مختصر تفسير القمي

اشارة

عنوان و نام پديدآور : مختصر تفسير القمّي/ التحقيق والتخريج محمّد حسين الدرايتي.

مشخصات نشر : قم : موسسه دارالحديث العلميه و الثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري : 611 ص.

فروست : پژوهشكده تفسير اهل بيت عليهم السلام؛ 1.

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : تفاسير شيعه -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث -- مأخذ

شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP93/ز9ت7 1392

رده بندي ديويي : 297/1726

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

تصدير

تصديرإنّ القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى ، والمصدر التشريعيّ الأوّل ، و نور و برهان و موعظة من عند اللَّه ؛ و قد أجمعت العلماء على أنّ فيه ناسخاً و منسوخاً ، و محكماً و متشابهاً ، و مطلقاً و مقيّداً ، فلابدّ لهذا الكتاب من المفسّرين المتبحّرين المتفنّنين في العلوم المحتاجة إليها في التفسير ؛ ولايخفى أن المفسّرين أيضاً قد يعجز عن فهم بعض الآيات لاسيّما موارد الناسخ والمنسوخ أو المحكم والمتشابه و نحوها من الموارد التي لايمكن معرفتها إلّا بالرجوع إلى اُولي الأمر والراسخين في العلم وهم أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ؛ فعلى هذا قالوا عليهم السلام عليهم السلام «نحن خزّان علم اللَّه ، وتراجمة وحي اللَّه» [الكافي 1 : 192 ح 3] . و لقد تصدّى بعض المحدّثين والعلماء منذ حياة الأئمّة المعصومين عليهم السلام إلى زماننا الحاضر لتدوين الروايات التفسيريّة عنهم عليهم السلام، بعضها في حدّ رسالة شاملة لأحاديث معدودة أو ناظرة لآية معيّنة من القرآن الكريم ، و بعضها ضخم صنّف مستقلّاً في المراد على ترتيب السور والآيات في المصحف الشريف ، و من أظهر كواكب هذا السماء : التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام ، و تفسير أبي حمزة الثمالي ، و تفسير فرات الكوفي ، و تفسير العيّاشي ، و تفسير القمّي . و لايخفى على أهل التحقيق أهمّيّة كتاب تفسير القمّي و اعتباره ، و فضيلة مؤلّفه عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، و هو من أعلام القرن الثالث والرابع وأجلّ رواة الأصحاب في عصر الإمام العسكري عليه السلام ، و قد أكثر الكليني رحمه اللَّه عليه عنه الرواية في الكافي و أيضاً عن أبيه إبراهيم بن هاشم الثقة . وطُبع هذا التفسير مراراً ، و مكانته عند الأصحاب كالشمس في رابعة النهار .

.

ص: 6

وما بين يدي القارئ هو مختصر تفسير القمّي صناعة أحد أعلام القرن الثامن من الهجرة ، المتفنّن في العلوم والفنون المختلفة ، صاحب الرأي في الحكمة والكلام والفقه والتفسير والطبّ والرياضي وغيرها ، و يعدّ من تلامذة العلّامة الحلّي رحمه اللَّه عليه والخواجة نصير الدين الطوسي رحمه اللَّه عليه ، قد بلغت مصنّفاته إلى أكثر من 35 مورداً ، و هو كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد يوسف ابن العتائقيّ الحلّي (كان حيّاً في سنة 786 ه) . و ما اكتفى المصنّف رحمه اللَّه عليه فيه على التلخيص فقط ، بل أمعن النظر فيه و جاء بإفادات ثمينة مفيدة تجد فيها دقّة و تأمّلاً جيّداً و نقداً مثمراً على نحو «أقول ...» . وفي الختام نشكر جزيلاً سماحة الأخ المحقّق الفاضل الشيخ محمّد جواد الحسينيّ الجلالي الذي تصدّى لتحقيق هذا الأثر الفخيم بمنهجه القويم ، كما نشكر أيضاً إخواننا المحقّقين الذين ساعدونا في إخراج هذا الأثر القيّم ، ملتمسين لهم جميعاً من اللَّه تعالى مزيد التوفيق لما يحبّ ويرضى . معاون شؤون البحوث في مركز بحوث دار الحديث محمّد حسين الدرايتي

.

ص: 7

التمهيد

ولادته

حياته العلميّة

ابن العتائقي في كلام العلماء وكتب التراجم

التمهيدمن العلماء الشيعة المتفنّنين في العلوم : كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد يوسف ابن العتائقي الحلّي، فقد برع في العلوم، و امتاز من أقرانه بزيادة الفضل و النباهة و التبحّر في الفنون . و ممّا يؤسف له أنّه لم تورّخ جزئيّات حياته العلميّة و نشأته الفكريّة، و الذي تكلّم عن أحواله إنّما ذكر مطالب استُخرجت من آثاره الباقية حتّى الآن؛ وهي آثار كثيرة يمكننا أن نطّلع من خلالها على بعض أفكاره و أحواله. و الذي يظهر من هذه الآثار أنّه اشتغل طوال حياته بالعلم؛ إمّا تحصيلاً، و إمّا تدريساً، و إمّا تأليفاً. و يظهر منها أنّه كان متبحّراً في التفسير و الحديث و الفقه و الحكمة و الكلام و المنطق و الأدب و النجوم و الطبّ، و له في كلّ من هذه العلوم آثار قيّمة، إلّا أنّ آثاره في الأدب و الطبّ و النجوم كانت أكبر.

ولادته لم نعثر على تأريخ ولادته إلّا ما قاله كحّالة في معجم المؤلّفين بأنّه ولد في عام (699ه) (1) في مدينة الحلّة في «العتائق» من قراها، على ما قاله صاحب الأعلام،(2) وفي القاموس المحيط: «العتائق: قرية بنهر عيسى، وقرية بشرقي الحلّة المزيديّة». (3)

حياته العلميّةقلنا تمهيداً بأنّه لم يؤرّخ جزئيّات حياته العلميّة أحد من المؤرّخين أو كتّاب السير، إلّا أنّا نعلم أنّه قد أدرك العلّامة الحلّي رحمه اللَّه عليه (ت 726ه) الذي تلمّذ عند الخواجه نصير

.


1- .معجم المؤلّفين، ج 5، ص 167 .
2- .الأعلام للزركلي، ج 3، ص 330 .
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 261 (عتق) .

ص: 8

الطوسي رحمه اللَّه عليه، وأنّه كان يقفو أثر الخواجة في نشاطاته العلميّة، وقد اضطلع مثله في شتّى العلوم والفنون، وسنشير إلى تعدّد آثاره وتنوّعها فيما يأتي لاحقاً تحت عنوان «مكانته في العلوم». كان ابن العتائقي معاصراً للشهيد الأوّل رحمه اللَّه عليه، وقد يعدّه بعض المحقّقين (1) من تلامذته وأنّه تلقّى عن الشهيد كثيراً من العلوم. وذكر السّيد محسن الأمين رحمه اللَّه عليه في أعيان الشيعة (2) أنّه يروي عن الزهدري، ويروي عنه السيّد بهاء الدين عبد الحميد النجفي اُستاذ أحمد بن فهد الحلّي. وأمّا مشايخه فقد ذكر المحقّق الطهراني رحمه اللَّه عليه في الطبقات (3) أنّ من مشايخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي (ت 755ه) و العلّامة الحلّي (ت 726ه)، وسيأتي نصّ كلام الطهراني قريباً عند ذكرنا لكلام العلماء حوله. وقد وصفه كثير من المترجمين والمفهرسين والمحقّقين بالعلم والحكمة والجلالة والفضل والكمال، حيث لفتَ أنظارهم بعضُ آرائه؛ لا سيّما في التفسير والعلوم القرآنيّة وشرح الأحاديث، وذلك من خلال آثاره التي سنتعرّض لذكرها قريباً. وعن الزركلي: «ساح في فارس و غيرها سنة (746ه )، فغاب نحو عشرين سنة، أقام أكثرها في إصفهان، وعاد، ثمّ رحل إلى النجف». (4)

ابن العتائقي في كلام العلماء وكتب التراجم ذكرنا أنّ آثار ابن العتائقى وما حوته من آراء في شتّى العلوم لفتت أنظار عدّة من العلماء، فاستنداو إلى أقواله وآرائه وأثنَوا عليه، وسنُلقي هنا نظرة على بعض العبائر التي قيلت في حقّه: 1. أوّل من تكلّم عن ابن العتائقي صاحب كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان، فإنّ مؤلّفه وصف ابن العتائقي في سنة (759ه) في هذا الكتاب بما لفظه : المولى الأجلّ الأمجد، العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقّق المدقّق، مجمع الفضائل،

.


1- .مقدّمة تحقيق كتاب الدروس، ج 1، ص 42.
2- .أعيان الشيعة، ج 7، ص 465، الرقم 1524.
3- .طبقات أعلام الشيعة (القرن الثامن)، ص 111 و 112.
4- .الأعلام، ج 3، ص 330.

ص: 9

ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء العاملين، كمال الملّة والدين، عبد الرحمن بن العتائقي. (1) 2. و في القرن التاسع توجّه إلى آثار ابن العتائقي العالم الناسك و المحقّق الخبير الشيخ إبراهيم الكفعمي رحمه اللَّه عليه، فقد نقل في موارد متعدّدة من مؤلّفاته حكايات و كرامات عن ابن العتائقي، منها في هامش البلد الأمين و جنّة الأمان الواقية و جنّة الإيمان الباقية المعروفة بمصباح الكفعمي. 3. نقل العلّامة المجلسي رحمه اللَّه عليه في بحار الأنوار حكاية عن ابن العتائقي، و لكن لم يذكر الكتاب الذي نقل عنه، فقال ما نصّه: يقول عبد الرحمن بن محمّد بن العتائقي عفا اللَّه عنه: وأنا كنت جالساً في حسن الأدب مقابل باب الحضرة المقدّسة، فجاء رجلان يريد أحدهما يحلّف الآخر باب الحضرة الشريفة، فقال له : والساعة لا بدّ لك أن تحلّفني، وأنت تعلم أنّي مظلوم، وأنّك ليس لك قبلي شي ء، وأنّك تفعل ذلك بي عناداً! قال له: لابدّ من ذلك. فقال: اللّهمّ بحقّ صاحب هذا الضريح، من كان المعتدي على الآخر منّا يغمى و يموت في الحال، وحلّفه، فلمّا فرغ من اليمين غشي على الذي حلّفه، فحُمل إلى بيته، فمات في الحال. (2) 4. و قال المحقّق الفيض الكاشاني في الوافي ما نصّه : نقل العتائقي في شرحه لنهج البلاغة عن المدائني أنّه قال في كتاب الأحداث: أنّ معاوية كتب إلى عمّاله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد في أبي تراب إلّا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فرُويت أخبارٌ كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. و روى ابن أبي الحديد أنّ معاوية أعطى صحابيّاً مالاً كثيراً ليضع حديثاً في ذمّ عليّ عليه السلام ويحدّث به، ففعل. ويروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه: أنّ أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيّام بني اُميّة تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون بها أنف بني هاشم. (3) 5. وقد اعتنى المحقّق الخبير الميرزا عبد اللَّه الأفندي بأحوال ابن العتائقي و أورد

.


1- .نقله المحقّق الطهراني في الذريعة، ج 14، ص 132 عند التعريف بالكتاب المذكور.
2- .بحار الأنوار، ج 42، ص 333.
3- .الوافي، ج 1، ص 279، ذيل الحديث 1217.

ص: 10

شطراً من أحواله، و سرد أسماء بعض آثاره في رياض العلماء، حيث رأى بعض آثاره، وقام بمطالعتها و نقلها، و كان عنده بعض النسخ من مؤلّفات ابن العتائقي. وإليك ملخّص ما قاله الأفندي في أحواله: الشيخ العالم العلّامة كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي الحلّي، الفاضل العالم الفقيه المعروف بابن العتائقي شارح نهج البلاغة وغيره من المؤلّفات، وله ميل إلى الحكمة والتصوّف، لكن قد أخذ أصله من شرح ابن ميثم كما يظهر من شرحيهما نهج البلاغة وتبعه في ذلك... وما أوردناه في نسبه رأيناه بخطّه الشريف على آخر المجلّد الثالث من شرح نهج البلاغة له قدسّ سرّه. وسيجي ء في باب الميم ترجمة للعتائقي الآخر وهو الشيخ محمّد بن عليّ بن أحمد بن أبي الحسن العتائقي، والظاهر أنّه من أقرباء هذا العتائقي... وكان من مشايخ السيّد بهاء الدين عبد الحميد النجفي، ويروي عن جماعة منهم الزهدري أو ابن الزهدري ... ثمّ إنّه قد وصفه الكفعمي في المصباح (1) بأنّه العالم العامل الفاضل الكامل... . (2) 6. بحث الشيخ العلّامة الآقا بزرگ الطهراني رحمه اللَّه عليه أيضاً في كتابيه: طبقات أعلام الشيعه، والذريعة عن أحوال ابن العتائقي وآثاره أكثر من سائر المترجمين، حيث ذكر فيهما جلّ مؤلّفاته - والتي سنقف عليها في عنوان «آثاره العلميّة» - وأورد نبذةً من أحواله وأحوال بعض مشايخه وتلاميذه، وإليك ملخّص ما قاله في الطبقات: المهندس الأديب الطبيب الصوفي كمال الدين المعروف بابن العتائقي الحلّي... وبالجملة يظهر من تصانيفه الموجودة أنّه كان جامعاً للفنون ، ماهراً في الحكمة والكلام والرياضي والطبّ وغيرها من أنواع العلوم... وقد أظهر تقواه في ما كتبه في آخر (شرح حكمة الإشراق) في اعتكافه في رمضان (756 ه) بمسجد الكوفة وكتب في حال الاعتكاف شرح الشمسيّة للقطب و شرح الكافية لمؤلّف حكمة الإشراق وتسليك النفس للحلّي، ومع ذلك قضى صلوات سنة كاملة كلّ ذلك معتكفاً، وكأنّه أراد إفهام القشريّين بإمكان الجمع بين الدين والفلسفة قولاً وعملاً... ومن مشايخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي (ت 755ه) كما يظهر من الشهدة فعبّر عنه ب : شيخنا نصير الملّة

.


1- .لم نعثر عليه في المصباح.
2- .رياض العلماء، ج 3، ص 103 - 106.

ص: 11

والحقّ والدين، بل يظهر من تعبيره عن العلّامة الحلّي (ت 726ه) في الإيضاح ب : شيخنا المصنّف، أنّه تلمّذ عليه أيضاً . (1) 7. قال المحدّث الخبير الحاج الشيخ عبّاس القمّي في كتابه الكنى والألقاب: ابن العتائقي: كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي الحلّي الإمامي، الشيخ العالم الفاضل، المحقّق الفقيه المتبحّر، كان من علماء المائة الثامنة، معاصراً للشيخ الشهيد وبعض تلامذة العلّامة رحمهم اللَّه تعالى. له مصنّفات كثيرة في العلوم، رأيت جملة منها في الخزانة المباركة الغرويّة، ولعلّ بعضها كانت بخطّه، وله شرح على نهج البلاغة. قال في الرياض: وله ميل إلى الحكمة والتصوّف، لكن قد أخذ أصل شرحه من شرح ابن ميثم، وكان تأريخ فراغه من تصنيف المجلّد الثالث من شرحه على النهج في شعبان سنة (780ه). (2) انتهى. والعتائق - كما في القاموس (3) - : «قرية بنهر عيسى، وقرية بشرقي الحلّة المزيديّة». (4) 8. قال فارس الحسّون في هامش كتاب محاسبة النفس للكفعمي: قلت: في قولهم: «فلان لا يعرف هرّاً من برّ» ثلاثة أقوال: الأوّل: أنّه لا يعرف من يكرهه ممّن يبرّه. قال الشيخ عبد الرحمن العتائقي في كتابه الملقّب بالغرر والدرر: وهذا القول أجود الأقوال. الثاني: لا يعرف شيئاً من شي ء. الثالث: لا يعرف السنور من الفأرة . (5) 9. و قال إسماعيل باشا البغدادي في هديّة العارفين: ابن العتائقي: كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم الحلّي المعروف بابن العتائقي الشيعي. له اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل، شرح نهج البلاغة في مجلّدات، كتاب الأضداد في اللغة. كتاب الأعمار. فرغ من شرح نهج البلاغة سنة (876 ه ). (6)

.


1- .طبقات أعلام الشيعة (القرن الثامن)، ص 109 - 112.
2- .رياض العلماء، ج 3، ص 104.
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 261 (عتق).
4- .الكنى والألقاب، ج 1، ص 354.
5- .محاسبة النفس (الهامش)، ص 84.
6- .هدية العارفين، ج 1، ص 528.

ص: 12

مكانته في العلوم

10. وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم بن يوسف المعروف بابن العتائقي، هو معاصر للشهيد، فاضل عالم محقّق مدقّق فقيه متبحّر، في طبقة الشهيد الأوّل و... . (1) 11. وفي الأعلام للزركلي: عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم العتائقي، كمال الدين، من علماء الحلّة (بالعراق)، ولد وتعلّم فيها، ومال إلى الفلسفة والتأريخ، وساح في فارس وغيرها سنة (746ه) ، فغاب نحو عشرين سنة أقام أكثرها في إصفهان، وعاد، ثمّ رحل إلى النجف. نسبته إلى العتائق؛ من قرى الحلّة. له مصنّفات أكثرها مختصرات من كتب غيره أو شروح، بقي منها في خزائن النجف: كتاب الأعمار . (2)

مكانته في العلوم تحصّل أنّ ابن العتائقي قد برع في العلوم وصنّف في علوم شتّى، ويظهر من آثاره أنّ له تبحّر في أنواع من العلوم؛ كالطبّ، والهيئة، والمنطق، والحكمة، والفقه، والتفسير، والعلوم الحديثيّة والقرآنيّة. فقد صنّف في علوم القرآن : الوجيز في تفسير كتاب العزيز، الناسخ والمنسوخ، ومختصر تفسير عليّ القمّي. وفي العلوم الحديثيّة : شرح نهج البلاغة (في أربعة مجلّدات). وفي الصنعة : اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل. وفي النجوم و الهيئة : الإرشاد في معرفة مقادير الأبعاد، الرسالة المفيدة لكلّ طالب في معرفة مقدار أبعاد الأفلاك، شرح الچغميني (أو شرح الملخّص في الهيئة)، الشهدة في شرح تعريب الزبدة، وصفوة الصفوة للعارف. وفي الأدب : الأضداد في اللغة، الحدود النحويّة، الدرّ المنتخب في لباب الأدب، شرح ديوان المتنبّي، شرح منتخب القصائد العشر، شرح قصيدة أبي دلف، مختصر غرر الفرائد و درر الفرائد؛ للسيّد المرتضى، المآخذ على الحاجبيّة، ومختصر الأوائل.

.


1- .أعيان الشيعة، ج 7، ص 465، الرقم 1524.
2- .الأعلام، ج 3، ص 330.

ص: 13

مستنسخات ابن العتائقي

وفي الطبّ : الإيماقي في شرح الإيلاقي، التشريح، التصريح في شرح التلويح إلى أسرار التنقيح، والرسالة المفردة في الأدوية المفردة. وفي العقيدة : الإيضاح و التبيين في شرح منهاج اليقين؛ للعلّامة الحلّي. وفي المنطق : البسط والبيان في شرح تجريد الميزان، شرح رسالة في الدلالة، القسطاس المستقيم، والمعيار. وفي الفقه : تجريد النيّة من الرسالة الفخريّة، ودرر النقاد في شرح الإرشاد؛ للعلّامة الحلّي. وفي الملل و النحل : الرسالة الفارقة و الملحة الفائقة. وفي الحكمة : زبدة رسالة العلم، ومختصر شرح حكمة الإشراق. وفي التفسير : اختصار تفسير القمّي.

مستنسخات ابن العتائقي كان ابن العتائقي محبّاً للعلم، وقد ألّف رسائل متعددّةً في شتّى العلوم، وسوف يأتي تفصيلها، و هو مع ذلك استنسخ نسخاً كثيرة من الكتب التي يهواها، و قد وقف على مجموعة منها شيخنا العلّامة الطهراني و الاُستاذ السيّد أحمد الحسيني الإشكوري في خزانة مكتبة النجف الأشرف، و ذُكرا في الذريعة و فهرس مخطوطات الخزانة الحيدريّة بما نصّه: 1. الرسالة الغرّاء في الفرق بين نوعي العلم الإلهي والكلام؛ لسراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي (ت 682ه). استنسخها ابن العتائقي في الغري سنة (778ه). (1) 2. مصباح الأرواح؛ للبيضاوي. استنسخه في سنة (732ه)، و هي موجودة في مكتبة الخزانة الحيدريّة، وكتب في آخرها صورة إجازة شيخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي للشيخ شمس الدين محمّد بن صدقة في سنة (725ه). (2) 3. مجموعة تشتمل على عدّة رسائل. و نسختها موجودة في الخزانة الحيدريّة في

.


1- .ذيل كشف الظنون، ص 49.
2- .المصدر السابق، ص 90.

ص: 14

آثاره العلميّة

النجف الأشرف، كتبها في النجف الأشرف سنة (778ه)، و هي تحتوي على رسائل: أ. أسئلة السيّد ركن الدين الإسترابادي (المتوفّى حدود سنة 717ه)، وهي عشرون مسألة حكميّة ومنطقية سألها من اُستاذه خواجه نصير الدين الطوسي (ت 672ه). ب . رسالة في العشق؛ للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللَّه بن سينا. ج . فوائد في الحكمة و الكلام؛ للخواجه نصير الدين الطوسي. و هي خمسة فوائد بهذه العناوين: فائدة في بقاء النفس الإنسانيّة بعد خراب البدن، فائدة في الخير والشرّ، فائدة في صدور الكثرة عن الواحد، فائدة في ضرورة الموت، فائدة في عدم انفكاك العلّة التامّة عن معلولها. (1) 4. نظم رسالة حيّ بن يقظان و رسالة الطير. كلاهما بخطّ ابن العتائقي. 5. رسالة في أحوال النفس الإنسانيّة؛ لابن سينا. (2) 6. رسالة في الدلالة؛ لفخر الدين أبي الحسن عليّ بن محمّد البندهي المعروف بابن البديع. (3) 7. شرح العمدة ؛ لابن مالك النحوي. كتبها في سنة (734ه) في المدرسة المستنصريّة ببغداد. (4) 8. تحرير إقليدس (أو تحرير اُصول الهندسة) ؛ للطاووسي. نسخة منه بخطّ ابن العتائقي موجودة في الخزانة الرضويّة، رآها السيّد الأمين. (5) 9. منهاج اليقين في اُصول الدين؛ للعلّامة الحلّي. مخطوطة منه في مكتبة البرلمان الإيراني السابق رقم 6290 وعليها خطّ ابن العتائقي. (6)

آثاره العلميّة1. اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل. ذكره الأفندي في رياض العلماء و قال : «... و قد ذكره الكفعمي في كتاب مجموعة الغرائب، ثمّ نسب إليه كتاب اختيار حقائق الخلل

.


1- .الذريعة، ج 16، ص 88.
2- .الذريعة، ج 24، ص 260.
3- .الذريعة، ج 8، ص 254.
4- .فهرس مكتبة آية اللَّه المرعشي رحمه اللَّه عليه بقم، ج 3، ص 291، الرقم 1190.
5- .أعيان الشيعة، ج 7، ص 465، الرقم 1524.
6- .مكتبة العلّامة الحلّي، ص 192.

ص: 15

في دقائق الحيل، و كان أصل هذا الكتاب من غير هذا الشيخ و هو قد اختاره». (1) 2. الإرشاد في معرفة مقادير الأبعاد (في الهيئة)، شرح على الباب الرابع من كتاب التذكرة في الهيئة ؛ تأليف خواجه نصير الدين الطوسي (ت 672ه). أتمّه في يوم الأربعاء 20 محرّم (سنة 788ه) في النجف الأشرف. أورد متن الكتاب تحت عنوان «قال» و الشرح تحت عنوان «أقول». توجد نسخة أصل هذا الشرح في خزانة المكتبة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 702 كما ذُكر في فهرسها. (2) 3. الأضداد في اللغة. قال الأفندي في الرياض: «ومن مؤلّفاته إيضاح كتاب الأعمار، نسبه الكفعمي في حواشي البلد الأمين و ينقل عنه. و له أيضاً الأضداد في اللّغة، و الظاهر أنّه عين سابقه». (3) 4. الأعمار. ذكره الأفندي في الرياض - كما نقلنا عنه في النقطة السابقة - ثمّ احتمل اتّحاده مع كتاب الأضداد في اللغة الذي مرّ ذكره. (4) 5. الإيماقي في شرح الإيلاقي (في الطبّ). قال الطهراني في الذريعة: الإيماقي في شرح الإيلاقي. أوّله: الحمد للَّه حمداً يليق بنعمه. وعناوينه (ص) للأصل، (ش) للشرح. رأيت النسخة بخطّ تلميذ الشارح في الخزانة الغرويّة، مكتوب في آخرها: «إنّ المولى العالم الفاضل الكامل مفخر الفضلاء في الزمان، مسيح الدوران، ظهير الملّة والدين عبد الرحمن بن العتائقي، قد شرع في الشرح في حادي عشر ذي الحجّة سنة 754، وفرغ منه في الثامن عشر من المحرّم سنة 755، كتبه العبد محبه ومعتقده حسين بن محمّد»، وعليه تقريظ أطرى فيه الشرح ومؤلّفه، وفي آخر التقريظ: «كتبه عبده الأصغر ومحبّه الأكبر محمّد بن جعفر النباطي». (5) و قال في بيان كتاب الإيلاقي: الإيلاقي في الطبّ، ويقال له: الفصول الإيلاقيّة، أو مختصر القانون، للسيّد شرف الدين

.


1- .. رياض العلماء، ج 3، ص 104؛ الذريعة، ج 1، ص 365؛ إيضاح المكنون، ج 1، ص 49.
2- .الذريعة، ج 1، ص 510؛ فهرس مخطوطات الخزانة الحيدريّة، ص 59.
3- .رياض العلماء، ج 3، ص 105؛ الذريعة، ج 2، ص 214 الرقم 835.
4- .رياض العلماء، ج 3، ص 105؛ الذريعة، ج 2، ص 243، الرقم 963.
5- .الذريعة، ج 13، ص 382. وانظر أيضاً: أعيان الشيعة، ج 7، ص 465؛ طبقات أعلام الشيعة، ج 8، ص 110.

ص: 16

أبي عبد اللَّه محمّد بن يوسف الإيلاقي، اختصر الكتاب الأوّل الذي في كلّيّات الطبّ من كتاب القانون الذي ألّفه الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا، أوّله: الحمد للَّه الغنيّ الحميد، والصلاة على خير خلقه محمّد وآله. اِعلم أنّ الطبّ . (1) توجد نسخه من كتاب شرح الإيماقي بخطّ الشارح في خزانة مكتبة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 632، (2) كما توجد نسخة نفيسة منه بخطّ أبو المعالي بن أبي الكرم بن أبي السهل النصراني في مكتبة مدرسة خان في مدينة يزد برقم 58، كتبت في سنة (688ه) وقوبلت بالأصل. (3) الأوّليّات = مختصر كتاب الأوائل. 6. الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين أو مناهج اليقين. الأصل تصنيف اُستاذه العلّامة الحلّي في الاعتقادات. أوّله: «الحمد للَّه المتعالي بجلال أحديّته عن وصمة الكثرة والتقدير». شرع فيه في الثاني والعشرين من شهر رمضان، وفرغ منه بعد خمسين يوماً في الثاني عشر من ذي القعدة سنة (787 ه )، وألحق بآخره زبدة رسالة العلم التي سألها كمال الدين ميثم عن المحقّق خواجه نصير الدين الطوسي، وقال في آخره: إنّه يكتب هذه الرسالة بعد قول شيخنا المصنّف «مسألة العلم على ضربين»، ثمّ كتب على ظهر الرسالة هكذا: «الرسالة المكملة لشرح المناهج». (4) ثمّ اعلم أنّه قد ذكرت نسخة من كتاب مناهج اليقين في كتاب فهرست كتب خطّى كتابخانه هاى إصفهان (5) كتبه ابن العتائقي بخطّه، و كتب على هامشه توضيحات، و الظاهر أنّه كتب تلك الحواشي قبل هذا الشرح، فراجع. (6) وتوجد نسخة من كتاب الإيضاح و التبيين في مكتبة خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 630 و تأريخ كتابته سنة (879 ه). (7)

.


1- .الذريعة، ج 2، ص 502.
2- .فهرست مخطوطات الخزانة الحيدريّة، ص 38.
3- .فهرست نسخه هاى خطّى كتابخانه خان يزدي، ص 41.
4- .الذريعة، ج 2، ص 503.
5- .فهرست كتب خطّى كتابخانه هاى اصفهان، ج 1، ص 95.
6- .راجع: مكتبة العلّامة الحلّي، للسيّد عبد العزيز الطباطبائي، ص 191.
7- .فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 37.

ص: 17

7. البسط والبيان في شرح تجريد الميزان (في المنطق). شرح مزجيّ على كتاب تجريد الميزان، أتمّه في سنة (788ه). توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 712. (1) 8. تجريد النيّة من الرسالة الفخريّة (في الفقه). اختصار لِقسم نيّة العبادات من الرسالة الفخريّة لاُستاذه العلّامه الحلّي، أتمّها في سنة (753ه). توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 710. (2) 9. التشريح في الطبّ. وقد رأى الطهراني نسخة من هذا الأثر في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف و ذكرها في الذريعة. لكنه لم يُذكر في فهرس تلك المكتبة التي ألّفها الاُستاذ السيّد الأحمد الإشكوري بعد مشاهدة الطهراني. (3) 10. التصريح في شرح التلويح إلى أسرار التنقيح. الذي هو تأليف فخرالدين الخجندي في الطبّ أيضاً، ألّفه في سنة (744ه) في النجف الأشرف، و هو في أربعة مجلّدات، توجد أربع نسخ منه في الخزانة الحيدريّة : أ. رقم 663 المجلّد الأوّل من الكتاب، بخطّ المؤلّف، أتمّها في أوّل شعبان سنة (774ه) . ب . رقم 637 المجلّد الثاني من الكتاب، أتمّها في سنة (744ه) في النجف الأشرف. ج . رقم 662 بخطّ المؤلّف أيضاً، و من المؤسّف أنّه قد ضاع من أوّلها و آخرها أوراق. د . رقم 667 بخطّ المؤلّف أيضاً، و يشتمل على قسم من الكتاب. (4) واعلم أنّه قد ذكر في الكشف الظنون شرحاً آخر لكتاب التلويح بعنوان «التصريح في شرح التلويح» و شارحه لطف اللَّه المصري، فهو غير شرح ابن العتائقي. (5) تفسير ابن العتائقي = الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

.


1- .المصدر السابق، ص 63.
2- .المصدر السابق، ص 62؛ الذريعة، ج 3، ص 356.
3- .الذريعة، ج 4، ص 184.
4- .فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 39 و 46 و 47.
5- .كشف الظنون، ج 1، ص 500.

ص: 18

11. الحدود النحويّة (في الأدب العربي). ألّفه في سنة (787 ه). توجد نسخة بخطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة برقم 708. (1) 12. الدرّ المنتخب في لباب الأدب. قال شيخنا الطهراني: «رأيت النسخة بخطّه في الخزانة الغرويّة مع بعض تصانيفه الاُخر، ذكر فيه أنّه ألّفه في اثني عشر يوماً من رمضان سنة (776 ه )». (2) 13. درر النقاد في شرح إرشاد الأذهان؛ لاُستاذه العلّامة الحلّي (ت 726ه) في الفقه. شرحه بعناوين «قال - أقول»، و أكثر فيه النقل عن الشيخ الطوسي و غيره. توجد منه نسختان: الاُولى: نسخة في المكتبة المرعشيّة برقم 8609 تشتمل على المجلّد الأوّل و الثاني من الكتاب، و انتهى إلى أحكام النكاح، و قد ضاع من أوائل النسخة و أواخرها أوراق. (3) والثانية: نسخة في مكتبة جامعة طهران برقم 1280. (4) 14. الرسالة الفارقة و الملحة الفائقة في الفرق والملل. قال الطهراني في الذريعة : «... في مجموعة كلّها بخطّه في سنة (778ه) في الخزانة الغرويّة. أوّلها : "الحمد للَّه المنقذ من الضلالات المخلص من الجهالات..." إلى قوله: "فهذه رسالة تتضمّن أنّ مخالف الحقّ من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ وتعداد فرق المسلمين". وفي آخرها نقص، والظاهر أنّه لم يخرج من قلمه إلّا الموجود». (5) طبعت هذه الرسالة بتحقيق الدكتور جواد مشكور في مجلة «معارف اسلامي» العدد الأوّل، السنة الاُولى في (1345ه ش). 15. الرسالة المفردة في الأدوية المفردة (في الطبّ). ذكر فيه أسامي النباتات الطبيّة على ترتيب حروف المعجم و ذكر خواصّها. توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 743. (6)

.


1- .فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 61.
2- .الذريعة، ج 8، ص 74.
3- .فهرس مكتبة آية اللَّه المرعشي رحمه اللَّه عليه، ج 22، ص 184.
4- .فهرس مكتبة جامعة طهران، ج 7، ص 2711.
5- .الذريعة، ج 11، ص 220؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 72.
6- .الذريعة، ج 11، ص 225؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 73.

ص: 19

16. الرسالة المفيدة لكلّ طالب في معرفة مقدار أبعاد الأفلاك و الكواكب (في الهئية). فرغ منها في منتصف ذي الحجة سنة (787ه)، مرتّباً على فصول. أوّلها: في أبعاد كلّ جرم من الأجرام السماويّة. وهو شرح لمبحث مقادير الأبعاد والأجرام الذي أورده الخواجة نصير الدين الطوسي في كتابه التذكرة. جعل ابن العتائقي هذا الشرح تكملة لشرحه على الچغميني الذي ألّفه في 12 ذي الحجّة سنة (787ه). ثمّ كتب في آخر الشهدة في معرّب الزبدة - الّذي فرغ منه في 14 محرّم سنة (788 ه) - أنّه كتب الرسالة هنا أيضاً. (1) 17. زبدة رسالة العلم (أو الرسالة المكمّلة لشرح المنهاج) في الحكمة. لخصّ ابن العتائقي في رسالته هذه الرسالة المسمّاة برسالة العلم؛ وهي الرسالة التي تشتمل على أسئلة سألها كمال الدين ابن ميثم البحراني عن الخواجة نصير الدين الطوسي وأجاب الطوسي عنها. وقد جعل ابن العتائقي هذه الرسالة تكملةً لكتابه الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين في اُصول الدين الّذي مرّ ذكره. وذكر شيخنا الطهراني في الذريعة: أنّه رأى النسخة بخطّ المؤلّف في الخزانة الغرويّة، كتب على ظهرها (الرسالة المكملّة لشرح المنهاج)، وأنّه قال في آخره: إنّه يكتب هذه الرسالة بعد قول شيخنا المصنّف : مسألة العلم على ضربين. (2) شرح إرشاد الأذهان = درر النقاد في شرح الإرشاد شرح أسئلة ابن ميثم من نصير الدين طوسي = زبدة رسالة العلم شرح تجريد الميزان = البسط و البيان في شرح تجريد الميزان 18. شرح الچغميني (شرح الملخّص في الهيئة). شرح على كتاب الملخّص في الهيئة تأليف محمود بن محمّد الچغميني، فرغ منها في 12 ذي الحجّة (787ه)، ثمّ ألّف في تكميلها «الرسالة المفيدة لكلّ طالب» التي سيأتي ذكرها. (3)

.


1- .الذريعة، ج 11، ص 225.
2- .اُنظر: الذريعة، ج 2، ص 502؛ وج 12، ص 28؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 37، الرقم 630.
3- .الذريعة، ج 13، ص 176.

ص: 20

19. شرح ديوان المتنبّي، شرح على ديوان أبي الطيّب أحمد بن حسين الكوفي المشتهر بالمتنبّي (ت 354ه). شرحها في سنة (781ه). توجد نسخة من المجلّد الثاني منها بخطّ الشارح في الخزانة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 681. (1) 20. شرح رسالة في الدلالة (في المنطق). شرح على رسالة الدلالة على اصطلاح أهل المنطق التي ألّفها أبو الحسن عليّ بن محمّد البندهي المعروف بابن البديع. (2) 21. شرح منتخب القصائد العشر. انتخب ابن العتائقي من القصائد العشر المعروفة أبياتاً، ثمّ شرحها. أوّلها: «الحمد للَّه الذي جعلنا من أهل...» . توجد نسخة منها في مكتبة برلين في ألمانيا ضمن مجموعة برقم 9144، ورقة 13 - 16. (3) شرح فصول الإيلاقيّه = الإيماقي في شرح الإيلاقي 22. شرح قصيدة أبي دلف. شرح على قصيدة مسعر بن مهلهل الخزرجي الينبوعي المعروف بأبي دلف، الّتي مطلعها :جُفونٌ دَمعُها يَجري لِطولِ الصَّدِّ وَ الهَجرِ شرَحَ ابن العتائقي بعض المفردات الغريبة في القصيدة و ما أشكل منها ، و ذلك في سنة (763ه). توجد نسخة منها بخطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة ضمن مجموعة برقم 710. (4) 23. شرح نهج البلاغة. وهذا الشرح هو من أشهر آثار ابن العتائقي. ألّفه في أربعة مجلّدات، و من المؤسّف أنّ المجلّدين الثاني و الرابع منها مفقودان، و الذي وصل إلينا منها لم يطبع بعد . وتوجد منها عدّة نسخ : الاُولى: نسخة المدرسة النمازيّة بمدينة خوي برقم 381، (5) و هي نسخة نفيسة عتيقة

.


1- .الذريعة، ج 13، ص 256؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 52.
2- .الذريعة، ج 8، ص 254.
3- .فهرس المخطوطات العربيّة بالمكتبة الملكيّة في برلين، ج 8، ص 106.
4- .الذريعة، ج 12، ص 217؛ وج 14، ص 259؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 62.
5- .فهرست نسخه هاى خطى مدرسه نمازى خوى، ص 194.

ص: 21

جدّاً، قد قرئت عند المصنّف، و كتب المصنّف على آخرها إجازة لتلميذه بهذه العبارة: بلغ قراءة و أنهاه... وفّقه اللَّه لمراضيه، و ذلك في مجالس متعدّدة آخرها يوم عشرين رمضان المبارك لسنة ستّ و ثمانين و سبعمائة، و كتب جامع الكتاب الفقير إلى اللَّه تعالى عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم العتائقي حامداً للَّه و معظماً و على رسوله و آله مسلماً. و كتب في ظهر الورقة الاُولى منها بعد وفاة المصنّف هكذا: الجزء الثالث من شرح نهج البلاغة، مختار من شروح أربعة: شرح ميثم الكبير، و شرح ابن أبي الحديد، و شرح قطب الدين كيدري، و شرح القاضي عبد الجبّار، تصنيف العالم العلّامة عبد الرحمن بن محمّد العتائقي رحمة اللَّه عليه و على كافّة المؤمنين و المؤمنات. وقد رأى الأفندي هذه النسخة و ذكرها في رياض العلماء. و البحث في هذه النسخة و شرح نهج البلاغة لابن العتائقي طويل الذيل، وأوردته في مقالتين : الاُولى منهما تحت عنوان : «ابن العتائقي و شرح نهج البلاغة»، وقد نُشرت هذه المقالة في مجلة (آينه پژوهش) (1) ، و الثانية تحت عنوان: «نويافته هايى در باره نهج البلاغه» التي نشرت في مجلّة (وقف ميراث جاويدان) (2) فراجع. تشتمل هذه النسخة على المجلّد الثالث من الشرح، وتبدأ من شرح الخطبة 134 «ومن كلام له عليه السلام و قد شاوره عمر في الخروج إلى غزوة الروم» وانتهاءً بالكتاب 27 «و من وصيّته إلى محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر». كتبها عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ في جمادى الاُولى سنة (786ه)، و قابلها و صحّحها عند المصنّف، تقع في 182 ورقة، و توجد تصاوير متعدّدة منها في مكتبات قمّ: ثلاثة منها في مكتبة المحقّق الطباطبائي برقم 169 و 199 و 130، (3) وواحدة في مكتبة المرعشي برقم 475، (4) واُخرى في مكتبة مركز إحياء الميراث الإسلامي برقم 640. (5)

.


1- .آينه پژوهش، الرقم 48، (بهمن و اسفند 1376ش)، ص 98 - 104.
2- .وقف ميراث جاويدان، الرقم 25، ص 94 - 102.
3- .يادنامه محقّق طباطبايى، ج 3، ص 1463 و 1480 و 1528.
4- .فهرست نسخه هاى عكسى كتابخانه آية اللَّه مرعشي رحمه اللَّه عليه بقم، ج 1، ص 422.
5- .فهرست نسخه هاى عكسى مركز إحياء ميراث إسلامي بقم، ج 2، ص 268.

ص: 22

الثانية: نسخة مكتبة البارلمان الإسلامي في طهران، برقم 9431. وقد ضاع من آخرها أوراق، وهي تشتمل على المجلّد الأوّل من الشرح، أوّلها : «بسملة، قال السيّد رضى اللَّه عنه: خطبة الكتاب؛ أمّا بعد، حمداً للَّه الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، و معاذاً من بلائه، و وسيلةً إلى جنانه»، و تُختم بهذه الجملة : «مع تمكّنهم ذلك. و قوله : و آيم اللَّه لأفرطنّ»، و لم يذكر في النسخة تأريخ، إلّا أنّ المفهرس احتمل أنّها كتبت في القرن الثامن أو التاسع. وتقع هذه النسخة في 89 ورقة. (1) الثالثة: نسخة مكتبة المرعشي بقم، برقم 11721. وقد ضاع من أوّلها أوراق. أوّلها: «و الأشرار و الجهّال لعدم معرفتهم بوضع الأشياء في مواضعها التي هي مقتضى العقل». كُتبت بخطّ عبد اللَّه بن عبد الغفّار، في القرن 11ه . ق. عليها تصحيحات و حواشٍ، وتقع في 123 ورقة. وكانت هذه النسخة سابقاً في ملك ابن يوسف الشيرازي مفهرس مكتبة السپهسالار. (2) تنبيه: بسبب وهم نسّاخ شرح ابن العتائقي، فقد نشأ للنهج شرحان آخران لم يكن لهما أصلٌ في الواقع: أمّا الشرح الأوّل: فهو «شرح النهج للقاضي عبد الجبّار»، وسبب الوهم هو أنّ الورقة الاُولى من نسخةٍ من المجلّد الثالث من شرح ابن العتائقي - كما مر آنفاٌ - كُتب فيها هذه العبارة: الجزء الثالث من شرح نهج البلاغه، مختار من شروح أربعة: شرح ميثم الكبير، و شرح ابن أبي الحديد، و شرح قطب الدين الكيدري، و شرح القاضي عبد الجبّار، تصنيف العالم العلّامة عبد الرحمن بن محمّد العتائقي، رحمة اللَّه عليه و على كافّة المؤمنين و المؤمنات. والحال أنّه ليس في هذا المجلّد من شرح ابن العتائقي اسم ولا أثر لعبد الجبار أو لشرحه، بل لا يوجد في كتب التراجم أيضاً ذكر لشرح القاضي عبد الجبّار، وإنّما يرجع سبب اشتهاره إلى هذه العبارة التي في ظهر تلك النسخة فقط، و جدير بالذكر أنّ هذه النسخة كتبت في حياة ابن العتائقي و عليها علامة بلاغه مقابلة، إلّا أنّ هذه

.


1- .فهرس مجلس الشورى الإسلامي بطهران، ج 30، ص 127.
2- .فهرس مكتبة المرعشي بقم، ج 29، ص 502؛ نسخه هاى خطّى و كهن و نفيس نهج البلاغة، ص 99 - 101.

ص: 23

العبارة كتبت بعد ابن العتائقي، و يدلّ عليه الدعاء له بالرحمة الدالّ على وفاته حين الكتابة. و قد أورد شيخنا الطهراني مدخلاً في الذريعة (1) تحت عنوان «شرح النهج للقاضي عبد الجبّار»، والظاهر أنّه اعتمد على هذا المكتوب فقط، فراجع. وأمّا الشرح الثاني: فهو «شرح النهج لا بن العنقا»، و هذا الاسم نشأ أيضاً من وهم النسّاخ، و لا يوجد شرح بهذا العنوان . قال شيخنا الطهراني : شرح النهج لا بن العنقا، ذكره المولى عليّ الواعظ الخياباني التبريزي في مجلّد الصيام من كتابه وقائع الأيّام (في ص 357) و قال: إنّه رأى في باب الكاف من كتاب رياض العلماء ما نقله مؤلّف الرياض عن فهرس كتاب تحفة الأبرار تأليف السيّد حسين بن مساعد بن الحسن الحسيني الذي ذكرناه في ( ج 3، ص 405) وقلنا: إنّه كان في تأليفه سنة 893 إلى سنة 917، وأورد في آخره فهرس الكتب التي هي من مآخذ كتابه التحفة، وكلّها من مؤلّفات علماء السنة والجماعة المعتمد عليهم، وعدّ من تلك الكتب شرح النهج لا بن العنقا، وقال: إنّه جمعه من أربعة شروح. أقول: ومن قوله: إنّه جمعه من أربعة شروح، احتمل أنّه وقع تصحيف من النسّاخ، وأنّه ابن العتائقي المذكور آنفا بعنوان عبد الرحمن بن محمّد بن العتائقي الحلّي الذي فرغ من بعض مجلّدات شرحه سنة (780ه)، وشرح ابن العتائقي مشهور ومأخوذ من عدّة شروح، ولم يذكر ابن العنقا فيما بأيدينا من الكتب. (2) فهذان الشرحان من النهج لا يوجد لهما أثر في الواقع، و هما سهو من النسّاخ فقط. 24. الشهدة في شرح تعريب الزبدة (في الهيئة). وأصل كتاب الزبدة هو من تأليف الخواجة نصير الدين الطوسي وسمّاه: زبدة الإدراك في علم الأفلاك بالفارسية، ثمّ عرّبه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي (ت 755ه) و سمّاه: تعريب الزبدة، ثمّ جاء ابن العتائقي فشرح تعريب الزبدة و سمّاه بالشهدة في شرح تعريب الزبدة. وقد شرع في شرحه في 22 ذي الحجّة سنة (787ه) و أتمّه بعد سنة في يوم الخميس 14 محرّم سنة

.


1- .الذريعة، ج 14، ص 130.
2- .الذريعة، ج 14، ص 157.

ص: 24

(788ه)، كما في الذريعة. و أمّا في فهرس الخزانة الحيدريّة فقد ذكر تأريخ إتمامه منتصف ذي الحجّة من تلك السنة. (1) 25. صفوة الصفوة للعارف في شرح صفوة المعارف. و صفوة المعارف منظومة في الهئية نظمها سعد بن عليّ الحضرمي، و شرحها ابن العتائقي في سنة (787ه). توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 708. (2) 26. غرر الغرر و درر الدرر (أو مختصر غرر الفوائد). مختصر من أمالي السيّد المرتضى علم الهدى التي تسمّى بغرر الفوائد و درر القلائد . أوّلها : «الحمد للَّه الذي أكرمنا بكتابه الكريم، و شرّفنا بالسبع المثاني و القرآن الحكيم». جعل ابن العتائقي هذا المختصر على قسمين: قسم في تأويل الآيات، و قسم في شرح الأخبار، و أضاف في موارد توضيحات من نفسه. توجد منها نسختان: الاُولى: نسخة في المكتبة المرعشية بقم، ضمن مجموعة برقم 282 بخطّ المصنّف، تقع في الورقة 111 إلى 168 من النسخة. (3) الثانية: نسخة مكتبة البارلمان بطهران برقم 292، تقع في 34 ورقة. (4) 27. القسطاس المستقيم و النهج القويم (في المنطق). قال الطهراني في الذريعة : القسطاس في المنطق لابن العتائقي، توجد في الخزانة الغرويّة، ناقص قليلاً من وسطه. وعدّه الشيخ محمّد بن يونس الشويهي في براهين العقول - المؤلّف في 1229ه - من الكتب المنطقيّة الموجودة عنده، وعدّ أيضاً شرح القسطاس هذا، وقال: إنّه لبعض الفضلاء. أوّله: الحمد للَّه ربّ العالمين - إلى قوله: - فهذا مختار مختصر في علم الميزان. [ثمّ] بدء فيه بذكر الرؤس الثمانية، وهو في ثلاثة أبواب : الأوّل في المعارف والتعريف. والثاني في الحجج ومباديها. والثالث في كيفيّة حلّ المغالطات. (5)

.


1- .الذريعة، ج 12، ص 217؛ وج 14، ص 259؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 55، الرقم 688.
2- .الذريعة، ج 15، ص 51؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 61.
3- .فهرس مكتبة آية اللَّه المرعشي رحمه اللَّه عليه، ج 1، ص 310.
4- .فهرس مكتبة مجلس الشورى الإسلامي بطهران، ج 2، ص 168.
5- .الذريعة، ج 17، ص 79 و 80؛ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 42، الرقم 645.

ص: 25

28. المآخذ على الحاجبيّة؛ نقد على كتاب الكافية في النحو لابن الحاجب. ألّفه في سنة (787ه)، و توجد نسخة الأصل بخطّ المؤلّف برقم 116 في الخزانة الحيدريّة. (1) 29. مختصر الأوائل (أو الأوّليّات)، هو مختصر الجزء الثاني من كتاب الأوائل تصنيف أبي هلال العسكري، في ذكر أوّل وقوع أكثر الاُمور ومبدئها. فرغ ابن العتائقي من اختصاره سنة (753ه). قال في الرياض أنّ عندنا منه نسخة . وتوجد نسخة خطّ المؤلّف في الخزانة الغرويّة كما ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة. (2) 30. مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي (هذا الكتاب الذي بين يديك)، ملخّص من كتاب تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ، أتمّه في غرّة ذي الحجّة من شهور سنة (768ه). قال في أوّله: فإنّي وقفت على كتاب الاُستاد الفاضل عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي - رضي اللَّه تعالى عنه وأرضاه - فوجدته كتاباً ضخماً قابلاً للاختصار، فأحببت أن أختصره بإسقاط الأسانيد والمكرّرات، وحذف بعض لفظ القرآن الكريم لشهرته إلّا ما لابدّ منه، وبحذف ما فائدته قليلة، وربّما اُضيف إلى الكتاب ما يليق به. و قال في آخره : هذا آخر ما احتويناه ونقحنا من سبعة أجزاء من كتاب عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، وأضفنا إليه ما خطر بالبال ممّا يناسبه، ورددنا ما جاء ظاهره في عدم العصمة بالأنبياء والأولياء؛ فإنّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ليس ما يقوله هذا الرجل، فليتأمّل، فإنّ مذهبهم تنزيه الأنبياء والأئمّة عن جميع القبائح، واعلم أنّ لنا في كثير من هذا الكتاب نظراً؛ فإنّه لا يوافق مذهب الذي هو الآن مجمع عليه. وكتب عبد الرحمان بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي منقّح الكتاب ومختصره. وذلك في غرّة ذى الحجّة 767ه ، والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين. توجد منها أربع نسخ : الاُولى: نسخة مكتبة آية اللَّه المرعشي ضمن مجموعة برقم 282، بخطّ المصنّف،

.


1- .فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدريّة، ص 61.
2- .رياض العلماء، ج 3، ص 105؛ الذريعة، ج 1، ص 357؛ وج 2، ص 481؛ وج 20، ص 181.

ص: 26

في 111 ورقة. (1) الثانية: نسخة مكتبة آية اللَّه الروضاتي في إصفهان، بخطّ حسام بن ناصر الدين بن محمّد العلوي الذعفلي، أتمّها في يوم الثلاثاء 2 صفر سنة (984ه)، تقع في 146 ورقة. (2) ونُقلت هذه النسخة إلى مكتبة البارلمان بطهران، و توجد فيها حاليّاً برقم 12216. (3) الثالثة: نسخة مكتبة سپهسالار بطهران، برقم 5390، كتبت في القرن 11ه ، و تقع في 100 ورقة. (4) الرابعة: نسخة مكتبة البارلمان بطهران برقم 12641، ولا يوجد فيها تأريخ تحرير و لا اسم الناسخ، وتقع في 79 ورقة. (5) والجدير بالذكر هو أنّه توجد في المكتبة المرعشية نسخة من مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم، برقم 9400 مجهولة المؤلّف، وأغلب الظنّ أنّها نسخة اُخرى من مختصر ابن العتائقي. (6) 31. مختصر شرح حكمة الإشراق (في الحكمة) الذي هو تصنيف القطب الشيرازي محمّد بن مسعود الشيرازي (ت 710ه). قال شيخنا الطهراني في الذريعة: «رأيت النسخة بخطّه في الخزانة الغرويّة، فرغ منه في سادس جمادى الثانية 756ه». (7) إلّا أنّه لا يوجد لهذا الكتاب أثر في فهرس المكتبة الذي اُلّف بعد ملاحظة شيخنا الطهراني. 32. المعيار في المنطق. قال شيخنا الطهراني في الذريعة: «عدّه الشيخ محمّد بن يونس الشويهي في براهين العقول - المؤلّف 1229ه - من الكتب المنطقيّة الموجودة عنده وقت تأليف البراهين» . (8)

.


1- .فهرس المكتبة، ج 1، ص 309.
2- .فهرست كتب خطّى كتابخانه هاى إصفهان، ج 1، ص 115 - 123.
3- .فهرس مجلس الشورى الإسلامي بطهران، ج 35، ص 210.
4- .فهرس المكتبة، ج 3، ص 482.
5- .فهرس المكتبة، ج 36، ص 204.
6- .فهرس المكتبة، ج 24، ص 177.
7- .الذريعة، ج 13، ص 211؛ و ج 20، ص 198.
8- .الذريعة، ج 21، ص 288.

ص: 27

33. المنتخب في تعداد فرق المسلمين . ذكره السيّد الأمين في أعيان الشيعة للمصنّف رحمه اللَّه عليه. (1) 34. المنتخب في المعاني والبيان والبديع . ذكره السيّد الأمين أيضاً في أعيان الشيعة للمصنّف رحمه اللَّه عليه. (2) 35. الناسخ و المنسوخ . أوّله : «الحمد للَّه مكافاتاً لإفضاله، وصلواته على محمّد وآله. وبعد، فهذه رسالة على علم الناسخ والمنسوخ؛ فإنّ ذلك أوّل ما يجب أن يبدء به من علوم القرآن. فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه دخل مسجد الكوفة ... واعلم أنّ الناسخ هو الذي يرفع حكم المنسوخ، والمنسوخ على ثلاثة أضرب : منه ما نسخ خطّه وحكمه، ومنه ما نسخ خطّه وبقي حكمه، ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطّه». و آخره : «وفرغ من تسويده جامعه عبد الرحمان بن محمّد العتائقي، وذلك سنة ستّين وسبعمائة». طبع هذا الكتاب بتصحيح عبد الهادي الفضلي في سنة (1390ه) في النجف الأشرف في 85 صفحة، و طبع أيضاً في بيروت . توجد منه ثلاث نسخ : الاُولى و الثانية: في المكتبة المرعشيّة؛ إحداهما برقم ش 2255، كتبت في يوم الجمعة 24 شوّال (980ه )، والاُخرى برقم 9400، كتبت بخطّ محمود بن صدر الدين محمّد السمناني و أتمّها في شهر صفر 980ه في شيراز. (3) الثالثة : نسخة في مكتبة جامعة طهران، كتبت بخطّ عماد الدين بن عبد المسيح في سنة (917ه). (4) 36. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. وقد أحال إليه المؤلّف في شرحه لنهج البلاغة في آخر شرح الخطبة 201، وإليك نصّه : «و قد ذكرنا قصّة ثمود في الكتاب المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز». و أحال أيضاً إلى هذا الكتاب في كتابه مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي وقال : «و

.


1- .أعيان الشيعة، ج 7، ص 465.
2- .المصدر السابق.
3- .فهرس المكتبة، ج 6، ص 239؛ وج 24، ص 187.
4- .الذريعة، ج 24، ص 11 و 12؛ طبقات مفسّران شيعه، ج 2، ص 274.

ص: 28

إجازاته

وفاته

قد ذكرت في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ما ينبغي أن يطالع». (1) و على هذا لا وجه لكلام المرحوم ابن يوسف الشيرازي في فهرس سپهسالار من القول باتّحاد كتاب التفسير و كتاب مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، و كلام شيخنا الطهراني في المجلّد الرابع من الذريعة أيضاً، كما نبّه نفسه على عدم اتّحادهما في المجلّد الخامس و العشرين منها بعد حكمه باتّحاده في المجلّد الرابع. (2) تنبيه: ذكر المحقّق الخوانساري في كتابه روضات الجنّات، لابن العتائقي: «مجموع الغرائب في الدعاء»، (3) والظاهر أنّه استند في هذا على قول صاحب الرياض حيث قال: «ويروي (ابن العتائقي) عن جماعة؛ منهم: الزهدري أو ابن الزهدري، وقد ذكره الكفعمي في كتاب مجموعة الغرائب، ثمّ نسب إليه كتاب اختيار حقائق الحال في دقائق الحيل». (4) فاستبان أنّ مستنده غير صحيح، وأنّه ليس للمصنّف أثر بهذا العنوان، بل هو من تأليف الكفعمي رحمه اللَّه عليه.

إجازاته اعتنى ابن العتائقي بالحديث، و صنّف في هذا المجال شرحاً للنهج، و أخذ إجازة رواية الحديث من أساتيده، و أصدر إجازةَ نقلِ الرواية لتلاميذه أيضاً. والذي وقفنا من إجازاته إجازة واحدة و هي إجازته التي كتبها لتلميذه عليّ بن محمّد بن محمّد عليّ بن رشيد الدين بعدما أتمّ قراءة المجلّد الثالث من شرحه للنهج عنده في جمادى الاُولى من سنة (786ه)، و هي موجودة بخطّه ضمن نسخة من المجلّد الثالث من الشرح، وقد مرّ الكلام حوله في النقطة رقم 23 من آثاره العلميّة.

وفاته لم يؤرّخ وفاة ابن العتائقي في المصادر التي بأيدينا. والذي يظهر من آثاره أنّه كان حيّاً في سنة (786ه)، لأنّه كتب لتلميذه إجازة في هذه السنة (5) كما مرّ تفصيله في ذيل

.


1- .فهرست كتب خطّى كتابخانه هاى إصفهان، ج 1، ص 121.
2- .الذريعة، ج 4، ص 245؛ وج 25، ص 41.
3- .روضات الجنّات، ج 4، ص 194.
4- .رياض العلماء، ج 3، ص 110.
5- .فهرست نسخه هاى خطى مدرسه نمازى خوى، ص 194، الرقم 381.

ص: 29

في طريق التحقيق

كتابه شرح نهج البلاغة. أمّا ما ذكر في معجم المؤلّفين من أنّه توفّي في سنة (781ه) (1) فليس بصحيح، وكذلك ما ذكر في هديّة العارفين من أنّه فرغ من شرح نهج البلاغة سنة (876ه) (2) فهو تصحيف، والصحيح سنة (786ه) كما مرّ، وأمّا ما ذكر في الأعلام (3) من أنه توفّي نحو سنة (790ه) فهو استنباط من مؤلّفه، ولا يوجد في المصادر القديمة له أثر، ولعلّ اللَّه يُحدث بعد ذلك أمراً. (4) .

في طريق التحقيق اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ:1. مخطوطة مكتبة السيّد آية اللَّه المرعشي رحمه اللَّه عليه بقم ، المرقّمة 282. وهي بخطّ المؤلّف رحمه اللَّه عليه، وعلى هوامشها علامات التصحيح ، وتشاهد علامة تملّك عليّ بن الشيخ خليل في الصفحة (100) ، وقامت بطبعة هذه النسخة المدرسة المفتوحة في شيكاغو بتقديم السيّد محمّد حسين الجلالي في سنة 1423 ه ، في (264) صفحات ، وفي كلّ صفحة (21) سطراً. (5) ورمزنا لهذه النسخة ب «أ». 2. مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، المرقّمة 12216. نسخها حسام بن ناصر الدين بن محمّد العلوي ، و فرغ منها يوم الثلاثاء ، الثاني من شهر الصفر من شهور سنة 984ه . تقع في (146) أوراق، وفي كلّ ورقة (20) سطراً. (6) ورمزنا لها ب «ب». 3. مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران أيضاً، المرقّمة 12641. كاتبها مجهول ، وهكذا تأريخ الفراغ من الكتابة ، لكن تشاهد علامة تملّك محمّد

.


1- .معجم المؤلّفين، ج 5، ص 167.
2- .هدية العارفين، ج 1، ص 528.
3- .الأعلام للزركلي، ج 3، ص 330.
4- .لقد كتب المقدّمة إلى هنا المحقّق الفاضل الشيخ عليّ الصدرائي الخوئي و ساعده المحقّق الشيخ حميد الأحمدي الجلفائي.
5- .الفهرست للمكتبة ، ج 1 ، ص 309.
6- .الفهرست للمكتبة ، ج 35 ، ص 210.

ص: 30

شفيع بن محمّد عليّ الإسترآبادي مع خاتمه البيضوي بسجع «يا شفيع المذنبين» في انتهاء النسخة بتأريخ 1068ه . تقع في (79) أوراق ، وفي كلّ ورقة (26) سطراً. (1) ورمزنا لها ب «ج». هذا ، وقد نعبّر عند تطابق النسخ الثلاث عنها بكلمة «المختصر» ، وعن مؤلّف هذا الكتاب - و هو عبد الرحمن بن العتائقي - ب «المؤلّف». وقد راجعنا أيضاً عند الضرورة في خصوص بعض الكلمات والعبارات إلى الأصل، وهو تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي رحمه اللَّه عليه، واعتمدنا في ذلك على عدّة نسخ، أهمّها هي: 1. مخطوطة من مكتبة مؤسّسة إحياء التراث الإسلامي بقم ، بالرمز «ص». 2. نسخة مصوّرة من مكتبة الروضة الرضويّة بمشهد، الموجود في مؤسّسة إحياء التراث الإسلامي بقم ، بالرمز «ق». 3. النسخة المطبوع في النجف الأشرف، سنة 1386 ه، بتحقيق السيّد طيّب الجزائري، في مجلّدين، بالرمز «ط». 4. نسخة من مكتبة كاشف الغطاء في النجف الأشرف ، بالرمز «ك». 5. نسخة مصورة من مكتبة آية اللَّه الحكيم، في النجف الأشرف ، بالرمز «ح». وعند تطابق النسخ نعبّر عنها بكلمة «الأصل». ونعبّر عن مؤلّف تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ب «المصنّف». هذا، والجدير بالذكر: أنّا قد لاحظنا من خلال العمل أنّ المعتمد عند المعلّق كانت نسخة تفسير عليّ بن إبراهيم الأصليّة، التي لم يضف إليها زيادات أبي الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم - راوي التفسير - وقد يكون قد اعتمد على النسخة المزيدة لكنّه أهمل الزيادات، حيث أنّا لم نقف على تعليق له يرتبط بزيادات أبي الفضل العبّاس بن محمّد، واللَّه العالم. ويمكن أن يستظهر ذلك من تفسير الآية (54) من سورة يونس (10) قوله تعالى:

.


1- .الفهرست للمكتبة ، ج 36 ، ص 204.

ص: 31

«وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» ، فقد روى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سئل عن قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» قال: «قيل لرسول اللَّه: ما ينفعهم إسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال: كرهوا شماتة الأعداء ». (1) وهذا هو الصحيح المنقول عن القمّي في تفسيره، على ما نقله العلّامة المجلسي في البحار (2) والشيخ الطوسي في التبيان، (3) حيث قال: «وروي أنّه قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما يغنيهم إسرار الندامة وهم في النار؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء». ثمّ قال: وروي مثله عن أبي عبد اللَّه عليه السلام. انتهى. وهذا يدلّ على أنّ المثبت في نسخة الأصل كانت الرواية عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد نقلوا قوله: «كرهوا شماتة الأعداء » عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ولكن الموجود في المطبوعة والنسخ المخطوطة المتوفّرة من الأصل، ورواه البحراني في البرهان، (4) عن تفسير القمّي، هو النصّ التالي: «حدّثني أبي، عن محمّد بن جعفر، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن صالح بن أبي عمّار، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن رجل، عن حمّاد بن عيسى، عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سئل عن قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» قال: قيل له: ما ينفعهم إسرار الندامة وهم في العذاب ؟ قال: «كرهوا شماتة الأعداء » . وهذا يؤيّد أنّ المؤلّف قد اعتمد على نسخة الأصل في التلخيص. هذا، والظاهر أنّ عبارات التعليق كانت قد كتبت على هامش التلخيص، ولذا حاول كلّ ناسخ أن يكتبها في الموضع الذي رآه أنسب بنظره، ومن هنا اختلفت النسخ في إيراد التعليقات بين السطور، وقد صرح ناسخ «ج» بهذا الأمر في هامش الصفحة 66، فقال: «الأسطر الثلاثة كانت على الحاشية». والنسخة التي كاتب هو يعدّه مختلف عمّا في أيدينا من جهات اُخرى، مثل ما ثبت فيها من أنّ وصيّ موسى هو شمعون، كما علّق عليه ابن العتائقي بقوله: «إنّما وصيّه

.


1- .تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 313.
2- .بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 294.
3- .التبيان ، ج 5 ، ص 393.
4- .البرهان ، ج 3 ، ص 34.

ص: 32

يوشع لا شمعون؛ فإنّه وصيّ عسيى عليه السلام». راجع تفسير التعليق على تفسير الآية (60) من سورة الكهف (18). وأمّا نحن فقد انتخبنا موضعها على أساس أفضل اختيار من بين النسخ، فلاحظ. عملنا في الكتاب: إنّ أساس عملنا في هذا الكتاب يدور حول المحاور التالية: 1. تحقيق الكتاب على أساس التلفيق بين النسخ، وذلك لعدم الحصول على نسخة الأصل، وأن جميع النسخ لم تخل من نقص أو تصحيف أو سقط، وإن كانت النسخة «أ» أقلّها خطأً، والظاهر ان النسخة الثانية «ب» مستنسخة من الاُولى «أ»؛ لتشابه موارد النقص في النسختين، ووجود عبارات في النسخة «أ» سقطت من «ب». كما أنّ النسخة الثالثة «ج» مستنسخة من الثانية، لتشابه موارد النقص فيهما أيضاً، ووجود عبارات في النسخة «ب» سقطت من النسخة «ج». 2. مقارنة النصّ مع النسخة التي قمنا بتحقيقها من تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي. 3. جعلنا آيات القرآن الكريم بين قوسين = ()، وذكرنا اسم السورة، ثمّ رقم الآية في الهامش. 4. جعلنا الأحاديث الشريفة بين قوسين = « ». 5. جعلنا الزيادات على الأصل المخطوط بين المعقوفتين = [ ]. 6 . شرحنا الغريب من الكلمات الواردة في الأحاديث والنصوص. 7. لم نخرّج الأشعار تخريجاً كاملاً، وإنّما نشير إلى الدواوين إن كان للشاعر ديوان، ولم نذكر اختلاف الروايات في الشعر. 8 . ونأمل أن نوفّق إلى إعداد فهارس عامّة. واللَّه من وراء القصد. محمّد جواد الحسينى الجلالي

.

ص: 33

نماذج مصوّرة من النسخ المخطوطةM2322_T1_File_1335147

صورة الصفحة الأُولى من النسخة «الف» .

ص: 34

M2322_T1_File_1335149

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «الف» .

ص: 35

M2322_T1_File_1335151

صورة الصفحة الأُولى من النسخة «ب» .

ص: 36

M2322_T1_File_1335153

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «ب» .

ص: 37

M2322_T1_File_1335155

صورة الصفحة الأُولى من النسخة «ج» .

ص: 38

M2322_T1_File_1335157

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «ج» .

ص: 39

مختصر تفسير القمّي .

ص: 40

. .

ص: 41

مقدّمة المؤلّف

مقدّمة المؤلّف بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسّرالحمد للَّه ربّ العالمين، وصلواته على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين. وبعد، فإنّي وقفت على كتاب الاُستاد الفاضل عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي - رضي اللَّه تعالى عنه وأرضاه - فوجدته كتاباً ضخماً قابلاً للاختصار، فأحببتُ أن أختصره بإسقاط الأسانيد والمكرّرات، وحذف بعض لفظ القرآن الكريم لشهرته، إلّا ما لا بدّ منه، وبحذف ما فائدته قليلة، وربما اُضيف إلى الكتاب ما يليق به. وكلّ إسناد عن إمام من الأئمّة عليهم السلام قد أرمزه لأوّل لقبه، فالباقر عليه السلام (ب)، والصادق عليه السلام (ص)، وهكذا باقي الأئمّة عليهم السلام. (1) ونسأل اللَّه الهداية والتوفيق والعصمة والتحقيق. (2)

.


1- .نظراً إلى أن المؤلّف لم يلتزم بالرموز إلّا في بعض موارد الكتاب، وتوحيداً للمطالب الواردة في الكتاب، فقد حوّلنا الرموز إلى العبارات الصريحة، فلاحظ.
2- .كذا في النسخة.

ص: 42

الجزء الأوّل

فاتحة الكتاب

[الجزء الأوّل]فاتحة الكتاب[مدنيّة (1) ، وهي سبع آيات][ 1 ] تفسير «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» . [عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن تفسير «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فقال:] (2)«الباء: بهاء اللَّه، والسين: سناء اللَّه، والميم: ملك اللَّه، واللَّه: إله كلّ شي ء ومآله إليه، والرحمن: بجميع خلقه، والرحيم: بالمؤمنين خاصّة» (3) . وقال: «معنى الألف[ من] (4) اللَّه: الآلآء على خلقه، وهي النعم بولايتنا؛ والهاء: هوان لمن خالف محمّداً وآله». وقال: «البسملة أوّل آية من فاتحة الكتاب». أقول: وبه قال الشافعي، وقال باقي الفقهاء: أنّهاليست بآية. (5) وقال ابن عبّاس: «من تركها فقد ترك مئة وأربع وعشرين (6) آية من كتاب اللَّه (7) ، وهي أحقّ ما جهر بها في الصلاة (8) ، وهي الآية التي قال اللَّه: «وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً» (9)، وذلك أنّ قريشاً كانت تستمع لقراءة النبي صلى اللَّه عليه وآله، فإذا قرأها نفروا 10

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 101 - 102، عن تفسير القمّي في ذيل الآية بجميع الأسانيد المذكورة، ورواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 89، ح 2، مع اختلاف.
3- .الزيادة اقتضاها السياق.
4- .اشار إلى ذلك المباركفوري في تحفة الأحوذي، ج 8، ص 162، وفيه: «... فهي إمّا ليست بآية منها كمذهب أبي حنيفة ومالك والأكثرين، وإمّا ليست بآية تامّة، بل هي جزء من الآية الاُولى كروايةٍ في مذهب الشافعي».
5- .كذا في النسخة، والصحيح: «وعشر».
6- .يعني في كلّ القرآن الكريم.
7- .في تفسير القمّي في ذيل الآية.
8- .الإسراء (17): 46، وإلى هنا رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 97، عن تفسير القمّي.
9- .روى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 20، ح 6.

ص: 43

وقالوا: يدعونا محمّد إلى رجل باليمامة». (1) [ 2 ] قوله: «اَلْحَمْدُ لِلّهِ» قال: «الشكر للَّه». (2)«رَبِّ الْعالَمِينَ» : ربّ المخلوقين. (3) . [ 4 ] «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» : يوم الحساب، لقوله تعالى : «هذَا يَوْمُ الدِّينِ» (4). (5) وقرأ الصادق عليه السلام: «(صِرَاطَ من (6) أَ نْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآ لِّينَ)». (7) [ 6 ]قال: «و «الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» : هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته. ودليله قوله تعالى يعنيه: «وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» (8)». (9) [ 7 ] و «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» : اليهود والنصارى. و «الضَّآ لِّينَ» : الشاكيّن الذين لا يعرفون الإمام. (10) ووصف «الصِّرَاطَ» فقال: «ألف سنة صعود، وألف سنة هبوط، [ وألف سنة حدال ] (11) .

.


1- .روى نحوه العلّامة المجلسي في بحار الانوار، ج 18، ص 186، ح 16.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي. وروى معناه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 203، ح 927 وفي الحديث 928.
3- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي. والصدوق في الفقيه، ج 1، ص 203، ح 927.
4- .الصّافّات (37): 20.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي.
6- .في «ب»: «من الذين».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 22، ح 17 و ج 24، ح 27، عن معاوية بن وهب.
8- .الزخرف (43): 4.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 24، ح 25.
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 108، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 24، ح 28.
11- .ما بين المعقوفتين من الأصل، ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي. ووردت الكلمة في «ص»: «خدال»، وفي «ق»: «جدالة»، والحدال - بضم الحاء - : مشي في ميل إلى أحد الجانبين. المعجم الوسيط، ج 1، ص 61 (حدل).

ص: 44

فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، ومنهم من يمرّ عليه مثل الطير، ومنهم من يمرّ مثل الفرس، ومنهم من يمشي مشياً، و [ منهم من يمرّ عليه حبواً (1)] (2) ، فتأخذه النار». (3)

.


1- .حبا الصبي حبوا: إذا زحف على يديه وبطنه. انظر الصحاح، ج 6، ص 2307 (حبا).
2- .ما بين المعقوفتين غير مقروء في «ب»، وأخذناه من الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 107، عن تفسير القمّي بلفظ: «عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن «الصِّرَاطَ» ؟، فقال: «هو أدقّ من الشعر، وأحدّ من السيف. فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، ومنهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمرّ عليه ماشياً، ومنهم من يمرّ عليه حبواً، ومنهم من يمرّ عليه». وروى معناه الصدوق في معاني الأخبار، ص 32، ح 1.

ص: 45

سورة البقرة (2)

سورة البقرة (2)[وهي مائتان وستّ وثمانون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «الم» ، عن الباقر عليه السلام: «وكلّ أحرف في القرآن متقطّعة من حروف اسم اللَّه الأعظم، الذي يؤلّفه (1) الرسول صلى اللَّه عليه وآله أو الإمام، فإنّه يدعُو به فيجاب». (2) [ 2 ]قوله: ««ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ» ، فقال: «أمير المؤمنين». «هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» قال: «بيان لشيعتنا». [ 3 ]«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» وهو البعث والنشور وقيام القائم والرجعة. (3)«وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» ، قال: «ممّا علّمناهم (4) من القرآن يتلون». (5) ورواية اُخرى: ««ذلِكَ الْكِتَابُ» يعني: القرآن، والريب: الشكّ، والهدى: البيان، ويؤمنون: يصدّقون». [ 6 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» ، عن الصادق عليه السلام قال: «الكفر في كتاب اللَّه على خمسة

.


1- .كذا في «ص» و «ق». والعبارة في «ط» والبرهان هكذا: «الذي خوطب به...».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 123، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الصدوق في معاني الأخبار، ص 23، ح 2.
3- .و روى معناه في تفسير الإمام العسكري عليه السلام، ص 67، ح 34.
4- .في هامش «ص» في نسخة: «أعلمناهم».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 124، عن تفسير القمّي. وروى معناه الصدوق في معاني الأخبار، ص 23، ح 2.

ص: 46

وجوه: كفر الجحود (1) ، وهو على وجهين: جحود [ بعلم، وجحود ] (2) بغير علم. فالأوّل، فهم الذين حكى (3) اللَّه عنهم [ في قوله: ] (4)«وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فلعنة اللَّه على الكافرين» (5) وهم اليهود والنصارى؛ لأنّه تعالى أنزل عليهم خبر الرسول ومولده ومخرجه ومهاجرته وصفته وصفة أصحابه بقوله: «مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً» (6) فكانوا يقولون للعرب: هذا أوان (7) نبيّ يخرج، يكون مخرجه بمكّة، ومهاجرته بيثرب (8) ، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوّة، وهو الضحوك القتّال، يلبس الشملة، ويجتزي بالكسرة والتمرات، ويركب الحمار العريّ (9) ، ويخصف نعله، ويضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى، يبلغ (10) سلطانه منقطع الخفّ والحافر، وليقتلنّكم - يا مشعر العرب - قتل عاد [ فلمّا بعث اللَّه نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به، كما قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ» ] (11) . (12) والثاني: هم الذين جحدوا بغير علم، فهم الذين حكى 13 اللَّه عنهم: «وَقَالُوا مَا هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا» إلى قوله: «وَمَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ» 14 . والوجه الثالث من الكفر: كفر البراءة، وهو قوله: «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ» 15 يعني: يبرأ بعضكم من بعض.

.


1- .في «ط»: «بجحود».
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .كذا في «ص». وفي «ق» و «ط»: «حكاه».
4- .البقرة (2): 89.
5- .الفتح (48): 29.
6- .أي وقت وزمان.
7- .كذا في «ص». و في «ق»: «مهاجرته بالمدينة». وفي «ط»: «هجرته بالمدينة».
8- .كذا في «ص». و في «ق»: «العرية». وفي «ط»: «عرية». أي عارياً بلا سرج.
9- .كذا في «ط» و «ق». وفي «ص»: «فيبلغ».
10- .روى في الكافي، 8، ص 308، ح 481؛ تفسير العيّاشى، ج 1، ص 49، ح 69 و 70.
11- .الجاثية (45): 24.
12- .العنكبوت (29): 25.

ص: 47

والوجه الرابع: كفر الترك (1) لأمر اللَّه، وهو قوله: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ» (2) اي من ترك الحجّ فقد كفر، إذا كان مستطيعاً. والاستطاعة: قوّة في البدن والزاد والراحلة. والخامس: كفر النعم، وهو قوله: «لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ» (3)الآية» . (4) [ 8 ] قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا»... الآية، فإنّها نزلت في قوم منافقين. [ 15]وقوله: «يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» (5). والاستهزاء من اللَّه هو العذاب. «وَيَمُدُّهُمْ» أي يذرهم. و «يَعْمَهُونَ»: يتحيّرون. (6) [ 18 ] قوله: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ»، قال: «الصمّ: الذي لا يسمع، والبكم: الذي يولد من اُمّه أعمى، والعمي: الذي يكون بصيراً ثمّ يعمى». (7) أقول: البُكم هم الخُرس، والبَكَم: الخَرَس. [ 19 - 20 ] قوله: «أَوْ كَصَيِّبٍ» يعني: كمطر، و «يَخْطَفُ»: يعمي (8) . [ 22 ] قوله: «أَنْدَاداً» أي: شركاء. أقول: النِّدّ - لغة - : هو المِثل. [ 24 ] قوله: «وَ قُودُهَا النَّاسُ» يعني: حطبها. [ 25 ] و «وَ بَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا» أي: صدّقوا. قوله: «أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ»: اللاتي لا يحضن ولا يحدثن. (9) [ 26 ] قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَسْتَحْيِى» الآية، عن الصادق عليه السلام: «إنّ هذا مثل ضربه اللّه

.


1- .في «ط»: «الشرك».
2- .آل عمران (3): 97.
3- .النمل (27): 40.
4- .روى نحوه في الكافي، ج 2، ص 387 - 389.
5- .البقرة (2): 15. وإلى هنا رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 136، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 146، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 149، عن تفسير القمّي.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 151، عن تفسير القمّي.
9- .رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 50، ح 195.

ص: 48

لأمير المؤمنين عليه السلام، فالبعوضة: أمير المؤمنين عليه السلام، يعني ولاية أمير المؤمنين «فَمَا فَوْقَهَا»: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (1) ، والدليل على ذلك قوله: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا»... الآية، أي أنكروا سنّته وولايته». [ 27 ]وقوله: «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» من ولايه أمير المؤمنين والأئمّة (2) . [ 28 ] وقوله: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً» أي نطفة ميتة «فَأَحْيَاكُمْ» أي أجرى فيكم الروح، «ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» في القيامة. (3) والحياة في كتاب اللَّه عزّ وجلّ على وجوه؛ فمنه الحياة، وهي ابتداء خلق الإنسان (4) في قوله: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ» (5)». (6) وباب آخر من الحياة، وهو دخول الجنّة، وهو قوله تعالى: «إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ» (7)يعني الجنّة، دليله قوله: «وَ إِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ» (8)يعني: الجنّة. [ 34 ] قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أبى»، عن الصادق عليه السلام: «إنّ إبليس كان مع (9) الملائكة في السماء يعبد اللَّه، وكانت الملائكة تظنّ أنّه منهم، فلمّا خلق اللَّه آدم وأمر اللَّه الملائكة أن يسجدوا له، وقع الأمر على إبليس أيضاً من قبل الولاء، وكلّ من والى قوماً وإن لم يكن من جنسهم فهو منسوب إليهم، دليله قوله: «يَامَعْشَرَ الْجِنِّ» (10)... الآية. والإنس بخلاف الجنّ، ولكنّهم والوهم، فكانوا منهم. وإنّما

.


1- .للمزيد عن معنى الرواية راجع تفسير الإمام العسكري عليه السلام، ص 83 و مجمع البيان، ج 1، ص 165.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 158، عن تفسير القمّي.
3- .كذا رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 158، عن تفسير القمّي. والعبارة في النسخ هكذا: «ثمّ يحييكم في القيامة ثمّ إليه ترجعون». راجع أيضاً تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 210، ح 97.
4- .في «ص» زيادة: «وإحياؤها».
5- .الحجر (15): 29.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 162، عن تفسير القمّي.
7- .الأنفال (8): 24.
8- .العنكبوت (29): 64.
9- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «من».
10- .الأنعام (6): 128: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ».

ص: 49

أبى أن يسجد له حسداً؛ لأنّه قد ركّب فيه الحرص والحسد والغضب والشهوة، وليست خلقة الملائكة على هذا. واُصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد. أمّا الحرص، فآدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص (1) على الأكل منها؛ وأمّا الاستكبار، فإبليس حين أمر بالسجود فأبى؛ (2) وأمّا الحسد، فابنا آدم حين قتل أحدهما صاحبه». (3) وعن الصادق عليه السلام: «إنّ إبليس لمّا أمره اللَّه بالسجود لآدم قال: يا ربّ اعفني من السجود لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. فقال اللَّه تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك، وإنّما اُريد أن اُعبد من حيث اُريد، لا من حيث تُريد». (4) فأبى أن يسجد، فقال له (5) اللَّه تبارك وتعالى: «فاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» (6). قال (7) إبليس: فكيف - ياربّ - وأنت العدل الذي لا تجور ولا تظلم (8) ؟ فثواب عملي بطل؟ قال: لا، سلني من الدنيا (9) ما شئت، أعطك ثواباً لعملك. (10) فأوّل ما سأل: البقاء إلى يوم الدين، فقال: «أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (11).

.


1- .كذا في «ب». وفي «أ» و «ج»: «حرصه».
2- .وردت العبارة في تفسير القمّي هكذا: «والاستكبار هو أوّل معصية عصي اللَّه بها، قال: فقال إبليس لمّا أمره اللَّه بالسجود لآدم قال: يا ربّ اعفني من السجود...».
3- .معناه في الكافي، ج 2، ص 239، ح 8.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 174، عن تفسير القمّي.
5- .لم ترد «له» في الأصل.
6- .سورة ص (38): 77 - 78. ومثله في سورة الحجر (15): 34 - 35.
7- .في «ق» و «ط»: «فقال».
8- .لم ترد «ولاتظلم» في «ط».
9- .كذا في «ب». وفي «أ» «ج»: «اسألني من الدنيا». وفي الأصل: «اسألني من أمر الدنيا».
10- .في «ص»: «فأعطيتك». وفي «ق»: «اعطيك» والعبارة في «ط» هكذا: «قال: لا، ولكن اسأل من أمر الدنيا ما شئت؛ ثواباً لعملك فأعطيتك».
11- .الأعراف (7): 14، ولم ترد الآية في «ط».

ص: 50

قال: أنظرتك. (1) أقول: فيه نظر؛ لأنّ ثوابه بارتداده بطل، وما حكمه (2) حكم الأمر الأصلي. قال: سلّطني على ولد آدم، قال: قد (3) سلّطتك. قال: اجرني فيهم (4) مجرى (5) الدم في العروق، قال: قد أجريتك. قال: ولا يولد لهم ولد واحد (6) إلّا يولد لي ولدان (7) . قال (8) : وأراهم ولا يروني، وأتصوّر لهم في أيّ صورة شئت. قال له: قد أعطيتك ذلك (9) كلّه. قال: يا ربّ زدني. قال: قد جعلت لك ولولدك (10) في صدورهم (11) أوطاناً. قال: ربّ حسبي. أقول: يجب التأمّل هنا حقّ التأمل. ثمّ قال (12) : «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»](13) . وإنّما استوجب إبليس من اللَّه أن أعطاه ما أعطاه، لركعتين ركعهما في السماء أربعة ألف سنة.

.


1- .كذا العبارة في «المختصر». وفي «ص» والبرهان ، بدل «فقال انظرني...إلى آخره» ما يلي: «فقال: قد أعطيتك».
2- .كذا. ولعلّ في العبارة سقط، فتأمّل.
3- .من «ط»، ولم ترد «قد» في «ص» و «ق» والبرهان.
4- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «منهم».
5- .في البرهان: «كمجرى».
6- .في المختصر زيادة: «واحد».
7- .كذا في المختصر. وفي «ص» والبرهان: «ولا يولد لهم ولد إلّا ويولد لي اثنان». ولم ترد عبارة «ولا يولد لهم ولد الاّ ويولد لي ولدان» في «ط».
8- .لم ترد «قال» في «ب» والبرهان.
9- .لم ترد «ذلك» في «ص» و «ق». ولم ترد «ذلك كلّه» في «ط» والبرهان.
10- .لم ترد «ولولدك» في «ط».
11- .العبارة في البرهان، هكذا: «لك ولذرّيّتك صدورهم».
12- .كذا في المختصر، وفي الأصل بدله: «قال إبليس عند ذلك».
13- .ص (38): 82 و 83؛ الأعراف (7): 17. وما بين المعقوفتين من الأصل، ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 170 - 174، عن تفسير القمّي.

ص: 51

قال: «ولمّا (1) أعطى اللَّه إبليس ما أعطاه من القوّة، قال آدم: يا ربّ سلّطت عليّ إبليس وعلى ذرّيّتي يجري فيهم مجرى الدم في العروق، وأعطيته ما أعطيته، فما لي وولدي ؟ فقال: لك ولولدك السيّئة بواحدة، والحسنة بعشرة أمثالها (2) . قال: يا ربّ (3) زدني. قال: التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ (4) النفس الحلقوم. فقال: ربّ زدني، قال: أغفر ولا اُبالي. قال: حسبي». (5) [ 30 ] قال (6) : «ولمّا قال اللَّه للملائكة: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً» (7)غضبت الملائكة، وقالت: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا» كما أفسدت (8) بنو الجانّ، ويسفكون الدماء كما سفكت (9) بنو الجانّ، ويتحاسدون ويتباغضون، كما فعلت بنو الجانّ؟ إجعل ذلك منّا؛ فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء، و «نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ». أقول: إنّ الملائكة معصومون، وقوله: «أَتَجْعَلُ فِيهَا» هذا استفهام، وليس بإنكار، فليتأمّل ذلك، والملائكة ليس فيهم قوّة الغضب والشهوة؛ لأنّهم مجبولون على الخير فقط. فقَالَ: «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» فباعدهم اللَّه من العرش مسيرة خمسمائة عام، فبكوا وتضرّعوا وأشاروا بالأصابع، ولاذوا بالعرش، فنظر اللَّه إليهم ورحمهم، ووضع لهم البيت المعمور (10) الذي يسمّى: «الضراح»، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، ولا

.


1- .في الأصل زيادة: «قال: وحدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: ولمّا...».
2- .ورد مضمون ذلك في سورة الأنعام (6): 160.
3- .في البرهان: «ربّ».
4- .في «ط»: «إلى حين».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 174، عن تفسير القمّي. وهذا آخر الصفحة (37) في «أ».
6- .هنا أوّل الصفحة (72) في مختصر تفسير القمّي لابن العتائقي من النسخة «أ».
7- .البقرة (2): 30.
8- .في «ط»: «أفسد». وفي البرهان: «فسد».
9- .في «ط» والبرهان: «سفك».
10- .قال الطريحي رحمه اللَّه عليه: قيل: هو في السماء حيال الكعبة، ضجّ من الغرق، فرفعه اللَّه إلى السماء، وبقي اُسّه، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه. والمعمور: المأهول، وعمرانه: كثرة غاشية من الملائكة. مجمع البحرين، ج 3، ص 412 (عمر).

ص: 52

يعودون إليه إلى يوم القيامة، فقال اللَّه تعالى لهم: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش؛ فإنّه لي رضاً، فطافوا به، فوضع اللَّه البيت المعمور في السماء الرابعة توبة لأهل السماء [ وهو بحذاء الكعبة، ووضع الكعبة ] (1) توبة لأهل الأرض. وسئل الصادق عليه السلام: هل الملائكة أكثر، أم بنو آدم؟ فقال: «والذي نفسي بيده، لملائكة اللَّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلّا وفيه ملك يسبّحه ويقدّسه، ولا في الأرض شجرة ولاعودة إلّا وفيها ملك موكّل بها، يأتي اللَّه كلّ يوم بعملها، واللَّه أعلم بها، وما منهم واحد إلّا ويتقرّب إلى اللَّه كلّ يوم بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبّينا، ويلعن أعداءَنا، ويسألون اللَّه أن يرسل عليهم العذاب إرسالاً». ثمّ نظر إلى المقابر، فقال: «يا حمّاد، هذه كفات الأموات» ، ونظر إلى البيوت فقال: «وهذه كفات الأحياء» ، ثمّ تلا: «أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً» (2)». (3) قال: فلمّا (4) أسكن اللَّه آدم الجنّة فجاءه إبليس، فقال لهما: ما نهاكما اللَّه عن هذه الشجرة إلّا أن لا تكونا ملكين ولا تكونا من الخالدين، فإنّكما إن أكلتما من هذه الشجرة لم تخرجا من الجنّة أبداً، وحلف لهما أنّه لهما ناصح [كما قال اللَّه تعالى حكاية عنه: «وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ» (5) فقبل آدم عليه السلام قوله، فأكلا من الشجرة] (6) . وروي أنّه قال لهما: من سبق منكما إلى أكل الشجرة فُضّل على صاحبه. فسبقت حوّاء، فأخذت ثماني عشرة حبّة، فناولت آدم اثنى عشرة حبّة، وأكلت هي ستّ حبّات، فجرى ذلك في ولدهما في الميراث، وتأوّهت حوّاء حين سقط عنها ثيابها، فجرى

.


1- .ما بين المعقوفتين من «أ».
2- .المرسلات (77): 25 - 26.
3- .رواه محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات، ص 88، ح 9، ورواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 24، ص 210، ح 7 و 56، ص 176، ح 7 و 65، ص 78، ح 139 عن تفسير القمّي.
4- .لم ترد «فلمّا» في «ق» و «ط».
5- .الأعراف (7): 20 - 21.
6- .مابين المعقوفتين من تفسير القمّي.

ص: 53

ذلك في النساء (1) [وكان (2) كما حكى اللَّه: «بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا» (3) وسقط عنهما ما ألبسهما اللَّه من لباس الجنّة، وأقبلا يستتران بورق الجنّة ] (4) «وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ» (5)فقالا: «رَبَّنَا ظَلَمْنَا»... الآية. (6) [ 36 ] قوله: «إِلَى حِينٍ» أي: إلى يوم القيامة. (7) قال (8) العالم: «فهبط آدم على الصفا، وحوّاء على المروة. فبقي آدم أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة، وخروجه من جوار ربّه. (9) ثمّ نزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: يا آدم، ألم يخلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته؟ قال: بلى. قال: [ وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ] (10) فلم عصيته؟ قال: إنّ إبليس حلف لي باللَّه أنّه لي ناصح، وما ظننت أنّ خلقاً يحلف باللَّه كاذباً». (11) قال العالم: «إنّ موسى بن عمران عليه السلام سأل اللَّه أن يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع، فقال: يا آدم، ألم يخلقك اللَّه بيده؟ قال: بلى. قال: فأمرك أن لا تقرب الشجرة، فلم عصيته ؟ فقال: يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال: بثلاثين [ألف ] 12 سنة. 13

.


1- .كذا في «ج». وفي «أ»: «فجرى ذلك: آه».
2- .في «ط» والبرهان: «فكان».
3- .الأعراف (7): 23، وطه (20): 121.
4- .مابين المعقوفتين من الأصل.
5- .الأعراف (7): 22.
6- .الأعراف (7): 23.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 180 - 181، عن تفسير القمّي.
8- .لم ترد «قال» في «ط».
9- .من هنا إلى قوله: «من جوار ربّه» الآتي في الصفحة التالية سقط من «ب».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 181، عن تفسير القمّي.
11- .في «ط» زيادة: «قبل أن خلق آدم».

ص: 54

قال: فهو ذاك (1) ». قال الصادق عليه السلام: «فحجّ (2) آدم موسى عليهما السلام». (3) أقول: في هذا الكلام نظر؛ لأنّ الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً، قبل النبوّة وبعدها، وإنّ لظواهر ما يأتي بخلاف ذلك تأويلاً قد ذكره العلماء، وللسيّد المرتضى كتاب سمّاه «تنزيه الأنبياء» في هذا المعنى (4) ، والعلم لا يؤثّر في المعلوم، ولا يحسن من موسى مواقفة آدم عليهما السلام؛ فتأمّل ذلك. [ 37 ] قوله: «فَتَلَقَّى آدَمُ»...الآية، قال العالم: «لمّا بقي آدم عليه السلام أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة، وخروجه من جوار ربّه (5) ، ونزل جبرئيل عليه السلام، وقال: مالك تبكي؟ تب إليه. فقال: أنّى لي بالتوبة؟ فأنزل اللَّه عليه قبّة من نور في (6) موضع البيت، فسطع نورها في جبال مكّة، فهو (7) الحرم، وأمر اللَّه جبرئيل عليه السلام أن يضع عليه الأعلام، وقال لآدم: قم يا آدم واخرج، فخرج به يوم التروية، وأمره بأن يغتسل ويحرم. ويقال: إنّه اُخرج من الجنّة أوّل يوم من ذي القعدة، فلمّا كان يوم الثامن من ذي الحجّة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى، فبات بها، فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات [ وقد كان علّمه - حين أخرجه من مكّة - الإحرام، وأمره بالتلبية ] (8) ، فلمّا زالت الشمس يوم عرفة، قطع التلبية، وأمره أن يغتسل، فلمّا صلّى العصر وقّفه (9) بعرفات، وعلّمه الكلمات التي تلقّاها (10) من ربّه (11) وهي: «سبحانك اللهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت خير الغافرين، لا إله إلّا

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 181، عن تفسير القمّي.
2- .في «ط» والبرهان: «هو ذلك».
3- .حجّه: غلبه بالحجّة. الصحاح، ج 1، ص 304 (حجج).
4- .راجع ما أفاده السيّد الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء، ص 24 - 28.
5- .إلى هنا من «أ» فقط، وهنا أوّل الموجود من «ج».
6- .في «ط»: «فيه».
7- .في «ص»: «وهو».
8- .ما بين المعقوفتين سقط من «ب»، وفي «ط»: «وعلّمه التلبية».
9- .في «ص» و «ط»: «أوقفه».
10- .في «أ»: «تلقى بها».
11- .في «ص» و «ق»: «تلقّى بها ربّه».

ص: 55

أنت، سبحانك وبحمدك عملت سوءاً [وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم، سبحانك اللهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك خير الغافرين، سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً] (1) وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك أنت التوّاب الرحيم». فبقي آدم (2) إلى أن غابت الشمس رافعاً يديه إلى السماء، يتضرّع ويبكي إلى اللَّه (3) ، فلمّا غربت الشمس ردّه إلى المشعر، فبات به (4) ، فلمّا أصبح قام على المشعر فدعا اللَّه وتاب إليه بالكلمات (5) ، ثمّ أفاض إلى (6) منى، وأمره جبرئيل أن يحلق الشعر الذي عليه، فحلقه (7) . ثمّ ردّه إلى مكّة، فطاف بالبيت اُسبوعاً، ابتدأ من الركن الذي فيه الحجر، وكلّما صار في المستجار أمره جبريل أن يعيد الكلمات ويلصق بطنه بالبيت. فلمّا طاف سبعة أشواط، وصلّى في المقام ركعتين، أخرجه إلى الصفا، وأمره أن يقف عليها ويحمد اللَّه ويتوب إليه، فلمّا نزل من الصفا عرض له إبليس تعمّداً في طلبه إلى موضع السعي، فغاب عنه، فأمره جبريل أن يقف على المروة، فيحمد اللَّه ويسبحه ويهلّله ويتوب إليه، ففعل ذلك سبع مرات، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. فلمّا فرغ قال له جبريل: قد تاب اللَّه عليك يا آدم، وبقي عليك طواف آخر لتحلّ لك زوجتك، فطاف سبعة أشواط وصلّى عند باب الكعبة ركعتين في أوّل الطواف، وفي الطواف الثاني، ثمّ قال له: قد حلّت لك زوجتك». (8)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كلمة «آدم» من البرهان.
3- .عبارة «إلى اللَّه» من البرهان.
4- .كذا في «ج». وفي «ص»: «فبات بها».
5- .في البرهان العبارة هكذا: «فدعا اللَّه تعالى بكلمات وتاب عليه».
6- .العبارة في «ط» هكذا: «فدعا اللَّه تعالى بكلمات، وتاب إليه، ثمّ أفضى إلى...». وفي البرهان هكذا: «فدعا اللَّه بكلمات، وتاب عليه، ثمّ أفاض إلى...».
7- .في البرهان: «فحلق».
8- .وردت العبارة في البرهان هكذا: «ثمّ ردّه إلى مكّة فأتى به إلى الجمرة الأولى، فعرض له إبليس عندها، فقال: يا آدم، أين تريد؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات، و أن يكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة، ففعل ثمّ ذهب، فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية، فأمره أن يرميه بسبع حصيات، فرمى وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة، ثمّ ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة، فأمره أن يرميه بسبع حصيات ويكبّر عند كلّ حصاة، فرمى وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة، فذهب إبليس لعنه اللَّه. وقال له جبرئيل: إنّك لن تراه بعد هذا اليوم أبداً، فانطلق به إلى البيت الحرام، وأمره أن يطوف به سبع مرّات، ففعل. فقال له: إنّ اللَّه قد قبّل توبتك، و حلّت لك زوجتك». (البرهان، ج 1، ص 10 عن تفسير القمّي).

ص: 56

وعن مقاتل بن سليمان، قال: سألت ابا عبداللَّه عليه السلام: كم كان طول آدم وحوّاء حين أهبطا إلى الأرض؟ قال: «وجدنا في كتاب عليّ: أنّ آدم حين أهبطه اللَّه إلى الأرض كانت رجلاه على ثنية الصفا، ورأسه دون اُفق السماء، وأنّه شكا إلى اللَّه ما يصيبه من حرّ الشمس (1) [فأوحى اللَّه إلى جبريل: إنّ آدم شكاني حرّ الشمس] (2) فأته فأغمزة غمزة، فأتاه فغمزه غمزة، فصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه، وغمز حوّاء، فصيّر طولها خمس وثلاثين ذراعاً بذراعها». (3) [ 40 ] وقوله: «يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»... الآية، سأل (4) رجل الصادق عليه السلام: إنّ اللَّه يقول: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (5)وإنّا ندعو فلا نجاب (6) ؟ قال: «لأنّكم لا توفون بعهد اللَّه، إنّ اللَّه يقول: «أَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» واللَّه لو وفيتم للَّه لوفى لكم». (7) [ 44 ] وقوله: «أَتَأْمُرُونَ الْنَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»، قال: «هم الخطباء والقصّاص (8) ».

.


1- .إنّ ربط حرّ الشمس بطول آدم مثير للعجب؛ فإنّ مصدر الحرارة المنعكسة هي الأرض، لا الارتفاع والطول، والذي يوجب الشكّ في صحّة هذا الحديث إضافة على أنّه رواية مقاتل بن سليمان، أنّ القمّي لم يورد ذلك في الأصل.
2- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».
3- .روى نحوه في الكافي، ج 8، ص 233.
4- .في تفسير القمّي بدل «سأل» ما نصّه: «فإنّه حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال له رجل: جعلت فداك، إنّ اللَّه...».
5- .غافر (40): 60.
6- .في «ط»: «فلايستجاب لنا». وفي «ب» و «ج»: «فلا يجاب لنا».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 200، عن تفسير القمّي. (معناه في الكافي، ج 2، ص 352، ح 8).
8- .وردت الكلمة في «ب»: «القضاة». وفي هامش «ص» ما يلي: «هذه اللفظة كثيراً ما تطلق في أخبارنا على محدّثي العامّة؛ لأنّ أخبارهم كالقصص، لا أصل لها، ولا يتأثّرون بما ينقلونه كالقصص».

ص: 57

[ 45 ] وقوله: «وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ» يعني: الصوم (1)«وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا» يعني: الصلاة. (2) [ 46 ] وقوله: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ»، قال: «الظنّ على وجهين، فمنه ظنّ يقين (3) ، مثل هذا الموضع، ومنه شكّ لقوله تعالى: «إنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنّاً» (4)وقوله: «وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ»» (5) . [ 47 ] قوله: «فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» أي: عالمي زمانهم بأشياء، مثل: العصا، وفلق البحر، والحجر الذي انفجر منه الماء، وما أنزل عليهم من المنّ والسلوى، وما أظلّ عليهم من الغمام . [ 48 ] قوله: «وَاتَّقُوا يَوْماً» أي: يوم القيامة. قوله: «عَدْل» يعني: فداء. [ 49 ] قوله: «وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ»...الآية، فإنّ فرعون بلغه عن بني إسرائيل إنّهم يقولون: إنّ اللَّه يبعث منّا رسولاً يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده، فقال: لأقتلنّ أبناءهم حتّى لا يكون ذلك الذي يقولون، فكان يقتل الذكور ويدع الإناث. [ 51 ] قوله: «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، هي ذو القعدة وأوّل عشر من ذي الحجّة، فقال موسى عليه السلام لأصحابه: إنّ اللَّه قد وعدني أن ينزل عليّ التوراة والألواح إلى ثلاثين يوماً، وأمره اللَّه أن لا يقول لهم: أربعين، فتضيق صدورهم. [ 54 ] وقوله: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ»...الآية، فإنّه لمّا رجع من الميقات، وقد عبدوا العجل، قال لهم ذلك، فقالوا: وكيف نقتل أنفسنا؟ فقال موسى عليه السلام: اغدوا (6) - وكلّ واحد منكم معه سكّين أو سيف - إلى بيت المقدس، فإذا صعدت أنا المنبر، فكونوا متنكّرين (7) ، لا يعرف واحد منكم صاحبه، ويقتل بعضكم بعضاً.

.


1- .روى نحوه في الكافي، ج 4، ص 63.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 209، عن تفسير القمّي.
3- .كذا في «أ». وفي «ب» و «ج»: «فمنه يقين».
4- .الجاثية (45): 32.
5- .الفتح (48): 12.
6- .كذا في النسخ، والظاهر: «يغدوا».
7- .في الأصل: «فكونوا أنتم متلثّمين».

ص: 58

فاجتمع ثلاثون ألفاً ممّن عبدوا العجل - وروي سبعون ألفاً - إلى بيت المقدس، فلمّا صلّى بهم صعد المنبر، أقبل بعضهم يقتل بعضاً، حتّى نزل جبرئيل عليه السلام، فقال يا موسى: قل لهم: يرفعوا (1) القتل، فقد تاب اللَّه عليكم». (2) [ 55 ] وقوله: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً»، هم السبعون رجلاً الذين اختارهم موسى للميقات، فأخذتهم الصاعقة وماتوا، ثمّ أحياهم اللَّه. أقول: واذا كان موسى (3) - مع عصمته ونبوّته - اختار من ستّمائة ألف، سبعين رجلاً، فلم يقوموا إلى ما اختاره لهم، فالاختيار باطل. وخلافة من تقدّم عليّاً حصلت باختيار رجلين، وخلافة عمر بنصّ الأوّل، وخلافة عثمان حصلت باختيار عبد الرحمن، فلا تصحّ خلافتهم من وجوه، هذا بعضها. [ 57 ] قوله: «وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ»...الآية، [فإنّ بني إسرائيل] (4) لمّا عبر بهم موسى البحر، نزلوا في مفازة، فقالوا لموسى: أهلكتنا وأخرجتنا من عمران إلى خراب، فكانت تجي ء بالنهار غمامة تظلّهم، وتنزل عليهم بالليل المنّ والسلوى فيأكلونه، وبالعشيّ طائر مشويّ يقع على موائدهم، فإذا أكلوا وشبعوا طارت ومرّت، وكان مع موسى حجر كلّما وضعه في وسط العسكر، ثمّ ضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة (5) عيناً، فتذهب كلّ عين إلى سبط. (6) [ 61 ] فلمّا طال عليهم الأمر (7) ، قالوا: يا موسى «لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ»...الآية، فقال:

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في الأصل، وفي النسخ: «يرفعون».
3- .راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 254، ح 124.
4- .من قوله: «للميقات فأخذهم...» إلى هنا من «أ» فقط، و لم يرد في «ب» و «ج».
5- .كذا في «ص». وفي النسخ: «عشرة».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 224. و راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 257، ح 126. المنّ هو والترنجبين: معرّب الترانگبين، وهو كلّ طلّ ينزل من السّماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعقد عسلاً، ويجفّ جفاف الصمغ. تاج العروس، ج 9، ص 350 (منن). والسلوى هو السماني: و هو طائر صغير من رتبة الدجاجيّات، جسمه منضغط ممتلئ، وهو من القواطع التي تهاجر شتاء إلى الحبشة والسودان، و يستوطن أوربا وحوض البحر المتوسّط. المعجم الوسيط، ج 1، ص 446 (سلا).
7- .كذا في «أ» و «ج»، وفي غيرهما: «الأمد».

ص: 59

«اهْبِطُوا مِصْراً» قالوا: «إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ» (1)...الآية. [ 58 ] قوله: «وَقُولُوا حِطَّةٌ» أي: حطّ عنّا ذنوبنا. فقالوا: «حنطة»، فقال اللَّه: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا»...الآية. (2) [ 62 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارى وَالصَّابِئِينَ» (3). الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى، يعبدون الكواكب. (4) [ 63 ] قوله: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ» لمّا رجع موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ومعه التوراة، لم يقبلوها، فرفع اللَّه جبل طور (5) سيناء فوقهم، وقال لهم موسى: لئن لم تقبلوها ليسقطن عليكم، فنكسوا رؤوسهم وقالوا: نقبلها. أقول: فإيمانهم كان عن قسر، ينافي التكليف، فلا إيمان لهم، وهم كفرة على هذا القول. [ 67 ] قوله: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً»، فإنّ رجلاً من خيار بني إسرائيل خطب امرأة منهم، فأنعمت (6) ، وخطبها ابن عمّ ذلك الرجل وكان فاسقاً، فلم تنعم، فحسده، فقتله غيلة، ثمّ حمله إلى موسى عليه السلام وقال: هذا ابن عمّي قد قتل، قال (7) : من قتله ؟ قال: لا أدري، وكان فيهم رجل له بقرة، وكان له ابن بارّ به، وكان عند ابنه سلعة، فجاؤوا يطلبون سلعته، وكان مفتاح حانوته تحت رأس أبيه، وكان أبوه نائماً [وكره ابنه أن ينبّهه وينغّض عليه نومه] (8) ، فذهب القوم ولم يشتروا السلعة، فانتبه أبوه وعرف القصّة وشكره، وقال: خذ هذه البقرة لك عوضاً عمّا فاتك من ربح

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .المائدة (5): 22.
3- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 1، ص 350، ح 58؛ والعيّاشي في تفسيره ج 1، ص 45، ح 45 و 49. و راجع: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 259، ح 127.
4- .البقرة (2): 62.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 230، عن تفسير القمّي.
6- .كذا في النسخ. والظاهر كفاية أحد اللفظين عن الآخر.
7- .أنعم له: أي قال له: نعم. الصحاح، ج 5، ص 2043 (نعم).
8- .في «ص» و «ق»: «فقال».

ص: 60

سلعتك، وشكر اللَّه لابنه ما فعل بأبيه، وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها. [ 68 ]قوله: «لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عوان» (1). الفارض: التي قد ضربها الفحل ولم (2) تحمل. والبكر: التي لم يضربها الفحل. [ 69 ]قوله: «فَاقِعٌ لَوْنُهَا»: شديدة الصفرة. [ 71 ]قوله «لاَ شِيَةَ فِيهَا» أي: لا نقطة (3) فيها غير الصفرة. فقالوا: هذه بقرة فلان، فذهبوا ليشتروها، فقال: لا أبيعها إلّا بمل ء جلدها ذهباً، فقبلوا، وذبحوها، فقال موسى: اضربوا الميّت ببعضها، فأخذوا ذَنبَها فضربوه به، فعاش، فقالوا: من قتلك؟ قال: فلان بن فلان (4) ، ابن عمّي، فقتل. [ 75 - 76 ] قوله: «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ»...الآية، نزلت في اليهود، وقد كانوا أظهروا الإسلام نفاقاً، وكانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأصحابه، فقال لهم (5) علماؤهم: لا تحدّثوا أصحاب محمّد بما في التوراة والإنجيل، فيحتجّوا عليكم عند اللَّه به، وذلك قوله: «قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ»...الآية. [ 79 ] وكانوا يحرّفون التوراة وأحكامها، ثمّ يدّعون أنّه من عند اللَّه [فأنزل اللَّه فيهم: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ»](6) [ 80 ] قوله: «وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً»، قالوا: لن نعذّب إلّا الأيّام [المعدودات] (7) التي غاب فيها موسى وعبدنا العجل، فقال اللَّه لنبيه: قل لهم: «أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدَاً»...الآية. [ 83 ] قوله: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» نزلت في اليهود، ثمّ نسخت بآية السيف 8 .

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .البقرة (2): 68.
3- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «ولا».
4- .في البرهان، ج»: «لا بقع».
5- .لم ترد: «ابن فلان» في «أ».
6- .كذا في الأصل. وفي المختصر: «فقالوا».
7- .وهي قوله تعالى: «اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ». التوبة (9): 5.

ص: 61

[ أقول ]: وفيه نظر. (1) [ 84 - 85 ] قوله: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ» إلى قوله: «وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ»، قال العالم عليه السلام: «نزلت في أبي ذرّ وعثمان (2) ، قال: فلمّا نفى عثمان أبا ذرّ إلى الربذة (3) . دخل إلى عثمان أبو ذرّ، وبين يديه مائة ألف درهم، وحوله أصحابه وهم يطمعون أن يقسّمها فيهم، قال أبو ذرّ: يا عثمان، ما هذا المال؟ فقال عثمان: مائة ألف، حملت إليّ من بعض النواحي، اُريد أن أجمع (4) إليها مائة ألف، ثمّ أرى فيها رأيي (5) . فقال أبو ذر: يا عثمان، مائة ألف أكثر، أم أربعة دنانير؟ فقال عثمان: بل مائة ألف. قال: أمّا تذكر أنّي وأنت دخلنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عشاءً، فسلّمنا عليه فرأيناه كئيباً حزيناً، فلمّا أصبحنا رأيناه ضاحكاً مستبشراً، فقلنا له: إنّا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً[ ثمّ عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحاً مستبشراً؟] (6) قال: «نعم، كان بقي عندي من في المسلمين أربعة دنانير، لم أكن قسّمتها (7) [وخفت أن يدركني الموت وهي عندي] (8) وقد قسّمتها اليوم واسترحت». فقال عثمان لكعب الأحبار: يا أبا إسحاق، ما تقول في رجل إذا أخرج زكاة ماله المفروضة، فيها بعد إخراج الزكاة شي ء؟ فقال: لا، ولو اتّخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ما وجب عليه فيها بعد إخراج الزكاة شي ء. فرفع أبوذرّ عصاه 9 فضرب بها رأسه، وقال: يابن اليهوديّة الكافرة، ما أنت والنظر في

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .لعلّ وجه النظر: أنّ الناسخ ليس آية السيف، بل الآية (29) من سورة التوبة. وراجع ما أورده الكليني في الكافي، ج 5، ص 11، ح 2.
3- .أشار إليه البحراني في البرهان، ج 1، ص 269، عن تفسير القمّي.
4- .الربذة: من قرى المدينة، على ثلاثة أيّام، قريبة من ذات عرق، وفيه قبر أبي ذرّ الغفاري رضوان اللَّه تعالى عليه. راجع: معجم البلدان، 3، ص 24.
5- .في الأصل: «أضم».
6- .كذا في «ص». وفي النسخ: «رأي».
7- .في «ج»: «أقسمها».
8- .في «ج»: «عكازته».

ص: 62

أحكام المسلمين؟ قول اللَّه أصدق من قولك، حيث يقول: «الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى»... الآية. (1) فقال عثمان: يا أبا ذرّ، إنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، فلولا صحبتك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لقتلتك. فقال: كذبت يا عثمان، أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: يا أبا ذرّ، لن (2) يفتنوك ولن يقتلوك، وأمّا عقلي فقد بقي منه ما أحفظ به (3) حديثاً سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فيك وفي قومك. فقال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: «إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلاً، صيّروا مال اللَّه دولاً، وكتاب اللَّه دغلاً (4) [وعباد اللَّه (5) خولاً] (6) ، والفاسقين حزباً، والصالحين حرباً». فقال عثمان: معشر المهاجرين والأنصار، هل سمع أحد منكم هذا من رسول اللَّه؟ فقالوا: لا. فقال عثمان: ادعوا (7) عليّاً. فجاء علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن، اسمع ما يقول هذا الشيخ الكذّاب. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تقل: كذّاب؛ فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ». فقال كلّ من حضر: قد سمعنا ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فبكى أبوذرّ، وقال: ويحكم، كلّكم قد مدّ عنقه (8) إلى هذا المال، أظننتم أنّي أكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟ [ثمّ نظر إليهم، فقال: من خيركم؟ فقالوا: من خيرنا؟ فقال: أنا. فقالوا: أنت تقول: إنّك خيرنا؟ قال: نعم، خلّفت حبيبي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في هذه الجبّة، وهو عنّي راض، وأنتم قد أحدثتم أحداثاً كثيرة، واللَّه سائلكم عن ذلك، ولا يسألني] 9 .

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .التوبة (9): 34 - 35.
3- .لم ترد «لن» في «ب».
4- .كذا في «ص». وفي «ط»: «احفظه».
5- .في «ب»: «دخلاً».
6- .كذا في «ص». وفي النسخ: «وعباده».
7- .كذا في «ص». وفي النسخ: «ادع».
8- .كذا في «ب». وفي «أ» «ج»: «عينه».

ص: 63

فقال عثمان: يا أبا ذرّ، أسألك بحقّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلّا ما أخبرتني عن شي ء أسألك عنه؟ فقال: لو لم تسألني بحقّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله [أيضاً] (1) لأخبرتك. فقال: أخبرني، أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟ فقال: مكّة، حرم اللَّه وحرم رسول اللَّه (2) ، أعبد اللَّه فيه حتّى يأتيني الموت. فقال: لا، ولا كرامة لك. قال: فالمدينة، حرم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. قال: لا، ولا كرامة لك. [فسكت أبوذرّ] (3) فقال عثمان: أيّ البلاد أبغض إليك؟ قال: الربذة (4) ، التي كنت فيها على غير دين الإسلام. قال عثمان: سر إليها. فقال أبوذرّ: سألتني فصدقتك، وأنا أسألك فأصدقني. قال: نعم. قال (5) : أخبرني لو بعثتني في بعث 6 إلى المشركين، فأسروني، فقالوا: لا نفديه إلّا بثلث ما تملك؟ قال: كنت أفديك. قال: فإن قالوا: لا نفديه إلّا بنصف ما تملك؟ قال: كنت أفديك. قال: فإن قالوا: لا نفديه إلّا بكلّ ما تملك؟ قال: كنت أفديك. قال أبوذرّ: اللَّه أكبر، صدق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال: «كيف أنت إذا قيل لك: أيّ البلاد أحبّ إليك... تمام الخبر.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ص» و «ق»: «وحرم رسوله».
3- .هي مدفن أبي ذرّ قرب المدينة.
4- .في «ص»: «فقال ابو ذرّ».
5- .في «ص»: «فيمن بعثت».

ص: 64

فقلت: يا رسول اللَّه، وإنّ هذا لكائن (1) ؟ فقال: «إي، والذي نفسي بيده، إنّه كائن». فقلت: يا رسول اللَّه، أفلا أضع سيفي على عاتقي وأضرب به قدماً؟ فقال: «لا، اسمع واسكت ولو لعبدٍ حبشيّ. وقد أنزل اللَّه فيك وفي (2) عثمان آية». فقلت: ما هي يا رسول اللَّه؟ فقال: «قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ»... الآية». فقوله: «وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ» يعني أبا ذرّ. قال: فنفاه إلى الربذة، فشيّعه أمير المؤمنين والحسن والحسين». (3) قال عديّ بن حاتم الطائي: حججنا أيّام عثمان، وقد كان نفى أبا ذرّ إلى الربذة، فقلنا: نجعل طريقنا على أبي ذرّ ونسلّم عليه. فأتينا الربذة فنظرنا إلى خباء رثٍّ، فقصدناه فإذا إمرأة فيه وصبيّة، فقلنا: أين أبا ذرّ؟ فقالت لنا: هو في غنيمات له يرعاها. فقصدناه، فإذا رجل لا يرفع قدماً من الأرض ولا يضعها إلّا ذكر اللَّه خشوعاً. فسلّمنا عليه. فردّ علينا السلام، ثمّ قال: من أنتم؟ فقلنا: قوم من إخوانك أردنا الحجّ، فأحببنا أن نسلّم عليك. فقال: قبل اللَّه ذلك منكم، أمّا إنّي سمعت حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: «من نوى الحجّ احتساباً للَّه، لا لغيره، لم ترفع ناقته خفّاً إلّا كتب اللَّه له به حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له درجة، فإذا دخل الحرم تحاتّ عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. فإذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة غفر اللَّه له ذنوبه. فإذا وقف بالموقف بعث اللَّه ملكاً فضرب بين كتفيه وقال له: استأنف العمل، فأمّا ماتقدّم من ذنبك فقد غفر لك، فهلا (4) تدعوا لإخوانك بظهر الغيب؟ فإنّ من دعا لإخوانه بظهر الغيب استجاب اللَّه منه في نفسه سبعين ضعفاً».

.


1- .في «ص» و «ق» زيادة: «يا رسول اللَّه».
2- .في «ص» زيادة: «خصمك».
3- .روى الشيخ الكليني قصّة نفي أبي ذرّ في الكافي، ج 8، ص 206، ح 251.
4- .كذا في «ب». وفي «ألف»: «أفلا».

ص: 65

قال: فودّعناه وخرجنا، فلمّا حججنا لم يكن لنا همّة إلّا الرجوع إليه، فوافينا الربذة، فإذا الخباء معدوم، وإذا بنت أبي ذرّ جالسة وحدها. فقلنا: أين أبوذرّ؟ قالت: مات. قلنا: وكيف كان؟ قالت: لمّا فارقتمونا ماتت غنيماتنا في داءٍ يقال له: النقّاز، ثمّ ماتت اُمّي، فبقيت أنا وأبي، فأصابنا الجوع، فقال لي أبي: يا بنيّة، قومي بنا إلى الرمل نطلب القتّ - وهو نبت له حبّ - فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئاً، فجمع أبي رملاً ووضع رأسه عليه، ورأيت عينيه قد انقلبتا، فبكيت وصحت، وقلت: يا أبه، كيف أصنع بك إن متّ وأنا وحيدة؟ فقال: يا بنيّة لا تحزني، فإذا متّ فمدّي الكساء على وجهي، ثمّ اقعدي على طريق العراق، فإذا أقبل ركب من العراق، فقولي لهم: هذا أبوذرّ قد توفّي، فإنّهم يكفونك أمري، فإنّه أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في غزوة تبوك، فقال: «يا أبا ذرّ، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد (1) بك قوم من أهل العراق، يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك». قالت: فلمّا مات مددت الكساء على وجهه، ثمّ قعدت على طريق العراق، وإذا ركب أقبلوا، فقمت إليهم، فقلت لهم: هذا أبوذرّ صاحب رسول اللَّه قد توفّي، فنزلوا ومشوا إليه يبكون، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر، فقال: كفنته بحلّة كانت معي، قيمتها أربعة ألف درهم. فقالت ابنته (2) : فكنت اُصلّي بصلاته، وأصوم بصيامه، فبينا أنا ذات ليلة نائمة إذ سمعته يتهجّد بالقرآن كما كان يتهجّد (3) في حياته، فقلت له: يا أبه، ماذا فعل بك ربّك؟ قال: يا بنيّة، قدمت على ربّ كريم، رضي عنّي ورضيت عنه، وأكرمني وحباني (4) ، فاعملوا ولا تغترّوا (5) ». (6)

.


1- .كذا في «أ». وفي: «ج»: «ليسعد».
2- .كذا في «أ». والظاهر وجود سقط في العبارة.
3- .في «أ» زيادة: «به».
4- .في «أ» زيادة: «وأكرمني».
5- .في «ب»: «ولا تفتروا»، وهو أنسب بالسياق.
6- .روى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 22، ص 429. وراجع أيضاً البحار، ج 22، ص 418.

ص: 66

[ 94 ] قوله: «فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ»...الآية؛ لأنّ في التوراة: إنّ أولياء اللَّه يتمنّون الموت، ولا يرهبونه. (1) [ 97 ] قوله: «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ»... الآية، نزلت في اليهود، قالوا [لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (2) : إنّ لنا من (3) الملائكة أصدقاء وأعداء [فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من صديقكم ومن عدوّكم؟» فقالوا:] (4) فجبريل عدوّنا؛ لأنّه يأتي بالعذاب، وميكائيل صديقنا، لأنّه يأتي بالرحمة، فلو كان ميكائيل ينزل عليك لآمنّا بك. [ 102 ] قوله: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ»...الآية، سئل الباقر عليه السلام عن هاروت وماروت، فقال: «إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال (5) أهل الأرض من ولد آدم والجنّ، فيكتبون (6) أعمالهم ويعرجون بها إلى السماء [قال:] (7) فضجّ أهل السماء من معاصي أهل الأرض، فتوامروا (8) فيما بينهم، ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على اللَّه، وجرأتهم عليه (9) ، ونزّهوا اللَّه مما يقول فيه خلقه. فقالت طائفة من الملائكة: يا ربّنا، أمّا (10) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك، وما يصفون فيك من الكذب والزور، ويركبون من المعاصي، وهم في قبضتك وقدرتك؟ [قال أبو جعفر عليه السلام:] (11) فأحبّ اللَّه أن يُري الملائكة قدرته ونافذ 12 أمره في جميع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا عدله عنهم من صنيع 13 خلقه، وما طبعهم عليه من الطاعة، وعصمهم من الذنوب - قال: - فأوحى اللَّه إلى الملائكة: أن اندبوا 14

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .لم ترد «ولا يرهبونه» في «ص» و «ق».
3- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «في».
4- .كلمة «أعمال» من «ص» و «ق»، ولم ترد في «ط».
5- .كذا في «ص» و «ق». و في «ط»: «ويكتبون».
6- .كذا في «ب» والأصل. وفي «أ» و «ج»: «فتذامزوا». وفي «ص» و «ق»: «فتغامزوا». وتوامروا، اي تشاوروا وتكلّموا فيما بينهم.
7- .في «ج»: «وجريانهم عليه».
8- .كذافي «ص» و «ق». وفي «ط»: «ما».
9- .في «ص»: «ونفاذ».
10- .في «ط»: «صنع».
11- .في الأصل: «انتخبوا». وفي «ص»: «اندبوا». وفي «ق»: «انتدبوا».

ص: 67

منكم ملكين حتّى أُهبطهما إلى الأرض، وأجعل فيهما من طبائع بني آدم: المطعم والمشرب والحرص والشهوة والأمل مثلما جعلته في ولد آدم، ثمّ أختبرهما في الطاعة لي. قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت، وكانا (1) من أشدّ الملائكة معابة لبني آدم، فأوحى اللَّه إليهما: أن اهبطا إلى الأرض، فقد جعلت فيكما ما جعلته في ولد آدم، ثمّ أوحى اللَّه إليهما: اُنظرا ألاّ تشركا بي شيئاً، ولا تقتلا النفس التي حرّمت، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر. قال: ثمّ كشف عن السماوات السبع ليريهما قدرته، ثمّ أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم، فهبطا ناحية بابل، فرفع (2) لهما بناء قصر (3) ، فأقبلا نحوه، فإذا بحضرته إمرأة جميلة حسناء مزيّنة عطرة مسفرة مقبلة نحوهما، قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها، وقعت في قلوبهما موقعاً شديداً (4) ، فراوداها عن نفسها، فقالت لهما: إنّ لي ديناً أدين به، ولست أقدر - في ديني - على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلّا أن تدخلا في ديني. فقالا لها: وما دينك؟ قالت:[ لي] (5) إلهٌ، من عبده وسجد له كان السبيل إلى أن أُجيبه إلى كلّ ما سألني. فقالا لها: وما إلهك؟ قالت: إلهي هذا الصنم. قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: هاتان خصلتان ممّا نهانا عنهما: الشرك والزنا (6) ، فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها: فإنّا نجيبك ما سألت.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ص»: «فكانا».
3- .كذا في «ص» و «ق». وفي هامش «ص»:في نسخة: «فوقع».
4- .في الأصل: «مشرف». وفي «ط»: «مشرق».
5- .في الأصل زيادة: «لموقع الشهوة التي جعلت فيهما، فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان».
6- .في الأصل زيادة: «لأنّا إن سجدنا لهذا الصنم وعبدناه أشركنا باللَّه، وإنّما نشرك باللَّه لنصل إلى الزنا، وهو ذا نحن نطلب الزنا، وليس نخطأ إلّا بالشرك. فائتمرا بينهما.

ص: 68

فقالت: فدونكما فاشربا هذا الخمر؛ فإنّه قربان لكما عنده، وتصلان إلى ما تريدان. (1) قال: فشربا الخمر وعبدا الصنم، ثمّ راوداها على نفسها، فلمّا تهيّأت لهما وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل، فلمّا رأياه فزعا منه، فقال لهما: إنّكما مريبان ذعران (2) ، قد خلوتما بهذه المرأة، إنّكما لرجلا سوء (3) ، وخرج عنهما. فقالت لهما: لا وإلهي، ما أصل إلى أن تقرباني وقد اطّلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما، [ويخرج الآن] (4) فيخبر بكما، ولكن اقتلاه قبل أن يمضي ويفضحني، ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنّان آمنان. فقاما إلى الرجل فأدركاه وقتلاه، ثمّ رجعا إليها فلم يرياها، وبدت لهما سوءآتهما ونُزع عنهما رياشهما (5) ، واُسقطا في أيديهما. قال: فأوحى اللَّه إليهما: إنّما أهبطتكما إلى أرضي وصيّرتكما مع خلقي ساعة من النهار، فعصيتماني بأربع معاصي، كلّها قد نهيتكما عنها وتقدّمت بها إليكما (6) ، فلم تراقباني ولم تستحيا منّي، فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا، وكانا يعلّمان الناس السحر بأرض بابل، فلمّا علّما الناس السحر رُفعا من الأرض في الهواء، فهما منكّسان معلّقان في الهواء إلى يوم القيامة (7) ، ونزل فيهما: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ»...الآية. أقول: في هذا كلّه نظر؛ فإنّ الملائكة معصومون، مطبوعون على الطاعة، يسبّحون

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الأصل زيادة: «فائتمرا بينهما فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهانا ربّنا عنها: الشرك والزنا وشرب الخمر، وإنّما ندخل في شرب الخمر والشرك حتّى نصل إلى الزنا. فائتمرا بينهما، فقالا: ما أعظم البلية (في «ص» و «ق»: «بليتنا».) بك، قد أجبناك إلى ما سألت. قالت: فدونكما فاشربا من هذا (في «ص»: «هذه».) الخمر واعبدا هذا الصنم واسجدا له.
3- .كذا في «ص» و «ق». والعبارة في «ط» هكذا: «فقال لهما: انكما لامرءان ذعران».
4- .كذا في «ص» و «ق». والعبارة في «ط» هكذا: «المرأة العطرة الحسناء، إنّكما لرجلا سوء».
5- .الرياش: اللباس.
6- .كذا في «ص» و «ق». ولم ترد عبارة «وتقدّمت بها إليكما» في «ط».
7- .رواه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 52، ح 74. هذا، وقد وردت أخبار تعارض هذا الحديث وتُكَذِّب مضمونه وتدلّ على عصمة الملائكة، كالخبر المروي في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 719، ح 304.

ص: 69

الليل والنهار لا يفترون، وأنّ الحقائق لا تنقلب، فلا يصير الملك آدمياً، وبالعكس. وبالجملة: فليتأمّل ذلك؛ فإنّ نقله غير صحيح، وهو من قول الحشوية. [ 104 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا» أي: لا تقولوا تخليطاً (1) وقولوا: أفهمنا. (2) [ 106 ] قوله: «مَا نَنَسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» معنى: «نُنْسِهَا» أي: نتركها. (3) [ 108 ] قوله: «أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ» يعني: لمّا قالوا: «أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً» (4). [ 114 ] قوله: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ»... الآية، نزلت في قريش حين منعوا رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله أن يكون بمكّة (5) . (6) [ 115 ] قوله: «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنََما تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» قال العالم عليه السلام (7) : «اُنزلت في النافلة، تصلّيها حيث ما توجّهت، وأمّا الفرائض فهو قوله: «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ» (8)...الآية». (9) قوله: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ» (10)...الآية»، قال: «هو من المتشابه». (11)

.


1- .خلط في الكلام: هذى.
2- .روى ما يتعلّق بتفسير هذه الآية في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 477، ح 305.
3- .روى معناه العيّاشي في تفسيره. تفسير العيّاشي، ج 1، ص 56، ح 78.
4- .النساء (4): 153، وفي «ج» يعني لمّا قالوا: «يَمُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً». البقرة (2): 55.
5- .في الأصل: «دخول مكّة».
6- .روى الطبرسي نحوه في مجمع البيان، ج 1، ص 361.
7- .كذا في «ص». و لم ترد عبارة «قال العالم عليه السلام» في «ق» و «ط».
8- .البقرة (2): 144.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 313، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره بإسناده عن حريز، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «أنزل اللَّه هذه الآية في التطوّع خاصّة «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ» وصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله إيماء على راحلته أينما توجّهت به، حين خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكّة، وجعل الكعبة خلف ظهره». تفسير العيّاشي، ج 1، ص 56، ح 80.
10- .المؤمنون (23): 91.
11- .لم يرد هذا السطر في غير «ج»، ولعلّه أراد تفسير قوله تعالى: «وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا»، وهي الآية 116 من سورة البقرة.

ص: 70

[ 124 ] قوله: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ»...الآية، قال العالم: «الذي ابتلاه اللَّه به: ما أراه في نومه أنّه يذبح ابنه، فأتمّها إبراهيم عليه السلام وعزم عليها، فلمّا عزم عليها، قال [اللَّه تعالى ثواباً لمّا صدّق وعمل بما امره اللَّه (1) ] (2) : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً»». أقول: هذه الآية تدلّ على أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً من الكبائر والصغائر، من أوّل العمر إلى آخره، ولم يكن كذلك إلّا علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر. ثمّ أنزل عليه الحنيفيّة، وهي الطهارة، وهي عشرة أشياء: خمسة منها في الرأس: قصّ الشارب (3) ، واعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسواك، والخلال. وخمسة منها في البدن: حلق الشعر، والختان، وقلم (4) الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء. فهي الحنيفيّة (5) التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، فلم (6) تنسخ إلى يوم القيامة، وهو قوله لرسوله: «وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً» (7). [ 125 ] قوله: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً»...الآية، المثابة: هو العود إليه. (8) وقوله: «وَعَهِدنَا إلَى إبرَاهِيمَ وَإسمَاعِيلَ»...الآية، قال العالم عليه السلام: «لمّا بنى إبراهيم عليه السلام البيت وحجّ الناس، شكت الكعبة [ إلى اللَّه تبارك وتعالى] (9) ما تلقاها من أنفاس المشركين، فأوحى اللَّه إليها: قرّي يا كعبة (10) ، فإنّي أبعث في آخر الزمان قوماً يتنظّفون بقضبان الشجر ويتخلّلون». 11

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في «ص» و «ق». والعبارة في «ط» هكذا: «وعزم عليها وسلّم، فلمّا عزم وعمل بما أمره اللَّه، قال اللَّه تعالى...».
3- .كذا في «ص». وفي «ط»: «فأخذ الشارب».
4- .في «ج»: «وتقليم».
5- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «فهذه خمسة في البدن، وهي الحنيفية الطاهرة».
6- .كذا في «أ». وفي «ص»: «ولا». وفي «ط»: «ولن».
7- .النساء (4): 125. هذا، وقد ذكر الشيخ الصدوق في الخصال، ص 304، ح 84 تفصيل الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام، فراجع: الخصال، ص 304، ح 84.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 326، عن تفسير القمّي.
9- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «كعبة».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 327 - 328، عن تفسير القمّي.

ص: 71

[ 126 ] قوله: «وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم»[ فإنّه دعا إبراهيم ربّه أن يرزق من آمن به منهم (1) ] (2) ، فقال اللَّه: «وَمَن كَفَرَ» أيضا أرزقه، و «أُمَتِّعُهُ قَلِيلاً»...الآية. (3) [ 127 ] وأمّا قوله: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ»...الآية، قال الصادق عليه السلام: «إنّ إبراهيم عليه السلام كان نازلاً في بادية الشام، فلمّا ولد من هاجر إسماعيل عليه السلام اغتمّت سارة بذلك، فكانت (4) تؤذي إبراهيم عليه السلام في هاجر وتغمّه، فشكا إبراهيم عليه السلام ذلك إلى اللَّه، فأوحى اللَّه إليه: إنّما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء (5) ، إن تركته استمتعت به، وإن أقمته (6) كسرته، ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل عليه السلام واُمّه عنها (7) . قال: يا ربّ، إلى أيّ مكان؟ قال: إلى حرمي وأمني، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض، وهي مكّة. فأنزل عليه جبرئيل بالبراق، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم عليهم السلام إلى موضع البيت (8) ، وقد كان إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتّى يرجع إليها. فلمّا نزلوا في ذلك المكان كان ثمّة شجر يؤذيهم (9) ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساءً كان معها، فاستظلّوا تحته، فلمّا وضعهم وسرحهم (10) وأراد الانصراف عنهم إلى سارة (11) ، قالت له هاجر: يا إبراهيم، أ تدعنا (12) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ قال إبراهيم: إنّي أُمرت أن أضعكم في هذا المكان (13) ، ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كلمة «منهم» من البرهان. ولم ترد في النسخ.
3- .البقرة (2): 126. ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 330، عن تفسير القمّي.
4- .في «ص» و «ق»: «فكانت».
5- .في «ج»: «الأعوج».
6- .في «ج»: «قومته».
7- .كذا في «ص» و «ق». ولم ترد «عنها» في «ط» والبرهان.
8- .في الأصل زيادة: «وكان إبراهيم عليه السلام لا يمرّ بموضع حسن، فيه شجر ونخل وزرع، إلّا وقال: يا جبرئيل، إلى هاهنا؟ إلى هاهنا؟ فيقول جبرئيل: لا، إمض، إمض، حتّى وافى به (في «ط»: «أتى».) مكّة، فوضعه في موضع البيت».
9- .كذا في النسخ، و لعل كلمة «يؤذيهم» زيادة من النسّاخ.
10- .سرّحت فلانا إلى موضع كذا: إذا أرسلته. الصحاح، ج 1، ص 374 (سرح).
11- .كذا في «ص»، وفي «ط» والبرهان العبارة هكذا: «فلمّا سرحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة»، وفي هامش «ص» العبارة هكذا: «فلمّا أقرهما إبراهيم عليها وأراد الانصراف عنهما إلى سارة».
12- .كذا في البرهان. والعبارة في «ط» هكذا: «لم تدعنا».
13- .كذا في «ص» و البرهان. والعبارة في «ط» هكذا: «المكان حاضر عليكم».

ص: 72

كداء - وهو جبل بذي طوى - إلتفت إليهم، وقال: يارب «إِنِّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ» (1)...الآية، ثمّ مضى. فلمّا ارتفع النهار عطش إسماعيل وقام يطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي، ونزلت في الوادي في موضع السعي (2) ، فنادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل عليه السلام فصعدت على الصفا، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الوادي، فظنّته ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلمّا بلغت السعي غاب عنها إسماعيل عليه السلام، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلمّا غاب عنها إسماعيل عليه السلام عادت حتّى بلغت الصفا، فنظرت إلى إسماعيل، حتّى فعلت ذلك سبع مرّات، فلمّا كانت في الشوط السابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل عليه السلام وقد ظهر الماء من تحت رجليه، فعدت (3) حتّى جمعت حوله رملاً، لأنّه كان سائلاً، فزمّته (4) بما جمعت حوله من الرمل، فلذلك سميت: زمزم. وكانت جرهم نازلة بذي المجاز (5) وعرفات، فلمّا ظهر الماء بمكّة عكفت الطير والوحش على الماء [فنظرت جرهم إلى تعكّف الطير والوحش ] (6) في ذلك المكان، فتبعوها (7) حتّى نظروا إلى إمرأة وصبيّ نازلين في موضع البيت، قد استظلوا بشجرة، وقد ظهر لهم الماء، فقالوا لهاجر: من أنت؟ وما شأنك وشأن الصبي؟ قالت: أنا اُمّ ولد إبراهيم خليل الرحمن، وهذا ابنه، أمره اللَّه أن ينزلنا هاهنا. قالوا لها: فتأذني (8) أن نكون بالقرب منكما، فنشرب من هذا الماء؟ فقالت: لا أدري، حتّى يرجع إبراهيم. فلمّا زارهما إبراهيم عليه السلام يوم الثالث، قالت له: إنّ هاهنا قوما يسألونك أن تأذن لهم حتّى يكونوا بالقرب من الماء، أ فتأذن لهم؟

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .إبراهيم (14): 37.
3- .كذا في النسخ. والعبارة في «ط» هكذا: «في موضع المسعى، ونادت».
4- .في البرهان: «فعادت»، وعدت: أي ركضت.
5- .زمّته: شدّته وحجزته بما جعلت حوله من الرمل.
6- .ذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب. معجم البلدان، ج 5، ص 55.
7- .في بعض النسخ: «فأتبعتها».
8- .في «ط»: «فقالوا لها: أيّها المباركة أ فتأذني...».

