الفوائد الرجاليه

اشارة

سرشناسه : كجوري شيرازي، محمدمهدي، 1217؟ - ق 1293

عنوان و نام پديدآور : الفوائد الرجاليه/ مهدي الكجوري الشيرازي؛ تحقيق محمدكاظم رحمان ستايش

مشخصات نشر : قم: دار الحديث، 1424ق. = 1382.

مشخصات ظاهري : 256 ص.نمونه

شابك : 964-7489-12-915000ريال ؛ 964-7489-12-915000ريال

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. 256 - 255؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : حديث -- علم الرجال

شناسه افزوده : رحمان ستايش، محمدكاظم، 1344 - ، مصحح

رده بندي كنگره : BP114/ك 3ف 9 1382

رده بندي ديويي : 297/264

شماره كتابشناسي ملي : م 82-10381

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

تصديرٌ

تصديريُعتبر الحديث بعد القرآن من أهمّ مصادر التشريع الإسلامي منزلةً وفضلاً ، وأوفرها سهما في تدوين الثقافة الدينية والحضارة الإسلامية، وقد أمرنا اللّه تعالى اتّباع ما جاء به ، فقال _ عزَّ من قال _ : «مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ» (الحشر : 7) . وانطلاقا من هذه الرؤية ، لا يبقى ثمّة مَناصٍ من صبّ الجهود على «علوم الحديث» التي تنطوي تحتها جميع الفروع التي تُعنى بشكل أو آخر بدراسة الحديث والسُنّة ، ومنها علم الرجال والدراية. وقد اهتمّ فقهاء الشيعة ومحدّثوهم بها غاية الاهتمام ، وأكّدوا على فضيلتها وعظيم مكانتها غاية التأكيد . قال الشهيد الثاني فى منية المريد (ص 369) : «وأمّا علم الحديث ، فهو من أجلّ العلوم قدرا وأعلاها رتبةً ، وأعظمها مثوبةً بعد القرآن» . وقال الشيخ عزّ الدين حسين بن عبد الصمد العاملي _ والد الشيخ البهائي _ في كتابه وصول الأخيار (ص 121) : «إعلم أنّ علم الحديث علمٌ شريف ، وهو من علوم الآخرة ، مَن حرمه حُرم خيرا عظيما ، ومَن رزقه رُزق فضلاً جسيما ، قال بعض العلماء : لكلّ دين فرسان ، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد» .

.

ص: 14

ولذا صنّفوا فيه علماء الفريقين كتبا كثيرة ، وأُصولاً قيّمةً ، وحملوا بذلك أعباء الرسالة الإسلامية وشيّدوا بنيانها ، وتركوا لنا ميراثا علميّا حديثيّا عظميا ، يصعب على الباحث أن يحيط بكلّ مَن ألّف وكلّ ما أُلّف . ومن المؤسوف أنّ كثيرا من آثارهم مفقود ، أو مجهول ، أو طُبع غير محقَّق ومغلوط ، وكثيرا منها بقي مخطوطٌ على رفوف المكتبات العامّة والخاصة ، بعيدةً عن أيدي الباحثين والطلاّب . هذا وقد عزم «مركز أبحاث دار الحديث» لتحقيق وإحياء ما تيسّر له من ميراث الشيعة في هذا المضمار ، ومنها هذا الأثر القيّم المسمّى ب «الفوائد الرجاليّة» في الرجال والدراية ، لمؤلّفه الفقيه الخبير الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي ، من تلامذة الفقيهين المتبحرين الشيخ محمّد حسن النجفي والشيخ مرتضى الأنصاري ، المتوفّى سنة 1293ق . وقد تصدّى لتصحيحه وتحقيقه الأخ الكريم الفاضل حجة الإسلام والمسلمين محمّد كاظم رحمان ستايش ، نسأل اللّه تعالى أن يتقبّل منه ويجعلَ هذا الجهد ذُخرا له ولنا يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إنّه سميع الدعاء . قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث محمّد حسين الدرايتي

.

ص: 15

مقدمة المحقّق

اشاره

مقدمة المحقّقالحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين . من المعلوم أنّ الحاجة الماسّة إلى الحديث قد جعلته موضوعاً للدراسات المتنوّعة سنداً ومتناً . وغدت هذه الرؤية منطلقاً نحو توثيق الحديث الذي يعتبر بمثابة منهل تستقي منه العلوم الشرعية كافّة . ومن جملة مااهتمّ به الأعلام هو البحث في موضوع الرجال ورواة الحديث ؛ فقد ألّفوا في هذا الموضوع مئات الكتب ، بين الضخمة والمتوسّطة والموجزة ، إلى أن انتهت الدراسات في العهود الأخيرة إلى تأليف كتب تحقيقية تتناول القواعد والأُصول والفوائد ذات البعد العملي في مجال التعرّف على أحوال الرجال . يمكن أن نحدّد شروع هذا المنهج في مجال الحركة العلمية لعلم الرجال منذ ظهور العلاّمة الفذ الشيخ الوحيد البهبهاني (التوفى 1306 ه ) ، فهو الذي إختط فكرة التأليف على هذا المنهج الذي تواصل على امتداد القرنين 13 و 14 ه وبقي ساري المفعول إلى عصرنا هذا . لا يخفى أنّ هذه الأبحاث قد برزت إلى الوجود أوّل ما برزت بهيئة فوائد متفرّقة في خاتمة الكتب والجوامع الرجالية أو في مقدّمتها . ويمكن أن نعدّ العلاّمة الحلّي وابن داود الحلّي في القرن السابع رائدا هذا المنهج ، ثمّ استمر العمل على هذه الوتيرة إلى القرن الثالث عشر حيث استقلّت الفوائد عن الجوامع

.

ص: 16

1_ المؤلّف

دراسته

وقد اُلّفت الكتب المختصّة بدراسة الكبريات الرجالية ، أي دوّنت اُصول علم الرجال على يد جمع من أعلام ذاك العصر . ومن الكتب التي دُوِّنت على هذا النهج القويم هي هذه الرسالة _ التي بين أيديكم _ المسمّاة بالفوائد الرجالية . نقدّم في ما يلي نبذة عن سيرة المؤلّف وتعريفاً بالكتاب ومنهج تحقيقه .

1_ المؤلّفهو الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي المسكن والمدفن ، والمازندراني المولد . وقد اشتهر على الألسن أنّه ولد عام 1217 ه . ويؤيّد هذا المعنى قول الشيخ نفسه في خاتمة المجلَّد الرابع من شرح فرائد الأُصول : «وكان الفراغ من تأليفه في الثالث عشر من شعبان المعظّم من سنة سبع وسبعين بعد الألف والمئتين ... مع بلوغ السنّ ما يقارب الستّين . الاّ أنّه يوجد في بعض مكتوبات شيخنا المترجم له في النجوم والهيئة أنّه كتب بالفارسية : «طالع ولادت مهدي الكجوري در شب يكشنبه ششم شهر جمادى الاولى ، دو ساعت گذشته سنة 1222 ه .» فهذه العبارة تؤرّخ ولادته بليلة الأحد يوم السادس من شهر جمادى الاولى سنة 1222 ه بعد ساعتين من الليل .

دراسته :درس العلوم الدينية فى مسقط رأسه ولكنّنا لم نحصل على معلومات عن كيفية دراسته ولا عن أساتذته هناك . ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته ، وتتلمّذ هناك على يد أعاظم تلك الحوزة العلمية ، ونخصّ بالذكر منهم : 1_ الشيخ محمّد حسن النجفي ، صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام .

.

ص: 17

2_ الشيخ مرتضى الأنصاري ، صاحب فرائد الأُصول ، والمكاسب ، وغيرهما من الكتب القيّمة . وفي حدود سنة 1250 ه هاجر إلى كربلاء المقدّسة وحضر هناك دروس سيد ابراهيم بن محمّد باقر الموسوي القزويني الذي اشتهر باسم كتابه وسُمِّي بصاحب ضوابط الأُصول ، وقد لخّص هذا الكتاب لاحقا تحت عنوان نتائج الأفكار . وكانت العلاقة بين الشيخ الكجوري واستاذه تفوق علاقة التلميذ مع أُستاذه . فقد كتب دورة أُصولية من تقريرات أبحاث صاحب الضوابط في الاصول . كما شرح كتاب نتائج الافكار الذي ألّفه أُستاذه كملخَّص لكتاب ضوابط الاصول . وكان ملازماً لأُستاذه في المجالس والابحاث العلمية . وقد كتب شرحاً لكتابي الإجارة والصلاة من شرائع الإسلام وعرضه على أُستاذه، فأصدر له إجازة الإجتهاد وكتبها على الورقة الأُولى من الشرح، وهذا نصها: بسم اللّه الرحمن الرحيم لقد أجاد صاحب هذا المؤلَّف الجليل في اقتناص المدلول من الدليل ، وجاء بما يبهر العقول في تطبيق الفروع على الأُصول ، وأعرب عن مشكلات المسائل بتحرير أنيق ينفع المبتدي والواسطة والواصل ، فحقّ له أن يتمثّل بقول القائل : وإنّي وإن كنت الأخير زمانهلآتٍ بما لم تستطعه الأوائل فلا غرو لو أحرز من بين الفضلاء قصب السباق وفات الجهابذة المحقّقين عن اللحاق ، فهو العلاّمة العلم المهذّب وعذيقها المرجّب ، فليشكر اللّه سبحانه على ما وفّقه له من المرتبة السنيّة والموهبة السماوية والفضيلة التي تفوق الفضائل ، ويقصر عنها كفّ المتناول ، والملكة التي رقي بها معالي الدرجات ؛ واعترف له بملكة الاستنباط أهل الملكات ، وأرجو منه أن لا ينساني في الخلوات ومظانّ الإجابات من الدعوات الرائعات ، وأن

.

ص: 18

هجرته

صفاته

يستعمل الورع والتقوى والاحتياط في سائر المقامات ، واللّه وليّ التوفيق . حرّره الأقلّ عبده الراجي إبراهيم الموسوي

هجرته :بعد انجاز درجة الإجتهاد ، خرج من النجف الأشرف قاصداً إلى ايران ، فاجتاز بشيراز في سنة 1257 ه فاستطابها وأقام بها وحصل له القبول التامّ من الخاص والعام ، وتصدّى القضاء ونفذت أحكامه وأفاد وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر . (1) وقيل : إنّ هجرته كانت على أثر طلب أهالي شيراز من صاحب الضوابط لهجرة عالم إلى ذلك البلد فقد هاجر شيخنا المترجم له إلى شيراز بأمر أُستاذه . ولكن لم يذكر هذا في كتب التراجم . وعلى أيّة حال فقد انتقلت إليه رئاسة بلاد فارس في عصره ونصب له كرسي درس الخارج بشيراز وسكن بمحلّة «درب شاهزاده» ، إحدى محلاّت شيراز . وكان يقيم الجماعة في مسجده المشتهر بمسجد آقا بابا خان .

صفاته :قد وصفه سيد محسن الأمين في أعيان الشيعة بقوله : «كان عالماً ، فقيهاً ، أُصوليّاً ، متكلماً ، حسابياً ، رياضيّاً له اليد الطولى في العلوم الرياضيّة ومنها الهندسة» . (2) كما قد وصفه تلميذه في فارسنامه ناصري بقوله : «فخر الأفاضل ، فارق الحقّ من الباطل ، حلاّل المشكلات وكشّاف المعضلات ، ناظم قوانين الفروع والأُصول ، صاحب قواعد المعقول والمنقول ، حجّة الإسلام في زمانه» . (3)

.


1- .اعيان الشيعة 10 : 157 .
2- .اعيان الشيعة 10 : 157 .
3- .فارسنامه ناصرى 2 : 927 .

ص: 19

تدريسه

تلامذته

وقد ذكر في جلّ كتب تاريخ شيراز أنّ فتاويه كانت نافذة ورسالته كانت شايعة بين الأنام . وقد نقل أنّ ميرزا جواد شيخ الإسلام تصدّى باجازته قطع التشاجر في الدعاوى الشرعية في بلدة فسا ولُقّب بشيخ الإسلام .

تدريسه :كان يدرّس طيلة إقامته بشيراز _ نحو 37 سنة _ في مسجده دروس المعقول والمنقول . بالإضافة إلى الفقه والأُصول ، كان قدس سره يلقي على تلامذته دروس فارسي هيئت ، شرح الجغميني ، شرح عشرين باباً في الأُسطرلاب للملاّ عبد العلي البيرجندي الخراساني ، تحرير الاقليدس للخواجة نصير الدين الطوسي ، وخلاصة الحساب للشيخ البهائي .

تلامذته :كان يحضر دروسه القيّمة عدد من الأفاضل في شيراز ، ولكن لم تجمع كل أسماء تلامذته إلى الآن ، بيد أنّنا بعد التتبّع في تراجم عدد من أعلام عصره ، عثرنا على أسماء مجموعة من تلاميذه الذين نستطيع أن نذكر منهم : 1 _ الميرزا أبو طالب النوّاب ، ابن الحاج علي اكبر ، ولد في 1231 ه في شيراز واستفاد من درس شيخنا المترجم له مدّة ستّ سنوات ، وصار مدرّساً لبعض الكتب . وكان من النوّاب في مجلس الشورى . توفّي سنة 1301 ه في شيراز . (1) 2 _ الحاج الشيخ محمّد حسين شيخ الإسلام ، ولد في 1251 ه في شيراز واستفاد من دروس والده وغيره من الأساتذة في دراسة المقدّمات والسطوح . وحضر أبحاث الشيخ مهدي الكجوري والآخوند الملاّ محمّد علي المحلاّتي ، واشتغل بالتبليغ وإتيان الوظائف الدينية . (2)

.


1- .فارسنامه ناصرى 2 : 939 .
2- .المصدر 2 : 923 .

ص: 20

3 _ سيد علي اكبر فال أسيري ، ولد في 1256 ه في قرية أسير من توابع محافظة فارس ، وهاجر بعد تحصيل مقدّمات العلوم في حدود 1270 ه إلى شيراز واستفاد من دروس شيخنا المترجم له ، ونال درجة الإجتهاد وتصدّى للتدريس في شيراز . (1) 4 _ الميرزا أبو طالب الرضوي ، ولد في 1251 ه في شيراز واستفاد من دروس شيخنا المترجم له ، في العلوم الشرعية . وفي سنة 1298 ه تصدّى لرئاسة العدلية هناك . (2) 5 _ الميرزا محمّد حسين صالح الحسيني ، واستفاد من شيخنا المترجم له في الدروس الفقهية والأُصولية . (3) 6 _ سيد حسن الحسيني الحسني الفسائي مؤلّف فارسنامه ناصري ، ولد في 1237 ه ، وتوفّي في 1316 ه وقد ذكر في ترجمة نفسه : استفدت عن سماحة حجّة الإسلام الحاج شيخ مهدي المجتهد الكجوري مقاصد الكتب الرياضية كخلاصة الحساب ، والفارسي هيئت ، وشرح الجغميني وشرح الملا عبد العلي البيرجندي على عشرين باب في الاسطرلاب وكتاب تحرير الاقليدس . (4) 7 _ الميرزا أبو الحسن الحسني الحسيني دست غيب ، ولد في 1262 ه في شيراز ، وقد صرّح في مقدّمة كتابه في الرحلة المشهدية بأنّه درس العلوم الرياضية والفقه والأُصول على شيخنا المترجم له . كما استفاد بعض ولده أيضاً من محاضراته وسنشير إلى أسمائهم .

.


1- .فارسنامه ناصرى 2 : 924 .
2- .المصدر 2 : 918 .
3- .المصدر 2 : 956 .
4- .المصدر 2 : 1053 .

ص: 21

مؤلَّفاته

8 _ الشيخ محمّد تقي بن محمّد مؤمن فَدَشْكُوئي الفسوي الفارسي ، وهو كاتب نسخة من الفوائد الرجالية ، قرأها على مؤلّفها في سنة 1292 ه .

مؤلَّفاته :قد تصدّى الشيخ الكجوري رحمه الله للتأليف أيضاً ؛ فقد ألّف كتباً ورسائل في مجال الفقه وأُصول الفقه ، منها ماجاء تقريراً و بعضها تحقيقاً . كما ألّف بعض الرسائل في ردّ الأفكار والآراء الفاسدة . والجدير بالذكر أنّه رحمه الله حرّر بعض تأليفاته مرّتين ، كما كان يطالعها ويعلّق عليها ويصحّحها طيلة عمره . وفضلاً عن ذلك توجد عدّة كتب استنسخها لنفسه _ أكثرها في النجوم _ بين كتبه المحفوظة في مكتبة أحمد بن موسى الكاظم شاهچراغ عليه السلام في شيراز . وقائمة مؤلَّفاته الموجودة في هذه المكتبة هي : 1 _ تقريرات أبحاث صاحب الضوابط في أُصول الفقه . ألّفها في السنوات 1250 ه ، و1251 ه ، طبع منها مبحث الإجتهاد والتقليد الذي حقّقه صديقنا الفاضل الشيخ محمّد بركت في 1380 ش . وذكر فيه آراءه هو بين طيّات البحوث تحت عنوان «أقول» . 2 _ دورة أُصولية مفصّلة . يوجد منها بحثان هما «الاستصحاب» و«الإجتهاد والتقليد» . 3 _ حاشية على نتائج الافكار لصاحب الضوابط . هذه الحواشي جاءت متناثرة في هوامش نتائج الافكار وهو من تأليف سيد القزويني وهو مختصر ضوابط الأُصول . 4 _ شرح شرائع الإسلام .

.

ص: 22

شرح المحقّق الكجوري بعض أبحاث شرائع الإسلام ومنها : كتاب الإجارة ، وكتاب الصلاة . وقد كتب السيد صاحب الضوابط شهادته على اجتهاده في ظهرهما . كما أنّه شرح كتاب البيع بالتفصيل في أواخر عمره الشريف . 5 _ شرح فرائد الأُصول . له حاشية كبيرة على فرائد الأُصول للشيخ الأعظم الأنصاري وكان يعرضها على الشيخ الأعظم فيستحسنها . وهي مبسوطة مطبوعة . (1) وقد طبع هذا الكتاب في 1305 ه في طهران بالطبعة الحجرية في 515 صفحة من القطع الرحلي ألّفه في أربعة مجلدات : المجلّد الأوّل : في حجّية القطع والظن ويقع في 235 صفحة ، فرغ منه في يوم الاثنين 27 ذي الحجّة سنة 1279 ه . المجلّد الثاني : في أصالة البراءة ويقع في 109 صفحات . المجلّد الثالث : في الاستصحاب ويقع في 72 صفحة ، فرغ منه يوم الأحد 3 شعبان المعظّم سنة 1276 ه . المجلّد الرابع : في التعادل والتراجيح ويقع في 99 صفحة ، شرع فيه عام 1276ه وفرغ منه في 13 شعبان 1277 ه . 6 _ شرح نتائج الأفكار لأُستاذه صاحب الضوابط . كتاب نتائج الأفكار هو في الأساس تلخيص لكتاب ضوابط الأُصول ، وقد شرحه شيخنا المترجم له شرحاً تفصيليّاً مزجيّاً في مجلّدين ، فرغ منه في 29 ذي الحجّة 1256 ه . 7 _ دورة فقهية توجد نسخ بعض أبحاثها .

.


1- .الذريعة 6 : 161 / 885 .

ص: 23

يوجد منها كتاب الخمس ، وقد أرّخ في صدر بعض صفحاته 10 ربيع الأوّل 1282 ه ، وهي السنة الثالث والعشرين من نزوله في شيراز . 8 _ هداية العباد إلى طريق الرشاد . وهي رسالته العملية التي طبعت بفضل جهود الشيخ صدرا والحاج غلام رضا اللاري بشيراز في سنة 1281 ه ، على الحجر في 211 صفحة . (1) 9 _ رسالة عملية بالفارسية . تتألّف هذه الرسالة من قسمين : القسم الأوّل يشتمل على الابحاث الموجزة في أُصول الدين وبعض مسائل الاجتهاد والتقليد . والقسم الثاني يشمل خمسة موضوعات هي : الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج . وكتاب الحجّ منها عبارة عن ترجمة مختصرة لتأليفه الاستدلالي ، يعود تاريخ ترجمته إلى يوم 27 رمضان المبارك 1266 ه . 10 _ الرسالة في حجية المظنّة ، وتقع في 63 صفحة من القطع الصغير . 11 _ رسالة في الردّ على الأخباريّين والشيخية ، كتبها جواباً لمن سأله عن مسلك الأخبارية والشيخية ، وتقع في 17 صفحة . 12 _ رسالة في الردّ على رسالة دليل المتحيّرين لسيد كاظم الرشتي (2) الذي شتم العلماء في كتابه . ولذا سمّاه صاحب الضوابط بالشنيعة . لذلك ، فقد ردّ شيخنا المترجم له برسالته هذه على الشيخية . (3) 13 _ حاشية على قوانين الأُصول للمحقق القمي (4) . 14 _ الفوائد الرجالية ، وهو هذا الكتاب الذي بين أيديكم .

.


1- .الذريعة 25 : 184 / 169 .
2- .اعيان الشيعة 10 : 157 .
3- .الكرام البررة (المخطوط) : 287 .
4- .فارسنامه ناصري 2 : 975 ؛ الفوائد الرضوية : 676 .

ص: 24

أولاده

وفاته

2_ كتابه

أولاده :كان له عدّة اولاد ذكوراً . والعلماء منهم : 1 _ الشيخ محمّد تقي الكجوري ، توفّي في أيام شبابه . 2 _ الشيخ جعفر الكجوري (1262 _ 1315 ه ) كان اماماً لمسجده بعد أبيه . 3 _ الشيخ محمّد رضا الكجوري ولد في 1264 ه وكان إماماً لمسجد الشيخ علي خان زند في شيراز . 4 _ الشيخ عبد الحميد الكجوري ولد في 1272 ه وكان توأماً لأخيه عبد المجيد . 5 _ عبد المجيد الشيرازي (1272 _ 1322 ه ) كان شاعراً كان يتخلّص ب «منظر» ويلقّب ب «سراج السفراء» .

وفاته :توفّي الشيخ مهدي الكجوري رحمه الله سنة 1293 ه ، ودفن في صحن مقبرة الشاعر حافظ الشيرازي . وأصبح مرقده في الوقت الحاضر عند مدخل مكتبة الضريح . 1

2_ كتابهقد عرفت أنّ التأليف على نهج الفوائد المستقلّة قد ابتدأ منذ القرن 12 ه ، فقد ألّفت على هذا المنهج الكثير من الفوائد المتفرقة . وفي القرنين 12 و13 ه استقلّ التأليف في القواعد الرجالية . ويعتبر هذا الاتّجاه الجديد بمثابة خطوة

.

ص: 25

تكاملية لنهج تأليف الفوائد المتفرقة . فقد وضعت قواعد وضوابط لعلم الرجال على غرار بقية العلوم المتداولة ؛ فقد ذكروا تعريف الرجال ، وموضوعه ، وفوائده وسائر الابحاث من الرؤوس الثمانية المنطقية في مقدّمة الكتب ، ثم بيّنوا وجه الحاجة إلى علم الرجال . وهذا المنهج يختلف عن سابقه ، إذ إنّ الأُسلوب الذي كان سائداً في طرق التأليف السابقة في موضوع الرجال هو ترتيب أسماء الرجال فقط إلى جانب بعض أمارات المدح والتوثيق . ولم تكن أركان علم الرجال من حيث هو علم واضحة وموحّدة ، إلى أن شاع استخدام هذا المنهج الأخير ؛ حيث شيّدوا أركان علم الرجال على طريقة سائر العلوم الشرعية وغيرها . كما لم يكن التبويب المتداول في الكتب العلمية مستخدماً في الكتب الرجالية وقد استخدم لأوّل مرّة في علم الرجال في ضوء هذا المنهج الجديد في التأليف . وبما أنّ المحقّق الكجوري قد ألف كتابه على هذا المنهج القويم ، فقد رتّبه في مقدّمة وأبواب وخاتمة . أمّا المقدّمة ، فقد كرّسها لتعريف علم الرجال وما يرتبط به ، وكذا وجه الحاجة إلى هذا العلم . أمّا الباب الأوّل ، ففي كيفية الرجوع إلى الكتب الرجالية . أمّا الباب الثاني ، ففي بيان طائفة من الاصطلاحات المتداولة في فنّ تراجم الرجال . أّما الباب الثالث ، ففي ما تميّز به الأسماء أو الألقاب والكنى المشتركة . أمّا الخاتمة ، ففي علم الدراية والمصطلحات . وقد امتاز أُسلوبه في جميع الأبحاث بكثرة التتبّع وذكر الأمثلة من الأخبار

.

ص: 26

المرويّة في الكتب الروائية . يتسنّى للطلاب من خلال مطالعة هذا الكتاب وممارسة القواعد والضوابط المذكورة فيه ، الرجوع إلى الكتب الرجالية والاستفادة منها ؛ فلا يحتاج الطالب بعده إلى سائر الأبحاث المختلفة المتناثرة بين طيّات كتب الرجال أو كتب الفوائد المتفرّقة ، فهو كتاب مُغنٍ عن سواه من الكتب حيث إنّه نظم أهمّ القواعد في سلك التحقيق والتنظيم بأحسن وجه ممكن . مع ما عرفت من تطبيق القواعد على الأمثلة الدقيقة ، بحيث يكون التطبيق مثالاً نموذجيّاً يتعرّف الطالب بالدقّة فيها على طريقة تطبيق القواعد على الموارد والاستفادة منها . بدأ بتأليف الكتاب في 7 شعبان المعظّم من عام 1258 ه وانتهى منه يوم الأربعاء 12 شوال من عام 1258 ه ، على مقربة من حائر مولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام . وفي ختام الكتاب أورد تقريراً عن أحوال الناس هناك في ذاك الزمان فقال : ...في أسوأ الحال من حيث الدين لاضطراب أهل البلد من توجّه نجم باشا إلى بلدهم ، وخوفهم على أنفسهم وعيالهم وأموالهم ، وغلو الأسعار ، وانسداد باب الاقتراض ، وعدم وجدان المؤنة والابتلاء بكثرة العيال ، ولعدم المسكن ، وشدّة مطالبة الديّانين وغير ذلك ، فرّج اللّه تعالى عنّا جميع تلك الكرب وأحسنها من حيث الآخرة للتلازم غالباً بين التلبّس بتلك الكُرَب وبين كمال التوجّه إليه تعالى . وفّقنا اللّه تعالى لكمال التوجّه إليه في حال البؤس والرخاء بعزّة من لُذنا إلى جواره . (1)

.


1- .يشير المؤلّف بهذه العبارات إلى واقعة كربلاء ، وهي أنّ محمّد نجيب باشا حيث علم بتغلّب علي رضا باشا على كربلاء جهّز جيشاً في ذي القعدة من عام 1258 ه ، فحاصر البلدة ، واستولى عليها في 11 ذي الحجة من عام 1258 ه . وكان قائد الجيش نجم باشا . تاريخ العراق بين الاحتلالين 7 : 65 .

ص: 27

3 _ عملنا في تحقيق الكتاب

3 _ عملنا في تحقيق الكتاب :قمنا بتحقيق هذا الكتاب على أساس النسختين الموجودتين ؛ المطبوعة ، والمخطوطة . ثمّ عثرنا _ عن طريق الصدفة _ على مخطوطة أُخرى للكتاب عند استفسارنا من أحد الأصدقاء عن هوية نسخة من هذا الكتاب كان قد حصل عليها في الآونة الأخيرة . فاجتمعت لدينا ثلاث نسخ ، وهي : 1 _ نسخة كتبها محمّد تقي مؤمن فدشكوئي الفسوي الفارسي تلميذ المؤلّف ، وكان قد بدأ بكتابتها في شهر رمضان 1291 ه وفرغ منها في 24 جمادى الاولى 1292 ه . وقرأها على المؤلّف في أيام العطل ؛ أي في يوميالخميس والجمعة . كتبها الناسخ في دار العلم بشيراز في مدرسة الخان . وتتألّف هذه النسخة من 47 صفحة في قطع 15 × 5 / 22 ، وعليها تعليقات للكاتب . وهي محفوظة في مكتبة دائرة المعارف الاسلامية الكبرى برقم 479 . وقد رمزنا لها ب «أ» . 2 _ نسخة مطبوعة على الحجر في مطبعة المحمدي في شيراز باهتمام الشيخ جمال الدين بن محمّد بن جعفر بن محمّد مهدي الكجوري ، وتقع في 221 صفحة من القطع الخشتي ، وعليها تعليقات المؤلّف مكتوبة بين السطور . ورمزنا لها ب «ب» . 3 _ نسخة ضمن مجموعة كتبها حسين بن محمّد الخراساني الأصل ، الترشيزي المسكن ، عام 1260 ه ، مع رسالتين أُخريتين من القطع الصغير . وتؤلّف هذه الرسالة ما مجموعه 165 صفحة من تلك المجموعة . ورمزنا لها ب «ج» . جاء عملنا في تحقيق الكتاب على عدّة مراحل ، نوجزها على النحو التالي : المرحلة الأُولى : مقابلة نسخ الكتاب .

