منظومة في الرضاع - الارجوزه الرضاعيه و شرحها

اشارة

نام كتاب: منظومة في الرضاع- الأرجوزة الرضاعية و شرحها موضوع: فقه استدلالى منظوم نويسنده: عاملى اصفهانى، سيد صدر الدين محمد بن صالح تاريخ وفات مؤلف: 1263 ه ق زبان: عربى قطع: وزيرى تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه انصاريان تاريخ نشر: 1419 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: قم- ايران محقق/ مصحح: سيد محمد على خادمى

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

مقدمة المحقق

اشارة

منظومة في الرضاع

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلوة و السلام على سيّدنا و نبيّنا محمّد و آله الطاهرين سيّما بقيّة اللّه في الأرضين، روحي و أرواح العالمين له الفداء، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد: فإنّ من أهمّ الأمور للحياة البشرية و إدارتها وجود القوانين الّتي تنظم سيرها و تدير شئونها، فإنّ لها بالفعل دورا فعّالا في توجيه الإنسان إلى الحياة العالية.

و لكنّه إذا كان منشئ تلك القوانين هو العقل البشري المحدود، فإنّ الإنسان لا يحصل على ما يؤمّن سعادته في عمود الزمان لقصور العقل عن إدراك المصالح و المفاسد.

و الوجدان خير شاهد على ذلك، فها هي القوانين الّتي اشتهرت في بعض المجتمعات، و كان أصحابها يدّعون أنّها تضمن للإنسان حقوقه، و توفّر له حاجاته، قد فشلت، و لم تجد في تأمين الإنسان، و لم يصل الإنسان تحت ظلّها إلى الاطمئنان و السكون و الراحة.

و أمّا القانون الإلهي فهو على خلاف ذلك: إذ اللّه خالق الإنسان، فهو الذي يعلم حاجاته و يعلم ما يصلحه و ما يفسده، فله الحكم و له الأمر وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. (1)


1- ق: 16.

ص: 4

و الذي يضم القوانين الإلهية هو الإسلام، و هي قوانين شاملة و مستوعبة، لكلّ الحاجات البشرية، و قد بيّنها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للنّاس، و بيّنها بعده أهل بيته عليهم السّلام- و أهل البيت أدرى بما فيه- و قد تكوّن بسبب بيان الرسول و أهل بيته القوانين الإلهية كمّ هائل من الروايات، يتناول مختلف مجالات الحياة، من عقائد و أخلاق و معاملات و اقتصاد و اجتماع، إلى غير ذلك.

و قد وجد علماء أتعبوا أنفسهم في استخلاص و استنتاج القوانين الإلهية التي ضمّتها روايات أهل البيت، و بذلوا جهدهم، و استفرغوا طاقاتهم في ذلك منذ حصول الغيبة الكبرى حتّى زماننا هذا.

و من الموضوعات التي عالجها الإسلام و جاء فيها بقوانينه، موضوع الرضاع و هو من الموضوعات التي أتعب العلماء أنفسهم فيها و قد صار معتركا للآراء.

«نسب المؤلف و مولده»

سيّد الفقهاء الكاملين و سند العلماء الراسخين، أفضل المتأخرين، و أكمل المتبحرين، نادرة الخلف و بقية السلف، ذو البيت العالي العماد و الحسب الرفيع الآباء و الأجداد، السيد صدر الدين صدر العاملي، و نسبه الشريف كما ينقله المحدّث القمي في منتهى الآمال- في حالات أولاد الإمام موسى الكاظم عليه السّلام-: 228، و السيد شرف الدين في البغية: 12.

هو السيد الشريف: محمد بن سيد صالح بن محمد بن إبراهيم شرف الدين بن زين العابدين بن نور الدين بن على بن نور الدين بن حسين بن محمّد بن حسين بن علي بن محمد بن أبي الحسن تاج الدين عباس بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن حمزة الصغير بن سعد اللّه بن حمزة الكبير بن محمد أبي السعادات ابن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن أبي الحسن

ص: 5

على بن عبد اللّه بن أبي الحسن محمد المحدث بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي بن موسى أبي سبحة بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام.

ولد في ليلة 21 من ذي القعدة سنة 1193 في مزرعة لهم تدعى شد غيث (قريبا من قرية معركة من أعمال صور) فأنبته اللّه نباتا حسنا، و آزره بوابل متصل من لطفه و توفيقه و عنايته، فكان كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوىٰ عَلىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّٰاعَ. (1)

فاذا اساريره و هو في المهد تنطق بأسرار عمر و العلى، و تشرق بأنوار شيبة الحمد، حتّى كأنّه المعنى بقول القائل:

في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة ساطع البرهان (2)

و أمّه الستّ بنت الشيخ على بن محيي الدين بن على بن محمد بن حسن (صاحب المعالم) بن زين الدين الشهيد الثاني. (3)

و أمّا أبوه: فهو السيّد السند و الركن المعتمد السيد صالح سبط شيخنا الأجل الشيخ الحرّ العاملي صاحب الوسائل.

فكان من أعلام العلماء في عصره انتهت إليه رئاسة الإمامية في البلاد الشامية، و كان كثير الاطلاع غزير الحفظ، واسع الرواية، و له في الطبّ و الرياضيات يد طولى و قدح معلى.

و كان زاهدا عابدا ملتزما بصوم رجب و شعبان من كلّ سنة، و صوم يوم الجمعة من كل أسبوع، و كان يعامل النوافل الراتبة معاملة الفرائض، فإذا فاته شي ء منها لعذر


1- الفتح: 29.
2- بغية الراغبين 1: 147.
3- تكمله أمل الآمل: 431.

ص: 6

قضاه في أول أزمنة الإمكان.

كان تولده سنة اثنتين و عشرين و مائة بعد الألف، في قرية شحور من بلاد بشارة من بلاد جبل عامل، و أمّه بنت الشيخ الحر صاحب الوسائل. (1)

و قد هاجر من بلاد الشام الى النجف بسبب فتنة أحمد الجزّار في سنة 1197 و توفّى في النجف الأشرف في سنة 1217.

و والده السيد محمد بن السيد إبراهيم شرف الدين، وقف في عاملة على الفقيه العلامة أحمد بن الحسين بن أحمد بن سليمان العاملي النباطي و هاجر الى العراق سنة الثمانين بعد الألف، فأخذ العلم عن الشيخ حسام الدين بن الشيخ جمال الدين الطريحي النجفي، و وقف على غيره من أفاضل العلماء.

و توجّه إلى أصفهان للوقوف على أعلامها، و نال الخطوة بسلطانها الشاه عباس الثاني الصفوي، و تلمّذ على اعلم أعلامها الشيخ محمد باقر السبزواري- صاحب الذخيرة-، فآثره السبزواري و زوّجه كريمته رغبة فيه، و ولد له منها ولدان قضى الوباء عليهما و على أمهما سنة 1089.

و توفّى أستاذه السبزواري سنة تسعين بعد الألف، فاختلف السيد بعده إلى الفقيه العلامة الشيخ على بن محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني- و كان يومئذ بأصفهان- فحمل عنه علما جمّا، و اجازه الشيخ إجازة عامّة.

و في سنة تسع و تسعين بعد الألف تشرف السيّد بزيارة الإمام الرضا عليه السّلام فرأى من استقبال العلماء و إقبالهم عليه ما هو اهله، و قرأ فيها على الشيخ الحرّ صاحب الوسائل و الأصل، و أجازه الشيخ إجازة مفصّلة، و زوّجه كريمته و هي أمّ الباقين من ذريته. (2)


1- تكمله أمل الآمل: 233.
2- تكمله: 235- 236.

ص: 7

و ينبغي لنا أيضا ان نذكر مختصرا عن أجداده العلماء العاملين لكي نعرف علوّ نسب هذه الأسرة الكريمة، فمنهم:

الف)- السيد عز الدين حسين بن محمد: و كان من العلماء الأجلاء و الفقهاء العظماء، قراء على والد الشهيد الثاني، و على الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي العاملي الشامي أحد شيوخ الشهيد الثاني، و كان السيد صهره، و وقف على جماعة آخرين من الفقهاء و الأصوليين.

و تزوّج الشهيد ابنته و أولدها بنتا، تزوجها تلميذه السيد على بن السيد حسين لأنها بنت عمته، فولدت له السيد محمد صاحب المدارك، و لهذا يعبّر عن الشهيد الثاني في المدارك بالجدّ. (1)

ب)- السيد نور الدين على الأول، المعروف بابن أبي الحسن و كان من تلامذة الشهيد الثاني و المجازين منه و كان متزوجا بزوجتين: الأولى: هي بنت الشهيد الثاني والدة صاحب المدارك رحمه اللّه، الثانية: هي الزوجة الثانية للشهيد الثاني، أم سيد نور الدين على المذكور، و قد تزوج بها بعد استشهاد زوجها. (2)

ج)- السيد نور الدين على الثاني ابن السيد نور الدين على الأول فهو أخ من الأب للسيد محمد صاحب المدارك و أخ من الأم للشيخ حسن صاحب المعالم، و كان من العلماء الكبار و له آثار و تصانيف عديدة و مات في 17 من ذي الحجة سنة 1068، و دفن في مقبرة أبي طالب.

د)- السيد زين الدين بن السيد نور الدين و أمّه كريمة العلامة الفقيه المتكلم الشيخ نجيب الدين على بن محمد بن مكي العاملي الجبعي، و كان من العلماء و الفضلاء، سكن مكة


1- تكمله: 174.
2- تاريخ علمي و اجتماعى علماء أصفهان 1: 218.

ص: 8

المكرمة، و مات في سنة 1073 و دفن في مقبرة المعلّى إلى جنب أبيه. (1)

ه)- السيد شرف الدين إبراهيم بن السيد زين العابدين، و هو من العلماء العظام تلمّذ عند أبيه و بعض علماء عصره و أعمامه حتى وصل إلى مراتب عالية من العلم و الشهرة الكاملة بحيث أنّ بعض أعقابه الساكنين في العراق و الشام انتسبوا إليه و اشتهروا بآل شرف الدين و منهم العلّامة الفقيد السيد عبد الحسين شرف الدين. (2)

«نشأته و تطور علمه حتى الاجتهاد»

و في هذه البيئة نشأ آية من آيات اللّه سبحانه في صفاء النفس و لطافة الحسّ، و سمّوا المدارك و توقّد الذهن، عرفنا منه ذلك بخصائصه في نشأته، و حسبك أنّه غادر البلاد العاملية، و هو في السادسة من عمره الشريف (في فتنة أحمد الجزار) ثم لم يرجع إليها حتى لحق بربّه.

و قد كان مع ذلك يحدّث عن علمائها و زعمائها و عشائرها و أكابرها و بيوتاتها و أنساب ساداتها و عن زرعها و ضرعها و حقلها و بقلها، و ماشيتها و احراجها و عن أطوار أهلها و ازيائهم و سائر شئونهم.

و كان إذا زاره زائر أو اجتمع به منهم أحد، فإنّه يكلّمه بمصطلحهم لا يحزم ألفاظهم و لهجتهم، و لا تفوته أمثالهم السائرة في محاوراتهم.

على أنّها ليست ذات الشأن الأول من الخصائص المأثورة عنه، فقد كان يتردد قبل بلوغه الحلم إلى مجلس سيد الأمة، و بحر علوم الأئمة، المهدى الطباطبائي ليخوض عباب


1- تكمله: 224.
2- تكمله: 72.

ص: 9

علومه، و يغوص على إسرارها.

و كان بحر العلوم قد انتخبه يومئذ فيمن انتخبهم من شيوخ العلماء و فحول الأدباء ليعرض درّته (المنظومة الفقهية) عليهم. و ناهيك بهذا دليلا على صفاء ذهنه و رواء طبعه، و لو لا بلوغه الغاية في ذلك ما كان بحر العلوم ليلزّه و هو ابن لبون مع البزل القناعيس و ما لزّه و إيّاهم في قرن إلّا لعلمه بأنّه يجلّي في حلباتهم كما يجلّون، و يجوز قصب السبق في مضامير العلم و الأدب كما يجوزون. (1)

ربّاه والده العلامة بحيث كتب حاشية على شرح القطر و هو ابن سبع سنين، و يذكر في أول رسالته في حجية الظن ما لفظه:

«وردت كربلاء سنة خمس و مأتين بعد الألف- و أنا ابن اثنتي عشرة سنة- فوجدت الأستاذ الأكبر محمد باقر بن محمد أكمل، مصرّا على حجية الظن المطلق.».

فيعلم من ذلك أنّه كان من أهل العلم بمشاكل مسائل الأصول و هو في سنّ الاثني عشر، و حدثني والدي قدّس سرّه أنّه استجاز السيد صاحب الرياض في السنة العاشرة بعد المائتين و الألف، فأجازه و صرّح فيما كتبه من الإجازة أنّه مجتهد في الأحكام من قبل أربع سنوات، فيكون حصول ملكة الاجتهاد له في سنّ ثلاث عشرة من عمره». (2)


1- بغية الراغبين 1: 147- 149.
2- تكملة أمل الآمل: 236.

ص: 10

«أساتذته و مكانته العلمية و مشايخه»

وقف أوّلا في تحصيل العلوم على كلّ من أبيه المقدس، و الفقيه العلّامة الشيخ سليمان بن معتوق العاملي، فأفاضا عليه سجال العلوم. و بوأه من الثقافة مبوأ صدق، حتى لمع في حوزيتهما كوكبا، و سطع بدرا كاملا.

فانتشر فضله في العراق، انتشار الصبح في الآفاق، و انتجع بعد هذا جهابذة أهل النظر في عصره، الراسخين في العلم من كل طود ينحدر عنه السيل، و لا يرقى اليه الطير كالسيد محسن الأعرجي صاحب (المحصول) و الوافي و الشيخ أسد اللّه ابن الشيخ إسماعيل الكاظميني صاحب (المقابيس). و السيّد الشريف الأمير على الطباطبائي صاحب (الرياض) و السيّد الشريف الميرزا محمد مهدي الشهرستاني الحائري، و امام الكل في الكل السيد مهدي بحر العلوم- و قد علمت منزلة الصدر من نفسه منذ كان حدثا.

و عكف على مربية و مخرّجه الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، و كان السيد صهره على كريمته و له منها ذرية طيّبة.

و حين رنّ صيت الميرزا القمي في الأقطار، و تجاوبت بصدا ذكره محافل النجف.

شدّ السيد اليه رحاله و هو في قم فجمع بخدمته شتات العلوم و عبّد مناهجها، و احكم قواعد الفقه و قوانين الأصول، فائزا بغنائمها.

و قرظ يومئذ كتاب (قوانين) بالبيتين السائرين المسجلين في فاتحته:

ليت ابن سينا درى إذ جاء مفتخرا باسم الرئيس بتصنيف ل (قانون)

أنّ (الإشارات) و (القانون) قد جمعا مع (الشفا) في مضامين (القوانين)

ص: 11

و كان ذهاب السيد إلى قم عام تشرفه باعتاب الإمام أبي الحسن الرضا عليه السّلام و ذلك سنة 1226 قبل رحلته إلى أصفهان بسنة. (1)

أقول: و قد يستفاد من بعض التراجم ان السيد صدر الدين قد استفاد من بعض الأجلّاء الآخرين، مثل علم الأعلام الوحيد البهبهاني، حيث يقول السيد في رسالته في حجية الظن:

«و قد رأيته في كربلاء سنة خمس و مائتين و ألف قبل وفاته بسنة، و أنا ابن اثنتي عشرة سنة، و هو شيخ قد ناهز التسعين، و لم يكن فيما حدثني به شيخ الطائفة جعفر بن خضر و جماعة من ثقاة العلماء، قبل سنة الطاعون- و هي ستّ و ثمانين و مائة و ألف- أحد يذهب إلى أنّ الأصل الثانوي حجية الظن غيره».

كما كان يستفيد من محضر الأستاذ الفقيه السيد جواد بن محمد الحسيني العاملي الشقراوي مؤلف كتاب مفتاح الكرامة.

و قد استفاد أيضا من درس العلامة الفقيه الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء. (2)

و قال العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين في مكانته العلمية:

كان في النجف الأشرف على عهد أستاذه الشيخ الأكبر [كاشف الغطاء] يرشّح لمكانته من بعده، لكن نزوحه في حياة الشيخ إلى أصفهان و توطّنه فيها صرف الرئاسة العامة عنه.

على أنّ العلماء كافّة من معاصريه و المتأخرين عنه يبوؤونه مكانة المرجع العام في شرائع الإسلام، و قد تصافقوا على أنّه أصلها و محلّها، جلالة قدر، و عظم شأن، و علوّ


1- بغية الراغبين 1: 149- 150.
2- تاريخ علمي و اجتماعى علماء أصفهان 1: 232- 235.

ص: 12

مكانة علما و عملا، و ورعا و زهدا، و هديا و رأيا، يعدّونه من أبطال العلم و أعلامه البارزين و لا سيّما في الفقه و الأصول و الحديث و الدراية و الرجال، و العلوم العربية بأسرها و الفنون الأدبية كلّها.

كان مقدّما في علوم القرآن، و أنساب العرب، و أخبار الماضين، و حوادث السنين، و له في العلوم العقلية و لا سيما الحكمة و الكلام مكانة سامية.

و قد جمع اللّه فيه علو الفهم، و قوة الحافظة، فكان إذا تلاعن لوح قلبه، رأيته يتلو عن لوح محفوظ، لا يفوته عند الحاجة شي ء من آي الذكر الحكيم، و لا يغيب عنه شي ء من السنن المأثورة و الحكم المسطورة، و لا تفوته دقيقة من ظرائف الكلام و لطائفة و نوادره و نكاته، يحفظ الكثير من مفردات اللغة، ممحصا لها، خبيرا في اشتقاقاتها.

و كان يقظ الفؤاد، ملتهب الذكاء، قوى الحجة، سديد البرهان، يتحرّى في رأيه القواعد و الأصول، و يتبع فيه أدلة المعقول و المنقول، فيترك خصمه معتقل اللسان، كأنّما أفرغ عليه ذنوبا.

له مواقف في بغداد شكرها اللّه له و رسوله و المؤمنون، و حسبك منها مناظراته و محاضراته مع فقيه الحنفية، و متكلم الأشاعرة، معاصره السيد صبغة اللّه، فقد أذاعها بريد الثناء، و رواها له لسان الحمد. (1)

و قال العلامة الصدر: حدّثني الشيخ الجليل صادق الأعسم النجفي: أنّ الشيخ محمد حسن صاحب (الجواهر) و الشيخ حسن ابن شيخ الطائفة الشيخ جعفر، كانا لما جاء السيد صدر الدين من أصفهان إلى النجف يعاملانه معاملة الأستاذ، و يجلسان بين يديه جلسة التلامذة، و هما يومئذ شيخا الإسلام في النجف و لعلهما ممن تلمّذ عليه.

قال: و كنت يوما عند الشيخ صاحب (الجواهر) فجاء السيد صدر الدين، فلمّا


1- بغية الراغبين 1: 159- 160.

ص: 13

أشرف علينا ركض الشيخ و استقبله و أخذ بابط السيد، حتّى جاء به و أجلسه في مكانه و جلس بين يديه، و في الأثناء جرى ذكر اختلاف الفقهاء، فأخذ السيّد يبيّن اختلاف مسالكهم في الفقه و شرع في بيان طبقاتهم من الصدر الأوّل إلى عصره و يبين اختلاف مسالك الفقهاء و اختلاف مبانيهم بما يبهر العقول حتى قال الشيخ صاحب (الجواهر) بعد ما خرج السيد، يا سبحان اللّه! السيّد جالس جميع طبقاتهم و بحث معهم و وقف على خصوصيات احذقتهم و مسالكهم. هذا و اللّه العجب العجائب، و نحن نعدّ أنفسنا من الفقهاء، هذا الفقيه المتبحّر! قال: و دخلت يوما في الصحن الشريف، فرأيت السيّد صدر الدين مقبلا، و الشيخ صاحب (الجواهر) آخذ بابط السيد و الشيخ حسن صاحب (أنوار الفقاهة) آخذ بابطه الأخر. لأنّ السيّد كان فيه أثر الفالج، و لا بدّ أن يأخذ أحد بابطه إذا مشى.

و هذا يدلّ على جلالة السيد في نظر الشيخين، و أنّه في نظرهما في مرتبة الأساتيذ الأعاظم، فان الشيخين لم يكن في النجف، بل في الدنيا يومئذ أجلّ منهما. (1)

قال في ترجمته في (روضات الجنات) و أمّا مشايخه الذين يروى عنهم بطريق الإجازة، فهم كثيرون جدّا، تنيف عدّتهم عن عشرة من الفقهاء و أعلاهم سندا والده السيد محمد، عن شيخه و أستاذه محمد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب (الوسائل) و غيره، فإنّه رحمه اللّه تعالى يروى كتاب (الوسائل) بتمامه من هذا الطريق، و كذلك عن شيخه الشيخ سليمان العاملي عن السيد محمد المذكور. (2)


1- تكمله أمل الآمل 1: 235.
2- بغية الراغبين 1: 151.

ص: 14

«مهارته في الشعر و الأدب»

كان السيد صدر الدين من أشهر الأدباء و الشعراء في زمانه، و قد نقل العلّامة الصدر في كتابه، يقول: «و حضر مجلس درس أستاذه السيد بحر العلوم (و كان عمره اثنى عشر سنة ه 1205) و كان السيد مشغولا بنظم الدرّة في الفقه، فاختاره في عرض الدرّة عليه لمهارته في الآداب و فنونه». (1)

و يقول المحقق المهدوي: «ان العلّامة السيد مهدي بحر العلوم كان من اساتيد الشعر و الأدب و من أعضاء اللجنة الأدبية «معركة الخميس» و انتخابه لتلميذه الشاب لهذه المهمة، كان من جهة احترامه و تشويقه له و لوالده العلامة السيد صالح». (2)

و قال العلامة الصدر بعد ما صرح بثبوت ملكة الاجتهاد للسيّد في سنّ الثالثة عشرة من عمره: و هذا نظير ما يحكى عن العلامة الحلّي و الفاضل الهندي، و يفوقهما في صنعة الشعر و الأدب، فإنّي سمعت من شيخ الأدب الشيخ جابر الشاعر الكاظمي مخمس الهائية الأزدية، أنّ السيد صدر الدين كان أشعر من السيد الشريف الرّضي الذي هو أشعر قريش. (3)

و قال العلامة السيد شرف الدين: «و كان يرتجل الشعر ارتجالا، و يقتضبه اقتضابا، و لا يسهر عليه جفنا، و لا يكدر فيه طبعا، و لا يثبته في ديوان.

و من شعره هذه القصيدة في وصف رحلته إلى المشهد الرضوي على مشرفه السّلام،


1- تكمله أمل الأمل: 236.
2- تاريخ علمي و اجتماعى علماء أصفهان 1: 261.
3- تكمله: 236.

ص: 15

و هي من عزر الشعر:

أتتك استباقا تقدّ القفارا سوابح تقدح في السير نارا

تثير مثار الحصى بالحصى و تتبع باقي الغبار الغبارا

و هي طويلة. (1)

و قال العلامة الصدر: و الذي عثرت عليه من شعره بخطّه الشريف على ظهر بعض كتبه هذه الأبيات:

إلى على و زعيم اللوى يوم الوغى و العلم الشامخ

أبى السراة الأنجبين الأولى خصوا فنون الشرف الباذخ

اولى المزايا الغرا عباؤها ينوء فيها قلم الناسخ

جاءت تجوب البيد سيارة تهوى هوى المرتد الصارخ

قد أيقنوا منه بجزل الحصا ان عليّا ليس بالواضح (2)

«سبب هجرته إلى أصفهان»

كان ذهابه إلى أصفهان سنة 1227 بعد زيارته المشهد الرضوي و إقامته في قم سنة أو أكثر، و إنّما أتاها لزيارة تربيه في الفضل، و صنويه في العلم و العمل الشيخ محمد تقى صاحب (هداية المسترشدين) و السيد محمد باقر الموسوي الشفتي.

و كان بينهما و بين السيد مودّة- على البعد- رسخت قواعدها و مصافاة- على النوى- توثقت عراها، فكانوا يتبادلون العواطف بالمواصلة، و يتبارون في بث الأشواق و


1- بغية الراغبين 1: 160.
2- تكمله: 242.

ص: 16

الحنين بالمراسلة، و حين استخفته إليهما نزيه الشوق، وجدهما ظمئين إلى لقائه، و وجد أهل العلم كافة في صنوة اليه.

و قد أجمع الشيخ التقى و السيد باقر على أن يلتمسا من السيد توطّنه في أصفهان، و تبعهما على ذلك من سواهما من عالم و فاضل و أديب و تقى، و صمدوا إليه في ذلك، علما منهم بقوته في ذات اللّه، و مكانته في العلم و العمل و حسن أسلوبه في رفع منار الإسلام و تعظيم شعائر اللّه و نشر علوم آل محمد، و اذاعة هديهم و إحياء أمرهم عليهم السّلام. و حين رأى ان من تكليفه الشرعي ان لا يرد هذين الإمامين المخلصين للّه تعالى، و ان لا يخيب رجاء من تبعهما من المؤمنين أجابهم إلى ملتمسهم متوكلا على اللّه تعالى. (1)

و قد ذكر المحقق الفقيد المهدوي الأسباب التي من أجلها توطّن السيد صدر الدين في أصفهان بما يلي:

1- طلب أهالي أصفهان المحبّين للعلم منه بان يتوطن عندهم.

2- وجود الجوازات العلمية و المجامع الأدبية و العلماء الكبار و المجتهدين هناك.

3- وجود اثنين من بنات المرحوم جعفر كاشف الغطاء في أصفهان (أختان لامرأة السيد صدر الدين).

4- و أهم من ذلك كله، خوفه من مخالفيه في العراق من أهل السنّة في بغداد. (2)


1- بغية الراغبين 1: 151.
2- تاريخ علمي و اجتماعى علماء أصفهان 1: 243.

ص: 17

«تلامذته و المجازين عنه»

ان العلّامة السيد صدر الدين كان من العلماء البارزين و الممتازين و مشارا اليه بالبنان من كل العلماء و المجتهدين في زمانه، خصوصا من حيث علمه و اطّلاعه و جامعيته في العلوم المختلفة و تبحّره في علم الرجال و الأدب و الشعر، كل ذلك يسبّب ان يجعل مجلس درسه من أحرّ الحوزات العلمية في أصفهان.

ففي الزمن الذي كان يعيش فيه السيد في أصفهان كانت تلك المدينة مركزا للحوزات العلمية، و أحد المراكز العلمية العالية في الدنيا، فقد وجد علماء كبار أمثال المحقق الكلباسي، و السيد حجة الإسلام شفتي و الحاج ملا على حكيم النوري. و عشرات الآخرين من العلماء و الفقهاء و المجتهدين و كل ذلك يعطى المركزية العلمية و الدينية لتلك البلدة و يجعلها محورا لتوجه الطلاب من أقصى نقاط الدنيا إليها لكسب الفيوضات المعنونية و الدينية.

مع ذلك كله: فما نتوقع، هو وجود أشخاص عديدين الذين استفادوا من هذا العالم الكبير، و كان من المفروض للتاريخ ان يسجل أسمائهم لنا، و لكننا لم نجد كثيرا بل وجدنا عددا قليلا، منهم:

1- العلامة الفقيه الرجالي ميرزا محمد باقر چهارسوقي (مكارم الآثار 1: 10).

2- السيد جعفر بن محمد أشرف الطباطبائي اليزدي النجفي (كرام البررة 1: 245).

3- العلامة الفقيه الشيخ محمد حسن بن محمد باقر الأصفهاني النجفي صاحب جواهر الكلام (تكملة: 238).

4- المرحوم السيد محمد حسن بن محمد تقي الموسوي الأصفهاني.

5- العلامة الفقيه الشيخ حسن بن شيخ الطائفة الشيخ جعفر النجفي صاحب كشف

ص: 18

الغطاء (تكملة: 238).

6- العلامة الفقيه الحاج ميرزا زين العابدين موسوي چهار سوقي (مكارم الآثار 1: 10).

7- المرحوم الحاج السيد شفيع جاپلقى مؤلف كتاب الروضة البهيّة (تكملة: 238).

8- المرحوم السيد عيسى بن محمد على العاملي ابن أخي السيد صدر الدين (تكملة).

9- العلامة الفقيه الأصولي المرحوم ملا محمد شريف العلماء المازندراني (تكملة:

238).

10- العلامة الجليل الحجة الباري الشيخ مرتضى الأنصاري (مكارم 1: 10، تكملة: 238).

11- السيد أبو الحسن هادي بن محمد على ابن أخ السيد صدر الدين (تكملة: 423، معارف الرجال 3: 224).

12- العلامة الفقيه ميرزا محمد هاشم چهار سوقي (مكارم 1: 10، تكمله: 237).

«سيرته و أخلاقه»

كان السيد صدر الدين عالما ربانيا لا تأخذه في اللّه لومة لائم، يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقيم الحدود و الأحكام. و كان من أزهد أهل زمانه، لم يحظ من الدنيا بنائل و لم يخلف لأولاده غير الدار التي كان السيد حجة الإسلام شفتي قد اشتراها له و غير بعض الكتب لم يكن له عقار و لا قوى و لا أملاك، و كان كثير العيال و لم يغيّر وضعه الذي كان عليه في النجف منه حيث اللباس و المأكل.

و حدّثني الشيخ العالم عبد العالي الأصفهاني النجفي قال: كنت ليلة من ليالي شهر رمضان في حرم أمير المؤمنين عليه السّلام فجاء السيد صدر الدين إلى الحرم، و لمّا فرغ من الزيارة

ص: 19

جلس خلف الضريح المقدّس، فكنت قريبا منه، فشرع في دعاء السحر الذي رواه أبو حمزة: فو اللّه ما زاد على قوله «إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك» و كرّرها و هو يبكي حتّى أغمي عليه و حملوه من الحرم و هو مغمى عليه.

كان قدّس سرّه غزير الدمعة كثير المناجاة، و رأيت له أبياتا في المناجاة يقول فيها:

رضاك رضاك لا جنات عدن و هل عدن تطيب بلا رضاكا (1)

«زوجاته»

و قد تزوج السيد بعدة زوجات:

1- بنت العلامة الفقيد شيخ الطائفة الشيخ جعفر النجفي و هي أمّ أكثر أولاده.

2- بنت المرحوم السيد أبو الحسن خوشمزه الأصفهاني النجفي.

3- زوجة من مدينة يزد (تكملة: 237).

