انوار الفقاهه - كتاب الوقف

اشارة

نام كتاب: أنوار الفقاهة- كتاب الوقف موضوع: فقه استدلالى نويسنده: نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر تاريخ وفات مؤلف: 1262 ه ق زبان: عربى قطع: وزيرى تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه كاشف الغطاء تاريخ نشر: 1422 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: نجف اشرف- عراق

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الوقف

و هو في اللغة الحبس من الوقوف عند الشي ء و نقل شرعا بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعية كما هو الاقوى لحبس خاص بعلاقة الاطلاق و التقييد أو الجزء و الكل و احتمال الوضع الابتدائي بعيد جدا لحبس المال عن التصرف فيه أو لحبس صاحبه عن التصرف في المال أو للعقد الدال على ذلك، و الاول اقرب للاستعمال، و الثاني اقرب لظاهر كلام الفقهاء لكثرة اطلاقهم اسماء العقود على نفس العقد و يحتمل كونه حقيقة في الأول و الثاني معاً و يحتمل كونه مجازا شرعيا في الثاني و ان صار في لسان الفقهاء حقيقة و لا يبعد ان وضعه للصحيح احراما لحكم اسماء العبادات عليه لانه منها و هو مشروع بالنص و الاجماع و يشمله عموم الكتاب و السنة و قد جرت عليه الشرائع السالفة و الامم السابقة في بنى المساجد و البيع و الكنائس و إن لم يسم عندهم باسم الوقف و هو من اقسام الصدقات الملحوظ فيها القربات كما يظهر من الفتاوى و الروايات و من مقوماته الدوام على ممر الليالي و الايام و من ذاتياته كونه من الاعيان القابلة للانتفاع بها مع بقائها و جميع ما ذكره الفقهاء من حدوده ليست حدوداً تامة بحيث تكون مطردة منعكسة و انما هي رسوم و تعريف ببعض الخواص كما عرفه الشهيد رحمه الله بانه الصدقة الجارية تبعا لما ورد في الحديث من اطلاقها عليه و هو صادق على الوصية بالصدقة على الدوام و على نذرها كذلك و على وقوعها على نحو لم تستكمل شرائط الوقف و كما عرفه غيره بانه عقد ثمرته تحبيس الأصل و اطلاق المنفعة أو نفس تحبيس الأصل و اطلاق المنفعة و قد يبدل الاطلاق بلفظ التسبيل و المراد فيهما واحد تبعا للحديث الوارد في الوقف حبس الأصل و سبل ثمره و المراد بتحبيس الأصل منعه عن التصرف فيه باحد النواقل الناقلة له عن الجهة المحبوس عليها و المراد بتسبيل الثمرة اباحتها للجهة الموقوف عليها على أن يتصرف فيها باي انواع التصرف شاء و هو غير مانع لصدقه على السكنى مقصورة و اخويها و ان قيد بالدوام و قلنا بظهور وصف

[في معنى الوقف]

ص: 2

الدوام منه كان غير جامع لخروج منقطع الآخر عنه و يدخل فيه أيضا نذر الشي ء على ذلك الحال أو الوصية به بل يرد عليه كل مال قد منع المالك من التصرف بعينه و اجاز التصرف بمنافعه ابتداءً أو بشرط في عقد لازم و على كل حال فالامر في الحدود سهل

و هنا أمور:

أحدها: الوقف فيه امران توقيفيان لا يجوز التعدي فيهما على غير المقطوع به

من النص أو الاجماع و هما كونه من العبادات الخاصة المشروط فيه القربة و كونه من العقود اللازمة و حينئذٍ فيجري عليه ما يجري على اسماء العبادات الموضوعة للصحيح عند الشك في اجزائه و شرائطه و موانعه لإجمال معناه و عدم بيانه على وجه الحقيقة و يجري عليه ما يجري على العقود اللازمة من الشرائط المعتبرة في صيغته و في المتعاقدين و في غيرهما مما يشترط فيها فلا يقال إن الوقف من العبادات المبينة و ان اسمه ليس من الاسماء المجملة بل هو من المطلقات يتمسك باطلاقه عند الشك في صحة فرد منه أو فساده لأن المشكوك في اطلاقه و اجماله مجمل و المشكوك بانه من العبادات الخاصة أو غيرها نجعله منها لرجوع الشك للجزئية الراجع إلى الشك في الماهية و لا يقال إنه ليس من العبادات لفساده كما يأتي إن شاء الله تعالى و لا يقال انه ليس من العقود بل هو من قبيل الايقاعات الدالة على نقل الملك عن المالك و جعله لله تعالى فهو اشبه شي ء بالتحرير فلا يفتقر إلى قبول و لا إلى ايجاب خاص لان المشكوك في كونه عقدا أو ايقاعا فالاصل كونه عقدا لرجوع الشك إلى نفس الماهية و الأصل عدم تحققها و في عد الأصحاب الوقف من العقود ما يؤذن بكونه عقدا و لأصالة بقاء الملك على ملك مالكه إلا بما يقطع بخروجه و للإجماع المنقول على لزوم القبول مطلقا و الاستدلال على عدم افتقاره للقبول بالاصل و بخلو الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام عن ذكر القبول مع كثرتها عموما و خصوصا في العام و الخاص ضعيف لانقطاع الأصل بما ذكرنا و لان الأخبار مسوقة مساق الطوامير و الحجج في اثبات الوقوف الصادرة عن الأئمة عليهم السلام لا مساق بيان الوقف و مشروعيته و صيغه أو إنشاء الوقف فيها أو نحو ذلك كي يتمسك بعدم ذكر القبول فيها و عدم ذكر صيغة خاصة للايجاب على نفي اشتراط القبول و اشتراط

ص: 3

الصيغة الخاصة و دعوى كون الوقف كالاباحة فيكفي فيه الايجاب مصادرة على المطلوب و ممنوع أيضا في الوقف الخاص لكونه نقلا للملك و لا يدخل الملك للمالك في الاسباب الاختيارية من دون رضاه فيبطل بما ذكرنا قول من ادعى استغناء الوقف عن ذكر القبول مطلقا و قوله من ادعى استغناءه في الوقف العام فقط لانه كالتحرير دون الخاص لانه كالتمليك و لا يملك الشخص مال غيره قهرا في غير ما جعله الشارع سببا و كونه من تلك الاسباب ممنوع و هو في الوقف الخاص حسن و في العام ضعيف و على اشتراط القبول فلا يشترط سوى قبول البطن الأول قطعا للانفاق و السيرة القطعية على ذلك سواء قلنا إن البطن اللاحق يتلقى من الواقف أو من الموقوف عليه فمناقشة بعض المتأخرين في الحكم المذكور ليس في محلها جدا و يتولى القبول في الوقف العام الناظر الشرعي كالحاكم و أمينه لأنه ولي الحقوق العامة و ولي أهليها في القبض عنهم و الدفع اليهم في الزكوات و الاخماس و النذور العامة فإن لم يوجد الحاكم تولى ذلك أحد عدول المسلمين عنهم لمكان الضرورة و على ما اخترناه فلا بد في الوقف من صيغة لفظية صادرة من المالك نفسه و لا يجري فيه الفضولي لمنافاة القرية له لأنها إن صدرت من العاقد فلا معنى لتقربه بمال شخص آخر سيما لو كان غاصباً و إن صدرت من المالك حين الاجازة أشكل الحال فيه من جهة عدم المقارنة بين الصيغة و بينها فيحصل الشك في حصول سببية الوقف للشك في كفاية القربة المتاخرة و إن صدرت من المالك حين العقد لو فرضنا ذلك اتجه لها وجه صحته تنزيلا لها منزلة الوكالة في الوقف لبعد اشتراط كون الصيغة و القربة من فاعل واحد بل هو اولى بالصحة من وقف الوكيل لتولي القربة هنا من المالك بنفسه و لا ينافيه تولي العقد غيره لان شأن العقد ذلك بخلاف ما لو تولى القربة غير المالك فإنه إن تقرب بنفسه فلا معنى له و إن تقرب عن المالك احتاج تعقل ذلك و صحته إلى نظر و تأمل و لكن ظاهر الأصحاب و السيرة عدم منع التوكيل فيما شرط صحته القربة حال الدفع في خمس أو زكاة أو صدقة أو وقف و إن حكمه حكم النيابة في العبادات البدنية و ان كان بينهما فرق من جهة.

ص: 4

ثانيها: لا يكفي في الوقف الفعل في ايجاب أو قبول أو خاص أو عام أو معاطاة

كان الفعل أو غيرها إلا فيما كان فعله بمنزلة قوله كالاخرس و جواز المعاطاة في عقود المعاوضات لا يستلزم جوازها هاهنا لأن الوقف من العقود المجانية أو من اقسام العبادات التوقيفية المفتقرة إلى الأخذ بالمقطوع به فما يوضع اليوم في المساجد أو الحضرات من فرش و اسباب و أسلحة أو بناء و ما يبني من الخانات و الرباطات و المدارس من دون التلفظ بصيغة الوقف ليس وقفا لعدم الايجاب القولي فيها و عدم القبول فيها مطلقا و احتمال كفاية الايجاب الفعلي فيها و كفاية القبول الفعلي فيها أيضا و لو من غير الحاكم فيكفي صلاة واحدة من المسلمين أو عبور واحد منهم على القنطرة أو دخول واحد منهم إلى الخان بعيد لا وجه له و مخالف للضوابط و ارتكابه ليس باولى من ارتكاب ما نفذ من المالك إلى جهة عامة و تحقق منه الاعراض عنه لها انصرف إليها و خرج عن ملكه بحكم الشارع لدلالة السيرة القطعية عليه و لاستمرار عمل المسلمين على ذلك و عدم اجراء حكم الاملاك على ذلك م مواريث و نحوها و على كل حال فارتكاب انه وقف ارتكاب امر بعيد و اكتفى بعض المحققين بالقبول الفعلي في الوقف العام دون الايجاب بناء على اشتراط القبول و بعضهم اكتفى بالقول الفعلي حتى في الوقف الخاص و كلاهما مخالف للقواعد و الاحتياط و العاجز عن النطق تكفيه الاشارة و ان تمكن من التوكيل و الاحوط التوكيل و العاجز عن الاشارة تكفيه الكتابة مع عدم التمكن من التوكيل و مع التمكن فالاحوط عدمه و لا بد من صدور الصيغة على وجه محلل فلو صدرت بلسان مغصوب أو على نحو محرم كغناء و نحوه فسد الوقف و لو صدرت في مكان مغصوب ففي الصحة و الفساد وجهان و يشترط كون الصيغة بلفظ عربي لعربي أو اعجمي و الاكتفاء بالعجمي مطلقا لا يخلو من وجه و مع عدم امكان العربي فلا باس بالعجمي و إن أمكن التوكيل و الأحوط الاقتصار على الجواز مع عدم الامكان و لو اختص العجز أو الفارسية أو عدم القدرة على النطق بجانب دون آخر جرى على كل منها حكمه و يشترط في الصيغة العربية في البنية اقتصاراً على مورد اليقين إلا مع العجز فجوازه غير بعيد و لا يبعد اشتراط عدم اللحن في الاعراب

ص: 5

للاحتياط إلا ان عدم اشتراطه اقوى و يشترط في الايجاب و القبول الترتيب و عدم الفصل المخل بينهما عرفا و يشترط فعليتهما مع قصد الانشاء فلا تكفي الجملة الاسمية و ان كانت اقوى في الانشاء و اجزاؤها في الرهن للدليل أو الشبهة بالعقود الجائزة و يشترط فيهما الماضوية فلا يجزي الامر و المستقبل و اجزاههما في النكاح و المزارعة لو قلنا به فللدليل و يشترط في الصيغة الصراحة بحيث يدخل الوقف في مدلولها أو تدخل في مدلوله و الصريح هو الموضوع له مطابقة كوقفت أو أوقفت في لغة شاذة في الايجاب أو قبلت و رضيت في القبول أو الموضوع للأعم القريب من الخاص المستعمل فيه مع القرينة على ارادته منه كتصدقت و سبلت و حبست في الايجاب و امضيت و اخذت في القبول أو الموضوع على جهة الاشتراك اللفظي مع القرينة أو الموضوع للأخص إذا كان استعماله فيه استعمالا شائعا و كذا الموضوع لمعنى آخر يقارب معناه و كان استعمال فيه غير بعيد كحرمت و ملكت و أبدت مع نصب القرينة على ارادة ذلك منه و هل يشترط التلفظ في القرائن أو تكفي قرائن الاحوال وجهان و الاقرب الأول و لا يجوز بالالفاظ البعيدة عن الاستعمال و ان اقترنت بالقرائن الدالة على المقصود للشك في حصول النقل بها و لإعراض الأصحاب عن الحكم بجوازها و بالجملة فلفظ وقفت لا يفتقر عقد الوقف معه إلى قرينة بل يحكم على من صدرت منه بالوقف الا إذا لم يقصد معناها و غيرها من الالفاظ المقاربة لها التي لا تنكر استعمالها فيها و في كلام الأصحاب يفتقر الحكم بالوقف معها إلى قرينة مصرحة بذلك و مع عدمها يحتمل الحكم عليه باطنا بالوقف لو نواه و إن لم يحكم عليه ظاهراً و يحتمل عدم الحكم عليه ظاهرا أو باطنا للشك في سببيته مثل ذلك عند تجرده عن القرينة و أما الالفاظ البعيدة كوهبت و أجرت و بعت و اتهبت و استأجرت و اشتريت و شريت في ايجاب أو قبول فلا يحكم عليه بالوقف لا مع القرينة و لا بدونها و للاصحاب هنا كلام مختلف فمنهم من جعل الصريح وقفت فقط و نقل عليه الاجماع و جعل غيره موقوفا على القرينة و نقل الاجماع على توقف، حرّمت، و ابّدت، و تصدقت على القرينة و منهم من جعل حبست و سبلت و احبست كوقفت لا يفتقر إلى قرينة لاستعمالهما في العرف مجردين و لورودهما في

ص: 6

الأخبار كذلك و منهم من جعلهما مفتقرين إلى قرينة لأن الاستعمال أعم من الحقيقة و المجاز و لا يبعد ان اجتماعهما في مورد واحد صريح في الوقف ثمّ منهم من يظهر منه ان القرينة المصححة لا بد فيها من لفظ كما يقول صدقة مؤبدة أو حبستها تحبيسا لا بيع بعده و لا هبة و لا نقل و لا انتقال و منهم من يظهر منه الاطلاق في القرينة و منهم من يظهر منه ان وقفت و حبست و سبلت و تصدقت كافية في صيغة الوقف من دون انضمام قرينة و منهم من يظهر منه ان تصدقت ان تعلقت بجهة عامة كانت من الصريح و إلا فمن غير الصريح و منهم من يظهر منه ان تصدقت و حرمت صيغة واحدة فلا تغني الثانية عن الاولى و تغني الاولى عن القرينة و منهم من يظهر منه ان غير الصريح يجزي في الوقف باطنا و يدان الواقف بنيته و يصدق قوله فيه لانه ابصر بنيته و هو امر لا يعلم إلا من قبله و يظهر من آخرين إن انضمام القرينة شرط في الصحة و الاجزاء لأصالة عدم نفوذ المشكوك في تاثيره و صحته و العقود اللازمة و العبادات توقيفية و يظهر من بعضهم الركون إلى الاقتصار على لفظ وقفت و تصدقت لاستعمالها في الأخبار دون غيره و لا سيما لفظ الصدقة و يظهر من الوالد تجويز الجملة الاسمية و جعل الاولى كونها وقفا دون هذا موقوف و الاقوى في النظر ما تقدم ذكره.

ثالثها: يشترط في الصيغة قصد لفظها بعينه

فلو اتى بصيغ متعددة و قصد التأثير باحدها لا بعينه فالاظهر الفساد و لو قصد التأثير بالجميع صح في الأول و لغا الباقي و لو قصد التأثير بالمجموع ففي الصحة اشكال و لو صدر منه لفظ من غير قصد لغلط أو ذهول أو دهشة لم يكن له تاثير و لو قصد لفظا فغلط بغيره و إن كان مراد فاله فالاقوى البطلان و لو كرر اللفظ غير قاصد بواحد بعينه كما يفعله الوسواسية كان بحكم غير القاصد على الاظهر و يشترط مقارنتهما لقصد الانشاء فلو قصد الأخبار بطل و كذا لو ردد بين الأخبار و الانشاء و يشترط قصد معناها المطلوب من وقف أو حبس أو غيرهما و لا يفتقر إلى معرفة التفصيل فلو لم يقصد ذلك أو ردد في قصده بطل و يشترط قصد التأثير بها بما يريده من الاثر فلو لم يقصد التأثير أو ردد في قصده بطل و يشترط استمرار هذه القصود إلى تمام العقد في كل من الايجاب و القبول فلو علم الموجب خلو

ص: 7

القابل عن احدها أو العكس بطل و يكفي في الحكم بوجودها التمسك باصالة الصحة و يشترط صدور هذه القصود عن اختيار من دون تقية أو خوف و ان لم تبلغ حد الالجاء المزيل للقصد بالكلية و يشترط وجود كل من الموجب و القابل ساعة العقد في مجلس الآخر فلو اوجب و القابل غير حاضر فحضر بعد الايجاب بلا فصل فقبل بطل و يشترط سماع كل منهما لما يصدر من الآخر فلا يكفي مجرد العلم بوقوعه على الاوجه و لو لم يكن أحدهما السماع كفى افهامه و اعلامه بوقوع الصيغة باي نحو كان و قد يشترط قصد الاسماع و الافهام من كل منهما لكل منهما و لا باس به و يشترط تعين كل من الموجب و القابل عند الآخر بالاسم و الاشارة فلو قصد أحدهما أو قصد مبهما أو ردد في قصده بطل و يشترط تعيين المنوه عنه لو صدرت الصيغة من ولي أو وكيل فلو قصد واحداً لا بعينه من المولى عليهم أو الموكلين أو ردد بطل و يشترط الجزم بوقوع الاثر في وجه قوي فلو عقدا مع الشك في حصول الشرائط حين العقد و لكنهما وطنا انفسهما على حصولهما فبان حصولها بطل العقد هذا في عقد الوقف لمكان القربة و الاقوى في غيره عدم الاشتراط و يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار مستمرة من ابتداء الإيجاب إلى انتهاء القبول لكل منهما حتى لو عقد البالغ على غير البالغ فبلغ عند قبوله بطل على الاظهر و مع الشك في عروض الجنون يبني على عدمه و في عروض البلوغ يبني على عدمه فلو صدر عقد ممن تلبس بوصف مبطل له فشك في زواله حين العقد يبني على فساد العقد وز لا يجزي أصل الصحة هذا إذا حصل الشك عند التلبس بالعقد و لو حصل بعد الدخول في عمل آخر احتمل البناء على الصحة لعموم قوله عليه السلام: (إذا شككت في شي ء و قد دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء). و لو صدر منه حال عقل و جنون و لم يعلم السابق و اللاحق و صدر منه عقد أيضا و لم يعلم وقته بنى على اصالة الصحة و علم زمان الجنون و لم يعلم زمان العقد حكم بفساده على الاظهر و ان كان العكس حكم بصحة و لو علم وقوعهما و شك في السابق و اللاحق قام احتمال الصحة و الفساد و احتمال الصحة قوي و كذلك لو علمنا وقوع العقد و البلوغ و شككنا في السابق ففيه الوجهان و احتمال الصحة هو الاقوى

ص: 8

سيما إذا وقع بعد الفراغ و الدخول في عمل آخر لعموم إذا شككت في شي ء و قد دخلت في غيره و قد يناقش في الحكم بالصحة فان اصالة الصحة لا تحكم على وجود الشرط المشكوك في وجوده لأصالة عدمه و لعدم قيام دليل يقوي أصل الصحة على اصالة عدم احراز الشرط نعم يحكم على عدم وجود المفسد و عدم طرو المانع من جنون أو سفه أو إكراه و يناقش في الرواية بظهورها في أجزاء العبادة الواردة في سياقها كما الفتوى و الاعتبار فلا يجوز التعدي عن الظاهر و إن كان خصوص المورد لا يخصص الوارد.

رابعها: يشترط في صحة الوقف القربة

بمعنى إيقاع الفعل لوجهه تعالى و لا حاجة إلى نية الوجه كالندب و يشترط اقترانها بابتداء الصيغة و استمرار حكمها إلى آخر الإيجاب و الأحوط إلى آخر القبول و يتولاها المباشر للصيغة و لا يبعد جواز توليها من الأصيل و جواز تولي الصيغة الوكيل فيشكل حالها في الفضولي و سيما لو كان غاصباً إلى أن يكتفي بالنية الصورية الحاصلة منه أو بالنية المقارنة للإجازة و كلاهما جوازه محل نظر و تأمل و الدليل على اشتراطها ظواهر الأخبار و المشعرة بأن الوقف لله تعالى و أنه يراد به وجهه و في جملة من اخبار الأئمة عليهم السلام تعليل الوقف بذلك و لو ان الوقف كسائر العقود و الافعال الصادرة عنهم عليهم السلام لما صلح التعليل في خصوص الوقف دون غيره لان افعالهم كلها راجحة و كلها تصدر عنهم عن محض التقرب فان قلت فاذا كانت القربة امرا قلبيا فما الحاجة إلى ذكرها في اللفظ في تلك الأخبار قلنا فائدتها بيان تاكيد الصحة تحرزا عن شبهة الوقف الفاسد كما يقولون وقفا مؤبدا لا يباع و لا يوهب و نحو ذلك و يدل على اشتراط القربة أيضا قوله عليه السلام في الصحيح و في الموثق: (لا صدقة و لا عتق أما اما اريد به وجه الله تعالى و ظاهر النفي نفي الصحة لأنه الاقرب إلى نفي الذات مع احتمال ارادة نفي الذات كما ان الظاهر بل المقطوع به شمول لفظ الصدقة في لسان الشارع للوقف على سبيل الحقيقة لاستعمالها في وقوف الأئمة عليهم السلام على الاطلاق من دون نصب قرينة و ما تضمنته من لفظ التاييد و شبهه ظاهر في كونه من القرائن المعينة لأحد فردي القدر المشترك لا صارفة عن المعنى

ص: 9

الحقيقي و لئن سلم كون لفظ الصدقة فيه مجاز في الوقف لكان اطلاقها عليه من الاستعارة و التشبيه القاضيين بسريان حكم المستعار للمستعار له و يدل عليه أيضا ان ما يشك في كونه عبادة بالمعنى الأخص ام لا فالاصل يقضي بانه عبادة بالمعنى الاخص لرجوع الشك فيه إلى الجزئية الراجع إلى الشك في تحقق الماهية لان القربة جزء من العبادة بالمعنى الاخص و دعوى ان الوقف معلوم المعنى و انه من العقود فالمشكوك في شرطيته ينفي بالاصل لاحراز صدق اسمه و احراز كونه عقدا فيشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و الأصل عدم اشتراط شي ء آخر يدعيه الخصم مردودة بمنع كون الوقف معلوم المعنى بل هو مصادرة محضة و منع كونه عقدا فلعله من الموضوعات الشرعية التي من جملة اجزائها العقد و ليست نفس العقد على أن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (و المؤمنون عند شروطهم) يراد به العقود و الشروط المعهودة و كون الوقف الخالي عن القربة منها أول البحث و لا يمكن ابقاء عمومها على حقيقته بعد أن علمنا الداخل مستهلك في جنب الخارج ان فقهاءنا قد اعرضوا عن عمومها فلا بد من حملها على العهد أو رميها بالاجمال فيسقط بها في غير المعهود الاستدلال و يدل أيضا على اشتراط القربة الاجماع المنقول على لسان الفحول المؤيد بفتوى الاعاظم و بالاحتياط و بما ذكرنا يتجه الرد على من نفى اشتراط القربة مستنداً للاصل و لإطلاق ادلة الوقف و عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فالمشكوك في شرطيته منفي بالاطلاق و يظهر ضعفه مما ذكرنا.