ص: 73

فقال: نعم، [فأذنت هاجر لجرهم] (1) فنزلوا بالقرب منها، فأنست هاجر، وأنس إسماعيل بهم. فلمّا زارهم إبراهيم في المرّة الثانية (2) نظر إلى كثرة الناس حولهم، فسرّ بذلك. وكانت جرهم قد وهبت لإسماعيل كلّ واحد منهم شاة و شاتين، فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها. فلمّا بلغ إسماعيل عليه السلام مبلغ الرجال، أمر اللَّه إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت، فقال: يا ربّ، في أيّ بقعة؟ قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم. ولم تزل القبة التي أنزلها اللَّه على آدم عليه السلام قائمة حتّى كان أيّام الطوفان، فلمّا غرقت الدنيا رفع اللَّه تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت، فسمي: البيت العتيق لذلك، لأنّه اُعتق من الغرق. فلمّا أمر اللَّه إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت [لم يدر في أيّ مكان يبنيه، فبعث اللَّه عزّ وجلّ جبرئيل عليه السلام فخطّ له موضع البيت] (3) وأنزل عليه القواعد من الجنّة، وكان الحجر الذي أنزله على آدم عليه السلام أشدّ بياضاً من الثلج، فلمّا مسّته أيدي الكفار إسودّ. فبنى إبراهيم عليه السلام البيت، ونقل إسماعيل عليه السلام الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء (4) تسع أذرع، ثمّ دلّه على موضع الحجر، فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه. (5) فلمّا بناه أمر اللَّه إبراهيم أن يؤذن بالحجّ، فقال: ولم 6 يبلغ صوتي، وكيف يسمع من بالمشرق والمغرب؟ قال: عليك الأذان وعليّ البلاغ.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ط»: «الثالثة».
3- .في «ط»: «إلى السماء».
4- .في الأصل زيادة: «الآن، وجعل (في «ص»: «فلمّا بنى جعل...».) له بابين: باباً إلى الشرق، وباباً إلى المغرب، والباب الذي إلى المغرب يسمّى: المستجار، ثمّ ألقى عليه الشجر والإذخر، وألقت (في «ط»: «وعلقت».) هاجر على بابه كساءً كان معها، وكانوا يكنّون تحته».
5- .كذا في النسخ، ولعلّه: «ولما».

ص: 74

الجزء الثاني

فصعد إبراهيم على أبي قبيس فنادى: أيها الناس، حجّوا إلى بيت ربّكم يغفر لكم ذنوبكم». قال العالم: «فأجابه من في أرحام النساء وأصلاب الرجال: لبّيك اللهمّ لبّيك. فمن أجابه يومئذ بالتلبية يحجّ، ومن لم يجب لم يحجّ. ونزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية (1) ، فقال: (2) قم وارتوي من الماء؛ لأنّه لم يكن بمنى وعرفات ماء. فسمّيت: التروية؛ لذلك، وأخرجه إلى مُنى فبات بها، وفعل به ما فعل بآدم عليه السلام». وروي في قوله: «وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ (3) »، قال: «من ثمرات القلوب، وحبّبهم إلى الناس ليشتاقوا إليهم (4) ويعودوا إليهم». (5) [ 129 ] قوله: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ»...الآية، يعني: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ولذلك قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام». (6) [ 137 ] قوله: «فَإِنَّمَا هُمْ فِى شِقَاقٍ» أي: في كفر (7) ، وهي من المحكم. [ 138 ] قوله: «صِبْغَةَ اللّهِ» يعني: الإسلام. (8)

[الجزء الثاني][ 142 ] قوله: «سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ»...الآية، هذه الآية متقدّمة على قوله: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ» (9)...الآية، فقدّمت هذه على هذه في التأليف [لأنّه نزل أوّلاً: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ

.


1- .في الأصل زيادة: «لثمان من ذي الحجّة».
2- .في الأصل زيادة «يا إبراهيم».
3- .في المختصر: «وارزقهم من الثمرات».
4- .انتاب الرجل القوم انتياباً: إذا قصدهم وأتاهم مرّة بعد مرّة. لسان العرب، ج 1، ص 775 (نوب).
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 330 - 332، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 334، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 60، ح 101.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 338، عن تفسير القمّي. ورواه الطبرسي في مجمع البيان، ج 1، ص 406.
8- .رواه معناه ابن بابويه في معاني الأخبار، ص 188، ح 1، و الكليني أيضاً في الكافي، ج 2، ص 12، ح 1و2و3.
9- .البقرة (2): 144.

ص: 75

وَجْهِكَ فِى السَّماءِ» ثمّ نزل: «سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا»](1) وذلك أنّ رسول اللَّه صلّى بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد الهجرة بالمدينة سبعة أشهر، ثمّ إنّ اليهود عيّروه بذلك، وقالوا: أنت تابع لنا، تصلّي إلى قبلتنا. فاغتمّ لذلك، وأحبّ أن يحوّل اللَّه قبلته إلى الكعبة، فخرج في جوف الليل (2) ينظر في آفاق السماء، ينتظر أمر اللَّه، فلمّا أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم، فصلّى بهم الظهر ركعتين، ثمّ نزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة، وأنزل اللَّه عليه: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ»...الآية». [ 146 ] قوله: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» يعني: اليهود «يَعْرِفُونَهُ» يعني: يعرفون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. [ 147 ] قوله: «الْمُمْتَرِينَ»: الشاكّين. [ 150 ] قوله: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» يعني: اليهود، فيما كانوا قالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أنت تابع لنا. قوله: «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» يعني: ولا الذين ظلموا منهم، و «إلّا» في موضع «ولا»، وليست هي إستثناءاً. (3) [ 143 ] قوله: «وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» إنّما نزل: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أئمَّةً وَسَطاً) (4) ، ومعنى «وَسَطاً» أي: واسطة بين الرسول والناس، والدليل على ذلك قوله: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ» يعني: على الأئمّة «وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (5). [ 166 - 167 ] قوله: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ»...الآية، يتبرّأ كلّ إمام من شيعته، فيقولون - يعني شيعتهم - : «لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً»... الآية».

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في «ب». و في «أ» «ج»،: «من جوف الليل».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 355، عن تفسير القمّي.
4- .بيان كيفيّة نزول بعض الآيات إنّما هو لتوضيح معانيها والإشارة إلى قراءات قرأها أهل البيت عليهم السلام ولا دلالة فيها على الالتزام بالتحريف، وقد أوضحنا ذلك لتفضيل عند تقديمنا لكتاب الأصل «تفسير القمّي» فراجع.
5- .الحجّ (22): 78.

ص: 76

[ 171 ] قوله: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ»...الآية، مثل ضربه اللَّه للكفّار، وأنّهم كمثل البهائم، لأنّها إذا زُجرت فإنّما تسمع الصوت ولا تدري ما يراد (1) . (2) [ 173 ] وقوله: «وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ» أي: ما ذبح لغير اللّه، ثمّ رخّص للمضطّر، فقال: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ»، [فالباغي: من يخرج في غير طاعة اللَّه، والعادي: الذي يعتدي على الناس و] (3) هو الذي يقطع الطريق. (4) [ 175 ] قوله: «فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ» يعني: ما أجرأهم؟. (5) [ 177 ] قوله: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا» هذه شروط (6) الإيمان [الذي هو التصديق بالملائكة والكتاب والنبيّين] (7) . (8) نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام. قوله: «وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ»؛ فالبأساء: الجوع والعطش والخوف والمرض (9)«وحين البأس» يعني: عند القتال. (10) [ 178 ] وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ» هي ناسخة لقوله: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (11)... الآية. (12) [ 179 ] وقوله: «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ» يعني: لولاه لقتل بعضكم بعضاً. (13)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الأصل زيادة: «وكذلك الكفّار إذا قرأت عليهم وعرضت عليهم الإيمان لا يعلمون مثل البهائم».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 372، عن تفسير القمّي.
4- .روى ابن بابويه معناه في معاني الأخبار، ص 213، ح 1.
5- .رواه الطبرسي في مجمع البيان، ج 1، ص 467.
6- .كذا في البرهان. وفي «ط»: «فهي شروط».
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل، وهي كذا في البرهان. ولم ترد «بالملائكة والكتاب والنبيين» في «ط».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 375، عن تفسير القمّي.
9- .لم ترد «والمرض» في البرهان.
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 376، عن تفسير القمّي.
11- .في قوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ ّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ». المائدة (5): 45.
12- .لعل المراد من النسخ في المقام أنّ آية «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» تدلّ على حتميّة القصاص، وآية: «الْحُرُّ بِالْحُرِّ» تدلّ على رخصته، لقوله: «فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ...» الخ. (من هامش المطبوعة).
13- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 379، عن تفسير القمّي. وروى الطبرسي في الاحتجاج نحوه. (الاحتجاج للطبرسي، ص 319) وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 20، ح 6.

ص: 77

[ 180 ] وقوله: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ»...الآية، منسوخة بآية الميراث (1) . (2) [ 182 ] وقوله: «فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفاً»...الآية، قال العالم عليه السلام: «إذا أوصى الرجل إلى رجل بوصيّة، فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصيّته (3) إلّا أن يوصي بغير ما أمر اللَّه (4) ، فيجوز حينئذ للموصى إليه أن يردّه إلى الحقّ، مثل أن يكون له ورثة، فيجعل المال كلّه لبعضهم ويحرم الباقين، فيجوز أن يردّه الوصي إلى الحقّ، و (الجَنَف): الميل إلى بعض وترك بعض، و (الإثم): أن يوصي بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر». (5) [ 183 ] وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»...الآية، روي أنّه أوّل ما فرض اللَّه الصوم، لم يفرضه إلّا في شهر رمضان، [قال العالم عليه السلام: «فرض اللَّه شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه على الاُمم، فلمّا بعث محمّداً صلى اللَّه عليه وآله خصّه بفرض شهر رمضان [هو واُمّته، وكان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أيّاماً (6) ، ثمّ نزل: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ». قال:] (7) وسئل العالم عليه السلام عن قوله: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»، كيف كان؟ وإنّما نزل في طول عشرين سنة؟ قال: «نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل من البيت المعمور إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله في طول عشرين سنة». (8)

.


1- .وهي قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ» النساء (4): 11.
2- .روى العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 77، ح 167 نحوه، و آية المواريث هي قوله تعالي «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (البقرة (2): 181) يعني بذلك الوصي».
3- .في «ب»: «وصيّة». و في الأصل زيادة: «بل يمضيها على ما أوصى».
4- .في الأصل زيادة: «فيعصي في الوصية ويظلم».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 348، عن تفسير القمّي. وروى العيّاشي ما في معناه في تفسيره، ج 1، ص 78، ح 172).
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 392، عن تفسير القمّي. وروى معناه الصدوق في من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 61، ح 267.
7- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «أ».
8- .كذا في النسخ. والمراد ما يقارب العشرين عاماً، كما يشعر به ما رواه الشيخ الكليني في الكافي، ج 2، ص 460، ح 6.

ص: 78

قال: «ونزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أوّل ليلة من شهر رمضان، والتوراة لستّ خلت (1) منه، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، ونزل القرآن لأربع عشرة ليلة خلت منه». (2) [ 184 ] قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»...الآية، قال: «من مرض في شهر رمضان ثمّ صحّ، فعليه أن يقضي ما فاته في مرضه، فإنّ لم يقض وصحّ حتّى جاء رمضان آخر، فعليه أن يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم مدّاً من طعام، وهو قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، أي: يطيقون الصوم ولم يصوموا «فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ»». (3) [ 187 ] قوله: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ»... الآية، كان النكاح محرّماً في شهر رمضان بالليل أيضاً، وكان قوم ينكحون بالليل سرّاً، فأنزل اللَّه هذه الآية. وكان (4) الأكل بعد النوم محرّماً، فكان من صلّى العشاء ولم يفطر ونام، حرم عليه الأكل إلى الليلة المستقبلة، وكان خوّات بن جبير شيخاً كبيراً، أبطأت عليه زوجته بالطعام، فنام، فلمّا انتبه قال لها: قد حرم (5) عليّ الأكل، فلمّا أصبح حضر حفر الخندق، فأغمي عليه، فرقّ له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأنزل اللَّه: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ»...الآية. (6) [ 188 ] قوله: «وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ» قال العالم عليه السلام: «[قد علم اللَّه أنّه يكون حكاماً] (7) وأنّهم يحكمون بغير ما أنزل اللَّه، فنهى أن يُتحاكم إليهم». (8) [ 189 ] وقوله: «يَسْألونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ»: المواقيت المعروفة. الأشهر (9) الحرم - وهي:

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب»: «خلون».
3- .رواه الشيخ الكليني في الكافي، ج 2، ص 460، ذيل ح 6، والشيخ الطوسي في التهذيب، ج 4، ص 193، ح 552.
4- .رواه الطبرسي في مجمع البيان، ج، ص 494، عن علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق عليه السلام.
5- .العبارة في «ج» هكذا: «والرفث والجماع وكان».
6- .كلمة «اللَّه» من «ص» و «ق»، ولم ترد في «ط».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 399، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 4، ص 89، ح 4، مع اختلاف.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 403، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 85، ح 205.
9- .كذا في «ص» و «ق». وفي «ط»: «والاشهر».

ص: 79

ذو القعدة و ذو الحجّة والمحرّم ورجب - حرّم اللَّه فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب والحسنات. وأشهر السياحة: وهي عشرون ذي الحجّة، والمحرم، وصفر، وربيع الأوّل، وعشرون من ربيع الآخر، وهي قوله: «فَسِيحُوا فِى الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (1). وأشهر الحجّ: وهي شوّال، وذو القعدة وذو الحجّة، وإنّما صارت هذه (2) أشهر الحجّ لأنّه من اعتمر في هذه الأشهر في شوّال أو في ذي القعدة (3) ، ونوى أن يقيم بمكّة حتّى يحجّ وأضاف إلى أفعال الحجّ ما يتبع بها من الذبح وغيره، فقد تمتّع بالعمرة إلى الحجّ؛ لأنّه دخل مكّة (4) في أشهر الحجّ، فسمّيت هذه (5) : أشهر الحجّ. وشهر رمضان معروف. وأمّا المواقيت المبهمة: فعدّة النساء في الطلاق، وعدّة المتوفّى عنها زوجها، وعدّة الإيلاء (6) أربعة أشهر. وأجل الدين، وشهران متتابعان في كفّارة الظهار (7) وكفّارة قتل الخطأ. (8) وقوله: «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرِّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا»، فإنّ من قدم من حجّاج العرب كانوا في أيّام الحجّ لا يدخلون من باب البيت، لكن يدخلون من ظهر الدار، يتسلّقون الحائط. وعن الصادق عليه السلام: «إنّها نزلت في الإمامة؛ لقوله عليه السلام: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها». (9) [ 191 ]قوله: «والفتنة» يعني: الكفر. (10)

.


1- .التوبة (9): 2.
2- .كذا في «ص» و «ق». ولم ترد «هذه» في «ط» والبرهان.
3- .في الأصل زيادة: «أو في ذي الحجّة».
4- .في «ج»: «لأنّه لم يدخل مكّة».
5- .في «ص» زيادة: «الأشهر».
6- .الإيلاء: الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مطلقا. مجمع البحرين، ج 1، ص 463 (ولا).
7- .الظهار: تحريم الزوجة كتحريم ظهر الاُمّ.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 404 - 405، عن تفسير القمّي. وفي الأصل تفصيل.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 409، عن تفسير القمّي. وروى الطبرسي في الاحتجاج، ص 227.
10- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 196، فراجع الأصل.

ص: 80

[ 197 ] قوله: «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجِّ»...الآية، الرفث: الجماع، والفسوق: الكذب، والجدال: الخصومة، وهي قول: لا واللَّه، وبلى واللَّه؛ نهى اللَّه عن ذلك ما دام محرماً. (1) [ 198 - 199 ] قوله: «فَاذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ»... الآية، هذه الآية مقدّمة ومؤخّرة؛ لأنّ قريشاً كانت لا تقف بعرفات، وإنّما تقف بالمشعر في الحرم داخلاً، وعرفات خارجاً من الحرم، فأمر النبي قريشاً أن يخرجوا إلى عرفات فيقفوا بها، فقال لهم: «أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»، والناس هنا: ربيعة وكنانة وسائر العرب. وها هنا تقديم وتأخير؛ لأنّه نزل: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»«فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْد المَشْعَرِ الْحَرَامِ»... الآية، فقدّموا وأخّروا في التأليف. [ 200 ] قوله: «كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ»، قال: «كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم، فيقولون: لا وأبيك، لا وأبي، فأمر اللَّه أن يقولوا: لا واللَّه، وبلى واللَّه». (2) قوله: «فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا»... الآية، عن الصادق عليه السلام قال: «سأل رجل أبي عليه السلام عند منصرفه من الموقف، فقال: أترى يجيب اللَّه هذا الخلق؟ فقال أبي عليه السلام: ما وقف هذا الموقف أحد من الناس، مؤمن ولا كافر، إلّا غفر اللَّه له، إلاّ أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل: مؤمنٌ غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأعتقه من النار. ومؤمنٌ غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه (3) ، وقيل له: أحسن العمل فيما بقي. وكافرٌ (4) وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا، غفر اللَّه له من ذنبه ما تقدّم إن تاب من الشرك، فإن لم يتب وفّاه اللَّه أجره في الدنيا، ولم يحرمه أجر هذا الموقف ». (5) [ 203 ] قوله: «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ» يعني: أيّام التشريق الثلاثة. والأيّام

.


1- .روى العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 95، ح 256 نحوه.
2- .تفسير العيّاشي 1، ص 98، ح 270 - 273.
3- .في النسخ زيادة: «وما تأخّر». والظاهر أنها من سهو القلم.
4- .عطف على قوله: «مؤمن غفر اللَّه له».
5- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 4، ص 521، ح 10؛ و 252، ح 2؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 100، ح 283.

ص: 81

المعلومات (1) : العشر من ذي الحجّة. (2) [ 207 ] قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ»، نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام. (3) [ 208 ] قوله: «ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً»، نزلت في الولاية. (4) [ 213 ] قوله: «كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً»، كانوا قبل نوح على مذهب واحد. (5) [ 217 ] قوله: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ» فإنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بعث عبد اللَّه بن جحش (6) [في نفر من أصحابه] (7) ، وعقد له اللواء وبعثه إلى نخلة - وهي بستان بني عامر - ليأخذوا عير قريش، وقد أقبلت من الطائف، عليها الطعام والأدم، فوافق قدوم العير، وفيهم ابن الحضرمي (8) ، حليف لعتبة بن ربيعة. فلمّا نظر ابن الحضرمي وأصحابه ابن جحش وأصحابه، تهيّئوا للحرب، فأمر عبد اللَّه أصحابه أن ينزلوا ويحلقوا رؤوسهم، ففعلوا. فقال ابن الحضرمي: هؤلاء قوم عمّار (9) ليس علينا منهم بأس، فاطمأنّوا ووضعوا السلاح، فشدّوا عليهم فقتلوا ابن الحضرمي، وأخذوا العير بما فيها، وساقوها إلى المدينة، وكان ذلك في أوّل يوم من رجب، فكتبت قريش إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: إنّك

.


1- .الواردة في سورة الحجّ (22): 28.
2- .روى الشيخ معناه في التهذيب 5، ص 487، ح 1736. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 205، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 445، عن تفسير القمّي. وروى العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 101، ح 292.
4- .روى معناه الشيخ في أماليه، ج 1، ص 306. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 210، فراجع الأصل.
5- .روى الكليني والعيّاشي في معني الآية ما معناه أنّ الناس قبل نوح عليه السلام لم يكونوا على هدىً، وعلى هذا فمعنى قوله: «على مذهب واحد» أي: على مذهب واحدٍ وهو الضلال، لا الإيمان، فتدبَّر؛ وراجع الكافي، ج 8، ص 82، ح 40 و تفسير العيّاشي، ج 1، ص 104، ح 309.
6- .في «ب»: «عبد الرحمن». وعبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي: صحابي، قديم الإسلام، هاجر إلى بلاد الحبشة، ثمّ إلى المدينة، وكان من أمراء السرايا، وهو صهر الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وابن عمّته، أخو زينب اُمّ المؤمنين، قتل يوم اُحد شهيداً في سنة 3 ه، فدفن هو وحمزة في قبر واحد. حلية الأولياء، ج 1، ص 108، ح 13؛ الإصابة، ج 2، ص 286، ح 4583.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل، وموضعه كلمات غير واضحة.
8- .وهو عمرو بن عبد اللَّه الحضرمي.
9- .أي معتمرون. وفي «ق» و «ط»: «عبّاد».

ص: 82

استحللت الشهر الحرام، وسفكت فيه الدم، وأخذت المال، فنزلت الآية تقول: القتال في الشهر الحرام كبير، ولكن الذي فعلت قريش من الصدّ عن سبيل اللَّه «وكُفْرٌ بِهِ والْمَسْجِدِ الْحَرامِ وإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ والْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ». والفتنة: الكفر. ثمّ نزل: «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ» (1)». (2) [ 219 ] وقوله: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ» أي: ماذا يتصدّقون به؟ «قُلِ الْعَفْوَ» أي: الزائد على ما يحتاج إليه ولعياله.«قُلِ الْعَفْوَ»، قال: «لا إقتار ولا إسراف». (3) [ 220 ] وقوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى»... الآية، قال: «لمّا نزل: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى»... الآية (4) ، أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في إخراجهم، فنزلت». وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أنّه قال: «لمّا اُسري بي إلى السماء، انتهيت إلى قوم تقذف في أجوافهم النار، فتخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً»». (5) قال العالم عليه السلام: «لا بأس أن تخلط طعامك بطعام اليتيم، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير (6) ». (7)

.


1- .البقرة (2): 194.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 453، عن تفسير القمّي.
3- .هكذا ورد في النسخ، ولعلّه توضيح من الناسخ، والموجود في الأصل هكذا: « وقوله: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» قال: لا إقتار ولا إسراف». وراجع تفسير العيّاشي، ج 1، ص 106، ح 315، و مجمع البيان، ج 2، ص 558 .
4- .النساء (4): 10.
5- .رواه علي بن إبراهيم في تفسير الآية (10) من سورة النساء رقم (4)، ورواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 30، عن تفسير القمّي.
6- .في «ط»: «يوشك أن يأكل الكبير معه».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 459، عن تفسير القمّي. و روى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 107، ح 318.

ص: 83

[ 221 ] قوله: «وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ»...الآية، هذه منسوخة بقوله في المائدة: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ» (1)...الآية». قوله: «وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا» متروك على حاله لم ينسخ، فلا يحلّ للمسلم أن يزوّج اليهودي والنصراني، ويحلّ للمسلم أن يتزوّج منهم. (2) أقول: هذه المسألة فيها أقوال: فبعضهم قالوا: يحلّ مطلقاً، وبعضهم قال: يحلّ بالعقد المنقطع، وقال قوم: يحلّ في ملك اليمين فقط، وقال قوم: يحلّ بأهل الكتاب (3) ، لا بالمجوسيّة. وبالجملة؛ فالمسألة خلافيّة (4) ، فهذه الآية نصفها منسوخة، ونصفها متروكة على حالها. (5) [ 222 ] وقوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ»...الآية، لا يجوز للرجل أن يجامع أهله في المحيض في الفرج، فإن فعل في أوّل أيّامها فعليه أن يتصدّق بدينار، وفي وسطها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار، وفي آخر أيّامها فعليه أن يتصدّق بربع دينار». (6) أقول: وهل هذه الكفّارة واجبة أو مندوبة؟ خلافٌ، والحقّ الاستحباب؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب. [ 223 ] وقوله: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ»...الآية، قال قوم: هو القبل والدبر، وغلطوا؛ لأنّ «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ» يعني: الزرع، والزرع لا يكون إلّا في الفرج، وهو الولد. و «أَنَّى»

.


1- .المائدة (5): 5.
2- .روى الشيخ الكليني ما يرتبط تفسيره هذه الآية في الكافي، ج 5، ص 357، ح 6 فراجع.
3- .في «ب» و «ج»: «في أهل الكتاب».
4- .للمزيد عن اختلاف الأقوال والروايات في نكاح الكتابيّة ابتداءاً راجع: كشف الرموز للفاضل الآبىّ، ج 2، ص 146 - 148؛ ورياض المسائل للسيّد علي الطباطبائي، ج 10، ص 234؛ والوسائل، ج 20، ص 533 و 543، كتاب النكاح الباب 1 و 6 من أبواب ما يحرم بالكفر، و ج 21، ص 37، الباب 13 من أبواب المتعة. و سيذكر المؤلّف الإجماع على عدم جواز نكاح الكافرة، سواء كانت من أهل الكتاب أوّلاً، في ذيل تفسير الآية (5) من سورة المائدة (5).
5- .روى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 5، ص 357، ح 6.
6- .راجع: وسائل الشيعة 2، ص 327، الباب 28 من أبواب الحيض.

ص: 84

بمعنى متى. (1) أقول: «في وطء المرأة في الدبر خلاف، والحقّ الجواز، وبه قال مالك». (2) [ 226 ] قوله: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ»... الآية، قال: «الإيلاء: هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، وإن استعدت عليه (3) أنظره الإمام أربعة أشهر، ثمّ يقول له بعد ذلك: إما أن ترجع، وإمّا أن تطلّق، فإنّ أبى حبسه أبداً». (4) وروي: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بنى حظيرة من قصب، وجعل فيها رجلاً والى من امرأته بعد الأربعة أشهر، وقال له: «إمّا أن ترجع إلى المناكحة وإمّا (5) أن تطلّق، وإلّا أحرقت عليك الحظيرة». (6) أقول: في إحراقه نظر؛ فإنّه لا يجوز حتماً، (7) وإذا رجع بعد الأربعة أشهر فلابدّ من الكفّارة. (8) [ 228 ] وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ»، قال: «لا يحلّ لها أن تكتم حبلها ولا حيضها». (9)

.


1- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 111، ح 14 - 17. وراجع الوسائل، ج 14، ص 101، باب 72 من أبواب مقدّمات النكاح.
2- .راجع: المدوّنة الكبرى للإمام مالك، ج 6، ص 255 و مواهب الجليل للحطاب الرعيني، ج 5، ص 24 و 184.
3- .في «أ» زيادة: «إلى الإمام»، أي رفعت عليه دعوى إلى الإمام.
4- .لم ترد «أبداً» في «أ». وراجع الوسائل 22، ص 341 أبواب الإيلاء والكفّارات.
5- .في «ط»: «أو».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 470، عن تفسير القمّي.
7- .لايخفى أنّ الوارد في الحديث هو مجرّد التهديد بالإحراق، وأين هو من الاحراق حتّى يعترض بعدم جوازه؟ والذي يدلّ على ذلك ما في تفسير العيّاشي، ج 1، ص 114، ح 349. عن صفوان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، في المؤلي إذا أبى أن يطلّق. قال: «كان علي عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب، ويحبسه فيها، ويمنعه من الطعام والشراب حتّى يطلّق». نعم التنبيه على ضرورة الكفّارة أمر لازم وقابل للاستدراك.
8- .لم يذكر المؤلّف تفسير صدر الآية 228، فراجع الأصل.
9- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 115، ح 356. وراجع للتفصيل الوسائل، ج 22، ص 196 الباب 9 من أبواب العدد.

ص: 85

قوله: «وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» يعني على النساء؛ لأنّ حقّ الرجل على المرأة أفضل من حقّها عليه. (1) [ 229 ] وقوله: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» في الثالثة ، [وهو طلاق السنة] (2) . قال العالم: «أنْ تطلّق المرأة على طهر من غير جماع بشهود، ثمّ يراجعها ثمّ يطلّقها، (3) ثمّ قال: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» في الثالثة، ثمّ قال: «وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» إذا طلّقها «إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ» فهذا نزل في الخلع (4) ». والخلع: أن تقول المرأة لزوجها: لا أبرّ لك قسماً (5) ، ولا أطيع لك أمراً، ولأُدخلنّ بيتك بغير إذنك، ولأُوطّئنّ فراشك بغير إذنك، [أو] (6) تطلّقني. وتدع له ما عليه، فهذا يحلّ له أن يأخذ جميع ما أعطاها، وأفضل (7) ». (8) [ 231 ] وقوله: «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا» قال: «وإذا لم يردها لم (9) يضرّ بها (10) ، فيقول لها كلّما انقضت عدّتها: راجعتك». 11

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .راجع مستدرك الوسائل، ج 14، ص 254 الباب 169 استحباب خدمه المرأة. روى معناه البحراني في البرهان، ج 1، ص 475، عن تفسير القمّي. وروى الصدوق بعض ما يتعلّق بحقّ الرجل على المرأة في من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 276، ح 1314.
3- .كذا، وراجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 103، باب من أبواب اقسام الطلاق.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 477، عن تفسير القمّي.
5- .لا أبرّ لك قسماً: أي لا اُصدّقك.
6- .أي وأفضل من جميع ما أعطاها.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 477، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 230، فراجع الأصل.
8- .في «ج»: «فلا».
9- .إلى هنا رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 482، عن تفسير القمّي.
10- .كذا في «أ»، والظاهر أنّ هذه العبارة مقتبسة من أحكام طلاق السنة التي ذكرها علي بن إبراهيم بالتفصيل، في تفسير الآية 229من هذه السورة، قوله تعالى: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» البقرة (2): 229.

ص: 86

[ 232]وقوله: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ» أي: لا تحبسوهنّ عن النكاح. (1) [ 233 ] وقوله: «لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» فإنّه لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماع أهله ويضارّها (2) ، إذا كان لها ولد يرضع، فيقول لها: لا أقربك، إنّي أخاف عليك الحبل فتقتلي ولدي (3) [وكذلك المرأة لا يحلّ لها أن تمتنع على الرجل، فتقول: إنّي أخاف أن أحبل فأقتل ولدي] (4) ، فهذه المضارّة في الجماع. (5) وقوله: «وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ»، قال: «لا تضارّ المرأة التي لها ولد وقد توفّي زوجها، فلا يحلّ للوارث أن يضارّ اُمّ الولد في النفقة، فيضيّق عليها». (6) وقوله: «فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ»...الآية، أي: إذا اصطلحت الاُمّ والوارث، فتقول: خذ الولد واذهب حيث شئت (7) . (8) [ 234 ] وقوله: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» فهو ناسخ لقوله: «مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ» 9 وقد قدّمت الناسخة على

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 483، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف بقية تفسير الآية 231، فراجع الأصل.
2- .في «ط»: «فيضارّ بها».
3- .في «ص»: «فيعتلّ ولدي»، وفي هامش «ص»: في نسخة : «فيغيل ولدي». وفي «ق»: «فتغيل من ولدي». وفي هامش «ص»: «يقال اخترت الغيلة بولد فلان: إذا أتيت اُمّه وهي ترضعه، وكذلك إذا حملت اُمّه وهي ترضعه، وفي الحديث: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة. والغيل اسم ذلك اللبن». راجع: جامع احاديث الشيعة، ج 20، ص 228، ح 73.
4- .في «ق» وهامش «ص»: «فأغيل ولدي». ولم يرد ما بين المعقوفتين في «ج».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 485، عن تفسير القمّي.
6- .العبارة في «ج» هكذا: «فيقول لها، ص خذي الولد واذهبي به حيث شئتِ».
7- .في هامش «ص» ما يلي: «ذهب المفسّرون إلى أنّ المراد رضا الوالدين في فصال الولد عن الرضاع قبل الحول - واللَّه أعلم - فإنّ أرادا فطاماً له قبل الحولين صادراً عن تراض منهما وتشاور بينهما ليظهر مصلحة الصبي فيه، فلا منع عليهما».
8- .البقرة (2): 240.

ص: 87

المنسوخة في التأليف (1) . (2) أقول: هذا دليل على أنّ القرآن ما هو مرتب كما اُنزل بعد موت الرسول على ما هو الآن. [ 235 ] وقوله: «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ»... الآية، هو أن يقول الرجل للمرأة [في العدة (3) ] (4) إذا توفّي عنها زوجها: لا تحدثي حدثاً، ولا يصرّح لها التزويج. [ 237 ] قوله: «إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ» [وهو الأب أو الوليّ (5) ، ولا يعفوان إلّا بأمرها. (6) أقول: «الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ» ] (7) هو الزّوج، وعفوه: أن يسوق المهر كملاً، روي ذلك عن علي عليه السلام. (8) وقوله: «وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» أي: لا تتركوا. [ 238 ] قوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى». عن الصادق عليه السلام: نزل: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى صلاةالعصر وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ) (9) ، قال: «يعني في المغرب.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في الأصل، وهو الصحيح. وقد وردت العبارة في «أ» هكذا: «في التأويل».
3- .في هامش «ص»: «أي قدمت بستّ آيات، كما سيجي ء بعد». هذا، وقد تقدّمت الإشارة إلى هذا النوع في مقدّمة التفسير عند عنوان «التقديم والتأخير»، فراجع. و روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 129، ح 426 و427.
4- .في «ص»: «يقول الرجل في العدة للمرأة...».
5- .للمزيد عن تفسير الآية راجع التهذيب، ج 7، ص 484، ح 1946.
6- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفصيل العدد، وقد وردت في الأصل ضمن تفسير الآية 237، فراجع.
7- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».
8- .لم نقف عليه صريحاً في رواياتنا، وأمّا في كتب العامة فرواه كُلٌّ من البيقهيّ في السنن الكبرى، ج 7، ص 251، والدارقطني في سننه، ج 3، ص 194 و 195 و المتقي الهندي في كنزالعمّال، ج 2، ص 362، ح 4253، بإسنادهم عن عليّ عليه السلام و نسب الشيخ الطوسيّ رحمه اللَّه عليه والطبرسيّ رحمه اللَّه عليه القول بأنّ الذي بيده عقدة النكاح هو الأب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. فراجع: التبيان 2، ص 273، و مجمع البيان، ج 2، ص 124.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 497، عن تفسير القمّي. وقد وردت الروايات في هذا الشأن مختلفة. راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 1، ص 185.

ص: 88

قال: وقوله: «وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ»، قال: «إقبال الرجل على صلاته حتّى لا يشغله عنها شي ء». (1) أقول: «وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى» قيل: «المغرب»؛ لأنّه أوسط في العدد والوقت. وقيل: «العشاء الآخرة». وقيل: «الصبح». وقيل: «الظهر». وقيل: «العصر». والأشبه أنّها إمّا المغرب، وإمّا الظهر، وإنّما لم يعيّنها حتّى لا تهمل باقي الصلوات، بل يحافظ على الكلّ؛ عنايةً [من ]اللَّه تعالى بخلقه». (2) [ 243 ] قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ»... الآية، عن الصادق عليه السلام، قال: «وقع الطاعون بالشام في بعض الكور (3) ، فخرج منهم خلق كثير هرباً من الطاعون، فصاروا إلى مفازة، فماتوا كلّهم في ليلة واحدة، فبقوا حتّى كان عظامهم يمرّ بها المارّ فينحّيها برجله (4) عن الطريق، ثمّ أحياهم اللَّه وردّهم إلى منازلهم، فبقوا دهراً طويلاً، ثمّ ماتوا وتدافنوا». (5) [ 246 ] وقوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنَي إِسْرَائِيلَ»، عن الباقر عليه السلام (6) : «أنّ بني إسرائيل عملوا بالمعاصي بعد موسى عليه السلام، وغيّروا دين اللَّه، وعتوا عن أمره، وكان فيهم نبّي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه [وروي (7) أنّه إرميا النبي عليه السلام] (8) فسلّط اللَّه عليهم جالوت القبطيّ، فأذلّهم، وقتلهم، وأخرجهم من ديارهم وأموالهم، واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيّهم، وقالوا: سل اللَّه أن يبعث لنا ملكاً، نقاتل في سبيل اللَّه. وكانت النبوّة فيهم في بيت، والملك في بيت، فجمعهما اللَّه في بيت واحد، ثمّ قالوا ما حكاه اللَّه عنهم، وكانت النبوّة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 127، ح 418.
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 239، وهي في بيان صلاة الخوف، فراجع الأصل.
4- .الكور - كصرد - : جمع كورة بضم الكاف، وهي المدينة والبلد والصقع.
5- .لم ترد «برجله» في «ب» و «ج».
6- .رواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 6، ص 123، ح 8، و ج 13، ص 381، ح 1، عن تفسير القمّي.
7- .في «أ»: «ب»، والمراد الإمام الباقر عليه السلام، كما في الأصل.
8- .في «ص» و «ق»: «فروي».

ص: 89

من ولد بنيامين (1) أخي يوسف لاُمّه، لم يكن من بيت النبوّة، ولا من بيت المملكة. [ 248 ]قوله: «أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ» كان التابوت الذي أنزله اللَّه على موسى، فوضعته اُمّه فيه وألقته في اليم. وكانوا يتبرّكون به، فلمّا حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح، ودرعه، وما كان عنده من آثار النبوّة، وأودعه يوشع - وصيّه -، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، فرفعه اللَّه عنهم». والبَقِيَّة: ذريّة الأنبياء، والسَكِينَة: انّ التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فتخرج منه ريح طيبة، لها وجه كوجه الإنسان (2) ، فكان إذا وضع التابوت، فمن تقدّم عليه لا يرجع حتّى يقتل أو يغلب، ومن رجع عنه كفر، وقتله الإمام. وأوحى اللَّه إلى نبيّهم: أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى، وهو رجل من ولد لاوي، اسمه داود بن آسي (3) ، وكان لآسي عشرة بنين، أصغرهم داود». (4) [ 249 - 250 ] قوله: «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ»، قال العالم عليه السلام: «كان [غير] (5) الذين شربوا واغترفوا: ستّين ألفاً، والذين لم يشربوا ولم يغترفوا: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. ولمّا برزوا لجالوت وجنوده [قال الذين شربوا منه: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وجُنُودِهِ» و] (6) قال الذين لم يشربوا: «رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً»...الآية. وجاء داود حتّى وقف بحذاء جالوت [وكان جالوت] (7) على الفيل، قد وضع التاج (8) على رأسه، وفي جبهته (9) ياقوتة يلمع نورها، وجنوده بين يديه. وكان مع داود مقلاع وثلاثة أحجار، فأخذ حجراً منها، فرمى به في ميمنة جالوت، فمرّ في الهواء ووقع عليهم فانهزموا، وأخذ حجراً آخر، فرمى به في ميسرتهم، فوقع عليهم فانهزموا،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في الأصل، وفي «أ»: «ميامين»، وفي «ج»: «يامين»، وفي «ق»: «ابن يامين».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 506، عن تفسير القمّي.
4- .في مجمع البيان: «ايشا».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 507، عن تفسير القمّي، بتفصيل، فراجع الأصل.
6- .الزيادة افتضتها العبارة.
7- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب» و «ج».
8- .في «ص»: «تاج».
9- .في «ط»: «وفي وجهه».

ص: 90

الجزء الثالث

اشاره

ورمى جالوت بحجر ثالث وصل إلى الياقوتة في جبهته، ووصل إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميّتاً» . (1) [ 251 ] قوله: «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ»... الآية، قال الصادق عليه السلام: «حدّثني أبي، قال: إنّ اللَّه يدفع (2) بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. وإنّ اللَّه يدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. وإنّ اللَّه ليدفع بمن يحجّ من شيعتنا عمّن لا يحجّ (3) ، ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا». (4)

[الجزء الثالث][ 255 - 257 ] وقرأ أبو الحسن الرضا عليه السلام آية الكرسي هكذا: «(ألم لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَّرَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ... إلى قوله: «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ ّ الْعَالَمِينَ ) » . (5) [ 258 ] قوله: «فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ» أي: انقطع، وذلك أنّه علم أنّ الشمس أقدم منه. (6) وعن الصادق عليه السلام: «إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة سبعة نفر؛ أوّلهم: ابن آدم الذي

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 507، عن تفسير القمّي. قصّة داود و كيفيّة قتله لجالوت في تفسيره، ج 1، ص 134، ح 445 بتفصيل، فراجع.
2- .في «ق»: «ليدفع».
3- .في «ط» زيادة: «من شيعتنا».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 512. وروى محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 2، ص 326، ح 1؛ وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 135، ح 446. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 252 - 254، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 516، عن تفسير القمّي. وقال الشهيد الثاني في روض الجنان، ص 328، ما نصه: «وفي الأخبار اختلاف كثير في تعيين ما يضاف إلى الآية التي ذكرناها بحيث يطلق على الجميع آية الكرسي على التنزيل». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 256 - 257، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 528، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 139، ح 464، باختصار.

ص: 91

قتل أخاه، ونمرود بن كنعان، واثنان من بني إسرائيل هوّدا قومهما ونصّراهما، وفرعون الذي قال: أنا ربّكم الأعلى، واثنان من هذه الاُمّة؛ في توابيت من قوارير، تحت الفلق في بحر من نار». (1) [ 259 ] قوله: «أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ»... الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لمّا عمل بنو إسرائيل بالمعاصي، أراد اللَّه أن يسلّط عليهم من يذلّهم ويقتلهم، فأوحى إلى إرميا: يا إرميا، ما بلاد انتخبتها (2) من بين البلدان، فغرزت فيها من كرائم الشجر، فأخلفت ما أنبتت وأنبتت خرنوباً (3) ؟ فأخبر إرميا أحبار (4) بني إسرائيل، فقالوا: راجع ربّك (5) ليخبرنا ما معنى هذا المثل. فصام إرميا سبعاً، فأوحى اللَّه إليه: يا إرميا، أمّا البلد فبيت المقدس، وأمّا ما أنبت فيه فبنو إسرائيل (6) الذين أسكنتهم فيها، فعملوا بالمعاصي، وغيّروا ديني، وبدّلوا نعمتي كفراً. فبي حلفت لأتيحنّهم فتنة (7) يظلّ الحليم فيها حيراناً، ولأَسَلِّطَنَّ عليهم شرّ عبادي ولادة، وشرّهم طعامأ، فيتسلّطنّ عليهم بالجبرية، فيقتل مقاتلتهم، ويسبي حريمهم، ويخرب بيتهم الذي يغترّون به، ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة. فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل، فقالوا: راجع ربّك، فقل له: ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء من الناس؟ فراجعه، فأوحى اللَّه إليه: لتكفنّ عن هذا، أو لأردنّ وجهك إلى (8) قفاك. [قال: ثمّ أوحى اللَّه تعالى إليه: قل لهم: لأنّكم رأيتم المنكر فلم تنكروه] (9) .

.


1- .روى نحوه الصدوق في الخصال، ص 346، ح 15، و في ثواب الأعمال، ص 214 - 215.
2- .في «ط»: «انتخبته».
3- .الخرنوب: شجر برّيّ من الفصيلة القرنية، ذو شوك وحمل كالتفّاح، لكنّه بشع. القاموس المحيط، ج 1، ص 63 (خرب)؛ المعجم الوسيط، ج 1، ص 223 (خرب).
4- .في «ط»: «أخيار علماء».
5- .في «ب»: «إلى ربّك».
6- .في «ب» و «ج»: «وما أنبت فيها بنو إسرائيل».
7- .في «أ» و «ج»: «لأمتحنّهم فتنة».
8- .كذا في «ج» والأصل. وفي «أ» و «ب»: «لأردنّ رأسك على قفاك».
9- .ما بين المعقوفتين من «ج» والأصل.

ص: 92

[أقول:] (1) قوله هذا موضع نظر؛ (2) فإنّ الجواب - لو صحّ النقل - : إنّي اُعرض عمّن لا يستحق ذلك، وانتقم ممّن يستحق ذلك واُعذّبه بالنار. فقال أرميا: ربّ، فأعلمني من هو حتّى آتيه، فآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أماناً؟ قال: إئت موضع كذا، فانظر إلى غلام أشدّهم زمانة (3) ، وأخبثهم ولادة، وأضعفهم [جسماً] (4) ، وأشرّهم غذاء، فهو ذاك. فأتى إرميا ذلك البلد، فإذا هو بغلام في خان، زِمنٍ (5) ، ملقى على مزبلة وسط الخان، وإذا له اُمّ تزني بالكسر، وتفتّ الكسر في القصعة، وتحلب عليه (6) خنزيرة لها، [ثمّ تدنيه من ذلك الغلام] (7) فيأكله. فقال إرميا: هذا ذاك. فدنا منه، فقال: ما اسمك؟ قال: بخت نصر. فعرفه أنّه هو، فعالجه حتّى برئ. فقال له: تعرفني؟ قال: لا، أنت رجل صالح. قال: أنا إرميا نبيّ بني إسرائيل، أخبرني ربّي (8) أنّك تسلّط على بني إسرائيل، فتقتل رجالهم، وتفعل بهم ما تفعل. قال: فتاه (9) الغلام في نفسه، ثمّ قال له إرميا: اكتب لي كتابا أماناً منك. فكتب له كتاباً. وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب، ويدخل المدينة ويبيعه، فدعا الحطّابين إلى [حرب بني إسرائيل، فأجابوه] 10 ، ورجع إرميا إلى بني إسرائيل، فبلغ أنّ حطّاباً قد خرج يدعوا إلى حرب بني إسرائيل، وكان مسكنهم في بيت المقدس، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس. فلمّا بلغه إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على

.


1- .الزيادة اقتضتها العبارة.
2- .أقول: إنّ مجرد السكوت على الظلم وعدم إنكار المنكر يمكن أن يكون سبباً في إنزال العقاب.
3- .الزمانة: مرض يدوم. المعجم الوسيط، ج 1، ص 401 (زمن).
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .الزمن: وصف من الزمانة، أي مريض.
6- .كذا في الأصل. وفي «أ»: «له».
7- .كذا في النسختين، وفي الأصل: «أخبرني اللَّه».
8- .تاه: تحيّر أو تكبّر. الصحاح، ج 6، ص 2229 (تيه).
9- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والعبارة في «أ» و «ج» هكذا: «فدعا الحطابين إلى أمره».

ص: 93

حمار ومعه الأمان (1) . فقال: أمّا أنت فقد أمنتك، وأمّا أهل بيتك فإنّي أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي، و إن لم تصل فهم آمنون. وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس، فحملت الريح النشابة حتّى علقتها في بيت المقدس، فقال: لا أمان لهم عندي. فلمّا وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة، وإذا دم يغلي وسطه، وكلّما ألقي عليه التراب خرج وفار وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا [دم ] (2) نبيّ من أنبياء اللَّه، قتله ملك بني إسرائيل ودمه يغلي، وكلّما ألقينا عليه التراب خرج يغلي. فقال بخت نصر: لأقتلنّ بني إسرائيل حتّى يسكن هذا الدم. وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليه السلام، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مائة سنة. فلم يزل يقتلهم، وكان يدخل قرية قرية، فيقتل الرجال والنساء والصبيان، والدواب وكلّ حيوان (3) . فخرج إرميا على حمار ومعه تين قد تزوّده وعصير، فنظر إلى سباع البرّ وسباع البحر وسباع الجوّ تأكل الجيف، ففكّر في نفسه، وقال: كيف يحيى اللَّه هذه؟ فأماته اللَّه مكانه. وهو قوله: «أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ»». قوله: «ثمَّ بَعَثَهُ» أي: أحياه. فلمّا رحم اللَّه بني إسرائيل [وأهلك بخت نصر، ردّ بني إسرائيل] (4) إلى الدنيا، وكان عزير - لمّا سلّط اللَّه بخت نصر على بني إسرائيل - هرب منه ودخل في عين، وغاب فيها. (5)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الأصل زيادة ما يلي: «فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده وأصحابه، فصيّر الأمان على قصبة أو خشبة ورفعها. فقال: من أنت؟ فقال: أنا أرميا النبيّ الذي بشّرتك بأنّكّ سيسلّطك اللَّه على بني إسرائيل، وهذا أمانك لي». وفي العبارة سقط، ويظهر من السياق: أنّ إرميا كان قد أخذ الأمان لأهل بيته أيضاً كما يدلّ عليه قوله «فآخذ لنفسي وأهل بيتى منه أماناً».
3- .في الأصل زيادة ما يلي: «والدم يغلي حتّى أفناهم، فقال: بقي أحد في هذه البلاد؟ فقالوا: عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي» و فيه أيضا مصير بخت نصر فراجع.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والعبارة في «ج» هكذا: «وأراد أن يهلك بخت نصر، ويردّ بني إسرائيل».
5- .في الأصل: و بقي إرميا (في هامش «ط» في نسخة: «دانيال»). ميتاً مائة سنة، ثمّ أحياه اللَّه تعالى، فأوّل ما أحيا منه عيناه في مثل غرقئ. (الغرقى: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. (المعجم الوسيط، ج 2، ص 650). فنظر، فأوحى اللَّه تعالى إليه: كم لبثت؟ قال لبثت يوماً. ثمّ نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال: أو بعض يوم. فقال اللَّه تعالى: «بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِك وشَرابِك لَمْ يَتَسَنَّهْ» أي لم يتغيّر «وانْظُرْ إِلى حِمارِك ولِنَجْعَلَك آيَةً لِلنَّاسِ وانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً» فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللّحم الذي قد أكلته السباع يتألّف إلى العظام من هاهنا وهاهنا، ويلتزق بها حتّى قام، وقام حماره، فقال: «أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» » ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 529 - 532، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 140، ح 466، مختصراً.

ص: 94

أقول: المشهور أنّه كان عزير، هو المشار إليه. [ 260 ] قوله: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى»... الآية، قال: «إنّ إبراهيم عليه السلام مرّ على جيفة على ساحل البحر، تأكل سباع البر وسباع البحر منها، ثمّ وثبت السباع بعضها على بعض، فأكل بعضها بعضاً، فتعجب، وقال: «رَبَّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى»...الآية. أقول: قد أنكر السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء هذه الرواية أشدّ إنكار، وهو الحقّ. (1) فأخذ إبراهيم عليه السلام الطاووس والديك والحمام والغراب، فقطّعهنّ وخلط لحمهنّ وفرّقهنّ على عشرة جبال، ودعاهنّ فقال: احتيي بإذن اللَّه، فأنكفأ لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه، وطارت إلى إبراهيم. (2) [ 261 ] قوله: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ كَمَثلِ حَبَّة»...الآية، أخبر اللَّه أنّ للمتصدّق بكلّ درهم سبع مائة درهم، قال: «وَاللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يَشَآءُ»». (3) [ 267 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ»... الآية، قال: «كان قوم إذا صرموا نخلهم يعمدون إلى أردأ تمورهم، فيتصدّقون به، فنهاهم اللَّه عن ذلك، فقوله: «وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إلّا أن تُغمِضُوا فِيِه» يعني: لو دفع إليكم ذلك، لمّا أخذتموه إلّا بالكُرهِ». (4)

.


1- .راجع ما قاله الشريف المرتضى حول تفسير الآية في تنزيه الأنبياء، ص 49 - 52.
2- .في الأصل زيادة: «فعند ذلك قال إبراهيم: «انَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 536، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 142، ح 469.
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 262، فراجع الأصل.
4- .روى الكليني معناه في الكافي، ج 4، ص 48، ح 9، وروى معناه أيضاً العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 148، ح 489. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 268 و 269، فراجع الأصل.

ص: 95

[ 271 ] قوله: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ»، قال الصادق عليه السلام: «هي الزكاة المفروضة، تخرج علانية (1) ، وإن دفعت سرّاً فهو أفضل». (2) [ 276 ] وسئل العالم عن قوله: «يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ»، (3) قد نرى الرجل يربي فيزيد ماله ويكثر (4) ؟ فقال: «يمحق اللَّه دينه وإن كثر ماله». (5) وقال الصادق عليه السلام: «درهم من ربا أعظم عند اللَّه من سبعين زنية بذات محرم في بيت اللَّه الحرام». (6) [ 282 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ»... الآية، روي أنّ في البقرة خمس مائة حكم، (7) وفي هذه الآية أربعة عشر حكماً، (8) فقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ إِلَى اََجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ» فهذا حكم «وَلْيَكْتُب بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ»حكمان «وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ» ثلاثة أحكام (9)«وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ» أربعة أحكام (10)«فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَو لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ» أي لا يحسن أن يملي «فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ» يعني وليّ المال، ستّة أحكام (11)«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ» سبعة أحكام «فَإِنْ

.


1- .في ألاصل زيادة: «وتدفع علانية، وبعد ذلك غير الزكاة».
2- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 3، ص 502، ح 17. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيتين 273 و275، فراجع الأصل.
3- .في الأصل قيل للصادق عليه السلام.
4- .كذا في النسخ، والعبارة في الأصل هكذا: «قد نرى الرجل يربي وماله يكثر؟».
5- .روى نحوه الشيخ في التهذيب، ج 7، ص 15، ح 65، و 19، ح 83 .
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 557، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 280، فراجع الأصل.
7- .هذا هو المشهور كما في الوافية للفاضل التوني، ص 256 وكنز العرفإن، ج 1، ص 5، ومبادئ الوصول للعلّامة، ص 242، ولم نقف فيه على رواية في ذلك. وفي الحصر أيضاً نظر، ذكرنا التفصيل فيه في مقال خاصّ، نشر في المجلد الثاني من موسوعة الفقه الاسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص 48 (مادة: آيات الاحكام).
8- .ذكر الشيخ الطوسي في التبيان، ج 2، ص 378، ما رواه القمّي في تفسير الآية مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، فراجع.
9- .وفي الأصل جعل «وليكتب» حكماً مستقلاً رابعاً.
10- .في الأصل زيادة: «وهو إقراره إذا أملى «وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيًْا»، ولا يخونه ستّة أحكام.» والصحح خمسة أحكام.
11- .لاحظ الهامش المتقدّم.

ص: 96

لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَّن تَرضُون مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى». تضلّ، أي تنسى، ثمانية أحكام (1)«وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوْا» أي: للشهادة. تسعة أحكام (2)«وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ» عشرة أحكام «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا» أي: لا تشكّوا «إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ الَّا تَكْتُبُوهَا» أحد عشر حكماً (3)«وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ» ثلاثة عشر حكماً «وَإِنْ تَفْعَلُوْا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُم» أربعة عشر حكماً. (4) [ 285 ] قوله: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ»...الآية، قال الصادق عليه السلام: «هذه الآية شافه اللَّه بها رسوله صلى اللَّه عليه وآله. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء وانتهيت إلى محلّ سدرة المنتهى، فإذا الورقة منها تظلّ اُمّة من الاُمم، فناداني ربّي تعالى وتقدّس: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ». فقلت أنا مجيباً: «وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ»...الآية. [ 286 ]فقال اللَّه: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ». فقلت أنا: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينَا أوْ أخْطَأنَا»...الآية. فقال: قد أعطيتك ذلك كلّه لك ولاُمّتك». (5)

.


1- .للمزيد حول تفسير هذه الفقرة راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 651، ح 372.
2- .للمزيد عمّا ورد عن الأئمّة عليهم السلام في تفسير قوله تعالى: «ولا يَأْبَ الشُّهَداءُ»، و «ومَنْ يَكْتُمْها»... الخ راجع: الكافي، ج 7، ص 379، ح 2، و ص 280، ح 2، والتهذيب، ج 6، ص 275 ح 750 و 753.
3- .في الأصل زيادة: ««وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ» ثلاثة عشر حكماً، والصحيح: إثنا عشر حكماً».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 561 - 562، عن تفسير القمّي. وفيه: «خمسة عشر حكماً». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير باقي فقرات الآية 282، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 570، عن تفسير القمّي. وروى ما يقاربه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 157، ح 530.

ص: 97

سورة آل عمران (3)

سورة آل عمران (3)[مدنيّة، وهي مأتا آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 6 ] قوله: «يُصَوِّرُكُمْ فِى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ» يعني: ذكراً أو اُنثى، وأسود وأبيض وأحمر، وصحيحاً وسقيماً (1) . (2) [أقول:] وهذا يدلّ على أنّه تعالى هو المصوّر، لا القوّة المصوّرة، كما هو الظاهر؛ فإنّها ليس لها نقيصة (3) . [ 7 ] قوله: «مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ»، فالمحكم: ما تأويله في تنزيله (4) ، مثل قوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُم أُمّهاتكُمْ» (5)...الآية، ومثل: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا» (6)...الآية. (7) والمتشابه ما لفظه واحد ومعناه مختلف (8) ، مثل ما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة أوجه (9) ، والإيمان الذي هو على أربعة أوجه (10) ، والفتنة والخلق والقضاء

.


1- .هنا عبارة غير واضحة، أمكن قراءة ما يلي منها: «ولنزيح فيه إلى أكثر من التنزيل ».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 596، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 4 من هذه السورة، فراجع الأصل.
3- .كذا ظاهراً، والكلمة غير واضحة، و العبارة في «أ» و «ج» هكذا: «وهذا يدلّ على أنّه تعالى هو المصوّر، وله القوّة المصوّرة كما هو الظاهر، فإنّها ليس لها...». وقد وردت هذه العبارة في بعض النسخ، بعد تفسير الآية اللاحقة.
4- .لم ترد: «في تنزيله» في «ج».
5- .وردت هذه العبارة في موارد عديدة، منها في النساء (4): 23.
6- .المائدة (5): 6.
7- .راجع عنوان «ما تأويله في تنزيله» في مقدّمة الكتاب.
8- .هذا نوع من المتشابه، وقد ذكرت أنواع اُخرى في المقدّمة، فراجع.
9- .راجع ماذكره في تفسير الآية 6 من سورة البقرة.
10- .راجع ماذكره في تفسير الآية 5 من سورة البقرة.

ص: 98

والضلال، وأشياء كثيرة (1) ممّا لفظها واحد ومعناها مختلف. قوله: «زَيغٌ» أي: شكّ. قوله: «وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» أي: الداخلون فيه، يعني الأئمّة عليهم السلام. وعن أبي جعفر عليه السلام: «أفضل الراسخين في العلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأوصياؤه بعده». (2) [ 12 ] وقوله: «قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ»... الآية، نزلت لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من بدر، فأتى بني قينقاع وهم بناديهم (3) ، وكان بها سوق يسمّى: سوق النبط (4) ، فناداهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا معشر اليهود، قد علمتم ما نزل بقريش وهم أكثر عدداً وسلاحاً منكم، فادخلوا في الإسلام». فقالوا: إنّك تحسب حربنا مثل حرب قومك، إنّك لو لقيتنا للقيت الرجال. فأنزل اللَّه: «قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ»... الآية. (5) [ 14 ] وقوله: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ» يعني: جلود الثيران مملوءة «مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ» (6) يعني: الراعية «وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ»، وهو الزرع. (7) [ 15 ] قوله: «أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ»، قال: «هنّ اللاتي لا يحضن ولا يحدثن». (8) [ 18 ] قوله: «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ» قال: «هو مقدّم

.


1- .راجع: ماعلقناه في عنوان «المحكم والمتشابه» في المقدّمة.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 598، عن تفسير القمّي. وروى معناه الشيخ محمّد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات، ص 223، ح 4 و 8، والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 164، ح 6 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 7 و 9 و 11، فراجع الأصل.
3- .نادي القوم: محلّ تجمّعهم. وبنو قينقاع: قبيلة من اليهود كانوا بالمدينة.
4- .النبط: قوم ينزلون البطائح بين العراقين، والجمع: أنباط. ورجل نبطي، مثل يمني.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 600، عن تفسير القمّي.
6- .العبارة في الأصل هكذا: «يعني جلود الثيران مملوءة ذهباً: «وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ»...».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 602، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 15 - 17، فراجع الأصل.
8- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 164، ح 11.

ص: 99

ومؤخّر، إنّما هو: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ قَائِماً بِالْقِسْطِ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)». (1) [ 20 ] قوله: «والاُمّيِّينَ»، أي الذين ليس معهم كتاب من العرب وغيرهم. [ 24 ] قوله: «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ» يعني: الأيّام التي عبدوا فيها العجل. [ 27 ] وقوله: «تُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ» قال: «تولد المؤمن من الكافر، و تولد الكافر من المؤمن» «وَتَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» قال: «بلا كدّ ولا عناء ولا تقتير ». [ 28 ] وقوله: «لاَ يَتَّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» حرّم اللَّه على المؤمن أن يتّخذ الكافر وليّاً من دون المؤمنين إلّا أن يتّقوا منهم [تقاة، فإنّ هذه الآية رخصة عند التقيّة للمؤمن؛ أن يدين بدين الكافر، فيصلّي] (2) بصلاته ويصوم بصومه إذا اتّقاه في الظاهر. وفي الباطن يدين اللَّه بخلاف ذلك. (3) [ 31 ] قوله: «قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللّهُ». حبّ اللَّه للعباد: رحمة منه لهم، وحبّ العباد للَّه: طاعتهم له. (4) [ 33 ] قوله: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ»...الآية، روي: «[نزل:] (5) وآل عمران وآل محمّد على العالمين». (6)

.


1- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 15، وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 165، ح 18. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 19، فراجع الأصل.
2- .كذا ظاهراً، والعبارة غير واضحة في «أ»، وفي «ج» العبارة هكذا: «ورخّص اللَّه التقية للمؤمن؛ أن يوالي الكافر فيصلّي...».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 607، عن تفسير القمّي. و روي العيّاشي ما يتعلّق تفسيره هذه الآية في تفسيره، ج 1، ص 166، ح 24.
4- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 8، ص 26، ح 4، والصدوق في الخصال، ص 21، ح 74.
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 612، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 168، ح 30 و 34 و 35 والشيخ في أماليه، ج 1، ص 30، و هو من باب التفسير والبيان كما فصّلنا الكلام في ذلك في مقدّمتا الأصل، فراجع.

ص: 100

[أقول:] (1) هذه الآية تدلّ على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة. [ 35 - 37 ] قوله: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ»... الآية، قال: «إنّ اللَّه تعالى أوحى إلى عمران: إنّي واهب لك ذكراً يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللَّه، فبشّر عمران زوجته حين حملت، فقالت: «رَبِ ّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا»... الآيات، فوهب اللَّه لمريم عيسى عليه السلام». (2) فلمّا بلغت مريم، ثمّ صارت في المحراب أرخت الستر على نفسها، وكان لا يراها أحد، وكان يدخل إليها زكريّا المحراب، فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس، فيقول لها: «أَنَّى لَك هذا» فتقول: «هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ». (3) [ 39 ] قوله: «وَحَصوُرَاً». الحصور: الذي لا يأتي النساء. [ 41 ] وقوله: «رَبِّ اجْعَلْ لِى آيَةً» وذلك أنّ زكريّا ظنّ أنّ الذين بشّروه بالوليّ (4) هم الشياطين، وإنّما كان المبشّر جبرئيل، فخرس ثلاثة أيّام. (5) [ 42 ] قوله: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ». فأمّا اصطفاؤها فهو على عالم زمانها، ومنه قول الشاعر:في وجهه شافع يمحو إساءته من القلوب وجيهاً حيث ما سفرا 6

.


1- .ما بين المعقوفتين أضفناه للسياق.
2- .روي نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 171، ح 39.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 618، عن تفسير القمّي.
4- .في «ب»: «بالولد».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 618، عن تفسير القمّي. وروى ما يتعلّق بتفسير الآية في تفسير العيّاشي 1، ص 172، ح 43 و44، فراجع.

ص: 101

أمّا الأوّل: فاختيارها، وأمّا الثاني: فما رزقها من الولد من غير ذكر. (1) [ 43 ] قوله: «يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ» وهذا مقدّم ومؤخّر، وإنّما هو: (اقنتي لربّك واركعي واسجدي). (2) أقول: فيه نظر؛ لأنّه قرأه سبعة متواترة، ولايلزم من أنّ الركوع عنده مقدّم على السجود، أن يكون في ملّة اُخرى كذلك، وأيضاً: (الواو) لا يدلّ على الترتيب، بل هي للجمع بين الشيئين من غير ترتيب. [ 45 ] قوله: «وَجِيهاً فِى الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» يعني: ذا جاه فيهما. (3) [ 49 ] قوله: «أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ»[ أي: أقدّر، و] (4) هذا خلق تقدير. (5) [ 59 ] قوله: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ»... الآية، قال العالم: «إنّ نصارى نجران وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وكان سيّدهم: الأهتم والعاقب والسيّد، وكانوا من علمائهم، فقدموا في نحو من ثلاثين قسيساً، فلمّا دخلوا مسجد النبي حضرت صلاتهم، فتنحّوا ناحية وجعلوا (6) يضربون بالناقوس، وصلّوا. أقول: إنّ هذه القصّة كانت قبل نزول الوحي من منع الكافر من الدخول في المسجد، بقوله: «إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» (7). فقال أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: يا رسول اللَّه، هذا في مسجدك؟! فقال: دعوهم. فلمّا فرغوا دنوا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: إلى ما تدعونا يا محمّد؟

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 618، عن تفسير القمّي. و راجع مجمع البيان، ج 2، ص 746.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 620، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 624، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 625، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 50 - 55، فراجع الأصل.
6- .في «ب»: «وأقبلوا».
7- .التوبة (9): 28.

ص: 102

فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه، وأنّ عيسى عبد مخلوق، يأكل ويشرب ويحدث. قالوا: ومن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أ كان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: نعم. فقال: فمن أبوه؟ فبهتوا ولم يكن عندهم جواب. أقول: [الأمر] (1) في آدم أغرب وأعجب؛ لأنّه ليس له اُمّ ولا أب، بخلاف عيسى؛ فإنّ الاُنثى قد تلد عند الأطبّاء من غير إتيان رجل. فقال اللَّه: «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»... الآية». (2) [ 61 ] وأمّا قوله: «فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا»... الآية. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله:[ فباهلوني] (3) ، إن كنت صادقاً نزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً نزلت عليّ. فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم: إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة، فلا نباهله؛ فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلّا وهو صادق. فلمّا أصبحوا جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم، فقالت النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: ابن عمّه ووصيّه وختنه (4) وأبو ولده علي بن أبي طالب، وهذه بنته، وهذان ابناه: الحسن والحسين. ففزعوا، فقالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: نعطيك الرضا، فاعفنا من المباهلة. فصالحهم على الجزية، وانصرفوا. (5)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .الزيادة اقتضاها السياق.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 629، عن تفسير القمّي.
4- .في «ب»: «وحبيبه».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 629، عن تفسير القمّي. وراجع «آية المباهلة» لمركز المصطفى صلّى اللَّه عليه وآله.

ص: 103

أقول: في هذه الآية أقوى دليل على اختصاص المذكورين بالشرف والفضل والمنزلة القريبة من اللَّه ورسوله، بالتقديم لهم على كلّ الصحابة والقرابة، وأنّهم من تمام الرسالة والمعجزة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وعن قوله: «وَأَنْفُسَنا» لا يريد أنّ نفس عليّ نفسه عليه السلام وإلّا لزم الاتّحاد الباطل، بل هو يريد أنّه مثله وشبيه له إلّا النبوّة، فإنّها مستثناة، فلابدّ من إخراجه. فإنّ قلت: قوله: «وَأَبْناءَنا» هذا، ينافي قوله: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ» (1). قلنا: لا منافاة؛ لأنّ اللَّه تعالى قال: «مِن رِّجَالِكُمْ» أي من رجال المخاطبين، وهذه بيّنة، فلا منافاة. (2) [ 75 ] قوله: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ»... الآية، نزلت في اليهود؛ لانّهم قالوا: يجوز لنا أن نأخذ مال الأُميّين [والأُميّيون: الذين ليس معهم كتاب، فردّ اللَّه عليهم فقال: «وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».] (3) [ 81 ] وأمّا قوله: «وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ»... الآية. قال العالم: «لمّا خلق اللَّه آدم وأخرج ذرّيته من ظهره، أخذ الميثاق لنفسه بالربوبية، ثمّ أخذ الميثاق لمحمّد صلى اللَّه عليه وآله على الأنبياء [ أن يؤمنوا به وينصروه ويخبروا اُممهم بخبره».] (4) قوله: «إِصْرِى» أي: عهدي «قَالُوا أَقْرَرْنَا» فقال اللَّه للملائكة: «فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِنَ الشَّاهِدِينَ» تفضيلاً لرسوله على الأنبياء. (5)

.


1- .الأحزاب (33): 40.
2- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 65 - 72، فراجع الأصل.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل. ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 642، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 77 - 80، فراجع الأصل.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل. ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 646، عن تفسير القمّي. وفي هامش «ص»: «إنّ هذه الآية ليست دليلاً للرجعة، كما ذكره الصدوق، بل هي دليل على ظهور قائم آل محمّد في آخر الزمان، وللرجعة دليل آخر، فراجع.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 646، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 83 - 92، فراجع الأصل.

ص: 104

الجزء الرابع

اشاره

[الجزء الرابع][ 93 ] وأمّا قوله: «كُلُّ الطَّعامِ كَانَ حِلّاً»... الآية، زعم اليهود أنّ لحم الجمل محرّم في التوراة، فقال اللَّه: «فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ» [إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه، ولم يحرّمه على الناس. وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر».] (1) [ 96 ] قوله: «بِبَكَّةَ». معنى بكة: اي يبكّ الناس بعضهم بعضاً [في الزحام»]. (2) [ 102 ] قوله: «اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ» منسوخ بقوله: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (3). [أقول:] قال العالم: «قوله: «مَا اسْتَطَعْتُمْ» تكذيب لقول الأشاعرة بأنّ الانسان غير مستطيع ولا قادر» وهو نصّ صريح عاضده العقل. [ 103 ] قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً» يعني: التوحيد والإيمان والولاية. (4) قوله: «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ»... الآية. [أقول:] هذه الآية نزلت في العرب خاصّة، وقيل: إنّما نزلت في الأنصار فقط، الأوس والخزرج؛ وكانت بينهما عداوة وحروب وقتال ونفار، وذلك أنّهم بقوا في الحرب مائة سنة، حتّى ولد لهم عليه الأولاد، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، فلمّا بعث اللَّه نبيّه ألّف بين قلوبهم، وهو أنسب بسياق الكلام وبالصيغة الواقعة، لا نهي المسلمون أوّلاً. [ 104 ] قوله: «وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ»... الآية، قال العالم: «إنّما نزل: (وَلِتَكُن مِنكُمْ أئمَّةٌ)». (5)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل. ورواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 654، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 184، ح 86.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والبّك: الدفع. و راجع الكافي، ج 4، ص 526، ح 7 و علل الشرائع، ص 397، ح 4 و5. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 97، فراجع الأصل.
3- .في قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيراً لِأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». التغابن (64): 16.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 668، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 194، ح 123 و124.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 673، عن تفسير القمّي. و هذه قراءة خاصّة رويت عن أبي عبداللَّه عليه السلام، راجع: تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 358.

ص: 105

[ 106 ] قوله: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ»... الآية، عن أبي ذر رحمه اللَّه عليه، قال: لمّا نزلت هذه الآية، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ترد عليّ اُمتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الاُمّة، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه (1) ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه (2) . فأقول: ردّوا إلى النار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الاُمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول: ردّوا النار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الاُمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه [وصنعنا به كلّ قبيح] (3) فأقول: ردّوا النار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية ذي الثدية (4) مع أوّل الخوارج وآخرها، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فمزقناه (5) وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه (6) . فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم. ثمّ ترد عليّ راية مع إمام المتّقين، وسيّد الوصيّين (7) ، وقائد الغرّ المحجّلين، ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم (8) : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه

.


1- .في «ب» و «ج»: «فخرقناه».
2- .في «ب» و «ج»: «وقتلناه».
3- .ما بين المعقوفتين من البرهان.
4- .ذكر الفيروزابادي في القاموس: إنّ ذو الثدية هو لقب حرقوص بن زهير، كبير الخوارج، ولقب عمرو بن عبد ودّ الذي قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام. ولكن المراد هنا - بقرينة اقترانه بأوّل الخوارج وآخرها، وكونه رابع أربعة، وأنّ لقب ذو الثدية لا يستعمل عند العرب إلّا للكلب، وأنّ الكلب من صفته العواء، وإنّ اسم معاوية، مشتق منه - هو: معاوية بن أبي سفيان.
5- .في «ط»: «ففرقناه».
6- .في «ج»: «فبرئنا منه وحاربناه».
7- .في «ط»: «المسلمين».
8- .في «ب» و «ج»: «فأسألهم».

ص: 106

ونصرناه حتّى أهريقت (1) فيهم دماؤنا. فأقول: ردّوا الجنّة رواء مرويين، مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هذه الآية: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ»...». (2) [ 110 ] قوله: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ» [قرئت عند أبي عبد اللَّه عليه السلام «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ» ] (3) فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام لقاري هذه الآية: «خَيْرَ أُمَّةٍ» يقتلون [أمير المؤمنين والحسن و] (4) الحسين بن علي؟ فقال [القاري] (5) : جعلت فداك، كيف نزلت ؟ قال: «إنّما نزلت: (كُنْتُمْ خَيْرَ أئمَّةٍ)». (6) [ 112 ] قوله: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ»... الآية، قال: «نزلت في الذين غصبوا حقوق آل محمّد». قوله: «بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ» يعني: بعهد من اللّه وعقد من رسوله. (7) [ 115 ] قوله: «فَلَن يُكْفَرُوهُ» أي: لن يجحدوه. (8) [ 117 ] قوله: «فِيهَا صِرٌّ». الصرّ: البرد، والصرّ - أيضا - : الحرّ، وهو من أسماء الأضداد. 9 [ 118 ] قوله: «لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ» نزلت في اليهود، أي: لا تفضوا إليهم أسراركم. 10

.


1- .في «ب» و «ج»: «أهرقت».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 675، عن تفسير القمّي.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 676، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 195، ح 129. وراجع التعليق على الآية رقم 1040.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 676، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 1956، ح 131، وابن شهراشوب في المناقب، ج 3، ص 7.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 676، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 678، عن تفسير القمّي. وفي هامش «أ» ما يلي: «والصر: الحر الضارّ، وهي من ألفاظ الأضداد».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 678، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 118 و 119، فراجع الأصل.

ص: 107

[ 121 ] وقوله: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ»... الآية، نزلت لمّا أراد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يتوجّه إلى حرب اُحد، وذلك أنّ قريشاً لمّا رجعت من بدر، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، أجمعوا ألّا يبكون على قتلاهم حتّى يطلبوا بثأرهم، وقال أبو سفيان: لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاهنّ، فإنّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداء (1) لمحمّد، فلمّا أرادوا غزو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يوم اُحد، خرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، وخرجوا ومعهم النساء: زوجة عكرمة بن أبي جهل وعمرة بنت علقمة الحارثية وهند بنت عتبة واُمّ حكيم [يذكّرنهم ويحثّنهم على حرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (2) . فلمّا بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذلك جمع أصحابه وأخبرهم أنّ اللَّه قد أخبره أنّ قريشاً قد تجمّعت تريد المدينة، وحثّ أصحابه على الجهاد والخروج، فقام عبد اللَّه بن اُبي وقال: يا رسول اللَّه، أقم بالمدينة حتّى نقاتل في أزقّتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد على أفواه السكك والسطوح، فما أرادنا قوم قط، فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا، وما خرجنا إلى أعدائنا قط إلّا كان له[ الظفر علينا] (3) . فقام سعد بن معاذ رحمه اللَّه عليه وغيره من الأوس، فقالوا: يا رسول اللَّه، واللَّه ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمع فينا وأنت فينا؟! لا واللَّه، بل نخرج إليهم فنقاتلهم، فمن قتل منّا كان شهيداً، ومن نجا منّا كان مجاهداً. فقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوله، وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال، وهو قوله: «وإِذْ غَدَوْتَ»... الآية. والطائفتان (4) : عبد اللَّه بن اُبي وأصحابه، وقعد عنه عبد اللَّه وجماعة من الخزرج، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد هيّأ أصحابه، وكانوا سبعمائة، فوضع عبد اللَّه بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب 5 ، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إن رأيتمونا قد هزمناهم

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ج»: «البكاء والدمعة إذا سالت ذهب الحزن والحرقة والعداوة»، وفي «ط»: «البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والقرحة والعداء».
3- .المذكور في قوله تعالى: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا». آل عمران (3): 121 - 122.
4- .الشعب: الطريق في الجبل.

ص: 108

حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا». وجعل أبو سفيان خالد بن الوليد كميناً (1) في مائتي فارس، وقال لهم: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشِّعب. فلمّا أقبلت الخيل دفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رايته إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فحملت الأنصار على قريش فانهزموا، ووقع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في سوادهم، وحمل خالد بن الوليد وأصحابه على ابن جبير، فاستقبلهم بالسهام فرجع، ونظر أصحاب ابن جبير المسلمين ينهبون سواد القوم، فأقبل ينسّل (2) رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم، وبقي ابن جبير في اثني عشر رجلاً. وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضربه على فخذه فقطعها، وأراد أن يجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف عنه، وقال: إنّه ميّت. ثمّ أخذ الراية سعد بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام، فأخذ الراية عثمان بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام، فأخذ الراية عبد اللَّه بن جميل، فقتله عليّ عليه السلام، وأخذ الراية كلاب بن طلحة، فقتله عليّ عليه السلام، فأخذ الراية أبو عزيز (3) ، فقتله عليّ عليه السلام، فأخذ الراية مسافع بن طلحة، فقتله عليّ عليه السلام. فقتل أمير المؤمنين عليه السلام سبعة (4) من بني عبد الدار مبارزة، فأخذ الراية مولى لهم يقال له: صمؤاب، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على يمينه فقطعها، وسقطت الراية إلى الأرض، فأخذها بشماله فضربه فقطعها، وسقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها، ثمّ قال:[يا بني عبد الدار، هل] (5) أعذرت [فيما بيني وبينكم؟] (6) فضربه علي عليه السلام على رأسه، فسقطت الراية إلى الأرض، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثيّة [فنصبتها] 7 .

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .الكمين - كأسير - : القوم يكمنون في الحرب.
3- .انسلّ: انسحب في خفاء.
4- .في «ط»: «أبو عذير». والظاهر أنّها تصحيف أبو عزيز بن عمير. اُنظر: المغازي للواقدي، ج 1، ص 308.
5- .في بعض النسخ: «تسعة». وهوتصحيف، والنسخ مختلفة في ترتيب سرد أسماء المقتولين بسيف علي عليه السلام، فراجع الأصل.
6- .ما بين المعقوفتين من «ج» والأصل.

ص: 109

وحمل خالد بن الوليد على ابن جبير وأصحابه، فقتلوهم، ووضعوا في المسلمين السيف، فانهزم أصحاب رسول اللَّه، فلمّا رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: «إليّ، إليّ، أنا رسول اللَّه»، فلم يرجع إليه أحد، ولم يبق مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلّا عليّ عليه السلام وأبو دجانة وهو سماك بن خرشة، فكلّما حملت طائفة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله استقبلهم أمير المؤمنين عليه السلام ودفعهم عنه، ولم يزل يذبّ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ويقتلهم حتّى انقطع (1) سيفه، فأعطاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سيفه ذا الفقار. وبقيت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في الغزوات تداوي الجرحى، وكان إبنها معها، فقتله رجل، فقتلت هي ذلك الرجل [فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «بارك اللَّه عليك يا نسيبة» وكانت تقي رسول اللَّه بصدرها ويديها (2) حتّى أصابتها جراحات كثيرة] (3) . وأبلى وهب بن قابوس ذلك اليوم بلاء حسناً وقتل، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «اللهم ارحمه». [فلم يزل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يقاتلهم حتّى أصابته في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة] (4) وسمع دويّ في السماء:لا سيف إلّا ذو الفقارولا فتى إلّا عليّ ونزل جبرئيل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: يا محمّد، هذه - واللَّه - المواساة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: « 5 لأنّه منّي وأنا منه». فقال جبرئيل: وأنا منكما. وحمل ابن قميئة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فضربه على حبل العاتق، ونادى: قتلت محمّداً واللات والعزّى. وكانت هند بنت عتبة في العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلاً ومكحلة، وقالت له: إنّما أنت إمرأة فاكتحل بهذا.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في هامش «أ»: «انكسر».
3- .في الأصل زيادة: «وثدييها».
4- .في «ب» زيادة: «يا أخي».

ص: 110

وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فيهزمهم، ولا يثبت له أحد، فجعلت هند لوحشي - عبد جبير بن مطعم - جعلاً أن يقتل محمّداً أو عليّاً أو حمزة. قال: فكمنت لحمزة، فعثر فسقط، فرميته (1) بحربتي، فوقعت في خاصرته فمات، فأتيته وشققت بطنه وأخذت كبده، وجئت به إلى هند، فقلت: هذه كبد حمزة. فأخذتها في فيها فلاكتها، فجعلها اللَّه في فيها مثل الداغصة (2) ، فلفظتها ورمت بها، فبعث اللَّه ملكاً فحملها وردّها إلى مكانها - فقال الصادق عليه السلام: «أبى اللَّه أن يدخل شيئاً من بدن حمزة في معدةٍ تحرق في النار» - ثمّ جاءت إليه هند فقطعت مذاكيره، وقطعت اُذنيه وجعلتهما خرصين (3) وشدّتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه. وتراجع الناس، فصارت قريش على الجبل (4) وأمير المؤمنين بين يديه قد أصابته سبعون جراحة. (5) وروي: أنّهم لمّا دخلوا المدينة، نادى إبليس في المدينة: قتل محمّد، فلم تبق واحدة من نساء المهاجرين والأنصار إلّا خرجت، وخرجت فاطمة بنت محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله تعدو على قدميها [حتّى وافت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقعدت بين يديه، فكان إذا بكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بكت لبكائه (6) ، وإذا انتحب انتحبت] (7) وتراجع المنهزمون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ووقفوا حوله يعتذرون إليه صلى اللَّه عليه وآله. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: من له علم بعمّي حمزة؟ فقال الحرث بن سميّة (8) : أنا أعرف موضعه يا رسول اللَّه، فجاء حتّى وقف على حمزة، فكره أن يرجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بخبره. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: يا عليّ اُطلب عمّي حمزة (9) ، فجاء عليّ عليه السلام فوقف على حمزة، فوجده وقد قتل ومثّل به، بكى وجداً على عمّه، فكره أن يرجع إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله بخبره. فقام النبي صلى اللَّه عليه وآله وجاء

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب» و «ج»: «فطعنته».
3- .الداغصة: العظم المدوّر المتحرّك في رأس الرّكبة. المعجم الوسيط، ج 1، ص 287 (دغص).
4- .في «ب»: «خذمتين». والخذمة:القرط.
5- .كذا في «أ». والعبارة في «ج» هكذا: «ورجعت قريش، وبقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في ذلك المكان».
6- .وروى الحديث البحراني في البرهان، ج 1، ص 684 - 685، عن تفسير القمّي.
7- .لم ترد «لبكائه» في «ص».
8- .في «أ» و «ص» و «ق»: «الصمة».
9- .في هامش «ص»: «ما حل به».

ص: 111

حتّى وقف عليه، فلمّا رآه وقد فعل به ما فعل استعبر وقال: واللَّه ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا الموقف، لئن أمكنني اللَّه من قريش لأمثلنّ بسبعين (1) رجلاً منهم، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» (2)، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «بل أصبر». وألقى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمزة بردة كانت عليه، إذا مدّها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه، فمدّها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش (3) ، ثمّ قال: لولا أنّي اُحزن (4) نساء بني عبد المطلب لتركته للسباع والعافية (5) حتّى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير. ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: من له علم بسعد بن الربيع؟ فقال رجل: أنا أطلبه، فجاء إليه وهو صريع بين القتلى، فقال: يا سعد، فلم يجبه، فقال: يا سعد إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد سأل عنك. فرفع رأسه وقال: وإنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لحيّ؟ قلت: نعم. قال: أبلغ قومي الأنصار السلام، وقل لهم: ما للمرء عند اللَّه عذر وتشوك رسول اللَّه شوكة وفيكم عين تطرف، ثمّ تنفّس فخرج منه مثل دم الجزور، وقضى رحمه اللَّه عليه. فجئت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبرته فقال: رحم اللَّه سعداً، نصرنا حياً وأوصى بنا ميّتاً. ونادى أبو سفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل نجتمع فيه ببدر، فنقتتل، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعليّ عليه السلام: «قل: نعم». وتراجع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأقبلوا يعتذرون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأحبّ اللَّه أن يعرّف رسوله مَن الصادق منهم ومَن الكاذب، فأنزل اللَّه عليهم النعاس على الصادقين مع ما بهم من الألم والجراح حتّى كانوا يسقطون إلى الأرض، بخلاف المنافقين (6) وهو

.


1- .في «ج»: «لأقتلنّ سبعين».
2- .النحل (16): 126.
3- .في «ص»: «الخيش». وفي هامش «ص»: «الحشيش».
4- .كذا في «ق». وفي «ط»: «احذر».
5- .في «ب» و «ج»: «للعاقبة». وفي الأصل: «للعادية». وفي هامش «ص»: «للعاوية».
6- .في الأصل زيادة: «الذين يكذبون، لا يستقرّون قد طارت عقولهم وهم يتكلّمون بكلام لا يفهم عنهم».

ص: 112

قوله: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسَاً»... الآية، وتشاورت قريش فيما بينهم أن يرجعوا ويغيروا (1) على المدينة، فقال أبو سفيان وصفوان بن اُميّة وغيرهما: الرأي أن نمضي على هذا الظفر إلى مكّة، فلا نأمن أن تعصّب اليهود لمن قتل منهم، وقد قعد عنه عبد اللَّه بن أبي وأصحابه، فنخاف أن يغضبوا لمن قتل، فيكون الظفر لهم. وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بدفن القتلى وجاءوا بحمزة رضي اللَّه عنه وأرضاه، فصلّى عليه رسول اللَّه، وكبّر عليه سبعين تكبيرة، ودفن القتلى. ودخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة، فاستقبلته (2) النساء يولولن ويبكين، فاستقبلته حمنة (3) بنت جحش، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: يا حمنة احتسبي (4) . قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: أخاك عبد اللَّه بن جحش. قالت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، هنيئا لك الشهادة يا عبد اللَّه. ثمّ قال: احتسبي. قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: حمزة بن عبد المطلب، قالت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، هنيئا لك الشهادة يا خال. ثمّ قال: احتسبي. قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: زوجك مصعب بن عمير. فقالت: وا حزناه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: إنّ للزوج عند المرأة لحبّاً ما لأحد مثله. فقيل لها: لم قلت ذلك في زوجك؟ قالت: ذكرت يتم ولده.

.


1- .لم ترد «و يغيروا» في «ط».
2- .في «ق»: «فاستقبله».
3- .في الأصل: «زينب».
4- .أي قولي: حسبي اللَّه ونعم الوكيل، أو احتسبي الأجر على اللَّه.

ص: 113

[ 140 - 144 ] فلمّا دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة، نزل عليه جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلّا من به جراحة. فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله منادياً ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فجزعوا من ذلك فأقبلوا يكمدون (1) جراحاتهم ويداوونها، فأنزل (2) اللَّه على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله: «ولا تَهِنُوا فِى ابْتِغاءِ الْقَوْمِ» (3)... الآية، ونزل عليه أيضاً: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْك الايَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» إلى قوله: «وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللّهُ الشَّاكِرِينَ» (4)يعني: عليّ بن أبي طالب؛ لأنّه حمد اللَّه ؛ حيث لم يفرّ كما فرّ غيره. [ 151 - 152 ] قوله: «سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» يعني: قريشاً حين انهزموا وخافوا، إلى قوله: «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ» يعني: قصّة عبد اللَّه بن جبير - وكان المفسّرون يقولون: مصعب بن عمير - الذي وكله رسول اللَّه بفم الشعب في خمسين من الرماة، ففارقه أصحابه، وكان أمرهم أن لا يفارقوه، فعصوه وفارقوه ومرّوا للغنيمة، فقتل عبد اللَّه ومن بقي من أصحابه على باب الشعب، فقال اللَّه: «مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ». [ 153 ] ثمّ وصف المنهزمين، فقال: «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ»... الآية. [ 156 ] ثمّ وصف عبد اللَّه بن اُبي ومن قعد عن الحرب، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كالَّذِينَ كَفَرُوا»... الآية. (5) [ 173 ] [فلمّا بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حمراء الأسد (6) ، وقريش قد نزلت] (7) الروحاء، وأقاموا

.


1- .في الأصل: «يضمدون».
2- .في «ص»: «وانزل».
3- .النساء (4): 104.
4- .آل عمران (3): 140 - 144.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 704، عن تفسير القمّي.
6- .حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة. معجم البلدان، ج 2، ص 301.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والعبارة في «أ» هكذا: «وبلغت قريش الروحاء...»..

ص: 114

بها وتشاوروا على أن يغيروا على المدينة، وأقبل عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد يقولون: لابدّ أن نرجع ونغير (1) على المدينة [فقد قتلنا سراتهم (2) وكبشهم (3) - يعنون حمزة - ]. (4) ويأبى ذلك أبو سفيان وصفوان بن اُميّة، فبينما هم على ذلك إذ لحق بهم رجل خرج من المدينة، فسألوه عن الخبر، فقال: تركت محمّداً وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم أشدّ الطلب (5) ، وخرج معه من كان تخلّف عنه، ولا أظن إلّا أوائل خيله تطلع عليكم الساعة. فدخلهم من الرعب ما لم يملكوا معه أنفسهم، فقال صفوان بن اُميّة: هذا الشؤم، قد ظفرنا بالقوم ونلنا منهم ما أحببنا، فبغينا، واللَّه ما أفلح قطّ قوم بغوا. ومرّوا مسرعين، لا يلوي أحد منهم على أحد، فاستقبلهم نعيم بن مسعود الأشجعي يريد المدينة، فقال أبو سفيان: يا نعيم، أين تريد؟ قال: المدينة، لأشتري لأهلي طعاماً. قال: هل لك أن أضمن لك عشر قلائص (6) على أن تمرّ بحمراء الأسد، وتلقى محمّداً وأصحابه وتخبرهم أنّ حلفاءنا من الأحابيش (7) وكنانة قد وافونا، وترهبهم بذلك حتّى يرجعوا عنّا؟. فعاهده على ذلك. ووافى نعيم غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فرأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأصحابه وبهم ألم الجراح (8) والألم، وهم مجدّون يشتهون طلب القوم، فقال نعيم: أين تريدون وأنتم بهذه الحال؟ قالوا: نريد قريشاً.

.


1- .في «ط»: «فنعبر».
2- .أي أشرافهم. النهاية، ج 2، ص 363.
3- .الكبش: سيّد القوم وقائدهم. تاج العروس، ج 4، ص 341 (كبش).
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والعبارة في «أ» هكذا: «وبلغت قريش الروحاء...».
5- .في «ط»: «جدّ الطلب».
6- .القلائص: الشوابّ من الإبل، والنوق الطويلة القوائم. تاج العروس، ج 4، ص 426 (قلص).
7- .الأحابيش: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.
8- .في «أ» و «ج»: «الجراح والألم».

ص: 115

قال: إرجعوا، فإنّ قريشاً قد وافى حلفاؤهم من الأحابيش وكنانة، وقد اجتمعوا لكم، وما أحسبكم تمشون حتّى يطلعوا عليكم. فقال الصحابة: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (1). فلمّا أصبحوا نزل جبرئيل وقال: يا محمّد، انصرف، فإنّ اللَّه قد أرعب قريشاً ومرّوا. فرجع إلى المدينة. فسمع البكاء في دور الأنصار، فقال: «لكنّ حمزة لا بواكي له» (2) ، فرجع الأنصار إلى أهاليهم، فأمروهم أن يبدأوا بحمزة قبل قتلاهم، فهم إلى الساعة على هذا، لا يموت أحد منهم فيندبونه حتّى يندبوا حمزة رضى اللَّه عنه. [ 165 ] ولمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، قال أصحابه: ما هذا الذي أصابنا، ولقد كنت (3) تعدنا بالنصر؟ فأنزل اللَّه: «أَو لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها»... الآية، وذلك أنّه لمّا كان يوم بدر وقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من قريش سبعين [وأسر منهم سبعين، و] (4) كان الحكم في الأسارى: القتل، فقتل النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط، فخافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم، فقاموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: يا رسول اللَّه، قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، فلا تقتل الأسرى، هبهم لنا حتّى نفاديهم. فنزل عليه جبرئيل، وقال: اشترط عليهم إن فادوهم أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من (5) يأخذون منهم الفداء. فاشترط عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك، فقالوا: رضينا، فأباح اللَّه ذلك لهم. فلمّا كان في يوم اُحُد، قتل من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سبعون بشرطهم على أنفسهم، فلمّا رجعوا من اُحد، قال أصحابه: يا رسول اللَّه، ما هذا الذي أصابنا، وقد كنت تعدنا النصر؟ ونسوا ما اشترطوه، فنزلت الآية. (6)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .آل عمران (3): 173.
3- .في «ب» و «ج»: «غير حمزة لا نياح عليه».
4- .في «ط»: «وقد كنت».
5- .في «ص»: «بقدر ما».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 694 - 695، عن تفسير القمّي. و سيأتي تفصيل ذلك في قصّة حرب بدر عند تفسر أوّل سورة الأنفال رقم (8)، فراجع.

ص: 116

[ 168 ] ولمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة قال عبد اللَّه بن اُبيّ: قد نهيتكم أن تخرجوا، ولو أطعتموني ما قتلوا، فحكى اللَّه قوله، فقال: «الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا»... الآية». [ 161 ] قوله: «وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ»... الآية، نزلت في حرب بدر، وكان سبب نزولها: أنّه كان يوم بدر وغنم الرسول ما غنم كان فيما غنمه قطيفة حمراء، ففقدت، فقال بعض أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله: ما لنا لا نرى القطيفة، ما نرى إلّا أن رسول اللَّه أخذها، فنزلت. (1) قوله: «وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ» إلى قوله: «وَهم لا يظلمونَ». فجاء رجل إلى رسول اللَّه فقال: إن فلاناً قد غلّ قطيفة، فاخبأها هنا لك (2) ، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة. [ 173 ] قوله: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ» يعني بالناس هنا: نعيم بن مسعود «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» يعني: أهل مكّة». وروي في الخبر: أن المغيرة بن العاص كان رجلاً أعسر (3) ، فحمل في طريقه إلى اُحُد ثلاثة أحجار، وقال: بهذه أقتل محمّداً. [فلمّا حضر القتال] (4) فنظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبيده السيف، فرماه بحجر فأصاب يده صلى اللَّه عليه وآله (5) ، فسقط السيف من يده، فقال: قتلت محمّداً واللات والعزّى. فقال الصحابة (6) : كذبت (7) ، فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته، فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله: «اللّهم حيّره» فلمّا انكشف الناس تحيّر، فلحقه عمّار بن ياسر رضى اللَّه عنه فقتله. [ 181 ] قوله: «لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ» أي: أولياء اللّه (8) فقراء، فقالوا: لو كان اللَّه غنيّاً لأغنى أولياءه. (9)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .من هنا سقط في «أ».
3- .في «ق»: «فاخبر هنالك»، وفي هامش «ق»: «فاحتفر هنالك». و كذا في النسخ سقط، والعبارة فيهما هكذا: «إنّ رسول اللَّه أخذها، فنزل قوله: (الذين قال لهم الناس) يعني بالناس هنا نعيم بن مسعود...»، وهذه هي الآية 173 من هذه السورة.
4- .الأعسر: الذي يعمل بيده اليسرى.
5- .في «ط»: «يد رسول اللَّه».
6- .في الأصل: «فقال أمير المؤمنين عليه السلام».
7- .في «ط»: «كذب لعنه اللَّه».
8- .في «أ»: «أولياءه».
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 717، عن تفسير القمّي، وفيه زيادة: «فافتخروا على اللَّه في الغناء». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيتين 183 و 184، فراجع الأصل.

ص: 117

[ 185 ] قوله: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»... الآية، قال الصادق عليه السلام: «أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: ساعة يعاين فيها ملك الموت، وساعة يقوم من قبره، وساعة يقوم فيها بين يدي ربّ العالمين، فإمّا إلى جنّة وإمّا إلى نار». (1) [ 187 ] قوله: «وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»... الآية، أخذ اللّه الميثاق على الأنبياء أن يخبروا اُممهم بخبر رسول اللَّه ومخرجه ومهاجرته وصفة أصحابه، وأخذ الأنبياء الميثاق على اُممهم أن يخبروا الناس ويبيّنوا لهم ما في كتبهم من صفة رسول اللَّه، وأن لا يكتموا الناس شيئاً من أمره «فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً». (2) [ 191 ] قوله: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ» قال: «الصحيح يصلّي قائماً، والمريض يصلّي قاعداً، فمن لم يقدر يصلّي مضطجعاً يؤمي إيماءاً». (3) [ 193 ] قوله: «رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً»: هو رسول اللَّه. (4) [ 200 ] قوله: «اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا» قال: «اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا مع الأئمّة عليهم السلام». (5)

.


1- .روى مثله الشيخ الصدوق في الخصال، ص 119، ح 108، وراجع بحار الأنوار، ج 6، ص 159، ح 19؛ و ج 7، ص 105.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 723، عن تفسير القمّي. وقد تقدّم معناه في تفسير الآية 81 من سورة آل عمران. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 188 و 189، فراجع الأصل.
3- .روى مثله الشيخ الكليني في الكافي، ج 3، ص 411، ح 11؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 211، ح 192.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 729، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف بقية تفسير الآية 192 وأيضاً الآية 199، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 1، ص 731، عن تفسير القمّي. وروى ما يقاربه في المعنى الكليني في الكافي، ج 2، ص 66، ح 2و3؛ والصدوق في معاني الأخبار، ص 36، ح 1؛ و النعماني في الغيبة، ص 199، ح 13.

ص: 118

سورة النسآء (4)

سورة النسآء (4)[مدنيّة، وهي مائة وستّ وسبعون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» يعني: آدم عليه السلام «وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا» يعني: حوّاء، يعني: إنّ حوّاء خلقت من جنس آدم، بل من نوعه، بل من ضلعه، خلقها اللَّه من أسفل أضلاعه (1) . [ 2 ] قوله: «وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ». الخبيث: الحرام. (2) قوله: «إِنَّهُ كَانَ حُوباً» أي: إثماً. (3) [ 3 ] قوله: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ». روي أنّ هذه الآية [نزلت ] (4) مع قوله تعالى: «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ» (5)«فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» 6، فهذه الآيتان آية واحدة، فبعضها في أوّل السورة، وبعضها على رأس مائة [وعشرين ] 7 آية منها. وهذا دليل على أنّ التأليف على خلاف ما أنزل اللَّه، وكان سبب نزول هذه الآية: أنّ العرب كانوا لا يستحلّون أن يتزوّجوا يتيمة قد ربّوها، فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن ذلك، فنزلت: «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِى لاَ

.


1- .سيأتى عدم موافقة المؤلّف على هذا في تفسير الآية (72) من سورة النحل (16).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 16، عن تفسير القمّي.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .النساء (4): 127.
5- .النساء (4): 3.

ص: 119

تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ»«فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ»، هكذا نزلت. «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا» بينهن في النفقة «فَوَاحِدَةً»«ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا». (1) [ 4 ] قوله: «نِحْلَةً» أي: هبة. (2) [ 5 ] قوله: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ». قال الصادق عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث، ولا تزوّجوه إذا خطب، ولا تعودوه إذا مرض، ولا تحضروا جنازته إذا مات، ولا تأتمنوه على أمّانة، فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها فليس له على اللَّه أن يخلف عليه، ولا أن يأجره عليها ؛ فإنّ اللَّه يقول: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ»، وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟». (3) [ 6 ] قوله: «وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً». قال: «من كان في يده مال ليتيم وهو غنيّ، لا يحلّ له أن يأكل منه، ومن كان فقيراً قد حبس نفسه على حفظ مال اليتيم، فله أن يأكل بالمعروف بلا إسراف، (4) وقيل: له بقدر عمله من الذي (5) في يده». (6) [ 8 ] قوله: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً»، منسوخة بقوله: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ». [ 9 ] وأمّا قوله: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا»... الآية، أي: لا تظلموا اليتامي فيصيب أولادكم مثل ذلك. (7)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 16، عن تفسير القمّي. وروى الكليني ما يتعلّق بتفسير الآية في الكافي، ج 5، ص 362، ح 1.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 21، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 21، عن تفسير القمّي. وراجع الكافي، ج 5، ص 299، ح 1. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 220، ح 21 وذيله.
4- .بحار الأنوار، ج 72، ص 7، ح 19.
5- .لم ترد «من الذي» في «ج». ولم ترد «من» في «ب».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 27، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 222، ح 31. هذا، ولم يذكر المؤلّف ما يتعلّق بالآية 7، فراجع الأصل.
7- .روى ما يقاربه الكليني في الكافي، ج 5، ص 128، ح 1. والعيّاشي في تفسير 1، ص 223، ح 38. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 10 و 11، فراجع الأصل.

ص: 120

[ 11 ] وقوله: «فَإِن لَمْ يَكُن لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ» يعني: إذا مات الرجل وترك أبوين، فللاُمّ الثلث، وللأب الثلثان. قوله: «فَإِن كَانَ لَهُ إخوةٌ» يعني للأمّ «فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ»، (1) يحجبون الاُمّ عن الثلث ولا يورثون شيئاً. (2) [ 15 ] قوله: «وَاللَّاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ»... الآية، فإنّه كان في الجاهلية: إذا زنت المرأة تحبس في بيت حتّى تموت، فلمّا بعث اللَّه رسوله تركهم على ذلك، وكان الرجل إذا زنى يؤذوه (3) ، فلمّا قوي الإسلام أنزل اللَّه: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» (4). (5) [ 19 ] قوله: «بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»، قال: «منه: السلاطة، ومنه: الزنا، ومنه: التبرّج، ومنه: السحق والبلايا». [ 22 ] قوله: «وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ»، فإنّ العرب كانوا ينكحون نساء آبائهم، فكان إذا كان للرجل أولاد كثيرة، وكان له إمرأة، فكان كلّ واحد من ولده يدّعيها إذا مات أبوهم، فحرّم اللَّه مناكحتهم، ثمّ نزلت آية التحريم: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» (6). (7)

.


1- .في الأصل زيادة: «فهذه كلالة الاُمّ، وهي الاخوة والأخوات من الاُمّ، فإنّ كانوا أكثر من ذلك فهم يأخذون الثلث، فيقتسمون فيما بينهم بالسوية، الذكر والاُنثى فيه سواء، فإن كان للميت اخوة وأخوات من قبل الأب والاُمّ، أو من قبل الأب وحده فلاُمّه السدس، وللأب خمسة أسداس، فإنّ الاخوة والأخوات من قبل الأب هم في عيال الأب، ويلزمه مؤنتهم، فهم».
2- .راجع الوسائل، ج 26، ص 116 الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
3- .في هامش «ص»: «أي يحد».
4- .النور (24): 2.
5- .قد ورد ذلك بالتفصيل في مقدّمة المصنّف للأصل، فراجع. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 17 و 18، فراجع الأصل.
6- .النساء (4): 23.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 50، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 20 - 22، فراجع الأصل.

ص: 121

الجزء الخامس

اشاره

[ 23 ] قوله: «وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمُ» فالخوارج زعمت أنّ الرجل إذا كانت لأهله بنت ولم يربّها ولم تكن في حجره حلّت له [لقول اللَّه: «اللَّاتِى فِى حُجُورِكُم»](1) . قال الصادق عليه السلام: «لا يحلّ ذلك (2) وهذا مقدّم ومؤخّر، إنّما هو: (وربائبكم من نسائكم اللاتي في حجوركم) فقدّموا حرفاً على حرف، فذهب المعنى». (3)

[الجزء الخامس][ 24 ] قوله: «وَالُمحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» يعني أمة الرجل إذا زوّجها من عبده، ثمّ أراد أن ينكحها، فرّق بينهما، واستبرأها بحيضة أو حيضتين، فإذا استبرأ رحمها حلّ له[ أن ينكحها] (4) . (5) قوله: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» يعني به المتعة، قال الصادق عليه السلام: «إنّما نزل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجلٍ مُسَمَّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (6) ». (7) أقول: وهي قراءة ابن مسعود واُبي. (8) وكانت المناكحة في عصر آدم أنّه كان يلد في كلّ بطن ابناً وبنتاً، وكان الذي يولد مع هذا الابن من بنت، يزوّجها من الابن الذي يولد في البطن الثاني مع البنت الاُخرى، فلمّا كثروا حرّم اللَّه الأخوات. وكانوا يتزوّجون بالعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الاُخت، فلمّا بعث اللَّه إبراهيم حرم العمّات والخالات وبنات الأخ والاُخت، وهو من الحنيفيّة التي جاء بها

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الهامش هنا ما يلي: «قال الصادق: لا يحلّ ذلك، وهذا مقدّم ومؤخّر».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 54، عن تفسير القمّي. و روى ما يتعلّق بهذا العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 230، ح 74.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .روى معناه الشيخ الكليني في الكافي، ج 5، ص 481، ح 2؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 232، ح 80 .
6- .في الأصل زيادة: «قال الصادق عليه السلام: فهذه دليل على المتعة».
7- .روى مايقاربه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 233، ح 85، و ج 1، ص 234، ح 88 .
8- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 124.

ص: 122

إبراهيم، فلمّا بعث اللَّه النبي صلى اللَّه عليه وآله (1) أنزل عليه آية التحريم: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ»... الآية. (2) [ 25 ] قوله: «فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ»... الآية، قال: «العبد والأمة إذا زنيا يضربان نصف الحدّ، فإنّ عادا يضربان الحدّ (3) ، حتّى يزنيا ثمان مرّات، ففي الثامنة يقتلان». (4) [ 29 ] قوله: «لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ» قال: القمار. (5) [ 31 ] قوله: «إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ»... الآية، قال الصادق عليه السلام: «الكبائر سبع: ترك الصلاة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف [والتعرّب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وما وعد اللَّه في القرآن عليه النار من الزنا وشرب الخمر] (6) وقتل النفس». (7)

.


1- .في «أ»: «نبيّه».
2- .أعلم أنّ هناك في أحاديثنا أخباراً نادرة تشعر بأنّ آدم عليه السلام كان يزوّج ابنته من بطنٍ ابنه الذي كان من بطن آخر، و بهذا تناسل الخلق عن آدم عليه السلام وكثروا ؛ كما تشعر به الرواية الواردة أعلاه. ولكن هناك طائفة اُخرى من الأحاديث تنكر ما تشعر به الطائفة الاُولى أشدّ الإنكار وتكذبّها وتقول بأنّ اللَّه عزّوجلّ يتعالى عن أن يخلق أنبيائه و رسوله والمؤمنين من حرام. ومن الجدير ذكره أنّ الطائفة الاُولى قد ورد معناها في كثير من التفاسير لأهل السنّة حتّى اشتهر بينهم هذا القول في تفسير هذه الآية ونحوها فراجع مثلاً: تفسير ابن معين، ص 22؛ و تفسير ثعلبي، ج 4، ص 48؛ و تفسير السمعاني، ج 2، ص 29؛ و تفسير البغوي، ص 28؛ و أحكام القرآن لابن العربى، ج 4، ص 95. و من ثمّ فقد حمل العلّامة المجلسى ما ورد في أحاديثنا مما يشعر بهذا المعنى على التقيّة (بحار الأنوار، ج 11، ص 225، ح 4 و 5) وللمزيد عن الطائفة الثانية من الأحاديث المنزّهة للَّه تعالى عن الحرام. راجع علل الشرايع للصدوق، ج 1، ص 20، ح 2؛ و بحار الأنوار، ج 11، ص 227 ح 6. و على كلٍّ فلابدّ من الأخذ بالقول الثاني، و ردّ ماورد في أحاديثنا ممّا يخالفه إلى الأئمّة، أوحملها على التقيّة، أو تأويلها بما يتناسب، والأدلّة العقليّة و النقليّة.
3- .كذا في النسخ، وفي الأصل: «فمثل ذلك».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 64، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير اوائل الآية، وكذا العلة في الحكم، وقد وردت في الرواية، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 66، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره 1، ص 235، ح 98.
6- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 68، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 211، ح 2؛ وفي تفسير العيّاشي 1، ص 237، ح 104.

ص: 123

[ 32 ] قوله: «وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» (1). قال: «لا يحلّ للرجل أن يتمنّى امرأة أخيه أو ماله (2) ». (3) [ 33 ] قوله: «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ»... الآية، كانت العرب تورث [ الحليف والموالي الذين أعتقوا، وكانت المواريث على الاُخوّة لا على الرحم، فكان إذا مات] (4) الرجل يجي ء أخوه في الدين يأخذ ماله، ثمّ نسخ اللَّه ذلك بقوله: «وأُولُوا الأَرْحَامِ» (5)... الآية. (6) [ 35 ] قوله: «فَابْعَثُوا حَكَماً»... الآية، قال: «الحَكَمان لا يحكمان إلّا برضى الفريقين». (7) [ 36 ] قوله: «وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى» يعني: الأقرب. «وَالْجَارِ الْجُنُبِ» يعني: جار الجنب. أقول: الحقّ أنّه الجار البعيد. «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» يعني: صاحبك في السفر. أقول: وقيل: الزوجة، وهو الحقّ. (8)«وَابْنِ السَّبِيلِ» يعني: أبناء الطريق الذين يستعينون بك في الطريق. «وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» يعني: الأهل والخادم. (9) [ 37 ] قوله: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ»... الآية، هي محكمة. (10) [ 43 ] قوله: «لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى»... الآية، قال: «السكر من النوم». (11)

.


1- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».
2- .في هامش «أ» ما يلي: «في الأصل: موالياً - صح».
3- .في «ب»: «ولا ماله».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 72، عن تفسير القمّي. وروى معناه الطبرسي في مجمع البيان، ج 3، ص 64؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 239، ح 115.
5- .الأنفال (8): 75.
6- .راجع التهذيب 9، ص 268، ح 978. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 34، فراجع الأصل.
7- .روى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 240، ح 121؛ والكليني في الكافي، ج 6، ص 146، ح 2.
8- .للتعرّف على مختلف الأقوال في تفسير الآية راجع مجمع البيان، ج 3، ص 45.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 78، عن تفسير القمّي.
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 78، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 39 - 42، فراجع الأصل.
11- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 3، ص 371، ح 15، و 299، ح 1.

ص: 124

قوله: «وَلاَ جُنُباً إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا». قال: «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين [فإنّ اللَّه تعالى يقول: «وَلاَ جُنُباً إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا»](1) ويضعان (2) فيه الشي ء، ولا يأخذان شيئاً منه [فقلت: ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال:] (3) لأنّهما يقدران على وضع الشي ء فيه من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلاه». (4) قوله: «وَإِن كُنتُم مَرْضَى»... الآية، سئل الصادق عليه السلام عن [ من يريد] (5) التيمم وهو جنب، كيف يصنع؟ فوضع يديه على الأرض، ثمّ نفضهما، ومسح وجهه ويديه فوق الكف. (6) [ 47 ] قوله: «كَمَا لَعَنَّا أَصحَابَ السَّبتِ»، وهم اللذين اعتدوا في السبت، فمسخوا قردة وخنازير. [ 44 ] قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ»... الآية، نزلت في اليهود، حين سألهم مشركوا العرب، فقالوا: ديننا أفضل أم دين محمّد؟ فقالوا: دينكم. (7) وروي: أنها نزلت في الذين ظلموا آل محمّد حقّهم، والدليل على ذلك قوله: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ» يعني: أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام، و الملك العظيم: هو الخلافة. 8 [ 55 ] ثمّ قال: «فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ بِهِ»[ يعني: أمير المؤمنين عليه السلام، وهم: سلمان وأبوذرّ

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب»: «أو يضعان».
3- .كذا، وهذا الحكم خلاف المشهور، فإنّ مذهب الأصحاب هو حرمة وضع الشي ء في المساجد للجنب والحائض، إلّا من سلّار الذي قال بكراهة ذلك، ومستندهم في ذلك الأخبار، راجع الوسائل الباب من أبواب، فالحكم المذكور مخالف للأخبار، ولأقوال الأصحاب، ولم يعمل به أحد، والتعليل المذكور لا يخلو من نظر.
4- .الزيادة من الأصل.
5- .راجع الوسائل الباب من أبواب كيفيّة التيّمم.
6- .نقله عن هذا التفسير كلّ من العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 32، ص 370؛ والفيض الكاشاني في التفسير الصافي، ج 1، ص 459؛ والتفسير الأصفى، ج 1، ص 21؛ والشيخ الحويزي في تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 489.
7- .روى معناه الشيخ الكليني في الكافي، ج 1، ص 143، ح 6 و 159، ح 1 و 160، ح 4؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 246، ح 153. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 45 - 54، فراجع الأصل.

ص: 125

والمقداد وعمار رضي اللَّه عنهم «وَمِنْهُم مَن صَدَّ عَنْهُ» وهم غاصبوا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله حقّهم، ومن تبعهم، قال: فيهم نزلت:] (1)«وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً». (2) [ 56 ] ثمّ ذكر أعداءهم، فقال: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا»... الآية. (3) [ 57 ] ثمّ ذكر أولياءهم، فقال: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ»... الآية. (4) [ 58 ] ثمّ خاطب اللَّه الأئمّة عليهم السلام، فقال: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» قال: «هي الإمامة، أمر اللَّه الإمام أن يؤدّي الأمانة إلى من أمره اللَّه (5) ». (6) ثمّ قال فيهم: ««وَإِذَا حَكَمْتُم»... الآية. [ 59 ] ثمّ خاطب الناس، فقال: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ» يعني الأئمّة عليهم السلام. (7) [ 60 ] ثمّ قال: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا»... الآية، [فإنّها نزلت في الزبير بن العوام، فإنّه نازع رجلاً من اليهود في حديقة، فقال الزبير: ترضى بابن شيبة اليهودي؟ فقال اليهودي: ترضى بمحمّد؟ فأنزل اللَّه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا»... إلى آخر الآية] (8) . 9

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 99، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 99، عن تفسير القمّي. وللمزيد عن تفسير الآية راجع الأمالي للشيخ الطوسي، ج 2، ص 193.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 100، عن تفسير القمّي؛ وعن ابن بابويه، في من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 50، ح 195، قال: سئل الصادق عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ». قال: «الأزواج المطهّرة: اللاتي لا يحضن ولا يحدثن».
5- .في «ب»: «من أمر اللَّه».
6- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 1، ص 217، ح 1؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 246، ح 153؛ والشيخ في التهذيب، ج 6، ص 223، ح 533.
7- .أعلم أنّ الروايات التي تنصّ على أنّ اُولي الأمر المذكورين في الآية هم الأئمّة عليهم السلام متواترة، وللوقوف على بعضها راجع: بحار الأنوار، ج 23، ص 284 - 302 و غيرها من المطوّلات في مناقب الأئمّة عليهم السلام.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 115، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً في التهذيب، ج 6، ص 220، ح 519.

ص: 126

تمّ تفسير السبع الأوّل

السبع الثاني

تمّ تفسير السبع الأوّل السبع الثاني[ 62 ] قوله: «فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ»... الآية، نزلت في أمير المؤمنين وأعدائه. (1) [ 64 ] ثمّ قال له: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ» يا عليّ؛ كذا نزلت. (2) [ 65 ]قوله: «ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ» أي: من ولاية عليّ «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» لعليّ عليه السلام. (3) [ 69 ] قوله: «وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» قال: ««النَّبِيِّينَ» رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، «وَالصِّدِّيقِينَ» عليّ عليه السلام «وَالشُّهَدَاءِ» الحسن والحسين عليهما السلام، «وَالصَّالِحِينَ» الأئمّة عليهم السلام، «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»، يعني: الإمام القائم عليه السلام». (4) [ 78 ] قوله: «وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»، قال: «البروج المشيّدة هي [الظلمات] (5) الثلاث التي ذكرها اللَّه في القرآن، وهي: المشيمة والرحم والبطن (6) ، فقال اللَّه: إنّ الموت يدرككم في مثل هذه الظلمات». أقول: وقيل: هي الصورة لجملة البناء بالشّيد (7) ، وهي الحصون العالية. قوله: «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللّهِ» أي: الحسنة والسيئة، ثمّ قال: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ». فهذا خلاف قوله: «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللّهِ» وهو من المتشابه

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 117، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 63، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 118، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 118 - 119، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 321، ح 2؛ و ج 8، ص 184، ح 210. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 66، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 127، عن تفسير القمّي. وروى نحوه ابن شهر آشوب في المناقب، ج 3، ص 89 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 71 - 75، فراجع الأصل.
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 131، عن تفسير القمّي.
7- .الشّيد: الجص.

ص: 127

الصعب، فمعنى ذلك أنّ الحسنات والسيّئات في كتاب اللَّه على وجهين: فوجه من الحسنات: هي الصحّة والسلامة والأمن والسعة والرزق، وسمّاها اللَّه حسنات في قوله: «فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ»، فالسيئة - هاهنا - : المرض والخوف والشدّة[ «يطيّروا بموسى ومن معه»، أي: يتشاءموا به] (1) ». والوجه الثاني من الحسنات والسيئات: يعني به أفعال العباد، (2) وهو قوله: «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ» (3)... الآية. [ 79 ] فقوله: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ» لم يعن به أعمال العباد. وإنّما هذه الحسنة يعني بها الصحّة والسلامة والأمن والسعة. قوله: «وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ» يعني: ما عوقب عليه من الذنوب في الدنيا والآخرة فمن نفسك بأعمالك؛ لأنّ السارق يقطع والقاتل يقتل، فسمّى اللَّه هذه العقوبات سيّئات. والحسنات: هي الصحّة والأمن والسعة من عند اللَّه، والسيّئات التي هي عقوبات الذنوب من عند اللَّه. (4) [ 81 ] قوله: (بَيَّتت) (5) ، أي: بدّلت. قوله: «ما يُبَيِّتُونَ»، أي: يبدّلون. (6) [ 85 ] قوله: «كِفْلٌ»، أي: نصيب . (7) قوله: «مُقِيتاً»، أي: مقتدراً. (8)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .و هي الوجه الثاني من السيّئات - كما في الأصل -، ففيه: «والوجه الثاني من السيّئات، يعني بها: أفعال العباد التي يعاقبون عليها، فهو قوله: «وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ».
3- .الأنعام (6): 160؛ النمل (27): 89؛ القصص (28): 84.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 132، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام، ص 132، ح 67. في تفسير الآية (19) من سورة البقرة.
5- .كذا، وفي المصحف الشريف بقراءة حفص: «بَيَّتَ»، وراجع: معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 148.
6- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 83، فراجع الأصل.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 139، عن تفسير القمّي.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 140، عن تفسير القمّي.

ص: 128

[ 86 ] قوله: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» قال: «هو السلام والبرّ وغيره ». (1) [ 89 ] وقوله: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا»... الآية، نزلت في بني أشجع وبني ضمرة، وكان من خبرهم، أنّه لمّا خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله إلى غزاة الحديبية مرّ قريباً منها، وكان [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (2) قد هادن بني ضمرة ووادعهم، فقال الصحابة: هذه بنو ضمرة قريباً منّا، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة و يعينوا علينا قريشاً، فلو بدأنا بهم؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «كلّا، إنّهم أبرّ العرب بالوالدين، وأوصلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد». وكانت بنو أشجع بالدهم قريبة من بلاد بني ضمرة، وهي بطن من كنانة، وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف في المراعاة والأمان، فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بني ضمرة، فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة، فلمّا بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مسيرهم [إلى بني ضمرة] (3) تهيّأ للمسير إلى أشجع؛ ليغزوهم، للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة، فأنزل اللَّه: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا»... الآية. (4) [ 90 ] ثمّ استثنى أشجع، بقوله: «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ»... الآية، وكانت أشجع محالّها: البيضاء [والجبل والمستباح] 5 ، وقد قربوا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فهابوه - لقربهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يبعث إليهم من يغزوهم، وكان [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ] 6 قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئاً، فهمّ بالمسير إليهم، فبينما هو على ذلك إذ جاءته أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة، فنزلوا شعب سلع 7 ، وذلك [في شهر ربيع الأوّل] 8 سنة ستّ، وكانوا سبعمائة، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أسيد بن حصين، فقال: إذهب فانظر ما أقدم أشجع؟

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 140، عن تفسير القمّي. وكذا الطبرسي في مجمع البيان، ج 3، ص 131، وروى الصدوق في الخصال، ص 633 وهذه الرواية تدلّ على تعميم التحيّة وعدم تخصيصها بالسلام، كما هو معروف. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 78، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 144 - 145، عن تفسير القمّي.
4- .سلع: جبل بشرق المدينة. معجم البلدان، ج 3، ص 236.

ص: 129

فخرج فوقف عليهم، فقام إليه مسعود، فسلّم عليه، فقال اُسيد: ما أقدمكم؟ قالوا: جئنا لنوادع محمّداً، فرجع أسيد إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله فأخبره. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح. ثمّ بعث إليهم بعشرة أحمال تمراً، ثمّ أتاهم، فقال: ما أقدمكم؟ قالوا: قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عدداً منّا، فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومك لقلّتنا، فجئنا لنوادعك. فقبل النبي صلى اللَّه عليه وآله ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم ذلك ورجعوا إلى بلادهم، وفيهم نزلت هذه الآية: «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ»... الآية . (1) [ 91 ] قوله: «سَتَجِدُونَ آخَرِينَ»... الآية، نزلت فيمن لم يعتزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأراد حربه . (2) [ 92 ] قوله: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً»، فإنّه عنى: لا عمداً ولا خطأً، فقوله: «إِلَّا خَطَأً» في موضع: (ولا خطأً)، وليس هو إستثناء . (3) قوله: «إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا» يعني: يعفوا. ثمّ قال: «فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» وليست له دية، يعني: إن قتل رجل من المؤمنين رجلاً من المؤمنين وهو نازل في دار الحرب، فلا دية للمقتول، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة؛ لقوله صلى اللَّه عليه وآله: «من نزل دار الحرب فقد برئت منه الذمّة (4) . ثمّ قال: «وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 145، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 146، عن تفسير القمّي. وروى الطبرسي مثله في مجمع البيان، ج 3، ص 136، وقال: وهو المروي عن الصادق عليه السلام.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 146، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 262، ح 217.
4- .رواه الميرزا النوري في مستدرك الوسائل، ج 18، ص 308، ح 22812، في باب حكم المسلم إذا قتل في أرض الشرك، عن علي بن إبراهيم في تفسيره.

ص: 130

يعني: إن كان المؤمن نازلاً في دار الشرك، وبينهم وبين الرسول أو الإمام عهد وميثاق إلى مدّة (1) ، ثمّ قتل [ذلك المؤمن وهو] (2) بينهم، فعلى القاتل دية مسلّمة [إلى أهله] (3) وتحرير رقبة مؤمنة «فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». (4) [ 93 ] قوله: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً»... الآية، قال العالم: «هذا من قتل مؤمناً على دينه لم تقبل منه توبته. ومن قتل نبيّاً أو وصيّ نبيّ لم تقبل توبته». [ 94 ] وقوله: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ»... الآية، نزلت لمّا رجع رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله من غزاة خيبر، وبعث اُسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك؛ ليدعوهم إلى الإسلام، وكان رجل من اليهود يقال له: مرداس بن نهيك، في بعض القرى، فلمّا أحسّ بخيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل، وأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فمرّ به اُسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلمّا رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه. فأنكر الرسول ذلك، فقال: يارسول اللَّه، إنّما قالها تعوّذاً من القتل، وقد قال المسلمون كلّهم ذلك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أفلا شققت عن قلبه؟ لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في قلبه علمت؟». فحلف اُسامة أنّه لا يقاتل أحداً شهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فبهذا السبب تخلّف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل وصفين. (5) أقول: [...] (6) فإنّ محارب عليّ كافر [...] أوما كان يعرف اُسامة هذا [...] 7 وقد سمع

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب» و «ج»: «عهد ومدة».
3- .راجع التهذيب، ج 10، ص 315، ح 1177.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 161، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 97 - 101، فراجع الأصل.
5- .محل النقط كلمات لاتقرأ، ومضمون العبارة: أنّ خطأ اُسامة في قتل من أسلم لا يبرّر تخلّفه عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام التصحيحيّة، خصوصاً وقد دلّ الدليل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ودلّ القرآن على وجوب طاعة وليّ الأمر في الحرب والسلم، وما في صريح القرآن الكريم من وجوب محاربة البغاة الذين خرجوا على الإمام بقوله: «فَقَتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِى ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ». الحجرات (49): 10.
6- .محل النقط كلمة لاتقرأ، ولعلّها: «الأمر».

ص: 131

النبي يقول: «حربك يا عليّ حربي»، (1) وحرب النبيّ [...] (2) . [ 102 ] قوله: «وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ»... الآية، نزلت في سنة ستّ من الهجرة في غزاة الحديبيّة؛ وذلك أنّ اللَّه تعالى أرى رسوله في النوم أنّه يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق، فأمر أصحابه بالخروج فخرجوا، فلمّا نزلوا[ ذي] الحليفة أحرموا للمتعة وساقوا البدن، وساق رسول اللَّه ستّاً وستّين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وراحوا يلبّون بالعمرة، فلمّا بلغ قريشاً ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ليستقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فكان يعارضه على الجبال، فلمّا كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر، صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالناس، فقال خالد: لو حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنّهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن تجي ء لهم الآن صلاة اُخرى هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل عليه السلام بصلاة الخوف بهذه الآية: «وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ»... الآية. (3) [ 104 ] قوله: «وَلاَ تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ»... الآية، نزلت في غزاة اُحُد حين أمر الرسول أصحابه أن يخرجوا في طلب قريش، فجزعوا منهم، وهذه الآية مع قوله: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مسّ القوم» (4)... الآية، كان يجب أن تكتب هاتين الآيتين في سورة آل عمران، فإن اختار (5) أحد فيها، فهذا دليل على أنّ القرآن على خلاف ما أنزل اللَّه تعالى. (6) [ 105 ] وقوله: «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ»... الآية، نزلت في بني أبيرق، وكانوا ثلاثة إخوة منافقين: بشير، وبشر، ومبشر، وكان بشير يكنّى أبا طعمة، فنقبوا على عمّ قتادة بن

.


1- .الأمالي للشيخ الصدوق، ص 157، ضمن الحديث (150)؛ و كفاية الأثر للخزاز القمّي، ص 157.
2- .محل النقط كلمات لاتقرأ، ومضمون ذلك: أنّ حروب النبي صلّى اللَّه عليه وآله فريضة لازمة لابدّ لكلّ مسلم المشاركة فيها ووقاية النبي ونصرته بكلّ ما اُوتي من حول وقوّة، والتخلّف عنه إرتداد وكفر، وكذا من جعله النبي صلّى اللَّه عليه وآله مقامه، وهو الإمام علي عليه السلام.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 166، عن تفسير القمّي.
4- .آل عمران (3): 140.
5- .في «ب» و «ج»: «اختال».
6- .راجع تفصيل الحديث في تفسير الآيات 140 - 144 من سورة آل عمران (3).

ص: 132

النعمان (1) ، وأخرجوا طعاماً وسيفاً ودرعاً، فشكا ذلك إلى ابن أخيه قتادة، فجاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللَّه، إنّ قوماً منّا نقبوا على عمّي، وأخذوا طعاماً وسيفاً ودرعاً، وهم أهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي (2) رجل يقال له: لبيد بن سهل (3) ، وكان مؤمناً، فقال بنو اُبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد. فبلغ لبيداً ذلك، فأخذ سيفه وخرج عليهم، فقال: هلمّوا يا بني اُبيرق، أ ترمونني بالسرقة، وأنتم أولى بها منّي، وأنتم المنافقون تهجون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟! لأضعنّ سيفي فيكم. فداروه وقالوا له: إرجع رحمك اللَّه، فانت بري ء من ذلك. ثمّ مشى بنو اُبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له: أسيد بن عروة، وكان منطيقاً لسناً، فأخبروه، فمشى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: إنّ قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منّا، من أهل حسب ونسب، فرماهم بالسرقة [فاغتمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لذلك] (4) وجاء قتادة إلى النبي [فأقبل عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (5) فقال: «يا قتادة، عمدت إلى أهل بيت حسب (6) ونسب، فرميتهم بالسرقة؟» وعاتبه عتاباً شديداً. فاغتمّ قتادة، ورجع إلى عمّه، وقال له: ليتني متّ ولم أكن كلّمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقد قال لي ما كرهته. فقال عمّه: اللَّه المستعان. فنزل جبرئيل بهذه الآيات، فبلغ بني اُبيرق ذلك، فخرجوا من المدينة ولحقوا بمكّة وارتدّوا كفّاراً، فلم يزالوا بمكّة مع قريش، فلمّا فتح اللَّه مكّة هربوا إلى الشام. 7

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .هو: قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر، بدري، عقبي، وهو أخو أبي سعيد الخدري لاُمّه. سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 331.
3- .كذا في الأصل. وفي «أ»: «في الدار».
4- .لبيد بن سهل بن الحارث بن عذرة بن عبد رزاح، بدري، فاضل، وهو الذي اتّهم بدرعي رفاعة بن زيد، وهو بري ء، والذي سرقها هو ابن أبيرق وسرق معها دقيق حواريّ كان لرفاعة. جمهرة أنساب العرب، ص 343.
5- .كذا في النسخ، ولعلّ الصحيح: «ذات حسب».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 174، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير الآية 115 من هذه السورة.

ص: 133

الجزء السادس

اشاره

أقول: قيل: إنّ [...] (1) فوقع عليه الحائط فقتله. [ 124 ] قوله: «نَقِيراً» النقير: النقطة (2) في ظهر النوى. (3) [ 128 ] قوله: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً»... الآية، قال العالم: «إِن خافت امرأةٌ مِن بَعْلِها أن يطلّقها أو يعرض عنها فقالت: قد تركت لك ما عليك ولا أسألك نفقة، فلا تطلّقني ولا تعرض عنّي، فإنّي أكره شماتة الأعداء، فلا جناح عليه أن يقبل ذلك، ولا يُجري عليها شي ء». (4) [ 129 ] قوله: «وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا»... الآية، روي: أنّ رجلاً سأل أبا جعفر الأحول، فقال: أخبرني عن قوله: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً»، وقال في آخر السورة: «وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»، فكيف معنى هذين القولين ؟ فلم يكن عنده جواباً، فقدم المدينة، ودخل على أبي عبد اللَّه عليه السلام فسأله عن الآيتين، فقال: «قوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً» يعني في النفقة، وقوله: «وَلَن تَسْتَطِيعُوا»... الآية، عنى به في المودّة». فأخبر الأحول الرجل، فقال: هذا حملته [الإبل] (5) من الحجاز. (6)

[الجزء السادس][ 157 ] قوله: «وقولهمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ» وإنّما قتلوا الرجل

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .محل النقط كلمات لا تقرأ، ولعلّها اسم أحد الاخوة الثلاثة.
3- .كذا في الأصل. وفي «أ»: «النقير النقير».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 176، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 114 - 127، فراجع الأصل.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 2، ص 182 - 183، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 279، ح 284؛ و ص 27، ح 281.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 183، عن تفسير القمّي. وقد تقدمت الإشارة إلى رواية محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 5، ص 362، ح 1، في هذا الشأن في التعليق على تفسير الآية 3 من هذه السورة. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 135 - 155، فراجع الأصل.

ص: 134

الذي اُلقي عليه شبه عيسى عليه السلام فقال اللَّه رداً عليهم: «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُمْ». [ 159 ] وقوله: «وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ» روي عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجّاج يوماً: يا شهر، آية من كتاب اللَّه قد أعيتني. فقلت: فأيّة آية؟ فقال: قوله: «وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ»، واللَّه إنّي لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثمّ أرمقه بعيني، فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد! قال: قلت: أصلح اللَّه الأمير، ليس هذا على ما تأوّلت (1) ، إنّ عيسى ينزل إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فلا يبقى أهل ملّة [يهوديّ ولا غيره] (2) إلّا آمن به قبل موت عيسى، ويصلّي عيسى خلف المهدي. قال: ويحك، أنّى لك هذا؟ قلت: حدّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام. فقال: جئت بها واللَّه من عين صافية، ضلّ واللَّه من سلك غير سبيلهم. (3) [ 162 ] قوله: «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ»... الآية، [فإنّه محكم ] (4) ». (5) [ 166 قوله: «لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ»... الآية، قال العالم عليه السلام: «إنّما نزل: «لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ» في علي «أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ»]6«وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ»». 7

.


1- .في «ط»: «أوّلت».
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل. وفي «ط»: «يهودي ولا نصراني».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 197، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 160، فراجع الأصل.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 203، عن تفسير القمّي. وروى العيّاشي نحوه في تفسيره، ج 1، ص 285، ح 307.

ص: 135

[ 168 ] [قوله: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا»](1) قال الصادق عليه السلام: «إنّما نزل: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا» آل محمّد حقّهم «لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ»... الآية». (2) [ 176 ] قوله: «قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ إن امرؤٌ هلَكَ»... الآية، يعني: ما لم يكن ولد. قوله: «ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَك»، إذا ترك رجل اُخته، فالنصف لها بالآية، والنصف الآخر يردّ عليها بالرحم، فإن كانتا أختين أخذتا الثلثين بالآية، والثلث الآخر بالردّ. (3)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 203، عن تفسير القمّي. وروى معناه الكليني في الكافي، ج 1، ص 351، ح 59، و العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 285، ح 307. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 171 - 174، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 205، عن تفسير القمّي. وراجع الوسائل 26، ص 153، الباب من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

ص: 136

سورة المائدة (5)

سورة المائدة (5)[مدنيّة، وهي مائة وعشرون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يعني: بالعهود. (1) قوله: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ»؛ عن الباقر عليه السلام قال: «يعني: الجنين في بطن اُمّه إذا أشعر أو أوبر، فذكاته (2) ذكاة اُمّه ». (3) [ أقول: ] فيه نظر؛ فإنّ ذكاة الجنين ذكاة اُمّه. وقوله: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ» دليل على أنّ غير الأنعام محرّم . (4) [ 2 ] قوله: «لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللّهِ»... الآية. الشعائر: مناسك الحجّ كلّها، ومن الشعائر: إذا ساق الرجل بدنة في الحجّ ثمّ أشعرها، أي قطع سنامها أو جلدها، أو (5) قلّدها؛ ليعلم الناس أنّها هدي فلا يتعرّض لها أحد. وإنّما سميّت الشعائر ليشعر الناس بها،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 216، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 289، ح 5 .
2- .كذا في «ب». وفي «أ» و «ج»: «قد كان ذكاته».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 217، عن تفسير القمّي. وروى نحوه هذا الحديث الكليني في الكافي، ج 6، ص 234، ح 1؛ والصدوق في من لا يحضره الفقيه، ج ، ص 209، ح 966. وراجع تفسير العيّاشي، ج 1، ص 289، ح 9.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 217، عن تفسير القمّي. وراجع ما يتعلّق بتفسير هذه الآية تفسير العيّاشي، ج 1، ص 290، ح 12 أيضاً.
5- .كذا في «أ». ووردت الكلمات في «ب» و «ج» معطوفة بالواو.

ص: 137

فيعرفونها (1) . و «الشَّهْرَ الْحَرَامَ»: ذو الحجّة (2) . «وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ» يعني: حاجّين البيت. (3) قوله: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا» أي: «لا يحملنّكم عداوة قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام في غزاة الحديبيّة أن تعتدوا وتظلموهم، ثمّ نسخت بقوله: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» ... الآية (4) » . (5) [ 3 ] قوله: «وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ»؛ يعني به ما ذبح للأصنام. قوله: «وَالْمُنْخَنِقَةُ»؛ فإنّ المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح، ويأكلون الميتة، وكانوا يخنقون البقر والنعم، فإذا ماتت أكلوها. «وَالْمَوْقُوذَةُ»؛ كانوا يشدّون رجليها ويضربونها حتّى تموت، فإذا ماتت أكلوها. «وَالْمُتَرَدِّيَةُ»؛ كانوا يشدّون عينيها ويلقونها من السطح، فإذا ماتت أكلوها. «وَالنَّطِيحَةُ»؛ كانوا يناطحون بالكباش، فإذا مات أحدهما أكلوه (6) . «وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ»، فإنّهم كانوا يأكلون ما قتلته السباع، فحرّمه اللَّه. قوله: «وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ» [كانوا يذبحون لبيوت النيران، وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لها] (7)«وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالازْلاَمِ»، كانوا يعمدون إلى الجزور، فيجّزؤوه عشرة أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيمزجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة؛ سبعة لها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها أنصباء: الفذ، والتوأم، والمسبل، والنافس، والحلس، والرقيب، والمعلى. فالفذ له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة، والنافس له أربعة، والحلس له

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 218، عن تفسير القمّي. وذكر الطبرسي ما يتعلّق بالآية في مجمع البيان، ج 3، ص 236 - 237، فراجع.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 218، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 218، عن تفسير القمّي. للاطلاع على الأقوال المختلفة في ذلك راجع: مجمع البيان، ج 3، ص 239.
4- .التوبة (9): 5.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 219، عن تفسير القمّي.
6- .راجع تفسير العيّاشي، ج 1، ص 292، ح 18.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.