.

ص: 28

شكر وثناء

المرحلة الثانية : تخريج الأقوال والمصادر . المرحلة الثالثة : تقويم النص . المرحلة الرابعة : تنزيل الهوامش .

شكر وثناءنرى لزاماً علينا أن نقدّم جزيل الشكر والثناء للإخوة الذين ساعدونا في تحقيق هذا السفر الجليل ، وفي مقدّمهم الصديق الكريم الشيخ على أوسط الناطقي الذي وفّر لنا متطلّبات تحقيق هذا الكتاب ، وكذلك سماحة الشيخ نعمة اللّه جليلي لنهوضه بمهمّة مراجعة الكتاب وتقويم النص ، وسماحة الشيخ محمّد حسين الدرايتي لمعاضدته إيّانا على إعداد الكتاب . كما أنّ الواجب يدعونا إلى تقدير الجهود التي بذلهاالأخ السيد علي معلّم في تنضيد الحروف ، والأخ فخر الدين جليلوند الذي اضطلع بمهمّة الإخراج الفني للكتاب ، ونعرب عن جزيل شكرنا للإخوة في مركز بحوث دار الحديث لما قاموا به من تنظيم لفهارس الكتاب ، والأخ خليل العصامي لمساهمته في إعداد مقدّمة الكتاب . محمّد كاظم رحمان ستايش رجب المرجب 1423ه شهريور 1381ش

.

ص: 29

M4519_T1_File_4710560

.

ص: 30

M4519_T1_File_4710561

.

ص: 31

M4519_T1_File_4710562

.

ص: 32

M4519_T1_File_4710563

.

ص: 33

الفوائد الرجالية .

ص: 34

تعريف علم الرجال .

ص: 35

المقدمة

[الجهة] الأُولى : في تعريف هذا العلم

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين ، والعاقبة للمتّقين ، والجنّة للموحّدين ، والنار للملحدين ، والصلاة والسلام على أشرف بريّته محمّد وعترته أجمعين . أمّا بعد ، فهذا منتخب قليل الذكر و كثير الفائدة في علم الرجال ، ورتّبته على مقدّمة و بابين وخاتمة . أمّا المقدّمة ففيما لابدّ في كلّ علم من العلوم من التكلّم فيه تبصرةً للمبتدئين وهو ثلاث جهات : 1

[ الجهة] الأُولى : في تعريف هذا العلمعلم الرجال : علم يعرف به رجال السند (1) ذاتاً أو وصفاً ، مدحاً أو قدحاً ، وما في حكمهما .

.


1- .في هامش «ج» : «رواة السند» .

ص: 36

والمراد بمعرفة الذات ما يحصل بتمييز المشتركات ، وبالمدح ما يشمل أقسامه المتعلّق بعضها بالجنان وبعضها بالجوارح ، سواء بلغ إلى حدّ التوثيق المصطلح أم لا . وكذا الكلام في القدح ، وبما في حكم المدح ما كان تعلّقه أوّلاً وبالذات بالخبر ، وثانياً وبالعرض بالمخبر ، كما في قولهم : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» في حقّ جملة من الرجال ونحوه ، وبما في حكم القدح ما كان مثل ذلك وكونه مهملاً أو مجهولاً _ بناءً على تضعيف رواية مجهول الحال _ ؛ فإنّ عدم ذكر الاسم أو الوصف أيضاً ممّا يتّصف الراوي به ، وكونَه ممّن اختلف في مدحه وقدحه اختلافاً موجباً للتوقّف بناءً على ذلك المذهب . بقي الكلام في الإرسال الخفي الذي لا يعرف إلاّ بهذا العلم كما إذا كان ترك الواسطة معلوماً منه بملاحظة تأريخ الراوي والمرويّ عنه ؛ فإنّ ظاهر التعريف لا يشمله إلاّ أن يُعدّ أيضاً من الأوصاف ؛ فإنّ كون الراوي ممّن لم يلاق المرويّ عنه من أوصافه ، ويُعرف بملاحظه ذلك الوصف تركُ الواسطة ، فيتّصف الواسطة بكونه متروك الاسم في السند . ومعرفة كونه في حكم المدح أو القدح تعرف أيضاً بهذا العلم ، بناءً على حجّيّة مراسيل من لا يرسل إلاّ عن ثقة وعدم حجّيّة غيرها من المراسيل وكذا لو ضعّفنا كلّ المراسيل ؛ فإنّ ذلك الوصف حينئذٍ في حكم القدح ؛ فتدبّر . فظهر بما ذكر أنّ كلمة «أو» في قولنا : «ذاتاً أو وصفاً» لمنع الخلوّ ، فقد يعرف الذات لا الوصف ، وقد ينعكس الأمر ، وقد يعرف الأمران . ثمّ لا يخفى أنّ المراد بالمدح والقدح ما يرتبط بجهة الرواية لا مطلقُهما حتّى يشمل كونه كثير الأكل والنوم أو قليلهما _ مثلاً _ من الأوصاف غير المرتبطة بتلك الجهه المعدودة عرفاً من أحدهما،والشاهد عليه سوق التعريف ، فلا نقض عليه بذلك.

.

ص: 37

فخرج بالتعريف ما عدا المعرّف حتّى علم الدراية الذي هو أشدّ لصوقاً بذلك العلم من غيره ؛ فإنّه العلم الباحث عن سند الحديث ومتنه وكيفيّة تحمّله وآداب نقله ، وذلك لأنّ قولنا في هذا التعريف : «عن سند الحديث» وإن كان يوهم اندراج علمنا في علم الدراية لكنّ الفرق بينهما واضح ؛ فإنّ في قولنا : «هذا الحديث ممّا سلسلة سنده ثقات ، وكلّ ما كان كذلك فهو صحيح» مثلاً ، يعرف صغراه بعلمنا وكبراه بعلم الدراية ، فهما مشترِكان في البحث عن السند ومفترِقان من حيث كون البحث في كلٍّ منهما من جهةٍ تخالف الآخر . وربما يعرّف ب «علمٍ يعرف به أحوال الخبر الواحد صحّةً وضعفاً وما في حكمهما بمعرفه سنده وسلسلة رواته ذاتاً ووصفاً ، مدحاً وقدحاً وما في معناهما.» (1) وأنت خبير بأنّ المرتبط بالمقام هو الجزء الأخير منه ، فلا حاجة إلى زيادة الجزء الأوّل حتّى يندرج في التعريف علم الدراية فتقعَ الحاجة إلى إخراجه بالجزء الأخير ، مضافاً إلى التأمّل في كونه مخرجاً ؛ فإنّ هذين العلمين متعانقان ، فمن يحتاج إلى معرفة كون الخبر صحيحاً بعلم الدراية والحكمِ عليه بالصحّة يحتاج إلى إثبات الصغرى حتّى يرتّب عليها الكبرى ، فيصدقَ عليه بعد ذلك أنّه عارف بصحّة الخبر بسبب معرفة السند . فتطبيق هذا التعريف على علم الدراية أظهرُ من تطبيقه على علم الرجال ؛ فتدبّر . ثمّ إنّ الخبرَ في مصطلح أصحابنا عبارة عمّا انتهى إلى المعصوم كما صرّح به القوم ، والواحدَ في مقابل المتواتر . فيرد أمران : الأوّل : أنّ المعلوم بهذا العلم رجال السند ، سواء انتهى إلى المعصوم

.


1- .لبّ اللباب (ميراث حديث شيعه) 2 : 263 .

ص: 38

الجهة الثانية في موضوعه

[ موضوع علم الرجال ]

أو لا فأخذ الخبر في التعريف يوجب عدم انعكاسه . والثاني : أنّ المعلوم به أيضاً رجال السند ، سواء كان الخبر واحداً أم متواتراً ، فأخذ «الواحد» فيه يوجب إخراج المتواتر ؛ فإنّ الأصل في القيود _ ولاسيّما في التعريف _ كونها احترازيّة فيختلّ أيضاً عكس التعريف . والإعتذار عنه _ بأن لا فائدة في معرفة سند المتواتر _ غير وجيه ؛ فإنّ كون شيء من مسائل علم لا ينافي عدم ترتّب الثمرة الخارجيّة عليه ، ولا يلازم ترتّبها عليه ، وإلاّ لكان الخبر الواحد الضعيف _ الذي قام الإجماع على مضمونه _ خارجاً فلابدّ من قيد آخر لإخراجه . ولعلّ ذلك من الوضوح [بمكان ]غير محتاج إلى البيان .

الجهة الثانية في موضوعه[ موضوع علم الرجال ]وموضوعه _ كما علم من تعريفه _ هو الرجال الواقعة في سلسلة السند ؛ فإنّه يبحث فيه عن كونها ثقاتٍ أو ضعافا ونحوَهما ، وتلك من عوارضها . وربما يقال : إنّ كلّ ذلك حالة عارضة لهم باعتبار أمر يساويهم وهو القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة لا باعتبار الذات أو الجزء ليلزم امتناع الإنفكاك الظاهر فساده ، والجبرُ الفاسد في المذهب ، واقتضاءُ النقيضين المستلزمُ لاجتماعهما . ومنشأ ذلك اندماج الفرق بين الأعراض الذاتيّة والغريبة وما هو المعيار في كون العرض ذاتيّاً أو غريباً . (1) فنقول أوّلاً عليه _ سلّمه اللّه تعالى _ : إنّ ذلك الأمر المساويَ إمّا أمر جوهري أو عَرَضي ، وعلى الأوّل لابدّ أن يكون إمّا جزءا هو تمام المشترك

.


1- .تنقيح المقال 1 : 173 .

ص: 39

بين نوع الإنسان وسائر الأنواع كما في منشأ القوّة الشهويّة والغضبيّة وهو الحيوانيّة ، وإمّا جزءا هو الفصل والمقوّم لذلك النوع كما في منشأ القوّة العقليّة وهو النطق . فإن كان الأوّل ، يرد أوّلاً : أنّ ذلك العارض إنّما عرض الإنسان لأمر أعمّ فليكن من الأعراض الغريبة على بعض الإحتمالات كما سيجيء . وثانياً : أنّه انّما عرضه لجزئه فليرد المفاسد الثلاثة . وإن كان الثاني ، يرد الإعتراض الثاني ، ووجودُ أمر جوهريّ في النوع خارجٍ عن الجنس والفصل غير معقول . وعلى الثاني فعروض ذلك العرض للإنسان إمّا لذاته أو لجزئه أو لأمر يساويه ، وعلى الأوّلين يلزم المفاسد ، لأنّ السبب في الفسق _ مثلاً _ هو القوّة الشهويّة العارضة للإنسان لذاته أو لجزئه ، والذاتي لا يتخلّف فلا يتخلّف مسبّبه وإن لم يكن سبباً فيه بل من المقتضيات ، فلا حاجة إلى هذا التكلّف البارد ، في دفع المفاسد . وعلى الأخير ينقل الكلام إلى هذا الأمر المساوي وهلمّ جرّاً . وثانياً : إنّ المقرَّر في محلّه أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ولا إشكال فيه . إنّما الشأن في بيان المعيار في كون العرض من الأعراض الذاتيّة أو الغريبة . ويمكن جعل المناط في كونه ذاتيّاً كونَ العروض لاستعداد حاصل في ذات المعروض من حيث كونها ذاتاً مخصوصة سواء كان بلا واسطة كالممكن والحاجة . _ والتمثيل له بالتعجّب والإنسان لعلّه ليس في محلّه ؛ فإنّ الفِعليَّ من التعجّب ليس من مقتضيات الذات قطعاً ، وإلاّ لكان الإنسان متعجّباً دائماً والشأنيَّ منه مقتضى عروضه إمّا إيجاده تعالى الذى هو الأمر المباين وإمّا النطق الذي هو الجزء

.

ص: 40

المساوي للإنسان (1) _ أو بواسطة أمر مساوٍ للذات كالتعجّب في عروض الضحك للإنسان على الإحتمال الأوّل المذكور في التعجّب الشأني _ أو بواسطة جزء مساوٍ لها كالتعجّب والإنسان على الإحتمال الثاني وكالنطق في عروض الإدراكات له ؛ فإنّ العروض في كلّ هذه الثلاثة إنّما هو لوجود الاستعداد المذكور في المعروض من الحيثيّة المذكورة . و في كونه غريباً (2) كونَ العروض لا لذلك الاستعداد الخاصّ كالتحرّك بالإرادة العارض للإنسان بواسطة كونه حيواناً ؛ فإنّه من الأعراض الذاتيّة لذلك الجزء الأعمّ ومن الغريبة للنوع . والفرق بين القسمين واضح ، لكون الجزء المساوى مقوّماً للذات ، فالعروض فيه إنّما هو للاستعداد الحاصل في خصوصها وكذا في الأمر المساوي ، بخلافه في الجزء الأعمّ ؛ لتحصّله بتحصّل النوع ؛ لما تقرّر من أنّ تقوّم النوع إنّما هو بالفصل ، وكلّ مقوّم للسافل مقسّم ومحصّل للعالي ، فلا خصوصيّة للعوارض اللاحقة له بالنسبة إلى ذلك النوع وإن كان بنفسه من ذاتيّاته . وحاصل هذا المناط انحصار العرض الذاتي فيما يعرض الشيء بلا واسطة أو بواسطة أمر يساويه داخلاً أو خارجاً ، وكون ما عداها من الأعراض الغريبة . ويمكن جعله في الأوّل (3) كونَ العروض متعلّقاً بالذات أو بعض ذاتيّاتها ولو بالواسطة ، وعليه يكون جميع ما يعرض النوع لذاته أو لأمر يساويه أو لجزمه الأعمّ عرضاً ذاتيّاً ؛ لاستناده إلى الذات أو الذاتيّات مطلقاً ، فينحصر الثاني فيما كان مستنداً إلى أمر خارج أعمَّ كعروض التحرّك بالإرادة للناطق بتوسّط الحيوان ، أو خارجٍ أخصَّ كإدراك الكلّيّات الحاصل للحيوان بتوسّط النطق ، أو خارجٍ مباينٍ

.


1- .عطف على قوله : «سواء كان بلا واسطة كالممكن و الحاقه» .
2- .عطف على قوله : «و يمكن جعل المناط في كونه ذاتيا» .
3- .أي العرض الذاتي .

ص: 41

كعروض الحرارة للماء بتوسّط النار . ويمكن جعله في الأوّل ما كان نفس الذات كافيةً في اقتضاء العروض ، أو كان الواسطة واسطة في الثبوت بمعنى كون محلّ العوارض هو الذاتَ بالذات بسبب تلك الواسطة ويجمعهما كون نفس الذات متّصفاً بذلك العرض مطلقاً كاتّصاف الممكن بالحاجة ، والإنسانِ بالتعجّب ، والضحكِ والحركة والإدراك والماء بالحرارة ونحوها . وفي الثاني (1) ما توقّف العروض على الواسطة مع كونها واسطة في العروض بمعنى كون الواسطة متّصفةً بالعرض بالذات وكون الذات متّصفة به بالعرض وبتبعيّتها ، كتوسّط السفينة في عروض الحركة للجالس ، وتوسّط البياض والحركة _ مثلاً _ في عروض الشدّة والسرعة للجسم . ووجه تسمية كلّ من الأوائل بالذاتيّة والأواخر بالغريبة واضح . ومقتضى التتبّع في العلوم _ حيث نراهم يبحثون في كلّ علم من الأحوال اللاحقة للأنواع الواقعة تحت موضوعه والأصناف المندرجة تحت الأنواع وينصّون على أنّ الموضوع في مسائل الفنون إمّا أجزاء الموضوع أو جزئيّاته أو عوارضه الذاتيّة وهكذا _ حقّيّةُ المناط الثالث ، إذ العوارض الخاصّة اللاحقة للجزئيّات ليست أعراضاً ذاتيّة بالمعنى الأوّل لنفس الموضوع ، وإلاّ لكان الكلّ مشترِكاً في ذلك العرض مع بداهة اختلافه فيه كما في الأحكام الخاصّه للاسم والفعل والحرف مع كون موضوع النحو هو الكلمة الجامعة بين الأقسام ، ولا بالمعنى الثاني لها ؛ لعدم كونها أعراضاً للذاتي الأعمّ أيضاً ، وإلاّ لزم الإشتراك أيضاً . وكذا نراهم يبحثون في العلوم عن الأُمور العارضة لموضوعاتها بتوسّط أمر

.


1- .أي العرض الغريب .

ص: 42

خارج أعمَّ كما في الفقه ؛ فإنّ موضوعه الأفعال والأعيان ، وعروض العوارض _ التي هي مسائله من الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة _ إنّما هو بتوسّط جعل الشارع وتشريعه الذي هو المباين الأعمّ من خصوص أفراد الموضوع . وبعد ما أحطت خُبْراً بما قرّرنا إجمالاً ، عرفت ضعف دخل هذا القائل وجوابه ، وضعفَ ما في جملة من كتب المنطق من بيان المعيار في ذلك ؛ فإنّ ذلك ليس أمراً تعبّديا ورد به آية أو رواية يجب العمل بها تعبّداً ، بل إنّما ذلك أمر اجتهادي يعرف من التتبّع في مشي المؤلّفين وطريقة سلوكهم في تصانيفهم ولا يلزم كفر ، ولا إنكارُ ضروريٍّ ، ولا مخالفةُ عقل قطعي أو ظنّيّ من مخالفة مَن ذكر ذلك المعيار ، والخطأُ في أمثال ذلك ليس بعزيز . فنقول : إنّ الراوي _ الذي هو موضوع ذلك العلم _ يتّصف بنفسه من دون واسطة في العروض بالصدق والكذب ، والعدالة والفسق ، ونحوهما وإن كان المقتضى لذلك ترجيحَ مقتضى القوّة العاقلة على مقتضى القوّة الشهويّة والغضبيّة باختياره أو بالعكس ، والأشخاصُ الخاصّة من جزئيّات ذلك الموضوع ، فيتّصف بعضهم ببعض تلك الأوصاف والبعض الآخر بالبعض الآخر ، كما في جزئيّات موضوع الفقه والنحو والمنطق . والعجب من ذلك القائل ؛ حيث يذعن بذلك في المقام مع ما قال سابقاً من أنّ عروض تلك الأوصاف إنّما هو لأمر يساوي الموضوع ؛ لوضوح التنافي بين المقالتين كما لا يخفى ؛ فإنّ مقتضى الثاني اتّصاف كلّ واحد من الرواة بجميع هذه الأوصاف ؛ لاشتراك الكلّ في ذلك الأمر المساوي . ومقتضى الأوّل اختصاص بعض ببعض . وكيف كان ، لا يقدح فيما نحن بصدد بيانه كونُ المبحوث عنه في علم الرجال خصوصَ الجزئيّات ؛ لأنّه لم يقم برهان على لا بدّيّة كون المبحوث عن حاله كلّيّاً .

.

ص: 43

[ الحاجة إلى علم الرجال ]

وما يقال _ من أنّ الجزئيّات ليست بكاسبة ولا مكتسبة _ فإنّما هو في مقام آخر فقد يكون كليّاً وقد يكون جزئيّاً كما إذا وقع جزئيُّ موضوعِ العلم موضوعاً لمسائله كما في الكواكب السيّارة في علم الهيئة . وقد يقال : إنّ التعرّض للكلّي في كثير من العلوم إنّما هو لعدم حصر الجزئيّات التي هي المقصودة بالذات ، فلذلك جعلوا الكلّيّ فيها عنواناً جامعاً لشتات الجزئيّات ، بخلافه في المقام ؛ فإنّ الجزئيّات فيه محصورة . ولا بأس به في مقام دفع الشبهة لو كانت .

[ الحاجة إلى علم الرجال ]وأمّا وجه الحاجة إلى ذلك العلم ، فربما يتوهّم أنّه من مسائل علم الأُصول بملاحظة تعرّض جملة من المتأخّرين له في الكتب الأُصوليّة في مقام ذكر شرائط الإجتهاد . وليس كما تُوهّم ؛ لأنّ تعريف علم الأُصول وموضوعَه أمران معلومان كالنار على عَلَم ، ولا يشتبه على أحدٍ أنّ مباحث الإجتهاد والتقليد ليست بداخلة فيهما ، ولذا عدّها جملة من المباحث الكلاميّة ، وربما يعدّ من المسائل المشتبهة وإن كان العدّان ممّا لا وجه لهما ؛ لوضوح خروجها من العلمين ومن الفقه . وقد أشرنا إلى المعيار في كون المسألة من أيّ علم من العلوم الثلاثة في ما مزّجته بنتائج الأُستاذ . 1 ومجرّد الذكر في طيّ مسائل الأُصول ممّا لا يوجب الدخول فيه ؛ فإنّا كثيراً مّا

.

ص: 44

نراهم يتعرّضون لجملة من المباحث في غير علمها بمجرّد المناسبة ولو في الجملة . وبعد خروج نفس الإجتهاد وكونِ ذكره تطفّلاً فما ظنّك بشرائطه؟! فنقول : على البناء في حجّيّة الأخبار _ على وجه منَّ اللّه تعالى به عليّ بعد التأمّل في طريقة القدماء والسيرة المستمرّة بين المسلمين في رجوع المستفتي إلى المفتي من كون الحجّة بعد القطع منحصرةً في الأخبار المأثورة عن سادات الدين على وجه يحصل القطع بالصدور أو الظنّ به _ فوجه الحاجة ظاهر ؛ لكون معرفة الرجال من إحدى طرق الظنّ بذلك ، كما أنّ من طرقه وجودَ الرواية في الكتب الأربعة لمشايخنا الثلاثة _ شكر اللّه سعيهم _ أو في الكافي والفقيه ، أو في واحد منهما ؛ لما تحقّق من كونهما أضبطَ من كتابي الشيخِ . وربما يقال : إنّ الظنّ بالصدق ، الحاصل من وجود الرواية في الكتب المعتبرة _ التي أتعب مصنِّفوها بالَهم في نقدها وانتخابها وغير ذلك من الأمارات التي أوجبت دعوى الأخباريّين كونَها مقطوعةَ الصدور _ ليس بأدون من ظنّ يحصل من تعديل أرباب الرجال وتوثيقهم ، بل ذلك ممّا يقرّب الظنَّ إلى القطع ، فمع وجود ذلك لا حاجة إلى علم الرجال . ولا يتوهّم عدم حصول الظنّ بصحّة روايات كتب المشايخ ؛ لما فيها من تعارض بعضها مع بعض ، وممّا لم يعمل المؤلّف ، به أو كان مخالفاً للإجماع أو الكتاب ، ولذا ترى بعض المشايخ لم يعمل بما في كتاب بعضٍ آخَرَ ؛ لأنّ صحّة الأحاديث لاتنافي شيئاً ممّا ذكر ؛ لأنّ المراد بكونها صحيحةً كونُها مقطوعةَ الصدور ومظنونةً . ولا تَنافي بين صدور خبر وصدور ما يعارضه في نظرنا ؛ لأنّ دواعي الإختلاف كانت كثيرة ؛ فإنّ الأئمّة كانوا كثيراً مّا يتّقون على أنفسهم الزكيّة وعلى أصحابهم في بيان الأحكام . وأيضاً لكثير من الأحاديث معانٍ وتأويلاتٌ لا تصل إليها عقولنا ، وأيضاً ربما

.

ص: 45

يحكمون على شخص بحكم لمدخليّة بعض الخصوصيّات الموجودة فيه كما يظهر من رواية الصدوق عن خالد في رجل محرم أتى أهله وعليه طواف النساء . (1) ومنه يظهر وجه عدم قدح مخالفة الإجماع والكتاب أيضاً في حصول الظنّ بالصحّة . وأمّا عدم عمل الراوي أو غيره من المشايخ ، فيمكن أن يكون من جهة ظنّ عدم الدلالة أو العثور على معارض راجح في نظره أو مثل ذلك . نعم ، لو كان القدماء منّا كالموجودين قبل زمان المحمّدين بل في زمانهم أيضاً ربما يحتاجون إلى معرفة حال الرواة ؛ لأنّه في تلك الأزمنة لم تكن الأحاديث منحصرةً في المدوّنة ، وما كانت منها مدوّنةً لم يكن الجميع منتقداً منسوباً إلى الثقات المتورّعين ، بل كان الناس كثيراً مّا يحتاجون إلى ملاحظة حال الرواة لتحصيل القرينة أو ردّ ما لا قرينة له . والحاصل : أنّ مقصودهم كان تحصيلَ القرينة والظنَّ بصدق الخبر ، وكان ملاحظة حال الراوى أيضاً أحدَ طرق الظنّ ، ثمّ لحق بهم قوم من العلماء وتكلّموا في شرائط العمل بالحديث من حيث هو حديث من غير تخصيص بحديث بل أرادوا بيان موجبات الظنّ فقالوا : إنّ من شرطه ملاحظةَ حال الراوي ، ولم يقصدوا أنّ ذلك لازم مطلقاً حتّى في خبر يظنّ صدقه من قرينة أُخرى . (2) انتهى ملخّصاً . ولكنّك خبير بأنّ نفس حصول الظنّ ممّا ليس بالاختيار ، بل يدور مدار أسبابه باختلاف حال المتأمّلين والناظرين . فربما يوجب سببٌ حصولَ الظنّ لشخص ولا يوجبه لشخصٍ آخَرَ . سلّمنا ذلك في الخبر الموجود في كلّ الكتب الأربعة ، لكنّ الكثير ممّا روي

.


1- .الفقيه 2 : 363 / 2716 .
2- .مناهج الأحكام والأُصول : 273 .

ص: 46

في التهذيب ليس موجوداً في الكتب الثلاثة الأُخر ، وربما يوجد في الكتب الإستدلاليّة من الفقه أخبار ليست موجودة في واحد منها ، فمن أين ترتفع الحاجة إلى علم الرجال بالنسبة إلينا كلّيّةً ؟ ! والمصدِّق لما ادّعينا صَرْفُ جلّ من العلماء هممهم في ذلك العلم وفي التصنيف فيه من مثل الكشّي والنجاشي والشيخ إلى زمان المتأخّرين . ولو كان مجرّد وجود الرواية في واحد من تلك الكتب موجباً للظنّ بالصدق ، لما ضيّعوا عمرهم في زمان طويل في ذلك واشتغلوا بما فيه فائدة ؛ فإنّهم عقلاءُ أتقياءُ أساطين الدين ، بل الظاهر أنَّهم ألّفوا كتبهم لانتفاع من سيأتي من بعدهم . ومع الإغماض عن ذلك كلّه ربما يتعارض كلام شيخ واحد في تصحيح خبر وتضعيفه في الكتابين أو في المقامين ، وربما يتعارض كلام اثنين من المشايخ في ذلك ، فلابدّ من الإجتهاد في صحّة واحد من المتعارضين . مضافاً إلى أنّ المعتبر من الظنّ بالصدق هو الظنّ المستقرّ بعد الإجتهاد لا مطلق الظنّ البدوي ، وكثيراً مّا لا يحصل الإستقرار إلاّ بعد الفحص عن أسباب الصدق والكذب ، وجلّها ممّا يتحصّل بذلك العلم ، مع أنّ الأخبار المُودَعة في الكتب الأربعة قلّما يتّفق خلوّها عن المعارض ، فعلى فرض تسليم حصول الظنّ المستقرّ من الخالي عنه بمجرّد وجوده فيها أو في بعضها فما الحيلة في غالب الأخبار ؟ والبناء على التخيير . مع عدم العلم بعدم المرجّح _ ممّا ينفيه العقل والشرع . أمّا الأوّل ، فواضح . وأمّا الثاني ، فلما دلّ عليه جملة من الأخبار العلاجيّة من أنّ التخيير إنّما هو بعد رفع اليد عن الوجوه المرجّحة ومنها الأعدليّة ، كما نصّ به الباقر عليه السلامفي رواية زرارة ؛ حيث قال : قلت : إنّهما مشهوران عنكم . فقال : «خذ بما يقول

.