4- زوجة دائمية من أصفهان، و هي أمّ العلامة السيد إسماعيل الصدر.

«أولاده»

و قد عقب السيد سبعة من السادة الأشراف، مات اثنان منهم على عهده و لم يعقبا، و كانا من الفضل و الدين مثل أبيهما، أحدهما السيد محمد تقى و الثاني السيد علي، و كانت وفاتهما مصيبة عظيمة نكب بها أبوهما المقدس.


1- تكمله: 239- 240.

ص: 20

الثالث: السيد أبو الحسن الرابع: السيد حسين و هما و ان كانا من أهل الفضل و الزهد و العلم و لكن لم يحصلا على شهرة في المدارج العلمية مثل سائر أخواتهم.

الخامس: العلامة الفقيه السيد إسماعيل الصدر، من أعاظم العلماء و أكابر المراجع، اختص بالمجدد الشيرازي مدة حياته، هاجر إلى الحائر الشريف مروجا للدين و حافظا للعلماء و مساعدا للمشتغلين.، فكان من مراجع التقليد في أغلب الأطراف. (1)

السادس: السيد محمد على: و يعرف بآقا مجتهد، و أمّه بنت الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، و قد كتب قبل بلوغه (البلاغ المبين في أحكام الصبيان و البالغين) و صرح أبوه و السيد حجة الإسلام شفتي باجتهاده قبل ذلك و كان لا يصرح باجتهاد أحد إلّا أن يبلغ أقصى ذراه. (2)

السابع: السيد أبو جعفر، و أمّه كريمة شيخ الطائفة الشيخ جعفر. ولد في أصفهان سنة 1252 و تلقى العلم عن أخيه آقا مجتهد و عن الشيخ محمد باقر النجفي الأصفهاني، و تزوج بكريمة السيد أسد اللّه بن السيد حجة الإسلام الشفتي و أخذ إجازة الاجتهاد منه. و قد خلف منها ثمانية أولاد:

أشهرهم و أعلمهم والدي المرحوم آية اللّه السيد حسين خادمي رحمه اللّه.


1- نقباء البشر 1: 159.
2- بغية الراغبين 1: 171، تكمله: 358.

ص: 21

«وفاته»

منى السيد في أواخر عمره بمصائب و نوائب، أمرضت جسمه فانحلته، و أضعفت قواه فاوهتها، و أصيب بفقد ولديه المبرزين في الفضل و الدين و الأخلاق السيد محمد تقى و السيد على، فهدّه موتهما، و أصبح صريعا على فراشه لا يستطيع النهوض، فرأى في المنام أمير المؤمنين عليه السّلام يقول له: أنت في ضيافتي في النجف، ففهم انه يموت قريبا، فرغب في التشرف بأعتاب آبائه الطاهرين، رجأ أن تكون خاتمته في جوارهم و ان يطيب رمسه في قدسي تربتهم، فرحل منفردا إلى النجف سنة 1262 و ورد النجف و بقي قليلا، و توفّى في أول ليلة من شهر صفر و كانت ليلة الجمعة سنة 1263 (1) و صلّى عليه زعيم آل كاشف الغطاء يومئذ الفقيه الشيخ محمد بن على بن الشيخ جعفر، في خلائق كثيره و دفن في بعض حجرات الصحن الحيدري عليه السّلام.

«آثاره و تأليفاته»

و للسيّد تأليفات و آثار كثيرة:

1- «أثره العترة» في أبواب الفقه و هو كتاب استدلالي. (2)

2- «التعليقة على رجال أبي على» و كانت على هامش نسخته فدوّنها العلّامة


1- و قد نقل العلامة السيد شرف الدين تاريخ وفاته، ليلة الجمعة 14 المحرم الحرام سنة 1264، راجع: بغية الراغبين 1: 168.
2- الأثرة بوزن عقدة هي البقية من العلم تؤثر.

ص: 22

السيد حسن الصدر و سمّاها ب «نكت الرجال على منتهى المقال» (تكملة: 242).

3- تعليقاته على كتاب «نقد الرجال» للمحقق العلامة مير مصطفى تفرشي، و هي موجودة على نسخته المخطوطة في مكتبة المرحوم آية اللّه حاج حسين خادمي رحمه اللّه.

4- التعليقة على كتاب «التسهيل» في النحو، لأبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف بابن مالك النحوي، المتوفى 672 (الذريعة 6: 39).

5- التعليقات على كتاب منتهى أمل الأريب من كلام مغني اللبيب، تأليف: الشيخ أحمد بن محمد بن على، المشهور ب «ابن ملّا حلبي» سنة 979 (الذريعة 6: 223). يقول صاحب الروضات: 93، قد رأيت المجلد الأوّل من شرح المغني لابن ملّا بخطّ المصنف و عليه حواش كثيرة من شيخنا العلامة السيد صدر الدين.

6- حاشيته على شرح القطر (قطر الندى) يقول العلامة الصدر: إنّه قد كتب هذه التعليقات عليه و هو ابن سبع سنين.

7- ديوان الإشعار، إنّ السيد صدر الدين كان من الشعراء الكبار و له أشعار و قصائد كثيرة (الذريعة 9: 603، الجزء الثاني).

8- «الرحلة» و هو اسم قصيدة رأييه له يخاطب فيها الإمام الثامن علي بن موسى عليه السّلام، مطلعها:

أتتك استباقا تقد القفارا سوابح تقدح في السير نارا

قال السيد محسن الأمين: بعد ما نقل ستة و ستين بيتا من القصيدة قد افتقد منها صفحة أو أكثر من وسطها، و يحتمل على هذا أنها كانت أكثر من مأة بيت، ثم قال: «و هي من عزر الشعر». (1)

9- «قرة العين» في النحو: يقول العلامة الصدر: «كتبها لبعض ولده و هي كتاب


1- أعيان الشيعة 45: 246.

ص: 23

جليل في بابه تفوق على المغني، كما نصّ على ذلك تلميذه الميرزا محمد هاشم في أول معدن الفوائد: قال: فإنّها مع صغر حجمها تفوق على المغني لابن هشام مع طوله و بسطه، فهذه الرسالة لا توافق إلّا فهم المنتهى» (1) و هي موجودة عندنا.

10- شرح مقبولة عمر بن حنظلة: و هو شرح في نهاية البسط متضمنة لقواعد شرعية و فقهية و فوائد رجالية (روضات الجنات: 333).

11- القسطاس المستقيم في أصول الفقه (الذريعة 17: 80، أعيان الشيعة 45:

245).

12- رسالة حجية المظنّة: يقول العلامة الطهراني: إنّها في ردّ دليل الانسداد، كما بحث حول موضوع (حجية الظن المطلق و حجيّة الظن الخاص) و هي موجودة في مكتبنا.

13- رسالة في أحوال ابن أبي عمير: يقول المحقق التنكابني أنّ نسخته موجودة عنده (قصص العلماء: 196).

14- رسالة في مسألة ذي الرأسين.

15- «عترة العترة» و هي مختصر كتابه الفقهي «أثره العترة». (2)

16- «قوت لا يموت» و هي رسالة عملية فارسية لمقلديه.

17- «المستطرفات» في الفروع الفقهية التي لم يتعرض لها الفقهاء.

18- «المجال في علم الرجال» و قد أحال إليه في رسالته «حجية الظن».

19- «رسالة في الوقف» لم تذكر هذه الرسالة في شي ء من كتب التراجم التي ترجمت


1- تكمله أمل الآمال: 242.
2- لفظ العترة حقيقة في القطعة من المسك الخالص، و هذا المعنى هو المراد من المضاف في هذا الاسم، و حقيقة أيضا في الذريّة، و هذا هو المراد من المضاف إليه، فيكون الكتاب على مقتضى هذا الاسم، قطعة من خالص مسك ذرّية رسول اللّه (ص).

ص: 24

للسيد و ربّما تكون بخط المؤلف و هي موجودة في مكتبة الرضوي برقم 13251.

20- «شرح منظومة الرضاع» و هي رسالتنا هذه:

«الكتاب الذي بين يديك و منهج التحقيق فيه»

لمّا كان بحث الرضاع من المباحث الفقهية الغامضة، فقد اهتمّ به الفقهاء حتّى ألّف أكثرهم رسالة فيه، و نقّحوا غوامض مسائله، و ممن ألّف في هذا البحث مترجمنا فقد ألّف فيه رسالة و هي الكتاب الذي بين يديك.

و هذه الرسالة كما سترى، تدلّ على مدى قوّة المصنف في الفقه و سعة اطّلاعه على الآراء و الانظار، و هي بالإضافة الى ذلك أوّل أثر فقهي يصدر من هذا الفقيه المتبحّر.

و قد حاولنا- قدر الإمكان- ان يكون متن الرسالة خاليا من الأخطاء، و من أجل ذلك، حاولنا ان نحصل على نسخة يمكننا ان نعتمد عليها، و من خلال كتب التراجم عرفنا أنّ المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي شرح هذه الرسالة فبحثنا عن هذا الشرح في أكثر المكتبات المعتبرة في إيران و لكن دون جدوى، و لكننا حصلنا على نسخ مختلفة الكتاب و هي:

1- النسخة الموجودة في مكتبة المرحوم آية اللّه الحاج آقا حسين خادمي، و هي من أحسن النسخ لقلة أخطائها و امتيازها عن النسخ الأخرى بوجود بعض الحواشي فيها و هي موقعه في نهايتها ب «منه ره» و لذا جعلنا هذه النسخة أصلا و رمزنا لها ب «خ».

2- النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى التي تفضل المسؤولون في المكتبة علينا بالاستفادة منها- شكر اللّه لهم ذلك- و رمزنا لها ب «م».

3- النسخة المحفوظة في مكتبة المرحوم الصفائي الخوانساري قدّس سرّه و ارجوا له الرحمة و الغفران و علوّ الدرجة عند الرحمن، و رمزنا لها ب «س».

ص: 25

4- النسخة المحفوظة في مكتبة حجة الإسلام السيد محمد على روضاتي الذي تفضّل باعطائنا صورة منها، و هذه النسخة كثيرة الأخطاء و رزمنا لها ب «ر».

و جدير بالذكر أنّ والدي المرحوم آية اللّه حاج آقا حسين خادمي رحمه اللّه هو المشجّع على هذا العمل فإنّه كان معجبا بهذا الكتاب و بأسلوبه الفقهي من جدّة الأعلى رحمه اللّه، لذا اهدى ثواب هذا الجهد منّى إلى روحه و أرجو من اللّه ان يجعله راضيا عنّى و ان يلحقني بآبائي في الايمان حيث وعد اللّه تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ مٰا أَلَتْنٰاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ. (1)

و في الختام أقول: إنّى قد بذلت كل جهدي في الحصول على أصح النسخ، و في تحقيق العناوين من منابعها الأولية، و لكن جلّ من لا يخطئ، فإن الإنسان في معرض الخطأ، فإذا وجد خطأ فارجوا من الفضلاء و العلماء المعذرة و الإرشاد إلى الصواب، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

قم- سيّد محمد على خادمي


1- الطور: 21.

ص: 26

ص: 27

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

[منظومة في الرضاع]

اشارة

الحمد للّه الذي أدرّ أخلاف طوله بعموم فضله و خصوص عدله، و الصلاة على أفضل رسله و الخيرة المصطفين من أهله.

و بعد، فهذه منظومة في الرضاع، تعشّقها الطباع، و لا تمجّها الأسماع، أوردتها في ضمن ما يفتح مقفلها، و يحلّ مشكلها، و رجوت أن أودع بين دفّتي رقيمة تبصرة لرضيع الفقه، و تذكرة لفطيمه على غير دعة مكدّة و لا عدّة كتب ممدّة (1) بل غربة منغصه (2) و فرقه (3) مغصصة، و لا قوّة إلّا باللّه.

ان أحرز الرضاع شرطه نشر تحريم تزويج و تحليل نظر

ما يحرم به النكاح: إمّا نسب، أو سبب، و النسب: مثل الأمومة و الأبوة و الخؤلة و العمومة.

أمّا السبب، فأقسام:

منها: ما لا يحلّ معه النظر، كاللعان، و اللواط، و إفضاء الصغيرة، و الزنا بذات البعل


1- ممددة- م.
2- غربة الفقه- م، مبغضه- س.
3- فرقة- م.

ص: 28

و نحو ذلك.

و منها: ما يحلّ معه النظر، و هو المصاهرة و الرضاع، لكن كلّا منهما: إمّا مؤبّد التحريم، كأمّ الزوجة و بنتها من رضاع، أو نسب مع الدخول بالأمّ، و زوجة كلّ من الأب أو الفحل و الابن، أو الرضيع على الآخر.

و إمّا غير مؤبّدة، كأخت الزوجة رضاعا أو نسبا، و ابنتها قبل الدخول بالأمّ.

و ابنتي أخيها و أختها كذلك الّا مع رضاها، فما لم يكن مؤبّد التحريم من مصاهرة أو رضاع لم يحلّ معه النظر من كل من الرجل و المرأة إلى الأخر سيان فيه و من التحريم و ما بعده، و امّا ما كان منهما مؤبد التحريم فالنظر فيه سائغ بلا خلاف. و ممّن حكى الإجماع على حلية النظر في الرضاع فخر المحققين في الإيضاح (1)، و حكى الفاضل الهندي (2) الاتّفاق عليه أيضا. و يدلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انّا أهل بيت كبير فربّما كان الفرح و الحزن الذي يجمع فيه الرجال و النساء، فربما استحيت المرأة ان تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها و بينه الرضاع و ربّما استحى الرجل ان ينظر الى ذلك فما الذي يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبتت اللحم و الدم.». (3)

و لو قلنا انه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالأجنبية الّا و معهما ثالث جاز ان ينفرد هنا بمحرمة من الرضاع لكن الظاهر أن لا مستند للمنع الّا ما رواه العامّة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا يخلونّ رجل بامرأة، فإنّ الشيطان ثالثهما». (4)


1- إيضاح الفوائد 3: 44.
2- كشف اللثام 1: 4، السطر 12- 11.
3- الوسائل 14: 287، باب الثاني، ح 18.
4- المستدرك على الصحيحين 1: 114، مسند أحمد 1: 18 و 26.

ص: 29

و في انعتاق من يملك ينعتق خلف و عندي انّه ليس برقّ

أجمع أصحابنا كافة على أنه ليس للرجل و لا المرأة ملك العمودين و لا للرجل ملك محارمه من النسب، فلو ملك الإنسان أباه أو امّه أو أحد ولده أو ملك الرجل أخته أو عمته أو نحوهما انعتقوا على المالك بمجرد الملك، و قد اختلفوا في الرضاع: فذهب الصدوق (1) و الشيخ (2) و ابن البراج (3) و ابن حمزة (4) و العلّامة (5) و كثير من المتأخرين إلى انّه لا يملك من الرضاع ما ينعتق من النسب.

و قال القديمان (6) و المفيد (7) و سلّار (8) و ابن إدريس (9) بجوازه على كراهيّة، لنا ما في صحيح عبيد بن زرارة:

«لا يملك أمّه من الرّضاعة و لا عمّته و لا خالته إذا ملكن عتقن. و لا يملك من النساء ذات رحم محرم. قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال: نعم». (10)

و ما ورد في «المرأة ترضع مملوكها» ففي صحيحتي الحلبي و ابن سنان:

«تعتقه». (11)


1- المقنع: 468.
2- النهاية، كتاب العتق: 540، الخلاف 6: 367، المسألة: 5.
3- المهذب 2: 356.
4- الوسيلة: 340.
5- تحرير الأحكام 2: 77، المختلف 7: 44، المسألة 12.
6- نقله عنهما العلامة في المختلف 7: 45.
7- المقنعة: 544 و 599.
8- المراسم: 176.
9- السرائر 3: 8.
10- الوسائل 13: 29، ح 1 و 2 من أبواب بيع الحيوان.
11- الوسائل 13: 29، ح 3.

ص: 30

و في أخرى لابن سنان: «هو ابنها من الرضاع حرم عليها بيعه و أكل ثمنه». (1)

و في رواية عبد الرحمن: «تعتقه و هي كارهة» (2)، الى غير ذلك من الأخبار.

و في كثير من تلك الروايات يستدلّ عليه السّلام بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (3)، و توضيحه أنّ التحريم لا يعقل تعلّقه بالأعيان، فيصرف الى المنافع، و منها: الاستمتاع و التملّك و الاستخدام.

و احتجّ الآخرون بروايات مشتركة في ضعف السند و في عدم الدلالة على موضع النزاع الّا روايتان عن الصادق عليه السّلام إحداهما لابن سنان: «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حرّ الّا ما كان من قبل الرضاع» (4)، و الأخرى للحلبي في بيع الامّ من الرضاعة: «قال: لا بأس بذلك إذا احتاج» (5) و في الأخبار الأول من صحة السند و كثرة العدد و موافقة الكتاب و السنّة المعلومة ما يقنع في الترجيح (6)، و عليه فيمتنع على الرضيع ملك المرضعة و الفحل و آبائهما و إن علوا كما أنّه يمتنع عليهم ملكه و ملك ولده و إن نزلوا من دون فرق في الآباء و الولد بين كونهم لرضاع أو نسب، و لو وطأ الرضيع مملوكة الفحل أو المرضعة أو أحد آبائهما لم يملكوا ولده منها، و كذا لو أرضعت تلك المملوكة بلبن الرضيع ولدا مملوكا لصيرورته ولدا له، و لو أولد الفحل جارية للرضيع (7) أو أرضعت بلبنه ولدا مملوكا للمرتضع عتق ان كان أنثى


1- الوسائل 14: 307، ح 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- الوسائل 16: 14، باب 2 من أبواب العتق، ح 2.
3- الوسائل 14: 282- 280، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
4- التهذيب 8: 245/ 885، الاستبصار 4: 19/ 61.
5- التهذيب 8: 245، ح 119- 118.
6- الجواهر 24: 143.
7- في «ر»: لرضيع.

ص: 31

لأنّها أخته بخلاف الذكر لأنّه أخوه، و كذا لو وطأ الرضيع جارية أخ لأحد (1) صاحبي اللبن لانّ ابنتها إمّا أبنت ابن أخ المالك أو أبنت ابن أخته، نعم لو أولدها ذكرا فولد الذكر أنثى عتقت و لو كانت الجارية لأخت صاحبي اللبن أو كان الواطى لجارية الرضيع (2) أعمامها أو أخوالها لم ينعتق شي ء من ولدها أصلا، كلّ ذلك إذا كان الوطي عن تحليل و شرط المالك الرقّية و إلّا فالولد تابع لأشرف الأبوين و لو كان عن زنى فلا عتق مطلقا البتة إذ لا نسب بينهم شرعا.

و ليس في المحظور من محذور أن يشتبه فيما عدا المحصور

المحصور المتضمن محظورا سواء كان المشتبه المحلّل أو المحظور كالنجس بالطاهر و الميتة بالمذكّى و بالعكس يغلّب فيه حكم الحظر من باب المقدّمة و دفعا للضرر المظنون و قد روى عنه عليه السّلام:

«ما اجتمع الحلال و الحرام إلّا غلب الحرام على الحلال» (3)، بخلاف غير المحصور، تفاديا (4) عن الجرح، و انّه ربّما أدّى الى اجتناب جميع ذلك النوع في الدنيا قاطبة، و هل يجب التجنّب مع تيسّر المقطوع بحلّه أم لا؟ الأشبه العدم.

و المرجع في تقدير الحصر و عدمه الى العرف، فما يعسر على الناظر بمجرّد النظر عدّه لو جمع على صعيد واحد ليس بمحصور كالألف و الألفين و المحصور ما عداه كالعشر و العشرين.

و بين الطرفين وسائط تلحق بأحدهما (5) بالظن، و ما وقع الشك فيه فالأصل


1- في «م»: جارية أحد.
2- في «م»: أو.
3- كنز العمال 3: 797/ 879.
4- في «س»: تناديا.
5- في «س»: بإحداهما.

ص: 32

وجوب الاجتناب، نعم يختلف الأمر بكميّة المشتبه، فالألف مثلا مع كون المشتبه مائة أو أكثر محصور و مع كونه واحدا أو خمسة ليس بمحصور.

و إذا عرفت ذلك: فلو اشتبه المحرم الرضاعي بالمحلّل أو بالعكس وجب الإمساك مع النحصار عن الجميع، بل عن اصولهنّ و فروعهنّ مع الاشتمال على ما يحرم أصوله كالعمّة و الخالة أو فروعه كالبنت، أو كلاهما كالجدّة إلّا في مثل ما إذا علم انّ هذه أجنبيّة مثلا، ثم قطع بكون أمّها أو بنتها في المحصورات، و لكن لا يعلم أيّها هي؟ و لو عقد على إحداهنّ قال المحقّق الثاني: انّه يقع باطلا، لثبوت المنع من جميعهنّ. قال: فلو زال اللبس بعد العقد و تبيّن انّ المعقود عليها غير المحرّم ففي الحكم بصحة النكاح حينئذ تردّد لسبق الحكم ببطلانه، و لأنّه وقع مع عدم اعتقاد العاقد صحته. (1)

و الحكم بالبطلان هنا نظير الحكم بالتنجّس الملاقي لأحد الإنائين المشتبهين بزعم انّهما محكوم بنجاستهما شرعا و هو لكثير من الفقهاء، و توضيحه فيما نحن فيه: أنّ الاشتباه قد صيّرهنّ بحكم المحارم في التحريم، و ذلك أمر زائد على مجرّد التكليف بالاجتناب و مقتضى القواعد استصحاب الطهارة في الملاقي لعدم القطع بقدح العارض فيها و استصحاب الحرمة السابقة على العقد فيما نحن فيه الى أن يتحقّق كون ذلك العارض قادحا أو لا من دون نحكم بصحّته من تلك الحيثيّة و لا بطلان و ان نحكم بعد زوال الاشتباه و انكشاف أنّ المنكوحة أجنبية بصحة ذلك العقد سواء قلنا بنجاسة الملاقي أو كونهنّ في حكم المحارم أم لا.

اللّهمّ إلّا أن يلتزم القائل بنجاسة الملاقي استصحاب النجاسة فيه بعد انكشاف ملاقاته للطاهر و هو بعيد جدّا.

ثم اعلم: أنّ هنا صورا أربعا:

لأنّ العقد إمّا أن يكون سابقا على العلم بالاختلاط أو لا، و الثاني إمّا أن يكون


1- جامع المقاصد 12: 199.

ص: 33

العاقد جاهلا بوجوب الاجتناب أو لا، و الثاني إمّا أن يكون مستحضرا للحكم عند الإيقاع أو لا، فان قلنا بأنّ النهي في المعاملات ممّا يقتضي الفساد، فلا مناص في الصورة الثالثة عن الحكم بالفساد، و امّا الأولى فالأظهر فيها الصحة لعدم توجّه النهى عند الإيقاع و أمّا مع عدم الحكم بالاقتضاء الفساد ففي الثالثة إشكال من جهة أخرى و هي انّه هل يشترط في صحة العقد اعتقاد كون المتعلق مما يقبل التأثير أم لا كما لو باع التركة مع الشكّ في موت المورّث أو ما في الزق مع الشكّ في كونه خلًّا أو خمرا؟ وجهان: أظهرهما الثاني، لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (1) و ليس ذلك من التعليق في الإنشاء بل هو تنجيز بمعنى بعتكه على تقدير أنّه لي أو انّه خلّ لا إن كان خلًّا بعتكه، و حينئذ فلو تبيّن سبق الموت و كون المبيع خلًّا، حكم بصحة العقد.

و كيف كان: فحيثما حكمنا فيما نحن فيه بعدم بطلان العقد و كونه موقوفا على حصول الكاشف فلو عصى فأولدها لم يقطع على كون الولد لغيّة و إن علم الواطى الحكم، لعدم العلم بالزنا و لا لرشدة لأنّ الشبهة كونه ظانّا للحلّ لا مجرّد كونه غير عالم بما هو الواقع و حينئذ فلا يبعد الإقراع بينهنّ (2) فإن أخرجت القرعة كون الولد لرشدة جرت عليه أحكام النسب من الولاية و النفقة و التوارث و غيرها بل لا بعد في ثبوت المهر و النفقة لامّه أيضا و إن كنّا نمنعه من وطيها إذ لا يشترط في تحقّق الدخول بالزوجة العلم بكونها زوجة عنده و لا في وجوب النفقة إلّا انتفاء موانع التمكين من قبلها.

و لو (3) أرضعت زوجة له أو لأبيه من لبنه قبل القرعة، لم تحرم الراضعة استصحابا للحقوق و الحلّ مع الشكّ في قدح العارض، و هكذا الحكم في كلّ من شكّ في زوجيّتها إذا


1- المائدة: 1.
2- في «ر»: بينهم.
3- في «ر»: فلو.

ص: 34

أرضعت كما لو طلقت فاشتبهت و كذا لو أسلم عن أكثر من أربع فمات قبل الاختيار في وجه و نحو ذلك ثم الأقرب أنّه لا يقام على العاقد و الموطوئة حدّ المحرم و إن سوّينا فيه بين الرضاع و النسب و إن غلب المحرم، و كان المشتبه الأجنبيّة درأ للحد بالشبهة القائمة من الشكّ في المحرمية و احتمال الزوجيّة و احجاما عن التهجم على الدماء كما انّه لا شبهة في استحقاقه العقوبة في الجملة بالإقدام على المنكر، و لكن هل تبلغ حدّ الحدّ بناء على صيرورتهنّ في وجوب الاجتناب كالأجنبيّات، أم يعدّ مجرّد ذلك العقد شبهة دارئة؟ وجهان: أقويهما الثاني و لو قذفهما قاذف لم يكن عليه أكثر من التعزير لوجود الشبهة في الجانب الآخر.

و قد بقي هنا أمران: أحدهما أنّه هل يجوز الإتيان هنا على العدد الذي ليس بمحصور كاستباحتهنّ متعة أو بملك يمين، نظرا إلى أنّ الاشتباه قد نفى الحظر أم لا بدّ من استثناء ما يبقى معه احتمال تجنّب المحذور؟ وجهان: أشبههما الثاني (1) و عليه فلو نكح منهنّ الى أن بقي عدد محصور فهل يمنع حينئذ الجميع أم يستصحب الجواز الى أن تبقى واحدة؟ وجهان أيضا أوجههما الثاني و أحوطهما الأوّل.

و مثله لو مات منهنّ عدد بحيث بقي من في الحيوة محصورا.

و ثانيهما أنّه لا فرق في الملاقي للمشتبهين بين المحصور و غيره، فان جعلنا تحريم الأصول و الفروع بالسراية عمّا هما أصوله و فروعه حرمتا، و إن لم تكونا محصورتين و لا حرج (2)، إذ لا يمتنع أن يكون لكل من زيد و أبيه و جدّيه الف بنت بلا عسر في اجتناب زيد لجميعهنّ قطعا غير أن الأظهر كون التحريم لوقوع الاشتباه في الأصول و الفروع أنفسهما، و لو نقصا عما هما أصوله و فروعه كما لو اشتبهت الأخت في عشر و لخمس منهنّ


1- ظاهر النظم الأول لأنّ التأكيد بمن الزائدة بعد النفي يعطي أنّه لا محذور في صورة منه أصلا، فما في الشرح من العدول الثاني حادث بعده. (منه عفى عنه)
2- جواب سؤال مقدر.

ص: 35

خمس بنات فحسب كفى في الاشتباه احتمال كون كل من الخمس أبنت أخت و إن لم يقطع على دخول المحرم فيهنّ بالفعل نظير ما لو مات سبع من العشر مثلا و في تجويز النكاح في الخمس الى ان يوجد الخمس الأخر (1) فينفسخن و يحرم نكاحهنّ ما لا يخفى من البعد.

و على هذا الوجه في التحريم فلو بلغ الأصول و الفروع عددا كثيرا فان كان بسبب تعدّد البطون مثل ان تشتبه الأخت في عشر و يلد العشر عشرين و العشرون ثلثين و هكذا فالظاهر تحريم الجميع و ان كانت الكثرة في طبقة واحدة كان يشبه أخوه أو أبوه في عشرين و يلد العشرون ألفين فالظاهر عدم التحريم.

و مورد التشبيه في المظاهرة بمحرم الرضاع ذو مشاجرة

لا خلاف في وقوع الظهار مع التشبيه بالأمّ النسبيّة كما أنّه لا خلاف في عدم وقوعه مع التشبيه بمن لا يحرم مؤبّدا من رضاع أو نسب كأخت الزّوجة.

و انّما اختلفوا في ما عدا ذلك على أقوال:

الف: عدم الانعقاد في غير الأمّ النسبيّة و هو لابن إدريس (2) و المحقق (3) و قوّاه في الإيضاح. (4)

ب: انعقاده في الرّضاعية أيضا نقله في الكفاية. (5)

ج: انعقاده بكلّ محرم نسبيّ فقط اختاره ابن البرّاج. (6)


1- تجويز النكاح في الخمس الى أن يوجد الخمس الأخر لشيخنا المحقق الشيخ أحمد الأحسائي سمعته منه مشافهة في ليلة جرى الكلام بيننا في هذه المسألة. (منه عفى عنه)
2- السرائر 2: 709.
3- ليس في «م»: «و المحقق»، و هو الصحيح، لأنّ فتواه لا يطابق مع ما نسب اليه هنا.
4- إيضاح الفوائد 3: 410.
5- كفاية الأحكام: 211.
6- المهذب 2: 299.

ص: 36

د: التعميم في كل محرّم برضاع أو نسب و هو للشيخين (1) و ابن الجنيد (2) و ابن حمزة (3) و اختاره في القواعد (4) و عليه الشهرة في الروضة (5) و الكفاية (6).

ه: التعميم فيما ذكر و في المصاهرة. (7)

احتجوا للأوّل: بصحيح سيف التمار عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يقول لامرأته أنت علىّ كظهر أختي (8) أو عمتي أو خالتي.

قال: فقال إنّما ذكر اللّه الأمّهات و انّ هذا الحرام». (9)

و أجاب العلّامة قدّس سرّه: بأنّه لا يدلّ على عدم الوقوع بإحدى الدلالات (10) و ردّه ولده بأنّه لو لم يدلّ لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو السؤال (11) و الحق انّ سؤال الراوي إن كان عن حلية هذا الظهار و عدمها لما راى من تحريم ما عداه المدلول عليه بقوله عزّ اسمه وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً. (12)

كما فهم العلّامة بقرينة ظاهر الجواب إذ لم يجب عليه السّلام بأنّه محرّم، فلا تأخير بيان البتة،


1- المقنعة: 523، النهاية: 524.
2- نقله عنه العلامة في «المختلف» 7: 405، المسألة 61.
3- الوسيلة: 334.
4- قواعد الأحكام 2: 85.
5- الروضة البهيّة 6: 126.
6- كفاية الأحكام: 211.
7- المختلف 7: 405.
8- في «خ، س»: أمّي.
9- الوسائل 15: 511، باب 4 من أبواب الظهار، ح 3.
10- المختلف 7: 404.
11- إيضاح الفوائد 3: 409.
12- المجادلة: 2.

