ذلك بموالینا و ربما سألونا ذلك يتبركون به. و خرج إلى: أخطأت بردك برنا، و إذا استغفرت الله فالله يغفر لك، و إذا كان عزیمتك و عقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا و لا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، و أما الثوبان فلا بد منهما لتحرم فيهما .. الخبر(3)

4 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى داود القطان عن إبراهيم رفعه إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعة.

فقال رجل من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين علیه السلام و لأقولن له: أنا أذهب به، فهو يثق بي، فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا-

ص: 97


1- کمال الدين: 1/ 324 ح9، عنه البحار: 303/2 باب 34 ح 40.
2- بصائر الدرجات: 520 ح3، وعنه البحار: 2/ 199ح61، وأورده العياشي في تفسيره: 256/1 ح184، والكليني في الكافي: 390/1 ح 2 (نحوه).
3- کمال الدین: 2/ 490 ح13، عنه البحار: 328/51ح 52.

المال إلى المدائن. قال: فرفع علیه السلام إلى رأسه ثم قال: إليك عني، خذ طريق الكرخة. (1)

5 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، أن أمير المؤمنين علیه السلام قال يوماً: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه: لآتينه و لأقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية. فجاء إلى علي علیه السلام فقال: أنا أذهب بالمال. فرفع علیه السلام رأسه فقال: إليك عني، تأخذ طريق الشام إلى معاوية.(2)

6 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن جریر بن مرازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني أريد العمرة فأوصني. فقال علیه السلام : اتق الله ولا تعجل. فقلت: أوصني. فلم يزدني علیه السلام على هذا.

فخرجت من عنده علیه السلام من المدينة، فلقيني رجل شامي يريد مكة فصحبني و كان معي سفرة فأخرجتها و أخرج سفرته و جعلنا نأكل فذكر أهل البصرةفشتمهم ثم ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثم ذكر الصادق علیه السلام فوقع فيه، فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه و أحدث نفسي بقتله أحيانا فجعلت أتذكر قوله علیه السلام: (اتق الله ولا تعجل) و أنا أسمع شتمه فلم أعد ما أمرني. (3)

7 - [الطبرسي في مجمع البیان]، عن محمد بن کعب قال: قال حذيفة اليماني: و الله لقد رأينا يوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا يعلمه إلا الله، و قام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فصلی ما شاء الله من الليل ثم قال: ألا رجل يأتينا بخير القوم يجعله الله رفيقي في الجنة؟

قال حذيفة: فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف و الجهد و الجوع. فلما لم يقم أحد دعاني صلی الله علیه و آله وسلم فلم أجد بدا من إجابته، قلت: لبيك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : اذهب فجئني بخبر القوم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع.

قال: و أتيت القوم فإذا ريح الله و جنوده يفعل بهم ما يفعل، ما يستمسك لهم بناء ولا يثبت لهم نار ولا يطمئن لهم قدر. فإني لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله، ثم قال: يا معشر قريش لينظر أحدكم من جليسه.

ص: 98


1- بصائر الدرجات: 240ح20، عنه البحار: 41/ 287ح10 ، وأورده أيضا في المناقب: 2/ 258.
2- الخرائج:195/1 ، عنه البحار: 41/ 297ح23، 34/ 310 ذیل ح1074.
3- کشف الغمة: 2/ 188، عنه البحار: 34/47 ذیل ح 30.

قال حذيفة: فبدأت بالذي عن يميني فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان. قال: ثم عاد أبو سفيان براحلته فقال: يا معشر قريش، و الله ما أنتم بدار مقام، هلك الخف و الحافر و أخلفتنا بنو قريظة و هذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء. ثم عجل فركب راحلته و إنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها. قال:قلت في نفسي: لو رميت عدو الله فقتلته کنت قد صنعت شيئا. فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس و أنا أريد أن أرميه فأقتله، فذكرت قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : (لا تحدثن شيئا حتى ترجع). قال: فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و هو يصلي، فلما سمع حسي فرج بين رجليه، فدخلت تحته و أرسل علي طائفة من مرطه، فركع و سجد، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : ما الخبر؟ فأخبرته. (1)

8 -[ السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع]، عن حریز قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام :

جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؟

فقال علیه السلام: قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

قال: فقلت في نفسي: اللهم صل على محمد و أهل بيته.

فقال علیه السلام لي: ليس هكذا قلت لك، قل: اللهم صل على محمد و أهل بيته. قال: فقلت: اللهم صل على محمد و أهل بيته. قال: فقال علیه السلام لي: إنك لحافظ یا حريز، فقل کما أقول لك: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا).

قال: فقلت کما قال، فقال علیه السلام لي: قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين ألهمتهم علمك و استحفظتهم كتابك و استرعيتهم عبادك، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أمرت بطاعتهم و أوجبت حبهم و مودتهم، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلی الله علیه و آله وسلم. (2)

9 - [الطوسي في الغيبة]، عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد علیه السلام فقال: إذا خرج القائم علیه السلام أمر بهدم المنارة و المقاصير التي في المسجد. فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فأقبل علیه السلام علي و قال: معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و

ص: 99


1- مجمع البيان: 8/ 125 - 136، عنه البحار: 20/ 208.
2- جمال الأسبوع: 240، عنه البحار: 67/91 ح 55 و مستدرك الوسائل: 343/5 ح2.

لاحجة. (1)

10 - [محمد بن مسعود العياشي في تفسيره]، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام مبتدئا: من ظلم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه.

قال: فذكرت في نفسي فقلت: يظلم هو فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟

فقال علیه السلام لي قبل أن أتكلم: إن الله يقول: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» .(2)

11 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن بن شمون عن داود بن القاسم الجعفري قال: سئل أبو محمد علیه السلام عن قوله تعالى: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» (3) و السائل رجل من قم و أنا حاضر، فقال علیه السلام : ماسرق يوسف، إنما كان ليعقوب منطقة ورثها من إبراهيم، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد، فكان إذا سرقها إنسان نزل جبرئیل فأخبره بذلك، فأخذ[فأخذت] منه و أخذ عبداً. و إن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم، و كانت سميت أم إسحاق، و إن سارة أحبت یوسف و أرادت أن تتخذه ولداً لها، و إنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله و قالت ليعقوب: إن المنطقة سرقت.

فأتاه جبرئيل فقال: يا يعقوب، إن المنطقة مع يوسف، و لم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله. فقام يعقوب إلى يوسف ففتشه و هو يومئذ غلام يافع، و استخرج المنطقة. فقالت سارة بنت إسحاق: متى [مني] سرقها يوسف فأنا أحق به. فقال لها يعقوب: فإنه عبدک على أن لا تبيعيه و لا تهبيه.

قالت: فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني و أنا أعتقه الساعة، فأعطاها فأعتقته. فلذلك قال إخوة يوسف: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» .

قال أبو هاشم: فجعلت أجيل هذا في نفسي أفکر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من يوسف و حزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم و

ص: 100


1- الغيبة: 206، المناقب: 4/ 437، عنهما البحار: 250/50 ح3، 323/52 ح 32، 80/ 376 ح44، وأورده في الخرائج: 1/ 450، وإعلام الوری: 373.
2- الكافي: 2/ 332 ح13، تفسير العياشي: 1/ 223ح37، عنهما البحار: 315/72 ح 35 ،325/72 ح 56 ، لكن ليس في الكافي : (فذكرت في نفسي) و (فقال لي قبل أن أتكلم). الآية: النساء: 9.
3- يوسف: 77.

المسافة قريبة، فأقبل على أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم، نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك، فإن الله لو شاء أن يرفع السنام الأعلى بين يعقوب و یوسف حتى كانا يتراءان فعل، و لكن له أجل هو بالغه و معلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك، فالخيار من الله لأوليائه. (1)

12 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعثه، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجداً، فيما تظن موجدته؟

قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له.

فقال: يا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه [و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمراً و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله و لم ينفذ مراد رسول الله . أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.

قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبى الله إلا إمضاء ما حتم. (2)

13 - [المفيد في الإرشاد]، روی أصحاب السيرة عن جندب بن عبد الله الأزدي، قال: شهدت مع علي علیه السلام الجمل و صفين لا أشك في قتال من قاتله، حتى نزلت النهروان، فداخلني شك في قتال القوم، و قلت: قراؤنا و خیارنا نقتلهم؟ إن هذا الأمر عظيم!

فخرجت غدوة أمشي و معي إداوة ماء حتى برزت من الصفوف، فرکزت رمحي، و وضعت ترسي إليه، و استترت من الشمس. فإني الجالس حتى ورد على أمير المؤمنين علیه السلام فقال: يا أخا الأزد، أمعك طهور؟

قلت: نعم. فناوله علیه السلام الإداوة، فمضى حتى لم أره، ثم أقبل و قد تطهر، فجلس في ظل الترس فإذا فارس يسأل عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا فارس یريدك. قال علیه السلام: فأشر إليه. فأشرت إليه، فجاء فقال: يا أمير المؤمنين، قد عبرالقوم إليهم، و قد قطعوا

ص: 101


1- الخرائج و الجرائح: 2/ 738 عنه البحار: 298/12 ح 86 باختلاف يسير مع المصدر.
2- شرح نهج البلاغة: 12/ 78، عنه البحار: 30/ 554، 638/29

النهر. فقال علیه السلام : كلا ما عبروا. فقال: بلى و الله لقد فعلوا. قال علیه السلام : كلا ما فعلوا.

قال: و إنه كذلك إذ جاء آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، عبروا القوم. قال علیه السلام: كلاما عبروا. قال: و الله ما جئتك حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال.

قال علیه السلام : و الله ما فعلوا، و إنه لمصرعهم و مهراق دمائهم. ثم نهض علیه السلام و نهضت معه، و قلت في نفسي: الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل و عرفني أمره، هذا أحد الرجلين: إما رجل كذاب جريء، أو على بينة من ربه وعهد من نبيه، اللهم إني أعطيك عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله و أول من يطعن بالرمح في عينه، و إن كان القوم لم يعبروا أن أنتم على المناجزة و القتال.

فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال كما هو علیه السلام قال، فأخذ علیه السلام بقفاي و دفعني، ثم قال: يا أخا الأزد أتبين لك الأمر؟

قلت: أجل يا أمير المؤمنين، فقال علیه السلام : شأنك بعدوك. فقتلت رجلا من القوم، ثم قتلت آخر، ثم اختلفت أنا و رجل آخر أضربه و يضربني فوقعنا جميعا، فاحتملني أصحابي، و أفقت حين أفقت و قد فرغ من القوم.(1)

14 -[ الكشي في رجاله]، قال: روي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام، عن آبائه صلوات الله عليهم، قال: أتی ميثم التمار دار أمير المؤمنين علیه السلام ، فقيل له: إنه نائم. فنادی بأعلى صوته: انتبه أيها النائم، فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك. فانتبه أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: أدخلوا ميثماً، فقال: أيها النائم، و الله لتخضبن لحيتك من رأسك.

فقال علیه السلام : صدقت، و أنت و الله ليقطعن يداك و رجلاك و لسانك، و لتقطعن النخلة التي في الكناسة، فتشق أربع قطع، فتصلب أنت على ربعها، و حجر بن عدي على ربعها، و محمد بن أكتم على ربعها، و خالد بن مسعود على ربعها. قال میثم: فشككت في نفسي، و قلت: إن عليا ليخبرنا بالغيب! فقلت له: أوكائن ذاك يا أمير المؤمنين؟

فقال علیه السلام: إي ورب الكعبة، كذا عهده إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم. قال: فقلت: لم يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زیاد. قال: و كان علیه السلام يخرج إلى الجبانة و أنا معه، فيمر بالنخلة فيقول لي: یا میثم، إن لك و لها شأنا من الشأن.

ص: 102


1- الإرشاد: 317/1 ، عنه البحار: 41/ 284ح3، وأورده الطبرسي في إعلام الوری: 170

قال: فلما ولي عبيد الله بن زياد الكوفة و دخلها، تعلق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق فتطير من ذلك فأمر بقطعها. فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع. قال میثم: فقلت لصالح ابني: فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي، و دقه في بعض تلك الأجذاع. قال: فلما مضى بعد ذلك أيام أتوني قوم من أهل السوق، فقالوا: يا میثم، انهض معنا إلى الأمير نشتكي إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنا ويولي علينا غيره.

قال: و کنت خطيب القوم، فنصت لي و أعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حریث: أصلح الله الأمير، تعرف هذا المتكلم؟ قال: و من هو؟ قال: ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب علیهما السلام . قال: فاستوى جالسا فقال لي: ما تقول؟

فقلت: كذب أصلح الله الأمير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام حقا. فقال لي: لتبرأن من علي علیه السلام و لتذكرن مساویه، و تتولی عثمان و تذكر محاسنه أو لأقطعن يديك و رجليك و لأصلبنك. فبكيت فقال لي: بكيت من القول دون الفعل؟ فقلت: و الله ما بكيت من القول و لا من الفعل، و لكني بكيت من شك كان دخلني يوم أخبرني سيدي و مولاي، فقال لي: وما قال لك؟ قال: فقلت: أتيته الباب، فقيل لي: إنه نائم. فناديت: انتبه أيها النائم، فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك. فقال علیه السلام: صدقت و أنت و الله ليقطعن يداك و رجلاك و لسانك و لتصلين. فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟

فقال علیه السلام : يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زیاد. قال: فامتلأ غيظا ثم قال لي: و الله لأقطعن يديك و رجليك و لأدعن لسانك حتى أكذبك و أكذب مولاك.

فأمر به فقطعت يداه و رجلاه، ثم أخرج و أمر به أن يصلب. فنادى بأعلى صوته: أيها الناس، من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب علیه السلام . قال: فاجتمع الناس، و أقبل يحدثهم بالعجائب. قال: و خرج عمرو بن حریث و هو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة؟ قال: ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب علیهما السلام . قال: فانصرف مسرعاً، فقال: أصلح الله الأمير، بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه، فإني لست آمن أن يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك. قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه، فقال: اذهب فاقطع لسانه.

ص: 103

قال: فأتاه الحرسي، و قال له: یا میثم قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه. قال میثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنه يكذبني و يكذب مولاي؟ هاك لساني. قال: فقطع لسانه و تشحط ساعة في دمه ثم مات، و أمر به فصلب. قال صالح: فمضيت بعد ذلك أيام [بأيام] فإذا هو قد صلب على الربع الذي كتبت و دققت فيه المسار.(1)

فائدة: في معنى علم الغيب

أقول: إن لعلم الغيب في النصوص والأخبار إطلاقات عديدة، فمنها ما نفاه الأئمة علیهم السلام عن أنفسهم ومنها ما أثبتوه، وإسناد بعضها إليهم علیهم السلام شرك وبعضها بخلاف ذلك، وتوضيحه - على نحو الإيجاز - هو كالتالي:

1) قد يطلق الغيب ويراد منه العلم الذاتي . فبالنسبة إلى مثل هذا كانوا علیهم السلام ينكرونه وینفونه عن أنفسهم ويقولون: (إنما هو تعلم من ذي علم) (2) وذلك أنهم مهما يعرفون فهو بتعليم من الله تعالى وإفاضته، ويبقون فقراء إليه ومحتاجين إلى نيله في علمهم کما في سایر کمالاتهم، ويبقى هو المالك لما ملكهم وهو وحده من ذاته العلم والكمال. و المراد من الآيات التي وردت في اختصاص الغيب به تعالى هو ما ذكرنا من توحده وتفرده سبحانه بالعلم به کما في أمثاله من الشفاعة وغيرها، فمن أراد أن يطلع على الغيب فلابد أن يعلمه بإعطائه وإذنه تعالى، فإنه المالك المتوحد بجميع ذلك.

2) وقد يطلق علم الغيب على علم الساعة، وهو من العلم الذي استأثر الله به لنفسه،قال تعالى: «قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّ»(3).

3) وقد يطلق « الغائب» على الله سبحانه، فهو غائب عن الحواس الظاهرية والباطنية

ص: 104


1- رجال الكشي:85 ح 140 ، عنه البحار:131/42 ح 14.
2- البحار: 103/26 ح6، 32/ 250، 41/ 335 عن النهج قال: لما أخبر علیه السلام باخبار الترك و بعض الأخبار الآتية قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب. فضحك علیه السلام و قال للرجل - و كان كلبياً - : يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب و إنما هو تعلم من ذي علم. نهج البلاغة، الخطبة: 128.
3- الأعراف: 187، طه: 52.

والعقول والأوهام والأفهام، فلا يمكن الإحاطة به مطلقاً لأنه تعالى هو المحيط بكل شيء ولا يقع محاطاً أبدا، فكنهه تعالى غیب عما سواه، في الكافي: (وأنت الله لا إله إلا أنت الغائب الشاهد)(1) وفي البحار: (الغائب عن الحواس)(2). ولذلك فمعرفة المخلوق للخالق لا تتجاوز الخروج عن الحدین، حد التعطيل وحد التشبيه.(3)

4) قد يطلق الغيب على الغيبيات التي يمكن الإحاطة بها من طريق الأسباب والعلل العادية، مثل ما يحدث في مكان بالنسبة إلى غير القاطن فيه، فإنه شهادة عند أهله وغيب عند غيرهم، أو مثل ما كان يعد غيباً في الماضي وأحاط به العلماء اليوم من أمور الطبيعة في الأجرام والأفلاك، فلا يستحيل الوقوف على هذه ونظائرها لمن يسلك أسبابها. وعليه فالغيب بهذا المعنى نسبي لأنه معلوم لبعض دون بعض، فالماضي بالنسبة إلى من يعيشه شهادة، أما لمن يعيش الحاضر غیب وكذا العكس، و ما يجري في كل بلد شهود للشاهد وغيب للغائب، أو أن ما يخطره زيد في هاجسه هو معلوم له وغائب عن عمرو.

5) و قد يطلق الغيب على ما ضرب الله عليه الحجاب العمدي ولم يجعل الله له سببا في نیله، ولا يحيط به أحد، فينحصر الإطلاع عليه بإفاضته تعالى لمن يشاء وإظهاره لبعض خاصته على نحو الإعجاز وخرق العادة، وهذا الإطلاق هو الذي جاز إسناده إلى أهل البيت علیهم السلام دون المعاني الثلاثة الأولى، فهم يحيطون علما بكل ما يمكن أن يكون معلوماً وإن كان غائباً، يعرفونه بإفاضة وتعليم منه سبحانه، فما هو غائب عن غيرهم فهو شهود لهم، يضاف إلى ذلك جميع الغيبيات النسبية أيضا.

قال تعالى: «ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ» (4).

ص: 105


1- الكافي: 2/ 583.
2- البحار: 3/ 221.
3- أقول: إن من أسماء الله تعالى أنه : (هو) وهو إشارة إلى مقامه الغيبي، الذي لا ينال بالوهم ولا بالفكر ولا بالعقل فضلا عن الحواس الخمس. وقد ورد أنه هو الإسم الأعظم، فعن الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن الصادق، عن أبيه، عن أمير المؤمنين علیهم السلام قال: (رأيت الخضر علیه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنصر به على الأعداء. فقال: قل: (يا هو يا من لا هو إلا هو) فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال لي: يا علي، علمت الإسم الأعظم، وكان على لساني يوم بدر.. الحديث). التوحيد: 89 ح 2، عنه البحار: 3/ 221 - 222 ضمن ح 12، 310/19 ح58، 242/58 ح 11، 90/ 232ح3.
4- آل عمران: 44 ، يوسف: 102.

وقال سبحانه:«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ »(1).

وروى ابن شهر آشوب في المناقب، عن أبي علیه السلام قال: والله لقد أعطيناعلم الأولين والآخرين. فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك، أعندكم علم الغيب؟ فقال علیه السلام له: ويحك، إني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه، ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي كل حصاة عليها لأخبرتكم.(2)

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا، وأطلعك عليه إلهاماً.(3)

وفي البحار عن الخرائج: روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له: (عاصم)، فقال له: يا محمد، أتعلم الغيب ؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا يعلم الغيب إلا الله. قال: والله لجملي هذا أحب إلي من إلهك. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لكن الله أخبرني من علم غيبه أنه تعالى يبعث عليك قرحة في مسبل لحيتك حتى تصل إلى دماغك فتموت والله إلى النار. فرجع فبعث الله قرحة فأخذت في لحيته حتى وصلت إلى دماغه فجعل يقول: لله در القرشي إن قال بعلم أو زجر أصاب.(4)

فتبين إنهم علیهم السلام يعلمون بكل ما يمكن العلم به بتعريف الله تعالى وتعليمه وإفاضته.

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علیه السلام : والله لو شئت أن أخبر کل رجل منکم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ألا

ص: 106


1- الجن: 26 - 27 قال ابن شهر آشوب في المناقب بعد ذكر مجموعة من إخبارات أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأمور غيبية، وأوردها عنه في البحار: 327/41 ذیل ح47 - : (و هذه كلها إخبار بالغيب أفضى إليه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالسر مما أطلعه الله عز و جل عليه كما قال الله تعالى : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا» و لم يشح النبي صلی الله علیه و آله وسلم على وصيه بذلك كما قال تعالى: «وَمَا هُوَ عَلَی الغَیبِ بِضَنِینَ» و لا ضن علي علي علیه السلام علی الأئمة من ولده علیهم السلام ، و أيضا لا يجوز أن يخبر بمثل هذا إلا من أقامه رسول الله علیهم السلام مقامه من بعده.) انتهى. المناقب: 2/ 279.
2- مناقب آل أبي طالب: 3/ 374، عنه البحار: 28/26 ح 28.
3- مشارق أنوار الیقین: 135 - 136.
4- البحار: 118/18 ح28، والخرائج: 103/1

وإني مفضية إلى الخاصة.(1)

10 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن بیان بن نافع التفليسي قال: خلفت والدي مع الحرم في الموسم، و قصد موسی بن جعفر علیهما السلام ، فلما أن قربت منه، هممت بالسلام عليه، فأقبل علي بوجهه وقال: بر حجك، يا ابن نافع آجرك الله في أبيك، فإنه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه. فبقيت متحيراً عند قوله، و قد كنت خلفته و ما به علة.

فقال علیه السلام : يا ابن نافع أقلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن فقلت: ما وراكن؟ قلن: أبوك فارق الدنيا. قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عما أخفاه و أراني، فقال لي: أبد ما أخفاه و أراك. ثم قال علیه السلام : يا ابن نافع، إن كان في أمنيتك كذا و كذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله و كلمته الباقية و حجته البالغة. (2)

16 - [الراوندي في الخرائج]، روي عن محمد بن الفرج أنه قال: إن أبا الحسن علیه السلام كتب إلي: أجمع أمرك و خذ حذرك. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد فيها کتب به إلى حتى ورد على رسول حملني من مصر مقيداً مصفداً بالحديد، و ضرب على كل ما أملك فمكثت في السجن ثماني سنين. ثم ورد على كتاب من أبي الحسن علیه السلام و أنا في الحبس: لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. فقرأت الكتاب فقلت في نفسي: يكتب إلى أبو الحسن علیه السلام بهذا و أنا في الحبس إن هذا لعجيب!.

فيما مكثت إلا أياما يسيراً حتى أفرج عتي و حلت قيودي و خلي سبيلي. و لما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن علیه السلام، و خرج إلى سر من رأي. قال: فكتبت إليه علیه السلام بعد خروجي أسأله أن يسأل الله ليرد علي ضياعي، فكتب علیه السلام إلى: سوف يرد عليك و ما يضرك أن لا ترد عليك.

قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كتب له بردضياعه، فلم يصل الكتاب إليه حتى مات.(3)

17 - [المجلسي في البحار، عن بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن

ص: 107


1- نهج البلاغة: الخطبة 175، عنه البحار: 190/40ح 75، 34/ 217.
2- المناقب: 287/4 ، عنه البحار: 48/ 72 ح 99.
3- الخرائج: 2/ 677، عنه البحار: 140/50 ح 25 بتفاوت مع المصدر.

أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستین و مائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان عج قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنیزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه.

فلا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟

فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا و بجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: علیل و سمك و تمر و لبن!

فصاح بي: يا عیسی أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت، فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق.

فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟

فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو؟) و (متی کان؟) و( أين ولد؟) و (من رآه ؟ ) و (ما الذي خرج إليكم منه علیه السلام؟) و ( بأي شيء نبأكم؟) و( أي معجز أتاكم؟) أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين، یا عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.

ص: 108

فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشدا. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)

الباب 4: حديث النفس بالطعن على النبي أو الإمام علیهما السلام والإزراء عليه وخطاه وبزوال قدرته ودولته وإنكار معجزته

اشارة

1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى أديم بن الحر، قال أديم: سأله موسی بن أشيم - يعني أبا عبد الله علیه السلام - عن آية من كتاب الله، فخبره بها. فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها، فأخبره بخلاف ما أخبره.

قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله، حتی کنت كاد قلبي يشرح بالسكاكين، و قلت: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الحرف الواحد الواو و شبهها، و جئت إلى من يخطئ هذا الخطاء كله!. فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر، فسأله عن تلك بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني و الذي سأله بعدي، فتجلى عني و علمت أن ذلك تعمد منه. فحدثت نفسي بشيء، فالتفت إلى أبو عبد الله علیه السلام فقال: يا ابن أشيم، لا تفعل كذا و كذا فحدثني علیه السلام عن الأمر الذي حدثت به نفسي.

ثم قال: يا ابن أشيم، إن الله فوض إلى سليمان بن داود علیه السلام فقال: «هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (2) و فوض إلى نبيه صلی الله علیه و آله وسلم فقال: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3)، فما فوض إلى نبيه صلی الله علیه و آله وسلم فقد فوض إلينا. يا ابن أشيم، «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا»(4) أتدري ما الحرج؟ قلت: لا. فقال بيده-و ضم أصابعه -: الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء. (5).

ص: 109


1- البحار: 68/52 ح 54.
2- ص:39.
3- الحسر: 7.
4- الأنعام: 125.
5- بصائر الدرجات: 386 ح 11، عنه البحار: 25/ 332 - 333 ح 10، وأورده في الإختصاص: 330 -331 .

2 - [علي بن يونس في كتاب الصراط المستقيم]: دخل حسين المكاري عليه - أي: على الجواد علیه السلام - ببغداد فلما رأى طيب حاله قال في نفسه: لا يرجع أبدا إلى موطنه. فقال علیه السلام : خبز شعير و ملح جریش و حرم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أحب إلي مما ترى.(1)

3- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام فذكر محمد، فقال علیه السلام : إني جعلت على نفسي أن لا يظلني و إياه سقف بيت. فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر و الصلة، و يقول هذا لعمه! قال: فنظر علیه السلام إلي فقال: هذا من البرو الصلة، إنه متى يأتيني و يدخل علي فيقول و يصدقه الناس، و إذا لم يدخل علي لم يقبل قوله إذا قال.(2)

4 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن الماضي علیه السلام و هو محموم و وجهه إلى الحائط، فتناول بعض أهل بيته يذكر. فقلت في نفسي: هذا خير خلق الله في زمانه يوصينا بالبر و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول؟! قال: فحول علیه السلام وجهه، فقال: إن الذي سمعت من البر، إني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله، و إن لم أقل هذا صدقوا قوله علي. (3)

5- [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى الحسين بن عمر بن یزید، قال: دخلت على الرضا علیه السلام و أنا يومئذ واقف، و قد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست و أمسك عن السابعة. فقل: و الله لأسألنه عما سأل أبي أباه،فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة. فسألته فأجاب علیه السلام بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست، فلم يزد في الجواب واوا و لا ياء و أمسك عن السابعة، و قد كان أبي قال لأبيه: إني أحتج عليك عند الله يوم القيامة أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماماً، فوضع يده على عنقه ثم قال له: نعم، احتج علي بذلك عند الله عز و جل، فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي.

ص: 110


1- الصراط المستقیم: 2/ 200ح7
2- بصائر الدرجات: 237، عنه البحار: 160/48 ح 5 ، وأورده عن عيون الأخبار في: 47/ 246 ح 4 ، وفي قرب الإسناد عن إبراهيم بن المفضل بن قيس قال :( سمعت أبا الحسن الأول علیه السلام و هو يحلف أن لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا، فقلت في نفسي : هذا يأمر بالبر و الصلة و يحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدا! قال : فقال علیه السلام : هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني و يعينني، فإذا علم الناس إلا أكلمه لم يقبلوا منه و أمسك عن ذكري فكان خيرا له). قرب الأسناد:124، عنه البحار: 159/68
3- بصائر الدرجات: 238 ح 11، عنه البحار: 50/48 ح43.

فلما ودعته علیه السلام قال: إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلي ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد.

فقلت في نفسي: و الله ما كان لهذا ذكر. فلما مضيت و كنت في بعض الطريق خرج بي عرق المديني، فلقيت منه شدة. فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه علیه السلام وقد بقي من وجعي بقية، فشكوت إليه و قلت له: جعلت فداك، عوذ رجلي، و بسطتها بين يديه. فقال علیه السلام: ليس على رجلك هذه بأس، و لكن أرني رجلك الصحيحة. فبسطتها بين يديه فعوذها. فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتى خرج بي العرق و كان وجعه يسيراً. (1)

6-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعلیه السلام : يدخل النار مؤمن؟ قال علیه السلام: لا و الله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله . فلما رددت عليه مرارا قال لي: أي زرارة، إني أقول: لا، و أقول: إلا من شاء الله. و أنت تقول: لا، و لا تقول: إلا من شاء الله.

قال: فحدثني هشام بن الحكم و حماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة. قال: فقال علیه السلام لي: يا زرارة، ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟ ما تقول في خدمكم و أهليكم أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا و الله الذي لا علم لي بالخصومة.(2)

7-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين علیه السلام يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي علیه السلام فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟

قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي علیهما السلام و كان رجلا بادناً ثقيلا و هو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله ! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟! أما لأعظنه.

فدنوت منه علیه السلام فسلمت عليه، فرد علي السلام بنهر و هو يتصاب عرقاً. فقل: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا،

ص: 111


1- الكافي: 354/1 ح10، عند البحار:67/49 ح88.
2- الكافي: 2/ 385 ح7.

أرأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما کنت تصنع؟ فقال علیه السلام : لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال، جاءني و أنا في [طاعة من] طاعة الله عز و جل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، و إنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي الله .

فقل: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني. (1)

8- [ابن شهرآشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟

فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني کشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.(2)

9 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: أدخلت الحجاج بن سفيان العبدي على أبي محمدعلیه السلام فسأله المبايعة، قال: ربما بايعت الناس فتوضعتهم المواضعة إلى الأصل. قال علیه السلام : لا بأس الدينار بالدينارين بينهما خرزة. فقلت في نفسي: هذا شبه ما يفعله الربيون. فالتفت علیه السلام إلي فقال: إنما الربا الحرام ما قصد به الحرام، فإذا جاوز حدود الربا و زوي عنه فلا بأس الدينار بالدينارين يدا بيد، و يكره أن لا يكون بينهما شيء يوقع عليه البيع.(3)

10 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد الجواز، قال: دخلت على أبي

ص: 112


1- الكافي: 5/ 73ح 1، عنه البحار: 350/46 ح، وأورده في الإرشاد: 161/2 ، عنه البحار: 8/100ح34، 287/46 ح 5، والتهذيب عن الكليني: 325/6 ح 15.
2- المناقب: 413/4 ، عنه البحار: 173/50 ذیل ح53، 117/77 ح32.
3- الخرائج: 2/ 689، عنه البحار: 50/ 258ح17، 100/ 121 ح 32.

الحسن علیه السلام و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت إليه قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي مظلوم مغصوب مضطهد في نفسي. ثم دنوت منه، فقبلت بين عينيه و جلست بين يديه. فالتفت علیه السلام إلي، فقال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تتصور هذا في نفسك. .

قال: قلت: جعلت فداك و الله ما أردت بهذا شيئا. قال: فقال علیه السلام: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا. لو أردنا أزف إلينا، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية لا بد من الإنتهاء إليها.

قال: فقلت: لا أعود و أصير في نفسي شيئا أبدا. قال: فقال علیه السلام : لا تعد أبدا.(1)

11 - [الديلمي في إرشاد القلوب]، بحذف الإسناد مرفوعاً إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي - ختن معاذ بن جبل و حين مات كانت ابنته تحت معاذ بن جبل، و كان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهاداً -، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدت يوم مات والناس متشاغلون بالطاعون. قال: وسمعته حين احتضر وليس في البيت غيري - وذلك في خلافة عمر بن الخطاب -، فسمعته يقول:ويل لي ويل لي. فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون یهذون و يقولون الأعاجيب. فقلت له: أتهذي؟ قال: لا، رحمك الله.

قلت: فلم تدعو بالويل و الثبور؟ قال: لموالاتي عدو الله علي ولي الله. فقلت له: من هم؟

قال: موالاتي عتيقا و [رمع] على خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و وصيه علي بن أبي طالب علیهما السلام .

فقلت: إنك لتهجر. فقال: يا ابن غنم، و الله ما أهجر. هذان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و علي ابن أبي طالب علیهما السلام يقولان لي: يا معاذ، أبشر بالنار أنت و أصحابك. أفليس قلتم: إن مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أو قتل زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب علیهما السلام فلن تصل إليه. فاجتمعت أنا و [عتیق و رمع] و أبو عبيدة و سالم.

قال: قلت: متی یا معاذ؟

قال: في حجة الوداع، قلنا نتظاهر على علي علیه السلام فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قلت لهم: أنا أكفيكم قومي الأنصار فاکفوني قريشا، ثم دعوث على عهد ..

ص: 113


1- بصائر الدرجات: 126ح7، عنه البحار:139/26 ح9، 48/ 49 ح40، وأورده في الخرائج عن المعلی: 2/ 869.

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ إنك لتهجر. فألصق خده بالأرض، فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى مات.

فقال ابن غنم: ما حدثت بهذا الحديث یا ابن قيس بن هلال أحداً إلا ابنتي امرأة معاذو رجلا آخر، فإني فزعت مما رأيت و سمعت من معاذ.

قال: فحججت و لقيت الذي غمض أبا عبيدة و سالما فأخبراني أنه حصل لهما ذلك عند موتهما، لم يزد فيه حرفا و لم ينقص حرفا، كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل. فقلت: أولم يقتل سالم يوم التهامة؟ قال: بلى، و لكنا احتملناه و به رمق. قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر، فقال لي: اكتم علي و أشهد أن أبي قد قال عند موته مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي بهجر.

قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان، و حدثته بما سمعت من أبي عند موته فأخذت عليه العهد و الميثاق إلا يكتم علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل ما قال أبوك و ما زاد و لا نقص، ثم تداركها ابن عمر بعد و تخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب علیهما السلام لما علم من حبي له و انقطاعي إليه، فقال: إنما كان يهجر.

فأتيت أمير المؤمنين علیه السلام فأخبرته بما سمعته من أبي و ما حدثني به ابن عمر. فقال علي علیه السلام : قد حدثني بذلك عن أبيك و عن أبيه و عن أبي عبيدة و سالم و عن معاذ من هو أصدق منك و من ابن عمر. فقلت: و من ذاك يا أمير المؤمنين؟

فقال: بعض من حدثني. فعرفت ما عني، فقلت: صدقت، إنما ظننت إنسانا حدثك، و ما شهد أبي و هو يقول ذلك غيري.

قال سليم: قلت لابن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبما مات أبو عبيدة؟ قال مات بالدبيلة(1)، فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غيرك و أخيك عبد الرحمن و عائشة و عمر؟ قال: لا. قلت: و هل سمعوا منه ما سمعت؟. قال: سمعوا منه طرفا فبكوا. و قال [قالوا]: هو يهجر، فأما كل ما سمعت أنا فلا. قلت: فالذي سمعوا ما هو؟ قال: دعا بالويل و الثبور، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، لم تدعو بالويل و

ص: 114


1- الدبيلة داء يجتمع في الجوف (لسان العرب). وفي مجمع البحرین: الدبيلة مصغرة -كجهينة- : الطاعون و خراج و دمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالبا.

الثبور؟ قال: هذا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و معه علي بن أبي طالب علیه السلام يبشراتي بالنار، و معه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، و هو يقول: قد وفيت بها و ظاهرت على ولي الله، فأبشر أنت و صاحبك بالنار في أسفل السافلين. فلما سمعها عمر خرج و هو يقول: إنه ليهجر. قال: لا و الله لا أهجر، أين تذهب؟ قال عمر: كيف لا تهجر و أنت «ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ » (1) قال: الآن أيضا، أولم أحدثك أن محمدا . و لم يقل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم - قال لي و أنا معه في الغار: إني أرى سفينة جعفررضی الله عنه و أصحابه تعوم في البحر، فقلت: أرنيها، فمسح صلی الله علیه و آله وسلم يده على وجهه فنظرت إليها، و أضمرت عند ذلك أنه ساحر، و ذكرت لك ذلك بالمدينة، فأجمع رأيي و رأيك أنه ساحر.

فقال عمر: يا هؤلاء، إن أباكم یهجر فاکتموا ما تسمعون عنه لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت. ثم خرج و خرج أخي و خرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا، فقلت له لما خلوت به: يا أبت قل: لا إله إلا الله. قال: لا أقولها ولا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر، فقلت له: أي تابوت؟

فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت: عمر؟ قال: نعم، و عشرة في جب من جهنم عليه صخرة، إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة. قلت: أتهذي؟ قال: لا والله ما أهذي، و لعن الله ابن صهاك هو الذي « أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي» (2) فبئس القرين، ألصق خدي بالأرض. فألصقت خده بالأرض، فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى غمضته، ثم دخل عمر علي، فقال: هل قال بعدنا شيئا؟ فحدثته. فقال: يرحم الله خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، اكتم هذا كله هذيان، و أنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم. قالت عائشة: صدقت. ثم قال لي عمر: إياك أن يخرج منك شيء مما سمعت به إلى علي بن أبي طالب علیه السلام و أهل بيته.

قال: قال سليم: قلت لمحمد: من تراه حدث أمير المؤمنين علیه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟

فقال: رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إنه يراه في كل ليلة في المنام، و حديثه إياه في المنام مثل حديثه

ص: 115


1- التوبة: 40.
2- الفرقان: 29.

إياه في اليقظة و الحياة. و قد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم و لا يقظة و لا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة.

قال سليم: فقلت لمحمد: فمن حدثك بهذا؟ قال: علي. فقلت: قد سمعت أنا أيضا منه کما سمعت أنت. قلت لمحمد: فلعل ملكا من الملائكة حدثه. قال: أو ذاك. قلت: فهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ كتاب الله «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ»(1) و لا محدث. قلت أنا: أمير المؤمنين محدث؟ قال: نعم، و فاطمة عليهاالسلام محدثة، ولم تكن نبية، و مریم محدثة و لم تكن نبية، و أم موسی محدثة و لم تكن نبية، و سارة امرأة إبراهيم قد عاینت الملائكة و لم تكن نبية، فبشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب. قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر و عزينا أمير المؤمنين علیه السلام، جئت إلى أمير المؤمنين علیه السلام، و خلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر و بما حدثني به ابن غنم.

قال علیه السلام: صدق محمدرحمه الله، أما إنه شهيد حي مرزوق، یاسلیم إني و أوصيائي أحدعشر رجلا من ولدي أئمة هدي مهديون محدثون. قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم؟

قال علیه السلام: ابني [ابناي] الحسن و الحسين، ثم ابني هذا - و أخذ بيد علي بن الحسين علیه السلام و هو رضيع - ثم ثانية من ولده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال:«وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ»(2)، فالوالد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أنا، و ما ولد يعني هؤلاء الأحدعشر وصيا صلوات الله عليهم. قلت: يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان؟ قال علیه السلام: لا، إلا و أحدهما صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.(3)

12 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد بن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، سمى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا بكر الصديق ؟ قال : نعم. قال: فكيف؟ قال علیه السلام: حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال : ادن مني. قال علیه السلام : فدنا منه فمسح صلی الله علیه و آله وسلم على عينيه، ثم قال: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة و هي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل

ص: 116


1- الحج: 52.
2- البلد: 3.
3- إرشاد القلوب:391/2 ، عنه البحار: 30/ 127 ح 7، وكتاب سليم بن قيس الهلالي: 816.

المدينة، فقال في نفسه: الآن صدقت انك ساحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الصديق أنت. (1)

أقول: معنى قوله: الآن صدقت أنك ساحر، أي إن كنت شاكا فيما مضى بسحرك، فقد أيقنت الآن وما رأيت يصدقه قلبي بأنه سحر وأنك لست بنبي. وأما قول رسول الله صلى الله عليه وآله : الصديق أنت، فإنه صلی الله علیه و آله وسلم صدقه بأن قلبه لم يؤمن.

13 - [المجلسي في البحار، من منتخب البصائر]، عن خالد بن يحيى، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: سمى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا بكر صديقا؟ فقال علیه السلام : نعم، إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة. فقال له أبو بكر: و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم. فقال: يا رسول الله، تقدر أن ترینها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ادن مني. فدنا منه فمسح صلی الله علیه و آله وسلم يده على عينيه، ثم قال له: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر. فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : صديق أنت. فقلت:لم سمي عمر الفاروق؟ قال علیه السلام : نعم، ألا ترى أنه قد فرق بين الحق و الباطل، و أخذ الناس بالباطل. فقلت: فلم سمي سالما الأمين؟ قال علیه السلام: لما أن كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين. قلت: فقال صلی الله علیه و آله وسلم : اتقوا دعوة سعد؟ قال علیه السلام: نعم. قلت: و كيف ذلك؟ قال علیه السلام : إن سعدا يكر فيقاتل عليا علیه السلام. (2)

14 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعته، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن تخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجدا، فيما تظن موجدته؟

قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو

ص: 117


1- بصائر الدرجات: 422 ح14، عنه البحار: 109/18 ح10، ولاحظ 71/19 ح 23 ، 194/30ح55، و في 53/19 ح10 عن تفسير القمي عن أبيه عن بعض رجاله مرفوعا إلى أبي عبد الله علیه السلام قال: (لما كان رسول الله علیهم السلام في الغار، قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار محتبين في أفنيتهم. فقال أبو بكر: وتراهم یا رسول الله؟ قال علیهم السلام: نعم. قال : فأرنيهم. فمسح علیهم السلام على عينيه فرآهم، فقال في نفسه : الآن صدقت أنك ساحر، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أنت الصديق.) تفسير القمي: 290/1 . أقول: قال المجلسي قدس سره بعد ذكر الخبر: بیان قوله صلی الله علیه و آله وسلم: (الصديق أنت..) على التهكم، أو على الإستفهام الإنكاري .. الخ. البحار: 30/ 195.
2- البحار: 53/ 75 ح76، 30/ 194 ح56 .

ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له.

فقال: یا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه[ و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمرا و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله و لم ينفذ مراد رسول الله. أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.

قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبى الله إلا إمضاء ما حتم.(1)

10 -[ الطبرسي في إعلام الوری]، من مقاتل الطالبيين بخط أبي الفرج، بإسناده أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء و فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، و أبو جعفر المنصور، و صالح بن علي، و عبد الله بن الحسن، و ابناه محمد و إبراهيم، و محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس إليهم أعينهم، و قد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم و تواثقوا على ذلك حتى يفتح الله و هو خير الفاتحين.

فحمد الله عبد الله بن الحسن و أثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي، فهلم لنبایعه. و قال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، و الله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقا و لا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتی - یرید به محمد بن عبد الله - قالوا: قد والله صدقت، إن هذا الذي نعلم. فبايعوا محمدا جميعا، ومسحوا علی يده .

قال عيسی: و جاء رسول عبد الله بن حسن إلى أبي أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر، و أرسل بذلك إلى جعفر بن محمد علیهما السلام . و قال غير عيسى إن عبد الله بن الحسن قال لمن حضر: لا تريدوا جعفرا علیه السلام فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم.

قال عيسى بن عبد الله بن محمد: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له، فجئتهم و محمد ابن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية. فقلت لهم: أرسلني أبي إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم؟

فقال عبد الله : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله. قال: و جاء جعفر بن

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة: 12/ 78، عنه البحار:554/30 ،638/29.

محمد علیهما السلام ، فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر علیه السلام: لا تفعلوا، فإن هذا الأمر لم يأت بعد. إن كنت تری ۔ یعني عبد الله - أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله وليأمر بالمعروف و ینهی عن المنكر، فإنا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبایع ابنك في هذا الأمر.

فغضب عبد الله بن الحسن و قال: لقد علمت خلاف ما تقول، و الله ما اطلعك على غيبه و لكن يحملك على هذا الحسد لابني. فقال علیه السلام: و الله ما ذاك يحملني و لكن هذا و إخوته و أبناؤهم دونكم و ضرب بيده على ظهر أبي العباس ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن و قال: إنها و الله ما هي إليك ولا إلى ابنيك و لكنها لهم، و إن ابنيك لمقتولان. ثم نهض علیه السلام فتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر - یعني أبا جعفر-؟(1) فقال له: نعم. قال: قال: إنا و الله نجده يقتله. قال له عبد العزيز : أيقتل محمدا؟ قال علیه السلام : نعم. فقلت في نفسي: حسده و رب الكعبة. ثم قال: و الله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.

قال: فلما قال جعفر علیه السلام ذلك و نهض القوم و افترقوا، تبعه عبد الصمد و أبو جعفر، فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال علیه السلام: نعم أقوله و الله و أعلمه.(2)

16 . [المفيد في الإختصاص]، جابر، عن أبي جعفر علیه السلام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة. قال: فقال علیه السلام: يا جابر، ما عندنا درهم. فلم ألبث أن دخل عليه الكميت، فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتى أنشدك قصيدة.

قال: فقال علیه السلام : أنشد. فأنشده قصيدة، فقال علیه السلام : يا غلام، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت. قال: فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى. قال علیه السلام: أنشد. فأنشده أخرى، فقال علیه السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت. قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه. قال: فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة. قال علیه السلام له: أنشد. فأنشده، فقال علیه السلام : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه. قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه، فقال الكميت: جعلت فداك، و

ص: 119


1- أبو جعفر أي المنصور الدوانيقي.
2- الإرشاد: 2/ 190، إعلام الوری:277، عنهما البحار: 187/46ح53، وأورده علي بن عيسى قدس سره کشف الغمة: 2/ 171.

الله ما أحبكم لغرض الدنيا، و ما أردت بذلك إلا صلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وما أوجب الله علي من الحق.

قال: فدعا له أبو جعفر علیه السلام، ثم قال: يا غلام، ردها مكانها. قال: فوجد في نفسي و قلت: قال علیه السلام : ليس عندي درهم، و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم!. قال: فقام الكميت و خرج. قلت له علیه السلام: جعلت فداك، قلت ليس عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم. فقال علیه السلام لي: يا جابر، قم و ادخل البيت. قال: فقمت و دخلت البيت فلم أجد منه شيئا. قال: فخرجت إليه فقال علیه السلام لي: يا جابر ماسترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم. فقام و أخذ بيدي و أدخلني البيت، ثم قال و ضرب برجله الأرض فإذا شبیه بعنق البعير قد خرجت من ذهب، ثم قال لي: يا جابر انظر إلى هذا و لا تخبر به أحدا إلا من تثق به من إخوانك، إن الله أقدرنا على ما نرید، و لو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها السقناها.(1)

17 - [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، من کتاب عتیق أسند الخبر إلى الحسن بن علي بن يقطين عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الربيع الحاجب (وذكر خبر استدعاء المنصور للصادق علیه السلام وإدخاله عليه، إلى أن قال: ) قال - الربيع -: فلما وجدت منه - أي من المنصور - خلوة و طيب نفسي، قلت: يا أمير المؤمنين رأيت منك عجبا. قال: ما هو؟

قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت غضبك على جعفر علیه السلام غضبا لم أرك غضبته على أحد قط، و لا على عبد الله بن الحسن، و لا على غيره من كل الناس، حتى بلغ بك الأمر أن تقتله بالسيف، و حتى إنك أخرجت من سيفك شبرا ثم أغمدته ثم عاتبته، ثم أخرجت منه ذراعا ثم عاتبته، ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيرا، فلم أشك في قتلك له، ثم انجلى ذلك كله فعاد رضي حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت، ولا يغلف منها ولدك المهدي و لا من وليته عهدك و لا عمومتك، و أجزته و حملته، و أمرتني بتشييعه مكرما.

فقال: ويحك يا ربيع ليس هو كما ينبغي أن تحدث به و ستره أولى، و لا أحبأن يبلغ ولد فاطمة علیهاالسلام فيفتخرون و يتيهون بذلك علينا، حسبنا ما نحن فيه، و لكن لا أكتمك .

ص: 120


1- الإختصاص: 271، بصائر الدرجات: 375ح 5، عنهما البحار: 240/46 ح23، وأورده الطبري في دلائل الإمامة: 99.

شيئا، انظر من في الدار فنحهم.

قال: فنحيت كل من في الدار، ثم قال لي: ارجع و لا تبق أحدا، ففعلت. ثم قال لي: ليس إلا أنا و أنت و الله، لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لأقتلنك و ولدك و أهلك أجمعين، و لآخذين مالك. قال: قلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله. قال: يا ربيع، قد كنت مصرا على قتل جعفر علیه السلام، و أن لا أسمع له قولا و لا أقبل له عذرا، و كان أمره و إن كان ممن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهم على من أمر عبد الله بن الحسن، فقد كنت أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني أمية. فلما هممت به في المرة الأولى، تمثل لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فإذا هو حائل بيني و بينه، باسط كفيه، حاسر عن ذراعيه، قد عبس و قطب في وجهي عنه، ثم هممت به في المرة الثانية و انتضيت من السيف أكثر مما انتضيت منه في المرة الأولى، فإذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد قرب مني و دنا شديدا، وهم لي أن لو فعلت لفعل، فأمسكت. ثم تجاسرت و قلت: هذا بعض أفعال الزئي (1)، ثم انتضيت السيف في الثالثة، فتمثل لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم باسط ذراعيه، قد تشمر و احمر و عبس و قطب حتى كاد أن يضع يده علي، فخفت و الله لو فعلت لفعل، و كان مني ما رأيت. وهؤلاء من بني فاطمة صلوات الله عليهم لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة، فإياك أن يسمع هذا منك أحد.

قال محمد بن الربيع: فما حدثني به أبي حتى مات المنصور، و ما حدث أنابه حتى مات المهدي و موسی و هارون و قتل محمد.(2)

18 - [علي بن عيسى الإربلي في كشف الغمة]، عن محمد بن طلحة، قال: قال خشنام بن حاتم الأصم: قال لي أبي حاتم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتی حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، و الله لأمضين إليه و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا

ص: 121


1- قال المجلسي قدس سره: الرئي على فعيل، التابع من الجن.
2- مهج الدعوات: 197 دعاء لمولانا الصادق علیه السلام لما استدعاه المنصور مرة خامسة، عنه البحار: 195/47-199 ح 40، 293/91أقول: الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قال: يا شقيق،« اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (1) ثم تركني و مضى.

فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بها في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه و لأسألنه أن يحللني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب من عيني. فلما نزلنا واقصة و إذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه و أستحله. فصبرت حتی جلس، و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ» (2) ثم تركني و مضي. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري مرتين - إلى أن قال: فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسی بن جعفر ابن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام. فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. (3)

19 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح] ، عن أبي محمد الرقي قال: دخلت على الرضا علیه السلام فسلمت عليه، فأقبل يحدثني و يسألني إذ قال لي: يا أبا محمد، ما ابتلى الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها إلا كان له مثل أجر شهید

قال: و لم يكن قبل ذلك في شيء من ذكر العلل و المرض و الوجع، فأنكرت ذلك من قوله علیه السلام ، و قلت: ما أخجل هذا - فيما بيني و بين نفسي -، رجل أنا معه في حديث قد عنيت به إذ حدثني بالوجع في غير موضعه، فودعته و خرجت من عنده علیه السلام. فلحقت بأصحابي و قد رحلوا، فاشتكيت رجلي من ليلتي، فقلت: هذا مما عبت، فلما كان من الغد تورمت، ثم أصبحت و قد اشتد الورم، فذكرت قوله علیه السلام، فلما وصلت إلى المدينة جرى فيها القيح و صار جرحا عظيما لا أنام ولا أنتم [أنيم]، فعلمت أنه حدث بهذا الحديث لهذا المعنى، و بقيت بضعة عشر شهرا صاحب فراش. قال الراوي: ثم أفاق ثم نكس منها و مات.(4)

20 -[ الشيخ في الغيبة]، روی محمد بن عبد الله بن الحسن الأفطس، قال: كنت عند

ص: 122


1- الحجرات: 12.
2- طه: 82.
3- کشف الغمة: 2/ 212، عنه البحار: 48/ 80 ح 102 أقول: تمام الخبر في الفصل 13، الباب 6، القسم الثامن: إخبارات الإمام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام، ح9.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 360، عنه البحار:51/49 ح 54، وأورده الطبري في الدلائل: 188.

المأمون يوما ونحن على شراب حتى إذا أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه و احتبسني، ثم أخرج جواریه و ضربن و تغنين - إلى أن قال: - فجعل يبكي حتى أبكاني ثم قال: ويلك يا محمد، أيلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علیه السلام علما؟ و الله أن لو بقي لخرجت من هذا الأمر و لأجلسته مجلسي، غير أنه عوجل فلعن الله عبيد الله و حمزة ابني الحسن فإنهما قتلاه.

ثم قال لي: يا محمد بن عبد الله، و الله لأحدثنك بحديث عجيب فاكتمه. قلت: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لما حملت زاهرية ببدر أتيته علیه السلام ، فقلت له: جعلت فداك، بلغني أن أبا الحسن موسی بن جعفر، و جعفر بن محمد، و محمد بن علي، و علي بن الحسين، و الحسين علیهم السلام التي كانوا يزجرون الطير ولا يخطئون،و أنت وصي القوم و عندك علم ما كان عندهم، و زاهرية حظيتي و من لا أقدم عليها أحدا من جواري، و قد حملت غير مرة كل ذلك تسقط، فهل عندك في ذلك شيء ننتفع به؟

فقال علیه السلام : لا تخش من سقطها فستسلم و تلد غلاما صحيحا مسلما، أشبه الناس بأمه، قد زاده الله في خلقه مزيدتين في يده اليمني خنصر و في رجله اليمني خنصر. فقلت في نفسي: هذه و الله فرصة، إن لم يكن الأمر على ما ذكر خلعته. فلم أزل أتوقع أمرها حتى أدركها المخاض، فقلت للقيمة: إذا وضعت فجيئيني بولدها ذکرا كان أم أنثى. فما شعرت إلا بالقيمة و قد أتتني بالغلام کما وصفه زائد اليد و الرجل، كانه کوکب دري. فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ و أسلم ما في يدي إليه، فلم تطاوعني نفسي، لكن رفعت إليه الخاتم فقلت: دبر الأمر فليس عليك مني خلاف، وأنت المقدم وبالله أن لو فعل لفعلت. (1)

ص: 123


1- غيبة الطوسي: 74، عنه البحار: 306/49 ح16. وعن عيون أخبار الرضا علیه السلام بالإسناد إلى عبد الله بن محمد الهاشمي قال : (دخلت على المأمون يوما، فأجلسني و أخرج من كان عنده ثم دعا بالطعام فطعمنا ثم طيبنا - إلى أن قال: - فقال لي : يا عبد الله، أيلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا علیه السلام علما؟ فو الله لأحدثنك بحديث تتعجب منه. جئته يوما فقلت له : جعلت فداك، إن آباءك موسی و جعفرا و محمدا و علي بن الحسين علیه السلام كان عندهم علم ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة، و أنت وصي القوم و وارثهم، وعندك علمهم و قد بدت لي إليك حاجة. قال علیه السلام : هاتها. فقلت : هذه الزاهرية حظيتي و لا أقدم عليها أحدا من جواري، و قد حملت غير مرة و أسقطت، و هي الآن حامل، فدلني على ما تتعالج به فتسلم. فقال علیه السلام : لا تخف من إسقاطها، فإنها تسلم و تلد غلاما أشبه الناس بأمه، و تكون له خنصر زائدة في يده اليمنى، ليست بالمدلاة. و في رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة. فقلت في نفسي: أشهد أن الله على كل شيء قدير. فولدت الزاهرية غلاما أشبه الناس بأمه في يده اليمني خنصر زائدة ليست بالمدلاة و في رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة، على ما كان وصفه لي الرضا علیه السلام. فمن يلومني على نصبي إياه علما؟.) عيون أخبار الرضا: 2/ 223 ح 44، عنه البحار: 30/49 ح 2.

21 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن قاسم بن عبد الرحمن و كان زيديا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ماهذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظر إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: یا قاسم بن عبد الرحمن،« أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ».(1)

فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل علیه السلام إلي فقال: «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(2).

قال: فانصرفت و قلت بالإمامة، و شهدت أنه علیه السلام حجة الله على خلقه و اعتقدت.(3)

22 - [الراوندي في الخرائج والجرائح]، رواه مرسلا عن یحیی بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل قال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها و اخرجوا إلى طريق البادية إلى المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا علیه السلام إلى عندي مكرما معظما مبجلا.

قال: ففعلت، و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة، و كان لي كاتب يتشیع و أنا على مذهب الحشوية(4) و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق. فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب علیهما السلام أنه ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو سيكون قبرا؟ فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتى يملاها الله قبورا كما يزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: هذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين يموت في هذه التربة العظيمة حتى يمتلئ قبورا؟ و تضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا. قال: و

ص: 124


1- القمر:24.
2- القمر: 25.
3- کشف الغمة: 2/ 363، عنه البحار: 50/ 64 ضمن ح 44.
4- قال في الإرشاد: 2/ 23: وأما الحشوية فإنها تدين بإمامة بني أمية، ولا ترى لؤلد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إمامة على حال. عنه البحار: 165/44 .

سرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكل فقال علیه السلام: انزلوا و ليس من جهتي خلاف. قال فلما صرت إليه من الغد، و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه، ثم قال علیه السلام للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمد على الفراغ منها يومك هذا، و بکر بها إلي في هذا الوقت. ثم نظرعلیه السلام إلي و قال: يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمدعلى الرحيل غدا في هذا الوقت.

قال: فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الخفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز و حر الحجاز، و إنما بیننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟ ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، فقال علیه السلام لغلمانه: ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابید و برانس، ثم قال علیه السلام: ارحل يا يحيى. فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأول! أخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس؟ فخرجت و أنا أستصغر فهمه، فعبرنا حتی إذا وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور، ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور، و قد شد علیه السلام على نفسه و على غلمانه الخفاتین و لبسوا اللبابيد و البرانس. قال علیه السلام لغلمانه: ادفعوا إلى يحيی لبادة و إلى الكاتب برنسا. و تجمعنا و البرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانین رجلا و زالت، و رجع الحر كما كان.

فقال علیه السلام: يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك، فهكذا يملأ الله البرية قبورا. قال: فرميت نفسي عن دابتي و عدوت إليه، و قبلت ركابه و رجله و قلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، و قد كنت كافرا و إنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي. قال يحيی: و تشیعت و لزمت خدمته إلى أن مضي.(1)

23 -[ المجلسي في البحار، من كتاب النجوم]، محمد بن جرير الطبري، بإسناده عن

ص: 125


1- الخرائج والجرائح: 393/1 - 396، عنه البحار: 142/50- 144 ح 27، وأورده في كشف الغمة: 390/2-392.

محمد بن إسماعيل بن أحمد القهقلي الكاتب بسر من رأي سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصا، فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختیشوع و هو منصرف من دار موسی بن بغا، فسايرني و أفضى الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟

قلت: و من صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام - و کنا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: فكيف ذلك؟

قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدأ و لا غيرك من الناس، و لكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث به أحداً فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند السلطان، و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم - يعني بني العباس -.

قلت: لك على ذلك فحدثني به و ليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم. قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام و هو على فرس أدهم و عليه ثياب سود و عمامة سوداء و هو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له و قلت في نفسي - لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - قلت في نفسي: ثياب سوداء و دابة سوداء و رجل أسود! سواد في سواد في سواد.

فلما بلغ علیه السلام إلى نظر إلي، و أحد النظر و قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد. قال أبي رحمه الله: فقلت له: أجل فلا تحدث به أحداً. فما صنعت و ما قلت له؟ قال: أسقطت في يدي فلم أحر جوابا، قلت له: فما أبيض قلبك لما شاهدت. قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلى فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواد، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله، و أن علي بن محمد علیهما السلام حجة الله على خلقه و ناموسه الأعظم. ثم مات في مرضه ذلك و حضرت الصلاة عليه رحمه الله.(1)

26 - [المجلسي في البحار، من بعض مؤلفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان، قال: حدثني من أثق إليه من المشايخ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا علیهما السلام ، قال : كانت

ص: 126


1- البحار: 161/50 ح50.

تدخل على أبي محمد علیه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، و أنها قالت: دخلت عليه فقلت له کما أقول و دعوت کما أدعو، فقال علیه السلام: يا عمة، أما إن الذي تدعين الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة، - و كانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين - فاجعلي إفطارك معنا.

فقلت: يا سيدي، ممن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال لي علیه السلام : من نرجس يا عمة. قال: فقالت له: يا سيدي ما في جواريك أحب إلي منها. و قمت و دخلت إليها، و کنت إذا دخلت فعلت بي كما تفعل، فانكببت على يديها، فقبلتها ومنعتها مماكانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها. فقالت لي: فديتك. فقلت لها: أنا فداك وجميع العالمين. فأنكرت ذلك، فقلت لها: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لک في هذه الليلة غلاما سيداً في الدنيا والآخرة، وهو فرج المؤمنين. فاستحيت فتأملتها فلم أر فيها أثر الحمل. فقلت لسيدي أبي محمد علیه السلام : ما أری بهاحملا. فتبسم علیه السلام ثم قال: إنا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون و إنما نحمل في الجنب، و لا نخرج من الأرحام و إنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا، لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات.

فقلت له: ياسيدي، قد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ قال علیه السلام لی: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله. قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت ونمت بقرب من نرجس، وبات أبو محمد علیه السلام في صفة في تلك الدار التي نحن فيها. فلما ورد وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة مابها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي، ثم أوترت، فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع و دخل قلبي شيء، فصاح أبو محمد صلی الله علیه و آله وسلم من الصفة: لم يطلع الفجر یا عمة. فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس، فدنوت منها و ضممتها إلى و سميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشيء؟ قالت: نعم. فوقع على سبات لم أتمالك معه أن نمت، و وقع على نرجس مثل ذلك ونامت، فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي علیه السلام وصيحة أبي محمد علیه السلام يقول: يا عمة، هاتي ابني إلى فقد قبلته. فكشفت عن سيدي علیه السلام فإذا أنا به ساجدا يبلغ الأرض بمساجده، و على ذراعه الأيمن مکتوب: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(1)

20 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، مرسلا: قال جويرية بن مسهر: خرج مع أمير

ص: 127


1- البحار: 25/51ضمن ح 37، أقول: أخذنا منه موضع الحاجة. الآية : الإسراء: 81.

المؤمنين علیه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال علیه السلام : أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه. ثم أنطقه الله عزوجل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصي خاتم النبيين. قال علیه السلام: وعليك السلام یا حیدرة، ما تسبيك؟

قال: أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب عباده مني، سبحانه سبحانه. فمضى أمير المؤمنين علیه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين علیه السلام و قد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنى، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلى علیه السلام بنا العصر. فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت، فأذن علیه السلام و أقام و صلي المغرب ثم ركب و أقبل علي فقال: يا جويرية أقلت هذا ساحر مفتر؟ و قلت ما [لما] رأيت طلوع الشمس و غروبها: أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك ما رأيت من أمر الأسد و ما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز و جل يقول: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ»(1) یا جويرية، إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يوحى إليه، و كان رأسه صلی الله علیه و آله وسلم في حجري، فغربت الشمس و لم أكن صليت العصر، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: صليت العصر؟ قلت: لا. قال: اللهم إن علیا علیه السلام في طاعتك و حاجة نبيك، و دعا بالاسم الأعظم فردت إلى الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني صلی الله علیه و آله وسلم بأبي هو و أمي ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الآن به. یا جويرية، إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فإني قد دعوت الله عز و جل بنسخ ذلك من قلبك، فماذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي ذلك من قلبي. (2)

ص: 128


1- الأعراف: 180.
2- عدة الداعي: 97، عنه البحار: 80/ 324ح 25.

29 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن عبد الله بن مسكان، عن الحسن الزيات، قال: كان يجلس إلي رجل من أهل البصرة، فلم أزل به حتى دخل في هذا الأمر. قال: و كنت أصف له أبا جعفر علیه السلام، ثم إنا خرجنا إلى مكة، فلما قضينا النسك أخذنا إلى المدينة، فاستأذنا على أبي جعفر علیه السلام فأذن لنا، فدخلنا عليه علیه السلام في بيت منجدو عليه ملحفة وردية، و قد اختضب و اكتحل و حف لحيته.

فجعل صاحبي ينظر إليه و ينظر إلى البيت و يعرض على قلبه، فلما قمناقال علیه السلام : يا حسن، إذا كان غدا إن شاء الله فعد أنت و صاحبك إلي. فلما كان من الغد، قلت لصاحبي: اذهب بنا إلى أبي جعفر علیه السلام . فقال: اذهب و دعني.

قلت: سبحان الله ! أليس قد قال علیه السلام: عد أنت و صاحبك؟ قال: اذهب أنت و دعني. فو الله إن زلت به حتى أمضيت به، فدخلنا عليه فإذا هو علیه السلام في بيت ليس فيه إلا حصى، فبرز و عليه قميص غلیظ و هو شعث، فمال علينا فقال: دخلتم علي أمس في البيت الذي رأيتم و هو بيت المرأة، و ليس هو بيتي و كان أمس يومها، فتزينت و كان علي أن أتزين لها کما تزينت لي، و هذا بيتي، فلا يعرض في قلبك يا أخا البصرة. فقال: جعلت فداك، قد كان عرض، فأما الآن فقد أذهب الله به. (1)

27 -[ الشيخ في التهذيب]، عن علي بن الحسن بن فضال، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي، قال: قال علیه السلام : إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحداً فلا يدخلن في قلبك شيء، فإنه إنما يعمل بأمر الله. (2)

28 - [المعتزلي في شرح النهج]، روي أن مالك الأشتر قال -لماولى علي علیه السلام بني العباس على الحجاز و اليمن و العراق -: فلماذا قتلنا الشيخ بالأمس؟ وإن عليا علیه السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه و اعتذر إليه، و قال له: فهل ولیت حسنا أو حسينا علیهما السلام أو أحدا من ولد جعفر أخي، أو عقيلا أو أحدا من ولده؟ و إنما وليت ولد عمي العباس لأني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الإمارة مراراً فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يا عم، إن الإمارة إن طلبتها وكلت إليها، و إن طلبتك أعنت عليها. و رأيت بنيه في أيام عمر و عثمان يجدون في أنفسهم إن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء و لم يول أحد منهم،

ص: 129


1- مکارم الأخلاق: 80، عنه البحار: 101/73 ضمن ح9.
2- تهذیب الأحکام: 148/4 ح34.

فأحببت أن أصل رحمهم و أزيل ما كان في أنفسهم، و بعد فإن علمت أحدا هو خير منهم فأتني به. فخرج الأشتر و قد زال ما في نفسه.(1)

29 - [الصدوق في الأمالي] ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: كنت عند علي بن الحسين علیهما السلام فجاءه رجل من أصحابه، فقال له علي بن الحسين علیهما السلام :ماخبرك أيها الرجل؟ فقال الرجل: خبري يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أني أصبحت و على أربعمائة دينار دین لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به.

قال: فبكى علي بن الحسين علیهما السلام بكاء شديداً، فقلت له: ما يبكيك يا ابن رسول الله؟ فقال علیه السلام : و هل يعد البكاء إلا للمصائب و المحن الكبار؟ قالوا: كذلك يا ابن رسول الله . قال علیه السلام: فأية محنة و مصيبة أعظم على حر مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خله فلا يمكنه سدها، و يشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها.

قال: فتفرقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المخالفين - و هو يطعن على علي بن الحسين علیهما السلام -: عجبا لهؤلاء! يدعون مرة أن السماء و الأرض و كل شيء يطيعهم، و أن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواص إخوانهم ! فاتصل ذلك بالرجل صاحب القصة، فجاء إلى علي بن الحسين علیهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، بلغني عن فلان كذا و كذا، و كان ذلك أغلظ علي من محنتي. فقال علي بن الحسين علیهما السلام : فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة احملي سحوری و فطوري. فحملت فرصتين، فقال علي بن الحسين علیهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف عنك بهما و ينيلك خیرا واسعا منهما.

فأخذهما الرجل و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما، يتفكر في ثقل دینه و سوء حال عياله، و يوسوس إليه الشيطان: أين موقع هاتين من حاجتك؟ فمر بسماك قد بارت [أي کسدت] عليه سمكة قد أراحت، فقال له: سمكتك هذه بائرةعليك، و إحدى قرصتي هاتين بائرة علي، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة و تأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم. فأعطاه السمكة و أخذ القرصة، ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال: هل لك أن تعطيني ملك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم. ففعل، فجاء الرجل بالسمكة و الملح، فقال: أصلح هذه بهذا، فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين

ص: 130


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/ 99، عنه البحار: 176/42 ذیل ح 35

فاخرتين، فحمد الله عليهما. فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب، فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح قد جاءا، يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله، جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا، و ما نظنك إلا و قد تناهيت في سوء الحال و مرنت على الشقاء، قد رددنا إليك هذا الخبز و طيبنا لك ما أخذته منا.

فأخذ القرصتين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه، قرع بابه، فإذا رسول علي بن الحسين علیهما السلام فدخل فقال: إنه علیه السلام يقول لك: إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا. و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم، قضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله، فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت، بينا علي بن الحسين علیهما السلام لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم! كيف يكون هذا و كيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم؟

فقال علي بن الحسين علیهما السلام : هكذا قالت قریش للنبي صلی الله علیه و آله وسلم: كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة و يرجع إليها في ليلة واحدةمن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما و ذلك حين هاجر منها. ثم قال علي بن الحسين علیهما السلام : جهلوا و الله أمر الله و أمر أوليائه معه، إن المراتب الرفيعة لاتنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه، و ترك الإقتراح عليه، و الرضا بما يدبرهم به. إن أولياء الله صبروا على المحن و المكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عز و جل بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم.(1)

تتميم الباب: ما قاله الإمام علیه السلام عن نفسه تحرزاً من أن يقول الناس في أنفسهم طعناً فيه

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى جابر، عن أبي جعفر علیه السلام قال: خطب أمير المؤمنين علیه السلام الناس بصفين، فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، ثم قال: أما بعد - إلى أن قال علیه السلام :- و ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و جسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعاون على ما حمله الله عز و جل من حقه، و لا امرؤ مع ذلك

ص: 131


1- الأمالي للصدوق: 453 ح3، عنه البحار: 20/46 ح 1 بتفاوت مع النسخة المطبوعة، وأورده النيشابوري في روضة الواعظين: 196/1 مرسلا عن الزهري.

خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه، و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة، و كل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء.

فأجابه رجل من عسكره لا يدري من هو، و يقال إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على الله عز و جل بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقه علیه السلام، و الإقرار [له] بكل ما ذکر من تصرف الحالات به و بهم. ثم قال: أنت أميرنا و نحن رعيتك، بك أخرجنا الله عز و جل من الذل، و بإعزازك أطلق عباده من الغل، فاختر علينا فأمض اختيارك، و ائتمر فأمض ائتمارك. فإنك القائد المصدق، و الحاكم الموفق، و الملك المخول. لا نستحل في شيء معصيتك، و لا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، و يجل عنه في أنفسنا فضلك.

فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام [فقال]: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه، و جل موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعم الله عليه و لطف إحسانه إليه، فإنه لم تعظم نعم الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما. و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، و يوضع أمهم على الكبر. وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء، و لست بحمد الله كذلك، و لو كنت أحب أن يقال ذلك [لي] لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء، و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجمیل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها، و فرائض لا بد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحقظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى.

ص: 132

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال: أنت أهل ما قلت، و الله فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، و قد حملك الله تبارك و تعالى رعايتنا، و ولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، و إمامنا الذي نقتدي به، و أمرك كله رشد، و قولك كله أدب. قد قرت بك في الحياة أعيننا، و امتلات من سرور بك قلوبنا، و تحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، و لسنا نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك، و لا نجاوز القصد في الثناء عليك، ولن يكن في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك، فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك و تعالى تجبرا، أو دخلك كبر، و لكنا نقول لك ما قلنا تقرب إلى الله عز و جل بتوقيرك، و توسعا بتفضيلك، و شكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا و آثر أمر الله على نفسك و علينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.

فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام فقال: و أنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم، و عما قليل يجمعني و إياكم الموقف بين يديه، و السؤال عما كنافيه ، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن الله عز و جل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.. الخبر.(1)

الباب 5: حديث النفس بتساوي الحجج علیه السلامعلیه السلام مع سائر الخلق بالفضائل والصفات وإنکار فضائلهم وفضائل أوليائهم

1 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن محمد بن محمد الخزاعي رضی الله عنه، قال: حدثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي، عن أبيه قال: ورد على توقيع من الشيخ أبي جعفر، محمد ابن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداء لم يتقدمه سؤال: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ»، لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من استحل من مالنا درهما.» قال أبو الحسن الأسدي رضی الله عنه: فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل له، فقلت في نفسي: إن ذلك في كل من استحل محرما، فأي فضل في ذلك

ص: 133


1- الكاف: 8/ 352-359ح 550، عنه البحار: 36/ 183 - 188 مع تفاوت يسير، 74/ 355 - 365 ح32، ولاحظ خطبته علیه السلام أيضا في: 251/27 ، و 41/ 152 عن النهج، الخطبة: 216

للحجة علیه السلام على غيره؟ قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ» لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا در هما حراما) . قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي: أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذاالتوقيع حتى نظرنا إليه و قرأناه.(1)

2 - [المجلسي في البحار، عن الشافعي ابن المغازلي في كتابه] ، من نحو أكثر من ثلاثين طريقاً، قال بإسناده عن الزبير بن عدي، عن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم طير مشوي، فلما وضع بين يديه، قال صلی الله علیه و آله وسلم : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك حتى يأكل معي من هذا الطير.

قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار. قال: فجاء علي علیه السلام فقرع الباب قرعاً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال علیه السلام : علي. فقلت: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على حاجة. فانصرف علیه السلام. قال: فرجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يقول الثانية: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار.

قال: فجاء علي علیه السلام ، فقرع الباب، فقلت: ألم أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله على حاجة؟ فانصرف علیه السلام . فرجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يقول الثالثة: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير. قال: فجاء علي علیه السلام فضرب الباب ضربا شديدا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: افتح افتح افتح. قال: فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه آله قال: اللهم و إلي، اللهم و إلى، اللهم و إلي. قال: فجلس مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فأكل معه من الطير.

قال المجلسي قدس سره: و في بعض روایات ابن المغازلي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي علیه السلام: ما أبطأك ؟ قال علیه السلام : هذه ثالثة، و يردني أنس. قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أن يكون رجلا من الأنصار. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: يا أنس، أو في الأنصار خير من علي، أو في الأنصار أفضل من علي؟ (2)

ص: 134


1- کمال الدین: 2/ 522 ح 51، عنه البحار: 183/53 ح 12، و 93/ 185 ح3، وأورده في الخرائج عن الصدوق قدس سره: 3/ 1118، والإحتجاج: 2/ 480، والوسائل:541/9 ح 12671.
2- البحار:355/38 ذیل ح 8، وأورده ابن طاوس في الطرائف: 1/ 72 ح88. أقول: قال المجلسي قدس سره في المحل المذكور بعد ذكر جملة من الأخبار في قصة الطائر المشوي: أن هذا المعنى قد تكرر من النبي صلى الله عليه وآله في عدة أطیار وعدة مجالس، واستدل بأخبار عديدة. وقال ابن شهر آشوب قدس سره في المناقب: 2/ 282 وعنه في البحار: 351/38-352 ح4: روى حديث الطير جماعة، منهم : الترمذي في جامعه، و أبو نعيم في حلية الأولياء، و البلاذري في تاريخه، و الخركوشي في شرف المصطفی صلی الله علیه و آله وسلم ، و السمعاني في فضائل الصحابة، و الطبري في الولاية، و ابن البيع في الصحيح، و أبو يعلى في المسند، و أحمد في الفضائل، و النطنزي في الاختصاص، و قد رواه محمد بن إسحاق، و محمد ابن يحيى الأزدي، وسعید، و المازني، و ابن شاهين، و السدي، و أبو بكر البيهقي، و مالك، و إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، و عبد الملك بن عمير، و مسعر بن کدام، و داود بن علي بن عبد الله بن عباس، و أبو حاتم الرازي، بأسانيدهم عن أنس و ابن عباس و أم أيمن، و رواه ابن بطة في الإبانة من طريقين، و الخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق، و قد صنف أحمد بن محمد بن سعید کتاب الطير، و قال القاضي أحمد : قد صح عندي حديث الطير و ما لي لفظه، و قال أبو عبد الله البصري : إن طريقة أبي عبد الله الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضى القول بصحة هذا الخبر لإيراده علیه السلام يوم الشوری فلم ينكر، قال الشيخ : قد استدل به أمير المؤمنين علیه السلام على فضله في قصة الشورى بمحضر من أهلهافما كان فيهم إلا من عرفه و أقر به، و العلم بذلك كالعلم بالشوری نفسها فصار متواتراً و ليس في الأمة على اختلافها من دفع هذا الخبر. و حدثني أبو العزیز کادش العكبري، عن أبي طالب الحربي العشاري، عن ابن شاهين الواعظ في كتابه ما قرب سنده، قال : حدثنا نضر بن أبي القاسم الفرائضي قال : قال محمد بن عيسى الجوهري قال : قال نعیم بن سالم بن قنبر قال : قال أنس بن مالك الخبر، و قد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد، و قد رواه خمسة و ثلاثون رجلا من الصحابة عن أنس، و عشرة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقد صح أن الله تعالى و النبي يحبانه، و ماصح ذلك لغيره،فيجب الاقتداء به، و من عزا خبر الطائر إليه قصر الإمامة عليه. أقول: سوف يوافيك إن شاء الله حديث الطير في مجلس آخر كانت عائشة هي المانعة دون ورود أمير المؤمنين علیه السلام على النبي صلی الله علیه و آله وسلم، راجع باب: (حديث النفس بالإنكار على أهل الباطل) في فصل:(حديث النفس بالطاعة وبما ينبغي).

3 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، أنه أثنى على أمير المؤمنين علیه السلام رجل منهم، فقال علیه السلام : أنا دون ما تقول، و فوق ما تظن في نفسك. (1)

4 - [الرضي في نهج البلاغة]، قال (أمير المؤمنين علیه السلام ) لرجل أفرط في الثناء عليه، وكان له متهما: أنا دون ما تقول، و فوق ما في نفسك. (2)

5 - [الصدوق في إكمال الدين وعلل الشرائع]، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدس الله روحه - مع جماعة فيهم: علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل، فقال له: أريد أن أسألك عن شيء. فقال

ص: 135


1- المناقب: 2/ 269، عنه البحار: 41/ 327 ضمن ح47.
2- نهج البلاغة: 482، حكمة: 83، عنه البحار: 34/ 343 ضمن ح 1161، وأورده ابن أبي الحديد، عن سفيان الثوري عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: أثنى علی علي بن أبي طالب علیهما السلام في وجهه، وكنا يبغضه، قال علیه السلام : (أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك). شرح النهج: 104/4

اله: سل عما بدا لك.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي علیهما السلام ، أهو ولي الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قاتله، أهو عدو الله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم - قدس الله روحه -: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله عز و جل لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عز و جل بعث إليهم رسولا من أجناسهم و أصنافهم، بشراً مثلهم، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم، فلما جاء وهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه. فجعل الله عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار، فغرق جميع من طغی و تمرد، و منهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً و سلاماً، و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجرى في ضرعها لبنا، و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون، و جعل له العصا اليابسة ثعباناً ف« تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ»(1)، و منهم من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيا الموتى بإذن الله عز وجل، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، و منهم من انشق له القمر و کلمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك، فلما أتوا بمثل هذه المعجزات و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله عز و جل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين و في أخرى مغلوبين، و في حال قاهرين و في حال مقهورين، و لو جعلهم عز و جل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز و جل، و لما عرف فضل صبرهم على البلاء و المحن و الاختبار، و لكنه عز و جل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوی صابرین، و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاکرین، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين، و ليعلم العباد أن لهم علیهما السلام إلها هو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله، و تكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم و ادعى لهم الربوبية أو عاند و خالف و عصی و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و «

ص: 136


1- الأعراف: 117، والشعراء: 45.

»(1).

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح ۔ قدس الله روحه - من الغد، و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم، لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق (2) أحب إلي من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل و مسموع عن الحجة صلوات الله عليه.(3)

6 - [المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا]، قال: حكي عن رجل أسدي، قال: كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر - عسکر بني أمية -، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها، منها: أنه إذا هبت الرياح تمر على نفحات کنفحات المسك و العنبر، إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض و يرقي من الأرض إلى السماء مثلها، و أنا منفرد مع عيالي و لا أرى أحدا أسأله عن ذلك. و عند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة، فأوتي عنه إلى منزلي، فإذا أصبح و طلعت الشمس و ذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً.

فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج، قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم، و أرى منهم ما لم أره من سائر القتلى! فو الله هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلما صار عند غروب الشمس و إذا به أقبل فحققته، و إذا هو هائل المنظر، فارتعدت منه، و خطر ببالي: إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، و أنا أحاكي نفسي بهذا فمثلته و هو يتخطى القتلى، حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت، فبرك عليه. فقل: يأكل منه. و إذا به يمرغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم. فقلت: الله أكبر! ما هذه إلا أعجوبة. فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام، و إذا بشموع معلقة ملأت الأرض، و إذا ببكاء و نحيب و لطم مفجع، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض، ففهمت من ناع فيهم يقول: واحسیناه، وا إماماه. فاقشعر جلدي،

ص: 137


1- الأنفال: 42.
2- قال المجلسي قدس سره : بیان (فتخطفني) أي تأخذني بسرعة، و (السحيق) البعيد
3- علل الشرائع: 241/1 ح 1، کمال الدین: 507/2 ح3، الإحتجاج: 2/ 471، عنهم البحار: 44/ 273 ح 1، وأورده الشيخ في الغيبة: 323.

فقربت من الباكي و أقسمت عليه بالله و برسوله صلی الله علیه و آله وسلم من تكون؟

فقال: إنا نساء من الجن. فقلت: و ما شأنكن؟ فقلن: في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين علیه السلام الذبيح العطشان. فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا. قلن: هذا أبوه علي بن أبي طالب علیهما السلام ، فرجعت و دموعي تجري على خدي. (1)

7- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن سليمان بن خالد قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو يكتب كتباً إلى بغداد، و أنا أريد أن أودعه، فقال علیه السلام: تجيء إلى بغداد؟ قلت: بلى. قال علیه السلام: تعين مولاي هذا بدفع كتبه. ففکرت و أنا في صحن الدار أمشي، فقلت: هذا حجة الله على خلقه، يكتب إلى أبي أيوب الجزري و فلان و فلان يسألهم حوائجه! فلما صرنا إلى باب الدار، صاح علیه السلام بي: يا سلیمان ارجع أنت وحدك. فرجعت، فقال علیه السلام : كتبت إليهم لأخبرهم أني عبد ولي إليهم حاجة.(2)

8 -[ المجلسي في البحار، عن محمد بن المشهدي في المزار الكبير]، بإسناده عن سفيان الثوري، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد علیه السلام وهو بعرفة يقول: اللهم اجعل خطواتي هذه التي خطوتها في طاعتك كفارة لما خطوتها في معصيتك (و ساق الدعاء إلى قوله: ) و أنا ضيفك فاجعل قراي الجنة، و أطعمني عنباً و رطباً.

قال سفيان: فو الله لقد هممت أن أنزل و أشتري له تمراً و موزاً، و أقول له:هذا عوض العنب و الرطب، و إذا أنا بسلتين مملؤتين قد وضعتا بين يديه، إحداهما رطب و الأخرى عنب. (3)

9 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسی علیه السلام ، وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة، فإذا أنا بالرضا علیه السلام، فأضمرت في قلبي أمراً، فقلت: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ» الآية(4)، فمر علیه السلام كالبرق الخاطف علي، فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت:معذرة إلى الله و

ص: 138


1- البحار: 193/45 ضمن ح 36.
2- الخرائج: 2/ 638، عنه البحار: 47/ 107ح137.
3- البحار: 161/47ذیل ح227.
4- القمر: 24.

إليك. فقال علیه السلام : مغفور لك.(1)

10 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، قال عسکر مولى أبي جعفر علیه السلام: دخلت عليه، فقلت في نفسي: يا سبحان الله ! ما أشد سمرة مولاي و أضوأ جسده.

قال: فو الله ما استتمت الكلام في نفسي حتى تطاول و عرض جسده علیه السلام، و امتلا به الإيوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه علیه السلام و قد أظلم حتى صار كالليل المظلم، ثم ابيض علیه السلام حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج، ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر، ثم اخضر علیه السلام حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة، ثم تناقص علیه السلام جسمه حتى صار في صورته الأولة، و عاد لونه الأول و سقطت لوجهي مما رأيت. فصاح علیه السلام بي: يا عسکر، تشکون فننبئکم، و تضعفون فنقويكم، والله لأوصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا وارتضاه لنا وليا.(2)

11 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن قاسم بن عبد الرحمن وكان زیدیا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظرن إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: یا قاسم بن عبد الرحمن، «أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(3).

فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل علیه السلام إلى فقال: «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(4).

قال: فانصرفت و قلت بالإمامة، و شهدت أنه حجة الله على خلقه و اعتقدت. (5)

12 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أبي حمزة نصير الخادم، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام غير مرة يكلم غلمانه و غيرهم بلغاتهم، و فيهم روم و ترك وصقالبة، فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن و لا رآه أحد،

ص: 139


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 217ح27، عنه البحار: 49/ 38 ح 21، قال الصدوق قدس سره في ذيل الخبر: وحدثني غير واحد من المشايخ عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي بهذا الإسناد.
2- المناقب: 387/4 ح 35، عنه البحار: 55/50 ح35، وأورده الطبري في دلائل الإمامة: 214
3- القمر:24.
4- القمر:25.
5- کشف الغمة: 363/2 ، عنه البحار: 50/ 64 ضمن ح 44.

فكيف هذا؟ أحدث بهذا نفسي فأقبل علیه السلام ، و قال: إن الله بين حجته من بين سائر خلقه، و أعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات و الأنساب و الحوادث، و لولا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق.(1)

13 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن إسحاق عن أحمد بن محمد بن الأقرع، قال: حدثني أبو حمزة نصير الخادم قال: سمعت أبا محمد علیه السلام غیر مرة يكلم غلمانه بلغاتهم ترك و روم و صقالبة، فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة، و لم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن علیه السلام ، ولا رآه أحد، فكيف هذا؟ أحدث نفسي بذلك، فأقبل علیه السلام علي فقال: إن الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه بكل شيء، ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.)(2)

14- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات، قال: كنت أطوف بالكعبة، فرأيت أبا عبد الله علیه السلام ، فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع و الذي هو الإمام و هو كذا و كذا. قال: فما علمت به علیه السلام حتی ضرب يده على منکبي، ثم أقبل علي و قال: «أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(3)

الباب 6: حديث النفس بالغلو في الأئمة علیه السلامعلیه السلام أو بانهم أنبياء

اشارة

1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى الحسين بن بردة، عن أبي عبدالله علیه السلام، و عن جعفر بن بشير الخزاز، عن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: قال أبو عبدالله علیه السلام: يا إسماعيل، ضع لي في المتوضأ ماء. قال: فقمت فوضعت له. قال: فدخل. قال: فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا و كذا و يدخل المتوضأ[يتوضأ]. قال: فلم يلبث علیه السلام أن خرج،

ص: 140


1- الخرائج: 435/1، المناقب:428/4، عنهما البحار: 50/ 268 ح 28، وأورده في الكافي بإسناده : 509/1 (نحوه) وفيه بعد قوله علیه السلام: (بين حجته من سائر خلقه) قال علیه السلام: (من كل شيء)، الإرشاد: 2/ 330، إعلام الوری: 375، روضة الواعظين: 1/ 248.
2- الكافي: 509/1 ح 11، عنه إعلام الوری: 375، الخرائج: 1/ 435، الإرشاد: 2/ 330 - 331، عنهم البحار: 50/ 268ح28.
3- بصائر الدرجات: 241 ح 21، عنه البحار: 47/ 70 ح25، وأورده الطبري في الدلائل: 139،والراوندي في الحرائج: 2/ 734، والآية: القمر: 24 تحكي تكذيب قوم ثمود بالنذر

فقال: يا إسماعيل، لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم. اجعلونا مخلوقين، و قولوا فيناما شئتم فلن تبلغوا. فقال إسماعيل: و كنت أقول [فيه] إنه و أقول و أقول. (1)

2. [الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: كنا عند أبي عبد الله علیه السلام و أنا أقول في نفسي: ليس يدرون هؤلاء بين يدي من هم. قال: فأدناني علیه السلام حتى جلست بين يديه، ثم قال لي: يا هذا إن لي ربا أعبده ثلاث مرات.(2)

3- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام و عنده خلق، فقنعت رأسي فجلست في ناحية، و قلت في نفسي: ويحكم ما أغفلكم عند من تكلمون؟ عند رب العالمين. قال: فناداني علیه السلام : ويحك يا خالد، إني و الله عبد مخلوق، لي رب أعبده، إن لم أعبده و الله عذبني بالنار. فقلت: لا والله لا أقول فيك أبدا إلا قولك في نفسك .(3)

4- [علي بن عيسى في كشف الغمة، من كتاب الدلائل للحميري]، عن مالك الجهني، قال: كنا بالمدينة حين أجليت الشيعة و صاروا فرقا، فتنحينا عن المدينة ناحية، ثم خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم، و ما قالت الشيعة، إلى أن خطر ببالنا الربوبية، فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله علیه السلام واقف على حمار، فلم ندر من أين جاء، فقال علیه السلام : يا مالك و یا خالد، متي أحدثتما الكلام في الربوبية؟ فقلنا: ما خطر ببالنا إلا الساعة. فقال علیه السلام : اعلما أن لنا ربا يكلؤنا بالليل و النهار نعبده، يا مالك و یا خالد، قولوا فينا ما شئتم، واجعلونا مخلوقين. فكررها علينا مراراً وهو علیه السلام واقف على حماره.(4)

5 - [ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا علیه السلام، و البيت مملوء من الناس يسألونه، و هو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء، فترك علیه السلام الناس، ثم التفت إلى فقال: يا سلیمان، إن الأئمة علیهم السلام حلماء علماء، يحسبهم الجاهل أنبياء، و ليسوا أنبياء.(5)

ص: 141


1- بصائر الدرجات: 241 ح 22، 236 ح 5، عنه البحار: 25/ 279 ح 22، 68/47 ح 15 مع بعض التفاوت.
2- بصائر الدرجات: 241 ح 24، عنه البحار: 47/ 71 ح26
3- بصائر الدرجات: 241 - 242 ح 25، عنه البحار: 341/47 ح25.
4- کشف الغمة: 2/ 197، عنه البحار: 25/ 289 ح 45، 148/47 ضمن ح203.
5- المناقب: 4/ 334، عنه البحار: 57/49 ح73، وأورده الشيخ في الأمالي: 600 ح1244

- [علي بن عيسى في كشف الغمة، من کتاب الدلائل للحميري]، عن أيوب قال: قال فتح بن یزید الجرجاني: ضمني و أبا الحسن علیه السلام الطريق منصرفي من مكة إلى خراسان وهو صائر إلى العراق، فسمعته و هو يقول: من اتقى الله يتقی، و من أطاع الله یطاع.

قال: فتلطفت في الوصول إليه علیه السلام، فسلمت عليه، فرد علي السلام، و أمرني بالجلوس، و أول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح، من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق. و إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، و أنى يوصف الخالق الذي يعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال: (كيف؟)، و این الأين فلا يقال: (أين؟)، إذ هو منقطع الكيفية و الأينية، هو الواحد «الصَّمَدُ لَم یَلِدَ وَلَم یُولَد وَلَم یَکُن لهُ کُفُواً احَد » ، فجل جلاله. بل كيف يوصف بکنهه محمد صلی الله علیه و آله وسلم و قد قرنه الجليل باسمه و شركه في عطائه و أوجب لمن أطاعه جزاء

طاعته، إذ يقول: «وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِ»(1)و قال يحكي قول من ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: «يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ»(2) ، أم كيف يوصف بکنهه من رن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم، حيث قال: «أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ اِطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ اُولِي اَلاَمْرِ مِنْكُمْ» ، و قال:«وَ لوردوه اليّ الرَّسُولُ و اِليُّ اولِي اَلاَمْرِ مِنْهُمْ» ، و قال:«إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمَانَاتُ إِلَى أَهْلِهَا»و قال: «فَسَالُوا اَهْلَ اَلذِّكْرِ اَنْ كُنْتُمْ لَا تَعلَمُونَ» . يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و الخليل و ولد البتول علیهما السلام ، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا. فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصينا أكرم الأوصياء، و اسمهما أفضل الأسماء، و کنیتهما أفضل الكنى و أحلاها. لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، ولولم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد. أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما و أنداهم كفا و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الأمر و سلم إليهم، أماتك الله مماتهم و أحيا حياتهم إذا شئت رحمك الله .

ص: 142


1- التوبة: 74.
2- الأحزاب: 66.

قال فتح: فخرجت، فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه صلی الله علیه و آله وسلم، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: يا ابن رسول الله، أتأذن في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟

قال علیه السلام : سل و إن شرحتها فلي و إن أمسكتها فلي، فصحح نظرك و تثبت في مسألتك و أصغ إلى جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعنيت و اعتن بما تعتني به، فإن العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش. و أما الذي اختلج في صدرك، فإن شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً «إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ » (1) فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، و كل ما اطلع عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فقد اطلع أوصياؤه علیهم السلام عليه، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته و جواز عدالته. یا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك و شكك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب. معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد أبو الحسن علیه السلام وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخراً خاضعاً. قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال علیه السلام :یا فتح، کد أن تهلك و تهلك، وما ضر عیسی علیه السلام إذا هلك من هلك. انصرف إذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما کشف الله عني من اللبس بأنهم هم، و حمدت الله على ما قدرت عليه. فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا، إذ كان ذلك آفة، و الإمام غير ذي آفة. فقال علیه السلام: اجلس یا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون «يَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ»(2)، وكل جسم مغذو هذا إلا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم يجزأ بتناه ولم يتزاید و لم يتناقص، مبرأ من ذاته ما رکب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد«لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ » ، منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، وهو السميع العليم اللطيف الخبير

ص: 143


1- الجن: 26/27.
2- الفرقان: 20.

الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيراً، لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربرب و لا الخالق من المخلوق و لا المنشئ من المنشأ لكنه فرق بينه و بين من جسمه و شيأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى و لا يشبه شيئا. (1)

تتميم الباب: حديث النفس أنه يغالي فيما ليس بغلو

1- [الصدوق في فضائل الشيعة]، عن محمد بن موسی بن المتوكل، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال مالك: بينما أنا عنده علیه السلام ذات يوم جالس و أنا أحدث نفسي بشيء من فضلهم، فقال لي: أنتم و الله شيعتنا، لا تظنن أنك مفرط في أمرنا. يا مالك، إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، و کمالا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فكذلك لا يقدر على صفتنا، و كما لا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن.

يا مالك، إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما و الذنوب تتحات عن وجوههما حتى يتفرقا، و إنه لن يقدر على صفة من هو هكذا. و قال: إن أبي علیه السلام كان يقول: لن تطعم النار من يصف هذا الأمر.(2)

2 - [الإربلي في كشف الغمة من كتاب الدلائل]، عن مالك الجهني، قال: إني يوما عند أبي عبد الله علیه السلام و أنا أحدث نفسي بفضل الأئمة من أهل البيت علیهم السلام إذ أقبل علي أبو عبد الله علیه السلام فقال: يا مالك، أنتم و الله شیعتنا حقا، لا ترى أنك أفرطت في القول في فضلنا، یا مالك إنه ليس يقدر على صفة الله و کنه قدرته و عظمته و لله المثل الأعلى، و كذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن و يقوم به کما أوجب الله له على أخيه المؤمن، يا مالك إن المؤمنين ليلتقيان فيصافح كل واحد منهما صاحبه فلا يزال الله ناظراً إليهما بالمحبة و المغفرة، و إن الذنوب لتتحات عن وجوههما حتى يفترقا، فمن يقدر على صفة من هو هكذا عند الله ؟(3)

ص: 144


1- کشف الغمة: 2/ 386- 388، عنه البحار: 50/ 177 - 180 ح56، 366/75 - 368 ح 2.
2- فضائل الشيعة: 38 ح 37، البحار: 69/65 ح124 مع التفاوت، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب المؤمن: 30 ح 56.
3- کشف الغمة: 2/ 192، عنه البحار: 145/47 ضمن ح199، 41/73 ح 42.

الباب 7: حديث النفس بالإنحراف عن الإمام علیه السلام وعدم اتباعه وإنكار الإمامة

1- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات، قال: كنت أطوف بالكعبة، فرأيت أبا عبد الله علیه السلام ، فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع و الذي هو الإمام و هو كذا و كذا، قال: فما علمت به علیه السلام حتى ضرب يده على منكبي ثم أقبل علي و قال: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(1)

2 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن يعقوب بن یزید، بإسناده إلى هشام بن سالم، قال: لما دخلت إلى عبد الله بن أبي عبد الله، فسألته فلم أر عنده شيئا فدخلني من ذلك ما الله به عليم، وخفت أن لا يكون أبوعبدالله علیه السلام ترك خلفا. فأتيت قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فجلست عند رأسه أدعو الله و أستغيث به، ثم فكرت، فقلت: أصبر على الزنادقة، ثم فكرت فيما يدخل عليهم، و رأي قولهم يفسد، ثم قلت: لا، بل قول الخوارج فأمر بالمعروف و أنهی عن المنكر و أضرب بسيفي حتى أموت، ثم فكرت في قولهم و ما يدخل عليهم، فوجدته يفسد. ثم قلت: إلى المرجئة، ثم فكرت فيما يدخل عليهم فإذا قولهم يفسد. فبينا أنا أفكر في نفسي و أمشي إذا مر بعض موالي أبي عبد الله علیه السلام ، فقال لي: يجب أن أستأذن لك على أبي الحسن علیه السلام . فقلت: نعم. فذهب فلم يلبث أن عاد إلى فقال: قم و ادخل عليه.

فلما نظر إلى أبو الحسن علیه السلام فقال لي مبتدئا: یا هشام، لا إلى الزنادقة، ولا إلى الخوارج، ولا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، و لكن إلينا. قلت: أنت صاحبي. ثم سألته فأجابني عما أردت. (2)

ص: 145


1- بصائر الدرجات: 241 ح 21، عنه البحار: 70/47 ح 25، وأورده الطبري في دلائل الإمامة: 139، والراوندي في الخرائج: 2/ 734 ، والآية: القمر: 24.
2- بصائر الدرجات: 251 - 252 ح 4، عنه البحار: 51/48-52 ح 47، أقول: و في بصائر الدرجات عن هشام بن سالم قال : (دخلت على عبد الله بن جعفر، و أبو الحسن علیه السلام في المجلس قدامه مرآة و آلتها مردی بالرداء موزرا، فأقبلت على عبد الله فلم أسأله حتى جرى ذكر الزكاة فسألته، قال : تسألني عن الزكاة، من كانت عنده أربعون درهما ففيها درهم. قال : فاستشعرته و تعجبت منه، فقلت له : أصلحك الله، قد عرفت مودتي لأبيك علیه السلام و انقطاعي إليه و قد سمعت منه كتباً، أفتحب أن آتيك بها؟ قال : نعم بنو أخ ائتنا. فقمت مستغيثا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فأتيت القبر فقلت : يا رسول الله ، إلى من؟ إلى القدرية؟ إلى الحرورية؟ إلى المرجئة؟ إلى الزيدية ؟ قال : فإني كذلك إذ أتاني غلام صغير دون الخمس فجذب ثوبي فقال لي : أجب. قلت : من؟ قال : قال : سيدي موسی بن جعفر علیه السلام . فدخلت إلى صحن الدار فإذا هو علیه السلام في بيت و عليه كلة فقال علیه السلام: ياهشام، قلت : لبيك. فقال لي : لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، و لكن إلينا. ثم دخلت عليه.) بصائر الدرجات: 250 - 251 ح 1، عنه البحار: 250/47ح20، 50/48-51 ح44.

3 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟

فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام وهو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.(1)

4 - [المعتزلي في شرح النهج]، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر إلى الشام، فانفرد يوما يسير على بعير فاتبعته، فقال لي: يا ابن عباس، أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل، و لا أزال أراه واجداً، فيما تظن موجدته؟

قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك، إنه يزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد الأمر له. فقال: يا ابن عباس، و أراد رسول الله صلى الله عليه [و آله ] الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أمرا و أراد الله غيره، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسول الله . أو كلما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان؟ إنه أراد إسلام عمه و لم يرده الله تعالى فلم يسلم.

قال: و قد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، و هو قوله: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفا من الفتنة و انتشار أمر الإسلام، فعلم رسول

ص: 146


1- المناقب: 4/ 413، عنه البحار: 173/50 ذیل ح53، 117/77 ح 5.

الله صلی الله علیه و آله وسلم ما في نفسي و أمسك، و أبي الله إلا إمضاء ما حتم. (1)

5 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد، قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذا أتاه ابن عباس بعد القتال، فقال: إن لي حاجة. فقال علیه السلام : ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم. قال: نعم، أريد أن تؤمنه. قال علیه السلام : آمنته، و لكن اذهب و جئني به، و لا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.

قال أمير المؤمنين علیه السلام : أتبايع؟ قال: نعم و في النفس ما فيها. قال علیه السلام : الله أعلم بما في القلوب. فلما بسط يده ليبايعه أخذ علیه السلام كفه عن كف مروان فنترها، فقال: لا حاجة لي فيها، إنها كف يهودية، لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته. ثم قال: هيه يا ابن الحكم، خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة، كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الأمة خسفا و يسقونه كأسا مصبرة.(2)

6 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسی علیه السلام وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة فإذا أنا بالرضا علیه السلام ، فأضمرت في قلبي أمراً فقلت: « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ»الآية(3) ، فمر علیه السلام كالبرق الخاطف علي فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت: معذرة إلى الله و إليك. فقال علیه السلام : مغفور لك.(4)

7 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح]، مرسلا عن یحیی بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل قال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها و اخرجوا إلى طريق البادية إلى المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام إلى عندي مكرما معظما مبجلا.

قال: ففعلت، و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة، و كان لي كاتب يتشیع و أنا على مذهب الحشوية (5) و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى

ص: 147


1- شرح نهج البلاغة: 12/ 78، عنه البحار: 30/ 554 ، 638/29 .
2- الخرائج: 197/1 ، عنه البحار: 32/ 229 ح 181، 298/41 ح 26 مع بعض التفاوت.
3- القمر: 24.
4- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 217ح27، عنه البحار: 38/49ح 21.
5- قال في الإرشاد: 2/ 23: وأما الحشوية فإنها تدين بإمامة بني أمية، ولا ترى لولد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إمامة على حال. عنه البحار:165/44

مناظرتهما لقطع الطريق. فلا صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلا و هي قبر أو سيكون قبرا؟ فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا کما یزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: هذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين يموت في هذه التربة العظيمة حتى يمتلئ قبوراً؟ و تضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا. قال: و سرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكل فقال علیه السلام : انزلوا و ليس من جهتي خلاف. قال فلما صرت إليه من الغد، و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه، ثم قال علیه السلام للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمد على الفراغ منها يومك هذا، و بکر بها إلي في هذا الوقت. ثم نظر علیه السلام إلي و قال: يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمد على الرحيل غدا في هذا الوقت.

قال: فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الحفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز و حر الحجاز، و إنما بیننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟ ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، فقال علیه السلام لغلمانه: ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس، ثم قال علیه السلام : ارحل يا يحیي.

فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأول! أخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس؟ فخرجت و أنا أستصغر فهمه، فعبرنا حتى إذا وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور، ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور، و قد شد علیه السلام على نفسه و على غلمانه الخفاتین و لبسوا اللبابيد و البرانس. قال علیه السلام لغلمانه: ادفعوا إلى يحیی لبادة و إلى الكاتب برنسا. و تجمعنا و البرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت، و رجع الحركما كان.

فقال علیه السلام: يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،

ص: 148

فهكذا يملا الله البرية قبوراً. قال: فرميت نفسي عن دابتي و عدوت إليه، و قبلت ركابه و رجله و قلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، و قد كنت كافراً و إنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي. قال يحيى: و تشیعت و لزمت خدمته إلى أن مضى.(1)

8 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن غلال بن أحمد عن أبي الرجاء المصري، - و كان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد علیه السلام ، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين. فسمعت صوتا و لم أر شخصا: یا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فآمنتم به؟ قال أبو رجاء: لم أعلم أن اسم أبي (عبد ربه)، و ذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها، فلما سمعت الصوت لم أعرج على شيء و خرجت.(2)

أقول، ويناسب الباب أيضا:

9 -[ الشيخ في الأمالي] ، عن المفيد، بإسناده إلى جابر الأنصاري، قال: خطبنا النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال في خطبته: من آمن بي و صدقني فليتول عليا علیه السلام بعدي، فإن ولايته ولايتي و ولايتي ولاية الله. أمر عهده إلي ربي و أمرني أن أبلغكموه، ألا هل بلغت؟

فقالوا: نشهد أنك قد بلغت. قال صلی الله علیه و آله وسلم : أما إنكم تقولون: (نشهد أنك قد بلغت) و إن منكم لمن ينازعه حقه و يحمل الناس على كتفه.

قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليك - سمهم لنا. قال صلی الله علیه و آله وسلم : أمرت بالإعراض عنهم، و

ص: 149


1- الخرائج والجرائح: 393/1-396 ، عنه البحار: 50/ 142 - 144 ح 27، وأورده في كشف الغمة:390/2-392.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 699، عنه البحار: 295/51 ح10، وأورده علي بن يونس في الصراط المستقيم: 2/ 213ح18، وذكره الصدوق قدس سره أيضا في كمال الدین مسندا إلى أبي رجاء هكذا: (خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد علیه السلام بسنتين لم أقف فيهما على شيء، فلما كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لأبي محمد علیه السلام بصرياء، وقد سألني أبو غانم أن أتعشى عنده وأنا قاعد مفكر في نفسي وأقول: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول: يا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: آمنتم برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حيث رأيتموه؟ قال نصر: ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني النوفلي وقد مات أبي، فنشأت بها. فلما سمعت الصوت قمت مبادرا ولم أنصرف إلى أبي غانم، وأخذت طريق مصر.) کمال الدین: 491/2 ، عنه البحار: 51/ 330 ح 54.

كفى بالمرء منكم ما يجد لعلي في نفسه. (1)

10 - [علي بن عيسى في كشف الغمة]، و من مناقب أحمد بن مردویه، عن ابن أبي اليسر الأنصاري [عن ]أبيه قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة، قال: فقالت: من قتل الخارجية؟ قال: قلت: قتلهم علي. قالت: ما يمنعني الذي في نفسي على علي أن أقول الحق، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: يقتلهم خير أمتي من بعدي. و سمعته صلی الله علیه و آله وسلم يقول: علي علیه السلام مع الحق، والحق مع علي.(2)

11 - [ابن نما في مثير الأحزان]، قال: رویت بإسنادي أنه - أي الحر الرياحي رضی الله عنه - قال للحسين علیه السلام : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنودیت من خلفي: أبشر يا حر بخير. فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: و الله ما هذه بشارة و أنا أسير إلى الحسين علیه السلام و ما أحدث نفسي باتباعك. فقال علیه السلام: لقد أصبت أجرا و خيرا.(3)

الباب 8: حديث النفس بعدم علم الإمام

1-[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى سماعة بن مهران، قال: أخبرني الكلبي النسابة (في خبر ذهابه إلى عبد الله بن الحسن ثم مجئيه إلى الإمام الصادق علیه السلام في خبر طويل، إلى أن قال: ).. فقرعت الباب، فخرج غلام له، فقال: ادخل يا أخا كلب. فو الله لقد أدهشني. فدخلت و أنا مضطرب، و نظرت فإذا شيخ على مصلی بلا مرفقة ولا بردعة، فابتدأني علیه السلام بعد أن سلمت عليه، فقال لي: من أنت؟

فقلت في نفسي: يا سبحان الله، غلامه يقول لي بالباب: (ادخل يا أخا کلب) و يسألني المولى: (من أنت؟) فقلت له: أنا الكلبي النسابة. فضرب علیه السلام بيده على جبهته وقال: كذب العادلون بالله و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا. يا أخا كلب، إن الله عز

ص: 150


1- الأمالي: 418 ح60، عنه البحار: 38/ 118 ح60.
2- کشف الغمة: 1/ 158، عنه البحار: 33/ 331 ح577، وفي 33/ 340 عن مسروق، أن عائشة قالت له - لما عرفت أن عليا علیه السلام قتل ذا الثدية - : لعن الله عمرو بن العاص، فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالإسكندرية، إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: (يقتله خير أمتي من بعدي).
3- مثير الأحزان: 59، عنه البحار: 15/45

و جل يقول: «وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا» (1)، أفتنسبها أنت؟ فقلت: لا، جعلت فداك. فقال لي: أفتنسب نفسك؟ قلت: نعم، أنا فلان بن فلان بن فلان، حتى ارتفعت. فقال لي: قف، ليس حيث تذهب. ويحك أتدري من فلان بن فلان؟ قلت:نعم، فلان بن فلان. قال: إن فلان بن فلان ابن فلان الراعي الكردي، إنما كان فلان الراعي الكردي على جبل آل فلان، فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الذي كان يرعى غنمه عليه، فأطعمها شيئا و غشيها فولدت فلانا، و فلان بن فلان من فلانة و فلان بن فلان. ثم قال: أتعرف هذه الأسامي؟ قلت: لا و الله، جعلت فداك، فإن رأيت أن تكف عن هذا فعلت. فقال علیه السلام: إنما قلت فقلت. فقلت: إني لا أعود. قال علیه السلام: لا نعود إذا، و اسأل عما جئت له..الخبر.(2)

2 - [محمد بن يعقوب في الكافي] سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح علیه السلام ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شیعته؟

فالتفت علیه السلام إلى شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، قد كان رشید الهجري يعلم علم المنايا و البلايا، و الإمام أولى بعلم ذلك. ثم قال علیه السلام : يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، و إنك تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك؟ فقلت: فإني أستغفر الله بها عرض في صدري. فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيراً حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.(3)

أقول، ويناسب الباب أيضا:

3- [الصدوق في الأمالي وعيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عبد الله بن سنان، عن الفضيل، قال: انتهيت إلى زيد بن علي علیه السلام صبيحة خرج بالكوفة، فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمدا بالحق بشيرا لا يعينني منكم على قتالهم

ص: 151


1- الفرقان: 38.
2- الكافي: 348/1-349 ح 6، عنه البحار: 228/47 ح 19.
3- الكافي: 1/ 484 ح7، عنه البحار:68/48 ح91، ونحوه منه في بصائر الدرجات: 264 ح 9 إلى قوله : (والإمام أولى بذلك) ، عنه البحار: 123/42ح4، 54/48 ح53، وأورده أيضا في دلائل الإمامة: 160، وكشف الغمة: 2/ 242.

أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.

قال: فلما قتل اكتریت راحلة و توجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر ابن محمد علیهما السلام ، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زید بن علي فيجزع عليه. فلما دخلت، قال علیه السلام لي: يا فضيل، ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة. فقال لي: قتلوه؟ قلت: إي و الله قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي و الله صلبوه. فأقبل علیه السلام يبكي و دموعه تنحدر على دیباجتي خده كأنها الجمان، ثم قال: يا فضيل، شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال فلعلك شاك في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكا ما قتلتهم. قال: فسمعته و هو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضي و الله زيد عمي و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب علیهما السلام و أصحابه .(1)

الباب 9: حديث النفس بتضييع الإمام علیه السلام للحقوق

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجال و عمرو بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة، عن المطرفي قال: مضى أبو الحسن الرضا علیه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي: ذهب مالي. فأرسل إلى أبو جعفر علیه السلام : إذا كان غدا فأتني، و ليكن معك میزان و أوزان. فدخلت على أبي جعفر علیه السلام، فقال لي: مضى أبو الحسن علیه السلام و لك عليه أربعة آلاف درهم. فقلت: نعم. فرفع علیه السلام المصلي الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها إلى.(2)

الباب 10: حديث النفس بمحاولة إرشاد الإمام علیه السلام ووعظه أو بإتحافه بآلات اللعب

ا- [محمد بن یعقوب في الكافي]، عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين علیهما السلام يدع خلفاً أفضل منه

ص: 152


1- الأمالي: 349 ح 1، عيون الأخبار: 252/1 ح7، عنهما البحار: 46/ 171 ح20.
2- الكافي: 1/ 497 ح 11.

حتى رأيت ابنه محمد بن علي علیهما السلام فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟

قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي علیهما السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله ! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟! أما لأعظنه.

فدنوت منه علیه السلام الا فسلمت عليه، فرد علي السلام بنهر وهو يتصاب عرقاً. فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أرأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما کنت تصنع؟ فقال علیه السلام: لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال، جاءني و أنا في [طاعة من] طاعة الله عز و جل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، و إنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي الله. فقلت: صدقت يرحمك الله، أرد أن أعظك فوعظتني. (1)

2- [الطبري في دلائل الإمامة]، علي بن حسان الواسطي - المعروف بالعمش -، قال: حملت معي إليه - أي إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام - من الآلة التي للصبيان، بعضا من فضة، و قلت: أتحف مولاي أبا جعفر علیه السلام بها، فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم، قام فمضى إلى صریا و اتبعته، فلقیت موفقا، فقلت: استأذن لي على أبي جعفر علیه السلام . فدخلت و سلمت، فرد علي السلام و في وجهه الكراهة و لم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه و فرغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر إلي نظر مغضب، ثم رمي يمينا و شمالآ ثم قال: مالهذا خلقني الله، ما أنا و اللعب. فاستعفيته فعفا عني، فخرجت. (2)

ص: 153


1- الكافي: 5/ 73 ح 1، عنه البحار: 46/ 350 ح4، الإرشاد: 161/2، عنه البحار: 100/ 8 ح34 ،287/46 ح5، وأورده الشيخ في التهذيب عن الكليني: 6/ 325 ح 15.
2- دلائل الإمامة: 212، عنه البحار: 50/ 58 ضمن ح38.

الباب 11: حديث النفس بعدم مواساة الإمام علیه السلام للإخوان

1- [الشيخ في الغيبة] ، عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة کامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد علیه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و علیه السلامنهانا عن لبس مثله!

فقال علیه السلام متبسما: یا كامل، و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده علیه السلام ، فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لی: يا کامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت: يا سيدي، و من هم؟

قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ» (1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلى أبومحمد علیه السلام متبسما فقال: يا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجه من بعدي. فقمت و خرجت ولم أعاینه بعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به.(2)

ص: 154


1- الإنسان: 30، التکویر: 29.
2- الغيبة: 246، عنه البحار: 336/25 ح16 ، و50/52 ولاحظ بعض فقراته في: 253/50 ح 35 ، 117/65 ح5، 163/69 ح20، 302/76 ح 12 وأورده في دلائل الإمامة: 273 باب معرفة من شاهده عج في حياة أبيه، والوسائل: 21/5 ح 5779.

الباب 12: حديث النفس بالإمتنان على الإمام علیه السلام بالعطاء أو غيرالعطاء

1 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن بعض أصحابنا، قال: حملت مالا لأبي عبد الله علیه السلام فاستكثرته في نفسي، فلما دخلت عليه علیه السلام دعا بغلام، و إذا طشت في آخر الدار، فأمره أن يأتي به. ثم تكلم علیه السلام بكلام لما أتي بالطشت فانحدرت الدنانير من الطشت حتی حالت بيني و بين الغلام. ثم التفت علیه السلام إلي و قال: أترى نحتاج إلى ما في أيديكم؟ إنما نأخذ منكم ما نأخذ لنطهركم.(1)

الباب 13: حديث النفس بنوم الإمام علیه السلام في السجود ونحوه

* الباب 13: حديث النفس بنوم الإمام علیه السلام في السجود ونحوه(2)

1-[ المجلسي في البحار، من الكتاب العتيق]، الشعبي، عن عدي بن حاتم، أنه رأی أمير المؤمنين علیه السلام صلى ركعتين أوجزهما و أكملهما، ثم سلم ثم سجد سجدة أطالها، قال:

ص: 155


1- الخرائج: 2/ 613، عنه البحار: 101/47ح 122.
2- أقول: أكدت الأحاديث عنهم علیهم السلام أنهم تنام عيونهم بينما تبقى قلوبهم يقضة منتبهة، بل عد ذلك من علامات الإمام علیه السلام. فعن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسی الرضا علیهما السلام ، قال : (للإمام علامات : يكون أعل العصمة، و النصوص، و أن يكون أعلم الناس، و أتقاهم الله، و أعلمهم بكتاب الله، و أن يكون صاحب الوصية الظاهرة، و يكون له المعجز و الدليل، و تنام عينه و لا ينام قلبه، و لا يكون له فيء، ويرى من خلفه کمایری من بين يديه). وعن ابن أبي عمير، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : (للإمام عشر علامات : يولد مطهرا مختونا، و إذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين، ولا يجنب، و تنام عيناه و لا ینام قلبه، و لا يتثاءب، و لا يتمطى، و يرى من خلفه كما يرى من أمامه، و نجوه كرائحة المسك، و الأرض موكلة بستره و ابتلاعه، و إذا لبس درع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كانت عليه وفقا، و إذا لبسها غيره من الناس طويلهم و قصيرهم زادت عليه شبرا، و هو محدث إلى أن تنقضي أيامه).

فقلت في نفسي: نام و الله . فرفع علي رأسه ثم قال:

لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيانا و صدقة، لا إله إلا الله تعبدا و رقا، یا معز المؤمنين بسلطانه، یا مذل الجبارين بعظمته، أنت کهفي حين تعيني المذاهب عند حلول النوائب فتضيق على الأرض بر حبها، أنت خلقتني يا سيدي رحمة منك لي، و لولا رحمتك لكن من الهالكين، و أنت مؤيدي بالنصر على أعدائي، و لولا نصك لكن من المغلوبين، یا منشئ البركات من مواضعها، و مرسل الرحمة من معادنها، فيا من ض نفسه بالعز و الرفعة، فأولياؤه بعره يعتزون، و یا من وضع له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطوتهخائفون، أسألك بكبريائك التي شققتها من عظمتك، و بعظمتك التي استويت بها على عرشك و علوت بها في خلقك، فكلهم خاضع ذليل لعزتك، صل على محمد و آل محمد و افعل بي أولى الأمرين بك، تباركت يا أرحم الراحمين.

قال عدي بن حاتم الطائي: ثم التفت إلى أمير المؤمنين علي بكله، فقال: ياعدي، أسمعت ما قلت أنا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما دعا به مکروب و لا تؤل به إلى الله محروب و لا مسلوب إلا نفس الله خناقه و حل وثاقه و فرج همه و علیه السلامر غمه، و حقيق على من بلغه أن يتحقظه. قال عدي: فيا ترك الدعاء منذ سمعته من أمير المؤمنين ان حتى الآن. (1)

ص: 156


1- بحار الأنوار ج 83 ص 225 ح 45، أقول: وروى السيد في الإقبال عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال : دخل عدي بن ثابت الأنصاري على أمير المؤمنين علیه السلام في يوم النصف من رجب و هو يصلي، فلما سمع حسه أومی بيده إلى خلفه أن قف. قال عدي : فوقفت فصلى أربع ركعات لم نر أحدأ صلاها قبله ولا بعده، فلما سلم علیه السلام ، بسط يده و قال : (اللهم يا مذل كل جبار و یا معز المؤمنين، أنت کهفي حين تعييني المذاهب و أنت بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيا و لولا رحمتك لكنت من الهالكين، و أنت مؤيدي بالنصر على أعدائي و لولا نصرك إياي لکنت من المفضوحين. يا مرسل الرحمة من معادنها و منشئ البركة من مواضعها، یا من خص نفسه بالشموخ و الرفعة فأولياؤه بعزه يتعززون، ويا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم [أعناقها] فهم من سطواته خائفون، أسألك بكينونتك التي اشتققتها من كبريائك، و أسألك بكبريائك التي اشتققتها من عزتك، و أسألك بعزتك التي استويت بها على عرشك، فخلقت بها جميع خلقك فهم لك مذعنون، أن تصلي على محمد و أهل بيته.) قال : ثم تكلم علیه السلام بشيء خفي عني، ثم التفت إلي فقال : يا عدي أسمعت؟ قلت : نعم. قال : أحفظت؟ قلت : نعم. قال : ويحك احفظه و أعربه، فو الذي فلق الحب و نصب الكعبة و برا النسمة ما هو عند أحد من أهل الأرض، ولا دعا به مکروب إلا نفس الله كربته. إقبال الأعمال: 658

2 -[ الصدوق في الأمالي]، بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقل القوم مالا و أكثرهم ورعا، و أشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام .

قال: فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت و ليقل کل قوم منكم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب علیهما السلام بشويحطات النجار، و قد اعتزل عن مواليه و اختفى ممن يليه و استتر بمغيلات النخل، فافتقدته و بعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي، و هو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك.

فشغلني الصوت و اقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب علیهما السلام بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع علیهما السلام ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء و البكاء و البث و الشكوى، فكان مما به الله ناجاه أن قال: إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال علیه السلام : آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبیلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء. ثم قال علیه السلام : آه من نار تنضج الأكباد و الكلى،آه من نار نزاعة للشوی، آه من غمرة من ملهبات لظى.

قال: ثم أنعم علیه السلام في البكاء، فلم أسمع له حسا و لا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك و زويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، مات و الله علي بن أبي طالب علیهما السلام !. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة علیهما السلام: يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه و من قصته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي و الله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله. ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق و نظر إلي و أنا أبكي فقال: مما بکاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء، فكيف ولو

ص: 157

رأيتني و دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوشتني ملائكه غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمني الأحباء و رحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية.

فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.(1)

الباب 14: حديث النفس بموت الإمام علیه السلام

1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان، عن سماعة، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام و أنا أحدث نفسي، فرآني فقال: ما لك تحدث نفسك؟تشتهي أن ترى أبا جعفر؟ قلت: نعم. قال علیه السلام: قم، فادخل البيت. فدخلت فإذا هو أبو جعفر علیه السلام.

و قال: أتي قوم من الشيعة الحسن بن علي علیه السلام بعد قتل أمير المؤمنين علیه السلام ، فسألوه، فقال: تعرفون أمير المؤمنين إذا رأيتموه؟ قالوا: نعم. قال: فارفعوا الستر. فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين علیه السلام لا ينكرونه. و قال أمير المؤمنين علیه السلام : يموت من مات منا و ليس بميت، ويبقى من بقي ما حجة عليكم.(2)

2 - [الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: کنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو وجع فولاني علیه السلام ظهره و وجهه إلى الحائط، فقلت في نفسي: ما أدري ما يصيبه علیه السلام في مرضه و ما سألته عن الإمام بعده، فأنا أفكر في ذلك إذ حول علیه السلام وجهه إلى فقال: إن الأمر ليس كما تظن، ليس على من وجعي هذا بأس.(3)

3 -[ الصدوق في الأمالي]، بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال:

ص: 158


1- الأمالي: 77 ح9، عنه البحار: 11/41- 12ح1، 194/48 ح 2.
2- بصائر الدرجات: 274 ح4، عنه البحار: 304/27 ح 4، وأورده في الخرائج عن الصفار: 2/ 818 إلى قوله: (فإذا هو أبو جعفر)، وفيه إضافة: (فدخلت فإذا أبو جعفر علیه السلام ومعه قوم من الشيعة ممن مات قبله علیه السلام وبعده.)
3- بصائر الدرجات: 239 ح14، عنه البحار: 47/ 70 ح 21، و في المناقب: 219/4(نحوه)، وفي کشف الغمة: 2/ 194 عنه قال: (اشتکی ابو عبد الله علیه السلام شکاة شديدة خفت عليه، قلت في نفسي: أسأله عن الإمام بعده، قال علیه السلام لي مبتدئا : ليس علي من وجعي هذا بأس).

كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقل القوم مالاً و أكثرهم ورعاً، و أشدهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام .

قال: فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء: یا قوم إني قائل ما رأيت و ليقل کل قوم منكم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب علیهما السلام بشويحطات النجار، و قد اعتزل عن مواليه و اختفى ممن يليه و استتر بمغيلات النخل، فافتقدته و بعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي، و هو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك.

فشغلني الصوت و اقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب علیهما السلام بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء و البكاء و البث و الشكوى، فكان مما به الله ناجاه أن قال: إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال علیه السلام: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبیلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء. ثم قال علیه السلام : أو من نار تنضج الأكباد و الكلى، آه من نار نزاعة للشوى، أو من غمرة من ملهبات لظی.

قال: ثم أنعم علیه السلام في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول الشهر، أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك و زويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، مات و الله علي بن أبي طالب!. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة علیهما السلام: يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه و من قصته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي و الله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله. ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق و نظر إلي و أنا أبكي فقال: مما بکاؤك يا أبا الدرداء؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء، فكيف و لو رأيتني و دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوشتني ملائكه غلاظ

ص: 159

و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء و رحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية.

فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .(1)

4 - [مهج الدعوات، من کتاب عتیق]، بسند متصل إلى محمد بن الربيع حاجب المنصور، قال (في خبر استدعاء المنصور لمولانا الصادق علیه السلام وإدخاله عليه) قال محمد ابن الربيع: ثم أطرق - المنصور - و ضرب يده إلى السيف، فسل منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه، فقلت: إنا لله ! ذهب و الله الرجل، ثم رد السيف و قال: یا جعفر، أما تستحي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب أن تنطق بالباطل و تشق عصا المسلمين، تريد أن تریق الدماء و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟

فقال علیه السلام: لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي.

فانتضی من السيف ذراعا، فقلت: إنا لله، مضي الرجل، و جعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا علیه السلام ، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور و إن أتي ذلك علي و على ولدي و تبت إلى الله عز و جل مماکنت نويت فيه أولا، فأقبل يعاتبه و جعفر علیه السلام يعتذر. ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيراً منه، فقلت: إنا لله، مضي و الله الرجل. ثم أغمد السيف و أطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: أظنك صادقاً، یا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة. فأتيته بها فقال: أدخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته و كانت بيضاء فاسودت، و قال لي: أحمله على فاره من دوابي التي أركبها و أعطه عشرة آلاف درهم، و شيعه إلى منزله مکرماً، و خيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينة جده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

فخرجنا من عنده و أنا مسرور فرح بسلامة جعفر علیه السلام، و متعجب مما أراد المنصور و ما صار إليه من أمره، فلما صرنا في الصحن قلت له: يا ابن رسول الله إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك و ما أصارك الله إليه من کفایته و دفاعه، و لا عجب من أمر الله عزو جل، و قد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدر ما هو إلا أنه طويل، و رأيتك قد حرکت شفتيك هاهنا - أعني الصحن - بشيء لم أدر ما هو. فقال علیه السلام لي: أما الأول فدعاء

ص: 160


1- الأمالي: 77ح 9، عنه البحار: 11/41- 12ح1، 194/48 ح 2.

الكرب و الشدائد، لم أدع به على أحد قبل يومئذ، جعلته عوضأ من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي، لأني لم أترك أن أدعو ما کنت أدعو به، و أما الذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم الأحزاب.. الخبر.(1)

5- [المفيد في الإرشاد]، بالإسناد عن محمد بن حمزة، عن محمد بن علي الهاشمي، قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و کنت تناولت من أول الليل دواء، فأول من دخل في صبيحته أنا و قد أصابني العطش، و کرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر علیه السلام في وجهي و قال: أراك عطشاناً. قلت: أجل.

قال علیه السلام : یا غلام، اسقنا ماء. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، و اغتممت لذلك، فأقبل الغلام و معه الماء، فتبسم علیه السلام في وجهي، ثم قال: ياغلام ناولني الماء. فتناول علیه السلام و شرب، ثم ناولني و شربت و أطلت عنده، و عطشت فدعا بالماء ففعل کما فعل بالمرة الأولى فشرب ثم ناولني و تبسم علیه السلام .

قال محمد بن حمزة: قال لي محمد بن علي الهاشمي: و الله إني أظن أن أبا جعفر علیه السلام يعلم ما في النفوس کما تقول الرافضة. (2)

الباب 15: حديث النفس بعدم عفو الإمام علیه السلام ومؤاخذة المجرم

1- [الطبرسي في مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن]، عن حماد اللحام، قال: أتی رجل أبا عبد الله علیه السلام فقال: إن فلانا ابن عمك ذكرك، فيا ترك شيئا من الوقيعة و الشتيمة إلا قاله فيك.

فقال أبو عبد الله علیه السلام للجارية: ائتيني بوضوء. فتوضأ علیه السلام و دخل. فقلت في نفسي: يدعو عليه. فصلى علیه السلام ركعتين، فقال: يا رب، هو حقي قد وهبه له، و أنت أجود مني و

ص: 161


1- مهج الدعوات: 195، عنه البحار: 195/47 - 199 ح 40، 288/91-294 ضمن ح 2. أقول: أعرضنا عن ذكر الخبر بتمامه وفيه مشاهدة المنصور للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو یهدده بالعذاب إن حاول قتل الإمام ببركة الدعاء الذي دعاه علیه السلام.
2- الإرشاد: 291/2 ، عنه البحار: 54/50 ح 32، وأورده الكليني في الكافي مع بعض الإختلاف: 1/ 495 - 496 ح 7، وذكره أيضا في روضة الواعظين: 243/1، وكشف الغمة: 360/2 والمناقب: 390/4

أكرم، فهبه لي و لا تؤاخذه بي و لا تقایسه. ثم رق فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجب.(1)

الباب 16: حديث النفس بما ينافي التسليم التام للحق

1- [المجلس في البحار، من کتاب فتح الأبواب، نقلا من كتاب الدعاء لسعد بن عبد الله]، أنه كان يقول أبو عبد الله علیه السلام: من استخار الله في أمره فعمل أحد الأمرين، فعرض في قلبه شيء فقد اتهم الله في قضائه. (2)

2 -[ التميمي في دعائم الإسلام]، عن أبي جعفر محمد بن علي علیهما السلام أنه قال: كان في بني إسرائيل قاض و كان يقضي بينهم بالحق، فلما حضره الموت قال لامرأته: إذا أنامت و دليت في لحدي فانزلي إلي و انظري إلى وجهي فإنك ترين ما يسرك إن شاء الله.

ففعلت، فرأت دودة عظيمة تعترض في منخره، ففزعت من ذلك. فلما كان الليل رأته في منامها، فقال لها: أفزعك ما رأيت متي؟

قالت: أجل لقد فزعت! قال: ما كان الذي رأيت إلا من أجلك، خاصم إلي أخوك رجلا، فلما جلسا إلي قلت في نفسي: اللهم اجعل الحق له و وجه القضاء على صاحبه، فلما اختصما كان الحق کما أحببت، فوجهت القضاء، فأصابني من ذلك ما رأيت.(3)

3 - [الكشي في رجاله]، عن الحكم بن علي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر علیه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان و أبو ذر و المقداد. قال: قلت: فعمار؟

قال علیه السلام: قد كان جاض جيضة (4) ثم رجع.

ثم قال علیه السلام: إن أردت الذي لم يشك و لم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه [عارض] أن عند أمير المؤمنين علیه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض، و هو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتی ترکت کالسلعة، فمر به أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال له:

ص: 162


1- مشكاة الأنوار: 217، عنه البحار: 88/ 385 ضمن ح16.
2- البحار: 225/88 ضمن ح14.
3- دعائم الإسلام: 2/ 533 ح1894.
4- قال المجلسي قدس سره: بیان: (جاض عنه) حاد و مال و في بعض النسخ بالحاء و الصاد المهملتين بمعناه و حاصوا عن العدو انهزموا

يا أبا عبد الله، هذا من ذلك، بایع. فبائع. و أما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين علیه السلام بالسكوت و لم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم، فمر به عثمان فأمر به. ثم أناب الناس بعد، وكان أول من أناب: أبو ساسان الأنصاري وأبو عبيدة وشتيرة، وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين علیه السلام إلا هؤلاء السبعة.(1)

4 -[ المجلس في البحار، عن المزار الكبير للسيد فخار أو بعض من عاصره من الأفاضل الكبار]، بإسناد الأخير إلى علي بن میثم، عن ميثم رضی الله عنه قال: أصحربي مولاي أمير المؤمنين علیه السلام ليلة من الليالي قد خرج من الكوفة، و انتهى إلى مسجد جعفي، توجه علیه السلام إلى القبلة و صلى أربع ركعات. فلما سلم و سبح بسط كفيه و قال: إلهي كيف أدعوك و قد عصيتك (الدعاء)، ثم قام و خرج.

فاتبعته حتى خرج إلى الصحراء، و خط لي خطة و قال: إياك أن تجاوز هذه الخطة. و مضى عني و كانت ليلة مدلهمة، فقلت: يا نفسي، أسلمت مولاک وله أعداء كثيرة! أي عذر يكون لك عند الله و عند رسوله صلی الله علیه و آله وسلم؟ و الله لأقفون أثره و لأعلمن خبره و إن کنت قد خالفت أمره، و جعلت أتبع أثره، فوجدته علیه السلام مطلعاً في البئر إلى نصفه يخاطب البئر و البئر تخاطبه، فحس علیه السلام بي و التفت وقال علیه السلام : من؟

قلت: میثم.

قال علیه السلام: یا میثم، ألم آمرك أن لا تجاوز الخطة؟

قلت: يا مولاي خشيت عليك من الأعداء فلم يصبر لذلك قلبي.

فقال علیه السلام: أسمعت مما قل شيئا؟ قلت: لا يا مولاي.

فقال علیه السلام: یا میثم،

وفي الصدر لبانات *** إذا ضاق لها صدري

نكت الأرض بالكف *** وأبدیت لها سري

فمهما تنبت الأرض *** فذاك النبت من بذري(2)

ص: 163


1- رجال الكشي: 11ح 24، عنه البحار: 22/ 440 ح9، 28/ 239 ح 26، وراجع: 165/64 ذیل ح8، وأورده المفيد بإسناده في الإختصاص: 10.
2- رجال الكشي: 11ح 24، عنه البحار: 22/ 440 ح9، 28/ 239 ح 26، وراجع: 165/64 ذیل ح8، وأورده المفيد بإسناده في الإختصاص: 10.

بذري(1)

5- [المجلسي في البحار، عن بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستین و مائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان عج قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت وهللت و أكثرت من حمد الله عزوجل والثناء عليه.

فلا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل و لم أر سيدي و مولاي؟

فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلس على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا و بجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: عليل و سمك و تمر و لبن!

فصاح بي: يا عیسی أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتى استحيت،فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق. فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟ فصاح علیه السلام بي: يا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو؟) و (متی کان؟) و ( أين ولد) و (من رآه ؟ ) و (ما الذي خرج إليكم منه؟) و ( بأي شيء نبأكم؟) و ( أي معجز أتاكم؟). أما و الله لقد دفعوا أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 164


1- البحار: 199/40 -200 وتمامه في:499/97- 452 ح26.

مع ما رووه و قدموا عليه و کادوه و قتلوه، و كذلك آبائي علیهم السلام ولم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن إلى ما تبين، یا عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، و إياك أن تخبر عدونا فتسلبه.

فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك راشدا. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)

أقول، ويناسب الباب أيضا:

6-[ الشيخ في الأمالي]، في خروج طلحة والزبير على أمير المؤمنين علیه السلام وتوقف جماعة عن نصرته علیه السلام، إلى أن قال: و كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي علیه السلام تخبره بمسير عائشة و طلحة و الزبير، فأزمع علیه السلام المسير [أي عزم عليه ] فبلغه تثاقل سعد و أسامة بن زید و محمد بن مسلمة، فقال سعد: لاأشهر سيفاً حتى يعرف المؤمن من الكافر. و قال أسامة: لا أقاتل رجلا يقول: (لا إله إلا الله)، و لو كنت في زبية الأسد لدخلت فيه معك. وقال محمد بن مسلمة: أعطاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سیفاً و قال: إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد و الزم بيتك.

و تخلف عنه عبد الله بن عمر، فقال عمار بن ياسر: دع القوم. أما عبد الله فضعيف، و أما سعد فحسود، و أما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت بأخيه مرحبا. ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة: أما تقاتل المحاربين؟ فوالله لو مال علي علیه السلام جانبا لملت مع علي.. إلى أن قال: و قام الأشتر إلى علي علیه السلام فكلمه بكلام يحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك علي علیه السلام حتى شکاه و كان من رأي على علیه السلام أن لا يذكرهم بشيء، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إنا و إن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا فيهم و هذه بيعة عامة و الخارج منها عاص و المبطئ عنها مقصر، و إن أدبهم اليوم باللسان و غدا بالسيف، و ما من ثقل عنك كمن خف معك، و إنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك. فقال علي علیه السلام: يا مالك، دعني. و أقبل على علیه السلام عليهم فقال: أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نکث بیعته أكنتم تستحلون قتالهم؟ قالوا: نعم. قال علیه السلام: و كيف تحرجون من القتال معي وقد بایعتموني؟

ص: 165


1- البحار: 68/52 ح 54

قالوا: إنا لا نزعم أنك مخطئ و أنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك، و لكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الأشتر: دعني يا أمير المؤمنين أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال علیه السلام: کف عني. فانصرف الأشتر و هو مغضب.

ثم إن قیس بن سعد لقي مالكاً الأشتر في نفر من المهاجرين و الأنصار، فقال قيس للأشتر: يا مالك، كلما ضاق صدرك بشيء أخرجته، و كلما استبطأت أمراً استعجلته! إن أدب الصبر التسليم و أدب العجلة الأناة، و إن شر القول ما ضاهي العيب و شر الرأي ما ضاهي التهمة، فإذا ابتليت فاسأل و إذا أمرت فأطع، و لا تسأل قبل البلاء و لا تكلف قبل أن ينزل الأمر، فإن في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشق على صاحبك. فغضب الأشتر، ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه من غضبه فرضي..الخبر.(1)

الباب 17: حديث النفس بالظلم

1-[ المجلسي في البحار، نقلا من كتاب الترغیب و الترهيب، وعن البيهقي في الشعب]، عن ابن عباس: أن ملكا من الملوك خرج يتصيد في مملكته مختفيا من الناس. فنزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة، فحدث الملك نفسه أن يأخذها. فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها، ثم راحت فحلبت نصف ذلك. فدعا الملك صاحبها فقال: أخبرني عن بقرتك هذه، لم نقص حلابها؟ ألم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس؟ قال: بلى، و لكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوء، فنقص لبنها. فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم، ذهبت البركة.

قال: فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها و لا يظلم أحداً. قال: فغدت ثم راحت فحلبت حلابها في اليوم الأول، فاعتبر الملك بذلك و عدل و قال: إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة، لا جرم لأعدلن و لأكونن على أفضل الحالات.(2)

الباب 18: حديث النفس باستحقار الذنوب

ص: 166


1- الأمالي: 716ح1518 - 2، عنه البحار: 32/ 68 - 71 ح48.
2- البحار: 61/ 113.

1 - [ ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل: (ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا).

فقلت في نفسي: إن هذا هو الدقيق! ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شيء. فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود.(1)

الباب 19: ارتكاب السيئة مع حديث النفس بالتوبة

1 - [ابن شعبة في تحف العقول]، من الوصية الجامعة لأمير المؤمنين إلى ولده الإمام المجتبی صلوات الله وسلامه عليهما - إلى أن قال علیه السلام :- و اعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، و للفناء لا للبقاء، و للموت لا للحياة، و أنك في منزل قلعة و دار بلغة و طريق إلى الآخرة، أنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه و لا بد أنه يدركك يوما فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فتحول بينك و بين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك - إلى أن قال علیه السلام: ولا تأمن خدع الشيطان وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة (2) وقد أيقنوا بالمعاد.. الحديث. (3)

الباب 20: حديث النفس بترك أكل اللحم

1 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث التفس، ولم

ص: 167


1- الغيبة: 207، المناقب: 4/ 439، عنهما البحار: 250/50 ح4، 359/70 ح78، وأورده في إعلام الوری: 374، کشف الغمة: 2/ 420، الخرائج: 688/2 إلى قوله: (الليلة الظلماء).
2- هكذا في المصدر وفي بعض النسخ - کما في آخر کتاب الوصايا لابن طاوس - : (فإنه هكذا هلك من كان قبلك، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد.. الخ)، أورده عنه البحار: 215/74 ح1.
3- تحف العقول: 76، عنه البحار: 227/74 ح 2.

أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الأرض.

قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي المساجد. قال: هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني لأشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.

قال: و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه ولا بأحد، إن وجاء أمتي الصيام.

قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل یا عثمان.(1)

2 - [ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون رضی الله عنه من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مراراً و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك.

فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟

قال: هممت أن أسيح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.

قال هممت أن أحرم اللحم على نفسي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تفعل، فإني أشتهيه و آكله، و لو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم لفعل.

قال: و هممت أن أجب نفسي. قال: يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد، لا تفعل. إن وجاء أمتي الصيام.

قال: و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته .. قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته كتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، و حضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة ومحا عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا

ص: 168


1- دعائم الإسلام: 2/ 190ح688.

إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قدغفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولدكان لهما وصيف في الجنة.

ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان وقال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، وصرفت وجهه عن حوضي.(1)

الباب 21: حديث النفس بجب النفس

1- [نعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه وجه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال:- و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، ليس منا من فعل ذلك بنفسه و لا بأحد. إن وجاء أمتي الصيام..الحديث.(2)

2 - [ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون رضی الله عنه من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال : يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - و هممت أن أجب نفسي. قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا عثمان، من فعل ذلك ليس منا أعني بنفسه أحد لا تفعل، إن وجاء أمتي الصيام.. الحديث.(3)

الباب 22: حديث النفس بتحريم الزوجة على نفسه

1 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون رضی الله عنه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، ولم

ص: 169


1- عوالي اللآلي: 3/ 291 ح 53.
2- دعائم الإسلام: 2/ 190 ح688.
3- عوالي اللآلي: 291/3 ح53.

أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - و هممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته - قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل یا عثمان.(1)

2 - [ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهاد الصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس ولم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال - إلى أن قال: - وهممت أن أحرم خولة على نفسي - يعني امرأته -. قال صلی الله علیه و آله وسلم : لا تفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته کتب له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه عشر سيئات، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة وحضرتهما الملائكة، فإن اغتسلا لم يمر الماء على شعرة منهما إلا كتب الله لهما مائة حسنة ومحا عنهما مائة سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عز و جل لملائكته: انظروا إلى عبدي هذين يغتسلان في هذه الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني قد غفرت لهما. فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد كان لهما وصيف في الجنة.

ثم ضرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده على صدر عثمان و قال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي عرضت له الملائكة يوم القيامة، و صرفت وجهه عن حوضي.(2)

الباب 23: حديث النفس بأن لزوجته زوجا غيره وتكذيبها في ذلك

1 - [الشيخ في التهذيب]، عن فضل مولى محمد بن راشد، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال: قلت: إني تزوجت امرأة متعة، فوقع في نفسي أن لها زوجا، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجاً. قال علیه السلام : و لم فتشت؟ (3)

ص: 170


1- دعائم الإسلام: 2/ 190
2- عوالي اللآلي:291/3 ح53.
3- تهذیب الأحکام: 253/7 ح17، عنه الوسائل:31/21 ح26444.

الباب 24: حديث النفس بتكذيب المؤمن

1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، بإسناده إلى سعید بن عمرو الجعفي، قال: خرجت إلى مكة و أنا من أشد الناس حالا، فشكوت إلى أبي عبد الله علیه السلام، فلما خرجت من عنده علیه السلام وجدت على بابه کیسا فيه سبعمائة دينار، فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته، فقال علیه السلام: يا سعید، اتق الله عز و جل و عرفه في المشاهد. و كنت رجوت أن يرخص لي فيه، فخرجت و أنا مغتم، فأتیت منی و تنحيت عن الناس و تقصيت حتى أتيت الموقوفة، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟

قال: فأول صوت صوته فإذا رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس. قال: فقلت في نفسي: أنت فلا كنت. قل: ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته، فدفعه إليه. قال: فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين دیناراً فقال: خذها حلالا خير من سبعمائة حراما. فأخذتها ثم دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فأخبرته كيف تنحيت و كيف صنعت.

فقال علیه السلام : أما إنك حين شكوت إلي أمرنالك بثلاثين دينارا، يا جارية، هاتیها. فأخذتها و أنا من أحسن قومي حالا.(1)

الباب 25: حديث النفس بالسؤال في غير محله

1-[الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى ابن أسلم، عن عمر بن یزید، قال: دخلت إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو مضطجع، ووجهه إلى الحائط، فقال علیه السلام لي حين دخلت عليه: یا عمر، اغمز رجلي. فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسي: الساعة أسأله عن عبد الله وموسى أيهما الإمام؟ قال: فحول علیه السلام وجهه إلى وقال: إذن والله لا أجيبك.(2)

ص: 171


1- الكافي: 138/5 ح 6، عنه البحار: 385/47 ح 108، وأورده الشيخ في التهذيب: 390/6 ح10، عنه عوالي اللآلي: 3/ 489 ح19، الوسائل عن الكافي: 449/25 ح32330.
2- بصائر الدرجات: 235 ح 2، عنه البحار: 26/ 139 ح10.

أقول، ويناسب أيضا:

2. [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام ليلة من الليالي، ولم يكن عنده علیه السلام أحد غيري. فمد رجله في حجري. فقال: اغمزها يا عمر. فغمزت رجله، فنظرت إلى اضطراب في عضلة ساقيه، فأردت أن أسأله: إلى من الأمر من بعده، فأشار علیه السلام إلى فقال: لا تسألني في هذه الليلة عن شيء، فإني لست أجيبك.(1)

3 - [الإربلي في كشف الغمة، من کتاب الدلائل للحميري]، حدث محمد بن شرف، قال: كنت مع أبي الحسن علیه السلام أمشي بالمدينة، فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلى. فأردت أن أسأله عن مسألة، فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: نحن على قارعة الطريق، و ليس هذا موضع مسألة. (2)

الباب 26: حديث النفس بالرياء

1-[ المجلسي في البحار، عن أسرار الصلاة]، روي أن رجلا من بني إسرائيل قال: و الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي، وصائما لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدة طويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.

فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلانا، الآن أقبل على الخير.(3)

أقول، ويناسب أيضا:

2 -[ الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام ، أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هو في صلاته فقال: إنك مراء،

ص: 172


1- بصائر الدرجات: 235/ ح 1، عنه البحار: 67/47 ح 11، 146/71 ح 1، وأورده في الخرائج: 731/2 ، ودلائل الإمامة: 133.
2- کشف الغمة:385/2 ، عنه البحار: 176/50 ضمن حه 55.
3- البحار: 369/68 ح20.

فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث.(1)

الباب 27: حديث النفس بالحرمان من غفران الله بعد الوقوف بالموقفين

1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سأله رجل في المسجد الحرام: من أعظم الناس وزرا؟

فقال علیه السلام: من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة، و سعي بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، و صلی خلف مقام إبراهيم علیه السلام، ثم قال في نفسه، أو ظن أن الله لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا.(2)

الباب 28: حديث النفس بالقتل

القسم الأول: حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومحاربته وخيانته وتولية اعدائه

المائدة: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ»(52) (3)

ا- [أمين الإسلام في إعلام الوری]، ..ثم كانت غزوة بني النضير، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال: مرحبا بك يا أبا القاسم و أهلا، فجلس رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أصحابه، فقام كأنه يصنع لهم طعاما، وحدث نفسه أن يقتل

ص: 173


1- قرب الإسناد: 41، عنه البحار: 295/69 ح20، وأورده في وسائل الشيعة:479/5 ح 7112.
2- الكافي: 451/4 ح7، وأورده عن علي بن إبراهيم في الوسائل: 96/11 ح14333.
3- قال في مجمع البيان 3/ 354: (أسروا من النفاق وتولية اليهود ودس الأخبار إليهم.) عنه البحار: 151/19

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فنزل جبرئیل علیه السلام فأخبره بما هم به القوم من الغدر، فقام صلی الله علیه و آله وسلم كأنه يقضي حاجة و عرف أنهم لا يقتلون أصحابه و هو حي. فأخذه صلی الله علیه و آله وسلم الطريق نحو المدينة، فاستقبله بعض أصحاب کعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فأخبر کعبأ بذلك، فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوریا - و كان أعلم اليهود : إن ربه أطلعه على ما أردتموه من الغدر، و لا يأتيكم و الله أول مايأتيكم إلا رسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم يأمركم عنه بالجلاء، فأطیعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم و أموالكم، و إلا فإنه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم، فقالوا: هذه أحب إلينا.

قال: أما إن الأولى خير لكم منها، و لولا أني أفضحكم لأسلمت. ثم بعث محمد ابن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل و الجلاء عن ديارهم و أموالهم، و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.(1)

2 - [القمي في تفسيره]، أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم و بين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عهد و مدة، فنقضوا عهدهم، و كان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، و كان قصد کعب بن الأشرف. فلما دخل على کعب قال: مرحبا يا أبا القاسم و أهلا. و قام كأنه يصنع له الطعام، و حدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و يتبع أصحابه، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى المدينة، و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عز و جل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب.. الخبر.(2)

3- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال: ما كان أحد أبغض إلى من محمد صلی الله علیه و آله وسلم، و كيف لا يكون و قد قتل منا ثمانية، كل منهم يحمل

ص: 174


1- إعلام الوری: 88، عنه البحار: 163/20 ح 1.
2- تفسير القمي: 2/ 358، عنه البحار: 169/20 ح4 في سبب نزول قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ» الحشر:2، أقول: تمام الحديث في فصل (آثار حديث النفس بالمعصية)، باب (أثر حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه و آله وسلم).

اللواء. فلما فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله، و قلت في نفسي: قد دخلت العرب في دينه، فمتى أدرك ثاري منه؟ فلما اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ منه الله صلی الله علیه و آله وسلم فأقتله، و دبرت في نفسي كيف أصنع، فلما انهزم الناس و بقي محمد صلی الله علیه و آله وسلم وحده و النفر الذين معه، جئت من ورائه و رفعت السيف حتى إذا كدت أحطه غشي فؤادي، فلم أطق ذلك، فعلمت أنه ممنوع.

و روي أنه قال: رفع إلى شواظ من نار حتى كاد أن يمحيني، ثم التفت إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم فقال لي: ادن يا شيبة فقاتل. و وضع صلی الله علیه و آله وسلم يده في صدري فصار أحب الناس إلي، و تقدمت و قاتلت بين يديه، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال لي: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. وحدثني بجميع ما رويه في نفسي. فقلت: ما اطلع على هذا إلا الله، وأسلمت.(1)

4 -[ الطبرسي في مجمع البيان] ، قال الزهري: بلغني أن شيبة بن عثمان قال: استدبرت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم حنين و أنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان و عثمان بن طلحة، و كانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسوله على ما في نفسي، فالتفت صلی الله علیه و آله وسلم إلي و ضرب في صدري و قال: أعيذك بالله يا شيبة. فأرعدت فرائصي فنظرت إليه و هو أحب إلي من سمعي و بصري، فقلت أشهد أنك رسول الله، و أن الله أطلعك على ما في نفسي.(2)

5 - [ابن شهر آشوب في المناقب عن ربيع الأبرار]، أنه دخل أبو سفيان على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و هو يقاد، فأحس بتكاثر الناس، فقال في نفسه: و اللات و العزی یا ابن أبي كبشة(3)

ص: 175


1- الخرائج: 1/ 117، عنه البحار: 154/21 ح4، وفي المناقب عن عكرمة، أنه: (لماغزايوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه، فوجد عباسا، فأتى عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث، فأتي من خلفه فوقعت بينهما شواظ من نار، فرجع القهقري، فرجع النبي صلى الله عليه وآله إليه وقال: يا شیب، با شیب ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان. قال: فنظر إليه وهو أحب إلي من سمعي وبصري. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا شيب، قاتل الكفار. فلما انقضى القتال، دخلت عليه فقال: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. وحدثه بجميع ما زوي في نفسه، فأسلم.) المناقب: 1/ 72، عنه البحار: 61/18 ضمن ح 19.
2- مجمع البيان: 5/ 33، عنه البحار: 181/21
3- قال الفيروزآبادي: كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وآله : ابن أبي كبشة، شبهوه بابن أبي كبشة رجل من خزاعة خالف قریشأ في عبادة الأوثان، أو هي كنية وهب بن عبد مناف جده صلی الله علیه و آله وسلم من قبل أمه، لأنه كان نزع إليه في الشبه، أو كنية زوج حليمة السعدية. (عن البحار: 154/37 ذیل ح38).

لأملانها عليك خيلا و رجلا، و إني لأرجو أن أرقى هذه الأعواد.

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أويكفينا الله شرك يا أبا سفيان؟ (1)

القسم الثاني: حديث النفس بقتل الإمام علیه السلام ومحاربته وخيانته

1- [المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة]، فيما جرى بين ابن ملجم وقطام واشتراطها قتل أمير المؤمنين علیه السلام ، إلى أن قال: (.. فمد ابن ملجم عينيه إليها فحار عقله و هوی لحينه مغشيا عليه ساعة. فلما أفاق قال: يا منية النفس، ما شرطك فاذكريه لي، فإني سأفعله و لو كان دونه قطع القفار و خوض البحار و قطع الرءوس و اختلاس النفوس؟

قالت له الملعونة: شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب علیهما السلام بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه، يأخذ منه ما يأخذ، و يبقى ما يبقى. فلما سمع ابن ملجم كلامها استرجع و رجع إلى عقله و أغاظه و أقلقه، ثم صاح بأعلى صوته: ويحک ما هذا الذي واجهتني به! بئس ما حدثتك به نفسك من المحال. ثم طأطأ رأسه يسيل عرقا ، و هو متفكر في أمره.. الخبر).(2)

2 - [الطبرسي في الإحتجاج]، عن ابن عباس أنه قال: كنت قاعداً عند علي علیه السلام حين دخل عليه طلحة و الزبير، فاستأذناه في العمرة، فأبي علیه السلام أن يأذن لهما وقد قال: قد اعتمرنما. فأعادا عليه الكلام فأذن لهما. ثم التفت علیه السلام إلى، فقال: و الله ما يريدان العمرة. قلت: فلا تأذن لهما. فردهما، ثم قال علیه السلام: و الله ما تريدان العمرة، و ما تريدان إلا نکثا لبيعتكا و إلا فرقة لأمتكما. فحلفا له، فأذن لهما.

ثم التفت علیه السلام إلي، فقال: و الله ما يريدان العمرة. قلت: فلم أذنت لهما؟ قال علیه السلام: حلفا لي بالله. قال: فخرجا إلى مكة، فدخلا على عائشة، فلم يزالا بها حتى أخرجاها.(3)

وعن مسند العشرة عن أحمد بن حنبل: قال علیه السلام لطلحة و الزبير - و قد استأذناه في

ص: 176


1- المناقب: 1/ 124، عنه البحار: 16/ 175 ضمن ح19، ولاحظ أيضا: 297/3، وأورده أحمد ابن موسی بن طاووس في عين العبرة عن ربيع الأبرار: 55.
2- البحار:265/42 أقول: تمام الخبر في الفصل 12، القسم الثاني، الباب الأول، ح 2
3- . الإحتجاج: 161/1 ، عنه البحار: 32/ 97 – 98 ح198، وراجع کتاب الجمل للمفيد: 166، وإعلام الوری: 169، والإرشاد: 1/ 315.

الخروج إلى العمرة -: و الله ما تريدان العمرة، و إنها تريدان البصرة. و في رواية: إنما تريدان الفتنة.

و قال علیه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر و خرجا بوجه غادر، و لا ألقاهما إلا في كتيبة و أخلق [أخاف ] بهما أن يقتلا. (1)

وقال علیه السلام لابن عباس وهو علیه السلام يخبره عن استیذانهما في العمرة: إني أذنت لهما مع علمي بما انطويا عليه من الغدر، فاستظهرت بالله عليهما، وإن الله سيرد كيدهما ويظفرني بهما. وكان كما قال علیه السلام (2)

3 - [السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، بإسناد صحيح عن عبد الله بن مالك الخزاعي، قال:

دعاني هارون الرشيد، فقال: يا أبا عبد الله، كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلا عبد من عبيدك. فقال: امض إلى تلك الحجرة و خذمن فيها و احتفظ به إلى أن أسألك عنه.

قال: فدخلت فوجدت موسی بن جعفر علیهما السلام ، فلما رآني سلمت عليه و حملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي، و کنت أتولی خدمته. و مضت الأيام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول: أجب أمير المؤمنين. فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال: ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟

فقلت: صالح. فقال: امض إليه و ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم و اصرفه إلى منزله و أهله. فقمت و هممت بالانصراف، فقال لي: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: نمن على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون، أطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فانتبهت، فقلت: لعلها لما في نفسي منه. فقمت إلى هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون، أمرتك أن تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فلم تفعل، فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه و إذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كان أولها بالمشرق و آخرها

ص: 177


1- . المناقب: 2/ 262، عنه البحار: 41/ 310 ضمن ح 310.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 199، عنه البحار: 299/41

بالمغرب، و قد أومأ إلي و هو يقول: و الله يا هارون، لئن لم تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك. فأرسل إليك، فامض فيما أمرتك به و لا تظهره إلى أحد فأقتلك، فانظر لنفسك. .

قال: فرجعت إلى منزلي و فتحت الحجرة و دخلت على موسی بن جعفر علیهما السلام ، فوجدته قد نام في سجوده. فجلست حتى استيقظ و رفع رأسه، و قال: يا أباعبد الله، افعل ما أمرت به. فقلت له: يا مولاي، سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هل دعوت الله عز و جل في يومك هذا بالفرج؟ فقال علیه السلام : أجل، إني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا موسى، أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. فقال: ادع بهذه الدعاء: یا سابغ النعم، يا دافع النقم، یا بارئ النسم، یا مجلي الهمم، یا مغشي الظلم، یا کاشف الضر والألم، يا ذا الجود والكرم، یا سامع كل صوت، یا مدرك كل فوت، یا محيي العظام وهي رمیم، یا منشئها بعد الموت، صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا یا ذا الجلال والإكرام. فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه حتى سمعته يقول: قد استجاب الله فيك. ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك. (1)

4 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح] ، روي أن عليا علیه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليا علیه السلام إذا سلم من صلاة الفجر بالناس. فأتی خالد و جلس إلى جنب علي علیه السلام و معه سیف، فتفكر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله: أن بني هاشم يقتلونني إن قتل علي علیه السلام ، فلما فرغ من التشهد، التفت إلى خالد قبل أن يسلم و قال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.

فقال علي علیه السلام لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم. فمد علیه السلام يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و کادت عيناه تسقطان، و ناشده بالله أن يتركه، و شفع إليه الناس، فخلاه.

ثم كان خالد بعد ذلك يرصد الفرصة و الفجأة لعله يقتل عليا علیه السلام غرة، فبعث بعد ذلك عسكراً مع خالد إلى موضع، فلما خرجوا من المدينة و كان خالد مدججا و حوله شجعان قد أمروا أن يفعلوا كل ما أمرهم خالد، فرأى عليا علیه السلام يجيء من ضيعة له منفردا .

ص: 178


1- مهج الدعوات: 245، عنه البحار: 91/ 331 - 332 ح4، وذكره بدون الدعاء في: 245/48 ح52.

بلا سلاح، فقال خالد في نفسه: الآن وقت ذلك. فلما دنا منه، فكان في يد خالد عمود من حدید، فرفعه ليضربه على رأس علي علیه السلام، فانتزعه علیه السلام من يده و جعله في عنقه و فتله كالقلادة.

فرجع خالد إلى أبي بكر، و احتال القوم في كسره فلم يتهيأ لهم، فأحضروا جماعة من الحدادين، فقالوا: لا يمكن انتزاعه إلا بعد حله في النار، و في ذلك هلاكه، و لما علموا بكيفية حاله، قالوا: إن عليا علیه السلام هو الذي يخلصه من ذلك كما جعله في جيده، و قد ألان الله له الحديد كما ألانه لداود علیه السلام، فشفع أبو بكر إلى علي علیه السلام ، فأخذ العمود و فك بعضه من بعض بإصبعه. (1)

أقول، ويناسب الباب أيضا:

5- [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ، قال: صلينا مع أمير المؤمنين علیه السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل فقال علیه السلام: من أين؟ قال: من الشام. قال علیه السلام: ما أقدمك؟ قال: لي حاجة. قال علیه السلام : أخبرني و إلا أخبرتك بقضيتك. قال: أخبرني بهایا أمير المؤمنين. قال: نادي معاوية يوم كذا و كذا، من شهر كذا و كذا، من سنة كذا و كذا: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرة آلاف دينار، فوثب فلان و قال: أنا. قال: أنت. فلما انصرف إلى منزله ندم و قال: أسير إلى ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أبي ولديه فأقتله؟ ثم نادى منادیه اليوم الثاني: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرون ألف دينار. فوثب آخر فقال: أنا. فقال: أنت. ثم إنه ندم و استقال معاوية فأقاله. ثم نادى مناديه اليوم الثالث: من يقتل عليا علیه السلام فله ثلاثون ألف دينار، فوثبت أنت، و أنت رجل من حمير. قال: صدقت. قال علیه السلام : فما رأيك، تمضي إلى ما أمرت به، أو ما ذا؟ قال: لا، و لكن أنصرف. قال علیه السلام : يا قنبر، أصلح له راحلته، و هيئ له زاده و أعطه نفقته.(2)

القسم الثالث: حديث النفس بقتل الناس ظلما

1-[ ابن فهد الحالي في عدة الداعي]، فيما أوحى الله إلى داود علیه السلام: من انقطع إلى كفيته، و من سألني أعطيه، و من دعاني أجبته، و إنما أؤخر دعوته و هي معلقة و قد استجبتها

ص: 179


1- الخرائج: 757/2 ، عنه البحار: 159/29
2- المناقب: 2/ 260، عنه البحار: 306/41 ضمن ح38.

حتى يتم قضائي، فإذا تم قضائي أنفذت ما سأل. قل للمظلوم إنما أؤخر دعوتك و قد استجبتها لك على من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك و أنا أحكم الحاكمين، إما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك و لا عليك، و إما أن تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي إلا بظلمه لك لأني أختبر عبادي في أموالهم و أنفسهم. و ربما أمرضت العبد فقلت صلاته و خدمته، و لصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين، و لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه و أحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الإلتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، و ذلك الذي حدثته نفسه: لو ولي أمرا لضرب فيه الأعناق ظلما.

یا داود، نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم و قد بسطتها بسط الأديم و ضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار، ثم سلطت عليهم موبخا لهم يقول: يا أهل النار، هذا فلان السليط فاعرفوه. کم ركعة طويلة فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه فوجدته إن سلم من الصلاة و برزت له امرأة و عرضت عليه نفسها أجابها، و إن عامله مؤمن خانه.(1)

القسم الرابع: حديث النفس بالقتل بعد ورود النهي

ا- [الإربلي في كشف الغمة]، عن جریر بن مرازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني أريد العمرة فأوصني.

فقال علیه السلام: اتق الله ولا تعجل. فقلت: أوصني. فلم يزدني علیه السلام على هذا. فخرجت من عنده علیه السلام من المدينة، فلقيني رجل شامی یرید مكة فصحبني و كان معي سفرة فأخرجتها و أخرج سفرته و جعلنا نأكل فذكر أهل البصرة فشتمهم ثم ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثم ذكر الصادق علیه السلام فوقع فيه، فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه و أحدث نفسي بقتله أحيانا فجعلت أتذكر قوله علیه السلام: (اتق الله ولا تعجل) و أنا أسمع شتمه، فلم أعد ما أمرني. (2)

ص: 180


1- عدة الداعی: 38، عنه البحار:42/14-43 ح 33 وأورده الديلمي في إرشادالقلوب: 1/ 153.
2- کشف الغمة: 2/ 188، عنه البحار: 34/47 ذیل ح30.

الباب 29: حديث النفس بما يخالف التقنية

1۔ [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر علیهما السلام بسوء. فاشتريت سکيناً و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك، و جلست فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن علیه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي). فما بقي أيام [أياما] إلا و مات.(1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن محمد بن عبد العزيز البلخي، قال: أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم، فإذا بأبي محمد علیه السلام أقبل من منزله یرید دار العامة. فقلت في نفسي: ترى إن صحت: (أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه) يقتلوني. فلما دنا علیه السلام مني أومأ بإصبعه السبابة على فيه أن: اسكت، و رأيته علیه السلام تلك الليلة يقول: إنه هو الكتمان أو القتل، فاتق الله على نفسك. (2)

الباب 30: حديث النفس بالهلاك فيما لا يوجب الهلاك

1 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الحسين بن علي، عن عيسى عن مروان، عن الحسين بن موسى الخياط، قال: خرجت أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسي حاجين. قال: وكان يقول عائذ لنا: إن لي حاجة إلى أبي عبدالله علیه السلام أريد أن أسأله عنها.

قال: فدخلنا عليه علیه السلام، فلما جلسنا، قال علیه السلام لنا مبتدئا : من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك قال: فغمزنا عائذ، فلماقمنا قلنا: ماحاجتك؟ قال: الذي سمعنا منه إني رجل لا أطيق القيام بالليل، فخفت أن أكون مأثوماً مأخوذا به فأهلك.(3)

ص: 181


1- المناقب: 289/4 ، الخرائج: 649/2 ، عنهما البحار: 59/48 ح69، وأورده في البصائر : 252 ح 2 وفيه بدل (موسی بن جعفر) : (الرضا) ، وبدل (يغني) : (ثقتي)، عنه البحار: 47/49 ح44، و 274/49 ح 22.
2- الخرائج: 1/ 445، کشف الغمة: 2/ 422، عنهما البحار: 290/50 ضمن ح63.
3- بصائر الدرجات: 239، عنه البحار: 70/97 ح 22، و4 8/ 33 ح 17، وأورده في الخرائج: 2/ 731، ورواه الشيخ بإسناده إلى الحسن بن موسی الحناط، هكذا، قال: (خرجنا أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسى حجاجأ فكان عائذ كثيرا ما يقول لنا في الطريق إن لي إلى أبي عبد الله علیه السلام حاجة أريد أن أسأله عنها فأقول له حتى نلقاه، فلما دخلنا عليه سلمنا و جلسنا فأقبل علينا بوجهه مبتدئا فقال من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك، فغمزنا عائذ فلما قمنا قلنا ما كانت حاجتك قال: الذي سمعتم، قلنا: كيف كانت هذه حاجتك؟ فقال أنا رجل لا أطيق القيام بالليل فخفت أن أكون مأخوذا به فأهلك). تهذیب الأحکام: 2/ 10ح20.

