شرح خيارات اللمعه

اشارة

سرشناسه:آل كاشف الغطاآ، علي بن جعفر، ق 1253 - 1197

عنوان و نام پديدآور:شرح خيارات اللمعه/ تاليف علي نجل كاشف الغطاآ

مشخصات نشر:قم: جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامي، 1422ق. = 1380.

مشخصات ظاهري:272 ص.نمونه

فروست:(جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامي 1070)

شابك:964-470-507-618000ريال

يادداشت:عربي

يادداشت:كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان ديگر:اللمعه الدمشقيه. برگزيده. شرح

موضوع:شهيد اول، محمدبن مكي، 786 - 734. اللمعه الدمشقيه -- نقد و تفسير

موضوع:فقه جعفري -- قرن ق 8

موضوع:خيارات

شناسه افزوده:شهيد اول، محمدبن مكي، 786 - 734. اللمعه الدمشقيه. برگزيده. شرح

شناسه افزوده:جامعه مدرسين حوزه علميه قم. دفتر انتشارات اسلامي

رده بندي كنگره:BP182/3/ش9ل8012 1380

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:م 82-18589

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

مقدّمة التحقيق

اشارة

الحمد للّٰه كلّما وقب ليل و غسق و كلّما لاح نجم و خفق، و الصلاة و السلام على أشرف من برأه و خلق، محمّد الفاتح لما استُقبل و الخاتم لما سبق، و على أهل بيته المطهّرين من كلّ دنس و المعصومين من كلّ زلق، و اللعن على كلّ من بغى عليهم و بثق.

و بعدُ، من المباحث الّتي لها مكانة خاصّة في الفقه الإسلامي «مبحث الخيارات» من كتاب المتاجر، و لذلك ألّف جمع من الفقهاء المتأخّرين في هذا المبحث كتباً مستقلّة، عِلاوةً ممّا حقّقوا من أحكامها في المتاجر.

و من تلكمُ الكتب هذا السفر الثمين، و هو شرح استدلاليّ مبسوط على مبحث خيارات «اللمعة» للشهيد الأوّل قدس سره من أتقن و أشهر المتون الفقهيّة.

استسعدت مؤسّستنا بتقديم هذا الكتاب القيّم محقّقاً إلى معاهد الدراسات الإسلاميّة، شاكرة للفضلاء الّذين ساهموا في إنجاح هذا المشروع، و تخصّ بالذكر الفاضل النبيل سماحة الحجّة «الشيخ جعفر النجفي» بما اقترح علينا بإحياء هذا الأثر المنيف و تفضّل علينا بإعطاء نسخته المطبوعة بعد ما عُني به من مقابلتها ببعض المخطوطات، و كذلك الفاضل الجليل سماحة الحجّة «السيّد إسماعيل مير أشرفي الأراكي» بما تحمّله من أعباء تصحيحه و تحقيقه و تخريج مصادره، و سماحة المحقّق الفاضل «الشيخ أحمد المحسني السبزواري» لمراجعته النهائيّة و اعتنائه بإشباع الكتاب تدقيقاً، جزاهم اللّٰه عن الشريعة الغرّاء خير الجزاء.

و رأينا من المناسب أن نذكر نبذاً من حياة المؤلّف قدس سره مكتفين بما أورده السيّد الأمين قدس سره في أعيان الشيعة:

[موجز من حياة المؤلّف قدس سره]:

كان عالماً فاضلًا ورعاً زاهداً عابداً فقيهاً اصوليّاً مجتهداً محقّقاً مدقّقاً شاعراً أديباً، جليل القدر عظيم المنزلة، و له مشاركة جيّدة في العلوم العقليّة و الأدبيّة،

ص: 4

رأسَ بعد أخيه الشيخ موسى و تصدّر للتدريس و الإفتاء مع كثرة مراعاة الاحتياط، مهيباً وقوراً، كثير الصمت ذاكراً للّٰه تعالى في أغلب أوقاته مواظباً على عبادته في نوافله و واجباته، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في اللّٰه لومة لائم. و كان أبوه يصحبه في أسفاره و يفديه بنفسه إذا عبّر عنه، كما يدلّ على ذلك رسالته الّتي كتبها في أصفهان باستدعائه، و كان مصاحباً له في سفره ذلك.

قرأ على أبيه و تخرّج به و تفقّه عليه. و أقبل على الأخذ منه و التخرّج به خلق في النجف و كربلاء، و كان يقيم في السنة ثلاثة أشهر أو أربعة في كربلاء في داره الّتي كانت فيها باستدعاءٍ من طلبتها للحضور عليه، فيزدحم عليه طلبة العجم الّذين يقرءون على شريف العلماء المازندراني؛ و منهم السيّد إبراهيم القزويني (صاحب الضوابط) و ممّن تخرّج عليه من مشاهير الفقهاء و الاصوليّين الشيخ مشكور الحولاوي، و الشيخ مرتضى الأنصاري، و الآخوند زين العابدين الگلپايگاني، و الشيخ جعفر التستري، و الشيخ أحمد الدجيلي، و الشيخ حسين نصّار، و الشيخ طالب البلاغي، و الميرزا فتّاح المراغي (صاحب العناوين) و أغلبها تقرير دروسه، و صهره السيّد مهدي القزويني، و ابن اخته الشيخ راضي ابن الشيخ محمّد، و السيّد عليّ الطباطبائي، و السيّد حسين الترك، و الحاج ملّا عليّ ابن الميرزا خليل الطبيب، و الشيخ مهديّ ابن المترجم و غيرهم.

لم يعن كثيراً بالتأليف في الفقه، قيل له في ذلك، فقال: أباني جيّده و أبيت رديئه. لم يصنّف سوى شرحه على الروضتين، جملة من أبواب البيع إلى آخر الخيارات، و طُبعت الخيارات منه فقط في طهران.

و في عصره اشتهر صاحب الجواهر حتّى صار يُعدّ نظيراً له، و لكنّه لم يَفُقْه. و يقال: إنّه لمّا كان أمر التقليد مردّداً بينهما اجتمع جماعة لتعيين الأفضل منهما، فرجّحوه على صاحب الجواهر، فسأل صاحب الجواهر بعضهم قائلًا: ما فعلت سقيفة بني ساعدة؟ فأجابه: قدّموا علياً! فاستقلّ الشيخ محمّد حسين بالتدريس من ذلك اليوم حتّى انتهت إليه الرئاسة؛ و كأنّه إلى ذلك يشير الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين في أبياته اللاميّة الهائيّة، و ذكرت في ترجمة الشيخ محمّد ابن الشيخ

ص: 5

عليّ ابن الشيخ جعفر. و ينقل عنه: أنّه كان يطوف ليلًا على الأرامل و اليتامى و يدفع لهم صرر الدراهم و لا يخبرهم بنفسه تأسّياً بأئمّته الأطهار. و كان أخوه الشيخ موسى بنى أساس المسجد الّذي بجنب مقبرتهم، ثمّ توفّي قبل إتمامه، فأتمّه هو و كان يقيم فيه الجماعة.

ورد إلى كربلاء لبعض الفتن الّتي وقعت في النجف مع أخيه الشيخ موسى، فأكبّ عليهما الفضلاء من أهل العلم، و كانت كربلاء يومئذٍ هي محطّ الطلبة، فيها ألف فاضل من علماء إيران يحضرون دروس شريف العلماء، فحضر بعضهم درس الشيخين فاستحسنوا فقههما، و كانا يدرّسان الفقه لا غير. ثمّ عاد المترجم بعد ستّة أشهر مع أخيه الشيخ موسى إلى النجف. و في تلك السنة توفّي شريف العلماء، فورد النجف ألف طالب من طلبة كربلاء و سكنوا النجف حبّاً بدرس المترجم و أخيه الشيخ موسى. ثمّ توفّي الشيخ موسى فاستقلّ الشيخ علي بالتدريس، و منها صارت النجف مرجعاً لأهل العلم من إيران و قبلها كربلاء و لم يكن في النجف طلبة من إيران (انتهى).

ثمّ ذكر من شعره قصيدة، و مدحاً في أمير المؤمنين عليه السلام و مرثيتين لسيّد الشهداء أبي عبد اللّٰه الحسين صلوات اللّٰه عليه، راجع أعيان الشيعة: ج 8 ص 178177.

و لا يفوتنا في الختام أن نشير إلى وصف النسخ الّتي اعتمدنا عليهما، و هي:

1 المطبوعة بطهران عام 1219 المتوفّرة في المكتبات.

2 مخطوطة محفوظة في مكتبة «آستان قدس رضوي» و هذه ناقصة تبتدئ من أوائل خيار الشرط و تنتهي إلى أواسط خيار الاشتراط.

3 مخطوطة محفوظة في مكتبة «مركز إحياء التراث الإسلامي» بقم، يبدو منها أنّها بخطّ المؤلّف قدس سره فقدت من أوّلها و خلالها و آخرها ممّا هو بخطّه أوراق، فاستُنسخت من نسخة اخرى و اكملت، فللّه الحمد و له المنّ.

مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

ص: 6

ص: 7

[الفصل التاسع الخيار في الخيار]

اشارة

قال المصنّف رحمه الله:

«الفصل التاسع (1) في الخيار»

لا ريب أنّ ثبوت الخيار على خلاف القاعدة، لأنّ الأصل في البيع اللزوم.

و هذا الأصل إمّا بمعنى الظاهر، و ذلك لأنّ الظاهر من صيغة البيع بحسب دلالتها عرفاً و قصد المتعاقدين لها الدوام، فمعنى بعتك مثلًا ملّكتك على الدوام، فهي مقتضية بذاتها لثبوت مقتضاها على الدوام فلا ينتقض إلّا بدليل، و فيه تأمّل.

أو بمعنى الاستصحاب، لأنّ الأصل دوام ما كان سواء قلنا ببقاء الأكوان و احتياجها إلى المؤثّر أو قلنا بعدمه و عدم احتياجها استناداً إلى العرف و الشرع. فكلّ ما صدر من عبارة أو عقد أو إيقاع أو حكم يحكم ببقاء حكمه حتّى يثبت المزيل له، و الخيار مبنيّ على رفع البقاء على بعض الوجوه. فما يقال: من أنّ الخيار هو القدرة على الفسخ و لا ملازمة بينه و بين الفسخ الفعلي و المضادّ للاستصحاب إنّما هو الثاني لا الأوّل، لا وجه له، لأنّ انتفاء الأوّل بانتفاء الثاني حيث ينتفي شرعاً، فتأمّل.

أو بمعنى الغالب بمعنى أنّ الغالب في البيع اللزوم حيث يراد عموم الأزمان و الأفراد، و لا ينافي ذلك اقتضاء المصلحة بعروض الجواز عليه في بعض الأزمان كزمان عدم التفرّق أو في بعض المواطن كأسباب الخيار المشهورة أو فوات شرط معيّن أو وصف معيّن، أو عروض الشركة قبل القبض أو تبعيض الصفقة و نحو ذلك،


1- من فصول كتاب المتاجر من اللمعة الدمشقيّة.

ص: 8

أو عروض الفسخ بالإقالة أو الانفساخ بالتلف قبل القبض و التحالف عند التخالف في تعيين المبيع و الثمن في وجه، إلى غير ذلك.

أو بمعنى القاعدة المستفادة من الإجماع كما نقله غير واحد و من الكتاب و السنّة من قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) و «المؤمنون عند شروطهم» (2) لأنّ الأمر للوجوب و الجمع المحلّى للعموم، و كذا الموصول و خطاب المشافهة إمّا عامّ بأصله كما ذهب إليه من يعوّل (3) على رأيه (4) أو باعتبار الخطاب التعليقي أو باعتبار الدليل الخارجي، و الوفاء بها عبارة عن العمل بمقتضاها.

و فيه: أنّ تعقيبه بقوله تعالى: «أُحِلَّتْ» يفيد أنّ المراد ما عقده اللّٰه تعالى في رقاب عباده من الأحكام.

و يجاب بأنّه ربّما كان كلاماً منقطعاً، و بأنّ العقود قد يراد بها الأعمّ و هذا قسم من الأحكام.

و فيه أيضاً: أنّ الوفاء بالمستحبّ العمل به مرّة و تركه اخرى، فمن ترك لا يعدّ غير واف.

و من هنا ترى بعض الأصحاب يستدلّون بالآية الشريفة في باب العقود الجائزة باعتبار أنّ المراد وجوب الوفاء بمقتضاها.

و يجاب بأنّ الصيغ بنفسها لا يقتضي الجواز و لا دلالة لها عليه و إنّما هو حكم مستفاد من الشرع، و ظاهر الآية الشريفة وجوب الوفاء بالعقد بنفسه و بما يقتضيه بحسب ذاته لا بما استفيد من حكمه شرعاً إلّا بتقدير و إضمار.

مع أنّ المفسّرين و الفقهاء أعرف بمواقع الألفاظ و قد فهموا منه ذلك.

على أنّه مع استفادة حكم العقد من الشرع جوازاً أو لزوماً لا حاجة إلى الاستدلال بالآية.

و على ما قرّرنا فالعقود الجائزة و اللازمة ذات الخيار على خلاف الأصل.


1- المائدة: 1.
2- عوالي اللآلي 1، 3: 218، 293، 217.
3- في نسخة: لا يعوّل.
4- الوافية: 119.

ص: 9

و اورد هنا سؤال و هو أنّ البيع لا ينفكّ عن خيار المجلس فيكون الأصل في البيع ثبوت الخيار لا اللزوم.

قال صاحب الوافية: إنّ قولهم: «الأصل في البيع اللزوم» ليس له وجه، لأنّ خيار المجلس ممّا يعمّ أقسام البيع (1).

و في الكفاية: الأصل في العقود اللزوم و وجوب الوفاء بها، خرج البيع بالنصّ فيبقى الباقي على أصله (2) انتهى.

و اجيب بأنّ طروّ الجواز عليه في بعض الأحيان لا ينافي كون مشروعيّته على اللزوم، فالافتراق في الحقيقة رافع للمانع لا جزء من المقتضي و المقتضى، للزوم العقد بمقتضى ذاته.

أ لا ترى أنّه لو اشترط سقوطه و بقي العقد بمقتضى ذاته سليماً من المعارض قضي باللزوم.

على أنّه لو لم ينفكّ البيع عن خيار المجلس لربّما أمكن القول بذلك.

و من المعلوم انفكاكه في عدّة مواضع: كما إذا اشترط سقوطه، أو اشترى من ينعتق عليه، أو اشترى ليرث، أو أسلم عبد الذمّي و بيع عليه، أو قهر الحربي قريبه و باعه، أو اشترى العبد نفسه إن جوّزناه. و كما في ذي الحقوين، أو عقد الواحد عن اثنين عند بعض إلى غير ذلك.

قال المصنّف: «و هو أربعة عشر قسماً».

ذكر هذا العدد لا أرى له وجهاً، لأنّه إن بنى على التداخل لم يكن أربعة عشر، و إن بنى على اختلاف الصور زادت ضعف الأصل و أكثر، إذ من جملتها: خيار الشفعة إذا كان الشفيع وحيداً، و خيار الخيار إذا باع و كان فيه خيار لغيره، و خيار المرابحة بناءً على استقلاله، و خيار الواطئ إذا وطئ الجارية مولاها و باعها ناسياً أو عاصياً لاحتمال صيرورتها امّ ولد، و خيار مستحقّ قصاص النفس أو قصاص الطرف من العبد، و خيار مستحقّ الحدّ رجماً أو قتلًا أو مطلقاً، و خيار


1- الوافية: 198.
2- الكفاية: 92 س 29.

ص: 10

الجلّال، و خيار الموطوء من الحيوان من المركوب، و خيار الكفر لضرر السؤر، و خيار المكاتب قبل تحرير بعضه لو أجزنا بيعه، و خيار خوف حدوث العيب، و خيار خوف التلف لكون العبد في الحرب أو في محلّ الطاعون، و خيار فساد العقيدة من أهل الإسلام، و خيار التنجيس إلى غير ذلك.

و كما يرجع كثير ممّا ذكر إلى العيب أو التدليس و نحو ذلك، يرجع، ما ذكر المصنّف أيضاً من خيار الشركة و التبعيض و نحوهما إليهما، فلا وجه للحصر.

إلّا أن يقال: إنّ ما ذكره أعمّ و أشمل ممّا ذكرنا، فيريد الحصر بالنسبة إلى ذلك، و بناء الأصحاب في هذا الباب على ذكر أقسام الخيار العامّ البلوى الكثيرة الدّوران المتعرّض لها في الروايات الّتي لا يرجع بعضها إلى بعض.

فمن هنا اقتصر بعضهم على خمسة (1) و آخرون على ثمانية (2) و المصنّف في الدروس على تسعة (3). و الأمر في ذلك سهل.


1- الشرائع 2: 21.
2- الكفاية: 91، س 15، الحدائق 19: 3.
3- الدروس 3: 265.

ص: 11

[الأوّل خيار المجلس]

اشارة

قال المصنّف رحمه الله:

«الأوّل: خيار المجلس».

هذه الإضافة من باب إضافة الحالّ إلى المحلّ و ليست من باب إضافة المسبّب إلى السبب كخيار الغبن و العيب. و جعلها من هذا القبيل كما في مجمع البرهان (1) بعيد إلّا أن يراد معنى آخر.

و إضافته إلى موضع الجلوس مع كونه غير معتبر في ثبوته:

إمّا لأغلبيّة هذا الفرد، و ندرة وقوع ما عداه فهو بحكم العدم فلا يكون داخلًا في العبارة بل مسكوتاً عنه يعلم من خارج، فاللفظ على حقيقته.

أو بدعوى الحقيقة العرفيّة الجديدة، و هو غير بعيد كما يشهد به التبادر و كثرة الاستعمال.

أو بدعوى المجازيّة تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة على تمام معناها.

و على كلّ حال فهذا الخيار ثابت بالإجماع محصّلًا و منقولًا نقلًا مستفيضاً، و بالنصوص و هي في ذلك مستفيضة:

منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: المتبايعان بالخيار


1- مجمع الفائدة 8: 383.

ص: 12

ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا (1).

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: المتبايعان بالخيار حتّى يفترقا و صاحب الحيوان ثلاثة (2).

و صحيحة الفضيل بن يسار: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (3).

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: البيّعان بالخيار حتّى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيّام (4).

و صحيحة الحلبيّ أو حسنته عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً فهو بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع (5). إلى غير ذلك من الروايات.

فما رواه غياث بن إبراهيم في الموثّق عن عليّ عليه السلام: «إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا» (6) شاذّ لا يصلح معارضاً لما سبق.

و قد حمله الشيخ على استباحة الملك قبل الافتراق و إن جاز الفسخ قبله. و جوّز حمل الافتراق المنفيّ على البعيد دون القليل الملزم (7).

و قد تحمل على أحد المقامات الّتي يسقط فيها هذا الخيار كاشتراط سقوطه، أو بيعه ممّن ينعتق عليه و نحو ذلك. أو معنى الصفقة الرضا بالبيع و الالتزام به.

و على كلّ حال فهي إمّا مؤوّلة، أو مطّرحة، أو محمولة على التقيّة، فإنّ


1- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
2- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 6.
3- الوسائل 12: 343 ب 1 من أبواب الخيار ح 3.
4- الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
5- الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 4. و فيه: فهما بالخيار.
6- الوسائل 12: 347 ب 1 من أبواب الخيار، ح 7.
7- التهذيب 7: 21 ذيل، ح 87، الاستبصار 3: 73 ذيل، ح 4.

ص: 13

هذا مذهب أبي حنيفة (1) و هو من جملة المطاعن الّتي طعن فيها في مخالفة قوله لقول النبيّ صلى الله عليه و آله.

[و هو مختصّ بالبيع]

قال المصنّف: «و هو مختصّ بالبيع»

كما في الخلاف و الغنية و الشرائع و النافع و المختلف و التحرير و القواعد و الإرشاد و التنقيح و المسالك و الكفاية (2)، للأصل، و للإجماع المنقول.

و قد نسبه إلى علمائنا في التذكرة و تعليق الإرشاد و مجمع البرهان (3). و في المسالك: أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا (4).

و في الخلاف: الإجماع على أنّه لا يدخل في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة (5).

و منع في المختلف إجماع الخلاف، لأنّ ثبوت الخيار مطلقاً يستلزم ثبوته في المجلس (6).

و فيه: أنّ الممنوع خيار المجلس دون الخيار فيه، فإن أرادوا الثاني كان النزاع لفظيّاً.

و خالف في ذلك الشيخ في المبسوط و القاضي و الحلّي، فأثبتوه في نحو العارية و الوديعة و القراض و الوكالة و الجعالة (7).

و هو ضعيف، لأنّ جوازها أصليّ و الخيار فيها عامّ لا يقبل السقوط فلا تأثير


1- المجموع 9: 184.
2- الخلاف 3: 13 ذيل المسألة 11، و المسألة، الغنية: 22، الشرائع 2: 23، المختصر النافع: 122، المختلف 5: 62، التحرير 1 ص 168 س 1، القواعد 2: 64، الإرشاد 1: 374، التنقيح 2: 43، المسالك 3: 211، الكفاية: 92 س 28.
3- التذكرة 1: 16 5 س 13، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 33، مجمع الفائدة 8: 388.
4- المسالك 3: 211.
5- الخلاف 3: 13، المسألة 12.
6- المختلف 5: 73.
7- المبسوط 2: 82، المهذّب 1: 356، السرائر: 2: 246.

ص: 14

للمجلس، بخلاف الجواز العارضي في اجتماع الخيارين باختلاف الحيثيّتين، فإنّه يمكن أن يسقط أحدهما و يبقى الآخر.

و قد يقال: إنّه يمكن أن يكون ذلك من الحكم الشرعي التعبّدي و التداخل القهري و إن لم يكن له تأثير لحكمة لا نعلمها و قد تظهر ثمرته في مثل النذر و نحوه فلا يلزم العبث على الحكيم فيه غير أنّ الدليل منع منه و هو ضعيف.

و تأوّل كلامهم الشهيد في الدروس بقصد منع التصرّف في المجلس (1).

و هو مع أنّه غير معنى الخيار و خاصّ بأحد الطرفين لا دليل عليه. كيف و الإذن المسوّغ للتصرّف حاصل بالعقد.

بل قد يقال بعدم معقوليّة مثل ذلك في الوديعة، لامتناعه فيها مطلقاً.

اللّهمّ إلّا أن يراد بالتصرّف التصرّف فيما يتعلّق بالحفظ، و هو بعيد.

و على تقدير اختصاصه بالبيع كما هو الأصحّ يعمّ جميع أقسام البيع من السلم و النسية و المرئيّ و الموصوف و نحوها كما في التذكرة و تعليق الإرشاد (2) للإجماع المنقول (3) و عموم الدليل.

و المشكوك في كونه بيعاً يرجع فيه إلى الأصل.

و أخذ الأرش من الجانبين ليس بيعاً، فلا يجري فيه خيار المجلس و إن ثبت فيه الربا، لأنّ بناء الربا على كلّ ما استند إلى العقد و لو بالسبب، كما لا يجري فيما ملك بالشرط كأن يشترط عليه ملكيّة شي ء بآخر في عقد البيع.

و يسقط هذا الخيار بالنظر إلى الأصل، فإنّه لا يجري بالنسبة إلى الشرط فيما لو أراد الفسخ فيه، لأنّه ليس بيعاً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الشروط كالشطور و هي لا تتبعّض في الخيار، و كما


1- الدروس 3: 268.
2- التذكرة 1: 516 س 19، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133.
3- راجع مجمع الفائدة 8: 389.

ص: 15

يتبع في الفسخ يتبع في الالتزام و لا معنى للتفكيك، فلا يجري الخيار فيها على كلّ من الوجهين.

و يجري في القبالة و التولية و التشريك بناءً على أنّها من البيع.

أمّا المعاطاة فإن لم يكن بيعاً فلا كلام، و إن كانت منه كما هو الأقوى فلا يجري فيها خيار المجلس، لأنّها من العقود الجائزة.

نعم قد يقال بجريانه فيها بعد التصرّف الملزم لها.

و فيه: أنّ التصرّف مسقط للخيار فكيف يثبت الخيار به، مع أنّه بعد خروجها من دليل الخيار كيف تدخل فيه بعد ذلك.

اللّهمّ إلّا أن نقول بأنّ التصرّف المسقط للخيار هو المتعقّب له لا ما ثبت الخيار بسببه و هو بعيد سيّما على القول بإسقاطه الخيار لكشفه عن الرضا بالعقد.

و على تقديره فهل المدار في التفرّق على مجلس المعاطاة فيختصّ ما إذا وقع التصرّف فيه، أو مجلس التصرّف و إن افترقا عن الأوّل؟ وجهان.

أمّا مثل صيغة «ملّكت» عند الإطلاق إن بنينا على أنّ البيع أصل في نقل الأعيان كانت من البيع و جرى فيها خيار المجلس و لا يعارض ذلك أصل لزوم العقد، و إلّا فلا.

و حيث اعتبر فيه البيع لم يجز في باقي العقود من صلحٍ و غيره سواء قلنا بقيام الصلح مقام البيع أو لا، إذ الظاهر أنّ الشيخ لا يقول بأنّ ما كان من الصلح في مقام البيع قسم من البيع، بل يقول: هو صلح قائم مقام البيع (1) و فرق بين الأمرين.

و اعلم أنّ الشارح قال: «و يثبت للمتبايعين» (2) و ظاهر كلامه ثبوت هذا الخيار لكلّ من المتعاقدين مطلقاً كما يظهر من بعض كلماتهم، و ليس كذلك بل للمالكين و الوليّين و الملفّقين.

و أمّا الوكيلان و الملفّق من الوكيل و غيره فإن كانت الوكالة على العقد وحده، فلا خيار لهما بل للمالكين. و إن شملت وكالتهما الخيار كأن يوكّلا فيه بعد العقد في


1- راجع المبسوط 2: 288.
2- الروضة البهيّة 3: 448.

ص: 16

المجلس أو قبل العقد بناءً على صحّة التوكيل فيما لا يملكه الموكّل حين العقد من التوابع كما هو الأقوى سواء حصل ذلك بمجرّد التوكيل في العقد لأنّه من التوابع أو مع النصّ عليه بالخصوص و تظهر الثمرة بالنسبة إلى الأوّل فيما إذا نصّ على العدم كان الخيار للوكيلين و الأصيلين فالوكيل على العقد فقط سبب مؤثر لا مختار.

و قد يقال بثبوت الخيار له حكماً شرعيّاً و إن لم يرض به المالك، لأنّ الموجود في أكثر الروايات «البيّعان» (1) و في بعضها «التاجران» (2).

و البيع إمّا نفس الإيجاب و القبول أو النقل و الانتقال، و على كلّ منهما فهو صادق عليه كما هو ظاهر.

بل يشكل ثبوت الخيار للمالك معه حينئذٍ بل و مع الوكيل المتصرّف، إذ ليس هو «بيع» بكلّ من المعنيين مع أنّ الظاهر من ضمير «ما لم يتفرّقا» العود إلى العاقد.

اللّهمّ إلّا أن نقول: إنّ الفرد الظاهر من «البيّع» إنّما هو مالك التصرّف أصالة أو ولاية أو وكالة كما تقضي به اللغة و العرف و الوكيل على نفس الصيغة من الأفراد النادرة، أو أنّ الظاهر منه خصوص المالك عاقداً كان أو لا و الوكيل و الوليّ إنّما يعلم من خارج من دليل الوكالة و الولاية، أو يختصّ به المالك العاقد بناءً على أنّه الغالب فقط و يعلم حكم المالك غير العاقد من خارج للقطع بإلغاء الخصوصيّة مع أنّ كونه عاقداً ليس من القيود المصرّح بها كما أنّه يعلم حكم العاقد غير المالك من خارج أيضاً.

و من هنا أشكل الحكم في أنّ المعتبر في التفرّق تفرّق الوكيلين أو المالكين أو الجميع أو كلّ بالنظر إلى خيار نفسه لا خيار الآخر.

و الظاهر أنّ المدار على تفرّق العاقدين أصيلين أو وليّين أو وكيلين أو مختلفين، فلو عقد الوكيل بحضرة الأصيل فلا اعتبار بالأصيل بل المدار على الوكيل.


1- الوسائل 12: 345، 346، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1- 3، 6.
2- الوسائل: 346 ب 1 من أبواب الخيار، ح 6.

ص: 17

و لا ينافي ذلك ما تقدّم من ثبوت الخيار للأصيل و الوكيل و دخول الأصيل تحت مدلول الرواية.

و مع ذلك لا يلزم التخالف بين الضمير و مرجعه فيها، لوجود القرينة الدالّة على مرجع الضمير في قوله: «ما لم يفترقا» إلى العاقدين و هي ذكر طروّ الافتراق المقتضي لسبق الاجتماع للعقد و هو بعيد، أو باعتبار الاحتمال الأخير و هو أنّ المراد بالبيّعين المالكين العاقدين لأنّه الغالب و العاقد غير المالك و المالك غير العاقد يعلم من خارج بالنظر إلى الخيار و مسقطه، و هو غير بعيد و يرشد إلى ذلك التعبير في بعض الروايات بالتاجرين (1).

[و يسقط بأمور]

[باشتراط سقوطه في العقد]

قال المصنّف: «و يسقط باشتراط سقوطه في العقد»

للأصل و الإجماع (2) و عموم الكتاب (3) و الصحيح الوارد في الشروط (4). و الخبر الصريح (5) و عليه يحمل الآخر «البيّعان بالخيار إلّا بيع الخيار» (6) أو على خيار الشرط فإنّه باقٍ و إن تفرّقا.

و يؤيّده الاعتبار فإنّ الأغراض تتعلّق بلزوم العقد تارةً و بجوازه اخرى.

و بذلك كلّه يتقيّد إطلاق الأخبار المستفيضة و إن كان بينها و بين أدلّة الشروط عموم من وجه، و تترجّح هي بقلّة الأفراد، مع التأمّل في شمولها لمحلّ الفرض لمكان تبادر غيره عدا صحيحة الحلبي (7) فإنّ العموم فيها لغويّ.

و ثبوت الخيار مقتضى العقد المطلق لا العقد المشروط فيه إسقاطه، فلا منافاة فيه لمقتضى العقد، و إلّا لاستلزم عدم صحّة شي ء من الشروط في شي ء من العقود.

و جواز هذا العقد من الآثار الشرعيّة الخارجة عن مقتضى ذات العقد، فليس


1- الوسائل 12: 347، ب 1 من أبواب الخيار، ح 6.
2- الغنية: 217.
3- المائدة: 1.
4- الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
5- الوسائل 16: 95، ب 11 من أبواب المكاتبة، ح 1.
6- مسند أحمد: ج 2 ص 4.
7- الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 4.

ص: 18

اشتراط سقوطه كاشتراط اللزوم في العقود الجائزة من الهبة و العارية و الوديعة و إن كان كلّ منهما إسقاط للتسلّط على الفسخ.

مع أنّه يمكن القول به كما سيأتي، إلّا أن يقوم إجماع على خلافه.

و لا يفترق الحال في صحّة هذا الشرط بين القول بأنّ الشروط مثبتة للغايات كالأسباب فيكون على وفق القاعدة و عدمه، لقيام الدليل عليه بالخصوص.

و الظاهر أنّ المدار فيها على المقارن، فلو تقدّم أو تأخّر لم يلزم، خلافاً لظاهر الخلاف و الجواهر في الأوّل (1) و هو شاذّ، لإطباقهم على خلافه، و لإطلاق النصّ المثبت للخيار، إلّا أن نقول: إنّه بحكم التبادر مختصّ بغير محلّ الفرض. و فيه: أنّ فيه ما عمومه لغويّ.

ثمّ إنّ النصوص المستفيضة الواردة في باب النكاح الدالّة على عدم اعتبار الشروط قبله (2) شاملة للمقام عموماً أو فحوىً. و تنزيله على ما وقع قبل تمام العقد أو على الشرط المضمر المدلول عليه بالقرينة ممكن. و الحقّ اعتباره كما تقدّم في باب المرابحة. و لا ينافي ذلك إطلاق الروايات بعدم اعتبار الشروط المتقدّمة في باب النكاح (3) لأنّ هذا من المقارن، و السابق دليل عليه.

و لعلّه أراد هذا بقوله في المختلف: أنّهما لو شرطاه قبل العقد و تبايعا على ذلك صحّ ما شرطاه (4).

و لظاهر المختلف في الثاني (5) لعدم الدخول تحت دليل الشرط. و لعلّه أراد بالمتأخّر في مقابلة الواقع في الأثناء أو باعتبار دلالته على الرضا يكون مسقطاً للخيار و مُلزماً للعقد.

ثمّ إنّ شرط سقوط خيار المجلس قد يكون لتمامه، و قد يكون للبعض لمبدئه أو لآخره أو لوسطه مع ضبط المدّة، كما إذا علما أنّهما يمكثان في المكان زماناً


1- الخلاف 3: 21 المسألة 28، جواهر الفقه: 54، المسألة 195.
2- الوسائل 14: 468، ب 19 من أبواب المتعة ح 1 و 2.
3- المصدر السابق.
4- المختلف 5: 63.
5- عطف على قوله: خلافاً لظاهر الخلاف.

ص: 19

معيّناً. فقد يكون جواز بعد لزوم في المجلس. و قد يكون لزوم بعد جواز. و قد يكون جواز بين لزومين.

و يحتمل القول بعدم جواز مثل ذلك، بل إمّا أن يسقط الكلّ باشتراط سقوط البعض. أو يقع اشتراط سقوط البعض لاغياً لا باعتبار أنّه إسقاط للحقّ كَما في نفقة الزوجة بالنسبة إلى المستقبل فإنه ضعيف باعتبار تقدّم سبب ثبوته و هو العقد بل باعتبار أنّه حقّ بسيط لا يقبل التبعيض، و ليس كخيار الحيوان مغياً بالثلاثة أيّام. و جعل الغاية فيه التفرّق و إن استلزم الزمان. إلّا أنّه فيه اتّفاقي كالتراخي في الخيار المتراخي، فتأمّل.

و على هذين الوجهين يبتنى اشتراط سقوط خيار المجلس في بعض المبيع دون بعض، فإنّ الظاهر انّه التزام بالجميع أو يقع باطلًا، كيف لا! و الالتزام متفرّع على الفسخ و الفسخ لا يتبعض، لأنّه إذا التزم بالبعض فلا يخلو إمّا أن يصحّ له أن يفسخ بالبعض الآخر أو لا، فإن صحّ جاز التبعيض و إلّا فإمّا التزام بالكلّ أو فسخ في الكلّ فلا التزام بالبعض.

و ما يقال: من أنّ الإيجاب إسقاط حقّ و لصاحب الحقّ أن يسقط حقّه كيف شاء و الناس مسلّطون على أموالهم، لا وجه له إذ لا بحث في أنّ له الإسقاط كيف شاء لأصل الإباحة.

و إنّما الكلام في ترتّب السقوط الشرعي على إسقاطه، و هو ممنوع كما عرفت.

[و باسقاطه بعده]

قال المصنّف: «و باسقاطه بعده»

منهما أو من أحدهما، للإجماع المنقول عن الغنية و التذكرة و ظاهر الخلاف (1). و هو الحجّة المقيّدة للأصل و لإطلاق ما مرَّ من المستفيضة المثبتة للخيار في المسألة. مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة الواردة في خيار الحيوان، و فيه: فإن أحدث المشتري حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضىً منه و لا شرط له (2).


1- الغنية: 217، التذكرة 1: 517 س 19، الخلاف 3: 21، المسألة 27.
2- الوسائل 12: 35 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 20

و لانحصار الحقّ فيهما فيسقط بإسقاطهما.

و لأنّ فسخ اللازم بالتقايل يقتضي لزوم الجائز بالتخاير.

و لأنّه سقط بالافتراق لدلالته على الرضا، و التخاير صريح في ذلك.

و يحصل التخاير بالإيجاب منهما و من أحدهما مع رضاء الآخر. و لو أمضاه أحدهما دون الآخر، فإن فسخ انفسخ البيع و إلّا اختصّ بالخيار.

و إنّما لم يتعرّض المصنّف لاشتراط الإسقاط بل اقتصر على شرط السقوط، لعدم حصول السقوط بمحض الاشتراط بل يتوقّف على الإسقاط، و مع عدمه يثبت خيار الاشتراط، فهو راجع إلى ما ذكر من الإسقاط.

و احتمال العطف على المضاف إليه، ينافيه إعادة حرف الجرّ، مع استلزامه ترك ذكر الإسقاط الّذي هو أولى بالذكر (1).

و على كلّ حال فشرط الإسقاط و السقوط قد يكون للبائع أو للمشتري أو لهما، أو للأجنبيّ مفرداً أو مع البائع أو المشتري أو معهما، في ذلك العقد أو في غيره، أو فيهما متّصل أو منفصل أو مختلف مع سبق الاتّصال و الانفصال، أو متّصل للبائع و منفصل للمشتري و ما عداه، أو متّصل للمشتري و منفصل فيما عداه، أو لهما كذلك، أو للأجنبيّ، أو للأجنبيّ مع أحدهما، أو معهما كذلك.

و الأقسام كثيرة و يجي ء تحقيق الحال في خيار الشرط و شرط الخيار.

ثمّ إنّه لا ريب في سقوط الخيار بالمسقط اللفظي الصريح، لأنّ الخيار حقّ من الحقوق، فبإسقاطه يسقط.

و الظاهر أنّه من الإيقاعات لا من العقود، فلا يتوقّف على القبول بل هو كالإبراء.

و يسقط بالمسقط اللفظي الظاهر، و لا يشترط فيه ما يشترط في صيغ الإيقاعات من العربيّة و الإعراب و نحو ذلك.

و يتأدّى بالحقائق و المجازات و بكلّ لفظ يدلّ على ذلك، سواء كان بلفظ الإسقاط أو غيره كأوجبنا البيع أو اخترناه أو التزمنا به و نحو ذلك، لأنّه ليس


1- و لفظة «بعده» ظاهر في خلافه. (هامش الأصل).

ص: 21

كالعقود المبنيّ فيها على النقل و الانتقال.

و هذا مشكل، لمنافاته للأصل من عدم سقوط الحقّ إلّا بالمتيقّن، و ظاهرِ إجماع الأصحاب من اعتبار الصراحة و غيرها في الإيقاعات اللازمة كالطلاق و نحوه كما تعتبر في العقود.

اللّهمّ إلّا أن يكون المخرج لذلك بخصوصه الإجماع، أو باعتبار الاتّفاق على السقوط بالفعل صريحه و ظاهره في المقام و القول أولى منه، أو باعتبار التعليل بالرضا في الروايات الصحيحة.

هذا كلّه في المسقط القولي صريحه و ظاهره.

و أمّا المسقط الفعلي بقسميه فسيأتي البحث فيه (1).

و أمّا السقوط بمحض النيّة و القصد و إن كان في بعض الروايات (2) إشارة إليه مؤيّدةً بأنّ المدار على المدلول، و الدالّ إنّما يعتبر للدلالة، و حيث لا حاجة إلى الدلالة هنا للعلم بحال نفسه كان ذلك إسقاطاً، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب و طريقة الشرع عدم اعتبار ذلك في مثله، كما لا يخفى على من تتبّع في نقل الحقوق و فكّها.

و لهذا انكر على الشيخ في إثباته النذر بمجرّد النيّة (3) و هو الموافق لمقتضى الأصل من ثبوت الحقّ. و التعليل بالرضا في الروايات (4) إمّا لبيان الحكمة أو علّة مقيّدة بالإجماع، فافهم.

[و بمفارقة أحدهما صاحبه]

قال المصنّف: «و بمفارقة أحدهما صاحبه» (5)

و لو بالأرواح فلو ماتا أو أحدهما حصل التفرّق، كما احتمله في القواعد


1- و يمكن إدخاله في كلام المصنّف فيكون التصرّف مذكوراً في كلامه، و لكنّه خلاف الظاهر كما فهم الشارح. (هامش الأصل).
2- الوسائل 12: 347، ب 2 من أبواب الخيار.
3- المسالك 11: 397.
4- الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
5- القواعد 2: 65، التذكرة 1: 517 س 39.

ص: 22

و التذكرة و مال إليه في مجمع البرهان (1) و استقربه في تعليق الإرشاد (2) لأنّ مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس، و باعتبار أنّ ظاهر الروايات البيّعان بالخيار مع الحياة، لعود ضمير التفرّق إليهما فمع الممات يسقط الخيار تبعاً لمتعلّقه أو بخصوص الأبدان، فلا عبرة بالافتراق بالموت أو بالإدراك لعروض جنون أو نوم أو إغماء أو بالكلام أو بغير ذلك كما في جامع المقاصد و المسالك (3) و هو الظاهر من كلام الأصحاب باعتبار أنّ المتبادر من التفرّق التباعد في المكان، و هو ظاهر في الجسم لا في الروح، مع أنّ الروح لا يعلم مُفارقتها للمجلس فيستصحب الحكم. و يستفاد من بعض الروايات بقاؤها مع الميّت (4) فالأولويّة ممنوعة.

و ثبوت الخيار للوارث باستصحاب جواز العقد و بقوله عليه السلام: «من ترك حقّاً فهو لوارثه» (5) المؤيّد بالشهرة المحصّلة و المنقولة و بإجماع الغنية (6) في خصوص المقام بلفظه و بلفظ «عندنا» في التذكرة (7) في مطلق الخيار و بلفظ «نفي الخلاف» في الرياض (8). مضافاً إلى عمومات الإرث (9) فدعوى التقييد بالحياة ممنوعة.

ثمّ إنّ الوارث إن كان حاضراً قام مقام الميّت في الخيار. و هل يقوم مقامه في اعتبار التفرّق؟ باعتبار أنّ مفارقة الميّت للمجلس كمفارقة المكره الممنوع من الاختيار و كما انتقل هناك إلى مجلس الزوال للزوم الضرر ببقاء الخيار دائماً ينتقل هاهنا إلى مجلس الوارث و الأصل و فرعه ممنوعان، و هو قياس لا نقول به أو يبقى الحكم معلّقاً على الميّت و الآخر أو الميّتين؟ أو يقال ببقاء الخيار دائماً من غير سقوط بالتفرّق كالعاقد الواحد على أحد الوجهين؟ أو بالنسبة إلى الميّت و أمّا الآخر فيدور مدار ذهابه من المجلس كأحد الوجوه في المكره؟ أو بثبوته فوراً؟ وجوه، أقواها الثاني عملًا بالاستصحاب.


1- مجمع الفائدة 8: 385.
2- تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133.
3- جامع المقاصد 4: 287، المسالك 3: 215.
4- بحار الأنوار 6: 161.
5- موسوعة أطراف الحديث النبوي 8: 185.
6- الغنية: 221.
7- التذكرة 1: 536 س 39.
8- الرياض 8: 202.
9- النساء: 7، 11، 176.

ص: 23

و التفرّق هنا يصدق بانتقال الحيّ و بنقل الميّت مع عدم المصاحبة، و معها يبقى إلى أن يتفرّقا.

و إن كان غائباً قام فيه الاحتمال الأوّل و إن بعد ما بينهما و لم يعلم أحدهما بمكان صاحبه، أو السقوط بناءً على هذا الاحتمال لانتفاء المتعلّق، و هو عدم تفرّق المتبايعين. و تجري فيه باقي الاحتمالات. و يزيد خامساً، و هو امتداده بامتداد مجلس الخبر، لتعذّر مجلس العقد، و دوام الخيار ضرر فينتقل إلى البدل كما في مجلس الزوال في المكره، و الأقوى فيه ما قوّيناه في سابقه، و مجلس الخبر لا دليل عليه، فالقول به تحكّم.

هذا كلّه مع اتّحاد الوارث، فلو تعدّد فكذلك، إلّا أنّ ثبوت الخيار لكلّ واحد في مجلسه إذا كان غائباً بعيد.

و لو اختلفا في الفسخ و الإجازة قدّم الفاسخ. و في انفساخ الجميع أو في حصّة خاصّة ثمّ يتخيّر الآخر لتبعيض الصفقة وجهان، أجودهما الأوّل، و سيجي ء البحث في المقامين.

و في الدروس: فإن كانوا حضوراً أي الورّاث في مجلس العقد فلهم الخيار إلّا أن يفارقوا العاقد الآخر. و لا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم، لأنّه لم يحصل تمام الافتراق، لأنّهم ينوبون عن الميّت جميعهم (1) انتهى.

ثمّ انّه بناء على ثبوت الخيار للوكيل على نفس الصيغة و انتقال الخيار بالإرث فهل ينتقل بعد الموت إلى ورثة الوكيل أو إلى الموكّل؟ وجهان.

و فيما إذا عزل الوكيل أيضاً يجي ء الوجهان في بقاء الخيار له أو انتقاله إلى الموكّل.

و حيث كان البناء على تفرّق الأبدان يجي ء الإشكال فيما لو ذهب بعض


1- لم نعثر عليه في نسخ الدروس، و العبارة بعينها وردت في مفتاح الكرامة 4: 550، و لعلّ المؤلّف قدس سره راجعه و رأى في سطرٍ قبله «الشهيد في الدروس» و حسب أنّ العبارة من الدروس.

ص: 24

الميّت دون البعض، فقد يفصل بين الجزء الّذي يبقى الحياة معه و غيرها و بين ما يتحقّق صدق الاسم بدونه و ما لا يتحقّق.

و مثل ذلك يجري في نيّة الإقامة و الوطن ممّن قطع أو ظنّ بالقتل.

و الظاهر أنّ المجلس تابع للعقد، فإذا تناديا بالبيع من مكان بعيد فالمجلس ما بينهما، و إذا تباعدا فوق ذلك تفرّق المجلس، و إذا تقاربا لم يتفرّق كما في التذكرة و الدروس و كنز الفوائد (1) لعموم النصّ. و دعوى: عدم شموله لهذا الفرد، ممنوع.

و أسقطه بعض العامّة لمقارنة المسقط (2) و لا ريب في سقوطه.

ثمّ إنّ إسقاط التفرّق للخيار هل هو حكم تعبّدي للدليل و إن علم منه عدم الرضا بالسقوط، أو لدلالته على الرضا ظاهراً كما صرّحت به الصحيحة (3) فهو مسقط حتّى مع الشكّ ما لم يعلم عدم الرضا، أو لا يسقط حتّى يعلم منه الرضا فمع الشكّ لا يحكم بالسقوط؟ وجوه، أقواها الأوّل كما هو ظاهر الأصحاب (4) حملًا لما في الرواية على بيان الحكم لا العلّة، و أضعفها الأخير.

و لو كان البائع جماعة و المشتري واحد أو بالعكس أو كان الطرفان و أجزنا اشتراك العاقدين في العقد الواحد كأن يقول أحد الوكلاء: بعتك يا زيد، و يقول الآخر: و يا عمرو و هكذا، أو يقول أحدهم: بعتك الدرهم، و الآخر الدينار، فيقول المشتري: قبلت و مثله تعدّد الوارث بناءً على أنّ المدار على تفرّقه فهل يحصل التفرّق بالبعض أو بالكلّ أو كالتفرّق في باب الجماعة يناط بالصدق العرفي أو يعطى كلّ حكمه؟ وجوه، أضعفها الأخير، لعدم جواز التبعّض في الالتزام و الفسخ و مدرك الأوّلين صدق التفرّق و عدمه و لعلّ الأقوى الثاني، استصحاباً لبقاء الخيار، و هو الظاهر من النصّ.


1- التذكرة 1: 517 س 36، الدروس 3: 267، و لم نجده في كنز الفوائد.
2- المجموع 9: 181.
3- الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار ح 3.
4- للإجماع على أنّهما لو افترقا مختارين مع عدم رضا هما باللزوم يسقط خيارها. (هامش الأصل).

ص: 25

و لو باع الوكلاء عن شخص دفعة بقي الخيار ببقاء واحد منهم، و المدار على مجلس التمليك أو مجلس العقد؟ احتمالان، أقواهما الأخير.

و يختلف الحكم في مسألة إجازة الفضولي إذا جُعلت ناقلة و قد اختلف مجلس التمليك عن مجلس العقد في أنّ بناء الصحّة على مجلس العقد بالعود إليه أو مجلس الإجازة أو البطلان مطلقاً؟ وجوه، أقواها الأخير.

و اعتبار المجلس هنا و في الصرف و السلم من مقولة واحدة على الأقوى، لاقتضاء الدليل ذلك.

و المدار في الكلّ على اسم عدم التفرّق، فالماشيان و الراكبان و الجالسان و النائمان سواء، و إذا ذهبا مجتمعين كان المجلس باقياً.

لكن يبقى الكلام في مسألة النذر و اليمين و العهد هل يجري فيه؟ الظاهر لا، إلّا مع القرينة الدالّة على التعميم، إذ هو من الحقيقة العرفيّة الخاصّة أو المجاز المشهور لا العرفيّة العامّة و لا الشرعيّة.

ثمّ إنّ سقوط خيار المجلس بالافتراق مجمع عليه بين الأصحاب إجماعاً محصّلًا و منقولًا، سواء تفارقا فيه أو فارقاه غير مصطحبين أو فارقه أحدهما دون الآخر عالمين أو جاهلين أو مختلفين، لعموم النصّ.

إنّما الكلام فيما به يحصل الافتراق، فهل المدار على الحِكَمي و هو عبارة عن كون الشيئين بحيث يتخلّلهما ثالث أو اللغوي و هو أوسع دائرة منه، أو العرفي و هو أوسع دائرة منهما بناءً على أنّه غير التحديد بالخطوة فما زاد أو التحديد بالخطوة فما زاد؟ و على الأخير فهل يراد بالخطوة المتعارفة أو يراعى في كلّ خطوة؟ وجوه، و لا ريب أنّه لا يراد الأوّلان، و إلّا لم يثبت خيار غالباً و لم يصحّ صرف و لا سلم خصوصاً من الماشيين، و قوله عليه السلام: «و إن نزا حائطاً فانز معه» (1) ينفيه. و دعوى صدق الاتّحاد بينهما فقط أو بينهما و بين المعنى العرفي لأصالة عدم النقل، لا يخلو من وجه.


1- الوسائل 12: 459 ب 2 من أبواب الصرف، ح 8.

ص: 26

و الظاهر إرادة المعنى العرفي، لأنّ الافتراق لا تحديد له في الشرع فيكتفى فيه بالمسمّى عرفاً.

و ذكر الخطوة في كلام الأصحاب ليس لبيان التحديد الشرعي و إنّما هي مثال و العبرة بمسمّى الانتقال بحيث يزيد ما بينهما من البعد عمّا كان حال العقد و لو كان بأقل منها كما صرّح جماعة (1) أو للكشف عن العرف و هم أعرف بمداليل الألفاظ، بمعنى أنّ العرف لا يصدق بما دونها (2). و هو غير بعيد كما صرّح به أيضاً جماعة من الأصحاب (3) و ربّما ادّعي أنّ الإجماع منقول عليه (4).

و لا ينافي ذلك الصحيح المتضمّن لحصوله في الخطى (5) فإنّه لا يأبى حصوله بما دونها.

و توقّف في الخطوة بعض المتأخّرين، لعدم ظهور الصدق بها عرفاً، و المتبادر من الافتراق الافتراق المعتدّ به (6).

و يردّه عدم صحّة السلب في مقام التحقيق و إن جاز توسّعاً تنزيلًا للقليل منزلة المعدوم. أ لا ترى أنّه يقال: لا تفارقه و لو خطوة، تنبيهاً على الفرد الأخفى و إنّ الشكّ كاف في المطلوب، فإنّ الأصل عدم النقل.

و ينبّه عليه حديث الخطوة حيث إنّ «الخُطى» جمع خطوة و أقلّه ثلاث، و عدم صدق التفرّق بها عرفاً ظاهرٌ، فلا يترتّب عليها الحكم كما لا يترتّب على الواحدة و هم لا يقولون به. و الصحيح المنطوي على التعليل بالرضا. و الأصحاب قطعوا بالخطوة فلا يتخطى ما قالوه.

و المراد بالخطوة الخطوة المتعارفة، إذ هي الّتي ينصرف إليها الإطلاق.


1- التحرير 1: 165 س 29، المسالك 3: 196، جامع المقاصد 4: 284.
2- أي ما دون الخطوة.
3- الخلاف 3: 21 المسألة 26، المبسوط 2: 82، السرائر 2: 246.
4- مفتاح الكرامة 4: 543 س 10.
5- الوسائل 12: 347، ب 2 من أبواب الخيار، ح 2.
6- الرياض 8: 180.

ص: 27

ثمّ اعلم أنّ المراد بالافتراق في الروايات و كلمات الأصحاب الافتراق الطارئ بعد العقد، و إلّا لخصّ الحكم خصوص المتماسّين، و هو باطل.

ثمّ إنّ المراد بالتفرّق تفرّق تمام البدن لا أبعاضه، فلو تبايعا مضطجعين أو مستلقيين و أقدامهما متلاصقة ثمّ قبض كلّ رجليه فحصلت فرجة عظيمة مع بقاء رأسيهما على حالهما فالخيار باقٍ.

و لو قرب أحدهما من صاحبه بمقدار بعد الآخر فقدر المساحة باقٍ، فهل يعدّ تفرّقاً؟ إشكال، و الأظهر ذلك.

و لو تفرّقا بعد الدخول في العقد ثمّ رجعا قبل إتمامه، حكم بعدم التفرّق على إشكال.

و لو كان وكيلًا في الايجاب و القبول و بعد إيقاع الايجاب تولّى المالك القبول حصل به و بالمالك.

و لو كانت بينهما فاصلة وقت العقد فخرج كلاهما عن الحدّين أو أحدهما عن الحدّ على وجه البعد لا الدنوّ لأنّ التداني تقارب بينهما لا تفارق حصل التفرّق.

و لو استطال مكان العقد لحصوله حال العدو فعاد أحدهما بعد التمام إلى بعض المسافة دون الآخر، حصل الافتراق.

و لو تكثّرت الخطىٰ على وجه الاستدارة، فلا افتراق. و التفرّق في جهة العلوّ و الهبوط كالتفرّق من الجهات الأربع.

و لو تعذّر الافتراق لوحدة العاقد عن اثنين هو أحدهما أو غيرهما وكالة أو ولاية أو بالتفريق أو لكونهما مجتمعين على حقو واحد، ففيه وجوه، بل أقوال:

فذهب الشيخ و القاضي و الفاضلان و الشهيدان و المحقّق الكركي و الصميري (1) إلى ثبوت الخيار، للإجماع على ثبوته في كل بيع كما في الغنية (2) و لأنّ المقتضى له


1- المبسوط 2: 78، المهذّب 1: 353، الشرائع 2: 22، القواعد 2: 65، الدروس 3: 265، المسالك 3: 197، جامع المقاصد 4: 285، غاية المرام 2: 34.
2- الغنية: 220.

ص: 28

في المتعدّد و هو البيع قد وجد في الواحد فيلحق به تنقيحاً لمناط الحكم. و لا أثر للتعدّد في الخيار و إن ورد النصّ به، لوروده مورد الغالب، مع قصد التنصيص به على الاشتراك و التوطئة لذكر التفرّق. و لو أثّر فيه لأثّر في غيره ممّا ابتني عليه، فيسقط مع الاتّحاد أكثر الأحكام. و لأنّ الظاهر من تعليق الخيار بالبيّع في قوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار (1)» ثبوته لهما من حيث هما بيّعان.

و يرجع بعد إسقاط الاثنينيّة من الحيثيّة لكون التثنية في قوّة التكرار بالعطف إلى ثبوته للبائع من حيث هو كذلك و المشتري من حيث هو كذلك. و العاقد الواحد بائع و مشترٍ فثبت له الخيار بالاعتبارين.

و لا ينافي ذلك قوله: «ما لم يفترقا» إذ النفي حقيقة في السلب المطلق لا في عدم الملكة عمّا من شأنه ذلك. و لا فرق فيه بين المتعدّد و الواحد.

و قد يتمسّك بعموم النصّ أخذاً بحقيقة النفي و حملًا للتثنية على عموم المجاز كما ينبّه عليه سوق النصوص و الاقتران بخيار الحيوان في أكثرها، و العموم فيه معلوم بالخصوص (2).

و في الصحيح: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: ثلاثة أيّام للمشتري. قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (3).

و هذا الحديث يفصح عن المطلوب فإنّه مع تضمّنه لما ذكر عمّ المتحد سؤالًا فيعمّه جواباً و تعليلًا ينشأ من التنبيه على علّة السقوط بالافتراق فيعمّه حكماً.

و حكى العلّامة في التذكرة و التحرير قولًا بلزوم البيع و مال إليه الأردبيلي و صاحب الكفاية و صاحب الحدائق (4) تمسّكاً بالأصل، و لزوم الضرر ببقاء الخيار


1- الوسائل 12: 345، 346، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1 3، 6.
2- ذكره السيّد بحر العلوم أيضاً بلفظ «قد يتمسّك» مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 245.
3- الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
4- التذكرة 1: 516 س 1، التحرير 1: 165 س 33، مجمع الفائدة 8: 389، الكفاية: 91 س 24، الحدائق 19: 13.

ص: 29

الغير المغيّا بغاية، و ظهور الأخبار في التعدّد. فإنّ تثنية البيّعين ظاهراً تقضي بالتعدّد الحقيقي و كذا تثنية ضمير «يفترقا» و مادّة التفرّق.

ثمّ الّذي في صحيحة ابن مسلم «حتّى يفترقا» (1) عليه السلام و ظهور «حتّى» في التعدّد الحقيقي لا يخفى.

و في صحيح الفضيل: ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (2) و فيها ظهور من عدّة وجوه.

و في صحيحة الحلبي: أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً فهما بالخيار حتّى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع (3).

و في صحيحة ابن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام، و فيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا (4).

و أحاديث قيام الباقر عليه السلام عن مجلسه حين اشترى من غيره (5) لا يدلّ إلّا على التعدّد. و لا أقلّ من أنّ الإطلاقات في الأخبار تحمل على الأفراد الشائعة و هي المتبادرة عند الإطلاق.

و كيف كان فظاهر الأدلّة مقصور على التعدّد الحقيقي، و الإجماع لم يثبت، و إجماع الغنية (6) مع ضعفه في نفسه مساق للعموم لأفراد البيع كالسلم و النسيئة و نحوها (7) لا إلى نحو ما ذكر، فإنّه من الأفراد النادرة الّتي يخرج من العموم فضلًا عن الإطلاق، ككلام العلّامة في التذكرة حيث قال: و يثبت في جميع أقسام البيع كالسلم و النسيئة و المرئيّ و الموصوف و التولية و المرابحة (8) و نحوه كلام غيره.

و تنقيح المناط ممنوع، مع أنّه ربّما كانت الحكمة كثرة دوران المتعدّد دون


1- الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الوسائل 12: 346 ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
3- الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 4.
4- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
5- الوسائل 12: 347، 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 1- 4.
6- الغنية: 220.
7- كذا في الأصل أيضاً، و الظاهر: نحوهما.
8- التذكرة 1: 515 السطر ما قبل الأخير.

ص: 30

غيره. فناسب الإرفاق بالخيار فيه، و تأثير الاتّحاد في سقوط هذا الخيار لا يقتضي تأثيره في سقوط باقي الأحكام، لوجود الدليل العامّ فيها دون هذا المقام.

و ظهور الحيثيّة لو سلّم لا يقوى على ظهور التعدّد. و النفي في «ما لم يفترقا» و إن كان حقيقة في السلب المطلق إلّا أنّ المتبادر من هذه العبارة بالنظر إلى صدر الخبر هو توجّه النفي إلى القيد خاصّة دون المقيّد. و هم قد صرّحوا في محاوراتهم في هذا المبحث بأنّ معناها أنّ المتبايعين بالخيار ما لم يفارق أحدهما الآخر، و يحصل البعد بينهما بما يزيد على وقت العقد.

فالمنفيّ إنّما هو الافتراق دون من ترتّب عليه الافتراق و هما البيّعان. و مبنى الكلام السابق إنّما يتمّ على رجوع النفي إلى القيد و المقيّد، و هو خلاف ظاهر الخبر.

و لا ريب أنّه لو دار الأمر بين التجوّز بصدر الخبر و هو «المتبايعان» أو عجزه و هو «ما لم يفترقا» مع أنّه ليس من المجاز بل من إرادة غير الظاهر من أفراد الحقيقة كان الأولى الثاني و لا أقلّ من الشكّ و الأصل العدم، فلا وجه لما في المسالك: من أنّ المفهوم من قوله «ما لم يفترقا» إرادة السلب لا عدم الملكة أي عدم الافتراق عمّا من شأنه الافتراق، أو محتمل فيثبت الخيار بمقتضى صدر الحديث و يحصل الشكّ في المسقط فيستصحب إلى أن يثبت المزيل (1) إلّا أن يدّعى التأييد بفهم المشهور و هم أعرف بمواقع الألفاظ.

و لهذا كلّه توقّف في جامع المقاصد و ظاهر التحرير و الإيضاح و التنقيح (2) و حواشي الشهيد.

ثمّ إنّه بناءً على ثبوت الخيار هل يسقط بانتقال العاقد عن مجلسه تنزيلًا له منزلة التفرّق أو لا؟ وجهان، بل قولان:

حكى أوّلهما الشيخ في المبسوط عن بعضهم (3) و قال به الصيمري (4) و احتمله


1- المسالك 3: 198.
2- جامع المقاصد 4: 287، التحرير 1: 165 س 34، الإيضاح 1: 481، التنقيح الرائع 2: 44.
3- المبسوط 2: 78.
4- غاية المرام: 2: 35.

ص: 31

العلّامة في المختلف (1) و ولده في الإيضاح (2) نظراً إلى أنّ خيار المجلس يسقط بمفارقته من غير اصطحاب، و لا مصاحبة بين الشخص و نفسه.

و ضعّف باستحالة افتراقهما و المسقط هو الافتراق. و قد ينتصر له: بلزوم الضرر لو دام الخيار، و بلزوم مخالفة الفرع الّذي هو العاقد الواحد للأصل الّذي هو المتعاقدين و قد حمل عليه تنقيحاً لمناط الحكم و قد كان الخيار في الأصل يزول بشي ءٍ معلوم فينبغي أن يكون في الفرع مثله و إلّا لخالفه و بإطلاق ما دلّ على جواز بيع الوكيل ماله من موكّله و مال موكّله من نفسه، و لو دام الخيار مع الاتّحاد وجب التفصيل في الأخبار الدالّة على ذلك بأن يفرّق فيها بين شراء الوكيل لنفسه فيلزم البيع بالاختيار و بين شرائه لغيره فيقف اللزوم على الافتراق، لأنّ الوكيل يتوخّى مصلحة الموكّل و لا مصلحة له في دوام الخيار في الأوّل كما انّها موجودة في الثاني. لكنّ هذا التفصيل لم يقل به أحد.

و ذهب إلى الثاني العلّامة في التذكرة و الشهيد الثاني في المسالك و العليّان في التعليقات الكركيّة و الميسيّة (3) و هو ظاهر الشيخ و القاضي و المحقّق (4) لفقد دليل التنزيل فيستصحب الخيار، و الضرر مندفع بالاشتراط و الفسخ، و المخالفة مقلوبة لأنّ زوال الخيار في الأصل بالتفرّق. فلو كان هاهنا بمفارقة المجلس تخالف الأصل و الفرع و تصرّف الوكيل منوط بالمصلحة مطلقاً فإن وجدت مع استمرار الخيار صحّ و إلّا بطل بهذا الاعتبار.

قوله: «فلو اكرها أو أحدهما عليه لم يسقط مع منعهما من التخاير» (5) صور المسألة أربعة (6)


1- المختلف 5: 64.
2- الإيضاح 1: 481.
3- التذكرة 1: 516 س 2، المسالك 3: 199، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133 س 8، و لا يوجد لدينا التعليقات الميسيّة.
4- المبسوط 2: 78، المهذّب 1: 353.
5- الروضة البهيّة 3: 449.
6- العبارة في المطبوعة هكذا: هذا كلّه مع عدم الإكراه، أمّا لو أُكرها أو أحدهما مع منعهما من التخاير ففي المسألة صور أربع.

ص: 32

الاولى: أن يكرها على التفرّق و على عدم الاختيار في الفسخ و إيجاب البيع.

الثانية: أن يكرها على التفرّق و لم يكرها على الاختيار مطلقاً لا فسخاً و لا إيجاباً.

الثالثة: أن يكرها على التفرّق و يكرها على الفسخ فقط.

الرابعة: أن يكرها على التفرّق و يكرها على الإيجاب فقط.

ففي الثانية يسقط الخيار، لتمكّنهما من الفسخ.

و في الثالثة لا يسقط، لعدم تمكّنه من الفسخ كالأُولى.

و في الرابعة يسقط، لتمكّنه من الفسخ، فتركه دليل الالتزام.

و الحاصل أنّ المدار على التمكّن من الفسخ و عدمه و يمكن ادخال الصورتين تحت كلام الشارح [حيث قال: و لو اكرها أو أحدهما عليه لم يسقط مع منعهما من التخاير (1)].

و على كلّ حال فدليل عدم سقوط الخيار في المقام الإجماع كما في الغنية و تعليق الشرائع (2). و لعلّه يخصّ الصورة الاولى فقط و استصحاب الخيار. و تبادر الاختيار. و لذا صحّ أن يقال: لم يفترقا و لكن فرّقا.

و يعضده التعليل بالرضا، و أنّ الخيار شرّع للإرفاق و لا رفق مع الإجبار.

فإن قلت: إنّ الافتراق في الروايات و في كلام الأصحاب إن اعتبر فيه العلم و القصد و الاختيار فافتراق النائم و الساهي و الناسي و المدهوش و السكران و المغمى عليه و المجنون و المجبور ليس بافتراق، فالتمكّن من الاختيار و عدمه سيّان، فبقاؤه من غير اختيار مع تمكّنه حتّى يرتفع و يكون المجلس حينئذٍ مجلس الارتفاع لا بأس به و إن دخل تحت الافتراق. و الحكم وضعيّ لا شرعيّ ينبغي أن يسقط الخيار بمجرّد حصوله بأيّ كيفيّة كان.


1- لم يرد في الأصل.
2- كما في الغنية: 217، و حكاه السيّد بحر العلوم في المصابيح عنها و عن تعليق الشرائع، انظر مصابيح الأحكام (مخطوط): 245 س 22.

ص: 33

قلت: لنا أن نلتزم بالأوّل بدعوى أنّه المتبادر، و انّ من ذكر عدا المجبور قد ألحقه الإجماع بالمختار القاصد العالم، و يبقى المجبور على وفق القاعدة.

و عليه منع ظاهر، لعدم تحقّق الإجماع في ذلك، كيف! و في جامع المقاصد قد تأمّل في الحاق المدهوش بالمجنون (1). و لم ينصّ على حكم المسألة أحد من الأصحاب مع أنّه على هذا يكون غير المجبور أسوأ حالًا منه.

أو نلتزم بالثاني و نقول: إنّ المجبور فقط الممنوع من التخاير أخرجه الإجماع، و هو بعيد.

و الظاهر أنّ المنشأ الصدق العرفي في الفرق بين ما ذكر و بين المجبور، و أنّ النائم و الساهي و نحوهما ينسب إليهما فعل الافتراق عرفاً كالمختار القاصد، بخلاف المجبور، فإنّه لا يقال فيه: افترق، بل فرّق.

نعم يبقى الإشكال بالنسبة إلى المجبور في افتراقه الغير الممنوع من اختياره فمقتضى ذلك عدم السقوط فيه إلّا أن يكون الفارق الإجماع، و بناءً على أنّ المستند الإجماع يشكل، إلحاق الصورة الثالثة من الصور الأربع بالاولى، فتأمّل.

فإن قلت: بناءً على أنّ التفرّق المجبور عليه بحكم البقاء في المجلس ينبغي أن يكون البقاء في المجلس و عدم التفرّق المجبور عليه بحكم التفرّق، و تتصوّر فيه تلك الصور الأربع.

قلت: هو قياس مع الفارق، لوجود الدليل في الأوّل دون الثاني، مع أنّ الأصل الاستصحابي كما يثبت الأوّل ينفي الثاني، فتأمّل.

و الجبر على أحد الأمرين من البقاء في المجلس أو التفرّق في وجه خاصّ جبر على التفرّق على إشكال.

و لو اكره أحدهما على المفارقة فإن اكره الآخر على المقام يبقى الخياران، لكونهما مكرهين، و إلّا احتمل بقاؤهما، و انقطاعهما، و بقاء خيار المكره دون الباقي. و كذا لو حبس أحدهما ففارقه الآخر اختياراً.


1- جامع المقاصد 3: 289.

ص: 34

و مبنى الوجوه على أنّ شرط اللزوم تفرّقهما المستند إلى اختيارهما، أو اختيار أحدهما مطلقاً، أو في حقّ المختار خاصّة.

و مستند الأوّل و هو الأقوى أنّه المتبادر من النصّ، و المفهوم من التعليل بالرضا منهما في الصحيح، و يقتضيه الإجماع المنقول، و لأنّ الشكّ في المسقط يقتضي البقاء تمسّكاً بالأصل، و هو اختيار المبسوط و الغنية و التحرير و كنز الفوائد و الشارح هاهنا (1) و ظاهر الإرشاد و المسالك (2). و الثاني ظاهر الشرائع و الدروس و الإيضاح و محتمل القواعد (3). و الثالث محتملها الثاني، و هو ظاهر الخلاف و الجواهر و التذكرة في هذا الفرع (4) لكنّه ذكر في غيره ما ينافيه (5). و المتحصّل من كلامه بعد ردّ بعضه إلى بعض: سقوط الخيارين معاً، لحصول المفارقة باختيار أحدهما، و عدم توقّف الافتراق على تراضيهما، و مقتضى القاعدة السقوط بالتفرّق عدا ما استثني بالدليل، و الأصل لزوم العقد، و التعليل عليل. و ضعفه (6) معلوم ممّا سبق.

و لا يستفاد هذا من إطلاقات روايات مشي الباقر عليه السلام الخطى لإيجاب البيع (7) كما يتخيّل لأنّها منزّلة على الفرد الظاهر.

و قد يوجّه التفصيل بأنّ مفارقة المختار أمارة الالتزام بالعقد فيسقط خياره و إن بقي الآخر، كما لو تبعّض الاختيار فاختار أحدهما الإمضاء و سكت الآخر، فإنّ خيار الساكت باقٍ فقط. و ضعّف بمصاحبة المكره له شرعاً فينتفى الافتراق منهما كذلك، لأنّه لا يقبل التبعّض بخلاف الإيجاب.

و منه يعلم وجه عدم تأثير مفارقة المختار للمجلس ما دام الآخر مكرهاً، لأنّه


1- المبسوط 2:: 84، الغنية: 218، التحرير 1: 166 س 3، كنز الفوائد 1: 447، الروضة 3: 449.
2- الإرشاد 1: 374، المسالك 3: 196.
3- الشرائع 2: 21، الدروس 3: 266، الإيضاح 1: 483، القواعد 2: 65.
4- الخلاف 3: 26 المسألة 35، جواهر الفقه: 55 المسألة 197، راجع التذكرة 1: 518 س 19.
5- المصدر السابق س 23.
6- الظاهر مرجع الضمير: كلام العلّامة قدس سره.
7- الوسائل 12: 347 348 ب 2 من أبواب الخيار ح 1- 3.

ص: 35

معه شرعاً، فلا يسقط الخياران و لا خيار المفارق فقط. خلافاً للعلّامة في التحرير (1). و وجّه الفرق بينه و بين الباقي في المجلس بمصاحبة المُكره له في الثاني دون الأوّل، فإنّه إنّما جبر بمفارقة المجلس و عدم الاختيار معها و قد أسقط حكمها الشارع فيكون كما لو كان في المجلس مختار فيهما.

و فيه نظر بل هو بمنزلة المجبور على البقاء الممنوع من الاختيار.

و في الإيضاح بنى المسألة على بقاء الأكوان و عدمه، و افتقار الباقي إلى المؤثّر و عدمه، و أنّ الافتراق ثبوتي أو عدميّ.

فعلى عدم بقاء الأكوان و احتياج الباقي يسقط، لأنّه فعل المفارقة.

و على القول بالبقاء و الاستغناء و ثبوت الافتراق لا يسقط خياره لأنّه لم يفعل شيئاً و إن قلنا بعدميّة الافتراق و العدم ليس بمعلّل فكذلك.

و إن قلنا: إنّه معلّل سقط أيضاً لأنّه علّته.

و أنت خبير بأنّ الأحكام الشرعيّة لا تبنى على التدقيقات الحكميّة.

و قد يتمشّى بعض وجوه هذه المسألة في الحيّ و الميّت. قوله: فإذا زال الإكراه.

فلهما الخيار في مجلس الزوال (2) إذا زال الإكراه فهل الخيار (3) على الفور أو على التراخي مطلقاً أو محدود بمجلس الزوال؟ وجوه.

فذهب العلّامة في أحد قوليه في التحرير و التذكرة إلى الأوّل (4) اقتصاراً فيما خالف أصل اللزوم على المتيقّن.

و ذهب الشيخ في المبسوط إلى الثالث (5) و إليه ذهب الشارح هنا (6) و مال إليه الميسي.

و فيه: أنّ المراد بالمجلس في هذا المقام مكان البيع لا مطلق المجلس


1- التحرير 1: 166 س 3.
2- الروضة البهيّة 3: 449.
3- العبارة في المطبوعة هكذا: و هل الخيار بعد زوال الإكراه من المتبايعين و رجوعه إليهما.
4- التذكرة 1: 518 س 6، و أمّا التحرير فهذا نصَّه: و يثبت لهما الخيار في مجلس زوال الإكراه ما لم يفترقا. راجع ج 1 ص 166 س 2.
5- المبسوط 2: 84.
6- الروضة 3: 449.

ص: 36

فتحديده بهذا المجلس لا دليل عليه. فإمّا أن يجعل على الفور أو يجعل على التراخي غير محدّد بالمجلس المذكور، و الاستصحاب مقطوع لتغيّر الموضوع.

و قد يجاب عنه بأنّه لمّا لم يكن هذا الافتراق افتراقاً بحكم الشرع فالمجلس باقٍ إلى حين زوال الإكراه و هو مجلس العقد غير أنّه في صورة البُعد المفرط و عدم صدق الاجتماع هل المدار على مجلسهما بعد زوال الإكراه اختلف حالهما فيه في القيام و القعود و المشي و العدو و غير ذلك أم لا علم أحدهما بحال صاحبه أو لا، أو يبنى فيهما على مجلس المكره بعد زوال الإكراه، فإن فارقه و إن لم يعلم الآخر سقط خيارهما و إن لم يفارقه بقي الخياران قام الآخر من مجلسه أو لا، أو يبنى على مجلس العلم في غير المكره. و في المكره على مجلس زوال الإكراه، أو يبنى فيهما على مجلس العلم و صدق الاجتماع و يشترط مراقبة أحدهما لصاحبه؟ وجوه و احتمالات أو فقها بالقواعد الأوّل و أقربها إلى الاعتبار الأخير.

و ذهب بعض المحقّقين إلى الثاني، و استدلّ عليه بالأصل، و بأنّ خيار المجلس موضوع على التراخي و هذا منه أو بدل عنه (1). و الثاني لا يدلّ على مطلوبه.

و اقتصر في الدروس على حكاية قول الشيخ (2). و في المسالك على ذكرهما (3) وجهين (4). و ظاهرهما التوقّف.