خامسها: يشترط في صيغة الوقف الدوام

اشارة

بمعنى أن لا يؤقت إلى وقت معلوم أو مجهول و ينقطع عليها أما لو وقف على اشخاص سنة أو اكثر ثمّ من بعده على المساكين احتملت صحته و نقل الاجماع على جواز مثله في التذكرة و هو محل نظر و تأمل و لا باس بتحديده إلى يوم القيامة أو النفخ بالصور أو إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها لأنه من الدائم و لا يشترط ذكر لفظ التأبيد أو الدوام و شبهها بل يكفي عدم ذكر التحديد كما يظهر من اطلاقاتهم و هل يجوز اقترانه بمدة يعلم زيادتها على بقاء الماء الموقوف أو لا يجوز و الاظهر عدم الجواز لظاهر الادلة و كما يشترط الدوام بنفس الصيغة يشترط الدوام بنفس الموقوف عليه بمعنى كونه مما يدوم و لا ينقرض غالبا سواء

ص: 10

كان لا ينقرض بمرتبة واحدة أو بمراتب متعددة لا تنقرض جميعها أو لا ينقرض اخيرها أو لا ينقرض اولها أو وسطها و كما يشترط الدوام في الموقوف عليه يشترط الدوام في الموقوف عليه يشترط الدوام في الموقوف عليه يشترط الدوام بنفس الموقوف بمعنى أن لا يكون مبنى الانتفاع به على اضمحلال له كالدهن و الشمع و المأكول و المشروب أو كان الوقف فيها على تلك الجهة

فهنا أحكام ثلاثة:

الأول منها: عدم جواز تحديد الوقف بنفس العقد

و يدل عليه الاجماع المنقول و ظواهر الأخبار الواردة في وقوف الائمة عليهم السلام الظاهرة في نفي التحديد بل المقيدة لها بالدوام و التأبيد و فتوى المشهور بل كاد أن يكون اجماعا و تقضي له القواعد المتقدمة و الاصول السابقة القاضية باصل عدم حصول اثر الوقف بغير المقطوع به من النصوص و الفتاوى و قد بينا أن الاستناد لإدخال الفرد المشكوك في صحته في الصحيح إلى عمومات ادلة العقود و الشروط و اطلاقات ادلة الوقف من دون جابر من شهرة أو اجماع منقول أو نحوهما مما لا يرتضيه الفقيه و قد يدعي ان الدوام مفهوم من لفظ الوقف عرفا و شرعا فلا يقع غير المؤبد وقفا نعم قد لا ينافي التاييد الوقف على أولاده سنة ثمّ على غيرهم كذلك ثمّ على المساكين و نقل الاجماع على صحة مثل ذلك و هو محل منع لمنافاته ظواهر الادلة و قياسه على الوقف الدائر مدار الوصف أو الشرط المنتقل بانتقالهما قياس مع الفارق و هنا كلام يخر و هو انه لو قرن عقد الوقف باجل معين فهل يقع وقفا باطلا أو حبسا و تحقيق ذلك ان المذكور في العقد اما لفظ وقفت أو لفظ حبست و شبهها و على كلا التقديرين فاما أن يقصد بهما الوقف أو يقصد الحبس أو لا يقصد شيئاً فإن قصد الحبس فالظاهر انه لا كلام في وقوعه حبسا أما بلفظ الحبس فلو صنعه له و أما بلفظ الوقف فلصحة استعماله في الحبس استعمالا شائعا في الأخبار و في العرف العام و ان اطلق و لم يقصد شيئا فالظاهر انه كذلك أيضا في كل من الصيغتين لانصراف اللفظ إلى المصحح مهما أمكن و لأن الوقف و الحبس متقاربان في المعنى فاذا قرن الوقف بالمدة صار حبسا كما إذا قرن الحبس بالدوام فإنه يكون وقفا و نسب الحكم بذلك إلى المشهور من اصحابنا بل و إلى اجماع المتاخرين نقلا بناءً على

ص: 11

تحققهما في المسألة الآتية و اتحاد المسألتين في الحكم من حيث اشتراكهما في عدم التاييد المشترط في الصحة و فيه نظر نعم يمكن الاستناد في ذلك إلى الخبران كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة و كل وقف إلى وقت مجهول فهو باطل مردود على الورثة و إلى آخر عن الوقف الذي يصح هو ثمّ روى الرواية الاولى ثمّ قال: (قال قوم ان المؤقت هو الذي يذكر فيه انه وقف على فلان و عقبه فان انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها قال و قال آخرون هذا مؤقت إذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها و الذي غير مؤقت أن يقول هذا وقف و لم يذكر أحداً فما الذي يصح من ذلك و ما الذي يبطل) فوقع عليه السلام الوقوف بحسب ما يوقفها اهلها حيث انه صحح الوقف المؤقت في الاولى و هو ظاهر في المحدود بغاية زمانية أو المراد به ما ذكره في الرواية الاخيرة و هو أن يذكر أنه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها و على كلا التقديرين فهو شاهد على جواز المحدود تصريحا في الاولى و تلويحاً في الثانية لاشتراكهما في علة المنع و لا شك ان المراد بجوازه وقوعه حبسا لا وقفا لندور القائل بالوقف جدا هنا بل لم نعثر على قائل به و كون رجوعه ارثا قرينة على ذلك أيضا و أما ابطال غير المؤقت فلا شك فيه على ما فسرته الرواية الثانية و على ما هو الظاهر منه لا باس بالتزامه في الحبس لأن حكمه حكم الاجارة مفتقر إلى بيان المدة و بالجملة فالموقت قد صرحت الرواية بصحته و المعنى الحقيقي له هو المغيا بزمان خاص فلا ينافيه المعنيان الآخران اللذان قد صرحت الرواية بصحتهما سواء كان استعماله فيها على وجه الحقيقة او المجاز مع ان المعنى الأول فيه دلالة على تصحيح المؤقت الحقيقي على ما قدمنا وجهه و إن قصد نفس الوقف المشروع وقفا و المترتب عليه ثمراته فالاقوى البطلان مطلقا لتبعية العقود للقصود و قصد الوقف ينافيه التأجيل فيعود عليه بالنقص فيبطله.

الثاني: عدم جواز كون الموقوف عليه غير مبني على الدوام

فلو وقف على من ينقرض غالبا بطل الوقف للاصل المتقدم و لأخبار وقوف الائمة عليهم السلام المشعرة بشرطية

ص: 12

ذلك و للمفهوم من لفظ الوقف شرعاً و عرفاً و المعهود وقوعه كذلك بالنسبة إلى وقوف السالفين و لاشتراطهم الدوام في الوقف عدا النادر منهم و هو مشعر بذلك و الاستناد إلى عموم ادلة العقود و الشروط تبين ضعفها كالاستناد إلى عموم الوقوف على حسب ما يقفها اهلها فإن التمسك بعمومه موقوف على بيانية مفردة و انه ليس على حد غيره من المجملات و هو أول الكلام في المسألة و على ما ذكرنا فلو نوى الوقف المشروع كان وقفاً باطلًا لأن العقود تابعة للقصود فما قصده إذا لم يقع فلا يقع ما لم يقصده نعم لو قصد الحبس بلفظ الحبس أو بلفظ الوقف أو اطلق في نيته فيهما صح حبسا لقابلية الصادر منه لذلك من غير معارض فيحمل عليه و لان استعمال الوقف في الحبس غير منكور في الشرع و قد ورد استعماله كثيرا في الأخبار و كلام الأصحاب و قد صرحت الرواية الاخيرة بصحة ذلك تصريحا مرة و تلويحا أخرى على أن الحكم بكونه حبساً و هو المشهور نقلا بل تحصيلًا و نسب لعامة المتأخرين ايضاً و حينئذٍ فالاقوى عدم بطلانه و صحته حبسا و هو أحد الأقوال في المسألة و القول ببطلانه مطلقاً ضعيف و التعليل بانه يكون من الوقف على المجهول أضعف لأنه بعد الانقراض لا موقوف عليه نعم يتجه القول به فيما إذا كان القصد نفس الوقف المؤبد و هو الثاني من الاقوال فيها و القول الثالث هو صحته وقفاً و نسب لجملة من اصحابنا و يظهر منهم صحته وقفا مع قصد الوقف و مع الاطلاق و حينئذ فالوقف دائم منه و منه منقطع و يحتج لهم عليه بأنه نوع تمليك و صدقة فيتبع اختيار المالك في التخصيص و غيره و لأصالة الصحة و عموم الامر بالوفاء بالعقد و لان تمليك الاخير لو كان شرطا في تمليك الأول لزم تقدم المعلول على العلة و لأن الوقوف على ما يقفها أهلها و لعموم لزوم الوفاء بالعقد و لزوم القيام بالشرط و للتوقيع المتقدم الدال على صحة الوقف على من ينقرض مستدلا عليه بأن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و للخبر في وصية فاطمة عليها السلام بحوائطها السبعة إلى علي عليه السلام ثمّ الحسن عليه السلام ثمّ الحسين عليه السلام ثمّ الاكبر من ولدها و في الجميع نظر المنع جواز التوقيت في التمليك و الصدقة لان المعهود من مشروعيتهما بنائهما على الدوام فلا يتبع فيهما اختيار المالك و الحبس انما جاء الدليل بجواز التوقيت في التمليك به

ص: 13

و لولاه لما قلنا به و لمنع تمشية أصل الصحة فيما يقع الشك في اشتراط شي ء فيه و عدمه في اجتماع شرائط الصحة و الأصل عدمها و لمنع شمول العمومات و شمول الوقوف على حسب ما يقفها أهلها للفرد المتنازع فيه لأن صدق لفظ الوقف على الفرد المتنازع فيه و كذلك اندراجه تحت لفظ العقد المعهود أول البحث و مجرد تسميته عقدا لا يكفي في اندراجه في عموم الادلة لأنها مجملة أو منصرفة للمعهود و لجواز كون تمليك الاخير شرطاً في تمليك الأول فيقع التمليكان معاً إن قلنا بملكية البطن الأخير حين العقد و إن قلنا كما هو الاظهر بامتناع تمليك المعدوم كان شرط تمليك الأول ذكر الاخير لبيان المصرف و بيان أنهم يملكون بعد وجودهم بحيث يكون الملك عن الواقف فيقعان دفعة و ليس فيه تقدم معلول على علته و لمنع كون ما وقع من فاطمة صلوات الله عليها وقفا بل هو وصية و لئن سلمنا كونه وقفا فما ذكرتهم فيه تريد به النظارة على الوقف لا انهم هم الموقوف عليهم و لئن سلمنا كونهم كذلك فهي عالمة ببقائهم إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها و لقوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: (حبلان متصلان لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) فإنه ظاهر في بقائهما ما دام لله على الناس حجة و لا ينافيه ما قيل أن افتراقهما لازم من بعد الموت إلى البعث فعدم الافتراق كناية عن الاجتماع باعتبار بقاء النفوس الناطقة أو على ضرب من المجاز و معهما لا يفيد المطلوب لأن الرواية ظاهرة في المبالغة باتصالهما و طول زمان وجودهما و لزوم التمسك بهما و استمرارهما على الاعصار و هذا كاف في صحة الوقف و على ما ذكرنا من صحته و وقوعه حبساً فلا بد من اجراء أحكام الحبس عليه من الالتزام بفساده لو نوى مقامه الوقف لأن العقود تابعة للقصود و من بقاء المحبوس على ملك مالكه في كثير من الاحوال و من بقائه على جوازه فيما إذا حبس على معين و من رجوعه إليه الحابس بعد موت المحبوس عليه أو إلى روثته أما ورثته حين انقراض الموقوف عليه كالولاء أو ورثته حين موت الواقف مسترسلًا و تظهر الفائدة فيما لو مات الواقف عن ولدين ثمّ مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض فعلى الأول يرجع إلى الولد الباقي خاصة و على الثاني يشترك هو مع ابن اخيه لتلقيه عن ابيه كما لو كان حيا و الظاهر الاخير لبقاء المال على ملك الواقف إلى موت الموقوف

ص: 14

عليه و إن لم يجز له التصرف قبل الانقراض عملا بمقتضى الحبس و نقل بعض اصحابنا عدم الخلاف في انتقاله إلى ورثة الواقف على القول بالحبس و به قطع بعض اصحابنا و أما على القول بوقوعه وقفا فلاصحابنا فيه قولان فقيل برجوعه إلى ورثة الموقوف عليه حين الانقراض بمعنى كونه ميراثا يرثه وارث المنقرض الاخير لانه قد ملك و به انتهى الوقف مع احتمال أنه يرثه وارث الموقوف عليه ابتداء و يسترسل و لكنه بعيد و استدل لهذا القول بأن الوقف خرج عن ملكه فلا يعود و بان الموقوف عليه يملك الوقف فينتقل الى ورثته و في الجميع نظر لمنع خروج كل وقف عن ملك صاحبه و لمنع ملكية الموقوف عليه له لاحتمال كونه ملكا لله تعالى و لمنع كون كل مملوك لا بد من انتقاله للوارث و في الغنية انتقاله إلى وجوه البر و قيل بانتقاله إلى ورثة الواقف على الوجهين المتقدمين استنادا إلى أنه لم يخرج عن ملكه بالكلية و إنما تناول اشخاصا فلا يتعدى إلى غيرهم و إلى ان الواقف على حسب ما يوقفه أهله و إنما وقفوه هنا على من ذكر فلا يتعدى و يبقى أصل الملك لهم كالحبس و إلى الخبر عن رجل اوقف غلة له على قرابة من أبيه و قرابة من امه و اوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي على قرابته من ابيه و أمه قال جائز للذي أوصى له بذلك قلت: أ رأيت إن مات الذي له قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم و إن انقطع ورثته و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلى ما يخرج من الوقف و هذا القول جيد للاستصحاب و لما تقدم من منع خروج الوقف غير المؤبد عن الملك و لهذه الرواية المجبورة بالشهرة المحكية بل المحصلة سنداً و دلالة و المعتبرة بوجود صفوان في سندها و بنقل بن زهرة بان على مذهبهم رواية و ينقل الخلاف عليه روايات و بمجموع ذلك يحصل الظن بأن الثلاث مائة درهم وقعت شرطا في الوقف فعند انقطاع المشروط له عادت لورثة المشروط دون ورثة المشروط له و دون الموقوف عليهم و لا فرق بين المال المشترط من الموقوف و بين الموقوف نفسه ثمّ ان ما تقدم كله انما هو فيما إذا انقرض الموقوف عليه و لو لم ينقرض فلا شك في بقائه سواء قلنا انه حبس أو وقف الا إذا قلنا ببطلانه ابتداءً فلا شك في

ص: 15

بقائه على ملك الواقف ثمّ ان القائلين بكونه وقفا يشكل عليهم بما إذا قصد الواقف المؤبد فان صيرورته وقفا قهرا مشكل جدا لان الوقف يكون عندهم قسمين منقطع و غير منقطع فتعين أحدهما مما ينافي وقوع الآخر.

الثالث: منها كون العين مما ينتفع بها مع بقائها

لفتوى الأصحاب و الاجماع المنقول في الباب و للشك في صدق الوقف على ما لا ينتفع به الا بذهاب عينه و لاخبار الائمة عليهم السلام المشعرة باعراضهم عن وقف ذلك و الفرد المشكوك في كونه مما يبقى كذلك أو عدمه احتمل البطلان به لعدم احراز الشرط و احتملت الصحة استصحابا لبقائه و لو كان مما ينتفع به مع بقائه الا انه قصير لا أمد له كوقف بعض النباتات للشم مع سرعة زوالها فلا يبعد جوازه و لو كان الشي ء مما يضمحل بالانتفاع تدريجا و لكن ليس المقصود ابتداء اتلافه جاز وقفه.

سادسها: يشترط في الوقف التنجيز

بمعنى أن لا يعلق على امر مشكوك وقوعه و عدمه كقدوم الحاج و ادراك الغلة و يشترط فيه مقارنة اثره لوقوع صيغته فلا يصح وقفت غداً و اذا هل الهلال و بالجملة فلا بد من مقارنة الانشاء و المنشأ من الملك و التمليك و الأثر و التأثير لنفس الصيغة فلو أخر واحداً منها فسد الوقف للشك في صحته و اندراجه تحت قوله عليه السلام: (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها) و اندراجه تحت المعهود من العقود و لا بد فيه من الجزم فلو علق على شرط أو صفته متوقعين فسد و كذا لو ورد بين وقفين أو ايجابين أو قبولين أو بين موقوف عليهم اثنين أو بين موقوفين أو بين موقوفين على موقوف عليهم اثنين على تقديرين أو بين حبس و وقف فسد كذلك و لو علق على شرط واقع حين العقد أو صفته كذلك و كان العاقد عالما بوقوعه صح كوقفت عليك إن طلعت الشمس و هو عالم بطلوعها لعموم الادلة و خصوصها من غير معارض و ربما يدعي الاتفاق على صحته و لا يجوز اشتراط الخيار في عقد الوقف فلو اشترط فيه الخيار فسد و لا يدخله خيار فوات الشرط لانه من العبادات النافذة فلا يعود نعم يلزم الشرط لعموم الادلة كما سيجي ء إن شاء الله.

ص: 16

سابعها: يشترط في صحة الوقف القبض للموقوف من الموقوف عليه بنفسه أو بوكيله

بدفع الواقف أو بإذنه على نحو قبض البيع امساكا و نقلًا وكيلًا و وزناً و تخلية على وجه محلل غير منهي عنه و يشترط استمرار نية التقرب إليه لانه به يتم الوقف و هو جزء السبب الناقل عن الملك فلا ينتقل المملك قبله و يجوز الرجوع به و يبطل الوقف بالموت أو الجنون أو الفسخ قبله و ليس شرطاً في اللزوم كما قد تخيل و لا ان عدمه فاسخ من حينه فالنماء حينئذٍ قبله للموقوف عليه و لا أن حصوله كاشف عن وقوع العقد صحيحاً ابتداء و الظاهر أن الحكم بذلك غير مختلف فيه على نحو ما ذكرنا و قواعد الشرائط تقضي به و اجمال لفظ الوقف و اصالة عدم السببية في غير المقطوع به يقتضيه ايضاً و في الصحيح ما يؤذن به عن الرجل يوقف الصيغة ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا قال ان كان وقفها لولده و لغيرهم ثمّ جعل لها قيماً لم يكن له أن يرجع و إن كانوا صغارا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع و إن كانوا كباراً لم يسلمها اليهم و لم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع و إن كانوا فيها لأنهم لا يحوزونها و في آخر و أما ما سألت عنه من الوقوف على ناحيتنا و ما يحل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلم فصاحبه بالخيار و كل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى و في ثالث و مورده الصدقة و هو ظاهر في الوقف و شامل له في رجل تصدق على ولد له و قد ادركوا قال إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو في ميراثه فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن الولد هو الذي يلي أمره إلى غير ذلك و الظاهر من موت الموقوف عليه مبطل للوقف كموت الواقف إذا كان قبل القبض و لا يصح قيام البطن الثاني مقامه مع احتمال قيام وارثه مقامه و يفرق بينهما بأن بموت الواقف ينتقل المال إلى وارثه بخلاف الموقوف عليه فإن المال بحاله لم ينتقل إلى غيره لعدم تمامية الملك و هو ضعيف و على اشتراط القبض في الصحة فهل يشترط تعقيبه للعقد فوراً لانه ركن كالقبول و للشك في الصحة بدونه أو لا يعتبر لأن الشرط تحققه كالقبض في بيع الصرف لا فوريته و لأن اعتبار الفورية في القبول قضى بها العقد لارتباط القبول بالايجاب و لابتنائه عليه حتى كأنه كلمة لا استقلال لها بخلاف الفورية

ص: 17

في القبض فإنه لا يقضي بها شي ء و في الروايتين المتقدمتين الدالتين على تعليق البطلان بعدم القبض إلى الموت اشعار بعدم الفورية ثمّ إن القبض إنما يعتبر في البطن الأول خاصة كما هو اللائح من الأخبار و عليه ظاهر اتفاق الأصحاب و السيرة أيضا قاضية به فلا عبرة في البطون اللاحقة قبضت أو لم تقبض.

ثامنها: يقوم الولي مقام المولى عليه في قبول الوقف و قبضه

لأن يده يده سواء كان الولي اجباريا كالأب و الجد أو جعلياً كالمنصوب من قبل الواقف من النظار أو المنصوب ولياً على اليتيم كالوصي و الحاكم و التردد في ولاية الوصي هنا لضعفها ضعيف و ذلك لأن يدا الوصي بالنسبة إلى الطفل كيد الموصي في قبض و منع و قبول لعقد معاوضته أو مجاني و تضعيفها بعد قيام الدليل ضعيف ثمّ إن المال لو كان بيد الولي فوقفه على المولى عليه فإن نوى قبضاً جديداً عن المولى عليه فلا كلام و إن لم ينو القبض عنه فإن نوى العدم فلا كلام في بطلانه و لا يقع قهراً كما قد يتخيل و إن لم ينو شيئاً احتملت صحة القبض لان الشرط تحقق القبض بعد الوقف و قد حصل الشرط و عدمها لأن الشرط وقوع القبض عن الوقف و لم يحصل فلا يجزي و الأظهر أنه إن نوى القبض لغير الوقف لم يجز للوقف كما إذا اتهب من المولى عليه و لو وقف و باع صرفاً فعين القبض عن أحدهما فلا اشكال في انصرافه للمعين ابتداء و استدامة و بطلان غيره و إن لم يعين فإن نوى العدم كان قبضه بمنزلة العدم و إن لم ينو فلا يبعد أجزاء القبض من دون نية كونه للقبض و من دون تجديد فعلي له و لو وقف الواقف على من بيده الموقوف فإن كان لا يعلم بكونه بيد الموقوف عليه فلا يجزي القبض قطعاً لتوقفه على الاذن و لم يحصل و إن علم به فإن كان مقبوضا سابقا للواقف اجزأ و لم يحتج إلى قبض جديد و لا إلى اذن جديدة و ان كان مقبوضا على وجه آخر من رهن أو عارية أو وديعة احتمل اجزاؤه تنزيلا للعلم به و الوقف بعده منزلة الاذن و احتمل العدم لأن الوقف مع العلم لازم اعم فلا يدل على الاذن ثمّ لو جعلنا ذلك بمنزلة الاذن فهل يفتقر إلى تجديد قبض ليكون القبض عن الوقف وجهان و الاقرب عدم اشتراط نية كون القبض للوقف في الاستدامة و إن اشترط ذلك في الابتداء بالنسبة إلى الواقف و إن كان

ص: 18

مقبوضاً من غير إذن كغصب و نحوه فالظاهر عدم اجزاء صيغة الوقف في الاذن و افتقار الغاصب إلى إذن في القبض للوقف و لا يكفي مجرد القبض الأول لأنه قبض منهي عنه و قد وقع من دون إذن المالك فلا يترتب عليه السبب الشرعي نعم لو قلنا ان الوقف على الغاصب رضا له بقبضه و تسليطاً له عليه اتجه كفاية استمرار القبض الأول و إن كان في الابتداء منهيا لارتفاع النهي بقرائن الرضا التي صدور الوقف احدها و هل يشترط فيما يكون القبض فيه التخلية مضى زمان يمكن وصوله إلى الموقوف عليه أو وكيله أم لا و كذا فيما قبضه غير التخلية و كان تحت يد الودعي أو المستعير فهل يشترط مضي زمان يمكن امساكه فيه أو نقله إليه أو كيله أو وزنه أو غير ذلك أو لا يشترط مضي الزمان كما لا يشترط تجديد الامساك و النقل و الكيل و الوزن.

تاسعها: لو كان الوقف على جهة عامة كان القبض عنهم موكولا للحاكم بنفسه

اشارة

أو بوكيله لأنه المتولي للجهات العامة نقلا أو انتقالا و لا يكفي قبض واحد من أهل تلك الجهة و الحق بعض علمائنا بقبض الحاكم قبض القيم المنصوب من طرف الواقف للقبض فانه يقوم مقام قبض الحاكم و اطلق بعضهم تحقق لا قبض في وقف المسجد و المقبرة بصلاة واحد و دفن واحد و قيده آخرون بوقوع ذلك باذن الواقف لاشتراطه الاذن في القبض و قيده ثالث بوقوع الصلاة و الدفن بنية القبض للوقف فلو وقع لا بنيته أو بنية الغصب أو مع عدم العلم لم يجز و هذا كله لا يخلو من اشكال لانا بعد ان حكمنا بلزوم القبض من الموقوف عليه أو من بحكمه من الولي العلم أو الخاص أو الحاكم الشرعي في الاوقاف على الجهات العامة أو على الاصناف الخاصة أو العامة فلا وجه لتجويز الاكتفاء بقبض من نصبه الواقف فيما للقبض أو الاكتفاء بصلاة واحد في المسجد فرضا أو نفلا أو بدفن واحد أو نزول واحد في الرباط أو قراءة واحد في المدرسة الا ان ينعقد اجماع على ذلك و في انعقاده كلام و قد يوجه الاكتفاء بقبض القيم المنصوب من الواقف بما ورد في الرواية السابقة انه لو وقفها على ولده و على غيرهم ثمّ جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فان الظاهر ارادة الولد الكبار لأن الصغار ذكرهم بعد ذلك و الظاهر ان نصب القيم للقبض لعدم مدخلية غيره من عدم

ص: 19

جواز الرجوع إليه و قد يشير إليه خبر التوقيع أيضا و قد يوجه الاكتفاء بالفعل أيضا فيما لو كان القبض على الجهة ان قبض الجهة غير معقول بغير هذا النحو فقبضها صدور الفعل من واحد أو اكثر على ذلك النحو و في هذا الاخير نظر لأن الوقف على الجهة وقف على المسلمين فيتولى القبض وليهم كما يتولى القبول عنهم نعم لو قلنا ان الوقف العام مطلقاً و الوقف على الجهات بمنزلة التحرير غير مفتقر إلى قبول و إلى قبض لاتجه ذلك و لما احتجنا أيضا إلى صلاة واحد أو دفنه بالكلية و لكن لا نقول به و قد يقال ان القبض هو التخلية في امثال هذه و لا شك ان الواقف قد خلى بين الموقوف و بين الموقوف عليه و هو سائر المسلمين و لما لم يمكن اعلامهم كفى قبض العالم منهم أو يقال ان رئيسهم و امامهم و وليهم عالم بذلك و قد يرد على ذلك انه لا حاجة إلى فعل فرد من افراد تلك الجهة من صلاة أو دفن أو غيرهما لحصول التخلية و كفايتها في القبض عن صدور الفعل من القابض ثمّ ان القبض هنا قد يقوي كفاية التخلية فيه مطلقا و كفاية صدوره باذن المالك و لو بالإجازة المتأخرة من دون حاجة إلى انضمام نية القربة إليه بل لو وقع على وجه محرم كما إذا قبض بآلة محرمة أو في مكان محرم اجزأ و لكن الاظهر ما قدمناه و الناظر إذا جعله الواقف ناظرا في الوقف كان قبضه كافيا في الوقف العام كما تقدم و في الخاص كما تشعر به الرواية و لا يفتقر إلى قبض من الموقوف عليهم بعد ذلك و لا يكفي قبوله عن الموقوف عليه في الخاص و العام للاصل و عدم الدليل و لو جعل الواقف قيما لمجرد القبض لا لغيره من المصالح ففي صحة ذلك و كفاية قبضه وجهان.

عاشرها يشترط في الوقف اخراجه عن نفسه و تخليتها عنه ملكا و انتفاعا و عودا إليه وقت الحاجة على وجه الشرطية أو على وجه الركنية فيما يصح جعله ركناً

فهنا امور:

الأول: لا يصح وقف الانسان على نفسه شيئا

اجماعا و شهرة منقولين بل محصلين و لان الوقف ازالة ملك و ادخاله على الموقوف عليه كما نقل عليه الاجماع و الملك متحقق هنا فلا يمكن ادخاله و تجديده بالنسبة إلى المالك و لانه تمليك منفعة أو

ص: 20

عين و منفعة و لا يعقل بالنسبة إلى المالك و يظهر من ذلك انه لو شرط في الوقف ان لا يخرج الوقف من ملكه و لا يدخل في ملك الموقوف عليه بناءً على ان الوقف يملكه الموقوف عليه أو قصد ذلك بطل الوقف لمنافاته لمقتضى العقد و في الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى ما يؤذن بمنع وقف الانسان على نفسه.

