سرشناسه:مكارم شيرازي، ناصر، 1305 -
عنوان و نام پديدآور:دروس في الحياه/ مكارم الشيرازي؛ اعداد عبدالرحيم حمراني.
مشخصات نشر:قم: مدرسه الامام علي بن ابي طالب (ع)، 1428ق = 1386.
مشخصات ظاهري:160ص.
شابك:8000 ريال(چاپ دوم): 964-8139-24-5
وضعيت فهرست نويسي:برون سپاري
يادداشت:عربي.
يادداشت:عنوان اصلي: يكصد و پنجاه درس زندگي.
يادداشت:چاپ دوم.
يادداشت:كتابنامه به صورت زيرنويس.
عنوان ديگر:يكصد و پنجاه درس زندگي.
موضوع:احاديث شيعه -- قرن 14
موضوع:راه و رسم زندگي (اسلام)
موضوع:احاديث اخلاقي -- قرن 14
شناسه افزوده:حمراني، عبدالرحيم، گردآورنده
رده بندي كنگره:BP136/9 /م7د4 1386
رده بندي ديويي:297/212
شماره كتابشناسي ملي:1324889
ص: 1
ص: 2
ص: 3
إنّ أعظم مصادرنا بعد كتاب اللَّه (القرآن الكريم) هو سنة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وروايات أهل البيت عليهم السلام وهما الثقلان اللذان خلّفهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الأمّة بعد وفاته واللذان ويحول التمسك بهما دون الضلال (1).
والمؤسف أنّ هذه الأحاديث التي تمثل بحاراً زاخرة بالعلوم والمعارف ما تزال مجهولة لحدّ الآن، فما أكثر الأحاديث التي وردت بعبارات قصيرة لتختزن في الواقع عالماً من دروس الحياة وعبرها، والتي يمكنها حلّ الكثير من تعقيدات الإنسان المعاصر.
والكتاب الذي بين أيدينا قطوف من الأحاديث مع شرح موجز ومختصر لها، وهو عبارة عن محاضرات كانت تلقى أيّام الجمعة في التفسير في جلسات «مجمع الدين والعلم» في مسجد الإمام الحسين، حيث يطرح حديث كل أسبوع كدرس لأيّام الأسبوع، فكان يحفظ من قبل طائفة من الشباب من البنين والبنات.
وقد دفع الإقبال الكبير على هذه الأحاديث إلى طبعها ونشرها في
ص: 4
هذا الكتاب الصغير ليكون نموذجاً للتعاليم الإسلامية لُاولئك الذين يرومون التعرف على الإسلام من خلال المطالعة المختصرة. والأهم من كل ما تقدم هو تطبيق هذه التعاليم والعمل بها في الحياة فتعالوا نسأل اللَّه أن يوفقنا جميعاً للوقوف على هذه الأحاديث وفهمهما بالشكل الصحيح ومن ثم نسأل اللَّه سبحانه أن يوفقنا للعمل بها.
قم- ناصر مكارم الشيرازي
شوال المكرم 1397
ص: 5
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
ألا لاخَيرَ فِي عِلْمٍ لَيسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ ألا لاخَيرَ فِي قَراءَةٍ لَيسَ فَيها تَدَبُّرٌ ألا لاخَيرَ فِي عِبَادَةٍ لَيسَ فِيها تَفَكُّرٌ(1)
شرح موجز:
إنّ تكديس القواعد العلمية والقوانين المنطقية والمبادى ء الفلسفية وأية معرفة في الدماغ يبقى هش التأثير مادام لا ينسجم والفكر الصحيح والنظرة الواضحة والتعرف على جوانب الحياة الإنسانية.
ولعل هذا الأمر من قبيل تلاوة الآيات القرآنية دون تدبّر وتأمل في عمق معانيه، حيث يكون تأثيرها طفيفاً، وهكذا العبادة التي تفتقر إلى التفكر والتعقل بمثابة الجسد الذي لا روح فيه، فهي فاقدة لآثارها التربوية القيّمة.
إذن فعلينا أن نقرن معرفتنا بالتفهّم، ونقرأ القرآن مع التدبّر في آياته، ونمزج عبادتنا بالتفّكر لنشاهد الآثار والمعطيات العجيبة لذلك.
ص: 6
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
صَلاحُ حالِ التَّعايُشِ وَالتَّعاشُرِ مُلأُ مِكيْالٍ
ثُلثاهُ فِطْنَةٌ وَثُلثَهُ تَغافُلٌ (1)
شرح موجز:
لا يستقم أي عمل دون مطالعة وتخطيط وبرنامج، كما لا يتنجز أي عمل دون إقدام وجرأة وإيلائه أهميّة فائقة، وبعبارة أفضل وأوضح: إن أردنا القيام بعمل دون تمعن ودقّة فإنّنا سنخفق في ذلك العمل، ولكن إن أردنا الإستغراق في كافة الاحتمالات الممكنة والحوادث غير المتوقعة حين القيام بالأعمال ففي هذه الحالة لا يسعنا القيام بعمل وعلينا المطالعة لسنوات من أجل العمل، وهكذا الحال بالنسبة لإختيار الصديق والشريك والزوج وما شابه ذلك، ومن هنا قال عليه السلام: «ثلثاه فطنة وثلثه تغافل» وفاللازم هو أن يتحرك الإنسان من موقع الجرأة والفطنة لا من موقع الاهمال والوسواس والافراط في الدقّة.
ص: 7
قال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام:
عَجِبتُ لِمَنْ يَتَفَكَّرُ فِي مَأكُولِهِ كَيفَ لايَتَفَكَّرُ فِي مَعقُولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤذِيهِ وَيُودِعُ صَدْرَهُ ما يُردِيهِ (1)
شرح موجز:
كما صرّح الإمام عليه السلام فإنّ الناس عادة ما يتشددون في غذاء بدنهم فلا يجلسون على المائدة إلّافي ظل الضياء ولا يلتقطون اللقمة إلّا بعين مفتوحة ولا يقربون الطعام إلّابمراعاة مختلف الجوانب الصحية.
وأمّا بشأن غذاء الروح فعلى العكس، عيونهم مغمضة والأجواء مظلمة، يهضمون كل غذاء مشكوك فكرياً ويقبلون على الأقوال التافهة للأصدقاء والمنشورات السيئة والإعلام المغرض أو المسموم، وهذا ما يثير الدهشة والعجب.
ص: 8
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
لَمْ أَرَ باكِياً أَحْسَنَ تَبَسُّماً مِنَ القَلَمِ!(1)
شرح موجز:
القلم مبين العواطف وترجمان عقل الإنسان.
القلم مشيّد صرح الحضارات ومحرك عجلة المجتمع.
والقلم يشرح ببكائه المتواصل آلام الإنسانية المفجعة، وتختزن إبتساماته حيوية الحب وعشق الحياة وسرّها ومختلف صور الجمال.
ولكن للأسف إذا وقع هذا القلم بأيد مأجورة جرت سيول الدماء من قطرات دموعه، كما تكون إبتسامته إستهزاء بأنبل القيم الإنسانية.
فما أكثر الجرائم التي ترتكب بواسطة القلم! وما أكثر وقائع الظلم والجور التي تترشح من مداد القلم! وهنيئاً للأقلام التي تتحرك في خط الحق والعدل وتنتج الخير والفضيلة.
ص: 9
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
المُؤمِنُ بَينَ مَخافَتَينِ: ذَنْبٌ قَدْ مَضىْ لايَدرِي ما صُنْعُ اللَّهِ فِيهِ وَعُمرٌ قَدْ بَقِيَ لايَدرِي ما يَكْتَسِبُ فِيهِ مِنَ المَهالِكِ (1)
شرح موجز:
إنّ من أبرز علائم الإيمان الشعور بالمسؤولية؛ الشعور بالمسؤولية تجاه الأعمال الماضية والشعور بها إزاء الوظائف والتكاليف الآتية.
ومن إتصف بهذين الشعورين فهو يفكر دائماً في تلافي ما فرط منه في السابق، وكذلك يفكر في أفضل الطرق للإستفادة من الفرص الباقية، وأنّ رمز تكامل الفرد أو الأمّة يكمن في هذين الأمرين.
وأمّا من لم يفكر في أعماله السابقة ولا يهمُّ بإصلاح مستقبله فهو بائس شقي.
ص: 10
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
أرْبَعٌ لايَدخُلُ بَيْتاً وَاحِدَةٌ مِنْها إلّاخَرِبَ وَلَم يَعْمُرْ بِالبَرَكَةِ:
الخِيانَةُ وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الخَمرِ، وَالزِّنا(1)
شرح موجز:
لا يقتصر هذا القانون على البيوت بل يشمل المجتمعات أيضا.
فإن الخيانة إن تفشت في مجتمع زالت منه الثقة.
وإن إخترقته السرقة بكافة صورها فارقته السكينة والأمن.
وإن راجت فيه الخمرة ظهرت فيه الأفكار الخاوية والجيل المريض والشباب المتحلل.
وأخير إن تلوثت أحضان أفراد المجتمع ومست عفتهم تصدّع كيان الأسرة وإتجه الجيل القادم نحو الفساد.
ص: 11
قال أميرالمؤمنين علي عليه السلام:
إِنَّ الأَشياءَ لَما ازدَوَجَتْ، إزدَوَجَ الكَسَلُ وَالعَجْزُ فَنَتَجَ مِنهُمَا الفَقْرُ(1)
شرح موجز:
علّمنا الإسلام حقيقة في أنّ كل شي ء إنّما يحصل بالسعي والجهد.
والكسل والضعف والعجز والهروب من الشدائد والحوادث الصعبة والمشاكل من الأمور التي لا تنسجم وروح الإيمان، فهي لا تفضي سوى إلى الفقر في جميع المجالات؛ الفقر الإقتصادي والأخلاقي والمعنوي، والحال لابدّ للمؤمن أن يعتمد على نفسه ويعيش الغنى.
ما أجمل هذه العبارة للإمام عليه السلام حيث قال بأنّ ثمرة زواج «الكسل» و «العجز» الفقر والتعاسة.
ص: 12
قال لقمان الحكيم عليه السلام:
يابُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحيي القُلُوبَ بِنُورِ الحِكْمَةِ كَما يُحْيِى الأَرْضَ بِوابلِ السَّماءِ(1)
شرح موجز:
إنّ أرض قلب الإنسان كالمزرعة التي نشرت فيها أنواع النباتات والبذور والأزهار والأشجار، التي إن سقيت في وقتها أثمرت ونمت.
والوسيلة الوحيدة لري هذه الأرض هي قطرات مطر العلم والمعرفة.
ومن هنا كانت القلوب الخالية من العلم موات لا ثمر فيها.
وعليه لابدّ أن نحيي قلوبنا دائماً وعلى كل حال بنور العلم والحكمة، وهذا الوابل يحيى حياة القلوب ويدعها دائماً طريّة ومثمرة، فانّ مطر الحكمة يحيى أرض قلوبنا ويجعل حديقة أفئدتنا يانعة خظراء دائماً.
ص: 13
يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
ما مِنْ رَجُلٍ تَكَبَّرَ أَو تَجَبَّرَ إِلَّا لِذِلَّةٍ وَجَدَها فِي نَفْسِهِ (1)
شرح موجز:
لقد أصحبت هذه القضية بعد التحقيقات والدراسات النفسية من المسلمات على أنّ مصدر التكبر والتجبر والفخر على الآخرين هو عقدة الحقارة؛ فمن إتصف بهذه العقدة وعانى منها لجأ إلى هذا الاسلوب الخاطى ء من أجل تعويض تلك العقدة، ولكن التكبر يضاعف من حقارته الاجتماعية ويصبح منفوراً أكثر فأكثر من أفراد المجتمع.
وقد وردت هذه المسألة النفسية في العبارة الإعجازية التي نقلت عن الإمام الصادق عليه السلام.
وأخيراً يعيش الأفراد من أهل الإيمان إثر شخصيتهم الإيمانية حالة البساطة والتواضع للآخرين دون أن يتفاخروا ولا يصابوا بعقدة الحقارة، فلا يتحركون في تعاملهم مع الآخرين من موقع الفخر والكبر، ولا يعيشون عقدة الحقارة في محتواهم الداخلي.
ص: 14
قال النّبي الأكرم صلى الله عليه و آله:
ثَلاثٌ تَخْرُقُ الحُجُبَ وَتَنْتَهِي إلى ما بَينَ يَدي اللَّهِ: صَرِيرُ أقلامِ العُلَماءِ وَوَطيُ أقدامِ الُمجاهِدِينَ وَصَوتُ مَغازِلِ الُمحصَناتِ (1)
شرح موجز:
ياله من تعبير عجيب وعميق المعاني! ثلاث أصوات تخترق أعماق الوجود ويستمر نداءها إلى الأبد وإلى عرش اللَّه سبحانه، فتكمن بين يدي اللَّه: حركة القلم مهما كانت بطيئة وقصيرة، وصوت أقدام المجاهدين في ميادين، وصوت مغازل المؤمنات.
وفي الحقيقة إنّ أساس عزّة المجتمع ورفعته إنّما تستند إلى هذه المحاور الثلاث: العلم والجهاد والعمل.
ص: 15
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِنَّ لِقَتلِ الحُسَينِ حَرَارَةٌ فِي قُلُوبِ المُؤمِنِينَ لَنْ تَبرَدَ أَبَداً(1)
شرح موجز:
ما أكثر النزاعات الدموية في العالم والتي تودع زاوية النسيان بعد مرور بضعة أشهر أو سنوات فتغطى برماد الإختفاء؛ بينما لا تمحى ذكريات أولئك الذين ضحوا في سبيل اللَّه وتحرير الإنسان وفي طريق الشرف والفضيلة؛ وذلك لأنّه لا سبيل لنسيان ما يقع في طريق الانفتاح على اللَّه وفي خط الحرية والشرف والفضيلة، وبالطبع فإنّ الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الكرام هم زعماء هذه القافلة الجهادية.
فهؤلا ساروا في طريق التصدي للظلم والانحراف وضحّوا بأنفسهم لإزالة الظلام والتزوير وفضح مكائد المنافقين واحياء القيم الإنسانية واحياء الفضائل والمثل الأخلاقية وجعلها حيّة وفاعلة في واقع الإنسان والمجتمع.
ص: 16
قال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله:
لا تَنظُرُوا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بِاللّيلِ، وَلَكِنْ انظُرُوا إلى صِدْقِ الحَدِيثِ وأَداءِ الأَمانَةِ(1)
شرح موجز:
يتضح من تأمل المصادر الإسلامية أنّ للمسلم الحقيقي علامتان هما: «الصدق» و «الأمانة». ورغم الدور الكبير للعبادات الإسلامية من قبيل الصلاة والصوم والحج وكونها من البرامج التربوية العالية إلّاأنّها ليست كافية لتكون دليلًا على الإسلام الحقيقي مالم تتوّج بالصدق والأمانة.
أجل، فأفضل اختبار للأشخاص يمرّ من قناة صدقهم في الحديث وأداء الأمانة، فانْ نجحوا في هذين الموردين فهذا يعني بلوغهم مرتبة الإنسانية والفضيلة.
ص: 17
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
إِنَّ هذا الغَضَبَ جَمرَةٌ مِنَ الشَّيطانِ تُوْقَدُ فِي قَلْبِ ابنِ آدَمَ (1)
شرح موجز:
قلّما يقوم الإنسان بعمل أو يتخذ قراراً حين الغضب ثم لا يعقبه الندم؛ وذلك لأنّ العقل والفكر يزول بالمرّة حين إشتعال نار الغضب، كما أنّ الأعصاب والعضلات إنّما تتحرك عند الغضب في مسار بحيث تفرز بعض الخسائر والأضرار التي لا يمكن تلافيها طيلة العمر.
وعليه لابدّ من المسارعة إلى إطفاء جذوة هذه الشعلة الشيطانية بعد محاصرتها والحدّ من نفوذها، وإلّا إبتلعتنا وأحرقتنا بكل يسر وسهولة.
أجل في ساعة الغضب لا ينبغي أن تعزم على شي ء ولا تتحرك على مستوى الانتقام والعقاب ولا تتحدث من منطلق الانفعال، بل عليك بالابتعاد عن ذلك المكان لتعيش أجواء أخرى غير أجواء العنف.
ص: 18
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
اطْلُبُوا الرِّزقَ فِي خَبايا الأَرْضِ (1)
شرح موجز:
لقد ورد هذا الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في ذلك العصر والمصر الذي لم يكن قد تعرف على أهمية المعادن وما تخبى ء الأرض في جوفها، فأوصى المسلمين بالبحث والتنقيب في أعماق الأرض أملًا في إستخراج ما يرفّه حياتهم ويزيد من دخلهم. فالحق إنّ مثل هذه الوصايا إنّما تكشف عن عمق التعاليم والمبادى ء الإسلامية إلى جانب كونها تشكل النموذج الحي للسعي والجهد والعمل من أجل أنّ يعيش المسلمون الحياة المشرفة.
إنّ الدول الإسلامية غنيّة بالمعادن والثروات الطبيعية، ومن الظلم أن نعيش على هذه الكنوز فقراء، فعلينا أن نشمّر عن ساعد الجدّ ونستخرج هذه الكنوز من جوف الأرض وننتفع منها في حركة الحياة.
ص: 19
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
شَرُّ المكاسِبِ كَسبُ الرِّبا(1)
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِذا أرادَ اللَّهُ بِقَومٍ هَلاكاً ظَهَرَ فِيهِم الرِّبا(2)
شرح موجز:
رغم إنتعاش سوق المرابين في العصر الراهن والتبعية الشديدة لعالمنا المعاصر بالمراباة بشتى أنواعها، إلّاأنّ ممّا لا شك فيه هو أنّ الربا يحطم النظام المالي والإقتصادي للمجتمعات، ويؤدّي إلى تكدس الثروة بصورة مخفية لدى بعض الأفراد أو المؤسسات المرابية، وهذا التقسيم المجانب للعدل بالنسبة للثروات إنّما يشكل مصدراً لأنواع الشقاء الإجتماعي والفساد الأخلاقي.
أجل، فانّ الربا يربك تعادل الإقتصاد العالمي، ويتسبب في اشعال نيران الحرب والدمار.
***
ص: 20
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
امْنُنْ عَلَى مَنْ شِئتَ تَكُن أمِيرَهُ واحْتَجْ إِلىْ مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ وَاستَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ (1)
شرح موجز:
هذا هو القانون الذي يسود العلاقات الإجتماعية للأفراد والشعوب، في أنّ السيادة لليد التي تعطي، أمّا اليد التي تأخذ فهي سفلى شاءت أم أبت، فالأفراد والامم في الواقع عبيد يقرون بعبوديتهم من خلال إظهار حاجتهم للآخرين، بينما يسعى المسلم الحقيقي لأن يقيم علاقاته الإجتماعية مع الآخرين على أساس التعاون المتبادل، لا الأحادي الجانب، ولا ينبغي تلقي المساعدة دون مقابل إلّافي بعض الحالات الخاصة من قبيل الفرد المعلول والذي لا يسعه العمل، لأنّ الحاجة سبب لوقوع الإنسان في دوامة الأسر.
ص: 21
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
لا تُراءِ بِعَمَلِكَ مَنْ لايُحيي وَلا يُمِيتُ وَلا يُغنِي عَنْكَ شَيئَاً(1)
شرح موجز:
فارغة وجوفاء كافة مظاهر حياة اولئك الذين إعتادوا الرياء في حياتهم والتظاهر؛ فهم يكتفون بالظواهر الميتة من الحضارة والمدنية وبالخيال والوهم من الحياة والإقتصار على الاسم في السعادة والشقاء وأخيراً يكتفون ببعض المراسم الروتينية من الدين، وقطعاً فهم لا يحصلون من الناس سوى على هذه المظاهر، ومن هنا ذم الإسلام بشدّة هذه الصفة القبيحة ويرى أنّ عاقبة التوبة ليست للناس فلم التظاهر أمامهم؟
فعندما نلتفت إلى هذه الحقيقة وأنّ مصدر جميع الخيرات والمواهب ومنبع العزّة والكرامة والسعادة هو اللَّه تعالى، فلا يبقى معنى للتظاهر والرياء لاكتساب العزّة والاحترام من الآخرين.