و لو زال الإكراه عنه و هو سائر انقطع الخيار بمفارقة موضع التمكّن على أحد الوجهين كما لو فارق مجلس الزوال إلّا في طريق العود إن لم يؤدّ إلى البعد و لا يجب العود و إن قصرت المسافة و لا يتحرّى الأقصر. خلافاً لبعض العامّة في الأوّل (5) و لا عبرة به.

[و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر]

قال المصنّف: «و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر قدّم الفاسخ»

لأنّ الفسخ يمضي على الآخر بخلاف الالتزام فإنّه إنّما يجري على نفسه لأنّه


1- مفتاح الكرامة 4: 542.
2- الدروس 3: 266.
3- كذا في الأصل.
4- المسالك 3: 196.
5- نسبه العلّامة قدس سره إلى الجويني، راجع التذكرة 1: 518، س 19.

ص: 37

عبارة عن إسقاط حقّه من الخيار و لا ينافي ثبوت حقّ الثاني فيكون كما لو اختصّ الخيار بأحدهما، و لأنّ سلطان الفسخ بأصل العقد مع المجلس و الإسقاط جديد للشرط سواء كان شرط إسقاط أو شرط سقوط فإنّه و إن قارن السقوط العقد في الثاني إلّا أنّه متأخّر في الرتبة فإنّ الشرط متأخّر عن المشروط.

و على كلّ حالٍ فقد تقدّم ما ينافيه فلا يؤثّر، أو يكون التأثير للفسخ المتأخّر عنه، أو يكون حكماً تعبّديّاً مستنده الإجماع على الظاهر.

و تقرير السبب بأنّ الإسقاط أصل و الفسخ عارض، مقلوب على قائله.

و تنظّر صاحب الكفاية في تقديم الفاسخ (1) و هو في غير محلّه.

و لو كان الإسقاط و الفسخ من واحد كصدوره من وليّين عليه أو وكيلين مطلقين له دفعة واحدة، فأقوى الوجوه التساقط و يبقى على حاله.

و لو كان من المالك و الوكيل، قام فيه وجهان: الصحّة و يكون ذلك عزلًا للوكيل أو بحكمه، و البطلان. و لعلّ الأقوى الأوّل.

[و لو خيّره فسكت فخيارهما باقٍ]

قال المصنّف: «و لو خيّره فسكت فخيارهما باقٍ»

لو قال أحدهما لصاحبه: اختر، فلا يخلو فإمّا أن يقول: عنّي أو عنك أو عنّا أو يطلق، ثمّ إمّا أن يعيّن المختار إمّا الفسخ أو إسقاطه أو يطلق، ثمّ إمّا أن يسكت الآخر أو يجيب بأحد الأمرين من الفسخ أو الإمضاء أو يجيب بالعدم. فالصور ثمان و أربعون.

و الظاهر أنّه لو قال: اختر عنك، ليس من محلّ البحث في شي ء. أمّا لو قال: عنّا أو عنّي، فالظاهر أنّ السكوت لا يفيد شيئاً في جميع الأقسام.

أمّا خيار المخيّر فباق إجماعاً و كذا خيار الآخر في صورة الإطلاق كما في المبسوط و الخلاف و الشرائع و المختلف و التحرير و القواعد و الإيضاح و الدروس و غاية المرام و تلخيص الخلاف و كنز الفوائد (2) و فتوى الشارح هنا و في


1- الكفاية: 93 س 2.
2- المبسوط 2: 82 83، الخلاف 3: 21 المسألة 27، الشرائع 2: 21، المختلف 5: 62، التحرير 1: 165 س 31، القواعد 2: 65، الإيضاح 1: 481، الدروس 3: 266، غاية المرام 2: 34، تلخيص الخلاف 2: 12، كنز الفوائد 1: 445.

ص: 38

المسالك (1) للأصل، و إطلاق النصّ، و عدم دلالة التخيير على الالتزام.

و حكى الفاضلان في الشرائع و المختلف (2) قولًا بسقوط خيار القائل، لأنّه ملّك صاحبه ما ملكه من الخيار و الخيار حقّ من الحقوق يقبل التمليك بصلح و بغيره، و للخبر: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر (3).

و التخيير لا يدلّ على التمليك. و الخبر عامّي و ظاهره سقوط الخيارين معاً، و هو خلاف الإجماع فيحمل على الامضاء.

و عزى المحقّق الكركي و الشهيد الثاني هذا القول إلى الشيخ (4) و هو غريب! لتصريحه بخلافه في المبسوط و الخلاف و حكاه عنه العلّامة و ولده (5) كذلك.

و على هذا القول فيما لو أجاب بالعدم فهل حكمه حكم السكوت و يكون التمليك قهريّاً و إن لم يرض به أو لا؟ وجهان، لعلّ الأقوى المساواة.

و قد يقال: إنّ معنى السكوت في كلامهم يعني بالنظر إلى الفسخ أو الإمضاء و إلّا فلا بدّ من القبول قولًا أو فعلًا و لا معنى للتمليك القهريّ، فلو سكت أو أجاب بالعدم لم يكن من المسألة.

و في التذكرة: يسقط خيار الآمر إن قصد تمليك الخيار (6) و إلّا فهو باقٍ و إن اختار صاحبه الإمضاء.

و الحقّ أنّ قول القائل: «اختر» يحتمل التمليك و التفويض و الاستكشاف. فإن قصد الأوّل سقط خياره.

و إن سكت الآخر أو الأخير لم يسقط و إن أمضى، و إن قصد التفويض سقط مع الإمضاء دون السكوت.

و الظاهر من التخيير التفويض، و لذا فرّقوا بين السكوت و الإمضاء.

و لا يتوجّه على المشهور انّكم تقولون فيما لو أذن أحد المتعاقدين للآخر في


1- الروضة 3: 449 490، المسالك 3: 197.
2- الشرائع 2: 21، المختلف 5: 62.
3- مسند أحمد 2: 73.
4- جامع المقاصد 4: 285، المسالك 3: 197.
5- المختلف 5: 62، الإيضاح 1: 480.
6- التذكرة 1: 518 س 39.

ص: 39

التصرّف: سقط خيار الآذن و إن لم يتصرّف الآخر لأنّ ظاهر الإذن الالتزام بالعقد، و يلزمُكم مثلهُ في التفويض بأقسامه.

قلنا: فرق بين المقامين، لعدم وجود ذلك الظهور الّذي في الإذن في التفويض، فتأمّل.

هذا كلّه مع السكوت إذا لم يصرّح بالمتعلّق. و لو صرّح بالمتعلّق فإن قال: «اختر الإمضاء» فالحكم كما لو أطلق. و لو قال: «اختر الفسخ» فخيار الآمر باق و إن أمضى المخيّر. و ظاهر الدروس سقوطه (1) و هو بعيد.

أمّا مع الجواب، فإن كان بالإمضاء بطل الخياران سواء أطلق المخيّر أو قال: «اختر الإمضاء». أمّا لو قال: «اختر الفسخ» فلا، كما صرّح به الشيخ و ابن زهرة و العلّامة و الشهيد (2) و غيرهم. و في الغنية و ظاهر الخلاف الإجماع عليه (3).

و إن أجاب بالفسخ سواء أطلق المخيّر أو قال: «اختر الفسخ» انفسخ العقد.

أمّا لو قال: «اختر الإمضاء» فأجاب بالفسخ و قصد الفسخ بالحقّ المنتقل إليه لا الفسخ لحقّ نفسه، لم ينفسخ على إشكال.

و إن أجاب بالعدم فهو أولى بعدم التأثير من السكوت.

[تتميم:]

تتميم: ذكر جماعة من الأصحاب مسقطين آخرين لهذا الخيار غير ما ذكره المصنّف:

الأوّل: بيع من ينعتق على المشتري فإنّه لا خيار له فيه و لا للبائع، كما في التذكرة و القواعد و غاية المرام و كنز الفوائد و تعليق الإرشاد و المسالك (4) لدخوله في ملك المشتري بنفس العقد فينعتق بمجرّد الملك، و العتق لا يقع متزلزلًا، و الحرّ لا يعود رقّاً.


1- الدروس 3: 266.
2- لم نجد التصريح ممّن ذكره، راجع الخلاف 3: 21 المسألة 27، الغنية 217، المختلف 5: 62، الدروس 3: 266.
3- الغنية: 217، الخلاف 3: 21 المسألة 27.
4- التذكرة 1: 516 س 5، القواعد 2: 65، غاية المرام 2: 43. تعليق الإرشاد (مخطوط) الورقة: 133، المسالك 3: 212.

ص: 40

و في الصحيح في من ينعتق من الرجال و النساء: إنّهم إذا ملكوا عتقوا، و إنّهنّ إذا ملكن عتقن (1).

و أكثر النصوص و كثير من العبارات نفي الملك، و حقيقة النفي و أقرب مجازاته ينفيان الخيار، لأنّ أقرب المجازات نفي الأحكام و الآثار، و أعظمها الخيار.

نعم يثبت على القول بانتقال المبيع بعده إذ لا مانع منه، و مدرك المسألة انّ بين دليلي العتق و الخيار عموماً من وجه، لأنّ ظاهر الروايات أنّ تقدّم الملك عقلي.

نعم لو قلنا بأنّه زماني لم يحصل التعارض إلّا بضميمة تلك القاعدة، و دليل العتق أقوى من وجوه:

أوّلًا: أنّ العتق عندهم مبنيّ على التغليب و يترجّح بأدنى مرجّح.

و ثانياً: أنّ أدلّته أنصّ على هذا المورد من أدلّة الخيار.

و ثالثاً: يظهر من الأردبيلي أنّه فهم من العلّامة في التذكرة عدم الخلاف فيه بين الأصحاب (2) و لا أقلّ من أنّه المشهور فيما بينهم، مع أنّه على تقدير تكافؤ الدليلين يرجع إلى الأصل و هو لزوم العقد فلا معنى للقول بالجمع بين الدليلين بناء على إنكار قاعدة عدم وقوع العتق متزلزلًا و عدم جواز عود الحرّ رقّاً، فإنّ الظاهر أنّها مجمع عليها فيما بينهم.

و احتمل في الدروس ثبوته للبائع على المشهور (3) لسبق تعلّق حقّه (4) فيقف العتق على التفرّق أو يثبت الخيار في القيمة دون العين جمعاً بين الحقّين و تنزيلًا لها منزلة التالف. و هو بعيد خصوصاً مع علم البائع و تقدّم حقّه ممنوع، فإنّ الخيار بعد الملك كالعتق و القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها دون المبدل، هكذا قيل (5).

و فيه: أنّ ذلك فيما لو تفرّع على استحقاق العين كما في التلف فحقّ، أمّا لو قضى به الدليل الخارجي فلا امتناع، نعم يتوجّه عليه ما تقدّم. و لعلّه يريد ذلك.


1- الوسائل 13: 29 ب 4 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
2- مجمع الفائدة 8: 390.
3- الدروس 3: 266.
4- كذا في الأصل أيضاً، و الظاهر زيادة: على المشهور.
5- ذكره في مفتاح الكرامة: ج 4 ص 548 س 32 بلفظ: بل قد يقال.

ص: 41

و عُدّ من قبيل ما نحن فيه في سقوط هذا الخيار شراء العبد نفسه إن جوّزناه لكنّا لا نجيزه، و ما إذا قهر الحربي قريبه و باعه للمسلم فإنّه استنقاذ و بيع الكافر المصحف و المسلم، و ما إذا اشترى المملوك ليرث، و ما إذا كان المبيع جمداً في شدّة الحرّ فإنّه يذوب شيئاً فشيئاً، إلّا أن يقال: إنّ التلف لا يسقط الخيار، إلى غير ذلك.

ثانيهما: التصرّف من المشتري بالبيع، فإنّه مسقط لهذا الخيار، كما في الخلاف و الكافي و الجواهر و السرائر و التذكرة و التحرير و القواعد و الإيضاح و الدروس و التنقيح و تلخيص الخلاف و كنز الفوائد و المسالك (1) للتعليل بالرضاء المستفاد من الصحيحين الواردين في سقوط الخيار بالافتراق و خيار الحيوان بالتصرّف (2). و فيه: أنّ الظاهر من الأصحاب أنّه لبيان الحكمة لا العلّة، و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

و لنقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة على أنّ المشتري متى تصرّف في المبيع سقط خياره (3) و ورود الأخبار به عنهم عليهم السلام مشيراً بذلك إلى ما أورده في كتاب الحديث و لم يوجد فيه ما يدلّ على إبطال التصرّف لمطلق الخيار إلّا من جهة التعليل (4)، و وافقه القاضي على الثاني فادّعى ورود الأخبار به دون الأوّل (5) و كما يسقط خيار المشتري بتصرّفه في المبيع فكذا يسقط خيار البائع بتصرّفه بالثمن المعيّن، لاشتراك العلّة و هي الدلالة على الرضا بالبيع إن قلنا بتماميّتها فيه، و إلّا كان المستند الإجماع المنقول و هو خاصّ بالمشتري. و لو انعكس الأمر فتصرّف البائع بالمبيع أو المشتري بالثمن كان فسخاً من دون معونة القرينة بناءً على ثبوت التعليل المتقدّم حملًا لفعل المسلم على الصحّة، فيبطل به الخياران معاً.


1- الخلاف 3: 23 24 المسألة 31، الكافي في الفقه: 353، جواهر الفقه: 54 55 المسألة 196، السرائر 2: 247 248، التذكرة 1: 517 س 13، التحرير 1: 165 س 30، القواعد 2: 65، الإيضاح 1: 48، الدروس 3: 266، التنقيح 2: 50، تلخيص الخلاف: 13، كنز الفوائد 1: 453، المسالك 3: 197.
2- الوسائل 12: 346، 350 ب 1، 4 من أبواب الخيار ح 3، 1.
3- الخلاف 3: 23 المسألة 31.
4- راجع التهذيب 7: 24، 75 ح 102، 320.
5- جواهر الفقه: 55.

ص: 42

و أهمل جماعة حكم التصرّف في هذا الخيار و اقتصروا على سقوطه بالتفرّق و التخاير. و قصّره جمع منهم عليهما فقالوا: إنّما سقط بالتفرّق و التخاير، و منهم الشيخ في المبسوط و ابن زهرة و ابن سعيد و ابن إدريس في موضع من السرائر (1). و آخرون قصّروا الأمر على الافتراق موافقة للفظ النصّ (2)، و ظاهر المتأخّرين عدم الخلاف، و هو كذلك، و ينبّه عليه الإجماع المنقول و بُعد الاختلاف في التخاير مع تكثّر نقل الإجماع (3) فيه و تخصيصهم خيار الغبن بالبقاء مع التصرّف، و تعليلهم السقوط به في غيره بدلالته على الرضا و العلّة مشتركة فيشترك المعلول، فالقصر على البعض و الاقتصار قصور في العبارة و اتّكالًا على الظهور لا مخالفة في الحكم. و سيجي ء تمام الكلام في التصرّف إن شاء اللّٰه.


1- المبسوط 2: 82، الغنية: 217، الجامع للشرائع: 247، السرائر 2: 246.
2- المقنعة: 591، النهاية 2: 135، 136، المراسم: 172، المفاتيح 3: 68.
3- راجع الغنية: 217 و الخلاف 3: 21، المسألة 27 فإنّ ظاهره الإجماع عليه كما نسبه إليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 4 ص 543 س 31 و التذكرة 1: 517 س 19.

ص: 43

[الثاني: خيار الحيوان]

اشارة

قال المصنّف:

«الثاني: خيار الحيوان»

و المراد بالحيوان كلّ ذي حياة صغيراً بالذات أو بالوصف كالجراد و دود القزّ و زنبور العسل و العَلق و نحوها على إشكال، أو كبيراً، إنسيّاً أو وحشيّاً، برّيّاً أو بحريّاً و إن خرج من الماء و اشترطنا إمكان البقاء لإمكان عوده إلى ما يعيش فيه. فلو تركه المشتري على الجُدد حتّى مات فلا ضمان على البائع إنساناً أو غير إنسان حيواناً تامّاً أو جزءاً مشاعاً على إشكال. أمّا الجزء المعيّن منه كالرأس على القول بجواز بيعه فلا خيار فيه على الأقوى مستقرّ الحياة أو غير مستقرّ. و في غير المستقرّ وجهان: بالنظر إلى صحّة البيع و عدمها و ثبوت الخيار و عدمه نظراً إلى أنّه لا فائدة فيه فأشبه بيع الميتة و الخيار لا يمكن للموت، و باعتبار حصول الفائدة فيه و لو بشعره و وبره و عظمه. فلو فرض أنّه لا فائدة فيه أصلًا لم يكن فساد البيع من جهة عدم استقرار الحياة، بل لهذا الوجه.

و دعوى عدم إمكان الخيار للموت، ممنوعة لإمكان اختيار المشتري الفسخ قبل الموت. و لو لم يفسخ كان تلفه من مال بائعه كما هو القاعدة في خيار الحيوان.

و الأقوى الثبوت لعموم الأدلّة الدالّة على ثبوت هذا الخيار في كلّ حيوان.

فلو باع غير مستقرّ الحياة مع العلم بأنّه لا يبقى ثلاثة أيّام أو باع حيّاً من السمكة و الجراد و لا يبقى كذلك، احتمل القول بانتفائه لانتفاء موضوعه، و

ص: 44

بالثبوت بمقدار الحياة لأنّ معنى خيار الحيوان خياره ما دام حيّاً فيكون كما إذا مات اتّفاقاً، و بالثبوت إلى الغاية، و خير الثلاثة أوسطها.

أمّا الميّت مذبوحاً أو منحوراً أو ميّتاً مذكّى كالسمك و الجراد، فلا خيار لمشتريه.

و الظاهر إنّه لا فرق بين كون الحيوان مبيعاً مستقلًّا أو منضمّاً إلى غيره.

و ما يقال: إنّ ثبوت هذا الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقّن و المركّب من الداخل و الخارج، لا وجه له.

و على تقدير ثبوت الخيار فليس الفسخ فيه فقط، و لو فسخ فيه فإمّا أن يقع باطلًا أو يكون فسخاً في الكلّ كما سبق، لا باعتبار الضرر بالتبعيض، فإنّ ذلك في الخيار الّذي مستنده الضرر لا يخلو من إشكال لتعليلهم فيه بأنّ الضرر لا يجبر بمثله، بل لأنّ الفسخ عائد إلى العقد، و العقد واحد فلا يتبعّض، و باب التبعيض للصفقة ليس فسخاً لبعض العقد، و إنّما هو انفساخ من الأصل أو شي ء قضى به الدليل.

و قولهم: إنّ العقد بمنزلة عقود، يريدون بالنسبة إلى ذلك.

و قول جماعة من الأصحاب بمشروعيّة الإقالة بالنسبة إلى البعض، إن قام عليه إجماع فذلك، و إلّا منعناه.

و ما يتخيّل: من أنّ العقد كصيغة الأمر يقع الامتثال ببعض أفراد المأمور به دون البعض و إنّ العقد له تأثيرات متعدّدة فيرتفع بعضها و يبقى الباقي، لا وجه له، بل هو من قبيل الأسباب و هو سبب واحد، و الأسباب الشرعيّة كالأسباب العقليّة فلا يرتفع بعض آثارها و يبقى الباقي، إذ بارتفاعه ترفع العلّة.

[و هو ثابت للمشتري خاصّة]

قال المصنّف: «و هو ثابت للمشتري خاصّة»

ثبوت هذا الخيار في الجملة مجمع عليه بين الأصحاب إجماعاً محصّلًا أو منقولًا نقلًا مستفيضاً، و النصوص به مستفيضة (1).

[و البحث في هذه المسألة يقع في مقامات]

اشارة

و البحث في هذه المسألة يقع في مقامات:


1- الوسائل 12: 348 ب 3 من أبواب الخيار.

ص: 45

[الأوّل في اختصاص هذا الخيار بالبيع]

[الأوّل في اختصاص هذا الخيار بالبيع] فنقول: لم نر من الأصحاب من نصّ على جريان خيار الحيوان في غير البيع و لا على عدمه، و الاقتصار على البيع كما في خيار المجلس عدا بعض من متأخّري المتأخّرين (1). إلّا أنّ ظاهر كلماتهم و فحاوي الأخبار يقضي بالاقتصار، و هو الموافق لمقتضى الأصل و القاعدة في الخيار.

و ما يتخيّل: من الجريان استناداً إلى عموم الحكمة في ثبوت الخيار في الحيوان دون غيره، فضعيف، لعدم النصّ على الحكمة نصّاً معتدّاً به، و لا قام عليه إجماع، مع أنّ الحكمة لم تصل إلى حدّ منصوص العلّة حتّى يحكم بجريانها على أنّه ربّما كانت الحكمة في خصوص البيع، لكثرة دورانه بخلاف ما عداه.

و دعوى: تنقيح المناط، ممّا لا يتفوّه به. فحينئذٍ فكلّما شكّ في شمول البيع له لا يحكم بجريان هذا الخيار فيه، و كذا كلّ خيار خاصّ بالبيع.

و قد تقدّم تفصيل ذلك في خيار المجلس.

[الثاني في معنى البائع و المشتري]

[الثاني في معنى البائع و المشتري] و فيه وجوه:

أوّلها: أنّ البائع من خلا مالُه المنقول منه من الباء، و المشتري بخلافه.

ثانيها: أنّ البائع المطلوب منه، و المشتري الطالب.

ثالثها: أنّ البائع المبتدي بالعقد، و المشتري بخلافه.

رابعها: البائع الموجب، و المشتري القابل.

خامسها: البائع مصدر الفعل، و المشتري مصدر الانفعال.

سادسها: البائع ناقل الجنس، و المشتري ناقل النقد.

سابعها: البائع المستدعي للمنقول إليه أوّلًا عادة، و المشتري بخلافه.


1- لم نظفر به.

ص: 46

ثامنها: أنّ البائع هو المنادى على ما في يده، و المشتري بخلافه.

تاسعها: أنّ المشتري صاحب المماكسة، و البائع بخلافه.

عاشرها: أنّ المشتري ناقل الثمن و هو ما من شأنه دخول الباء، و البائع بخلافه. إلى غير ذلك.

و لو حاولت الجمع منها بين صفتين ممّا ذكر كانت خمساً و أربعين صورة، و لو حاولت التثليث و التربيع و التخميس و هكذا تعدّدت الصور، و الكلّ لا وجه له.

و كلّها أو جلّها ينتقض بالسلم، و بصورة تقديم القبول على الإيجاب، و في العقد بصيغة الشراء من الجانبين بناءً على جوازه.

و في التمييز بالمعاطاة الفعليّة لو جعلناها بيعاً، و في عقد الأخرس إشكال.

و لعلّ الظاهر اختلافهما بالنظر إلى هذه الوجوه باختلاف المقامات.

و بذلك يرتفع الاشتباه، و على تقديره، فمع الشكّ في صدق اسم المشتري ينفى الخيار بالأصل، فتأمّل.

و مثل هذا البحث يجري بالنظر إلى لفظ الثمن و المثمن.

و تظهر الثمرة بالنسبة إلى ما يترتّب على كلّ واحد منهما من الأحكام.

و تعريفهم الثمن بدخول الباء، فيه: أنّه لا يجدي في مثل بعتك على عوض كذا أو الثمن كذا. و كذا جعل الثمن الفضّة و الذهب لا يجري فيما لو كان كلّ منهما من جنس الذهب و الفضّة بل ربّما يكون المبيع من جنسهما و الثمن من غيرهما. و الأولىٰ جعل المثمن هو الواقع في المرتبة الاولى بعد الإيجاب و القبول و الثمن بخلافه، أو ما قصد بالأصالة لا بالإبدال و الثمن بخلافه، أو ما من شأنه عدم دخول الباء و الثمن بخلافه.

[المقام الثالث في اختصاصه بالمشتري]

[المقام الثالث في اختصاصه بالمشتري] و قد اختلف فيه الأصحاب، فقيل باختصاصه به و عدم ثبوته للبائع مطلقاً سواء كان الثمن و المثمن حيوانين أو أحدهما حيواناً دون الآخر، و هو المنقول عن

ص: 47

الشيخين و الصدوقين و أبي عليّ و أبي يعلى و الطوسي و الآبي و الشاميّين الخمس و الحلّيين الستّ (1). و هو المشهور بين الأصحاب شهرة محصّلة و منقولة نقلًا مستفيضاً.

و استدلّ عليه بالأصل، و الإجماع كما في الغنية (2) و ظاهر الدروس (3) و عموم الكتاب (4) و عموم روايات خيار المجلس، و خصوص الصحاح (5):

منها: الصحيح الصريح عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة. رواه الحميري في قرب الإسناد (6).

و ما رواه الراوندي في فقهه قال: و عن فضيل قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيّام شرط ذلك في حال العقد أو لم يشترط، و يكون الخيار للمبتاع خاصّة (7). و لا يقدح في ذلك كون المرويّ في الكافي و التهذيب عن فضيل في الصحيح: «ما الشرط في الحيوان؟ فقال: ثلاثة أيّام للمشتري. قلت: و ما الشرط في غيره؟ فقال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا (8)» لأنّه من القدماء و أخذه من الاصول القديمة.

و في هذه الرواية دلالة على المطلوب من وجوه:

منها: الحصر المستفاد من التعريف، فإنّ التقدير «الخيار في الحيوان


1- المقنعة: 592، المبسوط 2: 78، المقنع: 365، المراسم: 173، الوسيلة: 248، كشف الرموز 1: 457، الكافي في الفقه: 353، المهذب 1: 353، الدروس 3: 272، الروضة 3: 45، جامع المقاصد 4: 291، السرائر 2: 243 244، الشرائع 2: 22، الجامع للشرائع: 247، 261، النزهة: 586، المختلف 5: 64، الإيضاح 1: 483، التنقيح 2: 45.
2- الغنية: 219.
3- الدروس 3: 272.
4- المائدة: 1.
5- راجع الوسائل 12: 345 و 348، ب 1 و 3 من أبواب الخيار.
6- الوسائل 12: 350، ب 3 من أبواب الخيار ح 9.
7- فقه القرآن 2: 51.
8- الكافي 5: 170 ح 6، التهذيب 7: 20 ح 85.

ص: 48

للمشتري» و فرق بينه و بين قولنا: «المشتري للحيوان بالخيار» فإنّ الثاني إنّما يدلّ بمفهوم الوصف و الأوّل به و بالحصر.

و منها: ظهور اللام في الاختصاص.

و منها: المقابلة بثبوت الخيار في غير الحيوان للبائعين.

و منها: ظهور هذا الوصف في التقييد لتعقّبه السؤال و المعصوم في مقام تعريف خيار الحيوان، و كلّ قيد في مقام التعريف يعتبر يقيناً، لأنّه احترازيّ كما تقرّر في محلّه.

و كما أنّ المفهوم من «ثلاثة أيّام» أنّه ليس أقلّ منها و لا أكثر لأنّه في مقام البيان، فكذا ما نحن فيه.

و لا يقدح في الاستناد إلى الرواية ظهورها في كون خيار المجلس مختصّاً بغير خيار الحيوان فتكون متروكة الظاهر، لأنّ ذلك إنّما وقع تبعاً لسؤال السائل.

و تقرب من هذه الرواية في الدلالة صحيحة ابن رئاب: الشروط في الحيوانات ثلاثة أيّام للمشتري (1).

و في صحيحة الحلبي: في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري و هو بالخيار فيها اشترط أو لم يشترط (2).

و موثّقة ابن فضّال: صاحب الحيوان المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيّام (3).

و هذان الروايتان دالّتان بمفهوم الوصف، و يتلوهما الصحيحان «البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام (4)» فإنّهما ظاهران بحسب السوق في حصر خيار الحيوان بأحدهما، فإن اريد به البائع كانتا مخالفتين للإجماع فتعيّن أن المراد به صاحبه بعد العقد، و هو المشتري.


1- الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
3- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
4- الوسائل 12: 345، ب 1 و 3 من أبواب الخيار، ح 1 و 6.

ص: 49

و يشهد له تقييده به في الموثّقة مضافاً إلى أنّه هو المتبادر لأنّه قد انتقل إليه عنه، و أيضاً فالحيوان في ضمان البائع مدّة الخيار كما دلّ عليه الصحيح و المرسل و غيرهما (1) و لو لا اختصاص المشتري به لكان من ضمانه.

و في مكاتبة الصفّار للعسكريّ المشتملة على أنّهُ مع إحداث المشتري حدثاً يجب الشراء (2) و ظاهرها الوجوب من الطرفين ما يقضي بذلك.

و أيضاً فالمدّة إنّما ضربت فيه لمكان الاختيار، و البائع خبير فلا خيار.

و ذهب السيّدان المرتضى و ابن طاوس إلى ثبوت الخيار لهما (3) و إطلاق الخلاف (4) قد يؤذن بموافقتهما، و كذا الكافي لو لا تصريحه بضمان البائع (5) و إليه مال الشهيد الثاني قال: و هو في غاية القوّة إن لم يثبت إجماع على خلافه (6) كذلك صاحب المفاتيح (7).

و توقّف الشهيد الأوّل في غاية المراد و حواشي القواعد و أبو العبّاس في المقتصر (8) للإجماع كما في الانتصار و الخلاف (9) و الصحيح «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا» (10) و ما اشتمل من الروايات على لفظ «صاحب الحيوان» بناءً على أنّ المراد من انتقل عنه.

و إجماع الانتصار مردود بالشذوذ و الانحصار، لأنّ ابن طاوس غير داخل تحت معقده، لتأخّر عصره عنه، فانحصر القائل بمضمونه بمدّعيه.

و غرض الشيخ في الخلاف إثبات أصل الخيار ردّاً على العامّة، و إنّما احتجّ


1- الوسائل 12: 351، ب 5 من أبواب الخيار.
2- الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
3- الانتصار: 433، المسألة 245، و حكاه الفاضل الآبي في كشف الرموز ج 1 ص 459 عن السيّد بن طاوس رحمه الله.
4- الخلاف 3: 12، المسألة 8.
5- الكافي في الفقه: 353.
6- المسالك 3: 200.
7- المفاتيح 3: 68 69.
8- غاية المراد: 97، حواشى القواعد: 64 س 3، المقتصر: 169.
9- الانتصار: 433 المسألة 245، الخلاف 3: 12، المسألة 8.
10- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.

ص: 50

بالإجماع على ذلك دون العموم لتصريحه في النهاية و المبسوط باختصاصه بالمشتري (1) و يتّفق وقوع مثل ذلك منه كثيراً.

و الصحيح مع كونه متروك الظاهر، لأنّ ظاهره اختصاص خيار المجلس بغير الحيوان، لقوله عليه السلام: «و فيما سواه .. إلخ» و لا يرد علينا مثله في خبر قرب الإسناد، لأنّ الظهور هنا نشأ من كلام المعصوم و في ذلك من كلام السائل و ركاكته بزيادة لفظة «من بيع» غير واضح السند، لأنّ فيه أبا أيّوب بن عيسى أو بن عثمان أو بن زياد و إن كان الظاهر أنّه الثقة، إلّا أنّ ذلك ممّا يوهنه. و لا صريح الدلالة (2) لاحتماله ثبوت الخيار للمشتري على البائع فيكون بينهما كما في المختلف (3) أو على أنّ الخيار للمجموع، من حيث المجموع فلا يدلّ على ثبوته في الأفراد كما في غيره أو على غير ذلك.

و روايتا «صاحب الحيوان» دالّة (4) على الخلاف كما سبق.

و على كلّ حال فدليل المرتضى لا يعارض الصحاح المشتملة على النصّ الصريح المعتضدة بجهات الترجيح كالمطابقة لظاهر الكتاب و الشهرة الظاهرة بين الأصحاب و أصل اللزوم و الإجماع المنقول بل المعلوم و موافقة الاعتبار و ظواهر الأخبار، فلا مجال للتوقّف، و لا لتقوية هذا القول، مع أنّ راوي حجّة الخصم محمّد ابن مسلم قد روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: البيّعان بالخيار حتّى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام (5). فالراوي و المرويّ عنه فيهما واحد.

و روى هذا الخبر زرارة بعينه في الصحيح (6) و اللفظ فيهما مسند إلى النبيّ صلى الله عليه و آله


1- النهاية 2: 140، المبسوط 2: 78.
2- عطف على قوله: غير واضح السند.
3- المختلف 5: 65.
4- كذا، و المناسب: دالّتان.
5- الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
6- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 6.

ص: 51

فيشبه أن يكون هذان هما الأصل. و الأوّل مرويّ بظنّ الموافقة لهما في المعنى.

و ذهب الصيمري إلى ثبوته للمتبايعين إذا كان المبيع حيواناً بحيوان (1). و جعله المحقّق الثاني ثالث الأقوال و نفى عنه البعد و جعله كالعلّامة محملًا (2) لصحيحة محمّد بن مسلم السابقة في حجّة المرتضى (3)، و به يحصل الجمع بين الأدلّة.

و أنت خبير بأنّ الجمع فرع التكافؤ و قد علمت عدمه، مع أنّه لا شاهد عليه.

و ذهب الشهيد الثاني في المسالك و الأردبيلي في مجمع البرهان إلى ثبوته لذي الحيوان مطلقاً فيكون لهما إذا كان العوضان حيوانين و للمشتري خاصّة في بيع الحيوان بغيره، و للبائع كذلك في بيع غيره به (4) و قوّاه الشارح هنا (5). و احتمله العلّامة في التذكرة (6) نظراً إلى الحكمة المشتركة فإنّ اختصاص الحيوان بالخيار لاشتماله على امور باطنة لا يطّلع عليها إلّا بالتروّي و الاختبار مدّة فلو كان هذا الخيار غير محدود لأفضى إلى الضرر لأدائه إلى الفسخ بعد مدّة طويلة و لا محدوداً بيوم لأنّه لا يظهر فيه حاله غالباً و باليومين قد يشتبه العيب فحدّد بالثلاثة. و هذه الحكمة مشتركة في الجانبين، و تمسّكاً بالجمع بين الأخبار، و عملًا بإطلاق ثبوته لصاحب الحيوان في الصحيحين (7).

فأمّا الحكمة فإن اريد بها العلّة المستنبطة فلا يجوز العمل بها ما لم تكن معلومة علماً قطعيّاً من عقل أو إجماع فتكون منقّحة، و إن كانت منصوصة كفىٰ فيها الظنّ، لأنّ الدلالة حينئذٍ لفظيّة، و ليس في المقام شي ء منهما قطعاً.

و إن اريد بها الحكمة في شرع الحكم و موافقته للاعتبار، ففيه: أنّ هذه لا يناط


1- غاية المرام: 2: 35 36.
2- جامع المقاصد 4: 291، المختلف 5: 64 65.
3- الانتصار: 433 المسألة 245.
4- المسالك 3: 200، مجمع الفائدة 8: 395.
5- الروضة 3: 450.
6- التذكرة 1: 519 س 19.
7- الوسائل 12: 345، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1، 6.

ص: 52

بها حكم، لعدم انضباطها، و اطّراد الحكم بدونها، على أنّه ربّما كانت الحكمة ما ذكروه مع كثرة الوقوع و الصدور بخلاف الفرض المذكور، و الجمع فرع التكافؤ، مع أنّه لا شاهد عليه، و المتبادر من «صاحب الحيوان» في الصحيحين خصوص المشتري له لا البائع و لا المنتقل إليه ببيع شي ء به و لا الناقل مطلقاً بائعاً له أو مشترياً غيره به، على أنّ تقييده به في الموثّق يفيد الاختصاص به حكماً، للجمع بين العامّ و الخاصّ بناءً على كون الصفة مخصّصة، أو موضوعاً بناءً على أنّ الصفة كاشفة، و أنّ المتبادر إنّما هو خصوص المشتري، و أمّا البائع مطلقاً فلا ينصرف إليه الإطلاق قطعاً.

و على تقديره، يلزم انّه متى كان أحد العوضين حيواناً يثبت الخيار للمتبايعين، و هذا لم يقل به أحد و لا احتمله محتمل.

و ما يقال: من أنّ المراد بصاحب الحيوان في الصحيحين من انتقل إليه الحيوان لا صاحبه الأصلي الناقل له، و التقييد بالمشتري في الموثّق و إطلاق اختصاص الخيار بالمشتري في الأخبار الاخر إنّما ورد مورد الغالب، فالصفة ليست مخصّصة و لا موضحة و إنّما وردت على ما هو الشائع، و حينئذٍ يكون صاحب الحيوان شاملًا لكلّ من انتقل إليه الحيوان ثمناً كان أو مثمناً و لا مخصّص له. فالخيار لهما حيث يباع الحيوان بالحيوان و عليه يحمل الصحيح الّذي هو دليل السيّد، و للبائع إن باع الدار بالحيوان مثلًا، و للمشتري إن باعه بالدراهم.

قلت: قد تقدّم لك أنّ المتبادر إنّما هو المشتري لأنّ الغالب في صاحب الحيوان المشتري فيكون وارداً على الغالب و ينصرف الإطلاق إليه، و لا يتناول من انتقل إليه مبيع غيره به، لأنّه نادر خصوصاً بيع الدراهم به.

و ما يقال: إنّ عموم «صاحب الحيوان» لغوي فيتناول النادر و غيره من جهة الإضافة و عدم سبق معهود له مع اعتضاده بالحكمة العامّة فلا مجال للحمل على الغالب.

ص: 53

لأنّا نقول: غلبة استعماله في المشتري جرت مجرى سبق المعهود الخارجي مؤيّداً بالتقييد و الإطلاق المشار إليهما سابقاً.

على أنّا نمنع كون عمومه لغويّاً، إذ لا يزيد عمّا اكتسب منه العموم أعني المضاف إليه، مضافاً إلى فهم المشهور منه ذلك و هم أعرف بمواقع الألفاظ، مع أنّ الأصل في التقييد التخصيص و لا يصار إلى غيره إلّا بالقرينة، مع أنّه الموافق للروايتين الصريحتين الأوّلتين، و رواياتهم يكشف بعضها عن بعض.

و على كلّ حال فهو غير مكافئ لما سبق من الأدلّة فلا معنى للقول به.

و تستوي في مدّة هذا الخيار الأمة و غيرها على الأظهر وفاقاً للحلّي و الشهيدين (1) و ظاهر الأكثر، لعموم النصوص كقوله في صحيحة الحلبي: الخيار في الحيوان كلّه (2). و في صحيحة ابن رئاب: الشروط في الحيوانات (3) إلى غير ذلك و خصوص صحيحة قرب الإسناد الواردة في الجارية بخصوصها (4)، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان: عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيّام إن كان بها حبل أو برص (5)، و نحو هذا الحديث، و للإجماع كما في السرائر (6) و ظاهر الانتصار و الخلاف و التذكرة و التحرير (7).

خلافاً للحلبيّين فجعلا الشرط في الأمة مدّة استبرائها (8) و ادّعى في الغنية الإجماع عليه. و يوافقهما ظاهر الشيخين و الديلمي حيث حكموا بضمان البائع مدّة الاستبراء (9) و ليس إلّا أنّها مدّة الخيار، و الحمل على عدم القبض بعيد.


1- السرائر 2: 279، الدروس 3: 272، المسالك 3: 199.
2- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
3- الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
4- الوسائل 12: 350، ب 3 من أبواب الخيار، ح 9.
5- الوسائل 12: 350 ب 3 من ابواب الخيار، ح 7.
6- السرائر 2: 279 280.
7- الانتصار: 433 المسألة 245، الخلاف 3: 12 المسألة 8، التذكرة 1: 519 س 3، التحرير 1: 166 س 11.
8- الكافي في الفقه: 353، الغنية: 219.
9- المقنعة: 592 593، النهاية 2: 144 145، المراسم: 173.

ص: 54

و المفروض في المقنعة و النهاية وضع المشتري ايّاها عند غيره و هو قبض و ايداع.

و فيهما و في المراسم و الوسيلة و الجامع: أنّ النفقة تلك المدّة على البائع (1) و هو مؤذن بذلك، و إلّا لوجبت على المشتري بالملك قبل انقضائها، سواء قلنا بالملك من حين العقد أو بعد انقضاء الخيار.

و لو جعل الحيوان شرطاً للمشتري فهل بحساب المبيع (2) و يجي ء حكم الشراء فيه أو بمنزلة عقد آخر؟ الأقوى الأوّل.

نعم لو كان في مقابلة عوض كأن يشترط المشتري حيواناً في مقابلة شي ء آخر كان احتمال دخوله تحت العقد المستقلّ لا يخلو من وجه، و الأوجه خلافه.

[و مدته ثلاثة أيّام]

قال المصنّف: «ثلاثة أيّام»

لا ريب في دخول الليلتين المتوسّطتين، و إنّما البحث في أنّه على الحقيقة باعتبار أنّ اليوم مقول على ما بين طلوع الفجر إلى المغرب و عليه و على الليل بطريق الاشتراك اللفظي أو المعنوي، أو أنّ العدد من الأيّام موضوع بوضع آخر، أو أنّه مجاز في المفرد أو في العدد باعتبار الهيئة، أو الدخول بحسب الحكم لا الاسم و القرينة أو الدليل بعد الطفرة، لأنّ اليوم يقابل الليلة فهو ما بين طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقيّة.

و لو ادّعي أنّه أظهر فردي الحقيقة و يكون كالمشترك بين الكلّ و جزئه، لم يكن بعيداً.

و أمّا الليلة الاولى فغير بعيد أن يقال بأنّ الأيّام المتعدّدة إذا تعلّق بها الخطاب كأيّام الاعتكاف و الإقامة و التردّد ثلاثين يوماً و أيّام الحيض و أكثره و العدد و نحوها يجوز فيها إدخال الليلة الاولى و إخراجها فهي كالمشترك بين الكلّ و جزئه. فإن ادخل الليلة صارت جزءاً، و ليست بخارجة حتّى تكون العشرة تسعة و الثلاثة اثنين، لأنّ الطفرة لا معنى لها، و بناءً على التلفيق يلزم ذلك، فيجوز أن ينوي الاعتكاف من المغرب و يدخل الليلة و لا بدّ من الإتيان بعشرة تامّة أو ينوي


1- الوسيلة: 248، الجامع للشرائع: 262.
2- في ط: البيع.

ص: 55

الصبح و يخرجها. و كذا في الإقامة و الحيض و الطهر و هكذا، فتكون الأيّام عبارة عمّا لا يزيد عليها بياض مثلًا، فإذا زاد بياض جاء التلفيق، لبعد الطفرة، و للإجماع على مقارنة الخيار للعقد، و لعدم لزوم ما زاد على العدد و إلّا كانت أيّام الإقامة عشرة و نصف. و كذا الحيض و الطهر و العدد و هكذا. فهو مجاز قرينته ما ذكرناه، أو مشترك لفظي أو معنوي بين الكلّ و جزئه أو الدخول بحسب الحكم لا الاسم.

و أمّا الليلة المتأخّرة فلا تدخل قطعاً، و قول بعض الأساطين: و الظاهر دخول الليلتين أصالة فتدخل الثالثة و إلّا اختلف معنى الآحاد في استعمال واحد (1)، إن أراد به المتأخّرة لا وجه له، لأنّ كلامه إنّما يتمّ على الوجهين الأوّلين، و هما أضعف الوجوه من أنّ اليوم حقيقة فيما يعمّ الليل أو مجاز في الأعمّ و إنّ العدد تابع لذلك إمّا على الوجوه الاخر من ثبوت الوضع للهيئة التركيبيّة في العدد للكلّ أو القدر المشترك بينه و بين الجزء أو المجازيّة فيها أو الدخول حكماً لا اسماً فلا.

و المراد ثلاثة أيّام تحقيقاً لا تقريباً، لأنّه الأصل في التحديد. و اليوم المنكسر لا معنى لإسقاطه و لزوم العقد فيه و إلّا لزم عدم مقارنة الخيار للعقد، و لا لثبوت الخيار فيه و اعتبار ثلاثةٍ أيّام تامّة بعده و إلّا لزم زيادة الخيار على ثلاثة أيّام، و لا لاحتسابه أحد الثلاثة من غير فرق بين النقص القليل المتسامح به و غيره و إلّا لزم نقص الخيار عن الثلاثة أيّام فليس إلّا التلفيق، من غير فرق بين أن نقول بأنّ الملفّق يوم حقيقة و ليس من الأفراد النادرة أو من الأفراد النادرة و إطلاق اليوم ينصرف إلى غيره، أو نقول بأنّه مجاز كما هو الأقوى لوجود القرينة الّتي ذكرنا. و الظاهر أنّه لا يلحظ في التلفيق تفاوت الأيّام في الطول و القصر، بل المدار على مقدار الكسر من اليوم كيف ما كان.

[شروعه من حين العقد]

قال المصنّف: «من حين العقد»

الظاهر اعتبار التملّك فلو أسلم حيواناً بطعام فخياره من حين القبض لا العقد بناءً على ثبوت الخيار للبائع، و كذا في عقد الفضولي على القول بأنّ الإجازة ناقلة


1- مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 247.

ص: 56

من زمان الإجازة، إذ لا يعقل خيار مع عدم الملك. و في المعاطاة لا عقد فالمدار على الملك على النحو المتقدّم.

و الظاهر أنّ إطلاق الأصحاب أنّه من حين العقد جريانه على الغالب.

ثمّ إنّه هل المدار على حين العقد أم حين التفرّق؟ وجهان، بل قولان.

ذهب إلى الأوّل العلّامة و ولده و الشهيدان و السيوري و الكركي (1) و هو الظاهر من المعظم، لتبادر الاتّصال بالعقد من النصوص، و تعيّن إرادته من أكثرها و هي الّتي لم يتعرّض فيها لخيار المجلس.

و قيل من حين التفرّق و إليه ذهب في الغنية فإنّه أطلق التحديد بالتفرّق في ابتداء مدّة الخيار (2) و نصّ على ذلك الشيخ و الحلّي في خيار الشرط، و يلزمهما القول به في غيره، لعموم ما علّلا به (3). و ظاهر المصنّف في الدروس التوقّف في المسألة حيث اقتصر على ذكر الاحتمالين من غير ترجيح (4) و ظاهره في غاية المراد موافقة المشهور (5) كصريحه هنا استصحاباً للخيار. و يقرّر بوجهين:

أحدهما: أنّ الخيار حادث و الأصل تأخّره.

و الثاني: أنّه يختلف باختلاف مبدئه فإذا كان مبدؤه من حين العقد يكون انقضاء الثلاثة في زمان أقلّ منه في زمان يكون مبدؤه من حين التفرّق فيستصحب فيه الخيار بقدر زمان ما بين العقد و التفرّق. و لا يمكن أن يحمل كلامهم على أنّ الثلاثة تحديد للآخر و لا تحديد لأوّله بل هو منوط بالتفرّق، فلو استمرّ المجلس ثلاثة أيّام لم يكن هناك خيار حيوان و لا تعتبر له ثلاثة أيّام بعد تلك الثلاثة. و قد ينقص عن الثلاثة على اختلاف حال المجلس لتصريحهم بخلافه و منافات لظاهر الروايات.

و حملًا (6) له على التأسيس و التأسيس خير من التأكيد و تفادياً من اجتماع


1- القواعد 2: 66، الإيضاح 1: 483، الروضة 3: 450، التنقيح 2: 45، جامع المقاصد 4: 291.
2- الغنية: 220.
3- المبسوط 2: 85، السرائر 2: 247.
4- الدروس 3: 272.
5- غاية المراد 2: 98.
6- عطف على قوله: استصحاباً.

ص: 57

المثلين و تداخل الأسباب و توارد العلل و لتوقّف الخيار على البيع الموقوف على التفرّق و اقتضائه اللزوم لولاه و لا يلزم إلّا به.

و الأصل لا يعارض النصّ، و التأسيس مع أنّه خلاف وضع العقد لأنّ وضعه على اللزوم غير ملتزم لأنّها أولويّة و مخالفة الأولى غير قادحة. مع أنّ هذه الأولويّة في الألفاظ، أمّا في الأحكام فلا. و الخيار واحد بالذات مختلفة بالاعتبار فلا يجتمع المثلان، و فائدته البقاء بأحد الاعتبارين مع سقوط الآخر فلا يتداخل السببان، فالأسباب الشرعيّة معرّفات لا مؤثّرات، فلا استحالة في اجتماعها كما اجتمعت في المجلس و العيب و خيار الرؤية باعتراف القائل، و البيع يتمّ بالإيجاب و القبول على الأصحّ فلا يمتنع الخيار قبل التفرّق، و ارتفاع الخيار المخصوص لا يقتضي اللزوم مطلقاً بل اللزوم اللازم من رفعه فيتعلّق الخيار بالجائز، و لو قيل بالسببيّة في مجموع الثلاثة دون الجميع اندفع الأكثر.

أمّا التأسيس فلأنّه صادق حينئذٍ لأنّ خيار الحيوان قد أثّر في المدّة الّتي هي من حين التفرّق إلى حين انقضاء الثلاثة، و المجلس قد أثّر في المدّة الّتي هي من حين العقد إلى حين التفرّق، و منه يعلم عدم اجتماع المثلين و تداخل الأسباب و توارد العلل، لكنّه خلاف الظاهر نصّاً و فتوى.

و ما يقال: إنّه يلزم على المشهور سقوط الأثر بالكلّيّة مع استمرار المجلس طول المدّة.

قلنا: هو فرض نادر الوقوع.

[و يسقط بأمور]

[يسقط باشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد العقد]

قال المصنّف: «و يسقط باشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد العقد»

أمّا الأوّل، فللإجماع، و عموم الكتاب (1) و السنّة (2).

و أمّا الثاني، فلا خلاف فيه أيضاً، و الأولويّة من التصرّف تقضي به، لأنّه أدلّ على الرضا منه، و العلّة المنصوصة تدلّ عليه.


1- المائدة: 1.
2- الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.

ص: 58

ثمّ إنّ شرط السقوط و الإسقاط في بعض المدّة مقارناً أو متأخّراً أو مقارناً و متأخّراً لا مانع منه، و ليس هذا حقّ واحد فلا يقبل التجزئة على الأظهر بل هو حقوق متعدّدة موزّعة على الزمان، فلا يقع شرط سقوط البعض باطلًا، و لا يسقط الكلّ بسقوطه، لأصل العدم، و استصحاب البقاء في الإسقاط المتأخّر عن العقد، و لا قائل بالفرق.

فإن قلت: لِمَ لا تقولون بمثل ذلك في التصرّف فيكون مسقطاً في ذلك الوقت فقط سيّما إذا كان ذلك قصد المتصرّف باعتبار أنّ الفعل أضعف من القول. فإذا قلتم به في الأقوى لزمكم القول به في الأضعف بالطريق الأولى.

قلت: ظاهر التصرّف الرضا بأصل العقد و الالتزام به مطلقاً و لو علم منه خلاف ذلك، كان الفارق الدليل حتّى أنّه لو اشترط عدم السقوط بالتصرّف كان شرطاً فاسداً على الأقوى.

و كذا يسقط بانقضاء المدّة بلا خلاف كما في الغنية (1). و خالف فيه بعض العامّة (2).

و لا يسقط بالرضا بالعيب و لا بالتبرّي من العيوب و إن شرّع الخيار في الحيوان لخفاء عيبه غالباً لعموم النصوص (3) و عدم وجوب انعكاس العلّة بل الواجب اطّرادها لأنّها حكمة لا علّة حقيقيّة و قد نصّ على ذلك في التذكرة (4).

[و يسقط بتصرفه]

قال المصنّف: «أو تصرّفه»

للإجماع المنقول في التذكرة و الخلاف (5) على إسقاطه الخيار و نفى عنه الخلاف في الغنية و المسالك (6).

و لصحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة


1- الغنية: 219.
2- الشرح الكبير 4: 69.
3- الوسائل 12: 348، ب 3 من أبواب الخيار.
4- التذكرة 1: 519 س 6.
5- التذكرة 1: 519 س 8. و لم نعثر عليه في الخلاف.
6- الغنية: 219، المسالك 3: 201.

ص: 59

أيّام فذلك رضىً به، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء (1).

و مثلها صحيحته الاخرى المرويّة في قرب الإسناد بأدنى تفاوت (2).

و مثلهما صحيحة الصفّار: في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردّها في الثلاثة أيّام الّتي فيها الخيار؟ فوقّع عليه السلام: إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّٰه (3).

و لأنّه مطلقاً دليل الرضا و الالتزام بالبيع إمّا عرفاً أو حكماً من الشارع، إمّا مطلقاً أو ما لم يعلم عدم الرضا. و لا ريب أنّ ما ذكر في الصحيحتين من جزئيات التصرّف إنّما هو على سبيل المثال، مع أنّ الجواب في ذيل الصحيحة الثالثة يقضي بالعموم في الحدث، و الظاهر أنّه هو التصرّف في المعنى كما قضت به الرواية الاولى، مع أنّه لا شي ء من جزئيات التصرّف الّذي ذكرها الأصحاب أضعف من النظر المنصوص عليه في الصحيحة الاولى.

فما استشكله في مجمع البرهان (4) و تبعه فيه صاحب الكفاية فقال: إنّي لا أعلم دليلًا على كون شي ء من التصرّفات موجباً للّزوم سوى ما ورد في الحديثين المذكورين أو ما في قوّته أو أقوى منه (5) لا وجه له.

ثمّ إنّهم جعلوا عنوان المسألة التصرّف و لفظ «التصرّف» ذكر في كثير من الخيارات، و يتعلّق به كثير من أحكام العبادات، و المدار فيه على ما صدق عليه اسمه عرفاً. و ربّما عدّينا الحكم إلى اسم الاستعمال و الانتفاع و إن لم يصدق التصرّف، لمكان التعليل بالرضا، و لما ورد أنّ العرض على البيع إسقاط و سيأتي


1- الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار ح 1.
2- الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار ح 3.
3- الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار، ح 2.
4- مجمع الفائدة 8: 397 399.
5- كفاية الأحكام: 92 س 36.

ص: 60

بيان حقيقة الحال.

ثمّ إنّه لكلّ شي ء استعمال و تصرّف و انتفاع فالتصرّف بالنار دفؤها وضوئها، و التصرّف بالظلال بالكون تحته، و لو لم يكن الكون تصرّفاً لما اوجر من الدار سوى الأرض و هو بديهي البطلان و الاستضاءَة بالسراج انتفاع بالفتيلة و الدهن و السراج، و الانتفاع و الاستعمال للمشموم شمّه، و للمذوق ذوقه، و للملموس لمسه، و للمرئيّ رؤيته، و للمسموع سمعه، و إن لم يصدق في بعض أقسامه اسم التصرّف.

ثمّ التصرّف قد يكون عمداً مع العلم بالحكم أو جهل به، أو علم بالموضوع موضوع التصرّف أو الخيار أو جهل به، مع العلم بالرضا بالسقوط أو علم بعدمه، أو لا مع شي ء منهما، مع الجبر من الناقل أو غيره، أو الاختيار مع اللزوم الشرعي كتوقّف حياة نفس محترمة عليه لجوع أو عطش أو نجاة من حرق أو غرق و نحو ذلك، أو المنع الشرعي كوطء الغلام أو الحائض، أو لا مع شي ء منهما.

و قد يكون عن نسيان أو غفلة أو سكر أو إغماء أو نوم أو دهشة أو جنون أو طفوليّة و نحوها.

و قد يكون مع الإذن من أحد المتعاقدين للآخر فيه و عدمه.

و قد يتصرّف بنفسه أو بوكيله أو بوليّه أو بفضوله أو مأذونه. و المسألة كثيرة الأقسام تستدعي بسطاً في المقام. فنقول: لا ريب في سقوط الخيار بالمسقط الفعلي الصريح كنقل الملك و نحوه إلّا على ما سيأتي للمصنّف في خيار الغبن مع الجهل (1) و هو خلاف ظاهر الأصحاب، علم منه الرضاء بذلك أو علم عدمه لزعمه عدم الممانعة، أو لم يعلم شيئاً منهما، قصد الإسقاط به أو لم يقصد، أو قصد عدمه، سواء كان التصرّف فيما انتقل منه أو انتقل إليه.

و ربّما احتمل ضعيفاً عدم الصحّة فيما إذا كان التصرّف بعقد أو إيقاع فيما انتقل منه، لأنّ الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد معاً، كما انّ التكبيرة الثانية


1- يأتي في ص 140.

ص: 61

في الصلاة بنيّة الشروع يخرج بها من الصلاة و لا يشرع بها في الصلاة.

و فيه: أنّ المحصّل للملك و الفسخ القصد المقارن للعقد أو الإيقاع السابق عليهما آناً ما، و يحصل بهما، و التقدّم ذاتي.

فاندفع ما قيل: من أنّ أوّل الصيغة حصل من غير ملك، و البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ المتأخّر عن البيع، فيدور لأنّه من دور المعيّة.

نعم ذلك متوقّف على وجود الدليل و الظاهر انعقاد الإجماع.

و يسقط بالمسقط الفعلي الظاهر كالمسقط القولي الظاهر سواء كان فيما انتقل منه أو إليه. و يجوز فعل ذلك من غير فرق بين الوطء و نحوه و غيرهما.

و استشكل في التذكرة في حلّ الوطء بالنسبة إلى القسم الأوّل و قال: إنّه نشأ من انتقال الملك عنه فيكون الوطء قد صادف ملك الغير فيقع محرّماً، و من أنّه أبلغ في التمسّك بالمبيع و فسخ البيع من اللفظ (1).

و فيه: أنّ القصد إلى الفعل المقارن أو مقدّمات الفعل أو جزئه الأوّل هو المقتضي للفسخ فيعود الملك إليه قبل تمام الوطء فلا يقع الوطء بتمامه محرّماً.

و السقوط بهذا القسم من الفعل لا باعتبار أنّ للأفعال ظواهر كما أنّ للأقوال ظواهر و كما أنّ ظواهر الأقوال حجّة فظواهر الأفعال كذلك. فكلّ مقام اعتبر الشارع فيه ظاهر القول يعتبر فيه ظاهر الفعل كما يقتضي به استقراء المقامات المتكثّرة و ذلك لأنّ هذه القاعدة غير بيّنة و لا مبيّنة و لم يقم عليها دليل من عقل أو نقل إجماع أو غيره، بل باعتبار أنّ المدار في المقام على الدلالة على الرضا كما هو الظاهر من فحاوي روايات باب الخيار حتّى ورد في بعضها أنّ العرض على البيع إسقاط (2). و حينئذٍ فكون التصرّف من حيث هو مع حصول العلم أو الظنّ منه بالرضا بالسقوط لا مع الشكّ مسقطاً على وفق القاعدة. فيجري في جميع الخيارات، و لا يختصّ بما ذكره الفقهاء و قام عليه الدليل، و في جميع الأفعال


1- التذكرة: 534 س 33.
2- الوسائل 12: 359 ب 12 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 62

الظاهرة في ذلك. و لا يختصّ بالتصرّف.

و يظهر وجه كون تصرّف ذي الخيار فيما انتقل منه فسخاً مطلقاً أيضاً، و يكون المدار على فهم الرضا كيفما اتّفق.

هذا مع حصول المسقط من دون معارض أقوى منه دالّ على عدم الإسقاط.

أمّا مع حصول المعارض فإن كان في الفعل الصريح فلا يجدي نفعاً قطعاً لأنّ السقوط قهريّ غير موقوف على الإسقاط، و إن كان فيما عداه فمقتضى الضابطة الّتي ذكرنا عدم السقوط حتّى مع الشكّ، لعدم الإسقاط و لا تأثير للدّال مع العلم بعدم الإرادة لظاهره أو الشكّ في ذلك، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب في التصرّف أنّه مسقط مع النصّ على عدم الرضا و عدمه، و هو ظاهر الروايات في خيار الحيوان بل صريحها، فينبغي الاقتصار في السقوط مع النصّ على عدم الرضا في خصوص خيار الحيوان، و إن قام إجماع فيما عداه قيل به، و كذا في خيار العيب، لأنّ ظاهر الروايات فيه ذلك.

و ربّما ظهر من بعض الأصحاب (1) أنّ الحكم بالسقوط في التصرّف مطلقاً إنّما هو لدلالته على الرضا ظاهراً، فمع الشكّ للمعارض يحكم بظاهره شرعاً، فيكون كالقاعدة يتمسّك بها دائماً إلّا حيث يعلم عدم الرضا فعلًا و تقديراً أو الأوّل فقط، و يختلفان في صورة الجهل.

و على كلّ واحد من هذه الوجوه في التصرّف يمكن حمل صحيحة ابن رئاب (2).

و ربّما يقال: إنّ الوجه الثاني أظهر الوجوه فيها و ذلك إمّا باعتبار أنّ الظاهر من قوله: «فذلك رضاً منه» يعني أنّ التصرّف محكوم شرعاً بكونه رضاً و إن نصّ على عدمه، فتكون الرواية لبيان الحكم الشرعي، و حينئذٍ فيحكم بالجريان في جميع الخيارات لمقتضى العلّة و لا تتقيّد بالمورد، كما هو ظاهر الأصحاب حيث يحكمون بأنّ التصرّف مسقط على الإطلاق. و يقتصر على خصوص التصرّف من


1- راجع مفتاح الكرامة: ج 4 ص 559 س 28.
2- الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 63

دون تسرية إلى ما عداه من الأقوال و الأفعال.

أو باعتبار أنّ التعليل بالرضا فيها علّة ناقصة لبيان الحكمة بمعونة فهم الأصحاب. و الحكم تعبّدي عامّ للعلم بالرضا و عدمه.

أو باعتبار حمل الرواية على أنّ العلّة حصول الدلالة على الرضا بنفس الفعل من دون نظر إلى المدلول.

و على هذا فيحكم بالتسرية في خصوص الأفعال، لأنّ الأقوال لا شكّ أنّ المدار على مدلولها و لا عبرة بالدلالة من حيث هي، و يرشد إلى ظهور هذا الوجه من الرواية أنّ التفرّق ورد فيه مثل هذا التعليل و قد صرّح الأصحاب عدم العمل بمقتضاه هنالك.

فمدار التسرية في مطلق التصرّف و التسرية في مطلق كلّ فعل على ما يفهم من الصحيحة، و إلّا اقتصر فيما لا يقضي بالرضاء لوجود المعارض كالجاهل بحكم الخيار أو بموضعه، و منه من وجب عليه التصرّف شرعاً في وجه قويّ على مورد الدليل كما في الحيوان و العيب، و خيال تنقيح المناط فيحكم بالتسرية بعيد.

و قد يقال بعدم اعتبار تصرّف الناسي مطلقاً، و مثله الغافل و المدهوش و السكران و المغمى عليه و المجنون و المجبور و الطفل و النائم، لموافقته للقاعدة و عدم شمول الأدلّة في محلّها لها حتّى الصحيحة.

و ممّا ذكرنا ظهر لك أنّ تصرّف المشتري بالمبيع قبل العلم بالعيب أو الغبن و بعده قبل العلم بحكم الخيار مقتضى القاعدة عدم إسقاطه الخيار و ينظر فيه إلى خصوص الأدلّة، و أنّ حكمهم بكون التصرّف فسخاً مطلقاً يشكل مدركه إلّا أن يستند في جميع ذلك إلى الصحيحة و قد تقدّم الكلام فيها.

و أمّا التصرّف الممنوع منه شرعاً، فدعوى عدم إسقاطه الخيار لعدم دخوله تحت الأدلّة لأنّها إنّما تنصرف إلى المحلّل، ممنوعة.

و أمّا تصرّف الاختبار فقد نصّ بعضهم على استثنائه لعدم انصراف الدليل إليه و نفى عنه البعد في الدروس و جامع المقاصد (1).


1- الدروس 3: 272، جامع المقاصد 4: 291.

ص: 64

و اقتصر في المسالك و الشرح على احتمال الوجهين (1) كالتحرير و قيّده بعدم تجاوز الحاجة (2) و ألحق المحقّق الثاني بتصرّف الاختبار التصرّف لحفظ المبيع كالركوب لسقي الدابّة (3).

و أنت خبير بأنّ التقييد بعدم تجاوز الحاجة لا يصحّ بناءً على الكشف و عدم التعبّد، إذ لا كشف عن التزامه بعد أن علم اختباره. نعم بناءً على التعبّد له وجه.

و أمّا التصرّف الّذي أذن أحد المتعاقدين لصاحبه فيه فيما انتقل عنه أو انتقل إليه، إن تصرّف الآخر سقط الخياران، و إلّا فخيار الآذن.

أمّا خيار المتصرّف فظاهر. و أمّا الآذن فإن كان البائع كان قوله: «تصرّف في المبيع» بمنزلة أنّ المال لك و البيع لازم ثابت فافعل ما تشاء، و إن قال له: «تصرّف في الثمن» كان بمنزلة ما إذا قال له: أنا فسخت فتصرّف في مالك. و جبره على ذلك أقوى من الإذن، و ممّا ذكر يعلم الحال فيما إذا كان الآذن المشتري.

و أمّا سقوط خيار الآذن إذا لم يتصرّف المأذون فهو المشهور كما في الميسية (4) و صرّح به العلّامة في القواعد (5) و استشكله المحقّق الثاني (6) و جماعة مستندين إلى عدم ظهور دلالة الإذن على سقوط الخيار و عدم استلزام الرضا بالتصرّف زوال الخيار، لأنّ غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده، و هي لا تقتضي الزوال بالفعل.

و فيه: أنّ مقتضى الإذن رفع الحجر من قبل الآذن و لا مانع غير الخيار فارتفع بالإذن كما هو ظاهر في مجرى العرف، فلا معنى لإنكار ظهور الدلالة، مع أنّ الإذن لو لم تكن دالّة على سقوط الخيار لُاشكل حكمهم بالسقوط فيما إذا تصرّف المأذون، فإنّ الآذنَ لم يوجد فيه سوى الإذن، فإن لم يسقط الخيار به لم يسقط بالتصرّف الّذي هو فعل غيره.


1- المسالك 3: 201، الروضة 3: 451.
2- التحرير 1: 168 س 10.
3- فوائد الشرائع (مخطوط): ص 170.
4- نقله عنه في مفتاح الكرامة 4: 589 س 7.
5- القواعد 2: 68.
6- المسالك 3: 213، جامع المقاصد 4: 305 و 311 312.

ص: 65

و ظاهر كلامهم يؤذن بالاعتراف بكونه المسقط كما هو فرض المسألة حيث أسندوا الإسقاط إليه و استندوا إلى دلالة الإذن عليه، فيسقط به مطلقاً و إن لم يتصرّف المأذون، فتأمّل.

ثمّ الظاهر انّ السقوط بالتصرّف لا يعتبر فيه نيّة الإسقاط به بل لا يفترق الحال بين قصد ذلك و عدم قصده، لعموم الدليل كما في الرجوع في باب الرجعة، بل و مع قصد عدمه كما استظهرناه من الصحيحة.

فبناءً على ذلك لو تصرّف فيما انتقل عنه بما لا يجوز لغير المالك من وطء الجارية و لمسها و تقبيلها و نحو ذلك لم يكن فاعلًا حراماً بنفس الوطء و إن تعمّد الزنا بها أو يفعل حراماً بأوّل جزء من الفعل و يحصل الفسخ بتمامه. و لعلّ الأقوى الأوّل كما تقدّمت الإشارة إليه.

و هذا البحث بالنظر إلى حكمه بالنسبة إلى نفسه و ما سبق إلى ما يحكم به عليه غيره.

ثمّ إنّ التصرّف المسقط ما كان بهذا العقد، فلو استند التصرّف إلى عقد آخر لم يسقط، كأن يكون قد صالح على لبن شاة سابقاً ثمّ اشتراها بعد ذلك، فإنّ تصرّفه بعد ذلك باللبن لا يسقط خياره.

[الثالث خيار الشرط]

اشارة

ص: 66

قال المصنّف:

«الثالث: خيار الشرط»

[لا بدّ من تمهيد مقدّمة]

لا بدّ للفقيه في هذا المقام من تمهيد مقدّمة، هي بيان أنّ خيار الشرط على وفق القاعدة أو لا.

و التحقيق أنّه إن قلنا بثبوت صحّة الخيار للمتعاقدين و لأحدهما مع رضاء الآخر و إنّ فكّ العقد لهما كما أنّ لهما ربطه من دون نظر إلى الشرط و غيره و إنّه لا يزيد على الإقالة، كان خيار الشرط على وفق القاعدة، لأنّ الشرط قد تعلّق بفعل من أفعال المكلّفين و هو مباحٌ فيكون ملزماً ما كان جائزاً.

و إن قلنا: ليس الأمر كذلك و إنّ الخيار أمر غير الإقالة و لهذا يسقط بالفعل إجماعاً دونها، فإنّه محلّ خلاف و إنّه لا يصح لهما من دون سبب يقتضيه.

فإن قلنا: إنّ الشرط يثبت الغايات كما يثبت الأسباب و يقوم مقام العقود و الإيقاعات إلّا ما أخرجه الدليل، لشمول قولهم عليهم السلام: «المؤمنون عند شروطهم» (1) لذلك. و ما يظهر من استدلالاتهم عليهم السلام به على ثبوت الغايات، و ما يظهر من الأصحاب من أنّ شرط تمليك العين أو المنفعة أو الإبراء أو سقوط الخيار و نحو ذلك على وفق القاعدة و قلنا: إنّه ليس في شرط مثل هذه الغاية منافاة


1- عوالي اللآلي 1، 3: 218، 293، 217، الوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور، ح 4.

ص: 67

لمقتضى العقد الّذي قام الإجماع على المنع منه كان خيار الشرط على وفق القاعدة أيضاً.

و ما يقال بناءً على ذلك ينبغي أن يجوز اشتراط الجواز في العقود اللازمة. قلنا: لنا أن نلتزمه إلّا أن يقوم إجماع على خلافه.

و إن لم يكن كذلك كما هو الأقوى كان خيار الشرط على خلاف القاعدة و غير داخل تحت العمومات، لأنّه شرط على اللّٰه و ليس من فعلهما، مع أنّه شرط قد خالف كتاب اللّٰه و حلل حراماً لمنافاته لمقتضى العقد، و العمومات مخصّصة بغير ما خالف الكتاب و السنّة.

و لا مجال لجريان أصل البراءة في أصل الخيار في العقد حتّى يستدلّ على جواز اشتراطه بالعمومات، لأنّ مقتضى العقد اللزوم فهو خلاف مقتضى العقد.

و الجواب بأنّ اللزوم من الأحكام اللاحقة به لا من مقتضيات ذات العقد، ممنوع.

و لو سلّم فالفرق في المنع بين الأمرين محلّ بحث كما سيأتي إن شاء اللّٰه، على أنّه بناءً على ذلك ينبغي أن يصحّ اشتراط أن يكون العقد اللازم جائزاً في نفسه و لا تقولون به، على أنّ بين عمومات الشروط و ما دلّ على لزوم العقد عموم من وجه.

و ترجيح أحد الدليلين يحتاج إلى مرجّح. و الترجيح بالأحاديث الخاصّة الواردة في خيار الشرط و الإجماع المنقول نكوص عن القاعدة و الاقتصار فيها على المحلّ الخاصّ.

و قد يقال بأنّه لا تعارض بين دليل اللزوم و عمومات الشروط، فإنّ اللزوم مقتضى العقد المطلق لا العقد المشروط فيه الخيار، و الشرط جزء من العقد فيجب الوفاء به.

قلت: لا ريب أنّ الدليل على اللزوم غير منحصر بالآية الشريفة (1) مع أنّ ظاهر الآية الأمر بالوفاء بالعقد المطلق من حيث هو، أعمّ من أن يكون مشروطاً أو غير


1- المائدة: 1.

ص: 68

مشروط، و المراد بالوفاء به العمل بمقتضاه من حيث هو هو، من دون ملاحظة شي ء من شرط أو غيره فيحصل التنافي.

و استدلال بعض الأصحاب بالآية الشريفة في مقام الشروط (1) في غير محلّه كاستدلالهم بها في العقود الجائزة، فتأمّل.

و بناءً على هذا الوجه ينبغي الاقتصار في الخيار على مورد الدليل الدالّ على أنّ نفس الاشتراط مثبتاً لجواز الفسخ و لا يحكم بالتسرية.

إلّا أن يقال: لمّا ثبت في البيع الذي هو أصل العقود و أحكمها ينقّح مناطاً في الباقي، و هو مشكل.

و على الوجهين الأوّلين لو شرط الخيار في عقد وقع سابقاً كان الشرط صحيحاً و لازماً، بخلافه على الثالث.

و استثناء الخمسة المذكورة في كلام أكثر الأصحاب و هي النكاح و الوقف و العتق و الطلاق و الابراء (2) بناءً على الوجه الأوّل ظاهر، لعدم إمكان التقايل فيها و الخيار، فلا يتعلّق الشرط به، لأنّ قاعدة الشرط كالنذر و اليمين إنّما تتعلّق بالممكن فتلزمه لا بغير الممكن فتصيّره ممكناً، فيكون استثناؤها ليس مخالفاً للقاعدة بل على وفقها، لعدم شمول قاعدة الجواز لها.

و على الثاني فلا بدّ من الدليل على العدم.

و على الثالث يكفي عدم الدليل.

فإن قلت: حين الشرط لم يكن العقد لازماً حتّى أنّ شرط الخيار فيه موقوف على جواز فكّه بعد اللزوم.

قلنا: ذلك إنّما يتمّ أيضاً لو كان العقد يقع على وجهين: الجواز، و اللزوم. أمّا إذا كان لا يقع إلّا على وجه اللزوم فاشتراط كونه جائزاً شرط غير ممكن شرعاً أيضاً


1- الرياض 8: 187.
2- راجع مفتاح الكرامة: ج 4 ص 567 570.

ص: 69

مخالف لكتاب اللّٰه و قد حلّل حراماً، و الأمر مشكل، فتأمّل.

ثمّ إنّه على موافقة اشتراط الخيار للضابطة كما في الأوّل فإنّما هو خيار المتعاقدين. أمّا خيار الأجنبيّ فإن جعلناه توكيلًا أمكن دخوله تحت الضابطة و حكم بتسريته في جميع العقود، لأنّه كما انّ للمتعاقدين الفكّ بأنفسهما فلهما التوكيل في ذلك. و إن جعلناه تحكيماً كان مخالفاً للضابطة، لأنّه ليس للأجنبيّ قبل الشرط الفكّ إلّا على سبيل التوكيل، فيقتصر فيه على مورد الدليل كما في البيع، لقيام الإجماع فيه كما سيأتي و إن خلت روايات الباب منه. إلّا أنّ ظاهر الأصحاب أنّه تحكيم و انّه موافق للقاعدة، و لذا صرّح بجريانه في الإجارة في باب الإجارة جماعة من الأصحاب.

و الظاهر أنّ اقتصار من اقتصر منهم فيها على ذكر اشتراط الخيار لهما أو لأحدهما و عدم ذكر الأجنبيّ اتّكالًا على البيع لا إشارة إلى عدم جريانه في ذلك، و هو مشكل.

نعم إذا جعلناه على وفق القاعدة كما في الوجه الثاني لم يختلف الحال في جوازه توكيلًا كان أو تحكيماً.

[ظاهر الأكثر ثبوت هذا الخيار في كلّ بيع]

إذا عرفت ذلك فلنعد إلى ما ذكره الأصحاب في هذا المقام فنقول: ظاهر الأكثر ثبوت هذا الخيار في كلّ بيع لا يستعقب العتق. و استدلّوا عليه بالأصل و عموم الكتاب و السنّة، و قد عرفت ما فيه.

و نصّ جماعة منهم على ثبوته في السلم (1) مطلقاً و لو في السلم (2) و آخرون على ثبوته في الصرف (3).