الثاني: على ما ذكرنا لو وقف الانسان على نفسه فقط بطل

لانه منقطع الأول و الاخير و الوسط و لو اشرك مع نفسه غيره في الوقف بطلا معا لان تبعيض الصفقة على خلاف الأصل و لان القصد إلى وقف المجموع فما لم يسلم المجموع لم ينفذ في البعض لانه لا يقع ما لم يقصد و لتعلق النهي الاصلي أو التشريعي به فلا يجامع القربة المشروطة به لانه عقد واحد و يحتمل الصحة فيما يصح و البطلان فيما يبطل لان العقد و ان لم يتبعض بنفسه الا انه يتبعض اثره فيؤثر في القابل و ينصب عليه دون غير القابل و لان القصد إلى الجميع لا المجموع بشرط المجموعية فاذا بطل شي ء منه لا يبطل الجميع و للمنع من عدم اجتماع القربة مع النهي لحيثيتين مختلفتين فتصح القربة فيما تصح فيه و تفسد فيما تفسد و في هذا الاخير تامل و الاقرب الأول و على الصحة فيما يصح فيه فلو اوقف على نفسه و على زيد احتملت الصحة بالتنصيف و احتملت الصحة في الكل فيعود كله لزيد تغليبا لجانب الصحة في قصده و لانه قد اخرجه من نفسه فينصب على ما يمكن انصبابه عليه و فيه ان القصد توزيع الموقوف على الموقوف عليه فانحصاره في واحد خلاف قصده و العقود تابعة للقصود و لو وقفه على نفسه و الفقراء احتملت الصحة بالنصف أو الجميع على ما تقدم و بالثلاثة ارباع للفقراء لان اقل الجمع ثلاثة و لو وقف على نفسه و المسجد احتملت الصحة بالتنصيف و احتمل كونه بمنزلة الجمع لانه وقف على المصلين من المسلمين.

الثالث: لو وقف الانسان على نفسه ثمّ على غيره كان منقطع الأول فيبطل في الأول

اجماعا و في صحته بالنسبة إلى ما قبله قولان فقيل بالبطلان للشك في دليل الصحة و لمنافاته للتقرب بالصيغة و للزوم أحد امور باطلة اما صحة الوقف على نفسه ان صححناه في الجميع أو صحة الوقف المعلق ان صححناه بعد مضي زمان وجوده في

ص: 21

الباقي أو وقوع الوقف المشروط على غير ما شرطه الواقف ان صححناه في الباقي في الحال و المفروض ان الوقوف على حسب ما يقفها اهلها و هذا هو الاقوى و نسب للاكثر و لمذهب اصحابنا و قيل بالصحة لعموم: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و: (المؤمنون عند شروطهم) و: (الوقوف على حسب ما يقفها اهلها) و في الجميع نظر لضعف العمومات و انصرافها إلى المعهود و اجمال لفظ الوقوف مضافا إلى انصراف لفظ العقد و الوقف إلى كله بتمامه فهو المأمور بالوفاء به و تمامه لا يجب الوفاء به هنا اجماعا و البعض غير مأمور بالوفاء به فلا يصح التمسك بالعمومات لإثبات الصحة في البعض المشكوك به و على القول بالصحة في الاخير فهل يحكم بها بعد اجراء صيغة الوقف لصدور صيغة الوقف و عدم قبول محل لها سوى ما بعد نفسه فيؤثر العقد في القابل دون غيره أو يحكم بها بعد موت الواقف و ذهاب نفسه لان القصد في الوقف ذلك و العقود تتبع القصود و الوقوف على حسب ما يقفها اهلها و هذا الاخير اوجه و لو لا لزوم بقاء العقد معلقا من دون تأثير إلى ما بعد انقضاء الأول و هو في العقود غير معقول لاشتراط التنجيز فيها و يلحق بالوقف على نفسه ابتداءً كل وقف غير صحيح ابتداءً كالوقف على الملك و الجن و البهائم و الطيور و المعدوم و الميت و المملوك و ما يحرم الوقف عليه و كما ان هذه لو وقعت في الابتداء كان من منقطع الأول فكذلك لو وقعت في الاثناء كان من منقطع الوسط و جاء في الكلام في صحة ما بعده و فساده كالكلام في منقطع الأول و لو صححنا الآخر بعد انقطاع زمن الأول ففي تقديره في الملك و الجن و الجمادات و الميت التي لا يعقل ذهابها و عود الوقف إلى من بعدها اشكال و لا يبعد هنا الحكم بالبطلان لا غير و يجي ء الاشكال في تقدير زمن البهائم و الطيور فلا بد من التأمل و سيجي ء ان شاء الله تعالى تمام الكلام.

الرابع: لو وقف واقف على جهة من الجهات كوقف مسجد أو قنطرة أو مدرسة أو دار على المسلمين

أو الفقهاء أو العلماء أو وقف على نفس المسجد شيئا أو على نفس القنطرة أو على نفس الدار الموقوفة وقفا عاما فان اطلق و لم يلاحظ نفسه بادخال أو بإخراج صحّ الوقف قطعاً و على ذلك جرت طريقة الاوقاف خلفاً و سلفاً

ص: 22

و جاز للواقف ان يشارك الموقوف عليه بالمنافع و النماء و الانتفاع و يكون حاله حالهم بل و يختص به عند انحصاره فيه نعم و لا يكون من الجهة التي يبطل مصرفها و الظاهر انه يكون من الافراد الموقوف عليهم بحكم الشارع و يمكن الاستدلال على ذلك بالسيرة و عمل المسلمين المستمر على ذلك و بفتوى المشهور و الاجماع المنقول على جواز المشاركة الظاهرة في كونه واحدا منهم و لا يتفاوت الحال بين اتصافه بالوصف حين الوقف أو بعده و ربما يؤيد ذلك أيضا بان الوقف على مثل ذلك ليس وقفا على الاشخاص المتصفين بتلك الصفة أولا و بالذات بل و على الجهة المخصوصة لانتفاع المتصف منهم بذلك الوصف به و لذا لا يعتبر قبولهم و لا قبول بعضهم و لا قبضهم و لا يجب صرف النماء إلى جميعهم و لا ينتقل الملك اليهم و على هذا فالواقف يدخل تبعا باعتبار اتصافه فلا يكون ملحوظا ابتداءً و دخول الواقف تبعا على هذا النحو لا دليل على منعه و قد يورد على هذا التأييد بان الوقف على الجهة وقف على الاشخاص بالحقيقة لعدم معقولية الوقف على ما لا يملك و لا يعقل و اخذ الجهة في الوقف انما كان عنوانا للتوصل به إلى افراد ذلك النوع في مثل الوقف على العلماء و الفقهاء أو للتوصل به إلى المصلين و الزائرين و المدرسين في مثل الوقف على المسجد و المدرسة و الخان فعلى أي تقرير فافراد ذلك النوع ملحوظة للواقف في الجملة و دعوى عدم انتقال الملك اليهم و عدم اعتبار قبولهم و قبضهم في حيز المنع فيعود الكلام إلى الواقف قد دخل في الوقف على الجهة و يعود المحذور فإذن العمدة في الاستدلال ما قدمناه سابقا و بذلك يظهر ضعف ما ذهب إليه الحلي من منع المشاركة للاجماع على لزوم اخراج الواقف نفسه و لا يمكن ذلك مع بقاء المشاركة و ذلك لان الاجماع ظاهر في لزوم ذلك في الوقف الخاص أو العام مع ذكر نفسه صريحا أو القصد إليها ضمناً لا مطلقا لفتوى مشهورهم و اجماعهم المنقول بجواز المشاركة عند اتصاف الواقف بصفة الموقوف عليه ابتداءً أو استدامة فلا يمكن الاستناد إلى ما ذكروه من الاجماع و من ذلك يظهر انه لو ادخل نفسه صريحا أو قصد ادخال نفسه فالاقرب البطلان و ان ظهر من فتاوى المشهور و اطلاقاتهم جواز المشاركة مطلقا و لو مع ذكر نفسه أو قصد ادخالها

ص: 23

معهم لامكان صرف اطلاقاتهم إلى صورة عدم ذكر نفسه و عدم القصد إلى ادخالها و ليس من القصد إلى ادخالها العلم بدخوله شرعا بعد اجراء صيغة الوقف على الاطلاق كما هو الظاهر من الفتاوى و سيرة المسلمين اما لو شرط خروجه و عدم المشاركة فلا يبعد صحة الشرط و عدم جواز مشاركته لهم حينئذ و احتمال فساد الوقف لمنافاة الشرط لمقتضاه أو فساد الشرط فقط فتجوز له المشاركة قهرا بعيدان و نقل عن العامة رحمه الله التفصيل بين الوقف على المصالح العامة كالمساجد و القناطر و بين الوقف على ارباب الصفة كالفقراء و العلماء فأجاز المشاركة في الأول دون الثاني و فيه نظر لانه ان اراد بالاول ما يوقف على المسلمين من المساجد و القناطر و شبهها فيتجه عليه عدم الفرق بينه و بين الاخير سوى ان الأول اعم و الثاني اقل منه عموما و هو لا يصلح للفرق و ان اراد به ما يوقف على نحو المساجد و القناطر فيتجه عليه ان كلا منهما وقف على الاشخاص و ان اخذت المساجد و القناطر عنوانا في الأول دون الثاني و اختلاف العناوين لا يصلح فارقا نعم نقل أيضا عن العلامة رحمه الله الفرق بين ما ينتقل فيه الوقف لله تعالى كالمساجد فتصح للواقف المشاركة لان مال الله تعالى تتساوى جميع خلقه فيه و لانه ليس وقفا على أحد من خلقه و بين ما لا ينتقل إليه بل إلى المخلوقين فلا تصح فيه و هو جيد بناءً على انتقال الملك لله تعالى في المساجد.

الخامس: يبطل الوقف إذا شرط الواقف قضاء ديونه منه أو اداء مئونته

أو ان له حصة من نمائه أو انه ينتفع به بسكنى أو لباس أو نحوها و نقل عن الأصحاب القطع به في الجملة و نقل عليه الاجماع و يستدل عليه بالاصل و عدم انصراف ادلة الوقف لمثل ذلك لعدم معهوديته فلا يدخل تحت قوله عليه السلام (الوقوف على حسب ما يقفها اهلها) و يمكن الاستدلال له بالخبرين في أحدهما رجل تصدق بدار له و هو ساكن فيها فقال الحسين: صلى الله عليه و آله اخرج منها. و لم يسأله عن انه اشترط له السكنى ام لا و في الثاني بعد ان سأل عن أكل الواقف من الصيغة التي دفعها ليس لك ان تاكل منها فان انت أكلت منها لم ينفذ فان كان لك ورثة فبع و تصدق ببعض ثمنها في حياتك فان تصدقت امسك ما يقوتك مثل ما صنع امير المؤمنين عليه السلام فان ظاهر عدم النفوذ هو

ص: 24

اشتراط عدم الاكل منها إذ الاكل بمجرده لا يصلح لابطال الوقف و لو شرط الواقف اكل اضيافه و عياله الغير واجبي النفقة فلا باس و كذا لو شرط اكل واجبي النفقة لا من حيثية الانفاق اما لو شرط خروج نفقة عياله الواجبة من الوقف أو خروج نفقة مملوكه أو دابته فسد الشرط و الوقف لعود الاشتراط إلى نفع نفسه و ادرار مئونته فيدخل تحت دليل المنع نعم لو شرط أكل عياله و كانوا ارحاما فاستغنوا به فسقطت عنه النفقة لاستغنائهم صح و يشعر بجواز ذلك وقف النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و وقف فاطمة على ما روي عنهما و لو وقفه على الزائرين له أو المصلين عنه أو الصائمين صح لو قصد الوصف حتى لو كان هو الداعي له للوقف لهم للعمل أيضا و لو وقف لأن يصلى عنه أو يصوم عنه في حياته أو بعد موته بمعنى صرف منافعه في وجوه القربات عنه فسد الوقف على الأظهر لأنه في معنى عود الوقف إليه و صرفه على منافع نفسه من دون تفاوت بين الموت و الحياة على الاظهر.

السادس: لو وقف الواقف و شرط عوده إليه عند الحاجة

فالاظهر البطلان لمنافاة هذا الشرط لمقتضى عقد الوقف عرفاً و شرعاً لابتنائه على الدوام و على خروج الملك عنه بحيث لا يعود إليه و للإجماع المنقول المعتضد بالقواعد و الاصول و لظاهر الخبرين المعتبرين في أحدهما عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير و قال إذا احتجت إلى شي ء من المال فانا احق به ترى ذلك له و قد جعله الله سبحانه ان يكون له في حياته فاذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال: (يرجع ميراثا على اهله). و في الثاني (من اوقف ارضا ثمّ قال انا احتجت إليها فانا احق بها ثمّ مات الرجل فانها ترجع إلى ميراث).

و الظاهر عدم التفاوت بين اشتراطه عود عينه إليه على وجه الملك أو الوقف و بين عود منفعته و بين اشتراط عوده وقفا بعد الاستغناء و بين عدمه و قيل بالصحة فيكون وقفا إلى وقت الحاجة فيعود طلقا و نقل عليه الاجماع و نسب للاكثر و استدل عليه بعموم الوفاء بالعقود و ادلة لزوم الشروط و عموم الوقوف على حسب ما يقفها اهلها و بالصحيحين المتقدمين لاشتمالهما على لفظ يرجع الظاهر في صيرورته وقفا ثمّ

ص: 25

يرجع بعد ذلك و في الجميع نظر لضعف التمسك بالعمومات كما تقدم غير مرة و ضعف الاجماع المنقول بمعارضته بمثله و مخالفته للقواعد و الضوابط المتقدمة في شرائط الوقف و ضعف دلالة لفظ الرجوع على ما ذكر لان الاطلاق و الرجوع ميراثا ارادة حقيقة غير ممكن هنا قطعا فان المرجوع إليه هو كونه ميراثا و هو شي ء لم يكن في حال حياة الواقف اصلا فاذا لم يمكن ارادة الحقيقة تعين المجاز فيحمل الرجوع على ما يجتمع مع البطلان بقرينة السؤال في الأول حيث سال عن صحة هذا الوقف مع ما هو عليه من كونه صدقة فلا بد من حمل الجواب على ذلك ليطابق السؤال و المرجع في الحاجة إلى العرف و يتحقق بعدم ملك قوت يومه و ليلته و بعدم وجود ما يحتاج إليه من لباس و فراش و آنية و يتحقق بافتقاره إلى السؤال فيما لا يمكنه الاستغناء عنه عاد و ليس كل فقير محتاجا عرفا فلا يتحقق الاحتياج بمجرد الفقر و على القول بعوده إليه بمجرد الحاجة فهل يعود بمجرد ذلك أو يتوقف على اختياره وجهان و ظاهر الشرط الأول لانه اشتراط للغاية و هو بعيد عن قواعد الشرط فالاقرب للقواعد الثاني و لو مات الواقف و لم يحتج فهل يكون وقفا لعموم دليل الوفاء بالعقود و الشرط ام يكون حبسا فيرجع إلى ورثة الواقف بعد موته و موت المحبوس عليه لظاهر الخبرين المتقدمين و لأن الوقف إذا بطل يكون حبسا و الحبس من خواصه ذلك و في ذلك نظر لان الحبس يبطل بموت المحبوس عليه فيرجع إلى الحابس أو إلى ورثته لا بموت الحابس كما دلت عليه الروايتان فحملها على بطلان الوقف من اصله اولى من حملها على صحته حبسا فان قيل إذا جعل نهاية الحبس حصول الحاجة فاذا مات قبل أن تحصل الحاجة فيرجع بما حبس لزم بقاؤه محبوسا دائما لعدم حصول الغاية و حينئذ فتحديده بالموت يؤول إلى جعل ما ليس بغاية غاية قلنا الحاجة قد تتحقق بالموت لأنه فقير بالموت و قد يحتاج إلى صلة أو مبرة من ثلثه فيعود إليه و قد يكون الموت غاية اخرى قهرية لانفكاك الحبس بعد فوات الانفكاك الاختياري لان المال ينتقل بالموت إلى الوارث فيزول الحبس بانتقاله إلى الوارث.

ص: 26

السابع: بناء على صحة اشتراك العود إليه عند الحاجة لا بد من الاقتصار فيه على مورد النص و الفتوى

فلا يصح اشتراط عوده إليه عند حصول امر آخر أو دخول زمان آخر و غاية اخرى و لا يصح اشتراط أن يكون له الخيار فيه في وقت خاص أو على وصف خاص أو له الخيار مطلقا للاصل و لعدم دليل على ثبوت خيار الشرط في الوقت و صحة اشتراط عوده إليه عند الحاجة لا يدل على صحة اشتراط الخيار في عقد الوقف لأنه لازم اعم و العام لا يدل على خاص و مثل اشتراط الخيار اشتراط اخراج من يريد من الوقف إذا شاء فان هذا الشرط فاسد منه لمنافاته مقتضى لزوم العقد نعم لو وقف على قوم و اشترط عليهم القيام بعمل أو الاتصاف بوصف أو انهم متى قاموا أو اتصفوا دخلوا و متى لم يقوموا و لم يتصفوا خرجوا جاز الشرط و صح المشروط و كان من افراد الوقوف التي على حسب ما يقفها اهلها قطعا و مثله لو وقف على قوم و شرط ادخال من سيولد له اولهم معهم على وجه التشريك في المنفعة و النماء فانه جائز أيضا اما لو شرط دخول من سيولد على انه موقوف عليه فهو مبني على ان الشرط يقوم مقام صيغة الوقف ام لا نعم يصح ذلك عند الاتيان بصيغة الوقف على المعدوم تبعا للموجود منظماً إليه و في صحته كالشرط بحث إلا إن ظاهر الأصحاب على جوازه و نقل عليه الاجماع و لو شرط الواقف ادخال من يريد دخوله بعد الوقف كما يقول ادخلت فلانا فيه بعد وقوع صيغته احتملت صحة ذلك لعموم ادلة الشرط و قوله عليه السلام (الوقوف على حسب ما يقفها اهلها) و لأنه في قوة اشتراط دخول من يريد لأنه عند ارادة دخوله استحق الدخول باتصافه بتلك الصفة و احتمل البطلان لما قدمنا من فقدان صيغة الوقف نعم لو اجرى عليهم صيغة الوقف و شرط الادخال و الاخراج على نحو يصح فلا باس و لو شرط نقله عن الموقوف عليه إلى من سيوجد فان اراد ترتيب الوقف على المذكورين على حسب الصفة بأن يكون الوقف على الاولين ما داموا منفردين فاذا ولد لهم ولد كانوا خارجين عن الوقف و ينتقل الوقف إلى ولدهم صح و يدخل تحت عموم قوله (الوقوف على حسب ما يقفها اهلها) و لانه بمنزلة الوقف على متصفين باوصاف ينتقل الوقف من احدهم إلى الآخر على حسب

ص: 27

الوصف و لجواز الوقف على أولاده سنة ثمّ على المساكين كما نقل العلامة رحمه الله على صحة الاجماع فجواز هذا اولى و ان اراد انتقال الوقف عنهم إلى من سيوجد بعد ثبوته بطل الوقف لمنافاة ذلك للدوام و على ذلك ينزل اجماع الشيخ المنقول على البطلان و ليس هذا كالوقف على أولاده سنة ثمّ على المساكين و لو سلمنا جوازه و الا فقد نقل الرجوع عن الاجماع المنقول عن العلامة رحمه الله في القواعد إلى الاشكال.

حادي عشرها: إذا وقف على أولاده الاصاغر

فحكمه حكم الاكابر و غيرهم لا يجوز أن يشترك معهم غيرهم بعد حصول الوقف و القبض و لا يتفاوت الحال بين اشتراط قصره على الاصاغر و بين اطلاق الوقف عليهم كل ذلك للاصل و الاستصحاب و لفتوى مشهور الأصحاب بل قد يدعى منهم الاجماع من بعضهم و لرواية جميل في رجل يتصدق على ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: لا الصدقة لله تعالى و الاشتراك غيرهم معهم بعد ان كان لهم نوع رجوع و رواية علي ابن يقطين في الرجل يتصدق ببعض ماله على ولده و بيَّنه لهم أ له أن يدخل معهم من ولد غيرهم بعد ان أَبانهم بصدقته؟ قال: ليس له ذلك إلا ان يشترط من ولد مثل من تصدق عليه فذلك له و المراد بالصدقة هنا الوقف و ما يشمله كما هو الظاهر من استعمالها في الأخبار و في كلام الفقهاء و نقل عن الشيخ رحمه الله في النهاية و القاضي جواز ان يشترك الواقف على أولاده الصغار غيرهم معهم و قيده القاضي بما إذا لم يشترط قصره على الموجودين و كان مستندهم صحيحة عبد الرحمن في الرجل يجعل لولده شيئا و هم صغار ثمّ يبدو له يجعل معهم غيرهم من ولده قال لا باس و رواية محمد بن سهيل عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله ثمّ يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده قال لا بأس و مثلها رواية علي بن يقطين إلا أن اعراض الأصحاب عن العمل بمضمونها و مخالفتها الأصول و القواعد و اشتمال سند الأول على محمد بن إسماعيل عن الفضل و فيه كلام و اشتمال الثاني على محمد بن سهيل و لا يخلو عن ضعف مما يوجب طرحهما أو تأويلها بارادة يريد ان يجعل او يتصدق من دون وقوع ذلك او بوقوع ذلك من دون اجتماع شرائط الوقف و الصدقة من تميز

ص: 28

الموقوف او الاقباض او نحوهما و يشهد بذلك قوله في الرواية المتقدمة في السؤال و تبيينه لهم و قوله بعد ذلك بعد أن ابانهم بصدقة فانه رتب المنع على الابانة فيترتب الجواز في الروايات الاخر على عدمها و أما تفصيل القاضي بين اشتراط قصره على الموجودين فلا يصح و بين عدمه فيصح فهو و إن كان أقل مخالفة للقواعد إلا أنه لا شاهد عليه سوى ما يتخيل من الجمع بين الروايات المجوزة و المانعة و ما يتخيل من ارادة اشتراط قصره على الموجودين من لفظ الابانة في الرواية المانعة و كل منهما محل نظر لأن الجمع فرع المقاومة و حمل الابانة على ارادة اشتراطه قصره خلاف الظاهر ثمّ انه على قول الشيخ رحمه الله و على ظاهر الروايات المجوزة ينبغي الاقتصار على خصوص اشتراك ولده الباقين مع ولده الاصاغر دون اشتراك غير ولده مع ولده أو اشتراك ولده مع غيرهم أو غيرهم مع غيرهم فما يظهر من بعض العبارات من جواز ادخال الغير مع الولد مطلقاً نقلا عن الشيخ و من بعض الروايات كرواية الحميري عن رجل يتصدق على ولده بصدقة ثمّ بدا له أن يدخل الغير فيه مع ولده أ يصلح ذلك؟ قال نعم يصنع الوالد بمال ولده بما احب) ضعيف فتوى و نقلا و مخالف للفتوى و النصوص.

ثاني عشرها: لو وقف الواقف على اشخاص على الاطلاق و قبضهم

لم يصح ادخال غيرهم معهم و لا تغيير الوقف أو تبديله أو الرجوع فيه فيما عدا ما اختلف فيه في الصورة المتقدمة و يدل على ذلك الاستصحاب و اتفاق الأصحاب سوى النادر الذي لا يعتد به و عمومات الادلة و خصوصاتها المشعرة بأن الوقف بعد حصوله لا يغير و لا يبدل و الاجماع المنقول فما نقل عن المفيد رحمه الله من جواز التغيير في الوقف و الادخال فيه لو حدث في الموقوف عليه حدث يمنع الشارع من صلته و التقرب إليه به و الصدقة عليه من كفر أو فسق يستعين بالوقف عليهما و نفي عنه البعد بعضهم ضعيف جداً مخالف للادلة المتقدمة و لو أن حدوث ما ذكر مناف للوقف لكان منافيا لسائر ما يملكه الموقوف عليه فينبغي جواز تغييرها و هو ظاهر البطلان و الظاهر من مذهبهم اختصاص الحكم بحدوث الحادث فلا يسري لما كان حاصلا في ابتداء الوقف و لو شرط الواقف في الوقف ادخال غير الموقوف عليه معه إذا وجد أو اتصف بالصفة الخاصة

ص: 29

فالظاهر صحة ذلك و لو بلفظ الشرط كما يظهر من المشهور و ربما نقل عليه الاجماع تمسكا بعموم دليل الشروط و إن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و لو شرط ادخال من يريد بعد الوقف ادخاله فأراد دخول أحد صح الشرط و دخل من اراد على ما قطع به بعض الأصحاب حيث أن جعله كالاول في الحكم لرجوعه إلى اشتراط دخول من تعلقت الارادة بدخوله فكما صح الأول اتفاقا صح الثاني و احتمال فساده بانه يكون في قوة نقل حصة الموقوف عليه لتقليلها بدخول الثاني وارد عليهما معا و جوابه ان القصد ليس إلى ذلك ابتداءً و ان لزمه اخيرا كالوقف التشريكي على البطون المتلاحقة و لا بأس بذلك و مع ذلك ففي صحة ذلك مع الشرط بل بنفس الوقف كما إذا قال وقفت هذا عليك و على كل من اريد دخوله بعد ذلك اشكال و تأمل و لو شرط اخراج من يريد من أهل الوقف بعد تمامه و مضيه بطل اتفاقا منقولًا بل محصلًا و لو جعله بصورة الوصف كان يقول وقفت هذا عليكم ما دمت مريداً لدخولكم فاذا انقرضتم أو كنت مريداً لخروجكم فعلى الفقراء ففي صحته وجه إلا أن ظاهر الأصحاب منعه مطلقا و لو شرط نقله من الموقوف عليه إلى من سيوجد فان جعله بصورة الوصف فللصحة وجه قوي و إن جعله بصورة الشرط كأن يقول وقفت هذا عليكم بشرط أن ينتقل منكم إلى من يوجد من اولادكم قيل ببطلانه و نسب للمشهور و حكي عليه الاجماع و استند فيه للأصل في محل الشك و لعدم دخوله تحت العقود المعهودة أو الوقوف كذلك و قيل بصحته و نقل عن العلامة رحمه الله أنه ادعى على ذلك الاجماع و استقر به في الدروس بناءً على أنه مثل الوقف على الوصف المنتقل من صنف إلى صنف و ربما جعل بمنزلة الوقف على أولاده سنة ثمّ من بعدها على المساكين ورد الاجماع بالاجماع المتقدم المعتضد بفتوى المشهور ورد القياس على الوصف بانه مع الفارق لأن الوقف على المتصف وقف على الجهة فيدور مدارها الوقف وجودا و عدما بخلاف الوقف على قوم و اشتراط نقله فانه وقف و نقل و هو مما ينافي اللزوم و الدوام و كذا القياس على الوقف على أولاده سنة ثمّ من بعدها على المساكين بمنع المقيس عليه أو لا و تسليمه و كونه مع الفارق ثانياً لأن الوقف مدة معينة ثمّ من بعدها

ص: 30

على من لا ينقرض وقف ينتقل من وقت إلى وقت و من حال إلى حال بخلاف اشتراط النقل فانه وقف و نقل عن الموقوف عليه بعد كونه وقفاً فهو مناف للدوام و لو وضع الوقف و في هذا الاخير نظر و تأمل و الحق التفصيل بين ما إذا جعل النقل بصورة الوصف في الوقت فيصح و بين ما يجعله بصورة الشرط للشك في تأثير الشرط النقل عن أهل الوقف ما لم يدخل في الوصف و شبهه و لا يبعد حمل كلام الشهيد رحمه الله عليه.