ص: 22
قال جعفر الصادق عليه السلام:
الحاسِدُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ قَبلَ أنْ يَضُرَّ بِالَمحسُودِ(1)
شرح موجز:
حقيقة الحسد هي أن لا يستطيع الإنسان رؤية الآخرين في نعمة فيتمنى سلبها منهم أو إلحاق الضرر بهم.
والواقع هو أنّ الحسود ينشط دائماً كعامل متخلّف لا عامل متقدم.
والحسد مرض أخلاقي عضال، ومن الناحية النفسية فإنّ الحسود يحرق نفسه ويؤذيها قبل أن يؤذي الآخرين. وعليه فما أحراه أن يجتهد ليسبق الآخرين لا أن يتخلّف عنهم.
نعم، فانّ الحسد يلحق الضرر بصاحبه قبل الآخرين وتلتهمه نيران حسده قبل المحسود.
ص: 23
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
مَنْ وَجَدَ ماءً وَتُرابَاً ثُمَّ افْتَقَرَ فَأَبعَدَهُ اللَّهُ (1)
شرح موجز:
تتضح من الأحاديث الإسلامية هذه الحقيقة هي ضرورة إستثمار المسلمين لكافة المصادر: المراتع والزراعة والمعادن والمصادر الجوفية والحرف والمهن والصناعة والتجارة لمواجهة الفقر، بل حتى لو تمتعت أمّة بواحدة من هذه المصادر لوجب عليها ملأ بها الفراغ الاقتصادي فضلًا عن إمتلاكها لكلّ ذلك، فإن لم تفعل ذلك كانت أمّة ملعونة مطرودة من رحمة اللَّه وبعيدة عن روح الإسلام، فالحاجة إلى الآخرين مذمومة مهما كانت.
وبحمد اللَّه فنحن نمتلك المياه والوفيرة والأراضي الواسعة، فلماذا نمدّ يد الحاجة إلى البلدان الاخرى ونستورد منها الحنطة والأغذية المختلفة ... لماذا؟!
ص: 24
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
شَرُّ إِخوانِكَ مَنْ دَاهَنَكَ فِي نَفْسِكَ وَساتَرَكَ عَيبَكَ (1)
شرح موجز:
إنّ الفرار من الحقائق والتغطية على الوقائع لا يحل من مشكلة ولا يقدم من خدمة لأحد، وعليه فإنّ الأصدقاء الذين يسعون لكتمان الحقائق وإخفاء العيوب بهدف عدم جرح مشاعر الآخر وإرضائه أو إسباغ الحسن عليها بدلًا من الانتقاد البنّاء والصحيح فإنّ ذلك ليس فقط لا يعتبر خدمة في عالم الصداقة فحسب، بل إرتكاب خيانة كبرى الخيانة التي قد يكون ثمنها أحيانا حيثية ذلك الصديق ومنزلته وسعادته.
أجل، فيجب أن يكون الصديق مرآة لصديقه، ويخبره بعيوبه بلغة المحبّة والتواضع وبقصد الإصلاح.
ص: 25
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِستِتْمَامُ المَعرُوفِ خَيْرٌ مِنْ إِبتِدَائِهِ (1)
شرح موجز:
عادة ما تطالعنا بعض الأعمال في أوساط الحياة الاجتماعية والإجراءات المفيدة بأنّها لم تكتمل بعد؛ ويبدو أنّ منفذي تلك الأعمال قد تحركوا تحت تأثير بعض العوامل الآنية فأنهمكوا بها، ولكن لما خمدت لديهم سريعاً جذوة العشق تركوا تلك الأعمال وإنصرفوا لشؤونهم.
وبالطبع فإنّ الإسلام يستحسن من المؤمنين الأفراد المثابرين الذين إذا عملوا عملًا أتقنوه.
إنّ إكمال الأعمال الحسنة وإتمام ما بدأ به الإنسان من الخير والمعروف يؤدّي إلى تشويق الآخرين على فعل الخير، ولكن عندما يرون أنّ أعمال الخير للسابقين بقيت ناقصة فانّ هذا من شأنه أن يبعث الضعف والكسل في مفاصلهم ونيّاتهم.
ص: 26
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إلَّابِصَدْقِ الحَدِيثِ وَأدَاءِ الأَمانَةِ(1)
شرح موجز:
عادة ما يستند المجتمع السليم إلى عدّة مقومات ومن أهمها عنصر الثقة والإعتماد العام.
الثقة بالقول والثقة بالعمل، وبالطبع فإنّ العدو اللدود لهذه الصفة النفيسة هو الكذب والخيانة.
فالأفراد في المجتمعات التي ينتشر فيها الكذب والخيانة يخشى بعضهم البعض، كما يشعرون جميعاً بالغربة، وعلى كل أن يتحمل بمفرده العب ء الثقيل للحياة.
ومن هنا كانت الدعوة إلى الصدق وأداء الأمانة من المحاور المهمّة لرسالة جميع الأنبياء.
أجل، هؤلاء العظماء قد تحركوا في سلوكهم الاجتماعي ودعوتهم الإلهية من موقع التأكيد على هاتين الفضيلتين: صدق الحديث وأداء الأمانة، لضمان سلامة المسيرة الإنسانية في خط الإيمان والصلاح والمسؤولية.
ص: 27
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
أشَدُّ النّاسِ عَذابَاً فِي القِيامَةِ عالِمٌ لَمْ يَنفَعْهُ عِلْمُهُ (1)
شرح موجز:
تقوم النظرة الإسلامية للعلم على أنّه وسيلة من أجل العمل وتحسين حياة الفرد والمجتمع وبخلافه فلا قيمة له.
فمسؤولية من يقارف مخالفة لا عن علم أخف بكثير من مسؤولية ذلك الذي يرتكبها عالماً.
وناهيك عن ذلك فإنّ لكلّ شخص مسؤولية ينبغي عليه القيام بها بقدر ما يحمل من علم.
لماذا كان عذاب هذه الطائفة من العلماء أشدّ من الآخرين؟ بدليل واضح، إنّهم لا يملكون أيّ عذر لما ارتكبوه من أعمال وخطايا.
ص: 28
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِيّاكُم وَالدَّينِ فَإنّهُ هَمٌّ بِاللّيلِ وَذُلٌّ بِالنَّهارِ(1)
شرح موجز:
لقد أدت زبرجة الحياة المادية وسباق التكالب على التجملات في عصرنا الحاضر إلى إقبال الأفراد على القروض العبثية والديون الثقيلة والتعامل بتسديد الإقساط في شراء الحاجات الضخمة.
ولما كان الإنسان المدين بعيداً عن الحرية، فقد أوصينا بالكف عن الدّين مالم تكن هناك ضرورة شديدة إليه.
ولو تكشفت قضية الدَّين على مستوى البلدان فإنّ أخطارها ستكون وخيمة وآثارها مميتة وتشكل خطراً على حرية الشعوب وإستقلالها المعنوي.
واليوم نرى أنّ احدى مصائد المستكبرين التي يضعونها أمام بلدان العالم الثالث هي إيقاعهم في متاهة الديون والقروض وبالتالي يكون بإمكانهم التسلط على مقدرات هذه الشعوب وثروات هذه البلدان.
ص: 29
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
لَو أَنَّ النّاسَ أَدَّوا حُقُوقَهُم لَكَانُوا عايشِينَ بِخَيرٍ(1)
شرح موجز:
الحديث المذكور الذي ورد بشأن زكاة المال وقضاء حاجة المحتاجين في المجتمع، يحذر الجميع من أنّ أداء حقوق الآخرين ليس مسألة أخلاقية وإنسانية فحسب، بل مبدأ اجتماعي يختزن سلامة المجتمع وأمنه.
وما ردود الفعل الخطيرة للأرباح الظالمة والإستغلال الطبقي الذي يهدد المجتمعات المعاصرة ويعكر صفو إستقرارها وأمنها، إلّاشاهد حيّ على هذه الوصية الإسلامية العظيمة؛ ومادام الناس يرون «الحق» مساوياً للقوّة وأنّ الأقوياء يتمردون على أداء هذه الحقوق الواجبة الملقاة عل عاتقهم، فالخطر محدق بهم، فهم يلقون بالمجتمعات البشرية إلى الهاوية.
ص: 30
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلشَّرِّ أَقفَالًا وَجَعَلَ مَفَاتِيحَ تِلكَ الأَقفَالَ الشَّرابَ، وَشَرٌّ مِنَ الشَّرابِ الكِذبُ (1)
شرح موجز:
إنّ العقل هو أكبر حاجز يعترض سبيل المعاصي والخطايا، وهو قفل محكم وضع عليها، فإن فتح قفل العقل بمفتاح الشراب إنبعثت كافة الأدناس والقبائح، والإنسان في حالة السكر عرضة لإرتكاب أية جناية ومقارفة أية معصية.
ولكن إن كان شارب الخمر يقارف الإثم بدافع من جنون الخمر، فإنّ الكاذب يمارس ذلك عامداً ليسى ء إلى نظام الحياة الاجتماعية ويمحو روح الثقة، فيكون عرضة لأنواع الذنوب والمعاصي، وعليه فالكذب أخطر من الشراب.
ص: 31
قال جعفر الصادق عليه السلام:
لأَهلِ الجَنَّةِ أَربَعُ عَلاماتٍ: وَجْهٌ مُنْبَسِطٌ، وَلِسانٌ فَصِيحٌ لَطِيفٌ، وَقَلْبٌ رَحِيمٌ، وَيَدٌ مُعطِيَةٌ(1)
شرح موجز:
أعظم المدارس الإنسانية هي التي ترى الفرد في أجواء المجتمع، والمجتمع مربي الأفراد، وذلك لأنّ المجتمع أساس جميع البركات المعنوية والمادية.
فالحديث المذكور يتحدث عن علامات السعداء من الأفراد أصحاب الجنّة ليذكر أربعة أمور تفيد جميعاً ترسيخ الروابط الاجتماعية وبث بذور العواطف الإنسانية في أرض المجتمع:
الوجه الطلق المفعم بالرأفة والمحبّة، واللسان الناعم الشفيق وفي ذات الوقت الصريح والبليغ، والقلب الذي ينبض بالخير، واليد التي لا تتوقف عن العطاء، نعم هذه هي علامات أهل الجنّة.
هؤلاء يعيشون الوجه المفتوح واللسان الفصيح والقلب الملي ء بالحب والعاطفة واليد الكريمة.
ص: 32
قال جعفر الصادق عليه السلام:
قَالَ لُقمَانُ لإِبنِهِ: لِلمُنافِقِ ثَلاثُ عَلاماتٍ: يُخَالِفُ لِسانُهُ قَلْبَهُ، وَقَلْبَهُ فِعلَهُ، وَعَلانِيَتُهُ سَرِيرَتَهُ (1)
شرح موجز:
النفاق داء عظيم ينبع من خواء الشخصية وضعف الإرادة، فضعيف ذلك الفرد الذي يسعى لإظهار نفسه بغير ما هي عليه، ولسانه يخالف قلبه، ظاهره يناقض باطنه، وقول يختلف عن عمله، فهؤلاء اناس لا يمتلكون الشجاعة الكافية لإبراز شخصيتهم الحقيقية، وليس لهم عزم وإرادة جدّية لإصلاح ذواتهم، فيظهرون أنفسهم في صور مختلفة، فهم يخونون عملًا بأنفسهم والآخرين.
والأخطر من هؤلاء، المجتمعات التي لها ظاهر أنيق وباطن قبيح، ولسانهم هو لسان الإعلام الذي يتنافى ما يفهمونه في داخلهم.
ص: 33
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إِتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُم قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعدَكُم (1)
شرح موجز:
التأريخ ملي ء بالدروس والعبر، مملوء بالمواعظ والإرشادات، وبالتالي فإنّ الظلم والاختلافات، والتشتتات، والجمود، والتحجر والجهل بمقتضيات المكان والزمان كل ذلك ينعكس في مرآة التاريخ.
وهنا يحذرنا علي عليه السلام الزعيم التأريخي الأوحد بالاعتبار بوضع الماضين ومصيرهم وعدم الإبتلاء بالمصير المشؤوم ليعتبر به الآخرون في المستقبل، فهذه البحار الهائجة للزمان تجرف كل شي ء معها، وسعادة الشخص بتأمل الماضي والتطلع إلى المستقبل.
ص: 34
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لا خَيرَ فِي الصَّمتِ عَنِ الحُكْمِ كَما أَنَّهُ لاخَيرَ فِي القَولِ بِالجَهلِ (1)
شرح موجز:
لقد أخذ اللَّه ميثاق الذين يعلمون بعدم الصمت إزاء الانحراف والإعوجاج والظلم والجور وتغييب العدل وسموم الأعداء وإعتماد المنطق والبرهان في الكلام من أجل إظهار الهدى والحق والعدل (وكل فرد عالم ومسؤول بالقدر الذي يعلمه مهما كان قليلًا)، وبالعكس فإنّ الأفراد الذين ليس لهم علم كافٍ فلا ينبغي لهم التدخل وسوق الناس إلى هاوية الضلال، فذلك الصمت وهذا الكلام يفضيان إلى البؤس والشقاء.
وإذا دققنا النظر رأينا أنّ مشكلات العالم المعاصر تكمن في فقدان هذين الأمرين، فالعلماء لا يتحدثون للناس بما ينبغي أن يتحدثوا معهم، والجهلاء بدورهم قد أفسدوا العالم بكلامهم الباطل والمزيف.
ص: 35
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إِذا قَدَرْتَ عَلى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ العَفْوَ شُكرَاً لِلقُدرَةِ عَلَيهِ (1)
شرح موجز:
يرى الإسلام أنّ لكل شي ء- وكل نعمة دون إستثناء- شكر، وشكر القدرة العفو، فالنصر الظاهري إنّما يترسخ في حالة إجتثاث الضغينة من صدر العدو وقلع جذور الخصومة، وليس هناك من سبيل أفضل في هذا الشأن من زكاة القدرة بمعنى العفو، حيث يحصل في هذه الحالة التغيير من أعماق القلب، ويصبح عدو الأمس صديق اليوم فيكتمل النصر ظاهراً وباطناً، وبالعكس فإنّ روح الثأر حين المقدرة تقضي على الفضيلة وتهدد بالخطر حالة النصر.
وقد كان نبي الإسلام صلى الله عليه و آله المثال الكامل على هذه الحقيقة حيث جسّدها بأفعاله وسلوكياته، فعندما انتصر على المشركين في فتح مكّة سلك مع الأعداء مسلك العفو والصفح بحيث حيّر الجميع.
ص: 36
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الزَّاهِدُ فِي الدُّنيا مَنْ لَمْ يَغلِبْ الحَرامُ صَبرَهُ وَلَمْ يَشغِلْ الحَلالُ شُكْرَهُ (1)
شرح موجز:
لقد حرّف بعض السذّج مفهوم الزهد ليضفوا عليه صبغة سلبية ففسّروه بالإبتعاد عن نعم الإلهية وعدم إستثمار الإمكانات الاقتصادية والعيش على غرار الفقراء، والحال ليس هذا من الزهد في شي ء، فالزهد بمعناه الحقيقي هو ما ورد في كلام علي عليه السلام وقد لخّص في أمرين:
«مقاومة الهوى تجاه الأموال المحرمة».
«عدم نسيان المسؤولية والوظيفة إزاء الأموال المحللة».
فإن فسّرنا الزهد على هذا الأساس كان عاملًا بنّاءاً ومربياً في الوسط الاجتماعي، لا كونه عاملًا سلبياً ووقائياً.
ص: 37
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
ما المُجاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعظَمَ أَجرَاً مِمَنْ قَدَرَ فَعَفَ (1)
شرح موجز:
الإسلام يرى أنّ أعظم الجهاد هو جهاد الهوى والطغيان ولاسيّما في الوسط الملوث، آنذاك سيكون جهاد العدو مجدياً حيث يتم في ظل الإخلاص والإتحاد والنية الطاهرة البعيدة عن الأنانية والأغراض الشخصية وهي الأمور التي لا تتيسر إلّاعلى أساس التربية الأخلاقية اللازمة وجهاد النفس.
ومن هنا قال عليه السلام بأنّ اولئك الذين هبّوا لجهاد أهوائهم وصانوا أنفسهم وأبقوا عليها طاهرة غير متأثرة بالأوساط الفاسدة، أنّهم ليسوا أقل من المجاهدين في سبيل اللَّه، بل هم في مصافهم، بل نتابع في تتمة هذا الحديث- الذي ورد في نهج البلاغة- أن مثل هؤلاء الأفراد في عداد ملائكة السماء.
ص: 38
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
خَيرُ النّاسِ قُضاةُ الحَقِ (1)
شرح موجز:
لا تصدر الأحكام العادلة في المسائل الحقوقية والاجتماعية والأخلاقية إلّامن الشخص الذي لا يفرق بين مصالحة ومصالح الآخرين فينظر إليها بعين واحدة ولايمنعه حبّه وبغضه الشخصي من العدالة.
ولايتيسر هذا العمل إلّامن اولئك الذين زيّنوا أنفسهم بنور الإيمان والفضائل الإنسانية والعواطف المرهفة بحيث لا تستطيع أمواج الأنانية المقيتة والنفعية وحبّ الذات من حرف فكرهم ووجدانهم، ومثل هؤلاء الأفراد يستحقون صفة «خير الناس».
الكثير من الأشخاص الجيّدين عندما يتصدّون لمقام القضاء يكونون مصداقاً لهذا الحديث الشريف حيث يقول لهم بأنّ القاضي الجيد لابدّ أن يستقبل هذه المنصب الممتاز برحابة صدر ويعرف حقّه ولا يتركه لمن تسوّل له نفسه بالتلاعب بحقوق الناس.
ص: 39
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
العُبّادُ ثَلاثَةٌ: قَومٌ عَبَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَوفَاً فَتِلكَ عِبَادَةُ العَبِيدِ وَقَومٌ عَبَدُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى طَلَبَ الثَّوابِ فَتِلكَ عِبَادَةُ الأُجراءِ وَقَومٌ عَبَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُبَّاً لَهُ فَتِلكَ عِبَادَةُ الأَحرارِ(1)
شرح موجز:
رغم أنّ الثواب والعقاب الإلهي حق وأنّ عذابه لا يطاق وثوابه جزيل، مع ذلك فالأحرار الذين لا يرونه سوى اللَّه ولا يعبدون ماعداه وقد طفح قلبهم بحبه والذوبان فيه، يتطلعون إلى شي ء أبعد من الثواب والعقاب، فليس غرضهم من طاعة اللَّه سوى الحب الممزوج بمعرفته سبحانه.
ص: 40
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
ثَلاثٌ قاصِماتُ الظَّهرِ: رَجُلٌ إستَكْثَرَ عَمَلَهُ وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ وَأَعجَبَ بِرَأيهِ (1)
شرح موجز:
لا شك من يستكثر عمله يقنع به يقيناً، وهذا النمط من التفكير يشكل سدّاً أمام التكامل والسمو.
ومن ينسى ذنبه فهو يمارسه كل لحظة دون أن يتدارك ما فرط منه حتى يسقط في الهاوية.
وأمّا اولئك الذين يستبدون بآرائهم فهم محرومون من الاستفادة من الأفكار الكثيرة والعلوم والمعارف الجمّة للآخرين، فتحيط بهم شراك الجهل حتى يعيشوا الفشل وهم يرون ذلك الحجم من المشاكل.