ص: 47

أعدلهما عندك» . (1) وفي رواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر» . (2) والعنوان فيها وإن كان «الحُكم» ، لكن يمكن استفادة اعتبار تلك الأوصاف في الراوي عند التعارض منها ، إمّا من سَوْق الكلام حيث اعتبر في ترجيح الحُكم الأصدقيّةَ في الحديث ، وإمّا باعتبار أنّ المراد من القاضي والحُكم ليس معناهما المصطلح ؛ فتدبّر . بل يظهر من قول ابن حنظلة في ذيل هذا الحديث : الخبران عنكم مشهوران رواهما الثقات عنكم ، وقولِ حسن بن جهم للرضا عليه السلام : يجيئنا رجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين (3) ونحوِهما ، أنّ ترجيح أحد المتعارضين بوثاقة راويه كان مسلّماً عندهم وممّا نصّ به المعصوم عليه السلام . ولا ينبغي الريب في أنّ معرفة هذا الوجه من المرجّح لا تحصل إلاّ بعلم الرجال . مضافاً إلى أنّ بناء جلّ المحدّثين على ذكر سلسلة السند إمّا في نفس الكتاب أو في المشيخة ، والظاهر من هذا الذكر أن يرجِّح الواردُ على تلك الأخبار صحيحَها من سقيمها بملاحظة السند . وكون ذلك من باب إرادة اتّصال السند بالمعصوم تيمّناً أو من باب دفع تعيير العامّة على الخاصّة بأنّه لا راوي لكم ، مستبعد جدّاً . سلّمنا ظهور الثاني من الشيخ لكن ما تقول فيمن تقدّم ولاسيّما الكافي ؟ والحاصل : أنّ الحاجة إلى ذلك العلم على هذا المسلك _ الذي وجدناه

.


1- .مستدرك الوسائل 17 : 303 أبواب صفات القاضي ، ب9 ، ح2 ، عن عوالى اللآلئ .
2- .الكافي 1 : 67 / 10 ؛ الفقيه 3 : 8 / 3233 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 302 / 52 .
3- .نفس المصادر السابقة .

ص: 48

مسلكَ قدماء الأصحاب وساعد عليه الدليل والإعتبار واخترناه _ ممّا لا ينبغي التأمّل فيه على وجه الموجبة الجزئيّة . ولا يضرّ في مسلكنا العموماتُ الناهية عن العمل بالظنّ ومنطوقُ قوله تعالى : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ » (1) فإنّ العامّ يخصَّص ، والمطلقَ يقيّد بما تحقّق من قيام الإجماع من أصحاب الأئمّة وقدماء الأصحاب والسيرة المستمرّة وبناء العرف في الموالي والعبيد على الإعتماد على ما حصل لهم الوثوق بأنّه قولُ مَن يجب إطاعته واتّباعه . وكذا لاريب في الحاجة إلى ذلك العلم على مسلك من يعتمد في حجّيّة الأخبار على مفهوم آية النبأ كما في جملة من الأصحاب . وكذا على المسلك الجديد بين الخاصّة من حجّيّة مطلق الظنّ في الأحكام الفرعيّة ؛ فإنّ غالب الأحكام ممّا يستفاد من الأخبار ، والحكم المستفاد من الشهرة فقط والاستقراءِ في غاية الندرة . ولا ريب في أنّ لمعرفة عدالة الراوي وعدمِها مدخليّةً تامّة في تحصيل الظنّ بالحكم الواقعي وعدمه . وما سبق من الإعتراض والجواب جاريان على هذا المسلك . وأمّا على مسلك من يعمل بالخبر المنسوب إلى المعصوم عليه السلام ولو لم يفد الظنّ بالحكم ولم يحصل الظنّ بالصدق _ كما هو المنسوب إلى الحشويّة 2 _ فلا ريب أنّ في الأخبار المنسوبة لزومَ الرجوع إلى رواية الأعدل ، فلابدّ له من التعبّد بذلك أيضاً ، فيتمّ المطلوب .

.


1- .الحجرات (49) : 6 .

ص: 49

وأمّا نفس ذلك المسلك ، فقد دلّ العقل والشرع والإعتبار على بطلانه ، ولا سيّما بعد ملاحظة الأخبار الدالّة على كثرة القالة والكذّابة على الأئمّة . ولاريب أنّه لا اختصاص في ذلك لخصوص أخبار أُصول العقائد _ كما توهّم _ بل يجري في الأُصول بالنسبة إلى من يرى الغلوّ وبالنسبة إلى من يرى إظهار الشنائع على الأئمّة لإعراض الناس عنهم ، وفي الفروع أيضاً نظراً إلى إبداء التناقض والتعارض ومخالفة الكتاب والسنّة والإجماع لكي يوجب حطّهم عن نظر العوامّ أو يوجب ترويج الشريعة التي كان مبدعها الشيطان وسوّل للمفتري نفسه الشقيّة وأمثال ذلك . وأمّا على مسلك من يرى قطعيّة صدور الأخبار المودعة في الكتب الأربعة ونحوها من الكتب المعتبرة كمدينة العلم 1 والخصال والأمالي وعيون الأخبار كما عن

.

ص: 50

[ ردّ الأخباريّة في عدم الحاجة إلى علم الرجال ]

بعض الأخباريّة لشبهة حصلت لهم . فربما يقال : إنّ وجه الحاجة إلى ذلك العلم أنّ من جملة تلك الأخبار القطعيّة لزومَ الرجوع إلى رواية الأعدل عند التعارض ، فلابدّ من الأخذ به لكونه قطعيّاً أيضاً ، والتعارض إنّما هو في أكثر هذه الأخبار . ولكنّك خبير : بأنّ ذلك الإلزامَ إنّما يتمّ فيما لو كان ذلك العلاج في الأخبار القطعيّة ، وللخصم إنكاره بأنّ المعصوم إنّما بيّن علاج التعارض في جنس الأخبار ففي القطعي منها يجري سائر العلاجات من الأخذ بموافق الكتاب ومخالف العامّة ونحوهما ، وفي الظنّي منها يجري العلاج بأخذ قول الأعدل والأصدق ؛ وذلك لظهور مُفاد تلك الأخبار في الخبر الظنّي ، وإلاّ فلا يؤثّر الأصدقيّة في الخبر القطعي كما هو واضح . فالصواب في ردّهم إبطال الصغرى كما سيجيء .

[ ردّ الأخباريّة في عدم الحاجة إلى علم الرجال ]وللأخباريّة شكوك في إثبات عدم الحاجة على وجه السلب الكلّي قرّر بعضها أمينهم 1 وبعضَها غير أمينهم ، وأتقنها صاحب الوسائل في أواخر المجلّد السابع منها . (1) ولنذكر المعتمد من الشكوك حتّى يكون أُنموذجاً لما لم نذكره ، ويَقتدرَ الناظر من حلّه على حلّه ؛ فإنّ التصدّي لبيان هذه المقامات وكشف النقاب عن وجهها لعلّه واجب كي لا يغترّ الجاهل بهذه الشكوك .

.


1- .م_ا ذك_ره الماتن قدس سره ك_ان على أساس الطبع_ة ال_قديمة ، وأمّا الط_بعة الحديثة ف_راجع : وسائل الشيعة 30 : 249 _ 267 .

ص: 51

فمنها : ما شيّد أركانه في المقدّمة الثانية من مقدّمات الحدائق بعد أن ذكر أنّ الأصل في تنويع الأخبار إلى الأربعة المعروفة هو العلاّمة أو شيخه جمال الدين [ابن ]طاووس _ كما صرّح به جملة من أصحابنا المتأخّرين _ ونَقل عن مشرق الشمسين والمنتقى أنّ السبب الداعي إلى ذلك أنّه لمّا طالت المدّة بينهم وبين الصدر الأوّل وخفيت عليهم القرائن الموجبة لصحّة الأخبار عند المتقدّمين ، التجأوا إلى العمل بالظنّ بعد فقد العلم ؛ لكونه أقربَ المجازات إلى الحقيقة عند تعذّرها قائلاً : إنّ لنا على بطلان هذا الإصطلاح وصحّة أخبارنا وجوها : الأوّل : أنّ منشأ الإختلاف في الأخبار إنّما هو التقيّة لا دسّ الأخبار المكذوبة حتّى يحتاج إلى هذا الإصطلاح . واستدلّ عليه بالأخبار الحاكمة على أنّا أوقعنا الخلاف ؛ لأنّه أبقى لنا ولكم ، سلّمنا لكنّه لا ضرورة تلجئ إلى اصطلاحهم ؛ لأنّهم عليهم السلامأمرونا بعرض ما شكّ فيه من الأخبار على الكتاب والسنّه ، فالواجب في تميّز الخبر الصادق والكاذب مراعاة ذلك واتّباعُ الأئمّة أولى من اتّباعهم . (1) وفيه : أنّ مقتضى تلك الأخبار أنّ التقيّة منشأ الإختلاف ، لا انحصارُه فيها وقد ارتكز في الأذهان _ حتّى عرفه العوامّ والصبيان _ أنّ إثبات شيء لا يقتضي نفي ما عداه ، فكما أنّ ذلك سبب الإختلاف فكذلك الدسّ ، ولا سيّما بعد ملاحظة ما روي عن الصادق عليه السلام من «أنّ لكلّ رجلٍ منّا رجلاً يكذب عليه» (2) ، ومثله عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، (3) وما روي عن ابن سنان قال : قال أبو عبد اللّه : «إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس

.


1- .الحدائق الناضرة 1 : 16 بتفاوت يسير .
2- .لم نعثر على نصّه ولكن مضمونه موجود في اختيار معرفة الرجال : 593 / 549 ؛ بحار الأنوار 25 : 287 / 42 .
3- .كما في الكافي 1 : 63/1 ؛ الاحتجاج 2 : 447 ؛ بحار الأنوار 2 : 225/2 .

ص: 52

_ إلى أن قال : _ وكان أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ قد ابتلى بالمختار » . (1) وهذه الأخبار ونحوها موجودة في الكتب المعتبرة ، فما وجه ترجيح تلك الأخبار على هذه ، مع انّ المفروض أن لا تعارض بينهما فكلاهما من أسباب الإختلاف ، والحاجة إلى الرجال تُميِّز الصدوقَ عن الكذوب . ثمّ إنّ العَرْض على الكتاب والسنّة من أحد وجوه العلاج . ولعلّ هذا الشيخ نسي سائر الوجوه التي منها الأعدليّة . ثمّ إنّ ما وافق الكتاب والسنّة وإن كان ملازماً للصدق لكنّ المخالفة لا تستلزم الكذب ، وإلاّ لكان اللازم طرح جميع الأخبار المتخالفة التي في غاية الكثرة ؛ فتدبّر . ثمّ إنّ طرح الأخبار الضعاف موافق لمنطوق آية النبأ . (2) ثمّ إنّ العلاج _ لمّا لا تعرّض له في الكتاب على نحو يصل إليه أفهامنا _ ماذا ؟ ولا ينافيه عدم مغادرة الكتاب صغيرةً ولاكبيرة إلاّ أحصاها (3) ، وكذا لا ينافيه بيان الإمام ، فإنّ الحيلة _ فيما إذا شكّ أنّ هذا البيان من الإمام أم لا _ ما ذا ؟ والثاني : أنّ التوثيق والجرح الذي بنوا عليه تنويعَ الأخبار إنّما أخذوه من كلام القدماء ، وكذلك الأخبار التي رويت في أحوال الرواة من المدح والذمّ ، فإذا اعتمدوا عليهم في مثل ذلك ، فكيف لا يعتمدون عليهم في تصحيحهم ما صحّحوه من الأخبار واعتمدوه وضمنوا صحّته كما صرّح به جملة منهم ؟ ! كما لا يخفى على من لاحظ ديباجتي الكافي والفقيه وكلامَ الشيخ رحمه الله في العُدّة وكتابي الأخبار ، فإن كانوا عدولاً في الإخبار بما أخبروا به ففي الجميع، وإلاّ فالواجب تحصيل الجرح والتعديل من غير كتبهم وأنّى لهم به؟!

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 305 / 549 .
2- .المصدر : 305 / 549 .
3- .الحجرات (49) : 6 .

ص: 53

وتوهّم أنّ إخبارهم بصحّتها يحتمل الحمل على الظنّ القويّ باستفاضة أو شياع أو شهرة معتدّ بها أو قرينة أو نحو ذلك ممّا يخرجه من محوضة الظنّ . مدفوع ؛ أوّلاً : بما سمعت من تصريح صاحب المنتقى والبهائي رحمه الله بكون الأخبار قطعيّة عند المتقدّمين . (1) وثانياً : بما تضمّنه تلك العبارات ممّا هو صريح في صحّة الأخبار بمعنى القطع واليقين بثبوتها من المعصومين . والقول بأنّ تصحيح ما حكموا بصحّته أمر اجتهادي لا يجب تقليدهم فيه ، ونقلَهم المدحَ والذمّ روايةٌ يعتمد عليهم فيها ، مدفوع بأنّ إخبارهم بكون الراوي ثقةً أو كذّاباً أيضاً أمر اجتهادي استفادوه من القرائن . (2) وفيه أوّلاً : أنّ في أوّل الفقيه : «أنّي لم أقصد فيه قصدَ المؤلّفين في إيراد ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته» (3) ومن البيّن أنّ المؤلَّف المعروفَ قبل تأليفه كتابُ الكافي ، فيظهر من مقالته الطعن فيه . وثانياً : أنّا نحصّل الجرح والتعديل بالنسبة إلى رواة أخبار الكافي والفقيه من رجال الشيخ والكشّي والنجاشي وبالنسبة إلى رواة أخبار التهذيبين من رجال الأخيرين ، فأين الإلزام بأنّى لهم به ؟ ! وثالثاً : بأنّ ذلك التصحيح منهم ممنوع ؛ فإنّ الموجود في الكافي : «أنّي أرجو أن يكون بحيث توخّيت» (4) ، ورجاء الصحّة غير الحكم بالصحّة . وكون ذلك من باب هضم النفس غير معلوم ، ولا أقلّ من إيجابه تَزَلْزُلَنا في حكمه بالصحّة ولا أثر بذلك التصحيح في التهذيب . نعم ، قال في الاستبصار : «إنّ من القطعي ما وافق الكتاب منطوقاً أو مفهوماً

.


1- .منتقى الجمان 1 : 2 و3 ؛ مشرق الشمسين : 30 .
2- .الحدائق الناضرة 1 : 16 و 17 بتلخيص و تفاوت في بعض الألفاظ .
3- .الفقيه 1 : 2 و3 .
4- .الكافي 1 : 9 .

ص: 54

وما خالف العامّة» . (1) لكن لاريب أنّ ذلك لا يوجب القطع بالصدور والحكمَ به . وأمّا العُدّة فليست حاضرة عندي ، وقال بعضهم : إنّي تصفّحت العُدّة ، فلم أجد ما نسب إليها من القول بأنّ كلّ ما أعمل به فهو صحيح . ورابعاً : سلّمنا صراحة حكمهم بالصحّة ، لكنّ الشأن في أنّ المراد بالصحّة ماذا ؟ فإن كان المراد بالصحيح ما كان قطعيَّ الصدور ، فدون إثباته خَرْطُ القَتاد ، ولاسيّما بعد ملاحظة ما نقلناه من الاستبصار . ونقْل الفاضلين السابقين لاصراحة فيه على ذلك ، ومع الصراحة لا حجّيّة فيه. وإن كان المراد ما كان معتمداً كما هو الظاهر ، سواءٌ كان الصدور قطعيّاً أو ظنّيّاً فنشكّ في كلّ خبر أنّه من أيّهما عندهم والقدر المتيقّن كونه ظنّيّاً عندهم ، وذلك لا يلازم الظنّيّة عندنا . سلّمنا التلازم ، لكن من وجوه الترجيح عند التعارض الأخذ بقول الأعدل .وكذا الكلام إن كان المراد قطعيَّ الحجّيّة كما يظهر من الاستبصار . مضافاً إلى أنّ العمل بقولهم : «يجب العمل بهذه الأخبار» إن كان من باب التقليد فعدم جوازه ظاهر ، أو من باب الشهادة فمن البيّن أنّ محلّها الموضوعات كالشهادة على أنّ هذا مال زيد ، وأمّا أنّ ذلك واجب العمل فلا . سلّمنا ، لكنّ الشهادة لابدّ أن تكون بإخبارٍ جازم ، والمقرّر في محلّه أنّ شهادة الفرع بواسطة أو وسائطَ غيرُ مسموعة ، ولا إخبار في المقام إلاّ بالكتابة التي يحتمل فيها ألْف احتمال . والشهادة العمليّة في اعتبارها ألْف كلام . وشهادة الفرع بعد كونها بوسائطَ غيرُ معتبرة جزماً . لا يقال : فكيف الإعتبار بالمدح والذمّ؟! لأنّا لعلّنا سنشير إلى أنّ اعتبارهما ليس من باب الرواية والشهادة ، بل من باب الظنون الإجتهاديّة . فاندفع

.


1- .الاستبصار 1 : 3 و4 .

ص: 55

دفع الإعتراض الأوّل ؛ فإنّ القرائن والأمارات واضحة على كون جملة من تلك الأخبار ظنّيّةً . نعم ، يمكن كونها متواترةً ؛ لأخذها من الأُصول المتواترة ، لكن ذلك مجرّد احتمال ، والذي يحصل العلم به كون جملة منها على وجه الإجمال علميّةً . ومن البيّن أنّ ذلك لا ينفع في قطعيّة جميع تلك الأخبار المودعة في تلك الكتب الأربعة . ثمّ إنّ الحقّ أنّ تصحيح ما حكموا بصحّته ونقلَهم المدحَ والذمّ من باب واحد ، وهو كونهما (1) الأغلب من الأُمور الإجتهاديّة الحاصلة بالقرائن . والداعي على الفرق _ مع كونهما في الأغلب من الأسباب المفيدة لظنّ صدق الرواية _ أنّ الحكم بالصحّة على وجه العموم ، والحكمَ بعدالة الراوي على وجه الخصوص ؛ فأحد الحكمين على وجه النصوصيّة ، والآخر على وجه الظهور ، ولا يترك النصّ بالظهور . ويضعّف ذلك الظنّ بملاحظة أنّ الصدوق _ الذي كلامه صريح في الحكم بالصحّة _ لم يَرْوِ في كتابه جميع ما رواه الكليني في الكافي وكذا بالعكس ، وكذا الكلام في التهذيبين بالنسبة إليهما ، فما أجمعوا على روايته لعلّ الظنّ فيه أقوى من الظنّ الحاصل من تصحيح السند . وأمّا ما اختلفوا فيه فليس الظنّ فيه حاصلاً إلاّ من تصحيح السند وملاحظة وثاقة الرواة في الأغلب ، إلاّ أن يكون السند الضعيف منجبراً بالشهرة . وبالجملة : نحن أيضاً ندور مدار القرائن التي توجب الإعتماد على الرواية والوثوق بصدورها من المعصوم ، وذلك ممّا لا يحصل لنا غالباً في ما اختلفوا في نقله في كتبهم إلاّ بالرجال .

.


1- .في «ب» إضافة : «في» .

ص: 56

وذلك لا ينافي كونهم واثقين بما نقلوا ، لكن المعتمد عند شخص لا يلازم كونه معتمداً عند آخَرَ ، ولاسيّما بعد ملاحظة طعن جملة من القدماء في السند مع كون الرواية منقولةً في الكتب المعتبرة ، فعن المفيد أنّه قال في رسالته في الردّ على الصدوق : «فأمّا ما يتعلّق به أصحاب العدد من أنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يوماً فهى أحاديث شاذّة قد طعن نَقَلَة الأخبار من الشيعة في سندها» (1) مع أنّه مذكور في الكافي ونحو ذلك . فإذا لاحظنا الطعن في السند من القدماء ، وطرْحَ الحديث من أجل ذلك مع كونهم متقاربي العهدِ مع مؤلّف الكتاب ومتمكّنين من تحصيل ما أوجب الإعتماد للناقل فما ظنّك بأمثالنا ؟ ! مضافاً إلى أنّ القدماء تفطّنوا لذلك ، ومع اعتمادهم على منقولاتهم صرفوا مدّة وافرة من أعمارهم في علم الرجال لإبقاء تلك القرينة لمن بعدهم ؛ لعلمهم بأنّ سائر القرائن الموجودة لهم الموجبة لاعتمادهم ممّا ليس بقابل البقاء حتّى ينفع لغيرهم . فمع صراحة صنعهم في ذلك كيف يُعتمد على مجرّد نقلهم الرواياتِ ، ويُترك نقلهم مدحَ الرجال وقدحَهم ؟ ! مضافاً إلى أنّهم ليسوا بمعصومين من الخطأ ، فيُعرف إصابتهم في التصحيح أو خطأهم بملاحظة السند . مضافاً إلى إمكان تحصيل الإجماع على الحاجة إلى ذلك العلم من تتبّع كتب القدماء . فاتّضح الفرق . وضعف إطلاق النراقي رحمه الله من الأُصوليّين بعدم الحاجة إلى ذلك العلم رأساً بملاحظة تصريح جمع من الأصحاب بأنّ أخبار الكتب المعتبرة إنّما وصلت إلينا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها ، وذابت الأبدان في تنقيحها ، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدانَ ، وهجروا في تنقيحها الأولادَ والنسوانَ كما هو ظاهر

.


1- .جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (مصنَّفات الشيخ المفيد ، ج9) : 19 .

ص: 57

على من تصفّح الأخبار وتتبّع الكتب المدوّنة في تلك الآثار . وكان الأئمّة عليهم السلام يوقفون شيعتهم من أقوال الكذّابين ويأمرونهم بمجانبتهم وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب والسنّة . ويستبعد أنّ ثقات أصحاب الأئمّة إذا سمعوا من أئمّتهم مثل ذلك أن يستحلّوا بعد ذلك نقل ما لا يتيقَّنون بصحّته ، حتّى أنّهم شدّدوا الأمر في ذلك حتّى ربما تجاوزوا الحدّ بحيث كانوا يجانبون الرجل بمجرّد التهمة بذلك كما وقع لأحمد بن محمّد بن عيسى مع البرقي وسهل بن زياد . بل نقول : لو لم ندّع العلم ، ندّعي الظنَّ المُتاخَمَ له بأنّ الثقة الضابط العالم إذا جمع كتاباً في الأحاديث _ في زمانٍ تكثر فيه القرائنُ بل يمكن تحصيل العلم غالباً سيّما مع وجود الأُصول المعتبرة المعروضة على المعصوم المتخلّفة من أيدي الثقات العدول ويريد كونه مرجعاً للناس _ لا يجمع إلاّ ما ظهر له صحّته . (1) ثمّ نَقل بعد ذلك كلام جملة من الأعلام مثل السيّد والشيخ والشهيد وصاحب المعالم والتوني ثمّ قال : ثمّ إذا انضمّت مع ذلك شهادات المشايخ أنفسهم يقرب الظنّ من العلم . ثمّ استشهد بأنّه ألا ترى أنّ المؤرّخين الذين يؤلِّفون كتاباً في التأريخ _ مع عدم ربطه بعمل أو حكم شرعي ، ومع عدم كونهم في تلك المثابة من الوثاقة والعلم _ إذا أرادوا ذكر شيء لا يذكرونه إلاّ بعد تثبّت وحصول ظنّ بصحّته . (2) انتهى ملخّصا . ويظهر جوابه ممّا أشرنا هنا وفيما سبق ؛ فإنّ أغلب مقالاته مأخوذة من مقالة صاحب الحدائق . الثالث : تصريح جملة من الأعلام من متقدّمي الأصحاب ومتأخّريهم _

.


1- .مناهج الأحكام والأُصول : 272 نقلُ مضمونٍ .
2- .المصدر : 272 و273 .

ص: 58

الذين هم أصحاب هذا الإصطلاح أيضاً _ بصحّة هذه الأخبار فلنقتصر على ما ذكره أرباب هذا الإصطلاح فإنّه أقوى حجّةٍ في مقام النقض . قال في ذكرى الشيعة ما حاصله : أنّه كُتب من أجوبة مسائل أبي عبد اللّه عليه السلامأربعُ مصنَّف لأربعمائة مصنِّف ، ودُوّن من رجاله المعروفين أربعةُ آلاف رجل من أهل العراق والحجاز وخراسان والشام ، وكذلك عن مولانا الباقر عليه السلام ورجال باقي الأئمّة عليهم السلاممعروفون مشهورون ، أُولو مصنّفات مشهورة ومباحثَ متكثّرةٍ . فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم _ إلى أن قال _ بعد عدّه جملةً من كتب الأخبار ممّا يطول تعداده بالأسانيد الصحيحة المتّصلة المستندة والحسان والقويّة _ : «فالإنكار بعد ذلك مكابرة محضة وتعصّب صرف» . (1) وقال الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الدراية ، وصاحب المعالم والبهائي رحمه الله ، ونقل مقالتهم برمّتها . (2) وفيه : أنّ من المعروف أنّ حبّ الشيء يُعمي ويُصمّ . قد غفل ذلك الشيخ أنّ الشهيد رحمه اللهفي صدد إثبات وجوب التمسّك بمذهب الإماميّة بوجوه تسعة ، وهذا الذي ذكره هو الوجه التاسع منها . قال : «التاسع : اتّفاق الإماميّة على طهارتهم ، وشرف أُصولهم ، وظهور عدالتهم ، مع تواتر الشيعة إليهم والنقل عنهم بما لا سبيل إلى إنكاره _ إلى أن قال بعد قوله : «مباحث متكثّرة» _ : وقد ذكر كثيراً منهم العامّةُ في رجالهم ، ونسبوا بعضهم إلى التمسّك بأهل البيت عليهم السلام . وبالجملة : اشتهار النقل عنهم يزيد أضعافاً كثيرة عن النقل عن كلّ واحد من رواية العامّة ، فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم عليهم السلام . فحينئذٍ نقول : الجمع بين عدالتهم ، وثبوت هذا النقل عنهم _ مع بطلانه _ ممّا يأباه العقل ، ويبطله

.


1- .ذكرى الشيعة 1 : 59 .
2- .الحدائق الناضرة 1 : 17 .

ص: 59

الإعتبار بالضرورة» . إلى أن عدّ من الكتب المصنّفة بعد أن قال : «ومن رام معرفة رجالهم والوقوفَ على مصنَّفاتهم ، فليطالع كتاب الحافظ ابن عقدة ، وكتاب الرجال لأبي عمرو الكشّي » _ إلى أن قال قبل قوله : «فالإنكار بعد ذلك مكابرة» _ : والجرح والتعديل والثناء الجميل (1) » إلى آخر ما ذكره . وبالجملة : من تأمّل في كلام الشهيد رحمه الله في المقام ، وجده ساطعَ البرهان على أنّه رحمه اللهفي صدد إحقاق الأئمّة عليهم السلاموإبطال العامّة بأنّ الرواية عنهم عليهم السلام في غاية الكثرة ، ورواتها في غاية الكثرة مع كونهم متّسمين بالتعديل والثناء الجميل ، فيحصل الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم . وتحقّق ذلك _ مع بطلانه _ ممّا يأباه العقل ، ويكفي في إثبات ذلك المطلب حصول الجزم في الجملة . وذلك الشيخ تخيّل دعواه الجزمَ في كلّ واحد ، وغيرُ خفيّ على من فتح عين بصيرته أنّ المقامين متفاوتان ، ولو كان الشهيد في المقام الثاني لادّعى ذلك في تقسيم السنّة إلى المتواتر والآحاد . ومن رام حقيقة الحال فعليه بمطالعة المقامين من الذكرى ؛ فإنّ فيها ذكرى لأُولي الألباب ، وأمّا سائر الكلمات المنقولة فلم تحضرني حتّى نميّز الغثّ من الثمين . بل ما نقله من كتاب المعالم أيضاً دالّ على ما ذكرناه ؛ حيث نقل عنه : أنّ أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنّما يظهر حيث لا يكون متعلّقها معلوماً بالتواتر ونحوه ككتب أخبارنا ؛ فإنّها متواتره إجمالاً ، والعلم بصحّة مضامينها تفصيلاً يستفاد من قرائن الأحوال ولا مدخليّة للإجازة فيه غالباً» . (2) انتهى . ولاريب أنّ ما ادّعاه هو التواتر الإجمالي ، وذلك ممّا لا ينكره مسلم ،

.


1- .ذكرى الشيعة 1 : 58 و59 .
2- .معالم الدين وملاذ المجتهدين : 212 ، نقله في الحدائق الناضرة 1 : 19 .