رابع عشرها: يشترط في الموقوف امور منها كونه عينا لا ديناً و لا كلياً

و ان وصف بصفات السلم و لا مبهماً مردداً و لا منفعة و لا حقا للاصل في محل الشك و لانصراف ادلة الوقف عموما و خصوصاً للعين المقابلة لجميع ما ذكرناه و للإجماع المنقول على اشتراط ان لا يكون ديناً و لا منفعة و لا مبهماً بل قد يدعي الاجماع المحصل على اشتراط أن لا يكون الوقف من أحدهما على الوقف المتلقي من الشارع و هو تحبيس الأصل و اطلاق المنفعة فوقف المنفعة مناف لذلك مما تنقضي شيئا فشيئاً و كذلك وقف المبهم لأنه لا وجود له في الخارج و أما وقف الدين و الكلي إن أمكن القول بصحتهما كما يصح بينهما و يكون قبض الفرد قبضا لهما كما يصح هبة ما في الذمة لغير من هو عليه كما اجاز بعضهم و يكون قبض الفرد قبضاً لها سيما لو قلنا ان الفرد المقبوض ينصب العقد عليه و يكون هو المعقود عليه حقيقة و احتمال ان المانع من وقفهما كونهما معدومين و لا يصح وقف المعدوم أو كون مقتضاهما التعليق و الوقف بشرط التنجيز ضعيف لأن الكلي ليس من الامور المعدومة قطعاً لتعلق الاحكام الوضعية و التكليفية به و لجواز جعله ثمنا و مثمناً و مهراً و كذا الدين و ليسا معا من الامور المقتضية للتعليق لتنجيز بهما في بيع و مهر و شبههما فيملكان في الذمة منجزاً و ان توقف تعينهما على قبض فردهما في الخارج و حينئذٍ فلا مانع من تعلق وقف الكلي أو الدين في الدين في الذمة منجزاً إلا انه لا يتعين إلا بالقبض إلا أن الظاهر الاتفاق على منع وقفهما و اشتراط القبض و التسليم في لا وقف و ما يشعر بذلك و إن لم يكن بينهما ممانعة ذاتية و منها كون العين مقدوراً على تسليمها أو تسلمها عرفاً فلا يصح وقف غير

ص: 31

المقدور على تسليمه كالطير في الهواء و نقل على ذلك الاجماع و الظاهر أنه اتفاقي و اشتراط القبض مما يشعر به و إن لم يكن بين اشتراط القبض و تعذر التسليم منافاة لبقاء عقد الوقف موقوفا إلى امكان تسليمه فإن أمكن صح الوقف و إلا فلا و منها أن تكون معلومة فلا يصح وقف المجهول عند الواقف بل و عند الموقوف عليه إذا لم يكن له تمييز في الجملة لعدم انصراف ادلة الوقف لمثله و للشك في اندراج وقف المجهول تحت ادلة الوقف و إلا فلا ممانعة بين المجهول و وقفه لأن الوقف ليس من عقود المعاوضات التي قد نهي فيها عن الغرر سيما لو كانت الجهالة مما تؤول إلى العلم و سيما لو كانت من الموقوف عليه و منها أن تكون للعين منفعة ظاهرة مقصودة للعقلاء و أن تكون محللة و أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها بحيث لا يؤدي الانتفاع بها إلى اتلافها و لو كانت للشي ء منفعتان محللة و محرمة فقصد المحلل صح لو كان المحلل مقصوداً للواقف إلا انه غير مقصود للعقلاء بطل الوقف و لا يشترط في المنفعة دوامها و لا وجودها فعلًا فيصح وقف ريحان يسرع الفساد إليه و وقف تفاحة للشم على الاظهر و إن أمكن المناقشة بعدم انصراف الادلة إليه و عدم كونه معهوداً أو منافاته للدوام المبني عليه الوقف في الجملة و يصح وقف ما يتوقع منفعته و إن لم تكن له منفعة فعلية كالدابة الصغيرة قبل امكان الانتفاع بها و يشترط كون المنفعة أمراً لا يؤدي إلى تلف العين بحيث يتوقف الانتفاع على التلف كوقف الخبز و الماء و كونها متمولة عرفاً على وجه و الاوجه خلافه لأنه ليس من عقود المعاوضات و منها أن لا يكون الموقوف نجسا أو متنجسا لا يقبل التطهير للشك في شمول أدلة الوقف لمثله و لا يبعد جواز وقف كلب الصيد بعد القول بملكه و أن لا يكون مما لا يملك كالسنانير و الوحوش و السباع و أن لا يكون معيناً على معصية كوقف السلاح على اعداء الدين و الحرب قائمة أو وقف ما يتوصل به إلى محرم من حيثية التوصل كل ذلك لمكان النهي المنافي للقربة و لما في من الاعانة على الاثم و العدوان و لا يصح وقف كل كل مشترك بين المسلمين كالاراضي المباحة و الخراجية و الطرق النافذة و شبهها و أما ما لا يملكه الواقف ففي صحته وجهان من كون الوقف عقداً فيشمله ما دل على صحة الفضولي في العقود و من عدم كونه عقداً مجرداً

ص: 32

لاشتراط القربة في صحته و هي بملك الغير غير حاصلة سيما في الغاصب و سيما فيما وقف على نفسه لأن القربة الصادرة من الفضولي لا اثر لها و القربة الصادرة من المجيز حين الاجازة مشكوك في تاثيرها أما لاشتراط مقارنة القربة للصيغة بنفسها أو للشك في تحقق القربة المشترطة في الوقف في القربة الصادرة من المجيز بعد وقوع العقد مع ان الأصل عدم النقل و بقاء الملكية إلا أن يفرض صدور القربة من الفضولي جهلا و صدور القربة من المالك حين الإجازة و أن يقع الوقف عن مالكه و تكون الاجازة على طبقة فلا يبعد حينئذٍ صحة الوقف الفضولي لو نوى الفضولي الوقف عن نفسه فاجاز المالك كذلك كان تمليكاً له و وقفا عليه و لو اجاز المالك عن نفسه أو نوى الفضولي عن المالك فاجاز المالك عن الفضولي ففي الصحة اشكال و لو اختلفا الصادر من الفضولي مع الاجازة بطل الوقف فلو وقف خاصا أو تشريكا أو مقيدا بقيد أو مشروطا بشرط فاجاز عاما أو مرتبا أو مطلقا أو غير مشروط أو مشروطا بشرط آخر بطل الوقف الا ان يجيز مرة اخرى و بالجملة فالفضولي في الوقف لا يخلو من اشكال و هل فضولي القبض كفضولي العقد يحتمل ذلك لاشتراط استمرار القربة معه فيجري عليه ما يجري عليه و يحتمل كفاية القربة المقارنة للصيغة من المالك مع القربة المقارنة لإجازة القبض و هو قريب و هل فضولي القبول كفضولي الايجاب فيجري فيه الاشكال المتقدم أو انه ماض عند الاجازة من غير اشكال لعدم منافاة القربة له وجهان و لا يبعد الاخير و لو وقف ما يملك و ما لا يملك صح في المملوك دون غيره و تفرقت الصفقة و انصب العقد على القابل دون غير القابل لان الاسباب الشرعية معرفات لا علل عقلية و نفذت القربة فيما يصح و فسد فيما لا يصح هذا إن لاحظ الوقف على الجميع فلو لاحظ المجموع من حيث هو ففي صحة الوقف وجهان و لا يبعد عدم صحته و يجوز وقف الاسلحة و الذهب و الفضة على الحضرات و المشاهد للتزين و التعظيم لها و بالحقيقة هو وقف على المسلمين لا لانتفاعهم فيه لتعظيم مساجدهم و حضراتهم و كيد اعدائهم و اغماض عيون حسادهم و يصح وقف الدراهم و الدنانير و للتزين و التعظيم و لجلب المال و الاعتبار و لمنافع أخر كما ورد في الأخبار من

ص: 33

جواز الانتفاع بها مع بقاء عينها كما سيجي ء ان شاء الله تعالى في كتاب العارية فتدخل تحت ما يصح وقفه عموما و خصوصا و منع جماعة من وقفها و نقل عن الشيخ رحمه الله في المبسوط الاتفاق على المنع الا من شذ و ندر و لعله بذلك يحصل الاشكال في صحة وقفها و شمول ادلة الوقف لها و منها أن يكون الموقوف موجودا فلا يصح وقف المعدوم ابتداءً سواء كانت له مادة واصل أولم يكن له لعدم دخوله تحت دليل الوقف و يجوز وقف المعدوم تبعا للشرط كما يقف الامة بشرط أن يكون ولدها وقفاً و يقف الشجرة على أن يكون ثمرها وقفا و هو و إن لم يكن وقفا حقيقة ففائدته فائدة الوقف و لا يجري ذلك في المعدوم من غير توابع الأصل فلا يصح وقف كتاب بشرط ان ما تحمله الامة وقف لعدم دليل على صحته و عموم دليل الشرط لا يقضي بجوازه كما تقدم غير مرة و لو وقف معدوما فبان موجودا فالاقرب الفساد مع احتمال الصحة و لو قارن القربة على فرض وجوده و لو وقف موجوداً و معدوماً صح في الموجود دون المعدوم و منها أن يكون مذكورا بلفظه أو بالاشارة إليه من قرينة حال أو مقال فلو لم يذكر فسد الوقف و لو ذكر شيئا فبان خلافه كما إذا زعم انه جارية فبان عبدا كان من تعارض الاسم و الاشارة فان كان القصد أولا و بالذات نفس المسمى و وقع التعبير بالاسم زعما صح في المسمى و إن كان القصد الاسم و وقع صدقه على المسمى منه زعما صح في الاسم و إن لم يكن له قصد أولًا و بالذات فسد الوقف و كذا لو قصد المسمى أو الاسم فبان خلافه و لو وقف شيئا بزعم انه صغير أو معيب أو بقيمة دنيا فبان كبيراً أو صحيحا أو بقيمة عليا تصريحا له فالظاهر صحة الوقف و مضيه و احتمال البطلان لتبعية العقود للقصود أو الصحة متزلزلًا فله الخيار بين الامضاء و الفسخ احتمالان قويان الا ان الأول اقوى.

خامس عشرها: يصح وقف المشاع كما يصح وقف المقسوم

لعمومات الادلة و اطلاقاتها و للإجماع المنقول بل قد يدعى المحصل و لامكان القبض في المشترك مطلقا إن قلنا انه التخلية مطلقا أو ما يكون القبض فيه هو التخلية و إن كان القبض باذن الشريك و الواقف في مقام لا يكون القبض هو التخلية بإذن الشريك فان لم يأذن

ص: 34

الشريك جُبر على القسمة و قبضه الموقوف عليه مقسوما و احتمال بطلان القبض هنا لان المقبوض حينئذٍ غير الموقوف ضعيف لان القسمة مميزة و مثبتة له نعم قد يشكل الحال فيما لو امتنع الشريك من التقبيض و لم يكن الموقوف مما يجبر الممتنع على قسمته فهنا يحتمل البطلان و يحتمل الصحة مراعاة بالقبض و لو بعد حين و يحتمل ان للحاكم نصب ثالث عند امتناع الشريك للقبض عن الموقوف عليه باذن الواقف و يحتمل ان القبض يكون هاهنا هو التخلية لتعسر غيرها بل قد يجعل القبض كله هو التخلية في باب الوقوف و الصدقات و لو عصى الشريك فقبض المال المشترك من دون اذن الشريك فالاقرب فساد القبض لمنافاته للقربة و قد ورد في الأخبار ما يدل على جواز الوقف المشاع كقول النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لعمر في سهام خيبر: الأصل و سبل الثمرة و قد كانت السهام مشاعة و كالأخبار الواردة في الصدقة الظاهرة جملة منها في الوقف أو الشاملة له بترك الاستفصال فمنها الخبران في الرجل يتصدق بالصدقة المشتركة قال: جائز. و في ثالث عن صدقة ما لم يقبض و لم يقسم قال: جائز. و في رابع عن دار لم تقسم فيتصدق بعض أهل الدار بنصيبه قال: يجوز. و نحوهما الخامس و في سادس مشهور بصحته كذلك و في سابع عن صدقة ما لم يقسم و لم يقبض فقال: جائزة إلى غير ذلك و المراد فيها الصدقة بالشي ء قبل القبض من المتصدق و قبل تقبيضه له و ليس المراد ان الصدقة لا يفتقر إلى قبض و تقبيض كما هو الظاهر.

سادس عشرها: تقدم اشتراط اجتماع شرائط التكليف في الواقف من البلوغ و العقل و الرشد

و عدم الحجر عليه بفلس أو مرض أو نذر لما ينافي الوقف أو عهد أو يمين للادلة على منع اولئك من التصرف كتابا و سنة و اجماعا و قد وقع الخلاف في صحة وقف من بلغ عشرا فقيل بصحته للخبر: (إذا اتى على الغلام عشر سنين فانه يجوز له في ماله إذا عتق أو تصدق على وجه معروف) و في آخر: (يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته وصلته و إن لم يحتلم) و في ثالث عن صدقة الغلام ما لم يحتلم قال: (نعم إذا وضعها موضع الصدقة و الوقف من الصدقة) كما تدل عليه النصوص و الفتاوى و للاخبار الدالة على جواز وصيته فتدل على جواز وقفه

ص: 35

لاتحادهما في التصرف بالمال و قيل بالبطلان للاخبار الدالة على الحجر على الصبي حتى يبلغ و المراد به الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة أو اربع عشرة و هي اخبار معتبرة معتمدة موافقة للاستصحاب و للمشهور بل المجمع عليه نقلا بل تحصيلا بين الأصحاب فلا تعارضها تلك الأخبار الضعيفة سندا القليلة عددا الخالية عن ذكر العشر في ما عدا رواية ضعيفة غير قابلة لحمل الباقي عليها المشتملة على جواز طلاقه و هو مردود متروك المقيس مضمونها على اخبار جواز الوصية و كل من المقيس عليه و القياس ممنوع فطرحها لمخالفتها للجمهور احرى و اجدر.

سابع عشرها: للواقف أن يطلق الوقف بحسب النظارة

فلا يتعرض لها سواء كان الوقف عاما أو خاصا و له ان يعين ناظرا له عاما كان أو خاصا لعموم ادلة الشروط و الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و لأن الناس مسلطون على اموالهم و يجوز أن يجعل الناظر نفسه لفتوى المشهور بل كاد أن يكون اجماعا و للإجماع المنقول المعتضد بالعمومات و بفتوى الأصحاب و يجوز أن يجعل الناظر غيره لما مر من الادلة و لما ورد في صدقة مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام في حوائطها السبعة و انها جعلت النظر لعلي عليه السلام و للحسن عليه السلام و هكذا و ما ورد في صدقة علي عليه السلام و فيه يقوم على ذلك الحسن عليه السلام ثمّ من بعده الحسين عليه السلام و هكذا و ما ورد في صدقة الكاظم عليه السلام بارضه قد جعلت الولاية فيها للرضا عليه السلام و ابنه ابراهيم ثمّ من بعدهم على الترتيب المذكور و أما ما ورد في التوقيع: (و أما ما سألت عن أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة يسلمها من قيم يقوم بها و يعمرها و يؤدي من دخلها خراجها و مئونتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا) فان ذلك لمن جعله صاحب الضيعة انما لا يجوز ذلك لغيره فان لم يجعل الواقف ناظرا كان النظر للموقوف في الخاص و للحاكم الشرعي في العام لأنه الولي للمصالح العامة و عليه النظر فيها و احتمال كون النظر للمسلمين كفاية بعيد و منهم من بني المسألة على انتقال الوقف عن الواقف و عدمه فان قلنا بعدم الانتقال فالنظر إليه و إن قلنا بالانتقال فان قلنا ينتقل إلى الموقوف عليهم فالنظر اليهم مطلقا عاما

ص: 36

أو خاصاً و إن قلنا ينتقل في العام إلى الله تعالى كان النظر للحاكم الشرعي و الاولى ما ذكرناه ثمّ ان الواقف ان اشترط النظر لنفسه فالظاهر انهم كالولي الاجباري فلا يشترط عدالته ابتداءً و لا استدامته بحيث انه ينعزل لو كان عدلًا ففسق كل ذلك للاصل و لتنزيله منزلة المالك من حيث صدور الوقف عنه و إن اشترطه لغيره فالظاهر اشتراط عدالته ابتداءً و انعزاله بالفسق المتجدد و ذلك لانه امين عند نصبه من الواقف على مال الغير فلا يصح تولية غير العدل على مال الغير سيما و ان حق البطون اللاحقة متعلقة بالوقف فلا بد من ملاحظة عدالة من يتولاها مضافا إلى ان الاتفاق محكي على ذلك و الشهرة المحصلة فالحكم لا اشكال فيه و في الأخبار ما يشعر بذلك ففي النص المتضمن لصدقة امير المؤمنين عليه السلام بعد ذكر نظارة الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام فان حدث بهما حدث فان الآخر منهما ينظر في بني علي عليه السلام فان وجد منهم من يرضى بهديه و اسلامه و امانته فانه يجعله إليه إن شاء الله تعالى و إن لم ير فيهم الذي يريد فانه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم و هنا امور منها انى اشتراط العدالة هل هو ظاهري بنظر الواقف أو واقعي وجهان و مقتضى قواعد الشروط الاخير و لو اشترط الواقف عدالة الناظر فلا شك في عدم اجزاء الفاسق و منها أنه لا يجب القبول على المنصوب من قبل الواقف و احتمال وجوب القبول كفاية أو وجوب القبول عينا ما لم يعلم الواقف بالرد فيكون بمنزلة الوصية بعيدان لمخالفتهما الأصل من غير دليل يدل على ذلك نعم يحتمل ذلك فيمن نصبه الحاكم الشرعي للنظارة لوجوب اتباعه في سياسة المصالح العامة و لحرمة الرد عليه و منها ان النظارة كالوصاية لا تفتقر إلى ايجاب يواجه به و لو قلنا بافتقارها إلى ذلك فلا تفتقر إلى ايجاب لفظي و لا إلى قبول لفظي و ان لزم القبول و الرضا من الناظر و احتمال الالتزام بالنظارة بمجرد جعل الواقف بعيد و لا يتفاوت الحال بين امكان الرد عليه و بين عدمه نعم يلتزم الناظر فيما إذا أوصي إليه ناظر ماذون له بالوصاية و لم يردها تعذر عليه نصب غيره على الاظهر و منها إذا قبل الناظر النظارة فهل له ردها بعد ذلك لانه بمعنى التوكيل أو ليس له ردها للاستصحاب وجهان و لا يبعد الاخير و على الأول فاذا ردها عاد الوقف بلا ناظر فيكون بمنزلة

ص: 37

الوقف الذي لا ناظر له ابتداءً مع احتمال ان النظارة تكون للحاكم الشرعي هنا لا للموقوف عليهم لان الواقف لم يرض بنظرهم ابتداء فترجع النظارة لولي المال الذي لا ولي له لتعلق حق البطون به و منها انه هل للواقف عزله بعد قبوله لانه بمعنى الوكالة أو ليس له وجهان و الاقوى العدم قضاءً لحق الشرط و الاستصحاب إلا إذا اشترط أن له عزله فإنه له و منها أنه هل للواقف نصب ناظر بعد تمام صيغة الوقف و القبض حيث لم يكن ناصبا قبل أو كان ناصباً فيعزل الأول و ينصب غيره أو يضم إلى الأول غيره وجهان و لا يبعد العدم لانتقال الوقف عنه و مضي سلطنته عنه الا إذا اشترط أن ينصب ناظرا و منها لو رتب النظارة فجعلها أولا للموجودين ثمّ إلى البطون اللاحقة فهل يشترط في لزومها عليهم قبولهم و رضاهم أو لا يشترط بل يلتزمون به كالوصية سيما بعد موت الواقف وجهان و لا يبعد الاخير و منها انه لا يجوز أن يجعل النظر لنفسه فينصب ناظراً أو وكيلًا عنه بعد ذلك فيجوز له عزله حينئذٍ و يجوز أن يشترط في الوقف نصب ناظر على حسب ما يريده بعد الوقف فينصبه الواقف فيلتزم به و ليس له حينئذٍ و يجوز أن ينصب ناظراً أو يشترط ان له عزله و يجوز أن يشترط نصب ناظر امره إليه نصبا و عزلا و تبديلا فينصب من شاء و يعزل من شاء و منها أنه لو فسق الناظر المنصوب من طرف الواقف أو جن أو اغمي عليه انعزل و عاد أمر الوقف إلى اهله أو إلى الحاكم مطلقاً لأنه الولي على مال الغائب و شبهه و لو عاد إلى العدالة أو الكمال ففي عود النظارة وجهان من أنها كالوكالة فلا تعود و للاستصحاب و من انها كالولاية و قد منع من نفوذها مانع فاذا زال عادت و الاخير اقوى و منها أنه لو مات الناظر فهل تعود النظارة لأهل الوقف أو للحاكم وجهان و الاحوط الاخير و منها أن الناظر إن شرط له شي ء عوض عمله كان له و ليس له غيره و لو كان دون اجرة المثل إن رضي به ابتداء و إن لم يرض به ابتداء و كان دون اجرة المثل احتمل انه ليس له سواه و احتمل أن له اجرة المثل قهراً سيما فيما لو كان المسمى قليلا و إن لم يشترط له شيئا فإن أقدم متبرعا فليس له شي ء و إن اقدم على عوض و كان العمل مما له أجرة عادة لزم اجرة المثل من الوقف أو من مال الواقف و يحتمل أن لا شي ء له لوجوب النظارة عليه من الواقف

ص: 38

و المفروض أنه لا يستحق على الواقف شيئا من ماله للانفاق على ذلك فلا يستحق من الموقوف شيئا لانتقاله عن ملك الواقف فلا سلطان له عليه و منها أنه لو شرط الواقف النظارة لنفسه مع استحقاق أجرة المثل له اشكال و أشكل منه ما لو شرط له شيئاً في مقابل النظارة في عقد الوقف و لم يكن زائداً عن اجرة المثل و منها أنه لا يجوز التصرف لغير الناظر فيما له النظر فيه إلا مع غيبته أو امتناعه فيرجع إلى الحاكم الشرعي فان فقد رجع لعدول المسلمين حسبة و قد يشكل لزوم الرجوع للناظر الخاص أو العام في الاوقاف العامة من مدارس و قناطر و مساجد للزوم تفويت كثير من اغراض الواقف عند لزوم الرجوع اليهم من رفع و وضع و تعمير و اصلاح و سكنى و غيرها إلا أن يقال إنما يضطر إليه سائغ بالاذن الفحوائية و بالسيرة القطعية و ما لا يضطر إليه فان قضت الاذن الفحوائية من نزول و سكنى و عبور فلا بأس به و إن لم تقض به الإذن لزم الرجوع فيه إلى ما قدمنا و بالجملة فما قضت به السيرة القطعية من التصرفات و الاوقاف العامة من دون سؤال عن وجود ناظر لها أو عن رضاه بعد العلم بوجوده لا بأس به و منها أنه لو شك الانسان في نصب ناظر على الوقف من الواقف فالاصل عدمه و لو شك في اشتراط شي ء زائد من توابع النظارة فالاصل عدمه أيضا و منها أنه لو تصرف أحد بالوقوف العامة من دون إذن الناظر أو اكل من ثمرها فهل يقع التصرف فضوليا موقوفا على اجازته أو يقع صحيحاً إلا أن المتصرف آثم بترك الاستئذان وجهان و لا يبعد الأخير فيما إذا قطع بعدم الاحتياج إلى الثمرة في تعمير أو دفع خراج أو نحو ذلك و الاول في غير ذلك و منها ان الناظر من الواقف إن صرح له بشي ء خاص من الاعمال كان ناظرا عليه و إن اطلق كان له مع الاطلاق تولي مصالح الموقوف و دفع المفاسد عنه فله تعمير الوقف من نمائه و من غيره و دفع القذارات عنه و منع الداخلين من المفسدين إليه و له الاجارة و تحصيل الغلة و قسمتها على اربابها و له فتح الباب المحتاج إليه وسد الاخرى و له هدم ما يضر بقاؤه و له قلع ما يضر غرسه و ليس للموقوف عليهم التصرف في شي ء من ذلك من دون إذنه إلى ما قضت به السيرة و الاذن الفحوائية أو كان الموقوف عليه متحداً و كان للواقف غلة لا يحتاج إليها في الوقف قطعا اما لو