ص: 37

و إن كان عن وقوع الظّهار و عدمه كما فهم الفخر، التفاتا إلى ما هو الأغلب في العادة فلا بدّ من جعل قوله عليه السّلام: «و انّ هذا لحرام» كلاما مستقلا، و ما قبله دالّا على عدم الوقوع بالالتزام.

حجة الثاني: عموم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و فيه انّ التحريم بالظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب.

و يمكن الجواب بأخذ من فيه تعليلية نظير مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ أُغْرِقُوا (1)، اى بحرم بسبب الرضاع ما يحرم بسبب النسب، و التحريم في الظهار (2) بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعا غير أنّ ذلك معنى مجازي لا يصار اليه الّا عن قرينة.

حجّة الثالث: أمّا على التعميم في النسب: فصحيحة جميل بن درّاج عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت له: الرّجل يقول لامرأته أنت علىّ كظهر عمّتي أو خالتي.

قال: هو الظهار». (3)

و بضميمة الإجماع على عدم الفرق في النسبيّات يتمّ المطلوب. و امّا (4) على نفى ما عداه من المحارم فكون الرّضاع و المصاهرة طارئان متجددان، إذ كانت الاستباحة بالعقد ممكنة سابقا فالتشبيه بهما أعم من التشبيه بالحالة الحاضرة أو السابقة عليها.

و يمكن التعليق له بصحيح سيف السابق (5) أيضا بادّعاء الملازمة بين تحريم الظهار نفسه و بين وقوعه نظرا الى كونه عند عدم التأثير لغوا فيكون كظهار الأجنبية و فيه منع عدم التحريم و لو كان لغوا بشاهد تحريم طلاق الحائض و النفساء مع كونه لغوا إجماعا.


1- نوح: 25.
2- في «س»: الرضاع.
3- الوسائل 15: 511، باب 4 من أبواب الظهار، ح 2، و فيه: «عمّته أو خالته».
4- في «س»: و لنا.
5- الوسائل 15: 511، باب 4 من أبواب الظهار، ح 3.

ص: 38

نعم هنا وجه أخر و هو أن يكون هذا في الصّحيح إشارة إلى القسم الذي يحرم بالتشبيه بما ذكره الراوي من المحارم بعد أن يفرض كون السؤال عن الوقوع أيضا.

حجّة الرابع: العموم المتقدّم و قد عرفت ما فيه، و خصوص صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «سألته عن الظهار فقال: هو من كلّ ذي محرم أمّا أو اختار أو عمّة أو خالة. الحديث» (1)، و اعترض بانّ المنساق (2) من المحرم إنّما هو الفرد الشائع أعنى النسبي، و يؤيّده التفسير بالأم و الأخت و العمة و الخالة مع كونها حقيقة فيه مجازا في الرّضاع.

و فيه انّ قوله عليه السّلام: «كلّ ذي محرم» عام و الذي يحمل على الإفراد الشائعة انّما هو المطلق و أمّا التفسير فان قلنا بكون العام مجازا في الباقي لم يتعيّن التخصيص هنا إذ لا بدّ من كون القرينة صارفة فلا يكفى كونها صالحة لذلك، و أمّا إذا لم نقل بالمجازية أمكن أن يقال بترجيح كونه مخصّصا لأن التأسيس خير من التوكيد.

فان قلت: انّ التأسيس ممكن من وجه أخر أيضا و هو حمل الامّ و من (3) بعدها على ما يشتمل الرّضاعية من باب عموم المجاز ليتطابق (4) المفسر و المفسر و تلك قرينة المجاز فيدور الأمر حينئذ بين كون التخصيص أرجح أو المجاز، قلت: لا معنى لما ذكرت إلّا تقوية العموم السّابق و التنصيص على عدم التخصيص منه و هو معنى التوكيد، و لو كان كلّ ما يراد منه معنى تأسيسا لزم أن لا يعدّ في التوكيد إلّا اللّغو (5) من الكلام.

لكن الحقّ أنّ التخصيص لا معنى له أعمّ من ان يقال بكون العامّ حقيقة في الباقي أو


1- «من أمّ أو أخت»، الوسائل 15: 511، باب 4 من أبواب الظهار، ح 1.
2- المساق (م).
3- في «س»: ما.
4- في «ر»: ليطابق.
5- في «س»: لغو الكلام.

ص: 39

مجازا إذ ليس المحرم النسبي منحصرا في الأربعة المذكورة، و لا قائل بقصر الحكم عليهنّ و انّما ذكرت على سبيل المثال، نعم يبقى المطالبة حينئذ بدليل التخصيص بالمحرم النسبي و الرّضاعي دون محرم المصاهرة.

و حجّة الخامس: ما ذكر في الرّابع و قد علمت أنّ الصحيح له انهض، و أمّا العموم فلا يتمّ له إلّا بعد ملاحظة أنّ التحريم تحريم من النسب أيضا، لأنّ أمّ الزوجة إنّما تحرم لكونها امّا لها من النسب، نظير اندراج تحريم زوجة كلّ من الفحل و الطّفل على الأخر بذلك العموم نفسه (1) كما سيأتي إن شاء اللّه.

فقد تبيّن من ذلك انّ التشبيه بالمحارم النسبيّة ممّا ينبغي القطع على وقوع الظهار به لنهوض الصحيحين (2) بل الثلاث (3) له و اعتضادها بالشّهرة و امّا من عداهنّ فالرجحان لدليل الخامس غير انّ الشهرة مع الرابع.

و الشكّ في كلّ من الشروط محقّق للشك في المشروط

الشك امّا أن يقع في شرطية فينفى الى أن ينهض الدّليل على الثبوت كما تنفى السببيّة و المانعيّة لأنّ الأصل في كلّ شي ء عدمه حتى يثبت و امّا في وجود ذلك الشرط و حصوله بعد ثبوت كونه شرطا و هو المقصود بالبحث هنا.

فنقول: لمّا كان الشرط مما يلزم من عدمه عدم المشروط و إلّا فليس بشرط، كان الشك في وجوده محقّقا للشك في وجود مشروطه، فلو شككنا في اتحاد الفحل أو في الأنوثة، كما لو ارتضع من الخنثى المشكل، أو في صحّة النكاح المستند (4) إليه الرضاع، أو في بلوغ


1- في «ر»: لنفسه.
2- و هي صحيحتي: سيف التمار و جميل بن دراج و صحيحة زرارة المتقدمة، ص 36- 37- 38.
3- في «س»: الثلاثة.
4- في «ر»: المستدل.

ص: 40

النصاب، كأن يشك في تمام العدد أو كمال رضعة أو رضعات من النصاب، أو كمال الفاصلة أو اتحاد المرضعة، فقد وقع التعارض بين استصحاب حال الحلّ و استصحاب حال الحرمة، فإنّ السابق على الرضاع إمكان استباحتها بالعقد، و على العقد المنع من وطيها، فينتفى الأمران بانتفاء سببهما بعد التساقط، و تثبت الإباحة الأصلية. إذ لا يعقل ارتفاع النقيضين، و هذا يرجع بالآخرة إلى نفى المشروط بالشك في الشرط، لأنّ بقاء الحلّ مشروط باختلاف الفحل و الذكورة، و القصور عن النصاب و حصول التحريم مشروط بضدّ ذلك كلّه، فيتقابل الشك في شرطي الحلّ و الحرمة، ثم يسرى ذلك الى الشك في مشروطيهما، و نعني بالحلّ المستصحب ما جاء به عموم الكتاب و السنّة من الاذن مثل فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ (1)، وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ (2) و نظائرهما، فيعتضد بأصل الإباحة، لأنّها الأصل في المنافع و بأصل البراءة، لأنّ التحريم حكم شرعي فلا بدّ في الشغل من الدليل، و ان شئت أضفت إليهما، استصحاب حال الإجماع، لثبوت الحلّ قبل الرضاع فيستصحب الى موضع النزاع، مضافا إلى ذلك كله، ما حكى المحقق الثاني من عدم الخلاف في أنّ لبن الخنثى لا ينشر (3) و لو شككنا في وقوع الرضاع في الحولين زاد عمّا ذكر استصحاب (4) بقاء المدّة.

فيسقط بإحدى الثلاثة العاضدة، و يبقى اثنان، مع أنّ المدّة معلوم تاريخها فيحكم بكون المجهول هو المتأخر، لأنّ تقدّمه يقتضي تحقّقه في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره، و الأصل عدم تلك الزيادة.


1- النساء: 3.
2- النور: 32.
3- جامع المقاصد 12: 202.
4- في «س»: استصحابا.

ص: 41

و حينئذ فإن كان الشك في مجموع النصاب، و أنّه هل وقع في الحولين أم لا؟ فواضح، و ان كان الشك في خروج بعضه فحسب.

استدلّ على تأخر ذلك البعض بأصالة تأخر الحادث، لأنّ البعض هو المجهول تاريخه، و قد ترجّح الإباحة في الجميع بقوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ (1) بعد قوله سبحانه وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ (2) فإنّ المراد من «ارضعتكم» الرضاع الجامع لشرائط التحريم و منها كونه في الحولين، و بعد تقابل الأصلين، لا يحكم بالاستجماع، و قد يرجح التحريم بانّ الناقل يقدّم (3) على المقرر، إذا تعارضا، لأنّ التأسيس خير، و بأنّه إذا اجتمع الحرام و الحلال غلب الحرام و بأنّ فيه دفعا للضّرر المظنون.

و الجواب: امّا عن الأوّل فبأنّ الناقل إنّما يرجّح في النصوص، لأنّ الحكم المقرّر معلوم بالعقل، بخلاف الناقل، و في الكلام لما فيه من الزيادة على التوكيد، كما يحمل الثاني في «رأيت رجلا رجلا» على المبالغة، و محصّل الأمر في المقامين أنّ بيان ما يجهله المخاطب اولى بالحكمة و ذلك في الأصلين غير ظاهر.

و امّا عن الثاني: فبأنّ التغليب لما ثبت تحريمه شرعا مثل المحظور المشتبه في محصور، و دعوى ثبوت التحريم فيما نحن فيه مع وجود المعارض، مصادرة على المطلوب.

و أمّا عن الثالث: فبأنّ الضرر إنما يكون في جانب الحرمة مظنونا، لو لم يوجد المعارض، أمّا معه فموهوم أو مشكوك، و في الموثق، عن أبي يحيى الخياط: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّ ابني و أبنت أخي في حجري و أردت أن أزوّجها إيّاه. فقال


1- سورة النساء، الآية 24.
2- النساء: 23.
3- في «س، م»: يرجّح.

ص: 42

بعض أهلي: إنّا قد أرضعناهما. قال: فقال: كم؟ قلت: ما أدرى. قال: فارادني على أن أوقت. قال: قلت: ما أدرى. قال: فقال: زوّجه» (1)

و كلّما ينشر حظرا سابقا ينشره بلا خلاف لا حقا

ما يمنع الناكح، إمّا ان يمنع سابقا على العقد فقط كإيقاب أخ المرأة أو ابنها أو أبيها، و امّا ان يمنع لا حقا فقط، كقذف الخرساء و الصمّاء، و كالإفضاء قبل التسع على رأى، و امّا ان يمنع سابقا و لا حقا كالكفر، فيمنع الكافر من المسلمة ابتداء، و لو ارتدّ المسلم، فان كان قبل الدخول أو عن فطرة (2) بطل النكاح حالًّا و إلّا وقف على انقضاء العدّة، و الرضاع من هذا القبيل. بلا خلاف كما حكى المحقق الثاني (3) و غيره (4)، فلو أرضعت أمّه أو أخته أو بنته أو غيرهنّ، ممّن لا يحلّ له النكاح في ولدها أو ولد صاحب اللّبن، صغيرة، فان كان الرضاع قبل النكاح امتنع العقد له عليها و إن كان بعده انفسخ و لم يسغ تجديده (5)

نشو الرضاع ان الى الوطي استند وطيا به يمكن إلحاق الولد

قد علمت أنّ انتشار حرمة النكاح و حلّ النظر عن الرضاع إنّما يكون مع إحراز الشرط (6) و هو أمور.

منها استناده الى الوطئ الممكن معه إلحاق الولد شرعا، فكان هنا مقامان:

المقام الأوّل: كون اللبن عن وطئ و هو إجماع، كما حكى المحقق الثاني (7) و


1- الكافي 5: 445، ح 8، و فيه: «فأدرأنى».
2- فطرته (م).
3- جامع المقاصد 12: 233.
4- راجع: جواهر الكلام 29: 324، و الحدائق 23: 412.
5- في «س»: لم يسع تجديده منه.
6- في «س»: مع جواز الشرط و عدمه.
7- جامع المقاصد 12: 203.

ص: 43

صاحب المسالك (1)، و نعني بذلك كونه قد تكون عن المسيس قبلا أو دبرا، فلو درّ من قبل نفسه لم ينشر إجماعا، و لا فرق في ذلك بين كون اللبن لذات بعل أو أيّم، صغيرة أو كبيرة، و منه ما لو أرضع الرّجل بلبن نفسه لصدق الدرور، و عدم الاستناد إلى الوطئ، فلا ينشر بلا خلاف، كما حكى المحقق الثاني (2) أيضا، و يدلّ على ذلك ما سنذكره في اشتراط الانفصال من الاخبار.

و خرج أيضا باشتراط كون اللبن عن وطئ ما لو حملت عن مساحقة من سبقت بالمواقعة، أو عن اجتذاب النطفة من ثوب و نحوه، كما قد روى وقوعه في زمن أمير المؤمنين عليه السّلام. (3)

و أعلم أنّه لا يشترط في الوطئ غيبوبة الحشفة كما يشترط في كفارة (4) الحيض و وجوب العدّة و صيرورة البكر ممّن يعتبر نطقها في النكاح و التمكّن من الرجعة في العدّة و شبه ذلك، بل يكفى هنا مجرّد المباشرة، و لو في خارج الفرج من دون ان يلتقي الختانان، فربما حملت البكر قبل الافتضاض، كما شوهد في عصرنا.

المقام الثاني: إمكان الإلحاق و هو في الوطئ الصحيح، أعنى ما سوى الزنى الصريح، فدخل ما كان عن نكاح دائم أو متعة أو ملك يمين أو تحليل أو غصب أو شبهة أو عكسها، فالشبهة وطئ لم يملك و لم يقترن به علم تحريمه، فيدخل وطئ الصبيّ و السكران و المجنون و شبه ذلك، و العكس كونه مملوكا و لم يقترن به علم تحليله، و ما ذكر من تسوية الشبهة بغيرها من أقسام الصحيح هو المعروف بين الأصحاب حتى لا نعلم قاطعاً منهم على


1- المسالك 7: 207.
2- جامع المقاصد 12: 203.
3- الوسائل 18: 426- 427، باب 3 من أبواب السحق، ح 1- 2- 3.
4- في «م»: كفارات.

ص: 44

الخلاف، و ذلك لمساواتها له في سائر الأحكام، و لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». (1)

و قد وقع لابن إدريس فيه نوع اضطراب، فحكم: بأنّ لبن الشبهة لا ينشر حرمة، معللا: «بأنّ الأصحاب لا يفصلون بينه و بين الفاسد إلّا في إلحاق الولد و رفع الحدّ فحسب».

ثم بعد ذلك قوى التحريم، ثم قال: «لي في ذلك نظر و تأمّل». (2)

و لعلّ الجنوح إلى عدم النشر فيه تمسّكا بالإباحة الأصليّة، و ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل، فقال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى» (3) و في صحيحة العجلّي: «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام، فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (4)، و سيأتيان قريبا إن شاء اللّه.

و جوابه: أنّ التمسّك بالأصل إنّما يصحّ فيما لا نعلم اندراجه في عمومات الرضاع، و لا شبهة في انعقاد النسب بها، فتندرج في عموم ما يحرم منه، و الأخذ بظاهر الإضافة في الصحيحين يستدعي خروج التحليل و الملك بل المنقطع أيضا و هو خلاف الإجماع، فلا بدّ من الاكتفاء بأدنى ملابسة، مثل شهادة اللّه، و كوكب الخرقاء.

و أمّا ما نسب إلى الأصحاب: من عدم الفصل بينها و بين الفاسد إلّا في إلحاق الولد و


1- الوسائل 14: 280، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الأحاديث 1- 10.
2- السرائر 2: 552.
3- الوسائل 14: 294، باب 6 من أبواب «ما يحرم بالرضاع»، ح 4.
4- الوسائل 14: 293، باب 6 من أبواب «ما يحرم بالرضاع»، ح 1.

ص: 45

رفع الحدّ. فممنوع عليه بل لم يفصلوا بينهما و بين الصحيح إلّا ما ذهب قوم (1) من أنّ وطئ كلّ من الأمّ و البنت لشبهة لا ينشر الحرمة، فالترجيح لما عليه الجمهور، و ان كان الوقوف عند الشبهة أرجح.

ثم إنّ الشبهة ان عمّت من الطرفين فذاك، و إلّا فالنشر في حقّ من وقع به الإلحاق، أعنى المتّصف بالاشتباه من المتناكحين، و كذا القول في العضب، فلو عضب الرجل المرأة أو بالعكس الحق بالمعضوب منهما، و كان له اللبن، و لو عضبهما ثالث، كان الإلحاق بهما معا و اعلم: أنّ في تقييد الوطئ بإمكان الإلحاق، تنبيها على أنّ لبن البهيمة لا ينشر، و هو ممّا لا خلاف فيه عندنا، كما حكى المحقق الثاني (2) و صاحب المسالك (3).

و من خرافات العامّة ما حكى عن مالك (4): أنّ لبن البهيمة يتعلّق به التحريم بين


1- راجع الى الشرائع 2: 289، السرائر 2: 552.
2- جامع المقاصد 12: 201- 202.
3- المسالك 7: 209.
4- و لقد حكى عنه المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 201- 202 بقوله: «و عن مالك: أنّ لبن البهيمة يتعلّق به التحريم، و ذهب بعض الشافعية إلى تعلق التحريم بلبن الرجل». و قد راجعنا الكتب الّتي يذكر فتاوى مالك فلم نجد ما نسب اليه المحقق الثاني. ففي المدونة الكبرى 2: 415: «قلت: أ رأيت لو انّ صبيين غذيا بلبن بهيمة من البهائم أ يكونان أخوين في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، و لكنّي أرى أن لا تكون الحرمة في الرضاع إلّا في بنات آدم». و قال الشيخ في الخلاف 5: 103، المسألة 71: إذ ارتضع مولود من لبن بهيمة شاة أو بقرة أو غيرهما، لم يتعلّق به تحريم بحال، و به قال جميع الفقهاء، و ذهب بعض السلف إلى أنّه يتعلق به التحريم فيصيران أخوين من الرضاعة، و ربما حكى ذلك عن مالك، و الصحيح، أنّه غيره بعض السلف». و في كتاب الحاوي الكبير في شرح مختصر المزني 11: 375، يقول: «قال الشافعي: و لا يحرم لبن البهيمة إنّما يحرم لبن الآدميات.، قال الماوردي: إذا ارتضع رجلان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين، و لم يتعلق بلبنها تحريم، و قال بعض السلف، و أضيف ذلك الى مالك،- و قد أنكره أصحابه- انّ لبن البهيمة يحرم و يصيرا بلبنها أخوين استدلالا باجتماعهما على لبن واحد، فوجب أن يصيرا به أخوين كلبن الادميّات».

ص: 46

المرتضعين منها، و عليه فلو اغتذى بلبنها حرم عليه أكلها، لأنّها أمّه. (1)

و لا يشترط في النشر إذن المولى في الإرضاع، و إن عصت الأمة بإتلاف ماله و لا الزوج و إن استلزم إرضاع الزوجة تعطيل بعض حقوقه لإطلاق النصوص و عدم التلازم بين التحريم عليهما و التحريم به.

مع الوقوع في حياة المرضعة و وضع حمل لنصوص أربعة (2)

[شرائط الرضاع]

اشارة

من شرائط الرضاع حياة المرضعة و وضع حملها،

فهنا مسألتان:

الأولى: الحياة، فلو أكمل الرضاع بعد وفاتها

لم ينشر حرمة على المشهور، كما في المسالك (3) و الكفاية (4) و غيرهما (5)، بل حكى العلامة (6) و الصيمري (7) الاتفاق


1- و في لفظة «أمّه» لطيفة إيهام، لا يخفى. (منه).
2- أنكر بعض العلماء- و أظنّه المحقّق- وجود النصّ على اشتراط الوضع، و قال آخر،- و أظنّه المحقق الثاني- «كذلك في بالي الان» أنّ هنا رواية واحدة ضعيفة، لكن لا معارض لها، فيتعيّن العمل بها، فكذلك نبّه الناظم في أصل النظم على أنّه ثمّة نصوصا أربعة. (منه)
3- المسالك 7: 233.
4- كفاية الأحكام: 159.
5- الجواهر 29: 295، الرسالة الرضاعية للمحقق الداماد: 107.
6- التذكرة 2: 615، السطور 7 و 8 طبع القديم.
7- تلخيص الخلاف 3: 112، المسألة 13: «قال الشيخ: لبن الميتة لا ينشر الحرمة و لو ارتضع أكثر الرضعات حال الحياة و تمامها بعد الوفاة لم ينشر الحرمة، و به قال الشافعي و قال مالك و أبو حنيفة و أصحابه: لبنها بعد وفاتها كلبنها في حياتها. و المعتمد قول الشيخ». و أنت ترى لا يوجد ادعاء الاتفاق منه على شي ء

ص: 47

عليه، و مستندهم في ذلك ورود أكثر ما جاء في هذا الباب بلفظ الإرضاع و المنساق منه الاختيار، فلا يصدق بعد موتها مع أصل البراءة، و عموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ (1) و نحوه.

و ورود بعضها بغير لفظ الإرضاع كما في أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ (2) و «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (3) غير ضائر، لكونه مطلقا، فيحمل على الفرد الشائع، و إنّما لم نقل أنّه يحمل على المقيّد لعدم التنافي.

امّا وقوع النشر بالارتضاع من ثدي النائمة و نحوها ممّا لا يدخل تحت الإرضاع، فإن صدق عليه الشياع، ليدخل في الإفراد المعهودة، و الّا كفانا الإجماع، و إنّما لم ينبّه على الرضيع و إن كان مساويا في اشتراط الحياة للمرضعة، لأنّ الكلام في شرائط الرّضاع، و الظئر الميتة يصدق الارتضاع منها بخلاف الطفل الميّت، إذ لا يعقل فيه إرضاع و لا ارتضاع البتّة.

الثانية: الوضع، فلا نشر في لبن الحامل إن لم يكن عن ولادة سابقة

، على ذلك الحمل، وفاقا للتحرير (4) و النهاية (5) و حكى عن السرائر (6) و الخلاف (7) و الغنية (8)،


1- النساء: 24.
2- النساء: 23.
3- الوسائل 14: 280- 282.
4- التحرير 2: 9، السطر 2.
5- النهاية: 461.
6- السرائر 2: 520.
7- الخلاف 5: 108، المسألة 22 من كتاب الرضاع.
8- الغنية: 336.

ص: 48

مدعين عليه الإجماع. و يدلّ عليه مضافا الى الأصل، قوله في صحيحة ابن سنان السابقة:

« [هو] ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك» (1) و في حسنة له أيضا: «ما أرضعت من لبن ولدك» (2) و موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية و غلاما بذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا». (3)

و رواية يعقوب بن شعيب: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة درّ لبنها من غير ولادة، فأرضعت ذكرانا و أناثا، أ يحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي:

لا». (4)

و عليه: فلو أرضعت الحامل ذكرا و أنثى لم يحرم الذّكر على المرضعة و لا الرّضيعة، و لو أرضعت بعض النصاب في الحمل و بعضه بعد الوضع، لم ينتشر الحرمة، و ان كان اللبن لفحل واحد، و عن المحقّق (5) و الشيخ في موضع من المبسوط (6) الاكتفاء بالحمل، و به قطع في القواعد (7)، و اختاره في المسالك (8) و الكفاية (9)، و لعلّ ذلك للتمسّك بإطلاق ما جاء في الرضاع، استضعافا لدلالة ما جاء في الاشتراط، لإمكان حمل الولد في الروايتين


1- الوسائل 14: 294، ح 4.
2- الكافي 5: 440، ح 3.
3- الكافي 5: 446، ح 12.
4- الوسائل 14: 302، باب 10 من أبواب الرضاع، ح 2.
5- الشرائع 2: 282.
6- المبسوط 5: 308.
7- قواعد الأحكام 2: 9، السطر الأخير.
8- المسالك 7: 209.
9- كفاية الأحكام: 158، السطر 30.

ص: 49

الأوليين و الولادة في الأخيرتين على ما يعمّ الحمل، أو ردّ الأخيرتين على ما يعمّ الحمل، أو ردّ الأخيرتين بضعف السند بالمعنى الأعم.

و الجواب: أمّا عن التعلق بالعموم، فلأنّ المطلق إنّما يحمل على المتعارف المعهود، و الرضاع في الحمل ليس بمعهود و لا متعارف، و منه يعرف صحّة ما قدّمناه من التمسك بالأصل. و أمّا عن تأويل المخصص، فبأنّه لا بدّ في الانصراف عن المعنى الحقيقي من وجود القرينة أو الدليل. و أمّا عن السّند فلو سلّم كون الموثّق من الضعيف فما فوق ما سمعت من الإجماع من مرجّح.

[وحدة الفحل لنشر الحرمة بالرضاع]

و وحدة الفحل بلا نزاع للأصل و الاخبار و الإجماع

ممّا تفردت به الإماميّة اشتراط أن يتّحد الفحل في الرضاع و إجماعهم عليه محصّل و منقول عن التذكرة (1) و السرائر (2) و حكاه المحقق الثاني (3) و التقي المجلسي (4) و غيرهما، فاللبن مع عدم اتحاد الفحل عندهم ممّا لا حكم له، كلبن البهيمة، و الذي يدرّ بنفسه أو يرتضع بعد الحولين و شبه ذلك، و لا خلاف إلّا ما يحكى عن مجمع البيان (5) من عدم


1- التذكرة 2: 621، السطر 25. حيث قال: «يشترط في الرضاع المحرّم أن يكون اللبن لفحل واحد عند علمائنا أجمع».
2- السرائر 2: 553.
3- جامع المقاصد 12: 223.
4- الرسالة الرضاعية للمحقق المجلسي الأوّل، نسخة المخطوطة، الصفحة 70، الرقم 4995، مكتبة العلامة الفقيد آية اللّه مرعشى. حيث يقول بالفارسية ما ترجمته: «و العجب من الشيخ الطبرسي، حيث غفل عن كل ذلك، إلّا ان نحمل كلامه بأنّه كان في صدد بيان دلالة الآية،. و يدلّ على ذلك إجماع الأصحاب، فعلى هذا قول الطبرسي لا اعتبار به».
5- مجمع البيان 2: 28، السطر 25 (الثانية).

ص: 50

الاشتراط، و عبارته ليست ظاهرة في ذلك (1)، و يقين الوفاق لا ينفى باحتمال الخلاف، لنا أمور:

الأوّل: التمسك بالأصل لعدم الدليل على الاقتناع بالأخوة من الأمّ كما ستعرف، و تقرير الأصل من وجوه:

أ)- أنّ الأصل في المنافع عدم الحظر، إلّا ان يعلم من الشرع، و هو المسمّى بالإباحة الأصليّة.

ب)- أصل عدم اشتغال الذمّة إلى ان تقوم عليه الحجّة و هو المسمى بالبراءة الأصلية.

ج)- أصل الإباحة المستفاد من خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (2) و نحوه.

د)- أصل البراءة المستفاد من: «لا تكليف إلّا بعد البيان» (3) و «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (4) و شبه ذلك.

ه)- أنّ الحلّ قبل الرضاع إجماع فيستصحب حكمه إلى محلّ النزاع.

و)- القاعدة المحصّلة من عموم الكتاب، مثل فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ (5) و


1- في عبارة مجمع البيان طول، و الذي يظهر منه ان كلامه بين رضاع و نسب، لا بين رضاعين، فليدقق النظر في كلامه، لأنّه في بادى النظر يوهم ما نقله الجماعة عنه كالشهيدين و غيرهما (منه).
2- البقرة: 29.
3- لم نعثر عليه في الكتب المعتمدة.
4- الوسائل 18: 119، ح 28.
5- النساء: 3.

ص: 51

وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ (1) و وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ (2) و نحو ذلك.

ز)- استصحاب النكاح عند تعقّبه بالرّضاع و استصحاب حقوق الزوجيّة من الطرفين فيثبت الحلّ قبل النكاح أيضا، إذ لا قائل بالفصل.

الثاني: الإجماع المتقدم ذكره. (3)

الثالث: تضافر الأخبار عن العترة الطاهرة عليهم السّلام. من ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان و حسنته: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل، قال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام». غير أنّها في الحسن بإسقاط «من لبنك» (4).

و صحيحة بريد العجلّي و حسنته أيضا عن الباقر عليه السّلام، قال: «قلت: أ رأيت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فسّر لي ذلك. فقال: كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». (5)

و صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام فهل يحلّ له أن يتزوج أختها لأمّها من الرضاعة؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد، فلا يحل؟ و إن كانت المرأتان رضعتا


1- النور: 32.
2- النساء: 24.
3- تقدم ادعاء الإجماع في ص 49.
4- الوسائل 14: 294، ح 4.
5- الكافي 5: 442، ح 9، الوسائل 14: 293، ح 1، بتفاوت يسير.