ص: 60

والمدّعى الإستشهاد بكلامه على صحّة تلك الأخبار ، مضافاً إلى أنّ أحداً لا يرتضي على مثل صاحب المعالم دعواه في مقام صحّة جميع أخبارنا وتركه العمل في الفقه بجملة واحدة من تلك الأخبار بواسطة أنّ كلّ واحد من رواتها ليس مزكّى بعدلين . والعجب كلُّ العجب ممّن لا يتأمّل حقَّ التأمّل في كلام الغير ويورد عليه التناقض . الرابع : أنّه لو تمّ ، للزم فساد الشريعة ؛ لأنّه متى اقتُصر في العمل على الصحيح أو مع الحسن خاصّةً أو بإضافة الموثّق أيضاً وطُرح الضعيف باصطلاحهم _ والحال أنّ جلّ الأخبار من هذا القسم _ لزم ما ذكرنا ، وتوجَّهَ ما طعن به علينا العامّة من أنّ جلّ أحاديث شريعتنا مكذوبة مزوّرة . (1) وفيه : أنّ مثل ذلك الإلزام إن كان يتمّ فيتمّ على مثل صاحبي المعالم والمدارك المقتصرَيْن على الصحاح الأعلائيّة ، وأمّا على من يعمل بكلّ خبر حصل الوثوق بصدوره من المعصوم عليه السلام كجلّ أصحابنا _ سواء حصل ذلك الوثوق من تعديل الرجال ، أو الإنجبار بالشهرة ، أو فحوى الكتاب ، أو المتواتر ، أو عمومهما ، أو دليل العقل ، أو من كونه مقبولاً ، أو كون مرسِله معلومَ التحرّز عن الرواية عن مجروح ، أو غير ذلك _ فلا ، وكلاّ . وما نقله عن معتبر المحقّق رحمه الله (2) فإنّما هو صريح في ذمّ طريقة الحشويّة المنقادين لكلّ خبر ، وفي ذمّ المقتصرين في مقام العمل على سليم السند . فأمّا ما سلك عليه أصحابنا من المسلك وأعربوا عنه في كتبهم _ فلاحظ الذكرى في ذلك وغيرها _ فمدَحَه ؛ حيث قال : «والتوسّط أقربُ ، فما قَبِله الأصحاب ودلّت القرائن على صحّته ، عُمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه وشذّ ،

.


1- .الحدائق الناضرة 1 : 21 ملخّصا .
2- .المعتبر 1 : 29 .

ص: 61

يجب إطراحه» . (1) انتهى . وغير خفيّ أنّ نزاعنا إنّما هو في الحاجة إلى الرجال وعدمها ونحن نقول : إنّ من قرائن الصحّة ملاحظة عدالة الراوي ، فكلام المحقّق ينفعنا ولا يضرّنا . الخامس : أنّ ما اعتمدوه من ذلك الإصطلاح غير منضبط البنيان : أمّا أوّلاً ، فلاعتمادهم في التمييز بين الرواة المشتركة ، على الأوصاف والألقاب ونحوهما ، لِمَ لا يجوّزون الإشتراك في هذه الأشياء ؟ وأمّا ثانياً ، فلأنّ مبنى التصحيح عندهم على نقل توثيق رجاله في أحد كتب المتقدّمين ؛ نظراً إلى أنّ نقلهم ذلك شهادة ، وأنت خبير بما بين مصنّفي تلك الكتب وبين رواة الأخبار من المدّة والأزمنة المتطاولة ، فكيف اطّلعوا على أحوالهم الموجبُ للشهادة بالعدالة والفسق ؟ ! والاطّلاعُ على ذلك بنقل ناقل أو شهرة أو قرينة حال أو نحو ذلك _ كما هو معتمد مصنِّفي تلك الكتب في الواقع _ لا يسمّى شهادةً . سلّمنا كفايته في الشهادة ، لكن لابدّ في العمل بالشهادة من السماع من الشاهد لا بمجرّد نقله في كتابه . سلّمنا كفاية ذلك فيها ، لكن ما الفرق بين هذا النقل في الكتب وبين نقل أُولئك الأجلاّء صحّة كتبهم؟ وأمّا ثالثاً ، فلمخالفتهم أنفسَهم فيما قرّروه من ذلك الإصطلاح ، فحكموا بصحّة أحاديثَ هي باصطلاحهم ضعيفة كمراسيل جمع زعماً منهم أنّ هؤلاء لا يرسلون إلاّ عن ثقة ، وكأحاديثِ جملة من مشايخ الإجازة من الذين لم يُذكروا في كتب الرجال بمدح ولا قدح زعماً أنّ مشايخ الإجازة مستغنون عن التوثيق . وأمّا رابعاً ، فلاضطراب كلامهم في الجرح والتعديل على وجه لا يقبل الجمع ، فهذا يقدّم الجرح على التعديل ، وهذا يقول : لا يقدّم إلاّ مع عدم إمكان الجرح ، وهكذا .

.


1- .المعتبر 1 : 29 .

ص: 62

[ مبنى حجّيّة التزكية ]

وبالجملة : فالخائض في الفنّ يجزم بصحّة ما ادّعيناه ، والبناءُ من أصله لمّا كان على غير أساسٍ ، كثر الإنتقاض فيه والإلتباسُ . (1) وفيه : أنّك أيّها الشيخ المنصف التارك للتعصّب ، كيف تجترئ على القدح في جملة كثيرة من الأساطين؟! ؛ فإنّ هذا الإصطلاح إن كان مجرّدَ التسميةِ والإصطلاح من دون ابتناء عمل عليه فما الداعي إلى منازعتك وإيّاهم ؟ وإن كان لابتناء العمل عليه _ كما هو الحقّ المحقّق _ فكيف يرضى مسلم بالقول على الأساطين بأنّ بناءهم على غير أساس ؟ ! فإذن ماالفرق بينهم وبين العوامّ ؛ فإنّ عدم التفاتهم إلى ذلك موجب لقصورهم عن درجة الإعتماد على قولهم ، والبناءَ على غير أساس _ مع الإلتفات إليه _ موجب لفسقهم ، فأين الإنصاف وترك التعصّب ؟ ثمّ العَجَب كلُّ العجب من القاصر عن الإكتناه بمطالب القوم ونسبتهم إلى ما سمعت ، فكيف لا تحتمل القصور إلى نفسك ولا ترتضي به ، وترتضيه بالنسبة إلى من لا تُعدُّ من أدنى تلاميذه؟!

[ مبنى حجّيّة التزكية ]وكيف كان ، اختلفوا في أنّ التزكية من باب الشهادة أو الرواية أو الظنون الإجتهاديّة ؟ وذهب جمع إلى الأوّل ، وجملة من اعتراضات ذلك المعترض إن كانت تتمّ ، فإنّما تتمّ على هذا القول . وأمّا على ما هو الحقّ والمحقّق من القول الأخير ، فلاوَقْعَ لتلك الإعتراضات . أمّا الأوّل ، فلأنّ البناء إذا كان على الظنّ فتجويز الإشتراك لا يضرّ ؛ فإنّا لسنا مسمِّين للظنّ باسم القطع كالأخباريّة حتّى لا يجتمع مع ذلك التجويز . وأمّا الثاني ، فقد ظهر جوابه أيضاً .

.


1- .الحدائق الناضرة 1 : 22 و 23 ملخّصا .

ص: 63

سلّمنا ، لكنّك كيف تسمّى قول الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الدراية : «قد استقرّ أمر الإماميّة على أربعمأة مصنّف سمّوها أُصولاً فكان عليها اعتمادهم تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأُصول ، ولخّصها جماعة في كتب خاصّة تقريباً على المتناول» (1) شهادةً منه بكون أحاديث كتبنا هي أحاديث تلك الأُصول ، وكذا كلام مؤلّفي الكتب الأربعة ، ولايرد عليك الإعتراض الأوّل والثاني مع أنّه لا فارق بين المقامين ؟ ! سلّمنا ، لكنّ الفرق الذي سألت عنه (2) واضح كما أوضحناه سابقاً . وأمّا الثالث ، فلأنّ قولهم ذلك صريح الدلالة على أنّ الإعتماد في الأخبار إنّما هو على الخبر الذي حصل الوثوق بصدوره من المعصوم عليه السلام بأيّ سبب كان ، ومن الأسباب ما ذكر ، ومنها : كون الحديث مسندا إلى المعصوم عليه السلام برجال ثقات ، لا ما فهمتَ منهم من أنّهم لا ينحازون عن الصحيح بالاصطلاح الجديد . وأمّا الرابع ، فلأنّ اختلاف الرأي في المسائل [ممّا لا يوجب الطعن ، وإلاّ لكان اللازم على السلسلة العَلِيّة الأخباريّة أن لا يختلفوا في شيء من المسائل . وهل يصدر مثل ذلك عن جاهل فضلاً عن عالم؟! فإنّ اختلاف الرأي فيالمسائل] (3) ممّا ليس بأمر جديد مبدَعٍ ، بل كان ذلك الإختلاف بسبب اختلاف الفهم في المشافهين أيضاً . ولمّا كان البناء في المقام على الظنّ ، فليس اتّفاق الكلّ على أمرٍ واحد بأمر لازم . وبالجملة : غير خفيّ على الغوّاص في العلوم أنّ صدور أمثال ذلك منشؤه قصور الفهم أو قلّة التدبّر في كلمات الأعيان .

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 72 .
2- .أي الفرق بين التعديل والتصحيح «منه» .
3- .ما بين المعقوفتين ليس في «ج» .

ص: 64

وأمّا الخامس : أنّ أصحاب هذا الإصطلاح قد اتّفقوا أنّ مورد التقسيم إلى الأنواع الأربعة إنّما هو الخبر الواحد العاري عن القرائن . وقد عرفت من كلام أُولئك الأعلام أنّ أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن الدالّة على صحّتها وحينئذٍ فظهر عدم وجود مورد التقسيم المذكور في أخبار هذه الكتب . (1) وفيه : أنّ الغرض إن كان دعوى القطع من تلك الكلمات بصحّة تلك الأخبار ، فهي مردودة إلى مدّعيها . سلّمنا حصوله للمدّعي ، لكن قطعه ليس بحجّة إلاّ لنفسه ، وإن كان دعوى الظنّ ، فيرجع كلامه إلى ما نقلناه من النراقي رحمه الله ، ويظهر ضعفه من ضعفه . وممّا أظهرنا _ من شناعة قول هذا الشيخ _ يظهر شناعة قول من يدّعي عدم الحاجة إلى هذا العلم ؛ لكون الأخبار قطعيّةَ الصدور باحتفافها بقرائنَ مفيدةٍ للقطع : (2) منها : أنّا كثيراً ما نقطع بالقرائن الحاليّة والمقاليّة بأنّ الراوي كان ثقةً في الرواية لم يرْضَ بالافتراء ولا بروايةِ ما لم يكن بيّناً واضحاً عنده وإن كان فاسدَ المذهب أو فاسقاً بجوارحه . وهذا النوع من القرينة وافر في أحاديث كتب أصحابنا . ومنها : تعاضد بعض الأخبار ببعض . ومنها : نقل الثقة العالم الورع في كتابه _ الذي ألّفه لهداية الناس ، ولأن يكون مرجعَ الشيعة _ أصلَ رجلٍ أو روايتَه مع تمكّنه من استعلام حال ذلك الأصل أو تلك الرواية وأخذ الأحكام بطريق القطع عنهم عليهم السلام . ومنها : كون الراوي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم . ومنها : كون الراوي من الذين قال الإمام في حقّهم : «إنّهم ثقات مأمونون» ، ونحو ذلك .

.


1- .الحدائق الناضرة 1 : 23 .
2- .مناهج الأحكام والأُصول : 269 نقلاً .

ص: 65

ومنها : وجوده في الفقيه والكافي وأحد كتابى الشيخ ؛ لاجتماع شهادتهم على صحّة أحاديث كتبهم ، أو على أنّها مأخوذة من الأُصول المجمع على صحّتها . وأنت خبير بأنّ الغرض إن كان استفادةَ القطع من مجموع هذه القرائن ، فعلى فرض تسليم ذلك غير مفيد في قطعيّة كلّ تلك الأخبار ؛ فإنّ أكثرها خالٍ عن أكثرها ، وإن كان استقلالَ كلٍّ في ذلك فهو أشنعُ ، مضافاً إلى تأكيدها للحاجة إلى ذلك العلم . أمّا الأوّل ، فأوّلاً : بأنّ ذلك عين معرفة الرجال ؛ إذ ليس المراد خصوصَ معرفتهم من كتاب خاصّ . وثانياً : أنّ دعوى حصول ذلك القطع في غير مثل سلمان ونحوه مكابرة . وثالثاً : أنّ ذلك الخبر من أين عُرف كونه من مثل ذلك الراوي ؛ فإنّ مجرّد الإنتساب لا يفيد إلاّ الظنّ ؟ ورابعاً : أنّ عدالة الراوي مانعة من الإفتراء ومن التعمّد ولا مانعة من سهوه ونسيانه وخطئه ، وذلك الإحتمال احتمال عادي . وخامساً : وجود ذلك الإحتمال في ناقل تلك الأُصول مثل الصدوق . وسادساً : وجوده في الكاتب كما يشهد به اختلاف النسخ ، بل يكفي وجود ذلك الإحتمال في رواية مجهولة في المنع عن حصول القطع بتفاصيل ما في تلك الكتب . والحاصل : أنّ دعوى الجزم من خبر الثقة المشافه قبل التنبيه على الغفلة عن احتمال السهو والنسيان ممّا لا يمكن إنكارها . وأمّا دعواه في حقّ أخبار كتبنا بعد تمادي الأيّام المتداولة وسنوح السوانح ، ووقوع ما وقع من الغفلات والزلاّت والإشتباهات ، واحتمال اختلاط الأُصول المعتمدة بغيرها ونحوها ، ففي غاية البُعد من أهل الإنصاف . وأمّا الثاني ، فلأنّ التعاضد الموجب للقطع إن كان ، ففي غاية القلّة ، وغيره

.

ص: 66

[ جواز الاعتماد على تصحيح الغير ]

لا ينفع في المدّعى . ويظهر الجواب من البواقي ممّا أشرنا هنا وسابقاً ، فلاحاجة إلى تطويل الكلام فيه . وربما يقال : إنّ المراد بقطعيّة الصدور هو ما تطمئنّ به النفس وتقضي العادة بالصدق ، وهذا هو العلم العادي الحاصل من تلك القرائن المذكورة . وأنت خبير بأنّ المراد من العلم العادي إن كان ما أشرنا إليه _ وهو الجزم قبل التنبيه على الغفلة _ فلاريب أنّه لا يحصل في أمثال أخبار الأحكام ، وإن كان الراجحَ غير المانع من النقيض ، فهو عين الظنّ ، ولا ينفع تسمية شيءٍ باسم شيءٍ في ترتّب آثاره عليه . ولقد أنصف النراقي رحمه الله في المقام ؛ حيث جعل تلك القرائن من أسباب الظنّ ، وجعل وجه عدم الحاجة إلى ذلك العلم أنّ أقصاه (1) تحصيل الظنّ الحاصل الأقوى منه بها ، فلا حاجة . (2) وهو وإن كان كلاماً لا ضير في صدوره من العلماء ، لكن قد عرفت طرق ضعفه أيضاً .

[ جواز الاعتماد على تصحيح الغير ]ثمّ إنّه ربما يدّعى في المقام ثبوت الحاجة إلى ذلك العلم كلّيّةً بمعنى عدم جواز الإعتماد على تصحيح الغير كالعلاّمة ونحوه ، بملاحظة أنّ الأصل تحصيل العلم أو ما في حكمه من الشهادة والرواية ، وبعد تعذّره في المقام في الأغلب وعدم إمكان كون التعديل منهما في الغالب يُكتفى بالظنّ الأقرب ، وهو الحاصل من بعد البحث ، وأنّ قبول التعديل موقوف على عدم معارضة الجرح ، وذلك

.


1- .في «ج» : «قصواه» .
2- .مناهج الأحكام والأُصول : 271 .

ص: 67

لا يتحقّق بمجرّد وصف الحديث بالصحّة،فلابدّ من مراجعة السند والنظر في حال الرواة ليؤمَن من معارضة الجرح له بأن يُتفحّص عن المعارض كما أنّه لا يُعمل بكلِّ خبر حتّى يتفحّص عن معارضه ، وبالعامّ قبل الفحص عن المخصّص. والسرّ في ذلك أنّ المعتبر هو ظنّ المجتهد بعد الإجتهاد وهو الظنّ المستقرّ . وإذا لوحظ اختلاف العلماء في كثير من الرجال _ الذين يحتمل كون ما نحن فيه منهم احتمالا قويّاً _ يضمحلّ الظنّ الحاصل من تصحيح الغير . وتوهّم كون الإطلاق محمولاً على ما هو المعتبر عند الكلّ فاسد ؛ إذ المتعارف في المحاورات العرفيّة التكلّم بمعتقدهم . ولكنّك خبير بأنّ المقصود الأصلي من البحث عن حال الرجال حصول الظنّ بصدور الرواية من المعصوم كما هو المستفاد من طريقة القوم . ومتى حصل ذلك بتصحيح الغير ممّن كان من أهل الخبرة في ذلك ، ولاسيّما بعد ملاحظة صحّة جملة ممّا صحّحه ولم نجد لتصحيحه معارضا ، فلا دليل على لزوم أزيدَ من ذلك . ولا ريب أنّ الظنّ الحاصل من تصحيح مثل ذلك مستقرّ غالباً . نعم ، لو لم يكن من أهل الخبرة ، أو كان ولكن ضعّف أهل خبرة آخَرُ ما صحّحه ، يزول ذلك الظنّ أو لا يحصل الوثوق به فإذن لابدّ من المراجعة . ولعلّ ذلك هو مراد من يكتفي بذلك بل ربما يتّفق أنّ وثوق المجتهد بتصحيح الغير أكثر وأقوى من وثوقه بتصحيح نفسه ؛ لكونه ممّن شبّ وشاب في ذلك العلم ، واطّلع على قرائنَ لا يمكن تحصيلها غالباً إلاّ بعد الممارسة التامّة غير الحاصلة إلاّ بعد صرف تمام العمر أو أكثره فيه . فظهر جواب الدليل الأوّل . وأمّا الثاني ، فمبناه على المقايسة بالخبر والعامّ . والفرق بينهما وبين المقام واضح ؛ للعلم الإجمالى بالمعارض والخاصّ على وجه الشبهة (1) الكثير في الكثير

.


1- .في «الف» و «ب» : «الشبه» .

ص: 68

[ توثيقات المتأخّرين ]

بخلافه فيما نحن فيه ؛ فإنّ طعن من يكثر الطعن في الرجال كابن الغضائرى لا عبرة به بنفسه مع كونه معارَضاً بمدح كثير في كثير من المواضع ، والطعن من غيره بالنسبة إلى من مدحوه في غاية القلّة ، فتبطل (1) المقايسة . ثمّ إنّ التعديل في مقابل الجرح ، والتصحيحَ في مقابل التضعيف . ومن البيِّن أنّ كليهما في الأغلب ممّا أخبروا به اجتهاداً لا روايةً وشهادةً . ومن البيِّن أنّ ذلك الإخبار من أهل الخبرة من أسباب الظنّ ، والمعارضُ للتعديل هو الجرح ، فلابدّ في الأخذ بكلٍّ منهما من ملاحظة عدم المعارض أو ضعفه . وكذا الكلام في التصحيح والتضعيف ؛ فتدبّر .

[ توثيقات المتأخّرين ]وربما يُسمع من بعض أفاضل المعاصرين عدمُ جواز الاكتفاء بتعديل العلاّمة ومن تأخّر عنه مستدلاًّ بأنّهم ليسوا من أهل الخبرة في هذا الفنّ ، وليس مكتوبهم إلاّ النقل عن الغير ، وعلى فرض عدم النقل فهو ناشٍ من اجتهادهم . (2) ولكنّك خبير بأنّ هذه المقالة إنّما تتمّ بعد إثبات معاشرة القدماء من أهل الرجال للرواة وحصولِ القطع لهم بعدالتهم بها ، أو إثباتِ وجود القرائن الموجبة لذلك لهم وعدمهما للعلاّمة ونحوه . هذا إن أوجبنا القطع في صدق مفهوم الشهادة عرفاً . وإن اكتفينا بالظنّ في الصدق في مقام التعديل فكذلك . فإن بنينا على كون التعديل من باب الشهادة _ كما اختاره ذاك الفاضل مستدلاًّ بصدق موضوع الشهادة على التوثيق والجرح عرفاً ، سواء كان باللفظ أو بالكَتْب ؛

.


1- .في «ج» : «فبطل» .
2- .الرسائل الرجالية (رسالة في تزكية الرواة من أهل الرجال) 1 : 460 .

ص: 69

لأنّ الكَتْب أُخت اللفظ ومعتبر عند الأصحاب في هذه المقامات إجماعاً _ فلا يتفاوت الأمر بين العلاّمة والكشّي إلاّ بقرب العهد إلى الرواة وبُعده ، وذلك وإن كان يقرِّب احتمال حصول القطع للقريب ، لكن مجرّد ذلك الإحتمال غير قابل لإثبات الفرق كما لا يخفى ، ولاسيّما بعد ملاحظة أنّ الغالب في المعاشرين حصول الظنّ لهم بالعدالة لا القطع ، فما ظنّك بغير المعاشرين ؟ ! اللهمّ إلاّ أن يكون المزكَّى في تالي درجة العصمة _ مثل سلمان _ حتّى يحصل القطع بعدالته للمعاشر وغيره . وكونُ كلّ من زكّاه الكشّي أو النجاشي من هذا الباب ممّا لم يدلّ عليه دليل ، بل هو في غاية البُعد ؛ فإنّ الغالب في العادل شيوع عدالته يوماً فيوماً إلى الوصول إلى حدّ التواتر أو الضرورة . ومقتضى ذلك الإحتمال انعكاس القضيّة ، مضافاً إلى أنّ في صدق الشهادة على الكتابة ألْفَ كلامٍ ، وإلاّ فأدلّة قبول الشهادة لم تفرّق بين الموارد بلزوم اللفظ في بعض المقامات وكفاية الكَتْب في آخَرَ . والإجماع المدّعى على الإعتبار يحتمل أن يكون لأجل إيراثه الظنَّ المعتبر في المقام ، ولا أقلَّ من كونه تقييديّاً . وإن بنينا على كونه من الظنون الإجتهاديّة _ كما هو الحقّ والمحقّق ، وهو القدر المتيقّن في تعديل القدماء من أصحاب الرجال _ فلا ريب في إيراثه الظنَّ لأمثالنا ، سواء كان من القدماء أو من المتأخّرين . وممّا ذكرنا يظهر ضعف عدم اكتفاء ذلك الفاضل بتصحيح الغير مستدلاًّ بأنّ التصحيح ليس كالتوثيق ؛ إذ الثاني شهادة على الأُمور المحسوسة ، والأوّل اجتهاد ؛ وذلك لأنّ المراد بالأُمور المحسوسة إن كان أعيانَ الرواة وأشخاصَها ، فذلك موجود في التصحيح إذا كان الحديث مسنداً لا مرسلاً ، وإن كان نفسَ وصف العدالة ، فمضافاً إلى أنّ جملة من أجزاء العدالة ليست من الأُمور الحسّيّة كالأوصاف المرتبطة بالجَنان ، يرد عليه : أن لا فرق بينهما من تلك الجهة إلاّ أنّ في

.

ص: 70

التعديل شهادةً على نفس ذلك الوصف ، وفي التصحيح شهادةً على صحّة الخبر المستلزم لعدالة الراوي ، وهو أيضاً في المقام معتبر ، كما يظهر من كلماتهم بالنسبة إلى من أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه . وبالجملة : نحن في قصور عن مغزاه . والحاصل : أنّ الأصل لمّا كان حرمة العمل بالظنّ ، ودلّ منطوق الآية على [لزوم ]التبيّن عند خبر الفاسق ، فلابدّ من الإقتصار على الظنّ المعلومِ الحجّيّةِ بدليل خاصّ إن كان ، وعلى فرض عدمه _ كما هو المفروض فيما نحن فيه _ لابدّ من الأخذ بظنٍّ لم يقم القاطع على عدمه . ونحن في الأحكام لمّا كنّا مأمورين بالأخذ من اللّه تعالى وأُمنائه _ كما دلّ عليه العقل والنقل _ نأخذ بما علمنا أنّه منهم ، وأمّا ما لم نعلم فيه ذلك كالأخبار غير القطعيّة ، فأوّلاً ندّعي بناءَ القدماء من الأصحاب على العمل بالأخبار الموثوقة بصدورها بأيّ وجه حصل ، كما يشهد عليه ما عن الشيخ من أنّه يكفي في الراوي أن يكون ثقة متحرّزاً عن الكذب في الحديث وإن كان فاسقاً في الجوارح ، وأنّ الطائفة المحقّة عملت بأخبار جماعة هذا حالهم ، (1) وما عن غيره . مضافاً إلى استقرار سيرة المسلمين وبناء العقلاء على ذلك . وعلى ذلك ندور في الأخبار مدارَ الوثوق وعدمِه سواء حصل بتعديل الرواة ، أو بتصحيح الغير ، أو بوجودها في الكتب المعتمدة ، أو بانجبار ضعف السند بالشهرة، أو بسائر القرائن، سواء كان الراوي فاسدَ العقيدة، أو فاسدَ الأعمال ، أم لا. ولا ينافيه منطوق آية النبأ ؛ لأنّ المراد بالتبيّن فيها إن كان أعمَّ من العلميّ والظنّي _ كما احتمله بعض _ فلا إشكال ، وإن كان الأوّلَ _ كما هو الظاهر من اللفظ ويساعد عليه التعليل المذكور في الذيل _ فنقول : إنّ مقتضى ظاهر الآية وجوب التبيّن عند إخبار الفاسق ؛ وعند عدم إمكان

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 134 .

ص: 71

العلم فيما علمنا التكليفَ به يقوم الظنّ مقامه ، وهو حاصل من التعديل والتصحيح سواء كانا من القدماء أو من المتأخّرين . ثمّ لا يتوهّم أنّ ذلك قول بحجّيّة الظنّ المطلق في الأحكام ؛ وذلك لأنّ الظنّ المطلق حينئذٍ إنّما اعتُبر في شرط قبول خبر الفاسق الثابت اعتبارُه بعد ذلك بالآية التي هي من الظنون الخاصّة ؛ ومن ذلك يظهر عدم منافاة القول بحجّيّة خبر العدل تعبّداً مع إثبات العدالة بالظنون الإجتهاديّة الرجاليّة ؛ فتدبّر . وأيضاً لا ينافيه قول الشيخ في العُدّة : إنّ من شرط العمل بخبر الواحد العدالةَ بلا خلاف (1) ؛ فإنّ الظاهر أنّ اشتراطهم العدالةَ إنّما هو لأجل العمل بخبر الواحد من حيث هو هو من دون حاجة إلى التفتيش والإنجبار بشيء . ويظهر ذلك من رويّتهم وطريقتهم في الحديث والفقه والرجال ؛ فإنّ عملهم بأخبار غير العدل أكثرُ من أن يَحصى ، وترجيحَهم في الرجال قبول الرواية من غير العدل بحيث لا يخفى ، وامثال ذلك . بل يظهر من ادّعاء الشيخ بنفسه عملَ الطائفة المحقّة بأخبار المتحرّز عن الكذب في الحديث وإن كان فاسقاً في الجوارح . وإن سلّمنا عدم تحقّق ذلك الإجماع والسيرة من كلماتهم واهتمامهم بالرجال وغيرهما ، فنقول ثانياً : بعد سدّ باب العلم بالنسبة إلى ما علم صدوره من الحجج عليهم السلامينفتح باب الظنّ إليه ، فلابدّ من الإعتماد على ما ظنّ بصدوره ظنّاً مستقرّاً ، ولا ريب أيضاً في حصوله من التعديل والتصحيح مطلقاً . وأمّا دعوى قطعيّة أخبار الكتب المدوّنة المعروفة ، فلا حاجة إلى الرجال ، أو حصولِ الظنّ المستقرّ من شهادة المشايخ على صحّة ما في كتبهم وسائر القرائن الدالّة على ذلك فلا حاجة أيضاً ، فقد عرفت ضعفهما . فإذن لا ينبغي الريب في الإحتياج .

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 132 .