ص: 39

احتمل الموقوف عليه الاحتياج إليها لتعمير أو دفع أو خراج أو اصلاح حرم عليه التصرف من دون إذن الناظر و لا يملك على الظاهر و منها أن الواقف لو اشترط عدم الناظر في الوقف العام و اجاز لكل أحد التصرف من دون رجوع إلى الحاكم فالظاهر أنه لا عبرة بقوله لخروج الوقف عن ملكه و انتقاله إلى غيره فلا يسمع قوله فيما يعود إلى الوقف ضرر فيه نعم لو اجاز اكل كل أحد من دون استئذان الحاكم و لم يتعلق به ضرر على الواقف فلا يبعد الجواز من دون استئذان و منها انه كما يشترط كون الناظر المنصوب من قبل الواقف عدلًا لا يشترط كونه له اهتداء في التصرف فلو لم يكن له الاهتداء بطلت نظارته ابتداءً حتى لو كان المشروط نظارته هو الواقف منه نفسه و منها أنه لو نصب الواقف ناظرا عدلا و غيره صح في العدل و فسد في غيره و لكن لا يجوز للعدل التصرف حتى يضم الحاكم إليه آخر بدلا عن الفاسق و كذا لو نصب ناظرين أحدهما أغمي عليه أو مات و منها أنه يجوز جعل النظارة للموجودين فقط إذا وجدوا مشتركا و لهما مرتبا الموجود أو لا ثمّ المعدوم أو بالعكس و منها أنه لو عدد النظار فله أن يصرح بالاستقلال فيجوز لكل منهما الاستقلال و مع فقد أحدهما فلا يبعد عدم لزوم ضم واحد بدله إلى الآخر من الحاكم و له أن يصرح بالاجتماع و هنا لا بد من الانضمام و له أن يصرح باستقلال واحد دون الآخر و إن أطلق فالظاهر إرادة الاجتماع و إن عطفت بالواو فالظاهر ارادة التشريك و إن كان العطف بالفاء أو بثم فالمراد الترتيب و إن عدّد النظارة و جعل لكل واحد عملًا اختص به و إن أطلق فالظاهر اشتراكهم في كل الأعمال و منها لو تشاح النظارة المستقلون اقترعوا بينهم فان عطلوا المال جبرهم الحاكم أو قام مقامهم و لو تشاح المجتمعون جبرهم الحاكم فان ادى التشاح إلى الفسق عزلهم و إن عرف الفساد من واحد بعينه عزله و نصب بدله و منها لو ادعى شخص النظارة في الوقف العام و كان صاحب يد فلا يبعد لزوم تصديقه و ليس للحاكم رفع يده و لو ادعى من دون استيلاء يد كان للحاكم منعه لانه الولي حيث لا يثبت ولي و لو ادعى في الوقف الخاص كان مدعياً مطلقا و عليه البينة و منها انه لو انعزل الناظر من قبل الواقف انعزلت وكالته و لو أذن له بالواقف بأن ينصب ناظراً عن

ص: 40

الواقف فنصب عنه لم ينعزل و منها أنه لو صار الحاكم الشرعي ناظراً لم يجز للحاكم الاخير عزله و لا مزاحمته و لو نصب ناظراً لم يجز للآخر عزله من دون مصلحة للوقف يريدها الآخر للزوم الفساد في تجويز ذلك و عدم استقرار وكلاء الحاكم لوقوعهم بين نصب و عزل فلا يستقيم النظام و هل ينعزل الناظر المنصوب من قبل الحاكم بموته الظاهر لا لأنه كالمنصوب من قبل الامام عليه السلام نعم لو جعله وكيلا عنه في النظارة انعزل بموته و لو جن منصوب الحاكم أو فسق فالاظهر عدم عود نظارته بعود كماله و عدالته و لو رأى الحاكم صلاحا بنصب الفاسق إلى حين فلا يبعد جواز نصبه فاذا اقتضت المصلحة منه انعزل و منها أنه يجوز نصب العبد ناظراً باذن مولاه و في نصب الحاكم له اشكال و لا يجوز نصب الطفل قبل بلوغه و يجوز نصبه بأن يجعل له التصرف بعد البلوغ و يكون أمر الوقف ما بين الوقف و بلوغه راجعا إلى الموقوف عليه و في جواز نصب المجنون إذا عقل و السفيه إذا أرشد اشكال و منها ان الحاكم الشرعي لو فقد فالنظارة في الوقوف العامة أو الخاصة الناقصة أهلها بجنون و شبهه تكون لعدول المؤمنين فإن لم يمكن فلكل من له القابلية حسبة لانه احسان و ما على المحسنين من سبيل و منها أن الناظر يصح أن يكون خاصا بعينه و يصح كونه عاما كأن يقول و النظر للتقي من ارحامي أو الارشد من اقاربي أو لمن كان جار الموقوف فإن اتحد كان النظر له وحده فإن تعدد كان لهم جميعا و الظاهر انه على جهة الاستقلال و لا يصح جعل ناظر مردداً مع احتمال جواز جعل أحد الرجلين ناظرا فيكون كالواجب الكفائي على جهة الوجوب على الجميع و سقط بفعل أحدهما لا على جهة الابهام و يصح جعله على التخيير بينهما و الخيار يكون بايديهما و منها أنه يجوز جعل الناظر ناظراً على حال دون آخر و يجوز أن يقيد النظارة بمدة معينة و يجوز أن يتعدد النظارة على عدد المدد أو الاوصاف أو الاحوال و يجوز أن يجعل الناظر نفس الموقوف عليه فيكون شرطاً مؤكداً و يجوز أن يشرك نفسه و غيره مع الموقوف عليه بالنظر و يجوز أن يجعل ناظرا على الناظر يرجع إليه في التصرف و يجوز أن يجعل الرأي لواحد و العمل لآخر و لو شرط على

ص: 41

الناظر أنه لو فعل كذا في الموقوف انعزل ففي صحة هذا الشرط اشكال إلى غير ذلك من الفروع المتكثرة.

ثامن عشرها: الوقف عام و خاص

و العام هو الوقف على ما ينحصر عرفاً بحيث كان حصره متعذراً أو متعسراً و من لوازمه انه لا ينقرض غالبا و ذلك كالوقف على المسلمين و الفقراء و السادات و المؤمنين و الزائرين و الحجاج و اهل البلد الفلاني أو القرية الفلانية المتسعة عرفا و يدخل فيه الوقف على المطلق إذا اريد بالوقف الوقف على الطبيعة كالوقف على طبيعة الرجل و على طبيعة المؤمن و على طبيعة الزائر و نحو ذلك و من اقسام العام الوقف على المصالح كالوقف على المصالح كالوقف على المدارس و المساجد و القناطر و نحوها فإنه يعود الوقف على أهلها من المدرسين من المسلمين و لمصلين و المستطرقين منهم و هو في الحقيقة وقف عليهم لأن المصالح لا تملك و لا تعقل فلا يصح الوقف عليها و عود الوقف اليهم بحكم الشارع لظاهر الاتفاق على جوازه و إن نوى الواقف إن الموقوف عليه هو المسجد مثلا إما لانحلال قصد الواقف إلى ذلك عند التفصيل و إما لإرادته من المسجد المصلين مجازا بقرينة الحال و الخطاب أو تصحيحا للوقف مهما امكن وجوه و احتمالات اوجهها الثاني و الوقف الخاص ما كان الموقوف عليه منحصرا عادة و ينقرض غالبا كالوقف على الاقارب و الأخوة و الأولاد و أهل قرية صغيرة أو بيوت قليلة و من لوازم الأول عدم وجوب صرف نماء الوقف على جميعهم لمكان التعذر و التعسر و كون تولية الوقف بيد الحاكم و من لوازم الثاني لزوم صرف النماء في جميعهم على نسبة القسمة الموظفة لهم و كون تولية الوقف بايديهم مع عدم جعل ناظر من الواقف و لو عاد الخاص عاما بحيث انتشرت افراده و كان لا ينحصر احتمل اجراء حكم العام عليه و احتمل بقاء حكم الخاص عليه فيجب التوزيع عليهم مهما امكن و صرفه في جميعهم مهما تيسر و الأخير أقوى و لو عاد العام خاصاً بحيث انحصرت افراده فالاظهر بقاء حكم العام و يجوز أن يفيد الواقف العام بصنف خاص أو بوصف خاص فيجب اتباعه فلو وقف القنطرة و المدرسة على الفقراء جاز و هل يجوز التقييد في المسجد كأن يقف المسجد على الفقراء يحتمل الصحة لعموم ادلة

ص: 42

الشروط و الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و يحتمل العدم لعدم معقولية الاختصاص بالمسجد لأن وضعه شرعاً على عموم الانتفاع به في العبادة و الصلاة فالتخصيص مناف لعقد وقفه و على العدم فهل يبطل الوقف لبطلان الشرط أو يصح لكونه فك ملك على وجه التبرع و قد حصل فيبطل الشرط و يصح الوقف وجوه و لا يبعد أن خيرها أوسطها ثمّ ان الوقف قد يترتب خاصا بعد خاص و هكذا و قد يكون أوله خاصا ثمّ بعده عاما و قد يترتب بالعكس و قد يترتب عاما فعاما و هكذا ثمّ ان الوقف قد يكون وقف تشريك و قد يكون وقف ترتيب و قد يكون فيه تشريك و فيه ترتيب و قد يترتب العام و قد بين عامين و قد يشرك بين عام و خاص و قد يخص الترتيب أو التشريك بزمان دون زمان أو بحال دون حال أو بمكان دون مكان أو بسنة دون سنة في وجه و قد يخص أحدهما و يطلق الآخر إلى غير ذلك من الفروع المتكثرة القاضي بجوازها ظواهر ادلة الشروط و الوقوف و ظاهر اتفاق الفقهاء و لو شك في أن الوقف عام أو خاص و كان الخاص داخلا في العام احتمل الحكم بالعموم لخروج الوقف عن ملك الواقف و الأصل عدم اختصاصه بموضوع خاص و احتمل الحكم بالخصوص لأنه المتيقن و ينفي ما زاد بالاصل و لو عرف الموقوف عليه و شك في اشتراط وصف زائد أو قيد زائد فالاصل عدمه و لو شك بين عام و خاص و لم يكن الخاص داخلا في العام أو بين خاصين فالقرعة أو التوزيع عليهما أو بقاء العين موقوفة و يكون حكم النماء حكم مجهول المالك و احتمال رجوع العين في حكم مجهول المالك بعيد و لو دار الامر بين الوقف التشريكي و الترتيبي احتمل الحكم بالتشريك لانتفاء الترتيب بالاصل و احتمل الحكم بالترتيب لانه المتيقن و احتمل القرعة و قد يقال إن الأصل فيما يدور بين العام و الخاص هو العام لانتقال الملك عن الواقف و اصالة عدم الخصوصية و يعرف التشريك بالعطف بالواو أو التقييد بلفظ مع أو الاتيان بلفظ جامع للكل و يعرف التشريك بالعطف بثم أو الفاء لظهورهما في الترتيب الحكمي دون الذكري أو الاتيان بلفظ بعد و نحوها و من الترتيب أن يقول وقفت على اقاربي الأقرب فالاقرب أو اولادي الأعلى فالأعلى و الاكبر فالاكبر و لو ذكر عدة اسماء و قال الأول فالاول أو المقدم فالمقدم أو

ص: 43

السابق فالسابق أو واحدا بعد واحد افاد الترتيب و لو لم يذكر عدة أسماء بل قال وقفت على اولادي واحداً بعد واحد فالظاهر التشريك و إرادة ان المعدوم بعد الموجود و كذا لو قال وقفت على اولادي بطنا فبطنا و ظهرا فظهراً و لو قال بطناً بعد بطن و ظهراً بعد ظهر احتمل إرادة الترتيب و احتمل إرادة التشريك و بيان أن المعدوم بعد الموجود فيفيد الاستغراق و الاول أظهر.

تاسع عشرها: لو وكل في الوقف مطلقاً للجهالة و لو وكل على الإطلاق أو العموم صح

و كان للوكيل الخيار و لو أقر الواقف بوقف حكم عليه بوقوعه صحيحاً مقبوضاً فيخرج من أصل ماله لو أقر بوقوعه حال الصحة و لو اقر بوقوع وقف منه لا يعلم وقوعه منه حال الصحة و المرض ففي خروج من الأصل أو الثلث اشكال و نماء الوقف ليس بوقف بل يملكه الموقوف عليه إلا مع الشرط و كان بحيث يمكن وقفه فإن الظاهر صيرورته وقفاً أو بحكم الوقف بالشرط نعم قيمة الوقف إذا اتلفه متلف فاشترى بها شيئاً كان بمجرد الشراء وقفاً و لا يحتاج إلى صيغة على الاظهر لأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الاوائل و في التابع ما لا يغتفر في المتبوع و لو ضمن لمثله كان مثله بعد قبضه وقفا و المفصول من الاوقاف العامة من الاراضي ما عدا المساجد يملكه اخذه كالمأخوذ من الطرق و الاراضي الخراجية لأنه بمنزلة النماء و المسيرة و الظاهر جواز هدم الوقف الخاص و تغييره إلى موضوع آخر إذا تعلقت للموقوف عليهم مصلحة بذلك و لم يكن اشترط الواقف بقاءه على وصف خاص و إلا لزم اتباع شرطه للاصل و لملاحظة الواقف نفع الموقوف عليه فيدور الحكم مدارها و لأن الدارية و الحمامية لم تؤخذ حين الوقف شرطاً كي يجب اتباعهما و إنما اخذت عنوانا و لا يجب اتباع العناوين و أما العام فإن كان مسجدا فلا يجوز تغييره و إن كان غيره فإن بطل الانتفاع على هيئة الموقوف عليها فلا شك في جواز تغييره لأن بقاءه مناف لغرض الواقف حينئذٍ و لرجوع امره إلى الحاكم الشرعي فيفعل فيه ما فيه صلاح للموقوف عليهم و لأن الواقف إذا لم يشترط وضعه على هيئة خاصة يعود وقفه على تلك الهيأة من الاوصاف العنوانية فلا يجب اتباعها لأنها لم تؤخذ قيداً إلا إذا فهم من حاله ارادة ذلك و ان لم يبطل الانتفاع

ص: 44

به بتلك الجهة فالاظهر عدم جواز تغييره مجاناً لأن الظاهر من حال الواقف في الاوقاف العامة ارادة بقائه على الحالة الموقوف عليها سيما لو كان الموقوف بستانا أو حماما أو مدرسة و لو لم يفهم ذلك جاز للحاكم التغيير مع المصلحة لأنه الولي على المصالح العامة.

العشرون: يثبت الوقف بالبينة و باخبار العدل في وجه قوي

سيما مع عدم المعارض و باخبار صاحب اليد و باستقلال الموقوف به و كونه من توابعه كفرش المسجد و سرجه و آلاته و جميع ما هو بايدي الموقوف عليهم من توابعه و بالشياع المفيد للظن القوي و باستعمال المسلمين له استعمال الاوقاف و اجراء حكمها عليه و بحكم المجتهد به و بوجود علائم الوقف المفيدة للظن الغالب عادة به كنصب محاريب و نحوها في المساجد و كتابة لفظ الوقف على سطر القرآن الشريف كتابة يظهر منها الصدق أو كتابة وقفية عليه يظهر منها الصحة أو كبناء القباب و المشاهد اليوم في المقامات التي يدعون أن أهلها اولياء أو غير ذلك و هذه العلائم الاخيرة لا تعارض اليد المدعية للملكية النافية للوقفية و انما تثبت الوقفية حيث لا معارض.

الحادي و العشرون: الوقف عامة و خاصة ينتقل عن الواقف

اشارة

كما هو المشهور شهرة محصلة و منقولة و كما نشعر به اطلاق لفظ الصدقة عليه في الأخبار فانه لا يعقل للفظ الصدقة عرفا و شرعا معنى سوى ما انتقل عن صاحبه لغيره ابتغاء وجه الله تعالى و في الخبر ان صدقة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و فاطمة عليها السلام لبني هاشم و بني عبد المطلب و ظاهر اللام الانتقال و في أخبار الوقف ما فيه أنه صدقة بتا بتلا و هما بحسب العرف و اللغة المنقطعة عن صاحبها و يؤيد الانتقال أن الوقف يزيل التصرف بالعين و المنفعة اللازمان للملك و زوال اللازم يدل على زوال الملزوم و أنه لو لم ينتقل لرجع ضمانه إلى المالك فلا يلتزمه أحد و ما نقل عن بعض الأصحاب عدم الانتقال لجواز ادخال من يريد مع اصاغر ولده و لأن الوقف تحبيس و من شأنه عدم الملك للمحبوس عليه فلا ينافي ملك الحابس له بل العدول عن النقل إلى التحبيس دليل على عدم الانتقال و الكل ضعيف لانا لا نقول بالاول و لو قلنا به فللدليل و لأن المراد بالتحبيس التحبيس على الموقوف

ص: 45

عليه من التصرف فيه بنقل عنه أو انتقال بمعنى أن لا ينتقل إليه مطلقا بل على الوجه الذي نقله إليه و دعوى أن كل حبس شأنه عدم الملك ممنوع لأن من افراد الحبس هو الوقف و العدول من النقل إلى الحبس للدلالة على أن الموقوف محبوس على الموقوف عليه ثمّ على القول بانتقاله من ملك الواقف فهل يعود لله تعالى لثبوت انتقاله عن الواقف و عدم ثبوت انتقاله إلى غيره استصحابا و معنى انه لله تعالى أنه لا يملكه أحد من الآدميين فيكون كالتحرير و ليس كسائر المباحات لاختصاص الموقوف عليه به و عدم جواز مزاحمته في عينه و لا منفعته و لا في قيمته لو ضمن بقيمته بحيث لم يمكن جعل القيمة وقفا أو يعود ملكا للموقوف عليه مطلقاً كما نسب للاكثر و إن لم يجز نقله و بيعه كأم الولد لأنه قال مضمون بالمثل و القيمة و ليس ضمانه للواقف و لغيره فيكون للموقوف عليه و نقض ذلك ببواري المسجد و آلاته فانها تضمن بالقيمة و ملكها لله تعالى ورد بأن النقض إنما يتم لو جعلنا المضمون في الوقف مطلقاً وقفا و لو جعلناه للموقوف عليه طلقا لم يتم النقض و نظر فيه بان جعله مما يؤكد النقض بخلاف جعله وقفا لبقاء أصل الشبهة و في النظر نظر لان الغرض الفرق بين بواري المسجد و غيرها للزوم كون المضمون في الأول وقفا دون الثاني و قد يستدل على انتقاله للموقوف عليه برواية سليمان النوفلي في ارض موقوفة على قوم منتشرين فاجاب بانها لمن حضر البلد الذي فيه الملك لمكان اللام المفيدة لملك رقبة الأرض لأنها المسئول عنها للحاضرين و قد ينظر

فيه بعدم افادة اللام الملك و بعدم تعلق الملك بنفس رقبة الأرض ضرورة أن الغائب له سهم فيها لأنه لو دفع إليه شي ء من نمائها لاستحقه غاية ما في الباب لا يجب التوزيع و الدفع إلى الغائب و قد يناقش في عدم افادة اللام الملك لظهورها فيه و في جواز دفع شي ء للغائب قبل حضوره و قد يستدل على أصل الملك باطلاق لفظ الملك الظاهر في كونه للآدميين إن ثبت اشتمال لفظ الرواية على لفظ الملك كما في المشكاة أو يفرق بين كونه وقفا على منحصر فيملكه الموقوف عليهم لظاهر الأخبار الدالة على انها لهم و لثبوت جملة من لوازم الملك فيه و لعود النظارة فيه اليهم و لعود قيمته أو مثله مع عدم امكان جعلهما وقفا اليهم قطعا و بين كونه وقفا على غير منحصر سواء كان وقفا على

ص: 46

نوع أو صنف أو على مصلحة من مسجد و قنطرة فيعود لله تعالى كما اختاره جماعة لتساوي نسبة كل واحد من المستحقين إليه و استحالة ملك كل واحد أو واحد معين أو غير معين للاجماع و استحالة الترجيح و لا المجموع من حيث هو لاختصاص الحاضرين به و فيه نظر لجواز كون الملك لكل واحد كالطرق و الشوارع و لكن لا يجب توزيع النماء عليهم و جواز كون المالك هو الطبيعة و لا نسلم كونها معدومة لوجودها في ضمن الافراد أو يفرق بين الوقف على الآدمي فيملكه الموقوف عليه و بين الوقف على المصالح فيعود لله تعالى كما اختاره بعض و ذلك لعدم معقولية ملك الجهة لعدم القابلية لذلك و لأنه بمنزلة التحرير كالعتق و لعدم اشتراط القبول و القبض فيها بل يكفي فيها صلاة واحدة و دفن واحد و فيه نظر لمنع عدم تملك الجهة فلعلها تقبل الملك كما تقبل الوقف و لمنع كون الوقف على الجهة وقفا عليها بل هو وقف على المسلمين كما تقدم فيملكه المسلمون و منع عدم اشتراط القبض و القبول فيها و لو من الحاكم بل هو عين الدعوى أو يفرق بين وقف المسجد بالخصوص فيعود لله تعالى لان المساجد لله تعالى و لجريان احكام كونه له عليه و لاحترامه و إعظامه الظاهر من كونه له تعالى و لظاهر الأخبار و السيرة و الآثار و بين غيره فيملكه الموقوف عليه مطلقاً لما دل من الأخبار المشتملة على كون الوقف لهم الشاملة للخاص و العام و من جملة العام صدقة بني هاشم و بني عبد المطلب كما تقدم ما ظاهرها الملكية و هذا الاخير اقوى.

فروع:

الأول: تثبت دعوى الوقف بشاهد و يمين

لو قلنا بانتقاله إلى الموقوف عليه و لو قلنا بانتقاله إلى الله تعالى احتمل اثباتها بهما نعم لو تجردت دعوى العين عن المنافع اشكل ثبوتها بهما و يتولى الدعوى في المنحصر نفس الموقوف عليه و في غيره يتولاها الناظر أو الحاكم و لكن في توجه اليمين عليهما مع الشاهد اشكال ينشأ من كونهما اولياء للوقف و لا يمين على الولي و من كونهما داخلين في الموقوف عليهم فلهم تشبث بالملك في الجملة فيصح منهما اليمين و الأول أوجه.

ص: 47

الثاني: لا يصح عتق العبد الموقوف لتعلق حق البطون به

و لما يظهر من الأخبار من منع نقل الوقف و التصرف فيه على غير جهة الوقف و موردها و إن كان غير العتق من هبة و بيع و ميراث إلا انه مثال كما هو الظاهر هذا إن قلنا بانتقاله إلى الموقوف عليه و إن قلنا بانتقاله إلى الله تعالى فوجه عدم صحة عتقه ظاهر لأن العتق فك الملك فلو جاز في الوقف للزم تحصيل الحاصل و لو قلنا ببقائه على ملك الواقف فهو محجور عليه بالتصرف فيه قطعا للاخبار و الفتوى.

الثالث: لو كان العبد بين اثنين فوقف أحدهما نصفه و عتق الآخر

فالاقوى أنه لا يسري العتق هنا إما على القول بانتقال الوقف لله تعالى فللزوم تحصيل الحاصل و أما على القول بانتقال للموقوف عليه فكذلك للشك في شمول دليل السراية المخالفة للاصل لمثل ذلك و لتعلق حق البطون اللاحقة و لعدم نفوذ العتق في الوقوف مباشرة فلا ينفذ سراية بطريق اولى و لظاهر الاجماع المنقول و ظاهر الأخبار ايضاً المشعرة بأن الوقف بعد وقوعه و صحته صار محجوراً عليه و لا ينفذ فيه شي ء من التصرفات المزيلة لما هو عليه و كذا على القول ببقائه على ملك الواقف فإن الظاهر عدم السراية للشك في شمول دليل السراية لمثل ذلك و لتعلق حق الموقوف عليه به فلا يقدم عليه حق العتق و قد يحتمل سراية العتق على نصيب الموقوف عليهم و يضمن عوضه المعتق لأنه يكون بمنزلة الاتلاف و يشتري بعوضه ما يكون وقفاً و يفرق بين العتق مباشرة و بينه سراية لأن السراية مع اجتماع شرائطها تكون بمنزلة الاتلاف القهري فتنفذ في المحل بخلاف العتق الاختياري فانه بمنزلة التصرفات الاختيارية و هي محجور عليها و لتوقف صحة العتق الاختياري على انحصار الملك في المباشر أو فيه و في شريكه دون عتق السراية و هذا الاحتمال جار على جميع الاقوال لعموم من اعتق شركاء من عبد و له مال قوم عليه الباقي إلا انه يقوى على القول بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه بل خصه بعضهم بذلك و لكن التخصيص منظور فيه بل الاظهر ما قدمناه من الاقربية لقوة ملك الموقوف عليه و إن تلاحق فتقوى فيه الشركة فيقوى احتمال شمول العموم المتقدم له و يضعف هذا الاحتمال لو قلنا بعدم انتقاله عن الواقف لضعف ملكه على القول بها لارتفاع

ص: 48

سلطانه عنه بعد تعلق حق الموقوف عليه به فيضعف حينئذٍ احتمال دخوله تحت العموم المتقدم كما يزداد ضعفاً على القول بانتقال الوقف لله تعالى و الحق ان دليل السراية معارض لدليل الوقف إلا أنه لا يقاومه لظهوره في غيره و لاعتضاد دليل الوقف بفتوى المشهور و ظواهر كثير من الأخبار فلا يسمع دليل السراية بالنسبة إليه و يصرف إلى غيره.