الباب 31: حديث النفس بالخيانة في الأموال والسرقة، وباكل المال حراما وصرفه في اللهو

1 - [الصقار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى داود القطان عن إبراهيم رفعه إلى أميرالمؤمنين علیه السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعة.

فقال رجل من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين علیه السلام ولأقولن له: أنا أذهب به، فهو يثق بي، فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن. قال: فرفع علیه السلام إلى رأسه ثم قال: إليك عني، خذ طريق الكرخة.(1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، أن أمير المؤمنين علیه السلام قال يوما: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه: لآتينه و لأقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية. فجاء إلى علي علیه السلام فقال: أنا أذهب بالمال. فرفع علیه السلام رأسه فقال: إليك عني، تأخذ طريق الشام إلى معاوية.(2)

3- [محمد بن يعقوب في الكافي ] عن محمد بن إبراهيم بن مهزیار قال:

شککت عند مضي أبي محمد علیه السلام ، و اجتمع عند أبي مال جليل فحمله و ركب السفينة، و خرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا فقال: يا بني، ردني فهو الموت. و قال: لي اتق الله في هذا المال، و أوصى إلى فمات.

فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق و أكتري دارا على الشط و لا أخبر أحدا بشيء و إن وضح لي شيء کوضوحه في أيام أبي محمد علیه السلام أنفذته و إلا قصفت به.(3)

فقدمت العراق و اکتريت دارا على الشط و بقي أياما ، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها:

ص: 182


1- بصائر الدرجات: 240ح20، عنه البحار: 287/41 ح10 ، وأورده أيضا في المناقب: 2/ 258.
2- الخرائج:195/1 ، عنه البحار: 297/41ح23 و 34/ 310 ذیل ح1074.
3- قال المجلسي قدس سره بيان: القصف: اللهو واللعب ، وفي الإرشاد : (وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي) وكأنه نقل بالمعنى، ج 51 ص 311. وفي الغيبة للشيخ بدل: (قصفت به) : (تصدقت به).

یا محمد، معك كذا و كذا في جوف كذا و كذا، حتى قص على جميع ما معي مما لم أحط به علما، فسلمته إلى الرسول و بقيت أياما لا يرفع لي رأس (1) و اغتممت ، فخرج إلي: قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله . (2)

أقول، ويلحق بالباب أيضا:

4 - [الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال] ، حفص بن غیاث، عن الصادق جعفر ابن محمد، عن آبائه عن علي علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم في الجحيم، ينادون بالويل و الثبور. يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى؟ فرجل معلق في تابوت من جمر، و رجل يجر أمعاءه، و رجل يسيل فوه قيحا و دما، و رجل يأكل لحمه. فقيل لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد قد مات و في عنقه أموال الناس، لم يجد لها في نفسه أداء و لا وفاء. ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول:إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده. ثم يقال للذي يسيل فوه قيحا و دما: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يحاكي فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها و يحاكي بها. ثم يقال للذي كان يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة و يمشي بالنميمة.(3)

5 - [الصدوق في الفقيه]، عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجل يبتاع الثوب من السوق لأهله، و يأخذه بشرط فيعطى الربح في أهله. قال علیه السلام : إن رغب في الربح فلیوجب الثوب على نفسه، و لا يجعل في نفسه أن يرد الثوب على صاحبه إن رد عليه .(4)

ص: 183


1- قال المجلسي قدس سره : قوله: (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجه والإستخبار فإن من يتوجه إلى أحد يرفع إليه رأسه.
2- الكافي: 518/1 ح 5، وأورده في الإرشاد: 2/ 355، إعلام الوری عن الكليني: 445، غيبة الطوسي: 281، عنه البحار310/15 ح 31، کشف الغمة: 451/2 مع تفاوت يسير.
3- الأمالي: 581 ح20، ثواب الأعمال: 247 - 248، عنهما البحار: 280/8 - 281 ح 2، 249/72 ح20، 294/101 ح7، وذكره في الوسائل عن ثواب الأعمال أيضا: 307/12 -308 ح 16373، وأورده محمد بن الفتال النيشابوري في روضة الواعظين: 2/ 470 والشهيدالثاني قدس سره في كشف الريبة:9.
4- من لایحضره الفقيه: 3/ 214، عنه الوسائل: 18/ 25ح23060، أقول: قال المجلسي قدس سره في روضة المتقين باب بيع المتاع: (بشرط) أي بشرط الرد إن لم يرد أهله (قال إن رغب في الربح) بأن يبيعه مرابحة (فليوجب الثوب على نفسه) بأن يعقد حتى يصير ملکه (ولا يجعل في نفسه أن يرد الثوب الخ) بأن لا يوقع العقد، وهو ظاهر أو يوقعه بشرط الخيار في الرد، وحينئذ يكون النهي لكراهة (شرح من لا يحضره الفقيه: 87/7 ). وقال المحقق علي أكبر غفاري قدس سره: (بشرط) : أي بشرط أن یرده إن لم يقبله أهله (فليوجب الثوب على نفسه) أي: إن أراد أن يبيعه مرابحة فعليه أن يوجب البيع على نفسه (لا يجعل في نفسه) يعني : لا ينوي في نفسه إن لم يجد له المشتري أن يفسخ البيع ويرده على صاحبه، لأنه بعرضه على البيع قد أسقط خياره.

الباب 32: حديث النفس بالطمع الكاذب والأماني وتمني الحياة الدنيا

القصص: «فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (79)

1 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حدث نفسه بكاذب الطمع كذبته العطية.(1)

2 - [الإربلي في كشف الغمة]، أن أمير المؤمنين علیه السلام كان قد ولى على عكبرا رجلا من ثقيف. قال: قال له علي علیه السلام: إذا صليت الظهر غدا فعد إلي، فعدت إليه علیه السلام في الوقت المعين فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه. فوجدته جالسا و عنده قدح و کوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتی يخرج إلى جوهرا، فكسر علیه السلام الختم و حله، فإذا فيه سويق(2) فأخرج منه، فصبه في القدح و صب عليه ماء فشرب و سقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته؟

فقال علیه السلام : أما و الله ما أختم عليه بخلا به، و لكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره، و أنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك أحترز عليه كما تری، فإياك و تناول ما لا تعلم حله.(3)

3 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، موعظة أمير المؤمنين علیه السلام ووصفه المقصرين:

ص: 184


1- غرر الحكم: 297ح6698.
2- السويق: دقیق مقلو يعمل من الحنطة أو الشعير. (مجمع البحرین)
3- کشف الغمة: 1/ 175، عنه البحار: 40/ 334 ضمن ح 15.

لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، و يرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا قول الزاهدين و يعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، و إن منع لم يقنع. يعجز عن شکر ما أوتي ويبغي الزيادة فيما بقي، ويأمر بما لا يأتي. يحب الصالحين و لا يعمل بأعمالهم، و يبغض المسيئين و هو منهم، و يكره الموت لكثرة سيئاته و لا يدعها في حياته. يقول: کم أعمل فأتعنى، ألا أجلس فأتمنى. فهو يتمنى المغفرة و یدأب في المعصية، و قد عمر ما يتذكر فيه من تذكر. يقول فيما ذهب: لو كنت عملت و نصبت لكان خيرا لي، و يضيعه غير مكترث لاهياً. إن سقم ندم على التفريط في العمل، و إن صح أمن مغترا. يؤخر العمل، تعجبه نفسه ما عوفي، و يقنط إذا ابتلي. تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن، لا يثق من الرزق بما قد ضمن له، ولا يقنع بما قسم له.. الحديث.(1)

4 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی إسماعيل بن أبي الحسن، قال: كنت مع الرضا علیه السلام و قد مال بيده إلى الأرض كأنه يكشف شيئا، فظهرت سبائك ذهب، ثم مسح علیه السلام بيده على الأرض فغابت. فقلت في نفسي: لو أعطاني واحدة منها. قال علیه السلام : لا، إن هذا الأمر لم يأت وقته. (2)

قال المجلسي قدس سره في بيان الحديث: يعني خروج خزائن الأرض و تصرفنا فيها إنما هو في زمن القائم عجل الله فرجه

5 -[ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، روي أن سلیمان بن داود علیهما السلام كان معسكره مائة فرسخ في مائة فرسخ، و قد نسجت الجن له بساطاً من ذهب و إبريسم،فرسخان في فرسخ، فكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب، فيقعد عليه و حوله ستمائة ألف كرسي من ذهب و فضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب، و العلماء على كراسي الفضة، و حولهم الناس، و حول الناس الجن و الشياطين، و تظلله الطير بأجنحتها، و كان يأمر الريح العاصف يسيره، و الرخاء يحمله، فيحكى أنه مر بحراث فقال: لقد أوتي ابن داود ملكا عظيما! فألقاه الريح في أذنه، فنزل و مشى إلى الحراث و قال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه. ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود.

ص: 185


1- تحف العقول/ 157، البحار: 412/74 ح37 وقريب منه: 448/75 عن أمالي المفيد: 329 ح 2 وأمالي الشيخ: 111 ح 170 - 124.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 339 عنه البحار: 50/49 ح50، وعنه أيضا: کشف الغمة:304/2.

وفي حديث آخر: لأن ثواب التسبيحة يبقى و ملك سليمان علیه السلام يفني.(1)

الباب 33: حديث النفس بالفقر

1۔ [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال ابن عباس: سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أوصني. فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.(2)

2 - [الديلمي في إعلام الدين]، قال رجل للصادق علیه السلام : عظني. فقال علیه السلام: لا تحدث نفسك بفقر.(3)

3- [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال موسی بن جعفر علیهما السلام في حديث: لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(4)

4 - [فقه الرضا علیه السلام]، باب حق النفوس: سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة، فإنه أروي عن العالم علیه السلام أنه قال: إنه الملك الخفي، إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها. و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة و لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدنيا، فإنه نروي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، و دینه لدنياه.. الحديث.(5)

ص: 186


1- عدة الداعي: 261، عنه البحار: 80/14 ذیل ح23، 90/ 184 ح 26.
2- تحف العقول: 211، البحار: 77/75 ح48، 49/75 ح 71.
3- إعلام الدين: 159، البحار: 21/100 ح 11، کنز الفوائد: 2/ 194.
4- تحف العقول: 409، عنه البحار: 321/75 ضمن ح3.
5- فقه الرضا علیه السلام : 337، عنه البحار: 346/75 ح4.

5 -[ الكراجكي في معدن الجواهر]، قال رجل لأحدهم علیهم السلام : عظني يابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم . فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بشيئين: بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدث نفسه بطول العمر حرص.(1)

الباب 34: حديث النفس ببقاء النعم والعافية

1-[ المجلسي في البحار من كتاب العتيق الغروي]، ومن مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه: (..رب حسنت خلقي و عظمت عافيتي و وسعت علي في رزقي ولم تزل تنقلني من نعمة إلى كرامة، و من كرامة إلى فضل، تجدد لي ذلك في ليلي ونهاري، لا أعرف غير ما أنا فيه، حتى ظن أن ذلك واجب عليك لي، و أنه لا ينبغي لي أن أكون في غير مرتبتي، لأني لم أدر ما عظيم البلاء فأجد لذة الرخاء، و لم يذلني الفقر فأعرف فضل الأمن، فأصبحت و أمسيت في غفلة ممافيه غيري ممن هو دوني، فكفرت و لم أشكر بلاءك، و لم أشك أن الذي أنا فيه دائم غير زائل عني، لا أحدث نفسي بانتقال عافية و تحویل فقر و لا خوف و لا حزن، في عاجل دنیای و آجل آخرتي، فيحول ذلك بيني و بين التضرع إليك في دوام ذلك لي، مع ما أمرتني به من شكرك، و وعدتني عليه من المزيد من لدنك، فسهوت و لهوت و غفلت و أمنت و أشرت و بطرت و تهاونت، حتى جاء التغييرمكان العافية بحلول البلاء..الدعاء).(2)

الباب 35: حديث النفس بالبقاء في الدنيا وطول العمر والتسويف

1-[ الشيخ في الأمالي] ، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب، أو كأنك عابر سبيل، و عد نفسك في أصحاب القبور.

قال مجاهد: و قال لعبد الله بن عمر: و أنت يا عبد الله، إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن تصبح، و إذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، و خذمن حياتك لموتك، و من

ص: 187


1- معدن الجواهر: 27.
2- البحار: 136/91-137 ، وأورده الراوندي في الدعوات: 175.

صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.(1)

2 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن أبيه بإسناده إلى أبي حرب بن أبي الأسود الدولي، عن أبي الأسود، قال: قدمت الربذة، فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضی الله عنه فحدثني أبو ذر، قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مسجده، فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله و علي علیه السلام إلى جانبه جالس، فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت و أمي، أوصني بوصية ينفعني الله بها.

فقال صلی الله علیه و آله وسلم: نعم و أكرم بك يا أبا ذر، إنك منا أهل البيت، و إني موصيك بوصيةفاحفظها، فإنها جامعة لطرق الخير و سبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان. - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم :

يا أبا ذر، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، و خذ من صحتك قبل سقمك و حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.. الحديث.(2)

3 -[ الشيخ في الأمالي]، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : كن في الدنيا كأنك غريب، أو كأنك عابر سبيل، و عد نفسك في أصحاب القبور.

قال مجاهد: و قال لعبد الله بن عمر: و أنت يا عبد الله، إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن تصبح، و إذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، و خذمن حياتك لموتك، و من صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.(3)

4 -[ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لبعض أصحابه: كيف بك إذا بقيت في قوم يجبون رزق سنتهم لضعف اليقين؟ فإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، فإنك لا تدري ما اسمك غداً. (4)

5 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال موسی بن جعفر علیه السلام في حديث: لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها

ص: 188


1- الأمالي: 381 ح 819 - 70، عنه البحار: 99/70 ضمن ح86، 124/74ح 24.
2- مکارم الأخلاق: 458، عنه البحار:77/74 ح3.
3- الأمالي: 381 ح819-70، عنه البحار: 99/70 ضمن ح 86 ، 124/74 ح24.
4- عدة الداعی: 84، عنه البحار: 100/ 21 ح 19.

بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(1)

6 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، قال ابن عباس: سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أوصني. فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.(2)

7- [فقه الرضا علیه السلام]، باب حق النفوس: سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة، فإنه أروي عن العالم علیه السلام أنه قال: الملك الخفي إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها. و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة و لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدنيا، فإنه نروي: ليس منا من ترك دنياه لدينه،ودينه لدنياه، و تفقهوا في دين الله فإنه أروي: من لم يتفقه في دينه ما يخطئ أكثر مما يصيب، فإن الفقه مفتاح البصيرة و تمام العبادة و السبب إلى المنازل الرفيعة وحاز المرء المرتبة الجليلة في الدين و الدنيا، فضل الفقيه على العبادكفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يزك الله له عملا.(3)

الباب 36: حديث النفس بالعزة والرفعة والرياسة والفخر والعجب والكبر

1- [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى الحسن بن الفضل اليماني قال: قصدت سر من رأى فخرج إلى صرة فيها دنانير و ثوبان فرددتها، و قلت في نفسي: أنا عندهم بهذه .

ص: 189


1- تحف العقول: 409، عنه البحار: 321/75 ضمن ح3.
2- تحف العقول: 211، البحار: 77/75 ح48 ، 49/75 ح 71.
3- فقه الرضا : 337، عنه البحار: 346/75 ح4.

المنزلة؟ فأخذتني العزة، ثم ندمت بعد ذلك و کتبت رقعة أعتذر و أستغفر، و دخلت الخلاء و أنا أحدث نفسي و أقول: و الله لئن ردت الصرة لم أحلها و لم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني.

فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا ربما فعلنا ذلك بموالینا و ربما سألونا ذلك يتبركون به. و خرج إلي: أخطأت بردك برنا، و إذا استغفرت الله فالله يغفر لك، و إذا كان عزيمتك و عقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا، و لا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، و أما الثوبان فلا بد منهما لتحرم فيهما.. الخبر.(1)

2 - [الصدوق في الخصال]، عن أبيه، عن سعد عن الأصفهاني، عن المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث- إلى أن قال علیه السلام :- فإن أردت أن تقر عينك و تنال خير الدنيا و الآخرة فاقطع الطمع مما في أيدي الناس، و عد نفسك في الموتى، ولا تحدث لنفسك أنك فوق أحد من الناس، و اخزن لسانك کما تخزن مالك.(2)

3 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل بن بزیع، و غیره رفعوه، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون كل من حدث بها نفسه.(3)

4 - [الصدوق في علل الشرائع]، ابن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال: إن الخضر كان نبيا مرسلا، بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده، و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه. و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، و إنما سمي (خضراً) لذلك، و كان اسمه: تالیا بن ملکان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح علیه السلام.

و إن موسی علیه السلام لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آیته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و

ص: 190


1- کمال الدین: 2/ 490 ح13، عنه البحار: 328/51 ح 52.
2- الخصال: 121/1 ح113، عنه البحار: 416/13 ح 8، 206/69 ح 7، 168/70 ح3 ، 280/68 ح21 ، وفي بعض النسخ: (تحدثن).
3- الكافي: 2/ 298 ح 4 ، عنه البحار: 151/70 ح 5، وأورده في الوسائل عن الكليني: 15/ 351 ح20712، و قال المجلسی قدس سره في بيانه: (من تراس) أي : ادعى الرئاسة بغير حق، فإن التفعل غالبا يكون للتكلف.

القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر وغرق الله عز و جل فرعون و جنوده عملت البشرية فيه، حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني.

فأوحى الله عز و جل إلى جبرئیل: يا جبرئیل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابداً فاتبعه، و تعلم منه.

فهبط جبرئیل علیه السلام على موسى علیه السلام، بما أمره به ربه عز وجل، فعلم موسی علیه السلام أن ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر علیه السلام يتعبد الله عز و جل «فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا» (1)

قال له موسی علیه السلام: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ» له الخضر «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» لأني ؤكلت بعلم لا تطيقه، و وكلت أنت بعلم لا أطيقه.

قال موسی علیه السلام : بل أستطيع معك صبراً. فقال له الخضر علیه السلام : إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره، «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» قال موسى: «سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا» .

فلا استثني المشية قبله. قال: «قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا» . فقال موسى علیه السلام : لك ذلك علي. «فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ» الخضر علیه السلام ، فقال له موسى علیه السلام: «أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ،قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ» موسى « لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ» أي: بما تركت من أمرك، و« وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ » الخضر ، فغضب موسی، و أخذ بتلبيبه، و قال له: « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا»

قال له الخضر علیه السلام : إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني و اصبر عليه، فقد كنت علمت «لَن تَستَطیعَ مَعِیَ صَبرَاً» .

قال موسی علیه السلام: «إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ» و هي الناصرة، و إليها نسب النصارى، «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ » فوضع الخضر علیه السلام يده عليه

ص: 191


1- الآية وما بعدها من سورة الكهف: 65 - 82

«فَاقَامَه» ، فقال له موسی علیه السلام : «لَو شِئتَ لَآ تّخذتُ عَلَیهِ اجرَآً» .

قال له الخضر علیه السلام : «هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا» . فقال: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ » صالحة « غَصْبًا فَأرَدتُ» بما فعلت أن تبقى لهم و لا يغصبهم الملك عليها. فنسب

الإبانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك.

ثم قال: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ» طلع کافرا، و علم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه و افتتنا به و ضلا بإضلاله إياهما، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله و أراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة، فاشترك بالإبانة بقوله: «فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا» . و إنما اشترك في الإبانة لأنه خشي و الله لا يخشى لأنه لا يفوته شيء و لا يمتنع عليه أحد أراده، و إنما خشي الخضر علیه السلام من أن يحال بينه و بين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه، ووقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى علیه السلام، لأنه صار في الوقت مخبرا و كليم الله موسی علیه السلام مخبرا، و لم یکن ذلك باستحقاق للخضر علیه السلام للرتبة على موسي علیه السلام و هو أفضل من الخضر، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.

ثم قال: «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا » و لم يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة، و لكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب: «عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم، عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها».«وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا» كان بينهما و بين هذا الأب الصالح سبعون أبا، فحفظهما الله بصلاحه، ثم قال: «فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا » فتبرأ من الإبانة في آخر القصص، و نسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك، لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد، و يصير موسی علیه السلام به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له، فتجرد من الإبانة و الإرادة تجرد العبد المخلص، ثم صار متصلا مما أتاه من نسبة الإبانة في

ص: 192

أول القصة، و من ادعاء الاشتراك في ثاني القصة، فقال: « رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا».

ثم قال جعفر بن محمد علیهما السلام : إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، و من حمل أمر الله على المقاييس هلك و أهلك. إن أول معصية ظهرت: الإبانة من إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا و أبي إبليس اللعين أن يسجد، فقال عز و جل: «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» (1) ، فكان أول كفره قوله: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ » ثم قياسه بقوله: «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ، فطرده الله عز و جل عن جواره و لعنه، و سماه: رجيما، و أقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار. (2)

5- [العياشي في تفسيره]، عن عبد الرحمن بن سیابة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن موسی علیه السلام صعد المنبر و كان منبره ثلاث مرات، فحدث نفسه: أن الله لم يخلق خلقا أعلم منه، فأتاه جبرئیل علیه السلام فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك، فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زادا و انطلق بنا. فاشتری حوتا فخرج بأذربيجان، ثم شواه ثم حمله في مكتل. ثم انطلقا يمشيان في ساحل البحر، و النبي إذا مر في مكان لم يعي أبدا حتی يجوز ذلك الوقت.

قال علیه السلام: فبينما هما يمشيان حتى انتهيا إلى شيخ مستلقي معه عصاه موضوعة إلى جانبه، و علیه کساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه، و إذا غطى رجليه خرج رأسه، قال: فقام موسی علیه السلام يصلي، و قال ليوشع: احفظ علي. قال: فقطرت قطرة من السماء في المكتل، فاضطرب الحوت، ثم جعل يجر المكتل إلى البحر، قال: و هو قوله: «فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا» (3).

قال علیه السلام: ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر، ثم أدخل منقاره فقال: يا موسی، ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر. قال: ثم قام فمشى فتبعه یوشع، فقال موسى لما أعيی حيث جاز الوقت فيه: « آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا

ص: 193


1- الأعراف: 12.
2- البحار: 286/13 ح 4.
3- الكهف: 61.

نَصَبَاً» إلى قوله : « فِي الْبَحْرِ عَجَبًا»(1).

قال علیه السلام: فرجع موسى يقتض أثره، حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق، فقال له موسى: السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل. قال: ثم وثب فأخذ عصاه بیده، قال: فقال له موسى لئلا : إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدة. فقال كما قص عليكم:«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» (2). قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى معبر، فلا نظر إليهم أهل المعبر فقالوا: و الله لا نأخذ من هؤلاء أجرة اليوم نحملهم. فلا ذهبت السفينة وسط الماء خرقها، قال له موسي علیه السلام كما أخبرتم، ثم قال: «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا» . قال : و خرجا على ساحل البحر، فإذا غلام يلعب مع غلمان، عليه قمیص حریر أخضر، في أذنيه درتان، فتورکه العالم (3) فذبحه، قال له موسى: « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا»قال:«فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا»خبزة نأكله، فقد جعنا. قال: و هي قرية على ساحل البحر يقال لها: ناصرة و بها تسمى النصاری، فلم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحدة حتى تقوم الساعة، و كان مثل السفينة فيكم و فينا: ترك الحسين البيعة لمعاوية(4)، و كان مثل الغلام فيكم: قول الحسن بن علي ليلا لعبد الله بن علي: لعنك الله من کافر، فقال له: قد قتلته یا أبا محمد(5)، و كان

ص: 194


1- الكهف: 62-63.
2- الآية وما بعدها: الكهف: 67 - 77.
3- تورك فلان الصبي: جعله على ورکه معتمدا عليها، ذكره الفيروزآبادي.
4- قال المجلسي قدس سره: (و أما كون ترك الحسين علیه السلام البيعة لمعاوية شبيها بخرق السفينة، لأنه علیه السلام بترك البيعة مهد لنفسه المقدسة الشهادة، و بها انكسرت سفينة أهل البيت صلوات الله عليهم، و كان فيها مصالح عظيمة، منها : ظهور کفر بني أمية و جورهم على الناس، و خروج الخلق عن طاعتهم، و منها : ظهور حقية أهل البيت علیهم السلام و إمامتهم، إذ لو بایعه الحسين علیه السلام أيضا لظن أكثر الناس وجوب متابعة خلفاء الجور و عدم كونهم علیه السلام ولاة الأمر. و منها : أن بسبب ذلك صار من بعده من الأئمة علیهم السلام آمنين مطمئنين، ينشرون العلوم بين الناس، إلى غير ذلك من المصالح التي لا يعلمها غيرهم. و لو كان ما ذكره المؤرخون من بيعته علیه السلام له أخيراً حقا كان المراد ترك البيعة ابتداء، و لا يبعد أن يكون في الأصل : یزید بن معاوية، فسقط الساقط الملعون هو و أبوه).
5- قال المجلسي قدس سره : (و أما ما تضمن من قول الحسن علیه السلام لعبد الله بن علي، فيشكل توجيهه لأنه كان من السعداء الذين استشهدوا مع الحسين صلوات الله عليه على ما ذكره المفيد و غيره، و القول بأنه علیه السلام علم أنه لو بقي بعد ذلك و لم يستشهد لكفر بعيد. و الظاهر أن يكون عبيد الله مصغرا بناء على ما ذكره ابن إدريس أنه لم يستشهد مع الحسين علیه السلام ، ردا على المفيد. و ذكر صاحب المقاتل و غيره أنه صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له فلم يفعل، فخرج و لحق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة و هو لا يعرف. أقول: ثم قال المجلسي: قوله: (فقال له) أي أمير المؤمنين علیه السلام (قدقتلته) أي سيقتل بسبب لعنك، أو هذا إخبار بأنه سيقتل کما قتل الخضر الغلام لكفره).

مثل الجدار فيكم: علي و الحسن و الحسين علیهم السلام. (1).

6- [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن مسند أبي يعلى الموصلي، و إبانة ابن بطة العكبري، و عقد ابن عبد ربه الأندلسي، و حلية أبي نعيم الأصفهاني، و زينة أبي حاتم الرازي، و كتاب أبي بكر الشيرازي، أنه: ذكر رجل بين يدي النبي بكثرة العبادة. فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: لا أعرفه. فإذا هو قد طلع، فقالوا: هو هذا.

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أما إني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان (2)، فلما رآه قال له: هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك؟ قال: نعم. ثم دخل المسجد فوقف يصلي، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه و صمد نحوه، فرآه راكعا فرجع. فقال: أقتل رجلا يركع و يقول لا إله إلا الله؟

فقال صلی الله علیه و آله وسلم : اجلس فلست بصاحبه. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم : ألا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجداً فقال: آقتل رجلا يسجد و يقول لا إله إلا الله؟

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: اجلس فلست بصاحبه، قم ياعلي فإنك أنت قاتله إن أدركته. فمضى علیه السلام و انصرف و قال له: ما رأيته.

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: لو قتل لكان أول فتنة و آخرها.

وفي رواية: هذا أول قرن يطلع في أمتي، لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.

ص: 195


1- تفسير العياشي: 2/ 332 ح 47، عنه البحار: 306/13ح33 ، قال المجلسي قدس سره: (و أما مثل الجدار فلعل المراد أن الله تعالی کما حفظ العلم تحت الجدار للغلامين لصلاح أبيهما فكذلك حفظ العلم لصلاح علي و الحسن و الحسين علیهم السلام في أولادهم إلى أن يظهره القائم علیه السلام للخلق أو حفظ الله علم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بأمير المؤمنين للحسنين صلوات الله عليهم فأقام عليا علیه السلام للخلافة بعد أن أصابه ما أصابه من المخالفين و الله يعلم).
2- قال المجلسي قدس سره في ذيل الخبر، بیان : قال في النهاية : (السفعة) نوع من السواد مع لون آخر، و منه حديث أبي اليسر : أرى في وجهك سفعة من غضب أي تغيرا إلى السواد، وفي حديث أم سلمة : أنه صلی الله علیه و آله وسلم دخل عليها وعندها جارية بها سفعة، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: (إن بها نظرة فاسترقوا لها، أي علامة من الشيطان). البحار: 33/ 329.

و قال أبي و أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى: «ثَانِیَ عطفِهِ لِیُضِلَّ عَن سَبیلِ اللهِ لَهُ فِی الدُّنیَا خِزِیٌ» وهو القتل«وَ نُذِیقُهُ یَومَ القِیَامَةِ عَذَابَ الحَریقِ» بقتاله علي بن أبي طالب علیه السلام . (1)

7- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، بإسناده إلى البزنطي، قال: بعث الرضا علیه السلام إلى بحمار فركبته و أتيته فأقمت عنده بالليل، إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد علیه السلام أن ينهض، قال لي: لا أراك تقدر على الرجوع إلى المدينة. قلت: أجل، جعلت فداك. قال علیه السلام: فبت عندنا الليلة، و اغد على بركة الله عز و جل. قلت: أفعل، جعلت فداك . قال علیه السلام: يا جارية، افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها، و ضعي تحت رأسه مخدتي.

قال: فقلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه، لقد جعل الله لي من المنزلة عنده علیه السلام، و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحداً من أصحابنا، بعث إلي بحماره فركبته، و فرش لي فراشه و بت في ملحفته، و وضعت لي مخدته، ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا.

قال: وهو علیه السلام قاعد معي و أنا أحدث نفسي، فقال علیه السلام لي: يا أحمد، إن أمير المؤمنين علیه السلام أتى زيد بن صوحان في مرضه يعود، فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، و تذلل لله عز و جل. و اعتمد على يده علیه السلام فقام.(2)

8- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ومعاني الأخبار]، بإسناده إلى الهروي، قال قلت للرضا علیه السلام: یا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما کانت؟ فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها العنب، و منهم من يروي أنها شجرة الحسد.

فقال علیه السلام : كل ذلك حق. قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟

فقال علیه السلام : يا أبا الصلت، إن شجر الجنة تحمل أنواعاً، فكانت شجرة الحنطة، و فيها عنب، و لیست کشجر الدنيا. و إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلم الله عز و جل ما وقع في

ص: 196


1- المناقب: 3/ 378، عنه البحار: 33/ 327.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 212 - 213 ح19، عنه البحار:36/49- 37 ح 18.

نفسه، فناداه: ارفع رأسك يا آدم، فانظر إلى ساق عرشي. فرفع آدم علیه السلام رأسه، فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله، علي بن أبي طالب علیه السلام أمير المؤمنين، و زوجه [زوجته] فاطمة علیهاالسلام سيدة نساء العالمين، والحسن و الحسين علیهما السلام سیدا شباب أهل الجنة.

فقال آدم علیه السلام: یا رب، من هؤلاء؟ فقال عز و جل: من ذريتك، و هم خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و النار، و لا السماء و الأرض. فإياك أن تنظر إليهم علیهم السلام بعين الحسد فأخرجك عن جواري. فنظر إليهم بعين الحسد (1)، و تمنى منزلتهم، فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة علیهاالسلام بعين الحسد، حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم، فأخرجهما الله عز و جل عن جنته، و أهبطهما عن جواره إلى الأرض.(2)

9 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن البزنطي أنه قال: إني كنت من الواقفة على موسی بن جعفر علیهما السلام ، و أشك في الرضا علیه السلام ، فكتبت أسأله علیه السلام عن مسائل، و نسيت ما كان أهم المسائل إلي. فجاء الجواب من جميعها، ثم قال علیه السلام : و قد نسيت ما كان أهم المسائل عندك. فاستبصرت، ثم قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، أشتهي أن تدعوني إلى دارك في أوقات تعلم أنه لا مفسدة لنا من الدخول عليكم من أيدي الأعداء.

قال: ثم إنه علیه السلام بعث إلي مركوبا في آخر يوم، فخرجت وصليت معه العشاءين، و قعد علیه السلام يملي علي العلوم ابتداء و أسأله فيجيبني، إلى أن مضى كثير من الليل. ثم قال للغلام: هات الثياب التي أنام فيها لينام أحمد البزنطي فيها.

قال: فخطر ببالي: ليس في الدنيا من هو أحسن حالا مني، بعث الإمام علیه السلام مركوبه إلى، و جاء و قعد إلي، ثم أمر لي بهذا الإكرام. و كان قد اتكأ علیه السلام على يديه لينهض، فجلس و قال: يا أحمد، لا تفخر على أصحابك بذلك، فإن صعصعة بن صوحان مرض، فعاده

ص: 197


1- قال المجلسي قدس سره : (لعل المراد بنظر الحسد مني أحوالهم والوصول إلى منازلهم، وكان ذلك منهما ترك الأولى، لأنه مع العلم بأن الله تعالى فضلهم عليهما، كان ينبغي أن يكونا في مقام الرضا والتسليم، وأن لا يتمنيا درجاتهم صلوات الله عليهم). وقال في موضع آخر : المراد بالحسد : الغبطة التي لم تكن تنبغي له علیه السلام، ويؤيده قوله علیه السلام : (وتمنى منزلتهم).
2- معاني الأخبار: 124 - 125 ح 1، عيون الأخبار:306/1-307 ح67، عنهما البحار: 164/11 ح 9، 362/16 ح 62، 273/26 ح 15، وأورده عن الصدوق أيضا: الجزائري في القصص: 39.

أمير المؤمنين علیه السلام و أكرمه و وضع يده على جبهته و جعل يلاطفه، فلما أراد علیه السلام النهوض قال: يا صعصعة، لا تفخر على إخوانك بما فعلت، فإني إنما فعلت جميع ذلك لأنه كان تكليفالى.(1)

10 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما خلق الله جل و عز خلقا إلا و قد أمر علیه آخر يغلبه فيه، و ذلك أن الله تبارك و تعالى لما خلق البحار السفلي فخرت و زخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها، فذلت. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض و استقرت.

ثم إن الجبال فخرت على الأرض، فشمخت و استطالت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقرت الجبال و ذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد. ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها، فذلت. ثم إن الماء فخر و زخر، و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه، فذل الماء. ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أديالها، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال و اتخذ مایستتر به من الريح و غيرها، فذلت الريح.

ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره، فذل الإنسان.

ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحيیك أبدأ فترجي أو تخاف.

و قال صلی الله علیه و آله وسلم أيضا: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة.

ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره.(2)

ص: 198


1- الخرائج والجرائح: 2/ 662، عنه البحار: 49/ 49 ح48.
2- الكافي:148/8-149 ح129، عنه البحار: 54/ 99 - 100ح84، و في: 57/ 198 - 199ح1 (نحوه)، عن الخصال: 2/ 442 ح 34، ولاحظ حديث النبي صلی الله علیه و آله وسلم لشمعون بن لاوي في تحف العقول: 24، عنه البحار: 1/ 123 ح 11.

11 - [البرقي في المحاسن]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما خرج ملك القبط یریدهدم بیت المقدس، اجتمع الناس إلى حزقيل النبي علیه السلام ، فشكوا ذلك إليه، فقال: لعلي أناجي ربي الليلة. فلما جنه الليل ناجي ربه، فأوحى الله إليه: أني قد كفيتكهم، و كانوا قد مضوا (1)، فأوحى الله إلى ملك الهواء أن: أمسك عليهم أنفاسهم، فماتوا كلهم. فأصبح حزقيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم و أخبر قومه بذلك، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا. و دخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علیه السلام علي و قد أعطيت مثل هذا؟

قال علیه السلام: فخرجت قرحة على كبده فآذته، فخشع لله و تذلل و قعد على الرماد، فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج. ففعل فسكن عنه ذلك.(2)

12 - [المجلسي في البحار]، روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، و كانت على رأس العابد غمامة تظله. لما مر الخليع به، فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل، كيف أجلس بجنبه؟ و قال العابد: هو خليع بني إسرائيل، كيف يجلس إلي؟ فأنف منه، و قال له: قم عني.

فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع، و أحبطت عمل العابد.

وفي حديث آخر: فتحولت الغرامة إلى رأس الخليع. (3)

13 - [البرقي في المحاسن]، خالد الضيقل، عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن الله فوض الأمر إلى ملك من الملائكة، فخلق سبع سماوات و سبع أرضين، فلما رأى أن الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلي؟ فأرسل الله عليه نويرة من النار.

قلت: و ما النويرة؟ قال علیه السلام : نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق،فيحك

ص: 199


1- قال المجلسي قدس سره: (وكانوا قد مضوا)، أي: حزقيل وأصحابه خوفا من الملك، أو الملك وأصحابه بقدرة الله، فيكون موتهم بعد المضي في الطريق. وكون المضي بمعنى إتيانهم بيت المقدس بعيد. البحار: 185/63 ذیل ح1.
2- المحاسن: 2/ 553 - 554 ح902، عنه البحار: 13/ 383 ح 5، 184/63-185 ح1، وأورده الجزائري في القصص عن المحاسن: 314 - 315، وفي بعض النسخ بدل: (كفيتكهم) : (كفيتكم)وفي بعضها: (كفيتهم).
3- البحار: 70/ 198 ذیل ح1، مرآة العقول:190/10

(فتحللت) لذلك، حتى وصلت إلى نفسه، لما أن دخله العجب. (1)

14 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن داود الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: اتقوا الله، و لا يحسد بعضكم بعضا. إن عيسى ابن مريم علیهما السلام كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سیحه و معه رجل من أصحابه قصير، و كان كثير اللزوم لعيسى علیه السلام، فلما انتهى عيسى إلى البحر، قال: (بسم الله) بصحة يقين منه، فمشی على ظهر الماء. فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسی علیه السلام جازه: (بسم الله) بصحة يقين منه، فمشي على الماء و لحق بعیسی علیه السلام ، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عیسی روح الله يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء، فما فضله علي؟

قال علیه السلام : فرمس في الماء، فاستغاث بعیسی علیه السلام فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير؟ قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء، و أنا أمشي على الماء، فدخلني من ذلك عجب. فقال له عیسی: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز و جل مما قلت. قال: فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله، ولا يحسدن بعضكم بعضا.(2)

15 -[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، حفص بن غیاث، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:قال علیه السلام : من ذهب أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين.

فقلت: إنما یری أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي. فقال علیه السلام : هيهات هيهات، فلعله أن يكون غفر له ما أتی، و أنت موقوف محاسب، أما تلوت قصة سحرة موسی علیه السلام .. الحديث. (3)

16 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، عن بعض أصحابنا: إن الله سبحانه أوحي إلى موسی علیه السلام : إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه.فجعل موسى لا

ص: 200


1- المحاسن: 1/ 123 ح139، عنه البحار: 229/68 ح 5، وفي ثواب الأعمال: 251 (نحوه)، عنه البحار: 4/ 150 ح 5، 54/ 85 - 86 ح69، 317/99 ح 27، وأورده في الوسائل عن البرقي: 102/1 ح 244.
2- الكافي: 306/2 ح 3، عنه البحار: 254/14 - 255 ح 49، 244/70-245 ح 3، وعنه أيضا: قصص الجزائري: 411.
3- الكافي: 128/8 ح98، عنه البحار: 226/70 ح18، 224/75 - 225 ح 95، وأورده في مجموعة ورام: 2/ 137.

يعترض [يعرض] أحدا إلا و هو لا يجسر[يجترئ] أن يقول: إني خير منه.

فنزل عن الناس، و شرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: أصحب هذا، فجعل في عنقه حبلاً. ثم مر [جر] به، فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل و أرسله، فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده. فقال الله تعالى: و عزتي وجلالي، لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة.(1)

أقول، ويناسب الباب أيضا:

17 - [محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى داود بن فرقد، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم، و كان في علم الله أنه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحمية و الغضب، فقال: «خَلَقتَنی مِن نَارٍ وَ خَلَقتَهُ مِن طِینٍ» .(2)

الباب 37: حديث النفس بتسوية عمار مع سلمان وأبي ذر والمقداد (رضوان الله عليهم أجمعين)

1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: جعلت فداك، ما أقلنا، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال علیه السلام : ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلا و أشار بيده -: ثلاثة.

قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال علیه السلام : رحم الله عمارا أبا اليقظان،

ص: 201


1- عدة الداعی: 218.
2- الكافي: 2/ 308 ح 6، عنه البحار: 60/ 279ح133، 287/70ح5، قال المجلسي قدس سره في بيان الخبر: (بیان : (كانوا يحسبون أن إبليس منهم) أي في طاعة الله و عدم العصيان لمواظبته على عبادة الله تعالى في أزمنة متطاولة، و لم يكونوا يجوزون أنه يعصي الله و يخالفه في أمره لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين الجن و رفعوه إلى السماء، فهو من قبيل قولهم علیهم السلام : (سلمان منا أهل البيت). و يمكن أن يكون المراد کونه من جنسهم و یکون ذلك الحسبان لمشاهدتهم تباين أخلاقه ظاهرا للجن، و تکریم الله تعالى له و جعله بينهم بل رئيسا على بعضهم کما قيل، فظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن، أو يقال : كان الظان جمع من الملائكة لم يطلعوا على بدو أمره. (فاستخرج ما في نفسه) أي : أظهر إبليس ما في نفسه، أي : أخذته الحمية و الأنفة و العصبية و افتخر و تکبر على آدم بأن أصل آدم من طين و أصله من نار.. الخ) 287/70 ذیل ح 5.

بایع و قتل شهيدا. فقلت في نفسي: ماشيء أفضل من الشهادة. فنظر علیه السلام إلی ،فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات أيهات! . (1)

الباب 38: حديث النفس بان الشهادة خير من التسليم التام للإمام

1-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال علیه السلام: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلا - و أشار بيده -: ثلاثة.

قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال علیه السلام: رحم الله عمارا أبا اليقظان، بایع و قتل شهيدا. فقلت في نفسي: ماشيء أفضل من الشهادة. فنظر علیه السلام إلي، فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أیهات أيهات!.(2)

الباب 39: حديث النفس باختصاص الجنة لمن قال بمقالته وعرف كمال معرفته

1 - [الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة] ، جعفر الفزاري، عن محمد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام ، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد علیه السلام نظرت إلى ثياب بیاض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله!

ص: 202


1- الكافي:244/2ح 6، عنه البحار: 344/22 ح54، 164/64 ح8، قال المجلسي قدس سره في بيانه: (ما أقلنا) صيغة تعجب. (ما أفنيناها) أي: ما نقدر على أكل جميعها، و (أشار) كلام الراوي، والمراد به الإشارة بثلاثة أصابع من يده علیه السلام ، و (ثلاثة) كلام الإمام، والمراد بالثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد کما روى الكشي عن الباقر علیه السلام أنه قال : (ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد،قال الراوي : فقلت : فعمار؟ قال علیه السلام: كان جاض جيضة ثم رجع..) جاض أي عدل عن الحق و مال. وقال الجوهري : (هيهات) كلمة تبعید، و التاء مفتوحة مثل (کیف).
2- الكافي:244/2ح 6، عنه البحار: 344/22 ح54، 164/64 ح8،

فقال علیه السلام متبسما: یا كامل، و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لي: يا کامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت:یا سیدي، و من هم؟ قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ»(1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلى أبو محمد علیه السلام متبسما فقال: یا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجه من بعدي. فقمت و خرجت ولم أعاینه بعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به.(2)

الباب 40: حديث النفس بالمعصية والباطل

يوسف: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» (53)

1 -[ السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال]، بإسناده إلى هارون بن موسى التلعکبري، بإسناده إلى أبي عبد الله علیه السلام ، قال: تقول عند حضور شهر رمضان:

(اللهم هذا شهر رمضان المبارك الذي أنزلت فيه القرآن و جعلته هدى للناس وبينات من الهدى و الفرقان قد حضر، فسلمنا فيه و سلمه لنا و تسلمه منا في يسر منك و عافية.

و أسألك اللهم أن تغفر لي في شهري هذا و ترحمني فيه و تعتق رقبتي من النار .. اللهم

ص: 203


1- الإنسان: 30، التكوير: 29.
2- الغيبة: 246، عنه البحار: 25/ 336ح16، و 50/52 ولاحظ بعض فقراته في: 253/50 ح 35، و 65/ 117 ح5، و 163/69 ح20، و 302/76 ح 12، وأورده في دلائل الإمامة: 273 باب معرفة من شاهده صلوات الله عليه في حياة أبيه علیه السلام.

إني أستغفرك و أتوب إليك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه، و مما.. حدثت به نفسي مما هو لك معصية، و كل يمين زور، و من كل فاحشة و ذنب و خطيئة عملتها في سواد الليل و بياض النهار في ملاء أو خلاء مما علمته أو لم أعلمه، ذكرته أو لم أذكره، سمعته أو لم أسمعه، عصيتك فيه ربي طرفة عين، و فيما سواها من حل أو حرام تعديت فيه أو قصرت عنه، منذ يوم خلقني إلى يوم جلست مجلسي هذا، فإني أتوب إليك منه و أنت یا کریم تواب رحيم.. الدعاء.) (1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی بکر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر علیه السلام كتابا و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب علیه السلام إلى بحوائج، و في آخر کتابه: عندي سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل إمام.

و کنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله، فلما صرت إلى المدينة و دخلت عليه علیه السلام، نظر إلي فقال: استغفر الله لما أضمرت و لا تعد.

قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟ قال: لا أخبر به أحدا. قال: و خرج بإحدى رجلي العرق المدني، و قد قال لي قبل أن خرج العرق في رجلي، و قد عاهدته فكان آخر ما قال: إنه ستصيب وجعا فاصبر، فأيما رجل من شيعتنااشتکی فصبر و احتسب كتب الله له أجر ألف شهيد.

فلما صرت في بطن مر ضرب على رجلي و خرج بي العرق، فما زلت شاكيا أشهرا. و حججت في السنة الثانية، فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك، عوذ رجلي، و أخبرته أن هذه التي توجعني. فقال علیه السلام: لا بأس على هذه، أرني رجلك الأخرى الصحيحة. فبسطتها بين يديه و عوذها، فلا قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي فعلمت أنه عوذها قبل من الوجع، فعافاني الله من بعد. (2)

ص: 204


1- الإقبال: 49، عنه البحار: 329/94 ح 1 ، أقول: الدعاء طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- الخرائج: 1/ 387 - 388، عنه البحار: 53/50 ح 31، أقول: وأورد الخبر عبد الله وحسين ابنا بسطام في طب الأئمة علیهم السلام عن عبد الله بن سنان وذكر قريبا منه، إلى أن قال: (ثم إن الله عافاني ونفعتني العوذة، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك بإسمك الطاهر المطهر القدوس المبارك الذي من سألك به أعطيته ومن دعاك به أجبته، أن تصلي على محمد وآله، وأن تعافيني مما أجد في رأسي وفي سمعي وفي بصري وفي بطني وفي ظهري وفي يدي وفي رجلي وفي جسدي وفي جميع أعضائي وجوارحي، إنك لطيف لما تشاء، وأنت على كل شيء قدير). طب الأئمة علیهم السلام : 17

الباب 41: حديث النفس بالسياحة في الأرض

1- [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: جاء عثمان ابن مظعون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديث النفس، و لم أحدث شيئا حتى أستأمرك. قال صلی الله علیه و آله وسلم : بم حدثتك نفسك یاعثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم : فلا تسح فيها فإن سياحة أمتي المساجد..الحديث. (1)

2-[ ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي]، جاء في الحديث: كان عثمان بن مظعون من زهادالصحابة و أعيانها. حكي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين و قبله مرارا و نزل إلى قبره و ألحده بيده، ثم سوى قبره بيده. فجاء يوما إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال: يا رسول الله قد غلبني حديث النفس و لم أحدث شيئا حتى أستأمرك. فقال صلی الله علیه و آله وسلم: بم حدثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممت أن أسیح في الأرض. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فلا تسح فيها، فإن سياحة أمتي في المساجد.. الحديث.(2)

الباب 42: حديث النفس بهدم الكعبة وقتل أهل مكة وسبي ذريتهم

1 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال: كنت فيما بين مكة والمدينة أنا و صاحب لي، فتذاكرنا الأنصار، فقال أحدنا: هم نزاع من قبائل. و قال أحدنا: هم من أهل اليمن. قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو جالس في ظل شجرة، فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا: إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زماناً طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرماً و بنيتهم ربا أو ربة. فقال: إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم و سبيت ذريتهم و هدمت بنيتهم.

قال: فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه. قال: فدعا العلماء و أبناء الأنبياء، فقال:

ص: 205


1- دعائم الإسلام: 2/ 190 ح688.
2- عوالي اللآلي: 3/ 291 ح 53.

انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟ قال: فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم. قالوا: حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك. قال: و لم هذا؟ قالوا: لأن البلد حرم الله و البيت بيت الله و سکانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن علیه السلام . فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.

قال: فحدث نفسه بخير، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مکانهما. قال: فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم، ثم أتي البيت و كساه و أطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال، و نثرت الأعلاف في الأودية للوحش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.(1)

2 - [الطبرسي في مجمع البيان]، عن محمد بن إسحاق قال: أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء، فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك، قال: و بالمدينة إذ ذاك اليهود و الأوس و الخزرج، فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة، فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح، و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي، فقال له أحيحة: أيها الملك، نحن قومك، و قال بنيامين: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت.

قال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحاً قصفت يديه و رجليه، و شنجت جسده، فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟

قالوا: حدثت نفسك بشيء؟ قال: نعم. و ذکر ما أجمع عليه من هدم البيت وأصابه ما فيه. قالوا: ذاك بیت الله الحرام، ومن أراده هلك. قال: ويحكم، وما المخرج ممادخلت فيه؟

قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له. فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا والمروة و کسا البيت.. الخبر.(2)

ص: 206


1- الكافي: 4/ 215 ح 1، عنه البحار: 14/ 522 ح 6.
2- مجمع البيان: 396/10 ، عنه البحار: 15/ 133 ذیل ح 71، مرآة العقول: 241/5

الباب 43: حديث النفس بارتكاب الزنا

1- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسی علیه السلام ، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالى كاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.

قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال علیه السلام : إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت. (1)

2 - [المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا]، قال: حكي عن زید النساج، قال: كان لي جار و هو شيخ كبير عليه آثار النسك و الصلاح، و كان يدخل إلى بيته و يعتزل عن الناس ولا يخرج إلا يوم الجمعة.

قال زيد النساج: فمضيت يوم الجمعة إلى زيارة زين العابدين، فدخلت إلی مشهده و إذا أنا بالشيخ الذي هو جاري قد أخذ من البئر ماء و هو يريد أن يغتسل غسل الجمعة و الزيارة، فلما نزع ثيابه و إذا في ظهره ضربة عظيمة فتحتها أكثر من شبر و هي تسيل قيحا و مدة، فاشمأز قلبي منها فحانت منه التفاتة فرآني فخجل، فقال لي: أنت زید النساج؟ فقلت: نعم. فقال لي: يا بني عاوني على غسلي. فقلت: لا و الله لا أعاونك حتى تخبرني بقصة هذه الضربة التي بين كتفيك، و من كف من خرجت، و أي شيء كان سببها؟

فقال لي: يا زيد أخبرك بها بشرط أن لا تحدث بها أحداً من الناس إلا بعد موتي. فقلت: لك ذلك. فقال: عاوني على غسلي فإذا لبس أطماري حدثتك بقصتي. قال زيد: فساعدته فاغتسل ولبس ثيابه وجلس في الشمس وجلست إلى جانبه، وقلت له: حدثني يرحمك الله.

فقال لي: إعلم أنا كتا عشرة أنفس قد تواخينا على الباطل، و توافقنا على قطع الطريق وارتكاب الآثام. و كانت بيننا نوبة نديرها في كل ليلة على واحد منا، ليصنع لنا طعاما

ص: 207


1- الكافي: 5/ 532 ح7، عنه البحار: 14/ 331 ح 70، الوسائل: 318/20 - 319 ح 25719، وأورده في عوالي اللثالي: 3/ 546 - 547 ح8، أقول: قال الطريحي في مجمع البحرين : (زوقه تزويقاً) مثل : (زینته تزیینا)، وزنا و معنی، و هو حسنته.

نفيساً و خمراً عتيقاً و غير ذلك. فلما كانت الليلة التاسعة و كنا قد تعشينا عند واحد من أصحابنا و شربنا الخمر ثم تفرقنا و جئت إلى منزلي و نمث أيقظتني زوجتي و قالت لي: إن الليلة الآتية نوبتها عليك، و لا عندنا في البيت حبة من الحنطة. قال: فانتبهت و قد طار السكر من رأسي و قلت: كيف أعمل؟ و ما الحيلة؟ و إلى أين أتوجه؟ فقالت لي زوجتي: الليلة ليلة الجمعة و لا يخلو مشهد مولانا علي بن أبي طالب علیه السلام من زوار یأتون إليه يزورونه، فقم و امض و اکمن على الطريق فلا بد أن ترى أحداً فتأخذ ثيابه فتبيعها و تشتري شيئا من الطعام لتتم مروءتك عند أصحابك و تكافئهم على صنيعهم.

قال: فقمت و أخذت سيفي و حجفتي، و مضيت مبادراً و كمنت في الخندق الذي في ظهر الكوفة، و كانت ليلة مظلمة ذات رعد و برق، فأبرقت برقة فإذا أنا بشخصين مقبلين من ناحية الكوفة. فلما قربا مني برقت برقة أخرى فإذا هما امرأتان، فقلت في نفسي: في مثل هذه الساعة أتاني امرأتان. ففرحت و وثبت إليهما، و قلت لهما انزعا الحلي الذي عليكما سريعا. فطرحاه، فأبرقت السماء برقة أخرى، فإذا إحداهما عجوز و الأخرى شابة من أحسن النساء وجها، كأنها ظبية قناص أو درة غواص، فوسوس لي الشيطان على أن أفعل بها القبيح، و قلت في نفسي: مثل هذه الشابة التي لا يوجد مثلها حصلت عندي في هذا الموضع و أخليها؟ فراودتها عن نفسها، فقالت العجوز: يا هذا، أنت في حل مما أخذته منا من الثياب و الحلي، فخلنا نمضي إلى أهلنا، فو الله إنها بنت يتيمة من أمها و أبيها و أنا خالتها، و في هذه الليلة القابلة تزف إلى بعلها، و إنها قالت لي: يا خالة إن الليلة القابلة أزف إلى ابن عمي، و أنا و الله راغبة في زيارة سيدي علي بن أبي طالب علیه السلام، و إني إذا مضيت عند بعلي ربما لا يأذن لي بزيارته علیه السلام، فلما كانت هذه الليلة الجمعة خرجت بها لأزورها مولاها و سیدها أمير المؤمنين علیه السلام، فبالله عليك لا تهتك سترها و لا تفض ختمها و لا تفضحها بين قومها.

فقلت لها: إليك عني. و ضربتها و جعلت أدور حول الصبية و هي تلوذ بالعجوز و هي عريانة ما عليها غير السروال و هي في تلك الحال تعقد تكتها و توثقها عقداً فدفعت العجوز عن الجارية و صرعتها إلى الأرض و جلست على صدرهاو مسكت يديها بيد واحدة و جعلت أحل عقد التكة باليد الأخرى و هي تضطرب تحتي كالسمكة في يد الصياد و هي تقول: المستغاث بك يا الله، المستغاث بك يا علي بن أبي طالب علیه السلام ، خلصني

ص: 208

من يد هذا الظالم.

قال: فو الله، ما استتم كلامها إلا و حسست حافر فرس خلفي، فقلت في نفسي: هذا فارس واحد و أنا أقوى منه، و كانت لي قوة زائدة، و كنت لا أهاب الرجال قليلا أو كثيرا، فلما دنا مني فإذا عليه ثياب بيض و تحته فرس أشهب تفوح منه رائحة المسك. فقال لي: يا ويلك، خل المرأة. فقلت له: اذهب لشأنك فأنت نجوت و تريد تنجي غيرك. قال: فغضب من قولي، و نقفني بذبال سيفه بشيء قليل فوقعت مغشيا علي، لا أدري أنا في الأرض أو في غيرها، و انعقد لساني و ذهبت قوتي، لكني أسمع الصوت و أعي الكلام، فقال لهما: قوما البسا ثیابکما و خذا حليکما و انصرفا لشأنكما. فقالت العجوز: فمن أنت يرحمك الله، و قد من الله علينا بك، و إني أريد منك أن توصلنا إلى زيارة سيدنا و مولانا علي بن أبي طالب علیه السلام.

قال: فتبسم في وجوههما، و قال لهما: أنا علي بن أبي طالب. ارجعا إلى أهلكما فقد قبلت زیارتكما. قال: فقامت العجوز والصبية وقبلتا يديه ورجليه وانصرفتا في سرور وعافية.

قال الرجل: فأفقت من غشوتي و انطلق لساني، فقلت له: يا سيدي أنا تائب إلى الله على يدك، و إني لا عدت أدخل في معصيته أبدا. فقال: إن تبت تاب الله عليك. فقلت له: تبت، و الله على ما أقول شهيد. ثم قلت له: يا سيدي إن تركتني و في هذه الضربة هلكت بلا شك. قال: فرجع إلي و أخذ بيده قبضة من تراب ثم وضعها على الضربة، و مسح بيده الشريفة عليها، فالتحمت بقدرة الله تعالى.

قال زيد النساج: فقلت له: كيف التحمت وهذه حالها؟ فقال لي: و الله إنها كانت ضربة مهولة أعظم مما تراها الآن، و لكنها بقيت موعظة لمن يسمع ويري. (1)

الباب 44: حديث النفس بحنث النذر

1- [الشيخ في كتاب الغيبة] ، عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري القمي، قال: حدثني يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصبهان، قال:

حججت في سنة إحدى و ثمانین و مائتين، و ذكر دخوله في مكة و نزوله في بيت يعرف

ص: 209


1- البحار: 335/42 ح 22 باب ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات و الكرامات.

بدار الرضا علیه السلام، و فيها عجوز من خدام أبي محمد الحسن علیه السلام، و كانت تلقى الحجة علیه السلام و كانت واسطة بينه علیه السلام و بين يعقوب إلى أن قال:

فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستة رضوية من ضرب الرضا علیه السلام قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم علیه السلام ، و كنت نذرت و نویت ذلك، فدفعتها إليها و قلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة علیهاالسلام أفضل مما ألقيها في المقام و أعظم ثوابا، فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة علیهاالسلام ، و كان في نيتي أن الذي رأيه هو الرجل، و إنما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت و بقيت ساعة ثم نزلت فقالت: يقول علیه السلام لك: ليس لنا فيها حق،اجعلها في الموضع الذي نویت، و لكن هذه الرضوية خذ منا بدلها و ألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت.. الخبر.(1)

الباب 45: حديث النفس في الصلاة بامور الدنيا

اشارة

1- [ابن شهر آشوب في المناقب]، في تأويل قوله تعالى:«إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (2)، عن تفسير وكيع، والسدي، وعطاء، عن ابن عباس أنه قال: أهدي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ناقتان عظيمتان سمینتان، فقال صلی الله علیه و آله وسلم للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما و ركوعهما و سجودهما ووضوئهما و خشوعهما، لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، و لا يحدث قلبه بفكر الدنيا، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين؟ فقالها صلی الله علیه و آله وسلم مرة ومرتين و ثلاثا، لم يجبه أحد من أصحابه . فقام أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال: أنایا رسول الله أصلي ركعتين، أكبر التكبيرة الأولى إلى أن أسلم منهما، لا أحدث نفسي بشيء من أمور الدنيا، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا علي، صل صلى الله عليك.

قال: فكبر أمير المؤمنين علیه السلام ودخل في الصلاة، فلا سلم من الركعتين هبط جبرئيل علیه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: أعطه إحدى الاقتين.

ص: 210


1- الغيبة: 276، عنه البحار: 19/52 ح14، وأورده في جمال الأسبوع: 498، ولاحظ دلائل الإمامة: 302-301
2- ق: 37.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أنا شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء من أمور الدنيا أن أعطيه إحدى الناقتين، و إنه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ.

فقال جبرئیل: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: تفكر علیه السلام أيهما يأخذ أسمنهما فينحرها فيتصدق بها لوجه الله تعالى، فكان تفكره لله تعالى لا لنفسه ولا للدنيا. فبکی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أعطاه كلتيهما فنحرهما و تصدق بهما، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية يعني به أمير المؤمنين علیه السلام أنه خاطب نفسه في صلاته لله تعالى لم يتفكر فيها بشيء من أمور الدنيا. (1)

2- [فقه الرضا علیه السلام ]، باب الصلوات المفروضة، قال صلوات الله عليه: إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة، فلا تقم إليها متکاسلا و لا متناعسا و لا مستعجلا ولا متلاهيا، و لكن تأتيها على السكون و الوقار و التؤدة،- إلى أن قال علیه السلام :۔

واعلم أنك بين يدي الجبار، و لا تعبث بشيء من الأشياء، و لا تحدث لنفسك، و أفرغ قلبك، و ليكن شغلك في صلاتك، و أرسل يديك، ألصقهما بفخذيك، فإذا افتتحت الصلاة فكبر و ارفع يديك بحذاء أذنيك، و لا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك، و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك، و لا بأس بذلك في النافلة و الوتر، فإذا رکعت فألقم ركبتيك براحتيك، و تفرج بين أصابعك، و اقبض عليهما .. الخبر.(2)

3 - [الصدوق في علل الشرائع]، بإسناده إلى حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: عليك بالإقبال على صلاتك، فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه منها بقلبك، و لا تعبث فيها بيديك و لا برأسك و لا بلحيتك، و لا تحدث نفسك، و لا تتثاءب و لاتتمط ولا تكفر فإنها يفعل ذلك المجوس، ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك: (آمین)، فإن شئت قلت: (الحمد لله رب العالمين).. الخبر.(3)

4 -[ المجلسي في البحار، عن الشيخ محمد بن علي الجبعي رحمه الله ، نقلا من جامع البزنطي] بإسناده عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها، و لا تحدث نفسك

ص: 211


1- المناقب: 2/ 20، عنه الأسترابادي في تأويل الآيات: 593، عنه البحار: 161/36 ح142.
2- فقه الرضا علیه السلام: 99، عنه البحار: 81/ 205ح3 مع بعض التفاوت مع النسخة المطبوعة.
3- علل الشرائع: 2/ 358، عنه البحار: 81/ 201ح 2، وأورده في الكافي: 3/ 299 ح 1، وفي أوله: (إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال..)، وذكره في الوسائل عن الصدوق والكليني: 5/ 463 ح7081.

إن قدرت على ذلك، و اخضع برقبتك، و لا تلتفت فيها، ولا يجز طرفك موضع سجودك، و صف قدميك و أثبتهما، و أرخ يديك، و لا تكفر، و لا تورك.(1)

5 - [الشيخ في المصباح والسيد ابن طاووس في جمال الأسبوع]، صلاة أخرى لعلي علیه السلام : تصلي يوم الجمعة، فأول ما تبدأ به أن تقول عند وضوئك: (بسم الله .. الدعاء، ثم امض إلى المسجد وقل حين تدخله قبل أن تستفتح الصلاة - وذكر دعاءاً -، ثم أمكن قدميك من الأرض، و ألصق إحداهما بالأخرى، وإياك والإلتفات و حدیث النفس، واقرأ في الركعة الأولى: «الحَمدُ لِلهِ رَبِّ العَلَمِینَ» و«قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ» الخبر.(2)

6 - [الصدوق في الخصال]، أبو بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه علیهم السلام ، أن أميرالمؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه و دنياه، إلى أن قال علیه السلام :- و لا يقومن أحدكم في الصلاة متكاسلا ولا ناعسا، و لا يفكرن في نفسه، فإنه بين يدي ربه عز وجل، و إنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها بقلبه..الحديث.(3)

7 -[ الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي أن عليا علیه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليا إذا سلم من صلاة الفجر بالناس. فأتی خالد و جلس إلى جنب علي علیه السلام و معه سیف، فتفكر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله: أن بني هاشم يقتلونني إن قتل علي علیه السلام ، فلما فرغ من التشهد، التفت إلى خالد قبل أن يسلم و قال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.

فقال علي علیه السلام لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم. فمد علیه السلام يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و كادت عيناه تسقطان، و ناشده بالله أن يتركه، و شفع إليه الناس، فخلاه.. الخبر(4)

ص: 212


1- البحار: 81/ 222 ح 6، أقول: ذكر المجلس قدس سره في المصدر المذكور أقوال العلماء في معنى التورك، ومن جملتها قول الشهيد في النفلية، وهو أن التورك هو الإعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الأخرى أخرى، وقال العلامة في المنتهى أن التورك هو أن يعتمد بيديه على ورکيه.
2- مصباح المتهجد: 298، جمال الأسبوع: 258، عنهما البحار: 178/88 ح6
3- الخصال: 2/ 612ح10، عنه البحار:89/10 ح 1، 81/ 239 ح 21 من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : (لا يقومن أحدكم.. الحديث.) و الخصال: 476/5 ح7107.
4- الخرائج والجرائح: 2/ 757، عنه البحار:29/ 159 ، أقول:تمام الخبر في الباب 28، القسم الثاني، ح4.

تميم الباب: ما يعالج ويدفع به حديث النفس في الصلاة

1-[ محمد بن یعقوب في الكافي]، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتى رجل النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا رسول الله، أشكو إليك ما ألقي من الوسوسة في صلاتي، حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان.

فقال صلی الله علیه و آله وسلم : إذا دخلت في صلاتك، فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة(1)، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنك تنحره و تطرده .(2)

2 - [علي بن الحسن في مشكاة الأنوار]، عن السكوني قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا خفت حديث النفس في الصلاة فأطعن فخذك اليسرى بيدك اليمنى، ثم قل: بسم الله و بالله، توكلت على الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.(3)

3 -[ الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون، عن ابن زیاد، عن جعفر علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أتى الشيطان أحدكم و هو في صلاته فقال: إنك مراء، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت الفريضة، وإن كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، وإن كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح (فليرجع).. الحديث. (4)

4 - [المحدث النوري في المستدرك]، الشيخ حسين بن عبد الصمد في العقد الحسيني، قال: رويت عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن بعض الصحابة شكا إليه صلی الله علیه و آله وسلم الوسوسة، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلواتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ذلك شيطان يقال له: (خنرب)، فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعل ذلك فأذهب الله عني.

قال: و رويت عن ابن عباس أنه شكا إليه بعضهم الوسوسة، فقال: إذا وجدت في قلبك شيئا فقل: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (5)

ص: 213


1- المسبحة: إصبع تلي الإبهام لأنها تشاركها عند التسبيح (مجمع البحرین).
2- الكافي: 3/ 358 ح4، من لا يحضره الفقيه: 1/ 338 ح 984، وأورده في الجعفريات بتفاوت: 37، دعائم الإسلام: 1/ 190، وذكره في الوسائل عن الكليني: 8/ 249 - 250ح10560.
3- مشكاة الأنوار: 247، عنه البحار: 85/ 236 ح38.
4- قرب الإسناد: 41، عنه البحار:295/69ح20، وأورده في وسائل الشيعة:479/5 ح 7112.
5- مستدرك الوسائل: 425/6 ح 7140-3، والآية: الحديد: 3.

5 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام] ، حریز بن عبد الله السجستاني، عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، إني أجد بلابل في صدري و وساوس في فؤادي حتى لربما قطع صلاتي و شوش على قراءتي.

قال علیه السلام : وأين أنت من عوذة أمير المؤمنين علیه السلام ؟ قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علمني.

قال علیه السلام: إذا أحسست بشيء من ذلك فضع يدك عليه (1)و قل: بسم الله و بالله، اللهم مننت علي بالإيمان و أودعتني القرآن و رزقتني صيام شهر رمضان فامنن علي بالرحمة و الرضوان و الرأفة و الغفران و تمام ما أوليتني من النعم و الإحسان، يا حنان يا منان يا دائم یا رحمان سبحانك و ليس لي أحد سواك سبحانك أعوذ بك بعد هذه الكرامات من الهوان، و أسألك أن تجلي عن قلبي الأحزان.

تقولها ثلاثا فإنك تعافي منها بعون الله تعالى، ثم تصلي على النبي صلی الله علیه و آله وسلم و السلام عليهم و رحمة الله . (2)

6 - [حسین بن بسطام في طب الأئمة علیهم السلام]، عن عبد الله بن سنان قال: شکا رجل إلى أبي عبد الله علیه السلام كثرة التمني و الوسوسة، فقال علیه السلام : أمر يدك على صدرك ثم قل: بسم الله و بالله، محمد صلی الله علیه و آله وسلم رسول الله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم امسح عني ما أحذر. ثم أمر يدك على بطنك و قل ثلاث مرات، فإن الله تعالى يمسح عنك و يصرف. قال الرجل: فكنت كثيرا ما أقطع صلاتي مما يفسد علي التمني و الوسوسة، ففعلت ما أمرني به سيدي و مولاي ثلاث مرات فصرف الله عني و عوفيت منه فلم أحس به بعد ذلك. (3)

الباب 46: حديث النفس بنفي الحكمة من الخلقة

1 - [المجلسي في البحار، من كتاب الحسين بن سعيد و النوادر]، الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: سمعته علیه السلام يقول: إن داود النبي صلوات الله عليه كان

ص: 214


1- قال المجلسي قدس سره: بيان قوله علیه السلام : (فضع يدك عليه) أي على الفؤاد كما يظهر من الخبر الآتي أيضا، و لما كان الصدر محلا للفؤاد فينبغي وضع اليد على الصدر.
2- طب الأئمة علیهم السلام : 27، عنه البحار: 137/92 - 138 ح 1.
3- طب الأئمة علیهم السلام: 117، عنه البحار: 138/92 ح3.

ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدت حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود، و حدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة؟ فأوحى الله إليها: تكلمي. فقالت له: يا داود، هل سمعت حسي، أو استبنت على الصفا أثري؟ فقال لها داود: لا. قالت: فإن الله يسمع دبيبي ونفسي وحتي، ويرى أثر مشي، فاخفض من صوتك.(1)

الباب 47: حديث النفس بالشكوى من الله تبارك وتعالى

1- [الصدوق في الأمالي]، بالإسناد أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام فأذن لي، فلما جلست قال علیه السلام : يا أبا هاشم، أي نعم الله عز و جل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبو هاشم: فوجمت (2) فلم أدر ما أقول له علیه السلام .

فابتدأ علیه السلام، فقال: رزقك الإيمان، فحرم بدنك على النار، و رزقك العافية، فأعانتك على الطاعة، و رزقك القنوع، فصانك عن التبذل. یا أبا هاشم، إنما ابتدائك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها. (3)

الباب 48: حديث النفس بما لا يريد إظهاره للآخرين

1 -[ العياشي في تفسيره]، عن بكر بن محمد الأزدي عن عمه عبد السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال علیه السلام: يا عبد السلام، احذر الناس و نفسك. فقلت: بأبي أنت و أمي، أما الناس فقد أقدر على أن أحذرهم، و أما نفسي فكيف؟

قال علیه السلام: إن الخبيث يسترق السمع يجيئك فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي فيقول: قال عبدالسلام. فقلت: بأبي أنت وأمي هذاما حيلة له! قال قال علیه السلام : هو ذاك.(4)

ص: 215


1- البحار: 311/90 ح 15، 17/14 ح 29، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب الزهد:64 ح170.
2- قال في لسان العرب: الواجم: الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
3- الأمالي:412 ح 11، عنه البحار: 129/50 ح 69 ، 326/7 ح 7، وأورده في الفقيه:4/ 401 ح5863.
4- تفسير العياشي: 2/ 239 ح3، عنه البحار: 60/ 220 - 221 ح62، وعنه أيضا تفسير نور الثقلين للحويزي : 4/3، وفي المصدر: (إن الخبيث المسترق السمع).

ص: 216

الفصل الحادي عشر : حديث النفس بالطاعة وبما ينبغي

اشارة

ص: 217

ص: 218

الباب 1: حديث النفس بعدم الوهية غير الله تبارك وتعالى

1 - [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]، عن ابن عباس، في جواب أمير المؤمنين علیه السلام عن سؤال اليهودي الذي سأله عن قصة أصحاب الكهف وأسمائهم وعددهم واسم کلبهم واسم کهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم، فقال علي علیه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود،- إلى أن قال علیه السلام: - فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له:( تمليخا)، و كان غلاما، فقال في نفسه: لو كان دقیانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع، و ما كان يبول و لا يتغوط، و ما كان ينام، و ليس هذه من فعل الإله.

قال علیه السلام : و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم، و کانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه، قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام و الشراب و المنام. قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء، فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد و لا علاقة من فوقها؟ و من أجرى فيها شمسا و قمرا آيتان مبصرتان [آیتین مبصرتين؟] و من زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض، فقلت : من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ و أطلت فكري في نفسي: من أخرجني جنينا من بطن أمي، و من غذاني؟ و من رباني؟ إن لها صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك، و ما هو إلا ملك الملوك، و جبار السماوات.

فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها و قالوا: بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشرعلينا.. الخبر.(1)

ص: 219


1- قصص الأنبياء: 258ح300، عنه البحار: 414/14 ح 1، وأورده الجزائري عنه أيضا: 443، والديلمي في إرشاد القلوب بحذف الإسناد: 361/2

الباب 2: حديث النفس بربوبية الله تعالى وقدرته وعلمه وسائر كمالاته ونفي النقائص عنه

1- [الصدوق في علل الشرائع]، عن صالح بن سعيد الترمذي، عن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه: أن إدريس علیه السلام كان رجلا طويلا ضخم البطن، عريض الصدر، قليلا شعر الجسد، كثيرا شعر الرأس، و كانت إحدى أذنيه أعظم من الأخرى، و كان دقيق الصدر، دقيق المنطق، قریب الخطا إذا مشى، و إنما سمي (إدريس) لكثرة ما كان يدرس من حكم الله عز و جل و سنن الإسلام و هو بين أظهر قومه.

ثم إنه فكر في عظمة الله و جلاله، فقال: إن لهذه السماوات و لهذه الأرضین و لهذا الخلق العظيم و الشمس و القمر و النجوم و السحاب و المطر و هذه الأشياء التي تكون لربا يدبرها و يصلحها بقدرته، فكيف لي بهذا الرب فأعبده حق عبادته؟

فجلا بطائفة من قومه فجعل يعظهم و يذكرهم و يخوفهم و يدعوهم إلى عبادة خالق هذه الأشياء، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد حتى صاروا سبعة، ثم سبعين، إلى أن صاروا سبعمائة. ثم بلغوا ألفا، فلما بلغوا ألفا قال لهم: تعالوا نختر من خيارنا مائة رجل. فاختاروا من خيارهم مائة رجل، و اختاروا من المائة سبعين رجلا، ثم اختاروا من السبعين عشرة، ثم اختاروا من العشرة سبعة، ثم قال لهم: تعالوا فليدع هؤلاء السبعة و ليؤمن بقيتنا، فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته.

فوضعوا أيديهم على الأرض و دعوا طويلا، فلم يتبين لهم شيء، ثم رفعوا أيديهم إلى السماء فأوحى الله عز و جل إلى إدريس علیه السلام و نبأه و دله على عبادته و من آمن معه، فلم يزالوا يعبدون الله عز و جل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عز و جل إدريس علیه السلام إلى السماء و انقرض من تابعه على دينه إلا قليلا. ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك و أحدثوا الأحداث و أبدعوا البدع حتى كان زمان نوح علیه السلام.(1)

2. [تفسير الإمام العسكري علیه السلام ]، قال الله تعالى في قصة يحيي علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام -:

ص: 220


1- علل الشرائع: 1/ 27 ح 1، عنه البحار: 11/ 270 ح 1، وأورده الجزائري أيضا في قصصه عن العلل: 60.

«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(1)يعني تا رأی زکریا علیه السلام عند مریم فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء، و قال لها: «يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2)، و أيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا و إن كنت شيخا و كانت امرأتي عاقرا، ف «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ » فقال: «قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»

قال الله عز و جل: «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» يعني نادت زکریا علیه السلام،«وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» قال: «مُصدِّقَاً» بعيسى علیه السلام، يصدق يحیی بعیسی،«وَسیِّدَاً» ، يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته، «وَحَصُورَاً» و هو الذي لا يأتي النساء، «وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(3) الحديث.(4)

3 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن رجاء بن أبي الضحاك، عن الرضا علیه السلام في حديث أنه علیه السلام كان يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد و آله، و يكثر من ذلك في الصلاة و غيرها، و كان إذا قرأ «قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ» ، قال علیه السلام سرا: (هو الله أحد)، فإذا فرغ منها قال: (كذلك الله ربنا) ثلاثا.. الخبر.(5)

4. [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: «للهِ الامرُ مِن قَبلُ وَمَن بَعدُ»(6)، فقال علیه السلام : له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.

فقلت في نفسي: هذا قول الله:«ألَا لَهُ الخَلقُ وَ الامرُ تَبَارَکَ اللهُ رَ بُّ العَالَمینَ»(7).

ص: 221


1- آل عمران: 38
2- آل عمران: 37
3- آل عمران: 39
4- تفسير الإمام: 659، عنه البحار: 185/14-187 ح36.
5- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 182 ح 5، عنه البحار: 91/49 ح7، 32/82 ح32، 217/89 ح2، وأورده فی الوسائل :73/6 ح 7380.
6- . الروم: 4.
7- الأعراف: 54.

فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك،«ألَا لَهُ الخَلقُ وَالامرُ تَبَارَکَ اللهُ رَبُّ العَالَمِینَ»قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه. (1)

5- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام و الخصال]، تميم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت علي بن موسى الرضا علیهما السلام يقول: أوحى الله عزو جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله - إلى أن قال علیه السلام : - فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا! و بقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.. الحديث.(2)

6- [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام ]، عن عبد الله بن عباس قال: لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود، فسألوه عن أقفال السماوات ما هي؟ و عن مفاتيح السماوات ما هي؟ و عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وعمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس؟ و عن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لن يخلقوا في الأرحام؟ و ما يقول الدراج في صياحه؟ و ما يقول الديك و الفرس و الحمار و الضفدع و القنبر؟

فنکس عمر رأسه و قال: يا أبا الحسن، ما أری جوابهم إلا عندك.

فقال لهم علي علیه السلام: إن لي عليكم شريطة إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا. قالوا: نعم- وأسرد الخبر إلى أن قال:۔

و كانت الأحبار ثلاثة، فوثب اثنان و قالا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا صلی الله علیه و آله وسلم عبده و رسوله. قال: فوقف الحبر الآخر و قال: يا علي، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي، و لكن بقيت خصلة أسألك عنها.

فقال علي علیه السلام : سل. قال: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فاتوا ثلاثمائة و تسع سنين، ثم أحياهم الله، ما كان قصتهم؟

ص: 222


1- الخرائج والجرائح: 686/2 ، عنه البحار: 4/ 115ح41، 50/ 257ح13.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 1/ 275 - 276ح 12، الخصال: 1/ 267ح 2، عنهما البحار: 456/14-457 ح 9، 418/68 ح48، 250/72 ح23، 74/ 18ح 1، 444/75 ح 1، مشكاة الأنوار: 308، أقول: تمام الخبر في الباب: 22، ح 2 من هذا الفصل، وكذا في الفصل : 13، الباب: 6، القسم التاسع، ح 7.

فابتدأ علي علیه السلام و أراد أن يقرأ سورة الكهف، فقال الحبر: ما أكثر ما سمعنا قرآنكم، فإن کنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء، و بأسمائهم و عددهم و اسم کلبهم و اسم کهفهم و اسم ملكهم و اسم مدينتهم.

فقال علي علیه السلام : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود، حدثني محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها: أقسوس [أفسوس]، و كان لها ملك صالح فمات ملكهم، فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له: دقیانوس، فأقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة أقسوس [أفسوس] فاتخذها دار مملكته و اتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ، و اتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك، من الرخام الممرد، و اتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب، و اتخذ ألف قنديل من ذهب، لها سلاسل من اللجين (1) تسرج بأطيب الأدهان، ۔ إلى أن قال علیه السلام:۔

فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له:

(تمليخا)، و كان غلاما، فقال في نفسه: لو كان دقیانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع، و ما كان يبول و لا يتغوط، وما كان ينام، و ليس هذه من فعل الإله.

قال: و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم، و كانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه، قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام و الشراب و المنام. قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء، فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آیتان مبصرتان [آيتين مبصرتين]؟ ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض، فقلت: من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ و أطلت فکري في نفسي: من أخرجني جنينا من بطن أمي، و من غذاني؟ و من رباني؟ إن لها صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك، و ما هو إلا ملك الملوك، و جبار السماوات.

فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها وقالوا: بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشر

ص: 223


1- اللجين: الفضة، جاء مصغرا (لسان العرب).

علينا.

قال: فوئب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم، و صرها في ردنه و ركبوا خيولهم و خرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تملیخا: يا إخوتاه، جاءت مسكنة الآخرة و ذهب ملك الدنيا، انزلوا عن خيولكم و امشوا على أرجلكم لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا و مخرجا.

فنزلوا عن خيولهم و مشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما. قال علیه السلام: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي: عندي ما تحبون، و لكن أرى وجوهكم وجوه الملوك و ما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك.

قالوا: يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها و يقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، و لكن أمهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها و ألحق بكم. فتوقفواله فرد الأغنام و أقبل يسعى يتبعه الكلب له..الخبر.(1)

الباب 3: حديث النفس في الدقة في مسالة الشرك والتحرز من استحقار الذنوب

1۔ [ابن شهرآشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل:(ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا). فقلت في نفسي: إن هذا هو الدقيق ! ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره ومن نفسه كل شيء.

فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود(2)

ص: 224


1- قصص الأنبياء للراوندي: 258ح300، عنه البحار: 14/ 414 ح 1، وأورده الجزائري عنه أيضا في القصص: 443،والديلمي في إرشاد القلوب بحذف الإسناد: 361/2.
2- المناقب: 4/ 439، الغيبة: 207، عنهما البحار: 250/50 ح، و 359/70 ح78، وأورده في إعلام الوری: 374، کشف الغمة: 2/ 420، الخرائج والجرائع: 2/ 688 إلى قوله: (الليلة الظلماء).

الباب 4: حديث النفس بالتوكل على الله تعالى والتفويض إليه والرضا بقضائه

1 - [الصدوق في إكمال الدين]، سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له: أحمد ابن فارس الأديب يقول: سمعت ب(همذان) حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أثبتها له بخطي و لم أجد إلى مخالفته سبيلا، و قد كتبتها و عهدتها إلى من حکاها، و ذلك أن بهمذان ناسا يعرفون ب(بني راشد) و هم كلهم يتشيعون و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشیعهم من بين أهل همذان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا و سمتا: إن سبب ذلك أن جدنا الذي ننسب إليه خرج حاجا فقال: إنه لما صدر من الحج و ساروا منازل في البادية قال: فنشطت في النزول والمشي، فمشيت طويلا حتى أعييت و تعبت، و قلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس، ولم أر أحدا، فتوحشت و لم أر طريقا و لا أثرا، فتوكلت على الله عز وجل، و قلت: أسير حيث وجهني. و مشیت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، و إذا تربتها أطيب تربة و نظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف، فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده و لم أسمع به؟

فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا علي ردا جميلا و قالا: اجلس فقد أراد الله بك خيرا. و قام أحدهما فدخل و احتبس غير بعيد، ثم خرج فقال: قم فادخل. فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوأ منه، و تقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل. فدخلت البيت فإذا فتی جالس في وسط البيت و قد علق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمس رأسه، و الفتی بدر يلوح في ظلام، فسلمت فرد السلام بألطف الكلام و أحسنه، ثم قال لي: أتدري من أنا؟

فقلت: لا و الله. فقال: أنا القائم من آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف . -و أشار إليه -، فأملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. فسقطت على وجهي و تعفرت، فقال: لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان.

ص: 225

قلت: صدقت یا سیدی و مولاي. قال: فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيدي، و أبشرهم بما أتاح الله عز و جل لي. فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي وناولني صرة و خرج و مشی معي خطوات، فنظرت إلى ظلال و أشجار و منارة مسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأستاباد و هي تشبهها. قال: فقال: هذه أستاباد، امض راشدا.

فالتفت فلم أره و دخلت أستاباد و إذا في الضرة أربعون أو خمسون دینارا، فوردت همذان و جمعت أهلي و بشرتهم بما أتاح الله لي و يسره عز وجل، و لم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.(1)

2 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن أسباط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لقي الحسن بن علي علي علیهما السلام عبد الله بن جعفر رضی الله عنه، فقال علیه السلام : يا عبد الله، كيف يكون المؤمن مؤمنا و هو يسخط قسمه و يحقر منزلته و الحاكم عليه الله؟ و أنا الضامن لمن لم یهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له. (2)

قال المجلسي قدس سره : في القاموس: هجس الشيء في صدره يهجس: خطر بباله، أو هو أن يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس، و يدل على أن الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.

الباب 5: حديث النفس فيما بدا لله عز وجل

1 -[ الشيخ في الغيبة]، سعد بن عبد الله، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري علیه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر، و قد كان أشار إليه و دل عليه، و إني لأفكر في نفسي و أقول: هذه قصة أبي إبراهيم علیه السلام و قصة إسماعيل.

فأقبل علي أبو الحسن علیه السلام و قال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي جعفر، و صير مكانه أبا محمد علیه السلام، کما بدا له في إسماعيل بعد ما دل عليه أبو عبد الله علیه السلام و نصبه، و هو كما

ص: 226


1- کمال الدين: 2/ 453 - 454 ح20، عنه البحار: 40/52-42 ح30، وقال المجلسي قدس سره في ذيله:روى الراوندي مثل هذه القصة عن جماعة سمعوها منهم.
2- الكافي: 2/ 62 ح 11، عنه البحار: 351/43 ح25، 335/69 ح23، وأورده في مشكاة الأنوار: 301، والوسائل: 3/ 251 ح 3549.

حدثتك نفسك و إن كره المبطلون. أبو محمد علیه السلام ابني، الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، و معه آلة الإمامة و الحمد لله .(1)

2. [محمد بن يعقوب في الكافي] ، علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، و إني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما - أعني أبا جعفر و أبا محمد علیه السلام - في هذا الوقت كأبي الحسن موسی علیه السلام و إسماعيل ابني جعفر بن محمد علیه السلام، و إن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد علیه السلام المرجی بعد أبي جعفر، فأقبل علي أبو الحسن علیه السلام قبل أن أنطق، فقال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي محمد علیه السلام بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسی علیه السلام بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله، و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون، و أبو محمد علیه السلام ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، و معه آلة الإمامة. (2)

الباب 6: حديث النفس بالإخلاص

1 - [المجلسي في البحار، عن أسرار الصلاة]، روي : أن رجلا من بني إسرائيل قال: و الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي، و صائما لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدةطويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.

فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلانا، الآن أقبل على الخير.(3)

ص: 227


1- الغيبة: 82- 83، و 200، عنه البحار: 241/50 ح6.
2- الكافي: 1/ 327 ح10، وأورده في الإرشاد: 318/2 عن أبي القاسم عن محمد بن يعقوب، وكشف الغمة: 406/2.
3- البحار: 369/68 ح 20.

الباب 7: حديث النفس بترك الإلمام بالاصنام وعبادتها

1-[ الطبرسي في مجمع البيان]، في قوله تعالى: «وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ»(1) قال الطبرسي رحمه الله: في سبب نزوله أقوال:

أحدها: أن قريشا قالت للنبي صلی الله علیه و آله وسلم: لا ندعك تستلم الحجر حتى تلم بآلهتنا. فحدث نفسه و قال: ما علي في أن ألم بها و الله يعلم أني لها لكاره و يدعونني أستلم الحجر، فنزلت. عن ابن جبير.. الخ.(2)

الباب 8: حديث النفس بنبوة النبي وإمامة الإمام علیهما السلام والإعتقاد الصحيح، وفيه ما يتعلق بدلالة الإمامة وعلامات الإمام

1- [الصدوق في إكمال الدين]، علي بن مهزیار، عمن ذكره، عن موسی بن جعفر علیهما السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي رضی الله عنه؟

قال علیه السلام: نعم، حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و آله و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام لسلمان: یا با عبد الله، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟

فقال سلمان: و الله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته - وساق الخبر إلى أن قال: فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: و الله ما هؤلاء كلهم أنبياء، و إن فيهم نبيا. قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط و الغمامة تسير معهم، فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام و أبو ذر و المقداد و عقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل، و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لهم: كلوا الحشف و لا تفسدوا على القوم شيئا. فدخلت على مولاتي فقلت لها: يامولاتي، هبي لي طبقا من رطب. فقالت: لك ستة أطباق.

ص: 228


1- الإسراء: 73.
2- مجمع البيان: 6/ 277، عنه البحار: 17/ 53.

قال: فجئت فحملت طبقا من رطب، فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة و يأكل الهدية، فوضعته بين يديه فقلت: هذه صدقة. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : كلوا و أمسك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب، و قال لزيد: مد يدك و کل. فأكلوا و قلت في نفسي: هذه علامة. فدخلت إلى مولاتي، فقلت لها: هبي طبقا آخر. فقالت: لك ستة أطباق. قال: جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية. فمد صلی الله علیه و آله وسلم يده قال: بسم الله، کلوا فمد القوم جميعا أيديهم و أكلوا. فقلت في نفسي: هذه أيضا علامة. قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلی الله علیه و آله وسلم التفاتة، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا روزبه، تطلب خاتم النبوة؟

فقلت: نعم، فکشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه، عليه شعرات. قال: فسقطت على قدم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أقبلها.. الخبر.(1)

2 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، سلمة اللؤلؤي، عن رجل، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان و أبي ذر؟

فقال الرجل - و أخطأ -: أما إسلام سلمان فقد عرفته، فأخبرني بإسلام أبي ذر فقال علیه السلام: إن أبا ذر كان في بطن مر يرعى غنما له، فأتي ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر، ثم قال له أبو ذر: ما رأيت ذئبا أخبث منك و لا شرا.

فقال له الذئب: شر و الله مني أهل مكة، بعث الله عز وجل إليهم نبيا فكذبوه و شتموه. فوقع في أذن أبي ذر، فقال لامرأته: هلمي مزودي و إداوتي و عصای ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب و ما أتاه به، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة و قد تعب و نصب، فأتی زمزم و قد عطش، فاغترف دلوا فخرج لبن، فقال في نفسه: هذا و الله يدلني على أن ما خبرني الذئب و ما جئت له حق. فشرب و جاء إلى جانب من جوانب المسجد، فإذا حلقة من قریش، فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي صلی الله علیه و آله وسلم كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم و الشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه..

ص: 229


1- کمال الدين: 1/ 161 -165ح 21، عنه البحار: 22/ 355 - 359 ح 2، وأورده في روضة الواعظين: 2/ 275 - 278.

- إلى أن قال - فقال أبو عبد الله علیه السلام : هذا حديث أبي ذر و إسلامه رضی الله عنه و أما حديث سلمان فقد سمعته. فقال: جعلت فداك، حدثني بحديث سلمان.

فقال علیه السلام : قد سمعته. ولم يحدثه لسوء أدبه. (1)

3 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى الحسين بن عمر بن یزید، قال: دخلت على الرضا علیه السلام و أنا يومئذ واقف، و قد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست و أمسك عن السابعة. فقلت: والله لأسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة. فسألته فأجاب علیه السلام بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست، فلم يزد في الجواب واوا و لا ياء و أمسك عن السابعة، و قد كان أبي قال لأبيه: إني أحتج عليك عند الله يوم القيامة أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما، فوضع علیه السلام يده على عنقه ثم قال له: نعم، احتج على بذلك عند الله عز وجل، فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي.

فلما ودعته علیه السلام قال: إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلي ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: و الله ما كان لهذا ذكر. فلا مضيت و کنت في بعض الطريق خرج بي عرق المديني، فلقيت منه شدة. فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه علیه السلام و قد بقي من وجعي بقية، فشكوت إليه و قلت له: جعلت فداك، عوذ رجلي، و بسطتها بين يديه.

فقال علیه السلام لي: ليس على رجلك هذه بأس، و لكن أرني رجلك الصحيحة. فبسطتها بين يديه فعوذها. فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتى خرج بي العرق و كان وجعه يسيرا.(2)

4 - [المجلسی في البحار من کتاب مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش]، بطريقين إلى سلمان و البراء، قالا: قالت أم سلیم: کن امرأة قد قرأت التوراة و الإنجيل فعرفت أوصياء الأنبياء و أحببت أن أعلم وصي محمد صلی الله علیه و آله وسلم فلما قدمت رکابنا المدينة أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و خلفت الركاب مع الحي فقلت: يا رسول الله - إلى أن قال: - قد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصيا واحدا في حياتك و بعد وفاتك، فبين لي بنفسي

ص: 230


1- الكافي: 297/8 - 299 ح 457، وأورده الصدوق في الأمالي مسندا عن أبي بصير (نحوه)، وقال في أوله: (قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام لرجل من أصحابه) وأسرد الخبر، وليس فيه قوله علیه السلام في آخره: (هذا حديث أبي ذر .. وأما حديث سلمان فقد سمعته.. الخ). راجع الأمالي: 479-482 ، عنه البحار: 421/22 - 423 ، أقول: تمام الخبر في الفصل: 13، الباب 6، القسم السابع، ح3.
2- الكافي: 354/1 ح10، عنه البحار: 67/49 ح88.

أنت يا رسول الله من وصيك؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن لي وصيا واحدا في حياتي و بعد وفاتي. قلت له: من هو؟

فقال صلی الله علیه و آله وسلم: ایتيني بحصاة. فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه، ثم فركها بیده کسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه صلی الله علیه و آله وسلم، فبدا النقش فيها للناظرين، ثم أعطانيها و قال: يا أم سليم، من استطاع مثل هذا فهو وصيي. قالت: ثم قال لي: يا أم سليم، وصیي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن. فنظرت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و قد ضرب بيده اليمنى إلى السقف و بيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلی الأرض ولا يرفع نفسه بطرف قدميه.

قالت: فخرجت فرأيت سلمان يكنف عليا علیه السلام و يلوذ بعقوته(1) دون من سواه من أسرة محمد صلی الله علیه و آله وسلم وصحابته على حداثة من سنه. فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي، صاحب الأوصياء و عنده من العلم ما لم يبلغني، فيوشك أن يكون صاحبي.

فأتيت علياً فقلت: أنت وصی محمد صلی الله علیه و آله وسلم ؟ قال علیه السلام: نعم، ما تريدين؟ قلت: وما علامة ذلك؟ فقال علیه السلام: ایتيني بحصاة. قالت: فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين. ثم مشى علیه السلام نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فالتفت علیه السلام إلي ففعل مثل الذي فعله صلی الله علیه و آله وسلم، فقلت: من وصيك يا أبا الحسن؟ فقال علیه السلام : من يفعل مثل هذا.. الخبر.(2)

5- [ابن شهرآشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى

ص: 231


1- قال الجوهري: العقوة: الساحة وماحول الدار، يقال: مايطوربعقوته أحدأي: مايقربها (عن البحار).
2- البحار: 25/ 185 ح 6.

غرق بالمطر. و عاد علیه السلام و هو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة. (1)

6 -[ المجلسی في البحار من کتاب مجموع الدعوات للتلعکبري]، عن علي بن يقطين ابن موسى الأهوازي، قال: كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، و كان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام ما أستهزئ به و لا أقبله. فدعتني الحال إلى دخول سر من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلما كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح، و ركب أبو الحسن علیه السلام في زي الشتاء و عليه لبادة برنس و على سرجه تجفاف طويل، و قد عقد ذنب دابته و الناس يهزأون به و هو يقول: ألا «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» (2).

فلما توسطوا الصحراء و جازوا بين الحائطين ارتفعت سحابة و أرخت السماء عزاليها و خاضت الدواب إلى ركبها في الطين و لوثتهم ذنابها، فرجعوا في أقبح زي و رجع أبو الحسن علیه السلام في أحسن زي و لم يصبه شيء مما أصابهم. فقلت: إن كان الله عز و جل أطلعه على هذا السر فهو حجة، و جعلت في نفسي أن أسأله عن عرق الجنب، فقلت: إن هو علیه السلام أخذ البرنس عن رأسه و جعله على قربوس سرجه ثلاثا فهو حجة. ثم إنه علیه السلام لجأ إلى بعض السقائف فلما قرب نحى البرنس و جعله على قربوس سرجه ثلاث مرات، ثم التفت علیه السلام إلى و قال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام. فصدقته علیه السلام و قلت بفضله و لزمته.. الخبر.(3)

7- [الخرائج و الجرائح]، قال يحيى بن المرزبان: التقيت مع رجل من أهل السيب سیماه الخير فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة و القول في أبي محمد علیه السلام و غيره، فقلت: لا أقول به أو أرى منه علامة. فوردت العسكر في حاجة، فأقبل أبو محمد علیه السلام،

ص: 232


1- المناقب:413/4 ، عنه البحار: 50/ 173 ذیل ح13، 117/77 ح5.
2- هود: 81.
3- عنه البحار: 87/ 142 - 143.

فقلت في نفسي متعنتا: إن مد علیه السلام يده إلى رأسه فكشفه، ثم نظر ورده قلت به.

فلما حاذاني، مد يده إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه في ثم ردهما، ثم قال علیه السلام: یا یحیی، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة؟ قلت: خلفته صالحا. قال علیه السلام : لا تنازعه. ثم مضي.(1)

8 -[ الصدوق في إكمال الدين]، قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب: حدثنا أبو الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام و أحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتبا وقال: تمضي بها إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل.

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك، فمن؟ قال علیه السلام: من طالبك بجوابات کتبي فهو القائم بعدي.

فقلت: زدني. فقال علیه السلام: من يصلي علي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني.

فقال علیه السلام: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته علیه السلام أن أسأله ما في الهميان. و خرجت بالكتب إلى المدائن و أخذت جواباتها، و دخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي علیه السلام ، فإذا أنا بالواعية في داره و إذا أنا بجعفر بن على أخيه بباب الدار و الشيعة حوله يعزونه و یهنئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ و يقامر في الجوسق(2)، و يلعب بالطنبور. فتقدمت فعزيت و هنیت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد کفن أخوك فقم للصلاة عليه.

فدخل جعفر بن علي و الشيعة من حوله يقدمهم السمان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفربن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي

ص: 233


1- الخرائج والجرائع: 435/1، عنه البحار: 270/50 ح35، وأورده في كشف الغمة: 2/ 428
2- الجوسق: القصر( البحار).

بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ(1) رداء جعفر بن علي و قال: تأخريا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي.

فتأخر جعفر و قد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه علیه السلام، و دفن إلى جانب قبر أبيه علیه السلام . ثم قال: يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك. فدفعتها إليه و قلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان.

ثم خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي؟ ليقيم عليه الحجة، فقال: والله مارأيته قط ولا عرفته. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي صلوات الله عليه فعرفوا موته، فقالوا: فمن نعزي؟

فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنأوه وقالوا:معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول:يريدون منا أن نعلم الغيب.

قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان و فلان و هميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلسة. فدفعوا الكتب و المال و قالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام. فدخل جعفر بن علي على المعتمد و کشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية و طالبوها بالصبي فأنكرته و ادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، و بغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة و خروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم و الحمد لله رب العالمين لا شريك له.(2)

9- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی أبو محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل کاتب إبراهيم بن محمد قال: كنا أجرينا ذكر أبي الحسن علیه السلام فقال لي: يا أبا محمد، لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي و على أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم و الشتم، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن علیه السلام، فخرجنا إلى المدينة. فلما خرج علیه السلام و صرنا في بعض الطریق و طوينا المنزل - و كان منزلا صائفا شديد الحر-، فسألناه علیه السلام أن ينزل، فقال علیه السلام : لا.

ص: 234


1- جبذ أي جذب (البحار).
2- کمال الدین: 2/ 475 - 476، عنه البحار: 50/ 332 - 333 ح 5، 52/ 67 – 68 ح53 ، وأورده في الخرائج: 1101/3 - 1104.

فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب، فلما اشتد الحر و الجوع و العطش فبینما و نحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا و لا ظل ولا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه، قال علیه السلام: و ما لكم؟ أحسبكم جياعا و قد عطشتم.

فقلنا: إي و الله يا سيدنا قد عيينا. قال علیه السلام : عرسوا و كلوا و اشربوا. فتعجبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه و لا نرى ماء و لا ظلا.

فقال علیه السلام: ما لكم عرسوا. فابتدرت إلى القطار لأنيخ، ثم التفت و إذا أنا بشجرتين عظيمتين تستظل تحتهما عالم من الناس، و إني لأعرف موضعهما إنه أرض براح قفراء، و إذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده، فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا، و إن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، و جعلت أحد النظر إليه أتأمله طويلا، و إذا نظرت إليه تبسم و زوی وجهه عني. فقلت في نفسي: و الله لأعرفن هذا كيف هو، فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرین و تغوطت في ذلك الموضع و تهيأت للصلاة. فقال أبو الحسن علیه السلام: استرحتم؟ قلنا: نعم. قال: فارتحلوا على اسم الله. فارتحلنا، فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر و السيف کما وضعت و العلامة، و كأن الله لم يخلق ثم شجرة و لا ماء و لا ظلالا و لا بللا، فتعجبت من ذلك، و رفعت يدي إلى السماء، فسألت الله الثبات على المحبة و الإيمان به و المعرفة منه، و أخذت الأثر، فلحقت القوم.

فالتفت إلى أبو الحسن علیه السلام و قال: يا أبا العباس، فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد کنت شاکا و أصبحت أنا عند نفسي من أغنى الناس في الدنيا و الآخرة. فقال علیه السلام: هو كذلك، هم معدودون معلومون، لا يزيد رجل ولا ينقص.(1)

10 - [حسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات]، روي عن الحسن بن علي الوشاء، قال: شخصت إلى خراسان و معي حلل وشي للتجارة، فوردت مدينة مرو ليلا، و کنت أقول بالوقف على موسی بن جعفر علیهما السلام ، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: يقول لك سيدي: وجه إلي بالحبرة التي معك لأكفن بها مولى لنا قد توفي.

فقلت له: و من سيدك؟ قال: علي بن موسى الرضا علیهما السلام . فقلت: ما معي حبرة و لا حلة إلا وقد بعتها في الطريق. فمضى، ثم عاد إلي فقال لي: بلى قد بقيت الحبرة قبلك.

ص: 235


1- الخرائج والجرائع: 413/1 ، عنه البحار: 50/ 156 ح 45.

فقلت له: إني ما أعلمها معي. فمضى و عاد الثالثة فقال: هي في عرض السفط الفلاني.

فقلت في نفسي: إن صح قوله فهي دلالة، و كانت ابنتي قد دفعت إلى حبرة (1)و قال [قالت]: ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج و السبج من خراسان (2) ونسيتها، فقلت لغلامي: هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إلي و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه، فدفعتها إليه و قلت: لا آخذ لها ثمنا.

فعاد إلي و قال: تهدي ما ليس لك، دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا و سبجا فابتع لها بهذا ما سألت، و وجه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان، فعجبت مما ورد علي.. الخبر.(3)

11 -[ البرسي في مشارق الأنوار]، أن رجلا من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار، و قال في نفسه: إن عرف الرضا علیه السلام معناه فهو ولي الأمر. فلما أتى الباب وقف ليخف المجلس، فخرج إليه الخادم و بیده رقعة فيها جواب مسائله بخط الإمام علیه السلام ، فقال له الخادم: أين الطومار فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي الله علیه السلام : هذا جواب ما فيه. فأخذه و مضى.(4)

12 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنه كان بديار ربيعة كاتب نصراني، و كان من أهل كفرتوثا، يسمى: يوسف بن يعقوب. و كان بينه و بين والدي صداقة، قال:

فوافي فنزل عند والدي، فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت إلى حضرة المتوكل، و لا أدري ما يراد مني، إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، و قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا علیهم السلام معي.

فقال له والدي: قد وفقت في هذا. قال: و خرج إلى حضرة المتوكل و انصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له والدي: حدثني حديثك. قال: صرت إلى سر من رأى

ص: 236


1- الحبرة: ثوب يصنع باليمن (مجمع البحرین).
2- قال الخليل في العين: السبجة: ثوب من بعض ما يلبسه الطيانون، له جيب. وفي دلائل الإمامة في الموضعين: (وشيح) بدل (السبج)، وهو من حلي النساء.
3- عيون المعجزات: 111، عنه البحار: 69/49 ح 93. أقول: تمام الخبر في الفصل: 13، الباب: 4 ح9.
4- مشارق أنوار اليقين: 148 ط 1 بيروت، عنه البحار: 49/ 71ح 95.

و ما دخلتها قط، فنزلت في دار و قلت: أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا علیه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل و قبل أن يعرف أحد قدومي. قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، و أنه ملازم لداره. فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره. قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره علیه السلام من غير أن أسأل أحدا.

قال: فجعلت الدنانير في كاغذة و جعلتها في كمي و ركبت، فكان الحمار يتخرق الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟

فقيل: هذه دار ابن الرضا علیهما السلام . فقلت: الله أكبر! دلالة و الله مقنعة. قال: و إذاخادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل. فنزلت فأقعدني في الدهليز فدخل، فقلت في نفسي: هذه دلالة أخرى، من أين عرف هذا الغلام اسمي و ليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخله قط؟

قال: فخرج الخادم، فقال: مائة دينار التي في كمك في الكاغذهاتها. فناولته إياها، قلت: و هذه ثالثة.

ثم رجع إلى و قال: ادخل. فدخلت إليه علیه السلام و هو في مجلسه وحده، فقال: يايوسف، ما آن لك؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفي. فقال علیه السلام: هيهات، إنك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شیعتنا.

يا يوسف، إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا و الله، إنها لتنفع أمثالك، امضي فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب. قال: فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كل ما أردت فانصرفت. قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا - يعني بعد موت والده - و الله و هو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية و أنه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول: أنا بشارة مولاي علیه السلام.(1)

ص: 237


1- الخرائج والجرائع: 398/1 ، عنه البحار: 50/ 144 - 145 ح28، وأورده في كشف الغمة:392/2

أقول، ويناسب الباب أيضا:

13 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل الصيرفي، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فسألته عن أشياء و أردت أن أسأله عن السلاح فأغفلته، فخرجت و دخلت على أبي الحسن بن بشير، فإذا غلامه علیه السلام و معه رقعته، و فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي علیه السلام و وارثه، و عندي ما كان عنده).(1)

الباب 9: حديث النفس بالدفاع عن رسول الله چعلیه السلام

1۔ [ابن شهر آشوب في المناقبه]، عن عكرمة قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لحقني من الجزع عليه صلی الله علیه و آله وسلم ما لم يلحقني قط ولم أملك نفسي، و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليفر، و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل. و حملت على القوم فأفرجوا عني و إذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه صلی الله علیه و آله وسلم فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟

فقلت: كفروا یا رسول الله و ولوا الدبر من العدو و أسلموك. فنظر النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة. فحملت عليهاأضربها بسيفي يمينا و شمالا حتى ولوا الأدبار فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أما تسمع يا علي مديحك في السماء؟ إن ملكا يقال له: رضوان، ينادي: (لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي علیه السلام ). فبكيت سرورا و حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته.. الخبر.(2)

ص: 238


1- بصائر الدرجات: 252 ح 5، عنه البحار: 47/49 ح 43.
2- المناقب: 3/ 124، عنه البحار: 83/41 ضمن ح10 ، أورده في الإرشاد: 86/1 ، عنه البحار: 20/ 85 ضمن ح 17، ولاحظ إرشاد القلوب: 2/ 242، إعلام الوری: 193، کشف الغمة: 194/1مع التفاوت.

الباب 10: حديث النفس بالدفاع عن الإمام علیه السلام والإمامة وإفحام المخالفين وبالإنكار على أهل الباطل

1-[ المحدث النوري في المستدرك من كتاب عبد الملك بن حكيم]، عن بشير النبال قال: كنت على الصفا و أبو عبد الله علیه السلام قائم عليها إذ انحدر و انحدرت في أثره.

قال: و أقبل [أبو] الدوانيق على جمازته و معه جنده على خيل و على إبل، فزحموا أبا عبد الله علیه السلام حتى خفت عليه علیه السلام من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي و أكون بينهم و بينه بيدي. قال: فقلت في نفسي: يا رب، عبدك و خير خلقك في أرضك، و هؤلاء شر من الكلاب قد كانوا يتعبونه.

قال: فالتفت علیه السلام إلى و قال: يا بشير. قلت: لبيك. قال علیه السلام : ارفع طرفك لتنظر. قال: فإذا و الله وافية أعظم مما عسيت أن أصفه. قال: فقال علیه السلام : يا بشير، إنا أعطينا ما ترى، و لكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا. (1)

2 -[ الصدوق في علل الشرائع]، عنه أبيه، و ابن الوليد معا، عن سعد، عن البرقي، عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله علیه السلام قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام إذ دخل عليه غلام کندة، فاستفتاه في مسألة فأفتاه علیه السلام فيها. فعرفت الغلام و المسألة، فقدمت الكوفة، فدخلت على أبي حنيفة فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها، فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله علیه السلام.

فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة، إني كنت العام حاجا فأتيت أبا عبد الله علیه السلام مسلما عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته.

فقال: و ما يعلم جعفر بن محمد؟ أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال و سمعت من أفواههم، و جعفر بن محمد صحفي. فقلت في نفسي: و الله لأحجن و لو حبوا.(2)

قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة، فحججت فأتيت أبا عبد الله علیه السلام، فحكيت له الكلام، فضحك علیه السلام، ثم قال: عليه لعنة الله، أما في قوله: إني رجل صحفي، فقد

ص: 239


1- مستدرك الوسائل: 452/9 ح11316 - 2.
2- أقول: إن الراوي أقسم للحج لقصد الإمام علیه السلام وإخباره بمقالة أبي حنيفة وسماع الرد عليه فإنه كان في صدد الإنكار عليه ولكنه لما لم يكن يعرف الإجابة حدث نفسه بالذهاب والسؤال والسماع من الإمام علیه السلام ، ولهذه الجهة أدرجنا الخبر في هذا الباب.

صدق، قرأت صحف إبراهيم و موسی.

فقلت له علیه السلام: ومن له بمثل تلك الصحف؟ قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق و كان عنده جماعة من أصحابه . فقال علیه السلام للغلام: انظر من ذا. فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة. قال علیه السلام : أدخله. فدخل فسلم على أبي عبد الله علیه السلام فرد، ثم قال: أصلحك الله، أتأذن لي في القعود؟ فأقبل علیه السلام على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه، ثم قال الثانية و الثالثة، فلم يلتفت إليه. فجلس أبو حنيفة من غير إذنه. فلما علم علیه السلام أنه قد جلس التفت إليه فقال : أين أبو حنيفة؟ فقال: هو ذا أصلحك الله. فقال علیه السلام : أنت فقيه أهل العراق ؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، ولقد ادعیت علما ! ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم. ويلك، ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلی الله علیه و آله وسلم، وما ورثك الله من كتابه حرفا، فإن كنت کما تقول - ولست کما تقول - فأخبرني عن قول الله عزوجل: «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ»(1)، أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة.

فالتفت أبو عبد الله علیه السلام إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة و مكة، فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم و يقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة. فقال علیه السلام : يا أبا حنيفة، أخبرني عن قول الله عز و جل : «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا»(2) أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال علیه السلام : أفتعلم أن الحجاج بن یوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت. ثم قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله و لم تأت به الآثار و السنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس و أعمل فيه برأيي.

قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك و تعالى،فقال: « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(3) فسكت أبو حنيفة.

فقال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول. فقال علیه السلام: الناس

ص: 240


1- سبأ: 18.
2- آل عمران: 97.
3- الأعراف: 12، و ص: 76.

يغتسلون من الجنابة و لا يغتسلون من البول. فسكت. فقال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أيما أفضل الصلاة أم الصوم؟

قال: الصلاة. فقال علیه السلام: فما بال الحائض تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟ فسكت. قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أخبرني عن رجل كانت له أم ولد و له منها ابنة، و كانت له حرة لا تلد، فزارت الصبية بنت أم الولد أباها، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر فواقع أهله التي لا تلد و خرج إلى الحمام، فأرادت الحرة أن تكید أم الولد و ابنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت إليها و هي نائمة فعالجتها كما يعالج الرجل المرأة، فعلقت أي شيء عندك فيها؟

قال: لا و الله ما عندي فيها شيء. فقال علیه السلام : يا أبا حنيفة، أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوجها من مملوك له و غاب المملوك فولد له من أهله مولود، و ولد للمملوك مولود من أم ولد له فسقط البيت على الجاريتين و مات المولى، من الوارث؟ فقال: جعلت فداك، لا و الله ما عندي فيها شيء. فقال أبو حنيفة: أصلحك الله، إن عندنا قوما بالكوفة يزعمون أنك تأمرهم بالبراءة من فلان و فلان.

فقال علیه السلام: ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا معاذ الله. فقال: أصلحك الله، إنهم يعظمون الأمر فيهما. قال علیه السلام: فما تأمرني؟ قال: تكتب إليهم. قال علیه السلام :بماذا؟ قال:تسألهم الكف عنهما. قال علیه السلام: لايطيعوني. قال: بلى أصلحك الله، إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرسول أطاعوني.

قال علیه السلام: يا أبا حنيفة، أبيت إلا جهلا، كم بيني و بين الكوفة من الفراسخ؟ قال: أصلحك الله، ما لا يحصى. فقال علیه السلام : كم بيني و بينك؟ قال: لا شيء. قال علیه السلام : أنت دخلت علي في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرات فلم آذن لك، فجلست بغير إذني خلافا علي، كيف يطيعوني أولئك و هم ثم و أنا هاهنا؟ قال: فقنع رأسه و خرج و هو يقول: أعلم الناس، و لم نره عند عالم.

فقال أبوبكر الحضرمي: جعلت فداك، الجواب في المسألتين الأولتين؟ فقال علیه السلام: يا أبابكر، «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ»(1) فقال: مع قائمنا أهل البيت، وأما قوله: «سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ» (2)، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه

ص: 241


1- سبأ: 18.
2- آل عمران: 97.

كان آمنا.(1)

3 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بأسناید متعددة، عن سلام الهاشمي، قال محمد ابن علي، وقد سمعته عنه عن أبي عبد الله علیه السلام قال: بعث طلحة و الزبير رجلا من عبد القيس يقال له: (خداش) إلى أمير المؤمنين علیه السلام و قالا له: إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك و أن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم، و اعلم أنه أعظم الناس دعوی فلا يكسرنك ذلك عنه، و من الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام و الشراب و العسل و الدهن و أن يخالي الرجل، فلا تأكل له طعاما ولا تشرب له شرابا و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه، و احذر هذا كله منه و انطلق على بركة الله، فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة، و تعوذ بالله من کیده و كيد الشيطان، فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله (2) ولا تستأنس به، ثم قل له: إن أخويك في الدين و ابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة(3) و يقولان لك: أما تعلم أنا تركنا الناس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز و جل محمدا صلی الله علیه و آله وسلم ، فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا و قطعت رجاءنا، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النأي عنك و سعة البلاد دونك، و أن من كان يصرفك عنا و عن صلتنا كان أقل لك نفعا و أضعف عنك دفعا ما، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا عنك انتهاك لنا و دعاء علينا، فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب، أتتخذ اللعن لنا دينا و ترى أن ذلك يكسرنا عنك؟.

فلما أتی خداش أمير المؤمنين علي صنع ما أمراه، فلما نظر إليه علي و هو يناجي

نفسه ضحك و قال: هاهنا يا أخا عبد قيس - و أشار له إلى مجلس قريب منه -

فقال: ما أوسع المكان، أريد أن أؤدي إليك رسالة. قال : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك، قم با قنبر فأنزله. قال: ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة. قال عل : فأخلو بك. قال: كل ستر لي علانية. قال : فأنشدك بالله الذي هو أقرب إلیک

ص: 242


1- علل الشرائع:89/1-90 ح 5، عنه البحار:292/2-294 ح 12.
2- أي: لا تنظر إليه كثيرا، وإنما نهیاه عن ذلك لئلا یری محاسن أخلاقه علیه السلام وآدابه فيميل إلى الحق البحار:( 32/ 131)
3- أي: يقسمان عليك أن لا تقطع الرحم (البحار).

من نفسك، الحائل بينك و بين قلبك، الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، أتقدم إليك الزبير بماعرضت عليك؟

قال: اللهم نعم. قال علیه السلام: لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك(1)، فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني؟

قال: اللهم نعم. قال علي علیه السلام : آية السخرة؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فاقرأها. فقرأها و جعل علي علیه السلام يكررها و يرددها و يفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة، قال الرجل: ما یری أمير المؤمنين علیه السلام أمره بترددها سبعين مرة(2)!

ثم قال علیه السلام له: أتجد قلبك اطمأن؟ قال: إي و الذي نفسي بيده . قال علیه السلام: فما قالا لك؟ فأخبره، فقال علیه السلام: قل لهما: کفی بمنطقکما حجة عليکما و لكن الله لا يهدي القوم الظالمين، زعمتما أنكما أخواي في الدين و ابنا عمي في النسب، فأما النسب فلا أنكره و إن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام، و أما قولكما إنكما أخواي في الدين فإن کنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز و جل و عصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين، وإلا فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين.

و أما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلی الله علیه و آله وسلم فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما (3) مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا زعمتها، و ذلك قولكما: (فقطعت رجاءنا) لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا، و أما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفکما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابکما کما یخلع الحرون لجامه(4) و هو الله ربي لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق.

ص: 243


1- كناية عن الموت (البحار).
2- قال المجلسي قدس سره : (قال الرجل) أي: في نفسه متعجبا من أمره علیه السلام بتكريره الآية، وكان ذلك لرفع سحرهما وشبههما عن قلبه وتنویر قلبه بالإيمان.
3- أي: من إبراز زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم من بيتها وإحداث الفتنة بين المسلمين، أو المعنى أنكم تعلمون أني على الحق وأن ما أردتم بي باطل فلزمكم الإثم من جهتين متناقضتين، أو المراد نصرتهما له علیه السلام مع علمهما بكونه على الباطل، ولعل الأول أظهر (البحار).
4- قال الجوهري : فرس حرون: لا ينقاد، وإذا شتد به الجري وقف (عن البحار).

و أما قولكما إني أشجع فرسان العرب و هربکما من لعني و دعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل (1) و ملا سحراكما أجوافكما (2) فثم يكفيني الله بکمال القلب، و أما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتها .

ثم قال علیه السلام : اللهم أقعص الزبير بشر قتلة (3) و اسفك دمه على ضلالة، و عرف طلحة المذلة و ادخر لهما في الآخرة شراً من ذلك إن كانا ظلماني و افترياعلي و کتما شهادتهما و عصیاك و عصیا رسولك صلی الله علیه و آله وسلم في، قل: آمين. قال خداش: آمين. ثم قال خداش لنفسه: و الله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك (4) حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا، أنا أبرأ إلى الله منها.(5)

قال علي علیه السلام : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت. قال: لا و الله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا و أن يوفقني لرضاه فيك. ففعل علیه السلام، فلم يلبث أن انصرف و تل معه يوم الجمل رحمه الله .(6)

4 -[ السيد ابن طاووس في اليقين]، کتاب المناقب لأحمد بن مردویه، بالإسناد إلى ابن عباس، قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة و عمر على بغل و أنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب علیهما السلام ، فقال : أم و الله يا بني عبد المطلب لقد كان صاحبكم أولى بهذا الأمر مني و من أبي بكر.

فقلت في نفسي: لا أقالني الله إن أقلتك، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين، و أنت و صاحبك اللذان وثبتما و انتزعتم منا الأمر دون الناس!.

فقال: إليكم يا بني عبد المطلب، أما إنكم أصحاب عمر بن الخطاب(7)، فتأخرت و

ص: 244


1- اللبود جمع اللبد وهو الشعر المتراكم بين كتفي الفرس (البحار).
2- قال الجوهري: السحر بالضم والتحريك : الرئة، ويقال للجبان:قد انتفخ حره. (عن البحار).
3- قال الجوهري: ضربه فأقعصه أي: قتله مكانه (عن البحار).
4- أي: ذا لحية، أو المراد بقوله (منك) أي: من لحيتك (البحار).
5- أقول: لما أنكر خداش على مقالتهما وتبرأ منهما في نفسه أدرجنا الخبر في هذا الباب.
6- الكافي: 343/1-345 ح1، عنه البحار:128/32-130 ح105.
7- قال المجلسي قدس سره- بيان : قوله (أما إنكم..) لعله قال ذلك على سبيل التهديد.. أي إنكم تخاصموني، إما إخبار، و إما استفهاما إنكاريا.

تقدم هنيئة، فقال: سر.. لا يرت، فقال: أعد علي كلامك. فقلت: إنما ذكرت شيئا فرددت جوابه، و لو سكت سکتنا. فقال: والله إنا ما فعلنا ما فعلنا عداوة، و لكن استصغرناه و خشينا أن لا تجتمع عليه العرب و قریش لما قد وترها، فأردت أن أقول كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها فلم يستصغره فتستصغره أنت و صاحبك، فقام لا جرم، فكيف ترى و الله ما نقطع أمرا دونه، و لا نعمل شيئا حتى نستأذنه. (1)

5 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الموفقیات للزبير بن بكار الزبيري عن رجاله عن ابن عباس قال: إني لأماشي عمر بن الخطاب في سکة من سكك المدينة إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما.

قلت في نفسي: و الله لا يسبقني بها، فقلت: یا عمر فاردد ظلامته. فانتزع يده من يدي و مضى و هو يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس، ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه. فقلت في نفسي: هذه و الله شر من الأولى. فقلت: و الله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك. قال: فأعرض عني. (2)

6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن داود بن كثير الرقي قال: وفد من خراسان وافد يکني: أبا جعفر، و اجتمع إليه جماعة من أهل خراسان فسألوه أن يحمل لهم أموالا و متاعا و مسائلهم في الفتاوي و المشاورة، فورد الكوفة و نزل و زار أمير المؤمنين علیه السلام و رأى في ناحية رجلا حوله جماعة، فلما فرغ من زيارته علیه السلام قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون من الشيخ، فقالوا: هو أبو حمزة الثمالي

قال: فبينما نحن جلوس إذ أقبل أعرابي فقال: جئت من المدينة وقد مات جعفر بن محمد علیه السلام ، فشهق أبو حمزة ثم ضرب بيده الأرض ثم سأل الأعرابي: هل سمعت له بوصية؟

قال: أوصى إلى ابنه عبد الله و إلى ابنه موسی علیه السلام و إلى المنصور. فقال: الحمد لله الذي

ص: 245


1- اليقين في إمرة أمير المؤمنين علیه السلام : 532، البحار:212/30 ح 70.
2- کشف الغمة:419/1 ، عنه البحار: 125/40 ضمن ح14، وأورده العلامة قدس سره في كشف اليقين : 471.

لم يضلنا، دل على الصغير و بين على الكبير و سر الأمر العظيم(1). ووثب إلى قبر أمير المؤمنين علیه السلام فصلی و صلينا ثم أقبلت عليه و قلت له: فسر لي ما قلته.

قال: بين أن الكبير ذو عاهة(2) و دل على الصغير أن أدخل يده مع الكبير و سر الأمر العظيم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور من وصيه؟ قيل: أنت. قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله، و وردت المدينة و معي المال و الثياب والمسائل و كان فيما معي درهم دفعته إلى امرأة تسمى شطيطة و منديل فقلت لها: أنا أحمل عن مائة درهم، فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق، فعوجت الدرهم و طرحته في بعض الأكياس(3)، فلما حصلت بالمدينة سألت عن الوصي فقيل: عبد الله ابنه، فقصدته فوجدت بابا مرشوشا مکنوسا عليه بواب، فأنكرت ذلك في نفسي و استأذنت و دخلت بعد الإذن فإذا هو جالس في منصبه فأنكرت ذلك أيضا، فقلت: أنت وصي الصادق علیه السلام الإمام المفترض الطاعة؟

قال: نعم. قلت: كم في المائتين من الدراهم الزكاة؟ قال: خمسة دراهم. فقلت: و کم في المائة؟ قال: در همان و نصف. قلت: و رجل قال لامرأته: أنت طالق بعدد نجوم السماء، تطلق بغير شهود؟ قال: نعم و يكفي من النجوم رأس الجوزاء ثلاثا.

فتعجبت من جواباته و مجلسه فقال: احمل إلى ما معك. قلت: ما معي شيء. و جئت إلى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فلما رجعت إلى بيتي إذا أنا بغلام أسود واقف فقال: سلام عليك. فرددت علیه السلام ؟ ، قال: أجب من تريد. فنهضت معه فجاء بي إلى باب دار مهجورة و دخل فأدخلني، فرأيت موسی بن جعفر علیهما السلام على حصير الصلاة، فقال علیه السلام إلي: يا أبا جعفر، و أجلسني قريبا، فرأيت دلائله أدبا و علما و منطقا، و قال لي: أحمل ما معك، فحملته إلى حضرته، فأومأ علیه السلام بيده إلى الكيس، فقال لي: افتحه. ففتحته و قال لي: اقلبه. فقلبته فظهر درهم شطيطة المعوج، فأخذه علیه السلام و قال: افتح تلك الرزمة ففتحتها و أخذ المنديل منها بیده و قال - و هو مقبل على -: إن الله لا يستحيي من الحق، يا أبا جعفر اقرأعلى شطيطة السلام مني و ادفع إليها هذه الصرة، و قال لي: اردد ما معك إلى من حمله و ادفعه إلى أهله

ص: 246


1- هكذا في البحار، وفي الخرائج: (ومن على الكبير وستر الأمر العظيم).
2- قال المجلسي قدس سره : أي لو لم يكن الكبير ذا عاهة لأفرده في الوصية، فلما أشرك معه الصغيرأعلم أنه غيرصالح للإمامة.
3- قال المجلسي قدس سره: وإنها عوج الدرهم لئلا يلتبس بغيره.

و قل: قد قبله و وصلكم به. و أقمت عنده علیه السلام و حادثني و علمني و قال: ألم يقل لك أبو حمزة الثمالي بظهر الكوفة و أنتم زوار أمير المؤمنين علیه السلام كذا و كذا؟ قلت: نعم. قال علیه السلام : كذلك يكون المؤمن إذا نور الله قلبه، كان علمه بالوجه (1). ثم قال علیه السلام : قم إلى ثقات أصحاب الماضي علیه السلام فسلهم عن نصه. قال أبو جعفر الخراساني: فلقيت جماعة كثيرة منهم شهدوا بالنص على موسي علیه السلام .. الخبر(2)

7- [الطبرسي في الإحتجاج]، عن جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام، عن آبائه علیهم السلام عن علي علیه السلام قال: كنت أنا و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المسجد بعد أن صلى صلی الله علیه و آله وسلم الفجر، ثم نهض و نهضت معه و كان إذا أراد أن يتجه إلى موضع أعلمني بذلك فكان إذا أبطأ في الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنه لا يتقار قلبي على فراقه ساعة، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: أنا متجه إلى بيت عائشة فمضی و مضيت إلى بيت فاطمة علیهاالسلام ، فلم أزل مع الحسن و الحسين علیهما السلام و هي و أنا مسروران بهما، ثم إني نهضت و صرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب فقالت لي عائشة : من هذا؟

فقلت لها: أنا علي، فقالت: إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم راقد. فانصرفت، ثم قلت: النبي راقد و عائشة في الدار! فرجعت و طرقت الباب، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فقالت: إن النبي على حاجة، فانثنيت مستحيیا من دقي الباب و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا، فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا عنيفا فقالت لي عائشة : من هذا؟ فقلت: أنا علي. فسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لها: ياعائشة افتحي له الباب. ففتحت فدخلت فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: اقعد يا أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه أو تحدثني بإبطائك عني؟

فقلت: يا رسول الله حدثني فإن حديثك أحسن. فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا أبا الحسن، کنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلما دخلت بيت عائشة و أطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به مددت يدي و سألت الله القريب المجيب، فهبط علي حبيبي جبرئیل علیه السلام و معه هذا الطير - و وضع إصبعه على طائر بين يديه - فقال: إن الله عز و جل أوحي إلي أن آخذ هذا الطير

ص: 247


1- قال المجلسي قدس سره : قوله علیه السلام : كان علمه بالوجه، أي بالوجه الذي ينبغي أن يعلم به، أو بوجه الكلام وإيمانه من غير تصریح کما ورد أن القرآن ذو وجوه، أو إذا نظر إلى وجه الرجل علم ما في ضميره فيكون ذكره على التنظير.
2- الخرائج والجرائح: عنه البحار: 251/47- 253 ح23.

و هو أطيب طعام في الجنة فأتيتك به يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم. فحمدت الله كثيرا و عرج جبرئیل فرفعت يدي إلى السماء فقلت: اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني يأكل معي هذا الطائر، فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب،فرفعت يدي ثم قلت: اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني و تحبه و أحبه يأكل معي هذا الطائر، فسمعت طرقك للباب و ارتفاع صوتك فقلت لعائشة: أدخلي عليا فدخلت فلم أزل حامدا لله حتى بلغت إلي إذ كنت تحب الله و تحبني و يحبك الله و أحبك، فكل يا علي. فلما أكلت أنا و النبي صلی الله علیه و آله وسلم الطائر قال لي: يا علي، حدثني. فقلت يا رسول الله: لم أزل منذ فارقتك أنا و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام مسرورين جميعا ثم نهضت أريدك، فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي. فقالت: إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم راقد، فانصرفت، فلما صرت إلى الطريق الذي سلكته رجعت فقلت: النبي راقد و عائشة في الدار! لا يكون هذا. فجئت فطرقت الباب فقالت لي: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فقالت: إن النبي على حاجة فانصرفت مستحييا. فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبرا و قلت: النبي على حاجة و عائشة في الدار! فرجعت فدققت الباب الدق الذي سمعته یا رسول الله فسمعتك يا رسول الله أنت تقول لها: أدخلي عليا علیه السلام.

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أبيت إلا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء! ما حملك على هذا؟ فقالت: یا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطير. فقال لها: ما هو بأول ضغن بينك و بين علي علیه السلام و قد وقفت على ما في قلبک لعلي، إن لتقاتلينه. فقالت: يا رسول الله و تكون النساء يقاتلن الرجال؟

فقال صلی الله علیه و آله وسلم لها: يا عائشة، إنك لتقاتلين عليا علیه السلام ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أصحابي فيحملونك عليه وليكونن في قتالك له أمر تتحدث به الأولون والآخرون و علامة ذلك أنك تركبين الشيطان ثم تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرجوع فيشهد عندك قسامة أربعين رجلا ماهي كلاب الحوأب فتصيرين إلى بلد أهله أنصارك، هو أبعد بلاد على الأرض إلى السماء و أقربها إلى الماء و لترجعين و أنت صاغرة غير بالغة إلى ما تريدين ويكون هذا الذي يردك مع من يثق به من أصحابه إنه لك خير منك له و لينذرك ما يكون الفراق بيني و بينك في الآخرةو كل من فرق علي بيني و بينه بعد وفاتي ففراقه جائز.

ص: 248

فقالت: يا رسول الله، ليتني مت قبل أن يكون ما تعدني. فقال صلی الله علیه و آله وسلم لها: هيهات هيهات، و الذي نفسي بيده ليكونن ما قلت حتى كأني أراه. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: قم يا علي فقد وجبت صلاة الظهر حتى آمر بلالا بالأذان، فأذن بلال و أقام الصلاة و صلی صلی الله علیه و آله وسلم و صليت معه و لم نزل في المسجد.(1)

الباب 11: حديث النفس بالتسليم والتصديق للحجج علیه السلامعلیه السلام والطاعة لهم

1- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن علي القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر علیه السلام و معه كتابه، فأمرني أن أصير إليه فأتيته و هو بالمدينة نازل في دار بزيع، فدخلت عليه علیه السلام و سلمت و ذکر صفوان و ابن سنان و غيرهما ماقدسمعه غير واحد. فقلت في نفسي: أستعطفه على زکریا بن آدم لعله يسلم مما قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أنا حتى أتعرض في هذا و شبهه لمولى هو أعلم بما يصنع؟!

فقال علیه السلام : يا أبا علي، ليس على مثل أبي يحیی تعجل و قد كان لأبي من خدمته صلى الله عليه .(2)

2 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبامحمد علیه السلام عن قوله تعالى: «هِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»(3)، فقال علیه السلام: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بمايشاء.

فقلت في نفسي: هذا قول الله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». (4)

فأقبل علیه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك، «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ».

قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه.(5)

ص: 249


1- الإحتجاج: 197/1 ، عنه البحار 38/ 348 - 350 ح 1.
2- بصائر الدرجات: 237 ح 9، عنه البحار: 49/ 273 - 274 ح 21.
3- الروم: 4.
4- الأعراف: 54.
5- الخرائج والجرائع: 686/2، عنه البحار: 4/ 115 ح 41، 50/ 257ح13.

3-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عدة من أصحابنا مسندا إلى القاسم بن سلیمان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعت أبي علیه السلام يقول: أتى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية، فعلمني جوامع الكلام (1) فقال صلی الله علیه و آله وسلم : آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات(2)، حتى رجع الرجل إلى نفسه (3)، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا بالخير.. الخبر.(4)

4 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، مهزم، عن أبي بردة قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام ، قال علیه السلام : ما فعل زید؟ قلت: صلب في كناسة بني أسد. فبكي علیه السلام حتی بکت النساء من خلف الستور. ثم قال علیه السلام : أما والله لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه. فكنت أتفكر من قوله علیه السلام حتى رأيت جماعة قد أنزلوه يريدون أن يحرقوه، فقلت: هذه الطلبة التي قال علیه السلام لي. (5)

5- [ الكشي في رجاله ]، الحسين بن بشار، قال: لا مات موسی بن جعفر علیه السلام خرجت

ص: 250


1- قال المجلسي قدس سره : قال في النهاية فيه (أوتيت جوامع الكلم) يعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه حديث في صفته أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
2- قال المجلسي : (فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات) كأن أصل السؤال كان ثلاث مرات فالإعادة مرتان أطلقت على الثلاث تغليبا و المعنى أنه صلی الله علیه و آله وسلم في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب الأول.
3- قال المجلسي قدس سره : (حتى رجع الرجل) أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اکتفائه صلی الله علیه و آله وسلم بجواب واحد غیر مستحسن فأمسك و علم أنه صلی الله علیه و آله وسلم لم يجبه بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة و أنها تكفيه، أوتفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلی الله علیه و آله وسلم الغضب بالذكر لتلك الأمور.
4- البحار: 70/ 274 ح 25، قال المجلسي قدس سره : (فيقتل النفس) أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا و هو يوجب القصاص في الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة، و الأخرى (قذف المحصنة) و هي العفيفة و هو يوجب الحد في الدنيا و العقاب العظيم في الآخرة.
5- المناقب: 4/ 236، عنه البحار: 137/47 ح187، وفي 46/ 201ح76 عن أمالي الشيخ : 672 ح1418 - 25 مسنداً إلى أبي بردة الأسدي قال : (دخلت المدينة حدثان صلب زید رضی الله عنه، قال : فدخلت على أبي عبد الله علیه السلام فساعة رآني قال علیه السلام : یا مهزم ما فعل زيد؟ قال : قلت : صلب. قال علیه السلام : أين؟ قال : قلت : في كناسة بني أسد. قال علیه السلام : أنت رأيته مصلوباً في كناسة بني أسد؟ قال : قلت : نعم. قال : فبكي علیه السلام حتى بكت النساء خلف الستور. ثم قال علیه السلام : أما و الله لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه بعد. قال : فجعلت أفكر و أقول : أي شيء طلبتهم بعد القتل و الصلب؟ قال : فودعته و انصرفت حتى انتهيت إلى الكناسة، فإذا أنا بجماعة فأشرفت عليهم فإذا زيد قد أنزلوه من خشبته يريدون أن يحرقوه، قال : قلت : هذه الطلبة التي قال علیه السلام لي).

إلى علي بن موسی علیه السلام غير مؤمن بموت موسی علیه السلام(1)، و لا مقراً بإمامة علي علیه السلام ، إلا أن في نفسي أن أسأله و أصدقه، فلما صرت إلى المدينة انتهيت إليه علیه السلام وهو بالصؤار فاستأذنت عليه و دخلت فأدناني و ألطفني، و أردت أن أسأله عن أبيه علیه السلام فبادرني فقال لي: يا حسين، إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب و تنظر إلى الله من غير حجاب فوال آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم و وال ولي الأمر منهم. قال: قلت أنظر إلى الله عز و جل؟ قال علیه السلام: إي و الله . قال حسين: فجزمت على موت أبيه علیه السلام و إمامته.

ثم قال علیه السلام لي: ما أردت أن آذن لك لشدة الأمر و ضيقه و لكني علمت الأمر الذي أنت عليه. ثم سكت علیه السلام قليلا ثم قال: خبرت بأمرك؟ قال: قلت له: أجل.(2)

6- [الشيخ في الغيبة]، أيوب بن نوح عن ابن فضال قال: سمعت علي بن جعفر يقول: كنت عند أخي موسی بن جعفر علیهما السلام فكان و الله حجة في الأرض بعد أبي علیه السلام إذ طلع ابنه علي علیه السلام فقال علیه السلام لي: يا علي، هذا صاحبك و هو مني بمنزلتي من أبي فثبتك الله على دينه. فبكيت و قلت في نفسي: نعي علیه السلام و الله إلى نفسه. فقال علیه السلام: يا علي، لا بد من أن يمضي مقادير الله في، ولي برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أسوة و بأمير المؤمنين و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام . و كان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام.(3)

7 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل قال:نزلت ببطن مر فأصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي، فدخلت على الرضا علیه السلام بالمدينة فقال علیه السلام : مالي أراك متوجعا؟

فقلت: إني لما أتيت بطن مر أصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي. فأشار علیه السلام إلى الذي في جنبي تحت الإبط فتكلم بكلام و تفل عليه ثم قال علیه السلام: ليس عليك بأس من هذا و نظر إلى الذي في رجلي فقال: قال: أبو جعفر علیه السلام من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر کتب الله عز و جل له مثل أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: لا أبرأ و الله من رجلي أبدا. قال الهيثم :

ص: 251


1- أقول: كان الراوي من الواقفية الذين توقفوا عند إمامة الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام ، وزعموا أنه علیه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه كما فعل بعیسی بن مریم علیه السلام ولذلك قال بعد استبصاره: (جزمت على موت أبيه علیه السلام )
2- رجال الكشي : 449، عنه البحار262/48 ح 17.
3- الغيبة للطوسي: 42 عنه البحار: 26/49 ح 45 ، مسائل علي بن جعفر : 348 ح 856.

فما زال يعرج منها حتى مات.(1)

8- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن أبي الحسن بن راشد قال: قدمت علي أحمال فأتاني رسول الرضا علیه السلام قبل أن أنظر في الكتب أو أوجه بها إليه فقال لي: يقول الرضا علیه السلام: سرح إلى بدفتر، و لم يكن لي في منزلي دفتر أصلا. قال: فقلت: و أطلب مالا أعرف بالتصديق له، فلم أجد شيئا و لم أقع على شيء. فلما ولى الرسول قلت: مكانك، فحللت بعض الأحمال فتلقاني دفتر لم أكن علمت به إلا أني علمت أنه علیه السلام لم يطلب إلا الحق فوجه به إليه. (2)

9 -[ الشيخ في الغيبة]، عن جماعة عن التلعکبري رحمه الله قال: كنت في دهليز أبي علي محمد بن همام رحمه الله على دكة إذ مر بنا شيخ كبير عليه دراعة، فسلم على أبي علي بن همام فرد عليه السلام و مضى فقال لي: أتدري من هو هذا؟ فقلت: لا. فقال لي: هذا شاكري (3) لسيدنا أبي محمد علیه السلام، أفتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئا؟ قلت: نعم. فقال لي: معك شيء تعطيه ؟ فقلت له: معی در همان صحيحان. فقال: هما يكفيانه. فمضيت خلفه فلحقته فقلت له: أبو علي يقول لك: تنشط للمصير إلينا؟ فقال: نعم. فجئنا إلى أبي علي بن همام فجلس إليه فغمزني أبو علي أن أسلم إليه الدرهمين فقال لي: ما يحتاج إلى هذا. ثم أخذهما فقال له أبو علي بن همام: یا با عبد الله محمد حدثنا عن أبي محمد علیه السلام با رأيت.

فقال: كان أستاذي صالحا من بين العلويين لم أر قط مثله و كان يركب بسرج صفته بزيون مسكي و أزرق، قال: و كان يركب إلى دار الخلافة بسر من رأى في كل اثنين و خميس، قال: و كان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم و يغص الشارع بالدواب و البغال و الحمير و الضجة فلا يكون لأحد موضع يمشي و لا يدخل بينهم، قال: فإذا جاء أستاذي سكنت الضجة وهدأ صهيل الخيل ونهاق الحمير، قال: وتفرقت البهائم حتی يصير الطريق واسعا لا يحتاج أن يتوقى من الدواب نحفه ليزحمها ثم يدخل فيجلس في مرتبته التي جعلت له فإذا أراد الخروج و صاح البوابون: هاتوا دابة أبي محمد علیه السلام سکن صیاح الناس و صهيل الخيل و تفرقت الدواب حتی یرکب و يمضي.

ص: 252


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 221 ح 29، عنه البحار: 42/49 ح 31.
2- عيون أخبار الرضا علي : 2/ 221 ح40، عنه البحار: 42/49 ح 32.
3- الشاكري: الأجير والمستخدم.

و قال الشاكري: و استدعاه يوما الخليفة و شق ذلك عليه و خاف أن يكون قد سعی به إليه بعض من يحسده على مرتبته من العلويين و الهاشميين فرکب و مضى إليه، فلما حصل في الدار قيل له: إن الخليفة قد قام و لكن اجلس في مرتبتك أو انصرف قال: فانصرف، و جاء إلى سوق الدواب و فيها من الضجة و المصادمة و اختلاف الناس شيء كثير، فلما دخل إليها سكن الناس و هدأت الدواب، قال: و جلس إلى نخاس كان يشتري له الدواب قال: فجيء له بفرس کبوس لا يقدر أحد أن يدنو منه قال: فباعوه إياه بوکس، فقال لي: يا محمد قم فاطرح السرج عليه.

قال: فقلت: إنه لا يقول لي ما يؤذيني. فحللت الحزام و طرحت السرج فهدأ و لم يتحرك و جئت به لأمضي به، فجاء النخاس فقال لي: ليس يباع فقال لي: سلمه إليهم، قال: فجاء النخاس ليأخذه فالتفت إليه التفاتة ذهب منه منهزما. قال: و رکب و مضينا فلحقنا النخاس فقال: صاحبه يقول: أشفقت أن يرد فإن كان علم ما فيه من الكبس فلیشتره، فقال له أستاذي: قد علمت فقال: قد بعتك. فقال لي: خذه. فأخذته فجئت به إلى الإصطبل فما تحرك ولا آذاني ببركة أستاذي، فلما نزل جاء إليه و أخذ أذنه اليمنى فرقاه ثم أخذ أذنه اليسرى فرقاه فو الله لقد كنت أطرح الشعير له فأفرقه بين يديه فلا يتحرك، هذا ببركة أستاذي.

قال أبو محمد: قال أبو علي بن همام: هذا الفرس يقال له: الصؤول قال يرجم بصاحبه حتى يرجم به الحيطان و يقوم على رجليه و يلطم صاحبه. قال محمد الشاکری: کان أستاذي أصلح من رأيت من العلويين و الهاشميين ما كان يشرب هذا النبيذ، كان يجلس في المحراب و يسجد فأنام و أنتبه و أنام و هو ساجد، و كان قليل الأكل كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما شاكله فيأكل منه الواحدة و الثنتين و يقول: شل هذا يا محمد إلى صبيانك. فأقول: هذا كله! فيقول علیه السلام: خذه. ما رأيت قط أسدى منه. (1)

10 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن منصور الصيقل، قال: حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فسلمت عليه، ثم التفت فإذا أنا بأبي عبد الله علیه السلام ساجدا، فجلست حتى مللت، ثم قلت: لأسبحن ما دام علیه السلام ساجدا. فقلت: سبحان ربي العظيم و بحمده أستغفر الله ربي و أتوب إليه. ثلاثمائة مرة و نیفا و ستين مرة. .

ص: 253


1- الغيبة للطوسي: 215، عنه البحار 251/50 ح 6.

فرفع علیه السلام رأسه ثم نهض، فاتبعته و أنا أقول في نفسي: إن أذن لي دخلت عليه ثم قلت له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا فكيف ينبغي لنا أن نصنع؟

فلما أن وقفت على الباب خرج إلى مصادف فقال: ادخل يا منصور. فدخلت، فقال علیه السلام لي مبتدئا: یا منصور، إنكم إن أكثرتم أو أقللتم فو الله ما يقبل إلا منكم. (1)

11 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن محمد بن الحسن بن میمون قال: كتبت إليه - أي إلى أبي محمد علیه السلام - أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبد الله علیه السلام: الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا.

فرجع الجواب: إن الله عز و جل يخص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر وقد يعفو عن كثير منهم کما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا، و نحن كهف لمن التجأ إلينا و نور لمن استبصر بنا و عصمة لمن اعتصم بنا، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى و من انحرف عنا فإلى النار. (2)

أقول: وتقدم ما يتعلق بذلك في الباب الثامن، ويأتي أيضا.

الباب 12: حديث النفس بإسترشاد الإمام علیه السلام فيما يريد فعله

1 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي بكر الفهفكي قال: أرد الخروج بسر من رأى لبعض الأمور و قد طال مقامي بها فغدوت يوم الموكب و جلست في شارع أبي قطيعة بن داود إذ طلع أبو محمد علیه السلام يريد دار العامة فلما رأيته قلت في نفسي: أقول له: يا سيدي إن كان الخروج عن سر من رأى خيرا فأظهر التبسم في وجهي.

فلما دنا علیه السلام مني تبسم تبسما جيدا، فخرجت من يومي فأخبرني أصحابنا أن غريما كان له عندي مال قدم يطلبني و لو ظفر بي یهتکني لأن ماله لم يكن عندي شاهدا. (3)

ص: 254


1- الخرائج والجرائح: 726/2 ، عنه البحار: 47/ 120 ح 190، 165/82 ح 15.
2- کشف الغمة: 2/ 421، عنه البحار: 299/50 ضمن ح 72، وأورده في المناقب: 4/ 435، رجال الكشي: 533، الخرائج والجرائح: 2/ 739، عنه البحار: 69/ 44 ح53 وفي بعض المصادر بدل محمد بن الحسن بن میمون: (بن شمون).
3- الخرائج والجرائح: 1/ 445، عنه البحار: 50/ 273 ح 42.

الباب 13: حديث النفس بالتبرك بالإمام علیه السلام وأخذ العوذة والإستعطاء وطلب الدعاء والدواء منه

1-[ الشعيري في جامع الأخبار]، من كتاب في مقتل آل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لأخطب خوارزم بأسانيده أن أعرابيا جاء إلى الحسين بن علي علیه السلام فقال: يا ابن رسول الله، قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه، فقلت في نفسي: أسأل أكرم الناس و ما رأيت أكرم من أهل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال الحسين علیه السلام : يا أخا العرب، أسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكل أعطيتك الكل. فقال الأعرابي: يا ابن رسول الله أمثلك يسأل عنمثلي و أنت من أهل العلم و الشرف؟!

فقال الحسين علیه السلام : بلى سمعت جدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: المعروف بقدر المعرفة. فقال الأعرابي: سل عما بدا لك فإن أجبت و إلا تعلمت منك و لا قوة إلا بالله. فقال الحسين علیه السلام: أي الأعمال أفضل؟ فقال الأعرابي: الإيمان بالله. فقال الحسين علیه السلام: فما النجاة من المهلكة؟ فقال الأعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين علیه السلام : فمايزين الرجل؟ فقال الأعرابي: علم معه حلم.

فقال علیه السلام : فإن أخطأه ذلك؟ فقال: مال معه مروءة. فقال علیه السلام : فإن أخطأه ذلك؟ فقال: فقر معه صبر. فقال الحسين علیه السلام : فإن أخطأه ذلك؟ فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السماء و تحرقه فإنه أهل لذلك. فضحك الحسين علیه السلام ورمی بصرة إليه فيه ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فص قيمته مائتا درهم، و قال علیه السلام : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك. فأحد الأعرابي و قال: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» الآية. (1)

2. [الإربلي في كشف الغمة]، عن هشام بن أحمر قال: كتب أبو عبد الله علیه السلام رقعة في حوائج لأشتريها و كنت إذا قرأت الرقعة خرقتها فاشتريت الحوائج و أخذت الرقعة

ص: 255


1- جامع الأخبار: 137، عنه البحار: 196/44 ح11، والآية: الأنعام: 124.

فأدخلتها في زنفيلجتي(1) و قلت: أتبرك بها.

قال: و قدمت عليه علیه السلام فقال: يا هشام، اشتريت الحوائج؟ قلت: نعم. قال: وخرقت الرقعة؟ قلت: أدخلتها زنفيلجتي و أقفلت عليها الباب أطلب البركة و هو ذا المفتاح في تكتي. قال: فرفع علیه السلام جانب مصلاه و طرحها إلى فقال: خرقها فخرقتها و رجعت ففتشت الزنفيلجة فلم أجد فيها شيئا. (2)

3- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ]، الهمداني عن علي بن إبراهيم، عن الريان بن الصلت قال: لما أردت الخروج إلى العراق عزمت على تودیع الرضا علیه السلام فقلت في نفسي: إذا ودعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفن به و دراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم. فلما ودعته علیه السلام شغلني البكاء و الأسى على فراقه عن مسألته ذلك، فلما خرجت من بين يديه علیه السلام صاح بي: یا ریان ارجع. فرجعت فقال لي: أما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك، أوما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتیم؟

فقلت: يا سيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك. فرفع علیه السلام الوسادة و أخرج قميصا فدفعه إلى و رفع جانب المصلى فأخرج دراهم فدفعها إلى فعددتها فكانت ثلاثين درهما. (3)

4 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن أبي محمد الغفاري قال: لزمني دین ثقيل فقلت: ما للقضاء غير سيدي و مولاي أبي الحسن علي بن موسی الرضا علیهما السلام. فلما أصبحت أتيت منزله علیه السلام فاستأذنت فأذن لي، فلما دخلت قال علیه السلام لی ابتداء: یا با محمد، قد عرفنا حاجتك و علينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتی بطعام الإفطار فأكلنا فقال علیه السلام: يا با محمد تبيت أو تنصرف؟

فقلت: يا سيدي إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي. قال: فتناول عال من تحت البساط قبضة فدفعها إلى فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأول دینار وقع بيدي و رأيت نقشه كان عليه: یا با محمد الدنانير خمسون، ستة و عشرون منها

ص: 256


1- الزنفيلجة: وعاء تكون فيه الأدوات والأمتعة.
2- کشف الغمة : 195/2، عنه البحار: 148/47 ضمن ح2،3.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 211ح17، عنه البحار: 35/49 ح16.

القضاء دينك و أربعة وعشرون لنفقة عيالك. فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار و إذا هي لا ينقص شيئا.(1)

5- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن ريان بن الصلت قال: دخلت على الرضا علیه السلام بخراسان و قلت في نفسي: أسأله علیه السلام هذه الدنانير المضروبة باسمه. فلما دخلت عليه قال علیه السلام : لغلامه إن أبا محمد يشتهي من هذه الدنانير التي عليها اسمي فهلم بثلاثين منها فجاء بها الغلام فأخذتها. ثم قلت في نفسي: ليته علیه السلام كساني من بعض ما عليه، فالتفت علیه السلام إلى غلامه و قال: قل لهم: لا تغسلوا ثيابي و تأتون بها كما هي فأتوا بقميص و سروال و نعل فدفعوها إلى. (2)

6- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال: کنت مجاورا بمكة فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني علیه السلام و أردت أن أسأله عن كسوة يكسونیها فلم يتفق أن أسأله حتى ودعته و أردت الخروج، فقلت: أكتب إليه علیه السلام و أسأله.

قال: فكتب إليه علیه السلام من الكتاب فصرت إلى المسجد على أن أصلي ركعتين و أستخير الله مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث و الله بالكتاب بعثت و إلا خرقته، ففعلت فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب و خرجت من المدينة. فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل يتخلل القطار و يسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إلي فقال: مولاك بعث إليك بهذا و إذا ملاءتان (3). قال أحمد بن محمد: فقضى الله أني غسلته حين مات فكفنته فيهما. (4)

7- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن الحسن بن علي الوشاء قال: كنت بالمدينة بالصريا في المشربة مع أبي جعفر علیه السلام فقام و قال: لا تبرح. فقلت في نفسي: کنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا علیه السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل فإذا عاد إلى أبوجعفر علیه السلام فأسأله. فأرسل إلي من قبل أن أسأله ومن قبل أن يعود إلي و أنا في المشربة بقميص و قال .

ص: 257


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 218 ح 29، عنه البحار: 49/ 38 ح 22.
2- الخرائج والجرائح: 767/2 ، عنه البحار: 99/ 56 ح68.
3- الملاءة - بالضم - : الثوب اللين الرقيق.
4- الخرائج والجرائح: 668/2، عنه البحار: 44/50 ح13، وأورده السيد ابن طاووس في فتح الأبواب: 243، عنه البحار: 88/ 279 ضمن ح28.

الرسول: يقول علیه السلام لك: هذا من ثياب أبي الحسن علیه السلام التي كان يصلي فيها.(1)

8 - [الطبري في دلائل الإمامة]، عن محمد بن علي الشلمغاني قال: حج إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر علیه السلام ، قال إسحاق: فأعددت له علیه السلام في رقعة عشرة مسائل لأسأله عنها و كان لي حمل، فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله لي أن يجعله ذكرا، فلما سألته الناس قمت و الرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلما نظر إلى قال لي: يا أبا يعقوب سمه أحمد. فولد لي ذكر فسميته أحمد فعاش مدة و مات.. الخبر.(2)

9۔ [ابن شهر آشوب في المناقب، ]أحمد بن إسحاق قال: دخلت إلى أبي محمد علیه السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد، فقال علیه السلام :نعم، ثم قال: يا أحمد، إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن. ثم دعا بالدواة، فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ علیه السلام من الكتابة أقبل يحدثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال علیه السلام: هاك يا أحمد. فناولنيه [فتناولته]. الخبر (3)

10 -[ الكشي في رجاله]، قال محمد بن الحسن: لقيت من علة عيني شدة، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله أن يدعو لي، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كنت سألته علیه السلام أن يصف لي كحلا أكحلها. فوقع علیه السلام بخطه يدعو لي بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة، و کتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع الإثمد کافورا و توتياء، فإنه يجلو ما فيها من الغشاء و یییس الرطوبة. قال: فاستعملت ما أمرني علیه السلام به فصحت و الحمد .(4)

11 - [الشيخ في الغيبة ]، عن أبي غالب الزراري قال: قدمت من الكوفة و أناشاب إحدى قدماتي و معي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد الله اسمه و ذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله و استتاره و نصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني و كان مستقيما لم يظهر منه ما ظهر منه من الكفر و الإلحاد و كان الناس

ص: 258


1- الخرائج والجرائح: 1/ 381، عنه البحار:52/50 ح 29.
2- دلائل الإمامة: 212، عنه البحار: 50/ 58 ح38.
3- المناقب: 4/ 433، عنه البحار: 286/50 ضمن ح60، وأورده بتمامه في الكافي: 513/1 ح 27.
4- رجال الكشي: 533، عنه البحار: 50/ 299 ضمن ح 73.

يقصدونه و يلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيرا بينهم و بينه في حوائجهم و مهماتهم.

فقال لي صاحبي: هل لك أن تلقى أبا جعفر و تحدث به عهدا فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة فإني أريد أن أسأله شيئا من الدعاء يكتب به إلى الناحية. قال: فقلت: نعم. فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه و جلسنا، فأقبل على صاحبي فقال: من هذا الفتى معك؟

فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين. فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت؟ فقلت: يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة. فقال: أهل بیت جلیل عظیم القدر في هذا الأمر فأقبل عليه صاحبي فقال له: يا سيدنا أريد المكاتبة في شيء من الدعاء فقال: نعم. قال: فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضا مثل ذلك و كنت اعتقدت في نفسي مالم أبده لأحد من خلق الله حال والدة أبي العباس ابني و كانت كثيرة الخلاف و الغضب علي و كانت مني بمنزلة، فقلت في نفسي: أسأل الدعاء لي من أمر قد أهمني و لا أسميه.

فقلت: أطال الله بقاء سیدنا و أنا أسأل حاجة. قال: و ما هي؟ قلت: الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني. قال: فأخذ درجا بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل فكتب: و الزراري يسأل الدعاء في أمر قد أهمه.

قال: ثم طواه فقمنا و انصرفنا، فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي: ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه؟ فمضيت معه و دخلنا عليه فحين جلسنا عنده أخرج الدرج و فيه مسائل كثيرة قد أجيبت في تضاعيفها، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ثم أقبل علي و هو يقرأ فقال: و أما الزراري و حال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما. قال فورد على أمر عظيم و قمنا، فانصرفنا فقال لي: قد ورد عليك هذا الأمر، فقلت: أعجب منه. قال: مثل أي شيء؟ فقلت: لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى و غيري، فقد أخبرني به. فقال: أتشك في أمر الناحية؟ أخبرني الآن ما هو. فأخبرته فعجب منه ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري و كانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلى فاسترضتني و اعتذرت و وافقتني و لم تخالفني حتى فرق الموت بيننا.(1)

ص: 259


1- الغيبة:302-304 ، عنه البحار:320/51-322 ح 42.

12 - [الصدوق في الأمالي] ، بالإسناد عن طاوس اليماني قال: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راکع و ساجد، فتأملته فإذا هو علي بن الحسين علیهما السلام ، فقلت: يانفس، رجل صالح من أهل بيت النبوة، و الله لأغتنمن دعاءه. فجعلت أرقبه علیه السلام حتى فرغ من صلاته و رفع باطن كفيه إلى السماء و جعل يقول: سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة و عيناي بالرجاء ممدودة، و حق لمن دعاك بالندم تذللا أن تجيبه بالكرم تفضلا، سيدي أمن أهل الشفاء فأطيل بكائي أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي؟ سيدي ألضرب المقامع خلقت أعضائي أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟ سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أول الهاربين منك لكني أعلم أني لا أفوتك. سيدي لو أن عذابي مما يزيد في ملكك لسالتك الصبر عليه غير أني أعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين و لا ينقص منه معصية العاصين، سيدي ما أنا و ما خطري هب لي بفضلك و جللني بسترك و اعف عن توبيخي بكرم وجهك، إلهي و سيدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي و ارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي و ارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي و ارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي و غربتي و وحدتي.

قال طاوس: فبكيت حتى علا نحيبي. فالتفت علیه السلام إلى فقال: ما يبكيك يایماني، أوليس هذا مقام المذنبين؟ فقلت: حبيبي حقيق على الله أن لا يردك و جذك محمدصلی الله علیه و آله وسلم .

قال: فبينا نحن كذلك إذ أقبل نفر من أصحابه علیه السلام فالتفت إليهم فقال: معاشر أصحابي أوصيكم بالآخرة و لست أوصيكم بالدنيا، فإنكم بها مستوصون و عليها حريصون و بها مستمسكون، معاشر أصحابي إن الدنيا دار ممر و الآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم و لا تهتكوا أستارکم عند من لا يخفى عليه أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، أما رأيتم و سمعتم ما استدرج به من کان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الماضية، لم تروا كيف فضح مستورهم و أمطر مواطر الهوان عليهم بتبدیل سرورهم بعد خفض عيشهم و لين رفاهيتهم صاروا حصائد النقم و مدارج المثلاث، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم. (1)

ص: 260


1- أمالي الصدوق: 219-220 ح 5، عنه البحار:89/91-90 ، 146/75 -147 ح7.

أقول، ويلحق بهذا الباب أيضا:

13 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أبي هاشم قال: ما دخلت قط على أبي الحسن علیه السلام و أبي محمد علیه السلام إلا رأيت منهما دلالة و برهانا، فدخلت علی أبي محمد علیه السلام و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به، فجلست و أنسيت ما جئت له، فلما أردت النهوض، رمي علیه السلام إلي بخاتم و قال: أردت فضة فأعطيناك خاتما و ربحت الفص و الكرى [ الكراء] هنأك الله.(1)

14 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] عن هشام العباسي قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام و أنا أريد أن أسأله أن يعودني لصداع أصابني و أن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلما دخلت سألت عن مسائل فأجابني علیه السلام ونسيت حوائجي، فلما قمت لأخرج و أردت أن أودعه قال علیه السلام لي: اجلس. فجلست بين يديه فوضع يده على رأسي و عودني ثم دعا بثوبين من ثيابه فدفعهما إلي و قال علیه السلام لي: أحرم فيهما.

قال العباسي: و طلبت بمكة ثوبين سعيديين أهديهما لابني فلم أصب بمكة فيها شيئا على ما أردت، فمررت بالمدينة في منصرفي فدخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فلما ودعته و أردت الخروج، دعا علیه السلام بثوبين سعيديين على عمل الوشي الذي كنت طلبته فدفعهما إلى وقال: احرم فيهما. (2)

10 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روى أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمد علیه السلام ضيق الحبس و شدة القيد، فكتب علیه السلام إلى: أنت تصلي الظهر في منزلك. فأخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي و کن مضيقا، فأردت أن أطلب منه علیه السلام معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجه علیه السلام إلى بمائة دینار وكتب إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و اطلبها تأتيك على ما تحب أن

تأتيك. (3)

ص: 261


1- المناقب: 4/ 437، عنه البحار: 254/50 ح8، وأورده في الخرائج والجرائح: 684/2، ولاحظ إعلام الوری: 375، کشف الغمة: 2/ 421، الكافي512/1 ، ح 21، وفي آخره هكذا: (فقلت: يا سيدي، أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بطاعته، فقال علیه السلام : غفر الله لك يا أبا هاشم.)
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 220 ح 36، عنه البحار: 99/ 40 ح28.
3- الخرائج والجرائح:435/1، عنه البحار:267/50 ح27، وأورده في الكافي: 508/1 ح10، الإرشاد: 2/ 330 (نحوه)، وكذا في إعلام الوری: 372، کشف الغمة: 2/ 412.

الباب 14: حديث النفس بفضائل أهل البيت علیه السلامعلیه السلام وعصمتهم

1-[ الصدوق في فضائل الشيعة]، عن محمد بن موسی بن المتوكل، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال مالك: بينما أنا عنده علیه السلام ذات يوم جالس و أنا أحدث نفسي بشيء من فضلهم علیهما السلام ، فقال لي: أنتم و الله شیعتنا، لا تظنن أنك مفرط في أمرنا. يا مالك، إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، و کما لا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فكذلك لا يقدر على صفتنا، و كما لا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن.

يا مالك، إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يتفرقا، و إنه لن يقدر على صفة من هو هكذا. و قال: إن أبي علیه السلام كان يقول: لن تطعم النار من يصف هذا الأمر.(1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي هاشم أنه سأله - أي أبا محمد علیه السلام - عن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ»(2). قال علیه السلام: كلهم من آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات: الإمام.

فجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم و بکیت ، فنظر علیه السلام إلي وقال: الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، فاحمد الله أن جعلك متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذادعي كل أناس بإمامهم، إنك على خير. (3)

3 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن محمد بن الأقرع قال: كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم، و قلت في نفسي - بعد مافصل الكتاب -: الإحتلام شيطنة و قد أعاد الله أولياءه من ذلك.

فرد الجواب : الأئمة عل حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، قد

ص: 262


1- فضائل الشيعة: 38 ح 37، البحار: 69/65 ح 124 مع الإختلاف، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب المؤمن: 30 ح 56.
2- فاطر:32.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 687، عنه البحار: 50/ 258 ح 18، ونحوه في كشف الغمة:418/2 من كتاب الدلائل للحميري، ونقله عنه في البحار: 218/23 ح18.

أعاد الله أولياءه من لمة الشيطان کما حدثتك نفعك (1)

4 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن محمد بن الحسن بن میمون قال: كتبت إليه - أي إلى أبي محمد علیه السلام - أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبد الله علیه السلام : الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا.

فرجع الجواب: إن الله عز وجل يخض أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر و قد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا، و نحن كهف لمن التجأ إلينا و نور لمن استبصر بنا و عصمة لمن اعتصم بنا، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى و من انحرف عنا فإلى النار. (2)

5 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن مالك الجهني قال: كنت بين يدي أبي عبد الله علیه السلام فوضعت يدي على خدي و قلت في نفسي: لقد عظمك [عصمك] الله و شرفك. فقال علیه السلام : يا مالك، الأمر أعظم مما تذهب إليه. (3)

6- [ابن فهد الحلى في عدة الداعي]، مرسلا: قال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين علیه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال علیه السلام: أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه. ثم أنطقه الله عز وجل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و وصى

خاتم النبيين. قال علیه السلام : و عليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟

قال: أقول: (سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب

ص: 263


1- کشف الغمة: 423/2 ، عنه البحار: 157/25 ح29 ، 290/50 ح 64، وأورده في الكافي: 503/1 ح12، الخرائج والجرائح: 1/ 445، الصراط المستقیم: 2/ 208ح20.
2- کشف الغمة:421/2، عنه البحار: 50/ 299 ضمن ح 72، وأورده في المناقب: 4/ 435، رجال الكشي: 533، الخرائج والجرائح: 2/ 739، عنه البحار: 99/ 44 ح53 وفي بعض النسخ بدل محمد بن الحسن بن میمون: (بن شمون).
3- بصائر الدرجات: 240ح18، عنه البحار: 25/ 145 ح19، وأورده في دلائل الإمامة: 134، ولاحظ نحوه في كشف الغمة: 2/ 140، عنه البحار: 270/46 ح73، قال المجلسي قدس سره في بيانه: أي: ليس محض العصمة والتشريف کما زعمت بل هي الخلافة الكبرى وفرض الطاعة على كافة الورى وغير ذلك مما سيأتي ومضى.

عباده مني، سبحانه سبحانه.) فمضى أمير المؤمنين علیه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية، أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين علیه السلام، و قد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنی، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلى علیه السلام بنا العصر. فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت فأذن علیه السلام و أقام و صلى المغرب ثم ركب و أقبل علي فقال: يا جويرية أقلت هذا ساحر مفتر؟ و قلت ما [لما] رأيت طلوع الشمس و غروبها:أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك ما رأيت من أمر الأسد و ما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز و جل يقول: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ»(1) ؟ يا جويرية، إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يوحى إليه، و كان رأسه صلی الله علیه و آله وسلم في حجري، فغربت الشمس و لم أكن صليت العصر، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: صليت العصر؟ قلت: لا. قال: اللهم إن عليا في طاعتك و حاجة نبيك، و دعا بالاسم الأعظم فردت إلى الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني صلی الله علیه و آله وسلم بأبي هو و أمي ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الآن به. يا جويرية، إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فإني قد دعوت الله عز و جل بنسخ ذلك من قلبك، فما ذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي ذلك من قلبي. (2)

7. [المجلسي في البحار عن المفيد في الإرشاد]، عن علي بن سعيد، عن محمد بن كرامة، عن أبي حمزة الثمالي قال: كانت لابن ابنتي حمامات فذبحتهن غضبا ثم خرجت إلى مكة فدخلت على أبي جعفر محمد الباقر علیه السلام قبل طلوع الشمس فلما طلعت رأيت فيها حماما كثيرا قال: قلت: أسأله علیه السلام مسائل و أكتب ما يجيبني عنها و قلبي متفكر فيما صنعت بالكوفة وذبحي لتلك الحمامات من غير معني وقلت في نفسي: لو لم يكن في الحمام خير لما أمسكهن.