لنعمل على الابتعاد عن هذه الرذائل الثلاث واجتنابها ونسير في خط العدل والحق والانفتاح على اللَّه تعالى.
ص: 41
قال رسول اللَّه عليه السلام:
أَفوَاهَكُمْ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ رَبِّكُمْ فَأَحَبُّها إلَى اللَّهِ أَطيَبَها رِيحاً فَطَيِّبُوها بِما قَدَرتُمْ عَلَيهِ (1)
شرح موجز:
لهذا الحديث- الذي ورد في آداب السواك في كتاب وسائل الشيعة- ظاهر وباطن: ظاهره أنّ الإنسان يذكر اللَّه بفمه فيقرأ آياته ويدعوه ويناجيه، وعليه لابدّ من تطهيره.
وباطنه أنّ الفم أحد سبل الإتصال بطرق اللَّه وعباده، فإن عطر بالكلام الطيب والحديث الحسن وإبتعد عن القبح والفحش من القول والكذب واللغو كان محبوبا عنداللَّه.
ولا ينبغي الغفلة عن أنّ الكثير من حالات العداوة والبغضاء، بل الحروب الدامية إنّما هي نتيجة الغلظة في الكلام والخشونة في التعامل.
ص: 42
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
مَنْ عَمِلَ عَلَى غَيرِ عِلْمٍ أَفْسَدَ أَكْثَرَ مِمّا يُصْلِحُ (1)
شرح موجز:
لا يقتصر ضرر الجهل على هذا الأمر بحيث لا يبلغ الإنسان القيم الواقعية للحياة فحسب، بل هناك فساد أخطر يكمن في طريق العاملين دون علم.
ففي هذه الحالة يريد ذلك الجاهل الإحسان إلى ولده فيقوده إلى الشقاء، ويريد أن يسدي خدمة للإسلام فيهدد مبادى ء الدين، ويريد بالتالي إرساء الصلح والسلام بين الناس فيثير الفتنة والنزاع.
وخلاصة القول إنّ فساده في كل مجال سيكون أعظم من صلاحه، لأنّ أعماله لا تصدر عن علم ومعرفة.
ص: 43
قال الإمام محمد الجواد عليه السلام:
المُؤمِنُ يَحتَاجُ إلى ثَلاثِ خِصالٍ: تَوفِيقٍ مِنَ اللَّهِ وَوَاعِظَةٍ مِنْ نَفْسِهِ وَقَبُولٍ مِمَنْ يَنْصَحُهُ (1)
شرح موجز:
يحتاج الإنسان في مسيرته الشائكة في هذه الحياة وبغية الخلاص من الأخطار العديدة الكامنة لسعادته وأن يصبح إنساناً نافعاً لمجتمعه، في الدرجة الأولى إلى إرتباط معنوي وروحي باللَّه سبحانه يستمد فيه ذلك من اللَّه سبحانه، ومن ثم ضمير يقظ يعظه ويذكره، وأخيرا آذان صاغية تستمع أفكار الآخرين وإرشاداتهم ونصحهم ووعظهم.
فمن حصل على هذه الخصال في واقعه النفساني فقد حصل على كل شي ء.
ص: 44
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
مِمّا حَدَّثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَسبِقْهُ أحَدٌ لِقَولِهِ: النِّياحَةُ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ(1)
شرح موجز:
لهذا الحديث القصير والعميق ظاهر وباطن:
ظاهره إشارة إلى الأعمال الطائشة التي كانت سائدة على عهد الجاهلية؛ فحين كان يموت أحدهم يدعون النائحات يندبن ذلك الميت بما شئن من العبارات الكاذبة والخادعة فيقمن عزاءاً مزيفاً.
وأمّا المعنى الباطني الذي ربّما أراده الإمام عليه السلام هو أنّ النياحة والمأتم بالنسبة للحوادث والشدائد الفردية والإجتماعية هو عبث لا طائل من ورائه وهو تضييع الإمكانات فحسب؛ وعليه لابدّ من الإستعانة بالعقل والفكر والاستقامة والشجاعة لحلّ العقد والبحث عن الحلول للتغلب على تلك الصعاب.
ص: 45
قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام:
لَيسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ كُلَّ يَومٍ (1)
شرح موجز:
لا يمكن الحيلولة دون الخسارة والضرر ونيل الربح والفائدة في هذا العالم ولا يوجد مؤسسة صغيرة أو كبيرة من دون حساب وكتاب.
وإنّه لمن دواعي العجب حقّاً أن يتشدد الناس إلى هذا الحد في حساب ثرواتهم المادية ويبدون حساسية مفرطة تجاه زيادة أو قلة أوزان بدنهم، بينما لا يقومون طيلة عمرهم أحياناً بأدنى حساب لإنسانيتهم وأخلاقهم وروحيتهم، يالها من غفلة مقيتة!
أمّا المسلم المسؤول وعلى ضوء وصية الإمام عليه السلام فهو ذلك الذي يحاسب نفسه كل يوم «فإن عمل حسناً إزداد منه وإن عمل سيئاً إستغفر اللَّه منه».
ص: 46
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِنَّ المُؤمِنَ أَشَدُّ مِنْ زُبُرِ الحَدِيدِ إِنَّ زُبُرَ الحَدِيدِ إِذا أَدْخَلَ النّارَ تَغَيَّرَ وَإِنَّ المُؤمِنَ لَو قُتِلَ ثُمَّ نُشِرَ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ يَتَغَيَّرْ قَلْبُهُ (1)
شرح موجز:
إنّ الحياة تنطوي على سلسلة من المشاكل والصعاب سرعان ما ينحني أمامها ويهرب منها الأفراد ممن لا طاقة لهم بها؛ أمّا اولئك الذين يعيشون الإستقامة في ظل الإيمان فهم لن يستسلموا قط لسيل المشاكل.
فهؤلاء يعملون لرفع الموانع التي تعترض سبيل الطاعة والإبتعاد عن الخطيئة وفي سبيل الرفعة والسمو، وإنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب السيطرة على النفس والصمود تجاه الأهواء وسائر المشكلات، ولذلك فانّ المؤمنين لا يكفون عن الجدّ والإجتهاد في دينهم ولا يخشون النوائب وتكون لهم النصر والغلبة.
ص: 47
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
التَّوحِيدُ أن لاتَتَوَهَّمَهُ وَالعَدلُ أن لاتَتَّهِمَهُ (1)
شرح موجز:
إنّ حقيقة الذات الإلهية خفيّة علينا بقدر وضوح أصل وجوده لدينا وشهادة كل ذرة من ذرات هذا العالم على قدرته وعظمته وعلمه، وذلك لأنّه وجود لا محدود يفوق إدراكنا المحدود.
وعليه لابدّ أن نؤمن بأنّ ذاته أعظم ممّا نتصوره في هذا العالم وقد لا نعلم بأسرارها، إلّاأنّ الإلتفات إلى عدالته يملي علينا الإذعان بأنّ هذه الحوادث إنّما تستند إلى تخطيط وقانون، وعليه فأي سوء ظن في هذا الخصوص لا ينسجم والإيمان بعدالته وحكمته تبارك وتعالى، فانّ جميع أفعال اللَّه سبحانه تتسم بالعدل حتى لو لم نحط بأسراره.
ص: 48
قال جعفر الصادق عليه السلام:
المُؤمِنُ حَسَنُ المَعُونَةِ خَفِيفُ المَؤُنَةِ جَيِّدُ التَّدبِيرِ لِمَعِيشَتِهَ لا يُلْسَعُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَينِ (1)
شرح موجز:
للإيمان تجليات وعلامات علمية وأخلاقية واجتماعية وهو من دونها اسم بلا مسمى، وقد تضمن الحديث أربع علامات له هي:
1- يسارع المؤمنون لمعونة بعضهم البعض وتتصف هذه المعونة بالحسن لكونها تستند إلى الإخلاص والشفقة والعلم.
2- لا يرتكبون أي خلاف من أجل توفير زخارف الحياة الدنيوية الباهضة التكاليف.
3- أنّهم حسنوا التدبير لأمورهم الاقتصادية والمعاشية.
4- أنّهم يعتبرون بكلّ حادثة، ومن هنا لا يلدغون من جحر مرّتين.
ص: 49
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الدُّنيا خُلِقَتْ لِغَيرِها وَلَمْ تُخلَقْ لِنَفسِها(1)
شرح موجز:
غالبا ما يلتبس على البعض تفسير الآيات والأخبار التي وردت من جانب بمدح الدنيا والوسائل المادية لهذا العالم وأنّها متجر أولياء اللَّه ومزرعة الآخرة والآيات، والأخبار التي صرحت بذمها على أنّها غدارة غرارة.
أمّا الحديث المذكور فهو يفسّرها بوضوح على أنّها ممدوحة ومطلوبة إن كانت وسيلة لبسط العدل وبلوغ السمو والتكامل، وأمّا إن كانت هدفاً عالياً ومطلوبة لذاتها وكانت مادة للطغيان والغرور والتمرد فستكون مذمومة وخطيرة.
ص: 50
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إِنّهُ لَيسَ لأَنْفُسِكُم ثَمَنٌ إِلّا الجَنَّةُ فَلا تَبِيعُوها إِلّا بِها(1)
شرح موجز:
إذا سئل شخص ما ثمن وجودك؟ فإنّه لا يسعه تحديد ثمن وقيمة لوجوده، بينما نراه أحياناً يبيعه بأتفه الأثمان حتى أنّه ليبالغ يوماً بعد آخر بزهادته، حتى يرى أحياناً آخر عمره أنّه باعه ببيت أو سيارة أو شقّة، رغم أنّه مفارق ذلك سريعاً شاء أم أبى.
وقد صرح الإمام علي عليه السلام بأنّ أيّاً من الثروات المادية لهذا العالم لا تعدل رصيد العمر أبداً، نعم ثمنه رضى اللَّه والتكامل الإنساني والمعنوي والسعادة الأبدية التي يقل معها كل سعي وجهد.
ص: 51
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إِنَّ الحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِى ءٌ، وإِنَّ الباطِلَ خَفِيفٌ وَبِي ءٌ(1)
شرح موجز:
يالها من صورة رائعة تلك التي رسمها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالحديث المذكور عن الحق والباطل! فعادة يتصف الحق بصورة عنيفة مقرونة أحياناً بطعم مرير، إلّاأنّه عذب تماماً سرعان ما يتّضح للمجتمع ويمنحه القوة والحركة.
أمّا الباطل فخفيف سهل غاية في اللذّة والحلاوة، لكن آثاره مهلكة مميتة، كالغذاء اللذيد المسموم فلا يكاد يبتلعه الإنسان حتى تظهر آثاره القاتلة على المعدة والأمعاء والقلب؛ والباطل كهذا الغذاء يحطم مختلف مؤسسات المجتمع ومنظماته.
فما أحسن تحمل الحق على صعوبته ومرارته لكيلا نقع في أسر الباطل وعواقبه الوخيمة
ص: 52
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
أَصدَقُ كَلِمةٍ قَالَتْها العَرَبُ كَلِمَةُ لُبيدٍ حَيْثُ قَالَ:
أَلا كُلُّ شَي ءٍ ما خَلا اللَّهُ باطِلٌ وَكُلُّ نَعِيمٍ لامَحَالَةَ زَائِلٌ (1)
شرح موجز:
إنّ الإلتفات إلى فناء ثروات الدنيا ومقاماتها وزوال نعمها يجعل الإنسان يتعامل معها من موقع الحذر ويدعوه إلى مراعاة الحق والعدل في الحصول عليها إلى جانب الإعتدال في طريقة خرجها وإنفاقها.
فالأبدية والخلود هما رداء كبريائه وذاته القدسية التي ليس للفناء والزوال من سبيل إليها.
ومن هنا لابدّ من رعاية هذه الحقيقة في كل مورد من موارد الحياة المادية، ويجب على الإنسان أن يترنّم بشعر لبيد هذا لكيلا يقع في وادي الغرور والغفلة.
ص: 53
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
لَيسَ مِنّا مَنْ غَشَّ مُسلِماً أو ضَرَّهُ أو ماكَرَهُ (1)
شرح موجز:
إنّ من يرى سعادته في شقاء الآخرين ونفعه في ضررهم لا يعتبر إنسان واقعياً ولا مسلماً حقيقياً.
فإمتياز الإنسان على سائر الأحياء بشخصيته الاجتماعية، ويفقد مثل هذه الشخصية من يرى نفعه ومصالحه تكمن في ضرر الآخرين.
وقد يكون الإضرار بالآخرين علينا صريحاً أحياناً، كما يكون أحياناً أخرى خفيّاً عن طريق الغش أو الخدعة المذمومة في الإسلام، وقد قال الإمام عليه السلام: ليس منّا من يتحرك في سلوكه وتعامله مع الآخرين من موقع الخديعة والمكر.
ص: 54
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الغِيْبَةُ جُهْدُ العاجِزِ(1)
شرح موجز:
قلّما يعكس ذنب من الذنوب حالة الضعف والذلة والخسة والإنحدار في الإنسان كالغيبة، فاولئك الذين يتربصون بعيوب الناس، ويذهبون بماء وجههم ويفشون عيوبهم ويحاولون من خلال ذلك إخماد نيران الحسد المشتعلة في صدور هم، إنّما هم أفراد عاجزون لا شخصيته لهم حيث يخشون المواجهة ويطعنون من الخلف.
وقد ورد في الحديث أنّ المغتاب إذا تاب كان آخر من يدخل الجنّة وإن لم يتب كان أول من يرد النار.
ص: 55
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجالِ ثَلاثُ عَلاماتٍ:
يَظْلِمُ مَنْ فَوقَهُ بِالمَعْصِيَةِ، وَمَنْ دُوْنَهُ بِالغَلَبَةِ
وَيَظاهِرُ القَومَ الظَّلَمَةِ(1)
شرح موجز:
من سادت روح الظلم ذهنه وغلبت فكره ووقع تحت تأثيرها فإنّه يتلون حسب الحالات: يتخلف عن القيام بالوظائف الملقاة على عاتقة ممن يجب عليه إمتثال أوامرهم.
ويعتمد القوة والقهر والعنف تجاه مَن دونه وتحت إمرته، وأخيراً يختار أصدقاءه وزملاءه في العمل من بين الظالمين والمنحرفين.
نعم، على كل حال هو ظالم، لكنّه يمارس الظلم بالشكل الذي يتناسب وطبيعة العمل.
ص: 56
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلّا جَعَلَ لَهُ دَواءٌ(1)
شرح موجز:
إنّ العالم الذي نعيش فيه عبارة عن مجموعة من الايجابيات والسلبيات، فهناك قوّة موجبة إلى جانب كل قوّة سلبية ولابدّ من البحث عنها والعثور عليها والاستفادة منها، وأنّ استمرار حياتنا معلول لهذا التوازن في القوى. وعليه فليس فقط لا يوجد داء بدني دون دواء فحسب، بل لا توجد مشكلة اجتماعية دون حلّ وعلاج.
ولعل من ظن بوجود المشاكل التي ليس لها حلول إنّما يغفل عن هذه الحقيقة في عدم وجود داء لا دواء له قط.
ومن هنا لابدّ من الصبر والمثابرة والتوّجه نحو ميدان الحوادث المعقدة للحياة والعثور على الحلول.
ص: 57
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
إِنَّ اللَّهَ قَضى قَضاءً حَتْماً ألّا يُنْعِمَ عَلَى العَبْدِ بِنِعْمَةٍ فَيَسْلُبُها إِيّاهُ حَتّى يُحْدِثَ العَبْدُ ذَنْباً يَسْتَحِقُ بِذَلِكَ النِّقْمَةَ(1)
شرح موجز:
نعم اللَّه لا حصر لها ولا حدّ إلّاأنّها خاضعة لحساب، فهو لا يمنحها أحداً دون حساب ولا يسلبها منه دون حساب، فالنعمة حين تكون وسيلة للغرور والفساد والظلم تتحول إلى نقمة فتسلب ويحلّ محلّها البلاء، فالصناعة والتكنولوجيا تتحول إلى دمار وخراب، واجتماع الأفراد إلى مادة للنفاق، وإتساع الحياة إلى إنزعاج وحتى وسائل السرعة إلى تباطى ء وتخلف، وما ذلك إلّاأنّهم أساءوا إستغلال النعم.
لأنّهم خلطوا المواهب الإلهية بالذنوب، وعليه فانّ بقاء النعم والمواهب الإلهية لا يكون إلّامع ترك الذنوب.
ص: 58
قال رسول اللَّه عليه السلام:
إِذا مُتَّ عَلَى طَهارَةٍ تَكُونُ شَهِيداً(1)
شرح موجز:
الحديث المذكور جزء من وصايا النبي صلى الله عليه و آله لأحد أصحابه «أنس» حيث قال له: إن إستطعت فكن على وضوء في يومك وليلك، فإن مت كنت شهيداً، وقد يبدو الحديث لأول وهلة مركزاً على الوضوء، لكنّه يشير إلى حقيقة مهمّة أخرى وهي الطهارة في عيش الدنيا، والطهارة في مفارقة هذا العالم، فمن كان عفيفاً طاهراً في قلبه وعقله وفكره وحياته ومات على هذا الطهر فهو في مصاف الشهداء، فالشهادة لا تقتصر على القتل في ميدان المعركة.
وقد وردت عدّة أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام تؤكد هذه الحقيقة.
ص: 59
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
إِنَّ أَصْحابَ جَدِّيَ الحُسَينِ لَمْ يَجِدُوا أَلَمَ مَسِّ الحَدِيدِ(1)
شرح موجز:
إذا بلغ تعلق الإنسان بهدف مرحلة العشق، والعشق الساخن فإنّ جميع أحاسيسه تتركز على تلك النقطة، ولهذا فهو يتحمل كل معاناة، ليس فقط يتحملها فحسب، بل لا يشعر بأدنى إنزعاج.
وهكذا أثرت تلك الحالة من العشق لجمال يوسف في نساء مصر بحيث ذهلن فقطعن أيديهن بدلًا من الفاكهة دون أن يشعرن، فأين وجه التعجب بالنسبة لتلك الثلة التي عاشت عشق اللَّه، وشهداء طريق الحق والفضيلة فلم تكن تشعر بتلك الآلام والضربات الشديدة التي كانت تتلقاها من العدو؟!
نعم، فالخطوة الأولى هي الحبّ والعشق والذي يتمخض عن حالات التضحية والإيثار والسير في خط الرسالة والمسؤولية.
ص: 60
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
العاقِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى عَمَلِهِ وَالجاهِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى أَمَلِهِ (1)
شرح موجز:
العقلاء أفراد فاعلون ومتطلعون إلى الحقيقة ولذلك فهم يفتشون عن طموحاتهم وأهدافهم دائماً في الوجود الخارجي، وحيث يتعذر بلوغ هذه الأهداف دون السعي والحركة فهم يركزون على نشاطهم وعملهم، بينما يعوم الجهّال في بحار من الأوهام والآمال فيفتشون عن ضالتهم في عالم الخيال، ولما كان بلوغ الخيال لا يحتاج لأدنى سعي وجهد فانّنا نرى النزعات السلبية تسود حياتهم في جميع الشؤون، فهم يمنون أنفسهم بالنجاحات الخيالية التي تنتظرهم في الغد الذي لم يأت لحدّ الآن وربّما لا يأتي أبداً، وعليه فليس لهم من ركن يستندون إليه في حياتهم سوى الأمل.
وهذا هو التفاوت بين العاقل والجاهل.
ص: 61
قال الإمام الحسين الشهيد عليه السلام:
النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلسِنَتِهِم يَحُوطُونَهُ ما دَرَّتْ بِهِ مَعايِشُهُم، فَإِذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ (1)
شرح موجز:
إنّ الدين- وبالذات الإسلام- حافظ حقوق أفراد المجتمع والمدافع عنهم والضامن لمصالحهم الواقعية والعادلة، إلّاأنّ الدين قد يشكل أحياناً عبئاً على المصالح الشخصية الخاصة غير المشروعة، وهنا يتميز المتدينون عن أدعياء الدين.