و لم يعهد الخلاف في الأوّل إلّا من العلّامة في التذكرة فنفاه في خيار


1- راجع المبسوط 2: 79، السرائر 2: 244، المختلف 5: 72.
2- كذا في المصابيح أيضاً.
3- راجع المختلف 5: 72، الدروس 3: 268.

ص: 70

المجلس (1) و رجع عنه في الشرط فأثبته فيه كما في التحرير (2).

و لا في الثاني إلّا من الشيخ في المبسوط و الخلاف و أبو المكارم و الحلّي و ادّعوا عليه الإجماع و علّلوه بمنافاة الخيار للقبض المعتبر فيه (3) لأنّه إن وقع بعد القبض نافى قاعدة اتّصال الشرط بالمشروط فلا يؤثّر و إن وقع قبله كان قبل تمام السبب المملّك و شرط الخيار إنّما يكون بعد المملّك.

و لو اريد به بعده كان من الشرط المجهول.

و التعليل عليل لإمكان وقوعه بعد القبض فوراً بحيث لا يخلّ بالاتّصال عرفاً و وقوعه قبله، و نمنع كون شرط الخيار لا يكون إلّا بعد تمام السبب المملّك، لصحّة وقوعه مقترناً بالإيجاب قبل القبول من البائع قولًا واحداً، إلّا أن يقال: إنّ الشرط في ذلك بعد لا يتمّ، لأنّ قبوله في ضمن القبول بخلاف ما نحن فيه.

و مع ذلك فهو منقوض بالسلم، و الإجماع ممنوع، فإنّ ظاهر القدماء ثبوت الخيار و لا نافي له منهم غير المدّعي، و صورة الإجماع المنقول تنبئ عن أخذه من الإجماع على اشتراط القبض المنافي لثبوت الخيار باعتقاد الحاكي فينتفى برفع التنافي.

و قد أقدم على منع هذا الإجماع جماعة من الأصحاب حتى ادّعى الشهيد في المسالك اطباق المتأخّرين على منعه (4).

و قد يمنع بأنّ من أعاظمهم المحقّق و لم يصرّح بشي ء و العلّامة اختلف قوله في ذلك فأثبت الخيار في ظاهر المختلف و منع الإجماع (5) و نفاه في التذكرة تارةً


1- التذكرة 1: 516 س 19، عبارتها هكذا: و يثبت خيار الشرط في جميع أنواعه إلّا السلف و الصرف، فراجع.
2- التذكرة 1: 522 س 16، التحرير 1: 167 س 29.
3- المبسوط 2: 79، الخلاف 3: 12 المسألة 9، الغنية: 220، السرائر 2: 244.
4- المسالك 3: 212.
5- المختلف 5: 72.

ص: 71

و أثبته اخرى على إشكال (1). و استشكله في التحرير و القواعد (2). و الشهيد قد حكى في الدروس الإجماع عن الشيخ و منعه عن العلّامة مقتصراً على النقل و ظاهره التوقّف (3) فلا يصحّ الإطباق المدّعى إلّا بتكلّف. ثمّ إنّ جمعاً من الأصحاب نصّوا على عدم اختصاص هذا الخيار بالبيع و أنّه يجري في سائر العقود عدا النكاح و الوقف (4). و نفى بعضهم الخلاف في جريانه في خصوص اللازمة منها كالإجارة و المزارعة و المساقاة و الكفالة و الحوالة و نحوها. و قال: وعدا الضمان، فإنّ العلّامة منعه في أحد قوليه، و الصلح فنفاه الشيخ في المبسوط و الخلاف مطلقاً. و الكركي فيما يفيد الإبراء تبعاً للتحرير، و الصيمري في الصلح عن المجهول و الدعوى الغير الثابتة بالإقرار و الكلّ شاذّ و الأصل الصحّة لعموم المقتضي، انتهى (5).

و مراده بالمقتضي عمومات الشروط و قد تقدّم الكلام فيها بما لا مزيد عليه، و كان مستند العلّامة و الكركي و الصيمري فيما استثنوه أنّها في معنى الإيقاعات فلا تقبل شرط الخيار (6) و عليه منع ظاهر. و قد نقل في المهذّب الإجماع على جريانه في الصلح بقول مطلق (7).

و هل يجري هذا الخيار في باب المعاطاة و لو بعد لزومها أو لا؟ وجهان:

يحتمل العدم لأنّها من مقولة الفعل و هو من مقولة القول و هي غير مستقلّ بنفسه و لا يمكن ربطه بالفعل، و لو قارن الفعل بقول دالّ على المعاطاة و جعله مرتبطاً به لم ينفع لأنّ المدار في ذلك على الفعل و اللفظ أجنبيّ لا مدخليّة له.

و يحتمل الجريان فيها، لقوّة ارتباط هذا القول بالفعل، مع أنّ الشروط في


1- التذكرة 1: 516 س 19 و 522 س 17.
2- التحرير 1: 167 س 29، القواعد 2: 67.
3- الدروس 3: 268.
4- راجع المبسوط 2: 81، السرائر 2: 245 و 246، الشرائع 2: 23، القواعد 2: 68، المسالك 3: 212، جامع المقاصد 4: 303.
5- راجع مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 250.
6- التحرير 1: 167 س 30، جامع المقاصد 4: 304، غاية المرام 2: 44.
7- المهذّب البارع 2: 538.

ص: 72

العقود ليست كسائر الشروط، بل لها نوع استقلال، لأنّ العقد لا يقبل التعليق.

و أمّا العقود الجائزة فنقل عن الأكثر جريانه فيها، و به صرّح الشيخ و القاضي و الحلّي في الوكالة و الجعالة و القراض و الوديعة و العارية (1).

و الظاهر عدم الفرق بينها و بين غيرها من العقود الجائزة، و يقتضيه إطلاق الغنية و الشرائع و القواعد و الإرشاد و الدروس (2).

و منعه العلّامة في المختلف و التحرير و الكركي و الصيمري و الشهيد الثاني (3) و عزا المنع في التذكرة إلى بعض العامّة و نفى عنه البأس (4) لعدم تأثير الشرط في الجائز.

و أورد عليه بأنّ التأثير غير ملتزم في الشروط فإنّ منها ما يؤكّد مقتضى العقد فإن اريد المؤثّر هنا عاد النزاع لفظيّاً.

و الحقّ عدم جريانه فيها، لعدم دخولها تحت أدلّة الشروط باعتبار أنّ جوازها أصلي فلا يقبل السقوط فلا تأثير للشرط كخروج ما لا ينتفع فيه من عمومات البيع. فإن أراد المشترط لشرط الخيار الخيار بأصل العقد كان مؤكّداً. و إن أراد المستند إلى الشرط و إن كان مجامعاً لخيار أصل العقد كان شرطاً فاسداً، و يجي ء فيه الخلاف في فساد المشروط بفساده أو لا، فتأمّل.

و قد علم بما ذكر حكم الشرط فيما اختلف في لزومه و جوازه كالسبق و الرماية، و ما يقع لازماً و جائزاً كالهبة، أو يلزم من أحد الطرفين دون الآخر كالرهن.

و استشكل العلّامة في التحرير في الأخير في جانب اللزوم فيما لو كان الشرط من قبل الراهن (5) بأنّ الرهن وثيقة الدين و الخيار ينافي الاستيثاق.


1- المبسوط 2: 82، المهذب 1: 356، السرائر 2: 246.
2- الغنية: 22، الشرائع 2: 23، القواعد 2: 68، الإرشاد 1: 375، الدروس 3: 268.
3- المختلف 5: 73، التحرير 1: 168 س 1، جامع المقاصد 4: 304، غاية المرام 2: س 45، و فيه: يدخل فيها خيار الشرط، المسالك 3: 211.
4- التذكرة 1: 522 س 22.
5- التحرير 1: 167 س 30.

ص: 73

و ردّ بمنع المنافاة، فإنّ الاستيثاق في المشروط بحسب الشرط.

و أمّا النكاح و الوقف من العقود فلا يدخلهما الخيار، للإجماع في الأوّل كما في الخلاف و المبسوط و السرائر و كنز الفوائد و المسالك (1).

و علّل بمشاكلته العبادة، و ابتنائه على الاحتياط التامّ، و سبق التروّي فيه على العقد، و توقّف رفعه على رافع مخصوص فلا يرتفع بغيره، و لعدم مشروعيّة التقايل فيه.

و أمّا الثاني، فلاشتراط القربة فيه و العبادة مبنيّة على اللزوم لا التزلزل فإنّه لا معنى لتوقّف الصلاة و الصوم على الشرط مثلًا، و لأنّ العبادة يكتب أجرها حين إيقاعها فلا يمحى (2). و استحقاق العوض بلا معوّض لا وجه له مع أنّ شمول دليل الشرط بناءً على كونه على وفق القاعدة لمثل هذه الأفراد محلّ شكّ مع كونه فكّ ملك لا إلى عوض فلا يقبل الشرط كالعتق، و لعدم مشروعيّة التقايل فيه أيضاً.

و قد نصّ على المنع فيه الشيخ و الحليّون الثلاثة و الشهيدان و الكركي و الصيمري (3).

و في المسالك: أنّه موضع وفاق (4) و الخلاف فيه ثابت كما في الدروس (5).

و أمّا الإيقاعات فقد صرّح الأصحاب بالمنع في ثلاثة منها و هي: الطلاق، و العتق، و الإبراء (6).

و الظاهر عدم إرادة الحصر و تخصيصها بالذكر لغلبة الوقوع كما يرشد إلى ذلك انّه في السرائر احتجّ على منع جريانه في الطلاق بخروجه عن العقود (7) و مقتضاه اطّراد المنع في سائر الإيقاعات، لعموم التعليل.


1- الخلاف 3: 16 المسألة 17، المبسوط 2: 81، السرائر 2: 246، المسالك 3: 212، و لم نعثر عليه في كنز الفوائد.
2- في نسخة: فلا يعلّق.
3- المبسوط 2: 81، السرائر 2: 245، الشرائع 2: 23، القواعد 2: 68، الدروس 3: 268، المسالك 3: 212، جامع المقاصد 4: 303، غاية المرام 2: 45.
4- المسالك 3: 212.
5- الدروس 3: 268.
6- راجع المبسوط 2: 80، 81 و الشرائع 2: 23 و القواعد 2: 68 و المسالك 3: 212.
7- السرائر 2: 246.

ص: 74

و السرّ في ذلك ابتناء الإيقاع على النفوذ بمجرّد الصيغة و الخيار ينافي ذلك، و لأنّ المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما سينبّه عليه جملة من الأخبار و الإيقاع إنّما يقوم بواحد.

و قد حكى في المبسوط الإجماع على المنع في الطلاق و العتق (1).

و في المسالك الإجماع على المنع في العتق و الإبراء (2).

و في السرائر نفي الخلاف في عدم جريانه في العتق و الطلاق (3).

[و هو بحسب الشرط إذا كان الأجل مضبوطاً]

قال المصنّف: «و هو بحسب الشرط إذا كان الأجل مضبوطاً»

و لا يتقدّر بمدّة الثلاثة أيّام عندنا خلافاً للعامّة (4) بالأصل، و الكتاب (5) و السنّة (6) و الإجماع، و الضرورة الداعية إلى الاشتراط، و اختلاف التقدير.

نعم يشترط تعيين المدّة المشترطة بما لا يحتمل الاختلاف، فلو انيطت بما لا ينضبط كإدراك الغلّات و إيناع الثمرات بطل الشرط بالإجماع، و استدلّ عليه أيضاً بالنهي عن الغرر، و تطرّق الجهالة إلى العوضين بجهالة الشرط، و لأنّ العقود شرّعت لقطع موادّ الاختلاف و الإناطة بالمختلف مثار الاختلاف (7).

و فيه ما سيأتي من أنّ الأقوى أنّ الشرط كالصلح يغتفر فيه من الجهالة ما يغتفر في الصلح.

نعم في خصوص المقام لقيام الإجماع لا نقول به، مع احتمال الفرق بين المقامين، فتأمّل.

و لو أطلق الخيار فهل يبطل الشرط؟ قيل: نعم، لنحو ما ذكر، و للأولويّة فإنّ الإطلاق أوغل في الإبهام لعدم أوله إلى العلم فيكون أولى بالمنع، و لأنّه


1- المبسوط 2: 81.
2- المسالك 3: 212.
3- السرائر 2: 246.
4- المحلّى 8: 370، المجموع 9: 225، عمدة القارئ 11: 235.
5- المائدة: 1.
6- الوسائل 12: 354 و 355 ب 7 و 8 من أبواب الخيار.
7- مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 248.

ص: 75

لو صحّ فإمّا أن يدوم الخيار و هو باطل بالإجماع أو يردّ إلى معيّن و هو تخصيص من غير مخصّص، فتعيّن البطلان، و هو أحد قولي الشيخ في المبسوط و ظاهر الديلمي و صريح العلّامة و الصيمري و الشهيد الثاني (1) و عزي القول به إلى المرتضى (2) و المعلوم منه خلافه (3). و ربّما لاح من ظاهر الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و الجامع (4) و ظاهر المتن، لتضمّنها اعتبار التعيين في المدّة، و لا دلالة فيه، فإنّه غير اشتراط المدّة المعيّنة، إلّا أن يكون ذلك بطريق الأولويّة و هي محلّ منع فيما نحن فيه.

و قيل: لا بل يصحّ الشرط و ينصرف إلى ثلاثة أيّام، ذهب إليه المفيد و المرتضى و الشيخ و أبو الصلاح و ابن زهرة (5) و مال إليه في الدروس، للإجماع (6) كما في الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية (7) و الخبرين النبويّين «الخيار ثلاثاً قل: لا خلابة، و لك الخيار ثلاثاً» (8) و الخلابة الخديعة.

و أخبار الفرقة المرسلة في الخلاف (9) و لا تقصر عن مراسيل كتب الحديث، و خلوّها عنها لا يقدح فيها، فإنّها لم توضع على الاستقصاء التامّ و إلّا لتكاذبت فيما انفردت.

و يشهد لذلك الصحيح «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أو لم يشترط (10)» فإنّه يعطي بفحواه أنّ الشرط في غيره ثلاثة مع الشرط، و ليس المراد


1- المبسوط 1: 83، المراسم: 172، المختلف 5: 66، لم نجد التصريح بذلك في غاية المرام، المسالك 3: 201.
2- نقله عنه العلّامة في المختلف 5: 66.
3- لم نعثر عليه.
4- الوسيلة: 238، السرائر 2: 243، الشرائع 2: 22، النافع: 121، الجامع: 247.
5- المقنعة: 592، لم نجده في الانتصار، فراجع، الخلاف 3: 20 المسألة 25، الكافي في الفقه: 353، الغنية: 219.
6- الدروس 3: 269.
7- راجع الانتصار: 435، الخلاف 3: 20 المسألة 25، جواهر الفقه: 54 المسألة 194، الغنية: 219.
8- سنن البيهقي 5: 273.
9- الخلاف 3: 20 المسألة 25.
10- الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 76

به اشتراط الثلاثة لاطّراد الشرط في غيرها بل مطلق الاشتراط، فيثبت الثلاثة به كما هو المطلوب.

و الغرر مندفع بتحديد الشرع، و الجهالة مغتفرة لأولها إلى العلم، و الأولويّة ممنوعة لارتفاع الغرر و اغتفار الجهل. و التخصيص بالثلاثة إمّا لانصراف الإطلاق إليها عرفاً لكونها أوّل مدّة يتروّى في مثله و الشرع كاشف، أو لتعيين الشرع و الشرط سبب لا مناط كالوصايا المبهمة، هذا غاية ما يؤيّد به هذا القول.

و قد يقال بمنع الإجماع، لقلّة المصرّح به من الأصحاب، مع أنّه في الكفاية (1) ادّعى أشهريّة القول الأوّل مطلقاً، و في الرياض ادّعى أشهريّته بين المتأخّرين (2) مع أنّ هذا الحكم لو كان ثابتاً لاشتهر اشتهاره في الوصايا المبهمة، و ليس الأمر كذلك.

و النبويّتان ضعيفتا السند و الدلالة لا عامل بظاهرهما من الإطلاق، و الصحيحة شهادة فيها و خصوصيّة اشتراط الثلاثة فيها لخصوصيّة المقام، و إجماع الشيخ و مراسيله قد ادّعاهما أيضاً في شرط المؤامرة على الإطلاق (3) مع أنّه لم يقل بذلك أحد سواه من الأصحاب، و هذا ممّا يوهن دعواهما في هذا المقام. و لعلّ الإجماعات كالروايات منزّلة على العرف السابق أو على قرائن الأحوال.

ثمّ إنّه على تقدير القول بذلك هل هو عامّ حتّى لصورة العلم بقصد عدم ذلك أو مخصوص بما عداها؟ لعلّ الأقوى الثاني اقتصاراً على المتيقّن، و يحتمل الأوّل لعموم الدليل فيكون من الأسباب القهريّة، و هو بعيد.

و هل هو خاصّ بالبيع اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن أو مطّرد في غيره؟ وجهان.

و لو اشترط مدّة مطلقة احتمل البناء على الخلاف لكونه بمنزلة إطلاق الخيار، و البطلان مطلقاً للأصل و منع التنزيل، و هو الأشبه.

ثمّ إنّه لا فرق مع تعيين البداية و النهاية في المدّة بين المتّصلة و المنفصلة كما


1- الكفاية: 91 س 37.
2- الرياض 8: 188.
3- الخلاف 3: 37، المسألة 51.

ص: 77

نصّ عليه العلّامة و الشهيدان و الصيمري و الكركي (1) و اقتضاه إطلاق المدّة المتناولة للمتّصلة و المنفصلة في كلام المشايخ و القاضي و الديلمي و الحلبيّين و الحليّين الثلاثة (2). إلّا أن يدّعى بأنّ الظاهر منها الأوّل، عملًا بالأصل و عموم الكتاب و السنّة.

و هذا بناءً على أنّ شرط الخيار على وفق الأصل أو أنّ الشرط يثبت الغاية كالسبب، و إلّا فاثبات ذلك بالدليل الخاصّ المثبت لهذا الخيار مشكل، لانصرافه بحكم التبادر إلى غيره، إلّا أن يتمسّك بظاهر الإجماع في التذكرة حيث قال: و لو شرط خيار الغد صحّ عندنا خلافاً للشافعي (3) أو بتنقيح المناط، و هو مشكل.

و من هنا احتمل العلّامة المنع في القواعد (4) و إن حكم بالجواز في غيرها (5) و في موضع آخر منها (6).

و منعه بعض العامّة (7) تحاشياً من انقلاب اللازم جائزاً، و الانقلاب إلى الجواز كعكسه جائز، بل واقع كما في خيار التأخير و الرؤية و غيرهما.

و متى جاز الانفصال جاز التعاقب كما صرّح به العلّامة و الشهيد الثاني و صاحب الكفاية (8) و غيرهم خصوصاً إذا جعلنا هذا الخيار على خلاف القاعدة أمكن منع التلازم استظهاراً لاتّحاد المدّة و إن عمّت المتّصلة و المنفصلة من الأدلّة الخاصّة و كلام الأكثر و يقتصر على المتيقّن فيما خالف القاعدة. و من هنا احتمل الشهيد الأوّل الثاني و قطع بالأوّل (9) و هو بعيد.


1- التذكرة: 1: 52 س 36، الدروس 3: 269، المسالك 3: 201، غاية المرام 2: 47، جامع المقاصد 4: 321، 322.
2- المقنعة: 592، النهاية 2: 136، الوسيلة: 238، المهذّب 1: 353، المراسم: 172، الكافي في الفقه: 353، الغنية: 218، السرائر 2: 243، الشرائع 2: 22، التحرير 1: 166، س 14.
3- التذكرة 1: 520 س 39.
4- القواعد 2: 71.
5- الإرشاد 1: 374، التحرير 1: 166 س 15.
6- القواعد 2: 66.
7- المجموع 9: 191.
8- التحرير 1: 166 س 21، المسالك 3: 201، الكفاية: 91 س 37.
9- الدروس 3: 269.

ص: 78

و بناءً على ذلك لو شرط الخيار شهراً يوماً و يوماً لا، احتمل البطلان للتدافع لأنّ قوله: «لي الخيار شهراً» يقتضي تمام الشهر و قوله: «يوماً و يوماً لا» لا يقتضي ذلك بل نصفه. و يتدافعان، و الصحّة شهراً و لكن يحصل في ضمن شهرين بناءً على أنّ الشهر مفعول به، و الصحّة خمسة عشر يوماً بناءً على أنّ الشهر مفعول فيه لأنّه و إن كان المتبادر من الشهر كونه تماماً لكن قوله: «يوماً و يوماً لا» يكشف عن أن يكون المراد به نصف شهر لأنّه مفسّر له، و هذا هو الأقرب.

و لو أتى بلفظ «في» فقال: ولي في الشهر كذلك، تعيّن ذلك.

و لو قصد «الهلالي» فالأشبه البطلان، لجهالة الشرط، إذ قد ينقص الشهر فلا يحصل فيه أحدهما.

و احتمل في التحرير في الأوّل صحّة اليوم الأوّل خاصّة و بطلان العقد و صحّته بحسب الشرط. و استقرب الأخير (1).

و لو أطلق المدّة، فالأظهر انصرافه إلى الاتّصال كما في خيار الحيوان وفاقاً للشرائع و الجامع و المختلف و التذكرة و التحرير و القواعد و الإرشاد و التنقيح و غاية المرام و تلخيص الخلاف و تعليق الإرشاد و المسالك (2) و خلافاً للخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر فمن حين التفرّق (3).

و توقّف الشهيد في الدروس عن الحكم في الموضعين (4) و البيان البيان و النقض النقص. و يتأكّد المختار هنا، بلزوم بطلان الشرط لو كان من حين التفرّق للزوم الجهل به و لذا امتنع النصّ عليه، و بجواز اشتراط الاتّصال بالعقد كما اعترف به الشيخ و الحلّي (5) و ادّعى في التذكرة صحّته عندنا (6) فيسقط حججهم المذكورة


1- التحرير 1: 166 س 21.
2- الشرائع 2: 24، الجامع: 247، المختلف 5: 67، التذكرة 1: 52 س 27، التحرير 1: 168 س 26، القواعد 2: 66، الإرشاد 1: 374، التنقيح 2: 45، غاية المرام 2: 45، تلخيص الخلاف 2: 17، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 134، المسالك 3: 218.
3- الخلاف 3: 33 المسألة 44، المبسوط 2: 85، الغنية: 220، السرائر 2: 247.
4- الدروس 3: 269 و 272.
5- المبسوط 2: 85، السرائر 2: 247.
6- التذكرة 1: 520 س 33.

ص: 79

القاضية بالامتناع من تداخل الأسباب و توارد العلل و اجتماع المثلين، إذ الممتنع لا ينقلب بالشرط إلى الجواز.

و لو كان المبيع حيواناً فاللازم من دليلهم تأخير شرط المشتري عن الثلاثة، و هو بعيد من قصد المشترط.

و في الصحيحة: «عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد و يشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابّة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام» (1) فإنّه دالّ على أنّ خيار الشرط أعني اليوم و اليومين داخل في خيار الحيوان أعني الثلاثة أيّام، و إلّا لجعل «اليوم و اليومين» اللذين هما خيار الشرط بعد خيار الحيوان.

و يشكل الحكم بالاتّصال مع العلم بالخيار و تساوي المدّتين أو قصر الشرط، و الظاهر تأخير الخيار حينئذٍ عملًا بشاهد الحال.

و لو زاد الشرط احتمل التأخير مطلقاً، و الاتّصال مطلقاً، و التفصيل بمقتضى العرف فيتأخّر في مثل الأربعة و الخمسة و يتّصل في نحو الشهر و السنة، و لا بأس به، أمّا مع الاختلاف بالعلم و الجهل فلا يبعد البطلان.

و لو أطلق الخيار فالقول في الثلاثة الّتي ينصرف إليها الإطلاق على القول به كالمدّة المشترطة.

[و يجوز اشتراطه لأحدهما و لكلّ منهما و لأجنبيّ]

قال المصنّف: «و يجوز اشتراطه لأحدهما و لكلّ منهما و لأجنبيّ عنهما أو عن أحدهما»

لا ريب أنّ شرط الخيار قد يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما، أو لأجنبيّ، متّحداً، أو متعدّداً، منفرداً، أو مع البائع أو المشتري، أو معهما، مع التوافق في المدّة أو التخالف، أو معهما، في ذلك العقد أو غيره، أو فيهما، مع قيد الاجتماع فيه أو عدمه، أو الاختلاف متّصل أو منفصل، أو مختلف مع سبق الاتّصال أو الانفصال، أو متّصل في البائع و منفصل في المشتري و ما عداه، أو متّصل في المشتري


1- الوسائل 12: 352 ب 5 من أبواب الخيار، ح 2.

ص: 80

و منفصل فيما عداه، أو لهما كذلك، أو للأجنبيّ مع أحدهما أو معهما كذلك.

و الأقسام كثيرة جدّاً و تتضاعف الأقسام فيما إذا قلنا بجواز اشتراط الخيار في بعض المبيع كما هو مذهب البعض (1) و إن كان الأقوى خلافه، لا بسبب ضرر التبعيض كما في الخيار الّذي مستنده الضرر أو مطلقاً و أنّ الضرر لا يجبر بمثله لانتفائه فيه بسبب الإقدام، بل لوحدة العقد فيكون شرطاً مخالفاً لمقتضاه كما تقدّم في خيار الحيوان (2).

نعم قد ادّعى الإجماع على جوازه بعض المتأخّرين، فإن تمّ فهو الحجّة، و لكنّه محلّ منع.

و في اشتراط الخيار للمبيع كما إذا كان عبداً وجهان الصحّة و البطلان مبنيّان على أنّ العبد يملك مثل هذا الحقّ أو لا، و الأقوى الصحّة و إن قلنا بالثاني، و يرجع الخيار إلى مولاه و تتضاعف بهذا الأقسام أيضاً.

و قول المصنّف: «و لأجنبيّ عنهما أو عن أحدهما» و يحتمل دخول ذلك (3) تحت قوله: «و لأجنبيّ عنهما» و يريد بقوله: «أو عن أحدهما» شرط المشتري الخيار للبائع أو بالعكس فإنّ كلّاً منهما أجنبيّ بالنسبة إلى الآخر، و الأوّل أظهر.

و على كلّ حال فجواز جعل الخيار لهما أو لأحدهما أو لثالث أو لهما أو لأحدهما مع الثالث قد ادّعى الإجماع عليه بعض المتأخّرين (4) و نفى الخلاف فيه في الكفاية (5). و في الرياض نقل الإجماع على ذلك عن الخلاف و الغنية و التذكرة (6) و الموجود في التذكرة الإجماع على خصوص جعل الخيار للأجنبيّ (7) و ليس في الخلاف و الغنية شي ء من ذلك.


1- مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 249 س 12.
2- راجع ص 44.
3- العبارة مضطربة، و لعلّها في الأصل: و يحتمل دخول ذلك (اشتراط الخيار للعبد المبيع) تحت قول المصنّف: «و لأجنبيّ عنهما أو عن أحدهما» و يريد بقوله ..
4- المصابيح (مخطوط): الورقة 249 س 12.
5- الكفاية: 91 س 35.
6- الرياض 8: 187.
7- التذكرة 1: 521 س 7.

ص: 81

و جواز باقي الأقسام مبنيّ على كون الخيار على وفق القاعدة، أو كون الشرط مثبتاً للغاية، أو على شمول الدليل الخاصّ لذلك، و قد عرفت حقيقة الحال.

و أياً ما كان فإن اتّحد ذو الخيار فالأمر إليه و إلّا قدّم الفاسخ و لو أجنبيّاً، خلافاً للطوسي فأبطل اعتبار أحدهما إذا كان الخيار فسخاً أو إمضاءً إلّا أن يتّفقا عليه (1) و كأنّ وجهه فهم قيد الاجتماع من الإطلاق كما في الوصيّين، و هو ضعيف.

و صرف الخيار إلى المشتري إذا كان للأجنبيّ و لم يرض بالبيع، و هو ضعيف كسابقه، لأنّ جعل رأي الأجنبيّ نافذاً في الرضا دون الفسخ تحكّم.

و كون الأوّل موافقاً لمقتضى العقد دون الثاني لا يصلح فارقاً، و أيضاً تخصيص المشتري بانصراف الخيار إليه دون البائع ليس له وجه يعتدّ به، و أيضاً صرف هذا الخيار عمّن هو له إلى غيره من غير وجه صحيح لا يعتدّ به.

و في الدروس باستقلال الأجنبيّ إذا انفرد و احتمله مع الاجتماع (2) و ينبغي القطع به كالأوّل، لأنّه قد جعل له الخيار في الصورتين، فلا فرق بينهما إلّا بناءً على التوكيل، فإنّه يكون عزلًا مع المخالفة و اللحوق.

و لعلّه يؤيّد ذلك إلّا أنّ الظاهر من الأصحاب أنّه تحكيم لا توكيل، و يجب عليه اعتماد المصلحة في جميع الصور تحكيماً كان أو توكيلًا لأنّه أمين. فلو بان الخلاف لم يمض الفسخ. و يحتمل المضيّ بموافقته المصلحة واقعاً و إن لم يعتمدها، و هو غير بعيد.

و لو اختلفا فيه قدّم قوله مع احتمال تحرّي الأصلح. و يشترط تعيين الموضوع فلو اشترطا الخيار لأحدهما من غير تعيين، بطل الشرط كما في القواعد (3).

[و يجوز اشتراط المؤامرة]

قال المصنّف: «و اشتراط المؤامرة»

يجري في الاستئمار ما يجري في الخيار: من أنّه قد يكون للبائع أو المشتري، أو لهما، أو للأجنبيّ عنهما، أو عن أحدهما، مفرداً أو مع البائع أو المشتري، أو معهما متّصلًا أو منفصلًا، أو متّصلًا و منفصلًا، إلى غير ذلك.


1- الوسيلة: 238.
2- الدروس 3: 268.
3- القواعد 2: 67.

ص: 82

و معناه جعل سلطنة الأمر إليه و الخيار لغيره لا له، و حكمه أنّه يلزم العقد من جهة الشرط و يتوقّف على أمر المستأمر فإن أمره بالفسخ جاز الفسخ، و لا يتعيّن عليه لانتفاء المقتضي، إلّا أن يشترط ذلك أيضاً.

و لو أراد الفسخ لم يكن له إلّا بأمره، خلافاً للعلّامة في التحرير حيث قال: له الفسخ قبل الاستئمار (1) و هو ضعيف، لأنّ الأصل لزوم العقد، و هو لم يجعل الخيار لنفسه ابتداءً و إنّما جعله مرتّباً على الأمر.

و جواز هذا الشرط مع تعيين المدّة، بالأصل، و العمومات، و الإجماع المنقول في جامع المقاصد و ظاهر التذكرة (2) و لا يشترط تعيين المؤامر باسمه بل يشخّصه و يدلّ عليه.

و لو قيل بجواز استئمار من كان خلف الجدار و إن لم يعلم ما هو أو واحد من الناس أو من جماعة محصورين و نحو ذلك بناءً على أنّ الشرط كالصلح في الجهالة لكان له وجه. نعم يستثنى المبهم الّذي لا وجود له.

و في الحقيقة ترجع هذه المسألة بشقوقها إلى ما دلّ على الوفاء بالشرط، فلو شرط الأخذ بنهيه أو بعكس أمره أو بإذنه أو برضاه أو بسكوته أو بغير ذلك كائناً ما (3) كان جاز، إلّا أن يقال: إنّ فيه مخالفة للقاعدة باعتبار رجوعه إلى تعليق شرط الخيار فيقتصر فيه على المتيقّن. و فيه: نظر كما سيجي ء في مبحث الشروط، و حال الاتّصال و الانفصال و وحدة المستأمر و تعدّده و ترامي الأوامر فيشترط أمر فلان و فلان و هكذا ثمّ يرجع إلى المتعاقدين ثمّ وجوب امتثال أمره أو عدم وجوبه على نحو ما شرط، و كذلك يجري في الاستئمار في سقوط الخيار على نحو التفاصيل المتقدّمة، و كذا الاستئمار في التمليكات الخارجيّة، و المسألة كثيرة الشقوق تعلم بالمقايسة.


1- التحرير 1: 166 س 28.
2- جامع المقاصد 4: 292، التذكرة 1: 521 س 26.
3- في المخطوطتين: من.

ص: 83

ثمّ إنّ الموجود في كلام المصنّف و غيره من الأصحاب لفظ «المؤامرة» و «الاستئمار» و هما مأخوذان من الأمر، و هو أعمّ من الإيجاب، فلا يختصّ بالإيجاب كما قد يتخيّل فإذا أوجب أو ندب كان أمراً، سواء قلنا بأنّ الأمر مطلق الطلب أو قلنا: قول «افعل» لأنّ العارض غير المعروض و اسم اللفظ ليس متّفقاً مع المسمّى في المعنى.

و التحقيق كما تقدّم أنّ الحكم يتبع الشرط، فإن شرط الإيجاب أو الندب أو الإذن اتّبع و إن جعل له مع أمره الخيار اتّبع.

و الحاصل أنّ المدار على الشرط في الأمر و المأمور، و كيفيّة الأمر و في الإسقاط، و في تمليك خارجيّ، و غير ذلك كما تقدّم.

قال المصنّف: «فإن قال المستأمر: فسخت أو أجزت، فذاك، و إن سكت فالأقرب اللزوم، و لا يلزم الاختيار، و كذا من جعل له الخيار»

يمكن أن يقرأ بالبناء للمجهول و يكون قوله: «فسخت» أو «أجزت» كناية عن الأمر بالفسخ و الإجازة، و بالبناء للفاعل و يبقى قوله: «فسخت» أو «أجزت» على ظاهره. و المراد بالسكوت إمّا الأعمّ من السكوت عن الاستئمار أو عن الفسخ و الإجازة بعده، أو الثاني فقط، و هو الأظهر.

و أيّاً ما كان فليس فيه مخالفة لما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ المستأمر بفتح الميم ليس له الفسخ و لا الالتزام و إنّما إليه الأمر و الرأي خاصّة.

و دعوى ظهور العبارة في الوجه الأوّل بقرينة قوله: «و لا يلزم الاختيار» و قوله: «و كذا من جعل له الخيار» ممنوعة لأنّ الّذي ينبغي أنّ ينبّه عليه عدم لزوم الاختيار على المستأمر بالكسر بعد توجّه الأمر إليه كما نبّه عليه الأصحاب. أمّا المستأمر بالفتح فلا وجه للزوم الاختيار عليه حتّى ينبّه عليه.

و الظاهر أنّ المراد بالعبارة الثانية تشبيه المجعول له الخيار بالواسطة بالمجعول له ابتداءً.

و أمّا المستأمر بالفتح فلا حظّ له في الخيار بوجه حتّى يناسب فيه التشبيه و قول المصنّف: «الأقرب» يشعر بأنّه هناك وجه آخر قريب، و لم أتحقّقه.

ص: 84

ثمّ إنّ المراد في كلام المصنّف بالمستأمر بالفتح أو بالكسر على الوجهين ما كان في مرتبة واحدة و إلّا فقد يترامى الاستئمار فيكون في المرتبة الدنيا مستأمراً فقط، و في العليا مستأمراً بفتحها فقط، و في الأواسط مستأمِراً و مستأمَراً معاً باختلاف الاعتبار، و كلّ واحد من الأواسط ليس له الفسخ و الإجازة و لا الأمر بهما، كما هو ظاهر.

ثمّ بناءً على حمل كلام المصنّف على ما يظهر من عبارته بحسب دعوى الشارح (1) و ان خالف ظاهر الأصحاب يكون الفرق عنده بين المستأمر و المشروط له الخيار إذا كان أجنبيّاً أنّ الأوّل ليس له من الأمر شي ء إلّا بعد الاستشارة بخلاف الثاني فإنّ له الإمضاء و الفسخ بادئ بدئه.

و يشترط في المستأمر اعتبار المصلحة، لأنّه أمين.

[و يجب اشتراط مدّة المؤامرة]

قال المصنّف: «و يجب اشتراط مدّة المؤامرة»

كما في التحرير و التذكرة و المختلف و تعليق الإرشاد و الميسيّة و المسالك و الشرح (2)، للزوم الجهالة مع الإطلاق، و للنهي عن الغرر، و تطرّق الجهالة إلى العوضين لجهالة الشرط، و لأنّ العقود شرّعت لقطع موادّ الاختلاف و الإناطة بالمختلف مثار الاختلاف.

و ربّما قضى به الإجماع المنقول على لزوم تعيين مدّة الخيار (3) و ظاهرهم عدم الفرق في المنع بين الإناطة بمدّة مجهولة و بين الإطلاق، خلافاً للشيخ في الثاني (4) حيث جعله كاشتراط الخيار مع الإطلاق ينصرف إلى ثلاثة أيّام مدّعياً فيه (5) النصّ و الإجماع و هما ممنوعان.


1- الروضة 3: 455 456.
2- التحرير 1: 166 س 27، التذكرة 1: 521 س 26، المختلف 5: 67، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 134 س 23، المسالك 3: 202، الروضة 3: 457.
3- كما صرّح به في مفتاح الكرامة 4: 561 س 5.
4- الخلاف 3: 37، المسألة 51.
5- يعني في الشرط راجع الخلاف 3: ص 20 المسألة 25.

ص: 85

ثمّ إنّ المصنّف لم يتعرّض لجواز اشتراط البائع ردّ المبيع من المشتري حيث يردّ عليه الثمن في مدّة معيّنة، و قد ذكره جماعة من الأصحاب بعد ذكرهم شرط المؤامرة. و نقل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و جواهر القاضي و جامع المقاصد و المسالك و ظاهر التذكرة و شرح الإرشاد للفخر (1).

و يدلّ عليه الأصل و عموم الكتاب (2) و السنّة (3) على القول بمشروعيّة شرط أصل الخيار و إلّا فدليله الخاصّ قاضٍ به لأنّه قسم منه، و خصوص الأخبار المعتبرة في الباب:

منها: الصحيح، في من اشترط عليه ذلك أرى أنّه لك إن لم يفعل و إن جاء بالمال للوقت فردّ عليه (4).

و منها: الموثّق، رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له أبيعك داري هذه على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ، قال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه (5).

و منها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن بعت رجلًا على شرط، فإن أتاك بمالك، و إلّا فالبيع لك (6).

و ظاهر هذه الروايات كمعاقد الإجماعات السابقة وجوب ردّ الثمن و إن لم يفسخ البائع، و هو خلاف ما صرّح به أكثر الأصحاب.

و لعلّ ظاهر الروايات و الإجماعات منزّلة على الغالب من تعقيب ردّ الثمن بالفسخ كأن يقول له: خذ دراهمك فقد فسخت و نحو ذلك، أو على شرط الانفساخ بردّ الثمن بناءً على أنّ الشرط يثبت الغايات.


1- الخلاف 3: 19 المسألة 22، الغنية: 215، جواهر الفقه: 54 المسألة 192، جامع المقاصد 4: 293، المسالك 3: 202، و راجع التذكرة 1: 519.
2- المائدة: 1.
3- الوسائل 12: 353 354، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1 و 2.
4- الوسائل 12: 354، ب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
5- الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
6- الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.

ص: 86

و في الرياض أبقاها على ظاهرها بدعوى: أنّ العادة قاضية بكون مثل هذا الردّ فسخاً للمعاملة فتكون دلالته بقرينة (1) و يكفي في السقوط الفعل الظاهر في الإسقاط كما تقدّم.

و فيه بعد تسليم دلالته على ذلك: أنّ الخيار المشترط إنّما هو بعد ردّ الثمن فكيف يحصل الفسخ بنفس الردّ السابق عليه.

ثمّ إنّه لا يفترق الحال في الاحتياج إلى الفسخ بين قول المشهور و قول الشيخ و إن افترقا في وجه الاحتياج إليه، فإنّه في الأوّل لعود الملك و في الثاني لاستقراره.

ثمّ إنّه لا فرق في هذا الشرط بين أن يكون من البائع على المشتري أو من المشتري عليه.

و الظاهر أنّه لا فرق بين ردّ عينه أو مثله أو قيمته، و لا يحمل إطلاقه على العين.

و لو شرط ردّ العين، احتمل البطلان لمنافاته لمقتضى العقد، و الصحّة للعموم (2) و هو الأقرب. و لو شرط ردّ بعض المبيع ببعض الثمن ففيه الوجهان السابقان في اشتراط الخيار في بعض المبيع. و لو جاء ببعض الثمن. لم يجب القبول.

و لو كانت المدّة ظرفاً للأداء و الاسترجاع كان له الفسخ متى (3) جاء بالثمن في أثنائها، و يجب على المشتري قبضه. و لو جعلها غاية لم يجب قبضه إلّا بعد مضيّها.

و لو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا ردّ المبيع صحّ و يكون الفسخ مشروطاً بعينه، و لا يتعدّى إلى مثله أو قيمته إلّا مع الشرط بخلاف الثمن، و الفارق العرف.

و لو شرطا الارتجاعين و اتّحد الوقت صحّا قطعاً، و إن تغاير الوقت احتمل صحّتهما فالسابق يرتجع، فإن ترك ارتجع الآخر هكذا في الدروس (4).

و لا يتوقّف الفسخ في الخيار مطلقاً على خصوص الخصم و لا على الحاكم مع تعذّره و عدمه، لأنّه إيقاع لا عقد خلافاً لابن الجنيد (5).


1- الرياض 8: 189.
2- المؤمنون عند شروطهم.
3- في بعض المخطوطات: «حتّى لو» بدل: متى.
4- الدروس 3: 270.
5- حكاه عنه الشهيد في الدروس 3: 270.

ص: 87

نعم في خصوص المقام قد يظهر من الروايات ذلك، و الظاهر أنّه باعتبار اشتراطه ردّ الثمن عليه لا باعتبار اشتراط كون الفسخ بحضوره.

فلو اشترط ردّ الثمن على غيره أو عليه و قد دفعه إليه و فسخ بعد ذلك من دون حضوره كفى.

تذييل:

يسقط هذا الخيار بانقضاء الشرط و الإمضاء من المشروط له بالإجماع، و سقوط الحقوق بالإسقاط، و لأنّ المدار في سقوط الخيار على الرضا بالبيع كما يستفاد من النصوص على أحد الوجهين و الإيجاب صريح فيه للمعتبرة المستفيضة:

منها: الصحيح، في من ابتاع ثوباً بشرط فيعطى به ربحاً: إن رغب في الربح فليوجب على نفسه الثوب، و لا يجعل على نفسه أن يردّ الثوب على صاحبه إن ردّ عليه (1).

نعم في المعلّق على ارتجاع الثمن و نحوه قبل حصوله، قد يقال: إنّه من الإسقاط قبل الثبوت، و هو ضعيف.

و يسقط خيار المشتري بتصرّفه في المبيع بالإجماع كما في الخلاف و الغنية و كنز الفوائد و جامع المقاصد (2) و العلّة المنصوصة في الحيوان على الوجه الظاهر من الرواية و الأولويّة فإنّه متى سقط به الخيار الأصلي فالمشترط أولى بأن يسقط به، و لنقل الشيخ و القاضي ورود الأخبار من طريق الأصحاب بسقوط خيار المشتري بالتصرّف محتجّين بها في الشرط (3) و كفى بهما ناقلين.

و الحكم مقطوع به في كلامهم، و الإجماع فيه محصّل. و قد نصّ عليه الشيخان و الحلبيّان و الفاضلان و الشهيدان و القاضي و الديلمي و الحلّي و السيوري


1- الوسائل 12: 359 ب 12 من أبواب الخيار ح 2.
2- الخلاف 3: 24 المسألة 31، الغنية 219، كنز الفوائد 1: 455 و لم يصرّح بالإجماع جامع المقاصد 4: 304.
3- الخلاف 3: 24 المسألة 31، جواهر الفقه: 55.

ص: 88

و الصيمري و الكركي (1) و غيرهم.

و توقّف فيه في مجمع البرهان و استصعبه لعدم الظفر بالدليل (2). و بما قرّرناه وضح السبيل.

و كما يسقط خيار المشتري بالتصرّف في المبيع فكذا خيار البائع بالتصرّف في الثمن، كما صرّح به جماعة، و علم من رأي الباقين للإجماع المنقول في الحاشية العليّة (3). و لظاهر الرواية (4) و تعليل كثير من الأصحاب بعلّتها و إناطة كثير من الأحكام بها، و لما يلوح منهم من عدم الفرق بين الثمن و المثمن و إن كان الغرض غالباً في المثمن، و للمناط المنقّح على الظاهر.

و ما يظهر من صحيحة سعيد بن يسار (5) و موثّقة ابن عمّار (6) و روايتي ابن الميسرة (7) و ابن الجارود (8)- من أنّ تصرّف البائع بالثمن مع شرط الخيار له عند ارتجاع الثمن غير مسقط لخياره لحكمهم عليهم السلام بالخيار مع ترك الاستفصال مع أنّه من أبعد البعيد عدم التصرّف في جميع تلك المدّة، بل الظاهر أنّه ما باع إلّا ليتصرّف فيه و سيرة الناس اليوم على ذلك فمحمول إمّا على الشرط الضمني بعدم سقوط الخيار بتصرّفه كما هو الشأن اليوم فإنّ دخول الشرط معلوم ضمناً في محاوراتهم.

و مثل هذا الشرط يلزم كغيره من الشروط، و الضمنيّة لا تضرّ كما عرفت. و لكن هذا مبنيّ على عدم كون التصرّف مسقطاً تعبّداً و أنّه يقع السقوط به قهراً و إلّا


1- المقنعة: 592، الخلاف 3: 24 المسألة 31، الكافي في الفقه: 353، الغنية: 219، الشرائع 2: 23، التحرير 1: 168 س 2، الدروس 3: 27، المسالك 3: 213، جواهر الفقه: 54 55 المسألة 196، المراسم: 173، السرائر 2: 280، التنقيح الرائع 2: 5، جامع المقاصد 4: 304.
2- مجمع الفائدة 8: 412.
3- جامع المقاصد 4: 304.
4- الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
5- الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
6- الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
7- الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 2.
8- الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.

ص: 89

كان شرطاً مخالفاً للسنّة. اللّهمّ إلّا على تقدير القول بإثبات الشروط للغايات إلّا ما دلّ الدليل على عدمه، و لا دليل في المقام.

أو على أنّه لمّا كان الخيار معلّقاً على ارتجاع مال المشتري و ارتجاع الثمن أو مثله يعدّ ارتجاعاً لماله عرفاً، فيحكم بتحقّق الخيار، فكان الثمن على هذا هو الأعمّ من الثمن و مثله، و لم يقع التصرّف فيه و إنّما تصرّف بغيره، فتأمّل.

أو على الفرق بين التصرّف في زمان الخيار و التصرّف قبله. و ما اشتملت عليه الروايات من التصرّف قبله، لأنّ الخيار لا يثبت إلّا بعد ارتجاع الثمن و التصرّف قبله. و ربّما يؤيّد ذلك تقييد كثير منهم في مدّة الخيار.

أو يحكم بخصوص ما اشتملت عليه الروايات للنصّ و الإجماع الظاهر على العمل بظاهرها و السيرة المستمرّة على ذلك. و يبقى الباقي من شرط ارتجاع المبيع و نحوه على وفق القاعدة.

و قد حمل هذه الروايات بعض المتأخّرين على ما إذا علم من ذلك التصرّف عدم الرضا بالإمضاء (1) كما هو المعلوم اليوم من سيرة الناس في بيع الشرط، لأنّ الأصل في التصرّف الدلالة على الرضا، إلّا أن يعلم الخلاف، و قد علم في هذا المقام. و هذا مبنيّ على أحد الوجوه في التصرّف، و قد تقدّم الكلام في ذلك (2).

و هذا كلّه فيما لو كان الخيار لأحد المتعاقدين و المتصرّف ذو الخيار. و لو كان الخيار لأجنبيّ فتصرّف من كان الخيار عنه لا يسقط خيار الأجنبيّ، لأنّه ليس له الالتزام و الفسخ، بل الأمر إلى الأجنبيّ، إلّا إذا قلنا بأنّه توكيل، فإنّه يكون تصرّفه التزاماً فيما انتقل إليه و فسخاً فيما انتقل منه.

و لو تصرّف الأجنبيّ فإن لم يكن وكيلًا على التصرّف فلا عبرة بتصرّفه قطعاً، و إن كان وكيلًا أو فضولًا و لحقته الإجازة ففي كون تصرّفه التزاماً نظر: لدلالته على الرضا، و لعدم شمول أدلّة كون التصرّف مسقطاً للخيار له.


1- مفتاح الكرامة 4: 587 س 31.
2- عند قول المصنّف في خيار الحيوان: أو تصرّفه.

ص: 90

و مثل ذلك تصرّف المالك بإذن الأجنبيّ ذي الخيار أو وكيل للمالك بإذنه، و قد تقدّم البحث في ذلك (1).

و هذا كلّه في تصرّف المشتري بالمبيع و البائع بالثمن.

و لو تصرّفا فيما انتقل عنهما فهو فسخ منهما، لتصريح الأصحاب بأنّ كلّ تصرّف يمضى به البيع من أحدهما فهو فسخ من الآخر على تقدير حصوله منه، و ذلك كما إذا تصرّف المشتري بالمبيع، فإنّ تصرّفه إمضاء. و لو تصرّف الآخر أعني البائع في المبيع كان تصرّفه فسخاً، لأنّ الفسخ كما يحصل بالقول يحصل بالفعل. و التصرّف كما يدلّ على الإمضاء يدلّ على الفسخ، بل دلالته على الفسخ أقوى، فيكون أولى بالاعتبار.

و لأنّ هذا التصرّف لو لم يكن فسخاً لكان ممنوعاً منه شرعاً في كثير من المقامات، لمصادفة ملك الغير على المشهور من الانتقال بنفس العقد، و الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه السائغ الصحيح، فيكون فسخاً. و لو كان الخيار لهما، فتصرّف أحدهما، فإن كان فيما انتقل عنه بطل الخياران، و إلّا اختصّ بالبطلان.

[الرابع خيار التأخير]

اشارة


1- في خيار الحيوان في أنحاء التصرّف عند قوله: ثمّ التصرّف قد يكون عمداً .. الخ.

ص: 91

قال المصنّف:

«الرابع: خيار التأخير»

[تخصيص هذا الخيار بالبيع]

و هو كخيار التقديم بالنسبة إلى بيع الملقوط أو المخروط أو المجزور مثلًا قبل البلوغ، فجاء لزوم المبادرة قبل الاستواء من قبل البائع من جهة أرضه أو مائه و نحوهما.

و تخصيص هذا الخيار بالبيع بلا خلاف للأصل و اختصاص الأدلّة به و بالبائع، فلا يثبت للمشتري كما نصّ عليه المفيد (1) و المرتضى حاكياً عليه الإجماع (2) و هو قضيّة كلام الباقين حيث تعرّضوا لخيار البائع فحكموا به و لم يتعرّضوا لخيار المشتري، فالإجماع محصّل فضلًا عن أن يكون منقولًا على الظاهر، و هو مقتضى الأصل، لأنّ الأصل عدم الخيار خرج المعلوم و بقي الباقي. و ربّما استفيد من النصوص من تخصيص الحكم بالمنصوص.

و لا بدّ من تحقيق عميق في بيان هذا الأصل فنقول: إنّ القيود الزمانيّة أو المكانيّة أو الوصفيّة و هكذا إن استفيدت من إطلاق العقد كالتعجيل و مكان العقد للتسليم و الأجل المضروب للسلم فلا خيار، إمّا باعتبار أنّها أحكام شرعيّة مترتّبة على ما يقتضيه العقد من النقل و الانتقال و ليست هي بمقتضى العقد.


1- المقنعة: 591 592.
2- الانتصار: 437 438، المسألة 249.

ص: 92

أو باعتبار أنّها شرائط ضمنيّة و المدار على الشرط الصريح و لا عبرة بالضمني فلا يجري فيها خيار الاشتراط.

أو باعتبار أنّ الشرط المثبت للخيار ما يكون مشروطه ليس من لوازم العقد و للشرط تأثير فيه، و ما هنا ليس كذلك، لأنّها أحكام لازمة بدون الشرط فلا تؤثّر و إن صرّح بها.

أو أنّ العقد و إن اقتضاها لكن لا على جهة الشرطيّة في العقد و أنّه مشروط بذلك إذ ليس كلّ ما يقتضيه العقد يقتضيه على جهة الشرطيّة، و هو الوجه. و الأوجه السابقة كلّها مدخولة.

و ربّما يندفع من هنا ما يرد أنّه ما الفرق بين اقتضاء العقد الصحّة حتّى أوجب خيار فواتها و بين اقتضائه الحلول و هذه الأشياء فلا يوجب فواتها الخيار، و كون الفارق النصّ خلاف الظاهر من كلماتهم.

و يمكن الجواب أيضاً بأنّ اقتضاء العقد الصحّة صيّرها بمنزلة جزء المبيع، بخلاف هذه الأشياء، فإنّها امور خارجة.

و في المقام بحث، لأنّ الزمان له قسط من الثمن، و كذا المكان مثلًا، فإذا اختلّا ذهب بعض العوض و كان الصفقة تبعّضت و حديث «الضرر و الضرار (1)» مقتضٍ لذلك، فيجري بالنسبة إلى المشتري و سائر العقود، و يكون الاشتراط في الثلاثة في الخيار على خلاف الأصل، إذ ينبغي ثبوته بمجرّد التأخير.

و الأقوى عدم ثبوت هذا الخيار في غير المنصوص للقاعدة فضلًا عن الدليل، لعدم دخول الزمان و المكان في العوضين فلا يكون من باب التبعيض، و الضرر و الضرار يدفعهما أيضاً القدرة على المقاصّة فلا يتعيّن الخيار، و لا ينافي ذلك أنّ المقاصّة إنّما تشرع مع الامتناع فقط، على أنّ حديث الضرر لا نقول به على


1- الوسائل 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1 و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3.

ص: 93

عمومه و لا يثبت خيارات لا تعدّ و لا تحصى، بل المدار على الضرر الخاصّ الّذي يكشف عنه الشارع، كما هو المعلوم من طريقة الأصحاب.

فبناءً على ما ذكرنا لا يتجاوز البيع إلى ما عداه من العقود و الإيقاعات و لا البائع إلى غيره، و كلّ مورد شكّ في دخوله تحت النصوص و الإجماع، ينفى بالأصل.

و استشعر في الدروس ثبوت هذا الخيار للمشتري من الأصحاب من عدم حكمهم على إجباره على النقد (1) و وجهه احتباس المبيع كما هو المفروض و الرضا بالتأخير كما هو الظاهر.

نعم يحتمل ذلك لو انعكس فأخّر البائع تسليم المبيع دفعاً للضرر الحاصل، و الأشبه العدم اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ و الإجماع.

ثمّ إنّ ثبوت هذا الخيار للبائع بعد الثلاثة بالشروط الآتية هو المشهور بين الأصحاب شهرة محصّلة و منقولة بل الإجماع فيه محصّل فضلًا عن أن يكون منقولًا عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و التذكرة و المسالك و المفاتيح و ظاهر المهذّب البارع و التنقيح و إيضاح النافع (2).

و الأصل بمعنى استصحاب بقاء الملك قاضٍ به.

و ما يقال: من أنّ استصحاب الجنس لا يجوز لأنّه يذهب بذهاب الفصل، مردود بأنّه من الامور الخارجة و الامور الخارجة كبياض زيد و سواده و نحوهما من الأعراض فإنّه لا يقدح في الاستصحاب زواله.

و المعتبرة دالّة عليه:

منها: الصحيح في الفقيه، إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له (3).


1- الدروس 3: 273.
2- الانتصار: 437، الخلاف 3: 20 المسألة 24، جواهر الفقه: 54 المسألة 193، الغنية: 219، التذكرة 1: 523 س 14، المسالك 3: 208، المفاتيح 3: 74 75 مفتاح 923، المهذّب البارع 2: 380379، التنقيح 2: 48.
3- الفقيه 3: 202 ح 3766. الوسائل 12: 365، ب 9 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 94

و روى مثله في الكافي في الصحيح أو الحسن (1). و في التهذيب مثلهما بسند فيه عليّ بن حديد (2). و مثلها موثّقة إسحاق بن عمّار: من اشترى بيعاً فمضى ثلاثة أيّام و لم يجئ فلا بيع له (3). و خبر عبد الرحمن بن الحجّاج في قضيّة المحمل (4).

و المراد نفي لزوم البيع، لكونه في معرض البطلان بخيار البائع لا انتفاء الصحّة إذ المفهوم من نفيه للمشتري ثبوته للآخر. و الصحّة لا تقبل التبعيض، و لفهم اللزوم بقرينة المقابلة لأنّ معنى قوله: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام» أنّ البيع لازم. و قد قابله بقوله عليه السلام: «و إلّا فلا بيع له» فيكون معناه أنّه لا يلزم، مع أنّ الإطلاق إنّما ينصرف إليه، لشيوعه في وصف اللزوم، مع أنّه قيد زائد فيتوجّه النفي إليه، كذا قيل.

و فيه: أنّ اللزوم ليس قيداً مصرّحاً حتّى يتوجّه إليه النفي و يبقى أصل المسلك، و أيضا أنّ النفي إنّما ورد مورد توهّم لزوم المعاملة لأنّ السامع يتوهّم الحصر على البائع بعد العقد، فالمراد نفيه.

مع أنّه قد ورد في التفرّق: أنّه «ليجب البيع» (5) و معناه الثبوت. و الحقّ ثبوته، فالمراد ثبوت لزومه.

و ورد في اشتراط ارتجاع المبيع قول البائع «و إلّا فالبيع لك» (6) مع أنّ في لفظ «لك» إشعار على ما قيل.

و في صحيحة ابن يسار: «أرى أنّه لك إن لم يفعل» (7) و ظاهره أنّ المراد من ذلك فيها انقضاء الخيار و عدمه.


1- الكافي 5: 170 ح 4.
2- التهذيب 7: 21 ح 88.
3- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
4- الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
5- الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 3.
6- الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.
7- الوسائل 12: 354 ب 7 من ابواب الخيار، ح 1.

ص: 95

و وقع التعبير بمثل ما نحن فيه في خيار ما يفسد ليومه (1) مع إطباقهم عليه.

و في كثير من الأخبار: المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار، مع أنّه يصير بمجرّد العقد ملكه، فالمراد إذاً على سبيل اللزوم، مع أنّ نفي الحقيقة أعني الصيغة غير ممكن، لأنّ المعاملة اسم للأعمّ و يتحقّق بنفي اللزوم و لا أقلّ من الشكّ فيرجع فيه إلى الأصل، مع ظهور كون العلّة فيه دفع الضرر و الإرفاق بالبائع، و هو إنّما يندفع بالخيار. و أمّا البطلان فربّما كان أضرّ على البائع من التزام البيع فلا يحصل به الإرفاق.

و في كثير ممّا ذكر بحث، إذ اللفظ إذا تعذّر حمله على الحقيقة تحمل على أقرب المجازات، و أقربها هنا الصحّة. غير أنّ فهم الفقهاء للخيار من الروايات عليه المدار، فإنّهم أعرف بمواقع الألفاظ، و لهذا احتجّوا بها على ثبوت الخيار.

و في المهذّب نسب تنزيلها على نفي اللزوم إلى الأصحاب (2) و المنسوب إليه الخلاف في المسألة ابن الجنيد حيث قال: «لا بيع (3)» من دون قيد له. و الصدوق حيث عبّر بالنصّ (4) و الشيخ في المبسوط حيث نسب بطلان البيع إلى رواية أصحابنا (5). و قرّبه صاحب الكفاية (6) و نفى عنه البعد الأردبيلي (7) و جزم به صاحب الحدائق (8).

و أنت خبير بأنّ فتوى ابن الجنيد غير محكمة و حملها على الصحّة ممكن كالروايات، كما يشهد بها ورودها في مقام الخيار. و الصدوق روى ذلك رواية و الفتوى غير الرواية. و أقصى ما في المبسوط نسبة ذلك إلى رواية الأصحاب


1- راجع الوسائل 12: 358، ب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الموجود في المهذّب نسبته بطلان إلى رواية الأصحاب راجع ج 2 ص 361، نعم في المهذّب البارع بعد نقل الأخبار قال: و حملها الأصحاب على نفي اللزوم لا الصحّة. المهذّب البارع 2: 380.
3- راجع المختلف 5: 70.
4- المقنع: 365.
5- المبسوط 2: 87.
6- الكفاية: 92 س 12.
7- مجمع البرهان 8: 406.
8- الحدائق 19: 47 48.

ص: 96

و الرواية غير الفتوى مع موافقته المشهور في الخلاف و احتجاجه بإجماع الفرقة و أخبارهم.

فاحتمال البطلان باطل بالأصل، و الروايات المستفيضة المسندة الموجودة في الجوامع العظام و المرسلة في الخلاف و الغنية (1) و فقد المبطل، و الإجماع المتكرّر المنقول على الخيار، و تطابق الفتوى عليه من جماهير الأصحاب، مع شذوذ المخالف بل انتفاء الخلاف كما عرفت.

نعم في الصحيح: عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما (2) و لا يأبى الحمل على اللزوم فإنّ ثبوت الخيار لأحدهما ينفي اللزوم بينهما.

[و مدته ثلاثة أيام]

قال المصنّف: «عن ثلاثة أيّام»

لا فرق في هذه المدّة بين الجارية و غيرها وفاقاً للعلّامة و الشهيد (3) و ظاهر الأكثر و نسبه بعض إلى ظاهر الأصحاب، لعموم النصوص (4).

و خلافاً للصدوق حيث قدّر المدّة فيها بشهر في صريح الفقيه (5). و في المقنع على ما نقله العلّامة عنه في المختلف و لم نجده فيه للرواية في من اشترى جارية و قال: أجيئك بالثمن، إن جاء فيما بينه و بين شهر، و إلّا فلا بيع له (6).

و رواها الشيخ في التهذيب و لم يعقبها بشي ء (7) و في الاستبصار. و احتمل حملها على استحباب الصبر و تخصيص العمومات بها كما خصّصت بغيرها (8).


1- الخلاف 3: 20 المسألة 24، الغنية: 219.
2- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
3- المختلف 5: 70، الدروس 3: 274.
4- قال في الرياض: ثمّ إنّه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدّة الخيار بين الجارية و غيرها في إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي، الرياض 8: 194. و قريب منه عبارة صاحب مفتاح الكرامة، راجع ج 4 ص 578 س 4.
5- الفقيه 3: 203 ذيل الحديث 3767.
6- المختلف 5: 70.
7- التهذيب 7: 80 ح 342.
8- الاستبصار 3: 78 الحديث 261 و ذيله.

ص: 97

و ردّها في الدروس بالندرة (1). و أجاب في المختلف بمنع صحّة السند (2). و السند لا بأس به، إذ ليس فيه من يشتبه أمره سوى «أبي إسحاق» و هو مشترك بين جماعة و المشهور هو إبراهيم بن هاشم و تساعده الطبقة أيضاً، فهو إمّا صحيح أو حسن كالصحيح، و الدلالة ظاهرة و أصل اللزوم مؤيّد، و ذلك لأنّه كان ثابتاً في الثلاثة فيستصحب.

و لكنّ شذوذ الرواية و غرابة اختصاص الأمة بهذا الحكم و لزوم الضرر على البائع بطول المدّة، يمنع من الأخذ بظاهرها، فالعمل على المشهور.

و حملها على بيان منتهى الصبر طريق الجمع و ذلك بأن يكون للصبر غايتان وجوب و جواز. أمّا الوجوب فالثلاثة. و أمّا الجواز فهي الثلاثون.

فيصير منتهى الصبر في كلّ بيع ثلاثين فيما يمكن بقاؤه ثلاثين فما فوق، و الفرق بينه و بين حمل الشيخ رحمه الله، انّ الشيخ قد خصّه بالأمة (3) و جعلناه في كلّ مبيع و الجارية مثال، فإن جعلنا التراخي في هذا الخيار على وفق القاعدة فلا كلام، و إلّا كان المثبت له الدليل.

و مبدأ المدّة هنا لا من حين العقد. فلو جعلنا الإجازة ناقلة في الفضولي كانت البدءة لا من حين الإجازة و لا من حين الملك كما ذهب إليه بعضهم (4) بل من حين التفرّق كما يظهر من كلام الشيخين و السيّدين و القاضي و الديلمي و الحلّي و العلّامة في المختلف و التحرير (5) لدلالة الأخبار و فتوى الأصحاب على لزوم البيع في تمام المدّة، و لو كانت من حين العقد أو الملك لاشتملت على خيار المجلس، فينتفي اللزوم في المجموع بل الجميع في بعض الصور كما إذا استمرّ المجلس ثلاثة أيّام.


1- الدروس 3: 274.
2- المختلف 5: 70.
3- الاستبصار 3: 78 ذيل الحديث 261.
4- لم نعثر على من صرّح به، و لعلّ ظاهر الرياض يقتضيه، راجع ج 8 ص 192.
5- المقنعة: 591 592، الخلاف 3: 20 المسألة 24، الانتصار: 437، الغنية: 220، جواهر الفقه: 54 المسألة 193، المراسم: 172، السرائر: 277، المختلف 5: 68، التحرير 1: 167 س 2.

ص: 98

و أيضاً فالمتبادر من النصوص من قوله عليه السلام: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام (1)» مجيئه من وقت المفارقة، إذ لا يعقل المجي ء وقت الاجتماع، إلّا إذا اريد به مجرّد دفع الثمن، و هو خلاف الظاهر.

و يتفارق الوجهان إذا اشترط في العقد سقوط الخيار، فتكون المدّة من العقد على الأوّل لانتفاء المانع، و من التفرّق على الثاني لعموم المقتضى.

[شرطين لهذا الخيار]

اشارة

قال المصنّف رحمه الله: «في من باع و لا قبض و لا أقبض و لا شرط التأخير»

اشتمل كلام المصنّف على ذكر شرطين لهذا الخيار:

[الأوّل: عدم القبض و الإقباض]

الأوّل: عدم القبض و الإقباض، و لا كلام في شرطيّتهما، خلافاً للشيخ رحمه الله حيث جوّز فسخ المبيع في كلّ موضع يتعذّر فيه قبض الثمن سواء قبض المشتري المبيع أو لا مستنداً إلى حديث الضرر (2).

و في الدروس: أنّه لا يخلو من قوّة (3) و يردّه بعد الأصل صحيحة ابن يقطين: فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما (4) يعني بعد الثلاث، مع أنّ في فرض الفقهاء هذه المسألة و اشتراطهم عدم قبض شي ء من الثمن و المثمن دلالة عليه، فلو ادّعى الإجماع المحصّل لم يكن بعيداً.

و قد صرّح بهذا التقييد في الخلاف و الانتصار و الغنية و التذكرة و نقلوا عليه الإجماع (5) فقد يقال بشمول الإجماعات المنقولة له، قضاء لحقّ التقييد.

و قد يقال: أنّ في أخبار الحجر ما يدلّ على ذلك كما دلّ على أنّ الميّت إذا لم يخلّف شيئاً يفي بالغرماء كان صاحب العين المبيعة كغيره يعني لا فسخ له، و حديث الضرر تدفعه المقاصّة إن تمكّن من أخذ العين، و إلّا فلا يندفع بالفسخ. و لا يصلح معارضاً لما ذكرنا ما يوجد في بعض الروايات من دورانه مدار عدم


1- الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار.
2- المبسوط 2: 148. و ليس فيه الاستناد بحديث الضرر.
3- الدروس 3: 274.
4- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
5- الخلاف 3: 120 المسألة 24، الانتصار: 437، الغنية: 219 220، التذكرة 1: 23 س 14.

ص: 99

قبض الثمن كصحيحة زرارة حيث اشتملت في السؤال على قوله «ثمّ تدعه عنده» (1) الظاهر في الإقباض للمبيع.

و أمّا إطلاق الأخبار الاخر فيشمل صورتي الإقباض و عدمه إن قلنا: إنّ القبض في المتاع هو الأخذ باليد. و إن قلنا: إنّه النقل لم يكن للإطلاق ظهور في ذلك.

و لعلّ استنادهم إليها مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبنيّ على كون القبض عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرّد القبض باليد، لمكان خبر عقبة (2) و إجماع الغنية كما سيأتي.

فبناءً على ذلك لو وجدا أو أحدهما فلا خيار و إن أبقاه عند صاحبه، و كذا لو قبض فبان مستحقّاً كلًّا أو بعضاً إذ لا عبرة بالفاسد.

و قبض المعيب صحيح، فيسقط به خيار البائع.

و إجازة القبض كالقبض من اليد. فلو أجاز القبض لزم خلافاً للشيخ رحمه الله (3) لعدم الإقباض. و هو ضعيف.

و بناءً على أنّ الإجازة كاشفة لا يجوز له الفسخ بعد المدّة فيما إذا تقدّم القبض عليها و تأخّرت الإجازة عنها. نعم على النقل يجوز ذلك.

و يكفي في الثمن مطلق القبض بخلاف المبيع فيشترط فيه إذن البائع كما صرّح به جماعة و لوّح إليه آخرون لظاهر القبض، و لأنّ قبض الثمن من فعل البائع كإقباض المبيع فيسقط حقّه بهما، و قبض المشتري ليس فعلًا له و لا يسقط حقّه بفعل غيره.

و الظاهر أنّ المدار على صدق اسم القبض و الإقباض عرفاً و عدمه، و هو يختلف بحسب المقامات كما سيجي ء في بابه، إلّا أنّه مع بذل المشتري الثمن و الامتناع من البائع الظاهر سقوط الخيار، لأنّ المتيقّن مع عدمه، و لظاهر النصّ، و كلام الأصحاب، و يؤيّده الاعتبار.


1- الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الوسائل 12: 358 ب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
3- لم نجده في المبسوط و الخلاف، حكاه عنه السيّد الطباطبائي .. في المصابيح 3 (مخطوط): الورقة 247.

ص: 100

و أمّا مع تمكين البائع للمشتري فحكم العلّامة في التحرير بالسقوط (1) و لم نره لغيره، و هو مبنيّ إمّا على أنّ القبض التخلية مطلقاً أو فيما يكون قبضه كذلك و إلّا فالأشبه البقاء و إن أسقطنا الضمان به، لمنع عموم بدليّة التمكين عن القبض، و سند المنع بقاء حقّ الحبس، فللبائع المنع من إقباض المثمن حتّى يقبض الثمن، و للمشتري المنع من دفع الثمن حتّى يقبضه البائع المثمن. و القبض لما في الذمّة قبض و إن لم ينو. و القبض أعمّ من أن يكون بنفسه أو بوكيله أو بوليّه. و الإتلاف من أحدهما لما في يد صاحبه أقوى من القبض. و القبض للمعيّن لا يعتبر فيه النيّة من القابض و لا يقدح فيه نيّة الخلاف، و للكلّي لا تعتبر فيه النيّة منه أيضاً على الأقوى.

و هل تقدح نيّة الخلاف كأن يقبض على أنّه عارية أو وديعة أو رهن و نحوها؟ وجهان.

و يأتي تمام الكلام في باب القبض و التأخير منهما أو من أحدهما أعمّ من أن يكون عن عمد أو سهو دون الإجبار.

[الشرط الثاني: الحلول]

الشرط الثاني: الحلول، فلو شرطا التأجيل أو أحدهما سقط الخيار إجماعاً و إن قصر الشرط عن المدّة، عملًا بالأصل السالم من معارضة النصّ و الإجماع، و لأنّ الواجب مع الشرط مراعاة الأجل طال أو قصر فلا يتقدّر بالثلاثة، و إثباتها بعد الحلول خروج عن ظاهر الفتوى و الدليل.

فالتأخير بعد الأجل لا عبرة به، و في وقت الأجل لا اعتبار به.

و لو شرط التأجيل في البعض فأخّر الباقي فالأقرب السقوط وفاقاً للتذكرة و القواعد و الإيضاح و كنز الفوائد (2) لتغيّر الصورة الظاهرة في حلول الجميع، و لأنّ في الرواية «و لا قبض الثمن» (3) و هو يرشد إلى كون الثمن حالًّا لأنّ المتبادر أنّه عدم ملكه، و لسقوطه في المؤجّل بالشرط، فيسقط في الكلّ، لئلّا يلزم التبعيض في الخيار و يلزم منه تبعيض الصفقة.


1- التحرير: 167 س 4.
2- التذكرة 1: 523 س 32، القواعد 2: 67، الإيضاح 1: 487، كنز الفوائد 1: 451.
3- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.

ص: 101

نعم قد يقال بعدم السقوط في تأجيل البعض فيما إذا تعدّد البائع أو المشتري أو الثمن و اجّل ما يتعلّق بأحدهما دون الآخر و إن اتّحد العقد، فتأمّل.

[و قبض البعض كلا قبض]

قال المصنّف: «و قبض البعض كلا قبض»

الغرض أنّه لو انتفى القبض منهما و لو ببقاء البعض فالخيار باقٍ في الكلّ كما في المهذّب و التذكرة و غاية المرام و شرح المقداد (1) و غيرها، للإجماع المحصّل فضلًا عن المنقول، و لخبر المحمل (2) و إن لم يكن من قول الإمام، و لإناطة الأسماء بتمام المسمّيات. و احتمال التفصيل مع أنّه لا قائل به يردّه ضرر التبعيض و عدم شمول الدليل. و هل يعدّ بقاء الشرطين كبقاء الشطرين؟ وجهان، و الاحتساب أقوى.

و ذكر جماعة من الأصحاب شرطاً ثالثاً، و هو الخلوّ عن خيار البائع كما نصّ عليه العلّامة في التحرير و الحلّي (3) في خصوص الشرط، لأنّ الخيار شرّع لدفع ضرر التأخير و قد اندفع بغيره، و لدلالة النصوص و فتوى الأصحاب على سبق اللزوم ثلاثاً فينتفي فيها الخيار مطلقاً خيار شرط أو غيره و ليس المراد نفي الخيار المخصوص، لأنّ الثابت بالتأخير أصل الخيار و الحكم لا يتقيّد بالسبب.

و قيل: إنّ مبدأ ثلاثة اللزوم من حين العقد فلا يخلّ وجود خيار آخر و التأخير مع الخيار من التأخير و مدّة الثلاثة تتداخل معه. فلو شرط الخيار بعد الثلاثة جاء الخيار من وجهين، انتهى (4). و الأوّل أظهر.

و لو كان الخيار للمشتري فكالبائع عند العلّامة و الحلّي (5) لتغيّر الصورة في الحكم المخالف للأصل، و لأنّ شرط الخيار في قوّة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحقّ الخيار ينفي خيار البائع.


1- المهذّب البارع 2: 383. التذكرة 1: 523 س 24، غاية المرام 2: 40 التنقيح 2: 48.
2- الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
3- التحرير 1: 167 س 3، السرائر 2: 277.
4- لم نقف على قائله.
5- المصدران السابقان.

ص: 102

و يلزم العلّامة نفي الخيار في بيع الحيوان، و عموم الأدلّة حجّة عليه و على الحلّي أيضاً، لعدم الفرق بين الأصل و المشترط.

و احتمل في الدروس (1) اطّراده مع الشرط للخيار مطلقاً للبائع كان أو للمشتري، فيفسخ البائع في خيار المشتري بعد الثلاثة، و في خياره كذلك إذا انقضى الشرط.