ص: 52

من امرأة واحدة من لبن فحلين، فلا بأس بذلك». (1)

و صحيحة مالك بن عطيّة: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة، فتلد منه، ثمّ ترضع من لبنها جارية أ يصلح لولده من غيرها أن يتزوج بتلك الجارية الّتي أرضعتها؟ قال: لا، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة، لأنّ اللّبن لفحل واحد». (2)

و في رواية صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السّلام بسند صحيح و آخر فيه جهالة:

«قلت: فأرضعت أمّي جارية بلبني. فقال: هي أختك من الرضاعة. قلت: فتحلّ لأخ لي من أمّي لم ترضعها أمّي بلبنه. قال: فالفحل واحد؟ قلت: نعم هو أخي لأبي و أمّي. قال: اللبن للفحل، صار أبوك أبوها، و أمّك أمّها». (3)

و نحوها رواية أخرى له بسند فيه جهالة أيضا. (4)

و موثقة عمار الساباطي: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غلام رضع من امرأة أ يحلّ له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ فقال: لا، فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة. قال: فيتزوج أختها لأمّها من الرضاعة؟ قال:

فقال: لا بأس بذلك، إنّ أختها الّتي لم ترضعه كان فحلها غير فحل الّتي أرضعت الغلام، فاختلفت الفحلان فلا بأس». (5)

و رواية البزنطي بسند حسن و آخر ضعيف (6): «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن


1- التهذيب 7: 331، ح 31، الاستبصار 3: 201، ح 8.
2- الفقيه 3: 477، ح 4671.
3- الكافي 5: 439، ح 7.
4- الجهالة بسبب رواية الكليني عن محمد بن إسماعيل النيشابوري، و لا توثيق له. راجع معجم الرجال 15: 90.
5- الوسائل 14: 294، باب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
6- لعلّ ضعف الحديث يكون من جهة وجود سهل بن زياد في سند الكليني إلى البزنطي. راجع معجم الرجال.

ص: 53

امرأة أرضعت جارية، و لزوجها ابن من غيرها، أ يحلّ للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية الّتي أرضعت؟ فقال: اللبن للفحل». (1)

و موثقة زياد بن سوقة: «قال: قلت لأبي جعفر عليهما السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها». (2)

هذا كلّه، و الكاشيّ (3) قد نقل أوّلا عن الطبرسي، عدم اشتراط ان يتّحد الفحل و استدلّ له بعموم وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ (4) و «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (5) ثم قال: «و هو، أى: «قول الطبرسي» قوى، و يؤيده النصّ الصريح، فما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل و لا يحرّم من قبل الأمهات؟ و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمهات، و ان كان لبن الفحل أيضا يحرّم». (6)

و أيضا فإنّ الموافق للكتاب و السنة أولى بالمراعاة ممّا يخالفه، و لا سيّما إذا كان


1- الوسائل 14: 294، باب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 7.
2- الوسائل 14: 282، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 1.
3- هو الشيخ المحدث و الفقيه المحقق الحكيم المتأله، المولى محمد محسن الفيض الكاشاني المتوفى سنة 1091، صاحب التصانيف الكثيرة ك «الوافي» و «الصافي» و «المفاتيح» و «النخبة» و «محجّة البيضاء»، و امره في الفضل و الأدب و طول الباع و كثرة الاطلاع و الإحاطة بمراتب المنقول و المعقول أشهر من ان يخفى.
4- النساء: 23.
5- الوسائل 14: 280- 282.
6- الوسائل 14: 296، ح 9، التهذيب 7: 320، ح 30.

ص: 54

الاحتياط معه، و الشهرة ليست بمحلّ الاعتماد، مع احتمال مستند المشهور التقيّة، هذا لفظه. (1)

و حاصل الاستدلال بالآية و الخبر الأوّل: أنّ الرضيعة مع اختلاف الفحل أخت للأم، فتكون فردا من عموم الآية، و يصدق عليها حكم الرواية، لأنّ الأخت للأمّ محرمة نسبا، فتكون رضاعه كذلك.

و هذا بالنسبة إلى اللغة صحيح، و من ثمّ ذهب جلّ العامّة إلى أنّ مسمّى الرضاع كاف في التحريم (2)، لكن المنصوص عن آل اللّه: أنّ الرضاع أمر مخصوص مشتمل على قيود: منها اتحاد الفحل، ألا ترى؟ الى قوله عليه السّلام في صحيحة العجلي السابقة: «فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (3) و إذا ثبت تفسير الامام عليه السّلام للسنة النبوية بشي ء، فكيف يجوز العدول إلى غيره؟ أم كيف يجوز تفسير الكتاب بخلافه؟ و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الكتاب وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ، إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ (4).

و أمّا النص الذي زعم أنّه صريح، فهو رواية محمد بن عبيد الهمداني قال: «قال الرضا عليه السّلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون: «اللبن للفحل» حتى جاءتهم الرواية عنك، إنّك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك. قال: فقال: و ذلك لأنّ أمير المؤمنين سألني عنها البارحة. فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل، و أنا أكره الكلام. فقال لي: كما أنت حتّى أسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتّى، فأرضعت واحدة منهنّ بلبنها غلاما


1- مفاتيح الشرائع 2: 235.
2- راجع: بداية المجتهد 2: 35.
3- الوسائل 14: 293، باب 6 من أبواب الرضاع، ح 1.
4- النجم: 3 و 4.

ص: 55

غريبا، أ ليس كلّ شي ء من ولد ذلك الرجل من أمّهات الأولاد الشتّى محرّم على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى. قال: فقال أبو الحسن عليه السّلام: فما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل، و لا يحرّم من قبل الأمّهات. و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمّهات. و إن كان لبن الفحل أيضا يحرّم». (1)

و جوابه: أنّ ظاهر قولنا «اللبن للفحل» يقتضي أمرين:

أحدهما: عدم تحريم أحد المرتضعين من ثدي على الأخر (2) مع اختلاف الفحل.

و ثانيهما: عدم تحريم أولاد المرضعة نسبا على المرتضع منها مع اختلافه أيضا، و سؤال المأمون إنّما كان عن الثاني بقرينة المثال الذي ضربه، و ستقف على أنّه ممّا لا يشترط فيه اتّحاد الفحل إجماعا، بل لو فرض نهوضه بمدّعي الخصم لكان في ضعف سنده ما يقع في ردّه، و دعوى أولويّته بالمراعاة لموافقته الكتاب دون غيره بما مرّ دور (3)، بأنّ المنساق من مخالفة الكتاب إنّما هو معارضة النصّ له، لا كونه أخصّ منه، مع حصول شرط التخصيص كما هنا، على أنّه ليس في الكتاب أكثر من أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ (4).

و السنّة المعلومة قضت بأنّ اللّبن مع اختلاف الفحل كالّذي درّ بنفسه، فكيف يثمر الأخوّة؟ و كون الاحتياط معه، إن أريد به في الجملة فممنوع، و لكن لا يجديه نفعا، و إن أريد دائما فممنوع، لكونه بعد وقوع النكاح معنا قطعا، و الشهرة التي جعلها لا في محلّ الاعتماد، هي الّتي يقول صلوات اللّه عليه، فيها لزرارة: «خذ لما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذّ النادر فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» (5) و لعمر بن حنظلة: «ينظر ما كان


1- تهذيب الأحكام 7: 320، ح 30.
2- في «س»: إلى آخر.
3- في «م، ر»: مردود.
4- النساء: 23.
5- غوالي اللئالي 4: 133، ح 229، و ليس فيه: «فان المجمع عليه لا ريب فيه».

ص: 56

من روايتهما في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» (1) بل ليس ما نحن فيه بمشهور فحسب، و إنّما هو إجماع كما عرفت، و لو كان الطبرسي مخالفا لم يقدح ذلك في الإجماع، لأنّه ليس عندنا عبارة عن الاتّفاق، بل عمّا كان أصحاب الأئمّة إذا جائهم أحد عن الامام عليه السّلام بخلافه، قالوا: «أعطاك من جراب النورة» (2).

ثمّ أطرف من ذلك كلّه، احتماله في مستند المشهور التقية و كان الذي دعاه إلى القطع على انتفائها في حديثه الذي استند اليه تسمية المأمون فيه بأمير المؤمنين، و قوله عليه السّلام أنّه كان يكره الكلام، و إلّا فاشتراط الفحل من خواص الخاصّة، و لا شريك للعامّة في عدم الاشتراط إلّا الكاشي كما قد عرفت (3)، و اللّه المسدّد.

[تحقق الرضاع قبل إتمام المرتضع حولين]

و كونه قبل فصال المرتضع و في فصال الضئر خلف متّسع

يشترط في نشر الرضاع كونه واقعا بتمامه قبل أن يتمّ المرتضع الحولين إجماعا، كما في


1- الوسائل 18: 75، باب وجوب الجمع بين الأحاديث، ح 1، الكافي 1: 67، ح 10، التهذيب 6: 301، ح 52، الفقيه 3: 5.
2- لا يذهب عليك أنّ في أوّل الرواية إنّهم كانوا يقولون: «أنّ اللبن للفحل» و سبب عدولهم الرواية المتجددة عنه عليه السّلام و قوله: «و ذلك ان أمير المؤمنين» تعليل لما صدر عنه من تلك الرواية الحادثة و المتأمّل في ألفاظ الرواية لا يرتاب فيما قلنا و لا يشك في ان الرواية دليل المشهور.(حاشية المصنف)
3- و قد ذكر في صفحة 53.

ص: 57

الخلاف (1) و الغنية (2) و السرائر (3) و القواعد (4) و شرحيها للفخر (5) و المحقق الثاني (6) و المسالك (7) و غيرها.

فلو ارتضع الأخيرة أو بعضها بعد الحولين لم ينتشر التحريم. و لو تمت مع الحولين نشر، لقول الصادق عليه السّلام في حسنة الحلبي (8) و موثقتي منصور بن حازم (9) و حماد بن عثمان (10): «لا رضاع بعد فطام» و زاد حمّاد: [قال] «قلت: جعلت فداك، و ما الفطام؟ قال: الحولين (11) اللّذين قال اللّه عزّ و جلّ» و روى الفريقان عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا رضاع بعد فصال» (12)، و الفصال الحولان لقوله تعالى وَ فِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ (13) و في آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا رضاع إلّا ما كان في الحولين» (14).


1- الخلاف 5: 99، المسألة 5، كتاب الرضاع.
2- الغنية: 335.
3- السرائر 2: 519.
4- قواعد الأحكام 2: 10.
5- إيضاح الفوائد 3: 48.
6- جامع المقاصد 12: 221.
7- المسالك 7: 235.
8- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
9- الوسائل 14: 290، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
10- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 5.
11- نصب الحولين بتقدير محذوف كعنيت مثلا، و لعل العدول عن الرفع إيماء الى أن الحولين ليس معنى الفطام حقيقة، و إنّما هو شي ء عناه عليه السّلام به فتدبر. (حاشية المصنف)
12- مصنّف عبد الرزاق 6: 416، ح 11450، الكافي 8: 196، باب 8، ح 234.
13- لقمان: 14.
14- سنن الدارقطني 4: 174، ح 10، كنز العمال 6: 274، ح 15678. انظر: الوسائل 14: 291، باب 5، الأحاديث 5- 7- 10.

ص: 58

و احتجّوا أيضا بقوله سبحانه وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ (1) حيث جعل إتمام الرضاعة في الحولين، فما خرج عنهما ليس برضاع، و قد يحتجّ له برواية الفضل ابن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام « [قال:] الرضاع قبل الحولين قبل ان يفطم» (2) بحمل «ان يفطم» على التوكيد (3) و عن ابن الجنيد: «إذا حصل الرضاع بعد الحولين و لم يتوسّط بين الرضاعين، فطام بعد الحولين حرم» (4)، فوافق القوم في عدم النشر مع وقوع الفطام و الرضاع ممّا بعد الحولين، و خالف بدعوى النشر مع الارتضاع بعدهما من دون فطام.

و قد قال الشهيد: «أنّه مسبوق بالإجماع و ملحوق به» (5)، و في الكفاية: «أنّ قول ابن الجنيد غير بعيد» (6)، و احتج له بموثقة منصور السابق (7) و موثقة داود بن حصين عن الصادق عليه السّلام: «الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم يحرم» (8)، و قد رأيت تفسير الموثق


1- البقرة: 233.
2- الوسائل 14: 291، ح 4، باب 5.
3- و قد فهم من إطلاق النظم أنّه لا فرق في انتشار الحرمة بالرضاع الواقع في الحولين و عدم الانتشار بما وقع منه بعدهما بين ان يتخلل الرضاع فطام أو لا، فلو فطمته في الحولين ثم أرضعته فيهما نشر و لو فطمته فيهما أو بعدهما ثم أرضعته بعدهما من دون سبق فطام لم ينشر، لإطلاق ما تقدم من الأدلة بل لا خلاف فيه إلّا ما يحكى عن ابن الجنيد. (منه)
4- المختلف 7: 35، المسألة: 2.
5- غاية المراد: 205.
6- كفاية الأحكام: 159.
7- الوسائل 14: 290، ح 1، باب 5.
8- الوسائل 14: 292، باب 5، ح 7.

ص: 59

الأوّل في موثقة حمّاد (1) المعتضدة بما سمعت من الإجماع المحصل و المنقول، و اما الثاني فسيذكر قريبا.

و عن ابن أبي عقيل: «الشرب بعد الفطام لا يحرّم» (2)، و الكليني: «معنى:

«لا رضاع بعد فطام» أنّ الولد إذا شرب من لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرّم ذلك الرضاع التناكح» (3).

و الفطام محمول في كلامهما على الفطام الشرعي الذي سبق إليك تفسيره.

ثمّ لا ريب في أنّ لبن المرضعة مع كون ولدها في الحولين ممّا ينشر سواء فطمته فيهما أوّلا، و إنّما اختلفوا فيما لو أرضعت الآخر بعدهما، و هو المشار إليه في عجز البيت، و المراد أنّ في اشتراط الرضاع بكونه قبل فصال المرضعة خلف، فإضافة الفصال فيه الى الفاعل، و في الصدر إلى المفعول، و قد اتّسع الخرق هنا بين المختلفين حتّى حكى عن ابن زهرة الإجماع على اشتراط النشر بكون ولد المرضعة في الحولين (4)، و حكى الفاضل الهندي عن غيره الإجماع على عدم اشتراطه. (5)

و الأوّل: مذهب أبى الصلاح (6)، و ابن حمزة (7).


1- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 5.
2- المختلف 7: 35، المسألة: 3.
3- الكافي 5: 444.
4- الغنية: 335.
5- كشف اللثام 2: 29.
6- الكافي في الفقه: 285.
7- الوسيلة: 301.

ص: 60

و الثاني: لابن إدريس (1) و المحقق (2) و الشهيدين (3) و فخر المحققين (4) و المحقق الثاني (5) و صاحب الكفاية (6)، و كثير من المتأخرين، و قطع به العلامة في جملة من كتبه (7)، لكنّه توقف في المختلف (8)، و قصارى ما اشترط الشيخان (9) و أكثر المتقدمين ان يكون الرضاع في الحولين من دون تخصيص بالمرتضع و لا تعرض لولد المرضعة.

احتج الأوّلون: بإطلاق ما مرّ في المرتضع، فإنّه يتناول ولد المرضعة أيضا، و ما روى على بن أسباط: «أنّ ابن الفضال سأل ابن بكير في المسجد، فقال: ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين، ثم أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتى تمّت السنتان، أ يفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنّه رضاع بعد فطام [و إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

لا رضاع بعد فطام]. اى أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية، فقد خرج عن حدّ اللبن، و لا يفسد بينه و بين من يشرب منه، قال: و أصحابنا يقولون: أنّه لا يفسد إلّا أنّ الصبيّ و الصبيّة يشربان شربة، شربة». (10)

و احتجّ الآخرون: بأصالة عدم الشرطية، فيتمسّك بالعمومات، حتّى تثبت، و


1- السرائر 2: 519.
2- شرائع الإسلام 2: 283.
3- غاية المرام: 205، المسالك 7: 236، الروضة البهية 5: 163.
4- إيضاح الفوائد 3: 48.
5- جامع المقاصد 12: 222.
6- كفاية الأحكام: 159.
7- قواعد الأحكام 2: 10، التحرير 2: 9.
8- المختلف 7: 38.
9- المبسوط 5: 293، المقنعة: 503.
10- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 6.

ص: 61

أجابوا عن حجّة الأوّلين: بأنّ المتبادر من قوله عليه السّلام: «لا رضاع بعد فطام» (1) إنّما هو فطام المرتضع دون ولد المرضعة، و أنّ ما ذكر عن ابن بكير ليس برواية، بل رأى رآه، فلا يجب اتّباعه.

و عندي أنّ كلام ابن بكير لا يخلو عن تشابه، و لو كان رواية لم يدلّ بعد التنقيح على مطلوبهم.

و يمكن الاستدلال للقول الثاني مضافا الى ما سبق، باستصحاب حال الإجماع، لثبوت النشر قبل الحولين، فيستصحب الى موضع النزاع، و بالموثّق السابق: «الرضاع بعد حولين قبل ان يفطم يحرم» (2) اى الرضاع بعد حولي ولد المرضعة قبل أن يفطم الرضيع و يتمّ حولاه، و إنّما تعيّن ما ذكرنا من التفسير لئلا يخالف الإجماع، و قد بقي الكلام فيما حكينا عن ابن زهرة من الإجماع، و ما حكاه الفاضل عن غيره. و كأنّه أراد بذلك الغير ابن إدريس، حيث خطّأ أوّلا القائل باشتراط ان يكون ولد المرضعة في الحولين، ثمّ قال:

«إنّ الولادة من حلال إذا مضى لها أكثر من حولين نشر لبنها الحرمة بغير خلاف من محصّل (3)»، فردّه في المختلف بأنّه: «استدلال بالإجماع في المختلف، و هو اولى بالخطاء (4)»، و لعلّ السرّ في حكاية كل الإجماع على خلاف الآخر، ما قد حكيناه سابقا عن الأكثرين من اشتراط ان يكون الرضاع في الحولين من دون تخصيص بالمرتضع، و لا تعميم فيه و في ولد المرضعة. فحمل ابن زهرة «الحولين» في كلامهم على الأعمّ من حولي المرتضع و ولد المرضعة، استنادا إلى الإطلاق (5)، و جعلهما ابن إدريس عبارة من حولي


1- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
2- الوسائل 14: 292- باب 5، ح 7.
3- السرائر 2: 519.
4- المختلف 7: 36- 37، المسألة: 4.
5- المراد: إطلاق الأدلّة الواردة في المورد.

ص: 62

المرتضع، نظرا الى المنساق، فصحّ لابن زهرة حكاية الإجماع، لأنّه قطع على أنّ فتوى الأصحاب إنّما هي بالأعمّ، و لابن إدريس ان ينفى الخلاف، لأنّه قطع على أنّهم لم يتعرضوا لولد المرضعة، فمراده من نفى الخلاف عدم التصريح بالاشتراط، لا التصريح بعدم الاشتراط.

و كيف كان، فاذا تساقط الإجماعان بالتعارض، أو انتفى كونهما اجماعين بما ذكرناه من التأويل فقد بقي للقول الثاني نوع رجحان، غير أنّ المسألة قويّة الإشكال، و طريق الاحتياط لا يخفى.

ثمّ المعتبر في الحولين الأهلّة، كما في سنتين البلوغ و أشهر العدّة و أجل العنّة و أشباه ذلك من أبواب الفقه، لأنّه هو المتبادر و المنساق عند أهل اللّسان، بخلاف الشمسية، بل ربّما حكى عليه الاتفاق فيعدّ أربعة و عشرون شهرا من انفصال تمام الولد، فان انكسر الأوّل حسب ثلاثة و عشرون و أتمّ المنكسر من الخامس و العشرين معدودا بثلاثين، و إن نقص في وجه، و يحتمل انكسار الجميع، و الأوّل أقوى.

[عدم كون الرضاع بلبن زنى]

و ابن الجنيد في السّفاح قد ذهب فردا إلى أنّ الرضاع كالنسب

ما تقدّم من عدم النشر بلبن الزنا هو المذهب، و قد حكى عليه الفاضل الهندي الإجماع (1)، بل في المسالك (2) و شرح القواعد للمحقق الثاني، عدم الخلاف (3)، و قال ابن الجنيد: «لو أرضعت بلبن حمل من الزنا حرمت و أهلها على المرتضع و كان تجنّبه أهل الزاني أولى و أحوط» (4).

و ربّما حكى (5) النشر بلبن الزنا عن المبسوط أيضا، و هو وهم، و عبارته: «من


1- كشف اللثام 2: 27.
2- المسالك 7: 208.
3- جامع المقاصد 12: 204.
4- نقله عنه العلّامة في «المختلف» 7: 39، المسألة 6.
5- نفس المصدر.

ص: 63

وطأ امرأة وطأ يلحق به النسب بنكاح صحيح أو فاسد أو وطئ شبهة أو ملك يمين، فخلق الولد بينهما فهو ابنهما معا، فاذا نزل له لبن كان لهما، فإذا أرضعت به مولودا العدد الذي يحرم فان الرضيع ولدهما معا من الرضاعة (1)» انتهى.

و لعلّ نظر ابن الجنيد إلى عموم «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النسب» (2) غير أنّ الفرق حينئذ بين المرضعة و الفحل غير واضح، و كيف كان، فالنسب محمول في الخبر على الشرعيّ، إذ عرف الشارع هو المعتبر عند التعارض، و ليس تحريم الولد من الزّنا على أبويه لنسب بينهما، بل لحكم آخر من الشارع، دلّنا على الإجماع و الضرورة.

للمطلق اللّبان ما اتّصل إلّا إذا الحمل من الثاني انفصل

و إن يطل جفافه فالثاني لزوجها الثاني مع الإمكان

قد عرفت أنّ حكم اللبن تابع للنّكاح الصحيح، فان طلّقها الزوج أو مات و هي حامل منه أو مرضع، فهناك صور:

الأولى: أن ترضع قبل أن تنكح غيره أو بعد أن نكحت، و لكن لم تحمل من الأخر، فاللبن للاوّل إجماعا من غير فرق فيه بين استمراره و عوده غبّ انقطاع ما لم يدخل العود في الدّرور بنفسه، و لا في الإرضاع بين كونه في العدّة أو بعدها، و لا فيما بعدها بين امتداد المدّة، و قصرها إلّا ان نشترط كون ولد المرضعة في الحولين فيحكم بكون ما بعدهما كما درّ بنفسه.

الثانية: أن ترضع بعد الحمل من الثاني و قبل الولادة و لم ينقطع اللبن انقطاعا بينّا و لم يحدث فيه زيادة، و هو للاوّل لا نعلم فيه خلافا كما في التذكرة. (3)

الثالثة: الصورة بحالها و لكن تجدّد في اللبن زيادة، و لا نعلم أيضا خلافا في أنّه


1- المبسوط 5: 291- 292.
2- الوسائل 14: 280- 282، باب 1.
3- التذكرة 2: 616.

ص: 64

للاوّل، و بالجملة فنحن نستصحب كونه للأوّل في الصور الثلاث، غير أنّه إن حدثت في اللبن زيادة فالشك في قدح العارض، لاحتمال امتزاجه بالغير، و إلّا ففي عروض القادح، و أمّا من يرى النشر بلبن الحمل فالشك عنده مع حملها في الثاني في قدح العارض، سواء زاد اللبن أم لا.

الرابعة: أن ترضع بعد الوضع من الثاني فهو للثاني إجماعا، كما في التذكرة (1) سواء انقطع قبل الوضع أم لا، و سواء زاد به أم لا، و هذه الصور كلها مستفادة من البيت الأوّل.

الخامسة: ان ينقطع اللّبن انقطاعا بينّا، أعنى مدّة طويلة لا يتخلّل مثلها اللّبن الواحد غالبا ثمّ يعود، فإن أمكن كونه من الثاني كان له بلا خلاف يعرف، إذ صرفه عن السبب الصالح إلى المقتضي الأوّل بعد زواله ممّا يقتضي التجدد، و الأصل عدمه، غير أنّ النسبة إلى الزوج الثاني لا تثمر عندنا أكثر من الانصراف عن الأوّل، لمّا مرّ من أنّ لبن الحمل لا ينشر، و إن تعذّر كونه للثاني صرف الى ما يقتضيه الحال، فان لم تكن حملت بعد فراق الأوّل فهو درور من نفسه، و إن حملت و لكن من غير الزوج الثاني، فإن كان عن شبهة فللمشتبه، و ان كان عن زنا فلغو و هكذا.

و لا يعيد الاعتراف بالولد بعد اللعان النشر في رأي أسدّ

لا ريب في أنّ الملاعنة إذا أرضعت ولدا حرم عليها و على عصبتها، و ان زعم الملاعن أنّ حملها لغيّة، لثبوت النسب بينها و بين ولدها نصّا و إجماعا، فلا يقدح كونها بنسبة الولد الى الملاعن قد نفت إلحاقه من غيره على وجه يصحّ، و أمّا الملاعن فينفى اللبن عنه، ما استمرّ على الإنكار إجماعا، فهل يمنع من نكاح زوجة الرضيع و الرضيع من نكاح زوجته أو من يحرم من قرابته بتقدير كونه فحلا؟ وجهان: من انتفاء اللبن عنه و كونه


1- التذكرة 2: 616.

ص: 65

متزلزلا مراعي بالإصرار، و لو رجع عن الإنكار ثبت الميراث للولد دونه نصّا (1) و إجماعا فيهما.

و العلّة في التوريث ما ذكر من الدليل، لا نفس الإقرار، و إلّا كان بالنسبة إلى الوارث الآخر في حقّ الغير، و لقائل أن يمنع كونه في حق الغير، بل هو كما لو أقرّ بأنّ ما في يده وقف عليه و على زيد بعده، نعم: لم أجد في النصوص و لا في الفتاوى الفرق في توريث الولد بين إنكاره للابوّة و عدمه، و لعلّ الإطلاق نظرا إلى ما هو الأغلب من عدم اطّلاع الولد، و إلّا كيف يورث مع إنكاره النسب، و في توريث وارث الولد حينئذ بعد موته إن لم يشارك في الإنكار وجهان.

و أمّا بقية أحكام النسب فالظاهر أنّها تابعة لحكم الإقرار، و حينئذ: فإن تصادقا في ثبوت النسب مضى بالنسبة إلى الحقوق الدنيوية، فيجب الإنفاق من كل منهما على الأخر مع الاستحقاق و يمنع من نكاح زوجته و يجوز أكله من بيته بدون إذنه، و لا يرجع فيما يصلح الرجوع به على الأجنبيّ من الهبة، و امّا فيما كان للّه أو لعباده فيه حقّ، فالأقرب عدم تأثير الإقرار فيه، فلا يمكن كلّ من النظر الى محارم الآخر و لا من دفعه الزكاة اليه مع وجود المسوّغ، و لا يحلّ الملاعن نذر الولد و لا تردّ شهادته عليه و لا له استباحة من عقد له عليهما في صغره، نعم لو كان من قسم الحدود، كقطع كلّ منها بسرقة مال الأخر، و حدّه بقذفه و درأته الشبهة، و لو اختصّ الإقرار بأحدهما أخذ به و لم ينفذ على الأخر، فيجب على الملاعن تمرينه للصلاة و الصوم، على القول بالوجوب، و لا يتوقف نذر الولد و لآخر وجه إلى الجهاد، و لا خلوص صومه عن الكراهة على إذن الملاعن، و لا له ان يحرم به في صغره و له ان يقتله، إن سمع منه سبّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحد الأئمّة أو كان حربيّا من دون اذن الإمام، و لو كان كافرا لم يتبعه في التنجيس و لا يثبت له و لا لمولاه الولاية عليه.


1- الوسائل 15: 599- 601، باب 6 من أبواب اللعان.

ص: 66

و من هنا ظهر أنّ نشر اللّبن لا يعود بالاعتراف بعد اللّعان- كما في النظم- كما في النظم- بل أمر الرضاع دائر أيضا مدار الإقرار، فلو كان الرضيع أنثى، منع الملاعن من النظر إليها، أقرّ باللبن أو أنكره، و لو سوّغنا له العقد عليها استصحب حكم العقد في جانبها دونه، بخلاف ما لو سوّغنا للرضيع النكاح فيمن ينتسب إلى الملاعن، فنكح أحد ولده أو من ارتضع من لبن آخر له لم يلاعن فيه، فإنّا نستصحب حكم العقد بعد إقرار الملاعن مطلقا، و لو كان الرضيع رقّا للملاعن عتق عليه.

هذا كلّه بناء على عدم عود النسب بالإقرار استصحابا، لحالي النفي و الإجماع، و قد يحتمل العود نظرا إلى وجود المقتضى أعنى الفراش، و إنّما كان المانع الإنكار و قد زال، و من ثمّة جعل الفقهاء اللّعان من موانع الإرث دون الزنا، و لقول الصادق عليه السّلام في عدّة روايات، منها صحيحة الحلبي: «و أمّا الولد فإنّي أردّه إليه إذا ادّعاه و لا أدع ولده و ليس له ميراث» (1)، و أمّا عدم توريث الأب فامّا تعبد أو مؤاخذة له على فعله، و وجه آخر و هو العود بالنسبة إلى الولد فقط استضعافا لما ذكر من الاعتبار و وقوفا عند ما أخرجه النصّ عن الأصل.

و الجواب عن الأوّل: الفرق في المانع بين رافع المقتضى و رافع أثره، و اللّعان من الأوّل، بخلاف نحو الكفر.

و عن الثاني: أن الظاهر من النصّ إنّما هو الردّ الخاصّ أعنى ما يقتضيه الإقرار، و منه التوريث لا الردّ مطلقا، و من طلب المزيد عن ذلك فليرجع إلى ما كتبنا في المواريث، و اللّه الموفّق.

[الرضاع الكافي لنشر الحرمة]

اشارة

و ليس يكفي رضعة بل إمّا ما أنبتت اللّحم و شدّ العظما

أو خمس عشرة على المختار لينتفي تعارض الأخبار


1- التهذيب 7: 195، ح 43.

ص: 67

أو ليلة و اليوم، إن تمّ العدد أو لم يتمّ، لعموم ما ورد

أجمع الأصحاب، كما حكى ابن إدريس (1) و الشهيد الثاني (2) و الفاضل المقدّس (3): على أنّه لا يشترط في نشر الرّضاع الغير المنفصل برضاع أخرى الزيادة عن الخمس عشرة، و اختلفوا فيما دون ذلك.

فذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء برضعة تملأ جوف المرتضع إمّا بالمصّ أو الوجور (4)، و هو في كلا المسألتين مسبوق بالإجماع و ملحوق به، و قد احتجّوا الاكتفاء بالرضعة بعموم قوله تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ (5) و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (6) و خصوص الصحيح: أنّ على بن مهزيار كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عمّا يحرم من الرّضاع؟ فكتب عليه السّلام قليله و كثيره حرام (7)، و ما روى عن زيد بن علىّ عن آبائه عن على عليه السّلام الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا. (8)

و الجواب: أمّا عن العموم فبالإجماع على التخصيص، لاتفاق الإمامية على أنّ مسمّى الرّضاع ليس بكاف في التحريم، و إنّما يدّعى كلّ منا و من ابن الجنيد مخصّصا، و حينئذ: فإن ثبت كون ما يدّعيه مخصّصا فلا بدّ من العمل على ما هو من المخصّصين أرجح.