ومن الطبيعي أنّ أغلب الأفراد الذين ينظرون إلى الأمور من خلال منافعهم إنّما ينسجمون مع الدين مادام يحفظ حقوقهم الشخصية، فإذا إختلف الدين ومنافعهم ولّوا له ظهورهم وكانوا مصداقاً لقوله:
«نؤمن ببعض ونكفر ببعض»(2)
؛ أمّا المتدينون الواقعيون فهم ملتزمون بمبادئه كيفما كان الأمر، والإيمان هو الذي يحدد معالم حياتهم لا المنافع الشخصية.
ص: 62
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِعْدِلُوا بَيْنَ أَولادِكُمْ كَما تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُم (1)
شرح موجز:
من أفدح الأخطاء هو التمييز بين الأبناء، فالبعض يرى إمتياز للولد الكبير وما يصطلح عليه بالبكر، بينما هناك من يوليه للولد الأصغر، بل أحياناً يعيش الأب حالة من الإفراط بحيث يضع حبّه وماله وعواطفه لأحد الأولاد ويحرم الآخرين منها تماماً؛ وهذا الأمر يؤجج في نفوسهم نيران البغض والحسد بحيث يعادي أحدهم الآخر، كما ينعكس ذلك سلباً على معاملتهم لوالديهم، وأعظم من ذلك يحاولون التعويض بالثأر من أفراد المجتمع.
وقد أثبتت التجارب هذه الحقيقة وهي أن التعامل مع الأبناء من موقع التفرقة والتمييز من شأنه أن يولّد أنواع العقد النفسية فيهم وسرعان ما تظهر آثاره على أجواء الاسرة.
ص: 63
قال الإمام محمد الجواد عليه السلام:
إِعْلَمْ أَنّكَ لَنْ تَخْلُو مِن عَينِ اللَّهِ فَانْظُرْ كَيفَ تَكُونُ (1)
شرح موجز:
إنّ من معطيات الإيمان باللَّه هو الشعور بالمراقبة الدائمية والإحاطة العلمية التامه له سبحانه بظاهر الإنسان وباطنه، ليس فقط لا توجد أدنى نقطة حاجرة عن علمه، بل أحاط بنا مراقبوه من بين أيدينا وخلفنا ويميننا وشمالنا.
هذا الشعور بالمراقبة تزداد وتتعمق كلّما ترسخت دعامة الإيمان حتى يرى الإنسان نفسه دائماً في محضر الحق سبحانه، وهو الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على حياة الفرد ليكون هذا الشعور أعظم وسيلة لإصلاح الفرد والمجتمع، وعليه فتنمية هذا الشعور من شأنه أن يعيد تنظيم حالات الاضطراب الاجتماعية.
أجل، العالم محضر اللَّه تعالى، فعلينا الانتباه واليقظة في محضر الذات المقدسة لئلا نقع في مستنقع الخطيئة والمعصية.
ص: 64
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الثَّناءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الاسْتِحْقاقِ مَلَقٌ وَالتَّقْصِيرُ عَنِ الاسْتِحْقاقِ عَيٌّ أو حَسَدٌ(1)
شرح موجز:
لا شك أنّه ينبغي إكبار وإجلال الأفراد الصلحاء والثناء على صفاتهم وأعمالهم الحسنة، ولكن لابدّ أن يتمّ هذا العمل على ضوء الاستحقاق، وإلّا أفضى إلى نتائج سلبية ضارّة، فإن جاوز الثناء والإطراء الاستحقاق كان تملقاً يسي ء إلى شخصية القائل من جهة ويثير العجب وحبّ الذات في الطرف الآخر من جهة أخرى
وإن كان أقلّ من الاستحقاق فهو علامة على الحسد أو العجز، إلى جانب ذلك فهو يزهّد المحسن بالإحسان.
إنّ انتخاب الحد الوسط يعدّ أفضل طريق للإنسان في حركة الحياة الفردية والاجتماعية.
ص: 65
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
مَنْ كَانَ فِي حاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِمُ كَانَ اللَّهُ فِي حاجَتِهِ (1)
شرح موجز:
يعتقد أغلب الأفراد أنّ الإنهماك في حل مشاكل الآخرين يصده عن التقدم في حياته، والحال لا ينسجم هذا الأمر والمنطق الإسلامي.
فقد أشار الحديث المذكور إلى أنّ الإنسان إذا سعى لحلّ مشاكل الناس وتلبية حاجاتهم فإنّ اللَّه سبحانه الذي تفوق قدرته جميع القدرات سيعين ذلك الإنسان على حل مشاكله، وقد لمسنا هذه الحقيقة في حياتنا ورأينا كيف تحلّ مشاكل الأفراد بشكل عجيب حين ينبرون لقضاء حوائج الآخرين، وهذه نعمة إلهية.
فالأشخاص الذين نالوا الموفقية في حياتهم من دون توفر الأسباب الظاهرية، إنّما حققوا ذلك النجاح بواسطة المدد الإلهي الغيبي وبسبب الخدمة التي أسدوها للناس.
ص: 66
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لا تُشْعِرْ قَلْبَكَ الهَمَّ عَلَى ما فَاتَ فَيُشْغِلُكَ عمَّا هُوَ آتٍ (1)
شرح موجز:
قلّما هناك من لم يخطى ء في حياته ويفقد الفرص التي تسنح له، وهنا يكون الأفراد على قسمين؛ قسم يقضي أغلب أوقاته بالأسف على الماضي فيضيع ما بقي له من طاقة ونشاط في هذا المجال، بينما ينظر القسم الآخر إلى الماضي على أنّه ولّى وإنقضى وقد طواه النسيان فلا يتعلق به سوى في تعلم الدروس والعبر من أجل حياة المستقبل فيوجّه كل قواه وطاقته من أجل صنع الحياة الكريمة الحاضرة والآتية. فمن المسلم به أنّ النجاح والتوفيق سوف يكون نصيب القسم الآخر وهو ما أكّده أميرالمؤمنين علي عليه السلام في هذا الحديث.
يقول الشاعر ما معناه:
ما مضى مضى وما سيأتي عدم؛
قم واغتنم الفرصة بين المعدمين.
ص: 67
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
لا يَبقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإسلامِ (1)
شرح موجز:
تتضح هذه الحقيقة يوماً بعد آخر في أنّ العالم يقف على مفترق طرق فأمّا أن يستجيب للإسلام أو يرفض أي دين، ولما كان الإلحاد لا ينسجم وفطرة الإنسان فإنّ العاقبة ستكون إنتشار الإسلام؛ وإنّنا لنشاهد اليوم استقطاب الإسلام لمختلف مناطق العالم حتى أنّ الإسلام أخذ ينتشر في أمريكا.
طبعا تكامل هذا الأمر بالانتشار التام للدين إنّما يكون بظهور صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء)؛ آنذاك تتهدم أركان الشرك والوثنية وتسود الحكومة الإسلامية كافة المعمورة، وهذا ما بشر به النبي الإكرم صلى الله عليه و آله في الحديث المذكور.
ص: 68
قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لاتُغْفَرُ: لَيتَنِي لااؤاخَذُ إِلَّا بِهذا(1)
شرح موجز:
تصبح الذنوب الصغيرة إثر بعض الأمور من الكبائر، ومن ذلك إستصغار الذنب وإعتباره هيناً لا أهمية له، وهذا من الوساوس الشيطانية الخطيرة.
فالذنوب التي يخشاها الإنسان ويراها كبيرة لا تبدو خطيرة إلى هذا الحدّ، وذلك لأنّه على حذر دائمي من التلوث بها، أمّا حين يستصغر الذنب ولا يعاني أي خوف منه فإنّه عرضة للتوث به بكل سهولة. أضف إلى ذلك فإنّ الإصرار على الصغيرة هو الآخر يجعلها كبيرة.
وبغض النظر عما سبق فإنّ الذنب سواءاً كان كبيراً أو صغيراً، فإنّه يمثل إنتهاكاً كبيراً لحرمة القوانين الإلهية والشرعية.
ص: 69
قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام:
فَضلُ الفَقِيهِ عَلَى العابِدِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الكَواكِبِ (1)
شرح موجز:
تتصف الكواكب بأنّها مضيئة، ولكن لا تستطيع أن تمنحنا الضوء المطلوب وتشخص لنا الطريق، أمّا الشمس وأشعتها وتألقها فهي ليست تفيض الحياة وتشيع النشاط فحسب، بل تكشف لسكان الأرض الطريق القويم من الطريق السقيم.
وهذا هو الفارق بين العالم والعابد، فهذا يفكر في إنقاذ الغرقى بينما لا يفكر الأخير سوى في إنقاذ نفسه.
أضف إلى ذلك فإنّنا نعلم أنّ سيارات المنظومة الشمسية إنّما تستعين بضوء الشمس، فلو لم يكن هناك عالم لما كان هناك عابد.
ص: 70
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
يَلزَمُ الوَالِدَينِ مِنَ الحُقُوقِ لِوَلَدِهِما ما يَلزَمُ الوَلَدَ لَهُما مِنَ حُقُوقِهِما(1)
شرح موجز:
ليس هنالك من حق في الدنيا دون وظيفة، أي كل حق يستتبع وظيفة، كما أنّ هذه الوظيفة والمسؤولية تتناسب طردياً وذلك الحق، ومن هنا فانّ المسؤولية تقع على عاتق الآباء تجاه أبنائهم بفعل مالهم من حق عليهم- الحق الذي قرنه القرآن الكريم بحق اللَّه سبحانه- وعليه فلا ينبغي لهم الغفلة طرفة عين عن تعليم أولادهم وتربيتهم وبذل قصارى الجهد من أجل بنائهم الروحي والجسمي وإبعادهم عن الأوساط الملوثة فكرياً وأخلاقياً، دون أن تمنعهم سائر وظائفهم من القيام بهذه المسؤولية الخطيرة.
ص: 71
قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام:
إِيّاكَ أَنْ تَمْنَعَ فِي طاعَةِ اللَّهِ فَتَنْفُقَ مِثْلَيهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ (1)
شرح موجز:
كثيرون هم الأفراد الذين يتشددون في تكاليف أمورهم الصحية والوقاية من الأمراض المختلفة، وهذا مايؤدّي بهم لأن ينفقوا ضعفها في الدواء والعلاج!
فهذه قاعدة عامة في أنّ الإنسان إذا تحفظ عن الإنفاق في المصارف الضرورية إضطر إلى دفع ضعفها لتدارك ماسبق منه، ومن بخل في صرف المال والوقت من أجل تعليم وتربية ولده، عليه أن يستعد لتحمل تكاليف باهضة في مجال الإدمان والجنايات والمفاسد والانحرافات، ومن إستنكف عن مدّ يد العون لمحرومي المجتمع وقضاء حوائجهم، ابتلي أحياناً بأضعاف التكاليف بغية الحيولة دون وقوع الحوادث الناشئة عن ذلك، وهكذا ...
ص: 72
قال الإمام علي الهادي عليه السلام:
الدُّنيا سُوقٌ رَبِحَ فِيها قَومٌ وَخَسِرَ آخَرُونَ (1)
شرح موجز:
إنّ هذا العالم ليس الوطن الأصلي للإنسان ولا المحلّ الدائمي لإقامته، بل متجر كبير دخله الإنسان برأسمال عظيم كساعات العمر والطاقات الإنسانية والإبداعات الفكرية والعقلية لينال منه ما يؤهله للسعادة الأبدية والحياة الخالدة.
أمّا أولئك المثابرون الناشطون والأذكياء من أهل السعي والجهد فهم عالمون بفنون هذه الصفقة التجارية العظيمة، فلم يسكنوا لحظة واحدة وواصلوا حركتهم ليشتروا بذلك الرأسمال السلع الأجود والأمتعة الأدوم والمصير المشرق لهم ولمجتمعهم، ولم ينفقوها في سبيل الفساد والإنحراف والعبث فيخرجوا من هذا المتجر صفر اليدين.
ص: 73
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِنِّ أَعظَمَ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَومَ القِيامَةِ أَمشاهُم فِي أَرْضِهِ بِالنَّصِيحَةِ لِخَلْقِهِ (1)
شرح موجز:
خدمة الخلق في مصاف أعظم العبادات الإسلامية وإنّ إحدى طرق هذه الخدمة في أن يرى الإنسان مصالحهم ومنافعهم كمصالحه ومنافعه فكما يجدّ ويجتهد في سبيل تأمين منافعه يبذل ذات الجهد والحرص في ضمان منافعهم، فلا يتوانى عن ذلك بحضور الناس أوغيابهم.
أجل، إنّ أعظم الناس منزلة عند اللَّه تعالى وأعلاهم مرتبة يوم القيامة هم الذين يتحركون في سبيل خدمة الناس أكثر من غيرهم.
ص: 74
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
النَّاسُ سَواءٌ كَأسْنانِ المِشْطِ وَالمَرءُ كَثِيرٌ بِأَخِيْهِ وَلا خَيْرَ فِي صُحْبَةٍ مَنْ لَمْ يَرَ لَكَ مِثْلَ الّذِي يَرى لِنَفْسِهِ (1)
شرح موجز:
ذكر الحديث ثلاثة مبادى ء مهمة في الحياة الاجتماعية هي:
الأول:
مساواة الناس وتكافئهم في كافة الحقوق الاجتماعية بغض النظر عن العرق واللغة والطبقة.
الثاني:
أنّ المجتمع يتشكل من رابطة الفرد مع سائر إخوته من الأفراد.
والثالث: الشرط الأساسي للألفة والاخوة يكمن في إحترام منافع الآخرين على غرار الحرص على المنافع الشخصية.
ويتجرد المجتمع من الصبغة الإسلامية والإنسانية مالم تسوده هذه المبادى ء، وسيكون على شكل مجاميع متفرقة تعيش في محيط واحد ويتعامل أفرادها فيما بينهم على مستوى التنافس والتكالب والأنانية.
ص: 75
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الحِدَّةُ نَوْعٌ مِنَ الجُنُونِ لأَنَّ صاحِبَها يَنْدُمُ، فَإنْ لَمْ يَنْدُمْ فَجُنُونُه مُسْتَحْكَمٌ (1)
شرح موجز:
يقتضي العقل من الإنسان الإبتعاد عن التسرع والعجلة في ذات الوقت الذي يتعين عليه إستغلال الفرص؛ حيث يحول التسرع دون تأمل كافة جوانب الموضوع وإصدار الأحكام الصائبة بحقّه فسرعان ما يشعر بالندم على النتائج التي يفرزها إتخاذه الساذج للقرارات والأعمال السطحية، كما قد يعتمد أحياناً الحدة في حديثه فيذهب بماء وجهه تماماً، ويعيش قطيعة الأصدقاء فيستولي عليه الندم.
وبالتالي فإن لم يندم مثل هؤلاء الأفراد على حدّتهم وتسرعهم فإنّ جنونهم مطبق دائم.
ص: 76
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
الزُّهْدُ فِي الدُّنيا قَصْرُ الأَمَلِ وَشُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَالوَرَعُ عَنْ كُلِّ ما حَرَّمَ اللَّهُ (1)
شرح موجز:
لقد إلتبس الأمر بالنسبة لأغلب الناس في إدراك مفهوم الزهد وتوهّموا أنّه يعني مقاطعة الحياة المادية والاجتماعية، فيرون الزاهد الحقيقي من إختار العزلة الاجتماعية والإنصراف عن كافة مظاهر الحياة المادية، ومن هنا كان مثل هذا الزهد أحياناً برنامجاً إستعمارياً.
إلّا أنّ الزهد الواقعي ينطوي على مفهوم اجتماعي إيجابي وردت الإشارة إليه في الحديث المذكور:
فالزهد يعني الإبتعاد عن غصب حقوق الآخرين والأموال الحرام غير المشروعة، وتوظيف الإمكانات المادية في المصارف المنطقية والإنسانية (التي تفيد حقيقة الشكر) وقصر الأمل، وبكلمة واحدة أنّ الإنسان يبتعد بالزهد الحقيقي عن الآمال العريضة التي تغرقه في دوامة حبّ المال والشهرة والمقام.
ص: 77
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
ثَلاثٌ يُمْتَحَنُ بِها عُقُولُ الرِّجالِ هُنَّ المالُ وَالوِلايَةُ وَالمُصِيبَةُ(1)
شرح موجز:
فلسفة الإمتحان الإلهي السمو والتكامل وليس لهذا الإمتحان مواد معينة، بل يمكن أن يحصل بأيّة وسيلة، نعم هنالك ثلاث مواد تفوق غيرها أهمية. فهل يفقد الإنسان عقله وفطنته حين يحصل على المال والثروة أم لا؟
وهل يفقد سيطرته على نفسه بحيث ينسى كل شي ء حين يفوض إليه منصب معين؟
وإذا ما أصابته مصيبة فهل ينتابه الجزع والفزع ويلهج لسانه بالجحود وعدم الشكر؟
هذه هي أهم المواد- المال، المقام، المصيبة- التي يمتحن بها الإنسان.
ص: 78
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
إِعْمَلْ لِدُنياكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً وَإِعْمَلْ لآخَرَتِكِ كأَنَّكَ تَمُوتُ غَدَاً(1)
شرح موجز:
يوضّح هذا الحديث كيفية تعامل الإسلام مع المسائل المرتبطة بالحياة المادية والمعنوية، فالفرد المسلم المتزن والعالم بواجبه ووظيفته يراعي الدقة والإنضباط في المسائل المادية للحياة وكأنّه مخلد في هذا العالم. ومن هنا نقف على رفض الزهد بالمعنى الذي يزعمه أدعياءه على أساس الإهمال والرياء.
أمّا بالنسبة للمسائل المعنوية والإستعداد للحياة الآخرة فلابدّ أن يكون حساساً ومتأهباً بحيث لا يفاجأ لو رحل غداً عن هذا العالم، فقد غسل ذنوبه بماء التوبة وأدى حقوق الناس ولم تنطوٍ حياته على أي جانب مظلم.
ص: 79
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
مَنْ يَمُوتُ بِالذَّنْبِ أَكْثَرَ مِمَنْ يَمُوتُ بِالآجالِ وَمَنْ يَعِيشُ بِالإِحسانِ أَكْثَرُ مِمَنْ يَعِيشُ بِالأَعمارِ(1)
شرح موجز:
ثبت اليوم أنّ جانباً كبيراً من الأمراض البدنية إنّما تستند إلى عوامل روحية ومعنوية، ومن أهم هذه العوامل التوعك النفسي بفعل الضغط الشديد الذي يورده الضمير على روح الإنسان إثر إرتكاب الذنب، فالإنسان الأثيم يحاكم في محكمة الضمير فيتلقي أشدّ العقوبات المعنوية للوجدان لتظهر إنعكاسات ذلك على جسمه وروحه حتى تودي به، وبالعكس يشعر الفرد المحسن بتشجيع الضمير وهذا مايلهمه النشاط الروحي والمعنوي ويزيد من عمره، والنتيجة، فإن المعصية تقصر عمر الإنسان بينما تطيله الحسنة.
ص: 80
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام لأحد أصحابه:
أَبْلِغْ شِيعَتَنا أَنَّهُ لايُنالُ ما عِنْدَ اللَّهِ إِلّا بِعَمَلٍ (1)
شرح موجز:
حديث الإمام الباقر عليه السلام ردٌّ على من يتصور إحرازه منزلة عند اللَّه سبحانه لمجرّد إنتحاله إسم التشّيع وحب أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله، والحال نعلم أنّ الإسلام بني أساسه على العمل، والشيعي الحق من إستند في أعماله إلى السيرة العملية لعلي عليه السلام وصحبه الكرام، فالتشيع من مادة المشايعة بمعنى الحركة خلف شخص؛ وبناءاً على هذا فالشيعة الحق من تحرك خلف أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله.