و يلزمه تأخير الثلاثة عن محلّها.

و الأجود طرد الخيار في الأوّل و هو ما إذا كان للمشتري دون الثاني و هو ما إذا كان للبائع، و اللزوم المفهوم من الأخبار و كلام الأصحاب مختصّ بالبائع. و أمّا المشتري فلا مانع من خياره، لوجود بعض أسبابه.

و لو ثبت للبائع خيار بعد الثلاثة احتمل السقوط لاندفاع الضرر به، و الثبوت لعموم النصّ، و هو الأقرب.

و لو رضي البائع بالتأخير أقلّ من المدّة كيوم أو يومين لم يبق له خيار. و يحتمل بقاؤه تماماً و الثلاثة بدايتها آخر وقت الرضاء. و يحتمل أنّ له ذلك أيضاً بعد ما بقي من المدّة. و الأوفق بالقاعدة الأوّل.

و لا يشترط في ثبوت هذا الخيار كون الثمن معيّناً، لظاهر الأدلّة، و مقتضى كلام الأصحاب.

و هل يشترط أن يكون المبيع معيّناً؟ قال أبو العبّاس و الصيمري نعم (2). فلو باع في الذمّة لم يطّرد الخيار، لأصالة لزوم العقد مع تغيّر الصورة، لأنّ ظاهر الروايات التعيين مع كون الغالب التعيين فيه بخلاف الثمن و لا أقلّ من الشكّ فيقتصر على المتيقّن من الأدلّة و كلام الأصحاب، و لانتفاء العلّة في ثبوت هذا المثال و هي دفع الضرر إذ هو مندفع بعدم انحصار المثمن بالتعيين، و هو ظاهر المبسوط و المراسم و الوسيلة و التحرير (3) و في الانتصار و الخلاف: «مبيع معيّن بثمن معيّن.» (4)


1- الدروس 3: 274.
2- المهذّب البارع 2: 382، غاية المرام 2: 39.
3- المبسوط 2: 87، المراسم: 172، الوسيلة 238، التحرير 1: 167 س 1.
4- الانتصار: 437، الخلاف 3: 20، المسألة 24.

ص: 103

و ربّما حمل على مجرّد التمييز أو الاحتراز عن النسيئة و السلف و الأكثرون أطلقوا الحكم.

و في التذكرة الإجماع عليه من غير تفصيل (1).

و القاضي نصّ على الخيار في غير المعيّن محتجّاً عليه بالإجماع (2) و هو الأقرب لما ذكر من الإجماعين، و يتناوله أيضاً إطلاق إجماع التنقيح و المسالك و المفاتيح (3) و ما يظهر من إيضاح النافع و السرائر (4) و لعموم المعتبرة المخرجة عن حكم الأصل كما في الموثّق: من اشترى بيعاً (5) و في الصحيح: البيع (6) و نحوهما. و تغيّر الصورة و انتفاء العلّة ممنوعان، فلا فرق بين المعيّنين و الكلّيين و المختلفين.

و يشترط في ثبوت هذا الخيار كون المتعاقدين متغايرين بالذات، و ذلك لأنّ هذا الخيار مبدؤه من حين التفرّق و ليس فيه التقييد بما يمكن فيه التفرّق، و خيار المجلس إنّما يسقط في العاقد الواحد بالإسقاط و قد لا يسقط في الثلاثة. و من شرط خيار التأخير خلوّ الثلاثة عن الخيار.

و يسقط هذا الخيار بالاشتراط كما نصّ عليه في الدروس و كنز الفوائد و تعليق الإرشاد (7) عملًا بلزوم الشرط و بالإجماع المنقول.

و قد يقال: إنّ ما كان سبب الخيار فيه مقارن للعقد كالعيب و الغبن و التدليس و الوصف يسقط باشتراط السقوط. و أمّا مثل خيار التأخير الّذي يأتي شيئاً فشيئاً فلا، لأنّه إسقاط قبل الثبوت.

قلت: كلّ خيار سببه العقد و استند إليه يسقط باشتراط سقوطه فيه قارن أو تأخّر، و لو لا ذلك لما سقط من خيار الحيوان في الثلاثة إلّا ما قارن العقد.


1- التذكرة 1: 523 س 15.
2- جواهر الفقه: 54 المسألة 193.
3- التنقيح 2: 48، المسالك 3: 208، المفاتيح 3: 74 75.
4- السرائر 2: 285.
5- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار ح 4.
6- الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3. و فيه: يبيع البيع.
7- الدروس 3: 276، كنز الفوائد 1: 451، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 136.

ص: 104

و دعوى: أنّ هذا الخيار لم يستند إلى العقد بل إلى التأخير فقط أو إليه و إلى العقد، بعيدة.

و على تقديره فقد يقال بأنّ المشترط سقوطه في ذلك الوقت لا الآن، و التعليقي كالمنجّز.

و فيه: أنّه يلزم جواز ذلك في النفقة و القسم و غيرها من جميع ما فيه شغل الذمّة مقدّراً.

و العمدة في جواز هذا الشرط أدلّة الشروط و الإجماع المنقول.

و يسقط أيضاً بالإسقاط بعد الثلاثة، و لو أسقطه مقيّداً لسقوطه بحصّة من الزمان سقط بتمامه و إن قلنا فيه بالتراخي، لأنّه بسيط و الزمان تابع، و ليس هذا كخيار الحيوان.

و هل يسقط بإسقاطه في الثلاثة؟ وجهان: العدم لعدم ثبوت الحقّ فإنّه كنفقة الزوجة فإنّ ما سيأتي منها لا يسقط بالإسقاط. و الفرق بينه و بين شرط السقوط بالدليل، و السقوط لتقدّم السبب الّذي هو العقد، و الفرق بينه و بين نفقة الزوجة أنّه حقّ واحد مستمرّ و هي حقوق موزّعة على الزمان، فتأمّل.

و يسقط بالبيع على من ينعتق عليه، كما تقدّم في خيار المجلس (1). و بالتصرّف بعد الثلاثة بناءً على جريانه في جميع الخيارات.

و أمّا التصرّف قبلها فيجي ء فيه الوجهان السابقان. و يتقوّى الأوّل منهما في هذا المقام، فإنّ المتيقّن من إسقاط الخيار بالتصرّف ما كان بعد ثبوته.

و هل يجوز للمشتري التصرّف في المبيع قبل خروج الثلاثة ببيع و نحوه و إن منعناه من ذلك في زمان خيار البائع لمنافاة حقّه؟ إذ الحقّ بعد لم يثبت، فلو تصرّف ببيع أو غيره أو باعه على من ينعتق عليه فيحتمل أنّ له سلطان الفسخ و الرجوع إلى العين. و يقوى الرجوع إلى القيمة سيّما في الأخير كما تقدّم، و في التصرّف الجائز يحتمل ذلك.


1- تقدّم في ص 39.

ص: 105

و على أيّ تقدير فالنماء في الثلاثة و بعدها قبل الفسخ للمشتري كنماء الثمن حيث يكونان عينين.

و لا يسقط بإحضار الثمن بعدها خلافاً للعلّامة في التذكرة و القواعد (1) مستنداً إلى زوال المقتضي لثبوته و هو الضرر، و وفاقاً لمحتمل الدروس (2) للأصل، و زوال العلّة لا ينفي البقاء، لجواز أن يستند إلى علّة اخرى و لا أقلّ من الشكّ فيستصحب.

و ربّما قيل: إنّه ظاهر الأكثر حيث إنّهم ذكروا أنّ له الخيار و لم يتعرّضوا للإحضار و عدمه و لكن الإطلاق مسوق لأمر آخر فلا دلالة فيه (3).

و لا يسقط أيضاً بالمطالبة به بعدها كما في التذكرة و القواعد و كنز الفوائد و المسالك و الشرح (4) تمسّكاً بالأصل مع فقد المسقط شرعاً، خلافاً لظاهر المشايخ و الديلمي و الحلّي (5) حيث خيّروا البائع بين الفسخ و المطالبة بالثمن و قابلوا بينهما، و له وجه، فإنّ المطالبة بالثمن قرينة الإمضاء. و على القول بالفوريّة يتجه القول بالسقوط لاستلزامه التأخير إلّا أن يدّعى عدم إخلال مثل ذلك بها لأنّ المراد بها العرفيّة، أو يفرض في مقام لا يعلم بالخيار. و قلنا: إنّ ذلك عذر لا يسقط به الخيار بناءً على الفوريّة.

و الظاهر أنّ ذلك في كلام الجماعة كفاية عن الالتزام.

و هل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ وجهان.

ذهب إلى الثاني منهما الشهيد في قواعده و العلّامة في ظاهر التذكرة و العلّامة الطباطبائي في مصابيحه (6) مستدلّين بإطلاق ما دلّ على الخيار فإنّه يتناول الأزمنة فلا يتقيّد إلّا بدليل، و لأنّه حقّ ثبت للبائع و الأصل بقاؤه.


1- التذكرة 1: 523 س 29، القواعد 2: 67.
2- الدروس 3: 274.
3- راجع مفتاح الكرامة 4: 581 س 8.
4- التذكرة 1: 523 س 30، القواعد 2: 67، المسالك 3: 208، الروضة 3: 458، و لم نعثر عليه في كنز الفوائد.
5- المقنعة: 592، الانتصار: 437، الخلاف 3: 20 المسألة 24، المراسم: 172، السرائر 2: 277.
6- القواعد و الفوائد 2: 248، التذكرة 1: 529 س 26، مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 248.

ص: 106

و لم نجد بالأوّل هنا قائلًا على التعيين و إن قيل به في غيره من الخيارات، سوى ما يظهر من بعض المتأخّرين اقتصاراً على المتيقّن فيما خالف أصل اللزوم (1).

و تردّد المحقّق الكركي في فوريّة هذا الخيار مع حكمه بها في خيار الغبن و الرؤية (2) و كأنّ منشأه أنّ المقتضي لهذا الخيار و هو دفع الضرر عامّ للفور و غيره، و ليس منشؤه تعارض الأصلين اللزوم و استصحاب الخيار لأنّه مشترك بين المقامين، فلا معنى للتردّد في أحدهما و الجزم في الآخر.

و التحقيق أنّ المسألة مبنيّة على أنّ لزوم العقد معناه انّ أثر العقد مستمرّ إلى يوم القيامة و أنّ عموم الوفاء بالعقود عموم زماني، للقطع بأنّه ليس المراد من الآية الوفاء بها آناً ما بل على الدوام. و قد فهم المشهور منها ذلك، و باعتبار أنّ الوفاء بها العمل بمقتضاها، و لا ريب أنّ المفاد عرفاً و بحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإذا دلّ دليل على ثبوت خيار من ضرار أو إجماع أو إخبار عن أخيار عن ثبوت خيار في الماضي أو مطلقاً بناءً على الإهمال لا الإطلاق في الاخبار فيكون استثناء من ذلك العامّ و يبقى العامّ على عمومه كاستثناء أيّام الإقامة و الثلاثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر.

أو أنّ اللزوم ليس كالعموم و إنّما يثبت ملكاً سابقاً و يبقى حكمه مستصحباً إلى المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين و الثاني وارد على الأوّل فيقدّم عليه، و الأوّل أقوى، لأنّ حدوث الحادث مع زوال علّة السابق يقضي بعدم اعتبار السابق أمّا مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق. و لعلّ سبب تردّد المحقّق الثاني في المقام دون خيار الغبن و الرؤية ورود الأخبار به الظاهرة في ذلك كقولهم عليهم السلام: و إلّا فلا بيع له (3) دونها.

و يمكن إثبات الفوريّة بطريق آخر و هو ممّا استدلّ به على ثبوت الخيار في كثير من مواضعه، و هو حديث الضرار، و يتمشّى في غير الخيار من إجازة


1- راجع المسالك 3: 190.
2- جامع المقاصد 4: 298، 302، 38.
3- انظر الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار.

ص: 107

الفضولي و الشفعة و فسخ النكاح و نحو ذلك، فإنّه يترتّب على بقائه ضرر عظيم من قبيل التحجير على زوج يمتنع فيه الجمع لأنّه متى فعل يبقى مردّداً، و بالإجازة تنفسخ العقود، و كذا فوائد الأعيان فيؤخّر الخيار حتّى يستوفى منافعها و نتاجها ثمّ يردّها، غير أنّ ذلك إنّما يجري حيث لا يكون مرجع الضرر منه على نفسه.

و ربّما كانت مسألة التأخير من هذا القبيل و إن لم يكن فيها تقصير بناءً على الفوريّة في الخيار.

فالمراد بها الفوريّة العرفيّة فالجهل بالحكم أو بالموضوع أو السهو أو النسيان أو الإجبار أو زعمه صدور الفسخ و نحوها من الأعذار لا يسقط بها الخيار على الأقوى و جهل حكم الفوريّة ليس عذراً خلافاً لصاحب الحدائق و قد ذكر ذلك في خيار الغبن (1).

[و تلفه من البائع مطلقاً]

قال المصنّف قدس سره: «و تلفه من البائع مطلقاً»

بعد الثلاثة و قبلها، عرضه على المشتري أو لا، كلًّا كان أو بعضاً.

و أمّا بالنظر إلى أقسام المتلف من الآفة السماويّة أو البائع أو من المشتري أو الأجنبيّ، فهو جزئي من جزئيّات التلف، و سيجي ء البحث فيه.

و تفصيل المسألة أنّه لا خلاف في أنّ المبيع إذا تلف بعد الثلاثة كان من مال بائعه. و قد نقل عليه الإجماع في الخلاف و السرائر و الجامع و المختلف و القواعد و الايضاح و التنقيح و المهذّب البارع و الدروس و غاية المرام (2) و غيرها لأنّه مبيع تلف قبل قبضه فيكون من مال بائعه بالقاعدة الكلّية الثابتة بالنصّ (3) و الإجماع.

و عارض هذه القاعدة في مجمع البرهان (4) بالقاعدة الاخرى و هي: أنّ تلف المبيع في الخيار المختصّ بالبائع يكون ممّن لا خيار له و هو المشتري


1- الحدائق 19: 44.
2- الخلاف 3: 20 المسألة 24، السرائر 2: 278، الجامع: 247، المختلف 5: 68، القواعد 2: 67، الإيضاح 1: 485، التنقيح 2: 49، المهذب البارع 2: 380، الدروس 3: 273، غاية المرام 2: 39.
3- عوالي اللآلي 3: 212.
4- مجمع الفائدة 8: 407.

ص: 108

و باختصاص الضمان به لو اشترك الخياران، فكيف إذا اختصّ بغيره، و بين القاعدتين عموم من وجه، و الثانية مؤيّدة بالأصل.

و ضعفه ظاهر فإنّه مع اختصاصه بالتالف في زمن الخيار فقط، أمّا لو سقط الخيار بمسقط فلا يتمشّى فيه مردود باختصاص ما ذكر من القاعدة بالمقبوض كما هو المعلوم من مذهب الأصحاب، و أمّا غيره فمن البائع مطلقاً.

و أمّا لو تلف في الثلاثة فالمشهور أنّه كذلك لذلك و في الدروس: أنّه مذهب الأكثر (1) و في الرياض استقرّ عليه مذهب المتأخّرين كافّة (2) و ذهب إليه الشيخ و القاضي و ابن إدريس و المحقّق و العلّامة و ولده و الآبي و الشهيدان و الكركي و الصيمري (3) و غيرهم. و حكى في الخلاف عليه الوفاق (4) و هو المعتمد، للإجماع المنقول، و لما دلّ على عموم الضمان على البائع مع عدم الإقباض، مضافاً إلى رواية عقبة بن خالد (5) في خصوص الباب المجبورة بالشهرة المحصّلة و المنقولة.

و قيل: بل هو من ضمان المبتاع و هو قول المفيد و السيّد و الديلمي (6) و الحلبيّين (7) للإجماع كما في الانتصار و الغنية (8) و لاستقرار ملك المشتري في الثلاثة و كون التأخير لمصلحته و كون التلف منه. و يضعّف بمنع الإجماع، و معارضته بمثله، و عدم انتهاض التعليل لتخصيص الأصل المنصوص المجمع عليه.

و عزى في التذكرة هذا القول إلى الشيخ رحمه الله (9) و في المهذّب البارع الأوّل إلى الديلمي (10) و هو خلاف المعلوم منهما و المنقول عنهما.


1- الدروس 3: 273.
2- الرياض 8: 196.
3- النهاية 2: 137، المهذّب 1: 358، السرائر 2: 278، الشرائع 2: 23، المختلف 5: 68، الإيضاح 1: 485، كشف الرموز 1: 46، الدروس 3: 273، المسالك 3: 209، جامع المقاصد 4: 299، غاية المرام 2: 39.
4- الخلاف 3: 20 المسألة 24.
5- الوسائل 12: 358 ب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
6- المقنعة: 592، الانتصار: 437، المراسم: 172.
7- الغنية: 219 220، الكافي في الفقه: 353.
8- الانتصار: 437، الغنية: 219 220.
9- التذكرة 1: 523 س 33.
10- المهذّب البارع 2: 381.

ص: 109

و ذهب ابن حمزة إلى انّ التلف من البائع إلّا أن يعرّضه على المبتاع فينتقل إلى ضمانه (1) و نفى عنه البأس في المختلف (2). و استظهره من كلام الحلبي (3) مع تخصيصه كلام ابن حمزة بالتالف في الثلاثة. و عبارة الوسيلة مطلقة (4) و الوجه فيها تنزيل التمكين منزلة القبض في نقل الضمان، للزوم حصول الضرر لولاه. و مقتضاه ضمان المشتري مع حصوله مطلقاً سواء كان التلف في الثلاثة أو لا.

و النقل للضمان بالتمكين مذهب الشيخ رحمه الله (5) و جماعة. و ظاهر الخلاف إجماع الأصحاب عليه (6) فيشكل إطلاق القول بضمان البائع في الثلاثة من الأكثر و فيما بعدها من الجميع إن ثبت الإجماع و من خصوص القائل به إن لم يثبت، و لا يندفع إلّا باشتراط عدم التمكين في أصل الخيار كما في التحرير (7) أو تخصيص محلّ النزاع بما إذا انتفى التمكين كما في السرائر (8). و عند ذلك تظهر موافقة ابن حمزة للمشهور، و أنّ نسبة الخلاف إليه هنا و جعل ما قاله قولًا ثالثاً (9) ليس على ما ينبغي.

و لكنّ الحقّ عدم نقل الضمان بالتمكين، و إجماع الشيخ رحمه الله في الخلاف ممنوع، و معارض بإجماع الغنية (10) المعتضد بالشهرة المحصّلة و المحكيّة عن المهذّب و غاية المرام (11) بعموم ما دلّ على الضمان على البائع مع عدم الإقباض، من غير فرق بين التمكين و عدمه.

و في ترك استفصال الجواب مع التلف في رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام (12) دليل على عدم التفاوت بين التمكين و غيره، و حديث الضرر لا يعمل به على عمومه، مع اندفاعه بقبض الحاكم أو جبره عليه.


1- الوسيلة: 239.
2- المختلف 5: 69.
3- الكافي في الفقه: 353.
4- الوسيلة: 239.
5- راجع الخلاف 3: 66، المسألة 109.
6- راجع الخلاف 3: 66، المسألة 109.
7- التحرير 1: 167 س 4.
8- السرائر 2: 278.
9- راجع المهذّب البارع: ج 2 ص 380، 381.
10- الغنية: 219 220.
11- المهذّب 1: 361، غاية المرام 2: 39.
12- الوسائل 12: 358 ب 10 من ابواب الخيار، ح 1.

ص: 110

و أمّا الحلبي فقد نصّ على التفصيل و جعل التمكين ناقلًا للضمان مطلقاً (1) كالقبض فلا يصحّ حمله على التفصيل في الثلاثة، و لا جعله قولًا آخر في المسألة، فإنّه موافق للمفيد رحمه الله في كلتا المسألتين (2).

و لو اختصّ التلف ببعض المبيع أو عدم القبض ببعض التالف في غير المقبوض من البائع كان كالجميع على الخلاف، بخلاف المقبوض فمن المبتاع، لانتقال ضمانه إليه بالقبض.

و بهذا ينقدح إشكال آخر في كلامهم، فإنّه إن اريد به الجميع لم يتبيّن حكم البعض الغير المقبوض، أو ما يعمّه و البعض لصدق تلف الكلّ بتلف الجزء اطّرد في المقبوض.

و يمكن الذبّ باختيار كلّ منهما تعويلًا على مناط الحكم و الحمل على غير المقبوض كلًّا أو بعضاً، فإنّ البعض مبيع في الكلّ.


1- الكافي في الفقه: 353.
2- أي في جعل التمكين ناقلًا للضمان و أنّ التلف في الثلاثة من مال المبتاع.

ص: 111

[الخامس خيار ما يفسد ليومه]

اشارة

قال المصنّف رحمه الله:

«الخامس: خيار ما يفسد ليومه»

[و هو ثابت بعد دخول الليل]

«و هو ثابت بعد دخول الليل» اختلفت عبائر الأصحاب في تأدية المراد من هذا الخيار ففي النافع و الشرائع و التذكرة و القواعد و الإرشاد (1) مثل ما في المتن من ذكر الامتداد إلى الليل من دون تعرّض للمبدأ. و في الفقيه و النهاية و السرائر و الوسيلة و الغنية و الجامع و النزهة و التحرير و التبصرة (2) تقدير المدّة بيوم. و التحديد بالليل مشترك بين الجميع، لكنّه قد جعل في النهاية و السرائر و كتب العلّامة غاية للخيار، و في غيرها مبدأ له، كما في النصّ، و يجب ردّ الأوّل إليه بالحمل على ما يؤول إلى ذلك مسامحة لوضوح المراد و إن بعد التأويل حتّى يوافق النصّ و الإجماع المحصّل فضلًا عن المحكيّ عن حواشي الشهيد على لزومه من طرف البائع إلى الليل أو خوف الفساد (3).


1- المختصر النافع: 121، الشرائع 2: 23، التذكرة: 1: 523 س 19، القواعد 2: 67، الإرشاد 1: 374 375.
2- الفقيه 3: 203 ذيل الحديث 3767، النهاية 2: 142، السرائر 2: 282، الوسيلة: 238، الغنية: 219، الجامع: 247، النزهة: 87، التحرير 1: 167 س 7، التبصرة: 90.
3- راجع غاية المراد 2: 102 103.

ص: 112

و الأصل في ذلك ما رواه في الكافي و التهذيب عن محمّد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن أبي حمزة أو غيره عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام: في الرجل يشتري الشي ء الّذي يفسد من يومه و يتركه حتّى يأتيه بالثمن قال: إن جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و إلّا فلا بيع له (1).

و روى في الوسائل عن الصدوق رحمه الله أنّه روى بإسناده عن ابن فضّال عن ابن رباط عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطّيخ و الفواكه يوم إلى الليل (2) و الظاهر أنّها زيادة من الصدوق و إلّا فالشيخ قد روى ذلك الحديث بالإسناد المذكور من دون الزيادة (3) المذكورة.

و هذه الرواية و إن كانت مرسلة إلّا أنّ عليها عمل الأصحاب كما في المهذّب (4) و في كشف الرموز: لا أعرف فيها مخالفاً (5) فهي منجبرة بعمل الأصحاب، و بإجماع الغنية (6) على أصل الحكم، و بموافقة الاعتبار، و ذلك أنّ خيار التأخير ثبت بعد الثلاثة فيما لا يفسده البقاء ثلاثاً فالّذي يفسد قبل الثلاثة ينبغي أن يثبت فيه الخيار قبل فساده بطريق أولى، و بحديث الضرر و الضرار.

و هاهنا إشكال في عبائر الأصحاب و في النصّ بأنّ الغرض من الخيار دفع الضرر بفسخ البيع قبل فساد المبيع و إذا كان ممّا يفسد ليومه كما هو المفروض وجب أن يكون الخيار قبل الليل ليتأتّى للبائع فسخه كذلك، و أيضاً فالبيع يقع في طرفي النهار و في الأثناء كما هو الغالب و ربّما اتّفق ليلًا مع امتداد السوق و انقطاعه و التحديد بالنهار كلًّا أو بعضاً لا يطّرد في الجميع، و الحمل على مقدار يوم خروج عن ظاهر النصّ و الفتوى، و لا يتأتّى معه الغرض المطلوب في الأكثر. و الظاهر


1- الوسائل 12: 358، ب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الوسائل 12: 359، ب 11 من أبواب الخيار، ح 2.
3- الوسائل 12: 352، ب 5 من أبواب الخيار، ح 5.
4- الظاهر أنّه المهذّب البارع 2: 383، و انظر مفتاح الكرامة 4: 583 س 29.
5- كشف الرموز 1: 461.
6- الغنية: 219 220.

ص: 113

تنزيل الجميع على أنّ المراد فساد المبيت كما حمل النصّ الشهيد رحمه الله في الدروس على ذلك، و أثبت الخيار فيما هو كذلك عند انقضاء النهار (1) نظراً إلى أنّ الغالب في نحو الخضر و الفواكه و اللحوم و الألبان فسادها بالمبيت.

[و اليوم يطلق على ما يشمل الليلة]

و اليوم يطلق على ما يشمل الليلة، فإنّه استعمال شائع. و ربّما ايّد باستعماله في ذلك بالنسبة إلى الثلاث في خيار التأخير الّذي هو أصل لهذا الخيار. و فيه ما تقدّم.

و يفهم من الرواية حينئذٍ بناءً على ذلك خوف الفساد في الليل كلّه أو بعضه أو يخصّ بالأوّل، و ارتضى هذا الحمل المقداد و المحقّق الثاني و مال إليه الشارح (2). و هذا كلّه بالنظر إلى المنصوص.

و أمّا غير المنصوص فحيث عرفت سابقاً أنّ الّذي تقضي به القواعد و الاصول أنّ البائع كغريم امتنع عليه المديون من تسليم حقّه برهة من الزمان و عنده شي ء من ماله و الحكم فيه إن بلغ به التأخير إلى الضرر كان للغريم المقاصّة بإذن المجتهد أو مطلقاً على اختلاف الرأيين. و تخصيص المقاصّة بخصوص الامتناع، لا وجه له.

فإذا كان الأمر على ذلك فإن كان المستند النصّ بالنحو الّذي تقدّم لزم الجمود و الاقتصار على المورد المعلوم من كون العقد بيعاً و التأخير في الثمن و الخيار للبائع و بدخول جزء من الليل و فساد تمام المبيع في وجه و كون المانع خوف الفساد الذاتي.

و قد يلحق العارضي من جهة خصوص رطوبة المكان و حرّه، فلا يلحق خوف النهب و الغصب و نقص القيمة و الدخول في نظر الظَّلَمة.

و تخرج من ذلك جملة من أقسام التغيير الّتي لا يصدق عليها الفساد عرفاً أو يشكّ في صدقه.

و أن يكون التأخير من المشتري لا من إذن البائع.


1- الدروس 3: 274.
2- التنقيح 2: 49، جامع المقاصد 4: 299، الروضة 3: 459 460.

ص: 114

و أن يكون قبل القبض، فلو قبضه و بقي أمانة عنده لم يجر فيه الحكم، و الضمان على البائع إلّا في صورة الإذن في التأخير.

و لا يدخل الفساد في بعض اليوم قبل الليل و لا بعد الليل كفساد اليومين و الثلاثة.

اللّهمّ إلّا أن يتمشّى الحكم في غير المنصوص بتنقيح المناط و قياس الأولويّة أو بدلالة الإيماء، و هو غير بعيد، فيسري الحكم إلى الفساد في اليوم أو الاقلّ أو الأكثر، و يكون مدار ثبوت الخيار على خشية فساده مطلقاً.

فلو كان ممّا يتسرّع إليه الفساد في بعض يوم، فالخيار فيه قبل الليل.

و لو كان ممّا لا يفسد في يوم تربّص به البائع إلى خوف فساد فيتخيّر حينئذٍ و إن مضى عليه يومان أو أكثر.

و احتمل العلّامة رحمه الله في هذا انتظار الليلة، لورود التحديد به شرعاً (1) و هو ضعيف، لأنّ الأصل اللزوم و لا ضرر عليه في التأخير، و بأنّ مورد النصّ الفاسد ليومه، و ليس هذا منه، فيستمرّ فيه اللزوم إلى خوف الفساد لدلالة الإيماء، و يكفي في الفساد بناءً على ذلك تغيّر العين بفساد البعض.

و ربّما يقال بدخوله تحت الدليل ابتداءً و نقص الوصف و تقليل الرغبة و إن لم يبلغ حدّ التلف كما يقال: هذا اللحم بائت و هذا العنب بائت كما في الدروس و كنز الفوائد و تعليق الإرشاد و ظاهر المسالك (2).

و يعمل لذاته و غيره، إلّا أنّه بناءً على أنّ المستند ذلك لا يسري إلى جميع أنواع الضرر و إن كانت دائرة دلالة الإيماء أوسع من التنقيح و قياس الأولويّة.

و إن جعلنا المستند حديث الضرر شمل جميع أنواعه حتّى نقص القيمة و فوات السوق، للزوم الضرر بنقص السعر.

و الأشبه الأوّل، لأنّ حديث الضرر غير معمول به على عمومه عند الأصحاب


1- التذكرة 1: 523 س 22.
2- الدروس 3: 275، و لم نعثر عليه في كنز الفوائد، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 136، المسالك 3: 210.

ص: 115

إلّا في مقامات قام عليها الدليل بالخصوص، فجعل مناط الحكم فيها الضرر و لا دليل في المقام و الإيماء إليه بالفساد لا يفيد ذلك.

و أمّا الضرر الخاصّ الّذي يكشف عنه الشارع لخصوصيّة فيه فذلك لا ينافي ما نقوله مع أنّ الضرر يندفع بالمقاصّة كما تقدّم، و الأصل لزوم العقد، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و الظاهر أنّ هذا الشرط وجودي لا علمي، فلو زعم الفساد ثمّ فسخ و تصرّف ببيع أو غيره بان فساد الفسخ و ما يتبعه، و التلف فيما يفسد كغيره، فيجي ء فيه الأقوال السابقة، و المختار المختار. و إن لم يصرّحوا به، لاتّحاد الطريق فيهما.

و ربّما صحّ الإطلاق في الفاسد من المفصّل في غيره بين ما قبل المدّة و ما بعدها، لإقدام البائع على التأخير فيما هو مظنّة التلف.

و هذا الخيار كسابقه فيه الوجهان: الفور، و التراخي، و الأشبه الأوّل.

و ربّما يقال: إنّ الفوريّة في هذا الخيار و سابقه أوسع دائرة من الفوريّة في الغبن و العيب و نحوهما.

و يظهر من جماعة من الأصحاب أنّ هذا الخيار قسم من خيار التأخير و أنّه مساوٍ له في الشروط و الأحكام، و هو الأظهر اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

[السادس: خيار الرؤية]

اشارة

ص: 116

قال المصنّف رحمه الله:

«السادس: خيار الرؤية»

[و هذا ثابت لمن لم ير]

«لمن لم ير»

إذا باع أو اشترى هذا العنوان، إن بقي على المعنى الإضافي مع الجمود عليه، لم يدخل خيار الإدراكات الاخر من الشمّ و السمع و الذوق و اللمس، و كذا الوصف إذا ظهرت بخلاف ما علمت، و كذا العقود الاخر ما عدا البيع بل ما عدا الشراء.

و إن بُني فيه على المثاليّة، لم يتفاوت فيه البيع و لا الرؤية و لا غيرها.

و الظاهر الثاني، لما يظهر من الأصحاب، و يفهم من الرواية من أنّ ما ذكر فيها سرى مسرى المثاليّة، و يقتضيه حديث الضرر و الضرار (1) و يشهد له الاعتبار من أنّ فوات وصف اللزوم في باب خيار الرؤية إنّما هو لقبض (2) الوصف و قد كان داخلًا في المبيع مثلًا فيكون كتبعيض الصفقة، أو باعتبار أنّه يشبه الشرط، و هذا لا يختلف الحال فيه بين البيع و غيره.

و هل المراد في مقام نقض الرؤية للرؤية بقولهم: خيار الرؤية الرؤية الاولى التي زال مقتضاها أو الثانية المكذّبة للُاولى؟ و كلا الأمرين ممكن و محتمل في


1- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات ح 3 5.
2- كذا، و الظاهر: لنقض.

ص: 117

الرواية، إلّا أنّ الظاهر منها الثاني، و من الأصحاب خروج ذلك عن هذا الباب لفرضهم البحث فيما اشترى بالوصف.

و الوجوه متكثّرة، لأنّ الرؤية قد تنقضها رؤية اخرى أو وصف، و الوصف قد تنقضه رؤية أو وصف، و هكذا الإدراكات الاخر.

ثمّ الوصف إمّا مشترط فيضاف إليه خيار الاشتراط، أو في فقده غبن فخيار الغبن، أو دلّس فيه فخيار التدليس، أو عيب فخيار العيب، أو حيوان فخيار الحيوان، أو مجلس فخيار المجلس، و هكذا، و لا مانع من تعدّد الأسباب للخيار.

بقي الكلام في تدليس الأجنبيّ إذا تعمّد الكذب هل يرجع إليه؟ الظاهر لا، و ما في النكاح بحكم الدليل.

و دليل هذا الخيار الإجماع المحصّل على الظاهر فضلًا عن المنقول.

و في الحدائق أنّه محلّ وفاق (1) و في غيرها و هو إجماعي.

و نفى عنه الخلاف في الرياض (2) و في الكفاية و مجمع البرهان كأنّه لا خلاف فيه (3).

و تدلّ عليه صحيحة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إنّه لو قلب منها و نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية (4). و هي محمولة على عدم كونها على الوصف الذي رآه سابقاً و اشتراها معه، و إلّا فليس محض عدم رؤية البعض قاضٍ بالخيار.

و احتمل بعض الأصحاب في الرواية كون التفتيش من البائع بأن يكون البائع


1- الحدائق 19: 58.
2- الرياض 8: 199.
3- الكفاية: 92 س 25، مجمع الفائدة 8: 410.
4- الوسائل 12: 361 ب 15 من ابواب الخيار، ح 1.

ص: 118

باعه بوصف المشتري و حينئذٍ فيكون الجواب عامّاً بالنسبة إليهما، و هو بعيد كلّ البعد عن سياق الخبر، و مع تسليمه فيكون الجواب عامّاً محلّ إشكال (1).

و استدلّ أيضاً بحديث الضرر و الضرار (2) و بانحلال ذلك إلى شبه الشرط أو الشطر فيكون من باب خيار الشرط (3).

و أمّا صحيحة زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصّابين من قبل أن يخرج السهم فقال: لا تشتر شيئاً حتّى تعلم أين يخرج السهم فإن اشترى شيئاً فهو بالخيار إذا خرج (4). فليست ممّا نحن فيه. و إن استدلّ بها في المقام (5). و القول بالبطلان في ذلك باعتبار عدم بقاء محلّ المعاملة فيكون البيع باطلًا، لا وجه له.

و سرّ الاشتباه عدم الفرق بين الوصف المعيّن للكلّيات و وصف المعيّن من الشخصيّات و بين الوصف الذاتي و العرضي.

مع أنّه أقصى ما هناك أنّه من باب تعارض الإشارة و الوصف، و الإشارة أقوى، و ليس هو من باب العيب مطلقاً حتّى يثبت فيه الأرش خلافاً لابن إدريس رحمه الله (6) لأنّ الأرش على خلاف القاعدة كما سيجي ء في مقامه، فلنقتصر فيه على مورد الدليل إلّا إذا دخل في قسم العيوب.

[زاد في طرف البائع أو نقص في طرف المشتري]

قال المصنّف رحمه الله: «زاد في طرف البائع أو نقص في طرف المشتري»

بالنسبة إلى كلّ من المثمن و الثمن.

ففي طرف الزيادة المعتبرة في المبيع يتخيّر البائع، و في طرف نقصانه نقصاً معتبراً يتخيّر المشتري، و في طرف النقصان للثمن يتخيّر البائع، و في طرف زيادته


1- ذكره المحدّث البحراني في الحدائق 19: 58 و نسبه أيضاً إلى بعض الأصحاب.
2- مفتاح الكرامة 4: 292 س 6.
3- لم نقف عليه، نعم لعلّه يستفاد من الحدائق، راجع ج 19 ص 56.
4- الوسائل 12: 362 ب 15 من أبواب الخيار ح 2.
5- راجع الحدائق ج 19 ص 57.
6- السرائر 2: 242.

ص: 119

يتخيّر المشتري.

و لو زاد و نقص الثمن أو المثمن أو هما باعتبارين تخيّرا. و يحتمل ثبوت الخيار لمن عنده الزيادة أيضاً، إذ قد يتعلّق الغرض بعدمها، و هو ضعيف، لأنّ الخيار على خلاف الأصل، و المتيقّن ما عدا ذلك، و الضرر منفيّ، و الأغراض النادرة لا يناط بها الحكم.

و لو زال ما رأياه بعد البيع قبل القبض ثمّ رجع إلى حاله قبل الإقباض أيضاً قوي ارتفاع الخيار، و لو جبره بقيمة لم ترتفع للأصل، و قد يتعلّق الغرض بالوصف الخاصّ.

و مثله ما لو حدث وصف تترقّى به القيمة عوض ذلك الوصف.

و لو زاد الوصف حسناً فإن كان مشروطاً بعدم الحسن و مثله كلّ زيادة لم يجب الأخذ، و إلّا وجب و لا خيار كما سبق.

و هذا الخيار على الفور إلّا مع العذر كما عليه جمع من الأصحاب و نسب إلى الأشهر (1) و اسند إلى ظاهر الأصحاب (2) و دليله ما تقدّم في خيار التأخير (3).

و هل يسقط هذا الخيار بشرط السقوط أو لا بل يبطل به العقد؟ وجهان: اختار ثانيهما العلّامة رحمه الله و الشهيد الأوّل و المحقّق الثاني جازماً به فيما إذا كان الخيار خيار وصف و محتملًا له فيما إذا كان خيار رؤية.

و علّلوه بلزوم الغرر باعتبار أنّ الوصف قائم مقام الرؤية فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئيّ و لا موصوف (4) و يلزم من ذلك الغرر المنهيّ عنه المبطل للبيع.

و يقوى الأوّل، للعموم (5) و أنّ المدار على الحال لا المآل، و هو معلوم الآن كما قالوا في باب تبعيض الصفقة، و شرط عدم الاعتداد به بعد ذلك على تقدير


1- كما في الرياض: ج 8 ص 199.
2- كما في الحدائق: ج 19 ص 59.
3- راجع ص 105.
4- التذكرة 1: 467 س 30، الدروس 3: 276، جامع المقاصد 4: 302 303.
5- أي لعموم المؤمنون عند شروطهم.

ص: 120

المخالفة لا ينافي الإقدام عليه حين العقد. و هذا المقدار من العلم كافٍ.

و من ذلك يعلم حال الإسقاط بعد العقد قبل الرؤية، إلّا أنّه لا مجال هنا لبطلان العقد و إنّما يلغو الإسقاط فقط.

نعم قد يقال: إنّه من الإسقاط قبل الثبوت فلا يفيد السقوط. و مبنى المسألة أنّ هذا الخيار و خيار العيب و الغبن مثلًا هل تثبت بمجرّد حصول العيب أو الغبن أو الكون على خلاف الوصف واقعاً، أو أنّها إنّما تثبت بالظهور؟

و على الثاني، فهل للعقد في ذلك تأثير و يكون الإسقاط لتأثيره و إن لم يتحقّق الضرر، أو أنّ الإسقاط إنّما هو لنفس الأثر فلا يتحقّق قبل تحقّقه تصرّفاً كان أو غيره كما تقدّم في نظيره.

و الأقوى الأوّل. و أمّا سقوطه بالإسقاط بعد تحقّق الرؤية، فلا مانع منه قولًا كان المسقط أو فعلًا، خصوصاً على بناء الفوريّة فيه.

قال في الدروس: لو شرط البائع إبداله إن لم يظهر على الوصف، فالأقرب الفساد (1). انتهى.

و وجهه أنّه شرط منافٍ لمقتضى العقد، لانحلاله إلى شرط عدم استدامة الملك على أحد التقديرين. فلا وجه لما في الحدائق بعد أن ذكر كلام الشهيد رحمه الله قال: و فيه أنّه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط، و مجرّد شرط البائع الإبدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سبباً في الفساد، لعموم الأخبار المتقدّمة.

نعم لو ظهر مخالفاً فإنّه يكون فاسداً من جهة المخالفة و لا يجبره هذا الشرط، لإطلاق الأخبار في الخيار. و الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه. و بالجملة، فإنّي لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجهاً يحمل عليه (2) انتهى.


1- الدروس 3: 276.
2- الحدائق 19: 59.

ص: 121

[و لا بدّ فيه من ذكر الجنس و الوصف و الإشارة]

قال المصنّف: «و لا بدّ فيه من ذكر الجنس و الوصف و الإشارة إلى معيّن»

المراد بالجنس إمّا معناه المنطقي و يدخل ذكر النوع تحت ذكر الوصف، أو يراد به الحقيقة النوعيّة كما عبّروا به في باب الربا. و يراد بالوصف ذكر الصنف و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح المعنى المراد و لهذا أنّ الأصحاب منهم من اقتصر على ذكر الجنس (1) و منهم من اقتصر على الوصف (2) و منهم من جمع بينهما (3).

و أيّما كان فلا بدّ من ذكر الجنس و الوصف بمقدار يدفع الغرر، و يختلف الحال فيه باشتراط تأخير التسليم و عدمه، و به يحصل الفرق بين هذا النوع و السلم، و لا يضرّ فيه استقصاء الأوصاف دون السلم.

و ما ادّعاه بعضهم من الإجماع على اشتراط جميع شروط السلم في المقام (4) ممنوع.

و الدليل على أصل الحكم الإجماع عامّاً و خاصّاً محصّلًا و منقولًا نقلًا مستفيضاً، و دخوله تحت نواهي الغرر الشرعي.

و الظاهر أنّ دائرة الغرر الشرعي أضيق من العرفي، فإنّ النقود مثلًا إذا تساوت وزناً و صرفاً و رغبة لا بدّ فيها من ذكر النوع و الصنف و إن لم يترتّب على ذلك الغرر العرفي.

و من هنا منعنا من رائج المعاملة و إن لم تختلف في أفراده الرغبات، فذكر الجنس و الوصف لا بدّ منه، فلو لم يذكر الجنس كأن يقول: بعتك ما في كمّي، أو لم يصف أو وصف وصفاً لا يرفع الجهالة للاقتصار فيه أو لكونه غير معلوم لأحد المتعاقدين أو لكون السلعة لا يوضحها الوصف كاللآلي و نحوها، بطل. و لا يلزم الاستقصاء في الأوصاف و ربّما أخلّ في بعض الأحوال.


1- كالعلّامة في التذكرة، راجع ج 1 ص 468 س 39.
2- كالعلّامة أيضاً في التذكرة، راجع ج 1 ص 467 س 31.
3- السرائر 2: 241، المبسوط 2: 76.
4- راجع التذكرة 1: 467 س 30 31.

ص: 122

و لا بدّ أيضاً من الإشارة إلى المعيّن و إلّا كان المبيع كلّياً لا يوجب الخيار، و ليس له مع عدم القبول سوى أخذ البدل و على البائع إبداله، و لا يفتقر مع ما ذكر إلى الرؤية باتّفاق أصحابنا خلافاً للعامّة (1).

[و لو رأى البعض تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة]

قال المصنّف قدس سره: «و لو رأى البعض تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة»

لا ريب أنّ رؤية بعض المبيع كافية في صحّة عقد البيع على الكلّ مجتمعة أجزاؤه أو لا، و في الحقيقة جميع المركّبات مثليّاتها و قيميّاتها كلّها أو جلّها لا تعرف و لا توصف غالباً إلّا بالاطّلاع على أبعاضها، كما أنّ البواطن يكتفى فيها برؤية الظواهر كباطن المائعات و باطن الصرة (2) و باطن الأرض و الجدار و نحوها.

و لو اعتبرنا اختبار البواطن لزم الفساد فيما يفسده الاختبار من البقول و الخضر و الثمار و الدراهم و الدنانير و الجواهر و الأدوية و العقاقير و نحوها.

نعم لا يكفي رؤية ظاهر شي ء لا تكشف عن باطنه، كظاهر الخضرة و رأس سلّة العنب و نحوها.

و لو أراه انموذجاً و قال: بعتك من هذا النوع كذا، بطل، للزوم الجهالة لأنّه ليس من المعيّن و لا من الموصوف وصفاً رافعاً للاشتباه فيدخل في قسم المجهول مع منافاته لحكمة شرع العقود، لعدم انقطاع النزاع به، لعدم انضباط الأوصاف بمجرّد الرؤية، لحصول الغفلة كثيراً عن كثير منها.

أمّا لو قال: بعتك الحنطة الّتي في البيت و هذا الانموذج جزء منها داخل في المبيع، صحّ لرؤية بعض المبيع المفيد مفاد رؤية الكلّ، و دعوى: شرطيّة اجتماع الأجزاء، ممنوعة.

و إن لم يدخل الانموذج صحّ أيضاً على إشكال، ينشأ من كون المبيع غير


1- راجع المغنى لابن قدامة: ج 4 ص 82، نسبه إلى أحمد.
2- في نسخة: الصبرة.

ص: 123

مرئيّ الكلّ و لا البعض و لا موصوف ليرجع فيه إلى الوصف، و لا اطمئنان بالمعرفة في الآخرة (1) إذ قد يفقد أو يحجب و هذا كلّه في المثليّ.

و أمّا القيميّ فلا يجري فيه مثل ذلك، لعدم دلالة بعض على بعض، و منه ما لو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأوّل.

و قد صرّح بالبطلان فيه جماعة من الأصحاب (2) و علّلوه بأنّ بعضه بيع عين حاضرة و بعضه في الذمّة مجهول (3).

و على كلّ حال ففي مقام يثبت الخيار ليس له الاقتصار على فسخ ما لم يره، للزوم الضرر بتبعيض الصفقة على الآخر و لنقل الإجماع فيه.

و قد يستدلّ عليه بخبر جميل (4) إن جعل اسم الإشارة مشاراً به إلى تمام الضيعة.


1- كذا، و الظاهر: بالأخرة.
2- المبسوط 2: 77، المهذّب 1: 352، القواعد 2: 68، التحرير 1: 167 س 15، التذكرة 1: 524 س 17، الجامع للشرائع: 256 257، جامع المقاصد 4: 302.
3- التذكرة 1: 524 س 17، جامع المقاصد 4: 302.
4- الوسائل 12: 361 ب 15 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 124

[السابع: خيار الغبن]

اشارة

قال المصنّف قدس سره:

«السابع: خيار الغبن»

[الغبن في اللغة و عند المتشرّعة]

الغبن في اللغة: الخدع، و عند المتشرّعة: هو الشراء بغير القيمة مع الجهالة إذا كان التفاوت لا يتسامح به عادة.

و ثبوت هذا الخيار هو المشهور بين الأصحاب، كما في المهذّب البارع و غاية المرام و الشرح (1) و خصوصاً المتأخّرين، كما في المسالك و الكفاية (2) بل كاد يكون إجماعاً بين المتأخّرين، كما في إيضاح النافع، و عليه المتأخّرون، كما في التنقيح (3) و الشيخ و أتباعه، كما في الدروس (4).

و في التذكرة: الغبن سبب ثبوت الخيار عند علمائنا (5). و في مقام آخر منها: و إنّما يثبت الخيار للمغبون دون الغابن بالإجماع (6). و كما يحتمل رجوعه للقيد يحتمل رجوعه له و للمقيّد أو للثاني فقط، و الظاهر منها الأوسط.

و في الغنية: السبب الخامس للخيار ظهور غبن لم تجر العادة بمثله، بدليل الإجماع (7).


1- المهذّب البارع 2: 374، غاية المرام: الروضة 3: 463.
2- المسالك 3: 203، الكفاية: 92 س 2.
3- التنقيح 2: 47.
4- الدروس 3: 275.
5- التذكرة 1: 522 س 40.
6- التذكرة 1: 523 س 10.
7- الغنية: 224.

ص: 125

و في الخلاف حكم به، و نسب الخلاف إلى المخالفين (1).

و في كشف الحقّ: ذهبت الإماميّة إلى أنّ الغبن بما لم تجر العادة بالتغابن بمثله يثبت الخيار للمغبون (2) و دعوى: أنّ هذا ليس فيه ظهور في الإجماع بل الغرض منه بيان ما اختصّت به الإماميّة، ممنوع، مع أنّ المخالفين بين قولين في ذلك، و قد خلت عن ذكره الهداية و المقنع و المقنعة و الانتصار و المراسم.

و استظهر الشهيد الأوّل في الدروس عن ابن الجنيد أنّ البيع مبنيّ على المغالبة و المكايسة. و قال فيها: و ربّما قال المحقّق في الدرس بعدمه (3).

و أنت خبير بأن خلوّ الكتب الّتي ذكرنا عنه لا يورث ريبة في تحقّق الإجماع، لخلوّها غالباً عن كثير من الأحكام، و ابن الجنيد لم يزل موافقاً للعامّة فيما، يختاره فخلافه لا يعبأ به، مع أنّ الخلاف منسوب إلى ظاهره.

و أمّا المحقّق فما كنّا لنلتفت إلى ما ينقل عنه في الدرس مع ما نشاهده منه (4) فالإجماع محصّل على المسألة، فضلًا عن أن يكون منقولًا، و لا أقلّ من إجماع المتأخّرين، و لا يلتفت إلى استظهار صاحب الكفاية عدم ثبوت الإجماع (5) و لا إلى قول الشهيدين (6) و من تأخّر عنهما: إنّ أكثر القدماء أو كثيراً من القدماء لم يذكروه لانحصار غير الذاكر له بمن ذكرنا، و لا إلى استبعاد عدم نقل الشيخ عليه الإجماع في الخلاف مع أنّه عادته نقل الإجماع في الخلافيّات.

و لو قلنا إنّ مسألة التلقّي و هذه المسألة من سنخ واحد كما صرّح به بعضهم (7) كان جميع المتأخّرين مصرّحين به إلّا من شذّ.

و استدلّ على ثبوته، بما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن إسحاق بن عمّار عن


1- الخلاف 3: 41، المسألة 60.
2- نهج الحقّ: 481.
3- الدروس 3: 275.
4- المختصر: 121، الشرائع 2: 22.
5- الكفاية: 92 س 4.
6- الدروس 3: 275، المسالك 3: 203.
7- راجع الخلاف 3: 41 المسألة 60، و نهج الحق: 481، و الدروس 3: 275.

ص: 126

أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت (1).

و عن ميسر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: غبن المؤمن حرام (2).

و في رواية اخرى: لا يغبن المسترسل، فإن غبنه لا يحلّ (3). و فسّر في الرواية: و هو الّذي أرسل إليك أمره و اعتمد عليك.

و في مجمع البحرين: و الاسترسال الاستئناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة به فيما يحدثه، و أصله السكون و الثبات، و منه الحديث: أيّما مسلم استرسل إلى مسلم آخر فغبنه فهو كذا.

و منه غبن المسترسل سحت (4) انتهى. و ظاهره وجود حديث رابع زائد على ما ذكرناه.

و استدلّ أيضاً بحديث الضرر و الضرار (5) و بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» (6) و لو علم المغبون لم يرض، و بقوله عليه السلام: لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه (7)، و النهي عن أكل مال الغير بالباطل (8) و بما دلّ على حرمة الغشّ (9) و النجش (10) و بأخبار التلقّى الواردة في أنّ الركبان إذا قدموا السوق تخيّروا (11) و النهي عن الشراء ما يتلقّى و أكله (12) مع التنقيح للعلّة و أنّها هي الغبن كما في


1- الوسائل 12: 363، ب 17 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 2.
3- الوسائل 12: 285 ب 2 من أبواب آداب التجارة، ح 7.
4- مجمع البحرين 5: 383 مادّة «رسل».
5- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 5.
6- النساء: 29.
7- راجع الوسائل 3: 424 ب 3 من أبواب مكان المصلّي، ح 1.
8- النساء: 29.
9- الوسائل 12: 208 ب 86 من أبواب ما يكتسب به.
10- الوسائل 12: 337 ب 49 من أبواب آداب التجارة.
11- المستدرك 13: 281 ب 29 من أبواب آداب التجارة، ح 3 و 4.
12- الوسائل 12: 326 ب 26 من أبواب آداب التجارة.

ص: 127

المختلف (1) و ما ورد في باب التلقّي من أنّهم يتخيّرون إذا غبنوا كما في المسالك و الكفاية (2).

و قد يقال: إنّ جميع ما استدلّ به مدخول، أمّا الروايات الأولة، فيتوجّه على الاستدلال بها أنّ الغبن في كلامهم الضرر من جهة القيمة، و هو في الشرع الخدع باقياً على معناه اللغوي و لم يثبت النقل. و الأصل عدمه، فهو أخصّ من المدّعى، و كذا تخصيصه بالمسترسل و هو الّذي يعتمد عليك مع أنّ حكمهم عامّ على أنّ التحريم متعلّق بالخدع، و هو خارج عن المعاملة، و على تقدير دخوله فهو قاضٍ بالفساد لا بالخيار. و ما فيه «أنّ غبن المسترسل سحت». ففيه ما مرَّ، سوى أنّ السحت ظاهر في حرمة المال.

و قد يقال: إنّ حرمة التصرّف لا تمنع من الملك كالمفلّس و نحوه.

و فيه: أنّ التحريم من كلّ وجه يلغي ثمرة الملك، و المفلّس له نفع من بعض الوجوه.

و أمّا خبر «لا ضرر و لا ضرار» ففيه: أنّه إمّا أن يراد النفي فيهما فيكون كذباً، و إمّا أن يراد النهي فيهما فيتعلّق بخارج المعاملة، على أنّه لو تعلّق بالداخل أفاد الفساد لا الخيار، على أنّ الضارّ إنّما هو القاصد لذلك، فيكون مدلّساً، و هو أخصّ أو مغاير. و لو اختلفت الإرادة فكذلك، على أنّ هذه الرواية غير معمول بها على عمومها في إثبات الخيار عند الأصحاب، و إلّا لأثبتت خيارات لا تتناهى، فهي مرميّة بالإجمال، لأنّ الخارج منها أكثر من الداخل.

و أمّا الاستدلال بقوله تعالى: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» (3) و برواية لا يحلّ، و قضيّة النهي عن أكل مال الغير بالباطل باعتبار أنّ المغبون لم يعلم و لو علم ما قدّم. ففيه: أنّ كلّ من اشترى شيئاً و قد سبقه غلامه لشراء مثله أو ولده أو زعم


1- المختلف 5: 44.
2- المسالك 3: 203، الكفاية: 92 س 3.
3- النساء: 29.

ص: 128

خلوّ بيته ثمّ علم العدم، لو علم سابقاً ما شرى، و نحو ذلك.

و أمّا ما يدلّ على حرمة الغش و النجش، فيتوجّه عليه ما توجّه على الروايات الاولة.

و أمّا أخبار التلقّي، فليس فيها نصّ على العلّة، و إنّما تستنبط منها العلّة استنباطاً، و العلّة المستنبطة ليست من مذهبنا، مع احتمال كون العلّة إنّما هي التدليس.

و أمّا رواية «يتخيّرون إذا غبنوا» فالّذي في الخلاف و الغنية و التذكرة (1) أنّ الرواية خالية عن ذكر «إذا غبنوا».

نعم قالوا: إنّما ذلك أعني النهي للغبن فهو تنزيل لا تصريح، مع أنّ الرواية مرسلة و لا يعلم الراوي، مع أنّ الغبن بناءً على بقائه على معناه يتوافق مع خيار التدليس. و الّذي يقتضيه القاعدة لزوم العقد.

هذا كلّه، و أنت خبير بأنّ الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الغبن إن لم نقل: إنّه معنى لغويّ ثانويّ، أو حقيقة عرفيّة عامّة.

و على تقدير عدم الثبوت، ففهم الأصحاب كما يجبر السند يؤثّر المظنّة في الدلالة، لأنّهم أقرب عهداً و أدرى بمواقع الألفاظ، و تنزيلهم الغبن على المعنى المصطلح عندهم يؤثّر حصول المظنّة بالدلالة من جهة فهمهم.

و خلوّ ما تقدّم من الكتب عن قوله: «إذا غبنوا» لا يعارض المثبت لو كان نافياً فكيف مع عدم الذكر؟

و يكون معنى قوله: «حرام» أو «لا يحلّ» بمعنى عدم العمل بمقتضى الخيار، و أنّه سحت لو فسخ و لم يدفع إليه.

فالروايات مجبورة سنداً و دلالةً بالشهرة المحصّلة و المنقولة، بل بالإجماعات المنقولة بل الإجماع محصّل كما عرفت، و استنادهم إلى حديث الضرر كشف عن أنّه ضرر خاصّ كشف عنه الشارع و أنّه ليس كلّ ضرر معتبر


1- الخلاف 3: 41 42 المسألة 60، الغنية: 224، التذكرة 1: 522 س 41.

ص: 129

حتّى مثل فوات الرغبة، و نحو ذلك.

و الظاهر أنّ المراد به النفي كنظائره لا النهي، و لا يلزم الكذب، لأنّ المعنى أنّه لا ضرر في الشريعة و في التكاليف الشرعيّة ابتداءً و لا ضرار فيها بالنسبة إلى ما يتعلّق بتكاليف المخلوقين بعض مع بعض بمعنى أنّ الشارع لم يشرّع جواز أن يضرّ بعض المخلوقين بعضاً، و يحتمل أنّ الأوّل توطئة للثاني، و الضرر بالجهاد و الحجّ و الصوم مثلًا يدفعه أنّه في مقابلة ما يترتّب عليه من النعيم الأبدي ليس من الضرر بل من النفع كالضرار بالنسبة إلى تكليف العبيد بطاعة الموالي و تكليف الأولياء بحفظ المولّى عليهم و نحو ذلك فإنّه مندفع بأنّ المتبادر من الضرار ما لم يكن مقروناً بمصالح و حكم تعود إلى العامل.

على أنّا نقول: إنّ حكم الضرر و الضرار لا يجري على الفاعل المختار و كلّها راجعة إلى حكمه و إنّما المراد بالنظر إلى المخلوقين.

فإن قلت: إنّ نفي الضرر يتحقّق بفساد العقد و بالخيار، فبأيّ شي ء تعيّن الخيار.

قلت: لا ريب أنّ مقتضى الجمع بين دليل صحّة العقد و نفي الضرر يقضي بعدم الفساد فيتعيّن الخيار، و لا يعارضه دليل لزوم العقد، فإنّ بينه و بين دليل نفي الضرر عموماً من وجه. و يرجّح الثاني بالمرجّحات الخارجيّة، من فتوى مشهور الأصحاب و نحو ذلك، فتأمّل.

و حيث عرفت أنّ المدار على الضرر الخاصّ الّذي كشف عنه الشارع و هو متمشّ في البائع و المشتري و في العقود الاخر فلا محيص عن القول بثبوته في الجميع، لأنّ جميع ما ذكر في الاستدلال يعمّ، و لأنّ المناط منقّح.

نعم لو قلنا: إنّ المستند الإجماع لا غير، أشكل التعميم.

نعم يستثنى من ذلك ما لم يشرع على كونه مالًا محضاً من الجانبين كالنكاح و الخلع و الهبة المعوّضة و نحو ذلك، فإنّ الهبة المعوّضة و إن كانت مالًا لكنّه لا يلزم من شرعيّتها العوض، فليست متمحّضة للمال من الجانبين.

ص: 130

و قد صرّح بالتعميم في شرح الإرشاد للفخر و التنقيح (1) و إيضاح النافع، و في إجارة جامع المقاصد: أنّه يجري في الإجارة مستنداً إلى أنّه من توابع المعاوضات (2).

نعم في المهذّب البارع منع من جريانه في الصلح (3) و ربّما ظهر ذلك من الوسيلة و التحرير أيضاً (4).

و فصّل بعض المتأخّرين فقال: إن وقع الصلح على معاوضة ثبت فيه خيار الغبن، و إن وقع على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها ثمّ ظهر حقّيّة ما يدّعيه و كان مغبوناً فيما صالح عنه فلا خيار، و كذا إن وقع على ما في الذمم و كان مجهولًا ثمّ علم بعد عقد الصلح و ظهر غبن أحدهما على تأمّل (5)، انتهى.

و قد يفصّل بين العقد الّذي بني شخصه على المسامحة و كان الإقدام على المعاملة فيه مبنيّاً على عدم الالتفات إلى النقص و الزيادة من بيع أو صلح أو غيرهما فإنّه لا يصدق فيه اسم الغبن و بين غيره، و هو غير بعيد.

و عبّر بثبوت الخيار للمغبون العامّ للمشتري و البائع في الغنية و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الكفاية (6).

و صرّح بالتعميم ابن حمزة و العلّامة في التحرير و الصيمري (7) و المصنّف في الدروس مدّعياً فهم ذلك من الشيخ و أتباعه (8) فالاقتصار على ذكر المشتري في المبسوط و الخلاف و السرائر (9) لمكان الغلبة.

و يرشد إلى ذلك استدلالهم بأخبار التلقّي كما في الغنية (10) و غيرها و قد تقدّم


1- شرح الإرشاد: 50 س 9، التنقيح 2: 47.
2- جامع المقاصد 7: 86.
3- المهذّب البارع 2: 538.
4- الوسيلة: 283، التحرير 1: 229 س 16.
5- اختاره السيّد العاملي في كتاب الصلح ص 455 س 13 و نسبه إلى أبي العباس و الصيمري.
6- الغنية: 224، التذكرة 1: 522 س 40، القواعد 2: 67، الارشاد 1: 373، الكفاية: 92 س 8.
7- الوسيلة: 237، التحرير 1: 166 س 32، غاية المرام 2 س 39.
8- الدروس 3: 275.
9- المبسوط 2: 87، الخلاف 3: 41 المسألة 60، السرائر 2: 249.
10- الغنية: 224.

ص: 131

لك ذكر إجماع التذكرة و غيره (1) فلا تأمّل في العموم.

[و هو ثابت مع الجهالة]

قال المصنّف: «و هو ثابت مع الجهالة إذا كان بما لا يتغابن به غالباً»

قد اشتمل كلام المصنّف على شرطين:

الأوّل: عدم العلم بالقيمة قبل الدخول في العقد و بعد الدخول قبل التمام و بعد التمام قبل التملّك لتوقّفه على القبض في صرف أو سلم أو الإجازة على القول بالنقل، لأنّه في الجميع يتحقّق الإقدام على الناقص، و به ينتفي الخيار. و ما في عبائر الأصحاب من التقييد بوقت العقد جرياً على الغالب، لوضوح المراد.

نعم العلم السابق مع النسيان حين العقد لا يفيد، فالمدار على أحد الأمرين من حين العقد و حين التملّك.

و الظاهر أنّ الجهل مقوّم للغبن لا شرط خارجي، فالمراد بالشرط في كلامهم شرط أصل تحقّق الماهيّة و هو شرط لثبوت الحكم، و المراد بالجهل، المركّب، و ربّما جعل الظنّ منه.

أمّا الجهل البسيط فقد يقال بأنّ فيه إقداماً و لا يسمّى غبناً، و هو بعيد.

نعم في صورة الشكّ أو الظنّ بالخلاف قد يقال بذلك. و الظاهر خلافه، لعموم الدليل، و لعدم تحقّق الإقدام، فإنّه لو كان عالماً لما أقدم.

و مبنى المسألة على أنّ دليل هذا الخيار من الإجماعات المنقولة و غيرها شامل بإطلاقه لجميع الصور خرجت صورة العلم باعتبار عدم تحقّق اسم الغبن معه و للإجماعات المنقولة على اشتراط عدمه و بقي الباقي. فلا وجه لما يتخيّل من أنّ الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هو الجهل المركّب فقط.

و هل سقوط الخيار بالعلم لأنّه علامة الرضا أو تعبّد للأدلّة و لعدم تحقّق اسم الغبن معه؟ الظاهر الثاني و إلّا كان خاصّاً، و الدليل عليه الإجماع المنقول في


1- راجع ص 125.

ص: 132

التذكرة و المسالك (1) و غيرها.

ثمّ إنّ علم المالك و الوليّ يرفع اسم الغبن، و أمّا الوكيل فإن كان على الصيغة وحدها فلا يرفع، و مع التفويض يرفع، و علم المالك يرفع، و لو جهل الوكيل المطلق في وجه قويّ اقتصاراً على المتيقّن فيما خالف الأصل.

و لو أقدم على نقص لا يبلغ حدّ الغبن بزعمه فوافق ما فيه الغبن جرى حكم الغبن له. أمّا لو أقدم على نقص من جهة خاصّة فظهر من غيرها مساوٍ له أو أنقص منه، قوي عدم الخيار. أمّا لو زاد عليه كان منضمّاً إليه، فالأقوى الثبوت.

و لو كان عالماً بالقيمة سابقاً ثمّ زال العلم بعلم شرعي أو غيره قبل العقد فله الخيار، و لو زال بظنّ أو شكّ أو و هم قويّ فإشكال، و الأقوى السقوط.

و لا تعتبر القيمة بعد العقد و الملك، فلو تجدّدت الزيادة أو النقيصة بعدهما فلا غبن و لا خيار إجماعاً.

و هل تعتبر قبل الدخول في العقد، أو بعد الدخول قبل التمام، أو بعد التمام قبل الملك؟ وجوه، أقواها اعتبار ما قبل التملّك، و لا ملازمة بين زمانها و زمان العلم.

و قد نقل الإجماع في المسالك على أنّه لا غبن و لا خيار لو تجدّد النقيصة أو الزيادة بعد العقد (2) و إن كان قبل القبض. و لعلّ المراد زمان الملك جرياً على الغالب. و اعتبار ما قبل الدخول في العقد، غير بعيد، وقوفاً عند ظاهر كلمات الأصحاب.

و في اختلاف السوق و المقوّمين يقدّم الراجح، و مع التعادل لا خيار، و يثبت بتقويم عدلين دون العدل الواحد.

و المدار فيها على زمان العقد و مكانه، و يأتي تحقيق ذلك في باب العيب.

و لا فرق في الجهل بها بين من يمكنه معرفتها و لو بالتوقيف أو التروّي و غيره، فلو استندت إلى عجالته لم يسقط خياره كما في التحرير (3).

و يثبت جهالته باعتراف الغابن و بالبيّنة إن أمكن. و لا تثبت بقوله مع يمينه مع


1- التذكرة 1: 523 س 3، المسالك 3: 203.
2- المسالك 3: 203.
3- التحرير 1: 166 س 33.

ص: 133

عدم إمكانها في حقّه. و في ثبوتها بذلك مع الإمكان قولان: من استصحاب لزوم العقد، و من أصل عدم العلم و كونها من الامور الخفيّة غالباً فلا يطّلع عليها إلّا من جهته، و هذه قاعدة يعلم من الأصحاب الإجماع عليها إلّا فيما استثناه الدليل.

و قد استظهره في المسالك (1) و قوّاه في الشرح (2) و نفى عنه البعد في جامع المقاصد (3) و مال إليه في تعليق الإرشاد (4) و هو الأقوى.

و يشكل الأوّل بأنّه ربّما تعذّرت إقامة البيّنة و لم يتمكّن الخصم من معرفة الحال فلا يمكنه الحلف على عدمه مع أنّه فعل غيره، فلا يمكن فيه اليمين على القطع، فتسقط الدعوى بغير بيّنة و لا يمين.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه يتوجّه عليه حينئذٍ يمين عدم العلم بالجهالة، و هو بعيد.

نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان و المكان بحيث لا يخفى عليه قيمته، لم يلتفت إلى قوله.

الشرط الثاني: الزيادة و النقيصة الفاحشة، للأصل، و الإجماع على الظاهر و لعدم صدق الغبن بدونها كصورة العلم، أو يصدق و لكن لا ينصرف إليه إطلاق الدليل.

و المراد بالفاحشة، الّتي لا يتغابن بمثلها بحسب العادة، إذ لا تقدير لها شرعاً.

و في التذكرة: لا تقدير للغبن عندنا (5) و ما ذلك شأنه يرجع فيه إلى العادة، فالدرهم بل الخمسة من المائة ليس غبناً و من العشرة غبن و هكذا ..، و طريق معرفته ظاهر، لأنّه يمكن إقامة البيّنة فيه على القيمة فيناط بها، بخلاف بعض صور الأوّل.

و لا يسقط هذا الخيار ببذل الغابن كما في الدروس و غاية المرام و المهذّب البارع و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و المسالك و الشرح و مجمع البرهان (6)


1- المسالك 3: 204.
2- الروضة 3: 464.
3- جامع المقاصد 4: 294.
4- تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 135.
5- التذكرة 1: 523 س 8.
6- الدروس 3: 275، غاية المرام 2: 38 المهذب البارع 2: 378، جامع المقاصد 4: 295، تعليق الإرشاد (مخطوط): 135، المسالك 3: 208، الروضة 3: 464، مجمع البرهان 8: 404.

ص: 134

استناداً إلى الاستصحاب، بناءً على أنّ ثبوته غير مراعى بعدم البذل، و بناءً على عدم العموم الزماني في دليل لزوم العقد، من غير فرق بين أن يكون المثبت لهذا الخيار الإجماع أو حديث الضرر (1) أو غيرهما.

و لا ينافي ثبوته بالإجماع وقوع الخلاف فيه في محلّ الفرض فإنّه ينسحب إلى محلّ الخلاف بالاستصحاب على أنّه لا خلاف و إنّما هناك استشكال، كما لا ينفي القول ببقاء الخيار و إن كان المستند دليل الضرر لو قلنا به دعوى أنّه بناءً على ذلك يدور الحكم معه حيث ما دار فيندفع بالبذل.

أمّا أوّلًا فلأنّ ذلك لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن عن اشتمالها عليه، لأنّه هبة مستقلّة خارجيّة فهو من قبيل هبة الغابن الخارجيّة لا يسقط بها الخيار و فيه بحث.

و أمّا ثانياً فلأنّ غرض المغبون ربّما كان عيناً عزيزة ذات قيمة فلا يندفع ضرره.

و أمّا ثالثاً فلأنّ انتفاء الضرر لا ينحصر في بذل التفاوت بل يمكن بالردّ أيضاً، فدعوى تعيّنه تحكّم.

و فيهما نظر، فإنّ الغرض دفع الضرر الخاصّ الّذي قضى بالخيار و هو نقص القيمة لا كلّ ضرر، فتعلّق غرضه بخصوص العين لا مدخليّة له، فلا وجه للثاني. و الضرر قد اندفع بالبذل و قد وقع، فلا حاجة إلى فسخ العقد الّذي لم يقع بعد، مع منافاته للأصل، فلا وجه للثالث.

و استشكل في عدم سقوط الخيار في القواعد و التذكرة و حواشي الشهيد و المفاتيح (2) لما ذكر، و لأصل اللزوم فيقتصر فيما خالفه على المتيقّن المجمع عليه، و المتحقّق به الضرر و حيث يبذل التفاوت فلا ضرر و لا إجماع.


1- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 5، و 17: 419 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 5.
2- القواعد 2: 67، التذكرة 1: 523 س 11، المفاتيح 3: 74.

ص: 135

و فيه مع ما تقدّم: أنّ الدليل غير منحصر بالإجماع المحصّل و حديث الضرر كما عرفت (1) و إطلاق الإجماعات المنقولة و الروايات شامل لمثل هذه الصورة مع جبرها بالشهرة المحصّلة فضلًا عن المنقولة بالنسبة إلى ما نحن فيه.

و مثل المسألة ما لو بذل الزبون بدل المغبون فيه كما في الدروس و غاية المرام (2).

و مثلها ما لو ترقّت قيمة المبيع قبل العلم بالغبن أو بعده قبل الفسخ بما يرفع الغبن الحاصل وقت العقد.

و الظاهر أنّه ليس في فرض هذه المسألة منافاة لفوريّة الخيار على القول به بل تتأتّى على الوجهين، إذ المراد الفوريّة العرفيّة فلا منافاة.

و في المسالك و الكفاية: أنّ العلّامة استشكل في ثبوت الخيار لو بذل الغابن التفاوت مع دعواه الإجماع على عدم ثبوت الأرش به (3).

و أنت خبير بأنّه لا منافاة، إذ المنفيّ بالإجماع أخذه و دفعه على سبيل الاستحقاق، فإنّه حينئذٍ لا يجب على الغابن دفعه و لا يحلّ للمغبون أخذه، لأنّه لا يستحقّه.

و محل الإشكال ما إذا دفعه لا على ذلك الوجه، بل في مقابلة ترك الفسخ، فهل يجب على المغبون القبول و لا يجوز له الفسخ و الخيار أم لا بل ذلك منوط بالتراضي فيكون معاملة اخرى؟ و لا ريب أنّهما لو اتّفقا على إسقاطه بالعوض، صحّ كغيره من الخيارات.

[و لا يسقط بالتصرّف]

قال المصنّف قدس سره: «و لا يسقط بالتصرّف إلّا أن يكون المغبون المشتري و قد أخرجه عن ملكه»

الظاهر سقوط هذا الخيار، باشتراط السقوط كما هو المتداول بين الناس،


1- راجع ص 125 127.
2- الدروس 3: 275، و أمّا غاية المرام فلم يذكره صريحاً، فلعلّه استفاده من عموم قوله: فلا يسقط إلّا باختيار الغبن، راجع ج 2: ص 38.
3- المسالك 3: 207، الكفاية: 92 س 9.

ص: 136

و بالمسقط القولي الظاهر منه و الصريح.

أمّا سقوطه بالشرط، فللعموم (1). و أمّا سقوطه بالإسقاط، فلأنّه حقّ من الحقوق فيسقط بالإسقاط كغيره من الحقوق. و لا يفترق الحال فيه بين ما بعد ظهور الغبن و قبله.

و دعوى: أنّ المتيقّن من دليل ثبوت هذا الخيار إنّما هو بعد الظهور و الأصل اللزوم فالإسقاط قبله إسقاط قبل الثبوت، ممنوعة، لإطلاق الإجماع المنقول عليه، و ظاهر الرواية «يتخيّرون إذا غبنوا (2)».

نعم في أخبار التلقّي «إذا قدموا السوق تخيّروا (3)» و لا منافاة فيه، و عدم تعرّض مشهور الأصحاب لسقوطه بالاشتراط اتّكالًا على الظهور و إحالته على ما تقدّم لهم في غيره من الخيار، و لهذا قالوا: و لا يسقط بالتصرّف مقتصرين عليه.

نعم صرّح الصيمري بأنّه لا يسقط بذلك، بل يبطل العقد و الشرط (4) و في الدروس: لو شرطا رفعه أو رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد، للغرر، ثمّ احتمل صحّة اشتراط رفع خيار الغبن (5).

و المحقّق الثاني احتمل صحّة اشتراط سقوطه و عدمها، ثمّ استظهر الأوّل (6) و مثله في المفاتيح (7).

و أنت خبير بأنّه لا مدرك لعدم الصحّة إلّا حكاية الغرر و قد علمت فسادها في خيار الرؤية (8) و الاستناد إلى عدم السقوط بالتصرّف فلا يسقط بالشرط إذ


1- المؤمنون عند شروطهم.
2- ذكرها صاحب المسالك 3: 203، و الكفاية: 92 س 3.
3- المستدرك 13: 281 ب 29 من أبواب آداب التجارة ح 3 4.
4- غاية المرام 2: 34.
5- الدروس 3: 276.
6- جامع المقاصد 4: 302 303.
7- في المفاتيح نصّ على سقوطه بالشرط راجع ج 3 ص 74.
8- راجع ص 119.