ص: 72

[ مشروعيّة الفحص عن حال الرجال ]

[ مشروعيّة الفحص عن حال الرجال ]وربما يُسمع أنّ علم الرجال بدعة وضلالة ؛ فسبيله إلى النار ، وأنّه تفحّص وتجسّس عن أحوال الرجال وقد نهى اللّه _ تعالى _ عنه . وهو من غرائب القول ؛ فإنّ محلّ النزاع بين الفريقين هو الحاجة وعدمها ، لا الجواز وعدمه ؛ فإنّ أصل الجواز مفروغ عنه . سلّمنا ، لكنّه مستلزم لتفسيق العلماء ؛ لكون تدوينهم إعانةً على الإثمّ ومحرّماً ، وكذا مراجعتهم . سلّمنا ، لكنّ التجسّس إنّما لا يجوز إذا لم تَدْعُ إليه حاجة وهي في المقام حاصلة ، بل بعد جواز التجسّس عن أحوال الناس في الشهادات ونحوها _ مع كون المقام من الأُمور الدنيويّة الخسيسة (1) _ يجوز فيما نحن فيه _ الذي بناء شريعة الإسلام عليه _ بالأولويّة القطعيّة . سلّمنا ، لكن بين آية النهي عن التجسّس ومنطوق آية النبأ الناهي عن العمل بخبر الفاسق من دون تبيّن تعارضُ العامّ والخاصّ المطلق والثاني مقدّم بالبديهة ، مضافاً إلى ذلك كلّه وصولُ الرخصة في ذلك من الأخبار كما أُومئ (2) إليه سابقاً . ثمّ إنّه على مابنينا الأمر عليه لا يتفاوت الحال في تحصيل الظنّ بالصدق بين كون مدح الرجال أو قدحهم مستفاداً من كتب العلماء ، أو من الأخبار المنقولة عنهم عليهم السلامالدالّةِ على مدح بعض الرجال أو ذمّه ، والوجه فيه واضح . وبعد ما عرفت المقدّمة ، فهنا أبواب ثلاثة :

.


1- .في «ب» : «الحسيّة» .
2- .في «ب» : «أومأنا» .

ص: 73

الباب الأوّل : في كيفيّة الرجوع إلى الكتب الرجاليّة

الباب الأوّلفي كيفيّة الرجوع إلى الكتب الرجاليّةوليُعلم أنّ المؤلّفين في ذلك العلم رتّبوا كتبهم على باب الأسماء والكنى والألقاب ، وذكروا في الأوّل الأسماء على ترتيب حروف الهجاء ، فقدّموا ما أوّله الهمزة على ما أوّله الباء وهكذا ، وفيما أوّله الهمزة قدّموا ما كان ثانيه أيضاً الألِفَ كآدم على ما كان ثانيه الباءَ وهكذا . وهكذا فيما كان أوّله الباءَ وفيما ثانيه الألف قدّموا ما كان ثالثه الألفَ _ إن فرض _ على ما كان ثالثه الباءَ وهكذا . ولاحظوا ذلك في أسماء الآباء والأجداد إن كان الأبناء متّحدين في الاسم . وهكذا لاحظوا هذا الترتيب في الكنى والألقاب ، وقدّموا في الأوّل ما كان مصدَّراً بالأب على المصدَّر بالابن ، والمصدَّرَ به على المصدَّر بالأخ ، ثمّ ذَكر مَن اطّلعنا على كتابه ، أسماءَ النسوان اللائي لهنّ روايةٌ . فمتى ورد الباحث إلى السند ورأى الراوي مذكوراً بالاسم ، تفقّده في محلّه ، فإن لم يجده مذكوراً ، سمّي بالمهمل على اصطلاحهم ، وإن وجده مذكوراً مع عدم ذكر وصفه في هذا الباب ولا في البابين الآخَرين _ إن كان في السند مع الكنية أو اللقب _ سمّي بالمجهول . وإن ذُكر مع الوصف من دون وجدانه معارِضاً له بعد الفحص ومع عدم وجود الإشتراك في الاسم ، فالأمر واضح ، ويَعمل على مقتضاه من المدح أو القدح .

.

ص: 74

وإن وَجد معارضاً للوصف مع اتّحاد الاسم ، لاحظ الترجيح بين المعدِّل والجارح على مذهبه على ما هو مفصّل في الأُصول . وعلى مذاقنا يلاحَظ ما يوجب الظنّ بأحدهما ، وإلاّ فالتوقّف من تلك الجهة والرجوع إلى حجّيّة خبر المجهول وعدمها في الأُصول . وإن وجده مشتركاً ، يرجع إلى المميّزات بين المشتركات كما نشير إلى جملة منها في الباب الثالث ، وكذا لو وجده في السند مذكوراً بالكنية أو اللقب ، يعمل بما ذكرنا . ثمّ لْيُعلم أنّه بمجرّد عدم وجدان نفسِ ما في السند في الكتب الرجاليّة لا يجوز الحكم بالإهمال ؛ فإنّ الإختلاف في الكتابة غير عزيز ، فربما يُذكر الاسم في السند مُكبَّراً وفي الرجال مصغّراً وبالعكس ، كما في خالد وعثمان وسالم وعبّاس فيقولون : خُلَيْد وعُثَيْم وسُلَيْم وعُبَيْس إلى نحو ذلك ؛ فإنّ الرجل الواحد ربما يسمّى بهما . وربما يكون الاسم أحدَهما . فيشتهر بالآخَر ، كما هو متداول بين الناس ولاسيّما العرب . وربما يُنسب في موضع إلى الأب ، وفي آخَرَ إلى الجدّ . وربما يذكر في موضعٍ ابنُ فلان ، وفي آخَرَ ابنُ أبي فلان بزيادة أو نقصان كما في يحيى بن أبى العلاء وخالد بن بكّار وغيرهما . وربما يذكر في موضع بالمثنّاة ، وفي آخَرَ بالموحَّدة كما في يزيد وبريد . وربما يكتب بالألف في موضع ، وبدونه في آخَرَ كالحرث والحارث ونحوه . وربما تُبدَّل الحروف كما يذكر في موضعٍ هاشم ، وفي آخَرَ هشام . وربما يرخّمون في الأسماء كعبيد في عبيد اللّه . وربما يذكرون الاسم بزيادة ونقيصة كما في سلم ومسلم وزياد وزيد .

.

ص: 75

وربما يتصرّفون في الألقاب والأسامي الحسنة والرديئة بالردّ إلى الآخَر كما في حبيب بن المعلّى ، (1) وفي بعض نسخ الحديث ابن المعلّى إلى غير ذلك من الاختلافات . فلابدّ للمصحّح من ملاحظة الأمارات والقرائن الدالّة على اتّحاد الاسمين المختلفين أو اختلافِهما حتّى لا يبادر إلى الرمي بالإهمال أو جَهْلِ الحال _ لو كان أحد المختلفَيْن غيرَ مذكور الاسم أو الوصف _ ولا يصحّحَ السند الضعيف ، ويضعّفَ الصحيح ، وغير ذلك من المفاسد المترتّبة على الإختلاف والإشتباه . وليت شعري أنّ القائل بالقبول من باب الشهادة ماذا يصنع مع هذه الإختلافات والإشتباهات ، ولاسيّما في تمييز المشتركات؟ وكذا الكلام في القائل به من باب الرواية ؛ فإنّ المناص في أمثال ذلك منحصر في الظنّ . وربما يُسمع منْع ذلك بأنّ تمييز المشتركاتِ وأمثالَه للماهر في الفنّ يتمّ غالباً من دون اعتبار الظنّ ، والمواضعَ النادرة لا دليل على اعتبار الظنّ فيها ، والتفريعُ عليه بعدم جواز الإتّكال في تعيين المشتركات على ما ذكره بعض المتأخّرين كمشتركات الكاظمي رحمه الله (2) ونحوه ؛ إذ ليس ذلك إلاّ الإعتمادَ على اجتهاد الغير . وأنت خبير بوهنه ؛ إذ لا أقلّ من احتمال أن يكون من قام الشهادة عليه مشتركاً في الاسم مع آخَرَ ، فمن أين التماميّة غالباً من دون اعتبار الظنّ ؟ ! ثمّ إنّ الإتّكال على ما ذكره بعض المتأخّرين في تعيين المشتركات كالاتّكال على الكتب الرجاليّة المؤلّفة من المتأخّرين ليس من باب التقليد لهم ، بل قولهم من أمارات الظنّ وأسبابها لأمثالنا ، فلو حصل الظنّ منها فبها ، وإلاّ فلا اعتماد عليها . ولم أجد أحداً يقول بجواز الاتّكال من باب التقليد . وبالجملة : لابدّ من الجِدّ وعدم التقصير حتّى يحصل الظنّ المستقرّ .

.


1- .في «ج» : «حبيب المعلّى» .
2- .الرواشح السماويّة : 67 و68 ، الراشحة السابعة عشر .

ص: 76

. .

ص: 77

الباب الثاني : في بيان طائفة من الاصطلاحات

«ثقة»

الباب الثانيفي بيان طائفة من الاصطلاحات المتداولة في الفنّ في تَرجَمة الرجالمنها : ما يدلّ على المدح _ سواء كان متعلّقاً بالجَنان أو الأركان _ بالغاً حدَّ التزكية أم لا ، دالاًّ على حسن الرواية مطابقةً وعلى حسن الراوي التزاماً ، أو بالعكس . ومنها : قولهم : «ثقة» . حكى جمع عن المحقّق الداماد أنّه إذا قال النجاشي : «ثقة» ولم يتعرّض لفساد المذهب ، فظاهره أنّه عدل إماميّ ؛ لأنّ ديدنه التعرّض لفساد المذهب ، وعدمه ظاهر في عدم ظفره ، وهو ظاهر في عدمه ؛ لبُعد وجوده مع عدم ظفره ؛ لشدّة بذل جَهده وزيادة معرفته . (1) وعليه جماعة من المحقّقين . (2) وصرّح جمع بأنّه لا يخفى أنّ الرواية المتعارفة المسلّمة المقبولة أنّه إذا قال عدل إمامي _ النجاشيَ كان أو غيرَه _ : «فلان ثقة» أنّهم يحكمون بمجرّد ذلك القول بأنّه عدل إمامي كما هو ظاهر ؛ إمّا لما ذكر ، أو لأنّ الظاهر من الرواة التشيّع ،

.


1- .الرواشح السماوية : 67 ، الراشحة السبعة عشر .
2- .تكملة الرجال 1 : 21 ، عدّة الرجال : 17 الفائدة السابعة و حكي عن الشيخ محمّد في استقصاء الاعتبار .

ص: 78

والظاهرَ من الشيعة حسن العقيدة ، أو لأنّهم وجدوا أنّهم اصطلحوا ذلك في الإماميّة وإن كان يطلقون على غيرهم مع القرينة ؛ فإنّ معنى «ثقةٌ» : عادل ثَبَتٌ ، فكما أنّ «عادل» ظاهر فيهم فكذا «ثقة» ، أو لأنّ المطلق ينصرف إلى الكامل ؛ أو لغير ذلك . نعم ، في مقام التعارض بأن يقول الآخَر : «فطحي» مثلاً يحكمون بكونه موثّقاً معلِّلين بعدم المنافاة . ولعلّ مرادهم عدم معارضة الظاهر للنصّ وعدم مقاومته . ولكنّك خبير بأنّ المستفاد من كتب اللغة أنّ الوثوق هو الائتمان يقال : وثق به _ كورث _ ثقةً ومَوْثِقاً : ائتمنه ، فالثقة بمعنى المؤتَمن ، فلا دلالة في جوهر اللفظ على التشيّع والعدالة المصطلحة . بقي الكلام في القرائن المذكورة . أمّا الأُولى فلا دلالة فيها بحيث يطمئنّ بها النفس ؛ لعدم استفادة الإعتماد بعدم الظفر على عدم الوجود بعد فصل زمان كثير بين النجاشي وبين الراوي فيحتمل أنّ النجاشي لم يطّلع إلاّ على كونه مؤتَمناً ، ويشهد عليه تعليلهم بعدم المنافاة كما سمعت . وكذا الثانية ؛ لأنّ ادّعاء الظهور المذكور إنّما يتمّ لو كان الغالب في الرواة _ غلبةً معتدّاً بها بحيث توجب الظنَّ _ التشيّعَ ، وكان الغالب فيهم كذلك حسنَ العقيدة ، وفي ثبوت المقدّمتين تأمّل . والثالثة ممنوعة ؛ لعدم ثبوت الإصطلاح ، وكونُ الثقة بمعنى العادل ممنوع إلاّ أن يراد به معناه الأعمّ وحينئذٍ ظهوره في الشيعة ممنوع . والمسلّم من انصراف المطلق إنّما هو انصرافه إلى الأفراد الشائعة وجوداً أو استعمالاً ، لا إلى الكامل من حيث الكمال . وقد يدّعى أنّ المستفاد من اللفظ كونه إماميّاً إمّا لأنّ غير الإمامي لا وثوق به ، أو لأنّ غير الإمامي ثقة في الجملة لا مطلقاً ؛ لتقصيره في أمر اعتقاده ، فإذا قيل به

.

ص: 79

من دون قيد ، فالظاهر منه الوثوق من كلّ جهة . وهما أيضاً بمكان من الضعف ؛ فإنّ المراد إن كان عدمَ الوثوق شرعاً ، فأوّل الكلام . والتمسّك له بقوله تعالى : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا » (1) لا وجه له ؛ لعدم صدق الظالم عرفاً على الثقة غير الإمامي ، ولاسيّما إذا لم يكن مقصّراً . وإن كان عدمَ الوثوق به عرفاً ، ففساده واضح ، وكذا من البيّن إطلاق الثقة على وجه الإطلاق على الرجل المؤتمن إماميّاً كان أو غيره فإذن المستفاد منه بظاهر اللفظ هو المؤتمن بحسب أفعال الجوارح والأعضاء أي المؤتمن في دينه . إلاّ أن يقال : إنّ المقام مقام الإعتماد على الظنّ ، ولا غائلة في حصوله من مجموع ما ذكر ، سيّما من دعوى جمعٍ حكمَهم على كونه عدلاً إماميّاً بمجرّد قول الإمامي العدل : ثقة ؛ لظهور هذا القول في اتّفاقهم على ذلك ، ولا أقلّ من حصول الظنّ بالنقل في مصطلح أرباب الرجال من ذلك فيكتفى به ؛ فتدبّر . بقي الكلام _ على فرض تسليم ذلك الإصطلاح (2) _ في إشكالات أُوردت على المقام : الأوّل : أنّا لا نعلم مذهب أرباب الرجال في العدالة ، والخلاف في معنى العدالة معروف ، فلعلّ بناءهم فيها على كفاية الدرجة النازلة من درجاتها ، فلا يجوز الإعتماد على تزكيتهم إلاّ لمن اختار ذلك . الثاني : أنّ جملة كثيرة من الرجال معروفون بكونهم على خلاف المذهب في أوّل الأمر ، ثمّ رجعوا وتابوا وحسن إيمانهم ، كما يظهر من ترجَمة الحسين بن يسار ، وعليّ بن أسباط ، وغيرهما ممّن كانوا من غير الإماميّة ، ثمّ رجعوا وتابوا ، واعتمد الأصحاب على رواياتهم مع عدم علمهم بتأريخ زمان الأداء ، وكذا الكلام

.


1- .هود (11) : 113 .
2- .أي كون الثقة بمعنى العدل الإمامي «منه» .

ص: 80

في مثل عليّ بن محمّد بن رباح ، وعليّ بن أبي حمزة ، ونحوهما ممّن كانوا على الحقّ ، ثمّ توقّفوا ، وروى عنهم ثقاتُ الأصحاب ، وصرّح أجلاّء المتأخّرين _ على ما نقله الفاضل في القوانين _ بقبول رواياتهم مع جهل التأريخ . (1) الثالث : أنّ التوثيق إنّما يؤثّر في قبول الروايات المتأخّرِ صدورُها عن حصول الوثاقة (2) ، ومن البيّن أنّ التوثيق غير موقّت في الكتب الرجاليّة ، وكذا صدور نقل الرواية عن الراوي ، ولازمه عدم نفع التوثيق في القبول في المقام ، بل أصالة تأخّر الحادث مقتضاها حصول الوثاقة للراوي المزكّى في أواخر الأمر ؛ فإنّ الأصل عدم العدالة . غاية الأمر معارضة ذلك الأصل مع أصالة تأخّر الصدور ، وذلك غير نافع ؛ لأنّا إن سلّمنا التعارض والتساقط يبقى الرواية مجهولةَ الحال . وإن قلنا بإثبات التقارن بالأصلين فمع بُعده جدّاً لا ينفع ؛ لكون صدور الروايات تدريجيّاً ، فالعلم حاصل بصدور ما عدا الواحد قبل صيرورته ثقةً وهو مجهول ، فيَسري الإجمال . وإن قلنا بعدم حجّيّة الأُصول المثبتة ، فالأصل الأوّل (3) سليم عن المعارض . والفارق أنّه يترتّب على أصالة تأخّر العدالة حكم شرعيّ من دون واسطةِ مقدّمة عاديّة وهو عدم قبول الروايات . ولا يترتّب على أصالة تأخّر الروايات قبولُها إلاّ بتوسّط كون الوثاقة قبل ذلك حاصلةً وهي مقدّمة عاديّة ، فتدبّر . وأمتن الأجوبة عن الأوّل : أنّ القرينة موجودة على إرادة الدرجة العليا ؛ فإنّهم كثيراً مّا يمدحون الرجل بمدائحَ تَجاوَزُ (4) عن درجة مراتب حسن الظاهر ،

.


1- .القوانين المحكمة : 464 .
2- .للراوي .
3- .أي أصالة عدم العدالة .
4- .أي تتجاوز .

ص: 81

ولا يحكمون بأنّه ثقة ، كما في إبراهيم بن هاشم ونحوه ، فمثل ذلك كاشف عن أنّ مرادهم بالثقة هو الأمر المعتبر على كلّ مذهب ، فراعوا في ذلك تعميمَ النفع . وتوهُّم تضييق الأمر على المكتفي بالدرجتين الباقيتين بذلك مدفوع بحصول النفع له بمراتب المدح . وعن الثاني : بأنّ الراوي المتّصف بالحالتين عُمل بما عُلم روايته حالَ الإستقامة أو ظُنَّ ، ويُترك بما علم روايته حال الخلط أو ظُنَّ ولم يُظَنَّ بصدورها من المعصوم من القرائن ، وإن ظُنّ بصدورها منه عليه السلام في تلك الحالة أو في حالة الشكّ فكالأوّل . هذا إن كان الخلط بالكفر مثل الغلوّ ، وإن كان بغيره ففي بعض الصور (1) يصير الخبر به موثّقاً ، فلا يتفاوت الحال بالنسبة إلى من يَرى حجّيّته . وقد صرّح الشيخ في العدّة _ على ما حكي _ ببعض ذلك ؛ حيث قال : فأمّا ما يرويه الغُلاة ، والمتّهمون ، والمضعّفون وغير هؤلاء ، فما يختصّ الغلاة بروايته فإن كانوا ممّن عُرف لهم حالُ استقامةٍ وحال غلوٍّ ، عُمل بما رووه حال الإستقامة وتُرك ما رووه حال التخليط ، فلأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب في حال استقامته ، وتركوا ما رواه في حال تخليطه ، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي ، أو ابن أبي العزافر وغير هؤلاء . فأمّا ما يروونه في حال التخليط فلا يجوز العمل به على كلّ حال . انتهى . (2) والظاهر أنّ مراده من عدم جواز العمل إنّما هو في صورة عدم الاعتضاد بقرائنَ أُخَرَ دالّةٍ على الصدق . وأمّا اعتماد الأصحاب على روايات مثل الحسين بن بشّار ، وعليّ بن

.


1- .في حاشية «ب» : «هو ما إذا علم أو ظنّ أنّ روايته كانت حالَ عدم الاستقامة» .
2- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 151 .

ص: 82

محمّد بن رباح ، فلعلّه من جهة علمهم بالتأريخ أو من جهة القرائن الخارجيّة ، بل ذلك ممّا يوجب وثوقنا بأخبار هؤلاء ، ولاسيّما بعد ملاحظة ما هو المعهود من حال أصحاب الأئمّة من كمال اجتنابهم عن الواقفيّة وأمثالهم من فِرَق الشيعة ، ومن كون معاندتهم معهم وتبرُّئهم عنهم أزيدَ من تبرّئهم من العامّة ؛ فرواية الثقات والأجلاّء عنهم قرينة على أنّ الرواية كانت حال الإستقامة ، أو أنّ الرواية عن اصلهم المعتمد المؤلَّف قبل فساد العقيدة أو المأخوذة من المشايخ المعتمدين من أصحابنا ، كما عن الشيخ التصريحُ به بالنسبة إلى كتب عليّ بن الحسن الطاطري ؛ حيث قال : «إنّه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم» . (1) وعن الثالث : بأنّ الظاهر من دأب أرباب الرجال أنّهم يذكرون التوثيق المطلق بالنسبة إلى من اتّصف بالوثاقة من أوّل زمان رواية الروايات ، ولو اختلف الحال ، لنبّهوا عليه . ويقوى ذلك الظهور بملاحظة أنّ الغرض من التوثيق إنّما هو اتّكالُ مَن لم يدرِك زمانَه على رواياته . مضافاً إلى أنّ أمثال تلك المناقَشات إنّما صدرت من المتأخّرين ولم يتأمّل السابقون عليهم في التزكية من هذه الجهات ، ولعلّ ذلك أيضاً إنّما هو من أجل الظهور الذي استفدناه . وبالتأمّل فيما ذُكر يظهر قوّة القول بأنّ الإعتماد على التوثيق من باب الظنون لا من باب الرواية والشهادة ؛ فإنّه أقوى الشاهد على ما اخترناه . ثمّ إنّ قولهم : «ثقة» واضح الدلالة على كونه ضابطاً ، إمّا بظَهر القلب ، وإمّا بالكتاب بأن يبادر بضبط ما سمعه فيه ؛ فإنّه لا وثوق بنقل غير الضابط . ومن البيّن أنّ دلالته على ذلك أظهرُ بمراتبَ من دلالته على العدالة بالمعنى المصطلح . فتلخّص ممّا ذكر أنّ مرادهم من قولهم : «ثقة» هو العدل الإمامي الضابط ، واختاروا تلك اللفظة للاختصار . هذا كلّه إذا كان المزكّي عدلاً إماميّاً .

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 150 .

ص: 83

وأمّا إذا لم يكن كذلك كعليّ بن حسن بن عليّ بن فضّال _ حيث حكي أنّ الطائفة كثيراً مّا يعتمدون على قوله في الرجال ، ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح والتعديل ، وعن جملة من علماء هذا الفنّ أنّه كان فطحيّاً _ ففي استفادة العدل الإمامي من قوله : «ثقة» في حقّ الرواة تأمّل ؛ فإنّ المتعارف المعهود أنّ كلّ مَن يوثّق غيرَه إنّما يوثِّقه على مذهبه ولو أغمضنا عن ذلك . فقد عرفت أنّ اللفظ بنفسه لا يدلّ على ذلك ، والقرائن المعتمدة المذكورة في توثيق العدل الإمامي غير موجودة هنا ، فالظاهر جعل رواية مَن وثّقه من الموثّقات ، إلاّ أن يظهر العدالة المصطلحة من الخارج اقتصاراً على المتيقّن . وأمّا جرحه فربما يقال : انّه يحصل من جرحه الظنُّ ، بل ربما يكون أقوى من الإمامي . وفيه تأمّل كما في جرحه لأبان بن عثمان بكونه من الناووسيّة نقله الكشّي ، عن محمّد بن مسعود عن عليّ بن حسن (1) . وعن فخر المحقّقين أنّه سأل والده رحمه الله عن أبان بن عثمان ، فقال : «الأقرب عندي عدم قبول روايته ؛ لآية النبأ ، ولا فسق أعظمُ من عدم الإيمان» . (2) ووجه التأمّل أنّ كونه ناووسيّاً لا يثبت بمجرّد قول فطحي . ولقد أجاد صاحب المعالم في المقام ؛ حيث قال : ما جُرح به لم يثبت ؛ لأنّ الأصل فيه عليّ بن حسن ، والمتقرِّر في كلام الأصحاب أنّه من الفطحيّة ، فلو قُبل طعنه في أبان ، لم يتّجه المنع من قبول رواية أبان ؛ إذ الجرح ليس إلاّ لفساد المذهب ، وهو مشترك بين الجارح والمجروح (3) . انتهى .

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 352 / 660 .
2- .رسايل الشهيد الثاني (حاشية خلاصة الأقوال) 2 : 911 .
3- .منتقى الجُمان 1 : 15 نقل بالمضمون .

ص: 84

«ثقة ثقة»

«ممدوح»

وما ذكرناه إنّما هو من باب المثال . ومنها : ما لو كرّر اللفظة . وهو تأكيد يفيد زيادة الاعتناء بمن قيل ذلك في حقّه ، سواء قلنا بأنّ مُفاد غير المكرّر التعديل المصطلح أم لا . ونسب قراءة ذلك على ذلك النّحو إلى المشهور . وربما يقال : إنّه بالنون موضعَ الثاء المثلّثة ، ولم أجده في اللغة ، فهو إمّا من اشتباه القائل أو من الإتباع . (1) ومنها : قولهم : «ممدوح» . ومن البيّن أنَّ المدح ، منه ماله دخل في قوّة السند وصدق القول ، مثل : «صالح» و«خير» ، ومنه ماله دخل في المتن ، مثل : «فَهِم ، حافظ» ، ومنه ما لا دخل فيهما ، مثل : «شاعر» و«قارئ» . ولعلّ من قبيل الثاني قولَهم : «أديب» أو «عارف باللّغة» أو «النحو» فينفع في مقام الترجيح والتقوية بعد ما صار الحديث صحيحاً أو حسناً أو قويّاً ؛ لحصول القوّة في المتن . والظاهر اعتباره في الراوي عن المعصوم بلا واسطة ؛ فإنّ لكلّ ذلك مدخلاً في فهم الحديث وضبطه وأمّا في الوسائط فلا ، إلاّ أن يعلم أنّه الذي نقل الحديث بالمعنى . وأمّا نفس قولهم : «ممدوح» فلعلّ الظاهر من الإطلاق مدحه بما يوجب قوّة السند ؛ فتدبّر ، (2) فيوجب كون الحديث حسناً إن كان إماميّاً ، وقويّاً إن كان فاسدَ العقيدة . وأمّا دلالة مجرّد تلك اللفظة على كونه إماميّاً فأضعفُ بمراتبَ من دلالة قولهم : «ثقة» عليه ، إلاّ أن يلاحظ أنّ إظهار المدح مع عدم إظهار القدح ولا تأمّلٍ منهم ، وأنّ ديدنهم التعرّضُ لفساد المذهب _ إن كان _ ظاهر في كونه

.


1- .نعم في القاموس في غير محلّه : «ثقة نِقَةٌ إتباعٌ» وذلك لأنّه قاله في باب نقي ينقى ومقتضى القياس ذكره في الأحوال لا الناقض ؛ فتدبّر «منه» . القاموس المحيط 4 : 399 (نقى) .
2- .إشارة إلى أنّ الممدوح عامٌّ والعامّ لا يدلّ على الخاصّ «منه» .

ص: 85

«ثقة في الحديث»

إماميّاً ؛ فتدبّر . (1) ثمّ إنّ المدح يجامع القدح بغير فساد المذهب ؛ لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من جهة ومقدوحاً من أُخرى . ولو اتّفق القدح المنافي فيُرجع فيه إلى قانون التعارض ، ولو اتّفق غير المنافي فإمّا أن يكونا ممّا له دخل في السند ، أو ممّا له دخل في المتن ، أو المدح من الأوّل والقدح من الثاني ، أو بالعكس . امّا الأوّل ، مثل أن يكون صالحاً كثيرَ النسيان والسهو ؛ فإنّ أحدهما يحصل من ملاحظته قوّةً في السند ، ومن الآخر وهنٌ فيه ، فلو حصل رجحان لأحدهما من ملاحظة خصوصهما لتفاوت مراتب المدح والقدح في أنفسهما ، أو لملاحظة الأُمور الخارجيّة وكان ذلك الرجحان معتدّاً به فيؤخذ به وإلاّ فلا اعتبار . وكذا الكلام في الثاني مثل أن يكون جيّدَ الفهم ، رديء الحافظة . وأمّا الثالث ، مثل أن يكون صالحاً سيّءَ الفهم أو الحافظة ، فلعلّه معتبر في المقام على تأمّل فيه . وأمّا الرابع ، فأمره واضح من عدم الإعتبار . ومنها : قولهم : «ثقة في الحديث» . ونسب إلى المتعارف المشهور أنّه تعديل وتوثيق للراوي نفسه . وربما يقال : لعلّ منشأه الإتّفاق على ثبوت العدالة ، وأنّه يذكر لأجل الإعتماد على قياس ما ذكر في التوثيق ، وأنّ الشيخ الواحد ربما يحكم على واحد بأنّه ثقة ، وفي موضعٍ آخَرَ بأنّه ثقة في الحديث ، مضافاً إلى أنّه في الموضع الأوّل كان ملحوظُ نظره الموضعَ الآخَرَ كما في أحمد بن إبراهيم بن أحمد . ولكنّك خبير بأنّ التقييد بقولهم : «في الحديث» ممّا يشعر بأنّ المراد ليس العدلَ الإماميَّ ، والإجماع على اشتراط العدالة بالمعنى المصطلح ممّا لم يَثبت

.