الرابع: عمارة الوقف تخرج من غلته و من نمائه مقدماً على حق الموقوف عليه

لأن غرض الواقف بقاء عين الوقف للانتفاع به فما يتوقف عليه البقاء يقدم اخراجه على حق غيره و حينئذٍ فالناظر له أخذ النماء و له اجرة الأرض لتعميرها و لا يعارضه الموقوف عليهم بل له اخراج الموقوف عليهم من سكنى الوقف و ايجارها لتعميرها خاصاً كان الوقف أو عاماً و تمضي اجارته على البطون اللاحقة و لو لم يكن للوقف الخاص ناظر أجره الموقوف عليهم ايضاً لذلك و تمضي اجارتهم ايضاً على البطون اللاحقة لكون مصلحة الإجارة لهم ايضاً و لا يختص بها المؤجر و لو امتنع الموقوف عليهم من ايجار العقار لتعميره حتى آل إلى الاضمحلال ففي جبر الحاكم لهم على ذلك وجه قوي و اذا طلب احدهم الايجار للتعمير لزم الآخرين اجابته و أما نفقة الحيوان فلتزم الموقوف عليه بناءً على ملكه أو مطلقاً لانحصار منافعه فيه فتلزمه نفقته و على القول بعدم انتقاله عن الواقف احتمل كون النفقة عليه و كونها على الموقوف عليه و على القول بانتقاله لله تعالى احتمل كونها على الموقوف عليه و كونها على بيت المال و لو كان الموقوف عليه عاما كانت نفقته على بيت مال المسلمين فتخرج مما لهم من اخماس و زكوات و نحوها و أما نفقة العبد فإن قلنا بملك الموقوف عليه له احتمل كونها على الموقوف عليه تبعا للملك و هو الاظهر و احتمل كونها في كسبه لان نفقته من شروط بقائه كعمارة العقار و هي مقدمة من غلته على حق الموقوف عليه و إن قلنا يملكه لله تعالى احتمل كون نفقته على الموقوف عليهم لأنهم المستحقون للمنفعة بناءً على انه مالك المنفعة كالأجير الخاص و الموصى بخدمته متعلق بهم نفقته ما ملكوا منافعه و احتمل كونها من بيت المال ابتداءً و احتمل تعلقها بكسبه أولا فإن لم يكن ففي بيت

ص: 49

المال و إن قلنا بعدم انتقال الوقف عن المالك احتمل كون النفقة على الموقوف عليه لاستحقاقهم المنفعة و احتمل كونها على الواقف و احتمل كونها من كسبه فإن قصر فعلى بيت المال و احتمل كونها على بيت المال مطلقاً لاستعداد بيت المال لعمل المصالح و في الأخبار ما يشعر بتقديم رعاية تعمير الموقوف من الغلة على حق الموقوف عليهم و عليه ظواهر كلام الأصحاب كما تقدم و لو اقعد العبد الموقوف أو ازمن انعتق و تسقط نفقته عن الواقف و الموقوف عليه بالخصوص و تثبت على المسلمين كفاية عند الاضطرار و الموقوف عليه و الواقف أحد المسلمين.

الخامس: لو جنى العبد الموقوف عمداً فعليه القصاص

لعموم ادلته الحاكم على ادلة دوام الوقف لقوتها عليه إن كانت دون النفس بقي الباقي وقفاً و أن كانت نفساً بطل الوقف فيه و هل للمجني عليه الاسترقاق لأن له القتل و ابطال الوقف به فله الاسترقاق بطريق اولى و لأن الجمع بين حق المجنى عليه و بين فضيلة العفو و بقاء النفس المحرمة إنما يحصل بالاسترقاق أو ليس له ذلك لأنه ابطال لحق الوقف المقتضى للتاييد و الدوام فينافيه و شمول ادلة استرقاق المجنى عليه للجاني في هذا المقام محل شك و بالجملة فقد جاء ما دل على التاييد في الوقف و ما دل على جواز استرقاق الجاني و بينهما تعارض و لا يبعد أن القوة لجانب ادلة الوقف و لو جنى خطأ احتمل تعلق الجناية بمال الموقوف عليه بناءً على أنه يملكه لتعذر استيفائها من رقبته إذ لا يتعلق الارش إلا برقبة من يباع فيلزم على المالك التغذية و احتمل تعلقها بكسبه لأن المولى لا يعقل عبداً و لا يجوز اهدار الجناية و لا طريق إلى عتقه فيتوقع منه الوفاء و احتمل تعلقها برقبته لما دل على جواز استرقاق المجنى عليه للجاني مطلقاً فيقدم حق الجناية على حق الوقف و احتمل التفصيل بين كونه كسوباً ففي كسبه و بين كونه غير كسوب ففي رقبته أو في مال الموقوف عليه و الاوجه في النظر تقديم حق الموقوف عليه من الدوام و شبهه على القول بانتقال الملك لله تعالى احتمل كون الجناية من بيت المال و احتمل تعلقها بكسبه و الأخير أوجه و لو قلنا بعدم انتقاله عن ملك الواقف احتمل كون الجناية في مال الواقف و احتمل تعلقها بكسبه و ثمرة التعلق بالكسب هو أنه و إن كان من مال المالك إلا

ص: 50

انه مال خاص لو لم يمكن الوفاء منه لم يرجع إلى مال آخر و لو جنى على العبد الموقوف فإما ان تكون الجناية عمداً أو خطأً و على التقديرين فإما في نفس أو طرف و على كل التقادير فالموقوف إما أن يملكه الموقوف عليهم أم لا ثمّ إن المالك إما أن يختار القصاص في صورة العمد أو يختار الصلح بالمال أو يختار العفو و في غير صورة العمد إما أن يختار المال أو العفو و مقام النظر في هذه الاقسام هو أنه لو كان الحق القصاص فالقصاص بيد الموقوف عليه لو قلنا بانتقال الملك إليه و لا يمنع من القصاص حق البطون اللاحقة لأنه شرع للتشفي فلكل واحد من الملاك أن يفعله و إن قلنا بانتقاله لله تعالى احتمل كون حق القصاص إلى الحاكم لأنه الولي و احتمل كونه للموقوف عليه لرجوع منافع العبد و نمائه إليهم و إن قلنا بعدم انتقاله عن الواقف كان حق القصاص له و احتمل كونه للموقوف عليهم و أنه لو صار الحق مالًا كالدية في حالة الخطأ أو المصالح عليه في حالة العمد فهل يجب أن يشتري به عبداً أو بعض عبد يكون وقفاً أو يختص بها الموجود من الموقوف عليهم لأنه بمنزلة النماء وجهان و وجه الأول ان الدية عوض الرقبة و الرقبة لا يختص بها الموجود بل يشاركهم المعدومون بالقوة القريبة للفعل لحصول السبب المملك و المعدات للملك فلا سبيل إلى ابطال حقهم فيجب أن يشتري عبداً أو بعض عبد فيكون وقفاً ابقاءً للوقف بحسب الإمكان و صيانة له عن الأبطال و توصلًا إلى غرض الواقف مهما أمكن و لأن الوقف تابع لبقاء المالية و لهذا يجب الشراء بقيمة الوقف حيث يجوز بيعه ما يكون وقفاً و وجه الثاني كون الوقف معلقاً بالعين الشخصية و قد بطل باتلافها فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون حق متعلق به لأنهم حال الجناية غير مستحقين و وقت استحقاقهم قد خرج التالف عن كونه وقفاً و قد يضعف الأخير بأن القيمة بدل عن العين فيملكها من يملكها و يستحقها و الوقف و ان لم يتناول القيمة مطابقة لكنه يتناولها اقتضاءً من حيث أنها قائمة مقام العين و لأن حق الوقف أقوى من حق الرهن و حق الرهن يتعلق بالقيمة و الاول أوجه و قد يفرق في المال بين الدية و الارش فيجعل الارش للموجود دين قطعاً لأنه بمنزلة النماء دون الدية و هو قريب و قطع به بعضهم إلا أن الظاهر أن الخلاف واقع

ص: 51

فيهما معاً و الضابط إيجاب الجناية للمال و على المختار فيتولى الشراء الموقوف عليهم إن قلنا انهم يملكون الموقوف مع احتمال أن يتولاه الحاكم لتعلق حق البطون اللاحقة به و الحاكم ولي الغائب و المعدوم و لو كان بالوقف ناظر قد صرح بنظارته لمثل ذلك تولى الشراء ذلك الناظر و لو لم يصرح له بمثل ذلك ففي شمول إطلاق النظارة لمثل ذلك بحيث لا يبعد العدم و ان قلنا ان الوقف لله تعالى مطلق أو في مكان خاص كان المتولى للشراء الحاكم الشرعي مع احتمال كونه للموقوف عليهم لعود نفعه لهم و هو احتمال ضعيف و مع تعذر الحاكم تولاه الموقوف عليهم مع احتمال تقديم عدول المؤمنين و هو أقرب و مع عدم امكان تولي الموقوف عليهم فلا شك في رجوع الولاية لعدول المؤمنين و إن قلنا بعدم انتقال الوقف عن الواقف ففي كون الولاية له أو للحاكم أو للموقوف عليه وجوه اوجهها الأول، و هل يفتقر بعد الشراء إلى صيغة الوقف للاصل و لان الوقف لا يكون وقفا من دون الصيغة القربة أو لا يفتقر بل يصير بالشراء وقفا كما يصير الرهن بذلك رهنا لأنه يغتفر في الثواني و التوابع ما لا يغتفر في الاوائل و المتبوعات وجهان أحوطهما الأول و عليه فيتولى الصيغة من يتولى الشراء و يكون حكم ما بين الشراء و الصيغة حكم الوقف و يملكه مالك الوقف على الاقوال المتقدمة و لا يجوز التصرف من بعد الشراء بل يكون محجوزاً و لو لم يف المال بشراء عبد تام

اشتري به شقصاً امتثالًا للامر بحسب الإمكان و لو زاد عن عبد اشترى بالزائد شقصاً آخر و هكذا و هل للموقوف عليهم العفو عن القصاص بحيث انهم لو عفوا لم يكن للبطون اللاحقة حق فيها و كذا لو عفوا عن الدية و الارش يحتمل ذلك لانحصار الحق الآن فيهم و تجدد استحقاق البطون اللاحقة بعد سقوط الحق بالعفو و يحتمل العدم لوجود سبب استحقاقهم حين الجناية و لتعلق حقهم على وجه الشركة مع الموجودين فلا يسقط حق واحد بعفو آخر و اسقاط حقه منه و هذا أوجه و عليه فهل للاحقين القصاص إذا عفا عنه الموجودون لاشتراكهم في استحقاقه أو ليس لهم إلا الدية تغليبا لجانب العفو و حفظا للنفس المحترمة عن الاتلاف مهما امكن وجهان و في الأخير قوة و على ما ذكرنا فلو كان الجاني عبداً فان اقتص الموجودون منه فلا كلام و ان عفوا عنه

ص: 52

كان للاحقين استرقاقه و يثبت وقفا بنفس الاسترقاق و بالصيغة وجهان على ما تقدم و هل لهم القصاص وجهان على ما تقدم و إن استرقه الموجودون ففي اختصاصهم به و لزوم جعله وقفاً لتعلق حق البطون اللاحقة به وجهان مبنيان على ما تقدم و هل يفتقر بعد الاسترقاق إلى صيغة الوقف وجهان الأول يبتنيان على ما تقدم.

الثاني و العشرون: في مباحث متعلقة بالموقوف عليه:

الأول يشترط في الموقوف عليه ذكره بنفسه أو بما ينوب عنه من جهة أو مصرف

فلو وقف و لم يذكر شيئا من ذلك بطل الوقف للاصل و لظاهر الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام و لفتوى المشهور و لظاهر الاجماع المنقول و لأن الوقف تمليك فما لم يذكر المالك بطل و لبطلان الوقف على المجهول فغير المذكور أولى و نقل عن ابن الجنيد رحمه الله جواز هذه صدقة لله تعالى و لم يذكر المتصدق عليه و كانت في أهل الصدقات و هو شاذ متروك و يشترط كونه موجودا أو معدوماً ممكن الوجود تابعاً للموجود كالوقف على أولاده الموجودين و ما سيوجد منهم أو من غيرهم وقف تشريك أو الوقف على اولادهم ثمّ على ما سيوجد منهم أو من غيرهم وقف ترتيب فلو كان معدوما غير ممكن الوجود كالوقف على الميت أو على ما تلده الاموات أو على العنقاء بطل منضما كان أو منفردا أو وقف تشريك أو ترتيب و كذا لو كان ممكن الوجود الا انه لم ينضم إلى موجود على وجه التشريك أو الترتيب بل كان مستقلا بالوقف فانه يبطل قطعا و يشترط كونه قابلا للملك فلا يصح الوقف على الجماد و لا على حمل و لا على عبد اما الجماد فلا اشكال فيه و أما الحمل فانه و ان كان موجودا حيا و يصح قبول وليه عنه إلا ان الظاهر منهم ان الحمل لا قابلية له للملك المنجز قبل خروجه حيا و ان صح تمليكه بغير التنجيز كالوصية و النذر إذا خرج بعد ذلك حيا و يكون الخروج كاشفا أو ناقلا و الإجماع منقول على ذلك و أما العبد فظاهرهم على عدم صحة الوقف عليه و نقل عليه الاجماع و بناه جمع على القول بملكه و عدمه فإن قلنا بملكه صح الوقف عليه و تولى القبول و القبض مولاه و ان قلنا بالعدم فلا يصح الوقف عليه و لا ينصرف إلى سيده قهرا لعدم القصد إليه و يستثنى من ذلك الوقف على العبد المعد لخدمة

ص: 53

الحضرة و المسجد و كذا الدابة كما يستثنى من الوقف على الجماد الوقف على القنطرة و المسجد و الحضرة فان ذلك كله جائز لرجوع الوقف في الحقيقة وقفا على أهل تلك المصلحة من المسلمين رجوعاً قهريا أو قصديا على ما تقدم سابقا و على كلا التقديرين فجوازه لا اشكال فيه و الاتفاق و السيرة قاضية به و لا يعارض ذلك ما ورد في المرسل عن الوقوف على المساجد قال لا يجوز فان المجوس وقفوا على بيوت النار و كذا ما ورد في الخبر الآخر و هما ضعيفان سنداً و يزيد الآخر بضعف الدلالة على ما ذكرناه و مع ذلك شاذان متروكان فطرحهما أو تنزيلهما على ارادة البيع و الكنائس من لفظ المساجد مما يعين الوقف عليه على الاثم أو على ارادة الاستفهام الانكاري من لفظ لا يجوز و يكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد بطريق اولى و حملها على الكراهة بعد اتفاق الأصحاب على الجواز و الاستحباب بعيد و يمكن حمل الكراهة على ارادة تجنب صورة اللفظ في الوقف على المساجد للبعد مما يفعله المجوس و يشترط كون الموقوف عليه مما لا يحرم عليه البر و الصدقة كالوقف على العصاة و الزناة و قطاع الطريق و شاربي الخمر لكونهم كذلك لا لكونهم من ولد آدم أو غيرها من الجهات المحللة و يشترط كونه معلوما غير مبهم و لا مردد فيه بين عام و خاص أو تشريك أو ترتيب أو بين شخصين أو كلى ملحوظا فيه نفس الطبيعة دون الفرد و لو وقع ما لا يصح الوقف عليه أو لا كان منقطع الأول و وسطا كان منقطع الوسط و اخيرا كان منقطع الاخير و حكم منقطع الوسط بالنسبة إلى ما بعده كحكم منقطع الأول و بالنسبة إلى ما قبله كحكم منقطع الاخير و الاقوى صحة منقطع الاخير مع ارادة الجنس و الاطلاق دون ما إذا اريد نفس الوقف المؤيد و كذا الاقوى صحة الوقف على ما يصح الوقف عليه إذا انضم ما لا يصح كمعدوم لا يمكن وجوده أو جماد أو ما يحرم الوقف عليه و يقضي بالتنصيف كما ان الاقوى فساد منقطع الأول للشك في شمول دليل الصحة له و للزوم إما صحة الوقف مع عدم موقوف عليه أن أجرينا الوقف على اطلاقه أو مخالفة الواقف و قصده إن اجريناه على ما يصح الوقف فقط فيخالف قوله عليه اسلام الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و العقود يتبع القصود و ما قيل انا نلتزم

ص: 54

أن هنالك موقوفاً عليه فإذا أمكن انقراضه اعتبر انقراضه فيكون انقراضه شرطاً في تجويز الانتفاع لا في نفوذ الوقف و النماء للواقف و ورثته لمنقطع الوسط و يساوي ما لا يمكن انقراضه كما سيأتي إن شاء الله تعالى و إن لم يمكن انقراضه كان شرط الواقف محالا فلا يلزم اتباع شرط الوقف لأنه انما يلتزم اتباعه لو كان سائغا و اذا كان الشرط لغواً لم يبطل الوقف لوجود الموقوف عليه فينصرف إليه ضعيف جداً و ذلك لأن العقد إذا ابتنى على شرط فاسد فسد العقد بفساده و الحكم بأن الشرط إذا كان محالًا يكون لغواً فيفسد بنفسه مخالف لقواعد الشروط و قياسه على منقطع الوسط قياس باطل لأن الكلام فيه في منقطع الأول بالنسبة إلى ما بعده و وجود الموقوف عليه على غير النحو المقصود من الواقف إليه لأن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها على أن ما أمكن انقراضه لو جعل شرطاً في انتفاع الثاني و جعل النماء للواقف مدة وجوده كان بمنزلة عدم اخراج الواقف الوقف عن نفسه و هو باطل قطعاً و نقول زيادة على ذلك إن منقطع الأول ليس بمنزلة الشرط الملغى كي يمكن اسقاطه و صحة الوقف بل هو ركن من اركان الوقف لأنه موقوف عليه ابتداءً و اذا فسد ركن الوقف فسد الوقف و لا يمكن أن يقال أنه بمنزلة الوقف على ما يصح الوقف عليه و ما لا يصح فيصح في القابل دون غيره للفرق بينهما من حيث أن الوقف في الاخير قد وقع دفعة على ما يصح الوقف عليه و ما لا يصح فيمكن أن يؤثر في القابل دون غيره بخلاف الأول لأن الوقف قد انصب عليه أولا ثمّ على القابل فاذا بطل اثره في الابتداء لم يمكن أن يؤثر في الاستدامة لابتنائها على الابتداء و بهذا يظهر ضعف من حكم بصحة الوقف المنقطع الأول استناداً للاصل و إلى انه بمنزلة ضم صحيح إلى فاسد فيصح فيما يصح و يفسد فيما يفسد و وجه الضعف ما عرفت من انقطاع الأصل و من الفرق بين الضميمتين من إمكان القول بالصحة هناك دونه هنا و على القول بالصحة فهل تصرف منفعة الوقف في الحال إلى من يصح في حقه أو ترجع إلى الواقف أو تصرف في وجوه البر أو يفرق بين ما يمكن انقراضه كالعبد و شبهه فيصرف إلى الواقف أو إلى الفقراء أو المساكين لخروجه عن ملك الواقف في الجملة و بين ما لا يمكن انقراضه كالوقف على ميت أو

ص: 55

مجهول ابتداءً فيصرف إلى من يصح الوقف في حقه وجوه و التفصيل على القول بالصحة قريب.

الثاني: إذا وقف على ما ينقطع عادة فاتفق انقطاعه و لم يكن الواقف عالماً بانقطاعه و لا قصده

و كذا لو وقف على جهة فبطل رسمها كما إذا وقف على مدارس أو مساجد فاضمحلت اضمحلالا لا يرجى عوده و كذا لو وقف وقفا امتنعت منفعتها كما إذا وقف مسجداً أو مدرسة فخربت البلد خرابا لا يرجى عوده أو وقف قنطرة فذهب الماء ذهابا لا يرجى عوده أو غير ذلك فإنه في ذلك كله لا يبطل الوقف و لا يعود إلى الواقف منه شي ء بل تصرف منافعه في وجوه البر فللحاكم أن يؤجر المسجد و المدرسة لانتفاع آخر و يأخذ الاجرة و يصرفها في وجوه البر و كذا له أن يأخذ نما الوقف على كل مصلحة بطل رسمها فيصرفه في وجوه البر و نسب ذلك إلى المشهور بل ربما يظهر من بعضهم نقل الاتفاق عليه و ان غيره شاذ نادر و علل بخروجه عن ملك الواقف و صرفه في وجوه البر أقرب للغرض الاصلي و انسب إليه و ربما يؤيده ما ورد في الوصية و النذر المعين كالخبر فيمن أوصى بوصية و لم يحفظ الوصي إلا باباً واحداً كيف يصنع بالباقي فوقع عليه السلام: (الابواب الباقية اجعلها في البر). و في آخر فيمن اوصى بمال يحج به عنه فلم يسمع فتصرف فسئل الامام عليه السلام فقال: (إن كان لا يبلغ أن يحج من مكة فليس عليه ضمان) و في جملة من الأخبار ما يدل على ان ما أوصى به للكعبة أو كان هدياً أو نذراً يباع إن كان جارية و نحوها و إن كان دراهم صرفت في المنقطعين من زوارها و على كل حال فالحكم في الجملة لا إشكال فيه إنما الاشكال في لزوم صرفه في الاقرب إلى تلك المصلحة من وجوه البر فالاقرب فيصرف وقف المسجد و نمائه و أجرة المسجد و منافعه في مسجد آخر و كذا المدرسة و القنطرة و الحمام و غيرها أو عدمه وجهان:

و وجه الأول: الاحتياط في مال الغير و عدم جواز التصرف فيه غير المقطوع به و لأنه أقرب إلى غرض الواقف فينبغي اتباعه و لأن الواقف كان الغرض منه القربة

ص: 56

و المسجدية و كونه المسجد الخاص فإذا انتفى كونه المسجد الخاص بقي إرادة المطلق و لأنه لا يترك الميسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

و وجه الثاني: كما هو ظاهر اطلاقات الفقهاء بل ربما يدعي أنه المشهور هو استواء القرب كلها في عدم تناول عقد الوقف لها و عدم قصد الواقف إليها بالخصوص و مجرد المشابهة و القرب لا دخل لهما تعلقه بها و حينئذٍ فيبطل القيد و يبقى أصل الوقف من حيث القربة و لأن الخاص إذا انتفى انتفى العام ما عدا القربة بانتفائه فلا يبقى ما يلزم اتباعه و يمكن الفرق بين نماء الوقف على مصلحة خاصة فتبطل تلك المصلحة فيحكم فيه بلزوم صرفه في الاقرب فالاقرب و بين أجرة نفس الوقف إذا لم ينتفع به في تلك الجهة الموقوف عليها فيؤجر لغيرها مع ضبط حججه و طواميره فيحكم فيه بجواز صرفه في وجوه البر مطلقاً و هذا الأخير هو الاقوى.

هذا كله فيما لو كان الوقف على مصلحة لا تنقطع غالبا فاتفق انقطاعها أما لو كان على مصلحة تنقطع غالباً فالاقوى كونه كمنقطع الاخير يعود ملكها للواقف مع احتمال صرفه في وجوه البر لأن الوقف على المصلحة وقف على المسلمين فلا يزال عنه معنى الدوام و ذكر المصلحة الخاصة المنقطعة بمنزلة اشتراط صرفه في الابتداء على جهة خاصة فاذا بطلت لا يبطل أصل الوقف و لو كان الموقوف على مصلحة مشكوك في انقطاعها و عدمه قوي تنزيلها منزلة المقطوع بدوامها للاستصحاب و احتمل الحكم بتنزيلها منزلة ما ينقطع غالبا لاشتراط الدوام في الوقف و الشك في الشرط شك في المشروط لأن الأصل عدم.