1- السرائر 2: 520.
2- المسالك 7: 228.
3- زبدة البيان: 525.
4- المختلف 7: 30.
5- النساء: 23.
6- الوسائل 14: 280- 282، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
7- الوسائل 14: 285، باب 2، ح 10.
8- الوسائل 14: 285، باب 2، ح 12.

ص: 68

و أمّا عن الروايتين: فبأنّ أيسر ما فيهما موافقة العامّة، كما هو المعروف من مذهب أبي حنيفة و مالك و الأوزاعيّ و ابن عمر، بل نسبه الشيخ إلى جميعهم (1)، مضافا إلى أنّ الثاني لم يروه إلّا رجال من العامّة و الزيديّة، كما صرّح به الشيخ أيضا (2)، على أنّهما غير معلومي الورود في مطلوبه، لجواز كونهما في الرضاع بعد الفصال، بل هو الأظهر منهما، إذ لا يحرم الرضاع الناشر للتحريم، إلّا في بعض الأحيان، كما إذا استلزم فسخ زوجة الرجل بدون إذنه و بعد تسليم الورود فيما هو المقصود، فقصارى الصحيح منهما الإطلاق، إذ القلّة و الكثرة من الأمور الإضافية فيجب التقييد بالعشر أو ما فوقها على الخلاف كما ستعرف.

و أمّا ما ذكره من الاجتزاء بالوجور، فقد حكاه العلّامة (3) و المحقّق الثاني (4) و غيرهما عن المبسوط (5) أيضا، لكنّ الثابت في عدّة مواضع منه، أنّه لا اعتبار بالوجور، و لعلّ ابن الجنيد يستند في ذلك إلى التنقيح، إذ الغاية المطلوبة إنّما هي النشؤ، و صريح الخبر:

«و جور الصبيّ اللبن بمنزلة الرضاع» (6) و جواب الأوّل: منع كون ذلك هو الغاية مطلقا، بل عند الامتصاص من الثدي.

و أمّا الثاني فمردود بالإرسال و إعراض الطائفة عنه و عدم معلوميّة الورود في مطلوبه و معارض بالصّحاح:

أحدها لمحمّد بن قيس: «قال: سألته عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت زوجها


1- الخلاف 5: 95، المسألة 3، كتاب الرضاع.
2- التهذيب 7: 317، ح 17.
3- المختلف 7: 30.
4- جامع المقاصد 12: 211.
5- المبسوط 5: 295.
6- الفقيه 3: 479، ح 4683.

ص: 69

لتحرم عليه، قال: أمسكها و أوجع ظهرها». (1)

و ثانيها للحلبي: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فأسقته جاريتي. فقال عليه السّلام: أوجع امرأتك و عليك بجاريتك». (2)

و ثالثها لعبيد بن زرارة: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين» (3)، و إذ قد بطل القول بالرضعة الواحدة، فقد تعيّن العمل على ما هو المذكور في النظم من العمل على الكميّات الثلاث،

و الكلام عليها يقع في مقامات:
المقام الأوّل: التقدير بما أبنت اللّحم و شدّ العظم

و يعبّر عنه بالتقدير النشوى، و يدلّ عليه رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبتت اللحم و شدّ العظم» (4).

و موثقته عن الكاظم عليه السّلام: «قال: قلت له: يحرم من الرّضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاثة؟ قال: لا، إلّا ما اشتدّ عليه العظم و نبت اللحم». (5)

و صحيحة مسعدة عن الصادق عليه السّلام: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما شدّ العظم و أبنت اللّحم، و أمّا الرضعة و الرضعتان و الثلاثة حتّى بلغ عشرا إذا كنّ متفرقات فلا بأس». (6)

و في صحيحة على بن رئاب عنه عليه السّلام: «قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم و شدّ العظم. قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنّه لا تنبت اللحم


1- الوسائل 14: 291، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 3.
2- الوسائل 14: 298، باب 7 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
3- الوسائل 14: 292، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 8.
4- الوسائل 14: 289، باب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
5- الوسائل 14: 288، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 23.
6- الوسائل 14: 287، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 19.

ص: 70

و لا تشدّ العظم عشر رضعات» (1)، إلى غير ذلك من الروايات.

و هذه الأربعة صريحة في حصر التحريم فيما ينبت اللحم و يشدّ العظم، و هنا روايات آخر تدلّ على الحصر فيما ينبت اللحم و الدّم، كموثّقة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام: « [قال:] سألته عن الرضاع ما ادنى ما يحرم منه؟ قال: ما ينبت اللّحم و الدّم، ثمّ قال: ترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان، أصلحك اللّه. فقال: لا، فلم أذل أعد عليه حتّى بلغ عشر رضعات» (2).

و صحيحة حمّاد عنه: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبتت اللحم و الدّم» (3) و في صحيحة له أيضا: «فما الذي يحرم من الرّضاع؟ فقال: ما أنبتت اللحم و الدّم» (4) و ليس ذكر الدّم موجبا للتعارض، لكون إنبات اللحم ملزوما لإنبات الدّم البتّة، فإنّ ابتداء الدّم عند الانجذاب إلى الكبد بعد تمام الهضم الأوّل، ثمّ يتصفّى أحسنه إلى الاوردة و ما يتشعّب منها و العروق الشعريّة، فينهضم الانهضام الثالث، و إنبات اللّحم إنّما يكون بعد انتشاره في الأعضاء و حصول الهضم الرابع.

و أمّا ما يظهر من التعارض بين حصر التحريم في الإنبات تارة و فيه مع الشدّ أخرى، فإن صحّ التلازم بين الوصفين المذكورين فليس هو بتعارض في الحقيقة، إذ غاية الأمر ان يكون عليه السّلام قد اكتفى بذكر أحد المتلازمين عن الآخر، و امّا مع عدم التلازم و جواز الانفكاك فليس المقصود من الحصر في إنبات اللحم و الدّم، أنّه لا مدخليّة لشدّ العظم، بل القصد من الحصرين معا إنما هو الردّ على من يعتقد النشر بالرضعة و الرضعتين، كما هو


1- الوسائل 14: 283، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
2- الكافي 5: 438، ح 3.
3- الوسائل 14: 289، باب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
4- الوسائل 14: 287، ح 18.

ص: 71

ظاهر من سوق الروايات نفسها، إذ كانت العامة بين من يرى النشر بالواحدة و من يراه بالخمسة، و من يراه بالمسمّى، و كانت هذه المذاهب شائعة في «حزب الشيطان».

فمرّة كان عليه السّلام يقصد إلى مجرّد تخطئة المخاطب، يكتفى بأحد الوصفين، و اخرى إلى بيان الحكم معها، فيذكرهما معا، و من ثمّة أطبق الأصحاب على اعتبار الوصفين معا في التحريم، إلّا ما وقع في اللمعة (1) من عطف أحدهما على الأخر ب «أو» المفيدة للاكتفاء بواحد منهما فحسب، و لعلّه رحمه اللّه حاول بذلك دفع ما أشرنا إليه من التعارض، فان كان ذلك فليس بشي ء، لمنافاة «ما قام الأزيد و اخوه» عند أهل اللسان «لما قام الأزيد» و ان كان زيد أحد المحصورين فيهما أوّلا، و كيف كان فالأمر في ذلك سهل، إذ لا يعرف الخلاف الّا من الشهيد، مع أنّه يجوز ان يكون من رأيه التلازم بين الوصفين، فعطف ب «أو» تنبيها على ذلك فينتفى الخلاف حينئذ أصلا.

المقام الثاني: التقدير بالعدد

، و قد اختلف فيه كلمة الأصحاب فقال الشيخ (2) و العلّامة (3)- في أكثر كتبهما- و المحقق الأوّل (4) و الثاني (5) و فخر المحققين (6) و صاحب


1- اللمعة: 163.
2- المبسوط 5: 292، النهاية: 461، الخلاف 5: 95، المسألة 3، كتاب الرضاع، الإستبصار 3: 193.
3- التذكرة 2: 620، التحرير 2: 9.
4- شرائع الإسلام 2: 282.
5- جامع المقاصد 12: 217.
6- إيضاح الفوائد 3: 47، إلّا أنّه قال: «و الأصحّ عندي التحريم بمجرّد العشر».

ص: 72

المسالك (1) و الروضة (2) و الكفاية (3): أنّه لا ينتشر التحريم أقلّ من خمس عشرة رضعة، و في التذكرة (4) أنّه المشهور، و ذهب ابن أبي عقيل (5) و المفيد (6) و المرتضى (7) و سلّار (8) و ابن البرّاج (9) و أبو الصّلاح (10) و ابن حمزة (11) و العلّامة في المختلف (12) و الشهيد (13): إلى الاجتزاء بعشر، و نسبه في المختلف إلى الأكثر.

و في كلام جماعة كالشهيد الثاني (14) و التقيّ المجلسي (15) و صاحب الكفاية (16):

أن الشهرة من المتقدمين على الثاني و من المتأخرين على الأوّل، و كلا القولين لابن إدريس (17)، و الروايات متعارضة من الجانبين.


1- المسالك 7: 222.
2- الروضة 5: 161.
3- كفاية الأحكام: 159.
4- التذكرة 2: 620، السطر 1.
5- المختلف 7: 29، المسألة: 1.
6- المقنعة: 502.
7- نقله عنه العلّامة في «المختلف» 7: 30، و الحلّي في «السرائر» 2: 520.
8- المراسم: 149.
9- المهذّب 2: 190.
10- الكافي في الفقه: 285.
11- الوسيلة: 355.
12- المختلف 7: 32.
13- اللمعة (ط ج): 111.
14- المسالك 7: 215.
15- الرسالة الرضاعية بالفارسية: 96- 88.
16- كفاية الأحكام: 159.
17- السرائر 2: 520.

ص: 73

فمنها ما يدلّ على الأوّل، و هو موثقة زياد بن سوقة: «قال: قلت لأبي جعفر عليهما السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد و لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما». (1)

و موثقة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام قال: «سمعته يقول: عشر رضعات لا يحرّمن شيئا». (2)

و موثقة عبد اللّه بن بكير قال: «سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرّم». (3)

و في صحيحة ابن رئاب السابقة قلت: «فيحرّم عشر رضعات؟ قال: لا، لانّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات». (4)

و التقريب في الثلاث الأخيرة أنّه إذا انتفت العشر تثبت الخمس عشرة، لعدم القائل بالفصل.

و منها ما يدلّ على الثاني و هو صحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السّلام: «لا يحرم من الرضاع إلّا المخبورة. قال: قلت: و ما المخبورة؟ قال: أمّ تربّى أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ و ينام». (5)


1- تهذيب الأحكام 7: 315، ح 12.
2- الوسائل 14: 283، ح 3.
3- الوسائل 14: 283، ح 4.
4- نفس المصدر، ح 2.
5- لم أجد مثل هذه الرواية، بل ما يوجد الملفق من رواية الوسائل و التهذيب، المجلد 6، ص 313، ح 13، و ص 324، ح 42، الفقيه 3: 477، ح 4672.

ص: 74

و في صحيحة عبيد بن زرارة: «فقلت: و ما الذي ينبت اللحم و الدّم؟ فقال:

كان يقال: عشر رضعات. قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا، و قال:

ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع». (1)

و في المسالك عن عبد اللّه بن سنان: «الذي ينبت اللحم و الدّم عشر رضعات» (2)، و موثقة عمر بن يزيد: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين. فقال: لا يحرم. فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، قال:

ان كانت متفرقة فلا بأس». (3)

و قريب منها: رواية مسعدة المتقدمة (4)، و مفهوم ذلك النشر بهنّ متواليات، و قد ترجّح الاخبار الأوّل بأصل البراءة و الحلّ و الاستصحاب، و أنّها موضع الإجماع و الاتفاق، و قد ترجّح الثواني بالأقربية من الكتاب و الشهرة و الاحتياط.

و الجواب: أمّا عن الأقربية فبأنّ كلّا من المخصصين أمر واحد، فالعبرة باقويهما ظنّا، لا أقلّهما افرادا، و امّا الشهرة: فقد عرفت أنها متعارضة من الجانبين، و أمّا الاحتياط و فمختلفة موارده، فيكون مع الأوّل تارة، و مع الثاني أخرى، و الأمر فيه غير خفيّ على من تأمّل، فتبقى مرجّحات الأخبار الأوّل سليمة عن المعارض، و يزيدها ترجيحا أنّه عليه السّلام قد نسب العشر في صحيحة عبيد إلى غيره، و لمّا كرّر الراوي السؤال قال عليه السّلام: «دع ذا» (5) و في ذلك دليل واضح على أنّ ما يفتي به من العشر انّما كان تقية، فتسقط الروايتان


1- التهذيب 7: 313، ح 4.
2- المسالك 7: 216.
3- الاستبصار 3: 194، ح 8.
4- و قد ذكر في صفحة 69 رقم 6.
5- الوسائل 14: 287، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 18.

ص: 75

الأخيرتان أيضا (1)، و قد تقدّم لعبيد بن زرارة خبران (2)، و هذا الثالث، و لم يجبه عليه السّلام في واحد منها بما يزيح العلّة و موثقته الّتي لا غبار على متنها، صريحة في أنّ العشر لا تحرم كما قد رأيت. (3)

و يؤيّد ما ذكرنا من الحمل على التقية أنّهم عليه السّلام كانوا كثيرا ما يميلون إلى الإجمال عند السؤال عمّا يحرم من الرضاع، فيجيبون تارة بأنّه «ما أنبت اللّحم» مع كون الاطلاع على ذلك إن أمكن، فلن يكون إلّا في قليل من الأحيان، كما ستعرف.

و تارة يبهمون فلا يظفر السائل بمقصوده، كما اتّفق لعبيد بن زرارة المذكورة، و في صحيحة صفوان بن يحيى: « [قال:] سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّضاع ما يحرم منه؟

فقال: سأل رجل أبي عليه السّلام عنه، فقال: واحدة ليس بها بأس، و ثنتان، حتّى بلغ خمس رضعات، قلت: متواليات، أو مصّة بعد مصّة؟ فقال: هكذا قال له».

و سأله آخر عنه، فانتهى به إلى تسع: «فقال: ما أكثر ما أسأل عن الرضاع؟

فقلت: جعلت فداك! أخبرني عن قولك أنت في هذا عندك حدّ أكثر من هذا؟ فقال:

قد أخبرتك بالّذي أجاب فيه أبي. قلت: قد علمت الذي أجاب أبوك فيه، و لكن قلت لعلّه يكون فيه حدّ لم يخبر به فتخبرني به أنت. فقال: هكذا قال أبي». (4)

و بالجملة فمن تتبع ما ذكرنا في المقامين من الروايات علم كيف شأن العشر في ذلك العصر، و رأى كيف يلهج بها الرواة و يكررون ذكرها، و ما ذلك إلّا لأحد أمرين: أمّا كونها هي المشهورة بين العامّة، و الّتي كان عليها مدارهم أو لأنّها كانت منكرة عندهم


1- صحيحة فضيل بن يسار في صفحة 73 و صحيحة مسعدة في صفحة 69.
2- راجع: الوسائل 18: 283، ح 3، و ص 287- 288، ح 21.
3- الوسائل 14: 283، باب 2، ح 3.
4- الكافي 5: 439، ح 7، و صدره في «الوسائل» 14: 288، ح 24.

ص: 76

معروفة في ألفية الناجية، فيبهم الأمر فيها حذرا من أولئك.

و قد روى العامّة عن عائشة: «أنّ مما أنزل في القرآن أنّ عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثمّ نسخن بخمس معلومات، و توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي ممّا تقرء في القرآن» (1) و هذا ما يقتضيه الترجيح لقسم من الاخبار مع طرح ما عداه.

و أمّا ما يقتضيه الجمع و هو ما أشرنا إليه في النظم، فالّذي ينبغي حمل ما جاء في العشر على ما إذا كانت في يوم و ليلة، لأنّ حصر التحريم في موثقة زياد (2) في الزّماني و العددي دليل على أنّ العشر إذا كان في أقلّ من يوم و ليلة لم تنتشر تحريما. و لأنّ التناقض واقع بين كون العشر محرّمة و كونها لا تحرم، فتعيّن حمل المحرّمة على كونها في المدّة و غير المحرّمة على كونها في أكثر منها.

فان قلت: إن للقائلين بالعشر رفع التناقض بوجه آخر، و ذلك: بان يحمل ما دلّ على عدم التحريم بها على ما إذا كانت متفرقة، بدليل التصريح به في الروايات الأخر، و المراد من المتفرق تخلّل الفاصل بينها.

قلت: هذا الجمع إنّما يمكن مع طرح موثقة زياد، و قد علمت أنّ الأمر إذا عاد إلى الطرح كانت رواياتهم بالإطراح أولى، و قد بلغ من اعتبار موثقة زياد هذه عند الأصحاب:

أنّ ما استنبطوا منها من المسائل أكثر من عدد كلماتها و بعد ذلك كلّه، فالقول بالعشر قوى و ان كان القول بالخمس عشرة أقوى، و منهج النجاة الاحتياط.

المقام الثالث: التقدير بالمدّة

و هي يوم و ليلة، و الأكثرون كما حكى التقيّ


1- صحيح مسلم 10: 29، كتاب الرضاع، سنن الترمذي 3: 456.
2- الوسائل 14: 282، باب 2، ح 1.

ص: 77

المجلسي على اعتبارها (1)، و في الكفاية أنّه المعروف بين الأصحاب (2) و لقد أحسن التقيّ المجلسيّ حيث تعجّب من أنّ أكثر من قال بالنشر بالعشر قائل بالنشر بالمدّة (3)، مع أنّ دليلها هو دليل الخمس عشرة، أعني موثقة زياد: «لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة [رضعة] متواليات». (4)

و ليس يشترط في تحقق المدّة عدد معيّن، لعموم النصّ لما ساوي العدد و ما نقص عنه. بل المعتبر كونه في جميع تلك المدّة رويّا من ذلك اللبن، بحيث يرضع كلّما احتاج اليه عادة بلا خلاف أعرفه من كل من قال: بالمدّة، فيختلف الأمر فيها باختلاف الأولاد في السنّ و المزاج، بل باختلاف الزمان و البلاد و شبه ذلك، فربّ رضيع لا يبلغ العدد المعيّن و أخر يساويه، و ربّ فصل و أرض تضاعف فيهما الشهوة، و آخرين تنقص، إلى غير ذلك من الأسباب كالرّياضية، أو تناول ما يزيد في الشهوة أو ينقصها.

فان قلت: قد مرّ عدّة روايات في أنّ الرضعتين و الثلاث الى العشر لا تنشر تحريما من دون فرق بين كونها في اليوم و الليلة و عدمه، فالتعارض واقع بين ذلك الإطلاق و بين إطلاق ما جاء في المدّة و كما يمكن تقييد الأوّل بما لم يكن في المدّة، كذلك: يمكن تقييد الثاني بما يزيد عن العشر، فالمصير إلى أحدهما دون الأخر لا يكون إلّا عن مرجح.

قلت: إنّ ما ذكرت من الاخبار صريح في أنّ عدم النشر بالعشر فما دونها إنّما كان لعدم النشؤ و ذلك دليل على عدم كونه في المدّة لأنّ المدّة ممّا يحصل النشؤ بها قطعا.

و أعلم: انّ المحققين من الأطبّاء على أنّ الولد لا ينبغي أن يزاد في اليوم عن رضعتين


1- الرسالة الرضاعية المخطوطة بالفارسية للمجلسي الأوّل: 88.
2- كفاية الأحكام: 159.
3- في رسالة الرضاعية للمجلسي الأوّل مخطوطة: 89.
4- الوسائل 14: 283، الباب 2، ح 1.

ص: 78

أو ثلاث، و زعموا أنّ الغذاء في المعدة لا يتقدّم انهضامه عن ستّ ساعات، و لا يتأخر عن اثنى عشر، و اللّه يعلم.

و قد بقي هنا أمور:

الأوّل: هل يشترط أن يكون كلّ من اليوم و اللّيلة تامّا أم يكفي التكسير و التلفيق بحيث لو ابتدأ ظهرا مثلا أجزأ إرضاعه إلى الظهر الآخر؟ وجهان: من الشكّ في صدق الشرط و تحقّق المعنى، و الأقرب الأوّل للأصل، و منع ما ذكر من التحقّق، لأنّ المطلوب حصول النشؤ، و إمكان إخلال التلفيق بذلك لا يخلو إنكاره عن مكابرة.

الثاني: لو تأخّر الشروع عن أوّل الوقت لم ينشر التحريم، لعدم تحقّق المدّة و لو تقدّم عليه كما لو شرع قبل غروب الجمعة، فاستغنى بذلك إلى مضيّ ساعة أو مثلها من اللّيل ثمّ توالى ارتضاعه إلى غروب يوم السبت ففي النشر إشكال: من تحقّق الرّي بلبن المرضعة في جميع المدّة، و من عدم صدق الارتضاع يوما و ليلة، و لعلّ عدم النشر أرجح.

الثالثة: هل يكفي مقارنة الشروع الأوّل الوقت عرفا أم يشترط المقارنة الحقيقيّة بحيث يدخل جزء ممّا قبل المدّة من باب المقدّمة؟ وجهان: من أنّ مقادير الشّرع مبنيّة على التحقيق لا التقريب، و من أنّ المقارنة الحقيقيّة ملزومة لوقوع بعض الاولى قبل المدّة.

الرابعة: لو حدث بالطفل ما يمنع الارتضاع كعارض في الشفة أو الحلق أو المري ء، فلم يكمل العدد المعتاد في المدّة أو المتعارف فيها فلا نشر، و لو نقص الرضاع لمرض تنقص معه الشهوة، ففي النشر نظر: من صدق المدّة، و الشكّ في النشؤ و الأقرب النشر، لانّ الكميّة ليست هي السبب في النشؤ، بل ربّما كان نقصانها باعثا على زيادته، لسهولة الهضم حينئذ على الطبيعة و ما يشاهد من تتابع الذبول في بعض الأمراض ليس دليلا على عدم النشؤ، لانّ النشؤ لا يظهر للحسّ إلّا مع ضعف المقتضى للتحلّل، و أمّا مع قوّته فتكون الزيادة

ص: 79

الحاصلة بالنشؤ متبوعة بالنقصان الحاصل من التحلّل (1) الخامسة: لو عرض للطبيعة ما يشغلها عن إجادة الهضم بعروض وجع أو التفات إلى تخليق عضو كما قد يتّفق للأطفال عند نبات الأسنان، ففيه النظر السابق أيضا، و الأقرب النشر، لأنّ الطبيعة لا تنفكّ عن توليد خلط محمود من شأنه أن يصير جزءا من جوهر المغتذي، إذ لا بدّ من بدل شي ء، ممّا يتحلّل منه، و بالجملة فغاية ما يلزم من الأمرين أعني نقصان الكميّة و اشتغال الطّبيعة نقصان النشؤ لا بطلانه بالمرّة.

و الأصل من ثلثهنّ ما سبق أصلا بفقده انتفاء النشر صدق

الحقّ أنّ الأصل من الكميّات ما سبق منها أعني النشويّ، و نعني بذلك أنّ نشره بالأصالة و نشر الآخرين باعتبار تحقّقه و حصوله بهما، فلو انفردا عنه لم ينشرا تحريما، و هو قول الطبرسي (2) و الشيخ في كتابي الأخبار (3) و الفاضل الهندي (4) و التقيّ المجلسي (5) و الحجّة فيه ما تقدّم في النشوىّ من الروايات الحاصرة للتحريم في الإنبات و الشدّة و المعللة لعدم النشر بالعشر فما دونها بعدم النشؤ، بل يظهر من مجمع البيان أنّه المذهب.

قال: قال أصحابنا لا يحرم إلّا ما أنبت اللّحم و شدّ العظم، و إنّما يعتبر ذلك برضاع يوم و ليلة، لا يفصل بينه برضاع امرأة أخرى أو بخمس عشرة متواليات لا يفصل بينها برضاع امرأة». (6)

و قال ابن إدريس: إن علم إنبات اللحم و شدّ العظم و إلّا فالاعتبار بخمس


1- في «س، م»: التحليل.
2- مجمع البيان 2: 29.
3- الاستبصار 3: 194، التهذيب 7: 316.
4- كشف اللثام 2: 28.
5- روضة المتقين 8: 574.
6- مجمع البيان 2: 29.

ص: 80

عشرة (1) و ذهب فخر المحققين (2) و المحقق الثاني (3) الى أنّ الثلاثة أصول، لورود النصّ بكلّ منها، و جوابه يظهر ممّا استندنا اليه من الحصر و التعليل، و عن المبسوط: أنّ الأصل هو العدد و إنّما يعتبر الآخران عند عدم الانضباط بالعدد (4)، و عن التذكرة أنّ اليوم و اللّيلة لمن لا يضبط العدد. (5)

و يمكن الاحتجاج لهما بأنّ العدد لو لم يكن أصلا للزم أن لا يعتبر أصلا، لأنّ الآخرين لو تحقّقا بالأكثر كالعشرين لزم عدم التحريم عند بلوغ العدد و إن نقصا كالثمانية لزم وجود التحريم قبل بلوغه، و إن ساويا كان إسناد التحريم إليه بلا مرجّح.

و جوابه: أمّا أوّلا فبالنقض، لأنّ الآخرين إن تحقّقا بالأقلّ لزم التحريم عند وجودهما، و امّا ثانيا فيمنع الملازمة، لما ستعرف من اجتماع هذه التقديرات تارة و انفراد كلّ اخرى، فاللازم عدم اعتبار العدد وقتا ما لا مطلقا، و بالجملة: ليس بكلام المبسوط و التذكرة غنى عن التنقيح لأنّ الثلاثة إن كانت متلازمة فأيّ فائدة في جعل العدد أصلا؟ أم بأيّ مرجّح يكون كذلك و إن لم تكن فكيف صحّ الاستدلال على العدد بالآخرين.

و اعلم أنّ أكثر من وقفنا على كلامه من المصنّفين قد عطفوا النصب الثلاثة بعضا على بعض ب «أو» المفيدة للتغاير، و ظاهره كون الكلّ عندهم أصولا يصح أن ينفرد كلّ منها عن قسيميه، غير أنّ كثيرا من هؤلاء يعقّبون ذلك العطف باشتراط التوالي في التحريم غير مفصّلين بين العدد و غيره كما هو الثابت في القواعد و غيرها، و مقتضى هذا الإطلاق عدم جواز أن ينفرد النشويّ عن الآخرين ضرورة أنّ انفراده لا يكون إلّا مع الفصل برضاع


1- السرائر 2: 551.
2- إيضاح الفوائد 3: 47.
3- جامع المقاصد 12: 214.
4- المبسوط 5: 292.
5- التذكرة 2: 620.

ص: 81

أخرى.

و لقد أحسن فخر المحقّقين (1) و المحقّق الثاني (2) حيث جعلا ما اشترطه في القواعد (3) من التوالي شرطا لتحقّق العدد، و على ذلك ينبغي أن يحمل كلام الباقين أيضا.

و في المسالك أنّ لاعتبار التوالي جهتين: إحديهما أن يتمّ النصاب من امرأة، فلو لفّق من امرأتين و لو من فحل واحد لم ينشر تحريما، و الثانية وقوع العدد غير منفصل برضاع اخرى. (4)

و أسلوب كلامه يشعر بأنّ المعنى المصطلح للتوالي هو ما ذكره من الجهتين، و عليه فلا يكون ما حكينا عن الفخر و المحقّق الثاني حملا و تأويلا بل تفسيرا بما هو المعهود و المصطلح.

و باتّفاق عنه ثانيها انفرد لا يفقد النشر و إن نشوا فقد

هذا تخصيص لما ذكر في البيت السّابق من الضابط و تنصيص على أنّ انفراد العدديّ عن النشويّ إنّما كان عن الإجماع المخصّص لقاعدة أنّ كلّ ما به النشر فيه النشؤ، و المحصّل من هذا البيت و سابقه و لاحقيه أنّ بين النشوىّ و الزّماني عموما مطلقا و بين كلّ منهما و بين العدد عموم من وجه و على القول بأنّ الثلاثة أصول فبين كلّ منهما و قسيمه عموم من وجه.

و تفصيل المقام: أنّ المتحقّق بالرضاع أمّا أحد الثلاثة أو اثنان منهما أو الثلاثة معا، فهاتى صور سبع:


1- إيضاح الفوائد 3: 47.
2- جامع المقاصد 12: 218.
3- قواعد الأحكام 2: 10.
4- المسالك 7: 226.

ص: 82

الأولى: انفراد العدد عن الآخرين و ذلك عند تفريقه في مثل السنتين و السّنة، للاتّفاق على أنّ المأكول و المشروب كثيره و قليله غير قادح في العدد، و معلوم أنّ النشؤ لا يحصل في مثل هذه المدّة، لأنّه إن منع من النشؤ فصله برضاع اخرى فلان يمنع أكلات متعدّدة و شربات متكثّرة أولى، و إنّما قطعنا على منع الفاصلة من النشؤ لما قامت عليه الحجّة من أنّ كلّ ما به النشر فيه النشؤ و بالعكس إلّا ما استثني.

الثانية: انفراد الزّماني و ذلك غير جائز عندنا بل يقتضيه مذهب القائلين بأنّ (1) الكلّ أصول، و قد صرّح في الروضة بجوازه أيضا (2)، و يمكن فرض انفراده مع عروض مرض ينقص معه الرّضاع أو الانهضام، و قد تقدّم الكلام فيه (3)، و قد يستخرج من ذلك صورة لانفراد العدد أيضا، لأنّ على نقصان الرضعات، فربّما نقص مجموع الخمس عشرة حينئذ عن مجموع الخمسة في الصحّة و الجواب الجواب.

الثالثة: انفراد النشويّ، و يتصوّر فيما لو فصل العدد برضاع اخرى و سيأتي شرح ذلك إن شاء اللّه.

الرابعة: اجتماع النشؤ و المدّة فقط و ذلك فيما إذا تحققت المدّة بأقلّ من العدد.

الخامسة: اجتماع النشؤ و العدد فقط و ذلك عند تلفيق المدّة أو فصلها و لو بالإخلال بالرّي أو تحقّق العدد بأقلّ منها.