ص: 138

خمسة، والرقيب له ستّة، والمعلّى له سبعة. والتي لا أنصباء لها: السفح، والمنيح، والوغد، ويلزم ثمن البعير من لم يخرج له سهم، و هذا هو القمار، فحرمه اللَّه. (1) قوله: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ»... الآية، هذا معطوف على قوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ». (2) [ 4 ] وقوله: «وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ»، فهذا صيد الكلاب المعلّمة خاصّة إذا قتلته. (3) قال الصادق عليه السلام: «كلّ شي ء من السباع يمسك الصيد على نفسه، إلّا الكلاب المعلّمة، فإنّها تمسك على صاحبها» . وقال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللَّه عليه، فإنّه ذكاته». (4) [ أقول: ]وهذا بخلاف ما تقوله العامّة: كلّ جوارح الطير والسباع إذا قتلته سواء. [ 5 ] وقوله: «اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ»، قال الصادق عليه السلام: «الطعام: الحبوب والفواكه غير الذبائح؛ فإنّهم لا يذكرون اسم اللَّه عليها خالصاً». (5) أقول: الدليل على أنّ الآية خاصّة: أنّ من جملة طعامهم: الخنزير والخمر، وهو محرّم إجماعاً، والآية مخصوصة بما ذكره عليه السلام. قوله: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ»، يعني أهل الكتاب يحلّ مناكحتهم، وهو ناسخ لقوله: «وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ» (6)، وإنّما أحلّ اللَّه نكاح

.


1- .راجع في تفسير الآيه ما ذكره الشيخ الصدوق في الخصال، ص 451، ح 57.
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير آخر الآية، فراجع الأصل.
3- .راجع ما ذكره الكليني في الكافي، ج 6، ص 202، ح 1.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 248، عن تفسير القمّي. وروى معناه الكليني في الكافي، ج 6، ص 204، ح 9؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 294، ح 25.
5- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 6، ص 264، ح 6، و 240، ح 10؛ والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 295، ح 36؛ و الشيخ في التهذيب، ج 9، ص 88، ح 374.
6- .البقرة (2): 221.

ص: 139

أهل الكتاب الذين هم في دار الإسلام ويعطون الجزية. (1) أقول: إجماعاً - الآن - أنّه لا يجوز نكاح الكافرة، سواءً كانت من أهل الكتاب أو لا، اللّهم إلّا أن يكون قد أسلم زوجها وبقيت هي على الكفر، فإنّه يبقى على نكاحه ويحلّ له وطؤها، وكأنّها المعنيّة هنا. (2) [ 6 ] قوله: «إِلَى الْمَرَافِقِ» يعني: من المرافق. (3) أقول: الصحيح أنّ (من) بمعنى (مع)، أي مع المرافق. (4) [ 20 ] قوله: «إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكاً»، فإنّ النبوّة كانت في بني إسرائيل في بيت، والملك في بيت آخر [لم يجمع اللَّه لهم النبوّة والملك في بيت واحد] (5) ثمّ جمع اللَّه ذلك لنبيّه، وهو قوله: «وآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» وهو الخلافة بعد النبوّة. (6) [ 26 ] وقوله: «فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ»، بقوا أربعين سنة يقومون من أوّل الليل فيسيرون، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض، فردّتهم إلى مكانهم، فبقوا كذلك أربعين سنة، حتّى دخلها أبناؤهم وأبناء أبنائهم. (7) [ 27 ] قوله: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ»، هما قابيل وهابيل. (8) [ 32 ] قوله: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، قال العالم: «من أنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو سبع أو تكلفة حتّى يستغني، أو أخرجها من ضلال إلى هدى».

.


1- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 5، ص 358، ح 8 .
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير آخر الآية، فراجع الأصل. وقد تقدّم من المؤلّف بعض الكلام عن نكاح الكتابية في تفسير الآية (221) من سورة البقرة، فراجع.
3- .راجع أيضاً في الكافي، ج 3، ص 28، ح 5، و ص 30، ح 4، و ص 26، ح 5 و ص 29، ح 2.
4- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 7 - 15، فراجع الأصل.
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل. وقد تقدّم معنى هذا في تفسير الآيات (246 - 248) من سورة البقرة.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 265 وراجع أيضاً مختصر بصائر الدرجات، ص 28.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 270، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الاختصاص للشيخ المفيد، ص 265.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 274 - 275، عن تفسير القمّي. و للمزيد عن تفسير الآية وقصّة هابيل و قابيل راجع: تفسير العيّاشي، ج 1، ص 306، ح 77.

ص: 140

وقوله: «فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»، فيكون مكان من قتل بغير نفس في النار كمن (1) قتل الناس جميعاً، ومن أحياها يكون مكانه في الجنّة كمن أحيا الناس جميعاً. (2) [ 33 ] وأمّا قوله: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ». عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: «من حارب وأخذ المال وقتل، قُتل وصُلب، ومن حارب وقتل ولم يأخذ المال، كان عليه أن يُقتل ولا يُصلب، ومن حارب ولم يقتل وأخذ المال، كان عليه أن تُقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل، كان عليه أن يُنفى من بلد إلى بلد». (4) أقول: المشهور أنّ الإمام مخيّر في ذلك كلّه. [ 38 ] وقوله: «فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»... الآية، قال العالم: «السارق يقطع في ربع دينار أو قيمته». (5) أقول: وهو مذهب الشافعي ومالك، وقال أبوحنيفة: يقطع في عشرة دراهم، وهو باطل. (6) [ 41 - 50 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ»... الآية، سبب نزول هذه الآيات: أنّه كان بالمدينة بطنان من اليهود من بني هارون، وهم: بنو النضير وقريظة، وكانت قريظة سبع مائة، والنضير ألفاً، وكانت النضير حلفاء لعبد اللَّه بن اُبي، وكان إذا

.


1- .في بعض النسخ: «كمكان من».
2- .وللمزيد عن تفسير الآية راجع الكافي، ج 7، ص 182، ح 1، و ص 271، ح 1 و ص 272، ح 6.
3- .في «أ»: «ص» أي الإمام الصادق عليه السلام، بدل «أبي جعفر عليه السلام».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 288، عن تفسير القمّي. و روى معناه الكليني وفي الكافي، ج 7، ص 246، ح 8 .
5- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 7، ص 221، ح 1 و2 و 3. وراجع المقنع للشيخ الصدوق، ص 445؛ والهداية، ص 296؛ النهاية للشيخ الطوسى، ص 714. وقال المجلسي في مرآة العقول: «لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط النصاب في القطع، واختلف في قدره، فالمشهور بينهم أنّه ربع دينار من الذهب الخالص المضروب بسكّة المعاملة، أو ما قيمته ربع دينار، واعتبر ابن عقيل ديناراً فصاعداً، وقال الصدوق: يقطع في خُمس دينار أو في قيمة ذلك، ويظهر من ابن الجنيد الميل إليه. والمذهب هو الأوّل». راجع هامش الكافي، ج 7، ص 221.
6- .قال راجع: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 11، ص 181. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 34 - 40، فراجع الأصل.

ص: 141

قتل واحداً من بني النضير أحد من بني قريظة، قالوا لبني قريظة: لا نرضى أن نقتل واحداً منكم بواحد منّا، بل ندفع نصف الدية، وأيّما رجل من بني قريظة قتل، قتل به ويدفع إليه الدية كاملة. فلمّا هاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، ضعف أمر اليهود، فقتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير، فبعث إليه بنو النضير: ابعثوا إلينا بالقاتل لنقتله والدية. فقالت قريظة: ليس هذا حكم التوراة، فإمّا الدية وإمّا القتل، وإلّا فهذا محمّد بيننا وبينكم، فمشت بنو النضير إلى عبد اللَّه بن اُبي وقالوا: تسأل محمّداً أن لا ينقض شرطنا. فقال عبد اللَّه بن اُبي: ابعثوا معي رجلاً يسمع كلامي وكلامه، فإن حكم لكم بما تريدونه، وإلّا فلا ترضوا به. فبعثوا معه رجلاً، فجاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: يا رسول اللَّه، إنّ قريظة والنضير قد كتبوا بينهم كتاباً وعهداً، والآن يريدون نقضه، وقد رضوا بحكمك، فلا تنقض كتابهم وشرطهم، فإنّ بني النضير لهم القوّة والسلاح والكراع (1) ، ونحن نخاف الدائرة (2) . فاغتمّ لذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ولم يجبه بشي ء، فنزل جبرئيل بهذه الآيات، إلى قوله: «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ» يعني: اليهود. (3) [ 52 ] قوله: «فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ» يعني: عبد اللَّه بن اُبي... إلى قوله: «نَادِمِينَ». (4) [ 54 ] قوله: «فَسَوْفَ يَأْتِى اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»... الآية، نزلت في قائم آل محمّد عليه السلام. (5) [ 55 ] قوله: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ»... الآية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «بينما رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله جالس، إذ نزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال:

.


1- .الكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح. لسان العرب، ج 8، ص 308 (كرع).
2- .الغوائل والدوائر: الدواهي وصروف الدهر.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 299 - 300، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 45 - 48، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 313، عن تفسير القمّي. وراجع ما يتعلّق بتأويل الآية في تفسير العيّاشي، ج 1، ص 325، ح 133.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 315، عن تفسير القمّي. وراجع الغيبة للنعماني، ص 316، ح 12؛ وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 326، ح 135.

ص: 142

هل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال: نعم، ذلك المصلّي. فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام (1) ». (2) أقول: في هذه الآية أقوى دليل على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بلا فصل، وعلى شرفه وفضله وكماله الذي ليس لأحد مثله. (3) [ 62 ] قوله: «وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ». السحت: هو بين الحلال والحرام، وهو أن يؤجر الرجل نفسه ليحمل المسكر ولحم الخنزير مثلاً. ومن السحت: ثمن الميتة، وثمن الكلب، ومهر البغيّ، والرشا في الحكم، وأجر الكاهن . (4) [ 64 ] قوله: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ»... الآية، قال: «قالوا: قد فرغ اللّه من الأمر، لا يحدث اللّه غير ما قد قدّره في التقدير الأوّل. فردّ اللَّه عليهم فقال: «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ»، أي: يقدّم ويؤخّر ويزيد وينقص، وله البداء والمشيئة ». (5)

.


1- .لم ترد «أمير المؤمنين عليه السلام» في البرهان.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 318، عن تفسير القمّي. والروايات الصريحة المتواترة قد وردت من طرق الفريقين في أن هذه الآية إنّما نزلت في حقّ أميرالمؤمنين عليه السلام، وللوقوف على جملة منها راجع: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار للسيّد على الحسيني الميلاني، ج 2، ص 12 إلى 69 و غيرها من المطوّلات في إثبات ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام و أهل البيت عليهم السلام.
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 61، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 329، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 331، عن تفسير القمّي. والبداء، إسم من بدا له في الأمر: إذا ظهر له استصواب شي ء غير الأوّل، وهو بهذا المعنى مستحيل على اللَّه تعالى، كما جاءت به الرواية عن أهل البيت عليهم السلام «بأن اللَّه لم يبد له من جهل»! وقوله عليه السلام: «ما بدا للَّه في شي ء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له». (راجع: مجمع البحرين، ج 1، ص 45)، بل المراد بالبداء: الإبداء - هنا - ؛ أي إظهار الشي ء بصورة تؤدّي حسب الظاهر إلى نتيجة خاصّة، ولكن اللَّه يرتّب على ذلك ما لم يكن يتصوّره البشر أصلاً، فينتج الأمر خلاف ما كان متصوّراً للبشر، تبعاً لإرادة اللَّه تعالى، فيحسبه الإنسان بداءً، في حين أنّه لم يحصل فيه أيّ بداء، وأنّ غاية ما حصل هو إبداء ما هو خلاف محاسبات البشر، كما حصل بالنسبة إلى ولادة علي الأكبر عليه السلام ابن الإمام الحسين عليه السلام قبل ولادة الإمام زين العابدين عليه السلام، فحسب الناس أنّ عليّ الأكبر هو المرشّح للإمامة بعد أبيه، وبقضاء اللَّه استشهاده في كربلاء بدا للناس أنّ الإمام هو زين العابدين عليه السلام، وكما حصل بالنسبة إلى ولادة إسماعيل عليه السلام ابن الإمام الصادق عليه السلام قبل ولادة الإمام الكاظم عليه السلام، فحسب الناس أنّ إسماعيل هو المرشح للإمامة بعد أبيه، وبقضاء اللَّه موته قبل الإمام الكاظم بدا أنّ الإمام هو موسى بن جعفر عليه السلام، فبانتقال الإمامة إلى الاخ الأصغر - كما قرّره اللَّه تعالى من قبل - ظهر للناس أن ما كان من سبق الولادة كان إبداءً، لابداءً بالمعنى اللغوي المعروف عند الناس؛ فإنّ ذلك مستحيل على اللَّه تعالى، وقال الإمام الصادق عليه السلام في هذا المعنى: «ما بدا للَّه في شي ء كما بدا في إسماعيل».

ص: 143

و قوله: «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً»... الآية، قال: «كلّما أراد جبّار من الجبابرة هلاك آل محمّد قصمه اللَّه ». (1) [ 66 ] قوله: «وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِن رَبِّهِمْ» يعني: اليهود والنصارى «لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ» قال: ««مِن فَوْقِهِمْ»: المطر «وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ»: النبات ». (2) وقوله: «مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ»، قال: «قوم من اليهود دخلوا في الإسلام [فسمّاهم اللَّه: مقتصدة] (3) ». [ 67 ] وقوله: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ»... الآية. عن الصادق عليه السلام: «إنّما نزلت: (مِنْ رَبِّك في عليّ عليه السلام)، نزلت في منصرف الرسول صلى اللَّه عليه وآله من حجّة الوداع، فلمّا كان آخر يوم من أيّام التشريق نزلت سورة الفتح، فقال: «نعيت إليّ نفسي»، فنادى بالصلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع الناس، فقال: نضّر اللَّه عبداً (4) سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم. أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثقلين، فقالوا: يا رسول اللَّه، وما الثقلان؟ فقال: أمّا الثقل الأكبر: فكتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لن تضلّوا ولن تزلّوا. وأمّا الثقل الأصغر: فعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 332، عن تفسير القمّي. وروى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 330، ح 148.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 331، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 330، ح 149؛ والكافي، ج 1، ص 342، ح 6؛ وبصائر الدرجات، ص 96، ح 2.
4- .في هامش «ص» في نسخة: «نضر» و «نضّر» بالتخفيف والتشديد، أي نعمه وحسن خلقه.

ص: 144

(1) حتّى يردا عليّ الحوض كإصبعيّ هاتين - وجمع بين سبّابتيه - . (2) فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا: يريد محمّد أن يصيّر الإمامة في أهل بيته، فخرج منهم أربعة - أقول: قيل: هم الأوّل والثاني والثالث [أبي]وعبيدة بن الجرّاح - وجاؤوا إلى مكّة ودخلوا الكعبة، وكتبوا بينهم كتاباً: إن مات محمّد (3) أو قتل، أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبداً، فأنزل اللَّه على رسوله: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً» (4)... الآية، ثمّ خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من مكّة يريد المدينة حتّى نزل غدير خمّ، فنزلت الآية: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»، فأمر مناديه بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فخطب بهم، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، هل تعلمون من وليّكم؟ فقالوا: نعم، اللَّه ورسوله. فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: اللهُمّ اشهد. فأعاد ذلك ثلاثاً، كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل، وتقول الناس كذلك، ويقول: اللهُمّ اشهد، ثمّ أخذ بعضد أمير المؤمنين عليه السلام فرفعها حتّى بدا للناس بياض إبطيهما، وقال - وهو رافع يده - : «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحبّ من أحبّه، وأدر الحقّ مع عليّ كيفما دار». ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللّهم اشهد، وأنا من الشاهدين». فقال قوم من أصحابه: أيطمع محمّد أن يكون هذا الأمر في أهل بيته؟ واللَّه لئن مات لا نردّ هذا الأمر في بني هاشم، ثمّ قالوا: لئن رجع إلى المدينة ليأخذنا بالبيعة له لنقتلنّه.

.


1- .في «ص»: «لن يتفرّقا». وفي هامش «ص» في نسخة: «يفترقا».
2- .في الجمع بين سبابتيه دلالة على منزلة رفيعة لأهل البيت عليهم السلام وأنّهم كالرسول صلّى اللَّه عليه وآله ، ويتّضح هذا فيما ورد عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله في مواقف اُخرى كبيان شأن كافل اليتيم حيث أنّه قال: «أنا و كافل اليتيم يوم القيامة كهاتين» وجمع بين إصعيه السبابة والوسطى، للدلالة على التفاضل حتى عند الاقتران؛ فتأمّل ذلك.
3- .في «ص» و «ق»: «إن أمات اللَّه محمّداً».
4- .الزخرف (43): 79.

ص: 145

فاجتمعوا وتوامروا على قتله، وقعدوا له في العق 22بة - وهي عقبة هرشى (1) ، بين الجحفة والأبواء - فأطلع اللَّه رسوله على ما قالوا، وهم أربعة عشر نفساً، فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها، لينفروا ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا أقبل ودنا منهم نادى جبرائيل: يا محمّد، إنّ فلاناً وفلاناً [وفلاناً] (2) قد قعدوا لك، وقد كان رسول اللَّه تقدّم أصحابه وحده [فنظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (3) فقال: من هذا خلفي؟ فقال حذيفة: أنا حذيفة. قال: سمعت ما سمعت؟ قال: بلى. قال: فاكتم. فدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله منهم، فناداهم بأسمائهم، فلمّا سمعوا نداءه دخلوا في غمار الناس، وتركوا رواحلهم، ولحق الناس برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وطلبوهم، و عرفوا رواحلهم (4) [فلمّا نزل] (5) قال: ما بال أقوام تحالفوا: إن مات محمّد أو قتل ألّا يردّوا الأمر في أهل بيته ابداً؟، فجاؤوا [إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (6) وحلفوا أنّهم لم يقولوا ذلك، فأنزل اللَّه: «يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ» وهو أن لا يردّوا هذا الأمر في آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله «وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا» من قتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله... الآية. 7 [ 71 ] قوله: «فَعَمُوا وَصَمُّوا» أي: حيث كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بين أظهرهم «ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا» حيث قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم، فعموا وصمّوا حتّى الساعة». 8

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في الأصل. وفي «أ»: «أرسي». وهرشى - كسكرى - : عقبة بين الجحفة والابواء. راجع بحار الأنوار، ج 31، ص 632.
3- .في «ب»: «وطلبهم، وعرف رواحلهم».
4- .ما بين المعقوفتين من ألاصل.
5- .اعلم أنّ نزول آية التبليغ في غدير خم وبشأن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وإعلام ولايته على جميع المؤمنين أشهر من الشمس في رابعة النهار، ويكفيك مؤونة البحث، كتاب عبقات الأنوار للسيّد حامد حسين اللكنهوى رحمه اللَّه عليه قسم حديث الغدير في عشرة مجلّدات.
6- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 8، ص 199، ح 239؛ و العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 334، ح 157.

ص: 146

الجزء السابع

اشاره

[ 75 ] قوله: «كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ» أي: «كانا يحدثان، فكنّى عن الحدث بالأكل. (1) [ 78 ] قوله: «عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى»؛ الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى عليه السلام. (2)

[الجزء السابع][ 82 ] قوله: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ»... الآية، سبب نزولها: أنّه لمّا اشتدّت قريش في أذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأذى أصحابه، أمرهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يخرجوا إلى الحبشة، وأمر جعفر [بن أبي طالب] (3) أن يخرج معهم، فخرج ومعه سبعون رجلاً حتّى ركبوا البحر. فلمّا بلغ قريشاً خروجهم، بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي وسألوه أن يردّهم (4) إليهم، وكانوا قد حملوا إليه هدايا، فقبلها منهم، فقال عمرو بن العاص: أيّها الملك، إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا، وصاروا إليك، فردّهم إلينا. فقال النجاشي: أجمع بينكم وبينهم، وأحضرهم، فدعى جعفر، فقال: يا جعفر ما يقول هؤلاء؟ فقال: أيّها الملك، وما يقولون؟ قال: يسألون أن أردّكم إليهم. قال: سلهم: أ عبيد نحن لهم؟ فقال عمرو: لا، بل أحرار كرام. قال: سلهم: ألهم علينا ديون؟ قال عمرو: ما لنا عليهم ديون.

.


1- .روى نحوه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 201، ح 1، والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 335، ح 159.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 342، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 79، فراجع الأصل.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .في «ط»: «ليردّوهم».

ص: 147

قال: فلكم في أعناقنا دماء؟ قال: لا. قال: فما تريدون منا؟ قال: خالفتمونا في ديننا، وأفسدتم شبابنا، وفرّقتم جماعتنا. فقال جعفر: أيّها الملك، بعث اللَّه فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد. وأمرنا بالصلاة والزكاة. وحرّم الجور والظلم، وسفك الدماء، والزنا، والربا، والميتة، والدم. وأمرنا بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى. ونهانا عن الفحشاء، والمنكر، والبغي. فقال النجاشي: بهذا بعث عيسى. ثمّ قال النجاشي: تحفظ ممّا أنزل اللَّه على نبيّك شيئاً؟ قال: نعم. وقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ: «وهُزِّى إِلَيْك» (1)... الآية، بكى النجاشي، ثمّ قال: هذا واللَّه هو الحقّ. [فقال عمرو بن العاص: أيّها الملك، إنّه مخالف لنا، فردّه إلينا] (2) فرفع النجاشي يده، فضرب بها وجه عمرو، فقام عمرو والدماء تسيل على وجهه، [وهو يقول: إن كان هذا كما تقول أيّها الملك، فإنّا لا نتعرّض له. وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذبّ عنه، فنظرت إلى عمارة بن الوليد، وكان فتى جميلاً، فأحبّته، فلمّا رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة: لو راسلت جارية الملك. فراسلها، فأجابته، فقال له عمرو: قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئاً. فقال لها، فبعثت إليه، فأخذ عمرو من ذلك الطيب - وكان الذي فعل به عمارة في قلبه، حين ألقاه في البحر (3) - فأدخل الطيب على النجاشي، فقال: أيّها الملك، إنّ حرمة الملك عندنا، وطاعته علينا عظيمة، ويلزمنا إذا دخلنا بلاده، ونأمن فيها أن لا نغشّه ولا نريبه، وإنّ صاحبي - هذا الذي معي - قد راسل (4) إلى حرمتك وخدعها، وبعثت إليه من طيبك. ثمّ وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي، وهمّ بقتل عمارة، ثمّ قال: لا يجوز قتله،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .مريم (19): 25 و 26.
3- .ذكر القمّي تفصيل الحديث في تفسيره ، فراجع.
4- .في «ط»: «أرسل».

ص: 148

فإنّهم دخلوا بلادي بأماني (1) ] (2) . فدعا النجاشي السحرة، فقال لهم: إعملوا لعمارة شيئاً يكون أشدّ عليه من القتل. فأخذوه ونفخوا في إحليله الزئبق، فصار مع الوحش يغدو ويروح، ولا يأنس بالناس، فبعثت قريش بعد ذلك إليه، فكمنوا له في موضع حتّى ورد الماء مع الوحش، فأخذوه، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى مات. ورجع عمرو إلى قريش، وأخبرهم الخبر. ولم يزل جعفر في أرض الحبشة مكرّماً حتّى بلغه أنّ رسول اللَّه قد هادن قريشاً، وقد وقع بينهم الصلح، فقدم بجميع من معه، فوافى رسول اللَّه وقد فتح خيبر. أقول: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما أدري بأيّهما أفرح؛ بفتح خيبر أو بقدوم جعفر. وبعث النجاشي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بمارية القبطية اُمّ إبراهيم. أقول: وقيل: الباعث إليه إنّما كان المقوقس، ملك البلاد المصريّة. وبعث إليه بثياب وطيب وفرس، وبعث ثلاثين رجلاً من القسّيسين، فقال لهم: انظروا إلى كلامه وطعامه، وإلى مقعده ومشربه ومصلّاه. فلمّا وافوا المدينة، دعاهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى الإسلام، وقرأ عليهم: «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْك وعَلى والِدَتِك» إلى قوله: «فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلّا سِحْرٌ مُبِينٌ» (3)وقرأ عليهم: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ» (4)... الآية، فلمّا سمعوا ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بكوا وآمنوا، ورجعوا إلى النجاشي [فأخبروه خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله] (5) وقرءوا عليه ما قرأ عليهم، فبكى النجاشي، وبكى القسّيسون، وأسلم النجاشي، و لم يظهر النجاشي للحبشة إسلامه، وخافهم على نفسه، ثمّ خرج مع القسّيسين من بلاد الحبشة يريد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا عبر البحر توفّي النجاشي، فنزلت: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً»... الآية . 6

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ط»: «فأمان لهم».
3- .المائدة (5): 110.
4- .آل عمران (3): 33.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 344 - 246، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 335، ح 162.

ص: 149

أقول: القول المشهور: إنّ الذي بعث مارية اُم إبراهيم، كان المقوقس ملك الإسكندرية. (1) [ 87 ] قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام، وبلال، وعثمان بن مظعون. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام، فحلف أن لا ينام بالليل أبداً، (2) وأمّا بلال، فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأمّا عثمان بن مظعون، فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً [فدخلت إمرأة عثمان على عائشة - وكانت امرأة جميلة - فقالت عائشة: مالي أراك متعطّلة (3) ؟ فقالت: ولمن أتزيّن؟ فو اللَّه ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنّه قد ترهّب ولبس المسوح، وزهد في الدنيا. فلمّا دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أخبرته عائشة بذلك، فخرج، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه] (4) فقال: ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيبات؟ ألا، إنّي أنام بالليل، وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. [فقام هؤلاء] (5) فقالوا: يا رسول اللَّه، فقد حلفنا على ذلك، فأنزل اللَّه: «لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمانِكُمْ» (6)... الآية ». (7) أقول: فيه نظر؛ فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام معصوم، لا يصدر عنه ما يخالف الشرع، ولعلّ الحالف غيره. وأيضاً: إذا لم ينم الليل إلّا مغلوباً، فأين حق الزوجة؟ إلّا أن يكون ذلك قبل الزوجيّة. 8 [ 90 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ»... الآية، قال: «لمّا نزلت هذه الآية، قيل: يا

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .راجع: قرب الإسناد للحميري، ص 3؛ الهداية الكبرى للخصيبي، ص 29.
3- .في مجمع البيان، ج 4، ص 364، روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، أنه قال: «نزلت في عليّ عليه السلام، وبلال، وعثمان بن مظعون. فأمّا عليّ عليه السلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبداً إلّا ما شاء اللَّه...».
4- .في «ط»: «معطّلة». وعطلت المرأة وتعطّلت: نزعت حليها.
5- .المائدة (5): 89.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 346 - 247، عن تفسير القمّي .
7- .و على فرض صحّة الرواية ، فلابدّ من التوجيه بما ذكره ابن العتائقي. ولا شكّ أنّ ما نقله الطبرسي أنسب بمقام الإمام عليه السلام.

ص: 150

رسول اللَّه، ما الخمر؟ قال: ما أسكرك من شي ء. قيل: فما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز. قيل: فما الأنصاب؟ فالأوثان التي يعبدونها. [قيل: فما الميسر؟ قال:] (1) فالنرد والشطرنج. [قيل: وما أهلّ لغير اللَّه به؟] (2) قال: ما ذبحوا عليه لآلهتهم (3) . قيل فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها ». (4) [ 94 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَىْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ»... الآية، قال: «نزلت في عام الحديبية، جمع اللَّه عليهم الصيد، فدخلت (5) بين رحالهم ليختبرهم ». (6) [ 95 ] وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»... الآية. (7) وأمّا قوله: «أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ»](8) ، قال الزهري: دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: يا زهري من أين جئت؟ قلت: من المسجد. قال: فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي أنّه ليس من الصوم شي ء واجب إلّا صوم رمضان. فقال: يا زهري، ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجهاً، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربعة عشر منها صاحبها فيها بالخيار، وصوم الإذن (9) على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة 10 ، وصوم المرض، وصوم السفر.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .ما بين المعقوفتين أضفناه للسياق.
3- .في الأصل: «الأوثان التي كانوا يعبدونها».
4- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 2، ص 352 - 253، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 92 - 93، فراجع الأصل.
5- .كذا في الأصل، وفي النسخة: «فدخل».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 363، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الكليني في الكافي، ج 4، ص 396، ح 1 و 2 والعيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 342، ح 192.
7- .فواجب لفظ الآية: أنّ الفداء يجب على من قتل الصيد متعمّداً، وفي المعنى والتفسير يجب الجزاء على من قتل الصيد متعمداً أو خطأً.
8- .أي الصوم الموقوف على الإذن.
9- .أي الصوم مع إباحة الأكل وغيره فيه.

ص: 151

فقلت: فسّرهنّ لي، جعلت فداك. قال: أمّا الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظهار [ لمن لم يجد العتق] (1) واجب، وصيام ثلاثة أيّام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الإطعام، وصيام أذى حلق الرأس واجب، قال اللَّه تعالى: «فمن كان منكم مريضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ » (2)فصاحبها فيها بالخيار، فإنّ صام صام ثلاثة أيّام. وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي، لقوله: «فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ» (3). وصوم جزاء الصيد واجب؛ لقوله: «أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً». أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياماً يا زهري؟ قلت: لا. قال: يقوّم الصيد قيمة (4) ، ثمّ يفضّ (5) تلك القيمة على البرّ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعاً، فيصوم لكلّ نصف صاع يوماً. وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف (6) واجب. فأمّا الصوم (7) الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، وثلاثة أيّام التشريق (8) ، وصوم يوم الشكّ، وصوم الوصال حرام (9) ، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام 10 . وأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .البقرة (2): 196.
3- .في «ط»: «قيمته».
4- .في «ص» و «ق»: «نفض».
5- .أي اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف.
6- .في «ص» و «ق»: «صوم».
7- .في «ص» و «ق»: «من التشريق».
8- .في هامش «ص» ما يلي: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار».
9- .في هامش «ص» ما يلي: «لاشتماله على صوم العيدين وغيره من المحرّم على بعض الوجوه».

ص: 152

وصوم أيّام البيض، وصوم ستّة أيّام من شوّال بعد رمضان (1) ، وصوم يوم عرفة (2) ، وصوم يوم عاشوراء (3) ؛ كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر. وأمّا صوم الإذن، فإنّ المرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن سيّده، والضيف لا يصوم تطوعاً إلّا بإذن صاحبه. وأمّا صوم التأديب، فأن يؤمر الصبي إذا راهق بالصوم تأديباً، وكذلك من أفطر لعلّة أوّل النهار، ثمّ عوفي (4) بقيّة يومه، اُمر بالإمساك تأديباً، وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ثمّ دخل مصره (5) ، اُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً، وليس بفرض. وأمّا صوم الإباحة، فمن أكل أو شرب ناسياً أو قاء من غير تعمّد، فقد أباح اللَّه ذلك له، وأجزأ عنه صومه. وأمّا صوم المرض والسفر، فإنّ العامة اختلفت فيه، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم، وقال قوم: هو مخيّر، وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام [في السفر أو في حال المرض، فهو عاص] (6) فعليه القضاء». (7) [ 101 ] قوله: «لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ»... الآية، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ صفيّة بنت عبد المطلب مات لها ابن، فأقبلت، فقال لها عمر بن الخطاب: غطّي قرطك، فإنّ قرابتك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لا تنفعك شيئاً. فقالت له: وهل رأيت لي قرطاً، يابن اللخناء (8) ؟! ثمّ دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبكت وأخبرته بذلك (9) ، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فنادى بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال: ما

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .المراد: بعد مضيّ ثلاثة أو أربعة أيّام من العيد، لا متّصلاً.
3- .في هامش «ص»: «لمن يضعفه الصوم عن الدعاء».
4- .في هامش «ص» ما يلي: «لعلّه محمول على التقية، أو الإمساك من غير نيّة الصوم»، والأحاديث في النهي عن صوم عاشوراء كثيرة. راجع: وسائل الشيعة، ج 10، ص 523 الباب 5 من أبواب الصوم المحرّم والمكروه، باب صوم عاشوراء.
5- .كذا في الأصل، وفي النسخة: «قوي».
6- .في «ب» و «ج»: «ثمّ قدم أهله».
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 96 و 97، فراجع الأصل.
8- .في هامش «أ» هنا ما يلي: «لأنّه قد فعل محرّماً».
9- .في «ب»: «بما قال عمر لها».

ص: 153

بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع؟! لو قد قمت المقام المحمود لشفّعت في أحوجكم (1) ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا أخبرته. فقام رجل، فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ فقال: أبوك غير الذي تدعى له، أبوك فلان بن فلان». فقام آخر فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ فقال: أبوك الذي تدعى له. ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما بال الذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسأل [عن أبيه؟!]. (2) فقام إليه عمر فقال: أعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله، اُعف عنّي يا رسول اللَّه (3) عفا اللَّه عنك، فنزلت الآية» (4) . أقول: إنّ الابن من الزنا لا يسمّى ابناً شرعيّاً، ولا من يولد من نطفته: أباً ولا اُمّاً. (5) [ 105 ] قوله: «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ»... الآية، معناه: أصلحوا أنفسكم ولا تتّبعوا عثرات (6) الناس، ولا تذكروهم؛ فإنّه لا يضرّكم ضلالتهم إذا كنتم صالحين. (7) [ 106 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ»... الآية، نزلت في ابن بندي وابن أبي مارية النصرانيّين، وكان رجل يقال له: تميم الداري مسلماً [خرج معهما في

.


1- .كذا في الأصل، وفي النسخ: «خارجكم».
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل، ولعلّ النبي كان يريد بيان حقيقة نسبه؛ تأكيداً لمّا ورد عنه صلّى اللَّه عليه وآله: من أنّه لا يبغض أهل البيت عليهم السلام إلّا ولد زنا أو من حملت به اُمه في حيض و هي حائض اُنظر: الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة للحرّ العاملي، ج 3، ص 29.
3- .في «ب» زيادة: «لأني قد فعلت محرماً».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 370 - 371، عن تفسير القمّي. و عن تفسير الآية أيضاً راجع: الكافي، ج 1، ص 48، ح 5؛ و تفسير العيّاشي، ج 1، ص 346، ح 212.
5- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 103، فراجع الأصل.
6- .في الأصل: «عورات».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 374، عن تفسير القمّي. وفي مصباح الشريعة، ص 18: روي أن أبا ثعلبة الخشني سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عن هذه الآية: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» فقال صلّى اللَّه عليه وآله: «آمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك حتّى إذا رأيت شحّاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العامة». وعن نهج البيان، بالإسناد عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «نزلت هذه الآية في التقيّة». البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 374، عن نهج البيان، ج 2، ص 107 (مخطوط).

ص: 154

سفر] (1) وكان معه خُرج ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب ليبيعها ، فلمّا خرجوا من المدينة اعتلّ تميم، فلمّا حضرته الوفاة دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته، فقدما المدينة وأوصلا ما كان دفعه إليهما تميم، وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة، فقال ورثة تميم:[ هل مرض صاحبنا مرضاً طويلاً أنفق فيه نفقة كثيرة؟ فقالا: ما مرض إلّا أيّاماً قليلة، قالوا: فهل سرق منه شي ء في سفره؟ قالا: لا، قالوا: فهل اتّجر تجارة خسر فيها؟ فقالا: لا، قالوا: فقد افتقدنا أنبل شي ء كان معه: آنية منقوشة بالذهب، مكلّلة، وقلادة] (2) . فقالا: ما دفعه إلينا قد أدّيناه إليكم، فقدّموهما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأوجب عليهما اليمين، فحلفا، فخلّى عنهما، ثمّ ظهرت القلادة والآنية عليهما، فأخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك [فانتظر الحكم من اللَّه] (3) فنزلت الآية. وقوله: «بَعْدِ الصَّلاَةِ» يعني: صلاة العصر. (4) [ 107- 108 ] قوله: «فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» أي: أنّهما حلفا على كذب «فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا» يعني: من أولياء المدّعي «مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ» إلى قوله: «وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ» فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أولياء تميم أن يحلفوا باللَّه على ما أمرهما به، فأخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن أبي مارية، وردّهما على أولياء تميم. 5

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل، وبدله في «ب» و «ج» ما يلي: «والآنية والقلادة؟».
3- .أشار إليه البحراني في البرهان، ج 2، ص 375، وأنّه مذكور في تفسير القمّي. وروى نحوه الكليني في الكافي، ج 7، ص 5، ح 7. هذا، وقد وردت الكلمة في بعض النسخ: «ابن بندي»، وفي سائر المصادر: «عدي بن بداء، وبديل بن أبي مريم»، وفي بعضها: «مارية»، وفيها: «أنّ تميماً وعديّاً هما السارقان». اُنظر: سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 444؛ الدر المنثور، ج 3، ص 220.
4- .أشار إليه البحراني في البرهان، ج 2، ص 375، وراجع أيضاً التهذيب 6، ص 253، ح 655؛ وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 348، ح 216.

ص: 155

[ 109 ] قوله: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لَا عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّمُ الْغُيُوبِ»؛ عن الصادق عليه السلام قال: «ماذا اُجبتم في أوصيائكم؟ فيقولون: لا علم لنا بما فعلوا بعدنا بهم». (1) [ 112 ] قوله: «هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» أي: يقدر. فكانت المائدة تنزل عليهم، فيجتمعون عليها ويأكلون حتّى يشبعون، ثمّ ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم: لا ندع (2) سفلتنا (3) يأكلون منها، فلمّا قالوا ذلك رفع اللَّه المائدة عنهم، ومسخوا قردة وخنازير. (4) أقول: وقال بعض المفسّرين، ومنهم الحسن (5) : إنّها لم تنزل، وقرأ: «هل تستطيع رَبَّكَ» (6)، وهو قراءة حسنة توافق العقول. [ 116 ] قوله: «وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخذُونِى»... الآية، هذا لم يقله، وسيقوله يوم القيامة. (7) أقول: بل يقوله في الدنيا؛ لأنّ قوله: «وَاِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ» تقديره مع التوبة، ولا توبة نافعة بعد الموت. قوله: «تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ» يعني: تعلم غيبي ولا أعلم غيبك؛ لأنّك «أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ». وروي: «أنّ كلّ شي ء يُعبد من دون اللَّه في النار ما خلا عيسى». (8) أقول: والملائكة وعزير وعليّ بن أبي طالب أيضاً. وعن ابن أبي عمير رفعه، قال: سأل أصحاب عيسى عليه السلام: أن يحيي لهم ميّتاً، فأتى بهم

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 378، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 338، ح 535؛ وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 349، ح 220. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 110 - 111، فراجع الأصل.
2- .في «ط»: «لا تدع».
3- .السفلة من الناس: أسافلهم وغوغاؤهم.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 383، عن تفسير القمّي. وروى مايقرب منه في الكافي، ج 6، ص 246، ح 14.
5- .هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، ولد سنة 21 ه وتوفّي 110 ه .
6- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 248.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 383 - 384 ، عن تفسير القمّي. وروى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 351، ح 228.
8- .راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج 1، ص 49.

ص: 156

إلى قبر سام بن نوح، فقال: قم بإذن اللَّه يا سام. فانشقّ القبر، ثمّ أعاد الكلام، فتحرّك، ثمّ أعاد الكلام، فخرج سام بن نوح. فقال له عيسى عليه السلام: أيّما أحبّ إليك تبقي أو تعود؟ فقال: يا روح اللَّه بل أعود، إنّي لأجد حرقة الموت في جوفي إلى يومي هذا». (1) وعنه، عن عليّ بن حديد يرفعه، قال: «قام عيسى بن مريم عليه السلام خطيباً في بنى إسرائيل، فقال: لا تأكلوا حتّى تجوعوا، فإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا ، فإنّكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربّكم، (2) إنّي أصبحت فيكم اُدُمي الجوع، وطعامي ممّا تنبت الأرض للوحش والأنعام، وضلالي في الشتاء الشمس، مشارقها ومغاربها، وسراجي القمر، وفراشي التراب، ووسادتي الحجر، (3) وليس لي بيت يخرب، ولا مال يسرق، ولا ولد يموت، ولا امرأة تحزن ، أصبح وليس لي شي ء، وأمسي وليس لي شي ء، وأنا أغنى ولد آدم». (4) وعنه، قال: «خرج عيسى بن مريم في بعض سياحته ومعه رجل من أصحابه يقال له: قصير (5) ، حتّى أتيا البحر، فقال عيسى: بسم اللَّه، بصحّة يقين من نفسه ومشى على الماء. فقال قصير حين نظر إلى عيسى عليه السلام: بسم اللَّه، بصحّة يقين منه ومشى على الماء. فدخله العجب، فغرق، فصاح بعيسى، فأدركه وأخرجه، ورجع عمّا كان حدّث به نفسه». (6) وعنه، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قرأت في كتاب عليّ عليه السلام: أنّ الدنيا تمثّلت للمسيح في صورة إمرأة زرقاء، فقال لها المسيح: هل تزوّجت زوجاً قطّ؟ قالت: نعم، أزواجاً كثيرة. فقال: فكلّهم طلّقك؟ قالت: بل كلّهم قتلت.

.


1- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 1، ص 174، ح 50، وقطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح، ج 2، ص 949.
2- .روى نحوه البرقي في المحاسن، ج 2، ص 447، ح 342 ورواه عنه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج 24، ص 245، ح 30453.
3- .في «ب» و «ج»: «الحجارة».
4- .راجع معاني الأخبار، ص 252، ح 5. وانظر: فقه الرضا، ص 370؛ ومشكاة الأنوار للطبرسي، ص 227.
5- .في «ب» و «ج»: «نصير».
6- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 2، ص 306، ح 3.

ص: 157

قال عيسى عليه السلام: ويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين». (1) وقال: «مرّ عيسى عليه السلام بقرية، قد مات أهلها وطيرها ودوابّها، فقال عيسى: أمّا إنّهم لم يموتوا إلّا سخطة، ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا، فقالوا: يا روح اللَّه، ادع اللَّه أن يحييهم فيخبرونا ماذا كانت أعمالهم، فنجتنبها؟ فدعا ربّه، فنودي من الجوّ: أن نادهم. فقام عيسى على شرف الأرض، وقال: يا أهل القرية. فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح اللَّه وكلمته. قال: ما كانت أعمالكم؟ فقال: عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا مع خوف قليل (2) ، وغبطة في لهو ولعب (3) . قال: كيف كان حبّكم للدنيا؟ قال: كحبّ الصبيّ لاُمّه، إذا أقبلت علينا فرحنا، وإذا أدبرت حزنّا. قال: فكيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ فقال: الطاعة لأهل المعاصي. قال: فكيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا في عافية، وأصبحنا في الهاوية. قال: وما الهاوية؟ قال: سجّيل. قال: وما سجّيل؟ قال: جبال من جمر، يوقد عليها إلى يوم القيامة. قال: ما قلتم، وما قيل لكم؟ قال: قلنا: ردّنا إلى الدنيا نزهد فيها، فقيل لنا: كذبتم. قال: ويحك، كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم؟

.


1- .رواه الحسين بن سعيد الكوفي في كتاب الزهد، ص 48، ح 129، و قريب منه ما رواه ابن فهد الحلي في التحصين، ص 28، ح 48؛ وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 14، ص 330، ح 67 و 73، ص 125 - 126.
2- .في «ج» زيادة: «وأمن بعيد».
3- .في «ب»: «وغبطة في لهو».

ص: 158

قال: لأنّي كنت فيهم ولم أكن منهم، فلمّا نزل بهم العذاب عمّني معهم، فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم، لا أدرى أكبكب فيها أم أنجو منها؟ فالتفت عيسى عليه السلام إلى أصحابه، فقال: يا أولياء اللَّه، أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل مع عافية الدنيا والآخرة، خيرٌ كثير». (1) وعنه يرفعه، قال: «بينا عيسى عليه السلام في أصحابه، إذ مرّ به رجل، فقال عيسى: هذا ميّت أو يموت. فلم يلبثوا أن رجع عليهم وعلى رأسه حزمة حطب ، فقالوا: يا روح اللَّه، أخبرتنا إنّه ميّت وهو ذا نراه حيّاً؟ فقال عيسى عليه السلام: ضع حزمتك، فوضعها، ففتحها وإذا فيها أسود قد اُلقم حجراً، فقال عيسى عليه السلام: أيّ شي ء عملت اليوم؟ قال: كان معي قرصان، فمرّ بي سائل فأعطيته إحداهما». (2) وعن الرضا عليه السلام، قال: «كان عيسى يضحك ويبكي، وكان يحيى يبكي ولا يضحك، وكان الذي يصنع عيسى عليه السلام أفضل». (3)

.


1- .ذكر نحوه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 51.
2- .نقل مثله في عدّة الداعي لابن فهد الحلي، ص 61 . ورواه عنه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج 9، ص 389.
3- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 2، ص 665، ح 20، وراجع وسائل الشيعة للحرّ العاملي 12، ص 112، ح 15792 . وللمزيد عن معنى الحديث راجع شرح أصول الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني، ج 11، ص 148. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 119، فراجع الأصل.

ص: 159

سورة الأنعام (6)

سورة الأنعام (6)[مكّيّة، وهي مائة وخمس وستّون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» أي يشركون. [ 2 ] قوله: «ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وأَجَلٌ مُسَمّىً عِندَهُ»؛ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الأجل (1) المقضيّ: هو المحتوم الذي قضاه اللَّه وحتمه؛ والمسمّى: هو الذي فيه البداء، (2) يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ». (3) قوله: «ثمَّ أنتُمْ تَمْتَرُونَ» أي: تشركون . (4) [ 20 ] قوله: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ»... الآية، أي: يعرفون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؛ لأنّ صفته مكتوبة في التوراة والإنجيل . (5) [ 24 ] قوله: «وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ» أي: بطل. (6)

.


1- .في «ب» و «ج» زيادة: «القضاء».
2- .قد ذكرنا معنى البداء في التعليق على تفسير الآية (64) من سورة المائدة (5)، فراجع.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 400، عن تفسير القمّي. وروى نحوه النعماني في الغيبة، ص 301، ح 5 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 403، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 3 - 19، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 407، عن تفسير القمّي.
6- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 2، ص 407، عن تفسير القمّي، هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 21 - 25، فراجع الأصل.

ص: 160

[ 26 ] وقوله: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» أي: عن شهرة (1) الكفر وهم لا ينتهون. (2) [ 33 ] قوله: «فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ». قال الصادق عليه السلام: «واللَّه لقد كذّبوه أشدّ التكذيب، وإنّما نزل: (لا يَكْذِبُونَكَ) (3) ، أي لا يأتون بحقّ يبطلون به حقّك ». (4) [ 65 ] قوله: «قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ». قال: «يبعث اللَّه «عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِن فَوْقِكُمْ»: السلطان الجائر «أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ»: السفلة، ومن لا خير فيه». «أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً» قال: «العصبيّة». «وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ» قال: «سوء الجوار ». (5) أقول: ويحتمل أن يريد الحروب التي وقعت بين المسلمين. [ 45 ] قوله: «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحبّ أن يُعصى اللَّه [اختياراً، ومن أحبّ أن يُعصى اللَّه] (6) فقد بارز اللَّه بالعداوة، ومن أحبّ بقاء الظالمين [فقد أحبّ أن يُعصى اللَّه، إنّ اللَّه تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين] (7) فقال: «فَقُطِعَ دَابِرُ» ... الآية». (8) أقول: ويؤيّده ما روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله، قال: «من دعا لظالم بطول البقاء، فقد أحبّ أن يُعصى اللَّه في أرضه». 9

.


1- .كذا في النسخ.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 410، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 27 - 32، فراجع الأصل.
3- .معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 265.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 414، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الكليني في الكافي، ج 8، ص 200، ح 241. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 35 - 63، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 428، عن تفسير القمّي. وروى نحوه عن الطبرسي في مجمع البيان، ج 4، ص 487، عن الصادق عليه السلام.
6- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 419، عن تفسير القمّي. ورواه الصدوق في معاني الأخبار، ص 252، ح 1.
8- .رواه المجلسي في بحار الأنوار، ج 75، ص 334 بلفظ : روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله: «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصى اللَّه في أرضه».

ص: 161

[ 59 ] وقوله: «وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ» قال: «الورقة: السقط، والحبّة: الولد، وظلمات الأرض: الأرحام، والرطب: ما يبقى ويحيى، واليابس: ما تغيض [الأرحام] (1) ، وكلّ ذلك في كتاب مبين ». (2) [ 93 ] قوله: «الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ» قال: «العطش». (3) [ 71 ] قوله: «كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِى الأَرْضِ» أي خدعته [في الأرض فهو «حَيْرَان»](4) . (5) [ 75 ] قوله: «وَكَذلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ» عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كشط له عن الأرض حتّى رآها ومن عليها، وعن السماء حتّى رآها ومن فيها، والملك الذي يحملها، والعرش ومن عليه ». (6) [ 76 - 78 ] قوله: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً» إلى قوله: «وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِيِنَ» قال: «هذا لمّا خرج من الغار، وكان من خبره: أنّ أباه آزر كان منجّماً لنمرود بن كنعان (7) ، فقال له: إنّي أرى في حساب النجوم أنّه يجي ء في هذا الزمان رجل 8 ينسخ هذا الدين،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 425 عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 248، ح 349، وفي تفسير العيّاشي، ج ، ص 361، ح 28 و 29.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 454، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 431، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 433، عن تفسير القمّي.
6- .إنّ آزر لم يكن أبا إبراهيم حقيقة، وقد ورد في بعض الأحاديث مما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أنّ آزر كان أبا إبراهيم عليه السلام في التربية». وروي في حديث عن الصادق عليه السلام: «أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ (بحار الأنوار، ج 12، ص 42، ح 31) وقال الطبرسي (في جوامع الجامع، ص 129): ولا خلاف بين النسّابين أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ. قال: قال أصحابنا: إنّ آزر كان جدّ إبراهيم عليه السلام لاُمّه. وروي أيضا أنّه كان عمّه. وقالوا: إنّ آباء نبيّنا صلّى اللَّه عليه وآله إلى آدم كانوا موحّدين. ورووا عنه عليه السلام قوله: «لم يزل ينقلنا اللَّه تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات». وستأتي روايات في ذلك، في قوله تعالى: «وتَقَلُّبَك فِى السَّاجِدِينَ» في تفسير الآيات (217- 219) من سورة الشعراء.
7- .في «ط»: «أنّ هذا الزمان يحدث رجلاً».

ص: 162

ويدعو إلى دين آخر. فقال نمرود: في أيّ بلاد يكون؟ قال آزر: في هذه البلاد، فقال نمرود: أ ولد؟ قال آزر: لا. قال: ينبغي أن نفرّق بين الرجال والنساء. ففرّق بينهم. وحملت اُمّ إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يبيّن (1) حملها، فلمّا حانت ولادتها قالت لآزر: إنّي عليلة واُريد أن أعتزل عنك. وكانت المرأة إذا اعتلّت اعتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت في غار، ووضعت إبراهيم عليه السلام فقمّطته، ورجعت إلى منزلها، وسدّت باب الغار بالحجارة، فأجرى اللَّه لإبراهيم عليه السلام لبناً من إبهامه. وكان نمرود يقتل كلّ ولد ذكر، فما زال إبراهيم عليه السلام في الغار، وكان يشبّ كلّ يوم كما يشبّ غيره في الشهر، حتّى أتى له ثلاث عشرة سنة. فلمّا أتى له ثلاث عشرة سنة زارته اُمّه، فلمّا أرادت أن تفارقه تشبّث بها[ فقال: يا اُمّي، أخرجيني] (2) فقالت: يا بني، إنّ الملك إن علم أنّك ولدت [في هذا الزمان] (3) قتلك. فلمّا خرجت اُمّه [خرج] (4) من الغار وقد غابت الشمس، نظر إلى الزهرة في السماء، فقال: هذا ربّي. فلمّا غابت (5) قال: لو كان هذا ربّي ما تحرّك وما برح، ثمّ قال: «لاَأُحِبُّ الآفِلِينَ» والآفل: الذي يغيب - فلمّا كاف بعد ذلك طلع القمر، فقال: هذا ربّي، هذا أحسن، فلمّا تحرّك وزال قال: «لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى لاكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» فلمّا أصبح وطلعت الشمس وملأ الدنيا ضوءها، قال: «هذَا رَبِّى هذَا أَكْبَرُ»، فلمّا تحركت وزالت، قال: «يا قَوْمِ إِنِّى بَرِى ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» (6)... الآية ». (7) أقول: فيه نظر؛ لأنّ هذا يلزم منه أن يكون إبراهيم مشركاً، ولو قال واحداً مما كان كافيه 8 ، لكن هذا قاله لقومه على سبيل الفرض والتقدير، حتّى يتبيّن لهم ضلاله، 9 وهذه طريقة أصحاب النظر معروفة، وهي من أشرف طرائق علم الجدل، مانعاً

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ط»: «ولم تبين».
3- .في هامش «ط»: «فلمّا غابت الزهرة».
4- .إنّ قول إبراهيم «هذا ربّي» لم يكن على نحو الإقرار، بل على سبيل الاستفهام الإنكاري راجع تفسير الرازي، ج 3، ص 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 436 - 437، عن تفسير القمّي.
6- .كذا في النسخ، والظاهر «كان كافياً».
7- .أي عن طريقتهم التي كانوا عليها.

ص: 163

وهمهم أنّه منهم حتّى لا يتّهموه ولا (1) يقبلوا كلامه. وأيضاً؛ فآزر لم يكن أبا إبراهيم؛ للعلم بأنّ أباه كان اسمه «تارخ»؛ بإجماع أهل البيت، ولكن هذا قيل: أنّه عمّه، وقيل: خاله، وقيل: مربّيه. (2) وكشط له عن السماوات حتّى رأى العرش وما فوقه، ونظر إلى ملكوت السماوات والأرض، قال العالم: «لمّا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض، إلتفت فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فمات، ثمّ رأى آخر فدعا عليه فمات، حتّى دعا على ثلاثة فماتوا، فأوحى اللَّه عزّ ذكره إليه: يا إبراهيم إنّ دعوتك مجابة، فلا تدع على عبادي؛ فإنّي لو شئت لم أخلقهم». (3) [ 82 ] قوله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ» أي صدقوا ولم ينكثوا. (4) [ 93 ] قوله: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ ومَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ» نزلت في عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، وكان أخا عثمان من الرضاعة، فأسلم وقدم المدينة، وكان له خطّ حسن، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا نزل الوحي عليه يدعوه ليكتب ما اُنزل عليه، فكان إذا قال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» يكتب: بما تعملون بصير. وإذا قال: «سميع عَلِيمٌ» يكتب: سميع بصير، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: هو واحد. فارتدّ كافراً ورجع إلى مكّة، فقال [لقريش] (5) : واللَّه ما يدري محمّد ما يقول، أنا أقول مثل ما يقول، فلا ينكر عليّ ذلك، [فأنا أنزل مثل ما أنزل اللَّه] (6) . فنزلت الآية فيه. أقول:... 7 إنّه قال: ما ذكر اللَّه: أحسن الخالقين، قال: اكتبها ؛ فإنّها من القرآن، وقال الذي قال. [ 95 ] قوله: «إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»، يعني بفلقه، فيخرج منه الغرس والزرع

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .كذا في النسخ، والظاهر زيادة «لا».
3- .وراجع مانقلناه عن الطبرسي في جوامع الجامع قبل صفحات.
4- .روى نحوه الكليني في الكافي، ج 8، ص 305، ح 473.
5- .راجع الكافي، ج 1، ص 341، ح 3؛ و تفسير العيّاشي، ج 1، ص 366، ح 46.
6- .محلّ النقط كلمات غير واضحة.

ص: 164

الجزء الثامن

اشاره

«يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ»: المؤمن من الكافر «وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ»: الكافر من المؤمن. (1) [ 98 ] قوله: «وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»، قال: من آدم «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»، قال: «المستقر: الإيمان الذي يثبت في القلب إلى الموت، والمستودع: هو المسلوب منه الإيمان». (2) [ 97 ] قوله: «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا»، قال: «[النجوم] (3) : آل محمّد عليهم السلام». (4) [ 100 ] قوله: «وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ»، قال: «عبدوا الجنّ «وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ» أي موّهوا وتخرّقوا (5) [فقال اللَّه عزّ وجلّ ردّاً عليهم] (6) : «بَدِيعُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ» يعني: مخترعها ». (7) [ 103 ] قوله: «لَاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ» أي: لا تحيط به. (8)

[الجزء الثامن][ 112 ] قوله: «يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً» فهذا وحي كذب . (9) [ 122 ] قوله: «أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ»، قال: «جاهلاً عن الحقّ والولاية، فهديناه إليها». «وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً»، قال: «النور: الولاية ». 10

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 457، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 458، عن تفسير القمّي. وراجع الكافي، ج 2، ص 306، ح 4، وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 371، ح 70 و 75.
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 99، فراجع الأصل.
5- .في الأصل: «وحرفوا».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 460، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 373، ح 77.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 461، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 76، ح 9. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 104 - 111، فراجع الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 469، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً مجمع البيان، ج 4، ص 545. هذا، ولم يذكر المؤلّف باقي تفسير الآية 112، وكذا الآيات - 121، فراجع الأصل.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 475، عن تفسير القمّي. وروى معناه الكليني في الكافي، ج 1، ص 142، ح 13. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 124 - 134، فراجع الأصل.

ص: 165

[ 136 ] قوله: «وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ»... الآية، فإنّ العرب كانوا إذا زرعوا زرعاً قالوا: هذا للَّه، وهذا لآلهتنا. وكانوا إذا سقوه فخرق (1) الماء من الذي للَّه إلى الذي للأصنام لم يسدّوه، وقالوا: اللَّه أغنى، وإذا خرق شي ء من الذي للأصنام إلى الذي للَّه سدّوه ». (2) [ 138 ] قوله: «حِجْرٌ»، قال: «الحجر: المحرّم، كانوا يحرّمونها على قوم» . (3) [ 139 ] وقوله: «وقالوا مَا فِى بُطُونِ هذِهِ الأَنْعَامِ»... الآية، كانوا يحرّمون الجنين الذي يخرجونه من بطون الأنعام على النساء، وإذا سقط ميّتاً تأكله الرجال و النساء . (4) [ 141 ] قوله: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»، قال: «الضغث من السنبل والكفّ من التمر إذا خرص»، قال: وسألته: هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله بيته ؟ قال: «لا، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته». وعنه، عن أحمد البرقي، عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام قال: قلت: فإن لم يحضر المساكين وهو يحصد، كيف يصنع ؟ قال: «ليس عليه شي ء » . (5) وقوله: «وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ» قال: «البساتين» . (6) وقوله: «وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ». وقوله: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»، قال: «يوم حصادا وكذا نزلت»، (7) قال: «فرض اللَّه يوم الحصاد من كلّ قطعة أرض قبضة للمساكين، وكذا في جذاذ النخل، وفي التمر (8) ،

.


1- .في «ط»: «فحرف».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 480، عن تفسير القمّي. وروى معناه الطبرسي في مجمع البيان، ج 4، ص 571. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 137، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 481، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 490، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 482، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 1، ص 378، ح 101 و 102.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 482، عن تفسير القمّي.
7- .كذا في المطبوعة من تفسير القمّي، ج 1، ص 218. وفي البحار، ج 93، ص 94 نقلاً عن تفسير القمّي: «قال: يوم حصاده هكذا نزلت».
8- .في «ط»: «الثمرة».

ص: 166

وكذا عند البذر» . (1) أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» قال: «[الضغث من السنبل و ] (2) الكف [من التمر إذا خرص] (3) » . (4) [ 142 ] قوله: «وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً»، قال: «الحمولة: الإبل، والفرش: وبرها» . (5) [ 143 - 144 ] قوله: «ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ»... الآية، قال العالم: «البهائم ضربان؛ أنعام وغير أنعام، فالأنعام في هذه الثمانية المذكورة بقوله: «مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ»، عنى الأهلي والجبلي «وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ»، عنى الأهلي والوحشي «وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْن»: الأهلي والوحشي «وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ»: البخاتي والعراب» . (6) [ 145 ] وقد احتجّ قوم بهذه الآية: «قُل لَا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ»... الآية، فقالوا: ليس شي ء محرّماً غير هذه، وأحلّوا القردة والكلاب والذئاب والأسد والبغال والحمير وكلّ دابّة، وغلطوا؛ فإنّما هذه الآية ردّ على ما أحلّت العرب وحرّمت » . (7) أقول: قوله: والبغال والحمير، فيه نظر؛ لأنّ الحمير والبغال يجوز أكل لحمها. [ 146 ] قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا»... الآية، يعني: اليهود، حرّم اللَّه عليهم لحوم الطير، وحرّم عليهم الشحوم، إلّا ما كان على ظهور الغنم أو في جنبه خارجاً من البطن . 8

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 490، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 482، عن تفسير القمّي.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 482، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي 1، ص 378، ح 101 و 102.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 487، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 489، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 283، ح 437؛ و ج 4، ص 492، ح 17.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 492، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 147 - 150، فراجع الأصل.

ص: 167

[ 151 ] قوله: «وَلاَتَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِنْ إِمْلاقٍ»... الآية، قال: «كانوا يقتلونهم من الجوع». و قوله: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» (1)، قال: «الوالدان رسول اللَّه وأمير المؤمنين عليهما السلام » . [ 153 ] قوله: «وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»، قال الباقر عليه السلام: [ «الصراط المستقيم:] (2) طريق الإمام » . (3) [ 157 ] قوله: «يَصْدِفُونَ» أي: يكذبون . (4) [ 161 ] قوله: «مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً». الحنيفيّة [هي العشرة] (5) التي جاء بها إبراهيم عليه السلام التي لم تنسخ إلى يوم القيامة . (6) [ 165 ] قوله: «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ» يعني: في القدر والمال . (7)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .وقد ورد أيضاً في سورة البقرة (2): 83.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 498، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تأويل الآيات الباهرة، ج 1، ص 167، ح 9: عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً بصائر الدرجات، ص 99، ح 9. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 154، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 500، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 159 - 160، فراجع الأصل.
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل. وقد تقدّم ذكر الحنيفيّة و أنها الطهارة، و هي عشرة، في تفسير الآية 124 من سورة البقرة، فراجع.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 507، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي 1، ص 388، ح 145.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 508، عن تفسير القمّي.

ص: 168

سورة الأعراف (7)

سورة الأعراف (7)[مكّيّة، وهي مائتان وستّ آيات]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «المص»؛ وهو مقطّع، وهو من اسم اللَّه الأعظم . (1) [ 11 ] وقوله: «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ» يعني: في أصلاب الرجال «ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ» يعني: في الأرحام، وخلق ابن مريم وصوّره في الرحم دون الصلب [وإن كان مخلوقاً في أصلاب الأنبياء] (2) ورُفع وعليه مدرعة من صوف . (3) [ 20 ] قوله: «مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا»... الآية، يعني: تبقيا في الجنّة أبداً إن أكلتما من الشجرة. «وقاسَمَهُما» أي: حلف لهما. (4) [ 24 ] قوله: «وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» أي: إلى يوم القيامة . (5) [ 26 ] وقوله: «يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ»، قال: «اللباس: هو الثياب، والرياش: ما يراش منه » . (6) أقول: وقيل: الرياش: المال؛ وقيل: ما ظهر من اللباس والثراء؛ وقيل: هو الخصب والمعاش؛ وقيل: الريش: الأكل والشرب؛ وقيل: الرياش: المال المستفاد. «وَلِبَاسُ التَّقْوَى» يعني: ثياب البياض .

.


1- .روى البحراني في البرهان، ج 2، ص 516. وراجع أيضاً معاني الأخبار، ص 22، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 4 - 10، فراجع الأصل.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 519، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 17 - 18، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 523، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 524، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 525، عن تفسير القمّي.

ص: 169

[ 29 ] وقوله: «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، قال: «في العيدين » . (1) وفي حديث آخر: «المشط عند كلّ صلاة » . (2) [ 33 ] قوله: «إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم»، قال: «فما بطن: أئمّة الجور، «وَالإِثْمَ»: الخمر » . (3) [ 37 ] قوله: «أُوْلَائِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَبِ»... الآية، قال: «من العذاب الذي في الكتاب». (4) [ 40 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا»... الآية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «نزلت في طلحة والزبير، والجمل: جملهم » . (5) [ 43 ] قوله: «مِن غلٍّ»، قال: «العداوة [ينزع منهم، أي من المؤمنين في الجنّة] (6) ». (7) [ 44 ] قوله: «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ» قال: «المؤذّن أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه». (8) [ 46 - 48 ]قوله: «وعَلَى الأعْرافِ رِجالٌ». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الأعراف: كثبان بين الجنّة والنار، والرجال: الأئمّة صلوات اللَّه عليهم، يقفون على الأعراف مع شيعتهم، وقد سيق المؤمنون إلى الجنّة بلا حساب، فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: اُنظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سيقوا (9) إليها بغير حساب [وهو قوله تبارك وتعالى:

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 527، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 533، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 3، ص 424، ح 8 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 540، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 17، ح 38؛ والكافي، ج 6، ص 40، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 36 - 39، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 541، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 542، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 17، ح 40. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 41 - 43، فراجع الأصل.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 544، عن تفسير القمّي.
8- .رواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 426، ح 70.
9- .في نسخة: «سبقوا - ظ». (من هامش المطبوعة).

ص: 170

الجزء التاسع

اشاره

«وَنَادَوْاْ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ» ] (1) ثمّ يقولون لهم: انظروا إلى أعدائكم في النار، وهو قوله:[ «وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَتَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين»](2)«وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ» يعني الأئمّة «رِجَالاً» في النار «يَعْرِفُونَهُم بِسِيَماهُم»[«قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ» في الدنيا «وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ»». (3) [ 49 ]ثمّ يقولون لمن في النار من أعدائهم: «أَهؤُلاَءِ» شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن «لاَيَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَتِهِ (4) ». ثمّ] (5) يقول الإمام لشيعته: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَخَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَأَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» . (6) [ 50 ] قوله: «أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ» يعني الطعام . (7) [ 51 ] قوله: «فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كما نَسَوا لقآء يَوْمهمْ هذا» أي: نتركهم، وهذا النسيان - هنا - : الترك. (8)

[الجزء التاسع][ 112 ] قوله: «يَأتُوكَ بِكُلّ سَحّارٍ 9 عَلِيمٌ»، 10 فاختاروا منهم ألف ساحر، واختاروا من الألف مائة، ومن المائة ثمانين. [ 106 ] قوله: «فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِىَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ»، قال: «فذابت في الأرض كما يذوب

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .راجع الكافي، ج 1، ص 141، ح 9؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 52 و53.
3- .في «ط»: «برحمة».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 552، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في مجمع البيان، ج 4، ص 653.
5- .أشار اليها البحراني في البرهان، ج 2، ص 552، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 558، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً التوحيد للصدوق، ص 259، ح 5.
7- .كذا في النسخه: وفي المصحف الشريف بقراءة حفص: «ساحوا».
8- .أورد القمّي في تفسير الآيات (10 - 63) من سورة الشعراء، رقم (26) مانصّه: «عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: ... وكان فرعون وهامان قد تعلّما السحر، وإنّما غلبا الناس بالسحر، وادّعى فرعون الربوبية بالسحر، فلمّا أصبح بعث في المدائن حاشرين، مدائن مصر كلّها».

ص: 171

الرصاص، ثمّ طلع رأسها، وفتحت فاها، ووضعت شدقها الأسفل على الأرض، وشدقها الأعلى على رأس قبّة فرعون، وكان طولها في السماء ثمانين ذراعاً، ثمّ دارت، وألتقمت عصيّ السحرة وحبالها وابتلعته كلّه، وانهزم الناس، فروي أنّه قتل في الهزيمة - من وطء الناس بعضهم بعضاً - عشرة ألف انسان، ودارت الحيّة على قبّة فرعون، وفزع منها موسى ومرّ مع الناس في الهزيمة، فنودي: «خُذْها ولا تَخَفْ» (1)، فرجع، ولفّ على يده عباءة كانت عليه، ثمّ أدخل يده في فيها، فإذا هي عصاً كما كانت. وروي: أنّ فرعون فزع فزعاً شديداً حتّى أحدث في ثيابه، وكذلك هامان وشاب رأسهما من الفزع في الحال. أقول: فيه نظر؛ فإنّ هذه القصّة لمّا رجع من عند شعيب في أوّل النبوّة. (2) [ 131 ] قوله: «فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هذِهِ» قال: «الحسنة - هاهنا - : الصحّة والسلامة والأمن والسعة «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» يعني بالسيئة - هاهنا - : المرض والخوف والغلاء «يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ» أي: يتشاءموا به» . (3) [ 133 - 134 ] قوله: «وَالْقُمَّلَ» قال: «إنّه أوّل ما خلق اللَّه القمّل في ذلك الزمان، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة». قوله: «وَالدَّمَ»؛ حوّل اللَّه تعالى ماء النيل دماً، فكان القبطي يراه دماً، والإسرائيلي يراه ماءً. ثمّ أرسل اللَّه عليهم «الْرِّجْزَ»، وهو الثلج، ولم يروه قبل ذلك، فخلّى حينئذ فرعون عن بني إسرائيل. فلمّا خلى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السلام، وخرج موسى من مصر، واجتمع إليه من كان هرب من فرعون، وخرج إليهم فرعون، وقدّم مقدّمة في ستّمائة ألف، وخرج هو في ألف ألف. (4)

.


1- .طه (20): 21.
2- .ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 53 - 130، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 572، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 572 - 573، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 37 - 41، فراجع الأصل.

ص: 172

[ 143 ] قوله: «وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ»... الآية، روي: أنّه رفع اللَّه الحجاب، ونظر إلى الجبل، ونزلت الملائكة، فأوحى اللَّه إلى الملائكة: أحفظوا موسى لا يهرب، فأحاطوا به وقالوا: أثبت (1) يا بن عمران، فقد سألت اللَّه عظيماً، وفتحت أبواب السماء، ونظر موسى إلى الجبل قد ساخ، فوقع على وجهه، ومات من خشية اللَّه وهول ما رأى (2) ، ثمّ ردّ اللَّه إليه روحه، فساخ الجبل في البحر، فهو يهوى فيه حتّى الساعة. (3) أقول: ساخ، على قراءة من قرأه: (دكّاً)، وأمّا من قرأه: (دكّاء) (4) أي قبل الذلّة، أي الخسّة. (5) [ 155 ] وقوله: «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ»... الآية، كان موسى عليه السلام أخبر بني إسرائيل: أنّ اللَّه قد كلّمه، فلم يصدّقوه، فقال لهم: فاختاروا منكم من يجي ء معي حتّى يسمع كلامه. فاختاروا سبعين رجلاً من خيارهم، فذهبوا مع موسى إلى الميقات، فدنا موسى عليه السلام فناجى ربّه، فكلّمه اللَّه، فقال موسى عليه السلام لأصحابه: اسمعوا واشهدوا. فقالوا: لا نفعل، سله أن يظهر لنا. فبعث اللَّه عليهم صاعقة، فاحترقوا. وهو قوله: «وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَك» (6)... الآية. (7) أقول: الصاعقة: الصوت الشديد، يعني غشي عليهم، وبقوا مثل الموتى. (8) [ 157 ] قوله: «الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ» يعني: محمّداً صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .في «ط»: «تب».
2- .وللمزيد عن تفسير الآية راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 200، ح 1.
3- .وإليه الاشارة في قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ». (البقرة (2): 75). وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 27.
4- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 2، ص 400.
5- .هذا السطر من «أ» فقط. هذا، وقوله: «دَكّاء» من الدك، بمعنى الذلّة، وجبل دك: ذليل. والمراد بجعل الجبل دكّاء: جعله ذليلاً لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 45 - 53، فراجع الأصل.
6- .البقرة (2): 55.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 591، عن تفسير القمّي. قلت: الظاهر أنّ الآيتين متعلّقتان بواقعة واحدة، وإلّا فلا ارتباط لأحدهما بالآخر بحسب اللفظ.
8- .هذا السطر من «أ» فقط. قلت: لامنافاة في أن تكون الصاعقة مرفقة بالنار بدليل قوله: «فاحترقوا».

ص: 173

أقول: إنّما سمّي محمّد اُمّياً؛ لأنّه كان لايكتب ولا يقرأ، وقيل: الاُمّي، منسوب إلى «اُمّه» في عدم العلم... . (1) قوله: «اصرَهُم» أي: «ثقلهم» . (2) قوله: «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ»... الآية، يعني: أمير المؤمنين عليه السلام . (3) قوله: «النَّبِىَّ الأُمِّىَّ» يعني: من اُمّ القرى مكّة. [ 160 ] قوله: «وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً» أي: ميّزناهم . (4) [ 163 ] «وَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ»... الآية، كانت قرية بني إسرائيل قريبة من البحر، وكان الماء يخرج من المد والجزر، فيدخل أنهارهم وزروعهم، ويخرج السمك من البحر حتّى يبلغ آخر زرعهم (5) ، وكان قد حرّم اللَّه عليهم الصيد يوم السبت، فوضعوا الشباك في الأنهار ليلة الأحد يصيدون بها (6) السمك (7) فمسخوا قردةً وخنازير » . (8) [ 172 ] قوله: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ»... الآية، قال الصادق عليه السلام: «إنّ اللَّه

.


1- .محل النقط كلمات لا تقرأ. قلت: إنّما سمّي النبي بالاُمّي ؛ نسبة إلى مولده في أمّ القرى «مكّة»، حيث دحت الأرض من تحت الكعبة كما ورد في حديث رواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع، الباب 13، وسيأتي التصريح به، وإلّا فإنّه صلّى اللَّه عليه وآله كان يعرف اللغات، كما روي عن الرضا عليه السلام في العيون، ج 2 ص 251، ح 3. وفي مكاتيب الرسول للأحمدي الميانجي 1، ص 144، ما نصه: «إنّ جمعاً من المحقّقين قد أثبتوا أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله كان يعرف جميع اللغات، فلا يحتاج إلى مترجم...».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 594، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 335، ح 83.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 594، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 31، ح 88؛ والكافي، ج 1، ص 150، ح 2.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 597، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب»: «زرعهم».
6- .في «ب»: «لصيد».
7- .في الأصل هنا زيادة «وكان السمك يخرج يوم السبت، ويوم الأحد لا يخرج، وهو قوله: «إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَيَسْبِتُونَ لاَتَأْتِيهِمْ» فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 597، عن تفسير القمّي. ووردت قصّة أصحاب السبت بتفصيل في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 33، ح 93، فراجع. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 67 - 71، فراجع الأصل.

ص: 174

أخذ الميثاق على الناس للَّه بالربوبية، ولرسوله بالنبوّة، ولأمير المؤمنين بالولاية، وللأئمة بالإمامة، فقال: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»، ومحمّد نبيّكم، وعليّ إمامكم، والأئمّة الهادون أولياؤكم ؟ فقالوا: «بَلَى»، منهم من أقرّ باللسان، ومنهم من صدّق بالقلب، فأصابهم في الذرّ من الحسد ما أصابهم في الدنيا، ومن أقرّ بلسانه فقط لم يؤمن في الدنيا» . (1) أقول: هذا الكلام مجاز؛ وهو عبارة... (2) انّ من كان مستعملاً في علم اللَّه أن يكون مؤمناً، كان مؤمناً... كان منافقاً...كان من العلم لا يؤثر في المعلوم. [ 175 ] وأمّا قوله: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا»... الآية، نزلت في بلعم بن ناعور (3) الاسرائيلي، وكان اللَّه آتاه الاسم الأعظم الذي إذا دُعِىَ به اُجيب، فمال إلى فرعون [فلمّا مرّ فرعون] (4) في طلب موسى عليه السلام وأصحابه: قال فرعون لبلعم: اُدع اللَّه أن يحبس علينا موسى وأصحابه، فركب أتاناً له، فامتنعت عليه ولم تمش، فضربها، فقالت: ويلك، على ما تضربني؟ [أ تريد] (5) أن أجي ء معك لتدعو على نبيّ اللَّه وقوم مؤمنين؟! فضربها حتّى ماتت. فلا يدخل الجنّة غيرها من البهائم، وانسلخ الاسم منه وغرق مع فرعون . (6) أقول: فيه نظر؛ فإنّ البهائم لا تكليف لها حتّى تدخل الجنّة أو النار... (7) الخلد لدار الدنيا وشهواتها بعد ما رفع اللَّه القلم... (8) . [ 182 ] وقوله: «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لاَيَعْلَمُونَ»، قال: «تجديد النعم عند المعاصي » . 9

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 609، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 39، ح 108.
2- .محل النقط كلمات لا تقرأ، وكذا فيما بعد.
3- .في الاصل:«باعورا».
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 615، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً في مجمع البيان، ج 4، ص 769. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 179 - 188، فراجع الأصل.
6- .محل النقط كلمات لا تقرأ.
7- .محل النقط كلمة لا تقرأ، ولعلّها: «عنها».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 620، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 327، ح 1 و2.

ص: 175

[ 189 ] قوله: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»... الآية، روي أنّه «لمّا حملت حوّاء تحرّك ولدها في بطنها، ففزعت من ذلك، فجاء إبليس، فقال: إنّ الذي في بطنك كلب أو خنزير أو ذئب، فإنّ أنت أطعتيني صار بشراً سويّاً مثلكم، فقالت: ما الذي تأمر في هذا؟ فقال: إن ولدت بشراً سوياً فسمّيه: عبد الحارث (1) . فقالت: نعم، وسمّته عبد الحارث». (2) [ 199 ] قوله: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» منسوخة بقوله: «أُقتلوا المشركينَ»(3) » . (4) أقول: المنسوخ: «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين» . (5)

.


1- .الحارث: هو اسم إبليس، عند الملائكة. مجمع البيان، ج 4، ص 41.
2- .في هامش «ب» ما نصه: «عن الباقر عليه السلام: إنّ شركهما كان شرك طاعة. ليس شرك عبادة» انتهى، وأقول: إنّ هذا الحديث محمول على التقية، فإنّه موافق لمذاهب العامّة، وقد روى ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 196، ح 1، بإسناده، عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا بن رسول اللَّه، أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى». وذكر الحديث إلى أن قال: فقال له المأمون: فما معنى قول اللَّه تعالى: «فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما»؟ فقال الرضا عليه السلام: «إنّ حوّاء ولدت لآدم عليه السلام خمس مائة بطن، في كلّ بطن ذكر واُنثى، وإن آدم عليه السلام وحوّاء عاهدا اللَّه تعالى ودعواه، وقالا: «لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً» من النسل خلقاً سويّاً بريئاً من الزمانة والعاهة، و كان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكراناً، وصفنا إناثاً، فجعل الصنفان للَّه تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عزّوجلّ، قال اللَّه تعالى: «فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»». فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حقّاً. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 191 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.
3- .التوبة (9): 5.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 624، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً معاني الأخبار، ص 184، ح 1، وعيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 256، ح 9.
5- .في هامش «ب» ما نصّه: «يحتمل أن تكون هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، بحمل «العفو» على ما يسهل على الناس من الصدقة، كما احتمله البيضاوي».

ص: 176

سورة الأنفال (8)

سورة الأنفال (8)[مدنيّة، وآياتها خمس وسبعون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «الأَنْفَال». قال الصادق عليه السلام: «القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للَّه وللرسول»، وقال: «ما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من أرض (1) خربة لم يوجف (2) عليها بخيل ولا ركاب (3) ، وكلّ أرض لا ربّ لها والمعادن فيها». وعن محمّد الحلبي، قال: سألته عن قوله: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ» فقال: «من مات وليس له مولى، فماله من الأنفال». وروي: «أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في غزاة بدر عبّأ أصحابه، وكان في عسكره صلى اللَّه عليه وآله فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملاً يتعاقبون عليها، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد، وكان في عسكر قريش أربع مائة فرس، وقيل: مائتان، فجاء المقداد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقال: بأبي أنت واُمي يارسول اللَّه، خذ فرسي على أنّي فارس، وفارس خير من عشرة رجال، ولا أقدر أن اُقاتل راجلاً، فقال: «اركب فرسك وقاتل». وقال لأصحابه: «غضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمن أحد». فلمّا نظرت قريش إلى قلّة أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال أبو جهل: ما هم عندنا إلّا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد.

.


1- .في «ب»: «وكل أرض».
2- .في الأصل: «ولم يوجف». والوجيف: ضرب من سير الإبل والخيل. و في هامش «ط»: «أرض الجزية لم يوجف عليها بخيل».
3- .الركاب من الإبل: الناقة.

ص: 177

فقال عتبة بن ربيعة: أ ترى لهم كميناً ومدداً؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي، وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ صعد الوادي وصوّت، ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح (1) يثرب قد حملت الموت الناقع، أمّا ترونهم خرساً لا يتكلّمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم، وما أراهم يولّون حتّى يُقْتَلوا، ولا يُقْتَلون حتّى يَقْتُلوا بعددهم فارتأوا رأيكم. فقال أبو جهل: كذبت وجبنت، وانتفخ سحرك (2) حين نظرت إلى سيوف يثرب. وفزع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم، فأنزل اللَّه على رسوله: «وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (3) وقد علم اللَّه أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم، وإنّما أراد سبحانه بذلك تطييب قلوب أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى قريش، فقال: «يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأكم (4) ، فخلّوني والعرب، فإن أك صادقاً فأنتم على عيني، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري، فارجعوا». فقال عتبة: واللَّه، ما ردّ هذا قطّ قوم فأفلحوا، إرجعوا إلى مكّة، فإن محمّدا له إلٌّ (5) وذمّة، وهو ابن عمّكم، فارجعوا ولا تردّوا رأيي، وإنّما تطالبون محمّداً بالعير التي أخذوها بنخلة، ودم ابن الحضرمي (6) وهو حليفي وعليّ عقله. فلمّا سمع أبو جهل ذلك غاضه، وقال: يا عتبة، نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب فجبنت وانتفخ سحرك. فقال عتبة: يا مصفرّاً اُسته، أ مثلي يجبّن، ستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن، وأيّنا المفسد لقومه، فنظر عتبة إلى أخيه شيبة، فقال: قم يا شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال:

.


1- .الناضح: البعير يستقى عليه، والجمع: نواضح. الصحاح، ج 1، ص 411 (نضح).
2- .انتفخ سحرك: أي رئتك، يقال ذلك للجبان. النهاية، ج 2، ص 346.
3- .الأنفال (8): 61.
4- .في «ب»: «من إتيانكم».
5- .الإلّ: القرابة القريبة.
6- .راجع تفصيل الواقعة في تفسير الآية 217 من سورة البقرة.

ص: 178

قم ياوليد [فقام، ثمّ لبس درعه، وطلبوا له بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتجر (1) بعمامتين، ثمّ أخذ سيفه وتقدّم هو وأخوه وابنه، ونادى: يا محمّد، اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش.] (2) فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار: عوذ (3) ومعوذ وعوف بنو عفراء، فقال عتبة: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو عفراء [أنصار اللَّه وأنصار رسوله. فقال: ارجعوا، فإنّا لسنا إيّاكم نريد، إنّما نريد الأكفّاء من قريش] (4) وقالوا: يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش، فبعث إليهم رسول اللَّه: أن ارجعوا، فرجعوا، فنظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان له سبعون سنة، فقال له: «قم يا عبيدة». فقام بين يديه بالسيف، ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطلب، فقال: «قم يا عمّ» ثمّ نظر إلى عليّ عليه السلام، فقال: «قم يا علي» وكان أصغر القوم [فقاموا بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بسيوفهم] (5) وقال: «فاطلبوا بحقّكم الذي جعله اللَّه لكم»، ثمّ قال لعبيدة: «عليك بعتبة» وقال لحمزة: «عليك بشيبة» وقال لعليّ عليه السلام: «عليك بالوليد». فحمل عبيدة على عتبة، فضربه على رأسه ضربة فلق بها رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنّها (6) وسقطا جميعاً، فحمل حمزة على شيبة [فتضاربا بالسيفين حتّى انثلما 7 ، وكلّ واحد يتّقي بدرقته] 8 وحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد بن عتبة، فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السيف من إبطه. قال عليّ عليه السلام: فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء وقعت على الأرض. ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى الكلب قد أبهر 9 عمك؟ فحمل عليه عليّ عليه السلام، [ثمّ قال: «يا عمّ طأطئ رأسك» وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره] 10 فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه فأطنّ نصفه، ثمّ جاء إلى

.


1- .في «ط»: «فاعتمّ».
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .في المغازي للواقدي 1، ص 68: «معاذ»، بدل «عوذ».
4- .أطنّها: بترها وقطعها.
5- .في «ص»: «تثلّما».
6- .أبهر: أتعب وغلب.

ص: 179

عتبة وبه رمق فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتّى أتيا به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فنظر إليه، فاستعبر، فقال: يا رسول اللَّه، أ لست شهيداً؟ قال: «أنت أوّل شهيد من أهل بيتي». فقال: أما لو كان عمّك حيّ لعلم أنّي أولى بما قال منه، [قال: «و أيّ أعمامي تريد؟» (1) قال: أبا طالب] (2) حيث يقول:كذبتم وبيت اللَّه يبزى (3) محمّدولمّا نطاعن دونه ونناضل نسلّمه حتّى نصرّع حوله ونذهل عن ابنائنا والحلائل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي اللَّه ورسوله، وابنه الآخر في جهاد اللَّه بأرض الحبشة». فقال: يا رسول اللَّه، أتسخط عليّ في هذه الحالة. فقال: «ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمّي فانقبضت لذلك». وجاءهم إبليس لعنه اللَّه في صورة سراقة، فقال لهم: أنا جارٌ لكم، ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه، وجاء بشياطينه يهوّل بهم (4) على أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ويخيّل إليهم ويفزعهم. ورفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يده إلى السماء، فقال: «يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد». ثمّ أصابه الغشي، فسرى عنه وهو يسلت (5) العرق عن وجهه، ويقول: «هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين». ونظر إبليس إلى جبرئيل عليه السلام، فتراجع ورمى باللواء، فأخذ منبه بن الحجّاج بمجامع ثوبه، وقال: ويلك، يا سراقة، تفتّ في أعضاد الناس؟ فركله، وقال: إنّي أرى ما لا ترون، إنّي أخاف اللَّه. وهو قوله تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» إلى قوله: «شَدِيدُ الْعِقَابِ» (6).

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ط»: «تعني».
3- .يبزى: أي يقهر ويغلب، أراد: «لا يبزى»، فحذف «لا» من جواب القسم، وهي مراده، أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع. (النهاية، ج 1، ص 125). وفي هامش «ب»: «أي يخاطب بالخطاب السيئ».
4- .في «ب»: «فهرول بهم».
5- .أي يمسحه ويزيله. اُنظر: المعجم الوسيط، ج 1، ص 441 (سلت).
6- .الأنفال (8): 48.

ص: 180

وكان فتية من قريش قد أسلموا بمكّة، فاحتبسهم آباؤهم، فخرجوا معهم إلى بدر وهم على الشكّ والارتياب والنفاق، منهم: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه، والحارث بن ربيعة، وعلي بن اُمية بن خلف، والعاص بن المنبه بن الحجّاج. فلمّا نظروا إلى قلّة أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قالوا: مساكين هؤلاء، غرّهم دينهم، يقتلون الساعة. فأنزل اللَّه فيهم: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ» (1)... الآيات. وحمل جبرئيل على إبليس، فطلبه حتّى غاص في البحر، وقال: ربّ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين. ثمّ أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كفّاً من حصى، ورمى به في وجوه قريش، وقال: «شاهت الوجوه»، فبعث اللَّه رياحاً، فضربت وجوههم، فكانت الهزيمة. فقتل منهم سبعون واُسر منهم سبعون. والتقى عمرو بن الجموح (2) مع أبي جهل، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه (3) ، وضرب أبو جهل عمراً على يده، فأبانها من العضد. قال عبد اللَّه بن مسعود: إنتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط في دمه، فاقتلعت بيضةً كانت على رأسه فقتلته، وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فسجد للَّه شكراً. واُسر العبّاس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب، وقيل: أسرهما أبو بشر الأنصاري، فلمّا أتي بهما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال له: «هل أعانك عليهما أحد؟» قال: نعم، رجل عليه ثياب بيض. فقال الرسول صلى اللَّه عليه وآله: «ذلك من الملائكة». قال العبّاس: جعلت أنظر إليه وهو يقودنا، وأنظر إلى عقيل، فأضحك وأعجب منه، فيلتفت إلينا فيقول: ما تقولان؟، فتمتلئ قلوبنا منه رعباً، فنقول: لا شي ء. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله للعبّاس: «اُفد نفسك وابن أخيك». فقال: يا رسول اللَّه، قد كنت مسلماً، ولكن القوم استكرهوني.

.


1- .الأنفال (8): 49.
2- .في «ب»: «الحجّاج».
3- .في «ط»: «على فخذيه».

ص: 181

فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «اللَّه أعلم بإسلامك، إن يكن ما ذكرت حقّاً فإنّ اللَّه يجزيك بإسلامك خيراً، وأمّا ظاهر أمرك فقد كنت علينا». وكان العبّاس معه عشرون أوقية ذهباً، فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فقال: يا رسول اللَّه، احسبها من فدائي. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا، ذاك شي ء أعطانا اللَّه منك، فافد نفسك وابن أخيك». فقال العبّاس: فليس لي مال غير الذي ذهب منّي. فقال: «بلى، المال الذي خلّفته عند اُمّ الفضل بمكّة، فقلت لها: إن حدث عليّ حدث فأقسموه بينكم». فقال العبّاس: تتركني (1) وأنا أسأل الناس بكفّي؟ فأنزل اللَّه في العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث: «يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِى أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرى» (2)... الآية، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله للعبّاس: «إنّكم خاصمتم اللَّه، فخصمكم». ثمّ قال لعقيل: «يا أبا يزيد، قد قتل اللَّه أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبه ونبيه ابني الحجاج ونوفل بن خويلد، واُسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط، وفلان وفلان». فقال عقيل: إذن لا تنازعون (3) في تهامة، فإن كنت قد أثخنت القوم وإلّا فاركب أكتافهم. فتبسّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من قوله. وأمر رسول اللَّه بالقتلى، فاُلقوا في قليبٍ، ثمّ وقف عليهم وقال: «يامعشر قريش، إنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟». فقال أصحابه: أ تكلّم الموتى؟ قال: «لو اُذن لهم في الكلام لقالوا: بلى، قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً». وكانت حرب بدر يوم الجمعة لسبع عشر مضين من رمضان، والمشهور أنّها كانت لسبع عشر بقين من رمضان.

.


1- .في «ط»: «فقال ما تتركني إلّا».
2- .الأنفال (8): 70.
3- .في «ط»: «لا تنازع».

ص: 182

وجمعوا الأسارى وقرنوهم في الحبال، وسيقوا على أقدامهم مكتّفين مقرنين في الحبال (1) ، وجمعوا الغنائم، ...، (2) وجمعوا ما في عسكر قريش من السلاح والكراع، ودفن من قتل من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وهم تسعة رجال. أقول: وقيل: هم أربعة عشر رجلاً؛ ستّة من الأنصار، والباقون من المهاجرين، منهم: سعد بن خيثمة الاوسي، وهو من النقباء الاثنى عشر. وكانت القتلى ببدر سبعين، قتل أمير المؤمنين عليه السلام منهم سبعة وعشرين قتيل، وقيل: النصف، وهو المشهور. وحمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عبيدة بن الحارث وبه رمق إلى الصفراء. ونظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة، وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة: إنّا مقتولان. قال عقبة: من بين قريش؟! قال: نعم، لأنّ محمّداً قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا علي، عليّ بالنضر وعقبة» وكان النضر رجلاً جميلاً عليه شعر، فجاء عليّ عليه السلام فأخذ بشعره، فجرّه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فقال النضر: يا محمّد، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلّا أجريتني كرجل من قريش، إن قتلتهم قتلتني، وإن فاديتهم فاديتني، وإن أطلقتهم أطلقتني. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا رحم بيني وبينك، قطع اللَّه الرحم بالإسلام. قدّمه يا عليّ فاضرب عنقه». فقدمه وضرب عنقه. فقال: «قدّم عقبة». فقال عقبة: يا محمّد، ألم تقل: لا تصبر قريش! أي لا يقتلون صبراً. قال: «أ فأنت من قريش؟! [إنّما أنت علج من أهل صفورية (3) ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تُدعى (4) إليه] (5) ، قال: من للصبية؟ قال: «النار». (6)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .لم ترد «مقرنين في الحبال» في «ب» و «ج».
3- .محل النقط كلمات لا تقرأ.
4- .صفورية: بلدة بالأردن. القاموس المحيط، ج 2، ص 73 (صفر).
5- .في «ط»: «له».
6- .وهذا ما أشار إليه الإمام عليّ عليه السلام في جواب كتاب كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان. حيث قال: «ومنا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النار»، راجع: الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 258؛ بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 33، ص 57، ح 39.

ص: 183

ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «حنّ قدح ليس منها» (1)، وهذا مثل كانت العرب إذا شكوا في نسب رجل ضربوا القداح ؛ فإنّ خرج منهم أثبتوه، وإن لم يخرج منهم قالوا: حنّ قدح ليس منها. فلمّا فتح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مكّة كان يطوف بالبيت، فجاءت اُخت النضر (2) ، فأخذت بثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأنشأت تقول:يا راكباً إنّ الأثيل مظنّةمن صبح خامسة وأنت موفّق أبلغ بها ميتاً بأنّ (3) تحيّةما إن تزال (4) بها الركائب تخفق منّي إليه وعبرة مسفوحة (5)جادت بواكفها (6) واُخرى تخنق هل يسمعنّ (7) النضر إن ناديته أم كيف يسمع ميّت أو ينطق ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه للَّه أرحام هناك تمزّق قسراً يقاد إلى المنيّة متعباًرسف (8) المقيّد وهو عانٍ موثّق أمحمّد ولأنت نجل نجيبةفي قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرّك لو مننت وربّمامنّ الفتى وهو المغيط المحنق فالنضر أقرب من أسرت (9) قرابةوأحقّهم إن كان عتق يعتق لو كنت قابل فدية لفديته بأعزّ ما يفدى به من يعتق (10) فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ما قتلته حتّى أمرني ربّي (11) بقتله». فلمّا قتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله النضر وعقبة، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم، فقاموا

.


1- .حنّ: صوّت. والقدح بالكسر: السهم. وإذا كان سهم يخالف السهام كان له عند الرمي صوت يخالف أصواتها، وهذا مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم.
2- .وهي قتيلة بنت الحارث - اُخت النضر بن الحارث - كذا قال ابن هشام. وقال السهيلي: الصحيح أنّها بنت النضر لا اُخته؛ كذا وقع في كتاب الدلائل.
3- .في «ب» و «ج»: «هناك».
4- .في «ب» و «ج»: «تراك».
5- .في «ب» و «ج»: «مهراقة».
6- .في «ب» و «ج»: «بماتحها».
7- .في «ب» و «ج»: «ولتسمعنّ».
8- .في «ب» و «ج»: «رقل».
9- .في «ب» و «ج»: «قتلت».
10- .كذا في «ب» و «ج». و في «أ» «بأعز ما يفدى به ما ينفق».
11- .في «ب» و «ج»: «جبرئيل».

ص: 184

إليه، فقالوا: يا رسول اللَّه، قتلنا سبعين، وأسرنا سبعين، وهم قومك واُسرتك، (1) هبهم لنا يا رسول اللَّه، وخذ منهم الفداء. فنزل عليه: «ما كانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى» (2)...الآية. (3) أقول: وأهل السنّة يقولون: إنّ أبا بكر هو الذي أشار بالفداء، وعمر هو الذي أشار بالقتل (4) ، وسياق الكلام يدلّ على صحّة ما في الكتاب. فأطلق لهم ذلك، وشرط عليهم أن يأخذ منهم الفداء ويطلقهم على أن يستشهد منهم في القابل بعدد من أخذوا منهم الفداء، فرضوا بذلك، فلمّا كان يوم اُحد قتل منهم سبعون، فجزعوا وقالوا: ما هذا الذي أصابنا؟ فأنزل اللَّه: «أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا» (5)...الآية، وكان أكبر الفداء أربعة ألف درهم، وأقلّه ألف درهم ». (6) وبعثت زينب بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع قلادة لها، كانت خديجة - رضي اللَّه عنها - جهّزتها بها حين أدخلتها عليه بمكّة، فلمّا رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «رحم اللَّه خديجة، هذه قلادتها هي جهّزتها بها»، ثمّ قال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، هبوا لزينب زوجها وردّوا إليها قلادتها». فقالوا: قد فعلنا يا رسول اللَّه، وأنت أولى بذلك، فأطلقه، وقال: إطلاقك بشرط أن تبعث اليّ زينب، ولا تمنعها اللحاق بي، فعاهده على ذلك (7) [وقد كان قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: كيف تثق بضمان كافر؟ فقال رسول اللَّه: إنّه ليفي] (8) لقد صاهرنا أبا العاص وحمدنا مصاهرته، ولقد كان يجيئنا بالبعير (9) في جوف الليل ونحن محاصرون في الشعب، فيهتف بها حتّى تدخل الشعب، ثمّ يتركه وينصرف[ فكنّا نأخذ ذلك الحمل الذي على البعير فنفرّقه على جماعة من بني هاشم] 10 وردّ عليه ما بعثت به زينب، ورجع على دينه إلى قريش.

.


1- .في الأصل: «واسراؤك».
2- .الأنفال (8): 67- 69.
3- .وقد تقدّم التفصيل عن حرب اُحد في تفسير الآية 121 و 165 من سورة آل عمران (3) فراجع.
4- .اُنظر: مسند أحمد، ج 1، ص 31.
5- .آل عمران (3): 165.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 648 - 658، عن تفسير القمّي.
7- .في «ب» زيادة: «ووفى له».
8- .ما بين المعقوفتين من الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي، ج 1، ص 66.
9- .في «ب»: «يعمد الى بعير».

ص: 185

أقول: وقال ابن أبي الحديد: إنّه أسلم بعد ستّ سنين من أسره (1) ، وقال أيضاً: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه اللَّه هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد (2) لمّا جاءت فاطمة الزهراء تدّعي أنّ أباها وهب لها فدك، (3) وأقامت بيّنة بذلك، فحجبها وردّها وكربها؟ أمّا كان يقتضي التكريم والإحسان أن يطيّب قلب فاطمة بفدك، ويستوهب لها من المسلمين، أتقصر منزلتها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن منزلة زينب اُختها، وهي سيّدة نساء العالمين؟ (4) والتحقيق: أنّ هذا الردّ كان على اللَّه، حيث يقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ» (5)...الآية، وتكذيب له. وروي: أنّ قريشاً بعثته في عيرها بعد بدر، فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوماً أخذوا العير وأسروا أبا العاص وأدخلوه المدينة، فبعث إلى زينب فاستغاث بها، فلمّا صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صلاة الفجر (6) أخرجت زينب رأسها من حجرتها، وقالت: يا معاشر المسلمين، إنّي قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد سمعتم ما سمعنا؟» قالوا: نعم، قال رسول اللَّه: «ما علمت ولا أمرت به، وقد أجرنا من أجارت، ولا تجيروا بعده إمرأة»، فلمّا قدم أبو العاص على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خلّى سبيله ولم يعرض لمّا كان معه من عير قريش، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ما تستحي، قد اُسرت مرّتين وأنت مقيم على الكفر؟» فقال أبو العاص: يارسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه، ثمّ قال: إنّ

.


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 196.
2- .في «ب»: «حاضرين هذه القضية».
3- .فدك: قريبة بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، أفاءها اللَّه على رسوله في سنة سبع صلحاً، وذلك أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله لمّا نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلّا ثلث واشتدّ بهم الحصار، راسلوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول اللَّه أن يصالحهم على النصف من ثمارها وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله. معجم البلدان، ج 6، ص 343.
4- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 190 - 191.
5- .الأحزاب (33): 33.
6- .في «ب»: «الصبح».

ص: 186

معي بضائع لقريش، افتأذن لي أن أردّها. فأذن له، فردّها. (1) وجاء وهب بن عمير (2) - وكان مشركاً (3) - إلى المدينة ليقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فعرّفه اللَّه خبر عمير، (4) فأخذه وقال له: جئتنا لكذا وكذا، فأقّر (5) ، ثمّ قال: ادع اللَّه أن يحوّل ما كنت فيه من عداوتك حبّاً، فقال: «اللّهم حوّل ما فيه من عداوته حبّاً، اللّهم ثبّته، اللّهم ثبّته». (6) [ 63 ] قوله: «وَألَّف بَيْنَ قلوبهمْ» يعني: بين الأوس والخزرج، وما كان بينهم من العداوة والحروب . (7) [ 27 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أمّانَاتِكُمْ»، نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر (8) ، حين وجّهه رسول اللَّه إلى بني قريظة، فقالوا: يا أبا لبابة ماترى، ننزل على حكم محمّد؟ فقال لهم: إنزلوا، واعلموا أنّه الذبح، وأشار بيده إلى حلقه. ثمّ ندم وقال: خنت اللَّه ورسوله، ونزل من عندهم، وجاء إلى رسول اللَّه، وشدّ في عنقه حبلاً وشدّه إلى الإسطوانة التي تسمّى إسطوانة التوبة، حتّى تاب اللَّه عليه، وإنّما كان هذا لمّا رجع النبيّ من غزاة الخندق وغزا بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وكتبت في هذه الآية في خبر غزاة بدر، و غزاة بدر كانت على رأس ستّة عشر شهراً من الهجرة، وتمام خبر أبي لبابة كتبت في سورة التوبة، في قوله: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» (9)... الآية، حيث نزلت في أبي لبابة. وسورة التوبة نزلت في آخر النبوّة، في سنة تسع، فخبر

.


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14، ص 195. وراجع نحوه في الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي، ج 1، ص 66.
2- .وهو وهب بن عمير بن وهب الجمحي.
3- .في «ب»: «شجاعاً».
4- .كذا في النسخ، والصحيح: «ابن عمير» أو «خبره».
5- .في «ب»: «فأسلم».
6- .في اُسد الغابة لابن الأثير الجزري، ج 5، ص 97، ما نصّه: «(ب د ع) وهب بن عمير القرشي الجمحي، وهو وهب بن عمير بن وهب الجمحي، تقدّم ذكره في ترجمة أبيه، فإنّ أباه هو الذي أرسله صفوان بن اُمية بن خلف ليقتل النبي صلّى اللَّه عليه وآله بعد بدر، وكان هذا وهب قد شهد بدراً مع المشركين، وقد ذكرنا قصّته عند ذكر أبيه، وأسلم وأرسله النبي صلّى اللَّه عليه وآله يوم الفتح إلى صفوان بن اُميّة الجمحي يؤمّنه ويدعوه إلى الإسلام، وكان قد هرب يوم الفتح من النبي صلّى اللَّه عليه وآله، والقصّة مذكورة في صفوان، ومات وهب بالشام مجاهداً، أخرجه الثلاثة».
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 13 - 26، فراجع الأصل.
8- .في «ص»: «عبد اللَّه المنذر».
9- .التوبة (9): 102 - 104.

ص: 187

أبي لبابة كان في حرب الخندق والأحزاب، وكان يجب أن يكتب خبره في سورة الأحزاب، فقد كتب نصفه في سورة الانفال في أخبار بدر ونصفه في سورة براءة مع ما أنزل اللَّه في آخر النبوّة، فهذا دليل (1) على أن التأليف على خلاف ما أنزل اللَّه. (2) [ 30 ] قوله: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ» كان سبب نزولها: أنّه لمّا كان الأوس والخزرج بمكّة جاءهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقال لهم: «تمنعون لي جانبيّ حتّى أتلو عليكم كتاب اللَّه، وثوابكم على اللَّه الجنّة؟» فقالوا: نعم. فقال لهم: «موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق». فحجّوا ورجعوا إلى منى (3) ، فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ما قال أوّلاً، فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد اللَّه بن حرام: نعم يا رسول اللَّه، إشترط لربّك ولنفسك ما شئت. فقال: «أمّا ما أشترط لربّي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وما أشترط لنفسي أن تمنعوني ما (4) تمنعون أنفسكم، وتمنعوا أهلي ممّا تمنعون أهليكم وأولادكم». فقالوا: فما لنا على ذلك؟ قال: «الجنّة، وتملكون بها العرب، وتدين لكم العجم في الدنيا، وتكونون ملوكاً في الجنّة». فقالوا: رضينا. فقال: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً، يشهدون عليكم بذلك، كما أخذ موسى [من بني إسرائيل] (5) اثني عشر نقيباً». فقالوا: اختر من شئت، فأشار جبرئيل إليهم، فقال: هذا نقيب، وهذا نقيب، حتّى عدّ تسعة من الخزرج، وهم: سعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبد اللَّه بن حرام - أبو

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ص» و «ق»: «الدليل».
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 29، فراجع الأصل.
4- .في «ب»: «فجاء السبعون».
5- .كذا في النسخ، والصحيح: «بما».

ص: 188

جابر - ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة [والمنذر بن عمرو، وعبد اللَّه بن رواحة] (1) وسعد بن الربيع، وعبادة بن الصامت. ومن الأوس ثلاثة، وهم: أبو الهيثم بن التيهان، وأسيد بن حضير (2) ، وسعد بن خيثمة. فلمّا اجتمعوا وبايعوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صاح إبليس: يا معشر قريش والعرب، هذا محمّد والصباة من الأوس والخزرج على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم. فأسمع أهل منى، فهاجت (3) قريش، فأقبلوا بالسلاح، وسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله النداء، فقال للأنصار: «تفرّقوا». فقالوا: يا رسول اللَّه، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لم اُؤمر بذلك». فقالوا: اُخرج معنا؟ قال: «أنتظر أمر ربّي». فجاءت قريش وقد أخذوا السلاح، فخرج حمزة وعليّ عليهما السلام ومعهما السلاح، فلمّا نظرت قريش إليهما، قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟ فقال حمزة: ما اجتمعنا، وما هاهنا أحد، واللَّه لا يجوز هذه العقبة أحد إلّا ضربته بسيفي. فرجعوا واجتمعوا في دار الندوة، وكان لا يدخل في دار الندوة إلّا من قد أتى عليه أربعون سنة فصاعداً، فدخل أربعون رجلا من أشراف قريش، فجاءهم إبليس في صورة شيخ كبير، (4) فقال له البوّاب: من أنت؟ فقال: شيخ من نجد، لا تعدمون منّي رأياً صائباً (5) ، فأدخل.

.


1- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «أ».
2- .في «ط»: «أسيد بن حصين»، وفي «ق»: «أسد بن حصين»، وكلاهما تصحيف، والصواب ما في المتن، وهو معدود من النقباء الاثني عشر الذين بايعوا النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله ليلة العقبة. راجع اُسد الغابة، ج 1، ص 92؛ معجم رجال الحديث، ج 3، ص 212.
3- .في «ط»: «وهاجت».
4- .إنّ دخول إبليس دارالندوة بصورة شيخ من نجد أمر غريب، وقد فصّلنا الحديث عنه في التعليق على تفسير القمّي في هذا الموضع، فراجع.
5- .في «ب»: «صليباً».

ص: 189

[فلمّا أخذوا مجلسهم] (1) قال أبو جهل: إنّ محمّداً شتّت جمعنا (2) ، وسفّه أحلامنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا، وزعم أن من مضى من أسلافنا في النار، وقد رأيت أن ندسّ إليه رجلاً منّا ليقتله، فإن طلبت بنو هاشم بدمه (3) أعطيناهم عشر ديات. قال إبليس: هذا رأي خبيث؛ لأنّ قاتل محمّد مقتول لا محالة (4) . قال آخر: نحبسه في بيت ونلقي إليه قوته وننتظر به ريب المنون. فقال إبليس: هذا أخبث من الأوّل؛ لأنّ بني هاشم لا ترضى بذلك. قال آخر منهم: لا، ولكن نخرجه من بلادنا. قال إبليس: هذا أخبث [من الرأيين المتقدّمين] (5) ؛ حيث تعمدون إلى أصبح النّاس وجهاً، وأنطقهم لساناً، وأفصحهم لهجةً [فتحملونه إلى بوادي العرب] (6) فيخدعهم بسحره ولسانه، فلا يفجأكم 7 إلّا وقد ملأها عليكم خيلاً ورجلاً. فبقوا حيارى، فقال إبليس: الرأي أن يجتمع من كلّ بطن من بطون قريش رجل، ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذ كلّ واحد سكّينا أو سيفاً، فيدخلون عليه فيضربونه كلّهم ضربة واحدة، حتّى يتفرّق دمه في قريش كلّها، فلن تستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه، وقد شاركوا فيه. فقالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي. ونزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبره بذلك، 8 وكان معهم من بني هاشم أبو

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب»: «سبّ آلهتنا».
3- .في «ط»: «بدمه».
4- .العبارة في الأصل هكذا: «فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم، فإنّه إذا قتل محمّد تعصّبت بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة، وإنّ بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على الأرض وتقع الحروب في حرمكم وتتفانوا.
5- .في «ب» و «ج»: «ترون».
6- .العبارة في الأصل هكذا «واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلاً فيقتلوه، وخرجوا إلى المسجد يصفّرون ويصفّقون ويطوفون بالبيت، فأنزل اللَّه: «وما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكاءً وتَصْدِيَةً»(الأنفال (8): 35) فالمكاء: التصفير، والتصدية: صفق اليدين، وهذه الآية معطوفة على قوله: «وإِذْ يَمْكُرُ بِك الَّذِينَ كَفَرُوا»، وقد كتبت بعد آيات كثيرة. فلمّا أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله جاءت قريش ليدخلوا عليه.

ص: 190

لهب، فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه ليلاً، فإنّ في الدار نساءاً وأطفالاً، ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة في ظلمة الليل، ولكن نحرسه [الليلة] (1) ، فإذا أصبحنا دخلنا عليه. فناموا حول حجرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عليّاً أن ينام على فراشه، فنام على فراشه، والتحف ببردته. وجاء جبرئيل عليه السلام فأخذ بيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأخرجه [على قريش وهم نيام] (2) ، وهو يقرأ عليهم: «وجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ» (3)...الآية، ومضى. وقال له جبرئيل: خذ ناحية ثور - وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور - فمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وتلقاه (4) أبو بكر في الطريق، فأخذ بيده ومرّ به، فلمّا انتهى إلى ثور ودخل الغار. فلمّا أصبحت قريش وأضاء الصبح، وثبوا في الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب عليّ في وجوههم، وقال: ما شأنكم؟. فقالوا أين محمّد؟ قال: خرج عنكم، ألستم قلتم: أخرج عنا؟ فأقبلوا عليه (5) يضربونه، وقالوا: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة. أقول: في ضربه نظر؛ فإنّهم هابوه وخرجوا، ولم يقل أحد من المفسّرين الشيعة والسنّة: إنّهم ضربوه، بل قال بعضهم: إنّه حمل عليهم حتّى أخرجهم؛ واللَّه أعلم. (6) وتفرّقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة، يقال له: أباكرز، يقفوا الآثار، فقالوا: يا أبا كرز، اليوم اليوم، فوقف بهم على باب الحجرة وقال: هذه قدم محمّد، فما زال يمرّ بهم على طريق ثور حتّى أوقفهم على (7) موضع، فقال: هذه قدم ابن أبي قحافة، فما زال يمر حتّى وضعهم 8 على باب الغار وقال: ما جاز أحد هذا

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .يس (36): 9.
3- .في «ب» و «ج»: «فلقيه».
4- .الموجود في الأصل: «فأقبلوا على أبي لهب يضربونه»، وعليه فلا يرد مايستشكله المؤلّف فيما يأتي.
5- .الأمر كما ذكره المؤلّف، وإنّما أوجب الالتباس ما حذفه من الأصل وإبداله الاسم بالضمير في قول على بن إبراهيم: «فأقبلوا على أبي لهب يضربونه»، فالمضروب كان أبي لهب، وليس الإمام علي عليه السلام.
6- .في «ب» و «ج»: «حتّى انتهى إلى».
7- .في «ب» و «ج»: «أوقفهم».

ص: 191

الجزء العاشر

اشاره

المكان (1) وبعث اللَّه العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس، فوقف على باب الغار، فجعل يقول: ليس هنا أحد، اُطلبوه في هذه الشعاب. (2) . فبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في الغار ذلك اليوم ومن الغد، فلمّا كان اليوم الثالث بالعشيّ، أذن اللَّه له صلى اللَّه عليه وآله في الهجرة ، فهاجر إلى المدينة. (3)

[الجزء العاشر][ 65 - 66 ] قوله: «إِن يَكُن مِنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ»...الآية، منسوخ بقوله: «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ»...الآية (4) ، (5) . (6) [ 72 ] [قوله:] (7)«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا»...الآية، نزلت في الأعراب، وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة، على أنّه إن احتاج إليهم في الحرب دعاهم، وليس لهم في الغنيمة نصيب. (8) أقول: في هذا الحكم نظر؛ وكذلك أنكره ابن ادريس رحمه اللَّه عليه (9) ؛ فإنّ الغنيمة تقسم في المقاتلة إجماعاً.

.


1- .في الأصل هنا زيادة: «إمّا أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض».
2- .في الأصل زيادة: «فتفرّقوا في الشعاب».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 668 - 671، عن تفسير القمّي. وروى قصّة الهجرة الطوسى في الأمالي، ج 2، ص 78، أيضاً، فراجع.
4- .الأنفال (8): 66.
5- .في الأصل زيادة: «ففرض اللَّه عليهم أن يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفّار، فإنّ فرّ منهما فهو الفارّ من الزحف، فإن كانوا ثلاثة من الكفّار وواحد من المسلمين ففرّ المسلم منهم فليس هو الفارّ من الزحف».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 709، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً التهذيب، ج 6، ص 174، ح 432. هذا، ولم يذكر المؤلّف أوّل تفسير الآية 72، فراجع الأصل.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 720، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 70، ح 81 .
9- .السرائر، ج 2، ص 11.

ص: 192

[ 75 ] ثمّ قال: «وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللّهِ» (1)، ناسخة لقوله: «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» (2)». (3)

.


1- .الأنفال (8): 75.
2- .النساء (4): 33.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 721، والعلّامة المجلسي في البحار، ج 19، ص 37، عن تفسير القمّي. ولا يخفى أنّ هذه الآية واردة في ميراث ضامن الجريرة كما في تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج 9، ص 396، ح 1413، بالإسناد عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته». ولاشكّ أنّ الميراث بالولاء على أساس ضمان الجريرة إنّما هو عند عدم وجود وارث نسبي ولا زوجية ولا ولاء عتق، فالمراد بالنسخ هنا هو بمعنى القيد والشرط، فالآية مقيّدة بآية اُولي الارحام.

ص: 193

سورة براءة (9)

سورة براءة (9)[مدنيّة، وهي مائة وتسع وعشرون آية][ 1 ] «بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ»...الآية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «نزلت من حين رجوع رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله من [غزوة تبوك في سنة تسع (1) من الهجرة - قال: - وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لمّا] (2) فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السنة، وكان يحجّ المسلمون والمشركون، وكان من سنة العرب في الحجّ أنّه من طاف بالبيت في ثيابه لم يحل له إمساكها، ووجبت عليه الصدقة بها، فكانوا إذا قدموا مكّة استعاروا ثياباً من الحمس (3) فطافوا، فإذا فرغوا أعادوها إلى أصحابها، ومن لم يكن له إلّا ثوب واحد ولم يجد من يعير طاف عرياناً. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة، فطلبت ثوباً عاريةً أو كراءً فلم تجده [فقالوا لها: إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها. فقالت: وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟!] (4) فطافت عريانة، وأشرف عليها الناس ينظرون إليها، فوضعت إحدى يديها على قبلها والاُخرى على دبرها، وقالت شعراً 5 :اليوم يبدو بعضه أو كلّه فما بدا منه فلا اُحلّه [فلمّا فرغت من الطواف خطبها جماعة، فقالت: إن لي زوجاً] 6 . وكانت سيرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قبل نزول سورة براءة أن لا يحارب إلّا من حاربه أو أعان

.


1- .في «ط»: «سبع» وهو تصحيف. اُنظر: تاريخ الطبري، ج 3، ص 142؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 276.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .الحمس: جمع الأحمس، وهم قريش ومن ولدت قريش وكنانة وجديلة قيس ومن تابعهم في الجاهلية، فسمّوا حمساً لأنّهم تحمسوا في دينهم، أي تشدّدوا، أو لالتجائهم بالحمساء، وهي الكعبة.
4- .في «ط»: «فقالت مرتجزة».

ص: 194

عليه عدوّه، لقوله: «فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ» (1)...الآية، حتّى نزلت عليه براءة، فأمره اللَّه بقتال المشركين، من اعتزله ومن لم يعتزله، إلّا من كان قد عاهدهم إلى مدّة، أو قوماً كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أجّلهم في الإسلام يوم فتح مكّة، منهم: صفوان بن اُميّة وسهيل بن عمرو، وأجّل اللَّه المشركين الذين حضروا الموسم في تلك السنة أربعة أشهر من يوم النحر حتّى يرجعوا إلى منازلهم ومحالّهم. فلمّا نزلت: «بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ»... الآيات من أوّل براءة، دفعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى في يوم النحر، فلمّا خرج، نزل جبرئيل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا رجل منك. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام فلحق أبا بكر بالروحاء (2) ، فأخذ منه الآيات، فرجع أبو بكر وقال: أ أنزل اللَّه فيّ شي ء؟ قال: إنّ اللَّه أمرني أن لا يؤدّي عني إلّا رجل منّي. (3) فوافى بها أمير المؤمنين عليه السلام وقام في الناس في منى (4) ، وقال: يا أيّها الناس، إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمرني عن اللَّه تعالى: أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام، وقرأ (5) عليهم صدر براءة». (6) [ 3 ] وقوله: «يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، قال الصادق عليه السلام: «هو يوم النحر». فقيل له: إنّ ابن عبّاس يقول: إنّه يوم عرفة، فقال: «لو كان يوم عرفة، لكان يكون أربعة أشهر إلّا يوماً». (7) [ 1 ] قوله: «وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ»، قال زين العابدين عليهما السلام: «الأذان: أمير المؤمنين عليه السلام». (8)

.


1- .النساء (4): 90.
2- .الروحاء: موضع بين مكّة والمدينة، على ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 729، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 73، ح 4.
4- .في «ب» و «ج»: «في الحجّ».
5- .في «ص»: «وأقرأ».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 729، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 732، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في معاني الأخبار، ص 296، ح 5.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 732، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في معاني الأخبار، ص 297، ح 1 و2.

ص: 195

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «كنت أنا الأذان في الناس». (1) وسئل عن «الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، فقال: «إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة». (2) [ 4 - 6 ] قوله: «إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عند المسجد الحرام»... الآية، يعني: صفوان بن اُميّة وسهيل بن عمرو، وكان بين بكر وخزاعة دماء في الجاهلية، وكانت بكر تطلب خزاعة وخزاعة تطلب بكراً، فلمّا كانت غزاة الحديبيّة وقع الصلح بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبين قريش، فصارت خزاعة في عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وصارت بنو بكر في عقد قريش وعهدها فيما بغوا من سفك الدماء. ثمّ إنّ الأسود بن زنيم الهذلي هجا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فسمعه غلام من خزاعة فشجّه، فرجع الأسود إلى بني دئل، فدخلوا مكّة واستنفروا قريشاً وحدّثوهم الخبر، فخرجوا معهم بالسلاح حتّى وافوا خزاعة على ماء يقال له: الوتير، وخزاعة غارّون، (3) فوضعوا فيهم السيف، فانهزمت خزاعة، وقد كانوا دخلوا في الإسلام، فما زالوا يقاتلوهم حتّى أدخلوهم الحرم، فدخلت خزاعة دار زيد بن ورقاء الخزاعي، كان مسكنه بمكّة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد رأى في منامه: أنّ اُحُداً قد انقطع فرقتين، فوقع أحد فرقتيه على شحيمة - وشحيمة جبل بالمدينة - وكأنّ كلباً منزوع الأنياب دخل المدينة يعوم في سككها، ثمّ خرج، وكأنّ جرادة خرجت من المدينة، وكأنّ جراباً فيه دماً. فقالوا: يارسول اللَّه، وما تأويل ذلك؟ قال: «أمّا إنقطاع اُحُد، فهي الهدنة التي بيننا وبين قريش، يحدثون حدثاً يقطع الهدنة التي بيننا وبينهم. وأمّا وقوع أحَد فرقتيه على شحيمة، فيسمح اللَّه إليّ أمري فيهم. وأمّا الكلب المنزوع الأنياب، فهو أبو سفيان، يريد أن يخدعنا، ويخرجه اللَّه من

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 732، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في معاني الأخبار، ص 59، ح 9؛ وعلل الشرائع، ص 442، ح 1 باب 188.
2- .أورد نحوه الصدوق في علل الشرائع، ص 442، ذيل ح 1 من الباب 188.
3- .الغارّ: المأخوذ على الغرّة، وهي الغفلة.

ص: 196

المدينة، وكان أبو سفيان بعد وقوع ما وقع بين خزاعة وبين بنو بكر وقريش جاء إلى المدينة ليجدّد عهداً عند رسول اللَّه، فلم يقبل منه. وأمّا الجراد، فكيده ضعيف. وأمّا الدماء، فيكون بيننا وبين قريش دماء قليلة». فلمّا كان في ذلك اليوم بعد أن صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله العصر وافى عمرو بن سالم الخزاعي وقد عدا على قدميه في خمسة أيّام، فدخل المسجد ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد صلّى بالناس العصر، فوقف على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال:ياربّ إنّي ناشد محمّداًحلف أبينا وأبيه الأتلداإنّا ولدناك فكنت ولداثمّت أسلمنا ولم ننزع يداإنّ قريشاً أخلفوك الموعداونقضوا ميثاقك المؤكّداوزعموا أن لست تدعوا أحداوهم أذلّ وأقلّ عدداهم بيّتونا بالوتير هجّداوقتلونا ركّعا وسجّدافانصر هداك اللَّه نصراً أيداوادعوا عباد اللَّه يأتوا (1) مددافيهم رسول اللَّه قد تجرّداأبيض كالبدر ويسموا صعدافي فيلق كالصبح يجري مزبداإن سيم خسفاً وجهه تربّدا (2) فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «هذا عيان (3) من السماء تحثني على نصري، لا نصرني اللَّه إن لم أنصركم» ثمّ رفع يديه وقال: «اللّهم أخفِ الأخبار والعيون عن قريش، حتّى نبيّتها في دارها». وذهبت قريش إلى عيال حاطب أن تكتب إلينا بخبر محمّد هل يريدنا؟ فكتبوا الكتاب ودفعوه إلى امرأة يقال لها: سارة، فدخلت المدينة، وكتب إليهم حاطب: إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد عزم على أن يغزوكم،وجعله في قرونها (4) وخرجت، فنزل جبرئيل عليه السلام

.


1- .في «ب» و «ج»: «تترا».
2- .راجع السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 232.
3- .كذا في النسخ.
4- .في «ط»: «قرنها» في الموضعين. القرن: ذوابة المرأة، يقال: لها قرون طوال، أي ذوائب، والخصلة من الشعر. أقرب الموارد، ج 2، ص 992 (قرن).

ص: 197

على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبره. فبعث أمير المؤمنين عليه السلام والزبير في طلبها فلحقاها، (1) فأخذا الكتاب منها، وردّوها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا حاطب ما هذا؟» قال: يا رسول اللَّه بأبي أنت واُمّي، واللَّه ما غيّرت ولا بدّلت ولانافقت، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إليّ [بحسن صنع قريش إليهم] (2) فأحببت أن أداري قريشاً لحسن جوارهم لهم. فقال عمر: يارسول اللَّه، مرني أضرب عنقه فقد نافق. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «وما علمك؟» فنزل جبرئيل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بسورة الممتحنة : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» (3)... السورة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا حاطب استغفر اللَّه»، ولم يغمز عليه في نفاق. ثمّ بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رسله إلى قبائل العرب، ومن كان قد دخل في الإسلام من مزينة وجهينة وأسلم وسليم وغفّار، ومن كان حول المدينة من قبائل العرب، واستنفرهم، وأظهر أنّه يريد هوازن؛ وذلك أنّ مالك بن عوف النضري قد كان جمع الجموع وأراد أنّ يغزوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأظهر أنّه يريد هوازن، فخرج من المدينة وعقد اللواء الأكبر ودفع لواء المهاجرين إلى عليّ عليه السلام. ودفع لواء الخزرج إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء الأوس إلى أبي الهيثم بن التيهان، وضرب عسكره بذي الحليفة، وأقبلت الأمداد تأتيه من العرب، فدفع إلى كلّ رئيس قوم رايته. وسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وجعل على المقدّمة بني سليم، وعلى الميمنة سعد بن عبادة، وعلى الميسرة أبا الهيثم، وضمّ إلى كلّ رئيس قوماً من قبائل العرب، وجعل على الساقة: أبا ذرّ الغفاري رضى اللَّه عنه، وكان هو على القلب، مع سراة المهاجرين والأنصار، وعليّ بين يديه معه الراية العظمى.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الأصل هنا زيادة مايلى: «فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: «أين الكتاب؟» فقالت: ما معي شي ء، ففتشاها فلم يجدا معها شيئا، فقال الزبير: ما نرى معها شيئاً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «و اللَّه ما كذبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ولا كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله على جبرئيل عليه السلام، ولا كذب جبرئيل على اللَّه جلّ ثناؤه، واللَّه لتظهرنّ الكتاب أو لأوردنّ رأسك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله. فقالت: تنحيا حتّى أخرجه، فأخرجت الكتاب من قرونها.
3- .الممتحنة (60): 1 - 10.

ص: 198

وسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا بلغ الروحاء استقبله العبّاس بن عبد المطلب، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أين تريد؟ قال: «إلى حيث يشاء اللَّه»، قال: لعلّك تريد مكّة ويقضي اللَّه لك أن تفتحها، فلا يكون لي هجرة؛ فإنّك قلت: لا هجرة بعد الفتح؟ قال: «أنت خاتمة الهجرة، فابعث ثقلك إلى المدينة وارجع»، فرجع معه. وكانت اُمّ سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وآله معه، فوافاها أخوها عبد اللَّه (1) ، فلمّا رآه رسول اللَّه أعرض عنه، فقال: يا رسول اللَّه، قد آمنت بك وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه. فلم يجبه بشي ء، وأقبل عليه المسلمون يسبّونه، فقالت اُمّ سلمة: يا رسول اللَّه، قبلت إسلام الناس ورددت إسلام أخي؟ فقال: «إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبنيه أحد من الناس، فقال: «لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعا»... الآيات (2) ». قالت أم سلمة: بأبي أنت واُمّي يا رسول اللَّه، ألم تقل إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال: «بلى». فقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إسلامه . (3) فلمّا كان في المنزل الثاني وافاه أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب ومعه أبناء جعفر وعليّ، (4) وكان أبو سفيان شديد العداوة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والهجاء له، وكان يقول: لو أسلمت قريش كلّها ما أسلمت، فلمّا رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أعرض عنه، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أنا أبو سفيان بن الحارث، ابن أبيك واُمّك، فلا تردّ إسلامي؛ فانّك إن رددت إسلامي أخذت ابنيّ هذين وألقيت نفسي معهما في البحر. فلم يجبه، فشكى ذلك للعبّاس وقال: كلّمه في أمري وسله أن يقبّلني، فقال العبّاس: ليس لأحد أن يردّ رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فجاء أبو سفيان إلى أمير المؤمنين وقال كما قال للعبّاس، فقال أمير المؤمنين: «اُعلّمك كلاماً تقوله له، لا يرضى لك إلّا بجواب ذلك الكلام؟» قال: وما هو؟ قال: «إذا ركب فتعرّض له، ثمّ أشر إليه بيدك وقل: «تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَطِِينَ » (5)، فإنّه لا يرضى لك إلّا بجواب هذا».

.


1- .وهو عبد اللَّه بن أبي اُمية.
2- .الإسراء (17): 90 - 93.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 594، عن تفسير القمّي.
4- .كذا في النسخ، ولعلّه تصحيف.
5- .يوسف (12): 91.

ص: 199

فقال أبو سفيان ذلك، فوقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقفة، وقال الكلام واستعبر، ثمّ قال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» (1)، فأقبل الناس يهنّئونه بالمغفرة، فسار أبو سفيان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فلمّا كان يوم حنين لم يثبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أحد غيره، هو والعبّاس، هذا عن يمينه وهذا عن يساره. أقول: في هذا الإطلاق تسامح؛ فإنّ اللذين ثبتوا معه كانوا تسعة أنفس، ثمانية من بني هاشم ؛ منهم: أمير المؤمنين مقدام الكلّ يذبّ عن الكلّ، وأيمن بن اُمّ أيمن، وقتل في ذلك اليوم. وكان العبّاس إذا نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بلداً ركب بغلة رسول اللَّه [فلمّا نزل رسول اللَّه مرّ الظهران (2) ، وقد غُمّت الأخبار (3) عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسّسون الأخبار، وقد قال العبّاس للبيد: يا سوء صباح قريش، واللَّه لئن بغتها (4) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بلادها فدخل مكّة عنوة إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. فخرج العبّاس، وقد ركب بغلة رسول اللَّه وأقبل ليلقي إلى قريش خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: لعلّي ألقي حطاباً أو حشاشاً فألقي إليه خبره، ثمّ سمع كلام أبي سفيان، فقال: يا سوء صباح قريش. قال أبو سفيان: من هذا؟ فقال: أنا العبّاس. فقال: يا أبا الفضل، ما الخبر؟ فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد أتاكم في الدُّهم، ومن لا قِبَلَ لكم به. ففزعوا، ودخلهم الرعب، وقال أبو سفيان: فما الحيلة؟ (5)

.


1- .يوسف (12): 92.
2- .مرّ الظهران: هو واد بين مكّة و عسفان، موضع على مرحلة من مكّة. اُنظر: لسان العرب، 4، ص 529 (ظهر) .
3- .غم عليه الأمر: خفي.
4- .من البغتة.
5- .العبارات في النسخ مضطربة، وقد عبرت عن هذا الحدث بصور مختلفه، وما أثبتناه هو تلفيق منها.

ص: 200

قال: أمّا لك، فلا أجد لك حيلة إلّا أن تردف خلفي فآتي بك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فآخذ لك أماناً، فارتدف خلفه، فأدخله العسكر، فكان يمرّ بنيران أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإذا نظروا إلى البغلة قالوا: هذه بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهذا عمّه، حتّى مرّ بنار عمر بن الخطّاب وثب إليه، فقال: كهف النفاق ورأس الأحزاب، الحمد للَّه الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثمّ عدا إلى رسول اللَّه، وركض العبّاس، فوافقوا جميعاً باب قبّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال عمر: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، هذا أبو سفيان رأس الأحزاب، قد أمكن اللَّه منه بلا عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، إنّي أتيت به بأمان، ثمّ قال لعمر: كفّ عنه، فإنّه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من عُديّ ما قلت هذا. وأدخل العبّاس أبا سفيان على رسول اللَّه وفرائصه ترعد، فقال صلى اللَّه عليه وآله: يا أبا سفيان، أسلم تسلم. قال: يا محمّد، ما أحلمك وما أكرمك، وما أجودك وأرقّك؟. قال: فأعادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فقال: يا أبا سفيان، أسلم تسلم، فأعاد عليه أبو سفيان الكلام، فقال العبّاس: ويلك، إن قالها ثلاثاً فلم تسلم ليضربنّ عنقك. قال: إذن، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه للعبّاس: خذه إليك، وليكن معك، وكانت قبّة العبّاس خلف قبّة رسول اللَّه، فأقعده العبّاس في قبّته، فندم أبو سفيان على مجيئه، وقال في نفسه: ألا كنت أجمع جمعاً من الأحابيش وكنانة، فألقاه بهم، فلعلّي كنت ظفرت بهم. فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبره، فناداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: «إذن كان اللَّه يخزيك يا أبا سفيان». فقال أبو سفيان: قلت للعبّاس: أدخلني على ابن أخيك، فجاء العبّاس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: يارسول اللَّه، أ تأذن لأبي سفيان أن يأتيك؟ قال: «نعم». فدخل عليه وقال: يارسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد كان في النفس شي ء، وأنا أشهد أن لا اله إلّا اللَّه، وأنّك رسول اللَّه حقّاً.

.

ص: 201

فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، إنّ أبا سفيان رجل شريف، فشرّفه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». فقال أبو سفيان: وكم تسع داري؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن كفّ يده فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن». فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فآت قومي فأعلمهم بذلك؟ قال: «نعم». وأذّن بلال الغداة، فسمع أبو سفيان الأذان (1) في العسكر، فزع وقال: بدا له فيما أعطى قومه؟ قال: لا، ولكنّهم يتهيّأون للصلاة. فلمّا أقام بلال أقبلوا يتعادون من كلّ ناحية، وتقدّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا كبّر ورفع يديه، كبر الناس ورفعوا أيديهم، فلمّا ركع ركعوا، ولمّا سجد سجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت ملكاً أعظم من ملك ابن أخيك، مافعل شيئاً إلّا فعلوا مثله. قال العبّاس: ويلك، ليس هذا ملك، إنّما هي النبوّة. فلمّا انفتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من الصلاة أراد أبو سفيان أن يمضي إلى مكّة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله للعبّاس: «يا أبا الفضل، كن معه وأقعده على الثنية البيضاء حتّى تمرّ به جنود اللَّه» وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أصحابه بالركوب، وعبّأهم على ما كان عبّأهم، فلمّا مرّ عليه بنو سليم قال للعبّاس: من هؤلاء؟ فقال: بنو سليم. فقال: ما لي ولبني سليم. ثمّ مرّت به الكراديس حتّى أقبلت الأنصار، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأنصار. قال: ما أجد بهؤلاء طاقة، فمرّ به سعد بن عبادة ومعه راية الخزرج،، فقال: يا أبا سفيان:اليوم يوم الملحمةاليوم تستحلّ الحرمة فقال أبو سفيان: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، أترى رسول اللَّه بدا له؟

.


1- .في «ب»: «التكبير».

ص: 202

قال: لا أدري، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبين يديه أمير المؤمنين ومعه الراية العظمى وأصحابه المهاجرون والأنصار حوله، فجاؤوا بهول عظيم، فلمّا دنا رسول اللَّه قال أبو سفيان: بأبي أنت واُمي يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إن سعد بن عبادة، قال:اليوم يوم الملحمةاليوم تستحلّ الحرمة فقال: «ومن سمع هذا معك؟». قال: عمّك العبّاس. وقال العبّاس: قد قالها يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى قيس، وقال: «إلحق أباك وخذ الراية، واحبس الناس بذي طوى» فلحق أباه وأخذ منه الراية، وقال: تكلّمت بكلام قد سخطه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. (1) وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فعبّأ أصحابه، وأمر خالد بن الوليد، وكان على بعض خيل كنانة وخزاعة، وقال: «اُدخل أنت من المسفلة» وقال لقيس: «اُدخل أنت من ذي طوى» ودخل رسول اللَّه من أذاخر، وهي عقبة المدنيّين، فوافى أبو سفيان مكّة فنادى في شعابها: يامعشر قريش، هذا محمّد، أبرّ الناس وأوصل الناس، من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن. فقالت هند بنت أبي عتبة لمّا سمعته: لعنك اللَّه من قائد قوم، اُقتلوا هذا الشيخ الضالّ. وكان عكرمة وصفوان وسهيل وحويطب ومكرز بن حفص بالخندمة، يحلفون: لا يدعون محمّداً يدخل ومنهم أحد باق، فأقبلوا يلعنون أبا سفيان، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وعليّ بين يديه ومعه الراية العظمى، والزبير في المقدّمة، وكان أمير المؤمنين قد أَعْلَمَ (2) بعصابة بيضاء شدّها على رأسه وألقى طرفيها على صدره، والزبير قد أعْلَمَ بعصابة حمراء. [أقول:] (3) وكان الذين يُعلِمُون في حروب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أربعة: عليّ وحمزة والزبير وأبو دجانة سماك بن خرشة، وكان أبو دجانة يُعْلِم بريش نعامة يشدّه برأسه، وحمزة بعصابة سوداء. فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالابطح، ومرّ عليّ عليه السلام إلى الخندمة، فلمّا رأوه دخلهم الرعب

.


1- .راجع قصّة فتح مكّة في الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي، ج 1، ص 162، ح 252؛ وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 21، ص 100 - 104.
2- .أعلَمَ الرجل نفسه: وسمها بسيماء الحرب.
3- .الزيادة اقتضاها السياق.

ص: 203

وهربوا، ونزلوا عن خيلهم ورموا السلاح وصعدوا الجبال، وقتل جماعة منهم في الخندمة، وهرب عبد اللَّه بن أبي ربيعة والحرث بن هشام، فدخلا على اُمّ هاني بنت أبي طالب، وكانت تحت هبيرة بن وهب المخزومي، وكان الحرث وعبد اللَّه ابني عمّ هبيرة، فاستجارا بها، فلمّا رجع عليّ من الخندمة دخل على اُخته اُمّ هاني متقنّعاً بالحديد، فلمّا رأته لم تعرفه، فقالت: أيّها الرجل، أنا بنت عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فكشف عليّ عن وجهه، فلمّا رأته عانقته وسرّت به، فنظر عليّ إلى عبد اللَّه والحرث في بيتها، فسلّ سيفه عليهما، فحالت اُمّ هاني بينه وبينهما، وقالت: يا أخي تخفر جواري؟ إنّي قد أجرتهما، وألقت ثوبها عليهما، فخرج. (1) وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد نادى بمكّة: «من أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن، إلّا أصحاب الخندمة» وقال: «لا تقتلوا أحداً لا يريدكم إلّا عكرمة بن أبي جهل، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، والحويرث بن قرّة ومقبض بن ضبابة وعبد الرحمن بن خطل» وقال: «من وجد هؤلاء ولو تحت أستار الكعبة فليقتلهم». واستثنى من النساء ثلاثة: سارة وقينتين لعبد اللَّه بن خطل، كانتا تغنيان بهجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وكان حزام أخو مقبض أسلم (2) هو وأخوه، فخرج أخوه في سرية، فقتله رجل خطأ لم يعرفه، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مقبضاً الدية ثمّ اغتال مقبض قاتل أخيه فقتله وارتدّ كافراً. وأمّا ابن خطل، فأسلم وبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في سريّة، فقال لغلام له من الأنصار: اذبح هذا الكبش واصنع لي طعاماً، فإذا انتبهت تكون قد فرغت منه، ففعل الغلام فضربه حتّى مات، وهرب وارتدّ. وكان الحويرث بن قرّة شديد الأذى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والتكذيب له. وذنب ابن أبي سرح قد تقدّم. (3) وأمّا عكرمة، فهرب وركب البحر. وأمّا مقبض بن ضبابة، فإنّه أقبل وقد تحنّط ولبس أكفانه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال لعليّ: «اضرب عنقه».