العقل بدوره يؤكد على هذا المعنى أيضاً وأنّ قصور الجنّة لا ينالها الإنسان إلّابالعمل، ولا مجال لمن لا يعمل في دائرة القرب الإلهي.
ص: 81
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لا تَدْخِلَنَّ فِي مَشوَرَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الفَضْلِ وَيَعِدُكَ الفَقْرَ وَلا جَباناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ وَلا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَّهُ بِالجَورِ(1)
شرح موجز:
المشورة من الوصايا المهمّة التي ندب إليها الإسلام، ولكن في الوقت الذي تسهم فيه المشورة مع الأفراد الأكفّاء في النهوض بالبرامج والأعمال، فإنّ إستشارة بعض الأفراد الذين يتصفون ببعض نقاط الضعف لا تجلب سوى الخسارة ولا تعطي غير النتائج العكسية، ومن هنا نهى الإمام عليه السلام عن إستشارة ثلاث طوائف من الأفراد ولا سيّما في الأمور الإجتماعية المهمة وهم:
أهل البخل والجبن والحرص، فالأول يحاول صدّ الشخص عن البذل والعطاء ممّا منّ اللَّه عليه، والآخر يضعِّف إرادته في انجاز الأعمال، والثالث يشجّعه على تجاوز حقوق الآخرين من خلال الحرص والطمع.
ص: 82
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
أَجلُّ النِّعَمِ العافِيَةُ وَخَيْرٌ مادَامَ فِي القَلْبِ اليَقِينُ (1)
شرح موجز:
الواقع هو أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أشار إلى أعظم النعم المادية والمعنوية، فعافية البدن ليست من أعظم النعم الإلهية فسحب، بل تشكل مصدر كافة الأنشطة والفعاليات والجهود والبركات، كما ليست هنالك من نعمة في المجال المعنوي أعظم من نور اليقين والإيمان والذي يعدّ أنجع دواء لداء الجهل والذل والحقارة وهو سكينة القلب والروح.
فمن نال حظاً وافراً من هاتين النعمتين لا ينقصه شي ء، فهما الوسيلة لتحصيل سائر النعم والمواهب، ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ العافية والإيمان لا يمكن الحصول عليهما بدون السعي والتقوى.
ص: 83
قيل للإمام جعفر الصادق عليه السلام:
كَيفَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِالحُجّةِ الغائِبِ المَستُورِ؟ قَالَ: كَما يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمسِ إِذا سَتَرَها السَّحَابُ (1)
شرح موجز:
إنّ ضياء الشمس هو مصدر جميع حركة الحياة على سطح الكرة الأرضية، ولا يستطيع أي كائن حي مواصلة حياته دون ذلك الضياء، وهكذا الحال بالنسبة لضياء شمس وجود الإمام والزعماء الربانيين في الحياة المعنوية والإنسانية للبشرية.
والشمس خلف السحاب كالسراج خلف الزجاجة المعتمة تبعث بمقدار من أشعتها خارجاً وتزيل ظلمة الليل وتؤثر على النباتات والكائنات الحيّة، وهكذا البركات الروحيّة والمعنويّة للإمام عليه السلام، فشمسه تشرق على عالم البشرية حتى من خلف ستار الغيبة؛ غاية ما في الأمر كما أنّ كل عمارة تستفيد من ضياء الشمس على ضوء نوافذها، فإنّ استفادة الناس من نور شمس الولاية إنّما تتناسب وكيفية ومدى إرتباطهم وإتصالهم بالإمام الغائب عليه السلام.
ص: 84
قال الإمام محمد الجواد عليه السلام:
مَنْ أَصْغى إِلى ناطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يَنْطُقُ عَنْ لِسانِ إِبِليسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ (1)
شرح موجز:
للحديث مهما كان المتحدث أثر؛ وعادة ما يتأثر الإنسان قلباً بما يسمعه من هذا وذلك، ولما كانت أهداف المتحدثين مختلفة حيث هناك محدثوا الحق ومحدثوا الباطل فإنّ الخضوع لأي من هاتين الطائفتين يمثل نوعاً من العبادة؛ فروح العبادة ليست سوى التسليم.
وبناءاً على هذا فمن سمع كلام الحق فهو من عبدته، ومن إستمع إلى محدثي الباطل فقد عبد الباطل. ومن هنا لابدّ من التحفظ عن تزيين محفل محدثي الباطل وعدم السماح لكلماتهم المظلمة باختراق الاذن وصولًا إلى أعماق النفس.
ص: 85
قال رسول اللَّه عليه السلام:
إِذا رَأَيْتُم الرَّجُلَ لايُبالِي ما قَالَ أَو ما قِيلَ فِيْهِ فَإنَّهُ لَبَغِيَّةٌ أَو شَيطانٌ (1)
شرح موجز:
إنّ الأنغماس في أنواع الخطايا والمعاصي يجعل الإنسان لا يبالي بمختلف التهم، فهو لا يكترث لما يقول في الآخرين ولا لما يقول الآخرون فيه- ينسب إلى الآخرين ما يشاء دون إكتراث ولا ينزعج لكل ما ينسبوه إليه- فمثل هؤلاء الأفراد لا شخصية لهم ولا قيمة ويتصفون بالشيطنة.
فالإنسان الطاهر لا ينسب إلى الآخرين ما لا يليق، ولا يقف موقف اللامبالاة من إتّهام الغير له بل يتحرك على مستوى الدفاع عن نفسه وكرامته ويوصد نوافذ سوء الظن به.
ص: 86
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إِنَّما هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيامَهُ وَشَكَرَ قِيامَهُ وَكُلُّ يَومٍ لايُعْصى اللَّهُ فِيْهِ فَهُوَ عِيْدٌ(1)
شرح موجز:
إنّ السرور والفرح الذي يعقب شهر رمضان المبارك هو في الواقع سرور الإنتصار على أهواء النفس وفرح طاعة وإمتثال أمر اللَّه.
وبناءاً على هذا فمثل هذا اليوم هو عيد أولئك الأفراد الذين خرجوا منتصرين إثر القيام بهذه الفريضة الإلهية العظيمة وإدراك فلسفتها النهائية، ولكنّه يوم عزاء وهوان لمن لم يرعوا حرمة هذا الشهر العظيم وما ينطوي عليه من برامج تعليمية وتربوية.
ومن هنا يمكننا أن نخرج بنتيجة، وهي أنّ الإنسان بإمكانه أن يجعل جميع أيّام سنته عيداً، نعم فكل يوم لا يعصى اللَّه فيه فهو عيد.
ص: 87
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِنَّ اللَّهَ لايَنْظُرُ إلى صُوَرِكُم وَلا إِلى أَموَالِكُمْ وَإِنَّما يَنْظُرُ إِلى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ (1)
شرح موجز:
إنّ مقياس تقييم شخصية الأفراد في أغلب المجتمعات إنّما يستند إلى القضايا المادية والإمتيازات البدنية، بينما يعلن الإسلام صراحة إلى أنّه هذا المعيار الذي يتمّ من خلاله تقييم الشخصية هو معيار غير صحيح، والمعيار المعروف لدى الحق سبحانه هو الفكر والعمل، فالفكر النقي هو مادة الأعمال الطاهرة.
وأخيراً لا يمكن لأحد أن ينجو من المحكمة الإلهية سوى من تحلى بهاتين الصفتين.
أجل، فالفائزون في عرصات القيامة هم الذين يتمتعون بهاتين السمتين، أمّا الأشخاص الذين يتحركون في خط الباطل والمكر والخداع ويجسّدون في أعمالهم وسلوكياتهم حيل الشيطان وتسويلاته فهؤلاء هم الأخسرون الذين لا ينظر اللَّه إليهم بنظر الرحمة.
ص: 88
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
أَهَلَكَ النّاسَ إِثنانِ خَوْفُ الفَقْرِ وَطَلَبُ الفَخْرِ(1)
شرح موجز:
لو تأملنا في عوامل تزايد الإعتداءات والسرقات وتفشي الرشوات والتطفيف في المكاييل بأشكالها المختلفة وكذلك حالة الحرص التي تسود الكثير من الأفراد لرأينا التأثير العميق للعنصرين المذكورين- خوف الفقر وطلب الفخر- في ظهور هذه الإنحرافات.
فالبعض يمتلك كل شي ء غير أنّه لا يتورع عن ممارسة المخالفة بدافع من خوف الفقر أو مايصطلحون عليه أنفسهم بضمان المستقبل، كما أنّ البعض الآخر يعكّر صفو هدوء حياته محاباة للناس وبغية الحصول على الفخر المزعوم والموهوم، والحال لو تخلّى الإنسان عن هاتين الرذيلتين لأمكنه العيش بطمأنينة وإستقرار.
والعجيب أنّ هؤلاء الأشخاص يعلمون بأنّ العناوين والافتخارات الوهمية لا تبقى سوى أيّام قلائل، فالقدرة البدنية تزول بأدنى مرض، والقدرة المالية والثروات المادية قد تنتهي في لحظة.
ص: 89
قال الإمام علي زين العابدين عليه السلام:
لا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقوى وَكَيْفَ يَقِلُّ ما يُتَقَبَّلُ (1)
شرح موجز:
ورد في القرآن الكريم أنّ اللَّه سبحانه إنّما يقبل الأعمال التي تستند إلى النيّة الخالصة والتقوى،
«إنّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتّقِينَ»(2)
ومن هنا لابدّ من الإلتفات قبل كل شي ء إلى النيّة الخالصة والتقوى، لا إلى كمية العمل؛ لأنّ مثل ذلك عظيم القيمة مهما كان صغيراً حيث يتقبله اللَّه.
فهل يكون العمل قليلًا إذا تقبله اللَّه!
وزبدة الكلام، لا وزن ولا قيمة لضخامة الأعمال الجوفاء التي تستند إلى الرياء وعدم الإخلاص، بينما لذرة من العمل الخالص والصادق أعظم الوزن وأكبر القيمة.
أجل، فالإسلام يهتمّ بكيفية العمل لا بكميته.
ص: 90
قال الإمام الحسين عليه السلام:
إِيّاكَ وَما تَعْتَذِرُ مِنْهُ فَإنَّ المُؤمِنَ لايَسِيى ءُ وَلا يَعْتَذِرُ وَالمُنافِقُ كُلَّ يَوْمٍ يَسِيى ءُ وَيَعْتَذِرُ(1)
شرح موجز:
يمكن أن يصدر الخطأ من كل شخص، إلّاأنّ هناك فارقاً بين المؤمن والمنافق بهذا الخصوص، فالمؤمن يسعى جاهداً للحد من أخطائه ليكون في غنى عن الإعتذار؛ لأنّه يعلم أنّ الإعتذار- بالتالي- ليس مدعاة للرفعة.
أمّا المنافق فهو لا يتورع عن الخطيئة والاساءة فهو دائم الإعتذار، وهذا بدوره من علامات النفاق، حيث يفيد ظاهره الندم بحكم الإعتذار وباطنه عدم الندم بدليل التكرار والمعاودة.
ولا ينبغي الغفلة عن أنّ الاعتذار من الخطأ عمل جيد وفضيلة أخلاقية، ولكن مورد الكلام هو الشخص الذي يخطأ باستمرار ويعتذر منه، فهو إنسان منافق ولا قيمة لاعتذاره.
ص: 91
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
أَسْوَءُ النَّاسِ مَعاشاً ... مَنْ لَمْ يَعِشْ غَيْرُهُ فُي مَعاشِهِ (1)
شرح موجز:
الإقتصاد الناجح هو الإقتصاد الذي يرسّخ العلاقات الاجتماعية ويشمل جميع أفراد المجتمع، بينما الاقتصاد المريض هو الإقتصاد الذي اقتصر في مختلف مجالاته على أفراد معينين بغية تحقيق مصالحهم، ومن هنا صرّح الإمام عليه السلام بأنّ هذا أسوء أنواع المعاش والإقتصاد.
الحياة الجيدة هي أن يعيش الإنسان مع الآخرين من موقع العطاء وتبادل المنافع في الحياة المشتركة، فعلينا أن نتحرك في حياتنا الاجتماعية على مستوى الاستفادة المتقابلة والعطاء والأخذ لا الأخذ فقط.
ص: 92
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
إِنّا أَهْلُ بَيتٍ نَرى وَعْدَنا عَلَينا دَيْناً كَما صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله (1)
شرح موجز:
لا يقتصر الدّين على أخذ شي ء من أحد، فمن يعد الآخرين في الحقيقة بشي ء فقد تقبل مسؤولية وشغل ذمته، وفي الواقع يتحمل دَيناً أخلاقياً لايمكن إنكاره.
والوفاء بالعهد دليل على الشخصية والإيمان والرفعة والصدق ويوجب ترسيخ دعائم الثقة العامة في المجتمع وإحياء روح التعاون الاجتماعي؛ ومن هنا ورد التأكيد الشديد في الإسلام على الوفاء بالعهد أكثر من غيره من التعاليم الإسلامية العظيمة، إلى درجة أنّه ورد في بعض الروايات أنّ الوفاء بالعهد من علائم الإيمان ونقض العهد من علائم النفاق، أجل فعندما نقطع على أنفسنا وعداً وعهداً للآخرين، يجب أن نعتبر أنفسنا مدينين لهم.
ص: 93
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
إِنَّ الرَّجُلَ إِذا أَصابَ مالًا مِنْ حَرامٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَجٌّ وَلا عُمْرَةٌ وَلا صِلَةُ رَحِمٍ (1)
شرح موجز:
قدسية الهدف- لوحدها- ليست كافية في الإسلام، بل يلزم قدسية الوسيلة الموصلة لتحقيق ذلك الهدف، فاولئك الذين يأتون بالأعمال الصالحة بينما لايفكرون في الوسيلة التي تتم من خلالها تلك الأعمال إنّما يغفلون عن حقيقة وهي أنّ العمل لا يقبل عند اللَّه مالم تكن وسائله طاهرة مقدسة، وذلك لأنّه
«إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ»(2).
فالصلاة والصوم والحج وصلة الرحم والمساهمة في أعمال الخير، كلها يجب أن تكون من مال حلال، لأنّ العبادة من مال الحرام غير مقبولة عند اللَّه تعالى.
***
ص: 94
قال الإمام علي السجاد عليه السلام:
طَلَبُ الحَوائِجِ إلَى النَّاسِ مَذَلَّةٌ لِلحَياةِ ومُذْهِبَةٌ لِلحَياءِ وَإِسْتِخفَافٌ بِالوِقارِ وَهُوَ الفَقْرُ الحاضِرُ(1)
شرح موجز:
يقذف بعض الأفراد بأنفسهم في أتون الفقر ظناً منهم أنّهم قد هربوا من جعل أنفسهم تبعاً لهذا وذاك ممن يناشدوهم الحاجات غير الضرورية فيقضون بهذه الطريقة على شخصيتهم.
الإسلام من جانبه حثّ أتباعه على الإعتماد على أنفسهم ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلا وأن يبتعدوا عن الإتكال على الآخرين في حياتهم، حيث يرى الغنى بواسطة الآخرين عين الحاجة والذلّة.
وهذا الكلام لا يحضّ الأفراد فقط، بل يوجب على الدول الإسلامية أن تتحرك في سبيل التخلص من التبعية للآخرين، لأنّ الغنى الحاصل من الإرتباط بالأجنبي هو عين الفقر.
ص: 95
قال الإمام علي السجاد عليه السلام:
يا سَوأَتاهُ لِمَن غَلَبَتْ أَحْداتُهُ عَلَى عَشَرَاتِهِ!(1)
شرح موجز:
قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
«مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمثَالِها وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةٍ فَلا يُجزى إِلّا مِثْلَها»(2)
، ويتضح معنى هذا الحديث من خلال هذه الآية.
فياله من بائس ومسكين من يؤثر المعصية على طاعة اللَّه والفوز بذلك الثواب العظيم، ويكون خائباً في دنياه قبل أخرته.
ما أعظم لطف اللَّه تعالى بأن ضاعف الحسنات إلى عشرة أضعاف، وما أسوأ اختيارنا لو أهملنا هذا اللطف العظيم وتلوثنا بالسيئات!!
***
ص: 96
قال الإمام الحسين عليه السلام:
مَنْ حاوَلَ أَمرَاً بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ أَفْوَتُ لِما يَرجُو وَأَسْرَعُ لِما يَحْذَرُ(1)
شرح موجز:
يعتقد البعض أنّ الوسائل غير المشروعة قد توصله بصورة أسرع إلى تحقيق أهدافه، والحال صرح هذا الحديث بأنّه إنّما يفقد ضالّته بصورة أسرع ويقع في المطبات التي كان يخشاها.
وعلى سبيل المثال ينشد الطمأنينة عن طريق نيل الثروة غير المشروعة والحال إنّ أول مايفقد من جرّاء ذلك طمأنينته وإستقراره ويعيش القلق والاضطراب الذي كان يخشاه.
أجل، فلو تحرك الإنسان لتحقيق أهدافه على مستوى ارتكاب المعصية فسوف يفقد عناية اللَّه ورعايته ولطفه، وهذا من شأنه أن يوقعه في دوامة من المشاكل والأزمات.
ص: 97
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيهِ (1)
شرح موجز:
إنّ حبّ الذات والتعلق بها ضروري لإستمرار الحياة إن كان في إطار التوازن وإلّا فأنّ تجاوز تلك الحالة قد يتحول إلى أنانية وعجب ورضى بالنفس. والأفراد الذين يرضون عن أنفسهم عادة لا يرون عيوبهم، بل يرون أنفسهم من الملتزمين بوظائفهم وأنّهم نشطاء ومثابرون وعفيفون طاهرون ومحبوبون من قبل الآخرين.
وبالتالي يتصورون أنفسهم شمعة المجتمع، ومن هنا فهم يتوقعون الكثير من الناس، وهو الأمر الذي يؤجج براكين غضب الناس عليهم.
الناس لا يتحملون سلوكيات الأناني وسوف يعملون على طرده من المجتمع وعزله عنهم، لأنّ مثل هذا الشخص يتصف بالتوقع والغرور والتكبّر وأمثال ذلك من الصفات الرذيلة التي يتجنّبها الناس.
ص: 98
قال الإمام المجتبى عليه السلام:
القَرِيبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ المَوَدَّةُ وَإِنْ بَعُدَ نَسَبُهُ وَالبَعِيدُ مَنْ باعَدَتْهُ المَوَدَّةُ وَإِنْ قَرُبَ نَسَبُهُ (1)
شرح موجز:
تعتبر القرابة من أهم الروابط الاجتماعية في الإسلام، والواقع أنّها تؤتي بمجاميع متآلفة في قلب المجتمع الإنساني الكبير وتكون متعاونة عن قرب مع بعضها البعض الآخر وتبذل قصارى جهدها لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها في حياتها.
إلّا أنّ مقياس القرابة في الإسلام (على ضوء الحديث المذكور) هو الحبّ والمودّة ولا يقتصر فقط على قرب الرابطة النسبية.
أجل، فالشخص الذي يتعامل مع الآخرين بلغة المحبّة والود سيكون أقرب إليهم نسباً، بعكس الشخص الذي يبخل على الناس بالمحبّة فسوف يعيش بعيداً عنهم وإن كان أقرب نسباً.
ص: 99
قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
رَدُّ المُعْتادِ عَنْ عادَتِهِ كَالمُعْجِزِ(1)
شرح موجز:
العادة من النعم الإلهية، لأنّها تسهّل الأعمال الصعبة على الإنسان وتجعل أغلب الأعمال الصعبة والضرورية في الحياة كالمشي والتحدث سهلة يسيرة، وعندما يصبح العمل بشكل عادة لا يكون سهلًا فحسب، بل يصدر غالباً بصورة تلقائية.