ص: 137

لا دلالة فيه، لمنع التلازم مع أنّ التصرّف أضعف من الاشتراط.

هذا كلّه في سقوطه بالمسقط القولي.

و أمّا سقوطه بالمسقط الفعلي فأطلق أكثر الأصحاب عدم سقوطه بالتصرّف إلّا في المخرج عن الملك أو المانع من الردّ كالمصنّف هنا، إلّا أنّه قيّده بالمشتري و نقل الشهرة على ذلك في الشرح و المفاتيح (1) و ظاهر إطلاقهم عدم الفرق في عدم السقوط بالتصرّف بين العلم بالخيار و عدمه.

نعم في مطاوي بعض كلماتهم كالمصنّف هاهنا قد يظهر الاختصاص بصورة الجهل.

و قد صرّح به في المسالك (2) و الظاهر أنّ مرادهم ذلك خصوصاً بناءً على ما هو الأصحّ من فوريّة هذا الخيار اقتصاراً على المتيقّن من الخروج عن عموم دليل السقوط بالتصرّف.

نعم بناءً على احتمال الاقتصار في السقوط بالتصرّف على الموضع الخاصّ الّذي قام فيه الدليل الخاصّ كخيار الحيوان و أنّه لا عموم في دليله، كان ذلك على وفق القاعدة، و يكون التخصيص بالمشتري بالنظر إلى السقوط بالتصرّف الناقل كما هو ظاهر البعض في محلّه. و لكنّه على احتمال ضعيف كما تقدّم.

و أمّا في صورة الجهل، فإن كان السقوط بالتصرّف لدلالته على الرضا كان عدم السقوط به على وفق القاعدة.

و بناءً على الوجوه الاخر في التصرّف و القول بعموم دليله، فلا بدّ لإخراج هذا المقام من دليل يدلّ عليه بالخصوص. و الظاهر قيام الإجماع عليه، و خروج معلوم النسب لا يقدح فيه. فما في المبسوط و التنقيح: من أنّه لا فرق بين الخيارات في سقوطها بالتصرّف (3) بناءً على شموله لذلك لا ينافي دعوى الإجماع، و حيث إنّ


1- الروضة 3: 465، المفاتيح 3: 74.
2- المسالك 3: 207.
3- المبسوط 2: 83، التنقيح 2: 50.

ص: 138

البناء على عموم دليل السقوط بالتصرّف يقتصر على المتيقّن من عدم السقوط به و هو صورة الجهل، للإجماع. و شموله لصورة العلم محلّ شكّ فيبقى على وفق القاعدة.

ثمّ إنّ ظاهر المصنّف عدم الفرق في عدم سقوط الخيار بالتصرّف بين أن يكون المتصرّف الغابن أو المغبون، و المغبون بين أن يكون هو البائع أو المشتري إلّا في قسم خاصّ من تصرّف المشتري و هو المخرج عن الملك و الظاهر منه ما كان بالعقد اللازم، و هو بالنظر إلى تصرّف الغابن بائعاً كان أو مشترياً لأيّ نوع من التصرّف كان لا كلام فيه، و هو المشهور بين الأصحاب. و قد صرّح به في الدروس و غاية المراد و المهذّب البارع و التنقيح و غاية المرام و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و الشرح و المسالك (1) و غيرها، لعدم الدليل على سقوطه فيستصحب، و ضرر المغبون لا يسقط اعتباره بتصرّف من لا ضرر عليه كما هو الشأن في سائر الخيارات، غير أنّ تصرّفه المخرج عن الملك بعقد لازم أو مطلقاً. و مثله المانع من الردّ باستيلاد و نحوه للأصحاب فيه وجوه ثلاثة:

أحدها: عدم جواز مثل هذا التصرّف لمنافاته حقّ الغير (2) و لا ينفذ إلّا مع الإذن إلّا في العتق لابتنائه على التغليب في وجه، و هو مبنيّ في المقام على ثبوت الحقّ و إن لم يظهر الغبن للمغبون، أو على القول بالتراخي، أو الفوريّة مع عدم المنافاة، أو إجراء للحقّ التقديري مجرى الحقّ التحقيقي.

الثاني: تتبّع العقود و فسخها كالشفيع و في المانع من الردّ يردّه لسبق الحقّ، و يشكل فيه و في مثل العتق و الوقف، للزومه عود الحرّ رقّاً و الوقف طلقاً.

الثالث: الانتقال إلى المثل أو القيمة جمعاً بين الحقّين، و الإخراج من الملك و نحوه من التلف الشرعي و هو كالتلف العقلي. و هو أقوى الوجوه، لما في الأوّل من لزوم الضرر، و في الثاني من مخالفة الأصل. و مثله الإتلاف و إنْ منع منه كما في الوجه الأوّل.


1- الدروس 3: 275، غاية المراد 2: 99، المهذّب البارع 2: 376، التنقيح 2: 48، غاية المرام 2: 36 38. جامع المقاصد 4: 296، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 135. الروضة 3: 465، المسالك 3: 207.
2- كذا في الأصل، و في نسخة: العين.

ص: 139

و يظهر من الأردبيلي (1) جريان الوجهين الأخيرين في تصرّف المغبون ذي الخيار مدّعياً عدم الفرق بين المقامين. و هو خلاف ظاهر الأصحاب، و كأنّ الفارق أنّ مباشرة ذي الخيار بنفسه للعقد المخرج عن ملكه تقضي برفع سلطانه بعد ذلك على فسخه، فكأنّه هو المسقط لحقّ نفسه بخلاف الأوّل، فتأمّل.

و أمّا المغبون، فإن كان هو البائع فظاهر كلامه عدم السقوط بتصرّفه بالثمن مطلقاً من غير إشكال، بخلاف تصرّف المشتري فإنّه استثنى منه التصرّف المخرج عن الملك أوّلًا، و نظر فيه أخيراً.

و يشكل الفرق بينهما، بل هما سواء بالنسبة إلى ذلك في الإسقاط و عدمه، إلّا أن يريد بقوله: «إلّا أن يكون المغبون المشتري» في مقابلة الغابن الّذي هو البائع، و هو خلاف الظاهر.

و ظاهر الشارح في الشرح نسبة الفرق إلى المشهور (2) و نسبه بعض المتأخّرين إلى أكثر الأصحاب (3) و الشهرة ممنوعة.

و الظاهر أنّ التقييد في كلام البعض جرياً على الغالب. أ لا ترى أنّ جماعة من الأصحاب قيّدوا أصل ثبوت هذا الخيار بالمشتري، و منهم: المحقّق في الشرائع (4) و رتّب هذا الحكم عليه، و من المعلوم كما سبق عدم إرادة هذا القيد بالنسبة إلى الأصل.

و ظاهر القواعد و التحرير و التذكرة و المهذّب البارع و غاية المرام عدم الفرق (5).

و في المسالك قوّى احتمال عدم الفرق قال: و إطلاق جماعة من الأصحاب الحكم ببطلان رجوع المغبون بتصرّفه المانع، و تعليلهم يشمله (6) انتهى.

و في جامع المقاصد بالنسبة إلى تصرّف البائع المغبون في الثمن تصرّفاً مخرجاً عن الملك قال: لا أعلم في ذلك تصريحاً. لكن في عبارة التذكرة ما


1- مجمع الفائدة 8: 404.
2- الروضة 3: 465.
3- راجع مفتاح الكرامة 4: 527.
4- الشرائع 2: 22.
5- القواعد 2: 67، التحرير 1: 166 س 40، التذكرة 1: 522 س 40، المهذّب البارع 2: 374، غاية المرام 2: 36 38.
6- المسالك 3: 207.

ص: 140

يقتضي عمومه سقوط الخيار هنا بالتصرّف إذا كان مخرجاً عن الملك فإنّه قال: و لا يسقط هذا الخيار بتصرّف المغبون لأصالة الاستصحاب إلّا أن يخرج عن الملك ببيع أو عتق و شبهه، لعدم التمكّن من استدراكه. هذا لفظه و هو شامل لما قلنا مع احتمال أن يريد به تصرّف المشتري خاصّة إذا كان هو المغبون لكن ما استدلّ به بعينه قائم فيما ذكرناه (1) انتهى.

و قد عرفت أنّ ذلك غير مقصور على التذكرة.

[التصرّف الناقل بطريق اللزوم]

قال المصنّف قدس سره: «و فيه نظر للضرر مع الجهل بالغبن فيمكن الفسخ و إلزامه بالقيمة أو المثل و كذا لو تلفت العين أو استولد الأمة»

لا ريب أنّه في التصرّف الناقل بطريق اللزوم من المغبون مع الجهل بالغبن أو بالخيار احتمالات:

الأوّل: تتبّع العقود و فسخها و قد احتمله الأردبيلي (2) و قد تقدّم تمريضه.

الثاني: لزوم العقد بسببه و سقوط الخيار، و هو فتوى المشهور مطلقاً كما استظهرناه أو في خصوص المشتري.

الثالث: الفسخ و الرجوع إلى المثل و القيمة دفعاً للضرر المنفيّ بالخبر.

و أقوى الوجوه الثاني باعتبار ما تقدّم، من عموم دليل السقوط بالتصرّف غاية ما يخرج عنه بالمتيقّن هو التصرّف الغير الناقل و ما بحكمه، و حديث الضرر (3) غير معمول به على إطلاقه، مع أنّه هو الّذي يسبّب الضرر على نفسه فلا حكم لضرره، و لا فرق في ذلك بين أن يعود إليه ما تصرّف فيه بفسخ أو إقالة أو موت الولد أو غيرها، مع عدم المنافاة للفوريّة و عدمه خلافاً للشارح في الشرح (4) إذ بعد السقوط لا يعود، للاستصحاب. و احتمال: أنّ سقوطه كان مراعى بعدم العود، ضعيف.


1- جامع المقاصد 4: 296.
2- مجمع الفائدة 8: 404.
3- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار ح 3 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 5.
4- الروضة 3: 466.

ص: 141

و حيث إنّ هذه المسألة من المسائل الجليلة و حكمها غير مستوفى في كلامهم فلا بدّ فيها من بسط المقال، فنقول:

إنّ المغبون إمّا البائع أو المشتري، و العارض إمّا تلف أو تصرف، و التلف إمّا من البائع أو المشتري أو منهما، أو من أجنبيّ، أو من السماء، أو من المركّب بأقسامه.

و التصرّف إمّا من الغابن أو من المغبون أو منهما، في تمليك عين أو منفعة لازم أو جائز أو مبعّض، أو وقف عامّ أو خاصّ أو تحرير، باختيار أو تنكيل أو سراية أو إعداد للتحرير بكتابة أو ولادة أو تدبير، أو تصرّف غير مغيّر كالركوب، أو مغيّر بالزيادة العينيّة كالغرس للأرض، أو الحكميّة كقصارة الثوب، أو المشوبة كصبغه أو بالنقصان عيناً أو عيباً أو وصفاً بالامتزاج المقتضي للشركة كخلطه بالأجود أو بالمثل أو بالأردإ، أو بما لا يقتضي الشركة، أو بغير الزيادة و النقصان كنصب الفصّ في الخاتم، أو بهما معاً على وجه الاضمحلال كالزيت يعمل صابوناً.

ثمّ إمّا أن يزول المانع من الردّ قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده، أو لا يزول.

و هذه جملة أقسام المسألة، و قد جعل الشارح منها ما إذا كان المغبون البائع و المشتري معاً (1) و هو غير متعقّل فيسقط بصوره، لأنّ الغبن في طرف البائع إنّما يكون إذا باع بأقلّ من القيمة السوقيّة و في طرف المشتري إذا اشترى بأزيد منها، و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الأثمان أو العروض أو أحدهما من أحدهما و الآخر من الآخر، فلا يتعقّل كونهما مغبونين معاً، و إلّا لزم كون الثمن أقلّ من القيمة و أكثر منها، و هو محال.

و قد تفرض في صورة تعدّد المبيع و الثمن و اتّحاد العقد، و لكن العقد باعتبار تعدّد الثمن بحكم البيعين و الكلام في البيع الواحد، فتأمّل.

و جملة القول في هذه الصور: أمّا بالنظر إلى التلف فإن كان المتلف الغابن لما في يده فسخ المغبون و رجع عليه بالمثل أو القيمة، و إن كان لما في يد المغبون فسخ المغبون و ارجع ماله و لا شي ء عليه إن كان المدفوع مثليّاً لوقوع التهاتر


1- الروضة 3: 467.

ص: 142

قهريّاً، و إن كان قيميّاً أو مثليّاً و قد تعذّر كان مطالباً بالقيمة وقت الفسخ على أحد الوجهين، و حينئذٍ فإن ساوت وقت التلف فلا إشكال، و إن زادت أخذ الزائد، و إن نقصت دفع الزائد. نعم لو قلنا بالفسخ من الأصل لا من حينه لم يكن عليه شي ء مطلقاً.

و إن كان المتلف المغبون لما في يد الغابن و قد فسخ دفع مال الغابن إليه، و بالنسبة إلى الرجوع عليه على نحو ما سبق، هذا مع الجهل بالخيار.

و أمّا مع العلم فإنّه فسخ كما تقدّم، مع احتمال أنّه فسخ مطلقاً.

و قد يقال: إنّ إتلاف المنقول عنه كإتلاف المنقول إليه مسقط لخياره، و هو ضعيف. و إن كان لما في يده فالظاهر جريانه مجرى التصرّف اللازم وفاقاً للمحقّق الثاني، لأنّ الإتلاف أقوى من التصرّف المخرج عن الملك (1) إن لم نقل بالتلازم بينهما فيجري الاحتمالان السابقان من الثلاثة المتقدّمة، و المختار المختار.

و أمّا التلف من السماء و مثله تلف الأجنبيّ، فقد تردّد فيه المحقّق الثاني، من عدم استدراكه، و من عدم التقصير من المشتري فلا يسقط حقّه (2).

و الأقوى عدم السقوط استصحاباً لبقاء الخيار. و ما يتخيّل: أنّه من تغاير الموضوع، لا وجه له، لأنّ الموضوع، العقد و هو لم يتغيّر، و ليس الموضوع المبيع. و دعوى: تشخّص العقد بالمعقود عليه، ممنوعة.

و أمّا بالنظر إلى التصرّف، فإن كان المغبون هو البائع لم يسقط خياره بتصرّف المشتري مطلقاً، فإن فسخ و وجد العين باقية على ملكه لم يتغيّر تغيّراً يوجب زيادة القيمة أخذها، و إن وجدها متغيّرة بصفة محضة كالطحن و القصارة فكذلك، و لا شي ء عليه، خلافاً للشارح فله اجرة عمله جازماً به في الشرح (3) و قوّاه في المسالك (4) للأصل، و لاستناد تضييع عمله إليه و لا مدخليّة فيه للبائع، و لو زادت قيمة العين بها شاركه في الزيادة بنسبة القيمة.


1- جامع المقاصد 4: 297.
2- جامع المقاصد 4: 297.
3- الروضة 3: 468.
4- المسالك 3: 205.

ص: 143

و إن كان صفة من وجه و عيناً من اخرى كالصبغ صار شريكاً بنسبته، كما مرَّ و أولى هنا. و لو كانت الزيادة عيناً محضاً كالغرس أخذ المبيع و تخيّر بين قلع الغرس بالأرش و إبقائه بالاجرة، لأنّه وضع بحقّ، و لو رضي ببقائه لها و اختار المشتري قلعه، فالظاهر أنّه لا أرش عليه و عليه تسوية الحفر حينئذٍ.

و لو كان زرعاً وجب إبقاؤه إلى أوان بلوغه بالاجرة كما في الشرح (1) و يشكل بما سبق: من الأصل، و استناد ضرره إليه، و لا مدخليّة للبائع فيه، و أنّ فسخه بحكم الشارع فلا يستعقب شيئاً. و حديث الضرر (2) غير مسلّم الحجّية إلّا حيث يحصل له الجابر، و الشأن في حصوله في هذا المقام و إن كان هو مذهب الأشهر في باب الشفعة فيتعيّن القلع بغير أرش خصوصاً مع علم الغابن بالغبن و إن لم يعلم المغبون به، لإقدامه على ذلك، فتأمّل.

و إن وجدها ناقصة أخذها مع أرش النقصان، لأنّ مقتضى الخيار ترادّ العوضين على ما كان عليه مع وجودهما و المثل و القيمة مع التلف للكلّ أو البعض، خلافاً للشارح في الشرح فيأخذها مجّاناً كذلك إن شاء (3).

و ترقّى في المسالك إلى صورة ما إذا كان النقص بفعل المشتري قال: و إن كان بفعله فالظاهر أنّه كذلك، لأنّه تصرّف في ملكه تصرّفاً مأذوناً فيه، فلا يتعقّبه ضمان (4) انتهى.

و هو بعيد، و لعلّه يريد بذلك نقص الصفة لا العين، و مع ذلك بالنسبة إلى الصفة الّتي تنقص القيمة و خصوصاً فيما جعل الشارع لها أرشاً كما في العيب لا يتعدّد.

و لو وجدها ممتزجة بغيرها، فإن كان بمساوٍ أو أردأ صار شريكاً، و يتعيّن عليه دفع الأرش بالنسبة إلى الثاني، بل بالنسبة إلى الأوّل أيضاً لعيب الشركة على إشكال، و له إلزامه بالمثل أو القيمة في وجه سيّما في الثاني.


1- الروضة 3: 469.
2- الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 5.
3- الروضة 3: 469.
4- المسالك 3: 205.

ص: 144

و إن كان بأجود، ففي سقوط خياره من العين و الانتقال إلى المثل أو القيمة أو كونه شريكاً بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح و نحوه، أوجه، و الثالث لا يخلو عن قوّة، لبقاء ماله، و أصالة بقاء خياره، كذا في المسالك (1).

و أمّا احتمال سقوط خياره بالمرّة كما ربّما يظهر من الشرح (2) فضعيف جدّاً.

و لو مزجها بغير الجنس بحيث لا يتميّز، فكالمعدومة.

و لو وجدها منتقلة بعقد لازم، فإن كان عقد تمليك قام فيه الاحتمالات السابقة بتمامها، و إن كان وقفاً أو عتقاً قام فيه منها احتمالان و سقط الثالث، كما تقدّم.

إلّا أنّ كلامهم في باب الشفعة فيما لو أخذ الشفيع بها و وجد المشتري قد وقف الأرض مسجداً، قد ينافي ذلك.

و لعلّ مستندهم هناك سبق حقّ الشفعة على الوقف، و هو جارٍ فيما نحن فيه إلّا حيث لا يعلم المغبون بالخيار و قلنا بتوقّف ثبوته على العلم.

و قد عرفت ما هو المختار في الجميع من الانتقال إلى المثل أو القيمة. و كذا لو كان التحرير بتنكيل أو سراية أو إعداد للتحرير و إن كانت باقية على ملكه مع عدم إمكان الردّ كالولادة.

ثمّ إن استمرّ المانع استمرّ السقوط، و لو زال المانع قبل الحكم بالعوض بأن رجعت إلى ملكه أو مات الولد أخذ العين، مع احتمال العدم خصوصاً مع المنافاة للفور، لبطلان حقّه بالخروج، فلا يعود.

و يحتمل الفرق بين انتقالها بالبيع و نحوه و مانع الاستيلاد، فيبطل في الأوّل دون الثاني، لزوال الملك في الأوّل المبطل للرجوع في العين بخلاف الثاني، فإنّ الملك باق و إنّما منع من الردّ مانع و قد زال.

و في المسالك: و هذا الوجه لا يخلو عن قوّة (3).


1- المسالك 3: 206.
2- الروضة 3: 470.
3- المسالك 3: 206.

ص: 145

و لو كان العود بعد الحكم بالعوض سواء قبضه أو لا، ففي رجوعه إلى العين وجهان: من بطلان حقّه من العين، و كون العوض للحيلولة. و يحتمل الفرق بين أخذ العوض و عدمه.

و لو كان الناقل ممّا يمكن إبطاله كالبيع بخيار احتمل إلزامه بالفسخ، فإن امتنع فسخ الحاكم، فإن تعذّر قيل يفسخ المغبون.

و في المهذّب البارع: إنّ له الفسخ مطلقاً (1) و هو بعيد (2). و يحتمل عدمه فينتقل إلى البدل كاللازم.

و إن وجد المانع من الردّ نقل المنافع على وجه اللزوم كالإجارة و التحبيس جاز له الفسخ و انتظار انقضاء المدّة و تصير ملكاً من حينه.

و تظهر الفائدة في ملك ما لا يدخل في تلك المنفعة المنقولة من حمل أو ثمرة أو استخدام و عتق و نحوها.

و يجب عليه الصبر مجّاناً حتّى ينقضي مدّة الإجارة، باعتبار أنّ المنفعة المتجدّدة و إن كانت معدومة سابقاً إلّا أنّ الشارع جعلها بحكم الموجودة، و لهذا صحّ العقد عليها، و قد استوفاها بالإجارة، فتكون كالمنفعة المستوفاة قبل الفسخ.

و يحتمل الفرق بين المدّة الطويلة جدّاً فتقوم مقام التلف للعين و غيرها و لا يجوز له تأخير الفسخ حتّى تنقضي المدّة على القول بأنّه للفور مع احتماله لأنّه تأخير لعذر.

و يجب عليه ردّ العوض عاجلًا من حين الفسخ لانتقال العين إليه من حينه و دخوله على تحمّل الصبر، و يحتمل العدم لعدم انتفاعه التامّ بالفسخ فله الانتفاع بالعوض. و مثله يجري في الشفيع إذا أخذ بها و وجد العين مشغولة بنظائر ذلك.

و لو وجد المنفعة منقولة بالنقل الجائز كالسكنى المطلقة، فله الفسخ.

هذا كلّه إذا لم يكن تصرّف في الثمن تصرّفاً يمنع من ردّه و إلّا جاءت الاحتمالات المتقدّمة في التصرّف اللازم من المغبون. و قد علمت ما هو المختار منها.


1- المهذّب البارع 2: 377.
2- بعض النسخ: غير بعيد.

ص: 146

و إن كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرّف البائع في الثمن مطلقاً، و يجري فيه جميع الكلام السابق في صورة العكس.

و أمّا تصرّفه فيما غبن فيه، فإن لم يكن ناقلًا عن الملك على وجه لازم و لا مانع من الردّ، فله ردّها سواء زادها أو نقصها أو مزجها أو آجرها و في الناقل و المانع ما تقدّم، و مستند ذلك ظاهر الأصحاب، فإن تمّ إجماع فيها و الظاهر تماميّته و إلّا فمقتضى قاعدة التصرّف السقوط.

ثمّ إنّ الشارح قد فرّق بين تصرّف الغابن و المغبون بالنسبة إلى صورة النقص، فحكم في الأوّل مع وجدانها ناقصة بالأخذ مجّاناً، و في الثاني بدفع الأرش، من قبله كان النقص أو من قبل اللّٰه تعالى و كذلك حكم بالنظر إلى الغرس. ففي الأوّل خيّر المغبون بين القلع بالأرش و الابقاء بالاجرة. و في الثاني حكم بالإبقاء من غير أرش إن لم يرض البائع بالاجرة، و كذلك حكم في المقام الأوّل في صورة خلطه بالأردإ بالشركة من دون أرش، بخلاف الثاني فقال فيه و في خلطه بالأردإ الأرش، و بالأجود فإن بذل بنسبته فقد أنصفه، و إلّا فإشكال (1).

و كأنّ الفارق بينهما عنده أنّه في المقام الثاني هو الفاسخ للعقد و الفاعل للفعل فيكون تضرّره قد جاء بسببه و قد أقدم عليه، بخلاف الأوّل. و الظاهر عدم الفرق في الجميع بين المقامين كما تقدّم.

ثمّ إنّ هذا الخيار لا يثبت به أرش إجماعاً محصّلًا و منقولًا عن التذكرة (2) مضافاً إلى أنّ ثبوت الأرش على خلاف القاعدة كما سيأتي، فيفتقر إلى الدليل، و لا دليل عليه في المقام.

و هل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ قولان، و الأصحّ الأوّل كما تقدّم في خيار التأخير.

و لو اشترى عينين بثمنين مع وحدة العقد إيجاباً و قبولًا فظهر الغبن في


1- الروضة 3: 469 و 473.
2- التذكرة 1: 523 س 11.

ص: 147

أحدهما كان له الفسخ فيه في وجه دون الآخر، لتعدّد العقد في الحقيقة و إن اتّحد بحسب الصورة، و ليس للبائع الخيار بسبب التبعيض، و يجوز للمشتري الفسخ فيهما معاً في وجه آخر.

أمّا لو اتّحد الثمن لم يكن له إلّا الفسخ في الجميع سواء اتّحدت العين أم تعدّدت مع اتّحاد البائع و المشتري، أمّا مع تعدّدهما أو تعدّد أحدهما مع تعدّد العين و وحدتها، فكلام يأتي في خيار العيب.

ص: 148

[الثامن: خيار العيب]

اشارة

قال المصنّف قدس سره:

«الثامن: خيار العيب»

لا ريب في أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات أو نباتات أو حيوانات إنّما يكون على نحو ما غلبت (1) عليه حقيقتها من التمام في الذات و عدم النقص في الصفات، أجناساً أو أنواعاً أو أشخاصاً، من غير فرق بين المبيع و غيره.

[وصف الصحّة ليس داخلًا في المبيع]

ثمّ إنّ وصف الصحّة ليس داخلًا في المبيع و إلّا لزم مع ظهور الخلافات البطلان في المعيّن، و مع الإطلاق يجب طلب السالم إن وجد، و إلّا بطل العقد إن حصل اليأس منه، و هو خلاف الاتّفاق نصّاً و فتوى. و لا أنّ المبيع ينصرف إلى الصحيح انصرافاً كانصراف المطلق إلى الفرد الشائع بنفسه أو بواسطة العقد، و إلّا لزم المحذور السابق في بيع الكلّيات.

نعم في المعيّن بناءً على ذلك قد يغلب جانب الإشارة على الوصف، خصوصاً أنّ الوصف غير مصرّح به، بل المراد بالمبيع الأعمّ من الصحيح و المعيب، و هما بالنسبة إلى صدق اللفظ متساويان، و لكن الإقدام ليس إلّا على الصحيح، للأصل المتقدّم باعتبار غلبة الصحيح، و هذه الغلبة إنّما تقضي بندرة الوجود لا بندرة الإطلاق، فالعاقد قد قصد مدلول اللفظ و لكنّه توهّم الصحيح توهّماً، و لا عبرة بالتوهّم مع القصد إلى مدلول اللفظ في الجملة، فتأمّل.


1- في المطبوع: خلقت.

ص: 149

[تعريف العيب]

قال المصنّف قدس سره: «و هو كلّ ما زاد على الخلقة الأصليّة، أو نقص منها عيناً كان كالإصبع، أو صفة كالحمّى و لو يوماً»

العيب في اللغة الوصمة و العار، و الوصم العقدة في العود، و وجه المناسبة بين هذا المعنى و المعنى الّذي ذكره المصنّف ظاهرة. و يظهر من جماعة من أهل اللغة: أنّ هذا المعنى العرفي للعيب من المعاني اللغويّة أيضاً كما في القاموس و الصحاح و المصباح، حيث تركوا تفسيره إحالةً على العرف. و قالوا: عاب المتاع عيباً من باب سار فهو عائب، و عابه صاحبه فهو معيب و معيوب.

و عند المتشرّعة هو ما زاد أو نقص عن أصل الخلقة، كما في الشرائع و النافع و التحرير و الدروس (1) و المتن. أو عن المجرى الطبيعي، كما في القواعد و التذكرة و الإرشاد و التبصرة (2).

و زاد في القواعد و التذكرة و التحرير و جامع الشرائع التقييد بنقص الماليّة (3) و فسّروا أصل الخلقة و المجرى الطبيعي بأكثر النوع الّذي يعتبر فيه ذلك ذاتاً و صفة.

و علّل العدول عن التعبير بالخلقة الأصليّة إلى التعبير بالمجرى الطبيعي و هو ما جرت به العوائد الغالبة لاندراج الامور الّتي ليست مخلوقة أصلًا ككون الضيعة ثقيلة الخراج و منزل الجنود و نحو ذلك.

و علّل التقييد بنقص الماليّة في كلام البعض لئلّا يلزم دخول ما ليس من العيب فيه، كزيادة الشعر الخارج عن العادة في بعض أعضاء الإنسان بحيث يزيد في حسنه كما في الأهداب و الحواجب، أو نقصانه كذلك في شعر العانة و نحو ذلك.

و اورد على التقييد بذلك خروج ما اجمع على كونه من العيوب مع إيجابه زيادة المال كالخصيّ، و كذا عدم شعر الركب الّذي هو مورد الرواية، و المراد به


1- الشرائع 2: 36، النافع: 125، التحرير 1: 182 س 21، الدروس 3: 281.
2- القواعد 2: 72، التذكرة 1: 524 س 22، الإرشاد 1: 376، التبصرة: 91.
3- القواعد 2: 72، التذكرة 1: 524 س 23، الجامع للشرائع: 265.

ص: 150

منبت شعر العانة كما في مجمع البحرين (1).

و اجيب بأنّ المراد ما كان موجباً لنقص المال عند التجّار كما قيّده به في التحرير و جامع الشرائع (2) و لا ريب في نقص قيمة المجبوب و الخصيّ عند التجّار و أصحاب الأشغال، لعجزهما عن أكثر أفعال الفحول من نسل و غيره. و إنّما يرغب إليه بعض أفراد الناس كالحكام و السلاطين لرؤية نسائهم و دخولهما عليهنّ، و هذا نفع ألغى الشارع منفعته، و جعل ذلك النقص و ما ترتّب عليه حراماً، مع أنّ المعتبر النقص المالي أعمّ من أن يكون سبباً في نقص القيمة أم لا.

و ما يقال عرفاً: إنّ في هذا المال نقصاناً بحسب ذاته و لا تنفيه زيادة القيمة من جهة اخرى، فإنّ القيمة ليست جزء من المبيع و لذا يتخيّر المغبون بين الإمضاء مجّاناً و الردّ و الغاصب لا يضمن القيمة السوقيّة إلى غير ذلك بخلاف المال، فإنّ نقصه نقص جزء من المبيع.

و التحقيق الحوالة في العيب إلى العرف، و أنّ تعاريف الأصحاب له من قبيل التعاريف اللفظيّة للكشف عن المعرّف، و من هنا اختلفت عموماً و خصوصاً و تقييداً و عدمه.

و أمّا ما ورد في بعض الروايات في تفسيره، فليس لبيان المعنى الشرعي لا بطريق الحقيقة و لا المجاز كما في قضيّة ابن أبي ليلى مع محمّد بن مسلم حيث روى له: «كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب.» (3) بل لبيان الكشف عن المعنى العرفي أيضاً، لأنّ الموضوعات العرفيّة الخفيّة قد يكشف عنها الشرع كما يكشف عن الموضوعات الشرعيّة.

و لو لا ذلك لأشكل التمسّك بهذه الضابطة، لعدم اطّرادها في أقسام العيوب. و دعوى: استفادته من دلالة الإيماء أو بتنقيح المناط بغير النحو الّذي نقوله، ممنوعة.


1- مجمع البحرين 2: 75.
2- التحرير 1: 182 س 19، الجامع للشرائع: 265.
3- الوسائل 12: 410، ب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.

ص: 151

و عدم انعكاسها أيضاً، مع أنّه قد يظهر منها أنّ المراد خصوص الزيادة و النقص الطارئين على أصل الخلقة و لا قائل به، فتأمّل.

و الحاصل أنّ الزيادة و النقص قد تكون عيباً في الجنس كزيادة عضو في الحيوان أو قد تكون في خصوص النوع كزيادة العورة و عدمها كالممسوح و عدم الشعر على الركب في نوع الإنسان، و قد تكون في خصوص الصنف كزيادة اللحية في الرجل و نقصان شعر الرأس في المرأة.

فالعيب يختلف أشدّ الاختلاف باعتبار الأجناس و الأنواع و الأصناف، فالعمى و العرج و العور و المرض مشترك بين أنواع الحيوان و الحول و الخوص و الثيبوبة إلّا للسودان في وجه و نحوها من خصائص الإنسان و قلّة الأكل و الركض من خصائص الحيوان.

و قد يكون العيب كالعضو الصغير في بدن الكبير و الكبير جدّاً في بدن الصغير، و قد يكون له دخل بالخلقة، و قد لا يكون إلّا بتكلّف ككون العبد سارقاً أو زانياً أو آبقاً أو ممكّناً من نفسه، و نحو ذلك.

ثمّ اعتبار زيادة العين عيباً على الإطلاق، لا وجه له، إذ زيادة القرن أو كثرة شوائخه أو زيادة أليته أو غيرها ليست من المعايب. و نقصان القرن و نحوه كذلك، و زيادة الصفة مستمرّة كالوشم و نحوه، و غير مستمرّة كالخضاب و نحوه كذلك، و زيادة الصفة في الصفة قد تكون عيباً، كما إذا أخرجته عن صفة الحمرة إلى قرب السواد مثلًا أو بالعكس في مقام الضرر، و قد تكون محسّنة، و كذا نقص الصفة فيها، و كذا زيادة العين فيها كالبصم و النقش و نحوهما. ففي الحقيقة لا يمكن الرجوع إلّا إلى العرف، لعدم إمكان الضبط، و الاقتصار على مورد الإجماعات المنقولة على بعض الأفراد مخالف للإجماع. و حينئذٍ كلّما قضى به العرف عيباً حكمنا به، و ما شككنا فيه نرجع فيه إلى القاعدة من عدم ثبوت الخيار و الأرش كما سيأتي، و الظاهر ملازمة الصدق العرفي للعيب لنقصان القيمة، و لهذا أثبت الأصحاب الأرش في كلّ معيب.

ص: 152

[للمشتري الخيار مع الجهل بين الردّ و الأرش]

قال المصنّف قدس سره: «فللمشتري الخيار مع الجهل بين الردّ و الأرش»

ليس مستند ثبوت هذا الخيار دخوله تحت خيار الاشتراط باعتبار أنّ الصحّة اخذت شرطاً ضمنيّاً و ذلك لأنّ الشرط الضمني المعتبر هو المراد من اللفظ على جهة الشرطيّة المدلول عليه بالقرينة الحاليّة أو المقاليّة، و ليس هذا كذلك، و لا أقلّ من الشكّ، و الأصل عدم الاشتراط، مع أنّ الشرط الضمني محلّ خلاف و هذا الخيار محلّ وفاق، على أنّه بناءً على ذلك يكون له الردّ فقط لا التخيير بينه و بين الأرش، و كون اشتراط الصحّة مع التصريح لا يفيد إلّا مجرّد التأكيد لا يقضى بذلك. و ربّما قيل: إنّ فائدة اشتراط الصحّة جواز الفسخ و إن تصرّف لو ظهر عيب فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق.

و لا مستنده دخوله تحت باب التبعيض فيكون الأرش على وفق القاعدة باعتبار أنّ الأصل في نقص كلّ صفة استحقاق الأرش، و ليس المراد بذلك وصف الصحّة فقد تقدّم فساده بل صفة المبيع لأنّها كجزء من المبيع مثلًا و قد ظهر عدمه فيقسّط الثمن تقسيط تبعيض الصفقة، و ذلك فإنّ المقابل إنّما هو العين و هذه إضافة خارجة عن العوضين. نعم في العيب المنقّص للعين قد يتأتّى فيه ذلك، و لكنّ الظاهر عدم اجتماع الخيارين العيب و التبعيض، لأنّ الأوّل مبنيّ على حصول تمام المبيع و نقص بعض الأجزاء لا يقدح فيه ممّا ليس بإزائه شيئاً (1) من الثمن، و الثاني على عدمه.

و احتمال التفكيك و أنّ ثبوت أصل الخيار للشرط أو الوصف و ثبوت الأرش للدليل، لا وجه له أيضاً.

و لا مستنده حديث الضرر و الضرار، فإنّ حديث الضرر بمجرّده لا يفيد شيئاً بل هو من المجملات، مع أنّه هو سبب الضرر على نفسه بإقدامه و كان عليه الفحص و التفتيش، على أنّ الضرر يندفع بالردّ فقط.

بل هو خيار مستقلّ و مستنده الدليل الخاصّ من الإجماع المحصّل على


1- كذا، و الصواب: شي ء.

ص: 153

الظاهر و المنقول عن الخلاف و الغنية و الرياض، و ظاهر التذكرة و الكفاية و مجمع البرهان (1) و أخبار الفرقة المرسلة في الخلاف (2) و عدم العثور عليها لا ينافي ذلك.

و ما في الفقه الرضوي من قوله: إن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّ و إن شاء أخذه و ردّ عليه بالقيمة أرش العيب (3).

و قال بعض المتأخّرين: إنّ أو زيادة مكان الواو (4).

و العمدة في الدليل الإجماع و يجعل دليل الضرر مؤيّداً، فإنّ رواية الفقه عندنا لم يثبت كونها من الروايات حتّى تجبر بالجوابر، كما تقرّر في محلّه.

و قد استدلّ في التذكرة على المسألة، بما رواه الجمهور من أنّ رجلًا اشترى غلاماً في زمان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و كان عنده ما شاء اللّٰه ثمّ ردّه من عيب وجده به، و بقول أحدهما عليهما السلام في مرسل جميل: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيباً قال: إن كان قائماً ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب (5).

و في افادتهما المطلوب نظر، أمّا النبويّ فخالٍ عن الأرش بالكلّية، مع أنّ الظاهر منه جواز الردّ بعد التصرّف في الجملة، إذ يبعد أن يكون عند العرب ما شاء الهّٰل و لا يستخدمونه بشي ء أصلًا مع أنّا قد نقصره. و أمّا رواية جميل فقد دلّت على جواز الردّ ما دام باقياً و إن تصرّف فيه إلّا أن يكون ثوباً و قد تصرّف فيه أحد التصرّفات المذكورة فإنّه يرجع بالأرش، و ذلك لا يتمّ على ما قرّروه في مسائل الباب.

و الحاصل أنّ روايات الباب جميعها خالية عن ذكر الأرش بالنحو الّذي ذكره الأصحاب، و إنّما ذكر فيها الردّ فقط أو الأرش بعد التصرّف المانع من الردّ فقط أو


1- لم نجد في الخلاف التصريح بالإجماع في أصل المسألة، نعم نقله في بعض فروعاته، راجع ج 3 ص 109 المسألة 178، الغنية: 221، الرياض 8: 258، التذكرة 1: 524 س 26 31، الكفاية: 93 س 28، مجمع الفائدة 8: 424.
2- راجع ج 3 ص 109 المسألة 178.
3- فقه الرضا: 253.
4- الحدائق 19: 64.
5- التذكرة 1: 524 س 20.

ص: 154

هما، و ليس في شي ء منهما ما يدلّ على ثبوت الأرش قبل التصرّف لا مستقلًّا و لا مع الردّ. فليس المستند إلّا الإجماع محصّله و منقوله، كما عرفت.

فإن قلت: يلزم على ذلك الجمود على مورد الإجماع من خصوص البيع و خصوص المشتري و لا تقولون به.

قلنا: أمّا بالنسبة إلى الثمن فالظاهر انعقاد الإجماع عليه كالمثمن مع تساويهما في أغلب الأحكام، مع أنّ المناط منقّح لاتّحاد الطريق، و أمّا بالنسبة إلى العقود الاخر فلا يبعد دعوى الإجماع في ذلك أيضاً و تنقيح المناط و لكنّه لا يخلو من إشكال.

ثمّ إنّ اعتبار الأرش فيما لو كان العيب منقّصاً للقيمة لا إشكال فيه. أمّا لو كان قيمة المعيب مساوية لقيمة السالم أو أزيد كما في المجبوب و الخصيّ فمحلّ كلام.

قال في جامع المقاصد: و في أخذ الأرش بهما إشكال منشؤه عدم الاطّلاع على قدر نقص القيمة (1).

و استشكله أيضاً في التذكرة و حواشي المصنّف باعتبار عدم تحقّق النقص في الماليّة (2).

و احتمل في الدروس و المسالك سقوط الأرش و بقاء الردّ قال: و يشكل مع حصول مانع من الردّ كحدوث عيب أو تصرّف، فإنّ الصبر على العيب ضرر و الردّ إضرار (3).

و قال في مجمع البرهان: ينبغي التأمّل في الدليل الموجب للردّ و الأرش فإن كان بحيث يشمل العيب الّذي تزيد به القيمة لزم ذلك، و إلّا فما ذكر من سقوط الأرش جيّد، ثمّ تنظّر في دليل جواز الردّ كذلك، فإن شمله و إلّا فلا، فحينئذٍ بالحقيقة ليس بعيب (4) انتهى.


1- جامع المقاصد 4: 324.
2- التذكرة 1: 528 س 23، و لم نعثر عليه في الحاشية المنسوبة إلى المصنّف.
3- الدروس 3: 288، المسالك 2: 284.
4- مجمع الفائدة 8: 428.

ص: 155

و التحقيق أنّ الخصاء و الجبّ يوجبان نقصاً غالباً كما تقدّم، و طريق معرفة أرشه قطع النظر عن زيادة القيمة فيفرض عبداً مسلوب المنفعة المترتّبة على تلك النقيصة من القابليّة للنسل و القدرة على ما تقدر عليه الفحول من الأعمال الاخر فيقوّم كذلك و يقوّم صحيحاً و يؤخذ بالنسبة.

فإن قلت: يلزم الظلم على البائع، لتضرّره.

قلنا: إن كان عالماً فهو أقدم على الضرر بنفسه فلا اعتبار لضرره، و إن كان جاهلًا فقد يقال بثبوت الخيار له فلا ضرر عليه، مع أنّ زيادة القيمة في المقام قد ترتّبت على منفعة ألغاها الشارع و حرّمها و حرّم الفعل الّذي نشأت منه فلا حكم لها، على أنّ ضرر البائع معارض بضرر المشتري حيث لا يمكنه الردّ لحدوث عيب و تصرّف، و يشهد لما ذكرنا حكم الأصحاب في باب الغصب بأنّه لو خصى الغاصب العبد كان عليه كمال قيمته و ردّه.

[في معنى الأرش]

قال المصنّف: «و هو مثل نسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن»

اعلم أنّ الأرش يطلق على معان:

منها: نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدّر الشرعي.

و منها: ثمن التالف المقدّر شرعاً بالجناية كقطع يد العبد.

و منها: أكثر الأمرين من المقدّر الشرعي. و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب. و المراد به في هذا المقام اصطلاحاً منهم جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح، بأن يقوّم المعيب صحيحاً و معيباً و يؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة لا تفاوت ما بين المعيب و الصحيح، لأنّ الأرش على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقّن، و لأنّ المدار في النقصان على ما أقدم عليه من القيمة لا على ما لم يقدم عليه، و لأنّه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه فيلزم أخذه العوض و المعوّض و قد نهى عنه النبيّ صلى الله عليه و آله بقوله: لا تجمع بين العوض و المعوّض لواحدٍ (1).


1- نقله في مفتاح الكرامة ج 4 ص 631 س 28، و لم نظفر بمأخذه بعد التتبّع في أحاديث الخاصّة و العامّة.

ص: 156

و قال ابن إدريس: هذا ممّا يغلط به بعض الفقهاء فيوجبون الأرش بين القيمتين (1) و كأنّه عنى المفيد في المقنعة حيث قال: يقوّم الشي ء صحيحاً و يقوّم معيباً و يرجع على البائع بقدر ما بين الثمنين (2).

و نحوه ما في النهاية و ما حكي عن والد الصدوق 2 و هم قد تبعوا في ذلك ظواهر النصّ، كصحيحة محمّد بن مسلم و غيرها (3) و النصّ و كلامهم منزّل على الغالب من شراء الشي ء بقيمته، كتخصيصهم الأرش بالمشتري، مع أنّه قد يكون للبائع كأن يفسخ بخياره بعد تعيّبه في يد المشتري عيباً مضموناً، فإنّ البائع حينئذٍ لا يأخذ من الثمن بل يأخذ تفاوت ما بين القيمتين و إلّا فكيف يخفى مثل ذلك على هؤلاء المشايخ العظام.

و قد يحمل كلامهم على نحو من الحذف و التقدير اتّكالًا على وضوح المراد.

ثمّ إنّ تقويمه في الحالين ليس المدار فيه على القيمة حال العقد، و لا على أقلّ الأمرين من حال العقد و حال التملّك، بل المدار على حال التملّك، و يختلف الحال في مثل السلم و الصرف ممّا شرط الملك فيه القبض و الإجازة في الفضولي بناءً على النقل و ذلك فإنّ وقت استحقاق الأرش وقت الدخول في الملك، و كلّ من قال بأنّ المدار على وقت العقد أراد ذلك جرياً على الغالب كالمصنّف في الحواشي و الشارح في المسالك و المحقّق الثاني و المقدّس الأردبيلي (4) و غيرهم.

و قيل: إنّ المدار على حين القبض، و المراد به غير ما هو شرط في الملك، و هو خيرة الشيخ على ما نقله عنه في التحرير (5)، لأنّه يوم دخول المبيع في ضمانه و حين استقرار الملك إذ المبيع (6) في معرض الانفساخ لو حصل التلف.

و فيه: أنّه لا دخل لذلك في اعتبار القيمة حينئذٍ.


1- السرائر 2: 296.
2- المقنعة: 597.
3- الوسائل 12: 413 ب 4 من أبواب أحكام العيوب.
4- المسالك 3: 300، جامع المقاصد 4: 335، مجمع الفائدة 8: 426.
5- التحرير 1: 183 س 7.
6- كذا: و الظاهر البيع.

ص: 157

و احتمل في القواعد و يلوح من الإيضاح الميل إليه اعتبار أقلّ الثمنين منهما (1) لأنّ القيمة إن كانت يوم الملك أقلّ فالزيادة حدثت في ملك المشتري، و لأنّ يوم الملك يوم الاستحقاق، و إن كان يوم القبض أقلّ فالنقص من ضمان البائع، لأنّه وقت الاستقرار. و ضعفه ظاهر.

و اعتبار حال التقويم أو التسليم أو المطالبة أو الأعلى على اختلاف وجوهه، لا وجه له.

ثمّ إنّ الأرش حيث يثبت إن كان الثمن في ذمّة المشتري بعُد برئ عن قدر الأرش عن طلبه، و إن كان قد سلّمه و هو باق في يد البائع، فالأقرب أنّه لا يتعيّن حقّ المشتري فيه، لأنّه غرامة.

و الظاهر أنّ الأرش غير داخل في المبيع و الثمن، إذ لا يعدّ عرفاً كذلك، فمن نذر بيع شي ء مثلًا لم يفِ بإعطاء الأرش و لو دخل لزمت الجهالة، لا سيّما أرش، الأرش و هكذا.

و من هنا لا يجري عليه حكم الصرف من اشتراط القبض في المجلس.

نعم يثبت فيه الربا باعتبار أنّ الربا تعمّ على الظاهر كلّما استند إلى البيع و لو على طريق التسبيب.

[لو تعدّدت القيم]

قال المصنّف قدس سره: «و لو تعدّدت القيم اخذت قيمة واحدة متساوية النسبة إلى الجميع فمن القيمتين نصفهما و من الخمس خمسها»

التعدّد إمّا أن يكون بالتوارد على شخص واحد أو على أشخاصٍ متماثلة و هو أحدها أو خارج عنها و اكتفى بها عنه، أو كان سبب الاختلاف الاختلاف في الحقيقة كالاختلاف في أنّ هذا السيف خراسانيّ أو هنديّ و الفرس نجيب أو برذون و هكذا.

ثمّ الاختلاف إمّا أن يكون مستنداً إلى ما مرَّ، أو إلى زمان أو مكان، أو خصوص بائع أو مشتري، من جالب و غيره، و تاجر و غيره، و هكذا أو واسطة، و الظاهر ملاحظة الجميع.


1- القواعد 2: 74 75، إيضاح الفوائد 1: 494.

ص: 158

ثمّ إنّ باب التقويم مرّة يكون بالإخبار عن القيمة السوقيّة الموجودة في الخارج و هو من باب الشهادة، فلا بدّ فيه من العدالة و التعدّد و لا يكتفى فيه بخبر العدل الواحد. و مرّة يكون الإخبار بطريق الحدس و الاجتهاد، و هو المراد في المقام.

و هل هذا من باب الشهادة كالأوّل؟ فيعتبر فيه التعديل و التعدّد و نحوها، و يلزم مثله إذن في الوزّان و صاحب الميزان و صاحب العيار إلى غير ذلك، فيؤخذ بالعدل. ثمّ مع التعارض بالأعدل ثمّ الأكثر، و في تقديم الأعدل أو الأكثر كلام، و في جريان ما زاد على ذلك من المرجّحات في الأحكام الشرعيّة التعبّديّة كالأعرفيّة و الأضبطيّة و نحوها في ذلك بحث.

أو أنّه ليس من باب الشهادة لاستنادها إلى العلم دونه بل هو من قبيل الرجوع إلى الطبيب في المرض و نحو ذلك، و أنّه مع انسداد باب العلم في الموضوعات كالأحكام ينفتح باب الظنّ، فيكتفى فيه بالواحد المأمون مع كونه من أهل الخبرة.

و الأجود الأوّل اقتصاراً فيما خالف الأصل من ثبوت الأرش و مقداره على المتيقّن، مع انطباق تعريف الشهادة عليه، فيشترط في المقوّم ما يشترط في الشاهد من العدالة و المعرفة و التعدّد و الذكورة و ارتفاع التهمة كما نصّ عليه المصنّف في الدروس و المحقّق الثاني (1).

و مع اختلاف المقوّمين تلتمس المرجّحات السابقة. و مع التعادل من كلّ وجه يقوم فيه وجوه:

أحدها: الأخذ بالأدنى، لأنّه المتّفق عليه و ما عداه يبطل بعضه بعضاً فيتساقط، مع أنّ الأصل براءة ذمّة من استحقّ عليه من الزائد، و ربما كان عليه بناء الأصحاب في النذر و العهد و الغرامة في الغصب و اختلاف المقوّمين في الجرح، و غير ذلك من المقامات.

و فيه: أنّ الأقلّ اخذ فيه بشرط لا و البواقي بشرط شي ء فلم يحصل الاتّفاق،


1- الدروس 3: 288، جامع المقاصد 4: 336.

ص: 159

بل جميع القيم الباقية تنفي الأقلّ، فلا يصلح لمعارضتها فضلًا عن أن يتقدّم عليها.

ثانيها: الأخذ بالأكثر، نظراً إلى أصالة بقاء شغل الذمّة بالأرش حتّى يحصل اليقين، و في إعطاء الأكثر حصول ذلك.

و فيه: أنّه من التكليف المجمل لا التكليف بالمجمل، و الأصل براءة الذمّة ممّا زاد على الأقلّ لأنّه المتيقّن، مع أنّ هذا من جانب من استحقّ عليه، و أمّا من استحقّه فالأصل عدم استحقاقه الزائد و المتيقّن في حقّه هو الأقلّ.

ثالثها: الأخذ بالأوسط حيث يكون أوسط، لأنّه ليس بعيداً عن أحدهما فكأنّه عمل بكلّ منهما في الجملة، بخلاف كلّ من الطرفين، حيث إنّه بعيد عن صاحبه.

و فيه: أنّها جهة استحسانيّة لا تصلح لإثبات الحكم الشرعي، مع أنّ كلّاً من الطرفين ينفي ذلك.

و رابعها: التخيير لآخذ الأرش أو دافعه، كما في الدليلين المتعارضين.

و فيه على أنّ التخيير حكم شرعي مفتقر إلى الدليل، و قد دلّ عليه الدليل هناك دون ما نحن فيه لزوم معارضة حقّ الغير بالنسبة إلى ما نحن فيه في الأوّل، بخلاف الدليلين.

خامسها: القرعة، فإنّها لكلّ أمر مشكل.

و فيه: أنّها إنّما تجري في المعلوم واقعاً المشتبه ظاهراً، و هاهنا الاشتباه في المقامين، لاحتمال أن تكون القيمة الواقعيّة غير الجميع، و أيضاً قد لا تستقرّ للشي ء قيمة في نفس الأمر، فتكون قيم المقوّمين هي القيمة الواقعيّة، مع أنّ موردها عدم الطريق، و سيأتي الطريق الرافع للإشكال.

و سادسها: الصلح مع الإجبار و هو منوط بنظر الحاكم.

و فيه: أنّ ذلك له مقامات خاصّة و ليس هذا المقام منها مع أنّ مورده أيضاً تعذّر طريق التخلّص إلّا به، و سيأتي طريق التخلّص.

سابعها: سقوط الأرش و التخيير بين الردّ و الرضا بالمعيب. و هو أضعف

ص: 160

الاحتمالات، لمنافاته لاستصحاب بقائه بل الإجماع على خلافه، و تعدّد القيم يؤكّد بقاءه لا تنفيه.

ثامنها: التوزيع على النسبة و هو الّذي ذكره المصنّف و غيره.

و فيه: أنّه خرق لإجماع المقوّمين، و طرح للتقويمات بأسرها و أخذ بغير الحجّة.

و الجواب إمّا بادّعاء أنّ القيمة المنتزعة من مجموع القيم هي قيمة الشي ء بحسب العرف و العادة فيقال عرفاً: إنّ هذا الشي ء له قيمة و أنّ هذه قيمته أو حكم تعبّدي للإجماع فإنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على ذلك، أو باعتبار الرواية الدالّة على ذلك الّتي ذكرها الأصحاب في كتاب الحجّ في باب الهدي و أفتوا بها، أو باعتبار أنّه لمّا لم يكن لأحد القيم ترجيح كما علمت من فساد رجحان الأقلّ و الأكثر و الأوسط و طرح الجميع لا وجه له فليس إلّا الأخذ بالنسبة و الأخذ بالنسبة أخذ بالجميع، كاليد لشخصين على مال فإنّه يحكم بينهما بالمناصفة و هكذا.

و الظاهر أنّ هذه القيمة المنتزعة ليست خاصّة بباب العيب بل عامّة لكلّ مقام تختلف فيه القيم.

نعم لو قلنا: إنّ المستند الإجماع فقط أمكن التخصيص.

ثمّ إنّ هذه الوجوه بتمامها عدا الأخير تجري بالنسبة إلى المسألة السابقة فيما إذا تعارضت البيّنات بالنظر إلى القيمة السوقيّة الموجودة في الخارج و أمّا الوجه الأخير فتمشيته بالنسبة إلى ذلك و الحكم به في غاية الإشكال، و الأصحاب لا يظهر منهم ذلك أيضاً لأنّ كلامهم في المسألة الثانية، و لعلّ الأقوى بالنسبة إلى ذلك، الأخذ بالأقلّ، وقوفاً عند الأصل.

ثمّ إنّه لا فرق في هذه القيمة المنتزعة بين اختلاف المقوّمين في القيمة الصحيحة و المعيبة معاً أو في إحداهما، و لكن لا بدّ في الثاني إمّا من تضعيف المتّحدة، أو تنصيف المتعدّدة إن كانت اثنتين و نسبة النصف إلى المتحدة، و تثليثها إن كانت ثلاث و نسبة الثلث، و هكذا.

ص: 161

و لا فرق في الأوّل بين أن تجمع القيم الصحيحة على حدة و المعيبة كذلك و تنسب إحداهما إلى الاخرى و تأخذ بتلك النسبة أو تجمع القيم الصحيحة جملة و تأخذ نصفها و ثلثها و هكذا و تجمع المعيبة كذلك و تأخذ منها كذلك ثمّ تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الاخرى و تأخذ من الثمن بتلك النسبة، فإنّ مآلهما واحد، لأنّ النسبة بين المجموعين هي النسبة بين أجزائهما مع اتّحاد الأجزاء بالاسم كالنصف مثلًا، إذ النسبة بين العشرين و الخمسة عشر كالنسبة بين العشرة و السبعة و النصف، و النسبة بين الستّة و الثمانية مثلًا كالنسبة بين نصفيهما.

و عبارة المصنّف كما تحتمل هذا الأخير تحتمل ما نسب إليه، و اختاره صاحب إيضاح النافع: من نسبة معيب كلّ قيمة إلى صحيحها و تجمع قدر النسبة و تؤخذ من المجتمع بنسبة القيم، كنصفه لو كانتا اثنتين، و ثلثه لو كانتا ثلاثة و هكذا، و في الأكثر يتّحد الطريقان، و قد يختلفان في يسير كما نبّه عليه الشارح (1).

و الطريق الأوّل هو المناسب للنصّ الدالّ على الأرش دون الثاني، مع أنّه في مقام يتحقّق به الزيادة مخالف لأصل براءة الذمّة المأخوذ منه الأرش، و أيضاً الأوّل أوفق بالقيمة المنتزعة باعتبار ظهور استواء النسبة فيه دون الثاني، مع أنّه يرد على الثاني: أنّ الجزء المأخوذ من عدد آخر ليس هو ذلك الجزء المأخوذ من هذا العدد، بل شي ء آخر.

ففي مثال القيمتين إذا قالت إحدى البينتين: إنّ قيمته اثنا عشر صحيحاً و عشرة معيباً، و قالت الاخرى: ثمانية صحيحاً و خمسة معيباً و كان ثمنه اثنى عشر موافقاً للقيمة الاولى، يكون التفاوت بين المعيب و الصحيح السدس، و هو اثنان في الاولى و في الثانية ثلاثة أثمان الثمانية، و هو (2) ثلاثة، و ثلاثة أثمان الثمانية ليست ثلاثة أثمان الثمن، و هو اثنا عشر، بل يكون ربعه، و هو منشأ الاختلاف.


1- راجع الروضة 3: 480، 495.
2- العبارة من هنا إلى آخر الفقرة مبهمة، و الأولى في العبارة ما أفاده الشارح قدس سره في الروضة، و إليك نصّه: و على الثاني يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين على قول الاولى و هو السدس و على قول الثانية ثالثة أثمان و مجموع ذلك من الاثني عشر ستّة و نصف يؤخذ نصفها ثلاثة و ربع، فظهر التفاوت. راجع الروضة 3: 486.

ص: 162

و فيه: أنّ تشخّص الجزء المأخوذ لا يؤخذ من الثمن في المقامين، و الكلّي لا يختلف الحال فيه في المقامين.

[يسقط الردّ بالتصرّف أو حدوث عيب بعد القبض]

اشارة

قال المصنّف قدس سره: «و يسقط الردّ بالتصرّف أو حدوث عيب بعد القبض و يبقى الأرش»

[الصور المتصوّرة في المقام أربعة]
اشارة

لا ريب أنّ الصور المتصوّرة في المقام أربعة:

ثبوت الردّ و الأرش، و سقوط الردّ دون الأرش و بالعكس و سقوطهما.

[أمّا الصورة الاولى: ثبوت الردّ و الأرش]

أمّا الصورة الاولى: فظاهرة و قد تقدّم الكلام فيها.

[الصورة الثانية: يسقط الردّ دون الأرش بامور]
اشارة

و أمّا الصورة الثانية: فهي محلّ البحث، فنقول:

يسقط الردّ دون الأرش بامور:

[الأوّل التصرّف]

الأوّل التصرّف، فيسقط الردّ به، سواء وقع قبل العلم بالعيب أو بعده، و سواء جعلنا القاعدة السقوط بالتصرّف أو لا، و سواء قلنا: إنّ السقوط به لكونه أمارة الرضا فيختصّ بالعالم أو لا، للدليل الخاصّ في المقام القاضي بالعموم من الإجماع المنقول عن الغنية و المختلف و التذكرة و شرح الإرشاد لفخر الإسلام (1) و للصحاح المستفيضة (2) و ما ورد في بعض الروايات من إطلاق الردّ بالعيب مقيّد بذلك.

و ما في الكفاية من أنّ الأخبار مختصّة بالجارية (3) في غير محلّه، فإنّ مرسل جميل و خبر زرارة (4) صريحان في الإطلاق، و الأخبار المزبورة كما أسقطت الردّ بالتصرّف مطلقاً أثبتت الأرش كذلك، و نقل عليه الإجماع في الغنية و شرح الإرشاد (5) و أيضاً (6) الشهرة محصّلة فضلًا عن أن تكون منقولة عن العلّامة في المختلف و المحقّق الثاني (7) و غيرهما.


1- الغنية: 222، المختلف 5: 183، التذكرة 1: 525 س 42، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
2- الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار.
3- الكفاية: 93 س 32.
4- الوسائل 12: 362- 363، ب 16 من أبواب الخيار، ح 2 و 3.
5- الغنية: 222، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
6- الكلمة في الأصل اختصاريّة و لعلّها: الإيضاح.
7- المختلف 5: 183، جامع المقاصد 4: 332.

ص: 163

و في المبسوط: إنّ التصرّف قبل العلم لا يسقط به الخيار (1) و في المقنعة و النهاية: إنّ الهبة و التدبير لا يمنعان من الردّ، لأنّ له الرجوع فيهما بخلاف العتق (2) و المراد بذلك على الظاهر صورة عدم العلم.

و لعلّ مستند الشيخين أنّ السقوط بالتصرّف إنّما هو لكونه أمارة الرضا، و لا دلالة فيه مع الجهل، مضافاً إلى الأصل، و خبر زرارة في الباب حيث جعل فيه العلم قبل الحدث شرطاً لمضيّ البيع عليه.

و تردّه الإجماعات المنقولة، و إطلاق الروايات، و الظاهر من خبر زرارة أنّ المراد: أنّه لو أحدث فيه شيئاً ثمّ علم به لم يكن له الخيار، لا أنّ الحدث إذا كان بعد العلم ينفي الخيار، فيستدلّ بمفهومه على أنّ الحدث قبله لا ينفيه.

و عن ابن حمزة في الوسيلة: إنّ التصرّف مانع من الأرش أيضاً إذا كان بعد العلم بالعيب (3) تمسّكاً بدلالته على الرضا بالعيب. و الأصل و إطلاق الإجماعات و الروايات (4) حجّة عليه.

ثمّ إنّ إطلاق النصوص و الفتاوى و معقد الإجماعات يشمل سائر التصرّفات من ناقل و غيره، مغيّر للعين أو غير مغيّر، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أو لا، مع العمد و عدمه، مع الجهل بالحكم و عدمه، مع الاختيار أو الإجبار، إلى غير ذلك من الصور الّتي مرَّ ذكرها في باب التصرّف من خيار الحيوان، و لا يتمشّى هذا الحكم إلى الانتفاع إذا لم يصدق عليه اسم التصرّف على إشكال.

و لا يستثنى من سقوط الردّ بالتصرّف في المقام إلّا أمران:

أحدهما: المصرّاة حيث تكون التصرية عيباً كما إذا كان نقص اللبن متجاوز الحدّ بحيث يكون مخالفاً للعادة العامّة، و إلّا فهو مستثنى من سقوط خيار الوصف بالتصرّف في بعض الصور، و سيجي ء البحث فيها.


1- لم نظفر به صريحاً فلعلّه استفاده من مطاوي كلماته، راجع المبسوط 2: 138 139.
2- المقنعة: 597 598، النهاية 2: 159.
3- الوسيلة: 257.
4- راجع الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيار.

ص: 164

و الثاني: ما إذا اشترى أمة و وطئها ثمّ ظهر أنّها كانت حاملًا، فإنّه له الردّ. و من المعلوم أنّ الوطء تصرّف، و الحمل عيب، لأنّه زيادة معرضة للتلف و مانعة من بعض الانتفاعات في الجملة.

نعم بناءً على ما يظهر من الشيخ في النهاية (1) و صرّح به ابن الجنيد و العلّامة في المختلف (2) حيث اعتبروا كون الحمل من البائع، تكون المسألة على وفق القاعدة، فإنّها حينئذٍ تكون امّ ولد و يكون البيع باطلًا من أصله، و لكنّه مخالف لإطلاق فتوى الأكثر و إطلاق الإجماعات المنقولة و النصوص الصريحة في ذلك (3).

[الثاني: حدوث العيب]

الثاني: حدوث العيب، و هو لا يخلو إمّا أن يكون بين العقد و القبض أو بعد القبض.

و الأوّل لا يسقط به الردّ بالعيب السابق على العقد قولًا واحداً إلّا أن يكون مضموناً على المشتري، بل هو سبب ثانٍ للردّ كما يقضي به إطلاق الإجماعات المنقولة على أنّ للمشتري الردّ بالعيب الحادث قبل القبض.

نعم خلاف في استحقاق الأرش به و عدمه. و لعلّ الأقوى العدم، لما عرفت سابقاً من أنّ الأرش على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقّن، و هو العيب السابق للعقد.

و دعوى: تنقيح المناط بينهما للاشتراك في المضمونيّة، لا وجه له، لفقد المنقّح، و العلّة ليست منصوصة فلا اعتبار بها، و دليل الانفساخ بتلف المبيع قبل القبض لا يسري إلى الصفات، لعدم دخولها فيه، و الضرر العامّ مندفع بالخيار، و الخاصّ لا اعتبار به. فلا يتوجّه ما قيل: من أنّ إلزامه بأحد هذين إمّا الفسخ أو الالتزام بجميع الثمن فيه ضرر، إذ الحاجة قد مسّت إلى المعاوضة و إلّا لم توجد. هذا، مع أنّ الشيخ في الخلاف قد نفى فيه الخلاف (4).

و أمّا الثاني، و هو الواقع بعد القبض، فظاهر الأصحاب الإجماع على سقوط


1- النهاية 2: 157.
2- المختلف 5: 178 179.
3- راجع الوسائل 12: 415، ب 5 من أبواب أحكام العيوب.
4- الخلاف 3: 109 المسألة 178.

ص: 165

الردّ به للعيب السابق و بقاء الأرش، عدا ما يظهر من المقنعة حيث قال: فإن لم يعلم بالعيب حتّى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدّم دون الحادث إن اختار ذلك، و إن اختار الردّ كان له ذلك ما لم يحدث فيه حدثاً، انتهى (1).

و قد نقل الإجماع على ذلك في الغنية و السرائر و شرح الإرشاد للفخر (2).

و في المبسوط نقل الإجماع على سقوط الردّ به و نفى الخلاف عن أنّه له الأرش إن امتنع البائع من قبوله معيباً (3).

و في الخلاف الإجماع و الأخبار على أنّه ليس له ردّه إلّا أن يرضى البائع بأن يقبله ناقصاً فيكون له ردّه، و أنّه يكون له الأرش إن امتنع البائع من قبوله معيباً (4) انتهى.

و ظاهره أنّه لو قبل البائع الردّ لم يكن للمشتري الأرش بالعيب الأوّل، كما نقله عنه في التحرير و الدروس (5).

و لا ريب أنّ الأرش قد ثبت فيستصحب بقاؤه و رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرش أو غير مجبور أقصى ما فيه أنّه يسوغ له الردّ، و بدونه لا يجبر البائع على الردّ و أخذ الأرش للعيب الحادث، و لا يتخيّر المشتري بينه و بين المطالبة بالأرش السابق، و إلّا فلا يمنع من وجود الأرش.

ثمّ إنّ العيب الواقع بعد القبض قد يكون من البائع أو المشتري أو أجنبيّ أو السماء أو المركّب من الاثنين أو الثلاث و على كلّ حال فالضمان إمّا على البائع أو المشتري.

و الضابط: أنّ العيب إن حدث في يد المضمون عليه فلا ردّ له على البري ء، بل يتعيّن الأرش، و إن كان الضمان على غيره تخيّر بين الردّ و الأرش، و في أرش


1- المقنعة: 597.
2- الغنية: 222، السرائر 2: 298، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
3- المبسوط 2: 132.
4- الخلاف 3: 114 مسألة 192.
5- التحرير 1: 184 س 6، الدروس 3: 284.

ص: 166

العيب الثاني الوجهان، لأنّه بمنزلة الحادث قبل العقد أو قبل القبض، لأنّ القبض الّذي لا يستعقب ضماناً كلا قبض، و فيما إذا تعيّب البعض يبطل ردّ الجميع، لإيجابه التبعيض على البائع، و هو عيب لا يجب عليه ارتكابه.

و إذا كان العارض تبعيض صفقة فكذلك، كأن يشتري شيئين فيتلف أحدهما ثمّ يظهر فيهما أو في أحدهما عيب سابق على العقد، فإنّه يتعيّن عليه الأرش، لأنّ ضرر البائع بالتبعيض لا مقابل له و ضرره مجبور بالأرش.

و ما يقال: أنّ مقتضى ما تقدّم في خيار الغبن من أنّ الأقوى أنّه يفسخ صاحب الخيار العقد و يدفع المثل أو القيمة مع التلف للكلّ و البعض، و مع العيب كذلك أيضاً إمّا مع دفع الأرش أو لا معه على الوجهين، فلِمَ لا تقولون به في هذا المقام.

قلنا: الفرق بين هذا المقام و غيره أنّ الشارع جعل طريقاً آخر لرفع الضرر عن المشتري في هذا المقام، و هو أخذ الأرش دون غيره من المقامات، فإنّ نقص القيمة في الغبن لا أرش له، فلو لم يشرع له الردّ لقبله مجّاناً و هو عين الضرر، و ضرر البائع هناك ينجبر بالمثل أو القيمة.

مع أنّ الدليل دالّ في المقام بخصوصه على منع العيب من الردّ، و التلف أقوى من العيب، فيدلّ عليه بالطريق الأولى.

و من هنا نقول بالنظر إلى الخيار بفوات الوصف إذا لم يكن عيباً بجواز الردّ و إن تجدّد العيب عند المشتري.

نعم بالنظر إلى ما إذا كان الطارئ فوات وصف لا يتحقّق معه اسم العيب و كان السابق عيباً يقوم الإشكال، باعتبار اندفاع ضرر العيب بالأرش و لزوم الضرر على البائع بالردّ، و باعتبار أنّ منع الردّ بالعيب الحادث على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقّن من العيب و ما كان أقوى منه و هو التلف، و ضرر البائع ينجبر بالمثل أو القيمة مع احتمال الاقتصار في ذلك على خصوص العيب بالدليل، و لعلّ هذا هو الأقوى.

و مثل تبعيض الصفقة تعدّد المشتري فإنّه ليس لهما الاختلاف فيطلب أحدهما

ص: 167

الأرش و الآخر الردّ بل يتّفقان، كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة محصّلة و منقولة عن المختلف و إيضاح النافع و المسالك و المفاتيح (1) للأصل، و أنّ المثبت لهذا الخيار من الإجماع و النصّ مختصّ بحكم التبادر و وقوع الخلاف بغير محلّ الفرض، لمكان الضرر بتبعيض الصفقة.

و قال بالتفريق الشيخ أبو عليّ و الشيخ في شركة المبسوط و الخلاف و القاضي و الحلّي و صاحب البشرى على ما حكي عنهم (2) مستندين إلى عموم الدليل و جريانه مجرى عقدين، فيكون الحال كما لو تعدّد العقد، و يثبت الخيار حينئذ في الباقي للبائع مع جهله بالتعدّد لتبعيض الصفقة عليه.

و قيل بالتفصيل فيما إذا كان البائع عالماً بالتعدّد فالثاني أو جاهلًا فالأوّل (3) باعتبار أنّ ضرر التبعيض جاء من قبله حيث باع من اثنين إن كان عالماً، و مع الجهل فالجهل عذر.

و أنت خبير بأنّ هذا الكلام كلّه بناءً منهم على أنّ جواز فسخ بعض العقد و إبقاء بعضه بمعنى تجزّي أثره على وفق القاعدة.

و إنّما منشأ الخلاف قضيّة الضرر بالتبعيض و نحن نقول: إن استفيد من كلامهم في هذه المقامات و في باب الإقالة و في باب شرط الخيار في البعض الإجماع على ذلك فبها، و إلّا منعناه باعتبار أنّ العقد بسيط لا يقبل التجزئة، و الأسباب الشرعيّة كالأسباب العقليّة إلّا فيما قام عليه الدليل، و حينئذٍ فلا يفترق الحال في المنع بين تعدّد البائع أو المشتري أو الثمن و وحدتها.

نعم بالنظر إلى تعدّد الإيجاب و إن اتّحد القبول لا يبعد كونه من المتعدّد، و كذلك صورة العكس على إشكال.

و أمّا بناءً على ما يقولون: من أنّ العقد بمنزلة عقود و أنّ سبب المنع في المقام


1- المختلف 5: 186، المسالك 3: 286، المفاتيح 3: 71.
2- راجع المختلف 5: 186 187، و حكاه عن صاحب البُشرى الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 477.
3- التحرير 1: 274 س 11، جامع المقاصد 4: 334.

ص: 168

لزوم الضرر بالتبعيض فينبغي بالنظر إلى تعدّد البائع عدم التأمّل فيه، فإنّه لا تشقيص على المردود عليه ما خرج عن ملكه، كما أنّه لو كان المشتري ابتداءً واحداً و ورث المتعدّد عنه خيار العيب لا إشكال في وجوب التوافق، كما في القواعد (1).

و أمّا بالنظر إلى تعدّد الثمن فلا يبعد جواز التفريق لتعدّد الصفقة سواء تعدّدت العين أو اتّحدت.

ثمّ شرط عدم السقوط بحدوث المسقط فإن كان كالإسقاط و التبرّي فالظاهر بطلانه، و في تبعيّة العقد كلام يأتي في محلّه. و أمّا مثل التصرّف و حدوث العيب فوجهان: جوازه، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» و عدمه، لدخوله فيما خالف السنّة.

[الثالث: سقوطه بإسقاطه]

الثالث (2) سقوطه بإسقاطه مع اختياره الأرش أو لا معه، لأنّ جواز الردّ حقّ من الحقوق فيسقط بالإسقاط، إذ لا ملازمة بينهما.

و يسقط أيضاً باشتراط سقوطه مجرّداً عن الأرش و بالصلح عليه، للعموم كذلك. نعم لو أسقط الخيار المطلق أو اشترط سقوطه سقطا معاً، لعدم بقاء اللازم بدون الملزوم، و يجي ء الكلام السابق في خيار الغبن هنا فيما لو أسقطه قبل العلم بالعيب من أنّه إسقاط قبل الثبوت، لأنّ خيار العيب لا يثبت إلّا بعد العلم به، أو أنّه يثبت مطلقاً بنفس العقد و ربّما ظهر من بعض الروايات الاول، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الثاني و السقوط كالإبراء لا يشترط فيه العلم بتحقّق الشي ء الّذي يراد سقوطه، و يكفي ثبوته في متن الواقع، فإذا صادفه الإسقاط سقط.

الرابع: إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنّه يسقط الردّ فيه و يبقى الأرش، لانعتاقه بنفس الملك. و يمكن ردّه إلى التصرّف.

و هل مع الجهل بذلك يعدّ مثله عيباً فيستحقّ عليه الأرش بالعيب الثاني أيضاً أو لا؟ وجهان، حكم بالأوّل في الدروس (3).


1- القواعد 2: 74.
2- من الامور المسقطة دون الأرش.
3- الدروس 3: 286.

ص: 169

و استشكله المحقّق الثاني فيما إذا كان قد دلّسه عليه (1).

و جزم بالثاني العلّامة في القواعد (2) و هو الأقوى لعدم عدّ مثل ذلك عيباً.

[الصورة الثالثة: سقوط الأرش دون الردّ]

الصورة الثالثة (3) سقوط الأرش دون الردّ، و قد فرضها جماعة من الأصحاب في مثل الخصيّ و المجبوب، و قد تقدّم لك أنّ الحقّ ثبوت الأرش فيهما، فليست ممّا نحن فيه.