.


1- .روى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 21، ص 130.
2- .في «أ»: «وكان جرم مقبض أنّه أسلم».
3- .تقدّم ذلك في تفسير الآية 93 من سورة الأنعام (6).

ص: 204

وأمّا ابن خطل، فدخل تحت أستار الكعبة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أخرجوه، واضربوا عنقه». فضربت عنقه. وقتلت القينتين، وهربت سارة. ودخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على راحلته المسجد، ونزل الصحابة فمشوا بين يديه، وقد أحاط عامة الخيل بالمسجد من النواحي كلّها، فلمّا دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على راحلته وقف عند الحجر الأسود وكبّر، وكبّر أصحابه تكبيرة عظيمة، ثمّ احتضن الحجر فقبّله، وطاف على راحلته سبعة أشواط وأصحابه يمشون معه، ثم نزل عند المقام وصلّى ركعتين، ودعا عثمان بن طلحة، فقال: «هات المفتاح». فأتاه به فعثر وسقط المفتاح من يده، فستره بثوبه، وأخذ المفتاح وفتح الباب ودخل، فرأى في البيت صوراً قد صوّرت في جدران الكعبة، فمحاها، ثمّ صلّى عند كلّ زاوية ركعتين، ثمّ خرج ووقف على باب الكعبة، وقريش كلّهم في المسجد، فأخذ بعضادتي الباب فقال: «لا إله إلّا اللَّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللَّه العليّ العظيم، لا إله إلّا اللَّه الرحمن الرحيم، لا إله إلّا اللَّه العزيز الحكيم، لا إله إلّا اللَّه وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد ربّ العالمين». ثمّ قال: «ألا يامعشر قريش، بئس جيران لي كنتم، خذلتموني وكذبتموني وأخرجتموني من مكّة، وقاتلتموني، فما ذا تقولون ؟ وما ذا تظنّون؟». فقالوا: نقول خيراً ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وذو شرف قديم، وقد رأست، فاصنع ما يشبهك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ» (1)، إنّ اللَّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحل لي إلّا ساعتي هذه» ثمّ قال: «ألا إنّ كلّ دم كان في الجاهلية فإنّه موضوع تحت قدميّ، وأوّل دم أضع: دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وكان قتلته هذيل، وكلّ مأثرة كانت في الجاهلية فهي مردودة إلّا سقاية الحاجّ وسدانة الكعبة؛ فإنّهما مردودتان إلى أهليهما ، والمؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى

.


1- .يوسف (12): 92.

ص: 205

بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ولا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها، واتّقوا اللَّه الذي أنتم به مؤمنون» ثمّ نزل. (1) أقول: اليوم، المعمول عند الإمامية: أنهّما ينكحان بإذن العمّة والخالة. وقعد للبيعة، فأقبل الرجال يبايعونه حتّى زالت الشمس، فصعد بلال الكعبة وأذّن، فلمّا قال: أشهد أن لا اله إلّا اللَّه، لم يبق صنم في مكّة إلّا سقط لوجهه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لمّا طاف بالبيت كان حول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً، بعضها مرصوصة بالرصاص، فلمّا طاف بالبيت كان يشير إلى صنم صنم فيقع لوجهه، وكان هبل على الكعبة، وكان أعظم أصنامهم، فقال لعليّ: «اصعد الكعبة وارم به» فصعد ورمى به إلى الأرض. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «اللّهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون». فلمّا صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الظهر والعصر قعد لبيعة النساء، فجاءت اُمّ لحكيم بنت الحرث بن هشام، وكانت امرأة عاقلة، فقالت: بأبي أنت واُمّي يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، زوجي عكرمة آمنه، قال: «قد أمنته». ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بقدح من ماء، فأدخل يده فيه ثمّ قال للنساء: «ادخلن أيديكنّ في الماء؛ فإنّي لا أصافح النساء»، فنزلت عليه هذه الآية: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ»...الآية (2) ، فقالت اُمّ حكيم: يا رسول اللَّه، ما ذلك المعروف الذي أمرنا اللَّه أن لا نعصيك فيه؟ فقال: «لا تخمشن وجهاً، ولا تلطمن خدّاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تخرقن جيباً، ولا تسوّدن ثوباً، ولا تدعونّ بويل،ولا تقمن عند قبر».وكانت هند بنت عتبة حضرت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد أمر بقتلها، فلمّا سمعت قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ»، قالت: أمّا الأولاد فقد ربّيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أنت هند؟»

.


1- .روي معناه في بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 21، ص 132.
2- .وتمام الآية: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». الممتحنة (60): 12.

ص: 206

قالت: نعم، جئت عائذة بك، فاعف عنّي. قال: «عفوت عنك». فقالت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إنّ أبا سفيان رجل ضيّق، فربما أخذت من ماله شيئاً بغير إذنه، فأصلحت به أمر ولده؟ فقال: «لا حرج عليك». وكان أبوذرّ صديقاً لسهيل بن عمرو في الجاهلية، فأتى منزله، فكتم نفسه عنه ثمّ دخل عليه وقال: ما يمنعك أن تدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟ قال: أخافه. فأتى أبوذرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه، سهيل بن عمرو؟ قال: «قد آمنّاه، وأجّلناه في إسلامه». فرجع وأخبره، فاستقرّ (1) سهيل، فلمّا نزلت سورة براءة وأمر بقتل المشركين حيث وجدوا، استثنى هؤلاء الذين أجّلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بقوله: «إِلَّا الَّذِينَ عَهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ». وقام (2) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالأبطح، فقيل: يارسول اللَّه، ألا تنزل منزلك بشعب عبد المطلب؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟»، وكان عقيل لمّا خرج رسول اللَّه وهاجر، باع منازل رسول اللَّه وأمير المؤمنين عليهما السلام . وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عتاب بن أسيد أن يصلّي بالناس في المسجد الظهرين والعشاء الآخرة، وكان هو يصلّي بالناس المغرب والغداة. فأقام بالأبطح خمسة عشر يوماً، فلمّا بلغه خبر هوازن واجتماعهم بذي المجاز، تهيّأ وأمر بالرحيل نحوهم. [ 12 ] قوله: «وَإِن نَكَثُوا أَيْمَانَهُم»...الآية، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما قاتلت الفئة الناكثة إلّا بهذه الآية: «وَإِن نَكَثُوا أَيْمَانَهُم»...الآية». (3)

.


1- .في «ب»: «فاستهل»، من الاستهلال، وهو الصياح من الفرح.
2- .في «أ»: «وقال». وقال - من القيلولة - وهو النوم قبيل الظهر.
3- .روى معناه عبد اللَّه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد، ص 46 والشيخ في الأمالي، ج 1، ص 130. ورواه الحسكاني في شواهد التنزيل، ج 1، ص 209، ح 280.

ص: 207

قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الزهراء: «واللَّه لقد عهد إلىَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله غير مرّة ولا ثنتين (1) ولا ثلاث ولا أربع، فقال: «يا علي! إنّك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين»، فقاتلتهم، ولا يسعني إلّا قتالهم؛ لأنّهم كفروا بما جاء به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أفاُضيّع ما أمرني به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأكفر (2) بعد إسلامي؟. وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: بعث اللَّه محمّداً بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلّهم في ذلك اليوم، فيومئذ «لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْراً» (3)، وسيف منها ملفوف، وسيف منها مغمود، سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا. فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيفٌ على مشركي العرب، قال اللَّه تعالى: «اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا» (4)، يعني: آمنوا «فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ» (5)، فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام، وأموالهم وذراريهم سبي على ما سبى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإنّه سبى وعفا وقبل الفداء صلى اللَّه عليه وآله. والسيف الثاني: على أهل الذمّة، قال اللَّه جلّ ثناؤه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» (6)نزلت في أهل الذمّة فنسخها قوله: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَيُحَرِّمُونَ مَاحَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» (7)، فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلّا الجزية أو القتل وما لهم وذراريهم سبي؛ فإذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم وأموالهم وحلّت مناكحتهم، ولا يقبل منها إلّا الجزية أو القتل. والسيف الثالث: على مشركي العجم، يعني: الترك والديلم والخزر، قال اللَّه جلّ

.


1- .في «ط»: «اثنتين».
2- .في «ص» و «ط»: «أو أكفر».
3- .الأنعام (6): 158.
4- .التوبة (9): 5.
5- .التوبة (9): 11، وتمام الآية: «فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ».
6- .البقرة (2): 83.
7- .التوبة (9): 29.

ص: 208

ثناؤه في أوّل السورة التي يذكر فيها الذين كفروا، فقصّ قصّتهم، فقال: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّاً بَعْدُ» (1)، يعني: بعد السبي منهم «وَإِمَّا فِدَاءً»، يعني: المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام. فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام، ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب. وأمّا السيف الملفوف (2) : فسيفٌ على أهل البغي والتأويل، قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الاخْرى فَقاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِى ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»، فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التّنزيل، فسئل صلى اللَّه عليه وآله من هو؟ قال: هو خاصف النعل، يعني: أمير المؤمنين عليه السلام. وقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة، واللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل. فكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام على ما كان من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في أهل مكّة يوم فتح مكّة، فإنّه لم يسب لهم ذريّة، فقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام فيهم: لا تسبّوا لهم ذريّة، ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه فهو آمن. وأمّا السيف المغمود: فالسيف الذي يقام به القصاص، قال اللَّه تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالانْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» (3)، فيسلّمه إلى أولياء المقتول (4) وحكمه إلينا. فهذه السيوف بعث اللَّه بها نبيّه صلى اللَّه عليه وآله، فمن جحدها أو جحد واحداً منها أو شيئاً من سيرتها وأحكامها فقد كفر بما أنزل اللَّه على محمّد صلى اللَّه عليه وآله». (5) [ 19 ] قوله: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ»...الآية، عن الباقر عليه السلام: «أنّها نزلت في عليّ عليه السلام

.


1- .محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلم (47): 4.
2- .في الكافي: «المكفوف».
3- .المائدة (5): 45.
4- .في «ب»: «القصاص».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 108، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 180، ح 202. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 11 - 18، فراجع الأصل.

ص: 209

وحمزة والعبّاس وشيبة، فإنّهم فخروا بالسقاية والحجابة [وعمارة المسجد الحرام ]فأنزل اللَّه الآية». (1) وذلك أنّهم اختصموا، فقال شيبة لعليّ: أنا أفضل، لأنّ حجابة البيت بيدي وعمارته. وقال العبّاس: أنا أفضل، لأنّ سقاية الحاجّ بيدي. فقال عليّ عليه السلام: «أنا أفضل، لأنّي آمنت باللَّه قبلكما وهاجرت وجاهدت. فقالوا: نرضى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله [حكماً ]فصاروا إليه وأخبروه بذلك [فنزلت] الآية». [ 20 ] ثمّ وصفه فقال: «الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَهَدُوا»... الآية، نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، ولفظها عامّ ومعناها خاصّ. كقوله : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» (2) نزلت في حاطب بن أبي بلتعة. ومثله: «الذينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إنّ النَّاس»...الآية (3) . ومثله في قصّة أبي لبابة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ»...الآية (4) . [ 30 ] قوله: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ»...الآية، روي عن رسول اللَّه، قال: «اشتدّ غضب اللَّه على اليهود حيث قالوا: عزير ابن اللَّه، واشتدّ غضب اللَّه على النصارى حيث قالوا: المسيح ابن اللَّه، واشتدّ غضب اللَّه على من أراق دمي وآذاني في عترتي». (5) [ 31 ] قوله: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ»، قال الصادق عليه السلام (6) : «واللّه ما صاموا (7) ولا صلّوا، ولكن حلّوا لهم حلالاً وحرّموا حراماً فدانوا به، وعبدوهم (8) من

.


1- .الممتحنة (60): 1 - 10.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 748، عن تفسير القمّي.
3- .فإنّ المراد بالناس: نعيم بن مسعود، راجع تفسير الآية 173 من سورة آل عمران.
4- .الأنفال (8): 27.
5- .روى معناه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 86، ح 43؛ والأمالي للشيخ الصدوق، ص 223؛ وشرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي، ج 2، ص 481.
6- .في «ب» و «ج»: «عن الصادق عليه السلام قال».
7- .في «ب» زيادة: «لهم».
8- .في «ب» و «ج»: «فعبدوهم».

ص: 210

حيث لا يشعرون». (1) أقول: فكلّ من كان يضلّهم من المذاهب الزائفة، فهو مثلهم. [ 34 ] وقوله: «الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ»...الآية، عنى بذلك ما جاوز ألفي درهم. (2) [ 36 - 37 ] قوله: «مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»...الآية، حرّم اللَّه فيها القتال، فكان الناس يحرّمونها ولا يقتلون فيها أحداً إلّا قوماً من طيّ وخثعم؛ فإنّهم كانوا يحلّونها ويغيرون فيها، وكان الملتمس (3) الكناني - واسمه: اُميّة بن عوف (4) - يقف في الموسم، فيقول: قد أحللت دماء المحلّين (5) من طيّ وخثعم في شهر (6) اللَّه الحرام وأنسأته، وحرّمت بدله صفراً. فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفراً وأنسأته وحرّمت شهر المحرّم (7) بدله. فأنزل اللَّه: «إِنَّمَا النَّسِى ءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ»...الآية. (8) [ 40 ] قوله: «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنَيْنِ»...الآية، روي: «أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لمّا كان في الغار، قال لأبي بكر: كأنّي أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار محتبين (9) في أفنيتهم. فقال أبو بكر:[ وتراهم، يا رسول اللَّه؟ قال: نعم. قال:] فأرنيهم. فمسح بيده على عينيه، فنظر إليهم (10) ، فقال [في نفسه] (11) : الآن صدّقت أنّك تراهم (12) [فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أنت الصدّيق» ] 13 ، وهو قوله: «وَجَعَلَ

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 769، عن تفسير القمّي. وروى معناه الكليني في الكافي، ج 1، ص 43، ح 1؛ والمحاسن، ص 246، ح 245.
3- .روى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 87، ح 53.
4- .في فتح القدير، ج 2، ص 360: «أبا ثمامة».
5- .في الكافي، ج 8، ص 71: «جنادة بن عوف».
6- .في «أ»: «الملحدين».
7- .في «ب»: «أشهر».
8- .في «ب»: «شهر اللَّه الحرام».
9- .التوبة (9): 37.
10- .في «ب» و «ج»: «مجتمعين».
11- .إلى هنا رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 779، عن تفسير القمّي.
12- .في هامش «ط»: «أنّك ساحر».

ص: 211

كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِىَ الْعُلْيَا» (1) [: قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (2) «وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»».] (3) [ 41 ] قوله: «انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً» قال: «شباباً وشيوخاً». (4) [ 42 ] قوله: «لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً» نزلت في غزاة تبوك، وكان سبب ذلك أنّ الصيّافة (5) كانوا يقدمون المدينة من الشام ومعهم الدرنوك (6) والطعام، و هم الأنباط (7) ، فأشاعوا بالمدينة: أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في عسكر عظيم، وأنّ هرقل قد سار في جنوده، وجلب معه غسان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قدم عساكره البلقاء (8) ، ونزل هو حمص. فلمّا سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذلك أمر أصحابه بالتهيؤ إلى تبوك، وهي من بلاد البلقاء، وكان في وقت شديد الحرّ، وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى القبائل حوله، وإلى مكّة، فحثّهم على الجهاد، وأمر بعسكره فضرب (9) في ثنية الوداع (10) ، وأمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوّة به، وخرج عبد اللَّه بن اُبي بمن كان معه من المنافقين، فضرب بحذاء رسول اللَّه. ولقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الجدّ بن قيس، فقال له: «يا أبا وهب، ألا تنفر معنا في هذه الغزاة،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 784، عن تفسير القمّي. وروى مثله العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 88، ذيل الحديث 58 . والرواية في تفسير القمّي بتفصيل أكثر، فراجع.
3- .في هامش «ص» هنا ما يلي: «فسر عليه السلام كَلِمَةُ اللّهِ هِىَ الْعُلْيَا بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فكان الكَلِمَة السفلى - التي هي موجبة للكفر - التي خطرت في نفس أبي بكر: «الآن صدّقت انك ساحر» فأجابه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله بالظاهر: «أنت الصديق».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 785، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب» و «ج»: «البطارقة». والصيّافة: هم الذين يمترون في الصيف.
6- .الدرنوك: ضرب من البسط ذو خمل. الصحاح، ج 4، ص 1583 (درنك).
7- .النبط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، والجمع: أنباط.
8- .البلقاء: كورة من أعمال دمشق، بين الشام ووادي القرى. معجم البلدان، ج 1، ص 489.
9- .أي ضرب خيمته.
10- .ثنيّة الوداع: اسم موضع مشرف على المدينة. معجم البلدان، ج 2، ص 86.

ص: 212

لعلّك أن تستحفد (1) من بنات الأصفر (2) ؟». فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه إنّ قومي ليعلمون أن ليس فيهم أحد أشدّ عجباً بالنساء منّي، وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر، فلا تفتنّي، وائذن لي أن أقيم. و قال لقومه: ويلكم لا تخرجوا (3) في الحرّ. فعنّفه ابنه: [تردّ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وتقول له ما تقول، ثمّ تقول لقومك: لا تنفروا في الحرّ، واللَّه لينزلنّ اللَّه في هذا قرآناً يقرؤه الناس إلى يوم القيامة. فأخذ نعله وضرب به وجه ابنه، فأنزل اللَّه: «وَمِنْهُم مَن يَقُولُ ائْذَن لِى وَلاَ تَفْتِنِّي» (4). ثمّ قال: أترى أنّ محمّداً يرى أنّ حرب الروم مثل حرب غيرهم، لا يرجع من هؤلاء أحدٌ أبداً، فأنزل اللَّه: «إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ»...الآية. (5) فلمّا اجتمع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الخيول ارتحل من ثنية الوداع، وخلّف أمير المؤمنين عليه السلام على المدينة، فأرجف المنافقون بعليّ عليه السلام، فقالوا: ما خلّفه إلّا تشاؤماً به وكرهاً له. فبلغ ذلك عليّاً، فأخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالجرف، فقال له رسول اللَّه: «يا عليّ، ألم أخلّفك على المدينة؟». قال: «نعم، ولكنّ المنافقين زعموا أنّك خلّفتني تشاؤماً بي». فقال: «كذب المنافقون - يا عليّ - أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخاك بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي (6) ، وأنت خليفتي في اُمّتي، وأنت وزيري وأنت وصيّي وأخي في الدنيا والآخرة». فرجع عليّ عليه السلام إلى المدينة. (7) فلمّا ارتحل من ثنية الوداع رجع عبد اللَّه بن اُبي بمن كان معه من المنافقين إلى

.


1- .حفد: خدم، وقوله: تستحفد، أي تجعلهنّ حفدة لك، أي أعواناً وخدماً.
2- .بنو الأصفر: ملوك الروم.
3- .في «ب» و «ج»: «ويحكم لا تنفروا».
4- .التوبة (9): 49.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 786، عن تفسير القمّي.
6- .في «ط»: زيادة: «وإن كان بعدي نبيّ لقلت أنت».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 823، عن تفسير القمّي.

ص: 213

المدينة، وأقبلوا يرجفون برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وجاء البكّاءون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهو بثنية الوداع، وهم سبعة من بني عمرو بن عوف، منهم: سالم بن عمير، قد شهد بدراً، لا اختلاف فيه، ومن بني واقف: هرمي بن عمير (1) ، ومن بني حارثة: عليّة بن زيد (2) ، وهو الذي تصدّق بعرضه (3) [وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمر بصدقة، فجعل الناس يأتون بها، فجاء عليّة] (4) فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه ما عندي ما أتصدّق به، وقد جعلت عرضي حلاًّ. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد قبل اللَّه صدقتك». ومن بني مازن بن النجار: أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني سلمة: عمرو بن غنمة، ومن بني زريق: سلمة بن صخر (5) ، ومن بني سليم [ ابن منصور] (6) : العرباض بن سارية السلمي. فجاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يبكون [فقالوا: يا رسول اللَّه، ليس بنا قوّة أن نخرج معك]. (7) فأنزل اللَّه فيهم: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى»...الآية، والمستأذنون ثمانون رجلاً، قال: [وإنّما سألوا هؤلاء البكّاؤن نعلاً يلبسونها]». (8) وتخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوم من أهل الثبات والبصائر، لم يكن تخلّفهم شكّاً ولا ارتياباً، ولكنّهم قالوا: نلحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، منهم: أبو خيثمة 9 ، ركب راحلته، فلمّا كان

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .اُنظر: الاختلاف في اسمه ولقبه في المحبّر، ص 281؛ اُسد الغابة، ج 5، ص 58؛ الإصابة، ج 3، ص 601، 615.
3- .في «ط»: «ومن بني جارية علية بن يزيد». والصواب ما في المتن، وهو: علبة بن زيد بن صيفي من بني حارثة، يعدّ في أهل المدينة، ترجم له في اُسد الغابة، ج 4، ص 10؛ الإصابة 2، ص 499، وذكرا أنّه أحد البكّائين وهو الذي تصدّق بعرضه. وفي المحبّر، ص 281: علبة بن صيفي بن عمرو بن زيد.
4- .العرض: موضع المدح والذمّ من الإنسان. وتصّدقت بعرضي: أي تصدّقت به علي من ذكرني بما يرجع إليّ عيبه. النهاية، ج 3، ص 209.
5- .الظاهر من المحبّر، ص 281؛ وجمهرة أنساب العرب، ص 356؛ واُسد الغابة، ج 2، ص 337 أنّه ليس من بني زريق، بل من ولد الحارث بن زيد مناة، حلفاء بني بياضة.
6- .أثبتناه من المحبّر، ص 281.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 824، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 126، ح 4. و ما بين المعقوفتين من تفسير القمّي.
8- .وكان قويّاً، وكانت له زوجتان وعريشتان، وكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه، وبردتا له الماء، وهيّأتا له طعاماً، فأشرف على عريشته، فلمّا نظر إليهما، قال: لا واللَّه، ما هذا بإنصاف، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قد غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قد خرج في الضحّ والريح، وقد حمل السلاح يجاهد في سبيل اللَّه، وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشته وامرأتين حسناوين، لا واللَّه، ما هذا بإنصاف. ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله، و ركب داخلته... . والعريش: ما يستظلّ به. والضحّ: الشمس. الصحاح، ج 3، ص 1010 (عرش) و ج 1، ص 385 (ضحح).

ص: 214

في بعض الطريق لحق بعمرو بن وهب، فاصطحبا، فلمّا كان قريباً من تبوك قال: يا عمرو، إنّ لي ذنباً فتأخّر عنّي حتّى ألحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فتأخّر عنه، فنظر الناس إلى راكب على الطريق، فأخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «كن أبا خيثمة» فأقبل أبو خيثمة فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بما كان منه، فجزاه خيراً ودعا له. وكان أبوذرّ رحمه اللَّه عليه تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ثلاثة أيّام، وذلك أنّ جمله كان أعجفاً (1) ، فتخلّف ليعلفه، ثمّ خرج فلحق برسول اللَّه بعد ثلاثة أيّام، وكان جمله قد وقف عليه في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره، فلمّا ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «كن أبا ذرّ» فلمّا ظهر، قالوا: هو أبوذرّ. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أدركوه بالماء فإنّه عطشان» فأدركوه بالماء، و وافى أبوذرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ومعه إداوة (2) فيها ماء، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا أبا ذرّ، معك ماء وعطشت؟!» قال: نعم يا رسول اللَّه، بأبي أنت واُمّي، انتهيت إلى صخرة عليها ماء السماء فذقته، فإذا هو عذب بارد، فقلت: لا أشربه حتّى يشرب حبيبي رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه: «يا أبا ذرّ - رحمك اللَّه - تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق، يتولّون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك». فلمّا سيّره عثمان إلى الربذة، كان له ابناً يقال له: ذرّ، فمات إبنه ذرّ بالربذة، فوقف على قبره، وقال: رحمك اللَّه - يا ذرّ - لقد كنت كريم الخلق، بارّاً بالوالدين[ وما علىَّ في موتك من غضاضة (3) ، وما بي إلى غير اللَّه من حاجة، وقد شغلني الاهتمام بك عن

.


1- .الأعجف: المهزول. الصحاح، ج 4، ص 1399 (عجف).
2- .الإداوة: المطهرة. الصحاح، ج 6، ص 2266 (أدا).
3- .الغضاضة: الذلّة والمنقصة. القاموس المحيط، ج 2، ص 351 (غاض).

ص: 215

الاغتمام لك، ولولا هول المطّلع لأحببت أن أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك، وما قلت لهم؟] (1) ثمّ رفع يده فقال: اللّهم إنّك فرضت لك عليه حقوقاً، وفرضت لي عليه حقوقاً، فإنّي قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك، فإنّك أولى بالحقّ وأكرم منّي (2) . وقد ذكرنا خبره. (3) وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بتبوك رجل يقال له: المضرّب (4) ، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «عدّ لي أهل العسكر» فعدّهم، فقال: إنّهم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتبّاع. فقال: «عدّ المؤمنين». فعدّهم فقال: هم خمسة وعشرون رجلاً. يعني من كلّ ألف رجل: واحد. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بعض أسفاره، إذ لقيه ركب، فقالوا: السلام عليك، فقال: من أنتم؟ قالوا: قوم مؤمنون، قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء اللَّه، والتفويض والتسليم لأمر اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: علماء، حكماء، كادوا من العلم (5) أن يكونوا أنبياء؛ فإنّ كنتم كما تقولون، فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا اللَّه الذي إليه ترجعون». ثمّ بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله السرايا وهو مقيم بتبوك، فلمّا بلغهم خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله تنحّوا وتفرّقوا، وكان هرقل قد بعث مقدّمته إلى البلقاء في خيل كثير، فلمّا بلغهم نزول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بتبوك هالهم ودخلهم الرعب ورجعوا إلى حمص. وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى هرقل وكتب إليه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمّد رسول اللَّه إلى هرقل عظيم الروم. أمّا بعد، فأسلم تسلم، وإن لم تفعل كان عليك جرم أهل مملكتك، وسيحكم اللَّه عليك، فاستعدّ للمحاربة (6) ». (7)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب» و «ج»: «فإنّك أولى بالكرم والجود مني».
3- .راجع تفسير الآيات (84 - 85) من سورة البقرة.
4- .في الأصل زيادة: «من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر و اُحد».
5- .في «ب» و «ج»: «من الحكمة».
6- .كذا في «ب» و «ج». وفي «أ»: «ملتك ونستحكم اللَّه عليك، فاستحكم للمحاربة».
7- .اُنظر: نصّ كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في بحار الأنوار، ج 20، ص 386.

ص: 216

فلمّا ورد عليه الكتاب، أشفق من محاربته، وكتب إليه كتاباً لطيفاً، وسأله الانصراف سنته حتّى يداري أهل دينه ويكتب إلى قيصر، وبعث إليه بهدايا. فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أيّاماً يبعث بالسرايا، فربما جاءوا بالإبل والغنم، وبعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارساً (1) إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وكان له حصن حصين، فقال خالد: يا رسول اللَّه، كيف لي بأكيدر في حصنه؟ فقال له: إنّك تجده يصيد البقر. فخرج خالد حتّى إذا أتى دومة الجندل، فكمن له، فخرج أكيدر وأخوه حسّان ليصيدوا البقر، فخرج إليهم خالد بن الوليد، فأسر أكيدر وقَتل حسّان وهرب الباقون، وأقبل خالد إلى باب الحصن، فلم يفتحوا له الباب، فقال خالد: سلهم أن يفتحوا الباب. قال: لا يفتحونه ولو قتلتني، لكن اُصالحك على ألفي ألف بعير، وثمانمائة رأس من الغنم، وأربع مائة درع، وأربعمائة سيف، وألفي حلّة. فقبل خالد، فدفعها إليه، فلمّا أعطاه ما شرط له حمله خالد إلى رسول اللَّه، فلمّا وافاه دعاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى الإسلام، فأسلم، وكتب له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كتاباً. (2) وبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بتبوك وأصاب الناس جهد شديد وأرملوا، وذهبت أزوادهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بنطع فبسط، وقال: «من كان عنده شي ء فليأت به» فكان الرجل يأتي بنصف صاع من تمر أو شي ء من دقيق أو سويق، حتّى كان الرجل يأتي بكفّ ممّا عنده، فكان يجعل كلّ صنف منها على حده، ثمّ وضع يده على شي ء شي ء، ثمّ ألقى عليه ملاءة، ثمّ نادى: «من أراد الزاد فليحضر» فأقبل الناس يأخذون ما يحتاجون إليه من الدقيق والسويق والتمر، حتّى أخذ جميع أهل العسكر. فلمّا نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الحجر، استسقى الناس من ماء بئرها، وعجنوا منه، وطبخوا وتوضّأوا، فنادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا تتهيّئوا بهذا الماء للصلاة، ولا تشربوا منه، ولا تسقوا ركابكم، ولا تعجنوا منه، ولا تطبخوا به، ومن عجن فليعلفه راحلته، وليصبّ الطبيخ»، فأكفأ الناس قدورهم، وصبّوا ما كان في أوعيتهم، وتحوّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى بئر

.


1- .في «ب» و «ج»: «رجلاً».
2- .وقد ذكر قصّته المتقي الهندي في كنز العمال، ج 10، ص 587، ح 30380 من مسند ابن عباس، فراجع.

ص: 217

اُخرى، فاستقوا وشربوا، وقال: «هذه بلاد ملعونة، مخسوف بها، وهو قوله: «كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ»...الآية (1) ، وهي هذه البلاد». [ 117 ] وقد كان تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين، منهم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن اُميّة الواقفي (2) . فلمّا وافى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أقبلوا يهنّئونه بالسلامة، وسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام، وأعرض عنهم، قال مالك: سلّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام، فجاء نسائهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أ فنعتزلهم؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا، ولكن لا يقربوكنّ». فخرجوا إلى الجبل، فقالوا: لا نزال فيه حتّى يتوب اللَّه علينا أو نموت. فخرجوا إلى ذناب (3) جبل بالمدينة، فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية، ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم، فبقوا على هذا أيّاماً كثيرة يبكون بالليل والنهار، ويدعون اللَّه أن يغفر لهم. فلمّا طال عليهم الأمر، قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط اللَّه علينا ورسوله، وقد سخط علينا أهلونا وإخواننا، فلا يكلّمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟فتفرّقوا في الجبل (4) ، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب اللَّه عليه، فبقوا على ذلك ثلاثة أيّام، وكلّ واحد منهم في ناحية من الجبل، لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه، فلمّا كان في الليلة الثالثة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بيت اُمّ سلمة نزلت توبتهم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وهي قوله: «لَقَد تَابَ اللّهُ»...الآية، وإنّما هي: (لَقَد تَابَ اللّهُ) بالنَّبِىِّ عَلَى (الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي: لمّا تابوا، وهم: أبوذرّ وأبو خثيمة وعمر

.


1- .الحجر (15): 80.
2- .في «ط»: «الرافعي» وهو تصحيف، وصوابه ما في المتن، نسبة إلى بني واقف، بطن من الأوس، اُنظر: اُسد الغابة، ج 5، ص 66؛ والأنساب للسمعاني، ج 5، ص 567.
3- .وفي بعض النسخ: «ذباب» و هو اسم جبل بالمدينة، و الذناب من كلّ شي ء: عقبه ومؤخّره. أقرب الموارد، ج 1، ص 374 (ذنب).
4- .في «ط»: «في الليل».

ص: 218

بن وهب، الذين لحقوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. (1) [ 118 ] ونزل في هؤلاء الثلاثة: «وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» يعني: المدينة، حيث لم يكلّمهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وإخوانهم و أهاليهم، «وضَاقَتْ عَلَيْهِمُ أنفُسَهمْ» حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضاً، فتفرّقوا، وتاب اللَّه عليهم لمّا عرف من صدق نيّاتهم. وعن الصادق عليه السلام: «إنّما نزلت: (وعلى الثلاثة الذين خالفوا)، ولو خلّفوا ما كان عليهم عتب». (2) [ 64 ] وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ثلاثون ألفاً والخيل عشرة ألف فرس، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله دفع راية بني النجّار إلى عمارة بن حزم، ثمّ أخذها منه، فدفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول اللَّه، لعلّك وجدت عليّ؟ قال: «لا، ولكن قدّموا بالقرآن، وزيد أكثر أخذاً للقرآن منك، والقرآن يقدم وان كان عبداً أسوداً مجدّعاً». وكان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، منهم: وديعة بن ثابت والجلاس بن سويد بن الصامت وابن حمير وثعلبة بن حاطب. فقال ثعلبة بن حاطب: يحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم، لكأنّي بهم غدا مقرنين في الحبال. وقال وديعة: هم أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. وقال الجلاس بن عمرو: واللَّه لئن كان محمّد صادقاً لنحن شرّ من الحمير. وقال مخشن بن حمير: واللَّه لوددت أن أقاضي

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 791، عن تفسير القمّي. ونقل هذه القراءة الطبرسي في مجمع البيان، ج 5، ص 118، في قوله تعالى: «لَقَد تَابَ اللَّه»...إلى آخر الآية، وقال: عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام، أنّه قرأ: «لقد تاب اللَّه بالنبي على المهاجرين والأنصار»... إلى آخر الآية.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 791، عن تفسير القمّي. وقد تقدّم ذكر ذلك عند ذكر غزاة تبوك من السورة بزيادة، وتقدّم أنّ الثلاثة: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن اُمية الرافعي، تقدّم مستوفى في رواية علي بن إبراهيم من تفسير الآيات (44- 47) من هذه السورة. ونقل هذه القراءة الطبرسي في مجمع البيان، ج ، ص 120، في قوله تعالى: «وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا»... إلى آخر الآية، وقال: قرأ علي بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمّد بن علي الباقر وجعفر بن محمّد الصادق عليهم السلام «خالفوا».

ص: 219

على أن يضرب كلّ رجل منّا مائة جلدة، وأنّنا ننفلت أن ينزل فينا قرآناً!! على حدّ الاستهزاء. فنزل جبرئيل وأخبره بذلك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعمار بن ياسر: «أدرك القوم وسلهم عمّا قالوا، فإنّ أنكروا فأخبرهم بما قالوا» فذهب وأعلمهم، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت: يا رسول اللَّه، إنّما كنّا نخوض ونلعب، فلم يلتفت إليه، وأنزل اللَّه فيما قال مخشيّ وأصحابه: «يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ»...الآية». (1) [ 90 ] وجاء قوم من الأعراب يستأذنون رسول اللَّه في المقام، وقعد عنده قوم بلا إذن، فنزل: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ»...الآية. [ 102 - 103 ] قوله: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» نزلت في أبي لبابة كما تقدّم (2) ، فنصف الآية في سورة الأنفال ونصفها في التوبة. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا أبا لبابة، قد تاب اللَّه عليك توبة لو ولدت من اُمّك يومك هذا لكفاك». فقال: يا رسول اللَّه، أفأتصدّق بمالي كلّه؟ قال: «لا». قال: فبثلثيه؟ قال: «لا». قال: فبنصفه؟ قال: «لا». قال: فبثلثه؟ قال: «نعم، فأنزل اللَّه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ»...الآية». (3) [ 58 ] قوله: «وَمِنْهُمْ مَن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَاتِ»...الآية، فإنّها نزلت لمّا جاءت الصدقات وجاء الأغنياء، وظنّوا أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقسّمها بينهم، فلمّا قسّمها على الثمانية تغامزوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ولمزوه. (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 807، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 95، ح 84 ؛ ومجمع البيان، ج 5، ص 70. والقصّة بالتفصيل في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 380، ح 265.
2- .راجع تفسير الآية (27) من سورة الأنفال (8).
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 835، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي 2، ص 105، ح 105 و 106.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 794، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً كتاب الزهد للحسين بن سعيد، ص 47، ح 126.

ص: 220

[ 60 ] قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ»...الآية، قال العالم عليه السلام: ««الْفُقَرَآء» الذين لا يسألون وعليهم مؤنة عيالهم، والدليل على ذلك قوله في سورة البقرة: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ» إلى قوله: «لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً» (1).«وَالْمَسَاكِينِ»، هم أهل الزمانات (2) من العميان والعرجان والمجذمين.«وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا»، هم السعاة.«وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ»، قال الباقر عليه السلام: «هم قوم وحّدوا اللَّه ولم تدخل المعرفة في قلوبهم من أنّ محمّداً رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا، وجعل اللَّه لهم نصيباً في الصدقات لكي (3) يرغبوا». (4)«وَفِى الرِّقَابِ»: قوم قد لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم، وليس عندهم ما يكفّرون، وهم مؤمنون، فجعل اللَّه لهم سهماً في الصدقات ليكفّر عنهم. (5) أقول: والمشهور أنّ قوله: «وَفِى الرِّقَابِ» أنّهم العبيد الذين تحت الشدّة؛ فإنّهم يشترون من مال الزكاة ويُعتقون.«وَالْغَارِمِينَ»: قوم وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللَّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي [ذلك] عنهم ويكفيهم من مال الصدقات (6) .«وَفِى سَبِيلِ اللّهِ»: قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات. و «ابْنِ السَّبِيلِ»: أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللَّه، فيقطع عليهم

.


1- .البقرة (2): 273.
2- .الزمانة: العاهة. لسان العرب، ج 13، ص 199، (زمن).
3- .في «ط»: «لكي».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 795، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 3، ص 501، ح 16.
5- .راجع: التهذيب، ج 8، ص 275، ح 1002.
6- .في «ط»: «ويفكّهم من مال الصدقات».

ص: 221

ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات. ونزلت هذه الآية قبل هذا الوقت. [ 61 ] قوله: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ»...الآية، نزلت في عبد اللَّه بن نفيل، كان ينقل حديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المنافقين، وينمّ عليه، فأخبره جبرئيل، فدعاه، فاعتذر إليه، فقال: «قد قبلت عذرك، فلا تعد»، فرجع إلى أصحابه فقال: إنّ محمّداً أذُنٌ، ما سَمِعَهُ قَبِلَهُ. (1) [ 74 ] وقوله: «يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ»، نزلت بعد ما رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حجّة الوداع في أصحاب العقبة الذين تحالفوا في الكعبة ألّا يردّوا الخلافة في أهل بيته (2) ، ثمّ قعدوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في العقبة ليقتلوه، فعرفهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذلك، فجاؤوا إليه وحلفوا أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئاً ولم يريدوا قتله. (3) [ 107 ] قوله: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً»...الآية، جاء قوم من المنافقين إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقالوا: يا رسول اللَّه أتأذن لنا أن نبني مسجداً في بني سالم، وكان سببه أنّهم يجتمعون (4) بأبي عامر الراهب، وكان كافراً، وكان ابنه حنظلة بن عامر قد أسلم، وقتل يوم اُحد، وكان يدعى: غسيل الملائكة. (5) قوله: «وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ»... الآية، يعني: أبا عامر الراهب، فبعث رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله مالك بن الدخشم (6) الخزاعي وعامر بن عدي أخا بني عمرو بن عوف، على أن

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 805، عن تفسير القمّي. وروى نحوه. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 62 - 73، فراجع الأصل.
2- .كذا في النسخ، وفي الأصل: «في بني هاشم». وقد تقدّم تفصيل ذلك في تفسير الآية (67) من سورة المائدة (5).
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 819، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الخصال، ص 499، ح 6؛ وتفسير العيّاشي، ج 2، ص 9، ح 89 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 79 - 106، فراجع الأصل.
4- .كذا في النسخ، والظاهر «أرادوا أن يجتمعوا».
5- .وراجع التفصيل في هوامش قصّة حرب اُحد، في تفسير الآية (121) من سورة آل عمران (3).
6- .في «ط»: «الدجشم». وفي هامش «ط» عن نسخة: «دجشم».

ص: 222

الجزء الحادي عشر

اشاره

يهدموه ويحرقوه، ففعلوا ذلك. (1) [ 80 ] [قوله: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ». قال علي بن إبراهيم: إنّها نزلت] (2) لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، ومرض عبد اللَّه بن اُبي، وكان ابنه عبد اللَّه مؤمناً، فجاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللَّه إن لم تأت أبي كان ذلك عاراً علينا، فدخل إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والمنافقون حوله، فقال ابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه: يا رسول اللَّه، استغفر له. فاستغفر له، فقال له عمر: ألم ينهك اللَّه - يا رسول اللَّه - أن تصلّي عليهم أو تستغفر لهم؟ فأعرض عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأعاد عليه، فقال له: «ويلك إنّي خُيّرت، فاخترت، إنّ اللَّه يقول: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ». فلمّا مات عبد اللَّه جاء ابنه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: بأبي أنت واُمّي يا رسول اللَّه، إن رأيت أن تحضر جنازته، فحضره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقام على قبره، فقال له الثاني: يا رسول اللَّه، ألم ينهك اللَّه أن تصلّي على أحد منهم مات أبداً وأن تقوم على قبره ؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ويلك، وهل تدري ما قلت؟ إنمّا قلت: اللّهم اُحش قبره ناراً، وجوفه ناراً، وأصله النار»، فبدا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ما لم يكن يحبّ. (3)

[الجزء الحادي عشر][ 111 و 112 ] [قوله: «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ»...الآية ] (4) عن الصادق عليه السلام قال: «لقى الزهري (5) عليّ بن الحسين عليه السلام في طريق الحجّ، فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته، إن اللَّه يقول: «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 850، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 111 - 112، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 821، عن تفسير القمّي.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .كذا، وفي الكافي: «عباد البصري»، وهو عباد بن كثير الثقفي البصري. نزيل مكّة. اُنظر: ترجمته في الجرح والتعديل، ج 6، ص 84، ح 433؛ تهذيب الكمال، ج 1، ص 145، ح 3090.

ص: 223

الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ» إلى قوله: «التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ» إلى آخر الآية، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ». (1) قوله: «السَّائِحُونَ»، هم الصائمون. (2) [ 114 ] قوله: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ»...الآية، سئل العالم عنها فقال: «ما يقول الناس فيها، والموعدة ممّن؟» قال: يقولون: إنّ الموعدة كانت من إبراهيم أن يستغفر لأبيه، فقال: «لا، بل كانت من أبي إبراهيم ألاّ يعبد الأصنام، فقال إبراهيم: ان لم تعبد الأصنام استغفرت لك، فلمّا علم أنّه لا يدع الأصنام تبرّأ منه». أقول: إنّ كثيراً من القرّاء، قرأوا: (وعدها أباه) (3) ، وهذا لا يتوجّه على ما ذكر. (4) قوله: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» أي: دعّاء. (5) [ 126 ] وقوله: «أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» أي: يمرضون.أقول: هذا الكلام ليس على عمومه؛ فإنّ من الناس من قال: بلاء إبراهيم لا لمرض في بدنه، أو قريب (6) ، بل فيهم من لم يمرض إلّا مرض الموت، وفيهم من يمرض بالسنة مراراً شتّى، وهو الممراض. (7) [ 128 ] قوله: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» يعني محمّداً. (8)

.


1- .روى نحوه في الكافي، ج 5، ص 22، ح 1.
2- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 113، فراجع الأصل.
3- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 3، ص 48.
4- .لم يرد هذا السطر في «ب».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 859، عن تفسير القمّي. وفي تفسير العيّاشي، ج 2، ص 114، ح 147، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت: قوله: «إِنَّ إِبْراهِيمَ لاوَّاهٌ حَلِيمٌ»؟ قال: «الأوّاه: الدعّاء». وعن محمّد بن يعقوب في الكافي، ج 2، ص 337، ح 1، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «الأوّاه: هو الدعّاء». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 119 - 125، فراجع الأصل.
6- .كذا في «ج». و في «ب» هكذا: «قال: إنّ إبراهيم لالمرض في بدنه، أو قريب».
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 127، فراجع الأصل.
8- .في الأصل زيادة «ويقرأ: (من أَنفَسِكُم) أي: أشرفكم».

ص: 224

أقول: وقرئ: (من أَنفَسِكُم) بفتح الفاء، وهي قراءة فاطمة عليها السلام (1) ، وهي أعمّ وأفصح وأبلغ. «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ» أي: أنكرتم. (2)

.


1- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 3، ص 54.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 875، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 118، ح 165 و 166.

ص: 225

سورة يونس (10)

سورة يونس (10)[مكّيّة، وهي مائة وعشر آيات]بسم الله الرحمن الرحيم[ 11 ] قوله: «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ» (1). (2) أقول: معناه: إنّ الإنسان قد يدعوا على نفسه وأعزّته حال حرجه (3) ، فلو أجاب اللَّه دعاءه هلك وأهلك وُلْدَه، أو من دعى عليه من أعزّته. (4) [ 15 ] قوله: «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذَا أَوْ بَدِّلْهُ»، فإنّ قريشاً قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: إئتنا بقرآن غير هذا، فإنّ هذا شي ءٌ تعلّمته من اليهود والنصارى، فقال تعالى: «قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدِّلَه»...الآية . (5) [ 18 ] قوله: «أَ تُنَبِّؤُنَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعلَمُ»... الآية، أي: لا يعلم أنّ معه شريك كما تزعمون . (6) [ 58 ] وعن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ» [قال: «الفضل: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ورحمته: أمير المؤمنين عليه السلام «فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا»](7) ». قال:

.


1- .كذا في النسخ، وفي الأصل زيادة «قال: «لو عجّل اللَّه لهم الشرّ كما يستعجلون الخير، لقضي إليهم أجلهم، أي: فرغ من أجلهم ».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 18، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 9، فراجع الأصل.
3- .في «ب» و «ج»: «حرده» و هو تصحيف.
4- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 12 - 14، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 19، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 20، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 19 - 56، فراجع الأصل.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.

ص: 226

«فليفرح شيعتنا «هُوَ خَيْرٌ مِمَّا» أعطوا أعداؤنا من الذهب والفضة ». (1) [ 22 ] قوله: «الْفُلْكِ» يعني السفن. قوله: «ريحٌ عَاصِفٌ» وهي التي تجي ء من كلّ جانب . (2) [ 26 ] قوله: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»، قال: «النظر إلى وجه اللَّه عزّ وجلّ ». (3) أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّه تعالى لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة إجماعاً من الشيعة والمعتزلة والحكماء، وقد قامت الدلائل والبراهين القاطعة على ذلك، فإن كان ما روي من إسناد صحيح كان له تأويل، وإلّا فالرواية به غير صحيحة. [ 23 ] قوله: «إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلى أَنفُسِكُم». روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لمّا (4) بويع له: «أيّها الناس، إن أوّل من بغى على وجه الأرض: عناق بنت آدم، خلق اللَّه لها عشرون إصبعاً في كلّ إصبع ظفران طويلان مثل المنجلين (5) ، وكان موضعها (6) في الأرض جريباً في جريب، فلمّا بغت خلق اللَّه عزّ وجلّ لها أسداً كالفيل وذئباً كالبعير ونسراً كالحمار، وكان ذلك في الخلق الأوّل، فسلّطهم عليها فقتلوها، ألا وقد أهلك اللَّه فرعون وهامان وخسف بقارون، وكان لي حقٌّ حازه دوني من لم يكن مثلي، ولم أكن اُشركه، ولا توبة إلّا بنبيّ، (7) ولا نبيّ بعد محمّد، وأنّى يتوب؟ وهو في برزخ القيامة، غرّته الأماني وغرّه باللَّه الغرور؟ قد أشفا على جرف هار فانهار به في نار جهنّم، واللَّه لا يهدي القوم

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 34، عن تفسير القمّي. وروى معناه في مجمع البيان، ج 5، ص 178.
2- .وردت العبارة في «أ» و «ب» هكذا: «قوله: «الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ»». وهي الآية (18) من سورة إبراهيم (14) . والظاهر أنّه سهو من الناسخ. ورواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 294، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 25، عن تفسير القمّي. وفي هامش «ص»: «وجه اللَّه، أي جانب اللَّه، وهو كناية عن رضا اللَّه».
4- .في «ب»: «حين».
5- .المنجل - كمنبر - : ما يحصد به.
6- .أي مجلسها.
7- .وفي بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 92، ص 591، في بيان قوله عليه السلام: «ومن ليست له توبة إلّا بنبي يبعث...»، قال: أي لا يعلم قبول توبة من فعل مثل هذا الأمر القبيح، وأضل هذه الجماعات الكثيرة إلّا بنبي يبعث فيخبره بقبول توبته. وفي بعض النسخ: «نوبة» أي ليست له نوبة في الخلافة إلّا بنبي يبعث، فيخبر عن اللَّه أن له حصة في الخلافة. وفي أكثر النسخ: «إلا نبي» - بدون الباء - فالمراد بالتوبة ما يوجب قبولها، أي ليس له سبب قبول توبة إلّا بنبي. ولعلّه من تصحيف النسّاخ.

ص: 227

الظالمين. ألا وإنّ بليّتكم (1) قد عادت كهيئتها يوم بعث اللَّه نبيّه صلى اللَّه عليه وآله. أما واللَّه لتبلبلنّ بلبلة (2) ولتغربلنّ (3) غربلة، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم. أما واللَّه، ليسبقنّ قوم كانوا قصّروا وليقصّرنّ قوم كانوا سبقوا. أما واللَّه، ما كُذّبت ولا كُذّبت مذ عقلت، ولقد نبّئت بهذا الأمر وهذا المقام. ألا وإنّ الخطايا مطاياً شمسٌ (4) حُمل عليها أهلها، فتقحّمت بهم في نار جهنّم فهم فيها كالحون. ألا وإنّ التقوى مطاياً ذللٌ حُمل عليها أهلها، فسارت بهم تأوّداً حتّى أتو ظلاً ظليلاً، جناتٍ مفتّحةً لهم أبوابها، فوجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: «ادْخُلُوهَا بِسَلَمٍ ءَامِنِينَ»، وهنيئاً لأهل الرحمة جنّتهم، وتعساً لأهل النار مثواهم في نار جهنّم. أيها الناس، حقٌّ وباطل، ولكلّ أهل، فلئن أديل الباطل لقديماً ما فعل، ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعلّ، ولقلّما أدبر شي ء فأقبل، ولئن ردّ عليكم أمركم أنّكم سعداء (5) وما عليّ إلّا الجهد، وإني لأخشى أن تكونوا على فترة (6) ملتم عنّي ميلة كنتم فيها عندي (7) غير محمودي الرأي. أمّا لو أشاء لقلت: عفا اللَّه عمّا سلف، سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همّه بطنه، ويله (8) لو قُصّ جناحاه وقُطع رأسه كان خيراً له، ثلاثة واثنان، خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه، ونبيّ أخذ اللَّه بضبعيه (9) ، وساع مجتهد، وطالب يرجوا، ومقصّر (10) في النار (11) ، اليمين والشمال مضلّة، والطريق المنهج الواضح

.


1- .في «ب»: «كأنّي ببليتكم».
2- .لتبلبلن، أي لتخلطن. تبلبلت الألسن، أي اختلطت. والبلبلة أيضا: الهمّ والحزن ووسوسة الصدر. تاج العروس، ج 14، ص 66.
3- .لتغربلّن، من الغربال الذي يغربل به الدقيق، والغربلة أيضا: القتل.
4- .خيل شمس - بالضم - جمع شموس وهي الدابّة التي تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها، و هو مقابل للذلول. اُنظر: لسان العرب، ج 6، ص 113 (شمس).
5- .في «ب»: «لسعداء».
6- .في «ب»:«في فترة».
7- .في «ب» و «ج»: «ولقد كان عليّ منكم فيها ميلة واحدة كنتم فيها عندي...».
8- .في «ب»: «ويحه».
9- .ضبعيه، أي عضديه .
10- .في «ب»: «ومقيم».
11- .يعني: أنّ عباد اللَّه المكلّفين على خمسة أقسام: ملك يطير... الخ.

ص: 228

عليه ما بين الكتاب (1) وآثار النبوّة ، هلك من ادّعى، وخاب من افترى. إنّ اللَّه أدّب هذه الاُمّة بالسيف والسوط، وليس لأحد عند إمام الهدى هوادة، فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحقّ هلك». (2) [ 53 ] قوله: «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ» يعني: أمير المؤمنين، إمامٌ هو؟ «قُلْ أى وَرَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ» أي: إمام. (3) [ 54 ] قوله: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» [عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سئل عن قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» قال:] (4)«قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما ينفعهم إسرار الندامة وهم في العذاب ؟ قال: كرهوا شماتة الأعداء ». (5)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .قوله: عليه ما بين الكتاب...الخ، في بعض النسخ: «عليها باقي الكتاب»، وفي بعضها: «عليها ما في الكتاب»، وفي «ب» زيادة: «والسنة».
3- .روى نحوه في الكافي، ج 8، ص 67، ح 23. تفسير الغريب: السوط: التخليط، والمسوط والمسواط: خشبة يحرّك بها ما في القدر ليختلط. والوشمة: المرّة، يقال: ما عصيت فلانا وشمة، أي طرفة عين. ووردت الكلمة في بعض النسخ بالمهملة، وهي بمعنى العلّامة. وأمر - كفرح - أمراً وأمرة: كثر. والهوادة: السكون والرخصة والمحاباة. وصفحة كلّ شي ء وجهه، يعني من كاشف الحقّ مخاصماً له هلك هلاكاً اُخروياً، وهي كلمة جارية مجرى المثل. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 27 - 52 ، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 33، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 1، ص 356، ح 87، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الجوهري، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، في قوله تعالى: «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ» قال: ما تقول في علي؟ «قُلْ أى وَرَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ»».
5- .هذا هو الصحيح المنقول عن القمّي في تفسيره، على ما نقله العلّامة المجلسي في البحار، 8، ص 294، ح 37، عنه، بالإسناد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أيضاً. وفي التبيان للشيخ الطوسي، ج 5، ص 393، ما نصه: «وروي أنّه قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: ما يغنيهم اسرار الندامة وهم في النار ؟ قال: يكرهون شماتة الاعداء». قال: وروي مثله عن أبي عبد اللَّه عليه السلام. (انتهى). وهذا يدلّ على أنّ المثبت في نسخة الأصل كانت الرواية عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وقد نقلوا قوله: «كرهوا شماتة الأعداء » عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله. ومن هنا يظهر أنّ المؤلّف قد اعتمد على نسخة الأصل في التلخيص، ولكنّ الموجود في الأصل ورواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 34، عن تفسير القمّي، هو النصّ التالي: «حدّثني أبي، عن محمّد بن جعفر، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن صالح بن أبي عمار، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن رجل، عن حمّاد بن عيسى، عمن رواه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سئل عن قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ» قال: قيل له: ما ينفعهم اسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال: «كرهوا شماتة الأعداء ». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 55 - 63، فراجع الأصل.

ص: 229

[ 64 ] قوله: «لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» قال: «البشرى في الحياة الدنيا: الرؤيا الحسنة يراها العبد المؤمن المقرّ بالولاية» و «فِى الآخِرَةِ»، قال: «عند الموت ». (1) [ 92 ] وقوله: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ»، [فإنّ موسى عليه السلام أخبر بني إسرائيل أنّ اللَّه قد أغرق فرعون فلم يصدّقوه، ف] (2) -أمر اللَّه البحر فقذف بفرعون؛ لأنّ بني إسرائيل قالوا: لم يغرق فرعون، فقذف به البحر إلى الساحل حتّى رأوه ميّتاً. وقيل: القائل كانوا القبط، أصحاب فرعون؛ لأنّهم كانوا يعتقدون فيه الربوبيّة، وكان يدّعيها هو، قال: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى» (3). (4) [ 93 ] وقوله: «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ» قال: «خبرنا ». (5) [ 94 و95 ] وقوله: «فَإِن كُنْتَ فِى شَكٍّ»...الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لمّا اُسري برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى السماء فأوحى اللَّه إليه في عليّ - صلوات اللَّه عليه - ما أوحى (6) من شرفه وعِظَمِه عند اللَّه، وَرُدّ إلى البيت المعمور، جمع له النبيين فصلّوا خلفه، عرض في قلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من عظم ما اُوحي إليه في عليّ عليه السلام، فأنزل اللَّه عليه: «فَإِن كُنْتَ فِى شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ» في عليّ«فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ» يعني: الأنبياء الذين صلّى بهم، أي في كتب الأنبياء قبلك مثل ما أنزلنا في كتابك من فضله ». (7)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 42، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 125، ح 33. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 64 - 90، فراجع الأصل.
3- .النازعات (79): 24.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 50، عن تفسير القمّي. وستأتي - إن شاء اللَّه تعالى - روايات في القصّة في سورة الشعراء الآيات (10- 63) زيادة على ما هنا.
5- .وفي الأصل زيادة: «ردّهم إلى مصر وغرّق فرعون». رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 53، عن تفسير القمّي.
6- .في «ط» زيادة: «ما يشاء».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 53، عن تفسير القمّي.

ص: 230

أقول: في هذا نظر؛ فإنّ النبيّ لا يشكّ في فضل عليّ. (1) [ 98 ] وقوله: «فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ»...الآية، قال العالم عليه السلام: «إنّه لم يردّ اللَّه العذاب إلّا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الإيمان (2) فلا يؤمنون، فهمّ أن يدعو عليهم، وكان فيهم رجل عابد، ورجل عالم [كان اسم أحدهما تنوخا (3) ، والآخر اسمه] (4) روبيل، فكان العابد يأمره بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه، ويقول: لا تدع عليهم؛ فإنّ اللَّه يستجيب لك، فإنّ العابد يريد هلاك عباده. فقبل قول العابد، فدعا اللَّه عليهم، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يأتيهم العذاب سنة كذا[ وكذا، في شهر كذا وكذا، في يوم كذا وكذا. فلمّا قرب الوقت] (5) خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم، فلمّا كان في ذلك اليوم وأظلّهم العذاب، فقال العالم لهم: يا قوم، افزعوا إلى اللَّه فلعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم. فقالوا: كيف نصنع؟ قال: اُخرجوا إلى المفازة، وفرّقوا بين النساء وأولادها [وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها، ثمّ ابكوا وادعوا. فذهبوا وفعلوا ذلك، وضجّوا وبكوا] (6) فرحمهم اللَّه وصرف عنهم العذاب، وفرّق العذاب على الجبال، وقد كان نزل وقرب منهم. فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم اللَّه، فرأى الزرّاعين (7) يزرعون في أرضهم، قال لهم: ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له - ولم يعرفوه - : إنّ يونس دعا عليهم فاستجاب اللَّه له (8) ، ونزل العذاب عليهم، فاجتمعوا وبكوا ودعوا (9) فرحمهم اللَّه، وصرف ذلك عنهم،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 96 - 97، فراجع الأصل.
3- .في «أ»: «إلى الإسلام».
4- .في «ط»: «مليخا». وانظر: تفسير العيّاشي، ج 2، ص 129، ح 44.
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل، وبدله في «ب»: «فعند ذلك».
6- .ما بين المعقوفتين من الأصل، وبدله في «ب»: «وبين الحيوانات وأولادها، وضجّوا إلى اللَّه ضجّة واحدة، فلعلّ اللَّه أن يصرف عنكم العذاب، فخرجوا وفعلوا ما أمرهم ».
7- .في «ب»: «الزارعين».
8- .في «ب»: «دعاءه».
9- .في «ب» و «ج»: «العذاب عليهم حتّى رأوه، فاجتمعوا وبكوا وتضرّعوا إلى اللَّه».

ص: 231

وفرّق العذاب على الجبال، فهم ذا يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب يونس، ومرّ على وجهه مغاضباً، كما حكى اللَّه تعالى (1) ، حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا (2) سفينة قد شحنت، وأرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه، فلمّا توسّطوا (3) البحر بعث اللَّه حوتاً عظيماً، فحبس عليهم السفينة من قدامها، فنظر إليه يونس ففزع منه، و صار إلى مؤخّر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه. فخرج أهل السفينة، فقالوا: فينا عاصٍ، فتساهموا (4) ، فخرج سهم يونس، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» (5)فأخرجوه، فألقوه في البحر «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ» (6)ومرّ به في الماء. فروي في الخبر أنّه مرّ به تحت الأرض حتّى لحق بقارون [ وكان قارون هلك في أيّام موسى عليه السلام، ووكلّ اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل ] (7) وكان يونس في بطن الحوت يسبّح اللَّه ويستغفره (8) ، فسمع قارون صوته، فقال للملك الموكّل به: أنظرني فإنّي أسمع كلام آدمي. فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به: أنظره. فأنظره، ثمّ قال قارون: من أنت؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى. أقول: الأنبياء لا يذنبون ؛ لأنّهم معصومون من أوّل العمر إلى آخره، وقد قامت الدلائل على ذلك والبراهين، فالكلام يؤوّل، وفي جميع هذه القصّة أنظار، على ما لا يخفى. قال: فما فعل الشديد الغضب للَّه موسى بن عمران؟

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في هامش «ص» ما نصّه: «فمرّ يونس مغاضباً، وقال: كيف أرجع إليهم وما آمنوا بي، وكنت صادقاً، وقد وعدتهم نزول العذاب على أنّهم خالفوا، والآن كيف يؤمنون بي وهم يروني كاذباً؟ فمرّ مغاضباً للَّه، كما حكى اللَّه... إلخ. كذا في الصغير. انتهى». وقال العلّامة المجلسي رحمه اللَّه عليه: في بيان قوله عليه السلام: «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم. وفي قوله عليه السلام: «مغاضباً لربّه» أي على قومه لربّه تعالى، أي كان غضبه للَّه تعالى لا للهوى، أو خائفاً عن تكذيب قومه لمّا تخلّف عنه من وعد ربّه. البحار، ج 17، ص 399).
3- .في «ب»: «فرأى».
4- .في «ب»: «لجّوا».
5- .في «ب»: «فأستهموا»، وتساهموا: تقارعوا. الصحاح، ج 5، ص 1957 (سهم).
6- .الصافّات (37): 141.
7- .الصافّات (37): 142.
8- .في «ب»: «ويقدّسه في بطن الحوت».

ص: 232

قال: هيهات! هلك. قال: فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه: هارون بن عمران؟ قال: هلك. قال: فما فعلت كلثم بنت عمران، التي كانت سمّيت لي؟ قال: هلكت، وما بقي من آل عمران أحد. فقال قارون: وا أسفا على آل عمران. قال: فشكر اللَّه له ذلك، فأمر اللَّه الملك الموكّل به أن يرفع عنه العذاب أيّام الدنيا، فرفع عنه. (1) فلمّا رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: أن لا إله إلّا أنت، سبحانك إنّي كنت من الظالمين. فاستجاب اللَّه له، وأمر الحوت أن يلفظه، فلفظه على ساحل البحر، وقد ذهب جلده ولحمه. فأنبت اللَّه عليه شجرة من يقطين - وهي الدبّاء (2) - فأظلّته عن الشمس فشكر (3) ، ثمّ أمر اللَّه الشجرة فتنحّت عنه، ووقعت الشمس عليه فجزع، فأوحى اللَّه إليه: يا يونس، لِمَ لَمْ ترحم مائة ألف أو يزيدون، وأنت تجزع من ألم ساعة (4) ؟ فقال: يا ربّ، عفوك عفوك. فردّ اللَّه عليه بدنه ورجع إلى قومه، فآمنوا به. (5)

.


1- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 136، ح 46.
2- .الدبّاء: القرع. المعجم الوسيط، ج 1، ص 268 (دب).
3- .في «ط»: «فسكن».
4- .في «ب»: «الشمس».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 58 - 59، عن تفسير القمّي. وللمزيد عن قصّة يونس عليه السلام راجع: تفسيره العيّاشي، ج 2، ص 129، ح 44.

ص: 233

سورة هود (11)

الجزء الثاني عشر

اشاره

سورة هود (11)[مكّيّة، وهي مائة واثنتان وعشرون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «وَإِن تَوَلَّوْا»؛ إنّما هو: (فإن تولّيتم ). (1)

[الجزء الثاني عشر][ 8 ] قوله: «اِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» يعني: إلى أجل معدود. والاُمّة في كتاب اللَّه على وجوه كثيرة: فمنه: المذهب، وهو قوله: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً» (2) أي: على مذهب واحد. ومنه: الجماعة [من الناس، وهو قوله: «وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ» (3)أي: جماعة] (4) . ومنه: الواحد، كقوله: «أُمَّةً قَانِتاً» (5). ومنه: جميع أجناس الحيوان، لقوله: «وَإِن مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ» (6). ومنه: اُمّة محمّد صلى اللَّه عليه وآله خاصّة. (7)

.


1- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 3، وكذا الآيات 5 - 7، فراجع الأصل.
2- .البقرة (2): 213.
3- .القصص (28): 23.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .النحل (16): 120.
6- .فاطر (35): 24.
7- .في الأصل زيادة: «وهو قوله: «كَذلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ» (الرعد (13): 30) وهي اُمّة محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ومنه: الوقت، وهو قوله: «وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (يوسف (12): 45) أي: بعد وقت. وقوله: «إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ»، يعني به الوقت».

ص: 234

ومنه: الخلق كلّه، وهو قوله: «وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ (1) » ومنه: الوقت؛ لقوله: «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (2) ». (3) أقول: ذكر القاضي ابن العربي للاُمّة أربعين معنى. (4) [ 9 ] قوله: «وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً» أي: صحّة وسلامة وسعة . (5) [ 12 ] قوله: «فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ»... الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «سبب نزول هذه الآية: أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خرج ذات يوم فقال لعليّ: يا عليّ، إنّي سألت اللَّه الليلة بأن يجعلك وزيري ففعل، وسألته أنّ يجعلك وصيّي ففعل، وسألته أن يجعلك خليفتي في اُمّتي ففعل. فقال رجل من أصحابه المنافقين (6) : واللَّه لصاع من تمر في شنٍّ بالٍ أحبّ إليّ ممّا سأل محمّد ربّه، أ فلا سأله ملكاً يعضده، أو مالاً يستغني به ». (7) [ 17 ] قوله: «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» يعني: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» يعني: أمير المؤمنين عليه السلام، وإنّما نزل: (ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى اُولئك يؤمنون به) فقد قدّموا وأخّروا في التأليف هنا. (8)

.


1- .في الأصل زيادة: ««جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا» (الجاثية (45): 28) وقوله: «وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» (النحل (16): 84).
2- .يوسف (12): 45.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 83، عن تفسير القمّي.
4- .قال القاضي أبوبكر محمّد بن عبداللَّه المعروف بابن العربي في كتابه أحكام القرآن ما نصّه: «المسألة الاُولى قوله تعالى: (اُمّة) كلمة ذكر لها علماءُ اللسان خمسه عشر معنى، وقد رأيت من بلّغها إلى أربعين...». راجع: احكام القرآن، ج 1، ص 382.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 84، عن تفسير القمّي.
6- .في «ب» و «ج»: «من قريش».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 85، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الكليني في الكافي، ج 8، ص 378، ح 572 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 13 - 16، فراجع الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 90، عن تفسير القمّي. وروى معناه الشيخ في الأمالي، ج 1، ج 381 هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 18 - 24، فراجع الأصل.

ص: 235

[ 18 ] قوله: «وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِين كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ»، يعني (1) : الأئمّة عليهم السلام (2) . (3) [ 25 ] وقوله: «وَلَقَدْ أَرْسْلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ» عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى اللَّه عزّ وجلّ، فلم يجيبوه، فهمّ أن يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا، وهم العظماء من الملائكة. فقال لهم نوح عليه السلام: من أنتم (4) ؟ فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا، وإنّ مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام، ومن سماء الدنيا إلى الدنيا (5) مسيرة خمسمائة عام، وخرجنا عند طلوع (6) الشمس، ووافيناك في هذا الوقت، فنسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح: قد أجّلتهم (7) ثلاثمائة سنة. فلمّا أتى عليهم ستّمائة سنة ولم يؤمنوا، همّ أن يدعو عليهم، فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية. فقال نوح: من أنتم؟ فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية، وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام، ومن السماء الثانية إلى سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام. خرجنا عند طلوع الشمس، ووافيناك ضحوة، نسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح: قد أجّلتهم 8 ثلاثمائة سنة. فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا، همّ أن يدعو عليهم، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ

.


1- .في الأصل العبارة هكذا: «يعني ب الأَشْهَاد: الأئمّه عليهم السلام».
2- .في الأصل زيادة: ««أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله حقّهم ».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 97، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 141، ح 11 .
4- .في «ط»: «ما أنتم».
5- .في «ب»: «إلى الأرض».
6- .في «ب»: «غروب».
7- .في هامش «ط» من نسخة: «احتملتهم».

ص: 236

عليه: «أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» فقال نوح: «رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً» (1)... الآيات. فأمره اللَّه أن يغرس النخل، فأقبل يغرس، فكان قومه يمرّون به فيسخرون منه ويستهزئون به، ويقولون: شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النخل! وكانوا يرمونه بالحجارة، فلمّا أتى لذلك (2) خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه، فسخروا منه، وقالوا: بلغ النخل مبلغه، وهو قوله: «وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ» وقال: «إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُم كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» . (3) فأمره اللَّه أن ينحت (4) السفينة، وأمر جبرئيل أن ينزل عليه ويعلّمه كيف يتّخذها (5) ، فقدر طولها في الأرض ألف ومائتا ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون ذراعاً. فقال: يا ربّ من يعينني على اتّخاذها؟ فأوحى اللَّه إليه: ناد في قومك: من أعانني عليها ونجر منها شيئاً صار ما ينجره ذهباً وفضّة، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليها، وكانوا يسخرون منه ويقولون: يتّخذ (6) سفينة في البرّ! (7) ولمّا أراد اللَّه عزّ وجلّ هلاك قوم نوح عقّم (8) أرحام النساء أربعين سنة، فلم يولد فيهم مولود . (9) فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السفينة أمره اللَّه أن ينادي بالسريانيّة: لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر. فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين في السفينة، وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلاً. فقال اللَّه عزّ وجلّ: «احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ

.


1- .نوح (71): 26 - 27.
2- .في «ب» و «ج»: «للنخل».
3- .روى معناه الكليني في الكافي، ج 8، ص 282، ح 425.
4- .في «ب» و «ج»: «يتّخذ».
5- .في «ط»: «ينحتها».
6- .في «ط»: «ينحت».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 106، عن تفسير القمّي.
8- .في «ب» و «ج»: «أعقم».
9- .راجع الكافي، ج 8، ص 282، ح 424.

ص: 237

وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ » وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة (1) ، فلمّا كان في اليوم الذي أراد اللَّه هلاكهم، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف ب «فار التنّور» في مسجد الكوفة . (2) وقد كان نوح اتّخذ لكلّ ضرب من أجناس الحيوان موضعاً في السفينة، وجمع لهم فيها ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لمّا فار التنّور. فجاء نوح إلى التنّور فوضع عليها طيناً (3) وختمه (4) ، حتّى أدخل جميع الحيوان السفينة. ثمّ جاء إلى التنّور، ففضّ الخاتم ورفع الطين (5) ، وانكسفت الشمس، وجاء من السماء ماء منهمر، صبّبلا قطر، وتفجّرت الأرض عيوناً، وهو قوله عزّ وجلّ: «فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّماءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ» (6)، فقال اللَّه عزّ وجلّ: «ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْريها وَمُرْسَاهَا» يقول: «مَجْريها» أي: مسيرها «وَمُرْسَاهَا» أي: موقفها. فدارت السفينة [ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم، فقال له: «يَا بُنَىَ] (7) ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تُكُن مَعَ الْكَافِرِينَ» فقال إبنه كما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «سَآوِى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الْمَاءِ» قال نوح: «لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَحِمَ» اللَّه . فلمّا رأى أنّ الماء قد غلبه، همّ أن يرجع ويركب السفينة، فحال الموج بينه وبين السفينة وغرق. فسارت السفينة حتّى وافت مكّة، فطاف نوح بالبيت. وغرق جميع الناس إلّا موضع البيت، ولذا سمّي عتيقاً. فبقي الصبّ من السماء وخروج الماء من الأرض أربعين يوماً. [ 45 - 46 ] قوله: «رَبِ ّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى» ... الآية، عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال:

.


1- .في هامش «ط» من نسخة: «المدينة - ك».
2- .راجع الكافي، ج 4، ص 212، ح 2.
3- .في «ب» و «ج»: «طبقاً».
4- .وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 147، ح 22.
5- .في «ب» و «ج»: «الطبق».
6- .القمر (54): 11 - 13. وروي معناه في الكافي، ج 8، ص 281، ح 422.
7- .بدل ما بين المعقوفتين في «ب» و «ج» ما يلي: «وقال نوح لابنه».

ص: 238

خرج زيد بن موسى - أخو الرضا عليه السلام، وكان يسمّى: زيد النار؛ لأنّه أحرق دور بني العبّاس بالبصرة - فبعث إليه المأمون بخيل، فاُسر وحُمل إليه إلى خراسان، فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبي الحسن، فلمّا اُدخل على الرضا عليه السلام قال له: «يا زيد، أغرّك قول سفلة أهل الكوفة: إنّ فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها، فحرّم اللَّه ذرّيّتها على النار؟ ذلك للحسن والحسين خاصّة، فإن كنت ترى أنّك تعصي اللَّه - عزّ وجلّ - وتدخل الجنّة، فأنت أكرم على اللَّه من رسوله، إنّه لا ينال ما عند اللَّه إلّا بطاعته، وأنت زعمت أنّك تناله بمعصيته، فبئس ما ترى!». فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك. فقال له أبو الحسن عليه السلام: «أنت أخي ما أطعت اللَّه عزّ وجلّ، إنّ نوحاً عليه السلام قال: «رَبِ ّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنتَ أَحْكَمُ الْحَكِمِينَ»، فقال اللَّه عزّ وجلّ: «يَنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَلِحٍ» فأخرجه اللَّه - عزّ وجلّ - من أن يكون من نسبه بمعصيته». (1) ثمّ أمر اللَّه الأرض أن تبلع ماءها، فبلعته، واستوت السفينة على جبل الجودي، وهو جبل بالموصل (2) ، فنزل نوح - بالموصل - من السفينة مع الثمانين الذين ركبوا معه، وهي تسمّى: «مدينة الثمانين»، وبنوا مدينة الثمانين. أقول: إنّ الموصل وسط الإقليم الرابع، وهو أعدل الأقاليم؛ فلذلك أنزله اللَّه هناك. وكان لنوح بنت له، ركبت معه في السفينة، فتناسل الناس منها، وذلك قول النبي صلى اللَّه عليه وآله: «نوحٌ أحد الأبوين». (3) أقول: المشهور أنّ الناس من أولاد نوح الثلاثة: حام وسام ويافث، وإلّا كيف يكون الناس كُلّهم من امرأة واحدة، وكلّ الثمانين تزوّج بها، والناس ليسوا ينتسبون إلى الثمانين، وهم ليسوا أولاد نوح، بل أولاد الثمانين، وهذا شي ءٌ لم يقل به أحد، والحقّ أنّ الناس من أولاد نوح الثلاثة الذين كانوا معه. (4)

.


1- .روي نحوه في عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق، ج 1، ص 259، ح 4.
2- .في هامش «ص»: «قيل: الجودي بآمد. وقيل: بالقرب من الموصل. وقيل: بالشام».
3- .للمزيد عن قصّة نوح راجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 147، ح 21.
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 49، فراجع الأصل.

ص: 239

[ 50 - 51 ] قوله: «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً»، قال: «إنّ عاداً كانت بلادهم في البادية، من المشرق (1) إلى الأجفر (2) ، أربعة منازل، وكان لهم زرع ونخيل كثير، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة. وروي: أنّ رسول اللَّه سأل ربّه أن يحيي له رجلاً من عاد الاُولى، فأحياه، فكان رأسه من المدينة إلى ذي الحليفة، وهو ستّة أميال، ويديه مسيرة ثلاثة أميال. فقال رسول اللَّه: «في كم كان يحتلم المحتلم منكم؟». قال: في ثمانين سنة. وإنّما الرجل منّا يعيش سبعمائة سنة، فيقال له: ألا تبني داراً، ألا تحفر نهراً، ألا تغرس شجراً؟ فيقول: وما أصنع بالدار والزرع وأنا أموت؟ وكان الرجل منا يخوض في البحر إلى ركبتيه. أقول: فيه نظر؛ فليتأمّل. فكانت بلاد عاد كثيرة الشجر والزرع، وهم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث اللَّه إليهم هوداً يدعوهم إلى الإسلام، فأبوا، فكفّت عنهم السماء سبع سنين حتّى قحطوا، وكان هود زرّاعاً (3) . (4)

.


1- .كذا في «ق». وفي «ط»: «الشقيق». وفي «ص»: «الشقق». وقد ورد في تفسير القمّي في تفسير الآية (21) من سورة الأحقاف أنّه قال: «والأحقاف: بلاد عاد من الشقوق إلى الأجفر»، وتطلق على عدّة مواضع في البادية. اُنظر: معجم البلدان، ج 3، ص 356؛ و ج 5، ص 133.
2- .الأجفر: موضع بين فيد والخزيميّة. (معجم البلدان، ج 1، ص 102)، وفيه: قلعة في طريق مكّة.
3- .في الأصل زيادة: وكان يسقي الزرع، فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء. (الشمط: بياض شعر الرأس يخالطه سواده. الصحاح، ج 3، ص 1138 (شمط). عوراء، فقالت لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن من بلاد كذا وكذا، أجدبت بلادنا، فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو اللَّه لنا حتّى نمطر وتخصب بلادنا. فقالت: لو استجيب لهود لدعا لنفسه، فقد احترق زرعه لقلّة الماء. فقالوا: وأين هو؟ قالت: هو في موضع كذا وكذا. فجاءوا إليه، فقالوا: يا نبيّ اللَّه، قد أجدبت بلادنا ولم نمطر، فاسأل اللَّه أن تخصب بلادنا وتمطر. فتهيّأ للصلاة وصلّى ودعا لهم، فقال لهم: «ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم». فقالوا: يا نبيّ اللَّه، إنّا رأينا عجبا. قال: «و ما رأيتم؟». قالوا: رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء، قالت لنا: من أنتم، وما تريدون؟ قلنا: جئنا إلى نبيّ اللَّه هود ليدعو اللَّه لنا فنمطر. فقالت: لو كان هود داعياً لدعا لنفسه؛ فإنّ زرعه قد احترق. فقال هود: «تلك أهلي، وأنا أدعو اللَّه لها بطول العمر والبقاء». قالوا: وكيف ذاك! قال: «لأنّه ما خلق اللَّه مؤمناً إلّا وله عدوّ يؤذيه، وهي عدوّي، فلئن يكون عدوّي ممن أملكه خير من أن يكون عدوّي ممّن يملكني ».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 114، عن تفسير القمّي.

ص: 240

فبقي هود في قومه يدعوهم إلى اللَّه، وينهاهم عن عبادة الأصنام حتّى خصبت بلادهم، وأنزل اللَّه عليهم المطر، وهو قوله عزّ وجلّ: «ويَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» فقالوا - كما حكى اللَّه - : «قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ» إلى آخر الآية، فلمّا لم يؤمنوا أرسل اللَّه عليهم الريح الصرصر، يعني: الباردة، وهو قوله في سورة اقتربت (1) : «كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمٍ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» (2). وحكى في سورة الحاقّة، فقال: «وَأمّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» (3)، وكانت الأحقاف بلادهم. وقوله: «فِى أيَّامٍ نَحِسَاتٍ» (4)، قال: «كان القمر منحوساً بزحل سبع ليال وثمانية أيّام» ، وقيل: «هو آخر أربعاء في الشهر». (5) وقوله: «كان القمر منحوساً بزحل» صريح في أنّ الكواكب لها تأثير في العالم، لكن بتقدير العزيز العليم. [ 61 - 67 ] وأمّا قوله: «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً»...الآية، عن الصادق عليه السلام: «إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - بعث صالحا إلى ثمود وهو ابن ستّ عشرة سنة». أقول: قوله: ابن ستّ عشر سنة، هذا يكذّب من ادّعى أنّ الأنبياء ما نبّئ الواحد منهم إلّا بعد الأربعين؛ فإنّ عيسى نبّئ في المهد، وموسى بعد الثمانين. فلبث فيهم حتّى بلغ مائة وعشرين سنة، لا يجيبوه إلى خير، وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها من دون اللَّه (6) ، فبعث اللَّه عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا، وهو قوله: فَأَخَذَتْهُمُ

.


1- .في البرهان: «سورة القمر».
2- .القمر (54): 18 - 19.
3- .الحاقّة (69): 6 - 7.
4- .فصّلت (41): 16.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 115، عن تفسير القمّي.
6- .في الأصل زيادة: «فلمّا رأى ذلك منهم قال لهم: يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ستّ عشرة سنة، وقد بلغت عشرين ومائة سنة، وأنا أعرض عليكم أمرين: إن شئتم فاسألوني مهما أردتم حتّى أسأل إلهي فيجيبكم، وإن شئتم سألت آلهتكم؛ فإن أجابتني خرجت عنكم، فقالوا: أنصفت، فأمهلنا. فأقبلوا يتعبّدون ثلاثة أيّام ويتمسّحون بالأصنام ويذبحون لها، وأخرجوها إلى سفح الجبل، وأقبلوا يتضرّعون إليها، فلمّا كان اليوم الثالث قال لهم صالح عليه السلام: قد طال هذا الأمر، فقالوا له: سل من شئت، فدنا إلى أكبر صنم لهم، فقال: ما اسمك ؟ فلم يجبه، فقال لهم: ما له لا يجيبني ؟ قالوا له: تنحّ عنه، فتنحّى عنه، وأقبلوا إليه، ووضعوا على رؤوسهم التراب، وضجّوا وقالوا: فضحتنا ونكست رؤوسنا، وقال صالح: قد ذهب النهار، فقالوا: سله، فدنا منه فكلّمه، فلم يجبه، فبكوا وتضرّعوا، حتّى فعلوا ذلك ثلاث مرّات، فلم يجبهم بشي ء، فقالوا: إنّ هذا لا يجيبك، ولكنا نسأل إلهك، فقال لهم: سلوا ما شئتم، فقالوا: سله أن يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء - أي: حاملة - تضرب بمنكبيها طرفي الجبلين، وتلقى فصيلها من ساعتها، وتدرّ لبنها. فقال صالح: إنّ الذي سألتموني عندي عظيم وعند اللَّه هيّن، فقام وصلّى ركعتين، ثمّ سجد وتضرّع إلى اللَّه، فما رفع رأسه حتّى تصدّع الجبل، وسمعوا له دويَاً شديداً (أي صوتاً شديداً) فزعوا منه، وكادوا أن يموتوا منه، فطلع رأس الناقة وهي تجترّ، فلمّا خرجت ألقت فصيلها، ودرّت لبنها. فبهتوا وقالوا: قد علمنا يا صالح أنّ ربّك أعزّ وأقدر من آلهتنا التي نعبدها. وكان لقريتهم ماء، وهي الحجر التي ذكرها اللَّه تعالى في كتابه، وهو قوله: «كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ» (الحجر (15): 80)، وقد تقدّم بعض الحديث عن هذا الماء، عند نقل قصّة أبي ذرّ، في تفسير الآية (42) من سورة التوبة (9)، فراجع.) فقال لهم صالح: لهذه الناقة شرب، أي تشرب ماءكم يوماً وتدرّ لبنها عليكم يوماً، وهو قوله عزّ وجلّ: «لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (الشعراء (26): 155 - 156)، فكانت تشرب ماءهم يوماً، وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم، فلا يبقى في القرية أحد إلّا حلب منها حاجته، وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر اللَّه في سورة النمل: «وَكَانَ فِى الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ» (النمل (27): 48)، فعقروا الناقة ورموها حتّى قتلوها، وقتلوا الفصيل، فلمّا عقروا الناقة قالوا لصالح: «فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنْتَ مِنَ الْصَّادِقِينَ» (الأعراف (7): 70) ووردت العبارة في النسخ هكذا: «إن كنت من المرسلين»، قال صالح: «تَمَتَّعُوا فِى دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»، ثمّ قال لهم: وعلامة هلاككم أنّه تبيضّ وجوهكم غداً، وتحمرّ بعد غد، وتسودّ في اليوم الثالث، فلمّا كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضّت مثل القطن، فلمّا كان اليوم الثاني احمرّت مثل الدم، فلمّا كان اليوم الثالث اسودّت وجوههم.

ص: 241

الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (1) ، فما تخلّص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين». (2) [ 69 ] قوله: «فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» أي: مشوي نضيج. (3) [ 82 ] قوله: «سِجِّيلٍ»، السجّيل: الشديد من الصخر.

.


1- .الأعراف (7): 78. ورد نظيرها في سورة هود هكذا: «وَأَخَذَ الَّذيِنَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ». هود (11): 67.
2- .اُنظر: تفصيل قصّة النبيّ صالح في الكافي، ج 8، ص 185، ح 213.
3- .اُنظر: قصّة قوم لوط و كيفيّة هلاكهم في الكافي، ج 5، ص 548، ح 7؛ و ج 8، ص 327 - 330، ح 505 .

ص: 242

[ 83 ] قوله: «مُسَوَّمَةً» أي: منقّطة (1) . (2) [ 71 ] قوله: «فَضَحِكَتْ» أي: حاضت. [ 84 ] قوله: «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً»؛ مدين وهي قرية على طريق الشام، وإنّما أهلكهم اللَّه بنقصهم المكيال والميزان. [ 87 - 94 ] قوله: «إِنَّكَ لأنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»، فإنّه روي: أنّهم قالوا: إنّك لأنت السفيه الجاهل. فكنّى اللَّه عزّ وجلّ قولهم، فقال: «إِنَّكَ لأنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»، فبعث اللَّه عليهم صيحة فماتوا، وهو قوله: «وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» ». (3) أقول: «جَاثِمِينَ» أي بعضهم على بعض. وقيل: نازلين على الركب. وقيل: منكبّين هامدين لا يتحرّكون. ويقال: الناس جُثُمٌ، أي: قعود لا يتحرّكون. [ 101 ] قوله: «غَيْرَ تَتْبِيبٍ» أي: غير تخسير. (4) [ 105 ] قوله: «يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ» قال: «يوم الموت». [ 106 - 107 ] قوله: «فَأمّا الَّذِينَ شُقُوا فَفِى النَارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ»، قال: «في القبور، يعذّبون إلى يوم القيامة، والدليل عليه قوله: «خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا ما شَاءَ رَبُّكَ»». أقول: المشهور أنّه يوم القيامة، وسياق الكلام يدلّ عليه، والدليل الذي استدلّ به يدلّ على ما قلناه، لا ما قال؛ لأنّ عذاب القبر ليس بدائم أبداً، وإنّما الدائم أبداً عذاب نار يوم القيامة. [ 108 ] قوله: «وَأمّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الْجَنَّةِ» يفتح لهم من الجنّة إلى القبور.

.


1- .في الأصل: «منقوطة».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 129، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 130، عن تفسير القمّي .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 131، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 102 - 103، فراجع الأصل.

ص: 243

قوله: «غَيْرَ مَجْذُوذٍ» يعني: غير مقطوع. (1) [ 114 ] قوله: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» قال: «صلاة المؤمن في الليل تذهب بما كان عمل من ذنبٍ بالنهار». (2) أقول: الصلوات اليوميّة تذهب كلّ ذنب يقع من الصلاة إلى الصلاة. (3)

.


1- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 111 - 113، فراجع الأصل.
2- .للمزيد عن تفسير الآية راجع الكافي، ج 2، ص 313، ح 4، وروى معنى ما في المتن الشيخ الطوسي في الأمالي، ج 1، ص 300 .
3- .راجع تفسير العيّاشي ج 2، ص 161، ح 74. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 118 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 244

سورة يوسف (12)

سورة يوسف (12)[مكّيّة، وهي مائة وإحدى عشرة آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ»؛ أسماؤها: الطارق وحوبان (1) والذيال (2) وذو الكتفين (3) ووثاب وقابس وعمودان وفليق (4) ومصبح والصرح والفروع (5) والضياء والنور، يعني الشمس والقمر. (6) وكان ليوسف أحد عشر أخاً من أبيه، وواحد من اُمّه وأبيه يسمّى بنيامين (7) ، ومعنى إسرائيل اللَّه: خالص اللَّه - بالعبرانيّة - فرأى يوسف هذه الرؤيا وله سبع سنين. [ 5 ] قوله: «فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً»، الكيد: الحيلة، ومنه: «فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ» (8)أي: حيلتكم، وقوله: «كَذَ لِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ» (9) أي: احتلنا، وقيل: «كِدْنَا لِيُوسُفَ» أي: كدنا له إخوته، يعني: ضممنا أخاه إليه. وقيل: معناه: علّمناه الكيد على إخوته، ومنه: «فَجَمَعَ كَيْدَهُ» (10) أي: حيلته، «لَأَكِيدَنَّ أَصْنَمَكُم» (11) أي: لأحتالنّ لها. والكيد: القي ء. والكيد أيضاً: الحيض. والكيد: الحرب.

.


1- .في «س» «ط»: «وخربان».
2- .في هامش «ط»، عن نسخة: «الدبال».
3- .في هامش «ط»، عن نسخة: «ذو الكنفين».
4- .في هامش «ط»، عن نسخة: «فيلق».
5- .في هامش «ط»، عن نسخة: «القروع». ويأتي ذكرها فيما يلي مع بعض الاختلاف.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 156، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسيره العيّاشي، ج 2، ص 179، ح 8 .
7- .في «ب»: «ابن يامين».
8- .طه (20): 64.
9- .يوسف (12): 76.
10- .طه (20): 60.
11- .الأنبياء (21): 57.

ص: 245

[ 8 - 12 ] وكان يوسف من أحسن الناس وجهاً (1) ، وكان أبوه يحبّه حبّاً شديداً ويؤثره على أولاده، فحسدوه على ذلك، وقالوا فيما بينهم ما حكاه اللَّه عزّ وجلّ: «إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ» أي: جماعة «إِنَّ أَبَانَا لَفي ضَلالٍ مُّبِينٍ» فعمدوا على قتل يوسف، فقالوا: نقتله حتّى يخلو لنا وجه أبينا. فقال لاوي: لا يجوز قتله، ولكن نغيّبه عن أبينا، ونخلو نحن به (2) ، فقالوا - كما حكى اللَّه عزّ وجلّ - : «يَا أَبَانَا مَالَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ»...الآيات . روي: «أنّه لمّا أدنوه من رأس الجبّ، فقالوا له: انزع قميصك، بكى، وقال: يا إخوتي، لا تجرّدوني. فسل واحد منهم عليه سكّيناً، وقال: لئن لم تنزعه لأقتلنّك. فنزعه، فدلّوه في البئر وتنحّوا عنه، فقال يوسف في الجبّ: يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إرحم ضعفي وقلّة حيلتي وصغري». [ 19 ] قوله: «وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً» (3) فقالوا: نخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا. فبلغ إخوته، فجاءوا وقالوا: هذا عبد لنا. فقالت السيّارة: فتبيعونه منّا؟ قالوا: نعم. فباعوه منهم على أن يحملوه إلى مصر. [ 20 ] قوله: «بِثَمَنٍ بَخْسٍ» قال: «الثمن الذي بيع به يوسف ثمانية عشر درهماً. وقيل: عشرون درهماً عدداً ». (4) [ 18 ] قوله: «وَجَاءُوا عَلَى قَميِصهِ بِدَمٍ كَذِبٍ» قال يعقوب: «ما كان أشفق الذئب على القميص وأشدّه على يوسف؟ حيث أكل يوسف ولم يمزّق قميصه!». [ 21 - 27 ] فحملوا يوسف إلى مصر، وباعوه من عزيز مصر، فقال العزيز «لاِمْرَأَتِهِ

.


1- .راجع: تفسير العيّاشي، ج 2، ص 172، ح 16.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 166، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 166، ح 2.
3- .في الأصل زيادة: «نزلت سيّارة من أهل مصر، فبعثوا رجلاً ليستقي لهم الماء من الجبّ، فلمّا أدلى الدلو على يوسف تشبّث بالدلو، فجرّوه، فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجهاً، فعدوا إلى صاحبهم».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 167، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً: تفسير العيّاشي، ج 2، ص 172، ح 12 و 13.

ص: 246

أَكْرِمِى مَثْوَاهُ» أي: مكانه «عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِدَهُ وَلَداً» ولم يكن له ولد، فأكرموه وربّوه، فلمّا بلغ أشدّه هوته إمرأة العزيز، وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هوته، ولا رجل إلّا أحبّه، وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر. فراودته امرأة العزيز، وهو قوله: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبَوْابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ» فما زالت تخدعه حتّى همّ أن يجيبها، وهو قوله: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا» فقامت امرأة العزيز وغلّقت الأبواب، فلمّا همّا رأى (1) يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت، عاضّاً على إصبعيه، يقول: يا يوسف ! أنت في السماء مكتوب في (2) النبيّين، وتريد أن تكتب في الأرض من الزناة ؟ فعلم أنّه قد أخطأ وتعدّى ». (3) وروي: «أنّ الشهوة خرجت من إبهامه الأيسر». وروي في حديث آخر: «أنّه لمّا همّت به وهمّ بها، قامت إلى صنم معها في بيتها، فألقت عليه ملاءة (4) لها، فقال لها يوسف: ما تعملين؟ (5) قالت: ألقي على هذا الصنم ثوباً لا يرانا، فإنّي أستحيي منه، فقال يوسف: فأنت تستحيين من صنم لا يسمع ولا يبصر، ولا أستحي أنا من ربّي؟ فوثب وعدا، وعدت من خلفه (6) فلحقته عند الباب، ووافاها العزيز

.


1- .العبارة في «ب» هكذا: «فلمّا أرادا أن يفعلا ذلك، روي أنّه رأى...».
2- .في «ب»: «من».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 167 - 168، عن تفسير القمّي. وهذ الحديث يوافق العامّة الذين لا يقولون بعصمة الأنبياء فى غير مورد التبليغ. وقد روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 191، ح 1، عن الإمام الرضا عليه السلام تفسير ذلك يقول عليه السلام: «أمّا قوله تعالى في يوسف عليه السلام: «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها» فإنّها همّت بالمعصية، وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما تداخله، فصرف اللَّه عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عزّ وجلّ: «كَذلِك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ» والسوء: القتل، والفحشاء: الزنا».
4- .الملاءة: كلّ ثوب رقيق.
5- .في «ب»: «ما تصنعين؟».
6- .روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 201،ح 1 فى قول اللَّه تعالى: «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ»: قال الرضا عليه السلام: «لقد همّت به، ولو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت به، لكنّه كان معصوماً، والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه. ولقد حدّثني أبي، عن أبيه الصادق عليه السلام، أنّه قال: همّت بأن تفعل، وهمّ بأن لا يفعل». فقال المأمون: للَّه درك، يا أبا الحسن. وفي العيون أيضاً، ج 2، ص 45، ح 162 بإسناده عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه قال في قول اللَّه تعالى: «لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ». قال: «قامت امرأة العزيز إلى الصنم، فألقت عليه ثوباً، فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقال: أستحيي من الصنم أن يرانا. فقال لها يوسف: أ تستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلّمه؟! فذلك قوله عزّ وجلّ: «لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ»».

ص: 247

على تلك الحال، وهو قول اللَّه تعالى: «وَاسْتَبَقَا الْبَابَ»...الآية». أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّه ليس مذهب أصحابنا، وإنّما هو مذهب الحشويّة؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أوّل العمر إلى آخره مطلقاً. وفي الكلام تقديم وتأخير يأتي بيانه (1) ، وأيضاً: قد ذكر في الآية عدّة وجوه تدلّ على خلاف ما ذكره المصنّف. [فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز: «مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» فقال يوسف للعزيز: «هِىَ رَاوَدَتْنِى عن نَفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا» ] (2) فألهم اللَّه يوسف أن قال للملك: سل هذا الصبي في المهد؛ فإنّه يشهد أنّها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي، فأنطق اللَّه الصبي في المهد ليوسف حتّى قال: «إِن كَانَ قَمِيصُهُ»... الآية. [ 23 ] قوله: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ» أي: دعته، «فَاسْتَعْصَمَ» أي: امتنع. أقول: هذا دليل على ما قلناه من أنّه لم يقع منه ما ذكره المصنّف، ويكون تقدير الكلام: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلولا أن رأى برهان ربّه لهَمَّ بِهَا، وَلكنّه رأى برهان ربّه فلم يهَمَّ بِهَا أصلاً. ويمكن أن يكون الهمّ في طباع البشر من الميل إلى النساء، لكن لم يقع منه عزم على الزنا بها. وفي الخبر: أنّه ما أمسى يوسف في ذلك اليوم (3) الذي رأته النساء فيه، حتّى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها، فضجر يوسف، فقال: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ». أقول: «أحبّ» ليس من أفعال التفضيل. (4) [ 36 ] قوله: «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، قال: «كان يقوم على المريض، ويلتمس

.


1- .بعد سطور.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .في «ط»: «البيت».
4- .حتّى يكون مقابله محبوباً أيضاً، بل هذه اللفطة لبيان مجرّد كون هذا الشي ء محبوباً دون غيره. هذا و لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 35، فراجع الأصل.

ص: 248

الجزء الثالث عشر

اشاره

للمحتاج، ويوسّع على المحبوس (1) ». (2) [ 33 ] وقال يوسف لمّا طال حبسه: بماذا استحققت الحبس ياربّ؟ فنزل جبرئيل وقال: «لم (3) قلت: «رَبِ ّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ»؟ فاستجاب اللَّه دعاءك فيما سألته». (4) [ 49 ] قوله: «وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» أي: يمطرون. وقرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام: «ثُمَّ يَأْتِى مِن م بَعْدِ ذَ لِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ» (5). قال: «ويحك أيّ شي ء يعصرون؟ أيعصرون الخمر؟! قال الرجل: يا أمير المؤمنين، كيف أقرؤها ؟ قال: «إنّما نزلت: (عام فيه يغاث الناس وفيه يُعصَرُون) أي: يُمطَرون بعد سنيّ المجاعة». (6)

[الجزء الثالث عشر][ 55 - 60 ] قوله: «اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ» يعني على الكناديج (7) والأنابير (8) ، فجعله عليها . (9) فأمر يوسف أن تبنى كناديج من صخر، وطيّنها بالكلس، وهو الصاروج، ثمّ أمر بزروع مصر، فحصدت، ودفع إلى كلّ إنسان حصّته، وترك الباقي في سنبله، ولم يدسه،

.


1- .في «ب»: «للمحبوس».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 171، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 465، ح 3.
3- .كذا في النسخ، ولعلّ الأنسَب: «لمّا».
4- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 43، فراجع الأصل.
5- .قرأ الصادق عليه السلام والأعرج وعيسى بن عمر (يعصرون) بياء مضمومة وصاد مفتوحة. وقرأ حمزة والكسائي وخلف (تعصرون) بتاء مفتوحة وصاد مكسورة، والباقون بالياء. مجمع البيان، ج 5، ص 361؛ النشر في القراءات العشر، ج 2، ص 295؛ كتاب التيسير في القراءات السبع، ص 129.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 172، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 50، فراجع الأصل.
7- .الكندوج: شبه المخزن، معرّب كندو. القاموس المحيط، ج 1، ص 212.
8- .الأنابير: جمع أنبار: أكداس الطعام. تاج العروس، ج 3، ص 553 (نبر).
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 173، عن تفسير القمّي.

ص: 249

فوضعها في الكناديج، وفعل ذلك سبع سنين. فلمّا ذهبت سنون الخصب وجاءت سنيّ الجدب، كان يخرج السنبل، فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوماً، وكانوا في بادية، وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاماً، وكان يعقوب وولده نزولاً في بادية فيها مقل (1) ، فأخذ إخوة يوسف من ذلك المقل، وحملوه إلى مصر ليمتاروا طعاماً، وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه، فلمّا دخل إخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه، كما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ» فأعطاهم، وأحسن إليهم في الكيل، قال لهم: [«من أنتم؟». قالوا: نحن بنو يعقوب بن إبراهيم، خليل اللَّه الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق، وجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً. قال: «فما فعل أبوكم»؟ قالوا: شيخ ضعيف. قال: «فلكم أخ غيركم»؟ قالوا: لنا أخ من أبينا، لا من اُمّنا. قال:] (2) «فإذا رجعتم إلي فائتوني بأخيكم من أبيكم». قالوا: نعم. قال: «فَإِن لَمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِى» ». (3) [ 67 ] قوله: «لاَ تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحدٍ»...الآية ، وذلك أنّهم كانوا قد اُعطوا الحسن والجمال الرائع، فخاف عليهم العين إذا دخلوا مجتمعين وهم بهذه الصفة. [ 72 ] قوله: «وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ» أي: كفيل . (4) [ 76 ] قوله: «كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ» أي: احتلنا له في أن حبس أخاه عنده. [ 70 - 77 ] وسئل الصادق عليه السلام عن قوله: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ»، قال: «ما سرقوا

.


1- .المقل: ثمر الدوم والدوم: شجر عظام من الفصيلة النخلية يكثر في صعيد مصر وبلاد العرب. الصحاح، ج 5، ص 1820 (مقل)؛ المعجم الوسيط، ج 1، ص 305 (دوم).
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 180، عن تفسير القمّي. وراجع في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 81، ح 42.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 186، عن تفسير القمّي.

ص: 250

وما كذب يوسف، فإنّما عني سرقتم (1) يوسف من أبيه ». (2) [ أقول:]وفي هذا النقل نظر؛ لأنّ إخوة يوسف ما سرقوا يوسف من أبيه، وإنّما احتالوا وأخرجوه معهم، ولا يسمّى هذا سرقة. والمنادي لم يكن يوسف؛ وإنّما كان بعض أصحابه، قال: يا أهل العير. فلمّا أخرج يوسف الصاع من رحل أخيه قال إخوة يوسف: «إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ» يعنون يوسف، فتغافل يوسف عنهم ولم يبدها لهم، وهو قوله: «فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ». (3) يعنون أن عمّة يوسف كانت تحبّه، وهو عندها فطلبه أبوه منها، فحزنت من ذلك [وقالت له: دعه، حتّى أرسله إليك. فأرسلته، وأخذت منطقة كانت لاسحاق، فشدّتها في وسطه] (4) وألبسته تحت ثيابه، فلمّا أتى يوسف أباه، جاءت فقالت: سرقت المنطقة. ففتشته، فوجدتها في وسطه [فلذلك قال إخوة يوسف: «إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ» ] (5) . (6) [ أقول: ] وفي هذه الحكاية أيضاً نظر؛ وقرئ: (فإن سرّق فقد سُرِّقَ أخ له) 7 شك ما لم يمر عليه، وذلك خبر (ان). [ 79 - 80 ] قوله: «مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ» ولم يقل: إلّا من سرق متاعنا. قال: فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلّف يهودا، «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ» وأرادوا

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب»: «سرقتهم».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 188، عن تفسير القمّي.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل. والعبارة في «ب» و «ج» هكذا: «فحزنت من ذلك وألبست تحت ثيابه حياضة كانت لاسحاق، .كان السارق في ملّته يرقّ، فقالت: سرقت الحياضة. ففتش، فوجدت معه فأسترقّته فأخذته».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 189، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 185، ح 53 و 54؛ و عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 76، ح 5 و 6.
6- .راجع: معجم القراءات القرآنية، ج 3، ص 185.

ص: 251

الانصراف إلى أبيهم، قال لهم لاوي: يا بني يعقوب «أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ»...الآية. (1) [ 84 ] قوله: «وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ» أي: عميت من البكاء «فَهُوَ كَظِيم» أي: محزون مغموم. والأسف: أشدّ الحزن. سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال: «حزن سبعين ثكلى بأولادها». وقال: «إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع، ومن هنا قال: «يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ»». [ 85 - 93 ] قوله: «تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ» أي: لا تفتمؤ عن ذكر يوسف «حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً» أي: ميّتاً. (2) فروي «أنّ يعقوب سأل اللَّه أن ينزل عليه ملك الموت، فنزل عليه ملك الموت في أحسن صورة وأطيب رائحة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت اللَّه ان ينزلني عليك؟ قال: نعم. قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له: أخبرني عن الأرواح (3) تقبضها أنت بنفسك؟ قال: بل يقبضها أعواني من الملائكة متفرّقة، ثمّ تعرضها عليّ مجتمعة ؟ قال يعقوب: فأسألك بآله إبراهيم، هل عرض عليك في الأرواح روح ابني يوسف؟ فقال: لا. فطمع يعقوب في حياة يوسف، فحينئذ قال: «إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّى وَ حُزْنِى إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» ثمّ قال لولده: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ»...الآية». (4) وكتب إلى يوسف ولم يعلم أنّه يوسف، ولكنّه طمع أن يكون حيّاً، وقد كان ملك مصر مات، وصار الملك ليوسف، فكتب إليه:

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 190، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 176، ح 56.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 190 - 191، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 188، ح 58 - 61.
3- .في «ب»: «أرواح العباد».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 192 - 193، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 189، ح 64.

ص: 252

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: من يعقوب إسرائيل اللَّه، ابن إسحاق بن إبراهيم خليل اللَّه. أمّا بعد، فإنّ البلاء موكّل ببني آدم، إنّ جدّي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق، وجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً، وإنّ أبي إسحاق (1) أمر اللَّه تعالى جدّي أن يذبحه بيده، فلمّا أراد أن يذبحه، فدّاه اللَّه بكبش (2) عظيم، وإنّه كان لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحبّ إليّ منه، وكان قرّة عيني وثمرة فؤادي، فأخرجه إخوته ثمّ رجعوا إليّ، وزعموا أنّ الذئب أكله، فاحدودب لذلك ظهري، وذهب من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له أخ من اُمُه كنت آنس به، وأتسلّى به، فخرج مع إخوته إلى ما قِبَلَكَ (3) ليمتاروا لنا طعاماً، فرجعوا اليّ وذكروا: أنّه سرق صواع الملك، وأنّك حبسته، وإنّا أهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة، وأنا أسألك بآله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلّا ما مننت عليّ به، وتقرّبت إلى اللَّه ورددته إليّ. فلمّا ورد الكتاب على يوسف، أخذه ووضعه على وجهه، وقبله وبكى بكاء شديداً، ثمّ نظر إلى إخوته فقال لهم (4) : «هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ»...الآية . (5) فقالوا كما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» أي: لا تعيير (6)«يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ». (7) ثمّ قال: «اذْهَبُوا بِقَمِيصِى»...الآية، فيقال: إنّ ذلك القميص، قميص إبراهيم الذي كان عليه حين ألقاه نمرود في النار، فلم يحترق، وكان مخيطاً في تميمة معلّقاً في عنق يوسف.

.


1- .الذي عليه أغلب الروايات: أنّ الذبيح هو إسماعيل عليه السلام. راجع: مجمع البيان، ج 8، ص 707؛ تفسير الميزان، ج 17، ص 155.
2- .في «ب»: «بذبح».
3- .في «ط»: «إلى ملكك»، وفي «ب»: «إلى قبيلك».
4- .في «ب»: «فلمّا ورد الكتاب على يوسف وقرأه بكى، ودخل البيت فأطال البكاء فيه، ثمّ خرج ثمّ قال لإخوته».
5- .روى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 190، ح 65.
6- .في البرهان: «لا تخليط».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 193، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً علل الشرائع، ص 54، ح 1.

ص: 253

[ 94 ] قوله: «تُفَنِّدُونِ» أي: تكذبون . (1) [ 98 ] قوله: «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي» قال العالم: «انتظر إلى السحَر كي لا يردّ؛ لقوله: «وَالمسْتَغْفِرين بالأسْحَار»(2) ». (3) [ 100 ] فرحل يعقوب وأهله إلى مصر، وقعد يوسف على سريره، ووضع تاج الملك على رأسه، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة، فلمّا دخل أبوه واُمّه قال يوسف: «يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْياىَ مِن قَبْلُ» ...الآية ». (4) وروي عن العالم، أنّه قال: «لمّا دخل يعقوب على يوسف لم يقم له، فنزل جبرئيل فقال له: يا يوسف، أخرج يدك. فأخرجها (5) ، فخرج من بين أصابعه نور، فقال: ما هذا؟ فقال: هذه النبوّة، أخرجها اللَّه من صلبك؛ لأنّك لم تقم لأبيك (6) ، فلا يكون من صلبك نبيّ كما لم تقم لابيك، فمحا النبوّة من صلبك، وجعلها في ولد (7) لاوي؛ لأنّه لمّا حبس يوسف أخاه قال: «فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِى أَبِى» (8)فشكر اللَّه له ذلك، فجعل اللَّه النبوّة في صلبه، فكان أنبياء بني إسرائيل من ولده، وكان موسى من ولده، وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث بن أفراثيم (9) بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم». وروي في الخبر: «أنّ يعقوب ليلة صار إلى يوسف قال: يا بنيّ أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي؟ قال: يا أبت إعفني من ذلك.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 203 - 204، عن تفسير القمّي. وروى معناه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 193، ح 71.
2- .آل عمران (3): 17.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 204 - 205، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 346، ح 6؛ و تفسير العيّاشي، ج 2، ص 196، ح 80 و 81.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 205، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب»: «أبسط يدك، فبسطها».
6- .روى معناه في علل الشرائع، ص 55، ح 2.
7- .في «ب»: «صلب».
8- .يوسف (12): 80.
9- .في هامش «ط» من نسخة: «واهب».

ص: 254

قال: فأخبرني ببعضه؟ فقال: يا أبت إنّهم لمّا أدنوني من الجبّ قالوا: انزع قميصك، فقلت لهم: يا إخوتي، إتّقوا اللَّه ولا تجرّدوني، فسلّوا عليّ السكّين، وقالوا: لئن لم تنزع لنذبحنّك، فنزعت القميص، فألقوني في الجبّ عرياناً. قال: فشهق يعقوب شهقة واُغمي عليه، فلمّا أفاق، قال: يا بني حدّثني. فقال: يا أبت أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلّا ما أعفيتني، فأعفاه. قال: ولمّا مات العزيز - وذلك في السنين المجدبة - إفتقرت إمرأة العزيز واحتاجت حتّى سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرّك لو قعدت للعزيز - وكان يوسف يسمّى: العزيز - ؟ فقالت: أستحي منه لما فعلت به، فلم يزالوا بها حتّى قعدت له على الطريق، فأقبل يوسف في موكبه، فقامت إليه، وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيداً، وجعل العبيد بالطاعة ملوكاً. فوقف لها يوسف، وقال: أنت هاتيك ؟ فقالت: نعم - وكان إسمها زليخا -. فقال لها: هل لك فىَّ؟ قالت: أنّى؟ (1) ، بعد ما كبرت؟، أتهزأ بي؟ قال: لا (2) . قالت: نعم، فأمر بها فحوّلت إلى منزله، وكانت هرمة. فقال لها يوسف: ألست فعلت بي كذا وكذا؟ فقالت: يا نبيّ اللَّه، لا تلمني، فإنّي بليت ببليّة (3) لم يبل بها أحد. قال: وما هي ؟ قالت: بليت بحبّك، ولم يخلق اللَّه لك في الدنيا نظيراً، وبليت بحسني (4) بأنّه لم تكن في مصر إمرأة أجمل منّي، ولا أكثر مالاً منّي، نُزِع عنّي مالي وذهب عنّي جمالي، وبليت بزوج عنّين.

.


1- .في «ط»: «قالت: دعني، بعد ما كبرت».
2- .زاد في «ط»: «إلّا».
3- .في «ب»: «بثلاث».
4- .لم ترد «بحسني» في البرهان.

ص: 255

فقال لها يوسف: وما حاجتك ؟ قالت: تسأل اللَّه أن يردّ عليّ شبابي. فسأل اللَّه فردّ عليها شبابها، فتزوّجها وهي بكر ». (1) [ 106 ] قوله: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشْرِكُونَ». الشرك على وجوه: شرك عبادة، وشرك طاعة، وشرك رياء: فالأوّل: كقول عيسى: «إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (2). الثاني: كقوله: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشْرِكُونَ» معناه: أنّهم يؤمنون باللَّه ويطيعون أعداءه. والثالث: كقوله: «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ولا يُشْرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (3) أي: لا يعبد اللَّه رياءً، فيشرك بعبادة ربّه . (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 206 - 207، عن تفسير القمّي. وروى معناه في علل الشرائع، ص 55، ح 1. ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 102 - 105، فراجع الأصل.
2- .المائدة (5): 72.
3- .الكهف (18): 110.
4- .راجع: البرهان، ج 3، ص 689. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 110 - 11، فراجع الأصل.

ص: 256

سورة الرعد (13)

سورة الرعد (13)[مكّيّة، وآياتها ثلاث وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «صِنْوَانٌ»، والصنوان: التالة (1) التي تنبت من (2) أصل الشجرة، والصنوان: القرابة. [ 6 ] قوله: «وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ» يعني: العذاب . (3) [ 7 ] قوله: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «المنذر: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، والهادي: أمير المؤمنين عليه السلام، وبعده الأئمّة عليهم السلام، والهَاد: المبيّن، في كلّ زمان إمام هاد من ولده ». (4) والهدى في كتاب اللَّه عزّ وجلّ على وجوه: منه: البيان، وهو كقوله تعالى: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» أي: مبيّن؛ وقوله: «أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ»(5) أي: يبين لهم؛ وقوله: «هدىً للمتقين» (6) أي بيان؛ وقوله: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ» (7) أي: بيّنّا لهم. منه: البيان، وهو كقوله تعالى

.


1- .التال: صغار النخل. المعجم الوسيط، ج 1، ص 90 (تال).
2- .في «ب»: «في».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 226، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 230، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 148، ح 2؛ وبصائر الدرجات، ص 49، ح 1.
5- .ورد قوله تعالى: «أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ». (في سورة السجدة (32): 26). وقوله: «أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لَأُوْلِى النُّهَى». (في سورة طه (20): 128).
6- .البقرة (2): 3.
7- .فصّلت (41): 17، وتمام الآية: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» .

ص: 257

ومنه: الثواب، وهو قوله: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (1) أي: لنثيبنّهم. ومنه: النجاة، وهو قوله: «كَلّا إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ» (2) أي: سينجيني. ومنه: الدلالة، وهو قوله: «وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى» (3) أي: أدلّك . (4) [ 8 ] قوله: «وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ»أي: ما تسقط من قبل التمام «وَمَا تَزْدَادُ» يعني: تزداد على تسعة أشهر. (5) [ 11 ] وقوله: «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ». روي أنّها قرئت عند أبي عبد اللَّه صلوات اللَّه عليه (6) فقال للقارئ: «ألستم عُرُباً؟ فكيف تكون المعقّبات من بين يديه؟ وإنّما المعقّب من خلفه» فقال الرجل: جعلت فداك، كيف هذا؟ فقال: «إنمّا نزلت: (له معقّبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر اللَّه) (7) ». (8) قوله: «وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ» أي: دافع . (9) [ 13 ] قوله: «وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ»: ملك يسوق السحاب. (10) [ 14 ] قوله: «إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَ مَا هُوَ بِبَلِغِهِ». عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه رأيت أمراً عظيماً. فقال: وما رأيت؟ قال: كان لي مريض ونُعِتَ له ماء من بئر بالأحقاف (11) يستشفى به في برهوت (12) -

.


1- .العنكبوت (29): 69.
2- .الشعراء (26): 62.
3- .النازعات (79): 19.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 230، عن تفسير القمّي.
5- .راجع الكافي، ج 6، ص 12، ح 2. هذا. ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 10، فراجع الأصل.
6- .في «ب» و «ج»: «على الصادق عليه السلام».
7- .معجم القراءات القرآنية، ج 3، ص 212.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 235، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج، 2، ص 205، ح 15 و 16، وهى قراءة خاصّة لأهل البيت و بيان الآية و معناه.
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 236، عن تفسير القمّي .
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 239 - 240، عن تفسير القمّي.
11- .في «ق»: «بين الأحقاف».
12- .برهوت: بفتح الأوّل والثاني وضمّ الهاء وسكون الواو، باليمن يوضع فيه أرواح الكفّار، وقيل: بئر بحضرموت، وقيل: هو اسم للبلد الذي فيه هذا البئر. معجم البلدان، ج 1، ص 405.

ص: 258

قال: - فانتهيت (1) ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها، فإنّي لأغرف بقدحي من الماء وأصبّ في القربة، وإذا بشي ء قد هبط من جوّ السماء كهيئة السلسلة، وهو يقول: العطش العطش، يا هذا إسقني، الساعة أموت. فرفعت رأسي، ورفعت إليه القدح لأسقيه، فإذا رجل في عنقه سلسلة، فلمّا ذهبت اُناوله القدح، اجتُذب منّي حتّى عُلّق بالشمس. ثمّ أقبلت على الماء أغترف إذ أقبل الثانية وهو يقول: العطش العطش، يا هذا إسقني، الساعة أموت. فرفعت القدح لأسقيه، فاجتُذِب منّي حتّى عُلّق بالشمس. حتّى فعل ذلك الثالثة، فقمت وشددت قربتي ولم أسقه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ذاك قابيل بن آدم الذي قتل أخاه، وهو قوله عزّ وجلّ: «إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ»...الآية». (2) قوله: «إِلَّا فِى ضَلاَلٍ» أي: في بطلان. [ 13 ] قوله: «وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ»، المحال: العذاب. أقول: المحال: العقوبة والنكال والكيد والمكر، ويقال: المحال من قولهم: محل فلان بفلان إلى السلطان، أي: سعى إليه به وعرّضه للهلاك. (3) [ 17 ] وأمّا قوله: «فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً» أي: مرتفعاً. (4) [ 21 - 25 ] قوله: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ». عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إنّ رحم آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله معلّقة بالعرش، تقول: اللّهم صل من وصلني واقطع من قطعني، وهي تجري في كلّ رحم. ونزلت هذه الآية في آل محمّد، وما عاهدهم عليه، وما اُخذ عليهم من الميثاق في الذرّ من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام بعده، وهو قوله: «وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ

.


1- .في «ب» و «ج»: «فذهبت».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 240 - 241، عن تفسير القمّي.
3- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 16 - 17، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 242، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 19، فراجع الأصل.

ص: 259

بَعْدِ مِيثَاقِهِ» يعني: عهد أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي أخذه عليهم في الذرّ، وأخذ عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بغدير خم (1) ». (2) قوله: «وَيَقطعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ» يعني: صلة آل محمّد. [ 29 ] قوله: «طُوبَى لَهُمْ»، روي: «أنّها شجرة في الجنّة، في دار أمير المؤمنين عليه السلام، وليس أحد من شيعته إلّا وفي داره غصن من أغصانها ». (3)«و حُسْنُ الْمَآبِ»؛ والمآب: المرجع. (4) [ 31 ] قوله: «وَلَوْ أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى» أي: لمّا كان إلّا هذا. (5) وقوله: «قَارِعَةٌ» أي: عذاب. (6) [ 33 ] قوله: «وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» أي: مبيّن، وقيل: مرشد. [ 35 ] قوله: «تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا» أي: ثواب . [ 39 ] قوله: «يَمْحُوا اللَّهُ»... الآية، قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «اقرأ هذه الآية: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» فقال: ما أنتم عرب؟ وهل يمحو اللَّه إلّا ما أثبت؟». وسأله حمران عن هذه الآية فقال: «يا حمران إذا كانت ليلة القدر، نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء اللَّه تبارك وتعالى في تلك السنة، فإذا أراد اللَّه أن يقدّم أو يؤخّر أو ينقص شيئاً أو يزيده، أمر الملك أن يمحو ما يشاء، ثمّ أثبت الذي أراد». قلت: «وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» مثبت في كتابه؟ قال: «نعم».

.


1- .روي معناه في الكافي، ج 2، ص 125، ح 28.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 246، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 251، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 253، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الاختصاص: 358.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 261، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 176، ح 7.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 262، عن تفسير القمّي.

ص: 260

قلت: فيكون الذي أراد كذا وكذا، ثمّ كذا وكذا، حتّى ينتهي إلى آخره؟ قال: «نعم». قلت: فأيّ شي ء يكون بعد؟ قال: «سبحان اللَّه، ثمّ يحدث اللَّه أيضاً ما يشاء، تبارك اللَّه وتعالى ». (1) [ 35 ] قوله: «وعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّار» يعني: يكون ثواب الكافرين النار. (2) [ 41 ] قوله: «أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا» قال: «موت علمائها ». [ 43 ] وقوله: «وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال الباقر عليه السلام: «إيّانا عنى، وعليٌّ أوّلنا وآخرنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى اللَّه عليه وآله». (3) وقال الصادق عليه السلام: ««وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»: أمير المؤمنين عليه السلام عنده علم القرآن ». (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 266، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 216، ح 62.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 272، عن تفسير القمّي.
3- .بصائر الدرجات، ص 234.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 273، عن تفسير القمّي، و فيه زيادة ما يلي: «وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم، أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب، إلّا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا، إنّ العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض، وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين، في عترة خاتم النبيّين صلّى اللَّه عليه وآله ». وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 200، ح 3.

ص: 261

سورة إبراهيم (14)

سورة إبراهيم (14)[مكّيّة، وهي اثنتان وخمسون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 5 ] قوله: «وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ». روي في الحديث، قال: «أيّام اللَّه ثلاثة: يوم القائم عليه السلام، ويوم الموت، ويوم القيامة ». (1) [ 7 ] قوله: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ» أي: أعلم. قوله: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ». قال الصادق عليه السلام: «يقول اللَّه: أيّما عبد أنعم اللَّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه، وحمد اللَّه عليها بلسانه، لم ينفذ كلامه حتّى يأمر اللَّه له بالزيادة». (2) [ 15 ] قوله: «وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» أي: خسر . (3) [ 16 - 17 ] قوله: «وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ»: الذي يخرج من فروج الزواني «يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ»، قال: «يقرّب إليه فيتكرّهه (4) ، فإذا اُدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه تقطّعت أمعاؤه ومزّقت إلى تحت قدميه (5) ». (6)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 288، عن تفسير القمّي. ورواه الصدوق في الخصال، ص 108، ح 75، عن أبي جعفر عليه السلام.
2- .روى نحوه الكافي، ج 2، ص 78، ح و9. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 9 و12، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 293، عن تفسير القمّي. وفي هامش «أ» عبارات أمكن قراءة ما يلي منها: «الوليد بن عبد الملك، هو الذي رمى القران بالسهام... برأيه»، ولعلّه إشارة إلى ما فعله الوليد عندما تفاءل بالمصحف الشريف، فخرج قوله تعالى: ««واسْتَفْتَحُوا وخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ»».
4- .في «ج»: «فيستكرهه».
5- .في «ب»: «ومرق من تحت قدميه».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 293 - 294، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 223، ح 7. ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 18، فراجع الأصل.

ص: 262

[ 18 ] [قوله: «الِّريحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ» وهي التي تجي ء من كلّ جانب (1) ]. (2) [ 21 ] «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً»؛ لفظه ماض، ومعناه مستقبل. (3) قوله: «لَو هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ»، فالهداية - ها هنا - : الثواب. (4) [ 22 ] «مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ» أي: بمعينكم «وَمَا أَنتمُ بِمُصْرِخِىَّ» أي: بمعيني «إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ»، الكفر - ها هنا - : البراءة. (5) [ 24 - 26 ] قوله: «كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ»... الآية، عن الباقر عليه السلام قال: «الشجرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، و «أصلها»: نسبه «ثَابِتٌ» في بني هاشم، وفرع الشجرة: عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وغصن الشجرة: فاطمة عليها السلام، وثمرتها: الحسنان والأئمّة عليهم السلام، وشيعتهم: ورقها، وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة، وإنّ المولود المؤمن ليولد للمؤمن فتورق الشجرة ورقة (6) ». قلت: أرأيت قوله: «تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»؟ قال: «يعني بذلك: ما يفتي به الأئمّة شيعتهم؛ فهذا مثل آل محمّد (7) ، ومثل أعدائه قوله: «وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ»...الآية». (8) [ 27 ] «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» قال: «عند الموت» «وَفِى الاخِرَةِ» قال: «في القبر، وهو ما يسأل عن ربّه ونبيّه وإمامه». 9

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 294، عن تفسير القمّي.
2- .ما بين المعقوفتين من «ب»، وقد ورد ضمن تفسير الآية (22) من سورة يونس (10).
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 295، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 295، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 287، ضمن الحديث 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 298، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في بصائر الدرجات، ص 79، ح 2 و3؛ و معاني الأخبار، ص 40، ح 61.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 298، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 298، عن تفسير القمّي. وروى معناه في مجمع البيان، ج 6، ص 481؛ وتفسير العيّاشي، ج 2، ص 225، ح 15.
8- .روى معناه في الكافي، ج 3، ص 231، ح 1.

ص: 263

[ 28 ] قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «نزلت في الأفجرين من قريش: بني اُميّة وبني المغيرة ». (1) [ 31 ] قوله: «لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَلٌ» يعني: الصديق. (2) [ 35 - 36 ] وقوله يحكى قول إبراهيم: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذَا الْبَلَدَ آمِناً» يعني: مكّة «وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ» فإنّ الأصنام لم تضلّ، وإنّما ضُلّ (3) الناس بها. (4) [ 41 ] قوله: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَيَّ»، قال الصادق عليه السلام: «هو آدم وحوّاء، أي: أنّها كانت سبباً لذلك». أقول: وقد قرئ: (وَلِوَلَدَيَّ) (5) يعني: إسحاق وإسماعيل ، وهي قراءة صحيحة المعنى، وإنّ الذي يريد: أنّ أباه كان غير آزر الكافر؛ لأن النبيّ لا يدعو للكافر بذلك. [ 43 ] قوله: «مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ» أي: لايقدرون أن يطرفوا أعينهم، فتبقى أعينهم مفتوحة. (6) وقوله: «وأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ»: قلوبهم تتصدّع من الخفقان. 7 أقول: وقيل: جوّف، لا عقول لها، وقيل: مخرمة، لا تعي شيئاً، وقيل: صفر، فارغة، أي: ليس لهم عقول. [ 45 ] قوله: «وَسَكَنتُمْ فِى مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ»، قال: «هم الدهرية».

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 307، عن تفسير القمّي. وروى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 229، ح 22 و 23، و 283، ح 31. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 31 - 33، فراجع الأصل.
2- .في الأصل: «لا صداقة».
3- .في «ص» و «ق»: «ضلّوا».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 311، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 37، فراجع الأصل.
5- .معجم القراءات القرآنية، ج 3، ص 241.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 317، عن تفسير القمّي.

ص: 264

[ أقول: ] بفتح الدال: منسوبون إلى الدهر، وهم الذين يقولون ببقاء الدهر (1) ، وأمّا الدهر، فإنّ أهل الكلام يقرئونه بضم الدال؛ لأنّه ما ليس يغيّره الشمس. [ 48 ] قوله: «يَوْمَ تُبَدُّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتِ»، قال: «تبدّل الأرض خبزة بيضاء يأكل منها المؤمنون حتّى يفرغ اللَّه من حساب الخلق». (2) وعن الباقر عليه السلام: «تبدّل بأرض بيضاء نقيّة كالدرّة المصفّاة، لم يرق عليها دم حرام، ولم يشرك عليها باللَّه ولم يعمل عليها بالمعاصي». وهو أنسب . (3)

.


1- .في «ب» و «ج»: «أخبار الدهر».
2- .روى نحوه في الكافي، ج 6، ص 286، ح 1. وفي تفسير العيّاشي، ج 2، ص 237، ح 54، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال له الأبرش الكلبي: بلغني أنّك قلت في قول اللَّه: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ» أنّها تبدّل خبزة؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: «صدقوا، تبدّل الأرض خبزة نقيّة في الموقف، يأكلون منها». فضحك الأبرش، وقال: أما لهم شغل بما هم فيه عن أكل الخبز؟ فقال: «ويحك، في أي المنزلتين هم أشدّ شغلاً وأسوء حالاً؛ إذ هم في الموقف، أو في النار يعذّبون»؟ فقال: لا، في النار. فقال: «ويحك، وإن اللَّه يقول: «لآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» (الواقعة (56): 52 - 55). قال: فسكت.
3- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير بقية هذه الآية، والآية 52، فراجع الأصل.

ص: 265

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر (15)

[الجزء الرابع عشر]سورة الحجر (15)[مكّيّة، وآياتها تسع وتسعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مِسْلِمِينَ». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من عند اللَّه: لا يدخل الجنّة إلّا مسلم، فيومئذ يوّد الذين كفروا لو كانوا مسلمين». (1) وعن باقر عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله:لا تزول قدمٌ يوم القيامة من بين يدي اللَّه حتّى يسأله عن أربع خصال: عمره فيما أفناه، وجسده فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما وضعته (2) ، وعن حبّنا أهل البيت». (3) [ 8 ] قوله: «وَمَا كَانُوا إِذاً مُّنظَرِينَ»، يقول: «لو أنزلنا الملائكة لمّا أنظروا ولهلكوا ». (4) [ 14 ] قوله: «وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّماءِ»...الآية، هذه الآية معطوفة على قوله: «مَا نُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُّنظَرِينَ»»، وقد كتبت بينها آيات، وهو دليل على أنّ القرآن منقطع معطوف.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 331، عن تفسير القمّي. وروي في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 239، ح 1 و 2.
2- .العبارات في «ب» كلّها بلفظ الخطاب.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 533، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في مسند الرضا عليه السلام، ص 65؛ ومناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 4.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 333، عن تفسير القمّي.

ص: 266

[ 16 ] قوله: «ولقد جَعَلْنَا فِى السَّماءِ بُرُوجاً»...الآية، روي «أنّ الشياطين قبل مولد النبي صلى اللَّه عليه وآله كانوا يعرجون إلى السماء، فلمّا ولد9 حجبوا عن السماوات ورموا بالشهب». (1) وولد عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل، يوم الاثنين. أقول: فيه نظر؛ لأنّه ولد ليلة سبع عشر من ربيع الأوّل، وقد وضع لذلك زيارة أمير المؤمنين، وأنّ ما قاله، إن كان قاله على سبيل التقيّة؛ لأنّه عندهم أنّه ولد ليلة اثنا عشر من ربيع الأوّل. والأوضح الأصحّ الأوّل، وخرج من اُمّه نورٌ أضاء ما بين السماء والأرض. (2) [ 27 ] وقوله: «وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ»: هو إبليس. [ 42 ] قوله: «إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ»، قال الباقر عليه السلام: «لا يملك أن يدخلهم جنّة ولا نار». [ 53 ] قوله: «إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ»: بإسحاق. (3) [ 54 ] قوله: «قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَسَّنِىَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ»، فأنكر إبراهيم، وقال: «كيف يولد لي وأنا شيخ كبير؟ ». [ 55 ] قوله: «بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تُكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ» أي: الآيسين . [ 75 - 76 ] وقوله: «إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ». قال الصادق عليه السلام: «نحن المتوسّمون، والسبيل فينا مقيم، والسبيل: طريق الجنّة ». (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 333 - 334، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الأمالي للصدوق، ص 235، ح 1.
2- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 19 - 26، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 375، عن تفسير القمّي. هذا، وقد كتب خبره في تفسير الآيات (69 - 83) من سورة هود عليه السلام، فراجع أنّ الغلام المبشّر به في الآيه هو «إسماعيل». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 66 - 72، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 384، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في كتاب الاختصاص، ص 302.

ص: 267

[ 78 ] قوله: «وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ» يعني: أصحاب الغيظة (1) ، وهم قوم شعيب «لَظَالِمِينَ». (2) [ 80 ] قوله: «وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ»يعني: قوم صالح . [ 87 ] قوله: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِى» يعني: سورة الحمد. (3) [ 91 ] قوله: «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ» أي: فرقاً، وهم قريش. (4) [ 94 - 95 ] قوله: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»؛ نزلت بمكّة، بعد أن نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (5) بثلاث سنين، وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله نبّئ يوم الاثنين، ثمّ أسلم عليّ عليه السلام يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. أقول: المشهور أنّ خديجة عليها السلام أوّل من أسلمت من النساء، وعليّ عليه السلام أوّل من أسلم من الرجال، هذا المجمع عليه بين المسلمين. ثمّ جعفر وزيد، فكان يصلّي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بعليّ عليه السلام وجعفر وزيد، وخديجة خلفهم، فلمّا أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ثلاث سنين نزل: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» (6)...الآية، وكان المستهزئون برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن الطلاطلة الخزاعي. وكلّ واحد من هؤلاء أشار إليه جبرئيل عليه السلام فهلكوا. (7)

.


1- .الغيضة: الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. الصحاح، ج 3، ص 1097 (غيض).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 384، عن تفسير القمّي.
3- .روي معناه في التهذيب 2، ص 289، ح 1157؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 301، ح 60.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 388، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 251، ح 43و 44.
5- .في «ب»: «النبوّة».
6- .روي نحوه في كمال الدين وتمام النعمة، ص 344، ح 28.
7- .وروي معناه في الخصال، ص 279، ح 25. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 97 - 98، فراجع الأصل.

ص: 268

سورة النحل (16)

سورة النحل (16)[مكّيّة، وآياتها مائة وثمانية وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»؛ قال: «نزلت بعد ما (1) سألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن ينزل عليهم العذاب». (2) [ 5 ] قوله: «دِف ءٌ» يعني: ما يدفي. [ 6 ] قوله: «حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ»، قال: «حين ترجع من المرعى «وَحِينَ تَسْرَحُونَ»: حين تذهب إلى المرعى». (3) [ 7 ] ثمّ قال: «إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ»، قال: «إلى مكّة والمدينة وجميع البلدان ». (4) [ 10 ] قوله: «تُسِيمُونَ» أي: تزرعون. أقول: الصحيح: ترعون. 5 [ 16 ] وقوله عزّ وجلّ: «وَعَلاَمَاتٍ وِبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»؛ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

.


1- .في «ب»: «حينما».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 405، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 2 - 5، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 407، عن تفسير القمّي.
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 10 - 15، فراجع الأصل.

ص: 269

«العلامات: الأئمّة عليهم السلام، والنجم: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأمير المؤمنين صلّى اللَّه عليهم ». (1) [ 25 ] قوله: «لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ» ممّن يقتدي بهم «أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ». وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بالمدينة، بعد ما بويع له بخمسة أيّام، رواها علي بن إبراهيم، وأنّه قال فيها: «واعلموا أنّ لكلّ حقّ طالباً، ولكلّ دم ثائراً، والطالب لحقّنا كقيام الثائر بدمائنا، والحاكم في حقّ نفسه هو العادل الذي لا يحيف، والحاكم الذي لا يجور (2) ، وهو اللَّه الواحد القهّار. و اعلموا أنّ على كلّ شارع بدعة وزرها، ووزر كلّ مقتدٍ (3) به من بعده على البدعة، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئاً، وسينتقم اللَّه من الظلمة مأكلاً بمأكل، ومشرباً بمشرب، من لقم العلقم، ومشارب الصبر الأدهم (4) ، فليشربوا بالصب (5) من الراح (6) السمّ المداف، وليلبسوا دثار (7) الخوف دهراً طويلاً، ولهم بكلّ ما أتوا وعملوا من أفاويق (8) الصبر الأدهم فوق ما أتوا وعملوا، أما إنّه لم يبق إلّا الزمهرير من شتائهم، وما لهم من الصيف إلّا رقدة، ويحهم ما تزوّدوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام والخطايا. فيا مطايا الخطايا، ويا زور الزور، وأوزار الآثام مع الذين ظلموا، إسمعوا واعقلوا وتوبوا، وابكوا على أنفسكم، فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. فاُقسم ثمّ اُقسم، ليتحمّلنّها بنو اُميّة من بعدي، وليعرفنّها في دار غيرهم عمّا قليلٍ،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 408، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 160، ح 1؛ والطبرسي في مجمع البيان، ج 5، ص 545. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 20 - 24، فراجع الأصل.
2- .العبارة في «ب» هكذا: «العادل الذي لا يجور، والحاكم الذي لا يحيف».
3- .في «ط»: «معتقد».
4- .الأدهم: الأسود. لسان العرب، ج 12، ص 209 (دهم).
5- .في «ب»: «بالصبيب».
6- .الراح: الخمر. الصحاح، ج 1، ص 368 (روح).
7- .الدثار: كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار. الصحاح، ج 2، ص 655 (دثر).
8- .الأفاويق: ما اجتمع من الماء في السحاب، فهو يمطر ساعة بعد ساعة. والأفاويق أيضا جميع «الفيقة» اسم اللبن الذي يجتمع في الضرع بين الحلبتين. وكنىّ به هنا عن استمرار العذاب. راجع: لسان العرب، ج 10، ص 321 (فوق).