الثالث: لا يجوز للموقوف عليه وطء الامة الموقوفة إذا كان له شركاء في طبقته فيها

فإن فعل أثم و عليه ما عدا نصيبه من العقر للشركاء و كذا من قيمة الولد لو اولدها و عليه الحد بنسبة ما لغيره و لو انحصر الموقوف فيه فالذي يظهر من الأصحاب حرمة وطئه لها و إن قلنا إن الموقوف عليه يملك الوقف و ذلك لأن ملكه غير تام لتعلق حق البطون اللاحقة فلو وطأها فقد عرضها للإتلاف لاحتمال صيرورتها أم ولد له فيحرم وطؤه لها و هل تحرم باقي الانتفاعات من اللمس و لتقبيل فيه وجهان، و ظاهر التعليل

ص: 57

العدم ثمّ لو وطأها و فعل حراماً كان الولد حراً إلا انه مالك و وطؤه ليس من الزنا و ليس عليه حد و لا قيمة الولد لأنه من النماء و نماء الموقوف للموقوف عليه و لا يكون الولد وقفاً كامه بناءً على لحوق ولد المملوك به في الوقفية فيجب على الواطئ حينئذٍ قيمته و يشتري بها ما ما يكون وقفا عبداً أو بعض عبد لفساد المبني عليه و لو قلنا به في المملوك لا نقول به هاهنا تغليبا لجانب الحرية و لو قلنا إن الموقوف يملكه الله تعالى أو الواقف الولد رقاً مع الوطء و في صيرورته وقفاً و عدمه وجهان: اوجههما العدم و عليه فيتحرر لانعتاقه على ابيه بملكه له و هل عليه الحد لكونه زانٍ أو ليس عليه لان الملكية و عدم الملكية شبهة حكم لكونها مورد خلاف فيدرأ بها الحد و الاظهر ثبوت الحد لان الظاهر اختصاص الشبهة التي يدرأ بها الحد بشبهة الحكم الناشئة من وقوع الخلاف و الا لزم كون كل ما فيه خلاف شبهة يسقط بها الحد و ان ترجح أحد الطرفين عند المجتهد و هو بعيد جداً و لا يجب على الموقوف عليه المهر و لا قيمة الولد لانهما من النماء الذي يعود إليه و هل تصير الامة بوطء الموقوف عليه على القول بملكه ام ولد له لعلوقها منه في ملكه فيشملها حكم امهات الاولاد أو لا تكون للشك في دخول هذا الفرد في ام الولد لان الظاهر منها كون الموطوءة ملكا تاما لا يتعلق بعينه حق آخر لا سابقا و لا لاحقا و لانها تقوم كلها على الموقوف عليه و لا شي ء من امهات الاولاد ما تقوم كلها على مولاها بدليل الاستقرار لمنافاة الوقف للاستيلاد و الحق هنا تعارض ما دل على دوام الوقف و عدم تغيره و تبديله لما دل على انعتاق ام الولد فيحتمل ترجيح الاخير لان الاستيلاد مبني على السراية و التغليب كالعتق و يحتمل ترجيح الأول لسبقه فيستصحب إلى ان يثبت المزيل و لا يبعد ترجيح حكم الوقف للشك في تحقيق كونها أم ولد و على تقدير اجراء حكم امهات الاولاد عليها فهل يؤخذ من تركته قيمتها فيشتري به وقفا للبطون اللاحقة بناءً على ان عوض الموقوف تشترك فيه جميع البطون أو لا يؤخذ بناءً على ان العوض لمن كان موجود الوقف بنوته فيستحيل ثبوت العوض على نفسه لنفسه و قد يؤيد الأول ان الوطء متلف فيلزمه ضمانها في تركته كما إذا اتلف مالا غيره بل ربما قيل إنا متى حكمنا بكونها ام ولد انعتقت بموته و أخذت قيمتها من تركته

ص: 58

قولا واحدا و الفرق بين القيمة هنا و بين القيمة في غيرها عن عوض الوقف الذي يجري فيه الخلاف إذا باشره الموقوف عليه ان الوطء هاهنا قد اتلفها على البطون بعد موته فحال الاتلاف لم يكن في ملكه بخلاف ما إذا اتلفها في حياته لأنه اتلفها لنفسه و لا يستحق وارثه في القيمة شيئا لانه حال الضمان لم يكن في ملكه و قد يجاب بأنها إذا صارت ام ولد حكم عليه بقيمتها في الحال كما في وطء أحد الشريكين و لكن لما كان صرفها إلى البطون اللاحقة غير ممكن تأخر الدفع إلى امكانه و هو ما بعد الموت و لا يلزم منه تأخر الحكم بنفوذ الاستيلاد و لزوم القيمة إلى ما بعد الموت و هو حسن و قد يقال ان سبب حكم الأصحاب بعتقها و لزوم القيمة ما بعد موت الواطئ هو احتمال موت الولد في حياة الواطئ فلا يتحقق سبب العتق المقتضي لبطلان الوقف بعد لزومه و قد يجمع بين الحكمين بجعل موت الواطئ كاشفا عن نفوذ الاستيلاد من حينه جمعا بين حق الوقف و حق استيلاد عليه فلا فرق بين كون الولد من أهل الوقف و بين عدمه لنفوذ الاستيلاد حين الحمل فتعود ملكا للموقوف عليه فتعود طلقا فيكون ارثا فتنعتق من نصيب ولدها و متى قلنا بنفوذ الاستيلاد لزم اخراج القيمة بعد الموت و شراء ما يكون وقفا بدلا عن الموطوءة مشابهة لها في الصفات مهما امكن لان ما لا يدرك كله لا يترك كله و تنعتق هي من نصيب ولدها و يجوز تزويج الامة الموقوفة و متعتها و يتولى تزويجها الناظر و الا فالموقوف عليه ان قلنا بملكه و الا فالحاكم ان قلنا بانه لله تعالى و الا فالواقف ان قلنا ببقاء الوقف على ملكه و لو كانت موقوفة على جهة عامة فوليها الحاكم و المهر للموقوف عليهم على كل حال لانه من نماء الوقف و ولد الامة أيضا للموقوف عليهم إذا كان من زناً أو من عبد أو من حر مشترط عليه الرقية على القول بجوازه لانه نماؤها فيكون لهم خلافا لجمع من اصحابنا حيث جعله وقفا كالولد من المدبرة و المرهونة في التبعية و هو ضعيف و المقيس عليه ممنوع و الأصل و القواعد تقضي بخلافه و لو وطأها الحر شبهة فالولد حر على الواطئ قيمته يوم سقط حيا لاهل الوقف الموجود و لا يلزم اقامة بدله وقفا من قيمة و لو وطأها الواقف و قلنا انه لا يملك كان حكمه حكم الاجنبي.

ص: 59

الرابع: يجوز للموقوف عليه ايجار الوقف و لكن ينفسخ العقد بموت المؤجر هاهنا

و إن لم نقل إن موت أحد الأجيرين مما تنفسخ فيه الإجارة و ذلك لتعلق حق البطون بالموقوف هاهنا و تلقيهم الوقف عن الواقف دون الموقوف عليه فكان ملك الموقوف عليه كالمؤقت فلا يجوز له التجاوز عنه بخلاف الملك الحقيقي فإن الوارث إنما يتلقى عن المورث فيرث ما كان ملكاً له بعد موته و ما نفد من يده أو خرج عن ملكه لم يتعلق للوارث فيه نصيب نعم لو كان المؤجر للواقف الناظر فيه لمصلحة البطون اللاحقة أو الموقوف عليه أيضاً و لكن لا لمصلحته بل لمصلحة البطون اللاحقة حيث يكون ناظرا عليها أو الحاكم الشرعي لمصلحة الوقف العام أو الخاص الذي هو ولي عليه لا لمصلحة الموجودين من أرباب الوقف مضى عقد الإجارة في جميع ما قدمناه على البطون اللاحقة و لم يكن له فسخه و القول بمضي الإجارة تنزيلًا للواقف منزلة المالك ضعيف جداً و لا يبعد أن الانفساخ هنا بمعنى التزلزل بالنسبة إلى البطون اللاحقة فلهم أن يجيزوا العقد الأول فلا يكون باطلًا أصلًا و لهم أن يردوا فيرد المستأجر حينئذ من الأجرة المسماة مما قابل المتخلف منها بنسبة أجرة المثل للمتخلف من الماضي و لو وقعت إجارة من الناظر و لم يعلم انها لمصلحة الواقف أو الموقوف عليهم الموجودين فالاستصحاب يقضي بمضي الإجارة و أصالة عدم المانع من تصرف البطون اللاحقة في ملكهم بعد انتقاله إليهم و عدم انتقال ملكهم عنهم و عدم نفوذ عقد غيرهم في ملكهم تقضي بعدم مضيها في حقهم و أشكل منه ما لو كان المؤجر هو نفس الموقوف عليهم و لم يعلم انهم أجروا لمصلحتهم أو لمصلحة الوقف و لا يبعد ترجيع عدم لزوم الإجارة سيما في الأخير.

الخامس: لا يجوز للمسلم أو المؤمن الوقف على الكنائس و البيع لمصلحتها تعميراً و تنظيفاً أو للفرش فيهما أو للاسراج

و لا يجوز الوقف على التوراة و الانجيل كتابةً و تصحيفاً و لا على جميع كتبهم و مواضع عباداتهم كل ذلك لما فيه من الاعانة على الإثم و من تقوية كلمة الكفر و من الموادة لمن حاد الله تعالى فلا يجامع القربة المشروطة في الوقف و لما يظهر من الأصحاب بحيث قد يدعى اجماعا و لا يتفاوت الحال

ص: 60

بين القول بجواز الوقف على اليهود و النصارى و بين القول بعدمه و ما يقال انه على القول بجواز الوقف عليهم يصح الوقف على كنائسهم و بيعهم لأنه يكون في الحقيقة وقفا عليهم كما يكون الوقف على المساجد وقفا على المسلمين لا وجه له للفرق بين الوقف على المساجد من حيث كونها مصلحة محللة من مصالح المسلمين و بين الوقف على الكنائس من حيث كونها مصلحة محرمة مشتملة على اعانة الاثم و لا يجدي رجوع الوقف على الكفار فيها و الوقف عليهم جائز لاختلاف الحكم من حيث ان رجوعه إلى الكفار كان على جهة محرمة و هي تقوية دينهم و اعلاء كلمتهم فهو منهي عنه و لا يجامع القربة بخلاف الوقف عليهم لإيصال النفع اليهم دنيويا أو اخرويا لانهم من النفوس التي لا يحرم صلتها لكونها من بني آدم و لكل كبد حرى اجر و من عباد الله تعالى فانه لا باس به و لا يستلزم منع هذا فانه يجوز الوقف على المسلمين و لا يجوز الوقف على لهوهم و بيوت خمورهم و على العصاة منهم لمعصيتهم و لو تعلق غرض صحيح في الوقف على الكنائس و البيع و التوراة و الانجيل بحيث يعتد به و يكون راجحا جاز الوقف عليها.

السادس: يجوز الوقف من الكافر و المخالف على المؤمن

و على من كان مثلهما بل و على الجهات المحرمة في شرعنا كالوقف على البيع و الكنائس و التوراة و شبهها بل و على بيوت النار و نحوهها مما كان راجحاً في شرعهم كل ذلك لما ورد من الزامهم بما الزموا به انفسهم و لما دل على تقريرهم على مذهبهم من رواية أو سيرة أو اجماع و لا يتفاوت الحال في ذلك بين صدور القربة منهم حين الوقف و بين عدمه بعد أن يكون الصادر منهم وقفا في مذهبهم و لا يبتني صحة وقفه و عدمه على صدور نية القربة كما يظهر من جملة من الفقهاء و حيث ان المانع من الصحة علل المنع بعدم امكان نية القربة و المجوز علل الجواز بامكان ذلك إلا من الدهرية و المعطلة لان ابتناء ذلك على صدور نية القربة و عدمه مما يفسد الوقف منهم من اصله لان القربة الصادرة منهم فاسدة غير مقبولة لاشتراط الايمان في صحة العبادات المشروطة بالقربة فلا تكون مصححة للوقف المشروط بها ثمّ إنا لو صححنا وقفهم على مذهبهم و الزمناهم فهل يصح الدخول إليه

ص: 61

و العبور عليه في مثل كنائسهم و قناطرهم الظاهر ذلك مع الاطلاق و مع النص على كون الوقف على أهل نحلتهم و انصراف الاطلاق إلى ذلك كانصراف الوقف منهم على العلماء و الفقراء إلى علمائهم و فقرائهم فاشكال و يقوى الاشكال فيما إذا كان نص الواقف على اخراج المسلمين أو المؤمنين من الوقوف حينئذٍ فيحتمل حرمة ذلك علينا للاصل القاضي بحرمة مال الغير من دون إذنه و يحتمل الجواز لخروج الوقف في مثل ذلك عن ملكهم و صيرورته لله تعالى و نحن أحق منهم و لا يلزم اتباع شرطهم لفساده و لا يلزم من فساده فساد الوقف لصحته عندهم مع الشرط فنلزمهم بما الزموا به انفسهم و يحتمل أنه لو وقف على مثل المؤمنين و المطيعين و المصلين و نحوها اختص الوقف بنا لإرادة الواقع و ليس غيرنا كذلك واقعا سواء صدر الوقف من كافر أو مخالف و يحتمل أنه من تعارض الاسم و الاشارة.

السابع: لا يجوز الوقف من المسلم على الكافر أو المخالف لكفره و لخلافه قطعا

و هل يجوز الوقف على الكافر لغير ذلك من الجهات قيل بالجواز مطلقا و قيل بالمنع مطلقا و قيل بالمنع في الحربي دون غيره مطلقا و قيل بالمنع في الحربي إذا لم يكن رحماً و قيل بالمنع في غيره ايضاً إذا لم يكن رحماً و لو كان رحما جاز و قيل بالمنع ما لم يكن أحد الوالدين و لو كان أحدهما جاز و الاقوى عدم جوازه في الحربي مطلقاً رحماً أو غيره أباً أو غيره خاصاً كالوقف عليهم أو عاماً على جميعهم أو على جهة من جهات مصالحهم وفاقاً للمشهور بل ربما يظهر من بعضهم دعوى الاتفاق عليه و يدل على المنع ما دل على النهي عن موادَّة من يحاد الله تعالى و عن الركون إلى الظالمين و عن القرب اليهم و ما دل على الامر بالبعد عنهم و التجنب منهم و اظهار عداوتهم و البراءة منهم و الوقف عليهم مناف لذلك و حمل جميع ذلك على كون القصد في القرب و المودة و الركون هو علة أنهم كفار و محادون لله تعالى بعيد عن الظاهر و يدل على المنع ايضاً أن الوقف مبني على الدوام و عدم جواز التغيير و التبديل و هو ينافي كونه على الحربي لأنه ماله في ء للمسلمين يصح نقله و بيعه بعد قبضه لهم و لا أقل من الشك في صحة مثل هذا الوقف على هذا النحو و الأصل يقضي بفساده و شمول العمومات و الاطلاقات

ص: 62

لمثل هذا الفرد مشكوك فيه و بالجملة فالمتيقن من صحة الوقف هو ما كان الموقوف عليه قابلا للملك الدائم و التمليك كالحر المسلم و غيره مشكوك في صحته و الأصل عدمه فظهر بذلك ضعف ما يقال من ان عدم جواز تغيير الوقف من حيث هو لا ينافي جواز تغيره من حيث كون الحربي و ما يملك فيئاً للمسلمين يصح ملكه و نقله و كذا ضعف ما يقال إن الوقف على الحربي مشمول لقوله عليه السلام: (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و لكل كبد حرى أجر) و شمول اطلاقات ادلة الوقف و للإجماع المنقول عن الطبرسي في جواز ان يبر الرجل إلى من يشاء من أهل الحرب قرابة أو غيرها و ذلك لانصراف جميع ذلك لغير الوقف المبني على التاييد و الدوام و القربة و الرجحان و الأدلة و إن كان بينهما عموم من وجه و يمكن الجمع بينهما بحمل المنع على الموادة للحادة و الجواز على الموادة لجهة اخرى إلا ان عموم ما دل على الجواز غير شامل للوقف على الحربي إما لانصرافه إلى غيره أو لتخصيصه بما قدمناه و الأظهر جوازه على الذمي مطلقا و يزداد الجواز قوة لو كان الذمي قريبا و يزيد عليه لو كان أحد الأبوين كل ذلك لعموم بالأدلة و إطلاقات الوقف من غير معارض لأنهم قابلون للتمليك و قابلون للصلة و العطية و مالهم محترم و نفوسهم معتصمة بالذمام و لكل كبد حرا أجر و هم من بني آدم المكرمين و لاحتمال تولد مسلم منهم و لقوله تعالى: [لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (الممتحنة آية 8) و لما دل على الحث على صلة الارحام و النهي عن قطيعة الرحم و ما دل على الحث على صلة الوالدين و الرحمة لهما و النهي عن الاعراض عنهما و الأمر بصلتهما و برهما و مصاحبتهما في الدنيا معروفاً بل قد نقل على جواز الوقف على الأقارب مطلقاً الإجماع و نسب إلى رواية بل و جميع ما دل على جواز الوقف على الأقارب شامل للمسلم و غيره خرج الحربي بما تقدم من الأدلة و بقي الباقي بل ظاهر القدماء امن الخلاف منعاً و جوازاً مطلقاً و التفصيل على ما ذكر وارد على الكافر مطلقاً من غير تقييد بكونه ذميا أو حربياً و يؤيد ذلك إجماع الطبرسي المتقدم خرج منه الحربي و بقي الباقي و لا يعارض ذلك سوى الآية المتقدمة الناهية عن موادة من حاد الله تعالى

ص: 63

و هي غير قابلة لمعارضة جميع ما تقدم فلا بد من حملها على خصوص الحربي أو على خصوص الموادة للمحادة بل ربما يدعي ظهور ذلك منها و بالجملة فمتى حصل الرجحان و صح قصد القربة في الوقف على أهل الذمة كان مشمولًا لأدلة الوقف من غير معارض سيما بالنسبة إلى الأقارب و خصوص الأبوين لقوة الأدلة الدالة على جواز صلتهما و برهما و رجحان ذلك و حصول ذلك في الوقف الخاص لا إشكال فيه و إن أشكل حصوله في الوقف العام في الجملة لبعد الرجحان و القربة بالنسبة إليه و يلحق بالكافر كل من خرج عن طريقة الحق من المخالفين و الفرق غير الاثنى عشرية على القول بالجواز و على القول بالمنع وجهان من اختصاص كثير من أدلة المنع بالكافر و من شمول التعليل بعدم الرجحان و عدم حصول نية التقرب و النهي عن موادة من حاد الله للجميع و يلحق المرتد الفطري بالحربي لعدم استقرار ملكه له على الاظهر.

الثامن: لو وقف الواقف على ذي وصف بلفظ العموم كالفقراء و العلماء

و الزوار و الحجاج و المترددين و الصلحاء انصرف ذلك العام إلى أهل نحلة الواقف و ملته مسلماً كان الواقف أو كافراً تخصيصاً للعام بالعرف و العادة القاضيين بارادة المتكلم من ذلك العام خصوص ذلك الفرد فيكون بمنزلة القرينة و شاهد الحال على ارادة الخاص من العام و ليس من باب تعارض اللغة و العرف كي تبنى المسألة على تقديم ايهما فمن قدم اللغة أخذ بالعموم و من قدم العرف أخذ بالخصوص إذ لا ندعي أن العام صار حقيقة عرفية في الخاص بل ندعي أن العام قد تخصص بالعادة و شاهد الحال و هذا غير ذلك و لو سلمنا انه من ذلك الباب لحكمنا بتقديم العرف في مثل الوصية و الوقف و نحوهما و الخلاف في تقديم ايهما إنما يختص بما إذا صدر في كلام الشارع دون ما إذا صدر من أهل العرف نفسه و هل يسري الحكم بذلك لما إذا ذكر الموقوف عليه خاليا عن الوصف كما إذا وقف على الرجال أو على بني تميم و كان منهم من أهل نحلته و منهم من ليس كذلك و مثله ما لو وقف على اولاد ارحامه و كان منهم من أهل ملته و منهم من لم يكن كذلك يحتمل الحكم بالتخصيص ايضاً عملًا بشاهد الحال و يحتمل العدم لأصالة بقاء العموم و قضاء شاهد الحال هناك لا يستلزم

ص: 64

قضاءه هنا و هذا اوجه و لو انعكس شاهد الحال فقضى بالعموم كوقف القناطر و شبهها على المترددين أو الابراد على الحجاج و نحوهم و لو لم يقض شاهد الحال بشي ء حكمنا بالعموم من غير إشكال و لو قلنا إن الوقف غير جائز على الكافر اصالة فلا يبعد جوازه في مثل ذلك على الانضمام و ربما يدعى ان السيرة قاضية به و هل يصلح الحكم بحرمة الوقف على الكافر ان يكون مخصصاً للعام فيما إذا صدر لفظ شامل للكافر و المسلم و صارفاً للظاهر عن غيره يحتمل ذلك حملًا لفعل المسلم على الوجه الصحيح و تمسكاً بصحة الوقف مهما امكن أولا يصلح لأن الأصل لا يعارض ظاهر الخطاب و إلا لانفتح من ذلك ما لا نقوله من الابواب وجهان و لا يبعد الأخير و الظاهر أن أهل المذهب الخاص من الامامية كالاثنى عشرية و نحوهم ينصرف الوقف الصادر من أحدهم إلى أهل مذهبه دون غيره و لو وقف المسلم على الفقراء و لم يكن في بلده سوى الكفار و قلنا ببطلان الوقف على الكافر احتمل البطلان تقديماً للظاهر من اللفظ و احتمل الصحة و صرف الفقراء لغير فقراء أهل بلده تنزيلا لفعل المسلم على الوجه الصحيح مهما أمكن و لو وقف واقف على المسلمين انصرف إلى من صلى إلى القبلة أي اعتقد الصلاة إليها و ضابطه من أقر بالشهادتين و لم ينكر ضروريا كالخوارج و الغلاة و المجسمة و النواصب مع احتمال دخول اولئك في المسلمين و إن خرجوا عن حكمهم بانكار ضروريات من ضرورياته و يدخل في ذلك المخالفون قطعاً خلافاً لمن حكم بكفرهم و التاركون للواجبات الضرورية و المرتكبون للحرمات خلافاً لمن جعل العمل جزءاً من الاسلام و تدخل النساء و الاطفال و المجانين قضاءً لحق العرف و لو صدر الوقف من أهل ملة خاصة كالمؤمن فهل يختص بأهل ملته كلفظ الفقراء و شبهه نظرا للعرف و العادة أو لا يختص لمنع قضاء العرف بالاختصاص و منع شاهد الحال و للفرق بين الفقراء و المسلمين من حيث أن الوقف على جميع الفقراء مع تباين مقالاتهم و اختلاف آرائهم بعيد جدا بخلاف الوقف على المسلمين فإنه أمر مرغوب فيه شرعاً و تمكن عادة و الأول اقوى إلى نظر العرف لا لما عللوه من اختلاف الآراء و تباين المقالات فإنه شامل للمسلمين لافتراقهم إلى نيف و سبعين فرقة نعم لو صدر الوقف ممن

ص: 65

يرى تحريم الوقف على غير أهل نحلته احتمل انصرافه إلى أهل نحلته تصحيحا للوقف مهما امكن أو جعل ذلك بمنزلة القرينة.

التاسع: لو وقف واقف على الامامية انصرف إلى الاثني عشرية

كما هو ظاهر العرف و عليه فتوى المشهور و نقل الاجماع عليه فلا يدخل فيها اجتناب الكبائر و ما قيل بوقوع الخلاف فيه ضعيف لاختصاص ادلة مدعي دخول اجتنابها في لفظ المؤمنين دون لفظ الامامي كما سيجي ء إن شاء الله و لو وقف على المؤمنين انصرف إلى الاثنى عشرية و لم يدخل فيها اجتناب الكبائر كما نسب لكافة المتأخرين و لمختار الطوسي قائلًا إنه عندنا كذلك و يساعده العرف ايضاً إلا إذا قامت قرينة على خلافه كما إذا كان مذهب الواقف خلاف ذلك و نحوه ما لو قامت قرينة على عدم ذلك كما إذا صدر الوقف من مخالف فإن الظاهر أنه لا يريد سوى المعنى الأصلي و هو التصديق بما جاء به النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم فيكون مصروفاً إلى أهل نحلته بزعمه لاعتقاده أن لا مصدق سواهم و بالجملة فالايمان هو التصديق و استعمل عرفاً و شرعاً في تصديق خاص و هو التصديق القلبي بما جاء به النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و يختلف باختلاف المستعملين فإن كان المستعمل له امامياً كان الظاهر منه ارادة الامامية و إن كان مخالفا كان الظاهر منه ارادة أهل ملته و الظاهر أنه لو صدر من امامي كان منصرفا إلى من اعتقد عصمة الائمة و افضليتهم و تقديمهم على غيرهم مع امامتهم و مع عدم انكاره ضروريا من ضروريات الاسلام أو الايمان و الظاهر دخول الاقرار اللساني فيه أيضا كما يظهر من العرف و من بعض الأخبار و أما دخول اجتناب الكبائر و منها الاصرار على الصغائر على الاظهر في الايمان فهو و ان ذهب إليه جمع من اصحابنا و نطقت به الأخبار حيث أنها دلت على أن الايمان إقرار باللسان و اعتقاد بالجنان و عمل بالاركان فيكون العمل ثلاثة فالظاهر انه معنى مجازي أو مشترك اظهر افراده المعنى المعروف أو مشكك أو على افراده و أكملها الجامع للثلاثة و على كل حال فالوقف يدور مدار متفاهم العرف و اللغة بالنسبة إلى الواقف و المعنى المذكور في الأخبار لا يعرفه إلا الخواص و لا يوجد مصداقه إلا نادراً في أوحدي الناس فلا يجوز ابتناء الامور اللفظية الدائرة مدار العرف عليه نعم لو جاء الحكم من الشارع

ص: 66

معلقاً على الإيمان و المؤمن احتجنا إلى معرفة المراد منه لاشتباهه في الأخبار حيث إن المراد منها ما دلت على أنه التصديق و الاقرار و منها ما دلت على أنه هما و العمل و العرف يساعد الأول و على كل حال فتحقيق مفهومه شي ء و تمييز مصاديقه بالنسبة إلى المستعمل فيه شي ء آخر و حينئذٍ فمتى صدر لفظه من أحد و كان بزعمه أن مصداقه أهل مذهب خاص انصرف الوقف فيه إلى ما زعم مع احتمال انصرافه إلى ارادة الواقع فيكون المراد بالمؤمنين نحن فلو صدر الوقف على المؤمنين من مخالف كان وقفاً علينا قهراً يجوز لنا التصرف فيه و يحرم عليهم مع احتمال أنه من تعارض الاسم و الاشارة.

العاشر: لو وقف واقف على الشيعة

انصرف إلى من شايع علياً عليه السلام و قدمه على غيره و أقر بعصمته سواء أقر بجميع الائمة عليهم السلام من بعده ام لا و يدخل فيهم الامامية و الفطحية و الناووسية و الجارودية اما غير الجارودية من الزيدية كالسلمانية و التبرية و الصالحية فانه يقولون بامامة الشيخين أبي بكر و عمر فلا يكونون من الشيعة و كذا الملاحدة من فرق الاسماعيلية و خص بعضهم لفظ الشيعة في العرف المتأخر بالامامية فقط حتى ادعى أنه صار عرفية خاصة فيهم و القرشيين و كأنه حقيقة عرفية خاصة أو مجاز في التغليب مشهور و قد وقع التناول في جميع الخطابات الواردة على ذلك النحو في الكتاب و السنة بالاستقراء فيما عدا ما يخرجه الدليل و ربما يظهر الاتفاق عليه.