نعم قد تفرض فيما لو كان المبيع حليّاً من أحد النقدين بمساويه جنساً و قدراً فوجد المشتري به عيباً قديماً، فإنّه يتعيّن فيه الردّ، للزوم الربا بالأرش.

و لهم كلام فيما لو تجدّد عنده فيه عيب آخر، فإنّه ليس له الأرش، لاستلزامه زيادة المبيع على الثمن، فيلزم الربا. و الردّ مجّاناً و مع الأرش منافٍ لما دلّ على منع الردّ بالعيب الحادث، مع حصول الإضرار بالبائع في الصورة الاولى، و لا يجب الصبر على العيب مجّاناً، للنصّ و الإجماع على أنّ العيب القديم في المبيع مضمون للمشتري على البائع، فكيف يسقط هنا، فليس إلّا الفسخ و إلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيباً بالقديم سليماً عن الجديد، و لا يمكن الجمع بين حقّ كلّ من البائع و المشتري إلّا بذلك.

و أفتى بذلك في القواعد (4) و قوّاه الشهيد في حواشيها و المحقّق الثاني (5) و لكن قال في الدروس: أنّ فيه تقدير الموجود معدوماً، و هو خلاف الأصل (6).

و احتمل في القواعد ردّ العين مع الأرش مع رضا البائع إذا فسخ المشتري و لا ربا (7) فإنّ الربا الممنوع منه في المعاوضات لا في الضمانات و ما هذا إلّا كالمأخوذ بالسوم إذا تجدّد العيب بيد المستام و كانت العين ربويّة، و هذا الاحتمال لا ينافي الأوّل، لأنّ الأوّل مبنيّ على الاستحقاق، و هذا على التراضي، و لا كلام فيه بأيّ نحو وقع.


1- جامع المقاصد 4: 346.
2- القواعد 2: 76.
3- تقدّم ذكر الصورة الاولى و الثانية في ص 162.
4- القواعد 2: 79.
5- جامع المقاصد 4: 364.
6- الدروس 3: 288.
7- القواعد 2: 79.

ص: 170

و هناك احتمال ثالث نقله في الجامع عن بعض أصحابنا (1) و هو أنه يرجع المشتري بأرش العيب القديم كما في غير هذه الصورة، و المماثلة في باب الربا إنّما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت، و الأرش حقّ يثبت بعد ذلك، فلا يقدح في العقد السابق.

و فيه ما تقدّم في باب الربا من أنّه يعمّ كلّ ما استند إلى العقد و لو بالتسبيب. و إن الأخذ بالأرش إنّما كان لفوات مقابله من المبيع، فهو راجع إلى العقد السابق.

و من جملة مسقطات الأرش دون الردّ اشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد ذلك أو الصلح عليه، كما تقدّم بالنسبة إلى الردّ، فتذكّر.

[الصورة الرابعة سقوطهما معاً و هي أمور]
اشارة

قال المصنّف قدس سره: «و يسقطان بالعلم به قبل العقد»

هذه الصورة الرابعة و هي سقوطهما معاً أي الردّ و الأرش و يسقطان بامور:

[الأوّل: العلم بالعيب]

الأوّل: العلم بالعيب، و سقوطهما به هو المشهور بين الأصحاب، بل لا يعلم فيه خلافاً.

و في الرياض نفى الخلاف عنه (2)، و يدلّ عليه بعد الأصل خبر زرارة (3) الّذي سمعته آنفاً فإنّه دالّ بمفهومه، و المثبت لهذا الخيار من النصّ و الإجماع مختصّ بغير محلّ الفرض.

و الظاهر أنّ السقوط به لا لأنّه علامة الرضا كما قيل و إلّا كان خاصّاً، بل للأدلّة.

و في إلحاق الظنّ أو الشكّ أو الوهم القويّ أو بشرط الاستصحاب أو علم الوكيل مطلقاً أو المطلق لا المقيّد بنفس الصيغة إشكال. و الظاهر عدم الإلحاق للإقدام على أصل السلامة من العيب، فلا عبرة بالظنّ فضلًا عن الشكّ فضلًا عن الوهم، كما أنّه لو علم بالعيب ثمّ ظنّ زواله فضلًا عن أن يشكّ فيه فضلًا عن أن يتوهّمه يحكم بسقوط خياره، للاستصحاب.


1- الجامع للشرائع: 268. لكن نسبه إلى العامّة في جامع المقاصد 4: 365.
2- الرياض 8: 260.
3- الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيار، ح 2.

ص: 171

نعم بالنسبة إلى علم الوكيل المطلق الظاهر السقوط فإنّ علمه علم الموكّل، و علم المالك مع الحضور و جهل الوكيل المطلق قد يقال فيه بالسقوط أيضاً.

ثمّ مع العلم بالعيب قد يشتبه فيظهر غيره مماثل أو غيره أو هو و لكن بزيادة فيه، و سقوط الخيار في غير المماثل لا وجه له و أمّا فيه إذا كان مساوياً من كلّ وجه لا يؤثّر في زيادة القيمة و نقصانها و لا تتفاوت به الرغبة، و مثله المتّحد مع الزيادة فالأقوى ذلك أيضاً و إن كان فيه ما فيه. و لو زعم زواله قبل العقد بعلم فله الخيار دون الظنّ أو الشكّ أو الوهم القويّ كما عرفت.

و الظاهر أنّ العلم قبل العقد مع نسيانه حينه لا عبرة به، و المتبادر من كلام الأصحاب في قولهم: «و يسقط بالعلم قبل العقد» القبليّة مع المقارنة.

و الكلام في العلم بالنسبة إلى حصوله في أثناء العقد أو بعد تمام العقد قبل شرط الصحّة في شرط صرف و نحوه، كالكلام في الغبن.

و قد تبنى المسألة بالنظر إلى كثير من هذه الفروع على أنّ السقوط بالعلم لكونه أمارة الرضا أو تعبّدياً و على الثاني فهل في خيار العيب عموم أو إطلاق يشمل مثل هذه الصور و لا نخرج عنه إلّا بالمتيقّن، أو أنّه على خلاف القاعدة و عمدة مستنده الإجماع فيقتصر فيه على المتيقن، و خير الوجوه أوسطها.

[الثاني الرضا بالعيب]

قال المصنّف قدس سره: «و بالرضا به بعده»

هذا المسقط هو الثاني من المسقطات لكلّ من الأمرين، و هو الرضا بالعيب بعد العقد.

و المراد به إسقاط الخيار بعده لأنّه يتأدّى بكلّ لفظ كما عرفت سابقاً. و من جملة ذلك قوله: «رضيت بالعيب» غير مقيّد بالأرش.

نعم قوله: «أسقطت الخيار» أدلّ عليه، و لهذا جعله الشارح أولى منه (1) و ليس هو شيئاً غير الإسقاط، كما يظهر من الرياض (2) إلّا أن يريد ذلك.


1- الروضة 3: 498.
2- الرياض 8: 260.

ص: 172

نعم ظاهر المصنّف أنّ الرضا وحده كافٍ في السقوط و إن لم يقترن بلفظ يدلّ عليه و هذا بناءً على الفوريّة في هذا الخيار يمكن أن يكون له وجه، و لكنّه في الحقيقة حينئذٍ ليس المسقط الرضا، و إنّما هو التأخير للفسخ أو الإمضاء مع العلم.

و أمّا على القول بالتراخي فلا وجه له بالمرّة، لما تقدّم سابقاً من أنّ الرضا وحده لا تأثير له و إن دلّت عليه بعض الروايات (1).

و لعلّ المصنّف يريد بالرضا ما يدلّ عليه، لكنّه لمّا لم يكن له لفظ يدلّ عليه بخصوصه و كان حصول العلم به من غير لفظ يدلّ عليه نادر الوقوع، أطلق السقوط به اتّكالًا على ظهور ذلك. و عليه ينزّل نفي الخلاف الّذي في الغنية و الرياض عن سقوط خيار العيب بالرضا به (2).

و على كلّ حال فهذا الخيار حقّ من الحقوق يسقط بالإسقاط كسائر الحقوق، و عليه ظاهر الإجماعين السابقين، و لا تأمّل في ذلك بالنسبة إلى العيب المتقدّم. و أمّا في العيوب المتأخّرة ممّا تحدث قبل القبض أو في زمان خيار المشتري فإشكال، لأنّه إسقاط قبل الثبوت. و لعلّ الأقوى عدم السقوط.

و لا ينافي هذا، القول به في التبرّي من العيوب كما سيأتي، فإنّ ذلك من السقوط بالشرط لا بالإسقاط، أو باعتبار حصول الإقدام فيه على ذلك كما في الوجه الآخر فيه، و فرق بين المقامين.

[الثالث اشتراط السقوط]

قال المصنّف قدس سره: «و بالبراءة من العيوب و لو إجمالًا»

هذا هو المسقط الثالث لكلّ من الأمرين، و المراد به اشتراط السقوط على الأقوى، من غير فرق بين أن يتقدّم العقد مع عدم تناسيه حينه بحيث يراد من اللفظ أو يقع في أثنائه أو يتأخّر عنه مع المقارنة على حدّ غيره من الشروط صريحها و مضمرها. و من غير فرق بين أن يقع على جهة التفصيل و النصّ على أشخاص العيوب، أو يقع على جهة العموم، أو على جهة الإطلاق، نعم إذا اشترط التبرّي من عيب واحد مجهول لم يصحّ و في تبعيّة العقد له في البطلان كلام يجي ء في محلّه.


1- الوسائل 12: 351، ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
2- الغنية: 222، الرياض 8: 260.

ص: 173

و متى وقع التبرّي من العيوب على جهة العموم أو الإطلاق فضلًا عن التفصيل، فإنّه يتبرّأ من كلّ عيب، ظاهراً كان العيب أو باطناً، معلوم للمتعاقدين أو أحدهما أو غير معلوم، حيواناً كان المبيع أو غيره من العيوب الظاهرة و الخفيّة إجماعاً منقولًا عن الخلاف و الغنية و التذكرة و ظاهر المسالك (1).

و الدليل عليه بعد الإجماع، عموم أدلّة الشروط، و إطلاق حسن زرارة أو صحيحه لمكان فضالة: «أيّما رجل اشترى شيئاً فيه عيب أو عوار و لم يتبرّأ إليه منه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و علم بذلك العيب و ذلك العوار، أنّه يمضي عليه البيع (2)».

و مكاتبة جعفر بن عيسى إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كلّ عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلّا نقده الثمن فربّما زهد فإذا زهد ادّعى عيوباً، و أنّه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها، أ يصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب عليه؟ فكتب عليه السلام: عليه الثمن (3).

و الروايتان مجبورتان بالجوابر المتعدّدة من شهرة العمل، و موافقة الكتاب و السنّة و ظاهر الرواية الثانية انّه عالم بالنداء و بالبراءة و أنّه رضيه مع ذلك، إلّا أنّه لمّا تجدّد له زهد و عدم الرغبة ادّعى عدم علمه بالعيوب و عدم سماعه النداء، فهذه الدعوى إنّما نشأت مدالسة من حيث زهده لا من حيث العيوب، فلا يتوجّه على الاستدلال بها ضعفها بالمكاتبة و عدم موافقتها للقاعدة.

ثمّ إنّ الظاهر دخول العيوب المتجدّدة بعد العقد و قبل القبض أو في زمان خيار المشتري في البراءة على جهة العموم، كما يقضي به إطلاق النصّ


1- الخلاف 3: 127 المسألة 213، الغنية: 221، التذكرة 1: 525 س 16، المسالك 3: 282.
2- الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيارات، ح 2.
3- الوسائل 12: 420، ب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.

ص: 174

و الإجماعات المنقولة و الفتاوى. و دعوى: أنّ المفهوم منه التبرّي من الموجودة حالة العقد كما استقربه في التذكرة (1) ممنوعة للعموم.

نعم بالنسبة إلى صورة الإطلاق قد يدّعى ذلك، مع أنّ الأقوى خلافه، و لا يقدح في ذلك كون البراءة ممّا لم يجب بعدُ فهو إسقاط قبل الثبوت، لأنّ التبرّي إنّما هو من الخيار الثابت بسببها بمقتضى العقد و إن كان السبب حينئذٍ، مع أنّ المستند أدلّة الشروط و هي عامّة، مع أنّ ظاهر التذكرة و المسالك الإجماع عليه حيث قالا: لو شرط التبرّي من العيوب الكائنة و الّتي تحدث جاز عندنا (2).

و حكى في السرائر عن بعض أصحابنا أنّه لا يكفي التبرّي من العيوب إجمالًا في سقوط الردّ (3). و حكى ذلك في المختلف عن أبي عليّ و عليه ظاهر القاضي (4) و يظهر من الدروس شهرة القول بذلك حيث قال: و في التبرّي مجملًا قولان، أشهرهما ذلك (5) و حجّتهم على ذلك الجهالة.

و أنت خبير بأنّ التبرّي من العيوب إن جعلناه عبارة عن شرط السقوط فلا يخلو إن قلنا: إنّ الشرط مطلق بالنظر إلى الجهالة كالصلح يكفي فيه الأول إلى العلم فلا كلام و إن لم نقل بذلك و اشترطنا فيه المعلوميّة كما في الثمن و المثمن كان المخرج له في خصوص المقام عن ذلك الإجماعات المنقولة و إطلاق النصوص كما عرفت مع أنّه لو تمّ ذلك لزم منه فساد العقد، و لا أظنّهم يلتزمونه.

و إن قلنا: إنّ التبرّي من العيوب شي ء و اشتراط السقوط شي ء آخر، و إنّ التبرّي قائم مقام علم المشتري بالعيب، لإقدامه على ذلك في المقامين و إذا رضي بالعيب فلا خيار له، و لأنّه إنّما ثبت الخيار لاقتضاء العقد السلامة، فإذا صرّح بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق، من غير فرق بين أن يأخذه شرطاً أو لا، و بناءً على


1- التذكرة 1: 525 س 39.
2- التذكرة 1: 525 س 34، المسالك 3: 282. و العبارة من التذكرة.
3- السرائر 2: 296.
4- المختلف 5: 170، المهذّب 1: 392.
5- الدروس 3: 282.

ص: 175

ذلك لا إشكال، لأنّها جهالة في أمر خارجي، مع اعتبار جميع ما يجب اعتباره في صحّة البيع، بل و يرتفع الإشكال السابق أيضاً من شبهة الإسقاط قبل الثبوت، لأنّه ليس من الإسقاط في شي ء، و إنّما هو رافع للخيار بسبب الإقدام كما عرفت، و لكنّ الظاهر من كلامهم إنّما هو الأوّل، فتأمّل.

ثمّ إنّ هذا الخيار هل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان، و قد تقدّم أنّ الفوريّة أقوى، إلّا أن يقوم في المقام إجماع، و قد قال في المسالك و الحدائق: إنّه المعروف في المذهب لا نعلم فيه خلافاً (1).

و في المفاتيح: أنّه المعروف بين الأصحاب (2) و في الكفاية: و الظاهر أنّه لا خلاف فيه (3).

و في مجمع البرهان: و كأنّه لا خلاف فيه (4). و في الرياض: أنّه ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة عليه (5).

فإن تمّ بذلك إجماع فبها، و إلّا فلا، و الظاهر عدم تماميّته.

و قد اختار الفوريّة في الوسيلة، و في الغنية نفى عنها الخلاف في الثانية (6).

نعم قد يقال بأنّ مستند هذا الخيار لمّا كان من النصّ و هو من باب العامّ أو المطلق و مجبور بفهم مشهور الأصحاب فيقيّد به العموم الأزماني المستفاد من دليل لزوم العقد على إطلاقه و لعلّه هو الأقوى.

[و الإباق عيب]

قال المصنّف قدس سره: «و الإباق»

قيل: هو ككتاب من أبق كضرب و سمع و منع (7) و إثبات المأخذ الثالث مشكل إلّا على جعله من تداخل اللغات.

و فسّر في اللغة بالذهاب بلا خوف و لا كدّ عمل هما منشئاه، و اعتبروا فيه أن يكون بعد الاستخفاء، و أمّا جهرة فلا، و الظاهر ذلك.


1- المسالك 3: 302، الحدائق 19: 117.
2- المفاتيح 3: 69.
3- الكفاية: 94 س 13.
4- مجمع الفائدة 8: 436.
5- الوسيلة: 265، الغنية: 222.
6- الرياض 8: 260.
7- القاموس المحيط 3: 208.

ص: 176

و فيه: أنّه إن كان تفسيراً بالأعمّ فلا حاجة إلى القيود، و إن كان حقيقيّاً فينبغي أن يقال: الذهاب عصياناً و طغياناً، لا من خوف أو كدّ عمل أو جوع أو ظمأ أو عري أو فراش أو غطاء أو مسكن أو احتياج إلى دواء مع المرض أو سوء خلق من المولى أو أتباعه أو منعه عن واجب أو ندب أو أمره بمحرّم أو مكروه مع زعمه أنّ ارتكاب المرجوح لا يتوقّف على الإذن إلى غير ذلك.

و أمّا الاحتياج إلى التأهّل مع الشّبَق و نحو ذلك فلا يرفع اسم الإباق إلّا إذا أدّى إلى المشقّة الّتي لا تتحمّل.

و لعلّ غرضهم من ذلك التعبير بالأعمّ و الإحالة على العرف، و لا ينافي ذلك ذكر بعض القيود.

و لا فرق في ذلك بين الآبق و الآبقة كلّاً أو بعضاً، ثمناً كان أو مثمناً أو هما معاً، بالبيع كان ذلك، أو بغيره من النواقل، و التقييد بالبائع في كلام الشارح (1) مثال للمنقول عنه في مقابلة الآبق عند المنقول إليه إلّا في مقام الضمان عليه.

و الردّ بالإباق عند المنقول عنه مجمع عليه فيما بينهم و النصّ دالّ عليه، و لأنّ العبد معه في حكم التالف، و لأنّه سرقة لنفسه فهو أبلغ من السرقة لغيره، كعدم الردّ به عند المنقول إليه في غير الضمان، فإنّه مجمع عليه أيضاً، و الأصل يقتضيه.

و الصحيح: «ليس في إباق العبد عهدة». و الموثّق (2) محمولان عليه جمعاً بينه و بين صحيح أبي همّام: «إلّا أن يقيم بيّنة أنّه كان آبقاً عنده (3)» و لا ينافي ذلك قوله عليه السلام في الموثّق: «إلّا أن يشترط المبتاع (4)» فإنّه لو شرط المشتري الخيار بالإباق عنده مع ضبط المدّة، صحّ ذلك.

و هل يكفي في الإباق المرّة الواحدة، أو يشترط التعدّد بحيث يصدق الاعتياد


1- الروضة 3: 499.
2- راجع الوسائل 12: 422، ب 10 من أبواب أحكام العيوب.
3- الوسائل 12: 411، ب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
4- راجع الوسائل 12: 422، ب 10 من أبواب أحكام العيوب، ح 1 و 2.

ص: 177

و يكتفي فيه بالمرّتين كما في المسالك (1)، أو التفصيل بالقرب و البعد و الطول و القصر و حال المولى في زيادة اللطف و الشفقة و نقصهما؟ وجوه:

و ظاهر الأكثر و منهم المصنّف هاهنا الأوّل، للصحيح السابق إلّا أن يفهم من لفظ «كان» الاعتياد، و هو بعيد جدّاً.

و حكى الشارح في الشرح و المسالك الثاني عن بعض الأصحاب، و قوّاه فيهما (2)، و لعلّ دليله الأصل و الشكّ في تسمية الإباق عيباً عادةً بالمرّة الواحدة.

و الحقّ أنّ المستند في الردّ إن كان إطلاق الخبر و إن لم يسمّ الإباق عيباً بناءً على التفكيك بين العيبيّة و الإباقيّة فليس إلّا الوجه الأوّل، و حيث أنّه لا تفكيك بين العيب و الإباق كما هو الظاهر، فأقوى الوجوه الأخير.

و في تحقّق الإباق من المجنون و غير المميّز إشكال و في ارتفاعه بالتوبة مطلقاً أو بشرط رجوعه من نفسه أو عدم ارتفاع عيبه و إن ارتفع الإثم وجوه، و الأقوى الأوّل.

و مثل الإباق في كثير من هذه الأحكام الزنا و السرقة. و في التذكرة: الزنا و السرقة عيبان في العبد و الأمة عندنا (3). و في القواعد اعتبر فيهما الاعتياد (4). و في الجامع و التحرير و الدروس لم يعتبره (5). و قال المحقّق الثاني: ظنّي أنّ الاعتياد غير شرط، لأنّ الإقدام على القبيح مرّة يوجب الجرأة عليه، و يصير للشيطان عليه سبيل، و يترتّب وجوب الحدّ الّذي لا يؤمن معه الهلاك عليهما (6).

و على هذا يكون شرب الخمر و النبيذ عيباً، كما في التحرير و الدروس (7) و قد مال في التذكرة إلى عدمه (8) و قد يلحق بذلك جميع ما كان من هذا القبيل، و في الإجمال غنىً عن التفصيل.


1- المسالك 3: 296.
2- الروضة 3: 499، المسالك 3: 296.
3- التذكرة: 1: 538 س 36.
4- القواعد 2: 72.
5- جامع الشرائع: 267، التحرير 1: 182 س 23، 24، الدروس 3: 281.
6- جامع المقاصد 4: 326.
7- التحرير 1: 182 س 25، الدروس 3: 281.
8- راجع التذكرة 1: 538 س 38.

ص: 178

[و عدم الحيض عيب]

قال المصنّف قدس سره: «و عدم الحيض عيب»

و المراد ممّن شأنها ذلك بحسب السنّ و المكان و المزاج و الأرحام.

و اعتبر جماعة في ثبوت عيب عدم الحيض مضيّ ستّة أشهر و هي في سنّ من تحيض، و منهم العلّامة في القواعد (1).

و أيّما كان فكون عدم الحيض عيباً في الجملة هو المشهور بين الأصحاب، و نسب إلى الأكثر في المسالك (2)، و إلى الأشهر في الكفاية (3)، و إلى كافّة المتأخّرين في الرياض (4).

و خالف في ذلك ابن إدريس حيث قال: أورد ذلك شيخنا في نهايته من طريق خبر الواحد إيراداً لا اعتقاداً (5) و هو يعطي عدم المصير إليه.

و لعلّ خلافه بالنظر إلى اعتبار الستّة أشهر الّذي قضت به الرواية لا مطلقاً و ما استظهره منه الشارح في المسالك (6) من نفي الحكم رأساً، ليس في كلامه ما يدلّ عليه.

و مستند القول الأوّل، أنّ عدم الحيض على النحو السابق من جملة العيوب عرفاً، لتفويته وصفاً مطلوباً يترتّب عليه قبول الحمل و صحّة المزاج. و صحيح ابن فرقد: «عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتّى مضى ستّة أشهر و ليس بها حمل؟ قال إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك عن كبر فهذا عيب تردّ منه (7)» باعتبار اطلاق الجواب و أصالة عدم تقييده بالسؤال.

و مستند القول الثاني: الصحيح المتقدّم باعتبار أنّ معناه: إن كان أمثالها سنّاً مع الاتّفاق في البلاد و المزاج في الجملة يوجد منها الحيض دونها يكون ذلك عيباً فيها، مع حبس الحيض ستّة أشهر لا من كبر لأنّ الإشارة ب «ذلك» و ب «هذا» إلى حبس حيضها ستّة أشهر، فكان الجواب مقيّداً بذلك.


1- القواعد 2: 72.
2- المسالك 3: 297.
3- الكفاية: 94 س 16.
4- الرياض: 8: 272.
5- السرائر 2: 304.
6- المسالك 3: 297.
7- الوسائل 12: 413، ب 3 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.

ص: 179

و قيل: إنّ هذا هو الّذي فهمه العلماء المتقدّمون (1) و لا ريب أنّه هو الظاهر من الرواية.

نعم قد يقال: إنّ الرواية و إن دلّت على هذه الصورة لكنّها لا تنفي ما عداها، فيكون المدار فيما عدا ذلك على ما يعدّ عيباً في العرف.

و ما يقال: «إنّ الشارع قد كشف عن العرف في ذلك لأنّ المرأة قد ينقطع عنها الحيض العشرة أيّاماً و العشرون يوماً و لا يعدّ عيباً في العرف، فلا تحديد لانقطاعه الّذي يصدق معه اسم العيب في العرف، نعم في الستّة أشهر يتحقّق الصدق يقيناً و قد كشف عنه الشرع» لا وجه له، لتحقّقه قبل ذلك قطعاً.

ثمّ إنّ جواز الردّ بعد ستّة أشهر إنّما هو مع عدم التصرّف، و أمّا معه فلا، و إطلاق الخبر مقيّد بدليل التصرّف، و لا وجه لاحتمال كون هذا العيب مستثنى من دليل سقوط الردّ بالتصرّف باعتبار استبعاد عدم وقوع تصرّف مسقط للخيار في هذه المدّة و لو مثل «اسقني الماء» كما احتمله الأردبيلي قدس سره (2) فإنّ هذا ليس بأعظم من العيوب الّتي تردّ بها الجارية و إن تجدّدت ما بين العقد و السنة و قد شرط الأصحاب في ذلك عدم التصرّف و رواياتها مطلقة أيضاً.

[الثفل في الزيت غير المعتاد عيب]

قال المصنّف قدس سره: «و كذا الثفل في الزيت غير المعتاد»

المشهور في كلام الأصحاب انّه إذا اشترى شيئاً فوجد فيه ثفلًا و هو ما استقرّ تحت الشي ء من كدرة و كان ممّا جرت العادة بمثله، لم يكن له ردّ و لا أرش. و الزيت في كلام المصنّف مثال، و تخصيصه بالذكر باعتبار ذكره في الرواية.

و في حسنة ميسر: إن كان المشتري يعلم أنّ الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يردّه (3) و «على» بمعنى «إلى». و بهذا المضمون عبّر في النهاية و السرائر و التحرير و الجامع (4)، و يمكن إرجاع الرواية و كلامهم إلى ما ذكره المشهور، بمعنى


1- مفتاح الكرامة 4: 615 س 21.
2- مجمع الفائدة 8: 446.
3- الوسائل 12: 419، ب 7 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
4- النهاية 2: 161، السرائر 2: 305، التحرير 1، 182 س 33، الجامع للشرائع: 268.

ص: 180

أنّه إن كان يعلم أنّ هذا بحسب العادة ممّا يمكن في الزيت و نحوه لم يكن له الردّ، و إلّا فله، إلّا أنّه يبقى فرد آخر، و هو ما إذا لم يعلم ذلك و ظنّ أنّه خالص من الثفل.

و الأقرب أنّ الحكم فيه ما ذكره الأصحاب، تنزيلًا للعادة منزلة العلم بذلك كما في كثير من المواضع فلا يضرّ و إن كان عيباً، أو إنّ العادة قضت بأنّ مثل ذلك ليس بعيب.

و قد تحمل الرواية و كلام الجماعة على إرادة العادة من العلم على ضرب من المجاز، فتحصل الموافقة في الفردين، إلّا أنّه خلاف الظاهر.

ثمّ إنّ ظاهر الأصحاب أنّ الثفل لو كان كثيراً و علم به قبل البيع، صحّ البيع و لا خيار.

و ربّما أشكل باعتبار الجهل الموجب للغرر بقدر المقصود بالذات، و المشاهدة في مثل ذلك غير كافية. و يمكن دفعه بأنّ معرفة مقدار الجملة كافية كما في معرفة مقدار السمن جملة من دون العلم بالتفصيل و نحوه التراب في الحنطة و الشعير إلى غير ذلك.

ثمّ الظاهر أنّ معتاد القدر دون الجنس كعكسه عيب، نعم لا يبعد عدم الفرق في معتادها بين السابق و الموضوع جديداً على إشكال و يجري ذلك في مقامات كثيرة.

ص: 181

[التاسع: خيار التدليس]

اشارة

قال المصنّف قدس سره:

«التاسع: خيار التدليس»

[التدليس: كتمان عيب السلعة عن المشتري]

التدليس: كتمان عيب السلعة عن المشتري كما في الصحاح و المصباح و القاموس و مجمع البحرين فيكون خاصّاً بخصوص العيب لخصوص المشتري في خصوص السلعة.

و قد فسّرت بالمتاع، و المتاع بما يتمتّع به من الحوائج، فالظاهر اختصاصها بالعروض.

و ظاهر الفقهاء أنّ التدليس إخفاء العيب، بل يعمّ إخفاء الصفات و إخفاء قصر الأجل و إخفاء رأس المال و إخفاء الزمان أو المكان أو النسب أو الجهة، و جميع ما يقتضي نقصاً في العين أو القيمة أو الرغبة أو رأس المال، إلى غير ذلك، بل يعمّ كلّ ما اخفي على المنقول إليه ممّا يتعلّق به غرضه و إن كان مطلوباً خلافه عند عامّة الناس، و لا يخصّ العروض بل يعمّها و غيرها، و لا يخصّ البيع فضلًا عن المشتري كما قالوا في تدليس الماشطة.

و لعلّ كلام أهل اللغة من باب التعريف بالأخصّ، و الإحالة في ذلك على العرف كما في كثير من المقامات، و بناءً على ما قالوه لا يختصّ الكتمان للعيب بالعيب الخفيّ الّذي يجب به الإعلام و يحرم فيه الكتمان كشوب الماء باللبن بل المدار فيه على مطلق الكتمان، و حينئذٍ لا يفارق خيار العيب التدليس إلّا حيث لا

ص: 182

يعلم به الناقل، و هو قليل الوجود، و إن عمّمنا الكتمان لمثل ذلك لم يفترقا مطلقاً.

و المراد بالتدليس في هذا المقام ما كان الغشّ و هو إدخال الأدنى في الأعلى و المطلوب في غيره و بالعكس من المجانس و غيره قسماً منه، لا ما كان قسيماً له.

و ربّما يظهر من كلامهم أنّ المراد به في المقام خصوص إخفاء الصفات، و حينئذٍ فلا يفارق خيار الوصف إلّا أن يراد بخيار الوصف هو الواقع في الشي ء الّذي يشترى بالوصف أو برؤية سابقة على العقد ثمّ يخرج على خلاف ما وصف أو رُئي، و أمّا المرئيّ وقت العقد و إن خرج على خلاف الصفة، فليس منه.

و على كلّ حال فالتدليس إمّا قوليّ خبريّ، أو شرطيّ، أو فعليّ يقتضي زيادة في الوصف، أو إثبات وصف جديد، أو إغراء بخلاف الواقع بما يقتضي زيادة في القيمة، أو في الرغبة و نحو ذلك، أمّا لو قضى بظهور الوصف بعد خفائه كالصقالة و القصارة و كنس الغبار و رفع السواد و شبهه عن الجواهر المنطبعة و نحو ذلك فليس من التدليس، و منه البيع بنضده في الظلمة و تغليظ القماش و الجواهر ما لم يكن شائعاً، و ما كان بالواسطة كغيره كما إذا أخبر بقصد أن يخبر أو قال له: أخبر، أو عمل عملًا بنفسه أو بغيره، كأن قال له: اعمل.

و تدليس الوكيل تدليس الأصيل.

و في ضمان المدلّس الأجنبيّ وجه تقدّمت الإشارة إليه.

ثمّ إنّ ثبوت الخيار بالتدليس نسبه في المسالك إلى الأكثر (1) و في الكفاية إلى الأشهر (2)، و قد صرّح به المصنّف و العلّامة في القواعد و التذكرة و المحقّق في الشرائع (3) و حكي عن القاضي و ابن إدريس (4)، و ذهب إليه الفاضل الميسي و الشارح هنا و في المسالك و صاحب الكفاية و مجمع البرهان (5).


1- المسالك 3: 298.
2- الكفاية: 94 س 21.
3- القواعد 2: 76، التذكرة 1: 540 س 39، الشرائع 2: 37 و 38.
4- المهذّب 1: 395، السرائر 2: 358.
5- الروضة 3: 500، المسالك 3: 298، الكفاية: 94 س 21، مجمع الفائدة 8: 447.

ص: 183

و نسب القول بالعدم إلى الشيخ في الخلاف و العلّامة في التحرير و الإرشاد (1) و إلى المصنّف في الدروس، حيث شرط ثبوت الخيار في التحمير و التبييض و الجعد مع ظهور خلافها باشتراطها (2).

و نسب المصنّف فيها إلى الشيخ التردّد في الثلاثة، و لعلّه عنى بذلك كلامه في المبسوط، حيث أنّه بعد أن أثبت فيه الخيار في الثلاثة قال: و إن قلنا ليس له الخيار لأنّه لا دليل في الشرع على كونه عيباً يوجب الردّ كان قوياً انتهى (3)، و إلّا ففي الخلاف صرّح بنفي الخيار فيها.

و تردّد المحقّق الثاني في ثبوته فيها (4) و الّذي يظهر عدم كونه خياراً مستقلًّا مؤثّراً لأثر مستقلّ، و من هنا لم يعدّه أكثر الأصحاب خياراً مستقلًّا.

نعم حيث يرجع إلى خيار الوصف و هو ما لو وصف له المنقول أو رآه على صفة عند البيع أو قبله فظهر خلافها نقول به، و كذلك حيث يكون من باب الشرط أو العيب أو الغبن و نحو ذلك.

فإن قلت: إنّ خيار الوصف إنّما هو فيما اشتري بالوصف أو برؤية سابقة لا في ما رئي عند العقد فلا يكون مثل ذلك من خيار الوصف.

قلت: ليس محلّ البحث في التسمية و إنّما الكلام في الحكم، و لا ريب أنّ ما دلّ على خيار الرؤية يدلّ عليه بطريق تنقيح المناط، و تقدّم الرؤية و مقارنتها لا يصلح فارقاً، مع أنّ الأولى مقارنته حكماً بمقتضى الاستصحاب و باعتبار ثبوته في التصرية بالإجماع محصّله و منقوله و ليست عيباً، و لا فارق بينها و بين غيرها بالنسبة إلى ذلك، و حينئذٍ فمن أثبت خيار التدليس إن أراد به ذلك قاصراً لخيار الوصف على غير المشاهد عند العقد فلا نزاع لنا معه في الحقيقة و البحث يكون في مجرّد التسمية، و إن أراد بذلك جعله خياراً مستقلًّا فيكون الخيار بالنظر إلى


1- الخلاف 3: 111 المسألة 183، التحرير 1: 186 س 6، إرشاد الأذهان 1: 377.
2- الدروس 3: 280.
3- المبسوط 2: 129.
4- جامع المقاصد 4: 347.

ص: 184

الكذب في باب المرابحة بالنسبة إلى رأس المال أو الأجل و نحو ذلك على وفق القاعدة لا لورود الدليل به في خصوص المرابحة، و يكون بالنظر إلى إخفاء الوصف الخيار ذي جهتين، إذا أسقط أحدهما أو لم يطالب من جهتها يبقى الآخر، فالظاهر خلافه، لأنّا إن قصّرناه على التدليس المحرّم. فأقصى ما فيه أنّ النهي إن كان عن أمر خارج قضى بالإثم و لا شي ء عليه، و إن كان من أمر داخل قضى بالفساد. و الظاهر منه الأوّل. و إن عمّمناه للمحرّم و غيره فكذلك أيضاً، لأنّ الأصل لزوم العقد، و لا دليل على ثبوت الخيار بذلك.

و ما يقال: من أنّ دليله حديث الضرر باعتبار الضرر الناشئ من فقد ما ظنّه حاصلًا و أنّ الأغراض تختلف في ذلك، فربّما رغب المشتري فيما أقدم عليه أوّلًا و لم يسلم له، لا وجه له، لما تقدّم سابقاً من أنّ حديث الضرر بمجرّده لا يثبت خياراً، و أنّه من المجملات، مع أنّه مع مقارنته لخيار آخر كما في صورة فوات الوصف يندفع الضرر بالخيار الثاني، و هكذا غيره من عيب أو غبن و نحوهما.

ثمّ إنّه بناءً على القول به ينبغي الاقتصار فيه على المتيقّن، فلا يعمّ تدليس غير المالك، و لا تدليس المالك من غير قصد، و لا مع القصد لغير البيع من الأغراض الاخر، و لا لما كان اغترار المشتري لتقصيره، و لا لما كان الإخفاء لصفة الكمال و لم يتعلّق للمشتري غرض بصفة النقص و إنّما أرادها لغواً و عبثاً، و يقتصر فيه على خصوص البيع إلّا إذا جعلنا المستند الضرر لا التعبّد، فإنّه يعمّ الجميع.

و الظاهر أنّ محلّ البحث عند الأصحاب إنّما هو في التدليس بإخفاء الصفة فقط كما تقضي به أمثلتهم و مطاوي كلماتهم، و أنّ النزاع في أنّ فوات مثل هذا الوصف من حيث هو لا باعتبار التدليس مثبت للخيار أم لا. فحمل كلام القائلين بالعدم على المنع من ذلك من حيثيّة التدليس دون حيثيّة فوات الوصف بعيد، بل لا يتأتّى في كلام بعضهم.

و حيث كان هذا الخيار قسماً من خيار الوصف فجميع ما يعتبر في خيار الوصف يعتبر فيه، غير أنّه ربّما استتبع تغريماً من جهة ما يحدث من المصارف

ص: 185

المبنيّة على التدليس بخلاف غيره. و يجتمع مع الخيارات الاخر و يفترق عنها، و يتمشّى من البيع إلى غيره من العقود.

نعم لو أخفى صفة الكمال و كان غرض المشتري صفة النقص لغواً، فالظاهر عدم ثبوت الخيار حينئذٍ كما سيأتي مثله فيما هو أقوى منه و هو الشرط. و أمّا صورة ما لو كان غرور المشتري لتقصيره كما لو لطخ البائع ثوب العبد مداداً فتخيّل المشتري كونه كاتباً و اغترّ بما ليس فيه تغرير كثير، ففيه الوجهان، ذكرهما المحقّق الثاني متردّداً في ذلك (1) و الظاهر أنّه من فوات الوصف المثبت للخيار.

[لو شرط صفة كمال أو توهّمها]

اشارة

قال المصنّف قدس سره: «فلو شرط صفة كمال كالبكارة أو توهّمها كتحمير الوجه و وصل الشعر فظهر الخلاف تخيّر و لا أرش»

[لو شرط البكارة]

لا ريب أنّ كلّ وصف مشترط يتعلّق به غرض مقصود للعقلاء و إن كان ضدّه أجود في الماليّة فإنّ الخيار يثبت مع فواته، للإجماع المحصّل فضلًا عن المنقول في المسالك (2) و لعموم أدلّة الشروط. و ظاهر كلام المصنّف: أنّه لو اشترط صفة نقص لغرض تعلّق له بها مقصود للعقلاء أنّه لا خيار له، و الظاهر خلافه، و لعلّه يريد ما كان كمالًا و لو للغرض في مقابلة الشرط الغير المقصود للعقلاء، و ما لا يزيد به المال فيكون لغواً و لا يثبت خياراً، كما صرّح بذلك في القواعد و التحرير و التذكرة (3) و هل يفسد العقد لفساد هذا الشرط أو لا؟ وجهان، و الأقوى الصحّة في مثل ذلك و إن قلنا بفساد العقد تبعاً للشرط الفاسد، و سيأتي البحث في ذلك في محلّه.

و أمّا عدم ثبوت الأرش فلاختصاصه بالعيب، و الواقع ليس بعيب.

و الفرق بين العيب و غيره في استحقاق الأرش بالأوّل دون الثاني التعبّد، و حكمته: أنّ العيب كالنقص في المبيع فقابل الشارع الكمال ببعض الثمن، بخلاف غيره من الأوصاف، فإنّها علّة الإقدام و الرغبة فقط، و يشكل ذلك في البكارة من حيث إنّها بمقتضى الطبيعة و فواتها نقص يحدث في الأمة و يؤثّر في نقصان القيمة


1- لم نعثر عليه في كتبه.
2- المسالك 3: 298.
3- القواعد 2: 73، التحرير 1: 186 س 4، التذكرة 1: 540 السطر الاخير.

ص: 186

تأثيراً بيّناً، فينبغي التخيير بين الردّ و الأرش مع فواتها و ثبوت الثيبوبة حال البيع بالبيّنة و إقرار البائع أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع بحيث لا يمكن تجدّد الثيبوبة. و من حيث إنّ الأرش جزء من الثمن و هو لا يوزّع على الشروط.

و نقل عن بعض الأصحاب (1) القول بعدم التخيير بفوات شرط البكارة حتّى بين الردّ و عدمه.

و الأقوى الأوّل، لا باعتبار أنّ الثيبوبة عيب مطلقاً كما يظهر من ابن إدريس و نسب إلى ظاهر ابن البرّاج و مال إليه صاحب التنقيح و الشارح هنا و في المسالك و احتمله المصنّف في الدروس (2) نظراً إلى دخوله تحت الضابطة السابقة للعيب، فإنّ ذلك مخالف لظاهر الإجماع المنقول في كشف الرموز، حيث قال: لا خلاف بين الأصحاب في أنّ الثيبوبة ليست عيباً (3) و في إيضاح النافع نسب ذلك إلى الأصحاب، و في المسالك إلى إطلاق الأصحاب (4)، و نسبه في الخلاف إلى رواية الأصحاب (5).

مضافاً إلى أنّ أكثر الإماء لا يوجدن إلّا ثيّبات، فكانت الثيبوبة بمنزلة الخلقة الأصليّة و إن كانت عارضيّة، و لا أقلّ من الشكّ في صدق اسم العيب على ذلك عرفاً، فيرجع إلى أصل لزوم العقد.

و الضابطة السابقة قد أرجعناها إلى الأخذ بالعرف كما عرفت، و على تقدير الأخذ بها تعبّداً فسندها قاصر و لا يؤخذ بها إلّا في محلّ الجابر و لا جابر في المقام، و قد استدلّ بعضهم على ذلك برواية سماعة، قال: «سألته عن رجل باع جارية على أنّها بكر فلم يجدها كذلك قال: لا يردّ عليه و لا يجب عليه شي ء أنّه قد تكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها.» (6) قال: و هي مجبورة بعمل الأصحاب (7).


1- حكاه العلّامة ره عن الشيخ في النهاية و عن القاضي في الكامل، راجع المختلف 5: 173.
2- السرائر 2: 304، في المسالك 3: 295: و هو ظاهر ابن البرّاج، التنقيح 2: 82، الروضة 3: 500، المسالك 3: 296، الدروس 3: 276.
3- كشف الرموز 1: 480.
4- المسالك 3: 295.
5- الخلاف 3: 112 المسألة 184.
6- الوسائل 12: 418، ب 6 من ابواب احكام للعيوب ح 2.
7- نسبه في مفتاح الكرامة إلى إيضاح النافع، راجع ج 4 ص 618 س 26.

ص: 187

و أنت خبير بأنّ هذه الرواية ظاهرها الشرطية كرواية يونس الآتية فليست ممّا نحن فيه إلّا أن يستند إلى الأولويّة، مع أنّ ظاهرها أنّ عدم الردّ و عدم أخذ الأرش باعتبار عدم العلم بثبوتها حال العقد، و هو الّذي يقتضيه الجمع بينها و بين رواية يونس، فهي بالدلالة على الخلاف أولى.

و لا باعتبار أنّها عيب في خصوص السودان من الإماء أو في خصوص المجلوبة منهنّ، فإنّ الظاهر عدم الفرق بينها و بين غيرها.

و لا باعتبار أنّها عيب في خصوص الصغيرة الّتي ليست محلّا للوطء، فإنّ أصل الخلقة و الغالب متطابقان فيها على البكارة كما قوّاه في الشرح و المسالك (1) و نفى عنه البأس في التذكرة (2) فإنّ الظاهر عدم الفرق أيضاً و أنّ البناء في الإماء مطلقاً ليس على ذلك. و قد اشتهر أنّ عادة الّذين يجلبون الأطفال من الجواري يفتضّون بكارتهنّ بأصابعهم إذا لم يكن قابلات للوطء.

بل باعتبار ما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس: في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء و لم يجدها عذراء قال: «يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق» (3) و ظاهرها الشرطيّة و الظاهر من قوله: «لم يجدها عذراء» يعني بعد تصرّفه بها و قد نقول بإسقاط التصرّف للخيار تعبّداً حتّى مع الجهل، مع أنّ الاقتصار على ثبوت الأرش لا ينفي الردّ للشرطيّة بمقتضى الجمع بين الدليلين.

فما في المبسوط: إن شرط أن تكون بكراً فخرجت ثيّباً، روى أصحابنا أنّه ليس له الخيار و له الأرش (4) مشيراً إلى الرواية و قد حكي أنّ ذلك خيرة المهذّب و الاستبصار (5) بعيد. و قد حمل في الثاني قوله في رواية سماعة: «فلا يجب عليه شي ء»: أنّه لا يحب عليه شي ءٌ معيّن، لأنّ المرجع في ذلك إلى اعتبار


1- الروضة 3: 500، المسالك 3: 295.
2- التذكرة 1: 539 س 38.
3- الوسائل 12: 418، ب 6 من أبواب أحكام العيوب ح 1.
4- المبسوط 2: 129.
5- المهذّب 1: 395، الاستبصار 3: 82 ذيل ح 287.

ص: 188

العادة و هو مختلف.

و المراد بالعلم بكونه صادقاً في رواية يونس العلم بصدقه في الثيبوبة قبل البيع، جمعاً بينها و بين خبر سماعة بحمل الثاني على صورة الجهل.

و في التذكرة حمل خبر سماعة و كلام الأصحاب على أنّه اشتراها على ظاهر الحال من شهادة الحال بالبكارة و غلبة ظنّه من غير شرط (1)، و هو بعيد.

و ليس في رواية يونس بعد القطع من يتوقّف في أمره غير ابن مِرار و لكنّها مجبورة بالشهرة المنقولة كما في الدروس و المسالك (2) بل المحصّلة، فإنّ ثبوت الأرش خيرة السرائر و كشف الرموز و جامع الشرائع و التذكرة و التحرير و المختلف و التنقيح و جامع المقاصد و الشرح و المسالك (3) و غيرها.

و قد ظهر أنّه لو لم يثبت التقدّم فلا خيار بالنسبة إلى زمان ضمان البائع كما صرّح به المحقّق (4) و جماعة، للأصل و أنّها تذهب بالنزوة و نحوها، و تدلّ عليه رواية سماعة (5)، و إطلاق من أطلق من الأصحاب منزّل على ذلك.

[الثيبوبة تطلق على معنيين]
اشارة

ثمّ إنّ الثيبوبة تطلق على معنيين:

أحدهما: الموطوءة و هو الّذي يظهر من صدر عبارة النهاية و المجمع (6) و تقابلها البكر و هي الّتي لم تمسّ و هي المرادة في مسألة سكوتها عند طلبها و في مسألة الأولياء.

و الثاني: ذهاب العذرة و لو بحرقوص أو نزوة أو فضّ بإصبع و نحوه، و تقابلها البكر من البكارة و هي العذرة، و المراد بها التحام الفرج كما في آخر عبارتي


1- التذكرة 1: 539 السطر الاخير.
2- الدروس 3: 276، المسالك 3: 296.
3- السرائر 2: 304، كشف الرموز 1: 480، الجامع للشرائع: 267، التذكرة 1: 539 س 41، التحرير 1: 186 س 11، المختلف 5: 174، التنقيح 2: 82، جامع المقاصد 4: 329، الروضة 3: 500، المسالك 3: 296.
4- جامع المقاصد 4: 329.
5- الوسائل 12: 418، ب 6 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
6- راجع النهاية 2: 160 و مجمع الفائدة 8: 432.

ص: 189

النهاية و المجمع (1) و هي المرادة في باب ردّ العشر و نصف العشر في الإماء و الغالب إرادته في مهر المثل، و الظاهر من معناها عندهم الأوّل، و مبنى الأخير على الغالب، و بناءً على الوجه الأوّل لا يضرّ زوال التحام فرجها بغير الوطء و إن علم تقدّمه على العقد، فضلًا عن أن يشكّ فيه، و بناءً على الثاني يضرّ الأوّل دون الثاني، إلّا مع جهل تاريخ العقد و العلم بتاريخ زوال البكارة في وجه.

و الأقوى العدم، تمسّكاً بأصالة لزوم العقد، كما في صورة جهل تاريخهما و جهل تاريخ زوال البكارة و العلم بتاريخ العقد.

و الظاهر أنّ محلّ بحث الأصحاب الأخير، كما يفصح عنه قول المحقّق في الشرائع: لأنّ ذلك قد يذهب بالخطوة (2) و قول الشيخ في النهاية: لأنّ ذلك قد يذهب من العلّة و النزوة (3) و مثله ما حكى عن الكامل (4) و مثلهما غيرهما و هو الظاهر من رواية سماعة كما عرفت. فلا وجه لاحتمال كون محلّ البحث الأوّل، و لا لما يتخيّل من احتمال جعل النزاع لفظيّاً بالنسبة إلى تلك الخلافات المتقدّمة بحمل النفي على معنى و الإثبات على آخر.

ثمّ إنّه بالنسبة إلى عكس المسألة فيما لو شرط كونها ثيّباً فخرجت بكراً لا كلام في عدم ثبوت الأرش و له الردّ، عملًا بالشرط، و لأنّ العاجز قد يطلب ذلك، و قد نصّ عليه في القواعد و التذكرة و جامع الشرائع و جامع المقاصد و المسالك (5) و غيرها، و في المبسوط و التحرير: أنّه لا خيار له (6) و هو ضعيف.

[التصرية في اللغة]

التصرية في اللغة: الجمع، قال في الغريبين: صريت الماء و صرّيته إذا جمعته و حبسته، و قال في النهاية: المصرّاة: الناقة أو البقرة أو الشاة يصري اللبن في


1- المصدر السابق.
2- الشرائع 2: 37.
3- النهاية 2: 160.
4- لا يوجد عندنا.
5- القواعد 2: 73، التذكرة 1: 540 س 3، الجامع للشرائع: 267، جامع المقاصد 4: 330، المسالك 3: 296.
6- المبسوط 2: 130، التحرير 1: 186 س 4.

ص: 190

ضرعها أي يجمع و يحبس.

التصرية و قال في المصباح: صريت الناقة فهي صرية من باب تعب إذا اجتمع لبنها في ضرعها. و في الصحاح: صرّيت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أيّاماً حتّى يجتمع اللبن في ضرعها و الشاة مصرّاة. و في القاموس: ناقة صريا محفّلة و الصُّرّى كرُبّى المصرّاة الشاة المحفّلة. و في المجمع: التصرية فيما بينهم تحفيل الشاة و البقرة و الناقة و جمع لبنها في ضرعها بأن تربط أخلافها و يترك حلبها اليوم و اليومين و الثلاث ليتوفّر لبنها فيرى المشتري كثيراً فيزيد في ثمنها و هو لا يعلم، انتهى.

و التحفيل من الحفل و هو الجمع، و منه قيل للمجمع محفل، و حفّلت الشاة بالتثقيل تركت حلبها حتّى اجتمع اللبن في ضرعها فهي محفّلة، و كأنّ الأصل حفّلت لبن الشاة، لأنّه هو المجموع فهو محفّل و قد اشتهرت منه التصرية و التحفيل في جمع اللبن في الضرع من الحيوان مطلقاً، و احتمال الوضع الجديد لخصوص ذلك غير بعيد، و هو المراد في هذا المقام.

[التصرية للشاة و البقرة و الناقة]

اشارة

قال المصنّف قدس سره: «و كذا التصرية للشاة و البقرة و الناقة»

[التصرية تدليس حرام]

و التصرية تدليس حرام إجماعاً، كما في المسالك و الرياض (1) و يوجب الخيار في الشاة بين الردّ و الإمساك إجماعاً. كما في الخلاف و المختلف و المهذّب البارع و تعليق الإرشاد و الشرح و الرياض (2) و ظاهر التذكرة و غاية المرام و مجمع البرهان (3).

و عليه أخبار الفرقة، كما في الخلاف (4) و لم نجد في رواياتنا تعرّضاً لحكم التصرية سوى ما رواه الحرّ في هدايته من قوله عليه السلام: لا تصرّوا الإبل و البقر و الغنم من اشترى مصرّاة فهو بآخر النظرين إن شاء ردّها و ردّ معها صاعاً تمراً (5).


1- المسالك 3: 292، الرياض 8: 265.
2- الخلاف 3: 102 المسألة 167، المختلف 5: 175، المهذّب البارع 2: 415، حاشية الإرشاد للكركي (مخطوط): 139، الروضة 3: 501، الرياض 8: 265.
3- التذكرة 1: 526 س 29، غاية المرام 2: 71، مجمع الفائدة 8: 439.
4- الخلاف 3: 102 المسألة 167.
5- هداية الامّة 6: 141، ح 47.

ص: 191

و روى أيضاً من اشترى محفّلة فليردّ معها صاعاً (1).

و في كتاب معاني الأخبار للصدوق عن محمّد بن هارون الزنجاني عن عليّ ابن عبد العزيز عن أبي عبيدة رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله: لا تصرّوا الإبل و الغنم [فإنّها خداع (2)] من اشترى مصرّاة فإنّه بآخر النظرين إن شاء ردّها و ردّ معها صاعاً من تمر (3).

و في الغوالي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: من اشترى مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام، إن شاء أمسكها و إن شاء ردّها و صاعاً من تمر (4).

و قال صلى الله عليه و آله: من اشترى محفّلة فهو بالخيار ثلاثة أيّام، فإن ردّها ردّ معها لبنها حتماً (5).

و الظاهر أنّها مأخوذة من طريق العامّة، و لذلك اعترف بعدم الوقوف على نصّ من ذلك من طرق الخاصّة في السرائر و التحرير و غاية المراد و المسالك و مجمع البرهان (6) و غيرها. و من هنا يضعّف الاستناد إلى ما أرسله الشيخ في الخلاف من أخبار الفرقة (7) و أنّ ما يحكيه كما يرويه، و العمدة في ثبوته في الشاة الإجماع و يؤيّده حديث الضرر (8)، و ما روي في الهداية و معاني الأخبار و الغوالي.

و قد يستدلّ على ذلك بما رواه أصحابنا بثلاث طرق: صحيح و ضعيف و مرسل، و لا يضرّ ذلك بعد الانجبار، و هو ما رواه الحلبي عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمّ ردّها، قال: إن كان في تلك الأيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء (9) و ليس فيها قضيّة تصرية البائع و تدليسه.


1- المصدر السابق ص 142، ح 48.
2- ليس في المصدر.
3- معاني الأخبار: 282.
4- غوالي اللآلي 1: 219 ج 87.
5- نفس المصدر: ح 88 و فيها بدل قوله: حتماً «أو مثل لبنها قمحاً».
6- السرائر 2: 300، التحرير 1: 184 س 32، غاية المراد 2: 112، المسالك 3: 293، مجمع البرهان 8: 438.
7- الخلاف 3: 102 المسألة 167.
8- الوسائل 17: 319، ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، 341، ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
9- الوسائل 12: 360، ب 13 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 192

و يمكن أن يقال: إنّ ردّها بعد التصرّف و ردّ شي ء معها مطلق أو عامّ فيخصّ بالإجماع بالتدليس، و فيه ما فيه.

و الاعتراض بالاشتمال على ردّ ما لم يقل به المشهور، مردود بأنّ العمل ببعض الرواية مع المجبوريّة و ردّ البعض أوفق بالضوابط.

و أمّا الروايات العامّيّة الموجودة في كتب العامّة فلا يجوز الاستناد إليها و إن حصل لها الجابر، لأنّا امرنا بتلف كتبهم لأنّها كتب ضلال، فلا يجوز الأخذ بها و إن كانت مجبورة، و مجرّد عدم عثورنا على مستند من طريق الخاصّة لا يقضي بكونها هي المستند. نعم لو ذكرت في كتب أصحابنا للأخذ بها، جاز الأخذ بها مع الانجبار كما تشهد به الطريقة المستمرّة لعلمائنا الأبرار.

و الروايات المذكورة في هذا الباب الّتي رواها الصدوق و الحرّ و ابن جمهور عامّيّة، و اختصاصهم بروايتها يشكّ في كونها سبباً في الدخول تحت رواياتنا حتّى ينفع انجبارها بالشهرة، فلا تصلح إلّا للتأييد و هي بين مرسلة و ضعيفة جدّاً، لاشتمالها على عدّة من الضعفاء، و حكمها عدا الأخيرة مخالف للفتوى، لأنّ فيها ردّ التمر أو ما يعمّه و غيره، و لا وجه له كما سيأتي، إلّا أن يقال: يعمل ببعض للانجبار و يترك بعضاً، فليس المستند في الحقيقة في الشاة إلّا الإجماع و رواية الحلبي بالنحو السابق.

و أمّا البقرة و الناقة فالمشهور ثبوت التصرية فيها أيضاً كما في الحدائق (1) و هو مذهب الأكثر كما في الرياض (2) و هو خيرة المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التذكرة و الدروس و حواشي المصنّف و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و إيضاح النافع و الميسيّة و الرياض (3)، و هو المحكيّ عن أبي عليّ و القاضي (4)،


1- الحدائق 19: 95.
2- الرياض 8: 268.
3- المبسوط 2: 125، الخلاف 3: 105 المسألة 170، السرائر 2: 300، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1: 185 س 8، التذكرة 1: 526 س 39، الدروس 3: 276، جامع المقاصد 4: 349، الرياض 8: 268.
4- راجع المختلف 5: 177، المهذّب 1: 391.

ص: 193

و قوّاه كاشف الرموز (1)، و مال إليه صاحب مجمع البرهان (2)، و نقل عليه الإجماع الشيخ في الخلاف (3)، و قد تلوح دعوى الإجماع من السرائر و التذكرة (4) و غيرهما فالمستند فيهما أيضاً الإجماع المنقول المعتضد بفتوى الأكثر، المؤيّد بحديث نفي الضرر و بما تقدّم نقله عن هداية الحرّ و معاني الأخبار و الغوالي.

و تردّد في ذلك في الشرائع (5)، و استشكل في الإرشاد و الكفاية (6) و توقّف في المختلف (7).

و لم يرجّح في غاية المراد و غاية المرام و التنقيح و المهذّب البارع «21»، و قرّب في الإيضاح عدم الثبوت فيهما «31» و في المسالك و الشرح إن تمّ الإجماع و إلّا فإشكال «41».

و أمّا ثبوتها في غير النعم الثلاث كحبس لبن الأتان و الأمة و الفرس و نحوها حيث يكون المقصود منها اللبن، و حبس غير اللبن كحبس ماء القناة و الرحى و إرساله عند البيع و إبقاء المخروط أو المجزوز أو الملقوط أو المستنبط كالعسل و نحوها فيراها الرائي فيظنّ أنّ ذلك طبيعي لا من الجمع فتشتدّ رغبته في أخذه فالحكم في جميع ذلك ثبوت الخيار فيها على النحو الّذي ثبت في النعم الثلاث من ثبوته مع التصرّف، و كونه بعد الثلاثة أو كون الثلاثة محلّا لثبوته و ردّ اللبن في الثلاث إلى غير ذلك ممّا سيأتي من الامور المخالفة للقواعد فالحقّ عدم ثبوته، لأنّ المستند إن كان الإجماع فهو مقصور على النعم الثلاث، و تنقيح المناط ممنوع لفقد المنقّح من نصّ أو إجماع، و إن كان من الروايات فليس في الباب رواية تدلّ على الحكم إلّا رواية الصدوق و الغوالي و الهداية و ما رواه الحلبي بالطريق


1- كشف الرموز 1: 479.
2- مجمع الفائدة 8: 443.
3- الخلاف 3: 105 المسألة 170.
4- السرائر 2: 300، التذكرة 1: 526 س 39.
5- الشرائع 2: 37.
6- إرشاد الاذهان 1: 377، الكفاية: 94 س 9.
7- المختلف 5: 177.

ص: 194

السابق، و قد علمت ما فيها و هي مخصوصة بالنعم الثلاث، فلا تسري إلى غيرها إلّا بالتنقيح، و قد علمت ما فيه.

فما نقل عن أبي علي أنّه طرّد الحكم في سائر الحيوانات حتّى الآدمي (1) لعلّ غرضه ثبوت الخيار على النحو الأوّل و هو خيار الوصف.

و في الدروس و المفاتيح: إنّ قوله ليس بالبعيد للتدليس (2)، و كذلك ما في الدروس و التذكرة: من إلحاق حبس ماء القناة و الرحى و إرساله عند البيع و الإجارة حتّى يتخيّل المشتري كثرته بالتصرية في ثبوت الخيار (3).

و لا ينافي ما ذكرناه من الإجماعات المنقولة على نفي التصرية في غير النعم الثلاث، فإنّ المراد نفيها على النحو الّذي ثبت فيها.

قال في السرائر بعد أن ذكر التصرية في الناقة و البقرة و الشاة: و لا تصرية عندنا في غير ذلك (4) و قال في التذكرة: و لا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة في الخبر الإبل و البقر و الغنم عند علمائنا (5)، و نحوه ما في مجمع البرهان (6). و في كشف الرموز نقل الإجماع على نفي التصرية في الأتان و الأمة (7).

و هذا الخيار مخالف للقاعدة من وجوه:

منها: الردّ مع التصرّف.

و منها: تبعيض الصفقة و هي عيب بالنسبة إلى المردود عليه.

و منها: ردّ المتجدّد مع أنّه من مال المشتري إن قلنا به.

و منها: التخصيص بالثلاثة في وجه، و قد يغفل عن حلبها في الثلاثة، فيكون خيار التدليس أخفّ من خيارات الأسباب الاخر.

و منها: دخول المجهول بل المعدوم في وجه في البيع، فينبغي الاقتصار على خصوص التدليس.


1- راجع المختلف 5: 177.
2- الدروس 3: 277، المفاتيح 3: 70.
3- الدروس 3: 278، التذكرة 1: 527 س 33.
4- السرائر 2: 300.
5- التذكرة 1: 526 س 42.
6- مجمع الفائدة 8: 443.
7- كشف الرموز 1: 480.

ص: 195

و من هنا يعلم أنّ هذا الحكم لا يسري إلى غير تدليس المالك، و لا إلى تدليسه بالخبر دون العمل، و لا إلى وقوع التحفيل لا لعقد البيع بل لبعض الأغراض الاخر، و لا إلى وقوع التحفيل لإهماله و نسيانه، و يحصل بنسيان حلبها و بقائها في المرعى يومين أو أزيد اقتصاراً فيما خالف القاعدة على المتيقّن.

و من هنا استقرب في القواعد و الإيضاح و جامع المقاصد سقوط الخيار في الصورة الأخيرة (1)، و لا ينافي ذلك ما استقربه فيها في التذكرة و حواشي المصنّف من ثبوت الخيار (2)، فإنّ المراد به خيار فوات الوصف لا ما تقدّم.

و تشترك الفتوىٰ و الإجماع و الروايات بخصوص المشتري، و الظاهر أنّه مثال، فالبائع بالنظر إلى الثمن كالمشتري في حقّ المثمن.

و العقود الاخر كعقد البيع لتنقيح المناط في الجميع على إشكال في التسرية إلى العقود الاخر، لاحتمال كون السبب كثرة دوران البيع فناسب التخفيف دونها.

و المسألة على خلاف القاعدة فيقتصر فيها على المتيقّن.

[بعد اختبارها ثلاثة أيّام]

قال المصنّف قدس سره: «بعد اختبارها ثلاثة أيّام»

لا ريب أنّ التصرية تارةً تثبت بالاختبار، و اخرى بالبيّنة و الإقرار، فإن كان المثبت لها الأوّل اعتبر في ثبوت الخيار بها مضيّ ثلاثة أيّام، كما يظهر من المصنّف، و هو ظاهر كلّ من اعتبر الاختبار ثلاثة أيّام، كما في الشرائع و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التنقيح و الكفاية (3) و غيرها باعتبار احتمال استناد اللبن إلى تغيّر المرعى و الأمكنة و نحوها، فقدّره الشارع بهذه المدّة، لأنّها ممّا يستكشف بها غالباً، و ما نقص عنها لا يحصل به الاستكشاف، و ما زاد عليها يحصل به الضرر على البائع، و فيها يحصل الجمع بين الحقّين، و هي المدّة المضروبة في غيره من


1- القواعد 2: 77، إيضاح الفوائد 1: 497، جامع المقاصد 4: 349.
2- التذكرة 1: 527 س 31، حكاه عن الحواشي للشهيد في مفتاح الكرامة 4: 649 س 13.
3- الشرائع 2: 37، القواعد 2: 77، التذكرة 1: 526 س 29، الإرشاد 1: 377، التنقيح 2: 79، الكفاية: 94 س 9.

ص: 196

الخيارات، و حينئذٍ فلا أثر للنقصان في اليوم الثاني ما لم يستمرّ إلى اليوم الثالث، و لا يعتبر نقصان اليوم الثالث وحده و لا مع ضمّه إلى ما بعده، بل لا بدّ من التكرار في المدّة ليوثّق بكون النقصان ليس لأمر عارضي.

و قد يلوح من بعض كلام هؤلاء ثبوت الخيار بالنقصان في اليوم الثالث وحده لتعليلهم عدم الثبوت قبل الثلاثة بكونها المدّة المضروبة في الشرع فلا يثبت قبلها، إلّا أنّ تعليلهم .. اعتبار الثلاث باحتمال استناد تغيّر اللبن إلى العلف و الأمكنة ينافيه، و حينئذٍ فالفرق بين مدّة التصرية و خيار الحيوان أنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها و في مدّة التصرية بعدها، و الحمل على التخيير في آخر جزء من الثلاثة يوجب المجاز فيها.

و قد صرّح جمع منهم بثبوته حينئذٍ على الفور حتّى ممّن قال في غيره بالتراخي اقتصاراً على المتيقّن.

و قد يحمل كلام المصنّف و الجماعة على أنّ التحديد بالثلاثة لمصلحة المشتري، إذ قد يكون اللبن كثيراً جدّاً بسبب التصرية، فلا ينكشف باليومين بل لا بدّ من الثلاثة، و ليس الغرض أنّ الثلاثة كلّها لا بدّ أن تكون ظرفاً للاختبار في سائر المقامات، كما يظهر ذلك من الشهيد في غاية المراد و المحقّق الثاني في تعليقه على الإرشاد و الأردبيلي في مجمع البرهان (1).

و في جامع المقاصد: أنّ المفهوم من النصوص و من إطلاق كلامهم، أنّ نقصان اللبن في جزء من الثلاث موجب للخيار (2).

و في الدروس: فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار.

و لو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار (3).

و حمل الزيادة بعد النقصان على كونها بعد الثلاثة، خلاف الظاهر.

و بناءً على هذا الوجه إن تساوت الحلبات تساوياً عرفيّاً فلا تصرية، و كذا إذا


1- غاية المراد 2: 112، تعليق الإرشاد (مخطوط): 139، مجمع الفائدة 8: 441.
2- جامع المقاصد 4: 351.
3- الدروس 3: 277.

ص: 197

كانت الحلبة الاولى ناقصة و ما عداها زائداً عليها، و أمّا إذا كانت الاوليان متساويتين و الأخيرة ناقصة أو تساوت الاولى و الأخيرة و نقصت الوسطى لم تثبت التصرية.

و يشكل ذلك كما في مجمع البرهان باختلاف اللبن باختلاف الزمان و المكان و المأكول و المشروب (1) فكيف تثبت التصرية بمجرّد نقصانه في ضمن الثلاثة مع احتمال استناده إلى ما ذكر.

و اجيب بأنّه قد يحكم بها أهل الخبرة من الرعاة و أصحاب البقر و الشاة مع فرض التساوي في الامور الّتي لها مدخليّة في الغالب، و لا يلتفت إلى تلك الاحتمالات. و عليه منع ظاهر.

ثمّ إنّه على تقدير ثبوت التصرية بذلك، فهل الخيار حينئذٍ في ضمن الثلاثة على الفور، أو يمتدّ إلى آخر الثلاثة إلّا أنّه مقيّد بترك التصرّف بعد العلم و لو بالحلب و لو تصرّف سقط خياره، أو يثبت له بعد الثلاثة فوراً مع الشرط المذكور و في ضمن الثلاثة له الردّ بخيار الحيوان فقط بناءً على عدم سقوطه بمثل هذا التصرّف؟ وجوه يستعلم حكمها ممّا سيأتي.

و في الدروس: لو علم بها أي التصرية بعد العقد قبل الحلب تخيّر، قاله الفاضل مع توقّفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلب (2) انتهى. و ظاهره إنكاره على العلّامة الفرق بين المقامين.

هذا كلّه إذا ثبت التصرية بالاختبار.

و أمّا إذا ثبت بالبيّنة و الإقرار، فهل يثبت الخيار له بمجرّد ذلك أو لا بدّ مع ذلك من الاختبار؟ قولان. و ظاهر أهل القول الثاني الاكتفاء بالنقصان في الجملة في ضمن الثلاثة في ظهور التصرية المثبتة للخيار و تحقّقها، و لم نجد مصرّحاً باعتبار الثلاثة فيما نحن فيه، كما تقدّم في صورة ما إذا لم تسبق البيّنة و الإقرار.

و بناءً على اعتبار الاختبار بكلّ واحد من الاحتمالين فلا أثر للبيّنة و الإقرار،


1- مجمع الفائدة 8: 441.
2- الدروس 3: 279.

ص: 198

لأنّ المثبت إنّما هو الاختبار. و مبنى القول باشتراط الاختبار في ثبوت الخيار و القول بعدمه، على أنّ زوال التصرية بعد ثبوتها رافع لحكم الخيار أو لا كالوجهين في ارتفاع العيب قبل العلم به.

حجّة القائلين بالأوّل أنّ التصرية من حيث هي غير موجبة للخيار، بل هي موجبة لإظهار ما ليس في المبيع من الصفات الّتي يوجب فواتها، فإذا وجد ما أظهر لم يكن له خيار، و مع الشكّ في الوجود لا بدّ من الاختبار، لاحتمال ارتفاع التصرية بسبب تغيّر المرعى أو غيره أو هبةً من اللّٰه، فلا يثبت الخيار، لزوال الموجب.

و فيه: أنّ الأصل عدم الزوال، فله أن يفسخ في الحال، غير أنّ فسخه يبقى مراعى إلى أن ينكشف الأمر و لعلّ أهل هذا القول يريدون أنّ استقرار الفسخ مشروط بالاختبار، و نسب هذا القول في المسالك إلى الأشهر (1).

و به صرّح في المبسوط و الشرائع و الجامع و التحرير و الإرشاد و القواعد و التذكرة و إيضاح النافع (2) و قوّاه كاشف الرموز و صاحب الرياض (3).

و حجّة القائلين بالثاني استصحاب بقاء الخيار.

و فيه: أنّ الخيار بعد لم يثبت حتّى يستصحب و ثبوته ظاهراً لا يفيد، و هو على خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على المتيقّن، و المتيقّن ما عدا هذه الصورة.

و نسب هذا القول إلى الشيخ في الخلاف (4)، و عليه ظاهر المصنّف في نكت الإرشاد (5)، و ظاهر المحقّق الثاني و الشارح في المسالك (6) التردّد.

ثمّ إنّه على كلّ من القولين من اعتبار الاختبار و عدمه، هل يثبت هذا الخيار على الفور، أو يمتدّ بامتداد الثلاثة مع ترك التصرّف بعد العلم و لو بالحلب، أو يثبت


1- المسالك 3: 293.
2- المبسوط 2: 125، الشرائع 2: 37، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1: 184 س 31، إرشاد الأذهان 1: 377، القواعد 2: 77.
3- كشف الرموز 1: 490، الرياض 8: 266.
4- الخلاف 3: 106 المسألة 173.
5- غاية المراد 2: 112.
6- جامع المقاصد 4: 351، المسالك 3: 293.

ص: 199

بعد الثلاثة فوراً، أو الثابت فيها خيار الحيوان فقط بناءً على عدم سقوطه بمثل هذا التصرّف؟ وجوه، بل أقوال:

ذهب إلى الأوّل الشهيد في غاية المراد، حيث قال: و لو علم كونها مصرّاة قبل الحلب و بعد العقد ثبت له الخيار على الفور (1). و ظاهر التنقيح و إيضاح النافع موافقته (2) اقتصاراً فيما خالف القاعدة من لزوم العقد على المتيقّن.

و ذهب إلى الثاني الشارح في الشرح (3) و المصنّف في حواشيه على القواعد، و هو الظاهر من عبارة الدروس حيث قال: هذا الخيار على الفور إذا علم به، و الظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إذا كانت ثابتة، و إلّا فمن حين العلم (4) انتهى. و مراده بالفوريّة إنّما هو بالنسبة إلى علمه به بعد الثلاثة، فلا ينافيه قوله بامتداده بامتداد الثلاثة.

و تردّد العلّامة في التذكرة بينه و بين الأوّل، قال: و لو أسقط خيار الحيوان، فإنّ خيار التصرية لا يسقط، و هل يمتدّ إلى الثلاثة أو يكون على الفور؟ إشكال (5).

و دليلهم على ذلك النصوص العامّية عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «من اشترى شاة مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام إن شاء أمسكها و إن شاء ردّها (6)». و قد عرفت أنّها لا تصلح للحجّية، مع احتمال أنّ المراد بها خيار الحيوان، و لا إجماع في المقام حتّى يستنهض به.

و الثمرة بين ثلاثة الحيوان و ثلاثة التصرية على الوجه الأوّل ظاهرة، فإنّه يسقط خيار التصرية بالإخلال بالفوريّة و يبقى خيار الحيوان. و على الثاني تظهر فيما لو أسقط أحدهما و أبقى الآخر.

و ذهب إلى الثالث المحقّق الثاني في جامع المقاصد [قال] و الّذي ينبغي


1- غاية المراد 2: 112.
2- التنقيح 2: 80.
3- الروضة 3: 503.
4- الدروس 3: 279.
5- التذكرة 1: 526 س 34.
6- سنن البيهقي 5: 320، باب مدّة الخيار في المصرّاة.

ص: 200

علمه هنا هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة لأنّه خيار الحيوان، كما صرّح به الشيخ، و تصرّف الاختبار مستثنى دون غيره، فمتى علم بالتصرية فشرط بقاء الخيار عدم التصرّف فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور (1).

و هو الظاهر من العلّامة في التحرير، حيث إنّه بعد أن وافق الشيخ في أنّ مدّة الخيار في المصرّاة ثلاثة أيّام كغيرها من الحيوانات، قال بلا فصل: و يثبت على الفور و لا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال (2)، فليس المراد بالفور إلّا بالنسبة إلى ما بعد الثلاثة.

و قد يستدلّ لذلك بأنّ المفهوم من كلام الأصحاب أنّ خيار التصرية محلّه بعد الثلاث مطلقاً، و أنّ الثلاث كما تعتبر لثبوت التصرية تعتبر لزوالها، و هو ممنوع كما عرفت من نقل كلام جملة منهم، و ستعرف أنّه في صورة الثبوت بالبيّنة و الإقرار اكتفوا في الاختبار بالنقصان في الجملة و لم يعتبر أحد منهم الثلاث كما عرفت.

و أمّا كلام الشيخ في المبسوط و الخلاف و ما في الجامع و التحرير: من أنّ هذا الخيار ثلاثة أيّام مثلها في سائر الحيوانات (3)، فظاهرها تقييد خيار التصرية بالثلاثة مطلقاً سواء ظهرت بالاختبار أو غيره، و ليس بمراد قطعاً كما يقضي به ضمّ كلامهم بعضه إلى بعض.