ص: 270

فلا يبعد اللَّه إلّا من ظلم، وعلى البادي - يعني به: الأوّل - ما سهّل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزارهم، وأوزار كلّ من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة، واللَّه على ما أقول شهيدٌ كفيلٌ». (1) أقول: ويؤيّد ذلك: ما روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله قال: «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر العامل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم القيامة». (2) [ 38 ] قوله: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ»؛ قال: «نزلت في الرجعة». (3) [ 47 ] قوله: «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ»، قال: «على تنقص». (4) [ 48 ] قوله: «يَتَفَيَّؤُا ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ»، قال: «تحريك الظلّ وتحويله يمنة ويسرة، كلّه سجود للَّه وتسبيح ». (5) [ 52 ] قوله: «وَاصِباً»، قال: «واجباً ». (6) [ 56 - 57 ] وقوله: «وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ»، قال: «يجعلون للأصنام في زرعهم وأنعامهم نصيباً». وقد شرحناه في قوله: «وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَمِ نَصِيبًا» (7)... الآية.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 412 - 413، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً علل الشرائع، ص 606، ح 81 .
2- .الكافي، ج 5، ص 9، باب وجوه الجهاد، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 124، باب أقسام الجهاد، ح 1؛ الفصول المختارة للمفيد، ص 136؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 24، ح 19937؛ مسند أحمد، ج 4، ص 361؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 130؛ سنن ابن ماجه، ج 1، ص 74، ح 23. لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 26 - 37، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 420 - 421، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 430، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 430، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 49 - 51، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 431، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 262، ح 37. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 53، فراجع الأصل.
7- .الأنعام (6): 136.

ص: 271

قوله: «وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ» يعني: البنين. (1) [ 66 ] وقوله: «مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ»، قال: «الفرث: الذي يكون في الكرش ». (2) [ 72 ] وقوله: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً» يعني: الرجال خلق منهم النساء. أقول: أي من جنسكم، أو خلق أزواجاً مثلكم وشبهكم إلّا في الذكورة والاُنوثة. وهذا ردّ على قول من قال: إنّ حوّاء خلقت من ضلع من آدم. (3) وقوله: «وَحَفَدَةً»، قال: «الأختان ». (4) [ 75 ] قوله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَىْ ءٍ»، قال: «لا يتزوّج ولا يطلّق». (5) أقول: هذه الآية تدلّ على أنّ العبد لا يملك شيئاً مطلقاً. (6) [ 81 ] قوله: «وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ» يعني: القمص «وَسَرَابيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ» يعني: الدروع . (7) [ 89 ] قوله: «وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً»، قال: «لكلّ زمانٍ إماماً ». (8) [ 84 ] قوله: «وَجئنا بك شَهِيداً عَلَى هَؤُلَآءِ» يعني: على الأئمّة، أي: يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 431، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 58 - 65، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 434، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 67 - 71، فراجع الأصل.
3- .في بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 11، ص 115، ح 42، بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب، قال: «إن اللَّه تعالى خلق حوّاء من فضل طينة آدم على صورته، وكان ألقى عليه النعاس وأراه ذلك في منامه، وهي أوّل رؤيا كانت في الأرض فانتبه وهي جالسة عند رأسه، فقال عزّ وجلّ: يا آدم ما هذه الجالسة؟ قال: الرؤيا التي أريتني في منامي، فأنس وحمد اللَّه» .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 437، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في مجمع البيان، ج 5، ص 576 .
5- .روى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 266، ح 54.
6- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 78 - 81، فراجع الأصل.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 441، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية (83)، فراجع الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 443، عن تفسير القمّي.

ص: 272

شهيداً على الأئمّة، والأئمّة شهداء على الناس . (1) [ 90 ] قوله: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاء ذِى القُرْبى» يعني: الأئمّة. وقوله: «وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ»، يعني: الثلاثة الذين تقدّموا . (2) [ 91 ] قوله: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ»: عهد أمير المؤمنين الذي أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عليهم . (3) [ 92 ] ثمّ ضرب اللَّه لهم مثلاً، فقال: «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ» أي: إن نقضتم عهدكم كنتم مثل الَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً. أقول: هي إمرأة من قريش، كانت تغزل مع جوارها، فإذا فرغت نقضت ما غزلته، أي: لا تنقضوا عهده بعد أن أخذه الرسول عليكم . (4) قوله: «أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ»، فإنّه روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه قال لقارئ هذه الآية: «ويحك، ما أربى؟ إنّما نزلت: (أن تكون أئمّة هي أزكى من أئمّتكم) ». (5) [ 97 ] قوله: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»، قال: «القنوع بما رزقه اللَّه ». (6) [ 98 ] قوله: «الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». قال الصادق عليه السلام: «الرجيم: أخبث الشياطين، وسمّي

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 443، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 190؛ وبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار، ص 83، ح 1.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 447 - 448، عن تفسير القمّي. وروى نحوه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 267، ح 62 .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 450، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 451، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 268، ح 65.
5- .وهذه أيضاً قراءة خاصّة لأهل البيت عليهم السلام رواها البحراني في البرهان، ج 3، ص 451، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 268، ح 64.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 452، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ الطوسي في الأمالي، ص 275، ح 524؛ وبحار الأنوار، ج 68، ص 345، ح 4.

ص: 273

رجيماً لأنّه يُرجم ». (1) [ 99 ] قوله: «إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، قال: «ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأمّا الذنوب فإنّهم ينالون منه كغيرهم ». (2) [ 106 ] قوله: «مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالايمَانِ»؛ نزلت في عمّار بن ياسر، وذلك أنّ قريشاً أخذته بعد ما هاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، فقالوا: لا نخلّي عنك حتّى تتبرّأ من محمّد وتكفر به، فبرئ وكفر، ثمّ هرب منهم وجاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين نظر إليه: «أفلح وجهك يا عمّار» فقال: وكيف أفلح وجهي وقد برئت منك؟ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «كيف قلبك؟» قال: مطمئنّ، قال: «فلا عليك، فنزلت». (3) وروي: «أنّ عمّار وأبوه ياسر واُمّه سميّة اُسروا من قبل قريش (4) ، فقالوا لاُمّه: تبرّئي من محمّد. فلم تتبرّأ، فشدّوا في رجليها حبلين، وشدّوهما إلى جملين متخالفين ففضحاها. وأمّا أبوه، فشكوه بالسيف (5) ، وكان أوّل من قتل في الإسلام اُمّه سميّة وأبوه ياسر. وأمّا عمّار، لمّا تبرأ (6) من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، خلّوا عنه، فقيل لرسول اللَّه: إنّ عماراً ارتدّ كافراً، فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله: كلّا، إنّ عمار مُلِئ إيماناً من قرنه إلى قدمه بقبيله». القبيل: الجماعة. (7) [ 112 ] قوله: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً»...الآية، نزلت في قوم كان لهم نهر، يقال له: الثرثار (8) ، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، فكانوا يستنجون بالعجين، ويقولون: هو ألين لنا. فكفروا بأنعم اللَّه واستخفّوا (9) بنعمة اللَّه، فحبس اللَّه عنهم الثرثار،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 453، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسيره، ج 2، ص 270، ح 67 و 68.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 453، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسيره العيّاشي 2، ص 270، ح 69. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 101 - 103، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 456، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 28، ح 1و 173، ح 10.
4- .في «ب» العبارة هكذا: «وأنّ اُمّ عمار وأباه وعمّار اُخذوا».
5- .في «ب» العبارة هكذا: «فشكّوه بالسكين».
6- .في «ب»: «نال».
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 108 - 110، فراجع الأصل.
8- .في «ط»: «الثلثان».
9- .في «ط»: «واستنجوا».

ص: 274

فأجدبوا (1) حتّى أحوجهم اللَّه إلى أكل ما كانوا يستنجون به. (2) [ 126 ] قوله: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا»...الآية، نزلت في غزاة اُحُد لمّا وقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمزة، وقد مُثّل به، وقد تقدّم ذلك (3) . (4)

.


1- .في «أ»: «فجدبوا».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 459، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 6، ص 301، ح 1، في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 273، ح 78. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 116 - 124، فراجع الأصل.
3- .تقدّم ذلك ضمن تفسير الآية 121 من سورة آل عمران.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 465، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 274، ح 85، وراجع.

ص: 275

الجزء الخامس عشر

سورة بني إسرائيل (17)

[الجزء الخامس عشر]سورة بني إسرائيل (17)[مكّيّة، وآياتها مائة وإحدى عشر]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً». عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كان نوح إذا أمسى وأصبح يقول: أمسيت أشهد أنّه ما أمسى بي (1) من نعمة في دين أو دنيا فإنّها من اللَّه وحده لا شريك له، له الحمد عليّ بها كثيراً، والشكر كثيراً، فأنزل اللَّه: «إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً» ». (2) [ 4 ] قوله: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ» أي: أعلمنا. القضاء على وجوه؛ منه: الإعلام. ومنه: الأمر، وهو كقوله: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» (3)أي:أمر. والفراغ، وهو قوله: «فَلَمَّا قُضِىَ» (4) أي: فرغ. قوله: «وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً» أي: يدمّروا تدميراً . (5) [ 8 ]قوله: «حَصِيراً» أي: حبساً[ يحصرون فيه] (6) . (7)

.


1- .في «ج»: «أمسيت فيه».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 501، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 280، ح 19.
3- .الإسراء (17): 23.
4- .الأحقاف (46): 29.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 508، عن تفسير القمّي.
6- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 508 - 509، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 9 - 10، فراجع الأصل.

ص: 276

[ 11 ] وقوله: «وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ»، قال: «يدعو على نفسه بالشرّ كما يدعوا لنفسه بالخير، ويستعجل اللَّه العذاب » (1) . وقيل: يدعوا على نفسه بالشرّ إذا كان حرجاً (2) مثل ما يدعوا بالخير. (3) [ 12 ] قوله: «فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ»، قال: «المحو في القمر ». (4) [ 13 ] وقوله: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ» قال: «قدره الذي قدّره (5) عليه ». (6) أقول: وقيل: عمله . (7) [ 20 ] قوله: «كُلّاً نُّمِدُّ هؤُلاَءِ وَهؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ» المطيع والمذنب «وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» أي: ممنوعاً . (8) [ 29 ] قوله: «محسوراً»، المحسور: المبهوت المنقطع. (9) [ 14 ] قوله: «اقْرَأْ كِتَابَكَ»...الآية، قال: «يذكر جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ». (10) [ 23 ] وقوله: «فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ»، قال: «هو أدنى الأذى». (11) [ 26 ] قوله: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ».

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 510، عن تفسير القمّي.
2- .والحرج: الضيق.
3- .راجع تفسير الآية (11) من سورة يونس، رقم (10).
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 512، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 283، ح 30 و 31.
5- .في «ب»: «قدّر».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 513، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 284، ح 32.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 514، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 18، فراجع الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 515، عن تفسير القمّي.
9- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 23 - 25، فراجع الأصل.
10- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 3، ص 514، عن تفسير القمّي وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 284، ح 33.
11- .روي معناه في مجمع البيان، ج 6، ص 631 .

ص: 277

قال: «أتت فاطمة عليها السلام أبا بكر تريد فدك، قال لها: هاتي أسود وأحمر يشهد لكِ. قال: فأتت باُمّ أيمن، فقال لها: بم تشهدين؟ قالت: أشهد أنّ جبرئيل عليه السلام أتى محمّداً صلى اللَّه عليه وآله، قال: إنّ اللَّه يقول لك: آتِ ذا القربى حقّه. فلم يدر محمّد صلى اللَّه عليه وآله من هم، فقال: يا جبرئيل، سل ربّك من هم؟ فقال: فاطمة ذي القربى. فأعطاها (1) أبو بكر فدك». قال: «فجاء عمر فمحا الصحيفة، وقد كان كتبها أبو بكر». (2) أقول: المشهور والمذكور في كتب التواريخ: أنّ فاطمة عليها السلام أتت بعليّ والحسنين واُمّ أيمن - وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد شهد لها بالجنّة - فلم يسمع قولهم بفرية في ذلك (3) ، فكتب لها كتاباً بفدك، فخرقه عمر، فدعت عليه بشقّ بطنه، فكان من أبي لؤلؤ ما كان. [ 29 ] قوله: «وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً»...الآية، قال: «بعثت امرأة ابنها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يسأله، فقال له رسول اللَّه: يكون إن شاء اللَّه، فعاد إليه اليوم الثاني ففعل كاليوم الأوّل، فقالت المرأة لابنها في اليوم الثالث: اذهب إليه وقل له: أعطني قميصك، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لا يردّ أحداً عمّا عنده، فعاد إليه في اليوم الثالث وقال: أعطني قميصك، فخلع قميصه، فنزل: «وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ»...الآية، فنهاه أن يبخل أو يسرف (4) ويقعد محسوراً من الثياب». [ 33 ] قوله: «وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»، قال: «نزلت في قاتل الحسين عليه السلام». (5) [ 36 ] وقوله: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» أي: لاتقل ما لم تعلم . (6)

.


1- .كذا في النسخ، والصحيح أنّه كتب لها بذلك، ولم نعطها.
2- .روي نحوه في مصادر كثيرة جدّاً للفريقين فراجع مثلاً: الكافي، ج 1، ص 456، ح 5. وراجع شرح إحقاق الحقّ، ج 14، ص 757 للاطّلاع على مصادر العامة.
3- .وذلك بحديث افتراه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، بأنّه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
4- .في «ب»: «فنهاه أن يبسط أو يبذر فيسرف».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 527، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 290، ح 65. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 34 - 35، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 531، عن تفسير القمّي.

ص: 278

[ 37 ] قوله: «مَرَحاً» أي: بطراً وفرحاً . (1) [ 51 ] قوله: «فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ». النغض: تحريك الرأس . (2) [ 60 ] قوله: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ»...الآية، قال: «كان النبيّ رأى في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره واحداً يصعد وواحداً ينزل، فساءه ذلك وغمّه، فأنزل اللَّه: «وَمَا جَعَلْنَا»...الآية». «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ» يعني: بني اُميّة. قال: «نزل: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ» في بني اُميّة ». (3) [ 62 ] قوله: «لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً»، قال: «لأفسدنّ». (4) [ 64 ] قوله: «وَاسْتَفْزِزْ» أي: أخدع. قوله: «وَشَارِكْهُمْ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ»، قال: «ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان، وقد يكون مع الرجل إذا جامع، فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراماً ». (5) [ 67 ] قوله: «ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ» أي: بطل. (6) [ 71 ] قوله: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»، قال: «اذا كان يوم القيامة ينادي (7) منادٍ: أليس عدل من ربّكم أن يؤتى كلّ قوم هاهنا من كانوا يتولّونه في الدنيا؟ فيقولون: بلى، فيقال

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 535، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 39 - 46، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 539، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 54 - 59، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 544، عن تفسير القمّي. وروي نحوه تفسير العيّاشي، ج 2، ص 297، ح 93 و 298، ح 101.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 545، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 545، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 299، ح 102.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 549، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 70، فراجع الأصل.
7- .في «ب»: «نادى».

ص: 279

لهم: فليلحق كل اُناس بإمامهم، ثمّ يدعى بإمام إمام: ليقم أبو بكر وشيعته، وليقم عمر وشيعته، وليقم عثمان وشيعته، وليقم عليّ وشيعته ». (1) [ 72 ] قوله: «وَمَن كَانَ فِى هذِهِ أَعْمَى»...الآية، روي عن علي بن الحسين عليهما السلام، أنّه قال: «نزلت هذه الآية في العبّاس بن عبد المطلب، وعبد اللَّه بن العبّاس». أقول: في السند ضعف؛ فإنّ عبد اللَّه وأباه كانا مستبصرين مواليين لعليّ. وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام أيضا: «إنّها نزلت فيمن سوّف الحجّ حتّى مات ولم يحجّ، فهو أعمى، فعمي عن فريضة من فرائض اللَّه ». (2) أقول: الآية أعمّ من ذلك؛ فإنّ كلّ من كان في الدنيا ضالًّا جاهلاً، ففيه رذيلة، كان في الآخرة كذلك، ومن كان معتقداً للحقّ متّصفاً بالفضائل، كان في الآخرة كذلك. [ 44 ] قوله: «وَإِن مِن شَىْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»، قال: «كلّ شي ء يسبّح بحمده، قال: وإنّا نرى أنّ نقض (3) الجدر من تسبيحها». (4) [ 74 ] قوله: «وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»، قال: «لمّا كان يوم الفتح أخرج رسول اللَّه أصنام المسجد، وكان منها صنم على المروة، فطلبت قريش من رسول اللَّه أن يتركه، فكاد يستحيى ويتركه، ثمّ أمر بكسره ». (5) أقول: كسّر الأصنام كما فعله إبراهيم عليه السلام. (6) [ 77 ]قوله: «سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا»... الآية، قال: «هي سنّة محمّد والأنبياء قبله، وهي الإسلام». [ 78 ] قوله: «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»...الآية، قال الباقر عليه السلام: «دلوك الشمس: زوالها،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 551، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في المحاسن، ص 144، ح 44؛ و تفسير العيّاشي، ج 2، ص 302، ح 114. وقد تقدّم معناه في تفسير (106) من سورة آل عمران.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 559، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 4، ص 268، ح 2.
3- .في «ب»: «تنقض».
4- .روي نحوه في المحاسن، ج 2، ص 623، ح 70 و71.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 561، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 306، ح 132.
6- .لم يرد هذا التعليق في «ب» و «ج». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 76، فراجع الأصل.

ص: 280

و «غَسَقِ اللَّيْلِ» انتصافه «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ»: صلاة الغداة «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً» قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار». (1) [ 79 ] قوله: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ»، قال: «صلاة الليل ». (2) فأمّا قوله: «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «يلجم الناس يوم القيامة العرق، فيقولون: انطلقوا بنا إلى أبينا آدم ليشفع لنا عند ربّنا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم اشفع لنا عند ربّك، فيقول: إنّ لي ذنباً وخطيئةً، فعليكم بنوح. أقول: الأنبياء يجب أن يكونوا معصومين من الكبائر والصغائر، من أوّل العمر إلى آخره، عمداً وسهواً، وقد قامت الدلائل على ذلك، وللسيّد المرتضى كتاب تنزيه الأنبياء (3) ، وكذا لغيره من أصحابنا، فلايجوز أن نقول: إنّ آدم أذنب أو أخطأ، وإنّما يقال: عصى ؛ والعصيان مخالفة الأمر، والأمر قد يكون ندباً، فيقول: أمرتك فعصيتني. فيأتون نوحاً عليه السلام، فيردّهم إلى من يليه، ويردّهم كلّ نبيّ إلى من يليه، حتّى ينتهوا إلى عيسى، فيقول: عليكم بمحمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فيعرضون أنفسهم عليه، ويسألونه الشفاعة، فيقول: انطلقوا. فينطلق بهم إلى باب من أبواب الجنّة، فيأخذ بحلقة باب الجنّة ويستقبل وجهه الرحمن (4) ويخرّ ساجداً، فيمكث ما شاء اللَّه، فيقول اللَّه: ارفع رأسك، واشفع تشفّع، واسأل تعط، وهو المقام المحمود[ قوله: «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً»](5) ». (6) وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لو قد قمت المقام المحمود لشفّعت في أبي واُمّي وعمّي وأخ كان لي موافياً في الجاهلية». (7)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .روي نحوه في الكافي، ج 3، ص 271، ح 1؛ وتفسير العيّاشي، ج 2، ص 309، ح 139.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 570؛ نحوه في التهذيب، ج 2، ص 242، ح 595.
4- .قد تقدّم بعض ما يتعلّق بمعصية آدم عليه السلام، في تفسير الآية (36) من سورة البقرة.
5- .في الأصل: «ويستقبل باب الرحمة»،
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 571، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 313، ح 147.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 571، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 313، ح 146. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 88، فراجع الأصل.

ص: 281

[ 80 - 81 ] «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ»...الآية، نزلت يوم فتح مكّة، أمره اللَّه أن يقول إذا دخل مكّة: «رَّبِّ أَدْخِلْنِى» إلى قوله: «زهوقاً»، فلمّا دخل، قال (1) : «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً» وأصحابه يقولون ذلك حتّى ارتجّت مكّة بالصياح ». (2) [ 84 ] قوله: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» أي: على طبيعته وخليقته (3) ، من الشكل، فيقال: ليست على شكلي وشاكلتي. وقيل: على طريقته. [ 85 ] قوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ»...الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وهو مع الأئمّة عليهم السلام ». (4) أقول: الروح هنا: النفس الناطقة التي للإنسان، وأمّا قوله: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً» (5) هذا هو الملك العظيم. وقوله: «مِنْ أَمْرِ رَبِّى» أي: من خلق ربّي. وفي حديث آخر: «هو من الملكوت». (6) قول: إنّ من العالم: عالم الغيب والشهادة، فعالم الشهادة هو المحسوسات، وعالم الغيب هو عالم المجرّدات، وهو قوله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ»، (7) أي عالم الأجسام وعالم العقول والنفوس والروح، وهي النفس الناطقة. (8) [ 97 ] قوله: «كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً»، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: «إنّ في جهنّم وادٍ يقال له: سعير، إذا خبت جهنّم فتح سعيرها [وهو قوله: «كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً» أي: كلّما انطفت] (9) ». (10)

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب»: «قرأ».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص، عن تفسير القمّي.
4- .في «ب»: «على نيّته».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 583، عن تفسير القمّي. وروي في الكافي، ج 1، ص 215، ح 3 و 4.
6- .النبأ (78): 38.
7- .روي نحوه في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 316، ح 163 و 165.
8- .الأعراف (7): 54.
9- .للمزيد عن قوله تعالى: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ» راجع: بحار الأنوار، ج 55، ص 120.
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 596، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 318، ح 169.

ص: 282

[ 88 ] قوله: «ظَهِيراً» أي: معيناً. (1) [ 97 ] قوله: «عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً» أي: على جباههم . [ 95 ] وقوله: «مَلَكاً رَسُولاً»، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله جالس وعنده جبرئيل عليه السلام، إذ حانت من جبرئيل عليه السلام نظرة قِبَلَ السماء، فامتقع لونه (2) حتّى صار كأنّه (3) الكركمة، ثمّ لاذ برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شي ءٌ قد ملأ ما بين الخافقين مقبلاً حتّى كان كقاب (4) من الأرض، ثمّ قال: يا محمّد، إنّي رسول اللَّه إليك، أخيّرك أن تكون ملكاً رسولاً أحبّ إليك، أو تكون عبداً رسولاً؟ فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى جبرئيل عليه السلام - وقد رجع إليه لونه - فقال جبرئيل (5) : بل كن عبداً رسولاً. فقال: بل أكن عبداً رسولاً. فرفع (6) الملك رجله اليمنى، فوضعها في كبد السماء الدنيا، ثمّ رفع الاُخرى فوضعها في الثانية، ثمّ رفع اليمنى فوضعها في الثالثة، ثمّ هو هكذا حتّى انتهى إلى السماء السابعة، كلّ سماء خطوة، وكلّما ارتفع صغر، حتّى صار آخر ذلك مثل الصرّ (7) ، فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى جبرئيل عليه السلام فقال: لقد رأيتك ذعراً وما رأيت شيئاً كان أذعر لي من تغيّر لونك؟ فقال: يا نبيّ اللَّه، لا تلمني، أ تدري من هذا؟ قال: لا. قال: هذا إسرافيل، وهو حاجب الربّ، ولم ينزل من مكانه منذ خلق اللَّه السماوات والأرض، فلمّا رأيته منحطاً ظننت أنّه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغيّر لوني لذلك، فلمّا رأيت ما اصطفاك اللَّه به رجع إلىَّ لوني ونفسي، أما رأيته كلّما ارتفع صغر، إنّه ليس شي ء يدنو من الربّ إلّا يصغر لعظمته. إنّ هذا حاجب الربّ وأقرب

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 584، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 90، فراجع الأصل.
2- .امتقع لونه: إذا تغيّر من حزن أو فزع. لسان العرب، ج 8، ص 341 (مقع).
3- .الكركمة: واحدة الكركم، وهو الزعفران، وقيل: العصفر، وقيل: شي ء كالورس، هو فارسي معرّب. النهاية، ج 4، ص 166.
4- .القاب: المقدار، ومن القوس: ما بين المقبض وطرف القوس. المعجم الوسيط، ج 2، ص 765 (قاب).
5- .في «ب»: «فضرب فخذه وقال:».
6- .في «ب»: «فارتفع، فقال جبرئيل: أتدري من هذا؟...».
7- .في «ط»: «الذّر». والصّرّ: عصفور أو طائر في قدّه، أصفر اللون. مجمع البحرين، ج 3، ص 365 (صرر).

ص: 283

خلق اللَّه منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الربّ تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثمّ يلقيه (1) إلينا فنسعى به في السماوات والأرض، إنّه لأدنى خلق الرحمن منه، وبينه وبينه سبعون (2) حجاباً من نور تقطع من دونها الأبصار ما لا يعدّ ولا يوصف (3) ، وإنّي لأقرب الخلق منه، وبيني وبينه مسيرة ألف عام ». (4) [ 101 ] قوله: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتِ»، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «هي: الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدمّ والحجر والعصا ويده والبحر ». (5) [ 104 ] قوله: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الاخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً» أي: من كلّ ناحية . (6) [ 107 ] قوله: «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً» قال: «الوجوه» . (7) [ 106 ] قوله: «وَقرآناً فرقناه» أي: بينّاه . [ 110 ] قوله: «وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا»، عن الصادق عليه السلام، قال: «الجهر بها: رفع الصوت، والتخافت: ما لم تسمع باُذنك، واقرأ ما بين ذلك ». (8) أقول: من الصلاة جهريّة وهي الصبح والعشاءين، ومنها إخفاتية، وهي صلاة الظهرين. والجهريّة إنّما يجهر فيها بالركعتين الأوّلتين فقط. 9

.


1- .في «ب»: «ألقاه».
2- .في «ب»: «ستّون».
3- .في «ب»: «ما لا تعدّ ولا توصف».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 594 - 595، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 94 و 100، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 597، عن تفسير القمّي. ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 318، ح 170. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 102 - 103، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 598، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 599، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 3، ص 315، ح 21؛ وتفسير العيّاشي، ج 2، ص 318، ح 173 و 174.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 599، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 111، فراجع الأصل.

ص: 284

سورة الكهف (18)

سورة الكهف (18)[مكّيّة، وآياتها مائة وعشر]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجا قَيِّماً»، قال: «هذا مقدّم ومؤخّر، إنّما هو: (الحمد للَّه الذي أنزل على عبده الكتاب قيماً، ولم يجعل له عوجاً) » . (1) [ 6 ] قوله: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ» أي: جازع . (2) [ 8 ] قوله: «صَعِيداً جُرُزاً» أي: خراباً . (3) [ 9 ] قوله: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ»...الآيات، كان سبب نزولها: أنّ قريشاً بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران: النضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل السهمي، ليتعلّموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها (4) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فخرجوا إلى نجران، إلى علماء اليهود، فسألوهم، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق، ثمّ سلوه عن مسألة واحدة، فإن ادّعى علمها فهو كاذب. قالوا: وما هذه المسائل؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأوّل، فخرجوا وغابوا وناموا، وكم 5 بقوا في نومهم حتّى انتبهوا؟ وكم كان عددهم ؟ وأيّ شي ء كان معهم من غيرهم، وما كان قصّتهم؟

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 611، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 612، عن تفسير القمّي.
3- .في «ب»: «يلقونها».
4- .في «ب» والبرهان: «كم بقوا».

ص: 285

واسألوه (1) عن موسى حين أمره اللَّه أن يتّبع العالم ويتعلّم منه، من هو؟ وكيف تبعه؟ وما كان قصّته معه؟ واسألوه (2) عن طائف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتّى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج، من هو؟ وكيف كان قصته ؟ ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل، وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه. قالوا: فما المسألة الرابعة؟ قال: سلوه متى تقوم الساعة؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب، فإنّ قيام الساعة لا يعلمها إلّا اللَّه تبارك وتعالى. فرجعوا إلى مكّة واجتمعوا إلى أبي طالب عليه السلام، فقالوا: يا أبا طالب إنّ ابن أخيك يزعم أنّ خبر السماء يأتيه، ونحن نسأله عن مسائل، فإنّ أجابنا عنها علمنا أنّه صادق، وإن لم يجبنا علمنا أنّه كاذب. فقال أبو طالب: سلوه عمّا بدا لكم، فسألوه عن الثلاث مسائل. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أخبركم غداً» ولم يستثن. فاحتبس الوحي عليه أربعين يوماً حتّى اغتمّ النبي صلى اللَّه عليه وآله، وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به، واستهزأت قريش وفرحوا، وآذوه أذىً شديداً، فحزن رسول اللَّه وأبو طالب. ثمّ نزل جبرئيل بسورة الكهف، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا جبرئيل، لقد أبطأت عنّي حتّى ظننت أنّك قد كذبتني؟» فقال: إنّا لا ننزل إلّا بإذن اللَّه. قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ أصحاب الكهف كانوا في زمن ملك جبّار عاتٍ، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام، فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوماً مؤمنين، يعبدون اللَّه عزّ وجلّ، ووكلّ الملك بباب المدينة وكلاء، لم يدعوا أحداً يخرج حتّى يسجد للأصنام، فخرج هؤلاء بحيلة 3 الصيد، ثمّ مرّوا براع في طريقهم، فدعوه إلى أمرهم فلم

.


1- .في البرهان: «وسلوه».
2- .في «ب» والبرهان: «بعلّة».

ص: 286

يجبهم، وكان مع الراعي كلب، فأجابهم الكلب وخرج معهم». وروي : «أنّه لا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاثة: حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، وذئب». وقد تقدّم خبر الأتان (1) . وأمّا الكلب فاسمه قطمير، أجاب الفتية. وأمّا الذئب؛ فإنّ بعض الملوك بعث شرطياً ليحشر قوماً من المؤمنين، ومع الشرطي ابن له يحبّه، فجاء الذئب فاحتمل ابنه، فأكله، فحزن الشرطي عليه، فأدخل اللَّه الذئب الجنّة لمّا أحزن الشرطي. ولا يدخل الجنّة أسود، إلّا رجل بعثه المسيح إلى البربر، فأخذوه وغلوه بالزيت فصبر. فلمّا أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم، فألقى اللَّه عليهم النعاس، فناموا حتّى أهلك اللَّه ذلك الملك وأهل مملكته، وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون، ثمّ انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت، فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم. ثمّ قالوا لواحد منهم: خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكّراً لا (2) يعرفوك، فاشتر لنا طعاماً، فإنّهم إن علموا بنا وعرفونا يقتلونا أو ردّونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف الذي عهدها، ورأى قوماً بخلاف اُولئك، لم يعرفهم، ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت، ومن أين جئت؟ فأخبرهم، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف، فدخل الرجل الكهف وأصابه النعاس حتّى سقط ونام، ولم يجسر أحد أن يدخل منهم الكهف، وأقبلوا يتطلّعون فيه ويفزعون، فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم، وقال بعضهم: خمسة وسادسهم كلبهم، وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم، وحجبهم اللَّه عزّ وجلّ بحجاب من الرعب، فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم، فإنّه لمّا دخل إليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب

.


1- .في «ب»: «الأتانة». و تقدمت في تفسير الآية (17) من سورة الاعراف.
2- .في البرهان: «ألاّ».

ص: 287

دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنّهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، وأنّهم آية للناس، فبكوا وسألوا اللَّه تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا. ثمّ قال الملك: ينبغي أن نبني هاهنا مسجداً ونزوره، فإنّ هؤلاء قوم مؤمنون. وروي أنّ لهم (1) في كلّ سنة نقلتان (2) ، ينامون ستّة أشهر على جنوبهم الأيامن، وستّة أشهر على جنوبهم الأياسر، والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف، وذلك قوله: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ»... الآية، أي: خبرهم «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وزِدْناهُمْ هُدىً ورَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ والارْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وما يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ويُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً» إلى قوله تبارك وتعالى: «وكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ»، أي:بالفناء «لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ولَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً وكَذلِك بَعَثْناهُمْ» أي: أنبهناهم «لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ» إلى قوله: «ولَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً وكَذلِك أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ» وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف «لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» إلى قوله: «سَبْعَةٌ وثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ»، فقال اللَّه لنبيّه: «قل» لهم «رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ». ثمّ انقطع خبرهم بما قالوا، فقال: «فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلا مِراءً ظاهِراً» أي: لا تخاصم، «ولا تَستفت فيهم منهم أحداً» أي: لا تسأل، «ولا تَقُولَنَّ لِشَىْ ءٍ إِنِّى فاعِلٌ ذلِك غَداً إِلا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» فأخبره أنّه إنّما احتبس الوحي عنه أربعين صباحاً؛ لأنّه قال لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن . ثمّ عطف على الخبر الأوّل الذي حكى عنهم أنّهم «سَيَقُولُونَ ثَلَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ»، فقال: «ولَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ» وهو حكاية عنهم، وتقديره: يقولون: لبثوا في كهفهم «ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وازْدَادُوا تِسْعاً» والدليل على أنّه حكاية عنهم ولفظه لفظ الخبر، قوله: «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا» . (3)

.


1- .في «ط»: «ولهم».
2- .في البرهان: «تقلّبان». وفي «ب»: «قلبتين».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 617 - 619، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 22 - 28، فراجع الأصل.

ص: 288

[ 29 ] قوله: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ناراً». قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «نزلت هذه الآية هكذا: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ» يعني: ولاية عليّ «فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ» آل محمّد حقّهم «نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ» الذي يبقى في أصل الزيت المغليّ، يكون أشدّ حرارة». (1) [ 46 ] قوله: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»... الآية، قال بكر بن محمّد الأزدي: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام، قال: «أيها الناس، مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاً، ولن يباعدا رزقاً، فإنّ الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر في كلّ يوم، إلى كلّ نفس ما قدّر اللَّه لها من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال أو نفس، وإذا أصاب أحدكم مصيبة في مال أو نفس، ورأى عند أخيه عفوة، فلا يكونن له فتنة؛ فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر، ويخشع لها إذا ذكرت، ويغرى بها لئام الناس، كالياسر الفالج (2) ، الذي ينتظر أوّل فوزه من قداحه، يوجب له بها المغنم، ويدفع عنه المغرم، كذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة والكذب، ينتظر إحدى الحسنيين: إمّا داعياً من اللَّه، فما عند اللَّه خير له. وإمّا رزقاً من اللَّه، فهو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه، والمال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما اللَّه لأقوام » . (3) أقول: هذا الكلام منقول عن أمير المؤمنين، وقد ذكره في نهج البلاغة. (4) [ 47 ] قوله: «وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»؛ فإنّه سئل عن قوله (5) : «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» (6)فقال (7) : «ما يقول الناس فيها؟» قلت: يقولون: إنّها في القيامة.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 632، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 30 - 32، فراجع الأصل.
2- .في البرهان: «كان كالياسر الفالج».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 638، عن تفسير القمّي.
4- .هي في الخطبة 23 من نهج البلاغة.
5- .في «ب»: «عن الصادق عليه السلام، قال: قرأ عليه رجل».
6- .النمل (27): 83.
7- .في «ب»: «فقال الصادق عليه السلام».

ص: 289

فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ويحك، يحشر اللَّه في يوم القيامة من كلّ اُمة فوجاً ويذر الباقين؟ إنّما ذلك في الرجعة، فأمّا آية القيامة فهذه: «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» » . (1) [ 51 ] قوله: «عَضُداً» أي: ناصراً . (2) [ 60 ] فلمّا أخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قريشاً خبر أصحاب الكهف، قالوا: أخبرنا عن العالم الذي أمر اللَّه موسى عليه السلام أن يتبعه، من هو؟ وما قصّته ؟ فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً» . (3) قال الصادق عليه السلام: «وكان سبب ذلك أنّه لمّا كلّم اللَّه موسى تكليماً، وأنزل عليه الألواح، وفيها - كما قال اللَّه تعالى - : «وكَتَبْنا لَهُ فِى الألْواحِ مِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلا لِكُلِّ شَىْ ءٍ» (4) رجع موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، فصعد المنبر، فأخبرهم أنّ اللَّه قد أنزل عليه التوراة وكلّمه، قال في نفسه: ما خلق اللَّه خلقاً أعلم منّي، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى جبرئيل عليه السلام أن أدرك موسى فقد هلك، وأعلمه أنّ عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلاً أعلم منك، فصر إليه (5) وتعلّم من علمه. فنزل جبرئيل عليه السلام على موسى عليه السلام وأخبره، فذلّ موسى عليه السلام في نفسه (6) ، وعلم أنّه قد أخطأ ودخله الرعب. أقول: قوله: «أنّه قد أخطأ»، فيه نظر؛ فإنّ الأنبياء معصومون مطلقاً، وقوله: «شمعون وصيّه»، (7) إنّما وصيّه يوشع، لا شمعون؛ فانّه وصيّ عيسى عليه السلام.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 641، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 47، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 643، عن تفسير القمّي . وراجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 329، ح 40. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 52 - 59، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 645، عن تفسير القمّي.
4- .الأعراف (7): 145.
5- .في «ب»: «وقال: سر إليه».
6- .روى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 334، ح 48، عن عبد اللَّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام، قال: «بينما موسى عليه السلام قاعد في ملأ من بني إسرائيل، إذ قال له رجل: ما أرى أحداً أعلم باللَّه منك، قال موسى عليه السلام: ما أرى فأوحى اللَّه إليه: بلى عبدي الخضر فاسأل السبيل إليه، وكان له آية الحوت، إن افتقده فكان من شأنه ما قص اللَّه».
7- .هذا ماسيأتي بعد سطر، و منه بظهر أنّ النسخة التي كانت بيد ابن العتائقي كانت هكذا، وأمّا النسخ المتوفّرة من تفسير القمّي فهي متّفقة على «يوشع بن نون».

ص: 290

وقال لشمعون وصيّه (1) : إن اللَّه قد أمرني أن أتبع رجلاً عند ملتقى البحرين وأتعلّم منه. فتزوّد شمعون (2) حوتاً مملوحاً وخرجا، فلمّا خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلاً مستلقياً على قفاه، فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة، ومضيا ونسيا الحوت، وكان ذلك الماء ماء الحيوان، فحيي الحوت ودخل الماء، فمضى موسى عليه السلام وشمعون (3) معه حتّى عييا (4) ، فقال لوصيّه: «آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً» أي: عناءً، (5) فذكر شمعون (6) السمكة، فقال لموسى عليه السلام: إنّي نسيت الحوت على الصخرة. فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده، فرجعا على آثارهما قصصاً إلى الرجل وهو الخضر عليه السلام، وهو في الصلاة، فقعد موسى عليه السلام حتّى فرغ (7) من صلاته فسلّم عليهما. قال موسى: السلام عليك يا عالم بني إسرائيل، فقال الخضر: السلام عليك يا نبيّ بني إسرائيل. أقول: انّه لم يكن من بني إسرائيل، ولا كان من اُمّة موسى، وإلّا فيكون المأموم أفضل من الإمام، وتقديمه قبيح، وأيضاً: يكون في اُمّته أفضل منه، وهو قبيح أيضاً. فقال له موسى: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» فقال الخضر: «إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً» (8)فقال موسى عليه السلام: «سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْراً» قال الخضر: «فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً» يقول: لا تسألني عن شي ء أفعله، ولا تنكره عليّ حتّى أنا اُخبرك بخبره، قال: نعم، فمروا ثلاثتهم حتّى انتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة، وهي تريد أن تعبر، فقال لأرباب السفينة: تحملوا هؤلاء الثلاثة نفر؛ فإنّهم قوم صالحون، فحملوهم، فلمّا لجّت السفينة في البحر قام الخضر إلى جانب السفينة، فكسّرها وحشّاها بالخرق والطين، فغضب موسى غضباً شديداً وقال للخضر: «أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» فقال

.


1- .كذا في «أ» و «ب». و في «ج»: «لوصيّه يوشع بن نون». و هو الصحيح والمثبت فيما بأيدينا من نسخ الأصل.
2- .كذا في «أ» و «ب». و في «ج»: «فتزوّد يوشع بن نون».
3- .كذا في «أ» و «ب» وفي «ج»: «يوشع بن نون».
4- .في «ط»: «عشيا». وفي «ق»: «جيعا».
5- .في «ط» و «ق»: «عيّا».
6- .كذا في «أ» و «ب». و في «ج»: «وصيّه».
7- .في «أ» و «ب»: «فلمّا فرغ».
8- .في «ب»: «فقال الخضر: إنّك وكلت بأمر لا اُطيقه، ووكلت بأمر لا تطيقه».

ص: 291

له الخضر عليه السلام: «أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً» قال موسى: «لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً» فخرجوا من السفينة، فمرّوا، فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان (1) حسن الوجه كأنّه قطعة قمر، في اُذنيه درّتان، فتأمّله الخضر، ثمّ أخذه فلوى عنقه وقتله، فوثب موسى على الخضر وجلد به الأرض فقال: «أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً» فقال الخضر: «أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً» (2)قال موسى: «إِنْ سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَدُنِّى عُذْراً فَانطَلَقَا حتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ» بالعشي، تسمّى: الناصرة (3) ، وإليها ينتسب النصارى - ولم يضيّفوا أحداً قطّ ولم يطعموا غريباً، فاستطعموهم، فلم يطعموهم ولم يضيّفوهم، فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال لينهدم، فوضع الخضر يده عليه وقال: قم بإذن اللَّه، فقام، فقال موسى: لن ينبغ لك أن تقيم الجدار حتّى يطعمونا ويؤونا، وهو قوله: «لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» (4) فقال له الخضر: «هذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ» (5) التي فعلت بها ما فعلت، فإنّها كانت لقوم «مَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم» أي: وراء السفينة (6)«مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ» صالحة «غَصْباً». هكذا نزلت، وإذا كانت السفينة مكسورة أو معيوبة لم يأخذ منها شيئاً. وأمّا الغلام الذي قتلته، فكان على جبهته مكتوب: كافر (7)«فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ»... الآية، قال العالم: «فأبدل اللَّه والديه بنتاً (8) ولدت سبعين نبيّاً (9) » وقال: «نزلت الآية هكذا: «وَأَمَّا

.


1- .في «ب»: «فنظر الخضر إلى صبيان يلعبون، وفيهم غلام...».
2- .راجع تفسير العيّاشي، ج 2، ص 335، ح 53 .
3- .في «ب»: «فانتهوا بالعشي إلى قرية تسمّى: الناصرة».
4- .في «ب»: «فقال موسى: كان يجب أن لا ترد الجدار حتّى يطعمونا ويؤونا». وروى القصّة العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 332، ح 47.
5- .في «ب»: «فقال الخضر: هاهنا نفترق، واعلمك بما جرى؛ أمّا السفينة...».
6- .في «ب»: «أي وراء البحر».
7- .في «أ»: «طبع كافراً».
8- .في «ب»: «بابنة».
9- .روى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 6، ص 6، ح 11، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عدّة من أصحابه، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن الحسن بن سعيد اللخمي، قال: ولد لرجل من أصحابنا جارية، فدخل على أبي عبد اللَّه عليهم السلام فرآه متسخّطاً، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أ رأيت لو أن اللَّه تبارك وتعالى أوحى إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك، ما كنت تقول؟». قال: كنت أقول: يا ربّ، تختار لي. قال: «فإن اللَّه قد اختار لك!». قال: ثمّ قال: «إنّ الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى عليه السلام وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً» أبدلهما اللَّه به بنتاً، ولدت سبعين نبيّاً». ورواه العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 337، ح 60.

ص: 292

الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ» فطبع كافراً».«وَأَمَّا الْجِدَارُ» الذي أقمته «فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ»... الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان ذلك الكنز لوحاً من ذهب، مكتوب فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، والأئمّة حجج اللَّه، عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح. أقول: أولياء اللَّه يفرحون بالموت؛ لأنّه به يلقى العبد ربّه، وبه يدخل الجنّة، وبه يخلص من التكاليف، وقد ضحكت الزهراء عليها السلام لمّا أخبرها أبوها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به، وأمير المؤمنين عليه السلام كان يتمنّى الموت، ويقول: متى يبعث أشقاها؟. وعجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق، وعجبت لمن يذكر النار كيف يضحك، وعجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالاً بعد حال كيف يطمئنّ إليها». (1)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 649، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 2، ص 48، ح 6، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما». فقال: «أمّا إنّه ما كان ذهباً ولا فضةً، وإنّما كان أربع كلمات: لا إله إلّا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه،من أيقن بالقدر لم يخش إلّا اللَّه». وعن ابن بابويه في معاني الأخبار، ص 200، ح 1، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه اللَّه عليه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد، قال: حدّثنا الحسن بن علي، رفعه إلى عمرو بن جميع، رفعه إلى علي عليه السلام، في قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما» وذكر مثل ما في رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام السابقة، إلّا أنّ فيها: «أنّه كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء» وقال عليه السلام: «إنّ اللَّه يصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده، وأهل دويرته ودويرات حوله، فلا يزالون في حفظ اللَّه». وروى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 338، ح 67، عن ابن أسباط، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «كان في الكنز الذي قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما»: لوح من ذهب، فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، محمّد رسول اللَّه، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها! وينبغي لمن عقل عن اللَّه أن لا يتّهم اللَّه في قضائه، ولا يستبطئه في رزقه». وفي التهذيب، ج 9، ص 276، ح 1001، بإسناده عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سمعناه - وذكر كنز اليتيمين - فقال: «كان لوحاً من ذهب فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها، و ينبغي لمن عقل عن اللَّه أن لا يستبطئ اللَّه في رزقه، ولا يتّهمه في قضائه». فقال له الحسين بن أسباط: فإلى من صار، إلى أكبرهما؟ قال: «نعم». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 60 و 71، فراجع الأصل.

ص: 293

الجزء السادس عشر

اشاره

[الجزء السادس عشر][ 83 - 85 ] فلمّا أخبرهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بخبر موسى وفتاه والخضر، قالوا: فأخبرنا عن طائف طاف الشرق والغرب، من هو؟ وما قصّته؟ فأنزل اللَّه: «ويَسْئَلُونَك عَنْ ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرْضِ وآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ سَبَباً» أي: دليلاً «فاتبع سَبَباً». (1) وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين، نبياً كان أم ملكاً ؟ (2) فقال: «لا نبيّ ولا ملك، بل إنّما هو عبد أحبّ اللَّه فأحبّه، ونصح للَّه فنصح له، فبعثه اللَّه إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن يغيب، ثمّ بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن يغيب، ثمّ بعثه ثالثة فمكّن اللَّه له في الأرض. وفيكم مثله» يعني نفسه عليه السلام. (3)

.


1- .راجع تفسير الآية (9) من هذه السورة.
2- .في «ب»: «وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن ذي القرنين، هل هو نبيّ أم ملك؟».
3- .في بصائر الدرجات، ص 387، ح 7، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن الحارث، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أ لست حدّثتني أن عليّاً عليه السلام كان محدّثاً؟ قال: «بلى». قلت: من يحدّثه؟ قال: «ملك يحدّثه» قلت: فأقول: إنّه نبيّ، أو رسول؟ قال: «لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، ومثل صاحب موسى عليهما السلام، ومثل ذي القرنين، أو ما بلغكم أنّ عليّاً عليه السلام سئل عن ذي القرنين، فقيل: كان نبيّاً؟ قال: لا، بل كان عبدا أحبّ اللَّه فأحبّه، ونصح للَّه فنصحه، وهذا فيكم مثله». وعن ابن بابويه في كمال الدين وتمام النعمة، ص 393، ح 3، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، قال: حدّثني القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام ابن الكواء إلى علي عليه السلام وهو على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين، أنبيّاً كان أم ملكاً؟ وأخبرني عن قرنيه، أمن ذهب أم من فضّة؟ فقال له عليه السلام: «لم يكن نبيّاً ولا ملكاً ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضّة، ولكنّه كان عبدا أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه، ونصح للَّه فنصحه اللَّه، وإنّما سمّي ذا القرنين لأنّه دعا قومه إلى اللَّه عزّ وجلّ فضربوه على قرنه، فغاب عنهم حيناً، ثمّ عاد إليهم، فضرب على قرنه الآخر،فيكم مثله». يعني نفسه. وروى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 339، ح 71، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين، أ ملكاً كان أم نبيّاً؟ وأخبرني عن قرنيه ذهب أم فضّة؟ قال: «إنّه لم يكن نبيّاً ولا ملكاً، ولم يكن قرناه ذهباً ولا فضّةً، ولكنّه كان عبداً أحبّ اللَّه فأحبّه، ونصح للَّه فنصح له، وإنّما سمّي ذا القرنين، لأنّه دعا قومه فضربوه على قرنه، فغاب عنهم، ثمّ عاد إليهم فدعاهم، فضربوه بالسيف على قرنه الآخر، وفيكم مثله».

ص: 294

أقول: لأنّه ضربه عمرو بن عبدودّ على رأسه، وضربه ابن ملجم في مكان ضربة عمرو بعينها. [ 86 ] «حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ ووَجَدَ عِنْدَها قَوْماً»... الآية، فدخل في الظلمات، وأمر ان يتبع عموداً من نور، وهو قوله: «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» أي: دليلاً «حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ»... الآية، عن الباقر عليه السلام «لم نجعل لهم مِنْ دُونِها ستراً»: لم يعلموا صنعة الثياب. (1) [ 95 - 96 ] قوله: «أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ»، أمرهم أن يأتوا بالحديد، فأتوا به، فوضعوه ما بين الصدفين - يعني بين الجبلين - حتّى سوى بينهما، ثمّ أمرهم أن يأتوا بالنار، فينفخوا تحت الحديد حتّى صار الحديد مثل النار، ثمّ صبّ عليه القطر - وهو الصفر - حتّى سدّه». أقول: وقيل: الرصاص، وهذا أشبه. [ 98 ] وهو قوله: «فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ»، قال: «إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان ألقى اللَّه ذلك السدّ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس، وهو قوله: «حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ»». (2)

.


1- .وروى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 350، ح 84، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: «لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِك» قال: «لم يعلموا صنعة البيوت».
2- .روى الشيخ في الأمالي، ج 1، ص 355، قال: أخبرنا ابن الصلت، قال أخبرنا ابن عقدة، قال أخبرنا أبو الحسن القاسم بن جعفر بن أحمد بن عمران المعروف بابن الشامي قراءة، قال: حدّثنا عباد بن أحمد العرزمي، قال: حدّثني عمّي عن أبيه، عن جابر، عن الشعبي، عن أبي رافع، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله، عن أهل يأجوج ومأجوج، قال: «إنّ القوم لينقرون السدّ بمعاولهم دائبين، فإذا كان الليل، قالوا: غداً نفرغ فيصبحون وهو أقوى منه بالأمس، حتّى يسلم منهم رجل حين يريد اللَّه أن يبلغ أمره، فيقول المؤمن: غداً نفتحه إن شاء اللَّه، فيصبحون ثمّ يغدون عليه فيفتحه اللَّه، فو الذي نفسي بيده ليمرّن الرجل منهم على شاطئ الوادي الذي بكوفان، وقد شربوه حتّى نزحوه، فيقول: واللَّه لقد رأيت هذا الوادي مرّة، وإنّ الماء ليجري في عرضه». قيل: يا رسول اللَّه، ومتى هذا؟ قال: «حين لا يبقى من الدنيا إلّا مثل صبابة الإناء». وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 8، ص 22، ح 274، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن العبّاس بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الخلق. فقال: «خلق اللَّه ألفاً ومائتين في البرّ، وألفاً ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم، ما خلا يأجوج ومأجوج». والآية في الأنبياء (21) : 96.

ص: 295

وروي: «أنّ الخضر كان على مقدمة ذي القرنين [ فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب، فتنبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق، تهلك من ناواه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتّى دان له أهل المشرق والمغرب ] (1) حتّى دخل بلاد الظلمات، وانتهى إلى ماء الحيوان واغتسل به وشرب منه» . (2) أقول: ما في الدنيا بلاد لا تطلع عليها الشمس أبداً، بل مواضع تتمّ الشمس ستّة أشهر طالعة، ومثلها غاربة، وهناك لا نبات ولا حيوان، إلّا بقدر. قال: «فلمّا أخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قريشاً بخبر أصحاب الكهف، وخبر الخضر وموسى،

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 661، عن تفسير القمّي. وفيه: « قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وذلك قوله عزّ وجلّ: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الارْضِ وآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ سَبَباً» أي: دليلاً، فقيل له: إن للَّه في أرضه عيناً يقال لها: عين الحياة، لا يشرب منها ذو روح إلّا لم يمت حتّى الصيحة، فدعا ذو القرنين الخضر عليه السلام، وكان أفضل أصحابه عنده، ودعا بثلاث مائة وستّين رجلاً، ودفع إلى كلّ واحد منهم سمكة، وقال لهم: اذهبوا إلى موضع كذا وكذا، فإن هناك ثلاثمائة وستين عيناً، فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه، فذهبوا يغسلون، وقعد الخضر عليه السلام يغسل، فانسابت السمكة منه في العين، وبقي الخضر عليه السلام متعجّباً مما رأى، وقال في نفسه: ما أقول لذي القرنين؟ ثمّ نزع ثيابه يطلب السمكة، فشرب من مائها، ولم يقدر على السمكة، فرجعوا إلى ذي القرنين، فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه، فلمّا انتهوا إلى الخضر عليه السلام لم يجدوا معه شيئاً، فدعاه وقال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر. فقال له: فصنعت ماذا؟ فقال: اغتمست فيها، فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها، قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم - قال: - فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها، فقال للخضر عليه السلام: كنت أنت صاحبها».

ص: 296

وخبر ذي القرنين، قالوا: قد بقيت مسألة واحدة، فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما هي ؟ قالوا: متى تقوم الساعة؟ فأنزل اللَّه تعالى: «يَسْئَلُونَك عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي»...إلى آخر الآية (1) ، فلم يزدهم ذلك إلّا عتواً » . (2) [ 103 ] قوله: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ (3) بِالاخْسَرِينَ أَعْمالاً»... الآية، قال: «نزلت في اليهود». أقول: بل نزلت في كلّ أهل الملل الباطنة (4) والمذاهب الباطلة (5) . وقيل: «نزلت في الرهبان، وجرت في الخوارج » . (6) أقول: بل وفي كلّ مخالف للحقّ؛ فإنّ عمله ضائع. وقيل: نزلت في الرهبان وزهّاد المخالفين. (7)

.


1- .الأعراف (7): 187.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 684، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 99 - 101، فراجع الأصل.
3- .في النسخة: «انبئكم».
4- .في «ب»: «الباطلة».
5- .وفي الأصل: «هم النصارى، والقسيسون، والرهبان، وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة، والحرورية، وأهل البدع».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 687، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج، ج 1، ص 260، عن أمير المؤمنين عليه السلام وقد سأله سائل، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاخْسَرِينَ أَعْمالاً»... الآية. قال: «كفرة أهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحقّ، فابتدعوا في أديانهم، و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً». وروى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 352، ح 89، عن إمام بن ربعي، قال: قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أخبرني عن قول اللَّه: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاخْسَرِينَ أَعْمالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً». قال: «اُولئك أهل الكتاب، كفروا بربهم، وابتدعوا في دينهم، فحبطت أعمالهم، وما أهل النهر - أي النهروان - منهم ببعيد».
7- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 105 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 297

سورة مريم (19)

سورة مريم (19)[مكّيّة، وآياتها ثمان وتسعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «واشْتعل الرأس شيباً»أي: ابيضّ. [ 5 ] قوله: «وَ إِنِّى خِفْتُ الْمَوالِىَ» يعني: «بني العم». [ 7 ] قوله: «لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا»، قال الصادق عليه السلام: «يحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميّاً، والحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سميّاً، ولم تبك السماء إلّا عليهما أربعين صباحا» قلت: (1) فما كان بكاؤها؟ قال: «كانت تطلع الشمس حمراء وتغيب حمراء، وكان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا، وقاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا». (2) [ 11 ] قوله: «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ» أي: وحي إشارة. [ 13 ] قوله: «وَحَنَاناً» أي خالصاً، وقيل: رحمة، وروي أنّ يحيى كان يصلّي ويبكي حتّى ذهب لحم خديه، حتّى جعل لبداً وألحقه بخديه، حتّى يجري الدمع عليه، وكان لا ينام بالليل،فقال له زكريّا في ذلك؟ قال: «إنّ جبرائيل أخبرني أنّ إمام النار مفازة لا يجاوزها إلّا البكّاؤون، فقال زكريّا: فحقّ لك (3) أن تبكي». [ 16 ] قوله: «إِذِ انْتَبَذَتْ» أي: خرجت. [ 22 ] قوله: «مَكَاناً قَصِيّاً» أي بعيداً. (4)

.


1- .في «ب»: «قيل: وما».
2- .روى محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 302، ح 4.
3- .في «ب»: «إنّك يحقّ لك».
4- .روى الشيخ في التهذيب، ج 6، ص 73، ح 139. و وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 8، ص 143، ح 111؛ و ج 6، ص 22، ح 4؛ و ج 8، ص 332، ح 516.

ص: 298

[ 26 ] قوله: «إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» أي: صمتاً. (1) [ 39 ] قوله: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ» يوم الموت. أقول: وروي أنّه يوم يذبح الموت، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود فلا موت ابداً، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً، أي قضي على أهل الجنّة بالخلود فيها، وعلى أهل النار بالخلود فيها. (2) [ 31 ] قوله: «وَأَوْصَانِى بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً». قال: «زكاة الرؤوس الفطرة؛ لأن جلّ الناس ليس لهم أموال، وأنّ الفطرة على الغني والفقير والصغير والكبير». أقول: ليس على الفقير ولا على الصغير واجبة فطرة، وكأنّه يريد أنّ الفقير والغني إذا عالهما غني وجب عليه فطرتهما، وكذا إذا عال الصغير وجب عليه فطرته. [ 50 ] قوله: «وجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِياًّ»، قال: «هو أمير المؤمنين عليه السلام». (3) [ 54 ] قوله: «صادِقَ الْوَعْدِ» (4)، قال: «وعد وعداً، فانتظر صاحبه سنة، وهو إسماعيل بن حزقيل عليه السلام». (5) قوله: ابن حزقيل، أقول: المشهور أنّه إسماعيل بن إبراهيم، وهو أجود. [ 57 ] قوله: «ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إن اللَّه تبارك وتعالى

.


1- .روى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 4، ص 87، ح 3.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 713، عن تفسير القمّي. وروى الكليني في الكافي، ج 8، ص 149، ح 129.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 713، عن تفسير القمّي.
4- .روى الشيخ المفيد في الاختصاص: 328، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وكانَ رَسُولاً نَبِياًّ» علمنا الرسول من النبي؟ فقال: «النبي: هو الذي يرى في منامه، ويسمع الصوت، ولا يعاين الملك، والرسول: يعاين الملك ويكلّمه». قلت: فالإمام، ما منزلته؟ قال: «يسمع الصوت، ولا يرى، ولا يعاين الملك»، ثمّ تلا هذه الآية: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ و لا محدث» (الحجّ (22): 52). هذا، ولكن لفظة «و لا محدّث» ليست في الآية، وإنّما هي في قراءة أهل البيت عليهم السلام، ووردت هذه القراءة في تفسير القرطبي 12، ص 79 و الدر المنثور 6، ص 65 عن ابن عباس أيضا، والمحدّث، بفتح الدال المشدّدة: الذي يحدّثه الملك. اُنظر: الوافي، ج 2، ص 74).
5- .روى ابن بابويه في علل الشرائع، ص 77، ح 1.

ص: 299

غضب على ملك من الملائكة، فقطع جناحه، وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء اللَّه في ذلك المكان. أقول: إنّ الملائكة معصومون، والباري لا يفعل قبيحاً؛ فكيف غضب عليه وكسر جناحه، وهو معصوم؟ فبعث اللَّه إدريس عليهم السلام، فجاء ذلك الملك إليه، فقال: يا نبيّ اللَّه، ادع اللَّه لي أن يرضى عنّي، ويردّ عليّ جناحي. قال: نعم، فدعا له إدريس عليه السلام، فرد عليه جناحه، ورضي عنه. فقال الملك لإدريس: أ لك إلي حاجة؟ قال: نعم، اُحبّ أن ترفعني إلى السماء حتّى أنظر إلى ملك الموت، فإنّه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه، حتّى انتهى به إلى السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرّك رأسه تعجّباً، فسلم إدريس على ملك الموت، قال له: مالك تحرك رأسك؟ قال: إنّ ربّ العزّة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة، فقلت: يا ربّ، وكيف هذا، وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام، ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام، وغلظ السماء الثالثة خمسمائة عام،من السماء الثالثة إلى السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام، وكل سماء وما بينهما كذلك، فكيف يكون هذا؟ ثمّ قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وهو قوله: «ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» » . (1) أقول: السماوات ليست متفاوتات (2) في السمك والعظمة، بل كلّ منها أعظم مما قبلها إلى الفلك الأعلى، وهو الأطلس. [ 59 ] قوله: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ»، والخلف: الردي ء، والخلف: الصالح». (3) [ 72 ] قوله: «جِثِياًّ» أي: على ركبهم . (4) [ 71 ] قوله: «وإِنْ مِنْكُمْ إِلا وارِدُها كان على ربّك حتماً مقضياً» منسوخ (5) بقوله: «إِنَّ الَّذِينَ

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 722، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 3، ص 257، ح 26.
2- .في «ب»: «متفاوتة».
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 60 - 68، فراجع الأصل.
4- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 3، ص 727، عن تفسير القمّي.
5- .في البرهان: «هي منسوخة».

ص: 300

سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى»... الآية (1) . (2) أقول: كيف ينسخ الخبر؟، لكن كلّ إنسان لابّد أن يميل عن الوسط ولو بقدر الشعرة، وهذا هو ورود النار. وسأل الحسين بن أبي العلاء، أبي عبد اللَّه عليه السلام، عنها فقال: «أما أنّه ليس الدخول، ولكنّه مثل قول الإنسان: وردت ماء بني فلان، ولم يدخل فيه » . (3) أقول: الدخول هنا: الإشراف على الشي ء، لا الدخول فيه. [ 75 ] قوله: «حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ»، قال: «العذاب: القتل، والساعة: الموت». [ 76 ] [قال: «وقوله: «ويَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً»، ردّ على من زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص»] (4) . قوله: «وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّك ثَواباً وخَيْرٌ مَرَدًّا»، قال: «الباقيات الصالحات، هو قول المؤمن: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر » . (5) وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيتها قيعاناً يققاً، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب و لبنة من فضّة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما لكم، ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا: حتّى تجيئنا النفقة، قلت لهم: وما نفقتكم؟ فقالوا: قول المؤمن في الدنيا: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر، فإذا قالها بنينا، وإذا أمسك أمسكنا » . (6) [وعن عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثني أبي، عن حمّاد، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال النبي صلى اللَّه عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت فيها قيعاناً يققاً 7 ، ورأيت فيها

.


1- .الأنبياء (21): 101.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 726، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 727، عن تفسير القمّي.
4- .من الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 728، عن تفسير القمّي.
6- .اليقق: الشديد البياض. لسان العرب، ج 10، ص 387 (يقق).

ص: 301

ملائكة يبنون لبنة من ذهب، ولبنة من فضّة»، وساق الحديث . ] (1) [ 83 ] قوله تعالى: «أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا»، قال: «مانعي الزكاة والمعروف، فيبعث اللَّه عليهم شيطاناً أو سلطاناً، فينفق ما يجب عله من الزكاة في غير طاعة اللَّه، فيعذّب على ذلك، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت قصراً من ياقوتة حمراء، يرى داخلها من خارجها، وخارجها من داخلها من ضيائها، وفيها بنيان من درّ وزبرجد، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيام. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول اللَّه، وفي اُمّتك من يطيق هذا؟ فقال: ادن مني يا عليّ، فدنا منه، فقال: أ تدري ما إطابة الكلام؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم. قال: من قال: سبحان اللَّه، والحمد للَّه ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر. ثمّ قال: أ تدري ما إدامة الصيام؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم. قال: من صام شهر رمضان، ولم يفطر منه يوماً. أو تدري ما إطعام الطعام؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم. قال: من طلب لعياله ما يكفّ به وجوههم عن الناس. أو تدري ما التهجّد بالليل والناس نيام؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم. قال: من لم ينم حتّى يصلي العشاء الآخرة، ويعني بالناس نيام: اليهود والنصارى، فإنّهم ينامون فيما بينهما» . [ 84 ] وقوله: «انَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا»، قال [لي: «ما هو عندك؟». قلت: عدّ الأيّام، قال: «لا، إنّ الآباء والأمّهات ليحصون ذلك، ولكن] (2) عدد الأنفاس » . (3) [ 85 - 86 ] قوله: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» قال الصادق عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعليّ عليه السلام: يا عليّ إنّ الوفد لا يكون إلّا ركباناً، اُولئك رجال اتّقوا اللَّه فأحبّهم،

.


1- .ما بين المعقوفتين من تفسير البرهان، ج 3، ص 728، عن تفسير القمّي، ج 1، ص 21. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 81، فراجع الأصل.
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 730، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 3، ص 259، ح 33، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: قول اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا»؟ قال: «ما هو عندك؟» قلت: عدّ الأيّام. قال: «إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك - قال - لا، ولكنّه عدد الأنفاس».

ص: 302

واختصّهم ورضي أعمالهم، فسماهم اللَّه المتّقين، ثمّ قال: يا عليّ، أمّاالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج، عليهم ثياب بياض، بياضها كبياض اللبن، عليهم نعال الذهب، شراكها من لؤلؤ يتلألأ فيركبون حتى ينتهوا إلى الرحمن، والناس في الحساب يهتمّون ويغتمّون، وهؤلاء يأكلون ويشربون فرحين. (1) فقال علي عليه السلام: من هؤلاء، يا رسول اللَّه؟ فقال صلى اللَّه عليه وآله: هم شيعتك (2) وأنت إمامهم، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» على الرحائل «ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً»: أعدائك يساقون إلى النار بغير حساب » . (3) [ 87 ] قوله: «لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً»، قال الصادق عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله. قلت: يا رسول اللَّه، وكيف يوصي الميّت عند الموت؟

.


1- .في الأصل زيادة: وفي حديث آخر، قال صلّى اللَّه عليه وآله: «إنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنّة، عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت، وجلالها الإستبرق والسندس، وخطامها جدل الأرجوان، وأزمتها من زبرجد، فتطير بهم إلى المحشر، مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قدامه، وعن يمينه، وعن شماله، يزفّونهم زفّاً حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم. وعلى باب الجنّة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها ألف من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية، فيسقون منها شربة، فيطهر اللَّه قلوبهم من الحسد، ويسقط عن أبشارهم الشعر، وذلك قوله تعالى: «وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً» من تلك العين المطهرة، ثمّ يرجعون إلى عين اُخرى عن يسار الشجرة، فيغتسلون منها، وهي عين الحياة، فلا يموتون أبداً. ثمّ يوقف بهم قدّام العرش، وقد سلموا من الآفات والأسقام، والحرّ والبرد أبداً. قال: فيقول الجبار للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنّة، ولا توقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضاي عنهم، ووجبت رحمتي لهم، فكيف اُريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات السيئات؟! فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة، فإذا انتهوا إلى باب الجنّة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة، فتصر صريرا، فيبلغ صوت صريرها كلّ حوراء خلقها اللَّه وأعدّها لأوليائه، فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة، ويقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولياء اللَّه، فيفتح لهم الباب، فيدخلون الجنّة. ويشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميات، فيقلن: مرحباً بكم، فما كان أشدّ شوقنا إليكم! ويقول لهن أولياء اللَّه مثل ذلك.
2- .العبارة في الأصل هكذا: «يا عليّ هؤلاء شيعتك والمخلصون في ولايتك».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 734 - 735، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 95، ح 69.

ص: 303

قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه، قال: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إنّي أعهد إليك في دار الدنيا أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، وأنّ البعث حقّ، والحساب حقّ، والقدر والميزان حقّ (1) ، وأنّ الدين كما وصفت، وأنّ الإسلام كما شرعت، وأنّ القول كما حدّثت، وأنّ القرآن كما أنزلت، وأنّك أنت اللَّه الحق المبين، جزى اللَّه محمّداً خير الجزاء، وحيّا اللَّه محمّداً وآله بالسلام. اللّهمّ يا عدّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدّتي، ويا وليي في نعمتي، إلهي و إله الناس، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فإنّك إن تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشرّ، وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحدتي، واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً (2) ، ثمّ يوصي بحاجته. وتصديق هذه الوصية في سورة مريم، في قوله: «لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً»، فهذا هو عهد الميّت، والوصيّة حقّ على كلّ مسلم أن يحفظ هذه الوصية، ويتعلّمها. قال علي عليه السلام: علّمنيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: علّمنيها جبرئيل عليه السلام». (3) [ 96 ] وأمّا قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا»، فإنّه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه كان جالسا بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال له: «قل يا علّي: اللّهمّ اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً، فقالها، فأنزل اللَّه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» » . فقوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» أي: أمير المؤمنين «وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ»أي: بعد المعرفة». [ 89 ] قوله: «إدًّا» أي: ظلماً . [ 97 ] قوله: «وتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا»، قال: «أصحاب الكلام والخصومة » . [ 98 ] قوله: «رِكْزاً» أي: حسّاً . (4)

.


1- .كذا في الأصل، وفي النسخ: «والقبر والميزان والصراط».
2- .كذا في الأصل، وفي النسخ: «واتباعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي، فاجعل لي عندك عهداً يوم ألقاه منشوراً».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 735، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 7، ص 317، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 83 - 89، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 740، عن تفسير القمّي.

ص: 304

سورة طه (20)

سورة طه (20)[مكّيّة، وآياتها مائة وخمس وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْك الْقُرْآنَ لِتَشْقى». عن أبي عبد اللَّه وأبي جعفر عليهما السلام، قالا: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا صلّى قام (1) على أصابع رجليه حتّى تدمى (2) حتّى انتفخت قدماه؛ فأمره بالجلوس. أقول: القيام وإن طال، لا يوجب أن تدمي الرجل؛ بل هو يورمها؛ لمّا ينزل اليها من الدم (3) .فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: يامحمّد «طه» يعني: الأرض. قوله: «لِتَشْقى» أي: تتعب» . (4) أقول: طه في بعض اللغات معناه: يا أيّها الرجل. [ 7 ] قوله: «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»؛ قال: ««السِّرَّ»: ما أخفيته في نفسك، «وأَخْفى» (5): ما خطر ببالك ثمّ نسيته». (6) [ 12 ] قوله: «فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ»، قال: «كانتا من جلد حمار ميّت». (7)

.


1- .في «ب» و «ج»: «يقوم».
2- .في الأصل: «حتّى تورّمت».
3- .في «ب» و «ج»: «من المواد».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 748، عن تفسير القمّي .
5- .في «ب» و «ج»: «الخفي».
6- .روى نحوه في مجمع البيان، ج 7، ص 6.
7- .روى نحوه في علل الشرائع، ص 66، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 10، فراجع الأصل.

ص: 305

[ 15 ] قوله: «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا»، قال الصادق عليه السلام: «اُكاد أخفيها في (1) نفسي». (2) أقول: وقيل: إذا أظهرها. [ 18 ] قوله: «مَآرِبُ أُخْرَى» أي: حوائج، وكان يضرب بالعصا على الشجر حتّى يسقط الورق، وهو الهش. (3) [ 31 ] قوله: «اُشْدُدْ بِهِ أزْرِى» أي: ظهري. [ 40 ] وقوله: «وفَتَنَّاك فُتُوناً» أي: اختبرناك اختباراً. (4) [ 42 ] قوله: «ولا تَنِيا فِى ذِكْرِى» أي: لا تضعفا . (5) [ 43 - 44 ] قوله: «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى». ذهب بعض المعتزلة في هذا: إلى أنّ اللَّه لم يعلم أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى؛ ولولا ذلك لم يقل: «لَعَلَّهُ». وهذا فاسد. أقول: لأنّ اللَّه يعلم بالحال والاستقبال، والمعنى: لأنّه عالم بكلّ معلوم ؛ لأنّ نسبة المعلومات إليه بالسواء (6) ؛ يعلمها كلّها كلّيّة وجزئيّة، ومن قال بغير ذلك كفر. وإنّما قال ذلك لأنّ موسى عليه السلام لمّا قال له اللَّه: «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ»، قال: «إِنِّى قَتَلْتُ» منهم «نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ»، فلمّا خاف أن يذهب أطمعه اللَّه بقوله:[ائتياه «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ] (7) يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى»، فطمع موسى وطاب نفسه بقول اللَّه سبحانه: «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» [وقد علم أنّه لا يتذكّر ولا يخشى] (8) ولكن لهذه العلّة. (9)

.


1- .في الأصل: «من».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 759، عن تفسير القمّي. وفي الأصل زيادة: «- هكذا نزلت -. قيل: كيف يخفيها من نفسه؟ قال: جعلها من غير وقت» .
3- .في قوله تعالى: «وَأهشُّ بها عَلَى غنمي».
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 41، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 763، عن تفسير القمّي.
6- .في «ب» و «ج»: «بالسوية».
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
8- .ما بين المعقوفتين من الأصل، والعبارة في النسخ هكذا: «لأنّ اللَّه يعلم أنّه لا يتذكّر أو يخشى».
9- .اشار إلى هذا الحديث البحراني في البرهان، ج 3، ص 764، عن تفسير القمّي. وروي معناه في علل الشرائع، ص 67، ح 1.

ص: 306

[ 54 ] قوله: «إِنَّ فِى ذلِك لآَياتٍ لاولِى النُّهى»، قال العالم: «نحن - واللَّه - اُولوا النُّهى؛ أخبر اللَّه به رسوله صلى اللَّه عليه وآله مما يكون من بعده، من ادعاء القوم الخلافة، فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام فنحن «أولِى النُّهى» الذي انتهى إلينا علم ذلك كلّه. (1) » . (2) أقول: النُّهى: العقل، وليس من الإنتهاء. [ 52 ] قوله: «لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَ لَا يَنسَى» أي: لا يغفل ولاينسى. [ 59 ] قوله: «يَوْمُ الزِّينَةِ»: يوم عيدهم. [ 82 ] قوله: «ثُمَّ اهْتَدى»، قال أبو جعفر عليه السلام: «اهتدى إلينا». (3) [ 85 - 86 ] قوله: «وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ»، قال: «بالعجل الذي عبدوه، وكان سبب ذلك أنّ موسى لمّا وعده اللَّه أن ينزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوماً أخبر بني إسرائيل بذلك، وذهب إلى الميقات، وخلّف أخاه هارون في قومه، فلمّا جاءت الثلاثون يوماً ولم يرجع موسى عليه السلام إليهم غضبوا وأرادوا أن يقتلوا هارون، وقالوا: إنّ موسى كذبنا وهرب منّا. فجاءهم إبليس في صورة رجل، فقال لهم: إنّ موسى قد هرب منكم ولا يرجع إليكم أبداً، فاجمعوا لي حليكم حتّى أتژخذ لكم إلهاً تعبدونه. وكان السامري لمّا نجى اللَّه بني إسرائيل وموسى من اليمّ رأى جبرئيل على البراق في صورة رمكّة، فكانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض يتحرّك ذلك

.


1- .العبارة وردت في الأصل هكذا: «فقلت: جعلت فداك، وما معنى اُولي النّهى؟ قال: «ما أخبر اللَّه به رسوله صلّى اللَّه عليه وآله ممّا يكون من بعده، من ادّعاء القوم الخلافة والقيام بها، والآخر من بعده، والثالث من بعدهما، وبني اُمية، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله فكان ذلك كما أخبر اللَّه به نبيه صلّى اللَّه عليه وآله، وكما أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام وكما انتهى إلينا من علي عليه السلام، فيما يكون من بعده من الملك، في بني اُميّة وغيرهم، فهذه الآية التي ذكرها اللَّه تعالى في الكتاب فنحن «أُولِى النُّهى» الذي انتهى إلينا علم ذلك كلّه، فصبرنا لأمر اللَّه، فنحن قوّام اللَّه على خلقه، وخزّانه على دينه، نخزنه ونستره، ونكتم به من عدوّنا، كما كتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حتّى أذن اللَّه له في الهجرة، وجاهد المشركين، فنحن على منهاج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، حتّى يأذن اللَّه لنا في إظهار دينه بالسيف، وندعو الناس إليه، فنضربهم عليه عوداً، كما ضربهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله بدءاً .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 765 - 766، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 314، ح 7.
3- .البرهان، ج 3، ص 772. وروى معناه الصدوق في فضائل الشيعة، ص 65، ح 22، وراجع.

ص: 307

المكان، فنظر إليه السامري وأبصره - وكان من خيار أصحاب موسى عليه السلام -، فأخذ من تحت حافر فرس جبرئيل التراب الذي رآه يتحرّك، فصره في شي ء كان معه، يفتخر به على بني إسرائيل، فلمّا جاءهم إبليس واتّخذوا العجل، قال للسامري: هات الذي معك من التراب. فجاء به، فألقاه إبليس في جوف العجل، وكان مجوّفاً، فلمّا وقع التراب في جوفه تحرّك، وخار، ونبت عليه الوبر والشعر، فسجد له بنو إسرائيل». (1) [ 86 ] وروي: أنّ عدد الذين سجدوا سبعين ألفاً، وبقوا في ذلك عشرة أيّام حتّى تمّ ميقات موسى (2) ، فلمّا كان يوم عشرة من ذي الحجّة، أنزل اللَّه على موسى الألواح فيها التوراة وفيها ما يحتاجون إليه من الأحكام والسير والقصص، فأخبر اللَّه موسى بقصّتهم، «فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً»... الآية . (3) [ 97 ] فأوحى اللَّه إلى موسى: لا تقتل السامري، فإنّه سخيّ، فقال له موسى: «فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ» (4)، فأخرج موسى العجل وأحرقه بالنار وألقاه في البحر . (5) قال الصادق عليه السلام: «ما بعث اللَّه رسولاً إلّا وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه، ويضلّان الناس بعده، فأمّا الخمسة [اُولو العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد - صلى اللَّه عليه وآله وعليهم - فأمّا] (6) صاحبا (7) نوح: فطنطينوس وخرام، وأمّا

.


1- .كذا في النسخ، وفي الأصل هكذا: وكان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق اللَّه فرعون وأصحابه، فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صورة رمكّة، فكانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرّك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري - وكان من خيار أصحاب موسى عليه السلام - فأخذ التراب من تحت حافر رمكّة جبرئيل، وكان يتحرّك، فصرّه في صرّة، وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل، فلمّا جاءهم إبليس واتّخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك. فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل، فلمّا وقع التراب في جوفه تحرّك، وخار، ونبت عليه الوبر والشعر، فسجد له بنو إسرائيل.
2- .في الأصل زيادة: «فقال لهم هارون كما حكى اللَّه: «يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِى وأَطِيعُوا أَمْرِى قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى»، فهموا بهارون فهرب من بينهم، وبقوا في ذلك حتّى تمّ ميقات موسى أربعين ليلة.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 772 - 773، عن تفسير القمّي .
4- .في الأصل زيادة: «فهذه علامة السامرية بالشام و مصر، فإنّهم إذا تكلّموا، قالوا: لا مساس».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 775، عن تفسير القمّي.
6- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
7- .في «ب» و «ج»: «فصاحبا».

ص: 308

صاحبا إبراهيم: فمكيل ورذام، وأمّا صاحبا موسى: فالسامري ومرعقيبا، وأمّا صاحبا عيسى: فينواس ومريسون، وأمّا صاحبا محمّد صلى اللَّه عليه وآله: فحبتر وزريق (1) ». (2) [ 102 ] قوله: «زُرْقاً»، قال: «تبقى أعينهم مزرقة مفتوحة، لا يقدرون أن يطرفوها » . (3) [ 108 ] وقوله: «وَ خَشَعَتِ الأَصْواتُ» أي سكنت، وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه الناس في صعيد واحد وهم حفاة عراة، فيوقفون في المحشر حتّى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم، فيمكثون في ذلك خمسين عاماً، وهو قول اللَّه: «وَ خَشَعَتِ الأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً»قال: ثمّ ينادي منادٍ من تلقاء العرش: أين النبيّ الاُمّي؟ فيقول الناس: قد أسمعت، فسمّ باسمه. فينادي: أين نبيّ الرحمة، أين محمّد بن عبد اللَّه الاُمّي؟ فيتقدّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة (4) إلى صنعاء، فيقف عليه، فينادي بصاحبكم فيتقدّم أمّام الناس فيقف معه، ثمّ يؤذن للناس فيمرّون، فبين وارد الحوض يومئذٍ وبين مصروف عنه، فإذا رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من يصرف عنه من محبّينا يبكي، ويقول: يا ربّ، شيعة عليّ. قال: فيبعث اللَّه إليه ملكاً فيقول له: ما يبكيك يا محمّد؟ فيقول: أبكي لأناس من شيعة عليّ، أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا ورود حوضي. فيقول الملك: إنّ اللَّه يقول: قد وهبتهم لك - يا محمّد - وصفحت لهم عن ذنوبهم بحبّهم لك ولعترتك، وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون به، وجعلناهم في زمرتك

.


1- .في «ب» و «ج»: «وزفر».
2- .وقد ذكر عليّ بن إبراهيم هذا الحديث في تفسير: «وكَذلِك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الانْسِ والْجِنِّ» في سورة الأنعام، الآيات 112 - 114. وقد روى هذا الحديث عنه البحراني في البرهان، ج ، ص 776.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 776، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 105 - 107، فراجع الأصل.
4- .أيلة: قصبة في بلاد الشام، وفي بعص الروايات: «الأبّلة»، وهي بليدة في ضواحي البصرة.

ص: 309

فأوردهم حوضك» (1) . (2) [ 114 ] قوله: «وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ»... الآية، قال: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل نزول تمام الآية والمعنى، فقوله: «يُقْضى إِلَيْك وَحْيُهُ» أي: يفرغ من قراءته، والقضاء هنا الفراغ، لقوله: «فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْ إِلَى قَوْمِهِم مُنذِرِينَ» (3) » . (4) [ 115 ] قوله: «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ» يعني: ما نهاه عنه من أكل الشجرة، فنسي وأكل . (5) أقول: إنّ النسيان هنا: الترك؛ فإنّ الأنبياء لا ينسون الاُمور الدينيّة. [ 124 ] قوله: «مَعِيشَةً ضَنْكاً» أي: ضيّقة . (6) [ 131 ] وقوله: «ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك»... الآية، قال الباقر عليه السلام: «لمّا نزلت هذه الآية، استوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله جالساً، ثمّ قال: من لم يتعزّ بعزاء اللَّه تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن أتبع بصره (7) ما في أيدي الناس طال همّه، ولم يشف غيظه، ومن لم يعرف أنّ للَّه عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب، قصر أجله ودنا عذابه » . (8) [ 135 ] قوله: «ومَنِ اهْتَدى»، قال: «إلى ولايتنا». (9)

.


1- .في الأصل زيادة: «قال أبو جعفر عليه السلام: فكم باك يومئذ وباكية ينادون: يا محمّد، إذا رأوا ذلك، ولا يبقى أحد يومئذ يتولّانا ويحبّنا ويتبرّأ من عدوّنا ويبغضهم إلّا كانوا في حزبنا ومعنا ويردون حوضنا».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 777، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 110 - 113، فراجع الأصل.
3- .الاحقاف (46): 29.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 780، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 781، عن تفسير القمّي.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 785، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 126 - 130، فراجع الأصل.
7- .في «ب» و «ج»: «نظره».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 788، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 132 - 135، فراجع الأصل.
9- .هذه العبارة وردت في «ب» فقط، وأورده البرهان، ج 3، ص 791، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 323، ح 24.

ص: 310

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء (21)

[الجزء السابع عشر]سورة الأنبياء (21)[مكّيّة، وآياتها مائة واثنتا عشر]بسم الله الرحمن الرحيم[ 5 ] قوله: «بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ» أي: هذا الذي يخبرنا به محمّد هو رؤيا يراها أضغاث أحلام . (1) [ 7 ] قوله: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ»، قال: «آل محمّد عليهم السلام » . (2) [ 15 ] قوله: «حَصِيداً خَامِدِينَ» أي: ميّتين . [ 12 ] قوله: «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ» يعني: أحسّوا بالقائم من آل محمّد عليهم السلام . (3) [ 29 ] قوله: «وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلهٌ مِنْ دُونِهِ»، قال: «من زعم أنّه إمام وليس هو بإمام » . (4) [ 30 ] قوله: «أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما». عن أبي عبد اللَّه عليهم السلام، قال: «خرج هشام بن عبد الملك حاجّاً ومعه الأبرش الكلبي، فلقيا أبي عليه السلام في

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 802، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 802، عن تفسير القمّي. واعلم أن هناك روايات كثيرة تدلّ على أنّ أهل الذكر المذكورين في الآية هم أهل البيت عليهم السلام فراجع بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 23، ص 172، أورد نحواً من 64 حديثاً في ذلك. وقد تقدّمت روايات في هذا المعنى في تفسير الآيات (43 - 44) من سورة النحل(6)، فراجع.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 804، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 51، ح 15. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 19 - 26، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 813، عن تفسير القمّي.

ص: 311

المسجد الحرام، فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا هو الذي تزعم الشيعة أنّه نبيّ من كثرة علمه. فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها (1) إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ. فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك. فلقي الأبرش أبا عبد اللَّه عليه السلام، فقال: يا أبا عبد اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» فبما كان رتقهما، وبما كان فتقهما؟ فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: يا أبرش، هو كما وصف نفسه، وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات، فلمّا أراد اللَّه أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، فقال اللَّه تبارك وتعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبارَكاً» ثمّ مكث الربّ تبارك وتعالى ما شاء، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور، حتّى أزبدتها، فخرج من ذلك الموج والزبد، - من وسطه - دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك، وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب، وكانتا مرتقتين ليس لهما أبواب، ولم يكن للأرض أبواب، وهي النبت، ولم تمطر السماء عليها فتنبت، ففتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وذلك قوله تعالى: «أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» . (2) فقال الأبرش: واللَّه ما حدّثني بمثل هذا الحديث أحد قط، أعد علىَّ. فأعاد عليه، وكان الأبرش ملحداً، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّك نبيّ. (3) قالها ثلاث مرّات». (4)

.


1- .في «ب» و «ج»: «عنها».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 817، عن تفسير القمّي.
3- .في الأصل: «ابن نبيّ».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 815 - 816، عن تفسير القمّي.

ص: 312

أقول: هذا كفر من الأبرش (1) ، ولابدّ من أن يكون الإمام أنكر ذلك وحكم بارتداده، ومع هذا ففي هذا التفسير نظر ظاهر، فليتأمل؛ فإن كان هذا قد قاله الإمام فهو مؤوّل لا يوافق العقول، فلابدّ من التأويل. (2) [ 34 ] قوله: «وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِك الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ»، فإنّه روي: «أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رأى في نومه أنّ قروداً تصعد منبره وتنزل، فأخبره اللَّه بما يصيب أهل بيته من بعده، وأنّ الخلافة تكون في غيرهم، فاغتمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله غمّاً شديداً، فنزلت » . (3) وروي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كُتِب، وكأنّ الحق فيها على غيرنا وَجَب، وكأنّ الذين نشيّع من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة، ورمينا بكلّ جائحة. أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة، وجالس أهل الفقه والرحمة، وخالط أهل الذلّ والمسكنة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية. أيها الناس، طوبى لمن ذلّت نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ما له، وأمسك الفضل من كلامه، عدل عن الناس شرژه، ووسعته السنّة، ولم يتعدّ إلى البدعة. أيها الناس، طوبى لمن لزم بيته، وأكل كسرته، وبكى على خطيئته، وكان من نفسه في تعب، والناس منه في راحة. من عرف اللَّه خاف اللَّه، ومن خاف اللَّه سخت نفسه عن الدنيا » . (4)

.


1- .الكفر، إنّما هو على ما جاء في نسخته من سقوط كلمة «ابن»، ولا يرد ذلك على ما أثبتناه من الأصل.
2- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 32، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 818، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 818، عن تفسير القمّي. وأورد ما يقرب منه لفظاً القاضي ابن ودعان في كتابه الأربعين الودعانيّة، الحديث الأوّل. قد فصّلنا بيانه وذكرنا تخريجاته في تحقيقنا للأربعين الودعانية، فليراجع. وروى معناه عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، أيضاً الحكمة (122). هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 37 و 47، فراجع الأصل.

ص: 313

[ 51 - 70 ] قوله: «وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ» إلى قوله تعالى: «بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ». كان إبراهيم ينهى أباه وقومه عن عبادة الاصنام. أقول: إنّ أبا إبراهيم لم يكن كافراً، وكان إسمه «تارخ» بإجماع أهل الملل، وأمّا «آزر»، فكان إمّا جدّ اُمّه، وإمّا مربّيه، وقيل غير ذلك. ويقول: أتعبدون خشبة تنحتونها بأيديكم، لا تنفع ولا تضرّ، ولا تسمع ولا تبصر؟ فكانوا يقولون: «وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ» فيقول: «لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُم وَآبَاؤُكُمْ فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ»، ثمّ حضر عيدٌ لهم، فخرج نمرود، وجميع أهل مملكته إلى عيدهم، وكره أن يخرج معه إبراهيم، فوكله ببيت الأصنام، فلمّا ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام، فكان يدنو من صنم صنم، ويقول له: كل وتكلّم، فإذا لم يجبه أخذ القدّوم (1) فكسر يده ورجله، حتّى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثمّ علق القدّوم في عنق الكبير منهم، الذي كان في الصدر. فلمّا رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة، فقالوا: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ»، وهو ابن آزر، فجاءوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر: خنتني، وكتمت هذا الولد عني؟ فقال: أيها الملك، هذا عمل اُمّه، وذكرت أنها تقوم بحجّتها. فدعا نمرود اُمّ إبراهيم، فقال لها: ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتّى فعل بآلهتنا ما فعل؟ فقالت: أيها الملك، نظراً منّي لرعيّتك. قال: وكيف ذلك؟ قالت: رأيتك تقتل أولاد رعيّتك، فكان يذهب النسل، فقلت: إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله، ويكف عن قتل أولاد الناس، وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك، وكفّ عن أولاد الناس، فصوّب رأيها، ثمّ قال لإبراهيم عليه السلام: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم»؟ قال عليه السلام: «فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ».

.


1- .القدوم: آلة للنّجر. المعجم الوسيط، ج 2، ص 72 (قدم).

ص: 314

قال العالم عليه السلام: «و اللَّه ما فعله كبيرهم، وما كذب إبراهيم عليه السلام». فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: «إنّما قال: فعله كبيرهم هذا إن نطق، وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئاً». فاستشار نمرود قومه في إبراهيم عليه السلام، فقالوا له: «حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» فجمع له الحطب، وشجروا فيه النار، حتّى إذا كان اليوم الذي اُلقى فيه نمرود إبراهيم عليه السلام في النار، برز نمرود وجنوده - وقد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم عليه السلام كيف تأخذه النار - فجاء إبليس واتّخذ لهم المنجنيق، لأنّه لم يقدر أحد أن يقرب من تلك النار، وكان الطائر إذا مرّ في الهواء يحترق، فوضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق، وجاء أبوه فلطمه لطمة، وقال له: إرجع عمّا أنت عليه. وأنزل الربّ ملائكة إلى السماء الدنيا، ولم يبق شي ء إلّا طلب إلى ربّه، وقالت الأرض: يا ربّ، ليس على ظهري أحد يعبدك غيره، فيحرق؟ وقالت الملائكة: يا ربّ، خليلك إبراهيم يحرق؟ فقال اللَّه عزّ وجلّ: أمّا إنّه إن دعاني كفيته. وقال جبرئيل عليه السلام: يا ربّ، خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره، فسلّطت عليه عدوّه يحرقه بالنار؟ فقال: اسكت، إنّما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت، وهو عبدي آخذه إن شئت، فإذا دعاني أجبته. (1) فدعا إبراهيم عليه السلام ربّه بسورة الإخلاص: «يا اللَّه، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن لّه كفوا أحد، نجّني من النار برحمتك». قال: فالتقى جبرئيل معه في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم، هل لك إلىَّ من حاجة؟ فقال إبراهيم عليه السلام أمّا إليك فلا، وأمّا إلى ربّ العالمين فنعم. فدفع إليه خاتماً مكتوباً عليه: «لا إله إلّا اللَّه محمّدٌ رسول اللَّه، ألجأت ظهري إلى اللَّه، وأسندت أمري إلى اللَّه،

.


1- .روي معناه في الكافي، ج 8، ص 368، ح 559 .

ص: 315

وفوّضت أمري إلى اللَّه». (1) فأوحى اللَّه إلى النار: «كُونِى بَرْداً» فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السلام من البرد حتّى قال: «وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ». وانحطّ جبرئيل، وجلس معه يحدّثه في النار، فنظر إليه نمرود، فقال: من إتّخذ إلها فليتّخذ مثل إله إبراهيم. فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود: إنّي عزمت على النار أن لا تحرقه. فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه. فآمن له لوط وخرج معه مهاجراً إلى الشام، ونظر نمرود إلى إبراهيم عليه السلام في روضة خضراء في النار، ومعه شيخ يحدّثه، فقال لآزر: ما أكرم ابنك على ربّه!. (2) ثمّ دعاه وقال له: اذهب، ولا تساكنّي في بلدي. قال العالم: «كان الطير يمرّ بنار إبراهيم فيسقط فيها، وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم، وكان الضفادع تذهب فتأتي بالماء لتطفئ به النار». قال: «ولمّا قال اللَّه للنار: «كُونِى بَرْداً وسَلاماً» لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيّام، وهو قوله: «وأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الاخْسَرِينَ» (3)» . (4) [ 72 ] قوله: «نافِلَةً»، قال: «ولد الولد (5) » . (6) [ 78 - 79 ] قوله: «وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ»... الآية، قال: «كان في بني إسرائيل رجل له كُرم، ونفشت فيه غنم لرجل آخر باللّيل، وقضمته وأفسدته، فجاء صاحب الكرم إلى داود عليه السلام فاستعدى على صاحب الغنم، فقال داود عليه السلام: إذهبا إلى

.


1- .راجع الأمالي الصدوق، ص 181، ح 4.
2- .روي نحوه في الأمالي، ج 2، ص 273.
3- .في الأصل زيادة: وقال اللَّه عزّ وجلّ: «ونَجَّيْناهُ ولُوطاً إِلَى الارْضِ الَّتِى بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ»، يعني: الشام، وسواد الكوفة، وكوثى ربا .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 823 - 824، عن تفسير القمّي .
5- .في الأصل زيادة: «و هو يعقوب».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 828، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 74، فراجع الأصل.

ص: 316

سليمان ليحكم بينكما. فذهبا إليه، فقال سليمان عليه السلام: إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع، فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل، فإنّه يدفع ولدها إلى صاحب الكُرم. وقد كان هذا حكم داود عليه السلام، وإنّما أراد أن يعرّف بني إسرائيل أنّ سليمان عليه السلام وصيّه بعده، ولم يختلفا في الحكم، وهو قوله: «ففهمناها سليمان وكلاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً»، وأنّ داود حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم، وحكم سليمان الرسل - وهو اللبن (1) - والثلّة (2) ». (3) أقول: الحكم في هذه القصّة: أنّ صاحب الزرع إن كان قويّاً في حفظه، لا شي ء له. وإلّا كان على صاحب الغنم قيمة الزرع إن استؤصل الزرع، وان لم يستأصل وذهب بعضها أو عيب، كان عليه الأرش. [ 80 ] قوله: «وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ»، قال: «هي الدروع » . (4) [ 82 ] قوله: «وَ مِنَ الشَّيَطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ»، قال: «يُخرجون من البحر اللؤلؤ والجواهر » . [ 84 ] قوله: «وآتَيْناهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ»، قال أبو بصير: سألته: هم أهله؟ (5) فقال: «أهله قد ماتوا قبل أن يبتلي بالشيطان على عدّة الذين سلّط عليهم الشيطان، فبُعثوا له معهم». قلت: عاشوا في الدنيا؟ قال: «نعم». (6)

.


1- .راجع: لسان العرب، ج 11، ص 90.
2- .الثلّة: الصوف (صحاح اللغة، ج 4، ص 1648)، وفي لسان العرب، ج 11، ص 210: الصوف والشعر والوبر، وفي ج 11، ص 90: قال ابن الاثير: تسمى الصوف بالثلة مجازاً. في الأصل زيادة: ولو اختلف حكمهما لقال: كنّا لحكمهما شاهدين.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 831، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 5، ص 301، ح 2.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 832، عن تفسير القمّي. وروى معناه في التهذيب، ج 6، ص 326، ح 896 .
5- .في «ب»: «هم أهل خلقوا أم لم يكونوا؟».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 833، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 252، ح 354. وستأتي - ان شاء اللَّه تعالى - الروايات في قصّة أيّوب في سورة ص (38)، الآيات (41 - 44).

ص: 317

[ 87 ] وعن زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله تعالى: «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»، قال: «أنزله على أشدّ الأمرين، وظنّ به أشدّ الظن، و «النُّونِ»: هو اسم الحوت » . (1) أقول: قوله: «لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» أي: لن نضيّق عليه ؛ لقوله: «فَقْدرَ عَلَيْهِ رزقه» (2)أي: ضيّق عليه. ولو كان من القدرة التي ضدّ العجز كان كفراً. (3) [ 95 ] وقوله: «وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ»، قال: «لا يرجع في الرجعة أهل قرية أهلكها اللَّه بالعذاب» . (4) [ 101 - 102 ] وقوله: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الْحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا» أي صوتها، وهي ناسخة لقوله: «وإِنْ مِنْكُمْ إِلا وارِدُها» (5)... الآية . (6) أقول: الحقّ أنّ الورود: الإشراف، فليست بمنسوخة. قوله: «لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها»أي: صوتها . (7) [ 104 ] قوله: «يَوْمَ نَطْوِى السَّماءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ»؛ قال: «السجلّ: اسم الملك الذي يطوي (8) الكتب، ومعنى «نَطْوِى السَّماءَ» أي: يفنيها، فتتحوّل السماوات دخاناً (9) والأرض نيراناً. (10)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 834 - 835، عن تفسير القمّي.
2- .الفجر (89)، ص 16.
3- .راجع: البرهان، ج 3، ص 833، وهناك روايات تدلّ على ما ذهب إليه ابن العتائقي، فراجع. عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 191، ح 1 و ص 201، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 89 - 94، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 839، عن تفسير القمّي. وروى نحوه أيضاً في 3، ص 840 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 96 - 98، فراجع الأصل.
5- .مريم (19): 71.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 841، عن تفسير القمّي.
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 103، فراجع الأصل.
8- .في «ج»: «اسم ملك يطوي».
9- .في «ب» و «ج»: «جناناً».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 847، عن تفسير القمّي. وروى مايقربه منه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 54، ح 145.

ص: 318

أقول: هذا الكلام يوهم أنّ الجنّة والنار لم تخلقا الآن، وإنّما تخلقان، وهو رأي بعض، وليس كذلك، فأمّا أنّهما مخلوقتان؛ فلقوله: «أُعِدَّت للمُتّقِينَ» (1)وقوله: «يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا». (2) [ 105 ] قوله: «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِى الزَّبُورِ»... الآية، أي يرثها القائم عليه السلام وأصحابه . (3)«مِن بَعْدِ الذِّكْرِ»، [قال: «الكتب كلّها ذكر ] (4) » . (5) [ 112 ] قوله: «قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي: لا تدع (6) للكفّار، وادع عليهم وقل: ربّ انتقم منهم وعذّبهم، ومعنى «اُحْكُم بِالْحَقِّ» أي: انتقم من الظالمين وعذّبهم، وهو مثل قوله في سورة آل عمران: «لَيْسَ لَك مِنَ الأمْرِ شَىْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» (7)أي لا تدع لهم؛ فإنّي لا أتوب عليهم حتّى أعذّبهم فانّهم ظالمون . فحرّفوا ذلك . 8

.


1- .وهو قوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ». آل عمران (3): 133.
2- .وتمام الآية: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ». غافر (40): 46.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 848، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 332، ح 21 و 22؛ والطبرسي في مجمع البيان، ج 7، ص 106.
4- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 848، عن تفسير القمّي.
6- .في «ط»: «لا تدعو».
7- .آل عمران (3): 128.

ص: 319

سورة الحجّ (22)

سورة الحجّ (22)[مدنيّة، وآياتها ثمان وسبعون] (1)بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها»: كلّ حاملة تموت، والكلام خرج مخرج التهويل، أي تضع حملها يوم القيامة . (2) [ 5 ] ثمّ خاطب اللَّه عزّ وجلّ الدهرية، واحتجّ عليهم، فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ»، أي: في شكّ. قوله: «وتَرَى الارْضَ هامِدَةً»...الآية، أي: جامدة يابسة. والآية ردّ على من أنكر البعث والنشور . (3) [ 20 ] وقوله: «يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ»، قال: «تشويه النار، حتّى تسترخي شفته السفلى حتّى تبلغ سرّته، وتتقلّص شفته [العليا حتّى تبلغ] (4) وسط رأسه». (5) ثمّ قال: «كلّ نار وقدها بنو آدم فهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنّم» (6) . [ 24 ] وقوله: «وهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ»، أي: التوحيد . 7

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 856، عن تفسير القمّي. وقد تقدّم لهذا الحديث زيادة في تفسير قوله تعالى: «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ»، فراجع تفسير الآية (114) من سورة هود (11).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 857، عن تفسير القمّي.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 862، عن تفسير القمّي .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 862 - 863، عن تفسير القمّي .
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 866، عن تفسير القمّي.

ص: 320

[ 25 ] «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ والْبادِ» يعني: أهل مكّة ومن جاء إليهم من البلدان سواء، لا يمنع النزول ودخول الحرم منه. (1) أقول: هل تباع دور مكّة؟ قيل: لا؛ لهذه الآية، وقيل: تباع ويصحّ بيعها. والمسألة مسألة خلاف بين المسلمين. (2) [ 26 ] وقوله: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ» أي: عرّفناه. [ 27 ] وقوله: «وَ أَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ»؛ تقدّم تفسيرها . (3) [ 30 ] وقوله: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ»، قال: «منه: الشطرنج والنرد» «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»، قال: «الغناء » . (4) [ 31 ] وقوله: «حُنَفَاءَ لِلَّهِ» أي: طاهرين . (5) [ 33 ] وقوله: «لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً»، وهي البدن يركبها المحرم غير مضرّ بها، ولا معنّف عليها، وإن كان لها لبن شرب منه إلى يوم النحر، وهو قوله تعالى: «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» . (6) [ 34 ] وقوله: «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ»، قال: «العابدين » . (7) [ 36 ] وقوله: «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ»، قال: «تنحر قائمة». قال: «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» أي: سقطت إلى الأرض «فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْقانِعَ والْمُعْتَرَّ»، قال: ««الْقانِعَ»: الذي يسأل فيقنع بما تعطيه، «والْمُعْتَرَّ»: هو الذي يعتريك ولا يسأل » . (8)

.


1- .راجع: الكافي، ج 4، ص 243، ح 1 و2.
2- .للاطّلاع على مختلف أقوال العلماء في المسألة راجع الخلاف، ج 3، ص 188 - 190؛ وشرائع الإسلام، ج 2، ص 270.
3- .تقدّم ذلك في تفسير الآية (125) من سورة البقرة فراجع.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 882، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 6، ص 435، ح 2 .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 882، عن تفسير القمّي. وروى معناه في معاني الأخبار، ص 349، ح 1.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 883، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 4، ص 492، ح 1.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 884، عن تفسير القمّي.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 886، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 4، ص 500، ح 6.

ص: 321

[ 39 ] قوله: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا»، العامّة تقول: هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين اُخرج من مكّة، والخاصة رووا أنّه القائم عليه السلام إذا خرج وطلب بدم الحسين عليه السلام، حين ظُلموا و «أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ» . (1) أقول: لم يبق ممّن ظلم الحسين عليه السلام وقتله حيّاً، وإن كان فهو ميّت، ونسله لا يؤاخد بما فعل أبوه. (2) [ 40 ] قوله: «لَّهُدِّمَتْ صَوَ مِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَوَ تٌ»، قال: « القصور» . (3) أقول: الصلوات هي كنائس اليهود، وكأنها هي المعنية بالقصور هنا. (4) [ 41 ] قوله: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِى الارْضِ»...الآية، معطوف على قوله: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا»... الآية (5) . [ 44 ] قوله: «فأَمْلَيْتُ لِلكَافِرِينَ» أي: صبرت عليهم «ثمَّ أخَذْتُهُمْ». [ 45 ] قوله: «فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وهِىَ ظالِمَةٌ فَهِىَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها»، [العروش: سقف البيت وحولها وجوانبها] . (6) وأمّا قوله: «وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ»، قال: «هو مثل جرى لآل محمّد عليهم السلام». قوله: «وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ»: هي التي لا يستقى منها، وهو الإمام الذي قد غاب، فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره، والقصر المشيد: هو المرتفع، وهو مثل لأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام (7) وفضائلهم المنتشرة في العالمين المشرفة على الدنيا وتستطار ثمّ تشرق

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 889، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 337، ح 534.
2- .ان رضى الأبناء بأفعال آبائهم يوجب اشتراكهم معهم في ذلك، كما ورد في بعض الروايات، راجع كامل الزيارات لجعفر بن محمّد بن قولويه، ص 135. فقد ورد أنّ القائم عليه السلام يقتل أولاد قتلة الحسين عليه السلام لرضاهم بفعل آبائهم. وراجع ما قال له العلّامة المجلسي في تعليق له على ذلك في البحار، ج 70، ص 341.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 889، عن تفسير القمّي.
4- .إلى هنا سقط من «أ»، وأثبتنا النصّ اعتماداً على نسختي «ب» و «ج».
5- .وهي الآية (39) من هذه السورة.
6- .ما بين المعقوفتين من تفسير البرهان، ج 3، ص 893، عن تفسير القمّي.
7- .روى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 1، ص 353، ح 75.

ص: 322

على الدنيا، وهو قوله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»، (1) وقال محمّد بن الحسن شنبولة (2) :بئرٍ معطّلة وقصر مشرف مثل لآل محمّد مستطرف فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا يُنزف 3 [ 52 - 55 ] وقوله تعالى: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِىٍّ» إلى قوله: «عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ»، فإنّ العامة روت أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان في الصلاة، فقرأ سورة النجم (3) في المسجد الحرام، و قريش يستمعون لقراءته، فلمّا انتهى إلى هذه الآية: «أَ فَرَأَيْتُمُ اللاتَ والْعُزَّى ومَناةَ الثَّالِثَةَ الاخْرى» أجرى إبليس على لسانه: فإنّها للغرانيق الاُولى، وإنّ شفاعتهنّ (4) لترجى. ففرحت قريش وسجدوا، وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي، وهو شيخ كبير، فأخذ كفّاً من الحصى، فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش: قد أقرّ محمّد بشفاعة اللات والعزّى (5) . قال: فنزل عليه جبرئيل عليه السلام، فقال له: قد قرأت ما لم أنزل به (6) عليك، وأنزل عليه: «وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِىٍّ إِلّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ». أقول: إنّ هذا لا يجوز على أحد من الأنبياء؛ لأنّهم معصومون صلوات اللَّه عليهم. (7) وروي عن الخاصّ (8) ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أصابته خصاصة، فجاء

.


1- .الفتح (48): 28 .
2- .كذا في «أ»، والعبارة في «ب» و «ج» هكذا: «كلّ هذا مثله لآل محمّد عليهم السلام للإمام القائم، دلّ على عينه قوله: «وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَّشِيدٍ»، فالبئر: الإمام، وهو معطّل، لا يقتبس منه العلم، وقال محمّد بن الحسن شنبولة...».
3- .في «ب» و «ج»: «فقرأ: والنجم اذا هوى».
4- .في «ب» و «ج»: «فإنّها الغرانيق الاُولى، وإن شفاعتها».
5- .في هامش «ب»: «كما قال: ما نعبدهم إلّا ليقربونا إلى اللَّه زلفى».
6- .في «ب» و «ج»: «ينزل».
7- .إنّ هذه الرواية عاميّة كما صرّح ابن العتائقى، و هي من مخترعاتهم التي لاتستند إلى دليل وحجّة، بل هي معارضة للعقل والنقل، وقد فصّل.
8- .في «ب» و «ج»: «وروى الخاصّ».

ص: 323

إلى رجل من الأنصار، فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال: نعم، يا رسول اللَّه. وذبح له عناقاً وشواه، فلمّا أدناه (1) منه تمنّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يكون معه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فجاء أبو بكر وعمر (2) ، ثمّ جاء عليّ عليه السلام بعدهما (3) ، فأنزل اللَّه في ذلك: «وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِىٍّ» ولا محدَّث (4)«إِلّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ» يعني: فلاناً وفلاناً «فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِى الشَّيْطانُ» بعليّ عليه السلام لمّا جاء بعدهما «ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» » . (5) أقول: إمّا أن يريد بالتمنّي التلاوة، أو تمنّي القلب. فإن أراد التلاوة، كان المعنى: أنّ من اُرسل قبلك كان إذا تلا ما يؤدّيه إلى قوم حرّفوه، كما فعلت اليهود. وأضاف ذلك إلى الشيطان ؛ لأنّه بوسوسته وغروره. وإن أراد (6) تمنّي القلب، كان: متى تمنّى بقلبه بعض ماتمنّاه، يوسوس إليه بالباطل ويحدّثه بالمعاصي، فإنّه تعالى ينسخ ذلك ويبطله. والأحاديث المروية في هذا الباب كثيرة (7) ، فلا يلتفت إليها في الباب؛ لأنّها مخالفة للعقل والنقل. (8) [ 73 ] قوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ» إلى قوله: «وَ نِعْمَ النَّصِيرُ»؛ فإنّها نزلت في محمّد والأئمّة خاصّة . [ 75 ] قوله: «اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ»، فمن الملائكة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت (9) ، «ومِنَ النَّاسِ»: اُلُوا العزم، وأفضلهم:

.


1- .في «ب» و «ج»: «فذبح له عناقاً وشواه، فلمّا دنا منه».
2- .كذا في البرهان. وفي «ط»: «منافقان».
3- .في «ب» و «ج»: «بعد».
4- .روى نحوه هذا الاختلاف في القراءة الكليني في الكافي، ج 1، ص 134، ح 2؛ و ص 212، ح 2.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 897، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 347، ح 33.
6- .في «ب» و «ج»: «كان المراد».
7- .إنّما كثرتها من طريق العامّة، ولم ترد من طريق الخاصّة.
8- .وقد بيّن السيّد المرتضى في تنزيه الانبياء، ص 152 - 157 بطلانها بما فيه الكفاية. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 56 - 70 ، فراجع الأصل.
9- .في «ب» و «ج» بدل: «ملك الموت»: «الذين يبعثهم اللَّه إلى الأنبياء».

ص: 324

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله . (1) [ 77 ] ثمّ خاطب اللَّه الأئمّة عليهم السلام، فقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا»...الآية، إلى قوله: «وَفِى هَذَا» يعني: القرآن.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 908، عن تفسير القمّي. و الحديث يأتي الإشارة إليه في قوله تعالى: «إِنَّ هذا لَفِى الصُّحُفِ الاولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ ومُوسى» في تفسير الآيات (16 - 19) من سورة الأعلى، رقم (87).

ص: 325

الجزء الثامن عشر

سورة قد أفلح المؤمنون (23)

[الجزء الثامن عشر]سورة قد أفلح المؤمنون (23)[مكّيّة، وآياتها مائة وثماني عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 11 ] قوله: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» إلى قوله: «أُولئِك هُمُ الْوارِثُونَ». قال الصادق عليه السلام: «ما خلق اللَّه خلقا إلّا جعل له في الجنّة منزلاً، وفي النار منزلاً، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنّة، أشرفوا، فيشرفون على أهل النار، وترفع لهم منازلهم فيها، ثمّ يقال لهم: هذه منازلكم التي لو عصيتم اللَّه لدخلتموها - يعني: النار، قال - فلو أنّ أحداً مات فرحاً، لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحاً، لما صرف عنهم من العذاب. ثمّ ينادي منادٍ: يا أهل النار، ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إلى منازلهم في الجنّة، وما فيها من النعيم، فيقال لهم: هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها - قال:- فلو أنّ أحداً مات حزناً، لمات أهل النار حزناً، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء، ويورث هؤلاء منازل هؤلاء، وذلك قول اللَّه: «أُولئِك هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ» » . (1) وقال: قال رسول اللَّه لعليّ: «يا عليّ، إذا كان يوم القيامة قعدت أنا وأنت على الصراط، فينادي مناد من العرش: أيّها الناس، نسبت أنا (2) نسباً ونسبتم أنتم نسباً، فقلت:

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 16، عن تفسير القمّي.
2- .في «ب» و «ج»: «نفسي».

ص: 326

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (1)، وقلتم: فلان وفلان، فوعزّتي وجلالي، لأرفعنّ نسبي ولأضعنّ نسبكم، لا يجوز بي اليوم إلّا بجوازي، وجوازي: حبّ محمّد وآل محمّد». (2) [ 12 ] قوله: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسانَ مِنْ سُلالَةٍ»...الآية، قال: «هذا خلق استحالة من أمر إلى أمر » . (3) [ 14 ] وقوله: «فَتَبارَك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» أي: المقدّرين، لا أنّهم يخلقون كما يخلق اللَّه، كما ذهبت إليه المعتزلة. أقول: قالت المعتزلة: إنّ الانسان يخلق فعله أيضاً، وهو حقّ بالنصّ والعقل. أمّا النصّ: فقوله: «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (4)«وما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» (5). وأمّا العقل: فإنّ أفعال الإنسان تصدر عنه بالداعي والإرادة، وتصدر عقيب ذلك، وهو ظاهر. وقد استدلّ أكثر أصحابنا والمعتزلة: أنّ الإنسان فاعل بالضرورة، الذين قالوا: نحن نخلق أفعالنا، قال: وهو مثل قوله لعيسى عليه السلام: «وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ» (6)، أي: تقدّر. وقوله: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ»، قال: «فدية النطفة عشرون ديناراً، والعلقة أربعون ديناراً، و المضغة [ستّون ديناراً، وفي العظم] (7) ثمانون ديناراً، وإذا كُسي لحماً (8) فمائة دينار حتّى يستهلّ، فإذا استهلّ فالدية كاملة » . (9) [عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قلت: يا ابن رسول اللَّه] 10 فإن خرج في النطفة قطرة دم؟ قال: «في القطرة عشر دية النطفة، ففيها اثنان وعشرون ديناراً».

.


1- .الحجرات (49): 13.
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 3 - 11، فراجع الأصل.
3- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 16، عن تفسير القمّي.
4- .السجدة (32): 17.
5- .الشورى (42): 30.
6- .المائدة (5): 110.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
8- .في «ب» و «ج»: «فإذا كان كسي لحماً».
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 19، عن تفسير القمّي.

ص: 327

فقلت: قطرتان؟ قال: «أربعة وعشرون ديناراً». قلت: فثلاث؟ قال: «ستّة وعشرون ديناراً» قلت: فأربع؟ قال: «ثمانية وعشرون ديناراً». قلت: فخمس؟ قال: «ثلاثون ديناراً، وما زاد على النصف فهو على هذا الحساب (1) ، حتّى تصير علقة، فيكون فيها أربعون ديناراً». قلت: فإن خرجت النطفة مخضخضة بالدم؟ فقال: «قد علقت، إن كان دماً صافياً ففيها أربعون ديناراً، وإن كان دما أسود فذلك من الجوف، ولا شي ء عليه إلّا التعزير، لأنّه ما كان من دم صاف فذلك الولد، وما كان من دم أسود فهو من الجوف». قال: فقال أبو شبل: فإنّ العلقة صار فيها شبيه العروق واللحم؟ (2) . قال: «اثنان وأربعون ديناراً، العُشر». قال: قلت: فإنّ عشر الأربعين ديناراً، أربعة دنانير؟ قال: «لا، إنّما هو عشر المضغة، لأنّه إنّما ذهب عشرها، فكلّما ازدادت زيد حتّى تبلغ الستين». قلت: فإن رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟ قال: «إنّ ذلك عظم، أوّل ما يبدو ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزد أربعة دنانير، حتّى تبلغ الثمانين». قلت: فإن كسي العظم لحما؟ قال: «كذلك، إلى مائة». قلت: «فإن وكزها فسقط الصبيّ، لا يُدرى حيّاً كان أو ميّتاً؟ قال: «هيهات يا أبا شبل، إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدية » . (3) [ 17 ] قوله: «ولَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ» أي: سماوات . (4) [ 20 ] قوله: «وصِبْغٍ لِلآْكِلِينَ» يعني: الانغماس فيه . (5)

.


1- .في «ب»: «وما زاد على ذلك يضاف على حساب ذلك».
2- .في «ب» و «ج»: «شبه العرق من اللحم».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 20، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 7، ص 342، ح 1.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 20، عن تفسير القمّي.
5- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 18 - 61، فراجع الأصل.

ص: 328

[ 63 ] قوله: «فِى غَمْرَةٍ مِنْ هذا» أي: شكّ . (1) [ 66 ] قوله: «تَنكُصُونَ»: ترجعون . [ 70 ] قوله: «أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ» يعني: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله . (2) [ 91 ] قوله: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ»...الآية، هذا ردّ على النصارى وعلى الثنوية الذين قالوا بإلهين. وسأل بعض الثنوية هشام بن الحكم، فقال: ما الدليل على أن الصانع واحد؟ فقال: اتّصال التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض، يدلّ على أنّ الصانع واحد والتدبير لواحد، ولو كان لاثنين لاختلفا في التدبير، ولم يقم العالم. وهو ما احتج به تعالى فقال: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» (3). أقول: الدليل على أنّ الصانع واحد - وهو دليل التوحيد - : أنّه لو كان في الوجود واجبا وجود، لكانا اشتركا في وجوب الوجود، ولابدّ من مائز، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيكون كلّ واحد منهما مركّباً ممّا به الاشتراك وممّا به الإمتياز، وهو يدلّ على التركيب، وكلّ مركب حادث. هذا خلف. [ 99 ] قوله: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ»...الآية، روي أنّها نزلت في مانع الزكاة . (4) قال حريز السجستاني: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام، يقول: «ما ذو مال - ذهب ولا فضّة - يمنع زكاة ماله، أو خمسه، إلّا حبسه اللَّه يوم القيامة بقاع قفر (5) ، وسلّط عليه سبُعاً يريده ويحيد (6) عنه، فإذا علم أنّه لا محيص له، مكّنه من يده، فقضمها كما يُقضَم الفجل، وما

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 30، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 62 - 67، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 30، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 71 - 77، فراجع الأصل.
3- .الأنبياء (21): 22. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 97، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 35، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب» و «ج»: «قرقر».
6- .في «ب»: «فيحيد».

ص: 329

من ذي مال، إبل أو بقر أو غنم، يمنع زكاة ماله، إلّا حبسه اللَّه يوم القيامة بقاع قفر (1) ، تنطحه كلّ ذات قرن بقرنها، وتطأه كلّ ذات ظلف بظلفها (2) . وما من ذي مال، كرم أو نخل أو زرع، يمنع زكاة ماله، إلّا طوّقه اللَّه يوم القيامة بهوام أرضه، ورقعة أرضه إلى سبع أرضين، يقلّدها إيّاه » . (3) ثمّ قال عليه السلام: «من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة له». (4) [ 100 ] قوله: «ومِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» يعني: عذاب القبر، وكلّ أمر بين أمرين يسمّى برزخاً، والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة (5) . [ 101 ] قوله: «فَإِذا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ» أي لا يتقدّمون يوم القيامة بالأنساب والأحساب. [قال الصادق عليه السلام: «لا يتقدّم أحد يوم القيامة] (6) إلّا بالأعمال » . (7) أقول: يحتمل قطع النسب بينهم؛ لقوله: «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» (8). ويحتمل أنّ الأنساب لا تنفع مع العمل السيئ الذي يوجب لصاحبه النار.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في «ب» و «ج»: «قرقر».
3- .العبارة في «ب» هكذا: «قرقر تطأه كلّ ذات ظلف بظلفها، وتنهشه كلّ ذات ناب بنابها، وتنطحه كلّ ذات قرن بقرنها».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 35 - 36، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 3، ص 503، ح 3؛ و ص 504، ح 11و من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 7، ح 21 و18 و19.
5- .رواه الشيخ الكليني في الكافي، ج 3، ص 503، ح 3.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 36، عن تفسير القمّي، وفيه زيادة: «وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر، والثواب والعقاب قبل يوم القيامة، وهو قول الصادق عليه السلام: و اللَّه ما أخاف عليكم البرزخ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا، فنحن أولى بكم وقال علي بن الحسين عليهما السلام: إن القبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النيران». وانظر: الكافي، ج 3، ص 242، ح 3؛ الخصال، ص 119، ح 108.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 37، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً دلائل الإمامة للطبري الامامي، ص 260.
8- .هود (11): 46.

ص: 330

سورة النور (24)

سورة النور (24)[مدنيّة، وآياتها أربع وستون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «الزَّانِيَةُ والزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما»...الآية، وهي ناسخة لقوله: «وَاللَّاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ» (1)... إلى آخر الآية . (2) [ 3 ] قوله: «الزَّانِى لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أَوْ مُشْرِك وحُرِّمَ ذلِك عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» وهو ردّ على من استحلّ التزويج بزانية والتمتّع بها. أقول: والمجمع عليه اليوم - وهو سنة سبع وثلاثين (3) وسبعمائة - أنّه يجوز الزواج بالزانية والتمتّع بها، لكنّه مكروه؛ لأنّ الزوجة إذا زنت لم تحرم على زوجها، فكذلك الزانية قبل التزويج، والمعنى: أنّ الزانية لا ينكحها بلا عقد إلّا زان إن كان مسلماً أو مشركاً إن كان كافراً. وهو حقّ، وكذلك الزاني. ونزلت هذه الآية في نساء كنّ بمكّة (4) سارة وحنتمة والرباب، كنّ يغنين (5) بهجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فحرّم اللَّه نكاحهنّ، وجرت بعدهنّ في النساء من أمثالهن (6) . (7) [ 4 ] قوله: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثمّ لم يأتوا بأربعة شَهداء»...الآية. عن أبي عبد

.


1- .النساء (4): 15.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 45، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 2، ص 27، ح 1.
3- .كذا وردت في النسخ، والصحيح: «وثمانين» كما سيأتى في ذيل تفسير الآيه (34) من هذه السورة.
4- .في الأصل زيادة: «مستعلنات بالزنا».
5- .في «ب» و «ج»: «كنّ بمكّة كانا يغنيان».
6- .في «ب» و «ج»: «وهن سارة وحنتمة».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 46، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 5، ص 354 - 355، ح 1 و 3.

ص: 331

اللَّه عليه السلام، قال: «القاذف يجلد (1) ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبدا إلّا بعد التوبة، أو يكذب نفسه، فإن شهد له ثلاثة وأبى واحد، يجلد الثلاثة، ولا تقبل شهادتهم، حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة، أو رأيناه جلس منها مجلس الرجال من النساء، وإن قالوا غيرها لم تقبل شهادتهم وجلدوا. ومن شهد على نفسه أنّه زنى، لم تقبل شهادته حتّى يعيدها (2) أربع مرّات » . (3) أقول: في الأخير نظر؛ فإنّ نفس جلوسه كذلك لاتكون شهادة بالزنا، بل لابدّ من أن يراه كالميل في المكحلة. وروي في الخبر؛ «أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت، فطهّرني. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أ بك جنّة؟ قال: لا. قال: فتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم. فقال له: ممّن أنت؟ فقال: أنا من مزينة - أو جهينة - (4) . قال: اذهب حتّى أسأل عنك. فسأل عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا (5) رجل صحيح العقل، مسلم. ثمّ رجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت، فطهّرني. فقال: ويحك، أ لك زوجة؟ قال: نعم. قال: فكنت (6) حاضرها، أو غائبا عنها؟ قال: بل (7) كنت حاضرها. فقال: اذهب حتّى ننظر (8) في أمرك. فجاء إليه الثالثة، وذكر له ذلك، فأعاد عليه أمير المؤمنين عليه السلام الكلام الأوّل، ثمّ قال: إذهب، فذهب، فجاء في الرابعة (9) فقال: إنّي زنيت فطهّرني.

.


1- .في «ب» و «ج»: «عن القاذف، قال: يجلد...».
2- .في «ب» و «ج»: «يقيمها».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 48، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 7، ص 205، ح 3 و 4.
4- .في «ب» و «ج»: «قال: فتقرأ من القرآن شيئا؟ فقرأ. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من مزينة، أو جهينة».
5- .في «ب» و «ج»: «هو».
6- .في «ب» و «ج»: «أفكنت».
7- .لم ترد «بل» في «ب» و «ج».
8- .في «ب» و «ج»: «أنظر».
9- .في «ب» و «ج»: «فذهب، ثمّ رجع في الرابعة».

ص: 332

فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بحبسه (1) ، ثمّ نادى أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس، إنّ هذا الرجل يحتاج أن يقام (2) عليه حدّ اللَّه، فاخرجوا متنكّرين، لا يعرف بعضكم بعضاً، ومعكم أحجاركم (3) . فلمّا كان من الغدّ، أخرجه أمير المؤمنين عليه السلام بالغلس (4) ، وصلّى ركعتين، ثمّ حفر حفيرة، ووضعه فيها، ثمّ نادى: أيّها الناس، إنّ هذه حقوق اللَّه، لا يطلبها (5) من كان عنده للَّه حقّ مثله، فمن كان للَّه عليه حقّ مثله فلينصرف، فإنّه لا يقيم الحدّ للَّه من كان للَّه عليه الحدّ. فانصرف الناس إلّا أمير المؤمنين والحسن والحسين، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام حجراً، فكبّر أربع تكبيرات، فرماه، ثمّ أخذ (6) الحسن عليه السلام مثله، ثمّ فعل الحسين عليه السلام مثله. فلمّا مات أخرجه أمير المؤمنين عليه السلام، وصلّى عليه ودفنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا تغسله؟ قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر (7) إلى يوم القيامة. ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس من أتى هذه القاذورة (8) ، فليتب إلى اللَّه تعالى فيما بينه وبين اللَّه، فواللَّه لتوبة (9) إلى اللَّه في السرّ أفضل من أن يفضح نفسه، ويهتك ستره » . (10) أقول: إذا انصرف الناس كلّهم، فإنّ كلّهم للَّه عليه حدّ؛ فالحكم فيه إشكال، كما لا يخفى (11) . [ 6 ] قوله: «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ»...الآية، هذا هو اللعان، وكان سبب ذلك أنّه (12) لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من غزوة تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة

.


1- .في «ج»: «فأمر أمير المؤمنين عليه السلام قنبراً فحبسه».
2- .في «ج»: «نقيم».
3- .في «ب»: «أحجار». وفي «ج»: «الحجارة».
4- .الغلس: ظلمة آخر الليل، إذا اختلطت بضوء الصباح. النهاية، ج 3، ص 377 (غلس).
5- .في «ج»: «إنّ هذه حقوق اللَّه لا نبطلها».
6- .في «ج»: «تكبيرات، ورماه به، ثمّ فعل».
7- .في «ج»: «قد اغتسل بماء هو طاهر منه».
8- .القاذورة: الفعل القبيح والقول السّيّئ. وأراد به هنا: الزنا. اُنظر: النهاية، ج 4، ص 28 (قذر).
9- .في «ج»: «لتوبته».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 48 - 49، عن تفسير القمّي.
11- .كذا في «ج». و في «أ» و «ب»: «فالحكم فيه أ شكل كما لايخفى».
12- .في «ج»: «وأوّل من لاعن في الإسلام».

ص: 333

العجلاني الأنصاري (1) ، فقال: يا رسول اللَّه، إنّ امرأتي زنى بها شريك (2) بن سمحاء، وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، حتّى فعل ذلك أربع مرّات، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله منزله، وكره ما جاء به، فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وصلّى بالناس العصر، وقال لعويمر: «ائتني (3) بأهلك، فقد أنزل اللَّه فيكما قرآنا». فجاء إليها، فقال لها: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يدعوك، فخرجت، وكانت في شرفٍ من قومها، فجاء معها جماعة، فلمّا دخلت المسجد، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعويمر: «تقدّما إلى المنبر، والتعنا». قال: فكيف أصنع؟ فقال: «تقدّم وقل: أشهد باللَّه إنّني لمن الصادقين فيما رميتها به». قال: فتقدّم وقالها. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أعدها» فأعادها، ثمّ قال: «أعدها» حتّى فعل ذلك أربع مرّات، فقال له في الخامسة: «عليك لعنة اللَّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به». فقال: والخامسة أنّ لعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به. (4) ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ اللعنة لموجبة إن كنت كاذباً (5) ». ثمّ قال له: «تنح» فتنحى عنه. ثمّ قال لزوجته (6) : «تشهدين كما شهد أنّه من الكاذبين فيما رماك به، وإلّا أقمت عليك حدّللَّه». فنظرت في وجوه قومها، فقالت: لا اُسوّد هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدّمت إلى المنبر، فقالت: أشهد باللَّه أنّ عويمر بن ساعدة لمن الكاذبين فيما رماني به. فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أعيديها» فأعادتها، حتّى أعادتها أربع مرّات، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إلعني نفسك في الخامسة، إنّ كان من الصادقين فيما رماك به». فقالت في الخامسة: إنّ غضب اللَّه عليها (7) إنّ كان من الصادقين فيما رماني به.

.


1- .كذا في الأصل، وفي «ج»: «عويمر بن الحارث». وفي «ب»: «عويمر الحارثية».
2- .في «ج»: «إنّ امرأتي زنت بشريك».
3- .في «ب» و «ج»: «ائت».
4- .كذا في النسخ، والصحيح: عليّ إن كنت من الكذّابين فيما رميتها به».
5- .في «ب» و «ج»: «ثمّ قال له: أعدها أربع مرّات، فأعادها، فقال له رسول اللَّه: العن نفسك في الخامسة إن كنت من الكاذبين، وقال: إنّ هذه اللعنة لموجبة إن كنت كاذباً».
6- .في «ب» و «ج»: «للمرأة».
7- .كذا في النسخ، والصحيح: «عليّ».

ص: 334

فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ويلك، إنّها لموجبة لك إن كنت كاذبة». ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لزوجها: «اذهب (1) ، فلا تحل لك أبداً». فتشبث بها وقال: يا رسول اللَّه، فمالي الذي أعطيتها؟ (2) قال: «إن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه، وإن كنت صادقاً فهو لها بما استحللت من فرجها». ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إن جاءت بالولد (3) أحمش الساقين (4) ، أخفش (5) العينين، جعداً (6) ، قططاً (7) ، فهو للأمر السيئ، وإن جاءت به أشهب (8) أصهب (9) ، فهو لأبيه». فيقال: إنّها جاءت به على الأمر السيئ (10) » . (11) [ 11 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالافْك عُصْبَةٌ مِنْكُمْ»...الآية، فإنّه روي أنّه لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من غزاة المريسع، كانت معه عائشة، فلمّا كان في بعض الطريق (12) هاجت عليهم ريح شديدة وظلمة وصواعق، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يعرسوا (13) فعرسوا، وكانت عائشة في هودجها، فنزلت منه لتقضي حاجة، فتنحّت من العسكر، وكانت معها قلادة،

.


1- .في «ب» و «ج»: «فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: أعيديها، فأعادتها أربع مرّات، ثمّ قال لها: والخامسة أنّ غضب اللَّه عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به. ثمّ قال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: «ويلك، إنّها موجبة» فقالتها، فقال لزوجها: اذهب».
2- .في «ب» و «ج»: «والذي أعطيتها؟».
3- .في «ج»: «يعني بالولد».
4- .أحمش الساقين: دقيقهما. الصحاح، ج 3، ص 1002 (حمش).
5- .الخفش: ضعف في البصر وضيق في العين. لسان العرب، ج 6، ص 298 (خفش).
6- .يقال جعد الشعر: إذا كان فيه التواء وتقبض. مجمع البحرين، ج 3، ص 25 (جعد).
7- .شعر قطط: شديد الجعودة، ويقال القطط شعر الزنجي. مجمع البحرين، ج 4، ص 269 (قطط).
8- .الشهبة: البياض الذي غلب عليه السواد. لسان العرب، ج 1، ص 508 (شهب).
9- .الصهبة: الشقرة في شعر الرأس. لسان العرب، ج 1، ص 531 (صهب).
10- .في الأصل زيادة: «فهذه لا تحلّ لزوجها أبداً، وإن جاءت بولد، لا يرثه أبوه، وميراثه لاُمّه، وإن لم يكن له اُمّ، فلإخوانه، وإن قذفه أحد، جلد حدّ القاذف».
11- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 50 - 51، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً الكافي، ج 6، ص 163، ح 4؛ و 165، ح 10.
12- .في «ج» زيادة: «وكانوا يسيرون بالليل».
13- .التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل، يقعوك فيه وقعة للاستراحة ثمّ يرتحلون. الصحاح، ج 3، ص 948.

ص: 335

فوضعتها في الموضع الذي جلست فيه لقضاء الحاجة، ثمّ رجعت إلى الهودج وقد نسيت القلادة، فذهبت تطلبها فأبطأت، وسكنت الريح، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالرحيل، فرجعت إلى الرحل وقد ارتحل الناس، فقعدت على الطريق، وكان رسول اللَّه جعل على الساقة (1) صفوان بن المعطل، فأقبل صفوان، فرأى سواداً على الطريق (2) ، فقال: من هذا؟ قالت: أنا عائشة. فاسترجع، ثمّ قال: ما شأنك؟ قالت: نزلت لحاجة فرحل العسكر. فنزل عن راحلته، وعصب عينيه بعمامته فقال: اركبي فركبت، فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المنزل، وفقدت (3) عائشة، فاضطرب العسكر، فنظروا إلى صفوان قد أقبل وعائشة على راحلته، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما شأنك؟ فقالت: يارسول اللَّه، كيت وكيت. فصدّقها ولم يتّهمها، وكان عبد اللَّه بن اُبيّ في العسكر، وكان يألفه أهل الحاجة (4) والمنافقون، وكان رجلاً سخيّا بالطعام، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة، وأقبل الناس يتحدّثون بخبر عائشة وتخلّفها عن العسكر، وبلغ رسول اللَّه ذلك فغمّه، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: ما تقول فيما يقول الناس في عائشة؟ فقال: يا رسول اللَّه، أعيذك باللَّه، ما كان اللَّه ليبلي (5) رسوله بمثل هذا. فسأل اُمّ سلمة فقالت مثل ذلك، فنزلت هذه الآية، ونزل فيما قال أمير المؤمنين واُمّ سلمة: «لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ». (6) وروت الخاصّة: أنّ هذه الآيات نزلت في مارية القبطية، اُمّ إبراهيم [وما رمتها به

.


1- .للساقة الجيش: مؤخّره لسان العرب، ج 10، ص 167 (سوق).
2- .في «ج»: «الجادة».
3- .كذا فى النسخ، والظاهر: «افتقد».
4- .أي: الفقراء والمساكين.
5- .في «ب» و «ج»: «ليبلو».
6- .راجع تفصيل هذه القصّة في المعجم الكبير للطبراني، ج 23، ص 118 - 119 ولكن الصحيح هو ما سيذكره المؤلّف من أنّها نزلت فى مارية القبطية ومارمتها به بعض المنافقات، وهناك قول ذكر ابن العتائقى في هذا المختصر في تفسير الآيه (6) من سورة الحجرات (49) عن العامّة أنّ آية الإفك نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حينما بعثه رسول اللَّه مصدّقا، وعلى تقدير أنّها نزلت في عائشة وبراءتها فإنّها لا تدلّ على مكانةٍ لها عند اللَّه، بل هي على إظهار طهارة البيت المنتسب إلى رسول اللَّه وطهارة أزواج النبيّ أظهر.

ص: 336

بعض النساء المنافقات (1) ] (2) » . (3) أقول: لأنّ ابن عمّ لها كان يدخل عليها ويتحدّث معها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا عليّ إن وجدته معها فاقتله، فقال عليّ: أكون مثل السكّة المحماة؛ أو أنّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: بل الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فوجده عندها، فسلّ السيف وقصده، فصعد نخلة وكشف عن فرجه، فإذا هو أمسح (4) ، فرجع وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك، فشكره وشكر سعيه. (5) [ 27 - 29 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً»... الآية، فإنّ العرب كانوا يدخل بعضهم على بعض من غير إذن حتّى نزلت هذه الآية فوقع الحجاب بين الرجال والنساء، ثمّ أطلق لبعض فقال: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ»،

.


1- .أقول: والعبارة صريحة في أنّه لا خلاف بين الاماميّة في أنّ آية الإفك إنّما نزلت بشأن مارية القبطية، لا عائشة، كما يدّعيه أهل الخلاف. والإفك: الكذب العظيم، وأصله من الإفك، وهو القلب؛ لأنّه قول مأفوك عن وجهه؛ أي مقلوب.
2- .في الأصل زيادة: «وعن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لمّا مات إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حزن عليه حزناً شديداً، فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلّا ابن جريح. فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عليّاً عليه السلام، وأمره بقتله، فذهب عليّ عليه السلام إليه ومعه السيف، وكان جريح القبطي في حائط، فضرب عليّ عليه السلام باب البستان، فأقبل جريح ليفتح له الباب، فلمّا رأى عليّاً عليه السلام عرف في وجهه الغضب، فأدبر راجعاً، ولم يفتح الباب، فوثب عليّ عليه السلام على الحائط، ونزل إلى البستان وأتبعه، وولّى جريح مدبراً، فلمّا خشي أن يرهقه صعد في نخلة، وصعد عليّ عليه السلام في أثره، فلمّا دنا منه رمى جريح بنفسه من فوق النخلة، فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، فانصرف عليّ عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وآله. فقال له: يا رسول اللَّه، إذا بعثتني في الأمر، أكون فيه كالمسمار المحمّي في الوبر، أم أتثبّت؟ قال: لا، بل تثبّت. فقال: والذي بعثك بالحقّ، ماله ما للرجال ولا ما للنساء. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: الحمد للَّه الذي يصرف عنّا السوء أهل البيت ».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 52، عن تفسير القمّي.
4- .في «ج»: «مسيح».
5- .روى علي بن إبراهيم عن عبد اللَّه بن بكير، قوله: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام جعلت فداك، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أمر بقتل القبطي، وقد علم أنّها قد كذبت عليه، أو لم يعلم وإنّما دفع اللَّه عن القبطي القتل بتثبّت عليّ عليه السلام؟ فقال: «بل كان واللَّه علم، ولو كانت عزيمة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ما انصرف عليّ عليه السلام حتّى يقتله، ولكن إنّما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لترجع عن ذنبها، فما رجعت، ولا اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذبها» . راجع: تفسير البرهان، ج 4، ص 52، عن تفسير القمّي، ج 2، ص 319. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 19 - 26، فراجع الأصل.