السادسة: اجتماع العدد و المدّة فقط و ليس بجائز عندنا أيضا، و يمكن فرضه فيما لو تقيّا النصاب أو شيئا منه، لأنّ الغذاء إذا لم ينهضم الهضم الرابع لم يتكيّف بكيفيّة الأعضاء، فلا يحصل النشؤ المطلوب معه البتّة.


1- في «م»: فإنّ.
2- الروضة البهية 5: 157.
3- في ص 78.

ص: 83

و جوابه أنّ في الغذاء و لا سيّما اللّطيف منه خاصيته تسارع الطبيعية إلى جذبها عند الاحتياج فتصرفها فيما يجب انصرافها إليه ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* (1) و لذلك ترى: أنّ من أشرف من الجوع على الموت يحصل له من مجرّد ورود الغذاء إلى المعدة انتعاش و قوّة في الأعضاء من دون تخلّل زمان ينهضم فيه جوهر ذلك الغذاء.

و لهذا ترى أنّ دائم القي ء قد يعيش سنين متطاولة، و لو أمسك عن ذلك الغذاء الذي لا يلبث (2) أن يتقيّأ فلم يتناوله لعاجله حتفه، و لم تكد حياته تستمرّ أكثر من ثلاثة أيّام أو أربع، هذا كلّه فيما إذا وقع الرضاع على الخوي، و أمّا إذا وقع على الريّ ففي النشر مع القي ء تردّد، من تحقّق النّصاب، و عدم العلم بالنشؤ (3)، و لعلّ الأقرب النشر، لأنّ الأصل في المدّة و العدّة النشؤ حتّى يثبت خلافه.

ثمّ إنّي رأيت المحقّق الثاني بعد أن ذكر اشتراط أن يصل اللّبن إلى المعدة يقول: «و يشترط بقاؤه فيها، فلو تقيّأه في الحال لم يعتدّ به، و هو مقرّب التذكرة لعدم صلاحيته لاغتذائه و انتفاء إنبات اللحم و شدّ العظم عنه» (4) انتهى.

السابعة: اجتماع الثلاثة و ذلك فيما لو شرع في العدد المتوالي في أوّل المدّة و أتمّه في آخرها أو قبله بزمان لا يحتاج فيه قبل انتهائها إلى رضاع آخر و اللّه أعلم.

[توالي الرضعات و عدم الفصل بينها برضاع آخر]

و ليس في الأوّل قطّ من ولاء و لا الأخير مطلقا أن يفصلا

و الفضل في الثاني برضعة خطر لكنّه بالأكل و الشرب اغتفر

لا كلام في أنّ فصل العدد بالأكل و الشرب و لو بالوجور من لبن غير المرضعة لا يمنع


1- الأنعام: 96.
2- في «س»: لا يثبت أن يتقيّاه.
3- في «س»: بالنشر.
4- جامع المقاصد 12: 212، التذكرة 2: 618.

ص: 84

التحريم، لإطلاق الموثّق الدالّ على النشر به (1) مع فقد ما يدلّ على الموالاة بل هو اتّفاق، كما في المسالك (2)، و قد يستنبط ذلك من الموثّق المذكور لأنّ تفسير المتواليات بقوله عليه السّلام:

«من امرأة واحدة من لبن فحل واحد.» دليل على أنّ تخلّل المأكول و المشروب أو طول الزمان لا يخلّ بالتوالي.

و على هذا ينبغي أن ينزل ما رواه الصدوق مرفوعا في المقنع: «لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوما و لياليهنّ ليس بينهنّ رضاع» (3) و توضيحه أنّ مفهوم الوصف يقتضي جواز الفصل بما عدا الرّضاع و لم يعيّن مقدار الفاصل، فوجب أن يكون مقدارا لا يرتضع معه في كلّ يوم و ليلة إلّا رضعة واحدة، ردّا للمتشابه إلى المحكم، و لا يستبعدنّ (4) أمثال هذا التأويل، فربّ مقام يجب فيه الإبهام، كما يجب في غيره الإيضاح.

و لو فصل العدد برضعة أو أكثر من لبن غير المرضعة لم ينشر إجماعا لما مرّ في موثّقة ابن سوقة (5)، و يمكن التعلّق له أيضا برواية عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرم» (6) حملا للمطلق على المقيّد.

و أمّا الزماني فلا يجوز فصله مطلقا أى سواء كان الفصل بالأكل و الشرب أم بكونه في بعض المدّة غير رويّ أم بالارتضاع من أخرى، كلّ ذلك التفاتا إلى أنّ المدّة لا تصدق إلّا


1- الوسائل 14: 282، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 1.
2- المسالك 7: 228.
3- نقله عنه العلامة في المختلف 7: 30، و لم نعثر عليه في المقنع. راجع: الوسائل 14: 286، باب 2: الحديث 15.
4- في «س»: و لا يستبعدون.
5- الوسائل 14: 282، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 1.
6- الوسائل 14: 284، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 6.

ص: 85

مع التوالي، بل الظاهر أنّ الأمر في الفصل برضاع غير المرضعة إجماع، و في الرّوضة:

«لا عبرة بتخلّل غير الرضاع من المأكول و المشروب» (1) و تبعه المجلسيّ (2) فلم يفصلا في الفصل بذلك بين الزماني و غيره، و فيما تقدّم عن مجمع الطبرسي إشعار بمثله (3)، و ليس يريدون أنّ الفصل بين الزماني على حدّ الفصل بين العددي، و إلّا لجاز أن يكون ارتضاعه أوّل اللّيل مرّة و آخر النّهار أخرى ناشرا للتحريم، و هو باطل إجماعا، بل ينبغي تفسير كلامهم بأنّ الفصل في الزماني بالمسمّى كلعقة من عسل أو دواء أو شربة من ماء لا يمنع من صدق المدّة عرفا.

و كيف كان فمنع الفصل مطلقا هو المعروف بين الأصحاب و الحجّة فيه إن صدق المدّة مع وجود الفاصل و إن قلّ مجاز، و الألفاظ تحمل على ما هي حقيقة فيه إلّا مع الصّارف، و إن شئت فاستوضح ذلك فيما سوى المدّة ممّا ضربه الشارع من التقديرات، كالكرّ و الصّاع، أو الآجال كالعدّة و سنّ البلوغ إلى غير ذلك ممّا لا يمكن حصره.

و أمّا فصل النشوى بالرّضاع من غير المرضعة فقد منعه في الروضة (4)، و هو ظاهر ما سبق من الطبرسي (5) و قد يفهم ممّا سبق عن ابن إدريس الجواز (6)، و هو الظاهر من


1- الروضة البهية 5: 164.
2- يقول المحقق المجلسي في الرسالة الرضاعية بالفارسية: 81 ما ترجمته: «السابع: يشترط ان يكون متواليا، بان لا يتخلل رضعة اخرى بين الليل و النهار أو بين عشرة رضعات أو خمس عشر رضعة و لا بأس بشرب الماء أو أكل الطعام بينها».
3- تقدم في ص 79.
4- الروضة البهية 5: 163- 164.
5- المتقدم في ص 79، و في المؤتلف من المختلف 2: 284.
6- السرائر 2: 520.

ص: 86

فخر المحقّقين قال: «و كلّ واحد من هذه سبب تامّ، فأيّها تحقّق لم يعتبر الآخر» (1)، بل ظاهر المسالك نسبه الجواز إلى الأكثرين حيث قال: «يظهر من المصنّف و الأكثر أنّ هذه الثلاثة أصول برأسها لا يتقيّد أحدها بالآخر بل أيّها حصل كفى في الحكم» (2) و في موضع آخر منها: «انفكاك النشويّ من الآخرين ظاهر لجواز حصوله بدونهما لكن الاطلاع عليه متعسّر و مختصّ بالواحد من أهل الخبرة، فالواحد.» (3) و في موضع آخر: «أنّ توالي الرضعات يعتبر في تقدير الزماني دون النشويّ» (4)، و الحجّة في الجواز إطلاق ما جاء في أنّ النشويّ محرّم و لا دليل على استثناء المنفصل منه و إنّما قام الدليل على منع الفصل في قسيميه فحسب.

و بالجملة فهنا مقدّمتان:

الأولى: أنّ كلّ محرّم نشويّ و الحجّة فيها ما سبق من التعليل و الحصر، و ليس تستثنى من هذه غير صورة واحدة، و قد تقدّمت.

و الثانية: أنّ كلّ نشويّ محرّم و الحجّة فيها جوابهم في مقام البيان و السؤال عمّا يحرم من الرضاع بأنّ المحرّم ما أنبت و شدّ و خروج النشوي المنفصل بالرضاع يحتاج إلى الدليل.

مضافا ذلك إلى نسبة الجواز في المسالك إلى الأكثر، فإنّ الشهرة إن لم تكن حجّة فعاضدة، و لذلك قطعنا في النظم على أنّه ليس في النشوي موالات قطّ، أى لا موالات يمنع فيها فصل الأكل و الشّرب و لا موالات يمنع فيها الفصل برضاع اخرى.

و الذي يترجّح الآن عندي هو المنع لتقييد ما ذكر من الإطلاق بموثّقة زياد، فإنّ


1- إيضاح الفوائد 3: 47.
2- المسالك 7: 223- 224.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.

ص: 87

مفهوم الوصف فيها يقتضي عدم التحريم بالعدد المنفصل برضاع، أعمّ من أن يكون مسبوقا بمنفصل آخر أم لا، و حينئذ فإن تحقّق بعد الفصل عدد آخر فيه النشر، و إن فصل العدد الثاني فكالأوّل، و الضابط انّ ما بعد الفاصل من كلّ عدد ابتداء لعدد آخر، نعم يتّجه التمسك بالإطلاق عند من لا يجعل مفهوم الوصف حجّة كالسيّد، أو من لا يرى التخصيص بمفهوم المخالفة نظرا إلى أنّ المفهوم أضعف دلالة و الخاصّ إنّما يقدّم لكونه أقوى.

و الحقّ كونه حجّة كما عليه الأكثرون، لانّ المفاهيم مدلولات حقيقيّة لهيأة الكلام الموضوعة بالوضع النوعي، كما حقّقناه في الأصول، و من ذلك يظهر فساد كونه أضعف، بل لو سلم الضعف لقلنا انّ العمل بالخاصّ من قبيل الجمع لا الترجيح، و أمّا الشهرة فليس في كلام الأكثرين ما يستظهر منه الجواز سوى عطفهم التقديرات الثلاث ب «أو» مع أنّهم قد شرطوا في الرضعات التوالي من دون فرق بين سبقها بمنفصل و عدمه، و الجمع بين الكلمتين بأحد وجهين: الأوّل ما تقدّم في بيان أنّ النشوي أصل، و الثاني أن يكون تثليث النصب لا لتجويز انفراد النشوي بعروض [من لزم] الفصل، بل لأنّ العلم بالنشو يحصل بقسيميه تارة و بغيرهما أخرى، و ذلك عند عدم انضباط المدّة و العدّة.

و قد نصّ جمع من المحقّقين على أنّ المرجع في معرفة النشو إلى أهل الخبرة، و أنّه يكفي في ذلك أخبار طبيبين عدلين على خلاف منهم في اشتراط التعدد و العدالة فيهما، غير أنّ العارف بالطبّ يعلم أن ليس عند الأطبّاء بشي ء من ذلك خبرة، و ربّما اقتضى بعض أصولهم حصول النشو بالرضعة الواحدة، و ليس ذلك مراد الشارع قطعا و إنّما أراد (1) نشو مخصوص، كما قد ظهر من بعض ما ذكرنا في هذه الرسالة من الفروع، و اللّه أعلم.

[كون نصاب الرضاع كاملا من امرأة واحدة]

و يفقد النشر نصاب اتّسق من مرضعات و ان الفحل اتّفق

إذا انتظم النصاب من نساء شتّى لم ينشر الحرمة سواء اتّفق الفحل أو اختلف، ما


1- في «م، س»: المراد.

ص: 88

لم يكمل من إحداهنّ نصابا و هو إجماع كما عن الخلاف (1) و الغنية (2) و التذكرة (3).

فلو انتظم للرضيع نصاب من لبنك لم تكن أبا أو من لبن أبيك لم تكن أخا أو لبن بنيك لم تكن جدّا أو لبن إخوتك لم تكن خالا و هكذا، و لو أكمل كلّ من الرضيعين من زينب و هند نصابا لم يحرم أحدهما على الآخر ما لم يكمل من إحداهما لكلّ نصاب، و قد صرّح بذلك في موثّقة زياد السابقة بقوله: «من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها و لو أنّ امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتها امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما» (4)، و من خرافات العامّة أنّ اللبن للفحل و الزوجات ظروف فلو تمّ منهنّ النصاب انتشر التحريم إليه دونهنّ. (5)

[أن تكون كل رضعة من كل من النصب الثلاثة كاملة]

و كلّ رضعة تراد كاملة في كلّ ما قد مرّ حتّى الفاصلة

لا أعلم خلافا بين الأصحاب في أنّه يشترط في كل رضعة من كل من النصب الثلاثة


1- الخلاف 5: 100، المسألة 7.
2- الغنية: 336.
3- التذكرة 2: 620- 621.
4- تهذيب الأحكام 7: 315، ح 12.
5- ففي مبسوط السرخسي 30: 287، و فتح الباري 9: 123- 124، و المجموع 18: 228، و المغني لابن قدامة 9: 193- 194، جعل التحريم بالنسبة إلى الفحل و المرأة المرضعة على السواء.

ص: 89

أن تكون كاملة، إلّا ما وقع للتقي المجلسي رحمه اللّه من تخصيص ذلك بالعدديّ (1)، و عندي أنّ هذا الشرط في التقدير الزماني أظهر من الآخرين، لأنّه متى ارتضع بعض الرضعة فان لم يمض زمان يعتدّ به بينه و بين البعض الآخر لم يقدح ذلك في كونها رضعة، و إلّا لم تصدق المدّة، لما مرّ من اعتبار كونه في جميعها رويّا و في صحيحة الفضيل السابقة: «ثمّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ و ينام». (2)

و قد عرفت أنّ روايات العشر إنّما هي في اليوم و الليلة و لا يقدح هنا كون النوم ليس بشرط إجماعا، لأنّ ذلك مبنيّ على ما هو الغالب من حال الأطفال، و ممّا يدلّ على اعتبار الكمال في العدّة و المدّة مضافا إلى الأصل ما رواه ابن أبي عمير في المرسل كالصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدّم هو الذي يرضع حتّى يتضلّع و يتملّى و ينتهي نفسه». (3)

و مضمرة ابن أبي يعفور: « [قال:] سألته عمّا يحرم من الرضاع. قال: إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه فإنّ ذلك الذي ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يحرم» (4)، مع انّ المنساق ممّا جاء في العشر و الخمس عشرة إنّما هو الكوامل، و إن شئت فاستوضح ذلك فيما إذا جعل للظئر على كلّ رضعة درهما مثلا، فإنّه لا يكتفي منها بدون الكاملة البتّة، و


1- و قال المجلسي الأوّل في «الرسالة الرضاعية» المخطوطة، ص 81: «يشترط في عدد الرضعات في كل رضعة ان يكون كاملة، بان تتحقق بمصّ الرضيع بدون أى دافع خارجي، فلو تحقق بواسطة خارجية، مثل ان يسمع الرضيع صوتا أو يشغله من يلعب معه، ففي هذه الصور لا يحاسب من العدد المقرّر، فأيّما نقص من العدد فلا يحسب من العدد. و اما بالنسبة إلى شدّ العظم و نبات اللحم بأي نحو يقع كاملا أو ناقصا، ينشر، كما ينشر في الرضاع الكامل خلال يوم و ليلة هكذا.».
2- الوسائل 14: 285، باب 2 من أبواب الرضاع، ح 11.
3- الوسائل 14: 290، باب 4 من أبواب الرضاع، ح 2.
4- الوسائل 14: 290، باب 4 من أبواب الرضاع، ح 1.

ص: 90

ليس لها أن تقول إنّما شرطت لك خمس رضعات مثلا و الخمس النواقص خمس، و كذا الحكم في النذر و العهد و اليمين و شبه ذلك.

و هل يعتبر في منع النشر بالرضعة الفاصلة كمالها أو يكفي الأقلّ منها وجهان: قطع العلّامة في القواعد بالأوّل و التذكرة (1) بالثاني، و قد تقدّم قوله عليه السّلام في الموثّق لم يفصل بينها رضعة امرأة أخرى فالبناء على الأوّل لما مرّ من التبادر و المحافظة على الاحتياط أولى.

ثمّ إنّ من الأصحاب من اعتبر في كماليّة الرضعة الرجوع إلى العرف كما في الشرائع (2) و القواعد (3) و غيرهما (4)، و منهم من قدّرها بان يروى الصبي و يصدر من قبل نفسه و كلا القولين للشيخ (5)، و منهم من جمع بينهما كما في التذكرة (6) و لعلّ السبب في ذلك عدم الاختلاف في المعنى كما نصّ عليه ابن الجنيد (7) و فخر المحققين (8) و المحقّق


1- أظنّ ان هذا سهو من قلم المصنف بل الموجود في القواعد و التذكرة هو عكس ما نسب إليها المصنف فيقول العلامة في القواعد، ص 10: «و لو لم يحصل التوالي لم ينشر. و لا يشترط عدم تخلل المأكول و المشروب بين الرضعات بل يشترط عدم تخلل الرضاع، و ان كان أقل من رضعة». و في التذكرة، ص 627: «قد بيننا أنه يشترط توالى الرضعات من المرضعة الواحدة لا بمعنى أنّه لا يفصل بينهما بشي ء البتّة، بل لا يفصل برضاع امرأة أخرى إرضاعا تامّا». و قد صرح بذلك في الحدائق 23: 358، و في الجواهر 29: 293.
2- شرائع الإسلام 2: 283.
3- قواعد الأحكام: 10.
4- التذكرة 2: 616.
5- المبسوط 5: 94، الخلاف 5: 100، المسألة 7.
6- التذكرة 2: 616.
7- نقل عنه العلامة في المختلف 7: 30.
8- إيضاح الفوائد 3: 47.

ص: 91

الثاني (1) و غيرهم.

و كيف كان: فان اتّحد التقديران و إلّا فالبناء على الثاني، لما رأيت من الأخبار (2) و اعلم: أنّ الرضعة إن امتصّها من الثدي ولاء فذاك و إلّا فإن لم يتخلل زمان يعتدّ به كلفظ الثدي لروعه أو تنفّس أو التفات إلى ملاعب أو انتقال إلى ثدي أخر لم يقدح ذلك في كونها رضعة، و عدّ العلّامة في التذكرة (3) و المحقّق الثاني (4) و الشهيد الثاني (5) و غيرهم ممّا لا يقدح ذلك في كونها رضعة النوم الخفيف.

و لو طال الزمان فهل يمكن كون الثانية متمّمة للأولى أم لا بدّ من كونها ابتداء لرضعة أخرى؟ الأقرب الثاني، و تردّد المحقّق الثاني (6) من انتفاء الوحدة عرفا و من أنّ الغرض حصول القدر الذي يساوي الرضعة الواحدة.

و اعلم: أنّ في اشتراط كمال الرضعات إيماء إلى أنّه يشترط وصول اللبن خالصا إلى المعدة، فلو ألقي في فيه مائع يمزج (7) باللبن حال ارتضاعه، فإن أخرجه عن مسمّى اللبن فواضح و إلّا اعتبر في الممازج عدم الإخلال بالارتواء بالرضعة نفسها، و لا عبرة بالممازج النزر (8) و لا ما يوجد في الفم من الرّيق و نحوه، و لو تقيّأ بعض الرضعة فالحكم فيه يعرف ممّا تقدّم.


1- جامع المقاصد 12: 220.
2- إشارة إلى الروايات عن ابن أبي عمير و الفضيل و ابن يعفور المتقدمة في صفحة 89.
3- التذكرة 2: 620.
4- جامع المقاصد 12: 219.
5- المسالك 7: 225 و 226.
6- جامع المقاصد 12: 219.
7- في «س»: يمتزج.
8- في «س»: الثدي. النزر: القليل. (قاموس اللغة 2: 146).

ص: 92

القول في نسب الرضاع

و لحمة الرضاع لحمة النسب فالظئر و الفحل إذن أمّ و أب

و ما لكلّ من أب و من ولد هذا بجنسه أخ و ذاك جدّ

و إخوة الاثنين بالمعنى الأعمّ خال و خالة و عمّه و عمّ

لا خلاف بين المسلمين في تحريم النكاح بالرضاع في الجملة، و ان اختلفوا في كمّيته و كيفيّته و الأصل فيه الكتاب و السنّة و الإجماع، قال اللّه تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ (1) و في تسميتها امّا و أختا تنبيه على تسمية صاحب اللبن أبا، لمكان التضايف و يطرد في الباقي، و قد روى العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الخاصّة عنه، و عن عترته عليهم السّلام بأسانيد فيها الصحيح و غيره أنّه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (2) و روى الفريقان أيضا عنه عليه السّلام: «أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب» (3) و أيّان احتججنا بالعموم في هذه الرسالة فالمراد ما ذكر هنا و شبهه.

فنقول: إنّ اللّه جلّ ذكره قد حرّم من النسب سبعا و من الرجال مثلهن:

الأولى: الامّ و إن علت فتندرج فيها الجدّات، و يحرم عليك في المرتبة الأولى امرأة واحدة، و في الثانية اثنتان، أمّ أبيك و أمّ أمّك، و في الثالثة أربع، لأنّ لكلّ من جدّيك و


1- النساء: 23.
2- الوسائل 14: 280- 282، مسند أحمد 1: 339، و ج 6: 102، صحيح مسلم 10: 22، كتاب الرضاع، صحيح البخاري، آخر مجلد 3، كتاب الشهادات، باب 7.
3- ليس ذلك برواية بل ذلك متأخذ من قول الفقهاء، راجع: الوسيلة، ص 302، جامع المقاصد 12: 243، الجواهر 29: 310. نعم ورد في كتاب العتق قوله (ص): «اللواء لحمة كلحمة النسب»، الوسائل 16: 47، باب 42، ح 602.

ص: 93

جدّتيك امّا، و في الرابعة ثمان، و في الخامسة ستّ عشرة، و الضابط أنّ كلّ لاحقه ضعف سابقتها، و يحرم على المرأة أبوها و إن علا بنحو ما سبق من التقريب.

الثانية: البنت و إن نزلت، فيحرم عليك ابنتك و أبنت ابنك و بنتك و لو بواسطة أو وسائط، و يحرم على المرأة ابنها و ابن بنتها و ابنها و لو بواسطة أو وسائط. و لما صرّح في النظم بانّ المرضعة أمّ و الفحل أب لم يحتج إلى ذكر البنت، لما بين الأبوّة و النبوّة من التضايف، فامّك من الرضاع مرضعتك و أبوك فحلها و من ولدها (1) أو ولده (2) و لو بواسطة أو وسائط أو أرضعها أو أرضع من ولدها أو ولده أو أرضع من أرضعها أو أرضعه و لو بواسطة أو وسائط فهو جدّا و جدّة، و كذا من أرضع أباك و أمّك أو من ولدهما أو ولد من ارضعهما نسبا أو رضاعا و لو بواسطة أو وسائط.

و جملة الأمر أنّه يحرم عليك صاحبا لبنك و لبن آبائك و آبائهما من الرضاع و النسب.

الثالثة: الأخت من الأبوين أو أحدهما غير أنّ الشارع قد نفى ان يكون في الرضاع إخوة من الأمّ فالأخت من الرضاع من أرضعت بلبن أبيك أو أمك أو الفحل أو ولدتها المرضعة أو الفحل نسبا، و الأخ بذلك القياس، و هذا ما أشير إليه في البيتين الأوّلين.

الرابعة: العمّة و هي أخت أبيك و إن علا سواء كانت من الأبوين أو أحدهما.

الخامسة: الخالة و هي أخت أمّك و إن علت سواء كانت من الأبوين أو أحدهما، و العمّ و الخال بذلك القياس، و لا اخوّة من الأمّ في الرضاع هنا أيضا، فأعمامك و أخوالك من الرضاع إخوة الفحل و المرضعة، و إخوة من ولدهما من النسب و الرضاع، و كذا كلّ امرأة أرضعتها واحدة من جدّاتك أو ارتضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب و الرضاع.


1- في «س، م»: ولدهما.
2- في «م»: أو أرضع من أرضعهما أو أرضعه.

ص: 94

و السادسة و السابعة: بنات الإخوة و الأخوات و إن نزلن و سيأتي ذكرهما إن شاء اللّه.

و مطلقا يحرم ولد المرتضع عليهما و غيرهم لا يمتنع

لا ريب في تحريم ولد المرتضع على المرضعة و الفحل، فان كانوا من الرضاع فيحرم على المرضعة نكاح من ولده المرتضع إذا ارتضع بلبنه من الذكور و على الفحل نكاح من ولد أو ارتضع بلبنه من الإناث، و أما سائر من ينتمي (1) إليه من النسب و الرضاع فلا يحرم منه شي ء عليهما، لما سيجي ء من وجوب مراعاة التطابق في النسبة و بطلان عموم المنزلة إلّا ما يستثني، و عن المبسوط: «أنّه يجوز للفحل أن يتزوّج بأمّ المرتضع و بنته و أخته و جدّته» (2). غير أنّ أكثر نسخ المبسوط و الكتب التي حكيت هذه العبارة فيها (3) خالية عن التعرّض لذكر البنت بل هو من الناسخ قطعا لأنّه لا تفصيل في العبارة بين كون البنت من رضاع أو نسب مع أنّ تحريم النسبيّة (4) من ضرورات الشريعة.

و الفرع يعطي حكم من شبّه به و الأمر في التفريع ليس يشتبه

يعنى أنّ فرع من لم يذكر فرعه و هم الإخوة و الأعمام و الأخوال و ولد المرتضع يعطي من الحلّ و الحرمة حكم من شبّه به من قرابة النسب، و نريد بالفرع من ولده أحد هذه الأصناف، أو ارتضع من لبنه أو ولده من ولدوه (5) و لو بواسطة، أو وسائط أو ارتضع من لبنه ففرغ الأخ أو الأخت من ولده، أو ارتضع بلبنه من ذكر و أنثى، أو ولده أحد بنيه أو بناته و لو بواسطة أو وسائط من النسب، أو الرضاع، و فروع البواقي بهذا القياس، و قانون التحريم أنّه لا يحلّ من أقارب النسب و الرضاع غير ولد الأعمام و الأخوال.


1- ففي «ر، س»: يبتني، و في «م»: ينتهي.
2- المبسوط 5: 292.
3- الحدائق 23: 394.
4- في: «خ، م»: النسبة.
5- في «س، م»: ولدوه.

ص: 95

كيفيّة اتّحاد الفحل

إن تمّ من لبان فحلين العدد لم ينشر التحريم ما بين أحد (1)

فإن أتمّ اثنان كلّ عددا أو عدة فالنشر حيث اتّحدا

ا لاتحاد الفحل طريقان:

الأوّل: اتحاده بين أجزاء النصاب و يدلّ عليه جلّ ما ذكر في إثبات الاتحاد من الروايات (2) و الإجماع عليه محصّل و منقول في التذكرة (3) و غيرها (4)، فلو تمّ من لبان فحلين نصاب لم يترتّب عليه أثر أصلا و يتصوّر ذلك في مثل (5) ما إذا استمرّ لبن زوجها السابق إلى انقضاء الحمل من اللاحق، فشرع الطفل في النصاب قبل الوضع و أكمله بعده، فلا ينشر ذلك تحريما بين الرضيع و صاحب اللبن و لا بينه و بين المرضعة، فأولى من ذلك أن لا ينشر فيمن ينتمي إلى الثلاثة كالولد و الإخوة و الأعمام و نحوهم البتّة.

و الثاني: اتحاده بين الرضيعين و لا ريب في وقوع النشر بين الرضيع و المرضعة و الفحل الذي ارتضع منه، و حينئذ فإن كان لبن الرضيعين فصاعدا لو أحد انتشر التحريم بينهما أيضا سواء اتحدت المرضعة أم تعدّدت، و إلّا لم يحرم التناكح بينهما، إذ لا اخوّة من الامّ


1- قوله ما بين أحد المتعلق محذوف للعلم به، اى بين أحد من شأنهم أن ينتشر التحريم بينهم لأنّ البينيّة لا تعقل إلّا في متعدد الاثرى إلى قوله: نعم لٰا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. (منه)
2- انظر: الوسائل 14: 293- 297، باب 6 من أبواب الرضاع.
3- التذكرة 2: 621.
4- المسالك 7: 237- 239.
5- قد ذكر في غير هذه الرسالة لما ذكر مثال بعيد الوقوع جدّا و ما ذكر هنا من التمثيل لم نجده لأحد قبله. (منه)

ص: 96

وحدها في الرضاع.

و اعلم: أنّ التعدّد إمّا في الرضيع أو في المرضعة أو في الفحل أو في الأوّلين أو في الأخيرين أو في الأول و الأخير أو في الجميع.

و لا إشكال في الصورة الأولى، و اما الثانية: فإن أكمل من واحد نصابا نشر في الأخرى كما سيأتي في أحكام المصاهرة، و الا فهو ما مرّ في قولنا: «و يفقد النشر نصاب.».

و أمّا الثالثة: فإن أكمل من كل نصاب فلا إشكال و إلّا فهي المسألة المبحوث عنها هنا بالبيت الأوّل.

و أمّا الرابعة: فإن أكمل كل من كل نصابا (1) حرم بعض على بعض و إلّا فالنشر في حق من أكمل، و مدرك هذه و الثانية واحد.

و أمّا الخامسة: فإن كان ثمّة مرضعتان أو أكثر لفحل واحد فهي الصورة الثانية، و الّا فإن كان لواحدة فحلان أو أكثر فهي الثالثة.

و اما السادسة: فإن كان ذكر و أنثى اجتمعا على رضاع من فحل واحد يحرم أحدهما على الآخر، فإن أرضعت اثنين فصاعدا بلبن فحل و آخرين فصاعدا من لبن آخر فصاعدا لم يحرم أحد الفريقين على الأخر و ان أرضعت ذكرا و أنثى من فحل و ذكرا و أنثى من آخر حرم كل من الأنثيين على من شاركها في الفحل و لم تحرم على الأخر.

و امّا السابعة: فالنشر فيها بين المرتضع و بين من أكمل النصاب من لبنه و من شاركه في فحله من المرتضعين، و حكم ذلك ظاهر مما تقدم، و في البيت الثاني إيماء إلى صور أربع:

الأولى و الرابعة و السادسة و السابعة.