بل المراد بيان أنّ الثلاثة لمكان خيار الحيوان في مقابل ما روته العامّة، و ذهب إليه بعض الأصحاب كما عرفت من أنّ الثلاثة للتصرية.

و قد استظهر ما ذكرناه في غاية المرام من التحرير (4)، و نقل التصريح به عن الشيخ في الدروس (5).

و على كلّ حال فليس في ذلك دلالة على ثبوت الخيار بعد الثلاث و عدم ثبوته.


1- جامع المقاصد 4: 354.
2- التحرير 1: 185 س 6.
3- المبسوط 2: 125، الخلاف 3: 103 المسألة 168، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1: 185 س 6.
4- غاية المرام: 2: 73.
5- الدروس 3: 279.

ص: 201

و ربّما تخيّل إرجاع القول بالفوريّة إلى القولين الآخرين، بأن يراد بالفوريّة ثبوته له في ذلك الوقت و إن استمرّ إلى الثلاث، و يكون ذلك لمكان خيار التصرية فيرجع إلى القول الثاني، أو لمكان خيار الحيوان فيرجع إلى الثالث، مع احتمال أن يراد بالفوريّة معناها و لكن فيما بعد الثلاث فيرجع إليه أيضاً، و الكلّ من البعد بمكان.

و التحقيق أنّ هذا الخيار فرد من أفراد خيار الوصف كما عرفت.

فإذا قلنا باستثناء تصرّف الاختبار و إن كثر من السقوط بالتصرّف كان على الفور كغيره من خيار الوصف، اقتصاراً على المتيقّن من الخروج عن دليل لزوم العقد، و يبقى خيار الحيوان مستمرّاً إلى الثلاث.

و أمّا إذا لم نقل بتوقّف هذا الخيار على الاختبار، و لم يكن قد تصرّف، فلا إشكال.

و إن لم نقل باستثنائه كما هو الأقوى، كان مقتضى القاعدة سقوط خيار التصرية بالنسبة إلى هذه الصورة بالكلّية، و كذلك يسقط خيار الحيوان أيضاً، و لا نقول بثبوت خيار التصرية فيها فيما بعد الثلاث، لعدم الدليل عليه.

نعم في صورة ما إذا لم يمكن الاختبار إلّا بمضيّ الثلاثة أيّام، نقول به للدليل.

اللّهمّ إلّا أن ينقّح مناطاً بين الصورتين، فيثبت في الثلاث على الفور و إن تصرّف، و يسقط خيار الحيوان، و هو الأقرب.

و ابتداء ثلاثة التصرية من حين العقد لا من حين التفرّق كما نصّ عليه بعض الأصحاب.

[و يردّ معها اللبن حتّى المتجدّد]

قال المصنّف قدس سره: «و يردّ معها اللبن حتّى المتجدّد أو مثله لو تلف»

لا كلام في وجوب ردّ اللبن الموجود بعينه حال العقد إذا لم يتغيّر. و قد حكي عليه الإجماع في شرح الإرشاد للفخر (1).

و لا ينافي ذلك ما في المهذّب البارع من جعل ردّ اللبن مع وجوده محلّ خلاف و أنّ الأقوال فيه ثلاثة: ردّه فقط، و ردّه و صاعاً من حنطة أو تمر معه و نسبه إلى ابن


1- حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.

ص: 202

الجنيد، و ردّه و صاعاً من برّ لا تمر و نسبه إلى ابن البرّاج (1) فإنّ الأقوال الثلاثة كلّها مشتملة على ردّ اللبن الّذي قضى به الإجماع و إن قضى بعضها بردّ غيره معه.

و المنقول في المختلف عن ابن الجنيد: إنّه إذا ردّ ما حلبه لم يكن عليه شي ء.

و عن القاضي: إنّه جزم بأنّه لا يجبر على أخذه بل له أخذ الصاع من التمر أو البرّ (2)، و هو يخالف ما في المهذّب (3).

نعم في كشف الرموز: لا خلاف في أنّه مع وجود اللبن لا يلزم إلّا ردّه معها (4) و هو ينافي ما في المهذّب.

و باعتبار ما ذكرنا حمل جماعة كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: إذا كان اللبن باقياً لم يجبر البائع عليه، و إن قلنا: إنّه يجبر كان قويّاً (5)، و كلام القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في المختلف: من أنّه: لا يجبر (6)- جازماً به على ما إذا كان قد تغيّر، إذ شأن اللبن ذلك غالباً و حينئذٍ قد لا يجبر أو يجبر مع الأرش، كما حمل كلام الشيخين في المقنعة و النهاية حيث قالا: إلّا أنّه إذا ردّها ردّ معها قيمة ما احتلبه من لبنها بعد إسقاط قدر ما أنفق عليها إلى أن عرف على صورة التعذّر (7).

و الدليل على وجوب ردّ اللبن حال العقد بعد الإجماع المنقول سابقاً كما عرفت: أنّه جزء من المبيع فإذا فسخ البيع ردّه كما ردّ المصرّاة.

و الروايات العامّية (8) و إن كانت صريحة بخلاف ذلك إلّا أنّها ساقطة عن الحجّية كما عرفت.

و أمّا مع تعذّره فمذهب مشهور الأصحاب: أنّه يردّ مثله، فإن تعذّر فقيمته وقت الدفع و مكانه، كغيره من الأعيان المضمونة. و المخالف في ذلك الشيخ في


1- المهذّب البارع 2: 415 و فيها .. (ب) يردّ معها لبنها أو عوضه من حنطة أو تمر .. (ج) يردّ معها عوض اللبن صاعاً من برّ أو تمر.
2- المختلف 5: 176.
3- المهذّب 1: 391.
4- كشف الرموز 1: 479.
5- المبسوط 2: 125.
6- بل حكاه عن المهذّب، راجع المختلف 5: 176.
7- المقنعة: 598، النهاية 2: 159.
8- انظر سنن البيهقي 5: 318.

ص: 203

الخلاف و المبسوط (1)، و أبو عليّ على ما حكاه في المختلف (2)، و القاضي في المهذّب فيما حكي عنه (3)، و ابن زهرة و يحيى بن سعيد فقالوا: إنّه يردّ عوض اللبن صاعاً من برّ أو صاعاً من تمر (4)، و زاد في المبسوط: أنّه مع تعذّر الصاع تجب قيمته و إن أتى على قيمة الشاة و لا اعتبار بفضل الأقوات، و استدلّ عليه في الخلاف بإجماع الفرقة و أخبارهم، و في الغنية الإجماع عليه. و نقل عن الشيخ قول آخر: بأنّه مع ردّها يردّ معها ثلاثة أمداد، و استدلّ له صاحب الكفاية بحسنة الحلبي السابقة قال: و الرواية مختصّة بصورة شرب اللبن، و لا يبعد العمل بمضمونها، لحسنها مع اعتضادها بغيرها (5) انتهى.

و ظاهر الرواية (6) ثلاثة أمداد من لبن، و قيل: من الطعام (7)، و لا وجه له.

و قد حمل جماعة من المتأخّرين كلام الجماعة على ما إذا كان قد تعذّر و كان ذلك هو القيمة السوقيّة (8) باعتبار مخالفته للقاعدة، لأنّ المقدّر من غير المثل في المثلي لا وجه له خصوصاً إذا كان ممّا يزيد و ينقص، و لو جعل كالقيمي وجب قيمة المثل و المثل لا معنى له مع كونه ممّا يزيد و ينقص، مع مخالفته للمشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً، مع أنّ القاضي في الكامل (9) وافق المشهور، و الشيخ في النهاية (10) لا يأبى كلامه الحمل على المشهور. فالإجماع المدّعى ممنوع، و الأخبار المرسلة في الخلاف (11) لا يصلح الاستناد إليها، لما عرفت من اعتراف كثير من الأصحاب بعدم وجود نصّ خاصّ في الباب بعد كمال الفحص و التتبّع، مع خلوّ كتب الأخبار عنها.


1- الخلاف 3: 104 المسألة 169، المبسوط 2: 125.
2- المختلف 5: 176.
3- المهذّب 1: 391.
4- الغنية: 223، الجامع للشرائع: 267.
5- الكفاية: 94 س 6.
6- الوسائل 12: 360، ب 13 من أبواب الخيار، ح 1.
7- حكاه في مفتاح الكرامة عن الشيخ، راجع ج 4 ص 647 س 18.
8- لم نقف عليه إلّا في المختلف 5: 176.
9- حكاه عن الكامل في المختلف 5: 175.
10- النهاية 2: 159.
11- الخلاف 3: 104 المسألة 169.

ص: 204

و خبرا أبي هريرة (1) و إن دلّا على ذلك إلّا أنّهما لمكان ضعفهما و اضطرابهما و سقوطهما عن الحجّية حتّى مع الجابر و عدم الجابر لهما في المحلّ مع مخالفتهما للقاعدة و لخبر عبد اللّٰه بن عمر (2) محمولان على ما حمل عليه كلام الجماعة.

و عساك تقول: إنّ فتوى هؤلاء الجماعة و الإجماعين تجبر الأخبار المرسلة في الخلاف و الخبرين العامّيّين.

و قد نسب في المختلف نقل الإجماع إلى علمائنا فقال: و ما نقله علماؤنا من الصاع (3) .. إلخ، فلا حاجة إلى التنزيل، و فيه ما عرفت.

و أمّا رواية الأمداد ففيها مع ما سبق: أنّها غير مخصوصة بالمصرّاة و الأخذ بإطلاقها مخالف للإجماع. هذا كلّه بالنظر إلى الموجود حال البيع.

و أمّا بالنسبة إلى المتجدّد في الثلاثة، فصريح المصنّف هنا و إيضاح النافع، و ظاهر المقنعة و النهاية و السرائر و التحرير و المفاتيح: أنّه يردّ أيضاً (4) و نسبه الفخر إلى إطلاق الأصحاب. و في مجمع البرهان: أنّه ظاهر عبارات المتون (5).

و المبسوط و التذكرة و شرح الإرشاد للفخر و التنقيح و جامع المقاصد و تعليق النافع و الميسيّة و المسالك: لا يردّ (6) و هو الأقوى. و في جامع المقاصد: أنّ عليه الفتوى (7). و استشكل فيه العلّامة في القواعد و ولده في الإيضاح و المصنّف في الدروس (8).

و جعل جماعة مستند الوجه الأوّل إطلاق النصّ (9) و فيه: أنّه لا نصّ في


1- سنن البيهقي 5: 318.
2- سنن البيهقي 5: 319.
3- المختلف 5: 176.
4- المقنعة: 598، النهاية 2: 159، السرائر 2: 282، التحرير 1: 184 س 30، مفاتيح الشرائع 3: 70.
5- راجع مجمع الفائدة 8: 438 439.
6- المبسوط 2: 125، راجع التذكرة 1: 527 س 8، التنقيح 2: 80، جامع المقاصد 4: 348، المسالك 3: 292.
7- جامع المقاصد 4: 348.
8- القواعد 2: 76، إيضاح الفوائد 1: 496، الدروس 3: 277.
9- راجع إيضاح الفوائد 1: 496 و الرياض 8: 267.

ص: 205

المسألة من طرقنا، و الأخبار الثلاثة في الباب، الواردة من طرق العامّة على فرض الاستناد إليها ليس فيها تعرّض لردّ اللبن.

و لعلّ الوجه فيه أصالة عدم وجود لبن آخر، و إطلاق كلمات الأصحاب بردّ اللبن.

و فيه: أنّه لا ريب في حصول العلم بالتجدّد بمقتضى العادة سيّما بالنسبة إلى اليوم الثالث فينقطع به الأصل، مع أنّ محلّ البحث، المتجدّد. نعم حيث يحصل الشكّ يتمسّك بالأصل، و مع العلم بالامتزاج يصطلحان، و أيضاً الحكم به قبل الانفصال مطلقاً للبائع، نعم حيث يمتزجان في الخارج يتوجّه الصلح. و أمّا إطلاق كلام الأصحاب فالمتيقّن منه الموجود حال البيع، مع أنّ الناصّين على العدم جمّ غفير، فلا إجماع يعوّل عليه في المقام.

و أمّا مستند القول الثاني فهو: أنّ الخراج بالضمان، و المتجدّد نماء ملك المشتري فلا يردّ.

و بنى المسألة في الدروس و التنقيح على أنّ الفسخ يرفع العقد من أصله أو من حينه (1). و لا ريب أنّ فسخ العقد عندهم في سائر المقامات إنّما يقع من حينه، مع أنّ استصحاب الآثار المترتّبة على العقد يقضي بذلك. نعم لو قلنا بعدم انتقال المبيع في زمن الخيار صحّ ذلك.

ثمّ إنّه على القول بردّ المتجدّد فحيث يتعذّر يجي ء الخلاف السابق كما يقضي به إطلاق كلامهم هناك، و لا تكرّر له الصوع و الأمداد، و إذا تغيّر اللبن فأقوى الوجوه ردّه مع قيمة التفاوت كما في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و الشرح و المسالك و مجمع البرهان (2) و غيرها، لأنّه مضمون على المشتري، فإنّه جزء المبيع، هذا إذا لم تتفاوت قيم الأمثال.

و لو تفاوتت قيم الأمثال فإشكال. و ربّما احتمل ردّه مجّاناً كما احتمل


1- الدروس 3: 277، التنقيح 2: 80.
2- التذكرة 1: 527 س 6، الدروس 3: 277، جامع المقاصد 4: 348: الروضة 3: 502، المسالك 3: 293، مجمع الفائدة 8: 439.

ص: 206

الانتقال إلى بدله.

و قال في الدروس: لو اتّخذه جبناً فظاهر أنّه كالتالف (1). و فيه: أنّه عين المال. ثمّ قال: و لو قلنا بردّه فله ما زاد بالعمل. ثمّ اعلم أنّ هذا الخيار يسقط بالتصرّف بغير الحلب كسائر الخيارات، نعم التصرّف بخصوص الحلب استثناه الدليل، فما صرّح به صاحب الحدائق من عدم سقوط خيار التدليس مطلقاً بالتصرّف مطلقاً (2) لا وجه له.

و التصرّف بالحلب تسقط به جميع الخيارات ما عدا هذا الخيار.

فلو رضي بالتصرية ثمّ ظهر على آخر فإن كان قد حلبها فلا ردّ. و لو تصرّف باللبن بعقد صلح أو استحقاق بغير هذا البيع بأيّ ناقل كان، كان له الردّ بخيار الحيوان أو العيب أو غيرهما، و كذا جميع الخيارات الّتي تسقط بالتصرّف إذا استند التصرّف فيها إلى عقد آخر فلا يسقط الخيار.

و يسقط بعلم المنقول إليه، و الإسقاط، و اشتراط السقوط، و بالبراءة من جميع المناقص.

و لو ماتت الشاة المصرّاة فلا شي ء له كما في القواعد و التذكرة و جامع المقاصد (3) لأنّها من ضمانه، و ظاهرهم أنّه ليس له الفسخ حينئذٍ. و قد يقال: إنّها لو ماتت بغير تفريط من المشتري فله الفسخ و دفع المثل أو القيمة كما تقدّم في خيار الغبن.

و هذا الخيار نوع من خيار الوصف و خيار الوصف أعمّ منه، و قد يكون فرداً من المعيب كما إذا كان نقص اللبن متجاوز الحدّ بحيث يكون مخالفاً للعادة العامّة و يتخيّر حينئذٍ بين الردّ و الأرش.


1- الدروس 3: 277.
2- الحدائق 19: 97.
3- القواعد 2: 77، التذكرة 1: 528 س 2، جامع المقاصد 4: 354.

ص: 207

[العاشر: خيار الاشتراط]

اشارة

قال المصنّف قدس سره:

«العاشر: خيار الاشتراط»

[الكلام يقع في مقامات]

اشارة

الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

[المقام الأوّل في معنى الشرط]

المقام الأوّل في معنى الشرط إنّ لفظ «الشرط» في هذا المقام يحتمل أحد معنيين: إمّا ما ينتفي المشروط بانتفائه و كان هو ممّا يتوقّف عليه وجود المشروط و إن لم يلزم من وجوده وجود المشروط.

أو ما يلزم و يلتزم به، و كلاهما من المعاني و الحقائق العرفية. و لكنّهم لمّا كانوا يستدلّون في هذا المقام في موارد المسألة بقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم (1). فلا بدّ من حمله على المعنى الأوّل، كما يظهر من كلام الأكثر و هو أشهر المعنيين و أكثرهما استعمالًا، لئلّا يلزم استعمال المشترك في معنييه الحقيقي و المجازي.

و رجّح بعض المتأخّرين (2) حمله على المعنى الثاني. و يشكل عليه أنّه بناءً على ذلك يقتضي وجوب الالتزام بكلّ ما التزم به المؤمن و لو بغير طريق الوعد، و لا قائل به من الأصحاب.

نعم بالنسبة إلى الالتزام بالوعد ذهب إليه الأردبيلي (3)، و هو خلاف ما عليه الأصحاب.


1- الوسائل 15: 30 ب 20 من ابواب المهور، ح 4.
2- راجع الكفاية ص 97 س 22.
3- مجمع الفائدة 8: 147.

ص: 208

اللّهمّ إلّا أن يخصّص بما عدا ذلك، أو يدّعى أنّ المراد بالإلزام و الالتزام به في ضمن العقد سواء علّق لزوم العقد و استمراره عليه أم لا باعتبار ظهور لفظ «الشرط» في الإلزام التابع المربوط بغيره، و التبعيّة و الارتباط حاصلة في المقام و إن لم يكن العقد مرتبطاً به، و بهذا يخرج الشرط المبتدأ، و لذلك عدّ من الشروط شرط الإحلال عند الصدّ في الإحرام، و شرط الاعتكاف، و شرط الخدمة في العتق، و الشروط في النكاح.

و فيه: أنّه تقييد للنصّ من غير دليل، و الظهور المدّعى ممنوع، و سيأتي لهذا مزيد بيان.

ثمّ الظاهر أنّ المراد بالشرط في هذا المقام ما كان من الشرائط المستقبلة، دون الماضويّة و المقارنة كما ينبئ عنه اشتراط الإباحة و المقدوريّة و نحوهما، و يكون القسمان الآخران داخلين في خيار الرؤية أو الوصف أو العيب أو التدليس في بعض الأحيان.

و ربّما جعلوا محقّق الوقوع المستقبل كطلوع الشمس قسيماً للشرط و سمّوه الصفة.

[المقام الثاني في التعليق على الشرط]

المقام الثاني في التعليق على الشرط فنقول: لا ريب أنّ الإنشاء لا يقبل التعليق بمعنى تعليق نفس الإنشاء، إذ ليس له مدلول وراء لفظه و إنّما يحصل بلفظه كالإخبار، فلو علّق كان كالإخبار بأنّه سينشئ بعد ذلك فلا إنشاء بالفعل. كما أنّه لا كلام في قبوله التعليق بمعنى تعليق المنشأ سواء كان على معلوم الوقوع أو مظنونه أو مشكوكه، لأنّ المنشأ كما ينشأ مطلقاً مرّة و مقيّداً اخرى كذلك ينشأ معلّقاً مرّة و منجّزاً اخرى، و الترديد و التشكيك في وقوع المعلّق عليه لا يقدح، فإنّه لا يعود إلى الإنشاء، لأنّ الإنشاء قد حصل الجزم به على أحد التقديرين، و كون كلّ واحد من التقديرين غير مجزوم به في الواقع لا ينافي ذلك، و لهذا صحّ قوله: إن كان مالي الغالب سالماً فهذه زكاته و إلّا فنافلة، في باب العبادات الّتي شرطها الجزم بالنيّة.

و من ذلك دخول المأموم في الصلاة مع الشكّ في إدراك الإمام راكعاً

ص: 209

و الاستصحاب لا يفيد جزماً، و نحو ذلك.

نعم بالنسبة إلى العقود لا يجوز فيها التعليق و لو باعتبار المنشأ، لأنّها مبنية على وقوع آثارها من حينها، إمّا للإجماع على ذلك، أو باعتبار أنّ مفاد صيغها ذلك، لا باعتبار منافاة الإنشاء التعليق و لو باعتبار المنشأ، فإنّ ذلك فاسد كما عرفت.

و أمّا ما أجازه الأصحاب من صحّة إجارة الدار بعد سنة فليس فيه منافاة لما ذكرنا من مقارنة وقوع آثار الصيغ لها، لأنّ ملكَ بعد سنةٍ حاصل للمستأجر الآن و تترتّب عليه ثمرات الملك.

و ما ادّعاه العلّامة من الإجماع على صحّة التوكيل لو قال: أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاجّ (1) لا ينافي ما ذكرنا أيضاً، فإنّ قدوم الحاجّ قيد للبيع لا للتوكيل، و لهذا نقل الإجماع، هو بنفسه على عدم جواز التعليق في الوكالة على شرط و لا وصف.

و لا فرق في عدم جواز التعليق فيها بين الصريح كالمعلّق على شرط و شبهه، أو المعلّق بحسب القصد كبيع الفضولي معلّقاً له على الإجازة بحسب قصده، أو بيع مال مورّثه معلّقاً له على الموت كذلك، أو بيع ما شرطه الملك فيه القبض من صرف أو سلم معلّقاً للملك على القبض و لو بالقصد.

نعم إذا جزم بالإيقاع كفى و إن كان متردّداً بالوقوع أو خالي الذهن، و لا يزيد بمقارنة الصيغ لآثارها أزيد من ذلك، و لذلك أنّ المغصوب يصحّ بيعه عندهم اكتفاءً بقصد النقل العرفي و يكتفون فيه بالجزم بالنسبة إلى ذلك، فتأمّل.

نعم التعليق بالنسبة إلى شرط الشرط الأقوى جوازه، كما يدلّ عليه التعليق على ردّ الثمن في شرط الخيار و اشتراط المؤامرة.

و دعوى: الاقتصار في ذلك على خصوص المقامين أو على خصوص شرط الخيار و إن كان بغيرهما، لا وجه له، و الغرر مندفع في ذلك عرفاً، و يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، و ليس فيه منافاة للجزم بمشروط الشرط الأوّل، و مع عدم حصول المعلّق عليه ينتفي المعلّق و لا يثبت له خيار بانتفائه.


1- التذكرة 2: 114 س 28.

ص: 210

و دعوى: سراية التعليق إلى المشروط الأوّل، ممنوعة، و التعليق على المقارن المحقّق الوقوع ليس من التعليق.

و ما يقال: إنّ الشرط عندكم ملكيّة الشرط كما سيأتي و هي من المقارن المتحقّق الوقوع. فينبغي بناءً على ذلك عدم البأس بالإتيان ب «إن» الشرطيّة و التعليق عليها بالنسبة إلى ذلك و أنتم لا تقولون به.

قلنا: لا ريب أنّ الملكيّة شي ء متأخّر عن التعليق بالذات و مرتّب عليه، فإذا لم يصحّ التعليق لم يقع ما هو المرتّب عليه، فهذا من باب التعليق حقيقة، بخلاف الأوّل. نعم هو من باب دور المعيّة كما سيأتي، فتأمّل.

و الظاهر أنّ العقود لا يجوز فيها ما ظاهره الترديد الصريح إجماعاً بل الشرط في شرطها أن لا يفيد التردّد، و لهذا جاز «بعتك بشرط كذا» و لا يصحّ «بعتك أن تفعل كذا» و إن كان لفظ الشرط و أداته بمعنى واحد، لأنّ الشرط في القسم الأوّل من توابع العقد و لواحقه و بمنزلة جزئه و أحد متعلّقاته حتّى قيل: إنّ الشروط في البيع من صفات المبيع، و في القسم الثاني متصوّر بالأصالة فلا يدخل كالشرط المنفصل متقدّماً أو متأخّراً.

هذا إذا لم تجعل الشرط بمعنى الإلزام و الالتزام.

أمّا إذا جعلناه بهذا المعنى فلا كلام، و الفرق ظاهر حينئذٍ بين لفظ الشرط، و أداة الشرط، فافهم.

و الظاهر أنّ الإيقاعات كالعقود في عدم قبولها التعليق إلّا ما كان الشرط فيه بمنزلة المقوّم و كان بناؤه عليه غالباً، كما في القَسَم و النذر و العهد و الظهار و نحوها، فإنّها قد شرّعت لمثل ذلك و في الغالب يوجد فيها التعليق.

و ربّما ادّعى بعض المتأخّرين عدم جواز التعليق فيها كالعقود، و إنّما هي و العقود سواء، و إنّما يتراءى التعليق فيها فهو تعليق للمتعلّق، فالنذر لا تعليق فيه و إنّما التعليق للمنذور و هكذا. قال: و أمّا التدبير فظاهر الأصحاب أنّه وصيّة لا تعليق بالموت كما صرّح به الشهيد في القواعد (1) انتهى.


1- القواعد و الفوائد، القسم الأوّل: 306، القاعدة 104.

ص: 211

و فيه: أنّه ليس محلّ البحث تعليق نفس الإنشاء، و إنّما الكلام في تعليق المنشأ، و قد عرفت أنّ الثاني لا يجوز في العقود و إن جاز في بعض الإيقاعات، و أمّا الأوّل فلا يجوز في الإنشاء مطلقاً، و لا كلام فيه.

نعم هذا التوجيه في مقابلة من يتخيّل تعليق نفس الإنشاء في هذه المقامات و أنّ الشارع قد تعبّد بهذه الصورة و إن كانت من قبيل الإخبار، له وجه وجيه، فتأمّل.

[المقام الثالث الشروط في العبادات الصرفة]

إنّ الشروط في العبادات الصرفة غير شائعة، فشرط السفر و الحضر في الصوم (1) و شرط الاعتكاف (2) و الإحرام (3) على خلاف القاعدة.

و الظاهر أنّ المراد فيها معنى الإلزام و الالتزام على سبيل الاستقلال لا على سبيل الربط و الانضمام، و يحتمل أن يكون صوريّاً محضاً.

و أمّا الإيقاعات فلا تدخل فيها الشروط، لأنّ الشرط بحكم العقد يستدعي إيجاباً و قبولًا، و لمنافاته لها إلّا في العتق للدليل، و المراد بالشرط فيه ما سبق كما في العبادات على الأقوى، و إلّا فيما كان الشرط فيه بمنزلة المقوّم كما تقدّم.

و أمّا العقود فاللازم منها بالأصل لا كلام في جريانه فيها، و فائدته الوجوب أو التسلّط على الخيار كما سيأتي.

و أمّا اللازمة بالعارض كالهبة المعوّضة و للرحم و للثواب فيجري فيها حكم اللزوم الأصلي، و الفائدة فيه هي الفائدة في الأوّل إلّا في مثل الأخير، و مثله الوقف فإنّ الفائدة فيه فيهما الوجوب لا غير، فلو أخلّ به فلا خيار. و الظاهر أنّه إنّما يعصي بتركه لا باستعمال الموهوب و الموقوف.

و تشكل الفائدة حينئذٍ على القول بأنّ ثمرة الشرط الخيار لا غير.


1- راجع الوسائل 10: 195، ب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح 1.
2- راجع الوسائل 10: 552، ب 9 من أبواب الاعتكاف.
3- راجع الوسائل 12: 354، ب 23 من أبواب الإحرام.

ص: 212

و أمّا العقود الجائزة من الجانبين و إن كانت فعليّة كالمعاطاة ففائدة الشرط فيها الوجوب مع قيد الاستمرار على المشروط، فيكون من قبيل الوجوب الشرطي، و ربّما جعل فائدته منع التصرّف بدونه، و ربّما قيل: إنّ فائدته رفع الرجحان (1) و هو غير بعيد.

و أمّا الجائزة من جانب و اللازمة من آخر، فيعلم حالها ممّا سبق.

[المقام الرابع الشرط المنفصل]

المقام الرابع إنّ المراد بالشرط في هذا المقام هو المتّصل بالعقد المتأخّر عنه المقيّد له مظهراً أو مضمراً يشبهه، فالشرط المنفصل مطلقاً و المتّصل مع تقدّمه على العقد أو المستقلّ أو المضمر غير المدلول عليه بالقرينة الحاليّة أو المقاليّة لا يدخل تحت هذا العنوان.

أمّا عدم اعتبار المنفصل مطلقاً، فلعدم دخوله تحت الشروط، و لا خلاف في عدم اعتباره على الظاهر، و ما يظهر من الشيخ في النهاية (2) من الاكتفاء بما ذكر بعد العقد فلا يبعد أن يكون مراده ما ذكر بعد الإيجاب، كما ذكره صاحب المدارك في شرح النافع و قال: فلا يتحقّق الخلاف في المسألة (3).

و على ذلك تنزّل الأخبار (4) الدالّة على ذلك.

و أمّا عدم اعتبار ما تقدّم، فلظاهر الإجماع، و منع صدق الشرط عليه، و للأخبار الكثيرة المصرّحة بأنّ الشرط إنّما هو بعد النكاح المؤوّلة بما بعد الإيجاب كما عرفت، بل ظاهر رواية ابن بكير هو ذلك، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا شرطت على المرأة شروطاً فرضيت به و أوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإن أجازته فقد جاز، و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشرط قبل النكاح (5).


1- لم نظفر بقائله.
2- النهاية 2: 383.
3- نهاية المرام 1: 247.
4- راجع الوسائل 14: 468 و 486، ب 19 من أبواب المتعة، ح 2 و ب 32 منها، ح 2.
5- الوسائل 14: 468، ب 19 من أبواب المتعة، ح 1.

ص: 213

و نقل المحقّق في الشرائع قولًا عن بعض الأصحاب بلزوم إعادة الشرط بعد العقد و إن ذكره في العقد (1) و لعلّه ناظر إلى هذه الرواية، و هو بعيد.

نعم ظاهر الرواية أنّ الشرط المتقدّم إن كان مبنيّاً عليه عند العقد اعتبر و رجع إلى المقارن، و إلّا فلا اعتبار به، و أمّا الشرط المستقلّ الغير المقيّد للعقد كما في شرائط النكاح، فالظاهر عدم دخوله تحت عنوان الشرط في هذا المقام و عدم شمول أدلّة الشروط له، كما يظهر من المشهور و سيأتي لذلك مزيد بيان.

و أمّا الشرط المضمر الّذي لم تدلّ عليه القرينة و لم يقصد من اللفظ، فلا خلاف في عدم اعتباره و لا يدخل تحت دليل الشروط، بل هو من قبيل الدواعي الّتي لا تؤثّر شيئاً بالنسبة إلى العقد.

و ربّما يظهر من كثير من عباراتهم في كثير من المواضع عدم اعتبار ما اضمر في العقد إضماراً و بنى عليه العقد لقرينة حاليّة أو مقاليّة، و أنّ الشرط بمنزلة الصيغة لا بدّ من التصريح بها، و لا يبعد اعتباره، لدخول ذلك تحت إطلاق الشروط فتشمله الأدلّة، و لأنّ أمر الشرط لا يزيد على العوضين و هما كافٍ في ذلك منهما و إلّا لما اكتفى ب «قبلت» وحدها.

[المقام الخامس الشروط ليست كأحد العوضين]

المقام الخامس إنّ الشروط ليست كأحد العوضين في جميع الأشياء و إن اشتهر ذلك على ألسنة الفقهاء، فإنّ المراد بذلك شبهها بالعوض في بعض الوجوه كثبوت الخيار عند عدمها كما في تبعيض الصفقة و أمثال ذلك، و لذلك تصحّ في المنافع و الحقوق و لا يقسّط عليها الثمن و إن تفاوت الثمن و المثمن بسببها نقصاً و زيادةً من البائع و المشتري كالأجل، و يجتزى فيها من العلم بما يجتزى به في الصلح و المعاطاة و العقود الجائزة، كما ينبئ عن ذلك شرط ضمان الغرامة، و اشتراط الحمل، و إسقاط الخيارات، و شرط النفقة للخادم، و مئونة الدابّة، و أنّ كلّ ما يعترضه


1- الشرائع 2: 306.

ص: 214

للمعاملة بينهما، و شرط الزكاة على المشتري من خارج الزرع، و شرط اجرة الوزّان و الميزان و النقّاد و الكيّال و الكيلة و نحوها.

و دعوى: خروج ذلك كلّه بالدليل، لا وجه له، و منشأ ذلك عموم أدلّة الشروط بل و عموم أدلّة العقود بالنسبة إليها و إن تقيّدت بالنسبة إلى أنفسها، كما في البيع بنواهي الغرر.

فما يظهر من تضاعيف كلمات كثير منهم من أنّ الشرط بمنزلة الثمن، فيكون حكمه حكمه على اختلاف أحكامه باختلاف العقود، فيعتبر في شرط البيع ما يعتبر في ثمنه، و في شرط الصلح ما يعتبر في ثمنه و هكذا لا دليل عليه، كخيال أنّه كالثمن في البيع مطلقاً و لا يختلف باختلاف العقود، فيكون في باب الصلح أسوأ من ثمنه، فإنّه بعيد جدّاً و لا تساعده ظاهر المنزلة.

و من هنا يعلم أنّه بالنظر إلى القدرة على التسليم و غيرها يغتفر فيها ما لا يغتفر في أحد العوضين، فتأمّل.

[يصحّ اشتراط سائغ في العقد]

اشارة

قال المصنّف قدس سره: «و يصحّ اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين أو يمنع منه الكتاب و السنّة كما لو شرط تأخير المبيع أو الثمن ما شاء أو عدم وطء الأمة أو وطء البائع إيّاها»

هذا الضابط للشرط نصّ عليه جماعة من الأصحاب، كالمحقّق و العلّامة (1) و غيرهما، و نسبه في المهذّب البارع إلى علمائنا (2) و قال في الكفاية: لا أعلم فيه خلافاً (3).

و ربّما قيل: إنّ القيد الثاني فيه مغنٍ عن الأوّل، لأنّ معاملة الغرر منهيّ عنها في السنّة (4).

و فسّر جماعة من المحقّقين المخالفة للكتاب و السنّة بكون الشرط مخالفاً لمقتضى العقد، بأن يقتضي عدم ترتّب الأثر الّذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو يقتضيه و رتّبه عليه.


1- الشرائع 2: 33، القواعد 2: 90.
2- المهذّب البارع 2: 408.
3- الكفاية: 97 س 14.
4- المسالك 3: 268.

ص: 215

قال في المسالك: و يشكل باشتراط عدم الانتفاع زماناً معيّناً فإنّ مقتضى العقد إطلاق التصرّف في كلّ وقت، و باشتراط إسقاط خيار المجلس و الحيوان و ما شاكل ذلك ممّا أجمع على صحّة اشتراطه (1) انتهى.

و قال المصنّف في القواعد: كلّ عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه مع كونه ركناً من أركانه فهو باطل كالبيع، و اشتراط نفي تسليم المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع أو الانتفاع بأحدهما للمنتقل إليه و إن لم يكن من أركانه و لكنّه من مكمّلاته كاشتراط نفي خيار المجلس و الحيوان فعندنا يصحّ، لأنّ لزوم العقد هو المقصود الأصلي و الخيار عارض. و منعه بعضهم، لأنّ الغرض من إدخال الخيار هنا التروّي و استدراك الفائتات فهو من مقاصد العقد، فاشتراط الإخلال به إخلال بمقاصد العقد. قلنا: هو المقصود بالعقد الثاني لا الأوّل (2) انتهى.

و ربّما ذكروا من جملة ما خالف الكتاب و السنّة المعاصي و القبائح، مثل أن يشترط الزنا و شرب الخمر و نحو ذلك.

ثمّ إنّ أمثلتهم الّتي للمشروع و غير المشروع و المنافي لمقتضى العقد و غير المنافي غير متوافقة، و كلماتهم في تلك الأمثلة متخالفة.

[تفصيل المقام أنّ الشروط أقسام]
اشارة

و تفصيل المقام أنّ الشروط أقسام:

[أحدها: المؤكّدات]

أحدها: المؤكّدات و هي ما يذكر فيها مقتضيات العقد لدخولها في المعنى كالخروج عن ملك الناقل و الدخول في ملك المنقول إليه أو في اللوازم لمقتضى العقد كملكيّة النماء و الشركة في الشركة و المزارعة و نحوها و التسلّط على التصرّف و القبض و الإقباض و المنفعة و القسم (3) و نحوها، أو في بعض الزمان كخيار المجلس و الحيوان، أو في الاتّفاقيات كخيار العيب و الغبن و الرؤية و الوصف و التأخير و التدليس و نحوها.


1- المسالك 3: 269.
2- القواعد و الفوائد 2: 242، القاعدة 242.
3- كذا و الظاهر: القسمة.

ص: 216

و هذه الشروط وجودها كعدمها كما في القواعد (1) و لا تفيد شيئاً كما في التذكرة (2) و لا تفيد نفعاً و لا ضرّاً كما في المبسوط (3) و أكثر من تأخّر.

و في الغنية: لا خلاف في صحّة أن يشترط في العقد ما يقتضيه (4).

[ثانيها: ما يذكر فيه مقتضيات الصحّة]

ثانيها: ما يذكر فيه مقتضيات الصحّة كالقدرة و المنفعة و العلم و الإباحة و الطهارة على تفصيل سبق و نحوها، و هو كسابقه.

[ثالثها: المؤسّسات]

ثالثها: المؤسّسات و هي ما قضى بها الشرط من المباحات ممّا فيه مصلحة المتعاقدين أو أحدهما من جهة العقد كالرهن و الضمان و الخيار و الأجل و الشهادة أو من جهة متعلّقه كصباغته و خياطته و تطهيره و صقله و نقله و ضبطه و حفظه و بيعه على غير البائع و عتقه و إجارته و إعارته و مكاتبته و تدبيره و وقفه و التصدّق به و نحوها، أو من خارج كاشتراط مال أو منفعة أو عمل من الخارج أو عقد كبيع أو إجارة أو صلح أو قرض أو اقتراض أو نحوها.

و قد نقل الإجماع في القواعد (5) على الأوّلين، و لكن في الثاني بالنسبة إلى الصفة المقصودة من الخياطة و الكتابة كما في التنقيح (6) و قال: عندنا و عند الشافعي في التذكرة (7).

و في الغنية: لا خلاف في صحّة الشرط الّذي للمتعاقدين مصلحة فيه. و فيها: الإجماع على صحّة اشتراط ما يمكن تسليمه نحو أن يشتري ثوباً على أن يخيطه البائع أو يصبغه أو أن يبيع شيئاً آخر أو يبتاع منه أو أن يشترط على مشتري العبد عتقه (8).

و في السرائر: لا خلاف في أنّه يجوز أن يشترط الإنسان على البائع شيئاً من أفعاله إذا كانت مقدورة له (9).

و في المبسوط و غاية المراد و المهذّب البارع و إيضاح النافع و المسالك


1- القواعد 2: 89.
2- التذكرة 1: 489 س 36.
3- لم نجد التصريح به، انظر المبسوط 2: 149.
4- الغنية: 215.
5- القواعد 2: 89.
6- التنقيح 2: 70.
7- التذكرة 1: 489 س 38.
8- الغنية: 215 لكن صرّح فيها بالخلاف في المسألة الثانية.
9- السرائر 2: 326.

ص: 217

الإجماع على صحّة اشتراط عتق العبد (1).

و في غاية المرام: نفى الخلاف فيه (2).

و في التذكرة بالنسبة إليه و إلى جميع أفراد القسم الأخير قال: عندنا في عدّة مواضع (3) و ظاهرها و ظاهر المهذّب البارع الإجماع على صحّة الكتابة (4).

و في غاية المرام: لا خلاف في صحّة اشتراط التدبير (5).

و ظاهر التذكرة الإجماع عليه أيضاً و على الوقف و الصدقة (6).

و في الخلاف: يجوز أن يبيع داراً على أن يقرضه المشتري ألف درهم أو يقرضه البائع ألف درهم و نقل الإجماع (7).

و في الانتصار: ممّا انفردت به الإماميّة جواز أن يبتاع الإنسان من غيره متاعاً أو غيره نقداً و نسيئةً على أن يسلف البائع شيئاً أو يقرضه مالًا إلى أَجل أو يقترض منه (8) ثمّ ادّعى الإجماع.

و في المختلف: المشهور بين علمائنا الماضين و من عاصرناهم إلّا من شذّ أنّه يجوز بيع الشي ء اليسير بأضعاف قيمته بشرط أن يقرض البائع المشتري شيئاً، لأنّهم نصّوا على جواز أن يبيع الإنسان شيئاً و يشترط الاقتراض و الاستقراض و الإجارة و السلف و غير ذلك (9) انتهى.

و أنت خبير بأنّ عمومات الشروط قاضية بجميع ذلك مع ما عرفت من اتّفاق الأصحاب و لا مانع منه، فالقول به متعيّن.

نعم بالنسبة إلى شرط الخيار كلام تقدّم سابقاً، و الإجماع منقول عليه في التذكرة (10) و الإحقاق (11) و غيرهما.


1- المبسوط 2: 149، غاية المراد 2: 19، المهذّب البارع 2: 401، المسالك 3: 270.
2- غاية المرام 2: 61.
3- راجع التذكرة 1: 489، 492، 493.
4- انظر التذكرة 1: 493 س 18، المهذب البارع 2: 405.
5- غاية المرام 2: 63.
6- التذكرة 1: 493 س 21 و 22.
7- الخلاف 3: 173، المسألة 283.
8- الانتصار: 444.
9- المختلف 5: 300.
10- التذكرة: 519 س 20.
11- كذا، و لم نقف في الكتب الفقهيّة على كتابٍ مسمّى به.

ص: 218

[رابعها: اشتراط ما لا نفع فيه]

رابعها: اشتراط ما لا نفع فيه ممّا لا يتقوّم شرعاً و لا يتعلّق به غرض عرفاً و إن كان نادراً و من هنا كان دائرة الشرط أوسع من دائرة البيع، و أنّه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل كاشتراط الحشرات من الحيوان كالخنافس و الديدان حيث لا يتعلّق بها غرض أو ما لا نفع فيه من غير الحيوان كذلك و ذلك (1) و على هذا ينزّل كلام الشيخ في المبسوط و القطيفي في إيضاح النافع و غيرهم، حيث قال: إنّ الشرط الّذي لا يقتضيه العقد و لم تتعلّق به مصلحة المتعاقدين و لم يبن على التغليب يكون باطلًا (2) انتهى.

و في التذكرة بعد أن ذكر مثل عبارة الشيخ قال: إنّ ذلك جائز عندنا إن لم يخالف المشروع و لم يناف العقد (3) انتهى.

و لعلّه يريد ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد لا مطلقاً كما يشعر به كلامه، أو يريد به المتقوّم شرعاً فيرتفع التنافي، لأنّ غير المتقوّم الّذي لا يتعلّق به غرض و لو نادراً يمكن إدراجه فيما خالف المشروع.

و ما في التذكرة: أنّه لو باعه شيئاً بشرط لا يقتضيه العقد و لا ينافيه و لا يتعلّق به غرض يورث النزاع و التنافس: كأن يشترط أن لا يأكل إلّا الهريسة و لا يلبس إلّا الخزّ فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا، و هل يلغو أو يفيد التخيير؟ الأقوى الثاني، قال: و كذا لو باع بشرط أن يصلّي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان أو يصلّي الفرائض في أوّل أوقاتها (4) انتهى، لا ينافي ذلك، لتقييده نفي الغرض بالّذي يتعلّق به التنازع و التنافس لا مطلقاً كما ترشد إليه أمثلته أخيراً، فتأمّل.

و الدليل على فساد هذا الشرط عدم دخوله تحت قولهم عليهم السلام: «المؤمنون عند شروطهم» (5) و تحت قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (6) و لا أقلّ من الشكّ فيرجع فيه إلى الأصل من عدم لزوم الشرط.


1- كذا، و الظاهر زيادة: و ذلك.
2- المبسوط 2: 149.
3- التذكرة 1: 489 س 39.
4- التذكرة 1: 493 س 23.
5- الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
6- المائدة: 1.

ص: 219

مضافاً إلى أنّه شرط حرّم حلالًا، إذ ليس الغرض منه إلّا مجرّد تحريم الحلال، و ما كان كذلك كان باطلًا حتّى في مثل النذر و ما بحكمه، إلّا مع شروطه الخاصّة.

و قد يقال: إنّ اشتراط التروك كلّها من هذا القبيل، لأنّها لا تملك و لا يصالح عليها، و الشرط لا بدّ أن يكون مملّكاً لأنّه كجزء من العقد، و حيث لا ملك فليس فائدته إلّا مجرّد تحريم الحلال.

و فيه نظر، فإنّ الأغراض بالتروك كثيرة، إلّا أن يدّعى قيام الإجماع على كون الشروط مملّكات، أو يدّعى فهم ذلك من دليلها.

قال بعض المحقّقين: إنّ المتبادر من أدلّة الشروط و قولهم عليهم السلام: «المؤمنون عند شروطهم» و نحوه، هو ما كان له تعلّق بالعقد و يكون ممّا يؤول نفعه للمتعاقدين، فإذا لم يتعلّق غرض لأحدهما أو كليهما بالشرط من حيث المنافع الدنيويّة الّتي هي موضوع تلك العقود غالباً فينحصر الغرض في إيجاب المباح أو تحريمه مثلًا فيخرج من مدلول أدلّة الشروط، فيثبت بطلانه من هذه الجهة، فيكون الاستثناء في قوله عليه السلام: «إلّا ما حرّم حلالًا أو حلّل حراماً» مخصوصاً بالأفراد الّتي لها مدخليّة في غرض المتعاقدين (1) انتهى.

و كأنّه يريد أنّ الشرط ليس كالنذر و أخويه يلزم مطلقاً فيما ينعقد به، بل إنّما يلزم بما يعود غرضه إلى المتعاقدين من الماليّات و ما بحكمها، لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل و أصله الّذي هو العقد عقد معاوضة متعلّقة بالماليّات، فليس المدار عنده على كلّ شي ء فيه غرض يعود للمتعاقدين و لو كان نادراً، بل مختصّ بما يتعلّق بالمال و ما بحكمه، و هذا غير ما كنّا نقول.

و قد ينزّل عليه كلام الشيخ في المبسوط (2) و من تبعه، و ذلك لأنّ دعوى عدم شمول أدلّة الشرط لذلك محلّ منع.

و بما ذكرنا يندفع ما يقال: إن أكثر الشروط السائغة المتّفق على جوازها ممّا


1- رسالة الشروط، المطبوعة مع غنائم الأيّام ص 732.
2- راجع المبسوط 2: 149.

ص: 220

حرّمت حلالًا فعلًا أو تركاً، فإنّ بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مثلًا مباحٌ، و لو شرط في ضمن عقد بيع آخر يصيرُ واجباً، و الغالب في الشرط إيجاب ما ليس بواجب كالنذر و العهد و نحوهما من الأسباب الشرعيّة المغيّرة للحكم، مع أنّه قد صرّحت رواية إسحاق بن عمّار (1) و غيرها باستثناء الشرط المحرّم للحلال من حكم الشروط، فيشكل التوفيق بين الروايات و كلام الأصحاب.

و وجه الاندفاع ظاهر كما عرفت من أنّ المراد من تحريم الحلال ما كان الغرض منه مجرّد ذلك، و هذا لا ينافيه كلام الأصحاب.

و دعوى: أنّ ذلك خلاف الظاهر من العبارة، ممنوع، و لا حاجة إلى تعسّف حمل الروايات على صورة اشتراط أن يكون الحلال شرعاً حراماً شرعاً ممّا ليس مقدوراً للمكلّف فإنّ ذلك بعيد جدّاً، و لا إلى تخصيص الحلال بخصوص الواجبات كتحليل الحرام، فإنّه خاص بالمحرّمات بقرينة المقابلة و يكون المراد اشتراط ترك الواجبات، فإنّه خلاف الظاهر أيضاً مع أنّه داخل في الثاني.

و قال بعض المحقّقين: الظاهر من تحريم الحلال و تحليل الحرام هو تأسيس القاعدة، و هو تعلّق الحكم بالحلّ أو الحرمة بفعل من الأفعال على سبيل العموم من دون نظر إلى خصوص فرد، فتحريم الخمر معناه منع المكلّف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلّي و هكذا حلّية البيع، فالتزويج و التسرّي مثلًا أمر كلّي حلال و التزام تركه مستلزم لتحريمه، بل و كذلك جميع الأحكام الشرعيّة من الطلبيّة و الوضعيّة و غيرها، و إنّما يتعلّق الحكم بالجزئيّات باعتبار تحقّق الكلّي فيها.

فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهيّ عنه هو أن يحدث قاعدة كلّية و يبدع حكماً جديداً فقد اجيز في الشرع الشروط إلّا شرطاً أوجب إبداع حكم جديد كلّي مثل تحريم التزويج و التسرّي و إن كان بالنسبة إلى نفسه فقط. و فيما لو شرطت عليه أن لا يتزوّج عليها فلانة أو لا يتسرّى بفلانة خاصّة إشكال. فلزوم البيع الخاصّ الّذي يشترطانه في عقد بيع ليس ممّا يوجب إحداث حكم


1- الوسائل 15: 50، الباب 40 من أبواب المهور، ح 4.

ص: 221

للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه، بخلاف ما كان التزامه و الاستمرار عليه من المحرّمات و هو فعل المرجوحات و ترك المباحات و فعل المستحبّات، كأن يشترط تقليم الأظفار بالسنّ أبداً أو أن لا يلبس الخزّ أو لا يترك النوافل، فإنّ جعل المكروه أو المستحبّ واجباً و جعل المباح حراماً حرام إلّا برخصة من الشارع حاصلة من أحد الأسباب كالنذر و العهد و اليمين فيما تنعقد فيه، و ممّا يشير إلى ما ذكرنا ما ذكروه في باب الصلح، فإنّهم بعد ما رووا عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «أنّ الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالًا» فسّروا تحليل الحرام بالصلح على استحقاق حرّ أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره أو ليشربا أو أحدهما الخمر و نحو ذلك، و تحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته أو لا ينتفع بماله و نحو ذلك.

و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة و نحو ذلك على سبيل القاعدة، بل يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلّي هو وجوب العمل على ما يشترطانه، و هذا الحكم أيضاً من جعل الشارع فقولنا: العمل على مقتضى الشروط الجائزة واجب، حكم كلّي شرعي، و حصوله ليس من جانب شرطنا حتّى تكون من باب تحليل الحرام أو تحريم الحلال، بل إنّما هو صادر من الشارع مستقلًّا (1) انتهى ملخّصاً.

و حاصله: الفرق بين ما يحدث حكماً كلّياً و ما يحدث حكماً جزئيّاً و أنّ الأوّل مطلقاً باطل دون الثاني، و هذا الفرق لا وجه له و لا دليل عليه، و دعوى: ظهور الكلّي من تحريم الحلال و تحليل الحرام، ممنوع إلّا أن يرجع إلى ما تقدّم، فتأمّل.

[خامسها: ما يذكر فيه المنافيات للعقد]

خامسها: ما يذكر فيه المنافيات للعقد و هو ما ينافي القسمَ الأوّل من المقتضيات إمّا بشرط عدمه أو ما يقتضي عدمه كعدم التصرّف عامّة أو خاصّة على المالك أو التصرّف بالوطء و نحوه للبائع أو غيره ممّن لا يملك. و القسمَ الثاني و هو اللازم على الدوام. أمّا اشتراط نفي البواقي أو ما يقتضي نفيها فليس بمنافٍ.


1- رسالة الشروط، المطبوعة مع غنائم الأيّام: 732.

ص: 222

و من هنا ظهر أنّ ما كان منافياً لصورة العقد كاشتراط أن يكون البيع إجارة و الدوام متعة و المضاربة شركة و السلم نقداً و بالعكس و نحو ذلك لا يجوز، و كذلك ما كان منافياً لمعنى العقد كاشتراط تمليك العين بالإجارة و بعض رأس المال بالمضاربة و المنافع بالوديعة و نحوها، و كذلك ما كان منافياً للوازم العقد كاشتراط بقاء سلطان البائع على العين بعد بيعه و المؤجر على المنفعة بعد إجارته و الراهن على الرهن بعد رهانته و نحوها، و كذلك ما كان منافياً لمقتضيات العقد كاشتراط عدم الانتفاع بالكلّية أو في بعض مقامات الخصوصيّة كأن لا يبيع و لا يعتق و لا يؤجر و نحوها، و من ذلك ما لو شرط عدم الخسارة على المشتري كما صرّح به الأكثر.

و لكن في الصحيح قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام [عن الرجل] أبتاع منه متاعاً على أن ليس عليَّ منه وضيعة هل يستقيم هذا، و كيف يستقيم وجه ذلك؟ قال: لا ينبغي (1) و ظاهره الكراهة إلّا أنّه باعتبار مخالفته للقاعدة و فتوى الأكثر مصروف إلى التحريم.

و ربّما ادّعى بعض المتأخّرين (2) عدم ظهور لفظ «لا ينبغي» في الكراهة، لاستعمالها كثيراً في التحريم.

و من هذا الباب ما كان منافياً لحصول الغرض بالعقد من حينه كاشتراط البيع حال الابتياع و الإجارة حال الاستئجار و نحوهما على إشكال. و يكون عدم جواز شرط البيع في البيع في بعض الصور على وفق القاعدة لا للدليل.

و هل اشتراط نفي التصرّف الخاصّ المقيّد كاشتراط أن لا يبيعه من زيد مثلًا أو لا يهبه من عمرو منافٍ لمقتضى العقد، كاشتراط نفي التصرّف الخاصّ المطلق كاشتراط أن لا يبيع أو يهبَ؟ وجهان، و الأقوى العدم. و ليس منه مثل اشتراط المرأة على زوجها أن لا يخرجها من بلدها أو اشتراط أن لا يتزوّج عليها ثانية


1- الوسائل 12: 409، ب 35 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
2- هو المحدّث البحراني في الحدائق، راجع ج 2 ص 144 و ج 4 ص 153 و 360.

ص: 223

و نحو ذلك، فإنّ أمثال هذه الأشياء من الأحكام الخارجة عن العقد اللاحقة به، لا من لوازمه المتولّدة منه الحاصلة بسببه، و ذلك هو معنى الاقتضاء، لا مطلق الارتباط و التعليق.

فعلى ما ذكرنا اشتراط التصرّف العامّ و الخاصّ لا منافاة فيه، و اشتراط نفي التصرّف عامّاً أو خاصّاً ليس بجائز. و استلزام تعيين التصرّف نفي غيره غير ضارّ، لأنّ المملوك له و عليه هو التصرّف، و المنافع المتعدّدة كالأعيان المتعدّدة إذا استلزم أخذ بعضها تلف الباقي، و ليس فيه حرج.

أمّا عدم التصرّف فلا يدخل في الملك، و ليس من التخصيص كالتصرّف الخاصّ، فيفرّق بين شرط البيع و العتق و الوطء و السكنى في موضع و بين نفي شي ء منها.

أ لا ترى أنّ اشتراط جميع التصرّفات لا عيب فيه، و اشتراط كلّية العدم مناف.

و بالجملة المقصود في اشتراط البيع و العتق و نحوهما هو إخراج الملك أو المنفعة من يد المشتري بقصده (1) و اختياره فهو مؤكّد للملك و السلطان، و ممنوعيّته عن التصرّف الّذي هو مقصود البائع بالذات هو عدم التصرّف في حال عدم الملك لا مع ثبوته، و في الأمثلة الاخر هو ممنوعيّته في حال الملك، مع أنّه لو سلّمنا عدم منافاة ذلك لمقتضى العقد. نقول: إنّ اشتراط آحاد التصرّف أو عمومه اشتراط لفعل من أفعال المكلّف يمكن نقله بالإجارة و الصلح و الجعالة و غيرها، بخلاف اشتراط نفي التصرّف خاصّة و عامّة، فإنّه من الأعدام و لا تتعلّق به صفة الملك الوجوديّة، و الشرط عندهم بحكم الجزء من العقد و داخل في قسم النواقل و المملّكات، فلا يتعلّق بالمعدومات و المتعلّق في الأوّل هو الموجود و العدم تابع و في الثاني بالعكس، فتأمّل.

نعم قد يظهر من التذكرة في باب الإجارة الإجماع على صحّة اشتراط عدم الانتفاع زماناً معيّناً (2) و هو ممنوع.


1- في نسخة: بعده.
2- التذكرة 2: 297 س 29.

ص: 224

و من هنا تبيّن فساد ما اورد على الأصحاب من المطالبة بالفرق بين ما عدّوه منافياً لمقتضى العقد كاشتراط أن لا يبيع أو لا يعتق أو لا يهب و بين ما أجازوه من اشتراط العتق و جواز عدم انتفاع المشتري في البيع في زمان معيّن، مثل أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار و نحو ذلك، و اشتراط المرأة على زوجها أن لا يخرجها من بلدها كما ورد به النصّ (1). و لا حاجة إلى الجواب عن الأوّلين بالإجماع المنقول كما يظهر من العلّامة و غيره، و في العتق مضافاً إلى الإجماع كونه مبنيّاً على التغليب و السراية (2) فإنّ عناية الشارع بوقوعه توجب تحقّقه بأدنى سبب كما يظهر من تتبّع مسائل كثيرة، و عن الثالث بالاستناد إلى النصّ.

و أمّا استشكال العلّامة في التذكرة في شرط عدم البيع و العتق (3) فلعلّه ناظر إلى ما ورد في بعض الروايات من جواز اشتراط عدم البيع و الهبة في الإماء، كما ورد عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشترى جارية و شرط لأهلها أن لا يبيع و لا يهب و لا يورث قال: يفي ذلك لهم إلّا الميراث (4).

و روى الكليني في الحسن ما يقرب منه (5) و ظاهر النافع التأمّل في اشتراط عدم بيع الأمة أو هبتها لذلك حيث قال: المرويّ الجواز (6).

و في إيضاح النافع بعد نقل كلامه: إنّ الجواز غير بعيد، لأنّ بقاء الأمة عند المالك الصالح مطلوب فاشتراط بقاء ملكه عليها جائز، و ذلك لا ينافي كما في امّ الولد و منذور التصدّق به، انتهى.

و لكن في كشف الرموز: ما رأيت أحداً عمل بها (7)، و هو كذلك بالنسبة إلى من تقدّم عليه أو عاصره بل و من تأخّر عنه عدا الشاذّ النادر، فهي متروكة.

و في جامع المقاصد: و الحاسم لمادّة الإشكال أنّ الشروط على أقسام:


1- انظر الوسائل 15: 49 ب 40 من أبواب المهور.
2- التذكرة 1: 493 س 2.
3- التذكرة 1: 489 س 41.
4- الوسائل 15: 49، ب 40 من أبواب المهور، ح 3.
5- راجع الكافي 5: 402 باب الشرط في النكاح و ما يجوز منه و ما لا يجوز، ح 2.
6- المختصر النافع: 125.
7- كشف الرموز 1: 475.

ص: 225

منها: ما انعقد الإجماع على حكمه من صحّة و فساد فلا عدول عنه.

و منها: ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع، أو وضح مقابله، و لا كلام في اتّباع ما وضح.

و منها: ما ليس واحداً من النوعين و هو بحسب نظر الفقيه (1) انتهى.

قلت: بل الحاسم لمادّة الإشكال بالنسبة إلى الشرط المنافي لمقتضى العقد هو أن يقال: إنّ كلّ شرط يخرج العقد بسببه عن حقيقته عرفاً أو شرعاً أو عن صحّته شرعاً، فذلك منافٍ لمقتضى العقد الّذي اجمع على بطلان الشرط معه، و ما شكّ فيه فالأصل عدم مدخليّة عدم ذلك الشرط في صحّة العقد حتّى يكون وجوده منافياً لمقتضاه. نعم لو كان الشرط بحيث يشكّ معه في تحقّق حقيقة البيع في العرف فالظاهر البطلان، لأنّ الأصل عدم تحقّقه في الخارج، و الحكم تابع لما يصدق عليه البيع عرفاً.

و بيان ذلك أنّ بين أدلّة الشروط و أدلّة البيع عموماً من وجه، فمتى لم يكن بين مقتضاهما تنافٍ فلا إشكال، و متى ثبت التنافي اتّجه بطلان الشرط، لأنّ مرادنا من «المقتضى» بصيغة اسم المفعول هو ما يتسبّب عن العقد شرعاً من حيث هو بلا مدخليّة شي ء آخر، فلا بدّ أن لا يتخلّف عن مقتضاه، فإذا اوجب الشرط الّذي هو جزء البيع و أحد أركانه رفع مقتضى البيع، فيرتفع نفس البيع فإنّ البيع الّذي هو معيار الشارع في ترتّب الآثار و الأحكام هو ما كان سبباً لذلك المقتضى، فلا يبقى علّة للزوم الشرط جزماً، لأنّه تابع غير مستقلّ.

و من ذلك ظهر أنّ سقوط خيار المجلس و الحيوان و نحوهما لا ينافي مقتضى العقد، إذ ليس الغرض بالمنافي ما نافى إطلاق العقد بل العقد المطلق.

فاندفع بذلك ما في جامع المقاصد في شرط عدم الهبة قال: فإن قلت: منافاته من جهة منعه من الهبة. قلت: منعه من الهبة إن اريد بالنسبة إلى العقد المعرّى عن الشرط، فهو وارد في كلّ شرط لأنّه مخالف لمقتضى العقد الخالي منه، و إن اريد بالنسبة إلى العقد المتضمّن له، فهو غير واضح (2) انتهى.


1- جامع المقاصد 4: 415.
2- جامع المقاصد 4: 415.

ص: 226

نعم قد يقع الشكّ في بعض الأشياء في أنّها هل هي منافية لمقتضى العقد أو إطلاقه، و ذلك بحث في الموضوع، مع أنّ الأصل يقضي بعدم كونها من القسم الأوّل بعد احراز اسم العقد المشترط فيه عرفاً.

و من جملة ما شكّ في منافاته لمقتضى العقد اشتراط الميراث في عقد المتعة لقوله عليه السلام في رواية عبد اللّٰه بن عمر من حدودها يعني المتعة: أن لا ترثها و لا ترثك (1) باعتبار أنّ المراد من ذلك هل هو عدم اقتضاء العقد الإرث أو اقتضاؤه عدمه.

و منه اشتراط الضمان في عقد الإجارة حيث لا تعدّي و لا تفريط، باعتبار أنّ الإجارة هل هي مقتضية لعدم التضمين حتّى يفسد الشرط بمنافاته لمقتضى العقد، أو لا تقتضي الضمان و لا عدمه، و عدم الضمان فيها جاء من عموم ما دلّ على أنّ الأمين لا يضمن إلّا بالتفريط؟ وجهان، بل قولان، و المسألة في محلّها.

ثمّ اعلم أنّ هذا كلّه في باب المعاوضات، و أمّا باب النكاح الّذي قام الدليل على صحّة العقد فيه و إن فسد الشرط، فهل يشمل ما كان فساده لمخالفته لمقتضى العقد أم مقصور على غيره؟

قلت: الّذي يظهر من كلام الأكثر هناك العموم و إن صرّح بعض (2) بخلافه.

نعم يستثنى من ذلك الشرط الّذي يعود على معنى العقد بالنقص بحيث يخرجه عن حقيقته و عن مسمّاه فقط، و أمّا غيره فلا و إن نافى سببيّته شرعاً كاشتراط عدم بعض الآثار المترتّبة على العقد من حيث هو لا على إطلاقه فإنّ ذلك لا ينافي مقتضى العقد (3).

[سادسها: ما يقضي بتجهيل العوضين أو أحدهما]

سادسها: ما يقضي بتجهيل العوضين أو أحدهما، كأن يشترط تأخير تسليم المبيع أو الثمن مدّة غير معيّنة، أمّا لو شرطا أجلًا يعلمان عدمهما قبله، كما شرطا تأخير الثمن ألف سنة أو الانتفاع بالمبيع كذلك فالأقرب الصحّة، لعموم أدلّة


1- الوسائل 14: 487، ب 32 من ابواب المتعة، الحديث 8.
2- السرائر 2: 589.
3- في نسخة: لا يفسده مطلقاً.

ص: 227

الشروط، و إطلاق الأصحاب جواز الأجل المضبوط، و القطع بالموت قبله لا يقدح، و إلّا لما صحّ تأجيل المطعون بسهم أو رمح يقطع بموته عادة السنة و السنين.

و أقصى ما يتخيّل للمنع عدم الانتفاع بالمبيع أو الثمن و فيه: أنّه يتحقّق بانتفاع الوارث و لو بعد حين. و دعوى: عدم شمول أدلّة العقود لمثل ذلك، ممنوع.

و في الإيضاح و حواشي المصنّف (1) قرّب عدم الصحّة.

و في جامع المقاصد جعل التوقّف في مثل ذلك طريق السلامة (2).

و مثل ما يقتضي تجهيل العوضين في المنع ما يقتضي تجهيل العقد كاشتراط الرهن و الضمان و الخيار من غير تعيين و نحوها، أو ما يذكر فيه شرط مجهول مطلقاً، أو موكول علمه إلى اختيار المشترط فإنّ ذلك كلّه يقتضي تجهيل العقد، و لذلك اشترطوا تعيين الرهن المشروط إمّا بالوصف أو المشاهدة، كما في القواعد و التحرير و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد (3)، دفعاً للضرر و حسماً لمادّة التنازع، لمكان التفاوت الكثير في الرهون باعتبار تعلّق الرغبات و سهولة بيعها و حاجة رافعها إلى فكّها و عدم ذلك.

و احتمل في الدروس صحّة الإطلاق للأصل فيحمل على حافظ الحقّ، و حينئذٍ يتخيّر الراهن في التعيين.

و اشترطوا التعيين إمّا بالاسم و النسب أو بالمشاهدة أو بالوصف، كما في القواعد (4) و غيرها.

و اشترطوا ضبط مدّة الخيار كما سبق، و منعوا من الشرط المجهول مطلقاً، للزوم الجهالة و للغرر، فيكون مخالفاً للسنّة.


1- إيضاح الفوائد 1: 513، و لم نعثر عليه في الحاشية النجّاريّة.
2- جامع المقاصد 4: 417.
3- القواعد 2: 91، التحرير 1: 180 السطر الأخير، التذكرة 1: 491 س 24، إيضاح الفوائد 1: 513، الدروس 3: 216، جامع المقاصد 4: 418.
4- القواعد 2: 91.

ص: 228

أمّا لو كان المشترط معيّناً في الواقع كنفي الخيارات أو ضمان الحوادث و العوارض و الغرامة لكلّ ما يغرم و اشتراط الخدمة و الحمل و اللبن و شي ء معيّن في البيت مثلًا أو ما يحصل من كسبك و نحو ذلك فلا بأس، و ما هو إلّا بمنزلة الصلح و العقود الجائزة كما تقدّم.

[سابعها: ما كان من مقتضيات الشرع و أحكامه و ليس للمخلوق دخل فيه]

سابعها: ما كان من مقتضيات الشرع و أحكامه و ليس للمخلوق دخل فيه، كاشتراط حقّ الاخوّة و البنوّة و مطلق الرحم و الجوار و الصحبة و الشفعة و تحريم الحلال و تحليل الحرام الأصليّين و تبديل الحكم و اشتراط اللزوم في موضع الجواز و الجواز في موضع اللزوم إلّا مع إذنه، و اشتراط الخيار و إسقاطه من حقّ المتعاملين، و ليس من هذا الباب في وجه، فاشتراط الخيار كالوكالة على التقايل و إسقاطه رفع للحقّ كالصلح عليه، و يحتمل جعله من هذا الباب و المخرج له النصّ و الإجماع، و هو الأقوى، و قد تقدّم الكلام في ذلك.

و من هذا الباب اشتراط كون الطلاق و الجماع بيد المرأة.

و في الصحيح: قضى عليّ عليه السلام في رجل تزوّج امرأة و أصدقها و شرطت أنّ بيدها الجماع و الطلاق قال: خالفت السنّة و ولّيت الحقّ من ليس بأهله قال: فقضى عليّ عليه السلام أنّ على الرجل النفقة و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنّة (1).

و في الصحيح الآخر قال: قضى عليّ عليه السلام في رجل تزوّج المرأة إلى أجل مسمّى، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، و إن لم يجئ بالصداق فليس له عليها سبيل، شرطوا بينهم حيث أنكحوا، فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته و أحبط شرطهم (2).

و هل اشتراط الغايات من هذا القبيل أو لا؟ وجهان، و المسألة في غاية الإشكال.

و تفصيل الحال: أنّ الشرط قد يتعلّق بالأسباب من العقود و الإيقاعات و الأحكام، و قد يتعلّق بالغايات. أمّا ما يتعلّق بالأسباب كشرط أن يبيع أو أن يهب


1- الوسائل 15: ب 29 من أبواب المهور، ح 1.
2- التهذيب 7: 370، ح 61.

ص: 229

أو أن يسقط أو أن يلتقط أو أن يحوز و نحوها، فمقتضى القاعدة فيه عدم ترتّب الغايات إلّا بعد فعل الأسباب، فيجبر على فعلها و إلّا تولّاها الحاكم إلّا أن يرجع إلى اشتراط الغاية. و مرّة (1) يتعلّق بالغايات كالحرّيّة و المملوكيّة و الوقفيّة و الشركة أو الزرع أو المضاربة أو غيرها، فإن رجع في المعنى إلى الأوّل فكالأوّل، و إلّا فإن قام دليل على اعتباره من دون حاجة إلى العقد، كشرط تمليك شي ء منه عين أو منفعة أو إبراء أو خيار أو سقوطه و نحو ذلك فلا إشكال، و إن قام دليل على عدم اعتباره كالنكاح و الطلاق و الخلع و المباراة و العهد و القسم و الظهار و نحوها ممّا علمنا بالإجماع و ظواهر الأدلّة اعتبار ألفاظ خاصّة فيها فكذلك، و ما شكّ فيه كاشتراط الحرّيّة و الوقفيّة و السكنى و العمرى و نحوها يبنى فيها على الدخول في قولهم عليهم السلام: المسلمون عند شروطهم (2) و عدمه.

فقيل بالدخول، لما يظهر من استدلالهم به على ثبوت الغايات. و في روايات ارتجاع المبيع عند ردّ الثمن (3) ما يقضي بظاهره بذلك، فيكون الأصل في ذلك الصحّة و ترتّب الأثر، و قيام الشرط مقام المؤثّرات من العقود و غيرها من غير فرق بين لازمها و جائزها.

لا يقال: إنّ هذا الشرط ممّا حلّل حراماً.

لأنّا نقول: المراد به الحرام الأصلي الّذي لا يهدمه الشرط، لا كلّ ما كان حراماً بدون الشرط، و إلّا لم يسلم شرط من الشروط.

و المراد بالحرام الأصلي ما جاء فيه دليل بالخصوص، لا ما دخل تحت قاعدة تقضي بالتحريم من استصحاب و غيره، فإنّ دليل الشرط يحكم عليها، و ثبوت الغايات بالعقود و الايقاعات مثلًا لا ينفي ثبوتها بما عداها.

بل أقصى ما هناك أنّه يبقى ثبوتها بما عدا ذلك داخلًا تحت القواعد العامّة من


1- كذا، و الصواب: و أمّا ما يتعلّق.
2- الوسائل 12: 353، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1 و 2 و 6.
3- الوسائل 12، 354، ب 7 من أبواب الخيار.

ص: 230

استصحاب بقاء الملك، و كون الأحكام الشرعيّة تكليفيّة أو وضعيّة توقيفيّة، فإذا جاء دليل الشرط سوّغها. نعم ما دلّ على قصره على أسباب مخصوصة الدليل الخاصّ نقول به.

و الظاهر عدم دخول مثل ذلك تحت أدلّة الشروط، فإنّ أقصى ما يدلّ عليه اللزوم قضاءً لظاهر الجملة الخبريّة، و لفظ «عند» و أن يقفوا عند شروطهم كما سيأتي إن شاء اللّٰه.

و أمّا الملتزم به فليس فيها تعرّض له بوجه من الوجوه، و إنّما هو شي ء يعلم من خارج و محال على الشرع، و الاستثناء فيها استثناء من الحكم الّذي هو الوجوب، مع أنّ المعلوم من الأصحاب في سائر أبواب العقود و الإيقاعات توقّفها على ألفاظ خاصّة و كيفيّات خاصّة لا يجيزونها بغيرها، مع أنّ هذا لو كان مسلّماً لذكر يوماً في باب من الأبواب.

نعم بالنسبة إلى مثل التمليك الّذي ليس له لفظ خاصّ و يتأدّى بلفظ البيع و الهبة و صيغة التمليك و غيرها بل يتأدّى بالفعل كالمعاطاة بل و بالإباحة أيضاً، و لهذا تجري عليها أحكام الملك نجيزه بالشرط و نرتّب عليه الأثر لأنّه لفظ يؤدّي ذلك المعنى كسائر الألفاظ، و مثله إسقاط الحقّ فإنّه يتأدّى بكلّ لفظ و منها الشرط.

و مثلهما العقود الجائزة، و هذا هو السبب في نصّ الأصحاب على هذه الغايات دون غيرها، و ليس المنشأ في ذلك ما يقوله الخصم، و لا المنشأ التعبّد، فتأمّل.

و يستثنى من هذا القسم من الشروط ما قام الدليل على خلافه، كشرط الرقيّة في من أحد أبويه حرّ، و إرث المتعة، و شرط الصوم حضراً و سفراً لو قلنا به، و شرط الإحلال في الإحرام و الاعتكاف، و شرط عدم وطء المتعة، و اشتراط الإرث في ضمان الجريرة، و نحوها.

[ثامنها: ما كان ممّا حرّمه الشارع من أعيان كخمر و لحم ميتة أو كلب]

ثامنها: ما كان ممّا حرّمه الشارع من أعيان كخمر و لحم ميتة أو كلب أو خنزير أو صنم أو آلات لهو أو ظروف فضّة أو ذهب أو نحوها، أو أعمال كلعب بقمار و غناء و عمل بالملاهي أو زنا و لواط و نحوها ممّا يشترط فيه ما يخالف كتاب اللّٰه و كلام أنبيائه و أوصيائهم صلوات اللّٰه عليهم.

ص: 231

و الظاهر دخول جميع ما سبق تحت ما خالف الكتاب و السنّة، و حصر بعضهم (1) المخالف للكتاب و السنّة في المخالف لمقتضى العقد فقط غلط لا وجه له، و لا فرق في المنع من اشتراط ما خالف الكتاب و السنّة بين أن يخالف عامّهما أو خاصّهما، فالفرق بين ما كان الشرط رافعاً لما كان مشروعيّته بالنصّ عليه في باب ذلك العقد بالخصوص كاشتراط أن لا يتزوّج فإنّ الزيادة على الواحدة منصوص بها في الشرع بالخصوص، لقوله تعالى: «فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ» (2) و ما كان مشروعيّته بالعموم كعدم إخراج المرأة من بلدها و عدّ الأوّل من الشروط المخالفة للكتاب و السنّة دون الثاني، لا وجه له.

نعم ما ذكر من المثال في المقام الأوّل ليس من باب الشروط المخالفة للكتاب و السنّة بهذا الطريق، بل لورود الدليل الخاصّ بمنعه من الإجماعات (3) و الروايات (4)، أو حيث يرجع إلى بعض ما تقدّم من أقسام الشروط.

و أمّا الثاني فليس من الشروط المخالفة للكتاب و السنّة كما تقدّم، مع ورود النصوص الصحيحة (5) الصريحة بجوازه.