ولكن نفس هذه العادة لو أستغلت في الأعمال الخاطئة فانّها تتخذ شكل الإعتياد الخطير بحيث يصعب غالباً تركها، حتى وصف الإمام العسكري عليه السلام تلك الصعوبة بالإعجاز.
وبناءاً على هذا فلابدّ من الجدّ والإجتهاد في التخلص من الأعمال القبيحة قبل أن تصبح بشكل عادة، لأنّ الوقاية خير من العلاج، ولا سيما في زماننا الحاضر حيث نجد أنّ الكثير من الاخوة والأصدقاء قد أصابتهم الذلّة والدناءة بسبب بعض العادات القبيحة.
ص: 100
قال الإمام الحسين عليه السلام:
لا وَاللَّهِ لاأُعْطِيهِم بِيَدِي إِعْطاءَ الذَّلِيلِ وَلا أَفِرُّ فِرارَ عَبِيدِ ...(1) إِنِّي لا أَرى المَوتَ إِلّا سَعادَةً- وَالحَياةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلّا بَرَماً(2)
شرح موجز:
كربلاء ملحمة عظيمة وخالدة في تأريخ البشرية ...
كربلاء مركز أعظم جامعة لبناء الإنسان ...
وعاشوراء يوم خالد لا يمحى من ذاكرة الإنسانية والأقوام والشعوب التي تريد أن تبقى عزيزة مرفوعة الرأس، تعيش بعزّة وتموت بعزّة، وتستلهم منها الحياة الحرة الكريمة.
والعبارتان المذكورتان التي أقتبستا من كلام الإمام الحسين عليه السلام في حادثة كربلاء نداءان واضحان لهذه المدرسة الإلهية.
إن هذا النداء يؤكد علينا أن لا نضع يدنا مع يد الظالمين من موقع التسليم والإذعان الذليل، ولا ينبغي لنا أن نترك الميدان لقوى الانحراف والباطل، بل يجب مواصلة الجهاد والتصدي للظاملين وقوى الشر.
ص: 101
سئل الإمام علي عليه السلام: صف لنا العاقل. فقال عليه السلام:
العاقِلُ هُوَ الّذِي يَضَعُ الشَّي ءَ مَوَاضِعَهُ (1)
شرح موجز:
لقد قيل الكثير في مفهوم العقل ومعناه، أمّا العبارة القصيرة المذكورة فقد أوردت أفضل التعابير التي قيلت في هذا المورد.
فالعقل ليس سوى وضع كل شي ء في موضعه، وضع كل شخص في موضعه المناسب من المجتمع، وممارسة كل عمل في وقته ووضعه موضعه من قبيل الحزن والسرور والعداء والمودة والعنف واللين والمحبة والعبادة والكسب والعمل والتنزه والإستجمام.
الشخص الذي يتصف بهذه الصفة لا يحسب عاقلًا فحسب، بل عادلًا أيضاً، لأنّ هذا الكلام ورد في تعريف العدل أيضاً.
ص: 102
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
النَّاسُ أَعْدَاءُ ما جَهِلُوا(1)
شرح موجز:
إنّنا نرى بعض الأفراد الذين يتنكرون لأغلب الحقائق ويهبّون للوقوف بوجهها ولا نرى من سبب لذلك سوى الجهل وعدم العلم، ويصدق هذا الكلام تماماً على عامة المسائل ولاسيما الدينية؛ فإنّنا نرى في الواقع بعض الأفراد الماهرين في العلوم إلّاأنّهم يتنكرون للمسائل الدينية وينبرون لمعاداتها، وإذا تأملنا الأمر نرى أنّهم لم يقفوا على عمق وفلسفة المسائل الدينية، وإلّا لا مبرر لهذا الإنكار، وقد جرّبنا هذا الواقع كراراً.
إنّ توصية هذا الحديث الشريف هي أنّ علينا أن نتحرك لنشر التعاليم والثقافة الإسلامية بين الناس بدلًا من إتّخاذ موقف سلبي شديد من بعض موراد الخلاف، لنتمكن بالتالي من تخفيف حدّة العداء والخصومة بين الناس.
ص: 103
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إنّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ مِنْ عِبادِهِ الغَيُورَ(1)
شرح موجز:
تعني الغيرة في الواقع الوفاء تجاه حفظ الدين أو العرض أو البلاد الإسلامية أو سائر النعم الإلهية.
فالشخص الغيور من يرى نفسه مسؤولًا عن حفظ هذه الأمور ويشعر بالإمتعاظ والإنزعاج إذا ما إمتدت يد الأجنبي إليها وحاولت إنتهاك حرمتها.
وأخيراً فالغيرة من أبرز صفات الأنبياء وأولياء اللَّه؛ فقد جاء بشأن إبراهيم عليه السلام بطل التوحيد، أن قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
«كَانَ أَبي إبراهِيمُ غَيُوراً وَأَنا أَغيَرُ مِنْهُ»(2).
والخلاصة فإنّ الغيرة سدّ محكم بوجه حملات الأجانب، والشعوب التي تتمتع بالغيرة تتحرك من موقع الدفاع عن أرضها وثرواتها ونواميسها مقابل عدوان الأجانب وتعمل على حراستها والمحافظة عليها بخلاف ما إذا كان الشعب فاقداً للغيرة، فانّه يستسلم بسرعة ويفضل الخنوع للعدوان.
ص: 104
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
مَثَلُ المُؤمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ ما أَخَذْتَ مِنْها مِنْ شَي ءٍ نَفَعَكَ (1)
شرح موجز:
النخلة شجرة مباركة تقطف فاكهتها وتؤكل ثمارها وهي من أفضل الأطعمة، كما يستفاد من أوراقها في حياكة الحصير والقبعة والخوان وما شابه ذلك، وتستعمل أخشابها في مباني العمارات البسيطة بل تستخدم أحياناً كجسور لعبور الأنهار، ويستفاد من طلعها في بعض أنواع العطور، وخلاصة القول ليس فيه شي ء لا فائدة منه ويمكن طرحه جانباً.
والمؤمن كذلك لابدّ أن يكون كالنخلة كل شي ء فيه مفيد، فكره ومنطقه ومجلسه ومذهبه وصداقته وعزمه، والخلاصة كل أمرٍ منه نافعٍ ومفيد.
ص: 105
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
الأَيدِي ثَلاثَةٌ: سائِلَةٌ وَمُمْسِكَةٌ وَمُنْفِقَةٌ وَخَيْرُ الأَيدِي المُنْفِقَةُ(1)
شرح موجز:
يسعي الإسلام لتربية أتباعه على علو الهمة والطموح وبذل الجهد المضني والعاطفة النبيلة، ومن هنا يوصى كافة أفراده بعدم سؤال الآخرين قدر المستطاع ولايمد يد الإستجداء لهذا وذاك، ليس فقط لا يمدوا إلى الغير يدهم فحسب، بل لا يشحوا بما عندهم على أنفسهم، فيفيضوه على الآخرين ما استطاعوا، ولذلك وصف الحديث المذكور اليد المنفقة بأنّها خير الأيدي.
اليد السائلة لا قيمة لها، واليد الممسكة لها قيمة ضئيلة جدّاً، وأغلى يد وأثمنها هي اليد المنفقة.
ص: 106
قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
خَيْرٌ مِنَ الحَياةِ ما إِذا فَقَدْتَهُ أَبْغَضْتَ الحَياةَ! وَشَرٌّ مِنَ المَوْتِ ما إِذا نَزَلَ بِكَ أَحْبَبْتَ المَوتَ!(1)
شرح موجز:
يعتقد البعض أنّ أعظم شي ء قيمة هو هذه الحياة المادية، بينما كثيرة هي الأشياء التي تفوقها قيمة، فهناك بعض اللحظات التي يعيشها الإنسان فتجعله يتمنى الموت، كذلك هناك الحقائق التي تدفعه برغبة تامة للتضحية بحياته من أجلها.
لقد إستوعب الشهداء في سبيل اللَّه وفي سبيل الفضلية والحق حقيقة قول الإمام حسن العسكري عليه السلام، فرأوا الدنيا مريرة والموت نافذة على ذلك العالم الواسع المفعم برضا اللَّه فودعوا الأولى وسارعوا لإستقبال الآخرة.
أجل، فهناك بعض النعم أغلى من الحياة، وهناك مصائب أشدّ من الموت.
ص: 107
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِذا رَأَيتُمْ المُؤمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ فَإنَّهُ يُلقِي الحِكْمَةَ وَالمُؤمِنُ قَلِيلُ الكَلامِ كَثِيرُ العَمَلِ وَالمُنَافِقُ كَثِيرُ الكَلامِ قَلِيلُ العَمَلِ (1)
شرح موجز:
إنّ قدرات الإنسان وقواه ليست متناهية لا تنضب، ومن هنا فإن صرفت طاقاته بصورة كثيرة في جانب عانى من نقص وإعياء في جانب آخر، وعليه فلا وجه للغرابة أن يقل عمل الأفراد من أهل الثرثرة والبلاهة.
ولما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يشجع الآثار الإيجابية أينما كان وفي كل الأشياء فقد عدّ السعي والعمل بدلًا من الكلام هو علامة الفرد المؤمن، بينما المنافق يتحلى بالصفة السلبية المقابلة.
ومن ذلك يتّضح جيداً المعيار لمعرفة المؤمن من المنافق.
ص: 108
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
خَيْرُ ما وَرَّثَ الآباءُ الأَبناءَ الأَدَبُ (1)
شرح موجز:
الأدب هو المعاملة الحسنة والعلاقات التي يسودها الاحترام والإعتزاز، وهناك أدب مع اللَّه وأدب إزاء خلق اللَّه. بالتالي فإنّ الأدب من أعظم الأرصدة الإنسانية وهو سرّ موفقية الإنسان في جميع المجالات.
ومن هنا صرّح أمير المؤمنين علي عليه السلام بأنّ الأدب هو أعظم ما يورّثه الآباء أبناءهم، فالأدب مصدر الحب والأخوة والاتحاد والعامل المهم في تأثير الكلام والنهوض بالبرامج الاجتماعية.
ويقول الإمام علي عليه السلام في مكان آخر «لا ميراث كالأدب» وعلى هذا الأساس ينبغي على الآباء السعي وبذل الجهد لتوفير هذا الميراث للآبناء.
ص: 109
قال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله:
بِئسَ القَومُ قَومٌ يَمْشِي المُؤمِنُ فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ وَالكِتْمانِ (1)
شرح موجز:
إنّما تنشأ حالة التقية والكتمان عادة إثر سعي الأكثرية الأنانية للمجتمع للحيلولة دون تعبير الأقلية الصالحة عن أفكارها وعقائدها، ومن المسلّم به أنّ مثل هذا المجتمع لن تكتب له السعادة والموفقية، فلابدّ للأفراد الصالحين في المجتمع الإسلامي والإنساني من التمتع بهذا الحق في التعبير عن أفكارهم وعقائدهم أمام العامة دون أدنى تقية وكتمان، ولا ينبغي على عامة الناس أن يكونوا عقبة في طريق هؤلاء فسحب، بل يتوجب عليهم احترام حرية الفكر والتعبير عن العقيدة إلى جانب تمهيد السبيل وتوفير الإمكانات التي تبلور هذه الأفكار، ومثل هذا المجتمع يكون من المصاديق البارزة لمن أثنى اللَّه تعالى عليهم في كتابه الكريم، وهم الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه (2).
***
ص: 110
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
سِتَّةٌ لاتَكُونُ فِي مُؤمِنٍ: العُسْرُ وَالنَّكْدُ وَالحَسَدُ وَاللَّجاجَةُ وَالكِذْبُ وَالبَغيُ (1)
شرح موجز:
إنّ المؤمن الذي يكتفي من الإيمان بإسمه هو مؤمن خيالي لا واقعي، وأقل ما يكفي المؤمن خلوه من القبائح الست الواردة في الحديث وهي، العسر والنكد والحسد واللجاجة والكذب والبغي.
والجدير بالذكر أن الصفات المذكورة تعود جميعها إلى القضايا الاجتماعية وروابط الأفراد مع بعضهم البعض، والمؤمنون الحقيقيون هم المتسامحون الخيّرون حسنوا الخلق والمسلّمون للحق والصادقون العادلون، وليس من الصحيح إطلاق هذا الاسم المقدس والعظيم (المؤمن) على من إتصف بتلك القبائح.
وعلى هذا الضوء نمتحن أنفسنا لنرى هل نحن مؤمنون أم لا؟
علينا أن نهيى ء جدولًا لقياس هذه الصفات في أنفسنا يتضمن:
جيد، متوسط، سيى ء، سيي ء جدّاً، فان كانت حالتنا الأخلاقية جيدة بالنسبة لواحدة من هذه الصفات فنشكر اللَّه تعالى على ذلك، وإلّا فلنعمل على إصلاح أنفسنا وتهذيب قلوبنا من درن الرذائل.
ص: 111
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
اتّقِ اللَّهَ بَعْضَ التُّقى وَإِنْ قَلَّ وَدَعْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سِتْرَاً وَإِنْ رَقَ (1)
شرح موجز:
هناك من يوغل في الذنب والمعصية حتى يصل إلى حالة يقطع كافة صلاته باللَّه سبحانه وينسف كل الجسور التي توصله إلى اللَّه ويغلق جميع أبواب الرجوع والإنابة.
ومن هنا قال الإمام الصادق عليه السلام في كلمته الحكيمة: على الأقل لا تغلق بوجهك سبيل الرجوع ولا تهتك كل الأستار، فدع لنفسك سبيلًا للرجوع عسى أن تندم يوما ما.
الويل للإنسان الذي اصطدم في مساره الخاطي ء بصخرة الواقع وأغلق على نفسه باب العودة إلى الحق والإنابة إليه.
ص: 112
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام لكميل:
يا كُمَيلُ لَيسَ الشَّأنُ أَنْ تُصَلِّي وَتَصُومَ وَتَتَصَدَّقَ، الشَّأنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلاةُ بِقَلبٍ نَقِيٍّ وَعَمَلٍ عِنْدَ اللَّهِ مَرضِيٍّ وَخُشُوعٍ سَوِيٍ (1)
شرح موجز:
أكد الإمام علي عليه السلام لكميل أنّ الجانب الواقعي للأعمال وكيفيتها والذي يعيّن القيمة الواقعية للعمل لا يتعلق بظاهره ومقداره، ولابدّ من تأمل روح العمل بدلًا من الإهتمام بظاهره، وذلك لأنّ الهدف النهائي من هذه الأعمال هو خير الإنسان وتربيته وتكامله، وهذا ما يتوقف على طهارة العمل لا كثرته.
نعم، ينبغي أن تكون أعمالنا وعباداتنا مقرونة بإخلاص النيّة والخضوع والخشوع وحضور القلب كيما نحضى برضا اللَّه تعالى ونصعد بأرواحنا في مدارج القرب المعنوي والإلهي.
ص: 113
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِذا رَأيتُمْ العَبْدَ يَتَفَقَّدُ الذُّنُوبَ مِنَ النَّاسِ ناسِياً لِذَنْبِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ (1)
شرح موجز:
كثيرون هم الأفراد الذين يتحلون بالشجاعة والإقدام في إنتقاد الآخرين والبحث عن عيوبهم حيث يعتمدون في ذلك غاية الدقّة، والحال يجهلون تماماً ما هم عليه، فهم، كما يصفهم المثل، يرون الشوكة في أرجل الآخرين بينما لا يرون جذع النخلة في أعينهم!
لا شك إنّ مثل هؤلاء الأفراد قد غفلوا عن عيوبهم وإستتروا خلف حجاب سميك من الغرور والجهل الذي ضرب على أعينهم إثر إنغماسهم في الذنوب والخطايا وشعورهم بالأنانية والعجب، فالسعيد من فتش عن عيوبه وأبعدها عن نفسه قبل تحريها في الآخرين.
ينبغي على الإنسان المؤمن أن يتحرك في عمله واهتماماته من موقع إصلاح النفس وتطهيرها من شوائب الرذيلة بنظر ثاقب ودقيق.
ص: 114
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
مَنْ ساءَ خُلُقُهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ (1)
شرح موجز:
عادة ما يقال أنّ الفرد السيى ء الخلق العنيف مع الآخرين مدعاة لأذى أصدقائه وبطانته وقرابته؛ والحال إنّما يصبّ عليه العذاب الأكبر فيجعل شهد حياته علقماً وفراتها العذب أجاجاً.
إنّ عمر الفرد السيى ء الخلق قصير وروحه معذبة وبدنه سقيم وإنّه ليعاني أكثر من غيره.
وبالعكس فإنّ حسن الخلق من العبادات التي أكّدها الشرع الإسلامي المبين، وعدّه من أهم العوامل التي تبلغ بالعبد جنّة الخلد.
وقد ورد في الحديث النبوي الشريف أنّ التقوى وحسن الخلق سببان لدخول الجنّة(2).
***
ص: 115
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ القُرآنَ لِزَمانٍ دُونَ زَمانٍ وَلِنَاسٍ دُونَ ناسٍ فَهُوَ كُلِّ زَمانٍ جَدِيدٍ وَعِنْدَ كُلِّ قَومٍ غَضٌّ إِلى يَومِ القِيامَةِ(1)
شرح موجز:
جاء الحديت كجواب لمن سأل الإمام عليه السلام: ما بال القرآن لا تبليه التلاوة؟ فأشار الإمام عليه السلام إلى حقيقة عميقة المعنى وهي أنّ القرآن ليس وليد عالم المادة والأفكار البشرية المتغيرة العابرة التي يبليها الزمان ويتراكم عليها غبار النسيان، بل يستند إلى العلم الإلهي والوجود الأزلي والأبدي، وكلامه كذاته خالد، ولذلك فهو يزداد غضاضة وحداثة كلما تلي، والحق أنّ هذه إحدى علامات إعجاز القرآن وعظمته.
ص: 116
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِحْذَرُوا أَهوَائَكُم كَما تَحْذَرُونَ أَعْدَائَكُمْ فَلَيسَ شَي ءٌ أَعْدى لِلرِّجالِ مِنْ إِتّباعِ أَهوَائِهِمْ وَحَصائِدِ أَلسِنَتِهِم (1)
شرح موجز:
لا شك أنّ الأعداء في الداخل أخطر من أعداء الخارج، ومن هنا فإنّ الأهواء الطائشة في باطن الإنسان التي تهدد كيانه هي أعظم خطراً عليه من أي عدو آخر.
فالأهواء تصم آذان الإنسان وتعمي عينه وتسلب العقل لبه وتقلب له الحقائق، وبالتالي تقذف به في مطبات الفساد.
إنّ اطلاق العنان للسان ومن دون ضابطة من شأنه أن يوقع الإنسان في دوّامة من الذنوب والعداوات والأحقاد.
ص: 117
قال الإما محمد الباقر عليه السلام لجابر الجعفي:
بَلِّغْ شِيْعَتِي عَنِّي السّلامُ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ لْاقَرَابَةَ بَينَنا وَبَيْنَ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ وَلا يُتَقَرَّبُ إِلِيهِ إِلّا بِالطّاعَةِ لَهُ (1)
شرح موجز:
يظن الأعم الأغلب من الأفراد أنّ مجرّد زعم التشيع والمحبّة لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله كاف لنجاته وسعادته، وكأنّهم يحسبون أنّ للأئمّة عليهم السلام قرابة مع اللَّه سبحانه، وأدنى وصية منهم تصلح كل شي ء، والحال ليست هنالك من قرابة تحكم رابطة الخالق والمخلوق سوى الطاعة وممارسة الوظيفة، فمن أطاعه كان مقرباً ومن عصاه كان مبعداً كائن من كان.