فقال لي أبو جعفر علیه السلام : ما لك يا أبا حمزة؟ قلت: يا ابن رسول الله خير. قال علیه السلام : كأن

ص: 264


1- الأعراف: 180.
2- عدة الداعي: 97، عنه البحار: 324/80 ح 25.

قلبك في مكان آخر. قلت: إي و الله، و قصصت عليه القصة و حدثته و أني ذبحتهن فالآن أنا أعجب بكثرة ما عندك منها. قال: فقال الباقر علیه السلام : بئس ما صنعت یا أبا حمزة، أما علمت أنه إذا كان من أهل الأرض عبث بصبياننا ندفع عنهم الضرر بانتفاض الحمام(1) و أنهن يؤذن بالصلاة في آخر الليل. (2)

8- [الصفار في بصائر الدرجات]، عبد الله عن اللؤلؤي عن ابن سنان عن علي بن أبي حمزة قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد الله علیه السلام فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله علیه السلام بحرف، فقلت أنا في نفسي: هذا مما أحمله إلى الشيعة، هذا و الله حديث لم أسمع مثله قط. قال: فنظر علیه السلام في وجهي ثم قال: إني لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجها، إن شئت أخذت كذا و إن شئت أخذت كذا. (3)

9 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن عكرمة قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: لا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لحقني من الجزع عليه صلی الله علیه و آله وسلم ما لم يلحقني قط ولم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ماکان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليفر، و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل و حمل على القوم فأفرجوا عني و إذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه صلی الله علیه و آله وسلم فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟

فقلت: كفروا یا رسول الله و ولوا الدبر من العدو و أسلموك. فنظر النبی صلی الله علیه و آله وسلم إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة. فحملت عليها أضربها بسيفي يمينا وشمالا حتى ولوا الأدبار فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما تسمع يا علي مديحك في السماء؟ إن ملكا يقال له: رضوان، ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي. فبكيت سرورا و حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته. الخبر)(4)

ص: 265


1- قال المجلسي قدس سره : انتفاض الحمام: تحركها ونفض أجنحتها
2- البحار: 15/62ح 9، ولم نجده في النسخة التي عندنا، وأورده في مستدرك الوسائل:8/ 283 ح 1.
3- بصائر الدرجات: 329 ح3، عنه البحار: 198/2 ح 51، ونحوه في الخرائج والجرائح، وفي آخره قوله علیه السلام: (إن شئت أحدث كذا وإن شئت أحدث كذا). الخرائج والجرائح:761/2 ، عنه البحار: 119/47 ح 164.
4- المناقب: 3/ 124، عنه البحار: 41/ 83 ضمن ح10، أورده في الإرشاد: 86/1 ، عنه البحار: 20/ 85 ضمن ح 17، ولاحظ إرشاد القلوب: 2/ 242، إعلام الوری: 193، کشف الغمة:194/1 مع بعض التفاوت في النسخ.

10 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن محمد بن علي بن مهزیار عن أبيه عمن ذكره عن موسی بن جعفر علیهما السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله، ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسی رضی الله عنه ؟

قال علیه السلام : نعم، حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و آله و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال أمير المؤمنين علیه السلام لسلمان: یا با عبد الله، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟

فقال سلمان: و الله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته - إلى أن قال: -. . فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: و الله ما هؤلاء كلهم أنبياء و إن فيهم نبيا. قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط و الغمامة تسير معهم فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين و أبو ذر و المقداد و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لهم: كلوا الحشف و لا تفسدوا على القوم شيئا. فدخلت على مولاتي فقلت لها: يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب فقالت: لك ستة أطباق.

قال: فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة و يأكل الهدية، فوضعته بين يديه صلی الله علیه و آله وسلم فقلت: هذه صدقة. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : کلوا، و أمسك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و قال لزيد: مد يدك و كل. فأكلوا و قلت في نفسي: هذه علامة. فدخلت إلى مولاتي فقلت لها: هبي طبقا آخر فقالت: لك ستة أطباق. قال: جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية فمد صلی الله علیه و آله وسلم يده قال: بسم الله كلوا فمد القوم جميعا أيديهم و أكلوا. فقلت في نفسي: هذه أيضا علامة.

قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلی الله علیه و آله وسلم التفاتة فقال صلی الله علیه و آله وسلم : يا روزبه تطلب خاتم النبوة؟ فقلت: نعم. فكشف صلی الله علیه و آله وسلم عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات، قال فسقطت على قدم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أقبلها.. الخبر.(1)

ص: 266


1- إكمال الدين: 164/1 ح 21، عنه البحار: 356/22 ح 2، ولاحظ المناقب: 17/1 - 18، روضة الواعظين: 2/ 277، العدد القوية: 117.

11 - [الصدوق في الأمالي] ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين فأسرع الكرة و أعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده و أوسع قراباته و جيرانه؟

فقال رسول الله له : إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة و عظما ازداد صاحبه بلاء، فلا تغتبطوا أصحاب الأموال إلا بمن جاد باله في سبيل الله، و لكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبکم بضاعة و أسرع منه كرة و أعظم منه غنيمة و ما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن؟

قالوا: بلى يا رسول الله. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : انظروا إلى هذا المقبل إليكم. فنظرنا فإذا رجل من الأنصار رث الهيئة، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات و الطاعات ما لوم قسم على جميع أهل السماوات و الأرض لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه و وجوب الجنة له. قالوا: بماذا یا رسول الله ؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم.

فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و قالوا له: هنيئا لك ما بشرك به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي و أردت حاجة كنت أبطأت عنها فخشيت أن تكون فاتتني، فقلت في نفسي: لاعتاضن منها النظر إلى وجه علي بن أبيطالب علیهما السلام فقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: (النظر إلى وجه علي علیه السلام عبادة).

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : إي و الله عبادة و أي عبادة! إنك يا عبد الله ذهبت تبتغي أن تكتسب دینارا لقوت عيالك ففاتك ذلك فاعتضت منه النظر إلى وجه علي علیه السلام و أنت له محب و لفضله معتقد و ذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله، و لتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك. (1)

12 -[ سليم بن قيس في كتابه]، عن أبان بن أبي عياش عن سليم قال: سمعت ابن

ص: 267


1- الأمالي: 361-362 ح 1، عنه البحار: 197/38-198 ح 5 وأورده في بشارة المصطفی صلی الله علیه و آله وسلم :57، تأويل الآيات الظاهرة: 827-828.

عباس يقول: سمعت من علي علیه السلام حديثا لم أدر ما وجهه، سمعته علیه السلام يقول: (إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أسر إلي في مرضه و علمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب). و إني لجالس بذي قار في فسطاط على علیه السلام و قد بعث الحسن علیه السلام و عمارا يستفزان الناس إذ أقبل علي علیه السلام فقال: يا ابن عباس، يقدم عليك الحسن علیه السلام و معه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. فقلت في نفسي: إن كان كما قال علیه السلام فهو من تلك الألف باب. فلما أظلنا الحسن علیه السلام بذلك الحد استقبلت الحسن علیه السلام فقلت لكاتب الجيش الذي معه أسماؤهم: کم رجل معكم؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.(1)

13 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن دعبل الخزاعي قال: حدثنا الرضا علیه السلام عن أبيه، عن جده علیهما السلام قال: كنت عند أبي الباقر علیه السلام إذ دخل عليه جماعة من الشيعة و فيهم جابر بن یزید فقالوا: هل رضي أبوك علي علیه السلام بإمامة الأول و الثاني؟

قال علي : اللهم لا.

قالوا: فلم نكح من سبیهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم؟ فقال الباقر علیه السلام : امض يا جابر بن یزید إلى منزل جابر بن عبد الله الأنصاري فقل له: إن محمد بن علي علیهما السلام يدعوك. قال جابر بن یزید: فأتيت منزله و طرقت عليه الباب، فناداني جابر ابن عبد الله الأنصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن یزید. فقلت في نفسي: أين علم جابر الأنصاري أني جابر بن یزید و لا يعرف الدلائل إلا الأئمة من آل محمد علیهم السلام ؟ و الله لأسأله إذا خرج إلي. فلما خرج قلت له: من أين علمت أني جابر و أنا على الباب و أنت داخل الدار؟ قال: خبرني مولاي الباقر علیه السلام البارحة أنك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم و أنا أبعثه إليك يا جابر بكرة غد و أدعوك. فقلت: صدقت.. الخبر. (2)

14 -[ السيد ابن طاووس في فتح الأبواب]، عن حماد بن حبيب العطار الكوفي قال:

خرجنا حجاجا فرحلنا من زبالة ليلا فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطعت القافلة فتهت في تلك الصحاري و البراري، فانتهيت إلى واد قفر. فلما أن جن الليل أويت إلى شجرة عادية فلما أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل عليه أطمار بيض تفوح منه رائحة

ص: 268


1- کتاب سلیم: 801 ح 30، عنه البحار: 206/40 ذیل ح10.
2- الخرائج والجرائح: 2589/3-590 ، عنه البحار: 84/42 - 85 ح14، أقول: تمام الخبر في الفصل 10، الباب 4 ، ح 5.

المسك. فقلت في نفسي: هذا ولي من أولياء الله، متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره و أن أمنعه عن كثير مما یرید فعاله فأخفيت نفسي ما استطعت فدنا إلى الموضع فتهيأ للصلاة ثم وثب قائما و هو يقول: يا من أحاز كل شيء ملكوتا و قهر كل شيء جبروتا، أولج قلبي فرح الإقبال عليك و ألحقني بميدان المطيعين لك.

قال: ثم دخل في الصلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه و سكنت حركاته قمت إلى الموضع الذي تهيأ للصلاة فإذا بعين تفيض بماء أبيض، فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه فإذا أنا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد و الوعيد يرددها بأشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول: يامن قصده الطالبون فأصابوه مرشدا و أمه الخائفون فوجدوه متفضلا و لجأ إليه العابدون فوجدوه نوالا، متی راحة من نصب لغيرك بدنه و متی فرح من قصد سواك بنيته، إلهي قد تقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطرا و لا من حاض [حياض] مناجاتك مدرا [صدرا] صل على محمد و آله و افعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين.

فخفت أن يفوتني شخصه و أن يخفى على أثره فتعلقت به فقلت له: بالذي أسقط عنك ملال التعب و منحك شدة شوق لذيذ الرعب إلا ألحقتني منك جناح رحمةو كنف رقة فإني ضال و بغيتي كل ما صنعت و مناي كل ما نطقت. فقال: لو صدق توکلك ما كنت ضالا و لكن اتبعني و اقف أثري. فلما أن صار بجنب الشجرة أخذ بيدي فخيل إلى أن الأرض تمد من تحت قدمي فلما انفجر عمود الصبح قال لي: أبشر فهذه مكة. قال: فسمعت الضجة و رأيت المحجة، فقلت: بالذي ترجوه يوم الآزفة و يوم الفاقة من أنت؟ فقال لي: أما إذ أقسمت فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.(1)

15 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تبارك و تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ» (2) قال علیه السلام : تريد

ص: 269


1- فتح الأبواب: 245، عنه البحار: 77/46-78 ح 73، ونحوه في 40/46 ضمن ح 33، 230/84 - 231 ح43 أوردهما عن المناقب والخرائج، المناقب: 4/ 142، الخرائج والجرائح: 265/1-267 عن حماد بن حبيب القطان.
2- التوبة : 105.

أن تروي علي، هو الذي في نفسك.(1)

19 - [الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد، عن الحجال عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله: «اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ»(2).قال علیه السلام : أما أنت لسامع ذلك مني، لتأتي العراق فتقول: سمعت محمد ابن علي علیهما السلام يقول كذا و كذا، و لكنه الذي في نفسك.(3)

17 - [الشعيري في جامع الأخبار]، من كتاب في مقتل آل الرسول لأخطب خوارزم بأسانيده أن أعرابيا جاء إلى الحسين بن علي علیهما السلام فقال: يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه، فقلت في نفسي: أسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من أهل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال الحسين علیه السلام : يا أخا العرب، أسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكل أعطيتك الكل.. الخبر(4).

الباب 15: حديث النفس في رثاء أهل البيت علیه السلامعلیه السلام والسادة من قريش (رضوان الله عليهم)

ملاحظة: كما يشمل حديث النفس خطاب النفس مع الروح كذلك يعم كلامه مع جسده أو أحد أعضائه، كما في قوله تعالى: «وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ»(5)، فإذا كان الشاعر يأمر عينه بسكب الدمع -کما سيوافيك - فإنه مشغول بحديث النفس حتى في صورة سماع الآخرين له.

ص: 270


1- بصائر الدرجات: 429 ح 4، عنه وعن تفسير العياشي البحار: 23/ 347 ح 49، قال المجلسي قدس سره : بیان : أحاله علیه السلام على ما في ضميره من كون المراد بالمؤمنين الأئمة علیهم السلام و لم يذكره له صريحا لئلا يروي ذلك عنه فيثير فتنة.
2- التوبة : 105.
3- بصائر الدرجات: 429 ح5، عنه البحار:348/23 ح50.
4- جامع الأخبار: 137، عنه البحار:196/44 ح 11، والآية: الأنعام: 124 أقول: تمام الخبر في الباب السابق ح 1.
5- فصلت: 21.

1. [المجلسي في البحار، من بعض الكتب] ، ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة أمة فاطمة الزهراء علیهما السلام ، في خبر طويل ذكرت فيه ما رثت به البتول أباها صلی الله علیه و آله وسلم:

قل صبري وبان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عین یا عین اسكبي الدمع سحا *** ويک لا تبخلي بفيض الدماء (1)

2 - [المجلسي في البحار، من بعض الكتب]، ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة في الخبر المذكور، من جملة مارثی به أمير المؤمنين علیه السلام زوجته البتول علیه السلام :

فراقک أعظم الأشياء عندي *** وفقدک فاطم أدهى الثکول

سأبكي حسرة و أنوح شجوا *** على خل مضي أسنی سبیل

ألا يا عين جودي و أسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي(2)

3 - [ ابن طيفور في بلاغات النساء]، عن أنس بن مالك قال: دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم و هي عجوز كبيرة- إلى أن قال: - ثم علا بکاؤها و قالت:

ألا يا عين ويحک أسعدينا *** ألا و ابكي أمير المؤمنينا

رزینا خير من ركب المطايا *** و فارسها و من ركب السفينا

و من لبس النعال أو احتذاها *** و من قرأ المثاني و المئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين *** رأيت البدر راع الناظرينا

ولا و الله لا أنسی عليا *** وحسن صلاته في الراكعينا(3)

4 - [المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة ]، (في شهادة أمير المؤمنين علیه السلام ) قال أبو مخنف: فلما فرغوا من إهلاكهم وقتلهم، أقبل الحسن و الحسين علیهما السلام إلى المنزل، فالتفت بهم أم كلثوم علیهاالسلام و أنشدت تقول هذه الأبيات لما سمعت بقتله، و قيل إنها لأم الهيثم بنت العربان الخثعمية و قيل للأسود الدؤلي شعرا -، يقول:

ص: 271


1- البحار: 177/43 ح15.
2- البحار: 179/43 ح 15.
3- بلاغات النساء: 46، ولاحظ البحار: 120/42 ، المنتخب للطريحي: 78، أقول: قريب من هذه الأبيات منسوبة أبي الأسود الدؤلي فلاحظ المناقب: 3/ 315، عنه البحار: 242/42-243.

ألا يا عين جودي و اسعدینا*** ألا فابكي أمير المؤمنينا

وتبكي أم كلثوم عليه *** بعبرتها وقد رأت اليقينا

ألا قل للخوارج حيث كانوا *** فلاقرت عيون الحاسدینا

و أبكي خير من ركب المطايا *** وحث بها و أقرى الظاعنينا

و أبكي خير من ركب المطايا *** وفارسها و من ركب السفينا(1)

5۔ [ابن شهر آشوب في المناقب]، لما نزل الحسين علیه السلام الخزيمية أقام بها يوما و ليلة، فلما أصبح علیه السلام أقبلت إليه أخته زينب علیهاالسلام فقالت: يا أخي، ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟ فقال الحسين علیه السلام : وما ذاك؟ فقالت: خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف و هو يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد *** ومن يبكي على الشهداء بعدي

علی قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين علیه السلام : يا أختاه، كل الذي قضي فهو كائن. (2)

6 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أمالي المفيد النيشابوري أن زر النائحة رأت فاطمة علیهاالسلام فيما يرى النائم أنها وقعت على قبر الحسين علیه السلام تبكي وأمرتها أن تنشد:

أيها العينان فيضا *** واستهلا لاتغيضا

وابكيا بالطف ميتا *** ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا *** لا ولا كان مريضا(3)

7 - [ ابن قولويه في كامل الزیارات]، عن داود الرقي قال: حدثتني جدتي أن الجن لما قتل الحسين علیه السلام بكت عليه بهذه الأبيات:

يا عين جودي بالعبر *** و ابكي فقد حق الخبر

أبكي بن فاطمة الذي *** ورد الفرات فماصدر

الجن تبكي شجوها *** لما أتي منه الخبر

ص: 272


1- البحار: 42/ 298 - 299، ولاحظ أيضا ديوان أبي الأسود الدؤلي باب النون، أقول: لعل نسبة الشعر إلى أكثر من واحد هو بسبب استشهادهم لهذه الأبيات كما هو المعهود.
2- المناقب: 4/ 95، عنه البحار: 44/ 372.
3- مناقب آل أبي طالب: 4/ 63، عنه البحار: 227/45-228 ضمن ح 22.

قتل الحسین و رهطه *** تعسا لذلك من خبر

فلابكينك حرقة *** عند العشاء و بالسحر

ولأبكينك ما جرى *** عرق وما حمل الشجر(1)

8- [الصدوق في الأمالي]، عن أم سلمة زوجة النبی صلی الله علیه و آله وسلم قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلا الليلة و لا أراني إلا و قد أصبت بابني، قالت: وجاءت الجنية منهم تقول:

ألا يا عين فانهملي بجهد *** فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا *** إلى متجبر في ملك عبد(2)

9- [لابن قولويه في كامل الزیارات]، بالإسناد عن علي بن الحزور قال: سمعت لیلی و هي تقول: سمعت نوح الجن على الحسين بن علي علیهما السلام و هي تقول:

يا عين جودي بالدموع فإنما*** يبكي الحزين بحرقة و توجع

يا عين ألهاک الرقاد بطيبه *** من ذكر آل محمد وتوجع

باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم *** بين الوحوش وكلهم في مصرع(3)

10 -[ المجلسي في البحار، من بعض كتب المناقب القديمة]، لدعبل رحمه الله في سيد الشهداء علیه السلام:

يا أمة قتلت حسينا عنوة *** لم ترع حق الله فيه فتهتدي

قتلوه يوم الطف طعنا بالقنا *** و بكل أبيض صارم و مهند

و لطال ماناداهم بكلامه *** جدي النبي خصيمكم في المشهد

- إلى أن قال:۔

يا عين جودي بالدموع و جودي*** وابكي الحسين السيد بن السيد (4)

11 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن أبي الصلت الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي رضی الله عنه على الرضا علیه السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، إني قد قلت فيكم

ص: 273


1- كامل الزيارات: 97 ح 11، عنه البحار: 239/45 ح7.
2- الأمالي: 139 ح 2، عنه البحار: 45/ 239ح8، ولاحظ روضة الواعظين: 1/ 170
3- کامل الزيارات: 95 حه، عنه البحار: 291/45 ح13.
4- البحار: 45/ 276.

قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك.

فقال الرضا علیه السلام : هاتها. فأنشد- إلى أن قال:۔

فيا عین بكيهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب والهملات(1)

12 - [المجلسي في البحار، من بعض كتب المناقب القديمة]، لأبي الحسن علي بن أحمدالجرجاني من قصيدة طويلة يمدح أهل البيت علیهم السلام :

ما المرتضی و بنوه من معاوية *** ولا الفواطم من هند و میسون

آل الرسول عباديد السيوف فمن *** هام على وجهه خوفا و مسجون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية *** تهمي و لا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي *** بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون

یا آل أحمد إن الجوهري لكم *** سيف يقطع عنكم كل موصون(2)

13 - [المجلسي في البحار، من بعض كتب المناقب القديمة]، لواحد من الشعراء في شهداء الطفوف:

عين جودي بعبرة وعويل *** و اندبي إن بكيت آل الرسول

و اندبي تسعه لصلب علي *** قد أصيبوا و خمسة لعقيل

و اندبي كلهم فليس إذا ما *** ضن بالخير كلهم بالبخيل

و اندبي إن ندبت عون أخاهم*** ليس فيما ينوبهم بخذول

و سمي النبي غودر فيهم *** قدعلوه بصارم مسلول(3)

14 -[ المجلسي في البحار، من بعض كتب المناقب القديمة]، للصاحب کافي الكفاة إسماعيل بن عباد رحمه الله :

عین جودي على الشهيد القتيل *** و اترك الخد كالمحيل المحيل

كيف يشفي البكاء في قتل مولاي*** إمام التنزيل و التأويل

و لو أن البحار صارت دموعي *** ما كفتني لمسلم بن عقيل(4)

ص: 274


1- کشف الغمة: 2/ 327، عنه البحار: 250/99 ح13، ولاحظ أيضا: 45/ 258ح15.
2- البحار: 45/ 280.
3- البحار: 291/45 ولاحظ البيتين الأولين في شرح النهج للمعتزلي:236/15.
4- البحار: 291/45.

10 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ]، تميم القرشي، عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري قال: قال ابن المشيع المرقي رضي الله عنه يرثي الرضا صلوات الله وسلامه عليه بأبيات منها:

إن عليا ابن موسی الرضا ***قدحل و السؤدد في ملحد

يا عين فابكي بدم بعده *** على انقراض المجد و السؤدد(1)

16 - [أحمد ابن عبد الله البكري في الأنوار]، (في وفاة هاشم بن عبد مناف رضی الله عنه ودفنه بالشام): أقبلت إليهم ابنته الشعثاء و قالت: بئس العشيرة ضيعوا سيدهم و سلموا عمادهم، أما كان هاشم عليكم شفيقا إذا نزل به الموت فلم لا تحملوه إلى بلده وعشيرته لنشاهده؟ و بكت و قالت:

يا عين جودي وسحي دمعك الهطلا *** على الكريم ثوى بالشام ثم خلا

زین الوری ابن من ألقى به کرما *** ولم يرى في يديه مذ نشا بخلا

فلما فرغت من شعرها تقدمت ابنته رقیه، و جعلت تقول:

يا أيها الركب الذي تركتموا*** کریمكم بالشام رهن مقام

ألم تعلموا ما قدره و مقامه *** ألا إنكم أولى الوری بملام

فيا عبرتي لاتملي فقد مضى ***أخا الجود و الإنصاف تحت رخام

فلما فرغت من شعرها تقدمت ابنته رقية، - و كانت آخر من بکی -، قالت:

يا عين جودي بالبكا و العويل *** لأخا الفضل و السخاء الجليل

طيب الأصل في العزيمة ماض *** سمهري في النائبات أصيل(2)

17 - [ابن طيفور في بلاغات النساء]، قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف ترثي أباها:

عين جودي بعبرة و سجوم *** و اسفحي الدمع للجواد الكريم

عين و استعبري و سحي *** أو جمي لأبيك السود المقلوم

هاشم الخير ذي الجلال و الحمد *** وذي الباع و الندى و الصميم(3)

ص: 275


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 250 ح 1، عنه البحار:397/49 ح2.
2- الأنوار في مولد النبي المختار صلی الله علیه و آله وسلم: 41 - 42.
3- . بلاغات النساء: 257.

18 - [شاذان بن جبرئيل في الفضائل]، عن الواقدي - في وفاة عبد المطلب رضی الله عنه -: فقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي أباها و تقول:

ألا يا عين ويحك فاسعديني*** بدمع واكف هطل غزير

على رجل أجل الناس أصلا*** و فرعا في المعالي والظهور

طويل الباع أروع شيظمينا*** أغر كغرة القمر المنير

و قالت صفية ترثي أباها:

أعيني جودا بالدموع السواكب*** على خيرشخص من لؤي بن غالب

أعيني جودا عبرة بعد عبرة *** على الأسد الضرغام محض الضرائب

و قالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها و ترثيه:

أعيني جودا بالدموع الهواطل *** على النحر مني مثل فيض الجداول

ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة *** ويوم علي مولی کریم الشمائل

أبا الحارث الفياض ذوالباع والندى *** رئيس قريش كلها في القبائل

فأسقي مليك الناس موضع قبره *** بنوء الثريا ديمة بعد وابل

و قالت أروى بنت عبد المطلب ترثي أباها:

ألا يا عين ويحک فاسعديني *** بويل واكف من بعد ویل

بدمع من دموعك ذو غروب*** فقد فارقت ذا کرم و نبل

طويل الباع أروع ذي المعالي *** أبوك الخير وارث كل فضل(1)

19 - [ابن طيفور في بلاغات النساء]، قالت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب ترثي أباها:

عيني جودا بدمع غير ممنون*** إن أنهمالا بدمع العين يشفيني

إني نسيت أبا أروی و ذكرته *** عن غير ما بغضة و لا هون(2)

20 - [أحمد ابن عبد الله البكري في الأنوار]، قال الشاعر في رثاء هاشم بن عبد مناف رضی الله عنه:

اليوم هاشم قد مضى لسبیله *** یا عین فابكي الجود بالعبرات

ص: 276


1- الفضائل: 46 - 47، عنه البحار: 154/15-155.
2- بلاغات النساء: 258.

إن ابن کعب قد مضى لسببله*** یا عين فابكي الجود بالعبرات

و ابكي على البدر المنير بحرقة *** و ابكي على الضرغام طول حياتي

صعب العريكة لابه لؤم ولا*** فشل غداة الروع و الكربات

يا عين ابكي غيث جودهاطل ***أعني به ابن عبد مناف و الخيرات

و ابكي لأكرم من مشى فوق الثرى*** فلأجله قد أذرفت زفرات (1)

الباب 16: حديث النفس بفرج آل محمد چعلیه السلام

1 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن أبي الصلت الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا علیه السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، إني قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك. فقال الرضا علیه السلام: هاتها. فأنشد:

تجاوبن بالأرنان و الزفرات*** نوائح عجم اللفظ و النطقات

- وأنشد نحو مأة بيت ثم قال- :

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد*** تقطع نفسي أثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله و البرکات

يميز فينا كل حق و باطل ***و يجزي على النعماء و النقمات

فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري *** فغير بعيد كل ما هو آت

ولا تجزعي من مدة الجور إنني *** أرى قوتي قد آذنت بثبات

فيارب عجل ما أؤمل فيهم ***لأشفي نفسي من أسي المكنات (2)

ص: 277


1- الأنوار في مولد النبي المختار صلی الله علیه و آله وسلم: 45 - 46، عنه البحار: 53/15 مع بعض الإختلاف وتقديم وتأخير في الأبيات.
2- کشف الغمة: 2/ 327، عنه البحار: 250/49 ح13، وأورده في العدد القوية: 291 ولاحظ روضة الواعظين: 2/ 268.

الباب 17: حديث النفس بتطابق أحاديث أهل البيت چعلیه السلام

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى إسحاق بن محمد النخعي قال: سأل الفهفكي أبا محمد علیه السلام: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد علیه السلام : إن المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنها ذلك على الرجال.

فقلت في نفسي: قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله علیه السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب. فأقبل أبو محمد علیه السلام علي فقال: نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا، جرى لآخرناما جری لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم سواء، و لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام فضلهما.(1)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، بإسناده إلى الحسين بن عمر بن یزید، قال: دخلت على الرضا علیه السلام و أنا يومئذ واقف، و قد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل فأجابه في ست و أمسك عن السابعة. فقلت: و الله لأسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة. فسألته علیه السلام فأجاب بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست، فلم يزد في الجواب واوا و لا ياء، و أمسك عن السابعة.. الخبر.(2)

الباب 18: حديث النفس بدعاء الإمام علیه السلام للشيعة

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن علیه السلام : لا تنسني من الدعاء.

قال علیه السلام: أوتعلم أني أنساك؟ قال: فتفكرت في نفسي و قلت: هو علیه السلام يدعو لشيعته و أنا من شیعته. قلت: لا، لا تنساني. قال علیه السلام: و كيف علمت ذلك؟ قلت: إني من شيعتك و إنك لتدعو لهم. فقال علیه السلام : هل علمت بشيء غير هذا؟ قال: قلت: لا. قال علیه السلام : إذا

ص: 278


1- الكافي: 7/ 85 ح 2، البحار: 255/50 ح 11، وأورده في التهذيب: 9/ 274 ح 2، ونحوه برواية أبي هاشم في الخرائج والجرائح: 685/2، عنه البحار: 328/101 ح 8، 255/50 ، کشف الغمة: 2/ 420، فقه القرآن للراوندي: 2/ 358.
2- الكافي: 354/1 ح10، عنه البحار: 67/49 ح88 أقول: تمام الخبر في الفصل 10، الباب 4، ح5.

أردت أن تعلم ما لك عندي فانظر إلى ما لي عندك. (1)

الباب 19: حديث النفس بالحذر والحزم عند تحذير الإمام

ا- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی أبو القاسم البغدادي، عن زرارة قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام يوم السلام فقال له وزيره: إن في هذا شناعة عليك و سوء قالة فلا تفعل. قال: لا بد من هذا.

قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم حتى لا يظن الناس أنك قصدته علیه السلام بهذا دون غيره. ففعل، و مشی علیه السلام و كان الصيف فوافي الدهليز و قد عرق، قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمنديل و قلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تجد عليه في قلبك.

فقال: إيها عنك (2)« تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»(3).

قال زرارة: و كان عندي معلم يتشیع و كنت كثيرا أمازحه بالرافضي فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال یا رافضي حتى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم.

قال لي: و ما سمعت؟ فأخبرته بما قال علیه السلام، فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها. قال: إن كان علي بن محمد علیهما السلام قال بما قلت فاحترز و اخزن كل ما تملكه فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام. فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي فخرج، فلما خلوت بنفسي تفکرت و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم و إن لم يكن لم يضرني ذلك.

قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها و فرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل و سلمت أنا و مالي و تشیعت عند ذلك، فصرت إليه علیه السلام و لزمت خدمته و

ص: 279


1- الكافي: 2/ 652 ح4.
2- قال المجلسي قدس سره : (إيها عنك) بكسر الهمزة أي : اسكت و كف، و إذا أردت التبعيد قلت: (أيها) بفتح الهمزة بمعنی هیهات.
3- هود: 65.

سألته أن يدعو لي و تواليه حق الولاية. (1)

الباب 20: حديث النفس بالقتال مع الكفار وقتل أعداء أهل البيت علیه السلامعلیه السلام

1۔ [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن عكرمة قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لحقني من الجزع عليه صلی الله علیه و آله وسلم ما لم يلحقني قط ولم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليفر، و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل، و حملت على القوم فأفرجوا عني و إذا أنا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه صلی الله علیه و آله وسلم فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟

فقلت: كفروا یا رسول الله و ولوا الدبر من العدو و أسلموك. فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة. فحملت عليها أضربها بسيفي يمينا وشمالا حتى ولوا الأدبار فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أما تسمع يا علي مديحك في السماء؟ إن ملكا يقال له: رضوان، ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى الا علي. فبكيت سرورا و حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته.. الخبر.(2)

2 -[ المجلسي في البحار، من بعض مؤلفات أصحابنا]، عن سليمان الأعمش أنه قال: کنت نازلا بالكوفة و كان لي جار و كنت آتي إليه و أجلس عنده، فأتيت ليلة الجمعة إليه فقلت له: يا هذا ما تقول في زيارة الحسين علیه السلام؟

فقال لي: هي بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار.

قال سليمان: فقمت من عنده و أنا ممتلئ عليه غيظا، فقلت في نفسي: إذا كان وقت السحر آتيه و أحدثه شيئا من فضائل الحسين علیه السلام ، فإن أصر على العناد قتلته.

ص: 280


1- الخرائج والجرائج: 1/ 399، عنه البحار: 148/50 ح 32.
2- المناقب: 3/ 124، عنه البحار: 83/41 ضمن ح10، أورده في الإرشاد: 86/1 ، عنه البحار: 20/85 ضمن ح 17، ولاحظ إرشاد القلوب: 2/ 242، إعلام الوری: 193، کشف الغمة: 194/1 (نحوه).

قال سليمان: فلما كان وقت السحر أتيته و قرعت عليه الباب و دعوته باسمه فإذا بزوجته تقول لي: إنه قصد إلى زيارة الحسين من أول الليل. قال سليمان: فسرت في أثره إلى زيارة الحسين علیه السلام فلما دخلت إلى القبر فإذا أنا بالشيخ ساجد لله عز و جل و هو يدعو و يبكي في سجوده و يسأله التوبة و المغفرة، ثم رفع رأسه بعد زمان طویل فرآني قريبا منه، فقلت له: يا شيخ بالأمس كنت تقول زيارة الحسين علیه السلام بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار، و اليوم أتيت تزوره!

فقال یا سليمان: لا تلمني، فإني ما كنت أثبت لأهل البيت علیهم السلام إمامة حتى كانت ليلتي تلك فرأيت رؤيا هالتني و روعتني. فقلت له: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت رجلا جلیل القدر لا بالطويل الشاهق و لا بالقصير اللاصق لا أقدر أصفه من عظم جلاله و جماله و بهائه و کماله و هو مع أقوام يحفون به حفيفا و يزفونه زفيفا، و بين يديه فارس و على رأسه تاج و للتاج أربعة أركان و في كل ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيام، فقلت لبعض خدامه: من هذا؟ فقال: هذا محمد المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم. قلت: و من هذا الآخر؟ فقال: علي المرتضی علیه السلام وصی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

ثم مددت نظري فإذا أنا بناقة من نور و عليها هودج من نور و فيه امرأتان و الناقة تطير بين السماء و الأرض، فقلت: لمن هذه الناقة؟ فقال: لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء علیها السلام . فقلت: و من هذا الغلام؟ فقال: هذا الحسن بن علي علیهما السلام . فقلت: و إلى أين يريدون بأجمعهم؟

فقالوا: لزيارة المقتول ظلما شهید کربلاء الحسين بن علي المرتضى علیهما السلام . ثم إني قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء علیهاالسلام و إذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء، فسألت: ما هذه الرقاع؟ فقال: هذه رقاع فيها أمان من النار لزوار الحسين علیه السلام في ليلة الجمعة. فطلبت منه رقعة فقال لي: إنك تقول زيارته بدعة، فإنك لا تنالها حتى تزور الحسين علیه السلام و تعتقد فضله و شرفه. فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا، و قصدت من وقتي و ساعتي إلى زيارة سيدي الحسين علیه السلام ، و أنا تائب إلى الله تعالى، فو الله يا سلیمان لا أفارق قبر الحسين حتى يفارق روحي جسدي. (1)

3 -[ السيد ابن طاوس في مهج الدعوات، من کتاب عتیق]، عن محمد بن الربيع

ص: 281


1- . البحار: 401/45 ح12، المنتخب للطريحي: 215.

حاجب المنصور، قال (في خبر استدعاء المنصور لمولانا الصادق علیه السلام وإدخاله علیه السلام عليه) قال محمد بن الربيع:.. ثم أطرق - المنصور - و ضرب يده إلى السيف، فسل منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه، فقلت: إنا لله ! ذهب و الله الرجل، ثم رد السيف وقال: يا جعفر، أما تستحي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب أن تنطق بالباطل و تشق عصا المسلمين، تريد أن تريق الدماء و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟

فقال علیه السلام : لا و الله، يا أمير المؤمنين مافعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي.

فانتضى من السيف ذراعا، فقلت: إنا لله، مضى الرجل، و جعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور و إن أتي ذلك علي و على ولدي، و تبت إلى الله عز و جل مما کنت نويت فيه أولا، فأقبل يعاتبه و جعفر علیه السلام يعتذر. ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيرا منه، فقلت: إنا لله، مضي و الله الرجل. ثم أغمد السيف و أطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: أظنك صادقا، یا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة. فأتيته بها فقال: أدخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته و كانت بيضاء فاسودت، و قال لي: أحمله على فاره من دوابي التي أركبها و أعطه عشرة آلاف درهم، و شيعه إلى منزله مکرما، و خيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه و الانصراف إلى مدينة جده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

فخرجنا من عنده و أنا مسرور فرح بسلامة جعفر علیه السلام، و متعجب مما أراد المنصور و ما صار إليه من أمره، فلما صرنا في الصحن قلت له: يا ابن رسول الله إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك و ما أصارك الله إليه من کفایته و دفاعه، و لا عجب من أمر الله عزو جل، و قد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدر ما هو إلا أنه طويل، و رأيتك قد حرکت شفتيك هاهنا - أعني الصحن - بشيء لم أدر ما هو. فقال علیه السلام لي: أماالأول فدعاء الكرب و الشدائد، لم أدع به على أحد قبل يومئذ، جعلته عوضا من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي، لأني لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به، و أما الذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول الله

صلی الله علیه و آله وسلم يوم الأحزاب .. الخبر.(1)

ص: 282


1- . مهج الدعوات: 195، عنه البحار: 195/47-199 ح40، 288/91-294 ضمن ح 2. أقول: أعرضنا عن ذكر الخبر بتمامه وفيه مشاهدة المنصور للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو يهدده بالعذاب إن سعى في قتل الإمام علیه السلام وذلك ببركة الدعاء الذي دعاه علیه السلام.

4- [ابن شهرآشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر علیه السلام بسوء. فاشتريت سکينا و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك، و جلست فماشعرت إلا برقعة أبي الحسن علیه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي.) فما بقي أيام [أياما] إلا و مات. (1)

5 - [ ابن نما في مثير الأحزان]، (في شهادة الحسين علیه السلام وأصحابه) قال محمد بن أبي طالب: و جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولی شاکر و قال: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟

قال: ما أصنع؟ أقاتل حتى أقتل. قال: ذاك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبد الله علیه السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم و إنما هو الحساب.. الخبر.(2)

الباب 21: حديث النفس بالخلافة ممن كان أهلا لها

1- [المجلسي في البحار، من كتب المناقب القديمة]، روي أن معاوية نظر إلى الحسن بن علي علیهما السلام و هو بالمدينة و قد احتف به خلق من قريش يعظمونه فتداخله حسد، فدعا أبا الأسود الدؤلي و الضحاك بن قيس الفهري فشاورهما في أمر الحسن علیه السلام و الذي يهم به من الكلام. - إلى أن قال: فقال معاوية: أما إنك تحدث نفسك بالخلافة و لست هناك.

فقال الحسن علیه السلام: أما الخلافة فلمن عمل بكتاب الله و سنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، ليست الخلافة لمن خالف كتاب الله و عطل السنة، إنما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكا فتمتع به و كأنه انقطع عنه و بقيت تبعاته عليه.

فقال معاوية: ما في قريش رجل إلا ولنا عنده نعم مجللة و يد جميلة.

ص: 283


1- المناقب: 289/4 ، الخرائج والجرائح: 649/2 ، عنهما البحار: 59/48 ح 69، وأورده في بصائر الدرجات: 252ح 2 وفيه بدل (موسی بن جعفر) : (الرضا) ، وبدل (يغني) : (ثقتي)، عنه البحار: 47/49 ح44، و 274/49 ح 22.
2- مثير الأحزان: 66، البحار: 28/45 .

قال علیه السلام: بلى، من تعززت به بعد الذلة و تكترت به بعد القلة. فقال معاوية: من أولئك یا حسن؟ قال: من يلهيك عن معرفته، قال الحسن علیه السلام : أنا ابن من ساد قریشا شابا و کهلا، أنا ابن من ساد الوری کرما و نبلا، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق و الفرع الباسق و الفضل السابق، أنا ابن من رضاه رضي الله و سخطه سخط الله، فهل لك أن تسامیه یا معاوية؟

فقال: أقول لا تصديقا لقولك. فقال الحسن علیه السلام : الحق أبلج و الباطل لجلج و لن يندم من ركب الحق و قد خاب من ركب الباطل، و الحق يعرفه ذوو الألباب، ثم نزل معاوية و أخذ بيد الحسن و قال: لا مرحبا بمن ساءك. (1)

2- [الطبرسي في الإحتجاج]، عن الشعبي و أبي مخنف و یزید بن أبي حبيب المصري، في خبر طويل فيما جرى بين الإمام المجتبى علیه السلام وبين معاوية وأصحابه: - إلى أن قال:۔ تكلم عمرو بن العاص، فحمد الله، و أثنى عليه، ثم قال:

إي يا ابن أبي تراب، بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق، و اشترك في قتل عمر الفاروق، و قتل عثمان ذا النورين مظلوما، فادعى ما ليس له بحق و وقع فيه و ذكر الفتنة و عيره بشأنها، ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحل لكم، ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين و ليس عندك عقل ذلك و لا رأيه، فكيف و قد سلبته - إلى أن قال الراوي:۔

فتكلم أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال:..وأما أنت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر.. ولسنا نلومك على بغضنا ولا نعاتبك على حبنا وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام.. الخبر.(2)

3 - [الصدوق في الخصال]، بإسناده إلى جابر الجعفي، عن أبي جعفر علیه السلام- فيما ذكر أمير المؤمنين علیه السلام في جواب الذي سأل عما فيه من خصال الأوصياء - قال علیه السلام-

و أما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمرني في حياته على جميع أمته و أخذ على جميع من حضره منهم البيعة و السمع والطاعة لأمري، و أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمره إذا حضرته و الأمير على من حضرني

ص: 284


1- البحار: 44/ 119 - 122 ح13، والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- الإحتجاج: 271/1 ، عنه البحار: 44/ 72 ح 1، أخذنا موضع الحاجة.

منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم

ولا بعد وفاته.. الحديث. (1)

4 - [السيد ابن طاووس في كشف المحجة] عن محمد بن يعقوب في كتاب الرسائل، عن علي بن إبراهيم، بإسناده، قال:كتب أمير المؤمنين علیه السلام كتابا بعد منصرفه من النهروان و أمر أن يقرأ على الناس، و ذلك أن الناس سألوه عن أبي بکر و عمر و عثمان، فغضب علیه السلام و قال... -إلى أن قال: - فولي أبو بكر فقارب و اقتصد فصحبته مناصحا، و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، حتى إذا احتضر، قلت في نفسي: ليس يعدل بهذا الأمر عني، ولولا خاصة بينه و بين عمر و أمر كانا رضياه بینهما، لظننت أنه لا يعدله عني وقد سمع قول النبي صلى الله عليه و آله لبريدة الأسلمي حين بعثني و خالد بن الوليد إلى اليمن و قال: إذا افترقتما فكل واحد منکما على حياله، و إذا اجتمعتما فعلي عليكم جميعا.. الحديث.(2)

5 - [إبراهيم الثقفي في الغارات] عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخل عمرو بن الحمق و حجر بن عدي و حبة العرني و الحارث الأعور و عبد الله بن سبأعلى أمير المؤمنين علیه السلام بعد ما افتتحت مصر و هو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبي بکر و عمر؟ فقال لهم على علیه السلام: هل فرغتم لهذا و هذه مصر قد افتتحت و شيعتي بها قد قتلت! أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم و أسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرءوه على شيعتي و كونوا على الحق أعوانا، و هذه نسخة الكتاب: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين، السلام عليكم - إلى أن قال علیه السلام:-

فلا مضى صلی الله علیه و آله وسلم لسبیله تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلی الله علیه و آله وسلم عن أهل بيته، و لا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي و رأيت أني أحق بمقام محمد صلی الله علیه و آله وسلم و ملة محمد صلی الله علیه و آله وسلم في الناس بمن تولى الأمر بعده.

فلبثت بذلك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى.

ص: 285


1- الخصال: 2/ 372 ح 58، عنه البحار: 206/28 ح 6، وتمامه في : 167/38 ح 1، وذكره في إرشاد القلوب: 2/ .344 بحذف الإسناد.
2- کشف المحجة لثمرة المهجة: 1/ 184، عنه البحار: 3012/30 ح1.

محق دین الله و ملة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصيبة بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و كما ينقشع السحاب. فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة الله هي العليا و لو كره الكافرون فتولي أبو بكر تلك الأمور و سدد و یسر وقارب و اقتصد، فصحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، و ما طمعت أن لو حدث به حدث و أنا حي أن يرد إلى الأمر الذي بايعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه بأس من لا يرجوه، فلولا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا و أطعنا و ناصحنا و تولی عمر الأمر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة، حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني [ليس بدافعها عني(1)] فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أحاج أبا بكر و أقول: يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منکم، أما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و بدین بدین الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان، وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي. ثم قالوا: هلم بایع و إلا جاهدناك فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص!

فقلت: إنهم أحرص مني و أبعد! أينا أحرص؟ أنا الذي طلبت تراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله صلی الله علیه و آله وسلم أولى به، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه؟ فبهتوا «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(2).

اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أصغوا إنائي و صغروا عظیم منزلتي و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا و حنقا، فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى و

ص: 286


1- ما بين المعقوفتين ليس في النسخة المصدر المطبوعة.
2- البقرة: 258، آل عمران: 86، التوبة: 19، التوبة: 109، الصف: 7، الجمعة: 5.

تجرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و آلم للقلب من حز الشفار .. الحديث.(1)

الباب 22: حديث النفس بالإطاعة وإمتثال الواجب وترك المحرم

1- [عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى] عن عبد الرحيم البغدادي، قال: حدثنا الثقة، عن طاوس بن كيسان اليماني قال: خرجت إلى بيت الله الحرام و معنا الحجاج بن يوسف الثقفي، فبينا نحن ماضين إذ نحن بأعرابي بدوي جوهري و هو يلبي و يقول في تلبيته: لبيك اللهم لبيك، قد لبيت لك لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك، كلامك اللهم لك من مخلوق كذلك ثم في النار سلك، و الليل إذا ما انحلك، و الجاريات في الفلك، على مجار من سلك، قد اتبعنا رسلك، و قد سلكنا و حججنا منك و لك.

فسمع الحجاج فقال: تلبية ملحد ورب الكعبة! علي بالأعرابي. فأوتي به، فقال: يا أعرابي، من أین و إلى أين؟ قال: من الفج العميق إلى البيت العتيق. قال: و أين يكون الفج العميق؟ قال: بالعراق. قال: و أي موضع من العراق؟ قال: من واسط. قال: فهل لك من بواسط من أمير؟ قال: نعم، إنسان ذليل يقال له: الحجاج.

قال: مقيم أم راحل؟ قال: بل راحل حاجا. فقال: هل أستعمل عليكم عاملا؟ قال: نعم، إنسان أذل منه يقال له: محمد بن يوسف. قال: و كيف خلفته؟ قال: خلفته جسيما وسيما. قال: ليس عن هذا سألتك. قال: فعما سألتني يا هذا؟ قال: عن سيرته في الناس. قال: خلفته ظلوما غشوما، يأخذ بغير حق، و يعطي في غير الحق.

قال: ويلك أنا الحجاج و ذاك أخي محمد بن يوسف. أما عرفت عزي؟ فقال الأعرابي: أوما عرفت عزي أنا برب العالمين؟ قال الحجاج: يا أعرابي حسبك زنديقا. قال: ما أنا زندیق و لكني موحد. قال: و لمن أنت موحد؟ قال: الله الذي خلق السماوات و الأرض.

ص: 287


1- الغارات: 1/ 199 - 212، عنه البحار: 566/33-569 ، وراجع شرح النهج للمعتزلي: 94/6-100 رواه عن إبراهيم، ولكن أوله هكذا: (خطب علي علیه السلام بعد فتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر فقال: أما بعد..) وذكر نحوه.

قال: فتعرف الله؟ قال: نعم، على الخبير سقطت. قال: فبما عرفت الله؟ قال: ليس بذي نسب فیری و لا بجسم فيتجزأ ولا بذي غاية فيتناهی و لا يحدث فيبصر و لا بمستتر فينکشف و لا دهور بغيره خلاف أزمنتها لكن جل ذلك الكبير المتعال الذي خلق فأتقن و صور فأحسن و علا فتمكن و أتقن على الأمور بعزته، لا يوصف هو بالحركة لأنها زوال، و لا بسكون لأنه من صفة المتشابهين بالأمثال، لا يخفى عليه کرور ذوي الأحوال، عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال.

فقال الحجاج: يا أعرابي لقد أحسنت في التوحيد، فما قولك في هذا الرجل المبعوث محمدا صلی الله علیه و آله وسلم ؟ فقال: نبي الرحمة، بعثه الله على حين فترة من الرسل و ضلالة من الأمم، و الأمم يومئذ في الجاهلية الجهلاء لا يدينون لله بدین و لا يقرءون له کتابا، أصحاب حجر و مدر و ضیق و ضنك، عبدوا من دون الله الأصنام و اتخذوا الأوثان حتى بعث الله عز و جل نبيا مرسلا جمع أمورهم.

فقال الحجاج: يا أعرابي، لقد أحسنت في هذا أيضا، فما قولك في علي بن أبي طالب؟ قال: فسكت الأعرابي، قال في نفسه: إن أنا صدقته قتلني و إن كذبته فبم ألقى محمد صلی الله علیه و آله وسلم؟ ثم قال: الدنيا فانية و الآخرة باقية، خذها إليك من السلمي: علي بن أبي طالب الداعي إلى الله و صهر المرسل الأواه و سفينة النجاح و بحر بين الساح و غيث بين الرواح، قاتل المشركين و قامع المعتدين و أمير المؤمنين و ابن عم نبي الله صلى الله عليه و آله أجمعين، و زوج فاطمة الزهراء و أبو الحسن و الحسين ريحانتي نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم و ثمرة فؤاده، هامات هامات و سادات سادات، ولدتهما البتول و سماهما الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و كناهما الجليل و ناغاهما جبرئیل و حنكهما میکائیل، فهل هؤلاء من عديل؟.

قال طاوس: لقد تبين أثر الغضب على وجه الحجاج، فقال الحجاج: يا أعرابي، فما تقول في؟ قال: أنت بنفسك أعلم.

قال: قل في أميرك شيئا. قال: إذا أسوؤك و لا أسرك. قال: بث فيما علمت . قال: ما علمتك إلا ظالما غشوما قتلت أولياء الله بغير الحق. فقال: لأقتلنك أشر القتل.

قال: «إلَی اللهِ تَصِیرُ الامُورِ» (1). فقال الحجاج: يا غلام علي بالنطع و السيف. فلما أن بسط النطع و جرد السيف ما لبث الأعرابي أن عطس ثلاث عطسات متتابعات، فقال

ص: 288


1- الشوری: 53.

الحجاج: ما عطس ثلاث عطسات متابعات إلا زنیم - یعني ولد زنا -. قال: فما لبث الحجاج أن عطس سبع عطسات متتابعات. فقال الأعرابي: أيها الأمير،

لا تنطقن بمايعيبك ناطق *** فتقول جهلا: ليتني لم أنطق

إن السلامة في السكوت و إنما *** يبدي معايبها كثير المنطق

و إذا خشيت ملامه في مجلس*** فاعمد لسانكفي اللهاة واطرق

واحفظ لسانك لا تقول فتبتلي *** إن البلاء مول بالمنطق

فقال الحجاج: اضرب عنقه على حب علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين علیهم السلام. فلما رفع السيف حرك الأعرابي شفته فجف يد السياف في مقبض سيفه. فقال الحجاج: با أعرابي، لقد تكلمت بعظيم!

فقال: لعمري إنه لعظيم. قال: فادع إلهك حتى يطلق يد السياف. قال: و تنجيني من القتل؟

قال: نعم، فرفع الأعرابي ثنتي يديه فقال: يا إلهي عند كربتي و يا صاحبي عند شدتي و ولیي عند نعمتي، أسألك يا إلهي و إله آبائي إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و یعقوب و الأسباط، و بحق کهیعص و طه و یس و القرآن الحكيم أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تطلق يد السياف. قال: فأطلق يده. قال الحجاج: ياغلام، علي بالبدرة. قال: فأتي بكيس فيه دراهم كثيرة فقال الحجاج: خذها إليك يا أعرابي و أنفقها على نفسك. فقال الأعرابي: ليس لي بمالك حاجة. و قام و مر.(1)

2 - الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام والخصال]، تميم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت علي بن موسى الرضا علیهما السلام يقول: أوحى الله عز و جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله، و الثاني فاكتمه، و الثالث فاقبله، و الرابع فلا تؤيسه، و الخامس فاهرب منه.

قال علیه السلام: فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا. و بقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.

ص: 289


1- بشارة المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم لشيعة المرتضى علیه السلام: 254.

ثم مضى فوجد طستا من ذهب، فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا. فحفر له و جعله فيه و ألقى عليه التراب ثم مضى، فالتفت فإذا الطست قد ظهر، فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز و جل.

فمضى فإذا هو بطير و خلفه بازي، قطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربي أن أقبل هذا. ففتح کمه فدخل الطير فيه. فقال له البازي: أخذت صيدي و أنا خلفه منذ أيام. فقال: إن الله عز و جل أمرني أن لا أؤيس هذا. فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه.

ثم مضى فلما مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: أمرني ربي عز و جل أن أهرب من هذا. فهرب منه و رجع. و رأى في المنام كأنه قد قيل له: إنك قد فعلت ما أمرت به، فهل تدري ما ذا كان؟

قال: لا. قال له: أما الجبل، فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه و جهل قدره من عظم الغضب، فإذا حفظ نفسه و عرف قدره و سكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها.

و أما الطست، فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد و أخفاه أبی الله عز و جل إلا أن يظهره لیزینه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة.

و أما الطير، فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله و اقبل نصيحته. و أما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه. و أما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها.(1)

3- [الطبري في دلائل الإمامة]، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: يا با خالد، خذ رقعتي فأت غيضة قد سماهافانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به.

قال: قلت: أعفني جعلت فداك. قال فقال علیه السلام لي: اذهب یا با خالد. قال: فقلت في نفسي: یا با خالد، لو أمرك جبار عنيف ثم خالفته إذا كيف يكون حالك؟ قال: ففعلت ذلك حتى إذا صرت إلى الغيضة و نشرت الرقعة جاء معي واحد منها، فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إليه واقفا ما يحرك من شعره شعرة. فأومأ بكلام لم أفهمه قال:

ص: 290


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 275/1-276 ح12، الخصال: 1/ 267ح 2، عنهما البحار: 456/14-457، ح9، 418/68 ح48، 250/72 ح23، 74/ 18ح1، 75/ 444 ح 1، وعنه أيضا مشكاة الأنوار: 308.

فلبثت عنده وأنا متعجب من سكون السبع بين يديه علیه السلام .

فقال علي علیه السلام : یا با خالد، ما لك تتفكر؟ قال: قلت: أفكر في إعظام السبع.

قال: ثم مضى السبع فما لبثت إلا وقتا قليلا حتى طلع السبع و معه كيس في فيه. قال: قلت: جعلت فداك إن هذا لشيء عجيب! قال علیه السلام: یا با خالد هذا كيس وجه به إلى فلان مع المفضل بن عمر، و احتجت إلى ما فيه، و كان الطريق مخوفا فبعثت هذا السبع فجاء به .

قال: فقلت في نفسي: و الله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر و أعلم ذلك. قال: فضحك أبو عبد الله علیه السلام ثم قال لي: نعم يا با خالد، لا تبرح حتى يأتي المفضل. قال فتداخلني و الله من ذلك حيرة. ثم قلت: أقلني جعلت فداك. و أقمت أياما، ثم قدم المفضل و بعث إلي أبو عبد الله علیه السلام فقال المفضل: جعلني الله فداك، إن فلانا بعث معي کیسا فيه مال، فلما صرت في موضع كذا و كذا جاء سبع و حال بيننا وبين رحالنا، فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده.

قال أبو عبد الله علیه السلام : يا مفضل، أتعرف الكيس؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال أبو عبد الله علیه السلام : يا جارية، هاتي الكيس. فأتت به الجارية، فلما نظر إليه المفضل قال: نعم هذا هو الكيس.

ثم قال علیه السلام : یا مفضل تعرف السبع؟ قال: جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب. فقال علیه السلام له: ادن مني. فدنا منه ثم وضع يده عليه، ثم قال لأبي خالد: امض برقعتي إلى الغيضة، فأتنا بالسبع. فلما صرت إلى الغيضة، ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي. فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إلى إعظامه إياه، فاستغفرت في نفسي. ثم قال علیه السلام: یا مفضل هذا هو؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال علیه السلام : يا مفضل أبشر فأنت معنا. (1)

أقول، ويأتي ما يتعلق بذلك.

ص: 291


1- دلائل الإمامة: 128، عنه البحار: 74/62 ح6.

الباب 23: حديث النفس بالتوبة والإنتقال من المعصية إلى الطاعة

1-[ الطبرسي في الإحتجاج]، روي أن زين العابدین علیه السلام مر بالحسن البصري و هو يعظ الناس بمنى، فوقف علیه السلام عليه، ثم قال علیه السلام: أمسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك و بين الله للموت إذا نزل بك غدا؟

قال: لا. قال علیه السلام : أفتحدث نفسك بالتحول و الإنتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟ قال: فأطرق مليا، ثم قال: إني أقول ذلك بلا حقيقة. قال علیه السلام : أفترجو نبيا بعد محمد صلی الله علیه و آله وسلم يكون لك معه سابقة؟ قال: لا.

قال علیه السلام : أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها، ترد[ فترد] إليها فتعمل فيها؟ قال: لا.

قال علیه السلام : أفرأيت أحدا به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنك على حال لا ترضاها، و لا تحدث نفسك بالإنتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، و لا ترجو نبیا بعد محمد صلی الله علیه و آله وسلم، و لا دارا غير الدار التي أنت فيها فترد [فترد] إليها فتعمل فيها، و أنت تعظ الناس. قال: فلما ولی علیه السلام قال الحسن البصري: من هذا؟

قالوا: علي بن الحسين علیه السلام . قال: أهل بيت علم. فما رئي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس.(1)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، مسندا إلى جابر، عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله عز وجل: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2) قال علیه السلام : الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار.(3)

3-[ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ، قال: صلينا مع أمير المؤمنين علیه السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل فقال علیه السلام : من أين؟ قال: من الشام. قال علیه السلام : ما أقدمك؟ قال: لي حاجة. قال علیه السلام: أخبرني و إلا أخبرتك بقضيتك. قال: أخبرني بهایا

ص: 292


1- الإحتجاج: 2/ 313، عنه البحار: 146/10 ح2، 116/46 ح 2.
2- آل عمران: 135
3- الكافي: 2/ 288 ح 2، عنه البحار: 85/ 29 ذیل ح 1، وأورده عنه أيضا في الوسائل: 15/ 338 ح20682 وفيه بدل (بتوبة) : بالتوبة. وذكره العياشي في تفسيره: 1/ 198 ح144 (نحوه)، عنه البحار: 32/6 ح40، 13/76 ح17، وذكره في: 36/6 ح 53 عن تنبيه الخاطر، ولاحظ مجموعة ورام: 18/1 .

أمير المؤمنين.

قال: نادی معاوية يوم كذا و كذا، من شهر كذا و كذا، من سنة كذا و كذا: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرة آلاف دينار، فوثب فلان و قال: أنا. قال: أنت. فلماانصرف إلى منزله ندم و قال: أسير إلى ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أبي ولديه فأقتله؟

ثم نادى مناديه اليوم الثاني: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرون ألف دينار. فوثب آخر فقال: أنا. فقال: أنت. ثم إنه ندم و استقال معاوية فأقاله. ثم نادى مناديه اليوم الثالث: من يقتل عليا علیه السلام فله ثلاثون ألف دينار، فوثبت أنت، و أنت رجل من حمير.

قال: صدقت. قال علیه السلام: فما رأيك، تمضي إلى ما أمرت به، أو ما ذا؟

قال: لا، و لكن أنصرف. قال علیه السلام : يا قنبر، أصلح له راحلته، و هیی له زاده و أعطه نفقته. (1)

4 - [الصدوق في الفقيه]، عن هشام بن الحكم و أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، و طلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا، إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، فطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلك على شيء تكثر به دنياك و تكثر به تبعك؟

فقال: بلى. قال: تبتدع دینا و تدعو إليه الناس.

ففعل، فاستجاب له الناس فأطاعوه فأصاب من الدنيا، ثم إنه فکر فقال: ما صنعت؟! ابتدعت دينا و دعوت الناس إليه، و ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوه فأرده عنه. فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول: إن الذي دعوتكم إليه باطل وإنما ابتدعه. فجعلوا يقولون: كذبت، هو الحق ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه.

فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتدلها وتدا ثم جعلها في عنقه و قال: لا أحلها حتى يتوب الله علي. فأوحى الله عز و جل إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي وجلالي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه.(2)

ص: 293


1- المناقب: 2/ 260، عنه البحار: 306/41 ضمن ح38.
2- من لا يحضره الفقيه : 572/3 ح 4958، وأورده في علل الشرائع: 2/ 492، عنه البحار: 2/ 297، ثواب الأعمال: 257، وذكره البرقي في المحاسن: 207/1 .

5-[ الجزائري في قصص الأنبياء ] عن ابن عباس قال (في قصة قارون، وساق الخبر، إلى أن قال): ثم إن الله سبحانه و تعالى أنزل الزكاة علی موسي علیه السلام فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبی قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، و عن كل ألف درهم على درهم، و عن كل ألف شاة على شاة، و عن كل ألف شيء شيئا.

ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه، فجمع بني إسرائيل و قال لهم: يا بني إسرائيل، إن موسى علیه السلام قد أمركم بكل شيء فأطعتموه و هو الآن يريد أن يأخذ أموالكم. فقالوا له: أنت كبيرنا و سیدنا فمرنا بما شئت. فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل و رفضوه فاسترحنا منه.

فأتوا بها، فجعل لها قارون ألف درهم، - و قيل ألف دينار، و قيل طستا من ذهب، و قيل حكمها ، و قال لها: إني أمولك و أخلطك بنسائي على أن تقذفي موسي بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل. فلما أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتی موسی فقال له: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم و تنهاهم و تبين لهم أعلام دينهم و أحكام شريعتهم. فخرج إليهم موسی و هم في براح من الأرض، فقام فيهم خطيبا و وعظهم فيما قال: يا بني إسرائيل، من سرق قطعنا يده، و من افتری جلدناه ثمانين، و من زنا و ليست له امرأة جلدناه مائة، و من زنا و له امرأة رجمناه حتى يموت.

فقال له قارون: و إن كنت أنت؟ قال: و إن كنت أنا. قال قارون: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة.

قال: أنا؟ قال: نعم. قال: ادعوها، فإن قالت فهو كما قالت. فلا أن جاءت، قال لها موسی: یا فلانة، أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء؟ و عظم عليها و سألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى إلا صدقت.

فلما ناشدها تداركها الله بالتوفيق و قالت في نفسها: لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله، فقالت: لا، كذبوا، و لكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي، فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يد قارون و نکس رأسه و سكت الملأ وعرف

ص: 294

أنه وقع في مهلكة..الخبر(1).

الباب 24: حديث النفس بالمعاد والثواب والعقاب وفناء الدنيا

1- [عماد الدين الطبري في بشارة المصطفی]، (في خبر الحجاج مع الأعرابي في طريقهما إلى بيت الله الحرام، إلى أن قال: ).. فقال الحجاج: يا أعرابي، لقد أحسنت في هذا أيضا، فما قولك في علي بن أبي طالب علیهما السلام ؟

قال: فسكت الأعرابي، قال في نفسه: إن أنا صدقته قتلني و إن كذبه فبم ألقى محمد صلی الله علیه و آله وسلم ؟ ثم قال: الدنيا فانية و الآخرة باقية، خذها إليك من السلمي: علي بن أبي طالب الداعي إلى الله و صهر المرسل الأواه و سفينة النجاح و بحر بين الساح و غيث بين الرواح، قاتل المشركين و قامع المعتدين و أمير المؤمنين و ابن عم نبي الله صلى الله عليه و آله أجمعين، و زوج فاطمة الزهراء و أبو الحسن و الحسين ريحانتي نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم و ثمرة فؤاده، هامات هامات و سادات سادات، ولدتهما البتول و سماهما الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و كناهما الجليل و ناغاهما جبرئیل و حنكهما میکائیل، فهل هؤلاء من عدیل؟.

قال طاوس: لقد تبين أثر الغضب على وجه الحجاج، فقال الحجاج: يا أعرابي، فما تقول في؟ قال: أنت بنفسك أعلم.

قال: قل في أميرك شيئا. قال: إذا أسوؤك و لا أسرك. قال: بث فيما علمت . قال: ما علمتك إلا ظالما غشوما قتلت أولياء الله بغير الحق.. الخبر.(2)

2 -[ الكراجكي في كنز الفوائد]، عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما، فقال له: يا ضرار صف لي عليا علیه السلام. فقال: أوتعفيني من ذلك؟ قال: لا أعفوك

قال: أما إذ لا بد فإنه علیه السلام كان و الله بعيد المدى(3) شديد القوى، يقول فصلا و یحکم

ص: 295


1- قصص الأنبياء: 282، عنه البحار: 256/13-257 ح4
2- بشارة المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم لشيعة المرتضى علیه السلام : 254، أقول: تمام الخبر في الباب 22 حا من هذا الفصل.
3- قال المجلسي قدس سره: (المدى) : الغاية، وهو كناية عن علو همته علیه السلام تحصيل الكمالات، أو عن رفعة محله علیه السلام في السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شيء من فضائله.

عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة على لسانه(1)، يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته، كان علیه السلام والله غزير الدمعة طويل الفكرة، يقلب كفه و يخاطب نفسه [ويناجي ربه]، يعجبه من اللباس ما قصر[خشن] و من الطعام ما جشب (2)، كان و الله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه، و كان مع دنوه لنا و قربه منا لا نکلمه هيبة له [ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته]، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم، يعظم أهل الدين و يحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف عن عدله، أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه مماثلا في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين، و كأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت؟ أم إلى تشوقت؟ هيهات هيهات غري غيري لاحان حينك، قد أبتك ثلاثا [لا رجعة لي فيها ف]عمرک قصير و خیرک حقیر و خطرک غیر کبیر، آه آه، من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق.

فوکفت دموع معاوية على لحيته (3) وجعل يستقبلها بكمه و اختنق القوم جميعا بالبكاء، و قال: هكذا كان أبو الحسن يرحمه الله، فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ فقال: وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها و لا يسكن حزنها [ثم قام وخرج وهو باك]، فقال معاوية: لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا و لا وجدوا بي شيئا من هذا. ثم التفت إلى أصحابه فقال: بالله لو اجتمعتم بأسركم هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه؟ فيقال إنه قال له عمرو بن العاص: الصحابة على قدر الصاحب. (4)

ص: 296


1- في العدة هكذا: (تنطق الحكمة من نواحيه)، قال المجلسي قدس سره في بيانه: (أي لكثرة وفور حکمه علیه السلام كأن الحكمة ناطقة في جوانبه فيستفاد منه الحكمة من غير أن ينطق علیه السلام بها، وفي بعض النسخ بالفاء أي : تتقاطر وتجري، ولعله أبلغ.)
2- قال الخليل في العين: طعام جشب: لا إدام فيه، ورجل جشب المأكل..أي: لم يبال ما أكل من أدم، ويقال: الجشب ما لم ينخل من الطعام مثل الشعير وشبهه. وقال الطريحي في المجمع: في الحديث: كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يأكل الجشب.. الغليظ الخشن..وكل بشع الطعام جشب.
3- وكف: سال (لسان الرعب).
4- کنز الفوائد: 2/ 160، عنه البحار: 274/33-275 ح 538، ولاحظ إرشاد القلوب: 218/2 ، عنه البحار: 41/ 120 - 121 ح28، عدة الداعي: 208-209 ، عنه البحار: 156/84-157 ح 41، مع تفاوت في النسخ، وذكره من دون الفقرة الأخيرة في: کشف الغمة: 77 - 78، وكشف اليقين: 116-117 ، أقول:ما ذكرناه بين المعقوفات من نسخة العدة، وأعرضنا عن سائر الإختلافات.

3 - [الكفعمي في البلد الأمين]، عن مولانا العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين علیه السلام (و ذكر مناجاة طويلة عنه علیه السلام قال ): ثم أقبل أمير المؤمنين علیه السلام على نفسه یعاتبها و يقول: أيها المناجي ربه بأنواع الكلام، و الطالب منه مسكنا في دار السلام، و المسوف بالتوبة عاما بعد عام، ما أراك منصفا لنفسك من بين الأنام، فلو دافعت نومك - يا غافلا - بالقيام، و قطعت يومك بالصيام، و اقتصرت على القليل من لعق الطعام، وأحييت ليلك مجتهدا بالقيام، كنت أحرى أن تنال أشرف المقام. أيتها النفس، اخلطي ليلك و نهارك بالذاکرین، لعلک أن تسكني رياض الخلد مع المتقين، و تشبهي بنفوس قد أقرح السهر رقة جفونها و دامت في الخلوات شدة حنينها و أبكى المستمعين عولة أنينها و ألان قسوة الضمائر ضجة رنينها، فإنها نفوس قد باعت زينة الدنيا وآثرت الآخرة على الأولى، أولئك وفد الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون و يحشر إلى ربهم بالحسنى و الشرور المتقون.(1)

4 -[ المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة]، في خبر شهادة أمير المؤمنين صلوات الله عليه - إلى أن قال: فلما وصل (أي أمير المؤمنين علیه السلام) إلى الباب، فعالجه ليفتحه، فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتی سقط، فأخذه وشده وهو علیه السلام يقول:

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا *** ولا تجزع من الموت إذا حل بنادیکا

ولا تغتر بالدهر وإن كان يؤاتيكا *** كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيا(2)

5 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة أصحاب الحسين علیه السلام): ثم برز عمرو ابن خالد الأزدي و هو يقول:

إليك يا نف إلى الرحمن *** فأبشري بالروح و الريحان

اليوم تجزين على الإحسان *** قد كان من غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان *** لا تجزعي فكل حي فان

والصبر أحظى لک بالأماني *** يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل . (3)

ص: 297


1- البلد الأمين: 318، عنه البحار: 91/ 109 ح14، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة، وأورده في المصباح: 378، والمستدرك: 11/ 253 ح 31.
2- البحار: 42/ 283، ریاض المصائب للتنكابني: 72-112 عن كتاب العوالم.
3- مناقب آل ابي طالب: 4/ 101، أقول: ذكره في المناقب عدا البيتين الأخيرين، وذكر الأبيات الأربعة في تسلية المجالس: 2/ 282، البحار: 18/45 ، لواعج الأشجان للأمين: 1/ 159

6 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة أصحاب الحسين علیه السلام ): ثم برز سعد ابن حنظلة التميمي مرتجزا:

صبرا على الأسياف و الأسنة *** صبرا عليها لدخول الجنة

و حور عين ناعمات هنه *** لمن يريد الفوز لا بالظنة

يا نفس للراحة فأجهدنه *** وفي طلاب الخير فارغبته(1)

7 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة أبي الفضل العباس صلوات الله عليه) قال الراوي: .. فقاتل حتى ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله، فقال:

يا نفس لا تخشي من الكفار *** و أبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار (2)

8 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن عيسى المدائني قال: خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها ثم قلت: أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكة، فهو أعظم لثوابي. فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلي إلى جنب دار أبي ذر، فجعلت أختلف إلى سيدي، فأصابنا مطر شدید بالمدينة، فأتيت أبا الحسن علیه السلام مسلما عليه يوما و إن السماء تهطل، فلما دخلت ابتدأني علیه السلام فقال لي: وعليك السلام یا عیسی، ارجع فقد انهدم بيتك إلى متاعك.

فانصرفت راجعا فإذا البيت قد انهار، و استعملت عملة فاستخرجوا متاعي كله ولا افتقدته غير سطل كان لي. فلما أتيته علیه السلام بالغد مسلما عليه قال: هل فقدت من متاعك شيئا فندعو الله لك بالخلف؟

قلت: ما فقدت شيئا ما خلا سطلا كان لي أتوضأ منه فقدته. فأطرق علیه السلام مليا ثم رفع رأسه إلى فقال: قد ظننت أنك أنسيت السطل، فسل جارية رب الدار عنه و قل لها: أنت رفعت السطل في الخلا فرديه، فإنها سترده عليك.

ص: 298


1- مناقب آل أبي طالب: 4/ 101 ، أقول: ذكره في المناقب بحذف الشطرين الأخيرين من البيتين الأخيرين، وأورده على ما ذكرناه في البحار: 18/45 عن محمد بن أبي طالب، لواعج الأشجان:159/1.
2- مناقب آل أبي طالب: 108/4 ، البحار: 45/ 40.

فلما انصرفت أتيت جارية رب الدار فقلت: إني نسيت السطل في الخلافرديه علي أتوضأ به، فردت علي سطلي. (1)

9 -[ المجلسي في البحار من كتاب إرشاد القلوب للديلمي]، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: أن البي صلی الله علیه و آله وسلم سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يارب، أي الأعمال أفضل؟

فقال الله عز و جل: ليس شيء عندي أفضل من التوكل علي و الرضا بما قسمت - إلى أن قال تعالى: -و إن أهل الآخرة قلوبهم في أجوافهم قد قرحت، يقولون: متی نستريح من دار الفناء إلى دار البقاء. يا أحمد، هل تعرف ما للزاهدين عندي في الآخرة؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: لا يا رب. قال: يبعث الخلق و يناقشون بالحساب و هم من ذلك آمنون..الحديث.(2)

10 -[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن الحسن الصیقل: سألت أبا عبد الله علیه السلام عما يروي الناس أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفکر؟

قال : يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوک؟ أين بانوک ؟ ما بالک لا تتكلمين؟ (3)

ص: 299


1- الخرائج والجرائح: 1/ 319-317، عنه البحار: 10/68 - 21 ح 79، أقول: إنها أدرجنا الخبر هنا المكان حديث نفسه بثواب البقاء في المدينة.
2- البحار: 26/76 حة، أقول: أورد الديلمي الحديث المذكور في إرشاد القلوب: 199/1 –201 إلا أننا لم نجد الفقرة المشار إليها في المصدر ولعله سقط من النسخة المتداولة.
3- الكافي: 2/ 54 ح 2، عنه البحار: 18/ 320 ح 2، وعنه أيضا الوسائل: 190/10 ح 20209، وأورده البرقي في المحاسن مسندة: 29/1 حه، عنه البحار: 18/ 326 ح16، وعنه أيضا الوسائل: 197/10 ح20299، مشكاة الأنوار: 37، عنه البحار: 18/ 328 ح 27، مجموعة ورام: 2/ 183،الزهد للحسين بن سعيد: 15. أقول: قال المجلسي بعد ذكر الحديث عن الكافي: (بيان : (خير من قيام ليلة) أي : للعبادة، لأن التفكر من أعمال القلب و هو أفضل من أعمال الجوارح، و أيضا أثره أعظم و أدوم إذ ربها صار تفکر ساعة سببة للتوبة عن المعاصي و لزوم الطاعة تمام العمر. (يمر بخربة) كأنه ولا ذكر ذلك على سبيل المثال لتفهيم السائل أو قال ذلك على قدر فهم السائل و رتبته، فإنه كان قابة لهذا النوع من التفكر. و المراد بالدار) ما لم تخرب لكن مات من بناها و سكنها غيره، و بالحربة) ما خرب و لم يسكنه أحد، و کون الترديد من الراوي كما عم بعيد. و يحتمل أن يكون این ساکنوك) للخربة و (این بانوك) للدار على اللف و النشر المرتب لكن كونها لكل منهما أظهر. و الظاهر أن القول بلسان الحال و يحتمل المقال. و قوله : (ما لك لا تتكلمين) بيان لغاية ظهور الحال،أي : العبرة فيك بينة بحيث كان ينبغي أن تتكلم بذلك، وقيل : هو من قبيل ذكراللازم و إرادة الملزوم فنفي التكلم كناية عن نفي الاستماع، أي : لا يستمع الغافلون ما تتكلمين به بلسان الحال جهرا؟ و قیل : استفهام إنكاري، أي : أنت تتكلمين لكن الغافلون لا يستمعون و هو بعيد. ويمكن أن يكون كلامها كناية عن تنبيه الغافلين أي : لا تنبه المغرورين بالدنيا مع هذه الحالة الواضحة ويؤول إلى تغيير الجاهلون بعدم الاتعاظ به، كما أنه يقول رجل لوالد رجل فاسق بحضرته: لم لا تعظ ابنك مع أنه يعظه، و إنها يقول ذلك تعبيرا للإبن) انتهى.

11 - [ابن شعبة الحراني في تحف العقول]، رسالة علي بن الحسين علیهما السلام المعروفة برسالة الحقوق: إعلم رحمك الله أن الله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سکنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها وآلة تصرفت بها - إلى أن قال علیه السلام : و أما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك، و الإستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان، و ضبطه - إذا هم - بالجوع و الظمأ، و كثرة ذكر الموت و التهدد لنفسك بالله و التخويف لها به، و بالله العصمة و التأييد و لا حول و لا قوة إلا به.. الحديث. (1)

12 - [الشيخ في الأمالي]، محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام ، قال : أوحى الله إلى عيسى ابن مريم علیهما السلام یاعیسی، هب لي من عينيك الدموع، و من قلبك الخشوع، و اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون، و قم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، و قل : إني لاحق في اللاحقين. (2)

13 - [الديلمي في إرشاد القلوب]، قال الحسين علیه السلام : يا ابن آدم، تفکر و قل : أين ملوك الدنيا و أربابها الذين عمروا و احتفروا أنهارها و غرسوا أشجارها و مدنوا مدائنها، فارقوها و هم کارهون، و ورثها قوم آخرون و نحن بهم عما قليل لاحقون.. الحديث.(3)

ص: 300


1- تحف العقول: 258 عنه البحار: 12/71 ح2.
2- الأمالي للطوسي: 12 المجلس الأول: ح 15، عنه البحار: 320/14 ح23، وعنه أيضا مستدرك الوسائل: 243/11 ح 28 - 12874، ولاحظ عدة الداعي: 168، عنه البحار: 305/90 ضمن ح 1، وعنه أيضا الوسائل:76/7 ح 8772، إرشاد القلوب: 1/ 95، قصص الراوندي: 272.
3- إرشاد القلوب: 29/1 .

الباب 25: حديث النفس بإمكان زوال النعم والعافية

1 -[ المجلسي في البحارمن كتاب العتيق الغروي]، من مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه: (..رب حسنت خلقي و عظمت عافيتي و وسعت علي في رزقي ولم تزل تنقلني من نعمة إلى كرامة، و من كرامة إلى فضل، تجدد لي ذلك في ليلي ونهاري، لا أعرف غير ما أنا فيه، حتى ظننت أن ذلك واجب عليك لي، و أنه لا ينبغي لي أن أكون في غير مرتبتي، لأني لم أدر ما عظيم البلاء فأجد لذة الرخاء، و لم يذلني الفقر فأعرف فضل الأمن، فأصبحت و أمسيت في غفلة مما فيه غيري ممن هو دوني، فكفرت و لم أشكر بلاءك، و لم أشك أن الذي أنا فيه دائم غير زائل عني، لا أحدث نفسي بانتقال عافية و تحویل فقر ولا خوف و لا حزن، في عاجل دنیای و آجل آخرتي، فيحول ذلك بيني و بين التضرع إليك في دوام ذلك لي، مع ما أمرتني به من شكرك، و وعدتني عليه من المزيد من لديك، فسهوت و لهوت و غفلت و أمنت و أشرت و بطرت و تهاونت، حتى جاء التغيير مكان العافية بحلول البلاء.. الدعاء).(1)

2 - [کتاب الدعوات للراوندي]، عن ربيعة بن کعب قال: قال لي ذات يوم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يا ربيعة، خدمتني سبع سنين، أفلا تسألني حاجة؟ فقلت: يا رسول الله، أمهلني حتى أفكر. فلما أصبحت و دخلت عليه صلی الله علیه و آله وسلم قال لي: يا ربيعة، هات حاجتك؟

فقلت: تسأل الله أن يدخلني معك الجنة. فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: من علمك هذا؟ فقلت: يا رسول الله، ما علمني أحد لكني فكرت في نفسي و قلت: إن سألته صلی الله علیه و آله وسلم ما كان إلى نفاد، و إن سألته صلی الله علیه و آله وسلم عمرا طويلا و أولادا كان عاقبتهم الموت. قال ربيعة: فنكس صلی الله علیه و آله وسلم رأسه ساعة ثم قال: أفعل ذلك فأعني بكثرة السجود.(2)

3 -[ الصدوق في علل الشرائع] ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن سارة قالت لإبراهيم علیه السلام : يا إبراهيم، قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر أعيننا به فإن الله قد اتخذك خليلا و هو مجيب لدعوتك إن شاء.

ص: 301


1- البحار: 136/91-137 وأورده الراوندي في الدعوات: 175.
2- الدعوات: 39 ح 95، عنه البحار: 86/22-87 ح 39، 407/66 -408 ح117، 326/90 ضمن ح10.

قال علیه السلام : فسأل إبراهيم علیه السلام ربه أن يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله عز و جل إليه: أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة لي. قال أبو عبد الله علیه السلام : فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله عز وجل، و إن سارة قد قالت لإبراهيم: إنك قد كبرت و قرب أجلك فلو دعوت الله عز و جل أن ينسى في أجلك و أن يمد لك في العمر فتعيش معنا و تقر أعيننا.

قال علیه السلام: فسأل إبراهيم علیه السلام ربه ذلك، قال فأوحى الله عز و جل إليه: سل من زيادة العمر ما أحببت تعطه. قال علیه السلام: فأخبر إبراهيم سارة بذلك فقالت له: سل الله أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت.

قال علیه السلام: فسأل إبراهيم ربه ذلك، فأوحى الله عز و جل إليه: ذلك لك. قال: فأخبر إبراهيم سارة بما أوحى الله عز و جل إليه في ذلك. فقالت سارة لإبراهيم: اشكر الله و اعمل طعاما و ادع عليه الفقراء و أهل الحاجة. قال: ففعل ذلك إبراهيم و دعا إليه الناس، فكان فيمن أتى رجل كبير ضعیف مکفوف معه قائد له فأجلسه على مائدته، قال : فمد الأعمى يده فتناول لقمة و أقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا و شمالا من ضعفه، ثم أهوى بيده إلى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه، ثم تناول المكفوف لقمة فضرب بها عينه، قال علیه السلام: و إبراهيم علیه السلام ينظر إلى المكفوف و إلى ما يصنع. قال: فتعجب إبراهيم من ذلك و سأل قائده عن ذلك فقال له القائد: هذا الذي تري من الضعف.

فقال إبراهيم في نفسه: أليس إذا كبرت أصير مثل هذا؟ ثم إن إبراهيم صلی الله علیه و آله وسلم سأل الله عز و جل حيث رأى من الشيخ ما رأى فقال: اللهم توفني في الأجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رأيت. (1).

الباب 26: حديث النفس بما يتعلق بالموت عند اتباع الجنائز

1-[ الراوندي في الدعوات] قال الصادق علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز يذكركم الآخرة، و كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم إذا تبع جنازة غلبته کابة وأكثر حديث

ص: 302


1- علل الشرائع: 1/ 38 - 39 ح 2، عنه البحار: 79/12- 80 ح9، وعنه أيضا قصص الأنبياء للجزائري: 119-118

النفس وأقل الكلام.(1)

الباب 27: حديث النفس بالخير

الأنفال:«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (70)

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال: كنت فيما بين مكة و المدينة أنا و صاحب لي، فتذاكرنا الأنصار، فقال أحدنا: هم نزاع من قبائل. و قال أحدنا: هم من أهل اليمن. قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو جالس في ظل شجرة، فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا: إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرما و بنيتهم ربا أو ربة. فقال: إن كان کما تقولون قتلت مقاتليهم و سبيت ذريتهم و هدمت بنيتهم.

قال: فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه. قال: فدعا العلماء و أبناء الأنبياء، فقال: انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟ قال: فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم. قالوا: حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك. قال: و لم هذا؟ قالوا: لأن البلد حرم الله و البيت بيت الله و سکانه ذريةإبراهيم خليل الرحمن علیه السلام. فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.

قال: فحدث نفسه بخير، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مکانهما. قال: فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم، ثم أتي البيت و کساه و أطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال، و نثرت الأعلاف في الأودية للوحش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.

ص: 303


1- الدعوات: 259 ح 736، عنه البحار:266/78 ح24.

وفي رواية أخرى: كساه التطاع و طيبه.(1)

الباب 28: حديث النفس بالمتعة

1- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن علي بن أبي حمزة قال: بعثني أبو الحسن علیه السلام في حاجة، فجئت و إذا معتب على الباب. فقلت: أعلم مولاي علیه السلام بمكاني. فدخل معتب و مرت بي امرأة، فقلت: لولا أن معتبا دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتبعت هذه المرأة فتمتعت بها.

فخرج معتب فقال: ادخل. فدخلت عليه علیه السلام و هو على مصلى تحته مرفقةفمديده و أخرج من تحت المرفقة صره فناولنيها و قال: إلحق المرأة فإنها على دكان العلاف[ بالبقيع تنتظرك فأخذت الدراهم وكنت إذا قال لي شيئا لا أراجعه، فأتيت البقيع فإذا المرأة على دكان العلاف] تقول: يا عبد الله قد حبستني، قلت: أنا؟ قالت: نعم. فذهبت بها و تمتعت بها. (2)

الباب 29: حديث النفس بترك الظلم

1-[ المجلسي في البحار، نقلا من كتاب الترغیب و الترهيب، و عن البيهقي في الشعب]، عن ابن عباس: أن ملكا من الملوك خرج يتصد في مملكته مختفيا من الناس. فنزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة، فحدث الملك نفسه أن يأخذها.

فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها، ثم راحت فحلبت نصف ذلك. فدعا الملك صاحبها فقال: أخبرني عن بقرتك هذه، لم نقص حلابها؟ ألم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس؟ قال: بلى، و لكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوء، فنقص لبنها. فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم، ذهبت البركة.

ص: 304


1- الكافي: 4/ 215 ح 1، عنه البحار: 19/ 522ح 6.
2- الخرائج والجرائح: 318/1 ، البحار: 62/48 ح 81.

.قال: فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها ولا يظلم أحدا. قال: فغدت ثم راحت فحلبت حلابها في اليوم الأول، فاعتبر الملك بذلك و عدل و قال: إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة، لا جرم لأعدلن و لأكونن على أفضل الحالات.(1)

الباب 30: حديث النفس برد المظالم وأداء الحقوق

1- [علي بن عيسى في كشف الغمة]، عن محمد بن طلحة، قال: قال خشنام بن حاتم الأصم: قال لي أبي حاتم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتی حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، و الله لأمضين إليه و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق، «اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ» (2) ثم تركني و مضى.

فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بما في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه و لأسألنه أن يحللني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب من عيني. فلما نزلنا واقصة و إذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه و أستحله. فصبرت حتى جلس، و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ» (3) ثم تركني و مضى. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري مرتين - إلى أن قال: - فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسی بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام. فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل

هذا السيد. (4)

ص: 305


1- البحار: 61/ 113.
2- الحجرات: 12.
3- طه: 82.
4- کشف الغمة: 2/ 212، عنه البحار: 48/ 80 ح 102، أقول: تمام الخبر في الفصل 13، الباب 6، القسم الثامن: إخبارات الإمام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام ، ح9.

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روى أبو هاشم أنه: ركب أبو محمد علیه السلام يوما إلى الصحراء فركبت معه فبينما يسير علیه السلام قدامي و أنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين کان على قد حان أجله، فجعلت أفكر في أي وجه قضاؤه، فالتفت علیه السلام إلي و قال: الله يقضيه. ثم انحنى علیه السلام على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض فقال: يا أبا هاشم انزل فخذ و اکتم.

فنزلت و إذا سبيكة ذهب. قال: فوضعتها في خفي و سرنا، فعرض لي الفكر فقلت: إن كان فيها تمام الدین و إلا فإني أرضي صاحبه بها و يجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء و ما نحتاج إليه فيه من كسوة و غيرها. فالتفت علیه السلام إلى ثم انحنی ثانية فخط بسوطه مثل الأولى ثم قال: انزل و خذ و اکتم.

قال: فنزلت فإذا بسبيكة، فجعلتها في الخف الآخر و سرنا يسيرا، ثم انصرف علیه السلام إلى منزله و انصرفت إلى منزلي، فجلست و حسبت ذلك الدین و عرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت و لا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدمنه على الإقتصاد بلا تقتير ولا إسراف، ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت و لا نقصت. (1)

3 - [ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن محمد بن هارون الهمداني قال:كان علي خمسمائة دينار و ضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار و ثلاثين دینارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، و لا و الله ما نطقت بذلك و لا قلت، فكتب علیه السلام إلى محمد بن جعفر: اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه. (2)

ص: 306


1- الخرائج والجرائح: 421/1 ، عنه البحار: 50 ح 259-260 ح20.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 472، عنه البحار: 51/ 294 ح 4، وأورد نحوه في الكافي: 524/1 ح 28 عن علي بن محمد، عن محمد بن هارون، عنه إعلام الوری: 449، الإرشاد: 2/ 366، تقریب المعارف لأبي الصلاح الحلبي: 196-167، الصراط المستقیم: 2/ 248ح13، کشف الغمة:456/2.

الباب 31: حديث النفس بعدم تحمل أوزار أهل المعاصي

1-[ الشيخ في تهذيب الأحكام] محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل، فسألني أحدهما عن الذبيحة - يعني ذبيحةأهل الذمة - فقلت في نفسي: و الله لا برد لكما على ظهري، لا تأكل.

قال محمد: فسألته علیه السلام أنا عن ذبيحة اليهودي و النصراني، فقال علیه السلام : لا تأكل منه.(1)

الباب 32: حديث النفس ومحاسبتها والإزراء عليها ولومها وحثها على الطاعة وكفها عن المعصية

اشارة

النازعات: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ » (40)«فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ» (41)

القسم الأول: في أهمية محاسبة النفس والحث عليها وكيفيتها واتها من أعمال المتقين

اشارة

1 - [مصباح الشريعة]، قال الصادق علیه السلام : لو لم يكن للحساب مهولة إلا حياء العرض على الله عز و جل و فضيحة هتك الستر على المخفيات لحق للمرء ألا يهبط من رؤوس الجبال و لا يأوي إلى عمران، و لا يأكل ولا يشرب و لا ينام إلا عن اضطرار متصل بالتلف، و مثل ذلك يفعل من يرى القيامة بأهوالها و شدائدها قائمة في كل نفس، و يعاین بالقلب الوقوف بين يدي الجبار حینئذ يأخذ نفسه بالمحاسبة كأنه إلى عرصاتها مدعو و في غمراتها مسؤول. قال الله عز و جل: «وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ» (2)

2 - [مصباح الشريعة]، قال بعض الأئمة علیهم السلام : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و

ص: 307


1- التهذيب: 67/9 ح 21، وأورده المفيد مع الإختلاف في رسالة الذبائح: 27، عنه وعن الطرابلسيات البحار: 18/63 ح8، وفي الإستبصار ليس فيه عبارة: (فقلت في نفسي..)لاحظ: 4/ 84 ح20، أقول: سيوافيك بيان المجلسي قدس سره للخبر في الفصل 14، الباب 2، ح20.
2- مصباح الشريعة: 85، عنه البحار: 265/68 ح8، والآية: الأنبياء: 47.

زنوا أعمالكم بميزان الحياء قبل أن توزنوا.(1)

3- [الرضي في نهج البلاغة]، ومن خطبة له علیه السلام :.. عباد الله، زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا، و تنفسوا قبل ضيق الخناق، و انقادوا قبل عنف السياق، و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ. (2)

4 -[ الشيخ في الأمالي]، عن علي بن محمد القاساني، عن حفص بن غیاث القاضي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام يقول: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز وجل، فإنه إذا علم الله عز و جل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن في القيامة خمسين موقفا كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا هذه الآية: « فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ». (3)

5 - [شاذان بن جبرائيل في الفضائل]، بالإسناد يرفعه إلى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لما أسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل علیه السلام : قد أمرت الجنة والنار أن تعرض عليك. قال صلی الله علیه و آله وسلم: فرأيت الجنة و ما فيها من النعيم، و رأيت النار وما فيها من العذاب، و الجنة فيها ثمانية أبواب، على كل باب منها أربع کلمات، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم و يعمل بها، و للنار سبعة أبواب، على كل باب منها ثلاث کلمات، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم و يعمل بها. فقال لي جبرئيل علیه السلام : اقرأ

یا محمد صلی الله علیه و آله وسلم ما على الأبواب، فقرأت ذلك. أما أبواب الجنة - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم : - و رأيت على أبواب النار مكتوبا على الباب الأول - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم : - و على الباب السابع مکتوب ثلاث كلمات: حاسبوا نفوسكم قبل أن تحاسبوا، و وبخوا نفوسكم قبل أن توبخوا و

ص: 308


1- مصباح الشريعة: 85، عنه البحار: 265/68 ضمن ح8.
2- نهج البلاغة:ح90، عنه البحار: 4/ 310 ح 38، ولاحظ الفقرة الأولى في غررالحكم: 236 ح4742 وفي آخره هكذا: (وتنفسوا من ضيق الخناق قبل عنف السياق).
3- الأمالي: 110 - 112 ح169 - 23، عنه البحار: 107/72 ح7، وأورده في الكافي مع التفاوت: 143/8 ح108، عنه الوسائل: 7/ 142 ح8953، أعلام الدين: 234، مجالس المفيد: 329 ح 1 المجلس 39، مجموعة ورام: 145/2 ، ولاحظ الفقرةالأخيرة في البحار عن الأمالي والمجالس: 67/ 64 ح4، 126/7ح3، والآية: المعارج: 4.

ادعوا الله عز و جل قبل أن تردوا عليه و لا تقدروا على ذلك. (1)

6-[ الشيخ في الأمالي]، بإسناده إلى أبي حمزة السعدي، عن أبيه، قال: أوصى أمير المؤمنين ابنه الحسن صلوات الله عليهما - إلى أن قال علیه السلام: - يا بني، للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة یخلو فيها بين نفسه و لذتها فيما یحل و یحمد (یجمل)، و ليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم.(2)

7 -[ السيد ابن طاووس في محاسبة النفس]، روی یحیی بن الحسين بن هارون الحسني في كتاب أماليه، بإسناده إلى الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه و السيد عبده.(3)

8-[ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل خیرا حمد الله و استزاده، و إن عمل سوءا استغفر الله. (4)

9 - [المفيد في الإختصاص]، عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه و حمد الله عليه، و إن عمل سرا استغفر الله منه و تاب إليه. (5)

أقول: روي الحديث أيضا عن أبي عبد الله علیه السلام (6)

10 - [ابن شعبة في تحف العقول]، في وصية موسی بن جعفر علیه السلام لهشام بن الحكم: یا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنا استزاد منه، و إن عمل

ص: 309


1- الفضائل: 152 - 154، عنه البحار: 144/8-146 ح17.
2- الأمالى: 146-147 ح 240 - 53، عنه البحار: 1/ 88 ح 13، 65/67 ح 6، 403/74 - 404 ح28، 291/90 ح 12، ونحوه في تحف العقول: 203، عنه البحار: 75/ 40 ح19، وفيه بدل (يخلو) : يخلی، کشف الغمة: 384/1-385.
3- محاسبة النفس: 13، البحار: 67/ 72ح22، ذكره عن فلاح السائل ولم نجده فيه، وذكر الحديث أيضا في الوسائل: 99/16 ح21083 عن كتاب محاسبة النفس.
4- عدة الداعي: 239، عنه البحار: 259/68 ح3.
5- الإختصاص: 243، وفي: 26 ليس فيه كلمة (منه)، عنه البحار: 67/ 72ح 24، وأورده في الكافي بإسناده: 2/ 453 ح 2، عنه الوسائل: 95/16 ح21074، إرشاد القلوب: 1/ 182، فلاح السائل مسندا: 211، مشكاة الأنوار: 70 عن إبراهيم بن عمر.
6- كتاب الزهد للحسين بن سعيد، رواه عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر: 76ح203

سيئة استغفر الله منه و تاب إليه. (1)

11 - [الرضي في نهج البلاغة]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حاسب نفسه ربح، و من غفل عنها خسر، و من خاف أمن، و من اعتبر أبصر، و من أبصر فهم، و من فهم علم، وصديق الجاهل في تعب.(2)

أقول: روي الحديث أيضا عن الرضا علیه السلام (3)

12 - [الديلمي في أعلام الدين] ، في الأربعين حديثا التي رواها ابن ودعان بحذف الإسناد: الثاني والعشرون، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بعض خطبه أو مواعظه: أيها الناس، لا تشغلنكم دنياكم عن آخرتكم، فلا تؤثروا هواكم على طاعة ربكم، و لا تجعلوا أيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، و حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و مهدوا لها قبل أن تعذبوا، و تزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا، فإنها موقف عدل و اقتضاء حق و سؤال عن واجب، و قد أبلغ في الإعذار من تقدم بالإنذار. (4)

13 - [السید ابن طاووس في محاسبة النفس]، قال السيد: روينا في الحديث النبوي المشهور: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، و تجهزوا للعرض الأكبر. (5)

أقول: روي الحديث أيضا عن أمير المؤمنين علیه السلام من دون الفقرة الأخيرة.(6)

14 -[ الشيخ في الأمالي ]، عن الثمالي قال: كان علي بن الحسين علیه السلام يقول: ابن آدم،[ إنك] لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، و ما كانت المحاسبه من همك، و ما كان الخوف لك شعارا و الحزن [الحذر] لك دثارا.

ص: 310


1- تحف العقول: 395، أخذنا موضع الحاجة، عنه البحار: 152/1 ح29، 311/75 ح 1.
2- نهج البلاغة: الحكمة: 208، عنه البحار: 67/ 73 ح27، وعنه أيضا الوسائل: 16/ 97 ح21079، وأورده في خصائص الأئمة: 118، ولاحظ الفقرة الأولى في غررالحكم: 236 ح4745.
3- العدد القوية من كتاب الذخيرة: 292، عنه البحار: 352/75 ح 9، وفي العدد أيضا من كتاب الدر بدل (علم) : عقل. العدد القوية:299، عنه البحار 355/75 ضمن ح9.
4- أعلام الدين: 339، عنه البحار: 74/ 183 ضمن ح10.
5- محاسبة النفس: 19، عنه البحار: 67/ 73ح 26، وعنه أيضا الوسائل: 99/16 ح 21082.
6- غررالحكم : 236 ح 4741، أعلام الدين: 250، ولاحظ مجموعة ورام: 1/ 298 ، وذكره في: 1/ 235 عن بعضهم علیهم السلام.

ابن آدم، إنك ميت و مبعوث و موقوف بين يدي الله عز و جل ومسؤول، فأعد [له] جوابا.(1)

10 - [الشيخ في الأمالي]، عن جعفر بن محمد، عن آبائه علیهم السلام ، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أنا الشجرة، و فاطمة فرعها، و علي لقاحها، و الحسن و الحسين ثمرها، و أغصان الشجرة ذاهبة على ساقها، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته. قيل: يا رسول الله، قد عرفنا الشجرة و فرعها، فمن أغصانها؟

قال صلی الله علیه و آله وسلم : عترتي، فما من عبد أحبنا أهل البيت و عمل بأعمالنا و حاسب نفسه قبل أن يحاسب إلا أدخله الله عز و جل الجنة. (2)

16 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن أبي جعفر علیه السلام في حديث: فاتقوا الله و حاسبوا أنفسكم، فإنما كان شيعة علي علیه السلام يعرفون بالورع و الإجتهاد و المحافظة و مجانبة الضغائن و المحبة لأولياء الله .(3)

17 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : و اعلموا عباد الله أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا و نفسه ظنون عنده، فلا يزال زاريا عليها و مستزيدا لها، فكونوا كالسابقين قبلكم و الماضين أمامكم، قوضوا من الدنيا تقويض الراحل و طووها طي المنازل.(4)

18 -[ محمد بن يعقوب في الكافي ]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عنهم علیه السلام قال: فيما وعظ الله عز وجل به عیسی - إلى أن قال علیه السلام : - یا عیسی، حاسب نفسك بالرجوع إلى حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون أولئك يؤتون أجرهم و أنا خير

ص: 311


1- الأمالي: 115ح176-30، عنه البحار: 64/67 ح5 ،382/67 ح 35 ، 147/75 ح8، وأورده في السرائر: 593، عنه الوسائل: 96/16 ح21076، تحف العقول: 280، عنه البحار: 137/75 ضمن ح3، ومابين المعقوفات من التحف، مجالس المفيد: 110 ح10، 337 ح 1 ، روضة الواعظين: 452/2 ، مجموعة ورام: 2/ 181، مشكاة الأنوار: 70، 118، 246 مع تفاوت في النسخ.
2- الأمالي: 611 ح1246 - 12، المجلس: 28، عنه البحار: 69/65 -70 ح126.
3- دعائم الإسلام: 2/ 128 ح 442، عنه البحار: 493/68 ضمن ح40، وعنه أيضا المستدرك: 64/17 ح 20764-2.
4- عدة الداعي: 239، عنه البحار: 231/68 ح12 ،85/75 ح 48 ولاحظ بعض فقراته في الغرر: 90 ح 1551.

المؤتين..(1)

19 - [تفسير الإمام علیه السلام] ، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «یَومِ الدِّینِ» (2) هو يوم الحساب، وقال علیه السلام : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: ألا أنبئكم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقاء؟

قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلی الله علیه و آله وسلم : أكيس الكيسين من حاسب نفسه و عمل لما بعد الموت، و أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواه و تمنى على الله الأماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، و كيف يحاسب الرجل نفسه؟

قال علیه السلام : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه و قال: يا نفس، إن هذا يوم مضى علي لا يعود إليك أبدا، و الله سائلك عنه فيما أفنيتيه، فما الذي عملت فيه؟ أذكرت الله أم حمدتيه؟ أقضيت حق أخ مؤمن؟ أنفست عنه كربته؟ أحفظتیه بظهر الغيب في أهله و ولده؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهک ؟ أأعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟

فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله عز و جل و كبره على توفيقه، و إن ذکر معصية أو تقصيرا استغفر الله عز و جل و عزم على ترك معاودته و محا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين و عرض بيعة أمير المؤمنين على نفسه و قبولها و إعادة لعن شانئيه و أعدائه و دافعيه عن حقوقه، فإذا فعل ذلك قال الله عز و جل: لست أناقشك في شيء من الذنوب مع موالاتك أوليائي و معاداتك أعدائي. (3)

20 - [مصباح الشريعة]، قال الصادق علیه السلام : و إذا رأيت مجتهدا أبلغ منك في اجتهاده، فوبخ نفسك و لمها و عیرها و حثها على الإزدیاد عليه و اجعل لها زماما من الأمر و عنانا من النهي، و سقها كالرائض للفاره الذي لا يذهب عليه (خطره منها) إلا وقد صحح أولها و آخرها. و كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يصلي حتى يتورم [قدماه] و يقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ أراد أن يعتبر [بها] أمته فلا يغفلون عن الإجتهاد و التعبد و الرياضة. ألا وإنك لو وجدت حلاوة عبادة الله و رأيت برکاتها و استضأت بنورها لم تصبر عنها ساعة واحدة

ص: 312


1- الكافي:136/8 ح103، عنه البحار: 294/14 ضمن ح13، وأورده في أعلام الدين: 231، مجموعة ورام: 2/ 143.
2- الفاتحة: 4.
3- تفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام : 38، عنه البحار: 69/67-70، 249/89 -250 ح49،وأورده في تأويل الآيات الظاهرة: 27 - 28، مجموعة ورام: 2/ 94 -95.

ولو قطعت إربا إربا.(1)

21 -[ الرضي في نهج البلاغة]، من كلامه علیه السلام عند تلاوة قوله تعالى: «یُسَبَّحُ لَهُ فِیهَا بِالغُدُوِّ وَ الآصَالِ رِجالٌ لا تُلهِیهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَیعٌ عَن ذِکرِ اللهِ» (2)، إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب تسمع به بعد الوقرة و تبصر به بعد العشوة و تنقاد به بعد المعاندة و ما برح الله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة و في أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم و كلمهم في ذات عقولهم - إلى أن قال علیه السلام:- فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة و مجالسهم المشهودة (3) ، و قد نشروا دواوين أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم (4) على كل صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها، أو نهوا [عنها] ففرطوا فيها، و حملوا ثقل أوزارهم على ظهورهم (5) فضعفوا عن الإستقلال بها (6) فنشجوانشيجا (7) و تجاوبوا حنينا (8) يعجون إلى ربهم (9) من مقام ندم و اعتراف، لرأيت أعلام هدی و مصابيح دجي قد حفت بهم الملائكة و تنزلت عليهم السكينة (10) و فتحت لهم أبواب السماء و أعدت لهم مقاعد المكرمات - إلى أن قال علیه السلام:- فحاسب نفسك لنفسك، فإن غيرها من الأنفس لها حسيب

ص: 313


1- مصباح الشريعة: 170، عنه البحار: 69/67 ح 15 بإختلاف يسير، وعنه أيضا المستدرك: 11/ 253 ح12912 - 1.
2- النور: 37.
3- المقاوم جمع مقام، وشهده - کسمعه - أي: حضره.(البحار)
4- أي فرغوا عن سائر الأشغال وتركوها لمحاسبة أنفسهم. (البحار)
5- في البحار بدون (على)، وقال المجلسي قدس سره : أي تدبروا في ثقل الآثام والمعاصي وطاقة حملهم فأذعنوا بأن ثقلها يزيد عن قوتهم ولا يطيقون حملها وعذابها.
6- الإستقلال بالشيء الإستبداد والإنفراد به، و(استقل القوم) أي مضوا وارتحلوا، واستقله أي حمله ورفعه. (البحار)
7- نشج الباكي - كضرب- نشيجا أي: غض بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
8- (تجاوبوا) أي: جاوب بعضهم بعضا. وفي البحار بدل (حنينا) : نحيبا، قال المجلسي قدس سره : أشد البكاء، والظاهر من التجارب أن نشر الدواوين ومحاسبتهم أنفسهم في مجمعهم ومحضرهم كما هو الظاهر من لفظ التجاوب.
9- عج: أي صاح ورفع صوته (البحار)
10- قال المجلسي قدس سره: (السكينة) أي: الطمأنينة والمهابة والوقار، ولعل المراد به اليقين الذي تسكن به نفوسهم وتطمئن قلوبهم فلايتزلزل لشبهة أو لما أصابها من فتنة، كما قال عز وجل: (ومن الناس من يعبدالله على حرف فإن أصابه خيراطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه).

غيرک (1) .(2)=

22 - [ابن شعبة في تحف العقول]، (من وصية الصادق علیه السلام لعبد الله بن جندب)، یا عبد الله، لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلا أولياءنا، و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا.

ثم قال علیه السلام : آه آه على قلوب حشيت نورا، و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم و العدو الأعجم، أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا، و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية. یا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم و ليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها و إن رأي سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة.. الحديث.(3)

23 -[ الديلمي في إرشاد القلوب]، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام : أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب، أي الأعمال أفضل؟ فقال الله عز و جل: ليس شيء عندي أفضل من التوكل علي و الرضا بما قسمت - إلى أن قال تعالى: - يا أحمد، أبغض الدنيا و أهلها و أحب الآخرة و أهلها.

قال صلی الله علیه و آله وسلم: يا رب، و من أهل الدنيا و من أهل الآخرة؟ قال: أهل الدنيا من كثر أكله و ضحكه و نومه و غضبه، قليل الرضا، لا يعتذر إلى من أساء إليه، ولا يقبل معذرة من اعتذر إليه، كسلان عند الطاعة، شجاع عند المعصية، أمله بعيد و أجله قريب، لا يحاسب نفسه، قليل المنفعة، كثير الكلام، قليل الخوف، كثير الفرح عند الطعام. و إن أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء، و لا يصبرون عند البلاء، كثير الناس عندهم قليل، يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون، و يدعون بما ليس لهم، و يتكلمون بما يتمنون، و یذکرون مساوي الناس و يخفون حسناتهم.

قال صلی الله علیه و آله وسلم : يا رب، هل يكون سوى هذا العيب في أهل الدنيا؟ قال: يا أحمد، إن عيب

ص: 314


1- (الحسيب) : المحاسب، والمراد إما أسرع الحاسبين، أو كل احد من المكلفين، فإنه مكلف بأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب في موقف الحساب. (البحار)
2- نهج البلاغة: الخطبة: 222، عنه البحار: 325/66 ح 39، وعنه أيضا المستدرك: 152/12 ح13757 - 1، ولاحظ الفقرة الأخيرة في غررالحكم: 236 ح 4739.
3- تحف العقول: 301، عنه البحار: 279/75 ح 1، وعنه أيضا المستدرك: 153/12 ح13758 - 2، أقول: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.

أهل الدنيا كثير، فيهم الجهل و الحمق، لا يتواضعون لمن يتعلمون منه، و هم عند أنفسهم عقلاء و عند العارفین حمقاء. يا أحمد، إن أهل الخير و أهل الآخرة رقيقة وجوههم، كثير حياؤهم، قليل حمقهم، كثير نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة و أنفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون، محاسبين لأنفسهم، متعبين لها، تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم، أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين.. الحديث.(1)

24 - [النيشابوري في روضة الواعظین]، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: ينبغي للعاقل إذا كان عاقلا أن يكون له أربع ساعات من النهار: ساعة يناجي فيها ربه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يأتي أهل العلم الذين ينصرونه في أمر دينه و ينصحونه، و ساعة يخلي بين نفسه و لذتها من أمر الدنيا فيما يحل و يحمد. (2)

20 - [الصدوق في الخصال و معاني الأخبار]، عن أبي ذر رحمه الله قال: دخلت يوما على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و هو في المسجد جالس وحده، فاغتنمت خلوته، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لي: يا أبا ذر - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم - أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ .

قال صلی الله علیه و آله وسلم: كانت أمثالا كلها، و كان فيها: أيها الملك المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، و لكن بعثتك لترد عتي دعوة المظلوم، فإني لا أردها و إن كانت من کافر، و على العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يتفكر فيها صنع الله عز وجل إليه، و ساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات و استجمام للقلوب و توزیع لها.(3)

29 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، بإسناده في النبوي: يا أبا ذر، حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا، و زن نفسك قبل أن توزن، و تجهز للعرض الأكبر

ص: 315


1- إرشاد القلوب: 1/ 200 عنه البحار: 24/74 ح6.
2- روضة الواعظين: 1/ 4، عنه البحار: 1/ 131 ح 22.
3- الخصال: 2/ 523 ح13، معاني الأخبار: 333/ ح، عنهما البحار: 74/ 73 - 74 ح 1، ولاحظ: 71/12 ح 14، البحار: 323/68 ح 7، 67/ 64 ح 2.

يوم تعرض لا تخفى على الله خافية. - إلى أن قال صلی الله علیه و آله وسلم : - يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من این مطعمه و من این مشربه و من أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام. يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز و جل من أين أدخله النار.(1)

27 - [ورام في مجموعته]، روي أنه مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: فساعة فيها يناجي ربه، و ساعة فيها يحاسب نفسه، و ساعة يفضي إلى إخوانه الذين يصدقونه عن عيوب نفسه،و ساعة يخلي بين نفسه و لذتها فيما يحل و يحمد، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات.(2)

28 - [مصباح الشريعة]، قال الصادق علیه السلام : الصمت شعار المحققين بحقائق ما سبق و جف القلم به، و هو مفتاح كل راحة من الدنيا و الآخرة، و فيه رضا الرب و تخفيف الحساب و الصون من الخطايا و الزلل. قد جعله الله سترا على الجاهل و زينا للعالم، و معه عزل الهواء و رياضة النفس و حلاوة العبادة و زوال قسوة القلب و العفاف و المروة و الظرف، فأغلق باب لسانك عمالك بد منه لا سيما إذا لم تجد أهلا للكلام و المساعد في المذاكرة لله و في الله. و كان ربيع بن خثيم يضع قرطاسا بين يديه و يكتب [كل] مايتكلم، ثم يحاسب نفسه في عشيته ما له وما عليه، و يقول: أوه، نجا الصامتون و بقينا. و كان بعض أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يضع حصاة في فمه، فإذا أراد أن يتكلم بما علم أنه لله و في الله و لوجه الله أخرجها، و إن كثيرا من الصحابة كانوا يتنفسون تنفس الغرقى و يتكلمون شبه المرضى.. الخبر.(3)

29 - [الآمدي في غرر الحكم] ،قال أمير المؤمنين علیه السلام : ثمرة المحاسبة صلاح النفس. (4)

30 -[ الآمدي في غرر الحکم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : جاهد نفسك، و حاسبها محاسبة

ص: 316


1- مكارم الأخلاق: 465، الأمالي للشيخ: 533، البحار: 84/74 ح 3، الوسائل: 16/ 98 ح21080، مجموعة ورام: 2/ 62، ولاحظ: إعلام الوری: 199، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- مجموعة ورام: 23/2 ، البحار: 41/14ح 27 عن تنبيه الخاطر.
3- مصباح الشريعة: 101، عنه البحار: 284/68 ح 38، وعنه أيضا المستدرك: 20/9 ح10088 -16.
4- غررالحكم: 236 ح 4736، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.

الشريك شريکه، و طالبها بحقوق الله مطالبة الخصم خصمه، فإن أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه.(1)

31 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : حاسبوا أنفسكم تأمنوا من الله الرهب و تدركوا عنده الرغب. (2)

32 - [المحدث النوري في المستدرك من رسالة محاسبة النفس]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : قيدوا أنفسكم بمحاسبتها و املكوها بمخالفتها تأمنوا من الله الزهب وتدركوا عنده الرغب، فإن الحازم من قيد نفسه بالمحاسبة و ملكها بالمغالبة، و أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه وطالبها حقوقها بيومه و أمسه.(3)

33 -[ المحدث النوري في المستدرك من رسالة محاسبة النفس]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : الكيس من دان نفسه أي يحاسبها، و عمل لما بعد الموت و طالبها. (4)

34 - [الآمدي في غرر الحکم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : حاسبوا أنفسكم بأعمالها، طالبوها بأداء المفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها، وتزودوا وتأهبوا قبل أن تبعثوا.(5)

35 -[ الآمدي في غرر الحکم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ووازنوها قبل أن توازنوا. (6)

36 -[ الآمدي في غرر الحکم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : قيدوا أنفسكم بالمحاسبة و أملكوها بالمخالفة.(7)

37 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حاسب نفسه سعد.(8)

38 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من تعاهد نفسه بالمحاسبة أمن فيها المداهنة. (9)

ص: 317


1- غررالحكم: 236 ح 4737، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
2- غررالحكم: 236 ح 4738.
3- المستدرك: 12/ 155 ضمن ح13762 - 6.
4- المستدرك: 12/ 155 ضمن ح13762-6.
5- غررالحكم: 236ح4740، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
6- غررالحكم: 236 ح 4741.
7- غررالحكم: 236 4743.
8- غررالحكم: 236 ح4744، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح13761 - 5.
9- غررالحكم: 236ح4747، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.

39 -[ الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حاسب نفسه وقف على عيوبه و أحاط بذنوبه و استقال الذنوب و أصلح العيوب. (1)

40 - [الآمدي في غرر الحکم] ، قال أمير المؤمنين علیه السلام : ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل یحاسب فيها نفسه فينظر فيما اكتسب لها وعليلها في ليلها ونهارها. (2)

41 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام: ما المغبوط إلا من كانت همته نفسه، لا يغبها عن محاسبتها و مطالبتها و مجاهدتها. (3)

42 - [الآمدي في غرر الحكم] ، قال أمير المؤمنين علیه السلام : من وبخ نفسه على العيوب ارتعدت [ارتدعت] عن كثير الذنوب. (4)

43 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام: من ذم نفسه أصلحها.(5)

تتميم: وعظ النفس

44 - [ورام في مجموعته]، قيل: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس، و إلا فاستحي مني. (6)

45 - [المفيد في المجالس]، عن محمد بن عمران البجلي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام

ص: 318


1- غررالحكم: 236 ح 4748، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
2- غررالحكم: 236 ح 4749 ، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
3- غررالحكم: 236 ح 4750، عنه المستدرك: 12/ 154 - 155 ضمن ح 13761 - 5.
4- غررالحكم: 239 ح 4832.
5- غررالحكم: 239 ح 4834 ، أقول: وفي معاني الأخبار بالإسناد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : (لذكر الله بالغدو و الآصال خير من حطم السيوف في سبيل الله عز و جل، يعني من ذكر الله بالغدو و تذكر ما كان منه في ليله من سوء عمله و استغفر الله و تاب إليه انتشر و قد حطت سيئاته و غفرت ذنوبه، و من ذكر الله بالآصال و هي العشيات، و راجع نفسه فيما كان منه يومه ذلك من سرفه على نفسه و إضاعته لأمر ربه فذكر الله واستغفر الله تعالى وأناب، راح إلى أهله وقد غفرت له ذنوبه.) معاني الأخبار: 411، عنه البحار: 298/83 ح 61، 278/90 ح 9، وعنه أيضا الوسائل: 16/ 97 ح21078. وقال أبو عبد الله علیه السلام : (إذا أويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك، و اذكر انك ميت و أن لك معادا). البحار: 18/ 267 ضمن ح 17، 190/73 ضمن ح 21.
6- مجموعة ورام:239/1

يقول: من لم يجعل له من نفسه واعظا فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا.(1)

46 - [ ابن شعبة في تحف العقول]، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام : المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه. (2)

47 - [البرقي في المحاسن]، محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه رفعه، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : لا يستغني المؤمن عن خصلة و به الحاجة إلى ثلاث خصال: توفيق من الله عزوجل، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه.(3)

القسم الثاني: ما في الأخبار من الإزراء على النفس وتوبيخها ولومها وحثها على الطاعات وكفها عن المعاصي

اشارة

1 - [الديلمي في أعلام الدين]، إن رجلا من بني إسرائيل قرب قربانا فلم يتقبل منه، فرجع و هو يقول: يا نفس، من قبلك أتيت. فنودي: أن مقتك نفسك خير من عبادة مائة سنة. (4)

2 -[ الحميري في قرب الإسناد]، ذكر الحسن بن الجهم أنه سمع الرضا علیه السلام يقول: إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله تبارك وتعالى أربعين سنة فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما أتيت إلا منک و لا أكديت إلا لک. فأوحى الله تبارك و تعالى إليه: ذمك نفسك أفضل من عبادة أربعين سنة. (5)

3 - [کتاب حسین بن سعيد و النوادر]، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إني لأبغض رجلا يرضي ربه بشيء لا يكون فيه أفضل منه، فإن رأيته يطيل

ص: 319


1- المجالس: 28ح10 المجلس الثالث، عنه البحار: 70/67 ح17، وأورده في تحف العقول: 294، عنه البحار: 75/ 173 ضمن ح5 .
2- تحف العقول: 457، عنه البحار: 103/72 ح 32 ، 75/ 358 ضمن ح 1 ، وعنه أيضا المستدرك : 329/8 ح9576 – 1.
3- المحاسن: 2/ 604، عنه البحار: 103/72 ح 32، وعنه أيضا الوسائل: 12/ 25ح15548 ، ومشكاة الأنوار: 332، عنه المستدرك: 11/ 137 ح 12641 - 1.
4- أعلام الدین: 264
5- قرب الإسناد: 174، عنه البحار: 228/18ح 1، وأورده في الكافي: 2/ 373، عنه البحار: 234/68 ح 15، وفيه بدل : (لا أكديت إلا لك) : وما الذنب إلا لک، ذكره أيضا في مشكاة الأنوار: 245، عنه المستدرك: 11/ 253 ح12913 - 2.

الركوع قلت: يا نفس، و إن رأيته يطيل السجود قلت: يا نفس.(1)

4 -[ الرضي في نهج البلاغة].. و اعلموا عباد الله أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا و نفسه ظنون عنده، فلا يزال زاريا عليها و مستزيدا، لها فكونوا كالسابقين قبلكم و الماضين أمامكم، قوضوا من الدنيا تقويض الراحل، و طووها طي المنازل..(2).

5- [ابن شعبة في تحف العقول]، قال الرضا علیه السلام : لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، و الشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره و يستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، و لا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغني، و الذل في الله أحب إليه من العز في عدوه، و الخمول أشهى إليه من الشهرة.

ثم قال علیه السلام: العاشرة و ما العاشرة؟

قيل له: ما هي؟ قال علیه السلام : لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني و أتقي. إنما الناس رجلان: رجل خير منه و أتقی، و رجل شر منه و أدنى، فإذا لقي الذي شر منه و أدنی قال: لعل خير هذا باطن و هو خير له و خيري ظاهر وهو شر لي، و إذا رأى الذي هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده و طاب خيره و حسن ذكره و ساد أهل زمانه.(3)

6-[ المجلسي في البحار من خط الشيخ البهائي] ، حدیث عنوان البصري - و كان شيخا كبيرا قد أتى عليه أربع و تسعون سنة -، قال: كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلما قدم جعفر الصادق علیه السلام في المدينة اختلفت إليه و أحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك.

فقال علیه السلام لي يوما: إني رجل مطلوب و مع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل و النهار، فلا تشغلني عن وردي و خذ عن مالك و اختلف إليه کما کنت تختلف إليه.

ص: 320


1- الزهد: 13 ح 25، عنه البحار: 67/ 72 ح25 أقول: ذكر المجلسي قدس سره هذا الخبر في باب محاسبة النفس ومجاهدتها وإننا تبعا له أوردناه هاهنا، ويحتمل أيضا أن يكون خطاب الإمام علیه السلام مع نفس الرجل لما يجده الرجل في نفسه من عمله، فكأنه يعبد نفسه لا ربه. والله العالم.
2- نهج البلاغة: الخطبه 176، عنه البحار: 67/ 78 ضمن ح 12، وأورده في عدة الداعي: 239، عنه البحار: 70/ 85 ح 48 ، 231/68 ح 12، غرر الحكم: 90ح 1551، أعلام الدين: 105.
3- تحف العقول: 443، عنه البحار: 336/75 ضمن ح 1.

فاغتممت من ذلك و خرجت من عنده، و قلت في نفسي: لو تفرس علیه السلام في خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه و الأخذ عنه. فدخلت مسجد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم و سلمت عليه، ثم رجعت من الغد إلى الروضة و صليت فيها ركعتين و قلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف على قلب جعفر علیه السلام و ترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم.. وساق الخبر إلى آخره.(1)

7 - [الصدوق في الفقيه]، عن هشام بن الحكم و أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، و طلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا، إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، فطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلك على شيء تكثر به دنياك و تكثر به تبعك؟

فقال: بلى. قال: تبتدع دینا و تدعو إليه الناس. ففعل، فاستجاب له الناس فأطاعوه فأصاب من الدنيا، ثم إنه فكر فقال: ما صنعت ؟! ابتدعت دينا و دعوت الناس إليه، و ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوه فأرده عنه. فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول: إن الذي دعوتكم إليه باطل و إنما ابتدعته. فجعلوا يقولون: كذبت، هو الحق و لكنك شككت في دينك فرجعت عنه.

فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتدها وتدا ثم جعلها في عنقه و قال: لا أحلها حتى يتوب الله علي. فأوحى الله عز و جل إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي وجلالي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه.(2)

8- [ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، مرسلا : قال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين علیه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال علیه السلام : أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا

ص: 321


1- البحار: 1/ 255ح17، مشكاة الأنوار: 326.
2- من لا يحضره الفقيه : 3/ 572 ح4958، وأورده في علل الشرائع: 2/ 492، عنه البحار: 2/ 297، ثواب الأعمال: 257، وذكره البرقي في المحاسن: 207/1 .

هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه. ثم أنطقه الله عز و جل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و وصي خاتم النبيين. قال علیه السلام: وعليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟

قال: أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب عباده منی، سبحانه سبحانه. فمضى أمير المؤمنين علیه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية، أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين علیه السلام و قد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنى، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلى علیه السلام بنا العصر.. الخبرٍ(1).

9-[ ديوان الإمام علي علیه السلام ]، ترغیبا في التهجد:۔

یا نفس قومي فقد قام الورى *** إن ينم الناس فذو العرش یری

وأنت يا عين دعي عني الكري*** عند الصباح محمد القوم السري (2)

10-[ ديوان الإمام علي علیه السلام ]، - يحث نفسه على الصبر:۔

إني أقول لنفسي و هي ضيقة *** وقد أتاح عليها الدهر بالعجب

صبرا على شدة الأيام إن لها *** عقبی و ماالصبر إلا عند ذي الحسب

سیفتح الله عن قرب بنافعة *** فيها لمثلك راحات من التعب (3)

11-[ ديوان الإمام علي ]، - في مخالفة النفس وترك الشهوات واللذات:-

أقول لعيني: احبسي اللحظات *** ولا تنظري يا عين بالسرقات

فكم نظرة قادت إلى القلب شهوة *** فأصبح منها القلب في حسرات (4)

12 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، من كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده إلى ابن عباس: أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أعطى عليا علیه السلام يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه، قال علي علیه السلام :

ص: 322


1- عدة الداعي: 97، عنه البحار: 80/ 324 ح 25، أقول: تمام الخبر في الباب 14، ح6 من هذا الفصل.
2- ديوان الإمام علي علیه السلام : 488، البحار: 34/ 452، و (الكری) : النعس، و(السري) : السير بالليل. (البحار).
3- ديوان الإمام علي علیه السلام : 59.
4- ديوان الإمام علي علیه السلام : 120.

فأخذتها و قلت: و الله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيها الدنانير.

فأصبح الناس بالغد يقولون: تصدق علي علیه السلام الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غما شديدا. فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد و قلت: و الله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدق علي علیه السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غما شديدا و قلت: و الله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها مني.

فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم خرجت من المسجد و معي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته إياها. فلما أصبحت قال أهل المدينة: تصدق علي علیه السلام البارحة بمائة دینار على رجل غني. فاغتممت غما شديدا، فأتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فخبرته، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إن الله عز و جل قد قبل صدقاتك و زکی عملك، إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها و تابت إلى الله عز و جل من الفساد، و جعلت تلك الدنانير رأس مالها و هي في طلب بعل تتزوج به، و إن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله و تاب إلى الله من سرقته و جعل الدنانير رأس ماله يتجر بها. و إن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين فرجع إلى منزله و بخ نفسه و قال: شحا عليك يا نفس! هذا علي بن أبي طالب علیه السلام تصدق علي بمائة دينار ولا مال له، و أنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزکه! فحسب ماله و زكاه و أخرج زكاة ماله كذا و كذا دینارا و أنزل الله فيك:«رِجَالٌ لَا تُلهِیهِم»(1).

13 - [الكفعمي في البلد الأمين]، عن مولانا العسكري عن آبائه عن أميرالمؤمنين علیه السلام (و ذكر مناجاة طويلة عنه علیه السلام ، إلى أن قال علیه السلام ): ثم أقبل أمير المؤمنين علیه السلام على نفسه يعاتبها و يقول: أيها المناجي ربه بأنواع الكلام، و الطالب منه مسكنا في دار السلام، و المسوف بالتوبة عاما بعد عام، ما أراك منصفا لنفسك من بين الأنام، فلو دافعت نومك -

ص: 323


1- مناقب آل أبي طالب: 2/ 74 – 75، عنه البحار: 41/ 28 - 29 ضمن ح 1، وأورده في المستدرك: 267/7 ح8206-16، والآية: النور: 37.

يا غافلا - بالقيام، و قطعت يومك بالصيام، و اقتصرت على القليل من لعق الطعام، و أحييت ليلك مجتهدا بالقيام كنت أحرى أن تنال أشرف المقام.

أيتها النفس، اخلطي ليلک ونهارك بالذاکرین، لعلک أن تسكني رياض الخلدمع المتقين، و تشبهي بنفوس قد أقرح السهر رقة جفونها و دامت في الخلوات شدة حنينها و أبكى المستمعين عولة أنينها و ألان قسوة الضمائر ضجة رنينها، فإنها نفوس قد باعت زينة الدنيا و آثرت الآخرة على الأولى، أولئك وفد الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون و يحشر إلى ربهم بالحسنى و الشرور المتقون.(1)

18 - [ورام في مجموعته]، كان - عیسی بن مریم علیه السلام - يقول: يا دار تخربين و تفنى سکانک، و یا نفس اعملي ترزقي، و یا جسد انصب تسترح. (2)

10 - [أبو مخنف في مقتل الحسين علیه السلام]، (في شهادة العباس صلوات الله عليه):..فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة. قالوا: واغترف من الماء غرفة، ثم ذكر عطش الحسين علیه السلام ، فرمی بها وقال:

یا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لاكنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون*** وتشربين بارد المعين(3)

16 -[ ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة العباس صلوات الله عليه) قال الراوي:.. فقاتل حتى ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله، فقال:

يا نفس لا تخشي من الكفار *** و أبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار (4)

17 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة أصحاب الحسين علیه السلام ): ثم برز عمرو

بن خالد الأزدي و هو يقول:

ص: 324


1- البلد الأمين: 318، عنه البحار: 91/ 109 ح14، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة، وأورده في المصباح: 378، والمستدرك: 11/ 253 ح 31.
2- مجموعة ورام: 2/ 220، البحار: 14/ 329 ح 61.
3- مقتل أبي مخنف الأزدي: 133، وأورده المقرم في مقتله: 268.
4- مناقب آل أبي طالب: 4/ 108، البحار: 45/ 40.

إليک يا نفس إلى الرحمن *** فأبشري بالروح و الريحان

اليوم تجزين على الإحسان *** قد كان من غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان *** لا تجزعي فكل حي فان

والصبر أحظى للي بالأماني *** يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله.(1)

18 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، (في شهادة أصحاب الحسين علیه السلام ): ثم برز سعد بن حنظلة التميمي مرتجزا:

صبرة على الأسياف و الأسنه *** صبرا عليها لدخول الجنه

و حور عين ناعمات هنه *** لمن يريد الفوز لا بالظنه

يا نفس للراحة فأجهدنه *** وفي طلاب الخير فارغبنه(2)

19 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، أبو نعيم الفضل بن دکین، بإسناده عن حریث قال:..نظر علي علیه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ علیه السلام منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب علیهما السلام صاحبي إلى بعض الثغور فقتل وترك على صبيانا يتامى وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس.

فانصرف علیه السلام و بات ليلته قلقا. فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك. فقال علیه السلام : من يحمل وزري عني يوم القيامة؟ فأتی و قرع الباب، فقالت: من هذا؟ قال علیه السلام : أنا ذلك العبد الذي حمل مع القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان.

فقالت: رضي الله عنك، و گم بيني و بين علي بن أبي طالب علیهما السلام. فدخل علیه السلام و قال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين، و بين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا.

فقالت: أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر، و لكن شأنك و الصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز. قال: فعمدت إلى الدقيق فعجنته و محمد علي علیه السلام إلى اللحم فطبخه، و جعل يلقم

ص: 325


1- مناقب آل أبي طالب: 101/4 ، أقول: ذكره في المناقب على البيتين الأخيرين، وذكر الأبيات الأربعة في تسلية المجالس: 2/ 282، البحار:18/45 ، لواعج الأشجان للأمين: 1/ 159.
2- مناقب آل أبي طالب: 101/4 ، أقول: ذكره في المناقب بحذف الشطرين الأخيرين من البيتين الأخيرين، وأورده على ما ذكرناه في البحار: 18/45 عن محمد بن أبي طالب، لواعج الأشجان: 159/1 .

الصبيان من اللحم و التمر و غيره، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني، اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك.

فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله، اسجر التنور. فبادر علیه السلام لسجره، فلما أشعله و لفح في وجهه علیه السلام جعل يقول: ذق يا علي، هذا جزاء من ضيع الأرامل و اليتامی. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحك، هذا أمير المؤمنين! قال: فبادرت المرأة و هي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين. فقال علیه السلام : بل وا حيائي منک يا أمة الله فيما قصرت في أمرك. (1)

20- [الكفعمي في البلد الأمين]، عن الزهري قال: سمعت مولانا زین العابدين علي ابن الحسين علیهما السلام يحاسب نفسه ويناجي ربه وهو يقول: يا نفس، حتام [ حتی م] إلى الحياة سکونک و إلى الدنيا و عمارتها رکونک؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافک و من وارته الأرض من ألافک و من فجعت به من إخوانك و نقلت إلى دار البلى من أقرانك. (2)

21-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، مسندا في خبر هشام بن سالم بعد شهادة أبي عبد الله علیه السلام وحيرته في الإمامة إلى أن قال: فدخلت فإذا أبو الحسن موسی علیه السلام ، فقال لي ابتداء منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج، إلى إلي.

فقلت: جعلت فداك، مضي أبوك؟ قال علیه السلام : نعم. قلت: مضى موتا؟ قال علیه السلام: نعم. قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال علیه السلام : إن شاء الله أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه. قال علیه السلام : يريد عبد الله أن لا يعبد الله. قال: قلت: جعلت فداك، فمن لنا من بعده؟ قال علیه السلام : إن شاء الله أن يهديك هداك. قال: قلت: جعلت فداك، فأنت هو؟ قال علیه السلام : لا ما أقول ذلك. قال: فقلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك، عليك إمام؟

قال علیه السلام : لا. فداخلني شيء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاما له وهيبة أكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه. ثم قلت له: جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل أباك؟

فقال علیه السلام : سل تخبر ولاتذع فإن أذعت فهو الذبح. فسألته علیه السلام فإذا هو بحر

ص: 326


1- المناقب: 2/ 116، عنه البحار: 52/41 ضمن ح3.
2- البلد الأمين: 320، عنه البحار: 46/ 82 ح 76، وعنه أيضا المستدرك: 254/11 ح 254/11 ح 12915-4،وأورده في المناقب:152/4.

الاينزف.. الخبر.(1)

22 - [المجلسي في البحار]، روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، و كانت على رأس العابد غمامة تظله. لما مر الخليع به، فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل، كيف أجلس بجنبه؟ وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل، كيف يجلس إلى؟ فأنف منه، و قال له: قم عني.

فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع، و أحبطت عمل العابد.

وفي حديث آخر: فتحولت الغرامة إلى رأس الخليع.(2)

23 - [الطبرسي في الإحتجاج]، عن صالح بن کیسان قال: لما قتل معاويه حجر بن عدي و أصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي علیهما السلام ، فقال: يا أبا عبد الله، هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و أشياعه و شيعة أبيك؟ فقال علیه السلام : و ما صنعت بهم؟ قال: قتلناهم و كفناهم و صلينا عليهم.

فضحك الحسين علیه السلام ثم قال: خصمك القوم یا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم و لا صلينا عليهم ولا أقبرناهم. و لقد بلغني وقيعتك في علي علیه السلام و قيامك بنقصنا و اعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك، ثم سلها الحق عليها و لها، فإن لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك فقد ظلمناك يا معاوية، و لا توترن غير قوسك و لا ترمين غير غرضك و لا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنك و الله قد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه و لا حدث نفاقه و لا نظر لك، فانظر لنفسك أو

ص: 327


1- الكافي: 351/1ح 7، وأورده الكشي في رجاله: 282 - 283 ح 502، عنه البحار: 263/47 ح 30، وقريب منه في الإرشاد: 2/ 221، عنه البحار: 47/ 344 ح35، إعلام الوری: 300-301 ، کشف الغمة: 222/2-223
2- البحار: 70/ 198 ذیل ح 1، مرآة العقول: 190/10 ، وأسند الكليني إلى بعض أصحابنا، عن أحدهما علیهما السلام أنه قال: (دخل رجلان المسجد، أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته بدل بها، فتكون فكرته في ذلك، و تكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه، ويستغفر الله عز وجل ماصنع من الذنوب.) الكافي: 2/ 314ح6، عنه البحار: 311/69 ح 6، وأورده في الوسائل: 101/1 ح243، مجموعة ورام: 2/ 206.

دع - يعني عمرو بن العاص - (1)

24 - [المجلسي في البحار من كتاب الإختيار للسيد بن الباني]، (من دعاء الصباح لمولانا أمير المؤمنين علیه السلام ): فبئس المطيه التي امتطت نفسي من هواها، فواها لها سولت لها ظنونها و مناها، و تبا لها لجرأتها على سيدها و مولاها. (2)

25 - [علي بن يوسف الحلي في العدد القوية] ، قال الثمالي: حدثني إبراهيم بن محمد قال: سمعت علي بن الحسين علیهما السلام يقول ليلة في مناجاته:- وساقه إلى أن قال: - إلهي خلقت جنتك لمن أطاعك و وعدت فيها ما لا يخطر بالقلوب، و نظرت إلى عملي فرأيته ضعيفا يا مولاي، و حاسبت نفسي فلم أجد أن أقوم بشكر ما أنعمت علي و خلقت نارا لمن عصاك و وعدت فيها أنكالا و جحيما و عذابا، و قد خفت يا مولاي أن أكون مستوجبا لها لكبير جرأتي و عظيم جرمي و قدیم إساءتي، فلا يتعاظمك ذنب تغفره لي و لا لمن هو أعظم جرما مني لصغر خطري في ملكك مع يقيني بك و توكلي و رجائي لديك، إلهي جعلت لي عدوا يدخل قلبي و يحل محل الرأي و الفكرة مني، و أين الفرار إذا لم يكن منك عون عليه..الدعاء.(3)

26 - [المجلسي في البحار، من كتاب العتيق الغروی]، مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه، إلى أن قال علیه السلام: - إلهي، أمن أهل الشقاوة خلقتني فأطيل بكائي، أم من أهل السعادة خلقتني فأنشر رجائي؟ إلهي ألوقع مقامع الزبانية ركبت أعضائي أم لشرب الصديد خلقت أمعائي؟ إلهي أنا الذي لا أقطع منك رجائي و لا أخيب منك دعائي، إلهي نظرت إلى عملي فوجدته ضعيفا، و حاسبت نفسي فوجدتها لا تقوى على شکر نعمة واحدة أنعمتها علي، فكيف أطمع أن أناجيك، فارحمني إذا طاش عقلي و حشرج صدري (4) و أدرجت خلوا في كفني و إن كانت دنت وفاتي و شخوصي إليك فاحشرني مع محمد و آله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. (5)

ص: 328


1- الإحتجاج:296/2-297 ، عنه البحار: 129/44ح19.
2- البحار: 84/ 339، 244/91 ح 11.
3- البحار: 141/91 عن العدد القوية ح 21، ونحوه في ص135.
4- الحشرجة: الغرغرة عند الموت وتردد النفس (الجوهري).
5- البحار: 121/91 - 122 ح19، وفي المصدر السابق ص135 في دعاء آخر له علیه السلام : (..يامولاي وحاسبت نفسي فلم أجدني أقوم بشكر ما أنعمت علي وعددت سيئاتي فأصبها تسترق حسناتي فكيف أطمع أن أنال جنتك بعملي وأنا مرتهن بخطبتي.. الدعاء).

27 - [ الصدوق في الأمالي]، عن ليث بن أبي سليم قال: سمعت رجلا من الأنصار يقول: بينما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر إذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء، يكوي ظهره مرة و بطنه مرة و جبهته مرة، و يقول: یانفس ذوقي، فيما عند الله عز و جل أعظم مما صنعت بک، و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ينظر إلى ما يصنع.

ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل، فأومأ إليه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بيده و دعاه فقال له: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟

فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عز وجل، و قلت لنفسي: یا نفس ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك.

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : لقد خفت ربك حق مخافته، فإن ربك ليباهي بك أهل السماء. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم لأصحابه: یا معاشر من حضر، ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم، فدنوا منه فدعا لهم و قال لهم: اللهم اجمع أمنا على الهدی و اجعل التقوى زادنا و الجنة مابنا. (1)

28 - [الديلمي في إرشاد القلوب] ، كان بعض العباد يصلي عامة ليله، فإذا كان السحر أنشد يقول:

ألا يا عين ويحلي أسعديني *** بطول الدمع في ظلم الليالي

لعلک في القيامة أن تفوزي *** بحور العين في قصر اللئالي (2)

29 - [المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة]، في خبر شهادة أمير المؤمنين علیه السلام وخداع قطام لابن ملجم وقتله لأمير المؤمنين علیه السلام والإتيان به بعد فراره والإمساك به - إلى أن قال:۔

فخرج الملعون من عندها و قد سلبت فؤاده، و أذهبت رقاده و رشاده، فبات ليلته قلقا متفکرا، فمرة يعاتب نفسه، و مرة يفكر في دنياه و آخرته.. فلم يزل مفكرا في أمره حتی عزم على الخروج. (3)

ص: 329


1- الأمالي للصدوق: 340 - 341 ح 26 المجلس 54، عنه البحار: 67/ 378ح23.
2- إرشاد القلوب: 89/1
3- بحارالأنوار ج : 42 ص : 267 قال المجلسي قدس سره : (رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفية شهادته علیه السلام أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار، قال روی أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري عن لوط بن يحيى عن أشياخه و أسلافه قالوا.. الخبر.)

- إلى أن قال: فلما وصل (أي أمير المؤمنين علیه السلام ) إلى الباب، فعالجه ليفتحه، فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتی سقط، فأخذه وشده وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا ***ولا تجزع من الموت إذا حل بنادیکا

ولا تغتر بالدهر وإن كان يؤاتیکا *** كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيا(1)

- إلى أن قال: - و أما ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكر في نفسه و لا يدري ما يصنع، فتارة يعاتب نفسه و يوبخها و يخاف من عقبی فعله فيهم أن يرجع عن ذلك، و تارة يذكر قطام لعنها الله و حسنها و جمالها و كثرة مالها فتميل نفشه إليها، فبقي عامة ليله يتقلب على فراشه و هو يترنم بشعره ذلك إذا أتته الملعونة و نامت معه في فراشه و قالت له: يا هذا، من يكون على هذا العزم یرقد. فقال لها: و الله إني أقتله لك الساعة. فقالت: اقتله و ارجع إلى قرير العين مسرورا و افعل ما تريد فإني منتظرة لك. فقال لها: بل أقتله و أرجع إلي سخين العين محزونا منحوسا محسورا. فقالت: أعوذ بالله من تطيرك الوحش. قال: فوثب الملعون كأنه الفحل من الإبل، قال: هلمي إلي بالسيف..(2)

وقال بعد سرد خبر ضرب الإمام علیه السلام وهروب ابن ملجم ثم الإمساك به: قال الشعبي: كأني أنظر إليه - أي ابن ملجم - و عيناه قد طارتا في أم رأسه كأنهما قطعتا علق و قد وقعت في وجهه ضربة قد هشمت وجهه و أنفه و الدم يسيل على لحيته و على صدره، و هو ينظر يمينا و شمالا و عيناه قد طارتا في أم رأسه، و هو أسمر اللون حسن الوجه، و في وجهه أثر السجود، و كان على رأسه شعر أسود منشورا على وجهه كأنه الشيطان الرجيم، فلما حاذاني سمعته يترنم بهذه الأبيات:

أقول لنفسي بعد ما کنت أنهاها *** وقد كنت أسناها و كن أكيدها

أيا نفس كفي عن طلابك واصبري *** ولاتطلبي هما عليك یبيدها

فما قبلت نصحي و قد كنت ناصحا *** كنصح ولود غاب عنها وليدها

فماطلبت إلا عنائي و شقوتي *** فيا طول مكثي في الجحيم بعيدها

فلما جاءوا به أوقفوه بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام ، فلما نظر إليه الحسن علیه السلام قال له: يا

ص: 330


1- في ديوان الإمام علي علیه السلام بدل (بنادیکا) : بوادیکا، وفيه أبيات إضافية فراجع الديوان: 308 وذكرناها في فصل حديث النفس من النبي والأئمة علیهم السلام .
2- البحار: 278/42.

ويلك يا لعين، يا عدو الله أنت قاتل أمير المؤمنين و مثکلنا إمام المسلمين! هذا جزاؤه منك حيث آواك و قربك و أدناك و آثرك على غيرك؟ و هل كان بئس الإمام لك حتي جازيته هذا الجزاء يا شقي؟. قال: فلم يتكلم بل دمعت عيناه.. الخبر.(1)

30 - [العلامة في كشف اليقين] عن ابن الجوزي في كتاب تذکرة الخواص: أن عبد الله بن المبارك كان يحج سنة و يغزو سنة، و داوم على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض السنين لقصد الحج و أخذ معه خمسمائة دينار و ذهب إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري جمالا للحج، فرأى امرأة علوية على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة.

قال: فتقدمت إليها و قلت: لم تفعلين هذا؟ فقالت: يا عبد الله، لا تسأل عما لا يعنيك. قال: فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها فقالت: يا عبد الله، قد ألجأتني إلى کشف سري إليك، أنا امرأة علوية و لي أربع بنات يتامی، مات أبوهن من قريب و هذا اليوم الرابع، ما أكلنا شيئا و قد حلت لنا الميتة فأخذت هذه البطة أصلحها و أحملها إلى بناتي فيأكلنها.

قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك، أين أنت عن هذه؟ فقلت: افتحي حجرك، ففتحته فصببت الدنانير في طرف إزارها و هي مطرقة لا تلتفت إلي. قال: و مضيت إلى المنزل و نزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام، ثم تجهزت إلى بلادي و أقمت حتی حج الناس و عادوا، فخرجت أتلقى جيراني و أصحابي، فجعلت كل من أقول له: قبل الله حجك و شكر سعيك يقول: و أنت شكر الله سعيك و قبل حجك، أماقد اجتمعنا بك في مكان كذا و كذا، و أكثر على الناس في القول. فبث متفكرا في ذلك، فرأيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المنام و هو يقول لي: يا عبد الله، لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله تعالى أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك كل عام إلى يوم القيامة، فإن شئت تحج و إن شئت لا تحج.(2)

31 - [الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الوری] ، من كتاب دلائل النبوة عن

ص: 331


1- البحار: 283/42 ، الخبر طويل ذكرنا مواضع الحاجة، لاحظ تمامه في رياض المصائب للتنكابني: 72 - 112 عن كتاب العوالم.
2- کشف الیقین: 485 - 486، عنه البحار: 11/42 - 12ح 12، وأورده في البحار: 93/ 234 ح 34 عن جواهر المطالب.

الزهري، قال علي بن إبراهيم: قدم أسعد بن زرارة و ذکوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب و هما من الخزرج و كان بين الأوس و الخزرج حرب قد بقوا فيهادهرا طويلا، و كانوا لا يضعون السلاح لا بالليل و لا بالنهار، و كان آخر حرب بينهم يوم بعاث و كانت للأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة و ذكوان إلى مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، و كان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة ابن ربيعة فنزل عليه فقال له: إنه كان بيننا و بين قومنا حرب و قد جئناك نطلب الحلف عليهم، فقال له عتبة: بعدت دارنا من داركم و لنا شغل لا نتفرغ لشيء.

قال: و ما شغلكم و أنتم في حرمكم و أمنكم؟ قال له عتبة: خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله، سفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شباننا و فرق جماعتنا. فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفا و أعظمنا بيتا. و كان أسعد و ذكوان و جميع الأوس و الخزرج يسمعون من اليهود- الذين كانوا بينهم النضير و قريظة و قينقاع - أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به یا معشر العرب. فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجر، و إنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه و لا تكلمه فإنه ساحر يسحرك بكلامه، و كان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع و أنا معتمر لا بدلي أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع في أذنيك القطن. فدخل أسعد المسجد و قد حشا أذنيه بالقطن فطاف بالبيت و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني! أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟ ثم أخذ القطن من أذنيه و رمی به و قال لرسول الله : أنعم صباحا. فرفع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأسه إليه و قال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنة: السلام عليكم.

فقال له أسعد: إن عهدك بهذا القريب، إلى ما تدعو یا محمد؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم : إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله، و أدعوكم إلى «

ص: 332

».(1)

فلما سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله. یارسول الله، بأبي أنت و أمي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، و بيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك و لا أجد أعز منك و معي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك. و الله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك و يبشروننا بمخرجك و يخبروننا بصفتك و أرجو أن یکون دارنا دار هجرتك عندنا، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، و الله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا و قد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.

ثم أقبل ذكوان فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به و تخبرنا بصفته، فهلم فأسلم. فأسلم ذكوان.. الخبر.(2)

32 - [المجلس في البحار، عن المزار الكبير للسيد فخار أو بعض من عاصر من الأفاضل الكبار]، بإسناد الأخير إلى علي بن میثم، عن میثم رضي الله عنه قال: أصحربي مولاي أمير المؤمنين علیه السلام ليلة من الليالي قد خرج من الكوفة، و انتهى إلى مسجد جعفي، توجه علیه السلام إلى القبلة و صلى أربع ركعات. فلما سلم و سبح بسط كفيه و قال: إلهي كيف أدعوك و قد عصيتك (الدعاء)، ثم قام و خرج، فاتبعته حتى خرج إلى الصحراء، و خط لي خطة و قال: إياك أن تجاوزهذه الخطة. و مضى عني و كانت ليلة مدلهمة، فقلت: يا نفسي، أسلمت مولاک و له أعداء كثيرة! أي عذر يكون لك عند الله و عند رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ؟ و الله لأقفون أثره و لأعلمن خبره و إن كنت قد خالفت أمره و جعلت أتبع أثره، فوجدته علیه السلام مطلعا في البئر إلى نصفه يخاطب البئر و البئر تخاطبه، فحت علیه السلام بي و التفت وقال علیه السلام : من؟

قلت: میثم. قال علیه السلام : یا میثم، ألم آمرك أن لا تجاوز الخطة؟ قلت: يا مولاي خشيت عليك من الأعداء فلم يصبر لذلك قلبي. فقال علیه السلام : أسمعت مما قلت شيئا؟ قلت: لایا

ص: 333


1- الأنعام: 151 - 152.
2- إعلام الوری: 55، عنه البحار: 8/19 ح 5.

مولاي. فقال علیه السلام : یا میثم،

وفي الصدر لبانات *** إذا ضاق لها صدري

نكت الأرض بالكف *** وأبديت لهاسري

فمهما تنبت الأرض *** فذاك التبث من بذري(1)

أقول، و يناسب الباب أيضا:

33 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن جماعة من بني أمية في إمارة عثمان اجتمعوا في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في يوم جمعة وهم يريدون أن يزوجوا رجلا منهم و أمير المؤمنين علیه السلام قريب منهم. فقال بعضهم لبعض: هل لكم أن نخجل عليا علیه السلام الساعة نسأله أن يخطب بنا و نتكلم فإنه يخجل و يعيا بالكلام.

فأقبلوا إليه علیه السلام فقالوا: يا أبا الحسن، إنا نريد أن نزوج فلانا فلانة، و نحن نريد أن تخطب بنا. فقال علیه السلام : فهل تنتظرون أحدا؟ فقالوا: لا. فو الله مالبث علیه السلام حتی قال: الحمد لله المختص بالتوحيد المتقدم بالوعيد الفعال لما یرید - إلى أن قال علیه السلام : - أوصيكم و نفسي بتقوى الله العظيم، فإن الله عز و جل قد جعل للمتقين المخرج مما يكرهون و الرزق من حيث لا يحتسبون.. الحديث.(2)

34- [الرضي في نهج البلاغة]، له علیه السلام في صفات الغافلين - إلى أن قال علیه السلام :- حتى إذا کشف لهم عن جزاء معصيتهم و استخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم، و لا بما قضوا من وطرهم.

إني أحذركم و نفسي هذه المنزلة، فلينتفع أمرؤ بنفسه، فإنما البصير من سمع فتفکر و نظر فأبصر و انتفع بالعبر، ثم سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهاوي و الضلال في المغاوي، و لا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تخوف من صدق.. الحديث. (3)

ص: 334


1- البحار: 199/40-200، و تمامه في: 499/97 - 452 ح 26.
2- الكافي : 369/5 ح 1 عنه البحار: 464/31.
3- نهج البلاغة: الخطبة: 153.

35 - [محمد بن يعقوب في الكافي] علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان - أو غيره -، عن أبي عبد الله علیه السلام : أنه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين علیه السلام يوم الجمعة: الحمد لله أهل الحمد و وليه و منتهی الحمد و محله - إلى أن قال علیه السلام : - أوصيكم عباد الله و أوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه و إليه يصير غدا میعادها، و بیده فناؤها و فناؤكم و تصرم أيامكم و فناء آجالكم و انقطاع مدتكم، فكأن قد زالت عن قليل عنا و عنکم کما زالت عمن كان قبلكم، فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل، فإنها دار عمل و الآخرة دار القرار و الجزاء.. الخبر.(1)

فائدة: في أحوال بعض الأعلام واخبارهم في محاسبة النفس ومجاهدتها

1- قضى المحدث الشيخ عباس القمي قدس سره ردحا من عمره في ربوع مشهد المقدسة (على ساكنها أطيب التحية و السلام) وقطن فيها بضع سنين مجاورا ثامن أعلام الوری الإمام علي بن موسی الرضا المرتضى علیهما السلام وعمد فيها إلى التأليف والتصنيف والقيام بسائر الوظائف الشرعية. وعلى إثر انتقاله طلب منه أن يؤم صلوات الجماعة في المسجد المجاور للصحن الرضوي الأقدس، المسجد المعروف ب (گوهر شاد).

وامتثالا لطلبهم وتلبية منه لهم قام بإمامة الصلاة في المسجد المذكور، فكان يصلي فيها الفرائض اليومية ويقتدي وراءه المصلون. ولم تمض فترة حتى أضحى المسجد یکتظ بحشود المؤمنين في أوقات الصلاة، فبلغت الجماعة من الإيوان المقدم في المسجد وإلى مقربة من رواق الحرم المبارك.

واستمرت الصلاة بإمامة الشيخ، حتى كان في أحد الأيام التي صلى فيها الظهر وأم فيها الناس ولكنه ما أن ختم الفريضة حتى قام ومن دون أن يشعر أحد بالخروج من المسجد ثم الغياب عن الأبصار. وعندما التفت بعضهم ظنوا أنه ذهب لتجديد وضوء أو قضاء حاجة وينتظروه ريثما يؤوب. انتظروا فترة وعندما لم يعد قدموا رجلا آخر فأتم بهم فريضة العصر.

ص: 335


1- الكافي: 8/ 173 ح194، عنه البحار: 352/74ح 31.

لم يرجع الشيخ ذلك اليوم، ولم يرجع بعد ذلك اليوم.

قام بعض الناس بزيارة الشيخ سائلينه عن شأنه وعما تسبب فيما فعل وعن عدم مجيئه إلا أنه لم يجبهم، وكلما طلبوا منه لاحقا في العودة لإمامة الصلاة لم يصغ إليهم جهلا منهم بالسر. ولما سأله أحدهم وأصر على طلبه - عسى أن يكون له عبرة - قال الشيخ:

إنني لما كنت في الركعة الأخيرة من الفريضة، وبعد أن تلوت ذكر الركوع، أردت القيام فسمعت من ينادي من خلفي قائلا: (إن الله مع الصابرين) حتى أتريث بعض الشيء ليتلحق بالجماعة. كان صوت الرجل بعيدا، فجال في خاطري وقلت في نفسي: إن من يقتدي بي لكثير! وإن الصوت بعيد وناء عني، فاختلجني شيء من العجب. ولكن ما أن دخلني ذلك حتى التفت أن الأمر لم يعد الله تعالى، ولكي أبارز هواي وأؤدب نفسي تركت الجماعة وقمت ليقوم مقامي من هو أفضل مني وأولى بهامني وخرجت من المسجد.

2 - كان أحد الخطباء المبرزين في زمانه (من كان يعد واحدا من رواد المنبر الحسيني وأسوة في العلم والعمل والتقوى والزهد) يلقي خطبة في مجلس كان قد حضره جمع غفير من الناس وعلى أساع الكثيرين من ذوي الوجاهة والعلم.

يقول رجل كان قد شارك في المجلس أنه لما بلغ ذلك الخطيب المصقع ذكر المصيبة وبدأ ينعی سید لشهداء علیه السلام انقلب المجلس بالبكاء وضجوا نساءا ورجالا وغضوا شيوخا وأطفالا وأجهشوا بالعويل، وما أن كان الكل منغمرا في لهوات المصيبة حتى تغيرت نبرته فجأة وهدأ صوته وأتم بأسلوب عادي وصوت خافض، فردد بعض العبارات ودعا ثم نزل من على المنبر.

كان ذلك صدمة للجميع، فما عدا مما بدا؟ وما الذي جره إلى الإنعطاف بذلك النحو إلى الركود؟ وبذلك هدم وشيج المجلس وهد نشيج القوم.

عندما سألوه بعدئذ عما حدث ولأي سبب فعل ما فعل، قال: لما كنت في معمعان ذكر المصيبة ووسط النعي الدارج، ورأيت المجلس قد انخلع من مكانه لما فيه من شدة النحيب والعويل، أعجبت بذلك فقلت: أطيل القراءة بعض الشيء، ولكن سرعان ما توجهت وقلت: أن ذلك الإطناب يعتريه حب النفس واتباع الهوى وليس خالصا مخلصا لله سبحانه وتعالى، ولم أجد حيلة لأنجو إلا قطع المجلس بذلك الشكل مهما كلف منزلتي

ص: 336

عند الآخرين إذا كانت على حساب المنزلة عند الله.

3- كان للمرجع الكبير آية الله الآغا حسين القمي قدس سره شخص مقرب إليه وملازم له دائما. وكان هنالك رجل آخر من الوجهاء والأشراف، ذا مال وتجارة غير بائرة.

ذات مرة حيث كان هذا الأخير قد سافر بعيدا مدة من الزمن، وعند عودته قرر السيد القمي على زيارته بمعية ذلك الشخص الملازم له. وعندما قاموا بالزيارة واستقر بهم المجلس، جاء التاجر (القادم من السفر) باستضافة السيد، فأتاه بطبق من الحلوى كان قد اشتراه من بلدة سفره. فتناول السيد قطعة صغيرة وهكذا فعل الملازم للسيد. ثم قدم التاجر الحلوى مرة أخرى فلبى السيد والملازم وتناولا مرة أخرى. وفي المرة الثالثة، عندما قدم صاحبالبيت الحلوى، أخذ السيد الطبق كله ووضعه أمامه وبدأ يأكل قطعة فقطعة حتى أتى إلى آخره.

أما الرجل الملازم فما رآه كان آخر ما كان يتوقعه، فتعجب كثيرا وانزعج أيما انزعاج، واختلج في ذهنه: أي عالم أكول ومرجع حريص هذا؟ إلا أنه لم ينطق ببنت شفه وما أبدی ما في قلبه.

بعد مدة من الجلوس ودعا التاجر وخرجا من عنده، لكن الرجل الملازم بدأ يبتعد عن السيد شيئا فشيئا، وكلما خطوا خطوة إلى الأمام، انعطف الرجل إلى طريق آخر، حتی غاب عنه من دون تودیع

مرت الأيام، حتى سأل شخص مقرب من السيد القمي عن حال ذلك الذي كان يلازمه وبوده، قال: ألا يأتيك فلان؟ فأجاب السيد: كلا، وأنا أعلم سبب ذلك. قال: وما هو؟ قال: بسبب ما صنعته وما رآه مني. قال: ما الذي صنعته مما جعله يزوي عنك نفسه؟

قال: لأنني أكلت طبق الحلوى بغير اكتراث. قال الرجل مستغربا: لماذا فعلت ذلك؟ أجاب السيد: إن من قدم لي الطبق قدمه في المرة الأولى وأنا بطبيعة الحال تناولت، وهكذا في المرة الثانية. أما عند تقديمه في المرة الثالثة منعتني نفسي من الأكل وحذرتني إن أنا تناولت هذه المرة فسوف يرموني بالطمع ويقولون أنك بعيد عن معنى الزهد والقناعة، ولما وسوست لي نفسي قمت بما قمت لكي أكبح جماحها وأردها عن رداها، ولذلك تركني الرجل جهلا منه عما أردت، ولقد كنت بين كفتي كماشة: إما أن يسيء الظن بي من يراني، أو أهلك باتباع هواي، فاخترت الأول

ص: 337

4 - ذكر في أحوال الميرزا مهدي الشيرازي قدس سره أنه كان قد حفر لنفسه قبرا في عقوة منزله بكربلاء المقدسة، وكان كفنه دائما عند مصلاه. وعند قيامة لنافلة الليل يرتدي الكفن ثم ينزل في القبر ويحدث نفسه قائلا: (یا مهدي، اعتبر نفسك ميتا وهذه حفرتك التي توسد فيها شئت ذلك أم أبيت. قل لي من ينفعك هنا غير عملك الصالح؟ فلم لا تستزيد منه، ولماذا تغفل عن مصيرك المحتوم، ولم لا تمهد لرقدتك ولا تفرش قبرك بالعمل الصالح.. يردد ذلك ويبكي ثم يتلو قوله تعالى: «حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(1) ثم يوبخ نفسه قائلا: اسكت، إنك لا تستحق العودة إلى الحياة فقد ضيعت الفرص التي منحها الله إياك. ولكنه يعود ويلتمس ويتعهد أن يعمل صالحا فيقول مخاطبا نفسه: قم واخرج، لقد سمح لك هذه المرة، وإياك أن تعود إلى حفرتك وأنت خالي اليدين من الباقيات الصالحات.

وهكذا يخرج من القبر مؤتزرا كفنه وهو يشكر الله على منحه فرصة الحياة ونعمة العودة لاكتساب الحسنات.

الباب 33: حديث النفس بالبرء إذا اشتكى عينيه

1 - [الصدوق في الخصال]، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه علیهم السلام : أن أمير المؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه و دنیاه، قال علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام : - إذا اشتكى أحدكم عينيه فليقرأ آية الكرسي، و ليضمر في نفسه أنها تبرأ، فإنها تعاني إن شاء الله.(2)

ص: 338


1- المؤمنون: 99.
2- الخصال: 616/2 ، عنه البحار: 94/10 ج1، ولاحظ:86/92 ح 1،262/89 ح 4، وأورد الحدیث بتمامه في تحف العقول: 106.

الباب 34: حديث النفس بتعلم العلم والقرآن من أهله ويطلب العلم

1. [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، في معجزات النبي صلی الله علیه و آله وسلم: روي أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه صلی الله علیه و آله وسلم و قال في نفسه: لا أدع من البر و الإثم شيئا إلا سألته صلی الله علیه و آله وسلم. فلما أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: دعوا وابصة، ادن. فدنوت، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : تسأل عما جئت له أم أخبرك؟ قال: أخبرني. قال صلی الله علیه و آله وسلم : جئت تسأل عن البر و الإثم. قال: نعم. فضرب صلی الله علیه و آله وسلم يده على صدره ثم قال: البرما اطمأنت إليه النفس، و البر ما اطمأن إليه الصدر، و الإثم ماتردد في الصدر و جال في القلب، و إن أفتاك الناس و إن أفتوك.(1)

2. [المجلسي في البحار من بعض كتب المناقب]، عن عامر الشعبي أنه قال: بعث إلي الحجاج ذات ليلة، فخشيت فقمت فتوضأت و أوصيت، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نط منشور و السيف مسلول، فسلمت عليه فرد علي السلام فقال: لا تخف فقد آمنتك الليلة، و غدا إلى الظهر، و أجلسني عنده، ثم أشار فأتي برجل مقيد بالكبول و الأغلال، فوضعوه بين يديه فقال: إن هذا الشيخ يقول إن الحسن و الحسين علیهما السلام كانا ابني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليأتيني بحجة من القرآن و إلا لأضربن عنقه.

فقلت: يجب أن تحل قيده فإنه إذا احتج فإنه لا محالة يذهب و إن لم يحتج فإن السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلوا قيوده و كبوله فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير، فحزنت بذلك و قلت: كيف يجد حجة على ذلك من القرآن؟ فقال له الحجاج: ائتني بحجة من القرآن على ما ادعيت و إلا أضرب عنقك. فقال له: انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك، فقال: انتظر. فسکت ساعة. ثم قال له مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ-الی قوله:- وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»(2)، ثم سكت و قال للحجاج: اقرأ ما بعده. فقرأ: «وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ » (3)فقال سعيد: كيف يليق هاهنا عيسى؟ قال: إنه كان من ذريته. قال: إن كان

ص: 339


1- الخرائج والجرائح: 106/1 ، عنه البحار: 18/ 118 ج29، ونحوه في قرب الإسناد: 135 في حديث طویل مسندا، عنه البحار: 228/17 ح 1، وعنه أيضا الوسائل: 166/27 ح 33502.
2- الأنعام: 84.
3- الأنعام: 85.

عیسی من ذرية إبراهيم و لم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده، فالحسن و الحسين علیهما السلام أولى أن ينسبا إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار، و أمر بأن يحملوها معه إلى داره و أذن له في الرجوع.

قال الشعبي: فلما أصبحت قلت في نفسي: قد وجب علي أن آتي هذا الشيخ فأتعلم منه معاني القرآن لأني كنت أظن أني أعرفها فإذا أنا لا أعرفها. فأتيته فإذا هو في المسجد و تلك الدنانير بين يديه يفرقها عشرا عشرا و يتصدق بها. ثم قال: هذا كله ببركة الحسن و الحسين علیهما السلام لئن كنا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا و أرضينا الله و رسوله صلی الله علیه و آله وسلم .(1).

3 - [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن محمد بن مسلم قال: دخلت أنا و أبوجعفر علیه السلام مسجد الحرام، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه: تدرون متی قتل نصف الناس؟ فسمعه أبو جعفر علیه السلام يقول نصف الناس قال علیه السلام : إنما هو ربع الناس، إنما هو آدم و حواء و قابيل و هابیل. قال: صدقت يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. قال : أتدري صنع بالقاتل؟ قال: لا.

قال محمد بن مسلم: قلت في نفسي: هذه و الله مسألة. قال: فغدوت إليه علیه السلام في منزله، فلبس ثيابه و أسرج له، قال: فبدأني بالحديث قبل أن أسأله فقال: يا محمد بن مسلم، إن بالهند أو بتلقاء الهند رجلا يلبس المسوح مغلولة يده إلى عنقه موکل به عشرة رهط، تفنی الناس ولا يفنون، كلما ذهب واحد جعل مكانه آخر يدور مع الشمس حيث ما دارت، يعذب بحر الشمس و زمهرير البرد حتى تقوم الساعة. قال: و قلت: و من ذا جعلني الله فداك ؟ قال علیه السلام: ذاك قابیل. (2)

4 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح] ، روي أن أبا مريم المدني قال: خرجت إلى الحج فلما صرت قريبا من الشجرة خرجت على حمار لي، قلت: أدرك الجماعة و أصلي معهم، فنظرت إلى الجماعة يصلون فأتيتهم، فإذا أبو عبد الله علیه السلام محتب بردائه یسبح، فقال علیه السلام : صليت يا أبا مریم؟

قلت: لا. قال علیه السلام: صل. فصليت ثم ارتحلنا، فسرت تحت محمله علیه السلام، فقلت في

ص: 340


1- البحار: 229/43 ح1
2- بصائر الدرجات: 508 ح10، عنه البحار: 10/ 151 ح 2 ، ونحوهفي الخرائج والجرائع: 776/2،عنه البحار:256/46 ح 57.