ص: 337

قال الصادق عليه السلام: «هي الحمّامات، والخانات، والأرحية، تدخلها بغير إذن، وأمّا (1) غير هذه فلا يجوز إلّا باذن » . (2) [ 30 ] قوله: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ»...الآية، عن العالم عليه السلام قال: «كلّ آية في القرآن في ذكر الفرج فهي من الزنى، إلّا هذه الآية؛ فإنّها من النظر، فلا يحلّ للرجل المؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه، ولا يحلّ للمرأة أن تنظر إلى فرج اُختها (3) » . (4)ولا ينظر بعضهم إلى بعض فقد حرّم اللَّه ذلك. أقول: يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته، وكذلك يجوز للزوجة أن تنظر إلى فرج زوجها، ويجوز للرجل أن ينظر إلى فرج جاريته، ويجوز للجارية أن تنظر إلى فرج مولاها، وللطبيب أن ينظر إلى فرج من يعالجه؛ وذلك لمكان الضرورة، ولايجوز لغيرها. [ 31 ] قوله: «ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها»، قال العالم: «الكفين والأصابع، ثمّ أطلق النظر لقوم معروفين لا يحلّ لغيرهم، فقال: «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ» » . (5) أقول: قيل: هي العبيد، وقيل: هو الخادم المجبوب، وقيل: من الجوار (6) . والأخير ليس لتخصيصه معنىً.«أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الإرْبَةِ»، الإربة: الحاجة (7)«مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ»؛ وكان النساء يحضرن مسجد النبي صلى اللَّه عليه وآله فيصلّين معه وراء الرجال، وربما

.


1- .في «ب» و «ج»: «فأمّا».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 58، عن تفسير القمّي.
3- .العبارة في «ط» هكذا: «أن ينظر إلى فرج اُخته، ولا يحلّ للمرأة أن تنظر إلى فرج أخيها».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 60، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 30، ح 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 60، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 5، ص 520، ح 1 - 4.
6- .كذا في النسخ، ولعلّه: «الجواري».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 62، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 5، ص 523، ح 1 و2.

ص: 338

كان على المرأة الخلخال المصوت (1) فإذا مشت سمع صوته، فنهى اللَّه عن ذلك وحظره عليهنّ فقال: «وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ» » . (2) [ 32 ] قوله: «وَأَنكِحُوا الأَيَامَى»، الأيامى جمع الأيمّ: التي لا زوج لها . أقول: أو الذي لا زوجة له أيضاً؛ فإنّ الأيم يطلق على الذكر والاُنثى. [ 33 ] قوله: «وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ»...الآية، فإنّ العبيد والإماء كانوا يقولون لأصحابهم: كاتبونا، ومعنى ذلك: انّهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنّهم يؤدّون ثمنهم في نجمين أو ثلاث أنجم. فيمتنعون عليهم، فقال اللَّه: «كَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ» (3)». (4) أقول: والمكاتبة: أن يقول العبد أو الأمة لمولاه: كاتبني على أن أشتري نفسي بكذا وكذا، أُؤدّه إليك في بخمين (5) أو ثلاثة أو ما يتّفق بينهما فيكاتبه. فإذا شارطه لا (6) يجوز له أن يجعل من ذلك شيئاً؛ لقوله تعالى: «وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ»». قوله: «ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً»، فإنّ العرب كانوا يشترون الإماء، فيضعون عليهم الضريبة الثقيلة ويقولون ازنوا وأكسبوا. (7) فحرّم اللَّه عليهم ذلك (8) . أقول: هو إلى الآن - وهو سنة سبع وثمانين وسبعمائة - جائز عندهم، يشترون الأمة ويأمروها بالزنا ويضربون عليها الضرائب، رأيت ذلك في بني خفاحة وغيرهم من العرب، لاينكر بعضهم على بعض. والبغاء: الزنا. ثمّ قال: «وَ مَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن م بَعْدِ إِكْرَ هِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» أي: لا يؤاخذهنّ اللَّه بذلك إذا اُكرهن عليه ، وإنّما يؤاخذ المُكره لهنّ أشدّ المؤاخذة . (9)

.


1- .في «ب» و «ج»: «المجوّف».
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 64، عن تفسير القمّي.
3- .في الأصل زيادة: «قال: إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئاً».
4- .راجع الكافي، ج 6، ص 186، ح 7.
5- .كذا ظاهراً، والكلمة غير واضحة في النسخ.
6- .كذا في النسخ، والظاهر زيادة «لا».
7- .كذا في النسخ، ويحتمل فيها التحريف أو التصحيف، فيضعون عليهن الضريبة الثقيلة ويقولون: ازنين والكعبين».
8- .في «ج»: «ذلك عليهم».
9- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 66، عن تفسير القمّي.

ص: 339

[ 35 ] قوله: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والارْضِ»...الآية، نزلت في آل محمّد، فقد روى (1) عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جندب، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن هذه الآية، فأجابني: «نزلت فينا واللَّه، ضُرب بنا المثل، وعندنا علم المنايا والبلايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وما من فئة تضلّ مائة، وتهدي مائة إلّا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها (2) ، (3) إلى يوم القيامة». قوله: «كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ» يعني: الكوّة التي فيها السراج، تضيئ له البيت، فكذلك مثل آل محمّد في الناس يهتدى بهم، دليل ذلك قوله: «فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ»...الآية . (4) [ 39 ] ثمّ ضرب اللَّه مثلا لأعمال من نازعهم (5) - يعني: عليّاً وولده والأئمّة عليهم السلام - وعاداهم، فقال: «والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ»...الآية. الظمآن: العطشان، والسراب: هو الآل (6) . (7) أقول: الفرق بين السراب والآل: أنّ السراب ما رأيته إلى نصف النهار كالماء، والإلّ إلى آخر النهار (8) . والقيعة: المفازة المستوية. [ 36 ] وقال العالم: «قوله: «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زيتونة لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِى ءُ» أي علمها «ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ» من رسول اللَّه إلى عليّ «يَهْدِى اللَّهُ

.


1- .في «ب» و «ج»: «فعن».
2- .في «ب» و «ج»: «ألا عندنا علم سائقها وتابعها وقائدها».
3- .في الأصل زيادة «وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ اللَّه علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا، ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 73، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 1، ص 139، ح 6.
5- .في «ب» و «ج»: «لمن نازعهم».
6- .في الأصل زيادة: «الذي تراه في المفازة يلمع من بعيد، كأنه الماء، وليس في الحقيقة شي ء، فإذا جاء العطشان، لم يجده شيئا، والقيعة: المفازة المستوية» .
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 78، عن تفسير القمّي.
8- .وللمزيد عن الفرق بين السراب والآل راجع لسان العرب، ج 1، ص 456 - 456.

ص: 340

لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» (1)» . (2) [ 40 ] ثمّ ضرب لهم مثلاً آخر فقال: «أَوْ كَظُلُماتٍ» (3)» . (4) [ 41 ] قوله: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السَّماواتِ والارْضِ والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ»، فإنّه روى مشايخنا عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ للَّه ملكاً في صورة الديك الأملح الأشهب (5) ، براثنه في الأرض السابعة، وعُرفه تحت العرش، له جناحان: جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، فأمّا الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج، وأمّا الجناح الذي بالمغرب فمن نار، فكلّما حضر وقت الصلاة قام على براثنه، ورفع عرفه من تحت العرش، ثمّ أمال أحد جناحيه على الآخر، يصفّق بهما كما تصفّق الديكة في منازلكم. فلا الذي من الثلج يطفئ النار، و لا الذي من النار يذيب الثلج، ثمّ ينادي بأعلى صوته: أشهد أنّ لا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين، وأنّ وصيّه خير الوصيّين، سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والروح. فلا يبقى في الأرض ديك إلّا أجابه، وذلك قوله: «والطَّيْرُ صَافَّاتٍ» يعني: صافّات في الأرض» . (6) أقول: المفهوم: صافات في الهواء، لا تسقط إلى الأرض إلّا بإرادتهن، ويدلّ على ذلك قوله: «مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ» (7)...الآية، وهو يدلّ على القدرة الباهرة والحكمة الظاهرة، وقوله: «وتَسْبِيحَهُ» الضمير يعود إلى الطير «كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ

.


1- .في الأصل زيادة «يهدي اللَّه الأئمّة عليهم السلام من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا «ويَضْرِبُ اللَّهُ الامْثالَ لِلنَّاسِ واللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 69، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 380، ح 574.
3- .في الأصل زيادة: «فلان وفلان «فِى بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ» يعني: نعثل «مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ»: طلحة و الزبير «ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ» معاوية ويزيد وفتن بنى اُمية: «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ» المؤمن في ظلمة فتنهم «لَمْ يَكَدْ يَراها ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً»، يعني: إماماً من ولد فاطمةعليها السلام «فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»: من إمام يوم القيامة يمشي بنوره، كما في قوله: «نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ». (التحريم (66): 8). قال: إنّما المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتّى ينزلوا منازلهم في الجنّة».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 79، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 1، ص 151، ح 5.
5- .في «ب»: «ديك أشهب».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 82، عن تفسير القمّي. ورواه الصدوق التوحيد، ص 282، ح 10.
7- .النحل (16): 79.

ص: 341

وتَسْبِيحَهُ» يعني صلاة ذلك الملك وتسبيحه . (1) [ 43 ] قوله: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً» أي: يثيره (2) من الأرض. قوله: «الْوَدْقَ» أي: المطر . (3) [ 48 ] وقوله: «وإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» الآيات، نزلت في عليّ وعثمان، وذلك أنّه كان بينهما منازعة في حديقة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «ترضى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟» فقال عبد الرحمن بن عوف له (4) : لا تحاكمه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإنّه يحكم له عليك، و لكن حاكمه إلى ابن شيبة اليهودي - وكان قاضي اليهود - فقال عثمان: لا أرضى بابن شيبة (5) فأنزل اللَّه على رسوله: «وإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» إلى قوله: «أُولئِك هُمُ الظَّالِمُونَ» . (6) أقول: وكذلك ذكر الواحدي وغيره من المفسّرين في أسباب النزول، وفيها اعتبار. (7) [ 55 ] قوله: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ»...الآية، نزلت في القائم من آل محمّد عليهم السلام . (8) [ 58 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»...الآية، قال: «نزلت مع

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 82، عن تفسير القمّي.
2- .في «ب» و «ج»: «يثير».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 85، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 45، فراجع الأصل.
4- .في «ب» و «ج»: «لعثمان».
5- .في الأصل زيادة: «فقال ابن شيبة: تأتمنون رسول اللَّه على وحي السماء، وتتهمونه في الأحكام!».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 86 - 87، عن تفسير القمّي .
7- .لم نقف عليه في أسباب النزول، لكن رواه السيّد أحمد آل طاووس في عين العبرة، ص 31، نقلاً عن تفسير السدي، عند تفسير قوله تعالى: «وَ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن م بَعْدِ ذَ لِكَ وَ مَآ أُوْلَائِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ» في سورة النور، الآية 47. وراجع أيضاً: تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني، ج 1، ص 366، ح 17؛ والبحار، ج 9، ص 227، ح 114؛ وج 22، ص 98، ح 52؛ والبرهان، ج 3، ص 144، ح 1؛ ونور الثقلين، ج 3، ص 615، ح 211. ومن هنا في «ب» سقط إلى تفسير الآية (40) من سورة الفرقان.
8- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 88، عن تفسير القمّي. و رواه النعماني في الغيبة، ص 240، ح 35. و راجع مجمع البيان، ج 7، ص 239.

ص: 342

قوله تعالى: «لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَ تُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا» إنّ اللَّه تبارك وتعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد، لا أب ولا اُخت ولا اُمّ ولا خادم إلّا بإذن. هذه، والأوقات: بعد طلوع الفجر، ونصف النهار، وبعد العشاء الآخرة، ثمّ أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات، فقال: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ» يعني : بعد هذه الثلاثة الأوقات (1) ». [ 60 ] قوله: «وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً»، نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من التزويج، أن يضعن من ثيابها: (2) النقاب وماتستتر به، وإنّما نزلت: «مِنْ ثِيابِهِنَّ»، ولو قال: ثيابهن، لتعرّين. ثمّ قال: «وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ» أي: لا يُظهرن زينتهنّ للرجال . (3) [ 61 ] قوله: «لَيْسَ عَلَى الاعْمى حَرَجٌ ولا عَلَى الاعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» (4) . (5) قوله: «أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ» إلى قوله تعالى «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً»، فإنّها نزلت لمّا هاجر (6) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، وآخى بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار، وآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين طلحة والزبير، وبين سلمان وأبي ذر، وبين المقداد وعمار، و ترك أمير المؤمنين عليه السلام، فاغتمّ من ذلك غمّاً شديداً، فقال: «يا رسول اللَّه، بأبي أنت واُمّي، لم لا تؤاخي بيني وبين أحد؟».

.


1- .في «ج» العبارة هكذا: «إن اللَّه تبارك وتعالى نهى أن يدخل في هذه الثلاثة الأوقات أحد على أحد، لا أب ولا اُخت ولا أم ولا خادم إلّا بإذن. ثمّ يجوز بعد هذه الأوقات الثلاثة الدخول بغير إذن».
2- .كذا في النسخ، والصحيح: «ثيابهنّ».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 100، عن تفسير القمّي.
4- .في الأصل زيادة: «وذلك أنّ أهل المدينة. قبل أن يسلموا. كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض، وكانوا لا يأكلون معهم، وكان الأنصار فيهم تيه وتكرّم، فقالوا: إنّ الأعمى لا يبصر الطعام، والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية، وكانوا يرون عليهم في مؤاكلتهم جناحاً، وكان الأعمى والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم. فاعتزلوا مؤاكلتهم. فلمّا قدم النبي صلّى اللَّه عليه وآله سألوه عن ذلك، فأنزل اللَّه: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً» .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 101، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 6، ص 277، ح 5 .
6- .في «ج»: «في حين هاجر».

ص: 343

فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «و اللَّه يا عليّ، ما حبستك إلّا لنفسي، أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ و أنت وصيّي ووزيري وخليفتي في اُمّتي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتتولّى غسلي، ولا يليه غيرك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي». فاستبشر أمير المؤمنين بذلك، فكان بعد ذلك إذا بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أحداً من أصحابه في غزاة أو سرية، يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، ويقول له: خُذْ ما شئت، وكُلْ ما شئت (1) ، فكانوا يمتنعون من ذلك، حتّى ربما فسد الطعام في البيت، فأنزل اللَّه: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً» يعني: إن حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه . (2) أقول: اختلف في المراد من قوله: «مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ»، فقيل: بيت عبده، وقيل: بيت وكيله، وقيل غير ذلك، فالأكل مباح لكم، فكانوا لا يمتنعون بعد ذلك من الأكل، قال الصادق عليه السلام: «باذنٍ أو بغير إذن». (3) قوله: «فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ»، قال: «هو سلامك على أهل البيت، ثمّ يردّون عليك سلامك، فهو سلامك على نفسك، أي: سلّموا على أمثالكم في الدين». (4) أقول: هذا مثل قوله: «فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (5) أي مثلكم في الدين، أي: سلّموا على أمثالكم. [ 63 ] قوله: «لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً»، قال الباقر عليه السلام: «لا ينبغي أن تدعوا رسول اللَّه باسمه كدعاء بعضكم بعضاً، ولا دعاؤه لهم كدعاء بعضهم لبعض ». (6) وفي حديث آخر، قال: «لا تجعلوا دعاءكم له بالخير كدعاء غيره» .

.


1- .في «ج»: «كل ما شئت وخذ ما شئت من منزلي».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 102، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 6، ص 277، ح 4.
3- .وسائل الشيعة، ج 24، ص 283، ح 30550.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 102، عن تفسير القمّي. وروى معناه في معاني الأخبار: 162، ح 1. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 62، فراجع الأصل.
5- .البقرة (2): 54.
6- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 104، عن تفسير القمّي.

ص: 344

سورة الفرقان (25)

سورة الفرقان (25)[مكّيّة، وآياتها سبع وسبعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إلّا إِفْك افْتَراهُ وأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ»، فإنّ قريشاً قالت لرسول اللَّه: إنّ هذا الذي تخبرنا به، إنّما هو شي ء تتعلّمه من اليهود، وتكتبه من رجل من أهل الكتاب يقال له: ابن قبيصة (1) . (2) [ 12 ] قوله: «إِذَا رَأَتْهُم مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ»، قال الصادق عليه السلام: «من مسيرة سنة». (3) [ 8 []قوله: «وقالَ الظَّالِمونَ إِنْ تَتبعون إلّا رجلاً مَسْحوراً» . (4) وعن أبي جعفر عليه السلام : «نزلت هذه الآية هكذا: «وقالَ الظَّالِمونَ» آل محمّد حقّهم: «إِنْ تَتبعون إلّا رجلاً مَسْحوراً»» . (5) [ 9 ] قوله: «فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبيلاً» [أي] إلى ولاية علي عليه السلام، وعلي عليه السلام هو السبيل . [ 13 ] قوله: «وإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ». معنى «مِنْها» أي: فيها. «مُقَرَّنِينَ»، قال (6) : «مقيّدين، بعضهم إلى بعض «دَعَوْا هُنالِك ثُبُوراً» والثبور: الويل» . 7

.


1- .في «ج»:«ابن قميط».
2- .في الأصل زيادة: «تنقله عنه بالغداة والعشي. فحكى اللَّه سبحانه قولهم، وردّ عليهم، فقال: «وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إلّا إِفْك افْتَراهُ» إلى قوله: «بُكْرَةً وأَصِيلاً»، فرد اللَّه عليهم، فقال: «قُلْ» يا محمّد «أَنْزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى السَّماواتِ والارْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً». ورواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 112، عن تفسير القمّي. ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات (1 - 3)، والآيات (7 - 10)، فراجع الأصل.
3- .الزيادة اقتضاها السياق.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 114، عن تفسير القمّي.
5- .في «ج»: «أي».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 115، عن تفسير القمّي .

ص: 345

الجزء التاسع عشر

اشاره

[ 17 - 18 ] قوله: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ»... الآية، قال: «إذا كان يوم القيامة، حشر اللَّه الخلق والحيوان «فَيَقُولُ» اللَّه للشمس والقمر وَمَا كانوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ: «أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ» فيقولُون: «سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَ لَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَ ءَابَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ». ومعنى «نَسُوا»: تركوا «وَكَانُوا قَوْمَاً بُوراً»، أي: قوم سوء، أي: أهلكناهم (1) » . (2) [ 20 ] قوله: «وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً»، أي: اختباراً . (3)

[الجزء التاسع عشر][ 22 ] قوله: «ويَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» أي: قدراً مقدوراً . (4) أقول: وقيل: حراماً محرّماً. (5) [ 23 ] قوله: «وقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا»...الآية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «يبعث اللَّه يوم القيامة قوماً بين أيديهم نور كالقباطيّ، (6) فيقول اللَّه: كوني هباء منثوراً». ثمّ قال: «أمّا واللَّه - يا أبا حمزة - إنّهم كانوا يصومون ويصلّون، ولكن كانوا إذا عرض لهم شي ء من الحرام أخذوه، وإذا ذكر لهم شي ء من فضل أمير المؤمنين عليه السلام أنكروه - قال:- والهباء المنثور: هو الذي تراه في ضوء الشمس، اذا طلع من الكوّة شبه الغبار » . (7) [ 24 ] قوله: «وَ أحسَن مَقيلاً»، المقيل: النوم. [ 28 ] قوله: «لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً»، قال أبو جعفر عليه السلام: «يقوله الأوّل للثاني» . (8)

.


1- .في «ج»: «أي هلكى».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 116، عن تفسير القمّي.
3- .راجع تأويل الآيات، ج 1، ص 372، ح 3.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 117، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الاختصاص، ص 359.
5- .قاله في التبيان، ج 7، ص 483؛ و الاختصاص، ص 359.
6- .القباطيّ، جمع القبطيّة، وهي ثياب بيض رقاق من كتّان. الصحاح، ج 3، ص 1151 (قبط).
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 118، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 66، ح 5.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 131، عن تفسير القمّي. وروى نحوه وعن محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 373، ح 8 - 9.

ص: 346

[ 30 ] قوله: «إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» أي: متروكاً. [ 32 ] قوله: «وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً» أي: بيّناه بياناً (1) . [ 39 ] قوله: «وَ كُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً» أي: دمّرنا تدميراً . (2) [ 40 ] قوله: «وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ» (3)، فهي سدّوم (4) ، قرية قوم لوط. (5) [ 45 ] قوله: «أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ»... الآية، قال: «الظل: ما بين طلوع (6) الفجر إلى طلوع الشمس » . (7) أقول: وروى: أنّه عني به الليل كلّه، إذا ذهبت الشمس مدّ الظل على الدنيا كلّها، ثمّ قال: «وَ لَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا» أي: دائماً. (8) [ 53 ] قوله: «وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ» أي: أجرى وأرسل «هذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ»، فالاُجاج: المرّ «وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً»، البرزخ: ما بين الأمرين المختلفين «وَحِجْراً مَّحْجُوراً»، يقول (9) : «قدراً مقدوراً » . (10) [ 54 ] قوله: «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً»، قال أبو جعفر: «إنّ اللَّه

.


1- .في «ج»: «تبياناً».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 136 - 137، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً معاني الأخبار، ص 220، ح 1.
3- .في الأصل زيادة: «في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: و أمّا القرية التي أمطرت مطر السوء فهي سدّوم، قرية قوم لوط».
4- .في «ج»: زيادة «يعني».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 137، عن تفسير القمّي.
6- .في «ج»: «من طلوع».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 138 - 139، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً المناقب لابن شهر آشوب، ج 1، ص 135.
8- .وهذا رأي الشيخ الطوسي في التبيان، ج 1، ص 256. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 54، فراجع الأصل.
9- .في «ب»: «أي».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 139، عن تفسير القمّي .

ص: 347

خلق آدم من الماء العذب، وخلق زوجته من سنخه (1) ، (2) فجرى بذلك الضلع سبب نسب بينهما، ثُم زوّجها إيّاه، فجرى بسبب ذلك بينهما صهراً، فالنسب ما كان من سبب نسب الرجال، والصهر ما كان من سبب نسب النساء». (3) [ 62 ] قوله: «وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً»... الآية، سأل رجل أبا عبد اللَّه عليه السلام، قال: جعلت فداك - يا ابن رسول اللَّه - ربما فاتتني صلاة الليل (4) الشهر والشهرين والثلاثة، فأقضيها بالنهار، أ يجوز ذلك؟ قال: «قرّة عين لك واللَّه - قالها ثلاثا - إنّ اللَّه يقول: «وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً»...الآية، يعني من فاته صلاة اللّيل يقضيها بالنهار، ومن فاته صلاة النهار يقضيها باللّيل (5) » . (6) [ 63 ] قوله: «وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الارْضِ هَوْناً»، قال: «هم الأئمّة (7) » . (8) [ 18 ] قوله: «يَلْقَ أَثاماً»، قال: «أثام: واد من أودية جهنم (9) ، (10) » . (11)

.


1- .في «ج»: «سبخة».
2- .ورد مثل ذلك في تفسير الآية الاُولى من سورة النساء وقد أشرنا هناك الى أنّ ابن العتائقي لم يوافق على هذا، وقد أوضح ذلك في ذيل تفسير الآية (72) من سورة النحل (16).
3- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 55 - 61، فراجع الأصل.
4- .في «ج»: «الصلاة».
5- .في الأصل زيادة: «وهو من سرّ آل محمّد المكنون». وكون ذلك من سرّهم المكنون لأنّ العامّة يحرّمون الصلاة في هذين الوقتين مع أنّهم رووا في كثير من أخبارهم أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله كان يصلّي في هذين الوقتين.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 146، عن تفسير القمّي. ورواه الحرّ العاملي في الوسائل، ج 4، ص 279.
7- .في الأصل زيادة: «يمشون على الأرض هوناً؛ خوفاً من عدوّهم».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 146، عن تفسير القمّي. وروي نحوه في الكافي، ج 1، ص 354، ح 78. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 65، فراجع الأصل.
9- .في «ج»: «واد في جهنم».
10- .في الأصل زيادة: «من صفر مذاب، قدامها خدة في جهنم، يكون فيه من عبد غير اللَّه، ومن قتل النفس التي حرم اللَّه، ويكون فيه الزناة، ويضاعف لهم فيه العذاب، «إِلا مَنْ تابَ وآمَنَ» إلى قوله «فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً»، يقول: «لا يعود إلى شي ء من ذلك بالإخلاص، ونيّة صادقة» .
11- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 152، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً المحاسن للبرقي، ص 170، ح 136.

ص: 348

[ 70 ] قوله: «فَأُوْلئِك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» . (1) عن أبي جعفر عليه السلام (2) ، قال: «إذا كان يوم القيامة، أوقف اللَّه المؤمن بين يديه، وعرض عليه عمله، فينظر في صحيفته، فأوّل ما يرى سيّئاته، فيتغيّر لذلك لونه، وترتعد فرائصه، ثمّ تعرض عليه حسناته، فتفرح لذلك نفسه، فيقول اللَّه عزّ وجلّ: بدّلوا سيّئاتهم حسنات (3) ، وأظهروها للناس. فيبدّل اللَّه لهم، فيقول الناس: (4) أمّا كان لهؤلاء سيئّة واحدة! [وهو قوله: «يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» ] (5) » . (6) [ 72 ] قوله: «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ»، قال: «هو الغناء». [ 74 ] قوله: «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً»، روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال لقاري هذه الآية: «لقد سألوا اللَّه عظيماً أن يجعلهم للمتّقين أئمّة! (7) ». فقيل له: وكيف هذا، يا بن رسول اللَّه؟ قال: «إنّما أنزل اللَّه: (الذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرّة أعين واجعل لنا من المتّقين إماماً)» . (8) [ 75 ] قوله: «أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ» يعني: غرفات الجنان (9) .

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 152 - 153، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في كتاب الزهد للحسين بن سعيد، ص 91، ح 45؛ والأمالي للشيخ الطوسي، ج 1، ح 166.
2- .في الأصل: «عن أبي الحسن الرضا عليه السلام».
3- .في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «قال:إذا كان يوم القيامة دعا بقوم، وكان اللَّه هو الذي حاسبهم، فيقررهم اللَّه بأعمالهم السيّئات، ثمّ يقول: أبدلوها حسنات».
4- .في «ب» و «ج» زيادة: «واعجبا».
5- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 152، عن تفسير القمّي. وروى معناه الشيخ الطوسي في الأمالي، ج 1، ص 70. و روى هذا الحديث و الشيخ المفيد في الأمالي، ص 298، ح 9، أيضاً .
7- .في «ب» و «ج»: «اماماً».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 155، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 384، ح 26. و هذه الرواية ونحوها من باب اختلاف القرائات، وليست من تحريف القرآن في شي ءٍ كما توهّمه بعض المخالفين.
9- .في «ب» و «ج»: «الجنّة».

ص: 349

قوله: «وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً»، قال: «التحيّة من اللَّه تعالى، والسلام من الملائكة». [ 77 ] قوله: «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ»، قال الصادق عليه السلام: «إدفعوا البلايا بالدعاء، وداووا مرضاكم بالصدقة، وحصّنوا أموالكم بالزكاة » . (1)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 157، عن تفسير القمّي .

ص: 350

سورة الشعراء (26)

سورة الشعراء (26)[مكّيّة، وآياتها مائتان وسبع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «لَعَلَّك باخِعٌ نَفْسَك»، أي: جازع (1) نفسك . (2) أقول: وقال ابن عبّاس: قاتل نفسك، وقال أبو زيد: تخرج نفسك. (3) [ 4 ] قوله: «فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «تخضع لها رقاب بني اُميّة (4) » . (5) أقول: وقيل: الأعناق: الرؤساء والسادات، وقيل: الجماعات. [ 23 - 25 ] وقوله: «وما رَبُّ الْعالَمِينَ»؟ إنّما سأله عن كيفيّة اللَّه، فقال موسى: «رَبُّ السَّماواتِ والارْضِ»...الآية، فقال فرعون - متعجّباً - لأصحابه: «أَ لا تَسْتَمِعُونَ»، أسأله عن الكيفيّة، فيجيبني عن الخلق (6) ؟!. أقول: سأل فرعون عن ماهيّة اللَّه، وموسى أجابه بصفته. [ 32 ] وقوله: «فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِىَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ»، ففزع فرعون ومن حوله، وناشده أن يأخذها، فكفّها، ثمّ نزع يده، فأضاءت البيت.

.


1- .البخع: القتل، والمعنى: لعلّك قاتل نفسك. التبيان، ج 8، ص 4؛ مجمع البيان، ج 7، ص 184.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 165، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الأمالي للشيخ الطوسي، ج 1، ص 106.
3- .راجع التبيان، ج 8، ص 5.
4- .في الأصل زيادة: «وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السلام» .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 166، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن إبراهيم النعماني في الغيبة، ص 251، ح 8 و ص 260، ح 19.
6- .في «أ»: «فيجيبني عن الصفات».

ص: 351

[ 60 - 63 ] وقوله: «فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ»، فجمع فرعون أصحابه، وبعث في المدائن حاشرين، وحشر الناس، وقدّم مقدّمته في ستّ مائة ألف، وركب هو في ألف ألف (1) ، وخرج كما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ وكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِك وأَوْرَثْناها بَنِى إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ»، فلمّا قرب موسى من البحر، وقرب فرعون من موسى، قال أصحاب موسى: «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»، قال موسى: «كَلا إِنَّ مَعِى رَبِّى سَيَهْدِينِ» أي: سينجيني، فدنا موسى عليه السلام من البحر، فقال له: انفلق، فقال البحر له: استكبرت - يا موسى - أن تقول لي: انفلق، أنفلق (2) لك، ولم أعص اللَّه طرفة عين، وقد كان فيكم المعاصي؟ فقال له موسى: فأحذر أن تعصي اللَّه وقد علمت أن آدم اخرج من الجنّة بمعصيته، وإنّما إبليس لعن بمعصيته. فقال البحر: ربّي عظيم، مطاع أمره، و لا ينبغي لشي ء أن يعصيه. فقام يوشع بن نون، فقال لموسى: يا رسول اللَّه، ما أمرك ربّك؟ قال: بعبور البحر. فاقتحم يوشع فرسه في الماء، فأوحى اللَّه إلى موسى: «أَنِ اضْرِبْ بِعَصاك الْبَحْرَ»، فضربه «فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» أي: كالجبل العظيم، فضرب له في البحر اثني عشر طريقاً، فأخذ كلّ سبط منهم في طريق، فكان الماء قد ارتفع، وبقيت الأرض يابسة، طلعت فيها الشمس فيبست، كما حكى اللَّه: «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً ولا تَخْشى» (3). ودخل موسى وأصحابه البحر، وكان أصحابه اثني عشر سبطاً، فضرب اللَّه لهم في البحر اثنى عشر طريقاً، فأخذ كلّ سبط في طريق، و كان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال، فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى عليه السلام في طريقه، فقالوا: يا موسى أين إخواننا؟ فقال لهم: معكم في البحر. فلم يصدّقوه، فأمر اللَّه البحر، فصارت طاقات، حتّى كان ينظر بعضهم إلى بعض، ويتحدّثون.

.


1- .راجع الاختصاص، ص 266.
2- .في «ط»: «أنفرق، انفرق». وفي «ق»: «افترق افترق».
3- .طه (20): 77.

ص: 352

وأقبل فرعون وجنوده، فلمّا انتهى إلى البحر، قال لأصحابه: ألا تعلمون أنّي ربّكم الأعلى؟ قد فرج لي البحر. فلم يجسر أحد أن يدخل البحر، وامتنعت الخيل منه لهول الماء، فتقدّم فرعون، حتّى جاء إلى ساحل البحر، فقال له منجّمه: لا تدخل البحر. وعارضه فلم يقبل منه، وأقبل على فرس حصان، فامتنع الحصان أن يدخل الماء، فعطف عليه جبرئيل، وهو على ماديانة، فتقدّمه ودخل، فنظر الفرس إلى الرمكّة فطلبها، ودخل البحر، واقتحم أصحابه خلفه. فلمّا دخلوا كلّهم، حتّى كان آخر من دخل من أصحابه، وآخر من خرج من أصحاب موسى، أمر اللَّه الرياح، فضربت البحر بعضه ببعض، فرأى فرعون الماء ينهدم عليه، فرفع يده وقال: «آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إلّا الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (1) فأخذ جبرئيل حمأة، فدسّها في فيه، (2) ثمّ قال: «آلآْنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ». (3) [ 84 ] قوله: «واجْعَلْ لِى لِسانَ صِدْقٍ فِى الآْخِرِينَ» قال: يعني محمّداً صلى اللَّه عليه وآله » (4) أقول: يعني النبأ الطيّب ؛ فإنّ جميع المذاهب تنبئ (5) . [ 90 ] قوله: «وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ»: قرّبت . (6) أقول: ومنه المزدلفة؛ «وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الأَخَرِينَ» (7) أي: قربّنا إلى البحر. [ 94 ] قوله تعالى: «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ والْغاوُونَ»، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم، ثمّ خالفوه إلى غيره » . (8)

.


1- .يونس (10): 90.
2- .ورواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 50، عن تفسير القمّي. و روى معناه ابن بابويه في علل الشرائع، ص 67، ح 1.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 169 - 172، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 54 - 62، فراجع الأصل.
4- .راجع كمال الدين وتمام النعمة، ص 139، ح 7.
5- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «هو البناء الطيّب، فإنّ جميع المذاهب تبني».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 175 - 176، عن تفسير القمّي.
7- .الشعراء (26): 64.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 176، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 1، ص 38، ح 4.

ص: 353

[ 89 ] قوله: «إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»، قال: «القلب السليم: الذي يلقي اللَّه وليس فيه أحد سواه». (1) [ 100 - 102 ] قوله: «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام قال: سمعتهما يقولان: «لنشفعنّ - واللَّه - للمؤمنين من شيعتنا، حتّى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» » . (2) وقرأ الصادق عليه السلام: (فلو أنّ لنا كرّة فنكون من المهتدين)، قال: «لأنّ الإيمان لزمهم بالإقرار » . (3) [ 111 ] قوله: «قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَك يا نوح واتَّبَعَك الارْذَلُونَ»، قال: «الفقراء» . (4) [ 128 ] قوله: «أتبنون بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً» أي: بكلّ طريق . (5) [ 129 ] قوله: «وتَتخذون مصانع»يعني: جواسق (6) ومنازل «لَعلّكم تَخلُدُوُنَ» أي: كأنّكم. [ 130 ] قوله: «وإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ»، قال: «تقتلون بالغضب، من غير استحقاق».

.


1- .روي نحوه في الكافي، ج 2، ص 13، ح 5 .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 179، عن تفسير القمّي. وروى معناه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 389، ح 9 - 11.
3- .للمزيد عما قرأه الإمام الصادق عليه السلام راجع: في بحار الأنوار، ج 8، 37، ح 15. وقال السيّد الطباطبائي في تفسير الميزان، ج 15، ص 294، ما نصّه: «مراده أنّهم يؤمنون يومئذ إيمان إيقان، لكنّهم يرون أنّ الايمان يومئذ لا ينفعهم، بل الإيمان النافع هو الإيمان في الدنيا، فيتمنّون أن يرجعوا إلى الدنيا ليكون ما عندهم من الإيمان من إيمان المهتدين، وهم المؤمنون حقّاً المهتدون بإيمانهم يوم القيامة. وهذا معنى لطيف، وإليه يشير قوله تعالى: «وَ لَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَ سَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ» (السجدة (32): 13)، فلم يقولوا: فارجعنا نمؤمن ونعمل صالحا، بل قالوا: فارجعنا نعمل صالحاً، فافهم ذلك».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 180، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 119، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 181، عن تفسير القمّي.
6- .جمع جوسق، وهو القصر، كما في الصحاح، ج 4، ص 1454.

ص: 354

[ 148 ] وقوله: «ونَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ» أي: ممتلئ. (1) أقول: وقيل: لطيف في حسنه هضيم، ومنه هضيم الحساء قد بلغ وأينع، وعلى هذا يقرأ بعض في بعض، قال: هو الزجاج وأبو عبيدة (2) . [ 149 ] قوله: «فارِهِينَ» أي: حاذقين، ويُقرأ: (فَرِهِين) (3) أي: بطرين . (4) [ 168 ] قوله: «الْقالِينَ»: المبغضين . (5) [ 176 ] قوله: «أَصْحابُ الايْكَةِ» قال: «الأيكة: الغيضة (6) والشجر ، وهي مدين» . (7) [ 189 ] قوله: «عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ» أي يوم حرّ وسمائم [في بيوتهم] (8) حتّى خرجوا من بيوتهم وضربوا الظلال في المفاوز (9) ثمّ أخذتهم الصيحة في جوف الليل (10) فهلكوا، وهم قوم شعيب، وهم اللذين أهلكهم اللَّه بنقص المكيال والميزان . (11) [ 193 - 194 ] قوله: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ عَلى قَلْبِك»، قال: «هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام (12) » . 13

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 181، عن تفسير القمّي.
2- .أي أنّ بعض القرّاء كذلك في بعض قراءاته، وقال ذلك البعض: إنّ الذي قرأه هو الزهاج وأبوعبيدة المعمّر بن المثنى.
3- .معجم القراءات القرآنية، ج 4، ص 324.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 181، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 153، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 182، عن تفسير القمّي.
6- .الغيضة: هي الشجر الملتف. لسان العرب، ج 7، ص 202 (غيض).
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
8- .في الأصل زيادة: «يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث اللَّه فيها العذاب».
9- .في الأصل زيادة: «فأصبحوا في ديارهم جاثمين».
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 182، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 196 وما بعدها، فراجع الأصل.
11- .العبارة في الأصل هكذا: «هي الولاية التي نزلت لأمير المؤمنين يوم الغدير».
12- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 182 - 183، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 341، ح 1.

ص: 355

[ 198 - 199 ] قوله: «وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الاعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ» ، قال العالم عليه السلام: «لو اُنزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم، فهي فضيلة للعجم » . (1) [ 214 ] قوله: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَك الاقْرَبِينَ»: بني هاشم خاصّة، ولمّا نزلت جمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بني هاشم، وهم حينئذ أربعون رجلاً، كلّ واحد منهم يأكل الجذع ويشرب القربة، فاتّخذ لهم طعاماً يسيراً، فأكلوا حتّى شبعوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون وصيّي ووزيري وخليفتي من بعدي؟» فلم يجبه أحد منهم، فقام أمير المؤمنين، وقال: «أنا يا رسول اللَّه». فقال: «أنت وصيّي وخليفتي » . (2) أقول: نقل هذا أكثر الجمهور (3) ، وهو نصّ جليّ بالخلافة. [ 219 ] قوله: «وتَقَلُّبَك فِى السَّاجِدِينَ»، قال: «في أصلاب النبيّين، من صلب نبيّ إلى صلب نبيّ » . (4) [ 224 - 226 ] قوله: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ»، قال الصادق عليه السلام: «نزلت في الذين غيّروا دين اللَّه بآرائهم وخالفوا أمر اللَّه. هل رأيتم شاعراً قطّ تبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا ديناً بآرائهم، فتبعهم الناس على ذلك، ويؤكّد ذلك قوله: «أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ»، يعني: يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج المضلّة وفي كلّ مذهب يذهبون «وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ» بأفواههم «مَا لاَ يَفْعَلُونَ»، قال: «يعظون الناس ولا يتّعظون، وينهون عن المنكر ولا ينتهون، ويأمرون بالمعروف ولا يعملون، وهم الذين غصبوا

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 184، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 188، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الأمالي للشيخ، ج 2، ص 194. و أعلم أنّ حديث إنذار العشيرة ونصب رسول اللَّه عليّاً بوصايته وخلافته في ذلك اليوم من الأحاديث المتواترة، وللمزيد عن الروايات الكثيرة الدالّة عليه راجع: الغدير، ج 2، ص 39 - 408.
3- .نقله من العامّة كثيرون، منهم: احمد في المسند، ج 1، ص 111 و 159؛ والهيثمي في مجمع الزوائد، ج 8، ص 302؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج ، ص 126، وغيرهم.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 191، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 1، ص 396، ح 23؛ والطبرسي في مجمع البيان، ج 7، ص 323.

ص: 356

آل محمّد حقّهم ». (1) [ 227 ] ثمّ ذكر الذين ظلموا، وهم آل محمّد عليهم السلام وشيعتهم المهتدين، فقال: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا»، ثمّ ذكر أعداءهم ومن ظلمهم، فقال: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمّد حقّهم «أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» هكذا - واللَّه - نزلت . (2) أقول: وهذا دليل على أنّ الآية الاُولى، وهي قوله: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ» نزلت في اللذين غيّروا دين اللَّه، وبدّلوا حكمه، وعطّلوا حدوده، وظلموا آل محمّد حقّهم.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 194 - 195، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه الصدوق في معاني الأخبار، ص 385، ح 19؛ وشرف الدين النجفي في تأويل الآيات، ج 1، ص 399، ح 28.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 195، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً كمال الدين وتمام النعمة، ص 260، ح 6 .

ص: 357

سورة النمل (27)

سورة النمل (27)[مكّيّة، وآياتها ثلاث وتسعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 10 - 11 ] قوله: «يَامُوسَى لاَتَخَفْ إِنِّى لاَيَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَن ظَلَمَ» ف (إلّا) في موضع (ولا)، وليست هي إستثناء، وإنّما قال: (إِنِّى لاَيَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ولا مَن ظَلَمَ) «ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ» معناه: لا يخاف اللذين ظلموا ثمّ تابوا وندموا وجاءوا بالحسنة بعد السيّئة . (1) [ 15 ] قوله: «فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ»، فإنّ اللَّه أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحداً من أنبيائه من الآيات، علّمهما منطق الطير، وألان لهما الحديد والصفر من غير نار، وجعلت الجبال تسبح مع داود، وأنزل اللَّه عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار ما كان بعده من أخبار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من ذرّيّتهما، وأخبار الرجعة والقائم عليه السلام ؛ لقوله: «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِىَ الصَّالِحُونَ» » . (2) [ 17 - 22 ] قوله: «وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والانْسِ والطَّيْرِ»، فلمّا اجتمعت له قعد على كرسيّه، وحملته الريح، فمرّت به على وادي النمل، وهو وادٍ يُنبت الذهب والفضّة، وقد وكل اللَّه به النمل، وهو قول الصادق عليه السلام: «إنّ للَّه وادياً يُنبت الذهب والفضّة، قد حماه بأضعف خلقه، وهو النمل، لو رامته البخاتي من الإبل ما قدرت عليه».

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 201، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 7، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 204، عن تفسير القمّي.

ص: 358

فلمّا مرّ على وادي النمل، قالت نملة: «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ». أقول: قال بلسان حالها، فإنّ النمل ما لايصوّت، وهذا سرّ، ففهمها سليمان. «فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى » أي: قوّني . (1) [وكان سليمان إذا قعد على كرسيّه، جاءت جميع الطير التي سخرها اللَّه لسليمان، فتظلّ الكرسي والبساط - بجميع من عليه - من الشمس] (2) ، فغاب عنه الهدهد من بين الطير، فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه السلام، فرفع رأسه، وقال، كما حكى اللَّه: «ما لِىَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ» إلى قوله تعالى: «بِسُلْطانٍ مُبِينٍ»(3) ، أي: بحجّة قويّة، فلم يمكث قليلاً، إذ جاء الهدهد، فقال له سليمان: أين كنت؟ قال: «أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُك مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»، أي: بخبر صحيح. [ 23 ] قوله: «ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ»، العرش: السرير . (4) [ 25 ] قوله: «الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِى السَّماواتِ». أمّا «فِى السَّماواتِ»: فالمطر، وأمّا «فى الارْضِ» فالنبات الذي قد اختبأ في الأرض. [ 29 ] قوله: «كِتابٌ كَرِيمٌ» أي: مختوم. [ 34 ] قوله: «إِنَّ الْمُلُوك»...الآية، حكاية قولها. وقوله: «وكَذلِك يَفْعَلُونَ» قول اللَّه لنبيّه. ثمّ قالت لهم: إن كان هذا نبيّاً من عند اللَّه - كما يدّعي - فلا طاقة لنا به، فإنّ اللَّه لا يغلب، ولكن (5) سأبعث إليه بهدية، فإن كان ملكاً يميل إلى الدنيا قبلها، وعلمت (6) أنّه لا يقدر علينا. فبعثت إليه بهدية (7) ، وروي: أنّها وجّهت إليه بحقّة (8) فيها جوهرة عظيمة،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 208، عن تفسير القمّي. وراجع ما يتعلّق بقصّة النبيّ سليمان والنملة في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 87، ح 8 .
2- .ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 213، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 176، ح 7.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 207، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب» و «ج»: «ولكنّي».
6- .في «ب» و «ج»: «وعلمنا».
7- .في «ب» و «ج»: «الهدية».
8- .الحقّة: وعاء من خشب، وقد تسوّى من العاج. أقرب الموارد، ج 1، ص 215 (حقق).

ص: 359

وقالت للرسول: قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار. فأتاه الرسول بذلك، فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان، فأخذ خيطاً في فيه، ثمّ ثقبها، وأخرج الخيط من الجانب الآخر، وقال سليمان لرسولها: «أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتانِىَ اللَّهُ خَيْرٌ»...الآية . [ 40 ] قوله: «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ»، هو آصف بن برخيا، وهو وصي سليمان، فدعا اللَّه باسمه الأعظم، فخرج السرير من تحت كرسي سليمان (1) . قال الباقر عليه السلام: «ما زاد العالم أن نظر خلفه وأشار بيده فمدّه، فإذا الكرسي بين يدي سليمان». (2) قوله: «لِيَبْلُوَنِى أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ»، هذا كفر التَّرك . (3) [ 44 ] وأمر سليمان الشياطين أن يتّخذوا لها بيتاً من قوارير، ووضعه على الماء، ثمّ قيل لها: «اُدْخُلِى الصَّرْحَ» فظنّت أنّه ماء، فرفعت ثوبها، وأبدت ساقيها، فإذا عليها شعر كثير، فروي: أنّ سليمان تزوّجها، وكان له منها ابن، وقال سليمان للشياطين: اتّخذوا لها شيئاً يذهب الشعر عنها. فعملوا الحمامات، وطبخوا النورة والزرنيخ . (4) [ 47 ] قوله: «اطَّيَّرْنا بِك» أي: تشاءَ منا. قوله: «تُفْتَنُونَ» أي: تعذّبون . (5) [ 48 ] قوله: «وكانَ فِى الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ»؛ كانوا منافقين من قوم صالح، كان بعد عقر الناقة اجتمعوا وتحالفوا على أن يبيّتوا صالحاً فيقتلوه، وهو قوله: «وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً» (6)، فالمكر من اللَّه: العذاب، وكلّ ذنب يذنبه العبد في السرّ ويعزم عليه فهو مكر. فجاءهم العذاب تلك الليلة . (7)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 207، عن تفسير القمّي.
2- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «فخيّل إلى سليمان أنّه خرج من تحت كرسيّه».
3- .راجع: بصائر الدرجات، ص 229، ح 6؛ و خصائص الأئمّة، ص 46 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 208، عن تفسير القمّي.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 222، عن تفسير القمّي.
6- .النمل (27): 50.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 222، عن تفسير القمّي.

ص: 360

الجزء العشرون

اشاره

[الجزء العشرون][ 59 ] قوله: «وسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى»، قال: «فهم آل محمّد عليهم السلام » . (1) [ 62 ] قوله: «ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الارْضِ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «نزلت في القائم من آل محمّد عليهم السلام » . (2) [ 82 ] قوله: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ»، فإنّها (3) نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، وروي (4) أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله انتهى إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرّكه برجله، ثمّ قال له: «قم يا دابّة اللَّه». (5) فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللَّه أيسمّى بعضناً بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: «لا، واللَّه ما هو إلّا له خاصّة، وهو الدابّة التي ذكر اللَّه في كتابه: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ»». ثمّ قال: «يا عليّ إذا كان آخر الزمان أخرجك اللَّه في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك (6) » . (7)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 223، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 52 - 61، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 225، عن تفسير القمّي. وروى معناه النعماني في الغيبة، ص 181، ح 30. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 66 - 80، فراجع الأصل.
3- .في «ب» و «ج»: «فروي أنّها».
4- .في «ب» و «ج»: «فروي».
5- .في «ب» و «ج»: «يا دابّة اللَّه».
6- .في الأصل زيادة: «فقال رجل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن الناس يقولون هذه الدابّة إنّما تُكلِّمُهُم؟ فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: كَلَّمَهُم اللَّه في نار جهنّم، إنّما هو يكلّمهم من الكلام، والدليل على أنّ هذا في الرجعة قوله: «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»، قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام. فقال الرجل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ العامّة تزعم أنّ قوله: «ويَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» عنى يوم القيامة؟ فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: أفيحشر اللَّه من كلّ اُمّة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا، ولكنّه في الرجعة، وأمّا آية القيامة فهي: «وحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 228، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً مختصر بصائر الدرجات، ص 25.

ص: 361

[ 83 ] قوله: «يُوزَعُونَ» أي: يحثون. [ 87 ] قوله: «داخِرِينَ» أي: خاضعين (1) . (2) [ 89 ] قوله: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ»، قال الصادق عليه السلام: «نزلت هذه الآية خاصّة لقوم بأعيانهم، وهم أهل الولاية لآل محمّد». وقال: «الحسنة في هذا الموضع: الولاية، والسيّئة: العداوة». (3)

.


1- .في الأصل: «خاضعين صاغرين». و في هامش الأصل من نسخه: «خاضعين خاشعين».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 223، عن تفسير القمّي.
3- .روي معناه في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، ص 140؛ وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 24، ص 41، ح 2.

ص: 362

سورة القصص (28)

سورة القصص (28)[مكّيّة، وآياتها ثمان وثمانون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 4 ] «طسم تِلْك آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ»، ثمّ خاطب اللَّه نبيّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «نَتْلُوا عَلَيْك» يا محمّد «مِنْ نَبَإِ مُوسى وفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الارْضِ وجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ ويَسْتَحْيِى نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»، فأخبر اللَّه نبيّه صلى اللَّه عليه وآله بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم، تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من اُمّته، ثمّ بشّره بعد تعزيته أنّه يتفضّل عليهم بعد ذلك، ويجعلهم خلفاء في الأرض، وأئمّة على اُمّته، ويردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم . (1) قوله: «ويَسْتَحْيِى نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» يعني: فرعون. [ 5 - 6 ] ثمّ انقطع خبر موسى وعطف على أهل بيت محمّد، فقال: «ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الارْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأرْضِ ونُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ»، وإنّما عنى بقوله: «مِنْهُمْ» أي: من آل محمّد. ولو كان عنى فرعون، لقال: ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون - أي: من موسى - فلمّا قال: «مِنْهُمْ»، علمنا أنّه عنى آل محمّد . (2) أقول: «مِنْهُمْ» أي: من قوم موسى، وسياق الآية يدلّ على أنّها في موسى وقومه، لكن يقاس عليهم آل محمّد حذو النعل بالنعل؛ إذا مكّن اللَّه لهم في الأرض.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 249، عن تفسير القمّي. وروى معناه في دلائل الإمامة، ص 237.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 254، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 1، ص 243، ح 1؛ والأمالي للصدوق، ص 387، ح 26.

ص: 363

وأمّا قوله: «ونُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما»...الآية، يعني الذين غصبوا آل محمّد حقوقهم، وهو مثل قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته يوم بويع له: «ألا، وقد أهلك اللَّه فرعون وهامان وخسف بقارون...»، وإنّما هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقّه، فأهلكهم اللَّه. ثمّ رجع إلى قصّة موسى ؛ لأنّ القرآن منقطع معطوف، وإنّما أخبر اللَّه رسوله أنّ ذرّيّتك يصيبهم من الفتن في آخر الزمان والشدائد كما أصاب موسى وبني إسرائيل من فرعون، ثمّ يظهر اللَّه أمرهم على يد رجل من أهل بيتك يكون قصّته كقصّة موسى، ويكون بين الناس لا يُعرف حتّى يأذن اللَّه له، وهو قوله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» (1)...الآية، وقد ضرب اللَّه بالحسين بن علي عليهما السلام مثلاً في بني إسرائيل بذلّتهم من أعدائهم . (2) وعن أبي الصباح، قال: نظر أبو جعفر إلى أبي عبد اللَّه عليهما السلام، فقال: «هذا واللَّه من الذين قال اللَّه فيهم: «ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ»...الآية . [ 7 - 32 ] قوله: «وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى»...الآية، قال: «اُلهِمَت». قوله: «فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِ ّ»، وذلك (3) أنّ اُمّ موسى لمّا حملت به اُمّه، (4) لم يظهر حملها إلّا عند وضعه، وكان فرعون قد وكّل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظونهنّ، وذلك أنّه كان لمّا بلغه عن بني إسرائيل أنّهم يقولون: إنّه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران، يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده. فقال فرعون عند ذلك: لأقتلنّ ذكور أولادهم، حتّى لا يكون ما يريدون. وفرّق بين الرجال والنساء، وحبس الرجال في المحابس. فلمّا وضعت اُمّ موسى موسى عليه السلام، نظرت إليه، وحزنت عليه، واغتمّت وبكت، وقالت: يذبح الساعة. فعطف اللَّه بقلب الموكّلة بها عليها، فقالت لاُمّ موسى: ما لك قد

.


1- .الحجّ (22): 39 و40.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 254 - 255، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً كمال الدين وتمام النعمة، ص 424، ح 1 .
3- .العبارة في الأصل هكذا: «عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ موسى لمّا حملت به اُمّه...».
4- .كذا العبارة في النسخ والظاهر زيادة: كلمة «اُمّ» أو كلمة «اُمّه».

ص: 364

اصفرّ لونك؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي. فقالت: لا تخافي. وكان موسى لا يراه أحد إلّا أحبّه، وهو قول اللَّه: «وأَلْقَيْتُ عَلَيْك مَحَبَّةً مِنِّى»، فأحبّته القبطّية الموكّلة به. وأنزل اللَّه على اُمّ موسى التابوت، ونوديت اُمّه، وقال: ألقيه في اليمّ، وهو البحر «وَلا تَخافِى ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»، فوضعته في التابوت، وألقته في النيل (1) . وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزّهات، فنزل من قصره ومعه آسية امرأته، فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج، والرياح تضربه، حتّى جاءت به إلى باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه، فأخذ التابوت، ورفع إليه، فلمّا فتحه وجد فيه صبيّاً، فقال: هذا إسرائيليّ. وألقى اللَّه في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة، وكذلك في قلب آسية، وأراد فرعون أن يقتله، فقالت آسية: «لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ» أنّه موسى عليه السلام، ولم يكن لفرعون ولد، فقال: ائتوا له بظئر تربّيه. فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ، فلم يشرب لبن أحدٍ من النساء، وهو قول اللَّه: «وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ». وبلغ اُمّه أنّ فرعون قد أخذه، فحزنت وبكت، كما قال: «وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً»...الآية (2) ، ثمّ قالت لاُخت موسى: «قُصِّيهِ» أي: اتبعيه، فانظري ماذا صنعوا به، وهو قوله: «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ» أي: عن قرب. أقول: «عَنْ جُنُبٍ»، أي: عن بُعد، ومنه قوله: «وَالجَار ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ»، (3) أي: البعيد وسمّيت الجنابة جنابة؛ لأنّها تُبعد عن الصلاة ودخول المساجد ونحو ذلك. فقالت اُخت أمّ موسى: أقول: المشهور أنّها كانت اُخت موسى، والآية دليل على ذلك ؛ فإنّه قال: «وَقَالَتْ

.


1- .العبارة في الأصل هكذا: «ونوديت اُمّه: ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم، وهو البحر «ولا تَخافِى ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»، فوضعته في التابوت، وأطبقت عليه، وألقته في النيل...».
2- .في «ب» زيادة: «فضبطت نفسها وكادت أن تموت، وهو قوله: «وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً»».
3- .النساء (4): 36.

ص: 365

لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ»، وقوله: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ» فقال فرعون: نعم، فجاءت باُمّه، فشرب منها، ففرح فرعون وأهله، وأكرموها. وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كعادته كلّما يلدون، ويربّي موسى ويكرمه، ولا يعلم أنّ هلاكه على يده، فلمّا درج (1) موسى، كان يوماً عند فرعون، فعطس موسى، فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه، وقال: ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته - وكان طويل اللحية - فهلبها - أي: قلعها - فآلمه ألمّاً شديداً، فهمّ فرعون بقتله، فقالت امرأته: هذا غلام حدث، لا يدري ما يقول (2) ، و قد آلمته بلطمتك إيّاه. فقال فرعون: بل يدري. فقالت له: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما فهو الذي تقول. فوضع بين يديه تمراً وجمراً، وقال: كل. فمدّ يده إلى التمر، فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر، فأخذ (3) الجمر في فيه، فاحترق لسانه، وصاح وبكى (4) ، فقالت آسية لفرعون: أ لم أقل لك إنّه لا يعقل؟ فعفا عنه. (5) فلم يزل موسى عليه السلام عند فرعون في أكرم كرامة حتّى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلّم به موسى من التوحيد، حتّى همّ به، فخرج موسى من عنده، ودخل

.


1- .في «ب» و «ج»: «بلغ».
2- .في «ب» و «ج»: «يصنع».
3- .في «ب» و «ج»: «فوضع». والعبارة لا تخلو من خلل، ولعلّ الصحيح فيها: «فأخذ الجمر فوضع الجمر في فيه».
4- .في «ب» و «ج»: «فاحترق لسانه وأصابه النقصان منها، فرمى بها».
5- .في الأصل زيادة ونصّها: «قال الراوي: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن اُمّه حتّى ردّه اللَّه عليها؟ قال: ثلاثة أيّام. فقلت: كان هارون أخا موسى لأبيه واُمّه؟ قال: نعم، أما تسمع اللَّه تعالى يقول: «يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى ولا بِرَأْسِى» (طه (20): 94). فقلت: أيّهما كان أكبر سنا؟ قال: هارون. قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعاً؟ قال: الوحي ينزل على موسى، وموسى يوحيه إلى هارون. فقلت: أخبرني عن الأحكام، والقضاء، والأمر والنهي، أ كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسى الذي يناجي ربّه، ويكتب هارون. العلم، ويقضي بين بني إسرائيل، وهارون يخلّفه إذا غاب عن قومه للمناجاة. قلت: فأيّهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسى عليه السلام، وماتا جميعاً في التيه. قلت: فكان لموسى عليه السلام ولد؟ قال: لا، كان الولد لهارون، والذرّية له. و من هذا الحديث يظهر إحدى وجوه حديث المنزلة التي وردت في حقّ على بن أبي طالب».

ص: 366

المدينة، فإذا رجلان يقتتلان، أحدهما يقول بقول موسى، والآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته، فجاء موسى، فوكز صاحب فرعون، فقضى عليه، وتوارى في المدينة، فلمّا كان من الغد جاء آخر، فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى، فاستغاث بموسى، فلمّا نظر صاحبه إلى موسى، قال له: «أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بِالأَمْسِ»؟! فخلّى عن صاحبه، وهرب. (1) وكان خازن فرعون مؤمناً بموسى، قد كتم إيمانه ستّمائة سنة، وهو الذي قال اللَّه: «وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ» (2)، وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن إلى موسى عليه السلام: «إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنِّى لَك مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها» كما حكى اللَّه «خائِفاً يَتَرَقَّبُ»، قال: «يلتفت يمنة ويسرة، ويقول: «رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»». ومرّ نحو مدين، وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيّام، فما زال يمرّ حتّى أتى مدين، فلمّا بلغ باب مدين، رأى بئراً يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابّهم، فقعد ناحية، وقد بقي ثلاثة أيّام لم يكن أكل شيئاً، فنظر إلى جاريتين في ناحية، ومعهما غنيمات، لا تدنوان من البئر، فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟ قالتا - كما حكى اللَّه - «لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ»، فرحمهما موسى، ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: أستقي لي دلواً، ولكم دلواً وكان الدلو يمدّه (3) عشرة رجال، فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ودلواً لبنتي شعيب، وسقى أغنامهما «ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّى لِما أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» (4) وكان جائعاً شديد الجوع. (5) قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ موسى كليم اللَّه حيث سقى لهما، ثمّ تولّى إلى الظلّ، فقال:

.


1- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «فاستغاثه الذي يقول بقوله على الذي يقول بقول فرعون، فأعانه موسى ووكزه وكزة قتله فيها، وتوارى في المدينة، فلمّا كان من الغد جاء آخر، فتشبّث بذلك الرجل ليذهب به إلى فرعون، فاستغاث بموسى، فلمّا نظر الرجل إلى موسى ولّى هارباً، وقال: «أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بِالأمْسِ»؟!».
2- .غافر (40): 28.
3- .في «ط»: «بيد».
4- .القصص (28): 24.
5- .راجع الكافي، ج 6، ص 287، ح 5 .

ص: 367

«رَبِ ّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»، واللَّه ما سأل اللَّه إلّا خبزاً يأكل، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه، من هزاله». (1) فلمّا رجعت بنتا شعيب إلى شعيب، قال لهما: أسرعتما الرجوع! فأخبرتاه بقصّة موسى عليه السلام، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهما: إذهبي إليه، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا. فجاءت إليه، كما حكى اللَّه تعالى: «تَمْشِى عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا» (2)، فقام موسى معها، ومشت أمامه، فصفقتها (3) الريح، فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخّري، ودلّيني على الطريق بحصاة تلقينها أمامي أتبعها، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء. فلمّا دخل على شعيب، قصّ عليه قصّته، فقال له شعيب: «لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ». قالت إحدى بنات شعيب: «يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الأَمِينُ». فقال لها شعيب: أمّا قوّته، فقد عرفته بسقي الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت له: إنّه لمّا قال لي: تأخّري عنّي ودلّيني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء، عرفت أنّه من القوم الذين لا ينظرون أعجاز النساء، فهذه أمانته. فقال له شعيب: «إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إِحْدَى ابْنَتَىَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمانِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِك وما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْك سَتَجِدُنِى إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ». فقال له موسى: «ذلِك بَيْنِى وبَيْنَك أَيَّمَا الاجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَىَّ» أي: لا سبيل علىَّ إن عملت عشر سنين، أو ثمان سنين. فقال موسى: «واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ». قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:، أيّ: الأجلين قضى؟ قال: «أتمّها عشر سنين». قلت له: فدخل بها قبل أن يقضي الأجل، أو بعده؟ قال: «قبل». قلت: فالرجل يتزوّج المرأة، ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلاً، أ يجوز ذلك؟

.


1- .وقد ورد ذلك في نهج البلاغة، الخطبة 160.
2- .القصص (28): 25.
3- .الصفق: الضرب الذي يسمع له صوت. لسان العرب، ج 10، ص 200 (صفق).

ص: 368

قال: «إنّ موسى علم أنّه يتمّ له شرطه، فكيف لهذا أن يعلم أنّه يبقى حتّى يفي؟». (1) قلت له: جعلت فداك، أيّهما زوّجه شعيب من بناته؟ قال: «التي ذهبت إليه فدعته، وقالت لأبيها: «يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ إسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الأمِينُ». فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ» (2) ، قال لشعيب: لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني واُميّ وأهل بيتي، فما لي عندك؟ فقال شعيب: ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بُلْقٍ (3) فهو لك؟ فعمد موسى - عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم - إلى عصا، فشقّ (4) منها بعضاً وترك بعضاً، وغرزها في وسط مربض الغنم، وألقى عليها كساء أبلق، ثمّ أرسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقاً. فلمّا حال عليه الحول حمل موسى إمرأته، وزوّده شعيب من عنده، وساق غنمه، فلمّا أراد الخروج قال لشعيب: أبغي (5) عصا تكون معي، وكانت عصيّ الأنبياء عنده، قد ورثها مجموعة في بيت. فقال له شعيب: اُدخل هذا البيت، وخذ عصا من بين العصيّ. فدخل، فوثبت إليه عصا نوح وإبراهيم عليهما السلام، وصارت في كفّه، فأخرجها ونظر إليها شعيب، فقال: ردّها، وخذ غيرها. فردّها ليأخذ غيرها، فوثبت إليه تلك بعينها، فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرات. فلمّا رأى شعيب ذلك، قال له: اذهب، فقد خصّك اللَّه بها. فساق غنمه، فخرج يريد مصر، فلمّا صار في مفازة ومعه أهله، أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجنّهم الليل، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت، كما قال اللَّه: «فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ ناراً لَعَلِّى آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ»، فأقبل نحو النار يقتبس، فإذا شجرةُ ونار تلتهب

.


1- .روي نحوه في الكافي، ج 5، ص 414، ح 1.
2- .القصص (28): 29.
3- .البلق: سواد وبياض، وبلق الدابة: ارتفاع التحجيل إلى الفخذين. لسان العرب، ج 10، ص 25 (بلق).
4- .في «ب»: «فقشر».
5- .في «ب» و «ج»: «أعطني».

ص: 369

عليها، فلمّا ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه، ففزع منها وعدا، ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى مكانها، فرجع الثانية ليقتبس، فأهوت إليه، فعدا وتركها، ثمّ التفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها ثالثة، فأهوت إليه، فعدا «ولَمْ يُعَقِّبْ» أي: لم يرجع، فناداه اللَّه: «أَنْ يا مُوسى إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ». قال موسى: فما الدليل على ذلك؟ قال اللَّه: ما في يمينك يا موسى؟ قال: هي عصاي. قال: «أَلْقِها يا مُوسى» فألقاها، فصارت حيّة تسعى، ففزع منها موسى عليه السلام، وعدا، فناداه اللَّه: «أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» (1)أي: من غير علّة، وذلك أنّ موسى عليه السلام كان شديد السمرة، فأخرج يده من جيبه، فأضاءت له الدنيا [فقال اللَّه عزّ وجلّ: «فَذانِك بُرْهانانِ مِنْ رَبِّك إِلى فِرْعَوْنَ ومَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ»...الآيات ]» (2) . (3) [ 38 ] قوله: «فَأَوْقِدْ لِى يَا هامَانُ»... الآية، فإنّ هامان بنى له في الهواء صرحاً، حتّى بلغ مكاناً في الهواء لا يتمكّن الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث اللَّه رياحاً، فرمت به، فاتّخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت، وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها، حتّى إذا بلغت القوّة وكبرت، عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة، فغرسا في كلّ جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كلّ خشبة لحماً، وجوّعا الأنسر، وشدّا أرجلها بأصل الخشبة، فنظرت الأنسر إلى اللحم، فأهوت إليه، وصفقت بأجنحتها، وارتفعت بهما في الهواء، وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: اُنظر إلى السماء، هل بلغناها؟ فنظر هامان، فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد. فقال: انظر إلى الأرض. فقال: لا أرى الأرض، ولكنّي أرى البحار والماء. قال: فلم تزل الأنسر ترتفع حتّى غابت الشمس، وغابت عنهم البحار والماء، فقال

.


1- .القصص (28): 31 و 32.
2- .مابين المعقوفتين من الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 255 - 260، عن تفسير القمّي. وروى ابن بابويه قصّة موسى عليه السلام بالتفصيل في كمال الدين وتمام النعمة، ص 147، ح 1.

ص: 370

فرعون: يا هامان، انظر إلى السماء. فنظر، فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض. فلمّا جنّهم الليل، نظر هامان إلى السماء، فقال فرعون: هل بلغناها؟ قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض، ولست أرى من الأرض إلّا الظلمة. قال: ثمّ حالت الرياح القائمة في الهواء بينهما، فانقلب التابوت بهما، فلم يزل يهوي بهما حتّى وقع على الأرض، وكان فرعون أشدّ ما كان عتوّاً في ذلك الوقت . (1) أقول: هذا لا يفعله عاقل ولا مجنون، وكأنّ الأمر فيه محال، ويقال: أنّ الصرح قائم بناحية مصر الآن، قد رمت الرياح بثلثيه، ويرى من مسيرة ثلاثة أيّام، فينظر من رآه أنّه بالقرب منه لارتفاعه. وفي جميع ذلك نظر جليّ، لا يخفى. (2) [ 50 ] قوله: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ»، قال الصادق عليه السلام: «هو من يتّخذ دينه برأيه، بغير إمام من اللَّه من أئمّة الهدى صلوات اللَّه عليهم» . (3) [ 51 ] قوله: «وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» أي: كي يتذكّروا، قال الصادق عليه السلام: «إمام بعد إمام » . (4) [ 56 ] قوله: «إِنَّك لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشاءُ»، قال الصادق عليه السلام: «نزلت في أبي طالب عليه السلام، فإنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان يقول (5) : «يا عمّ، قل: لا إله إلّا اللَّه، أنفعك بها يوم القيامة». فيقول: يا ابن أخي، أنا أعلم بنفسي. فلمّا مات، شهد العبّاس بن عبد المطلب عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أنّه تكلّم بها عند الموت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، «أمّا أنا فلم أسمعها منه، وأرجو أن تنفعه يوم القيامة». أقول: الإجماع من الاماميّة منعقد على أنّ أبا طالب أسلم، وكان من أولياء اللَّه،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 266 - 267، عن تفسير القمّي.
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 44 - 48، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 271، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في بصائر الدرجات، ص 33، ح 7 و5.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 271، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 343، ح 18. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 54، فراجع الأصل.
5- .في «ب» و «ج»: «وكان النبي يحبّه ويقول له».

ص: 371

وروي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام، وما ذهب إليه المصنّف شاذّ لايعمل به (1) ؛ فإنّ المشهور خلافه، ومن تتبّع سيرة أبي طالب وأقاويله وذوده عن النبي، وأشعاره فيه التي تدلّ على إيمانه (2) فمن ذلك قوله :أوصي بنصر الأمين الخير مشهده بعدي عليّاً وعليّ الخير عباساوحمزة الأسد المخشيّ صولته وجعفراً أن يذوقوا قبله الباساوهاشماً كلّها اُوصي بنصرته أن يأخذوا دون حرب القوم أمراساكونوا فدىً لكم اُمّي وما ولدت من دون أحمد عند الروع أتراسابكلّ أبيض مصقول عوارضه تخاله في سواد الليل مقباسا (3) وقوله:ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداًنبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب وأنّ عليه في العباد محبّةولا حيف فيمن خصّه اللَّه بالحبّ وأنّ الذي لفقتم في كتابكم يكون لكم يوماً كراغية السقب أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب ولا تتّبعوا أمر الغواة وتقطعواأواصرنا بعد المودّة والقرب وتستجلبوا حرباً عواناً وربّماأمرّ على من ذاقه حلب الحرب فلسنا وبيت اللَّه نسلم أحمداًلعزاء من عضّ الزمان ولا حرب ولمّا تبن منّا ومنكم سوالف وأيد أبيدت بالمهنّدة الشهب بمعترك ضنك ترى كسر القنابه والضباع العرج تعكف كالسرب كأنّ مجال الخيل في حجراته وغمغمة الأبطال معركة الحرب أليس أبونا هاشم شدّ أزره وأوصى بنيه بالطّعان وبالضرب (4)

.


1- .في «ب» و «ج»: «عليه».
2- .سيأتى الخبر بعد الأشعار، وهو قوله: «علم أنّه كان من المؤمنين، وأكبر الأولياء...».
3- .روضة الواعظين للفتال النيسابوري، ص 55.
4- .راجع: الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 341. (الهامش).

ص: 372

وقوله:وأبيض يُستسقَى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل 1لعمري لقد كُلّفت وجداً بأحمدوأحببته حُبّ الحبيب المواصل وجُدت بنفسي دونه وحميته ودارأت عنه بالذرى والكلاكل (1)فما زال في الدنيا جمالاً لأهلهاوشين على الأعدا وزين المحافل حليماً رشيداً حازماً غير طائش يوالي إله الخلق ليس بماحل وأيّده ربّ العباد بنصره وأظهر ديناً حقّه غير باطل ألم تعلموا أنّ ابننا غير مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل وأبيض يستستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل (2)تلوذ به الهلّاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت اللَّه يُبزى محمّداًولمّا نقاتل دونه ونناضل (3)ونسلمه حتّى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل (4) ومن تتبّع كلام أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام علم أنّه كان من المؤمنين، وأكبر الأولياء، وكيف لا؟ ولولاه ما تهيّأ لمحمّد ظهور الدعوة. ويكفي أبا طالب أنّ النبي والوصي خرجا من بيته وتربته (5) ، وقد جاء المصنّف بشي ء لم يقل به أحد من الإماميّة، ولا من أهل البيت عليهم السلام . (6)

.


1- .دارأت: دافعت. الذرى: أعلى الشي ء، والمراد منه الرؤوس. الكلاكل جمع الكلكل: الصدر أو ما بين الترقوتين.
2- .هذا البيت قد سبق في أوّل هذا المقطع، وقد علّقنا عليه، فراجع.
3- .وفي النهاية، ج 1، ص 125 عند ذكر قصيدة أبي طالب ما هذا لفظه: «يبزى، أي يقهر ويغلب، أراد لا يبزى، فحذف "لا" من جواب القسم، وهي مرادة، أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع».
4- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 79 بتقديم وتأخير في الأبيات؛ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 272.
5- .في «ب» و «ج»: «وتربته».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 274، عن تفسير القمّي .

ص: 373

[ 44 ] قوله: «إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ» أي: أعلمنا. (1) [ 65 - 66 ] قوله: «وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ»، فإنّ العامّة يزعمون أنّ ذلك في القيامة. وأمّا الخاصّة، فإنّهم رووا أنّه إذا وضع الإنسان في القبر دخل عليه منكر ونكير ليسألانه عن اللَّه وعن النبي صلى اللَّه عليه وآله وعن الإمام ؟ فإن كان مؤمناً أجاب (2) ، وهو قوله: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ». (3) [ 71 ] قوله: «سَرمَدَاً» أي: دائماً. (4) [ 76 ] قوله: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ» كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة (5) . والعصبة: ما بين العشرة إلى خمسة عشر (6) . والنفر: الواحد إلى الثلاثة (7) . والثلّة: من الثلاثة إلى العشرة . (8) [ 79 ] قوله: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ»، قال: «خرج في الثياب المصبّغات يجرّها في الأرض». وقيل: خرج في أولاده؛ لقوله: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (9).

.


1- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 57 - 62، فراجع الأصل.
2- .في الأصل العبارة هكذا: «قال: أشهد أنّه رسول اللَّه، جاء بالحقّ. فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها، ويتنحّى عنه الشيطان، ويفسح له في قبره سبعة أذرع، ويرى مكانه في الجنّة. قال: وإن كان كافراً، قال: لا أدري، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق اللَّه الإنسان، ويسلّط عليه الشيطان، وله عينان من نحاس أو نار، يلمعان كالبرق الخاطف، فيقول له: أنا أخوك، وتسلّط عليه الحيّات والعقارب، ويظلم عليه قبره، ثمّ يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه، ثمّ قال بأصابعه. فشرّجها». و قوله: ثمّ قال بأصابعه فشرجها: أي أشار بأصابعه وداخل بينها.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 281، عن تفسير القمّي.
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 69 - 75، فراجع الأصل.
5- .في «ب» و «ج»: «كان يعجز عن حمل مفاتيحه العصبة».
6- .في الأصل: «إلى تسعة عشر».
7- .هناك أقوال اُخر في مقدار العصبة تراجع بشأنها الصحاح للجوهري 1، ص 182؛ والفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، ص 107 .
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 287، عن تفسير القمّي.
9- .الكهف (18): 45.

ص: 374

[ 80 ] قوله: «قالَ الَّذِينَ أُوتُوا العلمَ» يعني: الخلّص من أصحاب موسى: «وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ولا يُلَقَّاها» يعني: هذا القول «إلّا الصَّابِرُونَ»». [ 81 ] قوله: «فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الارْضَ»، كان سبب هلاك قارون: أنّه لمّا أخرج موسى بني إسرائيل من مصر، وأنزلهم البادية، قالوا: أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى الخراب، فكان تجي ء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس، ويسقط على ثيابهم بالليل العسل، فيأكلونه بالغداة وبالعشي يصفّون الموائد فيجي ء طائر مشوي فيقع على موائدهم فيأكلونه، فإذا شبعوا طار الطائر، وكان يضع حجراً وسط العسكر فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، فقال لهم موسى: كلوا واشربوا واعبدوا اللَّه هاهنا، فقد كفاكم ما تحتاجون إليه، وكان قارون منهم، وكان يقرأ التوراة، ولم يكن فيهم أحسن صوتاً منه (1) ، وكان يسمى: «المنوَّر»؛ لحسن قراءته. وكان موسى قد وعده أن يزوّجه كلثوم (2) بنت عمران، فبنى هناك قارون قصراً، واتّخذ فيه مصانع، وجعل يعمل الكيمياء، وجمع من الأموال ما حكاه اللَّه عنه. فطغى وبغى. فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في ذلك المكان اجتمعوا إلى موسى وقالوا: «لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّك يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الارْضُ مِنْ بَقْلِها وقِثَّائِها وفُومِها وعَدَسِها وَ بَصَلِها» (3)، قال لهم موسى: «أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ» (4)، فقالوا كما حكى اللَّه: «إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها» (5). ثمّ قالوا لموسى: «فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّك فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» (6). فغضب موسى وأخذ بيد هارون وخرج من بينهم، وقال: «رَبِّ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ إلّا نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» 7، فلمّا علموا بخروج موسى عنهم صرخوا وبكوا وقالوا: اسأل اللَّه أن يتوب علينا، فقال اللَّه: قد تبت عليهم، وجعلت توبتهم أن يدخلوا

.


1- .في «ب» و «ج»: «ولم يكن فيهم أقرأ للتوراة منه».
2- .في بعض النسخ: «كلثم».
3- .البقرة (2): 61.
4- .المائدة (5): 22.
5- .المائدة (5): 24.
6- .المائدة (5): 25.

ص: 375

مصر، وحرّمها عليهم أربعين سنة، وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ، فكانوا يركبون من أوّل الليل، فلا يزالون يأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض إلى مكانهم الذي خرجوا منه، وإنّما دخلها أبناءهم. وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم (1) في التوبة، وكان موسى يحبّه، فدخل عليه موسى، فقال له: يا قارون، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها؟! ادخل معهم، وإلّا أنزل اللَّه بك العذاب. فاستهان به، واستهزأ بقوله، فخرج موسى من عنده مغتمّاً، فجلس في فناء قصره، وعليه جبّة من شعر، ونعلان من جلد حمار، شراكهما من خيوط شعر، بيده العصا، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماداً قد خلط بالماء، فصُبّ عليه، فغضب موسى غضباً شديداً. وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا ربّ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ. أقول: هذا لا يقوله الأنبياء؛ لأنّهم معصومون، وهذا يدلّ على ما لايخفى على عاقل، وكثيراً مّا يقول في هذا الكتاب مثل هذا الكلام المحال وينسبها إلى أهل البيت الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وهو باطل. فأوحى اللَّه إليه: قد أمرت الأرض (2) أن تطيعك، فمرها بما شئت. وقد كان قارون قد أمر أن تغلق أبواب القصر، فأقبل موسى، فأومأ إلى الأبواب فانفتحت، فدخل عليه، فلمّا نظر إليه قارون علم أنّه قد اُوتي بالعذاب، فقال: يا موسى، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك. فقال له موسى: يا ابن لاوي، لا تزدني من كلامك، يا أرض خذيه. فدخل القصر بما فيه في الأرض، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه. فبكى وحلفه بالرحم، فقال موسى: يا أرض خذيه. فدخل في الأرض، ووكّل اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة، وهو قوله: «فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأَرْضَ». روى عن العالم: أنّه لمّا قضى أوحى اللَّه إلى موسى: ياموسى إعهد عهدك فقد انقضى أجلك.

.


1- .في «ب» و «ج»: «أن يدخل معهم».
2- .في «ب» و «ج»: «السماء والأرض».

ص: 376

فقال موسى: يا ربّ لو أبقيتني في بني إسرائيل كنت آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأقيم حدودك. فقال اللَّه: يا ابن لاوي، لا تزدني من كلامك. وهذا ما قال موسى لقارون حين أمر الأرض أن يأخذه، فعيّره اللَّه بما قال لقارون، فعلم موسى أنّ اللَّه قد عيّره بذلك، فقال: يا ربّ، إنّ قارون قد دعاني بغيرك، ولو دعاني بك لأجبته (1) . فقال اللَّه: يا موسى، وعزتي وجلالي، وجودي ومجدي، وعلوّ مكاني لو أنّ قارون كما دعاك دعاني لأجبته، ولكنّه لمّا دعاك وكلته إليك. يا بن عمران، لا تجزع من الموت، فإنّي كتبت الموت على كلّ نفس، وقد مهّدت لك مهاداً لو قد وردت عليه لقرّت عيناك. فخرج موسى إلى (2) جبل طور سيناء (3) مع وصيّه، وصعد موسى عليه السلام الجبل، فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل (4) ومسحاة، فقال له موسى: ما تريد؟. قال: إن رجلاً من أولياء اللَّه قد توفّي، فأنا أحفر له قبراً. فقال له موسى: ألا أعينك عليه؟ فقال: بلى. قال: فحفر القبر، فلمّا فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر، فقال له موسى: ما تريد؟ قال: أدخل القبر، فأنظر كيف مضجعه؟ فقال له موسى: أنا أكفيك. فدخل موسى عليه السلام، فاضطجع فيه، ففتح اللَّه له باباً إلى الجنان، فقبض ملك الموت روحه، وانضمّ عليه القبر . (5) [ 83 ] قوله: «تِلْك الدَّارُ الآْخِرَةُ»...الآية، عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «يا حفص، ما منزلة الدنيا (6) من نفسي إلّا بمنزلة الميتة، إذا اضطررت إليها أكلت منها. يا حفص،

.


1- .في «ب» و «ج»: «لو علمت انّ ذلك لك رضا لأجبته».
2- .في «ب» و «ج»: «نحو».
3- .كذا في النسخ، ولعلّ الصحيح إحدى الكلمتين.
4- .المكتل: الزبيل الكبير. النهاية، ج 4، ص 150.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 287 - 289، عن تفسير القمّي .
6- .كذا في «ط»، وهناك صور اُخرى نوردها في تفسير الآية (23) من سورة الحديد (57).

ص: 377

إنّ اللَّه تبارك تعالى علم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم، فلا يغرنّك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت» ثمّ تلا قوله: «تِلْك الدَّارُ الآْخِرَةُ»... الآية، وجعل يبكي ويقول: «ذهبت - واللَّه - الأماني عند هذه الآية». ثمّ قال: «فاز واللَّه الأبرار، أ تدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذرّ (1) ، كفى بخشية اللَّه علماً، وكفى بالاغترار جهلاً. يا حفص، إنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، من تعلّم وعلم، وعمل بما علم، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً، فقيل: تعلّم للَّه، وعمل للَّه، وعلم للَّه». قلت: جعلت فداك، ما حدّ الزهد في الدنيا؟ قال: «قد حدّ اللَّه في كتابه، فقال عزّ وجلّ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» (2)، إنّ أعلم الناس باللَّه أخوفهم للَّه، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهدهم فيها». فقال له رجل: يا ابن رسول اللَّه، أوصني. فقال: «اتّق اللَّه حيث كنت، فإنّك لا تستوحش». (3) وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام أيضا، في قوله: «عُلُوًّا فِى الارْضِ ولا فَساداً»، قال: «العلو: الشرف، والفساد: البناء (4) » . (5) [ 84 ] قوله: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا» منسوخة بقوله: «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (6). [ 85 ] قوله: «إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآنَ لَرادُّك إِلى مَعادٍ»، فإنّ العامّة رووا أنّه يوم القيامة، وأمّا الخاصّة، فرووا عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه في الرجعة . (7)

.


1- .الذّرّ: جمع ذرّة، وهي أصغر النمل. الصحاح، ج 2، ص 663 (ذرر).
2- .الحديد (57): 23.
3- .مستدرك الوسائل، ج 3، ص 462. وروى نحوه السيّد ابن طاووس في سعد السعود، ص 87 - 88 .
4- .في «ط»: «والفساد: النساء».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 289 - 290، عن تفسير القمّي.
6- .الأنعام (6): 160.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 291، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في مختصر بصائر الدرجات، ص 209 .

ص: 378

وروي عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: «يرجع إليكم نبيّكم صلى اللَّه عليه وآله، وأمير المؤمنين، والأئمّة عليهم السلام » . (1) أقول: إنّ ذلك وعد من اللَّه أن يردّه إلى مكّة، وأنّه يملكها، فإنّه لمّا هاجر كان يلتفت إليها ويقول: «إنّها أحبّ البقاع إليّ» (2) فنزلت الآية؛ هكذا ذكر في سبب نزولها. (3) [ 88 ] قوله: «كُلُّ شَىْ ءٍ هالِكٌ إلّا وَجْهَهُ» قال: «يهلك كلّ شي ء ويبقى الوجه؟! اللَّه أعظم من أن يوصف. لا، ولكن معناها: كلّ شي ء هالك إلّا دينه، ونحن الوجه الذي يؤتى اللَّه منه، لم نزل في عباده ما دام اللَّه له فيهم روية (4) ، فإذا لم يكن له فيهم روية، رفعنا إليه، ففعل بنا ما أحبّ». قلت: جعلت فداك، وما الروية؟ قال: «الحاجة». (5) أقول: الوجه هو الذات، ولا يريد الوجه الذي هو المشهور؛ لاستحالة ذلك عليه ؛ لأنّه ليس بجسم، أي: كلّ شي ء من الذوات الممكنة تعدم إلّا ذات اللَّه سبحانه.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 291، عن تفسير القمّي .
2- .راجع الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي، ج 2، ص 907 - 910.
3- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 86، فراجع الأصل.
4- .العبارة في النسخة هكذا: «لا يزال في عباد اللَّه ما دام للَّه فيهم روية».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 296، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 111، ح 1 .

ص: 379

سورة العنكبوت (29)

سورة العنكبوت (29)[مكّيّة، وآياتها تسع وستون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ألم أَ حَسِبَ النَّاسُ»...الآية، أي: لا يختبرون. (1) عن محمّد بن الفضل، قال: سألت أباجعفر عليه السلام (2) عن هذه الآية فقال: «صار العبّاس إلى أمير المؤمنين، فقال: انطلق بنا يبايع لك الناس. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أ تراهم فاعلين؟ قال: نعم. قال: فأين قوله: «الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ»؟ » . (3) [ 16 - 24 ] قوله: «وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ» إلى قوله: «تُرْجَعُونَ»، ثمّ انقطع خبر إبراهيم وقصّته، وخاطب اللَّه اُمّة محمّد صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «وإِنْ تُكَذِّبُوا» يعني: رسول اللَّه، إلى قوله: «وأُولئِك لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»، ثمّ عطف على خبر إبراهيم، فقال: «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ»...الآية، فهذا دليل على أنّ القرآن منقطع معطوف . (4) [ 25 ] قوله: «يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ»، أي: يبرأ بعضكم من بعض، وهذا كفر البراءة . (5) [ 40 ] قوله: «فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً»، وهم قوم لوط «ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ»،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 303، عن تفسير القمّي. وروي معناه الكافي، ج 4، ص 200، ح 2 .
2- .في الأصل: «محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال: جاء العبّاس...».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 303 - 304، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 8 - 12، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 311، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 311، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 287، ح 1 .

ص: 380

الجزء الحادي والعشرون

اشاره

وهم قوم شعيب وصالح «ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ»، وهم قارون وأصحابه (1)«ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا»، وهم فرعون وأصحابه. [ 43 ] قوله: «وتِلْك الامْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا الْعالِمُونَ» يعني: آل محمّد عليهم السلام . (2)

[الجزء الحادي والعشرون][ 48 ] قوله: «وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ»...الآية، لأنّ قريشاً قالت لرسول اللَّه: إنّ هذا الذي تخبرنا به، إنّما هو شي ء تتعلّمه وتكتبه من اليهود والنصارى، وكان رسول اللَّه يقرأ ولا يكتب (3) فنزلت . (4) [ 49 ] قوله: «اُوتُوا الْعِلْمَ» يعني: الأئمّة. [ 53 ] قوله: «ويَسْتَعْجِلُونَك» يا محمّد «بِالْعَذابِ»... الآية، يعني: قريشاً . (5)

.


1- .في الأصل: «وهم قوم هود».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 321، عن تفسير القمّي. وروى نحوه شرف الدين النجفي في تأويل الآيات، ج 1، ص 430، ح 8 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 45 - 47، فراجع الأصل.
3- .في «ب» و «ج»: «وكان رسول اللَّه يكتب ولا يقرأ». وقد تقدّم مثل ما في المتن في تفسر الآيات (4 - 6) من سورة الفرقان، رقم (25).
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 325، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 49، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 328، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 56 - 69، فراجع الأصل.

ص: 381

سورة الروم (30)

سورة الروم (30)[مكّيّة، وهي ستّون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 5 ] قوله: «ألم غُلِبَتِ الرُّومُ»...الآية، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن قول اللَّه: «ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أَدْنَى الارْضِ»، فقال: «يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلاً لا يعلمه إلّا اللَّه، والراسخون في العلم من آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله، إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام، كتب إلى ملك الروم كتابا، وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً يدعوه إلى الإسلام، وبعثه إليه مع رسوله (1) ، فأمّا ملك الروم فعظّم كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأكرم رسوله، وأمّا ملك فارس فإنّه استخفّ بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ومزّقه، واستخفّ برسوله. وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم، وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس، فلمّا غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به، فنزلت الآية. قوله: «فِى أَدْنَى الأَرْضِ»، وهي الشامات وما حولها. ثمّ قال: «وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الروم «سَيَغْلِبُونَ» أي: يغلبهم المسلمون. أقول: وقيل: يغلبهم الروم، وإنّ سياق الكلام يدلّ على ذلك.«فِى بِضْعِ سِنِينَ»، فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر اللَّه عزّ وجلّ».

.


1- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «عن أبي عبد اللَّه وأبي جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن قول اللَّه: «ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أَدْنَى الارْضِ»، فقال: «يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلاً لا يعلمه إلّا اللَّه، والراسخون في العلم من الأئمّة عليهم السلام، إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام، كتب إلى ملك الروم كتاباً، وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً يدعوه إلى الإسلام، وبعث إليه رسولاً».

ص: 382

قال: قلت: أليس اللَّه عزّ وجلّ يقول: «فِى بِضْعِ سِنِينَ»، وقد مضى سنون كثيرة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وفي إمارة أبي بكر، وإنّما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟ فقال: «ألم أقل لكم أنّ لهذا تأويلاً وتفسيراً، والقرآن - يا أبا عبيدة - ناسخ ومنسوخ، (1) أمّا تسمع لقول اللَّه عزّ وجلّ: «لِلَّهِ الامْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ»؟، يعني: إليه المشيئة في القول أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين، (2) فذلك قوله عزّ وجلّ: «ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ»، يوم يحتم القضاء ينزل النصر فيه» (3) . (4) وقوله: «لِلَّهِ الامْرُ مِنْ قَبْلُ» أن يأمر «ومِنْ بَعْدُ» أن يقضي بما يشاء . (5) [ 12 ] قوله: «يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ» أي: ييئس . (6) [ 15 ] قوله: «يُحْبَرُونَ» أي: يكرمون . (7) [ 28 ] قوله: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ»...الآية، كانت قريش والعرب يلبّون في الحجّ، فيقولون: لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلّا شريك هو لك تملكه وما يملك (8) .

.


1- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «ولهذا القرآن بابين، وعنده ناسخ ومنسوخ».
2- .في «ب» و «ج»: «على أمير المؤمنين عليه السلام».
3- .في «ب» و «ج»: «أي يوم يحتم القضاء بالنصر».
4- .روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ما يقرب منه في دلائل الإمامة، ص 248 (مسند فاطمة) عليها السلام . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 6 - 10، فراجع الأصل.
5- .أشار إليه البحراني في البرهان، ج 4، ص 337. وروي نحوه في الكافي، ج 8، ص 269، ح 397؛ والثاقب في المناقب، ص 56، ح 502 .
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 338، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 338، عن تفسير القمّي. والعبارة في «ب» وردت هكذا: «تحبرون: تكرمون». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 17 - 25، فراجع الأصل.
8- .وردت العبارة في الأصل هكذا: «لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وهي تلبية إبراهيم عليه السلام والأنبياء، فجاءهم إبليس في صورة شيخ، فقال: ليست هذه تلبية أسلافكم. قالوا: وما كانت تلبيتهم؟ قال: كانوا يقولون: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك، فنفرت قريش من هذا القول، فقال لهم إبليس: على رسلكم حتّى آتي على آخر كلامي. فقالوا: ما هو؟ فقال: إلّا شريك هو لك، تملكه وما يملك ألا ترون أنّه يملك، الشريك وما ملكه؟ فرضوا بذلك، وكانوا يلبّون بهذا قريش خاصّة».

ص: 383

فلمّا بعث اللَّه رسوله أنكر ذلك عليهم، وقال: «هذا هو الشرك»، فأنزل اللَّه: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِى ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ» أي: ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك؟ فإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكون شريك، فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكاً فيما أملك؟ «تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ» أن تجعلوا له من الأمر ما تجعلون لأنفسكم . (1) [ 30 ] قوله: «فِطْرَتَ اللَّهِ» يعني: التوحيد . (2) [ 38 ] قوله: «فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ»، نزلت في فاطمة عليها السلام وولدها خاصّة، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لها فدكاً . (3) [ 39 ] قوله: «وما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِى أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ». قال الصادق عليه السلام: «الربا رباءان: أحدهما حلال، والآخر حرام، فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً [في] أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا يأخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر مما أخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند اللَّه ثواب فيما أقرضه، وهو قوله: «فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ»، وأمّا الربا الحرام، فالرجل يقرض قرضاً ويشترط أن يردّ أكثر ممّا أخذه، فهذا هو الحرام (4) » . (5) قال صلى اللَّه عليه وآله: «درهم ربا أعظم عند اللَّه من سبعين زنيّة في بيت اللَّه الحرام » . (6)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 341، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 344، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 10، ح 1.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 346 - 348.
4- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «الربا رباءان: ربا مباح، والآخر حرام، فأمّا المباح، فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً أن يزيده ويعوّضه على أكثر مما أعطاه، فإن أعطاه أكثر مما أخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند اللَّه أجر ولاثواب، لقوله: «فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ»؛ وأمّا الربا الحرام، فهو الذي يقرض على شرط أن يزيده على أكثر مما أعطاه، فهذا هو الحرام».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 349، عن تفسير القمّي .
6- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 48، فراجع الأصل.

ص: 384

[ 41 ] قوله: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِى الْبَرِّ والْبَحْرِ»، قال: «إذا عمل الناس بالمعاصي ثمّ تركوا ما أمرهم اللَّه كفت السماء، فلم تمطر ولم تنبت الأرض، فظهر الفساد في البرّ بهلاك الدوابّ والحيوان إذا لم تمطر، وكذلك هلاك دوابّ البحر بذلك أيضاً، فقد روي عن العالم عليه السلام أنّه قال: «حياة دوابّ البحر بالمطر، فإذا كفّ المطر ظهر الفساد في البرّ والبحر، وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي » . (1) [ 44 ] قوله: «فلأنفسهم يمهدون» أي: يكسبون الراحة لأنفسهم بدخولهم الجنّة . [ 48 ] قوله: «كسفاً» أي: قطعاً بعضه على بعض . [ 56 ] قوله: «وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ والايمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ»، فإنّه من المقدّم والمؤخّر، وإنّما هي: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب اللَّه لقد لبثتم إلى يوم البعث) فقدّموا حرفاً على حرف . (2)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 351، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 356، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 60، فراجع الأصل.

ص: 385

سورة لقمان (31)

سورة لقمان (31)[مكّيّة، وآياتها أربع وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً» أي: صمماً . (1) [ 11 ] وقوله: «هذا خَلْقُ اللَّهِ» أي: مخلوق اللَّه؛ لأنّ الخلق هو الفعل، والفعل لا يُرى، وإنّما أشار إلى المخلوق، وإلى السماء والأرض والجبال وجميع الحيوان (2) ، فأقيم الفعل مقام المفعول ، ومثله «فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ» (3) أي: مرضيّة . (4) [ 13 ] قوله: «وإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَىَّ لا تُشْرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، وانقطعت وصيّة لقمان لابنه، وقال: «وَ وَصَّيْنَا الانْسانَ بِوالِدَيْهِ»...الآية، ثمّ عطف على خبر لقمان ووصيّته فقال: «يَا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ»... الآيات. [ 18 ] قوله: «ولاَتُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» أي: لا تذلّل (5) للناس طمعاً فيما عندهم . [ 14 ] قوله: «وَصَّيْنَا الانْسانَ بِوالِدَيْهِ»، فإنّه روي: «أنّ رسول اللَّه وأمير المؤمنين أحد الوالدين » . (6)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 363، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 5، وكذا الآية 10، فراجع الأصل.
2- .في «ب» و «ج»: «السماوات والأرض وما فيهما».
3- .الحاقة (69): 21.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 363، عن تفسير القمّي.
5- .في «ب» و «ج»: «لاتذلّ».
6- .روي نحوه في الكافي، ج 5، ص 421. هذا. وسيأتي معنى هذا في تفسير الآية (15) من سورة الأحقاف (46).

ص: 386

أقول: سياق الكلام وما في الآية لا يدلّ على ذلك. (1) [ 20 ] قوله: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»، عن جابر، قال: قرأ رجل عند أبي جعفر عليه السلام: «وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً»، فقال: «هذه قراءة العامّة، وأمّا نحن فنقرأ: (وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعمَةً ظاهِرَةً وباطِنَةً)، فأمّا النعمة الظاهرة: فالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وما جاء به من معرفة اللَّه عزّ وجلّ وتوحيده، وأمّا النعمة الباطنة: فولايتنا أهل البيت، وعقد مودّتنا» . (2) وقد خطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فنعس نعسة، فرأى على منبره رجالاً من بني اُميّة كالقرود، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه: «إِنَّا انزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَ لْفِ شَهْرٍ» (3)تملكها بني اُميّة ليس فيها ليلة القدر، فعلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أنّ بني اُميّة ستملك هذه الاُمّة، وأن ذريّته لن يؤتوا إلّا من قبلهم (4) . واعتقدت بنو اُميّة بغضنا وترك ولايتنا، فأطلع اللَّه رسوله صلى اللَّه عليه وآله على اعتقادهم، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» (5)يعني: بدّلوا بالمحبّة والولاية بغضاً، فحكم اللَّه عليهم بذلك البغض كفراً «وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ» (6)فقل لهم يا محمّد: «تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ» (7). وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ حبّنا إيمان، وبغضنا نفاق». ثمّ أمر نبيّه أن يخبر بذلك قومه، ويدعوهم إلى الولاية والنعمة الباطنة علانية، كما دعاهم إلى النعمة الظاهرة، فأنزل اللَّه: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ»... الآية، فدعا أمير المؤمنين وجمع له الناس فقال: «أيّها الناس، من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم وال

.


1- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 15 - 19، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 375 - 376، عن تفسير القمّي. وروى معناه في كمال الدين، ص 368، ح 6.
3- .القدر (97): 1 - 3.
4- .في «ب» و «ج»: «لن يموتوا إلّا من قتلهم». وروى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 18، ص 127.
5- .إبراهيم (14): ص 28.
6- .إبراهيم (14): 28.
7- .إبراهيم (14): 30.

ص: 387

من والاه، وعاد من عاداه، واُنصر من نصره، واخذل من خذله». وقال في مقام آخر: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، و عليّ أولى بهم من بعدي. فأنتم - واللَّه - أهل النعمة الظاهرة والباطنة. إنّ مودّتنا وولايتنا مفترضة» (1) . ثمّ أكرم اللَّه نبيّه بذلك فقال: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» يعني: أجر النبوّة «إِلّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى»، وهو قوله: «من منع أجيراً أجره فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل اللَّه منه صرفاً ولاعدلاً، يعني أجر النبوّة، فإنّ اللَّه أخبر عن سائر الأنبياء أنّه قال لهم: قولوا للاُمم: «فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» (2)، وجعل أجر نبيّنا على اللَّه ثمّ على أمته فرضاً، وهي المودّة، فاعتقد قوم - واللَّه - هذه النعمة ظاهرة وباطنة، واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها باطنة، فأنزل اللَّه تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْك الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ»، ففرح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عند نزولها، إذ لم يتقبّل اللَّه تعالى إيمانهم إلّا بعقد ولايتنا ومحبتنا » . (3) ثمّ أمره اللَّه بالهجرة، وكان رضاه فيما أمره به الآية، إلّا أنّه كان يعظم عليه ترك قريش على حالهم وكفرهم من غير أن ينتقم منهم، فأنزل اللَّه عليه: «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ» (4)يا محمّد من مكّة إلى المدينة فإنّا رادّوك إليها، ومنتقمون لك بعلي بن أبي طالب وصاحبيه: جيرئيل وميكائيل . ثمّ نزل: «وَ يَسْتَنبُِونَكَ» يامحمّد، أهل مكّة في عليّ «أَحَقٌّ هُوَ» أي: إمام؟ «قُلْ إِى وَ رَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ ويستفتونك»». (5) ثمّ قال: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غرق وهلك». (6)

.


1- .في «ب» و «ج»: «مفروضة».
2- .يونس (10): 72. والعبارة وردت في «ب» هكذا: «أنّه قال لهم: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً»».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 375 - 376، عن تفسير القمّي.
4- .الزخرف (43): 41.
5- .يونس (10): 53.
6- .بصائر الدرجات، ص 297، ح 4؛ رجال الكشّي، ص 26، ح 52؛ الأمالي للصدوق، ص 269، المجلس 45، ح 18؛ الأمالي للطوسي، ص 60، المجلس 2، ح 57؛ و ص 349، المجلس 12، ح 61؛ وص 733، المجلس 45، ح 2؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 343؛ مجمع الزوائد، ج 9، ص 168؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 4، ص 10.

ص: 388

ثمّ نزل (1) عليه: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» (2)... السورة، وهو بمنى، فعلم أنّه قد نُعي إليه نفسه، فدعا المسلمين فقال: «أيّها الناس، إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما به لن تضلّوا ولن تزلّوا : كتاب اللَّه الثقل الأكبر، والثقل الأصغر: عترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». (3) فقال له رجل: فقوله: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (4)؟ فقال: «هذه فضيلة لعليّ نزلت بعد فرض الولاية». [ 34 ] قوله: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»... الآية، قال الصادق عليه السلام: «هذه الخمسة أشياء لم يطّلع عليها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل وهي من صفات اللَّه عزّ وجلّ، وهي غيب اللَّه الذي لم يطلع عليه أحد » . (5)

.


1- .في «ب» و «ج»: «أنزل».
2- .النصر (110): 1.
3- .إن شهرة حديث الثقلين كالشمس في رابعة النهار و وللعثور على الروايات المتواترة حول الثقلين. راجع: نفحات الأزهار للسيّد على الميلانى، المجلدات 1 - 3.
4- .المائدة (5): 55.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 382، عن تفسير القمّي. وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2، ص 269.

ص: 389

سورة السجدة (32)

سورة السجدة (32)[مكّيّة، وهي ثلاثون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7- 11 ] قوله: «وبَدَأَ خَلْقَ الانْسانِ مِنْ طِينٍ»، قال: «هو آدم عليه السلام» «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ» أي: ولده «مِنْ سُلالَةٍ» وهي الصفوة من الطعام والشراب «مِنْ ماءٍ مَهِينٍ»، قال: «النطفة: المنيّ» «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ» إلى قوله: «إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» . (1) عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضى اللَّه عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: «إنّ ابن آدم لفي غفلة عمّا خلق له، إنّ اللَّه إذا أراد خلقه قال للملك: اُكتب رزقه، اُكتب أثره، اُكتب أجله، شقيّاً أم سعيداً، ثمّ يرتفع ذلك الملك، ويبعث اللَّه ملكاً فيحفظه حتّى يدرك، ثمّ يرتفع ذلك الملك، ثمّ يوكّل اللَّه به ملكين يكتبان حسناته وسيّئاته، فإذا حضره الموت ارتفع ذلك الملكان، وجاء ملك الموت ليقبض روحه. فإذا اُدخل قبره رُدّ الروح في جسده وجاءه ملكاً القبر فامتحناه (2) فيسألانه عن ربّه وعن نبيّه وعن إمامه ثمّ يرتفعان. فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيّئات، فبسطا كتاباً معقوداً في عنقه (3) ، ثمّ حضرا معه، واحد سائقٌ وآخر شهيدٌ، وهو قوله تعالى: «لَقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِنْ هذَا (4) »...الآية، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: وهو قول اللَّه: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ» (5) أي: حالاً عن حالٍ» ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ قدّامكم لأمراً عظيماً لا تقدرونه (6) ،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 388، عن تفسير القمّي.
2- .في «ب»، «ج» هكذا: «ثمّ يرتفع ملك الموت، فيجيئانه ملكاً القبر فيمتحنانه».
3- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «اكتب أجله، اكتب شقيّاً أم سعيداً».
4- .سورة ق (50): 22.
5- .الانشقاق (84): 19.
6- .في «ب» و «ج»: «أعظم مما تعدونه».

ص: 390

فاستعينوا باللَّه العظيم!». (1) [ 16 - 17 ] قوله: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ»... الآية، نزلت في صلاة الليل، وروي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «ما من حسنة إلّا لها ثواب في القرآن إلّا صلاة الليل ؛ فإنّ اللَّه لم يبيّن ثوابها لعظم خطرها عنده، فقال: «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِىَ لَهُم مِن قُرَّةٍ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (2)، فلم يبيّنه لعظم خطره». وروى الزهري (3) ، قال: سئل عليّ بن الحسين عليهما السلام، أيّ الأعمال أفضل عند اللَّه عزّ وجلّ؟ فقال: «ما من عمل بعد معرفة اللَّه عزّ وجلّ ومعرفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أفضل من بغض الدنيا. وإنّ لذلك شعباً كثيرة، وللمعاصي شعباً كثيرة: فأوّل ما عصي اللَّه به الكبر، وهو معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين؛ ثمّ الحرص، وهو معصية آدم وحوّاء عليهما السلام حين قال اللَّه عزّ وجلّ لهما: «فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» (4) فأخذا ما كان لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذرّيتهما إلى يوم القيامة، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه؛ ثمّ الحسد، وهي معصية ابن آدم، حيث حسد أخاه فقتله، فتشعّب من ذلك: حبّ النساء، وحبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الراحة، وحبّ الكلام، وحبّ العلوّ والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهنّ في حبّ الدنيا. فقالت الأنبياء والعلماء - بعد معرفة ذلك - : حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، والدنيا دنياءان: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة». (5) أقول: معصية آدم كانت ترك الأولى، لا ما يوجب الذمّ والعقاب، بخلاف معصية إبليس. والفقر فقران: فقر مذموم وفقر محمود، فالفقر المحمود: قلّة المال والرضى عن اللَّه، والفقر المذموم: الطمع؛ قالت العلماء: إيّاكم والطمع؛ فإنّه فقر حاضر. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ليس الغنى بكثرة العرض، إنّما الغنى غنى النفس»، ومنه أخذ

.


1- .روى نحوه في تفسير القرطبي، ج 17، ص 14.
2- .السجدة (32): 17.
3- .هو محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري.
4- .الأعراف (7): 19.
5- .رواه الكليني في الكافي، ج 2، ص 239، ح 8، بإسناده، عن الزهري.

ص: 391

أبو فراس بن حمدان شعراً:غنى النفس لمن يعقل خير من غنى المال وفضل الناس في الأنفس ليس الفضل في الحال (1) ثمّ رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شي ء وردّ أمره كله إلى اللَّه تعالى، استجاب اللَّه له في كلّ شي ء. والناس في الدنيا على طبقات شتّى، وهم عمّال، والعمّال ثلاثة: فعامل للَّه، واللَّه لا يخيّب عامله، وعامل لنفسه، وعامل للناس. ولا يعمل ابن آدم عملاً إلّا ولذلك العمل نازع من نفسه، فإنّ كان النازع لأمر هدى، فهو من الملك، وإن كان لأمر ردىً فهو من الشيطان؛ وذلك أنّ الهوى والعقل يعتلجان في القلب، فأيّهما غلب قاد صاحبه، فالملك يوحي إلى الروح، والروح توحي إلى العقل، والعقل يستعبد الجوارح. والشيطان يوحي إلى الهوى، والهوى يوحي إلى الشهوة، والشهوة تستعبد الجوارح. [ 21 ] قوله: «وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأدْنى»، قال: «عذاب القبر » . (2) [ 27 ] قوله: «الجُرُزْ» يعني: الخراب. أقول: الجرز: التي لا تنبت شيئاً.

.


1- .في «ب» و «ج»: «وفضل الناس بالأنفس ليس الفضل بالحال». ونقله الشيخ الأميني في الغدير، ج 3، ص 415.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 400، عن تفسير القمّي .

ص: 392

سورة الأحزاب (33)

سورة الأحزاب (33)[مدنيّة، وهي ثلاث وسبعون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «كان سبب نزول ذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها، فاشترى زيد بن حارثة، وكان غلاماً حصيفاً (1) كيّساً، فلمّا نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء، فنظر إلى رسول اللَّه وأمير المؤمنين عليهما السلام يصلّيان، فقال: يا أبا القاسم ما هذه الصلاة؟ قال: «هذه الصلاة الّتي أمرني اللَّه بها». فدعاه إلى الإسلام، فأسلم وصلّى معه، وأسلمت خديجة، وخديجة أسلمت يوم نبّئ النبي قبل كلّ النساء، وكان أبو طالب دخل على رسول اللَّه ومعه جعفر، فنظر إلى رسول اللَّه و عليّ عليهما السلام بجنبه يصلّيان، فقال لجعفر: يا جعفر صلّ جناح ابن عمّك. فوقف جعفر عن يساره، فبدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من بينهما وتقدّم 2 ، فلمّا أسلم زيد وخديجة كان رسول اللَّه يصلّي بعليّ وجعفر وزيد وخديجة خلفهم، فسأل رسول اللَّه خديجة أن تهب له زيداً، فقالت: هو لك على أن يكون ولاءه لي.

.


1- .الحصيف: الجيد الرأى المحكم العقل. لسان العرب، ج 9، ص 48 (حصف).

ص: 393

فلمّا بلغ أباه حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكّة، وكان رجلاً جليلاً، فأتى أبا طالب. أقول: وقيل: بل أتى العبّاس بن عبد المطلب، وهو المشهور بين الشيعة والسنّة. فقال: يا أبا طالب، إنّ ابني وقع عليه السبي، وبلغني أنّه صار إلى ابن أخيك، فاسأله إمّا أن يبيعه، وإمّا أن يفاديه، وإمّا أن يعتقه. فكلّم أبو طالب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «هو حرّ، فليذهب حيث شاء». فقام حارثة فأخذ بيد زيد، فقال له: يا بنيّ، إلحق بشرفك وحسبك. فقال زيد: لست اُفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أبداً. فقال له أبوه: فتدع حسبك ونسبك، وتكون عبدا لقريش؟ فقال زيد: لست اُفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ما دمت حيّاً. فغضب أبوه، فقال: يا معشر قريش، اشهدوا أنّي قد برئت من زيد، وليس هو ابني (1) . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا معشر قريش، اشهدوا أنّ زيداً ابني، أرثه ويرثني». وكان زيد يدعى: زيد بن محمّد . فلمّا هاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة زوّجه زينب بنت جحش، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله شديد الحبّ له، وكان إذا أبطأ عليه يأتي منزله، فأبطأ عنه يوماً، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى منزله يسأل عنه، فإذا زينب بنت جحش - بنت عمّته - جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهرٍ (2) لها، فدفع الباب ونظر إليها، وكانت جميلة حسنة، فقال: سبحان اللَّه خالق النور، وتبارك اللَّه أحسن الخالقين! ثمّ رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى منزله، ووقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً، وجاء زيد إلى منزله، فأخبرته زينب بما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال لها زيد: هل لك أن أطلّقك حتّى يتزوّجك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟ فلعلّك قد وقعتِ في قلبه .

.


1- .في «ب» و «ج»: «فقال له أبوه: تدع حسبك ونسبك، وتكون عبدا للقرشي؟ فقال زيد: لست مفارقاً له أبداً، وأنا بري من نسبي، فقال حارثة: يا معشر قريش، إشهدوا أنّه ليس بابني وقد تبرّأت منه».
2- .الفهر: الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه. لسان العرب، ج 5، ص 66 (فهر).

ص: 394

فقالت: أخشى أن تطلّقني ولا يتزوّجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فجاء زيد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - أخبرتني زينب بكذا وكذا، فهل لك أن أطلّقها حتّى تتزوّجها؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أَمْسِك عَلَيْك زَوْجَك واتَّقِ اللَّهَ» وفي قلب رسول اللَّه ما فيه، فأنزل اللَّه في هذا: «وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ» (1). (2) أقول: كيف يقول ذلك وفي قلبه ما فيه؟! والكذب قبيح على الأنبياء؛ لأنّهم معصومون. والحق: أنّه جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إنّ زينب تستطيل عليّ لشرف نسبها، وإني اُريد أن اُطلّقها، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ»...الآية، وقد كان زيد قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لا يجمع اللَّه رأسي ورأسها أبداً، وطلّقها، فلمّا انقضت عدّتها انتظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمر اللَّه فيها، فنزل عليه: «فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً» أي شهوة «زَوَّجْناكَها» (3)... الآية، فزوّجه اللَّه بها من فوق عرشه، فقال المنافقون: يحرّم علينا نساء أبنائنا ويتزوّج امرأة ابنه زيد!، فأنزل اللَّه في هذا: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ» (4)...الآية». أقول: فإن قيل: هذا دليل على أن الحسن والحسين ليسا ولدي النبي، قلنا: بل ولداه؛ لأنّه قال: (مِن رِّجَالِكُمْ)، لا (من رجاله) نصّ على أنّهما ولداه... (5) وأيضاً: كان يسمّيهما ولديه. ونزل عليه: «وما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ» 6...الآية.

.


1- .في «ج» العبارة هذا: «فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: اذهب، واتق اللَّه، وأمسك عليك زوجك، ثمّ حكى اللَّه، فقال: «أَمْسِك عَلَيْك زَوْجَك واتَّقِ اللَّهَ» وفي قلب رسول اللَّه ما فيه».
2- .في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «أخبرتني زينب بكذا وكذا، فإن كانت وقعت في قلبك طلقتها فتزوّجتها؟». وهذه الرواية تحمل على التقيّة؛ لموافقتها لمّا أورده العامّة في هذا الموضوع، وسيأتي من المؤلّف في تفسير الآية (36) من هذه السورة أنّ النبي لم يذهب إلى بيت زيد، بل أنّ زيداً وزينب تخاصما إلى النبي صلّى اللَّه عليه وآله، فطلّقها زيد وتزوّجها النبي صلّى اللَّه عليه وآله، وهو الموافق لمّا يرويه الإماميّة في ذلك. وللمزيد راجع: في تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى، ص 155 - 156.
3- .الأحزاب (33): 37.
4- .الأحزاب (33): 40.
5- .محلّ النقط كلمات لا تقرأ.

ص: 395

ثمّ أنزل اللَّه عليه في هذه القصّة: «لا يَحِلُّ لَك النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ» (1)...الآية، أي: لا يحلّ لك إمرأة رجل أن تتعرّض لها حتّى يطلّقها زوجها وتتزوّجها أنت، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا . (2) أقول: في هذا الذي ذكره نظر؛ فإنّه ليس مذهب أصحابنا، خصوصاً السيّد علم الهدى المرتضى؛ (3) ، فليتأمّل، فإنّه روي أنّه طلّقها ولم يكن... (4) رغبة النبي في طلاقها... فأخبر اللَّه ليكون ظاهرهم وباطنهم سواء. وقصّة عبد اللَّه... عثمان... (5) أنكر المرتضى ما وردت به الرواية الخبيثة من... . (6) [ 6 ] قوله: «النَّبِىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ»، قال الصادق عليه السلام: «ونزلت بعده: (وهو أب لهم) (7) ومعنى: «وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» أي: لا تحلّ زوجته لأحد، وهي بمنزلة اُمّهم » . (8) [ 7 ] قوله: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى»...الآية، روى أنّ «الواو» زائدة في قوله: «ومِنْك» (9). (10) فروي عن العالم، أنّه قال: «لمّا قال اللَّه في الذرّ لبني آدم: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» (11)أوّل من

.


1- .الآية 52 من هذه السورة.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 411، عن تفسير القمّي.
3- .تنزيه الأنبياء، ص 158.
4- .محلّ النقط كلمات لا تقرأ، وكذا فيما بعد.
5- .لعلّ فيها الاشارة إلى حديث ابن أبي سرح، وفيه: «قال له عباد بن بشير: يا رسول اللَّه، إن عيني ما زالت في عينك انتظارا أن تمؤمي إلي فأقتله، فقال صلّى اللَّه عليه وآله: إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين».
6- .لعلّ ما قاله السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء، ص 157، ونصّه: «ما وردت به الرواية من أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله رأى في بعض الأحوال زينب بنت جحش فهواها».
7- .في الأصل زيادة: «فجعل اللَّه المؤمنين أولاداً لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أباً لهم».
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 416 - 417، عن تفسير القمّي.
9- .في الأصل زيادة: «إنّما هو: (منك ومِنْ نُوحٍ)، فأخذ اللَّه الميثاق لنفسه على الأنبياء، ثمّ أخذ لنبيّه صلّى اللَّه عليه وآله على الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، ثمّ أخذ للأنبياء على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله» .
10- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 418، عن تفسير القمّي.
11- .الأعراف (7): 172.

ص: 396

أجاب وسبق إلى «بَلَى» رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (1) . فقدّمه كما سبق بالإقرار، ثمّ قدّم في سبق بعده، فقدّم النبيّ لأنّه أفضل هؤلاء الخمسة اُولي العزم؛ لأنّه ذكر الأنبياء كلّهم أنّه أخذ عليهم الميثاق، سمّ أبرز أفضلهم بالأسامي فقال: «وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ» (2)...الآية، ومثله قوله: «وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ» (3)...الآية، ومثله: «إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (4) ثمّ قال: «وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللّهِ» (5)...الآية، فهذه الاُمور من الفواحش أيضاً، ولكنّها أعظم الفواحش». [ 9 - 19 ] وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لَمْ تَرَوْها»...الآية، فإنّها نزلت في قصّة الأحزاب من قريش والعرب، الذين تحزّبوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. قال: وذلك أنّ قريشاً تجمّعت في سنة خمس من الهجرة، وساروا في العرب وجلبوا (6) ، واستنفروهم (7) لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فوافوا في عشرة آلاف، ومعهم كنانة وسليم وفزارة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين أجلى بني النضير - وهم بطن من اليهود - من المدينة، وكان رئيسهم حُيي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون عليه السلام، فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر، وخرج حُيي بن أخطب إلى قريش بمكّة، وقال لهم 8 : إنّ محمّداً قد وتركم ووترنا، وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا، وأجلى بني عمّنا بني قينقاع،

.


1- .في الأصل زيادة: «وذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى اللَّه تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لمّا اُسري به إلى السماء: تقدّم - يا محمّد - فقد وطئت موطئاً لم يطأه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولولا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لمّا قدر أن يبلغه، فكان من اللَّه عزّ وجلّ كما قال اللَّه تعالى: «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» (النجم (53): 9) أي: بل أدنى، فلمّا خرج الأمر وقع من اللَّه إلى أوليائه عليهم السلام».
2- .الأحزاب (33): 7.
3- .البقرة (2): 98.
4- .الأعراف (7): 33.
5- .أجلب الرجل الرجل: إذا توعّده بشر، وجمع الجمع عليه. لسان العرب، ج 1، ص 272 (جلب).
6- .في «ط»: «واستفزّوهم».
7- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وهم كنانة وبطون قيس وسليم وفزارة وغيرهم، والأقرع بن عابس في قومه وعبّاس بن مرداس في بني سليم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حين أجلى بني النضير - وهم بطن من اليهود - من المدينة، وكان رئيسهم حيي بن أخطب، فخرجوا إلى خيبر، وخرج حيي بن أخطب فصار إلى مكّة، وقال لقريش:...».

ص: 397

فسيروا في الأرض، واجمعوا حلفاءكم وغيرهم، حتّى نسير إليهم، فإنّه قد بقي من قومي معه بيثرب سبع مائة مقاتل، وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمّد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمّد، ويكونون معنا عليهم، فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل. وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمّى: بئر المطلب (1) ، فلم يزل يسير معهم حُيي بن أخطب في قبائل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة، والأقرع بن حابس في قومه، والعبّاس بن مرداس في بني سليم. فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فاستشار أصحابه، وكانوا تسع مائة رجل (2) ، فقال سلمان الفارسي: يا رسول اللَّه، إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة (3) ، فاجعل بينك وبينهم حجاباً يمكنك منعهم في المطاولة. قال: «فما أصنع؟» قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه، فإنّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم (4) من عدوّنا نحفر الخنادق، فتكون الحرب من مواضع معروفة. فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «أشار سلمان بصواب». فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بحفره (5) من ناحية اُحُد إلى راتج (6) ، وجعل على كلّ عشرين خطوة، وثلاثين خطوة قوماً من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول، وبدأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأخذ معولاً، فحفر في موضع المهاجرين

.


1- .في «ج»: «بئر بن أخطب».
2- .في «أ»: «سبع مائة رجل».
3- .المطاولة: بمعنى المغالبة على العدو، و هنا بمعنى المقاتلة.
4- .يدهمهم: يفجأهم، والدّهم: العدد الكثير. النهاية، ج 2، ص 145.
5- .كذا في «ط». وفي «ب»: «فجاء بنفسه ومسح الخندق، وجعل على...»، وفي البرهان: «بمسحه». ومسح الأرض: ذرعها. الصحاح، ج 1، ص 405 (مسح).
6- .راتج: أطمة - حصن - من آطام المدينة. الروض المعطار، ص 266.

ص: 398

بنفسه، وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب عن الحفرة، حتّى عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأعيا، وقال: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، اللّهم إغفر للمهاجرين والأنصار». فلمّا نظر الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يحفر، اجتهدوا في الحفر، ونقلوا التراب. فلمّا كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر، وقعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون، إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد اللَّه الأنصاري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يُعلمه بذلك. قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مستلقٍ على قفاه، ورداؤه تحت رأسه، وقد شدّ على بطنه حِجْراً، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه. فقام مسرعاً حتّى جاءه، ثمّ دعا بماء في إناء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على رأسه ورجليه، ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء في فيه ثمّ صبّه على ذلك الحجر، ثمّ أخذ معولاً فضرب ضربة، فبرقت برقة، فنظرنا فيها إلى قصور الشام. ثمّ ضرب اُخرى، فبرقت اُخرى، فنظرنا فيها إلى قصور المدائن. ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة اُخرى، فنظرنا فيها إلى قصور اليمن. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ اللَّه سيفتح عليكم هذه المواطن التي برق فيها البرق». ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل. فقال جابر: فعلمت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مقوٍ - أي: جائع - لمّا رأيت على بطنه الحِجْر، فقلت: يا رسول اللَّه، هل لك في الغذاء؟ قال: «ما عندك، يا جابر؟» فقلت: عناق (1) ، وصاع من شعير. فقال: «تقدّم، وأصلح ما عندك». قال جابر: فجئت إلى أهلي، فأمرتها، فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقلت: بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - قد فرغنا، فاحضر مع من أحببت، فقام صلى اللَّه عليه وآله على شفير الخندق، ثمّ قال: «يا معاشر المهاجرين والأنصار، أجيبوا جابراً».

.


1- .العناق: الأنثى من المعز. لسان العرب، ج 10، ص 274 (عنق).

ص: 399

قال: فجمع جميع المسلمين، فقلت في نفسي: من يقوى على إطعامهم؟ (1) فتقدّمت، وقلت لأهلي: قد - واللَّه - أتاك محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بما لا قِبَلَ لَكِ بِهِ. فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت: نعم. قالت: فهو أعلم بما أتى. قال جابر: فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنظر في القدر، ثمّ قال: «إغرفي، وأبقي». ثمّ نظر في التنور، ثمّ قال: «أخرجي، وأبقي»، ثمّ دعا بصحفة (2) فثرد فيها وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل علىَّ عشرة». فأدخلت عشرة، فأكلوا حتّى تملُمؤوا (3) ، وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم. ثمّ قال: «يا جابر، عليّ بالذراع». فأتيته بذراع، فأكلوه. ثمّ قال: «أدخل علي عشرة». فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا (4) ، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «علىَّ بذراع» فأكلوا وخرجوا. ثمّ قال: «أدخل علىَّ عشرة»، فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «يا جابر عليّ بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه، كم للشاة من ذراع؟ قال: «ذراعان». فقلت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، لقد أتيتك بثلاثة. فقال: «أمّا لو سكتّ - يا جابر - لأكل الناس كلّهم من الذراع». قال: «يا جابر، أدخل عشرة». فأقبلت اُدخل عشرة عشرة، فيأكلون حتّى أكلوا كلّهم، وبقي لنا - واللَّه - من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاماً كثيرة. قال: وحفر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الخندق، وجعل له ثمانية أبواب، وجعل على كلّ باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال، فنزلوا الزغابة (5) ، ففرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام.

.


1- .كذا في «ب» و «ج». وفي الأصل: «قال جابر: وكان في الخندق سبع مائة رجل، فخرجوا كلّهم، ثمّ لم يمرّ بأحد من المهاجرين والأنصار إلّا قال: أجيبوا جابرا. قال جابر».
2- .الصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة. النهاية، ج 3، ص 13.
3- .في «ق»: «نهلوا».
4- .في «ط»: «نهلوا»، وكذا في الموضع الآتي.
5- .زغابة: موضع قرب المدينة. معجم البلدان، ج 3، ص 141.

ص: 400

وأقبلت قريش، ومعهم حُيي بن أخطب، فلمّا نزلوا العقيق جاء حُيي بن أخطب إلى بني قريظة (1) ، فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمّد. فأخرجوه، فأخذه حيي بن أخطب ومزّقه، وقال: قد وقع الأمر، فتجهّزوا وتهيّأوا للقتال. (2)

.


1- .في الأصل زيادة مايلي «في جوف الليل، وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فدق باب الحصن، فسمع كعب بن أسد قرع الباب، فقال لأهله: هذا أخوك قد شأم قومه، و جاء الآن يشأمنا ويهلكنا، ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمّد، وقد وفى لنا محمّد، وأحسن جوارنا. فنزل إليه من غرفته، فقال له: من أنت؟ قال: حُيي بن أخطب، قد جئتك بعزّ الدهر. قال كعب: بل جئتني بذلّ الدهر. فقال: يا كعب، هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق، مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة، مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة، وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان، ولا يفلت محمّد وأصحابه من هذا الجمع أبداً، فافتح الباب، وانقض العهد الذي بينك وبين محمّد. فقال كعب: لست بفاتح لك الباب، ارجع من حيث جئت. فقال حيي: ما يمنعك من فتح الباب إلّا جشيشتك التي في التنور، تخاف أن أشركك فيها، فافتح فإنّك آمن من ذلك. فقال له كعب: لعنك اللَّه، لقد دخلت علي من باب دقيق. ثمّ قال: افتحوا له الباب. ففتحوا له، فقال: ويلك - يا كعب - انقض العهد الذي بينك وبين محمّد، ولا ترد رأيي، فإن محمّداً لا يفلت من هذا الجمع أبداً، فإنّ فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبداً. قال: فاجتمع كلّ من كان في الحصن من رؤساء اليهود، مثل: غزال بن شمول، وياسر بن قيس، ورفاعة بن زيد، والزبير بن باطا، فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: أنت سيّدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا، فإن نقضت نقضنا، وإن أقمت أقمنا معك، وإن خرجت خرجنا معك. فقال الزبير بن باطا - وكان شيخاً كبيراً مجرباً، قد ذهب بصره - : قد قرأت التوراة التي أنزلها اللَّه في سفرنا بأنّه يبعث نبيّ في آخر الزمان، يكون مخرجه بمكّة، ومهاجرته إلى المدينة في هذه البحيرة. يركب الحمار العري، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسيرات والتميرات، وهو الضحوك القتال، في عينيه الحمرة، وبين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو ناوأته هذه الجبال الرواسي لغلبها. فقال حيي: ليس هذا ذاك، ذاك النبي من بني إسرائيل، وهذا من العرب، من ولد إسماعيل، ولا يكون بنو إسرائيل أتباعاً لولد إسماعيل أبدا، لأنّ اللَّه قد فضّلهم على الناس جميعاً، وجعل فيهم النبوّة والملك، وقد عهد إلينا موسى ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النار، وليس مع محمّد آية، وإنّما جمعهم جمعاً، وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك. فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتّى أجابوه».
2- .في الأصل زيادة: «وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ذلك، فغمّه غمّاً شديداً. وفزع أصحابه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وكانا من الأوس، وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس، فقال لهما: ائتيا بني قريظة، فانظرا ما صنعوا، فإن كانوا نقضوا العهد، فلا تعلما أحداً إذا رجعتما إلي، وقولا: عضل والقارة. فجاء سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير إلى باب الحصن، فأشرف عليهما كعب من الحصن، فشتم سعداً، وشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فقال له سعد: إنّما أنت ثعلب في جحر، لتولين قريش، وليحاصرنك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ولينزلنك على الصغر والقماءة. الصغر: الذلّ والضيم. (أقرب الموارد، ج 1، ص 649، - صغر -). وقمأ الرجل قماءة: ذلّ وصغر. (لسان العرب، ج 1، ص 134 - قمأ ). وليضربنّ عنقك، ثمّ رجعا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فقالا له: عضل والقارة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: «لعنا، نحن أمرناهم بذلك» وذلك أنّه كان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عيون لقريش يتجسسون خبره، وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب، دخلتا في الإسلام، ثمّ غدرتا، فكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل، فيقال: عضل والقارة. ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش، وأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ففرحت قريش بذلك.

ص: 401

فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام، فقال: يا رسول اللَّه، قد آمنت باللَّه وصدّقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي فأنصرك فعلت، وإن أمرتني أن اُخذّل بين اليهود وقريش فعلت، حتّى لا يخرجوا من حصنهم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «خذّل بين اليهود وقريش، فإنّه أوقع عندي». قال: أ فتأذن لي أن أقول فيك ما اُريد؟ قال: «قل ما بدا لك» ففعل وقصّته مشهورة (1) . وخاف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من اليهود خوفاً شديداً أن يخرجوا ويخالفوهم إلى ذراريهم ودورهم، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله النساء والذراري في الآطام (2) ، فجاء يهودي إلى باب الآطام، فأقبل يشتم رسول اللَّه، وكان حسّان بن ثابت في الآطام - وكان جباناً، قال لرسول اللَّه: لا أطيق النظر إلى الحرب، فصيّره مع النساء - فقالت صفيّة: إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله. فقال: لو علم رسول اللَّه فيّ خيراً لأخرجني معه، قالت: فأعطني سلاحك، فأعطاها، فلبست سلاحه وتعمّمت بعمامته وخرجت إليه فقتلته، وردّت إلى الأطم وقالت لحسان: انزل إليه فاسلبه، فقال: لاحاجة لي في سلبه . وأقبلت قريش، فلمّا نظروا إلى الخندق، قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك. فقال رجل منهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه. فقبل شوره (3) فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وصار أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله

.


1- .للتفصيل راجع تفسير القمّي.
2- .واحدة الأطم بالضم: الأبنية المرتفعة كالحصون.
3- .في الأصل زيادة: «فوافى عمرو بن عبدودّ وهبيرة بن وهب، وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قد صفّ أصحابه بين يديه».

ص: 402

كلّهم خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقدموا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين - وهو فلان - لرجل بجنبه من إخوانه: أما ترى هذا الشيطان - عمرو - لا واللَّه، ما يفلت من بين يديه أحد، فهلمّوا ندفع إليه محمّداً ليقتله، ونلحق نحن بقومنا. فأنزل اللَّه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في ذلك الوقت قوله: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» إلى قوله: «وَكَانَ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا». (1) فركز عمرو بن عبدودّ رمحه في الأرض، وأقبل يجول حوله، ويرتجز، ويقول:ولقد بححت من النداء بجمعكم: هل من مبارز؟ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجزإنّي كذلك لم أزل متسرّعا نحو الهزاهزإنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من لهذا الكلب؟». فلم يجبه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «أنا له، يا رسول اللَّه». فقال: «يا عليّ، هذا عمرو بن عبدودّ، فارس يليل». (2) فقال: «وأنا عليّ بن أبي طالب». فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ادن منّي» فدنا منه، فعمّمه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار، وقال له: «اذهب، وقاتل بهذا»، وقال: «اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته». فمشى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يهرول في مشيه، وهو يقول:لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

.


1- .في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فخاف أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وقال رجل من المهاجرين - وهو فلان - لبعض إخوانه: أما ترى هذا الشيطان - عمرو - لا واللَّه، ما يفلت من بين يديه أحد، فهلمّوا ندفع إليه محمّداً ليقتله، ونلحق نحن بقومنا. فأنزل اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في ذلك الوقت قوله: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» إلى قوله: «وَ كَانَ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا». الأحزاب (33): 18 و19.
2- .يليل: موضع، وهو وادي ينبع، أو وادي الصفراء دوين بدر. وفارس يليل: لقب عمرو بن عبدودّ. اُنظر: لسان العرب، ج 11، ص 740 (يليل).

ص: 403

ذو نيّة وبصيرةوالصدق منجي كلّ فائزإنّي لأرجو أن اُقيم عليك نائحة الجنائزمن ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز فقال له عمرو: من أنت؟ قال: «أنا عليّ بن أبي طالب، أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وابن عمّه وختنه (1) ». فقال: واللَّه إن أباك كان لي صديقاً ونديماً، وإنّي أكره أن أقتلك، ما أمن ابن عمّك حين بعثك إليّ أن أختطفك برمحي هذا، فأتركك شائلاً بين السماء والأرض، لا حيّ ولا ميّت! فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «قد علم ابن عمّي أنّك إن قتلتني دخلت الجنّة وأنت في النار، و إن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنّة». فقال عمرو: كلتاهما لك - يا عليّ - تلك إذن قسمة ضيزى (2) . قال عليّ عليه السلام: «دع هذا - يا عمرو - إنّي سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول: لا يعرضنّ عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلّا أجبته إلى واحدة منها. وأنا أعرض عليك ثلاث خصال، فأجبني إلى واحدة». قال: هات، يا عليّ. قال: «إحداها: أن تشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأن محمّدا رسول اللَّه». قال: نحّ عنّي هذا، هات الثانية. فقال: «أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإن يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره». فقال: إذن لا تتحدّث نساء قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء في أشعارها أنّي جبنت ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأّسوني عليهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «فالثالثة: أن تنزل إليّ، فإنّك راكب وأنا راجل حتّى أنابذك».

.


1- .في «ط»: «وحبيبه».
2- .قسمة ضيزى، أي: جائرة. لسان العرب، ج 5، ص 368 (ضيز).

ص: 404

فوثب عن فرسه وعرقبه، وقال: هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها، ثمّ قال:إنّا إذا ما فئة نلقاهانردّ اُولاها على اُخراهاحتّى تصير هزّما دعواهاقد أنصف الغارة من راماها ثمّ بدأ، فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه، فاتّقاه أمير المؤمنين عليه السلام بالدرقة، فقطعها وثبت السيف على رأسه، فقال له عليّ عليه السلام: «يا عمرو، أما كفاك أنّي بارزتك وأنت فارس العرب حتّى استعنت عليّ بظهير؟!». فالتفت عمرو إلى خلفه، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام مسرعاً على ساقيه، فقطعهما جميعاً، وارتفعت بينهما عجاجة، فقال المنافقون: قتل عليّ بن أبي طالب. ثمّ انكشفت العجاجة، فنظروا، فإذا أمير المؤمنين عليه السلام على صدره، قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه، فذبحه ثمّ أخذ رأسه، وأقبل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، والدماء تسيل على وجهه من ضربة عمرو، وسيفه يقطر من الدم، وهو يقول، والرأس بيده:أنا عليّ وابن عبد المطلّب الموت خير للفتى من الهرب فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا عليّ، ماكرته؟» قال: «نعم يا رسول اللَّه، الحرب خديعة». وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الزبير إلى هبيرة بن وهب، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلمّا برز إليه ضرار انتزع له عمر سهماً، فقال له ضرار: ويحك يا بن صهّاك، أ ترمي في مبارزة اللات والعزّى؟ واللَّه لئن رميتني لا تركت عدوياً بمكّة إلّا قتلته. ثمّ حمل عليه ضرار، فانهزم عند ذلك عمر، ومرّ نحوه ضرار، وأشار على رأسه بالقناة، ثمّ قال: إحفظها يا عمر، فإنّي آليت ألّا أقتل قرشيّاً ما قدرت عليه. فكان عمر يولّيه بعد ما تولّى، ويقول: له عليّ يد. فبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوماً. فلمّا طال على أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الأمر، اشتدّ عليهم الحصار، وكانوا في وقت برد شديد، وأصابتهم مجاعة، وخافوا من اليهود خوفاً شديداً، وتكلّم المنافقون بما حكى اللَّه عنهم (1) ، ولم يبق أحد

.