الحادي عشر: إذا وقف على أولاده أو بنيه اختص بالصلبيين من الاولاد

و شمل الذكر و الانثى و الخنثى مع احتمال اختصاصهم في العرف الغالب في الذكور و الاوجه الأول و لا يشمل اولاد الاولاد، اولاد البنات و كذا لو وقف على البنات اختص بالصلبيات دون بنات الاولاد و بنات البنات كل ذلك قضاء الحق العرف و اللغة و لصحة سلب الولد عن الولد فيقال ولد ولدي لا ولدي و يؤيده قوله تعالى: [وَ وَصّٰى بِهٰا إِبْرٰاهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ] (البقرة آية 132) فيمن قرأ بالنصب فان يعقوب ولد الولد و العطف و العطف يقضي بالمغايرة ظاهراً فلا ينافيه ما قيل من إنه يجوز كون العطف من باب عطف الجزء على الكل كقوله تعالى [مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ] (البقرة آية 98)

ص: 67

حيث ان جبريل عليه السلام من الملائكة و قيل بشمول الولد لولد الولد حقيقة قضاءً لحق الاستعمال و الأصل فيه الحقيقة و كذا لف الابن و البنت ورد ان الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و أن عيسى ابن آدم مع انه ولد البنت من دون اب و لإطلاق بني آدم و بني اسرائيل على الموجودين الآن و للإجماع على تحريم حليلة ولد الولد من قوله تعالى: [وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ] (النساء آية 23) و على تحريم بنت البنت من قوله تعالى: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ] (النساء آية 23) و على دفع السدس للابوين مع ولد الولد من قوله تعالى: [وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ] (النساء آية 11) و على قسمة اولاد الاولاد بالتفاوت من قوله تعالى: [يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ] (النساء آية 11) و الجواب ان الاستعمال مسلم و لكنه أعم من الحقيقة و المجاز و جميع ما جاء في الكتاب محتمل للاستعمال المجازي في الأعم و تكون قرينة حالية قد كشفت عنها الأخبار و الاجماع و محتمل الارادة الحقيقية فيجي ء الاشتراك في الحكم من دليل خارجي كالسنة و الاجماع و يمكن القول بالحقيقة الشرعية لما ورد في كثير من الأخبار الخاصة في مقام الحاجة (ان ولد البنت ولد) و يمكن حملها على ارادة كونه بحكم الولد في الشرف و الرفعة و بالجملة فهنا مقامات ثلاثة:

احدها: ان ولد الولد هل يشمله لفظ الولد أم لا بل يختص بولد الصلب و كذا لفظ الابن.

الثاني: على تقدير تسليم الشمول فهل ولد البنت كولد الابن ام لا.

الثالث: هل الانتساب إلى شخص كهاشمي و تميمي يختص بمن اتصل به من الآباء أو يكفي في النسبة الاتصال به من طرف الامهات و نحن نقول في الجميع بما يحكم به العرف و المرتضى و جمع من الاخبارية خالفونا في الجميع و ادعوا صحة الاطلاق على ولد البنت أنه ولد و صحت النسبة إلى من اتصل به من طرف بناته و لو قال الواقف وقفت على اولاد اولادي اشترك اولاد البنين و البنات و الذكور و الإناث و الخناثى كلهم بالسوية لشمول لفظ الاولاد للجميع فكذا اولاد الاولاد و يقضي

ص: 68

بالاقتسام بالسوية حاق اللفظ مع عدم المرجح و القرينة و هذا كله بالنسبة إلى الطبقة الاولى من أولاد و أما الطبقات الأخر فيشكل الحال في شمولهم إلا أن يقول: ما تعاقبوا و تناسلوا و كذا يشكل الحال في شمولهم لأولاد بنات اولاد الواقف و لان ولد بنت ولد الواقف ليس من اولاد أولاده الا أن يقول: اولاد الاولاد من البنين و البنات ما تعاقبوا و تناسلوا و لو وقف على البنين و البنات لم تدخل الخناثى و لو جمعها دخلت لعدم خروجها عنهما مع احتمال كون الخنثى المشكل صنف ثالث خارج عنهما و قد يساعده العرف إذا وقف على من انتسب إليه اختص بمن به من اولاد الاولاد دون البنات و لو وقف على اقاربه انصرف إلى الاعمام و الاخوال و اولادهم ما لم يبعدوا عنه كثيراً فلا يصدق عليهم الاقارب عرفا و يخرج عنهم بحسب العرف الآباء و الأمهات و الأخوة مع احتمال دخول الأخوة و احتمال دخول الجميع نظراً لما في اللغة بعيد وقف على أقرب الناس إليه انصرف إلى الآباء و الأولاد فان لم يكونوا انصرف إلى الأخوة و الأجداد فإن لم يكونوا انصرف إلى الاعمام و الاخوال فإن لم يكونوا انصرف إلى أولادهم و هل المتقرب بسببين كأخ من أب و أم يمنع المتقرب بسبب واحد وجهان و لا يبعد العدم نعم الولد يمنع ولد الولد و الجد القريب يمنع البعيد و هكذا و لو وقف على أخواله و أعمامه تساووا في الاستحقاق و كذا لو وقف على أولاده و اخوته و كذا لو وقف على قراباته استوى الذكر و الانثى كل ذلك لظاهر اللفظ و لو وقف على عشيرته انصرف إلى الخاص من قومه و هم الادنون منه و القريبون من نسبه و هو اوسع دائرة من لفظ القرابة و اخص من لفظ القوم و نسب تفسير العشيرة بذلك للمشهور قيل و فيه رواية و لو وقف على نسله و ذريته اشترك فيه جميع من تولد منه بواسطة و بغير واسطة و لو وقف على ارحامه انصرف إلى قراباته الأدنين و في دخول الاولاد و الآباء اشكال و العرف يبعده.

الثاني عشر: لو وقف على جيرانه انصرف إلى من كانت داره قريبة لداره عرفاً

و ربما كان حده من يلي داره من جميع جوانبها إلى اربعين ذراعاً شرعياً كما نسب لجمع من الاساطين و شهد به العرف و نقل عليه الاجماع و قيل حده إلى اربعين دار

ص: 69

و دلت عليه جملة من الروايات و منها الصحيح: حد الجوار اربعون داراً من كل جانب من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و القول به شاذ مطرح مخالف للعرف و اللغة و اللفظ إنما يحمل على قصد الواقف التابع لعرفه دون ما في الأخبار و دعوى انها كاشفة عن العرف مخالف لما تراه بديهة و كونها كذلك في زمن الصدور بعيد جداً على أن الروايات موافقة لمذهب عائشة على ما نقل و من المحتمل ارادة بيان الحكم فيها لا الاسم فلا يحمل اللفظ عليه أو انه حقيقة شرعية في ذلك فيحمل عليه كلام الشارع دون كلام أهل العرف في وقف أو وصية أو أنه مجاز شرعي اطلق عليه لعلاقة بينهما فلا يجوز حمل اللفظ عليه أو انه مشترك بينهما فلا يلزم حمل اللفظ عليه بخصوصه ثمّ ان الدور إن كانت ملكا لأربابها فكل مجاور لكل و كذا لو كانت كلها مستأجرة أو كان بعضها ملكا و بعضها مستأجرة اما لو كان بعضها مستعاراً ففي تحقق الجارية اشكال و الظاهر أنه يتحقق و لو كانت كلها مغصوبة أو بعضها فإن كان مع الجهل فالاظهر التحقق و إلا فالاظهر عدمه لسقوط احترامه و يحتمل ثبوت حقه و إن فعل حراما لعدم المنافاة و يحتمل سقوط الحق منه و عدم سقوطه عليه و يلحق بالدور بيوت القصب و الشعر إن كانت منفردة و إن استدار عليها شبه الحائط احتسب العدد منه و لا يشترط في الجار فعلية السكنى فلو غاب بنية الرجوع لم يسقط حقه و لو اعرض عن سكنى تلك الدار سكن غيرها أم لا سقط حقه و لو باعها فالجوار للمشتري و لو قبل أن يسكن و لكن على اشكال و لا يبعد لزوم سكناه بعد الشراء في الجملة و لو كان له داران يتردد اليهما في السكنى كان له خياران و لو قسم السكنى عليهما مدة فمدة و كانت المدة طويلة كان كل مدة جارا لهم دون الاخرى و من وصلت الاربعون ذراعاً إلى بابا داره أو إلى حائطه خرج عن الوقف على الظاهر من وصلت إلى نصف داره أو إلى ثلثه بل و ثلثيه كان جارا و لو كان الكسر قليلا خرج على الظاهر و الظاهر ان الوقف يشمل الانثى و الذكر و المعيل الصغير و الكبير سوى المملوك و هل يقسم الحاصل على نسبة فيتساوون فيه أو على نسبة لدور ثمّ يقسم سهم كل دار إلى أهله بالسوية وجهان و لا شك ان الأول أوجه على ما قلناه من العرف أو الاذرع و على القول الآخر

ص: 70

فقسمته على الدور غير بعيدة و لو تباعدت الدور على القول باعتبارها فان كان تباعداً فاحشاً سقط حكمها على الاظهر و إلا بقي و لو انقسمت دار إلى اربعين كانت الجارية للمقسوم و يسقط حكم الدور الاولية على الظاهر و الدار من الجانب الأعلى و الأسفل و لا يسقط بها الجوار على جميع الاقوال و على القول باعتبار الدور اشكال و لم يكن للمتجاورين دور و لا شبهها فالمحكم العرف ليس الا و الظاهر أن الوقف على الجيران من الوقف الخاص الواجب فيه الاستيعاب و لكن إن كان مما لا ينقرضون غالبا لم يحتج الوقف عليهم إلى نقل إلى من لا ينقرض غالبا و إلا احتاج.

الثالث عشر: إذا وقف على قومه انصرف على المشهور

نقلا إلى أهل لغته أما مطلقا أو الذكور منهم خاصة و نسب الأول إلى رواية و بموافقتها للمشهور تكون معتبرة و نقل على الثاني الاجماع هو الاقرب إلى العرف و يحمل المطلق عليه جمعا و في قوله تعالى: [لٰا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لٰا نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ] (الحجرات آية 11) و قوله:

أقوم آل حصن أم نساء

دلالة على اختصاصه بالذكور و قد يختص القوم بالرجال من أهل القبيلة و العشيرة و الاهل كما قال قائل:

قومي هم قتلوا أُميم اخي و إذا رميت يصيبني سهمي

و ربما يساعده العرف و قد يختص بالرجال التابعين لرئيسهم السامعين لقوله و يشهد به العرف ايضاً و لا يبعد عند صدوره اليوم لا يراد إلا المعنيين الآخرين و حمله عليهما أحوط نعم قد يشكل فيما إذا كانت عشيرته أو اتباعه من غير أهل لغته فهنا يحتمل شمول اللفظ لهم تبعاً للعرف و يحتمل عدمه تبعا للمشهور في تخصيص القوم بأهل لغته و يؤيده الاجماع المنقول و الحق ان قصد الواقف إن علم اتبع و إلا فإن اختص بعرف خاص انصرف لفظه إلى رااردة و ان لم يكن هناك عرف خاص حمل على ما عليه مشهور الأصحاب لانهم الاعرف بما عليه الخطاب.

ص: 71

الرابع عشر: لو وقف على مواليه الصالح لصدقه على الاعلين المعتقين له و الادنين الذين اعتقهم

فاذا قامت قرينة صارفة عن أحد المعنيين أو عرف معين لإرادة واحد بعينه أو ظهور في أحدهما دون الآخر فلا اشكال و فيما عدا ذلك فهل يقع الوقف باطلا من اصله لإجماله أو يقع صحيحا لأصالة الحمل على الصحة فيضرب عليه بالقرعة أو يحمل على الجميع لأنه مشترك لفظي فيحمل على الجميع للحكمة أو لأنه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرائن أو لأن الجميع يجوز استعمال المشترك فيه و تحقيق القول في ذلك أن الواقف إما أن يقف على لفظ مفرد أو جمع و على كل تقدير فالشك إما أن يقع في الوقف بعد صدوره من الواقف فلم يعلم المراد منه أو حين صدوره بمعنى أن الواقف علق الواقف على هذا الاسم من دون ملاحظة شي ء بعينه فإن كان الأول و كان اللفظ مفرداً فالاوجه حمل الوقف على الصحة و ارادة الواقف منه معنى خاصاً حين الوقف و لكن لا نعرفه و حينئذٍ فطريقة القرعة أو الصلح بين المشتبهين بنحو لا ينافي الوقف ثمّ إن جوزنا استعمال المشترك في معاينة دخلت جميع المعاني في القرعة و إلا لم تدخل و احتمال الحكم ببطلان الوقف لأصالة عدم ارادة معنى معين فيكون من باب تعليق الوقف على المجمل فيبطل بعيد نعم يمكن تنزيله على ارادة الاعلى لكونه منعماً فيغلب الظن بارادة الوفاء و يكون بمنزلة القرينة و يمكن تنزيله على الادنى لافتقاره و شدة حاجته و لكونه بمنزلة من فارقه من عياله و يمكن تنزيله عليها إذا جوزنا استعمال المشترك في معنييه ملاحظة للامرين و لو جعلنا المولى مشتركاً معنويا أو قلنا ان المشترك اللفظي ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرائن حمل على ارادة الكل و لكن الأول مخالف لاهل اللغة و العرف لعدم القدر المشترك بين المعنيين و لاجماله حين الاطلاق و لنص الفقهاء و اللغويين على اشتراكهما لفظا و الثاني مخالف لمذهب الأكثر و المحققين من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه و مخالف لطريقة استعمال أهل العرف و اللغة و ان كان الثاني و كان مفردا فان قلنا ان المولى متواطئ و قلنا بصحة استعمال المشترك في الجميع و انه ظاهر فيه صح و حمل على الجميع و الا فالأوجه البطلان لمكان تعليق الوقف على مجهول عند الواقف و الوقف على المجهول

ص: 72

باطل و قد تحتمل الصحة بحمله على ارادة المعنى المجازي العام كمفهوم اللفظ أو مسماه تصحيحا للعقد مهما امكن و إن كان اللفظ مثنى أو جمعا فإن لم نشترط فيهما اتحاد المعنى فعلى الأول و هو وقوع الشك في الوقف المتقدم يحكم بصحة الوقف و يكون دائرا بين كل معنى متحد قد ثني اللفظ باعتباره أو جمع و بين ارادة الجميع فيستخرج بالقرعة و ان قلنا انه ظاهر في الثاني حمل عليه و ان قلنا إنه مشترك معنوي حمل على الجميع و إن قلنا له فرد ظاهر يكون بمنزلة القرينة على ارادة معنى معين حمل عليه و ان اشترطنا اتحاد المعنى كان حكمه حكم المفرد و الكلام فيه كالكلام فيه و يجي ء الكلام في المثنى و الجمع عند تعليق الواقف الوقف على مجرد المعنى اللفظ ما يجي ء في المفرد إذا جوزنا استعماله في جميع معانيه و قلنا إنه ظاهر فيها فإن قلنا بجوازه في المثنى و الجمع و ظهوره حمل عليه و الا فإن ظهور القرائن سبق ذهن الواقف لإرادة معنى خاص حمل عليه و الا فإن قلنا إنه متواطئ حمل على الجميع و الا فالاوجه بطلان الوقف من اصله لتعليقه على المجهول.

الخامس عشر: لو وقف في سبيل الله انصرف مصرفه إلى جهات القرب

و كان وقفا على المسلمين و إن لم يذكر لفظهم و لا تختص به قربة دون اخرى كما في فتوى المشهور نقلا بل تحصيلا و نقل عليه الاجماع في الوصية لان السبيل هو الطريق إليه و لا يراد به معناه الحقيقي بل الطريق إلى ثوابه و رضوانه فيشمل كل قربة و في تفسير علي بن ابراهيم ما يدل على ان السبيل هو جمع سبل الخير و خالف الشيخ رحمه الله في ذلك فخصه بالغزاة المطوعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان و بالحج و العمرة و قسمه بينها اثلاثا و كذا ابن حمزة فخصه بالمجاهدين و هما شاذان و لو ضم الواقف إلى سبيل الله تعالى سبيل الخير و سبيل الثواب كان الحكم على ما تقدم و خالف فيه الشيخ رحمه الله فقسمه اثلاثا و جعل الغزاة و الحج و العمرة سبيل لله تعالى و الفقراء و المساكين و يبدأ باقاربه سبيل الثواب و الفقراء و المساكين و الغارمين و في الرقاب سبيل الخير و هو شاذ لا يساعده عرف و لا لغة و لو وقف على وجوه البر انصرف إلى كل ما فيه نفع عام للانام و يحتمل انصرافه لكل ما فيه ثواب و لو بصلة الأغنياء لان البر الطاعة و الخير و الإحسان

ص: 73

و لو وقف على مستحق الزكاة انصرف إلى الاصناف الثمانية و هل يجب استيعاب الاصناف و ان لم يجب استيعاب افرادها لمكان انحصارها أو لا يجب وجهان و الاول احوط و يجوز اعطاء الفقير زائدا على مئونته كما يعطي من الزكاة على الاظهر و يعطي المؤلفة لانه من مصالح المسلمين.

السادس عشر: لو وقف على أولاده

فاذا انقرضوا أو انقرض أولاده فعلى الفقراء كان الوقف على أولاده لازما مطلقا و هل يكون على اولاد الاولاد أيضا تشريكا أو ترتيبا أو لا يكون مطلقا و الظاهر على القول بدخول اولاد الاولاد في الاولاد دخولهم تشريكا و يكون الشرط في كونه للفقراء انقراضهم و على القول بعدم دخولهم احتمل دخولهم تشريكا و هو ضعيف و احتمل دخولهم ترتيبا و ذهب إليه الشيخ رحمه الله عملا بالظاهر من اللفظ لاشتراط الواقف انقراضهم في الانتقال إلى الفقراء و لعطف الانقراض على الانقراض و كل منهما مقتضى لدخولهم في الوقف و لابتناء الوقف على الدوام و عدم دخولهم مناف للزوم الوقف لموقوف عليه فهو قرينة على ارادة الدخول و كون الوقف عليهم ترتيبا انما جاء من عطفهم على الاولاد المنقرضين فالحكم انما استفيد من اللفظ بعد الحكم بانقراض الاولين و كان استحقاقهم مرتبا على انقراض الاولين و يضعفه ضعف دلالة ما ذكره على كونه موقوفا عليه لعدم دلالته باحدى الدلالات و مجرد تصحيح اللفظ لا يكون قرينة على ارادة ما لم يذكره الواقف أو على صرف ما ذكره إلى المجاز من استعمال الاولاد فيما يشمل اولاد الاولاد بل قد

يقال ان ذكر اولاد الاولاد بعد الاولاد دليل على ان الأول لم يتناولهم و انما ذكره لاجل اشتراط ترتب استحقاق الفقراء على انقراضهم و على ما ذكر فيكون الوقف كمنقطع الوسط يكون الوقف على ما قبله حبسا و على ما بعده باطلًا و على تقدير صحته على ما بعده فالنماء المتخلل بين موت الاولاد و أولادهم هل هو لورثة الواقف ام لا اشكال ينشأ من انتقال الوقف و عدمه فإن قلنا ببقائه على ملكه فهو لورثة الواقف و إن قلنا بانتقاله إلى الله تعالى فالاوجه صرفه في وجوه البر و على القول بانتقاله للموقوف عليه يشكل أيضا من حيث انتقال الملك عن الواقف فلا يعود إليه فيكون

ص: 74

لورثة البطن الأول لانتقاله إليه فيستصحب إلى أن يعلم المستحق و من ان الوقف في حكم ملك لتلقى البطن الثاني عنه و بموت البطن الأول زال ملكه و ليس ثمّ موقوف عليه غيره إلى أن ينقرض البطن الثاني و يتمتع بقاء الملك من غير مالك فيكون لورثة الواقف و فيهما ضعف لأن ورثة الأول لا يستحقونه بالوقف لانتفاء مقتضيه و لا بالارث لان الوقف لا يورث و لانقطاع تملك مورثتهم من الوقف بموته فكيف يورث عنه و لأن خروج الملك عن الواقف يوجب عدم العود إليه و إلى ورثته إلا بسبب جديد و ليس فليس نعم لو قلنا انه حبس صح عوده إلى ورثة الواقف على وجه الملك ثمّ ينتقل عنهم إلى الفقراء و لكنه مفتقر إلى ثبت.

خاتمة في بيان أمور:

أحدها: لو اضمحل الموقوف باستيلاء الماء أو الخراب الذي لا يرجى معه العود

صرفت آلائه إلى موقوف آخر مشابه له كمسجد و مدرسة فان لم يمكن بقي وقفاً ينتفع به اربابه و لو آلت آلائه إلى الخراب بحيث لا ينتفع بها فيه و لا في غيرها فإن أمكن بيعها و كان لها قيمة بيعت و أخذ بثمنها وقفا مشابهاً مهما امكن كفراش و فراش و قنديل و قنديل فإن لم يمكن المشابه أخذ غيره و وضع فيه فإن لم يكن صرف الثمن فيه بأي نحو كان مع احتمال جواز ذلك ابتداءً لتساوي جميع المصارف بالنسبة إلى الثمن بعد أن بيعت للعين و الأظهر و الأحوط الأول اقتصارا على اليقين في التصرف بمال الغير و إن لم يمكن صرفها في ذلك الوقف صرفت في غيره مشابها له و لو دار الامر بين بيعها و صرف ثمنها في ذلك الوقف و بين الانتفاع بها في وقف آخر مشابه له فلا يبعد ترجيح الأول و لو لم يكن بيعها امكن صرفها في المشابه لزم الاحتراز عن تفويت المال من غير مقتضٍ و لو لم يمكن صرفها في وقف آخر و لا بيعها لخروجها عن التمول عاد تملكا لأرباب تلك الجهة و يكون بمنزلة نماء الوقف و قد يحتمل المنع من بيع الآلات مطلقاً و لو اضمحلت لبناء الوقف على الدوام فلا يجوز نقله و لكنه ضعيف مخالف لفتوى الأصحاب و مشتمل على تضييع المال.

ص: 75

ثانيهما: لا يجوز بيع الوقف المبني على الدوام و لا نقله مطلقاً

كما هو الظاهر من إطلاقه و المفهوم من لفظه و مصداقه و لبنائه على الدوام كما جاءت به سيرة الأنام و افعال الائمة عليهم السلام و لظهور الأخبار في منعه و بيان منافاة البيع و النقل و الميراث له ذاتاً و لتعلق حق البطون به فهم كالشركاء فيه فيكون التصرف فيه على وجه النقل اكل مال بالباطل و من باب الظلم و العدوان سيما لو قلنا إن ثمنه يكون للبائع لا انه يشتري به وقفا و للإجماع المنقول على المنع مطلقاً و للخبر فيمن شرى وقفاً لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في الملك و بذلك ظهر ضعف قول المجوز لبيعه إذا خيف فساده أو خرابه لخلف بين اربابه كما في قول أو بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه و كانت باربابه حاجة شديدة ودعت إلى بيعه الضرورة كما في ثاني أو كان بيعه أعود كما في ثالث أو غير ذلك من الاقوال المتكثرة استناداً إلى أخبار قاصرة سنداً و دلالة و لإجماعات منقولة مضطربة معارضة بمثلها و لشهرة مركبة من مجموع الاقوال المفيدة و هي غير صالحة للحجية ما لم تكن بسيطة فلا تصلح لمقاومة ادلة المنع و يمكن حمل الأخبار على الوقف الغير المؤبد و كذا تنزيل الاجماعات أو على الوقف قبل قبضه و لو أردنا ان نختار الاخذ بها لاقتصارنا في الجواز على الجامع لجميع القيود و التزمنا بشراء وقف بثمنه تحصيلا لغرض الواقف بقدر الامكان و قد بسطنا الكلام في المقام في كتاب البيع فلا نعيده.

ثالثها: لا يجوز صرف آلات وقف في وقف آخر

لان الوقوف على حسب ما يقفها أهلها و لو زاد منها شي ء آخر لوقت الحاجة و استثنى من ذلك المساجد فيجوز صرف ما زاد من أحدها في الآخر لعدم المنافاة لغرض الواقف و هو أيضا لا يخلو من اشكال و على كل حال فلا يلحق به الحضرات و المشاهد و المدارس اقتصاراً على مورد اليقين و كذا لا يجوز التصرف في الوقف بما ينافي غرض الواقف و يزاحم الموقوف عليه في الجهة الموقوف عليها لحرمة التصرف بمال الغير من دون اذن بل شاهد حال الواقف يقضي بالمنع فلا يجوز الجلوس في المساجد و لمشاهد بما ينافي غرض الواقف لمنع الزائرين و المصلين و لا يجوز وضع شي ء فيها بما ينافي غرضه أيضا كغرس شجرة في المساجد

ص: 76

و المشاهد أو دكان أو بناء مناف بل لا يبعد انه لو خرجت الاشجار لنفسها لزم على المستولي قلعها نعم لو سبق الزرع و الغرس و البناء على الوقف جاز ابقاؤه مطلقا على الاظهر.

رابعها: لو اندرس شرط الوقف قسم بالسوية

مع أهل العلم باصل الاستحقاق و جهل مقادير السهام لأصالة عدم التفاضل و ربما الحق به الجهل بالترتيب لأصالة عدم التقدم و التأخر و لو علم التفضيل و شك في المفضل أو علم الترتيب و شك في السابق فالقرعة أو الصلح و لو أخبر الواقف بعد وقفه و تقبيضه ففي لزوم الأخذ باخباره وجهان و لا يبعد اللزوم و لو جهل ارباب الوقف صرف في وجوه البر و يحتمل كونه مجهول المالك فيتصدق بعينه و هو ضعيف.

خامسها: يجوز قسمة الوقف عن الطلق في المشاع

و تكون القسمة مثبتة لكل منهما و لا بأس إلا أن تتضمن القسمة رداً من الوقف إلى أهل الطلق فالاظهر المنع لاستلزامه عود الموقوف طلقاً و لا يجوز قسمة الوقف مع اتحاد الواقف و الموقوف عليه بمعنى كون الموقوف عليه وقف عليه واحد بعقد واحد سواء اتحد و بعد ذلك تعدد أو كان متعدداً ابتداءً لمنافاته لغرض الواقف و لعدم شمول دليل القسمة لمثله و لتعلق حق البطون لمجموعه و للزومه لتغير الوقف و احتمال الجواز ضعيف نعم لو تنازعوا كانت لهم المهاباة و يجوز قسمة الوقف إذا تعدد الواقف و الموقوف عليه سواء وقع الوقف بصفقة واحدة أو صفقتين على الأظهر.

تم كتاب الوقف و يليه كتاب الصدقة و السكنى إن شاء الله تعالى

و الحمد لله أولا و آخراً و الصلاة و السلام على اشرف أنبيائه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.