نفسي: قد خلوت به اليوم، فأسأله عما بدا لي. فقال علیه السلام : يا أبا مریم، تسير تحت محملي؟ قلت: نعم، و كان زميله غلاما له يقال له: سالم، فرآني كثير الإختلاف. قال: أراك كثير الاختلاف، أبك بطن ؟(1)

قلت: نعم. قال علیه السلام : أكلت البارحة حيتانا؟ قلت: نعم. قال علیه السلام : فأتبعتها بتمرات؟ قلت: لا. قال علیه السلام : أما إنك لو أتبعتها بتمرات ما ضرك. فسرنا حتى إذا كان وقت الزوال نزل علیه السلام فقال: يا غلام، هات ماء أتوضأ به. فناوله فدخل إلى موضع يتوضأ، فلما خرج إذا هو بجذع فدنا منه فقال: يا جذع، أطعمنا مما خلق الله فيك. قال: رأيت الجذع یهتز ثم اخضر ثم أطلع ثم اصفر ثم ذهب فأكل علیه السلام منه و أطعمني، كل ذلك أسرع من طرفة

عين. (2)

5- [الإربلي في كشف الغمة]، عن داود بن أعين قال: تفكرت في قول الله تعالى: «مشاهده آیه در سوره وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (3)

قلت: خلقوا للعبادة و يعصون و يعبدون غيره؟ و الله لأسألن جعفرا علیه السلام عن هذه الآية. فأتيت الباب فجلست أريد الدخول عليه علیه السلام، إذ رفع صوته فقرأ: «وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالانسَ إلا لَیَعبُدُونِ» ثم قرأ: «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا» (4) فعرفت أنها منسوخة.(5)

6-[ الصدوق في إكمال الدين]، عن أبي الحسن محمد بن يحيى الشيباني قال: وردت کربلاء سنة ست و ثمانین و مائتين، قال: و زرت قبر غریب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجها إلى مقابر قریش و قد تضرمت الهواجر وتوقدت السماء. و لما وصلت منها إلى مشهد الكاظم علیه السلام و استنشقت نسیم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة و زفرات متتابعة و قد حجب الدمع طرفي عن النظر. فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب و فتحت بصري و إذا أنا بشيخ قد انحنی صلبه و تقوس منكباه و ثفنت جبهته و راحتاه و هو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخ

ص: 341


1- البطن: داء البطن (مجمع البحرین).
2- الخرائج والجرائح: 265/2-266 عنه البحار: 102/47 ح 126.
3- الذاريات: 56.
4- الطلاق: 1.
5- کشف الغمة: 2/ 199، عنه البحار: 148/47 ضمن ح 203، 318/5 ح 18، أقول: لاحظ بیان العلامة المجلسي قدس سره في ذيل الحديث.

لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان، و قد أشرف عمك على استكمال المدة و انقضاء العمر و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه. قلت: يا نفس، لا يزال العناء و المشقة ينالان منك بإتعابي الخف و الحافر في طلب العلم و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم و أمر عظيم. فقلت: أيها الشيخ، و من السيدان؟ قال: النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى.

فقلت: إني أقسم بالموالاة و شرف محل هذين السيدين من الإمامة و الوراثة أني خاطب علمهما و طالب آثارهما وباذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما .. الخبر (1).

7- [الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الوری]، من کتاب دلائل النبوة عن الزهري.. قال علي بن إبراهيم: قدم أسعد بن زرارة و ذکوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب و هما من الخزرج و كان بين الأوس و الخزرج حرب قد بقوا فيهادهرا طويلا، و كانوا لا يضعون السلاح لا بالليل و لا بالنهار، و كان آخر حرب بينهم يوم بعاث و كانت للأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة و ذكوان إلى مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، و كان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة ابن ربيعة فنزل عليه فقال له: إنه كان بيننا و بين قومنا حرب و قد جئناك نطلب الحلف عليهم، فقال له عتبة: بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشيء.

قال: و ما شغلكم و أنتم في حرمكم و أمنكم؟ قال له عتبة: خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله، سفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شباننا و فرق جماعتنا. فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفا و أعظمنا بيتا. و كان أسعد و ذكوان و جميع الأوس و الخزرج يسمعون من اليهود- الذين كانوا بينهم النضير و قريظة و قينقاع - أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به یا معشر العرب. فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجر، و إنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه و لا تكلمه فإنه ساحر يسحرك بكلامه، و كان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

ص: 342


1- إكمال الدين: 417/2-418 ح1، البحار:10/51-11 ح13 ، وأورده في منتخب الأنوار المضيئة: 51، أقول: أخذنا موضع الحاجة وفيه خبر والدة مولانا المهدي علیه السلام وما جرى عليها.

فقال له أسعد: فكيف أصنع و أنا معتمر لا بدلي أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع في أذنيك القطن. فدخل أسعد المسجد و قد حشا أذنيه بالقطن فطاف بالبيت و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني! أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟ ثم أخذ القطن من أذنيه و رمی به و قال لرسول الله : أنعم صباحا. فرفع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأسه إليه و قال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحية أهل الجنة: السلام عليكم.

فقال له أسعد: إن عهدك بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم ؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم : إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أتي رسول الله، و أدعوكم إلى «أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1)

فلما سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله. یارسول الله، بأبي أنت و أمي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، و بيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك و لا أجد أعز منك و معي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك. و الله يا رسول الله لقد كنانسمع من اليهود خبرك و يبشروننا بمخرجك و يخبروننا بصفتك و أرجو أن یکون دارنا دار هجرتك عندنا، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، و الله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا و قد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.

ثم أقبل ذكوان فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به و تخبرنا بصفته، فهلم فأسلم. فأسلم ذكوان.. الخبر.(2)

ص: 343


1- الأنعام: 151 - 152.
2- إعلام الوری: 55، عنه البحار: 8/19 ح 5.

الباب 35: حديث النفس بالتصدق وقضاء حوائج المؤمنين وإغاثة الملهوفين

1-[ ابن شهر آشوب في المناقب]، من كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده إلى ابن عباس: أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أعطى عليا علیه السلام يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه، قال علي علیه السلام : فأخذتها و قلت: و الله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير.

فأصبح الناس بالغد يقولون: تصدق علي علیه السلام الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غما شديدا. فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد و قلت: و الله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدق علي علیه السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غما شديدا و قلت: و الله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها مني.

فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم خرجت من المسجد و معي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته إياها.

فلما أصبحت قال أهل المدينة: تصدق علي علیه السلام البارحة بمائة دينار على رجل غني.

فاغتممت غما شديدا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فخبرته، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إن الله عز و جل قد قبل صدقاتك و زکی عملك، إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عزوجل من الفساد، وجعلت تلك الدنانير رأس مالها و هي في طلب بعل تتزوج به، و إن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله و تاب إلى الله من سرقته و جعل الدنانير رأس ماله يتجر بها. و إن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين فرجع إلى منزله و بخ نفسه و قال: شحا عليک يا نفس! هذا علي بن أبي طالب علیه السلام تصدق على بمائة دينار ولا مال له، و أنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم ازکه! فحسب ماله و زكاه و أخرج زكاة ماله كذا و كذا دینارا و أنزل الله فيك: «

ص: 344

»(1)

2 - [الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد ]أسند أبو العباس بن مسروق، عن الأوزاعي قال: حدثنا بعض الحكماء قال: خرجت و أنا أريد الرباط حتى إذا كنت بعريش مصر إذا أنا بمظلة و فيها رجل قد ذهبت عيناه و استرسلت يداه و رجلاه و هو يقول: لك الحمد سیدی و مولاي، اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلق تفضيلا.

فقلت: و الله لأسألنه أعلمه أو ألهمه إلهاما. فدنوت منه و سلمت عليه فرد علي السلام، فقلت له: رحمك الله، إني أسألك عن شيء أتخبرني به أم لا؟ فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. فقلت: رحمك الله، على أي فضيلة من فضائله تشكره؟ فقال: أوليس ترى ما قد صنع بي؟ فقلت: بلى. فقال: و الله لو أن الله تبارك و تعالى صب علي نارا تحرقني و أمير الجبال فدمرتني و أمر البحار فغرقتني و أمر الأرض فخسفت بي ما ازددت فيه سبحانه إلا حبا و لا ازددت له إلا شکرا، و إن لي إليك حاجة تقضيها لي؟

فقلت: نعم، قل ما تشاء. فقال: بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي و يطعمني عند إفطاري، و قد فقدته منذ أمس فانظر هل تجده لي؟ قال: فقلت في نفسي: إن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عز و جل. فقمت و خرجت في طلبه حتى إذا صرت بين كثبان الرمال إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله، فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه؟ قال: فأتيته و سلمت عليه فرد علي السلام فقلت : يرحمك الله، إن سألتك عن شيء تخبرني به؟ فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. قال: قلت: إنك أكرم على الله عز و جل و أقرب منزلة أو نبي الله أيوب صلوات الله و سلامه عليه؟

فقال: بل أيوب أكرم على الله تعالى مني و أعظم عند الله منزلة مني. فقلت: إنه ابتلاه الله تعالى فصبر حتى استوحش منه من كان يأنس به و كان غرضأ لمرار الطريق، و اعلم أن ابنك الذي أخبرتني به و سألتني أن أطلبه لك افترسه السبع فأعظم الله أجرك فيه. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. ثم شهق شهقة و سقط على وجهه، فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت. فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، كيف أعمل في

ص: 345


1- مناقب آل أبي طالب:74/2-75 ، عنه البحار: 41/ 28 - 29 ضمن ح 1 ، وأورده في المستدرك: 267/7 ح 8206-16 ، والآية: النور: 37.

أمره؟ و من يعينني على غسله و کفنه و حفر قبره و دفنه؟ فبينما أنا كذلك إذا أنا بركب يريدون الرباط فأشرت إليهم فأقبلوا نحوي حتى وقفوا علي، فقالوا: ما أنت و ماهذا؟ فأخبرتهم بقصتي فعقلوا رواحلهم و أعانوني حتى غسلناه بماء البحر و كفناه بأثواب كانت معهم، و تقدمت فصليت عليه مع الجماعة و دفناه في مظلته و جلست عند قبره آنسا به أقرأ القرآن، إلى أن مضى من الليل ساعة، فغفوت غفوة فرأيت صاحبي في أحسن صورة و أجمل زي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائما يتلو القرآن، فقلت له: ألست بصاحبي؟ قال: بلى. قلت: فما الذي صيرك إلى ما أری؟ فقال: اعلم أنني وردت مع الصابرين لله عز و جل في درجة لم ينالوها إلا بالصبر على البلاء و الشكر عند الرخاء. فانتبهت. (1)

3-[ العلامة في كشف اليقين] عن ابن الجوزي في كتاب تذکرة الخواص: أن عبد الله بن المبارك كان يحج سنة و يغزو سنة، و داوم على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض السنين لقصد الحج و أخذ معه خمسمائة دينار و ذهب إلى موقف الحال بالكوفة ليشتري جمالا للحج، فرأى امرأة علوية على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة.

قال: فتقدمت إليها و قلت: لم تفعلين هذا؟ فقالت: يا عبد الله، لا تسأل عما لا يعنيك.

قال: فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها فقالت: يا عبد الله، قد ألجأتني إلى کشف سري إليك، أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامی، مات أبوهن من قريب و هذا اليوم الرابع، ما أكلنا شيئا و قد حلت لنا الميتة فأخذ هذه البطة أصلحها و أحملها إلى بناتي فيأكلنها.

قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك، أين أنت عن هذه؟ فقلت: افتحي حجرك، ففتحته فصببت الدنانير في طرف إزارها و هي مطرقة لا تلتفت إلي. قال: ومضيت إلى المنزل و نزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام، ثم تجهزت إلى بلادي و أقمت حتی حج الناس و عادوا، فخرجت أتلقى جيراني و أصحابي، فجعلت كل من أقول له: قبل الله حجك و شكر سعيك يقول: و أنت شكر الله سعيك و قبل حجك، أماقد اجتمعنا بك في مكان كذا و كذا، و أكثر على الناس في القول. فبت متفكرا في ذلك، فرأيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المنام و هو يقول لي: يا عبد الله، لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي،

ص: 346


1- مسكن الفؤاد: 61-62، عنه البحار: 149/79-150 ح1.

فسألت الله تعالى أن يخلق على صورتك ملکا يحج عنك كل عام إلى يوم القيامة، فإن شئت تحج و إن شئت لا تحج. (1)

الباب 36: حديث النفس بحفظ حرمة الكعبة والطواف بها

1 - [ الطبرسي في مجمع البيان]، عن محمد بن إسحاق قال: أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء، فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك، قال: و بالمدينة إذ ذاك اليهود و الأوس و الخزرج، فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة، فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح، و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي، فقال له أحيحة: أيها الملك، نحن قومك، و قال بنيامين: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت.

قال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحا قصفت یدیه و رجليه، و شنجت جسده، فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟

قالوا: حدثت نفسك بشيء؟ قال: نعم. و ذکر ما أجمع عليه من هدم البيت و أصابه ما فيه. قالوا: ذاك بيت الله الحرام، و من أراده هلك. قال: ويحكم، و ما المخرج مما دخلت فيه؟

قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له. فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا والمروة و کسا البيت..الخبر(2).

2 -[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال: كنت فيما بين مكة و المدينة أنا و صاحب لي، فتذاكرنا الأنصار، فقال أحدنا: هم نزاع من قبائل. و قال أحدنا: هم من أهل اليمن. قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام وهو جالس في

ص: 347


1- كشف اليقين: 485 - 486، عنه البحار: 11/42-12 ح 12، وأورده في البحار: 93/ 234 ح 34 عن جواهر المطالب.
2- مجمع البيان: 396/10 ، عنه البحار: 15/ 133 ذیل ح 71، مرآة العقول: 241/5.

ظل شجرة،فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا: إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرما و بنيتهم ربا أو ربة. فقال: إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم و سبیت ذريتهم و هدمت بنيتهم.

قال:فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه.قال:فدعا العلماء و أبناء الأنبياء،فقال انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟قال:فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم.قالوا:حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك.قال:ولم هذا؟قالوا:لأن البلد حرم الله و البيت بيت الله وسکانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام . فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.

قال:فحدث نفسه بخير،فرجعت حدقتاه حتی ثبتا مکانهما.قال:فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم،ثم أتى البيت وكساه و أطعم الطعام ثلاثين يوماكل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال،و نثرت الأعلاف في الأودية اللوحش،ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.

وفي رواية أخرى: كساه النطاع و طيبه.(1)

الباب 37: حديث النفس بالمشاركة في صلاة الجماعة

القسم الأول:حديث النفس بالصلاة خلف أمير المؤمنين علیه السلام

1 -[الصفار في بصائر الدرجات]،عن أبي سعيد الخدري،عن رميلة قال:وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، فوجدت من نفسي خقة في يوم الجمعة و قلت: لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من الماء و أصلي خلف أمير المؤمنين عليه السلام ، ففعلت ثم جئت إلى المسجد. فلما صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، أعاد علي ذلك الوعك، فلما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام ودخل القصر دخلت معه.فقال:يا رميلة رأيتك و أنت

ص: 348


1- الكافي: 4/ 215 ح 1، عنه البحار:522/14 ح6.

متشبك بعضك في بعض. فقلت: نعم، و قصصت عليه علیه السلام القصة التي كنت فيها و الذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه علیه السلام .

فقال علیه السلام : يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه و لا يدعو إلا آمنا لدعائه و لا يسكت إلا دعونا له. فقلت له: يا أمير المؤمنين،جعلني الله فداك، هذا لمن معك في القصر، أرأيت من كان في أطراف الأرض. قال علیه السلام : يا رميلة، ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها.(1)

القسم الثاني: حديث النفس بصلاة الجماعة مطلقاً

اشارة

1 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن أبا مريم المدني قال: خرجت إلى الحج فلما صرت قريبا من الشجرة خرجت على حمار لي، قلت: أدرك الجماعة و أصلي معهم، فنظرت إلى الجماعة يصلون فأتيتهم، فإذا أبو عبد الله علیه السلام محتب بردائه يسبح،فقال عليه السلام : صليت يا أبا مریم؟

قلت: لا. قال علیه السلام: صل. فصليت ثم ارتحلنا.. الخبر. (2)

تتميم الباب: حديث النفس بعدم الدخول على المصلين

1- [ابن شهر آشوب في المناقب]،(في قصة خزيم بن فاتك الأسدي أنه وجد إبله بأبرق العزل القصة) فسمع هاتفا:

هذا رسول الله ذو الخيرات***جاء بیاسین و حامیمات

فقلت: من أنت؟ قال: أنا مالك بن مالك، بعثني رسول الله صلی الله علیه وآله إلى حي نجد.

قلت: لو كان لي من يكفيني إبلي لأتيته صلی الله علیه وآله فآمنت به. فقال: أنا. فعلو بعيراً منها و قصدت المدينة و الناس في صلاة الجمعة، فقلت في نفسي:لا أدخل حتى ينقضي صلاتهم.

ص: 349


1- بصائر الدرجات:259 - 260 ح 1، عنه البحار:140/26ح11، وأورده في إرشاد القلوب مرفوعا:2/ 282، رجال الكشي: 102 - 103 مع تفاوت في النسخ.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 265 - 266، عنه البحار: 47/ 102 ح126، أقول: تمام الخبر في باب (حديث النفس بتعلم العلم والقرآن من أهله).

فأنا أنيخ راحلتي إذ خرج إلى رجل قال:يقول لك رسول الله صلی الله علیه وآله:ادخل. فدخلت فلا رآني صلی الله علیه وآله قال: ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك؟

قلت: لا علم لي به. قال صلی الله علیه وآله:إنه أداها سالمين. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله .(1)

الباب 38: حديث النفس بمدح الفقر وذم الغني

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم،بإسناده إلى حفص بن غیاث،عن أبي عبد الله علیه السلام قال: في مناجاة موسی علیه السلام:يا موسى، إذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، و إذا رأيت الغني مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته.(2)

2 -[محمد بن يعقوب في الكافي] علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى، رفعه: إن موسی علیه السلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: - إلى أن قال: - یا موسى، إذا رأيت الغني مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين.(3)

ص: 350


1- مناقب آل أبي طالب:102/1، عنه البحار: 96/18 مع الإختلاف، تمامه في 303/60-305.
2- الكافي: 2/ 263 ح 12، البحار: 13/ 338، 15/69ح14، عدة الداعي: 117، عنه البحار: 55/69ح 85،ولاحظ الأمالي للصدوق:666ح 2، المجلس95، عنه البحار:87/70 ح 52، ومن كتاب عيون الحكم والمواعظ للواسطى: البحار: 110/70 ضمن ح110، ولاحظ الفقرة في مکارم الأخلاق: 446، عنه البحار: 94/74 ح1،199/64 ، إرشاد القلوب: 165/1، تفسير القمي: 242/1 وفي: 1/ 200 تتمة هكذا: (فما فتح الله على أحد هذه الدنيا إلا بذنب، لينسيه ذلك الذنب فلا يتوب، فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه.) عنه البحار: 13/ 340 ح16.
3- الكافي:47/8ح8، عنه البحار:36/74ح7، وأورده في تحف العقول: 493، عنه البحار:335/13ح13، جامع الأخبار: 180، ولاحظ أعلام الدین: 220، مجموعة ورام: 1/ 143، 46/2.

الباب 39: حديث النفس باحقية قرابات أهل البيت علیهم السلام على قراباته، وبالإيثار لهم

1-[تفسير الإمام العسكري علیه السلام]، قال الحسن بن علي علیهما السلام: إن رجلا جاع عياله، فخرج يبغي لهم ما يأكلون. فکسب درهماً فاشتری به خبزاً و أدماً، فمر برجل و امرأة من قرابات محمد صلی الله علیه واله و على علیه السلام، فوجدهما جائعين. فقال: هؤلاء أحق من قراباتي. فأعطاهما إياهما و لم يدر بما ذا يحتج في منزله.

فجعل يمشي رويدا يتفكر فيما يتعذر به عندهم و يقول لهم ما فعل بالدرهم إذ لم يجئهم بشيء، فبينما هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه(1) فدل عليه، فأوصل إليه كتابا من مصر و خمسمائة دينار في صرة و قال: هذه بقية حملته إليك من مال ابن عمك مات بمصر و خلف مائة ألف دينار على تجار مكة و المدينة و عقاراً كثيراً و مالاً بمصر بأضعاف ذلك.فأخذ الخمسمائة دينار و وضع على عياله و نام ليلته، فرأى رسول الله صلی الله علیه وآله و عليا علیه السلام فقالا له: كيف ترى إغناءنا لك لما آثرت قرابتنا على قرابتك؟

ثم لم يبق بالمدينة و لا بمكة ممن عليه شيء من المائة ألف دينار إلا أتاه محمد صلی الله علیه وآله و على علیه السلام في منامه و قالا له: إما بكرت بالغداة على فلان بحقه من میراث ابن عمه و إلا بكر عليك بهلاكك و اصطلامك و إزالة نعمك وإبانتك من حشمك.فأصبحوا كلهم و حملوا إلى الرجل ما عليهم حتى حصل عنده مائة ألف دينار و ما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال إلا و أتاه محمد صلی الله علیه وآله و علي علیه السلام في منامه، و أمراه أمر تهدد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه.

و أتی محمد صلی الله علیه وآله و علي عليه السلام هذا المؤثر لقرابة رسول الله صلی الله علیه وآله في منامه فقالا له:كيف رأيت صنع الله لك؟قد أمرنا من بمصر أن يجعل إليك مالك، أفنأمر حاكمها بأن يبيع عقارك و أملاكك و يسفتج إليك بأثمانها(2) لتشتري بدلها من المدينة؟ قال: بلى. فأتی محمد صلی الله علیه وآله و علي علیه السلام حاكم مصر في منامه فأمراه أن يبيع عقاره و السفتجة بثمنه إليه،

ص: 351


1- قال الخليل في كتاب العين: الفيج: اشتق من الفارسية وهو رسول السلطان على رجله.
2- في القاموس : السفتجة - كقرطقة - أن تعطي مالا لأحد و للآخذ مال في بلد المعطي فيوفيه إياه ثم فيستفيد أمن الطريق، و فعله السفتجة بالفتح.

فحمل إليه من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغني من بالمدينة. ثم أتاه رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: يا عبد الله، هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، و لأعطينك في الآخرة بدل كل حبة من هذا المال في الجنة ألف قصر، أصغرها أكبر من الدنيا، مغرز كل إبرة منها خير من الدنيا وما فيها.(1)

تتميم الفصل:

الباب 40: ما ينبغي أن يفعل المسافر عند حديث النفس بإقامة عشرة أيام أو عدمها

1-[الشيخ في التهذيب]،عن أبي أيوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام- و أنا أسمع - عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال عليه السلام : فليتم الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، و إن أقام يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بن مسلم : بلغني أنك قلت خمساً؟ قال عليه السلام : قد قلت ذلك.

قال أبو أيوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال: لا.(2)

2-[ابن إدريس الحلي في السرائر]،نقلا من کتاب حریز بن عبد الله قال:قلت لأبي جعفر علیه السلام: أرأيت من قدم بلده متي ينبغي له أن يكون مقصراً و متي ينبغي أن يتم؟

قال علیه السلام : إذا دخلت أرضاً فأيقنت أن لك فيها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج و بعد غد، فقر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تم شهر فأتم الصلاة، و إن أردت أن تخرج من ساعتك فأتم.(3)

ص: 352


1- تفسير الإمام علیه السلام : 337 - 338 ح 212، عنه البحار:264/23ضمن ح8، وأورده في المستدرك: 381/12- 382 ح 14350 ح19.
2- التهذيب: 3/ 219 - 220 ح 57، عنه البحار: 86/ 39 ذیل ح13، الإستبصار: 1/ 238 ح 3،وأورده في الكافي: 3/ 436 ح3، عنه وعن التهذيب الوسائل: 501/8ح11286، قال في الوسائل بعد ذكر الحديث: أقول: (حمل الشيخ قدس سره حكم الخمسة على من كان بمكة أو المدينة لما ياتي، وجوز حمله على الإستحباب، والأقرب الحمل على التقية لموافقته لكثير من العامة.)
3- مستطرفات السرائر: 586، عنه البحار: 38/86ح13.

الباب 41: ما ينبغي أن يفعل من حدث نفسه بالسفر ليلة الصيام

1-[الشيخ في الإستبصار]، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى علیه السلام، في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟

قال عليه السلام: إذا حدث نفسه بالليل في السفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه.(1)

ص: 353


1- الإستبصار: 2/ 98 ح3، وأورده في التهذيب: 4/ 228ح33، قال الشيخ في التهذيب: (ومتی خرج الإنسان إلى السفر بعدما أصبح، فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار وإن لم یکن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم، وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضاً الإفطار وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل والذي يدل على ما ذكرناه ..) ثم ذكر عدة أحاديث منها ما ذكرناه .

ص: 354

الفصل الثاني عشر : آثار حديث النفس

اشارة

عن الصادق ، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب علیهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِداها إِنْ خَيراً فَخَيْرٌ وَإنَّ شَرّاً فَشَّر.)(1)

وعنه علیه السلام قال: (ما مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ خَيْراً إِلاَّ لَمْ تَذْهَبِ اَلْأَيَّامُ حَتَّى يُظهِرَ لَهُ خَيْراً وَ مَا مِن عَبدٍ يُسِرُّ شَرّاً إِلاَّ لَم تَذهَبِ الأَيَّامُ حَتَّى يُظهِرَ لَهُ شَرَّاً.)(2)

ص: 355


1- مستدرک الوسائل:97/1ح3.
2- مستدرک الوسائل:97/1ح2.

ص: 356

القسم الأول : أثر حديث النفس على الأحلام

1-[المجلسي في البحار من كتاب التبصرة لعلي بن بابویه]عن سهل بن أحمد، عن محمد

بن محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسی بن جعفر، عن أبيه عن آبائه علیهم السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله:الرؤيا ثلاثة:بشرى من الله، و تحزين من الشيطان، و الذي يحدث به الإنسان نفسه، فيراه في منامه.(1)

2 -[المجلسي في البحار من کتاب الدر المنثور]من عدة كتب،عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة و أربعين جزءاً من النبوة. والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا من تحزین الشيطان، والرؤيا مما يحدث الرجل نفسه..الخبر.(2)

3 -[المجلسي في البحار من کتاب الدر المنثور]من عدة كتب، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله : الرؤيا على ثلاثة: منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم، و منها الأمر يحدث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام، و منها جزء من ستة و أربعين جزءاً من النبوة.(3)

ص: 357


1- البحار:191/58ح58.
2- الدر المنثور:253/5، عنه البحار: 58 / 192 ح67.
3- الدر المنثور: 254/5، عنه البحار: 193/58ح73.

القسم الثاني: آثار حديث النفس بما لا ينبغي

اشارة

البقرة:«لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (286)

الباب 1: أثر حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه وآله والإمام عليه السلام: التحريض على القتل والإبتلاء بزوال الشخصية والذم والتهديد من الله تعالى

1 -[أمين الإسلام في إعلام الوری]، ثم كانت غزوة بني النضير، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه وآله مشي إلى کعب بن الأشرف يستقرضه فقال: مرحبا بك يا أبا القاسم و أهلا، فجلس رسول الله صلی الله علیه وآله و أصحابه، فقام كأنه يصنع لهم طعاماً، وحدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله ، فنزل جبرئیل علیه السلام فأخبره بما هم به القوم من الغدر، فقام صلی الله علیه وآله كأنه يقضي حاجة و عرف أنهم لا يقتلون أصحابه و هو حي. فأخذ صلی الله علیه وآله الطريق نحو المدينة فاستقبله، بعض أصحاب کعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلی الله علیه وآله ، فأخبر کعباً بذلك، فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوریا - و كان أعلم اليهود-: إن ربه أطلعه على ما أردتموه من الغدر، و لا يأتيكم و الله أول ما يأتيكم إلا رسول محمد صلی الله علیه وآله يأمركم عنه بالجلاء، فأطیعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم و أموالكم، و إلا فإنه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم، فقالوا: هذه أحب إلينا.

قال: أما إن الأولى خير لكم منها، و لولا أني أفضحكم لأسلمت. ثم بعث محمد ابن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل و الجلاء عن ديارهم و أموالهم، و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.(1)

2 - [القمي في تفسيره]، (في تفسير قوله تعالى :«هُوَ اَلَّذِي أَخْرَجَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِن

ص: 358


1- إعلام الوری: 88، عنه البحار:163/20ح1.

أَهْلِ اَلْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَؤُلِّ الحَشَّر»الآيات)أنه:كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود:بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم وبين رسول الله صلی الله علیه وآله عهد و مدة، فنقضوا عهدهم، و كان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلی الله علیه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة،يعني يستقرض، و كان قصد کعب بن الأشرف.فلما دخل على كعب قال: مرحبا يا أبا القاسم و أهلا.و قام كأنه بصنع له الطعام، و حدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله و يتبع أصحابه،فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلی الله علیه وآله إلى المدينة، و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عزوجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر،فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب.

فقالوا:نخرج من بلادك.فبعث إليهم عبد الله بن أبي:إلا تخرجوا و تقيموا و تنابذوا محمدا صلی الله علیه وآله الحرب، فإني أنصركم أنا و قومي و حلفائي،فإن خرجتم خرجت معكم، و إن قاتلتم قاتلت معكم.

فأقاموا و أصلحوا حصونهم و تهيئوا للقتال،و بعثوا إلى رسول الله صلی الله علیه وآله:أنا لا نخرج، فاصنع ما أنت صانع. فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وکبر وکبر أصحابه،وقال لأمير المؤمنين علیه السلام : تقدم إلى بني النضير. فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الراية و تقدم.

و جاء رسول الله صلى الله عليه وآله و أحاط بحصنهم و غدر بهم عبد الله بن أبي، و كان رسول الله صلی الله علیه وآله إذا ظفر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم و خربوا ما يليه، و كان الرجل منهم ممن كان له بیت حسن خربه، و قد كان رسول الله صلی الله علیه وآله أمر بقطع نخلهم. فجزعوا من ذلك و قالوا: يا محمد، إن الله يأمرك بالفساد، إن كان لك هذا فخذه و إن كان لنا فلا تقطعه.

فلما كان بعد ذلك قالوا: يا محمد صلی الله علیه وآله ، نخرج من بلادك فأعطنا مالنا. فقال صلی الله علیه وآله: لا، و لكن تخرجون و لكم ما حملت الإبل. فلم يقبلوا ذلك، فبقوا أياما ثم قالوا:نخرج و لنا ما حملت الإبل.

فقال صلی الله علیه وآله :لا،و لكن تخرجون و لا يحمل أحد منكم شيئا،فمن وجدنا معه شيئا من ذلك قتلناه. فخرجوا على ذلك و وقع قوم منهم إلى فدك و وادي القرى،وخرج قوم منهم إلى الشام. فأنزل الله فيهم:«هُوَ اَلَّذِي أَخْرَجَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِم لِأَوَّلِ اَلْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانَعتَهُم حُصُونُهُمْ مِنَ اَللَّهِ فَأَتَاهُمُ اَللَّه

ص: 359

مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا-إِلَى قَوْلِهِ-فَإِنَّ اَللَّهَ شَدِيدُ اَلْعِقَابِ».وأنزل عليه فيها عابره من قطع النخل:«مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اَللَّهِ وَ لِيُخْزِيَ اَلْفَاسِقِينَ إِلَى -قَوْلِهِ -رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ».

و أنزل عليه في عبد الله بن أبي و أصحابه:«أَلَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ نَافَقَوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهَلَ الَكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيع فِيكُم أحَدَاً ابَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهِ يَشْهَدا إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ- إِلَى قَوْلِهِ -ثُمَّ لَايُنْصَرُونَ».ثم قال:«کَمَثَلِ الّذِينَ مِن قَبلِهِم» یعني: بني قينقاع «قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». ثم ضرب في عبد الله بن أبي و بني النضير مثلاً فقال:«كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذَ قَالَ لِلإنَسانِ اَكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اَللَّهَ رَبَّ اَلْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتُهُمَا اِنَّهُمَا فِي اَلنَّارِ خَالِدِينِ فِيهَا وَ ذَلِكَ جَزَاءُ اَلظَّالِمِين».(1)

3-[المجلسي في البحار من بعض الكتب القديمة]،فيما جرى بين ابن ملجم وقطام واشتراطها قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى أن قال:

قالت له الملعونة:شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب علیهما السلام بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه،يأخذ منه ما يأخذ، و يبقى ما يبقى. فلما سمع ابن ملجم کلامها استرجع و رجع إلى عقله و أغاظه و أقلقه، ثم صاح بأعلى صوته: ويحک ما هذا الذي واجهتني به! بئس ما حدثتك به نفسك من المحال.ثم طأطأ رأسه يسيل عرقاً، و هو متفكر في أمره، ثم رفع رأسه إليها و قال لها: ويلك من يقدر على قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ، المجاب الدعاء، المنصور من السماء، و الأرض ترجف من هيبته، و الملائكة تسرع إلى خدمته. يا ويلك، و من يقدر على قتل علي بن أبي طالب علیهما السلام وهو مؤيد من السماء و الملائكة تحوطه بكرة و عشية، و لقد كان في أيام رسول الله صلی الله علیه وآله إذا قاتل يكون جبرئيل عن يمينه و میکائیل عن يساره و ملك الموت بين يديه، فمن هو هكذا لا طاقة لأحد بقتله، و لا سبيل لمخلوق على اغتياله.و مع ذلك أنه قد أعزني و أكرمني و أحبني و رفعني و آثرني على غيري فلا يكون ذلك جزاؤه مني أبدا،فإن كان غيره قتلته لك شر قتلة و لو كان أفرس أهل زمانه.و أما أمير المؤمنين فلا سبيل لي عليه.

قال:فصبرت عنه حتى سكن غيظه و دخلت معه في الملاعبة و الملاطفة، و علمت أنه

ص: 360


1- تفسير القمي: 2/ 358، عنه البحار: 169/20ح4، والآيات: الحشر: 1-17.

قد نسي ذلك القول، ثم قالت: يا هذا، ما يمنعك من قتل علي بن أبي طالب علیهما السلام و ترغب في هذا المال و تتنعم بهذا الجمال، و ما أنت بأعف و أزهد من الذين قاتلوه و قتلهم و كانوا من الصوامين و القوامين، فلما نظروا إليه وقد قتل المسلمين ظلما وعدوانا اعتزلوه و حاربوه، و مع ذلك فإنه قد قتل المسلمين و حكم بغير حكم الله و خلع نفسه من الخلافة و إمرة المؤمنين، فلما رأوه قومي على ذلك اعتزلوه فقتلهم بغير حجة له عليهم.

فقال لها ابن ملجم: يا هذه كفي عني، فقد أفسدت علي ديني و أدخلت الشك في قلبي، و ما أدري ما أقول لك و قد عزمت على رأي، ثم أنشد:

ثلاثة آلاف وعبد و قينة ***وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي و إن غلا*** ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

فأقسمت بالبيت الحرام و من أتي*** إليه جهاراً من محل و محرم

لقد أفسدت عقلي قطام و إنني*** لمنهاعلى شک عظيم مذمم

لقتل علي خير من وطئ الثرى*** أخي العلم الهادي النبي المكرم

ثم أمسك ساعة، و قال:

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة*** كمهر قطام من فصيح و أعجم

ثلاثة آلاف و عبد و قينة ***وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي و إن غلا ***ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

فأقسم بالبيت الحرام و من أتى ***إليه جهاراً من محل و محرم

لقد خاب من يسعى بقتل إمامه ***وویل له من حر نار جهنم

إلى آخر ما أنشد من الأبيات،ثم قال لها: أجليني ليلتي هذه حتى أنظر في أمري وآتيك غدا بما يقوى عليه عزمي.

فلما هم بالخروج أقبلت عليه وضمته إلى صدرها و قبلت مابين عينيه و أمرنه بالاستعجال في أمرها و سایرته إلى باب الدار و هي تشجعه، و أنشدت له أبياتا. فخرج الملعون من عندها و قد سلبت فؤاده و أذهبت رقاده و رشاده،فبات ليلته قلقاً متفکراً فمرة يعاتب نفسه و مرة يفكر في دنياه و آخرته،-إلى أن قال:- فلم يزل مفكراً في أمره حتى

ص: 361

عزم على الخروج. (1)

4 -[السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]،من کتاب عتيق أسند الخبر إلى الحسن ابن علي بن يقطين عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الربيع الحاجب(وذكر خبر استدعاء المنصور للصادق علیه السلام وإدخاله عليه، إلى أن قال: ) قال - الربيع -: فلما وجد منه - أي من المنصور-خلوة و طيب نفسي، قلت: يا أمير المؤمنين رأيت منك عجباً.

قال: ما هو؟ قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت غضبك على جعفر غضبا لم أرك غضبته على أحد قط، و لا على عبد الله بن الحسن، و لا على غيره من كل الناس، حتى بلغ بك الأمر أن تقتله بالسيف، و حتى إنك أخرجت من سيفك شبراً ثم أغمدته ثم عاتبته، ثم أخرجت منه ذراعا ثم عاتبته، ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيراً، فلم أشك في قتلك له، ثم انجلى ذلك كله فعاد رضى حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت، و لا يغلف منها ولدك المهدي و لا من وليته عهدك و لا عمومتك، و أجزته و حملته، و أمرتني بتشييعه مكرماً.فقال:ويحك يا ربيع ليس هو كما ينبغي أن تحدث به و ستره أولى،و لا أحب أن يبلغ ولد فاطمة علیها السلام فيفتخرون و يتيهون بذلك علينا،حسبنا ما نحن فيه،و لكن لا أكتمك شيئا،انظر من في الدار فنحهم.

قال: فنحيت كل من في الدار،ثم قال لي:ارجع و لا تبق أحداً،ففعلت. ثم قال لي: ليس إلا أنا و أنت و الله، لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لأقتلنك و ولدك و أهلك أجمعين،و لآخذن مالك. قال: قلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله. قال: یا ربیع، قدکنت مصراً على قتل جعفر علیه السلام، و أن لا أسمع له قولاً و لا أقبل له عذراً، و كان أمره و إن كان ممن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهم علي من أمر عبد الله بن الحسن، فقد كن أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني أمية.فلما هممت به في المرة الأولى، تمثل لي رسول الله صلی الله علیه وآله،فإذا هو حائل بيني و بينه، باسط كفيه، حاسر عن ذراعيه، قد عبس و قطب في وجهي عنه،ثم هممت به في المرة الثانية و انتضيت من السيف أكثر مما انتضيت منه في المرة الأولى، فإذا أنا برسول الله صلی الله علیه وآله قد قرب مني و دنا شديداً،و هم لي أن لو فعلت لفعل، فأمسكت. ثم تجاسرت و قلت: هذا بعض أفعال الرئي (2)، ثم انتضيت السيف في الثالثة،

ص: 362


1- البحار:263/42-267.
2- الرئي على فعيل، التابع من الجن (البحار).

فتمثل لي رسول الله صلی الله علیه وآله باسط ذراعيه،قد تشمر و احمر و عبس و قطب حتى كاد أن يضع يده علي، فخفت و الله لو فعلت لفعل،و كان مني ما رأيت. وهؤلاء من بني فاطمة صلوات الله عليهم لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة، فإياك أن يسمع هذا منك أحد.

قال محمد بن الربيع:فما حدثني به أبي حتى مات المنصور، وما حدثت أنابه حتى مات المهدي و موسی و هارون و قتل محمد.(1)

5 -[ ابن طاووس في مهج الدعوات]،بإسناده إلى عبد الله بن مالك الخزاعي،قال:دعاني هارون الرشيد، فقال: يا أبا عبد الله،كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت:يا أمير المؤمنين، ما أنا إلا عبد من عبيدك.فقال: امض إلى تلك الحجرة و خذ من فيها و احتفظ به إلى أن أسألك عنه.

قال: فدخلت فوجدت موسی بن جعفر عليهما السلام ، فلما رآني سلمت عليه و حملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي، و کنت أتولى خدمته. و مضت الأيام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول:أجب أمير المؤمنين.فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش،فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال:ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟

فقلت:صالح.فقال: امض إليه و ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم و اصرفه إلى منزله و أهله.فقمت و هممت بالانصراف،فقال لي:أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: نمت على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي:يا هارون، أطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فانتبهت،فقلت: لعلها لما في نفسي منه.فقمت إلى هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون، أمرتك أن تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فلم تفعل، فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه وإذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كان أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب،و قد أومأ إلي و هو يقول: و الله يا هارون،لئن لم تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك. فأرسلت إليك، فامض فيما أمرتك به

ص: 363


1- مهج الدعوات: 197 دعاء لمولانا الصادق علیه اللسام لما استدعاه المنصور مرة خامسة، عنه البحار: 195/47-199ح40، و 293/91أقول: الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

ولا تظهره الی احد فاقتلک فانظر لنفسک.

قال:فرجعت إلى منزلي و فتحت الحجرة و دخلت على موسی بن جعفر عليهما السلام، فوجدته قد نام في سجوده. فجلست حتى استيقظ و رفع رأسه، و قال: يا أبا عبد الله، افعل ما أمرت به. فقلت له: يا مولاي، سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلی الله علیه وآله، هل دعوت الله عز و جل في يومك هذا بالفرج؟ فقال علیه السلام: أجل، إني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقال: يا موسى، أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله صلی الله علیه وآله. فقال: ادع بهذه الدعاء: یا سابغ النعم، يا دافع النقم، یا بارئ النسم، یا مجلي الهمم، یا مغشي الظلم،یا کاشف الضر والألم،يا ذا الجود والكرم، یا سامع كل صوت، یا مدرك كل فوت، یا محيي العظام وهي رميم، یا منشئها بعد الموت، صل على محمد وآل محمدواجعل لي من أمري فرجا ومخرجا یا ذا الجلال والإكرام. فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه حتى سمعته يقول: قد استجاب الله فيك.ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك.(1)

الباب 2: حديث النفس بالزنا: الإبتلاء بفساد النفس

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله علیه السلام قال: اجتمع الحواريون إلى عيسی عليه السلام ، فقالوا له: يا معلم الخير، أرشدنا. فقال علیه السلام لهم: إن موسی کلیم الله علیه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك و تعالی کاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و لا صادقين.

قالوا: يا روح الله، زدنا. فقال عليه السلام: إن موسی نبي الله علیه السلام أمركم أن لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلاً عن أن تزنوا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق، فأفسد التزاويق الدخان، و إن لم يحترق البيت.(2)

ص: 364


1- مهج الدعوات: 245، عنه البحار: 91/ 331 - 332 ح4، وذكره في: 245/48ح 52 بدون الدعاء.
2- الكافي: 5/ 532ح 7، عنه البحار: 331/14ح 70، الوسائل: 318/20-319ح25719 ، وأورده في عوالي اللثالي: 3/ 546 - 547 ح8، أقول: قال الطريحي في مجمع البحرين : (زوقته تزويقاً) مثل : (زینته تزیيناً)، وزناً و معنی، و هو حسنته.

الباب 3: حديث النفس بطول العمر: الإبتلاء بالحرص

1-[ابن شعبة الحراني في تحف العقول]،قال موسی بن جعفر علیهما السلام في حديث:..لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر،فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل،و من حدثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي:ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(1)

2-[فقه الرضا علیه السلام]،باب حق النفوس:سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة،فإنه أروي عن العالم أنه قال: الملك الخفي إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها.و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات:ساعة لله لمناجاته،و ساعة لأمر المعاش،و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات،و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن،وساعة تخلون فيها للذاتکم،و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات.لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمرحرص.اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة ولا سرف فيه،و استعينوا بذلك على أمور الدنيا،فإنه نروي:ليس منا من ترك دنياه لدينه،و دينه لدنياه.. الحديث.(2)

3 -[الكراجكي في معدن الجواهر]،قال رجل لأحدهم علیهم السلام : عظني يا بن رسول الله. فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بشيئين:بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدث نفسه بطول العمر حرص.(3)

الباب 4: حديث النفس بالفقرة الإبتلاء بالبخل

1-[ابن شعبة الحراني في تحف العقول]،قال موسی بن جعفر علیهم السلام في حديث:لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها

ص: 365


1- تحف العقول: 409، عنه البحار:321/75ضمن ح3.
2- فقه الرضا علیه السلام: 337، عنه البحار:346/75ح4.
3- معدن الجواهر: 27.

بطول العمر يحرص.اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و ما لا سرف فيه،و استعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه.(1)

2- [فقه الرضا علیه السلام]، باب حق النفوس: سلوا ربكم العافية في الدنيا و الآخرة،فإنه أروي عن العالم علیه السلام أنه قال: الملك الخفي إذا حضرت لم يؤبه لها و إن غابت عرف فضلها.و اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الإخوان الثقات،و الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن،و ساعة تخلون فيها للذاتكم، و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر و لا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لم يثلم المروة و لا سرف فيه، و استعينوا بذلك على أمور الدنيا، فإنه نروي:ليس منا من ترك دنياه لدينه،و دينه لدنياه..الحديث.(2)

3-[الكراجكي في معدن الجواهر]، قال رجل لأحدهم علیهم السلام : عظني يابن رسول الله . فقال علیه السلام : لا تحدث نفسك بشيئين:بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدث نفسه بطول العمر حرص.(3)

الباب 5: أثر حديث النفس بهدم الكعبة وعدم حفظ حرمة أهلها:الإبتلاء بالأمراض

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]،علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال:

كنت فيما بين مكة والمدينة أنا و صاحب لي،فتذاكرنا الأنصار،فقال أحدنا:هم نزاع من قبائل.و قال أحدنا:هم من أهل اليمن.قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام و هو جالس في ظل شجرة، فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه

ص: 366


1- تحف العقول: 409، عنه البحار: 321/75 ضمن ح3.
2- فقه الرضا علیه السلام: 337، عنه البحار: 346/75ح4.
3- معدن الجواهر: 27.

العلماء و أبناء الأنبياء،فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل،أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا:إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زماناً طويلاً حتى اتخذوا بلادهم حرماً و بنيتهم رباً أو ربة.فقال: إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم و سبيت ذريتهم و هدمت بنيتهم.

قال:فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه.قال:فدعا العلماء و أبناء الأنبياء،فقال:انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟قال:فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم.قالوا:حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدث نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك. قال: و لم هذا؟ قالوا: لأن البلد حرم الله والبيت بيت الله وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.

قال:فحدث نفسه بخير،فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مکانهما.قال: فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم،ثم أتي البيت و كساه و أطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال، و نثرت الأعلاف في الأودية للوحش،ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.(1)

2 -[الطبرسي في مجمع البيان]،عن محمد بن إسحاق قال:أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء،فحفر بها بئراً تدعى اليوم ببئر الملك،قال:و بالمدينة إذ ذاك اليهود و الأوس والخزرج،فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار،فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة، فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح، و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي، فقال له أحيحة: أيها الملك، نحن قومك، و قال بنيامين: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت.

قال:ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحاً قصفت یدیه و رجليه، و شنجت جسده، فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟

قالوا:حدثت نفسك بشيء؟ قال:نعم.و ذکر ما أجمع عليه من هدم البيت و أصابه ما فيه.قالوا: ذاك بيت الله الحرام، ومن أراده هلك.قال: ويحكم، وما المخرج مما دخلت فيه؟

ص: 367


1- الكافي: 215/4 ح 1، عنه البحار: 522/14ح6.

قالوا:تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له.فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا والمروة و کسا البيت..الخبر.(1)

الباب 6: آثار حديث النفس بالرفعة والكبر والفخر

الأثر الأول: الحرمان من خير الدارين وزوال قرة العين

1 -[الصدوق في الخصال]،عن أبيه،عن سعد عن الأصفهاني،عن المنقري،عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال في حديث: إن أردت أن تقر عينك و تنال خير الدنيا و الآخرة فاقطع الطمع مما في أيدي الناس، و عد نفسك في الموتی، و لا تحدث لنفسك انك فوق أحد من الناس، و اخزن لسانك كما تحزن مالك.(2)

الأثر الثاني: استحقاق القتل

1-[ابن شهر آشوب في المناقب]، عن مسند أبي يعلى الموصلي،و إبانة ابن بطة العكبري، و عقد ابن عبد ربه الأندلسي،و حلية أبي نعيم الأصفهاني، و زينة أبي حاتم الرازي،و كتاب أبي بكر الشيرازي، أنه: ذكر رجل بين يدي النبي بكثرة العبادة. فقال النبي صلی الله علیه وآله: لا أعرفه. فإذا هو قد طلع، فقالوا: هو هذا.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: أما إني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان(3)، فلما رآه قال له: هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك؟ قال: نعم. ثم دخل المسجد فوقف يصلي، فقال النبي صلی الله علیه وآله: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه و صمد نحوه، فرآه راكعا فرجع. فقال: أقتل رجلا يركع و يقول لا إله إلا الله؟

ص: 368


1- مجمع البيان: 396/10، عنه البحار: 15/ 133 ذیل ح 71، مرآة العقول: 241/5 .
2- الخصال: 121/1 ح113، عنه البحار:416/13ح8،206/69ح7، 70/ 168 ح3، 280/68ح21، وفي بعضها بدل (تحدث لنفسك): (تحدثن نفسك).
3- قال في النهاية : (السفعة نوع من السواد مع لون آخر، ومنه حديث أبي اليسر:أرى في وجهك سفعة من غضب أي تغيرا إلى السواد،وفي حديث أم سلمة : أنه صلی الله علیه وآله دخل عليها وعندها جارية بها سفعة، فقال صلی الله علیه وآله: (إن بها نظرة فاسترقوا لها)، أي علامة من الشيطان.) عن البحار: 33/ 329.

فقال صلی الله علیه وآله: اجلس فلست بصاحبه. ثم قال صلی الله علیه وآله : ألا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجداً فقال: أقتل رجلا يسجد و يقول لا إله إلا الله؟

فقال النبي صلی الله علیه وآله: اجلس فلست بصاحبه، قم يا علي فإنك أنت قاتله إن أدركته.

فمضى علیه السلام و انصرف و قال له: ما رأيته.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: لو قتل لكان أول فتنة و آخرها.

وفي رواية: هذا أول قرن يطلع في أمتي، لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.

و قال أبي و أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى:«ثَانِي عِطْفِهِ لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهُ لَهُ فِي اَلدُّنْيَا خِزْيٌ »وهو القتل«وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَذَابَ الَحرِیقِ»بقتاله علي بن أبي طالب علیه السلام(1).

الأثر الثالث: (التوبيخ و )لزوم التواضع والخشوع

1-[العياشي في تفسيره]، عن عبد الرحمن بن سیابة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن موسی علیه السلام صعد المنبر و كان منبره ثلاث مرات، فحدث نفسه: أن الله لم يخلق خلقاً أعلم منه، فأتاه جبرئیل فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك، فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زاداً و انطلق بنا -إلى أن قال علیه السلام: ۔ فرجع موسى يقتص أثره، حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق،فقال له موسى:السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل.قال:ثم وثب فأخذ عصاه بیده، قال:فقال له موسى: إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً.. الخبر.(2)

2 -[البرقي في المحاسن]،عن أبي جعفر علیه السلام قال:لما خرج ملك القبط برید هدم بيت المقدس، اجتمع الناس إلى حزقيل النبي علیه السلام ، فشكوا ذلك إليه،فقال:لعلي أناجي ربي الليلة. فلما جنه الليل ناجي ربه، فأوحى الله إليه:أني قد كفيتكهم،و كانوا قد مضوا،(3)

ص: 369


1- المناقب: 3/ 378، عنه البحار: 33/ 327.
2- تفسير العياشي: 2/ 332 ح 47، عنه البحار: 306/13ح33.
3- قال المجلسي قدس سره: (وكانوا قد مضوا)،أي: حزقيل وأصحابه خوفاً من الملك، أو الملك وأصحابه بقدرة الله، فيكون موتهم بعد المضي في الطريق. وكون المضي بمعنى إتيانهم بيت المقدس بعيد. البحار: 63/ 185 ذیل ح1.

فأوحى الله إلى ملك الهواء أن: أمسك عليهم أنفاسهم،فماتوا كلهم.فأصبح حزقیل النبي صلی الله علیه وآله وأخبر قومه بذلك،فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا.و دخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علي و قد أعطيت مثل هذا؟

قال عليه السلام : فخرجت قرحة على كبده فآذته، فخشع لله و تذلل و قعد على الرماد،فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحکه على صدرك من خارج.ففعل فسكن عنه ذلك.(1)

الأثر الرابع: وشاكة الهلاك

1-[الصدوق في علل الشرائع]، ابن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال في حديث:

إن موسى لما كلمه الله تكليماً، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلاً لكل شيء، و جعل آیته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر و غرق الله عزوجل فرعون و جنوده،عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عزوجل خلق خلقاً أعلم مني.

فأوحى الله عزوجل إلى جبرئیل:يا جبرئیل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلاً عابداً فاتبعه، و تعلم منه.

فهبط جبرئیل علیه السلام على موسى علیه السلام ، بما أمره به ربه عزوجل، فعلم موسی علیه السلام أن ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر علیه السلام يتعبد الله عزوجل کما قال الله عز وجل: «فَوَجَدَا عَبْداً مِن عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحمَةً مِن عِندِنا وَعَلِمناهُ مِن لَدُنَّا عِلماً».(2).

ص: 370


1- المحاسن: 2/ 553 - 554 ح 902، عنه البحار: 13/ 383 ح 5، 63/ 184 - 185 ح1، وأورده الجزائري في القصص عن المحاسن: 314 - 315، وفي بعض النسخ بدل:(كفيتكهم) : (كفيتكم) وفي بعضها: (كفيتهم).
2- البحار:286/13ح4، و الآية وما بعدها من سورة الكهف: 65 - 82، أقول:تمام الحديث في الفصل 10، الباب 36ح4.
الأثر الخامس: الذلة والخضوع

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]،بالإسناد،عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه وآله:ما خلق الله جل و عز خلقاً إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه،و ذلك أن الله تبارك و تعالى لما خلق البحار السفلي فخرت و زخرت وقالت:أي شيء يغلبني؟فخلق الأرض فسطحها على ظهرها، فذلت. ثم قال: إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض و استقرت.

ثم إن الجبال فخرت على الأرض،فشمخت و استطالت،و قالت:أي شيء يغلبني؟فخلق الحديد فقطعها، فقرت الجبال و ذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد.

ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت،و قالت:أي شيء يغلبني؟فخلق الماء فأطفأها، فذلت. ثم إن الماء فخر و زخر، و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه،فذل الماء. ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أذيالها، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال و اتخذ مایستتر به من الريح و غيرها،فذلت الريح.

ثم إن الإنسان طغى و قال:من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره، فذل الإنسان.

ثم إن الموت فخر في نفسه،فقال الله عز و جل:لا تفخر،فإني ذابحك بين الفريقين:أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبداً فترجي أو تخاف.

و قال صلی الله علیه وآله أيضاً:و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام :ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره. (1)

ص: 371


1- الكافي:148/8-149 ح 129، عنه البحار: 54/ 99 - 100ح8، وقريب منه في:198/57-199 ح1، عن الخصال: 2/ 442 ح34،ولاحظ حديث النبي صلی الله علیه وآله لشمعون بن لاوي في تحف العقول: 24، عنه البحار: 1/ 123 ح 11.
الأثر السادس:حبط الأعمال وزوال الرحمة

1-[المجلسي في البحار]،روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له:خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له:عابد بني إسرائيل،و كانت على رأس العابد غمامة تظله.لما مر الخليع به، فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل، كيف أجلس بجنبه؟ وقال العابد: هوخليع بني إسرائيل، كيف يجلس إلى؟ فأنف منه، وقال له: قم عني.

فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان:مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع،و أحبطت عمل العابد.

وفي حديث آخر: فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع.(1)

الأثر السابع: المقت من الله

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]،عن داود الرقي،قال:سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: اتقوا الله، و لا يحسد بعضكم بعضا. إن عیسی ابن مریم علیهما السلام كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير، و كان كثير اللزوم لعیسی علیه السلام،فلما انتهى عيسى إلى البحر،قال:(بسم الله)بصحة يقين منه،فمشى على ظهر الماء. فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسی علیه السلام جازه: (بسم الله) بصحة يقين منه، فمشى على الماء و لحق بعیسی علیه السلام،فدخله العجب بنفسه،فقال: هذا عیسی روح الله يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء، فما فضله علي؟

قال علیه السلام :فرمس في الماء، فاستغاث بعیسی علیه السلام فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت یا قصير؟قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء،و أنا أمشي على الماء، فدخلني من ذلك عجب. فقال له عیسی: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه،

ص: 372


1- البحار: 70/ 198 ذیل ح 1، مرآة العقول:190/10، وروى الكليني بإسناده إلى بعض أصحابنا،عن أحدهما علیهما السلام قال: (دخل رجلان المسجد، أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق،وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها، فتكون فكرته في ذلك، و تكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه،ويستغفر الله عز وجل مما صنع من الذنوب.) الكافي: 2/ 314ح6، عنه البحار:311/69 ح6، وأورده في الوسائل:101/1 ح243، مجموعة ورام: 2/ 206.

فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز و جل مما قلت. قال: فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله،ولا يحسدن بعضكم بعضا.(1)

الباب 7: أثر حديث النفس بالرياسة: استحقاق اللعن

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]،عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل بن بزیع،و غیره رفعوه، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون كل من حدث بها نفسه.(2)

الباب 8:أثر حديث النفس بقتل الناس ظلما: حبط الأعمال الحسنة وعدم إستجابة الدعاء

1 - [ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، فيما أوحى الله إلى داود علیه السلام:من انقطع إلى كفيته، و من سألني أعطيته، و من دعاني أجبته، و إنما أؤخردعوته و هي معلقة و قد استجبتها

حتى يتم قضائي،فإذا تم قضائي أنفذت ما سأل.قل للمظلوم إنما أؤخر دعوتك و قد استجبتها لك على من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك و أنا أحكم الحاكمين،إما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك و لا عليك، و إما أن تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي إلا بظلمه لك لأني أختبر عبادي في أموالهم و أنفسهم.و ربما أمرضت العبد فقلت صلاته و خدمته، و لصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين، و لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه و أحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الإلتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، و ذلك الذي حدثته نفسه: لو ولي أمراً لضرب فيه الأعناق ظلماً.

یا داود،نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس

ص: 373


1- الكافي: 306/2 ح3، عنه البحار:254/14- 255 ح 49، 244/70-245ح3، وعنه أيضا: قصص الجزائري:411.
2- الكافي: 2/ 298 ح4 ، عنه البحار: 151/70 ح5، وعنه أيضا الوسائل: 15/ 351 ح 20712، قال المجلسي قدس سره في بيانه: (من ترأس) أي : ادعى الرئاسة بغير حق، فإن التفعل غالباً يكون للتكلف.

بألسنتهم و قد بسطتها بسط الأديم و ضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار، ثم سلطت عليهم موبخا لهم يقول: يا أهل النار، هذا فلان السليط فاعرفوه. کم ركعة طويلة فيها بكاء بخشيبة قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلاً حين نظرت في قلبه فوجدته إن سلم من الصلاة وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها، وإن عامله مؤمن خانه.(1)

الباب 9: أثر حديث النفس بالظلم: زوال البركة

1-[المجلسي في البحار، نقلا من كتاب الترغيب والترهيب، و عن البيهقي في الشعب]، عن ابن عباس قال: أن ملكا من الملوك خرج يتصيد في مملكته مختفياً من الناس. فنزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة، فحدث الملك نفسه أن يأخذها.

فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها،ثم راحت فحلبت نصف ذلك.فدعا الملك صاحبها فقال: أخبرني عن بقرتك هذه، لم نقص حلابها؟ ألم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس؟ قال: بلى، و لكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوءً، فنقص لبنها. فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم، ذهبت البركة.

قال: فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها ولا يظلم أحداً. قال: فغدت ثم راحت فحلبت حلابها في اليوم الأول، فاعتبر الملك بذلك و عدل و قال: إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة، لا جرم أعدلن و لأكونن على أفضل الحالات.(2)

الباب 10: أثر حديث النفس بالغلو: التوبيخ من الإمام عليه السلام وذمه

1-[الصفار في بصائر الدرجات]،عن خالد بن نجيح الجواز، قال: دخلت على أبي عبد الله علی السلام و عنده خلق،فقنعت رأسي فجلست في ناحية،و قلت في نفسي:ويحكم ما أغفلكم عند من تكلمون؟ عند رب العالمين. قال: فناداني علیه السلام : ويحك يا خالد، إني و الله

ص: 374


1- عدة الداعي: 38، عنه البحار:42/14-43 ح33، وأورده الديلمي في إرشاد القلوب: 1/ 153.
2- البحار: 61/ 113.

عبد مخلوق، لي رب أعبده، إن لم أعبده و الله عذبني بالنار. فقلت: لا و الله لا أقول فيك أبدا إلا قولك في نفسك (1).

2 -[ابن شهر آشوب في المناقب]، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا علیه السلام ، و البيت مملوء من الناس يسألونه، و هو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء، فترك علیه السلام الناس، ثم التفت إلى فقال:يا سلیمان، إن الأئمة حلماء علماء، يحسبهم الجاهل أنبياء، و ليسوا أنبياء.(2)

الباب 11: أثر حديث النفس بتساوي الإمام عليه السلام مع سائر الخلق وبإنكار الإمامة:الندم ووجوب المعذرة وتوبيخ الإمام

1-[الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسي علیه السلام ، وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة، فإذا أنا بالرضا علیه السلام، فأضمرت في قلبي أمراً، فقلت: «أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ » الآية(3)، فمر علیه السلام كالبرق الخاطف علي، فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت:معذرة إلى الله و إليك. فقال علیه السلام: مغفور لك.(4)

أقول، ويلحق بالباب أيضاً:

2 -[ابن شهرآشوب في المناقب]،قال عسکر مولى أبي جعفر علیه السلام :دخلت عليه،فقلت في نفسي: يا سبحان الله ! ما أشد سمرة مولاي و أضوأ جسده.

قال:فو الله ما استممت الكلام في نفسي حتى تطاول و عرض جسده عليه السلام ، و امتلأ به الإيوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه علیه السلام و قد أظلم حتى صار كالليل المظلم، ثم ابيض علیه السلام حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج،ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر، ثم اخضر علیه السلام حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة، ثم

ص: 375


1- بصائرالدرجات: 241 - 242 ح 25، عنه البحار: 341/47ح25.
2- المناقب: 4/ 334، عنه البحار: 57/49ح73، وأورده الشيخ في الأمالي: 600 ح 1-1244.
3- القمر: 24.
4- عيون الأخبار: 2/ 217ح27، عنه البحار: 49/ 38 ح 21 .

تناقص علیه السلام جسمه حتى صار في صورته الأولة، و عاد لونه الأول و سقطت لوجهي مما رأيت.

فصاح علیه السلام بي: يا عسکر، تشکون فننبئکم، و تضعفون فنقويكم، و الله لا وصل إلى

حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا و ارتضاه لنا وليا.(1)

الباب 12: أثر عدم حديث النفس بمتابعة الإمام: الحرمان من البشارة بالخير

تتميم الباب: عدم حديث النفس باتباع الإمام علیه السلام

1-[ابن نما في مثير الأحزان]، قال: رویت بإسنادي أنه - أي الحر الرياحي رضی الله عنه قال للحسين عليه السلام : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي: أبشر یا حر بخير. فالتفت فلم أر أحداً، فقلت: و الله ما هذه بشارة و أنا أسير إلى الحسين علیه السلام و ما أحدث نفسي باتباعك. فقال علیه السلام : لقد أصبت أجراً و خيراً.(2)

الباب 13: أثر حديث النفس بعدم أداء الحقوق: العذاب

1- [الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال ]، حفص بن غیاث، عن الصادق جعفر ابن محمد، عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله : أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذي، يسقون من الحميم في الجحيم، ينادون بالويل و الثبور. يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على مابنا من الأذى؟ فرجل معلق في تابوت من جمر، و رجل يجر أمعاءه، و رجل يسيل فوه قيحا و دما، و رجل يأكل لحمه.

فقيل لصاحب التابوت:ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد قد مات و في عنقه أموال الناس، لم يجد لها في نفسه أداء و لا وفاء. ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين

ص: 376


1- المناقب: 387/4ح30، عنه البحار:55/50ح35، وأورده الطبري في دلائل الإمامة: 214.
2- مثير الأحزان: 59، عنه البحار: 15/45.

أصاب البول من جسده. ثم يقال للذي يسيل فوه قيحا و دما: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يحاكي فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها و يحاكي بها. ثم يقال للذي كان يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة و يمشي بالنميمة.(1)

الباب 14: حديث النفس بالتوبة مع ارتكاب المعصية يوجب الهلاك

1 -[ابن شعبة في تحف العقول]، من الوصية الجامعة لأمير المؤمنين إلى ولده الإمام المجتبی صلوات الله وسلامه عليهما: من الوالد الفان - إلى أن قال علیه السلام:- و اعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، و للفناء لا للبقاء، و للموت لا للحياة، و أنك في منزل قلعة و دار بلغة و طريق إلى الآخرة، أنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه و لا بد أنه يدركك يوما فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فتحول بينك و بين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

أي بني، أكثر ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه و تفضي بعد الموت إليه، و اجعله أمامك حتى يأتيك و قد أخذت منه حذرك، و لا يأخذك على غرتك. وأكثر ذكر الآخرة و ما فيها من النعيم و العذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا و يصغرها عندك، و قد نبأك الله عنها و نعتت لك نفسها و كشفت عن مساويها، فإياك أن تغتر بما تری من إخلاد أهلها إليها و تكالبهم عليها، و إنما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية، يهر بعضها على بعض يأكل عزيزها ذليلها و کبیرها صغيرها،قد أضلت أهلها عن قصد السبيل وسلکت بهم طريق العمى،و أخذت بأبصارهم عن منهج الصواب،فتاهوا في حيرتها،و غرقوا في فتنتها،و اتخذوها ربا..الحديث.(2)

ص: 377


1- الأمالي: 581 ح20،ثواب الأعمال: 247 - 248،عنها البحار:280/8 - 281ح 2، 249/72 ح20، 294/101ح7، وذكره في الوسائل عن ثواب الأعمال أيضا:307/12 -308 ح 16373،وأورده محمد بن الفتال النيشابوري في روضة الواعظين: 2/ 470 والشهيد الثاني في كشف الريبة: 9.
2- تحف العقول: 76، عنه البحار: 227/74ح2.

الباب 15:أثر عدم حديث النفس بالإنتقال من العافية إلى الفقر والخوف والحزن:الحيلولة بين الانسان وبين التضرع إلى الله في دوام العافية

1-[المجلسي في البحار من كتاب العتيق الغروي]،ومن مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه: (اللهم إني أسألك أمورا تفضلت بها على كثير من خلقك من صغير أو كبير من غير مسألة منهم لك، فإن تجد بها علي فمنة من مننك و إلا تفعل فلست ممن يشارك في حكمه و لا يؤامر في خلقه..رب حسنت خلقي و عظمت عافيتي و وسعت علي في رزقي و لم تزل تنقلني من نعمة إلى كرامة،و من كرامة إلى فضل، تجدد لي ذلك في ليلي ونهاري، لا أعرف غير ما أنا فيه، حتى ظننت أن ذلك واجب عليك لي، و أنه لا ينبغي لي أن أكون في غير مرتبتي، لأني لم أدر ما عظيم البلاء فأجد لذة الرخاء، و لم يذلني الفقر فأعرف فضل الأمن، فأصبحت و أمسيت في غفلة ممافيه غيري ممن هو دوني، فكفرت و لم أشكر بلاءك، و لم أشك أن الذي أنا فيه دائم غير زائل عني، لا أحدث نفسي بانتقال عافية و تحویل فقر و لا خوف ولا حزن، في عاجل دنیای و آجل آخرتي، فيحول ذلك بيني و بين التضرع إليك في دوام ذلك لي،مع ما أمرتني به من شكرك، و وعدتني عليه من المزيد من لديك،فسهوت و لهوت و غفلت و أمنت و أشرت و بطرت و تهاونت، حتى جاء التغيير مكان العافية بحلول البلاء و نزل الضر بمنزلة الصحة و بأنواع السقم و الأذى، و أقبل الفقر بإزاء الغني.

فعرفت ما کنت فيه للذي صرت إليه فسألتك مسألة من لا يستوجب أن تسمع له دعوة لعظيم ما كنت فيه من الغفلة، و طلبت طلبه من لا يستحق نجاح الطلبة للذي كنت فيه من اللهو و الفترة، و تضرعت تضرع من لا يستوجب الرحمة لما كنت فيه من الزهو و الاستطالة، فرضيت بما إليه صيرتني و إن كان الضر قد مسني و الفقر قد أذلني و البلاء قد حل بي، فإن يك ذلك من سخط منك فأعوذ بحلمك من سخطك، و إن كنت أردت أن تبلوني فقد عرفت ضعفي و قلة حيلتي إذ قلت تبارکت و تعالیت:«إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًاإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا»(1)و قلت عزيت من قائل:«فَأمَّا

ص: 378


1- المعارج: 19-21.

الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ»(1)وقلت جليت من قائل:«إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ»(2)و قلت سبحانك:«ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ»(3) و قلت عزیت و جليت: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ»(4)و قلت: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ»(5) و قلت: «وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا»(6)، صدقت صدقت يا سيدي و مولاي، هذه صفاتي التي أعرفها من نفسي و قد مضى علمك في يا مولاي..الدعاء). (7)

الباب 16: أثر عدم حديث النفس بالإنتقال من الحال التي لا يرضاها العبد لنفسه إالى الحال التي يرضاها:الحرمان من العقل

1 -[الطبرسي في الإحتجاج]، روي أن زين العابدین علیه السلام مر بالحسن البصري و هو يعظ الناس بمنى، فوقف عليه السلام عليه، ثم قال علیه السلام : أمسك، أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك و بين الله للموت إذا نزل بك غدا؟

قال: لا.قال علیه السلام:أفتحدث نفسك بالتحول والإنتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟

قال: فأطرق مليا، ثم قال: إني أقول ذلك بلا حقيقة.

قال علیه السلام: أفترجو نبيا بعد محمد صل الله علیه وآله يكون لك معه سابقة؟ قال: لا. قال علیه السلام: أفترجو داراً غير الدار التي أنت فيها،تردّ[ترد] إليها فتعمل فيها؟ قال: لا.

ص: 379


1- الفجر: 15-16.
2- العلق: 6-7.
3- النحل: 53.
4- الزمر: 8.
5- يونس: 12.
6- الإسراء: 11
7- البحار: 136/91 - 137، وأورده الراوندي في الدعوات: 175.

قال عليه السلام: أفرأيت أحداً به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنك على حال لا ترضاها، و لا تحدث نفسك بالإنتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، و لا ترجو نبيا بعد محمد صلی الله علیه وآله ، و لا دارا غير الدار التي أنت فيها فترة [فترد] إليها فتعمل فيها، و أنت تعظ الناس. قال: فلما ولى علیه السلام قال الحسن البصري: من هذا؟

قالوا: علي بن الحسين علیه السلام . قال: أهل بيت علم. فما رئي الحسن البصري بعد ذلك

يعظ الناس.(1)

الباب 17:أثر حديث النفس بالمعصية مع العقد عليه: المؤاخذة

1-[فقه الرضا علیه السلام] ، و نروي عنه علیه السلام : أن الله تجاوز لأمتي عما تحدث به أنفسها، إلا ما كان يعقد عليه.(2)

الباب 18: أثر حديث النفس بنفي الحكمة من الخلقة: التوبيخ

1-[المجلسي في البحار، من کتاب حسین بن سعيد و النوادر]، الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعلیه السلام ، قال: سمعته علیه السلام يقول: إن داود النبي صلوات الله عليه كان ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدب حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود،و حدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة؟ فأوحى الله إليها: تكلمي. فقالت له: يا داود،هل سمعت حسي، أو استبنت على الصفا أثري؟ فقال لها داود: لا.

قالت: فإن الله يسمع دبيبي ونفسي وحسي، ويرى أثر مشيي، فاخفض من صوتك.(3)

ص: 380


1- الإحتجاج: 2/ 313، عنه البحار:146/10ح 2، 116/46ح2.
2- فقه الرضا علیه السلام: 385، عنه البحار: 128/69ح13.
3- البحار: 311/90 ح 15، 17/14 ح 29، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 64 ح170.

الباب 19: أثر حديث النفس بإستحقار الذنب: الوقوع في الشرك الخفي

1 -[ابن شهر آشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري،قال:سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل: (ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا).

فقلت في نفسي:إن هذالهو الدقيق!ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره ومن نفسه كل شيء.

فأقبل علي أبو محمد عليه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود.(1)

2-[ابن شعبة في تحف العقول]، عن أبي محمد علیه السلام قال: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: (ليتني لم أؤاخذ إلا بهذا). ثم قال علیه السلام: الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة.(2)

3 -[الصدوق في الخصال]، عن أبيه، بإسناده إلى الفضيل، عن أبي جعفر علیه السلام، قال:من الذنوب التي لا تغفر، قول الرجل: (يا ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا).(3)

بیان:لا ريب أن مفاد الحديث أعم من أن يقول المذنب لغيره: (ياليتني لا أؤاخذ إلا بهذا) أو يقول ذلك في نفسه. ولذا ورد أن من اجترأ على الله بالمعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر.

ففي البحار عن المحاسن: عن عدة من أصحابنا، عن ابن أسباط، عن عمه يعقوب، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: من اجترأ على الله في المعصية و ارتكاب الكبائر فهو کافر، و من نصب دینا غير دين الله فهو مشرك.(4)

ص: 381


1- الغيبة: 207، المناقب: 4/ 439، عنهما البحار: 150/50ح4، 359/70 ح 78، وأورده في إعلام الوری: 374، کشف الغمة: 2/ 420، الخرائج: 2/ 688 إلى قوله: (الليلة الظلماء)، مجموعة ورام:7/2.
2- تحف العقول: 487، عنه البحار: 70/ 358،ح73 وراجع: 75/ 371.
3- الخصال: 1/ 24ح83، عنه البحار: 355/75ح63، الوسائل: 15/ 313ح 20612.
4- المحاسن: 209/1 ح 75، عنه البحار: 359/70ح 79، 69/ 222 ح 9، وأورده عنه أيضا في الوسائل: 308/1 ح60.

فإن الجرأة عمل نفساني يظهر أثره على الجوارح،ومن آثاره قول الرجل باللسان:(ليتي لا أؤاخذ إلا بهذا)، كما أن من آثاره أيضا قول الرجل في نفسه: (ليتي لا أؤاخذ إلا بهذا).

ثم إن ما ذكره الإمام عليه السلام في قوله: (فإن الإشراك في الناس أخفى..)إنما هو بيان لدقة الأمر، وأن إستحقار الذنب والجرأة على الله يوجب الإشراك بالله جلت عظمته، منتهی الأمر بالشرك الخفي.

الباب 20: أثر حديث النفس بالطمع الكاذب: تكذيب العطية

1 - [الآمدي في غرر الحكم]، قال أمير المؤمنين علیه السلام: من حدث نفسه بكاذب الطمع كذبته العطية.(1)

الباب 21: أثر حديث النفس بالحرمان من غفران الله بعد الوقوف بالموقفين: أعظم الناس وزرا

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سأله رجل في المسجد الحرام: من أعظم الناس وزرا؟

فقال علیه السلام: من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة،و سعي بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، و صلى خلف مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم قال في نفسه، أو ظن أن الله لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا.(2)

الباب 22: أثر حديث النفس بالرياء: الهوان عند الناس والذم

1-[المجلسي في البحار، عن أسرار الصلاة]، روي أن رجلا من بني إسرائيل قال: و

ص: 382


1- غرر الحكم: 297ح6698.
2- الكافي: 451/4 ح 7، وأورده في الوسائل عن علي بن إبراهيم: 96/11ح14333.

الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه،لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي، و صائما لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمكث بذلك مدة طويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.

فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير ،فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلانا، الآن أقبل على الخير.(1)

الباب 23 : أثر حديث النفس بعدم إعطاء المهر: صيرورة الزواج زنی

1-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:من تزوج المرأة و لا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زني.(2)

أقول: ويناسب أيضا:

2 -]محمد بن يعقوب في الكافي]، عن أبي عبد الله علیه السلام: من أمهر مهراً ثم لا ينوي

قضاءه كان بمنزلة السارق.(3)

الباب 24: أثر حديث النفس بما لا يريد إفشاءه للآخرين: الفشو والظهور

اشارة

1-[العياشي في تفسيره]، عن بكر بن محمد الأزدي عن عمه عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال علیه السلام: يا عبد السلام، احذر الناس و نفسك. فقلت: بأبي أنت و أمي، أما الناس فقد أقدر على أن أحذرهم، و أما نفسي فكيف؟

قال عليه السلام : إن الخبيث يسترق السمع يجيئك فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي فيقول:

قال عبد السلام.

ص: 383


1- البحار: 68/ 369 ح 20.
2- الكافي:383/5 ح 2، ولاحظ الحديث الذي يليه أيضا، وأورده عنه الوسائل: 226/21ح 27054 و27056.
3- الكافي:383/5ح 1، عنه الوسائل: 226/21ح 27054.

فقلت: بأبي أنت و أمي هذا ما لا حيلة له! قال عليه السلام: هو ذاك.(1)

قال المجلسي قدس سره - بيان: الظاهر أن المراد به ما تلفظ به من معایب الناس و غيرها من الأمور التي يريد إخفاءها فيكون مبالغة في التقية،و يحتمل شموله لما يخطر بالبال فيكون الغرض رفع الاستبعاد عما يخفيه الإنسان عن غيره ثم يسمعه من الناس و هذا كثير، و المراد بالخبيث الشيطان.

نوادر آثار حديث النفس بما لا ينبغي

الباب 25:أثر حديث النفس من زكريا عليه السلام باتهام الناس له: الخوف

1. [تفسير الإمام العسكري علیه السلام]، قال الله تعالى في قصة يحیی علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام:«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(2) يعني لما رأي زكريا علیه السلام عند مريم علیها السلام فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء، و قال لها: « يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3)، و أيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا و إن کن شیخا و كانت امرأتي عاقراً، ف«هُنَالِكَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ »فقال:«رَبَّ هَب لِي مِن لَدُنكَ ذُرِّيَّةَ طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» .

قال الله عز و جل:«فَنَادتهُ الملائِكَهُ»يعني نادت زکریا علیه السلام،«وَ هُوَ قَائِمُ يُصَلِّي فِي المِحرَابِ أنَّ اللهَ يُبَشَّرُكَ بِیَحیَی مُصَدِّقاً بِکَلِمِةٍ مِن اللهِ »قال:«مُصدِّقَاً»بعيسى علیه السلام، يصدق يحيی بعیسی،«وَ سيِّدَاً» ، يعني رئيساً في طاعة الله على أهل طاعته، «وَحَصُورَاً» و هو الذي لا يأتي النساء،«وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(4).

ص: 384


1- تفسير العياشي: 2/ 239 ح3، عنه البحار: 220/60- 221 ح 62، وعنه أيضا تفسير نور الثقلين للحويزي : 4/3، وفي المصدر: (إن الخبيث المسترق السمع).
2- آل عمران: 38.
3- آل عمران: 37.
4- آل عمران: 39.

قال علیه السلام: و كان أول تصدیق یحیی بعیسى أن زکریا کان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم، فإذا نزل أقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب کوة صغيرة يدخل عليها منها الريح،فلما وجد مریم و قد حبلت ساءه ذلك، و قال في نفسه: ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري و قد حبلت و الآن أفتضح في بني إسرائيل، لا يشكون أني أحبلتها.

فجاء إلى امرأته فقال لها ذلك،فقالت: يا زكريا لا تخف،فإن الله لن يصنع بك إلا خيراًو ائتني بمريم أنظر إليها و أسألها عن حالها.فجاء بها زکریا علیه السلام إلى امرأته فكفى الله مریم مؤونة الجواب عن السؤال، فلما دخلت إلى أختها و هي الكبرى و مريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا، فأذن الله ليحيي علیه السلام و هو في بطن أمه فنخس في بطنها (1)و أزعجها و نادي أمه:تدخل إليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيد رجال العالمين،فلا تقومين إليها؟!

فانزعجت و قامت إليها و سجد يحيي علیه السلام و هو في بطن أمه لعيسى ابن مريم، فذلك

أول تصديقه.. الحديث.(2)

الباب 26: تغير توقيع الإمام علیه السلام إثر حديث النفس

1 -[الصدوق في إكمال الدين]،عن محمد بن محمد الخزاعي - رضي الله عنه - قال: حدثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي، عن أبيه قال: ورد على توقيع من الشيخ أبي جعفر، محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداء لم يتقدمه سؤال: («بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ» لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من استحل من مالنا درهما). قال أبو الحسن الأسدي رضی الله عنه: فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل له، فقلت في نفسي: إن ذلك في كل من استحل محرماً، فأي فضل في

ص: 385


1- قال المجلسي قدس سره :بیان:نخسه،أي غرزه بعود أو إصبع أو نحوهما،وفي بعض النسخ: بیده.البحار :187/14 ذیلح36.
2- تفسير الإمام: 659، عنه البحار: 14/ 185- 187 ح36، أقول: لما حدث زکریا علیه السلام نفسه باتهام الناس له أصابه الخوف ولذلك قالت له امرأته : (لا تخف)، وبذلك يظهر أنه لو لم يحدث نفسه بذلك لما كان الخوف يعترضه أو يصيبه.

ذلك للحجة علیه السلام على غيره؟ قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيراً لقد نظرتُ بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي: («بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ»، لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا در هماً حراماً.)

قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي:أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذا

التوقيع حتى نظرنا إليه و قرأناه.(1)

القسم الثالث: آثار حديث النفس بالطاعة وبما ينبغي

الباب 1: أثر حديث النفس بصوم شهر رمضان: دخول الجنة

1-[المجلسي في البحار من كتاب النوادر لفضل الله الراوندي]عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: من صام رمضان ثم حدث نفسه أن يصومه إن عاش فإن مات بين ذلك دخل الجنة.. الحديث.(2)

الباب 2: أثر حديث النفس بالخير:

عود البركة والصحة والسلامة وزوال الأمراض الأنفال:«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(70)

1۔ [محمد بن يعقوب في الكافي] ،علي عن أبيه بإسناده إلى إسماعيل بن جابر، قال:

ص: 386


1- کمال الدين: 2/ 522 ح 51، عنه البحار: 183/53ح 12، و 93/ 185 ح3، وأورده في الخرائج عن الصدوق: 3/ 1118،والإحتجاج: 2/ 480،والوسائل: 541/9ح 12671 .
2- البحار: 93/ 345 ح9، المستدرك : 422/7ح8586 - 3.

كنت فيما بين مكة و المدينة أنا و صاحب لي،فتذاكرنا الأنصار،فقال أحدنا:هم نزاغ من قبائل. و قال أحدنا: هم من أهل اليمن.قال: فانتهينا إلى أبي عبد الله علیه السلام وهو جالس في ظل شجرة، فابتدأ الحديث و لم نسأله فقال: إن تبعا لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا: إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زماناً طويلاً حتى اتخذوا بلادهم حرماً و بنيتهم ربا أو ربة. فقال: إن كان كما تقولون قتلتُ مقاتليهم و سبيتُ ذريتهم و هدمتُ بنيتهم.

قال: فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه.قال: فدعا العلماء و أبناء الأنبياء،فقال:انظروني فأخبروني لما أصابني هذا؟قال:فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم.قالوا:حدثنا بأي شيء حدثت نفسك؟ قال: حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذريتهم و أهدم بنيتهم. فقالوا: إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك. قال: ولم هذا؟ قالوا: لأن البلد حرم الله والبيت بيت الله وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن علیه السلام . فقال: صدقتم، فما مخرجي مما وقعت فيه؟قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك، فعسى الله أن يرد عليك.

قال: فحدث نفسه بخير، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مکانهما. قال: فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم، ثم أتي البيت و كساه و أطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال،و نثرت الأعلاف في الأودية اللوحش،ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان، و هم الأنصار.

و في رواية أخرى: كساه النطاع و طيبه.(1)

الباب 3: أثر حديث النفس بحرمة الكعبة وأهلها: الصحة والسلامة وزوال الأمراض

1- [الطبرسي في مجمع البيان] عن محمد بن إسحاق قال:أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء،فحفر بها بئراً تدعى اليوم ببئر الملك،قال:و بالمدينة إذ ذاك اليهود و الأوس و الخزرج، فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه

ص: 387


1- الكافي: 4/ 215 ح 1، عنه البحار: 522/14ح6.

بالضيافة، فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح،و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي، فقال له أحيحة: أيها الملك، نحن قومك، و قال بنیامین: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت.

قال:ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش.قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحاً قصفت یدیه و رجليه، و شنجت جسده، فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟

قالوا: حدثت نفسك بشيء؟ قال: نعم.و ذکر ما أجمع عليه من هدم البيت و أصابه ما فيه. قالوا: ذاك بيت الله الحرام، و من أراده هلك. قال: ويحكم، و ما المخرج مما دخلت فيه؟

قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له.فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا والمروة و كسا البيت..الخبر.(1)

الباب 4: أثر حديث النفس بزوال النعم وموت الأولاد ونفاد الأموال: طلب الجنة

1-[کتاب الدعوات للراوندي]،عن ربيعة بن کعب قال:قال لي ذات يوم رسول الله صلی الله علیه وآله : يا ربيعة، خدمتني سبع سنين، أفلا تسألني حاجة؟ فقلت: يا رسول الله، أمهلني

حتى أفكر. فلما أصبحت و دخلت عليه صلی الله علیه وآله قال لي: يا ربيعة، هات حاجتك؟

فقلت:تسأل الله أن يدخلني معك الجنة. فقال صلی الله علیه وآله: من علمك هذا؟ فقلت: يا رسول الله، ما علمني أحد لكني فكرت في نفسي و قلت: إن سألته صلی الله علیه وآله مالا كان إلى نفاد، و إن سألته صلی الله علیه وآله عمرا طويلا و أولادا كان عاقبتهم الموت. قال ربيعة: فنكس صلی الله علیه وآله رأسه ساعة ثم قال:أفعل ذلك فأعني بكثرة السجود.(2)

ص: 388


1- مجمع البيان: 396/10 ، عنه البحار: 15/ 133 ذیل ح 71، مرآة العقول: 241/5.
2- الدعوات: 39 ح 95، عنه البحار:86/22-87ح 39، 407/66 - 408 ح117، 326/90 ضمن ح10.

الباب 5: آثار حديث النفس بعظمة أهل البيت علیهم السلام

الأثر الأول: بشارة الإمام علیه السلام والسعادة ودخول الجنة

1 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي هاشم أنه سأله - أي أبا محمد علیه السلام- عن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ »(1) قال علیه السلام: كلهم من آل محمد، الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، و المقتصد: العارف بالإمام، و السابق بالخيرات الإمام.

فجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد صلی الله علیه وآله و بکیت، فنظر علیه السلام إلي و قال: الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد صلی الله علیه وآله، فاحمد الله أن جعلك متمسكاً بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، إنك على خير.(2)

الأثر الثاني: الحشر معهم يوم القيامة

1-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،روي عن أبي هاشم أنه سأله أي أبا محمد علیه السلام- عن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ »(3)قال علیه السلام:كلهم من آل محمد، الظالم لنفسه:الذي لايقر بالإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات الإمام.

فجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد صلی الله علیه وآله و بکیت، فنظر علیه السلام إلي وقال: الأمر أعظم مماحدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد صلی الله علیه وآله، فاحمد الله أن جعلك متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، إنك على خير.(4)

ص: 389


1- فاطر:32.
2- الخرائج والجرائع: 2/ 687،عنه البحار: 50/ 258ح18، ونحوه في كشف الغمة:418/2من کتاب الدلائل للحميري، ونقله عنه في البحار:218/23ح18.
3- فاطر: 32.
4- الخرائج والجرائع: 2/ 687، عنه البحار: 50/ 258 ح 18، ونحوه في كشف الغمة: 2/ 418من كتاب الدلائل للحميري، ونقله عنه في البحار: 218/23 ح18.

الباب 6: آثار محاسبة النفس وتوبيخها والإزراء عليها ولومها والطعن عليها

اشارة

النازعات:«وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ»(41)

الأول: خير من عبادة أربعين سنة وماة سنة وثواب عمل العاملين

1 -[الديلمي في أعلام الدين]،إن رجلا من بني إسرائيل قرب قربانا فلم يتقبل منه،فرجع و هو يقول: يا نفس، من قبلك أتيت.

فنودي: أن مقتك نفسك خير من عبادة مائة سنة.(1)

2 -[الحميري في قرب الإسناد]، ذكر الحسن بن الجهم أنه سمع الرضا علیه السلام يقول: إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله تبارك وتعالى أربعين سنة فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما أتيت إلا من و لا أكديت إلا لک. فأوحى الله تبارك و تعالى إليه:ذمك نفسك أفضل من عبادة أربعين سنة.(2)

3-[محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عنهم علیه السلام قال: فيها وعظ الله عز وجل به عیسی - إلى أن قال علیه السلام:- یاعیسی، حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون أولئك يؤتون أجرهم و أنا خير المؤتين.. الخبر.(3)

الثاني: لا يناقشه الله في شيء من الذنوب

1-[تفسير الإمام علیه السلام]، قال أمير المؤمنين عليه السلام :«يَوم الدِّين »هو يوم الحساب،

ص: 390


1- أعلام الدين: 264.
2- قرب الإسناد: 174، عنه البحار: 228/68ح 1، وأورده في الكافي: 2/ 373، عنه البحار: 68/ 234 ح 15، وفيه بدل : (لا أكديت إلا لك) : وما الذنب إلا لك، ذكره أيضا في مشكاة الأنوار: 245، عنه المستدرك: 11/ 253ح12913 - 2.
3- الكافي: 8/ 136ح 103، عنه البحار: 14/ 294 ضمن ح13، وأورده في أعلام الدين: 231، مجموعة ورام: 2/ 143.

وقال علیه السلام: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: ألا أنبئكم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقاء؟

قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلی الله علیه وآله : أكيس الكيسين من حاسب نفسه و عمل لما بعد الموت، و أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواه و تمنى على الله الأماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، و كيف يحاسب الرجل نفسه؟

قال علیه السلام : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه و قال: يا نفس، إن هذا يوم مضى عليک لا يعود إليك أبدا، و الله سائلك عنه فيما أفنيتيه، فما الذي عملت فيه؟ أذكرت الله أم حمدتيه؟ أقضيت حق أخ مؤمن؟ أنفست عنه كربته؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله و ولده؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهک؟ أأعنت مسلماً؟ ما الذي صنعت فيه؟

فيذكر ما كان منه،فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله عز و جل و كبره على توفيقه،و إن ذکر معصية أو تقصيراً استغفر الله عز و جل و عزم على ترك معاودته و محا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين و عرض بيعة أمير المؤمنين على نفسه و قبولها و إعادة لعن شانئيه و أعدائه ودافعيه عن حقوقه، فإذا فعل ذلك قال الله عز و جل: لست أناقشك في شيء من الذنوب مع موالاتك أوليائي و معاداتك أعدائي.(1)

الثالث: مباهاة الله به الملائكة واستجابة الدعاء له

1. [الصدوق في الأمالي]، عن ليث بن أبي سليم قال: سمعت رجلا من الأنصار يقول: بينما رسول الله صلی الله علیه وآله مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر إذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء، يكوي ظهره مرة و بطنه مرة و جبهته مرة، و يقول: یانفس ذوقي، فما عند الله عز و جل أعظم مما صنعت بک، و رسول الله صلی الله علیه وآله ينظر إلى ما يصنع.

ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل،فأومأ إليه النبي صلی الله علیه وآله بيده و دعاه فقال له: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟

فقال الرجل:حملني على ذلك مخافة الله عز وجل،و قلت لنفسي: يا نفس ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك.

ص: 391


1- تفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام: 38، عنه البحار: 69/67- 70، 89/ 249 - 250 ح49، وأورده في تأويل الآيات الظاهرة: 27 - 28، مجموعة ورام: 2/ 94 - 95.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: لقد خفت ربك حق مخافته، فإن ربك ليباهي بك أهل السماء. ثم قال صلی الله علیه وآله لأصحابه: یا معاشر من حضر، ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم، فدنوا منه فدعا لهم و قال لهم: اللهم اجمع أمرنا على الهدی و اجعل التقوی زادنا و الجنة مآبنا.(1)

الرابع: المغفرة والرحمة

ا- [المجلسي في البحار]، روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له:عابد بني إسرائيل، و كانت على رأس العابد غمامة تظله لما مر الخليع به، فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل، كيف أجلس بجنبه؟ وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل،كيف يجلس إلي؟ فأنف منه، و قال له: قم عني.

فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان:مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع، و أحبطت عمل العابد.

وفي حديث آخر: فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع.(2)

الخامس: هون الحساب يوم الحساب

ا. [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، بإسناده في النبوي:يا أبا ذر،حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا، و زن نفسك قبل أن توزن، و تجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية. - إلى أن قال صلی الله علیه وآله: - يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه و من أين مشربه و من أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام. يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب

ص: 392


1- الأمالي للصدوق: 40 3 - 341 ح26 المجلس 54، عنه البحار: 387/67 ح23.
2- البحار: 198/70 ذیل ح 1، مرآة العقول: 190/10، وروى الكليني بإسناده إلى بعض أصحابنا،عن أحدهما علیهما السلام قال: (دخل رجلان المسجد، أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها، فتكون فكرته في ذلك، و تكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه، ويستغفر الله عز وجل مماصنع من الذنوب.)الكافي: 2/ 314ح6، عنه البحار: 311/69ح6، وأورده في الوسائل: 101/1ح243، مجموعة ورام:206/2.

المال لم يبال الله عز و جل من أين أدخله النار.(1)

السادس: الریح

1-[الرضي في نهج البلاغة]، قال أمير المؤمنين علیه السلام: من حاسب نفسه ربح، و من غفل عنها خسر، و من خاف أمن، و من اعتبر أبصر، و من أبصر فهم، و من فهم علم،وصديق الجاهل في تعب.(2)

أقول: روي الحديث أيضا عن الرضا صلوات الله عليه.(3)

السابع: معرفة العجز فی النفس ووجدان الفقر إلى الله تعالی

1-[علي بن يوسف الحلي في العدد القوية]،قال الثمالي:حدثني إبراهيم بن محمد قال:سمعت علي بن الحسين علیهما السلام يقول ليلة في مناجاته:- إلى أن قال: -(إلهي خلقت جنتك لمن أطاعك ووعدت فيها ما لا يخطر بالقلوب،ونظرت إلى عملي فرأيته ضعيفاً يامولاي، وحاسبت نفسي فلم أجد أن أقوم بشكر ما أنعمت علي وخلقت ناراً لمن عصاك ووعدت فيها أنكالا وجحيما وعذابا، وقد خفت يا مولاي أن أكون مستوجباً لهالكبير جرأتي وعظيم جرمي و قدیم إساءتي، فلا يتعاظمك ذنب تغفره لي و لا لمن هو أعظم جرمأ مني لصغر خطري في ملكك مع يقيني بك وتوكلي ورجائي لديك، إلهي جعلت لي عدوا يدخل قلبي و يحل محل الرأي و الفكرة مني، و أين الفرار إذا لم يكن منك عون عليه.. الدعاء).(4)

2 -[المجلس في البحار، من كتاب العتيق الغروي]، مناجاة مولانا زین العابدین صلوات الله عليه، إلى أن قال علیه السلام:- (إلهي، أمن أهل الشقاوة خلقتني فأطيل بكائي، أم

ص: 393


1- مكارم الأخلاق: 465، الأمالي للشيخ: 533، البحار: 84/74ح3، الوسائل: 98/16ح21080، مجموعة ورام: 2/ 62، ولاحظ: أعلام الوری: 199، أقول: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- نهج البلاغة: الحكمة: 208، عنه البحار73/67 ح27، وعنه أيضا الوسائل: 16/ 97 ح21079، وأورده في خصائص الأئمة: 118، ولاحظ الفقرة الأولى في غررالحكم: 236 ح 4745.
3- العدد القوية من كتاب الذخيرة: 292، عنه البحار: 352/75ج9، وفي العدد أيضا من كتاب الدربدل (علم) : عقل. العدد القوية:299، عنه البحار 355/75ضمن ح9.
4- البحار: 141/91 عن العدد القوية ح 21، ونحوه في ص135.

من أهل السعادة خلقتني فأنشر رجائي؟ إلهي ألوقع مقامع الزبانية ركبت أعضائي أم لشرب الصديد خلقت أمعائي؟ إلهي أنا الذي لا أقطع منك رجائي و لا أخيب منك دعائي،إلهي نظرت إلى عملي فوجدته ضعيفاً، و حاسبت نفسي فوجدتها لا تقوى على شکر نعمة واحدة أنعمتها علي، فكيف أطمع أن أناجيك، فارحمني إذا طاش عقلي و حشرج صدري(1) و أدرجت خلوا في كفني و إن كانت دنت وفاتي و شخوصي إليك فاحشرني مع محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.)(2)

الثامن: صلاح النفس وارتداعها عن الذنوب والأمان من مداهنتها

1-[الآمدي في غرر الحكم]قال أمير المؤمنين علیه السلام : ثمرة المحاسبة صلاح النفس(3).

2 - [الآمدي في غرر الحكم ]قال أمير المؤمنين علیه السلام : من ذم نفسه أصلحها.(4)

3 - [الآمدي في غرر الحكم] قال أمير المؤمنين عليه السلام : من وبخ نفسه على العيوب

ارتعدت [ارتدعت ]عن كثير الذنوب. (5)

4 -[الآمدي في غرر الحكم] قال أمير المؤمنين علیه السلام: من تعاهد نفسه بالمحاسبة أمن فيها المداهنة.(6)

ص: 394


1- الحشرجة: الغرغرة عند الموت وتردد النفس (الجوهري).
2- البحار: 121/91 - 122 ح19، وفي المصدر السابق ص135 في دعاء آخر له علیه السلام : (یا مولاي وحاسبت نفسي فلم أجدني أقوم بشكر ما أنعمت علي وعددت سيئاتي فأصبتها تسترق حسناتي فكيف أطمع أن أنال جنتك بعملي وأنا مرتهن بخطيئتي..الدعاء.)
3- غررالحكم: 236 ح 4736، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
4- غررالحكم: 239 ح 4834، أقول: وفي معاني الأخبار بالإسناد عن رسول الله صلی الله علیه وآله قال : (لذكر الله بالغدو والآصال خير من حطم السيوف في سبيل الله عز وجل، يعني من ذكر الله بالغدو و تذكر ما كان منه في ليله من سوء عمله و استغفر الله و تاب إليه انتشر و قد حطت سيئاته و غفرت ذنوبه، و من ذكر الله بالآصال و هي العشيات، و راجع نفسه فيما كان منه يومه ذلك من سرفه على نفسه و إضاعته لأمر ربه فذكر الله واستغفر الله تعالى وأناب راح إلى أهله وقد غفرت له ذنوبه.)معاني الأخبار:411، عنه البحار:298/83ح 61، 278/90 ح 9، وعنه أيضا الوسائل: 97/16ح21078. وقال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا أويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك و ماکسبت في يومك، و اذكر انك ميت و أن لك معادا.) البحار: 68/ 267 ضمن ح17، 190/73ضمن ح 21.
5- غررالحكم: 239 ح 4832.
6- غررالحكم: 236ح4747، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
التاسع: السعادة

1-[ الآمدي في غرر الحكم]قال أمير المؤمنين عليه السلام:جاهد نفسك،و حاسبها محاسبه الشريك شريکه، و طالبها بحقوق اللله مطالبة الخصم خصمه، فإن أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه. (1)

2 - [الآمدي في غرر الحکم] قال أمير المؤمنين علیه السلام: من حاسب نفسه سعد.(2)

3 - [المحدث النوري في المستدرك من رسالة محاسبة النفس] قال أمير المؤمنين عليه السلام ... وأسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه و طالبها حقوقها بيومه و أمسه.(3)

العاشر: انقياد النفس

1-[المحدث النوري في المستدرك من رسالة محاسبة النفس]قال أمير المؤمنين علیه السلام:قيدوا أنفسكم بمحاسبتها و املكوها بمخالفتها تأمنوا من الله الرهب وتدركوا عنده الرغب،فإن الحازم من قيد نفسه بالمحاسبة و ملكها بالمغالبة،و أسعد الناس من انتدب المحاسبة نفسه و طالبها حقوقها بيومه و أمسه.(4)

2 -[الآمدي في غرر الحكم ]قال أمير المؤمنين علیه السلام: قیدوا أنفسكم بالمحاسبة و

أملكوها بالمخالفة.(5)

الحادي عشر: معرفة عيوبه وإصلاحها

- [الآمدي في غرر الحكم]قال أمير المؤمنين علیه السلام : من حاسب نفسه وقف و أحاط بذنوبه و استقال الذنوب و أصلح العيوب. (6)

ص: 395


1- غررالحكم: 236 ح 4737، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 -5.
2- غررالحكم: 236 ح4744، عنه المستدرك: 154/12ضمن ح 13761 - 5.
3- المستدرك: 12/ 155 ضمن ح13762 -6.
4- المستدرك: 12/ 155 ضمن ح13762 -6.
5- غررالحكم: 236ح4743.
6- غررالحكم: 236 ح 4748، عنه المستدرك: 12/ 154 ضمن ح 13761 - 5.
الثاني عشر: حف الملائكة ونزول السكينة وفتح ابواب السماء واعطاء مقاعد المكرمات

1 -[الرضي في نهج البلاغة]، من كلامه علیه السلام عند تلاوة قوله تعالى:«يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِم تِجارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ»(1)، إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب تسمع به بعد الوقرة و تبصر به بعد العشوة و تنقاد به بعد المعاندة و ما برح لله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة و في أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم و كلمهم فيذات عقولهم - إلى أن قال علیه السلام:- فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة و مجالسهم المشهودة(2)،وقد نشروا دواوين أعمالهم وفرغوا لمحاسبة أنفسهم (3) على كل صغيرة وكبيرة أمروا بها فقصروا عنها، أو هوا [عنها]ففرطوا فيها، وحملوا ثقل أوزارهم على ظهورهم (4)فضعفوا عن الإستقلال بها(5) فنشجوانشيجاً(6) وتجاوبوا حنيناً(7)، يعجون إلى ربهم (8)من مقام ندم واعتراف، لرأيت أعلام هدى ومصابيح دجي قد حفت بهم الملائكة وتنزلت عليهم السكينة (9)وفتحت لهم أبواب السماء وأعدت لهم مقاعد المكرمات - إلى أن قال علیه السلام : فحاسب نفسك لنفسك، فإن غيرها من الأنفس لها

ص: 396


1- النور: 37.
2- المقاوم جمع مقام، وشهده - کسمعه - أي: حضره.(البحار)
3- أي فرغوا عن سائر الأشغال وتركوها لمحاسبة أنفسهم. (البحار)
4- في البحار بدون (على)، وقال المجلسي قدس سره : أي تدبروا في ثقل الآثام والمعاصي وطاقة حملهم فأذعنوا بأن ثقلها يزيد عن قوتهم ولا يطيقون حملها وعذابها.
5- الإستقلال بالشيء الإستبداد والإنفراد به، و (استقل القوم) أي مضوا وارتحلوا، واستقله أي حمله ورفعه. (البحار)
6- نشج الباكي-كضرب-نشيجا أي: غض بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. (البحار)
7- (تجاوبوا) أي: جاوب بعضهم بعضا. وفي البحار بدل (حنيناً) : نحيباً، قال المجلسي قدس سره : أشد البكاء، والظاهر من التجاوب أن نشر الدواوين ومحاسبتهم أنفسهم في مجمعهم ومحضرهم كما هو الظاهر من لفظ التجاوب.
8- عج: أي صاح ورفع صوته. (البحار)
9- قال المجلسي قدس سره: (السكينة) أي: الطمأنينة والمهابة والوقار،ولعل المراد به اليقين الذي تسكن به نفوسهم وتطمئن قلوبهم فلا يتزلزل لشبهة أو لما أصابها من فتنة، كما قال عز وجل:«ومِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ على وَجهِهِ».

1حسیب غيرك(1).(2)

الثالث عشر: يامن ما يرهب ويدرك ما يرغب

1-[الآمدي في غرر الحكم]قال أمير المؤمنين علیه السلام : حاسبوا أنفسكم تأمنوا من الله

الرهب و تدركوا عنده الرغب.(3)

2 - [المحدث النوري في المستدرك من رسالة محاسبة النفس] قال أمير المؤمنين علیه السلام: قیدوا أنفسكم بمحاسبتها و املكوها بمخالفتها تأمنوا من الله الرهب وتدركوا عنده الرغب، فإن الحازم من قيد نفسه بالمحاسبة و ملكها بالمغالبة،و أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه و طالبها حقوقها بيومه و أمسه.(4)

الرابع عشر: يكون في خير

1-[الشيخ في الأمالي]، عن الثمالي قال: كان علي بن الحسين علیهما السلام يقول: ابن آدم، [إنك] لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، و ما كانت المحاسبة من همك، و ما كان

الخوف لك شعاراً و الحزن [الحذر] لك دثاراً.

ابن آدم، إنك ميت و مبعوث و موقوف بين يدي الله عز و جل مسؤول،فأعد[له]جوابا.(5)

ص: 397


1- (الحسيب): المحاسب، والمراد إما أسرع الحاسبين،أو كل احد من المكلفين،فإنه مكلف بأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب في موقف الحساب. (البحار)
2- نهج البلاغة: الخطبة: 222، عنه البحار: 325/66ح39، وعنه أيضا المستدرك:152/12 ح13757 - 1، ولاحظ الفقرة الأخير في غررالحكم: 236 ح 4739.
3- غررالحكم: 236 ح 4738.
4- المستدرك: 12/ 155 ضمن ح13762 - 6.
5- الأمالي: 115 ح176 - 30، عنه البحار: 64/67 ح5، 67/ 382 ح 35، 147/75 ح8، وأورده في السرائر: 593، عنه الوسائل: 96/16ح21076، تحف العقول: 280، عنه البحار:137/75 ضمن ح3، وما بين المعقوفات من التحف، مجالس المفيد: 110 ح10، 337 ح 1 ، روضة الواعظين: 452/2 ، مجموعة ورام: 2/ 181، مشكاة الأنوار: 70، 118، 246 مع بعض التفاوت بين النسخ.
الخامس عشر: يكون مغبوطا

1-[الآمدي في غرر الحكم]قال أمير المؤمنين علیه السلام : ما المغبوط إلا من كانت همته

نفسه، لا يغبها عن محاسبتها و مطالبتها و مجاهدتها.(1)

السادس عشر: يكون من المؤمنين والمتقين

1 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]،بإسناده في النبوي: يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه و من أين مشربه و من أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام. يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز و جل من أين أدخله النار.(2)

2 -[السيد ابن طاووس في محاسبة النفس]، عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله:لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريکه و السيد عبده.(3)

السابع عشر:الإستزادة من الخير والإستغفار من السيئة وعدم الخزي يوم القيامة

ا-[ابن شعبة في تحف العقول]، (من وصية الصادق علیه السلام لعبد الله بن جندب)، یا عبد الله، لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور،فما يقصد فيها إلا أولياءنا،و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا.

ثم قال علیه السلام: آه آه على قلوب حشيت نوراً، و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم و العدو الأعجم، أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا، و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية.

ص: 398


1- غررالحكم: 236 ح 4750، عنه المستدرك: 12/ 154 -155 ضمن ح 13761 - 5.
2- مكارم الأخلاق: 465، الأمالي للشيخ: 533، البحار: 74/ 84 ح3، الوسائل:98/16ح21080، مجموعة ورام: 2/ 62، ولاحظ: أعلام الوری: 199، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
3- محاسبة النفس:13،البحار: 67/ 72 ح 22،ذكره عن فلاح السائل ولم نجده فيه،وذكر الحديث أيضا في الوسائل: 99/16ح21083 عن كتاب محاسبة النفس.

يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها و إن رأي سيئة استغفر منها لئلا يخزی يوم القيامة.. الحديث. (1)

الباب 7: أثر حديث النفس بطلب الدواء والدعاء من الإمام عليه السلام وأخذ العوذة: نيل العوذة والدواء والصحة

1-[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن هشام العباس قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام و أنا أريد أن أسأله أن يعوذني لصداع أصابني و أن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلما دخل سألت عن مسائل فأجابني علیه السلام و نسيت حوائجي، فلما قمت لأخرج و أردت أن أودعه قال علیه السلام لي: اجلس. فجلست بين يديه فوضع يده على رأسي و عوذني ثم دعا بثوبين من ثيابه فدفعهما إلي و قال علیه السلام لي: أحرم فيهما .. الخبر.(2)

2. [الكشي في رجاله]، قال محمد بن الحسن: لقيت من علة عيني شدة، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله أن يدعو لي، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كنت سألته علیه السلام أن يصف لي كحلا أكحلها.

فوقع علیه السلام بخطه يدعو لي بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة، و كتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع الإثمد کافوراً و توتياء، فإنه يجلوما فيها من الغشاء و ييبس الرطوبة. قال: فاستعمل ما أمرني علیه السلام به فصحت و الحمد لله .(3)

3 -[الشيخ في الغيبة]، عن أبي غالب الزراري قال: قدمت من الكوفة و أنا شاب إحدى قدماتي و معي رجل من إخواننا - قد ذهب على أبي عبد الله اسمه - و ذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمة الله و استتاره و نصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني و كان مستقيما لم يظهر منه ما ظهر منه من الكفر و الإلحاد،و كان الناس يقصدونه و يلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم و

ص: 399


1- تحف العقول:301،عنه البحار: 279/75 ح 1،وعنه أيضا المستدرك: 153/12ح13758 - 2، أقول: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 220 ح36، عنه البحار:40/49 ح28.
3- رجال الكشي: 533، عنه البحار: 50/ 299 ضمن ح 73.

بينه في حوائجهم و مهماتهم.

فقال لي صاحبي:هل لك أن تلقى أبا جعفر و تحدث به عهداً فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة، فإني أريد أن أسأله شيئا من الدعاء یکتب به إلى الناحية.قال: فقلت: نعم. فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه و جلسنا، فأقبل على صاحبي فقال: من هذا الفتى معك؟

فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين.فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت؟ فقلت: يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة. فقال: أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر فأقبل عليه صاحبي فقال له: يا سيدنا أريد المكاتبة في شيء من الدعاء فقال: نعم. قال: فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضا مثل ذلك و كنت اعتقدت في نفسي مالم أبده لأحد من خلق الله حال والدة أبي العباس ابني و كانت كثيرة الخلاف و الغضب علي و كانت مني بمنزلة، فقلت في نفسي: أسأل الدعاء لي من أمر قد أهمني و لا أسميه.

فقلت: أطال الله بقاء سیدنا و أنا أسأل حاجة. قال: و ما هي؟ قلت: الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني. قال: فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل فكتب:و الزراري يسأل الدعاء في أمر قد أهمه.

قال:ثم طواه فقمنا و انصرفنا،فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي: ألا نعود إلى أبي جعفرفنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه؟ فمضيت معه و دخلنا عليه فحين جلسنا عنده أخرج الدرج و فيه مسائل كثيرة قد أجيبت في تضاعيفها، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ثم أقبل على و هو يقرأ فقال: و أما الزراري و حال الزوج و الزوجة فأصلح الله ذات بينهما. قال فورد على أمر عظيم و قمنا، فانصرفنا فقال لي: قد ورد عليك هذا الأمر، فقلت: أعجب منه.قال: مثل أي شيء؟ فقلت: لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى و غيري، فقد أخبرني به. فقال: أتشك في أمر الناحية؟ أخبرني الآن ما هو. فأخبرته فعجب منه ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري و كانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلى فاسترضتني و اعتذرت و وافقتني ولم تخالفني حتى فرق الموت بيننا.(1)

4 -[ الطبري في دلائل الإمامة]، عن محمد بن علي الشلمغاني قال: حج إسحاق بن

ص: 400


1- الغيبة:302-304، عنه البحار: 51/ 320 - 322 ح 42.

إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفرعلیه السلام ، قال إسحاق: فأعددت له علیه السلام في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها و كان لي حمل، فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سأله أن يدعو الله لي أن يجعله ذكراً، فلما سألته الناس قمت و الرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلما نظر إلى قال لي: يا أبا يعقوب سمه أحمد. فولد لي ذكر فسميته أحمد فعاش مدة و مات.. الخبر(1)

أقول، ويناسب أيضا:

5 -[ابن شهر آشوب في المناقب]،روی الحسن بن ظريف أنه قال:اختلج في صدري مسألتان و أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد علیه السلام ، فكتبت أسأله عن القائم عج بم يقضي و أين مجلسه،و أردت أن أسأله عن رقية الحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى. فجاء الجواب: سألت عن القائم عج إذا قام، يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود علیه السلام و لا يسأل البينة و كنت أردت أن تسأل عن الحمى الربع فأنسیت فاكتب ورقة و علقها على المحموم:( يَا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلَی ابرَاهِیمَ ) (2)فكتب و علقت على المحموم فبرا.(3)

الباب 8: أثر حديث النفس بالبرء إذا اشتكى عينه (مع تلاوة الذكر):العافية إن شاء الله

1 -[الصدوق في الخصال]، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه عليهم السلام : أن أمير المؤمنين عليه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه و دنیاه، قال عليه السلام - إلى أن قال عليه السلام: - إذا اشتكى أحدكم عينيه فليقرأ آية الكرسي، و ليضمر في نفسه أنها تبرأ، فإنها تعافي إن شاء الله.(4)

ص: 401


1- دلائل الإمامة: 212، عنه البحار: 58/50ح 38.
2- الأنبياء: 69.
3- الخرائج:428/1، المناقب: 4/ 431، عنهما البحار: 50/ 264 ح 24، وعن الخرائج والجرائح 66/92ح46، وأورده في كشف الغمة: 2/ 413، إعلام الوری: 376، وبإسناده في الإرشاد: 331/2، مع الإختلاف في النسخ.
4- الخصال:616/2، عنه البحار: 94/10ح1، ولاحظ:86/92ح 1، 262/89 ح4،وأورده بتمامه في تحف العقول: 106.

الباب 9: أثر حديث النفس بالإخلاص: العزة في أعين الناس والمدح

1-[ المجلسي في البحار،عن أسرار الصلاة]،روي أن رجلا من بني إسرائيل قال:و الله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائماً يصلي، و صائماً لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدة طويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.

فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله.فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلاناً، الآن أقبل على الخير.(1)

الباب10:أثر حديث النفس بعدم قطع الصلاة:حفظ المال ودفاع الله عن المصلي وشؤونه

1 -[الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي عن أبي ذر قال: دخلت على النبي صلی الله علیه وآله يوما فقال صلی الله علیه وآله : ما فعلت غنيماتك؟

قلت: إن لها قصة عجيبة، بينما أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت في نفسي: لا أقطع الصلاة، فأخذ حملا فذهب به و أنا أحس به، إذ أقبل على الذئب أسد فاستنقذ الحمل و رده في القطيع،ثم ناداني: يا أبا ذر، أقبل على صلاتك، فإن الله قد وكلني بغنمك. فلما فرغت قال لي الأسد: امض إلى محمد صلی الله علیه وآله فأخبره أن الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك و وكل أسدا بغنمه. فعجب من حول النبي صلی الله علیه وآله(2).

ص: 402


1- البحار:369/68ح20.
2- الخرائج والجرائح: 503/2- 504، عنه البحار: 414 - 415 ح44، وأورده الراوندي في قصص الأنبياء: 306 ح 376.

الباب 11: أثر حديث النفس بكرم الإمام علیه السلام وعونه والإستعطاء منه والتبرك به: عطاء الإمام ونيل البركة

1- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، الهمداني عن علي بن إبراهيم، عن الريان بن الصلت قال:لما أرد الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا علیه السلام فقلت في نفسي: إذا ودعته سألته قميصاً من ثياب جسده لأكفن به و دراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم. فلما ودعته علیه السلام شغلني البكاء و الأسى على فراقه عن مسألته ذلك، فلما

خرجت من بين يديه علیه السلام صاح بي: یا ریان ارجع. فرجعت فقال لي: أما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك، أوما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتیم؟

فقلت: يا سيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك.فرفع علیه السلام الوسادة و أخرج قميصا فدفعه إلي و رفع جانب المصلى فأخرج دراهم فدفعها إلى فعددتها فكانت ثلاثين درهما.(1)

2 -[الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]،بالإسناد عن أبي محمد الغفاري قال: لزمني دین ثقيل فقل: ما للقضاء غیر سیدی و مولاي أبي الحسن علي بن موسی الرضا علیه السلام. فلما أصبحت أتيت منزله علیه السلام فاستأذنت فأذن لي، فلما دخل قال علیه السلام ابتداء:یابا محمد، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتی بطعام الإفطار فأكلنا فقال علیه السلام : یا با محمد تبيت أو تنصرف؟

فقلت:يا سيدي إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلى. قال: فتناول علیه السلام من تحت البساط قبضة فدفعها إلى فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأول دینار وقع بيدي و رأيت نقشه كان عليه: یا با محمد الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك و أربعة و عشرون لنفقة عيالك.فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار و إذا هي لا ينقص شيئا.(2)

3- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن هشام العباسي قال: دخلت على أبي

ص: 403


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/ 211ح17، عنه البحار: 49/ 35 ح16.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/ 218ح 29، عنه البحار:38/49 ح22.

الحسن الرضاعلیه السلام و أنا أريد أن أسأله أن يعوذني لصداع أصابني و أن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلما دخل سألت عن مسائل فأجابني علیه السلام ونسيت حوائجي، فلما قمت لأخرج و أردت أن أودعه قال علیه السلام: اجلس. فجلست بين يديه فوضع يده على رأسي و عودني ثم دعا بثوبين من ثيابه فدفعهما إلي و قال علیه السلام لي: أحرم فيهما.

قال العباسي:و طلبت بمكة ثوبين سعيديين أهديهما لابني فلم أصب بمكة فيها شيئا على ما أردت فمررت بالمدينة في منصرفي فدخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فلما ودعته و أردت الخروج دعا بثوبين سعيديين على عمل الوشي الذي كنت طلبته فدفعهما إلى وقال: احرم فيها.(1)

4 - [ الراوندي في الخرائج و الجرائح]،روي عن ريان بن الصلت قال دخلت على الرضا علیه السلام بخراسان و قلت في نفسي: أسأله علیه السلام عن هذه الدنانير المضروبةباسمه. فلما دخلت عليه قال عليه السلام: لغلامه إن أبا محمد يشتهي من هذه الدنانر التي عليها اسمي فهلم بثلاثين منها فجاء بها الغلام فأخذتها. ثم قلت في نفسي: ليته علیه السلام كساني من بعض ما عليه، فالتفت علیه السلام إلى غلامه و قال: قل لهم: لا تغسلوا ثيابي و تأتون بها كما هي فأتوا بقميص و سروال و نعل فدفعوها إلي.(2)

5- [ابن شهر آشوب في المناقب]، أحمد بن إسحاق قال: دخلت إلى أبي محمد علیه السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد، فقال علیه السلام : نعم، ثم قال: يا أحمد، إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن.ثم دعا بالدواة، فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ علیه السلام من الكتابة أقبل يحدثني و هو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال علیه السلام: هاك يا أحمد. فناولنيه [فتناولته]. الخبر(3).

6 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،روي عن أبي هاشم قال: كلفني جمالي أن أكلم أبا جعفر علیه السلام له ليدخله في بعض أموره. قال: فدخلت عليه علیه السلام لاكلمه، فوجدته مع جماعة فلم يمكني كلامه. فقال علیه السلام: يا أبا هاشم،کل - و قد وضع الطعام بين يديه علیه السلام - ثم قال ابتداء منه من غير مسألة مني: يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا أبو هاشم فضمه

ص: 404


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/ 220 ح 36، عنه البحار: 49/ 40 ح28.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 767، عنه البحار: 56/49 ح98.
3- المناقب: 4/ 433، عنه البحار: 286/50ضمن ح 60، وأورده بتمامه في الكافي: 1/ 513 ح 27.

إليك.(1)

7 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال: كنت مجاوراً بمكة فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني علیه السلام و أردت أن أسأله عن كسوة یکسونيها فلم يتفق أن أسأله حتى ودعته و أردت الخروج، فقلت: أكتب إليه علیه السلام و أسأله.

قال: فكتب إليه علیه السلام الكتاب فصرت إلى المسجد على أن أصلي ركعتين و أستخير الله مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث و الله بالكتاب بعث و إلا خرقته، ففعلت فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب و خرجت من المدينة. فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل يتخلل القطار و يسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إلى فقال: مولاك بعث إليك بهذا و إذا ملاءتان(2). قال أحمد بن محمد: فقضى الله أني غسلته حين مات فكفنته فيهما.(3)

8-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،روي عن الحسن بن علي الوشاء قال:كنت بالمدينة بالصريا في المشربة مع أبي جعفر علیه السلام فقام و قال:لا تبرح.فقلت في نفسي: کن أردت أن أسأل أبا الحسن الرضاعلیه السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل فإذا عاد إلى أبو جعفر عليه السلام فأسأله. فأرسل إلي من قبل أن أسأله و من قبل أن يعود إلي و أنا في المشربة بقميص وقال الرسول: يقول علیه السلام لك: هذا من ثياب أبي الحسن علیه السلام التي كان يصلي فيها.(4)

9 - [ابن شهرآشوب في المناقب]،عن أبي هاشم قال: ما دخلت قط على أبي الحسن علیه السلام و أبي محمد علیه السلام إلا رأيت منهما دلالة و برهانا،فدخلت على أبي محمد عليه السلام و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرك به، فجلست و أنسيت ما جئت له، فلما أردت النهوض، رمی علیه السلام إلى بخاتم و قال:أردت فضة فأعطيناك خاتماً و ربحت الفض و الكرى [الكراء] هنأك الله.(5)

ص: 405


1- الخرائج: 2/ 664، عنه البحار: 41/50ح6 مع تفاوت يسير مع المصدر.
2- الملاءة - بالضم - : الثوب اللين الرقيق.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 668، عنه البحار: 44/50ح13، وأورده السيد ابن طاووس في فتح الأبواب: 243، عنه البحار: 88/ 279 ضمن ح 28.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 381، عنه البحار: 52/50ح29.
5- المناقب: 4/ 437، عنه البحار: 254/50 ح8، وأورده في الخرائج والجرائع: 2/ 684، ولاحظ اعلام الوری:375 کشف الغمة :421/2 ،الکافی 512/1 ح21 ،و فی آخره:(فقلت :یا سیدی اشهد انک ولی الله و امامی الذی ادین الله بطاعته فقال علیه السلام :غفر الله لک یا ابا هاشم)

10 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روى أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمد عليه السلام ضيق الحبس و شدة القيد، فكتب علیه السلام إلي: أنت تصلي الظهر في منزلك. فأخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي و کنت مضيقا، فأردت أن أطلب منه علیه السلام معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجه علیه السلام إلى بمائة دینار و كتب إلى: إذا كانت لك حاجة فلاتستحي و اطلبها تأتيك على ما تحب أن تأتيك.(1)

11 -[ابن شهر آشوب في المناقب]،قال أبو هاشم:کنت مضيقاً، فأردت أن أطلب منه علیه السلام معونة فاستحييت، فلما صرت إلى منزل في وجه علیه السلام إلى بمائة دينار،و كتب إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم و اطلبها فإنك ترى ما تحب إن شاء الله.(2)

12 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، إسحاق قال: حدثني علي بن زید بن علي بن الحسين بن علي قال:كان لي فرس و کنت به معجباً أكثر ذكره في المحال. فدخلت على أبي محمد عليه السلام يوما، فقال لي: ما فعل فرسك؟ فقلت: هو عندي و هو ذا هو على بابك و عنه

نزلت.

فقال علیه السلام لي: استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتري، و لا تؤخر ذلك. و دخل علينا داخل و انقطع الكلام. فقم متفكراً و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر، فقال: ما أدري ما أقول في هذا. و شححت به و نفست على الناس ببيعه. و أمسينا فأتانا السائس و قد صلينا العتمة فقال: يا مولاي نفق فرسك. فاغتممت و علمت أنه علیه السلام عنى هذا بذلك القول.

قال: ثم دخل على أبي محمد علیه السلام بعد أيام و أنا أقول في نفسي: ليته علیه السلام أخلف علي دابة إذ كنت اغتممت بقوله، فلما جلست قال: نعم، نخلف دابة عليك، ياغلام أعطه

ص: 406


1- الخرائج والجرائح: 1/ 435، عنه البحار: 50/ 267ح27، وأورده في الكافي:508/1 ح10، الإرشاد: 2/ 330 مع بعض الإختلاف، وكذا في إعلام الوری: 372، کشف الغمة: 2/ 412.
2- مناقب آل أبي طالب: 4/ 439، وأورده في الخرائج والجرائح: 1/ 435 (نحوه)، عنهما البحار: 267/50 ضمن ح 27، إعلام الوری: 372، الإرشاد: 2/ 330،الکافی :508/1ح10.

برذوني الكميت، هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمراً.(1)

الباب 12: أثر حديث النفس بالدعاء للإمام علیه السلام

الأثر الأول: دعاء الإمام له واستجابة دعاءه علیه السلام فيه والتوفيق للإيمان

1- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]،حدث جماعة من أهل أصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النضر و أبو جعفر محمد بن علوية، قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي علیه السلام دون غيره من أهل الزمان؟

فقيل:هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته.ثم قال: و يقدر أن المتوكل يحضره للقتل. فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو؟ قال: فأقبل علیه السلام راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعل أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل. فأقبل علیه السلام يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء، فلما صار علیه السلام إلي أقبل بوجهه إلي و قال: استجاب الله دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك.

قال: فارتعدت و وقعت بين أصحابي. فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟ فقلت: خیر، و لم أخبر بذلك. فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي وجوهاً من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوی مالي خارج داري، و رزقت عشرة من الأولاد، و قد بلغت الآن من عمري نيفاً و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه في ولي.(2)

ص: 407


1- الكافي: 1/ 510، ح15، وأورده في المناقب: 430/4- 431، الخرائج والجرائح: 1/ 434، عنهما البحار: 266/50 - 267 ج2، الإرشاد: 2/ 332 - 333، عنه المستدرك: 8/ 256 - 257 ح9388 - 5، إعلام الوری: 371، کشف الغمة: 2/ 413 -414 وذكره في الصراط المستقيم مختصراً: 2/ 207، مع الإختلاف. أقول: قال المجلسي قدس سره في ذيل الخبر: بيان: لعله علیه السلام أمره بالإستبدال لمحض إظهار الإعجاز لعلمه بأنه لا يفعل ذلك، أو يقال: لعله لم يكن يموت عند المشتري أو أنه علیه السلام يعلم أن المشتري يكون من المخالفين.
2- الخرائج والجرائح: 392/1 ، عنه البحار: 141/50ح26.
الأثر الثاني: (مع الدفاع عن الإمام) انكشاف الحجاب عن عينه والعناية الخاصة منه علیه السلام

1- [المحدث النوري في المستدرك من كتاب عبد الملك بن حکیم]، عن بشير النبال قال: كنت على الصفا و أبو عبد الله علیه السلام قائم عليها إذا انحدر و انحدرت في أثره. قال: و أقبل [أبو]الدوانيق على جمازته و معه جنده على خيل و على إبل، فزحموا أبا عبد الله علیه السلام حتى خفت عليه علیه السلام من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي و أكون بينهم و بينه بيدي.

قال: فقلت في نفسي: يارب، عبدك و خير خلقك في أرضك، و هؤلاء شرمن الكلاب قد كانوا يتعبونه.

قال: فالتفت علیه السلام إلي و قال: يا بشير. قلت: لبيك. قال علیه السلام: ارفع طرفك لتنظر.قال: فإذا و الله وافية أعظم مما عسي أن أصفه. قال: فقال علیه السلام : يا بشير، إنا أعطينا ماتری، و لكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا. (1)

الباب 13: أثر حديث النفس بالحذر عند تحذير الإمام عليه السلام : النجاة

1-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،روی أبو القاسم البغدادي،عن زرارة قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام يوم السلام فقال له وزيره: إن في هذا شناعة عليك و سوء قالة فلا تفعل. قال: لا بد من هذا.

قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم حتى لايظن الناس أنك قصدته علیه السلام بهذا دون غيره. ففعل، و مشی علیه السلام و كان الصيف، فوافي الدهليز و قد عرق، قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تجد عليه في قلبك.

فقال: إيها عنك (2)«تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»(3)

قال زرارة: و كان عندي معلم يتشیع و كن كثيراً أمازحه بالرافضي فانصرفت إلى

ص: 408


1- مستدرك الوسائل: 9/ 452 ح11316 - 2.
2- قال المجلسي قدس سره: (إيها عنك) بكسر الهمزة أي : اسكت و کف، و إذا أردت التبعيد قلت : (أيها) بفتح الهمزة بمعنی هیهات.
3- هود: 65.

منزلي وقت العشاء و قلت: تعال یا رافضي حتى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم.

قال لي: و ما سمعت؟ فأخبرته بما قال علیه السلام ، فقال : أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها. قال: إن كان علي بن محمد علیهما السلام قال بما قلت فاحترز و اخزن كل ما تملكه فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام. فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي فخرج، فلما خلوت بنفسي تفکرت و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم و إن لم يكن لم يضرني ذلك.

قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها و فرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل و سلمت أنا و مالي و تشيعت عند ذلك، فصرت إليه علیه السلام و لزمت خدمته و سألته أن يدعو لي و تواليه حق الولاية.(1)

الباب 14: أثر حديث النفس بالإسترشاد من الإمام علیه السلام : الهدى والرشاد

1-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،عن أبي بكر الفهفكي قال: أردت الخروج بسر من رأى لبعض الأمور و قد طال مقامي بها فغدوت يوم الموكب و جلست في شارع أبي قطيعة بن داود إذ طلع أبو محمد علیه السلام برید دار العامة فلما رأيته قلت في نفسي:أقول له: يا سيدي إن كان الخروج عن سر من رأى خيرا فأظهر التبسم في وجهي.

فلما دنا علیه السلام مني تبسما تبسماً جيداً، فخرجت من يومي فأخبرني أصحابنا أن غريما كان له عندي مال قدم يطلبني و لو ظفر بي بيهتكني لأن ماله لم يكن عندي شاهداً(2).

الباب 15: أثر حديث النفس بإقامة عشرة أيام: إتمام الصلاة

1-[الشيخ في التهذيب] عن أبي أيوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا جعفرعلیه السلام - و

ص: 409


1- الخرائج والجرائع: 1/ 399، عنه البحار: 148/50ح 32.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 445، عنه البحار: 273/50ح42.

أنا أسمع - عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال علیه السلام : فليتم الصلاة، فإن لم یدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، و إن أقام يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بن مسلم : بلغني أنك قلت خمساً؟ قال علیه السلام: قد قلت ذلك. قال أبو أيوب:فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال: لا.(1)

2 - [ ابن إدريس الحالي في السرائر]، نقلا من كتاب حریز بن عبد الله قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : أرأيت من قدم بلده متي ينبغي له أن يكون مقصراً و متي ينبغي أن يتم؟

قال علیه السلام: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك فيها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك بها تقول:غدا أخرج و بعد غد، فقصر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تم شهر فأتم الصلاة، و إن أردت أن تخرج من ساعتك فأتم.(2)

الباب 16: أثر حديث النفس بالسفر ليلة الصيام: لزوم الإفطار

1-[ الشيخ في الإستبصار]، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسی علیه السلام، في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال علیه السلام : إذا حدث نفسه بالليل في السفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه.(3)

ص: 410


1- تهذیب الأحکام: 3/ 219 - 220 ح 57، عنه البحار: 86/ 39 ذیل ح13، الإستبصار: 1/ 238 ح3، وأورده في الكافي: 3/ 436 ح3، عنه وعن التهذيب الوسائل: 501/8ح 11286، قال في الوسائل بعد ذكر الحديث:أقول: حمل الشيخ قدس سره حكم الخمسة على من كان بمكة أو المدينة لمايأتي وجوز حمله على الإستحباب، والأقرب الحمل على التقنية لموافقته لكثير من العامة.
2- مستطرفات السرائر: 586، عنه البحار: 38/86ح13.
3- الإستبصار: 2/ 98 ح3، وأورده في التهذيب:228/4ح 33، قال الشيخ قدس سره في التهذيب: (ومتی خرج الإنسان إلى السفر بعدما أصبح، فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار وإن لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم، وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضا الإفطار وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل والذي يدل على ما ذكرناه ..) ثم ذكر عدة أحاديث منها ما ذكرنا.

الفصل الثالث عشر : علم الله وأوليائه بحديث النفس من الخلق واخبارهم بالمضمرات

اشارة

ص: 411

ص: 412

الباب 1:علمه تعالى بما في الضمائر وما في النفوس

البقرة:« وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ» (235)

البقرة:« قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(33)(1)

البقرة:«أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»(77)

آل عمران:« قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(119)

آل عمران«وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(154)

آل عمران:« يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ»(167)

المائدة:«وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(7)

المائدة:«مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ»(99)

المائدة:«وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(116)(2)

ص: 413


1- عن حریز عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال :(لما أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، فقالت الملائكة في أنفسها : ما كنا نظن أن الله خلق خلقا أكرم عليه منا فنحن جيرانه و نحن أقرب خلقه إليه. فقال الله :«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي...أَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَ مَا كُنْتُمْ تَکتُمُونَ» فيما أبدوا من أمر بني الجان و کتموا ما في أنفسهم، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش.) البحار: 148/11.
2- عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السلام في قوله :«تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ اَلْغُيُوبِ»قال علیه السلام:(إن الإسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفا، فاحتجب الرب تبارك و تعالى منها بحرف فمن ثم لا يعلم أحد ما في نفسه عز و جل، أعطى آدم اثنين و سبعين حرفا من الإسم توارثتها الأنبياء علیهم السلام حتى صارت إلى عيسی علیه السلام ، فذلك قول عيسى :« تَعلَمُ مَا فِي نَفسِي»يعني اثنين و سبعين حرفا من الإسم الأكبر، يقول : أنت علمتنيها فأنت تعلمها،«وَلَا أعلَمُ مَا فِي نَفسِكَ»يقول لأنك احتجبت من خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك.) البحار: 200/9 ح60، و عن أبي عبد الله علیه السلام قال : (إن الله عز و جل جعل اسمه الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا فأعطى آدم منها خمسة و عشرین حرفا، و أعطى نوحا منها خمسة وعشرين حرفا، و أعطى منها إبراهيم ثمانية أحرف، و أعطى موسى منها أربعة أحرف، و أعطى عيسى منها حرفين،و كان يحيي بها الموتى و يبرئ بهما الأكمه و الأبرص، و أعطي محمدا صلی الله علیه وآله اثنين و سبعين حرفا و احتجب حرفة لئلا يعلم ما في نفسه و يعلم ما في نفس العباد.) البحار: 4/ 211ح5.

النساء: «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا» (63)

الأنفال:«إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(43)

هود:«أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(5)

هود:«لاَ جَرَمَ ان اللَّهَ يعْلَمُ مايسرُونَ و ما يُعْلِنون انه لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ»(23)

هود:«وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ»(31)

إبراهيم:«رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ»(38)

النحل:«وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ»(19)

الإسراء: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا»(25)

طه:«وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى» (7) (1)

ص: 414


1- عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز و جل :«يَعلَمُ السِّرَّ وَ أخفَی»قال علیه السلام:(«السِّرّ»ما كتمته في نفسك«وَ أخفَى»ما خطر ببالك ثم أنسيته). البحار: 79/4ح2، عن معاني الأخبار: 143 ح1. وعن عبد الله بن المنصور، عن أبيه قال : سألت مولانا أبا الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام عن قوله عز و جل :«ویَعلَمِ السِّرَّ وَ اخفَي»قال : فقال علیه السلام لي : (سألت أبي علیه السلام، قال : سألت جدي علیه السلام، قال : سألت أبي علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : سألت أبي الحسين بن علي علیه السلام، قال : سألت النبي صلی الله علیه وآله عن قول الله عز و جل : «یَعلَمُ السِّرَّ وَ أخفَي» قال صلی الله علیه وآله : سألت الله عز و جل، فأوحي إلي : أني خلقت في قلب آدم عرقين يتحركان بشيء من الهواء، فإن يكن في طاعتي كتب له حسنات و إن يكن في معصيتني لم أكتب عليه شيئا حتى يواقع الخطيئة، فاذكروا الله على ما أعطاكم أيها المؤمنون.) البحار: 68/ 250ح13. وعن الإمام الصادق علیه السلام في مصباح الشريعة : (احفظ آداب الدعاء و انظر من تدعو و كيف تدعو و لماذا تدعو، و حقق عظمة الله و كبرياءه وعاین بقلبك علمه بما في ضميرك و اطلاعه على سرك و ما يكن فيه من الحق و الباطل، و اعرف طرق نجاتك و هلاكك كيلا تدعو الله بشيء منه هلاكك و أنت تظن فيه نجاتك، قال الله عز وجل :«وَ يَدعُ الإنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالَخيرِ وَ كَانَ الإنسَانُ عَجُولاً»و تفکر ما ذا تسأل و كم تسأل و لماذا تسأل و الدعاء استجابة الكل منك للحق و تذويب المهجة في مشاهدة الرب و ترك الاختيار جميعا و تسليم الأمور كلها ظاهراً و باطناً إلى الله، فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة «فإنَّه يَعلَمُ السِّرَّ وَ أخفَى »فلعلك تدعوه بشيء قد علم من سرك خلاف ذلك، قال بعض الصحابة لبعضهم : أنتم تنتظرون المطر بالدعاء و أنا أنتظر الحجر، و اعلم أنه لولم يكن الله أمرنا بالدعاء لكنا إذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالإجابة فكيف و قد ضمن ذلك لمن أتی بشرائط الذعاء؟ و سُئل رسول الله صلی الله علیه وآله عن اسم الله الأعظم؟ قال صلی الله علیه وآله : كل اسم من أسماء الله أعظم ففرغ قلبك من كل ما سواه و ادعه بأي اسم شئت فليس في الحقيقة لله اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهار.) البحار: 90/ 322 ح 36، عن مصباح الشريعة: 132 - 133.

الأنبياء:«إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ»(110)

النور:«وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ»(29)

النمل:«وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ»(74)

القصص:«وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ»(69)

العنكبوت:«أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ»(10)

لقمان: «وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(23)

فاطر:«إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (38)

يس:«فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»(76)

الزمر:« إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(7)

الشورى:«أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(24)

ص: 415

الحديد:«يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6)

الأحزاب:«وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا» (51)

غافر:«يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»(19)

ق:«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(16)

الفتح:«سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»(11)

الفتح: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا»(18)

التغابن:«يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(4)

الملك:«وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(13) «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(14)

الإنشقاق:«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ»(23)

الأعلى: «إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ»(7)

أقول: إن هذه الحقيقة - أن الله يعلم الإسرار والإضمار وما يختلج في كل نفس ويجري في كل خاطر - حقيقة يتذكر إليها كل عاقل ويتفطن لها كل إنسان بأدنى إرشاد وإيقاظ، لأنه لا يمكن أن يكون خالق الخلق غير عالم بجميع شؤونهم وأحوالهم وأفعالهم وخصوصياتهم، كما قال عز من قائل: «وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِأَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(1)، وقال سبحانه:« وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(2)، «وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا»(3) و «أنَّ اللهَ قَد أحَاطَ بِکُلِّ شَيءٍ

ص: 416


1- الملك: 13 - 14.
2- البقرة: 231.
3- النساء: 126.

عِلمَاً»(1)، فأنى للعبد أن يسر سريرة عن الله، والله تعالى هو الذي أقدره على الإسرار؟ وكيف له أن يخفي على الله ما في ضميره وهو الذي مكنه من الإضمار؟

بل إن علم الإنسان بمضمرات نفسه وتوجهه إليها وإخطاره لها لا يمكن إلا بالعلم الذي يمنحه الله تعالى له، ولعل هذا هو معنى قول الإمام في دعائه: (يا من هو أعلم بسريرتي مني بها)(2).

ومن ينقطع إلى الله تمام الإنقطاع - كما إذا أخذ بالبأساء والضراء - حيث لا وسيلة تنجيه ولا أحد يؤويه، فإنه يرى أوضح وأجلى من كل شيء أن الرب العظيم هو أقرب إليه من حبل الوريد وعرق الوتين، فيستغني حتى عن التلفظ بما في روعه بل يناجيه من باطن ضميره و مکنون قلبه، لا سيما إذا سلب القدرة على الكلام، فيتعلق قلبه بالسميع العليم الذي لا يخفى عليه ما تخفي الصدور وتجن القلوب وتبطن الأفئدة، فيخاطبه ويناجيه ويسر إليه من أعماقه، ويشهد بحقيقة إيمانه وعقد عزمات قلبه، ويقول مؤمنا موقنا معترفا مصدقا: يا من يعلم ضمير الصامتين، يا من يعلم مراد المريدين، يا من لا يبعد عن قلوب العارفين، يا من يسمع أنين الواهنين.. يا من يسمع النجوی، ودبيب النمل على الصفا وخفقان الطير في الهواء، و لا تخفى عليه خافية ولا شيء مما أدركته الأسماع والأبصار وما لا تدركه الأسماع والأبصار، و يقول: يا سامع الأصوات اسمع صوتي، ويا مجيب الدعوات أجب دعوتي، ويا راحم العبرات ارحم عبرتي...(3)بل لله عباد ناجاهم الله في فكرهم وذات عقولهم، كما

ص: 417


1- الطلاق: 12، ولا يخفى أن الآيات بهذا المضمون كثيرة، فلاحظ أيضا: البقرة: 29، و 282، النساء: 32، و: 176، المائدة: 97، الأنعام: 101، الأنفال: 75، التوبة: 115، الأنبياء: 81، النور:35، و : 64، العنكبوت: 62، الأحزاب: 40، و: 54، فصلت: 54، الشوری: 12، الفتح:26، الحجرات: 16، الحديد: 3، المجادلة: 7، التغابن: 11.
2- مصباح المتهجد: 238، عنه البحار: 220/83.
3- إليك فيما يلي نزر يسير مما ورد في الأدعية عنهم علیهم السلام بهذا المضمون : (اللهم أنت الحاضر المحیط بمكنونات السرائر و الضمائر) مصباح الكفعمي: 204، (یاعالم السرائر والضمائر) البحار: 88/ 51، (يا من يعلم ما في ضمير الصامتين..) البحار: 83/ 175، (یا من يملك حوائج السائلين و يعلم ضمير الصامتين إنك بكل خير عالم غير معلم) البحار: 87/ 212، (يا من يعلم مراد المریدین يا من يعلم ضمير الصامتين يا من يسمع أنين الواهنين یامن یری بكاء الخائفين..) البحار: 392/91 ، (يا من يملك حوائج السائلين و يعلم ما في ضمير الصامتين و المضمرین..) البحار: 94/ 251، (يا من يملك حوائج السائلين و يعرف ضمير الصامتين..) البحار: 97/ 340، (یا من تملك حوائج السائلين و تعلم ضمير الصامتين صل على محمد و آل محمد و استجب دعائي..) أعلام الدين: 361، (فلا إله إلا أنت، ذل كل عزيز لعزتك وصغرت كل عظمة لعظمتك، لا يفزعك ليل دامس و لا قلب هاجس. ولا جبل باذخ و لا علو شامخ..) البحار: 92/ 446 والبلدالأمين: 389، (اللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي إذا دعوتك واسمع ندائي إذا ناديتك وأقبل على إذا ناجيتك فقد هربت إليك ووقفت بين يديك مستكيناً لك متضرعاً إليك راجياً لما لديك ثوابي وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي وما أريد أن أبدئ به من منطقي واتفوه به من طلبتي وأرجوه لعاقبتي..) البحار: 96/91، (یا عالماً بها في صدور الصامتين صل على محمد و آله الطاهرين..) البحار: 47/95،(یا عالما بما في صدور العالمين [المضمرین] [الصامتين..] الإقبال: 163 ،(یا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور و يجن الضمير و هو اللطيف الخبير ..) المستدرك: 444/7، (یا من يعلم هواجس السرائر و مكامن الضمائر و حقائق الخواطر یا من هو لكل غیب حاضر..) البحار: 82/ 216، (یا من هو أعلم بسريرتي مني بها..) البحار: 220/83، (یا من يعلم خائنة الأعين و خفيات لحظ الجفون و سرائر القلب المكنون و ما كان وما يكون..) البحار: 83/ 314، (يا من يعلم ما في الضمير و ما تكن الصدور..) البحار: 88/ 195، (یا من يعلم علل الحركات و حوادث السكون و لا تخفى عليه عوارض الخطرات في محال الظنون..) البحار: 91/ 171، (یا من يعلم سري و علانيتي ارحم خطيئتي..) البحار:262/94، (و تسمع كلامي و تعلم حاجتي فاكفني ما أهمني من أمر دینی و دنیا وآخرتي..) البحار: 288/97 ، (لا تغشی بصره الظلمة و لا يستتر منه بستر و لا يواري منه جدار و لا يغيب منه بر ولا بحر ولا يكن منه جبل ما في أصله و لا قلب ما فيه و لا جنب ما في قلبه و لا يستتر منه صغير لصغره ..)البحار: 105/95 ، (سبحان الله البصير الذي لا يغيب منه بحر ما في قعره ولا جبل ما في أصله و لا جنب ما في قلبه و لا قلب ما فيه و لایستر منه صغير لصغره و لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) البحار: 289/84.

قال أمير المؤمنين علیه السلام : ..وما برح الله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع والأبصار والأفئدة.(1)

فإن الإخفات والإظهار سيان عند الله تعالى فهو العالم بالسؤال قبل السؤال وبالحاجة قبل إبدائها وبالضمير قبل إظهاره، حسبك من ذلك الحديث التالي:

[المجلسي في البحار من كتاب العتيق الغروي]، مناجاة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام و هي مناجاة الأئمة من ولده علیهم السلام كانوا يدعون بها في شهر شعبان: اللهم

ص: 418


1- البحار: 325/6 ح39، عن النهج خطبة : 222، إرشاد القلوب: 59/1، أقول: وورد في الأخبار أن زوار الحسين علیه السلام ممن يناجيهم الله تعالى، فراجع: كامل الزيارات: 132 ح 2، 152ح 2، کتاب المزار للمفيد: 31 ح 2،ثواب الأعمال: 91، البحار: 24/98ح 21، عن ثواب الأعمال وكامل الزيارات.

صل على محمد و على آل محمد، و اسمع ندائي إذا ناديتك و اسمع دعائي إذا دعوتك و أقبل علي إذا ناجيتك فقد هربت إليك و وقفت بين يديك مستكينا لك متضرعا إليك راجياً لما لديك تراني و تعلم ما في نفسي و تخبر حاجتي و تعرف ضميري و لا يخفى عليك أمر منقلبي و مثواي و ما أريد أن أبدئ به من منطقي و أتفوه به من طلبتي و أرجوه لعاقبة أمري و قد جرت مقاديرك علي يا سيدي فيما يكون مني إلى آخر عمري من سريرتي و علانيتي..الدعاء. (1)

الباب 2: علم النبي والأئمة علیهم السلام بحديث النفس وما يضمر

1 -[الشيخ في الأمالي]،عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين بعد موتهم؟ قلت: يقولون في حواصل طيور خضر. فقال علیه السلام : سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من ذلك، إذا كان ذلك أتاه رسول الله صلی الله علیه وآله و علی و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و معهم ملائكة الله عز و جل المقربون، فإن أنطق الله لسانه بالشهادة له بالتوحيد و للنبي صلی الله علیه وآله بالنبوة و الولاية لأهل البيت علیهم السلام ، شهد على ذلك رسول الله صلی الله علیه وآله و علی و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و الملائكة المقربون معهم، و إن اعتقل لسانه خص الله نبيه صلی الله علیه وآله بعلم ما في قلبه من ذلك فشهد به و شهد على شهادة النبي صلی الله علیه وآله علی و فاطمة و الحسن و الحسين (على جماعتهم من الله أفضل السلام) و من حضر معهم من الملائكة،فإذا قبضه الله إليه صير تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته،فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.(2)

2 -[الصفار في بصائر الدرجات]، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين علیهما السلام قال: قلت له: جعلت فداك، الأئمة يعلمون مايضمر؟ فقال عليه السلام : علمت و الله ما علمت الأنبياء و الرسل. ثم قال علیه السلام : أزيدك؟ قلت: نعم. قال عليه السلام: و تزاد ما لم تزد الأنبياء.(3)

ص: 419


1- البحار: 91/ 97 ح13، إقبال الأعمال: 687.
2- الأمالي: 18ح 2 - 419ح 942 - 90 عنه البحار: 229/6ح 32 (نحوه) وفي الأمالي بدل: خض الله نبيه صلی الله علیه وآله: (فإن نبيه صلی الله علیه وآله يعلم ما في قلبه من ذلك).
3- بصائر الدرجات: 242ح27، عنه البحار: 26/ 55 ح114، 198/26ح9 وفي البحار بدل : (تزاد) : نزاد.

3 - [الصدوق في الأمالي] ، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله : لماعرج بي إلى السماء السابعة، و منها إلى سدرة المنتهي، ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: یا محمد صلی الله علیه وآله، أنت عبدي و أنا ربك، فلي فاخضع و إياي فاعبد و علي فتوكل و بي فثق، فإني قد رضيت بك عبدا و حبيبا و رسولا ونبيا، و بأخيك علي علیه السلام خليفة و بابا، فهو حجتي على عبادي، و إمام لخلقي، به یعرف أوليائي من أعدائي و به يميز حزب الشيطان من حزبي، و به يقام ديني و تحفظ حدودی و تنفذ أحكامي، و بك و به علیه السلام و بالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي، و بالقائم عج منكم أعمر أرضي بتسبيحي و تقديسي و تحليلي

[تهليلي] و تكبيري و تمجيدي، و به أطهر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي، و به أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى و كلمتي العليا، و به أحيي عبادي و بلادي بعلمي، و له أظهر الكنوز و الذخائر بمشيتي، و إياه أظهر على الأسرار و الضمائر بإرادتي و أمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك ولیي حقا ومهدي عبادي صدقاً.(1)

4. [المفيد في الإختصاص]، عن سعد الخفاف، عن أبي جعفرعلیه السلام قال: بينا أمير المؤمنين علیه السلام يوما جالس في المسجد و أصحابه حوله فأتاه رجل من شيعته فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله يعلم أني أدينه بحبك في السر کما أدينه بحبك في العلانية، و أتولاك في السر کما أتولاك في العلانية.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : صدقت، أما فاتخذ للفقر جلباباً، فإن الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي. قال: فولى الرجل و هو يبكي فرحاً لقول أمير المؤمنين علیه السلام: (صدقت). قال رجل من الخوارج يحدث صاحبا له قريبا من أمير المؤمنين فقال أحدهما لصاحبه: تالله إن رأيت كاليوم قط، إنه أتاه رجل فقال له: (صدقت)! فقال له الآخر: أنا ما أنكرت من ذلك، لم يجد بدأ من أن إذا قيل له أحبك أن يقول له: (صدقت). تعلم أني أنا أحبه؟ قال: لا. قال: فأنا أقوم فأقول له مثل مقالة الرجل فيرد على مثل ما رد عليه.

قال: فقام الرجل فقال له مثل مقالة الأول، فنظر علیه السلام إليه مليا ثم قال له: كذبت، لا والله ما تحبني و لا أحبك. قال فبكى الخارجي فقال: يا أمير المؤمنين، لتستقبلني بهذا و

ص: 420


1- الأمالي للصدوق: 631 - 632 ح 4، عنه البحار: 341/18 - 342 ح 49، 128/23 ح58، 65/51- 66 ح3.

لقد علم الله خلافه! ابسط يديك أبايعك. قال علیه السلام : على ما ذا؟ قال: على ما عمل أبو بكر و عمر. قال: فمد يده و قال له: اصفق لعن الله الإثنين، و الله لكأني بك قد قتلت على ضلال و وطئت وجهك دواب العراق، فلا تغرنك قوتك. قال: فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان و خرج الرجل معهم فقتل. (1)

5- [الكشي في رجاله]، الحسين بن بشار، قال: لما مات موسی بن جعفر علیهما السلام خرجت إلى علي بن موسی علیهما السلام غير مؤمن بموت موسی علیه السلام ، و لا مقراً بإمامة علي علیه السلام ، إلا أن في نفسي أن أسأله و أصدقه، فلما صرت إلى المدينة انتهيت إليه عليه السلام و هو بالصوار فاستأذنت عليه و دخلت فأدناني و ألطفني، و أردت أن أسأله عن أبيه علیه السلام فبادرني فقال لي: يا حسين، إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب و تنظر إلى الله من غير حجاب فوال آل محمد صلی الله علیه وآله و وال ولي الأمر منهم. قال: قلت أنظر إلى الله عز و جل؟ قال عليه السلام : إي و الله. قال حسين: فجزمت على موت أبيه و إمامته. ثم قال علیه السلام لي: ما أردت أن أذن لك لشدة الأمر و ضيقه و لكني علمت الأمر الذي أنت عليه. ثم سكت علیه السلام قليلا ثم قال: خبرت بأمرك ؟ قال: قلت له: أجل.(2)

6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد، قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذا أتاه ابن عباس بعد القتال، فقال: إن لي حاجة. فقال علیه السلام : ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم. قال: نعم، أريد أن تؤمنه. قال علیه السلام : آمنته، و لكن اذهب و جئني به، و لا تجئني به إلا رديفاً فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أتبايع؟ قال: نعم و في النفس ما فيها. قال علیه السلام : الله أعلم بما في القلوب. فلما بسط يده ليبايعه أخذ علیه السلام كفه عن كف مروان فنترها، فقال: لا حاجة لي فيها، إنها كفت يهودية، لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته. ثم قال: هيه يا ابن الحكم، خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة، كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان و فلان

ص: 421


1- الإختصاص: 312، بصائر الدرجات: 391 - 392، عنها البحار: 41/ 294 - 295ح17، 257/34-258.
2- رجال الكشي :449، عنه البحار 262/48ح17.

يسومون هذه الأمة خسفة و يسقونه كأسا مصبرة.(1)

بیان: يدل هذا الخبر على علم الإمام عليه السلام بما في القلوب من عدة جهات:

الجهة الأولى: لأنه علیه السلام قال لابن عباس: (ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها..)

الثانية: لأن الإمام علیه السلام كان في صدد الإجابة على مروان بن الحكم الذي ما أراد الإظهار عما في قلبه، فأجابه الإمام بالكناية على أنه لم يخف عليه ما أضمره.

الثالثة: قال عليه السلام : (الله أعلم) ولم يقل: (الله عالم) فبين أنه ثم عالم غير الله.

الرابعة: عندما نتر الإمام عليه السلام يده وقال ما قال فإنه أخبره با یکنه ويبطنه من مكره

وخديعته ونكثه وأنه أراد البيعة لأجل الحفاظ على رقبته.

7 - [ابن طاوس في كتاب التحصين]، من کتاب نور الهدى و المنجي من الردى - أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بالإسناد إلى الوليد بن صالح، عن ابن امرأة زيد ابن أرقم و عن زيد بن أرقم (في خطبة النبي يوم الغدير) - إلى أن قال صلی الله علیه وآله - : و خاتم الأئمة منا القائم المهدي عليه السلام الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون و هادمها، ألا إنه غالب كل قبيلة من الترك و هادیها، ألا إنه المدرك لكل ثار لأولياء الله، ألا إنه ناصر دین الله، ألا إنه المصباح من البحر العميق الواسم لكل ذي فضل بفضله و كل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله و مختاره، ألا إنه وارث کل علم و المحيط بكل فهم.. الحديث.(2)

أقول: إن الأدلة النقلية على هذا المضمون كثيرة جدا ويعسر جمعها جميعا، وسيوافيك بعض إخباراتهم علیهم السلام بحديث النفس و المضمرات من الناس التي بلغت نحو 270 حديثاً، بيد أنا لم نستوف جميع الأخبار، ولا تذهب نفسك إلى استبعاد ذلك فإن الله تعالى قادر على أن يحمل علمه لمن شاء ولو كان أضعف خلقه..

فعن الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: سمعته علیه السلام يقول: إن داود النبي صلوات الله عليه كان ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدب حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود، و حدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة؟ فأوحى الله إليها: تكلمي. فقالت له: يا داود، هل سمعت حسي، أو استبنت على

ص: 422


1- الخرائج والجرائع: 1/ 197، عنه البحار: 32/ 229 ح 181، 41/ 298 ح 26 (نحوه).
2- التحصين لابن طاوس: 589، والعدد القوية: 178.

الصفا أثري؟ فقال لها داود علیه السلام : لا. قالت: فإن الله يسمع دبيبي و نفسي و حسي، و يرى أثرمشي، فاخفض من صوتك.(1)

فإذا جاز تحميل علم ذلك لضعفة الخلق كمثل الدودة، والله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهو عليه هين، فكيف لا يجوز للصفوة من بريته أعني محمداً وآل محمد صلوات الله عليهم الذين استرعاهم أمر خلقه وقرن طاعتهم بطاعته؟ وإذا قال النبي صلی الله علیه وآله في الحديث المشهور: «إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (2)، فما بالك بأئمة المؤمنين وكبراء الصديقين وسادة المتقين وحجج الله على الخلق أجمعين؟

ثم لا يفوتك ما قاله الإمام أبو جعفر الجواد علیه السلام لعمر بن فرج الرخجي حيث قال:

قلت لأبي جعفر علیه السلام : إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء دجلة ووزنه - وكنا على شاطئ دجلة -، فقال علیه السلام لي: يقدر الله تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟

قلت: نعم يقدر. قال عليه السلام : أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه.(3)

إضافة إلى ذلك، فإن طوائف الأخبار التي وردت حول سعة علمهم علیهم السلام وإحاطتهم والتي تشمل وتعم العلم بالمضمرات كثيرة جداً، حتى عقد العلامة المجلسي قدس سره وغيره أبواباً متعددة في مثل أنهم عليهم السلام «عندهم علم الكتاب»(4) الذي نزل «تِبيَانَاً لِكُلِّ شَيءٍ» (5)، وأنهم علیهم السلام« عندهم علم ما كان وما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة»(6)وأنه «لا يجب عنهم علم السماء والأرض»(7)، وأنهم علیهم السلام« يعرفون الناس بحقيقة الإيمان

ص: 423


1- كتاب الزهد للحسين بن سعيد: 64ح170، عنه البحار: 311/90ح 15، 17/14 ح29.
2- في الكافي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله عز وجل :«إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَ سِّمِينَ» قال علیه السلام: هم الأئمة عليهم السلام ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله : اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عز وجل، في قول الله تعالى :«إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ». الكافي:218/1 ح3.
3- البحار:100/50-101 ضمنح12.
4- لاحظ البحار:329/45، باب أنه (أمير المؤمنين عليه السلام ) عنده علم الكتاب وفيه 19 حديثا، وبصائر الدرجات: 212 باب مما عند الأئمة عليهم الصلاة والسلام من اسم الله الأعظم وعلم الكتاب، وفيه 21 حديثاً. ولاحظ أيضا ما ورد في ذيل قوله تعالى:«وَمَن عِندَهُ عِلمُ الكِتَابِ»الرعد43.
5- النحل: 89.
6- الكافي: 260/1، باب أن الأئمة علیهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون و أنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم، وفيه ستة أحاديث.
7- لاحظ البحار: 109/26 باب 6 أنهم علیهم السلام لا یحجب عنهم علم السماء و الأرض والجنة والنار وأنه عرض علیهم ملکوت السماوات و الارض و یعلمون علم ما کان و ما یکون الی یوم القیامة ،وفیه22حدیثاً.

وبحقيقة النفاق»(1)، وأنهم علیهم السلام «إذا شاؤواأن يعلموا علموا »(2)، وأنهم عليهم السلام «خزان الله على علمه»(3)، وأنهم عليهم السلام «لا يحجب عنهم شيء من أحوال شیعتهم و ما تحتاج إليه الأمة من جميع العلوم »(4)، وأن «مستقى العلم من بينهم علیهم السلام»(5) ، ، وأن «عندهم علیهم السلام جميع علوم الملائكة و الأنبياء»(6)، وغيرها من الأحاديث الجمة التي ألمت بها الجوامع الحديثية المعتبرة .

الباب 3: في أنه بتعريف الله والإلهام والفراسة والتوسم يعرف الحجج عليهم السلام بما في النفس

1 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ]، عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسی الرضا علیهما السلام ، و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟

قال علیه السلام: بالنص و الدلائل. قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال علیه السلام : في العلم و استجابة الدعوة. قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟ قال علیه السلام : ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله صلی الله علیه وآله. قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال علیه السلام : أما بلغك قول الرسول صلی الله علیه وآله: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»؟ قال: بلى.

قال علیه السلام: فما من مؤمن إلا و له فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه و مبلغ استبصاره و علمه، و قد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، و قال عز و جل في كتابه:«إنَّ فِي

ص: 424


1- لاحظ البحار: 26/ 117 باب 7 وفيه 40 حديثا.
2- الكافي: 258/1باب أن الأئمة علیهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا، وفيه ثلاثة أحاديث.
3- لاحظ البحار: 26/ 105 باب 5، أنهم علیهم السلام خزان الله على علمه وحملة عرشه، وفيه 14 حديثا.
4- لاحظ البحار: 26/ 137 باب 9.
5- لاحظ البحار: 156/26 باب 11.
6- لاحظ البحار: 159/26باب 12.

ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ »(1). فأول المتوسمين رسول الله صلی الله علیه وآله، ثم أمير المؤمنين علیه السلام من بعده، ثم الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين علیهم السلام إلى يوم القيامة. قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن علیه السلام، زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت.

فقال الرضا عليه السلام : إن الله عز و جل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله صلی الله علیه وآله ، و هي مع الأئمة منا، تسددهم و توفقهم و هو عمود من نور بيننا وبين الله عز و جل.. الخبر(2)

2 - [الصفار في بصائر الدرجات]،عن عبد الرحمن بن كثير قال: قال أبو جعفر علیه السلام يوما و نحن عنده جماعة من الشيعة: قوموا تفرقوا عني مثنى و ثلاث، فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي، فلیسر عبد في نفسه ما شاء فإن الله يعرفنيه(3)

3 - [النيشابوري في روضة الواعظين]، في خبر ولادة أمير المؤمنين علیه السلام ونزول نساء من الجنة لإعانة فاطمة بنت أسد - إلى أن قال:-قال أبو طالب: فأناکنت في استماع قولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله ابن أخي من يدهن و وضع يده في يده و تكلم معه و سأله عن كل شيء، فخاطب محمد صلی الله علیه وآله عليا علیه السلام بأسرار كانت بينهما، ثم غبن النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي: لو عرفت المرأتين الأخريين، فألهم الله عليا علیه السلام فقال: يا أبي، أما المرأة الأولى فكانت حواء و أما التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها، و أما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية بنت مزاحم، و أما صاحبة الجونة فهي أم موسی بن عمران علیه السلام .. الحديث.(4)

4 - [الصدوق في معاني الأخبار وعلل الشرائع]، عن عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد علیهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.

فقال عليه السلام: إن شئت أخبرك بمسألتك قبل أن تسألني، و إن شئت فاسأل. قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، و بأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟ فقال علیه السلام : بالتوسم

ص: 425


1- الحجر: 75.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 200 ح 1، عنه البحار: 25/ 134 ح6.
3- بصائر الدرجات: 420، عنه البحار: 25/ 148 ح 22.
4- روضة الواعظين: 1/ 80، عنه البحار:15/35ح12.

و التفرس، أما سمعت قول الله عز و جل:«إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ»(1)، وقول رسول الله صلی الله علیه وآله: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، فأخبرني بمسألتي. قال علیه السلام : أردت أن تسألني عن رسول الله صلی الله علیه وآله ، لم لم يطق حمله علي علیه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته و شدته و مع ما ظهر منه في قلع باب القوم بخيبر و الرمي به إلى ورائه أربعين ذراعاً و کان لا يطيق حمله أربعون رجلا، و قد كان رسول الله صلی الله علیه وآله یركب الناقة و الفرس و الحمار و ركب البراق ليلة المعراج و كل ذلك دون علي علیه السلام في القوة و الشدة.

قال: فقلت له علیه السلام: عن هذا و الله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، فأخبرني.. الحديث.(2)

5 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال: إني أحبك في السر کما أحبك في العلانية. قال: فنکت أمير المؤمنين علیه السلام بعود كان في يده في الأرض ساعة ثم رفع رأسه فقال: كذبت و الله. ثم أتاه رجل آخر فقال: إني أحبك. فنكت بعود في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال: صدقت، إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله میثاقها يوم أخذ الميثاق فلا يشذ منها شاد ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة.(3)

6 - [ابن شهر آشوب في المناقب]،عن بیان بن نافع التفليسي قال: خلفت والدي مع الحرم في الموسم، و قصد موسی بن جعفر عليهما السلام،فلما أن قربت منه، هممت بالسلام عليه علیه السلام، فأقبل علي بوجهه وقال: بر حجك، يا ابن نافع آجرك الله في أبيك، فإنه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه. فبقيت متحيراً عند قوله، و قد كنت خلفته و ما به علة.

فقال عليه السلام : يا ابن نافع أفلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن.

ص: 426


1- الحجر: 75.
2- علل الشرائع: 1/ 173 - 175 ح 1، معاني الأخبار: 350 - 352 ح 1، عنها البحار: 38/ 79 - 82 ح2 أقول: تمام الحديث في الباب 6، القسم 7، ح 27 من هذا الفصل.
3- مناقب آل أبي طالب: 2/ 260، عنه البحار: 309/41ضمن ح39، وأورده الشيخ في الأمالي بإسناده وبتفصيل أكثر: 409 - 410 ح 921 - 69، عنه البحار: 227/14 ح 36، 26/ 117 - 118 ح1.

فقلت: ما وراكن؟ قلن: أبوك فارق الدنيا. قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عما أخفاه و أراني، فقال لي: أبد ما أخفاه و أراك. ثم قال عليه السلام : يا ابن نافع، إن كان في أمنيتك كذا و كذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله و كلمته الباقية و حجته البالغة.(1)

7 -[الإربلي في كشف الغمة]،من کتاب الدلائل عن أيوب، قال: قال فتح بن یزید الجرجاني: ضمني وأبا الحسن عليه السلام الطريق منصرفي من مكة إلى خراسان، وهو علیه السلام صائر إلى العراق وهو يقول: من اتقى الله يتقی - وساق الخبر، إلى أن قال علیه السلام : - و أما الذي اختلج في صدرك فإن شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً« إلّا مَن ارتَضَى مِن رَسُولٍ»(2)، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، و كل ما اطلع عليه الرسول صلی الله علیه وآله فقد اطلع أوصياؤه علیه السلام علیه کیلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته و جواز عدالته.. الخبر.(3)

8- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله علیه السلام: أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام : والله إني لأحبك - ثلاث مرات -.

فقال علي علیه السلام : و الله ما تحبني. فغضب الرجل فقال: كانك و الله تخبرني ما في نفسي؟ قال له علي عليه السلام : لا، ولكن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فلم أر روحك فيها.(4)

9- [أمين الإسلام في إعلام الوری]،.. ثم كانت غزوة بني النضير، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه وآله مشي إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال : مرحبا بك يا أبا القاسم و أهلا، فجلس رسول الله صلی الله علیه وآله و أصحابه، فقام كأنه يصنع لهم طعاما، وحدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله، فنزل جبرئیل علیه السلام فأخبره بما هم به القوم من الغدر، فقام صلی الله علیه وآله كأنه يقضي حاجة و عرف أنهم لا يقتلون أصحابه و هو حي. فأخذ صلی الله علیه آله الطريق نحو المدينة، فاستقبله بعض أصحاب کعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلی الله علیه وآله،

ص: 427


1- المناقب: 287/4 عنه البحار: 48/ 72 ح99.
2- إشارة إلى قوله تعالى :«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا»الجن: 26 - 27.
3- بصائر الدرجات: 87 - 88، عنه البحار:26/ 120ح7، 179/50ح56، أقول: تمام الخبر في الباب6 ، القسم 11، ح 11.
4- بصائر الدرجات: 88، عنه البحار: 58 / 132 ح3.