1- .في قوله تعالى: «إِذْ يَقُولُ الْمُنَفِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ»...الآية.

ص: 405

من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلّا نافق، إلّا القليل. وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أخبر أصحابه أنّ العرب تتحزّب، ويجيئونا من فوق، وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل، و أنّه ليصيبهم جهدٌ شديدٌ، ولكن تكون العاقبة لي عليهم. وهرب قوم من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ورأى منهم الضعف والفشل. وبعث عيينة بن حصن إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أعطنا نصف تمر يثرب سنة حتّى أرجع أنا وقومي وأفتّ في أعضاد النّاس، فإنّي في أربعة ألف، فبعث إليه: «احضر، حتّى اُشاور في ذلك الأنصار»، فحضر في جوف الليل، فأحضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رؤساء الأنصار، ونظر سعد بن معاذ إلى عيينة بن حصن وقد مدّ رجليه بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال له: يا عين الهجرس (1) ، اقبض رجليك. أتمدّ رجليك بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ؟ واللَّه لولا مكان رسول اللَّه لمّا رجعت إليك! ثمّ رفع سيفه فقبض عيينة رجليه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا معشر الأوس والخزرج، إنّي رأيتكم وقد رمتكم العرب عن قوس واحدة، وقد جزعتم وفشلتم،وهذا قد طلب أن تجعلوا له نصف تمر يثرب ويُرجع قومه ويخذّل بين الناس، فما ترون؟». فقال سعد بن معاذ وأسيد بن حصين وسعد بن عبادة: يارسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إن كان هذا أمر من اللَّه ورسوله، فأمض له، وإن كان يريد بهذا اصلاح اُمورنا والدفع عنّا، فلا تمرة واحدة، يا رسول اللَّه، واللَّه إن كانوا ليأكلون العلهز (2) في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منّا قطّ : أن يأخذوا تمرة إلّا بشراء أو قرى ! فحين أتانا اللَّه بك وأكرمنا بك وهدانا بك ، نعطي الدنيّة! لا نعطيهم أبدا إلّا السيف. ثمّ قال لعيينة: قم يا أحمق، فواللَّه لولا مكان رسول اللَّه لمّا رجعت إلى قومك، فقام عيينة ورجع إلى قومه. (3) وصعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى مسجد الفتح، وهو على الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم، فدعا اللَّه وناجاه فيما وعده، وكان ممّا دعاه أن قال: «يا صريخ المكروبين، ويا

.


1- .قال الخليل الفراهيدي: «الهجرس: من أولاد الثعالب، ويوصف به اللئيم». العين، ج 4، ص 115. وراجع أيضاً الصحاح، ج 3، ص 990؛ لسان العرب، ج 6، ص 24.
2- .كان أهل الجاهليّة في سنيّ القحط يخلطون الوبر بالدم ويشوونه ويأكلونه ويسمّونه: العلهز.
3- .روى نحوه الواقدي في المغازي، ج 1، ص 235 - 237، وامتاع الأسماع للمقريزي، 235 - 236.

ص: 406

مجيب دعوة المضطرّين، ويا كاشف الكرب العظيم، أنت مولاي ووليّي ووليّ آبائي الأوّلين، اكشف عنّا غمّنا وهمّنا وكربنا، واكشف عنّا شرّ هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك». فنزل عليه جبرئيل عليه السلام، فقال: «يا محمّد، إنّ اللَّه قد سمع مقالتك، وأجاب دعوتك، وأمر الدبور - وهي الريح - مع الملائكة أن تهزم قريشاً والأحزاب». وبعث اللَّه على قريش الدبور، فانهزموا وقلعت أخبيتهم، فنزل جبرئيل عليه السلام، فأخبره بذلك، فنادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حذيفة بن اليمان، وكان قريباً منه، فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانياً فلم يجبه، ثمّ ناداه الثالثة، فقال: لبيك يا رسول اللَّه. قال: «أدعوك فلا تجيبني؟». قال: لا تلمني يا رسول اللَّه - بأبي أنت وأمّي - من الخوف والبرد والجوع. فقال: «إنّ اللَّه بعث على قريش الريح فهزمهم، فادخل في القوم، وائتني بأخبارهم، ولا تحدثنّ حدثاً حتّى ترجع إليّ». قال حذيفة: فمضيت وأنا انتفض من البرد، فو اللَّه ما كان إلّا بقدر ما جزت الخندق حتّى كأني في حمام، فقصدت خباءً عظيماً، فإذا نار تخبوا وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدّة البرد، ويقول: يا معشر قريش، إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثمّ قال: لينظر كلّ رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمّد عين فيما بيننا. فقال حذيفة: فبادرت أنا، فقلت للذي عن يميني: من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص. ثمّ قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنّما بادرت إلى ذلك لئلّا يسألني أحد منهم: من أنت؟ ثمّ ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة، ولولا أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «لا تحدثنّ حدثاً حتّى ترجع إليّ» لقدرت أن أقتله، ثمّ قال أبو سفيان لخالد بن الوليد: يا أبا سليمان، لا بدّ من أن أقيم أنا أو أنت على ضعفاء الناس. فقال خالد: أنا أقيم.

.

ص: 407

ثمّ قال لأصحابه: ارتحلوا، إنّا مرتحلون، فنفروا (1) منهزمين، فلمّا أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال لأصحابه: «لا تبرحوا». فلمّا طلعت الشمس دخلوا المدينة، وبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في نفر يسير. (2) [ 26 - 27 ] [قوله: «وأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيارَهُمْ وأَمْوالَهُمْ وأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيراً»](3) فلمّا دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة واللواء معقود، أراد أن يخلع ثيابه ويغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل: «عذيرك من محارب، واللَّه ما وضعت الملائكة لأمتها، فكيف تضع لأمتك؟ إنّ اللَّه يأمرك أن لا تصلّي العصر إلّا ببني قريظة، فإنّي متقدّمك، ومزلزل بهم حصنهم، إنّا كنا في آثار القوم نزجرهم زجراً حتّى بلغوا حمراء الأسد». (4) فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فاستقبله حارثة بن النعمان، فقال له: «ما الخبر، يا حارثة؟». قال: بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - هذا دحية الكلبي ينادي في الناس: ألا لا يصلينّ العصر أحد إلّا في بني قريظة. فقال: «ذلك جبرئيل، اُدعوا لي عليّاً». فجاء عليّ عليه السلام، فقال له: «ناد في الناس: لا يصلينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة». فجاء أمير المؤمنين عليه السلام، فنادى فيهم، فخرج الناس، فبادروا إلى بني قريظة. و خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأمير المؤمنين عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى، وكان حُيي بن أخطب لمّا انهزمت قريش جاء ودخل حصن بني قريظة، وقد كان قال لكعب بن أسد: إن لم نظفر بمحمّد رجعت، فكنت معك يصيبني ما يصيبك، فرجع ودخل حصنه، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وأحاط بحصنهم، فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمار، فاستقبله أمير

.


1- .في «ط»: «ففرّوا».
2- .روى نحوه في الكافي، ج 8، ص 277، ح 420.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة. معجم البلدان، ج 2، ص 301.

ص: 408

المؤمنين عليه السلام، فقال: «بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - لا تدن من الحصن». فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا عليّ، لعلّهم شتموني؟ إنّهم لو قد رأوني لأذلّهم اللَّه». وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمار، عليه قطيفة، وكان حول الحصن نخل كثير، فأشار إليه رسول اللَّه يمنة ويسرة، فتباعد عن الحصن وتفرّق في المفازة، ثمّ دنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حصنهم، فقال: «يا إخوة القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت، أ تشتموني؟! إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم». فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن، فقال: واللَّه - يا أبا القاسم - ما كنت جهولاً. فاستحيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حتّى سقط الرداء عن ظهره حياء مما قال، وأنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله العسكر حول حصنهم، فحاصرهم فبقوا ثلاثة أيّام». أقول: المشهور أنّهم بقوا اثنين وعشرين يوماً. فلم يطلع منهم أحد رأسه، فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام نزل إليه غزال بن شمول، فقال: يا محمّد، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير؟ إحقن دماءنا، ونخلي لك البلاد وما فيها، ولا نكتمك شيئاً. فقال: «لا، أو تنزلون على حكمي». فرجع، وبقوا أياماً، فبكت النساء والصبيان إليهم، وجزعوا جزعاً شديداً، ونادوا يا محمّد، إبعث إلينا أبا لبابة (1) لنستشيره في أمرنا. فقال: «سر إليهم»، فدخل الحصن فلمّا نظر إلى حُيي بن أخطب قال: أمّا ما دام هذا بينكم فلا تفلحون. قالوا له: يا أبا لبابة ! ما ترى؟ قد أبي محمّد أن يزول عنا حتّى ننزل على حكمه؟ قال: إنزلوا على حكمه واعلموا أنّه الذبح، وأشار بيده إلى حلقه. ثمّ ندم وقال: خنت اللَّه ورسوله، وجاء كما هو إلى المدينة، فعقد في عنقه حبلاً وشدّه إلى الإسطوانة التي تسمّى: اسطوانة التوبة، وقال: لا أفتحه حتّى أموت أو يرضى اللَّه عنّي، فبلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: لو أتانا لاستغفرنا له، فأمّا إذ قصد إلى ربّه فاللَّه أولى به.

.


1- .هو أبو لبابة بن عبد المنذر، أخو بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس.

ص: 409

فلمّا اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالرجال فكتّفوا، وكانوا سبع مائة، وأمر بالنساء والصبيان فعزلن. وقامت الأوس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: يا رسول اللَّه، حلفاؤنا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها، وقد وهبت لعبد اللَّه بن أبي سبع مائة دارع، وسبع مائة حاسر في صبيحة واحدة، ولسنا نحن بأقلّ من عبد اللَّه بن أبي. فلمّا أكثروا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال لهم: «أمّا ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا: بلى، فمن هو؟ قال: «سعد بن معاذ». قالوا: قد رضينا بحكمه، فأتوا به في محفّة (1) على حمار، وكان مجروحاً، واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو، اتّق اللَّه، وأحسن في حلفائك ومواليك، فقد نصرونا ببعاث والحدائق (2) والمواطن كلّها، فأكثروا عليه وهو ساكت لا يجيبهم. فلمّا أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت واللَّه بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النساء والصبيان إلى سعد، ووضعت محفّته بين رسول اللَّه وبين اليهود، فلمّا سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى، قد رضينا بحكمك، وقد رجونا نصفك، ومعروفك، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ثلاثاً، فقالوا: بلى، يا أبا عمرو. فالتفت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إجلالاً له، فقال: ما ترى، بأبي أنت واُمّي، يا رسول اللَّه؟ قال: «اُحكم فيهم - يا سعد - فقد رضيت بحكمك فيهم». فقال: قد حكمت - يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله - أن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار. أقول: «الأنصار» لم يقل به أحد من المفسّرين. فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «قد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة».

.


1- .المحفّة: مركب من مراكب النساء كالهودج، إلّا أنّها لا تقبّب. الصحاح، ج 4، ص 1345 (حفف).
2- .بعاث والحدائق: موضعان عند المدينة، كانت فيهما وقعتان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام. اُنظر: الكامل في التاريخ، ج 1، ص 676 - 680.

ص: 410

ثمّ انفجر جرح سعد بن معاذ، فما زال ينزف الدم حتّى قضى. وحمل الأسارى إلى المدينة، ووكّل رسول اللَّه بحصنهم، وسبوا النساء، وأنزلوا الرجال دار زينب بنت الحارث، وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بأخدود في البقيع فخدّ، فلمّا أمسى أمر بإخراج رجل رجل، فكان يضرب عنقه، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد: ما ترى يصنع بهم؟ فقال له: ما يسوؤك، أما ترى الداعي لا يقلع، والذي يذهب لا يرجع؟ فعليكم بالصبر والثبات على دينكم. فاخرج كعب بن أسد مجموعةً يديه إلى عنقه، وكان جميلاً وسيماً، فلمّا نظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال له: «يا كعب، أمّا نفعتك وصيّة ابن الحواس، الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام؟ فقال: تركت الخمر والخنزير (1) ، وجئت إلى البمؤس والتمور، لنبيّ يبعث، مخرجه بمكّة، ومهاجرته في هذه البحيرة، يجتزئ بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العريّ، في عينيه حمرة، بين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر؟». فقال: قد كان ذلك يا محمّد، ولولا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لآمنت بك وصدّقتك، ولكنّي على دين اليهودية، عليه أحيا وعليه أموت. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قدّموه فاضربوا عنقه» فضربت عنقه. ثمّ قدم حُيي بن أخطب، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا فاسق، كيف رأيت صنع اللَّه بك؟» فقال: واللَّه - يا محمّد - ما ألوم نفسي في عداوتك، ولقد قلقلت (2) كلّ مقلقل، وجهدت كلّ الجهد، ولكن من يخذل اللَّه يخذل، ثمّ قال حين قدم للقتل:لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنّه من يخذل اللَّه يخذل فقدّم، وضرب عنقه. فقتلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في البردين: بالغداة، والعشي، في ثلاثة

.


1- .في «ج»: «الخمير».
2- .قلقل الشي ء: حرّكه فتحرّك واضطرب. لسان العرب، ج 11، ص 566 (قلل).

ص: 411

أيّام، وكان يقول: «اُسقوهم العذب، وأطعموهم الطيّب، وأحسنوا إسارهم» حتّى قتلهم كلّهم، وأنزل اللَّه على رسوله فيهم: «وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ» أي: من حصونهم «وقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ» إلى قوله: «وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيراً». ونزل في بني قريظة . (1) وقام ثابت بن قيس بن الشماس، وقال: يا رسول اللَّه، إنّ الزبير ابن أبا طالب (2) مرّ عليّ يوم بعاث فأطلقني، فهبه لي، قال: قد وهبته لك، فجاء إليه وقال له: [هل تعرفني؟ قال: نعم أنت ثابت] (3) قال: قد وهبك رسول اللَّه لي [إنّي أمُنّ عليك كما مننت عليّ يوم بعاث. قال:] 4 شيخ كبير ضعيف، ما يصنع بيثرب بلا أهل ولا مال؟ فرجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: يارسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هب لي ماله وأهله. قال: «قد وهبتهم لك». فرجع إليه فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد وهبك أهلك ومالك [وقد أراد اللَّه تعالى بك خيراً] 5 . فقال: أمّا أنت فقد كافيت، أحسن اللَّه جزاءك، فما فعل الذي وجهه كأنّه مرآة مضيئة يتراآى أنّه من عذارى الحيّ كعب بن أسد؟ قال: قد قتل. قال: فما فعل سيّد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قد قتل. قال: فما فعل القلّب الحوّل نباش بن قيس؟ قال: قد قتل. قال: فما فعل أوّل عادية اليهود إذا حملوا وآخرهم اذا رجعوا غزال بن شمؤل؟ قال: قد قتل. قال: فما فعل أبو الأرامل والأيتام رفاعة بن زيد؟ قال: قد قتل. قال: فما فعل العمران الملقبان بدراسة التوراة؟ قال: قتلا. قال: فما خير في الحياة بعد هؤلاء، لا أرجع إلى دار كانوا فيها جلوساً فأخلد بعدهم،

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 434 - 437، عن تفسير القمّي. روى نحوه الطبرسي، في إعلام الورى، ص 92.
2- .كذا في النسخ. و هو اسم أحد اليهود.
3- .ما بين المعقوفتين من المعجم الأوسط.

ص: 412

أسألك باليد التي لي عندك إلّا ما قدّمتني إلى القتل، فقدّم فقتل؛ فأنزل اللَّه على رسوله هذه السورة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَآءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ» قريش والأحزاب «وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ» اليهود «وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ» (1)...الآيات. (2) [ 13 ] قوله: «إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ» أي: في أطراف المدينة. [ 22 - 25 ] قوله: «قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ»...الآية، وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال لأصحابه: «إنّ العرب تتحزّب عليّ وتجتمع، ويصيبنا منهم جهد، وكذا اليهود، وتكون العاقبة لي عليهم»، فصدّق قوم بما قال، وقال قوم: «مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً». قوله: «وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ» ذلك البلاء والجهد والخوف «إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً» إلى قوله: «وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» بعليّ، فمحوا إسمه. [ 26 ] قوله: «وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ» يعني: بني قريظة الذين حاصرهم رسول اللَّه وأنزلهم على حكمه. أقول: الصواب: على حكم سعد بن معاذ رضى اللَّه عنه. [ 28 ] قوله: «يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لازْواجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا»...الآية، روي عن العالم: «أنّه لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من غزاة خيبر، وأصاب كنز آل أبي الحقيق، قلن أزواجه: أعطنا ما أصبت». فقال لهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قسمته بين المسلمين على ما أمر اللَّه». فغضبن من ذلك، وقلن: لعلّك ترى أنّك إن طلّقتنا أنّا لا نجد الأكفّاء من قومنا يتزوّجونا؟! فأنف اللَّه لرسوله صلى اللَّه عليه وآله، فأمره أن يعتزلهنّ، فاعتزلهنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في مشربة اُمّ إبراهيم تسعة وعشرين يوماً، حتّى حضن وطهرن.

.


1- .الأحزاب (33): 9 - 10.
2- .روى مثله الطبراني في المعجم الأوسط، ج 8، ص 145.

ص: 413

الجزء الثاني والعشرون

اشاره

أقول: فيه نظر؛ فإنّ المرأة لا تطهر بحيضة واحدة وطهر واحد. ثمّ أنزل اللَّه هذه الآية، وهي آية التخيير، فقال: «يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لازْواجِك»...الآية، فقامت اُمّ سلمة - وهي أوّل من قامت - وعانقته، وقالت: قد آخترت اللَّه ورسوله، فقمن كلّهنّ فعانقنه، وقلن مثل ذلك، فأنزل اللَّه: «تُرْجِى مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِى إِلَيْك مَنْ تَشاءُ» (1)، قال العالم عليه السلام: «من أرجى فقد طلّق، ومن آوى فقد نكح » . (2)

[الجزء الثاني والعشرون][ 32 - 33 ] قوله: «يا نِساءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ» إلى قوله: «وَأطعن اللَّه ورسولهُ» ثمّ انقطعت مخاطبتهنّ، فعطف على أهل بيت النبي صلى اللَّه عليه وآله فقال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»». أقول: في هذه الآية مبالغة وتوكيدات عظيمة، فأتى بلفظة: «إِنَّما يُرِيدُ»، وتلفّظه بما تتلفّظه (الإرادة) والكلام الذي يعين، وإزالة الرجس هو النجاسة والقذارات، وما في قوله: «أَهْلَ الْبَيْتِ» من الإختصاص، وهي بمعنى التعيين، وبلفظ التطهير ثمّ بالمصدر، وهو (تَطْهِيراً)، وهي تدلّ على العصمة بالإجماع، والإجماع حجّة. (3) [ 34 ] ثمّ عطف على نساء النبي صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «واذْكُرْنَ ما يُتْلى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ والْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» . (4)

.


1- .الأحزاب (33): 51.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 440 - 441، عن تفسير القمّي. روي مايقرب منه في الكافي، ج 6، ص 138، ح 4 .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 449، عن تفسير القمّي. إعلم أنّ نزول آية التطهير بشأن أهل البيت عليهم السلام من الآحاديث المتواترة التي لاينكرها إلا من أعمى اللَّه عين قلبه، وللمزيد عن مصادر أسانيدها من طرق أهل السنّة والشيعة راجع نفحات الأزهار، ج 20، ص 73، ح 111. أقول: يظهر من الروايات تعدد وتكرر دعاء النبي وطلبه من اللَّه التطهير لأهل بيته، ومن هنا تنوعت الروايات الواردة في ذلك.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 470، عن تفسير القمّي.

ص: 414

[ 35 ] ثمّ عطف على أهل بيت النبي عليهم السلام أيضاً من مخاطبة نسائه، فقال: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ»...الآية، وهي جارية في جميع الناس . (1) وهذا دليل على أنّ القرآن منقطع معطوف. [ 36 ] قوله: «وما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ»...الآية، نزلت في ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (2) ، خطبها رجل من بني قريظة ممّن كان قد أسلم، فبعث إليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين يشاورها، فقال لها أمير المؤمنين: إن لم تجيبي إلى ذاك لم يكرهك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قالت: فإنّي لا اُجيب، فرجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبره، فعلم أنّ الفساد من قِبَلِه، قال: يا عليّ ارجع فأصلح ما أفسدت، فنزلت. (3) أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّ عليّاً لم يقع منه فساد قطّ، لعصمته، وهذا يخالف إجماع الاماميّة، فلا يسمع، بل يُرَدّ، ويستغفر قائله اللَّه. وقد روي أنّ هذه القصّة كانت مع زينب بنت جحش وزيد بن حارثة وأخوها عبد اللَّه، لمّا أمرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن تتزوّج بزيد، وأبي أخوها عبد اللَّه، وقد أجمع المفسّرون على ذلك (4) ، فالنقل مردود، والراوي متوهّم. [ 43 ] قوله: «لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» قال: «إنّما نزلت: (ليخرج بكم من الظلمات إلى النور)». (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 470، عن تفسير القمّي.
2- .ضباعة: بضم الضاد والمعجمة كما في القاموس واللسان كثمامة، وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب القرشية الهاشمية، ابنة عم النبي صلّى اللَّه عليه وآله، زوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله المقداد بن عمرو، وأطعمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله من خيبر أربعين وسقا، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله أحد عشر حديثا، نص عليه ابن سعد في الطبقات وابن هشام. راجع: الطبقات، ج 8، ص 31؛ وأسد الغابة، ج 5، ص 495؛ والإصابة، ج 4، ص 352؛ والاستيعاب، هامش؛ الإصابة، ج 4، ص 352.
3- .لم نقف على هذه الرواية في الأصل، ولعلّها كانت في نسخة ابن العتائقي من التفسير .
4- .راجع: بحار الأنوار، ج 22، ص 177 - 180. وقد تقدّم بعض ما يرتبط بهذا المعنى في تفسير الآية (5) من هذه السورة، فراجع.
5- .هذه أيضاً قراءة خاصّة عند أهل البيت عليهم السلام.

ص: 415

[ 45 ] قوله: «يَأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً»...الآية، نزلت بمكّة قبل مهاجرة رسول اللَّه إلى المدينة بخمس سنين، وقد كتبت في خبر الأحزاب، وحرب الأحزاب كانت في سنة خمس للهجرة، فهذا دليل على انّ القرآن مؤلّف على خلاف ما أنزل اللَّه تعالى، مؤخّراً مقدّماً . (1) أقول: وهذه الآية منسوخة بآية السيف (2) ، وذكر بعض العامّة أنّ هذه الآية نزلت بالمدينة، لا بمكّة؛ لأنّه قال: «وَ لَا تُطِعِ الْكَفِرِينَ وَ الْمُنَفِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ» (3)والمنافقون إنّما كانوا بالمدينة لا بمكّة. وغلطوا في ذلك غلطاً بيّناً؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول في سورة الأنفال: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ» (4)، نزلت في حرب بدر، في خمسة نفر من قريش، جاؤوا من مكّة إلى الحرب وقد كانوا أظهروا الإسلام، منهم: قيس بن الفاكهة وأبوه (5) ، والحرث بن زمعة (6) ، وعليّ بن اُميّة بن خلف، والعاص بن منبه (7) ، وقد كانوا أظهروا الإسلام لرسول اللَّه بمكّة، وكانوا منافقين، فجاؤوا مع قريش لحرب بدر، فلمّا نظروا إلى قلّة أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قالوا: مساكين هؤلاء، غرّ هؤلاء محمّد، فحكى اللَّه ذلك فقال: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ»...الآيات. [ 50 ] قوله: «وإمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِىِّ»...الآية، فإنّه كان سبب نزولها: أنّ امرأة من الأنصار أتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد تهيّأت وتزيّنت وتطيّبت وجاءت إلى رسول اللَّه، فقالت: يا رسول اللَّه، هل لك فيّ حاجة، فقد وهبت نفسي لك؟ فقالت لها عائشة: قبّحك اللَّه، ما أنهمك للرجال؟! فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «مه يا عائشة، فإنّها رغبت في رسول اللَّه إذ زهدتنّ فيه». ثمّ قال: «رحمكِ اللَّه، ورحمكم يا معاشر الأنصار، تنصرني رجالكم، وترغب فيّ

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 477، عن تفسير القمّي.
2- .وهي الآية (5) من سورة التوبة رقم (9).
3- .الأحزاب (33): 48.
4- .الأنفال (8): 49.
5- .تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه».
6- .تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «الحارث بن ربيعة».
7- .تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «العاص بن المنبه بن الحجاج».

ص: 416

نساؤكم، إرجعي - رحمك اللَّه - فإنّي أنتظر أمر اللَّه». فأنزل اللَّه: «وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِىِّ»...الآية، فلا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله . (1) قوله: «خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِيِنَ» أي: لا يحلّ لامرأة أن تهب نفسها لأحد من غير مهر إلّا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. [ 53 ] قوله: «لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ»، فإنّ الرجال كانوا يدخلون بيوت النبيّ وغير بيوت النبيّ بلا إذن، فلمّا هاجر رسول اللَّه ضرب الحجاب على النساء، فلم يأذن لأحد أن يدخل بيت أحد إلّا بإذن، وضرب الحجاب على النساء من الرجال في سورة النور، في قوله: «ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ»...الآية (2) . (3) [ 55 ] قوله: «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِى آبائِهِنَّ ولا أَبْنائِهِنَّ»...الآية، هي معطوفة على قوله: «لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ»...الآية، فرخّص لهؤلاء أن يدخلوا بغير إذن . (4) [ 56 ] قوله: «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ»...الآية، روي: أنّ صلاة اللَّه عليه تزكية له وثناء عليه، وصلاة الملائكة مدحهم له، ودعاء الملائكة والناس له الصلاة عليه (5) . (6) أقول: الصلاة من اللَّه سبحانه: الرحمة والمدح، ومن الملائكة: الاستغفار للأمّة، ومن الناس: ذات الركوع والسجود والتشهّد والتسليم، وفي أصل لغة العرب: هي الدعاء، ومنه: «وصَلِّ عليهمْ» (7)، وهي أيضاً: كنائس اليهود؛ لقوله تعالى: «وَلَوْلَا

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 482، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 5، ص 389، ح 4 و ص 384، ح 2.
2- .النور (24): 31.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 482، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً علل الشرائع، ص 65.
4- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 486 - 487، عن تفسير القمّي.
5- .في الأصل زيادة: «والتصديق و الإقرار بفضله. وقوله: «وسَلِّمُوا تَسْلِيماً» يعني: سلّموا له بالولاية، وبما جاء به» .
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 489، عن تفسير القمّي. وروى معناه في معاني الأخبار، ص 367، ح 1.
7- .التوبة (9): 104.

ص: 417

دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ»...الآية (1) ، ومنه قول الشاعر:إتّق اللَّه والصلاة فذرهاإنّ في الصوم والصلاة فساداً (2) والصوم - هنا - ذرق البغلة، وعند الشافعي وأبو حنيفة: أنّ الأرواث نجسة من مأكول اللحم وغيره. (3) [ 59 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الْنَّبِىُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ»...الآية، كانت النساء يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وإذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة، يقعد الشبّان لهنّ في طريقهنّ، فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ، فنزلت . (4) [ 60 ] قوله: «لَئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ»...الآية، نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا خرج في بعض غزواته، يقولون: قُتل واُسر، فيغتمّ المسلمون لذلك، ويشكون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنزلت؛ أي: نخبرك بأسمائهم، ثمّ نأمرك أن تطردهم من المدينة . (5) [ 69 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، وكان موسى إذا أراد الاغتسال يذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس، وكان يوماً يغتسل على شطّ نهرٍ وقد وضع ثيابه على صخرة، فأمر اللَّه الصخرة فتباعدت عنه، حتّى نظر بنو إسرائيل إليه، فعلموا أنّه ليس كما قالوا » . (6)

.


1- .البقرة (2): 251.
2- .أورده الشيخ الطوسي في التبيان، ج 7، ص 316. وراجع أيضاً تاج العروس، ج 8، ص 372.
3- .راجع كتاب الاُمّ، ج 6، ص 258؛ وإعانة الطالبين للبكري الدمياطي، ج 1، ص 99 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 57 و 58، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 496، عن تفسير القمّي.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 496، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 66 - 68، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 497، عن تفسير القمّي.

ص: 418

أقول: حاشا للَّه أن يُطلعهم على عورة رسوله موسى، أو ينظروا إلى فرجه، وهذا وإن كان تنزيه من وجه، وتنزيهه من عاهة، إلّا أنّه عدم تنزيه من وجه آخر. وقيل: إنّ بني إسرائيل رموه بأنّه آدر، أو أنّه أبرص. وما روي في هذا المعنى ليس بصحيح. والحقّ أن سبب ذلك: أنّ قارون كان قد جعل لبغيّ من بني إسرائيل جعلاً: على أن تقول: إنّ موسى دعاني ليفجر بي، فلمّا حضرت قالت: يابني إسرائيل، إنّ قارون جعل لي جعلاً أن أقول: إنّ موسى دعاني ليفجر بي ويزني. وكان هذا سبباً في هلاك قارون. (1) وقد روي أيضاً أنّهم قالوا: قتل أخاه هارون، فأحياه اللَّه وقال: لم يقتلني موسى. وهذا مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) ؛ هذا معنى قوله: «فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا». (3) [ 72 ] قوله: «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ»...الآية، قال: «الأمانة هي الإمامة، والأمر والنهي والثواب والعقاب » . (4) أقول: في الأمانة اثنا عشر قولاً، ذكره المفسّرون. (5)

.


1- .راجع قصّة هارون والبغيّ في بحار الأنوار، ج 13، ص 256.
2- .وفي بحار الأنوار، ج 22، ص 388: «إرتدّ قوم موسى عن الاسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير، والسبعين الذين اتّهموا موسى على قتل هارون، فأخذتهم الرجفة من بغيهم...».
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 70، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 501، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ الصدوق في معاني الأخبار، ص 110 ما يقرب منه.
5- .للمزيد للاطلاع على الأقوال راجع: مجمع البيان للشيخ الطبرسي، ج 8، ص 186.

ص: 419

سورة سبأ (34)

سورة سبأ (34)[مكّيّة، وآياتها أربع وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «وما يَعْرُجُ فِيها»، قال: «من أعمال العباد » . (1) [ 10 ] قوله: «أَوِّبِى مَعَهُ» أي: سبّحي . قال: «وكان داود عليه السلام إذا مرّ في البراري فقرأ الزبور تسبّح الجبال والطير والوحوش معه، وألان اللَّه له الحديد مثل الشمع، حتّى كان يتّخذ منه ما يريد » . (2) [ 11 ] وقوله: «أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ»، قال: «الدروع» «وقَدِّرْ فِى السَّرْدِ»، قال: «المسامير التي في الحلقة» . (3) [ 12 ] وقوله: «ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ»، قال: «كانت الريح تحمل كرسيّ سليمان وجميع جنوده، فتسير به في الغداة مسيرة شهر، وبالعشي مسيرة شهر. وقوله: «وأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ» أي: الصفر، ومثله الرصاص «ومَنْ يَزِغْ» أي: يدع ويزول . (4) [ 13 ] قوله: «وجِفانٍ كَالْجَوابِ»، الجوابي: الحياض «وقُدُورٍ راسِياتٍ» أي: ثابتات . 5

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 507، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 3 - 8، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 508، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً الكافي، ج 5، ص 74، ح 5.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 508، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 509، عن تفسير القمّي.

ص: 420

[ 14 ] قوله: «مِنْسَأَتَهُ» يعني: عصاه (1) فأكلت عصاه فسقط على وجهه، فنظر إليه الجنّ، ففزعوا وتفرّقوا. قوله: «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا» (2)، قال الصادق: «ليس هكذا نزلت هذه الآية، لكن (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الانس أَنّ الجنّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِى الْعَذابِ الْمُهِين)، و هذا من المحرّف» (3) . (4) [ 15 ] قوله: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ»، قال: «فإنّ سبأ كان من اليمن، وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجاً من البحر العذب إلى بلادهم، ففعلوا ذلك، وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتّى يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري، فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه. أقول: المجمع عليه بين مفسّري الشيعة والسنّة: أنّ هذا كان من مياه السيول ؛ فإنّ هناك ليس من بحر عذب. وكانت لهم جنّتان عن يمين وشمال على مسيرة عشرة أيّام فيها يمرّ المارّ لا يقع عليه الشمس من التفافها وحسنها، فلمّا عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربّهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا، بعث اللَّه على ذلك السدّ الجرذ - وهي الفارة الكبيرة - فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلّها الرجل وترمي بها، فلمّا رأى ذلك قوماً

.


1- .في الأصل هنا مايلي: «لمّا أوحى اللَّه إلى سليمان: إنّك ميّت، أمر الشياطين أن يتّخذوا له بيتاً من قوارير، ووضعوه في لجّة البحر، ودخله سليمان عليه السلام فاتّكأ على عصاه وكان يقرأ الزبور، والشياطين حوله ينظرون إليه، لا يجسرون أن يبرحوا، فبينا هو كذلك إذ حان منه إلتفاتة، فإذا هو برجل معه في القبّة، ففزع منه سليمان، فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الذي لا أقبل الرشى ولا أهاب الملوك. فقبضه وهو متّكئ على عصاه سنة، والجنّ يعملون له ولا يعلمون بموته، حتّى بعث اللَّه الأرضة».
2- .في مجمع البيان، ج 8، ص 594: «(تبيّنت الانس) هي قراءة عليّ بن الحسين وأبي عبد اللَّه عليهما السلام».
3- .في الأصل زيادة: «وذلك لأنّ الإنس كانوا يقولون: إنّ الجنّ يعلمون الغيب، فلمّا سقط سليمان على وجهه علم الإنس أن لو يعلم الجنّ الغيب لم يعملوا سنة لسليمان وهو ميّت ويتوهّمونه حيّاً».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 512، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 144، ح 114؛ وعلل الشرائع، ج 1، ص 74، ح 3.

ص: 421

منهم، هربوا وتركوا البلاد، فما زال الجرذ يقلع الحجر حتّى خربوا ذلك السد، فلم يشعروا حتّى غشيهم السيل وخرب بلادهم، وقلع أشجارهم (1) . (2) [ 16 ] قوله: «خَمْطٍ»، الخمط: اُمّ الغيلان: «وَأَثْلٍ» هو نوع من الطرفاء. أقول: الأثل: نوع من النبات، لا من الطرفاء، وليس له ثمر، وهو يعظم حتّى تصير الشجرة منه ثمانية أذرع وأكثر وأقلّ، وهو في مشهد الشمس (3) - بالحلّة - كثير. [ 18 ] قوله: «وجعلنا بينهم وبين الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا» يعني: مكّة. [ 20 ] قوله: «ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ». قال زيد الشحام: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام، وسأله عن قوله عزّ وجلّ: «ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، قال: «لمّا أمر اللَّه نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس، وهو قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» في عليّ «وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» (4) أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بيد عليّ عليه السلام يوم غدير خمّ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، حَثت الأبالسة التراب على رؤوسها، فقال لهم إبليس الأكبر: ما لكم؟ قالوا: قد عقد هذا الرجل اليوم عقدة لا تنحلّ إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس: كلّا، إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدّة، ولن يخلفوني فيها. فأنزل اللَّه سبحانه هذه الآية: «ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ»...الآية » . (5)

.


1- .في الأصل زيادة: «وهو قوله: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمالٍ» إلى قوله: «سَيْلَ الْعَرِمِ»، أي: العظيم الشديد».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 513، عن تفسير القمّي. وللمزيد عن قصّة سبأ راجع: الكافي، ج 8، ص 210، ح 23 و ص 395، ح 596. والعرم: الجرذ الذكر، والمطر الشديد، وواد، وبكلّ فُسّر قوله تعالى: «سَيْلَ الْعَرِمِ». وقال الرازي: الأكل: الثمرة، وأكل خمط، أي: مر بشع. وقيل: الخمط: كلّ شجر له شوك، وقيل: الأراك. والأثل: الطرفاء، وقيل: السدر؛ لأنّه أكرم ما بدّلوا به. والأثل والسدر معطوفان على أكل، لا على خمط؛ لأنّ الأثل لا أكل له وكذا السدر من مرآة العقول.
3- .إنّما سمّي بمشهد الشمس لأنّ الشمس ردّت على الإمام عليّ عليه السلام فيها عند منصرفه من النهروان، وقصّة ردّ الشمس للإمام عليه السلام في أرض بابل قد رواها السيّد هاشم البحراني في غاية المرام، ج 6، ص 208 - 209 فراجع.
4- .المائدة (5): 67.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 519، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 8، ص 344، ح 542. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 21 - 22، فراجع الأصل.

ص: 422

[ 23 ] قوله: «ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إلّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»...الآية، قال الصادق عليه السلام: «لا يشفع أحد من أنبياء اللَّه ورسله يوم القيامة حتّى يأذن اللَّه له، إلّا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإنّ اللَّه قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمّة من ولده، ثمّ من بعد ذلك للأنبياء عليهم السلام». (1) ثمّ قال: «ما من أحد من الأوّلين والآخرين إلّا وهو محتاج إلى شفاعة محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يوم القيامة ». (2) وقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الشفاعة في اُمّته، ولنا الشفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم». ثمّ قال: «و إنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه، يقول: يا ربّ، حقّ خدمتي، كان يقيني الحر والبرد » . (3) وقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّ المؤمن ليشفع في نفسه وفي أهله وفي أهل الدويرات التي حوله». (4) [ 33 ] وقوله تعالى: «وأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ»، قال: (5) «يكرهون شماتة الأعداء » . (6) أقول: قوله: «وأَسَرُّوا النَّدامَةَ» أي: أظهروها، فإنّها من أسماء الأضداد. (7) [ 39 ] وقوله: «وما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ». عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إنّ الرّب تبارك

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 520، عن تفسير القمّي. ورواه شرف الدين النجفي في تأويل الآيات، ج 2، ص 476، ح 8، عن عليّ بن إبراهيم رحمه اللَّه عليه.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 520، عن تفسير القمّي. ورواه شرف الدين النجفي في تأويل الآيات، ج 2، ص 476، ح 9، عن عليّ بن إبراهيم رحمه اللَّه عليه.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 520، عن تفسير القمّي.
4- .روى معناه القاضى النعمان المغربي في شرح الأخبار، ج 3، ص 5؛ و راجع ميزان الحكمة، ج 2، ص 1476، الباب 2049 (شفاعة المؤمن على قدر عمله).
5- .في الأصل زيادة: «يسرّون الندامة في النار إذا رأوا وليّ اللَّه. فقيل: يا ابن رسول اللَّه، وما يغنيهم إسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال:».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 523، عن تفسير القمّي.
7- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 35 - 39، فراجع الأصل.

ص: 423

وتعالى ينزل أمره (1) كلّ ليلة جمعة (2) . (3) فيقول: هل من تائب يتاب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ اللّهم أعط كل منفق خلفاً، وكلّ ممسك تلفاً حتّى يطلع الفجر (4) » . (5) [ 44 ] قوله: «ومَا آتيْنَاهم منْ كتب يدرسونها»... الآية، يعني: قريشاً . [ 46 ] قوله: «إنّما أعظكم بواحدةٍ»، يعني: باللَّه الواحد القهّار . [ 51 ] قوله: «ولَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ»، روي: «أنّ هذا إذا قام القائم » . (6) [ 52 ] قوله: «وقالوا آمنّا به وأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ»، روي: «أنّه إذا رجع عيسى بن مريم إلى الدنيا، فكلّ من جحده آمن به يومئذ، فلا يقبل منهم » . أقول: إنّما جحده اليهود وأمثالهم، وأيضاً: إنّ النصارى لم يؤمنوا به إيماناً حقّاً؛ لأنّهم فرق، منهم من قال: هو اللَّه، ومنهم من قال: هو ابن اللَّه، ومنهم من قال: إنّ اللَّه حلّ فيه. ومنهم من قال بالأقانيم الثلاثة؛ والكلّ كفرة، وأمّا من كان في زمانه فآمن به إيماناً صحيحاً.

.


1- .في هذا الحديث إشارة إلى الأمر، وذهب إلى أنّ الروح منه. راجع تفسير قوله تعالى: «قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» (الاسراء (17): 85)، وهو مغاير لعالم الخلق، كما يستفاد من قوله تعالى: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ». الأعراف (7): 54.
2- .في الأصل زيادة: «جمعة إلى السماء الدنيا من أوّل الليل، وفي كلّ ليلة في الثلث الأخير، وأمامه ملكان».
3- .كذا في «أ». وفي «ب» و «ج» العبارة هكذا: «إنّ الربّ يأمر ملكاً في كلّ سحر ليلة الجمعة...» .
4- .في الأصل زيادة: «فإذا طلع الفجر عاد أمر الربّ إلى عرشه، فيقسم الأرزاق بين العباد. ثمّ قال للفضيل بن يسار: «يا فضيل، نصيبك من ذلك، وهو قول اللَّه: «وما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»...الآية» .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 524 - 525، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 46 - 47، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 528، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً تفسير العيّاشي، ج 2، ص 56، ح 49.

ص: 424

سورة فاطر (35)

سورة فاطر (35)[مكّيّة، وآياتها خمس وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 10 ] قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»...الآية، هو قول: لا إله إلّا اللَّه، والإقرار بما جاء به محمّد من عند اللَّه، والتكبير والتهليل والتسبيح والصلاة والزكاة والصوم والحجّ، ترفع هذه الكلمات إلى اللَّه، وهو قوله: «والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» . (1) أقول: ذهبت الحكماء والمتصوّفة إلى أنّ الكَلِم هي النفوس الناطقة. والكمال من الفضائل، والتخلّي عن الرذائل، ترفع النفس إلى الملأ الأعلى. قوله: «وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيَِّاتِ»، قال الصادق عليه السلام: «يسترون الذنوب. و «يَبُورُ»: يبطل». (2) [ 13 ] قوله: «قِطْمِيرٍ»، القطمير: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى . (3) [ 21 ] قوله: «ولا الْحَرُورُ» أي: السمائم . (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 541، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 9، فراجع الأصل.
2- .و للاطلاع على الأقوال الاُخر في الآية راجع: مجمع البيان، ج 8، ص 235.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 543، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 14 - 18، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 543، عن تفسير القمّي. وفي شواهد التنزيل، ج 2، ص 101، ح 781؛ ومناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 81؛ وتأويل الآيات، ج 2، ص 480، ح 5، أنّه روي من طريق المخالفين: عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: قوله عزّ وجلّ: «وما يَسْتَوِى الاعْمى والْبَصِيرُ». قال: «الاعْمى» أبو جهل، و «والْبَصِيرُ» أمير المؤمنين عليه السلام «ولا الظُّلُماتُ ولا النُّورُ» فالظلمات: أبو جهل، والنور: أمير المؤمنين عليه السلام «ولا الظِّلُّ ولا الْحَرُورُ»، الظل: ظلّ لأمير المؤمنين عليه السلام في الجنّة، والحرور: يعني جهنّم لأبي جهل، ثمّ جمعهم جميعاً، فقال: «وما يَسْتَوِى الاحْياءُ ولا الامْواتُ» فالأحياء: عليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين وفاطمة وخديجة عليهم السلام، والأموات: كفّار مكّة». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 22 - 31، فراجع الأصل.

ص: 425

[ 32 ] قوله: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا»...الآية، قال: «هذه الآية لآل محمّد خاصّة «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» وهو الجاحد للإمام من آل محمّد، «ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» وهو المقرّ بالإمام «ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» هو الإمام » . (1) [ 33 - 35 ] ثمّ قال اللَّه فيهم: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها»... الآيات. والنصب: الإعياء، واللغوب: الضجر. أقول: النصب: التعب، واللغوب: الإعياء والكسل. و «دار المقامة»: دار البقاء . (2) [ 36 ] ثمّ ذكر ما أعدّ اللَّه لأعدائهم (3) - يعني أعداء آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله ومن خالفهم وظلمهم، فقال: «والَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ»... الآيات . (4)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 552، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 167، ح 1- 3 .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 552، عن تفسير القمّي. راجع أيضاً تأويل الآيات لمحمد بن العبّاس، ج 2، ص 482، ح 10 .
3- .في «ب» و «ج»: «ثمّ وصف أعداءهم».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 553 - 554، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 42 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 426

سورة يس (36)

سورة يس (36)[مكّيّة، وآياتها ثلاث وثمانون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 4 ] «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يس والقُرآن الحَكِيِم»، قال: قال الصادق عليه السلام: ««يس» اسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، بدليل قوله: «إِنَّك لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»، قال: على الطريق الواضح » . (1) [ 8 ] وقوله: «فَهُمْ مُقْمَحُونَ»، قال: «قد رفعوا رؤوسهم » . (2) [ 12 ] وقوله: «وكُلَّ شَىْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِى إِمامٍ مُبِينٍ» أي: في كتاب مبين. و «أَحْصَيْناهُ» أي: أثبتناه . (3) أقول: وقيل: الإمام المبين هنا هو أمير المؤمنين عليه السلام . (4) [ 13 - 30 ] قوله: «إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ» إلى قوله: «يَستَهزئُونَ»، قال أبو جعفر عليهم السلام «بعث اللَّه رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية، فجاءاهم بما لا يعرفون، فغلظوا عليهما، فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث اللَّه الثالث، فدخل المدينة، فقال: أرشدوني إلى باب الملك. قال: فلمّا وقف على الباب، قال: أنا رجل كنت أتعبّد

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 564، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 5 - 7، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 564، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 9، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 566، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 566، عن تفسير القمّي. وروى معناه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار، ص 95، ح 1.

ص: 427

في فلاة من الأرض، وقد أحببت أن أعبد إله الملك. فأبلغوا كلامه الملك، فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة. فأدخلوه، فمكث سنة مع صاحبيه، فقال لهما: بهذا ينتقل قوم من دين إلى دين، بالخرق؟ (1) ألا رفقتما بهم؟! ثمّ قال لهما: لا تقرّان بمعرفتي ما دمت أدخل على الملك. ثمّ اُدخل على الملك، فقال له الملك: بلغني أنّك كنت تعبد إلهي، ولم أرك، وأنت أخي، فسلني حاجتك. قال: مالي من حاجة - أيّها الملك - ولكنّي رأيت رجلين في بيت الآلهة، فما بالهما؟ قال الملك: هذان رجلان أتياني يضلّاني عن ديني (2) ، ويدعواني إلى إله السماوات. فقال: أيّها الملك، مناظرة جميلة، فإن يكن الحقّ لهما اتبعناهما، وإن يكن الحقّ لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما مالنا، وعليهما ما علينا». قال: «فبعث الملك إليهما، فلمّا دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما هذا الذي جئتما به؟ قالا: جئنا ندعو إلى عبادة اللَّه الذي خلق السماوات والأرض، ويخلق في الأرحام ما يشاء، ويصوّر كيف يشاء، وأنبت الأشجار والثمار، وأنزل القطر من السماء - قال: - فقال لهما: إلهكما - هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته - إن جئنا بأعمى، يقدر أن يردّه صحيحا (3) ؟ قالا: إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء. قال: أيّها الملك، عليّ بأعمى لم يبصر شيئاً قطّ. فاُتي به، فقال: ادعوا إلهكما أن يردّ بصره هذا. فقاما، وصلّيا ركعتين، فإذا عيناه مفتوحتان، وهو ينظر إلى السماء. فقال: أيّها الملك، عليّ بأعمى آخر، فاُتي به، فسجد سجدة، ثمّ رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر بصير. فقال: أيّها الملك، حجّة بحجّة، عليّ بمقعد، فاُتي به، فقال لهما مثل ذلك.

.


1- .الخرق: نقيض الرفق. لسان العرب، ج 10، ص 75 (خرق).
2- .في «ب» و «ج»: «أتيا ببطلان ديني».
3- .في «ب» و «ج»: «أن يردّ بصره صحيحاً».

ص: 428

فصليّا، ودعوا اللَّه، فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه، وقام يمشي. فقال: أيّها الملك، عليّ بمقعد آخر، فاُتي به، فصنع به كما صنع أوّل مرّة، فانطلق المقعد. فقال: أيّها الملك، قد أتيا بحجّتين وأتينا بمثله، ولكن بقي شي ء واحد، فإن هما فعلاه دخلت معهما في دينهما، ثمّ قال: أيّها الملك، بلغني أنّه كان للملك ابن واحد ومات، فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضا معك. ثمّ قال لهما: قد بقيت هذه الخصلة الواحدة: قد مات ابن الملك، فادعوا إلهكما ليحييه. فوقعا إلى الأرض ساجدين للَّه، وأطالا السجود، ثمّ رفعا رأسيهما، وقالا للملك: إبعث إلى قبر إبنك تجده قد قام من قبره، إن شاء اللَّه. قال: فخرج الناس ينظرون، فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب. قال: فاُتي به إلى الملك، فعرف أنّه ابنه، فقال له: ما حالك، يا بنيّ؟ قال: كنت ميّتاً فرأيت رجلين بين يدي ربيّ الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني، فأحياني. قال: يا بني، أفتعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم. قال: فأخرج الناس جملة إلى الصحراء، فكان يمرّ عليه رجل رجل، فيقول له أبوه: اُنظر. فيقول: لا، لا. ثمّ مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما. وأشار بيده إليه. ثمّ مروا أيضا بقوم كثير، حتّى رأى صاحبه الآخر، فقال: وهذا الآخر. فقال النبي - صاحب الرجلين - : أمّا أنا فقد آمنت بإلهكما، وعلمت أن ما جئتما به هو الحقّ. قال: فقال الملك: و أنا أيضا آمنت بإلهكما. وآمن أهل مملكته كلّهم » . (1)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 570 - 571، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه في مجمع البيان، ج 8، ص 655، عن وهب بن منبه . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 18 و 20 و29 و40، فراجع الأصل.

ص: 429

الجزء الثالث والعشرون

اشاره

[الجزء الثالث والعشرون][ 36 ] وقوله تعالى: «سُبْحانَ الَّذِى خَلَقَ الازْواجَ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ النطفة تنزل من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر، فتأكل الناس منه والبهائم، فتجري فيهم » . (1) أقول: فيه نظر ؛ فإنّ النطفة إنّما تكون في البدن من الأخلاط أو من الدم - على اختلاف المذهبين - ، اللّهم إلّا أن يكون المراد أنّ النطفة تتكوّن من الغذاء، والغذاء إنّما يكون من النبات والحيوان، فيصحّ بهذا التأويل. [ 29 ] قوله: «خَامِدُونَ» أي: ميّتون . [ 39 ] قوله: «كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»، العرجون: طلع النخل (2) ، وهو أوّل ما يطلع يكون دقيقاً مثل الهلال إذا أهلّ . (3) وقال: « العرجون: طلع النخل، ويعود كلّ ستّة أشهر». أقول: إنّ تشبيه الهلال بالعرجون إنّما يكون وقت يركس وينحني، لا قبل ذلك ؛ فإنّه يكون مقوماً، لا مقوساً، والتشبيه إنّما وقع بالعرجون لا بالطلع ؛ فإنّه ليس فيه تشبيه. وروي: «أنّ رجلاً أوصى عند موته: كلّ عبد لي قديم فهو حرّ، فاشتبه على العلماء واختلفوا، فقال أبو الحسن عليه السلام: «ما كان له ستّة أشهر فهو قديم، وهو حرّ؛ لأنّ اللَّه يقول: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ» فما كان لستّة أشهر فهو قديم حرّ». (4) [ 49 - 50 ] قوله: «ما يَنْظُرُونَ إلّا صَيْحَةً (5) واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ». قال: «ذلك في

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 574، عن تفسير القمّي.
2- .في «ب» و «ج»: «النخلة».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4 : 576، عن تفسير القمّي.
4- .روي معناه في الكافي، ج 6، ص 195، ح 6 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 41 - 43، فراجع الأصل.
5- .في «ب» و «ج»: «إن كانت إلّا صَيْحَةً».

ص: 430

آخر الزمان، يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون، فيموتون كلّهم في مكانهم، لا يرجع أحد منهم إلى منزله، ولا يوصي بوصيّة، وذلك قوله: «فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ»». (1) [ 51 ] قوله: «الأجداث» أي: القبور . (2) [ 55 ] وقوله: «إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغُلٍ فاكِهُونَ»، قال: «يعني: مفاكهة النساء وملاعبتهنّ (3) » . (4) [ 56 ] قوله: «فِى ظِلالٍ عَلَى الارائِك مُتَّكِؤُنَ»، قال: «الأرائك: السرر، عليها الحجال (5) ». (6) [ 59 ] قوله: «وامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ»، قال: «[إذا جمع اللَّه الخلق يوم القيامة بقوا قياماً على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق، فينادون: يا ربّنا، حاسبنا ولو إلى النار. قال:] (7) فيبعث اللَّه رياحاً، فتضرب الناس بعضهم ببعض ويميّز المسلمين من المجرمين، [وينادي مناد: «وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ»، فيميز بينهم، فصار المجرمون إلى النار، ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنّة ] (8) » . 9 [ 62 ] قوله: «جِبِلاًّ كَثِيراً» يعني: خلقاً كثيراً . 10 [ 65 ] قوله: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»، قال: «إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة يدفع إلى كلّ إنسان كتابه، فينظرون فيه، فينكرون أنّهم

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 578، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 51 - 52، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 578، عن تفسير القمّي.
3- .في العبارة هكذا: «قال: في افتضاض العذارى فاكهون، قال: يفاكهون النساء ويلاعبونهنّ.
4- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 579، عن تفسير القمّي. والطبرسي في مجمع البيان، ج 8، ص 670.
5- .الحجلة: بيت كالقبّة يستر بالثياب، وتكون له أزرار كبار، وتجمع على حجال. النهاية، ج 1، ص 346.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 579، عن تفسير القمّي، هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 58، فراجع الأصل.
7- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 580، عن تفسير القمّي.

ص: 431

عملوا من ذلك شيئاً، فتشهد عليهم الملائكة، فينكرون (1) فتنطق جوارحهم بما عملوا، وتنطق الجلود - وهي الفروج - بما اكتسبت من الفجور، ثمّ يطلق اللَّه ألسنتهم، فيقولون لجوارحهم: «لِمَ شَهِدتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ» (2) » . (3) [ 68 ] قوله: «ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ»، فإنّه ردّ على الزنادقة (4) لو كان هذا كما يقولون، لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبداً ما دامت الأشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلّما ازداد في الكبر إلى حدّ الطفولية، ونقصان السمع والبصر والقوّة والعلم والمنطق حتّى ينقص وينكس في الخلق؟ ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره (5) » . (6)

.


1- .في الأصل زيادة: «فيقولون: يا ربّ، ملائكتك يشهدون لك. ثمّ يحلفون أنّهم لم يفعلوا من ذلك شيئاً، وهو قوله:«يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ». المجادلة (58): 18، فإذا فعلوا ذلك ختم اللَّه على ألسنتهم».
2- .فصّلت (41): 21.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 580 - 581، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 2، ص 28، ح 1، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث طويل، قال عليه السلام فيه - : «و فرض اللَّه على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شي ء من معاصي اللَّه، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللَّه عزّ وجلّ، فقال: «ولا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الارْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولا» (الاسراء (17): 37)، وقال: «واقْصِدْ فِى مَشْيِكَ واغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الاصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (لقمان (31): 19) وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسها وعلى أربابها من تضييعها لمّا أمر اللَّه عزّ وجلّ به، وفرضه عليها: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»، فهذا أيضاً مما فرض اللَّه على اليدين وعلى الرجلين، وهو عملهما، وهو من الإيمان». والحديث بطوله تقدّم في قوله تعالى: «وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» في تفسير الآيتين (124 - 125) من سورة براءة (9). هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 66، فراجع الأصل.
4- .في الأصل زيادة: «الذين يبطلون التوحيد، ويقولون: إنّ الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء، ودار عليه الفلك، ومرّ عليه الليل والنهار، فيتولّد الإنسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار، فنقض اللَّه عليهم قولهم في حرف واحد، فقال: «ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ». قال:» وبدلها في النسخ: «وهو».
5- .في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «لو كان هذا كما يزعمون، لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبداً ما دام الطبع قائماً، فلم صار يرجع كلما كبر إلى حدّ الطفولية؟».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 581، عن تفسير القمّي.

ص: 432

[ 69 ] وقوله: «وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِى لَهُ»، هو ما قالته قريش لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ هذا الذي يقول محمّد شعرٌ (1) ». (2) [ 71 ] قوله: «أَنْعاماً» عنى به هنا: الإبل خاصّة. (3) [ 78 ] وقوله: «وضَرَبَ لَنا مَثَلا»...الآية، هي ردّ على أهل الدهر، الذين قالوا: «وَ مَا يُهْلِكُنَآ إِلَّا الدَّهْرُ» (4). (5) [ 80 ] قوله: «مِنَ الشَّجَرِ الاخْضَرِ ناراً»، قال: «المرخ والعفار (6) » . (7)

.


1- .في الأصل زيادة: «فردّ اللَّه عليهم، فقال: «وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَما يَنْبَغِى لَهُ إِنْ هُوَذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ» ولم يقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله شعراً قطّ».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 581، عن تفسير القمّي. وتقدّم حديث في هذه الآية، في قوله تعالى: «يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ ومُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ»، في سورة الأنعام. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 70، فراجع الأصل.
3- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 72 - 77، فراجع الأصل.
4- .في الأصل زيادة «قال اللَّه: «قُلْ» يا محمّد: «يُحْيِيهَا الَّذِى أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»، قال: «فلو أنّ الإنسان تفكّر في خلق نفسه لدلّه ذلك على خالقه، لأنّه يعلم كلّ إنسان أنّه ليس بقديم، لأنّه يرى نفسه وغيره مخلوقاً محدثاً، و يعلم أنّه لم يخلق نفسه، لأنّ كلّ خالق قبل خلقه، ولو خلق نفسه لدفع عنها الآفات والأوجاع والأمراض والموت، فثبت عند ذلك أنّ لها إلهاً خالقاً مدبّراً، هو اللَّه الواحد القهّار».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 582، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الأمالي للشيخ الطوسي، ج 1، ص 18؛ وتفسير العيّاشي، ج 2، ص 296، ح 89 .
6- .في الأصل زيادة: «ويكون في ناحية بلاد المغرب، فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر، ثمّ أخذوا عوداً فحرّكوه فيه، فيستوقدوا منه النار» .
7- .روى الحديث البحراني في البرهان، ج 4، ص 583 - 584، عن تفسير القمّي. و قال العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 2، ص 126: «الشجر الأخضر الذي ينقدح منه النار هو شجر المرخ والعفار، نوعان من الشجر في البادية يسحق المرخ على العفار، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فينقدح النار. ويظهر من تفسيره عليه السلام أنّه تظهر منه النار الكامنة فيه، لا أنّها تحصل من سحقهما بالاستحالة كما هو المشهور بين الحكماء». وفي بحار الأنوار، ج 7، ص 21: «والمرخ والعفار هما شجرتان تتّخذ الأعراب زنودها منهما، فبيّن سبحانه أنّ من قدر على أن يجعل في الشجر الذي هو في غاية الرطوبة ناراً حامية مع مضادّة النار للرطوبة حتّى إذا احتاج الإنسان حكّ بعضه ببعض فيخرج منه النار وينقدح، قدر أيضاً على الإعادة. قال: حدّثنا محمّد بن الحسن رضى اللَّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قوام الإنسان وبقاؤه بأربعة: بالنار، والنور، والريح، والماء. فبالنار يأكل ويشرب، وبالنور يبصر ويعقل، وبالريح يسمع ويشمّ، وبالماء يجد لذّة الطعام والشراب، فلو لا النار في معدته لما هضمت الطعام، ولو لا أنّ النور في بصره لمّا أبصر ولا عقل، ولو لا الريح لمّا التهبت نار المعدة، ولو لا الماء لم يجد لذّة الطعام والشراب». قال: وسألته عن النيران؟ فقال: «النيران أربعة: نار تأكل وتشرب، ونار تأكل ولا تشرب، ونار تشرب ولا تأكل، ونار لا تأكل ولا تشرب. فالنار التي تأكل وتشرب فنار ابن آدم، وجميع الحيوان، والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود، والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة، والتي لا تأكل ولا تشرب فنار القداحة، والحباحب».

ص: 433

أقول: هذا خبر... ؛ (1) فإنّ النار تنقدح من الشجر ومن الحديد وغير ذلك، والمرخ والعفار تخرج النار منها أسرع، ولهذا قالت العرب في المثل:في كلّ شجر نارواستمجد المرخ والعفار 2 واعلم أن النار ليست كامنة في الشجر وتخرج بالقدح، وإلّا كانت تحرق النعم، بل الهواء ينقلب ناراً بالحركة والانتقال. (2)

.


1- .محل النقط كلمات لا تقرأ .
2- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية الأخيرة من السورة، فراجع الأصل.

ص: 434

سورة الصافّات (37)

سورة الصافّات (37)[مكّيّة، وهي مائة واثنتان وثمانون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 4 ] «والصَّافَّاتِ صَفًّا»، قال: «الملائكة والأنبياء ومن صفّ للَّه وعبده «فَالزَّاجِراتِ زَجْراً»: الذين يزجرون الناس عن القبائح «فَالتَّالِياتِ ذِكْراً»: الذين يقرءون القرآن من الناس. وهذا كلّه قسم، وجوابه: «إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ» » . (1) [ 7 - 9 ] قوله: «شَيْطانٍ مارِدٍ» قال: «المارد: الخبيث «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأ الأعْلى ويُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً» يعني: الكواكب التي يرمون بها «ولَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ» أي: واجب» . (2) [ 11 ] قوله: «من طين لازِب»، أي: حرّ، يعني: يلصق باليد . (3) [ 20 ] قوله: «يَوْمُ الدِّينِ»، قال: «يوم الحساب والمجازاة » . (4) [ 22 ] قوله: «احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا»، قال: «الذين ظلموا آل محمّد» «وأَزْواجَهُمْ»، قال العالم: «أشباههم»، فإنّ الإنسان المؤمن قد تكون زوجته كافرة أو فاسقة، فلا تحشر معه، وكذا قد تكون الزوجة مؤمنة والزوج كافراً، كآسية وفرعون . 5

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 591، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 592، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 12 - 19، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 593، عن تفسير القمّي.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 593، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 23، فراجع الأصل.

ص: 435

[ 24 ] قوله: «وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ»، قال: «أي: عن ولاية أمير المؤمنين عليّ عليه السلام». (1) [ 47 ] وقوله: «لا فِيها غَوْلٌ» أي: فساد «ولا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» أي: لا يطردون منها . (2) أقول: الغَوْل: ذِهاب العقل. وينزفون: تزول عقولهم، يقال: نزف الرجل: إذا ذهب عقله، ويقال للسكران: نزيف ومنزوف، وأنزف الرجل: إذا ذهب شرابه ونفذ، وإذا ذهب عقله، قال الشاعر:لعمري لئن انزفتموا أو ضحوتموالبئس التداني كنتم آل أبحرا (3) [ 70 ] وقوله: «يُهْرَعُوُن» أي: يتبعون. [ 89 ] وقوله: «إِنِّى سَقِيمٌ»، قال الصادق عليه السلام: «واللَّه ما كان سقيماً ولا كذب، إنّما عنى: سقيماً في دينكم مرتاباً». (4) أقول: المعنى: إنّي سقيم؛ لأنّ الإنسان لابدّ أن يسقم، وأقلّه سقم الموت. (5) . (6) [ 102 ] وقول اللَّه: «يا بُنَىَّ إِنِّى أَرى فِى الْمَنامِ أَنِّى أَذْبَحُك فَانْظُرْ ما ذا تَرى قال يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»، روي: أنّ الذبيح هو إسحاق. وروي: أنّه إسماعيل، وروي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «أنا ابن الذبيحين». يعني: إسماعيل وعبد اللَّه (7) ، وأنّ اللَّه أمر إبراهيم عليه السلام بمنى أن يذبح ولده، فكان كما حكاه اللَّه عنهما. (8) [ 125 ] قوله: «أَ تَدْعُونَ بَعْلاً»، قال: «كان لهم صنم يسمّونه بعلاً (9) »، ومنه: أنّ بعض العرب سأل أعرابياً عن ناقة واقفة، فقال: لمن هذه الناقة؟ فقال الأعرابي: أنا بعلها، أي:

.


1- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 26 - 41، فراجع الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 597، عن تفسير القمّي.
3- .البيت ذكره الشيخ الطوسي في التبيان، ج 8، ص 496. وانظر: مجاز القرآن، ج 2، ص 170؛ وتفسير القرطبي، ج 15، ص 81؛ وتفسير الطبري، ج 23، ص 34.
4- .روي معناه في الكافي، ج 2، ص 172، ح 3 .
5- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 48 - 84، فراجع الأصل.
6- .راجع الآيات (69 - 89) من سورة الشعراء (26).
7- .للمزيد عن السبب في تسمية عبداللَّه بالذبيح راجع الخصال، ص 55، ح 78 .
8- .للتفصل راجع الكافي، ج 4، ص 207، ح 9.
9- .في «ب» و «ج»: «اسم صنم، ويسمّى الربّ بعلاً».

ص: 436

ربّها وصاحبها . (1) أقول: البعل - في اللغة - يطلق على أشياء، منها: الذي ذُكِر، ومنها: الزوج، والفرق بين البعل والزوج: أنّ البعل لا يسمّى بذلك إلّا إذا بنى بإمرأته، والزوج أعمّ من ذلك، والبعل: الشجر الذي يشرب بعروقه من غير أن تسقيه، وكذا الزرع، والبعل: السيّد، والبعل: النوى، والبعل: النسيب (2) . [ 130 ] قوله: «سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ»، قال: «آل محمّد: الأئمّة عليهم السلام». (3) [ 149 ] ثمّ خاطب اللَّه نبيّه، فقال: «فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّك الْبَناتُ ولَهُمُ الْبَنُونَ»، فإنّ قريشاً كانت تقول: الملائكة هم بنات اللَّه (4) . (5) [ 177 ] قوله: «بِسَاحَتِهِمْ» أي: بمكانهم.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 623، عن تفسير القمّي.
2- .في «أ» و «ج»: «النسب». وراجع أيضاً الصحاح للجوهري، ج 4، ص 1635 - 1636.
3- .روي نحوه في تأويل الآيات لمحمد بن العبّاس، ج 2، ص 498، ح 13 - 17. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 33 - 46، فراجع الأصل.
4- .في الأصل زيادة: «فرد اللَّه عليهم، فقال: «فَاسْتَفْتِهِمْ»...الآية، إلى قوله: «سُلْطانٌ مُبِينٌ»[الآية 156 ]أي: حجّة قويّة على ما يزعمون».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 633، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 185 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 437

سورة ص (38)

سورة ص (38)[مكّيّة، وآياتها ثمان وثمانون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «وعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ»...الآيات، سبب نزولها: أنّ قريشاً إجتمعت إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إنّ ابن أخيك قد سفه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شباننا، وفرّق جماعتنا، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم حملنا له مالاً حتّى يكون أغنى رجل (1) في قريش، ونملّكه علينا. فأخبر أبو طالب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك، فقال: «واللَّه، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي ما أردته، ولكن يعطونني كلمة يملكون بها العرب، ويدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكاً في الآخرة». فقال لهم أبو طالب ذلك، فقالوا: نعم، وعشر كلمات (2) . فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «تشهدون أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه». فقالوا: ندع ثلاث مائة وستّين إلهاً، ونعبد إلهاً واحداً؟! فأنزل اللَّه تعالى: «وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ»...الآية . (3) [ 15 ] قوله: «ما لَها مِنْ فَواقٍ» أي: لا يفيقون من العذاب . (4) [ 16 ] قوله: «عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» أي: نصيبنا، وصكّنا قبل يوم القيامة من العذاب . 5 [ 17 - 25 ] قوله: «واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الايْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» إلى قوله: «لَزُلْفَى وَ حُسْنَ مََابٍ»، عن

.


1- .في «ب» و «ج»: «أغنى فتى».
2- .في «ب» و «ج»: «نعم، وأي كلمة؟».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 644 - 645، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً إعلام الورى للطبرسي، ص 38 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 4، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 645، عن تفسير القمّي.

ص: 438

الصادق عليه السلام قال: «إنّ داود عليه السلام لمّا جعله اللَّه عزّ وجلّ خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور، أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى الجبال والطير أن يسبّحن معه، وكان سببه أنّه إذا صلّى ببني إسرائيل قام وزيره بعد ما يفرغ من الصلاة، فيحمد اللَّه ويسبّحه ويكبّره ويهلّله، ثمّ يمدح الأنبياء عليهم السلام نبيّاً نبيّاً، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم للَّه سبحانه وتعالى، والصبر على بلائه، ولا يذكر داود عليه السلام. فناجى داود ربّه، فقال: يا ربّ، قد أثنيت على الأنبياء بما أثنيت عليهم، ولم تثن عليّ. فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا، وأنا اُثني عليهم بذلك. فقال: يا ربّ، فابتلني حتّى أصبر. فقال: يا داود، تختار البلاء على العافية؟ إنّي ابتليت هؤلاء ولم أعلمهم، وأنا أبليك واُعلمك أنّ بلائي في سنة كذا، وفي شهر كذا، ويوم كذا. وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوماً ويقعد في محرابه، ويوماً يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلمّا كان في اليوم الذي وعده اللَّه عزّ و جلّ اشتدّت عبادته، وخلا في محرابه، وحجب الناس عن نفسه، وهو في محرابه يصلّي، فإذا هو بطائر قد وقع بين يديه، جناحاه من زبرجد أخضر، ورجلاه من ياقوت أحمر، ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد، فأعجبه جدّاً، ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه، فطار الطائر فوقع على حائط بين دار داود ودار اُوريا بن حنّان، وكان داود قد بعث اُوريا في بعث، فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطائر وإذا إمرأة اُوريا جالسة تغتسل، فلمّا رأت ظلّ داود نشرت شعرها، وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها، ورجع إلى محرابه، ونسي ما كان فيه، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث: لمّا أن تصير إلى موضع كيت وكيت، يوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم (1) . وكان التابوت في بني إسرائيل، كما قال اللَّه عزّ وجلّ: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ» (2)، قد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي، فلمّا غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في

.


1- .في «ب» و «ج»: «وكتب إلى صاحبه الذي بعثه: أن تصير إلى موضع كذا وكذا، وتضع التابوت بينهم وبين عدوّهم».
2- .البقرة (2): 248.

ص: 439

سبيل اللَّه بعث إليهم طالوت، وأنزل عليهم التابوت، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر و قتل، ولا يرجع أحد عنه ويقتل. فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه: أن ضع التابوت بينك وبين عدوّك، وقدّم اُوريا بن حنان بين يدي التابوت، فقدّمه، فقُتل اُوريا، فلمّا قتل اُوريا دخل عليه الملكان، ولم يكن تزوّج بامرأة اُوريا، وكانت في عدّتها، وداود قائم يصلّي في محرابه في يوم عبادته، فدخل عليه الملكان من سقف البيت، وقعدا بين يديه، ففزع داود منهما، فقالا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط، واهدنا إلى سواء الصراط. ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية. فقال أحدهما لداود: «إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَ حِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَ عَزَّنِى فِى الْخِطَابِ ». أي: ظلمني وقهرني. فقال داود - كما حكى اللَّه عزّ وجلّ - : «لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤالِ نَعْجَتِك إِلى نِعاجِهِ» إلى قوله: «وخَرَّ راكِعاً وأَنابَ». قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة، وقال: قد حكم الرجل على نفسه. فقال داود: أ تضحك وقد عصيت! لقد هممت أن أهشم فاك. قال: فعرجا، وقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود لكان أحقّ بهشم فيه منّي. ففهم داود الأمر، وذكر الخطيئة، فبقي أربعين يوماً ساجداً، يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة، حتّى انخرق جبينه، وسال الدم من عينيه (1) . فلمّا كان بعد الأربعين يوماً، نودي: يا داود، مالك؟ أ جائع أنت فنشبعك، أو ظمآن فنرويك، أو عريان فنكسوك، أم خائف فنؤمّنك؟ فقال: أي ربّ، وكيف لا أخاف وقد عملت ما عملت، وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم؟

.


1- .في «ب» و «ج»: «قال: فضحك المعتدى عليه من الملائكة وقال: قد حكم الرجل على نفسه. فقال داود: أ تضحك وقد عصيت! لقد هممت أن أهشم فاك. قال: فارتفعا، وقال الملك المعتدى عليه: لو علم داود أنّه أحقّ أن يهشم فاه مني. ففهم داود الأمر، وذكر الخطيئة، فوقع على وجهه فلم يزل ساجداً أربعين يوماً يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة، حتّى خرق الدمع وجنتيه، وسال الدم من عينيه».

ص: 440

فأوحى اللَّه إليه: تب، يا داود. فقال: أي: ربّ، و أنّى لي بالتوبة؟ قال: صر إلى قبر أوريا حتّى أبعثه لك، وأسأله أن يغفر لك، فإن غفر لك غفرت لك. قال: يا ربّ، فإن لم يفعل؟ قال: أشتريك منه. قال: فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقي حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلّا يجاوبه، حتّى انتهى إلى جبل، فإذا عليه نبيّ عابد، يقال له حزقيل، فلمّا سمع دويّ الجبال، وأصوات السباع علم أنّه داود عليه السلام، فقال: هذا النبيّ الخاطئ. فقال له داود: يا حزقيل، أ تأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا، فإنّك مذنب. فبكى داود عليه السلام، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى حزقيل: يا حزقيل، لا تعيّر داود بخطيئته، وسلني العافية. فنزل حزقيل، وأخذ بيد داود فأصعده إليه. فقال له داود: يا حزقيل، هل هممت بخطيئة قطّ؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب ممّا أنت فيه من عبادة اللَّه عزّ وجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا، فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى، ربما عرض ذلك بقلبي. قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب، فأعتبر بما فيه. قال: فدخل داود عليه السلام الشعب، فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام نخرة، وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود عليهم السلام، فإذا فيه: أنا أروى بن أشكم، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادي، والحيات والديدان جيراني، فمن رآني فلا يغترّ بالدنيا. ومضى داود حتّى أتى قبر أوريا، فناداه فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانية فلم يجبه، ثمّ ناداه ثالثة، فقال أوريا: مالك - يا نبيّ اللَّه - قد شغلتني عن سروري وقرّة عيني؟ فقال داود: يا أوريا، إغفر لي، وهب لي خطيئتي. قال: فقال: قد غفرت لك.

.

ص: 441

فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، بيّن له ما كان منك. فناداه داود عليه السلام، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوريا، فعلت كذا وكذا، وكيت وكيت. فقال أوريا: أ يفعل الأنبياء مثل هذا؟ فقال: لا، ثمّ ناداه (1) فلم يجبه، فوقع داود على الأرض باكياً، فأوحى اللَّه إلى صاحب الفردوس أن يريه الفردوس ليكشف عنه (2) ، فكشف عنه، فقال اُوريا: لمن هذا؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته. فقال: يا ربّ، قد وهبت له خطيئته. فرجع داود عليه السلام إلى بني إسرائيل، وكان إذا صلّى يقوم وزيره يحمد اللَّه ويثني على الأنبياء عليهم السلام، ثمّ يقول: كان من فضل نبيّ اللَّه داود قبل الخطيئة كيت وكيت. فاغتمّ داود عليه السلام، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، إنّي قد غفرت لك ووهبت لك خطيئتك، وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل. فقال: وكيف، وأنت الحكم العدل الذي لا يجور؟ قال: لأنّه لم يعاجلوك بالنكير» . (3) أقول: هذا الذي ذكره ليس رأي الإماميّة. وفي ذلك سؤال آخر، وهو أنّ الملائكة لا تكذب، فكيف قالوا: (خصمان) إلى آخر الآية؟ والجواب عما ذكر، وعن هذا السؤال أيضاً، نقول: إنّ الآية لا دلالة فيها على شي ء من وقوع الخطأمن داود، فأمّا ما يذكره المفسّرون وذكره عليّ بن أبراهيم فباطل؛ لتضمّنه خلاف ما يقتضيه العقل في الأنبياء عليهم السلام. (4)

.


1- .كذا في «ب» و «ج». و في «أ»: «فناداه».
2- .في «ب» و «ج»: «فقال داود: يا أوريا، اغفر لي، وهب لي خطيئتي. قال: فقال: قد غفرت لك، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، بيّن له ما كان منك. فناداه داود عليه السلام، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوريا، فعلت كذا وكذا، وكيت وكيت. فقال أوريا: هل تفعل الأنبياء مثل هذا؟».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 648، عن تفسير القمّي. وروى معناه ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 191، ح 1.
4- .اعلم أنّ هذه الرواية مما أجمعت الإماميّة على خلافه، فإنّهم اتّفقوا على عصمة الأنبياء من كلّ قبيح وفاحشة، وقد وردت في روايات اُخر على اختلاف ما ورد في المتن، منها: ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 191، ح 1 وقد فنّد الإمام فيها الشبه المثارة حول عصمة و جملة من الأنبياء بأتقن بيان. هذا و قد أجاب السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء على ما تشير إليه هذه الرواية، فأثبت بطلانها وبرهن على عصمة الأنبياء بكلام وافٍ شاف فراجع: تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ص 126 - 132.

ص: 442

وأمّا قوله: «وَهَلْ أَتَاكَ»...الآية، فالخصم لايثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث، ثمّ قال: «إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ»، أخرج الكلام على المعنى دون اللفظ؛ لأنّ الخصمين كانا كالقسمين والجنسين، وقيل: بل جمع؛ لأنّ الاثنين أوّل الجمع وأقلّه. وقيل: بل كان مع الخصمين غيرهما ممّن يعينهما. وأمّا خوفه منهما؛ فلأنّه كان خالياً للعبادة، وفي وقت لا يدخل عليه أحد، أو لانّهما دخلا من غير الباب. وأمّا قوله: «بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ»، جرى على التقدير والتمثيل، وكذا قوله: «إِنَّ هذَا أَخِى» إلى آخره. وقوله: «لَقَدْ ظَلَمَكَ»...الآية، إنّما أراد: ظلمك إن كان الأمر كما ذكرت. والفتنة: الاختبار والامتحان. والاستغفار والسجود لم يكن له سبب، بل كان على سبيل الانقطاع والتوبة إلى اللَّه والخضوع. وقوله: «فَغَفَرْنَا لَهُ ذَ لِكَ» معناه: فقبلناه منه وكتبنا له الثواب عليه، وقال: «فَغَفَرْنَا» مكان «فقبلنا». وقال أبو مسلم (1) : الخصمان كانا رجلين لا ملكين، ولم يكنّ عن المرأة بالنعاج، بل هي النعاج (2) ، ومن عرف هذا لا يحتاج إلى تأويل. [ 31 ] قوله: «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ»...الآية، فإنّ داود كان يحبّ الخيل ويستعرضها، فاستعرضها يوماً إلى أن غابت الشمس، وفاتته صلاة العصر، فاغتمّ من ذلك غمّاً شديداً، فدعا اللَّه عزّ وجلّ أن يردّ عليه الشمس حتّى يصلّي العصر، فردّ اللَّه سبحانه عليه الشمس إلى وقت العصر حتّى صلّاها، ثمّ دعا بالخيل، فأقبل يضرب

.


1- .هو محمّد بن بحر الأصفهاني (254 - 322 ه) من كبار المفسّرين.
2- .راجع تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى، ص 131.

ص: 443

أعناقها وسوقها بالسيف حتّى قتلها كلّها (1) . (2) أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أوّل العمر إلى آخره عن الكبائر والصغائر، وقد قام البرهان على ذلك. (3) وقوله: إنّ داود كان يحبّ الخيل. أقول: القضية كانت لسليمان إبنه، لا لداود، فليتأمّل. [ 34 ] قوله: «ولقد فتنّا سليمان وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ»، فإنّ سليمان لمّا تزوّج باليمانية (4) ولد منها ابن، وكان يحبّه، فنزل ملك الموت على سليمان، وكان كثيراً ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظراً حديداً، ففزع سليمان من ذلك، فقال لاُمّه: «إنّ ملك الموت قد نظر إلى ابنك نظرة، وما أظنّه إلّا وقد اُمر بقبض روحه». فقال للجنّ والشياطين: «هل لكم حيلة في ابني أن تفرّون به من ملك الموت؟». فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق. فقال سليمان: «إن ملك الموت ليخرق ما بين المشرق والمغرب». فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت الأرضين السابعة. فقال: «إنّ ملك الموت يبلغ ذلك». فقال آخر: أنا أضعه في السحاب في الهواء. فرفعه، ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت، فقبض روحه في السحاب، فوقع جسده ميّتاً على كرسيّ سليمان، فعلم أنّه قد أخطأ. فحكى اللَّه ذلك في قوله: «وأَلْقَيْنا عَلى

.


1- .في الأصل زيادة: «وهو قوله عزّ وجلّ: «رُدُّوها عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ والاعْناقِ».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 653، عن تفسير القمّي. و في تفسير الآية وجهاً آخر، خلاف ما ذكر القمّي، قد رواه الطبرسى في مجمع البيان، ج 8، ص 741، عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصحيح الموافق لعصمة الأنبياء عليهم السلام و على كلٍّ فإنّ الإماميّة مجمعون على عصمة الأنبياء من كلّ سهو و قبيح و ظلم و فاحشة، و كلّ ما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام مما يخالف هذا المعتقد فإمّا أن يُؤوّل بتأويل موافق لعصمة الأنبياء و إمّا أن يُرَدُّ. ولا يبعد أن تكون هذا الرواية وأضرابها مما اختلقه الغلاةُ أو المخالفين ووضعوه عن لسان أهل البيت عليهم السلام، فتأمّل.
3- .وللمزيد عن تفسير الآية بشكل تلائم عصمة الأنبياء عليهم السلام راجع تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ص 133 - 134.
4- .أي بلقيس ملكة سبأ.

ص: 444

كُرْسِيِّهِ جَسَداً»...الآية . (1) أقول: كلّ هذا سوء أدب وسرد للروايات الفاسدة في حقّ الأنبياء المعصومين، وكلّ ما ذكره لم يكن وقع منه شي ء، ولا في لفظ الآية ما يدلّ على شي ء منه، فليتأمّل ؛ فإنّه ما يقول هذا الكلام إلّا الحشوية والمغفّلة الذين لا يعرفون حقّ الأنبياء، والذين يقدّرون عليهم الخطأ والقبائح. وأمّا الإمامية فإنّهم أقاموا الدلائل على أنّهم معصومون من الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً، قبل النبوّة وبعدها؛ لأنّ ذلك ينكر عليهم، وما يقول هذه الكفريات والمحرّمات إلّا من لا يعرف حقّ الأنبياء، فكيف وهم خلاصة اللَّه من خلقه، وأنّهم أشرف من الملائكة. ومن أراد تحقيق مثل هذه الآيات ونحوها، فعليه بكتابنا المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، فإنّه غاية في ذلك. [ 36 ] قوله: «رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ» أي: ليّنة، و «أَصَابَ»: أراد. (2) [ 38 ] قوله: «مُقَرَّنِينَ فِى الأَصْفَادِ» أي: مقيّدين في الأغلال، وهم الذين عصوا سليمان حين سلبه اللَّه ملكه . وروي عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام، أنّه قال: «جعل اللَّه عزّ وجلّ ملك سليمان في خاتمه، فكان إذا لبسه حضرته الجنّ والإنس والشياطين [وجميع الطير والوحوش] (3) وأطاعوه، وكذلك جميع الحيوانات (4) ، فلمّا مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه اللَّه ملكه. وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من كان على خدمته، فجاء شيطان فخدع الخادم، وأخذ منه الخاتم ولبسه، فحشرت عليه الشياطين و الإنس والجنّ

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 655 - 656، عن تفسير القمّي. وللتفسير الصحيح راجع تنزيه الأنبياء، ص 136 - 138.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 657 - 658، عن تفسير القمّي .
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .في الأصل زيادة: «فيقعد على كرسيّه، ويبعث اللَّه ريحاً تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين و الطير والإنس والدواب والخيل، فتمرّ بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام، وكان يصلّي الغداة بالشام، ويصلّي الظهر بفارس، كان يأمر الشياطين أن تحمل الحجارة من فارس يبيعونها بالشام.

ص: 445

والطيور والوحوش، وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده، فهرب ومرّ على ساحل البحر، وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصوّر في صورة سليمان، وصاروا إلى اُمّه، فقالوا لها، أ تنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت: كان أبرّ الناس بي، وهو اليوم يبغضني! وصاروا إلى جواريه ونسائه، فقالوا: أ تنكرن من سليمان شيئاً؟ قلن: كان لم يكن يأتينا في الحيض، وهو الآن يأتينا في الحيض! فلمّا خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث اللَّه سمكة فالتقمته، وهرب الشيطان، فبقي بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوماً، وكان سليمان يمرّ على ساحل البحر، يبكي ويستغفر اللَّه، تائباً إلى اللَّه ممّا كان منه، فلمّا كان بعد أربعين يوماً مرّ بصيّاد يصيد السمك، فقال له: أعينك على أن تعطيني من السمك شيئاً؟ قال: نعم. فأعانه سليمان، فلمّا اصطاد دفع إلى سليمان سمكة، فأخذها، فشقّ بطنها، وذهب يغسلها، فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه، فخرّت عليه الشياطين والجنّ والإنس والطير والوحش، ورجع إلى ما كان. وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه، فقيّدهم، وحبس بعضهم في جوف الماء، وبعضهم في جوف الصخر بأسماء اللَّه، فهم محبوسون معذّبون إلى يوم القيامة. قال: ولمّا رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا - وكان آصف كاتب سليمان، وهو الذي كان عنده علم من الكتاب - : قد عذرت الناس بجهالتهم، فكيف أعذرك؟ فقال آصف: قد واللَّه عرفت اليوم الذي يذهب فيه ملكك، واليوم الذي يردّ إليك فيه، وعرفت السمكة وعمّتها وخالتها (1) » . (2)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 657 - 658، عن تفسير القمّي .
2- .العبارة في الأصل هكذا: «قال: لا تعذرني، فقد عرفت الشيطان الذي أخذ خاتمك وأباه وأمّه وعمّه وخاله. ولقد قال لي: اكتب لي. فقلت له: إن قلمي لا يجري بالجور. فقال: اجلس، ولا تكتب. فكنت أجلس ولا أكتب شيئاً، ولكن أخبرني عنك يا سليمان، صرت تحبّ الهدهد وهو أخسّ الطير منبتاً، وأنتنهنّ ريحاً. قال: إنّه يبصر الماء من وراء الصفا الأصم. قال: وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنّما يوارى عنه الفخّ بكف من تراب حتّى يؤخذ بعنقه؟ فقال سليمان: قف يا وقّاف، إنّه إذا جاء القدر حال دون البصر» .

ص: 446

أقول: في هذا الكلام أنظار؛ فإنّ النبوّة لا تكون في خاتم وغيره، ووصيّ نبيّ لا يكون أعلم منه، فليتأمّل؛ فإنّ هذا الكلام لا يقوله من عرف الأنبياء وقدرهم عند اللَّه، وإنّما يقوله المجسّمة من أهل الظاهر والحشوية، وإنّ الإماميّة تنزّه اللَّه ورسوله وأئمّته من جميع القبائح مثلهم، فلا تنسب إليهم هذه الهذيانات؛ فإنّ هذه الأقوال الباطلة من أقوال الحشويّة. [ 41 ] قوله: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ»...الآية، فإنّه روي: أنّه لم يكن أحد من أنبياء اللَّه أحد أكثر شكراً وحمداً للَّه من أيّوب، وكان اللَّه قد رزقه مالاً وأهلاً وولداً وزرعاً وغنماً ودواباً ونعمةً واسعةً، فأغاظ إبليس أيّوب وكثرة حمده وشكره للَّه، فقال: يا ربّ إنّما يشكرك أيّوب بما وسّعت عليه، فلو ابتليته بنقص ماله لقلّ شكره، فقال: كذبت يا ملعون. (1) فقال: يا ربّ، سلّطني على غنمه. فسلطه على غنمه، فأهلكها، فازداد أيّوب للَّه شكرا و حمدا. فقال: يا ربّ، سلّطني على بدنه، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس، فصار قرحة واحدة، من قرنه إلى قدمه، فبقي على ذلك عمراً طويلاً يحمد اللَّه ويشكره، حتّى وقع في بدنه الدود، وكانت تخرج من بدنه فيردّها، ويقول لها: إرجعي إلى موضعك الذي خلقك اللَّه منه، ونتن حتّى أخرجه أهل القرية من القرية، وألقوه في المزبلة خارج القرية. وكانت إمرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (صلوات اللَّه عليهم وعليها) تتصدّق من الناس وتأتيه بما تجده. قال: فلمّا طال عليه البلاء، ورأى إبليس صبره أتى أصحاباً له كانوا رهباناً في الجبال، فقال: مروّا بنا إلى هذا العبد المبتلى، نسأله عن بليّته. فركبوا بغالاً شهباً وجاءوا، فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه، فقرّبوا بعضاً إلى بعض، ثمّ مشوا إليه، وكان فيهم شابّ حدث السنّ، فقعدوا إليه، فقالوا: يا أيّوب، لو أخبرتنا بذنبك لعلّ اللَّه يجيبنا إذا

.


1- .العبارة في الأصل هكذا: «إن أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلّا بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبداً، فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي إليك شكر نعمة أبداً. فقيل له: قد سلّطتك على ماله وولده. قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلّا أعطبه، فازداد أيّوب للَّه شكراً وحمداً، قال: فسلّطني على زرعه. قال: قد فعلت. فجاء مع شياطينه، فنفخ فيه، فاحترق، فازداد أيّوب للَّه شكراً وحمداً».

ص: 447

سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلّا من أمرٍ كنت تستره. فقال أيّوب: وعزّة ربي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً إلّا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة للَّه إلّا أخذت بأشدّهما على بدني. فقال الشابّ: شوهٍ لكم، عمدتم إلى نبيّ اللَّه فعيّرتموه، حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها. فقال: أيّوب: يا ربّ، لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي. أقول: لا يقول ذلك إلّا من لا يعرف منزلة الأنبياء، ويقول بجواز الخطأ والقبائح عليهم، فإنّ الإمامية لم يقل أحد من المسلمين وغيرهم بمثل مقالتهم في تنزيه الأنبياء والأئمّة وتنزيه الباري سبحانه، ولهم الكتب المجيدة في التنزيه، وقد ذكرت في كتابي المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الدلائل القاطعة على ذلك، فمن أراد ذلك فعليه بذلك الكتاب؛ فإنّه غاية فيما يراد من ذلك وغيره من جميع ما قيل. فبعث اللَّه إليه غمامة، فقال: يا أيّوب، أدل بحجّتك، فقد أقعدتك مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب، ولم أزل. فقال: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما لك طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على نفسي، ألم أحمدك، أ لم أشكرك؟، أ لم أسبحك؟ أ لم أمجّدك؟. قال: فنودي من الغمامة بعشرة ألف لسان: يا أيّوب لا تقل ذلك، ولا يقول ذلك إلّا من لا يعرف. من صيّرك تعبد اللَّه والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والناس عنه غافلون؟ أتمنّ على اللَّه بما للَّه فيه المنّة عليك؟ قال: فأخذ أيّوب التراب، فوضعه في فيه، ثمّ قال: لك العتبى يا ربّ، لك العتبى، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت. فأنزل اللَّه عليه ملكاً، فركض موضعه برجله، فخرج الماء، فغسله بذلك الماء، فعاد أحسن ما كان، وأطرأ، وأنبت اللَّه عليه روضة خضراء، وردّ عليه أهله وماله وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدّثه ويؤنسه. فأقبلت إمرأته ومعها الكسر، فلمّا انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغيّر الحال، وإذا رجلان جالسان، فبكت، وصاحت، وقالت: يا أيّوب، ما دهاك؟

.

ص: 448

فناداها أيّوب، فأقبلت، فلمّا رأته وقد ردّ اللَّه عليه بدنه ونعمه، سجدت للَّه شكراً، فرأى ذوائبها مقطوعة، وذلك أنّها سألت قوماً أن يعطوها ما تحمله إلى أيّوب من الطعام، وكانت حسنة الذوائب، فقالوا لها: تبيعينا ذوائبك حتّى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها إليهم، فأخذت منهم طعاماً لأيّوب، فلمّا رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة، فأخبرته بالسبب، فاغتمّ أيّوب من ذلك، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: «وخُذْ بِيَدِك ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ»، فأخذ مائة شمراخ، فضربها ضربة واحدة، فخرج من يمينه . (1) أقول: ظاهر القرآن ليس فيه شي ء مما يدلّ على أن أيّوب عوقب بما نزل به من المضارّ، وليس في ظاهر الآية شي ء ممّا ذكره عليّ بن إبراهيم، بل ذكره المفسّرون، لأنّه قال تعالى: «أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ» والنصب فيه لغتان،فتح النون والصاد، وضم النون و تسكين الصاد، وهو المضرّة التي لا تختصّ بالعذاب، وقد يكون ذلك على سبيل الاختبار، (2) والعذاب يجري مجرى المضرّة، فأما إضافة ذلك إلى الشيطان؛ فلأنّه كان بوسوسته، ولم يضف المرض والسقم إلى الشيطان، وإنّما كان بوسوسته أيضا إلى قومه أنّ يستقذروه وأنّ مرضه معد لهم. وكذا قوله في سورة الأنبياء: «أَنِّى مَسَّنِىَ الضّرّ» (3)... الآية، فلا ظاهر لها تقتضي ما ذكره، لأنّ الضرّ قد يكون محنة كما يكون عقوبة، فما روي عن المفسّرين في هذا الباب لا ينبغي أن يلتفت إليه؛ لأنّه يخالف الاُصول؛ لأنّ الأنبياء لايجوز عليهم مثل ذلك.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 660 - 661، عن تفسير القمّي. وهذه الرواية ضعيفة بعبد اللَّه بن بحر، وهو عبد اللَّه بن بحر الحضرمي، يكنّى أبا الرضا، ففي خلاصة الأقوال للعلّامة الحلي، ص 374، قال: «عبد اللَّه بن بحر، كوفي، روى عن أبي بصير، والرجل ضعيف، مرتفع القول». ومثله في نقد الرجال للتفرشي، ج 3، ص 87 ؛ طرائف المقال للسيّد عليّ البروجردي، ج 1، ص 241. وكذا بالحسن بن عليّ بن فضال الذي روى عن عبد اللَّه بن بحر، وروى عنه إبراهيم بن هاشم فقد كان فطحيّاً، كما في معجم رجال الحديث، ج 24، ص 9، برقم 15159. واضافة إلى ذلك كلّه فإنّ الرواية فيها ما ينافي شأن الأنبياء من لزوم أن لا يكون فيهم ما ينفّر الناس عنهم، لكن وبعض الأخبار المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تنفي ذلك وتنكره أشدّ الإنكار . منها ما في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي، ج ، ص 364؛ والخصال، ص 399، ح 108؛ وعلل الشرائع، ص 76، ح 5 .
2- .في «أ»: «الاختيار».
3- .الأنبياء (21): 83.

ص: 449

[ 44 ] قوله: «أوَّابْ» أي: عاد ورجع إلى أفضل ما كان عليه (1) . (2) وروي: «أنّه كان يقع في داره فراش الذهب، وكان يجمعه، فإذا ذهب الريح منه بشي ء عدا خلفه فردّه، فقال له جبرئيل: أما تشبع، يا أيّوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربّه؟ » . (3) [ 55 ] قوله: «هذا وإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ»، روي: (4) «أنّ الطاغين هم الأوّلون، وبنو اُميّة » . (5) [ 58 - 61 ] قوله: «وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ»... الآيات، وهم بنو فلان (6) ، إذا أحلهم اللَّه النار فألحقوا بالأوّلين قبلهم، فيقول المتقدّمون (7) : «لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ»، فيقول الآخرون (8) : «بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا» أي أنتم بدأتم بظلم آل محمّد ونحن تبعناكم «فَبِئْسَ الْقَرارُ»، ثمّ يقول بنو فلان وبنو اُميّة: «رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِى النَّارِ»، يعنون فلاناً وفلاناً (9) » . 10 أقول: يريد ببنو فلان: بنو العبّاس، وقوله: فلاناً وفلاناً: الأوّل والثاني. [ 62 ] قال: ثمّ يقولون في النار: «ما لَنا لا نَرى رِجالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الاشْرارِ» في الدنيا، وهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والدليل على ذلك: قول الصادق عليه السلام:

.


1- .في الأصل زيادة: «قال: فردّ اللَّه عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، وردّ اللَّه عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابه البلاء، كلّهم أحياهم اللَّه جميعاً فعاشوا معه».
2- .روى مايقرب منه في الكافي، ج 8، ص 252، ح 354 .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 661 - 662، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 45 - 54، فراجع الأصل.
4- .في الأصل زيادة: «أنّ الغساق واد في جهنم، فيه ثلاث مائة وثلاثون قصراً، وفي كلّ قصر ثلاث مائة بيت، في كلّ بيت أربعون زاوية، في كلّ زاوية شجاع، في كلّ شجاع ثلاث مائة وثلاثون عقرباً، في جمجمة كلّ عقرب ثلاث مائة وثلاثون قلّة من سمّ، لو أنّ عقرباً منها نفحت سمّها على أهل جهنّم لو سعتهم بسمّها «هذا وإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 679، عن تفسير القمّي.
6- .في الأصل: «بنو العبّاس».
7- .في الأصل: «بنو اُميّة».
8- .في الأصل: «بنو فلان».
9- .في الأصل: «يعنون الأولين».

ص: 450

«واللَّه إنّكم في النار تُطلبون، وفي الجنّة تُحبرون » . (1) [ 67 - 68 ] ثمّ قال عزّ وجلّ لنبيّه: يا محمّد: «قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ» يعني: أمير المؤمنين عليه السلام، فهذا دليل على أنّ الآيات المتقدمات في أعدائه نزلت. [ 69 ] قوله: «مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ»...الآية، روي في الخبر: أنّه لمّا اُسري برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى السماء، أوحى اللَّه إليه: يا محمّد، (2) فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: يا ربّ، لا علم لي بذلك، فأوحى اللَّه إليه: في الدرجات، والكفارات، والحسنات (3) » . (4) [ 76 ] قوله: «خَلَقْتَنِى مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»، قال: (5) «خلق اللَّه إبليس من النار، والنار من تلك الشجرة، والشجرة أصلها من الطين » . (6)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 679، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 78، ح 32؛ و ج 8، ص 141، ح 104.
2- .في الأصل زيادة: «قلت: لبيك يا ربّ، قال: فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت: سبحانك لا علم لي إلّا ما علّمتني، قال: فوضع يده -، أي: يد القدرة - بين ثدييّ، فوجدت بردها بين كتفيّ، قال: فلم يسألني عمّا مضى، ولا عما بقي إلّا أعلمته، قال: يا محمّد».
3- .في الأصل زيادة: «فقال: يا محمّد، قد انقضت نبوّتك، وانقطع أجلك، فمن وصيّك؟ فقلت: يا ربّ، قد بلوت خلقك، فلم أر من خلقك أحداً أطوع لي من عليّ. فقال: ولي يا محمّد. وقلت: يا ربّ، إنّي قد بلوت خلقك، فلم أر في خلقك أحداً أشدّ حبّاً لي من عليّ، قال: ولي يا محمّد، فبشّره بأنّه راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور لمن أطاعني، والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، مع ما أنّي أخصّه بما لم أخصّ به أحداً، فقلت: يا ربّ، أخي وصاحبي ووزيري ووارثي. فقال: إنّه أمر قد سبق، إنّه مبتلى ومبتلىً به، مع ما أنّي قد نحلته ونحلته ونحلته، ونحلته أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 681 - 682، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 71 - 75، فراجع الأصل.
5- .في الأصل زيادة: «حدّثني أبي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن إسحاق بن جرير، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أي: شي ء يقول أصحابك في قول إبليس: «خَلَقْتَنِى مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ». قلت: جعلت فداك، قد قال ذلك، وذكره اللَّه في كتابه. فقال: «كذب إبليس - لعنه اللَّه - يا إسحاق، ما خلقه اللَّه إلّا من طين». ثمّ قال: «قال اللَّه: «الَّذِى جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الاخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ»».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 686، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 79 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 451

سورة الزمر (39)

سورة الزمر (39)[مكّيّة، وآياتها خمس وسبعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى»، حكاية عن قريش، فإنّهم قالوا: إنّما نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى اللَّه زلفى، فإنّا لا نقدر أن نعبد اللَّه (1) . (2) [ 6 ] قوله: «فِى ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ»، قال: «الظلمات الثلاث: البطن والرحم والمشيمة » . (3) [ 7 ] قوله: «إِن تَكْفُرُوا»، فهذا كفر النعم بدليل قوله: «وإِن تَشْكُرُوا»، فمن لم يشكر نعم اللَّه فقد كفر . (4) [ 22 ] وقوله: «أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلاسْلامِ»، قال: «نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام » . (5) [ 29 ] وقوله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ»، فإنّه مثل ضربه اللَّه

.


1- .في الأصل زيادة: «حقّ عبادته. فحكى اللَّه قولهم على لفظ الخبر، ومعناه حكاية عنهم. فقال اللَّه: «إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ»» .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 693، عن تفسير القمّي . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 4 - 5، فراجع الأصل.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 695، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في مجمع البيان، ج 8، ص 766 عن أبي جعفر عليه السلام .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 695، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 390. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 8 - 22، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 706، عن تفسير القمّي. وروى نحوه ابن شهر آشوب في المناقب، ج 3، ص 80، عن الواحدي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 23 - 25، فراجع الأصل.

ص: 452

الجزء الرابع والعشرون

اشاره

لأمير المؤمنين عليه السلام وشركائه الذين ظلموه وغصبوه حقه».[وقوله: «مُتَشاكِسُونَ»، أي: متباغضون] (1) وقوله: «ورَجُلا سَلَماً لِرَجُلٍ» أمير المؤمنين عليه السلام سلم لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (2) . (3)

[الجزء الرابع والعشرون][ 33 ] قوله: «والَّذِى جاءَ بِالصِّدْقِ»، يعني: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله «وصَدَّقَ بِهِ»، يعني: أمير المؤمنين عليه السلام «أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» . (4) [ 54 - 56 ] قوله: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِى جَنْبِ اللَّهِ»...الآية، قال: «في الإمام، لقول الصادق عليه السلام: نحن جنب اللَّه » . (5) [ 60 ] قوله: «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «من قال: إنّه إمام، وليس بإمام، (6) وإن كان علويّاً فاطميّاً » . (7) أقول: وقيل هم المجبرة (8) الذين نسبوا إلى اللَّه - الخير المحض - جميع (9) القبائح التي

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 709، عن تفسير القمّي. وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 8، ص 224، ح 283؛ ومعاني الأخبار، ص 60، ح 9.
3- .في الأصل زيادة: «ثمّ قال: «هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ثمّ عزّى نبيّه صلّى اللَّه عليه وآله، فقال: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ». يعني: أمير المؤمنين عليه السلام ومن غصبه حقّه . وسيأتي تفصيل أكثر عن القيامة في تفسير الآية (68) من هذه السورة. ورواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 710، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه محمّد بن جرير الطبري الشيعي في المسترشد، ص 265، ح 77. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 32، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 710، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 517، ح 18. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 36 - 53، فراجع الأصل.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 716 - 717، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 113، ح 9 و 8 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 57 - 59، فراجع الأصل.
6- .في الأصل زيادة: «قلت: وإن كان علويّاً فاطميّاً؟ قال:».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 723، عن تفسير القمّي .
8- .المجبّرة والجبرية: هم القائلون بأن ليس لنا صنع ونحن مجبرون يحدث اللَّه لنا الفعل عند الفعل، وإنّما الأفعال هي منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة، ويزعمون أنّه ليس لهم فعل ولا اكتساب، والجبرية خلاف القدرية. مجمع البحرين، ج 3، ص 241 (جبر).
9- .في «ب» و «ج»: «وجميع».

ص: 453

تقع في الدنيا، وهو أنسب بسياق الكلام. [ 63 ] وقوله: «لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والارْضِ»، يعني: مفاتيح السماوات والأرض. (1) [ 67 ] وقوله: «وَالسَّماوات مطويات بيميمنه» أي: بقدرته. [ 68 ] قوله: «وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ»...الآية، سئل عليّ بن الحسين عليهما السلام، عن النفختين، كم بينهما؟ قال: «ما شاء اللَّه». فقيل له: فأخبرنا يا ابن رسول اللَّه عن الصور، كيف ينفخ فيه؟ فقال: «أمّا النفخة الأولى، فإنّ اللَّه يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصور، وللصور رأس واحد وطرفإنّ، وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض، فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الدنيا ومعه الصّور، قالوا: قد أذن اللَّه بموت أهل الأرض والسماوات، قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة، فإذا رأوه أهل الأرض، قالوا: قد أذن اللَّه في موت أهل الأرض، قال: فينفخ فيه نفخة، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض، فلا يبقى في الأرض ذو روح إلّا صعق ومات، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء، فلا يبقى ذو روح في السماوات إلّا صعق ومات إسرافيل». قال: «فيقول اللَّه لإسرافيل: يا إسرافيل مت، فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء اللَّه، ثمّ يأمر اللَّه السماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير (2) ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرة، مستقلاًّ بعظمته وقدرته». أقول: كون عرشه على الماء مؤوّل، والّا فما كان الماء؟ فإنّ جميع الأرض والماء - عالم الكون والفساد - كلّه لا نسبة له إلى عالم السماوات . قال: «فعند ذلك ينادي الجبار جلّ جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والأرضين: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يجيب الجبّار

.


1- .هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 65 - 67، فراجع الأصل.
2- .في الأصل زيادة: «وهو قوله تعالى: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً» يعني: تنبسط، و «تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ» يعني: بأرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة».

ص: 454

عزّ وجلّ مجيبا لنفسه: للَّه الواحد القهّار، وأنا قهرت الخلائق كلّهم وأمتهم، إني أنا اللَّه لا إله إلّا أنا وحدي، لا شريك لي ولا وزير، وأنا خلقت خلقي بيدي، وأنا أمتهم بمشيّتي، وأنا أحييهم بقدرتي». قال: «فينفخ الجبّار نفخة في الصور، فيخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات، فلا يبقى أحد في السماوات إلّا حيي وقام كما كان، و يعود حملة العرش، وتعرض الجنّة والنار، وتحشر الخلائق للحساب» (1) . (2) وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام (3) ، قال: «إذا أراد اللَّه أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم (4) » . (5) [ 73 ] قوله: «وسِيقَ الَّذِينَ» معناه:ويساق، كقوله: «وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ» أي: ينفخ. قوله: «طِبْتُمْ» أي: طابت مواليدكم في الدنيا، لأنّه لا يدخل الجنّة من في ولادته فساد . قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً غصبونا حقّنا، واشتروا به الإماء وتزوّجوا به النساء، ألا وإنّا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حلّ لتطيب مواليدهم » . (6) وعن الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال: «لمّا خلق اللَّه الجنّة، قال: أتدرين لمن خلقتك؟

.


1- .في الأصل زيادة: «قال: فرأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام يبكي عند ذلك بكاءً شديداً» .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 728 - 729، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه في البرهان، ج 4، ص 730 أيضاً.
3- .في الأصل و «أ»: «عن أبي جعفر».
4- .في الأصل زيادة: «وقد أتى جبرئيل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع، فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه، فقال: قم بإذن اللَّه. فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية، يمسح التراب عن وجهه، وهو يقول: الحمد للَّه واللَّه أكبر، فقال جبرئيل: عد بإذن اللَّه، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر، فقال: قم بإذن اللَّه: فخرج منه رجل مسودّ الوجه، وهو يقول: وا حسرتاه وا ثبوراه، ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه بإذن اللَّه. فقال: يا محمّد، هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون: هذا القول، وهؤلاء يقولون ما ترى».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 729 - 730، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 69، فراجع الأصل.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 735، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآية 74 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 455

قالت: لا. قال: خلقتك ليسكنك من آمن بي وصدّق رسلي. قالت: ياربّ فهل أعلمتهم ما فيّ من النعيم واللذّة وخلود الأبد؟ قال: نعم. قالت: فلا يبقى أحد إلّا دخلني. قال: كلّا، إنّي قد حففتك بالمكاره. ثمّ خلق النار، وقال لها: أتدرين لمن خلقتك؟ قالت: لا. قال: خلقتك ليسكنك من جحد ربوبيّتي وكذّب رسلي. قالت: ياربّ هل أعلمتهم ما فيّ من الشقاء وخلود الأبد؟ قال: نعم، قالت: فلا يدخلني أحد. قال: كلّا، إنّي قد حففتك بالشهوات». (1)

.


1- .لم نقف على هذا الحديث في الكتب الروائية، ولكن روي ما يقرب منه في كنز العمال للمتقي الهندي، ج 14، ص 544، ح 39563.

ص: 456

سورة المؤمن (40)

سورة المؤمن (40)[مكّيّة، وآياتها خمس وثمانون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 - 9 ] وقوله: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْ ءٍ رَحْمَةً وعِلْماً» إلى قوله تعالى: «وذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ». قال عمّار الدهني : سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: «إنّ اللَّه يحبّ كلّ قلب حزين ويحبّ كلّ عبد شكور. يقول اللَّه تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلانا ؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ. فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره». ثمّ قال : «أشكركم للَّه أشكركم للناس» ثمّ تلا: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» (1)، ثمّ قال: «واللَّه ما شكرتم نعمتنا ولا عرفتم حقّنا، وإنّ الملائكة لتستغفر لمن عرف حقّنا وشكر نعمتنا، فإذا مات الرجل من أهل ولايتنا، قال ملكاه: ياربّ، جعلتنا حافظين وجليسين لوليّك، وقد مات، أ فنصعد إلى السماء ونعبدك مع الملائكة؟ فيقول: لا تصعدا. فيسألاه عبادته مع سكان الأرض؟ فيقول: لا، ولكن تأتيان قبره فتعبداني وتعملان لي مثل عمله، فيكون ذلك له ولكما. فيعبدانه عنده كما أمرهما. واذا مات المخالف لنا الكافر لنعمتنا، قال ملكاه: مثل ذلك؟ فيقول: لا، بل تأتيان قبره فتلعنانه وتشدّدان عليه حتّى يقوم من قبره». (2)

.


1- .التكاثر (102): 8.
2- .لم نقف عليه في المجاميع الروائية. هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 5 و 6 - 10، فراجع الأصل.

ص: 457

[ 11 ] قوله: «قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ» قال الصادق عليه السلام: «ذلك في الرجعة قبل يوم القيامة » . (1) [ 15 ] وقوله: «لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ» (2)، قال: «يوم يلتقي أهل السماوات والأرض. [ 32 ] و «يَوْمُ التَّنَادِ» (3): يوم ينادي أهل النار أهل الجنّة: «أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ»، و «يَوْمُ التَّغَابُنِ» (4): يوم يعيّر أهل الجنّة أهل النار، و «يَوْم الْحَسْرَةِ» (5): يوم يؤتى بالموت فيذبح». (6) أقول: الموت عَرَض، فلا يذبح ذبحاً حقيقيّاً، بل معناه: أنّه ينقطع أسبابهم من دخولهم الجنّة، وبالعكس. (7) [ 18 ] قوله: «وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآْزِفَةِ» يعني: يوم تدنوا القيامة. قوله: «كاظِمِينَ»، قال: «مغمومين مكروبين» . (8) [ 21 ] قوله: «مِنْ واقٍ» أي: من دافع . (9) [ 25 ] قوله: «في ضلالٍ» أي: في بطلان . (10) [ 45 ] قوله: «فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا» يعني: مؤمن آل فرعون، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام:

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 749، عن تفسير القمّي .
2- .غافر (40): 15، وبعده قوله تعالى: «يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْ ءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».
3- .في قوله تعالى: «وَيَاقَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» غافر (40): 32 - 33.
4- .في قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ». التغابن (64): 9.
5- .في قوله تعالى: «وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ» مريم (19): 39.
6- .روي نحوه في معاني الأخبار، ص 156، ح 1.
7- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 16، فراجع الأصل.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 751 .
9- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 753، عن تفسير القمّي.
10- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 28 - 45، فراجع الأصل.

ص: 458

«واللَّه لقد قطّعوه إرباً إرباً، ولكن وقاه اللَّه أن يفتنوه في دينه » . (1) [ 46 ] قوله: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا»، قال: «هذا في القبر، في الدنيا». (2) » . (3) [ 51 ] قوله: «ويَوْمَ يَقُومُ الاشْهادُ»، يعني: الأئمّة عليهم السلام . (4) [ 60 ] قوله: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، فإنّ اللَّه تعالى يستجيب للمؤمنين الذين يوفون بعهده، وروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى ليمنّ على عبده المؤمن يوم القيامة، فيدنيه منه، حتّى يضع كفّه عليه». (5) أقول: يريد به القرب، وأمّا الكفّ، فليس له كفّ، فإنّه ليس بجسم، تعالى عن ذلك، فقوله: حتّى يضع كفّه عليه، مؤوّل، وإلّا يلزم التجسيم. ثمّ يعرفه ما أنعم به عليه، يقول: ألم تكن تدعوني يوم كذا وكذا، فأجبت دعوتك؟ ألم تسألني يوم كذا وكذا، وأعطيتك مسألتك؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا، فأغثتك؟ ألم تسألني كشف ضرّ كذا وكذا، فكشفت عنك ضرّك ورحمت صوتك؟ ألم تسألني مالاً، فملّكتك؟ ألم تستخدمني، فأخدمتك؟ ألم تسألني أن أزوّجك فلانة وهي منيعة عند أهلها، فزوّجتكها؟ قال: فيقول العبد: بلى يا ربّ، أعطيتني كلّ ما سألتك، وقد كنت يا ربّ أسألك الجنّة. فيقول اللَّه له: فإنّي منعم لك بما سألتنيه الجنّة لك مباحاً، أرضيت؟

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 760، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 171، ح 1 .
2- .في الأصل زيادة: «قبل القيامة؛ وذلك أنّ في القيامة لا يكون غدوّاً ولا عشيّاً، لأنّ الغدوّ والعشي إنّما يكون في الشمس والقمر، وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر. قال رجل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ما تقول في قول اللَّه عزّ وجلّ: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا»؟ فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما يقول الناس فيها؟»، فقال: يقولون: إنّها في نار الخلد، وهم لايعذّبون فيما بين ذلك. فقال عليه السلام: «فهم من السعداء». فقيل له: جعلت فداك، فكيف هذا؟ فقال: «إنّما هذا في الدنيا، وأمّا في نار الخلد فهو قوله تعالى: «ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ»» .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 761، عن تفسير القمّي. وروى مايقرب منه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان، ج 8، ص 818 . هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 48 - 50، فراجع الأصل.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 764، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً مختصر بصائر الدرجات، ص 45.
5- .في الأصل: «فيأمره أن يدنو منه - يعني من رحمته - فيدنو حتّى يضع كفّه عليه».

ص: 459

فيقول المؤمن: نعم يا ربّ أرضيتني، وقد رضيت. (1) » . (2) [ 65 ] وقوله: «هُوَ الْحَىُّ لا إِلهَ إلّا هُوَ»...الآية، قال: دخل رجل على عليّ بن الحسين عليهما السلام فسأله عن مسائل، ثمّ عاد ليسأل عن مثلها، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: «مكتوب في الإنجيل: لا تطلبوا علم ما لا تعملون، ولمّا عملتم بما علمتم، فإنّ العلم إذا لم يعمل به، لم يزدد صاحبه إلّا كبراً، ولم يزدد من اللَّه إلّا بعداً». ثمّ قال: «عليك بالقرآن، فإنّ اللَّه خلق الجنّة بيده، لبنة من ذهب، ولبنة من فضّة، وجعل ملاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصاها: اللؤلؤ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن، فمن قرأ القرآن قال له: إقرأ وارق. ومن دخل منهم الجنّة لم يكن أحد في الجنّة أعلى درجة منه، ما خلا النبيّين والصدّيقين». وقال له الرجل: فما الزهد؟ قال: «الزهد عشرة أجزاء؛ فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا، ألا وإنّ الزهد في آية من كتاب اللَّه: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»». فقال الرجل: لا إله إلّا اللَّه. وقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: «و أنا أقول لا إله إلّا اللَّه، فإذا قال: أحدكم لا إله إلّا اللَّه، فليقل: الحمد للَّه ربّ العالمين. فإن اللَّه يقول: «هُوَ الْحَىُّ لا إِلهَ إلّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» » . (3) [ 74 ] قوله: «ضلَّوا عَنَّا» أي: يضلّوا. (4) [ 85 ] قوله: «لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» قال: «اذا قام القائم في الرجعة».

.


1- .في الأصل زيادة: «فيقول اللَّه: عبدي كنت أرضى أعمالك، وأنا أرضي لك أحسن الجزاء، فإن أفضل جزاء عندي أن أسكنك الجنّة. وهو قوله تعالى: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»... الآية».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 767.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 767، عن تفسير القمّي .
4- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآية 75، فراجع الأصل.

ص: 460

سورة حم السجدة (فصّلت) (41)

الجزء الخامس والعشرون

اشاره

سورة حم السجدة (فصّلت) (41)[مكّيّة، وآياتها أربع وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 29 ] قوله: «أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانا»...الآية، قال الصادق عليه السلام: «هو فلان وفلان، كانا أنكر من شيطانين (1) » . (2)

[الجزء الخامس والعشرون][ 49 ] وقوله: «لا يَسْأَمُ الانْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ»، قال العالم: «عليكم بالدعاء، فإنّ اللَّه يقول: «لا يَسْأَمُ الانْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ»، يعني: لا يفتر ولا يملّ». أقول: الخير - هنا - هو المال ومتاع الدنيا، بدليل قوله تعالى: «إِنْ تَرك خيراً الوصيَّةُ» (3)، أي: ترك مالاً. [ 30 - 31 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا»، قال: «واللَّه هو ما أنتم عليه «تَتَنَزَّلُ» عَلَيْكمُ «الْمَلائِكَةُ» عند الموت، يقولون للمؤمنين: «لا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِى الْحَياةِ الدُّنْيا» عند الموت، «وفِى الآْخِرَةِ ولَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ»، قال: «في الحياة الدنيا: عند الموت » . (4)

.


1- .في «ب» و «ج»: «أكبر شيطانا».
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 4، ص 786، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 8، ص 334، ح 523 و524. وراجع تفسير الآية (31) من سورة الزمر، رقم (39)». هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 1 - 26 و 30 - 48، فراجع الأصل.
3- .البقرة (2): 180.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 787، عن تفسير القمّي.

ص: 461

[ 34 ] قوله: «ولا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ»، فقال: «الحسنة: التقيّة، والسيئة: الإذاعة » . [ 17 ] قوله: «فَهديناهم فاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى»، قال: «بيّنا لهم فأحبّوا أن يضلّوا » . [ 42 ] قوله: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ»، قال: ««مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» ممّا أخبرنا عن الاُمم ممّن مضى من نوح وإبراهيم وهود وسائر الأنبياء إلّا حقّاً «وَ لا مِنْ خَلْفهِ» فيما أخبرنا فيما يستقبل إلّا حقّ أنّه كائن». [ 6 - 7 ] قوله: «وَويْل للمُشركين الَّذِينَ لاَيؤتونَ الزَّكاةَ»...الآية، قال: «يا أبان، أترى طلب اللَّه من المشركين زكاة أموالهم؟» قلت: فما هو؟ قال: «وَيْل للمُشركين الَّذِينَ أشركوا بالإمام الأوّل، ولم يؤدّوا إلى الآخر ما قال في الأوّل «وهُمْ بِالآْخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ»». (1) [ 39 ] قوله: «خَاشِعَةً» أي: «ميتة». (2)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 777، عن تفسير القمّي.
2- .لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات 44 إلى آخر السورة، فراجع الأصل.

ص: 462

سورة حم عسق (الشورى) (42)

سورة حم عسق (الشورى) (42)[مكّيّة، وآياتها ثلاث وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] «حم عسق»، أحرف إسم اللَّه الأعظم (1) . (2) [ 23 ] قوله: «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى»». قال الصادق عليه السلام: «جاءت الأنصار إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّا كنّا ضلّالاً فهدانا اللَّه بك، وكنّا فقراء فأغنانا اللَّه بك، وكنّا ضعفاء فقوّانا اللَّه بك، فهذه أموالنا، خذ منها ما أحببت (3) ، وما أخذت أحبّ إلينا ممّا تركت . فسكت رسول اللَّه فنزل جبرئيل بقوله: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» يعني: على النبوّة «إِلّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» أي: في أهل بيته». (4) وقال في قوله: «وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً»، قال: «التسليم لأمر اللَّه والصدق علينا وأن لا يكذب علينا» . (5) [ 30 ] وقوله: «وما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ»، قال: «ليس من عرق يضرب، ولاوجع ولا صداع إلّا بذنب» . (6) فإنّ قيل: إنّ الإمام عندكم، وكذا الأنبياء معصومون، وهم يمرضون كما يمرض

.


1- .في الأصل زيادة «المقطوع، يؤلّفه الرسول والإمام، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعا اللَّه به أجاب، ثمّ قال: «كَذلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»» .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 803، عن تفسير القمّي.
3- .في «ب» و «ج»: «ما شئت».
4- .روى معناه في مجمع البيان، ج 9، ص 44.
5- .روى نحوه في الكافي، ج 1، ص 321، ح 4. والحديث طويل، سيأتي تمامه في قول اللَّه تعالى: «والنَّجْمِ إِذا هَوى» في تفسير الآية (1) من سورة النجم (53) إن شاء اللَّه تعالى.
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 827، عن تفسير القمّي.

ص: 463

الناس، فما وجه ذلك؟ قلنا: إنّ ترك الأولى للأنبياء والأئمّة مثل الذنب فيهم، فيدخلون في العموم بهذا التأويل، ويكون الكلام لغيرهما. [ 52 - 53 ] قوله: «وَ كَذلِك أَوْحَيْنا إِلَيْك رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتابُ ولا الايمانُ»: روح القدس، هي التي قال الصادق عليه السلام في قوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» (1)، قال: «هو خلق ممّن خلق اللَّه، أعظم من جبرئيل وميكائيل (2) ، وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يسدّده ويخبره، وهو مع الأئمّة من بعده » . (3) [ 7 ] قوله: «أمّ القرى»: مكّة.

.


1- .الإسراء (17): 85.
2- .في «ب» و «ج»: «فقال: ما خلق اللَّه خلقاً أعظم من جبرائيل وميكائيل».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 837، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 214، ح 1 .

ص: 464

سورة الزخرف (43)

سورة الزخرف (43)[مكّيّة، وآياتها تسع وثمانون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 12 ] قوله: «وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْك» يعني: السفن . [15 ] قوله: «وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً»، قال الصادق عليه السلام: «قالوا: إنّ الملائكة هم بنات اللَّه». (1) [ 22 ] قوله: «عَلَى اُمّة» أي: على مذهب ودين. [ 33 ] قوله: «ولَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً»...الآية، ذكر لنبيّه صلى اللَّه عليه وآله هوان الدنيا وما فيها عليه. (2) [ 44 ] قوله: «وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك ولِقَوْمِك وسَوْفَ تُسْئَلُونَ»؟ فقال: «إيّانا عنى، و نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون» . (3) [ 79 ] قوله: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» قال: «نزلت في الذين خالفوا أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وتحالفوا على أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبداً » . (4) [41 ] قوله: «فإمّا نذهبنّ بك فإِنَّا منهم مُنْتَقِمُونَ»... الآية، إنّ اللَّه انتقم بعليّ يوم البصرة وصفين. (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 851، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 859 - 860، عن تفسير القمّي .
3- .رواه البحرانى في تفسير البرهان، ج 4، ص 866 - 867، عن تفسير القمّي 2، ص 286. و روي معناه في الكافي، ج ، ص 164، ح 5 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 883، عن تفسير القمّي. و روي معناه في الكافي، ج 8 ، ص 180، ح 202. وراجع تفسير الآية (67) من سورة المائدة (5) .
5- .روى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 558، ح 16 - 19.

ص: 465

سورة الدخان (44)

سورة الدخان (44)[مكّيّة، وآياتها تسع وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 4 ] «حم والْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ»، هي: ليلة القدر (1)«فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»، قال: يكتب فيها ما يكون في تلك السنة، من الآجال والأرزاق والموت والحياة ووفد الحجّاج إلى بيت اللَّه الحرام (2) » . قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «يقدر في ليلة القدر كلّ شي ء يكون في تلك السنة إلى مثلها من خير أو أو شرّ، وللَّه فيها (3) المشيئة » . (4) [ 14 ] قوله: «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ» يعنون: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله . [ 29 ] قوله: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والارْضُ»، قال: «ما بكت السماء والأرض إلّا على يحيى بن زكريّا والحسين بن عليّ عليهما السلام » . (5) أقول: فيه نظر؛ لانّ ذلك يدخل الأنبياء في العموم، ويكونون مساوين للعوام

.


1- .في الأصل زيادة: «أنزل اللَّه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في طول ثلاث وعشرين سنة».
2- .في الأصل زيادة: «ويزيد فيها ما يشاء، وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله إلى أمير المؤمنين، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمّة عليهم السلام، حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه السلام ويشترط له ما فيه البداء والمشيئة والتقديم والتأخير».
3- .في «ب» و «ج»:«في ذلك».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 12، عن تفسير القمّي. وروى ما يقاربه في الكافي، ج 4، ص 157، ح 6.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 14، عن تفسير القمّي .

ص: 466

والفسّاق والكفرة. وفيه ما فيه. [ 32 ] قوله: «ولَقَدْ اخْترناهُم عَلَى علم عَلَى الْعالَمِينَ»، قال: «[إنّما اختارهم وفضّلهم] (1) على عالمي زمانهم » . (2) [ 42 ] قوله: «إِلّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ»، قال: «نحن والأنبياء » . (3) [ 50 ] قوله: «تَمْتَرُونُ»، أي: تشكّون. [ 56 ] قوله: «لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى»، قال: «اذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنّة والنار، ثمّ ينادي منادٍ: يا أهل الجنّة ويا أهل النار، أشرفوا، فيشرفون. فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: لا . فيقال: هذا الموت، ثمّ يذبح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبداً، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً (4) ». (5) أقول: هذا مختص بالكفّار، وأمّا الموحّدون فإنّهم يخرجون منها - لابدّ منه - بتوحيدهم (6) وإيمانهم.

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 17، عن تفسير القمّي .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 20، عن تفسير القمّي.
4- .في الأصل زيادة: « وهو قوله: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأمْرُ وهُمْ فِى غَفْلَةٍ»... الآية، أي: قضي على أهل الجنّة بالخلود، وعلى أهل النار بالخلود فيها، وبدل في «ب» ما نصّه: «وهو قوله: «لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى»...الآية».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 713، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير قوله تعالى: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الامْرُ وهُمْ فِى غَفْلَةٍ وهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» (مريم (19): 40). وراجع أيضاً تفسير سورة المؤمن (40)، الآية (11) وتعليق المؤلّف عليه بقوله: «الموت عرض، فلا يذبح ذبحاً حقيقياً، بل معناه أنّه ينقطع أسبابهم من دخول الجنّة وبالعكس ». هذا، وروى معناه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار، ص 156، ح 1.
6- .في «ب» و «ج»: «لتوحيدهم».

ص: 467

سورة الجاثية (45)

سورة الجاثية (45)[مكّيّة، وآياتها سبع وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاك أَثِيمٍ» أي: كذّاب . (1) [ 9 ] قوله: «وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً» يعني: إذا رأى. فوضع العلم مكان (2) الرؤية . (3) [ 14 ] قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ»، قال: «قل لأئمّة الحقّ (4) : لا يدعون على أئمّة الجور حتّى يكون اللَّه هو الذي ينتقم منهم » . 5

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 25، عن تفسير القمّي.
2- .في «ب» و «ج»: «موضع».
3- .في «ب» و «ج»: «للأئمّة».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 27، عن تفسير القمّي .

ص: 468

الجزء السادس والعشرون

سورة الأحقاف (46)

[الجزء السادس والعشرون]سورة الأحقاف (46)[مكّيّة، وآياتها خمس وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 12 ] قوله: «وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى»، ذكرناها في سورة هود » . (1) [ 13 ] قوله: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا»، قال: «استقاموا على ولاية عليّ أمير المؤمنين عليه السلام » . (2) [ 15 ] وقوله: «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً»، قال الصادق عليه السلام: «نزلت في فاطمة حين حملت بالحسين عليه السلام، لم تحمل حملاً أشدّ عليها من الحسين، وكان حملها ستّة أشهر، وفصاله سنتين، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أنا أحد الوالدين، فقيل: ومن الآخر؟ قال: عليّ». (3) [ 17 ] وقوله: «والَّذِى قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِى» إلى قوله: «مَا هذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ»...الآية، قال: «نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر». (4) [ 20 ] قوله: «ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِى حَياتِكُمُ الدُّنْيا»، قال: «كان دعاؤهم كلّه في أمر الدنيا».

.


1- .راجع تفسير الآية (17) من سورة هود (11).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 38، عن تفسير القمّي.
3- .وروى معناه في الكافي، ج 1، ص 386، ح 3 و4.
4- .راجع: في البرهان، ج 5، ص 44؛ عن نهج البيان، ج 3، ص 264 «مخطوط»؛ و مجمع البيان، ج 9، ص 132.

ص: 469

قوله: «عَذابَ الْهُونِ»، قال: «عذاب العطش» . (1) [ 25 ] قوله: «تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْ ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها»، لفظها عامّ ومعناها خاصّ (2) . (3) [ 29 ] قوله: «فَلَمَّا قُضِىَ» أي: فرغ من القراءة «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»، فجاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأسلموا وآمنوا، وحسن إيمانهم، وعلمهم القرآن وشرائع الإسلام (4) . (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 46 - 47، عن تفسير القمّي .
2- .في الأصل زيادة: «لأنّها تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها، وإنّما دمّرت ما لهم كلّه، فكان كما قال اللَّه تعالى: «فَأَصْبَحُوا لا يُرى مَساكِنُهُمْ»، وكلّ هذه الأخبار من هلاك الاُمم تخويف وتحذير لاُمّة محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 48، عن تفسير القمّي.
4- .في الأصل زيادة: «فأنزل على نبيّه: «قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ»، السورة كلّها، فحكى اللَّه عزّ وجلّ قولهم، وولّى عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وكانوا يعودون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في كلّ وقت، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام أن يعلمهم ويفقههم، فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون، ويهود ونصارى ومجوس، وهم ولد الجان» .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 48، عن تفسير القمّي .

ص: 470

سورة محمّد صلى اللَّه عليه وآله (47)

سورة محمّد صلى اللَّه عليه وآله (47)[مدنيّة، وآياتها ثمان وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 9 ] قوله: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» عن محمّد بن الفضيل، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ»... الآية، قال: «إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أخذ الميثاق لأمير المؤمنين عليه السلام فقال: هل تدرون من وليكم بعدي؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: إنّ اللَّه يقول: «وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» (1)، فهذا هو صالح المؤمنين، يعني عليّاً، وهو وليّكم بعدي». (2) والمرّة الثانية: أشهدهم على أنفسهم يوم غدير خم، وقد كانوا يقولون: لئن قبض اللَّه محمّداً لا يرجع هذا الأمر في آل محمّد، (3) ولانعطيهم الخمس، فأطلع اللَّه نبيّه على ذلك، وأنزل عليه: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم» (4) وقال فيهم: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ»...الآية » (5) .

.


1- .التحريم (66): 4.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 58، عن تفسير القمّي. والعبارة فيه هكذا: «عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله بهذه الآية هكذا: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» في عليّ - إلّا أنّه كشط الاسم - «فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمالَهُمْ» ». وراجع تفسير الآية (79) من سورة الزخرف (43).
3- .راجع تفسير الآية (67) من سورة المائدة (5).
4- .الزخرف (43): 80.
5- .محمد صلّى اللَّه عليه وآله (47): 22.

ص: 471

سورة الفتح (48)

سورة الفتح (48)[مدنيّة، وآياتها تسع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] «إِنَّا فَتَحْنا لَك فَتْحاً مُبِيناً»...الآية، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «نزلت في غزاة الحديبيّة لمّا وقع الصلح بين رسول اللَّه وقريش » . (1) [ 4 ] قوله: «هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ السَّكِينَةَ» يعني: الإيمان. [ 26 ] قوله: «وأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى»، هو: الإيمان. [ 9 ] قوله: «وتوقّروه» أي: تصدّقوه. [ 26 ] وقال رجل لأبي جعفر عليه السلام: إنّهم يحتجّون علينا بقوله: «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيه» (2)؟، فقال: «ألا ترى «فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُوُلِهِ»؟». (3) أقول: ليس فيها فضيلة لأبي بكر؛ لأنّ الصاحب قد يكون حماراً، قال الشاعر:إنّ الحمار مع الحمار مطيّةفإذا خلوت به فبئس الصاحب وقوله: «لاَتَحْزَنْ» (4)، نهى، والنهي لا يكون إلّا عن معصية (5) ، وقوله: «فَأَنزَلَ اللَّهُ

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 79 - 82، عن تفسير القمّي. وللمزيد عن تفسير الآية راجع: عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 202، ح 1 .
2- .التوبة (9): 40.
3- .الفتح (48): 26. وفي تفسير العيّاشي، ج 2، ص 88 - 89، نحوه، وفي آخر: «ألا ترى أنّ السكينة إنّما نزلت على رسوله».
4- .وراجع تفصيل ذلك في تفسير الآية (40) من سورة التوبة.
5- .في «ب» و «ج»: «ولا يكون عن فضيلة».

ص: 472

سَكِينَتَهُ عَلَيه» يعني: على النبي فقط. وفي مكان آخر: «أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(1) ، وهذه رذيلة أخرى، لا فضيلة. وسياق الكلام يدل على ذلك، فهذه أكبر فضائله عندهم، وليست هي فضيلة في التحقيق، بلى هي رذيلة على ما لايخفى على منصف غير معاند. ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: لمّا عرج بي إلى السماء (2) عهد إليّ ربيّ في عليّ كلمات ثلاث، فقال: اسمع يا محمّد، إنّ عليّاً إمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، وكانوا أحقّ بها وأهلها، فبشّره بذلك». قال: «فبشّره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بذلك، فألقى عليّ عليه السلام ساجداً شكراً للَّه تعالى، ثمّ قال: يا رسول اللَّه، وإنّي لأذكر هناك؟ فقال: نعم، إنّ اللَّه ليعرفك هناك، وإنّك لتذكر في الرفيق الأعلى» . (3)

.


1- .التوبة (9): 26؛ والفتح (48): 26. ورواه البحراني في البرهان، ج 2، ص 784، عن تفسير القمّي. وروى العيّاشي في تفسيره، ج 2، ص 88، ذيل الحديث 58، عن زرارة، قوله: قال أبو جعفر عليه السلام: ««فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ» ألا ترى أنّ السكينة إنّما نزلت على رسوله «وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» - فقال: - هو الكلام الذي تكلم به عتيق». رواه الحلبي عنه عليه السلام. وراجع تفصيل ذلك في تفسير الآية (40) من سورة التوبة، رقم (9).
2- .في الأصل زيادة: «فسح في بصري غلوة، كما يرى الراكب خرق الإبرة من مسيرة يوم».
3- .روي الشيخ المفيد نحوه في الاختصاص، ص 53 .

ص: 473

سورة الحجرات (49)

سورة الحجرات (49)[مدنيّة، وآياتها ثمان عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 6 ] قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»...الآية، قال: «إنّ عائشة قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: إنّ مارية يأتيها ابن عمّ لها، ولطختها بالفاحشة. فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقال: إنْ كنت صادقة فأعلميني إذا دخل، فرصدتها، فلمّا دخل عليها ابن عمّها أخبرت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، فقالت: هو الآن عندها، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عليّاً عليه السلام، فقال: خذ هذا السيف، فإنّ وجدته عندها فاضرب عنقه. فأخذ عليّاً عليه السلام السيف فقال: «يا رسول اللَّه، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالسّفود المحميّ - وفي رواية اُخرى: أكون كالحديدة المحماة - في الوبر، أم أتثبت؟ قال: بل تثبّت. أقول: وفي رواية مشهورة: أم الحاضر يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الحاضر يرى ما لا يرى الغائب. فانطلق عليّ عليه السلام فانتهى إلى الباب وهو مغلق، فألزم عينه ثقب الباب، فلمّا رأى القبطي عين عليّ في الباب فزع، فخرج من الباب الآخر، فصعد نخلة، وتسوّر عليّ عليه السلام الحائط، فلمّا رأى القبطي عليّاً ومعه السيف حسر عن عورته، فإذا هو مجبوب، فصدّ أمير المؤمنين عليه السلام بوجهه عنه، ثمّ رجع فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بما رأى، فتهلّل وجهه وقال: «الحمد للَّه الذي يعافينا أهل البيت من سوء ما يلطّخونا به،

.