1- .إشارة إلى ضعف هذا الكلام ويظهر وجهه ممّا سبق في ردّ القائلين بكون الثقة ظاهراً في العدل الإمامي «منه» .

ص: 86

[ الأقوال في أصحاب الإجماع ]

«أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه»

حتّى يستفاد بضميمته من تلك اللفظة ذلك ، والعدالةِ بالمعنى الأعمّ كما هو الظاهر من طريقة القوم _ ولاسيّما من ملاحظة ما نقل عن الشيخ من كفاية كون الراوي ثقةً متحرّزاً عن الكذب في الرواية وإن كان فاسقاً بجوارحه _ ممّا لا يُثبِت إلاّ مجرّدَ الوثوق بالرواية . فإذن لا دلالة فيه على التعديل المصطلح ؛ وأمارات النقل أيضاً غير واضحة .

[ الأقوال في أصحاب الإجماع ]ومنها : قولهم : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» . واختلفوا في بيان المراد منه ونسب إلى المشهور أنّ المراد صحّة كلّ حديث تصحّ الرواية إلى من قيل ذلك في حقّه ، فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم وإن كان فيه ضعيف . وقال في التعليقة : إنّه «الظاهر من العبارة» . (1) وفي منتهى المقال بعد إذعانه بالظهور المذكور قال : وصرّح بعض أجلاّء العصر أيضاً بأنّ عليه الشهرةَ ، بل نسب ذلك المحقّق الداماد إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، حيث قال في الرواشح السماويّة _ بعد عدّ الجماعة الذين قيل ذلك في حقّهم _ : «وبالجملة هؤلاء _ على اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم _ أحدٌ وعشرون ، بل اثنان وعشرون رجلاً ، ومراسيلهم ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمّون من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب من الصحاح من غير اكتراث منهم» . (2) قال : «وقال مثل ذلك في أوائل الوافي (3) ، إلاّ أنّه لم ينسب

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 29 .
2- .الرواشح السماويّة : 47 ، الراشحة الثالثة .
3- .الوافي 1 : 27 .

ص: 87

ذلك إلى الأصحاب ، بل إلى المتأخّرين . وقال نحو ذلك في مشرق الشمسين » . (1) قال : «وقال مثل ذلك (2) محمّد أمين الكاظمي بعد اختياره هذا المعنى» . ومن هنا صحّح العلاّمة وابن داود والبهائي والسيّد محمّد روايةَ أبان بن عثمان مع أنّه ناووسي . لكنّ هذه الصحّة يراد بها ما ثبت نقله عن المعصوم وإن كان الراوي غيرَ إمامي . قال : «وقال الشهيد في نكت الإرشاد في كتاب البيع بعد ذكر رواية عن الحسن بن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي : وقد قال الكشّي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب . قلت : في هذا توثيقٌ مّا لأبي الربيع » . (3) قال : «ووصف الشهيد الثاني في المسالك في بحث الإرتداد (4) خبراً فيه الحسن بن محبوب عن غير واحد ، بالصحّة وما ذلك إلاّ لذلك كما صرّح به في موضع آخر» . قال : «والسيّد الأُستاذ (5) _ بعد حكمه بذلك وسلوكه في كثير من مصنّفاته كذلك _ بالغ في الإنكار ، وقال : بل المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة وصحّة ما ترويه ، إذا لم يكن في السند مَن يُتوقّف فيه ، فإذا قال أحد الجماعة : «حدّثني فلان» يكون الإجماع منعقداً على صدق دعواه ، وإذا كان فلان ضعيفاً أو غير معروف لا يجديه ذلك نفعاً . وقد ذهب إلى ما ذهب إليه بعضُ أفاضل العصر (6) ، وليس لهما _ دام فضلهما _ ثالث ، وسائرُ أساتيذنا

.


1- .مشرق الشمسين : 32 .
2- .قوله : «مثل ذلك» أثبتناه من «ألف» .
3- .غاية المراد 2 : 41 .
4- .مسالك الأفهام 15 : 25 .
5- .وهو السيّد عليّ الطباطبائي ، صاحب رياض المسائل .
6- .وهو السيّد مهديّ الطباطبائي بحر العلوم في رجاله 2 : 367 .

ص: 88

ومشايخنا على ما ذهب إليه الأُستاذ العلاّمة .» انتهى . (1) وربما يقال : إنّ هذه العبارة دالّة على توثيق ما بعد هذه الجماعة ، فيكون الخبر _ الذي في سنده أحدهم _ صحيحاً اصطلاحاً بزعم أنّ المراد بالصحّة في المقام هو الصحّة المصطلحة بين المتأخّرين ، وعن المنتقى نقله عن بعض مشايخه (2) ، أو إنّ إجماع العصابة على الحكم بصحّة كلّ ما ترويه هذه الجماعة كاشف عن أنّ هذه الجماعة لم يرووا إلاّ عن الثقة . ونسب في التعليقة الإحتمال الثاني _ الذي عرفت نقله عن بحر العلوم وبعضٍ _ إلى القيل . قال : واعترض عليه أنّ كونه ثقةً أمر مشترك ، (3) فلا وجه للاختصاص . (4) قال : وهذا الإعتراض بظاهره في غاية السخافة ؛ إذ كون الرجل ثقةً لا يستلزم وقوعَ الإجماع على وثاقته ، إلاّ أن يكون المراد ما أورد بعض المحقّقين من أنّه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم _ ممّن لا خلاف في عدالته _ فائدة . (5) وفيه : أنّه إن أردت عدم وجدان خلاف منهم ، ففيه : أوّلاً : أنّ هذا غير ظهور الوفاق ، مع أنّ سكوتهم ربّما يكون فيه شيء ؛ فتأمّل . (6) وثانياً : أنّ اتّفاق خصوص هؤلاء غيرُ إجماع العصابة ، وخصوصاً أنّ مدّعي هذا الإجماع الكشّي ناقلاً عن مشايخه . هذا ، مع أنّه لعلّ عند هذا القائل يكون تصحيح الحديث أمرا زائداً على

.


1- .منتهى المقال 1 : 53 _ 56 ملخّصاً .
2- .منتقى الجمان 1 : 14 _ 15 .
3- .بين هذه الجماعة وغيرهم «منه» .
4- .استقصاء الاعتبار 1 : 60 .
5- .نهاية الدراية في شرح الوجيزة : 405 .
6- .إشارة إلى ضعف ما قال : إنّ سكوتهم ربما يكون فيه شيء ؛ لأنّ كون السكوت دالاًّ على قدح محلّ تأمّل «منه» .

ص: 89

التوثيق ؛ فتأمّل . (1) وإن أردت اتّفاق جميع العصابة ، فلم يوجد إلاّ في مثل سلمانَ ممّن هو عدالته ضروريّة لا تحتاج إلى الإظهار ، وأمّا غيرهم فلا يكاد يوجد ثقة جليل سالماً عن قدح ، فضلاً عن أن يتحقّق اتّفاقهم على سلامته منه فضلاً عن أن يثبت عندك ؛ فتأمّل . (2) واعترض عليه أيضاً بمنع الإجماع ؛ لأنّ بعض هؤلاء لم يدّع أحد توثيقه ، بل قدح بعضهم في بعضٍ ، وبعض منهم وإن ادّعى توثيقه إلاّ أنّه ورد منهم قدح فيه . وفي هذا الإعتراض أيضاً تأمّل . نعم ، يرد عليهم أنّ تصحيح القدماء حديثَ شخصٍ لا يستلزم توثيقه منهم . نعم ، يمكن أن يقال : يبعد أن لا يكون رجل ثقةً ومع ذلك اتّفق جميع العصابة على تصحيح جميع ما رواه سيّما بعد ملاحظة دعوى الشيخ الاتّفاقَ على اعتبار العدالة لقبول خبرهم ، وخصوصاً مع مشاهدة أنّ كثيراً من الأعاظم الثقات لم يتحقّق منهم الاتّفاقُ على تصحيح حديثه . نعم ، لا يحصل منه الظنّ بكونه ثقةً إماميّاً ، بل أعمّ منه كما لا يخفى . ويشير إليه نقل هذا الإجماع في الحسن بن عليّ ، وعثمان بن علىّ ، وما يظهر من عُدّة الشيخ أنّ المعتبر العدالة بالمعنى الأعمّ _ إلى آخر ما حقّقه في المقام . إلى أن قال : وعندي أنّ رواية هؤلاء إذا صحّت إليهم لا تقصر عن أكثر الصحاح . (3) وأقول : بعد ملاحظة أنّ الصحيح عند القدماء _ كما سمعنا من مشايخنا وهو

.


1- .إشارة إلى أنّ على هذا المعنى الذي اختاره بحر العلوم رحمه الله _ ليس المراد بالصحّة معناها المصطلح حتّى يكون تصحيح الحديث أمراً زائداً عليه ، بل معناها على هذا المعنى هو صدق الجماعة «منه» .
2- .إشارة إلى أنّ الخلاف لا يضرّ بالإجماع المنقول المدّعى في المقام «منه» .
3- .فوائد الوحيد البهبهاني : 29 _ 31 ملخّصاً .

ص: 90

[ المراد من توثيق أصحاب الإجماع ]

صريح جملة من العلماء الماضين ويدلّ عليه التفحّص في طريقة القدماء _ هو الخبر الموثوق به والمعتمد عليه ، سواء حصل ذلك من القرائن الداخلة أو الخارجة كما سيجيء في الخاتمة ، ولمّا اختفت القرائن الخارجة غالباً على المتأخّرين اضطرّوا إلى تنويع الأخبار بالأقسام المعروفة . وبملاحظة أنّ الصحّة في الرواية قد تلاحظ بالنسبة إلى جميع الطبقات ، ويعتبر في صحّة اتّصافها بالصحّة كونُ جميع طبقاتها عدلاً إماميّاً ، وقد تلاحظ بالنسبة إلى راوٍ معيّن كما يقال : «في الصحيح عن فلان» ويعتبر فيه كونها صحيحة إلى فلان من غير دخوله ، فلابدّ أن يلاحظ حاله ، وقد تضاف إلى راوٍ معيّن ويقال : «صحيحة فلان» سواء كان أخذها من المعصوم بلا واسطة أو بواسطة عدل إمامي .

[ المراد من توثيق أصحاب الإجماع ]فحاصل التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الإحتمالاتِ في العبارة متعدّدة : الأوّل : أنّ المراد منها إجماع العصابة _ العاملين بالأخبار _ على نسبة الإعتماد إلى جميع الأخبار التي يحصل الإعتماد بروايتها عنه ، سواء حصل ذلك أو لم يحصل بعدُ . وهو الظاهر من العبارة بملاحظة لفظة «العصابة» الذي هو اسم جمع معرّف ، وملاحظةِ الصحّة عند القدماء ؛ فإنّ هذه اللفظةَ في كلامهم ، فالظاهر حمله على مصطلحهم ، وملاحظةِ كلمة «ما» الظاهرةِ في العموم ، وملاحظةِ لفظة «يصحّ» . ويمكن حصول ذلك بتتبّع العصابة عن أحوال ذلك الشخص ورواياته بحيث حصل لهم العلم بعدم روايته إلاّ ما ثبت وتحقّق عنده ، فتدلّ العبارة على وثاقة الرواية مطابقةً ووثاقةِ الراوي التزاماً بالوثاقة بالمعنى الأعمّ ، سواء كانت في الإصطلاح الجديد من الصحاح أو الضعاف من المسانيد أو المراسيل . ولا بُعد في حصول مثل ذلك الإجماع كما نشاهده بالوجدان .

.

ص: 91

والإعتراض عليه بأنّ الشيخ ربما يقدح فيما صحّ من هؤلاء بالإرسال الواقع بعدهم ، وأيضاً المناقشة في قبول مراسيل ابن أبي عمير معروفة ، مدفوع بأنّ المراد من العصابة ليس جميعَ العلماء من المتقدّمين والمتأخّرين حتّى يكون لهذا الإعتراض مساق ، بل قد وقعت هذه العبارة من الكشّي . وما ربما يوجد في كتاب النجاشي فذلك بعنوان النقل عن الكشّي . وخلاف الشيخ ومَن بعده لا يوجب عدم تحقّق ذلك الإجماع قبله . سلّمنا ، لكنّ الإجماع المنقول لا ينافي وجود الخلاف ، غاية الأمر لزوم وهنه عند كثرة المخالف وهو غير ثابت ، بل قد عرفت ظهور دعوى الإجماع من صاحب الرواشح (1) إن كان المراد من الأصحاب مطلقَهم كما هو ظاهر اللفظة ، لا العصابةَ التي نُقل اتّفاقهم على ذلك كما هو المحتمل . والحاصل : أنّ المناقش ربما لم يثبت عنده الإجماع ، أو لم يثبت عنده وجوب اتّباعه ؛ لعدم كونه بالمعنى المعهود ، (2) بل كونه مجرّدَ الاتّفاق ، أو لم يفهم العبارة على وفق المشهور ولا يضرّ ذلك ، أو لم يقنع بمجرّد ذلك ، والظاهر بالنسبة إلى الشيخ _ كما ذكره في التعليقة _ هو الأوّل ؛ (3) لعدم ذكره إيّاه في كتابه كما ذكر الكشّي (4) . وفي منتهى المقال توهين ذلك الإجماع بعدم الوقوف على من وافق الكشّي في ذلك من معاصريه والمتقدّمين عليه والمتأخّرين منه إلى زمان العلاّمة أو مَن قاربه ، مع استدراكه بأنّ غير واحد من علمائنا _ منهم الشيخ البهائي _ صرّح بأنّ من الأُمور الموجبة لعدّ الحديث من الصحيح عند قدمائنا وجودَه في أصلٍ

.


1- .الرواشح السماويّة : 45 .
2- .أي الكاشف عن قول المعصوم «منه» .
3- .أي عدم ثبوت الإجماع .
4- .فوائد الوحيد البهبهاني : 30 .

ص: 92

معروفِ الإنتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم . وقال _ بعد الأمر بالتدبّر _ : لكنّ هذا الإجماع وجوب اتّباعه كالذي بالمعنى المصطلح ؛ لكونه مجرّدَ وفاق غير ثابت . (1) ولذا قال : «الإنصاف أنّ مثل هذا الصحيح ليس في القوّة كسائر الصحاح بل أضعف من كثير من الحسان» . (2) وأنت خبير بأنّه يكفي على مذهب من يرى التوثيق من باب الظنون الإجتهاديّة _ لحصول الظنّ بصدق الخبر في قوّة الإجماع المنقول _ عدمُ معارض له ، فضلاً عمّا إذا ادّعى مثل صاحب الرواشح ما سمعت ، ولاسيّما إذا اعتضد بتصريح غير واحد من العلماء بما سمعت . ثمّ إنّ اعتبار ذلك الإتّفاق كما أشرنا إليه ليس من باب كون محلّه من الرواية المصطلحة بل لأجل حصول الظنّ الذي لا ريب في حصوله من مجرّد الإتّفاق ، فلا وَقْع لما جعله مقتضى الإنصاف . ثمّ إنّه لا وَقْع أيضاً للمناقشة على ذلك المعنى الذي حكمنا بظهوره من اللفظ بأنّ الرواية المشتملة على الطبقات الكثيرة منحلّة إلى روايات متعدّدة بعدد الرواة . وقد عرفت أنّ الصحيح قد يلاحظ بالنسبة إلى راوٍ معيّنٍ ، فمقتضى العبارة انعقاد الإجماع على صحّة رواية أصحاب الإجماع عمّن يروون عنه ، وأمّا حال المرويّ عنه ونفسُ الحديث فبعدُ غير معلوم ؛ وذلك لأنّ العبارة التي مقتضاها ذلك قولهم : إنّ فلاناً روى في الصحيح عن فلان ، لا مثل تلك العبارة التي من الظهور فيما ذكرنا كالنار على عَلَم . وأمّا الإستشهادات التي تمسّك بها في منتهى المقال فغير خالية عن الكلام

.


1- .منتهى المقال 1 : 59 و58 .
2- .المصدر 1 : 58 .

ص: 93

كما لا يخفى . والثاني : أنّ المراد منها ما ذكرنا ، لكن بتفاوت جعل الصحيح عبارةً عن المعنى المصطلح بين المتأخّرين كما هو ظاهر ما نقلناه عن محكيّ المنتقى (1) . ووهنه غير خفيٍّ ، فإنّا نرى بالوجدان أنّ جملة من هؤلاء وممّن وقع بعدهم في السند من المقدوحين مضافاً إلى أنّ ذلك الإصطلاح متأخّر عن هذه العبارة بسنين فكيف يحمل عليه؟! الثالث : أن يراد بها توثيق الشخص الذي قيل في حقّه ذلك فقط بالتوثيق المصطلح كما هو ظاهر ما نسبه في التعليقة إلى القيل ؛ (2) فإنّك قد عرفت أنّ الثقة في اصطلاحهم _ كما استظهرناه _ عبارة عن العدل الإمامي . وبهذا الوجه يظهر الفرق بين هذا القول وقولِ بحر العلوم وإن أشرنا سابقاً إلى اتّحادهما ، فلا تغفُل . وضعف هذا الإحتمال واضح ؛ فإنّ هذا المعنى ممّا لا يكاد يُفهم من هذه العبارة إلاّ التزاماً . ولو كان الغرض إفادةَ ذلك المدلول الإلتزامي ، لم يكن للتأدية بهذه العبارة وجه ؛ لكونه تطويلاً بلا طائل مع كونه مُوقِعاً في خلاف المقصود ؛ لما عرفت من ظهور العبارة في الإعتماد على جميع رواياته مطلقاً . سلّمنا ، لكن استفادة العدالة بالمعنى الأخصّ منها واضحة الفساد . وأمّا الإعتراض عليه بأنّه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم ممّن لا خلاف في عدالته فائدة ، فمدفوع بأنّ انعقاد الإجماع على وثاقة هؤلاء لا ينافي انعقاده على وثاقة غيرهم ؛ ويرشد إليه تعبير الكشّي في العبارة بكلمة «من» المفيدة لكون هؤلاء من المعدودين من أصحاب الإجماع . ولا حاجة في دفعه

.


1- .منتقى الجمان 1 : 4 .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 29 .

ص: 94

«صحيح الحديث»

إلى ماذكر في التعليقة ونقلناه . (1) وأمّا الإعتراض الأخير _ وهو منع الإجماع بعدم توثيق بعضهم وورود القدح فيمن وثّقوه _ فلا وَقْع له أيضاً ؛ لعدم منافاته الإجماعَ المنقولَ . ثمّ إنّ لازم من يفهم من العبارة هذا المعنى عدُّ مثل ابن بكير من الإماميّة كما لا يخفى . الرابع : أنّ المراد منها السابق لكن بتفاوت جعل المستفاد العدالةَ بالمعنى الأعمّ . ويرد عليه ما عدا الإعتراض الأخير الوارد عليه . الخامس : أنّ المراد منها توثيق من روى هؤلاء عنه ، فحاصل المعنى أنّهم أجمعوا على تصحيح كلّ روايةِ مَن يصحّ رواية هؤلاء عنه . وأنت خبير بكونه أبعدَ الإحتمالات ؛ لأنّ أصل تحقّق الإجماع على هذا النحو _ لاحتياجه إلى تفحّص العصابة عن أحوال كلّ من يروي هؤلاء عنه وحصول الوثوق لهم على صحّة أخبارهم _ في غاية البعد ، مع أنّ تنزيل العبارة على هذا المعنى محتاج إلى الإضمار ، ويجيء حينئذٍ في معنى العبارة بالنسبة إلى المرويّ عنه الإحتمالاتُ الأربعة السابقة ويزيد البُعد بالنسبة إلى بعضها كما عرفت . ومنها : قولهم : «صحيح الحديث» . ويظهر الإحتمالات فيه من سابقه . وقد أشرنا وسيجيء أنّ المراد بالصحيح عند القدماء ما وثقوا بكونه من المعصوم ، قطعاً أو ظنّاً ، داخليّةً كانت القرائن أو خارجيّةً ، فيظهر بملاحظة ذلك ، وملاحظة أنّ الحديث والخبر في عرفهم مترادفان ، وأنّ المراد منها ما يحكي فعل المعصوم أو قوله أو تقريره: أنّ مُفاد العبارة كمفاد سابقتها إلاّ في الإجماع والعموم.

.


1- .تقدّم نقله في ص 88 _ 89 .

ص: 95

[ الفرق بين الصحيح والمعمول به ]

«لا بأس به»

[ الفرق بين الصحيح والمعمول به ]ثمّ إنّ بين صحيحهم والمعمول به عندهم _ كما يظهر من ملاحظة طريقتهم ونصّ عليه جملة من الأصحاب _ العمومَ من وجه ، مادّتا الافتراق : الصحيح الموافق للتقيّة ، ومارواه العامّة عن أمير المؤمنين ؛ لما عن عُدّة الشيخ من أنّ رواية المخالفين عن الأئمّة إن عارضها رواية الموثوق بها ، وجب طرحها ، وإن وافقتها وجب العمل بها ، وإن لم يكن ما يوافقها أو يخالفها ولا يُعرف لها قول فيها ، وجب العمل بها ؛ لما روي عن الصادق عليه السلام : «إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا فانظروا إلى مارووه عن عليّ عليه السلامفاعملوا به» . ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث بن كلوب ، ونوح بن درّاج ، والسكوني وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه» . (1) انتهى . وكذا بين صحيح المتأخّرين والمعمول به عندهم العمومُ من وجه كما في التقيّة ، وفي العاملين بالموثّقات وجملة من المراسيل وأضعاف المنجبرة . وبين الصحيحين العمومُ المطلق وهو ظاهر . ومنها : قولهم : «لابأس به» . ومقتضى ظاهر العبارة نفي البأس منه من جميع الوجوه من حيث المذهب والرواية وغيرهما . ولذا حكي عن بعضٍ إفادته التوثيق المصطلح . وعن ميرزا محمّد رحمه الله أنّه استقربه في متوسّطه (2) . ويدلّ عليه قول العلاّمة في محكيّ الخلاصة وغيره في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري : «إنّه لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من يروي

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 149 نقل مضمون .
2- .تلخيص المقال : 17 .

ص: 96

«أسند عنه»

عنه» (1) فإنّ التقييد بالنفس والإستدراك دالاّن على بقاء المطلق على العموم ، وقول النجاشي والخلاصة في حفص بن سالم أبي ولاّد الحنّاط : «ثقة لابأس به» (2) وعن المشهور إفادته المدحَ . ولا ينبغي الريب فيه إنّما الكلام في إفادته التوثيقَ المصطلحَ ؛ وفيه تأمّل ، (3) بل لا ينبغي الريب في إفادته المدحَ المعتدّ به . وما عن بعضٍ من عدم إفادته المدحَ أيضاً بيّن الضعف . ومنها : قولهم : «أسند عنه» . واختلفوا في قراءته ، فمنهم من قرأه مجهولاً . وفي منتهى المقال : «ولعلّه عليه الأكثر» . (4) وفسّر حينئذٍ بقولنا : سَمع منه الحديث . وفي التعليقة : ولعلّ المراد على سبيل الإستناد والإعتماد ، وإلاّ فكثير ممّن سمع عنه ليس ممّن أسند عنه . ونقل عن جدّه أنّ المراد روى عنه الشيوخ واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولاشكّ أنّ هذا المدح أحسن من لابأس به . (5) وفيما ذكرا تأمّل واضح ؛ لعدم دلالة اللفظ على الإستناد والإعتماد ، ولا على كون الراوي عمّن قيل في حقّه ذلك الشيوخَ (6) حتّى يستفاد منه التوثيق بعد اتّفاقهم على الإعتماد على من ليس بثقة بل يبعّد ذلك ما عن أصحاب الصادق عليه السلام من رجال الطوسي والخلاصة في ترجمة محمّد بن عبد الملك الأنصاري : «أسند عنه ، ضعيف» (7) ؛ فتدبّر .

.


1- .خلاصة الأقوال : 7 / 25 ؛ اختيار معرفة الرجال : 530 / 1014 ؛ التحرير الطاووسي : 22 / 11 .
2- .رجال النجاشي : 135 / 347 ؛ خلاصة الأقوال : 58 / 1 .
3- .في «ب» : «تأمّل مّا» .
4- .منتهى المقال 1 : 73 .
5- .فوائد الوحيد البهبهاني : 31 .
6- .كما ذكر عن جدّه رحمه الله «منه» .
7- .رجال الطوسي : 294 / 223 ؛ خلاصة الأقوال : 250 / 6 .

ص: 97

بل معناه بظاهر اللفظ : أنّ الحديث صار مسنداً عنه أي وقع في سند الحديث . ووجه اختصاص هذه الترجمة ببعض دون بعض لعلّه ما قيل من أنّها لا تقال إلاّ فيمن لا يعرف إلاّ بالتناول منه والأخذِ عنه . وعلى هذا لا دلالة في العبارة على المدح والقدح ؛ فتدبّر . وعن المحقّق الداماد والفاضل عبد النبيّ قراءتُه معلوماً بإرجاع الضمير إلى الإمام عليه السلام . (1) وهو إنّما يتّجه لو لم يَرْوِ مَن قيل ذلك في حقّه من غير الإمام عليه السلام ، أو لم يرو غيرُه من الإمام ليتمّ وجه الاختصاص ، ولم يقل في ترجمته عبارة أُخرى دالّةٌ على الرواية ، وذلك موقوف على تتبّع هؤلاء . نعم ، في ترجمة جابر بن يزيد : أسند عنه روى عنهما (2) ، وكذا في ترجمة محمّد بن إسحاق بن يسار (3) ، ومنافاة ذلك لذلك المعنى واضح . (4) وعن بعضٍ إرجاع الضمير المرفوع إلى ابن عقدة والمجرورِ إلى الراوي ؛ لأنّ الشيخ ذكر في أوّل رجاله _ وهو المختصّ بذكر هذه العبارة في الترجمة فيه دون فهرسته . وما ربّما يوجد في خلاصة الأقوال ، فإنّما أخذه منه ، وفي أصحاب الصادق عليه السلامدون غيره إلاّ أصحاب الباقر عليه السلامنادراً غايةَ الندرة _ أنّ ابن عقدة ذكر أصحاب الصادق عليه السلام وبلغ في ذلك الغاية قال رحمه الله : «إنّي أذكر ما ذكره وأُورد من بعد ذلك ما لم يذكره» . (5) فالمراد من «أسند عنه» : أخبر عنه ابن عقدة . وفي منتهى المقال بعد الحكاية : «وليس بذلك البعيد ، وربما يظهر منه وجه عدم وجوده إلاّ في كلام الشيخ ، وسببِ ذكره في الرجال دون الفهرست » . (6)

.


1- .الرواشح السماويّة : 56 ، الراشحة الرابعة عشر .
2- .رجال الشيخ : 163 / 30 .
3- .المصدر .
4- .لأنّ قولهم «أسند عنه» لو كان معناه روى عن الإمام ، لم يحتج إلى «روى عنهما» «منه» .
5- .منتهى المقال 1 : 76 و72 .
6- .المصدر 1 : 76 .