فأخبر کعباً بذلك، فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوریا - و كان أعلم اليهود -: إن ربه أطلعه على ما أردتموه من الغدر، و لا يأتيكم و الله أول مايأتيكم إلا رسول محمد صلی الله علیه وآله يأمركم عنه بالجلاء،فأطیعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم و أموالكم، و إلا فإنه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم، فقالوا:هذه أحب إلينا.

قال: أما إن الأولى خير لكم منها، و لولا أني أفضحكم لأسلمت. ثم بعث محمد ابن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل و الجلاء عن ديارهم و أموالهم، و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.(1)

10 -[علي بن إبراهيم القمي في تفسيره]، كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم و بين رسول الله صلی الله علیه وآله عهد و مدة، فنقضوا عهدهم، و كان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلی الله علیه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، و كان قصد کعب بن الأشرف. فلما دخل على كعب قال: مرحبا يا أبا القاسم و أهلا. و قام كأنه يصنع له الطعام، و حدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله و يتبع أصحابه.

فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلی الله علیه وآله إلى المدينة، و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عز و جل قد أخبرني بها هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب.. الخبر.(2)

11 - [الصفار في بصائر الدرجات]، سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، و الله إني لأحبك. قال عليه السلام : ما تفعل. قال: بلى و الله الذي لا إله إلا هو.

قال علیه السلام: و الله الذي لا إله إلا هو ما تحبني. فقال: يا أمير المؤمنين، إني أحلف بالله أني أحبك، و أنت تحلف بالله ما أحبك، و الله كأنك تخبرني أنك أعلم بما في نفسي!

ص: 428


1- إعلام الوری: 88، عنه البحار:163/20ح1.
2- تفسير القمي: 2/ 358، عنه البحار: 169/20ح4 في سبب نزول قوله تعالى:«هُوَ اَلَّذِي أَخْرَجَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِم لِأَوَّلِ اَلْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرجُوا» الحشر:2، أقول: تمام الحديث في الفصل 12، القسم 2، الباب 1، ح 2.

قال: فغضب أمير المؤمنين علیه السلام و إنما كان الحديث العظيم يخرج منه عند الغضب، قال: فرفع علیه السلام يده إلى السماء و قال: كيف يكون ذلك و هو ربنا تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثم عرض علينا المحب من المبغض، فو الله ما رأيتك فيمن أحب، فأين كنت؟ (1)

الباب 4: أن إخبار الحجج علیهم السلام بحديث النفس يوجب اليقين والمعرفة واطمئنان القلب

1. [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أنس، أنه صلی الله علیه وآله قال لرجل اسمه أبو بدر: قل لا إله إلا الله. فسأله حجة. فقال صلی الله علیه وآله : في قلبك من أربعة أشهر كذا وكذا. فصدقه وأسلم.(2)

2 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]،عن أبي هاشم الجعفري قال:سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد (صلوات الله عليه) عن قوله تعالى:«يَمحُوا اللهُ مَايَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أمُّ الكِتَابِ»(3)فقال عليه السلام : هل يمحو إلا ما كان و هل يثبت إلا ما لم يكن؟

فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشيء حتى يكون.فنظر علیه السلام إلي،فقال:تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل کونها.قلت:أشهد أنك حجة الله .(4)

3-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى: «للهِ الأمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ»(5)، فقال علیه السلام: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.

فقلت في نفسي: هذا قول الله:«ألَا لَهُ الَخَلقُ وَ الأمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمينَ»(6). فأقبل علیه السلام على فقال: هو كما أسررت في نفسك،«ألَا لَهُ الَخلقُ وَالأمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ

ص: 429


1- عنه البحار: 138/58ح16.
2- مناقب آل أبي طالب: 1/ 114، عنه البحار: 18/ 138 ضمن ح 39.
3- الرعد: 39.
4- الخرائج والجرائح: 2/ 687، عنه البحار: 90/4 ح50،253/33ح14.
5- الروم: 4.
6- الأعراف: 54.

العَالَمينَ».

قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه.(1)

4-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن الباقر علیه السلام: أن النبي صلی الله علیه وآله صلى يوما بأصحابه الفجر، ثم جلس معهم يحدثهم حتى طلعت الشمس، فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان: أنصاري و ثقفي، فقال لهما رسول الله صلی الله علیه وآله : قد علمت أن لكما حاجة تريدان أن تسألاني عنها، فإن شئتما أخبرتکما بحاجتکما قبل أن تسألاني و إن شئتما فسلاني. قالا: بل تخبرنا یا رسول الله، فإن ذلك أجلى للعمي و أبعد من الارتياب و أثبت للإيمان. فقال النبي صلی الله علیه وآله: أما أنت يا أخا الأنصار .. الخبر.(2)

5-[الطبرسي في مجمع البیان]، قال الزهري: بلغني أن شيبة بن عثمان قال: استدبرت رسول الله صلی الله علیه وآله يوم حنين و أنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان و عثمان بن طلحة، و كانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسوله على ما في نفسي، فالتفت صلی الله علیه وآله إلي و ضرب في صدري و قال: أعيذك بالله يا شيبة. فأرعدت فرائصي فنظرت إليه و هو أحب إلي من سمعي و بصري، فقلت أشهد أنك رسول الله، و أن الله أطلعك على ما في نفسي.(3)

6-[علي بن عيسى في كشف الغمة]،عن محمد بن طلحة، قال: قال خشنام بن حاتم الأصم: قال لي أبي حاتم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتی حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفرداً. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، و الله لأمضين إليه و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: « اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ»(4)، ثم تركني و مضى.

ص: 430


1- الخرائج والجرائح: 2/ 686، عنه البحار: 4/ 115 ح 41، 50/ 257ح13.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 515 - 516، وأورده الصدوق في الأمالي: 549- 550 ح 22، عنه البحار: 3/96- 5 ح3، من لا يحضره الفقيه: 2/ 202 - 203ح2138، ولاحظ قسما منه في روضة الواعظين: 2/ 305، الكافي: 3/ 71 - 72ح7، عنه البحار:128/18 - 129 ح 37، المناقب: 114/1، عنه البحار: 18/ 138 ضمن ح 39، أقول: تمامه في الباب 6، القسم الأول، ح16.
3- مجمع البيان: 5/ 33، عنه البحار: 21/ 181.
4- الحجرات: 12.

فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بما في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا إلا عبد صالح، لألحقته و لأسألنه أن يحللني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب من عيني. فلما نزلنا واقصة و إذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه و أستحله. فصبرت حتى جلس، و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: «وَ إنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَ آمَنَ وَ عَملَ صَالِحاً ثُمَّ اهتَدَى »(1)ثم تركني و مضى. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري مرتين - إلى أن قال: -فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسی بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام . فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.(2)

7 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن البزنطي قال: كنت شاكاً في أبي الحسن الرضا صلوات الله و سلامه عليه، فكتب إليه كتاباً أسأله فيه الإذن عليه و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آیات قد عقدت قلبي عليها.

قال: فأتاني جواب ما كتب به إليه علیه السلام : عافانا الله و إياك، أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول على صعب و هؤلاء قد ضيقوا على ذلك، فلست تقدر عليه الآن و سيكون إن شاء الله. و كتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عن الآيات الثلاث في الكتاب، و لا و الله ما ذكرت له منهن شيئا، و لقد بقيت متعجبا لما ذكر ما في الكتاب و لم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك فوقفت على معنى ما كتب به علیه السلام . (3)

8- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن الحسن بن علي الوشاء قال: کنت کتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن علیه السلام و جمعتها في كتاب مما روي عن آبائه علیهم السلام و غير ذلك، و أحببت أن أتثبت في أمره علیه السلام و أختبره، فحملت الكتاب في كمي و صرت إلى منزله علیه السلام و أردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الكتاب. فجلست ناحية و أنا متفكر في طلب الإذن عليه و بالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا كذلك في الفكرة و

ص: 431


1- طه: 82.
2- کشف الغمة: 2/ 212، عنه البحار: 48/ 80 ح 102 أقول: تمام الخبر في الباب 6، القسم الثامن،ح9.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 212 ح 18 ، عنه البحار: 36/49ح17.

الإحتيال في الدخول عليه إذا أنا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن ابنة إلياس البغدادي؟

فقمت إليه و قلت: أنا الحسن بن علي الوشاء فما حاجتك؟ قال: هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك، فهاك خذه. فأخذته و تنحيت ناحية فقرأته فإذا و الله فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت علیه و ترکت الوقف.(1)

9-[حسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات]،روي عن الحسن بن علي الوشاء، قال: شخصت إلى خراسان و معي حلل وشي للتجارة، فوردت مدينة مرؤ ليلا، و کنت أقول بالوقف على موسی بن جعفر علیهما السلام، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: يقول لك سيدي: وجه إلي بالحبرة التي معك لأكفن بها مولى لنا قد توفي.

فقلت له: و من سيدك؟ قال: علي بن موسی الرضا علیهما السلام. فقلت: ما معي حبرة و لا حلة إلا و قد بعتها في الطريق. فمضى، ثم عاد إلى فقال لي: بلى قد بقيت الحبرة قبلك. فقلت له: إني ما أعلمها معي. فمضى و عاد الثالثة فقال: هي في عرض السفط الفلاني.

فقلت في نفسي: إن صح قوله فهي دلالة، و كانت ابنتي قد دفعت إلى حبرة (2)و قال [قالت]: ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج و السبج من خراسان (3)و نسيتها، فقلت لغلامي: هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إلي و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه، فدفعتها إليه و قلت: لا آخذ لها ثمنا.

فعاد إلي و قال: تهدي ما ليس لك، دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فیروزجا و سبجاً، فابتع لها هذا ما سألت، و وجه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان، فعجبت مما ورد علي، و قلت: و الله لأكتبن له مسائل أناشاك فيها و لأمتحننه بمسائل سئل أبوه عليه السلام عنها.

فأثبت تلك المسائل في درج و عدت إلى بابه و المسائل في كمي و معي صديق لي مخالف لا يعلم شرح هذا الأمر، فلما وافيت بابه علیه السلام رأيت العرب و القواد و الجند يدخلون إليه

ص: 432


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 228 - 229 ح 1، عنه البحار: 44/49ح 37.
2- الحبرة: ثوب يصنع باليمن (مجمع البحرین).
3- قال الخليل في العين: السبجة: ثوب من بعض ما يلبسه الطيانون، له جيب. وفي دلائل الإمامة في الموضعين: (و شیح) بدل (السبج)، وهو من حلي النساء.

فجلست ناحيةداره و قلت في نفسي: متي أنا أصل إلى هذا؟ و أنا متفکر و قد طال قعودي و هممت بالانصراف إذ خرج خادم يتصفح الوجوه و يقول: أين ابن ابنة إلياس؟

فقلت: ها أنا ذا. فأخرج من كمه درجأ وقال: هذا جواب مسائلك و تفسيرها. ففتحته و إذا فيه المسائل التي في كمي و جوابها و تفسيرها، فقلت: أشهد الله و رسوله صلی الله علیه وآله على نفسي أنك حجة الله و أستغفر الله و أتوب إليه، و قمت، فقال لي رفيقي: إلى أين تسرع؟ فقلت: قد قضيت حاجتي في هذا الوقت وأنا أعود للقائه علیه السلام بعد هذا.(1)

10 - [الإربلي في كشف الغمة]،عن قاسم بن عبد الرحمن و كان زيديا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ماهذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظرن إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: يا قاسم بن عبد الرحمن،« أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(2)

فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل علیه السلام إلى فقال:«أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(3)

قال: فانصرفت و قلت بالامامة، وشهدت أنه حجة الله على خلقه و اعتقدت.(4)

11 - [ابن طاووس في كتاب النجوم]، التلعکبري قال: حدثنا محمد بن هارون: قال أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلاء صاعد النصراني لأسمع منه ما روي عن أبيه من حدیث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري علیهما السلام، فأوصلني إليه فرأيت رجلا معظما و أعلمته السبب في قصدي، فأدناني و قال: حدثني أبي أنه خرج و إخوته و جماعة من أهله من البصرة إلى سر من رأي للظلامة من العامل فإذا بسر من رأى في بعض الأيام إذا بمولانا أبي محمد علیه السلام على بغلة و على رأسه شاشة و على كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب؟ و قلت: إن كان الأمر على هذا فيحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل علیه السلام ذلك. فقلت: هذا اتفاق، و لكنه سيحول طيلسانه

ص: 433


1- عيون المعجزات: 111، عنه البحار: 69/49ح093
2- القمر:24.
3- القمر: 25.
4- کشف الغمة: 2/ 363، عنه البحار: 64/50ضمن ح44.

الأيمن إلى الأيسر و الأيسر إلى الأيمن، ففعل علیه السلام ذلك و هو يسير و قد وصل إلى فقال: یا صاعد، لم لا تشغل بأكل حيتانك [حيدانك]عما لا أنت منه ولا إليه؟ وكنا نأكل سمكا.

هذا لفظة حديثه نقلناه كما رأيناه و رويناه، و من عرف كيف عرفناه كان كمن شاهد ذلك و سمعه و رآه. و أسلم صاعد بن مخلد و كان وزيرا للمعتمد. (1)

12 -[الإربلي في كشف الغمة]، من کتاب الدلائل، عن علي بن محمد بن الحسن قال: وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا و كنت معهم، و خرج السلطان إلى صاحب البصرة فخرجنا لننظر إلى أبي محمد علیه السلام ، فنظرنا إليه ماضياً معه، و قعدنا بين الحائطين بسر من رأى ننظر رجوعه علیه السلام ، فرجع فلما حاذانا و قرب منا وقف و مد يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه و أمسكها بيده و أمر يده الأخرى على رأسه و ضحك في وجه رجل منا.

فقال الرجل مبادراً: أشهد أنك حجة الله و خيرته. فقلنا: يا هذا، ما شأنك؟ قال: کنت شاكا فيه علیه السلام ، فقلت في نفسي: إن رجع و أخذ القلنسوة عن رأسه قلت بإمامته.(2)

13 -[المجلسی في البحار من کتاب مجموع الدعوات للتلعکبري]، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي، قال: كن رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، و كان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام ما أستهزئ به و لا أقبله. فدعتني الحال إلى دخول سر من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلما كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح، و ركب أبو الحسن علیه السلام في زي الشتاء و عليه لبادة برنس و على سرجه تجفاف طويل، و قد عقد ذنب دابته و الناس يهزءون به و هو يقول: «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(3). فلما توسطوا الصحراء و جازوا بين الحائطين ارتفعت سحابة و أرخت السماء عزاليها و خاضت الدواب إلى ركبها في الطين و لوثتهم ذنابها، فرجعوا في أقبح زي و رجع أبو الحسن علیه السلام في أحسن زي و لم يصبه شيء مما أصابهم. فقلت: إن كان الله عز و جل أطلعه على هذا السر فهو حجة، و جعلت في نفسي أن أسأله عن عرق الجنب، فقلت: إن هو علیه السلام أخذ البرنس عن رأسه و

ص: 434


1- فرج المهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم: 236 - 237، عنه البحار: 281/50ح57.
2- کشف الغمة: 425/2 - 426،عنه البحار: 50/ 294 ح 68، وأورده في الخرائج والجرائح:444/1 ، ولاحظ الصراط المستقیم: 2/ 208.
3- هود: 81.

جعله على قربوس سرجه ثلاثاً فهو حجة. ثم إنه علیه السلام لجأ إلى بعض السقائف فلما قرب نحى البرنس و جعله على قربوس سرجه ثلاث مرات، ثم التفت علیه السلام إلى وقال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام. فصدقته علیه السلام و قلت بفضله و لزمته.. الخبر.(1)

14 -[الطبري في دلائل الإمامة]،عن عبد الله بن عامر الطائي قال: حدثنا جماعة ممن حضر العسكر بسر من رأى، قالوا: شهدنا هذا الحديث، قال أبو طالب، وهو ما حدثني به مقبل الديلمي: كان رجل بالكوفة يقول بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد، فقال له صاحب له - يميل إلى ناحيتنا و أمرنا -: لا تقل بإمامة عبد الله فإنها باطل و قل الحق.

قال: وما الحق حتى أتبعه؟ قال: إمامة موسی بن جعفر عليهما السلام و من بعده. فقال الفطحي: و من الإمام اليوم؟ قال: علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام . قال: فهل من دلیل؟ قال: نعم، أضمر في نفسك ما شئت و الق عليا علیه السلام بسر من رأى یخبرك به. فقال: نعم، فخرجا إلى العسكر فقصدا شارع أبي أحمد فأخبرنا أن أبا الحسن عليه السلام ركب إلى دار المتوكل فجلسا ينتظران. فقال الفطحي لصاحبه: إن كان صاحبك هذا إماما فإنه حين يرجع و يراني يعلم ما قصدته فيخبرني من غير أن أسأله.

فوقفا إلى أن عاد أبو الحسن علیه السلام فجاء و بين يديه الشاكرية و خلفه الركبة يشيعونه إلى داره، فلما بلغ علیه السلام الموضع الذي فيه الرجلان التفت إلى الفطحي وتفل بشيء من فيه في صدر الفطحي كأنه غرقي البيض فالتصق بصدر الرجل كمثل دارة الدرهم، و فيه مکتوب بخضرة: ما كان عبد الله هناك ولا هو بذلك.

فقرأه الناس و قالوا: ما هذا؟ فأخبرهم و صاحبه بقصتهما فحثا التراب على رأسه وقال: تبا لما كنت عليه قبل يومي، والحمد لله الذي هداني. وقال بإمامة أبي الحسن علیه السلام.(2)

الباب 5: إخبار الله بأحاديث النفس والمضمرات

التوبة:«يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ

ص: 435


1- عنه البحار:142/87-143.
2- دلائل الإمامة: 219-220.

اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ»(64)

العاديات:«وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ»(10)

الطارق:«يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»(9)

يوسف:«وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ»(89)

يس:«قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ»(26)«بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» (27)

الإنسان:«إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»(9) «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»(10)(1)

الأحزاب:«وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ»(37)

المائدة:«فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ»(31)

المجادلة:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(8)

الكهف:«وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا»(42)

البقرة:«أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ

ص: 436


1- في البحار عن أمالي الصدوق، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال في ذيل الآية: (.. و الله ما قالوا هذا لهم و لكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم يقولون : لا نريد جزاء تکافوننا به و لا شكوراً تثنون علينا به، و لكن إنما أطعمناکم لوجه الله و طلب ثوابه، قال الله تعالى ذكره:«فَوَقَاهُم اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَومِ وَ لَقَّاهُم نَضرَةً» في الوجوه «وَسُرُورَاً»في القلوب«وَ جَزَاهُم بّمَا صَبَرُوا جَنَّةً»يسكنونها «وَحَرِيرَاً»يفترشونه و يلبسونه..)البحار:240/35ح 1، الأمالي:261ح11، ولاحظ روضة الواعظين:163/1 .

قَدِيرٌ»(209)

مریم:«فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا»(23)(1)

1 -[العياشي في تفسيره]، عن حریز عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنا نظن أن الله خلق خلقة أكرم عليه منا، فنحن جيرانه و نحن أقرب خلقه إليه.

فقال الله:«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّ..أَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(2)فيما أبدوا من أمر بني الجان و کتموا ما في أنفسهم، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش.(3)

2 - [ابن شهر آشوب في متشابه القرآن]،رآی رجل تناثر الأوراق، فهجس في خاطره:هل يعلم الله عددها؟ فنزل:«ألَا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الَخبِيرُ».(4)

3-[الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ومعاني الأخبار]، بإسناده إلى الهروي، قال قلت للرضا علیه السلام : يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها العنب، و منهم من يروي أنها شجرة الحسد.

فقال علیه السلام : كل ذلك حق. قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟

فقال علیه السلام : يا أبا الصلت، إن شجر الجنة تحمل أنواعاً، فكانت شجرة الحنطة، و فيها عنب، و لیست کشجر الدنيا. و إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشرة أفضل مني؟ فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه، فناداه: ارفع رأسك يا آدم، فانظر إلى ساق عرشي. فرفع آدم علیه السلام رأسه، فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد صلی الله علیه وآله رسول الله، علي بن أبي طالب

ص: 437


1- البحار عن تفسير القمي في ذيل الآية: (ماذا أقول لخالي و ماذا أقول لبني إسرائيل فناداها عیسی علیه السلام من تحتها «الّا تَحزَنِي قَد جَعَلَ رَبُّکَ تَحتَکِ سَرِیًّا» أي نهراً« وَ هُزِّي إلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ»أي حركي النخلة «تُسَاقِط عَلَيکِ رُطَبَاً جَنِيّاً».
2- البقرة: 33.
3- تفسير العياشي: 1/ 33 ح14، عنه البحار: 148/11.
4- متشابه القرآن: 1/ 54، والآية : الملك : 14.

أمير المؤمنين، و زوجه[زوجته] فاطمة سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة.

فقال آدم علیه السلام : يا رب، من هؤلاء؟ فقال عز و جل: من ذريتك، و هم خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و النار، و لا السماء و الأرض. فإياك أن تنظر إليهم علیه السلام بعين الحسد فأخرجك عن جواري. فنظر إليهم بعين الحسد(1)، و تمنی منزلتهم، فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد،حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم،فأخرجهما الله عز و جل عن جنته، و أهبطهما عن جواره إلى الأرض.(2)

4 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، فيما أوحى الله إلى داود علیه السلام : .. و لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه و أحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الإلتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، و ذلك الذي حدثته نفسه: لو ولي أمراً لضرب فيه الأعناق ظلماً.. الخبر.(3)

5. [المجلسي في البحار من كتاب إرشاد القلوب للديلمي]، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: أن النبي صلی الله علیه وآله سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب، أي الأعمال أفضل؟ فقال الله عز و جل: ليس شيء عندي أفضل من التوكل علي و الرضا بما قسمت- إلى أن قال تعالى: - و إن أهل الآخرة قلوبهم في أجوافهم قد قرحت، يقولون: متی نستريح من دار الفناء إلى دار البقاء. يا أحمد، هل تعرف ما للزاهدين عندي في الآخرة؟ قال صلی الله علیه السلام: لا يا رب.قال:یبعث الخلق و يناقشون بالحساب و هم من ذلك آمنون.. الحديث.(4)

أقول: ذكرنا جملة من الآيات التي تتضمن الإخبار بما في النفوس يوم القيامة وعند

ص: 438


1- قال المجلسي قدس سره: (لعل المراد بنظر الحسد تمني أحوالهم والوصول إلى منازلهم، وكان ذلك منهما ترك الأولى، لأنه مع العلم بأن الله تعالى فضلهم عليهما، كان ينبغي أن يكونا في مقام الرضا والتسليم، وأن لا يتمنيا درجاتهم صلوات الله عليهم.) وقال في موضع آخر من البحار : المراد بالحسد : الغبطة التي لم تكن تنبغي له علیه السلام ، ويؤيده قوله علیه السلام: (وتمنی منزلتهم علیهم السلام).
2- معاني الأخبار: 124 - 125 ح 1، عيون الأخبار:306/1 - 307ح 67، عنهما البحار:164/11ح9، 362/16ح62، 273/26ح 15، وأورده عن الصدوق أيضا: الجزائري في القصص: 39.
3- عدة الداعي: 38، عنه البحار: 42/14 - 43 ح33، وأورده الديلمي في إرشاد القلوب: 1/ 153.
4- البحار:24/74 ح6 ، أقول: أورد الديلمي الحديث المذكور في إرشاد القلوب: 1/ 199 - 206 إلا أننا لم نجد الفقرة المشار إليها فيه ولعله سقط من النسخة المتداولة.

الموت في فصل: (حديث النفس في الآخرة وعند الموت) فراجع، ثم اعلم أن الأحاديث في هذا الباب تشمل إخبارات الله وأوليائه بالضمائر سواء كانت على نحو المباشرة أو ضمنياً في مطاوي قصة أو خبر، كما أنها تشمل كل إضمارات القلوب سواء كانت حدیث النفس أو كحب أو بغض أو ضغينة أو ود وما إلى ذلك.

الباب 6: إخبار النبي والأئمة والأولياء باحاديث النفس والمضمرات

اشارة

1 -[ المجلسي في البحار، من كتاب أسرار الصلاة]، روي أن رجلا من بني إسرائيل قال: والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها. فكان أول داخل في المسجد و آخر خارج منه، لا يراه أحد حين الصلاة إلا قائماً يصلّي، و صائماً لا يفطر، و يجلس إلى حلق الذكر. فمکث بذلك مدة طويلة، و كان لا يمر بقوم إلا قالوا: فعل الله بهذا المرائي و صنع.

فأقبل على نفسه و قال: أراني في غير شيء، لأجعلن عملي كله لله. فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير، فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلاناً، الآن أقبل على الخير.(1)

2 -[الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام]، كان على عهد إبراهيم عليه السلام رجل يقال له:( ماريا بن أوس) قد أتت عليه ستمائة سنة و ستون سنة، و كان يكون في غيضة له بينه و بين الناس خلیج من ماء غمر،و كان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي فيه.

فخرج ذات يوم فيما كان يخرج، فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها، و فيها شاب كأن وجهه شقة قمر، فقال: يا فتی لمن هذا الغنم؟ قال: الإبراهيم خليل الرحمن. قال: فمن أنت؟ قال: أنا ابنه إسحاق. فقال ماريا في نفسه: اللهم أرني عبدك و خليلك حتى أراه قبل الموت. ثم رجع إلى مكانه و رفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره، فكان إبراهيم علیه السلام يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه و يصلي فيه، فسأله إبراهيم عن اسمه و ما أتى عليه من السنين فخبره، فقال: أين تسكن؟ فقال: في غيضة. فقال إبراهيم علیه السلام : إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه و كيف عيشك فيها.

ص: 439


1- البحار: 68/ 369ح20.

قال: إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خلیج و ماء غمر. فقال له إبراهيم علیه السلام : فما لك فيه معبر؟ قال: لا. قال: فكيف تعبر؟ قال: أمشي على الماء. قال إبراهيم علیه السلام : لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي. قال: فانطلق و بدأ ماريا فوضع رجله في الماء و قال: بسم الله. قال إبراهيم علیه السلام : بسم الله. فالتفت ماريا و إذا إبراهيم علیه السلام يمشي كما يمشي هو، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة فأقام معه إبراهيم ثلاثةأيام لا يعلمه من هو، ثم قال علیه السلام له : يا ماريا، ما أحسن موضعك، هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع؟

فقال: ما كنت لأفعل. قال علیه السلام: ولم؟ قال: لاني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبني فيها. قال علیه السلام: و ما الذي دعوته؟ فقص عليه خبر الغنم و إسحاق علیه السلام، فقال إبراهيم: فإن الله قد استجاب منك، أنا إبراهيم. فقام و عانقه، فكانت أول معانقة.(1)

3 - [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، عن بعض أصحابنا: أن الله سبحانه أوحي إلى موسی عليه السلام : إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه. فجعل موسی لا يعترض [يعرض] أحداً إلا و هو لا يجسر [يجترئ] أن يقول: إني خير منه.

فنزل عن الناس، و شرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: اصحب هذا، فجعل في عنقه حبلا. ثم مر [جر]به، فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل و أرسله، فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده. فقال الله تعالى: و عزت و جلالي، لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة.(2)

الأول: إخبارات النبي صلی الله علیه وآله

1- [الصدوق في إكمال الدين]، عن ماجيلويه، بإسناده إلى مجاهد، قال: قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: إن الله تبارك و تعالى ملكاً يقال له دردائیل كان له ستة عشر

ص: 440


1- قصص الأنبياء عليهم السلام : 115 - 116، عنه البحار:9/12 - 10 ح23، وعنه أيضا: قصص الأنبياء عليهم السلام للجزائري: 97 – 98.
2- عدة الداعی: 218.

ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء، و الهواء کما بين السماء و الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه: أقوق ربنا جل جلاله شيء؟(1)

فعلم الله تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح. ثم أوحى الله عز و جل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، فلما علم الله عز و جل إتعابه أوحى إليه: أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظیم فوق كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان. فسلبه الله أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلما ولد الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) - و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة - أوحى الله إلى ملك [مالك] خازن النيران أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله ، و أوحي إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولد ولد لمحمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحي إلى حور العين أن تزین و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح و التحميد و التمجيد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل عليه السلام أن أهبط إلى نبیي محمد صلی الله علیه وآله في ألف قبیل، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا صلی الله علیه وآله بمولوده و أخبره یا جبرئیل إني قد سميته: الحسين وعزه وقل له: يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل وويل للسائق وويل للقائد، قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرماً منه. قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة.

قال: فبينا جبرئیل بهبط من السماء إلى الأرض إذ متر ب(دردائیل) فقال له دردائیل: یا

ص: 441


1- قال المجلسي قدس سره: (بيان : لعل هذا - على تقدير صحة الخبر - كان بمحض خطور البال من غير اعتقاد بكون البارئ تعالى ذا مكان، أو المراد بقوله : (فوق ربنا شيء) فوق عرش ربنا، إما مكانة أو رتبه، فيكون ذلك منه تقصيراً في معرفة عظمته وجلاله فيكون على هذا ذكر نفي المكان لرفع ماربما يتوهم والله يعلم..).

جبرائیل، ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال: لا، و لكن ولد محمد صلى الله عليه وآله مولود في دار الدنيا، و قد بعثني الله عز وجل إليه لأهنئه بمولوده .

فقال الملك له: يا جبرئيل، بالذي خلقك و خلقني إن هبطت إلى محمد صلی الله علیه وآله فأقرئه مني السلام و قل له: بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني و يرد علي أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة.

فهبط جبرئيل على النبي صلی الله علیه وآله و هنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه.

فقال النبي صلی الله علیه وآله : تقتله أمتي؟ قال: نعم. فقال النبي صلی الله علیه وآله: ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم، و الله بريء منهم. قال جبرئيل: و أنا بريء منهم يا محمد. فدخل النبي صلی الله علیه وآله على فاطمة و هناها و عزاها فبكت فاطمة (صلوات الله عليها) و قالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار. و قال النبي صلی الله علیه وآله : أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده. ثم قال صلی الله علیه وآله : الأئمة بعدي: الهادي علي، المهتدي الحسن، الناصر الحسين، المنصور علي بن الحسين، الشافع محمد بن علي، النفاع جعفر بن محمد، الأمين موسی بن جعفر، الرضا علي بن موسی، الفعال محمد بن علي، المؤتمن علي بن محمد، العلام الحسن بن علي، و من يصلي خلفه عیسی بن مریم. فسكنت فاطمة من البكاء.

ثم أخبر جبرئيل النبی صلی الله علیه وآله بقضية الملك وما أصيب به، قال ابن عباس: فأخذ النبي صلی الله علیه وآله الحسين و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك، لا بل بحقك عليه وعلى جده محمد و إبراهيم وإسماعيل و إسحاق و یعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائیل و رد عليه أجنحته و مقامه بين صفوف الملائكة، فاستجاب الله دعاءه و غفر للملك، والملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله صلی الله علیه وآله.(1)

2 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، في تأويل قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»(2) ، عن تفسير وكيع، والسدي، وعطاء، عن ابن عباس أنه قال: أهدي إلى رسول

ص: 442


1- کمال الدين: 1/ 284 ح 36 ، عنه البحار:248/43ح24.
2- ق: 37.

الله صلی الله علیه وآله ناقتان عظيمتان سمینتان، فقال صلی الله علیه وآله للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما و ركوعهما و سجودهما ووضوئهما و خشوعهما، لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، ولا يحدث قلبه بفكر الدنيا، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين؟ فقالها صلی الله علیه وآله مرة و مرتين و ثلاثاً، لم يجبه أحد من أصحابه . فقام أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: أنایا رسول الله أصلي ركعتين، أكبر التكبيرة الأولى إلى أن أسلم منهما، لا أحدث نفسي بشيء من أمور الدنيا، فقال صلی الله علیه وآله : يا علي، صل صلى الله عليك.

قال: فكبر أمير المؤمنين علیه السلام و دخل في الصلاة، فلما سلم من الركعتين هبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلی الله علیه وآله فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: أعطه إحدى الناقتين.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أنا شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيها نفسه بشيء من أمور الدنيا أن أعطيه إحدى الناقتين، و إنه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أیهما يأخذ.

فقال جبرئیل: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: تفكرعلیه السلام أیهما يأخذ أسمنهما فينحرها فيتصدق بها لوجه الله تعالى، فكان تفكره الله تعالى لا لنفسه ولا للدنيا. فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله و أعطاه كلتيهما فنحرهما و تصدق بهما، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية يعني به أمير المؤمنين علیه السلام أنه خاطب نفسه في صلاته الله تعالى لم يتفكر فيهما بشيء من أمور الدنيا. (1)

3- [أمين الإسلام في إعلام الوری]،..ثم كانت غزوة بني النضير، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه وآله مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال: مرحبا بك يا أبا القاسم و أهلا فجلس رسول الله صلی الله علیه وآله و أصحابه، فقام كأنه يصنع لهم طعاما، وحدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله، فنزل جبرئيل علیه السلام فأخبره بما هم به القوم من الغدر، فقام صلی الله علیه وآله كأنه يقضي حاجة و عرف أنهم لا يقتلون أصحابه و هو حي. فأخذ صلی الله علیه وآله الطريق نحو المدينة فاستقبله، بعض أصحاب کعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلی الله علیه وآله، فأخبر کعبأ بذلك، فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوریا - و كان أعلم اليهود -: إن ربه أطلعه على ما أردتموه من

ص: 443


1- المناقب: 2/ 20، عنه الأسترابادي في تأويل الآيات: 593، عنه البحار:161/36 ح 142، بإختلاف يسير.

الغدر، و لا يأتيكم و الله أول مايأتيكم إلا رسول محمد صلی الله علیه وآله يأمركم عنه بالجلاء، فأطیعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم و أموالكم، و إلا فإنه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم، فقالوا: هذه أحب إلينا.

قال: أما إن الأولى خير لكم منها، و لولا أني أفضحكم لأسلمت. ثم بعث محمد ابن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل و الجلاء عن ديارهم و أموالهم، و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال. (1)

4 - [الصدوق في علل الشرائع] ، عن عمرو بن أبي المقدام و زیاد بن عبد الله قالا: أتی رجل أبا عبد الله علیه السلام فقال له: يرحمك الله، هل تشيع الجنازة بنار و یمشی معها بمجمرة و قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟

قال: فتغير لون أبي عبد الله عليه السلام من ذلك و استوى جالساً ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله ، فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل ؟ فقالت علیه السلام : حقا ما تقول؟ فقال: حقا ما أقول - ثلاث مرات ،فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها، و ذلك أن الله تبارك و تعالى كتب على النساء غيرة و كتب على الرجال جهاداً و جعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.

قال: فاشتد غم فاطمة عليها السلام من ذلك و بقيت متفكرة هي حتى أمست و جاء الليل حملت الحسن علیه السلام على عاتقها الأيمن و الحسين علیه السلام على عاتقها الأيسر و أخذت بيد أم کلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها صلی الله علیه وآله. فجاء علي علیه السلام فدخل في حجرته فلم ير فاطمة علیها السلام، فاشتد لذلك غمه و عظم عليه ولم يعلم القصة ماهي فاستحيا أن يدعوها من منزل أبيها. فخرج إلى المسجد فصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد و اتكأ عليه. فلما رأى النبي صلی الله علیه وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه و دخل المسجد، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد و کلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة علیها السلام من الحزن و الغم، و ذلك أنه خرج من عندها و هي تتقلب و تتنفس الصعداء. فلما رآها النبي صلی الله علیه وآله أنها لا يهنؤها النوم و ليس لها قرار قال لها: قومي يا بنية. فقامت فحمل النبي صلی الله علیه واله الحسن علیه السلام و حملت فاطمة الحسين عليهما السلام، و أخذت بيد أم كلثوم، فانتهى إلى علي علیه السلام و هو نائم فوضع النبي صلی الله علیه وآله رجله على رجل علي فغمزه و

ص: 444


1- إعلام الوری: 88، عنه البحار: 163/20ح1.

قال: قم يا أبا تراب، فكم ساكن أزعجته. ادع لي أبا بكر من داره و عمر من مجلسه و طلحة. فخرج علي علیه السلام فاستخرجهما من منزلهما و اجتمعوا عند رسول الله.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: يا علي، أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة مني و أنا منها، فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله، و من آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي و من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قال: فقال علي علیه السلام : بلى يا رسول الله. قال: فقال صلی الله علیه وآله: فما دعاك إلى ما صنعت. فقال علي علیه السلام: و الذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شيء و لا حدثت بها نفسي. فقال النبي صلی الله علیه وآله : صدقت و صدقت. ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك و تبسمت حتى رئي ثغرها.

فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة. قال: ثم أخذ النبي صلی الله علیه وآله بيد علي عليه السلام فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي صلی الله علیه وآله الحسن علیه السلام، و حمل الحسين علیه السلام على علیه السلام و حملت فاطمة علیها السلام أم كلثوم، و أدخلهم النبي صلی الله علیه وآله بيتهم و وضع عليهم قطيفة و استودعهم الله ثم خرج و صلى بقية الليل.. الخبر.(1)

5 -[ الشيخ في الأمالي]، عن محمد بن شهاب الزهري قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب رضی الله عنه من بلاد الحبشة بعثه رسول الله صلی الله علیه وآله إلى مؤتة و استعمل على الجيش معه زید بن حارثة و عبد الله بن رواحة. فمضى الناس معهم حتى كانوا بنحو البلقاء فلقيهم جموع هرقل من الروم و العرب فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: (مؤتة) فالتقى الناس عندها و اقتتلوا قتالا شديدا، و كان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة، فقاتل به حتى شاط في رماح القوم(2). ثم أخذه جعفر فقاتل به قتالا شديدا ثم اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها و قاتل حتى قتل.

قال: و كان جعفر رضی الله عنه أول رجل من المسلمين عقر فرسه في الإسلام. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقتل، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد فناوش القوم و راوغهم(3) حتی

ص: 445


1- علل الشرائع: 1/ 185 - 186، عنه البحار: 43/ 201 - 203 ح 31، أقول: الخبر طويل ذكرنا منه موضع الحاجة. ثم إن الجهة من إدراج الخبر هنا إنما هي المكان معرفة النبي صلی الله علیه وآله وتصديقه عمافي ضمير أمير المؤمنين علیه السلام.
2- شاط فلان: هلك (عن البحار).
3- في القاموس: راغ الرجل والثعلب روغا وروغا: حاد ومال، والمراوغة المصارعة وأن يطلب بعض القوم بعضا.

انحاز بالمسلمين منهزماً و نجا بهم من الروم، و أنفذ رجلا يقال له: عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي صلی الله علیه وآله بالخبر. قال عبد الرحمن: فسرت إلى النبي صلی الله علیه وآله فلما وصلت إلى المسجد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: على رسلك يا عبد الرحمن. ثم قال صلی الله علیه وآله: أخذ اللواء زيد فقاتل به فقتل، رحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر و قاتل و قتل، رحم الله جعفراً، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة و قاتل فقتل، فرحم الله عبد الله.

قال: فبكى أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله و هم حوله، فقال لهم النبي صلی الله علیه وآله : وما يبكيكم؟ فقالوا: و ما لنا لا نبكي و قد ذهب خيارنا و أشرافنا و أهل الفضل منا. فقال لهم صلی الله علیه وآله : لا تبكوا، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها و بنی مساكنها و حلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً، فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا و أطولها شمراخا، و الذي بعثني بالحق نبيا ليجدن عیسی ابن مریم في أمتي خلفاً ممن حواريه.(1)

6 - [المجلسي في البحار من کتاب مسند فاطمة علیها السلام]، بالإسناد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب علیهم السلام أنه قال: هممت بتزوج فاطمة عليها السلام حيناً، و لم أجسر على أن أذكره لرسول الله صلی الله علیه وآله و كان ذلك يختلج في صدري ليلا ونهارا، حتی دخلت يوما على رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: يا علي. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال صلی الله علیه وآله: هل لك في التزویج؟ فقلت: الله و رسوله أعلم. فظننت أنه يريد أن يزوجني ببعض نساء قریش و قلبي خائف من فوت فاطمة علیها السلام .ففارقته صلی الله علیه وآله على هذا، فو الله ما شعرت حتى أتاني رسول رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: أجب يا علي و أسرع.

قال علیه السلام : فأسرع المضي إليه صلی الله علیه وآله ، فلما دخلت نظرت إليه صلی الله علیه وآله ، فلما رأيته ما رأيته أشد فرحا من ذلك اليوم وهو في حجرة أم سلمة، فلا أبصر بي تهلل و تبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه لها بريق. قال صلی الله علیه وآله : هلم يا علي، فإن الله قد كفاني ما أهمني فيك من أمر تزويجك. فقلت: و كيف ذلك يا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : أتاني جبرئیل و معه من قرنفل الجنة و سنبلها قطعتان فناولنيها فأخذته فشممته فسطع منها رائحة المسك، ثم أخذها مني فقلت: يا جبرئیل ما سبيلها؟ فقال: إن الله أمر سكان الجنة أن يزينوا الجنان كلها

ص: 446


1- الأمالي: 140 - 142، ح230 - 43 المجلس الخامس، عنه البحار: 21/ 50 - 51 ح1، وأورده في بشارة المصطفى: 279 - 280.

بمفارشها و نضودها و أنهارها و أشجارها و أمر ریح الجنة التي يقال لها المنيرة فهبت في الجنة بأنواع العطر و الطيب و أمر حور عينها يقرءوا فيها سورة طه و یس فرفعوا أصواتهن بها، ثم نادى مناد ألا إن اليوم يوم وليمة فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله و علي بن أبي طالب علیهما السلام رضي مني بهما. ثم بعث الله تعالى سحابة بيضاء فمطرت على أهل الجنة من لؤلؤها و زبرجدها و یاقوتها و أمر خدام الجنة أن يلقطوها، و أمر ملكاً من الملائكة يقال له: (راحیل) فخطب راحيل بخطبة لم يسمع أهل السماء بمثلها، ثم نادى مناد: ملائكتي و سان جنتي، برکوا على نكاح فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله و علي بن أبي طالب علیهما السلام ، فإني زوجت أحب النساء إلى من أحب الرجال إلي بعد محمد صلی الله علیه وآله .

ثم قال صلی الله علیه وآله : يا علي، أبشر أبشر، فإني قد زوجتك بابنتي فاطمة علیها السلام على ما زوجك الرحمن من فوق عرشه، فقد رضيت لها و لك ما رضي الله لكما، فدونك أهلك و کفی یا علي برضاي رضا فيك يا علي. فقال علیه السلام : یا رسول الله، أوبلغ من شأني أن أذكر في أهل الجنة و زوجني الله في ملائكته؟

فقال صلی الله علیه وآله : يا علي، إن الله إذا أحب عبداً أكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فقال علي علیه السلام: يا رب، أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي. فقال النبي صلی الله علیه وآله : آمين آمين.

و قال علي: لما أتيت رسول الله صلی الله علیه وآله خاطباً ابنته فاطمة عليها السلام قال: وماعندك تنقدني. قلت له: ليس عندي إلا بعيري و فرسي و درعي. قال صلی الله علیه وآله : أما فرسك فلا بدّلك منه تقاتل عليه، و أما بعيرك فحامل أهلك، و أما درعك فقد زوجك الله بها. قال علي علیه السلام : فخرجت من عنده و الدرع على عاتقي الأيسر فدعيت إلى سوق الليل فبعتها بأربعمائة درهم سود هجرية، ثم أتيت بها إلى النبي صلى الله عليه وآله فصببتها بين يديه، فو الله ماسألني عن عددها و كان رسول الله صلی الله علیه وآله سوي الكف فدعا بلالا و ملأ قبضته فقال: يا بلال، ابتع بها طيباً لابنتي فاطمة علیها السلام . ثم دعا أم سلمة فقال: يا أم سلمة ابتاعي لابنتي فراشاً من حليس[مجلس ]مصر و احشيه ليفاً و اتخذي لها مدرعة و عباية قطوانية و لا تتخذي لها أكثر من ذلك فيكونا من المسرفين.

و صبرت أياما ما أذكر لرسول الله صلی الله علیه وآله شيئا من أمر ابنته علیها السلام حتى دخلت على أم سلمة فقالت لي: يا علي، لم لا تقول لرسول الله صلی الله علیه وآله يدخلك على أهلك. قال عليه السلام: قلت:

ص: 447

أستحي منه أن أذكر له شيئا من هذا. فقالت أم سلمة:ادخل عليه فإنه سيعلم ما في نفسك. قال علي: فدخلت عليه صلی الله علیه وآله ، ثم خرجت ثم دخلت ثم خرجت. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أحسبك أنك تشتهي الدخول على أهلك. قال علیه السلام: قلت: نعم فداك أبي و أمي یا رسول الله. فقال صلی الله علیه وآله: غدا إن شاء الله تعالى. (1)

7 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أنس، أنه صلی الله علیه وآله قال لرجل اسمه أبو بدر: قل لا إله إلا الله. فسأله حجة. فقال صلی الله علیه وآله : في قلبك من أربعة أشهر كذا وكذا. فصدقه وأسلم.(2)

8 - [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]، الصدوق، بإسناده إلى سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلی الله علیه وآله يوما جالسة فاطلع عليه علي عليه السلام مع جماعة، فلما رآهم تبسم، قال: جئتموني تسألوني عن شيء، إن شئتم أعلمتكم بما جئتم و إن شئتم تسألوني.

فقالوا: بل تخبرنا یا رسول الله. قال صلی الله علیه وآله: جئتم تسألوني عن الصنائع (3)لمن تحق، فلا ينبغي أن يصنع إلا لذي حسب أو دین، وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة، فإن جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها، و جئتم تسألونني عن الأرزاق من أين؟ أبی الله أن يرزق عبده إلا من حيث لا يعلم، فإن العبد إذا لم يعلم وجه رزقه کثر دعاؤه.(4)

9 - [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]، الصدوق، بإسناده إلى مسلم بن يسار قال: قال أبو عقبة الأنصاري: كنت في خدمة رسول الله صلی الله علیه وآله ، فجاء نفر من اليهود فقالوا لي: استأذن لنا على محمد صلی الله علیه وآله . فأخبرته صلی الله علیه وآله فدخلوا عليه، فقالوا: أخبرناعما جئنا نسألك عنه.

قال صلی الله علیه وآله: جئتموني تسألونني عن ذي القرنين. قالوا: نعم. فقال صلی الله علیه وآله: كان غلاما من أهل الروم ناصحاً لله عز و جل فأحبه الله و ملك الأرض فسار حتى أتی مغرب الشمس، ثم سار إلى مطلعها، ثم سار إلى خيل يأجوج و مأجوج، فبنى فيها السد.قالوا: نشهد أن هذا شأنه و إنه لفي التوراة.(5)

ص: 448


1- البحار: 87/101 - 88 ح53، وأورده في دلائل الإمامة: 14 - 15.
2- مناقب آل أبي طالب: 1/ 114، عنه البحار: 18/ 138 ضمن ح 39.
3- الصنائع جمع الصنيعة و هي العطية و الكرامة و الإحسان. (البحار)
4- قصص الأنبياء: 293ح363، عنه البحار:106/18 - 107 ح4.
5- قصص الأنبياء: 293 - 294 ح 364، عنه البحار: 18/ 107 ح5، 196/12ح23 بتفاوت يسير، ولاحظ قرب الإسناد: 135.

10 -[الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]،الصدوق، مسنداً عن ابن عباس قال: دخل أبو سفيان على النبي صلی الله علیه وآله يوما فقال: يا رسول الله، أريد أن أسألك عن شيء. فقال صلی الله علیه وآله : إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني. قال: إفعل. قال صلی الله علیه وآله: أردت أن تسأل عن مبلغ عمري. فقال: نعم يا رسول الله.

فقال صلی الله علیه وآله: إني أعيش ثلاثاً و ستين سنة. فقال: أشهد أنك صادق.فقال صلی الله علیه وآله: بلسانك دون قلبك.

قال ابن عباس: و الله ما كان إلا منافقا. قال: و لقد كنا في محفل فيه أبو سفيان و قد كف بصره و فينا علي عليه السلام فأذن المؤذن فلما قال: (أشهد أن محمدا صلی الله علیه وآله رسول الله) قال أبو سفیان: هاهنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم: لا. فقال: الله در أخي بني هاشم، انظروا أين وضع اسمه. فقال علي عليه السلام : أسخن الله عينك يا با سفيان(1) ، الله فعل ذلك بقوله عز من قائل:وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَکَ»(2)، فقال أبو سفيان: أسخن الله عين من قال: (ليس هاهنا من يحتشم).(3)

11 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن من كان بحضرته صلی الله علیه وآله من المنافقين كانوا لا يكونون في شيء من ذكره إلا أطلعه الله عليه و بينه فيخبرهم به، حتی کان بعضهم يقول لصاحبه: اسكت و کف فو الله لو لم يكن عندنا إلا الحجارة لأخبرته حجارة البطحاء، ولم يكن ذلك منه و لا منهم مرة و لا مرات بل يكثر ذلك من أن يحصي عدده حتى يظن ظان أن ذلك كان بالظن و التخمين، كيف و هو صلی الله علیه وآله يخبرهم بما قالوا على ما لفظوا و يخبرهم عما في ضمائرهم، فكلما ضو عفت عليهم الآيات ازدادوا عمى لعنادهم.(4)

12 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، قال الجارود بن عمرو العبدي و سلمة بن عباد الأزدي - للنبي صلی الله علیه وآله -: إن كنت نبینا فحدثنا عما جئنا نسألك عنه. فقال صلی الله علیه وآله: أما أنت یا

ص: 449


1- أسخن الله عنه : أبكاه. (البحار)
2- الشرح: 4.
3- قصص الأنبياء: 294 ح 365، عنه البحار: 18/ 107 - 108 ح6، 31/ 523، وفي: 504/22ح2 أورده إلى قوله: (بلسانك دون قلبك.).
4- الخرائج والجرائح: 31/1، عنه البحار: 18/ 110ح 12 مع بعض الإختلاف.

جارود، فإنك جئت تسألني عن دماء الجاهلية و عن حلف الإسلام و عن المنيحة(1).قال: أصبت. فقال صلی الله علیه وآله: فإن دماء الجاهلية موضوع و حلفها لا يزيده الإسلام إلا شدة، و لا حلف في الإسلام. و من أفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر الدابة و لبن الشاة.

و أما أنت يا سلمة بن عباد، فجئت تسألني عن عبادة الأوثان و يوم السباسب(2)و عقل الهجين(3). أما عبادة الأوثان، فإن الله جل و عز يقول:«إنَّكُم وَمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ»الآية(4)، و أما يوم السباسب فقد أبدلك الله عز و جل ليلة القدر و يوم العيد لمحة تطلع الشمس لا شعاع لها، و أما عقل الهجين فإن أهل الإسلام تتكافأ دماؤهم و يجير أقصاهم على أدناهم،و أكرمهم عند الله أتقاهم.قالا: نشهد بالله أن ذلك كان في أنفسنا.(5)

13 - [ابن شهر آشوب في المناقب عن ربيع الأبرار]، أنه دخل أبو سفيان على النبي صلی الله علیه وآله و هو يقاد، فأحس بتكاثر الناس، فقال في نفسه: و اللات و العزی یا ابن أبي كبشة(6) لأملانها عليك خيلا و رجلا، و إني لأرجو أن أرقى هذه الأعواد.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: أويكفينا الله شرك يا أبا سفيان؟.(7)

14 -[ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن مسند أبي يعلى الموصلي، و إبانة ابن بطة العكبري، و عقد ابن عبد ربه الأندلسي، و حلية أبي نعيم الأصفهاني، و زينة أبي حاتم الرازي، و كتاب أبي بكر الشيرازي، أنه:ذ كر رجل بين يدي النبي بكثرة العبادة. فقال

ص: 450


1- في القاموس: منحه - كمنعه وضربه - : أعطاه، والإسم: المنحة، ومنحه الناقة : جعل له وبرها ولبنها وولدها، وهي المنحة والمنيحة. (عن البحار)
2- قال الجزري: يوم السباسب عيد للنصارى (عن البحار)
3- عقل الهجين، أي: دية غير شریف النسب هل تساوي دية الشريف، أو أنه لما كان عنده أنه لا يقتص الشريف للهجين سأله صلی الله علیه وآله عن قدر دیته فأجابه صلی الله علیه وآله بنفي ما توهمه.( البحار)
4- الأنبياء: 98.
5- مناقب آل أبي طالب: 1/ 113، عنه البحار: 18/ 137 ضمن ح 39.
6- قال الفيروزآبادي: كان المشركون يقولون للنبي صلی الله علیه وآله : ابن أبي كبشة، شبهوه بابن أبي كبشة رجل من خزاعة خالف قریشأ في عبادة الأوثان، أو هي كنية وهب بن عبد مناف جده صلی الله علیه وآله من قبل أمه، لأنه كان نزع إليه في الشبه، أو كنية زوج حليمة السعدية. (عن البحار: 37/ 154 ذیل ح 38)
7- مناقب آل أبي طالب: 1/ 124، عنه البحار:16/ 175 ضمن ح19، وراجع: 3/ 297، وأورده أحمد بن موسی بن طاووس في عين العبرة عن ربيع الأبرار:55.

النبي صلی الله علیه وآله : لا أعرفه. فإذا هو قد طلع، فقالوا: هو هذا.

فقال النبي صلی الله علیه وآله : أما إني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان(1)، فلما رآه قال له: هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك؟ قال: نعم. ثم دخل المسجد فوقف يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه و صمد نحوه، فرآه راكعا فرجع. فقال: أقتل رجلا يركع و يقول لا إله إلا الله؟

فقال صلی الله علیه وآله: اجلس فلست بصاحبه. ثم قال صلی الله علیه وآله : ألا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجداً فقال: أقتل رجلا يسجد و يقول لا إله إلا الله؟ فقال النبي صلی الله علیه وآله: اجلس فلست بصاحبه، قم يا علي فإنك أنت قاتله إن أدركته. فمضى علیه السلام و انصرف و قال له: ما رأيته. فقال النبي صلى الله عليه وآله : لو قتل لكان أول فتنة و آخرها. و في رواية: هذا أول قرن يطلع في أمتي، لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.

و قال أبي و أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى:«ثَانِيَ عِطفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللهِ لَهِ فِي الدُّنيَا خِزيٌ» وهو القتل «وَنُذِيقُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَذَابِ الحَرِيِقِ» بقتاله علي بنأبي طالب علیه السلام.(2)

15 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، في معجزات النبي صلی الله علیه وآله: روي أن وابصة ابن معبد الأسدي أتاه صلی الله علیه وآله و قال في نفسه: لا أدع من البر و الإثم شيئا إلا سألته صلی الله علیه وآله . فلما أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله صلی الله علیه وآله .

فقال النبي صلی الله علیه وآله : دعوا وابصة، ادنُ. فدنوتُ، فقال صلی الله علیه وآله : تسأل عما جئت له أم أخبرك ؟ قال: أخبرني. قال صلی الله علیه وآله : جئت تسأل عن البر و الإثم. قال: نعم. فضرب صلی الله علیه وآله یده على صدره ثم قال: البرما اطمأنت إليه النفس، و البر ما اطمأن إليه الصدر، و الإثم ماتردد في الصدر و جال في القلب، و إن أفتاك الناس و إن أفتوك.(3)

ص: 451


1- قال المجلسي قدس سره في ذيل الخبر، بیان : قال في النهاية : السفعة نوع من السواد مع لون آخر، و منه حديث أبي اليسر : أرى في وجهك سفعة من غضب أي تغيرا إلى السواد، وفي حديث أم سلمة : أنه صلی الله علیه وآله دخل عليها وعندها جارية بها سفعة، فقال صلی الله علیه وآله : إن بها نظرة فاسترقوا لها، أي علامة من الشيطان.) البحار:329/33.
2- المناقب: 3/ 378، عنه البحار: 33/ 327.
3- الخرائج والجرائح:106/1، عنه البحار: 18/ 118 ح 29، ونحوه في قرب الإسناد: 135 في حديث طویل مسندة، عنه البحار: 228/17ح 1، وعنه أيضا الوسائل:166/27ح33502.

16 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن الباقر علیه السلام: أن النبي صلی الله علیه وآله صلى يوما بأصحابه الفجر، ثم جلس معهم يحدثهم حتى طلعت الشمس، فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان: أنصاري و ثقفي، فقال لهما رسول الله صلی الله علیه وآله : قد علمت أن لكما حاجة تريدان أن تسألاني عنها، فإن شئتما أخبرتکما بحاجتكما قبل أن تسألاني و إن شئتما فسلاني. قالا: بل تخبرنا یا رسول الله، فإن ذلك أجلى للعمي و أبعد من الارتياب و أثبت للإيمان.

فقال النبي صلی الله علیه وآله : أما أنت يا أخا الأنصار، فإنك من قوم يؤثرون على أنفسهم و أنت قروي و هذا الثقفي بدوي، أفتؤثره بالمسألة؟ قال: نعم. قال صلی الله علیه وآله : أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت تسألني عن وضوئك و صلاتك و ما لك فيهما. قال: نعم. قال صلی الله علیه وآله : فاعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء و قلت: (بسم الله) تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك، و إذا غسلت وجهك و يديك تناثرت الذنوب عن يمينك و شمالك، و إذا مسحت رأسك و قدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك، فهذا لك في وضوئك، و إذا قمت إلى الصلاة و توجه و قرأت أم الكتاب و ما تيسر لك من السور ثم ركعت فأتممت ركوعها و سجودها و تشهدت و سلمت، غفر لك كل ذنب فيما بينك و بين الصلاة التي قدمتها إلى الصلاة المؤخرة، فهذا لك في صلاتك.

و أما أنت يا أخا الأنصار، فإنك جئت تسألني عن حجك و عمرتك ومالك فيهما من الثواب. قال: نعم. قال صلی الله علیه وآله : فاعلم أنك إذا توجهت إلى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك و قلت: (بسم الله) و مضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خفا و لم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة ومحا عنك سيئة، فإذا أحرمت و لبيت كتب الله لك بكل تلبية عشر حسنات و محا عنك عشر سيئات، فإذا طفت بالبيت أسبوعاً كان لك بذلك عند الله عهد و ذكر يستحي منك ربك أن يعذبك بعده، فإذا صليت عند المقام رکعتين كتب الله لك بهما ألفي ركعة مقبولة، و إذا سعيت بين الصفا و المروة سبعة أشواط كان لك بذلك عند الله مثل أجر من حج ماشياً من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة، فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج و زبد البحر لغفر الله لك، فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كتب الله لك بكل قطرة من دمها حسنة يكتب لك لما يستقبل من عمرك، و إذا طفت بالبيت أسبوعا للزيارة و صليت عند المقام

ص: 452

رکعتین ضرب ملك كريم على كتفيك فقال: أما ما مضى فقد غفر لك، فاستأنف العمل فيما بينك و بين عشرین و مائة يوم. فقالا: جئنا لذلك.(1)

17 -[ الطبرسي في مجمع البیان]، قال الزهري: بلغني أن شيبة بن عثمان قال: استدبرت رسول الله صلی الله علیه وآله يوم حنين و أنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان و عثمان بن طلحة، و كانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسوله على ما في نفسي، فالتفت صلی الله علیه وآله إلى و ضرب في صدري و قال: أعيذك بالله يا شيبة. فأرعدت فرائصي فنظرت إليه و هو أحب إلى من سمعي و بصري، فقلت أشهد أنك رسول الله، و أن الله أطلعك على ما في نفسي.(2)

18 - [الصدوق في إكمال الدين] ، عن أبيه، مسنداً إلى محمد بن علي بن مهزیار، عن أبيه، عمن ذكره، عن موسی بن جعفر عليهما السلام قال: قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسی رضی الله عنه؟

قال علیه السلام : نعم، حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و آله و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلی الله علیه وآله ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام لسلمان: یا با عبد الله، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟ فقال سلمان: و الله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته - وساق الخبر إلى أن قال:۔

فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: و الله ما هؤلاء كلهم أنبياء، و إن فيهم نبيا. - إلى أن قال:- فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلی الله علیه وآله التفاتة، فقال صلی الله علیه وآله: يا روزبه، تطلب خاتم النبوة؟

فقلت: نعم، فکشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه، عليه شعرات.قال: فسقط على قدم رسول الله صلی الله علیه وآله أقبلها..الخبر.(3)

ص: 453


1- الخرائج والجرائع: 2/ 515 - 516، وأورده الصدوق في الأمالي: 549 - 550ح22،عنه البحار:3/69-5ح3، من لا یحضره الفقيه: 2/ 202 - 203ح2138، ولاحظ قسما منه في روضة الواعظين: 2/ 305، الكافي:71/3-72، عنه البحار:128/18 - 129 ح 37، المناقب: 114/1، عنه البحار: 18/ 138 ضمن ح 39 مع الإختلاف في النسخ.
2- مجمع البيان: 5/ 33، عنه البحار:181/21.
3- کمال الدین: 1/ 161 - 165ح 21، عنه البحار: 22/ 355 - 359 ح 2، وأورده في روضة الواعظين: 2/ 275 - 278.

19 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال: ما کان أحد أبغض إلي من محمد صلی الله علیه وآله ، و كيف لا يكون و قد قتل منا ثمانية، كل منهم يحمل اللواء. فلا فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله، و قلت في نفسي: قد دخلت العرب في دينه، فمتى أدرك ثاري منه؟ فلما اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ منه صلی الله علیه وآله غرة فأقتله، و دبرت في نفسي كيف أصنع، فلما انهزم الناس و بقي محمد صلی الله علیه وآله وحده و النفر الذين معه، جئت من ورائه و رفعت السيف حتى إذا کدت أحطه غشي فؤادي، فلم أطق ذلك، فعلمت أنه ممنوع.

و روي أنه قال: رفع إلى شواظ من نار حتى كاد أن يمحيني، ثم التفت إلى محمد صلی الله علیه وآله فقال لي: ادن با شيبة فقاتل. و وضع صلی الله علیه وآله يده في صدري فصار أحب الناس إلي، و تقدمت و قاتلت بين يديه، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله صلی الله علیه وآله. فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله صلی الله علیه وآله، فقال لي: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. و حدثني بجميع ما رويه في نفسي. فقلت: ما اطلع على هذا إلا الله، و أسلمت. (1)

20 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد بن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، سمى رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بكر الصديق؟ قال علیه السلام : نعم. قال: فكيف؟ قال علیه السلام : حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب رضی الله عنه تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال صلی الله علیه وآله: ادن مني. قال عليه السلام : فدنا منه فمسح صلی الله علیه وآله على عينيه، ثم قال: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة و هي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: الصديق أنت.(2)

ص: 454


1- الخرائج والجرائح: 1/ 117، عنه البحار: 21/ 154 ح4، وفي المناقب عن عكرمة: ( أنه لما غزا یوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه، فوجد عباساً، فأتي عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث، فأتي من خلفه فوقعت بينهما شواظ من نار، فرجع القهقری، فرجع النبي صلی الله علیه وآله إليه وقال: با شیب،یا شیب ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان. قال: فنظرت إليه ولهو أحب إلي من سمعي وبصري. فقال صلی الله علیه وآله : يا شيب، قاتل الكفار. فلما انقضى القتال، دخل عليه فقال: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. وحدثه بجميع مازوی في نفسه، فأسلم.) المناقب: 1/ 72، عنه البحار: 61/18 ضمن ح19.
2- بصائر الدرجات: 422 ح14، عنه البحار: 109/18ح10، ولاحظ71/19 ح23، 194/30 ح55، و في 53/19 ح10عن تفسير القمي عن أبيه، عن بعض رجاله مرفوعاً، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (لما كان رسول الله صلی الله علیه وآله في الغار، قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار محتبين في أفنيتهم. فقال أبو بكر: وتراهم یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. قال : فأرنيهم. فمسح صلی الله علیه وآله على عينيه فرآهم، فقال في نفسه : الآن صدقت أنك ساحر، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله : أنت الصديق.) تفسير القمي: 290/1. أقول: قال المجلسي قدس سره في بيان الحديث المذكور في المتن: قوله صلی الله علیه وآله : (الصديق أنت..) على التهكم،أو على الإستفهام الإنكاري.البحار:195/30.

21 -[ المجلسي في البحار، من منتخب البصائر]، عن خالد بن يحيى، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : سمى رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بكر صديقاً؟ فقال علیه السلام: نعم، إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة. فقال له أبو بكر: و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. فقال: يا رسول الله، تقدر أن ترينيها؟ فقال صلی الله علیه وآله : ادن مني. فدنا منه فمسح صلی الله علیه وآله يده على عينيه، ثم قال له: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله: صديق أنت.

فقلت:لم سمي عمر الفاروق؟ قال علیه السلام: نعم، ألا ترى أنه قد فرق بين الحق و الباطل،و أخذ الناس بالباطل.

فقلت: فلم سمي سالما الأمين؟ قال علیه السلام : لما أن كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين. قلت: فقال صلی الله علیه وآله: اتقوا دعوة سعد؟ قال علیه السلام : نعم. قلت: و كيف ذلك؟ قال علیه السلام : إن سعد يكر فيقاتل عليا علیه السلام.(1)

22 - [الصدوق في علل الشرائع]، بإسناد العمري إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال: إن النبي صلی الله علیه وآله سئل: مما خلق الله عز و جل الجزر؟ فقال صلی الله علیه وآله : إن إبراهيم علیه السلام كان له يوما ضيف و لم يكن عنده ما يمون ضيفه،فقال في نفسه: أقوم إلى سقفي فاستخرج من جذوعه فأبيعه من النجار فيعمل صنماً، فلم يفعل، و خرج و معه إزار إلى موضع و صلی ركعتين فجاء ملك و أخذ من ذلك الرمل و الحجارة فقبضه في إزار إبراهيم علیه السلام و حمله إلى بيته كهيئة رجل فقال لأهل إبراهيم علیه السلام: هذا إزار إبراهيم فخذيه. ففتحوا الإزار فإذا الرمل قد صار ذرة، و إذا الحجارة الطوال قد صارت جزراً، و إذا الحجارة المدورة قد صارت لفتا.(2)

ص: 455


1- البحار:75/53ح76، 30/ 194 ح56.
2- علل الشرائع: 2/ 574 - 575 ح3، عنه البحار: 77/12 ح4، وفي الخرائج: (كان إبراهيم على نبينا و عليه السلام مضيافا، فنزل عليه يوما قوم أضياف ولم يكن عنده شيء يطعمهم. فقال : إن أخذت خشب الدار و بعته من النجار فإنه لا بد أن ينحته وثنا أو صنما فلم يفعل. فخرج في الطلب و معه إزار إلى موضع بعد أن أنزلهم في دار الضيافة و صلى ركعتين. فلما فرغ و لم يجد الإزار علم أن الله سبحانه قد هيأ أسبابه فلما دخل داره رأی سارة تطبخ شيئا، فقال لها : أني لک هذا؟ قالت : هذا الذي بعثه على يدي رجل، و كان الله سبحانه أمر جبرئيل أن يأخذ الرمل الذي كان في الموضع الذي صلى فيه إبراهيم علیه السلام و يجعله في إزاره و الحجرات الملقاة هناك أيضا، ففعل جبرئيل علیه السلام ذلك فجعل الله سبحانه الرمل جاورساً مقشراً و الحجارة المدورة سلجماً و المستطيلة جزراً.) الخرائج و الجرائح: 928/2 - 929، عنه البحار: 11/12ح29، 219/63ح4.

23 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه وآله : ما خلق الله جل و عز خلقا إلا وقد أقر علیه آخر يغلبه فيه، و ذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلي فخرت وزخرت وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها، فذلت. ثم قال: إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض واستقرت.

ثم إن الجبال فخرت على الأرض، فشمخت و استطالت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقرت الجبال و ذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد.

ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها، فذلت. ثم إن الماء فخر و زخر، و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه، فذت الماء.

ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أذيالها، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنی و احتال و اتخذ ما يستتر به من الريح و غيرها، فذلت الريح.

ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره، فذل الإنسان.

ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدأ فترجي أو تخاف.

وقال صلی الله علیه وآله أيضا: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب

الخطيئة.

ص: 456

ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره.(1)

24 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن النبي صلی الله علیه وآله خرج قاصداً مكة في عشرة آلاف من المسلمين فلم يشعر أهل مكة حتى نزل صلی الله علیه وآله تحت العقبة. و كان أبو سفيان و عكرمة بن أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسسان خبراً، و نظرا إلى النيران فاستعظما فلم یعلما لمن النيران، و كان العباس قد خرج من مكة مستقبلا إلى المدينة فرده رسول الله صلی الله علیه وآله معه و الصحيح أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة، فلما نزل تحت العقبة ركب العباس بغلة رسول الله صلی الله علیه وآله و صار إلى العقبة طمعا أن يجد من أهل مكة من ينذرهم إذ سمع كلام أبي سفيان يقول لعكرمة: ما هذه النيران؟ فقال العباس: يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله صلی الله علیه وآله .

قال أبو سفيان: ما ترى أن أصنع؟ قال: تركب خلفي فأصير بك إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فآخذ لك الأمان. قال: و تراه يؤمنني؟ قال: نعم، فإني إذا سألته شيئا لم يردني. فركب أبو سفيان خلفه فانصرف عكرمة إلى مكة فصار إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فقال العباس: هذا أبو سفیان صار معي إليك فتؤمنه بسبي؟

فقال صلی الله علیه وآله : أسلم تسلم يا أبا سفيان. فقال: يا أبا القاسم ما أكرمك و أحلمك.

قال صلی الله علیه وآله: أسلم تسلم. قال: ما أكرمك و أحلمك. قال صلی الله علیه وآله: أسلم تسلم. فوكزه العباس و قال: ويلك، إن قالها الرابعة و لم تسلم قتلك. فقال صلی الله علیه وآله: خذه ياعم إلى خيمتك، و كانت قريبة، فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس، و قال في نفسه: من فعل بنفسه مثل ما فعلت؟ أنا جئت فأعطيت بيدي، ولو کنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش و غيرهم فلعلي كنت أهزمه.

فناداه رسول الله صلی الله علیه وآله من خيمته فقال: إذا كان الله يخزيك. فجاءه العباس فقال: يريد أبو سفيان أن يجيئك یا رسول الله. قال صلی الله علیه وآله : هاته. فلما دخل قال صلی الله علیه وآله: ألم يأن أن تسلم؟ فقال له العباس: قل، و إلا فيقتلك. قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . فضحك صلی الله علیه وآله ، فقال: رده إلى عندك. فقال العباس: إن أبا سفيان يحب الشرف فشرفه.

ص: 457


1- الكافي: 148/8 - 149 ح129، عنه البحار: 99/54 - 100ح84، ونحوه في: 57/ 198 - 199 ح1، عن الخصال: 2/ 442 ح34، ولاحظ حديث النبي صلی الله علیه وآله لشمعون بن لاوي في تحف العقول:24، عنه البحار: 1/ 123 ح 11.

فقال صلی الله علیه وآله : من دخل داره فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن. فلما صلى صلی الله علیه وآله بالناس الغداة فقال للعباس: خذه إلى رأس العقبة فأقعده هناك لتراه جنود الله و يراها. فقال أبو سفيان: ما أعظم ملك ابن أخيك؟ قال العباس: يا أبا سفيان إنما هي نبوة. قال: نعم. ثم قال رسول الله صلی الله علیه وآله: تقدم إلى مكة فأعلمهم بالأمان. فلما دخلها قالت هند: اقتلوا هذا الشيخ الضال. فدخل النبي صلی الل علیه وآله مكة و كان وقت الظهر فأمر بلالاً فصعد على ظهر الكعبة فأذن فما بقي صنم بمكة إلا سقط على وجهه، فلما سمع وجوه قریش الأذان قال بعضهم في نفسه: الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا. و قال آخر: الحمد لله الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم. فقال النبي صلی الله علیه وآله : يا فلان، قد قلت في نفسك كذا، و یا فلان قلت في نفسك كذا. فقال أبو سفيان: أنت تعلم أني لم أقل شيئا. قال صلی الله علیه وآله: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.(1)

25 - [المجلسي في البحار من کتاب عيون المعجزات]، روي عن حارثة بن قدامة، قال: حدثني سلمان، قال: حدثني عمار و قال: أخبرك عجبا. قلت: حدثني يا عمار. قال: نعم، شهدت علي بن أبي طالب علیهما السلام و قد ولج على فاطمة علیها السلام فلما أبصرت به نادت: ادن لأحدثك بما كان وبا هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة.

قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين علیه السلام يرجع القهقري، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي صلی الله علیه وآله ، فقال صلی الله علیه وآله له: ادن يا أبا الحسن. فدنا علیه السلام ، فلا اطمأن به المجلس قال صلی الله علیه وآله له: تحدثني أم أحدثك؟ قال عليه السلام : الحديث منك أحسن یا رسول الله.

فقال صلی الله علیه وآله: كأني بك و قد دخلت على فاطمة علیها السلام و قالت لك كیت و کیت فرجعت. فقال علي علیه السلام: نور فاطمة من نورنا؟ فقال صلی الله علیه وآله: أولا تعلم؟ فسجد علي علیه السلام شکرالله تعالى. قال عمار: فخرج أمير المؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه، فولج على فاطمة علیها السلام و ولجت معه فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلی الله علیه وآله فأخبرته بما قله لك. قال عليه السلام : كان كذلك یا فاطمة. فقالت علیها السلام : اعلم يا أبا الحسن، أن الله تعالى خلق نوري و كان يسبح الله جل جلاله، ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي صلى الله عليه وآله الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك. ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلی الله علیه وآله، ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني و أنا من ذلك النور

ص: 458


1- الخرائج والجرائح: 1/ 162 - 164، عنه البحار:118/21 - 119ح17 مع بعض الإختلاف.

أعلم ما كان وما يكون و ما لم يكن. يا أبا الحسن، المؤمن ينظر بنور الله تعالى.(1)

26 - [علي بن إبراهيم القتي في تفسيره]، كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم و بين رسول الله صلی الله علیه وآله عهد و مدة، فنقضوا عهدهم، و كان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلی الله علیه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، و كان قصد کعب بن الأشرف. فلما دخل على كعب قال: مرحباً يا أبا القاسم و أهلا. وقام كأنه يصنع له الطعام، و حدث نفسه أن يقتل رسول الله صلی الله علیه وآله و يتبع أصحابه . فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلی الله علیه وآله إلى المدينة، و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عز و جل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب.. الخبر.(2)

27 -[ المستنبط في كتاب القطرة عن الثاقب في المناقب]، عن زاذان، عن سلمان أنه قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة علیها السلام، فوجدتها نائمة قد تغطت بالعباءة، ونظرت إلى قدر منصوبة بين يديها تغلي بغير نار، فانصرفت مبادراً إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فلما بصر بي ضحك، ثم قال صلی الله علیه وآله : يا أبا عبدالله، أعجبك مارأيت من حال ابنتي فاطمة؟ قلت: نعم يا رسول الله .

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أتعجب من أمر الله؟ إن الله تبارك و تعالى علم ضعف ابنتي

فاطمة فأيدها بمن يعينها على دهرها من کرام ملائكته.(3)

الثاني: إخبارات أمير المؤمنين علیه السلام

ا- [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى داود القطان عن إبراهيم رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعة. فقال رجل من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين علیه السلام و لأقول له: أنا أذهب به، فهو يثق

ص: 459


1- عنه البحار:8/43ح 11.
2- تفسير القمي: 2/ 358، عنه البحار:169/20ح4 في سبب نزول قوله تعالى :«هُوَ الَذِي أخَرَجَ الذِينَ كَفَرُوا مِن أهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لأوَّلِ الَحشرِ مَا ظَنَنتُم أن يَخرُجُوا »الحشر:2، أقول: تمام الحديث في فصل (آثار حديث النفس بالمعصية)، باب (أثر حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه وآله ...)
3- القطرة من بحار مناقب النبي و العترة: 268ح 262 - 11، عن الثاقب في المناقب: 301 ح 254.

بي، فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن. قال: فرفع علیه السلام إلي رأسه ثم قال: إليك عني، خذ طريق الكرخة.(1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال يوماً: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه: لآتينه و لأقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية. فجاء إلى علي علیه اسلام فقال: أنا أذهب بالمال. فرفع علیه السلام رأسه فقال: إليك عني، تأخذ طريق الشام إلى معاوية .(2)

3 - [النيشابوري في روضة الواعظين]، في خبر ولادة أمير المؤمنين علیه السلام ونزول نساء من الجنة لإعانة فاطمة بنت أسد - إلى أن قال:- قال أبو طالب: فأنا كنت في استماع قولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله ابن أخي من يدهن و وضع يده في يده و تكلم معه و سأله عن كل شيء، فخاطب محمد صلی الله علیه وآله عليا علیه السلام بأسرار كانت بينهما، ثم غبن النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي: لو عرفت المرأتين الأخريین، فألهم الله علياً علیه السلام فقال: يا أبي، أما المرأة الأولى فكانت حواء و أما التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها، و أما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية بنت مزاحم، و أما صاحبة الجونة فهي أم موسی بن عمران.. الحديث.(3)

4 - [المفيد في الإختصاص]، سعد الخفاف، عن أبي جعفر علیه السلام قال: بينا أمير المؤمنين علیه السلام يوما جالس في المسجد و أصحابه حوله فأتاه رجل من شیعته فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله يعلم أني أدينه بحبك في السر كما أدينه بحبك في العلانية، و أتولاك في السركما أتولاك في العلانية.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : صدقت، أما فاتخذ للفقر جلبابا، فإن الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي. قال: فولى الرجل و هو يبكي فرحا لقول أمير المؤمنين علیه السلام :(صدقت). قال رجل من الخوارج يحدث صاحبا له قريبا من أمير المؤمنين فقال أحدهما لصاحبه: تالله إن رأيت كاليوم قط، إنه أتاه رجل فقال له: (صدقت)! فقال له الآخر: أنا ما أنكرت من ذلك، لم يجد بداً من أن إذا قيل له أحبك أن يقول له: (صدقت). تعلم أني

ص: 460


1- بصائر الدرجات: 240ح20، عنه البحار: 41/ 287 ح 10 ، وأورده أيضا في المناقب: 2/ 258.
2- الخرائج والجرائح:195/1، عنه البحار: 297/41ح23 و 34/ 310 ذیل ح1074.
3- روضة الواعظين: 1/ 80، عنه البحار:15/35ح12.

أنا أحبه؟ قال: لا. قال: فأنا أقوم فأقول له مثل مقالة الرجل فيرد علي مثل ما رد عليه.

قال: فقام الرجل فقال له مثل مقالة الأول، فنظر علیه السلام إليه مليا ثم قال له: كذبت، لا و الله ما تحبني و لا أحبك. قال فبكى الخارجي فقال: يا أمير المؤمنين، لتستقبلني بهذا و لقد علم الله خلافه! ابسط يديك أبايعك. قال علیه السلام : على ما ذا؟ قال: على ما عمل أبو بكر و عمر. قال: فمد يده و قال له: اصفق لعن الله الإثنين، و الله لكأني بك قد قتلت على ضلال و وطئت وجهك دواب العراق، فلا تغرنك قوتك. قال: فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان و خرج الرجل معهم فقتل.(1)

5- [الشيخ في الأمالي]، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، إني لأحبك في السر کما أحبك في العلانية. قال: فنکت أمير المؤمنين عليه السلام الأرض بعود كان في يده ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: كذبت و الله، ما أعرف وجهك في الوجوه و لااسمك في الأسماء.

قال الأصبغ: فعجب من ذلك عجبا شديدا، فلم أبرح حتى أتاه رجل آخر، فقال:و الله يا أمير المؤمنين، إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية. قال: فنکت علیه السلام بعوده ذلك في الأرض طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: صدقت، إن طينتنا طينة مرحومة، أخذ الله میثاقها يوم أخذ الميثاق، فلا يشذ منها شاذ، و لا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة، أما إنه فاتخذ للفاقة جلبابا(2)، فإني سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل المنحدر من أعلى الوادي إلى أسفله. (3)

ص: 461


1- الإختصاص: 312، بصائر الدرجات: 391 - 392، عنها البحار: 41/ 294 - 295ح17، 258-257/34.
2- قال المجلسي قدس سره: بيان: (أما إنه )كأنه سقط هنا شيء وفيه تقدير، أي: أما إنه إن كان كذلك فاتخذ..وفي البصائر: أما فاتخذ. وفي النهاية: في حديث علي علیه السلام : (من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا)، أي:لیزهد في الدنيا وليصبر على الفقر والقلة. والجلباب الإزار والرداء. وقيل: هو كالمقنعة تعطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها، وجمعه جلابیب، کني به عن الصبر لأنه يستر الفقر کما بستر الجلباب البدن. وقيل إنما کنی بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي: فليلبس الفقر ویکون منه على حالة نعمه وتشمله لأن الغني من أحوال أهل الدنيا، ولا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت علیهم السلام .البحار: 64/ 227 - 228 ذیل ح36، النهاية في غريب الأثر للجزري، مادة (جلب).
3- الأمالي: 409 - 410ح 921 - 69، عنه البحار: 26/ 117 - 118 ح 1، 64/ 227 ح 36، وأورده في مناقب آل أبي طالب مختصراً: 2/ 260، عنه البحار: 309/41ضمن ح39.

6 - [المفيد في الإرشاد]، روی أصحاب السيرة عن جندب بن عبد الله الأزدي، قال: شهدت مع علي علیه السلام الجمل و صفين لا أشك في قتال من قاتله، حتى نزلت النهروان، فداخلني شك في قتال القوم، و قلت: قراؤنا و خیارنا نقتلهم؟ إن هذا الأمر عظيم!

فخرجت غدوة أمشي و معي إداوة ماء حتى برزت من الصفوف، فرکزت رمحي، و وضعت ترسي إليه، و استترت من الشمس. فإني لجالس حتى ورد على أمير المؤمنين علیه السلام فقال: يا أخا الأزد، أمعك طهور؟

قلت: نعم. فناولته علیه السلام الإداوة، فمضى حتى لم أره، ثم أقبل و قد تطهر، فجلس في ظل الترس فإذا فارس يسأل عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا فارس يريدك. قال علیه السلام: فأشر إليه. فأشرت إليه، فجاء فقال: يا أمير المؤمنين، قد عبر القوم إليهم، وقد قطعوا النهر.

فقال علیه السلام : كلا ما عبروا. فقال: بلى و الله لقد فعلوا. قال علیه السلام: كلا ما فعلوا. قال: و إنه كذلك إذ جاء آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، عبروا القوم. قال علیه السلام : كلا ما عبروا. قال: و الله ما جئتك حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال. قال علیه السلام : و الله مافعلوا، و إنه لمصرعهم و مهراق دمائهم. ثم نهض علیه السلام و نهضت معه، و قلت في نفسي: الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل و عرفني أمره، هذا أحد الرجلين: إما رجل كذاب جريء، أو على بينة من ربه و عهد من نبيه، اللهم إني أعطيك عهداً تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله و أول من يطعن بالرمح في عينه، و إن كان القوم لم يعبروا أن أئتم على المناجزة و القتال. فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال کما هو علیه السلام قال، فأخذ علیه السلام بقفاي و دفعني، ثم قال: يا أخا الأزد أتبين لك الأمر؟

قلت: أجل يا أمير المؤمنين، فقال علیه السلام: شأنك بعدوك. فقتلت رجلا من القوم، ثم قتلت آخر، ثم اختلفت أنا و رجل آخر أضربه و يضربني فوقعنا جميعا، فاحتملني أصحابي، و أفقت حين أفقت و قد فرغ من القوم.(1)

7- [ابن شهر آشوب في المناقب]، أصحاب السير، عن جندب بن عبد الله الأزدي: لما نزل أمير المؤمنين علیه السلام النهروان فانتهينا إلى عسكر القوم فإذا لهم دوی کدوي النحل من قراءة القرآن، و فيهم أصحاب البرانس، فلما أن رأيتهم دخلني من ذلك، فتنحيت و قمت أصلي وأنا أقول: اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن فيه وإن كان ذلك معصية

ص: 462


1- الإرشاد: 1/ 317، عنه البحار: 41/ 284ح3، وأورده الطبرسي في إعلام الوری: 170.

فأرني ذلك. فأنا في ذلك إذ أقبل علي عليه السلام فلما حاذاني قال: نعوذ بالله يا جندب من الشك.

ثم نزل علیه السلام يصلي إذ جاءه فارس فقال: يا أمير المؤمنين، قد عبر القوم و قطعوا النهر. فقال علیه السلام: كلا ما عبروا. فجاء آخر فقال: قد عبر القوم. فقال علیه السلام : كلا ما فعلوا. قال: و الله ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال.

فقال علیه السلام: و الله ما فعلوا، و إنه لمصرعهم و مهراق دمائهم. - و في رواية: لا يبلغون إلى قصر بوری بنت کسری - فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال کما هی، قال: فأخذ علیه السلام بقفای و دفعني ثم قال: يا أخا الأزد ما تبين لك الأمر؟ فقلت: أجل يا أمير المؤمنين.(1)

8-[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد، قال: كنت واقفاً على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذا أتاه ابن عباس بعد القتال، فقال: إن لي حاجة. فقال علیه السلام : ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم. قال: نعم، أريد أن تؤمنه. قال علیه السلام : آمنته، و لكن اذهب و جئني به، و لا تجئني به إلا رديفاً فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.

قال أمير المؤمنين علیه السلام : أتبايع؟ قال: نعم و في النفس ما فيها. قال علیه السلام: الله أعلم بما في القلوب. فلما بسط يده ليبايعه أخذ عليه السلام كفه عن كف مروان فنترها، فقال: لا حاجة لي فيها، إنها كفت يهودية، لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته. ثم قال: هيه يا ابن الحكم،

خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة، كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الأمة خسفاً و يسقونه كأسا مصبرة.(2)

9۔ [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ، قال: صلينا مع أمير المؤمنين علیه السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل فقال علیه السلام : من أين؟ قال: من الشام. قال علیه السلام : ما أقدمك؟ قال: لي حاجة. قال علیه السلام: أخبرني و إلا أخبرتك بقضيتك. قال: أخبرني بها یا أمير المؤمنين.

قال: نادي معاوية يوم كذا و كذا، من شهر كذا و كذا، من سنة كذا و كذا: من يقتل عليا علیه السلام فله عشرة آلاف دينار، فوثب فلان و قال: أنا. قال: أنت. فلما انصرف إلى منزله

ص: 463


1- مناقب آل أبي طالب: 2/ 268 - 269، عنه البحار:312/41 -313 ضمن ح 39.
2- الخرائج والجرائح: 197/1، عنه البحار: 32/ 229 ح 181، 298/41 ح 26 مع بعض الإختلاف.

ندم و قال: أسير إلى ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله و أبي ولديه فأقتله؟ ثم نادى مناديه اليوم الثاني: من يقتل علي عليه السلام فله عشرون ألف دينار. فوثب آخر فقال: أنا. فقال: أنت. ثم إنه ندم و استقال معاوية فأقاله. ثم نادى مناديه اليوم الثالث: من يقتل عليا علیه السلام فله ثلاثون ألف دينار، فوثبت أنت، و أنت رجل من حمير. قال: صدقت. قال علیه السلام : فما رأيك، تمضي إلى ما أمرت به، أو ما ذا؟ قال: لا، و لكن أنصرف. قال علیه السلام: يا قنبر، أصلح له راحلته، و هيئ له زاده و أعطه نفقته.(1)

10 -[ ابن فهد الحلي في عدة الداعی]، مرسلا، قال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد

جاثما في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال علیه السلام: أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه. ثم أنطقه الله عز و جل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و وصی خاتم النبيين. قال علیه السلام: وعليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟

قال: أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب عباده مني، سبحانه سبحانه. فمضى أمير المؤمنين عليه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفياً: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين عليه السلام و قد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنى، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلى عليه السلام بنا العصر. فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت فأذن علیه السلام و أقام و صلی المغرب ثم ركب و أقبل علي فقال: يا جويرية أقلت: هذا ساحر مفتر؟ و قلت ما [لما] رأيت طلوع الشمس وغروبها: أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك ما رأيت من أمر الأسد و ما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز وجل يقول:

ص: 464


1- المناقب: 2/ 260، عنه البحار: 306/41ضمن ح38.

«وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ»(1) ؟يا جويرية، إن رسول الله صلی الله علیه وآله كان يوحى إليه، وكان رأسه صلی الله علیه وآله في حجري، فغربت الشمس و لم أكن صليت العصر، فقال صلی الله علیه وآله لي:صليت العصر؟ قلت: لا. قال: اللهم إن عليا في طاعتك و حاجة نبيك و دعا بالاسم الأعظم فردت إلى الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني صلی الله علیه وآله بأبي هو و أمي ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الآن به. یا جويرية، إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فإني قد دعوت الله عز و جل بنسخ ذلك من قلبك، فماذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي ذلك من قلبي.(2)

11 - [علي بن إبراهيم القمي في تفسيره]،سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكاً؟ فقال علیه السلام : لا نبيا و لا ملكاً، بل عبداً أحب الله فأحبه و نصح لله فنصح له، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الله الثالثة فمکن الله له في الأرض، و فيكم مثله يعني نفسه- إلى أن قال علیه السلام :- فقيل له: إن الله في أرضه عيناً يقال لها: عين الحياة، لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة. فدعا ذو القرنين الخضر و كان أفضل أصحابه عنده و دعا ثلاثمائة و ستين رجلا و دفع إلى كل واحد منهم سمكة و قال لهم: اذهبوا إلى موضع كذا و كذا فإن هناك ثلاثمائة و ستين عيناً فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه، فذهبوا يغسلون و قعد الخضر يغسل فانسابت السمكة منه في العين و بقي الخضر متعجبا مما رأي، و قال في نفسه: ما أقول لذي القرنين؟

ثم نزع ثيابه يطلب السمكة فشرب من مائها و اغتمس فيه و لم يقدر على السمكة فرجعوا إلى ذي القرنين، فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا، فدعاه وقال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر، فقال له: فصنعت ماذا؟ قال: اغتمست فيها فجعلت أغوص و أطلبها فلم أجدها. قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها. فقال للخضر: كنت أنت صاحبها.(3)

ص: 465


1- الأعراف: 180.
2- عدة الداعي: 97، عنه البحار: 80/ 324 ح 25.
3- تفسير القمي: 41/2ذیل قوله تعالى :«وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ»، عنه البحار: 12/ 178 ح5، وعنه أيضأ قصص الأنبياء للجزائري: 142- 143، والآية : الكهف: 83.

12 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، أنه أثنى على أمير المؤمنين عليه السلام رجل منهم، فقال علیه السلام : أنا دون ما تقول، و فوق ما تظن في نفسك.(1)

13 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، في حديث ثابت بن الأفلج قال: ضلت لي فرس نصف الليل، فأتيت باب أمير المؤمنين علیه السلام ، فلما وصلت الباب خرج إلى قنبر و قال لي: يا ابن الأفلج الحق فرسك فخذه من عوف بن طلحة السعدي.(2)

14 - [الراوندي في قصص الأنبياء علیهم السلام]، عن ابن عباس، في جواب أمير المؤمنين عن سؤال اليهودي الذي سأله عن قصة أصحاب الكهف وأسمائهم وعددهم واسم کلبهم واسم کهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم، فقال علي علیه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود، - إلى أن قال علیه السلام: فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له: (تمليخا)، و كان غلاماً، فقال في نفسه: لو كان دقیانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع، و ما كان يبول و لا يتغوط، و ما كان ينام، و ليس هذه من فعل الإله..الخبر.(3)

15 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، مسند العشرة عن أحمد بن حنبل، و قال(أمير المؤمنين عليه السلام ) لطلحة و الزبير - و قد استأذناه في الخروج إلى العمرة -: و الله ماتریدان العمرة، و إنما تريدان البصرة.

و في رواية: إنما تريدان الفتنة. و قال علیه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر و خرجا بوجه غادر، ولا ألقاهما إلا في كتيبة، و أخلق [أخاف ] بهما أن يقتلا.(4)

16 - [المفيد في كتاب الجمل]، (في خروج طلحة و الزبير إلى مكة).. فصار الرجلان إلى أمير المؤمنين علیه السلام و تيمما وقت خلوته علیه السلام، فلما دخلا عليه قالا: يا أمير المؤمنين، قد

ص: 466


1- المناقب: 2/ 269، عنه البحار: 327/41ضمن ح47.
2- مناقب آل أبي طالب: 2/ 258، عنه البحار: 304/41 ح37.
3- قصص الأنبياء: 258 ح 300، عنه البحار: 14/ 414ح1، وأورده الجزائري عنه أيضا: 443، والديلمي في إرشاد القلوب بحذف الإسناد:361/2، أقول: الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- مناقب آل أبي طالب: 2/ 262، عنه البحار: 41/ 310 ضمن ح 39، ولاحظ أيضا الخرائج والجرائح إلى قوله علیه السلام: (ولكن تريدان البصرة) : 199/1، عنه البحار: 299/41ح 29، الإرشاد:315/1 ، الإحتجاج: 161/1 ، إعلام الوری: 169- 170.

جئناك نستأذنك للخروج في العمرة. فلم يأذن علیه السلام لها. فقالا: نحن بعيدو العهد بها، ائذن لنا فيها. فقال علیه السلام لهما: و الله ما تريدان العمرة و لکنکما تريدان الغدرة، و إنما تريدان البصرة. فقالا: اللهم غفراً، ما نريد إلا العمرة.

فقال علیه السلام لهما: احلفا لي بالله العظيم أنکها لا تفسدان علي أمور المسلمين و لا تنكثان لي بيعة و لا تسعيان في فتنة. فبذلا ألسنتهما بالأيمان الوكيدة فيما استحلفهما عليه من ذلك، فلما خرجا من عنده علیه السلام لقيهما ابن عباس فقال لهما: فأني لكما أمير المؤمنين علیه السلام ؟ قالا: نعم. فدخل على أمير المؤمنين علیه السلام فابتدأه علیه السلام و قال: یا ابن عباس، أعندك خبر؟ فقال: قد رايت طلحة و الزبير. فقال عليه السلام له: إنهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا و لا ينكثا و لا يحدثا فساداً، و الله يا ابن عباس ما قصدا إلا الفتنة، فكأني بهما و قد صارا إلى مكة ليستعينا على حربي، فإن يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق و فارس لينفق ذلك، و سيفسد هذان الرجلان على أمري و يسفكان دماء شيعتي و أنصاري.

فقال عبد الله بن عباس: إذا كان عندك الأمر كذلك فلم أذنت لهما؟ و هلا حبستهما و أوثقتهما بالحديد و كفيت المسلمين شرهما؟ فقال علیه السلام له: يا ابن عباس، أتأمرني أن أبدأ بالظلم و بالسيئة قبل الحسنة و أعاقب على الظنة و التهمة؟ أؤاخذ بالفعل قبل کونه؟ كلا و الله لا عدلت عما أخذ الله على من الحكم بالعدل ولا القول بالفصل، با ابن عباس إنني أذنت لهما و أعرف ما يكون منهما لكنني استظهرت بالله عليهما، و الله لأقتلنهما و ليخيبن ظنهما و لا يلقيان من الأمر مناهما، فإن الله يأخذهما بظلمهما لي و نكثهما بيعتي و بغيهما علي.(1)

17 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، المعجزات و الروضة و دلائل ابن عقدة،أبو إسحاق السبيعي و الحارث الأعور: رأينا شيخا باكياً و هو يقول: أشرفت على المائة و ما

ص: 467


1- الجمل: 166 - 167 ، أقول: قال الشيخ المفيد قدس سره بعد ذكره للخبر: (و هذا الخبر و الذي تقدمه مع ما ذكرناه من الأثر موجود في مصنفات أصحاب السير، فقد أورده ابو مخنف لوط بن يحيى في كتابه الذي صنفه في حرب الجمل، و جاء به الثقفي عن رجاله الكوفيين و الشاميين و غيرهم، و لم يورد أحد من أصحاب الآثار نقيضه في معناه و لا أثبت ضده في فحواه، و من تأمل ذلك علم أن القوم لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدين و لا نصيحة للمسلمين، و أن الذي أظهروه من الطلب بدم عثمان إنها كان تشبيها و تلبیسا على العامة و المستضعفين.)

رأيت العدل إلا ساعة. فسئل عن ذلك فقال: أنا هجر الحميري و کنت يهوديا أبتاع الطعام، قدمت يوماً نحو الكوفة فلما صرت بالقبة بالمسجد فقدت حميري فدخلت الكوفة على الأشتر فوجهني إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلما رآني قال علیه السلام : يا أخا اليهود إن عندنا علم البلايا و المنايا ما كان أو يكون، أخبرك أم تخبرني بما ذا جئت؟

فقلت: بل تخبرني. فقال عليه السلام: اختلست الجن مالك في القبة، فما تشاء؟ قلت: إن تفضلت علي آمنت بك. فانطلق علیه السلام معي حتى إذا أتى القبة صلى ركعتين و دعا بدعاء، و قرأ: «يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ» الآية(1)، ثم قال علیه السلام:يا عبيد الله، ما هذا العبث؟ والله ما على هذا بایعتموني وعاهدتموني يا معشر الجن.

فرأيت مالي يخرج من القبة، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمداً صلی الله علیه وآله رسول الله، و أشهد أن عليا علیه السلام ولي الله. ثم إني لما قدم الآن وجدته مقتولا(2).

18 -[ الشيخ في الأمالي]، الزبير بن بكار، عن علي بن محمد قال: كان عمرو بن العاص يقول: إن في علي دعابة.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين علیه السلام فقال: زعم ابن النابغة أني تلعابة مزاحة ذو دعابة أعافس و أمارس، هيهات، يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب، و من كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ و زاجر. أما و شر القول الكذب، إنه ليحدث فيكذب و يعد فيخلف، فإذا كان يوم البأس فأي زاجر و آمر هو ما لم يأخذ السيوف هام الرجال، فإذا كان ذلك فأعظم مکیدته في نفسه أن يمنح القوم استه.(3)

19 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن عليا علیه السلام كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال: أنا ومن رعيتك و أهل بلادك. قال علیه السلام: لست ممن رعيتي و لا من أهل بلادي، و لكن ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية أقلقته و أرسلك إلى بها.

قال: صدقت يا أمير المؤمنين، إن معاوية أرسلني إليك في خفية و أنت قد اطلعت على ذلك و لا يعلمه غير الله .. الخبر.(4)

ص: 468


1- الرحمن: 35.
2- مناقب آل أبي طالب: 306//2، عنه البحار: 39/ 183 ضمن ح23.
3- الأمالي: 131 - 132 ح208 - 21 المجلس الخامس، عنه البحار: 33/ 223 ح 511.
4- الخرائج و الجرائح: 2/ 572، عنه البحار: 325/43-326ح5، وأورده بإختصار في الصراط المستقيم: 2/ 178 ح7، أقول: تمام الخبر في الباب6، القسم الثالث، ح4.

20 - [المجلسي في البحار من کتاب مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش]، بطريقين إلى سلمان و البراء، قالا: قالت أم سليم: کنت امرأة قد قرأت التوراة و الإنجيل فعرفتُ أوصياء الأنبياء و أحببت أن أعلم وصي محمد صلی الله علیه وآله فلما قدمت رکابنا المدينة أتيت رسول الله صلی الله علیه وآله و خلفت الركاب مع الحي فقلت: يا رسول الله - إلى أن قال: - قد نظرت في الكتب الأولى فيا وجدت لك إلا وصياً واحداً في حياتك و بعد وفاتك، فبين لي بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : إن لي وصياً واحداً في حياتي و بعد وفاتي. قلت له: من هو؟

فقال صلی الله علیه وآله: ايتيني بحصاة. فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه، ثم فركها بیده کسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه صلی الله علیه وآله، فبدا النقش فيها للناظرين، ثم أعطانيها و قال: يا أم سليم، من استطاع مثل هذا فهو وصيي. قالت: ثم قال لي: يا أم سليم، وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن. فنظرت إلى رسول الله صلی الله علیه وآله و قد ضرب بيده اليمنى إلى السقف و بيده اليسرى إلى الأرض قائماً لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض و لا يرفع نفسه بطرف قدميه.

قالت: فخرجتُ فرأيت سلمان يكنف عليا علیه السلام و يلوذ بعفوته (1)دون من سواه من أسرة محمد صلی الله علیه وآله وصحابته على حداثة من سنه. فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي، صاحب الأوصياء و عنده من العلم ما لم يبلغني، فيوشك أن يكون صاحبي. فأتي عليا علیه السلام فقلت: أنت وصي محمد صلی الله علیه وآله؟ قال علیه السلام : نعم، ما تريدين؟ قلت: و ما علامة ذلك؟ فقال علیه السلام : ایتیني بحصاة. قالت: فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين.

ثم مشى علیه السلام نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله صلی الله علیه وآله ، فالتفت علیه السلام إلى ففعل مثل الذي فعله صلی الله علیه وآله، فقلت: من وصيك يا أبا الحسن؟ فقال علیه السلام : من يفعل مثل هذا.. الخبر.(2)

ص: 469


1- قال الجوهري: العقوة: الساحة وما حول الدار، يقال :مايطور بعقونه أحد أي: ما يقربها (عن البحار).
2- البحار: 25/ 185 ح6 أقول: أعرضنا عن تمام الخبر لطوله.

الثالث: إخبارات الإمام الحسن بن علي المجتبى علیه السلام

1-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن علي بن محمد، بإسناده إلى عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين علیه السلام في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار(1)و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بني مروان.

فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين، و ما جند بني مروان؟ قال: فقال عليه السلام له: أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب، فمسخوا. فلم أر ناطقاً أحسن نطقا منه علیه السلام ، ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟

قالت: فقال: ائتيني بتلك الحصاة - و أشار بيده إلى حصاة - .فأتيته علیه السلام بها، فطبع لي فيها بخاتمه. ثم قال علیه السلام لي: يا حبابة، إذا ادعي مدع الإمامة فقدر أن يطبع کما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، و الإمام لا يعزب عنه شيء يريده.

قالت: ثم انصرف حتى قبض أمير المؤمنين علیه السلام، فجئت إلى الحسن علیه السلام و هو في مجلس أمير المؤمنين علیه السلام و الناس يسألونه، فقال عليه السلام : يا حبابة الوالبية. فقلت: نعم يا مولاي. فقال علیه السلام : هاتي ما معك. قالت: فأعطيه فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين علیه السلام.

قالت: ثم أتيت الحسين علیه السلام وهو في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله، فقرب و رحب، ثم قال علیه السلام لي: إن في الدلالة دليلا على ما تريدين، أفتریدین دلالة الإمامة؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال علیه السلام: هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع عليه السلام لي فيها.

قالت: ثم أتيت علي بن الحسين عليهما السلام ، و قد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت و أنا أعد يومئذ مائة و ثلاث عشرة سنة، فرأيته علیه السلام راكعاً و ساجداً و مشغولا بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومأ علیه السلام إلي بالسبابة فعاد إلى شبابي. قالت: فقلت: يا سيدي، كم مضى من الدنيا؟ و كم بقي؟ فقال علیه السلام: أما ما مضى فنعم، و أما ما بقي فلا.(2)

ص: 470


1- في كمال الدين بدل الزمار :( الزمير)، وفيه إضافة: (الطافي)، وقال المجلسي قدس سره: الجري والمارماهي والزمير أنواع من السمك لا فلوس لها، والطافي: الذي مات في الماء وطفا فوقه.
2- قال المجلسي قدس سره : (وأما ما مضى فنعم) أي: لنا علم به، (وأما ما بقي) فليس لنا به علم، أو (أماما مضى) فتبينه لك، فعلى الثاني فسره علیه السلام لها ولم تنقل، وعلى الأول يحتمل البيان وعدمه للمصلحة.

قالت: ثم قال علیه السلام لي: هاتي ما معك. فأعطيه علیه السلام الحصاة فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا جعفر علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا عبد الله علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا الحسن موسی علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا علیه السلام فطبع لي فيها.

و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد بن هشام.(1)

2 - [الطبرسي في الإحتجاج]، عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب البصري (في حديث الإمام المجتبی علیه السلام مع معاوية ومن معه، إلى أن قال علیه السلام):وسأبدأ بك يا معاوية، ولا أقول ما فيك إلا دون ما فيك.. ثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد، ولكن اللسان خائف، فهو يتكلم بما ليس في القلب.. الحديث.(2)

3 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح] ،روي عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الحسن بن علي عليهما السلام كان عنده رجلان فقال عليه السلام لأحدهما: إنك حدثت البارحة فلاناً بحديث كذا وكذا. فقال الرجل الآخر: إنه ليعلم ما كان! وعجب من ذلك.

فقال علیه السلام: إنا لنعلم ما يجري بالليل و النهار. ثم قال عليه السلام : إن الله تبارك و تعالى علم رسوله صلی الله علیه وآله الحلال و الحرام و التنزيل و التأويل، فعلم رسول الله صلی الله علیه وآله علياً علیه السلام في علمه كله.(3)

4 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن عليا علیه السلام كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال: أنا من رعیتك و أهل بلادك. قال علیه السلام: لست من رعیتي و لا من أهل بلادي، و لكن ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية أقلقته و أرسلك إلى بها. قال: صدقت يا أمير المؤمنين، إن معاوية أرسلني إليك في خفية وأنت قد اطلعت على ذلك ولا يعلمه غير الله.

فقال علیه السلام:سل أحد ابني هذين. قال: أسأل ذا الوفرة - يعني الحسن عليه السلام-. فأتاه، فقال له الحسن علیه السلام: جئت تسأل كم بين الحق و الباطل، و کم بين الأرض و السماء، و کم بین المشرق و المغرب، و ما قوس قزح، و ما المؤنث، و ما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟

قال: نعم. قال الحسن علیه السلام: بين الحق و الباطل أربعة أصابع، ما رأيته بعينك فهو الحق

ص: 471


1- الكافي: 1/ 347، کمال الدین: 2/ 536 - 537، عنه البحار: 25/ 175 - 177 ح1وفي کمال الدين (عبد الله بن هشام) بدل (محمد بن هشام). ولاحظ بعض فقراته في إعلام الوری: 209 -210.
2- الإحتجاج: 271/1، عنه البحار: 44/ 75ح1، والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 573 - 574، عنه البحار: 43/ 330 ح10.

و قد تسمع بأذنيك باطلا كثيراً. و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مد البصر، و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشمس. و قزح اسم للشيطان، لا تقل قوس قزح، هو قوس الله و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق. و أما المؤنث فهو الذي لايدری أذكر هو أو أنثى، فإنه ينتظر به فإن كان ذكراً احتلم و إن كان أنثى حاضت و بدا ثديها، و إلا قيل له: بل، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو أنثى. و أما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض: فأشد شيء خلق الله الحجر، و أشد منه الحديد يقطع به الحجر، و أشد من الحديد النار تذيب الحديد، و أشد من النار الماء يطفي النار، و أشد من الماء السحاب يحمل الماء، و أشد من السحاب الريح تحمل السحاب، و أشد من الريح الملك الذي يردها، و أشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، و أشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، و أشد من الموت أمر الله الذي يدفع الموت.(1)

الرابع: إخبارت الإمام الحسين بن علي الشهيد علیه السلام

1-[ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن الأصبغ بن نباتة قال: سألت الحسين عليه السلام ، فقلت: سيدي أسألك عن شيء أنا به موقن و إنه من سر الله و أنت المسرورإليه ذلك السر. فقال: يا أصبغ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول الله صلی الله علیه وآله لأبي دون يوم مسجد قبا؟(2)

قال: هذا الذي أردن. قال علیه السلام : قم. فإذا أنا و هو بالكوفة، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتد إلي بصري، فتبسم علیه السلام في وجهي ثم قال: يا أصبغ، إن سلیمان بن داود أعطي الريح غدوها شهر و رواحها شهر(3)، و أنا قد أعطيت أكثر مما أعطي سليمان. فقلت: صدقت و الله يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله .

فقال علیه السلام : نحن الذين عندنا علم الكتاب(4) و بیان ما فيه، و ليس عند أحد من خلقه

ص: 472


1- الخرائج والجرائع: 2/ 572 - 573، عنه البحار: 3/ 325 - 326 ح5، وأورده بإختصار في الصراط المستقیم: 2/ 178 ح7.
2- قال المجلسي قدس سره : بیان (لأبي دون) أي لأبي بكر، عبر به عنه تقية، و الدون :الخسيس.
3- إشارة إلى الآية 12 من سورة سبأ.
4- إشارة إلى الآية 43 من سورة الرعد.

ما عندنا لأنا أمل سر الله. فتبسم علیه السلام في وجهي ثم قال: نحن آل الله و ورثة رسوله صلی الله علیه وآله . فقلت: الحمد لله على ذلك. قال علیه السلام لي: ادخل. فدخلت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله محتبي في المحراب بردائه، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين علیه السلام قابض على تلابيب الأعسر(1)، فرأيت رسول الله صلی الله علیه وآله يعض على الأنامل و هو يقول: بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك، عليكم لعنة الله و لعنتي. الخبر (2)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي] ،عن علي بن محمد، بإسناده إلى عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين علیه السلام في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار(3) و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بني مروان.

فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين، و ما جند بني مروان؟ قال: فقال عليه السلام له: أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب، فمسخوا، فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه علیه السلام، ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟

قالت: فقال: ائتيني بتلك الحصاة - و أشار بيده إلى حصاة -. فأتيته علیه السلام بها، فطبع لي فيها بخاتمه. ثم قال علیه السلام لي: يا حبابة، إذا ادعي مدع الإمامة فقدر أن يطبع کما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، و الإمام لا يعزب عنه شيء يريده.

قالت: ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين علیه السلام، فجئت إلى الحسن عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام و الناس يسألونه، فقال عليه السلام : يا حبابة الوالبية. فقل : نعم یا مولاي. فقال علیه السلام : هاتي ما معك. قالت: فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين علیه السلام.

قالت: ثم أتيت الحسين علیه السلام وهو في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله، فقرب و رحب، ثم قال علیه السلام لي: إن في الدلالة دليلا على ما تريدين، أفتریدین دلالة الإمامة؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال علیه السلام: هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع علیه السلام لي فيها.

ص: 473


1- قال المجلسي قدس سره : الأعسر الشديد أو الشؤم، و المراد به إما أبو بكر أو عمر.
2- مناقب آل أبي طالب: ج 52/4، عنه البحار: 44/ 184 ضمن ح 11.
3- في كمال الدين بدل الزمار : (الزمير)، وفيه إضافة: (الطافي)، وقال المجلسي قدس سره: الجري والمارماهي والزمير أنواع من السمك لا فلوس لها، والطافي: الذي مات في الماء وطفا فوقه.

قالت: ثم أتيت علي بن الحسين علیه السلام ، و قد بلغ بي الكبير إلى أن أرعشت و أنا أعد يومئذ مائة و ثلاث عشرة سنة، فرأيته علیه السلام راكعا وساجدا و مشغولا بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومأ علیه السلام إلي بالسبابة فعاد إلى شبابي. قالت: فقلت: يا سيدي، كم مضى من الدنيا؟ و كم بقي؟ فقال علیه السلام: أما ما مضى فنعم، و أما ما بقي فلا.(1)

قالت: ثم قال علیه السلام لي: هاتي ما معك. فأعطيته علیه السلام الحصاة فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا جعفر علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا عبد الله علىه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا الحسن موسی علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا علیه السلام فطبع لي فيها.

و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد بن هشام.(2)

الخامس: إخبارات الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام

1. [المجلسي في البحار من منتخب البصائر]، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر علیه السلام قال: كنت مريضا بمني و أبي علیه السلام عندي، فجاءه الغلام فقال: هاهنا رهط من العراقيین يسألون الإذن عليك. فقال أبي علیه السلام: أدخلهم الفسطاط. وقام إليهم، فدخل عليهم فما لبث أن سمعت ضحك أبي عليه السلام قد ارتفع، فأنكرت و وجدت في نفسي من ضحكه و أنا في تلك الحال، ثم عاد علیه السلام إلى فقال: يا أبا جعفر، عساك وجدت في نفسك من ضحكي؟

فقلت: و ما الذي غلبك منه الضحك جعلت فداك؟ فقال علیه السلام: إن هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر كان مضى من آبائك و سلفك يؤمنون به و يقرون، فغلبني الضحك سروراً أن في الخلق من يؤمن به و يقر. فقلت: و ما هو جعلت فداك؟قال علیه السلام : سألوني عن الأموات متی يبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين.(3)

ص: 474


1- قال المجلسي قدس سره : (وأما ما مضى فنعم) أي: لنا علم به، (وأما ما بقي) فليس لنا به علم، أو (أماما مضى) فنبينه لك، فعلى الثاني فسره لها ولم تنقل، وعلى الأول يحتمل البيان وعدمه للمصلحة.
2- الكافي: 1/ 347ح3، کمال الدین: 2/ 536 - 537، عنه البحار: 25/ 175 - 177 ح 1، وفي کمال الدين (عبد الله بن هشام )بدل (محمد بن هشام). ولاحظ بعض فقرانه في إعلام الوری: 209-210.
3- البحار:67/53ح62.

2-[محمد بن یعقوب في الكافي]، عن علي بن محمد، بإسناده إلى عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين علیه السلام في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار(1) و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بني مروان.

فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين، و ما جند بني مروان؟ قال: فقال علیه السلام له: أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب، فمسخوا. فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه علیه السلام ، ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟

قالت: فقال: ائتيني بتلك الحصاة - و أشار بيده إلى حصاة -. فأتيه علیه السلام بها، فطبع لي فيها بخاتمه. ثم قال علیه السلام لي: يا حبابة، إذا ادعي مدع الإمامة فقدر أن يطبع کما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، و الإمام لا يعزب عنه شيء يريده.

قالت: ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام ، فجئت إلى الحسن علیه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام و الناس يسألونه، فقال علیه السلام: یا حبابة الوالبية. فقلت: نعم يا مولاي. فقال علیه السلام : هاتي ما معك. قالت: فأعطيته فطبع فیها کما طبع أمير المؤمنين علیه السلام.

قالت: ثم أتيت الحسين علیه السلام وهو في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقرب و رحب، ثم قال علیه السلام لي: إن في الدلالة دليلا على ما تريدين، أفتریدین دلالة الإمامة؟ فقلت: نعم يا سیدي. فقال علیه السلام: هاتي ما معك، فناوله الحصاة فطبع علیه السلام لي فيها.

قالت: ثم أتيت علي بن الحسين علیه السلام ، و قد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت و أنا أعد يومئذ مائة و ثلاث عشرة سنة، فرأيته علیه السلام راكعاً و ساجداً و مشغولاً بالعبادة،فيئست من الدلالة، فأومأ علیه السلام إلى بالسبابة فعاد إلى شبابي. قالت: فقلت: يا سيدي، كم مضى من الدنيا؟ و كم بقي؟ فقال عليه السلام : أما ما مضى فنعم، و أما ما بقي فلا.(2)

قالت: ثم قال علیه السلام لي: هاتي ما معك. فأعطيه علیه السلام الحصاة فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا

ص: 475


1- في كمال الدين بدل الزمار : (الزمير)، وفيه إضافة: (الطافي)، وقال المجلسي قدس سره : الجري والمارماهي والزمير أنواع من السمك لا فلوس لها، والطاني: الذي مات في الماء وطفا فوقه.
2- قال المجلسي قدس سره: (وأما ما مضى فنعم) أي: لنا علم به، (وأما ما بقي) فليس لنابه علم، أو (أماما مضي) فنبينه لك، فعلى الثاني فسره علیه السلام لها ولم تنقل، وعلى الأول يحتمل البيان وعدمه للمصلحة.

جعفر علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا عبد الله علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا الحسن موسی علیه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا علیه السلام فطبع لي فيها.

و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد بن هشام.(1)

3 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، في خبر طويل عن سعيد بن جبير، قال أبو خالد الكابلي: أتيت علي بن الحسين علیهما السلام على أن أسأله هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله ، فلما بصر علیه السلام بي قال: يا أبا خالد، أتريد أن أريك سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله ؟ قلت: و الله يا ابن رسول الله ما أتيت إلا لأسألك عن ذلك و لقد أخبرتني بما في نفسي.

قال علیه السلام : نعم. فدعا بحق كبير و سفط فأخرج لي خاتم رسول الله صلی الله علیه وآله ، ثم أخرج لي در عه صلی الله علیه وآله ، و قال: هذا درع رسول الله صلی الله علیه وآله. و أخرج علیه السلام إلى سيفه وقال: هذا و الله ذو الفقار. و أخرج عليه السلام عمامته صلی الله علیه وآله وقال: هذه السحاب. و أخرج علیه السلام رايته صلی الله علیه وآله وقال: هذه العقاب، و أخرج قضيبه و قال: هذا السكب، و أخرج عليه السلام نعليه صلی الله علیه وآله، و قال: هذان نعلا رسول الله صلی الله علیه وآله، وأخرج علیه السلام رداءه صلی الله علیه وآله وقال: هذا كان يرتدي به رسول الله صلی الله علیه وآله ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة، وأخرج علیه السلام لي شيئاً كثيراً، قلت: حسبي جعلني الله فداك.(2)

السادس: إخبارات الإمام محمد بن علي الباقرعلیه السلام

1- [فرات بن إبراهيم في تفسيره]، بالإسناد أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام في قول الله تعالى:«مَثَلُ نُورِهِ کَمِشکَاةٍ فِیهَا مِصبَاحٌ- إلى أن قال - يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ» قال عليه السلام : يكاد العالم من آل محمد صلی الله علیه وآله يتكلم بالعلم قبل أن يسأل عنه.(3)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا مسنداً إلى القاسم بن سلیمان، عن

ص: 476


1- الكافي: 1/ 347 ح3، کمال الدین: 2/ 536 - 537، عنه البحار: 25/ 175 - 177 ح1 وفي کمال الدين (عبد الله بن هشام) بدل (محمد بن هشام). ولاحظ مقطعا من الحديث في إعلام الوری: 209-210.
2- مناقب آل أبي طالب: 4/ 135 - 136، وأورده في البحار:35/46ح 31 عن روضة الواعظين ولم نجده في النسخة الموجودة.
3- تفسير فرات بن إبراهيم: 281 ح 281 - 381، عنه البحار: 23/ 212ح17، ولاحظ التوحيد: 158ح 4(نحوه)، عنه المناقب: 1/ 280، تأويل الآيات الظاهرة: 356.

أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعت أبي علیه السلام يقول: أتى رسول الله صلی الله علیه وآله رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية، فعلمني جوامع الكلام(1) فقال صلی الله علیه وآله : آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات(2)، حتى رجع الرجل إلى نفسه(3)، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلی الله علیه وآله إلا بالخير.. الخبر.(4)

3- [کتاب حسین بن سعيد و النوادر]، الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: سمعته علیه السلام يقول: إن داود النبي صلوات الله عليه كان ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدب حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود، و حدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة؟ فأوحى الله إليها: تكلمي. فقالت له: يا داود، هل سمعت حسي، أو استبنت على الصفا أثري؟

فقال لها داود علیه السلام:لا. قالت: فإن الله يسمع دبيبي و نفسي و حسي، و يرى أثر مشيي ،فاخفض من صوتك. (5)

4 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الحسن بن موسى، عن زرارة، قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام فسألني: ما عندك من أحاديث الشيعة؟ قلت: إن عندي منها شيئا كثيرا قد هممت أن أوقد لها ناراً ثم أحرقها. قال علیه السلام : ولم؟ هات ما أنكرت منها. فخطر على بالي الأدمون. فقال علیه السلام لي: ما كان على الملائكة حيث قالت: «أتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَ یَسفِكُ الدِّمَاءَ»(6).

ص: 477


1- قال المجلسي قدس سره: قال في النهاية فيه (أوتيت جوامع الكلم) یعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه حديث في صفته أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
2- قال المجلسي قدس سره: (فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات)كأن أصل السؤال كان ثلاث مرات فالإعادة مرتان أطلقت على الثلاث تغليباً و المعنى أنه صلی الله علیه وآله في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب الأول.
3- قال المجلسي قدس سره: (حتى رجع الرجل) أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اکتفائه صلی الله علیه وآله بجواب واحد غير مستحسن فأمسك و علم أنه صلی الله علیه وآله لم يجبه بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة و أنها تكفيه أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلی الله علیه وآله الغضب بالذكر لتلك الأمور.
4- البحار: 70/ 274 ح 25، قال المجلسي قدس سره: (فيقتل النفس) أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا و هو يوجب القصاص في الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة، و الأخرى (قذف المحصنة) و هي العفيفة و هو يوجب الحد في الدنيا و العقاب العظيم في الآخرة.
5- كتاب الزهد: 64 ح 170، عنه البحار: 31190 ح 15، 17/14 ح29.
6- بصائر الدرجات: 235 ح 6، عنه البحار: 25/ 282 ح 28 وفيه (الأمور) بدل (الأدمون)، وأورده العياشي في تفسيره: 1/ 32 ح 9 وبدل الآدمون: (الآدميون). والآية: البقرة: 30، أقول: قال المجلسي قدس سره بعد ذكر الحديث - بیان: لعل زرارة كان ينكر أحاديث من فضائلهم علیه السلام لا يحتملها عقله، فنبهه علیه السلام بذكر قصة الملائكة وإنكارهم فضل آدم عليهم وعدم بلوغهم إلى معرفة فضله، على أن نفي الأمور من قلة المعرفة، ولا ينبغي أن يكذب المرء بما لم يحط به علمه، بل لابد أن يكون في مقام التسليم فمع قصور الملائكة مع علو شأنهم عن معرفة آدم لا يبعد عجزك عن معرفة الأئمة علیهم السلام. انتهى

5-[الصفار في بصائر الدرجات]،عن زرارة قال: قال أبو جعفر علیه السلام:حدث عن بني إسرائيل يا زرارة و لا حرج.

فقلت: جعلت فداك، إن في حديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم. قال عليه السلام : فأي شيء هو یا زرارة؟ قال: فاختلس في قلبي فمكثت ساعة لا أذكره ما أريد. قال علیه السلام: لعلك تريد التقية؟ قال: نعم. قال علیه السلام: صدق بها فإنها حق.(1)

6 - [المجلسي في البحار عن المفيد في الإرشاد]، عن علي بن سعيد، عن محمد بن كرامة، عن أبي حمزة الثمالي قال: كانت لابن ابنتي حمامات فذبحتهن غضباً ثم خرجت إلى مكة فدخلت على أبي جعفر محمد الباقر علیه السلام قبل طلوع الشمس فلما طلعت رأيت فيها حماماً كثيراً قال: قلت: أسأله علیه السلام مسائل و أكتب ما يجيبني عنها و قلبي متفكر فيما صنعت بالكوفة و ذبحي لتلك الحمامات من غير معنی و قلت في نفسي: لو لم يكن في الحمام خير لما أمسكهن.

فقال لي أبو جعفر عليه السلام : ما لك يا أبا حمزة؟ قلت: يا ابن رسول الله خير. قال عليه السلام : كأن قلبك في مكان آخر. قلت: إي و الله، و قصصت عليه القصة و حدثته و أني ذبحتهن فالآن أنا أعجب بكثرة ما عندك منها. قال: فقال الباقر علیه السلام : بئس ما صنعت یا أبا حمزة، أما علمت أنه إذا كان من أهل الأرض عبث بصبياننا ندفع عنهم الضرر بانتفاض الحمام(2) و أنهن يؤذن بالصلاة في آخر الليل.(3)

ص: 478


1- بصائر الدرجات: 240 ح 19، وأورده الكشي في رجاله: 157 ح260 وفيه بدل(التقية) : الغيبة.أقول: في البحار: 2/ 159 عن عبد الأعلى بن أعين قال : (قلت لأبي عبد الله علیه السلام: جعلت فداك، حديث يرويه الناس أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال : حدث عن بني إسرائيل و لا حرج. قال علیه السلام: نعم. قلت: فنحدث عن بني إسرائيل بما سمعناه و لا حرج علينا؟ قال علیه السلام: أما سمعت ما قال : كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؟. فقلت : و كيف هذا؟ قال علیه السلام: ما كان في الكتاب أنه كان في بني إسرائيل فحدث أنه كان في هذه الأمة و لا حرج.)
2- انتفاض الحمام: تحركها ونفض أجنحتها. (البحار)
3- البحار: 15/62 ح9، لم نجده في الإرشاد، وأورده في المستدرك: 8/ 283 ح 1.

7-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال علیه السلام: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلا-و أشار بيده -: ثلاثة.

قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال عليه السلام : رحم الله عماراً أبا اليقظان، بایع و قتل شهيداً. فقلت في نفسي: ماشيء أفضل من الشهادة. فنظر علیه السلام، فقال:لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات أيهات!(1)

8- [ابن شهر آشوب في المناقب]، جابر بن یزید الجعفي قال: مررت بمجلس عبد الله بن الحسن فقال: بماذا فضلني محمد بن علي علیهما السلام؟ ثم أتيت إلى أبي جعفرعلیه السلام(2) ، فلما بصر بي ضحك إلي ثم قال: يا جابر اقعد، فإن أول داخل يدخل عليك في هذا الباب عبد الله بن الحسن.

فجعلت أرمق ببصري نحو الباب(3) و أنا مصدق لما قال سيدي إذ أقبل يسحب أذياله، فقال له: يا عبد الله أنت الذي تقول بماذا فضلني محمد بن علي علیهما السلام ؟ إن محمداً صلی الله علیه وآله و علياً علیه السلام ولداه و قد ولداني. ثم قال علیه السلام: يا جابر احفر حفيرةً و املأها حطباً جزلا(4) و أضرمها ناراً. قال جابر: ففعلت فلما أن رأي علیه السلام النار قد صارت جمراً أقبل عليه بوجهه فقال: إن كنت حيث ترى فادخلها لن تضرك، فقطع بالرجل(5) فتبسم في وجهي ثم قال: يا جابر، «فَبُهِتُ الّذِي كَفَرَه»(6).

ص: 479


1- الكافي: 2/ 244 ح6، عنه البحار: 344/22 ح 54، 64/ 164 ح8، قال المجلسي قدس سره في بيانه: (..(ما أقلنا) صيغة تعجب. (ما أفنيناها) أي: ما نقدر على أكل جميعها و( أشار) کلام الراوي، والمراد به الإشارة بثلاثة أصابع من يده علیه السلام ، و (ثلاثة) كلام الإمام، والمراد بالثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد کما روى الكشی عن الباقر علیه السلام أنه قال : (ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد قال الراوي: فقلت: فعمار؟ قال: كان جاض جيضة ثم رجع.. ) جاض أي عدل عن الحق و مال. وقال الجوهري: هيهات كلمة تبعید و التاء مفتوحة مثل كيف..الخ.).
2- رمقه: لحضه لحضاً خفيفاً(البحار).
3- أقول: يحتمل أن يكون مجيئ جابر إلى الإمام علیه السلام ليقص عليه كلام عبد الله ولذلك ابتدأه الإمام علیه السلام ليعلمه أنه عالم بما اختلج في نفسه، ولهذه الجهة أدرجنا الخبر هنا.
4- الجزل: الحطب اليابس أو الغليظ العظيم منه والكثير من الشيء (البحار).
5- (فقطع بالرجل) - على بناء المجهول - أي : انقطعت حجته (البحار).
6- مناقب آل أبي طالب: 4/ 185، عنه البحار: 261/46 - 262 ضمن ح62، والآية: البقرة: 258، وقوله : (بهت) - على المجهول - أي: انقطع و تحير وعجز عن الجواب (البحار).

9-[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: يدخل النار مؤمن؟

قال علیه السلام: لا و الله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله. فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة، إني أقول: لا، و أقول: إلا من شاء الله. و أنت تقول: لا، و لا تقول: إلا من شاء الله.

قال: فحدثني هشام بن الحكم و حماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة. قال: فقال عليه السلام لي: يا زرارة، ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا و الله الذي لا علم لي بالخصومة.(1)

10 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن محمد بن مسلم قال: دخلت أنا و أبو جعفر علیه السلام مسجد الحرام، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه: تدرون متی قتل نصف الناس؟ فسمعه أبو جعفر علیه السلام يقول نصف الناس! قال علیه السلام : إنما هو ربع الناس، إنما هو آدم و حواء و قابيل و هابیل. قال: صدقت يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله. قال : أتدري ما صنع بالقاتل؟ قال: لا.

قال محمد بن مسلم: قلت في نفسي: هذه و الله مسألة. قال: فغدوت إليه عليه السلام في منزله، فلبس ثيابه و أسرج له، قال: فبدأني بالحديث قبل أن أسأله فقال: يا محمد بن مسلم، إن بالهند أو بتلقاء الهند رجلا يلبس المسوح مغلولة يده إلى عنقه موکل به عشرة رهط، تفنی الناس ولا يفنون، كلما ذهب واحد جعل مكانه آخر يدور مع الشمس حيث ما دارت، يعذب بحر الشمس و زمهرير البرد حتى تقوم الساعة. قال: و قلت: و من ذا جعلني الله فداك ؟ قال علیه السلام: ذاك قابیل(2).

11 -[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن عبد الله بن معاوية الجعفري قال: سأحدثكم بما سمعته أذناي و رأته عيناي من أبي جعفر علیه السلام، أنه كان على المدينة رجل من آل مروان و أنه أرسل إلى يوما فأتيته و ما عنده أحد من الناس، فقال: يا معاوية، إنما دعوتك لثقتي بك و إني قد علمت أنه لا يبلغ عني غيرك فأجبت [فأحبت] أن تلقی

ص: 480


1- الكافي: 2/ 385 ح7.
2- بصائر الدرجات: 508 ح10، عنه البحار: 10/ 151 ح 2 ، ونحوه في الخرائج والجرائع: 2/ 776، عنه البحار:256/46ح57.

عميك محمد بن علي علیه السلام و زید بن الحسن و تقول لهما: يقول لكما الأمير: لتكفان عما يبلغني عنكا أو لتنكران(1).

فخرجت متوجها إلى أبي جعفر علیه السلام ، فاستقبلته متوجها إلى المسجد، فلما دنوت منه تبسم ضاحكا فقال: بعث إليك هذا الطاغية و دعاك و قال الق عميك فقل لهما كذا. فقال: أخبرني أبو جعفر بمقالته كأنه كان حاضراً. ثم قال علیه السلام: يا ابن عم، قد كفينا أمره بعد غد فإنه معزول و منفي إلى بلاد مصر، و الله ما أنا بساحر و لا كاهن و لكني أتيت و حدثت.(2) قال: فو الله ما أتى عليه اليوم الثاني حتى ورد عليه عزله و نفيه إلى مصر و ولي المدينة غيره.(3)

12 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، في حديث الحلبي أنه دخل أناس على أبي جعفرعلیه السلام و سألوا علامة فأخبرهم بأسمائهم و أخبرهم عما أرادوا يسألون عنه، و قال علیه السلام: أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب الله: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ»(4) قالوا: صدقت، هذه الآية أردنا أن نسألك. قال علیه السلام: نحن الشجرة التي قال الله تعالى،«أصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا فِي السَّمَاءِ» ، و نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا.(5)

13 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: دخل الناس على أبي علیه السلام قالوا: ما حد الإمام؟ قال علیه السلام : حده عظيم، إذا دخلتم عليه فوقروه و عظموه و آمنوا بما جاء به من شيء و عليه أن يهديكم، و فيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالا و هيبة، لأن رسول الله صلی الله علیه وآله كذلك كان و كذلك يكون الإمام.

قال: فيعرف شيعته؟ قال علیه السلام: نعم، ساعة يراهم. قالوا: فنحن لك شيعة؟ قال عليه السلام: نعم، كلكم. قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك. قال علیه السلام : أخبركم بأسمائكم و أسماء آبائکم و

ص: 481


1- قال المجلسي قدس سره : (لتنكران) من انكره إذا لم يعرفه كناية عن إيذائهما وعدم عرفنا حقهما وشرفهما أوبمعنى المناكرة بمعنى المحاربة، والأظهر: (لتنكلان) من التنكيل بمعنى التعذيب.
2- قال المجلسي قدس سره: (أتيت) على المجهول، أي: أتاني الخبر من عند الله أو من آبائي علیهم السلام بذلك.
3- الخرائج والجرائع: 2/ 559 - 600، عنه البحار: 246/46ح 34.
4- إبراهيم: 24-25.
5- مناقب آل أبي طالب:193/4، عنه البحار: 266/46ضمن ح65.

قبائلكم. قالوا: أخبرنا. فأخبرهم. قالوا: صدقت.

قال علیه السلام : و أخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه في قوله تعالى: «کَشَجَرَةٍ طَيَّبَةٍ أصلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرعَهُا فِي السَّمَاءِ»، نحن نعطي شيعتنا من نشاء من علمنا. ثم قال علیه السلام : يقنعكم؟ قالوا: في دون هذا نقنع.(1)

14 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار و معه أبو الفصيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني لأنظر الآن إلى جعفر و أصحابه الساعة تعوم (2)بهم سفينتهم في البحر، إني لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم محتبين بأفنيتهم. فقال له أبو الفصيل: أتراهم یا رسول الله الساعة؟ قال صلی الله علیه وآله: نعم. قال:فأرنيهم.

قال علیه السلام : فمسح رسول الله صلی الله علیه وآله على عينيه ثم قال: انظر. فنظر فرآهم. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أرأيتهم؟ قال: نعم و أسر في نفسه أنه ساحر.(3)

10 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن زرارة قال: سأل أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تبارك و تعالى:«قُل اعمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ وَ المؤمِنُونَ»(4) قال علیه السلام : تريد أن تروي علي، هو الذي في نفسك. (5)

16 -[الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد، عن الحجال عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله :«اعمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولِهُ وَ المؤمِنُونَ»(6) قال أما أنت لسامع ذلك متي، لتأتي العراق فتقول: سمع محمد بن علي علیه السلام يقول

ص: 482


1- الخرائج والجرائح:596/2 - 597، عنه البحار: 244/49ح 32 (نحوه)، قال المجلسي قدس سره في بيانه: قوله علیه السلام: (في قوله تعالى) بيان لما أضمروا أن يسألوا عنه، و قوله علیه السلام : (نحن نعطي) تفسير للآیة، أي: إنما عنانا بالشجرة و إيتاء الأكل كناية عن إفاضة العلم کما مر في كتاب الإمامة. و يحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى أخبر عن حالنا هذه في تلك الآية فلم يخبر علیه السلام بضميرهم أو أخبر ولم يذكر و الأول أظهر بل يعينه ما سيأتي نقلا عن المناقب.
2- العوم: السباحة و سير السفينة.
3- بصائر الدرجات:422ح13، عنه البحار: 71/19 ح22، 30/ 193 ح 54. قال المجلسي قدس سره: أبو الفصيل: أبو بكر، وكان يكنى به في زمانه أيضا، لأن الفصيل ولد الناقة، و(البكر) الفتي من الإبل.
4- التوبة : 105 .
5- بصائر الدرجات:429ح 4، عنه وعن تفسير العياشي البحار:347/23 ح 49، قال المجلسي قدس سره: بیان : أحاله علیه السلام على ما في ضميره من كون المراد بالمؤمنين الأئمة علیهم السلام و لم يذكره له صريحا لئلا يروي ذلك عنه فيثير فتنة.
6- التوبة : 105.

كذا و كذا، و لكنه الذي في نفسك.(1)

17 - [البرقي في المحاسن]، عن خالد الصيقل، عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن الله فوض الأمر إلى ملك من الملائكة، فخلق سبع سماوات و سبع أرضين، فلما رأى أن الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلي؟ فأرسل الله عليه نويرة من النار.

قلت: وما النويرة؟ قال علیه السلام: نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق، فيحك (فتحللت) لذلك، حتى وصلت إلى نفسه، لما أن دخله العجب.(2)

18 -[ البرقي في المحاسن]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما خرج ملك القبط يريد هدم بیت المقدس، اجتمع الناس إلى حزقيل النبي علیه السلام ، فشكوا ذلك إليه، فقال: لعلي أناجي ربي الليلة. فلما جنه الليل ناجي ربه، فأوحى الله إليه: أني قد كفيتكهم، و كانوا قد مضوا،(3) فأوحى الله إلى ملك الهواء أن: أمسك عليهم أنفاسهم، فما توا كلهم. فأصبح حزقيل النبي صلی الله علیه وآله و أخبر قومه بذلك، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا. ودخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علي وقد أعطيت مثل هذا؟

قال عليه السلام : فخرجت قرحة على كبده فآذنه، فخشع لله و تذلل و قعد على الرماد، فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج. ففعل فسكن عنه ذلك.(4)

19 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن عبد الله بن عطا المكي قال: اشتقت إلى أبي جعفر علیه السلام و أنا بمكة، فقدم المدينة و ما قدمتها إلا شوقا إليه علیه السلام، فأصابني تلك الليلة مطر و برد شديد، فانتهيت إلى بابه علیه السلام نصف الليل، فقلت: ما أطرقه هذه الساعة و أنتظر حتى أصبح. و إني لأفكر في ذلك إذ سمعته علیه السلام يقول: يا جارية، افتحي الباب لابن عطا

ص: 483


1- بصائر الدرجات:429 ح5، عنه البحار: 23/ 248ح50.
2- المحاسن: 1/ 123 ح139، عنه البحار: 229/68ح5، وقريب منه في ثواب الأعال: 251، عنه البحار: 4/ 150 ح5، 54/ 85 – 86 ح 69، 317/69ح 27، وأورده في الوسائل عن البرقي: 102/1ح244.
3- قال المجلسي قدس سره: (وكانوا قد مضوا)، أي: حزقيل وأصحابه خوفا من الملك، أو الملك وأصحابه بقدرة الله، فيكون موتهم بعد المضي في الطريق. وكون المضي بمعنى إتيانهم بیت المقدس بعيد. البحار: 185/63 ذیل ح 1.
4- المحاسن: 2/ 553 - 554ح902، عنه البحار: 13/ 383ح5،184/63-185ح 1 ، وأورده الجزائري في قصص الأنبياء عن المحاسن: 314 - 315، وفي بعض النسخ بدل:(كفيتكهم) : (كفيتكم) وفي بعضها: (كفيتهم).

فقد أصابه في هذه الليلة برد و أذى. قال: فجاءت ففتحت الباب فدخلت عليه علیه السلام(1).

20 -[ محمد بن يعقوب في الكافي] عن مالك بن أعين قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و عليه ملحفة حمراء جديدة شديدة الحمرة، فتبسمت حين دخلت، فقال علیه السلام : كأني أعلم

لم ضحكت، ضحكت من هذا الثوب الذي هو علي، إن الثقفية أكرهتني عليه و أنا أحبها فأكرهتني على لبسها.

ثم قال علیه السلام : إنا لا نصلي في هذا و لا تصلوا في المشبع المضرج(2). قال: ثم دخلت عليه وقد طلقها و قال علیه السلام: سمعتها تبرأ من علي علیه السلام فلم يسعني أن أمسكها وهي تبرأ منه.(3)

21 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن عبد الله بن مسكان، عن الحسن الزيات، قال: كان يجلس إلى رجل من أهل البصرة، فلم أزل به حتى دخل في هذا الأمر. قال: و كنت أصف له أبا جعفرعلیه السلام ، ثم إنا خرجنا إلى مكة، فلما قضينا النسك أخذنا إلى المدينة، فاستأذا على أبي جعفر علیه السلام فأذن لنا، فدخلنا عليه علیه السلام في بيت منجد و عليه ملحفة وردية، و قد اختضب و اكتحل و حف لحيته. فجعل صاحبي ينظر إليه و ينظر إلى البيت و يعرض على قلبه، فلما قمنا قال علیه السلام : يا حسن، إذا كان غداً إن شاء الله فعد أنت و صاحبك إلي. فلما كان من الغد، قلت لصاحبي: اذهب بنا إلى أبي جعفر علیه السلام . فقال: اذهب و دعني.

قلت: سبحان الله ! أليس قد قال علیه السلام : عد أنت و صاحبك؟ قال: اذهب أنت و دعني. فوالله إن زلت به حتى أمضيت به، فدخلنا عليه فإذا هو علیه السلام في بيت ليس فيه إلا حصى، فبرز و عليه قميص غلیظ و هو شعث، فمال علينا فقال: دخلتم على أمس في البيت الذي رأيتم و هو بيت المرأة، و ليس هو بيتي و كان أمس يومها، فتزينت و كان على أن أتزين لها کما تزينت لي، و هذا بيتي، فلا يعرض في قلبك يا أخا البصرة. فقال: جعلت فداك، قد

ص: 484


1- بصائر الدرجات: 252 - 253ح7، 257 ح 1، عنه البحار:235/46 - 236ح7 وعن کشف الغمة والمناقب، کشف الغمة: 2/ 139، المناقب: 4/ 188، الخرائج والجرائح: 2/ 594، أقول: أوردنا الخبر هنا تبعا للشيخ محمد بن الحسن الصفار في البصائر حيث أدرجه في باب أن الأئمة علیهم السلام يخبرون شيعتهم بإضمارهم وحديث أنفسهم.
2- المشبع الذي أشبع من اللون. وضرج الثوب : صبغه بالحمرة. (البحار)
3- الكافي:447/6 ح7، عنه البحار: 46/ 293 - 292 ح 19، وعنه أيضا الوسائل: 4/ 460 ح5722، مکارم الأخلاق:105.

كان عرض، فأما الآن فقد أذهب الله به. (1)

22 -[ الكشي في رجاله]، عن الحكم بن علي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر علیه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان و أبو ذر و المقداد. قال: قلت: فعمار؟

قال علیه السلام : قد كان جاض جيضة (2) ثم رجع. ثم قال علیه السلام : إن أردت الذي لم يشك و لم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه [عارض] أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض، و هو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتی ترکت کالسلعة، فمر به أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال له: يا أبا عبد الله، هذا من ذلك، بایع. فبايع. و أما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت و لم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم، فمر به عثمان فأمر به. ثم أناب الناس بعد، وكان أول من أناب: أبو ساسان الأنصاري وأبو عبيدة وشتيرة، وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين علیه السلام إلا هؤلاء السبعة.(3)

23 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، ابن معروف، عن حماد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: كنت بالمدينة فلما شدوا على دوابهم وقع في نفسي شيء من أمر المحدث، فأتيت أبا جعفر علیه السلام فاستأذنت فقال عليه السلام: من هذا؟ قلت:زرارة. قال علیه السلام : ادخل. ثم قال علیه السلام: كان رسول الله صلی الله علیه وآله يملي على علي علیه السلام فنام صلی الله علیه وآله نومة و نعس نعسة، فلما رجع نظر إلى الكتاب فمد يده قال: من أملى هذا عليك؟ قال عليه السلام: أنت. قال علیه السلام : لا بل جبرئیل. (4)

24 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن فيض بن مطر، قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام و أنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل، قال:

ص: 485


1- مكارم الأخلاق: 80، عنه البحار: 73/ 101 ضمن ح9.
2- قال المجلسي قدس سره: بیان: (جاض عنه) حاد و مال و في بعض النسخ بالحاء و الصاد المهملتين بمعناه، و حاصوا عن العدو انهزموا.
3- رجال الكشي: 11 ح 24، عنه البحار: 440/22ح9، 239/28 ح 26، وراجع: 64/ 165 ذیل ح8، وأورده المفيد بإسناده في الإختصاص: 10.
4- بصائر الدرجات: 322ح5، عنه البحار: 270/18ح34، 71/26 ح12.

فابتدأني علیه السلام فقال: كان رسول الله صلی الله علیه وآله یصلي على راحلته حيث توجهت به. (1)

السابع: إخبارات الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام

1-[ علي بن إبراهيم الفقي في تفسيره]، عن أبي عبد الله علیه السلام - في خبر طويل يذكر فيه قصة بخت نصر - أنه لما قتل ما قتل من بني إسرائيل، خرج إرميا على حمار و معه تين قد تزوده و شيء من عصير، فنظر إلى سباع البر و سباع البحر و سباع الجوتأكل تلك الجيف، ففكر في نفسه ساعة ثم قال: أتي يحيی الله هؤلاء و قد أكلتهم السباع ؟(2)

فأماته الله مكانه و هو قول الله تبارك و تعالى:«أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ »(3) أي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل و أهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا، و كان عزیر لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها، و بقي إرميا ميتاً مائة سنة ثم أحياه الله، فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض(4) ، فنظر فأوحى الله تعالى إليه:« كَم لَبِثتَ قَالَ لَبِثتُ يَومَاً» ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت، فقال:«أو بَعضَ يَومٍ»، فقال الله تبارك و تعالى:«بَل لَبِثتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُر إلَى طَعَامِکَ وَشَرَابِكَ لَم یَتَسَنَّه» أي لم يتغير،« وَ انظُر إِلى حِمَارِكَ وَ لِنَجعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انظُر إلَى العِظَامِ کَیفَ نُنشِزُهَاثُمَّ نَکسُوهَا لَحمَاً»، فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ويلتزق بها، حتى قام وقام حماره، فقال:

«أَعلَمُ أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ»(5)

2 -[ الصدوق في فضائل الشيعة]، عن محمد بن موسی بن المتوكل، عن أبي عبد

ص: 486


1- کشف الغمة: 2/ 138، عنه البحار: 269/46ضمن ح69، 90/81-91ح1.
2- قال الطبرسي قدس سره: (لم يقل ذلك إنكاراً ولا تعجباً ولا ارتياباً، ولكنه أحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة كما يقول الواحد منا : كيف يكون حال الناس يوم القيامة..) مجمع البيان ذيل الآية:«او کَالّذِی مَرَّ عَلَی قَریَةٍ».
3- البقرة: 259.
4- الغرقئ - كزبرج - القشرة الملتزقة ببياض البيض الذي يؤكل. (عن البحار)
5- تفسير القمي: 1/ 90 – 91، عنه البحار: 7/ 34ح3، ولاحظ تمام الخبر في:356/14-360ح1، وأورده الجزائري في قصصه:424-428.

الله علیه السلام ، قال مالك: بينما أنا عنده علیه السلام ذات يوم جالس و أنا أحدث نفسي بشيء من فضلهم، فقال لي: أنتم و الله شيعتنا، لا تظنن أنك مفرط في أمرنا. يا مالك، إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه وآله، و کمالا يقدر على صفة الرسول صلی الله علیه وآله فكذلك لا يقدر على صفتنا، و کمالا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن. يا مالك، إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما و الذنوب تتحات عن وجوههما حتى يتفرقا، و إنه لن يقدر على صفة من هو هكذا. و قال: إن أبي علیه السلام كان يقول: لن تطعم النار من يصف هذا الأمر.(1)

3-[ محمد بن يعقوب في الكافي]،عن سلمة اللؤلؤي،عن رجل،عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان و أبي ذر؟

فقال الرجل - و أخطأ -: أما إسلام سلمان فقد عرفته، فأخبرني بإسلام أبي ذر فقال علیه السلام : إن أبا ذر كان في بطن مر يرعى غنما له، فأتی ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر، ثم قال له أبو ذر: ما رأيت ذئباً أخبث منك و لا شراً. فقال له الذئب: شر و الله متي أهل مكة، بعث الله عز و جل إليهم نبيا فكذبوه و شتموه. فوقع في أذن أبي ذر، فقال لامرأته: هلمي مزودي و إداوتي و عصاي ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب و ما أتاه به، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة و قد تعب و نصب، فأتی زمزم و قد عطش، فاغترف دلوا فخرج لبن، فقال في نفسه: هذا و الله يدلني على أن ما خبرني الذئب و ما جئت له حق. فشرب و جاء إلى جانب من جوانب المسجد، فإذا حلقة من قريش، فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي صلی الله علیه وآله كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي صلی الله علیه وآله و الشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه.

قال: فكفوا، فما زال يحدثهم و يكلمهم حتى كان آخر النهار. ثم قام و قمت على أثره، فالتفت إلي فقال: اذكر حاجتك. فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم. قال: وما تصنع به؟ قلت: أومن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي، و لا يأمرني بشيء إلا أطعته.

فقال: و تفعل؟ فقلت: نعم. قال: فتعال غدا في هذا الوقت إلى حتى أدفعك إليه. قال:

ص: 487


1- فضائل الشيعة: 38 ح 37، البحار:69/65ح124 (نحوه)، وأورده الحسين بن سعيد في كتاب المؤمن: 30 ح56.

بت تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم، فما زالوا في ذكر النبي صلی الله علیه وآله و شتمه حتى إذا طلع أبو طالب رضی الله عنه ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: أمسكوا فقد جاء عمه فأمسكوا، فما زال يحدثهم حتى قام، فتبعته فسلمت عليه، فقال: اذكر حاجتك. فقلت : النبي المبعوث فيكم.

قال: و ما تصنع به؟ فقلت أومن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشيء إلا أطعته. قال: و تفعل؟ قلت: نعم. فقال: قم معي. فتبعه فدفعني إلى بيت فيه حمزة رضی الله عنه، فسلمت عليه و جلست، فقال لي: ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم. فقال: و ما حاجتك إليه؟

قلت: أومن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشيء إلا أطعته. فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا صلی الله علیه وآله رسول الله؟ قال: فشهدت. قال: فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر رضی الله عنه، فسلمت عليه و جلست، فقال لي جعفر: ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فیکم. قال: و ما حاجتك إليه؟ فقلت: أومن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته.

فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا صلی الله علیه وآله عبده و رسوله؟ قال: فشهدت، فدفعني إلى بيت فيه علي علیه السلام ، فسلمت و جلست، فقال عليه السلام : ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم. قال: و ما حاجتك إليه؟ قلت: أومن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشيء إلا أطعته. فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا صلی الله علیه وآله رسول الله؟

قال: فشهدت ، فدفعني إلى بيت فيه رسول الله صلی الله علیه وآله[ أو إذا هو نور في نور](1)، فسلمت و جلست. فقال لي رسول الله صلی الله علیه وآله : ما حاجتك؟ قلت: النبي المبعوث فيكم. قال صلی الله علیه وآله:و ما حاجتك إليه؟ قلت: أومن به و أصدقه و لا يأمرني بشيء إلا أطعته.

فقال صلی الله علیه وآله : تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله؟ فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله . فقال لي رسول الله صلی الله علیه وآله: [أنا رسول الله ]يا أبا ذر، انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات و ليس له وارث غيرك، فخذ ماله و أقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا[ أمري]. قال: فرجع أبو ذر، فأخذ المال و أقام عند أهله حتى ظهر أمر

ص: 488


1- ما بين المعقوفتين هنا وما يأتي من الأمالي.

رسول الله صلی الله علیه وآله.

فقال أبو عبد الله علیه السلام: هذا حديث أبي ذر و إسلامه رضی الله عنه ، و أما حديث سلمان فقد سمعته. فقال: جعلت فداك، حدثني بحديث سلمان. فقال علیه السلام: قد سمعته. و لم يحدثه السوء أدبه.(1)

4 - [الصدوق في الفقيه]، عن هشام بن الحكم و أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، و طلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا، إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، فطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلك على شيء تكثر به دنياك و تكثر به تبعك؟

فقال: بلى. قال: تبتدع دينا و تدعو إليه الناس.

ففعل، فاستجاب له الناس فأطاعوه فأصاب من الدنيا، ثم إنه فکر فقال: ما صنعت؟! ابتدع دينا و دعوت الناس إليه، و ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته فأرده عنه. فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول: إن الذي دعوتكم إليه باطل وإنما ابتدعته. فجعلوا يقولون:كذبت، هو الحق ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه.

فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه و قال: لا أحلها حتى يتوب الله علي. فأوحى الله عز و جل إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان:وعزتي وجلالي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه. (2)

5 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا مسنداً إلى القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعت أبي علیه السلام يقول: أتى رسول الله صلی الله علیه وآله رجل بدوي فقال: إني

ص: 489


1- الكافي: 297/8 - 299 ح 457، وأورده الصدوق في الأمالي مسنداً إلى أبي بصير بإختلاف يسير، وأوله هكذا: (قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام لرجل من أصحابه..) وأسرد الخبر، وليس فيه قوله علیه السلام في آخره: (هذا حديث أبي ذر .. وأما حديث سلمان فقد سمعته..الخ.) راجع الأمالي: 479 - 482 عنه البحار:421/22-423.
2- من لا يحضره الفقيه : 3/ 572 ح4958، وأورده في علل الشرائع: 2/ 492، عنه البحار: 2/ 297، ثواب الأعمال: 257، وذكره البرقي في المحاسن: 207/1.

أسكن البادية، فعلمني جوامع الكلام(1) فقال صلی الله علیه وآله : آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات(2)، حتى رجع الرجل إلى نفسه(3)، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلی الله علیه وآله إلا بالخير .. الخبر.(4)

6 - [العياشي في تفسيره]، عن عبد الرحمن بن سبابة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن موسی علیه السلام صعد المنبر و كان منبره ثلاث مراق، فحدث نفسه: أن الله لم يخلق خلقاً أعلم منه، فأتاه جبرئيل فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك، فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زادا و انطلق بنا. فاشتری حوتاً فخرج بأذربيجان، ثم شواه ثم حمله في مكتل. ثم انطلقا يمشيان في ساحل البحر، و النبي إذا مر في مكان لم يعي أبدا حتى يجوز ذلك الوقت.

قال علیه السلام: فبينما هما يمشيان حتى انتهيا إلى شيخ مستلقى معه عصاه موضوعة إلى جانبه، و علیه کساء إذا قتع رأسه خرجت رجلاه، و إذا غطى رجليه خرج رأسه، قال: فقام موسی علیه السلام يصلي، و قال ليوشع: احفظ علي. قال: فقطرت قطرة من السماء في المكتل، فاضطرب الحوت، ثم جعل يجر المكتل إلى البحر، قال: و هو قوله: «فَاتَّخذَ سَبيلَه فِي البَحرِسَرَبَاً»(5)

قال عليه السلام : ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر، ثم أدخل منقاره فقال: يا موسی، ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر. قال: ثم قام فمشى فتبعه

ص: 490


1- قال المجلسي قدس سره: قال في النهاية فيه (أوتيت جوامع الكلم) یعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه حديث في صفته أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
2- قال المجلسي قدس سره : (فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات) كأن أصل السؤال كان ثلاث مرات فالإعادة مرتان أطلقت على الثلاث تغليباً و المعنى أنه صلی الله علیه وآله في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب الأول.
3- قال المجلسي قدس سره : (حتى رجع الرجل) أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اکتفائه صلی الله علیه وآله بجواب واحد غير مستحسن فأمسك و علم أنه صلی الله علیه وآله لم يجبه بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة و أنها تكفيه أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلی الله علیه وآله الغضب بالذكر لتلك الأمور.
4- البحار: 70/ 274 ح25، قال المجلسي قدس سره : (فيقتل النفس) أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا و هو يوجب القصاص في الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة، و الأخرى (قذف المحصنة) و هي العفيفة و هو يوجب الحد في الدنيا و العقاب العظيم في الآخرة.
5- الكهف: 61.

یوشع، فقال موسى لما أعيا حيث جاز الوقت فيه:«آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَد لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَاً» إلى قوله : «فِي البَحرِ عَجَبَاً»(1).

قال علیه السلام : فرجع موسى يقتض أثره، حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق، فقال له موسى: السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل. قال: ثم وثب فأخذ عصاه بیده، قال: فقال له موسى: إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا. فقال كما قص عليكم: «إنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبرَاً»(2).قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى معبر، فلما نظر إليهم أهل المعبر فقالوا: و الله لا نأخذ من هؤلاء أجرة اليوم نحملهم. فلما ذهبت السفينة وسط الماء خرقها، قال له موسی کما أخبرتم، ثم قال:«أَ لَمَ أَقُل إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبرَاً، قَالَ لَا تُؤاخِذنِي بِمَا نَسِتُ وَ لَا تُرهِقنِي مِن أَمرِي عُسرَاً». قال علیه السلام: و خرجا على ساحل البحر، فإذا غلام يلعب مع غلمان، عليه قميص حرير أخضر، في أذنيه درتان، فتورکه العالم (3) فذبحه، قال له موسی:«أَقَتَلتَ نَفَساً زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفَس لَقَد جِئتَ شَيئاً نُكرَاٌ» قال:«فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضِيفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أن ينقض فأقامه قال لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» خبزا نأكله، فقد جعنا. قال: و هي قرية على ساحل البحر يقال لها: ناصرة و بها تسمى النصاری،فلم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحداً حتى تقوم الساعة، و كان مثل السفينة فيكم و فينا: ترك الحسين البيعة لمعاوية(4)، و كان مثل الغلام فیکم: قول الحسن بن علي عليهما السلام لعبد الله

ص: 491


1- الكهف: 62-63.
2- الآية وما بعدها: الكهف: 67 - 77.
3- تورك فلان الصبي: جعله على ورکه معتمداً عليها، ذكره الفيروزآبادي.
4- قال المجلسي قدس سره: و أما كون ترك الحسين علیه السلام البيعة لمعاوية شبيها بخرق السفينة، لأنه علیه السلام بترك البيعة مهد لنفسه المقدسة الشهادة، و بها انكسرت سفينة أهل البيت صلوات الله عليهم، و كان فيها مصالح عظيمة، منها : ظهور کفر بني أمية و جورهم على الناس، و خروج الخلق عن طاعتهم، و منها : ظهور حقية أهل البيت عليهم السلام و إمامتهم، إذ لو بایعه الحسين علیه السلام أيضا لظن أكثر الناس وجوب متابعة خلفاء الجور و عدم كونهم علیهم اسلام ولاة الأمر. و منها : أن بسبب ذلك صار من بعده من الأئمة علیهم السلام آمنين مطمئنين، ينشرون العلوم بين الناس، إلى غير ذلك من المصالح التي لا يعلمها غيرهم. و لو كان ما ذكره المؤرخون من بيعته علیه السلام له أخيرا حقا كان المراد ترك البيعة ابتداء، و لا يبعد أن يكون في الأصل : یزید بن معاوية، فسقط الساقط الملعون هو و أبوه.

ابن علي: لعنك الله من کافر، فقال له: قد قتلته یا أبا محمد(1) ، و كان مثل الجدار فيكم: علي و الحسن و الحسين علیهم السلام(2).

7- [الإربلي في كشف الغمة من كتاب الدلائل]، عن مالك الجهني، قال: إني يوما عند أبي عبد الله عليه السلام و أنا أحدث نفسي بفضل الأئمة من أهل البيت علیه السلام إذ أقبل علي أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا مالك، أنتم و الله شیعتنا حقا، لا ترى أنك أفرطت في القول في فضلنا، یا مالك إنه ليس يقدر على صفة الله و کنه قدرته و عظمته و لله المثل الأعلى، و كذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن و يقوم به کما أوجب الله له على أخيه المؤمن، يا مالك إن المؤمنين ليلتقيان فيصافح كل واحد منهما صاحبه فلا يزال الله ناظراً إليهما بالمحبة و المغفرة، و إن الذنوب للتتحات عن وجوههما حتى يفترقا، فمن يقدر على صفة من هو هكذا عند الله؟ (3)

8-[ محمد بن يعقوب في الكافي] ، بأسانید متعددة، عن سلام الهاشمي، قال محمد ابن علي، وقد سمعته عنه عن أبي عبد الله علیه السلام قال: بعث طلحة و الزبير رجلا من عبد القيس يقال له: (خداش) إلى أمير المؤمنين عليه السلام و قالا له: إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك و أن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم، و اعلم أنه أعظم الناس دعوی فلا يكسرنك ذلك عنه، و من الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام و الشراب و العسل و الدهن و أن يخالي

ص: 492


1- قال المجلسي قدس سره : و أما ما تضمن من قول الحسن علیه السلام لعبد الله بن علي، فيشكل توجيهه لأنه كان من السعداء الذين استشهدوا مع الحسين صلوات الله عليه على ماذكره المفيد و غيره، و القول بأنه علیه السلام علم أنه لو بقي بعد ذلك و لم يستشهد لكفر بعيد. و الظاهر أن يكون عبيد الله مصغراً بناء على ما ذكره ابن إدريس أنه لم يستشهد مع الحسين عليه السلام ، ردا على المفيد. و ذكر صاحب المقاتل و غيره أنه صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له فلم يفعل، فخرج و لحق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة و هو لا يعرف. أقول: ثم قال المجلسي قدس سره : قوله: (فقال له) أي أمير المؤمنين عليه السلام (قد قتلته) أي سيقتل بسبب لعنك، أو هذا إخبار بأنه سيقتل کما قتل الخضر الغلام لكفره.
2- تفسير العياشي: 2/ 332 ح 47، عنه البحار:306/13ح 33 ، قال المجلسي قدس سره :.. و أما مثل الجدار فلعل المراد أن الله تعالی کما حفظ العلم تحت الجدار للغلامين لصلاح أبيهما فكذلك حفظ العلم الصلاح علي و الحسن و الحسين عليهم السلام في أولادهم إلى أن يظهره القائم عليه السلام للخلق أو حفظ الله علم الرسول صلی الله علیه وآله بأمير المؤمنين للحسنين صلوات الله عليهم فأقام علياً علیه السلام للخلافة بعد أن أصابه ما أصابه من المخالفين و الله يعلم.
3- کشف الغمة: 2/ 192، عنه البحار: 145/47 ضمن ح199، و: 41/73ح42.

الرجل،فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا و لا تمس له عسلا و لا دهنا ولا تخل معه، و احذر هذا كله منه و انطلق على بركة الله، فإذا رأيته فاقرأ آية الشخرة، و تعوذ بالله من کیده و كيد الشيطان، فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله (1)ولا تستأنس به، ثم قل له: إن أخويك في الدين و ابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة(2)و يقولان لك: أما تعلم أنا تركنا الناس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز و جل محمداً صلی الله علیه وآله ، فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا و قطعت رجاءنا، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النأي عنك و سعة البلاد دونك، و أن من كان يصرفك عنا و عن صلتنا كان أقل لك نفعاً و أضعف عنك دفعاً منا، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا عنك انتهاك لنا و دعاء علينا، فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب، أتتخذ اللعن لنا دينا و ترى أن ذلك يكسرنا عنك؟.

فلما أتي خداش أمير المؤمنين علیه السلام صنع ما أمراه، فلما نظر إليه علي علیه السلام وهو يناجي نفسه ضحك و قال: هاهنا يا أخا عبد قيس - و أشار له إلى مجلس قريب منه-.

فقال: ما أوسع المكان، أريد أن أؤدي إليك رسالة. قال عليه السلام : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك، قم با قنبر فأنزله. قال: ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة. قال علیه السلام : فأخلو بك. قال: كل سرلي علانية. قال علیه السلام: فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك، الحائل بينك و بين قلبك، الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، أتقدم إليك الزبير بما عرض عليك؟

قال: اللهم نعم. قال علیه السلام: لو كتمت بعد ما سألك ما ارتد إليك طرفك(3)، فأنشدک الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني؟

قال: اللهم نعم. قال علي علیه السلام : آية السخرة؟ قال: نعم. قال علیه السلام : فاقرأها. فقرأها و جعل علي علیه السلام يكررها و يرددها و يفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة،قال الرجل: ما یری أمير المؤمنين علیه السلام أمره بترددها سبعين مرة (4)!

ص: 493


1- قال المجلسي قدس سره: أي: لا تنظر إليه كثيراً، وإنها نهیاه عن ذلك لئلا يرى محاسن أخلاقه علیه السلام وآدابه فيميل إلى الحق.
2- أي: يقسمان عليك أن لا تقطع الرحم. (البحار)
3- كناية عن الموت. (البحار)
4- قال المجلسي قدس سره: (قال الرجل) أي: في نفسه متعجبا من أمره علیه السلام بتكريره الآية، وكان ذلك لرفع سحرهما وشبههما عن قبله و تنویر قبله بالایمان.

ثم قال عليه السلام له: أتجد قلبك اطمأن؟ قال: إي و الذي نفسي بيده . قال علیه السلام : فما قالا لك؟ فأخبره، فقال علیه السلام: قل لهما: کفی بمنطقكما حجة عليكما و لكن الله لا يهدي القوم الظالمين، زعمتما أنكما أخواي في الدين و ابنا عمي في النسب، فأما النسب فلا أنكره و إن كان النسب مقطوعاً إلا ما وصله الله بالإسلام، و أما قولكما إنكما أخواي في الدين فإن کنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز و جل و عصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين، وإلا فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين.

و أما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلی الله علیه وآله فإن کنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيراً و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما (1)مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا زعمتما و ذلك قولكما: (فقطعت رجاءنا) لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا، و أما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفکما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابکما کما يخلع الحرون لجامه(2) و هو الله ربي لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق.

و أما قولكما إني أشجع فرسان العرب و هربکما من لعني و دعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل(3)و ملا سحراكما أجوافكما(4) فثم يكفيني الله بکمال القلب، و أما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتها.

ثم قال علیه السلام: اللهم أقعص الزبير بشر قتلة(5)و اسفك دمه على ضلالة، و عرف طلحة المذلة و ادخر لهما في الآخرة شراً من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا علي و کتما شهادتهما و

ص: 494


1- قال المجلسي قدس سره: أي من إبراز زوجة النبي صلی الله علیه وآله من بيتها وإحداث الفتنة بين المسلمين، أو المعنى أنكم تعلمون أني على الحق وأن ما أردتم بي باطل فلزمكم الإثم من جهتين متناقضتين، أو المراد نصرتهما له علیه السلام مع علمهما بكونه على الباطل، ولعل الأول أظهر.
2- قال الجوهري : فرس حرون لا ينقاد، وإذا شتد به الجري وقف. (عن البحار)
3- اللبود جمع اللبد وهو الشعر المتراكم بين كتفي الفرس. (البحار)
4- قال الجوهري: السحر بالضم والتحريك: الرئة، ويقال للجبان: قد انتفخ سحره (عن البحار)
5- قال الجوهري: ضربه فأفعصه أي: قتله مكانه. (عن البحار)

عصياك و عصيا رسولك صلی الله علیه وآله في، قل: آمين. قال خداش: آمين. ثم قال خداش لنفسه: و الله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك (1)حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا، أنا أبرأ إلى الله منهما.

قال علي عليه السلام : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت. قال: لا و الله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا و أن يوفقني لرضاه فيك. ففعل علیه السلام ، فلم يلبث أن انصرف و قتل معه يوم الجمل رحمه الله. (2)

9- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات، قال: كنت أطوف بالكعبة، فرأيت أبا عبد الله علیه السلام، فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع و الذي هو الإمام و هو كذا و كذا. قال: فما علمت به علیه السلام حتى ضرب يده على منكبي، ثم أقبل علي و قال:«فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(3).(4)

10 -[ الصدوق في علل الشرائع]، عن ابن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال في حديث: إن موسی علیه السلام لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آیته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر و غرق الله عز و جل فرعون و جنوده عملت البشرية فيه، حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلق أعلم مني.

فأوحى الله عز و جل إلى جبرئیل: يا جبرئیل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدأ فائبعه، و تعلم منه.

فهبط جبرئیل علیه السلام على موسى علیه السلام، بما أمره به ربه عزوجل، فعلم موسی علیه السلام أن ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر علیه السلام يتعبد الله عز و جل كما قال الله عز و جل:«فَوَ جَدَا عَبدَاً مِن

ص: 495


1- أي: ذا لحية، أو المراد بقوله (منك) أي: من لحيتك. (البحار).
2- الكافي: 343/1 - 345 ح 1، عنه البحار : 32/ 128 - 130ح 105.
3- القمر: 24
4- بصائر الدرجات: 241 ح 21، عنه البحار: 47/ 70ح 25، وأورده الطبري في الدلائل: 139،والراوندي في الخرائج والجرائح: 2/ 734.