ص: 474

فنزلت الآية (1) » . (2) فقال زرارة: إنّ العامّة تقول: إنّها نزلت في الوليد بن عقبة، حين جاء فأخبر عن بني جذيمة أنّهم كفروا بعد اسلامهم؟ فقال أبو جعفر: «يا زرارة، أو ما علمت أنّه ليس في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن؟ فهذا الذي في أيدي الناس ظهرها، والذي حدّثتك بطنها». (3) [ 14 ] قوله: «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا»...الآية، قال: «الإيمان غير الإسلام». (4) وقال: «لاينبغي لأحد أن يلقّب أحداً؛ لأنّه نهى عنه بقوله: «وَلا تَنابَزُواْ بِالألْقَابِ»(5) » .

.


1- .في الأصل زيادة: «وفي رواية عبيد اللَّه بن موسى، عن أحمد بن رشيد، عن مروان بن مسلم، عن عبد اللَّه بن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: جعلت فداك، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أمر بقتل القبطي، وقد علم أنّها كذبت عليه أو لم يعلم، وإنّما دفع اللَّه عن القبطي القتل بتثبت عليّ عليه السلام؟ فقال: «بلى قد كان - واللَّه - علم، ولو كانت عزيمة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ما انصرف عليّ عليه السلام حتّى يقتله، ولكن إنّما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذبها » .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 103، عن تفسير القمّي. وراجع تفسير الآية (11) من سورة النور (24).
3- .روى نحوه شرف الدين الحسيني في تأويل الآيات، ج 2، ص 604 .
4- .روي نحوه في الكافي، ج 2، ص 20، ح 2 - 4.
5- .الحجرات (49): 11.

ص: 475

سورة ق (50)

سورة ق (50)[مكّيّة، وآياتها خمس وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] «ق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ»، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ««ق» جبل محيط بالدنيا » . (1) [ 17 ] قوله: «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ»، قال: «هُما الملكان » . (2) [ 23 ] وقال في قوله: «هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ»، قال: «هو الملك الذي يحفظ عليه عمله » . (3) [ 24 ] قوله: «أَلْقِيا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ»، قال: «تخاطب محمّداً صلى اللَّه عليه وآله وعليّاً عليه السلام » . (4) [ 23 ] قوله: «قالَ قَرِينُهُ»، قال: «هو الشيطان (5) » . (6) [ 31 ] قوله: «وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ»، قال: «زُيِّنَت وقرّبت » . (7) [ 35 ] قوله: «ولَدَيْنا مَزِيدٌ»، قال: «النظر إلى وجه اللَّه [يعني: إلى نعمة اللَّه، وهو ردّ على

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 126، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 133، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي، ص 54 .
3- .روي نحوه الحسين بن سعيد الكوفي في كتاب الزهد، ص 54 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 139، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الأمالي للطوسي، ج 1، ص 378 .
5- .في الأصل: «أي شيطانه، وهو الثاني».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 147، عن تفسير القمّي.
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 148، عن تفسير القمّي. و قد تقدّم مثل هذا المعنى في تفسير الآية (90) من سورة الشعراء (26).

ص: 476

من يقول بالرؤية] (1) » . (2) أقول: قامت الدلائل على أنّه تعالى غير مرئي في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنّه مجرّد، ولأنّ رؤيته ملازم لتجسّمه وتشكّله به في مكان أو جهة، والكلّ باطل. [ 19 ] قوله: «وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ»، قال: «نزلت: (و جاءت سكرة الحقّ بالموت) (3) » . (4) [ 21 ] قوله: «وجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ»، قال: «سائق يسوقها «وشَهِيدٌ» يشهد عليها » . 5

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 148 - 149، عن تفسير القمّي .
3- .في الأصل زيادة: ««ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ»، قال: «نزلت في الأوّل».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 139، عن تفسير القمّي .

ص: 477

سورة الذاريات (51)

الجزء السابع والعشرون

اشاره

سورة الذاريات (51)[مكّيّة، وآياتها ستون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 7 ] قوله: «والذَّارِياتِ ذَرْواً»، قال: «هي الرياح»، و «فَالْحامِلاتِ وِقْراً»، فقال: «هي السحاب»، و «فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً» فقال: «هي السفن»، و «فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً»، فقال: «الملائكة». و «السَّماءِ ذاتِ الْحُبُك»، قال: «محبوكة إلى الأرض (1) » . (2) [ 13 ] قوله: «يُفْتَنُونَ» أي: يعذبون . (3)

[الجزء السابع والعشرون][ 47 ] قوله: «بِأَيْدٍ»، قال: «بقوة » . (4)

.


1- .في الأصل زيادة: «وهو قسم كلّه، وخبره: «إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ»، يعني: المجازاة والمكافأة».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 156، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 158، عن تفسير القمّي .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 166، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في التوحيد للصدوق، ص 153، ح 1 .

ص: 478

سورة الطور (52)

سورة الطور (52)[مكّيّة، وآياتها تسع وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] «والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ»، الطور: جبل (1) » . [ 4 ] «والْبَيْتِ الْمَعْمُورِ»، قال: «هو في السماء الرابعة، وهو الضّراح (2) ، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، ثمّ لا يعودون إليه أبداً » . (3) أقول: وقيل: يدخله كلّ يوم سبعون وحيّاً، مع كلّ وحيّ سبعون ألفاً (4) ، ثمّ لا يعودون إليه أبداً. [ 21 ] قوله: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «هو الرجل تصيبه السعادة والشهادة، يكون له ولد على منهاجه لم يبلغ ما بلغ من شرف الأعمال، فيلحقهم اللَّه به اكراماً له» . (5) أقول: في هذه الآية دلالة واضحة على أنّ ذرّيّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله يُلحقهم اللَّه سبحانه بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وهذه فضيلة للذرّيّة لم ينلها أحد غيرهم، وكفى بها فضيلة منصوصة، ولهم مثلها، فارقبه. [ 49 ] قوله: «وإِدْبارَ النُّجُومِ» (6)، قال: «الركعتان قبل الفجر » . (7)

.


1- .في الأصل زيادة: «سيناء «وكِتابٍ مَسْطُورٍ» أي: مكتوب «فِى رَقٍّ مَنْشُورٍ»».
2- .الضراح: بيت في السماء حيال الكعبة. النهاية، ج 3، ص 81.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 176، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 4، ص 187، ح 1 .
4- .في «ب» و «ج»: «يدخله كلّ يوم سبعون دحياً، مع كلّ دحيّ سبعون ألفاً». ولم نقف على معنى أيّ من الكلمتين.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 178، عن تفسير القمّي.
6- .وتمام الآية: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ». وفي الأصل زيادة: «أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام، قال: ««أَدْبَارَ السُّجُودِ» أربع ركعات بعد المغرب، «وإِدْبارَ النُّجُومِ»».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 181، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 3، ص 444، ح 11 .

ص: 479

سورة النجم (53)

سورة النجم (53)[مكّيّة، وآياتها اثنتان وستّون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «صَاحِبُكُمْ» يعني: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله . [ 3 ] قوله: «وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» أي: لا يتكلّم بهواه. [ 6 ] قوله: «ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى»، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ما بعث اللَّه نبيّاً إلّا صاحب مرّة سوداء صافية » . (1) أقول: المراد: القوّة، لا ما ذكره؛ فإنّه انحراف عن الاعتدال، وأيضاً: كلّ بدن فيهِ مرّة سوداء صافية، والفضيلة للدم، لا لها. [ 8 - 9 ] قوله: «ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» من اللَّه (2) . معناه: «بلا دنىً». [ 11 ] ثمّ قال: «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى» من عظمة اللَّه. [ 13 ] قوله: «نَزْلَةً أُخْرى» أي : مرّة اُخرى. [ 18 ] قوله: «لَقَدْ رأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» قال: «رأى جبرئيل على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل، له ستّمائة جناح، قد ملأ ما بين السماء والأرض » . (3)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 191، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 8، ص 165، ح 177 .
2- .في الأصل زيادة: «قال: كان من اللَّه كما بين مقبض القوس إلى رأس السية «أَوْ أَدْنى» أي: من نعمته ورحمته، قال: بل أدنى من ذلك».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 201، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الشيخ الصدوق في التوحيد، ص 116، ح 17 و 18.

ص: 480

[ 22 ] قوله: «قِسْمَةٌ ضِيزى» أي: ناقصّة. [ 42 ] قوله: «وَ أَنَّ إِلى رَبِّك الْمُنْتَهى»، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إذا انتهى الكلام إلى اللَّه فأمسكوا (1) » . (2) أقول: المعنى: إلى ربّك المعاد يوم القيامة. [ 57 ] قوله: «أَزِفَتِ الآْزِفَةُ»، قال: «قربت القيامة » . (3)

.


1- .في الأصل زيادة: «وتكلّموا فيما دون العرش، ولا تكلّموا فيما فوق العرش، فإنّ قوماً تكلّموا فيما فوق العرش، فتاهت عقولهم، حتّى كان الرجل ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه، فيجيب من بين يديه . وهذا ردّ على من وصف اللَّه» .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 207، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في المحاسن، ص 237، ح 206.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 210، عن تفسير القمّي.

ص: 481

سورة اقتربت الساعة (القمر) (54)

سورة اقتربت الساعة (القمر) (54)[مكّيّة، وآياتها خمس وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «وانْشَقَّ الْقَمَرُ» على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (1) » . (2) أقول: وقال جماعة: لم ينشق، وسوف ينشق، وهو قريب من الساعة ، منهم: الحسن البصري. (3) [ 7 ] قوله: «الأَجْدَاثِ»، قال: «القبور». [ 11 ] قوله: «بِماءٍ مُنْهَمِرٍ»، قال: «صبّاً، بلا قطرٍ (4) ». [ 19 ] قوله: «رِيحاً صَرْصَراً» أي: باردة. (5) وقوله: «فِى يَوْمٍ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ»، قال: «كان القمر منحوساً بزحل، وقيل: يوم الأربعاء، آخر أربعاء في الشهر». (6) [ 49 ] قوله: «إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ»، قال: «هو ردّ على القدريّة».

.


1- .كذا في الأصل و «أ». والعبارة في «ب» هكذا: «قوله: «وانْشَقَّ الْقَمَرُ» قال: عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله إلى عليّ». و في «ج»: «قوله: «وانْشَقَّ الْقَمَرُ» قال: عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله على عليّ». والظاهر انّ كلاهما تصحيف.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 214، عن تفسير القمّي. وروى الحسين بن حمدان الخصيبي قصّة اشتقاق القمر على عهد رسول اللَّه (85) في الهداية الكبرى، ص 70، ح 24.
3- .راجع: في التبيان للشيخ الطوسي، ج 9، ص 443 .
4- .في «ب» و «ج»: «بلا مطر».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 219، عن تفسير القمّي.
6- .راجع: علل الشرائع، ص 597؛ وعيون اخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 246؛ والخصال، ص 78، ح 38 .

ص: 482

سورة الرحمن (55)

سورة الرحمن (55)[مدنيّة، وهي ثمان وسبعون آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 22 ] سئل عن «الْمَرْجانُ»، قال: «هو غير اللؤلؤ » . [ 31 ] قوله: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ»، قال: «نحن وكتاب اللَّه (1) » . (2) [ 62 ] قوله: «ومِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ» قلت: إذ هم يقولون: ألا تعجبون إلى قوم يقولون: أنّه يخرج ناساً من النار، فيجعلهم مع أوليائه في الجنّة، قال: «أما ترون قول اللَّه جلّ ثناؤه: «ومِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ»، فهي جنّة دون جنّة، ونار دون نار (3) ، إنّهم لا يساكنون أولياء اللَّه، أما بلغهم أنّ أبا طالب في ضحضاح من النار » . (4) أقول: إنّ أبا طالب من أكبر الأولياء، وهو مجمع عليه عند أهل البيت، وهذه الرواية مخالفة للحق؛ فإنّ سيرته وأشعاره تدلّ على ايمانه، وإن كان في كتاب هذا الرجل مثل هذه الرواية الفاسدة فكتابه فاسد، ويكفي أبا طالب رضى اللَّه عنه أنّه ذبّ عن النبي صلى اللَّه عليه وآله

.


1- .في الأصل زيادة «والدليل على ذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 238. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 637، ح 17 و 18 .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 242 - 243، عن تفسير القمّي .
4- .الضحضاح: ما ينتشر على وجه الأرض. والضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض. واعلم أنّ حديث أن أباطالب في ضحضاحٍ من النار قد اختلقه و افتراه المغيرة بن شعبة، و قد ذهب الحاج حسين الشاكري في كتابه: شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام إلى أنّ صحيح الحديث هو ضحضاح من النور (راجع كتابه: 29 - 30) و على كلّ فظاهر ما ذكره القمىّ مما اتّفقت الإماميّة على خلافه، فلا يمكن الأخذ به كما أشار إليه ابن العتائقي.

ص: 483

بما لم يذبّ أحد مثله عن النبوّة، ولولاه لم يستقم للنبي أمر، وأن من بيته ومخرجه خرج النبي والوصي، وقد صرّح أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ أبا طالب مؤمن، بل وليّ من أكبر الأولياء، وكذلك ورد عن الأئمّة من ولده (1) ، وما بينهما - واللَّه - منزلة، ولكنّي لا أستطيع أنّ أتكلّم، واللَّه إنّ أمرهم أضيق من خلقه؛ لأنّ القائم لو قد قام لبدأ بهم. (2) [ 22 ] قوله: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجانُ»، قال: «من ماء البحر وماء السماء، اذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها في البحر، فيقع فيها المطر، فيخلق اللَّه اللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة، واللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة » . (3) [ 17 ] قوله: «رَبّ الْمَشرِقينِ وَربّ الْمَغَرِبينِ»، قال: «مشارق الشتاء ومغارب الصيف، ومغارب الشتاء ومشارق الصيف». (4) [ 13 و... ] وقوله: «فَبِأَىِ ّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، قال: «نزلت كلّها فيهما » (5) ، وقال: «نزلت هذه الآية هكذا: (هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان إصلياها اليوم لا تموتان فيها ولا تحييان) (6) ».

.


1- .وقد أوردنا الكثير من الأدلّة على إيمانه عليه السلام من أقواله وأقوال ولده عليهم السلام، في تعليقنا على كتاب درر السمط في خبر السبط للقاضي ابن الأبّار المغربي، فراجع هناك.
2- .راجع: تعليق ابن العتائقي على رواية القمّي في تفسير الآية (56) من سورة القصص، (28).
3- .الظاهر أنّ هذا من كلام القمّي، وهذا ما كان عليه الرأي في خلق اللؤلؤ قديماً، والذي عليه اليوم: أنّ اللؤلؤ يتكوّن من دخول جسم غريب إلى جسم الحلزون البحري الذي يحتوي على الصدف، فتفرز جسمها مادّة خاصّة للاحتواء على الجسم الغريب، ومنها تتكوّن اللؤلؤة، ومهما بقي الجسم الغريب في جسم المحارة مدّة أطول نمت اللؤلؤة وكبرت بمرور الزمن؛ لزيادة الإفراز عليها.
4- .روى معناه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار، ص 221، ح 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 239، عن تفسير القمّي .
6- .وردت العبارة في الأصل هكذا: «وقرأ أبو عبد اللَّه عليه السلام: (هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها ولا تموتان فيها ولا تحييان)، يعني زريقاً وحبتر».

ص: 484

سورة الواقعة (56)

سورة الواقعة (56) (1)[مكّيّة، وآياتها ستّة وتسعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 75 ] قوله: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ»، قال: «كان أهل الجاهلية يقسمون بها، وما أعظم إثم من يقسم بها». (2) [ 76 ] قوله: «وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» (3)، قال: «لعظم إثم من حلف بها (4) ». وقال: «لمّا اُنزلت ولاية عليّ، قال رجلان: واللَّه ما هذا من تلقاء اللَّه، ولكنّه أراد أنّ يشرّف ابن عمّه، فأنزل اللَّه: «ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ»... الآيات». [ 83 ] قوله: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ»...الآية، قال: «إذا بلغت الحلقوم اُري منزله من الجنّة، فقال: ردّوني إلى الدنيا حتّى اُخبر أهلي بما أرى فيقال: ليس إلى ذلك سبيل» . [ 82 ] عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قوله: «وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ»، قال: «و قرأ الصادق عليه السلام (5) : (وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون) » . 6

.


1- .روى نحوه في الكافي، ج 7، ص 450، ح 4. و قد ذكر ابن العتائقى ضمن تفسير سورة الحاقة (69) ما نصّه: «قوله: «فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ» قال: رجومها للشياطين».
2- .الواقعة (56): 76.
3- .في «ب» و «ج»: «بهما».
4- .كذا في «ب» و «ج». و في «أ» «بل هي».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 273، عن تفسير القمّي.

ص: 485

[ 29 ] قوله: «فِى سِدْرٍ مَخْضُودٍ»، قال: «شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه (1) ، والمنضود: الذي لا خلل فيه (2) » . (3) [ 55 ] قوله: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ»، قال: «شرب الإبل العطاش التي لا تكاد تروى». (4) [ملاحظة: ورد تفسير الكلمات التالية من هذه السورة في هامش النسخة «ج» فقط نوردها هنا تباعاً:] [ 15 ] قوله: «عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ» أي: منصوبة (5) . وقيل: منضودة بالدرّ والياقوت . (6) [ 16 ] وقوله تعالى: «مُتَّكِئينَ عَلَيْها مُتَقابِلينَ»، قال: «منعّمين». [ 17 ] وقوله «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ»؛ جمع ولد، أي خدم لم يكن لهم حسنات ولا سيّئات. وقوله «مُخَلَّدُونَ» أي: مفرطون، والخلادة: الفرط، وقيل: لا يشيبون ولا يهرمون. (7) [ 19 ] وقوله «لا يصدّعونَ»، أي لايفرقون ولايصرفون . وقوله: «ولا يُنْزِفُونَ»، أي: لا ينفذ شرابهم . (8) [ 21 ] وقوله: «ولَحْمِ طَيْرٍ»، قيل: سمك؛ لأنّ لكلّ سمكة جناحان - عند الحكماء - يطير بهما في الماء .

.


1- .كذا في الأصل، وفي «ب» و «ج»: «قال: الذي لا شوك فيه».
2- .في الأصل زيادة: «وقرأ أبو عبد اللَّه عليه السلام: «(وطلع منضود)، قال: بعضه إلى بعض».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 260، عن تفسير القمّي. وروى هذه القراءة الطبرسي في مجمع البيان، ج 9، ص 330، وقال: روى أصحابنا، عن يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه: «وطَلْحٍ مَنْضُودٍ»؟ قال: «لا، (وطلع منضود)».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 268، عن تفسير القمّي. والهيم: هي الإبل العطاش، ويقال: الرمل. لسان العرب، ج 12، ص 627 (هيم).
5- .كذا في الأصل، و في هامش «ج»: «مصفوّة».
6- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 258، عن تفسير القمّي.
7- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 258، عن تفسير القمّي.
8- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 259، عن تفسير القمّي.

ص: 486

[ 22 ] وقوله: «وحُوُر» أي: بيض . وقوله: «عِيِنٌ» أي: وسيعات الأعين . [ 23 ] وقوله: «المَكْنُونِ»: الحصون في صدفه . [ 25 ] قوله تعالى: «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ولا تَأْثِيماً»، قال: «لغواً: باطلاً. تأثيماً: قولاً يوجب الإثم » . (1) [ 26 ] قوله تعالى: «سلاما سلاماً»، قال: «سلامة » . [ 34 ] قوله تعالى: «وفرش مرفوعة»، قال: «عالية، وقيل: السراري والجواري في المقاصير». [ 35 ] وقوله: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً»، قال: «ابتداءاً». [ 36 ] وقوله: «فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»، قال: «لم يمسسهنّ أحد». وقيل: إذا افتضضن عادت بكارتهنّ إليهنّ». [ 37 ] وقوله: «عُرُباً»، قال: «محببات إلى أزواجهنّ بنظارتهن وأخلاقهنّ وملاعبتهنّ» وقوله: «أَتْراباً» أي: على سنّ واحدة . (2) [ 39 - 40 ] قوله تعالى: «ثُلَّةٌ مِنَ الاوَّلِينَ وثُلَّةٌ مِنَ الآْخِرِينَ»، قال ابن عبّاس: «أهل الجنّة مائة وعشرون صفاً، ثمانون صفاً من اُمّة محمّد، وأربعون صفّاً من سائر الاُمم. [ 42 ] قوله: «فِى سَمُومٍ وحَمِيمٍ»، قال: «السموم: هي أنواع الحجارة تلهب ناراً، وما يهبّ منها ليلاً يسمّى: غرورا، والحميم: ماء حارّ». [ 43 ] قوله: «وظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ»، قال: «دخان أسود متكاثف. و اليحموم: الأسود من كلّ شي ء».

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 260، عن تفسير القمّي.
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 263، عن تفسير القمّي.

ص: 487

[ 44 ] قوله: «لا بارِدٍ ولا كَرِيمٍ»، قال: «حارّ كريه، يقطّع الأمعاء، يكرهون على شدّته». [ 45 ] قوله: «إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ» أي: منعّمين في غير طاعة اللَّه. [ 46 ] قوله: «وَكَانُوا يُصِرُّونَ» أي: يقولون. قوله: «عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ» أي: الذنب. وقيل: يصرّون على الكفر والشرك. [ 52 ] قوله: «لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقُّومٍ». الزقوم: طعام أهل النار، لا يسمن ولا يغني من جوع، كلّما أكلوا منه ازدادوا جوعاً. [ 65 ] قوله: «فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ» أي: تتعجبون من ظلّت تفعل كذا: اذا فعلتها مراراً. قوله: «تَفَكَّهُونَ» أي: تعجبون وتندمون. [ 66 ] قوله: «إِنَّا لَمُغْرَمُونَ»، أي: معذّبون. [ 69 ] قوله: «الْمُزْنِ» أي: السحاب الأبيض، دون ماء. [ 70 ] قوله: «أُجَاجاً» أي: ملحاً مرّاً . (1) [ 64 ] قوله: «الزارعون» أي: المنبتون. [ 65 ] قوله: «حُطَاماً» أي: يابساً. [ 70 ] قوله: «فَلَوْلاَ تشكرونَ» أي: تقولون: الحمد للَّه ربّ العالمين. [ 71 ] قوله: «تُورُونَ» أي: تقتدحون وتستخرجون النار من الزناد والحجارة والحديد. [ 72 ] قوله: «أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا» أي: خلقتم. [ 73 ] قوله: «وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ» أي: المسافرين الذين لا زاد لهم، وقيل: الذين نزلوا القوى - مدّاً وقصراً - وهي المفازة. والقويّ: الفقير . (2)

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 270، عن تفسير القمّي. وقد فسّر الاُجاج بالمرّ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام، في قوله تعالى: «وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ» في تفسير الآية (12) من سورة فاطر (35).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 270، عن تفسير القمّي.

ص: 488

[ 79 ] قوله: «لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» أي: الملائكة. [ 81 ] قوله: «أَنتُم مُدْهِنُونَ» أي: منافقون. [ 86 ] قوله: «فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ» أي: محابّين ولا مجرمين. [ 87 ] قوله: «تَرْجِعُونَهَا» أي: الروح . (1) [ 89 ] قوله: «فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ» أي: راحة. وريحان: رزق . (2) [ 96 ] قوله: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» أي: صلّ وسبّحه ونزّهه . (3)

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 274، عن تفسير القمّي.
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 275 - 276، عن تفسير القمّي.
3- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 276، عن تفسير القمّي .

ص: 489

سورة الحديد (57)

سورة الحديد (57)[مدنيّة، وآياتها تسع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 12 ] عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قوله: «يَوْمَ ترى المؤمنين والمؤمنات يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ»، قال: «إنّ الناس يقسّم النور بينهم يوم القيامة على قدر منازلهم وإيمانهم». (1) [ 13 - 14 ] قوله: «ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً»، قال: «حيث قسّم النور (2) ، قال: فيرجعون، فيضرب بينهم بسور له باب (3) ، فينادون من وراء السور: يا مؤمنين «أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ»... الآيات . ثمّ قال: «واللَّه ما قال ذلك اليهود ولا النصارى، وإنّما عنى بذلك أهل القبلة (4) ». (5) [ 17 ] قوله: «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا»، قال: «العدل بعد الجور». [ 28 ] قوله: «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ» (6)، قال:

.


1- .روى نحوه الحسين بن سعيد في كتابه الزهد، ص 93، ح 249.
2- .في الأصل زيادة: «بين الناس يوم القيامة على قدر إيمانهم، يقسّم للمنافق، فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى، فينظر نوره، ثمّ يقول للمؤمنين: مكانكم حتّى أقتبس من نوركم، فيقول المؤمنون لهم: إرجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً».
3- .كذا في الأصل. وفي «ب» و «ج»: «بالسور».
4- .كذا في الأصل. وفي «ب» و «ج»: «وما عنى إلّا أهل القبلة».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 285، عن تفسير القمّي. وروى نحوه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد، ص 93، ح 249.
6- .في الأصل زيادة: قال: نصيبين من رحمته، أحدهما: أنّ لا يدخله النار، والثانية: أنّ يدخله الجنّة.

ص: 490

«الكفلين: الحسن والحسين عليهما السلام، والنور: الأئمّة». (1) وفي حديث آخر: «النور: عليّ بن أبي طالب عليه السلام » . (2) أقول: الكفل: النصيب، وقيل: الكفل: الأجر، عن ابن عبّاس. (3)

.


1- .وروي الشيخ نحوه في الكافي، ج 1، ص 356، ح 86 .
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 307، عن تفسير القمّي.
3- .راجع جامع البيان لإبن جرير الطبري، ص 27، ص 313 - 314.

ص: 491

الجزء الثامن والعشرون

سورة المجادلة (58)

[الجزء الثامن والعشرون]سورة المجادلة (58)[مدنيّة، وآياتها اثنتان وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 12 ] قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ»...الآية، قال: «قدّم عليّ ديناراً، فناجى عشر مرّات » . (1) [ 22 ] قوله: «وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»، قال: «الإيمان » . (2) [ 4 ] قوله: «فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ»...الآية، قال: «إذا لم يكن ذا فداءٍ». [ 3 ] قوله: «ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا»، قال: «هو الجماع». أقول: وقيل العزم على الجماع، وقيل: يعيدون القول الذي قالوه أوّلاً، وغير ذلك. [ 2 ] قوله: «وإنّهم يقولون مُنكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً»، وهو قوله: أنت عليَّ كظهر اُمّي.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 324 - 325، عن تفسير القمّي. واعلم أنّ الروايات التي تدلّ على أنّ آية النجوى نزلت بشأن أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة، وقد رويت من طرق الخاصّة والعامّة، فراجع مثلاً: سنن الترمذي، ج 5، ص 406، ح 3300؛ غاية المرام، ص 349، ح 4.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 328، عن تفسير القمّي. و روى نحوه في الكافي، ج 2، ص 12، ح 1.

ص: 492

سورة الحشر (59)

سورة الحشر (59)[مدنيّة، وآياتها أربع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 5 ] قوله: «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ»، قال: «كلّ شي ء إلّا العجوة». (1) [ أقول: ] اللينة: هي النخلة الدقلة، نصّ عليه أهل اللّغة، وذكره ابن الجزري في المقامات. (2) [ 2 ] قوله: «هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ»، نزلت في بني النضير حين أجلاهم النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. (3) [ 11 ] قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا» يعني: عبد اللَّه بن اُبيّ، «يَقُولُونَ لِإِخْوَ نِهِمُ» يعني: بني النظير. [ 24 ] وسئل عن «الأسْماءُ الْحُسْنى» فقال: «نحن الأسماء الحسنى، لا يقبل من العباد عبادة إلّا بمعرفتنا» . (4)

.


1- .راجع مجمع البيان للشيخ الطبرسي، ج 9، ص 428.
2- .لم نقف على ما يؤيّد ذلك، ولا على كتاب المقامات.
3- .راجع: المناقب لابن شهر آشوب، ج 1، ص 170.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 337، عن تفسير القمّي .

ص: 493

سورة الممتحنة (60)

سورة الممتحنة (60)[مدنيّة، وآياتها ثلاث عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ»... الآيات، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وقد تقدّم خبره . (1) [ 10 ] قوله: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ»، قال: «نزلت في كلثم بنت عقبة بن أبي معيط، هاجرت من مكّة إلى المدينة وأسلمت، فأمر اللَّه رسوله أنّ يمتحنها. والامتحان: أنّ يقول لها: ما جئت إلّا رغبة في الإسلام، وما جئت بغضاً لزوجك الكافر، ولا رغبةً في رجل منّا» . (2) [ 12 ] قوله: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ»...الآية، فإنّها نزلت يوم فتح مكّة، وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قعد في المسجد لبيعة النساء (3) ، (4) ، وقد تقدّم ذلك. (5)

.


1- .في ضمن تفسير الآيات من سورة التوبة رقم (9).
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 354، عن تفسير القمّي .
3- .في «ب» و «ج»: «فإنّها نزلت في فتح مكّة، فقعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ».
4- .في الأصل زيادة والعبارة هكذا «قعد في المسجد، يبايع الرجال إلى صلاة الظهر والعصر، ثمّ قعد لبيعة النساء، وأخذ قدحاً من ماء، فأدخل يده فيه ثمّ قال للنساء: من أراد أنّ يبايع فليدخل يدها في القدح فإنّي لا أصافح النساء، ثمّ قرأ عليهنّ ما أنزل اللَّه من شروط البيعة عليهنّ فقال: «عَلَى أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ»، فقامت اُمّ حكيم ابنة الحارث بن عبد المطلب فقالت: يا رسول اللَّه، ما هذا المعروف الذي أمرنا اللَّه به أنّ لا نعصيك فيه ؟ فقال: أنّ لا تخمشن وجهاً، ولا تلطمن خدّاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تمزقن جيباً، ولا تسودنّ ثوباً، ولا تدعونّ بالويل والثبور، ولا تقيمنّ عند قبر. فبايعهنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله على هذه الشروط».
5- .تقدّم ذلك في ضمن تفسير الآيات (4 - 6) من سورة التوبة (9)، و في الكافي، ج 5، ص 527، ح 5 .

ص: 494

سورة الصف (61)

سورة الصف (61)[مدنيّة، وآياتها أربع وعشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 9 ] قوله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»... الآية، قال: «يكون بحيث لا يبقى أحد من أهل الأرض إلّا أقرّ بمحمّد، حتّى لا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بالشهادتين بكرة وعشيّاً » . (1) [ 14 ] قوله: «فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ»، قال: «أصبحوا مقبولين » . (2)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 367، عن تفسير القمّي. وروى محمّد بن العبّاس معناه في تأويل الآيات، ج 2، ص 689، ح 9 .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 369، عن تفسير القمّي .

ص: 495

سورة الجمعة (62)

سورة الجمعة (62)[مدنيّة، وآياتها إحدى عشر]بسم الله الرحمن الرحيم[ 11 ] قوله: «وإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً»... الآية، قال: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على المنبر، فاُقبلت تجارة من الشّام (1) ووافق عيداً لليهود، قال: فضربوا بِكُبَرِهِم (2) ، فانصرف قوم قِبَلَ اليهود وقوم قِبَلَ التجارة يبارونها من أجل الرخّص، فنزلت» . (3) [ 8 ] ثمّ قال: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ»... الآية، قال: «بعدّ السنين، ثمّ بعدّ الشهور، ثمّ بعدّ الأيّام، ثمّ بعدّ الساعات، ثمّ بعدّ النفس «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ» (4) » . (5)

.


1- .في «ب» و «ج»: «فأقبل قوم بتجارة».
2- .الكبر: طبل صغير ذو خصر.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 381، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 693، ح 3.
4- .الأعراف (7): 34.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 377، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 3، ص 262، ح 44 .

ص: 496

سورة المنافقون (63)

سورة المنافقون (63)[مدنيّة، وهي إحدى عشر آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] «إِذا جاءَك الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّك لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ»، قال: «نزلت في عبد اللَّه بن اُبِّي (1) ».

.


1- .في الأصل زيادة مايلي: «في غزاة المريسيع، وهي غزاة بني المصطلق، في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله خرج إليها، فلمّا رجع منها نزل على بئر، وكان الماء قليلاً فيها، وكان أنس بن سيار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيراً لعمر بن الخطاب، فاجتمعوا على البئر، فتعلّق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال ابن سيار: دلوي، وقال: جهجاه دلوي، فضرب جهجاه يده. (يده) ليس في «ص». على وجه ابن سيار، فسال منه الدم، فنادى ابن سيار بالخزرج، ونادى جهجاه بقريش، وأخذ الناس السلاح، وكاد أنّ تقع الفتنة، فسمع عبد اللَّه بن اُبي النداء، فقال: ما هذا؟ فأخبروه بالخبر، فغضب غضباً شديداً، ثمّ قال: قد كنت كارهاً لهذا المسير، إنّي لأذلّ العرب، ما ظننت أنّي أبقى إلى أنّ أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير (في «ط»: «تعيير»). ثمّ أقبل على أصحابه، فقال: هذا عملكم، أنزلتموهم منازلكم، وواسيتموهم بأموالكم، ووقيتموهم بأنفسكم، وأبرزتم نحوركم إلى القتل، فأرمل نساؤكم، وأيتم صبيانكم، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالاً على غيركم، ثمّ قال: «لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ»، وكان في القوم زيد بن أرقم، وكان غلاماً قد راهق، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في ظل شجرة في وقت الهاجرة. (أي نصف النهار عند اشتداد الحرّ. لسان العرب، ج 5، ص 25). وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد اللَّه بن أبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: لعلّك وهمت يا غلام؟». فقال: لا واللَّه ما وهمت. فقال: «فلعلّك غضبت عليه؟». قال: لا واللَّه، ما غضبت عليه. قال: «فلعلّه سفه عليك؟». فقال: لا واللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لشقران مولاه: «أحدج، (يقال: أحدج بعيرك، أي شدّ عليه قتبه بأداته. (لسان العرب، ج 2، ص 231). فأحدج راحلته وركب، وتسامع الناس بذلك، فقالوا: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ليرحل في مثل هذا الوقت، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة، فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته. فقال: «و عليك السلام». فقال: ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت؟ فقال: «أو ما سمعت قولاً قاله صاحبكم؟». قال: وأيّ صاحب لنا غيرك يا رسول اللَّه؟ قال: «عبد اللَّه بن اُبيّ، زعم أنّه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ». فقال: يا رسول اللَّه، أنت وأصحابك الأعزّ، وهو وأصحابه الأذلّ. فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يومه كلّه لا يكلّمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد اللَّه بن اُبيّ يعذلونه، فحلف عبد اللَّه بن اُبيّ أنّه لم يقل شيئاً من ذلك، فقالوا: فقم بنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حتّى نعتذر (في «ص»: «تعتذر».) إليه، فلوى عنقه. فلمّا جنّ الليل سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ليله كلّه والنهار، فلم ينزلوا إلّا للصلاة، فلمّا كان من الغد نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم، فجاء عبد اللَّه بن اُبي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فحلف عبد اللَّه أنّه لم يقل ذلك، وأنّه ليشهد أنّ لا إله إلّا اللَّه وأنّك لرسول اللَّه، وأنّ زيداً قد كذب علىَّ. فقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له: كذبت على عبد اللَّه سيّدنا. فلمّا رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله كان زيد معه يقول: اللّهم إنّك لتعلم أنّي لم أكذب على عبد اللَّه بن اُبيّ، فما سار (في «ص»: «ساروا»). إلّا قليلا حتّى أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ما كان يأخذه من البرحاء (أي الشّدّة والمشقّة. لسان العرب، ج 2، ص 410). عند نزول الوحي عليه، فثقل حتّى كادت ناقته أنّ تبرك من ثقل الوحي، فسري عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وهو يسكب العرق عن وجهه (في «ط»: «جبهته»)، ثمّ أخذ باُذُن زيد بن أرقم، فرفعه من الرحل، ثمّ قال: «يا غلام، صدق قولك، ووعى قلبك، وأنزل اللَّه فيما قلت قرآناً». فلمّا نزل جمع أصحابه، وقرأ عليهم سورة المنافقين: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَك الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّك لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» إلى قوله تعالى: «ولكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» (المنافقون (63): 8) . ففضح اللَّه عبد اللَّه بن اُبيّ)».

ص: 497

. .

ص: 498

سورة التغابن (64)

سورة التغابن (64)[مدنيّة، وآياتها ثماني عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 6 ] قوله: «ذلِك بِأَنَّهُ (1) كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ»، قال: «البيّنات: هم الأئمّة الأوصياء التي جاءت بها الرسل» . (2) [ 8 ] قوله: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِى أَنْزَلْنا»، قال: «النور - واللَّه - الأئمّة من الأوصياء، وهم - واللَّه - نور السماوات والأرض، واللَّه لنور الإمام في قلب المؤمن أنور من الشمس المضيئة في النهار، ونحجب نوره عمّن نشاء، فتظلم قلوب المجرمين » . (3) أقول: النور هنا هو القرآن، ويؤيّده قوله: «والنُّورِ الَّذِى أَنْزَلْنا» (4). [ 16 ] قوله: «ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ»، قال: «من أدّى الزكاة فقد وقاه اللَّه شحّ نفسه » . (5)

.


1- .في «ب» و «ج»: «بأنّهم».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 395، عن تفسير القمّي.
3- .الحديث في الأصل هكذا: «حدّثنا عليّ بن الحسين، عن جعفر بن أبي عبد اللَّه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي خالد الكابلي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِى أَنْزَلْنا»، فقال: يا أبا خالد، النور واللَّه الأئمّة من آل محمّد - صلوات اللَّه عليهم - إلى يوم القيامة، وهم واللَّه نور اللَّه الذي أنزل، وهم واللَّه نور اللَّه السماوات و الأرض، وهم واللَّه ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب اللَّه نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، واللَّه يا أبا خالد ! لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهر اللَّه قلبه، ولا يطهر اللَّه قلب عبد حتّى يسلم لنا ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه اللَّه من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر». هذا، وروي نحوه في الكافي، ج 1، ص 150، ح 1 .
4- .التغابن (64): 8.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 400، عن تفسير القمّي. و قد تعرّض ابن العتائقي لبعض كلمات الآية 16، من هذه السورة عند التعليق على تفسير الآية 106 من سورة آل عمران (3) فراجع.

ص: 499

سورة الطلاق (65)

سورة الطلاق (65)[مدنيّة، وآياتها اثنتا عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّه»، قال: «أنفَقَ عليها ما يقيم ظهرها من الطعام والكسوة، وإلّا فرّق بينهما » . (1) [ 2 - 3 ] قوله: «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً»... الآية، قال: ««يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» في دينه «وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» في دنياه. أبى اللَّه إلّا أنّ يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون». [ 10 - 11 ] قوله: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً»، قال: «الذكر، من أسماء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» . (2)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 405 - 406، عن تفسير القمّي.
2- .في الأصل زيادة: «وقالوا: نحن أهل الذكر». ورواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 413، عن تفسير القمّي. وروى معناه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 239، ح 1 .

ص: 500

سورة التحريم (66)

سورة التحريم (1) (66)[مدنيّة، وآياتها اثنتا عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ»... الآية. إشارة إلى عائشة وحفصة بإجماع المفسّرين (2) ، وهذا يبطل قول النواصب: أنّ عائشة أفضل من فاطمة أو مساوية لها. قوله: «وصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»، قال: «علي عليه السلام » . (3) [ 6 ] قوله: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً»، قالوا: كيف نقي أنفسنا وأهلينا يا رسول اللَّه؟ قال: «اعملوا الخير وذكّروا أهليكم، وأدّبوهم على طاعة اللَّه». (4) [ 8 ] قوله: «تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً»، قال عليه السلام: «هو أنّ يتوب العبد ثمّ لا يرجع فيه، وإن أحبّ عباد اللَّه المفتّن التوّاب (5) » . 6

.


1- .راجع: السنن الكبرى، ج 7، ص 353؛ فتح الباري، ج 11، ص 499.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 420، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في تأويل الآيات، ج 2، ص 698، ح 2.
3- .راجع: الكافي، ج 5، ص 62، ح 2 و 3 .
4- .في «ط»: «المتقي التائب». وفي «ب» و «ج»: «أحبّهم إلى اللَّه المتّقون التوّابون».
5- .ما بين المعقوفتين من تفسير البرهان، ج 5، ص 426، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 2، ص 314، ح 4.

ص: 501

الجزء التاسع والعشرون

سورة تبارك (الملك: 67)

[الجزء التاسع والعشرون]سورة تبارك (الملك: 67)[مكّيّة، وآياتها ثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 27 ] قوله: «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيْئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوْا»، قال: «لمّا رأى فلان وفلان منزلة علّي يوم القيامة إذ دفع إليه لواء الحمد لآل محمّد، يحفّه (1) كلّ ملك مقرّب ونبيّ مرسل، فيدفعه إلى عليّ «سِيْئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوْا وقيل هذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ» يعني: أمير المؤمنين بإسمه كنتم تسمّون، أي: تدّعون باسمه ما ليس يصلح لكم». (2)

.


1- .في «ب» و «ج»: «اذا رفع اللَّه لواء الحمد لآل محمّد تحته...».
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 441، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً الكافي، ج 8، ص 288، ح 434.

ص: 502

سورة القلم (68)

سورة القلم (68)[مكّيّة، وآياتها اثنتان وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «ن والْقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ»، عن حسّان الجمّال (1) ، قال: قال لي الصادق عليه السلام ونحن بغدير خمّ: «هاهنا أخذ رسول اللَّه بيد عليّ وقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» وأشار بيده إلى موضع وقال: «وكان هناك خمسة نفر، لمّا قال رسول اللَّه ذلك، مدّوا أعناقهم نحوه وقالوا: إنّه لمجنون». قال: (2) ومن الخمسة؟ قال: «فلان وفلان وفلان وسالم وأبو عبيدة». فقلت: الحمد للَّه الذي أسمعني هذا منك . (3) [ 43 ] قوله: «ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ»، قال: «إذا كان يوم القيامة جعل اللَّه في ظهورهم سفافيد من نار (4) فلا يستطيعون السجود » . (5) [ 4 ] قوله: «وَ إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، قال: «الإسلام». [ 1 - 2 ] وسئل عن قوله: «ن والْقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ»، قال عليه السلام: «أمّا «ن» فإنّه نهر في الجنّة، فقال له: كن مداداً، فجمد النهر، وكان أشدّ بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد».

.


1- .في «ب» و «ج»: «حسين الجمّال».
2- .كذا، والظاهر أنّ الصحيح: «قلت».
3- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 464، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في التهذيب، ج 3، ص 263، ح 746.
4- .السفود، كتنور، والسفود والسفّود - بالتشديد - : حديدة ذات شعب، معقفة، معروف، يشوى عليها اللحم، وجمعه: سفافيد. اُنظر: لسان العرب، ج 3، ص 218.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 461، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً التوحيد للصدوق، ص 349، ح 9.

ص: 503

أقول: وقيل: «ن» الدواة (1) ، وسياق الكلام يدلّ عليه (2) . وأمّا «الْقَلَمِ» فإنّه شجرة في الجنّة، يقال لها: الخلد، فقال اللَّه للقلم: اُكتب، فقال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اُكتب ما كان وما هو كائن، فكتب القلم في رقّ أشدّ بياضاً من الفضّة، وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه فجعله (3) في ركن العرش . (4) [ 13 ] قوله: «عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ»، قال: «العتلّ: عظيم الكفر، والزنيم: المشتهر بكفره 5 » . (5) أقول: الزنيم: ولد الزنا، الملصق بغير أبيه (6) . [ 44 ] قوله: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ»، قال: «اذا أذنب العبد ذنباً جدّد اللَّه له مع ذنبه نعمة ليدع الاستغفار » . (7)

.


1- .للمزيد عن الأقوال الاُخرى في تفسير «ن» راجع تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي، ص 572.
2- .في «ب» و «ج»: «يؤيّده».
3- .العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «فقال اللَّه للقلم: اكتب في رقّ أشدّ بياضاً من الفضّة وأصفى من الياقوت، فقال: يا ربّ، وما أكتب؟ قال: اكتب ما كان وما يكون، فكتب القلم، ثمّ طوى الرقّ فجعله...».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 453 - 454، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه في معاني الأخبار، ص 23، ص 1 وتفسير العيّاشي، ج 1، ص 2، ح 5.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 459، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه في معاني الأخبار، ص 149، ح 1.
6- .في «ب» و «ج»: «المنصف لغير أبيه».
7- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 463، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 327، ح 1.

ص: 504

سورة الحاقة (69)

سورة الحاقة (69)[مكّيّة، وآياتها اثنتان وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 32 ] قوله: «ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ»، قال الصادق عليه السلام: «معاوية صاحب السلسلة، وكان فرعون هذه الاُمّة » . (1) قوله: «سَبْعُونَ ذِراعاً»؛ لا يريد هذا العدد فقط، بل يريد عدداً عظيماً كثيراً جدّاً. [ 4 ] وكذا قوله: «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ»، مراراً كثيرة، لا يريد التثنية فقط، وهذا لغة العرب العرباء. قوله: «فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ» (2)، قال: «رجومها للشياطين » . (3) [ 33 ] قوله: «إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيِمِ»، قال: «معاوية» . [ 19 ] قوله: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ»...الآية، قال: «هو أمير المؤمنين» «وَ أَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» قال: «هو معاوية » . [ 48 ] قوله: «وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» يعني: عليّاً عليه السلام. [ 49 ] قوله: «وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُكَذِّبِينَ»، قال: «يعني الثلاثة». [ 50 ] قوله: «وإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِين» يعني: عليّاً عليه السلام . (4) [ 12 ] قوله: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»، قال: «هو عليّ عليه السلام » .

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 478، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 4، ص 244، ح 1.
2- .الواقعة (56): 75.
3- .إنّ هذه الآية وردت هنا في النسخ و هي من سورة الواقعة. وراجع تفسير الآية (75) من سورة الواقعة (56).
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 480، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 359، ح 91.

ص: 505

سورة سأل سائل (المعارج: 70)

سورة سأل سائل (المعارج: 70)[مكّيّة، وآياتها أربع وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 25 ] قوله: «حقّ معلوم لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» قال: «هو سوى الزكاة (1) ، والمحروم: المحارف (2) الذي قد حرم كدّ يده » . (3) [ 1 ] قوله: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ» قال: «نار تسيل سيل الماء». أقول: هو مشتق من سأل سائل، وله قصّة مذكورة في أسباب النزول » . (4) [ 23 ] قوله: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ»، قال: «الذي يقضي ما فاته في النهار بالليل، وما فاته في الليل بالنهار » . (5)

.


1- .في «ب» و «ج»: «هو الزكاة».
2- .المحارف - بفتح الراء - : المحروم الذي إذا طلب لا يرزق، أو يكون لا يسعى في الكسب، وفي الحديث: «لا تشتر من محارف؛ فان صفقته لابركة فيها». (مجمع البحرين). والمحارف: منقوص الحظ، من لا ينمو له مال. (لسان العرب، ج 9، ص 44) تقول: رجل محارف، أي محدود محروم، وهو خلاف قولك: مبارك.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 489، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 3، ص 499، ح 9.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 482، عن تفسير القمّي. وللاطلاع على قصّة نزول الآية راجع الكافي، ج 8، ص 57، ح 18.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 488، عن تفسير القمّي. و تقدّم نظيره في تفسير الآية (62) من سورة الفرقان (25). وروى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 3، ص 269، ح 12، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الفضيل، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ» (المؤمنون (23): 9)، قال: «هي الفريضة»، قلت: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ»؟ قال: «هي النافلة». وروى الشيخ ابن بابويه في تأويل الآيات، ج 2، ص 724، ح 4، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، بإسناده، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، في قوله عزجل: «إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ»، قال: «اُولئك واللَّه أصحاب الخمسين من شيعتنا» قال: قلت: «والَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ» (المؤمنون (23): 9)؟ قال: «اُولئك أصحاب الخمس صلوات من شيعتنا» قال: قلت: «وأَصْحابُ الْيَمِينِ» (الواقعة (56): 27)؟ قال: «هم واللَّه من شيعتنا». وفي من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، ج 1، ص 497، ح 1425 و 1426، بإسناده، قال الصادق عليه السلام: «كلّما فاتك بالليل فاقضه بالنهار، قال اللَّه تبارك وتعالى: «وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا» يعني: أن يقضى الرجل ما فاته بالليل بالنهار، وما فاته بالنهار بالليل. واقض ما فاتك من صلاة الليل، أي وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة، وإن فاتتك فريضة فصلّها إذا ذكرت، فإنّ ذكرتها وأنت في وقت فريضة اُخرى فصلّ التي أنت في وقتها ثمّ صلّ الصلاة الفائتة». وقال الصادق عليه السلام: «قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون».

ص: 506

. .

ص: 507

سورة نوح (71)

سورة نوح (71)[مكّيّة، وآياتها ثمان وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 28 ] قوله: «رَبِّ اغْفِرْ لِى ولِوالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً»، قال: «يعني الولاية، من دخل فيها دخل في بيوت الأنبياء عليهم السلام » . (1) وقيل: قوله: «بَيْتِىَ»، أي: ديني. [ 23 ] قوله: «ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً»، قال: «كان قوم مؤمنون قبل نوح عليه السلام (2) فماتوا، فشقّ على قومهم، فجاء إبليس فقال: أتّخذ لكم أصناماً على صورهم، فتنظروا إليهم وتأنسوا بهم وتعبدون اللَّه، فاتّخذ لهم أصناماً على مثالهم،فكانوا يعبدون اللَّه وينظرون إلى تلك الأصنام [فلمّا جاءهم الشتاء أدخلوها البيوت] (3) ، فلمّا هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم (4) عبدوها من دون اللَّه » . [ 28 ] قوله: «رَبِّ اغْفِرْ لِى ولِوالِدَىَّ»، قال: «آدم وحواء. وهو في قراءة أهل البيت: (رَبِّ اغْفِرْ لِى ولِولدَيَّ)». (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 502 - 503، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في الكافي، ج 1، ص 350، ح 54 .
2- .في «ب» و «ج»: «يعبدون اللَّه».
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
4- .في هامش «أ» مايلي: «بني إسحاق وإبراهيم وإسماعيل».
5- .روي نحوه في بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج 12، ص 74، عن تفسير العيّاشي.

ص: 508

سورة الجنّ (72)

سورة الجنّ (72)[مكّيّة، وآياتها ثمان وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا»، قال: «هو شي ء قالته الجنّ بجهالة، فقصّه اللَّه كما قالت » . (1) [ 18 ] قوله: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ»، قال: «هم الأوصياء عليهم السلام» . (2) [ 6 ] قوله: «وأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الانْسِ يَعُوذُونَ»...الآية، قال: «كان الرجل يأتي الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان، فيقول: قل لشيطانك: إنّ فلاناً قد عاذ بك » . (3) [ 15 ] قوله: «القَاسِطُونَ»، قال: «الظالمون » .

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 506، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 512، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 352، ح 65 .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 507، عن تفسير القمّي.

ص: 509

سورة المزّمّل (73)

سورة المزّمّل (73)[مكّيّة، وآياتها عشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 8 ] قوله: «وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا»، قال: «رفعك يدك إلى اللَّه وتضرّعك إليه » . (1) وقيل: إنقطع إليه وحده لا شريك له. [ 20 ] قوله: «وأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً»، قال: «هو من غير الزكاة » . (2) أقول: القول عامّ في الزكاة وغيرها من الصدقات، وقد ذكرت في الوجيز تفسير الكتاب العزيز، ماينبغي أن يطالع. [ 4 ] قوله: «وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا»، قال: «التمكث فيه، وتحسن به صوتك (3) » . (4) [ 20 ] قوله: «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ»، قال: «فاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» ولم يوقّته . (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 517، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 2، ص 347، ح 1و ص 348، ح 3.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 520، عن تفسير القمّي.
3- .في الأصل وردت العبارة هكذا: «بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّه هذّ الشعر، ولكن أفزع به القلوب القاسية». والهذّ: سرعة القراءة، كما في لسان العرب، ج 3، ص 517.
4- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 517، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 2، ص 449، ح 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 520، عن تفسير القمّي .

ص: 510

سورة المدّثّر (74)

سورة المدّثّر (74)[مكّيّة، وآياتها ستّ وخمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ»، قال: «وثيابك فقصّر » . (1) [ 6 ] قوله: «وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ»، يقول: «لا تعطي شيئاً تبتغي ثوابه من الناس ، ولا تعمل عملاً تبتغي به إلّا وجه اللَّه» . (2) [ 11 ] وسأله رجل عن ال «وَحِيد»، قال: «ولد الزنا (3) » . (4) [ 30 - 31 ] قوله: «عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ»، قال: «قال أبو جهل: فواللَّه لنأتينّه لكلّ واحد بعشرة، فأنزل اللَّه: «وما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا»» . (5) أقول: قال المتصوّفة: هي الحواسّ الظاهرة العشرة، والباطنة والقوّة العادية الستّ (6) ، والعقل العلمي والعملي. (7) [ 56 ] قوله: «هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ»، قال: «هو أهل أن يتّقى، وأهل أن يغفر». (8)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 523، عن تفسير القمّي. وروى معناه في الكافي، ج 6، ص 455، ح 1 و 2 و ص 457، ح 10 و 11.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 524، عن تفسير القمّي.
3- .في الأصل زيادة: «وهو زفر».
4- .راجع مجمع البيان، ج 9، ص 584.
5- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 525 - 526، عن تفسير القمّي.
6- .في «ب» و «ج»: «العادّة الستّ».
7- .للمزيد عن أقوال العارفين في الآية راجع: شرح الأسماء الحسنى للمولى هادي السبزواري، ج 1، ص 28 - 29.
8- .روى ما يقرب منه التوحيد للشيخ الصدوق، ص 19، ح 6.

ص: 511

سورة القيامة (75)

سورة القيامة (75)[مكّيّة، وآياتها أربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 18 ] قوله: «فَإِذَا قَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»، قال: «اذا بينّاه فاتّبع بيانه » . (1) [ 13 ] قوله: «يُنَبَّؤُا الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأَخَّرَ»، قال: «ما قدّم من عمل، وما أخّر: ما تحمّل من وزر » . (2) أقول: قيل: ما أخّر من مثل وقف على الفقراء، ومثل صدقة يفرّق عليهم، وشبه ذلك. [ 26 - 27 ] قوله: «كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِىَ»، قال: «[ النفس إذا بلغت] (3) الترقوة» «وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ»، قال: «الطبيب [يقال له: من يرقيك؟]. [ 29 ] قوله: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ»، قال: «[ التفّت] الدنيا بالآخرة » . (4) [ 5 ] قوله: «بَلْ يُرِيدُ الانْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ»، قال: «يقدّم الذنب، ويؤخّر التوبة، ويقول: سوف أتوب » . (5)

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 536، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 535، عن تفسير القمّي.
3- .ما بين المعقوفتين من الأصل و كذا فيما بعد.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 540، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 259، ح 32 .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 534، عن تفسير القمّي .

ص: 512

سورة هل أتى (الدهر: 76)

سورة هل أتى (الدهر: 76)[مدنيّة، وآياتها إحدى وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 ] قوله: «إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً»، قال: «إمّا آخذاً فهو شاكر، وإمّا تاركاً فهو كافر » . (1) [ 8 ] قوله: «ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً»، قال: «هو الحرّ والعبد يكون عند قوم يضربونه (2) ، والحرّ يكون في أيدي قوم أو يكون محبوساً» . (3) أقول: هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والقصّة مشهورة » . (4) [ 26 ] قوله: «وسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا»، قال: «صلاة الليل » . (5)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 545، عن تفسير القمّي. ورواه في الكافي، ج 1، ص 124، ح 3.
2- .في «ب» و «ج»: «يضرّون به».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 546 - 547، عن تفسير القمّي.
4- .رواها البحراني في البرهان، ج 5، ص 546، عن تفسير القمّي. وللإطّلاع على بعض الروايات بشأن قصّة الإطعام راجع: الأمالي الصدوق، ص 212، ح 11.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 547 - 548، عن تفسير القمّي.

ص: 513

سورة المرسلات (77)

سورة المرسلات (77) (1)[مكّيّة، وآياتها خمسون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 5 ] «والْمُرْسَلاتِ عُرْفاً»...الآية، قال الصادق عليه السلام: ««الْمُرْسَلات»: الفتن التي تكون. «فَالْعاصِفاتِ»: الآيات يتبع بعضها بعضاً. «والنَّاشِراتِ نَشْراً»، قال: «هو نشر الأموات». «فَالْفارِقاتِ فَرْقاً»، قال: «هو الدابّة تفرق بين الحق والباطل». «فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» قال: «الملائكة التي تلقي الذّكر إلى الرسول والإمام». [ 6 - 7 ] قوله: «عُذْراً أَوْ نُذْراً» أي: أعذر إليكم وأنذركم بما أقول، وهو قسم وجوابه: «إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ». أقول: بما تقدّم خبره. (2) [ 8 ] قوله: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ»، قال: «يذهب نورها وتنتثر » . (3) [ 9 ] قوله: «وإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ»، قال: «تنشقّ». [ 10 ] قوله: «وإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ»، قال: «تقلع». [ 11 ] قوله: «وإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ»، قال: «بعثت في أوقات مختلفة » . 4 [ 18 ] قوله: «كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ»، قال: «بنو اُميّة وبنو فلان » .

.


1- .في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «أي: أقول بما تقدّم خبره، أعذر إليكم بها وأنذركم به، وهو قسم وجوابه: «إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ»».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 558، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 558، عن تفسير القمّي. وروى الطبرسي معناه في مجمع البيان، ج 10، ص 629 .

ص: 514

أقول: يعني بني العبّاس. [ 15و 19 و... ] قوله: «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»، قال: «بأمير المؤمنين والأئمّة » . [ 20 ] قوله: «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» أي: منتن، أي من حقيرٍ رذلٍ . (1) [ 25 - 26 ] قوله: «أَ لَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفاتاً أَحْياءً وأَمْواتاً»، قال: «أي مساكن الأحياء والأموات (2) » . (3) [ 27 ] قوله: «رَواسِىَ شامِخاتٍ»، قال: «جبال مرتفعة». قوله: «وأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً»، قال: «عذباً». [ 30 ] قوله: «انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ»، أي: ظلمة. [ 34 و37 و... ] قوله تعالى: «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»، قال: «فيهم نزلت » . أقول: يعني في الثلاثة. [ 41 ] قوله: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِلالٍ وعُيُونٍ»، قال: «في ظلال من النور (4) ». (5) [ 48 ] قوله: «وإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ»، قال: «إذا قيل لهم: والوا الإمام لم يتولّوه » . 6

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 558، عن تفسير القمّي.
2- .في الأصل زيادة: «وقال: نظر أمير المؤمنين عليه السلام في رجوعه من صفّين إلى المقابر، فقال: «هذه كفات الأموات» أي مساكنهم، ثمّ نظر إلى بيوت الكوفة، فقال: «هذه كفات الأحياء» ثمّ تلا قوله تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفاتاً أَحْياءً وأَمْواتاً»» .
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 558 - 559، عن تفسير القمّي .
4- .في الأصل زيادة: «أنور من الشمس».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 561، عن تفسير القمّي.

ص: 515

الجزء الثلاثون

سورة النبأ (78)

[الجزء الثلاثون]سورة النبأ (78) (1)[مكّيّة، وآياتها إحدى وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»، قال: «النبأ: أمير المؤمنين عليه السلام » . (2) [ 23 ] قوله: «أَحْقاباً»، قال: «الأحقاب: ثمانية وألف سنين (3) ، والحقب: ثمانون سنة (4) ، والسنة: ثلاث مائة وستّون يوماً، واليوم كألف سنة مما تعدّون يلبثون في النار » . (5) [ 38 ] قوله: «وقالَ صَواباً»، قال: «نحن» . قلت: ما تقولون إذا تكلمتم؟ قال: «نحمد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا رّبنا» . (6) [ 40 ] قوله: «كُنتُ تُرَاباً»، قال: «ترابياً، أي: علوياً» (7) . 8

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 565، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 758، ح 2.
2- .«وألف سنين» لم ترد في «ب» و «ج».
3- .في «ط»: «ثمانون سنة»، ويطلق الحقب في اللغة على السنة، وعلى الدهر، وعلى الثمانين سنة.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 569، عن تفسير القمّي. وروي ما يقرب منه في معاني الأخبار: 220، ح 1.
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 570، عن تفسير القمّي. ورواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 361، ح 91.
6- .في الأصل زيادة: «وقال: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قال: المكنّى أمير المؤمنين أبا تراب» .
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 571، عن تفسير القمّي .

ص: 516

سورة النازعات (79)

سورة النازعات (79)[مكّيّة، وآياتها ستّ وأربعون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً»، قال: «نزع الروح من البدن، فإذا نُزعت منه عرق البدن » . (1) [ 2 ] قوله: «والنَّاشِطاتِ نَشْطاً»، قال: «الكفّار ينشطون في طلب الدنيا ويكسلون عن طلب الآخرة». [ 3 ] قوله: «والسَّابِحاتِ سَبْحاً»، قال: «المؤمنون الذين يسبّحون اللَّه » . (2) [ 5 ] قوله: «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْرا»، قال: «الفلك الذي يقع فيه الفيض والأمر والتدبير، فيجري به في الدنيا » . [ 6 - 7 ] قوله: «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ»، قال: «تنشق الأرض بأهلها. والرجفة: الصيحة، و «الرَّادِفَةُ»: النفخة الثانية» . (3) [ 8 - 14 ] قوله: «قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ» أي: خائفة. والزجرة: النفخة الثانية في الصور. «والّساهِرَة»: موضع بالشام عند بيت المقدس . 4

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 574، عن تفسير القمّي.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 575، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 576، عن تفسير القمّي .

ص: 517

أقول: الساهرة: هي أرض القيامة. [ 20 ] قوله: «فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى»، قال: «فيرون جبرئيل في صورته على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل، له ستمائة جناح، قد ملأ مابين السماء والأرض » . (1) [ 25 ] قوله: «فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآْخِرَةِ والاُولى»؛ «النكال: العقوبة في الآخرة، و «الآْخِرَة» هو قوله: «أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلى»، (2) و «الاُولى» قوله: «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِى» (3)، فأهلكه اللَّه بهذين القولين . (4) [ 29 ] قوله تعالى: «وأَغْطَشَ لَيْلَها»، قال: «أظلم». قوله: «وأَخْرَجَ ضُحاها»، قال: «الشمس». [ 30 ] قوله: «والارْضَ بَعْدَ ذلِك دَحاها»، قال: «بسطها» . (5) [ 32 ] «والْجِبالَ أَرْساها» أي: أثبتها، أي رفعها . (6) أقول: بل رمسها في الأرض، وأدخل بعضها فيها. [ 34 ] قوله: «الطَّامَّةُ الْكُبْرَى»، قال: «الوقوف في القيامة». [ 42 ] قوله: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا»، قال: «متى تقوم؟ (7) ». [ 43 - 44 ] قوله: «فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا»، قال: «فيما ذكرت لك أن يكون، فقال اللَّه: «إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا»، قال: منتهى علمها إلى اللَّه » . (8) [ 46 ] قوله: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا» قال: «يوماً أو بعض يوم » . 9

.


1- .أنّ ما ذكره المؤلّف قد تقدّم معناه في بيان الآية (18) من سورة النجم (53)، قوله تعالى: «لَقَدْ رأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى»، وقد ذكرنا ما يتعلّق به هناك، فراجع.
2- .النازعات (79): 24.
3- .القصص (28): 38.
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 577، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً مجمع البيان، ج 10، ص 656 .
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 578، عن تفسير القمّي.
6- .في «ب» و «ج»: «حين تقوم».
7- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 579، عن تفسير القمّي.
8- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص،579، عن تفسير القمّي.

ص: 518

سورة عبس (80)

سورة عبس (80) (1)[مكّيّة، وآياتها تسع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «عَبَسَ وتَوَلَّى»، قال: «نزلت في عثمان «أَنْ جاءَهُ الاعْمى»: ابن اُمّ مكتوم، وكان مؤذّن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله » . (2) [ 13 - 16 ] قوله: «فِى صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ»، قال: «عند اللَّه» «مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ»، قال: «بأيدي الأئمّة» «كِرامٍ بَرَرَةٍ» ، قال: «نزلت في الأئمّة» . (3) [ 17 ] قوله: «قُتِلَ الإنْسانُ ما أَكْفَرَهُ»، قال: «الإنسان هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «ما أَكْفَرَهُ» أي: ماذا فعل وأذنب حتّى قتلوه؟ » . 4 أقول: قوله: «الإنْسانُ» يراد به الجنس، وهي قضيّة مهملة، تصدق كلّية وجزئيّة، والجزئيّة لابدّ منها، فقال: «ما أَكْفَرَهُ» حتّى قتل؟.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 582، عن تفسير القمّي. و راجع أيضاً مجمع البيان، ج 10، ص 664 .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 583، عن تفسير القمّي. وروي نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 763، ح 1.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 583 - 584، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 764، ح 2 .

ص: 519

سورة اذا الشمس كوّرت (التكوير: 81)

سورة اذا الشمس كوّرت (التكوير: 81)[مكّيّة، وآياتها تسع وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 8 - 9 ] قوله: «وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»، قال: «هي مودّتنا، وفينا نزلت » . (1) [ 24 ] قوله: «وما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ (2) » قال: «أي بمُتَّهَمٍ». أقول: وقرئت: (بضنين) بالضاد، أي ببخيل. (3) [ 19 ] قوله: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» يعني: «رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله » . (4) أقول: بل المراد جبرئيل، فإنّ القرآن ليس قول محمّد صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 593، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 766، ح 6 و 7 و9 .
2- .وفي المصحف الشريف: «بِضَنينٍ» بالضاد.
3- .للأقوال في قرآئة الآية راجع بحار الأنوار، ج 9، ص 169 .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 596، عن تفسير القمّي. وروى نحوه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 770، ح 17 .

ص: 520

سورة إذا السماء انفطرت (الانفطار) (82)

سورة إذا السماء انفطرت (الانفطار) (82)[مكّيّة، وآياتها تسع عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ»، هي كلّها أشراط القيامة. [ 5 ] قوله: «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ»، قال: «إنّها نزلت في الثاني [ يعني: ما قدّمه] (1) من ولاية أبي فلان (2) ». [ 9 ] قوله: «كلّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ» أي: بالولاية (3) .

.


1- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
2- .في الأصل زيادة: «ومن ولاية نفسه، وما أخّره (في المصدر: «أخّرت») من ولاة الأمر من بعده».
3- .في الأصل زيادة: «فالدين هو الولاية».

ص: 521

سورة المطفّفين (83)

سورة المطفّفين (83) (1)[مكّيّة، وآياتها ستّ وثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 29 و 34 ] سئل الصادق عليه السلام عن قوله: «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا»...الآيات، قال: «نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام والذين استهزأوا به، وذلك أنّ عليّاً مرّ ببني كعب وغيرهم من المنافقين، فقال اللَّه: «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ» يعني عليّاً» . 2

.


1- .روى معناه البحراني في تفسير البرهان، ج 5، ص 612، عن تفسير القمّي.

ص: 522

سورة اذا السماء انشقّت (الانشقاق: 84)

سورة اذا السماء انشقّت (الانشقاق: 84) 1[مكّيّة، وآياتها خمس وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 - 9 ] قوله: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» إلى قوله: «مَسْرُورًا»، قال الصادق عليه السلام: «أي: إلى أهله في الجنّة» . [ 14 ] قوله: «يَحُورَ» أي: يرجع إلى ربّه . [ 19 ] قوله: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»، قال صلى اللَّه عليه وآله: «لتركبنّ سنّة من كان قبلكم، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة». وقال: «هي السنن والأمثال تجري عليكم كما جرت على من كان قبلكم من التدمير وغيره». [أقول:] وقال أكثر المفسّرين: الطبق الشدة، أي شدّة بعد شدّة، وقيل: حالاً بعد حال، وقيل: منزلة وطبقة عن طبقة، أي من كان على صلاح دعى إلى صلاح قومه، وبالعكس. وقيل: خبراً عن عمل، وقيل: لتصيرن إلى الآخرة من الدنيا » .

.

ص: 523

سورة البروج (85)

سورة البروج (85)[مكّيّة، وآياتها اثنتان وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ»، قال: «سمعت أبا عبد اللَّه يقرأ: (قُبِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ) من القبول (1) » . (2) [ 3 ] قوله: «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ»، قال: «الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة ». (3)

.


1- .في «ب»: «قال: سمعت أبا عبد اللَّه يقرأ: (قُبِرَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ) من القبور ». وكلا القراءتين وأصل الحديث لم نقف عليه.
2- .للمزيد عن قصّة أصحاب الأخدود راجع: بحار الأنوار، ج 14، ص 440، ح 5.
3- .روى نحوه في معاني الأخبار، ص 299، ح 3 و 5 و 6.

ص: 524

سورة الطارق (86)

سورة الطارق (86) (1)[مكّيّة، وآياتها سبع عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ»، قال: ««الصُّلْب» للرجل، و «التَّرائِب» للمرأة (2) » . (3) [أقول:] عن ابن عبّاس: أصل الترائب: أعلى الصدر (4) ، وقيل: بين الثديين (5) . [ 9 ] قوله: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ»، قال: «يظهرها اللَّه » . 6 [ 11 - 12 ] «والسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» قال: «ذات المطر «والارْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» أي: ذات النبات 7 » . 8

.


1- .في «ص»: «الرجل، والترائب: المرأة». وفي «ب» و «ج»: «أي: ترائب المرأة وصلب الرجل».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 631، عن تفسير القمّي.
3- .مجمع البحرين، ج 1، ص 284 .
4- .لسان العرب، ج 1، ص 230 .
5- .في الأصل زيادة: «وهو قسم، وجوابه: «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ» يعني: ماض، أي قاطع «وما هُوَ بِالْهَزْلِ» أي: ليس بالسخرية «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً» أي: يحتالون الحيل «وأَكِيدُ كَيْداً» فهو من اللَّه العذاب «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً»، قال: دعهم قليلاً».

ص: 525

سورة الأعلى (87)

سورة الأعلى (87) (1)[مكّيّة، وآياتها تسع عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قوله: «والَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعى»، قال: «أي النبات». [ 5 ] قوله: «فَجَعَلَهُ» بعد إخراجه «غُثاءً أَحْوى»، قال: «يفسد». [ 6 ] قوله: «سَنُقْرِئُك فَلا تَنْسى» أي: سنعلّمك وننزل عليك . (2) [ 14 ] قوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى»، قال: «[زكاة الفطرة، إذا أخرجها قبل صلاة العيد ] (3) تطهّر من (4) الذنوب» . 5

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 636، عن تفسير القمّي .
2- .ما بين المعقوفتين من الأصل.
3- .في «ب» و «ج»: «عن».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 637، عن تفسير القمّي. وروى نحوه في التهذيب، ج 2، ص 159، ح 625 .

ص: 526

سورة الغاشية (88)

سورة الغاشية (88) (1)[مكّيّة، وآياتها ست وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 5 - 6 ] قوله: «تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ»، قال: «عين في جهنّم، لها أنين من شدّة حرّها». قوله: «لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلّا مِنْ ضَرِيعٍ»، قال: «ما يخرج من فروج الزواني». [أقول:] وقال المفسّرون: هو نبت بالحجاز، يقال له: الشبرق. (2) [ 22 ] قوله: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ»، قال: «لست بمأخوذ بهم » . 3

.


1- .للمزيد عن الأقوال في معنى الضريع راجع: مجمع البحرين، ج 6، ص 79 (ضرع).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 645، عن تفسير القمّي. وفيه: «قال: لست بحافظ ولا كاتب عليهم».

ص: 527

سورة الفجر (89)

سورة الفجر (89)[مكّيّة، وآياتها ثلاثون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 25 - 26 ] قوله: «فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ»، قال أبو جعفر عليه السلام: «هو الثاني (1) » . (2) [ 27 ] قوله: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ»...الآية، قال: «نزلت في عليّ عليه السلام » . (3) [ 23 ] قوله: «وَجِى ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى»، قال أبو جعفر عليه السلام: «لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله (4) ، فقال: أخبرني الروح الأمين، إنّ اللَّه لا إله غيره إذا أوقف الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين، أتَى بجهنّم وهي تُقاد بألف زمام، مع كلّ زمام مائة اُلف ملك من الغلاظ الشداد (5) ، لها هدّة (6) وغضب وزفير وشهيق، وإنّها لتزفر الزفرة، فلولا أنّ اللَّه أخّرهم للحساب لأهلكت الجمع، ثمّ يخرج منها عنق يحيط بالخلائق؛ البرّ منهم والفاجر، فما خلق اللَّه عبداً من عباد اللَّه، ملكاً ولا نبيّاً، إلّا وهو ينادي: نفسي، نفسي، وأنت يا نبيّ اللَّه تنادي: اُمّتي، اُمّتي، ثمّ يوضع عليها الصراط، أدقّ من حدّ السيف، عليها ثلاث قناطر، فأمّا واحدة فعليها الأمانة والرحم، والثانية فعليها الصلاة، وأمّا الثالثة: فعليها عدل ربّ العالمين، لا إله غيره. فيكلّفون بالممرّ عليها،

.


1- .في «ب» و «ج»: «ذلك هو الثاني».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 656، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 657، عن تفسير القمّي. وراجع الكافي، ج 3، ص 127، ح 2.
4- .في «ب» و «ج»: «سئل عن ذلك النبي».
5- .في «ب» و «ج»: «مع كلّ زمام ملك من الغلاظ الشداد».
6- .في «ب» و «ج»: «هدير».

ص: 528

فتحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منهما حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين، وهو قوله: «إِنَّ رَبَّك لَبِالْمِرْصادِ». والناس على الصراط؛ فمتعلّق بيد وتزلّ قدم، ومستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون: يا حليم اُعف واصفح، وعد بفضلك، وسلّم سلّم، والناس يتهافتون في النار كالفراش، فإذا نجا ناجٍ برحمة اللَّه نظر إليها وقال: الحمد للَّه الذي نجّانا منك بعد يأس، بفضله ومنّه. اللهمّ يا دائم يا ديموم، يا حيّ ياقيوم، ياذا الجلال والإكرام، ياقديم الإحسان، يا أرحم الراحمين، نجّنا منها سالمين، ياربّ العالمين بمحمد وآله الطاهرين» . (1)

.


1- .أشار إليه البحراني في البرهان، ج 5، ص 653. وروى ما يقرب منه الشيخ الصدوق في الأمالي، ص 148، ح 3.

ص: 529

سورة البلد (90)

سورة البلد (90)[مكّيّة، وآياتها عشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ»، قال الصادق عليه السلام: «كان أهل الجاهلية يعظّمون الحرم، ويقسمون به، ولا يتعرّضون لمن كان فيه، ولا يخرج منه دابّة ولا غيرها، فقال اللَّه: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» قال: يعظّمون البلد، ويقسمون به، ويستحلّون فيه حرمة النبي صلى اللَّه عليه وآله» . (1) [ 11 - 13 ] قوله: «فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ»، قال: «نحن العقبة، لا يصعد إلينا إلّا من كان منّا» . ثمّ قال: «ألا أزيدك فيها حرفاً هو خير لك من الدنيا وما فيها؟». قلت: بلى، جعلت فداك. قال: ««فَكُّ رَقَبَةِ»، الناس مماليك النار كلّهم، غيرك وأصحابك، فُكِكْتُم منها». قلت: جعلت فداك، بماذا فُكِكْنَا منها؟ قال: «بولايتكم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام» . (2) أقول: بولايته وولاية الأحد عشر من ولده أئمّة المؤمنين، وإلّا دخل فيه الزيدية والإسماعيلية والغلاة وغيرهم ممن يُنسب إلى الولاية والشيعة، مع أنّ كلّهم على ضلالة بالبراهين القاطعة والدلائل القاهرة. [ 4 ] قوله: «لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسانَ فِى كَبَدٍ»، قال: «منتصبا، وخلق كلّ شي ءٍ منكبّاً» . (3)

.


1- .روي معناه في الكافي، ج 7، ص 450، ح 4.
2- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 666، عن تفسير القمّي.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 660، عن تفسير القمّي.

ص: 530

أقول: هذا ليس تفسيراً لهذه الآية؛ فإنّ قوله: «فِى كَبَدٍ» أي: في شدّة ومكابدة لأمور الدنيا، وهذا المعنى ربما ينطبق على قوله: «فِىِ أحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (1)أي: أحسن خلقة؛ لأنّه يجمع جميع الموجودات كلّها، فكيف يكون هذا التفسير منطبقا عليه؟.

.


1- .التين (95): 4 .

ص: 531

سورة والشمس (91)

سورة والشمس (91)[مكّيّة، وآياتها خمس عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 8 ] قوله: «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها»، قال: «بيّن لها ما تأتي وما تترك». (1) [ 9 - 10 ] قوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها» قال: «من أطاع» (2) . قوله: «وقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» قال: «من عصى » .

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 672، عن تفسير القمّي.
2- .في هامش «ج»: «أي: من طهّرها من الذنوب والمعاصي وأصلحها بصلة الرحم وعمل الطاعات». وقد تقدّم نظير هذا المعنى في تفسير الآية (14) من سورة الأعلى (87).

ص: 532

سورة الليل (92)

سورة الليل (92)[مكّيّة، وآياتها إحدى وعشرون]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»، قال: «أقبل بظلامه». [ 2 ] قوله: «وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»، قال: «أضاءَ وبانَ». [ 3 ] قوله: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى»، قال: «ومن خلق»، وقيل: ما يصدر منه. [ 4 ] قوله: «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى»، قال: «عملكم مختلف، فمصدّق ومكذّب». سئل عن قوله: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى»، قال: «إنّما هو (واللَّه خلق الذّكر والاُنثى)». [ 5 - 6 ] قوله: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى». (1) قيل: عليّ عليه السلام. و «الْحُسْنى» حديقة نخل بالمدينة وكان بها رجل غني له نخلة في دار مؤمن فقير ذي أطفال، وكان صاحبها إذا خرصها ووقع من تمرها شي ء و التقطه الأطفال، فيدخل يده في فم الطفل ويأخذ التمرة منه، فشقّ ذلك على الفقير، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله، فأحضر الغني بعد أن ذهب الفقير، واستامها منه بنخلة في الجنّة، فأبى. فلم يزل يزده نخلة بغد اُخرى إلى عشر، فلم يجبه. قال: لا أبيعها إلّا بشي ء لا أظنه أعطاه في الدنيا، وهي الحسنى التي لعليّ عليه السلام، فعلم بذلك عليّ، فجاء إلى الغني واشترى منه تلك النخلة بالحسنى، وجاء إلى النبي وقال: إنّي جعلتها للفقير، فأرسل النبي إلى الفقير، وقال له: أرى أنّ النخلة قد صارت لك. فنزل جبرائيل عليه السلام بالآيات، فقرأها النبي على عليّ وبشّره بالجنّة، ومن أسماء الجنّة: الْحُسْنى.

.


1- .وردت العبارة في النسخ بصورة مختلفة، ونوردها هنا على ما في «ج»: «وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى».

ص: 533

«وأَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنى» يعني: صاحب النخلة «وما يُغْنِى عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى» في النار، يعني ذلك المنافق. (1) [ 8 ] قوله: «وأَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنى»...الآية، نزلت في الآخر. [ 14 ] قوله: «فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى»...الآية، قال: «نار في جهنّم لايصلاها إلّا اُولئك » . (2)

.


1- .ولقد وردت العبارة في نسخة «أ» باختزال أضرّ بالمقصود، تصحيحها كما يلي: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى»... الآيات، قال: إنّ رجلاً كان لرجل في حائطه نخلة، وكان يدخل عليه بغير إذن، فأتى النبي فقال: إنّ في حائطي نخلة لسمرة بن جندب، وهي تضرّني، وأردت أن أخرج بعيالي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله لسمرة: «أعطيك بدل نخلتك هذه نخلة في الجنّة». فأبى أن يرضى، فبلغ أبا الدحداح، فأتى صاحب النخلة فقال: أعطيك حائطي بدل هذه النخلة، قال: نعم، فأعطاه حائطه وأخذ النخلة، وأتى إلى النبي فقال: أعطيك هذه النخلة وتعطيني نخلة في الجنّة، قال نعم، فنزلت الآية فيه. وقد دلّت الرواية على قاعدة هامة استفادها العلماء من هذه القصّة، وهي قاعدة نفي الضرر والضرار في الإسلام. ورواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 677، عن تفسير القمّي. وروى نحوه عبد اللَّه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد، ص 156، كما روى مثله الكليني في الكافي، ج 4، ص 46، ح 5 .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 678، عن تفسير القمّي.

ص: 534

سورة الضحى (93)

سورة الضحى (93)[مكّيّة، وآياتها إحدى عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «ووَجَدَك ضَالا فَهَدى»، قال: «ناسياً فأذكرك » . وفي حديث آخر: «ضالاًّ في قوم لا يعرفون فضل نبوّتك، فهداهم اللَّه بك». (1) أقول: الوجه الثاني خير من الأوّل. ويحتمل وجه ثالث، وهو: أن يكون المعنى: ووجدك ضالاًّ عن النبوّة فهداك إليها، أي: عن شريعة الإسلام، والكلام في الآية خارج مخرج الإمتنان والتذكير بالنعم، ومن ذهب إلى أنّه يريد الذهاب عن الدين، فهو كفر. ويحتمل وجه رابع، وهو أن يكون المراد: الضلال عن المعيشة وضيق المكسب، يقال لمن لا يهتدي إلى وجه كسبه وطريق معاشه: ضالّ. ويحتمل وجه خامس، وهو أن يكون الضلال، المراد به: ووجدك ضالاًّ في مكّة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلّمك، وهو جيّد، لولا أنّ الآية مكّيّة، إلّا أن تحمل «وجدك» على «سيجدك». ويحتمل وجه سادس، وهو أن يكون المعنى...، (2) وقد ذكر قريباً. وروي في هذه الآية الرفع، فقرئ: (يتيمٌ فآوي) إليك، و (ضالٌ فهدي) على أنّ

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 684، عن تفسير القمّي. وروى معناه الشيخ الصدوق ابن بابويه في معاني الأخبار، ص 52، ح 4؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 199، ح 1.
2- .محل النقط كلمات لا تقرأ.

ص: 535

اليتيم والضالّ وجدا (1) . وهو ضعيف. (2) [ 8 ] قوله: «ووَجَدَك عائِلا فَأَغْنى»، قال: «بخديجة» . (3) [ 11 ] قوله: «فحدّث»، قال: «أمره بأن يحدّث بما أنعم اللَّه عليه في دينه» .

.


1- .أشار إلى هذه القراءة وضعّفها السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء، ص 151. وانظر: بحار الأنوار، ج 17، ص 92.
2- .ورد في هامش «ج» هنا ما يلي: «(ألم يجدك يتيما فآوى)، أي: هداك إلى عبد المطلب وإلى عمّك أبي طالب، وكان عليه السلام يسمّى يتيم أبي طالب، وقد خطب خديجة وساق صداقها، وقال في خطبته: الحمد للَّه الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذريّة إسماعيل وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثمّ إنّ ابن أخي هذا - يعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ممن لا يوزن برجل من قريش إلّا رجح به، ولا يقاس به رجل إلّا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاً في المال، فإنّ المال رفد جار، وظلّ زائل، وله في خديجة رغبة، ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله [وهنا كلمات لا تقرأ]. وقد نقل نصّ الخطبة الشيخ الكليني في الكافي، ج 5، ص 374 - 375.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 684، عن تفسير القمّي و راجع معاني الأخبار، ص 52، ح 4 .

ص: 536

سورة الانشراح (94)

سورة الانشراح (94)[مكّيّة، وهي ثمان آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «ووَضَعْنا عَنْك وِزْرَك»، قال: «وزر الحرب». [ 4 ] قوله: «ورَفَعْنا لَك ذِكْرَك»، قال: «تذكر معي في الأذان». (1) [ 8 ] قوله: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ»، قال: «الدعاء في الصلاة بعد التسليم». وقال أيضاً: ««فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» أي: إرجع، ونزلت عليه في غزاة تبوك». أقول: وقرئ: «فانصب عليّاً عليه السلام للإمامة » . (2)

.


1- .روى معناه في المناقب لابن شهر آشوب، ج 3، ص 23.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 690، عن تفسير القمّي. ورويت هذه القراءة في تأويل الآيات، ج 2، ص 812، ح 5 .

ص: 537

سورة التين (95)

سورة التين (95)[مكّيّة، وهي ثمان آية]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ»، قال الصادق عليه السلام: «الحسن والحسين عليهما السلام».«وَطُورِ سِينِينَ» قال: «أمير المؤمنين عليه السلام». [ 7 ] قوله: «فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ»، قال: «ذلك أمير المؤمنين عليه السلام » . (1) [ 6 ] قوله: «فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ»، قال: «إنّ الرجل اذا كبر وضعف عن العمل الذي كان يعمله، كتب اللَّه له ما كان يعمل».

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 694، عن تفسير القمّي. ورواه فرات الكوفي في تفسيره، ص 577، ح 742 و 745.

ص: 538

سورة إقرأ باسم ربّك (العلق: 96)

سورة إقرأ باسم ربّك (العلق: 96)[مكّيّة، وآياتها تسع عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 9 - 10 ] قوله: «أَ رَأَيْتَ الَّذِى يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى»، قال: «هو أبو جهل وصاحب الناصية الكاذبة الخاطئة».

.

ص: 539

سورة إنّا أنزلناه (القدر: 97)

سورة إنّا أنزلناه (القدر: 97)[مكّيّة، وآياتها خمس]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 - 4 ] عن حمران قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» أيّ شي ء عنى بهذا؟ قال: «العمل الصالح فيها من الصلاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر» (1) . قلت: فما معنى «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإذِنِ رَبِّهِم» قال: «تنزّل من لدن العرش ما يقضى في تلك السنة من شي ء إلى الكتاب في السّماء الدنيا».

.


1- .قد تقدّم ما يتعلّق بمعنى هذه السورة في تفسير الآية (20) من سورة لقمان (31)، فراجع.

ص: 540

سورة لم يكن (البيّنة: 98)

سورة لم يكن (البيّنة: 98)[مدنيّة، وآياتها ثمان]بسم الله الرحمن الرحيم[ 7 ] قوله: «أُولئِك هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «عليّ وشيعته يقدمون علىَّ غرّاً محجّلين» . (1)

.


1- .روى معناه البحراني في البرهان، ج 5، ص 723، عن تفسير القمّي. وروى معناه في تأويل الآيات، ج 2، ص 832، ح 5؛ و الأمالي الطوسي، ج 1، ص 257.

ص: 541

سورة الزلزلة (99)

سورة الزلزلة (99)[مدنيّة، وآياتها ثمان]بسم الله الرحمن الرحيم[ 3 - 4 ] قوله: «وقالَ الانْسانُ ما لَها»...الآيات، قال أمير المؤمنين عليه السلام: ««يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» (1): تحدّثه الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ».

.


1- .في النسخ بدل هذه الآية ما يلي: «هذه الآية».

ص: 542

سورة العاديات (100)

سورة العاديات (100)[مكّيّة، وآياتها إحدى عشرة]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «والْعادِياتِ ضَبْحاً»... الآيات، قال: «هذه السورة نزلت في أمير المؤمنين لمّا بُعث في غزاة إلى قوم، فظفر بهم، فردّهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في السلاسل » . (1) [ 6 ] قوله: «إِنَّ الانْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» أي: لكفور . (2)

.


1- .وهم أهل الوادي اليابس، وقد ذكر عليّ بن إبراهيم قصتهم مفصّلاً في تفسيره فراجع الأصل. هذا، وروى معناه محمّد بن العبّاس في تأويل الآيات، ج 2، ص 841، ح 3.
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 732 - 736، عن تفسير القمّي.

ص: 543

سورة القارعة (101)

سورة القارعة (101)[مكّيّة، وآياتها إحدى عشر]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «الْقارِعَةُ»، قال: «أمرٌ عظيم يفزعهم (1) ». أقول: «الْقارِعَةُ» اسم من أسماء يوم القيامة. [ 5 ] قوله: «كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ»، قال: «العهن: الصوف». أقول: قوله: «الْعهن»: الصوف، فيه نظر، الصوف المصبوغ المنفوش. [ 9 ] قوله: «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ»، قال: «اُمّ رأسه تهوي في النار». (2)

.


1- .في «ب»: «يقرعهم».
2- .روى معناه الصدوق في علل الشرائع، ص 466، ح 21.

ص: 544

سورة ألهاكم التكاثر (102)

سورة ألهاكم التكاثر (102)[مكّيّة، وآياتها ثمان]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ» أي: شغلكم كثرة المال عن ذكر الموت «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ» أي: لم تزوروا المقابر (1) . (2)

.


1- .في الأصل زيادة: «ولم تذكروا الموت».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 746، عن تفسير القمّي.

ص: 545

سورة والعصر (103)

سورة والعصر (103)[مكّيّة، وآياتها ثلاث]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 2 ] قوله: «والْعَصْرِ إِنَّ الانْسانَ لَفِى خُسْرٍ»، قال: قرأ أبو عبد اللَّه عليه السلام: «(والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، وإنّه فيه إلى آخر الدهر، إلّا الذين آمنوا وائتمروا بالتقوى وائتمروا بالصبر)» قال: «هكذا نزلت» . (1)

.


1- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 753، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه في مجمع البيان، ج 10، ص 436، أنّها قراءة خاصّة رؤيت عن عليّ والصادق عليهما السلام .

ص: 546

سورة الهمزة (104)

سورة الهمزة (104)[مكّيّة، وآياتها تسع]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ»، قال: «نزلت في الأغنياء الذين يهمزون (1) على الفقراء إذا ذهبوا إليهم» . (2) [ 4 ] قوله: «كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ»، قال: «يلقى». والحطمة: النار التي تحطم كلّ شي ء. [ 7 ] قوله: «تَطَّلِعُ عَلَى الافْئِدَةِ»، قال: «تلتهب على الفؤاد». أقول: هذا يدل على العذاب الروحاني ؛ لأنّه أشدّ من الجسماني. (3)

.


1- .الهامز والهمّاز: العياب. والهمزة: الذي يخلف الناس من ورائهم ويأكل لحومهم، وهو مثل العُيَبَة، يكون ذلك بالشِّدْق والعين والرأس لسان العرب، ج 5، ص 426 (همزه).
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 756، عن تفسير القمّي.
3- .قلت: ولا منافاة في الجمع بينهما، كما لا دلالة فيه على نفي العذاب الجسماني الذي هو صريح آيات عديدة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً» (النساء (4): 56) وقوله: «يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَاكُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» (التوبة (9): 35) وقوله: «هذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» (الحجّ (22): 19 - 21).

ص: 547

سورة ألم ترَ (الفيل: 105)

سورة ألم ترَ (الفيل: 105)[مكّيّة، وآياتها خمس]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 5 ] قوله: «أَ لَمْ تَرَ»...الآية، نزلت في الحبشة حين أرادوا هدم الكعبة (1)«وأَرْسَلَ» اللَّه «عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ» (2) قال: كانت تجي ء ومعها ثلاثة أحجار، فترميهم (3) فتنقض أبدانهم، فكانوا كما قال اللَّه: «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» قال: «العصف: التبن، والمأكول: هو الذي يبقى من فضله». قال الصادق عليه السلام: «وأهل الجدري من ذلك أصابهم الذي أصابهم في زمانهم جدري » . (4)

.


1- .في الأصل زيادة: «فلمّا أدنوه من باب المسجد، قال له عبد المطّلب: أ تدري أين يؤمّ بك؟ فقال برأسه: لا. قال: أتوا بك لتهدم كعبة اللَّه، أ تفعل ذلك؟ فقال برأسه: لا. فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فأبى، فحملوا عليه بالسيوف وقطّعوه».
2- .في الأصل زيادة: «قال: بعضها على أثر بعض».
3- .في الأصل زيادة: «حجر في منقاره، وحجران في رجليه» (في «ط»: «مخاليبه») وكانت ترفرف على رؤوسهم، وترمي أدمغتهم، فيدخل الحجر في دماغ الرجل منهم، ويخرج من دبره».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 763 - 764، عن تفسير القمّي.

ص: 548

سورة لإيلاف (قريش: 106)

سورة لإيلاف (قريش: 106)[مكّيّة، وآياتها أربع]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»، قال: «كانت لقريش رحلتان في كلّ سنة إلى الشام، وكان معاشهم من ذلك (1) » . (2) أقول: عند أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ الاثنين هنا واحد (3) ، لا يجوز قراءة واحدة في الصلاة ولا الإحرام.

.


1- .في الأصل زيادة: «رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، وكانوا يحملون من مكّة الأدم واللب (أي الجوز واللّوز ونحوهما، وقد غلب على ما يؤكل داخله ويرمى خارجه. (أقرب الموارد، ج 2، ص 1123. وفي «ط»: «اللباس» بدل «واللب»)، وما يقع من ناحية البحر من الفلفل وغيره، فيشترون بالشام الثياب والدرمك (أي الدقيق الأبيض. المعجم الوسيط، ج 1، ص 282) والحبوب، وكانوا يتآلفون في طريقهم، ويثبتون (في «ط»: «يترتّبون» وفي «ج»: «يرتّبون») في الخروج في كلّ خرجة (في «ط» و «ج»: «ناحية») رئيسا من رؤوساء قريش، وكان معاشهم من ذلك، فلمّا بعث اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وآله استغنوا عن ذلك، لأنّ الناس وفدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وحجّوا إلى البيت، فقال اللَّه: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام «وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» يعني خوف الطريق» .
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 766، عن تفسير القمّي.
3- .يعني سورتي الفيل ولإيلاف. وراجع مستدرك الوسائل للميرزا النوري، ج 4، ص 163 - 164، باب أنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذا الفيل ولإيلاف، فإذا قرئ إحداهما في ركعة في الفريضة، قرئ الاُخرى معها.

ص: 549

سورة أ رأيت (الماعون) (107)

سورة أ رأيت (الماعون) (107)[مكّيّة، وآياتها سبع]بسم الله الرحمن الرحيم[ 5 ] قوله: «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ»، قال الصادق عليه السلام: «عنى به تركها والتواني عنها (1) ». (2) [ 7 ] وسئل عن «الْماعُونَ» قال: «ما يتعاطى الناس بينهم من المتاع والمرافق التي يستعيرها بعضهم من بعض». وعنه في قوله: «ويَمْنَعُونَ الْماعُونَ» قال: «الزكاة المفروضة وما ينتفع به من القدر والدلو والفأس وأشباه ذلك » . (3)

.


1- .في الأصل زيادة: «قال: الذي يؤخّرها عن أوّل الوقت إلى آخره من (في «ط»: «قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: تأخير الصلاة عن أوّل وقتها لغير») غير عذر».
2- .روى الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي، ج 3، ص 268، ح 5. وروي معناه في مجمع البيان، ج 10، ص 834.
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 768 - 769، عن تفسير القمّي. وروي معناه في الكافي، ج 3، ص 499، ح 9.

ص: 550

سورة الكوثر (108)

سورة الكوثر (108)[مكّيّة، وآياتها ثلاث]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «فَصَلِّ لِرَبِّك وانْحَرْ»، قال: «هو رفع يديك حيال (1) وجهك». (2) أقول: بل معناه: «وانْحَرْ» الأضحية يوم النحر، وهذا يدلّ على وجوب صلاة العيد. والكوثر: كثرة أولاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من فاطمة عليها السلام ؛ فإنّه لم يعقب من غيرها، فأورثه خلفاً عظيماً يزيدون عن مائة ألف. (3) وقال: «الكوثر: نهر في الجنّة». وقال: «إنّ عمرو بن العاص والعاص بن وائل (4) كانا قاعدين، فمرّ بهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال أحدهما للاخر: إنّي لأشنأ محمّداً، أي أبغضه. فقال الآخر: دعه فقد أصبح مبتوراً، قد دفن ابنه البارحة، يعني: القاسم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنزلت السورة» . (5) قال: «والكوثر: نهر في الجنّة أعطاه اللَّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عوضاً عن ابنه إبراهيم (6) ». (7) أقول: وسياق الآية يدلّ على كثرة الأولاد (8) ، فردّ على من أنكره، ويؤيّد ذلك حكاية العاص، وهذا معجز لنبيّنا، ولأنّه أشار إلى ذلك، وكان النبي يحفظ هذا المعنى؛ لقوله: «وأعظم آيات... (9) من آية».

.


1- .في «ب» و «ج»: «قبال».
2- .روى نحوه الشيخ الطوسي في الأمالي، ج 1، ص 386.
3- .هذا حسب الإحصاء في عصر ابن العتائقي، وأمّا اليوم فهم أكثر من ثلاثة ملائين على ما ذكره بعض علماء الأنساب.
4- .في الأصل: «والحكم بن أبي العاص» بدل «والعاص بن وائل».
5- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 777، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً: الخصال، ص 459، ح 2.
6- .في «ب» و «ج»: «عوضاً من القاسم ابنه».
7- .روى مايقرب منه الشيخ الطوسي في الأمالي، ج 1، ص 67.
8- .في «ب» و «ج»: «على أنّه الأولاد».
9- .محل النقط كلمات لا تقرأ.

ص: 551

سورة الكافرون (109)

سورة الكافرون (109)[مكّيّة، وآياتها ستّ]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 - 6 ] قوله: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» قرأ أبو جعفر عليه السلام: («يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ» أعبد اللَّه «ولا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ولا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ولا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ ولِىَ دِين» الإسلام) قال: «هكذا نزلت». (1)

.


1- .روى مايقرب منه الطبرسى في جوامع الجامع، ج 3، ص 863.

ص: 552

سورة النصر (110)

سورة النصر (110)[مكّيّة (1) ، وآياتها ثلاث]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ» (2) قال: «نزلت بمنى في حجة الوداع، ونزلت: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ»، فلمّا نزلت قال (3) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «نعيت إلىَّ نفسي» (4) . 5

.


1- .ورد في هامش «ج» ما يلي: «سورة النصر؛ لأنّهم عند الفتح اذعنوا كلّهم بالطاعة له طوعاً وكرهاً، واتّفقت كلمتهم. «أَفْوَاجاً»: جماعة بعد جماعة «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ»: صلّ له وأعبده «وَاسْتَغْفِرْهُ» لأمتك «إِنَّهُ و كَانَ تَوَّابَا» يقبل التوبة ممّن أخلص له فيها».
2- .في «ب» و «ج»: «ونزلت: «إِذا جاءَ فَتْحُ اللَّهِ والنَصْر» إلى آخرها فقال...».
3- .في الأصل زيادة: «فجاء إلى مسجد الخيف فجمع الناس، ثمّ قال: «نضّر اللَّه امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل للَّه، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم. يا أيّها الناس، إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ولن تزلوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي؛ فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبّابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبّابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه» .
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 785، عن تفسير القمّي. وروى ما يقرب منه الشيخ الكليني في الكافي، ج 2، ص 414، ح 2؛ وراجع: المناقب لابن شهر آشوب، ج 1، ص 234.

ص: 553

سورة تبّت (اللهب: 111)

سورة تبّت (اللهب: 111)[مكّيّة، وآياتها خمس]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «تَبَّتْ يَدا أَبِى لَهَبٍ وتَبَّ» (1)، قال الصادق عليه السلام: «سفل، ثمّ سفل، ثمّ سفل حتّى انتفى من بني هاشم وانتمى إلى بني أميّة، وقال: لا أكون مع قوم فيهم كذّاب » . (2) [ 4 ] قوله: «وامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»، قال: «كانت امرأته تسمع حديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ تسعى به إلى عدوّه، فهو حملها للحطب». أقول: أي تمشي بين الناس بالنمائم، وقيل: كانت تحمل العوسج والشوك وتلقيه في طريق النبي صلى اللَّه عليه وآله وأصحابه. [ 5 ] قوله: «حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»، قال: «حبل من نار، إنّه في جيدها، دالع من فيها، مسلوك في جوفها، خارج من فيها».

.


1- .في هامش «ج» ما يلي: «أراد أن يرمي النبي صلّى اللَّه عليه وآله بحجر فيبست يداه، «سَيَصْلَى»: سيشوى بها بعد ادخاله فيها «ذَاتَ لَهَبٍ »: اشتعال وتلهّب، «وَ امْرَأَتُهُ»: عمّة معاوية، واسمها اُمّ جميل «مِنْ مَسَدٍ»: حبل مفتول تقاد به إلى النار. وقيل: هو السلسلة التي ذكرها اللَّه تعالى في سورة المجادلة [الحاقّة (69): 32 ]تدخل في فمه وتخرج من دبره ويلوى بسائرها على جسده».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 788، عن تفسير القمّي.

ص: 554

سورة التوحيد (الإخلاص: 112)

سورة التوحيد (الإخلاص: 112)[مكّيّة، وآياتها خمس]بسم الله الرحمن الرحيم[ 2 ] قوله: «اللَّهُ الصَّمَدُ»، قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: ««الصَّمَدُ»: الذي لا مدخل فيه» (1) . وعن أبي الحسن عليه السلام: ««الصَّمَدُ»: الذي لا جوف له » . (2) أقول: هو (3) واجب الوجود الذي يعمد إليه في جميع الاُمور، أي يقصد. و «الصَّمَدُ» لغة: القصد، أي يقصد في جميع الاُمور. وقوله: «لا جوف له» يتدبّر؛ فإنّ هذا من صفات الأجسام، وهو الجسم المجوّف. (4)

.


1- .في هامش «ج»: «وقيل: الباقي بعد فناء الخلق، ليس فوقه أحد، كفواً أحد، والنّد وخلافه: الصمد».
2- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 806، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج 1، ص 71، ح 2 .
3- .في «ب» و «ج»: «معناه».
4- .اعلم أنّ ما هو المعتمد في تفسير الصمد هو السيّد المصمود إليه في جميع الاُمور والحوائج، وقد وردت في هذا المعنى روايات وماذكره القمّي من أنّ: «الصمد الذي لا جوف له» من متشابهات الأخبار ممّا يجب تأويله أو ردّ علمه إلى الأئمّة عليهم السلام. وللمزيد راجع الكافي، ج 1، باب تأويل الصمد، ولا سيّما بيان الكليني في تفسير الصمد.

ص: 555

سورة الفلق (113)

سورة الفلق (113)[مكّيّة، وآياتها خمس]بسم الله الرحمن الرحيم[ 1 ] قوله: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»، قال: «الفلق: جبّ في جهنّم (1) ». [ 3 ] قوله: «ومِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ»، قال: «الذي يلقى في الجبّ يقب (2) فيه (3) ». (4) قوله: «الْفَلَقِ»: الصبح. والغاسق: الليل. وقيل: القمر إذا وقع في الكسوف. (5)

.


1- .في الأصل زيادة: «يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه، سأل اللَّه أن يأذن له أن يتنفّس، فأذن له، فتنفّس فأحرق جهنّم، قال: وفي ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ منه أهل ذلك (في «ط»: «يتعوّذ أهل») الجبّ من حرّ ذلك الصندوق، وهو التابوت، وفي ذلك التابوت ستّة من الأوّلين، وستّة من الآخرين، فأمّا الستّة من الأوّلين: فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار، وفرعون موسى، والسامري الذي اتّخذ العجل، والذي هوّد اليهود، والذي نصّر النصارى. وأمّا الستّة من الآخرين: الأوّل، والثاني، والثالث، والرابع، وصاحب الخوارج، وابن ملجم».
2- .في بعض النسخ: «يغيب فيه». والوقوب: الدخول في كلّ شي ء. لسان العرب، ج 1، ص 801 (وقب).
3- .في «ب» و «ج»: «قال: وقوعه، قال: وهو الكوكب».
4- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 811، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً مجمع البيان، ج 10، ص 865.
5- .في «ب» و «ج»: «الخسوف».

ص: 556

سورة الناس (114)

(سورة النَّاسِ)

سورة الناس (114) (1)[مكّيّة (2) ، وآياتها ستّ]بسم الله الرحمن الرحيم[ 4 ] قال: سألته عن «الْخَنَّاسِ»، قال: «إنّ إبليس يلتقم القلب، فإذا ذكر اللَّه خنس». (3) وقال أبو جعفر عليه السلام: «أتدري ما الِجنّة؟ قلت: لا. قال: «إلباسك 4 نفسك » . 5 هذا، وقد ورد في هامش «ب» و «ج» تفسير سورة الناس كما يلي:

(سورة النَّاسِ)[ 1 ] «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»: امتنع باللَّه وألتجئ إليه. والربّ: المالك والمدبّر والسيّد والمصلح. [ 2 ] «مَلِكِ النَّاسِ»: مالك تدبيرهم. والفرق بين «ملك» و «مالك»، أنّ صفة «ملك» تدلّ على تدبير من يشتهر بالتدبير، وهو العاقل، وليس كذلك «مالك» لأنّه يقال: مالك الثوب، ولا يقال: ملكه، ويقال: ملك العراق، ولا يقال: مالكهم. [ 3 ] «إِلهِ النَّاسِ»: معبودهم المستحقّ للعبادة، دون الأصنام والأوثان والآلهة؛ لأنّها لا تستحقّ إلّا باُصول النعم.

.


1- .روى نحوه في علل الشرائع، ج 2، ص 526، باب 307.
2- .كذا في «ب». وفي «ج»: «لباسك».
3- .رواه البحراني في البرهان، ج 5، ص 818، عن تفسير القمّي.

ص: 557

[ 4 ] «مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ»: الشيطان. وقيل: الشيطان في صورة خنزير، وقيل: له خرطوم كخرطوم الكلاب (1) . [ 5 ] «الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ» فإذا ذكر اللَّه خنس. وفي بعض الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام إنّ شيطاناً يقال له: الولهان؛ يقعد بين اليتي المصلّي، فينفخ بينهما، فيظنّ المصلّي أنّه قد خرجت منه ريح، ويشكّكه ويثبّطه. فورد عنهم عليهم السلام أنّه لا يلتفت المصلّي إلى ذلك إلّا أن يشمّ ريحاً أو يسمع صوتاً. [ 6 ] «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» قيل: إنّه يوسوس في صدور الجنّ والإنس. *** وهذا آخر ما احتويناه (2) ونقّحناه من السبع (3) أجزاء من كتاب عليّ بن إبراهيم بن هاشم، رواه عن الأئمّة الطاهرين، وحذفنا أسانيده واكتفينا بأوّل آياته عن باقيها، وحذفنا المكرّر وما فائدته قليلة، بل لا فائدة فيها، ونقّحناه وأضفنا إليه ما خطر بالبال ممّا يناسبه، ورددنا كلّ ما جاء ظاهره من عدم العصمة بالأنبياء والأولياء، فإنّ مذهب أهل البيت الأئمّة الطاهرين ليس مثل ما يقول (4) هذا الرجل، فليتأمّل؛ فإنّ مذهبهم يزيد تنزيه الأولياء عن القبائح وتنزيه الأنبياء والأئمّة عن جميع القبائح. واعلم أنّ لنا في كثير من هذا الكتاب نظر؛ فإنّه لا يوافق مذهبنا الذي هو الآن مجمع عليه. وكتب عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي منقّح الكتاب ومختصره، والحمد اللَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله أجمعين، وذلك في غرّة ذي الحجّة، سنة سبع وستّين وسبعمائة هجريّة، والحمد اللَّه وحده، وصلّى اللَّه على سيّدنا محمّد وآله وسلّم *** وورد في هامش «ج» ما نصه:

.


1- .في «ج»: «الكلب».
2- .كذا في «ب» و «ج»، ولعلّ الصحيح: «اخترناه».
3- .في «ج»: «من السبعة».
4- .في «ب» و «ج»: «ليس ما يقوله».

ص: 558

(الواقعة: 56)

(المرسلات: 77)

قال جامع العلوم النحويّة: (1) «ليس قوله: «النَّاسِ» تكراراً؛ لأنّ المراد بالأوّل: الأجنّة، ولهذا قال: «بِرَبِّ النَّاسِ». وبالثاني: الأطفال؛ ولذلك قال: «مَلِكِ النَّاسِ»؛ وبالثالث: البالغون والمكلّفون؛ ولذلك قال: «إِلهِ النَّاسِ»؛ لأنّهم يعبدونه؛ وبالرابع: الكفّار؛ لأنّ الشيطان يوسوس إليهم، ولا يوسوس إلّا إلى الجهّال؛ وإلّا فلا تقع الوسوسة في قلب العالم، كما قال: «يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ». *** كما ورد في ورقة مستقلّة في «ج» أيضاً تفسير بعض الآيات والكلمات من سورٍ متفرّقة، نذكرها تباعاً:

(الواقعة: 56)[ 18 ] قوله تعالى: «بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِن مَعِينٍ»: أباريق بلا عرى من فضّة.

(المرسلات: 77)[ 30 ] قوله تعالى: «انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِى ثَلاَثِ شُعَبٍ»: شعبة: ضريع، وشعبة: زقّوم، وشعبة: حميم. وضلّ: هو دخان جهنّم؛ نعوذ باللَّه منها. [ 31 ] قوله تعالى: «اللَّهَبِ»: لسان النار. [ 32 ] قوله تعالى: «إِنَّهَا تَرْمِى» يعني: جهنّم ترمي أهلها «بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» من القصور، ويقرأ بفتح الصاد، أي: كالقلس العظيم من فلوس السفن، وقيل: الغلاظ من أصول النخل. [ 33 ] قوله تعالى: «كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ (2) صُفْرٌ»، هي السود من الابل، قال الشاعر: هنّ صفر ألوانها كالزبيب (3)

.


1- .لم تقف على المراد منه.
2- .كذا في المصحف الشريف بقراءة حفص، وفي «أ»: «جمالات»
3- .راجع توضيح ما ورد هنا في تفسير غريب القرآن المنسوب إلى زيد بن عليّ عليه السلام في تفسير الآية (69) من سورة البقرة (2

ص: 559

(النبأ: 78)

(عبس: 80)

(المطفّفين: 83)

(الانشقاق: 84)

(النبأ: 78)[ 32 ] قوله تعالى: «وَكَوَاعِبَ» نبّأ كعب ثديهنّ، أي ارتفع. «أَتْرَاباً» على سنّ واحدة. [ 34 ] قوله تعالى: «وَكَأْساً» من الخمر «دِهَاقاً»: مملوءة. [ 35 ] قوله تعالى: «لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً»: باطلاً «وَلاَ كِذَّاباً»: كذباً. [ 36 ] قوله تعالى: «جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً»: كافياً.

(عبس: 80)[ 17 ] قوله تعالى: «قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ» أي: أي شي ء حمله على الكفر، مع ما يرى من الآيات الدالّة على التوحيد. نزلت في عتبة بن أبي لهب، وثب على النبي فمزّق قميصه، وكان قد زوّجه من ابنته، ففرق بينهما لكفره، ودعا عليه وقال: أكلك كلب من كلاب اللَّه، فسافر مع جماعة، فافترسه أسد من بينهم، فأكله بعد أن تحفّظ منه واحترس بأصحابه.

(المطفّفين: 83)[ 18 ] قوله تعالى: «لَفِى عِلِّيِّينَ»: السماء السابعة، وقيل: أعلى الأمكنة. [ 23 ] قوله تعالى: «عَلَى الأَرَائِكِ»: الاُسرة، جمع أريكة. [ 25 ] قوله تعالى: «يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ»: خمر صافية. [ 26 ] قوله تعالى: «خِتَامُهُ مِسْكٌ»، قيل: ويختم بمسك (وفي الهامش: يختم بكافور).

(الانشقاق: 84)[ 7 ] قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ»، نزلت في عمار بن ياسر.

.

ص: 560

(الطارق: 86)

[ 9 ] قوله تعالى: «وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ»: إلى أهل الجنّة. [ 10 ] قوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ»: الوليد بن المغيرة. [ 11 ] قوله تعالى: «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً»: هلاكاً. [ 13 ] قوله تعالى: «إِنَّهُ كَانَ» يعني: الوليد بن المغيرة. [ 14 ] قوله تعالى: «إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَن يَحُورَ»: يرجع. [ 17 ] قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ»: وما جمع. [ 18 ] قوله تعالى: «وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ»: اجتمع واحتكم. [ 19 ] قوله تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ»: حالاً بعد حال ؛ نطفة ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظاماً، ثمّ جنيناً، ثمّ طفلاً، ثمّ شابّاً، ثمّ شيخاً، ثمّ حيّاً بعد الموت. وقيل: سنة بعد سنة. [ 23 ] قوله تعالى: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ»: «يضمرون». [ 25 ] قوله تعالى: «غَيْرُ مَمْنُونٍ»: «غير مقطوع ولا ممنوع».

(الطارق: 86)[ 3 ] قوله تعالى: «النَّجْمُ»، قيل: الثريّا، وقيل: زحل. «الثَّاقِبُ»: المتوقّد المضى ء. وقيل: يثقب الشياطين، وعلى أنّه زحل ثقب نوره سبع سماوات. [ 6 ] قوله تعالى: «خُلِقَ مِن مَاءٍ دَافِقٍ»: مدفوق في الرحم. [ 7 ] قوله تعالى: «يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ»، قيل: من صلب الرجل وترائب المرأة، وهي عظام الصدر، جمع تريبة: موضع القلادة منه. [ 8 ] قوله تعالى: «إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ»: إحيائه بعد الموت «لَقَادِرٌ». [ 17 ] قوله تعالى: «فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ»: أجّلهم إلى وقت قريب، وفيه تهديد لهم ووعيد «رُوَيْداً» أي: مهلاً.

.

ص: 561

(الاعلى: 87)

(الغاشية: 88)

(الاعلى: 87)[ 3 ] قوله تعالى: «وَالَّذِى قَدَّرَ»: خلق «فَهَدَى» الذكر إلى الاُنثى، وقيل: الطفل إلى الثدي. [ 4 ] قوله تعالى: «وَالَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى»: الحشيش الرطب. [ 5 ] قوله تعالى: «فَجَعَلَهُ غُثَاءً» أي: يابساً بعد الخضرة والرطوبة. والغثاء: ما يقذفه السيل إلى جانب الوادي «أَحْوَى»: شديد الخضرة، وقيل: شديد السواد. [ 14 ] قوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ»: فاز وظفر «مَن تَزَكَّى» أي: تطهرّ وصلّى. وقيل: عمل بعد الإسلام عملاً زاكياً من الخير. وقيل: من أدّى زكاة ماله. وقيل: زكاة الفطرة وصلّى صلاة العيد. وقيل: الجمعة مع الإمام. وقيل: «تَزَكَّى»، قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّدا رسول اللَّه، وصلّى الخمس، وسبّح للَّه وعظمه ومجّده. [ 18 ] قوله تعالى: «إِنَّ هذَا لَفِى الصُّحُفِ الأُولَى»: ذكر محمّد صلى اللَّه عليه وآله، والقرآن. و «الصُّحُفِ الأُولَى»: كتب الأنبياء المتقدّمين. [ 19 ] قوله تعالى: «صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى» التي أنزلها عليه، وهي عشر. «وَمُوسَى» أي: وصحف موسى، قيل: صحف صغار نزلت عليه من السماء. وقيل: هي الألواح التي نزلت عليه، من زبرجدة خضراء، طولها اثنى عشر ذراعاً، وقيل: بل كانت من سدر الجنّة.

(الغاشية: 88)[ 6 ] قوله تعالى: «ضَريْعٍ»: نبت ذو شوك يقال له: الرطبة. [ 7 ] قوله تعالى: «لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ»، بل كلّما أكلوا منه ازدادوا جوعاً وعطشاً. [ 15 ] قوله تعالى: «وَنَمَارِقُ»: وسائد من الديباج والحرير، جمع نمرقة.

.

ص: 562

[ 16 ] قوله تعالى: «وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ»: طنافس الابريسم. *** وورد في آخر الورقة في «ج» حديثين نصّهما: روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله، قال: «يلتقي الخضر والياس عليهما السلام في كلّ عام بالموسم بمنى، فيحلق كلّ واحد منهما رأس صاحبه ويقرأ هذه الكلمات: «بسم اللَّه ما شاء اللَّه، لا يسوق الخير إلّا اللَّه. ما شاء اللَّه، ما كان من نعمة فمن اللَّه، ما شاء اللَّه، لا حول ولا قوّة إلاّ اللَّه. قال: من قالهنّ حين يصبح ويمسي ثلاث مرّات، آمنه اللَّه من الغرق والحرق والشرق، ومن الشيطان والسلطان والحيّة والعقرب إن شاء اللَّه». روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى، وطول الأمل؛ فإنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ، وطول الأمل ينسي الآخرة».

.

ص: 563

. .

ص: 564

. .

ص: 565

. .

ص: 566

. .

ص: 567

. .

ص: 568

. .

ص: 569

. .

ص: 570

. .

ص: 571

. .

ص: 572

. .

ص: 573

. .

ص: 574

. .

ص: 575

. .

ص: 576

. .

ص: 577

. .

ص: 578

. .

ص: 579

. .

ص: 580

. .

ص: 581

. .

ص: 582

. .

ص: 583

. .

ص: 584

. .

ص: 585

. .

ص: 586

. .

ص: 587

. .

ص: 588

. .

ص: 589

. .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

. .

ص: 593

. .

ص: 594

. .

ص: 595

. .

ص: 596

فهرس مصادر التحقيق

فهرس مصادر التحقيق 1 . القرآن الكريم. 2 . الاحتجاج ؛ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (ت 548 ه) . تحقيق و نشر : دار النعمان - النجف الأشرف 1386 ه . 3 . أحكام القرآن ؛ ابن العربي (ت 543 ه) . تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، دار الفكر - بيروت . 4 . أحكام القرآن ؛ محمّد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه) . تحقيق : عبد الغني عبد الخالق ، دار الكتب العلميّة - بيروت 1400 ه . 5 . الاختصاص ؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيدرحمه الله (ت 413 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، دار المفيد - بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه . 6 . الاستغاثة؛ أبو القاسم عليّ بن أحمد بن موسى الكوفي (ت 352ه). الطبعة الاُولى - العراق. 7 . الاستيعاب ؛ أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البرّ النمري (ت 463 ه) . تحقيق : عليّ محمّد البجاوي ، دار الجيل - بيروت ، الطبعة الاُولى 1412 ه . 8 . اُسد الغابة في معرفة الصحابة ؛ أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه) . تحقيق و نشر : دار الكتاب العربي - بيروت . 9 . الإصابة في تمييز الصحابة ؛ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . تحقيق و نشر : دار الكتب العلميّة - بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه . 10 . إعانة الطالبين؛ أبو بكر بن السيّد محمّد شطا الدمياطي (ت 1310ه). دار الفكر - بيروت، الطبعة الاُولى 1418ه . 11 . أقرب الموارد؛ سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، طبعة مكتبة آية اللَّه المرعشي رحمه الله بقم، 1403ه . 12 . الأمالي ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة البعثة - قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه .

.

ص: 597

13 . الأمالي ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله (ت 460 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى 1414 ه . 14 . الأمالي؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبرى الملقّب بالشيخ المفيد (ت 413ه). تحقيق: الحسين اُستاد ولي - عليّ أكبر الغفاري، دار المفيد - بيروت، 1414ه . 15 . إمتاع الأسماع ؛ أحمد بن عليّ بن عبد القادر المقريزي (ت 845 ه) . تحقيق : محمّد عبد الحميد النميسي ، منشورات محمّد عليّ بيضون - بيروت ، الطبعة الاُولى 1420 ه . 16 . الأنساب ؛ أبو سعد عبد الكريم السمعاني (ت 562 ه) . تحقيق : عبد اللَّه عمر البارودي ، دار الجنان - بيروت ، الطبعة الاُولى 1408 ه . 17 . بحار الأنوار ؛ العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي رحمه الله (ت 1111 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الوفاء - بيروت ، الطبعة الثانية 1403 ه . 18 . البداية والنهاية ؛ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه) . تحقيق : عليّ شيري ، دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1408 ه . 19 . البرهان في تفسير القرآن؛ سيّد هاشم البحراني (قرن 11). تحقيق: مؤسّسة البعثة - تهران، 1416ه . 20 . بصائر الدرجات ؛ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (ت 290 ه) . تصحيح : الحاج ميرزا حسن كوچه باغي ، منشورات الأعلمي - طهران 1404 ه . 21 . تاج العروس من جواهر القاموس؛ أبو فيض محمّد مرتضى الحسينيّ الواسطيّ الزبيديّ الحنفي (ت 1205ه) . تحقيق: عليّ شيري، دار الفكر - بيروت، 1414ه . 22 . تاريخ الطبري؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310ه ). تحقيق و نشر: مؤسّسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الرابعة، 1403ه . 23 . تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ؛ السيّد شرف الدين عليّ الحسين النجفي (ت 965 ه) . تحقيق و نشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، الطبعة الاُولى 1407 ه . 24 . التحصين؛ أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (ت 841ه). تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام - قم، الطبعة الثانية، 1406ه . 25 . تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ؛ أبو العلاء محمّد عبد الرحمن المباركفوري (ت 1282 ه) . تحقيق و نشر : دار الكتب العلميّة - بيروت ، الطبعة الاُولى 1410 ه . 26 . التفسير الأصفى؛ المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091ه). تحقيق: مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة، الطبعة الاُولى، 1418ه . 27 . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ؛ تحقيق و نشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام - قم ، ا لطبعة الاُولى 1409 ه .

.

ص: 598

28 . تفسير البغوي ؛ البغوي (ت 510 ه) . تحقيق : خالد عبد الرحمن العك ، دار المعرفة - بيروت . 29 . تفسير الثعلبي ؛ الثعلبي (ت 427 ه) . تحقيق : أبو محمّد بن عاشور ، دارإحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1422 ه . 30 . تفسير الرازي ؛ الفخر الرازي (ت 606 ه) . الطبعة الثالثة . 31 . تفسير السمعاني ؛ أبو المظفّر منصور بن محمّد السمعاني (ت 489 ه) . تحقيق : ياسر بن إبراهيم ، دار الوطن - الرياض ، الطبعة الاُولى 418 ه . 32 . التفسير الصافي؛ المولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091ه) مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام - قم، الطبعة الثانية، 1416ه . 33 . تفسير العيّاشي ؛ محمّد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعيّاشي (ت 320 ه) . تحقيق : الحاج سيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة - طهران . 34 . تفسير غريب القرآن؛ الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085ه). تحقيق: محمّد كاظم الطريحي، انتشارات الزاهدي - قم. 35 . تفسير القرطبي ؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 ه) . تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني ، دار إحياء التراث العربي - بيروت . 36 . تفسير القمّي ؛ أبو الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي (ت 329 ه) . تصحيح ؛ السيّد طيّب الموسويّ الجزائري ، مؤسّسة دار الكتاب - قم ، الطبعة الثالثة 1404 ه . 37 . تنزيه الأنبياء؛ أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ المعروف بالشريف الرضي (ت 436ه)، دار الأضواء - بيروت، الطبعة الثانية، 1409ه . 38 . التوحيد ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق : السيّد هاشم الحسيني ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم . 39 . تهذيب الأحكام ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي رحمه الله (ت 460 ه) . تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلاميّة - طهران ، الطبعة الثالثة 1364 ش . 40 . تهذيب الكمال ؛ أبو الحجّاج يوسف المزي (ت 742 ه) . تحقيق : بشّار عواد معروف ، مؤسّسة الرسالة - بيروت ، الطبعة الرابعة 1406 ه . 41 . التيسير في القراءات السبع؛ أبو عمرو الداني (ت 444ه). تحقيق: أوتو برتسل، طبقة إستانبول، 1920م. 42 . الثاقب في المناقب؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ الطوسي المعروف بابن حمزه (القرن السادس). تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسّسة أنصاريان - قم، الطبعة الثانية، 1412ه . 43 . الجرح والتعديل ؛ أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327 ه) . تحقيق و نشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1371 ه .

.

ص: 599

44 . جمهرة أنساب العرب؛ ابن حزم الأندلسي (ت 456ه). دار الكتب العلميّة - بيروت، 1403ه . 45 . جوامع الجامع؛ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه). تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الاُولى، 1418ه . 46 . حلية الأولياء و طبقات الأصفياء؛ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (ت 403ه). تحقيق: دار الكتاب العربي - بيروت، 1407ه . 47 . الخرائج والجرائح ؛ قطب الدين الراوندي (ت 537 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام - قم ، الطبعة الاُولى 1409 ه . 48 . خصائص الأئمّة ؛ أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 406 ه) . تحقيق : محمّد هادي الأميني ، مجمع البحوث الإسلاميّة - مشهد 1406ه . 49 . الخصال ؛ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1403 ه . 50 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) . تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1417 ه . 51 . الخلاف ؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1407 ه . 52 . الدرّ المنثور ؛ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 ه) . تحقيق و نشر : دار المعرفة - بيروت . 53 . دلائل الإمامة؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (القرن الرابع). تحقيق و نشر: مؤسّسة البعثة - قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه . 54 . روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن؛ أبو الفتوح حسين بن عليّ الرازي (قرن 6). بنياد پژوهش هاى آستان قدس رضوى - مشهد، 1408ه . 55 . الروض المعطار في أخبار الأقطار؛ محمّد بن محمّد بن عبد المنعم الحميري (ت 900ه). طبعة القاهرة، 1937م. 56 . رياض المسائل ؛ السيّد عليّ الطباطبائي (ت 1231 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1412 ه . 57 . سعد السعود ؛ السيد عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664 ه) . تحقيق و نشر : منشورات الشريف الرضي - قم 1363 ه . 58 . سنن ابن ماجة؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجه (ت 275ه)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر - بيروت. 59 . سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ؛ أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي (ت 279 ه) . تحقيق : عبد الرحمن محمّد عثمان ، دار الفكر - بيروت ، الطبعة الثانية 1403 ه .

.

ص: 600

60 . سنن الدارقطني؛ عليّ بن عمر الدار قطني (ت 385ه ). تحقيق: مجدي بن منصور سيد الشورى، دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الاُولى، 1417ه . 61 . سنن الدارمي ؛ أبو محمّد عبد اللَّه بن الرحمن الدارمي (ت 255 ه) . مطبعة الاعتدال - دمشق 1449 ه . 62 . السنن الكبرى ؛ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه) . تحقيق و نشر : دار الفكر - بيروت . 63 . سير أعلام النبلاء ؛ محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . تحقيق: حسين الأسد ، مؤسّسة الرسالة - بيروت ، الطبعة التاسعة 1413 ه . 64 . السيرة النبويّة ؛ ابن هشام الحميدي (ت 218 ه) . تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ؛ مكتبة محمّد عليّ صبيح - مصر 1383 ه . 65 . شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام ؛ أبو القاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي (ت 676 ه) . تحقيق : السيّد صادق الشيرازي ، منشورات استقلال - طهران ، الطبعة الثانية 1409 ه . 66 . شرح إحقاق الحقّ؛ السيّد نور اللَّه الحسيني المرعشيّ التستري الشهيد (ت 1091ه). تصحيح: السيّد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية اللَّه المرعشي - قم. 67 . شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار؛ أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميميّ المغربي (ت 363ه). مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية، 1414ه . 68 . شرح الأسماء الحسنى؛ الملّا هادي السبزواري (ت 1300ه). منشورات مكتبة البصيرتي - قم. 69 . شرح اُصول الكافي ؛ المولى محمّد صالح المازندراني (ت 1081 ه) . تحقيق و نشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1421 ه . 70 . شرح نهج البلاغة ؛ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) . تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم، مؤسّسة إسماعيليان . 71 . شواهد ا لتنزيل لقواعد التفضيل ؛ عبيد اللَّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني (القرن الخامس) . تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الإرشاد الإسلامي ، الطبعة الاُولى 1411 ه . 72 . الصحاح (تاج اللغة و صحاح العربيّة) ؛ إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393 ه) . تحقيق : أحمد عبد الغفور العطّار ، مؤسّسة دار العلم للملايين - بيروت ، الطبعة الرابعة 1407 ه . 73 . صحيح مسلم (الجامع الصحيح) ؛ أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت 261 ه) . تحقيق و نشر : دار الكفر - بيروت . 74 . الطبقات الكبرى ؛ محمّد بن سعد (ت 230 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر - بيروت . 75 . طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال؛ السيّد عليّ أصغر البروجردي (ت 1313ه). تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية اللَّه المرعشي رحمه الله - قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه .

.

ص: 601

76 . عبقات الأنوار؛ المير حامد حسين الموسويّ الهندي (ت 1306ه). طبعة مهر - قم، 1398ه . 77 . عدّة الداعي و نجاح الساعي ؛ أحمد بن فهد الحلّي (ت 841 ه) . تحقيق : أحمد الموحّدي القمّي ، مكتبة الوجداني - قم . 78 . علل الشرائع ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه) . منشورات المكتبة الحيدريّة - النجف الأشرف 1385 ه . 79 . عيون أخبار الرضاعليه السلام؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 481 ه) . تصحيح : الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1404 ه . 80 . غاية المرام و حجّة الخصام في تعيين الإمام ؛ السيّد هاشم البحراني الموسوي (ت 1107 ه) . تحقيق : السيّد عليّ عاشور . 81 . الغدير في الكتاب والسنّة والأدب؛ الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (ت 1392ه). دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الرابعة، 1397ه . 82 . الغيبة؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (ت 360ه). تحقيق: فارس حسون كريم، نشر أنوار الهدى - قم، الطبعة الاُولى، 1422ه . 83 . فتح الباري شرح صحيح البخاري ؛ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . تحقيق و نشر : دار المعرفة - بيروت ، الطبعة الثانية . 84 . فتح القدير ؛ محمّد بن عليّ الشوكاني (ت 1250 ه) . تحقيق و نشر : عالم الكتب . 85 . الفروق اللغويّة ؛ أبو هلال العسكري (ت 395 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الاُولى 1412 ه . 86 . الفصول المختارة ؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيدرحمه الله (ت 413 ه) . دار المفيد - بيروت ، الطبعة الثانية 1414 ه . 87 . الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه) . تحقيق : محمّد بن محمّد الحسين القائيني ، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضاعليه السلام ، الطبعة الاُولى 1418 ه . 88 . فضائل الشيعة؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق (ت 381ه). كانون انتشارات عابدي - تهران. 89 . فقه الرضاعليه السلام ؛ المنسوب للإمام الرضاعليه السلام . تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام - قم ، الطبعة الاُولى 1406 ه . 90 . القاموس المحيط ؛ الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 ه) . طبعة دار العلم - بيروت . 91 . قرب الإسناد؛ أبو العبّاس عبد اللَّه بن جعفر الحميري (ت 300ه). تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام - قم، الطبعة الاُولى 1413ه .

.

ص: 602

92 . الكافي ؛ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت 429 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلاميّة - طهران ، الطبعة الخامسة 1363 ه . 93 . الكامل في التاريخ ؛ أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر - بيروت 1386 . 94 . كتاب الزهد؛ الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (القرن الثالث). تحقيق: ميرزا غلام رضا عرفانيان، المطبعة العلميّة - قم، 1399ه . 95 . كتاب من لايحضره الفقيه ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 481 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الثانية . 96 . كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر ؛ أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّار القّمي (القرن الرابع) . تحقيق : السيّد عبد اللطيف الحسيني ، نشر بيدار 1401 ه . 97 . كمال الدين و تمام النعمة؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ط 381 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1405 . 98 . كنز العرفان في فقه القرآن؛ المقداد بن عبد اللَّه السيوري الحلّي (ت 826ه). تحقيق: محمّد باقر البهبودي، مكتبة المرتضويّة - تهران، الطبعة الأولى 1384ه . 99 . كنز العمّال ؛ عليّ بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه) . تحقيق : الشيخ صفوة السقا ، مؤسّسة الرسالة - بيروت 1409 ه . 100 . لسان العرب ؛ أبو الفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي (ت 711 ه) . مؤسّسة نشر أدب الحوزة - قم 1405 ه . 101 . مبادى ء الوصول إلى علم الاُصول؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726ه). تحقيق: عبد الحسين محمّد عليّ البقّال، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1404ه . 102 . مجاز القرآن؛ أبو عبيدة معمر بن المثنى البصيري (ت 213ه). تحقيق: محمّد فؤاد سزگين، مؤسّسة الرسالة 1401 ه . 103 . مجمع الزوائد و منبع الفوائد ؛ عليّ بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه) . تحقيق و نشر : دار الكتب العلميّة - بيروت 1408 ه . 104 . المحاسن ؛ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 1370 ه) . تصحيح : السيّد جلال الدين الحسيني ؛ دار الكتب الإسلاميّة - طهران 1370 ه . 105 . المحبّر؛ محمّد بن حبيب البغدادي (ت 245ه). مطبعة الدائرة، 1361ه . 106 . معجم البلدان؛ ياقوت بن عبد اللَّه الحموى (ت 626ه) دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1399ه .

.

ص: 603

107 . مجمع البحرين؛ الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه). تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتب النشر الثقافة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1408ه . 108 . مجمع البيان في تفسير القرآن ؛ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) . تحقيق و نشر : مؤسّسة الأعلمي - بيروت ، الطبعة الاُولى 1415 ه . 109 . معجم رجال الحديث ؛ السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1411 ه) . الطبعة الخامسة 1413 ه . 110 . المعجم الكبير ؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه) . تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي - بيروت . 111 . مختصر بصائر الدرجات؛ الشيخ حسين بن سليمان الحلّي (القرن التاسع). منشورات المطبعة الحيدريّة - النجف الأشرف، الطبعة الاُولى، 1370 ه . 112 . المدوّنة الكبرى؛ أبو عبد اللَّه مالك بن أنس (ت 179 ه). دار إحياء التراث العربي - بيروت. 113 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ؛ العلّامة محمّد باقر المجلسي (ت 1111 ه) . تصحيح : السيّد هاشم الرسولي ، مكتبة وليّ العصرعليه السلام ، الطبعة الثانية 1394 ه . 114 . مروج الذهب و معادن الجوهر؛ عليّ بن الحسين المسعودي (ت 346ه). نشر دار الأندلس - بيروت. 115 . مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه ) ، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام - قم، الطبعة الاُولى، 1408 ه . 116 . مسند أحمد ؛ أحمد بن حنبل (ت 241 ه) . تحقيق و نشر : دار صادر - بيروت . 117 . مسند الرضاعليه السلام؛ داود بن سليمان المغازي (ت 203 ه). تحقيق: محمّد جواد الحسيني الجلالي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1418ه . 118 . مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ؛ أبو الفضل عليّ الطبرسي (القرن السابع) . تحقيق : مهدي هوشمند ، دار الحديث - قم ، الطبعة الاُولى 1418 ه . 119 . معاني الأخبار ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 481 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي 1379 ه . 120 . معجم القراءات القرآنيّة ؛ الدكتور أحمد مختار عمر و عبد العال سالم مكرم. 121 . المعجم الوسيط (معجم اللغة العربيّة)؛ إعداد إبراهيم أسن و مجموعة من المحقّقين بمصر، دار الفكر - بيروت، 1418ه . 122 . المغازي ؛ محمّد بن عمران الواقدي (ت 207 ه) . اُفست دار المعرفة الإسلاميّة - ايران . 123 . المقنع؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام - قم، 1415ه. 124 . مكاتيب الرسول؛ الشيخ عليّ الأحمديّ الميانجي. طبعة دار الحديث - قم.

.

ص: 604

125 . المناقب ؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت 588 ه) . تحقيق و نشر : المكتبة الحيدريّة - النجف الأشرف 1376 ه . 126 . مواهب الجليل لشرح مختصر خليل؛ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد المغربيّ الرعيني (ت 954ه). تحقيق: الشيخ زكريّا عميرات، دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الاُولى، 1416ه. 127 . ميزان الحكمة؛ محمّد محمّدي الري شهري. طبعة مؤسّسة دار الحديث - قم، الطبعة الاُولى، 1416ه . 128 . النشر في القراءات العشر؛ أحمد بن محمّد بن الجزريّ الدمشقي (ت 859ه). تحقيق: الشيخ عليّ محمّد صباع، مطبعة المصطفى البابي - القاهرة. 129 . نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار؛ السيّد حامد النقوي (ت 1306ه). مؤسّسة البعثة - طهران، 1405ه . 130 . نقد الرجال ؛ السيّد مصطفى بن الحسين التفرشي (القرن الحادي عشر) . تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام - قم ، الطبعة الاُولى 1418 ه . 131 . نور الثقلين؛ عبد عليّ بن جمعة الحويزي. تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، طبعة انتشارات إسماعيليان - قم، 1415 ه . 132 . النهاية في غريب الحديث ؛ المبارك بن محمّد الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606 ه) . تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، مؤسّسة إسماعيليان - قم ، الطبعة الرابعة 1364 ش . 133 . النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى؛ أبو جعفر محمّد بن حسن الطوسي (ت 460ه). طبعة انتشارات القدس - قم. 134 . نهج البلاغة ؛ تدوين : الشريف الرضي ، تحقيق : الشيخ محمّد عبده، دار الذخائر - قم ، الطبعة الاُولى 1412 ه . 135 . نهج البيان عن كشف معاني القرآن؛ محمّد بن الحسن الشيباني (القرن السابع). تحقيق: حسين الدرگاهي، مؤسّسة دائرة المعارف الإسلاميّة - تهران، 1413ه . 136 . الوافية في اُصول الفقه؛ المولى عبد اللَّه بن محمّد البشروي. تحقيق: السيّد محمّد حسين الرضوي، مجمع الفكر الإسلامي، 1412ه . 137 . وسائل الشيعة ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه). تحقيق و نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام - قم ، الطبعة الثانية 1414 ه . 138 . الهداية؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت 381ه). تحقيق و نشر: مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام - قم، 1418ه . 139 . الهداية الكبرى؛ أبو عبد اللَّه الحسين بن حمدان الخصيبي (ت 334ه). تحقيق و نشر: مؤسّسة البلاغ - بيروت، 1411ه.

.

ص: 605

فهرس المطالب .

ص: 606

. .

ص: 607

. .

ص: 608

. .

ص: 609

. .

ص: 610

. .

ص: 611

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.