وبعبارة أوضح: إنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام أنّما وصلوا إلى مراتب القرب الإلهي من خلال الطاعة والورع، فكيف يمكن أن يحصل الشيعي على هذه المراتب السامية من خلال المعصية والذنب؟
ص: 118
قال إمير المؤمنين علي عليه السلام:
مَنْ يَكْسِبُ مالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرَ أَجْرِهِ (1)
شرح موجز:
معروف هذا الكلام ومتداول بين الناس أن ليس كل مال جدير بالصرف في المشاريع الخيرية والمفيدة.
والحديث المذكور سند لهذه العقيدة الشائعة، والحق كذلك فقد شوهد العديد من الأفراد الذين أرادوا إعتماد أموالهم للإتيان بالأعمال الصالحة بينما تعثروا وسط الطريق، وحتى لو بلغوا آخر الطريق فليس لأعمالهم من ثمرة تذكر، أو أنّها أدّت إلى نتائج عكسية.
وبالعكس ما أكثر الأفراد المؤمنين المتقين ممن أسدوا خدمات جليلة بمال زهيد.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتحرك الإنسان أولًا لكسب المال الحلال ثم يتحرك للإتيان بأعمال الخير، لأنّ أي مال لا يليق أن يثمر عمل الخير.
ص: 119
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
لِكُلِّ أُمَّةٍ صِدِّيقٌ وَفارُوقٌ وَصِدِّيقُ هذه الأمّة وَفَارُوقُها عَلَيُّ بنِ أبِي طالِبٍ عليه السلام (1)
شرح موجز:
لابدّ من وجود شخص لمواصلة برامج مدرسة عميقة الجذور- ولاسيما إذا كانت مدرسة خالدة كالمدرسة الإسلامية، وبعد رحيل النبي صلى الله عليه و آله الذي إتصف عصره بمختلف النزاعات والإختلافات وأنواع الأعداء والخصوم- يكون وصيّه عارفاً بكافة تفاصيل تلك المدرسة ومميزاً بين الحق والباطل (أي جديراً باسم الفاروق).
وكذلك صادقاً صريحاً في بيان الحقائق (يعني المصداق البارز للصدّيق) ليتمكن من إزالة أي إبهام يعرض للناس بعد رحيل الزعيم الأول للناس.
وهذان المقامان يختصان حسب الرواية الصريحة بالإمام علي عليه السلام، وإن تقلّد بهما الآخرون دون أن يليقوا بهما.
ص: 120
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
كَانَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السّلامُ يَحْتَطِبُ وَيَسْتَقِي وَيَكْنُسُ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَطْحَنُ وَتَعْجِنُ وَتَخْبِزُ(1)
شرح موجز:
تفوح من هذا الحديث القصير رائحة عظمة روح التواضع والسمو والمحبّة لإمام المسلمين أمير المؤمنين علي عليه السلام وسيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، فقد كانت معيشتهما بمنتهى البساطة والتواضع لكنها مملوءة بالصفاء والنقاء والتعاون، لم يكن عملًا معيباً لأي منهما، بل كان تفاهماً وتعاوناً تاماً وإمتيازاً كبيراً.
وهي من الأمور الكثيرة التي إذا غادرت البيت والأسرة غادر معها الاطمئنان والأمن والإستقرار.
ليت أنّ جميع أتباع هذين العظمين يتحركون في حياتهما على مستوى الاستنان بسنتهما ليتمّ تحويل أجواء الحياة الصعبة إلى أجواء الجنّة والنعيم الخالد.
ص: 121
قال النبي صلى الله عليه و آله:
عَدْلُ ساعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبادَةِ سَنَةٍ(1)
شرح موجز:
العبادة هي رابطة الخلق بالخالق والممكن بالواجب، واظهار المحبّة والعشق له سبحانه، ولهذه الرابطة العبادية معطياتها التربوية المهمّة التي تلعب دوراً مهمّاً في بناء روح الإنسان وفكره.
ورغم ذلك يصرح الحديث بأنّ عدل ساعة أعظم من عبادة سنة.
وورد في حديث آخر: «تفكر ساعة خير من عبادة سنة».
فمثل هذه العبارات تشير إلى الأهمية الفائقة للعدالة والتفكير ويبدو أنّ العدل والفكر يستندان إلى مادة مشتركة فان زالت العدالة غاب الفكر والعقل، وكلّما كان هناك فكر سليم كانت العدالة حاضرة.
ص: 122
قال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله:
الطَّبِيبُ اللَّهُ وَلَعَلَّكَ تَرْفَقُ بِأَشياءَ تَخْرِقُ بِها غَيْرَكَ (1)
شرح موجز:
إنّ الحوادث المؤلمة التي تشهدها حياة الإنسان معلولة غالباً لسوء تدبير الإنسان وسوء إنتخابه وسوء نيّته.
لكن تقع أحياناً بعض الحوادث الأليمة بحيث لا يوجبها أي من هذه العوامل، ولها في الواقع حكم الأدوية التي وصفها الطبيب الحق؛ أي اللَّه سبحانه وتعالى لعباده، وهذه الأدوية وإن كانت مرّة إلّاأنّ آثارها العلاجية كبيرة ومهمّة، فقد تكون أحياناً ناقوس خطر للتنبيه، كما تكون أحياناً أخرى وسيلة لإلفات نظر الإنسان إلى ضعفه وعجزه وأخيراً تؤدّي إلى إزالة غرور وتكبّره.
وتارة تكون كفّارة للذنوب، فهذه الأدوية رغم أنّها مُرّة، ولكنّها تصلح لعلاج الكثير من الأمراض والنقائص وقد أوصى بها الطبيب الحقيقي للنفوس.
ص: 123
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
لا يَزالُ هَذا الدِّينُ عَزِيزاً مَنِيعاً إِلى إِثنَي عَشَرَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيشٍ (1)
شرح موجز:
نقلت أغلب مصادر السنة المعتبرة وسائر الكتب من قبيل «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «صحيح الترمذي» و «صحيح أبو داود» و «مسند أحمد» عدّة أحاديث صريحة بشأن خلفاء النبي صلى الله عليه و آله الإثني عشر حتى بلغت أحاديث الفريقين حدود 271 حديثاً! والطريف أنّ الأحاديث المذكورة لا تنطبق على أي خليفة تزعم الحكومة بعد النبي صلى الله عليه و آله سوى الأئمّة الإثني عشر للشيعة وذلك لأنّ الخلفاء الأربع الراشدين وكذلك خلفاء بني أمية وبني العباس ليسوا مصداقاً لهذا الحديث، ومن هنا شق تفسير هذا الحديث على علماء العامة، بينما يسهل تفسيره على ضوء مدرسة أتباع أهل البيت عليهم السلام.
ص: 124
قال الإمام جعفر الصادق صلى الله عليه و آله:
لا يَنْبَغِي لِلمُؤمِنِ أنْ يَجْلِسَ مَجْلِساً يُعْصى اللَّهُ فِيْهِ وَلا يَقْدِرُ عَلَىْ تَغْييرِهِ (1)
شرح موجز:
حضور مجلس المعصية معصية وإن لم يرتكب الإنسان ذنباً ويناغم أهل المجلس، وذلك لأنّ حضور مثل تلك المجالس يعدّ إقراراً عملياً على المعاصي، إلّاأن يكون هدفه تغيير ذلك المجلس والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إضافة إلى أنّ مشاهدة هذه الأوساط الملوثة إمن شأنه يلوّث روح الإنسان إذا لم يبال بما حوله، ويقلل لديه كبر المعصية وبالتالي يجعله يعتاد الذنب والمعصية.
وقد شوهد الكثير من الأفراد أضحوا مدمنين على المخدرات أو شرب الخمر ولعب القمار بسبب اشتراكهم في مجالس المعتادين ورفاق السوء، ومن هنا تتّضح الحكمة ممّا رود في الحديث المذكور.
ص: 125
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إِزْرَعُوا وَأَغْرِسُوا وَاللَّهُ ما عَمِلَ النَّاسُ عَمَلًا أَحَلَ
وَلا أَطْيَبَ مِنْهُ (1)
شرح موجز:
قامت دعائم حياة الناس على الأعمال الإنتاجية ومنها المنتجات الزراعية، ودون ذلك يبقى معنى ومفهوم لأنواع التجارات بل حتى أغلب الصناعات، وذلك لأنّها تعتمد على الزراعة في موادها الخام، أضف إلى ذلك فإنّ الغش والزيف الذي يسود سائر الأعمال لا سبيل فيه إلى الزراعة، لأنّ أساسها يعتمد على العوامل والأسباب الطبيعية ونتائجها قطعاً ناشئة من الجهود الصادقة للفلاحين، ولذلك صرّح الحديث المذكور بأنّ الزراعة والغرس من أطهر الأعمال وأطيبها وأحلّها.
وهذا الموضوع إلى درجة من الأهميّة أنّه ورد في بعض الأحاديث الشريفة أنّ غرس شجرة واحدة يعدّ من أفضل الأعمال وأطيب الحسنات.
ص: 126
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
مَوْتُ الإِنْسانِ بِالذُّنُوبِ أَكْثَرُ مِنْ مَوْتِهِ بِالأجَلِ وَحَياتُهُ بِالبِرِّ أَكْثَرُ مِنْ حَياتِهِ بِالعُمْرِ(1)
شرح موجز:
لا شك أنّ أغلب المعاصي والرذائل تؤثر بصورة مباشرة فتقصر عمر الإنسان (من قبيل شرب الخمر والقمار والبخل والحسد والبغض) وغيرها، كما تلعب أغلبها تأثيراً غير مباشر في تعكير الأوضاع الإجتماعية وسلب الأمن العام وإندلاع الحروب (كالربا والظلم والجور).
ومن جانب آخر فإنّ للإحسان أثره العميق في هدوء الروح والضمير ويمكنه أن يكون مصدرا لطول العمر.
وبناءاً على هذا فإنّ من الآثار الواضحة للذنب، بغضّ النظر عن آثاره المعنوية الضارة، أنّه يؤدّي إلى قصر عمر الإنسان، وبالعكس فللإحسان أثره المعنوي في طول العمر الإنسان إضافة إلى جميع آثاره الطيبة الأخرى
ص: 127
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لا تَسُبَّنَّ إِبْلِيسَ فِي العَلانِيَةِ وَأَنْتَ صَدِيقُهُ فِي السِّرِّ(1)
شرح موجز:
يهرب أغلب الناس من بعض الألفاظ ويخافون منها من قبيل لفظ الفقر والنفاق والشيطان وما شابه ذلك والحال هم غارقون فيه عملياً.
إنّنا نعرف بعض الأغنياء الذين يعيشون لخوفهم من الفقر كالفقراء، وبعض المنافقين الذين يمطرون المنافقين بوابل لعناتهم في حين أنّ حياتهم مليئة بالنفاق.
ونعرف بعض الشياطنة الذين يلهج لسانهم بذكر اللَّه والتعوذ به من شرّ الشيطان بينما يحبّونه حدّ العشق في الخفاء، فالواقع أنّ هؤلاء الأفراد إنّما يتخذون موقفاً من الألفاظ لا حقيقتها.
ومن هنا يوصي أمير المؤمنين عليه السلام أن يهتم هؤلاء بمراقبة نفوسهم وباطنهم لئلا يكونوا عند لعن الشيطان من مصاديقه فيشملهم لعنهم للشيطان.
ص: 128
قال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام:
ما تَشاوَرَ قَوْمٌ إِلّا هُدُوا إِلى رُشْدِهِم (1)
شرح موجز:
العمل الجماعي منشأ جميع البركات والخيرات في كل مكان ولاسيما في المسائل الفكرية وعرض الخطط والمشاريع وحل المشاكل حيث تلعب المشورة في هذه الأمور دوراً عجيباً.
وأمّا من إستبد برأيه فهو يعيش مختلف المشاكل والخسران المبين، فلكل فكر مبادرة ليست في الآخر فإن إجتمعت هذه المبادرات مع بعضها أدّت إلى جذوة متقدة لا تبقي من ظلمة إلّا أضاءتها.
فتعالوا نعزم على إستشارة الأفراد من ذوي الصلاح في أعمالنا المهمّة، لئلا نصاب بالضرر والخسران، ولكي نصل إلى مقصودنا من أقرب الطرق وأقلّ ما يمكن من النفقات.
ص: 129
قال الإمام الحسين الشهيد عليه السلام:
لِلسَّلامِ سَبْعُونَ حَسَنَةً تِسْعَةٌ وَسِتُونَ لِلمُبْتَدئ وَوَاحِدَةٌ لِلرَّادِ(1)
شرح موجز:
للتحية الإسلامية من بين التحيات المتعارفة لدى سائر الأقوام طعم خاص، فالسلام ترحيب من جانب وعلامة على الصلح والمحبة والاخوة ووعاء للسلامة من اللَّه المتعال للطرف المقابل من جانب آخر، ولهذا كانت تحية أهل الجنّة «سلام»:
«وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ»(2)
، وهكذا تتلقى ملائكة الرحمة المؤمنين بالسلام
«سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(3).
إلّا أنّ المؤسف له هو أنّ بعض المسلمين يظنون أنّ السلام دليل الضعف والصغر، وعدم السلام دليل الشخصية، ممّا حدا بهم للتمرد على هذه السنّة الإسلامية محرموا أنفسهم من هذه الفضيلة العظيمة التي صرح بها الحديث المذكور.
ولا ينبغي أن ننسى أنّ ثواب السلام سبعون حسنة، 69 منها للبادي، وحسنة واحدة للمجيب.
***
ص: 130
قال الإمام علي السجاد عليه السلام:
أَلا وَأَنَّ أَبَغْضَ النّاسِ إِلى اللَّهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنّةِ إِمامٍ وَلا يَقْتَدِي بِأَعْمالِهِ (1)
شرح موجز:
أحد أكبر عيوب الإنسان فصل عقيدته عن عمله، فهو يتحدث عن عقيدته بشي ء بينما ليس هنالك من أثر لهذا الإعتقاد على مستوى العمل.
يؤمن باللَّه لكنّه ينكر رقابته الدائمة على أعماله عملياً، ويؤمن بمحكمة العدل الإلهي في القيامة وليس له عملياً أي إستعداد أخلاقي لها.
يرى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أعظم الأنبياء وأمير المؤمنين علياً عليه السلام أعظم وصي ولكن ليس لأعماله أي شبه بأعمالهما.
والخلاصة عقيدته في إتجاه وأعماله في إتجاه آخر، ومثل هذا الشخص كما يقول الإمام زين العابدين عليه السلام أبغض الناس إلى اللَّه تعالى.
ص: 131
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام:
إِنَّ للَّهِ عُقُوباتٌ فِي القُلُوبِ وَالأَبْدانِ: ضَنَكٌ فِي المَعِيشَةِ وَوَهْنٌ فِي العِبادَةِ وَما ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ قَسْوَةِ القَلْبِ (1)
شرح موجز:
إن عقوبات اللَّه هي في الحقيقة ليست سوى إنعكاسات أعمال الإنسان وآثار ذنوبه. وقد تتمثل هذه العقوبات في الأوضاع المضطربة للحياة المادية أحياناً والحرمان من النشاط في العبادة والدعاء والمناجاة أحياناً أخرى.
ولكن الأخطر من كل ذلك إنعكاسات الجنايات والأعمال القبيحة للإنسان والتي تتجلى بصورة قسوة القلب بحيث يفرغ اللَّه قلب الإنسان من كل عاطفة إنسانية وأي مواساة ورأفة، وهذا بدوره يعدّ مصدراً لأغلب المعاصي والجنايات الأخرى
أجل، إنّ أشدّ العقوبات الإلهية قساوة القلب وجفاف العاطفة.
ص: 132
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ يَقِيناً لْاشَكَّ فِيْهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لايَقِينَ فَيْهِ مِنَ المَوتِ (1)
شرح موجز:
يالها من عبارة رائعة وجملة بليغة تحكي جهل الإنسان بنهاية الحياة والموت.
قد يتردد الإنسان في كل شي ء إلّاأنّه لن يتردد في أنّ لهذه الحياة نهاية ولابدّ أن تنتهي إلى نقطة معينة، حتى بالنسبة لُاولئك الذين لا يعتقدون بأي دين ومذهب لا ينكرون الموت.
إلّا أنّ الانسان يتجاهل هذه الحقيقة وكأن ليس هناك من موت ولا نهاية لهذه الحياة! ومن هنا فهو لا يتزود بالورع والتقوى والعمل الصالح والإعداد للحياة الآخرة، ولكن تعالوا نعود لأنفسنا فنسبغ عليها الطهر والعفاف بحيث نستعد كل لحظة للموت ولا نشعر حينها بالندم والخجل.
ص: 133
قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام:
إِنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وَلا يَنْبُتُ فِي الصَّفا فَكَذَلِكَ الحِكْمَةُ تَعْمُرُ فِي قَلْبِ المُتَواضِعِ وَلا تَعْمُرُ فِي قَلْبِ المُتَكَبِّرِ الجَبارِ(1)
شرح موجز:
التواضع هو الخطوة الأولى في سبيل نيل العلم؛ التواضع للحق والتواضع للأستاذ والتواضع لكل من يعلم أكثر من الشخص ويمكنه أن يعلمه شيئاً.
ومن هنا كان الجهل والتكبر مقترنين، فالمتكبر ليس مستعداً للإعتراف بالجهل، ولا ينكر الحقيقة التي لا تنسجم وغروره وتكبره فحسب، بل يهبّ للوقوف بوجهها ومحاربتها.
وأخيراً فالذين يعيشون حالة التكبّر والغرور لا يقبلون كلام الحق ممن هو مثلهم أو أدنى منهم من الأفراد، وغالباً ما يعيشون في الجهل المركب إلى أبد الدهر.
ص: 134
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
الإِمامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي أَرِضْهِ وَخَلْقِهِ وَحُجَّتُهُ عَلى عِبادِهِ وَخَلَيْفَتُهُ فِي بِلادِهِ وَالدَّاعِي إِلى اللَّهِ وَالذَّابُ عَنْ حَرِيمِ اللَّهِ (1)
شرح موجز:
وردت الإشارة في هذا الحديث المقتطع من حديث طويل بشأن التعريف بمنزلة الإمامة، إلى خمس وظائف مهمة للإمام هي:
1- الإمام أمين الوحي وحافظ جميع أحكام وعلوم ومعارف الدين.
2- الإمام شهادة حيّة واضحة ومعرّفة لدين اللَّه.
3- الإمام قائد رباني وخليفة اللَّه في أرضه.
4- الإمام آمر بالمعروف وناهي عن المنكر ومبلّغ الدين.
5- الإمام هو المدافع عن حريم دين اللَّه أزاء حملات الأعداء.
ويقيناً مثل هذا الفرد لابدّ أن ينطوي على العلم الواسع والعصمة وليس من سبيل لنصبه سوى اللَّه سبحانه.
ص: 135
قال الإمام محمد الجواد عليه السلام:
لَو كَانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ رَتْقَاً عَلى عَبْدٍ ثُمَّ اتَّقى اللَّهَ تَعالى لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْها مَخْرَجاً(1)
شرح موجز:
أحياناً تغلق كافة الأبواب بوجه الإنسان فأينما يولي وجهه يصطدم بالمشاكل.
إنّ مثل هذه الأحداث فرص لإيقاظ الإنسان وعودته إلى اللَّه، العودة البنّاءة التي تغير مصيره، فإن إلتفت اليائسون في خضم هذه الأحداث بقلوبهم إلى اللَّه سبحانه وإستعانوا به أدركتهم العناية الإلهية وهبت عليهم رياح الرحمة وفتحت عليهم الأبواب من حيث لم يحتسب.