فليرع أن تكون كلّ طبقة بنفسها في فحلها متّفقة


1- في «س»: فإذا أكمل من كلّ نصابا.

ص: 97

و ليس شرط النشر كون السابقة في الفحل متّحدة باللّاحقة

لا ريب في أنّ كلّا من الطبقات ممّا يجب أن يتحد الفحل فيها غير أنّ منها ما يعتبر الاتحاد فيه من وجه واحد كالآباء و الأجداد، إذ لا يعقل في تحريم المرضعة أكثر من أن ترضعه بلبن واحد، و كذا من أرضعتها أو أرضعت فحلها أو أحد آبائهما، و منها ما يعتبر فيه من وجهين كالأخوّة و الأعمام و الأخوال، فيشترط في تحريم أخت الفحل أو المرضعة مثلا على الرضيع إكمال كلّ من صاحب اللبن و الأخت نصابا و كون النصابين معا من فحل واحد، و لو كان كل منهما من فحل لم تكن عمّة للرضيع و لا خالة له، لما عرفت من أنّه لا اخوّة في الرضاع من الامّ فحسب، و كذا القول في البواقي.

و الضابط أنّه لا يحرم عليك ممن ينتسب إليك بواسطة إلّا من يحرم على الواسطة، فإذا أريد الحكم بالنشر بين شخصين فان كانا في طبقة واحدة كالمرتضعين من لبن واحد اشترط فيه ما سبق من الاتحاد بكلا (1) طريقيه، و أن اختلفت طبقتهما كعمّة الفحل أو أخته أو خالته بالنسبة إلى الرضيع كفى في ذلك كون كلّ من الطبقتين متحدة في فحلها، و يحصل ذلك بكون العمّة مثلا و أب الفحل قد ارتضعا من فحل واحد، و لا تحلّ العمّة للرضيع لكون فحل الثلاثة ليس واحدا.

فلا يحلّ للرضيع أمّها و أختها و خالها و عمّها

إلّا إذا كانوا لامّ لا لأب مع كونهم من الرضاع لا النسب

هذا تفريع على مجموع البيتين السابقين، و ذلك أنّا لمّا أسقطنا الاتحاد بين الطبقات صحّ تحريم أمّ المرضعة و جدّتها و أختها الرضاعيات و خالها و عمّها الرضاعيّين، و إذ شرطنا كون كلّ من الطبقات متحدة في فحلها صحّ أن يحلّ للرضيع أخت المرضعة من الرضاع و خالها و عمّها منه، إذا كانوا للامّ، و ذلك عند اختلاف الفحل من المرضعة و أختها


1- في «ر، س»: بكلّ.

ص: 98

و بين أمّها و خالها و بين أبيها و عمّها، و كذا القول في تحريم أخ المرضعة و خالتها و عمّتها و في تحريم إخوة الفحل و أخواله و أعمامه.

و بالجملة فالاتحاد إنّما يشترط في حصول البنوّة و الاخوّة، و قال في القواعد:

«لا تحرم أمّ المرضعة من الرضاع على المرتضع و لا أختها منه و لا عمّتها منه و لا خالتها. و ان حر من بالنسب لعدم اتحاد الفحل». (1)

و قال المحقق الثاني في الشرح: أطبق الأصحاب على أنّ حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين، إلّا إذا كان اللبن لفحل واحد. و قد حقّقنا هذا فيما تقدّم، و أوردنا النصّ الوارد بذلك، و حكينا خلاف الطبرسي.

فعلى هذا: لو كان لمن أرضعت صبيّا أمّ من الرضاع لم تحرم تلك الامّ على الصبيّ، لأنّ نسبتها اليه بالجدودة إنّما تتحصّل من رضاعه من مرضعته و رضاع مرضعته منها، و معلوم أنّ اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع و الأمّ المذكورة، لانتفاء الشرط، فينتفى التحريم.

و من هذا يعلم أنّ أختها من الرضاع و عمّتها منه و خالتها منه لا يحرمن و إن حرمن بالنسب، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل، و لو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاعة و لا أخوها منه و لا عمّها منه و لا خالها منه لمثل ما قلناه. (2)

هذا لفظه: «و قد رجعنا إلى ما نوّه بسبقه، و إذا هو قد ذكر عدم الخلاف في اشتراط التحريم بين رضيعين فصاعدا و إن ارتفاع اثنين من امرأة من فحلين لا يثمر أخوّة و لا تحريما» (3)، ثمّ استدلّ لذلك بموثّقة زياد بن سوقة المعروفة و موثقة عمّار الساباطي عن


1- قواعد الأحكام 2: 13.
2- جامع المقاصد 12: 257- 258.
3- جامع المقاصد 12: 223.

ص: 99

الصادق عليه السّلام: «في غلام رضع من امرأة أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاع؟ فقال: لا، فقد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة. قال:

فيتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ قال: [فقال:] لا بأس بذلك، إنّ أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس» (1) ثمّ حكى قول الطبرسي بالتحريم و قال: «إنّه نادر لمخالفة النّصوص». (2)

و كلامه هذا (3) كما تراه ليس فيه تعرّض إلّا للاتحاد بين متّحدي الطبقة (4) فيستتبع ذلك عدم تحريم من لم يكن متحد الفحل من غير طبقته كما مرّ، و من حكى خلاف الطبرسي منهم فإنّما حكاه في المرتضعين من ثدي أيضا، إذ لا تعرّض في عبارته الموهمة للخلاف لأكثر من ذلك.

و يشهد لما اخترناه مضافا إلى ما حكينا من إطلاق كلمة الأصحاب عموم ما جاء في الرضاع، و ليس في أخبار اتحاد الفحل ما يقتضي تخصيصه بل في كثير منها ما يصرّح بمطلوبنا، كموثقة عمار المذكورة و صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام فهل يجوز له (5) أن يتزوّج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس


1- الوسائل 14: 294، باب 6 من أبواب الرضاع، ح 2.
2- جامع المقاصد 12: 224.
3- في «س»: هنا.
4- أعنى المرتضعين من ثدي واحد و إلّا لكان استناده إلى موثقة عمار استدلالا على خلاف مطلوبه بل هذه طريقة الأصحاب كلهم، يتكلمون في اشتراط الاتحاد بين الرضعين المتحدي الطبقة (ر، س، م).
5- في المصدر: «أ يحلّ له».

ص: 100

بذلك» (1)، و صحيح أبي عبيدة عن الصادق عليه السّلام: «لا ينكح (2) المرأة على عمّتها و لا على خالتها و لا على أختها من الرضاعة» (3) و حسنة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام: « [قال:] لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها و لا خالها من الرضاعة» (4). و قال: «إنّ عليّا عليه السّلام ذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ابنه حمزة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [أو ما علمت؟] أنّها أبنت أخي من الرضاعة» (5) و هذه الأخبار كلّها قد رواها المحقّقون من الأصحاب و لم يتعرّضوا لمضمونها بقدح البتة، و يمكن أن يتعلّق لما في القواعد (6) و شرحها (7) بما روي بسند فيه جهالة (8) عن بسطام عن أبي الحسن عليه السّلام: « [قال:] لا يحرم من الرضاع إلّا البطن الذي ارتضع منه» (9) خرج أقارب صاحبي (10) اللبن من النسب بالإجماع فيبقى الباقي، و قد حمله الشيخ رحمه اللّه على التقيّة لأنّ في الفقهاء من يقول: أنّ التحريم لا يتعدّى المرتضعين، مع أنّه كما يمكن الخصم أن يخصّه بمن عدا المنتسبين بالنسب، فقد يمكننا أن نخصّه بمن عدا المتّفقين في


1- الكافي 5: 443، ح 11.
2- في المصدر: «لا تنكح».
3- الوسائل 14: 304، باب 13 من أبواب الرضاع، ح 1.
4- الوسائل 14: 300، باب 8 من أبواب الرضاع، ح 5.
5- الوسائل 14: 300، ح 6.
6- القواعد 2: 11.
7- جامع المقاصد 12: 224- 231.
8- من جهة عليّ بن عبد الملك بن بكّار الجرّاح.
9- التهذيب 7: 322، ح 34، الإستبصار 3: 202، ح 11، الوسائل 14: 297، ح 11، و ليس فيه: «البطن».
10- في «س»: صاحب.

ص: 101

الفحل و كيف كان فهذا الخبر أضعف جانبا من أن يقوم لمعارضة ما ادلينا (1) به من الحجّة و بعد ذلك كلّه فما في الاحتياط من بأس.

و ليس ما بين الرضاع و النسب في نشره اتحاد فحل يطّلب

أجمع الأصحاب على عدم اشتراط الاتحاد بين النسب و الرضاع، فتحرم أمّ المرضعة نسبا على الرضيع و كذا أختها و خالتها و عمّتها إذا كنّ من النسب، بلا خلاف هنا من العلّامة (2) و لا من غيره، اتحد الفحل أو تعدّد، و نريد بالاتحاد هنا كون الأخت مثلا لأبوي المرضعة و الخالة لأبوي أمّها، و بالاختلاف كونهما للأمّ، و على هذا القياس، و عليه فيحرم على الرضيع ولد المرضعة نسبا و إن كانوا من فحل آخر غير فحل الرضاع، سواء تقدّمت ولادتهنّ على الرضاع أم تأخّرت و الحجة في ذلك العموم، لأنّا إنّما اشترطنا الاتحاد بين الرضاعين لوجود المخصّص و هو فيما نحن فيه مفقود.

و في الموثّق عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رضع الرجل من لبن امرأته حرم عليه كلّ شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، و إذا أرضع (3) من لبن الرجل حرم عليه كلّ شي ء من ولده و إن كان من غير المرأة التي أرضعته» (4).


1- في «ر»: اولينا.
2- التذكرة: 618.
3- في التهذيب: «رضع».
4- التهذيب 7: 321، ح 33.

ص: 102

القول في ردّ عموم المنزلة

اعلم أنّ التحريم عندنا بالرضاع لا يعدوا أمرين، الأوّل: تحريم من ينتسب إلى المرضعة و الفحل من نسب أو مصاهرة أو رضاع على الرضيع إلا مع اختلاف الفحل، و الثاني: تحريم ولد الرضيع رضاعا و نسبا و أزواجهم و أزواجه على الفحل و المرضعة، و ما خرج عن ذلك فهو عموم المنزلة، و لسنا نستثني منها غير تحريم ولد المرضعة و الفحل على أب المرتضع كما سيجي ء إن شاء اللّه، فالضابط في عموم المنزلة أن تعمد إلى ذلك الخارج، فتحرم ممّن ينتسب إلى الرضيع و أبويه على الفحل و المرضعة و ممّن ينتسب إليهما على أبوي المرتضع من يسعك تحريمه.

و قد نقل المحقق الثاني العمل على عموم المنزلة عن بعض طلبة عصره و أنّهم كانوا يسندون القول بها إلى الشهيد رحمه اللّه ثمّ بالغ في تكذيب ذلك، و حكى الإجماع على بطلان عموم المنزلة مرّة بعد أخرى. (1)

و راع ما بين الرضاع و النسب عند القياس إن تطابق النسب

هذا (2) قانون كلي يظهر منه الفرق بين من نحكم بتحريمه نحن و بين من يقول بتحريمه المثبتون لعموم المنزلة و يبيّن فيه السرّ في الإعراض عن عموم المنزلة و الحكم ببطلانها، و توضيح هذا القانون أنّه لا يحرم من السبب أعني الرضاع إلّا من كانت نسبته مطابقة لنسبة النسب، و المراد من النسبة العلاقة الحادثة عن النسب و الرضاع، و من التطابق كون العلاقة


1- رسائل المحقق الكركي 1: 213.
2- في «خ، م»: هنا.

ص: 103

الحادثة بالسبب مساوية (1) لعلاقة ما يقاس به من النسب بحيث لا يفرق بين النسبتين أمر غير المجازية و الإضافة.

و حينئذ فمتى أردت الحكم بالنشر قسمت نسبتها (2) السبب إلى النسب، فان تساويتا فالحاصل رضاع محرّم مثل الأبوّة و الأمومة في الفحل و المرضعة و الخئولة (3) و العمومة في إخوتهما، فالابوّة مثلا في الرضاع و النسب مع قطع النظر عن التجوّز أمر واحد، و إنّما صارت بعد قولنا أبوّة رضاع و أبوّة نسب أمرين، نظير الإنسانيتين القائمتين بزيد و عمرو، بخلاف الحيوانية القائمة بزيد و الحمار مثلا، فإنّها في الثاني غير الأولى لوضوح الفرق بين الأعمّ و الأخصّ، و إن تساويا (4) فليس الحاصل برضاع محرّم و عموم المنزلة مما فقد فيه التساوي في جميع صوره لصدق العموم مطلقا كما ستعرف إن شاء اللّه.

فحيثما العموم مطلقا صدق ما بين نسبتين فالحلّ أحقّ

إذا علّق الشارع بموضوع حكما تكليفيا أو وضعيا لم يلتفت فيه إلى غير الذات ممّا يلزمها و إن كان مساويا إلّا أن ينصّ الشارع على العلّة أو تعلم من الخارج، فتحريم التمساح لكونه تمساحا لا أنّه يحرّك فكّه الأعلى، و إن كان له خاصّة، فلو خلق اللّه ألف حيوان لهم تلك الخاصّة كانوا على أصل الحلّ و الإباحة.

و جعل الزوال سببا للصلاة لكونه زوالا لا كونه قبل الغروب بخمس ساعات مثلا في الجدي و بسبع في السرطان، فتوجب تقديمها في الجدي أو تأخيرها في السرطان، و حينئذ فنقول:


1- مساويا.
2- في «م، س»: نسبة.
3- الخؤلة.
4- في «س، م»: لم يتساويا.

ص: 104

أنّ الشرع قد حرّم من النسب سبعا و من السبب أربعا، و المحرّم في السّبع هو الأمومة و الأختية و البنتية و كون المرأة عمّة أو خالة أو بنت أخ أو أخت، و في الأربع كونها منكوحة لأبيك أو ولدك بالعقد و كونها أمّ من عقدت عليها أو بنت من دخلت بأمّها، و ليس في عموم المنزلة نسبة رضاع إلّا و هي مغايرة لهذه النسب الإحدى عشر، إذ غاية الأمر أن تكون أمّ أخيك مثلا في الرضاع إمّا أمّا أو زوجة أب في النسب و أمّ ابن أختك فيه أختا، و أمّ نافلتك إمّا بنتا أو زوجة ابن، و جدّه ولدك إمّا أمّا أو أمّ زوجة (1)، و أخته إمّا بنتا أو ربيبة و هكذا، و نسبة النسب في جميع ما ذكر أعمّ لانفراد الامّ و زوجة الأب فيما لو لم يكن لأبيك ولد غيرك و الأخت و البنت و زوجة الابن و أمّ الزوجة فيما إذا لم يكن لهنّ ولد أصلا و البنت و الربيبة فيما إذا لم يكن لك ولد، و بعد تحقّق العموم و الخصوص لا يندرج أمّ أخيك و أشباهها (2) فيما يحرم من الرضاع، لعدم الاندراج فيما يحرم من النسب.

و بالجملة فالتحريم قد تعلّق بالأمّ و الأخت مثلا للامومة و الأختية لا للنسبة التي هي أخصّ من كونهما أمّي أخ و ابن أخت، و لو كنّا ممّن يعمل بالقياس فأردنا قياس أمّ الأخ مثلا في التحريم على الامّ و زوجة الأب لم يستقم ذلك، لأنّ القياس شرطه وجود الجامع، و هو أن يوجد في المقيس العلّة المظنون كونها في المقيس عليه سببا في الحكم.

و ليس العلّة في تحريم أمّك كونها إمّا لأخيك و لا جدّة لولدك، و لا في تحريم ابنتك كونها أمّ نافلتك، بل ليس كونها أمّ نافلتك إلّا مثل كونها زوجة لصهرك، و أبنت عمّ لابن أخيك، و إن كان ذان علّة في التحريم، فكونها أمّ نافلة علّة أيضا، و من ثمّة جاز لك أن تنكح في أخوات أخيك و خالك و عمّك مع اختلاف الأب، فقد بان أنّ عموم المنزلة بكونه جزافا أحقّ من أن يكون فقها.


1- في «س»: زوجته.
2- في «م»: أشباههما.

ص: 105

و لترضعن فالنصّ (1) ليس شاملة أولاد أخت الزّوج أو نوافله

هذه صور من عموم المنزلة قد أوردت مع التنبيه على عدم شمول النصّ لها، إذ ليست مندرجة في العموم، و لا فيها خبر بالخصوص كما ستعرفه إن شاء اللّه.

و في ذلك إيماء إلى أنّ هذه الصور إذا لم تكن مندرجة في النصّ رجعنا فيها إلى ما تقضيه الأصول من الإباحة، و هي البراءة الأصليّة و استصحاب حال الحلّ و حال الإجماع، فإن سبق النكاح الرضاع أضفنا إلى ذلك استصحاب حقوق الزوجية من الطرفين و عمومات الكتاب مثل فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ (2) و وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ (3) و أصرح منهما قوله جلّ ذكره بعد عدّ المحرّمات وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ (4) فمن ادّعى التخصيص فعليه الدليل، و هي اثنى عشر صورة:

الصورة الأولى: لو أرضعت ولد أخ للزوج فلا إشكال، لأنّها حينئذ زوجة أخ، و لو أرضعت ولد أخت له صارت أمّ ولد أخته و هي أخته و صارت أمّ المرتضع عمّة له، فتحرم على زوجها لأنّها عمّة ولده.

الثانية: لو أرضعت نوافل الزوج أى ولد ولده، فان كان النافلة ولد ابنه صارت أمّ ولد ابنه و هي بمنزلة زوجة ابن الزوج، و صارت زوجة الابن بمنزلة أمّ أخيه، و هي إمّا امّه أو زوجة أبيه، و إن كان ولد بنته صارت المرضعة أمّ ابن بنت، و هي بنت و صارت أمّ الطفل أمّ ولد أمّ الزوجة، و هي أمّ زوجة و هيهنا تحرم أمّ الطفل، لا لما ذكر، بل لأنّها من ولد


1- في «م»: لنصّ.
2- النساء: 3.
3- النور: 32.
4- النساء: 24.

ص: 106

المرضعة و الفحل و إنّما لم ينبّه على ذلك في النظم اعتمادا على التصريح (1) به بعد ذلك.

و لو كان لإحدى زوجتيه بنت و للبنت ولد، فأرضعته الزوجة الأخرى حرم الزوجتان، أمّا أمّ البنت فلكونها جدّة من صار ولده، و جدّة الولد إمّا أمّ أو زوجة أب، و أمّا الأخرى فلصيرورتها أمّ نافلة زوجته فتكون كبنت زوجة، و قد تستفاد هذه من سابقتها، لأنّه إن جاز إرضاعها نافلة الزوج فلأن يجوز إرضاعها نافلة زوجته أولى.

و الجواب: أمّا عن الصورة الأولى (2): فبأن كلّا من أمّ ولد الأخت و من عمة الولد أخص من الأخت و كذا الأمّ أعمّ من أمّ ولد الامّ، و كذا جدّة الولد أخصّ من الامّ و زوجة الأب، و أمّ نافلة الزوجة أخصّ من بنتها، لجواز أن لا يكون لكلّ من الأخت و العمّة و الامّ و زوجة الأب و بنت الزوجة ولد أصلا، و مع صدق العموم لا يحصل ما اشترطناه من حصول التطابق بين النسب، فلا تحريم البتّة.

و ولد من لها من الأرحام إخوة (3) أو أخوال أو أعمام

الصورة الثالثة: لو أرضعت ولد أخيها صار كلّ منها و من أمّ الطفل أختا لزوجها، أمّا الأولى فلصيرورتها عمّة و أمّا الثانية فلكونها أمّ ابن أخته.

و الجواب: ما تقدّم.

الرابعة: لو أرضعت ولد أختها صار كلّ من المرضعة و أمّ الرضيع بمنزلة أخت الزوجة فينفسخ نكاحهما، و لا يجوز التجديد إلّا بعد موت إحداهما، و عليه فلو ارتضع ولد


1- و التصريح في قوله: «و خطر ولد الظئر و الفحل على أب الرضيع عن نصوص انجلا» (في صفحة 110)، لأن هذا البيت بمنزلة جواب سؤال مقدر فافهم. (منه)
2- و هذا جواب عن الثانية أيضا.
3- يجب ان يقرأ اخوة أو في عجز البيت بنقل حركة الهمزة من أو الى التنوين ليستقيم الوزن و هو أمر جائز عند القراء و منه في ألفية ابن مالك كثير و مثله أخوال، أو فإنّه كذلك يقرأ أيضا. (منه)

ص: 107

من له أربع نسوة من خامسة صارت بمنزلة الزوجة، و ليس هذا مثل العقد على الخامسة ليقع باطلا، لأنّه نكاح قهريّ يلزمه به القائلون بعموم المنزلة.

و لكن لا ندري أ يعينون حينئذ أمّ الرضيع للفسخ أم ينفسخ واحدة لا على التعيين أم يكون الأمر فيهنّ بمنزلة ما لو عقد على خمس دفعة، بل لو أرضع له أربع لزم أن يفارق من في حبالته من النساء أجمع، بل يلزم حينئذ أن لا يتزوّج إلى أن تموت المرضعات، كلّما ماتت واحدة حلّت واحدة.

و يمكن الجواب: بأنّ الجمع بين الأختين حرام مطلقا، و الزيادة عن الأربع الدائمات إنّما يحرم بالعقد الدائم، و كيف كان فالجواب عن هذه الصورة: أنّ أمّ ابن أخت زوجتك أخصّ من أخت زوجتك، على أنّ الجمع بين الأختين إنّما يحرم بالعقد أو الوطئ في الملك، و لا شي ء منهما بمتحقّق هنا بل المتحقّق هنا إنّما هو من المصاهرة الناشئة بالرضاع، و لا عبرة بها كما ستعرف إن شاء اللّه.

الخامسة: لو أرضعت هي ولد خالها أو أرضعته زوجة أخرى لبعلها حرمت هي على الزوج لأنّه صار أبا للرضيع فصار خالا لها.

و الجواب: أنّ الخال أعمّ من أبي ابن الخال.

السادسة: لو أرضعت ولد عمّها أو أرضعته زوجة أخرى لبعلها حرمت بنحو ما مرّ في ابن الخال.

السابعة: لو أرضعت ولد عمّتها أو خالتها صار الزوج أباه، و صار بمنزلة زوج العمّة أو الخالة، فلا يحلّ لها إلّا بإذنهما، نظير ما سيجي ء في إرضاع جدّة إحدى الزوجتين الأخرى.

و الجواب: أنّ أبوي ابني العمّ و الخال أخصّ من العمّ و الخال، على أنّه من المصاهرة الناشئة بالرضاع، كما تقدّم في الرابعة.

و إخوة و خالة و عمّة لفحلها و خالة و عمّة

ص: 108

الصورة الثامنة: لو أرضعت أخ الزوج أو أخته، فان لم يكن من لبن الزوج حرمت وحدها، لصيرورتها إمّا لأخيه أو أخته و هي إمّا أمّ أو زوجة أب، و إن كان من لبن الزوج حرمت أمّ الزوج على أبيه أيضا لأنّها صارت أمّ ولد ابنه و هي زوجة ابن.

و الجواب: أنّ أمّ الأخ و الأخت أخصّ من الامّ و زوجة الأب، و كذا أمّ ولد الابن أخصّ من زوجة الابن.

التاسعة: لو أرضعت خالة الزوج أو عمّته أو خاله أو عمّه صارت امّا لهم، و هي إمّا جدّة أو زوجة جدّ.

و الجواب: أنّ أمّهم أخصّ من الجدّة و زوجة الجدّ.

و مثلهم من قومها بدون أن تحرم أمّ الطفل أو ذات اللبن

الصورة العاشرة: لو أرضعت أخاها أو أختها حرمت هي على زوجها لصيرورة المرتضع ولدا له، و أخت ولده إمّا بنته أو ربيبة، و حرمت أمّ الطفل أيضا لصيرورتها أمّ نافلة لزوجها، و هي إمّا بنت أو زوجة ابن، بل تصير المرضعة بمنزلة الزوجة لأبي الطفل، فتكون امّه حينئذ بمنزلة أمّ الزوجة لأبيه فتحرم من جهة أخرى أيضا.

و الجواب: أنّ كلّا من البنت و الربيبة و أمّ النافلة أعمّ، و كذا أمّ الزوجة، على أنّ صيرورتها بمنزلة الزوجة (1) من قسم المصاهرة التي لا اعتداد بها.

الحادية عشرة: لو أرضعت خالتها أو خالها صارا ولدين للزوج، و المفروض أنّها أبنت أخت المرتضع، فتحرم، لأنّ أبنت أخت ولدك إمّا نافلتك أو نافلة زوجتك، و طريق آخر و هو أنّ الزوج قد صار أبا لخالها أو خالتها، و هو إمّا جدّ أمّي أو زوج أمّ الأمّ.

و الجواب: أنّ كلّا من النافلة و الجدّ و زوجته أعمّ.


1- لأبي الطفل فتكون امّه حينئذ بمنزلة أم الزوجة لأبيه فيحرم من جهة أخرى أيضا و الجواب انّ كلّا من البنت و الربيبة و أم النافلة أعم و كذا أم الزوجة على انّ صيرورتها بمنزلة الزوجة (ر).

ص: 109

الثانية عشرة: لو أرضعت عمّها أو عمّتها فهي صارت أبنت أخ أو أخت لمن صار ولده، بل صار هو أبا لأخيها أو أختها و أبوها إمّا أب أو زوج أمّ.

و الجواب: ما تقدّم، و قوله: «بدون أن» (1) متعلّق بقوله: «و لترضعنّ» (2) و المراد أنّ المرأة لها أن ترضع من ذكر في الأبيات الأربعة من دون أن تحرم هي و لا أمّ الطفل.


1- في ص 108 في ضمن الشعر.
2- في ص 105.

ص: 110

القول في ما خرج عن عموم المنزلة بالدليل

و خطر ولد الظئر و الفحل على أب الرضيع عن نصوص انجلى

اختلف الأصحاب من عموم المنزلة في مسائل، و المشهور أيّها غير معتبرة إلّا في صورة واحدة، و هي أنّ أبا المرتضع لا ينكح في أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و في أولاد المرضعة ولادة لا رضاعا، و هو للشيخ في الخلاف (1) و ابن حمزة (2) و ابن إدريس (3) و المحقّق (4) و العلّامة في أكثر كتبه (5) و الشهيدين (6) و المحقّق الثاني (7) و فخر المحقّقين (8) و غيرهم (9)، و ربّما حكي عن المبسوط عدم التحريم، غير أنّ الثابت فيه ليس أكثر من أنّه بعد أن حكم بحلّ أمّ المرضعة لأبي الولد قال:

«و روى أصحابنا أنّ جميع أولاد هذه المرضعة و أولاد الفحل يحرمون على هذا المرتضع و على أبيه و جميع أخوته و أخواته، لأنّهم صاروا بمنزلة الإخوة و


1- الخلاف 5: 93، المسألة (1)، كتاب الرضاع.
2- الوسيلة: 301- 302.
3- السرائر 2: 553- 554.
4- الشرائع 2: 285.
5- التذكرة 2: 622، المختلف 7: 40، المسألة 7، إرشاد الأذهان 2: 20.
6- الروضة البهية 5: 168- 169.
7- جامع المقاصد 12: 229- 231.
8- إيضاح الفوائد 3: 50.
9- جامع المقاصد 12: 229، التنقيح الرائع 3: 51- 52.

ص: 111

الأخوات». (1) و عن المهذّب لابن البرّاج يتزوّج الرجل بابنة المرأة التي أرضعت ولده و كذا بناتها أيضا (2)، و لم يتعرّض لأولاد الفحل.

لنا صحيحة عليّ بن مهزيار: « [قال:] سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن امرأة أرضعت لي صبيّا فهل يحلّ لي أن أتزوّج بنت زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت من هيهنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره. فقلت له: إنّ الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت لي، هي بنت زوجها. فقال: لو كنّ عشرا متفرّقات ما حلّ لك شي ء منهنّ و هنّ (3) في موضع بناتك» (4) و صحيحة عبد اللّه بن جعفر: « [قال:] كتبت إلى أبي محمد عليهما السّلام امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنته هذه المرأة أم لا؟ فوقّع: لا يحلّ له (5)». (6)

و صحيحة أيّوب بن نوح: « [قال:] كتب عليّ بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السّلام امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السّلام:


1- المبسوط 5: 292.
2- المهذب 2: 191.
3- «هي ابنة غيرها. فقال: لو كنّ عشرا متفرقات ما حل لك منهن شي ء و كنّ.». (التهذيب و الاستبصار).
4- تهذيب الأحكام 7: 320، ح 28، الاستبصار 3: 199، ح 5.
5- «ان يتزوج ابنه هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع: لا تحلّ له». (الكافي، الوسائل، الفقيه).
6- الكافي 5: 447، الوسائل 14: 307، ح 2، الفقيه 3: 476، ح 4669.

ص: 112

و أقصى ما يتعلّق به لعدم التحريم (1) أنّه إنّما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و أخوات الولد لا ينحصر تحريمهنّ على أبيه في النسب، بل قد يكون بالمصاهرة و هو كما ترى.

فمطلقا في ولده تحقّقا و نسبا في ولدها لا مطلقا

يريد أنّ حظر ولد الفحل على أب الرضيع يتحقّق (2) مطلقا، أي من نسب كانوا أو من رضاع، و أمّا في ولد المرضعة فلا يتحقّق مطلقا بل فيمن ينتمي إليها من النسب لا الرضاع إجماعا، و الفرق أنّ أولاد المرضعة من الرضاع لا يحرمون على المرتضع، فلأن لا يحرمون على أبيه أولى، و من فروع حظر ولد الفحل و المرضعة ما لو أرضعت أمّ زوجته أو أمته و لو بلبن غير أبيها أو زوجة أبيها بلبنه ولد الزوج منهما أو من غيرهما حرمتا، لصيرورتهما من ولد صاحب اللبن أو صاحبته و هو واضح.

و منع إخوة الرضيع من مضى بردّ إلّا لرضاع اقتضى (3)

و ابذل الفحل أمّ أمّ المرتضع (4) و لأبيه أمّ من منها رضع

يريد أنّه لا يحرم على إخوة الرضيع الذين لم يشاركوه في الرضاع من مضى في البيتين السابقين، و هم الفحل و المرضعة و ولدهما، و إنّ جدّه المرتضع من رضاع أو نسب تبذل للفحل، فإن شاء نكحها، و كذا يبذل لأبي المرتضع أمّ المرضعة، و الغرض الردّ على من استثنى من عموم المنزلة شيئا زائدا على ما استثنياه.