ص: 98

وعن الرواشح أنّ الشيخ قد أورد في أصحاب الصادق عليه السلام جماعة جمّة إنّما روايتهم عنه عليه السلامبالسماع عن أصحابه عليه السلام الموثوق بهم ، والأخذِ من أُصولهم المعمول عليها ذكر كلاًّ منهم وقال : «أسند عنه» . (1) فالحاصل : أنّ معنى «أسند عنه» أنّه لم يسمع منه ، بل سمع من أصحابه ، أو أخذ من أُصولهم . ورُدّ بأنّ جماعة ممّن قيلت في حقّهم رووا عنه مشافهةً . (2) وعن بعضٍ (3) أنّ الأشبه كون المراد أنّهم أسندوا عنه عليه السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة كما تتبّعتُ ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيره عليه السلام إلاّ أحمد بن عائذ ، فإنّه صحب أبا خديجة وأخذ عنه ، كما نصّ عليه النجاشي ، (4) والأمر فيه سهل فكأنّه مستثنى ؛ لظهوره . ورُدّ بأنّ غير واحد ممّن قيلت فيه سوى أحمد بن عائذ ، رووا عن غيره عليه السلامأيضاً ، منهم : محمّد بن مسلم ، والحارث بن المغيرة ، وبسام بن عبد اللّه الصيرفي . (5) وبالجملة : مرجع هذا القول إلى ما نقل من ميرزا محمّد الإسترآبادي والشيخ عبد النبيّ الجزائري فيوهنه ما يوهنه . فارتقت الإحتمالات إلى ستّة ، والأقرب بالاعتبار هو الخامس ؛ لوجود جملة من القرائن المصدِّقة له ، وعليه لا يفيد العبارة إلاّ كونَه من أصحاب الصادق عليه السلاموأين ذلك من التوثيق أو ما يقربَه ؟ !

.


1- .الرواشح السماويّة : 65 _ 63 ، الراشحة الرابعة عشر .
2- .نقل ذلك في منتهى المقال 1 : 75 استناداً إلى ما ذكره الشيخ في الرواة السابقة ؛ حيث إنّه صرّح بروايتهم عن الإمام .
3- .وهو السيّد بشير الجيلاني ، على ما في هامش «ج» .
4- .رجال النجاشي : 98 / 246 .
5- .منتهى المقال 1 : 76 .

ص: 99

«عين» أو «وجه»

[ المراد من الأصل والكتاب والنوادر ]

«له أصل» و «له كتاب» و «له نوادر» و «له مصنَّف»

ومنها : قولهم : «عين» أو «وجه» . في التعليقة : «قيل : هما يفيدان التعديل ، وعندي أنّهما يفيدان مدحاً معتدّاً به ، وأقوى من هذين قولهم : «من وجوه أصحابنا» مثلاً فتأمّل» . (1) وقال : قال جدّي العلاّمة : (2) «عينٌ» توثيق ؛ لأنّ الظاهر استعارته بمعنى الميزان باعتبار صدقه كماكان الصادق عليه السلام يسمّي أبا الصباح بالميزان ؛ لصدقه بل الظاهر أنّ قولهم : «وجه» توثيق ؛ لأنّ دأب علمائنا السابقين في نقل الأخبار كان عدمَ النقل إلاّ عمّن كان في غاية الثقة ولم يكن يومئذٍ مال ولا جاه حتّى يتوجّهوا إليهم بهما بخلاف اليوم ولذا يحكمون بصحّة خبره . (3) أقول : لا ينبغي الريب في استفادة المدح التمام من العبارتين ، وأمّا استفادة العدالة المصطلحة فلا ؛ لاحتمال الإستعارة من الباصرة والوجه ؛ لكمال احترامهم عند الناس . نعم ، لو أُضيف إليه «من وجوه أصحابنا» أو «من عيون أصحابنا» أو بإضافتهما إلى الأصحاب الإماميّة ، فالظاهر استفادة التوثيق المصطلح منه .

[ المراد من الأصل والكتاب والنوادر ]ومنها : قولهم : «له أصل» و«له كتاب» و«له نوادر» و«له مصنَّف» . واختلفوا في الفرق بين الأوّلين ، فعن بعضٍ أنّ الأصل ما كان مجرّدَ كلام المعصوم ، والكتابَ ما كان فيه كلام مصنِّفه أيضاً . (4) وأيّد ذلك بما ذكره الشيخ في

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 32 ملخّصاً .
2- .إشارة إلى أنّ إضافته إلى أصحابنا يفيد التعديل المصطلح «منه» .
3- .روضة المتّقين 14 : 54 .
4- .معراج أهل الكمال : 17 نقلاً عن بعض تعليقات الميرزا أمين الاسترآبادي .

ص: 100

زكريّا بن يحيى الواسطى من أنّ له كتابَ الفضائل ، وله أصل . (1) وفي هذا التأييد نظر ؛ لاحتمال أن يكون المقابلة باعتبار اشتمال الأصل على أخبار الفروع . وعن بعضٍ أنّ الكتاب ما كان مبوّباً ومفصّلاً ، والأصل مجمع أخبار وآثار . (2) ورُدّ بأنّ كثيراً من الأُصول أيضاً مبوّبة . (3) قال في التعليقة : ويقرب في نظري أنّ الأصل هو الكتاب الذي جَمع فيه مصنّفه الأحاديثَ التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي ، والكتابَ والمصنَّف لو كان فيهما حديث معتبر ، لكان مأخوذاً من الأصل غالباً ، وإنّما قيّدنا بالغالب ؛ لأنّه ربّما كان بعض الروايات وقليلها يصل معنعناً ولا يؤخذ من أصل ، وبوجود مثل هذه فيه لا يصير أصلاً . وأمّا النوادر فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديثُ لا تنضبط في باب لقلّته أو وحدته ، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة : نوادر الصلاة ونوادر الزكاة . وربما يطلق النادر على الشاذّ الذي هو عند أهل الدراية ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الأكثر وهو مقابل المشهور . وعن بعضٍ أنّ النادر ما قلّت روايته وندر العمل به ، وادّعى أنّه الظاهر من كلام الأصحاب ولا يخلو من تأمّل (4) . انتهى ملخّصاً . وهل يفيد ذلك مدحاً أو لا ؟ فيه قولان . ووجه الثاني واضح ؛ لأنّ كثيراً منهم فيهم مطاعنُ وذموم ، ويدلّ عليه تقييدهم الأُصولَ بالمعتمد أو غيرها في مقام البيان والإعلام .

.


1- .الفهرست : 75 / 304 في ترجمة زكار بن يحيى الواسطي .
2- .طرائف المقال 2 : 362 .
3- .نقله الوحيد البهبهاني في فوائده : 34 .
4- .فوائد الوحيد البهبهاني : 35 و34 .

ص: 101

«مضطلع بالرواية»

«سليم الجنبة»

«من أولياء أمير المؤمنين»

«قريب الأمر»

وعن المعراج : أنّ كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة . ولنعم ما قال . ثمّ قال : «إلاّ عند بعض مَن لا يعتدّ به» . (1) وقال في التعليقة : «والظاهر أنّ كون الرجل صاحبَ أصل يفيد حُسْناً لا الحسن الإصطلاحيَّ ، وكذا كونه كثيرَ التصنيف ، وكذا جيّدَ التصنيف» . (2) أقول : استفادة المدح من أمثال تلك العبارة الدالّة على فهمه وجوده ذهنه مسلّمة ، لكن مثل قولنا : «له أصل» ممّا لا يستفاد منه ذلك . ومنها : قولهم : «مضطلع بالرواية» أي قويّ بها ، ولا يخفى إفادته المدحَ . ومنها : «سليم الجنبة» . قيل : معناه سليم الأحاديث ، وسليم الطريقة . (3) وفي دلالته على الأدب تأمّل . ومنها : «من أولياء أمير المؤمنين» وربما جعل ذلك دليلاً على العدالة . وفيه تأمّل واضح . نعم ، لو قال العدل الإمامي : «من الأولياء» كان ظاهراً في كمال جلالة القدر مضافاً إلى إفادته العدالةَ . ومنها : قولهم : «قريب الأمر» . قال في التعليقة : «وقد أخذه أهل الدراية مدحاً ويحتاج إلى التأمّل .» (4) أقول : التأمّل في محلّه ؛ لأنّ الظاهر من «قريب الأمر» في كلامهم قرب الأمر إلى الخاصّة ، ومُفاده أنّه ليس مبايناً لهم ومعادياً .

.


1- .معراج أهل الكمال : 74 .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 36 و35 .
3- .نقله الوحيد البهبهاني في فوائده : 36 .
4- .فوائد الوحيد البهبهاني : 36 .

ص: 102

«خاصّيّ»

«مشايخ الإجازة»

ومنها : «خاصّيّ» . قال في التعليقة : «قد أخذه خالي مدحاً ، ولعلّه لا يخلو من تأمّل ؛ لاحتمال إرادة كونه من الشيعة في مقابل قولهم : «عامّيّ» لا أنّه من خواصّهم . وكون العامّيّ ما هو في مقابل الخواصّ لعلّه بعيد ؛ فتأمّل .» (1) ومنها : كون الرجل من مشايخ الإجازة . وفي التعليقة : «وربما يظهر من جدّي دلالته على الوثاقة» . (2) وعن المحقّق الشيخ محمّد : وعادة المصنّفين عدم توثيق الشيوخ . (3) وعن الشهيد الثاني : أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم . (4) وعن المعراج : أنّ التزكية بهذه الجهة طريقة كثير من المتأخّرين (5) . (6) وأنت خبير بعدم دلالة العبارة على التزكية المصطلحة . نعم ، الظاهر من كون الشخص من مشايخ الإجازة كمالُ الوثوق به في ضبط الحديث وحفظه ، وأمّا كونه عدلاً إماميّاً فلا . نعم ، يستفاد ذلك من القرائن ككون المجيز من المشاهير ، أو كونِ المستجيز ممّن لا يجوّز الأخذَ من غير العدل الإمامي ونحو ذلك . وربما يبالَغ ويدّعى كون مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة (7) إن كان المراد العمومَ ، وإن كان المراد العهدَ كالصدوق وأحزابه ، فهو حقّ .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 36 .
2- .قد استدلّ المحقّق محمّد تقيّ المجلسي رحمه الله في مواضعَ من روضة المتّقين بأنّه لا يضرّ جهالة مشايخ الإجازة . فلاحظ : روضة المتّقين 14 : 43 و328 .
3- .استقصاء الاعتبار 2 : 149 .
4- .الرعاية في علم الدراية : 192 .
5- .معراج أهل الكمال : 126 .
6- .فوائد الوحيد البهبهاني : 45 .
7- .ادّعاه المحقّق البحراني في معراج أهل الكمال : 118 .

ص: 103

«من أصحابنا»

«وكيل»

ومنها : قولهم : «من أصحابنا» . ومعنى ظاهر العبارة واضح ؛ لوضوح دلالته على كونه إماميّاً . وربما يُستظهر من قول الشيخ في أوّل الفهرست : «كثير من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة» ومن ترجمة عبد اللّه بن جبلة (1) ومعاوية بن حكيم (2) ، وقولِ الشهيد في اللمعة «بعض أصحابنا» مريداً به عبد اللّه بن بكير (3) وغيرِ ذلك عدمُ اختصاصه بالفرقة الناجية ؛ (4) وصَرفُ أمثال تلك العبارة عن ظهورها محلّ تأمّل . ومنها : كونه وكيلاً لأحدهم عليهم السلام . ولا ينبغي الريب في أنّهم ما كانوا يوكّلون فاسدَ العقيدة بل كانوا يأمرون بالتنفّر عنهم وإيذائهم بل وأمروا بقتل بعضهم ، وكذا ما كانوا يوكّلون إلاّ من كانوا يعتمدون عليه ويثقون به بل وكان عادلاً أيضاً . ويؤكّد ذلك أنّ جُلّ وكلائهم كانوا في غاية الجلالة والوثاقة كما يظهر من تراجمهم . وعن جمعٍ الحكمُ بالعدالة وقبول الرواية من جهة الوكالة ، وحاشاهم أن يمكّنوا الكفّار والفسّاق في وكالتهم ولم ينكروا عليهم ولم ينهوهم عن المنكر ، بل ويداهنوا معهم ويتلطّفوا بهم ويبسطوا إليهم . ولا ينافي ذلك قولُهم _ كما ورد في بعض الأخبار _ : إنّ خدّامنا وقوّامنا شرار خلق اللّه ؛ لما عن الشيخ في كتاب الغيبة من أنّ هذا ليس على عمومه وإنّما قالوه لمن غيّر وبدّل وخان . (5)

.


1- .رجال النجاشي : 216 / 563 ؛ خلاصة الأقوال : 237 / 21 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 563 / 1062 .
3- .المصدر .
4- .المستظهِر هو الوحيد البهبهاني في فوائده : 44 .
5- .الغيبة : 345 / 294 .

ص: 104

أن يكون ممّن يترك رواية الثقة أو الجليل

أن يؤتى بروايته بإزاء رواية الثقات

وي_دلّ عليه ما روى محمّد بن صالح الهمداني ، قال : كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام : أنّ أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك أنّهم قالوا : خدّامنا وقوّامنا شرار خلق اللّه ، فكتب : «وَيْحَكُمْ ما تقرؤون ما قال اللّه تعالى : « وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً » (1) فنحن واللّه القرى التي بارك فيها وأنتم القرى الظاهرة» . (2) واحتمل أن يكون المراد التخطئةَ في فهم المراد بأنّ المراد منه الجماعة الذين كانوا يخدمونهم بباب بيوتهم وكان شغلهم ذلك . وبالجملة : تلك العبارة ظاهرة في كون الرجل عدلاً إماميّاً إلاّ أن يثبت تغييره وتبديله بالوقف أو الغلوّ والتفويض ونحوهما . ومنها : أن يكون ممّن يَترك رواية الثقة أو الجليل ، أو تؤوّل (3) محتَجَّاً بروايته ومرجِّحاً لها عليها . وكذا لو خصّص الكتاب أو المجمع عليه بها . أقول : أي القاعدةِ المجمعِ على نفسها . وفي دلالة ذلك على الإعتماد _ غايته إذا علم أنّ ذلك ليس من باب الأُمور الخارجيّة _ ممّا لا ينبغي الشبهة فيه ، وأمّا مجرّد ذلك فلا . (4) ومنها : أن يؤتى بروايته بإزاء روايتهما (5) أو غيرهما من الأدلّة فتُوجَّه وتُجمع بينهما أو تطرح من غير جهته . قال في التعليقة : «هذه كالسابقة كثيرة والسابقة أقوى منها ؛ فتأمّل» . (6) انتهى .

.


1- .السبأ (34) : 18 .
2- .الغيبة : 345 و346 / 295 .
3- .أي تؤوّل رواية الثقة أو الجليل احتجاجاً بروايته «منه» .
4- .أي مع عدم العلم بأنّ التأويل والترجيح هل يكون بالأُمور الخارجيّة أو بروايته فلا دلالة له على الاعتماد «منه» .
5- .أي رواية الثقة أو الجليل .
6- .فوائد الوحيد البهبهاني : 46 .

ص: 105

كثير الرواية

من يروي عنه أو عن كتابه جماعة من الأصحاب

ومنها : كونه كثيرَ الرواية . وفي التعليقة : «وهو موجب للعمل بروايته مع عدم الطعن عند الشهيد كما قال في الحكم بن مسكين » . (1) وعن الشهيد الثاني الإعتراضُ عليه بأنّه لا يكفي عدم الجرح بل لابدّ من التوثيق . (2) وفي مبحث الجمعة من الذكرى «أنّ ذكر الحكم بن مسكين غير قادح ولا موجبٌ للضعف مع أنّ الكشّي ذكره ولم يطعن عليه» . (3) أقول : لعلّ عمله رحمه الله على روايته إنّما هو لأمارات أُخر مثل حكم المحقّق بصحّة حديثه ، وعدمِ طعن الكشّي فيه كما صرّح به . ومقتضاه عدم الإعتداد بنفس كونه كثيرَ الرواية ، فلا وجه ظاهراً في عدّه من شواهد الوثاقة ومن أسباب قبول الرواية إلاّ عند الإعتضاد بالقرائن . نعم ، هو من أسباب المدح كما يظهر من كثير من التراجم . ومنها : كونه ممّن يروي عنه أو عن كتابه جماعة من الأصحاب . ولا يخفى كونه من أمارات الإعتماد بل بملاحظة اشتراطهم العدالةَ في الراوي يقوى كونُه من أمارات العدالة ، سيّما وأن يكون الراوي عنه كلاًّ أو بعضاً ممّن يَطعن على الرجال في روايتهم عن المجاهيل والضعفاء . أقول : لعلّه لا ينبغى الريب في كون هذا المدح أقوى من سابقه والذي ثبت هو اشتراطهم العدالةَ بالمعنى الأعمّ ، فالذي يقوى كونه من أمارات الوثوق والإعتماد ولو ضمّ إليه القرينة الأخيرة قوي الإعتماد . نعم ، لو علم من خصوص الراوي منه اشتراطُ العدالة بالمعنى المصطلح في المرويّ عنه ، لكان الأمر كما ذكر .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 46 .
2- .رسائل الشهيد الثاني (رسالة في صلاة الجمعة) 1 : 199 .
3- .ذكرى الشيعة 4 : 108 .

ص: 106

الرواية عن جماعة من الأصحاب

رواية الجليل عنه

رواية صفوان بن يحيى أو ابن أبي عمير عنه

رواية محمّد بن إسماعيل بن ميمون أو جعفر

من يروي عن الثقات

رواية عليّ بن حسن بن فضّال

ومنها : روايته عن جماعة من الأصحاب . ولعلّ ذلك مؤمئ إلى مدحٍ مّا كما يظهر من ترجمة إسماعيل بن مهران . (1) ومنها : رواية الجليل عنه . وفي التعليقة : «هو أمارة الجلالة والقوّة» . (2) أقول : لا مطلقاً ، بل إذا كان الجليل ممّن يطعن على الرجال في الرواية عن المجاهيل والضعفاء . وأقوى منه روايةُ الأجلاّء عنه بالقيد المذكور ، بل ربما يمكن عدّه كذلك من أمارات الوثاقة . ومنها: رواية صفوان بن يحيى أو ابن أبي عمير عنه ؛ فإنّها من أمارات الوثاقة؛ لقول الشيخ في العُدّة : «إنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة» . (3) والفاضل الخراساني في الذخيرة بنى على القبول من هذه الجهة . (4) ونحوهما أحمد بن محمّد بن أبي نصر . ومنها : رواية محمّد بن إسماعيل بن ميمون أو جعفر بن بشير عنه ، أو روايته عنهما ؛ لما في النجاشي وخلاصة الأقوال (5) في ترجمة الأوّل بعد «ثقة عين» «روى عن الثقات ورووا عنه» . (6) وكذا في ترجمة الثاني بعد التوثيق . (7) ومنها : كونه ممّن يروي عن الثقات ؛ فإنّه مدح وأمارة للاعتماد كماهو ظاهر . ومنها : رواية عليّ بن حسن بن فضّال ومن ماثله عن شخصٍ ؛ فإنّها من المرجّحات ؛ لما في ترجمته من أنّه سمع منه شيئاً كثيراً ولم يعثر له على ذلّة فيه

.


1- .منهج المقال : 61 .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 47 .
3- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 154 .
4- .ذخيرة المعاد : 37 و41 .
5- .خلاصة الأقوال : 94 / 16 .
6- .رجال النجاشي : 345 / 933 ؛ خلاصة الأقوال : 156 / 101 .
7- .رجال النجاشي : 119 / 304 .

ص: 107

من يكثر الرواية عنه ويفتى بها

كثرة رواية الثقة عن شخص مشترك الاسم وإكثاره

اعتماد شيخ على شخص

اعتماد القمّيّين أو روايتهم عنه

ولا ما يَشينه ، وقلَّما روى عن ضعيف . (1) ومنها : كونه ممّن يكثر الرواية عنه ويفتى بها ؛ فإنّه أمارة الإعتماد عليه . وعن المحقّق اعترافه به في ترجمة السكوني . (2) ومنها : كثرة رواية الثقة عن شخص مشترك الاسم وإكثاره منها ، مع عدم إتيانه بما يميّزه عن الثقة ؛ فإنّه أمارة الإعتماد عليه ، ولا سيّما إذا كان الراوي ممّن يَطعن على الرجال بروايتهم عن المجاهيل . ومنها : اعتماد شيخ على شخص ، وهو أمارة الإعتماد عليه كما في عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ؛ حيث اعتمد عليه أبو عمرو الكشّي كما عن رجال النجاشي (3) وخلاصة الأقوال (4) . وإذا كان المعتمد _ بالكسر _ عليه جمع منهم فهو بمرتبة معتدّ بها من الإعتماد ، بل وربما يشير إلى الوثاقة . ومنها : اعتماد القمّيّين أو روايتهم عنه ؛ فإنّه من أمارات الإعتماد بل الوثاقة ؛ فإنّ ذلك الإعتمادَ ممّا لا يتأتّى مع عدم علمهم بالوثاقة ، مع أنّهم كانوا يقدحون بأدنى شيء ، كما أنّهم غمزوا في أحمد بن محمّد بن خالد _ مع ثقته وجلالته _ بأنّه يروي عن الضعفاء ، بل بعّده أحمد بن محمّد بن عيسى عن قُمَّ ثمّ أعاده إليها واعتذر إليه . ويقوى الإعتمادُ والوثاقة إذا كان المعتمِد أحمدَ بن محمّد بن عيسى المذكورَ ؛ لكثرة غمزه في الرواة بل والأجلّة ، وطعنِه فيمن يروي عن الضعفاء ، وأخرج جمعاً من قم لذلك .

.


1- .خلاصة الأقوال : 94 / 16 .
2- .رجال النجاشي : 257 / 676 .
3- .نقل قول المحقّق في تعليقة الوحيد على الرجال الكبير فيترجمة السكوني ، وأيضاً وثّقه في المعتبر في شرح المختصر 1 : 252 .
4- .رجال النجاشي : 259 / 678 .

ص: 108

أن تكون رواياتها كلّها أو جلّها مقبولةً أو سديدة

وقوعه في سند حديثٍ اتّفق الكلّ أو الجلّ على صحّته

«معتمد الكتاب»

ويقرب من ذلك اعتمادُ ابن الغضائري أحمدَ بن الحسين بن عبيد اللّه _ شريك النجاشي في القراءة _ على أبيه : أبي عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه (1) ، وعن المجمع أنّه شيخ الشيخ والنجاشي (2) ، وروايتُه عنه ؛ لشدّة احتياطه بحيث كان يطعن في كثير من الأجلّة . ولعلّ الظاهر قصور هذا عن إفادة الوثاقة المصطلحة ؛ فتدبّر . نعم ، ظهوره في الوثاقة بالمعنى الأعمّ ممّا لا شبهة فيه . ومنها : أن تكون رواياتها كلّها أو جلّها مقبولةً أو سديدة . ومنها : وقوعه في سند حديثٍ اتّفق الكلّ أو الجلّ على صحّته ، بل أُخذ ذلك دليلَ الوثاقة كما في محمّد بن إسماعيل بَنْدِفر ؛ فإنّ المحكيّ عن الشهيد الثاني دعوى إطباق أصحابنا على الحكم بصحّة حديثه إلاّ ابن داود . (3) ومثله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزّاز المعروف بابن عبدون الواقعُ في طبقة الشيخ والنجاشي ، فعن البلغة : أنّ المعروف بين أصحابنا عدّ حديثه في الصحيح . (4) والتحقيق أنّ العادّ إن كان من أهل الإصطلاح الجديد ، وكان جملةً كثيرة منهم ، حصل الظنّ القويّ بالوثاقة المصطلحة ، وإلاّ فالوثاقة بالمعنى الأعمّ . ومنها : قولهم : «معتمد الكتاب» ، وربما جُعل ذلك مقامَ التوثيق من أصحابنا كما عن صاحب الرجال الكبير في حفص بن غياث (5) . (6)

.


1- .كما يظهر من رجال الطوسي : 470 / 52 .
2- .مجمع الرجال 2 / 182 .
3- .منهج المقال : 284 .
4- .بلغة المحدّثين : 328 هامش رقم 1 .
5- .أي من عدّ حديثه في الصحيح .
6- .منهج المقال : 220 .

ص: 109

«بصير بالحديث والرواية»

«صاحب فلان»

«مولى فلان»

«فقيه من فقهائنا»

«فاضل ديّن»

وفيه تأمّل واضح ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه . نعم يدلّ على المدح . ومنها : قولهم : «بصير بالحديث والرواية» ، فإنّه من أسباب المدح . ومنها : قولهم : « صاحب فلان» ، أي واحد من الأئمّة . وفيه إشعار بالمدح ؛ لإشعار إظهار أهل الرجال ذلك بكونه ممّن يعتنى به ويعتدّ بشأنه . وعن بعضٍ بأنّه يزيد على التوثيق . ووهنه ظاهر ؛ فإنّ الظاهر من «الصاحب» أنّه أدرك صحبة الإمام ، وذلك أمر عامّ لا دلالة فيه على خصوص الحُسْن . ومنها : قولهم : «مولى فلان» ، أي واحد منهم عليهم السلام . وحاله كالسابق . ومنها : قولهم : «فقيه من فقهائنا» . وهو يفيد الجلالة بلا شبهة . قال في التعليقة : ويشير إلى الوثاقة ، والبعض _ ولعلّ الأكثر _ لا يعدّه من أمارتها ؛ إمّا لعدم الدلالة عنده ، أو لعدم نفع مثل تلك الدلالة ، وكلاهما ليس بشيء ، بل ربّما يكون أنفعَ من بعض توثيقاتهم ؛ فتأمّل . (1) وأنت خبير بوضوح عدم دلالة نفس اللفظ إلاّ على كونه إماميّاً فقيهاً . نعم ، المدح بذلك يفيد أنّه ممّن يعتدّ بشأنه ؛ فتدبّر . وأضعف منه بمراتبَ قولهم : «فقيه» . ومنها : قولهم : «فاضل ديّن» ، وهو ممّا يفيد الإعتماد عليه . والديّن أعمُّ من أن يكون في المذهب الحقّ أو في غيره كما يظهر من ترجمة

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 51 .

ص: 110

قولهم : «أوجه من فلان» و«أصدق منه» و«أوثق منه»

«شيخ الطائفة» وأمثاله

توثيق ابن فضّال وابن عقدة

الحسن بن عليّ بن فضّال (1) . ومنها : قولهم: «أوجَهُ من فلان» و«أصدق منه» و«أوثق منه»، فإنّه بنفسه يفيد الإعتماد عليه، ولاسيّما إذا كان فلان وجيهاً أو صادقاً أوثقة، بل الأخير على هذا دالّ على كمال الوثاقة ، بل عند جهل المفضَّل عليه تدلّ العبارة على مدحه أيضاً . وذلك كما في الحسين بن أبي العلاء ؛ حيث قال أحمد بن الحسين الغضائري : هو مولى بني عامر وأخواه عليّ وعبد الحميد روى الجميع عن أبي عبد اللّه عليه السلام وكان الحسين أوجهَهُم مع كون عبد الحميد ثقة» . (2) ومنها : قولهم : «شيخ الطائفة » وأمثاله . قال في التعليقة : إشارتها إلى الوثاقة ظاهرة ، مضافةً إلى الجلالة ، بل أولى من الوكالة وشيخيّة الإجازة وغيرهما ممّا حكموا بشهادته على الوثاقة ، سيّما بعد ملاحظة أنّ كثيراً من الطائفة ثقات وفقهاءُ وفحول أجلّة . وبالجملة : كيف يرضى منصف بأن يكون شيخ الطائفة في أمثال المقامات فاسقاً ؟! (3) أقول : ولاسيّما بعد ملاحظة عدم ذكره غالباً إلاّ في حقّ أمثال الشيخ والكليني والصدوق وأضرابهم ، وعلى هذا يكون واضحَ الدلالة على الوثاقة ، بل يمكن دعوى أظهريّته بالنسبة إلى قولهم : «ثقة» . ومنها : توثيق ابن فضّال وابن عقدة أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد من الواقفيّة والزيديّة وقد أشرنا إلى الحال في توثيقهم

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 51 .
2- .قال الفضل بن شاذان لأبيه فيه : هذا ذاك العابد الفاضل ؟ قال : هو ذاك ، راجع : اختيار معرفة الرجال : 515 / 993 ، ورجال النجاشي : 34 / 72 .
3- .رجال النجاشي : 52 / 117 .