ص: 136
قال الإمام علي الهادي عليه السلام:
مَنْ هانَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ فَلا تَأَمَنْ شَرَّهُ (1)
شرح موجز:
الاعتزاز بالشخصية أو الشعور بالشخصية لدى الإنسان يعدّ من أهم العوامل التي تحول دون الفساد والإساءة، فالأفراد من ذوي الشخصية أو اولئك الذين يرون لأنفسهم شخصية محترمة وإن لم يراهم الآخرون كذلك، فإنّهم وبغية حفظ مكانتهم يتورعون عن إرتكاب أغلب الأعمال السيئة، ولكن عندما يشعر الإنسان أن ليس له حيثية ولا حرمة ولا شخصية فإنّه لا يتورع من اقتراف كل سيئه دون أدنى حرج.
ومن هنا قال الإمام عليه السلام: إحذر مثل هؤلاء الأفراد.
ولهذا كانت إحدى العناصر التربوية المهمّة تجاه الولد تتمثل بخلق الشخصية لديه وأن يشعر بأنّ له شخصية، وبالعكس فإنّ تحقير شخصية الأفراد أثر سيى ء من الناحية التربوية.
ص: 137
قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
أَشَدُّ النَّاسِ اجْتِهاداً مَنْ تَرَكَ الذُّنُوبَ (1)
شرح موجز:
نعلم أنّ مقاومة الأهواء التي تعدّ مصدر الذنوب، يصطلح عليها في الشرع بالجهاد الأكبر والذي يفوق جهاد العدو قيمة وأهمية.
وذلك لأنّ هذا الجهاد وسيلة لتهذيب النفس، وما لم تهذب النفس فليس هنالك من نصر وغلبة، فالفشل غالبا ما يفرزه الضعف.
وتتبيّن قيمة هذا الجهاد في الأوساط المشوبة بالمعاصي، كما تتضح أهميّته في النهوض بالأهداف الإجتماعية.
وما الانتصارات التي حققها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المدينة إلّانتيجة مباشرة لتهذيب النفس وجهاد الأصحاب في مكة.
هناك 90 سورة من السور القرآنية نزلت في مكّة المكرمة حيث استطاع النبي الأكرم صلى الله عليه و آله طيلة 13 سنة من دعوته في مكّة أن يهدي الكثير من الناس ببركة القرآن، ثم يهاجر إلى المدينة ويبني المجتمع الإسلامي الجديد.
ص: 138
قال الإمام محمد المهدي عليه السلام:
أَمّا الحَودِاثُ الوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيها إِلى رُواةِ أحادِيثِنا(1)
شرح موجز:
لا يمكن للمجتمعات البشرية أن تستقيم دون وجود قيادة صحيحة، ومن هنا لم يترك اللَّه العباد دون إمام، فكانت الأئمّة تتعاقب عليهم.
حتى في زمان غيبة إمام العصر والزمان المهدي (أرواحنا فداه) هناك النواب الخاصون، ثم أعقبهم النواب العامون لزعامة الامّة من جانب الإمام عليه السلام.
نعم، نهض بهذه المسؤولية رجال مؤمنون عالمون بالكتاب السماوي- القرآن الكريم- وسنّة النبي صلى الله عليه و آله ومدرسة أهل البيت عليهم السلام؛ وليس لأي واحد غير هؤلاء مثل هذا المقام مهما كان، لأنّ الأمر الصادر من الإمام المعصوم يختص بهؤلاء الفقهاء وعلماء الدين.
ص: 139
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِجْتَنِبُوا الخَمْرَ فَإنَّها مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ(1)
شرح موجز:
رغم الكتب والمقالات التي ألفت بشأن أضرار الخمرة وآثارها الخطرة المميتة وتأثيرها المباشر على الأعصاب والعروق والقلب والجهاز الهضمي والكبد والكلية وسائر أعضاء الجسم، والدراسات التي تمت بشأن النتائج المخيفة في إيجاد الحوادث الاجتماعية الأليمة وما ذكر من أحصاء وأرقام أوردها مئات العلماء والمحققون، إلّا أنّنا لا نرى عبارة قصيرة جامعة كتلك التي ذكرها النبي الأكرم صلى الله عليه و آله حيث إستوعبت جميع الحقائق والوقائع المربوطة بالخمر.
نعم، فالخمر مفتاح كل شرّ وهو أساس البؤس والشقاء، والخمر يؤثر أثره السي ء على الإنسان في بدنه وروحه ويفضي إلى تدمير أجهزة البدن كافة ويعدّ العامل الأساس للكثير من الرذائل والقبائح.
ص: 140
قال الإمام علي السجاد عليه السلام:
مَنْ عَمِلَ بِما افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النّاسِ (1)
شرح موجز:
لا تقتصر العبادة على خدمة الخلق والصلاة والصوم؛ بل أعظم العبادة أن يعمل الإنسان بالوظائف المفترضة عليه.
وأي عبادة أعظم من هذه العبادة في أن يتحول المجتمع إلى جنّة تفيض خيراً وسعادة.
وللقيام بالفرائض مفهوم واسع يشمل الفرائض العبادية، إلى جانب الوظائف الاجتماعية والإنسانية والخدمات الثقافية والاقتصادية، ومن هنا يتّضح تقاطع الإسلام وعمل الأفراد الذين تخلوا عن وظائفهم وإنهمكوا في ممارسة المستحبات ويرون أنفسهم عابدين.
أجل، فانّ أعبد الناس هو الذي يعمل بوظائفه وتكاليفه الشرعية.
ص: 141
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
هذِهِ النُّجُومُ الَّتِي فِي السَّماءِ مَدَائِنٌ مِثْلَ المَدَائِنِ الَّتِي فِي الأَرْضِ مَربُوطَةٌ كُلُّ مَدينَةٍ إِلى عَمُودٍ مِنْ نُورٍ(1)
شرح موجز:
من الأنانية أن نتصور بأنّ كرتنا الأرضية مأهولة بالسكان في الكون فقط دون ملايين الملايين من الكرات السماوية ونحكم عليها بالخلو من السكنة، حيث يقطع العلماء اليوم وعلى أساس حساباتهم للظروف التي تنبثق في ظلها الحياة أنّ الكرات السماوية مأهولة وأنّ الملايين بل مئات الملايين منها مملوءة بالسكان، ويحتمل أن لسكنتها حضارة ومدنية تفوق بمراتب حضارة سكنة الكرة الأرضية؛ وذلك لأنّ الحياة إنبثقت هناك لآلاف أوملايين السنين قبل الحياة في الكرة الأرضية.
والحديث المذكور هو إحدى المعاجز العلمية لأميرالمؤمنين عليه السلام والذي أورده قبل أربعة عشر قرناً في زمان كان بعض الناس يتصورون النجوم بمثابة مسامير من فضة مثبّتة في سقف السماء.
ص: 142
قال علي الرضا عليه السلام لأحد أصحابه:
أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: «بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها»؟(1) فَقُلتُ: بَلى قَالَ: ثُمَّ عَمَدٍ،
وَلَكِنْ، لاتَرَونَها(2)
شرح موجز:
أصبح من المسلم اليوم أنّ الكرات السماوية مستقرة في مداراتها بفضل توازن القوة الجاذبية والدافعة، فالجاذبية كالسلسلة العظيمة التي تشدها إلى بعضها البعض وتبددها القوة الدافعة فيؤدي التوازن بينها إلى الدوران لملايين السنين في مداراتها دون أدنى نغيير فتستند في هذا الفضاء الواسع على هذه الأعمدة غير المرئية فتبقى معلقة، فهل هناك تعبير أعمق من هذا التعبير الذي تضمنه هذا الحديث في ذلك الزمان الذي لم يكشف فيه الستار عن هذه الأسرار؟
أوليس هذا من المعاجز العلمية لأئمّتنا عليهم السلام.
***
ص: 143
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيدانَ أَرْضِهِ (1)
شرح موجز:
كما أثبت العلم المعاصر أنّ جاذبية القمر تؤثر في ظاهرة مد وجزر البحار وأنّها تغيّر منسوب المياه في الليل والنهار باختلاف متر واحد وحتى خمسة عشر متراً في بعض النقاط، فهي تؤثر كذلك على القشرة الأرضية وتسحبها إلى الأعلى 30 سانتيمتر ثم تعود إلى الأسفل، غير أنّ إستحكام قشرة الأرض يحول دون زيادة ذلك التأثير.
فهل كنّا نستطيع الإستقرار في حالة إنعدام الجبال وكون القشرة الأرضية رخوة وخاضعة لظاهرة المد والجزر ليل نهار؟
لقد تطرق أئمّة الإسلام لهذه الحقيقة قبل 14 قرناً، حيث صرّحوا بأنّ الجبال بمثابة الأوتاد للأرض تمنع من وقوع الكثير من الاهتزازات والزلازل، وهذه الحقيقة مقتبسة من القرآن الكريم حيث يقول:
«وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً».(2)
***
ص: 144
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
إنَّما قُلْنا «اللَّطِيفُ» لِلْخَلْقِ اللَّطِيفِ ... وَما لاتَكَادُ عُيُونُنا تَسْتَبِيْنُهُ لِدِمامَةِ خَلْقِها، لاتَراهُ عُيُونُنا وَلا تَلْمُسُهُ أَيدِينا(1)
شرح موجز:
ما ورد في الحديث المذكور مقتطف من حديث مفصل نقله «الفتح بن يزيد الجرجاني» عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وقد صرح فيه بأنّ هناك بعض الحيوانات الغاية في الصغر بحيث لا يشعر بوجودها وقد إنتشرت بين أمواج الرياح وقشر الأشجار والصحارى والسهول.
وقد ورد هذا الحديث عن الإمام عليه السلام في الكتب التي الفت قبل ألف سنة، أي قبل مئات السنين من إكتشاف «باستور» لحيوانات مجهرية، وهذا من المعاجز العلمية الواضحة.
ص: 145
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمانٌ لايَبْقَى فِيهِمْ مِنَ القُرآنِ إِلّا رَسْمُهُ وَمِنَ الإِسلامِ إِلّا إِسْمُهُ، مَساجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عامِرَةٌ مِنَ البِناءِ، خَرابٌ مِنَ الهُدى (1)
شرح موجز:
لا نستطيع القول بأنّ المصداق التام لهذا التكهن قد تجسد اليوم أو أنّه مرتبط بالمستقبل، لكن من المسلم به أنّ بعض نماذج ذلك تشاهد بكل وضوح هنا وهناك، والعجيب أنّ مثل هؤلاء المسلمين المتخلفين يأنّون من تخلف مسلمي العالم وكأنّهم يعتقدون بأنّ «اسم الإسلام» و «رسم القرآن» لوحده كاف لحلّ كل شي ء، فهم لم يتعاملوا مع القرآن ككتاب تربوي يهذب الإنسان ولا مع الإسلام كمذهب؛ أي نزعة فكرية وعلمية.
والسؤال الذي نطرحه هنا: هل نعرف مجتمعاً إسلامياً قد تمسك بالتعاليم الإسلامية حقّاً ثم أصابه التخلف والضياع!
ص: 146
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
اللِّسَانُ مِعيارُ إِطاشَةِ الجَهْلِ وَارْجَحِةِ العَقْلِ (1)
شرح موجز:
إنّ لسان الإنسان أهم نافذة لروحه ومفتاح شخصيته وأفضل وسيلة لتقييم تعقل كل إنسان. اللسان الذي يزيل الستار عن الأسرار ويكشف جوانب من روح الإنسان بحركة تبدو ساذجة لا أهمية لها.
ومن هنا كانت أغلب الوصايا الإسلامية تؤكّد على إصلاح اللسان؛ وهو البديهي أنّ الإصلاح التام للسان إنّما يتعذر مالم يصلح الفكر والروح، مع ذلك لا يمكن بالسكوت وضبط النفس والتغلب على أكثر العواقب الأليمة والحركات الطائشة للسان، ويكون ستراً على العيوب.
إنّ أكثر الذنوب تحصل بواسطة اللسان، وأهم البرامج التربوية والثقافية والعبادية إنّما تتحقق بواسطة اللسان أيضاً، فلا ينبغي الاستهانة بحركة اللسان.
ص: 147
قال الإمام علي الهادي عليه السلام:
الشَّاكِرُ أَسْعَدُ بِالشُّكْرِ مِنْهُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَوجَبَتْ الشُّكْرَ لأَنّ النِّعَمَ مَتاعٌ وَالشُّكْرَ نِعَمٌ وَعُقْبى (1)
شرح موجز:
بالنظر إلى أنّ حقيقة الشكر لا تقتصر على اللسان وتتجاوزه إلى العمل فالذي يتّضح من شكر النعم هو جلبه للسعادة والخير والبركة والذي تعدّ النعمة إزاءه لا شي ء، والاستفادة من النعم في سبيل رضى اللَّه ورضى عباده وخلقه هو أساس الرفعة في هذا العلم والفوز بالسعادة الأبدية في ذلك العالم؛ والحال إذا نظرنا إلى النعمة بمفردها قد لا تتجاوز حدودها المادية، وعليه فالشكر أعظم من نفس النعمة وأفضل.
وإذا كان الحال كذلك، فلماذا لا نكون شاكرين لنعمائه لنحصل بذلك على نعمة أكبر وأهم؟!
ص: 148
قال الإمام علي الرضا عليه السلام:
مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحيي فِيْهِ أَمْرَنا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَومَ تَمُوتُ القُلُوبُ (1)
شرح موجز:
يتّضح من هذا الكلام أنّ الوظيفة الرئيسية لأتباع أهل البيت عليهم السلام هي إحياء تعاليمهم ومبادئهم في مجالسهم وأنديتهم، فيتعرفوا على مبادئهم ويدركوا عمق أحاديثهم ويقفوا على وصاياهم وتعليماتهم، وأن تكون مجالسهم مجالس بنّاءة وحيوية لا جلسات لهو والإقتصار فيها على التفكير بالقضايا الشخصية وإهمال الجوانب الإنسانية والاجتماعية والعقائدية.
فالمجالس العامرة بالذكر توجب إحياء القلوب ويقظة الأفكار.
ينبغي علينا الاستفادة من تعليمات هؤلاء الأولياء عليهم السلام وإرشاداتهم لتشخيص العلاجات والحلول لمشاكنا الأخلاقية والاجتماعية والعقائدية والإنسانية، ومن المعلوم أنّ مثل هذه الجلسات من شأنها إحياء أمرهم عليهم السلام وبالتالي فهي مورد عنايتهم ونظرهم.
ص: 149
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِذا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ، ثُمَّ إِلتَفَتَ فَهِي أَمانَةٌ(1)
شرح موجز:
الأمانة في الإسلام على أنواع؛ منها الأمانة في حفظ أسرار الناس، وقد حظي هذا الأمر بأهميّة فائقة في الإسلام حتى عدّ إفشاء الأسرار من الكبائر، ولا يلزم لثبوت السر تأكيده من قبل الشخص ومناشدته عدم الإفشاء على أنّه سرّ، بل يكتفى بأدنى إشارة لإفهام هذه الحقيقة فمجرّد تلفته يميناً وشمالًا للتأكد من عدم وجود شخص كفى ذلك في أن ما يقوله سراً ولابدّ من حفظ هذه الأمانة.
وإذاعة هذا الكلام سواء بواسطة أجهزة الأعلام أو المجالس العامة أو في المجالس الخاصة يعتبر ذنباً ومعصية.
ص: 150
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِذا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسائَتْكَ سِيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤمِنٌ (1)
شرح موجز:
يصرّح الإسلام بأنّ الجميع يولد على الفطرة؛ فطرة التوحيد وحبّ التزكية والخيرات، ويمكن أن تدب إليه الذنوب تدريجياً وتلوث روحه وتقلبه رأساً على عقب؛ ولكن مادام الإنسان راغباً بالصالحاب متنفراً عن السيئات فإنّ روح الإيمان والفطرة الطاهرة مازالت متجذرة فيه.
والبائس من لا ينزعج من سيئاته بل يفاخر بها، وعندما تصدر منه التضحية والخير والعدالة أحياناً، يظهر الندم والأسف والحزن على أعماله، فمثل هؤلاء الأشخاص لا إيمان لهم يقيناً.
ص: 151
قال الإمام علي عليه السلام لكميل:
ما مِنْ حَرَكةٍ إِلّا وَأَنْتَ مُحْتاجٌ فِيْها إِلى مَعْرِفَةٍ(1)
شرح موجز:
لو تأملنا مفهوم العبارة «ما من حركة» لتعرفنا على سعة البرامج الإسلامية في أنّ الإسلام ليس سلسلة من الطقوس العبادية والأدعية، أو أنّه عقيدة صرفة تخلو من البرامج العملية؛ بل يشتمل على برامج تشمل كافة مرافق الحياة الفردية والمسائل الاجتماعية والجهود الإنسانية، وأول تلك البرامج معرفة الواقعيات، حيث لا يصبح للجهود من أثر دون المعرفة الكافية.
واليوم نرى إجراء أدقّ الفحوص لمعالجة الأمراض البدنية وأي طبيب لا يسمح أن يصف الدواء للمريض من دون فحص دقيق لتشخيص موضع الداء، ومعلوم أننا نحتاج في المسائل الاجتماعية والإنسانية قبل كل شي ء لمعرفة الموضوع في تفاصيله الدقيقة.
ص: 152
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
إِذا أَرَادَ اللَّهُ بِقَومٍ خَيْراً أَهدَى إِلَيْهِمْ هَدِيَةً قَالُوا: وَما تِلكَ الهَدِية؟
قَالَ: الضَّيْفُ (1)
شرح موجز:
نعم، الضيف هدية اللَّه وهي الهدية الثمينة القيّمة، لكن ليس للضيف من قيمة في الدنيا المادية التي تفسخت فيها العواطف، بل هو موجود زائد وغريب لا مجال له، ولذلك قلّما يتجه أحد في مثل هذه الأجواء لضيافة آخر، أو يقوم أحد بدعوة آخر، اللّهم إلّاأن تقتضي ذلك الروابط المادية والتجارية والسياسية.
والحال ليس الأمر كذلك في البلدان الإسلامية وبالاخص لدى الاسر الدينية التي ترى عزّة وكرامة الضيف على أنّه هدية اللَّه والباعث للخير والبركة.
ص: 153
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
لَيسَ مِنّا مَن لَمْ يُوقِّرْ كَبِيرَنا وَلَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنا(1)
شرح موجز:
المجتمع الإنساني بمثابة قافلة مترامية واسعه دائمة الحركة، فهم يولدون أجنة، والأطفال يكبرون والكبار يصبحون كهولا والكهول يموتون، ولا أحد يستثنى من هذا القانون.
وعادة ما ينطوي الكبار على تجربة أكبر ونظرة أعمق ويكونون خلال مدّة أعمارهم إن كانوا عالمين بوظائفهم مصدراً لإسداء مختلف الخدمات، وعليه فإنّ كافة الحسابات توجب إجلالهم وإحترامهم وأن ينظر إليهم الشباب بعين التكريم والإعتزاز.
أمّا الأطفال وبحكم حداثة سنّهم وكونهم في مقتبل العمر فلابدّ من الرأفة بهم وأن يوكل أمر تدبير سعادتهم إلى الكبار، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه ديدن المجتمع الإنساني الراقي.
ص: 154
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
ما تُقَدِّمُ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَما تُؤَخِّرُهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ (1)
شرح موجز:
يطالعنا اليوم جنون الثروة أكثر من أي وقت آخر، دون الإلتفات إلى مسألة مهمّة وهي: ما هو الهدف الأصلي للثروة وما فلسفتها؟
إنّ اولئك الذين أتعبوا أنفسهم في جمع الثروة ولم يولوا أدنى أهمية لطرق الحصول عليها من قبيل مراعاة الحلال والحرام والظلم والعدل، قد نسوا أو تناسوا أنّهم لا يحملون شيئاً معهم من هذه الثروة الباهضة، كما لا يمكنهم أكلها بأجمعها، وعليه فليس لهم منها سوى حملها الثقيل.
وبالتالي لم يكن أمامهم سوى الشقاء في الجمع وتحمل المسؤولية.
فهنيئاً لمن أدرك هذه الحقيقة السامية.