عِبَادِنا آتَينَاهُ رَحمَةَ مِن عِندِنا وَعَلَّمنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلمَا».(1)

11 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن منصور الصيقل، قال: حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله صلی الله علیه وآله فسلمت عليه، ثم التفت فإذا أنا بأبي عبد الله عليه السلام ساجداً، فجلست حتى مللت، ثم قلت: لأسبحن ما دام عليه السلام ساجداً. فقلت: سبحان ربي العظيم و بحمده أستغفر الله ربي و أتوب إليه. ثلاثمائة مرة و نیفا و ستين مرة. فرفع علیه السلام رأسه ثم نهض، فاتبعته و أنا أقول في نفسي: إن أذن لي دخلت عليه ثم قلت له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا فكيف ينبغي لنا أن نصنع؟

فلما أن وقفت على الباب خرج إلى مصادف فقال: ادخل يا منصور. فدخلت، فقال علیه السلام لي مبتدئا: یا منصور، إنكم إن أكثرتم أو أقللتم فو الله ما يقبل إلا منكم.(2)

12 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ليلة من الليالي، و لم يكن عنده علیه السلام أحد غيري. فمد رجله في حجري. فقال: اغمزها یا عمر. فغمز رجله، فنظرت إلى اضطراب في عضلة ساقيه، فأردت أن أسأله: إلى من الأمر من بعده، فأشار علیه السلام إلى فقال: لا تسألني في هذه الليلة عن شيء، فإني لست أجيبك(3).

13 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى ابن أسلم، عن عمر بن یزید، قال: دخلت إلى أبي عبد الله عليه السلام و هو مضطجع، ووجهه إلى الحائط، فقال عليه السلام لي حين دخلت عليه: یا عمر، اغمز رجلي. فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسي: الساعة أسأله عن عبد الله و موسى أیهما الإمام؟ قال: فحول عليه السلام وجهه إلي و قال: إذن و الله لا أجيبك.(4)

14-[الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى الحسين بن بردة، عن أبي عبد الله علیه السلام و عن جعفر بن بشير الخزاز، عن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : يا إسماعيل، ضع لي في المتوضأ ماء. قال: فقمت فوضعت له. قال: فدخل. قال: فقلت في

ص: 496


1- البحار: 286/13ح4، و الآية وما بعدها من سورة الكهف: 65 - 82، أقول: تمام الحديث في باب (حديث النفس بالعزة والرفعة) في فصل: (حديث النفس بما لا ينبغي).
2- الخرائج والجرائح: 726/2، عنه البحار: 47/ 120 ح165، 82/ 165 ح15.
3- بصائر الدرجات: 235/ ح 1، عنه البحار: 47/ 67ح 11، و 146/71ح 1، وأورده في الخرائج والجرائح: 2/ 731، ودلائل الإمامة: 133.
4- بصائر الدرجات: 235 ح 2، عنه البحار:139/26ح10.

نفسي: أنا أقول فيه كذا و كذا و يدخل المتوضأ[يتوضأ] !

قال: فلم يلبث علیه السلام أن خرج، فقال: يا إسماعيل، لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم. اجعلونا مخلوقين، و قولوا فيما ما شئتم فلن تبلغوا. فقال إسماعيل: و كنت أقول [فيه] إنه و أقول و أقول. (1)

15 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله علیه السلام أسأله فابتدأني فقال: إن شئت فاسأل يا شهاب و إن شئت أخبرناك بما جئت له. قلت: أخبرني جعلت فداك. قال عليه السلام : جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب بالكوز فيصيب يده الماء.

قال: نعم. قال عليه السلام : ليس به بأس. قال علیه السلام: و إن شئت سل و إن شئت أخبرتك. قال: قلت: أخبرني. قال علیه السلام : جئت تسأل عن الجنب يسهو و يغمر يده في الماء قبل أن يغسلها. قلت: و ذاك جعلت فداك. قال عليه السلام : إذا لم يكن أصاب يده شيء فلا بأس بذاك. سل و إن شئت أخبرتك. قلت: أخبرني. قال: جئت لتسألني عن الجنب يغتسل فيقطر الماء من جسمه في الإناء أو ينضح الماء من الأرض فيقع في الإناء. قلت: نعم جعلت فداك. قال عليه السلام : ليس بهذا بأس كله، فاسأل و إن شئت أخبرتك. قلت: أخبرني. قال علیه السلام : جئت لتسألني من الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قال: نعم. قال علیه السلام: فتوضأ من الجانب الآخر إلا أن يغلب على الماء الريح، و جئت لتسأل عن الماء الراكد من البئر، قال علیه السلام : فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة. قلت: فما التغيير؟ قال علیه السلام : الصفرة، فتوضأ منه، و كلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر.(2)

16 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال شهاب بن عبد ربه: أصابتني جنابة و أنا بالمدينة فدخلني غم شديد أن أغرف بالكوز من الحب، ثم إني لم أجد بدا من أن أفعله، فلما أصبحت أتيت أبا عبد الله عليه السلام و أنا أريد أن أسأله، فقال علیه السلام ابتداء منه: غمك البارحة أن تغرف من الحب بالكوز، ليس بالذي صنعت بأس یا شهاب.(3)

ص: 497


1- بصائر الدرجات: 241 ح 22، و: 236 ح5، عنه البحار: 25/ 279 ح 22، 68/47 ح 15 مع بعض الإختلاف في النسخ .
2- بصائر الدرجات :238، عنه البحار: 69/47 ح18، 16/77ح4، المناقب: 4/ 219، عنه البحار:69/47 ح19، ولاحظ المسألة الأولى في دلائل الإمامة: 133.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 614.

17 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن إبراهيم بن محمد، عن شهاب بن عبد ربه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عن الجنب يغرف الماء من الحب، فلما صرت عنده علیه السلام أنسيت المسألة، فنظر إلي أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا شهاب، لا بأس أن يغرف الجنب من الحب.(1)

18 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الحسين بن علي، عن عيسى عن مروان، عن الحسين بن موسى الخياط قال: خرجت أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسي حاجين. قال: و كان يقول عائذ لنا: إن لي حاجة إلى أبي عبد الله علیه السلام أريد أن أسأله عنها. قال: فدخلنا عليه علیه السلام، فلما جلسنا، قال علیه السلام لنا مبتدئاً: من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك.

قال: فغمزنا عائذ، فلما قمنا قلنا: ما حاجتك؟ قال: الذي سمعنا منه إني رجل لا أطيق القيام بالليل، فخفت أن أكون مأثومة مأخوذاً به فأهلك.(2)

20 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام و أنا أقول في نفسي: ليس يدرون هؤلاء بين يدي من هم. قال: فأدناني عليه السلام حتى جلست بين يديه، ثم قال لي: يا هذا إن لي ربا أعبده ثلاث مرات.(3)

20 -[الصفار في بصائر الدرجات]، عن خالد بن نجيح الجوار، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و عنده خلق، فقنعت رأسي فجلست في ناحية، و قلت في نفسي: ويحكم ما أغفلكم عند من تكلمون، عند رب العالمين. قال: فناداني علیه السلام : ويحك يا خالد، إني و الله عبد مخلوق، لي رب أعبده، إن لم أعبده و الله عذبني بالنار. فقلت: لا و الله لا أقول فيك

ص: 498


1- بصائر الدرجات: 236، عنه البحار: 68/47 ح13، 15/77- 16 ح3.
2- بصائر الدرجات: 239، عنه البحار:70/47ح22، و 84/ 33 ح17، وأورده في الخرائج والجرائح: 2/ 731، ورواه الشيخ بإسناده إلى الحسن بن موسی الحناط، هكذا، قال: (خرجنا أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسي حجاجا فكان عائذ كثيرا ما يقول لنا في الطريق : إن لي إلى أبي عبد الله علیه السلام حاجة أريد أن أسأله عنها، فأقول له حتى نلقاه. فلما دخلنا عليه عليه السلام سلمنا و جلسنا. فأقبل علیه السلام علينا بوجهه مبتدئا فقال : من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك. فغمزنا عائذ، فلما قمنا قلنا : ما كانت حاجتك؟ قال : الذي سمعتم. قلنا : كيف كانت هذه حاجتك؟ فقال : أنا رجل لا أطيق القيام بالليل، فخفت أن أكون مأخوذا به فأهلك.) تهذيب الأحكام: 2/ 10 ح20.
3- بصائر الدرجات: 241 ح 24، عنه البحار: 47/ 71ح 26.

أبدا إلا قولك في نفسك.(1)

21 -[الصدوق في الأمالي وعيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن عبد الله بن سنان، عن الفضيل، قال: انتهيت إلى زيد بن علي علیه السلام صبيحة خرج بالكوفة، فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمدا بالحق بشيراً لا يعيني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.

قال: فلما قتل اكتریت راحلة و توجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام ، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زید بن علي فيجزع عليه. فلما دخلت، قال علیه السلام لي: يا فضيل، ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة. فقال لي: قتلوه؟ قلت: إي و الله قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي و الله صلبوه. فأقبل علیه السلام يبكي و دموعه تنحدر على دیباجتي خده كأنها الجمان، ثم قال: يا فضيل، شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال فلعلك شاك في دمائهم؟ قال: فقلت: لو کنت شاكاً ما قتلتهم. قال: فسمعته و هو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضي و الله زید عمي و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب علیه السلام و أصحابه .(2)

22 -[ السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع]، أخبره جماعة بإسنادهم إلى الصفار، مسنداً إلى حريز قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي صلی الله علیه وآله ؟ فقال علیه السلام : قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا). قال: فقلت في نفسي: اللهم صل على محمد و أهل بيته.

فقال علیه السلام لي: ليس هكذا قلت لك، قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته. قال: فقلت:اللهم صل على محمد وأهل بيته. قال: فقال علیه السلام لي: إنك لحافظ ياحريز، فقل كما أقول لك:(

اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا).

قال: فقلت کما قال، فقال علیه السلام لي: قل: (اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين ألهمتهم علمك و استحفظتهم كتابك و استرعيتهم عبادك، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين أمرت بطاعتهم و أوجبت حبهم و مودتهم، اللهم صل على محمد و أهل بيته الذين

ص: 499


1- بصائر الدرجات: 241 - 242 ح 25، عنه البحار: 47/ 341 ح 25.
2- الأمالي: 349 ح 1، عيون الأخبار: 1/ 252ح7، عنهما البحار: 46/ 171 ح20.

جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلی الله علیه وآله ). (1)

23 -[ المحدث النوري في المستدرك من كتاب عبد الملك بن حكيم]، عن بشير النبال قال: كنت على الصفا وأبو عبدالله علیه السلام قائم عليها إذا انحدر و انحدرت في أثره.

قال: و أقبل [أبو] الدوانيق على جمازته و معه جنده على خيل و على إبل، فزحموا أبا عبد الله علیه السلام حتى خفت عليه علیه السلام من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي و أكون بينهم و بينه بيدي. قال: فقلت في نفسي: يا رب، عبدك و خير خلقك في أرضك، و هؤلاء شر من الكلاب قد كانوا يتعبونه.

قال: فالتفت علیه السلام إلي و قال: يا بشير. قلت: لبيك. قال علیه السلام: ارفع طرفك لتنظر. قال: فإذا و الله وافية أعظم مما عسيت أن أصفه. قال: فقال علیه السلام : يا بشير، إنا أعطينا ماتری، و لكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا.(2)

24 - [محمد بن مسعود العياشي في تفسيره]، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام مبتدئة: من ظلم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه. قال: فذكرت في نفسي فقلت: يظلم هو (فيسلط الله) على عقبه أو على عقب عقبه؟

فقال عليه السلام لي قبل أن أتكلم: إن الله يقول:«وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خَافُوا عَلَيْهِم فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا»(3)

25 - [ الصفار في بصائر الدرجات]، عبد الله عن اللؤلؤي عن ابن سنان عن علي ابن أبي حمزة قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد الله علیه السلام فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله عليه السلام بحرف، فقلت أنا في نفسي: هذا مما أحمله إلى الشيعة، هذا و الله حديث لم أسمع مثله قط. قال: فنظر علیه السلام في وجهي ثم قال: إني لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجها، إن شئت أخذت كذا و إن شئتأخذت كذا.(4)

ص: 500


1- جمال الأسبوع: 240، عنه البحار: 67/91 ح55، وعنه أيضا المستدرك: 343/5ح 2.
2- مستدرك الوسائل: 452/9ح11316 - 2.
3- الكافي: 2/ 332ح 13، تفسير العياشي: 1/ 223ح37، عنهما البحار: 315/72ح 35، 325/72 ح56، لكن ليس في الكافي : (فذكرت في نفسي) و (فقال لي قبل أن أتكلم). والآية: النساء: 9.
4- بصائر الدرجات: 329 ح3، عنه البحار: 198/2ح 51، ونحوه في الخرائج والجرائح، وفي آخره قوله علیه السلام: (إن شئ أحدث كذا وإن شئت أحدث كذا). الخرائج والجرائع:761/2، عنه البحار: 119/47ح 164

26 -[الطبرسي في إعلام الوری]، من کتاب نوادر الحكمة، بإسناده عن عائذ الأحمسي، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام و أنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل و نسیت، فقلت: السلام عليك يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقال علیه السلام : أجل و الله إنا ولده و ما نحن بذي قرابة، من أتى الله بالصلوات الخمس المفروضات لم يسأل عما سوى ذلك. فاكتفيت بذلك.(1)

27 -[ الصدوق في معاني الأخبار وعلل الشرائع ]، عن عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد علیهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.

فقال عليه السلام : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، و إن شئت فاسأل. قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، و بأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال علیه السلام : بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول الله عز و جل:«إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ»(2)، و قول رسول الله صلی الله علیه وآله: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، فأخبرني بمسألتي. قال علیه السلام: أردت أن تسألني عن رسول الله صلی الله علیه وآله ، لم لم يطق حمله علي علیه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته و شدته و مع ما ظهر منه في قلع باب القوم بخيبر و الرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا و کان لا يطيق حمله أربعون رجلا، و قد كان رسول الله صلی الله علیه وآله يركب الناقة و الفرس و الحمار و ركب البراق ليلة المعراج و كل ذلك دون علي علیه السلام في القوة و الشدة. قال: فقلت له علیه السلام: عن هذا و الله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، فأخبرني.

فقال علیه السلام : إن عليا برسول الله صلی الله علیه وآله تشرف و به ارتفع و به وصل إلى أن أطفأ نار الشرك و أبطل كل معبود من دون الله عز وجل، و لو علاه النبی صلی الله علیه وآله لحط الأصنام لکان صلی الله علیه وآله بعلي علیه السلام مرتفعاً و شريفاً واصلا إلى حط الأصنام، و لو كان ذلك كذلك لكان علیه السلام أفضل منه صلی الله علیه وآله. ألا ترى أن عليا علیه السلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله شرفت [شرفت ]و

ص: 501


1- إعلام الوری:274- 275، عنه البحار:150/47- 151ح207، 29/84ح10، 243/93ح10، وعنه أيضا المستدرك: 3/ 53 - 54 ح 3002- 1، وأورده في المناقب:225/4-226 عن نوادر الحكمة للأشعري القمي.
2- الحجر: 75.

ارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله، وقد قال علي عليه السلام : أنا من أحمد صلی الله علیه وآله كالضوء من الضوء. أما علمت أن محمدا و عليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عز و جل قبل خلق الخلق بألفي عام و أن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا و سیدنا ما هذا النور؟

فأوحى الله تبارك الله و تعالى إليهم: هذا نور من نوري أصله نبوة و فرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد صلی الله علیه وآله عبدی و رسولي، و أما الإمامة فلعلي علیه السلام حجتي و وليي، و لولاهما ما خلقت خلقی.

أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه وآله رفع يد علي علیه السلام بغدیر خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله ولي المسلمين و إمامهم و قد احتمل الحسن و الحسين علیهما السلام يوم حظيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله . قال صلی الله علیه وآله: نعم الراكبان و أبوهما خير منهما، و أنه صلی الله علیه وآله كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة. فقال صلی الله علیه وآله : إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى ينزل. و إنما أراد بذلك رفعهم و تشريفهم، فالنبي صلی الله علیه وآله إمام ونبي و علي إمام ليس بنبي و لا رسول، فهو غير مطيق لأثقال النبوة.

قال محمد بن حرب الهلالي: فقلت له علیه السلام : زدني يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله. فقال عليه السلام : إنك لأهل الزيادة، إن رسول الله صلی الله علیه وآله حمل عليا على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده و إمامة الأئمة من صلبه کما حول رداءه في صلاة الاستسقاء و أراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصباً.

قال: قلت له علیه السلام : زدني يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله. فقال عليه السلام : احتمل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله ما عليه من الدين و العداة و الأداء عنه من بعده.

قال: فقلت له علیه السلام: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله زدني. فقال علیه السلام : احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله و ما حمل إلا لأنه معصوم لا يحمل وزراً فتكون أفعاله عند الناس حكمة و ثواباً، و قد قال النبي صلی الله علیه وآله لعلي علیه السلام : يا علي إن الله تبارك و تعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها

ص: 502

لي، وذلك قوله عز وجل:«لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ»(1)، ولما أنزل الله عز و جل:«عَلَيكُم أنفُسَکُم»(2)، قال النبي صلى الله عليه وآله: أيها الناس،«عَلَيكُم انفُسَكُم لا یَضُرُّ کُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم» و علي عليه السلام نفسي و أخي، أطيعوا علياً علیه السلام فإنه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقى، ثم تلا هذه الآية:«قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ(3) وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ»(4)

قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد عليهما السلام : أيها الأمير، لو أخبرتك بما في حمل النبي صلی الله علیه وآله عليا علیه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت إن جعفر بن محمد علیهما السلام لمجنون، فحسبك من ذلك ما قد سمعت. فقمت إليه و قبلت رأسه و يديه و قلت:«اللهُ أعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ»(5)

28 -[الصفار في بصائر الدرجات]، عن مالك الجهني قال: كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام فوضعت يدي على خدي و قلت في نفسي: لقد عظمك [عصمك](6) الله و شرفك. فقال علیه السلام : يا مالك، الأمر أعظم مما تذهب إليه.(7)

29 - [الصفار في بصائر الدرجات]، النهدي، عن إسماعيل بن مهران، عن رجل من أهل بيرما قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فودعته و خرجت حتى بلغت الأعوص، ثم ذکر حاجة لي فرجعت إليه علیه السلام و البيت غاض بأهله، و كن أردت أن أسأله عليه السلام عن

ص: 503


1- الفتح: 2.
2- المائدة: 105.
3- قال المجلسي قدس سره: (قوله تعالى:«فَانَّما عَلَيهِ مَا حُمِّلَ» يدخل فيه ذنوب الشيعة على تفسيره صلی الله علیه وآله فلا تغفل.) .
4- النور: 54.
5- علل الشرائع: 1/ 173 - 175 ح 1 ، معاني الأخبار: 350 - 352 ح 1، عنها البحار: 38/ 79 - 82 ح2، والآية: الأنعام: 124.
6- ما بين المعقوفتين من نسخة البحار.
7- بصائر الدرجات: 240ح18، عنه البحار: 25/ 145 ح19، وأورده في دلائلالإمامة: 134، ولاحظ قريبة منه في كشف الغمة: 2/ 140، عنه البحار: 270/46 ح73، قال المجلسي قدسس ره في بيانه:( أي: ليس محض العصمة والتشريف کما زعمت بل هي الخلافة الكبرى وفرض الطاعة على كافة الوری وغير ذلك مما سيأتي ومضى.)

بيوض ديوك الماء، فقال علیه السلام لي: (یابت) يعني البيض (دعانا ميتا) يعني ديوك الماء

(بناحل) يعني لا تأكل.(1)

30 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي: أن عبد الحميد الجرجاني قال: أتاني غلام ببيض الأجمة فرأيته مختلفاً، فقلت للغلام: ما هذا البيض؟ قال: هذا بيض ديوك الماء. فأبيت أن آكل منه شيئا حتى أسأل أبا عبد الله علیه السلام . فدخلت المدينة فأتيته علیه السلام فسألته عن مسائلي و نسيت تلك المسألة، فلما ارتحلنا ذكرت المسألة و رأس القطار بيدي، فرميت إلى بعض أصحابي و مضيت إلى أبي عبد الله صلوات الله عليه فوجدت عنده خلقاً كثيراً، فقمت تجاه وجهه علیه السلام فرفع رأسه إلي و قال: يا عبد الحميد، لنا تأتي ديوك هبر. فقلت: أعطيتني الذي أريد. فانصرف و لحقت بأصحابي. (2)

31 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن كتاب الدلالات، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، قال أبو بصير: اشتهيت دلالة الإمام، فدخلت على أبي عبد الله علیه السلام و أنا جنب، فقال علیه السلام : يا أبا محمد، ما كان لك فيما كنت فيه شغل، تدخل على إمامك و أنت جنب؟ فقلت: جعلت فداك، ما عملته إلا عمداً. قال عليه السلام : أولم تؤمن؟ قلت: بلى و لكن ليطمئن قلبي. قال علیه السلام: فقم يا أبا محمد فاغتسل.(3)

32 - [علي بن عيسى في كشف الغمة]، منكتاب الدلائل للحميري، عن مالك الجهني، قال: كنا بالمدينة حين أجليت الشيعة و صاروا فرقا، فتنحينا عن المدينة ناحية، ثم خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم، و ما قالت الشيعة، إلى أن خطر ببالنا الربوبية، فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله عليه السلام واقف على حمار، فلم ندر من أين جاء، فقال علیه السلام: يا مالك و یا خالد، متي أحدثتما الكلام في الربوبية؟ فقلنا: ما خطر ببالنا إلا الساعة. فقال علیه السلام: اعلما أن لنا ربا یکلؤنا بالليل و النهار نعبده، يا مالك و یا خالد، قولوا فينا ما شئتم، و اجعلونا مخلوقين. فكررها علينا مراراً و هو علیه السلام واقف على حماره(4)

33 -[ محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن المفضل بن عمر، قال: كنت أنا و القاسم

ص: 504


1- بصائر الدرجات: 334 ح6 ، عنه البحار: 47/ 81 ح69 ، 63/ 45 (نحوه).
2- الخرائج والجرائح: 629/2 ، عنه البحار:105/47ح130.
3- المناقب: 226/4 ، عنه البحار:129/47ضمن ح176.
4- کشف الغمة: 2/ 197، عنه البحار: 25/ 289 ح 45، 47/ 148 ضمن ح203.

شریکي و نجم بن حطیم و صالح بن سهل بالمدينة، فتناظرنا في الربوبية،قال: فقال بعضنا لبعض: ما تصنعون بهذا؟ نحن بالقرب منه علیه السلام ، و ليس منا في تقية، قوموا بنا إليه. قال: فقمنا، فو الله ما بلغنا الباب إلا وقد خرج علیه السلام علينا بلا حذاء ولا رداء، قد قام كل شعرة من رأسه منه، و هو يقول: لا لا يا مفضل و یا قاسم و يانجم، لا لا «بَل عِبَادٌ مُكرَمُونَ لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَ هُم بِأمرِهِ يَعمَلُونَ» (1)

34 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن سليمان بن خالد قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو يكتب كتبا إلى بغداد، و أنا أريد أن أودعه، فقال علیه السلام: تجيء إلى بغداد؟ قلت: بلى. قال عليه السلام : تعين مولاي هذا بدفع كتبه. ففکرت و أنا في صحن الدار أمشي، فقلت: هذا حجة الله على خلقه، یکتب إلى أبي أيوب الجزري و فلان و فلان يسألهم حوائجه! فلما صرنا إلى باب الدار، صاح علیه السلام بي: يا سلیمان ارجع أنت وحدك . فرجعت، فقال علیه السلام: كتب إليهم لأخبرهم أني عبد و لي إليهم حاجة.(2)

35 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن بعض أصحابنا، قال: حملت مالا لأبي عبد الله عليه السلام فاستكثرته في نفسي، فلما دخلت عليه علیه السلام دعا بغلام، و إذا طشت في آخر الدار، فأمره أن يأتي به. ثم تكلم علیه السلام بكلام لما أتى بالطشت فانحدر الدنانير من الطشت حتی حالت بيني و بين الغلام. ثم التفت علیه السلام إلى و قال: أترى نحتاج إلى ما في أيديكم؟ إنما نأخذ منكم ما نأخذ لنطهركم.(3)

36 -[ الطبري في دلائل الإمامة]، بإسناده إلى أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام، فقال لي: يا با خالد، خذ رقعتي فات غيضة قد سماها فانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به. قال: قلت: أعفني جعلت فداك. قال فقال علیه السلام لي: اذهب بابا خالد. قال: فقلت في نفسي: یا با خالد، لو أمرك جبار عنيف ثم خالفته إذا كيف يكون حالك؟ قال: ففعلت ذلك حتى إذا صرت إلى الغيضة و نشرت الرقعة جاء معي واحد منها، فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إليه واقفاً ما يحرك من شعره شعرة. فأومأ بكلام لم أفهمه قال: فلبثت عنده و أنا متعجب من سكون السبع بين يديه علیه السلام . فقال علیه السلام لي: یا با

ص: 505


1- الكافي: 8/ 232ح303، والآية: الأنبياء: 26.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 638، عنه البحار: 47/ 107ح137.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 613، عنه البحار: 101/47ح 122.

خالد، ما لك تتفكر؟ قال: قلت: أفكر في إعظام السبع.

قال: ثم مضى السبع فما لبثت إلا وقتا قليلا حتى طلع السبع و معه كيس في فيه. قال: قلت: جعلت فداك إن هذا لشيء عجيب! قال عليه السلام : يا با خالد هذا كيس وجه به إلى فلان مع المفضل بن عمر، و احتجت إلى ما فيه، و كان الطريق مخوفا فبعثت هذا السبع فجاء به.

قال: فقلت في نفسي: و الله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر و أعلم ذلك. قال: فضحك أبو عبد الله علیه السلام ثم قال لي: نعم يا با خالد، لا تبرح حتى يأتي المفضل. قال فتداخلني و الله من ذلك حيرة. ثم قلت: أقلني جعلت فداك. و أقمت أياما، ثم قدم المفضل و بعث إلي أبو عبد الله عليه السلام فقال المفضل: جعلني الله فداك، إن فلاناً بعث معي کیسا فيه مال، فلا صر في موضع كذا و كذا جاء سبع و حال بيننا وبين رحالنا، فلما مضى السبع طلب الكيس في الرحل فلم أجده.

قال أبو عبد الله علیه السلام: يا مفضل، أتعرف الكيس؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال أبو عبد الله علیه السلام : يا جارية، هاتي الكيس. فأتت به الجارية، فلما نظر إليه المفضل قال: نعم هذا هو الكيس.

ثم قال علیه السلام: يا مفضل تعرف السبع؟ قال: جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب. فقال علیه السلام له: ادن مني. فدنا منه ثم وضع يده عليه، ثم قال لأبي خالد: امض برقعتي إلى الغيضة، فأتنا بالسبع. فلما صرت إلى الغيضة، ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي. فلما صار بين يدي أبي عبد الله علیه السلام نظرت إلى إعظامه إياه، فاستغفرت في نفسي. ثم قال علیه السلام : يا مفضل هذا هو؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال علیه السلام: یا مفضل أبشر فأنت معنا. (1)

37 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد بن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك،سمى رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بكر الصديق؟ قال علیه السلام: نعم. قال: فكيف؟ قال علیه السلام: حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب رضی الله عنه تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال صلی الله علیه وآله : ادن مني. قال علیه السلام : فدنا منه فمسح صلی الله علیه وآله على عينيه، ثم قال: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة و هي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور

ص: 506


1- دلائل الإمامة: 128، عنه البحار: 62/ 74 ح6.

أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدق أنك ساحر. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: الصديق أنت.(1)

38 - [المجلسي في البحار، من منتخب البصائر]، عن خالد بن يحيى، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام:سمى رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بكر صديقاً؟ فقال علیه السلام : نعم، إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة. فقال له أبو بكر: و إنك لتراها؟ قال صلی الله علیه وآله: نعم. فقال: يارسول الله، تقدر أن ترینیها؟ فقال صلی الله علیه وآله : ادن مني. فدنا منه فمسح صلی الله علیه وآله يده على عينيه، ثم قال له: انظر. فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله: صديق أنت.

فقلت:لم سمي عمر الفاروق؟ قال علیه السلام: نعم، ألا ترى أنه قد فرق بين الحق و الباطل، و أخذ الناس بالباطل.

فقلت: فلم سمي سالمة الأمين؟ قال علیه السلام : لا أن كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين.

قلت: فقال صلی الله علیه وآله : اتقوا دعوة سعد؟ قال عليه السلام: نعم. قلت: و كيف ذلك؟ قال عليه السلام: إن سعداً يكر فيقاتل علياً علیه السلام.(2)

39 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى أديم بن الحر، قال أديم: سأله موسی بن أشيم - يعني أبا عبد الله علیه السلام - عن آية من كتاب الله، فخبره بها. فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها، فأخبره بخلاف ما أخبره.

قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله، حتى كنت کاد قلبي يشرح بالسكاكين، و

ص: 507


1- بصائر الدرجات:422 ح14، عنه البحار: 109/18ح10، ولاحظ 19/ 71ح23،194/30ح55، و في 53/19ح10 عن تفسير القمي عن أبيه، عن بعض رجاله مرفوعاً، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (لما كان رسول الله صلی الله علیه وآله في الغار، قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار محتبين في أفنيتهم. فقال أبو بكر: وتراهم یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. قال : فأرنيهم. فمسح صلی الله علیه وآله على عينيه فرآهم، فقال في نفسه : الآن صدقت أنك ساحر، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله: أنت الصديق.) تفسير القمي:290/1. أقول: قال المجلسي قدس سره في بيان الحديث المذكور في المتن: قوله صلی الله علیه وآله: ( الصديق أنت..) على التهكم، أو على الإستفهام الإنكاري. البحار: 30/ 195
2- البحار: 53/ 75 ح76، 194/30ح56.

قلت: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الحرف الواحد الواو و شبهها، و جئت إلى من يخطئ هذا الخطاء كله!. فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر، فسأله عن تلك بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني و الذي سأله بعدي فتجلى عني، و علمت أن ذلك تعمد منه. فحدثت نفسي بشيء، فالتفت إلى أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا ابن أشيم، لا تفعل كذا و كذا. فحدثني علیه السلام عن الأمر الذي حدثت به نفسي.

ثم قال: يا ابن أشيم، إن الله فوض إلى سليمان بن داود علیه السلام فقال:«هَذَا عَطَاؤنَا فَامنُن أو أمسِكَ بِغَيرِ حِسَابٍ»(1) و فوض إلى نبيه صلی الله علیه وآله فقال:«مَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا»(2)، فما فوض إلى نبيه صلی الله علیه وآله فقد فوض إلينا. يا ابن أشيم،«فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يَرِد أن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً»(3)، أتدري ما الحرج؟ قلت: لا. فقال بيده -و ضم أصابعه -: الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء.(4)

40 - [محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر و أكبر من فتر(5) فدخلت في خياشيمه، فصعق. فمكث بذلك أربعين يوما، ثم إن الله عز و جل رأف به و رحمه و خرج، فإذا أراد الله جل وعز بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت، فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض.(6)

41 - [الصدوق في علل الشرائع]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن سارة قالت الإبراهيم عليه السلام : يا إبراهيم، قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدة تقر أعيننا به فإن الله

ص: 508


1- ص: 39.
2- الحسر: 7.
3- الأنعام: 125.
4- بصائر الدرجات: 386 ح 11، عنه البحار: 25/ 332 - 333 ح10، وأورده المفيد في الإختصاص 331-330 .
5- قال في لسان العرب عن الجوهري: الفتر ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحهما. أقول: وأما الشبر فهو - کما عن مجمع البحرين - المساحة بين طرفي الخنصر والإبهام.
6- الكافي: 8/ 255 ح 365، عنه البحار: 57/ 30 ح 25.

قد اتخذك خليلا و هو مجيب لدعوتك إن شاء.

قال عليه السلام : فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله عز وجل إليه: أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة لي.

قال أبو عبد الله علیه السلام : فمکث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله عز وجل، و إن سارة قد قالت لإبراهيم: إنك قد كبرت و قرب أجلك فلو دعوت الله عز و جل أن ينسئ في أجلك و أن يمد لك في العمر فتعيش معنا و تقر أعيننا.

قال عليه السلام: فسأل إبراهيم ربه ذلك، قال فأوحى الله عز و جل إليه: سل من زيادة العمر ما أحببت تعطه. قال عليه السلام : فأخبر إبراهيم سارة بذلك فقالت له: سل الله أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت.

قال عليه السلام: فسأل إبراهيم ربه ذلك، فأوحى الله عز وجل إليه: ذلك لك. قال: فأخبر إبراهيم سارة بما أوحى الله عز و جل إليه في ذلك. فقالت سارة لإبراهيم: اشكر الله و اعمل طعاما و ادع عليه الفقراء و أهل الحاجة. قال: ففعل ذلك إبراهيم و دعا إليه الناس، فكان فيمن أتى رجل كبير ضعیف مکفوف معه قائد له فأجلسه على مائدته، قال: فمد الأعمى يده فتناول لقمة و أقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا و شمالا من ضعفه، ثم أهوى بيده إلى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه، ثم تناول المكفوف لقمة فضرب بها عينه، قال علیه السلام : و إبراهيم علیه السلام ينظر إلى المكفوف و إلى ما يصنع. قال: فتعجب إبراهيم من ذلك و سأل قائده عن ذلك فقال له القائد: هذا الذي تري من الضعف.

فقال إبراهيم في نفسه: أليس إذا كبرت أصير مثل هذا؟ ثم إن إبراهيم عليه السلام سأل الله عز و جل حيث رأى من الشيخ ما رأى فقال: اللهم توفني في الأجل الذي كتبت لي فلاحاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رأيت.(1)

42 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل، عن أبي حمزة قال: دخل على أبي عبد الله علیه السلام و هو متخل، فقعدت في جانب البيت فقال لي: إن نفسك لتحدثك بشيء و تقول لك إنك مفرط في حبنا أهل البيت، و ليس هو کما تقول، إن المؤمن ليلقى أخاه

ص: 509


1- علل الشرائع: 1/ 38 - 39 ح 2، عنه البحار: 79/12- 80ح9، وعنه أيضا قصص الأنبياء للجزائری:118-119.

فيصافحه فيقبل الله عليهما بوجهه و يتحات الذنوب عنهما حتى يفترقا.(1)

43 -[الصفار في بصائر الدرجات]، حدثنا أحمد بن محمد، عن بکر، عمن رواه عن عمر بن يزيد، قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فبسط رجليه و قال: اغمزها یا عمر. قال: فأضمرت في نفسي أن أسأله عن الإمام بعده عليه السلام . فقال عليه السلام : يا عمر، لا أخبرك عن الإمام بعدي.(2)

44 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، حدثني محمد بن علي، عن عمه محمد، عن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام ليلة من الليالي و لم يكن عنده عليه السلام أحد غيري، فمد رجله في حجري فقال: اغمزها یا عمر. فغمزت رجله علیه السلام، فنظرت إلى اضطراب في عضلة ساقيه، فأردت أن أسأله علیه السلام إلى من الأمر من بعده، فأشار إلي فقال: لا تسألني في هذه الليلة عن شيء فإني لست أجيبك.(3)

45 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن عمران بن يزيد قال: دخلت إلى أبي عبد الله عليه السلام و هو مضطجع، و وجهه إلى الحائط فقال علیه السلام لي حين دخلت عليه: یا عمر، اغمز رجلي. فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسي: الساعة أسأله عن عبد الله و موسی علیه السلام ایهما

الإمام؟ قال: فحول علیه السلام وجهه إلي و قال: إذن و الله لا أجيبك.(4)

46 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن هشام بن أحمد قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر و هو في مصنعة له(5) في يوم شديد الحر، و العرق يسيل على خده علیه السلام فيروي [فيجري] على صدره، فابتدأني علیه السلام فقال:[نعم و الله الرجل المفضل بن عمر]نعم والله الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل بن عمر الجعفي. حتى أحصي بضعاً و ثلاثين مرة يقولها و يكررها، و قال: إنما هو والد بعد والد.(6)

ص: 510


1- کشف الغمة: 2/ 198، عنه البحار: 42/73ضمن ح 42.
2- بصائر الدرجات: 235 ح1 ، عنه البحار: 47/ 67 ح10.
3- بصائر الدرجات: 235 ح 1، عنه البحار: 67/47ح10، 146/71ح1.
4- بصائر الدرجات: 235ح 2، عنه البحار: 26/ 139 - 140 ح10.
5- المصنعة : الحوض يجمع فيه ماء المطر، والأصوب : في ضيعة كما في بعض النسخ. (البحار)
6- بصائر الدرجات: 237، عنه البحار:68/47 - 69ح17 وما بين المعقوفات من نسخة البحار، وأورده الشيخ في الغيبة: 346 - 347، عنه البحار: 47/ 340 ح 24، والكشي في رجاله:322-323 ح 585.

47 -[الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، قال: حدثني زیاد بن أبي الحلال قال: اختلف الناس في جابر بن یزید و أحاديثه و أعاجيبه، قال: فدخل على أبي عبد الله عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عنه، فابتدأني من غير أن أسأله: رحم الله جابر بن یزید الجعفي، كان يصدق علينا، و لعن الله المغيرة بن شعبة كان يكذب علينا.(1)

68 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، حدثنا أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: سألته عن القضاء و القدر، فقال علیه السلام: هما خلقان من خلق الله، و الله يزيد في الخلق ما يشاء. و أرد أن أسأله علیه السلام عن المشية، فنظر علیه السلام إلى فقال: يا جميل، لا أجيبك في المشية.(2)

49 -[الصفار في بصائر الدرجات]، عن أبي بصير قال: قدم إلينا رجل من أهل الشام فعرضت عليه هذا الأمر فقبله فدخلت عليه و هو في سكرات الموت فقال: يا أبا بصير قد قبل ماقلت لي [فكيف لي ](3)بالجنة، فقلت: أنا ضامن لك على أبي عبدالله علیه السلام بالجنة. فمات، فدخلت على أبي عبدالله علیه السلام فابتدأني و قال: قد وفي لصاحبك بالجنة.(4)

50 -[ المفيد في الإختصاص]، عن حفص الأبيض التمار قال: دخل على أبي عبد الله علیه السلام أيام صلب المعلى بن خنیس، قال: فقال علیه السلام لي: يا أبا حفص،إني أمرت المعلى ابن خنيس بأمر فخالفني فابتلي بالحديد. إني نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت له: ما لك يا معلی كأنك ذكرت أهلك و مالك و ولدك و عيالك. قال: أجل. قلت: ادن مني

ص: 511


1- بصائر الدرجات: 238، عنه البحار:327/46 - 328 ح6، 69/47- 70ح20، وأورده في الإختصاص: 204 (نحوه)، عنه البحار: 341/46ح 31، الخرائج والجرائح: 2/ 733، دلائل الإمامة: 133، رجال الكشي: 191 - 192 ح 336، المناقب: 4/ 219، أقول: وفي بصائر الدرجات، عن محمد بن سنان، عن زياد بن أبي الحلال قال : (كنت سمعت من جابر أحاديث فاضطرب فيها فؤادي وضقت فيها ضيق شديداً، فقلت: والله إن المستراح لقريب وإني عليه لقوي. فاتبعت بعيراً وخرجت عليه من المدينة وطلبت الإذن على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لي، فلما نظر علیه السلام إلى قال : رحم الله جابراً، كان يصدق علينا، ولعن الله المغيرة فإنه كان يكذب علينا. قال : ثم قال علیه السلام: فينا روح رسول الله صلی الله علیه وآله.) بصائر الدرجات: 459 - 460 ح4، عنه البحار: 25/ 62 - 63 ح 41، ونحوه في دلائل الإمامة: 138، وفيه بدل: (المستراح) : السراج، وبدل: (فاتبعت بعيراً) : فابتعت قلوصاً. أقول: قال الطريحي في مجمع البحرين : القلوص - بالفتح - الناقة الشابة بمنزلة الجارية من النساء.
2- بصائر الدرجات: 240، عنه البحار: 5/ 120 ح 62.
3- ما بين المعقوفتين من نسختي البحار والخرائج.
4- بصائر الدرجات: 251 ح 2، عنه البحار:76/47 ح44، وأورده في الخرائج والجرائح :719/2 .

فدنا مني فمسحت وجهه فقلت: أين تراك؟ قال: أراني في بيتي، هذه زوجتي وهذا ولدي. فتركته حتى تملا منهم و استترت منهم حتى نال منها ما ينال الرجل من أهله، ثم قلت له: ادن مني، فدنا مني فمسحت وجهه فقلت: أين تراك؟ فقال: أراني معك في المدينة هذا بيتك. قال عليه السلام : قلت له: يا معلي، إن لنا حديثا من حفظ علينا حفظ الله عليه دینه و دنیاه، یا معتى لا تكونوا أسرى في أيدي الناس بحديثنا، إن شاءوا آمنوا عليكم و إن شاءوا قتلوكم، یا معلى إنه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نوراً بين عينيه و رزقه الله العزة في الناس و من أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضه السلاح أو يموت كبلت، یا معلی بن خنیس و أنت مقتول فاستعد.(1)

51 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن محمد بن أبي كثير الكوفي قال: كنت لا أختم صلاتي و لا أستفتحها إلا بلعنهما، فرأيت في منامي طائراً معه تور من الجوهر(2) فيه شيء أحمر شبه الخلوق، فنزل إلى البيت المحيط برسول الله صلی الله علیه وآله ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثم ردهما إلى الضريح و عاد مرتفعاً، فسألت من حولي: من هذا الطائر؟ و ما هذا الخلوق؟

فقال: هذا ملك يجيء في كل ليلة جمعة يخلقهما، فأزعجني ما رأيت، فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما، فدخل على الصادق علیه السلام فلما رآني ضحك وقال: رأيت الطائر؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال علیه السلام :«إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ»(3)، فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها، و الله ماهو ملك موكل بهما لإكرامهما، بل هو ملك موكل بمشارق الأرض ومغاربها، إذا قتل قتيل ظلماً أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لأنهماسبب كل ظلم مذ كانا(4).

52 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن داود بن أعين قال: تفكرت في قول الله تعالى:«وَ

ص: 512


1- الإختصاص: 321، بصائر الدرجات: 403 ح 2، عنهما البحار: 47/ 88 ح 91، وعن البصائر ورجال الكشي في: 2/ 71 - 72ح 34، وعن الإختصاص في: 380/25- 381 ح 34، رجال الكشي: 378 - 379 ح 709، وأورده في دلائل الإمامة: 136، المستدرك: 12/ 297 ح 14132-23عن البصائر.
2- التور إناء یشرب فيه (البحار)، ولكن في نسخة المناقب المطبوعة بدل كلمة (تور): نور.
3- المجادلة: 10.
4- مناقب آل أبي طالب: 4/ 237، عنه البحار: 236/30- 237 ح 104، 47/ 124 ح173.

مَا خَلَقتُ الجِنَّ وَ الإنسَ إلّا لِيَعبُدُونِ»(1)، قلت: خلقوا للعبادة و يعصون و يعبدون غيره؟ و الله لأسألن جعفراً علیه السلام عن هذه الآية. فأتيت الباب فجلست أريد الدخول عليه علیه السلام، إذ رفع صوته فقرأ:«وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَ الإنسَ إلّا لِيَعبُدُونِ » ثم قرأ: «لَا تَدرِي لَعَلَّ الله يُحَدِثُ بَعدَ ذَلِكَ أَمرَاً »(2) فعرفت أنها منسوخة.(3)

53 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن عيسى شلقان قال: دخل على أبي عبد الله علیه السلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال علیه السلام لي مبتدئا من قبل أن أجلس: ما منعك أن تلقي ابني موسى علیه السلام فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسى: فذهبت إلى العبد الصالح عليه السلام و هو قاعد في الكتاب و على شفتيه أثر المداد، فقال علیه السلام لي مبتدئا: یا عیسی، إن الله أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها، و أخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا، و إن قوما إيمانهم عارية، و إن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان فسلبه الله إياه.

فضممته علیه السلام إلي و قبلت ما بين عينيه و قلت:«ذُرِّیَّةَ بَعضُهَا مِن بَعضٍ »(4)ثم رجعت إلى الصادق علیه السلام فقال: ما صنعت؟ قلت: أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن جميع ما أردت فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر. فقال علیه السلام : يا عيسى، إن ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب.(5)

54 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، التمس محمد بن سعيد من الصادق علیه السلام رقعة إلى

محمد بن أبي حمزة الثمالي في تأخير خراجه، فقال عليه السلام : قل له: سمعت جعفر بن محمد علیهما السلام يقول: من أكرم لنا موالياً فبكرامة الله تعالى بدأ، و من أهانه فلسخط الله تعرض، و من

ص: 513


1- الذاريات: 56.
2- الطلاق: 1.
3- کشف الغمة: 2/ 199، عنه البحار: 47/ 148 ضمن ح203، 318/5 ح 18 ، أقول: لاحظ بیان العلامة المجلسي قدس سره ذيل الحديث.
4- آل عمران: 34.
5- مناقب آل أبي طالب: 4/ 293، عنه البحار: 58/48ح68، وليس في المصدر قوله : (ثم رجعت إلى الصادق علیه السلام..الخ)، ولعله سقط في الطبعات الحديثة، وأورده بتمامه مع بعض التفاوت في قرب الإسناد: 143 - 144، عنه البحار: 24/48ح40، الخرائج والجرائح: 653/2، دلائل الإمامة:164، الصراط المستقيم مختصرة: 2/ 193 ح 25.

أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، و من أحسن إلى أمير المؤمنين علیه السلام فقد أحسن إلى رسول الله صلی الله علیه وآله، ومن أحسن إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فقد أحسن إلى الله، و من أحسن إلى الله كان و الله معنا في الرفيع الأعلى.

قال: فأتيته و ذكرته، فقال: بالله سمعت هذا الحديث من الصادق علیه السلام ؟ فقلت: نعم.

فقال: اجلس. ثم قال: يا غلام، ما على محمد بن سعيد من الخراج؟ قال: ستون ألف درهم. قال: امح اسمه من الديوان. و أعطاني بدرة و جارية و بغلة بسرجها و لجامها.

قال: فأتيت أبا عبد الله علیه السلام، فلما نظر إلي تبسم فقال: يا أبا محمد، تحدثني أو أحدثك؟

فقلت: يا ابن رسول الله منك أحسن. فحدثني علیه السلام و الله الحديث كأنه حاضر معي.(1)

55 -[ العياشي في تفسيره]، عن حریز عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنا نظن أن الله خلق خلق أكرم عليه منا، فنحن جيرانه و نحن أقرب خلقه إليه.

فقال الله:«ألَم أقُل لَكِم إِنِّي.. أعلَمُ مَا تُبدُونَ وَ مَا کُنتُم تَكتُمُونَ»(2)فيما أبدوا من أمر بني الجان و کتموا ما في أنفسهم، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا،بالعرش.(3)

56 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد، عن سعيد بن يسار: أنه حضر أحد ابني سابور، و كان لهما فضل و ورع و إخبات، فمرض أحدهما - و لا أحسبه إلا زكريا ابن سابور -، قال: فحضرت عند موته فبسط يده ثم قال: ابيضت يدي يا علي.

قال: فدخلت على أبي عبد الله علیه السلام و عنده محمد بن مسلم، قال: فلما قمت من عنده علیه السلام ظننت أن محمدا يخبره بخبر الرجل، فأتبعني علیه السلام برسول فرجعت إليه عليه السلام فقال: أخبرني عن هذا الرجل الذي حضرته عند الموت، أي شيء سمعته يقول؟ قال: قلت: بسط يده ثم قال: ابيضت يدي يا علي. فقال أبو عبدالله عليه السلام : رآه والله، رآه والله، رآه والله.(4)

ص: 514


1- مناقب آل أبي طالب: 4/ 235 - 236، عنه البحار: 179/47ح 27، وعنه أيضا المستدرك: 13/ 175 ح15025 - 4.
2- البقرة: 33.
3- تفسير العياشي: 1/ 33 ح14، عنه البحار:148/11.
4- الكافي: 3/ 130 - 131 ح3، عنه البحار: 39/ 237ح24، 362/47ح 75، وأورده الكثي في رجاله: 335 - 336 ح614، عنه البحار: 6/ 192ح 41 ، أقول: إن الإمام عليه السلام أخبره ضمنيا بأن محمد بن مسلم لم يخبره بالخبر، فكشف له عن علمه بما في نفسه.

57 -[المجلسي في البحار، عن البرسي في مشارق الأنوار]، عن صفوان بن مهران قال: أمرني سيدي أبو عبد الله عليه السلام يوما أن أقدم ناقته إلى باب الدار، فجئت بها فخرج أبو الحسن موسى عليه السلام مسرعاً و هو ابن ست سنين، فاستوى على ظهر الناقة و أثارها و غاب عن بصري. قال: فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، و ما أقول لمولاي إذا خرج يريد الناقة؟ قال: فلما مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب و هي ترفض عرقاً، فنزل علیه السلام عنها و دخل الدار فخرج الخادم و قال: أعد الناقة مكانها و أجب مولاك.

قال: ففعلت ما أمرني علیه السلام، فدخلت عليه فقال: يا صفوان، إنما أمرتك بإحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن علیه السلام ، فقلت في نفسك كذا و كذا، فهل علمت یا صفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ إنه بلغ ما بلغه ذو القرنين و جاوزه أضعافا مضاعفة، و أبلغ كل مؤمن و مؤمنة سلامي.(1)

58 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و أنا أحدث نفسي، فرآني فقال: ما لك تحدث نفسك؟ تشتهي أن ترى أبا جعفر علیه السلام ؟ قلت: نعم. قال علیه السلام : قم فادخل البيت. فدخلت فإذا هو أبو جعفر علسه السلام ..(2)

59- [الصفار في بصائر الدرجات]، أحمد بن محمد بإسناده إلى عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام و هو وجع فولاني علیه السلام ظهره و وجهه إلى الحائط، فقلت في نفسي: ما أدري ما يصيبه علیه السلام في مرضه و ما سألته عن الإمام بعده، فأنا أفكر في ذلك إذ حول علیه السلام وجهه إلى فقال: إن الأمر ليس كما تظن، ليس علي من وجعي هذا بأس.(3)

60 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن هشام بن الحكم، عن زرارة قال : رأيت داية أبي الحسن موسی علیه السلام تلقمه الأرز و تضربه عليه، فغمني ما رأيته فدخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي : أحسبك غمك ما رأيت من داية أبي الحسن موسی علیه السلام . قل له : نعم جعلت فداك، فقال علیه السلام لی : نعم الطعام الأرز يوسع الأمعاء و يقطع البواسير، و إنا

ص: 515


1- البحار99/48-100.
2- بصائر الدرجات: 275 ح4، عنه البحار: 303/27 ح4، والخرائج والجرائح: 819/2، وفي آخره هكذا: (فدخلت فإذا أبو جعفر علیه السلام ومعه قوم من الشيعة ممن مات قبله علیه السلام وبعده.)
3- بصائر الدرجات: 239 ح14، عنه البحار: 47/ 70ح 21، ونحوه في المناقب: 219/4، وفي كشف الغمة: 2/ 194 عنه قال: (اشتكى أبو عبد الله علیه السلام شكاة شديدة خفت عليه، قلت في نفسي: أسأله عن الإمام بعده، قال علیه السلام لي مبتدئا : ليس علي من وجعي هذا بأس.)

لنغبط أهل العراق بأكلهم الأرز و البسر فإنهما یوسعان الأمعاء و يقطعان البواسير.(1)

61 - [محمد بن الحسن في روضة الواعظين]، روی جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام أنه قال : في العرش تمثال ما خلق الله من البر و البحر، قال علیه السلام: و هذا تأویل قوله : «وَ إنَ مِن شَيءٍ إلّا عِندَنَا خَزَائنُه »(2) و إن بين القائمة من قوائم العرش و القائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام و العرش يکسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله، و الأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة. و إن الله تعالى ملكة يقال له : (خرقائیل) له ثمانية عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر : هل فوق العرش شيء فزاده الله تعالى مثلها أجنحة أخرى فكان له ست و ثلاثون ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله إليه : أيها الملك طر. فطار مقدار عشرين ألف عام لم ينل رأس قائمة من قوائم العرش، ثم ضاعف الله له في الجناح و القوة و أمره أن يطير فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا فأوحى الله إليه : أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك و قوتك لم تبلغ إلى ساق عرشي، فقال الملك : (سبحان ربي الأعلى) فأنزل الله عز و جل :«سَبَّح اسمَ رَبِّكَ الأعَلَى»(3) فقال النبي صلی الله علیه وآله: اجعلوها في سجودكم.(4)

الثامن: إخبارات الإمام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام

1 -[ الصدوق في علل الشرائع]، أبي، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن السياري: أن بعض أهل المدائن كتب إلى أبي الحسن الماضي علیه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي إليه فكرت فقلت: هو مما أنبتت الأرض و ما كان لي أن أسأل عنه.

ص: 516


1- الكافي: 6/ 341 ح 2، عنه البحار: 47/ 42 ح 54، وأورده في المحاسن: 503/2ح636وفيه بدل (داية): رابة، عنه البحار:196/59ح1، 63/ 162 ح5.
2- الحجر: 21.
3- الأعلى: 1.
4- روضة الواعظين: 1/ 47، عنه البحار: 55/ 34-35 ح 54، أقول: وفي المصدر بدل (خرقائيل) :حزقائيل.

قال: فكتب علیه السلام : لاتصل على الزجاج، فإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض فإنه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الرمل و الملح و هما ممسوخان.(1)

2 -[الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن الماضي عليه السلام و هو محموم و وجهه إلى الحائط، فتناول بعض أهل بيته يذكر. فقلت في نفسي: هذا خير خلق الله في زمانه يوصينا بالبر و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول؟! قال: فحول علیه السلام وجهه، فقال: إن الذي سمعت من البر، إني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله، و إن لم أقل هذا صدقوا قوله علي. (2)

3- [الصفار في بصائر الدرجات ]، عن يعقوب بن یزید، بإسناده إلى هشام بن سالم، قال: لما دخلت إلى عبد الله بن أبي عبد الله، فسألته فلم أر عنده شيئا فدخلني من ذلك ما الله به عليم، و خفت أن لا يكون أبو عبد الله علیه السلام ترك خلفاً. فأتيت قبر النبي صلی الله علیه وآله ، فجلست عند رأسه أدعو الله و أستغيث به، ثم فكرت، فقلت: أصبر على الزنادقة، ثم فكر فيما يدخل عليهم، و رأيت قولهم يفسد، ثم قلت: لا، بل قول الخوارج فآمر بالمعروف و أنهی عن المنكر و أضرب بسيفي حتى أموت، ثم فكرت في قولهم و ما يدخل عليهم، فوجدته يفسد. ثم قلت: إلى المرجئة، ثم فكرت فيما يدخل عليهم فإذا قولهم يفسد. فبينا أنا أفكر في نفسي و أمشي إذا مر بعض موالي أبي عبد الله علیه السلام، فقال لي: يجب أن أستأذن لك على أبي الحسن علیه السلام .فقلت: نعم. فذهب فلم يلبث أن عاد إلي فقال: قم و ادخل عليه.

فلما نظر إلي أبو الحسن علیه السلام فقال لي مبتدئا: یا هشام، لا إلى الزنادقة، ولا إلى الخوارج، ولا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، و لكن إلينا. قلت: أنت صاحبي. ثم سأله فأجابني عما أردت. (3)

ص: 517


1- علل الشرائع: 2/ 342ح5، عنه البحار: 147/82ح 2، وأورده في الكافي: 3/ 332 ح 114 (نحوه) وليس فيه: (فإنه مما أنبتت الأرض)، عنه البحار: 37/48ح 12، ولاحظ التهذيب: 304/2 ح87، أقول: قال الصدوق رضی الله عنه في ذيل الحديث : (ليس كل رمل ممسوخاً و لا كل ملح و لكن الرمل و الملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان.) أقول: ولاحظ أيضا بيان المجلسي قدس سره في ذيل الخبر في المصدر المذكور.
2- بصائر الدرجات: 238 ح 11، عنه البحار: 50/48ح43.
3- بصائر الدرجات: 251 - 202 4ح ، عنه البحار: 51/48 - 52 ح47، أقول: و في بصائر الدرجات عن هشام بن سالم قال : (دخلت على عبد الله بن جعفر، و أبو الحسن عليه السلام في المجلس قدامه مرآة و آلتها مردی بالرداء موزراً، فأقبلت على عبد الله فلم أسأله حتى جرى ذكر الزكاة فسألته، قال:تسألني عن الزكاة، من كانت عنده أربعون درهما ففيها درهم.قال: فاستشعرته و تعجبت منه، فقلت له : أصلحك الله، قد عرفت مودتي لأبيك علیه السلام و انقطاعي إليه و قد سمعت منه كتبا، أفتحب أن آتيك بها؟ قال : نعم بنو أخ ائتنا. فقمت مستغيثا برسول الله صلی الله علیه وآله، فأتيت القبر فقلت : يا رسول الله، إلى من؟ إلى القدرية؟ إلى الحرورية؟ إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟ قال : فإني كذلك إذ أتاني غلام صغير دون الخمس فجذب ثوبي فقال لي : أجب. قلت : من؟ قال : قال :سيدي موسی بن جعفر علیه السلام. فدخلت إلى صحن الدار فإذا هو علیه السلام في بيت و عليه كلة فقال علیه السلام : ياهشام، قلت: لبيك. فقال لي : لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، و لكن إلينا. ثم دخلت عليه.) بصائر الدرجات: 250 - 251 ح 1، عنه البحار: 250/47 ح 20، 48/ 50 - 51 ح44.

4-[ محمد بن يعقوب في الكافي] عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: و إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته؟

فالتفت عليه السلام إلى شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا و البلايا، و الإمام أولى بعلم ذلك. ثم قال علیه السلام : يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، و إنك تموت إلى سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق کلمتهم و يخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك؟ فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري. فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيراً حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.(1)

5 - [الصفار في بصائر الدرجات]، بإسناده إلى خالد الجوار، قال: دخلت على أبي الحسن علیه السلام و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت إليه قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي مظلوم مغصوب مضطهد في نفسي. ثم دنوت منه، فقبلت بين عينيه و جلست بين يديه. فالتفت علیه السلام إلي، فقال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تتصور هذا في نفسك.

ص: 518


1- الكافي: 1/ 484 ح 7، عنه البحار: 69/48ح91، وقريب منه إلى قوله :(والإمام أولى بذلك) في بصائر الدرجات: 264 ح 9، عنه البحار: 123/42ح4، 54/48 ح53، وأورده أيضا في دلائل الإمامة: 160، وکشف الغمة: 2/ 242.

قال: قلت: جعلت فداك و الله ما أردت بهذا شيئا. قال: فقال علیه السلام : نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا. لو أردنا أزف إلينا، و إن لهؤلاء القوم مدة وغاية لا بد من الإنتهاء إليها.

قال: فقلت: لا أعود و أصير في نفسي شيئا أبدا. قال: فقال علیه السلام: لا تعد أبدا.(1)

6 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس یذکر موسی بن جعفر عليهما السلام بسوء. فاشتريت سکيناً و قلت في نفسي: و الله لأقتلنه إذا خرج للمسجد. فأقمت على ذلك، و جلست فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت علي فيها: (بحقي عليك لما كففت عن الأخرس فإن الله يغني و هو حسبي.) فما بقي أيام [أياما ] إلا و مات.(2)

7- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن علي بن أبي حمزة قال: بعثني أبو الحسن عليه السلام في حاجة، فجئت و إذا معتب على الباب. فقلت: أعلم مولاي عليه السلام بمكاني. فدخل معتب و مرت بي امرأة، فقلت: لولا أن معتباً دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتبعت هذه المرأة فتمتعت بها .

فخرج معتب فقال: ادخل. فدخلت عليه علیه السلام و هو على مصلى تحته مرفقة فمدیده و أخرج من تحت المرفقة صرة فناولنيها و قال: الحق المرأة فإنها على دكان العلاف [بالبقيع تنتظرك فأخذت الدراهم وكنت إذا قال لي شيئا لا أراجعه، فأتيت البقيع فإذا المرأة على دكان العلاف ]تقول: يا عبد الله قد حبستني، قلت: أنا؟ قالت: نعم. فذهبت بها و تمتعت بها(3).

8- [ابن شهرآشوب في المناقب]، عن بیان بن نافع التفليسي قال: خلفت والدي مع الحرم في الموسم، و قصدت موسی بن جعفر علیهما السلام ، فلما أن قربت منه، هممت بالسلام عليه علیه السلام، فأقبل علي بوجهه وقال: بر حجك، يا ابن نافع آجرك الله في أبيك، فإنه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه. فبقيت متحيراً عند قوله، و قد كنت

ص: 519


1- بصائر الدرجات: 126ح7، عنه البحار: 26/ 139 ح9، 49/48ح40، وأورده في الخرائج والجرائح عن المعلى: 2/ 869.
2- المناقب: 289/4، الخرائج والجرائح: 649/2 ، عنهما البحار: 59/48ح69، وأورده في البصائر :252 ح 2 وفيه بدل (موسی بن جعفر) : (الرضا) ، وبدل (يغني) : (ثقتي)، عنه البحار: 47/49 ح44، 49/ 274ح 22.
3- الخرائج والجرائح: 318/1 ، البحار: 62/48ح81.

خلفته و ما به علة.

فقال علیه السلام : يا ابن نافع أقلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن.فقلت: ما وراكن؟ قلن: أبوك فارق الدنيا. قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عما أخفاه و أراني، فقال لي: أبد ما أخفاه و أراك. ثم قال علیه السلام: يا ابن نافع، إن كان في أمنيتك كذا و كذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله و كلمته الباقية و حجته البالغة.(1)

9- [علي بن عيسى في كشف الغمة]، عن محمد بن طلحة، قال: قال خشنام بن حاتم الأصم: قال لي أبي حاتم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجاً في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت إلى فتی حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفرداً. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، و الله لأمضين إليه و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق،«اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(2)ثم تركني و مضى.

فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بما في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه و لأسألنه أن يحللني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب من عيني. فلما نزلنا واقصة و إذابه يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه و أستحله. فصبرت حتى جلس، و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ»(3) ثم تركني و مضى. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري مرتين. فلما نزلنا زبالة إذا بالفتی قائم على البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر إليه فرأيته قد رمق السماء و سمعته يقول:

أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء *** و قوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي، مالي غيرها فلا تعدمنيها. قال شقيق: فو الله لقد رأيت البئر و قد ارتفع ماؤها فمد يده و أخذ الركوة و ملاها ماء فتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب

ص: 520


1- المناقب: 287/4، عنه البحار: 48/ 72 ح99.
2- الحجرات: 12.
3- طه: 82.

رمل فجعل يقبض بیده و يطرحه في الركوة و يحركه و يشرب. فأقبلت إليه و سلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك.

فقال: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سویق و سكر، فو الله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب ريحاً. فشبعت و رویت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شراباً. ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائم يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة و طاف بالبيت أسبوعا و خرج، فتبعته و إذا له غاشية و موال و هو على خلاف ما رأيته في الطريق و دار به الناس من حوله يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟

فقال: هذا موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام .

فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. و لقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها، فقال:

سل شقيق البلخي عنه و ما *** عاين منه و ما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاینت شخصا *** شاحب اللون(1) ناحل الجسم أسمر

سائراً وحده وليس له زاد *** فمازلت دائما أتفکر

و توهمت أنه يسأل الناس *** ولم أدر أنه الحج الأكبر

ثم عاینته و نحن نزول *** دون فيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء و يشربه *** فناديته وعقلي محير

اسقني شربه فناولني منه *** فعاينته سويقا و سکر

فسألت الحجيج: من يك هذا؟ *** قيل: هذا الإمام موسی بن جعفر(2)

ص: 521


1- قال الفيروزآبادي: (تغير من هزال أو جوع أو سفر، و النحول الهزال) عن البحار ج48 ص82.
2- کشف الغمة: 2/ 212، عنه البحار: 48/ 80 ح 102.

10 - [ ابن طاووس في مهج الدعوات]، بإسناد صحيح عن عبد الله بن مالك الخزاعي، قال: دعاني هارون الرشيد، فقال: يا أبا عبد الله، كيف أنت و موضع السر منك؟فقلت: يا أميرالمؤمنين، ما أنا إلا عبد من عبيدك. فقال: امض إلى تلك الحجرة و خذ من فيها و احتفظ به إلى أن أسألك عنه. قال: فدخلت فوجدت موسی بن جعفر علیهما السلام، فلما رآني سلمت عليه و حملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي، و كنت أتولى خدمته. و مضت الأيام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول: أجب أمير المؤمنين. فنهضت و دخلت عليه وهو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال: ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟

فقلت: صالح. فقال: امض إليه و ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم و اصرفه إلى منزله و أهله. فقمت و هممت بالانصراف، فقال لي: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: نمت على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون، أطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فانتبهت، فقلت: لعلها لما في نفسي منه. فقمت إلى هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون، أمرتك أن تطلق موسی بن جعفر علیهما السلام فلم تفعل، فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه و إذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كان أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب، و قد أومأ إلى و هو يقول: و الله يا هارون، لئن لم تطلق موسی بن جعفر علیه السلام لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك. فأرسلت إليك، فامض فيما أمرتك به و لا تظهره إلى أحد فأقتلك، فانظر لنفسك.

قال: فرجعت إلى منزلي و فتحت الحجرة و دخلت على موسی بن جعفر علیهما السلام ، فوجدته قد نام في سجوده. فجلست حتى استيقظ و رفع رأسه، وقال: يا أباعبد الله، افعل ما أمرت به. فقلت له: يا مولاي، سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلی الله علیه وآله، هل دعوت الله عز و جل في يومك هذا بالفرج؟ فقال عليه السلام: أجل، إني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقال: يا موسى، أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله صلی الله علیه وآله. فقال: ادع بهذه الدعاء: یا سابغ النعم، يا دافع النقم، یا بارئ النسم، یا مجلي الهمم، یا مغشي الظلم، یا کاشف الضر والألم، يا ذا الجود والكرم، یا

ص: 522

سامع كل صوت، یا مدرك كل فوت، یا محيي العظام وهي رميم، یا منشئها بعد الموت، صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا یا ذا الجلال والإكرام. فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه حتى سمعته يقول: قد استجاب الله فيك. ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك.(1)

11 -[ الشيخ في الغيبة]، أيوب بن نوح، عن ابن فضال قال: سمعت على بن جعفر يقول: كنت عند أخي موسی بن جعفر علیهما السلام فكان و الله حجة في الأرض بعد أبي علیه السلام إذ طلع ابنه علي علیه السلام فقال علیه السلام لي: يا علي، هذا صاحبك و هو مني بمنزلتي من أبي فثبتك الله على دينه. فبكيت و قلت في نفسي: نعي علیه السلام و الله إلى نفسه. فقال علیه السلام: يا علي، لا بد من أن يمضي مقادير الله في، ولي برسول الله صلی الله علیه وآله أسوة و بأمير المؤمنين و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام . و كان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام.(2)

12 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن عيسى شلقان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال علیه السلام لی مبتدئا من قبل أن أجلس: ما منعك أن تلقى ابني موسي عليه السلام فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسى: فذهب إلى العبد الصالح علیه السلام و هو قاعد في الكتاب و على شفتيه أثر المداد، فقال علیه السلام لی مبتدئا: یا عیسی، إن الله أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها، و أخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا، وإن قوما إيمانهم عارية، و إن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان فسلبه الله إياه.

فضممته علیه السلام إلي و قبل ما بين عينيه و قل:«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(3)ثم رجعت إلى الصادق علیه السلام فقال: ما صنعت؟ قلت: أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن جميع ما أردت فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر. فقال علیه السلام: یا عیسی، إن ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب.(4)

ص: 523


1- مهج الدعوات: 245، عنه البحار: 91/ 331 - 332 ح 4، وذكره بدون الدعاء المذكور في: 245/48ح52.
2- غيبة الطوسي: 42، عنه البحار: 26/49ح 45، مسائل علي بن جعفر : 347ح856.
3- آل عمران: 34.
4- مناقب آل أبي طالب: 4/ 293، عنه البحار: 48/ 58 ح68، وليس في المصدر: (ثم رجعت إلى الصادق علیه السلام.. الخ)،ولعله سقط في الطبعات الحديثة. وأورده بتمامه مع بعض التفاوت في قرب الإسناد: 143 - 144، عنه البحار: 24/48ح40 ، الخرائج والجرائح: 653/2، دلائل الإمامة: 164، والصراط المستقيم مختصراً: 2/ 193 ح25.

13 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، عن سالم مولى علي بن يقطين قال: أردت أن أكتب إليه (أي: موسی بن جعفر علیهما السلام ) أسأله ينور الرجل و هو جنب؟ قال: فكتب علیه اسلام إلى ابتداء: النورة تزيد الرجل نظافة، و لكن لا يجامع الرجل مختضباً و لا تجامع مرأة مختضبة.(1)

14 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن عمر بن یزید، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام فذكر محمد، فقال علیه السلام: إني جعلت على نفسي أن لا يظلني و إياه سقف بيت. فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر و الصلة، و يقول هذا لعمه! قال: فنظر علیه السلام إلي فقال: هذا من البر و الصلة، إنه متى يأتيني و يدخل علي فيقول و يصدقه الناس، و إذا لم يدخل علي لم يقبل قوله إذا قال.(2)

التاسع: إخبارات الإمام علي بن موسی الرضا علیه السلام

1-[الصفار في بصائر الدرجات]، عن محمد بن عبد الله قال: كنت عند الرضا علیه السلام فأصابني عطش شديد، فكرهت أن أستسقي في مجلسه، و دعا علیه السلام بماء بارد فذاقه و ناولني فقال: يا محمد اشرب فإنه بارد. فشربت.(3)

2 - [الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي عن أبي هشام الجعفري قال: كنت في

ص: 524


1- بصائر الدرجات: 251 ح3، عنه البحار ج 48 ص 51 ح 45، وأورده بفارق يسير في الصراط المستقيم: 2/ 193 ح 24، المستدرك: 223/14ح 16555-1 عن ثاقب المناقب للطوسي.
2- بصائر الدرجات: 237، عنه البحار: 160/48 ح5 ، وأورده عن عيون الأخبار في: 246/47ح 4، وفي قرب الإسناد عن إبراهيم بن المفضل بن قيس قال : (سمعت أبا الحسن الأول علیه السلام و هو يحلف أن لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا، فقلت فی نفسي : هذا يأمر بالبر والصلة و يحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدأ! قال : فقال علیه السلام: هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني و يعينني، فإذا علم الناس إلا أكلمه لم يقبلوا منه و أمسك عن ذكري فكان خيرا له.)قرب الأسناد:124، عنه البحار: 159/48.
3- بصائر الدرجات: 239، وأورده في عيون أخبار الرضا علیه السلام : 204/2 ح3 عن ابن الوليد عن الصفار (نحوه)، عنه البحار: 31/49ح5، الخرائج والجرائح: 2/ 732، دلائل الإمامة: 190، المناقب 334/4.

مجلس الرضا عليه السلام فعطش عطشاً شديداً، وتهيبته علیه السلام أن أستسقي في مجلسه، فدعا علیه السلام بماء فشرب منه جرعة ثم قال: يا أبا هاشم، اشرب فإنه بارد طيب. فشربت. ثم عطشت عطشة أخرى فنظر علیه السلام إلى الخادم وقال: شربة من ماء وسویق وسکر. ثم قال علیه السلام له: بل السويق، وانثر عليه السكر بعد بلة. وقال علیه السلام: اشرب يا أبا هاشم فإنه يقطع العطشي.(1)

3 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بإسناده إلى البزنطي، قال: بعث الرضا عليه السلام إلى بحمار فركبته و أتيته فأقمت عنده بالليل، إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد علیه السلام أن ينهض، قال لي: لا أراك تقدر على الرجوع إلى المدينة. قلت: أجل، جعلت فداك. قال عليه السلام : فبت عندنا الليلة، و اغد على بركة الله عز و جل. قلت: أفعل، جعلت فداك. قال علیه السلام: يا جارية، افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها، و ضعي تحت رأسه مخدتي.

قال: فقلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه، لقد جعل الله لي من المنزلة عنده علیه السلام، و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا، بعث إلى بحماره فركبته، و فرش لي فراشه و بت في ملحفته، و وضعت لي مخدته، ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا. قال: و هو علیه السلام قاعد معي و أنا أحدث نفسي، فقال علیه السلام: يا أحمد، إن أمير المؤمنين علیه السلام أتی زید بن صوحان في مرضه يعود، فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، و تذلل لله عز و جل. و اعتمد على يده عليه السلام فقام.(2)

4 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ومعاني الأخبار]، بإسناده إلى الهروي، قال قلت للرضا : یا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من يروي أنها الحنطة، و منهم من يروي أنها العنب، و منهم من يروي أنها شجرة الحسد.

فقال عليه السلام : كل ذلك حق. قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟

فقال عليه السلام : يا أبا الصلت، إن شجر الجنة تحمل أنواعاً، فكانت شجرة الحنطة، و فيها عنب، و لیست کشجر الدنيا. و إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره بإسجاد ملائكته له، و بإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلم الله عز و جل ما وقع في

ص: 525


1- الخرائج والجرائح: 2/ 660- 661، عنه البحار: 48/49ح47.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام:212/2-213ح 19، عنه البحار: 36/49-37ح18.

نفسه، فناداه: ارفع رأسك يا آدم، فانظر إلى ساق عرشي. فرفع آدم علیه السلام رأسه، فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد صلی الله علیه وآله رسول الله، علي بن أبي

طالب عليه السلام أمير المؤمنين، و زوجه [زوجته] فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين علیهما السلام سیدا شباب أهل الجنة.

فقال آدم علیه السلام : يا رب، من هؤلاء؟ فقال عز و جل: من ذريتك، و هم خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة و النار، و لا السماء و الأرض. فإياك أن تنظر إليهم علیه السلام بعين الحسد فأخرجك عن جواري. فنظر إليهم بعين الحسد(1)، و تمنی منزلتهم، فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد، حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم، فأخرجهما الله عز و جل عن جنته، و أهبطهما عن جواره إلى الأرض.(2)

5 -[ البرسي في مشارق الأنوار]، أن رجلا من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار، و قال في نفسه: إن عرف الرضا علیه السلام معناه فهو ولي الأمر. فلما أتى الباب وقف ليخف المجلس، فخرج إليه الخادم و بیده رقعة فيها جواب مسائله بخط الإمام علیه السلام ، فقال له الخادم: أين الطومار فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي الله عليه السلام : هذا جواب ما فيه. فأخذه و مضى.(3)

6 - [الصفار في بصائر الدرجات]، عن الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل الصيرفي، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فسألته عن أشياء و أردت أن أسأله عن السلاح فأغفلته، فخرجت و دخلت على أبي الحسن بن بشير، فإذاغلامه علیه السلام و معه رقعته، و فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي علیه السلام و وارثه، و عندي ما كان عنده.)(4)

ص: 526


1- قال المجلسي قدس سره: لعل المراد بنظر الحسد تمني أحوالهم والوصول إلى منازلهم، وكان ذلك منهما ترك الأولى، لأنه مع العلم بأن الله تعالى فضلهم عليهما، كان ينبغي أن يكونا في مقام الرضا والتسليم، وأن لا يتمنيا درجاتهم صلوات الله عليهم. وقال في موضع آخر : المراد بالحسد : الغبطة التي لم تكن تنبغي له علیه السلام ، ويؤيده قوله علیه السلام : (وتمنی منزلتهم).
2- معاني الأخبار: 124- 125 ح 1، عيون الأخبار: 306/1- 307ح67، عنهما البحار:164/11 ح9، 362/16 ح 62،26 / 273ح15 ، وأورده عن الصدوق أيضا:الجزائري في قصص الأنبياء: 39.
3- مشارق أنوار اليقين: 148 ط1 بيروت، عنه البحار: 49/ 71 ح95.
4- بصائر الدرجات: 252 ح5، عنه البحار: 47/49ح43.

7 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلاموالخصال]، تمیم القرشي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الهروي، قال: سمعت علي بن موسى الرضا علیهما السلام يقول: أوحى الله عزو

جل إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله، و الثاني فاكتمه،و الثالث فاقبله، و الرابع فلا تؤيسه، و الخامس فاهرب منه.

قال علیه السلام: فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم، فوقف و قال: أمرني ربي أن آكل هذا. و بقي متحيراً، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق. فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.

ثم مضى فوجد طستاً من ذهب، فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا. فحفر له و جعله فيه و ألقى عليه التراب ثم مضى، فالتفت فإذا الطست قد ظهر، فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز و جل.

فمضى فإذا هو بطير و خلفه بازي، فطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربي أن أقبل هذا. ففتح کمه فدخل الطير فيه. فقال له البازي: أخذت صيدي و أنا خلفه منذ أيام. فقال: إن الله عز و جل أمرني أن لا أؤيس هذا. فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه.

ثم مضى فلما مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: أمرني ربي عز و جل أن أهرب من هذا.فهرب منه و رجع. و رأى في المنام كأنه قد قيل له: إنك قد فعلت ما أمرت به، فهل تدري ما ذا كان؟ قال: لا. قال له: أما الجبل، فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه و جهل قدره من عظم الغضب، فإذا حفظ نفسه و عرف قدره و سكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها. و أما الطست، فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد و أخفاه أبی الله عز و جل إلا أن يظهره ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة. و أما الطير، فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله و اقبل نصيحته. و أما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه. و أما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها.(1)

8- [ الكشي في رجاله]، الحسين بن بشار، قال: لما مات موسی بن جعفر علیه السلام خرجت

ص: 527


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام :275/1-276ح12،الخصال:267/1 ح2 ،عنهما البحار:456/14-457 ح9، 418/68 ح48، 250/72 ح23، 18/74ح1، 444/75 ح1،وعنه ایضا مشکاة الانوار:308.

إلى علي بن موسی علیه السلامغير مؤمن بموت موسی علیه السلام(1)، و لا مقراً بإمامة علي علیه السلام ، إلا أن في نفسي أن أسأله و أصدقه، فلما صرت إلى المدينة انتهيت إليه علیه السلام وهو بالصؤار فاستأذنت عليه و دخلت فأدناني و ألطفني، و أردت أن أسأله عن أبيه علیه السلام فبادرني فقال لي: يا حسين، إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب و تنظر إلى الله من غير حجاب فوا آل محمد صلی الله علیه وآله و وال ولي الأمر منهم. قال: قلت أنظر إلى الله عز و جل؟ قال عليه السلام: إي و الله. قال حسين: فجزمت على موت أبيه و إمامته.

ثم قال علیه السلام لي: ما أردت أن آذن لك لشدة الأمر و ضیقه و لكني علمت الأمر الذي أنت عليه. ثم سكت علیه السلام قليلا ثم قال: خبرت بأمرك؟ قال: قلت له: أجل.(2)

9- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بالإسناد عن أبي محمد الغفاري قال: لزمني دین ثقيل، فقلت: ما للقضاء غير سيدي و مولاي أبي الحسن علي بن موسی الرضا علیه السلام . فلما أصبح أتيت منزله علیه السلام فاستأذنت فأذن لي، فلما دخلت قال علیه السلام لي ابتداء: بابا محمد، قد عرفنا حاجتك و علينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتی بطعام للإفطار فأكلنا فقال علیه السلام: یا با محمد تبيت أو تنصرف؟

فقلت: يا سيدي إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي. قال: فتناول علیه السلام من تحت البساط قبضة فدفعها إلى فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأول دینار وقع بيدي و رأيت نقشه كان عليه: یا با محمد الدنانير خمسون، ستة و عشرون منها لقضاء دينك و أربعة و عشرون لنفقة عيالك. فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار و إذا هي لا ينقص شيئا.(3)

10 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضاعلیه السلام] بالإسناد عن ابن أبي كثير، قال: لما توفي موسی علیه السلام ، وقف الناس في أمره، فحججت في تلك السنة، فإذا أنا بالرضاعلیه السلام ، فأضمرت في قلبي أمراً، فقلت:« ابَشَراً مِنَا وَاحِدَاً نَتَّبِعهُ» الآية (4)، فمر علیه السلام كالبرق

ص: 528


1- أقول: كان الراوي من الواقفية الذين توقفوا عند إمامة الإمام موسی بن جعفرعلیه السلام ، وزعموا أنه علیه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه كما فعل بعیسی بن مریم علیهما السلام ولذلك قال بعد استبصاره: (جزمت على موت أبيه.)
2- رجال الكشی : 449، عنه البحار 262/48ح17.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 218 ح 29، عنه البحار: 49/ 38 ح 22.
4- القمر: 24.

الخاطف علي، فقال: أنا و الله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت:معذرة إلى الله و إليك. فقال عليه السلام : مغفور لك.(1)

11 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن البزنطي قال: كنت شاكاً في أبي الحسن الرضا صلوات الله و سلامه عليه، فكتبت إليه كتاباً أسأله فيه الإذن عليه و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آیات قد عقدت قلبي عليها.

قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه علیه السلام : عافانا الله و إياك، أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول على صعب و هؤلاء قد ضيقوا على ذلك، فلست تقدر عليه الآن و سيكون إن شاء الله . و كتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عن الآيات الثلاث في الكتاب، و لا و الله ما ذكرت له منهن شيئا، و لقد بقيت متعجبا لما ذكر ما في الكتاب و لم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك فوقفت على معنی ما کتب به علیه السلام(2).

12 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، الهمداني عن علي بن إبراهيم، عن الريان بن الصلت قال: لما أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا علیه السلام فقلت في نفسي: إذا ودعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفن به و دراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم. فلما ودعته عليه السلام شغلني البكاء و الأسى على فراقه عن مسألته ذلك، فلما خرجت من بين يديه علیه السلام صاح بي: یا ریان ارجع. فرجعت فقال لي: أما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك، أوما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟

فقلت: يا سيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك. فرفع عليه السلام الوسادة و أخرج قميصاً فدفعه إلي و رفع جانب المصلى فأخرج دراهم فدفعها إلى فعددتها فكانت ثلاثين درهماً(3).

13 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن هشام العباسي قال: دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام و أنا أريد أن أسأله أن يعودني لصداع أصابني و أن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلما دخلت سألت عن مسائل فأجابني علی السلام ونسيت حوائجي، فلما

ص: 529


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 217ح27، عنه البحار: 49/ 38 ح 21.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 212ح18، عنه البحار: 36/49ح17.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 211ح17، عنه البحار:35/49ح16.

قمت لأخرج و أردت أن أودعه قال علیه السلام لي: اجلس. فجلست بين يديه فوضع يده على رأسي و عوذني ثم دعا بثوبين من ثيابه فدفعهما إلى و قال علیه السلام لي: أحرم فيهما.

قال العباسي: و طلبت بمكة ثوبين سعيديين أهديهما لابني فلم أصب بمكة فيها شيئا على ما أردت فمررت بالمدينة في منصرفي فدخلت على أبي الحسن الرضاعلیه السلام فلما ودعته و أردت الخروج دعا بثوبين سعيديين على عمل الوشي الذي كنت طلبته فدفعهما إلي وقال: أحرم فيهما.(1)

18 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن الحسن بن علي الوشاء قال: کنت کتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن علیه السلام و جمعتها في كتاب مما روي عن آبائه علیه السلام و غير ذلك، و أحببت أن أتثبت في أمره علیه السلام و أختبره، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله علیه السلام و أردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الكتاب. فجلست ناحية و أنا متفكر في طلب الإذن عليه و بالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا كذلك في الفكرة و الإحتيال في الدخول عليه إذا أنا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن ابنة إلياس البغدادي؟

فقمت إليه و قلت: أنا الحسن بن علي الوشاء فما حاجتك؟ قال: هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك، فهاك خذه. فأخذته و تنحيت ناحية فقرأته فإذا و الله فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت

علیه و ترکت الوقف. (2)

15 -[ الشيخ في الغيبة ]، عن ابن أبي عمير، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر - و هو من آل مهران و كانوا يقولون بالوقف و كان على رأيهم - فكاتب أبا الحسن الرضا علیه السلام و تعنت في المسائل، فقال: كتبت إليه كتابا و أضمرت في نفسي أني متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن و هي قوله: «أفَانَتَ تَسمِعُ الصُّمَّ أو تَهدِي العُمي» (3)و قوله:«فَمَن يُرِد اللهُ أن يَهدِيَهُ يَشرَحُ صَدرَهِ لِلإسَلَامَ»(4)و قوله:«إنَّكَ لَا تَهدَي مَن

ص: 530


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام:220/2ح36،عنه البحار :40/49ح28.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام 228/2-229ح1،عنه البحار 44/49 ح37.
3- الزخرف: 40.
4- الأنعام: 125.

أحبَبَتَ وَ لَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ»(1) ، قال أحمد: فأجابني علیه السلام عن كتابي، و كتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها و لم أذكرها في كتابي إليه علیه السلام. فلما وصل الجواب نسيت ما كنت أضمرته، فقلت: أي شيء هذا من جوابي؟ ثم ذكرت أنه ما أضمرته.(2)

16 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن البزنطي أنه قال: إني كنت من الواقفة على موسی بن جعفر عليهما السلام ، وأشك في الرضاعلیه السلام، فكتب أسأله علیه السلام عن مسائل، ونسيت ما كان أهم المسائل إلي. فجاء الجواب من جميعها، ثم قال علیه السلام: وقد نسيت ما كان أهم المسائل عندك. فاستبصرت، ثم قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، أشتهي أن تدعوني إلى دارك في أوقات تعلم أنه لا مفسدة لنا من الدخول عليكم من أيدي الأعداء.

قال: ثم إنه علیه السلام بعث إلى مركوبا في آخر يوم، فخرجت وصليت معه العشاءين، و قعد علیه السلام يملي علي العلوم ابتداء و أسأله فيجيبني، إلى أن مضى كثير من الليل.ثم قال للغلام: هات الثياب التي أنام فيها لينام أحمد البزنطي فيها.

قال: فخطر ببالي: ليس في الدنيا من هو أحسن حالا متي، بعث الإمام علیه السلام مركوبه إلي، و جاء و قعد إلي، ثم أمر لي بهذا الإكرام. و كان قد اتكأ علیه السلام على يديه لينهض، فجلس و قال: يا أحمد، لا تفخر على أصحابك بذلك، فإن صعصعة بن صوحان مرض، فعاده أمير المؤمنين عليه السلام و أكرمه و وضع يده على جبهته و جعل يلاطفه، فلما أراد علیه السلام النهوض قال: يا صعصعة، لا تفخر على إخوانك بما فعلت، فإني إنما فعلت جميع ذلك لأنه كان تكليفا لي.(3)

17 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی إسماعيل بن أبي الحسن، قال: كنت مع الرضا علیه السلام و قد مال بيده إلى الأرض كأنه يكشف شيئا، فظهرت سبائك ذهب، ثم مسح علیه السلام بيده على الأرض فغابت. فقلت في نفسي: لو أعطاني واحدة منها. قال علیه السلام : لا، إن هذا الأمر لم يأت وقته. (4)

ص: 531


1- القصص:56.
2- الغيبة: 71 - 72، عنه البحار: 48/49ح46، وأورده مختصراً في المناقب: 4/ 336.
3- الخرائج والجرائع: 2/ 662، عنه البحار:49/49 ح48.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 339 عنه البحار: 50/49ح50، وعنه أيضا: کشف الغمة: 2/ 304، أقول: قال المجلسي قدس سره في بيانه: يعني خروج خزائن الأرض و تصرفنا فيها إنما هو في زمن القائم علیه السلام .

18 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن ريان بن الصلت قال: دخلت على الرضا عليه السلام بخراسان و قلت فينفسي: أسأله علیه السلام عن هذه الدنانير المضروبة باسمه. فلما دخلت عليه قال عليه السلام : لغلامه إن أبا محمد يشتهي من هذه الدنانير التي عليها اسمي فهلم بثلاثين منها فجاء بها الغلام فأخذتها. ثم قلت في نفسي: ليته علیه السلام كساني من بعض ما عليه، فالتفت علیه السلام إلى غلامه و قال: قل لهم: لا تغسلوا ثيابي و تأتون بها كما هي. فأتوا بقميص و سروال و نعل فدفعوها إلي.(1)

19 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ]، عن معمر بن خلاد قال: قال لي الريان ابن الصلت بمرو و قد كان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض کور خراسان، فقال لي: أحب أن تستأذن لي على أبي الحسن عليه السلام فأسلم عليه، و أحب أن يكسوني من ثيابه، و أحب أن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه.

فدخلت على الرضا علیه السلام فقال لي: مبتدئاً: إن الريان بن الصلت يريد الدخول علينا و الكسوة من ثيابنا و العطية من دراهمنا فأذنت له، فدخل فسلم فأعطاه ثوبين، و ثلاثين درهما من الدراهم المضروبة باسمه.(2)

20 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضاعلیه السلام، و البيت مملوء من الناس يسألونه، و هو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء، فترك علیه السلام الناس، ثم التفت إلي فقال: يا سلیمان، إن الأئمة حلماء علماء، يحسبهم الجاهل أنبياء، و ليسوا أنبياء.(3)

21 - [الإربلي في كشف الغمة]، من دلائل الحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال: قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد الله علیه السلام كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني علیه السلام عن ذلك. قال الوشاء: فدخلت عليه علیه السلام فابتدأني من غير أن أسأله فقال: كان أبو عبد الله إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ للصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة. فخرجت إلى الرجل فقلت: قد أجابني علیه السلام عن

ص: 532


1- الخرائج والجرائح: 2/ 767، عنه البحار:56/49ح68.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 208ح10، عنه البحار: 49/ 33 ح9، وعنه أيضا إعلام الوری: 322، وأورده في المناقب: 340/4.
3- المناقب: 4/ 334، عنه البحار: 57/49ح73، وأورده الشيخ في الأمالي: 600ح1244-1.

مسألتك من غير أن أسأله. (1)

22 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن بكر بن صالح قال: أتيت الرضا علیه السلام و قلت: امرأتي أخت محمد بن سنان بها حمل، فادع الله أن يجعله ذكراً. قال علیه السلام : هما اثنان. قلت في نفسي: هما محمد و علي بعد انصرافي. فدعاني علیه السلام و قال: سم واحداً عليا و الأخرى أم عمر. فقدمت الكوفة و قد ولد لي غلام و جارية في بطن، فسميت کما أمرني علیه السلام . فقلت لأمي: ما معنى أم عمر؟ فقالت: إن أمي كانت تدعى أم عمر.(2)

23 -[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن محمد القاساني قال: أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى أبي الحسن الرضاعلیه السلام مالا له خطر فلم أره سر به، قال: فاغتممت لذلك و قلت في نفسي: قد حمل هذا المال و لم يسر به. فقال علیه السلام: ياغلام، الطست و الماء. قال: فقعد عليه السلام على كرسي و قال بيده، و قال للغلام: صب على الماء. قال: فجعل يسيل من بين أصابعه علیه السلام في الطست ذهب، ثم التفت علیه السلام إلي فقال لي: من كان هكذا لا يبالي بالذي حملته إليه.(3)

24 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام ]، عن الحسن بن علي بن فضال قال:قال لنا عبد الله بن المغيرة: كنت واقفياً و حججت على ذلك، فلما صرت بمكة اختلج في صدري شيء فتعلقت بالملتزم ثم قلت: اللهم قد علمت طلبتي و إرادتي فأرشدني إلى خير الأديان. فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام ، فأتيت المدينة فوقفت ببابه علیه السلام فقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت نداءه عليه السلام و هو يقول: ادخل يا عبد الله بن المغيرة. فدخلت، فلما نظر علیه السلام إلي قال: قد أجاب الله دعوتك و هداك لدينه. فقلت: أشهد انك حجة الله و أمين الله على خلقه.(4)

25 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن البزنطي قال: هويت في نفسي إذا

ص: 533


1- کشف الغمة: 2/ 302، عنه البحار: 49/ 63 ضمن ح 80، 305/77ح13، 295/100ح50.
2- الخرائج والجرائح: 362/1 ، عنه البحار: 49/ 52 ح56، وأورده في كشف الغمة: 2/ 305.
3- الكافي: 1/ 491 ح10، وأورده في كشف الغمة: 303/2 ، عنه البحار:63/49ضمن ح 80، المناقب: 348/4-349، مع الإختلاف في النسخ.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 219/2 ح 31، عنه البحار: 39/49ح 24، وأورده في الكافي: 1/ 355 ح13 مع تفاوت يسير، الإختصاص: 84- 85، الخرائج والجرائح: 1/ 360-361، رجال الكشي: 594 ح1110، عنه البحار: 48/ 272 - 273ح33.

دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام أن أسأله كم أتى عليك من السن، فلما دخلت عليه علیه السلام و جلست بين يديه جعل ينظر إلى و يتفرس في وجهي ثم قال: كم أتي لك؟

فقلت: جعلت فداك كذا و كذا. قال علیه السلام : فأنا أكبر منك، قد أتى علي اثنتان و أربعون

سنة. فقلت: جعلت فداك قد و الله أردت أن أسألك عن هذا. فقال علیه السلام: قد أخبرتك.(1)

26 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی إسماعيل بن مهران قال: أتيت الرضاعلیه السلام يوما أنا و أحمد البزنطي بصرياً، و كناتشاجرنا في سنه عليه السلام ، فقال أحمد: إذا دخلنا عليه فذكرني حتى أسأله عن سنه علیه السلام فإني قد أردت ذلك غير مرة فأنسی.

فلما دخلنا عليه عليه السلام و سلمنا و جلسنا أقبل علیه السلام على أحمد و كان أول ما تكلم علیه السلام به أن قال: يا أحمد، كم أتى عليك من السنين؟ فقال: تسع و ثلاثون. فقال علیه السلام : و لكن أنا قد أتت على ثلاث و أربعون سنة.(2)

27 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن فيض بن مالك قال: حدثني زروان المدائني بأنه دخل على أبي الحسن الرضا علیه السلام يريد أن يسأله عن عبد الله بن جعفر، قال: فأخذ علیه السلام بيدي فوضعها على صدره قبل أن أذكر له شيئا مما أرد ثم قال لي: يا محمد بن آدم، إن عبد الله لم يكن إمامة. فأخبرني علیه السلام بما أردت أن أسأله قبل أن أسأله.(3)

28 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، بإسناده إلى الوشاء، قال: سألني العباس بن جعفر بن الأشعث أن أسأل الرضا عليه السلام أن يحرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يد غيره. قال الوشاء: فابتدأني عليه السلام بكتاب من قبل أن أسأله أن يحرق كتبه، و قال عليه السلام : أعلم صاحبك أني إذا قرأت كتبه أحرقتها.(4)

29 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، الحسن بن علي بن يحيى، قال: زودتني جارية لي ثوبين ملحمين و سألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام فوضعهما في العيبة، فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما، ثم اختلج في صدري

ص: 534


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/ 220 ح34، عنه البحار: 49/ 40 ح26.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 365 -366، عنه البحار: 53/49 ح61.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 220 ح 35، عنه البحار: 40/49ح27، وأورده في كشف الغمة : 302 - 303، وفيه بدل (زروان) : ذروان.
4- عيون أخبا الرضا علیه السلام: 2/ 219ح33، عنه البحار: 49/ 40 ح25، وعنه أيضا الوسائل: 141/12-142ح 15885، وأورده في كشف الغمة: 302/2

فقلت: ما أظنه ينبغي لي أن ألبس ملحماً و أنا محرم. فتركتها و لبست غيرهما. فلما صرت بمكة كتبت كتاباً إلى أبي الحسن علیه السلام و بعثت إليه بأشياء كانت عندي و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يجوز له لبس الملحم، فلم ألبث أن جاء الجواب بكل ماسألته عنه و في أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم (1).

العاشر: إخبارات الإمام محمد بن علي التقي الجواد علیه السلام

1-[ المفيد في الإرشاد]، عن محمد بن حمزة، عن محمد بن علي الهاشمي، قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و كنت تناولت من أول الليل دواء، فأول من دخل في صبيحته أنا و قد أصابني العطش، و کرهت أن أدعو بالماء، فتظر أبو جعفر عليه السلام في وجهي و قال: أراك عطشاناً. قلت: أجل. قال علیه السلام: ياغلام، اسقنا ماء. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم. و اغتممت لذلك، فأقبل الغلام و معه الماء، فتبسم علیه السلام في وجهي، ثم قال: يا غلام ناولني الماء. فتناول علیه السلام و شرب، ثم ناولني و شربت و أطلت عنده، و عطشت فدعا بالماء ففعل علیه السلام كما فعل بالمرة الأولى فشرب ثم ناولني و تبسم علیه السلام.

قال محمد بن حمزة: قال لي محمد بن علي الهاشمي:و الله إني أظن أن أبا جعفر علیه السلام يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة.(2)

2 -[علي بن يونس في كتاب الصراط المستقيم]، دخل حسين المكاري عليه - أي: على الجواد علیه السلام - ببغداد فلما رأى طيب حاله قال في نفسه: لا يرجع علیه السلام أبدا إلى موطنه. فقال علیه السلام : خبز شعیر و ملح جریش و حرم الرسول صلی الله علیه وآله أحب إلي مما ترى.(3)

ص: 535


1- الخرائج والجرائح: 357/1 - 358، عنه البحار:50/49 - 51ح52، 141/96 -142ح 1، کشف الغمة: 2304 - 305، ولاحظ وسائل الشيعة:284/12ح16840، الصراط المستقیم: 196/2 -197ح8.
2- الإرشاد: 291/2، عنه البحار: 54/50ح 32، وأورده في الكافي مع بعض التفاوت: 1/ 495/1 -497ح7، وذكره أيضا في روضة الواعظين: 243/1 ، وكشف الغمة: 2/ 360، والمناقب: 390/4.
3- الصراط المستقیم: 2/ 200ح7.

3- [الصفار في بصائر الدرجات]، عن أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن علي القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر علیه السلام و معه كتابه، فأمرني أن أصير إليه، فأتيته علیه السلام وهو بالمدينة نازل في دار بزيع، فدخلت عليه علیه السلام و سلمت و ذکر صفوان و ابن سنان و غيرهما ما قد سمعه غير واحد. فقلت في نفسي: أستعطفه عليه السلام على زکریا بن آدم لعله يسلم مما قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أنا حتى أتعرض في هذا و شبهه لمولى هو أعلم بما يصنع؟!

فقال علیه السلام: يا أبا علي، ليس على مثل أبي يحيى تعجل و قد كان لأبي من خدمته صلى الله

عليه.(1)

4-[محمد بن يعقوب في الكافي ]عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجال و عمرو بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة، عن المطرفي قال: مضي أبو الحسن الرضا علیه السلام و لي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي:ذهب مالي. فأرسل إلى أبو جعفر عليه السلام : إذا كان غداً فأتني، و ليكن معك میزان و أوزان. فدخلت على أبي جعفر علیه السلام، فقال لي: مضى أبو الحسن علیه السلام و لك عليه أربعة آلاف درهم.

فقلت: نعم. فرفع علیه السلام المصلى الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها إلي.(2)

5- [ابن شهر آشوب في المناقب]، قال عسکر مولى أبي جعفر علیه السلام : دخلت عليه، فقلت في نفسي: يا سبحان الله ! ما أشد سمرة مولاي و أضوأ جسده.

قال: فو الله ما استممت الكلام في نفسي حتى تطاول و عرض جسده علیه السلام ، و امتلأ به الإيوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه علیه السلام و قد أظلم حتى صار كالليل المظلم، ثم ابيض علیه السلام حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج، ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر، ثم اخضر علیه السلام حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة، ثم تناقص علیه السلام جسمه حتى صار في صورته الأولة، و عاد لونه الأول و سقطت لوجهي مما رأيت. فصاح علیه السلام بي: يا عسکر، تشکون فننبئکم، و تضعفون فنقويکم، و الله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا و ارتضاه لنا وليا.(3)

ص: 536


1- بصائر الدرجات: 237 ح 9، عنه البحار: 49/ 273 - 274 ح 21.
2- الكافي: 1/ 497 ح 11.
3- المناقب: 387/4ح 35، عنه البحار:55/50 ح 35، وأورده الطبري في دلائل الإمامة: 214.

6 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال: کنت مجاوراً بمكة فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني علیه السلام و أردت أن أسأله عن كسوة يكسونیها فلم يتفق أن أسأله حتى ودعته و أردت الخروج، فقلت: أكتب إليه عليه السلام و أسأله.

قال: فكتب إليه علیه السلام الكتاب فصرت إلى المسجد على أن أصلي ركعتين و أستخير الله مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث و الله بالكتاب بعثت و إلا خرقته، ففعلت فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب و خرجت من المدينة. فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل يتخلل القطار و يسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إلى فقال: مولاك بعث إليك بهذا، و إذا ملاءتان(1). قال أحمد بن محمد: فقضى الله أني غسلته حين مات فكفنته فيهما.(2)

7 -[ الصفار في بصائر الدرجات]، حدثنا علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمر، عن علي بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام قد خرج علي، فأحددت النظر إليه و إلى رأسه و إلى رجله لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فخر علیه السلام ساجداً فقال: إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة، قال الله تعالى:«وَ آتَينَاهُ الُحكمَ صَبِيَّاً»(3)، و قال الله :«حَتَّى إِذَا بَلَغَ أشُدَّهُ وَ بَلَغَ أربَعِين سَنَة »(4)، فقد يجوز أن يؤتي الحكمة و هو صبي و يجوز أن يؤتی و هو ابن أربعين سنة. (5)

8-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، الحسين بن محمد الأشعري قال: حدثني شيخ من أصحابنا يقال له: عبد الله بن رزین، قال: كن مجاوراً بالمدينة - مدينة الرسول صلی الله علیه وآله - و كان أبو جعفر علیه السلام يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد، فينزل في الصحن و يصير إلى

ص: 537


1- الملاءة - بالضم - : الثوب اللين الرقيق.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 668، عنه البحار: 0 44/5 ح13، وأورده السيد ابن طاووس في فتح الأبواب: 243، عنه البحار: 88/ 279 ضمن ح28.
3- مریم: 12.
4- الأحقاف: 15.
5- بصائر الدرجات: 238، عنه البحار: 25/ 100ح1، 50/ 37 ح 1، ولاحظ المناقب:389/4ونحوه في الكافي: 384/1 ح 7، 494/1ح3، وفيه بعد قوله : (بمصر) : (فينا أنا كذلك حتى قعد علیه السلام فقال : يا علي إن الله ..الخ).

رسول الله صلی الله علیه وآله و يسلم عليه و يرجع إلى بيت فاطمة علیها السلام، فيخلع نعليه و يقوم فيصلي. فوسوس إلى الشيطان فقال: إذا نزل علیه السلام فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه السلام ، فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا، فلما أن كان وقت الزوال أقبل علیه السلام على حمار له فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه، و جاء حتى نزل على الصخرة التي على باب المسجد، ثم دخل فسلم على رسول الله صلی الله علیه وآله.

قال: ثم رجع علیه السلام إلى المكان الذي كان يصلي فيه. ففعل هذا أياما. فقلت : إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصى الذي يطأ عليه بقدميه، فلما أن كان من الغد جاء عند الزوال فنزل عليه السلام على الصخرة، ثم دخل فسلم على رسول الله صلی الله علیه وآله ثم جاء إلى الموضع الذي كان يصلي فيه، فصلى في نعليه و لم يخلعهما حتى فعل ذلك أياماً. فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي هاهنا، و لكن أذهب إلى باب الحمام فإذا دخل علیه السلام إلى الحمام أخذت من التراب الذي يطأ عليه. فسألت عن الحمام الذي يدخله فقيل لي: إنه يدخل حماماً بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرفت اليوم الذي يدخل علیه السلام فيه الحمام، و صرت إلى باب الحمام و جلست إلى الطلحي أحدثه و أنا أنتظر مجيئه علیه السلام ، فقال الطلحي: إن أردت دخول الحمام فقم فادخل فإنه لا يتهيأ لك ذلك بعد ساعة. قلت: ولم؟ قال: لأن ابن الرضا عليه السلام يريد دخول الحمام قال: قلت: و من ابن الرضا؟ قال: رجل من آل محمد صلی الله علیه وآله، له صلاح و ورع. قلت له: ولا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره؟ قال: نخلي له الحمام إذا جاء. قال: فبينا أنا كذلك إذ أقبل علیه السلام و معه غلمان له، و بين يديه غلام معه حصير حتى أدخله المسلخ، فبسطه و وافی فسلم و دخل الحجرة على حماره و دخل المسلخ و نزل على الحصير.

فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح و الورع؟! فقال: ياهذا لا و الله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم فقلت في نفسي: هذا من عملي، أنا جنيته، ثم قلت: أنتظره علیه السلام حتى يخرج، فلعلي أنال ما أردت إذا خرج. فلما خرج علیه السلام و تلبس دعا بالحمار فأدخل المسلخ و ركب من فوق الحصير و خرج علیه السلام . فقلت في نفسي: قد و الله آذيته و لا أعود و لا أروم ما رمت منه أبدا، و صح عزمي على ذلك. فلما كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل علیه السلام على حماره حتى نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه في الصحن فدخل و سلم على رسول الله صلی الله علیه وآله و جاء إلى الموضع الذي كان يصلي فيه في بيت

ص: 538

فاطمة علیها السلام و خلع نعليه و قام يصلي(1).

9 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی محمد بن إبراهيم الجعفري، عن حكيمة بنت الرضا علیه السلام قالت: لما توفي أخي محمد بن الرضا علیه السلام صرت يوما إلى امرأته أم الفضل بسبب احتجت إليها فيه، قالت: فبينما نحن نتذاكر فضل محمد علیه السلام و کرمه و ما أعطاه من العلم و الحكمة إذ قالت امرأته أم الفضل: يا حكيمة، أخبر عن أبي جعفر بن الرضا عليهما السلام بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها. قلت: وما ذاك؟

قالت: إنه كان ربما أغارني مرة بجارية و مرة بتزويج، فكنت أشكوه إلى المأمون، فيقول: يا بنية احتملي فإنه ابن رسول الله صلی الله علیه وآله . فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة، فقلت: من أنت؟ فكأنها قضيب بان أو غصن خيزران.قالت: أنا زوجة لأبي جعفر. قلت: من أبو جعفر؟ قالت: محمد بن الرضا عليهما السلام، و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر. قالت: فدخل على من الغيرة ما لم أملك نفسي، فنهضت من ساعتي و صرت إلى المأمون و قد كان ثملاً من الشراب(2) و قد مضى من الليل ساعات، فأخبرته بحالي و قلت له: يشتمني و يشتمك و يشتم العباس و ولده. قالت: و قلت ما لم يكن، فغاظه ذلك مني جدا و لم يملك نفسه من السكر وقام مسرعاً فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنه يقطعه علیه السلام بهذا السيف ما بقي في يده و صار إليه. قالت: فندمت عند ذلك، فقلت في نفسي: ما صنعت؟ هلكت و أهلكت! قالت: فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع، فدخل إليه و هو علیه السلام نائم فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم، و انصرف و هو يزبد مثل الجمل.

قالت: فلما رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي، فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت. قالت: فلما أصبحت دخلت إليه و هو يصلي و قد أفاق من السكر،

ص: 539


1- الكافي: 1/ 493 - 494 ح 2، عنه البحار: 60/50-61ح40، أقول: لعل الوجه في ذلك أن الإمام علیه السلام أراد أن يعرف الرجل منزلته، وأن الأئمة علیهم السلام يعلمون بالمضمرات وما يختلج في القلوب، وإصرار الرجل على فعله قد يشهد على أنه لم يكن يعرف تلك المنزلة لهم علیهم السلام واستظهر المجلسي أن عدم رضایته علیه السلام كان لأجل التقية، قال في ذيل الخبر : قوله (فوسوس) إنما نسب ذلك إلى الشيطان لما علم بعد ذلك أنه علیه السلام لم يرض به إما للتقية أو لأنه ليس من المندوبات أو لإظهار حاله، والأول أظهر.
2- ثمل الرجل - بالكسر - ثملاً، إذا أخذ فيه الشراب فهو ثمل أي: نشوان. (البحار).

فقلت له: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟ قال: لا و الله فما الذي صنعت ويلک؟! قلت: فإنك صرت إلى ابن الرضا عليهما السلام وهو نائم فقطعته إربا إربا و ذبحته بسيفك و خرجت من عنده. قال: ويلك ما تقولين؟ قلت: أقول ما فعلت. فصاح: یا یاسر، ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال: صدقت في كل ما قالت. قال: إنا لله و إنا إليه راجعون، هلكنا و افتضحنا، ويلك يا ياسر بادر إليه علیه السلام و ائتني بخبره.

فركض ثم عاد مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين، البشرى. قال: و ما وراك؟ قال: دخلت فإذا هو علیه السلام قاعد يستاك و عليه قميص و دواج، فبقيت متحيراً في أمره، ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر، فقلت له علیه السلام : أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك الأتبرك فيه. فنظر علیه السلام إلي و تبسم كأنه علم ما أردت بذلك فقال: أكسوك كسوة فاخرة. فقلت: لست أريد غير هذا القميص الذي عليك. فخلعه و کشف بدنه كله، فو الله ما رأي أثراً.

فخر المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار و قال: الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه علیه السلام. ثم قال: يا ياسر، كل ما كان من مجيء هذه الملعونة إلى و بكائها بين يدي فأذكره و أما مصيري إليه فلست أذكره. فقال ياسر: و الله ما زلت تضربه علیه السلام بالسيف و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتى قطعته قطعة قطعة، ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته و أنت تزبد کما تزبد البعير. فقال: الحمد لله. ثم قال لي: و الله لئن عدت بعدها في شيء مما جرى لأقتلنک. ثم قال لياسر: احمل إليه عشرة آلاف دينار و قد إليه الشهري الفلاني(1) و سلة الركوب إلى و ابعث إلى الهاشميين و الأشراف و القواد معه ليركبوا معه إلى عندي و يبدءوا بالدخول إليه و التسليم عليه. ففعل ياسر ذلك و صار الجميع بين يديه و أذن للجميع، فقال عليه السلام : يا ياسر، هذا كان العهد بيني و بينه؟

قلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ، ليس هذا وقت العتاب فو حق محمد و علي علیهما السلام ما كان يعقل من أمره شيئا، فأذن علیه السلام للأشراف كلهم بالدخول إلا عبد الله و حمزة ابني الحسن لأنهما كانا وقعا فيه عند المأمون و سعيا به مرة بعد أخرى. ثم قام عليه السلام فركب مع الجماعة و صار إلى المأمون، فتلقاه و قبل ما بين عينيه و أقعده على المقعد في الصدر و أمر أن يجلس الناس ناحية، فجعل يعتذر إليه فقال أبو جعفر علیه السلام: لك عندي نصيحة فاسمعها مني.

ص: 540


1- قال الفيروزآبادي: الشهرية ضرب من البراذين. (عن البحار)

قال: هاتها. قال علیه السلام : أشير عليك بترك الشراب المسكر. قال: فداك ابن عمك قد قبلت

نصيحتك.(1)

10 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي هاشم قال: كلفني جمالي أن أكلم أبا جعفر علیه السلام له ليدخله في بعض أموره. قال: فدخلت عليه علیه السلام لأكلمه، فوجدته مع جماعة فلم يمكني كلامه. فقال عليه السلام : يا أبا هاشم، کل - و قد وضع الطعام بين يديه علیه السلام- ثم قال ابتداء منه من غير مسألة مني: يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا أبو هاشم فضمه إليك. (2)

11 -[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن محمد بن أبي العلاء قال: سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء بعد ما جهدت به و ناظرته و حاورته و راسلته و سألته عن علوم آل محمد صلی الله علیه وآله ، فقال : فبينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلی الله علیه وآله فرأيت محمد ابن علي الرضا علیهما السلام يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي، فقلت له: و الله إني أريد أن أسألك مسألة واحدة، و إني و الله لأستحيي من ذلك. فقال علیه السلام لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام؟ فقل:هو والله هذا. فقال علیه السلام:أنا هو. فقلت: علامة؟ فكان في يده علیه السلام عصا فنطقت فقالت: إنه مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة.(3)

12 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن الحسن بن علي الوشاءقال: كنت بالمدينة بالضريا في المشربة مع أبي جعفر علیه السلام فقام و قال: لا تبرح. فقلت في نفسي: کنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا علیه السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل فإذا عاد إلى أبو جعفر عليه السلام فأسأله. فأرسل علیه السلام إلي من قبل أن أسأله و من قبل أن يعود إلي و أنا في المشربة بقميص و قال الرسول: يقول علیه السلام لك: هذا من ثياب أبي الحسن علیه السلام التي كان يصلي فيها.(4)

13 -[ الطبري في دلائل الإمامة]، عن محمد بن علي الشلمغاني قال: حج إسحاق ابن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر علیه السلام، قال إسحاق: فأعددت له علیه السلام في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها و كان لي حمل، فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن

ص: 541


1- الخرائج والجرائح: 1/ 372 - 375، عنه البحار: 69/50-71ح51.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 664، عنه البحار:41/50ح6 مع تفاوت يسير مع المصدر.
3- الكافي: 1/ 353 ح9، عنه البحار: 50/ 68 - 69ح50.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 381، عنه البحار: 50/ 52 ح 29.

يدعو الله لي أن يجعله ذكراً، فلما سألته الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلما نظر إلي قال لي: يا أبا يعقوب سمه أحمد. فولد لي ذكر فسميته أحمد فعاش مدة و مات.. الخبر(1).

14 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی بکر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام كتاباً و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله ؟ ونسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب علیه السلام إلى بحوائج، وفي آخر کتابه: عندي سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله، وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، وهو مع كل إمام.

وكنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله، فلما صر إلى المدينة و دخلت عليه علیه السلام ، نظر إلي فقال: استغفر الله لما أضمرت و لا تعد .

قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟ قال: لا أخبر به أحداً. قال: و خرج بإحدى رجلي العرق المدني، و قد قال لي قبل أن خرج العرق في رجلي، و قد عاهدته فكان آخر ما قال: إنه ستصيب وجعا فاصبر، فأيما رجل من شيعتنا اشتکی فصبر و احتسب كتب الله له أجر ألف شهيد.

فلما صرت في بطن مر ضرب على رجلي و خرج بي العرق، فما زلت شاكياً أشهراً. و حججت في السنة الثانية، فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك، عوذ رجلي، و أخبرته أن هذه التي توجعني. فقال علیه السلام : لا بأس على هذه، أرني رجلك الأخرى الصحيحة. فبسطتها بين يديه و عوذها، فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي فعلمت أنه عوذها قبل من الوجع، فعافاني الله من بعد.(2)

15 -[ الإربلي في كشف الغمة]، عن قاسم بن عبد الرحمن و كان زيديا، قال: خرجت

ص: 542


1- دلائل الإمامة: 212، عنه البحار: 58/50ح38.
2- الخرائج والجرائح: 387/1-388، عنه البحار: 53/50ح 31، أقول: وأورد الخبر عبد الله وحسين ابنا بسطام في طب الأئمة علیهم السلام عن عبد الله بن سنان وذكر قريباً منه، إلى أن قال: (ثم إن الله عافاني ونفعتني العوذة، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك بإسمك الطاهر المطهر القدوس المبارك الذي من سألك به أعطيته ومن دعاك به أجبته، أن تصلي على محمد وآله، وأن تعافيني مما أجد في رأسي وفي سمعي وفي بصري وفي بطني وفي ظهري وفي يدي وفي رجلي وفي جسدي وفي جميع أعضائي وجوارحي، إنك لطيف لما تشاء، وأنت على كل شيء قدير .) طب الأئمة علیهم السلام : 17.

إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون و يتشرفون و يقفون. فقلت: ماهذا؟ فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا. فقلت: و الله لأنظر إليه. فطلع علیه السلام على بغل أو بغلة فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا. فعدل علیه السلام إلي و قال: یا قاسم بن عبد الرحمن، « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ»(1). فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل عليه السلام إلي فقال:«أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(2).

قال: فانصرف و قلت بالإمامة، و شهدت أنه علیه السلام حجة الله على خلقه و اعتقدت.(3)

الحادي عشر: إخبارات الإمام علي بن محمد الهادي النقي علیه السلام

1 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضاعلیه السلام ]، (في حديث رسول الله صلی الله علیه وآله في وصف الأئمة علیهم السلام ): ... وإن الله تعالى رب في صلبه (أي: في صلب أبي جعفر الجواد علیه السلام ) نطفة لا باغية ولا طاغية، بارة مباركة طيبة طاهرة، سماها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار وأودعها العلوم وكل سر مکتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنباءه به.. الحديث.(4)

2 -[ الشيخ في الغيبة]، سعد بن عبد الله، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري علیه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر رضی الله عنه ، و قد كان أشار إليه و دل عليه، و إني الأفكر في نفسي و أقول: هذه قصة أبي إبراهيم علیه السلام و قصة إسماعيل.

فأقبل علي أبو الحسن علیه السلام و قال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي جعفر، و صير مكانه أبا محمد عليه السلام ، کما بدا له في إسماعيل بعد ما دل عليه أبو عبد الله عليه السلام ونصبه، و هو کما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون. أبو محمد عليه السلام ابني، الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، و معه آلة الإمامة و الحمد لله .(5)

ص: 543


1- القمر: 24.
2- القمر: 25.
3- کشف الغمة: 2/ 363، عنه البحار: 50/ 64 ضمن ح 44.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/ 62 ح 29، وكمال الدين: 26/1، عنهما البحار: 186/91ح1،207/36 ح8.
5- الغيبة: 82- 83، و 200، عنه البحار:241/50 ح6.

3 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن أبي هاشم

الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن علیه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، و إني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما - أعني أبا جعفر و أبا محمد علیه السلام - في هذا الوقت كأبي الحسن موسی علیه السلام و إسماعيل ابي جعفر بن محمد علیه السلام، و إن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد علیه السلام المرجی بعد أبي جعفرعلیه السلام ، فأقبل علي أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق، فقال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر علیه السلام ما لم يكن يعرف له، کما بدا له في موسی عليه السلام بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله، و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون، و أبو محمد علیه السلام ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، و معه آلة الإمامة. (1)

4 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن الحسن بن علي الوشاء قال: كتب إليه -أي: أبي الحسن الهادي علیه السلام - محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الأرض و أنهم علیه السلام قالوا: لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه و إن حدثت نفسك أنه مما تنبت الأرض فإنه من الرمل و الملح، و الملح سبخ.(2)

5 -[ ابن شهرآشوب في المناقب]، نقلا من كتاب المعتمد في الأصول، عن علي بن مهزیار، قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف، و على أبي الحسن علیه السلام لباد وعلى فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون منه و يقولون: ألا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟

فقلت في نفسي: لو كان إماماً ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد علیه السلام و هو سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثم قلت: أريد أن أسأله عن

ص: 544


1- الكافي: 1/ 327 ح10، وأورده في الإرشاد: 2/ 318 عن أبي القاسم عن محمد بن يعقوب، وكشف الغمة: 406/2.
2- کشف الغمة: 2/ 384، عنه البحار: 176/50ضمن ح 55، وعنه أيضا الوسائل: 360/5 ضمن ح6792، وأورده في دلائل الإمامة: 218 (نحوه) وفي آخره: (فإنه من الرمل والملح سبخ والرمل المسبخ بلد ممسوخ.)

الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف علیه السلام وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.(1)

6 - [المجلسي في البحار، من كتاب النجوم]، عن محمد بن جرير الطبري، بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن أحمد القهقلي الكاتب بسر من رأي سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصا، فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختیشوع و هو منصرف من دار موسی بن بغا، فسايرني و أفضى الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟

قلت: و من صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام - و كنا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: فكيف ذلك؟

قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً و لا غيرك من الناس، و لكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث به أحدا فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند السلطان، و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم - يعني بني العباس -.

قلت: لك على ذلك فحدثني به و ليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم. قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام و هو على فرس أدهم و عليه ثياب سود و عمامة سوداء و هو أسود اللون، فلما بصر به وقفت إعظاما له و قلت في نفسي - لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - قلت في نفسي: ثياب سوداء ودابه سوداء ورجل أسود!سواد في سواد في سواد.

فلما بلغ علیه السلام إلى نظر إلي، و أحد النظر و قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد. قال أبي رحمة الله : فقلت له: أجل فلا تحدث به أحداً. فما صنعت و ما قلت له؟ قال: أسقطت في يدي فلم أحر جوابا، قلت له: فما أبيض قلبك لما شاهدت. قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلى فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواد، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا رسول الله صلی الله علیه وآله، و أن

ص: 545


1- المناقب: 413/4، عنه البحار: 50/ 173 ذیل ح53، و 117/77ح5.

علي بن محمد حجة الله على خلقه و ناموسه الأعظم. ثم مات في مرضه ذلك و حضرت الصلاة عليه رحمه الله.(1)

7- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، حدث جماعة من أهل أصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النضر و أبو جعفر محمد بن علوية، قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي عليه السلام دون غيره من أهل الزمان؟

قال: شاهدت ما أوجب علي، و ذلك أني كنت رجلا فقيراً، و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فكنا بباب المتوكل يوماً إذا خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟ فقيل:هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته. ثم قال: و يقدر أن المتوكل يحضره للقتل. فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو؟ قال: فأقبل علیه السلام راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل. فأقبل علیه السلام يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة و أنا دائم الدعاء، فلما صار علیه السلام إلي أقبل بوجهه إلي وقال: استجاب الله دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك.

قال: فارتعدت و وقعت بين أصحابي. فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟ فقلت: خیر، و لم أخبر بذلك. فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله على وجوها من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوی مالي خارج داري، و رزقت عشرة من الأولاد، و قد بلغت الآن من عمري نيفاً و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه في ولي.(2)

8 -[ الطبري في دلائل الإمامة]، عن عبد الله بن عامر الطائي قال: حدثنا جماعة ممن حضر العسكر بسر من رأى، قالوا: شهدنا هذا الحديث، قال أبو طالب، وهو ما حدثني به مقبل الديلمي: كان رجل بالكوفة يقول بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد، فقال له

ص: 546


1- البحار:161/50ح50.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 392، عنه البحار: 141/50ح26.

صاحب له - يميل إلى ناحيتنا وأمرنا -: لا تقل بإمامة عبد الله فإنها باطل وقل الحق.

قال: وما الحق حتى أتبعه؟ قال: إمامة موسی بن جعفر علیهما السلام ومن بعده. فقال الفطحي: و من الإمام اليوم؟ قال: علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام. قال: فهل من دلیل؟ قال: نعم، أضمر في نفسك ما شئت و الق عليا علیه السلام بسر من رأی یخبرك به. فقال: نعم، فخرجا إلى العسكر فقصدا شارع أبي أحمد فأخبرنا أن أبا الحسن علیه السلام ركب إلى دار المتوكل فجلسا ينتظران. فقال الفطحي لصاحبه: إن كان صاحبك هذا إماما فإنه حين يرجع و يراني يعلم ما قصدته فيخبرني من غير أن أسأله.

فوقفا إلى أن عاد أبو الحسن علیه السلام فجاء و بين يديه الشاكرية و خلفه الركبة يشيعونه إلى داره، فلما بلغ علیه السلام الموضع الذي فيه الرجلان التفت إلى الفطحي و تفل بشيء من فيه في صدر الفطحي كأنه غرقئ البيض فالتصق بصدر الرجل كمثل دارة الدرهم، و فيه مکتوب بخضرة: ما كان عبد الله هناك و لا هو بذلك.

فقرأه الناس و قالوا: ما هذا؟ فأخبرهم وصاحبه بقصتهما فحثا التراب على رأسه و قال: تبا لما كنت عليه قبل يومي، والحمد لله الذي هداني. وقال بإمامة أبي الحسن علیه السلام.(1)

9- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي: قال ركب أبي و عمومتي إلى أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام و قد اختلفوا في الأربعة أيام التي تصام في السنة و هو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سر من رأى، فقال علیه السلام : جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة.

فقالوا: ما جئنا إلا هذا. فقال عليه السلام: اليوم السابع عشر من ربيع الأول، و هو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلی الله علیه وآله، و اليوم السابع و العشرون من رجب، وهواليوم الذي بعث فيه رسول الله صلی الله علیه وآله، و اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة و هو اليوم الذي دحيت فيه الأرض، و اليوم الثامن عشر من ذي الحجة و هو يوم الغدير (2).

10 -[ الصدوق في الأمالي]، عن أبي هاشم الجعفري قال: أصابتني ضيقة شديدة،

ص: 547


1- دلائل الإمامة: 219-220.
2- الخرائج والجرائح: 759/2 - 760، عنه البحار: 266/93ح13، 50/ 157 - 158ح47، وأورده في مصباح المتهجد: 820 (نحوه) و في آخره هكذا: (وهو يوم الغدير يوم نصب فيه رسول الله صلی الله علیه وآله عليا أمير المؤمنين عليه السلام علما، ومن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين عاما.) ولاحظ المناقب:417/4.

فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام فأذن لي، فلما جلست قال علیه السلام : يا أبا هاشم، أي نعم الله عز و جل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له، فابتدأ علیه السلام فقال:رزقك الإيمان فحرم بدنك على النار، و رزقك العافية فأعانتك على الطاعة، و رزقك القنوع فصانك عن التبذل. يا أبا هاشم، إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها.(1)

11 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أحمد بن هارون قال: كنت جالساً أعلم غلاما من غلمانه في فازة داره إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السلام راكباً على فرس له، فقمنا إليه فسبقنا فنزل قبل أن ندنو منه فأخذ عنان فرسه بيده فعلقه في طنب من أطناب الفازة ثم دخل فجلس معنا، فأقبل عليه السلام علي و قال: متى رأيك أن تنصرف إلى المدينة؟ فقلت: الليلة. قال: فأكتب إذن كتاباً معك توصله إلى فلان التاجر. قلت: نعم. قال علیه السلام : يا غلام هات الدواة و القرطاس. فخرج الغلام ليأتي بهما من دار أخرى فلما غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه فقال عليه السلام له بالفارسية: ما هذا الغلق؟ فصل الثانية فضرب بيده، فقال علیه السلام له بالفارسية: اقلع فامض إلى ناحية البستان و بل هناك و رث و ارجع فقف هناك مكانك.

فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ثم مضى إلى ناحية البستان حتى لانراه في ظهر الفازة، فبال و راث و عاد إلى مكانه. فدخلني من ذلك ما الله به عليم، فوسوس الشيطان في قلبي، فقال علیه السلام: يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت، إن ما أعطى الله محمد و آل محمد عليه السلام أكثر مما أعطى داود و آل داود. قلت: صدق ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، فما قال لك؟ و ما قلت له فقد فهمته. فقال علیه السلام: قال لي الفرس: قم فاركب إلى البيت حتی تفرغ عني. قلت: ما هذا الغلق؟ قال: قد تعبت. قلت: لي حاجة أريد أن أكتب كتاباً إلى المدينة فإذا فرغت ركبتك. قال: إني أريد أن أروث و أبول، و أكره أن أفعل ذلك بين يديك. فقلت : اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ثم عد إلى مكانك، ففعل الذي رأيت.

ثم أقبل الغلام بالدواة و القرطاس و قد غابت الشمس، فوضعها بين يديه فأخذ في الكتابة حتى أظلم الليل فيما بيني و بينه علیه السلام فلم أر الكتاب و ظننت أنه أصابه الذي

ص: 548


1- أمالي الصدوق: 412 - 413ح 11، عنه البحار: 129/50ح7، 326/69-327ح7، وأورده في الفقيه: 4/ 401 ح5863.

أصابني، فقلت للغلام: قم فهات شمعة من الدار حتى يبصر مولاك كيف يكتب. فمضى فقال علیه السلام للغلام: ليس إلى ذلك حاجة، ثم كتب علیه السلام كتاباً طويلا إلى أن غاب الشفق، ثم قطعه فقال للغلام: أصلح، و أخذ الغلام الكتاب و خرج إلى الفازة ليصلحه، ثم عاد إليه و ناوله ليختمه فختمه علیه السلام من غير أن ينظر الخاتم مقلوباً أو غير مقلوب، فناولني فقمت الأذهب فعرض في قلبي قبل أن أخرج من الفازة أصلي قبل أن آتي المدينة، قال علیه السلام : يا أحمد، صل المغرب و العشاء الآخرة في مسجد الرسول صلی الله علیه وآله و اطلب الرجل في الروضة فإنك توافقه إن شاء الله.

قال: فخرجت مبادرة فأتيت المسجد و قد نودي العشاء الآخرة فصليت المغرب ثم صليت معهم العتمة و طلبت الرجل حيث أمرني فوجدته فأعطيته الكتاب و أخذه و فضه ليقرأه فلم يستبن قراءته في ذلك الوقت، فدعا بسراج فأخذته و قراته عليه في السراج في المسجد فإذا خط مستو ليس حرف ملتصقاً بحرف و إذا الخاتم مستو ليس بمقلوب، فقال لي الرجل: عد إلى غدا حتى أكتب جواب الكتاب. فغدوت فكتب الجواب فجئت به إليه علیه السلام، فقال علیه السلام: أليس قد وجدت الرجل حيث قلت لك؟ فقلت: نعم. قال علیه السلام : أحسنت.(1)

12 - [علي بن عيسى في كشف الغمة، من كتاب الدلائل للحميري]، عن أيوب قال: قال فتح بن یزید الجرجاني: ضمني و أبا الحسن عليه السلام الطريق منصرفي من مكة إلى خراسان و هو صائر إلى العراق، فسمعته و هو يقول: من اتقى الله يتقی، و من أطاع الله طاع.

قال: فتلطفت في الوصول إليه علیه السلام، فسلمت عليه، فرد علي السلام، و أمرني بالجلوس، و أول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح، من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق. و إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، و انی یوصف الخالق الذي يعجزالحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال: (كيف)، و أين الأين فلا يقال: (أين)، إذ هو منقطع الكيفية و الأينية، هو الواحد «الصَّمَدُ، لَم يَلِد وَلَم يُولَد وَلمَ يَكُن لَهُ كُفُواً أحَد»، فجل جلاله. بل كيف يوصف بكنهه

ص: 549


1- الخرائج والجرائح:408/1 -410، عنه البحار: 50/ 153 - 155ح40.

محمد صلی الله علیه وآله و قد قرنه الجليل باسمه و شركه في عطائه و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، إذ يقول: «وَمَا نَقمُوا الّا ان اغنَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ مِن فَضلِهِ»(1)و قال يحكي قول من ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: «يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ»(2)، أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله صلی الله علیه وآله ، حيث قال: «أطِيعُوا اللهَ وَ أطِيِعُوا الرَّسُّولَ وَ أولِي الأمِر مِنکُم»، و قال:« وَ لَو رَدّوهُ إلى الرَّسُولِ وَ إلِى أوَليَ الأمِرَ منِهُم»، و قال:«انَّ اللهَ يَأمُرُكُم أن تُؤدُّوا الأمَانَاتِ إلىَ أهَلِهَا »و قال:«فَسالوا أهَلَ الذَّكرِ إنَّ كُنتُم لَا تَعلَمُونَ» . يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول صلی الله علیه وآله و الخليل و ولد البتول علیها السلام ، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا. فنبينا أفضل الأنبياء، و خلیلنا أفضل الأخلاء، و وصينا أكرم الأوصياء، و اسمهما أفضل الأسماء، و کنیتهما أفضل الكنى و أحلاها. لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، و لو لم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد. أشد الناس تواضعاً أعظمهم حلماً و أنداهم كفا و أمنعهم كنفاً، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الأمر و سلم إليهم، أماتك الله مماتهم و أحيا حياتهم إذا شئت رحمك الله.

قال فتح: فخرجت، فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه علیه السلام، فسلمت عليه فردالسلام، فقلت: يا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله، أتأذن في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟

قال علیه السلام : سل و إن شرحتها فلي و إن أمسكتها فلي، فصحح نظرك و تثبت في مسألتك و أصغ إلى جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعنيت و اعتن بما تعتني به، فإن العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش. و أما الذي اختلج في صدرك، فإن شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً«إِلَّا مَن ارتَضَى مِن رَسُلٍ»(3)، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، و كل ما اطلع عليه الرسول صلی الله علیه وآله فقد اطلع أوصياؤه علیهم السلام عليه، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته و جواز عدالته. یا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك و شكك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم،

ص: 550


1- التوبة: 74.
2- الأحزاب: 66.
3- الجن:26-27.

فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب. معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون الله داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد أبو الحسن علیه السلام وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخراً خاضعاً. قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال علیه السلام : يا فتح، كدت أن تهلك و تهلك، و ما ضر عیسی علیه السلام إذا هلك من هلك. انصرف إذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما کشف الله عني من اللبس بأنهم هم، و حمدت الله على ما قدرت عليه. فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا، إذ كان ذلك آفة، و الإمام غير ذي آفة. فقال عليه السلام : اجلس یا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون« وَيَمشُونَ فِي الأسوَاقِ» ، (1)و كل جسم مغذو هذا إلا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم يجزأ بتناه و لم يتزاید و لم يتناقص، مبرأ من ذاته ما رکب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد الذي« لَم يَلِد وَلَم يوُلَد وَلَم يَكُنَ لَهُ كُفُوَاً أحَد» منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، و هو السميع العليم اللطيف الخبير الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيراً، لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربرب و لا الخالق من المخلوق و لا المنشئ من المنشأ لكنه فرق بينه و بين من جسمه و شيأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى و لا يشبه شيئا.(2)

13 - [الإربلي في كشف الغمة، من كتاب الدلائل للحميري]، حدث محمد بن شرف، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام أمشي بالمدينة، فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلى. فأردت أن أسأله عن مسألة، فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: نحن على قارعة الطريق، و ليس هذا موضع مسألة.(3)

14 -[ المجلسي في البحار، من عيون المعجزات]، عن الحسن بن إسماعيل - شيخ من

ص: 551


1- الفرقان: 20.
2- کشف الغمة: 2/ 386- 388، عنه البحار: 50/ 177 - 180 ح56، 366/75 - 368 ح 2.
3- کشف الغمة: 2/ 385، عنه البحار: 176/50ضمن ح55.

أهل النهرین - قال: خرجت أنا و رجل من أهل قريتي إلى أبي الحسن عليه السلام بشيء كان معنا، و كان بعض أهل القرية قد حملنا رسالة و دفع إلينا ما أوصلناه و قال: تقرؤونه علیه السلام مني السلام و تسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام هل يجوز أكلها أم لا، فسلمنا ما كان معنا إلى جارية، و أتاه عليه السلام رسول السلطان فنهض ليركب و خرجنا من عنده ولم نسأله عن شيء فلا صرنا في الشارع لحقنا عليه السلام و قال لرفيقي بالنبطية: أقرئه مني السلام و قل له: بيض الطائر الفلاني لا تأكله فإنه من المسوخ.(1)

15 -[ المجلس في البحار من کتاب مجموع الدعوات للتلعکبري]، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي، قال: كن رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، و كان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام ما أستهزئ به و لا أقبله. فدعتني الحال إلى دخول سر من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلما كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح، و ركب أبو الحسن عليه السلام في زي الشتاء و عليه لبادة برنس و علی سرجه تجفاف طويل، و قد عقد ذنب دابته و الناس يهزءون به و هو يقول: ألا «إنَّ مَوعِدَهُم الصُّبحُ ألَيسَ الصُّبحُ بِقَرِیبٍ »(2) .

فلما توسطوا الصحراء و جازوا بين الحائطين ارتفعت سحابة و أرخت السماء عزاليها و خاضت الدواب إلى ركبها في الطين و لوثتهم ذنابها، فرجعوا في أقبح زي و رجع أبو الحسن علیه السلام في أحسن زي و لم يصبه شيء مما أصابهم. فقلت: إن كان الله عز و جل أطلعه على هذا السر فهو حجة، و جعلت في نفسي أن أسأله عن عرق الجنب، فقلت: إن هو علیه السلام أخذ البرنس عن رأسه و جعله على قربوس سرجه ثلاثاً فهو حجة. ثم إنه علیه السلام لجأ إلى بعض السقائف فلما قرب نحى البرنس و جعله على قربوس سرجه ثلاث مرات، ثم التفت علیه السلام الي و قال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام. فصدقته علیه السلام و قلت بفضله و لزمته. (3)

ص: 552


1- 186/50ضمن ح63 عن عيون المعجزات، وأورده في المستدرك: 16/ 183 - 184ح 19521 - 2 عن إثبات الوصية للمسعودي.
2- هود: 81.
3- البحار: 87/ 142- 143.

الثاني عشر : إخبارات الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام

1 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن محمد بن الحسن بن میمون قال: كتب إليه - أي إلى أبي محمد علیه السلام - أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبد الله علیه السلام : الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا. فرجع الجواب: إن الله عز و جل يخص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر و قد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك، الفقر معنا خير من الغني مع عدونا، و نحن كهف لمن التجأ إلينا ونور لمن استبصر بنا و عصمة لمن اعتصم بنا، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى و من انحرف عنا فإلى النار.(1)

2-[ ابن شهر آشوب في المناقب]، روي عن أبي العيناء محمد بن القاسم الهاشمي قال: كنت أدخل على أبي محمد علیه السلام فأعطش و أجله علیه السلام أن أدعو بالماء، فيقول علیه السلام : ياغلام اسقه. وربما حدثت نفسي بالنهوض فأفكر في ذلك، فيقول عليه السلام: يا غلام دابته(2).

3 - [المناقب لابن شهر آشوب]، أبو العباس و محمد بن القاسم، قال: عطشت عند أبي محمد علیه السلام، و لم تطب نفسي أن يفوتني حديثه علیه السلام وصبرت على العطش وهو علیه السلام يتحدث، فقطع علیه السلام الكلام وقال: يا غلام اسق أبا العباس ماء.(3)

4 - [الإربلي في كشف الغمة]، من کتاب الدلائل للحميري، عن محمد بن الأقرع قال: كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم، و قلت في نفسي - بعد مافصل الكتاب- : الإحتلام شیطنة و قد أعاذ الله أولياءه من ذلك.

فرد الجواب: الأئمة علیهم السلام حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، قد

أعاد الله أولياءه من لمة الشیطان کما حدثتك نفسك.(4)

ص: 553


1- کشف الغمة: 2/ 421، عنه البحار: 299/50ضمن ح 72، وأورده في المناقب: 4/ 435، رجال الكشي: 533، الخرائج والجرائح: 2/ 739، عنه البحار: 44/69ح53 وفي بعض المصادر بدل محمد بن الحسن بن میمون: (بن شمون).
2- مناقب آل أبي طالب: 1/ 433، الخرائج والجرائح: 1/ 445، عنها البحار: 50/ 272 ح 41، وأورده في الكافي: 1/ 512ح22 .
3- مناقب آل أبي طالب: 4/ 439، عنه البحار: 288/50ضمن ح 62.
4- کشف الغمة: 2/ 423، عنه البحار: 25/ 157 ح29، 290/50ح 64، وأورده في الكافي: 503/1 ح12، الخرائج والجرائح: 1/ 445، الصراط المستقیم: 2/ 208ح20.

5- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أبي هاشم أنه سأله - أي أبا محمد علیه السلام- عن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ»(1) ، قال علیه السلام : كلهم من آل محمد، الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، و المقتصد: العارف بالإمام، و السابق بالخيرات: الإمام.

فجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد صلی الله علیه وآله وبكيت، فنظر علیه السلام إلي وقال: الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد صلی الله علیه وآله، فاحمد الله أن جعلك متمسكاً بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، إنك على خير.(2)

6 -[ الكشي في رجاله]، قال محمد بن الحسن: لقيت من علة عيني شدة، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كنت سألته عليه السلام أن يصف لي كحلا أكحلها.

فوقع علیه السلام بخطه يدعو لي بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة، و كتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع الإثمد کافوراً و توتياء، فإنه يجلو ما فيها من الغشاء و ییبس الرطوبة. قال: فاستعملت ما أمرني علیه السلام به فصحت و الحمد لله .(3)

7 -[ محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن سفيان بن محمد الضبعي قال: كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الوليجة و هو قول الله:«وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»(4)، فقلت في نفسي لا في الكتاب: من ترى المؤمنين هاهنا. فرجع الجواب: الوليجة: الذي يقام دون ولي الأمر، و حدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع، فهم الأئمة علیهم السلام لذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم.(5)

8- [الإربلي في كشف الغمة]، عن الحسن بن ظریف قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام و قد تركت التمتع ثلاثين سنة و قد نشطت لذلك، و كان في الحي امرأةوصفت لي بالجمال فمال

ص: 554


1- فاطر:32.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 687، عنه البحار: 50/ 258ح18، ونحوه في كشف الغمة: 418/2من کتاب الدلائل للحميري، ونقله عنه في البحار: 218/23ح18.
3- رجال الكشي: 533، عنه البحار: 50/ 299 ضمن ح 73.
4- التوبة: 16.
5- الكافي: 508/1 ح9، عنه البحار: 245/24ح 2، وعنه أيضا تأويل الآيات الظاهرة: 204 - 205، وأورده في المناقب: 4/ 432، عنه البحار: 50/ 285 ضمن ح60 مع التفاوت في النسخ.

إليها قلبي و كانت عاهراً لا تمنع ید لامس فكرهتها، ثم قلت: قد قال علیه السلام : (تمتع بالفاجرة، فإنك تخرجها من حرام إلى حلال)، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أشاوره في المتعة و قلت: أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع؟ فكتب علیه السلام : إنما تحيي سنة و تميت بدعة و لا بأس، و إياك و جارتك المعروفة بالعهر، و إن حدثتك نفسك أن آبائي علیهم السلام قالوا: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال، فهذه امرأة معروفة بالهتك و هي جارة و أخاف عليك استفاضة الخبر فيها. فتركتها و لم أتمتع بها و تمتع بها شاذان بن سعد - رجل من إخواننا و جيراننا ۔ فاشتهر بها حتى علا أمرُه و صار إلى السلطان و غرم بسببها مالاً نفيساً و أعاذني

الله من ذلك ببركة سيدي.(1)

9- [الإربلي في كشف الغمة]، عن جعفر بن محمد بن موسى قال: كنت قاعداً بالعشي، فمر بي - أي: أبو محمد علیه السلام- و هو راكب، و كنت أشتهي الولد شهوة شديدة، فقلت في نفسي: تری أرزق ولدا؟ فقال علیه السلام برأسه أي: نعم. فقلت: ذكرا؟ فقال عليه السلام برأسه: لا. فولدت لي ابنة.(2)

10 - [الإربلي في كشف الغمة]، من کتاب الدلائل، عن محمد بن صالح الخثعمي قال: كتب إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن البطيخ و کنت به مشعوفاً، فكتب علیه السلام إلى: لا تأكله على الريق فإنه يولد الفالج. و كنت أريد أن أسأله علیه السلام عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة فنسيت حتى نفذ كتابي إليه علیه السلام، فوقع: صاحب الزنج ليس من أهل البيت.(3)

11 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل، عن محمد بن الربيع الشيباني قال: ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز، ثم قدمت سر من رأي و قد علق بقلبي شيء من مقالته، فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد علیه السلام من دار العامة يوم

ص: 555


1- کشف الغمة: 2/ 423، عنه البحار:291/50-292 ضمن ح 65، 319/100-320 ح44.
2- کشف الغمة: 2/ 426، ونحوه في الخرائج والجرائح: 1/ 438 عنه البحار: 50/ 268ح30 ببعض التفاوت، وليس فيه: (في نفسی).
3- کشف الغمة: 2/ 424 - 425، عنه البحار:293/50 ضمن ح66، قال المجلسي قدس سره : (صاحب الزنج الذي خرج في البصرة سنة 255 أو 256، ووعد كل من أتى إليه من السودان أن يعتقهم ويكرمهم فاجتمع إليه منهم خلق كثير وبذلك علا أمره ولذا لقب صاحب الزنج.) راجع البحار:71/51ذیل ح 11.

الموكب، فنظر إلي و أشار بسبابته: أحد أحد فوحده، فسقطت مغشيا علي.(1)

12 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر: قول الرجل: (ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا).

فقلت في نفسي: إن هذا هو الدقيق! ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شيء. فأقبل علي أبو محمد عليه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت، فالزم ما حدثت به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على المسح الأسود.(2)

13-[الشيخ في كتاب الغيبة ]، جعفر الفزاري، عن محمد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعیم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة کامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد علیه السلام نظرت إلى ثياب بیاض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله!

فقال علیه السلام متبسما: یا كامل، و حسر علیه السلام ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده،فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرقه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لي: يا کامل بن إبراهيم. فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت: يا سيدي، و من هم؟ قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَ مَا تَشَاؤنَ إلّا أن

ص: 556


1- کشف الغمة: 2/ 425، عنه البحار: 293/50 ح67.
2- الغيبة: 207، المناقب: 4/ 439، عنهما البحار:250/50 ح4، و 359/70 ح78، وأورده في إعلام الوری: 374، کشف الغمة : 2/ 420، الخرائج والجرائح: 2/ 688 إلى قوله: (الليلة الظلماء).

یَشَاءَ اللهُ»(1) ، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع کشفه، فنظر إلى أبو محمد علیه السلام متبسماً فقال: یا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي. فقمت و خرجت ولم أعاینهبعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. (2)

14 - [تفسير الإمام العسكري علیه السلام ]، قال الله تعالى في قصة يحيی علیه السلام - إلى أن قال علیه السلام -: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(3) يعني لما رأي زكريا علیه السلام عند مريم فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء، و قال لها:« يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(4)، و أيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولداً و إن کنت شیخاً و كانت امرأتي عاقرة، ف «هُنَالِكَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ» فقال:«رَبِّ هَب لِي مِن لَدُنكَ ذُرّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» .

قال الله عز و جل:«فَنَادَتهُ الملائِكَةُ» يعني نادت زکریا علیه السلام،«وَ هُوَ قَائِمٌ يَصَلِّي فِي المِحرَابِ أنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِیَحیَی مُصَدِّقَاً بِكَلمِةٍ مِن الله »قال:«مُصدِّقَاً» بعيسى علیه السلام ، يصدق يحيی بعیسی، «وَ سيِّدَاً»، يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته،«وَحَصُورَاً»و هو الذي لا يأتي النساء، «وَنَبِيّاً مِن الصَّالِحينَ »(5)

قال علیه السلام : و كان أول تصدیق یحیی بعیسی أن زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم، فإذا نزل أقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب کوة صغيرة يدخل عليها منها الريح، فلما وجد مریم و قد حبلت ساءه ذلك، وقال في نفسه: ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري و قد حبلت و الآن أفتضح في بني إسرائيل، لا یشکون

ص: 557


1- الإنسان: 30، والتكوير: 29.
2- الغيبة: 246، عنه البحار:336/25ح16 ، و 50/52 ولاحظ بعض فقراته في: 253/50ح 35، و 65/ 117 ح5، و 163/69ح20، و 302/76 ح 12، وأورده في دلائل الإمامة: 273 باب معرفة من شاهده عج في حياة أبيه، والوسائل:21/5 ح 5779.
3- آل عمران: 38 .
4- آل عمران: 37.
5- آل عمران: 39.

أني أحبلتها.

فجاء إلى امرأته فقال لها ذلك، فقالت: يا زكريا لا تخف، فإن الله لن يصنع بك إلا خيرا و ائتني بمريم أنظر إليها و أسألها عن حالها. فجاء بها زکریا علیه السلام إلى امرأته فكفى الله مریم مؤنة الجواب عن السؤال، فلما دخلت إلى أختها و هي الكبرى و مريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا، فأذن الله ليحيى عليه السلام و هو في بطن أمه فنخس في بطنها(1) و أزعجها و نادي أمه: تدخل إليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيد رجال العالمين، فلا تقومين إليها؟! فانزعجت و قامت إليها وسجد يحيى علیه السلام وهو في بطن أمه لعیسی ابن مریم علیهما السلام ، فذلك أول تصديقه.. الحديث.(2)

15 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن عليه، فدخل رجل عبل طويل جسیم، فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول، و أمره بالجلوس فجلس ملاصقاً لي.

فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا؟ فقال أبو محمد علیه السلام : هذا من ولد الأعرابيةصاحبة الحصاة التي طبع آبائي علیهم السلام فيها بخواتيمهم فانطبعت، و قد جاء بها معه يريد أن أطبع فيها. ثم قال علیه السلام : هاتها. فأخرج حصاة و في جانب منها موضع أملس فأخذها أبو محمد علیه السلام ثم أخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع، فكأني أری نقش خاتمه علیه السلام الساعة: (الحسن بن علي). فقلت لليماني: رأيته علیه السلام قبل هذا قط؟ قال: لا و الله، و إني لمند دهر حریص على رؤيته علیه السلام حتى كان الساعة، أتاني شاب لست أراه فقال لي: قم فادخل. فدخلت ثم نهض اليماني و هو يقول:« رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ»(3)«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ»(4)، أشهد بالله إن حقك لواجب کوجوب حق أمير المؤمنين علیه السلام والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين. ثم مضى فلم أره بعد ذلك.

قال إسحاق: قال أبو هاشم الجعفري: و سألته عن اسمه، فقال: اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم، و هي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة

ص: 558


1- قال المجلسي قدس سره : بيان: (نخسه)، أي غرزه بعود أو إصبع أو نحوهما، وفي بعض النسخ: (بیده). البحار:187/14ذیل ح36.
2- تفسير الإمام علیه السلام : 659، عنه البحار: 14/ 185- 187 ح 36.
3- هود: 73.
4- آل عمران: 34.

التي طبع فيها أمير المؤمنين علیه السلام و السبط إلى وقت أبي الحسن علیه السلام .(1)

16 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل، حدث هارون بن مسلم قال:ولد لابني أحمد ابن، فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام و ذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله أن يسميه و يكنیه، و كان محبتي أن أسميه (جعفراً) و أكنیه ب(أبي عبد الله)، فوافاني رسوله في صبيحة اليوم السابع و معه كتاب: سمه جعفراً و کنه بأبي عبد الله. و دعا علیه السلام لي.(2)

17 - [الطوسي في الغيبة]، عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي محمد علیه السلام فقال: إذا خرج القائم عليه السلام أمر بهدم المنارة و المقاصير التي في المسجد. فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فأقبل عليه السلام علي و قال: معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة.(3)

18 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى إسحاق بن محمد النخعي قال: سأل الفهفكي أبا محمد علیه السلام : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحداً و يأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد علیه السلام: إن المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنما ذلك على الرجال.

فقلت في نفسي: قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله علیه السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب. فأقبل أبو محمد علیه السلام علي فقال: نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرناما جرى لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم سواء، و لرسول الله صلی الله علیه وآله و أمير المؤمنين عليه السلام فضلهما.(4)

ص: 559


1- الكافي: 1/ 347 ح4، وأورده الشيخ في الغيبة: 203 - 204، کشف الغمة: 2/ 431، إعلام الوری: 371-372، عنه البحار: 25/ 179 - 180 ح3، 302/50ح78 المناقب: 4/ 441 مع بعض التفاوت في النسخ، و في كشف الغمة: 2/ 418 عن أبي هاشم الجعفري قال : (كنت عند أبي محمد علیه السلام إذ دخل عليه شاب حسن الوجه، فقلت في نفسي : من هذا؟ فقال أبو محمد علیه السلام: هذا ابن أم غانم صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي،و قد جاءني أطبع فيها، هات حصاتك. فأخرج حصاة فإذا فيها موضع أملس، فطبع علیه السلام فيها بخاتم معه فانطبع، قال : و اسم اليماني : مهجع بن سفيان بن علم ابن أم غانم اليمانية.)
2- کشف الغمة:416/2، عنه البحار: 50/ 296 ح 70.
3- الغيبة: 206، المناقب: 4/ 437، عنهما البحار: 250/50ح3، 323/52ح 32، 80/ 376 ح 44، وأورده في الخرائج والجرائح: 1/ 450، وإعلام الوری:373.
4- الكافي: 7/ 85 ح 2، البحار: 50/ 255 ح 11، وأورده في التهذيب: 9/ 274ح 2، وقريب منه برواية أبي هاشم في الخرائج والجرائح: 685/2، عنه البحار: 328/101ح8، 255/50 ، کشف الغمة: 2/ 420، فقه القرآن للراوندي: 2/ 358.

19 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: سأل محمد ابن صالح الأرمني أبا محمد عليه السلام عن قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1) فقال عليه السلام : هل يمحو إلا ما كان و هل يثبت إلا ما لم يكن؟

فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشيء حتى يكون. فنظر علیه السلام إلی، فقال: تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل کونها. قلت: أشهد أنك حجة الله.(2)

20 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن بن شمون عن داود بن القاسم الجعفري قال:سُئل أبو محمد علیه السلام عن قوله تعالى:«إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ»(3) ، و السائل رجل من قم و أنا حاضر، فقال علیه السلام : ماسرق يوسف، إنما كان ليعقوب منطقة ورثها من إبراهيم، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد، فكان إذا سرقها إنسان نزل جبرئيل فأخبره بذلك، فأخذ [فأخذت] منه و أخذ عبدا. و إن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم، و كانت سميت أم إسحاق، و إن سارة أحبت یوسف و أرادت أن تتخذه ولدا لها، و إنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله و قالت ليعقوب: إن المنطقة سُرقت.

فأتاه جبرئيل فقال: يا يعقوب، إن المنطقة مع يوسف، و لم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله. فقام يعقوب إلى يوسف ففتشه و هو يومئذ غلام یافع، و استخرج المنطقة. فقالت سارة بنت إسحاق: متى [مني] سرقها يوسف فأنا أحق به. فقال لها يعقوب: فإنه عبدک على أن لا تبيعيه و لا تهبيه. قالت: فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني و أنا أعتقه الساعة، فأعطاها فأعتقته. فلذلك قال إخوة يوسف:«إِن يَسرِق فَقَد سَرَقَ أَخٌ لَهِ مِن قَبلُ».

قال أبو هاشم: فجعلت أجيل هذا في نفسي أفكر و أتعجب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من يوسف و حزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم و

ص: 560


1- الرعد: 39.
2- الخرائج والجرائح: 2/ 687، عنه البحار: 90/4 ح 33،253/50ح14.
3- يوسف: 77.

المسافة قريبة، فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: يا أبا هاشم، نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك، فإن الله لو شاء أن يرفع السنام الأعلى بين يعقوب و یوسف حتى كانا يتراءان فعل، و لكن له أجل هو بالغه و معلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك، فالخيار من الله لأوليائه.(1)

21 - [الإربلي في كشف الغمة]، من کتاب دلائل الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد علیه السلام فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله:«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ»(2)، قال أبو محمد علیه السلام: ثبتت المعرفة و نسوا ذلك الموقف و سیذکرونه، و لولا ذلك لم يدر أحد من خالقه و لا من رازقه.

قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه و جزیل ما حمله، فأقبل أبو محمد عليه السلام علي فقال: الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم و أعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله و من أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلا و هو بهم مصدق و بمعرفتهم موقن.(3)

22 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي هاشم الجعفري قال: أدخلت الحجاج بن سفيان العبدي على أبي محمد عليه السلام فسأله المبايعة، قال: ربما بايعت الناس فتوضعتهم المواضعة إلى الأصل. قال علیه السلام : لا بأس الدينار بالدينارين بينهما خرزة. فقلت في نفسي: هذا شبه ما يفعله المربيون. فالتفت عليه السلام إلى فقال: إنما الربا الحرام ما قصد به الحرام، فإذا جاوز حدود الربا و زوي عنه فلا بأس الدينار بالدينارين يدا بيد، و يكره أن لا يكون بينهما شيء يوقع عليه البيع.(4)

23 -[ ابن شهرآشوب في المناقب]، عن أبي هاشم قال: ما دخلت قط على أبي الحسن و أبي محمد عليهما السلام إلا رأيت منهما دلالة و برهانا، فدخلت على أبي محمد عليه السلام و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرك به، فجلست و أنسيت ما جئت له، فلما أردت النهوض، رمي علیه السلام إلى بخاتم و قال: أردت فضة فأعطيناك خاتماً و ربحت الفص و الكری

ص: 561


1- الخرائج والجرائح: 2/ 738 عنه البحار:298/12 ح86 باختلاف يسير مع المصدر.
2- الأعراف: 172.
3- کشف الغمة:419/2-420، عنه البحار: 5/ 260ح67.
4- الخرائج والجرائح: 2/ 689 ، عنه البحار: 50/ 258ح17، و 100/ 121 ح32.

[الكراء] هنأك الله.(1)

24 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روى أبو هاشم أنه: ركب أبو محمد علیه السلام يوما إلى الصحراء فركب معه فبينما يسير علیه السلام قدامي و أنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين کان على قد حان أجله، فجعلت أفكر في أي وجه قضاؤه، فالتفت علیه السلام إلي وقال: الله يقضيه. ثم انحنى علیه السلام على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض فقال: يا أبا هاشم انزل فخذ و اکتم.

فنزلت و إذا سبيكة ذهب. قال: فوضعتها في خفي و سرنا، فعرض لي الفكر فقلت: إن كان فيها تمام الدين و إلا فإني أرضي صاحبه بها و يجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء و ما نحتاج إليه فيه من كسوة و غيرها. فالتفت علیه السلام إلى ثم انحنی ثانية فخط بسوطه مثل الأولى ثم قال: انزل و خذ و اکتم.

قال: فنزلت فإذا بسبيكة، فجعلتها في الخف الآخر و سرنا يسيراً، ثم انصرف علیه السلام إلى منزله وانصرفت إلى منزلي ، فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الذين ما زادت و لا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الإقتصاد بلا تقتير ولا إسراف، ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ماقدرته مازادت ولا نقصت.(2)

20 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی أحمد بن محمد، عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال: حججت سنة فدخلت على أبي محمد علیه السلام بسر من رأي و قد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه، فقال قبل أن أقول ذلك:ادفع ما معك إلى المبارك خادمي. قال: ففعلت وخرجت..الخبر.(3)

26 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، روی الحسن بن ظريف أنه قال: اختلج في صدري مسألتان و أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد عليه السلام، فكتبت أسأله عن القائم عج بم يقضي و

ص: 562


1- المناقب: 4/ 437، عنه البحار: 254/50ح8، وأورده في الخرائج والجرائح: 2/ 684، ولاحظ إعلام الوری: 375، کشف الغمة: 2/ 421، الكافي 1/ 512 ح 21، وفي آخره: (فقلت: يا سيدي، أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بطاعته ، فقال علیه السلام : غفر الله لك يا أباهاشم.)
2- الخرائج والجرائح: 421/1، عنه البحار: 50 ح 259 - 260ح20.
3- الخرائج والجرائح: 1/ 424 - 425، عنه البحار:262/50ح 22، وأورده في كشف الغمة: 427/2(نحوه).

أين مجلسه،و أردت أن أسأله عن رقية الحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى. فجاء الجواب: سألت عن القائم عج إذا قام، يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود علیه السلام و لا يسأل البينة، و كنت أردت أن تسأل عن الحمى الربع فأنسیت فاكتب ورقة و علقها على المحموم:«يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ»(1)فكتبت و علقت على المحموم فبرئ.(2)

27 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روى أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمد علیه السلام ضیق الحبس و شدة القيد، فكتب علیه السلام إلى: أنت تصلي الظهر في منزلك. فأخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي و کنت مضيقاً، فأردت أن أطلب منه علیه السلام معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجه علیه السلام إلى بمائة دینار وكتب إلى: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي واطلبها تأتيك على ما تحب أن تأتيك.(3)

28 -[ ابن شهر آشوب في المناقب] ، روي عن أبي حمزة نصير الخادم، قال: سمعت أبا محمد علیه السلام غير مرة يكلم غلمانه و غيرهم بلغاتهم، و فيهم روم و ترك و صقالبة، فتعجبت من ذلك و قلت: هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن و لا رآه أحد، فكيف هذا؟ أحدث بهذا نفسي فأقبل علیه السلام علي، و قال: إن الله بين حجته من بين سائر خلقه، و أعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات و الأنساب و الحوادث، و لولا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق.(4)

29 -[ الخرائج و الجرائح]، قال يحيى بن المرزبان: التقيت مع رجل من أهل السبب سیماه الخير فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة و القول في أبي محمد علیه السلام و غيره، فقلت: لا أقول به أو أرى منه علامة. فوردت العسكر في حاجة، فأقبل أبو محمد علیه السلام،

ص: 563


1- الأنبياء: 69.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 428، المناقب: 431/4، عنهما البحار: 50/ 264 ح 24، وعن الخرائج:66/92ح46، وأورده في كشف الغمة: 2/ 413، إعلام الوری: 376، وبإسناده في الإرشاد: 331/2، مع الإختلاف في النسخ.
3- الخرائج والجرائح: 1/ 435، عنه البحار: 50/ 267ح27، وأورده في الكافي: 508/1ح 10، الإرشاد: 2/ 330 (نحوه)، وكذا في إعلام الوری: 372، کشف الغمة: 2/ 412.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 435، المناقب: 428/4، عنها البحار: 50/ 268 ح 28، ونحوه في الكافي بإسناده: 509/1 وفيه بعد قوله علیه السلام: (بين حجنه من سائر خلقه) قال علیه السلام : (من كل شيء)، والإرشاد: 2/ 330، وإعلام الوری: 375، وروضة الواعظين: 1/ 248.

فقلت في نفسي متعنتا: إن مد علیه السلام يده إلى رأسه فكشفه، ثم نظر و رده قلت به.

فلما حاذاني، مد يده إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه في ثم ردهما، ثم قال علیه السلام : يا يحيى، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة؟ قلت: خلفته صالحا. قال علیه السلام: لا تنازعه. ثم مضي.(1)

30 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن أبي بكر الفهفكي قال: أردت الخروج بسر من رأى لبعض الأمور و قد طال مقامي بها فغدوت يوم الموكب و جلست في شارع أبي قطيعة بن داود إذ طلع أبو محمد عليه السلام يريد دار العامة فلما رأيته قلت في نفسي: أقول له: يا سيدي إن كان الخروج عن سر من رأى خيرا فأظهر التبسم في وجهي.

فلما دنا علیه السلام مني تبسم تبسما جيدا، فخرجت من يومي فأخبرني أصحابنا أن غريما كان

له عندي مال قدم يطلبني و لو ظفر بي يهتکني لأن ماله لم يكن عندي شاهداً.(2)

31 -[ابن طاووس في كتاب النجوم]، التلعکبري قال: حدثنا محمد بن هارون: قال أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلاء صاعد النصراني لأسمع منه ما روي عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري علیه السلام ، فأوصلني إليه فرأيت رجلا معظما و أعلمته السبب في قصدي، فأدناني و قال: حدثني أبي أنه خرج و إخوته و جماعة من أهله من البصرة إلى سر من رأى للظلامة من العامل فإذا بسر من رأى في بعض الأيام إذا بمولانا أبي محمد علیه السلام على بغلة و على رأسه شاشة و على كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب؟ و قلت: إن كان الأمر على هذا فيحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل عليه السلام ذلك. فقلت: هذا اتفاق، و لكنه سيحول طيلسانه الأيمن إلى الأيسر و الأيسر إلى الأيمن، ففعل علیه السلام ذلك و هو يسير و قد وصل إلى فقال: یا صاعد، لم لا تشغل بأكل حيتانك [حيدانك] عما لا أنت منه ولا إليه؟ وكنا نأكل سمكا.

هذا لفظة حديثه نقلناه كما رأيناه و رويناه، و من عرف كيف عرفناه كان كمن شاهد ذلك و سمعه و رآه. و أسلم صاعد بن مخلد و كان وزيراً للمعتمد. (3)

ص: 564


1- الخرائج والجرائح: 1/ 435، عنه البحار: 270/50ح 35، وأورده في كشف الغمة: 2/ 428.
2- الخرائج والجرائح: 1/ 445، عنه البحار: 50/ 273 ح42.
3- فرج المهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم: 236-237، عنه البحار:281/50 ح 57.

32 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن محمد بن عبد العزيز البلخي، قال: أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم، فإذا بأبي محمد علیه السلام قد أقبل من منزله یرید دار العامة. فقلت في نفسي: ترى إن صحت: (أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه) يقتلوني. فلما دنا علیه السلام مني أومأ بإصبعه السبابة على فيه أن: اسكت، و رأيه علیه السلام تلك الليلة يقول: إنه هو الكتمان أو القتل، فاتق الله على نفسك. (1)

33 - [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل، عن علي بن محمد بن الحسن قال: وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا و كنت معهم، و خرج السلطان إلى صاحب البصرة فخرجنا لننظر إلى أبي محمد علیه السلام، فنظرنا إليه ماضياً معه، و قعدنا بين الحائطين بسر من رأى ننظر رجوعه علیه السلام ، فرجع فلما حاذانا و قرب منا وقف و مد يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه و أمسكها بيده و أمر يده الأخرى على رأسه و ضحك في وجه رجل منا.

فقال الرجل مبادراً: أشهد أنك حجة الله و خيرته. فقلنا: يا هذا، ما شأنك؟ قال: کنت شاكا فيه

علیه السلام، فقلت في نفسي: إن رجع علیه السلام و أخذ القلنسوة عن رأسه قلت بإمامته.(2)

34 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن أبي هاشم، قال: كتب إليه - أي إلى العسكري علیه السلام - بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء، فكتب علیه السلام إليه أن: ادع بهذا الدعاء: (يا أسمع السامعين، و یا أبصر المبصرين، یا عز الناظرين، و یاأسرع الحاسبين، و یا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صل على محمد و آل محمد، و أوسع لي في رزقي و مدلي في عمري، و امنن علي برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري).

قال أبو هاشم: فقلت في نفسي: (اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك). فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت بالله مؤمنا و لرسوله صلی الله علیه وآله مصدقا و الأوليائه عارفا و لهم تابعاً، فأبشر ثم أبشر.(3)

35 -[ المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان، قال: حدثني من أثق إليه من المشايخ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا علیه السلام ، قال: كانت

ص: 565


1- الخرائج والجرائح: 1/ 445، کشف الغمة: 2/ 422، عنهما البحار: 290/50ضمن ح63.
2- کشف الغمة: 2/ 425 - 426، عنه البحار: 50/ 294 ح 68، وأورده في الخرائج والجرائح:444/1 ولاحظ الصراط المستقیم: 2/ 208.
3- کشف الغمة ج2 ص421، عنه البحار: 50/ 298 ضمن ح 72،359/92ح14، وأورده في إعلام الوری: 374، وراجع المناقب: 4/ 439.

تدخل على أبي محمد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، و أنها قالت: دخلت عليه فقلت له کما أقول و دعوت کما أدعو، فقال عليه السلام: يا عمة، أما إن الذي تدعين الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة، - و كانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين - فاجعلي إفطارك معنا.

فقلت: يا سيدي، ممن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال لي علیه السلام : من نرجس يا عمة. قال: فقالت له: يا سيدي ما في جواريك أحب إلي منها. و قمت و دخلت إليها، و كنت إذا دخلت فعلت بي كما تفعل، فانکببت على يديها، فقبلتهما و منعتها مما كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها. فقالت لي: فديتك. فقلت لها: أنا فداك و جميع العالمين. فأنكرت ذلك، فقلت لها: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لک في هذه الليلة غلاما سيداً في الدنيا و الآخرة، و هو فرج المؤمنين. فاستحيت فتأملتها فلم أر فيها أثر الحمل. فقلت لسيدي أبي محمد علیه السلام : ما أرى بها حملا. فتبسم علیه السلام ثم قال: إنا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون و إنما نحمل في الجنب، و لا نخرج من الأرحام و إنما تخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا، لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات.

فقلت له: يا سيدي، قد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ قال علیه السلام لي: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله. قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت و نمت بقرب من نرجس، وبات أبو محمد عليه السلام في صفة في تلك الدار التي نحن فيها. فلما ورد وقت صلاة الليل قمت و نرجس نائمة ما بها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي، ثم أوترت، فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع و دخل قلبي شيء، فصاح أبو محمد علیه السلام من الصفة: لم يطلع الفجر یا عمة. فأسرعت الصلاة و تحركت نرجس، فدنوت منها و ضممتها إلي و سميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشيء؟ قالت: نعم. فوقع علي سبات لم أتمالك معه أن نمت، و وقع على نرجس مثل ذلك و نامت، فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي وصيحة أبي محمد علیه السلام يقول: يا عمة، هاتي ابني إلى فقد قبله. فكشف عن سیدی علیه السلام فإذا أنا به ساجداً يبلغ الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب:« جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(1)

36 - [ ابن شهر آشوب في المناقب]، أحمد بن إسحاق قال: دخلت إلى أبي محمد علیه السلام

ص: 566


1- البحار:25/51ضمن ح 37 أخذنا منه موضع الحاجة. الآية : الإسراء: 81.

فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد، فقال علیه السلام: نعم، ثم قال: يا أحمد، إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن. ثم دعا بالدواة، فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ علیه السلام من الكتابة أقبل يحدثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال علیه السلام : هاك يا أحمد. فناولنيه [فتناولته]. الخبر(1)

37 -[محمد بن یعقوب في الكافي]، علي بن محمد، عن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسی بن جعفر قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد علیه السلام-، فإنه قد وصف عنه سماحة. فقلت: تعرفه؟ فقال: ما أعرفه و لا رأيته قط. قال: فقصدناه، فقال لي أبي و هو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر عليه السلام لنا بخمسمائة درهم، مائتا درهم للكسوة و مائتا درهم للدين و مائة للنفقة.

فقلت في نفسي: ليته علیه السلام أمر لي بثلاثمائة درهم، مائة أشتري بها حماراً، و مائة للنفقة، و مائة للكسوة و أخرج إلى الجبل. قال: فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال: يدخل علي بن إبراهيم و محمد ابنه. فلما دخلنا عليه و سلمنا قال علیه السلام لأبي: يا علي، ما خلفك عنا إلى هذا الوقت؟ فقال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال. فلما خرجنا من عنده علیه السلام جاءنا غلامه فناول أبي صرة فقال: هذه خمسمائة درهم، مائتان للكسوة و مائتان للدين و مائة للنفقة. و أعطاني صرة فقال: هذه ثلاثمائة درهم، اجعل مائة في ثمن حمار، و مائة للكسوة، و مائة للنفقة. و لا تخرج إلى الجبل، و صر إلى سوراء. فصار إلى سوراء و تزوج بامرأة، فدخله اليوم ألف دينار و مع هذا يقول بالوقف.

فقال محمد بن إبراهيم: فقلت له: ويحك، أتريد أمراً أبين من هذا؟ قال: فقال: هذا أمر قد جرينا عليه.(2)

38 -[محمد بن يعقوب في الكافي]، إسحاق قال: حدثني علي بن زید بن علي بن الحسين بن علي قال: كان لي فرس و کنت به معجباً أكثر ذكره في المحال. فدخلت على أبي

ص: 567


1- المناقب:433/4، عنه البحار: 286/50ضمن ح 60، وأورده بتمامه في الكافي: 1/ 513ح 27.
2- الكافي: 506/1 ح3، وأورده في الإرشاد عن ابن قولويه عن الكليني:326/2 - 327، عنه البحار: 50/ 278 - 279ح 52، روضة الواعظين: 1/ 247، ولاحظ المناقب: 4/ 437 - 438 مع الإختلاف.

محمد علیه السلام يوما، فقال لي: ما فعل فرسك؟ فقلت: هو عندي و هو ذا هو على بابك و عنه نزلت. فقال علیه السلام لي: استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتري، ولا تؤخر ذلك. و دخل علينا داخل و انقطع الكلام. فقمت متفکراً و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر، فقال: ما أدري ما أقول في هذا. و شححت به و نفست على الناس ببيعه. و أمسينا فأتانا السائس و قد صلينا العتمة فقال: يا مولاي نفق فرسك. فاغتممت و علمت أنه علیه السلام عني هذا بذلك القول.

قال: ثم دخلت على أبي محمد علیه السلام بعد أيام و أنا أقول في نفسي: ليته علیه السلام أخلف علي دابة إذ كنت اغتممت بقوله، فلما جلست قال: نعم، نخلف دابة عليك، ياغلام أعطه برذوني الكميت، هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمراً.(1)

39 -[ الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سمعت أبا محمد علیه السلام يقول: إن الله ليعفو يوم القيامة عفوا يحيط على العباد حتى يقول أهل الشرك:«وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ».(2)

فذكر في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة أن رسول الله صلی الله علیه وآله قرأ: «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ»(3) فقال الرجل: و من أشرك. فأنكرت ذلك و تنمرت للرجل، فأنا أقول في نفسي إذ أقبل علیه السلام علي فقال:«إنَّ اللهَ لَا يَغفِرُ أنَ يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لَمِن يَشَاءُ»(4)، بئسما قال هذا و بئسما روی.(5)

40 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، شاهویه بن عبد ربه: كان أخي صالح محبوساً، فكتب إلى سيدي أبي محمد علیه السلام أسأله عن أشياء أجابني عنها، و کتب علیه السلام : أن أخاك

ص: 568


1- الكافي: 1/ 510 ح15، وأورده في المناقب: 4/ 430 - 431، الخرائج والجرائح: 1/ 434، عنهما البحار: 266/50 - 267 ح26، الإرشاد: 2/ 332 - 333، عنه المستدرك: 8/ 256 - 257 ح9388 - 5، إعلام الوری: 371، کشف الغمة: 2/ 413 - 414 وذكرهفي الصراط المستقيم مختصراً: 207/2 ، مع الإختلاف في النسخ. أقول: قال المجلسي قدس سره في ذيل الخبر: بيان: (لعله علیه السلام أمره بالإستبدال لمحض إظهار الإعجاز لعلمه بأنه لا يفعل ذلك، أو يقال: لعله لم يكن يموت عند المشتري، أو أنه علیه السلام علم أن المشتري يكون من المخالفين.)
2- الأنعام: 23.
3- الزمر: 53.
4- النساء: 48، والنساء: 116.
5- الخرائج والجرائح: 2/ 686، عنه البحار:6/6-7ح 12،256/50 - 257ح 12.

يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا و قد كنت أردت أن تسألني عن أمره فأنسيت. فبينا أنا أقرأ كتابه علیه السلام إذا أناس جاءوني يبشروني بتخلية أخي فتلقيته و قرأت عليه الكتاب.(1)

41 -[ ابن شهر آشوب في المناقب]، قال أبو هاشم: خطر ببالي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال أبو محمد علیه السلام: يا أبا هاشم، الله خالق كل شيء، و ما سواه مخلوق.(2)

42-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد علیه السلام في القرآن، أهو مخلوق أو غير مخلوق؟ فأقبل عليه السلام علي فقال: أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله علیه السلام لما نزلت:«قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ»خلق لها أربعة ألف [آلاف] جناح، فيما كانت تمر بملا من الملائكة إلا خشعوا لها، و قال عليه السلام : هذه نسبة الرب تبارك و تعالى.(3)

43 -[ المجلسي في البحار من كتاب مشارق الأنوار للبرسی]، عن علي بن عاصم الأعمى الكوفي قال: دخلت على أبي محمد العسكري علیه السلام فقال لي: يا علي بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس فيه كثير من النبيين و المرسلين و الأئمة الراشدين علیهم السلام. قال: فقلت: يا سيدي، لا أنتعل ما دمت في الدنيا إكراماً لهذا البساط. فقال علیه السلام: يا علي، إن هذا النعل الذي في رجلك نعل نجس ملعون لا يقر بولايتنا. قال: فقلت في نفسي: ليتني أرى هذا البساط. فعلم علیه السلام ما في ضميري فقال: ادن مني. فدنوت منه علیه السلام فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيراً، قال: فرأيت في البساط أقداماً و صوراً، فقال علیه السلام : هذا قدم آدم علیه السلام و موضع جلوسه، و هذا أثر هابيل، و هذا أثر شيث، و هذا أثر نوح، و هذا أثر قیدار، و هذا أثر مهلائيل، و هذا أثر بارة، و هذا أثر خنوخ، و هذا أثر إدريس، و هذا أثر متوشلخ، و هذا أثر سام، و هذا أثر أرفخشد، و هذا أثر هود، و هذا أثر صالح، و هذا أثر لقمان، و هذا أثر إبراهيم، و هذا أثر لوط، و هذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، و هذا أثر إسحاق، و هذا أثر يعقوب، وهذا أثر يوسف، و هذا أثر

ص: 569


1- المناقب: 6/ 438، عنه البحار: 288/50ح62.
2- مناقب آل أبي طالب: 4/ 436، عنه البحار: 50/ 258 ح 15.
3- الخرائج والجرائع: 686/2، عنه البحار: 254/50ح 9، 350/89 ح19، مع بعض التفاوت، وفي المصدر بدل: (قال هذه نسبة الرب) : قالوا: هذه نسبة الرب.

شعیب، و هذا أثر موسی، و هذا أثر یوشع بن نون، و هذا أثرطالوت، و هذا أثر داود، و هذا أثر سليمان، و هذا أثر الخضر، و هذا أثر دانیال، و هذا أثر اليسع، و هذا أثر ذي القرنين الإسكندر، و هذا أثر شابور بن أردشير(1)، و هذا أثر لوي، و هذا أثر كلاب، و هذا أثر قصي، و هذا أثر عدنان، و هذا أثر عبد مناف، و هذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر سيدنا رسول الله صلی الله علیه وآله ، و هذا أثر أمير المؤمنين عليه السلام، و هذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي علیه السلام ، لأنه قد وطأه و جلس عليه.

ثم قال علیه السلام: انظر إلى الآثار و اعلم أنها آثار دين الله، و أن الشاک فيهم کالشاک في الله، و من جحدهم كمن جحد الله. ثم قال علیه السلام : اخفض طرفك يا علي. فرجعت محجوباًكما کنت.(2)

44 -[الصدوق في إكمال الدين ]، حدثنا أبو جعفر محمد بن عيسى بن أحمد الزرجي قال: رأيت بسر من رأى رجلا شابا في المسجد المعروف ب (مسجد زبيد) في شارع السوق و ذكر أنه هاشمي من ولد موسی بن عیسی - لم يذكر أبو جعفر اسمه -و كنت أصلي، فلما سلمت قال لي: أنت قمي أو زائر؟ قلت: أنا قمي مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين علیه السلام. فقال لي: تعرف دار موسی بن عيسى التي بالكوفة؟ فقلت: نعم. فقال: أنا من ولده. قال: كان لي أب وله أخوان، و كان أكبر الأخوين ذا مال و لم یکن للصغير مال، فدخل على أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار، فقال الأخ الكبير: أدخل على الحسن ابن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام و أسأله أن يلطف للصغير لعله أن يرد مالي فإنه حلو الكلام.

فلما كان وقت السحر بدا لي عن الدخول على الحسن بن علي علیهما السلام، و قلت: أدخل على أسباس التركي صاحب السلطان و أشكو إليه. قال: فدخلت على أسباس التركي و

ص: 570


1- قال الجزائري في قصص الأنبياء: (أقول: ما اشتمل عليه من ذكر شابوروما بعده يدل على أنهم كانوا مسلمين وقتا ما، وذلك لأن شابور من أجداد علي بن الحسين علیهما السلام كما أن لؤي وما بعده من أجداد النبي صلی الله علیه وآله.) .
2- البحار: 50/ 304 - 305 ح 81، وذكره في: 11/ 33 - 34 ح 27، إلا أنه ليس فيه من قوله: (قال:فقلت: يا سيدي لا أنتعل.. - إلى قوله-: فعلم علیه السلام ما في ضميري.) وكذا في قصص الأنبياء للجزائري: 6، ولاحظ البحار:316/50 -317 عن بعض مؤلفات أصحابنا مع الإختلاف والتفصيل.

بين يديه نرد يلعب به فجلست أنتظر فراغه، فجاءني رسول الحسن بن علي عليهما السلام فقال: أجب. فقام معه، فلما دخل على الحسن علیه السلام قال له: كان لك إلينا أول الليل حاجة ثم بدا لك عنها وقت السحر. اذهب فإن الكيس الذي أخذ من مالك قد رد و لا تشك أخاك و أحسن إليه و أعطه فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه. فلما خرج تلقاه غلامه يخبره بوجود الكيس.. الخبر.(1)

45 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، قال أبو هاشم: کنت مضيقاً، فأردت أن أطلب منه علیه السلام معونة فاستحييت، فلما صرت إلى منزل في وجه عليه السلام إلى بمائة دينار، و كتب إلى: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم و اطلبها فإنك ترى ما تحب إن شاء الله .(2)

46 -[ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعته يقول: إن في الجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلا أهل المعروف. فحمدت الله في نفسي و فرحت بما أتكلف من حوائج الناس. فنظر علیه السلام إلي و قال: نعم فدم على ما أنت عليه، فإن أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أبا هاشم و رحمك. (3)

47 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد علیه السلام عن قوله تعالى:«للهِ الأمِرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ»(4)، فقال علیه السلام : له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.

فقلت في نفسي: هذا قول الله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»(5). فأقبل عليه السلام علي فقال: هو كما أسررت في نفسك، «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». قلت: أشهد أنك حجة الله و ابن حجته في خلقه.(6)

ص: 571


1- إكمال الدين: 2/ 517 - 518 ح46، عنه البحار: 50/ 247 ح 1 مع التفوات. وفيما لدينا من المصدر بدل (أسباس التركي) : أشناس التركي.
2- مناقب آل أبي طالب: 4/ 439، وأورده في الخرائج والجرائح: 1/ 435 (نحوه)، عنهما البحار:267/50 ضمن ح 27،إعلام الوری: 372، الإرشاد: 2/ 330، الكافي: 508/1 ح10.
3- کشف الغمة: 2/ 420، عنه البحار: 50/ 258 ح16، و414/71ح32 عن كشف الغمة، إعلام الوری: 375، الخرائج والجرائح: 2/ 689، مستدرك الوسائل:343/12ح19.
4- الروم: 4.
5- الأعراف: 54.
6- الخرائج والجرائح: 2/ 686، عنهالبحار: 4/ 115 ح 41، 257/50ح13.

الثالث عشر: إخبارات الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه

1 - [الشيخ في كتاب الغيبة]، جعفر الفزاري، عن محمد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعیم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام ، قال کامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي محمد عليه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله!

فقال علیه السلام متبسماً: يا كامل، و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله و هذا لكم. فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال علیه السلام لي: يا کامل بن إبراهيم. فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله: هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك و قال بمقالتك؟ فقلت: إي و الله. قال: إذن و الله يقل داخلها، و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: (الحقية). قلت: يا سيدي، و من هم؟ قال: قوم من حبهم لعلي علیه السلام يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه و فضله. ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال: و جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا و الله يقول: «وَ مَاتَشَاؤُنَ إلِا أن يَشَاءَ اللهُ»(1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلي أبو محمد علیه السلام متبسماً فقال: یا کامل ما جلوسك؟ قد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي. فقمت و خرج ولم أعاینه بعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملا، فسألته عن هذا الحديث فحدثني به.(2)

2 - [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى الحسن بن الفضل اليماني قال: قصدت سر من رأى فخرج إلى صرة فيها دنانير و ثوبان فرددتها، و قلت في نفسي: أنا عندهم بهذه

ص: 572


1- الإنسان: 30، والتكوير: 29.
2- الغيبة: 246، عنه البحار:336/25 ح16، و 50/52ولاحظ بعض فقراته في : 253/50 ح 35، 117/65 ح5، 163/69ح20، 302/76 ح 12، وأورده في دلائل الإمامة: 273 باب معرفة من شاهده علیه السلام في حياة أبيه علیه السلام ، والوسائل: 21/5ح5779.

المنزلة؟ فأخذتني العزة، ثم ندمت بعد ذلك و کتبت رقعة أعتذر و أستغفر، و دخلت الخلاء و أنا أحدث نفسي و أقول: و الله لئن ردت الصرة لم أحلها و لم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني.

فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه انا ربما فعلنا ذلك بموالینا و ربما سألونا ذلك يتبركون به. و خرج إلي: أخطأت بردك برنا، و إذا استغفرت اللهفالله يغفر لك، و إذا كان عزيمتك و عقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا و لا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، و أما الثوبان فلا بد منهما لتحرم فيهما. قال: و كتبت في معنيين و أردت أن أكتب في معنی ثالث، فقلت في نفسي: لعله يكره ذلك. فخرج إلى الجواب في المعنيين و المعنى الثالث الذي طويته و لم أكتبه. الخبر(1)

3 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن محمد بن محمد الخزاعي رضی الله عنه، قال: حدثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي، عن أبيه قال: ورد على توقيع من الشيخ أبي جعفر، محمد ابن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداء لم يتقدمه سؤال:(«بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ» لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من استحل من مالنا درهما). قال أبو الحسن الأسدي رضی الله عنه: فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل له، فقلت في نفسي: إن ذلك في كل من استحل محرماً، فأي فضل في ذلك للحجة عليه السلام على غيره؟ قال: فوالذي بعث محمداً بالحق بشيراً لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي: («بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ»لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا در هماً حراماً).

قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي: أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذا التوقيع حتى نظرنا إليه و قرأناه.(2)

4 -[ الشيخ في كتاب الغيبة] ، عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري القمي، قال: حدثني يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصبهان، قال: حججت في سنة إحدى و ثمانین و مائتين، و ذكر دخوله في مكة و نزوله في بيت يعرف بدار

ص: 573


1- کمال الدین: 2/ 490 ح13، عنه البحار: 328/51ح52.
2- کمال الدين: 2/ 522 ح 51، عنه البحار:183/53ح 12، و93/ 185 ح 3، وأورده في الحرائج والجرائح عن الصدوق: 3/ 1118، والإحتجاج: 2/ 480، والوسائل: 9/ 541 ح 12671 .

الرضا علیه السلام، و فيها عجوز من خدام أبي محمد الحسن علیه السلام، و كانت تلقي الحجة علیه السلام و كانت واسطة بينه علیه السلام و بين يعقوب، إلى أن قال:

فأخذت عشرة دراهم صحاحاً فيها ستة رضوية من ضرب الرضاعلیه السلام قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم علیه السلام، و کنت نذرت و نویت ذلك، فدفعتها إليها و قلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة عليها السلام أفضل مما ألقيها في المقام و أعظم ثواباً، فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة عليها السلام، و كان في نيتي أن الذي رأيته هو الرجل، و إنما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم و صعدت و بقيت ساعة ثم نزلت فقالت: يقول علیه السلام لك: ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نویت، و لكن هذه الرضوية خذ منا بدلها و ألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت.. الخبر.(1)

5-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن محمد بن إبراهيم بن مهزیار قال: شككت عند مضي أبي محمد علیه السلام ، و اجتمع عند أبي مال جليل فحمله و ركب السفينة، و خرجت معه مشیعاً، فوعك وعکاً شديداً فقال: يا بني، ردني فهو الموت. و قال: لي اتق الله في هذا المال، و أوصى إلى فمات.

فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق و أكتري داراً على الشط و لا أخبر أحداً بشيء و إن وضح لي شيء کوضوحه في أيام أبي محمد عليه السلام أنفذته و إلا قصفت به .(2)

فقدمت العراق و اکتريت داراً على الشط و بقيت أياما، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: یا محمد، معك كذا و كذا في جوف كذا و كذا، حتى قص علي جميع ما معي مما لم أحط به علما، فسلمته إلى الرسول و بقيت أياما لا يرفع لي رأس(3) و اغتممت، فخرج إلي: قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله.(4)

ص: 574


1- الغيبة: 276، عنه البحار:19/52ح14، وأورده في جمال الأسبوع: 498، ولاحظ دلائل الإمامة: 301-302.
2- قال المجلسي قدس سره: (القصف: اللهو واللعب ، وفي الإرشاد : (وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي) وكأنه نقل بالمعنى.) البحار: 311/51. وفي الغيبة للشيخ بدل: (قصفت به) : (تصدقت به).
3- قال المجلسي قدس سره: وقوله: (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجه والإستخبار فإن من يتوجه إلى أحد يرفع إليه رأسه.
4- الكافي: 518/1ح5، وأورده في الإرشاد: 2/ 355، إعلام الوری عن الكليني: 445، غيبة الطوسی :281،عنه البحار:310/51 ح31،کشف الغمة:451/2 مع التفوات.

6 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن غلال بن أحمد عن أبي الرجاء المصري، - و كان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد علیه السلام ، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين. فسمعت صوتا و لم أر شخصاً: یا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلی الله علیه وآله فآمنتم به؟ قال أبو رجاء: لم أعلم أن اسم أبي (عبد ربه)، و ذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها، فلما سمعت الصوت لم أعرج على شيء و خرجت.(1)

7 -[ الشيخ في الغيبة] ، عن أبي غالب الزراري قال: قدمت من الكوفة و أناشاب إحدى قدماتي و معي رجل من إخواننا -قد ذهب على أبي عبد الله اسمه - و ذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمة الله و استتاره و نصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني و كان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر منه من الكفر و الإلحاد، و كان الناس يقصدونه و يلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم و بينه في حوائجهم و مهماتهم.

فقال لي صاحبي: هل لك أن تلقى أبا جعفر و تحدث به عهداً فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة، فإني أريد أن أسأله شيئا من الدعاء يكتب به إلى الناحية. قال: فقلت: نعم. فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه و جلسنا، فأقبل على صاحبي فقال: من هذا الفتى معك؟

فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين. فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت؟ فقلت: يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة. فقال: أهل بیت جلیل عظيم القدر في هذا

ص: 575


1- الخرائج والجرائح: 2/ 699، عنه البحار: 295/51 ح10، وأورده علي بن يونس في الصراط المستقيم: 213/2 ح18، وذكره الصدوق أيضا في كمال الدين مسنداً إلى أبي رجاء هكذا: (خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد عليه السلام بسنتين لم أقف فيهما على شيء، فلما كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لأبي محمد علیه السلام بصرياء، وقد سألني أبو غانم أن أتعشى عنده وأنا قاعد مفكر في نفسي وأقول: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول: يا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: آمنتم برسول الله صلی الله علیه وآله حيث رأيتموه؟ قال نصر: ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني النوفلي وقد مات أبي، فنشأت بها. فلما سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلى أبي غانم، وأخذت طريق مصر.) کمال الدین: 491/2 ، عنه البحار:330/51ح 54.

الأمر. فأقبل عليه صاحبي فقال له: يا سيدنا أريد المكاتبة في شيء من الدعاء فقال: نعم. قال: فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضا مثل ذلك و كنت اعتقدت في نفسي مالم أبده لأحد من خلق الله حال والدة أبي العباس ابني و كانت كثيرة الخلاف و الغضب علي و كانت منی بمنزلة، فقلت في نفسي: أسأل الدعاء لي من أمر قد أهمني و لا أسميه.

فقلت: أطال الله بقاء سیدنا و أنا أسأل حاجة. قال: و ما هي؟ قلت: الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني. قال: فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل فكتب: و الزراري يسأل الدعاء في أمر قد أهمه.

قال: ثم طواه فقمنا و انصرفنا، فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي: ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه؟ فمضيت معه و دخلنا عليه فحين جلسنا عنده أخرج الدرج و فيه مسائل كثيرة قد أجيبت في تضاعيفها، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ثم أقبل علي و هو يقرأ فقال: و أما الزراري و حال الزوج و الزوجة فأصلح الله ذات بينهما. قال فورد على أمر عظيم و قمنا، فانصرفنا فقال لي: قد ورد عليك هذا الأمر، فقلت: أعجب منه. قال: مثل أي شيء؟ فقلت: لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى و غيري، فقد أخبرني به. فقال: أتشك في أمر الناحية؟ أخبرني الآن ما هو. فأخبرته فعجب منه ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري و كانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلى فاسترضتني و اعتذرت و وافقتني و لم تخالفني حتى فرق الموت بيننا.(1)

8 - [المجلسي في البحار، عن بعض تألیفات أصحابنا]، عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عیسی بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان و ستین و مائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان عج قد ظهر. فاعتللت و قد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر. فلما وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشروني بظهوره عليه السلام بصابر، فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين و أنا أدعو و أتضرع و أسأل. فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عیسی بن مهدي الجوهري ادخل. فكبرت و هللت و أكثرت من حمد الله عز و جل و الثناء عليه. فلما صرت في صحن

ص: 576


1- الغيبة: 302- 304، عنه البحار:320/51-322ح42.

القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد. فقلت: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل و لم أر سیدی و مولاي؟

فصاح: یا عیسی، كل من طعامك فإنك تراني. فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا و بجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: عليل و سمك و تمر و لبن!

فصاح بي: يا عیسی أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك و يضرك؟ فبكيت و استغفرت الله تعالى و أكلت من الجميع. و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت، فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق. فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح علیه السلام بي: أقبل إلي. فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم أغسل يدي؟

فصاح علیه السلام بي: یا عیسی، و هل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي و إذا هي أعطر من المسك و الكافور. فدنوت منه عليه السلام فبدا لي نور غشي بصري، و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون ب(أين هو؟) و(متى كان؟) و ( أين ولد؟) و (من رآه؟) و (ما الذي خرج إليكم منه؟) و (بأيشيء نبأكم؟) و ( أي معجز أتاكم؟). أما والله لقد دفعوا أميرالمؤمنين علیه السلام مع ما رووه وقدموا عليه و کادوه وقتلوه، وكذلك آبائي علیهم السلام ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبین یا عیسی فخبر أولياءنا ما رأيت، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه.

فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات. فقال علیه السلام : لو لم يثبتك الله ما رأيتني و امض بنجحك

راشداً. فخرجت أكثر حمدا لله و شكرا.(1)

9 -[ الشيخ في الغيبة ]، عن الحسن بن الفضل بن زید اليماني قال: كتبت في معنيين و أردت أن أكتب في الثالث و امتنعت منه مخافة أن يكره علیه السلام ذلك، فورد جواب المعنيين و الثالث الذي طويته مفسراً.(2)

ص: 577


1- البحار: 68/52 ح54.
2- الغيبة: 282، عنه البحار: 311/51ح33.

10 -[ الشيخ في الغيبة]، بالإسناد عن بدر غلام أحمد بن الحسن، عنه قال: وردت الجبل و أنا لا أقول بالإمامة أحبهم جملة، إلى أن مات یزید بن عبد الملك فأوصى إلي في علته أن يدفع الشهري السمند و سيفه و منطقته إلى مولاه، فخفت إن لم أدفع الشهري إلى إذکوتكين نالني منه استخفاف، فقومت الدابة و السيف و المنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق: أن وجه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري السمند و السيف و المنطقة.(1)

11 - [الصدوق في إكمال الدين] ، عن العاصمي، أن رجلا تفكر في رجليوصل له ما وجب للغريم عليه السلام و ضاق به صدره، فسمع هاتفا يهتف به: أوصل ما معك إلى حاجز.(2)

12 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن غلال بن أحمد عن أبي الرجاء المصري، - و كان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد علیه السلام ، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين. فسمعت صوتا و لم أر شخصا: یا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وآله فآمنتم به؟ قال أبو رجاء: لم أعلم أن اسم أبي (عبد ربه)، و ذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها، فلما سمعت الصوت لم أعرج على شيء و خرجت.(3)

13 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دینا و ورعا،

ص: 578


1- الغيبة: 282 - 293، عنه البحار: 311/51ح 34، وأورده في الخرائج والجرائح: 1/ 464 - 465 ولاحظ الصراط المستقیم: 2/ 211 ح 9، أقول: قال الفيروزآبادي : الشهرية بالكسر ضرب من البراذين. (عن البحار)
2- إكمال الدين: 2/ 498 - 499 ح23، عنه البحار: 51/ 334 ضمن ح58.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 699، عنه البحار: 295/51ح10، وأورده علي بن يونس في الصراط المستقيم: 213/2 ح 18، وذكره الصدوق أيضا في كمال الدين بسنداً إلى أبي رجاء هكذا: (خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد عليه السلام بسنتين لم أقف فيهما على شيء، فلما كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لأبي محمد علیه السلام بصرياء، وقد سألني أبو غانم أن أتعشى عنده وأنا قاعد مفكر في نفسي وأقول:لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول: يانصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: آمنتم برسول الله صلی الله علیه وآله حيث رأيتموه؟ قال نصر: ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني النوفلي وقد مات أبي، فنشأت بها. فلما سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلى أبي غانم، وأخذت طريق مصر.) کمال الدین:491/2، عنه البحار: 330/51 ح54.

وإني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها و تقوم بها. فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله و لا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه، و هذا قرطي يساوي عشرة دنانير و فيه ثلاث حبات يساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها. فقلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها و لا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك علیه السلام بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال: فقلت في نفسي: و کیف أقول لجعفر بن علي؟ فقلت: هذه المحنة بيني و بين جعفر بن علي. فحملت المال و خرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلمت عليه و جلست، قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلى لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو و من دفعه إلى؟ فإن أخبرتني دفعته إليك. قال: يا أحمد بن أبي روح، توجه به إلى سر من رأي. فقلت: لا إله إلا الله، هذا أجل شيء أردته، فخرجت و وافیت سر من رأى فقلت: أبدأ بجعفر. ثم تفکرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم و إلا مضيت إلى جعفر.

فدنوت من دار أبي محمد علیه السلام فخرج إلى خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم. قال: هذه الرقعة اقرأها. فإذا فيها مكتوب: («بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» یا ابن أبي روح، أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، و هو خلاف ما تظن، و قد أديت فيه الأمانة و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه، و فيه ألف درهم و خمسون دیناراً، و معك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير، صدقت مع الفضين اللذين فيه، و فيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير و تساوي أكثر فادفع ذلك إلى خادمتنا إلى فلانة فإنا قد وهبناه لها، و صر إلى بغداد و ادفع المال إلى الحاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك، و أما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها و هي لاتدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن هي، لكلثوم بنت أحمد، و هي ناصبية فتحرجت أن تعطيها و أحبث أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك فلتفرقها في ضعفاء أخواتها، ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر و المحنة له و ارجع إلى منزلك فإن عمك(1) قد مات و قد رزقك الله أهله و ماله.)

ص: 579


1- في المصدر: (فإن عدوك قد مات.)

فرجعت إلى بغداد و ناولت الكيس حاجزاً فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خمسون دیناراً فناولني ثلاثين دينارا و قال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه و قد جاءني من يخبرني أن عمي (1)قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم.(2)

18 - [المفيد في الإرشاد]، علي بن محمد، عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر فخرج إلى: ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، فرد ما معك إلى حاجز بن یزید.(3)

15 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن محمد بن هارون الهمداني قال: كان علي خمسمائة دينار و ضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار و ثلاثين دیناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، و لا و الله ما نطقت بذلك و لا قلت، فكتب عليه السلام إلى محمد بن جعفر: اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه. (4)

الرابع عشر: إخبار شيعة الأئمة وأوليائهم بالإضمار من الناس

اشارة

1-[ الصفار في بصائر الدرجات]، حدثنا محمد بن عيسى، عن سليمان الجعفري قال: کنت عند أبي الحسن علیه السلام قال: يا سلیمان، اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. فسكت عليه السلام حتى أصبت خلوة. فقلت: جعلت فداك، سمعتك تقول: اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.

ص: 580


1- في المصدر :(بأن حموي قد مات.) قال في لسان العرب: (حمو الرجل:أبو امرأته أو أخوها أو عمها).أقول: على هذا المعنى تكون الزوجة هي الوريثة وتصرفه بالمال هو بإذن منها أو أنها وهبته إياه .
2- الخرائج والجرائح: 2/ 699 - 702، عنه البحار: 291/51ح 11، مع التفاوت اليسير.
3- الإرشاد:361/2 - 362، وأورده في الكافي: 521/1ح14 ، تقریب المعارف للحلبي: 195،الصراط المستقیم: 2/ 247ح8، کشف الغمة: 2/ 453 - 454.
4- الخرائج والجرائح: 1/ 472، عنه البحار:294/51ح4، وأورده في الكافي: 1/ 524 ح 28 عن علي بن محمد، عن محمد بن هارون بتفاوت يسير، عنه إعلام الوری: 449، الإرشاد: 2/ 36، تقریب المعارف لأبي الصلاح الحلبي: 196 - 167، الصراط المستقیم: 2/ 248ح13، کشف الغمة:456/2.

قال علیه السلام : نعم يا سلیمان، إن الله خلق المؤمنين [المؤمن] من نوره (1)و صبغهم في رحمته و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية، و المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمه، أبوه النور و أمه الرحمة، و إنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه.(2)

أقول: قال المجلسي قدس سره في بيانه: الفراسة الكاملة لکمل المؤمنين وهم الأئمة علیهم السلام، فإنهم يعرفون كلا من المؤمنين والمنافقين بسيماهم - کما مر في كتاب الإمامة - وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم.

2 - [الصدوق في إكمال الدين وعلل الشرائع]، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدس الله روحه - مع جماعة فيهم: علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل، فقال له: أريد أن أسألك عن شيء. فقال اله: سل عما بدا لك.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي علیهما السلام ، أهو ولي الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قاتله، أهو عدو الله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم - قدس الله روحه -: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله عز و جل لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عز و جل بعث إليهم رسولا من أجناسهم و أصنافهم، بشراً مثلهم، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم، فلما جاءوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه. فجعل الله عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار، فغرق جميع من طغی و تمرد، و منهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً و سلاماً، و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجرى في ضرعها لبناً، و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون،

ص: 581


1- قال المجلسي قدس سره- بيان : (خلقهم من نوره) أي: من روح طيبة منورة بنور الله، أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أثمتهم علیهم السلام. (وصبغهم) أي: غمسهم أو لونهم (في رحمته) كناية عن جعلهم قابلة لرحماته الخاصة، أو عن تعلق الروح الطيبة التي هي محل الرحمة. (أبوه النور وأمه الرحمة) كأنه على الإستعارة، أي لشدة ارتباطه بأنوار الله ورحماته كان أباه النور وأنه الرحمة، أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح، أو بالعكس. انتهى كلامه رفع مقامه.
2- بصائر الدرجات: 79ح1ولاحظ ح 2، عنه البحار: 64/ 73ح1 ولاحظ أيضا الحديث الذي يليه.

و جعل له العصا اليابسة ثعبانا ف«تَلقَفُ مَایَافِکُونَ»(1)، و منهم من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيي الموتى بإذن الله عز وجل، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، و منهم من انشق له القمر و کلمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك، فلما أتوا بمثل هذه المعجزات و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله عز و جل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين و في أخرى مغلوبين، و في حال قاهرين و في حال مقهورين، و لو جعلهم عز و جل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، و لما عرف فضل صبرهم على البلاء و المحن و الاختبار، و لكنه عز و جل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوي صابرین، و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاکرین، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين، و ليعلم العباد أن لهم علیهم السلام إلها هو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله، و تكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم و ادعى لهم الربوبية أو عاند و خالف و عصی و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ»(2).

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق: فعد إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح - قدس الله روحه - من الغد، و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم، لأن أخر من السماء فتخطفني (3)الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي و من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل و مسموع عن الحجة صلوات الله عليه. (4)

ص: 582


1- الأعراف: 117، والشعراء: 45.
2- الأنفال: 42.
3- قال المجلسي قدس سره: بیان (فتخطفني) أي تأخذني بسرعة و (السحيق) البعيد.
4- علل الشرائع:241/1ح 1، کمال الدین: 2/ 507 ح3، الإحتجاج: 2/ 471، عنهم البحار:273/44 ح 1، وأورده الشيخ في الغيبة: 323.
فائدة: في إمكان معرفة ما في نفوس الآخرين فيما يرتبط بالحب والبغض والمنزلة

1-[ البرقي في المحاسن]، عن صالح بن الحكم قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يقول: (إني أودك)، فكيف أعلم أنه يودني؟ قال عليه السلام : امتحن قلبك، فإن كنت توده فإنه يودك .(1)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن مسعدة بن اليسع قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: إني و الله أحبك. فأطرق علیه السلام ثم رفع رأسه فقال: صدقت يا أبا بشر، سل قلبك عما لك في قلبي من حبك فقد أعلمني قلبي عما لي في قلبك.(2)

3-[ الديلمي في أعلام الدین] ، عن أبي الحسن الثالث علیه السلام قال للمتوكل - جواب کلام دار بينهما -: لا تطلب الصفاء من كدرت عليه ولا الوفاء لمن غدرت به و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه، فإنما قلب غيرك لك كقلبك له.(3)

4 - [الإربلي في كشف الغمة]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: اعرف المودة في قلب أخيك بما

له في قلبك.(4)

5 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن علیه السلام: لا

تنسني من الدعاء. قال علیه السلام : أوتعلم أني أنساك؟ قال: فتفكرت في نفسي و قلت: هو علیه السلام يدعو لشيعته و أنا من شیعته. قلت: لا لا تنساني. قال علیه السلام : و كيف علمت ذلك؟ قلت: إني من شيعتك و إنك لتدعو لهم. فقال علیه السلام : هل علمت بشيء غير هذا؟ قال: قلت: لا. قال علیه السلام : إذا أردت أن تعلم ما لك عندي فانظر إلى ما لي عندك .(5)

6 - [البرقي في المحاسن]، عن بعض أصحابنا، عن عبيد الله بن إسحاق المدائني قال:

ص: 583


1- المحاسن:266/1 -267ح350، عنه البحار: 182/71ح4، وأورده في الكافي: 2/ 652ح 2 (نحوه)، وأورده في مشكاة الأنوار: 122.
2- الكافي: 2/ 652 ح3.
3- أعلام الدين: 312، عنه البحار: 370/75ضمن ح4، وأورده في البحار: 71/ 181 ضمن ح 28 عن أمالي الشيخ، وأورده في:182/71 ح8 عن الدرة الباهرة، و إرشاد القلوب: 1/ 135، وفيه بدل: (الصفاء) : الصفو، ولا يوجد قوله علیه السلام : (ولا الوفاء لمن غدرت به) في غير أعلام الدين.
4- کشف الغمة: 2/ 119، عنه البحار:291/46ضمن ح 15، تحف العقول: 295، عنه البحار:174/75 ضمن ح5.
5- الكافي: 2/ 652 ح4.

قلت لأبي الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام : إن الرجل من عرض الناس يلقاني فيحلف بالله أنه يحبني فأحلف بالله إنه لصادق. قال عليه السلام: امتحن قلبك، فإن كنت تحبه فاحلف و إلا فلا.(1)

تتميم: قدرة الإمام علیه السلام على صرف الوساوس وأحاديث النفس

1- [ ابن فهد الحلي في عدة الداعي]، مرسلا: قال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين علیه السلام نحو بابل لا ثالث لنا، فمضى علیه السلام و أنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثماً في الطريق و لبوته خلفه و أشبال لبوته خلفها. فكبحت دابتي لأتأخر، فقال عليه السلام : أقدم یا جويرية، فإنما هو كلب الله، و ما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها إلا هو. و إذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجهه . ثم أنطقه الله عز و جل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و وصی خاتم النبيين. قال عليه السلام : وعليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟

قال: أقول: (سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة و المخافة في قلوب عباده مني، سبحانه سبحانه). فمضى أمير المؤمنين علیه السلام و أنا معه، و استمرت بنا السبخة ووافت العصر، فأهوى فوتها، ثم قلت في نفسي مستخفياً: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين علیه السلام و قد رأيت من أمر الأسد: ما رأيت؟! فمضى علیه السلام و أنا معه حتى قطع السبخة، فثنى رجله و نزل عن دابته، و توجه علیه السلام فأذن مثنی مثنی و أقام مثنی مثنى، ثم همس بشفتيه و أشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، و إذا لها صرير عند سيرها في السماء، فصلی علیه السلام بنا العصر. فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت فأذن علیه السلام و أقام و صلى المغرب ثم ركب و أقبل على فقال: يا جويرية أقلت هذا ساحر مفتر؟ و قلت ما [لما] رأيت طلوع الشمس و غروبها: أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك ما رأيت من أمر الأسد و ما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز و جل يقول:«وَ

ص: 584


1- المحاسن: 1/ 267 ح 351، عنه البحار:182/71ح5.

لِلَّهِ الأسمَاءُ الُحسنَى فَادعُوهُ بِهَا »؟(1) یا جويرية، إن رسول الله صلی الله علیه وآله كان يوحى إليه، و كان رأسه صلی الله علیه وآله في حجري، فغربت الشمس و لم أكن صليت العصر، فقال صلی الله علیه وآله لي: صليت العصر؟ قلت: لا. قال: اللهم إن عليا في طاعتك و حاجة نبيك و دعا بالاسم الأعظم فردت إلى الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني صلی الله علیه وآله بأبي هو و أمي ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الآن به. یا جويرية،إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فإني قد دعوت الله عز و جل بنسخ ذلك من قلبك، فما ذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي ذلك من قلبي.(2)

ص: 585


1- الأعراف: 180.
2- عدة الداعي: 97، عنه البحار: 80/ 324 ح25.

ص: 586

الفصل الرابع عشر : حديث النفس من الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم

اشارة

ص: 587

ص: 588

الباب 1: حديث النفس من النبي الأعظم صلی الله علیه وآله

1 -[ الراوندي في الدعوات] قال الصادق علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز يذكركم الآخرة، و كان النبي صلی الله علیه وآله إذا تبع جنازة غلبته كآبة وأكثر حديث النفس وأقل الكلام.(1)

2 -[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر علیه السلام قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: فرض الله عز و جل على العباد خمساً، أخذوا أربعاً و تركوا واحداً. قلت: أتسميهن لي جعلت فداك.

فقال علیه السلام : الصلاة، و كان الناس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرئیل علیه السلام فقال: يا محمد، أخبرهم بمواقيت صلاتهم. ثم نزلت الزكاة، فقال: يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم. ثم تزل الصوم، فكان رسول الله صلی الله علیه وآله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان و شوال. ثم نزل الحج، فنزل جبرئيل علیه السلام فقال: أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم. ثم نزلت الولاية، و إنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله عز و جل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»(2) و كان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليهما السلام ، فقال عند ذلك رسول الله صلی الله علیه وآله : أمتي حديثو عهد بالجاهلية، و متی أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل و يقول قائل، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني، فأتني عزيمة (3)من الله عز و جل بتلة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني(4) فنزلت:«يَا

ص: 589


1- الدعوات: 259 ح 736، عنه البحار: 266/78ح 24.
2- المائدة: 3.
3- في إعلام الوری هكذا: (فنزل عليه صلی الله علیه وآله أنها عزيمة لا رخصة فيها). إعلام الوری: 132.
4- قال الطريحي: التبتل: الإنقطاع إلى الله تعالى وإخلاص النية، وأصل ذلك من البتل وهو القطع كأنه قطع نفسه عن الدنيا .. ومنه حديث رسول الله صلی الله علیه وآله في خبر النص: فأتتني عزيمة من الله تعالى بتلة او عدنی ان لم ابلغ ان یعذبنی .(مجمه البحرین ، لغة:بَتَلَ)

أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(1)، فأخذ رسول الله بيد علي علیهما السلام فقال: أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا و قد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب، و أنا مسؤول و أنتم مسؤولون، فما ذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنك قد بلغت و نصحت و أديت ما عليك، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين. فقال صلی الله علیه وآله : اللهم اشهد - ثلاث مرات -، ثم قال صلی الله علیه وآله : يا معشر المسلمين، هذا وليكم من بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

قال أبو جعفر علیه السلام: كان و الله علي عليه السلام أمين الله على خلقه و غیبه و دينه الذي ارتضاه لنفسه.. الحديث.(2)

3 -[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]عن محمد بن القاسم المفسر، عن أحمد بن

الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام، عن موسی بن جعفر علیهما السلام قال: سأل الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن بعض أهل مجلسه، فقيل: عليل. فقصده علیه السلام عائداً وجلس عند رأسه فوجده دنفا، فقال علیه السلام له: أحسن ظنك بالله تعالى. فقال: أما ظني بالله فحسن ولكن غمي لبناتي ما أمرضني غير رفقي بهن، فقال الصادق علیه السلام : الذي ترجوه لتضعيف حسناتك و محو سيئاتك فارجه لصلاح حال بناتك. أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال: لما جاوزت سدرة المنتهى و بلغت قضبانها و أغصانها رأيت بعض ثمار قضبانها أثداؤه معلقة يقطر من بعضها اللبن و من بعضها العسل و من بعضها الدهن و من بعضها شبه دقيق السميد (3)و من بعضها الثياب و من بعضها كالنبق فيهوي ذلك كله نحو الأرض، فقلت في نفسي: أين مقر هذه الخارجات؟ فناداني ربي: يا محمد، هذه أنبتها من هذا المكان لأغذو منها بنات المؤمنين من أمتك و بنيهم، فقل لآباء البنات: لا تضيق صدوركم على بناتكم فإني كما خلقتهن أرزقهن. (4)

ص: 590


1- المائدة: 67.
2- الكافي: 290/1 ح6.
3- قال المجلسي قدس سره: (السميذ بالذال المعجمة والمهملة: الدقيق الأبيض). وقال في موضع آخر: (السميد بالمهملة والمعجمة والثاني أفصح: لباب البر وما بيض من الطعام).
4- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 3/2 -4 ح7، عنه البحار: 145/5ح 2، 352/18 - 352 ح63، 137/68 ح19 وعنه ایضاً الوسائل:365/21 ح27317

4 -[ الطبرسي في مجمع البيان]، في قوله تعالى: «وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ»(1) قال الطبرسي رحمة الله : في سبب نزوله أقوال: أحدها: أن قريشا قالت للنبي صلی الله علیه وآله : لاندعك تستلم الحجر حتى تلم بآلهتنا. فحدث نفسه و قال: ما علي في أن ألم بها و الله يعلم أني لها لكاره و يدعونني أستلم الحجر، فنزلت. عن ابن جبير..الخ.(2)

5 - [البرقي في المحاسن]، بعض أصحابنا، رفعه قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل [و إقامة العاقل أفضل منشخوص الجاهل](3)، و لا بعث الله رسولا ولا نبيا حتى يستكمل العقل و يكون عقله أفضل من عقول جميع أمته، و مايضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، و ما أدى العاقل(4) فرائض الله حتى عقل عنه، و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، إن العقلاء هم أولو الألباب الذين قال الله عز وجل:«اِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولُوا الألبَابِ»(5).

أقول: قال المجلسي قدس سره في بيانه: (وما يضمر النبي في نفسه) أي: من النيات الصحيحة

والتفكرات الكاملة والعقائد اليقينية.(6)

6-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (في تشريع الصلاة والأذان والإقامة) - إلى أن قال:- فلما فرغ صلی الله علیه وآله من التكبير و الافتتاح، أوحى الله إليه: سم باسمي، فمن أجل ذلك جعل:

«بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ»في أول السورة. ثم أوحى الله إليه صلی الله علیه وآله أن أحمدني، فلما قال صلی الله علیه وآله : الحمد لله رب العالمين، قال النبي في نفسه: شکرا. فأوحى الله عز وجل إليه: قطعت حمدي فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد «الرّحمن الرِحيم» مرتين.

ص: 591


1- الإسراء: 73
2- مجمع البيان: 6/ 277، عنه البحار: 53/17 ، أقول: ذكرنا محل الشاهد فحسب.
3- ما بين المعقوفتين من الكافي بدل الفقرة التي قبلها
4- في الكافي بدل: (العاقل) : العبد .
5- المحاسن: 1/ 193 - 194ح 11، عنه البحار: 1/ 91 – 92 ح 22، وأورده في الكافي: 1/ 12 - 13 ح11 مع بعض التفاوت. والآية: الرعد: 19 والزمر:9.
6- البحار: 1/ 92 ذیل ح 22.

فلما بلغ:«وَ لَا الضَّالِّينَ»، قال النبي صلی الله علیه وآله : الحمد لله رب العالمين شكراً، فأوحى الله إليه: قطعت ذكري فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ»في أول السورة.. الحديث.(1)

7 -[ الشيخ في تهذیب الأحکام]، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن قوله تعالى:«وَ مَا جَعَلْنَا اَلْقِبْلَةَ اَلَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ من بتبع الرسول مِمَّن يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه» أمره به(2)، قال: نعم، إن رسول الله صلی الله علیه وآله كان يقلب وجهه في السماء، فعلم الله عز و جل ما في نفسه فقال:«قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا».(3)

8-[شاذان بن جبرائيل في الفضائل]، قال الواقدي:.. فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله سنتين و نظر إلى حليمة و قال لها: مالي لا أرى إخوتي بالنهار و أراهم بالليل؟ فقالت له: يا سيدي، سألتني عن إخوتك و هم يخرجون في النهار إلى الرعاء. فقال لها النبي صلی الله علیه وآله : يا أماه، أحب أن أخرج معهم إلى الرعاء و أنظر إلى البر و السهل و الجبل، و أنظر إلى الإبل كيف تشرب اللبن من أمهاتها، و أنظر إلى القطائع و إلى عجائب الله تعالى في أرضه، و أعتبر من ذلك و أعرف المنفعة من المضرة.

فقالت له صلی الله علیه وآله حليمة: أفتحب يا ولدي ذلك ؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم. فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلی الله علیه وآله و سرحت شعره و دهنته و مشطته و ألبسته ثيابا فاخرة و جعلت في رجليه نعلين من حذاء مكة و عمدت إلى سلة و جعلت فيها أطعمة جيدة و بعثته مع أولادها و قالت لهم: يا أولادي أوصيكم بسيدي محمد صلی الله علیه وآله أن تحفظوه و إذا جاع فأطعموه و إذا عطش فاسقوه، فإذاعي فأقعدوه حتى يستريح. فخرج النبي صلی الله علیه وآله و على يمينه عبد الله بن الحارث و عن يساره ضمرة، و قرة قدامه، و النبي صلی الله علیه وآله بينهم کالبدر بين النجوم، فما بقي حجر ولا مدر إلا وهم ينادون: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا حامد، السلام عليك يا محمود، السلام عليك يا

ص: 592


1- الكافي: 3/ 484 ح 1، وأورده في علل الشرائع: 2/ 314ح1بعدة طرق، عنه البحار:357/18ح66، 241/79 ح1.
2- تهذیب الأحکام: 43/2 ح5، عنه البحار: 199/19 - 200ح3، وعنه أيضا الوسائل:296/4ح5196.
3- قال المجلسي قدس سره: قوله: (أمره) لعل غرض السائل أن القبلة الأولى أيضا كانت مأموراً بها. قال علیه السلام: نعم، وشرع في بيان أمر آخر.

صاحب القول العدل، لا إله إلا الله محمد صلی الله علیه وآله رسول الله، طوبی لمن آمن بك، و الويل لمن کفر بك و رد عليك حرفاً تأتي به من عند ربك. و النبي صلی الله علیه وآله يرد عليهم السلام و قد تحير الذين معه مما يرون من العجائب.

ثم إن النبي صلی الله علیه وآله أصابه حر الشمس فأوحى الله تعالى إلى إستحيائيل أن مد فوق رأس محمد صلی الله علیه وآله سحابة بيضاء، فمدها فأرسلت عزاليها كأفواه القرب و رش القطر على السهل و الجبل و لم تقطر على رأس محمد صلی الله علیه وآله قطرة و سالت من ذلك المطر الأودية و صار الوحل في الأرض ما خلا طريق محمد صلی الله علیه وآله، و كان ينزل من تلك السحابة ريش الزعفران و سنابل المسك، و كان في تلك البرية نخلة يابسة عادية قد يبست أغصانها و تناثرت أوراقها منذ سنتين، فاستند النبي صلی الله علیه وآله إليها فأورقت و أرطبت و أثمرث و أرسلت ثمارها من ثلاثة أجناس أخضر و أحمر و أصفر، و قعد النبي صلی الله علیه وآله هنالك يكلم إخوته، و رأی النبي صلی الله علیه وآله روضة خضراء فقال: يا إخوتي أريد أن أمر بهذه الروضة و كان وراء الروضة تل کئود و عليه أنواع النباتات. فقال صلی الله علیه وآله: يا إخوتي ما ذلك التل؟ فقالوا له: يا محمد، وراء ذلك التل البراري و المفاوز.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: إني قد اشتهيت أن أنظر إليه. فقال القوم: نحن نمضي معك إليه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم و أنا أمضي وحدي و أرجع إليكم سريعاً إن شاء الله تعالى. فقالوا جميعا: مر يا محمد فإن قلوبنا متفكرة بسببك.

قال الواقدي: ثم إن النبي صلی الله علیه وآله مر في تلك الروضة وحده و نظر إلى تلك البراري و المفاوز و هو يعتبر و يتعجب من الروضة حتى بلغ التل و نظر إلى جبل شاهق في الهواء کالحائط و لا يتهيأ له صعوده لاعتداله و ارتفاعه في الهواء، فقال النبي صلی الله علیه وآله في نفسه: إني أريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما وراءه من العجائب. قال الواقدي: فأراد النبي صلی الله علیه وآله أن يصعد الجبل فلم يتهيأ له ذلك لاستوائه في الهواء فصاح إستحيائيل في الجبل صيحة أرعشته فاهتز اهتزازاً و قال له: أيها الجبل ويحك أطع محمداً صلی الله علیه وآله خير المرسلين فإنه يريد أن يصعد عليك. ففرح الجبل و تراکم بعضه إلى بعض کما یتراكم الجلد في النار فصعد النبي صلی الله علیه وآله أعلاه و كانتتحت هذا الجبل حيات كثيرة من ألوان شتی و عقارب كالبغال، فلما هم النبي صلی الله علیه وآله بالنزول إلى تحت الجبل صاح الملك إستحيائيل صيحة عظيمة وقال: أيتها الحيات و العقارب غيبوا أنفسكم في جحوركم و تحت صخوركم لا يراكم سيد

ص: 593

الأولين و الآخرين صلی الله علیه وآله ، فسارع الحيات والعقارب إلى ما أمرهم إستحيائيل وغيبوا أنفسهم في كل جحر وتحت كل حجر، ونزل النبي صلی الله علیه وآله من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل و ألين من الزبد فقعد النبي صلی الله علیه وآله عند العين فنزل جبرئیل علیه السلام في ذلك الموضع و میکائیل و إسرافيل و دردائیل، فقال جبرئيل: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا حامد، السلام عليك يا محمود.. الخبر.(1)

9-[علي بن إبراهيم القمي في تفسيره]، عن ابن مسكان، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما أسري برسول الله صلی الله علیه وآله إلى السماء وأوحى الله إليه في علي علیه السلام ما أوحى من شرفه وعظمه عند الله ورد إلى البيت المعمور وجمع له النبيين وصلوا خلفه عرض في نفسه من عظم ما أوحى إليه في علي عليه السلام ، فأنزل الله:«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ »(2) يعني الأنبياء علیهم السلام، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله علیه السلام ما أنزلنا في كتابك «لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (3)فقال الصادق علیه السلام: فوالله ماشك صلی الله علیه وآله ولا سأل.(4)

10 -[ المجلسي في البحار]، (في حديث سد الأبواب ونصب ميزاب للعباس بن عبد المطلب و قلعه من قبل عمر) فلما كان بعد أيام دخل عليه عمه العباس و قال: يا رسول الله، قد علمت ما بيني و بينك من القرابة و الرحم الماسة، و أنا ممن يدين الله بطاعتك، فاسأل الله تعالى أن يجعل لي بابا إلى المسجد أتشرف بها على من سواي. فقال له عليه و آله السلام: يا عم، ليس إلى ذلك سبيل. فقال: فميزاباً يكون من داري إلى المسجد أتشرف به على القريب و البعيد.

فسكت النبي صلى الله عليه و آله و كان كثير الحياء لا يدري ما يعيد من الجواب خوفا من الله تعالى و حياء من عمه العباس، فهبط جبرئیل علیه السلام في الحال على النبي صلى الله عليه و آله و قد علم الله سبحانه ما في نفسه صلی الله علیه وآله من ذلك، فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تجيب سؤال عمك، و أمرك أن تنصب له ميزاباً إلى المسجد كما أراد، فقد علمت ما في

ص: 594


1- الفضائل: 31، عنه البحار: 15/ 350 - 354 ح13، والحبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- يونس: 94.
3- يونس: 94 - 95.
4- تفسير القمي: 316/1 -317، عنه البحار: 17/ 82- 83 ح6، 36/ 94 ح 25، وعنه أيضا: تأويل الآيات الظاهرة: 226 -227.

نفسك و قد أجبتك إلى ذلك كرامة لك و نعمة مني عليك و على عمك العباس.

فكبر النبی صلی الله علیه وآله و قال: أبي الله إلا إكرامكم يا بني هاشم و تفضيلكم على الخلق أجمعين. ثم قام و معه جماعة من الصحابة و العباس بين يديه حتى صار على سطح العباس، فنصب له میزاباً إلى المسجد وقال: معاشر المسلمين، إن الله قد شرف عمي العباس بهذا الميزاب فلا تؤذوني في عمي، فإنه بقية الآباء والأجداد، فلعن الله من آذاني في عمي و بخسه حقه أو أعان عليه.. الخبر.(1)

الباب 2: حديث النفس من أهل بيت النبي علیهم السلام

اشارة

الإنسان:«إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»(10)

1-[ الصدوق في الأمالي] عن الحسن بن مهران، عن مسلمة بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام ، عن أبيه، قال في ذيل الآية: و الله ماقالوا علیهم السلام هذا لهم و لكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضهارهم، يقولون: لا نريد جزاء تکافوننابه «وَ لَا شُکُورَاً» تثنون علينا به، و لكن إنما أطعمناكم لوجه الله و طلب ثوابه، قال الله تعالى ذكره:«فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَومِ وَ لَقَّاهُم نَضرَةً »في الوجوه «وَ سُرُورَاً »في القلوب،«وَ جَزَاهُم بّمَا صَبَروا جَنَّةً» يسكنونها «وَ حَرِیرَاً»يفترشونه و يلبسونه.. الحديث.(2)

2- [المجلسي في البحار، من بعض الكتب]، ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة أمة فاطمة الزهراء علیها السلام ، في خبر طويل ذكرت فيه رثاء البتول لأبيها رسول الله صلی الله علیه وآله :

قل صبري و بان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عين يا عين اسكبي الدمع سحا *** ويک لا تبخلي بفيض الدماء(3)

ص: 595


1- البحار: 30/ 364، الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- أمالي الصدوق: 261 ح 11، عنه البحار: 35/ 240 ح 1، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة. وفي المصدر بدل : (تكافوننا) : تكلفوننا. ولاحظ فقرات منه في البحار: 226/67 ، 268/66 روضة الواعظین:163/1.
3- البحار: 43/ 177 ح15.

3-[ المجلسي في البحار، من بعض الكتب]، ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة في الخبر المذكور، مما رثی به أمير المؤمنين علیه السلام زوجته البتول علیه السلام :

فراقك أعظم الأشياء عندي *** وفقد فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة و أنوح شجواً *** على خل مضي أسنی سبیل

ألا يا عين جودي و أسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي(1)

4 - [ديوان الإمام علي علیه السلام]يحث نفسه على الصبر:

إني أقول لنفسي و هي ضيقة *** وقد أتاح عليها الدهر بالعجب

صبرا على شدة الأيام إن لها *** عقبی و ما الصبر إلا عند ذي الحسب

سيفتح الله عن قرب بنافعة *** فيها لمثلك راحات من التعب (2)

5 -[ديوان الإمام علي علیه السلام] ترغب في التهجد:

یا نفس قومي فقد قام الورى *** إن ينم الناس فذو العرش یری

وأنت يا عين دعي عني الكرى *** عند الصباح یحمد القوم السرى(3)

6 -[ ديوان الإمام علي علیه السلام] بحث نفسه علیه السلام على الصمت:

أدبت نفسي فما وجدت لها *** بغير تقوى الإله من أدب

في كل حالاتها و إن قصرت *** أفضل من صمتها عن الكذب

و غيبة الناس، إن غيبتهم *** حرمها ذو الجلال في الكتب

إن كان من فضة كلامک یا *** نفس، إن السكوت من ذهب(4)

ص: 596


1- البحار: 43/ 179 ح15.
2- ديوان الإمام علي علیه السلام:59.
3- ديوان الإمام علي علیه السلام : 488، البحار: 34/ 452، و (الكری) : النعس، و(السري) : السير بالليل.(عن البحار).
4- ديوان الإمام علي علیه السلام :69.

7-[ ديوان الإمام علي علیه السلام]، في مخالفة النفس وترك الشهوات واللذات:

أقول لعيني: احبسي اللحظات *** ولا تنظري يا عين بالسرقات

فكم نظرة قادت إلى القلب شهوة *** فأصبح منها القلب في حسرات(1)

8- [ديوان الإمام علي علیه السلام]، له صلوات الله عليه:

اشدد حيازيمك للموت *** فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت *** إذا حل بوادیکا

فإن الدرع و البيضة *** يوم الروع یکفیکا

كما أضحك الدهر ***کذاك الدهر يبكيكا

فقد أعرف أقواما *** وإن كانوا صعاليكا (2)

مساريع إلى النجدة *** للغي متاریکا(3)

9 -[ الكراجكي في كنز الفوائد]، عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: دخل ضرار بن ضمرةالكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما، فقال له: يا ضرار صف لي عليا علیه السلام. فقال: أوتعفینی من ذلك؟ قال: لا أعفوك .

قال: أما إذ لا بد فإنه علیه السلام كان و الله بعيد المدى (4)شديد القوى، يقول فصلا و يحكم

عدلا، يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة على لسانه(5)، يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته، كان علیه السلام و الله غزير الدمعة طويل الفكرة، يقلب كفه و

ص: 597


1- ديوان الإمام على علیه السلام: 120.
2- الصعلوك: الفقير الذي لا مال له (مجمع البحرین).
3- ديوان الإمام علي علیه السلام : 308.
4- قال المجلسي قدس سره: (المدى) : الغاية، وهو كناية عن علو همته علیه السلام في تحصيل الكمالات، أو عن رفعة محله علیه السلام في السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شيء من فضائله.
5- في العدة هكذا: (تنطق الحكمة من نواحيه)، وقال المجلس قدس سره في بيانه: (أي لكثرةوفورحکمه كأن الحكمة ناطقة في جوانبه فيستفاد منه الحكمة من غير أن ينطق علیه السلام بها، وفي بعض النسخ بالفاء أي : تتقاطر وتجري، ولعله أبلغ.)

کفه و مخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قطر و من الطعام ما جشب(1)، كان و الله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه، و كان مع دنوه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم، يعظم أهل الدين و يحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف عن عدله.. الخبر.(2)

10 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، من كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده إلى ابن عباس: أن النبي صلی الله علیه وآله أعطى عليا علیه السلام يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه، قال علي علیه السلام : فأخذتها و قلت: و الله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه وآله أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير.

فأصبح الناس بالغد يقولون: تصدق على علیه السلام الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غماً شديداً. فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار و خرجت من المسجد و قلت: و الله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدق علي عليه السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غما شديداً و قلت: و الله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها مني.

فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلی الله علیه وآله ثم خرجت من المسجد و معي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته إياها. فلما أصبحت قال أهل المدينة: تصدق علي عليه السلام البارحة بمائة دینار على رجل غني. فاغتممت غما شديداً، فأتيت رسول الله صلی الله علیه وآله فخبرته، فقال صلی الله علیه وآله لي: يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إن الله عز و جل قد قبل صدقاتك و زکی عملك، إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها و تابت إلى الله عز و جل من الفساد، و جعلت تلك الدنانير رأس مالها و هي في طلب بعل تتزوج به،

ص: 598


1- قال الخليل في العين: طعام جشب: لا إدام فيه، ورجل جشب المأكل..أي: لم يبال ما أكل من أدم، ويقال: الجشب ما لم ينخل من الطعام مثل الشعير وشبهه. وقال الطريحي في المجمع: في الحديث: كان رسول الله صلی الله علیه وآله يأكل الجشب.. الغليظ الخشن.. وكل بشع الطعام جشب.
2- کنز الفوائد: 2/ 160، عنه البحار: 33/ 274 - 275ح538، ولاحظ إرشاد القلوب:218/2، عنه البحار: 120/41 -121 ح28، عدة الداعی: 208 - 209، عنه البحار: 156/84 - 157 ح41، کشف الغمة: 77 - 78، کشف اليقين:116 -117، مع تفاوت في النسخ، أقول: تمام الخبر في الفصل 11، الباب 24، ح 2.

و إن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله و تاب إلى الله من سرقته و جعل الدنانير رأس ماله يتجر بها. و إن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين فرجع إلى منزله و وبخ نفسه و قال: شحا عليك يا نفس! هذا علي بن أبي طالب علیه السلام تصدق علي بمائة دينار ولا مال له، و أنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزکه! فحسب ماله و زكاه و أخرج زكاة ماله كذا و كذا دیناراً و أنزل الله فيك:«رِجَالٌ لَا تُلهِيهِم» الآية.(1)

11 - [الكفعمي في البلد الأمين]، عن مولانا العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام ( و ذكر مناجاة طويلة عنه علیه السلام قال ):..ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه يعاتبها و يقول: أيها المناجي ربه بأنواع الكلام، و الطالب منه مسكنا في دار السلام، و المسوف بالتوبة عاما بعد عام، ما أراك منصفاً لنفسك من بين الأنام، فلو دافعت نومك - يا غافلاً- بالقيام، و قطعت يومك بالصيام، و اقتصرت على القليل من لعق الطعام، و أحييت ليلك مجتهداً بالقيام كنت أحرى أن تنال أشرف المقام.

أيتها النفس، اخلطي ليلك و نهارك بالذاکرین، لعلک أن تسكني رياض الخلد مع المتقين، و تشبهي بنفوس قد أقرح السهر رقة جفونها و دامت في الخلوات شدة حنينها و أبكى المستمعين عولة أنينها و ألان قسوة الضمائر ضجة رنينها، فإنها نفوس قد باعت زينة الدنيا و آثرت الآخرة على الأولى، أولئك وفد الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون و يحشر إلى ربهم بالحسنى و الشرور المتقون. (2)

12 -[ابن شهر آشوب في المناقب]، أبو نعيم الفضل بن دكين، بإسناده عن حریث قال:..نظر علي علیه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ علیه السلام منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب عليهما السلام صاحبي إلى بعض الثغور فقتل وترك على صبيانا يتامى و ليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس.

فانصرف علیه السلام و بات ليلته قلقاً. فلما أصبح حمل زنبیلا فيه طعام فقال بعضهم: أعطني

ص: 599


1- مناقب آل أبي طالب: 2/ 74 – 75، عنه البحار: 41/ 28 - 29 ضمن ح 1، وأورده في المستدرك :267/7 ح8206 -16، والآية: النور: 37.
2- البلد الأمين: 318، عنه البحار: 91/ 109 ح14، الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة، وأورده في المصباح: 378، والمستدرك: 11/ 253 ح 31.

أحمله عنك. فقال علیه السلام: من يحمل وزري عني يوم القيامة؟ فأتی و قرع الباب، فقالت: من هذا؟ قال عليه السلام : أنا ذلك العبد الذي حمل معک القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان. فقالت: رضي الله عنك، و حكم بيني و بين علي بن أبي طالب. فدخل علیه السلام وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين، وبين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا.

فقالت: أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر، و لكن شأنك و الصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز. قال: فعمدت إلى الدقيق فعجنته و عمد علي علیه السلام إلى اللحم فطبخه، و جعل يلقم الصبيان من اللحم و التمر و غيره، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني، اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك.

فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله، اسجر التنور. فبادر علیه السلام لسجره، فلما أشعله و لفح في وجهه علیه السلام جعل يقول:ذق يا علي، هذا جزاء من ضيع الأرامل و اليتامی. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحک، هذا أمير المؤمنين! قال: فبادرت المرأة و هي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين. فقال علیه السلام: بل وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك.(1)

13 - [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن عكرمة قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه وآله لحقني من الجزع عليه صلی الله علیه وآله ما لم يلحقني قط ولم أملك نفسي، و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ماکان رسول الله صلی الله علیه وآله ليفر، و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل و حملت على القوم فأفرجوا عني و إذا أنا برسول الله صلی الله علیه وآله قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه صلی الله علیه وآله فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟

فقلت: كفروا یا رسول الله و ولوا الدبر من العدو و أسلموك. فنظر النبي صلی الله علیه وآله إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة. فحملت عليها أضربها بسيفي يمينا و شمالا حتى ولوا الأدبار فقال النبي صلی الله علیه وآله: أما تسمع يا علي مديحك في السماء؟ إن ملكا يقال له: رضوان، ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى الا علي. فبكيت سروراً و

ص: 600


1- المناقب: 2/ 116، عنه البحار: 52/41ضمن ح 3.

حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته.. الخبر.(1)

14 -[ السيد ابن طاووس في كشف المحجة]، عن محمد بن يعقوب في كتاب الرسائل، عن علي بن إبراهيم، بإسناده، قال: كتب أمير المؤمنين علیه السلام كتاباً بعد منصرفه من النهروان و أمر أن يقرأ على الناس، و ذلك أن الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان، فغضب عليه السلام و قال.. - إلى أن قال: - فوتي أبو بكر فقارب و اقتصد فصحبته مناصحاً، و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، حتى إذا احتضر، قلت في نفسي: ليس يعدل بهذا الأمر عني، و لو لا خاصة بينه و بين عمر و أمر كانا رضياه بينهما، لظننت أنه لا يعدله عني و قد سمع قول النبي صلی الله علیه وآله لبريدة الأسلمي حين بعثني و خالد بن الوليد إلى اليمن و قال: إذا افترقتما فكل واحد منکما على حياله، و إذا اجتمعتما فعلي عليكم جميعا.. الحديث .(2)

15 -[ إبراهيم الثقفي في الغارات] عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخل عمرو ابن الحمق و حجر بن عدی و حبة العرني و الحارث الأعور و عبد الله بن سبأ على أمير المؤمنين بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبي بكر و عمر؟ فقال لهم علي علیه السلام : هل فرغتم لهذا و هذه مصر قد افتتحت و شبعتي بها قد قتلت؟ أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم و أسألكم أن تحفظوا من حقي ماضیعتم فاقرأوه على شيعتي و كونوا على الحق أعوانا و هذه نسخة الكتاب: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين السلام علیکم - إلى أن قال عليه السلام- :فلما مضى صلی الله علیه وآله لسبیله تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلی الله علیه وآله عن أهل بيته، و لا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي و رأيت أني أحق بمقام محمد صلی الله علیه وآله و ملة محمد صلی الله علیه وآله في الناس بمن تولى الأمر بعده.

فلبثت بذلك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى تحق دين الله و ملة محمد صلی الله علیه وآله ، فخشيث إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما وهدماً

ص: 601


1- المناقب: 3/ 124، عنه البحار: 83/41 ضمن ح10، أورده في الإرشاد:86/1، عنه البحار: 20/ 85 ضمن ح 17، ولاحظ إرشاد القلوب: 2/ 242، إعلام الوری: 193، کشف الغمة: 194/1مع بعض التفاوت.
2- کشف المحجة لثمرة المهجة: 1/ 184، عنه البحار: 12/30ح1.

يكون المصيبة بهما على أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و کما ينقشع السحاب. فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة الله هي العليا و لو كره الكافرون فتولى أبو بكر تلك الأمور و سدد و یسر وقارب و اقتصد، فصحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، و ما طمعت أن لو حدث به حدث و أنا حي أن يرد إلى الأمر الذي بايعته فيه طمع مستیقن و لا يئست منه بأس من لا يرجوه، فلولا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا و أطعنا و ناصحنا و تولی عمر الأمر فكان مرضى السيرة ميمون النقيبة، حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدها عني [ليس بدافعها عني ](1)فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلی الله علیه وآله أحاج أبا بكر و أقول: يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منکم، أما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين بدین الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعاً واحداً فصرفوا الولاية إلى عثمان، و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي. ثم قالوا: هلم بایع و إلا جاهدناك فبايعت مستکرها و صبرت محتسبأ، فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص!

فقلت: إنهم أحرص مني و أبعد! أينا أحرص؟ أنا الذي طلبت تراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله صلی الله علیه وآله أولى به، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه؟ فبهتوا «وَ اللهُ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ»(2).

اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أصغوا إنائي و صغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه فاصبر كمداً أو مت أسفا و حنقاً، فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى و تجرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و آلم للقلب من

ص: 602


1- ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
2- البقرة: 258، آل عمران: 86، التوبة: 19، التوبة: 109، الصف: 7، الجمعة: 5.

حز الشفار.. الحديث.(1)

16 - [المجلسي في البحار من کتاب مسند فاطمة علیها السلام ]، بالإسناد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب علیهم السلام أنه قال: هممت بتزويج فاطمة علیها السلام حينا، و لم أجسر على أن أذكره لرسول الله صلی الله علیه وآله و كان ذلك يختلج في صدري ليلا ونهارا، حتی دخلت يوما على رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: يا علي. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال صلی الله علیه وآله: هل لك في التزويج؟ فقلت: الله و رسوله أعلم. فظننت أنه يريد أن يزوجني ببعض نساء قریش و قلبي خائف من فوت فاطمة علیها السلام . ففارقته صلی الله علیه وآله على هذا، فو الله ما شعرت حتی أتاني رسول رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: أجب يا علي و أسرع.

قال علیه السلام: فأسرعت المضي إليه صلی الله علیه وآله، فلما دخلت نظرت إليه صلی الله علیه وآله، فلما رأيته ما رأيته أشد فرحاً من ذلك اليوم وهو في حجرة أم سلمة، فلما أبصر بي تهلل و تبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه لها بريق. قال صلی الله علیه وآله : هلم يا علي، فإن الله قد كفاني ما أهمني فيك من أمر تزويجك. فقلت: و كيف ذلك يا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : أتاني جبرئیل و معه من قرنفل الجنة و سنبلها قطعتان فناولنيها فأخذته فشممته فسطع منها رائحة المسك، ثم أخذها مني فقلت: يا جبرئیل ما سبيلها؟ فقال: إن الله أمر سكان الجنة أن يزينوا لجنان كلها بمفارشها و نضودها و أنهارها و أشجارها و أمر ريح الجنة التي يقال لها المنيرة فهبت في الجنة بأنواع العطر و الطيب و أمر حور عينها يقرءوا فيها سورة طه و یس فرفعوا أصواتهن بها، ثم نادى مناد ألا إن اليوم يوم وليمة فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله و علي بن أبي طالب عليه السلام رضي مني بهما. ثم بعث الله تعالى سحابة بيضاء فمطرت على أهل الجنة من لؤلؤها و زبرجدها و یاقوتها و أمر خدام الجنة أن يلقطوها، و أمر ملكاً من الملائكة يقال له: (راحیل) فخطب راحيل بخطبة لم يسمع أهل السماء بمثلها، ثم نادى مناد: ملائكتي و سکان جنتي، برکوا على نكاح فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله و علي بن أبي طالب علیه السلام ، فإني زوجت أحب النساء إلى من أحب الرجال إلي بعد محمد صلی الله علیه وآله .

ثم قال صلی الله علیه وآله : يا علي، أبشر أبشر، فإني قد زوجتك بابنتي فاطمة علیها السلام على ما زوجك

ص: 603


1- الغارات:199/1 - 212، عنه البحار: 33/ 566 - 569، وراجع شرح النهج للمعتزلي :94/6 -100رواه عن إبراهيم، ولكن أوله هكذا: (خطب على علیه السلام بعد فتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر فقال: أما بعد..) وذكر نحوه.

الرحمن من فوق عرشه، فقد رضيت لها و لك ما رضي الله لكما، فدونك أهلك و کفی یا علي برضاي رضا فيك يا علي. فقال علیه السلام : يا رسول الله، أوبلغ من شأني أن أذكر في أهل الجنة و زوجني الله في ملائكته؟

فقال صلی الله علیه وآله: يا علي، إن الله إذا أحب عبدا أكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فقال علي علیه السلام : يا رب، أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي. فقال النبي صلی الله علیه وآله : آمين آمين.

و قال علي: لما أتيت رسول الله صلی الله علیه وآله خاطباً ابنته فاطمة عليها السلام قال: وما عندك تنقدني. قلت له: ليس عندي إلا بعيري و فرسي و درعي. قال صلی الله علیه وآله: أما فرسك فلا بذلك منه تقاتل عليه، و أما بعيرك فحامل أهلك، و أما درعك فقد زوجك الله بها. قال علي علیه السلام : فخرجت من عنده و الدرع على عاتقي الأيسر فدعيت إلى سوق الليل فبعتها بأربعمائة درهم سود هجرية، ثم أتيت بها إلى النبي صلی الله علیه وآله فصببتها بين يديه، فو الله ما سألني عن عددها و كان رسول الله صلی الله علیه وآله سوي الكف فدعا بلالا و ملأ قبضته فقال: يا بلال، ابتع بها طيباً لابنتي فاطمة علیها السلام. ثم دعا أم سلمة فقال: يا أم سلمة ابتاعي لابتي فراشة من حليس [مجلس] مصر و احشيه ليفاً و اتخذي لها مدرعة و عباية قطوانية و لا تتخذي لها أكثر من

ذلك فيكونا من المسرفين.

و صبرت أياما ما أذكر لرسول الله صلی الله علیه وآله شيئا من أمر ابنته علیها السلام حتى دخلت على أم سلمة فقالت لي: يا علي، لم لا تقول لرسول الله صلی الله علیه وآله يدخلك على أهلك. قال عليه السلام: قلت: أستحي منه أن أذكر له شيئا من هذا. فقالت أم سلمة: ادخل عليه فإنه سيعلم ما في نفسك. قال علي: فدخلت عليه صلی الله علیه وآله، ثم خرجت ثم دخل ثم خرجت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أحسبك أنك تشتهي الدخول على أهلك. قال علیه السلام: قلت: نعم فداك أبي و أمي یا رسول الله. فقال صلی الله علیه وآله: غدا إن شاء الله تعالى. (1)

17 -[ الطبرسي في الإحتجاج]، عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، عن آبائه علیهم السلام عن علي علیه السلام قال: كن أنا و رسول الله صلی الله علیه وآله في المسجد بعد أن صلى صلی الله علیه وآله الفجر، ثم نهض و نهضت معه و كان إذا أراد أن يتجه إلى موضع أعلمني بذلك فكان إذا أبطأ في الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنه لا يتقار قلبي على فراقه ساعة، فقال صلی الله علیه وآله لي: أنا متجه إلى

ص: 604


1- البحار: 87/101 -88 ح53، وأورده في دلائل الإمامة: 14 - 15.

بيت عائشة فمضى و مضيت إلى بيت فاطمة علیها السلام ، فلم أزل مع الحسن و الحسين و هي و أنا مسروران بها، ثم إني نهضت و صرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب فقالت لي عائشة : من هذا؟

فقلت لها: أنا علي، فقالت: إن النبي صلی الله علیه وآله راقد. فانصرفت، ثم قلت: النبي صلی الله علیه وآله راقد و عائشة في الدار ؟! فرجعت و طرقت الباب، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت : أنا علي فقالت: إن النبي على حاجة فانثنيت مستحيياً من دقي الباب و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبراً فرجعت مسرعاً فدققت الباب دقاً عنيفاً فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول لها: يا عائشة افتحي له الباب. ففتحت فدخلت فقال صلی الله علیه وآله لي: اقعد يا أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه أو تحدثني بإبطائك عني؟

فقلت: يا رسول الله حدثني فإن حديثك أحسن. فقال صلی الله علیه وآله : يا أبا الحسن، کنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلما دخلت بيت عائشة و أطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به مددت يدي و سأل الله القريب المجيب، فهبط علي حبيبي جبرئیل علیه السلام و معه هذا الطير - و وضع إصبعه على طائر بين يديه - فقال: إن الله عز و جل أوحي إلي أن آخذ هذا الطير و هو أطيب طعام في الجنة فأتيتك به يا محمد صلی الله علیه وآله. فحمدت الله كثيرا و عرج جبرئیل فرفعت يدي إلى السماء فقلت: (اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني يأكل معي هذا الطائر)، فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب،فرفعت يدي ثم قلت: اللهم يسر عبدا يحبك و يحبني و تحبه و أحبه يأكل معي هذا الطائر، فسمعت طرقك للباب و ارتفاع صوتك فقلت لعائشة: أدخلي عليا فدخلت فلم أزل حامداً لله حتى بلغت إلي إذ كنت تحب الله و تحبني و يحبك الله و أحبك، فكل يا علي. فلما أكلت أنا و النبي صلی الله علیه وآله الطائر قال لي: يا علي، حدثني. فقلت يا رسول الله : لم أزل منذ فارقتك أنا و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام مسرورين جميعا ثم نهضت أريدك، فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي. فقالت: إن النبی صلی الله علیه وآله راقد، فانصرفت، فلما صرت إلى الطريق الذي سلكته رجعت فقلت: النبي راقد و عائشة في الدار! لا يكون هذا. فجئت فطرقت الباب فقالت لي: من هذا؟ فقلت: أنا علي. فقالت: إن النبي على حاجة، فانصرفت مستحيياً. فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبرا و قلت: النبي على حاجة و عائشة في الدار! فرجع فدققت الباب الدق الذي سمعته یا

ص: 605

رسول الله فسمعتك يا رسول الله أنت تقول لها: أدخلي عليا.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : أبيت إلا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء! ما حملك على هذا؟ فقالت: یا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطير. فقال لها: ما هو بأول ضغن بينك و بين علي علیه السلام و قد وقفت على ما في قلبك لعلي، إنک لتقاتلينه. فقالت: يا رسول الله و تكون النساء يقاتلن الرجال؟

فقال صلی الله علیه وآله لها: يا عائشة، إنك لتقاتلين عليا علیه السلام ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أصحابي فيحملونك عليه وليكونن في قتالك له أمر تتحدث به الأولون والآخرون وعلامة ذلك أنك تركبين الشيطان ثم تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرجوع فيشهد عندك قسامة أربعين رجلا ما هي كلاب الحوأب فتصيرين إلى بلد أهله أنصارك، هو أبعد بلاد على الأرض إلى السماء وأقربها إلى الماء و لترجعين و أنت صاغرة غير بالغة إلى ما تريدين و يكون هذا الذي يردك مع من يثق به من أصحابه إنه لك خير منك له ولينذرنك ما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة وكل من فرق علي بيني وبينه بعد وفاتي ففراقه جائز.

فقالت: يا رسول الله، ليتني مت قبل أن يكون ماتعدني. فقال صلی الله علیه وآله لها: هيهات هیهات، و الذي نفسي بيده ليكونن ما قلت حتى كأني أراه. ثم قال صلی الله علیه وآله لي: قم يا علي فقد وجبت صلاة الظهر حتى آمر بلالاً بالأذان، فأذن بلال و أقام الصلاة و صلی صلی الله علیه وآله و صليت معه ولم نزل في المسجد.(1)

18 -[ الكفعمي في البلد الأمين]، عن الزهري قال: سمعت مولانا زین العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يحاسب نفسه ويناجي ربه وهو يقول: يا نفس، حتام (حتی م) إلى الحياة سکونک و إلى الدنيا و عمارتها رکونک؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافک و من وارته الأرض من ألافک و من فجعت به من إخوانك و نقلت إلى دار البلى من أقرانك.(2)

19 - [الصدوق في معاني الأخبار]، عن أبي محمد العسكري علیه السلام، عن آبائه عليهم السلام ، عن

ص: 606


1- الاحتجاج: 197/1، عنه البحار 348/38-350 ح1.
2- البلد الأمين: 320، عنه البحار: 46/ 82 ح76، وعنه أيضا المستدرك:254/11ح 12915 - 4 وأورده في المناقب: 152/4.

الصادق علیه السلام في قوله عز و جل:«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»(1)- إلى أن قال علیه السلام:- فإن من اتبع هواه و أعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه و تصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله، فرأيته قد أحدق به خلق كثير من غثاء العامة فوقفت منتبذاً عنهم متغشیاً بلثام أنظر إليه و إليهم، فما زال يراوغهم(2) حتى خالف طريقهم و فارقهم و لم يقر، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم و تبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقةً، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي: لعله معاملة. ثم مر بعده بصاحب رمان، فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي: لعله معاملة، ثم أقول: و ما حاجته إذا إلى المسارقة؟

ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمریض فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه و مضى، و تبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء، فقلت له: يا عبد الله، لقد سمعت بك و أحببت لقاءك فلقيتك، و لكني رأيت منك ما شغل قلبي، و إني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي. قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين ثم بصاحب الزمان و سرقت منه رمانتين. قال: فقال لي: قبل كل شيء حدثني من أنت؟ قلت: رجل من ولد آدم علیه السلام من أمة محمد صلی الله علیه وآله .

قال: حدثني من أنت؟ قلت: رجل من أهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله. قال: أين بلدك ؟ قلت: المدينة. قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام؟ قلت: بلى. فقال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم جدك و أبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد و یمدح عليه فاعله.

قلت: و ما هو؟ قال: القرآن كتاب الله. قلت: وما الذي جهلت منه؟ قال: قول الله عز و جل:«مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا»(3)و إني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين و لما سرت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بها أربعين حسنة، فانتقص من أربعين

ص: 607


1- الفاتحة: 6.
2- قال الفيروزآبادي:راغ الرجل: مال وحاد عن الشيء، وروغان الثعلب مشهور بين العجم والعرب. (عن البحار)
3- الأنعام: 160.

حسنة أربع بأربع سيئات، بقي لي ست و ثلاثون حسنة.

قلت: ثكلتك أمك، أنت الجاهل بكتاب الله، أما سمعت أنه عز و جل يقول:«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(1)؟ إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين، و لما سرقت رمانتين كانت أيضا سيئتين، و لما دفعتهما إلى غير صاحبيهما بغير أمر صاحبيهما كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سیئات و لم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات. فجعل يلاحظني فانصرفت و تركته.. الحديث.(2)

20 -[ الشيخ في تهذيب الأحكام ]عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل، فسألني أحدهما عن الذبيحة - يعني ذبيحة أهل الذمة - فقلت في نفسي: و الله لا برد لكما على ظهري، لا تأكل.

قال محمد: فسألته علیه السلام أنا عن ذبيحة اليهودي و النصراني، فقال عليه السلام: لا تأكل منه.(3)

ص: 608


1- المائدة: 27.
2- معاني الأخبار: 32ح4، عنه الوسائل:466/9 - 467 ح12513، تفسير الإمام العسكري علیه السلام : 44 -46، الإحتجاج: 368/2 -369، عنه البحار: 7/ 238 - 239، مجموعة ورام: 2/ 96 – 98.
3- تهذیب الأحکام:67/9ح 21، وأورده المفيد مع الإختلاف في رسالة الذبائح: 27، عنه وعن الطرابلسيات البحار:18/63ح8، وفي الإستبصار ليس فيه عبارة: (فقلت في نفسي..) لاحظ:84/4ح20، أقول: قال المجلسي قدس سره في بيانه: (هذا الخبر مروي في التهذيب عن الحسين بن سعيد بهذا السند و ليس فيه : (يعني ذبيحة أهل الذمة) و هو المراد و كأنه من كلام المفيد و السيد رحمهما الله و فيه : (لأبرد [لا برد] لكما على ظهري) و في بعض النسخ : (عن ظهري) وهو من معضلات الأخبار ويمكن أن يوجه بوجوه : الأول - و هو أظهرها - : أن يكون المعنى على نسخة المفيد: (لا أثبت لكما على ظهري وزراً) بأن أجيبكما موافقا لما سمعتم من فقهاء العامة لعدم الحاجة إلى التقية، فالخطاب بقوله : (لا تأكل) لأحدهما و هو السائل، و على نسخة التهذيب أيضا يستقيم ذلك بأن يقرأ على صيغة الماضي بأن يكون بمعنى المضارع، أو يكون المعنى : ماثبت لكما على حق التقية حتى أجيبكما بها يوافق رأيكما. قال في النهاية : (برد على فلان حق أي : ثبت) انتهى. و يؤيده مارواه في أوائل روضة الكافي أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى رجل من أصحابه ذهب إلى معاوية : فإنما أنت جامع لأحد رجلين، إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت و إما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بها جمعت له فليس من هذين أحد أهل [بأهل] أن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك. الثاني: أنيكون (برد) بهذا المعنى أيضا و يكون المعنى : ما ثبت لكما على ظهري حق الجواب بقولي لا تأكل فيكون لا تأكل فاعلا لقوله برد بتأويل أو المعنى أنه لما كان المقام موضع تقية لا يلزمني جوابكما فيكون لا تأكل خطابا لمحمد أو لأحدهما تبرعاً بناء على أنهم مختارون في بعض الموارد في البيان و عدمه کما مرت الأخبار الكثيرة في تأويل قوله سبحانه هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب فيكون سؤال محمد ثانياً لمزيد الاطمئنان تأكيداً مع أنه على ما في التهذيب يحتمل أن يكون السؤال أولاً عن ذبائح النصاب و المخالفين و يمكن توجيه نسخة المفيد على بعض الوجوه بتكلف كما لا يخفی على المتأمل. الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل على نسخة التهذيب حيث قرأ لأبرد من الإبراد بمعنى التهني و إزالة التعب يعني لأتحمل لكما على ظهري المشقة و أرفعها عنكما فأفتيكما بمر الحق مأخوذ من قولهم عيش بارد أي هنيء و في النهاية: و في الحديث الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة أي لا تعب فيه و لا مشقة و كل محبوب عندهم بارد. الرابع : أن تكون على ما في التهذيب لا نافية للجنس و البرد بضم الباء اسما للثوب المخصوص أي لا برد ولا رداء منکما على عاتقي و على ظهري حتى يلزمني أن أقول ما يوافق رأيكما فيكون كلاماً جارياً على المتعارف بين الناس أي إني لست من العلماء الذين يأخذون البرود و الأموال من الناس ليفتوهم على ما يوافق شهواتهم. الخامس : أن يقرأ لا يرد بالياء المثناة التحتانية و تشديد الدال کما قرابه المحدث الأسترآبادي على نسخة عن و قال كان المراد لا يرد لكما عن ظهري قول لا تأكل يعني لا تعملان بقولي فإن المراد بأهل الجبل الأكراد انتهى و يمكن أن يقرأ حينئذ بتخفيف الدال من ورد يرد أي لا يرد لكما على ظهري وزر بقول خلاف الحق من غير ضرورة و تقية. و يمكن أن يوجه بوجوه أخر أبعد مما ذكرنا لا طائل في ذكرها و الله يعلم مرادهم علیه السلام.) انتهى كلامه رفع مقامه.

21 - [محمد بن يعقوب في الكافي ,علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل ليلا فقال: أصلحك الله، امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء. فقال علیه السلام: لقد سئلت[ سألت ]عن هذه المسألة اليوم. فقال: أصلحك الله أنا زوجها وقد أحببت أن أسمع ذلك منك. فأطرق علیه السلام كأنه يناجي نفسه و هو يقول: لا يقيم عليها جمالها و لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها، تمضي و قد تم حجها.(1)

22 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن الوشاء، عن الرضا علیه السلام أنه قال بخراسان: إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبداً.(2)

تتميم الباب: أن أمير المؤمنين علیه السلام لم يحدث نفسه بما يؤذي فاطمة علیها السلام

ص: 609


1- الكافي: 4/ 450 ح5، الوسائل:409-13 -410 ح1807.
2- الخرائج والجرائح: 363/1، عنه البحار:52/49 ح 58، وأورده في عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 217 - 218ح28، عنه البحار: 117/49 ح3، إعلام الوری: 325، دلائل الإمامة: 176 بتفصيل وتتمة، کشف الغمة: 2/ 305، المناقب: 340/4.

1- [الصدوق في علل الشرائع]، عن عمرو بن أبي المقدام و زیاد بن عبد الله، قالا: أتی رجل أبا عبد الله عليه السلام، فقال له: يرحمك الله، هل تشيع الجنازة بنار، و يمشي معها بمجمرة و قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟

قال: فتغير لون أبي عبد الله علیه السلام من ذلك و استوى جالسا ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله ، فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل؟ فقالت: حقا ما تقول، فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات، فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها، و ذلك أن الله تبارك و تعالی کتب على النساء غيرة و كتب على الرجال جهاداً، و جعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله. قال: فاشتد غم فاطمة علیها السلام من ذلك و بقيت متفكرة هي حتى أمست و جاء الليل حملت الحسن علیه السلام على عاتقها الأيمن و الحسين علیه السلام على عاتقها الأيسر و أخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي عليه السلام فدخل في حجرته فلم ير فاطمة علیها السلام ، فاشتد لذلك غمه، و عظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحيا أن يدعوها من منزل أبيها، فخرج إلى المسجد فصلى فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئا من كثيب المسجد(1) و اتكأ عليه.

فلما رأى النبي صلی الله علیه وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه و دخل المسجد، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد و كلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة علیها السلام من الحزن و الغم، و ذلك أنه خرج من عندها و هي تتقلب و تتنفس الصعداء، فلما رآها النبي صلی الله علیه وآله أنها لا يهنؤها النوم و ليس لها قرار قال لها: قومي يابنية. فقامت فحمل النبي صلی الله علیه وآله الحسن علیه السلام ، و حملت فاطمة علیها السلام الحسين عليه السلام ، و أخذت بيد أم كلثوم، فانتهى إلى علي علیه السلام و هو نائم، فوضع النبي صلی الله علیه وآله رجله على رجل علي علیه السلام فغمزه و قال: قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره و عمر من مجلسه و طلحة.

فخرج علي علیه السلام في فاستخرجهما من منزلها و اجتمعوا عند رسول الله صلی الله علیه وآله . فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : يا علي، أما علمت أن فاطمة بضعة مني و أنا منها، فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، و من آذاها في حياتي كان

ص: 610


1- الكثيب: الرمل المستطيل المحدودب (مجمع البحرین). وفي لسان العرب:کثبت التراب فانکثب إذا نثرت بعضه فوق بعض.

كمن آذاها بعد موتي. قال فقال علي: بلى يا رسول الله. قال: فقال: فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شيء، ولا حدثت بها نفسي.

فقال النبي صلی الله علیه وآله: صدقت و صدقت. ففرحت فاطمة علیها السلام بذلك و تبسمت حتى رئي ثغرها. فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة! قال: ثم أخذ النبي صلی الله علیه وآله بيد علي عليه السلام فشبك أصابعه بأصابعه، فحمل النبي صلی الله علیه وآله الحسن، و حمل الحسين علي عليهما السلام ، و حملت فاطمة علیها السلام أم كلثوم، و أدخلهم النبي صلی الله علیه وآله بيتهم و وضع عليهم قطيفة و استودعهم الله، ثم خرج و صلى بقية الليل.

فلما مرضت فاطمة عليها السلام مرضها الذي ماتت فيه، أتياها عائدین و استأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما، فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة عليها السلام و يتراضاها فبات ليلة في الصقيع ما أظله شيء، ثم إن عمر أتى عليا علیه السلام فقال له: إن أبا بكر شیخ رقيق القلب و قد كان مع رسول الله صلی الله علیه وآله في الغار فله صحبة و قد أتيناها غير هذه المرة مراراً نريد الإذن عليها و هي تأبی أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فتراضي، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل. قال: نعم. فدخل علي على فاطمة علیهما السلام فقال: يا بنت رسول الله، قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيتي و قد ترددا مراراً كثيرة و رددتهما و لم تأذني لهما و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك.

فقالت: و الله لا آذن لهما و لا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقي أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه و ارتكباه مني. قال علي علیه السلام: فإني ضمنت لهما ذلك، قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك و النساء تتبع الرجال، لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت. فخرج على علیه السلام فأذن لهما، فلما وقع بصرهما على فاطمة علیهما لسلام سلما عليها فلم ترد عليهما و حولت وجهها عنهما، فتحولا و استقبلا وجهها حتى فعلت مراراً، و قالت: يا علي جاف الثوب، و قالت لنسوة حولها: حولن وجهي، فلما حولن وجهها حولا إليها.

فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله، إنما أتيناک ابتغاء مرضاتك و اجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا و تصفحي عما كان منا إليك. قالت: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقي أبي و أشكوكما إليه و أشكو صنعکما و فعالکما و ما ارتكبتما مني. قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري و اصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا.

ص: 611

فالتفتت إلى علي عليه السلام و قالت: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله صلی الله علیه وآله فإن صدقاني رأيت رأيي. قالا: اللهم ذلك لها و إنا لا نقول إلا حقا و لا نشهد الا صدقاً.

فقالت: أنشدکما بالله، أتذكران أن رسول الله صلی الله علیه وآله استخرجكما في جوف الليل بشيء كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم. فقالت: أنشدك بالله، هل سمعتما النبي صلی الله علیه وآله يقول: فاطمة بضعة مني و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي و من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟

قالا: اللهم نعم. فقالت: الحمد لله. ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا یا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي و عند موتي، و الله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقي ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما به و بي و ارتكبتما مني. فدعا أبو بكر بالويل و الثبور و قال: ليت أمي لم تلدني. فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها، و ما لمن أغضب امرأة. و قاما و خرجا.. الخبر.(1)

الباب 3: حديث النفس من سائر الأنبياء علیهم السلام

المائدة:«وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(116)

يوسف: «قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ»(77)

يوسف: «وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ»(84)

الذاريات:«إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ »(25)(2)

1- [محمد بن یعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط،

ص: 612


1- علل الشرائع: 1/ 185 ح 2، عنه البحار: 202/43 ح 31.
2- في البحار: «قَومٌ ُنکَرُونَ» أي : قال في نفسه : هؤلاء قوم لا نعرفهم ( 92/12 ).

عنهم علیهم السلام قال: فيما وعظ الله عز وجل به عیسی - إلى أن قال علیه السلام :- يا عيسى، حاسب نفسك بالرجوع إلى حتى تنجز ثواب ما عمله العاملون، أولئك يؤتون أجرهم و أنا خير المؤتين..الخبر.(1)

2-[ورام في مجموعته]، كان - عیسی بن مریم عليهما السلام- يقول: يا دار تخربين و تفنى

سکانک، و با نفس اعملي ترزقي، و يا جسد انصب تسترح.(2)

3 -[ الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الصادق علیه السلام قال: شکا آدم إلى الله عز وجل حديث النفس، فنزل عليه جبرئیل علیه السلام فقال: قل: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فقالها فذهب عنه. قال علیه السلام: فهذا أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله).(3)

4 -[البرقي في المحاسن]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن آدم علیه السلام شكا إلى ربه حديث النفس، فقال: أكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله).(4)

5 - [الصدوق في علل الشرائع]، عن ابن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد علیهما السلام انه

قال في حديث:

إن موسى لما كلمه الله تكليماً، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آیته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر و غرق الله عز و جل فرعون و جنوده عملت البشرية فيه، حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقاً أعلم مني .

فأوحى الله عز و جل إلى جبرئیل: يا جبرئیل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابداً فاتبعه، و تعلم منه. فهبط جبرئیل علیه السلام على موسی علیه السلام، بما أمره به ربه عز وجل، فعلم موسی علیه السلام أن ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر علیه السلام يتعبد الله عز و جل کما قال الله عز و جل: «فَوَجَدَا عَبدَاً مِن عَبَادِنا آتَينَاهُ رَجمَةً مِن عِندِنا وَعَلَّمنَاهُ مِن

ص: 613


1- الكافي: 8/ 136 ح 103، عنه البحار: 294/14 ضمن ح13، وأورده في أعلام الدين: 231، مجموعة ورام: 2/ 143.
2- مجموعة ورام: 2/ 220، البحار: 329/14 ح 61.
3- مکارم الأخلاق: 329، وأورده في مهج الدعوات: 303 من کتاب الدعاء لسعد بن عبد الله.
4- المحاسن: 41/1 ح52، عنه البحار: 189/90 ح20، وعنه أيضا الوسائل: 217/7ح 9154.

لَدُنَّا عِلمَا»(1)

6-[ ورام في مجموعته]، قيل: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: عظ نفسك، فإن اتعظت فيظ الناس، و إلا فاستحي مني.(2)

7- [ ابن فهد الحلتي في عدة الداعي]، عن بعض أصحابنا: أن الله سبحانه أوحي إلى موسی علیه السلام : إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه. فجعل موسى لا يعترض [يعرض] أحداً إلا و هو لا يجسر [يجترئ] أن يقول: إني خير منه.

فنزل عن الناس، و شرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: أصحب هذا، فجعل في عنقه حبلا. ثم مر [جر]به، فلما كان في بعض الطریق شمر الكلب من الحبل و أرسله، فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده.

فقال الله تعالى: و عزت و جلالي، لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة.(3)

8 -[ العياشي في تفسيره]، عن عبد الرحمن بن سبابة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن موسی علیه السلام صعد المنبر و كان منبره ثلاث مراق، فحدث نفسه: أن الله لم يخلق خلقاً أعلم منه، فأتاه جبرئيل فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك، فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زاداً و انطلق بنا - إلى أن قال علیه السلام : - فرجع موسي علیه السلام يقتص أثره، حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق، فقال له موسى: السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل. قال: ثم وثب فأخذ عصاه بيده، قال: فقال له موسى: إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً .. الخبر.(4)

9. [الصدوق في علل الشرائع]، عن صالح بن سعيد الترمذي، عن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه: أن إدريس علیه السلام كان رجلا طويلا ضخم البطن،

ص: 614


1- البحار: 286/13 ح4، و الآية وما بعدها من سورة الكهف: 65 - 82، أقول: تمام الحديث في باب (حديث النفس بالعزة والرفعة) في فصل: (حديث النفس بما لا ينبغي).
2- مجموعة ورام: 239/1 .
3- عدة الداعي: 218.
4- تفسير العياشي: 2/ 332 ح 47، عنه البحار: 306/13 ح 33 أقول: تمام الحديث في الفصل: 10، الباب 36، ح 5.

عريض الصدر، قليلا شعر الجسد، كثيراً شعر الرأس، و كانت إحدى أذنيه أعظم من الأخرى، و كان دقيق الصدر، دقيق المنطق، قریب الخطى إذا مشى، و إنما سمي (إدريس) لكثرة ما كان يدرس من حكم الله عز و جل و سنن الإسلام و هو بين أظهر قومه.

ثم إنه فكر في عظمة الله و جلاله، فقال: إن هذه السماوات و لهذه الأرضین و لهذا الخلق العظيم و الشمس و القمر و النجوم و السحاب و المطر و هذه الأشياء التي تكون لربا يدبرها و يصلحها بقدرته، فكيف لي بهذا الرب فأعبده حق عبادته؟

فجلا بطائفة من قومه فجعل يعظهم و يذكرهم و يخوفهم و يدعوهم إلى عبادة خالق هذه الأشياء، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد حتى صاروا سبعة، ثم سبعين، إلى أن صاروا سبعمائة. ثم بلغوا ألفا، فلما بلغوا ألفا قال لهم: تعالوا نختر من خيارنا مائة رجل. فاختاروا من خيارهم مائة رجل، و اختاروا من المائة سبعين رجلا، ثم اختاروا من السبعين عشرة، ثم اختاروا من العشرة سبعة، ثم قال لهم: تعالوا فليدع هؤلاء السبعة و ليؤمن بقيتنا، فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته. فوضعوا أيديهم على الأرض و دعوا طويلا، فلم يتبين لهم شيء، ثم رفعوا أيديهم إلى السماء فأوحى الله عز وجل إلى إدريس علیه السلام و نبأه و دله على عبادته و من آمن معه، فلم يزالوا يعبدون الله عز و جل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عز و جل إدريس إلى السماء و انقرض من تابعه على دينه إلا قليلا. ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك و أحدثوا الأحداث و أبدعوا البدع حتى كان زمان نوح علیه السلام .(1)

10 - [الصدوق في علل الشرائع]، بإسناد العمري إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن النبي صلی الله علیه وآله سئل: مما خلق الله عز و جل الجزر؟ فقال صلی الله علیه وآله : إن إبراهيم علیه السلام كان له يوما ضيف ولم يكن عنده مایمون ضيفه، فقال في نفسه: أقوم إلى سقفي فأستخرج من جذوعه فأبيعه من النجار فيعمل صنما، فلم يفعل، و خرج و معه إزار إلى موضع و صلی ركعتين فجاء ملك و أخذ من ذلك الرمل و الحجارة فقبضه في إزار إبراهيم علیه السلام و حمله إلى بيته کهيئة رجل فقال لأهل إبراهيم علیه السلام: هذا إزار إبراهيم فخذيه. ففتحوا الإزار فإذا الرمل قد صار ذرة، و إذا الحجارة الطوال قد صارت جزراً، و إذا الحجارة المدورة قد

ص: 615


1- علل الشرائع: 27/1 ح 1، عنه البحار: 11/ 270 ح 1، وأورده الجزائري أيضا في قصص الأنبياء عن العلل: 60.

صارت لفتاً.(1)

11 - [الصدوق في علل الشرائع]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن سارة قالت الإبراهيم علیه السلام: يا إبراهيم، قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولداً تقر أعيننا به فإن الله قد اتخذك خليلاً و هو مجيب لدعوتك إن شاء. قال عليه السلام : فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله عز و جل إليه: أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة لي. قال أبو عبد الله علیه السلام : فمکث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله عز وجل، و إن سارة قد قالت لإبراهيم: إنك قد كبرت و قرب أجلك فلو دعوت الله عز و جل أن ينسى في أجلك و أن يمد لك في العمر فتعيش معنا و تقر أعيننا.

قال عليه السلام : فسأل إبراهيم ربه ذلك، قال فأوحى الله عز و جل إليه: سل من زيادة العمر ما أحببت تعطه. قال علیه السلام: فأخبر إبراهيم سارة بذلك فقالت له: سل الله أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت.

قال عليه السلام : فسأل إبراهيم ربه ذلك، فأوحى الله عز و جل إليه: ذلك لك. قال: فأخبر إبراهيم سارة بما أوحى الله عز و جل إليه في ذلك. فقالت سارة لإبراهيم: اشكر لله و اعمل طعاما و ادع عليه الفقراء و أهل الحاجة. قال:ففعل ذلك إبراهيم و دعا إليه الناس، فكان فيمن أتى رجل كبير ضعیف مکفوف معه قائد له فأجلسه على مائدته، قال: فمد الأعمى يده فتناول لقمة و أقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا و شمالا من ضعفه، ثم أهوى بيده إلى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه، ثم تناول المكفوف لقمة فضرب بها عينه.

قال علیه السلام : و إبراهيم علیه السلام ينظر إلى المكفوف و إلى ما يصنع. قال: فتعجب إبراهيم من

ص: 616


1- علل الشرائع:574/2-575 ح3، عنه البحار: 12/ 77 ح4، وفي الخرائج: (كان إبراهيم على نبينا و عليه السلام مضيافا، فنزل عليه يوما قوم أضياف و لم يكن عنده شيء يطعمهم. فقال : إن أخذت خشب الدار و بعته من النجار فإنه لا بد أن ينحته وثنا أو صنما، فلم يفعل. فخرج في الطلب و معه إزار إلى موضع بعد أن أنزلهم في دار الضيافة و صلى ركعتين. فلما فرغ ولم يجد الإزار علم أن الله سبحانه قد هيأ أسبابه فلما دخل داره رأی سارة تطبخ شيئا، فقال لها : أني لک هذا؟ قالت : هذا الذي بعثته على يدي رجل، و كان الله سبحانه أمر جبرئيل أن يأخذ الرمل الذي كان في الموضع الذي صلى فيه إبراهيم علیه السلام و يجعله في إزاره و الحجرات الملقاة هناك أيضا، ففعل جبرئیل علیه السلام ذلك فجعل الله سبحانه الرمل جاورسا مقشرا و الحجارة المدورة سلجما و المستطيلة جزرا.) الخرائج و الجرائح: 2/ 929-928 ، عنه البحار: 11/12 ح 29، 219/63 ح4.

ذلك و سأل قائده عن ذلك فقال له القائد: هذا الذي تري من الضعف. فقال إبراهيم في نفسه: أليس إذا كبرت أصير مثل هذا؟ ثم إن إبراهيم عليه السلام سأل الله عز و جل حيث رأی من الشيخ ما رأى فقال: اللهم توفني في الأجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رأيت.(1)

12 -[ الدميري في حياة الحيوان الكبرى]، وفي كتاب الزاهر لأبي عبد الله القرطبي، أن داود علیه السلام قال: لأسبحن الله الليلة تسبيحاً ما سبحه به أحد من خلقه. فنادته ضفدعة من ساقية في داره: يا داود، تفتخر على الله بتسبيحك، وإن لي لسبعين سنة ما جف لساني من ذكر الله تعالى، و إن لي لعشر ليال ما طعم خضراً ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين.

فقال: ما هما؟ قالت: (يا مسبحا بكل لسان، و مذكورا بكل مكان) فقال داود في نفسه:و ما عسى أن أقول أبلغ من هذا؟(2)

13 - [حسين بن سعيد في كتاب الزهد]، النضر، عن محمد بن سنان، عن موسی ابن بکر، عن زرارة، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: قال داود النبي علیه السلام : لأعبدن الله اليوم عبادة، و لأقرأن قراءة لم أفعل مثلها قط. فدخل عليه السلام محرابه ففعل. فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب، فقال له يا داود: أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك و قراءتك؟

فقال: نعم. فقال: لا يعجبنك، فإني أسبح الله في كل ليلة ألف تسبيحة، يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، و إني لأكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فأحسبه جائعاً فأطفو له على الماء ليأكلني و مالي ذنب.(3)

14 -[ البرقي في المحاسن]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما خرج ملك القبط برید هدم بیت المقدس، اجتمع الناس إلى حزقيل النبي علیه السلام، فشكوا ذلك إليه، فقال: لعلي أناجي ربي الليلة.فلما جنه الليل ناجي ربه، فأوحى الله إليه: أني قد كفيتكهم، و كانوا قد مضوا(4)، فأوحى الله إلى ملك الهواء أن: أمسك عليهم أنفاسهم، فماتوا كلهم. فأصبح

ص: 617


1- علل الشرائع: 1/ 38 - 39 ح 2، عنه البحار: 79/12 - 80ح 9، وعنه أيضأ قصص الأنبياء للجزائري: 118 - 119.
2- حياة الحيوان، باب الضفدع، عنه البحار: 296/61.
3- كتاب الزهد: 64، عنه البحار: 16/14 ح28، 230/68-231 ح7، وأورده الجزائري في قصص الأنبياء: 341.
4- قال المجلسي قدس سره : (وكانوا قد مضوا)، أي: حزقيل وأصحابه خوفا من الملك، أو الملك وأصحابه بقدرة الله، فيكون موتهم بعد المضي في الطريق. وكون المضي بمعنى إتيانهم بيت المقدس بعيد. البحار: 185/63 ذیل ح 1.

حزقيل النبی صلی الله علیه وآله و أخبر قومه بذلك، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا. و دخل حزقيل النبي العجب، فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علي و قد أعطيت مثل هذا؟

قال عليه السلام: فخرجت قرحة على كبده فآذته، فخشع له و تذلل و قعد على الرماد، فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج. ففعل فسكن عنه ذلك.(1)

10 - [الدميري في حياة الحيوان الكبرى]، وفي کتاب الزاهر لأبي عبد الله القرطبي، أن داود عليه السلام قال: لأسبحن الله الليلة تسبيحاً ما سبحه به أحد من خلقه. فنادته ضفدعة من ساقية في داره: يا داود، تفتخر على الله بتسبيحك، وإن لي لسبعين سنة ما جفت لساني من ذكر الله تعالى، و إن لي لعشر ليال ما طعمت خضراً ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين.

فقال: ما هما؟ قالت: (يا مسبحاً بكل لسان، و مذكوراً بكل مكان )فقال داود في نفسه: و ما عسى أن أقول أبلغ من هذا؟.

وروى البيهقي في شعبه عن أنس بن مالك أنه قال: إن نبي الله داود عليه السلام ظن في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه بأفضل مما يمدحه به، فأنزل الله عليه ملكاً و هو قاعد في محرابه و البركة إلى جانبه، فقال: يا داود، افهم ما تصوت به الضفدعة. فأنصت إليها فإذا هي تقول: سبحانك و بحمدك منتهی علمك. فقال له الملك: كيف ترى؟ فقال: و الذي جعلني نبيا، إني لم أمدحه بهذا. (2)

16 -[ الشيخ في الأمالي]، محمد بن محمد بن النعمان، بالإسناد إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام، قال : أوحى الله إلى عيسى بن مريم عليهما السلام: یا عیسی، هب لي من عينيك الدموع، و من قلبك الخشوع، و اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون، و قم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، و قل : (إني لاحق في اللاحقين).(3)

ص: 618


1- المحاسن: 2/ 553 - 554 ح 902، عنه البحار: 13/ 383ح 5، 184/63-185 ح 1، وأورده الجزائري في قصص الأنبياء عن المحاسن: 314 - 315، وفي بعض النسخ بدل: (كفيتكهم) :(كفيتكم) وفي بعضها: (كفيتهم).
2- حياة الحيوان، باب الضفدع، عنه البحار:296/61.
3- الأمالي للطوسي: 12 المجلس الأول: ح 15، عنه البحار: 320/14 ح 23 ، وعنه أيضا مستدرك .الوسائل : 243/11 ح28-12874، ولاحظ عدة الداعي: 168، عنه البحار: 305/90 ضمن ح 1، وعنه أيضا الوسائل: 76/7 ح 8772، إرشاد القلوب: 95/1 ، قصص الأنبياء للراوندي: 272.

ص: 619

ص: 620

الفصل الخامس عشر : عصمة النبي والأئمة علیهم السلام من حديث النفس بما لا ينبغي

ص: 621

ص: 622

ا- [نصر بن مزاحم في وقعة صفين]، (في اعتذار عدي بن حاتم إلى أمير المؤمنين علیه السلام من فرار ولده زید) قال: ولما لحق زید بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدي بن حاتم و طعنوا في أمره، و كان عدي سيد الناس مع علي علیه السلام في نصيحته و غنائه، فقام إلى علي علیه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أما عصم الله رسوله صلی الله علیه وآله من حديث النفس و الوساوس و أماني الشيطان بالوحي، و ليس هذا لأحد بعد رسول الله صلی الله علیه وآله ، و قد أنزل في عائشة و أهل الإفك(1)، و النبي صلی الله علیه وآله خير منك، و عائشة يومئذ خير مني. و قد قربني زيد

ص: 623


1- إشارة إلى قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ» النور: 11، لكن أقول: قال القمي قدس سره في تفسيره: وأما قوله: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ » الآية، فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة وما رمیت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة والمنافقات. تفسير القمي: 2/ 99، عنه البحار: 316/20ح 1، 154/22-155 ح11. وفي البحار: 153/22 - 154ح8 عن تفسير القمي في سبب نزول الآية : أن عائشة قالت لرسول الله صلی الله علیه وآله : إن إبراهيم علیه السلام ليس هو منك و إنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم. فغضب رسول الله صلی الله علیه وآله و قال لأمير المؤمنين علیه السلام : خذ السيف و ائتني برأس جريح. فأخذ أمير المؤمنين علیه السلام السيف ثم قال : بأبي أنت و أمي یا رسول الله، إنك إذا بعثني في أمر أكون فيه كالسفود المحمي في الوبر، فكيف تأمرني أتثبت فيه أم أمضي على ذلك؟ فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله : بل تثبت. فجاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها، فلما نظر إليه جریح هرب منه وصعد النخلة، فدنا منه أمير المؤمنين علیه السلام فقال له : انزل. فقال له : يا علي، اتق الله ما هاهنا بأس إني مجبوب، ثم كشف عن عورته فإذا هو مجبوب. فأتی به إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فقال له رسول الله : ما شأنك یا جریح؟ فقال : يا رسول الله، إن القبط يحبون حشمهم و من يدخل إلى أهاليهم، و القبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها و أخدمها و أونسها، فأنزل الله عز وجل : «یَا أیُّهَا الّذِینَ آمَنُوا إن جَاءَ کُم فَاسِقٌ بِنَبَإ» الآية. و في رواية عبيد الله بن موسى، عن أحمد بن رشيد، عن مروان بن مسلم، عن عبد الله بن بكير قال :( قلت لأبي علیه السلام: جعلت فداك، كان رسول الله صلی الله علیه وآله أمر بقتل القبطي و قد علم أنها قد كذبت عليه، أو لم يعلم و إنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي علیه السلام؟ فقال علیه السلام : بلى، قد كان و الله علم صلی الله علیه وآله و لو كان عزيمة من رسول الله صلی الله علیه وآله القتل ما رجع علي علیه السلام حتى يقتله، و لكن إنما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله لترجع عن ذنبها، فما رجعت و لا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها.) البحار: 153/22-154 ح9

للظن و عترضني للتهمة، غير أني إذا ذكرت مكانك من الله و مكاني منك ارتفع حناني و طال نفسي، و و الله أن لو وجدت زيدا لقتلته و لو هلك ما حزنت عليه. فأثنى عليه على علیه السلام خيرا. (1)

أقول: هذا بالنسبة إلى رسول الله صلی الله علیه وآله ، فإن مما لا شك فيه أنه صلی الله علیه وآله يحدث نفسه بمالا ينبغي أبدا، وأما أهل بيته علیهم السلام فلا شبهة ولا ريب أيضا في عصمتهم من كل ما عصم الله نبيه صلی الله علیه وآله منه، لأنهم نحلوا كل كمالاته ماعدي النبوة، فإنهم منه وهو منهم(2)، وقد أعطاهم الله فهمه(3)، وعلمه(4)، وهم من لحمه ودمه (5)وروحه(6) و مهجته(7) ونفسه(8)

ص: 624


1- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري: 523
2- قال النبي صلی الله علیه وآله في خطبته يوم الغدير: (.. معاشر الناس، القرآن فيكم، وعلي علیه السلام والأئمة علیهم السلام من بعده، فقد عرفتكم أنهم مني وأنا منهم، فلن تضلوا ما تمسكتم به..) العدد القوية للحلي:180 ، وفي البحار عن أمالي الشيخ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: أتى رجل النبي صلی الله علیه وآله فقال: يا رسول الله، أي الخلق أحب إليك؟ قال رسول الله صلی الله علیه وآله- وأنا إلى جنبه - : هذا وابناه و أمهما، هم مني وأنا منهم، وهم معي في الجنة هكذا وجمع بين اصبعيه. البحار: 37/ 44 ح 21، أمالي الشيخ: 452 ح1007-13 ، وعن معاني الاخبار عنه صلی الله علیه وآله في حديث قال: (.. اللهم إني أشهدك أني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ومحب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وعدو لمن عاداهم وولي لمن والاهم لأنهم مني وأنا منهم.) معاني الأخبار: 55 ح3، عنه البحار: 47/37ح 23. أقول: نكتفي بهذا القدر تفصيا من الإطناب.
3- الكافي: 1/ 208ح3، 209/1 ح5، کمال الدین: 1/ 281ح33، کشف الغمة: 2/ 507، کامل الزيارات: 69ح3، 71 ح 7، عیون أخبار الرضا علیه السلام : 64/1ح 32، الصراط المستقیم: 2/ 110، تفسير الإمام العسكري علیه السلام : 546 ح326، عنه البحار: 123/23 ح47، ولاحظ بصائر الدرجات: 48 الباب 22 في الأئمة وما قال فيهم رسول الله صلی الله علیه وآله بأن الله أعطاهم فهمه وعلمه، عنه البحار: 23/ 136 - 138 ح78 وح79 وح83.
4- لاحظ الكافي: 1/ 263 باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه صلی الله علیه وآله علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين علیه السلام وأنه كان شريكه في العلم
5- الكافي: 209/1 ح 5، بالإسناد إلى أبان، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: (.. فإنهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، إلى الله أشكو أمر أمتي المنکرین لفضلهم القاطعين فيهم صلتي.) ولاحظ البحار عن البصائر : 23/ 137 - 138 ح 82 وح83 ، 23/ 153ح117، والبحار عن مشارق الأنوار: 153/23 ح118، وكامل الزيارات: 69 ح3، 71 ح 7، وفي البحار: 153/22 ح7، عن المناقب: 4/ 81: (علي علیه السلام ابن عمي، لحمي ودمي..) ولاحظ الحديث في الطرائف: 202/1 عن كتاب نهاية الطلب لبعض الحنابلة.
6- قال الصادق علیه السلام في حديث: (فينا روح رسول الله صلى الله عليه وآله .) لاحظ بصائر الدرجات: 459 - 460 ح4، عنه البحار: 62/25-63 ح 41، وأورده في دلائل الإمامة: 138، وعن النبي صلی الله علیه وآله في حديث مشهور قال عن ابنته فاطمة علیه السلام : (.. وهي روحي التي بين جنبي.) لاحظ أمالي الصدوق: 112 ح2، عنه البحار: 172/43-173 ح13، والفضائل لشاذان بن جبرئیل: 8، وبشارة المصطفى 197 - 198، وكشف الغمة: 466/1-467، عنه البحار: 54/43 ضمن ح48، کشف الغمة: 497/1 - 498، عنه البحار: 76/28 ح34، ولاحظ أيضا البحار: 27/ 63 ضمن ح 21 عن کتاب العقائد.
7- البحار: 44/ 247 ضمن ح46، عن كتاب مثير الأحزان لابن نما: 19 في حديث النبي صلى الله عليه وآله : (يا قوم، إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي لن يفترقا حتی یردا على الحوض.) ولاحظ الحديث في اللهوف :16. وفي البحار: 189/45، عن بعض مؤلفات أصحابنا، في حديث النبي صلی الله علیه وآله للحسنين علیهما السلام : (حبيبي يامهجتي..)
8- كفاك من ذلك ما أنزله الله في علي علیه السلام في آية الله المباهلة حيث جعله نفس النبي صلى الله عليه وآله فقال : « فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» آل عمران: 61، وفي البحار: 10/ 350 ح10 عن الفصول للسيد المرتضى، عن المفيد، أنه قال المأمون يوما للرضا علیه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين علیه السلام يدل عليها القرآن. قال: فقال له الرضا علیه السلام : فضيلة في المباهلة - إلى أن قال علیه السلام :- (ودعا صلی الله علیه وآله أمير المؤمنين علیه السلام فكان نفسه بحكم الله عز وجل فقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله صلی الله علیه وآله وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلی الله علیه وآله بحكم الله تعالى.) وقال النبي صلی الله علیه وآله في حديث : (فأما على علیه السلام فأنا هو و هو أنا. ) الكافي: 318/8 - 319 ح502 .

و صمیم قلبه (1)وفلذة كبده(2) وشجنة منه(3)، بل إنهم معدن النبوة وموضع الرسالة(4) فلا مجال لتخصيص العصمة مما ذكر به صلی الله علیه وآله دونهم علیهم السلام وكفى بشهادة الله تعالى فيهم :

ص: 625


1- الإقبال: 625 في زيارة مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. عنه البحار: 200/97 ح20.
2- لاحظ المصدر السابق.
3- معاني الأخبار: 303 ضمن ح 1، عنه البحار: 26/43 ح 26 عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال: (إن فاطمة شجنة مني يؤذيني ما آذاها ويسرني ما سرها..) ولاحظ المناقب: 3/ 332، عنه البحار: 39/43 ضمن ح 41، کشف الغمة: 467/1 ، عنه البحار: 54/43ضمن ح48، قرب الإسناد: 53، عنه البحار: 320/46 ح 1.
4- عن أبي جعفر علیه السلام- في حديث -: (.. ونحن معدن النبوة ونحن موضع الرسالة.) . بصائر الدرجات: 61-62ح10، عنه البحار: 248/26 ح 19، ولاحظ البحار: 259/29 ح37 عن مشارق الأنوار للبرسي، إرشاد القلوب: 418/2 ، کمال الدین: 206/1 ح20.

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، والأدلة على عصمتهم كثيرة يحتاج استيفاؤها إلى محل آخر ومجال واسع.

ص: 626


1- الأحزاب: 33.

الفصل السادس عشر : حديث النفس من سائر الكائنات والمخلوقات

اشارة

ص: 627

ص: 628

الباب 1: حديث النفس من الملائكة

البقرة:«قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(33)

1-[ العياشي في تفسيره]، عن حریز عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أن خلق الله آدم علیه السلام أمر الملائكة أن يسجدوا له، فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنا نظن أن الله خلق خلقة أكرم عليه منا، فنحن جيرانه و نحن أقرب خلقه إليه.

فقال الله :« أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي ..أَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(1) فيما أبدوا من أمر بني الجان و کتموا ما في أنفسهم، فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش.(2)

2 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن ماجيلويه، بإسناده إلى مجاهد، قال: قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: إن الله تبارك و تعالى ملكاً يقال له دردائیل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء، و الهواء کما بين السماء و الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه: أفوق ربنا جل جلاله شيء؟(3)

فعلم الله تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح. ثم أوحى الله عز و جل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم

ص: 629


1- البقرة: 33.
2- تفسير العياشي: 1/ 33 ح 14، عنه البحار: 148/11.
3- قال المجلسي قدس سره : بیان : لعل هذا- على تقدير صحة الخبر - كان بمحض خطور البال من غير اعتقاد بكون البارئ تعالى ذا مكان، أو المراد بقوله : (فوق ربنا شيء) فوق عرش ربنا، إما مكانا أو رتبة فيكون ذلك منه تقصيرا في معرفة عظمته وجلاله فيكون على هذا ذكر نفي المكان لوقع ما ربما يتوهم والله يعلم.

العرش، فلما علم الله عز و جل إتعابه أوحى إليه: أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظیم فوق كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان. فسلبه الله أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلما ولد الحسين بن علي (صلوات الله علیهما) - و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة - أوحى الله إلى ملك [مالك ]خازن النيران أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله، و أوحي إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحي إلى حور العين أن تزین و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح و التحميد و التمحيد و التكبير لكرامة مولود ولد محمد صلی الله علیه وآله في دار الدنيا، و أوحى الله عز و جل إلى جبرئیل علیه السلام أن اهبط إلى نبيي محمد صلی الله علیه وآله في ألف قبیل، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا صلی الله علیه وآله بمولوده و أخبره یا جبرئيل إني قد سميته: الحسین و عزه و قل له: يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد، قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرماً منه. قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة.

قال: فبينا جبرئیل یهبط من السماء إلى الأرض إذ مر ب(دردائیل) فقال له دردائیل: يا جبرائیل، ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال: لا، و لكن ولد لمحمد صلی الله علیه وآله مولود في دار الدنيا، و قد بعثني الله عز وجل إليه

لأهنئه بمولوده.

فقال الملك له: يا جبرئيل، بالذي خلقك و خلقني إن هبطت إلى محمد صلی الله علیه وآله فأقرئه مني السلام و قل له: بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني و يرد علي أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة. فهبط جبرئیل على النبي صلی الله علیه وآله و هنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه.

فقال النبي صلی الله علیه وآله : تقتله أمتي؟ قال: نعم. فقال النبي صلی الله علیه وآله : ما هؤلاء بأمتي أنا بريء

ص: 630

منهم، و الله بريء منهم. قال جبرئیل: و أنا بريء منهم يا محمد. فدخل النبي صلی الله علیه وآله على فاطمة و هناها و عزاها فبكت فاطمة (صلوات الله عليها) و قالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار. و قال النبي صلی الله علیه وآله: أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده. ثم قال صلی الله علیه وآله : الأئمة بعدي: الهادي علي، المهتدي الحسن، الناصر الحسين، المنصور علي بن الحسين، الشافع محمد بن علي، النفاع جعفر بن محمد، الأمين موسی بن جعفر، الرضا علي بن موسی، الفعال محمد بن علي، المؤتمن علي بن محمد، العلام الحسن بن علي، و من يصلي خلفه عیسی بن مریم. فسكنت فاطمة من البكاء.

ثم أخبر جبرئيل النبی صلی الله علیه وآله بقضية الملك وما أصيب به، قال ابن عباس: فأخذ النبي صلی الله علیه وآله الحسين و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك، لا بل بحقك عليه وعلى جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و یعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائیل و رد عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة. فاستجاب الله دعاءه و غفر للملك، و الملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله صلی الله علیه وآله(1).

3 - [البرقي في المحاسن]، عن خالد الصيقل، عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن الله فوض الأمر إلى ملك من الملائكة، فخلق سبع سماوات و سبع أرضين، فلما رأى أن الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلي؟ فأرسل الله عليه نويرة من النار.

قلت: و ما النويرة؟ قال علیه السلام : نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق، فيحك(فتحللت) لذلك، حتى وصلت إلى نفسه، لا أن دخله العجب.(2)

أقول: يظهر من بعض الأخبار والأحاديث الشريفة في أحوال الملائكة وشؤونهم أنهم لا تقترعهم الوساوس ولا يعترض ضمائرهم ما لا يليق من جلال الله سبحانه ولا يتزلزل يقينهم به عز اسمه و أنهم لا يأثمون، وأما ما ربما يتوهم خلافه من بعض الأخبار فعلمه

ص: 631


1- كمال الدين: 1/ 284 ح 36، عنه البحار: 248/43 ح 24.
2- المحاسن: 1/ 123 ح139، عنه البحار: 229/68 ح5، وقريب منه في ثواب الأعمال: 251، عنه البحار: 4/ 150 ح 5، 54/ 85 - 86 ح 69، 317/69 ح 27، وأورده في الوسائل عن البرقي: 102/1 ح244.

موکول إلى أهله، وإليك الحديث التالي من خطبة أمير المؤمنين علیه السلام في صفة الملائكة:

4 -[ الرضي في نهج البلاغة ].. ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته و عمارة الصفيح الأعلى من ملكوته خلقا بديعا من ملائكته و ملأ بهم فروج فجاجها و حشا بهم فتوق أجوائها - إلى أن قال علیه السلام : - لم تثقلهم مؤصرات الآثام و لم ترتحلهم عقب الليالي و الأيام ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم و لم تعترك الظنون على معاقد يقينهم و لا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم و لا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم و ماسکن من عظمته و هيبة جلالته في أثناء صدورهم و لم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برینهاعلى فكرهم.. الحديث.(1)

5-[محمد بن الحسن في روضة الواعظين]، روی جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام أنه قال : في العرش تمثال ما خلق الله من البر و البحر، قال علیه السلام: وهذا تأويل قوله :«وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ »(2) و إن بين القائمة من قوائم العرش و القائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام و العرش يکسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله، و الأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة. و إن الله تعالى ملكاً يقال له : (خرقائیل) له ثمانية عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر : هل فوق العرش شيء فزاده الله تعالى مثلها أجنحة أخرى فكان له ست و ثلاثون ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله إليه : أيها الملك طر. فطار مقدار عشرين ألف عام لم ينل رأس قائمة من قوائم العرش، ثم ضاعف الله له في الجناح و القوة و أمره أن يطير فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا فأوحى الله إليه : أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك و قوتك لم تبلغ إلى ساق عرشي، فقال الملك : (سبحان ربي الأعلى) فأنزل الله عز وجل :«سَبَّح اسمَ رَبَّكَ الأعلىَ»(3)فقال النبي صلی الله علیه وآله: اجعلوها في سجودكم.(4)

ص: 632


1- نهج البلاغة: 129، عنه البحار: 54/ 110 ح90، 324/74.
2- الحجر: 21
3- الأعلى: 1
4- روضة الواعظين: 1/ 47، عنه البحار: 34/55 -35 ح 54، أقول: وفي المصدر بدل (خرقائيل): حزقائیل

الباب 2: حديث النفس من الجن

أقول: مضى طرف من الأخبار في نوح الجن وحثهم لأنفسهم على البكاء لمصيبة آل محمد علیهم السلام فراجع الفصل 11 باب 15ح7 و 8 و9.

الباب 3: حديث النفس من سائر المخلوقات

1-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنا يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر و أكبر من فتر(1) فدخلت في خياشيمه، فصعق. فمکث بذلك أربعين يوما، ثم إن الله عز و جل رأف به و رحمه و خرج، فإذا أراد الله جل وعز بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت، فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض.(2)

2 -[ محمد بن يعقوب في الكافي]، بالإسناد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه وآله : ما خلق الله جل وعز خلقا إلا و قد أقر علیه آخر يغلبه فيه، و ذلك أن الله تبارك و تعالى لما خلق البحار السفلي فخرت و زخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها، فذلت. ثم قال: إن الأرض فخرت و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاد من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض و استقرت.

ثم إن الجبال فخرث على الأرض، فشمخت و استطالت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقرت الجبال و ذلت. ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد.

ثم إن التار زفرت و شهقت و فخرت، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها، فذلت. ثم إن الماء فخر و زخر، و قال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه، فذل الماء.

ص: 633


1- قال في لسان العرب عن الجوهري: الفتر ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحهما. أقول: وأما الشبر فهو - کما عن مجمع البحرين - المساحة بين طرفي الخنصر والإبهام.
2- الكافي: 8/ 255 ح 365، عنه البحار: 57/ 30 ح 25.

ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أذيالها، و قالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فنی و احتال و اتخذ ما يستتر به من الريح و غيرها، فذلت الريح.

ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره، فذل الإنسان.

ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز و جل: لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدا فترجي أو تخاف.

و قال صلی الله علیه وآله أيضا: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب

الخطيئة.

ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره.(1)

3 - [الحلی في العدد القوية]، عن أبي جعفر علیه السلام قال: سمع آبائي عليهم السلام يحدثون: كانت لقریش کاهنة يقال لها: (جرهمانية)، و كان لها ابن من أشد قریش عبادة الأصنام. فلما

كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلی الله علیه وآله جاءت إليها تابعتها و قالت لها جرهمانية: حيل بيني و بينك، جاء النور الممدود الذي من دخل في نوره نجا و من تخلف عن نوره هلك: أحمد صلی الله علیه وآله، صاحب اللواء الأكبر و العين الأبدي. و ابنها يسمع، فلما كانت الليلة الثانية عاد بمثل قوله، ثم مر فلما كانت الليلة الثالثة عاد بمثل قوله، فقالت: ويحك و من أحمد؟

قالت: ابن عبد الله بن عبد المطلب يتيم قریش، صاحب الغيرة الحجلاء و النور الساطع. فلما تكلمت بهذا الكلام نظرت إلى صنمها يمشي مرة و يعدو مرة و يقول: ويلي من هذا المولود، هلكت الأصنام.

قال: فكانت الجرهمانية تنوح على نفسها بهذا الحديث.(2)

4 -[ ابن فهد الحالي في عدة الداعي]، روي : أن الله سبحانه و تعالى أوحى إلى موسی عليه السلام أن : اصعد الجبل لمناجاتي، و كان هناك جبال فتطاولت الجبال و طمع كل أن يكون هو المصعود عليه عدا جبلا صغيرا احتقر نفسه و قال : أنا أقل من أن يصعدني نبي

ص: 634


1- الكافي: 148/8 - 149 ح 129، عنه البحار: 99/54 - 100ح8، وأورده في الخصال: 2/ 422 ح34 (نحوه)، عنه البحار: 57/ 198 - 199ح1، ولاحظ حديث النبي صلى الله عليه وآله لشمعون بن لاوي في تحف العقول: 24، عنه البحار: 1/ 123 ح 11.
2- العدد القوية: 125، عنه البحار: 15/ 297 ح 34.

الله لمناجاة رب العالمين. فأوحى الله إليه : أن اصعد ذلك الجبل فإنه لا يرى لنفسه مكانا.(1)

ص: 635


1- عدة الداعی: 178، عنه البحار: 361/13 ح 77.

ص: 636

الفصل السابع عشر : حديث النفس في الآخرة وعند الموت

ص: 637

ص: 638

إبراهيم: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ»(22)

الأنعام:«وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(27)

الأحزاب: «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» (66)

يس:«قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ»(52)

الصافات:«وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ»(20)

الكهف:«وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ»(49)

الأنبياء:«وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ»(46)

فصلت:«وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(21)

النبأ:«إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا»(40)(1)

ص: 639


1- عن سعيد السمان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : (قوله تعالى :«یَومَ یَنظُرُ المرءُ مَا قَدَّمَت یَداهُ وَیَقُولُ الکافِرُ یا لَیتَنی کُنتُ تُراباً» يعني علويا يوالي أبا تراب .) تأويل الآيات الظاهرة: 736، عنه البحار: 262/24 ح 19. وفي العلل عن عباية بن ربعي قال : قلت لعبد الله بن عباس : لم کنی رسول الله صلی الله علیه وآله عليا علیه السلام أبا تراب؟قال : لأنه صاحب الأرض و حجة الله على أهلها بعده و به بقاؤها و إليه سكونها، و لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول : إنه إذا كان يوم القيامة و رأى الكافر ما أعد الله تبارك و تعالى لشيعة علي علیه السلام من الثواب و الزلفي و الكرامة يقول : يا ليتني كنت ترابيا أي : يا ليتني من شيعة علي، و ذلك قول الله عز و جل: «وَیَقُولُ الکافِرُ یا لَیتَنی کُنتُ تُراباً» علل الشرائع: 156/1 ذیل ح 2، عنه البحار: 51/35 ح 4، ولكن بدل: (ترابيا) : ترابا .

الفرقان: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا»(27)«يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا» (28)«لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا»(29)(1)

الأنبياء: «وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ»(97)

الفجر: «يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي»(24)

الحاقة: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ»(25) «وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ»(26)«يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ»(27)«مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ»(28) «هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ»(29)

البقرة:«وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ»(167)(2)

الزمر: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(56)

القيامة: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ»(2)

1 - [الطبرسي في مكارم الأخلاق، في وصية النبي صلی الله علیه وآله إلى عبد الله بن مسعود:.. یا ابن مسعود، أكثر من الصالحات و البر، فإن المحسن و المسيء يندمان، يقول المحسن: یا ليتني ازددت من الحسنات، و يقول المسيء: قصرت. و تصدیق ذلك قوله تعالى:«وَ لا

ص: 640


1- قال أبو جعفر علیه السلام: يقول : «یَا لَیتَنِی اتَّخذتُ مَعَ الرَّسُولِ» علیاً«یَا وَیلَتَی لَیتَنِی لَم أتَّخِذ فُلانَاً خَلیلاً» يعني الثاني، «قَد أَضَلَّنی عَنِ الذِّکرِ بَعدَ إذ جاءَنی » يعني الولاية، «وَکانَ الشَّیطانُ» وهو الثاني «لِلإِنسانِ خَذُولاّ» . تفسير القمی:113/2، عنه البحار: 149/30-150 ح5.
2- عن الإمام الحسن العسكري علیه السلام قال : «وَقَالَ الّذِینَ اتّبَعُوا» الأتباع «لَو أنَّ لَنَا کَرَّةً» يتمنون لو كان لهم كرة رجعة إلى الدنيا «فَنَتَبَرَّأ مِنهُم» هناك «کمَا تَبَرّوا مِنَّا» هاهنا. تفسير الإمام علیه السلام : 578، عنه البحار: 7/ 188 ح 52.

أقسِمُ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ» .(1)

2. [البرقي في المحاسن]، بالإسناد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الأرض لا تصلح إلا بالإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفشه هذه - وأهوى علیه السلام بيده إلى صدره - يقول: لقد كنت على أمر حسن.(2)

3 - [تفسير الإمام علیه السلام]، يحشر الله يوم القيامة شهر رمضان في أحسن صورة فيقيمه على تلعة لا يخفى على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر و يخلع عليه من كسوة الجنة و خلعها و أنواع سندسها و ثيابها حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر و لا يعي علم مقداره أذن و لا يفهم کنهه قلب، ثم يقال لمناد من بطنان العرش: ناد. فينادي: يا معشر الخلائق، أما تعرفون هذا؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا وسعديك، أما إننا لا نعرفه.

فيقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان، ما أكثر من سعد به و ما أكثر من شقي به، ألا فليأته كل مؤمن له معظم بطاعة الله فيه فليأخذ حظه من هذه الخلع، فتقاسموها بینکم على قدر طاعتكم لله و جذكم. قال علیه السلام : فيأتيه المؤمنون الذين كانوا الله مطيعين فيأخذون من تلك الخلع على مقادير طاعتهم في الدنيا، فمنهم من يأخذ ألف خلعة و منهم من يأخذ عشرة آلاف و منهم من يأخذ أكثر من ذلك و أقل فيشرفهم الله بكراماته. ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنین و له موحدین و بفضل هذا الشهر معترفين فيأخذونها و يلبسونها فتقلب على أبدانهم مقطعات نیران و سرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة من تلك الثياب أفعی و حية و عقرب و قد تناولوا من تلك الثياب أعداداً مختلفة على قدر أجرامهم، كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر فمنهم الآخذ ألف ثوب و منهم الآخذ عشرة آلاف ثوب و منهم من يأخذ أكثر من ذلك، و إنها لأثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من

ص: 641


1- مكارم الأخلاق: 453، البحار: 105/74 ح 1.
2- المحاسن: 154 ح79، عنه البحار: 76/23 ح 2، وفي المحاسن: 1/ 92 ح46 عن عيسى بن السري قال: (قلت لأبي عبد الله علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه وآله: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟ قال أبو عبد الله علیه السلام : أحوج ما يكون العبد إلى معرفته إذا بلغ نفسه هذه - وأشار علیه السلام إلى صدره - يقول: لقد كنت على أمر حسن.) وأورده في ثواب الأعمال: 205، عنهما البحار: 23/ 85 ح 26، ولاحظ الكافي: 2/ 21ح 6، عنه البحار: 65/ 337 ح 11 .

الرجال، و لولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل و العذاب. ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة من تلك السرابيل من القطران و مقطعات النيران أفعی و حية و عقرب و أسد ونمر و کلب من سباع النار، فهذه تنهشه و هذه تلدغه و هذا يفترسه و هذا يمزقه و هذا يقطعه، يقولون: يا ويلنا، ما لنا تحولت علينا هذه الثياب و قد كانت من سندس وإستبرق و أنواع خیار ثياب الجنة تحولت علينا مقطعات النيران و سرابيل قطران و هي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطیعون في شهر رمضان و کنتم تعصون و كانوا يعفون و کنتم تزنون و كانوا يخشون ربهم و کنتم تحبرون و كانوا يتقون السرق و کنتم تسرقون و كانوا يتقون ظلم عباد الله و کنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة و هذه نتائج أفعالكم القبيحة فهم في الجنة خالدون و لا يشيبون فيها ولا يهرمون و لا يحولون عنها ولا يخرجون و لا يقلقون فيها و لا ينتمون بل هم فيها سارون مبتهجون آمنون مطمئنون و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، و أنتم في النار خالدون تعذبون فيها و تهانون و من نيرانها إلى زمهریرها تنقلون و في حميمها تغتسلون و من زقومها تطعمون و بمقامعها تقمعون وبضروب عذابها تعاقبون، الأحياء أنتم فيها و لا تموتون أبد الآبدين إلا من لحقته منكم رحمه رب العالمين فخرج منها بشفاعة محمد صلی الله علیه وآله أفضل النبيين بعد العذاب الأليم و النكال الشديد.(1)

ص: 642


1- تفسير الإمام العسكري علیه السلام : 663 - 665، عنه البحار: 190/7 - 191 ح53، 93/ 373 - 375 ح 61، مع بعض التفاوت.

الفصل الثامن عشر : النوادر

اشارة

ص: 643

ص: 644

الباب 1: حديث النفس من آمنة لدى مولد النبي الأعظم صلی الله علیه وآله

1- [أحمد بن عبد الله البكري في الأنوار] حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة هذا الحديث قالوا جميعا - إلى أن قال: - لما كان الشهر التاسع أراد الله تعالى خروج النبي صلی الله علیه وآله وهي لم يظهر لها أثر الحمل و لا ما تعتاده النساء، و كانت تحدث نفسها: کیف وضعي ولم يعلم بي أحد من قومي؟ و كانت دار آمنة وحدها، فبينما هي كذلك إذ سمعت وجبة عظيمة، ففزعت من ذلك فإذا قد دخل عليها طير أبيض و مسح بجناحه على بطنها فزال عنها ما كانت تجده من الخوف، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها نسوان طوال يفوح منهن رائحة المسك و العنبر، و قد تنقين بأطمارهن و كانت من العبقري الأحمر، و بأيديهن أكواب من البلور الأبيض.

قالت آمنة: فقلن لي: اشرب يا آمنة من هذا الشراب. فلما شربث أضاء نور وجهي و علاه نور ساطع و ضياء لامع، و جعلت أقول: من أين دخلن علي هذه النسوة و كنت قد أغلقت الباب؟ فجعلت أنظر إليهن ولم أعرفهن، ثم قلن: يا آمنة، اشربي من هذا الشراب و أبشري بسيد الأولين و الآخرين محمد المصطفى صلی الله علیه وآله. - إلى أن قالت: - فينما أنا أقول في نفسي: أنا نائمة أو يقظانة؟ إذ لمع نور أضاء لأهل السماء والأرض حتى شق سقف البيت، وسمع تسبيح الملائكة.. الخبر.(1)

الباب 2: حديث النفس من ذي القرنين بالمسير

1. [الصدوق في إكمال الدين]، بإسناده إلى عبد الله بن سليمان - و كان قارئا للكتب - قال: قرأت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا القرنين كان رجلا من أهل الإسكندرية

ص: 645


1- الأنوار في مولد النبي محمد صلى الله عليه و آله : 180 ، عنه البحار: 15/ 325 ضمن ح 37.

وأمه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له «إسكندروس» و كان له أدب و خلق و عفة من وقت ما كان فيه غلاما إلى أن بلغ رجلا، و كان رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها شرقها و غربها، فلما قص رؤياه على قومه سموه ذا القرنين. فلما رأى هذه الرؤيا بعد همته و علا صوته و عز في قومه، و كان أول ما أجمع عليه أمره أن قال: أسلمت لله عز و جل. ثم دعا قومه إلى الإسلام فأسلموا هيبة له، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه إلى ذلك فأمر أن يجعل طوله أربعمائة ذراع و عرضه مائتي ذراع و عرض حائطه اثنين و عشرین ذراعا و علوه إلى السماء مائة ذراع، فقالوا له: يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟

فقال لهم: إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من المؤمنين على قدره من الذهب و الفضة ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر و خلطتموه مع ذلك الكبس و عملتم له خشباً من نحاس و صفائح تذيبون ذلك و أنتم متمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية، فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب فيسارعون فيه من أجل ما فيه من الذهب و الفضة. فبنوا المسجد و أخرج المساكين ذلك التراب و قد استقل السقف بما فيه و استغنى المساكين، فجندهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ثم نشرهم في البلاد و حدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا له: يا ذا القرنين، ننشدك بالله لا تؤثر علينا بنفسك غيرنا فنحن أحق برؤيتك و فينا كان مسقط رأسك و بيننا نشأت و ربیت، و هذه أموالنا و أنفسنا و أنت الحاكم فيها، و هذه أمك عجوز كبيرة و هي أعظم خلق الله عليك حقا فليس ينبغي عليك أن تعصيها و لا تخالفها.

فقال لهم: و الله إن القول لقولكم و إن الرأي لرأيكم و لكني بمنزلة المأخوذ بقلبه و سمعه و بصره يقاد و یدفع من خلفه لا يدري أين يؤخذ به و لا ما يرادبه، و لكن هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد و أسلموا عن آخركم و لا تخالفوا علي فتهلكوا.. الخبر.(1)

2 - [الثعلبي في العرائس]، روی وهب بن منبه و غيره من أهل الكتب قالوا: كان ذو

ص: 646


1- إكمال الدين: 2/ 394ح 5، عنه البحار: 184/12 ح15، وعنه أيضأ قصص الأنبياء للجزائري: 144 أقول: الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره و كان اسمه «إسكندروس» و يقال: كان اسمه عياش و كان عبدا صالحا، فلما استحکم ملکه و استجمع أمره أوحى الله إليه: يا ذا القرنين، إني بعثك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين و جعلتك حجتي عليهم و هذا تأويل رؤياك، و إني باعثك إلى أمم الأرض كلهم و هم سبع أمم مختلفة ألسنتهم، منهم أمتان بينهما عرض الأرض، و أمتان بينهما طول الأرض، و ثلاث أمم في وسط الأرض و هم الجن و الإنس و يأجوج و مأجوج، فأما الأمتان اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند المغرب يقال لها: ناسك، و أمة أخرى بحیالها عند مطلع الشمس يقال لها: منسك، و أما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها: هاویل، و أمة في قطرة الأرض الأيسر يقال لها: قاويل.

فلما قال الله سبحانه ذلك قال ذو القرنين: إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت فأخبرني عن الأمم التي بعثتني إليها بأي قوة أكاثرهم أو بأي جمع و حيلة أكابرهم و بأي صبر أقاسيهم و بأي لسان أناطقهم، و كيف لي بأن أفهم لغاتهم و بأي سمع أسمع أقوالهم و بأي بصر أنفذهم و بأي حجة أخاصمهم و بأي عقل أعقل عنهم و بأي قلب و حكمة أدبر أمورهم و بأي قسط أعدل بينهم و بأي حلم أصابرهم و بأي معرفة أفصل بينهم و بأي علم أتقن أمورهم و بأي يد أستطيل عليهم و بأي رجل أطأهم و بأي طاقة أحصيهم و بأي جند أقاتلهم و بأي رفق أتألفهم، و ليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقوم لهم و يقوى عليهم و أنت الرءوف الرحيم الذي لا تكلف نفسا إلا وسعها ولا تكلفها إلا طاقتها؟

فقال الله عز و جل: إني سأطوقك ما حملتك، أشرح لك سمعك فتسمع كل شيء و تعي كل شيء و أشرح لك فهمك فتفقه كل شيء و أبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء و أفتح لك بصرك فتنفذ كل شيء و أحصي لك فلا يفوتك شيء و أشد لك عضدك فلا بهولك شيء و أشد لك ركنك فلا يغلبك شيء و أشد لك قلبك فلا يفزعك شيء و أشد لك يدك فتسطو فوق كل شيء و أشد لك وطأتك فتهد على كل شيء و ألبسك الهيبة فلا علیه السلامروعك شيء و أسر الظلمة من ورائك.

فلما قيل له ذلك حدث نفسه بالمسير، و ألح عليه قومه بالمقام فلم يفعل و قال: لا بد

ص: 647

من طاعة الله تعالى.. الخبر.(1)

الباب 3: إخبار الرضا علیه السلام بعدم حديث النفس بالخلافة

1. [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن معمر بن خلاد قال: قال لي أبو الحسن الرضا علیه السلام : قال لي المأمون: يا أبا الحسن، انظر بعض من تثق به توليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا. فقلت له: تفي لي و أفي لك، فإني إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه و لا أنهى و لا أعزل و لا أوتي و لا أسير حتى يقدمني الله قبلك، فوالله إن الخلافة لشيء ما حدثت به نفسي و لقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي و إن أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون کالأعمام لي، و إن كتبي لنافذة في الأمصار و ما زدتني في نعمة هي علي من ربي. فقال: أفي لك.(2)

الباب 4: حديث النفس بجواز السجود على الزجاج

1- [الإربلي في كشف الغمة]، من كتاب الدلائل للحميري، عن الحسن بن علي الوشاء قال: كتب إليه -أي: أبي الحسن الهادي علیه السلام- محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الأرض و أنهم علیه السلام قالوا: لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه وإن حدثت نفسك أنه مماتنبت الأرض فإنه من الرمل والملح، والملح سبخ.(3)

2 -[ الصدوق في علل الشرائع]، أبي، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري،عن السياري: أن بعض أهل المدائن كتب إلى أبي الحسن الماضي علیه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال: فلما نفذ كتابي إليه فكرت فقلت: هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل

عنه.

ص: 648


1- عرائس المجالس: 324، عنه البحار: 57/ 108.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 166/2-167 ح 29، عنه البحار: 49/ 144 ح20.
3- کشف الغمة: 2/ 384، عنه البحار: 176/50 ضمن ح 55، وأورده في دلائل الإمامة: 218 (نحوه) وفي آخره: فإنه من الرمل والملح سبخ والرمل المسبخ بلد ممسوخ.

قال: فكتب علیه السلام: لا تصل على الزجاج، فإن حدثتك نفسك أنه مما أثبتت الأرض فإنه مما أثبتت الأرض، و لكنه من الرمل و الملح و هما محسوخان. (1)

الباب 5: ابن الملك وحديث النفس بالهروب مع بلوهر

1 - [الصدوق في إكمال الدين]، عن أبي علي أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي العسكري قال: حدثنا محمد بن زکریا: أن ملك من ملوك الهند كان كثير الجند واسع المملكة مهيباً في أنفس الناس مظفراً على الأعداء، و كان مع ذلك عظيم النهمة في شهوات الدنيا و لذاتها - إلى أن قال: - قال الملك : بل آمرك أن لا تقطع عني ليلا ولا نهاراً و لا تريحني ولا تمسك عني ذكره فإن هذا أمر عجيب لا يتهاون به و لا يغفل عن مثله، و كان سبيل ذلك الملك و الوزير إلى النجاة قال ابن الملك: ما أنا بشاغل نفسي بشيء من هذه الأمور عن هذا السبيل، و لقد حدثت نفسي بالهرب معك في جوف الليل حيث بدا لك أن تذهب.

قال بلوهر: و كيف تستطيع الذهاب معي و الصبر على صحبتي..الخبر.(2)

ص: 649


1- علل الشرائع: 2/ 342 ح 5، عنه البحار: 82/ 147 ح 2، وأورده في الكافي: 3/ 332 ح14 (نحوه) وليس فيه: (فإنه مما أنبتت الأرض)، عنه البحار: 37/48 ح 12، ولاحظ التهذيب: 304/2 ح87، أقول: قال الصدوق رحمه الله في ذيل الحديث : (ليس كل رمل ممسوخا و لا كل ملح و لكن الرمل و الملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان)، وذكر المجلسي قدس سره كلام الشيخ ثم أورد الحديث الثاني ثم قال: (إيضاح: لعل السائل زعم أن المراد بما أنبتت الأرض كل ما حصل منها. قوله علیه السلام: (ممسوخان) أي: مستحيلان خارجان عن اسم الأرض، ويدل على عدم جواز السجود على الرمل ولم أر به قائلا. ويمكن أن يقال: الرمل مؤيد للمنع ومناط التحريم الملح، أو المعنى انهما استحيلا حتى صارا زجاجا، فلو كان أصله من الأرض أيضا لم يصح السجود عليه، ولعل هذا مراد الصدوق رحمه الله وإن كان بعيدا من عبارته، وإلا فلا يعرف محصلا، وعلى ما في رواية الحميري يرتفع الإشكال رأسا.)
2- کمال الدين: 2/ 605، عنه البحار: 412/75 ح 1 في قصة بلوهر و یوذاسف، أقول: الخبر طویل ذكرنا منه موضع الحاجة.

الباب 6: حديث النفس في أن الله تعالى أعاذ أولياءه من لمة الشيطان

1-] الإربلي في كشف الغمة]، من کتاب الدلائل للحميري، عن محمد بن الأقرع قال: كتب إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم، و قلت في نفسي - بعد مافصل الكتاب -: الإحتلام شیطنة و قد أعاد الله أولياءه من ذلك.

فرد الجواب: الأئمة عليهم السلام حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، قد

أعاد الله أولياءه من لة الشيطان کما حدثتك نفسك.(1)

الباب 7: حديث النفس من أبي سفيان باستحقاق زياد بن أبيه

1- [الرضي في نهج البلاغة]، و من کتاب له علیه السلام إلى زياد بن أبيه و قد بلغه أن معاوية قد كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه: و قد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك و يستفل غربك فاحذره فإنه الشيطان يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته و يستلب غرته، و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس و نزغة من نزغات الشيطان لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها إرث، و المتعلق بها كالواغل المدفع و النوط المذبذب.

فلما قرأزياد كتابه عليه السلام قال: شهد بها ورب الكعبة. ولم تزل في نفسه حتى ادعاه معاوية.(2)

أقول: قال السيد الرضي قدس سره في بيانه: (كالواغل المدفع) الواغل الذي يهجم على الشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدفعاً محاجزآً، و(النوط المذبذب) هو الذي يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدأ يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.

ص: 650


1- کشف الغمة: 423/2 ، عنه البحار: 25/ 157 ح29، 290/50 ح 14، وأورده في الكافي: 503/1 ح12، الخرائج والجرائح: 1/ 445، الصراط المستقیم: 2/ 208ح20.
2- نهج البلاغة: الكتاب 44 ص415 - 416، عنه البحار: 33/ 517 ح713، ولا يعزب عنك ما ذكر المجلسي قدس سره في ذيله، وما أورده ابن أبي الحديد عن ابن عبد الرب والبلاذري والواقدي. راجع شرح النهج: 16/ 177 - 179، والبحار: 517/33-521.

الباب 8: حديث النفس من الأول في عاقبة أمره لو أمر بقتل أمير المؤمنين علیه السلام

1-[ الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي أن عليا علیه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل علياً إذا سلم من صلاة الفجر بالناس. فأتی خالد و جلس إلى جنب علي علیه السلام و معه سیف، فتفكر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله: أن بني هاشم يقتلونني إن قتل على علیه السلام، فلما فرغ من التشهد، التفت إلى خالد قبل أن يسلم و قال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.

فقال علي علیه السلام لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم. فمد علیه السلام يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و کادت عيناه تسقطان، و ناشده بالله أن يتركه، و شفع إليه الناس، فخلاه.

ثم كان خالد بعد ذلك يرصد الفرصة و الفجأة لعله يقتل علياً عليه السلام غرة، فبعث بعد ذلك عسكراً مع خالد إلى موضع، فلما خرجوا من المدينة و كان خالد مدججاً و حوله شجعان قد أمروا أن يفعلوا كل ما أمرهم خالد، فرأى عليا علیه السلام يجيء من ضيعة له منفردا بلا سلاح، فقال خالد في نفسه: الآن وقت ذلك. فلما دنا منه، فكان في يد خالد عمود من حدید، فرفعه ليضربه على رأس علي علیه السلام ، فانتزعه عليه السلام من يده و جعله في عنقه و فتله كالقلادة.

فرجع خالد إلى أبي بكر، و احتال القوم في كسره فلم يتهيأ لهم، فأحضروا جماعة من الحدادين، فقالوا: لا يمكن انتزاعه إلا بعد حله في النار، و في ذلك هلاكه، و لما علموا بكيفية حاله، قالوا: إن عليا عليه السلام هو الذي يخلصه من ذلك ما جعله في جيده، و قد ألان الله له الحديد كما ألانه لداود علیه السلام، فشفع أبو بكر إلى علي علیه السلام، فأخذ العمود و فك بعضه من بعض بإصبعه.(1).

ص: 651


1- الخرائج والجرائح: 757/2 ، عنه البحار: 159/29

الباب 9: حديث النفس من الخضر بمقالته لذي القرنين

1-[علي بن إبراهيم القمي في تفسيره]، سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن ذي القرنين أنبياً كان أم ملكا؟ فقال علیه السلام: لا نبيا و لا ملكاً، بل عبدا أحب الله فأحبه و نصح لله فنصح له، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الله الثالثة فمکن الله له في الأرض، و فيكم مثله يعني نفسه- إلى أن قال علیه السلام :- فقيل له: إن الله في أرضه عينا يقال لها: عين الحياة، لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة. فدعا ذو القرنين الخضر و كان أفضل أصحابه عنده و دعا ثلاثمائة و ستين رجلا و دفع إلى كل واحد منهم سمكة، و قال لهم: اذهبوا إلى موضع كذا و كذا فإن هناك ثلاثمائةو ستين عيناً فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عین صاحبه، فذهبوا يغسلون و قعد الخضر يغسل فانسابت السمكة منه في العين و بقي الخضر متعجبا مما رأي، و قال في نفسه: ما أقول لذي القرنين؟

ثم نزع ثيابه يطلب السمكة فشرب من مائها و اغتمس فيه و لم يقدر على السمكة فرجعوا إلى ذي القرنين، فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا، فدعاه و قال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر، فقال له: فصنعت ما ذا؟ قال: اغتمست فيها فجعلت أغوص و أطلبها فلم أجدها. قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم. قال علیه السلام : فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها. فقال للخضر: كنت أنت صاحبها.(1)

الباب 10: حديث النفس من زكريا في شان حمل مريم وتهمة الناس له وحديث نفسه بقدرة الله على أن يهب له ولدا

1. [تفسير الإمام العسكري علیه السلام]، قال الله تعالى في قصة يحيی علیه السلام - إلى أن قال عليه السلام :-«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(2)يعني

ص: 652


1- تفسير القمي: 41/2 ذیل قوله تعالى :«وَ یَسألونَکَ عَن ذِی القَرنَینِ»، عنه البحار: 12/ 178 ح 5، وعنه أيضأ قصص الأنبياء للجزائري: 142- 143، والآية : الكهف: 83.
2- آل عمران: 38.

لما رأی زکریا علیه السلام عند مريم فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء، و قال لها: «يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)، و أيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا و إن کنت شیخا و كانت امرأتي عاقراً، ف «هُنَالِكَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ»فقال:«رَبَّ هَب لِي مِن لَدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» .

قال الله عز و جل:«فَنَادَتُهُ الملائِكَةُ» يعني نادت زکریا علیه السلام،«وَ هُوَ قَائِمُ يُصَلِّي فِي المِحرَابِ أنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِیَحیَی مُصَدِّقَاً بِكَلِمِةٍ مِن الله»، قال:مُصدِّقَاً»بعيسى علیه السلام، يصدق بجبی بعیسی،«و َسيِّدَاً»، يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته،«وَحَصُورَاً» و هو الذي لا يأتي النساء، «وَ نَبِيّاً مِن الصَّالِحينَ»(2).

قال علیه السلام: و كان أول تصدیق یحیی بعیسی أن زکریا کان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره، يصعد إليها بسلم، فإذا نزل أقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب کوة صغيرة يدخل عليها منها الريح، فلما وجد مریم و قد حبلت ساءه ذلك، وقال في نفسه: ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري و قد حبلت و الآن أفتضح في بني إسرائيل، لا يشكون أني أحبلتها.

فجاء إلى امرأته فقال لها ذلك، فقالت: يا زكريا لا تخف، فإن الله لن يصنع بك إلا خيراً و ائتني بمريم أنظر إليها و أسألها عن حالها. فجاء بها زکریا علیه السلام إلى امرأته فكفى الله مریم مؤونة الجواب عن السؤال، فلما دخلت إلى أختها و هي الكبرى و مريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زکریا، فأذن الله ليحيى علیه السلام و هو في بطن أمه فنخس في بطنها (3)و أزعجها و نادي أمه: تدخل إليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيد رجال العالمين، فلا تقومين إليها؟!

فانزعجت و قامت إليها و سجد يحیی علیه السلام و هو في بطن أمه لعیسی بن مریم، فذلك

ص: 653


1- آل عمران: 37.
2- آل عمران: 39.
3- قال المجلسي قدس سره: بیان: نخسه، أي غرزه بعود أو إصبع أو نحوهما، وفي بعض النسخ: بیده. البحار: 187/14 ذیل ح36.

أول تصديقه.. الحديث.(1)

الباب 11: حديث النفس من بعض المشركين وندمهم على استسلامهم و عزمهم على حرب رسول الله صلی الله علیه وآله

1 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي أن النبي صلی الله علیه وآله خرج قاصداً مكة في عشرة آلاف من المسلمين فلم يشعر أهل مكة حتى نزل صلی الله علیه وآله تحت العقبة. و كان أبو سفيان و عكرمة بن أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسسان خبراً، و نظرا إلى النيران فاستعظما فلم يعلما لمن النيران، و كان العباس قد خرج من مكة مستقبلا إلى المدينة فرده رسول الله صلی الله علیه وآله معه و الصحيح أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة، فلما نزل تحت العقبة ركب العباس بغلة رسول الله صلی الله علیه وآله و صار إلى العقبة طمعا أن يجد من أهل مكة من ينذرهم إذ سمع كلام أبي سفيان يقول لعكرمة: ما هذه النيران؟ فقال العباس: يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله صلی الله علیه وآله .

قال أبو سفيان: ما ترى أن أصنع؟ قال: تركب خلفي فأصير بك إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فأخذ لك الأمان. قال: و تراه يؤمنني؟ قال: نعم، فإني إذا سألته شيئا لم يردني. فركب أبو سفيان خلفه فانصرف عكرمة إلى مكة فصار إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فقال العباس: هذا أبو سفیان صار معي إليك فتؤمنه بسببي؟

فقال صلی الله علیه وآله: أسلم تسلم يا أبا سفيان. فقال: يا أبا القاسم ما أكرمك و أحلمك.

قال صلی الله علیه وآله : أسلم تسلم. قال: ما أكرمك و أحلمك. قال صلی الله علیه وآله : أسلم تسلم. فوكزه العباس و قال: ويلك، إن قالها الرابعة و لم تسلم قتلك. فقال صلی الله علیه وآله : خذه ياعم إلى خيمتك، و كانت قريبة، فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس، و قال في نفسه: من فعل بنفسه مثل ما فعلت؟ أنا جئت فأعطيت بيدي، و لو کنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش و غيرهم فلعلي كنت أهزمه.

فناداه رسول الله صلی الله علیه وآله من خيمته فقال: إذا كان الله يخزيك. فجاءه العباس فقال: علیه السلامرید أبو سفيان أن يجيئك یا رسول الله . قال صلی الله علیه وآله : هاته. فلما دخل قال صلی الله علیه وآله : ألم يأن أن تسلم؟ فقال له العباس: قل، و إلا فيقتلك. قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله.

ص: 654


1- تفسير الإمام: 659، عنه البحار: 14/ 185 - 187 ح36.

فضحك صلی الله علیه وآله، فقال : رده إلى عندك. فقال العباس: إن أبا سفيان يحب الشرف فشفه. فقال صلی الله علیه وآله: من دخل داره فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن. فلما صلی صلی الله علیه وآله بالناس الغداة فقال للعباس: خذه إلى رأس العقبة فأقعده هناك لتراه جنود الله و يراها. فقال أبو سفيان: ما أعظم ملك ابن أخيك؟ قال العباس: يا أبا سفيان إنما هي نبوة. قال: نعم. ثم قال رسول الله صلی الله علیه وآله : تقدم إلى مكة فأعلمهم بالأمان. فلما دخلها قالت هند: اقتلوا هذا الشيخ الضال. فدخل النبي صلی الله علیه وآله مكة و كان وقت الظهر فأمر بلا لاًفصعد على ظهر الكعبة فأذن فما بقي صنم بمكة إلا سقط على وجهه، فلما سمع وجوه قریش الأذان قال بعضهم في نفسه: الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا. و قال آخر: الحمد لله الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم. فقال النبي صلی الله علیه وآله : يا فلان، قد قلت في نفسك كذا، و یا فلان قلت في نفسك كذا. فقال أبو سفيان: أنت تعلم أني لم أقل شيئا. قال صلی الله علیه وآله : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.(1)

الباب 12: حديث النفس بالزواج من خديجة

1- [أحمد بن عبد الله في كتاب الأنوار]، (في كيفية زواج رسول الله صلی الله علیه وآله من خديجة وما جری بین سادات العرب، إلى أن قال ) :..قال خویلد: یا بني هاشم، أشهدكم على أني وكلت أخي في أمر ابنتي خديجة و قد قبلت منه سائر الأحوال. قال ورقة: أريد أن يكون هذا عند الكعبة بحضور أكابر مكة. فساروا حتى وصلوا إلى الكعبة فوجدوا العرب مجتمعين بين زمزم و الصفا و هم يتحدثون.. قال ورقة: يا معاشر قریش، یا بني زهرة، و یا بني مخزوم، و يا بني الحارث، و یا بني عدي، ويا بني لؤي، و یا بني غالب، و یا جميع من حضر، إني سائلكم، ما تقولون في خديجة؟ فنطقت العرب و قالوا: بخ بخ، لقد ذكرت و الله الشرف الأوفي و النسب الأعلى و الرأي الأذکی و من لا يوجد لها نظير في النساء.

قال ورقة: أيجوز أن تكون بلا بعل؟ قالت العرب: هذا الأمر ليس بواجب و لقد شاهدنا الخطاب لها كثيرة و قد أبت أن تقبل منهم أحداً. قال ورقة: يا سادات العرب، ألا أخبركم أن أخي قد وكلني في أمر ابنته خديجة و هي قد أمرتني أن أزوجها و قد أخبرتني

ص: 655


1- الخرائج والجرائح: 162/1-164 ، عنه البحار: 118/21 - 119 ح 17 مع بعض الإختلاف.