[تاسعها: ما علم من الشرع جواز اشتراطه بالخصوص]

تاسعها: ما علم من الشرع جواز اشتراطه بالخصوص كاشتراط الزوجة أن لا يخرجها من بلدها و نحو ذلك أو المنع من اشتراطه كذلك كعدم التزويج عليها و التسرّي و نحو ذلك، و هذا لا بحث فيه للفقيه ثبوتاً و نفياً، بل هو تابع ورود النصّ به من الجواز و عدمه.

و بقي قسم آخر من الشروط سيجي ء في كلام المصنّف إن شاء اللّٰه.

إذا تقرّر هذا فنقول: إنّ الأصل و الآيات و الأخبار تقضي بجواز كلّ شرط إلّا ما علم عدم جوازه بالعقل أو النقل عموماً أو خصوصاً، و لا يراد بما أحلّ حراماً أو حرّم حلالًا ما يعمّ العارضي الّذي يهدمه الشرط، بل ما كان حراماً في نفسه حرمة


1- منهم العلّامة في القواعد 2: 90.
2- النساء: 3.
3- راجع المسالك 8: 245 و كشف اللثام 7: 420.
4- راجع الوسائل 15: 46، ب 38 من أبواب المهور.
5- راجع الوسائل 15: 48، ب 40 من أبواب المهور، ح 1 و ذيل ح 3.

ص: 232

لازمة و ما كان حلالًا كذلك، و لو لا ذلك لكانت جميع الشروط ممّا أحلّت حراماً أو حرّمت حلالًا، فلا يبقى للاشتراط محلّ.

فإن قلت: ظاهر صحيحة عبد اللّٰه بن سنان يقضي بأنّ الموافقة لكتاب اللّٰه شرط في صحّة الشروط، لا أنّ المخالفة مانعة، حيث قال الإمام عليه السلام فيها: «و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّٰه (1)» و حينئذٍ فالشكّ في الشرط شكّ في المشروط و تكون القاعدة في الشروط عدم الصحّة حتّى تعلم الموافقة.

بل قد يقال: إنّ ما تتقيّد من الروايات بما خالف كتاب اللّٰه قاضٍ بذلك أيضاً، فإنّه مع الشكّ في المخالفة يكون من الشكّ في مصداق المخصّص لا في مفهومه، و الألفاظ موضوعة للواقع، فالمشكوك فيه مشكوك في دخوله تحت المخصّص أو المخصّص، فلا يتمسّك فيه بالعامّ، لأنّه قد تخصّص بما خالف الكتاب واقعاً، بل يرجع فيه إلى الأصل، و الأصل الفساد، فإنّ الصحّة و ترتّب الأثر من الأحكام الشرعيّة التوقيفيّة، و أمّا الفساد فيكفي فيه عدم الدليل، فانحصر الصحّة فيما وافق الكتاب و السنّة في نفس الأمر، و إذا شكّ في كونه موافقاً للكتاب فيحصل الشكّ في الصحّة، و مع الشكّ فلا حكم و يتعيّن الفساد.

قلت: لا ريب أنّ ما في الرواية مسوق لبيان استثناء الشرط المخالف، كما كشفت عنه الروايات الاخر المتكثّرة، و قضى به فهم الأصحاب، مضافاً إلى أنّ الموافقة للكتاب موجودة في المشكوك فيه باعتبار الأصل، و هو حجّة شرعيّة، و لا ريب أنّه مع الشكّ في مصداق المخصّص كمفهومه يتمسّك فيه بالعامّ، كما هي طريقة الأصحاب اقتصاراً فيما خرج عنه على المتيقّن.

و من المعلوم انّ المرجع في حقيقة المعاملات إلى العرف، و العقد و الشرط كلاهما من المعاملات، فما يسمّى في العرف بيعاً فيحكم به عليه شرعاً إلّا أن يثبت له شرط في الخارج، و كذلك الشرط. فنقول: إنّ كلّ شرط يجب الوفاء به إلّا ما خالف الشرع، فما علم أنّه مخالف للشرع فمستثنى، و ما علم منه موافق فداخل،


1- الوسائل 12: 353، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1.

ص: 233

و ما شكّ فيه فالأصل عدم المنع منه، و موافقة الأصل هو مقتضى الكتاب و السنّة.

[القسم العاشر من أقسام الشروط اشتراط غير المقدور]

قال المصنّف قدس سره: «و كذا يبطل باشتراط غير المقدور كاشتراط حمل الدابّة فيما بعد أو أنّ الزرع يبلغ السنبل، و لو اشترط تبقيته إلى أوان السنبل جاز»

هذا هو القسم العاشر من أقسام الشروط، و هو ما كان من الشروط الممتنعة عقلًا أو عادةً إن اريد أن يكون ذلك بفعل، و إن اريد أن يكون ذلك بفعل اللّٰه تعالى فهو غير مقدور له، و ليس له فيه مجال السعي. و لا كذلك اشتراط الضمين و الكفيل و نحوهما، فإنّه قادر على تحصيل أسبابها، فلا وجه لما أورد على الأصحاب من تجويزهم اشتراط الضمين و الكفيل مع منعهم من اشتراط غير المقدور و كلاهما غير مقدور.

و في حواشي المصنّف على القواعد فسّر جعل الزرع سنبلًا بأن يجعل اللّٰه جلّ شأنه الزرع سنبلًا قال: لأنّا إنّما نفرض ما يجوز أن يتوهّمه عاقل لامتناع ذلك من غير الاله جلّت عظمته (1) انتهى.

فإن قلت: أيّ فرق بين اشتراط حمل الدابّة فيما بعد، و اشتراط كونها حاملة، حتّى منعتم من الأوّل و أدخلتموه في غير المقدور، و أجزتم الثاني و أخرجتموه منه، مع أنّ الشرط في كلّ منهما كون لا تكوين و فعل.

قلت: يمكن الفرق بأنّ اشتراط الماضي أولى من المقدور، بخلاف اللاحق، فافهم.

و أمّا لو شرط تبقية الزرع إلى أوان السنبل فلا بحث في صحّته، غير أنّ ظاهر المصنّف هنا و في الدروس كظاهر السرائر و التذكرة: أنّه لا يشترط تعيين المدّة، بل يكفي أن يحال على المتعارف من البلوغ، لأنّه مضبوط (2) كما هو خيرة الشرح و المسالك و الكفاية (3). و قال في المسالك: إنّ إطلاقهم يقضي بذلك.

و التحقيق أنّه إن اشترط تبقية المبيع أو الثمن و كان ذلك بحيث يرجع إلى


1- الحاشية النجّاريّة (مخطوط): الورقة 68.
2- الدروس 3: 215، السرائر 2: 327، التذكرة 1: 490 س 33.
3- الروضة 3: 505، المسالك 3: 270، الكفاية 97 س 18.

ص: 234

تأخّر التسليم، فلا بدّ من ضبط المدّة لئلّا يجهل الشرط الّذي تسري جهالته إلى أحد العوضين، لأنّ مدّة البلوغ غير مضبوطة بالزمان، لاحتمال التقدّم و التأخّر.

و إن لم يكن شرط التبقية للمبيع أو الثمن بذلك النحو، كأن يبيعه داراً مثلًا و يشترط عليه تبقية الزرع فيها، أو في مكان آخر من أملاكه إلى وقت البلوغ، فلا بأس على ما تقدّم من الاكتفاء في الشرط الّذي لا يجهل العقد و لا أحد العوضين بالأوّل إلى العلم كالصلح.

نعم صرّح جماعة من الأصحاب في باب إجارة الأرض حيث يستأجرها مدّة لزرع لا يكمل فيها: من أنّه لو شرط التبقية إلى وقت البلوغ يجهل العقد، و هو محلّ بحث.

هذا كلّه إذا اشترط، و أمّا إذا أطلق فإنّه يلزم البائع إبقاءه إلى أوان دروكه و بلوغه من غير إشكال، لأنّه إذا لم يشترط كان التراضي على الزرع، و الإبقاء حكم شرعي لزم بلا معاوضة عليه، أو أنّه شرط ضمني لقضاء العادة باشتراطه ضمناً و إن لم يصرّح به لفظاً، و حكم الشرائط المفهومة ضمناً و إن لم يصرّح به لفظاً مغاير لحكم المصرّح بها، فلا يلزم من ترتّب الغرر على القسم الثاني ما لم يكن مؤكّداً لما في الضمن ترتّبه على الأوّل.

[لو شرط غير السائغ بطل و أبطل]

قال المصنّف قدس سره: «و لو شرط غير السائغ بطل و أبطل»

اختلف الأصحاب في البيع الّذي يتضمّن شرطاً فاسداً على أنحاء:

أوّلها: صحّة البيع و بطلان الشرط، و هو خيرة الشيخ في المبسوط و ابن سعيد في الجامع و الآبي في كشف الرموز (1) و هو المحكيّ عن أبي عليّ و القاضي (2)، و ربّما حكي عن الحلّي و لم أجده في السرائر، و وافقهم أبو المكارم في الشرط المخالف لمقتضى العقد أو السنّة (3)، و ابن المتوّج (4) في الشرط الفاسد الّذي لا


1- المبسوط 2: 149، الجامع للشرائع: 272، كشف الرموز 1: 474.
2- حكاه عنهما في المختلف 5: 298.
3- الغنية: 216.
4- هو الشيخ أحمد بن عبد اللّٰه بن سعيد المتوّج البحراني، تلميذ فخر المحقّقين، كتابه «كفاية الطالبين» لا يوجد عندنا، راجع الذريعة 18: 93.

ص: 235

يتعلّق به غرض، كما لو شرط أكل طعام بعينه أو لبس ثوب بعينه و نحو ذلك.

و لا يبعد أن يكون هذا القول هو الأعرف عند القدماء.

ثانيها: بطلانهما معاً، كما في القواعد و التذكرة و المختلف و الإرشاد و شرحه لولده و الدروس و المتن و المهذّب البارع و المقتصر و حواشي المصنّف على القواعد و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و تعليق النافع و الميسيّة و المسالك و مجمع البرهان و الكفاية (1) و وافقهم أبو المكارم في الشرط الغير المقدور كأن يشترط عليه أن يجعل الرطب تمراً فقال: إنّه فاسد مفسد بلا خلاف (2)، لكنّه في التذكرة جعل هذا محلّ خلاف للشيخ أيضاً (3)، و هذا القول هو المشهور شهرة محصّلة بين المتأخّرين، بل كاد أن يكون إجماعيّاً عندهم، و منقولة على لسان بعض الفحول (4).

ثالثها: ما في الشرائع و النافع و التحرير و الإيضاح و التنقيح و غاية المرام و إيضاح النافع (5) من عدم الترجيح.

احتجّ أهل القول الأوّل بالأصل، و أنّه لا دليل على بطلان العقد، و بالإجماع المنقول في الغنية على صحّة العقد في الشرط المخالف للعقد أو السنّة (6).

و بمرسلة جميل بن درّاج في من اشترى جارية و شرط لأهلها الميراث، فقد حكم عليه السلام بصحّة العقد و بطلان الشرط (7).

و بخبر بريرة من طريق العامّة: أنّ مولاتها شرطت على عائشة حين شرائها


1- القواعد 2: 90، التذكرة 1: 490 س 33، المختلف 5: 298، الإرشاد 1: 359، الدروس 3: 214، راجع المهذّب البارع 2: 406، المقتصر: 174، جامع المقاصد 4: 415، حاشية الإرشاد (مخطوط): 116، مسالك الأفهام 3: 273، مجمع البرهان 8: 148، الكفاية: 97 س 21.
2- الغنية: 215.
3- التذكرة 1: 490 س 33.
4- لم نقف عليه.
5- الشرائع 2: 34، المختصر: 124، التحرير 1: 180، س 6 (هكذا أيضاً نسبه إليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، و الّذى قرّبه فيه بطلان العقد أيضاً) إيضاح الفوائد 1: 518، التنقيح 2: 73، غاية المرام 2: 64 و 65.
6- الغنية: 216.
7- الوسائل 15: 49، ب 40 من أبواب المهور، ح 3.

ص: 236

أن يكون ولاؤها لها إذا أعتقها فأجاز النبيّ صلى الله عليه و آله البيع و قال: «الولاء لمن أعتق (1)» فأفسد الشرط.

و من طريق الخاصّة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه ذكر أنّ بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة، فاشترتها عائشة فأعتقتها فخيّرها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فقال: إن شاءت تقرّ عند زوجها و إن شاءت فارقته و كان مواليها الّذين باعوها شرطوا على عائشة: أنّ لهم ولاءها فقال لهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «الولاء لمن أعتق» (2). و مثله صحيحة عيص بن القاسم (3). و احتجّوا أيضاً بما ذكر في النكاح من الإجماع المنقول كما في المسالك على صحّة عقده و فساد الشرط (4)، و الأخبار المتعدّدة الصحيحة الصريحة الدالّة على ذلك، كصحيحتي محمّد بن قيس المتضمّنة إحداهما اشتراط المرأة في عقد النكاح: أنّ بيدها الجماع و الطلاق (5) و الاخرى اشتراط أن يجي ء الزوج بالصداق إلى أجل مسمّى و إلّا فليس له عليها سبيل (6) و قد حكم عليه السلام فيهما بصحّة العقد و أبطل الشرط. و صحيحته الثالثة في شرط عدم التزويج و التسرّي، و أنّه إن تزوّج عليها أو هجرها أو تسرّى فهي طالق (7) و قد حكم عليه السلام فيها بصحّة العقد و أبطل الشرط. و خبر الوشاء (8) و غيرهما.

و بلزوم الدور، لأنّ لزوم الشرط و صحّته فرع على صحّة البيع فلو كانت موقوفة على صحّته لزم الدور.


1- سنن البيهقي 10: 336 339.
2- الكافي 5: 468، ح 1، و الفقيه 3: 134، ح 3497، التهذيب 7: 341، ح 27.
3- الوسائل 16: 40، ب 37 من كتاب العتق، ح 1.
4- المسالك 8: 245.
5- الوسائل 15: 41، ب 29 من أبواب المهور، ح 1.
6- الوسائل 15: 21، ب 10 من أبواب المهور، ح 2.
7- الوسائل 15: 46، ب 38 من أبواب المهور، ح 1.
8- الوسائل 15: 19، ب 9 من أبواب المهور، ح 1.

ص: 237

و اجيب عن الأصل أي أصل الصحّة بأنّه مقطوع بما يأتي من الأدلّة و معارض بأصل عدم الانتقال.

و عن الإجماع بأنّه ممنوع في مقابلة فتوى المشهور بخلافه، مع أنّه ربّما ظهر عن عبارة ناقله أنّه الإجماع على أصل القاعدة، مع أنّه بنفسه نفى الخلاف في إفساد الشرط الغير المقدور للعقد، و لا قائل بالفرق بين المقامين.

و عن ظاهر القرآن أعني «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» (1) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (2) بأنّه غير شامل لما نحن فيه من وجهين:

الأوّل: تقييده بالقصد المنفيّ فيه، لأنّ البائع إنّما رضي على هذا الشرط، فإذا لم يسلم كانت تجارة عن غير تراضٍ، مع أنّ التراضي شرط إجماعاً فلم يستكمل لعموم الشروط، و لهذا اشتهر فيما بينهم في سائر أبواب العقود: إنّ العقود تتبع القصود.

و المراد بذلك: أنّ العقد إذا أمكن حصوله على شئون مختلفة من الإطلاق و التقييدات المختلفة الحاصلة بالشروط و غيرها فالعقد تابع للقصد أعني أنّ الماهيّة المطلقة يحكم بحصولها في ضمن ما قصد من أفرادها و أقسامها، لا أنّ كلّ ما يترتّب على العقود من الآثار و الثمرات الخارجة و الأحكام اللاحقة لا بدّ أن يعلمها و يعتقدها و يقصدها في العقد، و مع اعتقاد خلافها و عدم القصد إليها لا يصحّ العقد، و إلّا فيلزم بطلان أكثر العقود. و المعتبر من ذلك القصد هو ما اطّلع عليه المتعاقدان معاً، و لا يكفي في ذلك قصد أحدهما من دون اطّلاع الآخر، فما يحتمل وجوهاً كثيرة و لم يذكر في طيّ العقد وجه منها و لم يعيّن فالقدر المشترك المنعقد بينهما هو مطلق العقد، و ما عداه يبنى فيه على الإطلاق، و العقد المشروط من القسم الأوّل في المقامين.

الثاني: تطرّق الجهالة المانعة من الصحّة، لأنّ الشرط له قسط من الثمن، فإنّه قد يزيد باعتباره و ينقص، فإذا بطل بطل ما بازائه من الثمن و هو غير معلوم.

و عن الروايات أمّا عن الاولى فباشتمالها على صحّة اشتراط عدم الهبة


1- البقرة: 275.
2- المائدة: 1.

ص: 238

و البيع، و القول به متروك بين الأصحاب كما عرفت، فهي شاذّة، و لا يمكن فيها التفكيك فيعمل فيها ببعض دون بعض.

و أمّا عن الثانية فقد أجاب في المختلف بضعف السند أوّلًا، و أنّها رويت على وجه آخر و هو من طرق العامّة أيضاً مشتمل على أنّ بريرة أخبرت عائشة بأنّها قد كوتبت، و طلبت الإعانة منها، فيسقط الاستدلال بها بالكلّية (1)، إذ لا بيع حينئذٍ، و فيها أيضاً أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها: اشترطي الولاء و لا يأمرها بفاسد، فالمراد اشترطي عليهم.

و أمّا عن الثالثة و الرابعة فأوّلًا بالتزامه بخصوصه للدليل، كما نقول بذلك بالنظر إلى شرائط النكاح، و قد استثناه المقداد في التنقيح من الشرائط الفاسدة الّتي يسري فسادها إلى العقد و قال فيه بصحّة العقد و فساد الشرط (2).

و ثانياً بما يظهر من بعضهم من أنّه يجوز أن يكون شرطاً للعتق لا للبيع، و فساد شرط الشرط لا يسري إلى فساد الشرط فضلًا عن البيع، فتأمّل.

و أمّا عن الإجماع الوارد في باب النكاح و الأخبار المذكورة فيه، فبمنع الإجماع على إطلاقه أوّلًا بحيث يثبت قاعدة في ذلك في باب النكاح فضلًا عن غيره، لوقوع الخلاف فيه أيضاً فيما خالف مقتضى العقد، و ذكروا مواضع اخر اختلفوا فيها أيضاً، و الأخبار ليس فيها ما يقضي بالعموم بحيث يجعل ذلك قاعدة فيه. و أقصى ما في الباب: أنّه قد وردت الأخبار فيه في خصوص بعض الشروط فيقتصر في ذلك على مواردها، سلّمنا ذلك و لكن باب النكاح مطلقاً خرج بالدليل، فيكون من قبيل الأسباب و مستثنى من تبعيّة العقود للقصود.

و قد يجاب عن ذلك: بأنّ الشرط ذو وجهين، مرّة يراد به الربط فيلزم من فساده فساد العقد، و مرّة يراد به الاستقلال فيكون منفصلًا عن العقد و بمنزلة عقد آخر، لعدم ارتباط المشروط به، فالعقد يقع مطلقاً و إن تبعه الشرط و ترتّب عليه


1- المختلف 5: 299.
2- التنقيح 2: 74.

ص: 239

فلا يسري الفساد منه إليه، و شروط النكاح من هذا القبيل، باعتبار أنّ النكاح ليس بمعاوضة محضة، فيلزم دخول الشرط في أحد العوضين، بل هو أمر خارج، فيكون بمعنى الإلزام و الالتزام، و لو اريد منه معنى الربط فأقصاه منع المهر، فيقضى بفساد المهر و هو لا يفسد العقد.

و هذه الصورة و إن أهملها الأصحاب إلّا أنّها أحد صور الاشتراط، و يدلّ على لزوم الوفاء بها إطلاق قولهم عليهم السلام: «المؤمنون عند شروطهم (1)» و يكون المراد به معنى الإلزام و الالتزام، و ظهور لفظ الشرط في التبعيّة و الارتباط لا ينافي ذلك، فإنّ التبعيّة من جانبه موجودة و إن كانت من جانب العقد منتفية، و يكون من هذا القبيل شرط الإحلال عند الصدّ في الإحرام، و شرط الاعتكاف، و شرط الخدمة في العتق، و لذا لا تتوقّف فيها صحّة المشروط على صحّة الشروط، و يكون المدار حينئذٍ على قصد المتعاقدين، فإن قصدا الأوّل كان منه، و إن قصدا الثاني كان منه و إن أطلقا حملا على الأوّل، و يمكن بهذا أن يجعل النزاع لفظيّاً بين أهل القول الأوّل و القول الثاني بحمل أهل القول الأوّل على الثاني و أهل القول الثاني على الأوّل.

قلت: لا ريب أنّ معنى الشرطيّة و ظاهر اللفظ ينافي ذلك، فإنّ المتبادر من الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، لا مطلق الإلزام و الالتزام، و لا خصوص التابع منه للعقد، و لا أقلّ من الشكّ، و الأصل عدم الاشتراط، و عدم ترتّب أحكام الشرط و آثاره. على أنّه لو اريد مطلق الإلزام و الالتزام للزم أنّه لو اشترط عليه شيئاً ابتداءً أنّه يجب عليه الوفاء به، و لا قائل به. و إن اريد خصوص التابع للعقد كان تحكّماً، على أنّ ظاهر الأصحاب في شروط النكاح و ما كان بحكمها عدم الفرق في صحّة العقد و فساد الشرط بين أن يقصد المتعاقدان الشرط بالمعنى الأوّل أو الثاني أو مطلقاً، بل ظاهرهم أنّ محلّ البحث حيث يقصد المعنى الأوّل، فليس المستند إلّا التعبّد بالدليل الخاصّ فيها، كما أنّ أظهر أفراد النزاع فيما نحن فيه صورة الإطلاق أيضاً.


1- الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.

ص: 240

و دعوى: أنّه مع الإطلاق في خصوص باب النكاح الظاهر من الشرط ذلك، ممنوع.

و من هنا ظهر أنّه لو قصد المتعاقدان الشرط بالمعنى الثاني لم يكن من الشروط الشرعيّة، و لا يلحقه حكم الشرط بوجه من الوجوه.

و أمّا عن لزوم الدور فقد أجاب عنه الفخر في الإيضاح: بأنّ كون هذه شروطاً مجاز لأنّها تابعة للعقد، و العقد سبب فيها، فلا يعقل كونها شرطاً له و إلّا دار، بل هي من صفات المبيع تختلف الأغراض باختلافها (1).

و قال في شرح الإرشاد ناقلًا له عن والده: انّ هذا الدور دور معيّة كالصلاة و أجزائها، فإنّ مجموع الصلاة متوقّف على أجزائها من حيث الصحّة، و أجزاؤها من حيث الصحّة متوقّفة على مجموعها، انتهى.

و الثاني هو الوجه في الجواب دون الأوّل، إذ لا ريب في كونها شروطاً على الحقيقة، و إن لم تكن لأصل العقد، و سيأتي بيان ذلك.

ثمّ إنّ أهل هذا القول بعد أن قالوا بصحّة العقد و بطلان الشرط، لم يعلم منهم أنّهم يقولون بثبوته بسبب فواته مطلقاً أو لا مطلقاً أو يفصّلون بين العالم بالفساد و الجاهل به، فيثبتونه للثاني دون الأوّل، وجوه، و لعلّ الظاهر منهم الأوّل.

و احتجّ أهل القول الثاني: بأنّ المقصود هو المجموع، و إذا بطل الكلّ بفوات بعضه و هو الشرط فات محلّ القصد، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، و لأنّ للشرط قسطاً من الثمن فإذا بطل يُجهل العقد.

و فيه: أنّ ذلك متمشٍّ في كلّ ما تبعّضت به الصفقة و قد قالوا: إنّه لو شرط كون العبد كاتباً مثلًا و اشترى عبدين جميعاً، و تبيّن أنّ أحدهما غير كاتب أو هما أو أنّ أحدهما ليس ملكاً له، فإنّ البيع لا يبطل بذلك و إن ثبت له الفسخ، مع أنّ التراضي لم يتحقّق إلّا على الوجه الّذي ليس بواقع، مع ما هناك من الجهالة، و كم من جهالة اغتفروها ممّا لا يكاد يحصى، و مقتضى ذلك أنّ هاهنا مع البطلان إنّما يتسلّط على خيار تبعيض الصفقة و لا يقضى بالبطلان رأساً إلّا إذا علم كلّ من المتعاقدين أو أحدهما بفساد الشرط من أوّل الأمر، فإنّه لا خيار حينئذٍ للعالم كما في سائر باب


1- إيضاح الفوائد 1: 518.

ص: 241

خيار التبعيض، و باعتبار ما ذكرنا من أدلّة الطرفين توقّف في ذلك من توقّف.

و التحقيق: أنّ الشرط معناه ما ينتفي المشروط عند انتفائه، و ليس هو شرطاً لأصل الانشاء و إلّا لكان كلّ شرط مبطلًا للعقد، لعدم قابليّته للتعليق، بل معنى الشرطيّة في المقام ملكيّة المشروط له على نحو ملكيّة المشترط، فالملكية شرط في الملكيّة، و يحصلان دفعةً، و التقدّم ذاتي لا زماني، و حيث إنّ الشرط قضى ببناء الملكيّة للمشروط شرعاً على ملكيّة الشرط فصحّته شرط في صحّة العقد، فإذا بطل الشرط لحرمته أو امتناعه أو مخالفته مقتضى العقد بطل مشروطه كذلك و لم تحصل الملكيّة، و إذا صحّ كما إذا كان قابلًا للملك كان كصحّة مشروطه، و عدم تسليمه كعدم تسليمه بعض الشروط لا يقتضي فساداً، و إنّما يثبت مع عدم الوفاء به خيار التبعيض للصفقة، أو يثبت الخيار تعبّداً للدليل، فإنّ ثبوت الخيار بفوات الشرط مجمع عليه فيما بينهم، و لا حاجة إلى ادّعاء أنّه شرط للّزوم في ثبوت الخيار.

و الحاصل أنّ الشروط كالشطور الّتي شرطت ملكيّة بعضها ببعض و إن كان الظاهر من الشطور خلاف ذلك.

و من هنا كان خيار التبعيض على وفق القاعدة إلّا حيث يعلم فيها وقوع التراضي بالمجموع لا بالجميع، فإنّه بفوات البعض يتعيّن الفساد و يكون من قبيل ما نحن فيه.

و من هنا اندفع ما يقال: إنّ الشرط إمّا أن يكون شرط الصحّة أو اللزوم، و الأوّل باطل، لعدم قابليّة العقد للتعليق فتعيّن الثاني، و عليه فإنّما يلزم بطلان الشرط فوات اللزوم المثبت للخيار لا بطلان العقد.

فإن قلت: إن اريد أنّ الملكيّة شرط في الملكيّة شرعاً، فالشأن في ثبوت ذلك و هو محلّ النزاع، فلا يكون الدعوى دليلًا.

ص: 242

و إن اريد أنّها شرط بحسب قصد المتعاقدين، فهو ممنوع، فإنّهما إنّما يشترطان فعلًا من أفعالهما، و لا يخطر ببالهما ملكيّة ذلك الفعل للمشترط على المشترط عليه فضلًا عن أن يقصداهما من اللفظ، مع أنّ اللفظ ليس فيه دلالة على ذلك.

نعم حيث يجوز اشتراط الغاية أو فيما قام عليها الدليل قد يتأتّى ذلك، و لكنّه أقلّ قليل، و اللزوم و إن لم يكن مصرّحاً به بالعبارة إلّا أنّه من مقتضيات العقد المذكور فيها و أحكامه، فرجوع الشرط إليه أقرب و أولى من تأويله بالملكيّة.

قلت: لا ريب أنّ الظاهر من كلّ من يشترط شيئاً إرادة ملكيّة الشرط لا فعليّته، و أنّ فعليّته موكولة إلى اختياره، إن شاء ألزم المشروط عليه بها و إن شاء عفا، مع أنّ الظاهر من الشرط أنّه شرط لأصل العقد و للانشاء نفسه و لكن خرجنا عن ذلك باعتبار عدم صحّة التعليق في العقود، فمع تعذّر ذلك يحمل على أنّه للمنشأ الّذي هو الملكيّة و الانتقال، لأنّه بعد تلك المرتبة في الظهور فيكون كما إذا تعذّرت الحقيقة، فإنّه يحمل على أقرب مجازاتها.

و أمّا عوده إلى اللزوم، فهو بعيد جدّاً و لا يقتضيه ظاهر اللفظ بوجه، فتأمّل.

ثمّ اعلم أنّه لا يفترق الحال فيما ذكرنا بالنسبة إلى الشروط الفاسدة جميعها.

و الظاهر أنّه لا فرق في فساد العقد باشتراط المحرّم شرعاً كالخمر و نحوه بين العلم بالحكم و الجهل به.

نعم بالنسبة إلى الجهل بالموضوع كأن يشترط شيئاً معيّناً بزعم أنّه خلّ فتبيّن أنّه خمر وجهان: الصحّة، و البطلان، و ربّما ظهر من الأصحاب الأوّل، و لا فرق بين ما كان من صفات المبيع كأن يشترط كون العبد مغنياً و غيره.

و احتمل في إيضاح النافع إلغاء الشرط في كلّ موضع لا يكون فيه غرض عرفاً و لا يقوّم شرعاً. و قال: إنّ التراضي في الحقيقة إنّما هو على المعوّض، فأفسد فيه الشرط و صحّح العقد، و هو غير بعيد، كما يقضي به كلامهم في باب السلف فيما لو شرط أحدهما مكيالًا أو صنجة بعينه دون ما سواه و ربما يحمل على ذلك إطلاق كلام المشهور.

ص: 243

فإنّ الظاهر منه الشرط المتقوّم الّذي يتعلّق به غرض، و لا ينافي ذلك ما تقدّم من التذكرة حيث قوّى ثبوت الخيار في مثل شرط أن لا يأكل الهريسة، أو لا يلبس الخزّ (1) لأنّه قيد الغرض المذكور (2) بالنسبة إليهما أو إلى ما يشابههما بالّذي لا يوجب التنازع و التنافس فلا يتأتّى (3) الحكم بإلغاء الشرط الّذي لا يتعلّق به غرض مطلقاً.

و قد تقدّم لك الفرق من ابن زهرة بين شرط غير المقدور و شرط المقدور ممّا خالف مقتضى العقد أو السنّة، فإنّه أبطلهما في الأوّل و صحّح العقد في الثاني (4) و لا وجه له، بل قد يقال بصحّة العقد و فساد الشرط حيث يعلم المشترط عدم قدرة المشروط عليه على الشرط، فيلغو الشرط و يرجع إلى التفصيل السابق، فتأمّل.

و الظاهر أنّ هذا البحث لا يخصّ البيع، بل يجري في سائر العقود اللازمة بالأصل أو بالعارض، بل و في الجائزة أيضاً. فإنّ فساد الشرط فيها يقضي بفساد الإذن و الإباحة على القول بفسادها تبعاً لفساد الشرط دون القول الآخر.

و لا فرق في الشروط المنافية بين اعتبارها في ذلك العقد أو في عقد آخر. و الشروط المتعدّدة في العقد الواحد يجري فيها الحكم فيفسد العقد بفساد بعضها و ثبت الخيار بانتفائه.

و في المتداخلة كشرط الشرط و شرط شرط الشرط و هكذا يثبت الحكمان في الشرط السابق دون ما عداه على أقوى الوجهين، و فساد اللواحق قاضٍ ببطلان الخيار في وجه.

و لو تعدّدت العقود فسدت بفساد شرط واحد متّحداً أو منضمّاً إلى غيره.

و لو وقع الشرط بعد المقيّد فالظاهر رجوعه إلى الأصل دون القيد إلّا مع القرينة، و معها يثبت الخيار في التوابع دون الأصل.

[شرط العتق]

[لو شرط عتق المملوك جاز]

قال المصنّف قدس سره: «و لو شرط عتق المملوك جاز»

شرط العتق إمّا مطلق و يرجع إلى المنقول إليه كما في الدروس (5) أو الأعمّ


1- تقدّم في ص 218.
2- في نسخة: المنفيّ.
3- في نسخة: فلا ينافي.
4- الغنية: 215 216.
5- الدروس 3: 216.

ص: 244

و هو أقرب إلى اللفظ. و إمّا مقيّد بكونه عن الناقل أو المنقول إليه أو أجنبيّ أو على التشريك و أقسامه أربعة، أو التخيير و أقسامه أربعة، فبلغت اثني عشر قسماً و هي بين أن تكون في الغاية بناءً على إثباتها بالشرط أو العقد أو الإيقاع فهي أربعة و عشرون.

ثمّ ما كان للغاية أو الإيقاع مرّة يقيده بكونه عن كفّارة، و مرّة يطلق إلى غير ذلك من الأقسام.

أمّا اشتراطه عن المشتري في عقد أو إيقاع، فقد تقدّم نقل الإجماعات الدالّة بإطلاقها عليه، و أنّه ليس بمنافٍ لمقتضى العقد، لأنّه شرط لفعل من أفعال المشتري و إن ترتّب عليه رفع السلطان و الانتفاع، بخلاف اشتراط عدم التصرّف و نحوه فتشمله أدلّة الشروط.

و لو سلّم فيه المنافاة، قلنا: مخصّص للأدلّة الخاصّة.

نعم فيه ما يجري في كلّ مشروط بالقربة من أنّه استحقّ بالشرط فليس حقّاً للّٰه، فلا تتحقّق فيه نيّة القربة بشرط التصدّق و النذر و الوقف و نحوها.

و الجواب عن ذلك كالجواب عن عبادة الاجراء في تحقّق القربة فيها، لأنّ السبب قاضٍ بالإيجاب، فإذا جي ء به من هذه الجهة جاءت القربة و تأكّدت.

و أمّا بالنسبة إلى اشتراط الغاية، فحصول غاية الحرّيّة كيفما كانت كغاية الوقفيّة و المملوكيّة (1) منافية لما يتعلّق بالأعيان من جميع المملّكات، لرجوعه إلى التأجيل في الملك، نعم لا بأس في التأجيل بالمنافع، فتحديد ملك المنقول إليه العين بوقت مخصوص ثمّ ينتفي بأيّ نحو كان لا وجه له، من غير فرق بين أن نقول بإثبات الشروط للغايات أو لا.

و أمّا ما كان بالعقد و الإيقاع (2) غير المشتري فإن كان عن غير الناقل و هو الأجنبيّ فلا بأس به، و يرجع اشتراط العتق إلى شرطين: صريح و هو نفس العتق، و من جهة التوقّف و هو التملّك قبل العتق زماناً بمجرّد قصده أو مجرّد الدخول في


1- في نسخةٍ: الملكيّة.
2- كذا، و الظاهر بعقد و إيقاعِ.

ص: 245

لفظه أو ذاتاً بعد إتمامه، فإن اريد بلا تمليك بل بأصل العقد كان تأجيلًا، و إن اريد أنّه بملك جديد فلا بأس به.

و أمّا إذا أخذ العتق عن الناقل أو شرط نقل الملك إليه من المشتري، فقيل بمنعه و هو خيرة المصنّف في الدروس و الشارح في الشرح و المسالك و الفاضل المقداد (1)، و قد يظهر من عبارة قواعد العلّامة (2)، و مال إليه الأردبيلي استناداً إلى لزوم الدور (3)، و فيه أنّه معيّ و التقدّم ذاتي على أنّ ذلك جارٍ في جميع الشروط المملّكة، أو استناداً إلى أنّ أخذ الرجوع إليه تأجيل لنقله، أو أنّ النقل للعين يقتضي رفع السلطان الدائم و هذا ينافيه. و الكلّ محلّ منع.

و ربّما يقال: إنّ حديث «لا عتق إلّا في ملك» أقصى ما يقضي بملكيّة العتق، فلا دلالة فيه على اشتراط ملكية العتق عنه و المعتق و هو المشتري مالك، فتأمّل.

و الظاهر صحّة هذا الشرط عملًا بعموم ما دلّ مستفيضاً على وجوب الوفاء بالشروط الّتي لم يمنع منها كتاب و لا سنّة، مضافاً إلى إطلاق الإجماعات المستفيضة بصحّة شرط العتق الشاملة لما نحن فيه، مع ما يظهر من التذكرة من الإجماع عليه بالخصوص، حيث قال: أمّا لو شرط العتق عن البائع فإنّه يجوز عندنا خلافاً للشافعي (4) انتهى. فلا تأمّل في جوازه إلّا أن يقوم إجماع أو غيره على المنع منه كما في البيع بشرط البيع، و ليس فليس.

و في كونه حقّاً للّٰه تعالى أو للبائع أو المشتري أو الأجنبيّ المشروط له أو العبد أو المركّب احتمالات، فإنّه من حيث إنّ فيه معنى القربة و العبادة يترجّح الأوّل، و من حيث الاشتراط من البائع و تعلّق غرضه به و إنّ الشروط من جملة العوضين يدلّ على الثاني، و من حيث إنّ به فراغ الذمّة يكون للثالث. و أمّا حيث يشترط عنه فثبوت الحقّ له حينئذٍ ظاهر قضاءً لحقّ الاشتراط، و مثله الأجنبيّ المشترط


1- الدروس 3: 216، الروضة 3: 506، المسالك 3: 270، التنقيح 2: 73.
2- القواعد 2: 91.
3- مجمع الفائدة 8: 149.
4- التذكرة 1: 492 س 16.

ص: 246

له، و باعتبار استلزامه زوال الحجر عن العبد و تحريره يكون حقّاً له. و الظاهر أنّه لا منافاة بين هذه الحقوق، فيجوز اجتماعها فيه، و يتفرّع على ذلك المطالبة بالعتق، فمن كان الحقّ له فله المطالبة، و على الأوّل فالمطالبة للحاكم.

و أمّا عتقه عن الكفّارة، فإن كان عن المشتري و شرط البائع عتقه عنها صحّ بلا إشكال، و ظاهر غاية المرام الإجماع عليه (1)، و إن كانت عن البائع جاء فيه القولان و أولى بالمنع هنا عند القائل بالمنع، و فائدة الشرط على الأوّل التخصيص لهذا العبد بالإعتاق، و إن لم يشترط، فإن قلنا: إنّ الحقّ فيه للّٰه لم يجز عنها، كالمنذور عتقه، و إن قلنا: إنّه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقّه فإن اسقطه جاز لسقوط وجوب العتق حينئذٍ. و احتمل في المهذّب (2) العدم على هذا التقدير للمحاباة فكأنّه عوض.

و إن قلنا: إنّه للعبد فكالقول بأنّه للبائع، كما في المسالك (3)، و الظاهر إجزاؤه مطلقاً لوقوع العتق في الجملة و وقوع مراد العبد، و على ما اخترناه لا يصحّ مطلقاً، لأصالة عدم التداخل و استصحاب بقاء شغل الذمّة بالكفّارة إلّا بالمتيقّن.

و الظاهر أنّ شرط العتق إنّما يتناول السبب المباح، فلو نكل به فانعتق لم يأت بالشرط و يكون بمنزلة التالف.

و ظاهر الشرط أيضاً يقتضي إيقاعه اختياراً مجّاناً. فلو شرط عليه عوضاً من خدمة أو غيرها لم يأت به، و حيث يفوت الشرط بذلك يتخيّر البائع بين فسخ البيع و الإمضاء كباقي الشروط، لكن لو فسخ رجع إلى القيمة كالتالف، و إنّما صحّ العتق لابتنائه على التغليب، مع احتمال فساده لوقوعه على خلاف ما وجب، و يحتمل ضعيفاً سقوط الشرط هنا و نفوذ العتق.

و هل يشترط وقوعه من المشتري مباشرة أم يكفي وقوعه مطلقاً إلّا أن يشترط ذلك؟ وجهان.


1- راجع غاية المرام 2: 62.
2- كذا، و في بعض النسخ: «التهذيب» و الصواب «المهذّب البارع» راجع ج 2 ص 403.
3- المسالك 3: 271.

ص: 247

و تظهر الفائدة فيما لو باعه بشرط العتق، فعلى الأوّل يحتمل بطلان البيع لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه فلا يجوز نقله إلى غيره، و صحّته مع تخيير البائع.

ثمّ ان أعتق المشتري الثاني قبل فسخه نفذ و قدّر كالتالف و إلّا أخذه، و على الثاني يصحّ كما لو أعتقه بوكيل، و الّذي يدلّ عليه الإطلاق و الحكم في باقي الشروط أنّه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلّا مع التعيين، و هذا الشرط لا يزيد على غيره.

[عدم وفاء المشتري بشرط العتق]

قال المصنّف قدس سره: «فإن أعتقه و إلّا تخيّر البائع»

لا كلام في أنّه مع عدم وفاء المشتري بشرط العتق يتخيّر البائع بين فسخ البيع و إمضائه إذا كان العبد موجوداً كسائر الشروط.

فإن مات العبد قبل عتقه بتفريط المشتري أو بدونه أو تعيّب بما يوجب العتق بغير فعل المولى أمّا إذا كان بفعل المولى فقد تقدّم البحث فيه ففيه احتمالات ثلاثة ذكرها العلّامة في التحرير (1):

أحدها: استقرار الثمن عليه و لا شي ء عليه و ليس للبائع الفسخ، و هو ضعيف جدّاً، و إلّا لم تثبت للشرط فائدة.

الثاني: أن يكون للبائع الرجوع بما يقتضيه الشرط من النقصان إن اختار الإمضاء، و إن فسخ استرجع القيمة كما يظهر من المسالك (2)، حيث رتّب هذا الاحتمال على اختيار الإمضاء، و كأنّه مبنيّ على أنّ بقاء الخيار مع الموت مجمع عليه.

و قد حكى ذلك الشيخ في المبسوط قولًا (3) اختاره العلّامة في القواعد (4)، و ضعّفه في الدروس بأنّ الشروط لا يوزّع عليها الثمن (5)، و ردّ بأنّ الثمن لا يوزّع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلًا له، و إنّما الشرط محسوب مع الثمن و قد حصل باعتباره نقصان في القيمة، و طريق تداركه ما ذكر، و طريق معرفة ما يقتضيه


1- التحرير 1: 180 س 18.
2- المسالك 3: 275.
3- المبسوط 2: 151.
4- القواعد 2: 91.
5- الدروس 3: 216.

ص: 248

الشرط أن يقوّم العبد بدون الشرط و يقوّم معه و ينظر التفاوت بين القيمتين و ينسب إلى القيمة الّتي هي مع شرط العتق و يؤخذ من المشتري مضافاً إلى الثمن بمقدار تلك النسبة من الثمن. فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة و معه ثمانين فالتفاوت بعشرين نسبتها إلى الثمانين الربع، فيؤخذ من المشتري مقدار ربع الثمن مضافاً إليه، و ذلك هو الّذي يتسامح به البائع في مقابلة شرط العتق (1).

الثالث: تخيّر البائع بين إجازة البيع بجميع الثمن و بين فسخه، فيرجع بالقيمة و هو مختار الشرائع و الدروس (2)، و قوّاه في المبسوط (3).

و في اعتبار وقت القيمة أوجه:

أوّلها: و هو أجودها يوم التلف، لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة، إذ قبلها كان متعلّقاً بالعين، و لأنّ ضمان العين لا يقتضي ضمان القيمة مع وجودها، فلا ينتقل إلى القيمة إلّا وقت القيمة.

و ثانيها: يوم القبض، لأنّه أوّل دخوله في ضمان المشتري.

و ثالثها: أعلى القيم من حين القبض إلى التلف، لأنّه في جميع ذلك مضمون عليه.

و قد ظهر من وجه الأوّل جواب الأخيرين، و ضعف احتمال قيمة وقت المطالبة، أو وقت التسليم، أو أعلى القيم ما بينهما، إلى غير ذلك.

و الظاهر أنّ المدار على قيمة يوم التلف في مكان التلف، لامكان القبض، و لا أعلى القيم من المكانين.

و في تعيين كيفيّة اعتبار القيمة إشكال: من احتمال قيمة عبد مشروط العتق لأنّه كذلك دخل في ضمان المشتري لأنّه المقبوض و المبيع، و من احتمال قيمة عبد سليم من الاشتراط، لأنّ الشرط حقّ للبائع و هو محسوب من جملة الثمن و لم يأت به المشتري و مجموع العبد مضمون، فعند الفسخ يصير العبد مجرّداً عن البيع و الشرط.


1- المسالك 3: 275.
2- الشرائع 2: 34، الدروس 3:: 216.
3- المبسوط 2: 151.

ص: 249

و بعبارة اخرى أنّه شرط لم يستعقب حكمه فلم يكن به اعتبار. و الوجه هو الأوّل.

[كلّ شرط لم يسلم لمشترطه]

قال المصنّف قدس سره: «و كذا كلّ شرط لم يسلم لمشترطه فإنّه يفيد تخييره»

ثبوت الخيار بفوات الشرط أيّ شرط كان من الشروط الجائزة ممّا لا كلام فيه.

و ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه، و هو متمشّ في سائر العقود من غير فرق بين أن يكون مستنده الإجماع المعلوم، أو باعتبار أنّه شرط للزوم، أو باعتبار رجوعه إلى خيار تعذّر التسليم في البعض.

و قد ذكروا ذلك في كثير من العقود، و منها باب النكاح قالوا: إنّه لو شرط كونها بنت مهيرة فظهرت بنت أمة كان له الفسخ، و كذلك لو شرطها بكراً فظهرت ثيّباً.

و استدلّوا على ذلك بأنّ ذلك مقتضى الشرط (1) و ظاهر دليلهم يقتضي ثبوت الخيار فيه في جميع صور الشرط الجائز، و لا ينافي ذلك اتّفاقهم على عدم خيار الشرط في عقد النكاح، فإنّ المراد به شرط الخيار لا الخيار الحاصل من جهة عدم سلامة الشرط.

قال بعض المتأخّرين: و يشكل إطلاقهم القول بأنّ عدم سلامة الشرط يستلزم الخيار للمشروط له بما إذا أراد المتعاقدان بالشرط مجرّد الإلزام و الالتزام و إثبات الحقّ، لا جعل العقد اللازم متزلزلًا (2).

و فيه: أنّ ذلك خارج عن أدلّة الشروط، و لا يحصل به الإلزام و الالتزام بل يقع لاغياً كما سبق إلى الأصل إلّا مع القرينة، و معها يثبت الخيار في التوابع دون الأصل.

و هل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ وجهان، تقدّم مثلهما و وجههما و رجحان الأوّل منهما (3).


1- راجع الروضة 5: 398 399 و كشف اللثام 7: 388 389 و الرياض 10: 400 404.
2- غنائم الأيّام: 737 س 18.
3- تقدّم في ص 107 109.

ص: 250

[اختلف الأصحاب في وجوب الوفاء بالشرط الجائز]

اشارة

قال المصنّف قدس سره: «و لا يجب على المشترط عليه فعله و إنّما فائدته جعل البيع عرضة للزوال و الفسخ عند عدم سلامة الشرط و لزومه عند الإتيان به»

اختلف الأصحاب في وجوب الوفاء بالشرط الجائز على أقوال:

[أحدها: الوجوب على المشروط عليه و ليس للمشروط له الفسخ]

أحدها: الوجوب على المشروط عليه و ليس للمشروط له الفسخ إلّا مع تعذّر تحصيل الشرط بحيث لم يتمكّن من إجباره عليه و لو برفع أمره إلى الحاكم إذا كان مذهبه ذلك، و هو المشهور بين الأصحاب.

و دليله أمّا على الوجوب فما دلّ من كتاب أو سنّة أو إجماع على وجوب الوفاء بالعقد.

و يمكن أن يستدلّ عليه بقوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ» (1) فيفيد بعمومه ذلك، و تفسيره بخصوص الوعد بيان لخفيّ الفرد، و دعوى: أنّ إرادة العموم منه تقضي بكون الخارج أكثر من الداخل، محلّ منع.

و بما دلّ على الوفاء بالشرط عموماً و خصوصاً مثل قوله: «المؤمنون عند شروطهم إلّا من عصى اللّٰه (2)» و الإيراد بأنّها من الخبر فلا تفيد الإيجاب، مردود بأنّ الإيجاب مستفاد من مطلق الإرادة و الطلب كما تقرّر في محلّه فضلًا عن أن يؤدّى بالجملة الخبريّة الظاهرة في ذلك. و احتمال المدح و الوصف كما في قوله تعالى: «كٰانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (3) و قوله صلى الله عليه و آله: «المؤمن غرّ كريم (4)»، يدفعه ظاهر الاستثناء، فإنّ المؤمن لا ينبغي أن يشترط ما يخالف كتاب اللّٰه حتّى يكون من صفته عدم الوفاء به، و مقتضى


1- الصفّ: 2.
2- كذا أورده الشهيد قدس سره راجع المسالك 3: 274 و الروضة 3: 506، لكن لا يوجد «إلّا من عصى اللّٰه» فيما بأيدينا من المصادر الحديثيّة.
3- الذاريات: 17.
4- البحار 64: 298 باب علامات المؤمن، ح 23.

ص: 251

الاحتمال المذكور أنّه يشترط المخالف للكتاب لكنّه لا يفي به، و هو كما ترى، مع أنّ الوارد في كثير من الروايات: «المسلمون عند شروطهم (1)» فيكون الاحتمال المذكور فيه أضعف.

مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام: «إلّا من عصى اللّٰه» على تقدير إرادة المدح مستثنى متّصل من المؤمنين، و مقتضاه لزوم العصيان بمخالفة الشرط، و هو معنى الوجوب.

و كذلك لو اريد به الحكم و جعل المستثنى منقطعاً، و لو اريد به إلّا من عصى اللّٰه في الشرط، بأن شرط ما خالف كتاب اللّٰه فهو أيضاً لا يناسب المدح. و يرد عليه ما سبق.

ثمّ إنّه في ذكر «عند» المفيدة للحدّ دلالة على الإيجاب كما لا يخفى على ذوي الألباب، مع أنّ فهم العلماء عصراً بعد عصر في جميع أبواب الفقه أعظم شاهد على ذلك. و لم نقف على أحد قدح في ذلك.

بل يظهر من حملهم بعض الأخبار المذكور فيها هذا اللفظ كما في موثّقة ابن منصور بن يونس (2) على الاستحباب، أنّ الأصل فيه الوجوب، مع أنّه يظهر من بعض الأخبار أيضاً أنّ المراد منه الوجوب، كرواية إسحاق بن عمّار (3) و غيرها.

و لم نقف على خلاف لأحد من الأصحاب في وجوب الوفاء بالشرط في باب النكاح، و قد ادّعى الإجماع عليه غير واحد من الأصحاب (4)، و المسألة من باب واحد، و كون النكاح لا يصحّ فيه شرط الخيار دون البيع لا يصلح فارقاً، إذ الكلام في خيار الشرط لا شرط الخيار، مع أنّه لا منافاة بين وجوب الوفاء بالشرط و ثبوت الخيار بعد تعذّره.

و أمّا الدليل على اشتراط التعذّر بحيث لا يمكنه الإجبار و لو بالواسطة في


1- الوسائل 12: 353، ب 6 من ابواب الخيار، الحديث 1 و 2، و ج 15: 50، ب 40 من أبواب المهور، ح 2 و 4.
2- الوسائل 15: 30، ب 20 من ابواب المهور، ح 4.
3- الوسائل 15: 50، ب 40 من ابواب المهور، ح 4.
4- لم نعثر عليه إلّا في الرياض 10: 292.

ص: 252

جواز الفسخ، فباعتبار أنّ هذا الخيار قسم من خيار تعذّر التسليم و المراد ما يعمّه و تعذّر التسلّم و لا يصدق التعذّر مع إمكان الجبر.

و قد عرفت بطلان القول بجعل الشرط شطراً للّزوم و لا مقتضى للقول فيه بالتعبّد محضاً، مع أنّ الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقّن فتعيّن ما ذكرناه.

[ثانيها: أنّه لا يجب على المشروط عليه الوفاء به]

ثانيها: أنّه لا يجب على المشروط عليه الوفاء به، و إنّما فائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط و لزومه عند الإتيان به، تمسّكاً بأصالة عدم وجوب الوفاء.

و ربّما يظهر من أهل هذه المقالة القول باستحباب الوفاء بالشرط.

و أنت خبير بما فيه، لأنّ الأصل لا يقاوم الدليل.

[ثالثها: التفصيل المنسوب إلى المصنّف]

ثالثها: التفصيل المنسوب إلى المصنّف، و هو أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة في عقد الرهن و نحوه، و إن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يقلّب العقد اللازم جائزاً أو جعل السرّ فيه أنّ اشتراط ما كان العقد كافياً في تحقّقه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في الجواز و اللزوم، و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علّق عليه العقد و المعلّق على الممكن ممكن، و بذلك يندفع التعجّب من أنّ اشتراط الجائز في اللازم يجعل اللازم جائزاً.

و أنت خبير بأنّ القسم الأوّل خارج عن البحث إن اريد به حصول الوكالة في الجملة، لأنّها تتحقّق بمجرّد القبول، و لا كلام لنا في الشرط بعد وقوعه.

و إن اريد بها المستمرّة الّتي تقع عنها ما وكّل فيه كما هو الظاهر، فإن قلنا: إنّه بعزله لنفسه ينعزل شرعاً كان مشمولًا لأدلّة وجوب الوفاء بالشرط و يجب أن لا يعزل نفسه، و متى ما أعزل نفسه، فعل حراماً و تسلّط الموكّل على فسخ العقد.

و إن قلنا: إنّه لا ينعزل بعزله لنفسه كان المدار حينئذٍ على وقوع ما وكّل فيه، و وجوب الوفاء بالشرط مصروف إليه، إذ المفهوم منه أنّ الشرط وقوع ما وكّل فيه،

ص: 253

لأنّه هو المقدور للوكيل، فمتى ما امتنع الوكيل من القيام بما وكّل فيه فعل حراماً و كان للموكّل الخيار في الفسخ و إن لم تبطل وكالة الوكيل.

و هل للموكّل عزله بناءً على ذلك لأنّ حقّ الاشتراط له فله إسقاط حقّه، أو ليس له ذلك لخروج الوكالة عن الجواز بالكلّية و صيرورتها لازمة من الجانبين مثل العقد الّذي شرطت فيه و ربّما يقال: إنّها لا تسقط بالتقايل فتزيد على الأصل و هو بعيد؟ وجهان أقواهما الأوّل.

هذا كلّه في القسم الأوّل.

و أمّا القسم الثاني فهو مشمول لما سبق من دليل لزوم العقد و الوفاء بالشرط من غير إشكال.

قال بعض المحقّقين: نعم لما ذكره من التفصيل وجه لو اشترط التعليق حين العقد بأن يكون مقصود المتعاقدين كون العقد متزلزلًا موقوفاً على إتيان المشترط عليه بالشرط باختياره و لا كلام فيه، و هو يرجع إلى شرط الخيار، و ليس من الخيار الناشئ من الشرط في ضمن العقد في شي ء، و كذا الكلام في القول الثاني (1) انتهى.

و فيه: أنّه ليس مجرّد قصد اشتراط شي ء يقضي باشتراطه ما لم يدلّ عليه بلفظ يفيده أو بقرينة حاليّة أو مقاليّة على وفق القانون العربي تدلّ عليه مع الحذف، أمّا ما ليس له دلالة عليه بوجه أو فيه دلالة على خلافه فلا يفيد شيئاً، فتأمّل.

[رابعها: أنّ للمشروط له الفسخ بمجرّد امتناع المشروط عليه]

رابعها: أنّ للمشروط له الفسخ بمجرّد امتناع المشروط عليه من الوفاء بالشرط، و لا يتوقّف على عدم التمكّن من إجباره على ذلك، و هو الّذي تنظّر فيه المصنّف في الدروس حيث قال: يجوز اشتراط سائغ في عقد البيع فيلزم الشرط من طرف المشترط عليه، فإن أخلّ به فللمشترط الفسخ. و هل يملك إجباره عليه؟ فيه نظر (2) انتهى.

و قد يظهر ذلك من الكفاية (3) و اختاره بعض المتأخّرين حيث قال: إنّه يجب


1- غنائم الأيّام: 737 س 28.
2- الدروس 3: 214.
3- الكفاية: 97 س 22.

ص: 254

على المشروط عليه الوفاء بالشرط، و للمشروط له إلزامه به و إجباره عليه و لو بالرفع إلى الحاكم، لأنّه حقّه و يجوز له استيفاء حقّه، و أمّا وجوبه عليه إذا امتنع المشروط عليه فلا دليل عليه، فإن كان المشروط له راضياً بانفساخ المعاملة و الرجوع إلى عوضه و المفروض أنّه لا مانع له من قبل المشروط عليه لأنّ التقصير من جانبه فلا دليل على وجوب إجباره عليه.

فإن قلت: الدليل هو أصالة لزوم البيع مثلًا أو عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فيجب على المشروط له أيضاً إبقاء البيع على حاله و الوفاء على مقتضاه، خرجنا عن مقتضاه فيما لم يتمكّن من تحصيل الشرط و لو بالإجبار و بقي الباقي.

قلت: أيّ دليل دلّ على رجوع المشروط له إلى الخيار و الفسخ بعد امتناع الإجبار و عدم الإمكان و لا نصّ على ذلك و لا دليل، مع أنّ مقتضى العقد اللزوم.

فإن قلت: دليله انتفاء الشرط حينئذٍ، و مقتضى انتفائه انتفاء المشروط.

قلت: لا تعليق هنا بالفرض، فإنّه عقد و شرط لا عقد بشرط، بل غاية ما يوجّه به هذه المقالة أنّ الأصل عدم انتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر إلى أن يثبت الانتقال فلم يثبت الانتقال إلّا في صورة تحقّق الشرط، فلمّا لم يتحقّق الشرط فيما نحن فيه فرجع المشروط له إلى ماله.

و مقتضى هذا الأصل الاكتفاء به في الخيار و الرجوع بامتناع المشروط عليه و عدم إتيانه بالشرط، لأنّه هو مقتضى ذلك الأصل و لم يثبت اشتراط أزيد من ذلك (1) انتهى.

و فيه: ما قد عرفت: من أنّ هذا الخيار خيار تعذّر التسليم، و أنّ المراد به ما يعمّه و تعذّر التسلّم و هو لا يتحقّق مع التمكّن من الإجبار إلّا إذا أدّى إلى مشقّة كلّية يلزم منها الضرر و الإضرار.

و القول بأنّ الأصل عدم انتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلّا مع تحقّق الشرط، لا وجه له، فإنّ الانتقال قد حصل و الاستصحاب قاضٍ ببقائه و لزوم العقد


1- غنائم الأيّام: 737 س 3.

ص: 255

إلّا مع المتيقّن، مع أنّه بناءً على ذلك يقتضي مع عدم تحقّق الشرط انفساخ العقد لا جواز فسخه، و هو لا يقول به. و جعل الشرط شرطاً للّزوم بمعنى أنّ التراضي لم يقع في العقد على سبيل اللزوم و الاستمرار إلّا مع تحقّق الشرط، فمع انتفائه لهما الرجوع إلى مالهما ابتداءً، و لا يتوقّف على التمكّن من الإجبار و عدمه لا وجه له كما عرفت، مع أنّه يلزم منه عدم فساد المشروط بفساد الشرط، و هو لا يقول به.

ص: 256

[الحادي عشر: خيار الشركة]

قال المصنّف قدس سره:

«الحادي عشر: خيار الشركة»

هذا الخيار هل يدور مدار مصداق الشركة و عدمها، أو مدار تحقّق الضرر و عدمه، فلو كان فيها نفع لم يثبت بها خيار؟ ظاهر الأصحاب الأوّل، و مقتضى انحصار دليله بخبر الضرر (1) المنجبر بفتوى الأصحاب الثاني. و لا يبعد الأوّل، لأنّها من حيث هي ضرر فيشملها الخبر و إن ترتّب عليها نفع من وجه آخر.

و الظاهر أنّ ثبوت هذا الخيار ممّا لا خلاف فيه بينهم، و هو متمشٍّ في سائر العقود أثماناً و مثمنات.

و هل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان.

و لا فرق في الشركة بين الواحد و المتعدّد، و بين المشاع و غيره ممّا لا يمكن قسمته و لا ينتفع فيه إلّا بالجملة.

قال المصنّف قدس سره: «سواء قارنت العقد كما لو اشترى شيئاً فظهر بعضه مستحقّاً»

المراد بظهور كونه مستحقّاً أعمّ من أن يظهر كونه ملكاً للغير، أو ملكاً له و سلطانه للغير كالمرهون و نحوه و هذا إذا لم يجز الغير أو أجاز مع طول الفصل بين العقد و الإجازة لحصول الضرر بالتأخير، مع احتمال الفرق في ذلك بين


1- الوسائل 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1.

ص: 257

الكشف و النقل، و أنّه على الأوّل لا خيار له دون الثاني، إذ ليس مجرّد التوقّف عيباً مع حصول الملك من حين العقد، و هو غير بعيد. أمّا إذا حصلت الإجازة من دون فصل فلا يبعد عدم ثبوت الخيار.

و قد يطلق على هذا خيار التبعيض.

قال المصنّف قدس سره: «أو تأخّرت بعده إلى قبل القبض كما لو امتزج المبيع بغيره بحيث لا يتميّز و قد يسمّى هذا عيباً مجازاً»

إذا امتزج المبيع بغيره قبل القبض تخيّر المشتري بين الفسخ و الشركة، كما في الشرائع و القواعد و التحرير و الإرشاد و الدروس و غاية المرام و جامع المقاصد و الميسيّة و المسالك (1) و غيرها. و ظاهر إطلاقهم يقتضي أنّه لا فرق بين أن يختلط بمثله أو بأجود أو أدون باختيار البائع أو بغير اختياره.

و في المسالك: و ينبغي فيما لو مزج بالأجود بغير اختياره ثبوت الخيار له أيضاً، لتضرّره بذلك مع اختيار المشتري الشركة انتهى.

و قد سبقه إلى ذلك الفخر في شرح الإرشاد. و الظاهر ثبوت الخيار و إن أهمل المشتري القبض.

نعم لو امتنع من القبض و لم يكن المزج باختيار البائع أو كان في وجه فلا خيار له.

و هل يسقط الخيار ببذل البائع له ما امتزج به؟ وجهان بل قولان، و ظاهر المشهور عدم السقوط، و مذهب الشيخ السقوط (2).

و مدرك الوجهين ثبوته لثبوت سببه فيستصحب، و الهبة منه لا يجب قبولها، و ارتفاع الضرر بالهبة و الأوّل أقوى.

و قد نصّ جمع من الأصحاب (3) على أنّه متى رضي المشتري بالشركة فمئونة القسمة على البائع، لأنّ هذا عيب مضمون عليه. و التخلّص منه واجب عليه، و لوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.


1- الشرائع 2: 30، القواعد 2: 89، التحرير 1: 176 س 10، إرشاد الأذهان 1: 381، الدروس 3: 212، غاية المرام 2: 57، جامع المقاصد 4: 410، المسالك 3: 244.
2- المبسوط 2: 115.
3- راجع الدروس 3: 212 و جامع المقاصد 4: 410 و المسالك 3: 244.

ص: 258

ثمّ إنّ الشركة و إن اشتهر على ألسنتهم أنّها عيب فالمراد به أنّها مساوية للعيب في الحكم لا أنّها داخلة دخولًا حقيقيّاً تحت الاسم، لعدم دخولها تحت الضابط المتقدّم ذكره للعيب.

نعم بناءً على ما هو المختار من أنّ العيب موكول إلى العرف، قد يقال بدخولها تحت مسمّاه، و لكن الظاهر خلافه أيضاً.

ص: 259

[الثاني عشر: خيار تعذّر التسليم]

قال المصنّف قدس سره:

«الثاني عشر: خيار تعذّر التسليم» «فلو اشترى شيئاً ظنّاً إمكان تسليمه ثمّ عجز تخيّر المشتري»

المراد في هذا المقام بتعذّر التسليم القاضي بثبوت الخيار هو تعذّر التسلّم، إذ ليس الحكم تعبّديّاً محضاً على الظاهر، و إنّما منشؤه حديث الضرر المنجبر بفتوى الأصحاب بالنسبة إلى ما نحن فيه. فقد ذكروا ذلك في مقامات عديدة. و لا ريب أنّ الضرر يندفع بالقدرة على التسلّم و إن لم يحصل القدرة على التسليم، مع أنّ الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقّن.

و التمكّن منه ببعض المقدّمات كتوسّط الشفعاء حيث يحصل به المنّة أو بذل المال و لو يسيراً و نحو ذلك ليس من التمكّن، مع احتمال أن يقال: إنّ المدار على القدرة على التسليم، لأنّه هو الواجب على البائع، و التسلّم لا يجب على المشتري، فإذا لم يؤدّ البائع ما وجب عليه تخيّر المشتري وقوفاً عند ظاهر كلامهم. و الأوّل أقوى.

و الظاهر عدم الفرق بين عجزه بأن لا يتمكّن أصلًا، أو يتمكّن بمضيّ زمان كثير يفوت من المنافع ما يعتدّ بها عرفاً.

ثمّ إنّ ثبوت هذا الخيار فيما إذا انكشف أنّ العجز عن التسليم كان ثابتاً عند العقد أو قبله مبنيّ على أنّ القدرة على التسليم شرط علمي مطلقاً أو علمي في مقام الرجاء دون التعذّر في وجه آخر.

ص: 260

أمّا إذا قلنا بأنّها شرط وجودي و علمي معاً مطلقاً كما كان يختاره الوالد طاب ثراه و أنّه لو باع على أنّه قادر أو عاجز فظهر الخلاف بطل البيع للزوم الغرر و العبث تعين مع ظهور العجز عند العقد الفساد.

و كذلك إذا قلنا: أنّه وجودي فقط مطلقاً، كما هو القاعدة في الشرائط.

نعم حيث لا يتحقّق منه القصد إلى معنى البيع يفسد لذلك، لا لفوات شرط القدرة.

و الظاهر من الأصحاب الأوّل، كما يرشد إليه حكمهم فيما إذا انقطع المسلم إليه عند الحلول بالخيار من غير فرق بين التعذّر و الرجاء.

و الاعتذار عن ذلك بأنّ الأجل زمان تسليم لا زمان تمليك و كان موجوداً قبل الأجل فيتعلّق الملك به و التأخير للتسليم فيبقى مطالباً به، لا وجه له.

فإن قلت: إن كان مستند هذا الخيار الضرر كما ذكرت فينبغي أن يثبت في جميع الأقسام من تعذّر التسليم بذاته أو بغصب غاصب أو مماطلة فيه أو امتناع من أحد المتعاقدين منه و نحو ذلك و لا يفرّق فيه بين الثمن و المثمن و لا بين عقد البيع و غيره من العقود، و هو على إطلاقه منافٍ لتوقّف الخيار على مضي ثلاثة أيّام لمن يقبض و لم يقبض.

قلت: نلتزم ذلك في الجميع عدا صورة المماطلة و الامتناع، لأنّ الأصل عدم ثبوت الخيار، و الضرر مدفوع فيهما بالمقاصّة. نعم بالنسبة إلى الشروط نقول به كما سبق، إذ ليس في مقابلهما شي ء من الثمن حتّى يقاصّ، و لأنّ المماطلة و الامتناع يتمكّن الشرع من دفعهما و التسليم بخلاف التعذّر، مع أنّه قد تقدّم لك مراراً أنّ خبر الضرار لا نعمل به مطلقاً إلّا حيث ينجبر بفتوى الأصحاب و هم قد قصروه كما يظهر منهم في مقامات متعدّدة على صورة التعذّر. و منها باب خيار التأخير كما عرفت فيكون المدار على الضرر الخاصّ الّذي كشف عنه الشرع. و احتمال الفرق في الامتناع بين ما لا يرجى معه التسليم فيثبت الخيار و ما يرجى فلا يثبت، لا وجه له.

و الظاهر أنّه لا فرق في ثبوت الخيار بتعذّر التسليم أن يكون قبل العقد أو بعده قبل القبض إلّا حيث يكون عدم القبض بتفريط المشتري و امتناعه، و لذلك نصّ الأصحاب (1)


1- راجع الشرائع 2: 31، التحرير 1: 176 س 8، القواعد 2: 89، الدروس 3: 212.

ص: 261

من غير خلاف يعرف: أنّه لو غصب المبيع قبل القبض و أمكن استعادته بسرعة لم يتخيّر المشتري، و إلّا تخيّر. و ظاهر الشارح (1) قصر كلام المصنّف على هذه الصورة، و لعلّه بناءً منه على أنّ شرط القدرة شرط وجودي، أو باعتبار ظاهر قوله: «ثمّ عجز». و الظاهر أنّ المراد ثمّ تبيّن له العجز، و قد يحمل كلام الشارح على ما قلناه.

ثمّ إنّه اختار الصبر ثمّ أراد الفسخ فهل له الفسخ بعد ذلك أم لا؟ وجهان، أقواهما العدم، و اختار في التذكرة أنّ له ذلك، لأنّه يتضرّر كلّ ساعة كما لو انقطع المسلم فيه فأجاز ثمّ أراد الفسخ (2).

و فيه: أنّ الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقّن.

و الظاهر ثبوته على الفور لا التراخي، كما سبق في غيره من الخيارات، و قد علم وجهه ممّا تقدّم. و تعذّر تسليم بعض المبيع موجب للخيار كتعذّر تسليم كلّه، و هل له الرجوع بشي ء؟ يحتمله، لأنّ فوات القبض نقص حدث على المبيع قبل القبض فيكون مضموناً على البائع.

و يضعّف بأنّ الأرش ليس في مقابلة مطلق النقص، لأصالة البراءة، و عملًا بمقتضى العقد، بل في مقابلة العيب، و هو هنا منتف.

و قد استظهر أكثر الأصحاب فيما لو غصب المبيع قبل القبض عدم التزام البائع بالاجرة عن مدّة الغصب (3).

نعم لو منعه البائع من التسليم ثمّ سلّم فعليه اجرة مدّة المنع إلّا حيث يكون الحبس بحقّ، و قد تأمّل فيه المحقّق الثاني (4) لأنّ جواز الحبس غير سقوط حقّ المنفعة و لا يلزم من ثبوت الأوّل الثاني.


1- الروضة البهيّة 3: 509.
2- التذكرة 1: 562 س 30.
3- راجع الشرائع 2: 31، الدروس 3: 212، جامع المقاصد 4: 411، المسالك 3: 246.
4- جامع المقاصد 4: 412.

ص: 262

[الثالث عشر: خيار تبعيض الصفقة]

قال المصنّف:

«الثالث عشر: خيار تبعيض الصفقة».

«كما لو اشترى سلعتين فتستحقّ إحداهما»

الكلام في هذا الخيار كالكلام في خيار الشركة من أنّ المدار فيه هل هو على مصداق التبعيض كيفما كان أو على مدار تحقّق الضرر و عدمه، فلو كان في التبعيض نفع لم يثبت به خيار؟

ظاهر الأصحاب الأوّل، و مقتضى انحصار دليله بخبر الضرار المنجبر في هذا المقام بفتوى الأصحاب الثاني. و لا يبعد الأوّل كما تقدّم في الشركة، لأنّ التبعيض من حيث هو ضرر فيشمله الخبر و إن ترتّب عليه نفع من وجه آخر.

ثمّ إنّ ثبوت هذا الخيار موقوف على جواز التبعيض للمعقود عليه في الجملة، فلو لم يصحّ التبعيض مطلقاً لم يتحقّق هذا الخيار.

و الظاهر أنّ التبعيض للمعقود عليه على وفق القاعدة، لأنّ الأسباب الشرعيّة كالأسباب العقليّة إذا وجدت قابلًا و غير قابل أثّرت في القابل دون غيره، و لتحقّق الوفاء بمقتضى العقد في المقدار الممكن.

و الظاهر عدم اشتراط صحّة [ضمّ] أجزاء المعقود عليه بعضها ببعض، كما يقضي به ظاهر العقد و أصل العدم.

نعم حيث يعلم إرادة الهيئة الاجتماعيّة من خارج أو يصرّح بالاشتراط أو

ص: 263

يفوت أحد الجزءين نقول بالفساد في الجميع.

و قد يفرّق في ذلك أيضاً بين صورة العلم بفوات الجزء و عدم نفوذ العقد فيه، و صورة الجهل و أنّ الشرط في الثاني إنّما يسلّط على الخيار فقط، فيكون الخيار فيه من جهتين: جهة التبعيض، و جهة الاشتراط، و أمّا في الأوّل فيفسد به العقد في الجميع إلّا أن يرجع إلى الصفة كالشرط الفاسد المعلوم فساده. و ربّما ادّعي أنّه المفهوم من الأصحاب. و يحتمل القول في ذلك بالصحّة في الصورتين، لانحلال هذا الشرط إلى الصفة مطلقاً، و فواتها لا يقضي بالفساد، و إنّما يسلّط مع الجهل على الخيار. و ربّما ظهر هذا من بعض كلماتهم. و يشكل الفرق على هذا بينه و بين الشرط الفاسد على القول بفساد العقد به.

و الأقوى الأوّل، لفوات القصد و تبعيّة العقود للقصود.

و دعوى: أنّ الظاهر في السلعة الواحدة إرادة الهيئة الاجتماعيّة مطلقاً إلّا أن يعلم العدم و لهذا قصر المصنّف ثبوت الخيار على السلعتين ممنوعة.

و قصر المصنّف الخيار على السلعتين على سبيل المثال و التمثيل بالفرد الظاهر، أو باعتبار دخول الخيار في السلعة الواحدة تحت خيار الشركة.

و فيه: أنّ أسباب الخيار لا تتنافى فيثبت الخيار من جهتين، و تبعيّة العقود للقصود لا ينافي ما ذكرنا، فإنّ القصد الضمنيّ كافٍ و الأوّل إلى الجهالة غير ضائر مع حصول العلم بالأصالة.

و حيث كان التبعيض على وفق القاعدة. فلا يفترق الحال فيه و في الخيار المترتّب عليه بين أن يكون في الثمن أو في المثمن، في البيع أو غيره من العقود، في السلعة الواحدة أو المتعدّدة.

و الظاهر أنّه لو قلنا به للتعبّد بالإجماع المنقول المؤيّد بالشهرة المحصّلة و المنقولة فكذلك بالنسبة إلى أفراد البيع لعموم دليله، و بتنقيح المناط بينه و بين الثمن على الأظهر، و بين البيع و غيره من العقود في وجه يتمّ المطلوب.

ص: 264

نعم لو قصّرناه على المقامات الخاصّة المدلول عليها بالروايات أو بالإجماع عليها بالخصوص لا نتسرّى فيه.

ثمّ إنّ هذا الخيار إنّما يثبت للمشتري مع الجهل دون العلم، و لا يثبت للبائع مطلقاً، لأنّه جاء من قبله، و لا يبعد ثبوته له مع جهله أو دعواه الإذن لإثبات عذره كما احتمله بعضهم (1) و الأقوى خلافه و هو بالنسبة إلى الفور و التراخي كما سبق.


1- مفتاح الكرامة 4: 631 س 3.

ص: 265

[الرابع عشر: خيار التفليس]

قال المصنّف قدس سره:

«الرابع عشر: خيار التفليس»

ثبوت هذا الخيار في محلّه مجمع عليه بين الأصحاب، و النصوص دالّة عليه و له شروط متعدّدة و أحكام متكثّرة تجي ء في محلّها إن شاء اللّٰه تعالى.

و هل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان.

و قد عرفت الراجح منهما، و مثله غريم الميّت مع وفاء التركة بالدين. و قيل مطلقاً (1). و سيجي ء في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى.


1- القواعد 2: 147، جامع المقاصد 5: 261.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.