فهنا مسائل ثلاث:

الأولى: قد عرفت تحريم أولاد المرضعة و الفحل على أب المرتضع، و نظيره تحريم


1- بعدم التحريم.
2- في «خ، ر»: لا يتحقق.
3- في «س»: يردّ الّا لرضيع، و في «م، ر» يردّ الّا لرضاع.
4- و أبدل الفحل أمّ المرتضع. (س)

ص: 113

الأولى: قد عرفت تحريم أولاد المرضعة و الفحل على أب المرتضع، و نظيره تحريم أولاده عليهما، لأنّهما قد صارا أبوين للمرتضع، فهما كالأبوين لإخوته أيضا، و هذا القول قد حكاه المحقق الثاني (1) غير مصرّح بقائله، و الظاهر أنّه لابن حمزة (2)، و الصحيح الحلّ تمسّكا بالأصل.

الثانية: اختلف الأصحاب في أنّه هل يجوز لإخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة و الفحل ولادة و رضاعا أم لا؟ قولان:

ذهب ابن إدريس (3) و ابن البرّاج (4) و أبو الصلاح (5) و الفاضلان (6) و الشهيدان (7) و المحقّق الثاني (8) و أكثر الأصحاب إلى الأوّل، و ذهب الشيخ في الخلاف (9) و النهاية (10) و المبسوط (11) و ابن حمزة (12) الى الثاني، بشرط أن يتّحد الفحل، و توقف العلّامة في المختلف (13).


1- جامع المقاصد 12: 243.
2- الوسيلة: 301- 302.
3- السرائر 2: 557.
4- المهذب 2: 190- 191.
5- الكافي في الفقه: 286.
6- الشرائع 2: 285، قواعد الأحكام 2: 11، إرشاد الأذهان 2: 520.
7- الروضة البهية 5: 171.
8- جامع المقاصد 12: 231.
9- الخلاف 5: 43، كتاب الرضاع، المسألة 1.
10- النهاية: 462.
11- المبسوط: 292.
12- الوسيلة: 302.
13- مختلف الشيعة 7: 43.

ص: 114

و أقصى دليل التحريم ما في صحيحتي عبد اللّه و أيّوب المتقدمتين (1) من التعليل بأنّ بنات الفحل و المرضعة بمنزلة الولد لأب الرضيع، فيكنّ بمنزلة الإخوان (2) لولده، و لأنّ أخت الأخ من النسب حرام فمن الرضاع كذلك.

و الجواب: عن الأوّل بأنّ منصوص العلّة إنّما يعدّى حكمه إلى ما ثبتت فيه بعينها، و الثابت هنا ليس كونهنّ بمنزلة الولد، بل مشابه ذلك و بعبارة أخرى و هي أنّ العلّة المنصوصة بمنزلة الكلّي للمقيسين، كالإسكار الشامل لوصفي الخمر و الفقّاع مثلا، و لذلك كانت حجّة، و الاخوّة لأولاد أبي المرتضع ليست فردا من البنوّة لأبيه.

فإن قيل: أنّ ما ذكرتموه إنّما يجرى في مثل الخمر و الفقّاع، و أمّا فيما ذكر من الاخوّة و البنوّة فلا، لأنّ التلازم بينهما يمنع من ثبوت أحدهما بدون الأخر.

قلنا: التلازم ممنوع إمّا ذهنا فلإمكان تعقّل أحدهما بدون الآخر بخلاف قبول العلم للإنسان و العمى للبصر، و إمّا خارجا فلأنّه لو وطأ المشتبهة عالما فأولدها اثنين ثبتت الاخوّة دون الأبوّة البتّة، على أنّ العلّة المنصوصة هنا كونهم بمنزلة الولد، و لو ثبت التلازم بين البنوّة و الاخوّة أنفسها لم يقتض ذلك التلازم بين تنزيلهم منزلة الولد و التنزيل منزلة الأخوّة، فإنّ بنات الزوجة بمنزلة الولد و لا يحرمون على ولده إجماعا.

و من هنا يظهر الجواب عن الثاني فإنّ أخت الأخ قد تكون بنت زوجة للأب فتحلّ.

و كانّ عموم المنزلة مبنيّ على ما ذكره المعترض من التلازم و حينئذ فمعناها الّا تقتصر (3) على تنزيل ولد الفحل و المرضعة منزلة الولد لأبي المرتضع، بل تجعل (4)


1- في ص 111.
2- في «م»: الأخوات.
3- ان لا يقتصر عليها (م).
4- نجعل (م).

ص: 115

التنزيل عامّا في جميع الصور، فتجعل (1) عمّة الرضيع بمنزلة أخت الفحل، و خالته بمنزلة أخت زوجته، و بنت أخيه أو أخته بمنزلة نافلته أو نافلة زوجته، و كذا مقابل ذلك بالنسبة إلى المرضعة، فأخ الرضيع للمرضعة بمنزلة ابن أو ابن بعل و هكذا، و قد عرفت فساد التلازم.

الثالثة: لا ريب في عدم تحريم المرضعة على أبي الرضيع، لأنّ أمّ الولد إذا حلّت من النسب فمن الرضاع أولى، و ذهب الشيخ في المبسوط (2) و ابن حمزة (3) و ابن البرّاج (4) و العلّامة في التحرير (5) و القواعد (6) و التلخيص (7) و ظاهر الإرشاد (8) إلى عدم تحريم جدّات المرتضع نسبا و رضاعا على الفحل و هو المعتمد.

و ذهب في الخلاف إلى التحريم (9) و اختاره في السرائر (10) و المختلف (11)، و نظير ذلك ما حكاه المحقّق الثاني من الخلاف في تحريم أمّ المرضعة على أبي المرتضع. (12)


1- فنجعل (م- س).
2- المبسوط 5: 292.
3- الوسيلة: 302.
4- ما وجدت في «المهذب».
5- تحرير الأحكام 2: 10.
6- قواعد الأحكام 2: 12.
7- للعلّامة الحلّي (مخطوط).
8- إرشاد الأذهان 2: 20.
9- الخلاف 4: 302، كتاب النكاح، المسألة 73.
10- السرائر 2: 555.
11- مختلف الشيعة 7: 41.
12- جامع المقاصد 12: 243.

ص: 116

و المستند في المسألتين أنّ جدّه الولد إمّا أمّك و إمّا أمّ زوجتك فتحرمان. (1)

و الجواب إمّا عند من لا يرى النشر بوطء الشبهة فمنع الحصر لجواز أن تكون أمّ الولد موطوئة بالشبهة، فلا تحرم أمّها مع أنّها جدّة ولد، و أمّا عند من يرى النشر به كما هو الأصحّ فلأنّ الجدّة أخصّ من الامّ و أمّ الزوجة، كما تقدّم.

و ليس قطّ في تناكح صدر ما بين إخوة الرضيعين نظر

لا ريب في أنّ الأجنبيّين إذا ارتضعا من لبن واحد لم ينشر ذلك التحريم بين إخوة أحدهما و إخوة الآخر، إذ لا نسب بين الإخوتين و لا رضاع، و كونهم إخوة لأخيهم لا يقدح في الحلّ كما عرفت.

نعم، لو كان بعض الإخوة شريكا في الارتضاع و اتّحد الفحل حرم على شريك أخيه، لا لأنّه شريك أخيه بل لأنّه شريك له نفسه، و أمّا على الباقين الذين لم يشاركوا فيبني على الخلاف السابق، و إنّما لم ينبّه على ذلك في النظم لأنّ المنساق من إخوة الرضيعين من لم يشاركوا و المشارك أحد الرضع و هو واضح إن شاء اللّه.


1- في «ر»: فتحرم.

ص: 117

أحكام المصاهرة في الرضاع

و نقلوا عن جملة الأصحاب تسوية الأسباب بالأنساب

في علقة حفّت بها المصاهرة لا شبهة عن الرضاع صادرة

قد تقدّم (1) أنّ الرضاع المحرّم ممّا يشترط فيه تطابق النسب عند القياس، و عليه فإن كانت مصاهرة الرضاع حادثة عن النكاح، فلا ريب في انتشار الحرمة بها، و الذي يظهر من جماعة (2) أنّه مذهب الأصحاب كافّة، و قد صرّح المحقّق الثاني بأنّه لا خلاف فيه (3)، و الحجّة في النشر بها اندراجها فيما يحرم من النسب، لأنّ تحريم زوجة كلّ من الفحل و الطفل مثلا على الآخر إنّما هو بما بينهما من علاقة الأبوّة و البنوّة، لا بما بينه و بين زوجته من علاقة الزوجية، و تحريم زوجة كلّ من الأب و الابن على الآخر اتّفاق بين المسلمين، و كذا تحريم أمّ زوجتك و أختها الرضاعيتين بما بينهما و بينهما من الأمومة و الأختيّة لا بما بينكما من الزوجية.

و أمّا المصاهرة الصادرة عن الرضاع فلا تنشر تحريما قولا واحدا، و ذلك كما في مرضعة ولدك و أخيك مثلا، فان الرضاع قد أحدث بينك و بين الأولى و بين أبيك و بين الثانية علاقة كعلاقة الزوجية بصيرورة الأولى أمّ ولدك و الثانية أمّ ولده، و لكنّها ليست بزوجته حقيقة بل و لا مجازيّة.


1- في ص 104.
2- منهم العلّامة في «التحرير» 2: 11، و الشهيد في «المسالك» 7: 246.
3- جامع المقاصد 12: 242.

ص: 118

و لهذا خصّت في النظم باسم الشبهة، لأنّ الرائي (1) ينظر إلى أمر قد نشأ بالرضاع و هي أمومة الولد، فيجدها حاصلة في الزوجة و زوجة الأب إذا كانتا ذاتي ولد، فيحرّم عليك الثانية و أمّ الأولى و أختها، و يشترط عليك في ابنتي أخيها و أختها إذنها، و لا يدري أنّ أمومة الولد و الزوجية أمران متغايران أوّلهما أخصّ و الثاني أعمّ كالإنسانية و الحيوانية و هاتي هي المصاهرة التي يلهج بها الفقهاء دائما و يقولون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (2) و لم يقل ما يحرم من المصاهرة.

فالفحل و الرضيع في الحكم تعدّ أزواجهم لوالد و من ولد

لا خلاف في أنّ زوجة كلّ من الفحل و الرضيع ممّا تحرم على الآخر قبل الدخول و بعده، لما تقدّم من أنّ ما بينهما من علاقة الأبوّة و البنوّة قد أدرج الزوجتين في سلك ما يحرم من النسب، و في قولنا: «تعدّ أزواجهم» إيماء إلى ذلك التعليل، لإشعاره بأنّ السبب في التحريم هو ما بينهما من الأبوّة و البنوّة، فيستنبط من ذلك تحريم مدخولة كلّ منهما على الآخر أيضا، و إن لم يكن عن زوجيّة بنكاح دائم أو منقطع، بل كان عن ملك يمين أو تحليل أو عن شبهة عند من ينشر بها.

و حكم زوجات آباء الفحل و أولاد الرضيع حكم أزواجهما، لأنّه من توابع ما يلزم الأبوّة و البنوّة، و كذا حكم زوج المرضعة أو إحدى جدّاتها بالنسبة إلى المرتضعة (3) الأنثى و زوج المرضعة (4) أو إحدى بناتها أو أحفادها بالنسبة إلى المرضعة.

و أمّ زوجة رضاعا كالنسب و الأخت أخت منه إن جمعا طلب


1- الرأي (س- م)، الزائي (ر).
2- الوسائل 14: 280- 282، باب 1 من أبواب الرضاع.
3- المرضعة (س).
4- المرتضعة الأنثى (س)، المرضعة الأنثى (ر).

ص: 119

و بنت أخت و أخ بمقتضى أصليهما يطلب فيهما الرّضى

لا خلاف في تحريم أمّ الزوجة من النسب إذا دخل بالبنت، و لا في عدم تحريم البنت و لو لم يدخل بالأمّ، و في أمّ الزوجة قبل الدخول بالبنت خلاف، و التحريم هو المذهب، و الرضاع بذلك القياس، فتحرم كلّ من الامّ و البنت الرضاعيتين للزوجة بعد الدخول، و يبنى تحريم الامّ الرضاعية قبل الدخول بالبنت على الخلاف.

و كذا الحكم في جدّات الزوجة من الرضاع و بنات بناتها، و كما أنّه لا يحلّ الجمع بين الأختين في النسب فكذا لا يحلّ في الرضاع، و كذا لا يجوز الجمع بين العمّة و الخالة و بين بنتي الأخ و الأخت إلّا بإذن العمّة و الخالة، فلو تزوّج إحداهما لم ينكح أبنت الأخ أو الأخت إلّا بإذنها.

و لو تزوّج أبنت الأخ أو الأخت لم ينكح العمّة أو الخالة إلّا مع أعلامها إن لم تكن عالمة بأنّ أبنت أخيها أو أختها عنده، و لو نكح مع عدم الإذن و الإعلام وقف النكاح على الإجازة أو لم يقع بطل في الأصحّ، لكن يشترط في تحريم ما ذكر من الجمع اتحاد الفحل، إذ لا تصدق الاخوّة بدونه، و قد تقدّم ما يدلّ على جميع هذا الباب من الأخبار.

ص: 120

رضاع كلّ من الزوجين من ذوي الآخر

الزوج و الزوجة أيّ ارتضع من جدّة الآخر فالحلّ امتنع

أو أمّ كلّ منهما أو أخته أو بنت أخت أو أخ أو بنته

أو زوجة ابن أو أب بشرط أن يكون في الرضاع منهما اللبن

إذا ارتضع أحد الزوجين من جدّة الآخر فسد نكاحهما و لم يكن تجديده، سواء كانت الجدّة لهما أو لأحدهما للأبوين أو لأحدهما، لأنّ المرتضع إن كان هو الزوج فإمّا عمّ للزوجة و إمّا خال، و إن كانت الزوجة فإمّا عمّة أو خالة، لأنّ ولد الجدّة لا يخرجون عن ذلك، و لو أرضعت أحدهما أمّ الآخر صار المرتضع (1) ابن أخت أو أبنت أخت، و لو أرضعت أحدهما أبنت أخت الآخر أو أخيه صار المرتضع من نوافل الاخوة.

و لو فرضت الأمّ أو الأخت أو ابنتي الأخ و الأخت رضاعيته اشترط في امتناع الحلّ اتحاد الفحل، و لو أرضعت بنت أحدهما أو إحدى نوافله الآخر صار المرتضع نافلة للآخر و لو ارتضع أحدهما من زوجة ابن الآخر أو أبيه صار المرتضع في الأوّل ولدا و في الثاني أخا، و يشترط كون اللبن للإبن و الأب لتحصيل البنوّة في الأوّل و الاخوّة في الثاني، و لكلّ إجماع.

و ضابط التحريم إن زوج رضع درّ من الأخر ولده منع

هذا قانون كلّي لتحريم الزوجين بارتضاع أحدهما من ذوي الآخر، و هو أنّ الزوج إذا ارتضع من لبن من لا يحلّ للزوجة نكاح ولده من أقاربها حرم عليها فتحرم هي أيضا،


1- و لو أرضعت أحدهما أم الأخر صار المرتضع أخا أو أختا و لو أرضعت أخت أحدهما الأخر صار المرتضع ابن أخت أو بنت أخت. (ر)

ص: 121

لأنّ التحريم من الجانبين، و كذا الزوجة إذا ارتضعت من لبن من لا يحلّ للزوج النكاح في ولده حرمت عليه فيحرم هو عليها أيضا و هو واضح.

ص: 122

في رضاع بعض الأزواج من بعض و فيه مسائل:

إرضاع إحدى الزوجتين الأخرى محرّم قبل الدخول الكبرى

و بعده كليهما و الصغرى تأخذ نصف مهرها أو مهرا

إذا كان للرجل زوجتان إحداهما صغيرة فأرضعتها الكبرى صارا امّا و بنتا، و حينئذ فلا ريب في انفساخ عقدهما معا سواء كان الرضاع قبل الدخول أو بعده، و هو إجماع كما في الإيضاح (1) لأنّ الرضاع قد سبّب كونهما امّا و بنتا، و كونهما كذلك يمنع من الجمع بينهما، فامتناع الجمع متأخّر عن السببين معا، لما للعلّة من التقدّم الذاتي على المعلول.

و أمّا التحريم فإن كان الرضاع بعد الدخول حرمتا معا بلا إشكال، لأنّ الدخول ممّا يحرّم كلّا من أمّ الزوجة و بنتها جمعا و انفرادا، فلا يمكن تجديد العقد، و إن كان قبله فلا ريب في جواز التجديد على الصغيرة، لأنّ بنت الزوجة إنّما تحرم بالدخول بالأمّ، و أمّا الكبرى فيأتي فيها ما في أمّ الزوجة قبل الدخول بها من الخلاف، غير أنّ الأصحاب قد أطلقوا هنا القول بالتحريم و لم ينقلوا خلافا، بل قال المحقّق الثاني: «إن كان دخل بالكبيرة حرمتا مؤبّدا إذا لم يكن الرضاع من لبنه فإنّه إذا كان من لبنه حرمتا مؤبّدا، و إن لم يدخل و لا خلاف في ذلك كلّه» (2) انتهى.

و لتصحيح الجمع بين الإرضاع بلبنه و كونه قبل الدخول طريقان: أحدهما كون


1- إيضاح الفوائد 3: 51.
2- جامع المقاصد 12: 236.

ص: 123

اللبن عن شبهة عند من لا ينشر بها، و ثانيهما كون اللبن و الولادة عن مجرّد المسيس في الخارج من دون التقاء الختانين.

و ممّا ورد في هذا الباب صحيحة الحلبي و عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أمّ ولده، قال: محرّم عليه» (1) و رواية ابن سنان أيضا عن الصادق عليه السّلام: «لو أنّ رجلا تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته فسد نكاحه» رواها الشيخ و رواها الكليني (2) في الصحيح إلّا أنّ فيه بدل صغيرة رضيعا.

و فرضه بين ثلاث ذو صور في أربع منها مجال للنظر

من أنّ أقسام التعاقب انحلت عن أمّ أو بنت لزوجة خلت

إذا كان له زوجات فأرضعت الصغرى الكبريان، فلا كلام في تحريم المرضعة الأولى و الصغيرة مع الدخول بإحداهما، و حكى في الإيضاح الإجماع عليه (3)، و إنّما الكلام في تحريم المرضعة الثانية، و به قال ابن إدريس (4) و العلّامة (5) و المحقّق (6) و جماعة و هو


1- الكافي 5: 445، ح 6.
2- تهذيب الأحكام 7: 293، ح 68، الكافي 5: 444، ح 4، الوسائل 14: 302، ح 1.
3- إيضاح الفوائد 3: 52.
4- السرائر 2: 556.
5- إرشاد الأذهان 2: 20، القواعد 2: 11، المختلف 7: 43، المسألة: 9، التذكرة 2: 626
6- الشرائع 2: 286، المختصر النافع: 176.

ص: 124

ظاهر الفخر (1) و المحقّق الثاني (2) و الشهيد الثاني (3)، و قد يحكى عن المبسوط (4) أيضا نظرا إلى مساواة الرضاع للنسب، و هو يحرم سابقا و لا حقا، فكذا مساويه. و إلى أنّها أمّ من كانت زوجته، و من كانت زوجة فاسم الزوجة صادق عليها، إذ لا يشترط في المشتقّ بقاء المبدء، فتندرج في عموم وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ (5) كذا قالوا.

و الأولى أن يقال: أنّ أمّ من كانت زوجته أمّ زوجة، إذ لا يشترط في صدق المشتقّ بقاء المبدء، و قال ابن الجنيد (6) و الشيخ في النهاية (7) بعدم التحريم.

و حكي عن ظاهر الكليني لما روى عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: «قيل له: إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته، ثمّ أرضعتها امرأة له اخرى فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية و امرأتاه. فقال أبو جعفر عليهما السّلام أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية و امرأته الّتي أرضعتها أوّلا، فأمّا الأخيرة لم تحرم (8) عليه لأنّها أرضعت ابنته» (9) و ردّها الأوّلون بضعف السّند.


1- إيضاح الفوائد 3: 52.
2- جامع المقاصد 12: 238.
3- المسالك 7: 269.
4- و الحاكي هو الشهيد في «المسالك» مع نفس المصدر و السيوري في «تنقيح الرائع» 3: 56، المبسوط 5: 300.
5- النساء: 23.
6- المختلف 7: 44، المسألة 11.
7- النهاية: 456.
8- في الكافي: «فلم تحرم».
9- الكافي 5: 446، ح 13، الوسائل 14: 305، ح 1.

ص: 125

و إذ قد عرفت ذلك فنقول إذا فرض الرضاع السابق ذكره في الزوجتين بين ثلاث، فله صور ستّ: لأنّهنّ إمّا أن يفرضن كبيرتين و صغيرة أو صغيرتين و كبيرة، و في كلّ من الصورتين إمّا أن يقع الرضاع قبل الدخول أو بعده، و في الثانية إمّا أن ترضعهما معا أو على التعاقب، فأقسام التعاقب أربعة:

الصورة الأولى بقسيميها و قسمان من الصورة الثانية، و الحكم فيما ذكر من الصور إنّ الكبيرتين إذا أرضعتا الصغيرة، فإن كان قبل الدخول حرمت المرضعة الأولى و انفسخت الصغرى و جاز له نكاحها ثانيا، و إن كان بعد الدخول حرمت الكبرى الأولى و الصغرى، و تكون المرضعة الثانية في كلا القسمين أمّ من كانت زوجته.

و أمّا الصغريان فان رضعتا معا بأن ألقمت كلّ في الرضعة الأخيرة ثديا و رويا منهما معا، فإن كان قبل الدخول حرمت الكبيرة و انفسخ نكاحهما لأمرين: صيرورتهما بنتي زوجة و أختين، و جاز تجديد نكاحهما على البدل لا جمعا، و إن كان بعد الدخول حرمن جمع (1)، و إن رضعتا متعاقبتين أي واحدة بعد أخرى فإن كان قبل الدخول حرمت الكبرى و انفسخت الأولى و إن كان بعده حرم الأوليان، و تكون المرضعة الثانية في كلا القسمين بنت من كانت زوجته.

و موضع النظر القسمان الأوّلان و الأخيران، و منشئه من الرواية المذكورة و من كونها مع ضعف السند و إعراض الأكثرين عنها و جواز كونها من قضايا الأحوال لا تقوي لتخصيص الأصول، و اللّه أعلم.

إنّ زوجتي (2) زيد بشير نكحا أو زوجة الآخر كلّ انكحا


1- حرمت من جمع (س).
2- زوجي (س).

ص: 126

فأرضعت صغيرهما كبيرهما (1) يحرم عليهم مطلقا كبيريهما (2)

و تحرم الصغرى على من رخلا على تردّد بنحو ما خلا

إذا فارق زيد زوجية (3) الكبرى و الصغرى فنكحهما بشير أو تزوّج كلّ من زيد و بشير زوجة الآخر ثمّ أرضعت إحدى الزوجتين الأخرى حرمت الكبرى عليهما لأنّها (4) حينئذ أمّ زوجة، و أمّا الصغرى فلا تحرم إلّا على من دخل بالكبرى (5) منهما، و وجه التردّد قد علم ممّا تقدّم، لأنّ الزوجتين في الصورتين أمّا أمّ أو بنت لمن كانت (6) زوجة.

و مرضع لزوجها تمنع من قد أرضعت و من له كان اللّبن

لارتضاع الزوج من الزوجة صورتان:

الأولى أن ينكحها الكبير أوّلا ثمّ يفارقها و هي حامل منه أو مرضع أو يطأها وطئ شبهة أو بملك يمين فتنكح الصغير بعد زوال المانع ثمّ ترضعه بلبن الأوّل.

و الثانية أن ينكحها الصغير وليّه إمّا نكاحا منقطعا أو دائما لكنّها فسخته لعيب أو عتق ثمّ تزوّجت آخر فحملت منه و أرضعت الأوّل من ذلك اللبن، و الحكم في الصورتين واحد و هو التحريم على كلّ من الزوجين لأنّها قد صارت للصغير امّا و لكبير كنّه (7) و أمّا إذا لم يكن اللبن للكبير فلا تحرم عليه البتّة.


1- كبريهما صغريهما (م)، صغريهما كبريهما (س- ر).
2- كبريهما (ر).
3- زوجتيه (م)، زوجته (س).
4- لأنّهما (س).
5- بالكبيرة (م).
6- كان (ر- س).
7- كفّة (ر).

ص: 127

لو أرضع الثلاث من ربائبه (1) ثلثا (2) انفسخن أو حرمن به

يحرمن عينا إن دخول اتّفق و قبله جمعا إن الفحل اتّفق

بعد انفساخ عقدهنّ جمعا مرتبات ارتضعن أو معا

و في انتفاء الأمرين و المعاقبة ما في سوى الأولى لفسخ شائبة

لو كان له زوجة كبيرة و ثلاث صغار (3) و للكبيرة ثلاث بنات مراضع، فارضعن زوجاته لم يكن بدّ من وقوع فسخ في نكاحهنّ أو تحريم مؤبّد، فإن دخل بالكبيرة حرم الثلاث جمعا و انفرادا، ترتّبن في رضاعهنّ أو اجتمعن و اختلف الفحل أو اتّحد، لأنّهنّ حينئذ بنات (4)، بنات لزوجة مدخول بها، و إن لم يدخل بالكبيرة حرمت هي، و أمّا البواقي فإن كان لبن المرضعات أو اثنتين منهنّ لفحل و كان ارتضاع الصغريات أو اثنتان منهنّ من اللبن الواحد دفعة، بان روين من الرضعة الأخيرة دفعة انفسخن، و لم يجز تجديد نكاحهنّ جمعا، بل انفرادا، لأنهنّ أخوات، و يتصوّر اتفاق الفحل فيما لو نكح الربابيب رجل واحد مترتّبات، أو كان اللبن عن شبهة، و أمّا مع التعاقب في الارتضاع فلا ريب في انفساخ الأولى، و لا في عدم انفساخ الثانية إن لم ترضع الثالثة، و فيما لو ارتضعت الثالثة أيضا وجهان:

أحدهما انفساخ الثالثة فقط، لانّ الجمع بين الأختين قد تمّ بها فيكون كما لو تزوّج أخت زوجته.

ثانيهما انفساخهما معا لأنّ الأختيّة أمر مانع من الصحّة، و قد طرى على النكاحين


1- ربابيه (ر)، ربابتيه (س).
2- ثلاثا (س).
3- صغائر (م- س).
4- بنات من زوجة (س).

ص: 128

معا، فلا أولويّة لأحدهما، كما لو ارتضعتا دفعة.

و ضعف الأوّل ظاهر لأنّ الجمع قد تمّ بين الأخيرتين بحدوث الأختيّة و بين الزوجة و أختها بالعقد على أختها، و الأختيّة مانع مسبوق بالمقتضى و العقد مقتض مسبوق بالمانع، فالفرق واضح.

و أمّا مع اختلاف الفحل، فإن ارتضعن دفعة انفسخن جميعا تخلّصا من الجمع بينهنّ و بين الجدّة، و جاز التجديد عليهنّ جمعا و انفرادا، لأنهنّ بنات خالات، و إن ارتضعن متعاقبات انفسخت الأولى دون الأخيرتين لعدم الباعث فيهما.

يبين زوجتا امرء إحداهما قد أرضعت من أبوي أخراهما (1)

و مثله الرضاع من أولادها لا من أخ أو أخت أو أجدادها

إذا كان له زوجتان صغرى و كبرى، فارتضعت الأولى من أمّ الأخرى أو من أبيها، بان أرضعتها أحد أزواجه أو من في حكمها بلبنه انفسخ نكاح الزوجتين معا، لصيرورتهما أختين، و جاز له تجديد نكاحهما على البدل لا جمعا، و مثله ما لو ارتضعت من أولاد الكبرى، بأن أرضعتها بنت الكبرى أو أحد أزواج بنتها من لبنه، فإنّ الزوجتين تبينان معا أيضا لصيرورة الصغرى نافلة، فلا يجمع بينهما و بين الجدّة، و في هذه الصورة تحرم الكبرى لصيرورتها أمّ زوجة.

و أمّا الصغرى فان كان دخل بالكبرى حرمت أيضا لكونها بنت من دخل بها، و إلّا جاز له تجديد العقد ثانيا، و لو ارتضعت الصغرى من أخت الكبرى أو أرضعتها زوجة لأخيها بلبنه صارت في الأوّل بنت أخت و في الثاني بنت أخ، و لو ارتضعت (2) من جدّة الكبرى أو أرضعتها زوجة لجدّها، فان كان الجدّ أو الجدّة للأمّ فالصغيرة خالة و إن كانا


1- إحداهما (س).
2- و لو أرضعت (ر).

ص: 129

للأب فهي عمّة، فيلزم في بعض هذه الصور الجمع بين بنت الأخت و خالتها، و في بعض الجمع بين بنت الأخ و عمّتها، و معلوم أنّ ذلك لا يسوغ إلّا مع رضا العمّة و الخالة.

و حينئذ فإن كانتا قد أذنتا في الرضاع قبل وقوعه عالمتين بما يحدث من العلاقة فلا بحث و إلّا تزلزل العقدان، و وقف لزومهما على الإمضاء، و لا يحلّ للزوج وطئها (1) قبله، و يحتمل عدم التزلزل لانّ الاشتراط خلاف الأصل، و إنّما ثبت في النسبة السابقة على النكاح بدليل، فيستصحب في النسبة المتجدّدة بعدم حكم العقد إلى أن يثبت الناقل أيضا.

و بالجملة فارتضاع الصغرى من ذوي الكبرى على أربعة أقسام:

الأوّل: ما يفسخ (2) النكاح و يجوز معه تجديده بدلا و هو الارتضاع من أبوي الكبرى.

و الثاني: ما يفسخ النكاح و لا يجوز معه التجديد و هو الارتضاع من أولا الكبرى فإنّه يحرم الكبرى مطلقا و الصغرى إن كان دخل بالكبرى.

و الثالث: ما يتزلزل معه النكاح على الأظهر و هو الارتضاع من اخوّة الكبرى و أجدادها.

و الرابع: ما لا يحدث به في النكاح حدث البتة، و هو الارتضاع من أعمام الكبرى و أخوالها، و وضوح هذا القسم أغنى من التنبيه عليه في النظم.

تمّت 1223


1- وطئهما (س).
2- ينفسخ (س).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.