أن لها رغبة في سيد من سادات قریش و سألتها أن تسميه لي فأبت عن ذلك، فأريد أن تحضروا في غداة غد في منزل خديجة لتسمعوا الوكالة فما يسعكم غير دارها فإذا حضرتم غدا تنظرون أي سید يكون طلبتها فتشير إليه و تسميه.

قال الراوي: فلما سمعوا كلامه لم يبق سيد إلا و قال في نفسه: أنا المطلوب. فقالوا: يا ورقة، أنت نعم الوكيل و نعم الكفيل. فقال ورقة: تكلم يا أخي ما دامت السادات حضور. - إلى أن قال: - ولم يبق منهم جالس إلا أبو جهل و قال في نفسه: إن كان الأمر لخديجة لتأخذن محمداً صلی الله علیه وآله. فنزل به الحسد.. الخبر.(1)

الباب 13: حديث النفس من عبدالمطلب في شان نور رسول الله صلی الله علیه وآله

ا- [أحمد بن عبد الله في كتاب الأنوار]، .. و كان عبد المطلب نائماً في بعض الليالي قريبا

من حائط الكعبة فرأى رؤيا فانتبه فزعاً مرعوباً فقام يجر أذياله و يجر رداءه، إلى أن وقف على جماعته و هو يرتعد فزعاً فقالوا له: ما وراءك يا أبا الحارث؟ إنا نراك مرعوباً طائشاً. فقال: إني رأيت كأن قد خرج من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة يكاد ضوؤها يخطف الأبصار، لها أربعة أطراف طرف منها قد بلغ المشرق و طرف منها قد بلغ المغرب و طرف منها قد غاص تحت الثری و طرف منها قد بلغ عنان السماء، فنظرت و إذا رأيت تحتها شخصين عظيمين بهيين، فقلت لأحدهما: من أنت؟ فقال: أنانوح نبي رب العالمين. و قلت للآخر: من أنت؟ قال: أنا إبراهيم الخليل. جئنا نستظل بهذه الشجرة، فطوبى لمن استظل بها و الويل لمن تنحى عنها.

فانتبهت لذلك فزعاً مرعوباً، فقال له الكهنة: يا أبا الحارث، هذه بشارة لك و خير يصل إليك، ليس لأحد فيها شيء و إن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يدعو أهل المشرق و المغرب و يكون رحمة لقوم و عذابا على قوم، فانصرف عبد المطلب فرحا مسروراً و قال في نفسه: ليت شعري من يقبض النور من ولدي؟ و كان يخرج كل يوم إلى الصيد وحده فأخذه ذات يوم العطش، فنظر إلى ماء صاف في حجر معین فشرب منه فوجده أبرد من الثلج و أحلى من العسل، و أقبل من وقته و غشي زوجته فاطمة بنت

ص: 656


1- كتاب الأنوار في مولد النبي صلی الله علیه وآله : 323 - 328.

عمرو فحملت بعبد الله أبي رسول الله صلی الله علیهوآله، فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة، فما مرت بها الليالي و الأيام حتى ولدت عبد الله أبا رسول الله صلی الله علیه وآله ، فانتقل النور إليه. فلما ولدته صلی الله علیه وآله سطع النور في غرته حتى لحق عنان السماء فلما نظر إليه عبد المطلب فرح فرحاً شديداً و لم يخف مولده على الكهنة و الأحبار، فأما الكهنة فعظم أمره عليهم لابطال کهانتهم. الخبر.(1)

الباب 14: حديث النفس من الطبيب اليوناني بالمؤاخذة بقتل علي بن أبي طالب علیهما السلام

1. [تفسير الإمام علیه السلام] ، عن أبي محمد العسكري علیه السلام ، عن زين العابدین علیه السلام أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام قاعداً ذات يوم، فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة و الطب فقال له: يا أبا الحسن، بلغني خبر صاحبك و أن به جنوناً و جئت لأعالجه فلحقته و قد مضى لسبیله و فاتني ما أردت من ذلك، و قد قيل لي إنك ابن عمه و صهره و أری بك صفاراً قد علاك و ساقين دقيقين ما أراهما يقلانك، فأما الصفار فعندي دواؤه و أما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، و الوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره و فيما تحمله على ظهرك و تحتضنه بصدرك أن تقتلهما ولا تكثرهما، فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما. و أما الصفار فدواؤه عندي و هو هذا، - و أخرج دواء . و قال: هذا لا يؤذيك و لا يخیبك و لكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ثم يزيل صفارك.

فقال له علي بن أبي طالب علیهما السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري، فهل عرفت شيئا يزيد فيه فيضره؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا -و أشار إلى دواءمعه-وقال: إن تناوله الإنسان و به صفار أماته من ساعته، و إن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه.

فقال علي بن أبي طالب علیهما السلام : فارني هذا الضار. فأعطاه إياه، فقال علیه السلام له: کم قدر هذا؟ قال له قدر مثقالین سم ناقع، قدر حبة منه يقتل رجلا. فتناوله علي علیه السلام فقمحه و

ص: 657


1- الأنوار: 81-82، عنه البحار: 75/15.

عرق عرقا خفيفا، و جعل الرجل يرتعد و يقول في نفسه: الآن أوخذ بابن أبي طالب علیه السلام ويقال: قتله، و لا يقبل مني قولي، إنه هو الجاني على نفسه. فتبسم علي عليه السلام و قال: يا عبد الله أصح ما کنت بدنا الآن، لم يضرني ما زعمت أنه سم، فغمض عينيك. فغمض، ثم قال عليه السلام : افتح عينيك. ففتح و نظر إلى وجه علي علیه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل لما راه و تبسم علي عليه السلام و قال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي؟ فقال: و الله لكأنك لست من رأيت من قبل کنت مصفراً فأنت الآن مورد، قال علي علیه السلام : فزال عني الصفار بسمك الذي تزعم أنه قاتلي و أما ساقاي هاتان و مد رجليه و کشف عن ساقيه فإنك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان و أنا أريك أن طب الله عز و جل خلاف طبك و ضرب بيديه إلى أسطوانة خشب عظيمة و على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه و فوقه حجرتان إحداهما فوق الأخرى و حرکها و احتملها فارتفع السطح و الحيطان و فوقهما الغرفتان فغشي على اليوناني فقال أمير المؤمنين علیه السلام : صبوا عليه ماء فصبوا عليه ماء فأفاق و هو يقول: و الله ما رأيت كاليوم عجبا فقال له علي علیه السلام : هذه قوة الساقين الدقيقتين و احتمالها في طبك هذا يا يوناني.

فقال اليوناني: أمثلك كان محمد صلی الله علیه وآله ؟ فقال علي عليه السلام : و هل علمي إلا من علمه و عقلي إلا من عقله و قوتي إلا من قوته .. الخبر.(1)

الباب 15: حديث النفس بالوقوع على علم من علم الأئمة عليهم السلام

1، [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن الحكم بن عتيبة قال: دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام يوما فقال: يا حكم، هل تدري الآية التي كان علي بن أبي طالب علیهما السلام يعرف قاتله بها و يعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟

قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين عليهما السلام ، أعلم بذلك تلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا و الله لا أعلم. قال: ثم قلت: الآية تخبرني بها یا ابن رسول الله صلی الله علیه وآله ؟

قال عليه السلام : هو و الله قول الله عز ذكره: «وَمَا أرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِنَ رَسُولٍ وَ لَا نَبِیَّ» و

ص: 658


1- الإحتجاج: 1/ 235 - 239 ، تفسير الإمام علیه السلام، من : 170 ح84، عنها البحار: 10/ 70- 75ح 1.

لا محدث(1)، و كان علي بن أبي طالب علیهما السلام محدثا. فقال له رجل - يقال له: عبد الله ابن زید، كان أخا علي لأمه- : سبحان الله، محدثا؟! كأنه ينكر ذلك. فأقبل علينا أبو جعفر علیه السلام فقال: أما و الله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب. فلم يدر ما تأويل المحدث و النبي.(2)

2- [الصفار في بصائر الدرجات]، عبد الله عن اللؤلؤي عن ابن سنان عن علي بن أبي حمزة قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد الله علیه السلام فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله عليه السلام بحرف، فقلت أنا في نفسي: هذا مما أحمله إلى الشيعة، هذا و الله حديث لم أسمع مثله قط. قال: فنظر علیه السلام في وجهي ثم قال: إني لأتكلم بالحرف الواحدلي فيه سبعون وجها، إن شئت أخذت كذا و إن شئت أخذت كذا.(3)

الباب16: حديث النفس من ابن عباس حول حديث ألف باب من العلم

1-[ سليم بن قيس في كتابه]، عن أبان بن أبي عياش عن سليم قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت من على علیه السلام حديثاً لم أدر ما وجهه، سمعته علیه السلام يقول: إن رسول الله صلی الله علیه وآله أسر إلي في مرضه و علمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب. و إني لجالس بذي قار في فسطاط علي علیه السلام و قد بعث الحسن علیه السلام و عماراً يستفزان الناس إذ أقبل علي علیه السلام فقال: يا ابن عباس، يقدم عليك الحسن علیه السلام و معه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. فقلت في نفسي: إن كان كما قال علیه السلام فهو من تلك الألف باب. فلما أظلنا الحسن عليه السلام بذلك الحد استقبلت الحسن عليه السلام فقلت لكاتب الجيش الذي معه أسماؤهم: كم رجل معكم؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.(4)

ص: 659


1- قال المجلسي قدس سره: قوله علیه السلام : (ولا محدث) ليس في القرآن وكان في مصحفهم علیهم السلام. والآية: الحج: 52.
2- الكافي: 270/1ح2، ولاحظ بصائر الدرجات: 319 ح3 و ح4، عنه البحار: 67/26 ح5 وح6.
3- بصائر الدرجات: 329 ح 3، عنه البحار: 2/ 198 ح 51، ونحوه في الخرائج والجرائح، وفي آخره قوله علیه السلام: (إن شئنت أحدث كذا وإن شئت أحدث كذا). الخرائج والجرائح: 761/2 ، عنه البحار: 119/47 ح 164.
4- كتاب سليم: 801 ح 30، عنه البحار: 206/40 ذیل ح10.

الباب 17: حديث النفس بإصابة الإمام عليه السلام للواقع وبخطا عبد الله ابن الحسن وعدم إمامته

1- [محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن ساعة بن مهران، قال: أخبرني الكلبي النسابة قال: دخلت المدينة و لست أعرف شيئا من هذا الأمر، فأتي المسجد فإذا جماعة من قریش، فقلت: أخبروني عن عالم أهل هذا البيت. فقالوا: عبد الله بن الحسن. فأتيت منزله فاستأذنت فخرج إلي رجل ظننت أنه غلام له، فقلت له: استأذن لي على مولاك. فدخل ثم خرج فقال لي: ادخل. فدخلت فإذا أنا بشیخ معتکف شديد الإجتهاد، فسلمت عليه فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا الكلبي النسابة. فقال: ما حاجتك؟ فقل: جئت أسألك. فقال: أمررت بابني محمد؟ قلت: بدأت بك.

فقال:سل. فقلت: أخبرني عن رجل قال لامرأته: (أنت طالق عدد نجوم السماء)؟ فقال: تبين برأس الجوزاء، و الباقي وزر عليه و عقوبة. فقلت في نفسي: واحدة. فقلت: ما يقول الشيخ في المسح على الخفين؟ فقال: قد مسح قوم صالحون و نحن أهل البيت لا نمسح. فقلت في نفسي: ثنتان. فقلت: ما تقول في أكل الجري، أحلال هو أم حرام؟ فقال: حلال، إلا أنا أهل البيت نعافه. فقلت في نفسي: ثلاث. فقلت: فما تقول في شرب النبيذ؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت لا نشربه. فقمت فخرجت من عنده و أنا أقول: هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت.

فدخل المسجد فنظرت إلى جماعة من قریش و غيرهم من الناس فسلمت عليهم ثم قلت لهم: من أعلم أهل هذا البيت؟ فقالوا: عبد الله بن الحسن. فقلت: قد أتيته فلم أجد عنده شيئا. فرفع رجل من القوم رأسه فقال: ائت جعفر بن محمد علیهما السلام، فهو أعلم أهل هذا البيت. فلامه بعض من كان بالحضرة فقلت: إن القوم إنما منعهم من إرشادي إليه أول مرة الحسد. فقلت له: ويحك إياه أردت. فمضيت حتى صرت إلى منزله علیه السلام- إلى أن قال:- فقلت له علیه السلام : أخبرني عن رجل قال لامرأته: (أنت طالق عدد نجوم السماء). فقال عليه السلام: ويحك، أما تقرأ سورة الطلاق؟ قلت: بلى. قال عليه السلام: فاقرأ. فقرأت: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أحصُوا العِدَّةَ»(1)، قال علیه السلام: أترى هاهنا نجوم السماء؟ قلت: لا.

ص: 660


1- الطلاق: 1.

قلت: فرجل قال لامرأته: (أنت طالق ثلاثا)؟ قال علیه السلام :ترد إلى كتاب الله و سنة نبيه صلی الله علیه وآله، ثم قال: لا طلاق إلا على طهر من غير جماع بشاهدين مقبولين. فقلت في نفسي: واحدة. ثم قال علیه السلام :سل. قلت: ما تقول في المسح على الخفين؟

فتبسم علیه السلام ثم قال: إذا كان يوم القيامة و رد الله كل شيء إلى شيئه و رد الجلدإلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟ فقلت في نفسي: نتان. ثم التفت علیه السلام إلى فقال:سل. فقل: أخبرني عن أكل الجري.

فقال علیه السلام: إن الله عز و جل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحراً فهو الجري و المارماهي و الزمار و ما سوى ذلك، و ما أخذ منهم برا فالقردة و الخنازير و الوبر و الورك و ما سوى ذلك. فقلت في نفسي: ثلاث. ثم التفت علیه السلام إلي فقال:سل وقم. فقل: ما تقول في النبيذ؟

فقال عليه السلام: حلال. فقلت: إنا ننبذ فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك ونشربه.

فقال عليه السلام : شه شه تلك الخمرة المنتنة. فقلت: جعلت فداك، فأي نبيذ تعني؟

فقال علیه السلام: إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلی الله علیه وآله تغيير الماء و فساد طبائعهم فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من التمر فيقذف به في الشن فمنه شربه و منه طهوره.

فقلت: و كم كان عدد التمر الذي كان في الكفت؟ فقال عليه السلام : ما حمل الكفت. فقلت: واحدة و ثنتان؟ فقال علیه السلام: ربما كانت واحدة و ربما كانت ثنتين. فقلت: و كم كان يسع الشن؟ فقال علیه السلام: ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك. فقلت : بالأرطال؟ فقال علیه السلام: نعم أرطال بمكيال العراق.

قال ساعة: قال الكلبي: ثم نهض علیه السلام وقمت فخرجت وأنا أضرب بيدي على الأخرى وأنا أقول: إن كان شيء فهذا. فلم يزل الكلبي يدين الله بحب آل هذا البيت حتى مات.(1)

ص: 661


1- الكافي: 348/1-351 عنه البحار: 228/47 -231 ح 19.

الباب 18: التعجب في النفس من أمر الإمام عليه السلام

1-[محمد بن يعقوب في الكافي ]، عن محمد بن الحسن المكفوف قال: حدثني بعض أصحابنا، عن بعض فصادي العسكر من النصاري: أن أبا محمد علیه السلام بعث إلي يوما في وقت صلاة الظهر، فقال لي: افصد هذا العرق. قال: و ناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد، فقلت في نفسي: ما رأيت أمراً أعجب من هذا، يأمرني أن أفصد في وقت الظهر و ليس بوقت فصد، و الثانية عرق لا أفهمه. ثم قال علیه السلام لي: انتظر و کن في الدار . فلما أمسى علیه السلام دعاني و قال لي: سرح الدم. فسرحت ثم قال علیه السلام لي: أمسك فأمسكت، ثم قال لي: كن في الدار.

فلما كان نصف الليل أرسل علیه السلام إلي و قال لي: سرح الدم. قال: فتعجبت أكثر من عجبي الأول و کرهت أن أسأله علیه السلام. قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح. قال: ثم قال علیه السلام لي: احبس. قال: فحبست.

قال: ثم قال علیه السلام: كن في الدار. فلما أصبحت أمر علیه السلام قهرمانه(1) أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها و خرجت حتى أتيت ابن بختیشوع النصراني، فقصصت عليه القصة. قال: فقال لي: و الله ما أفهم ما تقول و لا أعرفه في شيء من الطب و لا قرأته في كتاب و لا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي، فاخرج إليه. قال: فاکتریت زورقاً إلى البصرة و أتیت الأهواز، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر. قال: و قال: أنظرني أياما. فأنظرته ثم أتيه متقاضيا. قال: فقال لي: إن هذا الذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة.(2)

2- [المجلسي في البحار، عن بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا]، قال: حكي عن رجل أسدي، قال: کنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر - عسکر بني أمية -، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها، منها: أنه إذا هبت الرياح تمر علي نفحات کنفحات المسك و العنبر، إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض و يرقي من الأرض

ص: 662


1- القهرمان: وکیل الدخل والخرج،قال في لسان العرب: القهرمان هو المسيطر الحفيظ على ماتحت يديه. أقول: ومنه حديث أمير المؤمنين علیه السلام: (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة).
2- الكافي: 1/ 512 ح 24، عنه البحار: 59 / 131 - 132 ح 101، وعنه أيضا الوسائل: 107/17 - 108 ح22105 مع بعض التفاوت.

إلى السماء مثلها، و أنا منفرد مع عبالي و لا أرى أحدا أسأله عن ذلك. و عند غروب الشمس یقبل أسد من القبلة، فأوتي عنه إلى منزلي، فإذا أصبح و طلعت الشمس و ذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً.

فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج، قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم، و أرى منهم ما لم أره من سائر القتلى! فو الله هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلما صار عند غروب الشمس و إذا به أقبل فحققته، و إذا هو هائل المنظر، فارتعدت منه، و خطر ببالي: إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، و أنا أحاكي نفسي بهذا فمثلته و هو يتخطى القتلى، حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت، فبرك عليه. فقلت: يأكل منه. و إذا به يمرغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم. فقلت: الله أكبر! ما هذه إلا أعجوبة. فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام، و إذا بشموع معلقة ملاث الأرض، و إذا ببكاء و نحيب و لطم مفجع، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض، ففهمت من ناع فيهم يقول: واحسيناه، وا إماماه.فاقشعر جلدي، فقربت من الباكي و أقسمت عليه بالله و برسوله صلی الله علیه وآله من تكون؟

فقال: إنا نساء من الجن. فقلت: و ما شأنكن؟ فقلن: في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين علیه السلام الذبيح العطشان. فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا. قلن: هذا أبوه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فرجعت و دموعي تجري على خدي.(1)

الباب 19: حديث النفس بانه من شيعة الإمام علیه السلام

1-[محمد بن يعقوب في الكافي] ، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن علیه السلام : لا تنسني من الدعاء.

قال علیه السلام: أوتعلم أني أنساك؟ قال: فتفكرت في نفسي و قلت: هو علیه السلام يدعو لشيعته و أنا من شیعته. قلت: لا لا تنساني. قال عليه السلام : و كيف علمت ذلك؟ قلت: إني من شيعتك و إنك لتدعو لهم. فقال علیه السلام : هل علمت بشيء غير هذا؟ قال: قلت: لا. قال عليه السلام : إذا

ص: 663


1- البحار: 193/45 ضمن ح 36.

أردت أن تعلم ما لك عندي فانظر إلى ما لي عندك.(1)

الباب 20: حديث النفس بخلاف ما سيفعله الإمام علیه السلام

1 - [الإربلي في كشف الغمة]، أن أمير المؤمنين علیه السلام كان قد ولى على ( عکبرا) رجلا من ثقيف. قال: قال له علي عليه السلام : إذا صليت الظهر غدا فعد إلي، فعدت إليه علیه السلام في الوقت المعين فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه. فوجدته جالسا و عنده قدح و کوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت في نفسي: لقد أمني حتى يخرج إلى جوهراً، فكسر علیه السلام الختم و حله، فإذا فيه سويق(2) فأخرج منه، فصبه في القدح و صب عليه ماء فشرب و سقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته؟

فقال عليه السلام : أما و الله ما أختم عليه بخلا به، و لكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره، و أنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك أحترز عليه كما ترى، فإياك و تناول ما لا تعلم حله.(3)

الباب 21: حديث النفس فيما جرى بينه وبين أحد الإصحاب في العفو عن المشركين

1 - [الراوندي في الخرائج والجرائح]، قال أبوهاشم: سمعت أبامحمد علیه السلام يقول: إن الله العفو يوم القيامة عفوا يحيط على العباد حتى يقول أهل الشرك: «وَاللهِ رَبِّنَامَاکُنَّا مُشرِكِينَ»(4).

فذكر في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة أن رسول الله صلی الله علیه وآله قرأ:«إِنَّ اللهَ يَغفِر الذُّنُوبَ»(5)فقال الرجل: ومن أشرك. فأنكر ذلك و تنمرت

ص: 664


1- الكافي: 652/2 ح4.
2- السويق: دقیق مقلو يعمل من الحنطة أو الشعير. (مجمع البحرین)
3- کشف الغمة: 1/ 175، عنه البحار:334/40 ضمن ح15.
4- الأنعام: 23.
5- الزمر: 53.

للرجل، فأنا أقول في نفسي إذ أقبل علیه السلام علي فقال:«إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ بِهِ وَيغفِرُمَا دُونَ ذَلِكَ لَمِن يَشَاءُ»(1)، بئسما قال هذا و بئسما روی.(2)

الباب 22: حديث النفس بالشكوى إلى العالم

1-[ المجلسي في البحار من کتاب قبس المصباح]، عن الحسين بن الحسن بن بابویه، عن عمه محمد بن علي بن بابویه رحمة الله قال: حدثني بعض مشايخي القميين. قال کربني أمر ضقت به ذرعا و لم يسهل في نفسي أن أفشيه لأحد من أهلي و إخواني. فنمت و أنا به مغموم فرأيت في التوم رجلا جميل الوجه حسن اللباس طيب الرائحة، خلته بعض مشايخنا القميين الذين كنت أقرأ عليهم، فقلت في نفسي: إلى متى أكابد همي وغمي و لا أفشيه لأحد من إخواني و هذا شيخ من مشايخنا العلماء، أذكر له ذلك فلعلي أجدلي عنده فرجاً، فابتدأني و قال: ارجع فيما أنت بسبيله إلى الله تعالی و استعن بصاحب الزمان علیه السلام و اتخذه لك مفزعاً، فإنه نعم المعين و هو عصمة أوليائه المؤمنين، ثم أخذ بيده اليمنى و قال: زره و سلم عليه و سله أن يشفع لك إلى الله تعالى في حاجتك.

فقلت له: علمني كيف أقول، فقد أنساني همي بما أنا فيه كل زيارة و دعاء. فتنقس الصعداء و قال: لا حول و لا قوة إلا بالله، و مسح صدري بيده وقال: حسبك الله لا بأس عليك. تطهر و صل ركعتين ثم قم و أنت مستقبل القبلة تحت السماء و قل: سلام الله الكامل التام الشامل العام و صلواته الدائمة و بركاته القائمة على حجة الله و وليه في أرضه و بلاده..

- إلى أن قال: - فانتبهت و أنا موقن بالروح و الفرج و كان على بقية من ليلي واسعة، فبادرت و کتبت ما علمنيه خوفا أن أنساه، ثم تطهرت و برزت تحت السماء و صليت ركعتين قرأت في الأولى بعد الحمد کا عين لي: «إنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحَاً مُبِينَاً» و في الثانية بعد الحمد:«إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَ الفَتحُ» ، فلما سلمت قمت و أنا مستقبل القبلة و زرت ثم دعوت حاجتي و استغنت بمولاي صاحب الزمان عج، ثم سجدت سجدة الشكر و

ص: 665


1- النساء: 48، والنساء: 116.
2- الخرائج والجرائع: 686/2 ، عنه البحار: 6/6-7 ح 12، 256/50-257 ح 12.

أطلت فيها الدعاء حتى خفت فوات صلاة الليل، ثم قم و صليت وردی و عقبت بعد صلاة الفجر و جلست في محرابي أدعو، فلا و الله ما طلعت الشمس حتى جاءني الفرج مما کنت فيه و لم يعد إلى مثل ذلك بقية عمري، و لم يعلم أحد من الناس ما كان ذلك الأمر الذي أهمني إلى يوم هذا، و المنة الله و له الحمد كثيراً.(1)

الباب 23: حديث النفس بان أهل الطاعون يهذون

1 - [الديلمي في إرشاد القلوب]، بحذف الإسناد مرفوعا إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي - ختن معاذ بن جبل و حين مات كانت ابنته تحت معاذ بن جبل، و كان أفقه أهل الشام و أشدهم اجتهاداً-، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدت يوم مات و الناس متشاغلون بالطاعون. قال: و سمعته حين احتضر وليس في البيت غيري - وذلك في خلافة عمر بن الخطاب -، فسمعته يقول: ويل لي ويل لي.

فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون بهذون و يقولون الأعاجيب. فقلت له: أتهذي؟ قال: لا، رحمك الله. قلت: فلم تدعو بالويل و الثبور؟ قال: لموالاتي عدو الله علي ولي الله. فقلت له: من هم؟ قال: موالاتي عتيقة و [رمع] على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله و وصيه علي بن أبي طالب علیهما السلام .

فقلت: إنك لتهجر. فقال: يا ابن غنم، و الله ما أهجر. هذان رسول الله صلی الله علیه وآله و علي ابن أبي طالب علیهما السلام يقولان لي: يا معاذ، أبشر بالنار أنت و أصحابك. أفليس قلتم: إن مات رسول الله صلی الله علیه وآله أو قتل زوینا الخلافة عن علي بن أبي طالب علیهما السلام فلن تصل إليه. فاجتمع أنا و [عتیق و رمع]و أبو عبيدة و سالم.

قال: قلت: متی یا معاذ؟ قال: في حجة الوداع، قلنا نتظاهر على علي علیه السلام فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلما قبض رسول الله صلی الله علیه وآله قلت لهم: أنا أكفيكم قومي الأنصار فاكفوني قريشا، ثم دعوت على عهد رسول الله صلی الله علیه وآله إلى هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك.

فقلت: يا معاذ إنك لتهجر. فألصق خده بالأرض، فمازال يدعو بالويل و الثبور

ص: 666


1- البحار: 245/99-247 ح8، 91/ 31 - 32 ضمن ح 21.

حتى مات.

فقال ابن غنم: ما حدث بهذا الحديث یا ابن قيس بن هلال أحدا إلا ابنتي امرأة معاذ و رجلا آخر، فإني فزعت مما رأيت و سمعت من معاذ.. الخبر (1)

الباب 24: حديث النفس من الأشعري حول أحسد الناس

1-[ السيد في كتاب الشافي]، روی شريك بن عبد الله النخعي بإسناده إلى أبي موسى الأشعري، قال: حججت مع عمر بن الخطاب، فلما نزلنا و عظم الناس، خرجت من رحلي أريد عمر فلقيني مغيرة بن شعبة فرافقني، ثم قال أين تريد؟ فقلت: أمير المؤمنين عمر، فهل لك. قال: نعم، قال: فانطلقنا نريد رحل عمر، - إلى أن قال: - ثم إن المغيرة نظر إلي و تبسم، فنظر إليه عمر فقال: مم تبسمت أيها العبد؟ فقال: من حديث كنت أنا و أبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك. فقال: وما ذاك الحديث؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذکر حسد قریش و ذکر من أراد صرف أبي بكر عن استخلافه. فتنفس الصعداء، ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة، و ما تسعة أعشار الحسد؟ إن فيها لتسعة أعشار الحسد کما ذکرت و تسعة أعشار العشر، و في الناس عشر العشر،و قریش شركاؤهم في عشر العشر أيضا. ثم سکت مليا و هو يتهادی بینا، ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قریش كلها؟

قلنا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: أوعليكما ثیابکما؟ قلنا: نعم. قال: و كيف بذلك و أنتما ملبسان ثیابکما؟ قلنا له: يا أمير المؤمنين و ما بال الثياب؟ قال: خوف الإذاعة من الثياب. فقلت له: أتخاف الإذاعة من الثياب؟ فأنت و الله من ملبسي الثياب أخوف، و ما الثياب أردت. قال: هو ذلك.

فانطلق و انطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلی أيدينا من يده، ثم قال: لاتریما. ثم دخل، فقلت للمغيرة: لا أبا لك، لقد عثرنا بكلامنا معه و ما كنا فيه و ما رآه [نراه] حبسنا إلا ليذاکرنا إياها. قال فإنا لكذلك إذ خرج إلينا أذنه، فقال: ادخلا. فدخلنا، فإذا عمر مستلق على برذعة الرحل، فلما دخلنا أنشأ يتمثل ببيت كعب بن زهير:

ص: 667


1- إرشاد القلوب: 391/2 ، عنه البحار: 30/ 127 ح7، وكتاب سليم بن قيس الهلالي: 816 أقول: تمام الخبر في الفصل 10، الباب 4، ح 11.

لا تفش سرک إلا عند ذي ثقة *** أولى و أفضل ما استودعت أسرارا

صدرا رحیبا و قلبا واسعا ضمنا *** لا تخش منه - إذا أودعت - إظهارا

فعلمنا أنه يريد أن نضمن له کتمان حديثه، فقلت: أناله يا أمير المؤمنين، أكرمنا و خضنا و صلنا. فقال: بماذا يا أخا الأشعريين؟ قلت: بإفشاء سرك إلينا و إشراكنا في همك، فنعم المستسران نحن لك. فقال: إنكما لكذلك، فاسألا عما بدا لكما. ثم قال: فقام إلى الباب ليغلقه، فإذا آذنه الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك. فخرج و أغلق الباب خلفه ثم جلس و أقبل علينا، و قال: سلا تخبرا.

قلنا: نريد أن تخبرنا يا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم تأمن ثيابنا على ذكره لنا. فقال: سألتما عن معضلة و سأخبركما، فليكن عندكما في ذمة منيعة و حرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما و ما أحببتما من إظهار أو كتمان. قلنا: فإن لك عندنا ذلك. قال أبو موسى: و أنا أقول في نفسي: ما أظنه يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة و غيره، فإنهم قالوا: لا يستخلف علينا فظا غليظاً، و إذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي. فعاد إلى التنفس، فقال: من تريانه؟ قلنا: و الله ما ندري إلا ظنا.

قال: و من تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمرعنك.

قال: كلا و الله، بل كان أبو بكر أعق و أظلم، هو الذي سألتما عنه، كان و الله أحسد قریش كلها. ثم أطرق طويلا فنظر إلى المغيرة و نظرت إليه، و أطرقنا مليا لإطراقه، و طال السكوت منا و منه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه، ثم قال: وا لهفاه على ضئيل بني تمیم بن مرة، لقد تقدمني ظالماً و خرج إلى منها آثماً.

فقال له المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، فكيف خرج إليك منها آثماً؟ قال: ذلك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها، أما و الله لو كنت أطعت زید بن الخطاب و أصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبدا، و لكني قدمت و أخرت، و صعدت و صوب، و نقضت و أبرمت، فلم أجد إلا الإغضاء على مانشب به منها و التلهف على نفسي، و أملت إنابته و رجوعه، فو الله ما فعل حتى فرغ منها بشيماً.

قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين و قد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها. ثم أنت الآن تنقم و تتأسف؟

ص: 668

فقال: ثكلتك أمك يا مغيرة، إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما هناك، إن الرجل كادني فكدته، و ماكرني فماكرته، و ألفاني أحذر من قطاة، إنه لما رأى شغف الناس به و إقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه و شغفهم به أن يعلم ماعندي.. الخبر. (1)

الباب 25: حديث النفس بان الإمام عليه السلام ينعى نفسه

1 -[ الشيخ في الغيبة]، أيوب بن نوح عن ابن فضال قال: سمعت علي بن جعفر يقول: كنت عند أخي موسی بن جعفر علیهما السلام فكان و الله حجة في الأرض بعد أبي علیه السلا إذ طلع ابنه علي علیه السلام فقال لي: يا علي، هذا صاحبك و هو مني بمنزلتي من أبي فثبتك الله على دينه. فبكيت و قلت في نفسي: نعي عليه السلام و الله إلى نفسه. فقال عليه السلام : ياعلي، لا بد من أن يمضي مقادير الله في، ولي برسول الله صلی الله علیه وآله أسوة و بأمير المؤمنين و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام. و كان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام.(2)

الباب 26: حديث النفس بعدم البرء

1 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل

قال: نزلت ببطن مر فأصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي، فدخلت على الرضا علیه السلام بالمدينة فقال علیه السلام: ما لي أراك متوجعا؟

فقلت: إني لما أتيت بطن مر أصابني العرق المديني في جنبي و في رجلي. فأشار علیه السلام إلى الذي في جنبي تحت الإبط فتكلم بكلام و تفل عليه ثم قال علیه السلام : ليس عليك بأس من هذا و نظر إلى الذي في رجلي فقال: قال: أبو جعفر علیه السلام من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر کتب الله عز و جل له مثل أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: لا أبرأ و الله من رجلي أبدا. قال الهيثم : فما زال يعرج منها حتى مات.(3)

ص: 669


1- الشافي: 4/ من 126، عنه البحار:449/30 - 452، وراجع شرح النهج للمعتزلي: 2/ من 30.
2- غيبة الطوسی: 42، عنه البحار: 26/49 ح 45، مسائل على بن جعفر : 347 ح856.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 29221، عنه البحار: 42/49 ح 31.

الباب 27: حديث النفس بكون القرآن مخلوقا أو لا

1-[ابن شهر آشوب في المناقب]، قال أبو هاشم: خطر ببالي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال أبو محمد علیه السلام : يا أبا هاشم، الله خالق كل شيء، و ما سواه مخلوق.(1)

2 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، قال أبو هاشم: قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد علیه السلام في القرآن، أهو مخلوق أو غير مخلوق؟ فأقبل علیه السلام علي فقال: أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله علیه السلام لما نزلت:«قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ»خلق لها أربعة ألف[آلاف ]جناح، فما كانت تمر بملأ من الملائكة إلا خشعوا لها، و قال عليه السلام : هذه نسبة الرب تبارك و تعالى.(2)

الباب 28: حديث النفس بالتمني لرؤية ما أخبر عنه الإمام علیه السلام

1 -[ المجلسي في البحار من كتاب مشارق الأنوار للبرسي]، عن علي بن عاصم الأعمى الكوفي قال: دخلت على أبي محمد العسكري علیه السلام فقال لي: يا علي بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس فيه كثير من النبيين و المرسلين و الأئمة الراشدين عليه السلام. قال: فقلت: يا سيدي، لا أنتعل ما دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط. فقال علیه السلام: يا علي، إن هذا النعل الذي في رجلك نعل نجس ملعون لا يقر بولايتنا. قال: فقلت في نفسي: ليتني أرى هذا البساط. فعلم علیه السلام ما في ضميري فقال: ادن مني. فدنوت منه علیه السلام فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيراً، قال: فرأيت في البساط أقداماً و صوراً، فقال علیه السلام : هذا قدم آدم علیه السلام و موضع جلوسه، و هذا أثر هابيل، و هذا أثر شيث،و هذا أثر نوح، و هذا أثر قيدار، و هذا أثر مهلائيل، و هذا أثر بارة، و هذا أثر خنوخ، و هذا أثر إدريس، و هذا أثر متوشلخ، و هذا أثر سام، و هذا أثر أرفخشد، و هذا أثر هود، و هذا أثر صالح، و هذا أثر لقمان، و هذا أثر إبراهيم، و هذا أثر لوط، و هذا أثر إسماعيل، و هذا أثر إلياس، و هذا أثر إسحاق، و هذا أثر يعقوب، و هذا أثر يوسف، و هذا أثر

ص: 670


1- مناقب آل أبي طالب: 436/4 ، عنه البحار: 50/ 258 ح15.
2- الخرائج والجرائح: 686/2، عنه البحار: 50/ 254 ح 9، 89/ 350 ح19، مع بعض التفاوت، وفي المصدر بدل: (قال هذه نسبة الرب) : قالوا : هذه نسبة الرب.

شعیب، و هذا أثر موسی، و هذا أثر یوشع بن نون، و هذا أثر طالوت، و هذا أثر داود، و هذا أثر سلیمان، و هذا أثر الخضر، و هذا أثر دانیال، و هذا أثر اليسع، وهذا أثر ذي القرنين الإسكندر، و هذا أثر شابور بن أردشير(1)، و هذا أثر لؤي، و هذا أثر كلاب، و هذا أثر قصي، و هذا أثر عدنان، و هذا أثر عبد مناف، و هذا أثر عبد المطلب، و هذا أثر عبد الله، و هذا أثر سيدنا رسول الله صلی الله علیه وآله ، و هذا أثر أمير المؤمنين عليه السلام، و هذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي عليه السلام ، لأنه قد وطأه و جلس عليه.

ثم قال علیه السلام : انظر إلى الآثار و اعلم أنها آثار دين الله، و أن الشاك فيهم كالشاك في الله ، و من جحدهم كمن جحد الله. ثم قال علیه السلام: اخفض طرفك يا علي. فرجع محجوباً کما کنت. (2)

الباب 29: حديث النفس من أبي طالب فيمن جاء من الجنة لإعانة فاطمة بنت أسد

1 - [النيشابوري في روضة الواعظين]، في خبر ولادة أمير المؤمنين علیه السلام ونزول نساء من الجنة لإعانة فاطمة بنت أسد - إلى أن قال:- قال أبو طالب: فأنا كنت في استماع قولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله ابن أخي من يدهن و وضع يده في يده و تكلم معه و سأله عن كل شيء، فخاطب محمد صلی الله علیه وآله عليا علیه السلام بأسرار كانت بينهما، ثم غبن النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي: لو عرفت المرأتين الأخريين، فألهم الله علياً عليه السلام فقال: يا أبي، أما المرأة الأولى فكانت حواء و أما التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها، و أما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية بنت مزاحم، و أما صاحبة الجونة فهي أم

ص: 671


1- قال الجزائري في قصص الأنبياء: أقول: ما اشتمل عليه من ذكر شابور وما بعده يدل على أنهم كانوا مسلمين وقتا ما، وذلك لأن شابور من أجداد علي بن الحسين علیهما السلام كما أن لؤي وما بعده من أجداد النبي صلی الله علیه وآله .
2- البحار: 50/ 304 - 305 ح 81، وذكره في: 11/ 33 - 34 ح 27، إلا أنه ليس فيه من قوله: (قال:فقلت: يا سيدي لا أنتعل..) إلى قوله: (فعلم علیه السلام ما في ضميري.) وهكذا في قصص الأنبياء للجزائري: 6، ولاحظ البحار: 316/50-317 عن بعض مؤلفات أصحابنا مع الإختلاف والتفصيل.

موسی بن عمران.. الحديث.(1)

الباب 30: حديث النفس بان المنصور يريد قتله لحب أمير المؤمنين علیه السلام

1-[الصدوق في الأمالي ]، عن سليمان الأعمش قال: بعث إلي أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب. قال: فقم متفكراً فيما بيني و بين نفسي و قلت: ما بعث إلى أمير المؤمنين في هذه الساعة إلا ليسألني عن فضائل علي علیه السلام ، و لعلي إن أخبره قتلني. قال: فكتبت وصيتي و لبست كفني و دخلت فيه عليه. فقال: ادن. فدنوت و عنده عمرو بن عبید. فلما رأيته طابت نفسي شيئا، ثم قال: ادن. فدنوت حتى كادت تمس ركبتي ركبته. قال: فوجد مني رائحة الحنوط. فقال: و الله لتصدقني أو لأصلبتك. قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟

قال: ما شأنك منحتطا؟ قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب. فقلت: عسی أن يكون أمير المؤمنين بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي علیه السلام فلعلي إن أخبرته قتلني، فكتبت وصيتي و لبست كفني. قال: و كان متكئا فاستوى قاعداً فقال: لا حول و لا قوة إلا بالله، سألتك بالله یا سليمان، كم حديثا ترويه في فضائل علي علیه السلام ؟ قال: فقلت يسيراً يا أمير المؤمنين. قال: كم؟ قلت: عشرة آلاف حدیث و ما زاد. فقال: يا سلیمان، و الله لأحدثنك بحديث في فضائل علي علیه السلام تنسى كل حديث سمعته. قال: قل: حدثني يا أمير المؤمنين. قال نعم.. الخبر.(2)

الباب 31: حديث النفس بان هارون يريد قتله

1- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن عبيد الله البراز النيسابوري - و كان مسنا - قال: كان بيني و بين حمید بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة، فرحلت إليه في بعض

ص: 672


1- روضة الواعظين: 1/ 80، عنه البحار: 35/ 15ح 12.
2- أمالي الصدوق: من 435 ح 2 المجلس 67، عنه البحار: 37/ من 89ح 55، ولاحظ روضة الواعظين: 1/ 120، کشف الیقین: 309.

الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت و علي ثياب السفر لم أغيرها، و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر. فلما دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه و جلست فأتي بطست و إبريق فغسل يديه ثم أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة وذهب عني أني صائم وأتي في شهر رمضان، ثم ذكرت فأمسكت يدي.

فقال لي حميد: ما لك لا تأكل؟ فقلت: أيها الأمير هذا شهر رمضان و لست بمريض و لابي علة توجب الإفطار، و لعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الإفطار. فقال: ما بي علة توجب الإفطار و إني لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه و بکی. فقلت له بعدما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: أنفذ إلى هارون الرشید وقت کونه بطوس في بعض الليل أن أجب. فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد و سيفا أحضر مسلولا، و بين يديه خادم واقف. فلما قمت بين يديه رفع رأسه إلى فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس و المال. فأطرق ثم أذن لي في الانصراف. فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إلي و قال: أجب أمير المؤمنين. فقلت في نفسي: إنا لله، أخاف أن يكون قد عزم على قتلي، و إنه لما رآني استحيا مني. فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إلى فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس و المال و الأهل و الولد. فتبسم ضاحكا ثم أذن لي في الإنصراف. فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إلي فقال: أجب أمير المؤمنين. فحضرت بين يديه و هو على حاله فرفع رأسه إلى فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين. فضحك ثم قال لي: خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم .

قال: فتناول الخادم السيف و ناولنيه و جاء بي إلى بيت بابه مغلق، ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه و ثلاثة بيوت أبوابها مغلقة، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور و الذوائب شیوخ و کهول و شبان مقيدون. فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء و كانوا كلهم علوية من ولد علي و فاطمة عليهما السلام ، فجعل يخرج إلى واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم. ثم رمى بأجسادهم و رءوسهم في تلك البئر، ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية من ولد علي و فاطمة علیهما السلام مقيدون. فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء. فجعل يخرج إلى واحداً بعد واحد فأضرب عنقه و يرمي به في تلك البئر حتى أتيت على آخرهم. ثم فتح باب البيت الثالث

ص: 673

فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام ، مقيدون عليهم الشعور و الذوائب، فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضا. فجعل يخرج إلى واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر، حتى أتيت على تسع عشرة نفساً منهم و بقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي: تبا لك يا مشوم، أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول الله صلی الله علیه وآله و قد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة علیهما السلام ؟ فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي فنظر إلى الخادم مغضبا و زبرني فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمی به في تلك البئر. فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفسا من ولد رسول الله صلی الله علیه وآله فماينفعني صومي وصلاتي، وأنا لا أشك أني مخلد في النار.(1)

الباب 32: حديث النفس من جابر بانه لا يعرف الدلائل إلا الإمام فكيف عرفها غيره؟

1-[الراوندي في الخرائج و الجرائح]، عن دعبل الخزاعي قال: حدثنا الرضا عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: كنت عند أبي الباقر علیه السلام إذ دخل عليه جماعة من الشيعة و فيهم جابر بن يزيد فقالوا: هل رضي أبوك علي علیه السلام بإمامة الأول و الثاني؟

قال علیه السلام: اللهم لا. قالوا: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم؟ فقال الباقر علیه السلام : امض یا جابر بن یزید إلى منزل جابر بن عبد الله الأنصاري فقل له: إن محمد بن علي علیهما السلامم يدعوك. قال جابر بن یزید: فأتيت منزله و طرقت عليه الباب، فناداني جابر بن عبد الله الأنصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن یزید. فقلت في نفسي: أين علم جابر الأنصاري أني جابر بن یزید و لا يعرف الدلائل إلا الأئمة من آل محمد علیهم السلام ؟ و الله لأسألنه إذا خرج إلي. فلما خرج قلت له: من أين علمت أني جابر و أنا على الباب و أنت داخل الدار؟ قال: خبرني مولاي الباقر عليه السلام البارحة أنك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم و أنا أبعثه إليك يا جابر بكرة غد و أدعوك. فقلت: صدقت .

قال: سر بنا. فسرنا جميعا حتى أتينا المسجد، فلما بصر مولاي الباقر علیه السلام بنا و نظر إلينا قال للجماعة: قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع و رأی. فقالوا: يا جابر ، هل

ص: 674


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 108/1-111، عنه البحار: 176/48-178 ح20.

راضي إمامك علي بن أبي طالب علیه السلام بإمامة من تقدم؟ قال: اللهم لا. قالوا: فلم نكح من سبيهم إذ لم يرض بإمامتهم؟ قال جابر: آه آه، لقد ظننت أني أموت و لا أسأل عن هذا إذ سألتموني،فاسمعوا و عوا. حضرت السبي و قد أدخلت الحنفية فيمن أدخل، فلما نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله صلی الله علیه وآله فرنت و زفرت زفرة و أعلنت بالبكاء و النحيب، ثم نادت: السلام عليك يا رسول الله صلی الله علیه وآله و على أهل بيتك من بعدك. هؤلاء أمتك سبينا [سبتنا ]سبي النوب و الديلم، و الله ما كان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك فجعلت الحسنة سيئة و السيئة حسنة فسبينا [فسبتنا]. ثم انعطفت إلى الناس و قالت: لم سبيتمونا و قد أقررنا بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلی الله علیه وآله ؟

قالوا: منعتمونا الزكاة. قالت: هب الرجال منعوكم، فما بال النسوان؟ فسكت المتكلم كأنما ألقم حجراً. ثم ذهب إليها طلحة و خالد يرميان في الترويج إليها ثوبين.

فقالت: لست بعريانة فتكسوني. قيل: إنهما يريدان أن يتزايدا عليک فأنهما زاد على صاحبه أخذ من السبي. قالت: هيهات! و الله لا يكون ذلك أبدا ولا يملكني ولا يكون لي ببعل إلا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمي. فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض و ورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم و أخرس ألسنتهم، و بقي القوم في دهشة من أمرها.

فقال أبو بكر: ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ قال الزبير: لقولها الذي سمعت. قال أبو بكر: ما هذا الأمر الذي أحصر أفهامكم، إنها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت و رأت فلا شك أنها داخلها الفزع و تقول ما لا تحصیل له. فقالت: رمیت بكلامك غير مرمي، و الله ما داخلني فزع و لا جزع، و و الله ما قلت إلا حقا ولا نطقت إلا فصلا، و لا بد أن يكون كذلك و حق صاحب هذا البنية ما كذبت. ثم سكتت و أخذ طلحة و خالد ثوبيهما و هي قد جلست ناحية من القوم.

فدخل علي بن أبي طالب علیهما السلام فذكروا له حالها، فقال عليه السلام: هي صادقة فيما قالت، و كان حالتها و قصتها کیت و کیت في حال ولادتها. و قال علیه السلام : إن كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن أمها هو كذا و كذا و كل ذلك مكتوب على لوح معها، فرمت باللوح إليهم لا سمعت كلامه علیه السلام، فقرأوها على ما حكي علي بن أبي طالب علیهما السلام لا يزيد حرفاً ولا ينقص.

ص: 675

فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، بارك الله لك فيها. فوثب سلمان فقال: و الله ما الأحد هاهنا منة على أمير المؤمنين، بل الله المئة و لرسوله صلی الله علیه وآله و لأمير المؤمنين علیه السلام، و الله ما أخذها إلا بمعجزه الباهر و علمه القاهر و فضله الذي يعجز عنه كل ذي فضل. ثم قال المقداد: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم الطريق للهداية فتركوه و أخذوا طريق العمی، و ما من قوم إلا و تبين لهم فيه دلائل أمير المؤمنين علیه السلام. و قال أبو ذر: وا عجبا لمن يعاند الحق، و ما من وقت إلا و ينظر إلى بيانه، أيها الناس قد تبين لكم فضل أهل الفضل. ثم قال: يا فلان أتمن على أهل الحق بحقهم و هم بما في يديك أحق و أولى؟

و قال عمار: أناشدكم بالله، أما سلمنا على أمير المؤمنين، هذا علي بن أبي طالب علیه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بإمرة المؤمنين؟ فزجره عمر عن الكلام فقام أبو بكر فبعث علي علیه السلام خولة إلى بيت أسماء بنت عمیس، قال لها: خذي هذه المرأة و أكرمي مثواها فلم تزل خولة عند أسماء بنت عميس إلى أن قدم أخوها فتزوجها علي بن أبي طالب علیه السلام ، فكان الدليل على علم أمير المؤمنين علیه السلام و فساد ما يورده القوم من سبيهم و أنه علیه السلام تزوجها نکاحاً.

فقالت الجماعة: یا جابر، أنقذك الله من حر النار كما أنقذتنا من حرارة الشك.(1)

الباب 33: حديث النفس بعدم الدخول على الإمام عليه السلام في منتصف الليل

1-[الصفار في بصائر الدرجات]، عن عبد الله بن عطاء المكي قال: اشتقت إلى أبي جعفر علیه السلام و أنا بمكة، فقدمت المدينة و ما قدمتها إلا شوقا إليه علیه السلام ، فأصابني تلك الليلة مطر و برد شديد، فانتهيت إلى بابه علیه السلام نصف الليل، فقلت: ما أطرقه هذه الساعة و أنتظر حتى أصبح. و إني لأفكر في ذلك إذ سمعته علیه السلام يقول: يا جارية، افتحي الباب لابن عطا فقد أصابه في هذه الليلة برد و أذى. قال: فجاءت ففتحت الباب فدخلت عليه علیه السلام.(2)

ص: 676


1- الخرائج والجرائع: 589/2 - 590، عنه البحار: 84/42-85 ح14.
2- بصائر الدرجات: 252 - 253ح7، 257 ح1، عنه البحار: 235/46-236 ح 7 وعن كشف الغمة والمناقب، کشف الغمة: 2/ 139، المناقب: 188/4 ، الخرائج والجرائح: 2/ 594.

الباب 34: حديث النفس من داود الرقي في شان صفائح الذهب

1-[ الراوندي في الخرائج و الجرائح ]، روي أن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: ما لي أرى لونك متغيراً؟ قلت: غيره دين فاضح عظيم، و قد هممت بركوب البحر إلى السند لإتيان أخي فلان. قال: إذا شئت. قلت: يروعني عنه أهوال البحر و زلازله. قال: إن الذي يحفظ في البر هو حافظ لك في البحر، یا داود، لولا اسمي و روحي لما اطردت الأنهار و لا أينعت الثمار ولا اخضرت الأشجار.

قال داود: فركبت البحر حتى إذا كنت بحيث ما شاء الله من ساحل البحر بعد مسيرة مائة و عشرين يوما خرجت قبل الزوال يوم الجمعة، فإذا السماء متغيمة و إذا نور ساطع من قرن السماء إلى جدد الأرض، و إذا صوت خفي: يا داود، هذا أوان قضاء دينك، فارفع رأسك قد سلمت. قال: فرفعت رأسي و نوديت: عليك بما وراء الأكمة الحمراء. فأتيتها فإذا صفائح من ذهب أحمر ممسوح أحد جانبيه و في الجانب الآخر مكتوب:«هَذَا عَطاؤُنَا فَامنُنَّ أَو أَمسِك بِغَيرِحِسابٍ»(1)، فقبضتها ولها قيمة لا تحصى. فقلت: لا أحدث فيها حتى آتي المدينة. فقدمتها فدخلت عليه علیه السلام، فقال لي: يا داود، إنما عطاؤنا لك النور الذي سطع لك لا ما ذهب إليه من الذهب و الفضة، و لكن هو لك هنيئا مريئاً عطاء من رب کریم فاحمد الله.

قال داود: فسألت معتبأ خادمه: فقال: كان علیه السلام في ذلك الوقت يحدث أصحابه منهم خيثمة و حمران و عبد الأعلى مقبلا عليهم بوجهه علیه السلام يحدثهم بمثل ما ذكرت، فلما حضرت الصلاة قام فصلى بهم. فسألت هؤلاء جميعا فحكوالي الحكاية.(2)

الباب 35: حديث النفس من المامون في فراره من أخيه

1- [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، عن الريان بن الصلت قال: أكثر الناس في بيعة الرضا علیه السلام من القواد و العامة و من لا يحب ذلك، و قالوا: إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين. فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال: يا

ص: 677


1- ص: 39.
2- الخرائج والجرائح: 622/2-623 ، عنه البحار: 100/47-101 ح102 (نحوه).

ريان بلغني أن الناس يقولون إن بيعة الرضا علیه السلام كانت من تدبير الفضل ابن سهل. فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون هذا.

قال: ويحك يا ربيان، أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية و القواد و استوت له الخلافة فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟ قلت له: لا و الله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد. قال: لا و الله ما كان كما يقولون، و لكن سأخبرك بسبب ذلك أنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعلي بن عیسی بن ماهان و أمره أن يقيدني بقید و يجعل الجامعة في عنقي، فورد علي بذلك الخبر و بعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان و کرمان و ما والاهما فأفسد علي أمري و انهزم هرثمة، و خرج صاحب السرير و غلب على کور خراسان من ناحيته فورد علي هذا كله في أسبوع. فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة بذلك و لا كان لي مال أتقوی به و رأيت من قوادي و رجالي الفشل و الجبن أردت أن ألحق بملك کابل فقلت في نفسي: ملك کابل رجل كافر و يبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله عز و جل من ذنوبي و أستعين به على هذه الأمور و أستجير بالله عز و جل. فأمرت بهذا البيت - و أشار إلى بيت تکنس - وصببت على الماء و لبست ثوبين أبيضين و صليت أربع ركعات قرأت فيها من القرآن ما حضرني و دعوت الله عز و جل و استجرت به و عاهدته عهداً وثيقاً بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إلي و كفاني عاديته وهذه الأمور الغليظة أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله عز و جل فيه، ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهراً إلى علي بن عيسى بن هامان (ماهان) فكان من أمره ما كان و رددت هرثمة إلى رافع ابن أعين فظفر به و قتله، و بعثت إلى صاحب السرير فهادنته و بذلت له شيئا حتى رجع، فلم يزل أمري يقوي حتى كان من أمر محمد ما كان، و أفضى الله إلي بهذا الأمر و استوى لي. فلما وان الله عز و جل لي بما عاهدته عليه أحببت أن أفي لله تعالى بما عاهدته، فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا علیه السلام فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت، فهذا كان سببها.. الخبر.(1)

ص: 678


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 151/2-154 ح 22، عنه البحار: 49/ 137 - 140ح 12، والخبر طویل أخذنا موضع الحاجة.

الباب 36: حديث النفس من أم الفضل بهلاكها لما أججت من الفتنة

1- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روی محمد بن إبراهيم الجعفري، عن حكيمة بنت الرضا علیه السلام قالت: لما توفي أخي محمد بن الرضا علیهما السلام صرت يوما إلى امرأته أم الفضل بسبب احتجت إليها فيه، قالت: فبينما نحن نتذاكر فضل محمد علیه السلام و کرمه و ما أعطاه من العلم و الحكمة إذ قالت امرأته أم الفضل: يا حكيمة، أخبرك عن أبي جعفر بن الرضا علیهما السلام بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها. قلت: وما ذاك؟

قالت: إنه كان ربما أغارني مرة بجارية و مرة بتزويج، فكنت أشكوه إلى المأمون، فيقول: يا بنية احتملي فإنه ابن رسول الله صلی الله علیه وآله. فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة، فقلت: من أنت؟ فكأنها قضيب بان أو غصن خيزران. قالت: أنا زوجة لأبي جعفر. قلت: من أبو جعفر؟ قالت: محمد بن الرضا علیهما السلام ، و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر. قالت: فدخل علي من الغيرة ما لم أملك نفسي، فنهضت من ساعتي و صرت إلى المأمون و قد كان ثملاً من الشراب (1)و قد مضى من الليل ساعات، فأخبرته بحالي و قلت له: يشتمني و يشتمك و يشتم العباس و ولده. قالت: و قلت ما لم يكن، فغاظه ذلك مني جدا و لم يملك نفسه من السکر و قام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنه يقطعه علیه السلام بهذا السيف ما بقي في يده و صار إليه. قالت:فندمت عند ذلك، فقلت في نفسي: ما صنعت؟ هلكت و أهلكت! قالت: فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع، فدخل إليه و هوعلیه السلام نائم فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم، و انصرف و هو يزبد مثل الجمل.

قالت: فلما رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي، فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت. قالت: فلما أصبحت دخلت إليه و هو يصلي و قد أفاق من السكر، فقلت له: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟ قال: لا و الله فما الذي صنعت ويلك؟! قلت: فإنك صرت إلى ابن الرضا علیهما السلام وهو نائم فقطعته إربا إربا و ذبحته بسيفك و خرجت من عنده. قال: ويل ما تقولين؟ قلت: أقول ما فعلت. فصاح: یا

ص: 679


1- ثمل الرجل - بالكسر- ثملا، إذا أخذ فيه الشراب فهو ثمل أي: نشوان (البحار).

یاسر، ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال: صدقت في كل ما قالت. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكنا و افتضحنا، ويلك يا ياسر بادر إليه عليه السلام و ائتني بخبره.

فركض ثم عاد مسرعا فقال: يا أمير المؤمنين، البشري. قال: و ما وراك؟ قال: دخلت فإذا هو علیه السلام قاعد يستاك و عليه قميص و دواج، فبقيت متحيراً في أمره، ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر، فقلت له علیه السلام : أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرك فيه. فنظر علیه السلام إلي و تبسم كأنه علم ما أردت بذلك فقال: أكسوك كسوة فاخرة. فقلت: لست أريد غير هذا القميص الذي عليك. فخلعه و کشف بدنه كله، فوالله ما رأي أثراً.(1)

الباب 37: حديث النفس بكيفية إيصال الأمانة وسبيل معرفة الإمام الحقيقي

1- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دینا و ورعا، و إني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها و تقوم بها. فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله و لا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه، و هذا قرطي يساوي عشرة دنانير و فيه ثلاث حبات يساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها. فقلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها و لاأدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك علیه السلام بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال: فقلت في نفسي: و كيف أقول لجعفر بن علي؟ فقلت: هذه المحنة بيني و بين جعفر بن علي. فحملت المال و خرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلمت عليه و جلست، قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو و من دفعه إلى؟

ص: 680


1- الخرائج والجرائح: 1/ 372 - 375، عنه البحار: 69/50-71 ح 51، أقول: مضى الخبر بتمامه في الفصل 13، الباب 6، القسم 10، ح 9.

فإن أخبرتني دفعته إليك. قال: يا أحمد بن أبي روح، توجه به إلى سر من رأي. فقلت: لا إله إلا الله، هذا أجل شيء أردته، فخرجت و وافیت سر من رأى فقلت: أبدأ بجعفر. ثم تفکرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم و إلا مضيت إلى جعفر.

فدنوت من دار أبي محمد علیه السلام فخرج إلى خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم. قال: هذه الرقعة اقرأها. فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح، أودعتك عاتكة بنت الديراني کيسا فيه ألف درهم بزعمك، و هو خلاف ما تظن، وقد أديت فيه الأمانة و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه، و فيه ألف درهم و خمسون دیناراً، و معك قرط زعمت المرأةأنه يساوي عشرة دنانير، صدقت مع الفضين اللذين فيه، و فيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير و تساوي أكثر فادفع ذلك إلى خادمتنا إلى فلانة فإنا قد وهبناه لها، و صر إلى بغداد و ادفع المال إلى الحاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك، و أما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها و هي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم أن هي، لكلثوم بنت أحمد، و هي ناصبية فتحرجت أن تعطيها و أحبت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك فلتفرقها في ضعفاء أخواتها، و لا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر و المحنة له و ارجع إلى منزلك فإن عمك(1) قد مات و قد رزقك الله أهله و ماله.

فرجعت إلى بغداد و ناولت الكيس حاجزاً فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خسون دیناراً، فناولني ثلاثين ديناراً و قال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه و قد جاءني من يخبرني أن عمي(2) قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم.(3)

ص: 681


1- في المصدر: (فإن عدوك قد مات).
2- في المصدر: (بأن حموي قد مات). قال في لسان العرب: (حمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمها). أقول: على هذا المعنى تكون الزوجة هي الوريثة وتصفه بالمال هو بإذن منها أو أنها وهبته إياه.
3- الخرائج والجرائح: 2/ 699 - 702، عنه البحار: 291/51 ح 11، مع التفاوت اليسير.

الباب 38: ما قاله حذيفة في نفسه لما علم بعظمة يوم التاسع من ربیع

1-[ المجلسي في البحار من کتاب زوائد الفوائد للسيد ابن طاووس]، روی ابن أبي العلاء الهمداني الواسطي، و یحیی بن محمد بن حویج البغدادي قالا: تنازعنا في ابن الخطاب و اشتبه علينا أمره فقصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب أبي الحسن العسكري علیه السلام بمدينة قم، فقرعنا عليه الباب فخرجت علينا صبية عراقية فسألناها عنه فقالت: هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد. فقلت: سبحان الله، إنما الأعياد أربعة للشيعة: الفطر والأضحى و الغدير و الجمعة. قالت: فإن أحمد بن إسحاق يروي عن سيده أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام أن هذا اليوم يوم عيد و هو أفضل الأعياد عند أهل البيت علیهم السلام و عند مواليهم.

قلنا: فاستأذني عليه و عرفيه مكاننا. قالا: فدخلت عليه فعرفته فخرج علينا و هو مستور بمئزر يفوح مسكاً و هو يمسح وجهه، فأنكرنا ذلك عليه فقال: لا عليكما، فإني اغتسلت للعيد. قلنا: أولا هذا يوم عيد؟ قال: نعم، و كان يوم التاسع من شهر ربيع الأول. قالا: فأدخلنا داره و أجلسنا ثم قال: إني قصدت مولاي أبا الحسن علیه السلام کما قصدتماني بسر من رأى، فاستأذنت عليه علیه السلام فأذن لي، فدخلت عليه علیه السلام في مثل هذا اليوم و هو يوم التاسع من شهر ربيع الأول فرأيت سیدنا عليه و على آبائه السلام قد أوعز إلى كل واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنهم من الثياب الجدد، و كان بين يديه مجمرة يحرق العود فيها بنفسه، فقلت له: بآبائنا و أمهاتنا يا ابن رسول الله، هل تجدد لأهل البيت في هذا اليوم فرح؟

فقال علیه السلام: و أي يوم أعظم حرمة عند أهل البيت علیهم السلام من هذا اليوم التاسع من شهر ربيع الأول؟ و لقد حدثني أبي عليه السلام أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم على جدي رسول الله صلی الله علیه وآله. قال حذيفة: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام و ولديه علیهما السلام يأكلون مع رسول الله صلی الله علیه وآله و هو يتبسم في وجوههم و يقول لولديه الحسن و الحسين علیهما السلام :کلا هنيئا لكما بركة هذا اليوم و سعادته فإنه اليوم الذي يهلك الله فيه عدوه و عدو جدکما، و إنه اليوم الذي يقبل الله أعمال شیعتکما و محبيكما، و اليوم الذي يصدقفيه قول الله جل جلاله:

ص: 682

«فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ»(1) و اليوم الذي نسف فيه فرعون أهل البيت و ظالمهم وغاصبهم حقهم، واليوم الذي يقدم الله إلى ماعملوا من عمل «فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا»(2)

قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله صلی الله علیهوآله ، و في أمتك و أصحابك من ينتهك هذه المحارم؟ قال: نعم يا حذيفة، جبت من المنافقين...- إلى أن قال: - قال حذيفة: فدخلت على أمير المؤمنين علیه السلام لما قتل ذلك المنافق لأهنئه بقتله و مصيره إلى ذلك الخزي و الإنتقام فقال أمير المؤمنين علیه السلام : يا حذيفة تذكر اليوم الذي دخلت فيه على رسول الله صلی الله علیه وآله و أنا و سبطاء نأكل معه فدلك على فضل هذا اليوم دخلت فيه عليه؟ فقلت: نعم يا أخارسول الله صلی الله علیه وآله. فقال عليه السلام: هو و الله هذا اليوم الذي أقر الله تبارك و تعالى فيه عيون أولاد رسول الله صلی الله علیه وآله ، و إني لأعرف لهذا اليوم اثنين و سبعين اسما. قال حذيفة: فقلت: يا أمير المؤمنين علیه السلام ، إني أحب أن تسمعني أسماء هذا اليوم التاسع من شهر ربيع الأول. فقال علیه السلام يا حذيفة هذا يوم الاستراحة و يوم تنفیس الهم و الكرب و الغدير الثاني و يوم تخطيط الأوزار ...- إلى أن قال: - قال حذيفة: فقمت من عند أمير المؤمنين عليه السلام و قلت في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير ما أرجو به الثواب إلا حب هذا اليوم لكان مناي. قال محمد بن أبي العلاء الهمداني و يحيي بن جریح: فقام كل واحد منا نقبل رأس أحمد بن إسحاق و قلنا: الحمد لله الذي ما قبضنا حتى شرفنا بفضل هذا اليوم المبارك. و انصرفنا من عنده و عيدنا فيه، فهو عيد الشيعة.(3)

الباب 39: حديث النفس من إرميا بكيفية إحياء الموتى

1- [علي بن إبراهيم القمي في تفسيره]، عن أبي عبد الله عليه السلام - في خبر طويل يذكر فيه قصة بخت نصر - أنه لما قتل ما قتل من بني إسرائيل، خرج إرميا على حمار و معه تين قد تزوده و شيء من عصير، فنظر إلى سباع البر و سباع البحر و سباع الجو تأكل تلك الجيف،

ص: 683


1- النمل: 52.
2- الفرقان: 23.
3- البحار: 351/95-354 ح 1 ، ولاحظ: 31/ 120 - 129.

ففكر في نفسه ساعة ثم قال: آني يحيي الله هؤلاء و قد أكلتهم السباع ؟(1)

فأماته الله مكانه و هو قول الله تبارك و تعالى: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ »(2)أي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل و أهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا، و كان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها، و بقي إرميا ميتاً مائة سنة ثم أحياه الله، فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقي البيض(3)، فنظر فأوحى الله تعالى إليه: «كَم لَبِثتَ قَالَ لَبِثتُ يَومَاً» ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت، فقال:«أَو بَعضَ يَومٍ»، فقال الله تبارك و تعالى: «بَل لَبِثتَ مِائَةَ عَامٍ فاَنظُر إِلَى طَعَامِکَ وَ شَرَابِکَ لَم یَتَسَنَّة» أي لم يتغير،« وَ اَنظُر إِلى حِمَارِكَ وَ لِنَجعَلَكَ آيَةً لِلنَّاًسِ وَ انظُر إِلَى العِظَامِ كَيفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَکسُوهَا لَحَماً» ، فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه و إلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا و هاهنا و يلتزق بها، حتى قام و قام حماره، فقال:«أَعلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» .(4)

متفرقات باب النوادر

1-[ الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام]، حدثنا أبو طالب الحسين بن عبد الله بن بنان الطائي، قال: سمعت محمد بن عمر النوقاني يقول: بينا أنا نائم بنوقان في علية لنا في ليلة ظلماء إذ انتبهت فنظرت إلى الناحية التي فيها مشهد علي بن موسى الرضا علیهما السلام بسناباد، فرأيت نوراً قد علا حتى امتلأ منه المشهد و صار مضيئاً كأنه نهار. فكنت شاكاً في أمر الرضاعلیه السلام و لم أكن علمت أنه حق. فقالت لي أمي - و كانت مخالفة - مالك؟ فقلت

ص: 684


1- قال الطبرسي قدس سره : (لم يقل ذلك إنكارا ولا تعجبا ولا ارتيابا، ولكنه أحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة كما يقول الواحد منا : كيف يكون حال الناس يوم القيامة..) مجمع البیان، ذيل الآية: «أو کَالَذِی مَرَّ عَلَی قَریَةٍ»
2- البقرة: 259.
3- الغرقئ - کزبرج - القشرة الملتزقة ببياض البيض الذي يؤكل. (البحار)
4- تفسير القمي: 1/ 90 – 91، عنه البحار: 34/7 ح3، ولاحظ تمام الخبر في:356/14 - 360 ح 1، وأورده الجزائري في قصصه: 424 - 428.

لها: رأيت نوراً ساطعة قد امتلأ منه المشهد بسناباد. فقالت أمي: ليس ذلك بشيء و إنما هذا من عمل الشيطان.

قال: فرأيت ليلة أخرى مظلمة أشد ظلمة من الليلة الأولى و مثل ما کنت رأيت من النور و المشهد قد امتلأ به، فأعلمت أني ذلك و جئت بها إلى المكان الذي كنت فيه حتی رأت ما رأيت من النور و امتلا المشهد منه. فاستعظمت ذلك و أخذت في الحمد الله عزو جل إلا أنها لم تؤمن به كإيماني. فقصدت إلى المشهد فوجدت الباب مغلقاً، فقلت: اللهم إن كان أمر الرضا علیه السلام حقا فافتح لي هذا الباب. ثم دفعته بيدي فانفتح، فقلت في نفسي: لعله لم يكن مغلقاً على ما وجب،فغلقته حتى علمت أنه لم يمكن فتحه إلا بمفتاح ثم قلت: اللهم إن كان أمر الرضا علیه السلام حقا فافتح لي هذا الباب. ثم دفعته بيدي فانفتح فدخلت و زرت و صليت و استبصرت في أمر الرضا علیه السلام، فكنت أقصده بعد ذلك كل جمعة زائراً من نوقان و أصلي عنده إلى وقتي هذا(1).

2 - [شاذان بن جبرائيل في الفضائل ]، قيل: كان مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يخرج من الجامع بالكوفة فيجلس عند ميثم التمار رضی الله عنه فيحادثه، فيقال: إنه عليه السلام قال له ذات يوم: ألا أبشرك یا میثم؟ فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بأنك تموت مصلوباً؟ فقال: يا مولاي و أنا على فطرة الإسلام؟ قال علیه السلام : نعم. ثم قال علیه السلام له: يا میثم، ترید أريك الموضع الذي تصلب فيه و النخلة التي تعلق عليها و على جذعتها؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين. فجاء به إلى رحبة الصيارف و قال له: هاهنا. ثم أراه نخلة قال له: على جذع هذه. فما زال میثم رضی الله عنه يتعاهد تلك النخلة حتى قطعت و شقت نصفين فسقف بالنصف منها و بقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف و يصلي في ذلك الموضع و يقول لبعض جيران الموضع: يا فلان إني أريد أن أجاورك عن قريب فأحسن جواري. فيقول ذلك الرجل في نفسه:یرید میثم أن يشتري داراً في جواري و لا يعلم ما يريد بقوله، حتى قبض أمير المؤمنين علیه السلام و ظفر معاوية و أصحابه، و أخذ میثم فيمن أخذ و أمر معاوية بصلبه فصلب على ذلك الجذع في ذلك المكان. فلما رأى ذلك الرجل أن ميثماً قد صلب في جواره قال: إنا لله و إنا إليه راجعون. ثم أخبر الناس بقصة میثم و ما قاله في حياته و ما زال ذلك الرجل يتعاهده و یکنس تحت الجذع و يبخره و يصلي عنده و يكرر

ص: 685


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام: 2/ 278 - 279 ح 1، عنه البحار: 236/49 - 237 ح 1.

الرحمة عليه رضي الله عنه(1).

3 - [ الشيخ في الأمالي] ، الفحام، عن عمه عمر بن يحيى، عن كافور الخادم قال: قال لي الإمام علي بن محمد علیهما السلام: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة، و أنفذني في حاجة وقال: إذا عدت فافعل ذلك ليكون معداً إذا تأهبت للصلاة. و استلقى علیه السلام لينام و أنسيت ما قال علیه السلام لي، و كانت ليلة باردة، فحسست به علیه السلام و قد قام إلى الصلاة و ذكرت أنني لم أترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفا من لومه، و تألمت له حيث يشقى لطلب الإناء، فناداني نداء مغضب، فقلت: إنا لله، أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا؟ و لم أجد بدا من إجابته، فجئت مرعوباً فقال: يا ويلك، أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد، فسخنت لي ماء فتركته في السطل؟ فقلت: و الله يا سيدي ما تركت السطل و لا الماء. قال علیه السلام : الحمد لله، و الله لا تركنا رخصة و لا رددنا منحة، الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته و وفقنا للعون على عبادته. إن النبي صلی الله علیه وآله يقول: إن الله يغضب على من لا يقبل رخصة. (2)

4 -[ المجلسي في البحار من بعض مؤلفات أصحابنا] أنه حكي عن السيد علي الحسيني قال: كنت مجاوراً في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا علیهما السلام مع جماعة من المؤمنين، فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السلام، فوردت رواية عن الباقر علیه السلام أنه قال: من ذرفت عيناه على مصاب الحسين و لو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر(3) ، و كان في المجلس معنا جاهل مرکب يدعي العلم و لا يعرفه فقال: ليس هذا بصحيح، و العقل لا يعتقده، و كثر البحث بيننا و افترقنا عن ذلك المجلس و هو مصر على العناد في تكذيب الحديث .

ص: 686


1- الفضائل: 103، البحار: 42/ 138 ح19 (نحوه).
2- الأمالي: 298 - 299 ح 587 - 34 المجلس 11، عنه البحار: 126/50-127 ح4، 335/77 ح6، وأورده في المناقب: 4/ 414، المستدرك:213/1-214 ح 392 - 2.
3- ابن قولويه في كامل الزيارات، بإسناده إلى فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : (من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح بعوضة غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.) کامل الزيارات: 103 ح 8 وعن أبي جعفر علیه السلام قال : (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين علیه السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها غرفا في الجنة يسكنها أحقابا.) كامل الزيارات: 104 ح9، عنه البحار:285/44 ح 21.

فنام ذلك الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت و حشر الناس في صعيد صفصف لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً، و قد نصبت الموازين و امتد الصراط و وضع الحساب و نشرت الكتب و أسعرت النيران و زخرفت الجنان و اشتد الحر عليه، و إذا هو قد عطش عطشاً شديداً و بقي يطلب الماء فلا يجده، فالتفت يمينا وشالا و إذا هو بحوض عظیم الطول و العرض، قال: قلت في نفسي: هذا هو الكوثر، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج و أحلى من العذب و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و مع ذلك لبسهم السواد و هم باکون محزونون.فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا محمد المصطفی صلی الله علیه وآله، و هذا الإمام علي المرتضی علیه السلام ، و هذه الظاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام. فقلت: ما لي أراهم لابسين السواد و باكين و محزونين؟ فقيل لي: أليس هذا يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين علیه السلام، فهم محزونون لأجل ذلك.

قال: فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة عليها السلام و قلت لها: يا بنت رسول الله صلی الله علیه وآله، إني عطشان. فنظرت علیه السلام إلى شزرا و قالت لي: أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين علیه السلام و مهجة قلبي و قرة عيني الشهيد المقتول ظلما وعدوانا، لعن الله قاتلیه و ظالميه و مانعيه من شرب الماء. قال الرجل: فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا، و استغفرت الله كثيرا، و ندم على ما كان مني، و أتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم و خبرت برؤیای و تبت إلى الله عز و جل.(1)

5 -[المجلسي في البحار عن صاحب المناقب]، بإسناده عن زيد، عن آبائه، أن سهل ابن سعد قال: خرجت إلى بيت المقدس حتی توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور و الحجب و الديباج و هم فرحون مستبشرون و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول، فقلت في نفسي: لا نرى لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن، فرأيت قوما يتحدثون، فقلت: يا قوم، لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا: يا شيخ نراك أعرابياً. فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمداً صلی الله علیه وآله . قالوا: يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دما و الأرض لا تنخسف بأهلها. قلت: ولم ذاك؟

قالوا: هذا رأس الحسين علیه السلام عترة محمد صلی الله علیه وآله مهدی من أرض العراق. فقلت: وا عجباه، يهدی رأس الحسين عليه السلام و الناس يفرحون؟! قلت: من أي باب يدخل؟ فأشاروا

ص: 687


1- البحار: 44/ 293 - 296 ح 38.

إلى باب يقال له: (باب ساعات). قال: فبينا أنا كذلك حتى رأیت الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع التنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلی الله علیه وآله ، فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء، فدنوت من أولاهم فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام. فقلت لها: أل حاجة إلى فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدک و سمعت حديثه.

قالت: يا سعد، قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول الله صلی الله علیه وآله. قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس فقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار. قال: ما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك، فدفعت إليه ما وعدته.(1)

6 - [ابن أبي الحديد في شرح النهج]، (حول غزوة بدر الكبرى ونزول الملائكة) قال الواقدي: و حدثني عتبة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال: إن كنا لنسمع لإبليس يومئذ (في معركة بدر الكبرى عند نزول الملائكة )خواراً و دعاء بالثبور و التصور في صورة سراقة بن جعشم، حتى هرب فاقتحم البحر و رفع يديه مادا لهما يقول: یا رب ما وعدتني. و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول: و الله ما صنعت شيئا.

فروي عن عمارة الليثي قال: حدثني شيخ صياد من الحي كان يومئذ على ساحل البحر قال:سمعت صياحا: يا ويلاه، يا ويلاه، قد ملأ الوادي يا حرباه، یا حرباه. فنظرت فإذا سراقة بن جعشم، فدنوت منه فقلت: ما لك فداك أبي و أمي؟ فلم يرجع إلى شيئا، ثم أراه اقتحم البحر و رفع يديه مادا يقول: يا رب ما وعدتني. فقلت في نفسي: جن و بیت الله سراقة، و ذلك حين زاغت الشمس و ذاك عند انهزامهم يوم بدر.(2)

7 -[ المجلسي في البحار]، (في الخبر المروي عن المفضل بن عمر في التوحيد المشتهر بالإهليلجة).. قال: لقد كنت أظنك لا تتخلص من هذه المسألةو قد جئت بشيء لا أقدر على رده. قلت: و أنا أعطيك تصادیق ما أنبأتك به و ما رأيت في منامك في مجلسك الساعة. قال: افعل فإني قد تحيرت في هذه المسألة. قلت: أخبرني هل تحدث نفسك من

ص: 688


1- البحار: 127/45، مقتل الخوارزمي: 2/ 60 - 61.
2- شرح نهج البلاغة: 14/ 159، عنه البحار: 342/19.

تجارة أو صناعة أو بناء أو تقدیرشيء و تأمر به إذا أحكمت تقديره في ظنك؟ قال: نعم. قلت: فهل أشرکت قلبك في ذلك الفكر شيئا من حواسك. قال: لا. قلت: أفلا تعلم أن الذي أخبرك به قلبك حق؟ قال: اليقين هو فزدني ما يذهب الشك عني و يزيل الشبه من قلبي.. الخبر.(1)

8 - [الكراجكي في كنز الفوائد]، قال الشعبي: كنت بواسط و كان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلما انصرف جاءني رسوله، فأتيته فوجدته جالسا مستوفزا(2). قال: يا شعبي هذا يوم أضحى و قد أردت أن أضحي فيه برجل من أهل العراق و أحببت أن تستمع قوله فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به. فقلت: أيها الأمير أو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلی الله علیه وآله و تضحي بما أمر أن يضحي به و تفعل مثل فعله و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره. فقال: يا شعبي، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله و على رسوله صلی الله علیه وآله و إدخال الشبهة في الإسلام.

قلت: أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك؟ قال: لا بد منه. ثم أمر بنطع فبسط و بالسياف فأحضر و قال: أحضروا الشيخ فأتوا به. فإذا هو يحیی بن يعمر، فاغتممت غماً شديداً و قلت في نفسي: و أي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله؟

فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم العراق؟ قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء العراق. قال: فمن أي فقهك؟ زعمت أن الحسن و الحسين علیهما السلام من ذرية رسول الله صلی الله علیه وآله؟ قال: ما أنا زاعم ذلك، بل قائله بحق. قال: و بأي حق قلته؟ قال: بكتاب الله عز و جل. فنظر إلى الحجاج و قال: اسمع ما يقول، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه. أتعرف أنت في كتاب الله عز و جل أن الحسن و الحسين علیهما السلام من ذرية محمد رسول الله صلی الله علیه وآله ؟

فجعلت أفكر في ذلك فلم أجد في القرآن شيئا يدل على ذلك، و فكر الحجاج مليا ثم قال ليحيي: لعلك تريد قول الله تعالى: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ

ص: 689


1- البحار: 169/3 ح 1 ، 62/58 ح45.
2- قال الجوهري : استوفز في قعدته إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن. (عن البحار)

لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1) ، و أن رسول الله صلی الله علیه وآله خرج للمباهلة و معه علی و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.

قال الشعبي: فكأنما أهدي إلى قلبي سرورا، و قلت في نفسي: قد خلص يحیی. و كان الحجاج حافظا للقرآن. فقال له يحيى: و الله إنها لحجة في ذلك بليغة و لكن ليس منها أحتج لما قلت. فاصفر وجه الحجاج و أطرق مليا ثم رفع رأسه إلى يحيی و قال له: إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة ألف درهم و إن لم تأت فأنا في حل من دمك. قال: نعم. قال الشعبي: فغمني قوله، و قلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به یحیی و یرضيه بأنه قد عرفه و سبقه إليه و يتخلص منه حتی رد عليه و أفحمه، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته لئلا يقال إنه قد علم ما قد جهله هو.

فقال يحيى للحجاج: قول الله تعالى:«وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ»(2) من عني بذلك؟ قال الحجاج: إبراهيم علیه السلام . قال: فداود و سلیمان من ذريته؟ قال: نعم. قال يحيی: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته؟ فقرأ الحجاج: «وَأیُّوبَ وَیُوسُفَ وَ مُوسَی وَ هَارُونَ وَ کَذَلِکَ نَجزِی المُحسِنِینَ » قال يحيى: و من؟ قال: «وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ»(3) قال يحيی: و من أين كان عیسی من ذرية إبراهيم علیهما السلام ولا أب له؟ قال: من أمه مريم علیها السلام . قال يحيى: فمن أقرب، مریم من إبراهيم علیه السلام أم فاطمة من محمد صلی الله علیه وآله ؟ و عیسی من إبراهيم، و الحسن و الحسين علیهما السلام من رسول الله صلی الله علیه وآله ؟ قال الشعبي: فكأنما ألقمه حجرا، فقال: أطلقوه قبحه الله و ادفعوا إليه عشرة ألف درهم لا بارك الله له فيها. ثم أقبل علي فقال: قد كان رأيك صوابا و لكنا أبيناه. و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه و ما تكلم بكلمة حتى انصرفنا، و لم يزل مما احتج به یحیی بن يعمر واجما (4).(5)

ص: 690


1- آل عمران: 61.
2- الأنعام: 84.
3- الأنعام: 85.
4- في القاموس : وجم- کوعد-وجما و وجوما : سكت على غيظ و الشيء كرهه. (عن البحار)
5- کنز الفوائد: 357/1 -360، عنه البحار: 10/ 147 ح 1، 243/25-246 ح 26.

الفصل التاسع عشر : في الأذكار القلبية والدعاء في النفس

اشارة

ص: 691

ص: 692

الأعراف: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ»(205)

1- [محمد بن يعقوب في الكافي] ، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما علیه السلام قال: لا يكتب الملك إلا ما سمع، و قال الله عز و جل:«وَ اذکُر رَبَّکَ فی نَفسِکَ تَضَرُّعاً وَخیفَةً» ، فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز و جل لعظمته. (1)

2-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال الله عز و جل: من ذكرني سرا ذكرته علانية.(2)

3 - [ابن شعبة في تحف العقول]، في وصية الصادق علیه السلام لعبد الله بن جندب: و اخفض

ص: 693


1- الكافي: 502/2 ح 4، عدة الداعي: 259، عنه البحار: 90/ 342- 343 ضمن ح 12، وأورده في الوسائل عن الكليني: 163/7 ح9014، أقول: ذكر العياشي في تفسيره، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله علیه السلام فی قول الله تعالى : «وَ اذکُر رَبَّکَ فِی نَفسِکَ تَضَرُّعَاً وَ خَیفَةً وَ دُونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ» قال علیه السلام : (تقول عند المساء : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي ويميت و هو على كل شيء قدير .) قلت: بيده الخير. قال علیه السلام: بيده الخير، لكن قل كما أقول لك عشر مرات، و (أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، و أعوذ بك رب أن یحضرون، إن الله هو السميع العليم.) عشر مرات حين تطلع الشمس وعشر مرات حين تغرب.) تفسير العياشي: 2/ 45 ح136،عنه البحار: 261/83 ح30، وراجع الكافي: 2/ 527 عن الحسين بن المختار، عن العلاء بن کامل. عنه الوسائل: 227/7 ح9187.
2- الكافي: 502/2 ح 1، عدة الداعي: 259، عنه البحار: 343/90 ضمن ح 12، والوسائل عن الكليني: 164/7 ح9015، وروى الكليني أيضا في الباب المذكور، عن أبي المغراء الخصاف، رفعه، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: (من ذكر الله عز وجل في السر فقد ذكر الله كثيرا، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر، فقال الله عز وجل: «یُرَاونَ النَّاسَ وَلا یَذکُرُونَ اللهَ الا قَلِیلَاً».)

الصوت، إن ربك الذي يعلم ما تسرون و ما تعلنون قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه.(1)

القسم الأول: الأذكار القلبية اثناء التلاوة

1 - [الصدوق في عيون أخبار الرضا علیه السلام] ، عن تميم القرشي، بأسانده إلى رجاء بن أبي الضاح، في خبر طويل أن الرضا علیه السلام كان يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد و آله، و يكثر من ذلك في الصلاة و غيرها، و كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر علیه السلام بآية فيها ذكر جنة أو نار بکی، و سأل الله الجنة و نعوذ به من النار، و كان علیه السلام يجهر ب«بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» في جميع صلواته بالليل و النهار، و كان إذا قرأ«قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ» قال سرا: (الله أحد)، فإذا فرغ منها قال: (كذلك الله ربنا) ثلاثا.

و كان علیه السلام إذا قرأ سورة الجحد، قال في نفسه سرا: (يا أيها الكافرون)، فإذا فرغ منها قال: (الله ربي و ديني الإسلام) ثلاثا.

و كان علیه السلام إذا قرأ «وَ التِّینِ وَ الزَّیتُونِ» قال عند الفراغ منها: (بلى و أنا على ذلك من الشاهدين). و كان علیه السلام إذا قرأ «لَا أقسِمُ بِیَومِ القِیَامَةِ» قال عند الفراغ منها: سبحانك اللهم و بلي - إلى أن قال: - و كان إذا فرغ من الفاتحة قال: (الحمد لله رب العالمين)، و إذا «سَبَّح اسمَ رَبِّکَ الاعلَی » قال سرا: (سبحان ربي الأعلى)، و إذا قرأ: «یَاأیَّهَا الّذِینَ آمَنُوا» قال: (لبيك اللهم لبيك) سرا.. الحديث.(2)

2 -[ الطبرسي في مجمع البيان]، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا قرأت «قُل أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ» ، فقل في نفسك: (أعوذ برب الفلق). و إذا قرأت: «قُل أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» ، فقل في نفسك: (أعوذ برب الناس).(3)

3- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال (في تشريع الصلاة والأذان والإقامة، إلى أن قال علیه السلام) :

ص: 694


1- تحف العقول: 305، عنه البحار: 75/ 283 ح 1.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/ 182 ح 5، عنه البحار، ذکر تمامه في: 94/49 ح7، ولاحظ بعض فقراته في : 82/ 33 ح 23، 217/89 ح2 ، 239/89 ذیل ح 2 ولاحظ الوسائل: 973/6 ح 7380.
3- مجمع البيان: 498/10 ، عنه البحار: 246/60 ذیل ح99.

فلما فرغ من التكبير و الافتتاح، أوحى الله إليه: سم باسمي، فمن أجل ذلك جعل:«بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» في أول السورة. ثم أوحى الله إليه صلی الله علیه وآله أن أحمدني، فلما قال صلی الله علیه وآله : الحمد لله رب العالمين، قال النبي في نفسه: شكرا. فأوحى الله عز وجل إليه: قطعت حمدي فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد «الرَّحمَنِ الرَّحیم» مرتين.

فلما بلغ: «وَلَا الضّالِّین» ، قال النبي صلی الله علیه وآله : الحمد لله رب العالمين شكرا، فأوحى الله إليه: قطعت ذكري فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» في أول السورة.. الحديث. (1)

القسم الثاني: الدعاء في القلب للإمام علیه السلام

1- [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، حدث جماعة من أهل أصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النضر و أبو جعفر محمد بن علوية، قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقی علیه السلام دون غيره من أهل الزمان؟

فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته. ثم قال: و يقدر أن المتوكل يحضره للقتل. فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو؟ قال: فأقبل علیه السلام راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل. فأقبل علیه السلام يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء، فلما صار علیه السلام إلى أقبل بوجهه إلي و قال: استجاب الله دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك.

قال: فارتعدت و وقعت بين أصحابي. فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟ فقلت: خیر، و لم أخبر بذلك. فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي وجوها من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوی مالی خارج داري، و رزقت عشرة من الأولاد، و قد بلغت الآن من عمري نیفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل على

ص: 695


1- الكافي: 3/ 484 ح 1، وأورده في علل الشرائع: 314/2 ح 1 بعدة طرق، عنه البحار: 357/18 ح66، 241/79 ح 1.

الذي علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه في ولي.(1)

2 - [المهذب لابن البراج]، قال: يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حي على خير العمل): آل محمد علیهم السلام خير البرية مرتين.. الخ.(2)

3 - [المحدث النوري في المستدرك من کتاب عبد الملك بن حکیم]، عن بشير النبال قال: كنت على الصفا و أبو عبد الله علیه السلام قائم عليها إذ انحدر و انحدرت في أثره.

قال: و أقبل [أبو] الدوانيق على جمازته و معه جنده على خيل و على إبل، فزحموا أبا عبد الله علیه السلام حتى خفت عليه علیه السلام من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي و أكون بينهم و بينه بيدي.

قال: فقلت في نفسي: يارب، عبدك و خير خلقك في أرضك، و هؤلاء شر من الكلاب قد كانوا يتعبونه.

قال: فالتفت علیه السلام إلي و قال: يا بشير. قلت: لبيك. قال علیه السلام : ارفع طرفك لتنظر. قال: فإذا و الله وافية أعظم مما عسيت أن أصفه. قال: فقال علیه السلام: يا بشير، إنا أعطينا ماتری، و لكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا.(3)

القسم الثالث: الدعاء في القلب لنصرة من يحبه النبي وآله علیهم السلام

1- [تفسير الإمام علیه السلام ]، قال رسول الله صلی الله علیه وآله : إن الله عز و جل خيارا من كل ما خلقه، فله من البقاع خیار و له من الليالي و الأيام خیار و له من الشهور خیار وله من عباده خیار و له من خيارهم خیار.

فأما خياره من البقاع فمكة و المدينة و بیت المقدس، فإن صلاتي في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام و المسجد الأقصى - يعني مكة و بیت المقدس -. و أما خياره من الليالي فليالي الجمع و ليلة النصف من شعبان و ليلة القدر و ليلتا العيدين. و أما خياره من الأيام فأيام الجمع و الأعياد. و أما خياره من الشهور فرجب و شعبان و شهر رمضان. و أما خياره من عباده فولد آدم، و خیاره من ولد آدم .

ص: 696


1- الخرائج والجرائح: 1/ 392، عنه البحار: 141/50 ح26.
2- المهذب: 1/ 129، ذكرى الشيعة للشهيد: 93، عنه البحار: 81/ 182 ذیل ح14.
3- مستدرك الوسائل: 9452/9 ح 11316-2.

من اختارهم على علم منه بهم فإن الله عز و جل لما اختار خلقه اختار ولد آدم، ثم اختار من ولد آدم العرب، ثم اختار من العرب مضر، ثم اختار من مضر قریشا، ثم اختار من قریش هاشما، ثم اختار من هاشم أنا و أهل بيتي، كذلك فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم. و إن الله عز و جل اختار من الشهور شهر رجب و شعبان و شهر رمضان.

ثم قال رسول الله : يا عباد الله، فكم من سعيد في شهر شعبان في ذلك فكم من شقي به هناك. ألا أنبئكم بمثل محمد و آله؟

قالوا: بلى يا رسول الله. قال: محمد صلی الله علیه وآله في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، و آل محمد في عباد الله کشهر شعبان في الشهور، و علي بن أبي طالب علیه السلام في آل محمد علیهم السلام كأفضل أيام شعبان و لیالیه، و هو ليلة نصفه و يومه و سائر المؤمنين في آل محمد کشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله و طبقات،فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد علیهم السلام .

ألا أنبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد علیهم السلام كأوائل أيام رجب من أوائل أيام شعبان؟

قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : منهم الذي يهتز عرش الرحمن لموته، و يستبشر الملائكة في السماوات بقدومه، و يخدمه في عرصات القيامة و في الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر إلى آخره، و لا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه و يشفي صاحبا له و أخا في الله مساعدا له على تعظيم آل محمد صلی الله علیه وآله.

قالوا: و من ذلك يا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله : ها هو مقبل عليكم غضبان فاسألوه عن غضبه، فإن غضبه لآل محمد صلی الله علیه وآله، خصوصا لعلي بن أبي طالب علیه السلام. فطمح القوم بأعناقهم و شخصوا بأبصارهم و نظروا فإذا أول طالع عليهم سعد بن معاذ و هو غضبان، فأقبل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا سعد، أما إن غضب الله لما غضبت له أشد، فما الذي أغضبك حدثنا بما قلته في غضبك حتى أحدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له و قالته الملائكة الله عز و جل و أجابها الله عز و جل.

فقال سعد: بأبي أنت و أمي يا رسول الله، بينا أنا جالس على بابي و بحضرتي نفر من أصحاب الأنصار إذ تمادی رجلان من الأنصار قد دب في أحدهما النفاق، فكرهت أن

ص: 697

أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما، و أردت أن يتكافا فلم يتكافا، و تماديا في شرهما حتی انتهيا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه فأخذ هذا سيفه و ترسه و هذا سيفه و ترسه، و تجادلا و تضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته و کرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتدإلي يد خاطئة، و قلت في نفسي: (اللهم انصر أحبهما لنبيك و آله). فما زالا يتجاولان لا يتمكن واحد منهما من الآخر إلى أن طلع علينا أخوك علي بن أبي طالب علیه السلام فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالب لم توقراه فوقراه و تکافا، و هذا أخو رسول الله و أفضل آل محمد علیهم السلام.

فأما أحدهما فإنه لماسمع مقالتي رمى بسيفه و درقته من يده، و أما الآخر فلم يحفل بذلك فتمكن لاستسلام صاحبه منه فقطعه بسيفه قطعا أصابه بنیف و عشرین ضربة فغضبت عليه و وجدت من ذلك وجدا شديدا، و قلت له: يا عبد الله، بئس العبد أنت، لم توقر أخا رسول الله صلی الله علیه وآله و أثخنت بالجراح من وقره و قد كان لك قرنا كفيا بدفاعك عن نفسه و ما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول الله صلی الله علیه وآله .

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: فما الذي صنع علي بن أبي طالب علیه السلام لما كف صاحبك و تعدی عليه الآخر؟ قال: جعل علیه السلام ينظر إليه و هو يضرب بسيفه، لا يقول شيئا و لا يفعله. ثم جاز و ترکهما و إن ذلك المضروب لعله بآخر رمق. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: يا سعد، لعلك ظننت أن ذلك الباغي المتعدي ظافر؟ إنه ما ظفر بغنم من ظفر بظلم، إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لا يحصد من المر حلو ولا من الحلو مر. و أما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله عليه أشد من ذلك، و غضب الملائكة على ذلك الظالم لذلك المظلوم، و أما كف علي بن أبي طالب عن نصرة ذلك المظلوم فإن ذلك لما أراد الله من إظهار آیات محمد صلی الله علیه وآله في ذلك. لا أحدثك يا سعد بما قال الله و قالته الملائكة لذلك الظالم و لذلك المظلوم ولك حتى تأتيني بالرجل المثخن فترى فيه آيات الله المصدقة لمحمد صلی الله علیه وآله .. الخبر. (1).

ص: 698


1- تفسير الإمام علیه السلام : 665، عنه البحار: 37/ 48 - 54 ح 27، أقول: الخبر طويل أخذنا موضع الحاجة

القسم الرابع: الأذكار القلبية في بيت الخلاء

1-[ الصدوق في من لا يحضره الفقيه]، كان الصادق علیه السلام إذا دخل الخلاء يقنع رأسه و يقول في نفسه: (بسم الله و بالله ولا إله إلا الله، رب أخرج عني الأذي سرحا بغير حساب، و اجعلني لك من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذى و الغم الذي لو حبسته عني هلكت، لك الحمد، اعصمني من شر ما في هذه البقعة، و أخرجني منها سالما و حل بيني و بين طاعة الشيطان الرجيم.)(1)

2 - [الراوندي في الدعوات]، قال الصادق علیه السلام : من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: (الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله)، يستغفر الله له طائر تحت العرش إلى يوم القيامة.

وقال علیه السلام : إذا عطس في الخلاء أحدكم، فليحمد الله في نفسه، و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام.. الحديث.(2)

3 - [الحميري في قرب الإسناد]، عن هارون بن مسلم، عن ابن صدقة، عن الصادق علیه السلام قال: كان أبي علیه السلام يقول: إذا عطس أحدكم و هو على خلاء فليحمد الله في نفسه.(3)

القسم الخامس: الدعاء في النفس فيما يتعلق بالأذان والإقامة

1- [المهذب لابن البراج]، قال: يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حي على خير العمل): آل محمد علیهم السلام خير البرية، مرتين.

ويقول أيضا إذا فرغ من قوله: (حي على الصلاة): لا حول و لا قوة إلا بالله، و كذلك يقول عند قوله: (حي على الفلاح).

و إذا قال: (قد قامت الصلاة) قال: اللهم أقمها و أدمها، و اجعلني من خير صالحي

ص: 699


1- من لایحضره الفقيه: 1/ 24 ح 41، ولاحظ التهذيب: 1/ 24 ح 1، الوسائل: 1/ 308 ح 811، 304/1 ح798.
2- الدعوات: 198 ح544، عنه البحار: 53/73 ضمن ح 2.
3- قرب الإسناد: 36، عنه البحار: 53/73 ح 6، 186/77 ح40، وأورده عنه أيضا في الوسائل: 313/1 ح 825.

أهلها عملا. و إذا فرغ من قوله: (قد قامت الصلاة) قال: اللهم رب الدعوة التامة و الصلاة القائمة أعط محمدا صلی الله علیه وآله سؤله يوم القيامة و بلغه الدرجة و الوسيلة من الجنة و تقبل شفاعته في أمته.(1)

2 -[ الشيخ في التهذيب]، عن عمار الشاباطي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: لا بد للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة و لو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلم به. سئل: فإن كان شديد الوجع؟ قال علیه السلام: لا بد من أن يؤذن و يقيم، لأنه لا صلاة إلا بأذان و إقامة. (2)

القسم السادس: ذكر الله في القلب عموما والأدعية العامة في النفس

1. [محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما علیه السلام قال: لا يكتب الملك إلا ما سمع، و قال الله عز و جل:«وَاذکُر رَبَّکَ فِی نَفسِکَ تَضَرُّعاً وَ خیفَةً» ، فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز و جل لعظمته. (3)

2 - [العياشي في تفسيره]، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله تعالى: «وَ اذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الآصالِ» قال علیه السلام: تقول عند المساء: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير.) قلت: بيده الخير.

قال علیه السلام : بيده الخير، لكن قل كما أقول لك عشر مرات، و (أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، و أعوذ بك رب أن يحضرون، إن الله هو السميع العليم.) عشر

ص: 700


1- المهذب: 1/ 129، ذکرى الشيعة للشهيد: 93، عنه البحار: 81/ 182 ذیل ح14.
2- تهذیب الأحکام: 2/ 282 ح 25، وأورده في الإستبصار: 1/ 300 ح 6، علل الشرائع مع بعض الإختلاف: 2/ 329 ح 1، عنه في البحار: 81/ 130 ح23، وذكره في الوسائل عن الشيخ: 5/ 444 ح44 70.
3- الكافي: 2/ 502 ح 4، وأورده العياشي في تفسيره: 2/ 44 ح134 ، وابن فهد في عدة الداعي: 259، وحسين بن سعيد مع بعض الإختلاف في كتاب الزهد: 53 ح144، عنه البحار: 322/5 ح7 ، وعن العياشي في: 82/ 76 ح10، 159/90 ح36، وعن عدة الداعي في: 93/ 342 ضمن ح 12، وذكره في الوسائل عن الكافي: 163/7 ح9014.

مرات حين تطلع الشمس و عشر مرات حين تغرب. (1)

3- [الإربلي في كشف الغمة]، عن أبي هاشم، قال: كتب إليه - أي إلى العسكري علیه السلام- بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء، فكتب علیه السلام إليه أن: ادع بهذا الدعاء: (يا أسمع السامعين، و یا أبصر المبصرين، یا عز الناظرين، و یا أسرع الحاسبين، و یا أرحم الراحمين و يا أحكم الحاكمين، صل على محمد و آل محمد، و أوسع لي في رزقي و مدلي في عمري، و امنن على برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري).

قال أبو هاشم: فقلت في نفسي: (اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك.) فأقبل علي أبو محمد علیه السلام فقال: أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت بالله مؤمنا و لرسوله صلی الله علیه وآله مصدقا و لأوليائه عارفا و هم تابعا، فأبشر ثم أبشر. (2)

4 - [الراوندي في الخرائج و الجرائح]، روي عن منصور الضيقل، قال: حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله صلی الله علیه وآله فسلمت عليه، ثم التفت فإذا أنا بأبي عبد الله علیه السلام ساجدا، فجلست حتى مللت، ثم قلت: لأسبحن ما دام علیه السلام ساجدا. فقلت: سبحان ربي العظيم و بحمده أستغفر الله ربي و أتوب إليه. ثلاثمائة مرة و نیفا و ستين مرة. فرفع علیه السلام رأسه ثم نهض، فاتبعته و أنا أقول في نفسي: إن أذن لي دخلت عليه ثم قل له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا فكيف ينبغي لنا أن نصنع؟

فلما أن وقفت على الباب خرج إلى مصادف فقال: ادخل يا منصور. فدخلت، فقال علیه السلام لي مبتدئا: یا منصور، إنكم إن أكثرتم أو أقللتم فو الله ما يقبل إلا منكم.(3)

5 - [الدميري في حياة الحيوان الكبرى]، وفي کتاب الزاهر لأبي عبد الله القرطبي، أن داود علیه السلام قال: لأسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه به أحد من خلقه. فنادته ضفدعة من ساقية في داره: يا داود، تفتخر على الله بتسبيحك، وإن لي لسبعين سنة ما جف لساني من ذكر الله تعالى، و إن لي لعشر ليال ما طعمت خضرا ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين.

فقال: ما هما؟ قالت: (يا مسبحا بكل لسان، و مذكورا بكل مكان) فقال داود في

ص: 701


1- تفسير العياشي: 2/ 45 ح136، عنه البحار: 261/83 ح30، وراجع الكافي: 2/ 527 عن الحسين بن المختار، عن العلاء بن کامل. عنه الوسائل: 227/7ح9187.
2- کشف الغمة ج2 ص421، عنه البحار: 50/ 298 ضمن ح 72، 359/92 ح 14، وأورده في إعلام الوری: 374، وراجع المناقب: 4/ 439.
3- الخرائج والجرائح: 726/2 ، عنه البحار: 120/47 ح165، 82/ 165 ح15.

نفسه: و ما عسى أن أقول أبلغ من هذا؟(1)

6-[محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، رفعه قال: قال الله عز و جل لعيسى علیه السلام: یا عیسی، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، و اذكرني في ملئك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين.(2)

7- [أحمد بن محمد البرقي في المحاسن]، ابن فضال، عن غالب بن عثمان، عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال الله تعالى: ابن آدم، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي.

ابن آدم، اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء. ابن آدم، اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك. و قال علیه السلام: ما من عبد يذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأمن الملائكة. (3)

8 -[ السيد ابن طاووس في مهج الدعوات]، دعاء إدريس علیه السلام، وجدناه عن الحسن البصري قال: لما بعث الله إدريس علیه السلام إلى قومه علمه هذه الأسماء وأوحى إليه أن قلهن سرا في نفسك، و لا تبدهن للقوم فيدعوني بهن، قال: و به دعا فرفعه الله مكانا عليا، ثم علمهن الله تعالى موسى علیه السلام، ثم علمهن الله تعالى محمدا صلی الله علیه وآله، و بهن دعا في غزوة الأحزاب..الدعاء. (4)

9- [ابن شهر آشوب في المناقب]، عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعته يقول: إن في الجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلا أهل المعروف. فحمدت الله في نفسي و فرحت بما أتكلف من حوائج الناس. فنظر علیه السلام إلي و قال: نعم فدم على ما أنت عليه، فإن أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أبا هاشم و رحمك.(5)

ص: 702


1- حياة الحيوان، باب الضفدع، عنه البحار: 296/61.
2- الكافي: 2/ 502 ح3، 138/8 ح103، عنه البحار: 295/14 ضمن ح13، 300/57 ح 10، وأورده في أعلام الدين: 231، تحف العقول: 498، مجموعة ورام: 2/ 143، ولاحظ الوسائل: 164/7 ح9017.
3- المحاسن: 1/ 39 ح44، عنه البحار: 158/90 ح 31، وذكره عنه أيضا في الوسائل: 159/7 ح9003.
4- مهج الدعوات: 304، عنه البحار: 168/92 ضمن ح 22.
5- کشف الغمة: 2/ 420، عنه البحار: 258/50 ح 16، و 71/ 414 ح 32 عن كشف الغمة، إعلام الوری: 375، الخرائج والجرائح: 2/ 689، مستدرك الوسائل: 343/12 ح 19.

10 - [السيد البحراني في تفسير البرهان]، روي عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال: إذا ذكر العبد ربه في قلبه كتب الله له ذلك في صحيفة، ثم يعارض الملائكة يوم الخميس، فيريهم الله ذكر عبده له بقلبه، فيقول الملائكة: ربنا عمل هذا العبد قد أحصيناه، أما هذا العمل فيا نعرفه. فيقول الرب: إن عبدي قد ذكرني بقلبه فأثبته في صحيفته. فذلك قوله تعالى: «إنَّا کُنّا نَستَنسِخُ مَا کُنتُم تَعمَلونَ»(1)

أقول، ويناسب أيضا:

11 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عدة من أصحابنا مسندا إلى أبي المغراء الخصاف، رفعه قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام : من ذكر الله عز و جل في السر فقد ذكر الله كثيرا، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية و لا يذكرونه في البيت، فقال الله عز و جل:«یُراوُنَ النَّاسَ وَلَا یَذَکُرُونَ اللهَ إِلّا قَلیلاً»(2).

12 - [أحمد ابن فهد في عدة الداعي]، روي أن رسول الله صلی الله علیه وآله كان في غزاة، فأشرفوا على واد فجعل الناس يهللون و يكبرون و يرفعون أصواتهم، فقال صلی الله علیه وآله: أيها الناس أربعوا على أنفسكم، أما إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، و إنما تدعون سميعا قريبا معكم.(3)

13 -[محمد بن يعقوب في الكافي]، بإسناده إلى صباح الحذاء، عن أبي أسامة قال: زاملت أبا عبد الله علیه السلام قال: فقال علیه السلام لی : اقرأ. فافتتحت سورة من القرآن فقرأتها، فرق علیه السلام و بکی، ثم قال علیه السلام:

يا أبا أسامة، ارعوا قلوبكم ذكر الله عز وجل، و احذروا النكت، فإنه يأتي على القلب تارات أو ساعات - الشك من صباح - ليس فيه إيمان و لا كفر شبه الخرقة البالية أو العظم التخر. يا أبا أسامة، ألست ربما تفقدت قلبك فلا تذكر به خيرا ولا شرا ولا تدري أين هو؟

قال: قلت: بلى إنه ليصيبني و أراه يصيب الناس. قال علیه السلام : أجل، ليس يعری منه أحد. قال علیه السلام: فإذا كان ذلك فاذكروا الله عز و جل، و احذروا النكت، فإنه إذا أراد بعبد

ص: 703


1- الكافي: 501/2 ح2، وسائل الشيعة: 164/7 ح9016، والآية: النساء: 142.
2- عدة الداعي: 259، عنه البحار: 343/90 ضمن ح 12، وذكره عنه أيضا في الوسائل: 7/ 164 ح9018.
3- عدة الداعي: 259، عنه البحار: 343/90 ضمن ح 12، وذكره عنه أيضا في الوسائل: 7/ 164 ح9018.

خيرا نكت إيمانا، و إذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك.

قال: قلت: ما غير ذلك، جعلت فداك ما هو؟ قال علیه السلام : إذا أراد کفر نکت كفرا.(1)

14 -[ الصدوق في التوحيد]، عن محمد بن القاسم الجرجاني، عن يوسف بن محمد ابن زیاد و علي بن محمد بن سیار، - و كانا من الشيعة الإمامية - عن أبويهما، عن الحسن ابن علي العسكري علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام، عن علي علیه السلام في حديث قال: إن الله يقول: أنا أحق من سئل و أولى من تضرع إليه، فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير و عظیم: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» أي: أستعين علی هذا الأمر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحیم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتميزنا عن أعدائه.

ثم قال علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: من حزنه أمر يتعاطاه فقال: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ» و هو مخلص لله و يقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا، و إما يعد له عند ربه و يدخر له لديه، و ما عند الله خير و أبقى للمؤمنين. (2)

القسم السابع: القراءة في النفس عند التقية

1- [الشيخ في الإستبصار]، عن محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس. (3)

2 - [الشيخ في الإستبصار]، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسی بن جعفر ععلیهما السلام ، قال: سألته علیه السلام عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير

ص: 704


1- الكافي: 167/8 - 168ح188، عنه البحار: 59/97 ح38، وعنه أيضا الوسائل: 166/7-167 ح9023.
2- التوحيد: 350، تفسير الإمام علیه السلام: 27، البحار: 89/ 232 ح14، وسائل الشيعة: 169/7 ح9029.
3- الإستبصار: 321/1 ح 4، عنه الوسائل :128/6ح 7525،364/8ح 10914، التهذيب: 2/ 97 ح134، ونحوه في: 3/ 36 ح 40، وأورده في الكافی 315/3 ح 16، الفقيه: 399/1 ح 1186، وقال الشيخ قدس سره في التهذيب بعد ذكر الحديث: (ویزیده بیانا ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی۔ بالإسناد إلى علي بن يقطين - قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة. قال علیه السلام: اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس.)

أن يسمع نفسه؟ قال علیه السلام: لا بأس أن لا يحرك لسانه، يتوهم توهما.(1)

أقول: حمله الشيخ قدس سره على القراءة خلف من لا يقتدى به لمن كان في موضع تقية.

3- [عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد]، عن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسی بن جعفر علیهما السلام ، أنه سأله عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزيه أن لا يحرك لسانه و أن يتوهم توهما؟ قال علیه السلام: لا بأس. (2)

القسم الثامن: الدعاء في النفس عند رؤية ذي عاهة او صاحب بلاء أو آخرین

1-[الصدوق في الأمالي]، عن أبيه ره، بإسناده إلى أبي عبد الله علیه السلام ، قال: من نظر إلى ذي عاهة أو من قد مثل به أو صاحب بلاء فليقل سرا في نفسه من غير أن يسمعه: (الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به و لو شاء لفعل بي ذلك)، ثلاث مرات، فإنه لا يصيبه ذلك البلاء أبدا.(3)

القسم التاسع: ذكر القلب بالتوحيد عند الوسوسة

1 -[ الطبرسي في مكارم الأخلاق]، عن الصادق علیه السلام قال: شکا آدم إلى الله عز وجل حديث النفس، فنزل عليه جبرئیل علیه السلام فقال: قل: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فقالها فذهب عنه.

قال علیه السلام: فهذا أصل (لا حول ولا قوة إلا بالله).(4)

2 - [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي بن مهزیار، قال: کتب رجل إلى أبي جعفر علیه السلام يشكو إليه لمما يخطر على باله، فأجابه علیه السلام في بعض كلامه:

إن الله عز و جل إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقا، قد شكا قوم إلى النبي صلی الله علیه وآله لما يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحب إليهم من أن يتكلموا به،

ص: 705


1- الإستبصارج:1 ص: 321 ح3، التهذيب: 2/ 97 ح133، و وسائل الشيعة : 6/ 128 ح 7524، 6/ 97 ح7443
2- وسائل الشيعة ج:6 ص: 128 ح7526 و البحار: 82/ 24ح13.
3- أمالي الصدوق: 267 ح 12، عنه البحار: 217/90 ح 2، وعنه أيضا الوسائل:65/12 ح15656.
4- مکارم الأخلاق: 329، وأورده في مهج الدعوات: 303 من کتاب الدعاء لسعد بن عبد الله.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أتجدون ذلك؟ قالوا: نعم.

فقال صلی الله علیه وآله: و الذي نفسي بيده، إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: (آمنابالله و رسوله و لا حول و لا قوة إلا بالله).(1)

3- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن حمران، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: إن رجلا أتی رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقال: يا رسول الله إنني نافقت.

فقال صلی الله علیه وآله: و الله ما نافقت، و لو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الذي رابك، أظن العدو الحاضر أتاك، فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله؟

قال: إي و الذي بعثك بالحق لكان كذا. فقال صلی الله علیه وآله : إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده.(2)

القسم العاشر: توجه القلب في الصلاة بالأذكار ویما يكون طاعة الله تعالى، وبعدم قطع الصلاة

1- [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن الصادق علیه السلام و عن آبائه الطاهرين علیهم السلام في القول بعد الركوع وجوها كثيرة، منها: أن تقول: (ربنا لك الحمد، الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة و الجلال و القدرة، اللهم اغفر لي و ارحمني و اجبرني و ارفعني، فإني لما أنزلت إلي من خير فقير). و هذا و ما هو في معناه يقوله من صلى لنفسه، و يجزئ في صلاة الجماعة أن يقول: (سمع الله لمن حمده) يجهر بها، و يقول في نفسه: (ربنا لك الحمد)، ثم يكبر و يسجد.(3)

2 - [الراوندي في الخرائج والجرائح]، روي عن أبي ذر قال: دخلت على النبي صلی الله علیه وآله يوما فقال صلی الله علیه وآله : ما فعلت غنیماتك؟

قلت: إن لها قصة عجيبة، بينما أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت في نفسي: لا أقطع الصلاة، فأخذ حملا فذهب به و أنا أحس به، إذ أقبل على الذئب أسد فاستنقذ

ص: 706


1- الكافي: 2/ 452 ح4.
2- الكافي: 2/ 452 ح5.
3- دعائم الإسلام: 163/1 ، عنه البحار: 82/ 115 ضمن ح 21.

الحمل و رده في القطيع، ثم ناداني: يا أبا ذر، أقبل على صلاتك، فإن الله قد وكلني بغنمك. فلما فرغت قال لي الأسد: امض إلى محمد صلی الله علیه وآله فأخبره أن الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك و وكل أسدا بغنمه. فعجب من حول النبي صلی الله علیه وآله.(1)

أقول: والخبر مروي بتفصيل أكثر في تفسير الإمام صلوات الله عليه نسرده لتتميم الفائدة وتعميم النفع:

قال العسكري علیه السلام : حدثني أبي علیه السلام عن آبائه علیهم السلام ، أن رسول الله صلی الله علیه وآله كان من خيار أصحابه عنده أبو ذر الغفاري، فجاءه ذات يوم فقال: يا رسول الله، إن لي غنيمات قدر ستين شاة، فأكره أن أبدو فيها و أفارق حضرتك و خدمتك، و أكره أن أکلها إلى راع فيظلمها و يسيء رعايتها، فكيف أصنع؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ابد فيها. فبدا فيها، فلما كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلی الله علیه وآله فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : يا با ذر. قال: لبيك يا رسول الله.

قال صلی الله علیه وآله: ما فعلت غنيماتك؟ قال: يا رسول الله، إن لها قصة عجيبة. قال صلی الله علیه وآله: وماهي؟ قال: يا رسول الله، بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت: يارب صلاتي، و یا رب غنمي. فآثرت صلاتي على غنمي و أخطر الشيطان ببالي: ياباذر، أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك و أنت تصلي فأهلكتها، و مايبقى لك في الدنيا ما تتعيش به؟

فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله تعالى، و الإيمان برسول الله صلی الله علیه وآله، و موالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب علیه السلام ، و موالاة الأئمة الهادين الطاهرين من ولده، و معاداة أعدائهم، و كل ما فات بعد ذلك جلل. فأقبلت على صلاتي فجاء ذئب فأخذ حملا فذهب به و أنا أحس به إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين و استنقذ الحمل ورده إلى القطيع، ثم ناداني: یا با ذر، أقبل على صلاتك، فإن الله قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي. فأقبلت على صلاتي و قد غشيني من التعجب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، حتى فرغت منها فجاءني الأسد و قال لي: امض إلى محمد صلی الله علیه وآله، فأخبره أن الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، و وكل أسدا بغنمه يحفظها. فعجب من حول رسول الله صلی الله علیه وآله.

ص: 707


1- الخرائج والجرائع: 503/2- 504، عنه البحار: 414 - 415 ح44، وأورده الراوندي في قصص الأنبياء: 306 ح 376.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : صدقت يا أبا ذر، و لقد آمنت به أنا و علی و فاطمة والحسن و الحسين علیهم السلام.

فقال بعض المنافقين: هذا لمواطاة بين محمد صلی الله علیه وآله و أبي ذر يريد أن يخدعنا بغروره. و اتفق منهم عشرون رجلا و قالوا: نذهب إلى غنمه و ننظر إليها و ننظر إليه إذا صلی، هل يأتي الأسد فيحفظ غنمه فيتبين بذلك كذبه. فذهبوا و نظروا و أبو ذر قائم يصلي و الأسد يطوف حول غنمه و يرعاها و يرد إلى القطيع ما شذ عنه منها، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الأسد: هاك قطيعك مسلما وافر العدد سالما. ثم ناداهم الأسد: معاشر المنافقين، أنكرتم لولي محمد صلی الله علیه وآله و علي علیه السلام و آلهما الطيبين، و المتوسل إلى الله بهم أن يسخرني الله ربي لحفظ غنمه، و الذي أكرم محمدا صلی الله علیه وآله و آله الطيبين الطاهرين لقد جعلني الله طوع يد أبي ذر حتى لو أمرني بافتراسكم و هلاككم لأهلكتكم، و الذي لا يحلف بأعظم منه لو سأل الله بمحمد صلی الله علیه وآله و آله الطيبين أن يحول البحار دهن زنبق و بان، و الجبال مسكا و عنبرا و کافورا، و قضبان الأشجار قضب الزمرد و الزبرجد، لما منعه الله ذلك.

فلما جاء أبو ذر إلى رسول الله صلی الله علیه وآله، قال له رسول الله صلی الله علیه وآله : يا با ذر، إنك أحسنت طاعة الله، فسخر الله لك من يطيعك في كف العوادي(1) عنك، فأنت من أفاضل من مدحه الله عز و جل بأنه يقيم الصلاة.(2)

3- [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، عن جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال: من عطس في الصلاة، فليحمد الله و ليصل على النبي سرا في نفسه.(3)

4 - [النعمان بن محمد في دعائم الإسلام]، روينا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: إذا سبق أحدكم الإمام بشيء من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته، و ليقرأ فيما بينه و بين نفسه إن أمهله الإمام، فإن لم يمكنه قرأ فيما يقضي، و إذا دخل مع الإمام في صلاته العشاء الآخرة و قد سبقه بركعة و أدرك القراءة في الثانية فقام الإمام في

ص: 708


1- قال المجلسي قدس سره : العوادي جمع العادية من العدوان أو من عدا على الشيء إذا اختلسه و في الحديث من كف عن مؤمن عادية ماء و نار.
2- تفسير الإمام علیه السلام: 73، تفسير قوله تعالى: «وَ یُقِیمُونَ الصَلاةَ وَمَمَّا رَزَقنَاهُم یُنفِقُونَ» ، عنه البحار: 393/22 - 395 ح 1، وأورده في إرشاد القلوب: 452/2 ، مجموعة ورام: 101/2
3- دعائم الإسلام: 1/ 175، عنه البحار: 309/81 ضمن ح34 بإختلاف يسير.

الثالثة قرأ المسبوق في نفسه، كما كان يقرأ في الثانية و اعتد بها لنفسه أنها الثانية، فإذا سلم الإمام لم يسلم المسبوق، و قام يقضى ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب لأنها هي التي بقيت عليه.(1)

5- [محمد بن يعقوب في الكافي]، عن علي، عن أبيه، عن حماد، عن حریز، عن زرارة، عن أحدهما علیهما السلام قال: إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبح في نفسك.(2)

6- [المجلسي في البحار من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي]، نقلا من خط الشيخ الشهيد قدس الله روحهما، قال: روی جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

كنت مع مولانا أمير المؤمنين علیه السلام فرأى رجلا قائما يصلي، فقال صلی الله علیه وآله له: يا هذا، أتعرف تأويل الصلاة؟

فقال: يا مولاي، و هل للصلاة تأویل غير العبادة؟ فقال علیه السلام : إي و الذي بعث محمدا صلی الله علیه وآله بالنبوة، و ما بعث الله نبيه بأمر من الأمور إلا وله تشابه و تأویل و تنزیل، و كل ذلك يدل على التعبد. فقال له: علمني ما هو يا مولاي؟

فقال علیه السلام: تأويل تكبيرتك الأولى إلى إحرامك أن تخطر في نفسك إذا قلت (الله أكبر):من أن يوصف بقيام أو قعود .

و في الثانية: أن يوصف بحركة أو جمود.

و في الثالثة: أن يوصف بجسم أو يشبه بشبه أو يقاس بقياس.

و تخطر في الرابعة: أن تحله الأعراض أو تؤلمه الأمراض.

و تخطر في الخامسة: أن يوصف بجوهر أو بعرض، أو يحل شيئا أو يحل فيه شي.

و تخطر في السادسة: أن يجوز عليه ما يجوز على المحدثين من الزوال و الإنتقال و التغير من حال إلى حال.

و تخطر في السابعة: أن تحله الحواس الخمس.

ثم تأویل مد عنقك في الركوع، تخطر في نفسك: آمنت بك و لو ضربت عنقي. ثم

ص: 709


1- دعائم الإسلام: 1/ 191، عنه البحار: 85/ 113ح 82.
2- الكافي: 3/ 377 ح3، التهذيب: 3/ 32 ح 28، الإستبصار: 1/ 428 ح3، وذكره في الوسائل عن الكافي: 361/8 ح 10903 ،357/8 ح 10889 ، تفسير العياشي: 44/2 ، عنه البحار: 108/85 ح80، عوالي الليالي: 2/ 63 ح167

تأويل رفع رأسك من الركوع إذا قلت: (سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين) تأويله: الذي أخرجني من العدم إلى الوجود. و تأويل السجدة الأولى أن تخطر في نفسك و أنت ساجد: منها خلقتني. و رفع رأسك تأويله: و منها أخرجتني. و السجدة الثانية: و فيها تعيدني. و رفع رأسك تخطر بقلبك: و منها تخرجني تارة أخرى.

و تأويل قعودك على جانبك الأيسر و رفع رجلك اليمنی و طرحك على اليسرى تخطر بقلبك: اللهم إني أقمت الحق و أمت الباطل. و تأويل تشهدك: تجديد الإيمان و معاودة الإسلام و الإقرار بالبعث بعد الموت. و تأويل قراءة التحيات: تمجيد الرب سبحانه و تعظيمه عنهما قال الظالمون و نعته الملحدون. و تأويل قولك (السلام عليكم و رحمة الله و برکاته): ترحم عن الله سبحانه، فمعناها: هذه أمان لكم من عذاب يوم القيامة. ثم قال أمير المؤمنين علیه السلام : من لم يعلم تأويل صلاته هكذا فهي خداج - أي ناقصة -. (1)

7- [ابن شهر آشوب في المناقب]، في تأويل قوله تعالى: «إنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکرَی لَمِن کَانَ لَهُ قَلبٌ» (2)، عن تفسير وكيع، والسدي، وعطاء، عن ابن عباس أنه قال:

أهدي إلى رسول الله صلی الله علیه وآله ناقتان عظيمتان سمینتان، فقال صلی الله علیه وآله للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما و ركوعهما و سجودهما ووضوئهما و خشوعهما، لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، و لا يحدث قلبه بفكر الدنيا، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين؟ فقالها صلی الله علیه وآله مرة و مرتين و ثلاثا، لم يجبه أحد من أصحابه . فقام أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : أنا یا رسول الله أصلي ركعتين، أكبر التكبيرة الأولى إلى أن أسلم منهما، لا أحدث نفسي بشيء من أمور الدنيا، فقال صلی الله علیه وآله : يا علي، صل صلى الله عليك.

قال: فكبر أمير المؤمنين علیه السلام ودخل في الصلاة، فلما سلم من الركعتين هبط جبرئیل علیه السلام على النبي صلی الله علیه وآله فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: أعطه إحدى الناقتين.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : أنا شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء من أمور الدنيا أن أعطيه إحدى الناقتين، و إنه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أیهما يأخذ.

فقال جبرئیل: يا محمد، إن الله يقرئك السلام و يقول لك: تفكر علیه السلام أیهما يأخذ

ص: 710


1- البحار: 81/ 253ح 52.
2- ق: 37.

أسمنهما فينحرها فيتصدق بها لوجه الله تعالى، فكان تفكره لله تعالى لا لنفسه ولا للدنيا. فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله و أعطاه كلتيهما فنحرهما و تصدق بهما، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية يعني به أمير المؤمنين علیه السلام أنه خاطب نفسه في صلاته لله تعالى لم يتفكر فيهما بشيء من أمور الدنيا. (1)

القسم الحادي عشر: تجديد التوبة في القلب

1-[ محمد بن يعقوب في الكافي]، علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى ابن عقبة الأزدي، عن أبي عبد الله علیه السلام : كان فيما وعظ به لقان ابنه: يابني - إلى أن قال:- و اعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز و جل عن أربع: شبابك فيما أبليته، و عمرك فيها أفنيته، و مالك مما اكتسبته، و فيما أنفقته، فتأهب لذلك و أعدله جوابا، و لا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه و کثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، و جد في أمرك، و اکشف الغطاء عن وجهك، و تعرض لمعروف ربك، و جدد التوبة في قلبك، و اكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك و يقضي قضاؤك و يحال بينك و بين ما تريد.(2)

ويلحق بهذا الفصل: التسليم على النفس عند دخول بيت ليس فيه احد

النور:«فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً» (61).

1 - [الصدوق في الخصال] عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه علیهم السلام أن أمير المؤمنين علیه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه، قال علیه السلام - إلى أن قال - : إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول: السلام عليكم، فإن لم يكن له أهل فليقل: السلام علينا من

ص: 711


1- المناقب: 2/ 20، عنه الأسترابادي في تأويل الآيات: 593، عنه البحار: 161/36 ح 142 (نحوه).
2- الكافي: 134/2-135 ح20، عنه البحار: 13/ 425 ح19، 68/70-69 ح 36، وأورده في مجموعة ورام:194/2.

ربنا.. الحديث.(1)

باب نادر: الدعاء في القلب لرؤية خليل الله

1 -[ الراوندي في قصص الأنبياء علیه السلام ] ، كان على عهد إبراهيم علیه السلام رجل يقال له: (ماريا بن أوس) قد أتت عليه ستمائة سنة و ستون سنة، و كان يكون في غيضة له بينه و بين الناس خلیج من ماء غمر، و كان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي فيه.

فخرج ذات يوم فيما كان يخرج، فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها، و فيها شاب كأن وجهه شقة قمر، فقال: يا فتی لمن هذا الغنم؟ قال: لإبراهيم خليل الرحمن . قال: فمن أنت؟ قال: أنا ابنه إسحاق.

فقال ماريا في نفسه: اللهم أرني عبدك و خليلك حتى أراه قبل الموت. ثم رجع إلى مكانه و رفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره، فكان إبراهيم علیه السلام يتعاهد ذلك المكان الذي هو فيه و يصلي فيه، فسأله إبراهيم عن اسمه و ما أتى عليه من السنين فخبره، فقال: أين تسكن؟ فقال: في غيضة. فقال إبراهيم علیه السلام : إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه و كيف عيشك فيها.

قال: إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خلیج و ماء غمر. فقال له إبراهيم علیه السلام : فما لك فيه معبر؟

قال: لا. قال: فكيف تعبر؟ قال: أمشي على الماء.

قال إبراهيم علیه السلام: لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي. قال: فانطلق و بدأ ماريا فوضع رجله في الماء و قال: بسم الله. قال إبراهيم علیه السلام : بسم الله. فالتفت ماريا و إذا إبراهيم علیه السلام يمشي كما يمشي هو، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة فأقام معه إبراهيم ثلاثة أيام لا يعلمه من هو، ثم قال علیه السلام له: يا ماريا، ما أحسن موضعك، هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع؟

فقال: ما كنت لأفعل. قال علیه السلام : و لم؟ قال: لأني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم

ص: 712


1- الخصال:626/2 ح10، عنه البحار:104/10 ح 1 ، 4/73 ح10، 166/73 ح 1، 170/73 ح15، عنه أيضا الوسائل: 323/5 ح 6676، وأورده في تحف العقول: 115.

يجبني فيها. قال علیه السلام : و ما الذي دعوته؟ فقص عليه خبر الغنم و إسحاق علیه السلام، فقال إبراهيم: فإن الله قد استجاب منك، أنا إبراهيم. فقام و عانقه، فكانت أول معانقة.(1)

ص: 713


1- قصص الأنبياء علیهم السلام: 115-116، عنه البحار: 9/12-10 ح23، وعنه أيضا: قصص الأنبياء علیهم السلام للجزائري: 97 – 98.

ص: 714

المراجع

ملاحظة: لدى وجود الإختلاف بين نسخة البحار ونسخ المصادر المطبوعة، يتم ذكر ما في نسخة البحار إلا إذا كانت العبارة في المصدر المطبوع أصح أو أوفق، وغالبا يلمح إلى ذلك في الهامش.

1- الإحتجاج، الشيخ الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب، القرن السادس الهجري، نشر مؤسسة المرتضی، مشهد المقدسة.

2 - الإختصاص، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري، 413ه، مؤتمر الشيخ المفيد، قم المشرفة.

3- الإرشاد، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري، 413ه، مؤتمر الشيخ المفيد، قم المشرفة.

4 - الإستبصار، شیخ الطائفة الطوسي، محمد بن الحسن، 460ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ه - إرشاد القلوب، الديلمي، الحسن بن أبي الحسن، 841ه، إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

6- أعلام الدين، الديلمي، الحسن بن أبي الحسن، 841ه، مؤسسة آل البيت علیهم السلام ، قم المشرفة.

7- إعلام الوری بأعلام الهدى، أمين الإسلام، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، 548ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

8- إقبال الأعمال، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمد ابن طاوس الحسني، 664ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 715

9- الأمالي، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، انتشارات المكتبة الإسلامية.

10 - الأمالي، شيخ الطائفة الطوسي، محمد بن الحسن، 460ه، دار الثقافة، قم المشرفة.

11 - الأمالي [المجالس]، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري، 413ه مؤتمر الشيخ المفيد، قم المشرفة.

12 - الأنوار، البكري، أبو الحسن أحمد بن عبد الله، إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

13 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار علیهم السلام، العلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، 1111ه، مؤسسة الوفاء، بیروت.

14 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، الطبري، عماد الدين محمد بن أبي القاسم، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

15 - بصائر الدرجات، الصفار، محمد بن الحسن بن فروخ، 290 ه، طبع مکتبة آية الله المرعشی، قم المشرفة.

16 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، الأسترابادي، السيد شرف الدين الحسيني النجفي، 940 ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

17- تحریم ذبائح أهل الكتاب، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري 413 ه، مؤتمر الشيخ المفيد.

18 - تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة، أبو محمد الحسن بن علي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

19 - التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام، طبع مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه، قم المشرفة.

20- تفسير العياشي، العياشي، محمد بن مسعود السلمي، المطبعة العلمية، طهران.

21- تفسیر فرات، الكوفي، فرات بن إبراهيم.

22 - تفسير القمي، القمي، علي بن إبراهيم بن هاشم، مؤسسة دار الكتاب، قم المشرفة.

ص: 716

23 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الحر العاملي، محمد بن الحسن، 1104ه، مؤسسة آل البيت علیهم السلام، قم المشرفة.

24 - تهذیب الأحکام، شيخ الطائفة الطوسي، محمد بن الحسن، 460ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

25 - التوحيد، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

26 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

27 - جامع الأخبار، الشعيري، تاج الدین محمد بن محمد، إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

28 - الجعفريات، الكوفي، محمد بن محمد بن الأشعث، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

29 - جمال الأسبوع، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمدابن طاوس الحسني، 664ه، إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

30 - الجمل، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري، 413ه، مؤتمر الشيخ المفيد، قم المشرفة.

31- الخرائج والجرائح، الراوندي، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن، 573ه، مؤسسة الإمام المهدي عج، قم المشرفة.

32- خصائص الأئمة علیهم السلام الشريف الرضي، محمد بن الحسن الموسوي، 406 ه المؤسسة التحقيقاتية التابعة للعتبة الرضوية المقدسة، مشهد المشرفة.

33 - الخصال، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

34 - دعائم الإسلام، التميمي، القاضي النعمان بن محمد، 363ه، دار المعارف،مصر.

35 - الدعوات، الراوندي، قطب الدین سعید بن هبة الله بن الحسن، 573ه، مدرسة الإمام المهدي عج، قم المشرفة.

ص: 717

36 - دلائل الإمامة، الطبري، محمد بن جریر الطبري الإمامي، دار الذخائرللمطبوعات، قم المشرفة.

37 - ديوان الإمام علي علیه السلام ، انتشارات علیه السلامیام إسلام، قم المشرفة.

38 - رجال الكشي، محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، إنتشارات جامعة مشهد.

39 - رجال النجاشي، أبو الحسن أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الكوفي، 450ه مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

40 - روضة الواعظين وتبصرة المتعظين، محمد بن الفتال النيسابوري، 508ه، انتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

41 - الزهد، الأهوازي، الحسين بن سعيد.

42 - شرح نهج البلاغة، المعتزلي، عبد الحميد بن أبي الحديد، 656ه، طبعة مكتبة آية الله المرعشي، قم المشرفة.

43 - الصحيفة السجادية المباركة، طبعة مكتب الهادي، قم المشرفة.

44 - الصراط المستقيم، البياضي، زين الدين علي بن يونس النباطي، 877ه، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

45 - طب الأئمة علیهم اللسام ، ابنا بسطام، عبد الله وحسين ابنا بسطام بن سابور الزيات، انتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

46 - الطرائف في مذاهب الطوائف، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی ابن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني، 664 ه، مطبعة الخيام، قم المشرفة.

47 - عدة الداعي، الحلي، الشيخ أحمد ابن فهد، 841ه، دار الكتاب الإسلامي.

48 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية، ابن المطهر الحلي، رضي الدين علي بن يوسف، طبعة مكتبة آية الله المرعشي، قم المشرفة.

49 - علل الشرائع، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، إنتشارات مكتبة الداوري، قم المشرفة.

50 - عوالي الليالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن أبي جمهور، محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، إنتشارات سيد الشهداء، قم المشرفة.

51- علل الشرائع، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، إنتشارات جهان.

ص: 718

52 - الغارات، الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال، 283ه مؤسسة دار الكتاب، قم المشرفة.

53 - غرر الحکم و درر الكلم، الآمدي، عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد التميمي، 550ه، انتشارات دفتر تبلیغات، قم المشرفة.

54 - الغيبة، شيخ الطائفة الطوسي، محمد بن الحسن، 460 همؤسسة المعارف الإسلامية، قم المشرفة.

55 - الفضائل، ابن جبرئیل، أبو الفضل سدید الدین شاذان القمي، انتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

56 - فضائل الشيعة، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، مؤسسة الأعلمي.

57 - فقه الرضا علیه السلام، مؤتمر الإمام الرضا علیه السلام ، مشهد المشرفة.

58 - قرب الإسناد، الحميري القمي، عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع، طبعة مكتبة نينوي، طهران.

59 - قصص الأنبياء، الجزائري، السيد نعمة الله، 1112ه، طبعة مكتبة آية الله المرعشی، قم المشرفة.

60- قصص الأنبياء، الراوندي، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن، 573ه، المؤسسة التحقيقاتية التابعة للعتبة الرضوية المقدسة، مشهد المشرفة.

61 - القطرة من بحار مناقب النبي والعترة، المستنبط، أحمد بن رضي بن أحمد بن الموسوي، 1399ه، نشر ألماس، ط الخامسة.

62 - الكافي، ثقة الإسلام الكليني، محمد بن یعقوب، 329ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

63 - کامل الزیارات، ابن قولويه القمي، أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفربن موسی، 367ه، طبعة إنتشارات المرتضوية، النجف الأشرف.

64 - كتاب سليم بن قيس، الهلالي، سليم بن قيس العامري الكوفي، 80ه، انتشارات الهادي، قم المشرفة.

65 - کشف الغمة في معرفة الأئمة علیهم السلام، الإربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح، 693ه، طبعة مكتبة بني هاشمي، تبریز.

ص: 719

66 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام، العلامة الحلي، الحسن بن يوسف ابن المطهر، 726ه

67 - کمال الدین وتمام النعمة، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، دار الكتب الإسلامية، قم المشرفة.

68 - کنز الفوائد، الكراجكي، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، 449ه، انتشارات دار الذخائر، قم المشرفة.

69 - اللهوف على قتلى الطفوف، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني، 664ه، انتشارات جهان، طهران.

70 - متشابه القرآن، المازندراني، محمد بن علي بن شهر آشوب، 588 ه، مؤسسة انتشارات بیدار.

71 - مثير الأحزان، الحلي، جعفر بن محمد ابن نما، 645ه، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه، قم المشرفة.

72 - مجموعة ورام، ابن أبي فراس، ورام، 605ه، انتشارات مكتبة الفقيه، قم المشرفة.

73 - محاسبة النفس، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني، 664ه، انتشارات المرتضوية، النجف الأشرف.

74 - المحاسن، البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، 274ه، دار الكتب الإسلامية، قم المشرفة.

75 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلی الله علیه وآله، العلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، 1111ه، دار الكتب الإسلامية، طهران.

76 - مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الميرزا النوري الطبرسي، الحاج حسين، 1320ه، مؤسسة آل البيت علیهم السلام، قم المشرفة.

77 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، 966ه، طبعة مكتبة بصيرتي، قم المشرفة.

78 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، أبو الفضل علي بن الحسن، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

ص: 720

79 - مصباح الشريعة، الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليه، مؤسسة الأعلمي.

80 - المصباح (جنة الأمان الواقية)، الكفعمي، إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد العاملي، 905ه إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

81 - مصباح المتهجد، الطوسي، محمد بن الحسن، 460ه، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت.

82 - معاني الأخبار، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

83 - معدن الجواهر، الكراجكي، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، 449ه انتشارات المكتبة المرتضوية.

84 - مكارم الأخلاق، الطبرسي، أبو نصر الحسن بن فضل، إنتشارات الشريف الرضي، قم المشرفة.

85 - مقتل أبي مخنف، لوط بن یحیی بن سعید بن مخنف بن مسلم الأزدي الغامدي، المتخذ من تاريخ الأمم والملوك لمحمد بن جرير الطبري، طبعة مكتبة الله المرعشي، قم المشرفة.

86 - من لا يحضره الفقيه، الصدوق، محمد بن علي بن بابویه، 381ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

87 - مناقب آل أبي طالب، المازندراني، محمد بن علي بن شهر آشوب، 588ه مؤسسة انتشارات العلامة، قم المشرفة.

88 - منتخب الأنوار المضيئة، النيلي النجفي، علي بن عبد الكريم، مطبعة ختام، قم المشرفة.

89 - مهج الدعوات ومنهج العبادات، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني، 664ه، دار الذخائر، قم المشرفة.

90 - نهج البلاغة، انتشارات دار الهجرة، قم المشرفة.

91 - النوادر، الراوندي، السيد فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسيني، 570ه مؤسسة دار الكتاب، قم المشرفة.

ص: 721

92 - وقعة صفين، المنقري، نصر بن مزاحم بن سیار، 212ه طبعة مكتبة آية الله المرعشي، قم المشرفة.

93 - اليقين بإختصاص مولانا أمير المؤمنين علی علیه السلام بإمرة المؤمنين، السيد ابن طاوس، أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني، 664ه، مؤسسة دار الكتاب، قم المشرفة.

ص: 722

الفهرس

نبذة عن المؤلف ...5

المقدمة ...7

تمهید...11

الفصل الأول : تعریف حديث النفس...15

الفصل الثاني : تنزيه الباري تعالى عن حديث النفس ...25

الفصل الثالث : حديث النفس بالمعاصي والتشكيك في العقائد الدينية وعدم المؤاخذة عليه ...31

فائدة: في وجه عدم التكليف والعقاب وفي ثبوت الإستحقاق والخذلان الإلهي...34

فهنا ملاحظة هامة...35

الفصل الرابع : عدم خلو المؤمن من حديث النفس بما لا ينبغي...41

الفصل الخامس: العقد على حديث النفس وترتيب الأثر عليه والعمل به...45

الباب 1: العقد على ما حدث به العبد نفسه يوجب المؤاخذة ...47

الباب 2: لا يجوز ترتيب الأثر على حديث النفس قبل استثمار النبي أو الإمام وتعلم الحكم ...48

الباب 3: لا يجوز ترتيب الأثر على حديث النفس بما لا ينبغي فعله ...49

الفصل السادس : علاج حديث النفس و الوساوس ...51

ص: 723

تتميم الفصل: الإستعاذة من الوسوسة و حدیث النفس و الحرز للوساوس ...62

فائدة : في حقيقة الإستعاذة بالله سبحانه وتعالى...67

الفصل السابع : الإستغفار من حديث النفس بما لا ينبغي والميل إلى الباطل والإنحراف عن الحق ...71

الفصل الثامن : حديث النفس بالآيات ...77

الفصل التاسع: حديث النفس بالأحكام الشرعية ...83

نوادر الباب:..89

الفصل العاشر: حديث النفس بما لا ينبغي...91

الباب 1: حديث النفس بما لا ينبغي لله سبحانه وتعالى وبعدم علمه وبماینافي التوحيد... 93

الباب 2: حديث النفس بالإستغناء في الأفعال عن الله تعالى ...96

الباب 3: حديث النفس بمخالفة أمر النبي أو الإمام علیهما السلام والتدليس عليه والتشكيك في أخباره وكلامه وبما ينافي التسليم له ...96

فائدة: في معنى علم الغيب ...104

الباب 4: حديث النفس بالطعن على النبي أو الإمام علیهما السلام والإزراء عليه وخطأه وبزوال قدرته ودولته وإنكار معجزته ...109

تتميم الباب: ما قاله الإمام علیه السلام عن نفسه تحززا من أن يقول الناس في أنفسهم طعنا فيه...131

الباب 5: حديث النفس بتساوي الحجج علیهم السلام مع سائر الخلق بالفضائل والصفات وإنکار فضائلهم وفضائل أوليائهم ...133

الباب 6: حديث النفس بالغلو في الأئمة علیهم السلام أو بأنهم أنبياء ...140

تتميم الباب: حديث النفس أنه يغالي فيما ليس بغلو...144

الباب 7: حديث النفس بالإنحراف عن الإمام علیه السلام وعدم اتباعه وإنكار الإمامة...145

الباب 8: حديث النفس بعدم علم الإمام علیه السلام...150

الباب 9: حديث النفس بتضيع الإمام علیه السلام للحقوق ... 152

الباب 10: حديث النفس بمحاولة إرشاد الإمام علیه السلام ووعظه أو بإتحافه بالات اللعب...152

الباب 11: حدیث النفس بعدم مواساة الإمام علیه السلام للإخوان ...154

ص: 724

الباب 12: حديث النفس بالإمتنان على الإمام علیه السلام بالعطاء او غير العطاء ...155

الباب 13: حديث النفس بنوم الإمام علیه السلام في السجود ونحوه... 155

الباب 14: حديث النفس بموت الإمام علیه السلام...158

الباب 15: حديث النفس بعدم عفو الإمام علیه السلام ومؤاخذة المجرم ...161

الباب 16: حديث النفس بما ينافي التسليم التام للحق ...162

الباب 17: حديث النفس بالظلم ...166

الباب 18: حديث النفس باستحقار الذنوب...166

الباب 19: ارتكاب السيئة مع حديث النفس بالتوبة ...167

الباب 20: حديث النفس بترك أكل اللحم ...167

الباب 21: حديث النفس بجب النفس...169

الباب 22: حديث النفس بتحريم الزوجة على نفسه ...169

الباب 23: حديثالنفس بأن لزوجته زوجا غيره وتكذيبها في ذلك ...170

الباب 24: حديث النفس بتكذيب المؤمن ...171

الباب 25: حديث النفس بالسؤال في غير محله ...171

الباب 26: حديث النفس بالرياء ...172

الباب 27: حديث النفس بالحرمان من غفران الله بعد الوقوف بالموقفين ...173

الباب 28: حديث النفس بالقتل ...173

القسم الأول: حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه وآله ومحاربته وخيانته وتولية أعداءه ...173

القسم الثاني: حديث النفس بقتل الإمام علیه السلام ومحاربته وخيانته ...176

القسم الثالث: حديث النفس بقتل الناس ظلما ...179

القسم الرابع: حديث النفس بالقتل بعد ورود النهي ...180

الباب 29: حديث النفس بما يخالف التقية ...181

الباب 30: حديث النفس بالهلاك فيما لا يوجب الهلاك...181

الباب 31: حديث النفس بالخيانة في الأموال والسرقة، وبأكل المال حراما و صرفه في اللهو...182

الباب 32: حديث النفس بالطمع الكاذب والأماني وتمني الحياة الدنيا ... 184

الباب 33: حديث النفس بالفقر ...186

الباب 34: حديث النفس ببقاء النعم والعافية ... 187

ص: 725

الباب 35: حديث النفس بالبقاء في الدنيا وطول العمر والتسويف...187

الباب 36: حديث النفس بالعزة والرفعة والرياسة والفخر والعجب والكبر...189

الباب 37: حديث النفس بتسوية عمار مع سلمان وأبي ذر والمقداد (رضوان الله عليهم أجمعين)...201

الباب 38: حديث النفس بان الشهادة خير من التسليم التام للإمام ...202

الباب 39: حديث النفس باختصاص الجنة لمن قال بمقالته وعرف کمال معرفته ...202

الباب 40: حديث النفس بالمعصية والباطل ...203

الباب 41: حديث النفس بالسياحة في الأرض ...205

الباب 42: حديث النفس بهدم الكعبه وقتل أهل مكة وسبي ذريتهم... 205

الباب 43: حديث النفس بارتكاب الزنا ...207

الباب 44: حديث النفس بحنث النذر ...209

الباب 45: حديث النفس في الصلاة بأمور الدنيا ... 210

تتميم الباب: ما يعالج ويدفع به حديث النفس في الصلاة ...213

الباب 46: حديث النفس بنفي الحكمة من الخلقة...214

الباب 47: حديث النفس بالشكوى من الله تبارك وتعالى ...215

الباب 48: حديث النفس بما لا يريد إظهاره للآخرين ...215

الفصل الحادي عشر: حديث النفس بالطاعة وبما ينبغي ...217

الباب 1: حديث النفس بعدم ألوهية غير الله تبارك وتعالى ...219

الباب 2: حديث النفس بربوبية الله تعالى وقدرته وعلمه وسائر كالاته ونفي النقائص عنه ...220

الباب 3: حديث النفس في الدقة في مسألة الشرك والتحرز من استحقار الذنوب ...224

الباب 4: حديث النفس بالتوكل على الله تعالى والتفويض إليه والرضا بقضائه ...225

الباب 5: حديث النفس فيما بدا لله عز وجل...226

الباب 6: حديث النفس بالإخلاص...227

الباب 7: حديث النفس بترك الإلمام بالاصنام وعبادتها ...228

الباب 8: حديث النفس بنبوة النبي وإمامة الإمام علیهما السلام والإعتقاد الصحيح، وفيه مايتعلق بدلالة الإمامة وعلامات الإمام ...228

الباب 9: حديث النفس بالدفاع عن رسول الله صلی الله علیه وآله...238

ص: 726

الباب 10: حديث النفس بالدفاع عن الإمام علیه السلام والإمامة وإفحام المخالفين وبالإنكار على أهل الباطل ...239

الباب 11: حديثالنفس بالتسليم والتصديق للحجج علیهم السلام والطاعة لهم ...249

الباب 12: حدیث النفس باسترشاد الإمام علیه السلام فيما يريد فعله ...254

الباب 13: حديث النفس بالتبرك بالإمام علیه السلام واخذ العوذة والإستعطاء وطلب الدعاء والدواء منه...255

الباب 14: حديث النفس بفضائل أهل البيت علیهم السلام وعصمتهم ...262

الباب 15: حديث النفس في رثاء أهل البيت علیهم السلام والسادة من قریش (رضوان الله عليهم) ... 270

الباب 16: حديث النفس بفرج آل محمد علیهم السلام...277

الباب 17: حديث النفس بتطابق أحاديث أهل البيت علیهم السلام...278

الباب 18: حديث النفس بدعاء الإمام علیه السلام للشيعة ...278

الباب 19: حديث النفس بالحذر والحزم عند تحذير الإمام علیه السلام...279

الباب 20: حديث النفس بالقتال مع الكفار وقتل أعداء أهل البيت علیهم السلام ...280

الباب 21: حديث النفس بالخلافة ممن كان أهلا لها ...283

الباب 22: حديث النفس بالإطاعة وإمتثال الواجب وترك المحرم...287

الباب 23: حديث النفس بالتوبة والإنتقال من المعصية إلى الطاعة ...292

الباب 24: حديث النفس بالمعاد والثواب والعقاب وفناء الدنيا ...295

الباب 25: حديث النفس بإمكان زوال النعم والعافية ...301

الباب 26: حديث النفس بما يتعلق بالموت عند اتباع الجنائز...302

الباب 27: حديث النفس بالخير ... 303

الباب 28: حديث النفس بالمتعة... 304

الباب 29: حديث النفس بترك الظلم ...304

الباب 30: حديث النفس برد المظالم وأداء الحقوق ...305

الباب 31: حديث النفس بعدم تحمل اوزار أهل المعاصي ...307

الباب 32: حديث النفس ومحاسبتها والإزراء عليها ولومها وحثها على الطاعة وكفها عن المعصية...307

القسم الأول: في أهمية محاسبة النفس والحث عليها وكيفيتها وأنها من أعمال المتقين...307

تتميم: وعظ النفس ...318

القسم الثاني: ما في الأخبار من الإزراء على النفس وتوبيخها ولومها وحثها على الطاعات وكفها عن المعاصي... 319

فائدة : في أحوال بعض الأعلام وأخبارهم في محاسبة النفس ومجاهدتها ... 335

ص: 727

الباب 33: حديث النفس بالبرء إذا اشتكي عينيه ...338

الباب 34: حديث النفس بتعلم العلم والقرآن من أهله وبطلب العلم ...339

الباب 35: حديث النفس بالتصدق وقضاء حوائج المؤمنين وإغاثة الملهوفين ...344

الباب 36: حديث النفس بحفظ حرمة الكعبة والطواف بها ... 347

الباب 37: حديث النفس بالمشاركة في صلاة الجماعة ... 348

القسم الأول: حديث النفس بالصلاة خلف أمير المؤمنين علیه السلام...348

القسم الثاني: حديث النفس بصلاة الجماعة مطلقا ...349

تتميم الباب: حديث النفس بعدم الدخول على المصلين...349

الباب 38: حديث النفس بمدح الفقر وذم الغني ...350

الباب 39: حديث النفس بأحقية قرابات أهل البيت علیهم السلام على قراباته، وبالإيثار لهم ...351

تتميم الفصل: ...352

الباب 40: ما ينبغي أن يفعل المسافر عند حديث النفس بإقامة عشرة أيام أو عدمها ...352

الباب 41: ما ينبغي أن يفعل من حدث نفسه بالسفر ليلة الصيام...353

الفصل الثاني عشر : آثار حديث النفس...355

القسم الأول: أثر حديث النفس على الأحلام... 357

القسم الثاني: آثار حديث النفس بما لا ينبغي ...358

الباب 1: أثر حديث النفس بقتل النبي صلی الله علیه وآله والإمام علیه السلام : التحريض على القتل والإبتلاء بزوال الشخصية والذم والتهديد من الله عز وجل...358

الباب 2: حدیث النفس بالزنا: الإبتلاء بفساد النفس...364

الباب 3: حديث النفس بطول العمر: الإبتلاء بالحرص...365

الباب 4: حديث النفس بالفقر: الإبتلاء بالبخل ...365

الباب 5: أثر حديث النفس بهدم الكعبة وعدم حفظ حرمة أهلها: الإبتلاء بالأمراض ...366

الباب 6: آثار حديث النفس بالرفعة والكبر والفخر... 368

الأثر الأول: الحرمان من خير الدارين وزوال قرة العين...368

ص: 728

الأثر الثاني: استحقاق القتل ...368

الأثر الثالث: (التوبيخ و) لزوم التواضع والخشوع ...369

الأثر الرابع: وشاكة الهلاك ...370

الأثر الخامس: الذلة والخضوع...371

الأثر السادس: حبط الأعمال وزوال الرحمة ...372

الأثر السابع: المقت من الله ...372

الباب 7: أثر حديث النفس بالرياسة: استحقاق اللعن ...373

الباب 8: أثر حديث النفس بقتل الناس ظلما: حبط الأعمال الحسنة وعدم إستجابةالدعاء...373

الباب 9: أثر حديث النفس بالظلم: زوال البركة ...374

الباب 10: أثر حديث النفس بالغلو: التوبيخ من الإمام علیه السلام وذمه ...374

الباب 11: أثر حديث النفس بتساوي الإمام علیه السلام مع سائر الخلق وبإنكار الإمامة: الندم ووجوب المعذرة وتوبيخ الإمام...375

الباب 12: أثر عدم حديث النفس بمتابعة الإمام: الحرمان من البشارة بالخير ...376

تتميم الباب: عدم حديث النفس باتباع الإمام علیه السلام ...376

الباب 13: أثر حديثالنفس بعدم أداء الحقوق: العذاب ...376

الباب 14: حديث النفس بالتوبة مع ارتكاب المعصية يوجب الهلاك ...377

الباب 15: أثر عدم حديث النفس بالإنتقال من العافية إلى الفقر والخوف والحزن: الحيلولة بين الانسان وبين التضرع إلى الله في دوام العافية ...378

الباب 16: أثر عدم حديث النفس بالإنتقال من الحال التي لا يرضاها العبد لنفسه إلى الحال التي يرضاها: الحرمان من العقل...379

الباب 17: أثر حديث النفس بالمعصية مع العقد عليه: المؤاخذة...380

الباب 18 : أثر حديث النفس بنفي الحكمة من الحلقة: التوبيخ...380

الباب 19: أثر حديث النفس باستحقار الذنب: الوقوع في الشرك الخفى...381

الباب 20: أثر حديث النفس بالطمع الكاذب: تكذيب العطية ...382

الباب 21: أثر حديث النفس بالحرمان من غفران الله بعد الوقوف بالموقفين: أعظم الناس وزرا ...382

الباب 22: أثر حديث النفس بالرياء: الهوان عند الناس والذم ...382

الباب 23: أثر حديث النفس بعدم إعطاء المهر: صيرورة الزواج زنی ...383

ص: 729

الباب 24: أثر حديث النفس بما لا يريد إفشاءه للآخرين: الفشو والظهور ...383

نوادر آثار حديث النفس بما لا ينبغي... 384

الباب 25: أثر حديث النفس من زكريا علیه السلام باتهام الناس له: الخوف ...384

الباب 26: تغير توقيع الإمام علیه السلام إثر حديث النفس...385

القسم الثالث: آثار حديث النفس بالطاعة وبما ينبغي ... 386

الباب 1: أثر حديث النفس بصوم شهر رمضان: دخول الجنة ...386

الباب 2: أثر حديث النفس بالخير: عود البركة والصحة والسلامة وزوال الأمراض...386

الباب 3: أثر حديث النفس بحرمة الكعبة وأهلها: الصحة والسلامة وزوال الأمراض ...387

الباب 4: أثر حديث النفس بزوال النعم وموت الأولاد و نفاد الأموال: طلب الجنة... 388

الباب 5: آثار حديث النفس بعظمة أهل البيت علیهم السلام ...389

الأثر الأول: بشارة الإمام علیه السلام والسعادة ودخول الجنة ... 389

الأثر الثاني: الحشر معهم يوم القيامة ...389

الباب 6: آثار محاسبة النفس وتوبيخها والإزراء عليها ولومها والطعن عليها ...390

الأول: خير من عبادة اربعين سنة ومأة سنة ونواب عمل العاملين ... 390

الثاني: لا يناقشه الله في شيء من الذنوب...390

الثالث: مباهاة الله به الملائكة واستجابة الدعاء له ...391

الرابع: المغفرة والرحمة...392

الخامس: هون الحساب يوم الحساب ...392

السادس: الربح ...393

السابع: معرفة العجز في النفس ووجدان الفقر إلى الله تعالى ...393

الثامن: صلاح النفس وارتداعها عن الذنوب والأمان من مداهنتها ...394

التاسع: السعادة ...395

العاشر: انقياد النفس ...395

الحادي عشر: معرفة عيوبه وإصلاحها ...395

الثاني عشر:حفت الملائكة ونزول السكينة وفتح أبواب السماء وإعطاء مقاعد المكرمات ...396

الثالث عشر: يأمن ما يرهب ويدرك ما يرغب ...397

ص: 730

الرابع عشر: يكون في خير ...397

الخامس عشر: يكون مغبوطا ...398

السادس عشر:يكون من المؤمنين والمتقين ...398

السابع عشر: الإستزادة من الخير والإستغفار من السيئة وعدم الخزي يوم القيامة ... 398

الباب 7: أثر حديث النفس بطلب الدواء والدعاء من الإمام علیه السلام وأخذ العوذة: نيل العوذة والدواء والصحة ...399

الباب 8: أثر حديث النفس بالبرء إذا اشتكي عينه (مع تلاوة الذكر): العافية إن شاء الله ...401

الباب 9: أثر حديث النفس بالإخلاص: العزة في أعين الناس والمدح ...402

الباب 10 : أثر حديث النفس بعدم قطع الصلاة: حفظ المال ودفاع الله عن المصلي وشؤونه ...402

الباب 11: أثر حديث النفس بكرم الإمام علیه السلام وعونه والإستعطاء منه والتبرك به: عطاء الإمام ونيل البركة...403

الباب 12: أثر حديث النفس بالدعاء للإمام علیه السلام ... 407

الأثر الأول: دعاء الإمام له واستجابة دعاءه علیه السلام فيه والتوفيق للإيمان... 407

الأثر الثاني: (مع الدفاع عن الإمام) انکشاف الحجاب عن عينه والعناية الخاصة منه علیه السلام ...408

الباب 13: أثر حديث النفس بالحذر عند تحذير الإمام علیه السلام: النجاة ...408

الباب 14: أثر حديث النفس بالإسترشاد من الإمام علیه السلام: الهدى والرشاد ...409

الباب 15: أثر حديث النفس بإقامة عشرة أيام: إتمام الصلاة ...409

الباب 16: أثر حديث النفس بالسفر ليلة الصيام: لزوم الإفطار ... 410

الفصل الثالث عشر: علم الله وأولياءه بحديث النفس من الخلق وإخبارهم بالمضمرات ...411

الباب 1: علمه تعالى بما في الضمائر وما في النفوس ...413

الباب 2: علم النبي والأئمة علیهم السلام بحديث النفس ومايضمر ...419

الباب 3: في أنه بتعريف الله والإلهام والفراسة والتوسم يعرف الحجج علیهم السلام بما في النفس...424

الباب 4: أن إخبار الحجج علیهم السلام بحديث النفس يوجب اليقين والمعرفة واطمئنان القلب...429

الباب 5: إخبار الله بأحاديث النفس والمضمرات... 435

الباب 6: إخبار النبي والأئمة والأولياء بأحاديث النفس والمضمرات ...439

الأول: إخبارات النبي صلی الله علیه وآله... 440

الثاني: إخبارات أمير المؤمنين علیه السلام...459

الثالث: إخبارات الإمام الحسن بن على المجتبى علیه السلام ...470

ص: 731

الرابع: إخبارت الإمام الحسين بن علي الشهيد علیه السلام ...472

الخامس: إخبارات الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام ...474

السادس:اخبارات الإمام محمد بن علي الباقر علیه السلام... 476

السابع: إخبارات الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام...486

الثامن: إخبارات الإمام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام...516

التاسع: إخبارات الإمام علي بن موسی الرضا علیه السلام...524

العاشر: إخبارات الإمام محمد بن علي التقي الجواد علیه السلام...535

الحادي عشر: إخبارات الإمام علي بن محمد الهادي النقي علیه السلام...543

الثاني عشر: إخبارات الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام...552

الثالث عشر: إخبارات الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالی فرجه ... 571

الرابع عشر: إخبار شيعة الأئمة وأوليائهم بالإضمار من الناس ... 580

فائدة : في إمكان معرفة ما في نفوس الآخرين فيما يرتبط بالحب و البغض و المنزلة... 582

تتمیم: قدرة الإمام علیه السلام على صرف الوساوس وأحاديث النفس ...584

الفصل الرابع عشر: حديث النفس من الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم ...587

الباب 1: حديث النفس من النبي الأعظم صلی الله علیه وآله...589

الباب 2: حديث النفس من أهل بيت النبي علیهم السلام ...595

تتميم الباب: أن أمير المؤمنين علیه السلام لم يحدث نفسه بما يؤذي فاطمةعلیهاالسلام...609

الباب 3: حديث النفس من سائر الأنبياء علیهم السلام...612

الفصل الخامس عشر: عصمة النبي والأئمة علیهم السلام من حديث النفس بما لا ينبغي ...621

الفصل السادس عشر: حديث النفس من سائر الكائنات والمخلوقات ...627

الباب 1: حديث النفس من الملائكة ...629

الباب 2: حديث النفس من الجن ...633

الباب 3: حديث النفس من سائر المخلوقات ...633

الفصل السابع عشر : حديث النفس في الآخرة وعند الموت...637

ص: 732

الفصل الثامن عشر : النوادر ...643

الباب 1: حديث النفس من آمنة لدى مولد النبي الأعظم صلی الله علیه وآله...645

الباب 2: حديث النفس من ذي القرنين بالمسير...645

الباب 3: إخبار الرضا علیه السلام بعدم حديث النفس بالخلافة... 648

الباب 4: حديث النفس بجواز السجود على الزجاج ...648

الباب 5: ابن الملك وحدیث النفس بالهروب مع بلوهر ...649

الباب 6: حديث النفس في أن الله تعالى أعاذ أولياءه من لمة الشيطان ...650

الباب 7: حديث النفس من أبي سفيان باستحقاق زیاد بن أبيه ...650

الباب 8: حديث النفس من الأول في عاقبة أمره لو أمر بقتل أمير المؤمنين علیه السلام...651

الباب 9: حديث النفس من الخضر بمقالته لذي القرنين ...652

الباب 10: حديث النفس من زكريا في شأن حمل مریم وتهمة الناس له وحديث نفسه بقدرة الله على أن يهب له ولدا ...652

الباب 11: حديث النفس من بعض المشركين وندمهم على استسلامهم و عزمهم على حرب رسول الله صلی الله علیه وآله ...654

الباب 12: حديث النفس بالزواج من خديجة ...655

الباب 13: حديث النفس من عبد المطلب في شان نور رسول الله صلی الله علیه وآله ... 656

الباب 14: حديث النفس من الطبيب اليوناني بالمؤاخذة بقتل علي بن أبي طالب علیهما السلام ...657

الباب 15: حديث النفس بالوقوع على علم من علم الأئمة علیهم السلام ...658

الباب 19: حديث النفس من ابن عباس حول حديث ألف باب من العلم ...659

الباب 17: حديث النفس بإصابة الإمام علیه السلام للواقع و بخطأ عبد الله بن الحسن وعدم إمامته ...660

الباب 18 : التعجب في النفس من أمر الإمام علیه السلام...662

الباب 19: حديث النفس بأنه من شيعة الإمام علیه السلام...663

الباب 20: حديث النفس بخلاف ما سيفعله الإمام علیه السلام...664

الباب 21: حديث النفس فيما جرى بينه وبين أحد الإصحاب في العفو عن المشركين...664

الباب 22: حديث النفس بالشكوى إلى العالم ...665

الباب 23: حديث النفس بان أهل الطاعون یهذون ... 666

الباب 26: حديث النفس من الأشعري حول أحسد الناس ...667

ص: 733

الباب 25: حديث النفس بأن الإمام علیه السلام ينعی نفسه ...669

الباب 26: حديث النفس بعدم البرء ...669

الباب 27: حديث النفس بكون القرآن مخلوقا أولا ...670

الباب 28: حديث النفس بالتمني لرؤية ما أخبر عنه الإمام علیه السلام...670

الباب 29: حديث النفس من أبي طالب فيمن جاء من الجنة لإعانة فاطمة بنت أسد 671

الباب 30: حديث النفس بأن المنصور يريد قتله لحب أمير المؤمنين علیه السلام...672

الباب 31: حديث النفس بان هارون يريد قتله ...672

الباب 32: حديث النفس من جابر بأنه لا يعرف الدلائل إلا الإمام فكيف عرفها غيره؟...674

الباب 33: حديث النفس بعدم الدخول على الإمام علیه السلام في منتصف الليل...676

الباب 34: حديث النفس من داود الرقي في شأن صفائح الذهب...677

الباب 35: حديث النفس من المأمون في فراره من أخيه...677

الباب 36: حديث النفس من ام الفضل بهلاكها لما أججت من الفتنة ...679

الباب 37: حديث النفس بكيفية إيصال الأمانة وسبيل معرفة الإمام الحقيقي ...680

الباب 38: ما قاله حذيفة في نفسه لما علم بعظمة يوم التاسع من ربيع...682

الباب 39: حديث النفس من إرميا بكيفية إحياء الموتی...683

متفرقات باب النوادر ...684

الفصل التاسع عشر : في الأذكار القلبية و الدعاء في النفس...691

القسم الأول: الأذكار القلبية أثناء التلاوة...694

القسم الثاني: الدعاء في القلب للإمام علیه السلام...695

القسم الثالث: الدعاء في القلب لنصرة من يحبه النبي وآله علیهم السلام...696

القسم الرابع: الأذكار القلبية في بيت الخلاء...699

القسم الخامس: الدعاء في النفس فيما يتعلق بالأذان والإقامة ...699

القسم السادس: ذكر الله في القلب عموما والأدعية العامة في النفس ... 700

القسم السابع: القراءة في النفس عند التقية...704

القسم الثامن: الدعاء في النفس عند رؤية ذي عاهة أو صاحب بلاء أو آخرین...705

القسم التاسع: ذكر القلب بالتوحيد عند الوسوسة ...705

ص: 734

القسم العاشر: توجه القلب في الصلاة بالأذكار وبما يكون طاعة الله تعالى، وبعدم قطع الصلاة ...706

القسم الحادي عشر: تجديد التوبة في القلب...711

ويلحق بهذا الفصل: التسليم على النفس عند دخول بيت ليس فيه أحد ...711

باب نادر: الدعاء في القلب لرؤية خليل الله ...712

المراجع...715

الفهرس...723

ص: 735

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.