ص: 111

توثيق العلاّمة وابن طاووس

توثيقات إرشاد المفيد

في شرح الثقة . (1) ومنها : توثيق العلاّمة وابن طاووس . وعن الشيخ محمّد : التوقّفُ في توثيقات الأوّل . (2) وعن الشهيد (3) وصاحب المعالم : (4) التوقّفُ في توثيقاتهما . وعن المجلسي الإعتراضُ عليهم بأنّ العادل أخبر بالعدالة أو شهد بها ، فلابدّ من القبول . (5) وأقول : بعد ما كان المدار على الظنّ _ كما هو الحقّ والمحقَّق _ فلا فرق بين توثيق مثل العلاّمة أو القدماء ، وقصرُ توثيقهم في توثيقات القدماء غير ظاهر بل ربّما يكون الظاهر خلافَه كما يظهر من غير واحد من التراجم ، مع أنّ ضرر القصر أيضاً غير واضح ، قاله فريد دهره في التعليقة (6) . ومنها : توثيقات إرشاد المفيد . قال في التعليقة : «وعندي أنّ استفادة العدالة منها لا تخلو من تأمّل ، كما لا يخفى على المتأمّل في الإرشاد في مقامات التوثيق . نعم ، يستفاد منه القوّة والإعتماد» . (7) أقول : وفيما ذكره رحمه الله تأمّل ؛ فإنّ كلمة «ثقة» في كلام النجاشي 8 ونحوِه من مقاربي العصرِ مع المفيد إذا حملت على العدالة المصطلحة بظنّ حصول

.


1- .المصدر .
2- .قد تقدّم في ص 77 .
3- .استقصاء الاعتبار 3 : 27 .
4- .الرعاية في علم الدراية : 180 .
5- .روضة المتّقين 14 : 17 _ 18 .
6- .فوائد الوحيد البهبهاني : 52 .
7- .في «ألف» : «الكشّي» .

ص: 112

رواية الثقة الجليل عن غير واحد

رواية الثقة أو الجليل عن أشياخه

الإصطلاح الخاصّ فيه ، فما العذر عن عدم حمل كلامه عليه ؟ غاية الأمر توثيقه غيرَ الإمامي أو توثيقه مَن وقع التصريح بضعفه وكلاهما غير ضائر كما في سائر التوثيقات ؛ فتدبّر . ومنها : رواية الثقة الجليل عن غير واحد ، أو عن رهط مطلقاً ، أو مقيّداً بقولهم : «من أصحابنا» . وفي التعليقة : «إنّ هذه الروايةَ قويّة غايةَ القوّة ، بل وأقوى من كثير من الصحاح ، وربما يعدّ من الصحاح بناءً على أنّه يبعد أن لا يكون فيهم ثقة . وفيه تأمّل» (1) . (2) وقال المحقّق الشيخ محمّد : «إذا قال ابن أبي عمير : عن غير واحد عدّ روايته في الصحيح حتّى عند من لم يعمل بمراسيله» . (3) وفي المدارك : «ولا يضرّ إرسالها ؛ لأنّ في قوله : «غيرِ واحد» إشعارا بثبوت مدلولها عنده» . (4) وفي تعليله تأمّل . وأقول : إن كان ذلك الثقة ممّن عرف من حاله تركُ الرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، كان ما قوّاه قويّاً ، وإلاّ ففيه تأمّل واضح ، إلاّ أن يدّعى تعدّد الرواية بتعدّد الواسطة ، فيوجب ذلك قوّة فيها ؛ فإنّه لا أقلّ من كونهم ضعفاءَ ، ويقوِّي رواية الضعيف بالاعتضاد . لكن فيه تأمّل واضح . ومنها : رواية الثقة أو الجليل عن أشياخه . فإن علم أنّ فيهم ثقةً ، فالظاهر صحّة الرواية ؛ لإفادة هذه الإضافة العمومَ ، وإلاّ

.


1- .قيل في وجه التأمّل : إنّ المدار على الظنّ وهو لا يحصل من مجرّد الاستبعاد .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 53 .
3- .استقصاء الاعتبار 2 : 76 .
4- .مدارك الأحكام 1 : 152 بتفاوت يسير .

ص: 113

ذكر الجليل شخصا مترضّيا أو مترحّما عليه

الراوي فى نوادر الحكمة

أن يقول الثقة المعلوم : «حدّثني الثقة»

فإن علم أنّهم مشايخ الإجازة فيعرف الحال ممّا سبق في شرح العبارة ، وإلاّ فهي في غاية القوّة مع احتمال الصحّة لبعد الخلوّ عن الثقة . ورواية حمدويه عن أشياخه من قبيل الأوّل ؛ لأنّ من جملتهم العبيديَّ (1) ، وهو ثقة . ومنها : ذكر الجليل شخصاً مترضّياً أو مترحّماً عليه . ودلالته على حسنه _ بل وجلالتِه _ ظاهرة ، بل يمكن دعوى دلالته على الوثاقة كما هو المستفاد منه في عرفنا . ومنها : أن يروي عن رجل محمّد بن أحمد بن يحيى ولم يكن من جملة ما استثنوه . فإنّه من أمارة الإعتماد عليه ، وربما يكون أمارةَ الوثاقة ؛ فإنّ هذا الرجل قالوا في حقّه : ما عليه في نفسه طعنٌ في شيء إلاّ أنّ أصحابنا قالوا : إنّه كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمّن أخذ . وعن النجاشي : وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من روايته ما رواه عن جمعٍ يزيد على عشرين . (2) وستعرف أنّ تضعيف القمّيّين وإن كان ممّا يُتأمّل في كونه قدحاً _ وقد أشرنا إليه في الجملة _ لكن عدم استثنائهم دالّ على كمال الوثاقة . ومنها : أن يقول الثقة المعلوم : «حدّثني الثقة» ولم يبيّنه باسمه حتّى يتفحّص عنه . وفي إفادته التوثيقَ المعتبر خلاف معروف وحصول الظنّ منه ظاهر . وتأَمَّل القائل بالاعتبار من باب الشهادة ، ووجهه واضح ؛ لكونها شهادةً على مجهول . وأمّا المعتبِر من باب الظنّ ، فوجه تأمّله أنّ الأصل هو العلم وعند تعذّره يكتفى بالظنّ الأقرب وهو الحاصل بعد الفحص كما أومأنا إليه في الاكتفاءبتصحيح الغير

.


1- .وهو محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين .
2- .رجال النجاشي : 348 / 939 .

ص: 114

أن يكون الراوي ممّن ادُّعي اتّفاق الشيعة على العمل برواياته

وقوع الرجل في السند الّذي حكم العلاّمة بصحّته

وعدمه. ولكن بعد اعتبار الظنّ لا يبقى مَساق لذلك إلاّ عند تمكّن الفحص . وأمّا عند عدمه فلا ، كما هو الحال في التوثيقات وسائر الأدلّة والأمارات الإجتهاديّة . وقد قرّر في محلّه أنّ المكلّف به _ بعد ما صار الظنّ يكتفى بأوّل درجاته ، وإلاّ لزم العسر والحرج أو غيره من المفاسد ، لعدم إمكان تعيين مرتبة _ يحكم بلزوم وصول الظنّ إليها . غاية الأمر أن يقال : إنّ المعتبر هو ظنُّ المجتهد لا ظنّ مطلق الظانّ ، وفي المقام لا فرق بين المجتهد وغيره ، فالأصل عدم الإعتبار . ويمكن الجواب عنه _ على مذاق بعض _ بدوران الأمر بين المحذورين : وجوبِ العمل بذلك الخبر ، وحرمتِه ، والرجحانُ للوجوب بظنّ عدالة راويه . وعلى مذاقنا بأنّ العنوان هو الخبر المعتمد ، حصل الإعتماد بأيّ نحو ، فلا يهمّنا بعد إثبات اعتبار ذلك من التعرّض لكلّ واحدٍ واحدٍ من أمارات الظنّ بالصدور وإثبات حجّيّتها ؛ فتدبّر . ومنها : أن يكون الراوي ممّن ادُّعي اتّفاق الشيعة على العمل برواياته مثل السكوني ، وحفص بن غياث ، وأضرابهما من العامّة ، ومثل بني فضّال والطاطريّين من غير العامّة فعن عُدّة الشيخ نقل عمل الشيعة بما رووه . (1) ولا ينبغي الريب في إفادته الإعتماد . وربّما ادّعى بعضٌ ثبوتَ الموثّقيّة من نقل الشيخ هذا . وربما يُعترض عليه بأنّ الإجماع على العمل بالرواية لا يقتضي التوثيق . ويُردّ ببُعد الإجماع المذكور مع عدم كون الراوي بنفسه ثقةً . وكيف كان ، ظهور ذلك في الوثاقة بالمعنى الأعمّ واضح وهو كافٍ في المقام . ومنها : وقوع الرجل في السند الذي حكم العلاّمة بصحّته . وذلك _ بعد ثبوت الإصطلاح الجديد منه في أوّل الأمر أو من شيخه _ واضح ،

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 150 .

ص: 115

أن يُنقل نصّ غير صحيح في مدحه وجلالته

أن يكون الراوي من آل أبي الجهم

كونه من آل نعيم الأزدي ، ومن آل أبي شعبة

أن يذكره النجاشي أو مثله ولم يطعن عليه

فلا حاجة في جعله أمارة على التوثيق إلى الإكثار . ومنها : أن يُنقل نصّ غير صحيح في مدحه وجلالته ؛ فإنّ المظنون تحقّقه فيه . وإذا تأيّد مثل هذا الحديث باعتداد المشايخ ونقلهم إيّاه في مقام بيان حال الرجل وعدم إظهار تأمّل فيه ، الظاهرِ في اعتمادهم عليه قوي الظنّ ، بل يمكن أن يدّعى كون الظنّ الحاصل منه بالاعتماد والوثوق أقوى غالباً من الظنون الحاصلة من التوثيقات . ولو كان راويه نفسَ ذلك الراوي ، ضعف الظنّ جدّاً للتهمة إلاّ أن يقترن بما يزيلها . ومنها : أن يكون الراوي من آل أبي الجهم ؛ لما في رجال النجاشي في منذر بن محمّد بن أبي الجهم : «ثقة من أصحابنا من بيت جليل» (1) فتأمّل . ومنها : كونه من آل نعيم الأزدي (2) ، ومن آل أبي شعبة (3) ؛ لما ذكر في تراجم بعضهم . وغاية الأمر إفادة أمثال ذلك مدحاً (4) لا يعتدّ به . ومنها : أن يذكره النجاشي أو مثله ولم يطعن عليه . فإنّه ربما يجعل سبب قبول روايته كما في الحكم بن مسكين (5) . ولعلّ وجهه ما نقلناه عن جمع في لفظ «ثقة» ، وقد عرفت وهنه بنفسه . نعم ، لو لوحظ ما ذكره في أوّل كتابه من أنّه ألّفه لذكر سلف الإماميّة _ رضوان اللّه عليهم _ ومصنّفاتهم (6) _ كما حكى _ دلّ عدم ذكر الطعن في المذهب على أنّه من الإماميّة بتلك القرينة . وأمّا قبول الرواية فلا يتمّ إلاّ بعد تماميّة العلّة المذكورة الضعيفة .

.


1- .رجال النجاشي : 418 / 1118 .
2- .المصدر : 108 / 273 .
3- .المصدر : 230 / 612 .
4- .في «ب» اضافة : «ما» .
5- .منهج المقال : 123 .
6- .رجال النجاشي : 3 .

ص: 116

أن يقول العدل : «حدّثني بعض أصحابنا»

ولعلّ ذلك هو السرّ في كلام الرواشح ؛ حيث صرّح فيه بأنّ عدم ذكر النجاشي كونَ الرجل عامّيّاً في ترجمته ، يدلّ على عدم كونه عامّيّاً عنده (1) ، وفي تصريح جماعة بأنّ «ثقة» في كلام النجاشي عبارة عن الإمامي العادل بفهم الإماميّة ممّا صرّح به في أوّل الكتاب وما عداه من اللفظ . وكذا الكلام لو لم يتعرّض الشيخ في الفهرست لإشارة إلى مخالفة في المذهب ، لَما صرّح به في أوّله من أنّه فهرست كتب الشيعة أُصولهم وأسماء المصنّفين منهم . (2) بل عن الحاوي أنّ إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضي كونه إماميّاً ، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه من أصحابنا وشبهه ، ولو صرّح كان تصريحاً بما علم من العادة . نعم ، ربّما يقع نادراً خلاف ذلك ، والحمل على ما ذكرناه عند الإطلاق متعيّن . (3) انتهى . وهو جيّد لو ثبت ذلك من حالهم أو بتنصيصهم أو استقراء مفيد للظنّ أو غير ذلك لا مطلقاً . ومنها : أن يقول العدل : «حدّثني بعض أصحابنا» . وعن المحقّق أنّه يقبل وإن لم يصفه بالعدالة إذا لم يصفه بالفسق ؛ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول ، فإن قال : «عن بعض أصحابه» لم يقبل ؛ لإمكان أن يغني نسبته إلى الرواة وأهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول . (4) انتهى .

.


1- .الرواشح السماويّة : 68 ، الراشحة السابعة عشر .
2- .الفهرست : 2 .
3- .حاوي الأقوال 1 : 107 .
4- .معارج الأُصول : 151 .

ص: 117

[ اصطلاحات الذمّ ]

«قريب الأمر»

«ضعيف»

أقول : استفادة الإماميّة عن اللفظ ظاهرة ، وأمّا القبول فدائر مدارَ أنّ العدالة شرط في قبول الخبر أو الفسقَ مانع عنه ، وصريح كلامه هنا هو الثاني ، ومقتضى ما نُقل عنه من جعل التوثيق من باب الشهادة الأوّلُ والتنافي بينهما واضح . اللهمّ إلاّ أن يحمل ما هنا على شرط قبول الرواية بمعنى أنّه يكتفى في المقام بالظنّ الحاصل مع عدم معلوميّة الفسق سواء كان مسبّباً عن غلبة الصدق أو من ارتكاز حمل فعل المسلم وقولِه على الصحّة في الأذهان ، ويحملَ ما هناك على التوثيق النافع في الشهادات والمرافعات ونحوهما حتّى يرتفع التنافي ، فتدبّر جدّا .

[ اصطلاحات الذمّ ]ومن الإصطلاحات ما يدلّ على الذمّ . منها : قولهم : «قريب الأمر» . وقد أشرنا إلى ما هو الظاهر منه . ومنها : قولهم : «ضعيف» . وعن الأكثر أنّهم يفهمون منه القدح في نفس الرجل ويحكمون به لسببه وضعّفه في التعليقة بما ذكره في ترجمة داود بن كثير وسهل بن زياد ونحوهما ممّن قيل فيه ذلك . (1) والحاصل : أنّ أسباب الضعف عند القدماء كثيرة : ككونه فاسقاً كاذباً أو كثيرَ الإرسال أو كثيرَ الرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، أو كونِه قليلَ الحفظ وسَوْءَ الضبط ، وروايةِ الحديث من دون إجازة ، أو عمّن لم يَلْقَه ، أو كونِه مورداً للروايات التي ظاهرها الغلوّ أو التفويض أو الجبر أو التشبيه ، أو كان الضعفاء

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : ص 37 .

ص: 118

«ضعيف الحديث»

«كان من الطيّارة» و«من أهل الارتفاع» وأمثالهما

وفاسدو العقيدةِ كثيري الروايةِ عنه ونحو ذلك . وكما أنّ تصحيحهم غير مقصور على العدالة فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق ، وغير خفيّ ذلك على من تأمّل وتتبّع ، وأنّ كثيراً من أمثال ما ذكر ليس منافياً للعدالة ، فإن عُلم أنّ سبب التضعيف غير الفسق ، فلا يضرّ ذلك التضعيف ، وإن شكّ اقتصر على أنزل المراتب ، ويثمر أيضاً فيما لو قال أحدهما : «ثقة» والآخر : «ضعيف» فإنّه حينئذٍ ليس جرحاً مصادماً للتوثيق إلاّ إذا علم أنّ السبب فيه هو الفسق . ومنها : قولهم : «ضعيف الحديث» . ولا دلالة فيه على القدح في الراوي إلاّ التزاماً . وعن والد المجلسي أنّ الغالب في إطلاقاتهم ذلك أنّه يروي عن كلّ أحد . (1) والحاصل : أنّ العبارتين حالهما كحال قولهم : «ثقة» و«ثقة في الحديث» ودلالة الأخيرتين على المدح أو الذمّ أضعف من دلالة الأُوليين عليهما . ومنها : قولهم : «كان من الطيّارة» و«من أهل الارتفاع» وأمثالهما . والمراد _ على ما صرّح به جمع _ أنّه كان غالياً . قال في التعليقة : واعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء _ سيّما القمّيّين منهم وابن الغضائري _ كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم السلام منزلةً خاصّة من الرِفْعة والجلالة ، ومرتبةً معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وماكانوا يجوّزون التعدّيَ عنها ، وكانوا يعدّون التعدّيَ عنها ارتفاعاً وغلوّاً على حسب معتقَدهم ، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلقَ التفويض ، أو التفويضَ الذي اختلف فيه ، أو المبالغةَ في معجزاتهم ونقل خوارق العادة عنهم ، أو الإغراقَ في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ،

.


1- .نقله عن الوحيد في فوائده : 28 .

ص: 119

وإظهارِ كثير قدرة لهم ، وذكرِ علمهم بمكنونات السماء والأرض _ ارتفاعاً ، أو مُورِثاً للتهمة سيّما بجهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، مخلوطين بهم ، مدلّسين . وبالجملة : الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصوليّة أيضاً ، فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غيرَ ذلك وكان عند آخَرَ ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك . فكان منشأ جرحهم بالأُمور المذكورة وجدانَ الرواية الظاهرةِ فيها منهم ، أو ادّعاءَ أرباب المذاهب كونَه منهم أو رواياتهم عنه . وربما كان المنشأ روايةَ المناكير عنه ، إلى غير ذلك . فعلى هذا ربما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة . (1) انتهى . وأنت خبير بأنّ أمثال تلك الإحتمالات ممّا لا ضير فيه حينما يقولون : «فلان ضعيف» أو «ضعيف الحديث» ونحو ذلك ممّا يوجب عدم الوثوق برواياته ؛ لكونه متّهماً مثل الإخراج من البلد ونحو ذلك ، حثّاً على حفظ أخبار الأئمّة من التبديل والتغيير والزيادة والنقيصة ، وبقائها على صحّتها والإعتماد عليها . وأمّا نسبة الغلوّ وسائرَ الأديان الباطلة والمذاهب الفاسدة فممّا لا يصحّ صدورها من مسلم إلاّ بعد الثبوت ، ولا يكتفى فيها بمجرّد وجدان الرواية الظاهرة منهم ونحو ذلك ، فضلاً عن مثل هؤلاء الصلحاء والعلماء الآخذين أُصولَهم وفروعَهم من آثار الأئمّة عليهم السلام مع كونهم محتاطين متورّعين غايةَ الورع ، والورعُ الحقيقي كما يمنع المتّصف به عن أخذ ما لايتيقّنه كذا يمنعه عن نسبة ما لايتيقّنها . وبالجمله : لعلّ ذلك ممّا لا تأمّل فيه . نعم ، لو قالوا : «فلان غالٍ لنفي السهو» أو لنحوه ، لم يكن بهذا القدح عبرةٌ عند مَن ليس هذا بغلوّ عنده . وأمّا عند الإطلاق كقولهم : «غالٍ» أو «فاسد المذهب» أو نحو ذلك ، فلا وجه للتوهين بمجرّد هذه الإحتمالات الموجبة لرفع الوثوق من

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 38 .

ص: 120

«مضطرب الحديث» و«مختلط الحديث» و

«كذّاب ، وضّاع»

«مختلط» و«مخلّط»

توثيقهم أيضاً ؛ فتدبّر . وبما ذكرنا يظهر ما في مقالته أخيراً من أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى وابنَ الغضائري ربما ينسبان الراويَ إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلوّ ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه ، ولا يخفى ما فيه ، وربما كان غيرهما أيضاً كذلك . (1) انتهى . ومنها : قولهم : «مضطرب الحديث» و«مختلط الحديث» و«ليس بنقيّ الحديث» و«يُعرف حديثه ويُنكر» و«غُمز عليه في حديثه» أو «في بعض حديثه» أو «ليس حديثه بذلك النقيّ» وأمثالها . وهذه ليست بظاهرة في القدح في العدالة ؛ لجواز الإجتماع ، فبمجرّد ذلك لا تندرج الرواية _ التي في سندها واحد منهم _ في الضعيف المصطلح . نعم ، يوجب المرجوحيّةَ بل قد يوجب الإكثارُ من مثل هذا الذمّ رفعَ الوثوق بكون روايته من المعصوم . وبالجملة : أمثال هذه قدح ظاهر في نفس الرواية لا في نفس الراوي ، فلا منافاة بين قولهم : «فلان ثقة» و«مضطرب الحديث» . ومنها : قولهم : «كذّاب وضّاع» . ودلالتهما على القدح في نفس الراوي ، الموجبِ لضعفه على الإصطلاحين واضحة . ويقرَبهما قولُهم : «مُنكَر الحديث» و«متروك الحديث» و«متّهم» و«ساقط» و«لاشيء» و«ليس بشيء» ونحو ذلك . ومنها : قولهم : «مختلط» و«مخلّط» . وعن بعض أنّ أمثاله أيضاً ظاهرة في القدح ؛ لظهوره في فَساد العقيدة .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 39 .

ص: 121

«ليس بذلك» أو «بذاك»

ونظّر فيه في منتهى المقال قائلاً : إنّ المراد بأمثال هذين اللفظين مَن لا يبالي عمّن يروي وممّن يأخذ ، وهذا ليس طعناً في نفس الرجل ، ثمّ تمسّك باستعمالات المخلّط فيمن هو سالم العقيدة وكذا المختلط ، وباستعمالات الثاني في خصوص المعنى الذي اختاره كقول النجاشي في محمّد بن أُورمة : «كُتُبه صِحاح إلاّ كتاباً يُنسب إليه من ترجمة تفسير الباطن فإنّه مختلط» ونحوِ ذلك . لا يقال : الأصل ما قلناه إلى أن يظهر الخلاف بلا خلاف ؛ لأنّ الكلمتين مأخوذتان من الخلط وهو الخبط أي المزج ، والأصل بقاؤهما على معناهما الأصلي إلى أن تتحقّق حقيقةٌ ثانية . (1) أقول : الظاهر ثبوت الحقيقة الثانية في المقام ؛ حيث إنّهم كثيراً مّا ينسبون التخليط إلى الرجل من دون تقييد ، وكذا ينسبون إليه بالنسبة إلى رواياته ، فاختلاف التعبير دالّ على اختلاف المعنى بل يظهر من ملاحظة جملة من عبارات العُدّة أنّهم اعتبروا التخليط في مقابل الإستقامة ، فيقولون لمختلف الحال بفساد العقيدة وصحّتها : انّه حالَ الإستقامة كذا وحالَ التخليط كذا ، مضافاً إلى جواز كونه مأخوذاً من قولهم : «اختلط : إذا فسد عقله» فإذن الظاهر لعلّه ماادّعاه ذلك القيل ؛ فتدبّر . ومنها : قولهم : «ليس بذلك» أو «بذاك» . وفي التعليقة : وقد أخذه خالي ذمّاً . ولا يخلو من تأمّل ؛ لاحتمال أن يراد أنّه ليس بحيث يوثق به وثوقاً تامّاً ، وإن كان فيه نوعُ وثوقٍ من قبيل قولهم : «ليس بذلك الثقة» ولعلّ هذا هو الظاهر فيشعر على نوع مدح ؛ فتأمّل . (2) وأقول : مقتضى التتبّع في المحاورات إطلاق هذه اللفظة في دفع الإغراق

.


1- .منتهى المقال 1 : 122 _ 120 .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 43 .

ص: 122

الرمي بالتفويض

والمبالغة ، سواء كان في المدح أو الذمّ أو غيرهما ، فالمراد منه أنّ اتّصافه في الوصف المذكور له مسلّم في الجملة ، لا على القدر الذي ذُكر له بل أنقصَ منه ، فيحتاج تعيين واحد من المدح والقدح على دلالةٍ خارجيّةٍ كما في محكيّ الفهرست والخلاصة في ترجمة أحمد بن عليّ أبي العبّاس ؛ حيث قالا : «لم يكن بذلك الثقة» . (1) نعم ، في محكيّ النجاشي فيها : «قال أصحابنا : لم يكن بذاك . وقيل : فيه غلوّ وترفّع» . (2) ولعلّ فيه الدلالةَ على أنّ المراد بالمطلق نفيُ الوثوق التامّ ؛ فتدبّر . ومنها : الرمي بالتفويض . قال في التعليقة : للتفويض معانٍ لا تأمّل للشيعة في فَساد بعضها ، ولا في صحّة بعضها ، وبعضُها محلّ الخلاف . الأوّل : التفويض في الخلق كما ذهب إليه جمع ، (3) قائلين بأنّ اللّه تعالى خلق محمّد اً صلى الله عليه و آله وفوّض إليه أمر العالم فهو الخلاّق للدنيا وما فيها . وعن بعضهم تفويض ذلك إلى عليّ عليه السلام ، وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمّة عليهم السلام كما يظهر من بعض التراجم . الثاني : تفويض الخلق والرزق إليهم ولعلّه يرجع إلى الأوّل وورد فساده عن الصادق عليه السلام والرضا عليه السلام . (4) أقول : وأوضحنا بطلانه في مسألة الحقيقة الشرعيّة من الأُصول بمناسبةٍ مّا . ومن أراد التفصيل فليرجع إليه . (5) ثمّ إنّ مُفاد الأخبار الواردة في اللعن عليهم إمّا خصوص الاعتقاد بأنّهم في

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 39 .
2- .الفهرست : 72 / 91 ؛ خلاصة الأقوال : 204 / 14 .
3- .رجال النجاشي : 97 / 240 .
4- .المصدر .
5- .لم يطبع جامعه الأُصولي حتّى الآن .

ص: 123

كمال احتياجهم مباشرين لخلق مَن عداهم ، أو الأعمّ من ذلك ومن الإستقلال . وأمّا القائلون بأنّهم الربّ واللّهُ ، فهم ملعونون بكلّ لسان . الثالث : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه ممّا يطلق عليه . (1) أقول : مقتضى الحصر في قوله تعالى « نَحْنٌ قَسَمْنا بَيْنَهُم » (2) إلخ نفي ذلك التفويض أيضاً . الرابع : تفويض الأحكام والأفعال إليه صلى الله عليه و آله بأن يُثبت ما رآه حَسَناً ، ويردَّ ما رآه قبيحاً ، فيجيز اللّه إثباته وردّه مثل إطعام الجدّ السدس ، وإضافة الركعتين في الرباعيّات ، والواحدةِ في المغرب ، وتحريمِ كلّ مسكر عند تحريم الخمر إلى غير ذلك . وهذا محلّ إشكال عندهم ؛ لمنافاته ظاهرَ « وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى » (3) وغير ذلك . ولكنّ الكليني رحمه الله قائل به (4) ، والأخبار الكثيرة واردة فيه (5) ، ووُجّه بأنّها تَثبت من الوحي إلاّ أنّ الوحي تابع ومجيزٌ . (6) أقول : ذكرنا هناك سائر وجوه الإشكال في ذلك ، وأنّ ذلك ليس من التفويض حقيقة . الخامس : تفويض الإرادة بأن يريد شيئاً لحسنه ، ولا يريدَ شيئاً لقبحه كإرادة تغيّر القبلة فأوحى اللّه تعالى إليه بما أراد . السادس : تفويض القول بما هو أصلحُ له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصلي خلافَه كما في صورة التقيّة .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 39 .
2- .المصدر .
3- .الزخرف (43) : 32 .
4- .النجم (53) : 3 .
5- .الكافي 1 : 265 يستفاد رأيه من عنوان الباب كما كان دأبه رحمه الله في عناوين الأبواب .
6- .فوائد الوحيد البهبهاني : 40 .

ص: 124

الرمي بالوقف

السابع : تفويض أمر الخلق ، بمعنى أنّه أوجب طاعته عليهم في كلّ ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحّة أم لا ، بل ولو كان بحسب نظرهم ظاهراً عدمَ الصحّة بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم . (1) أقول : وهذا المعنى هو الظاهر من الأخبار المثبتة للتفويض بعد ضمّ بعضها مع بعض ، وضمّ مفصِّلها بمجملها ، ومطلقها مع مقيّدها كما لا يخفى على الناظر . قال : «وبعد الإحاطة بما ذُكر هنا وما ذكر سابقاً عليه ، يظهر أنّ القدح بمجرّد رميهم إلى التفويض أيضاً لعلّه لا يخلو عن إشكال» . (2) أقول : المعنى المنساق إلى الأذهان من لفظ التفويض هو المعنى الأوّل والثاني ، وإطلاقه على ما عداهما نادر إلاّ على ما يقوله المعتزلة من أنّ العباد مستقلّون في أفعالهم فيقال لهم لذلك : المفوّضةُ في مقابل الجبريّة . ويظهر ذلك من جملة من الأخبار المطلقة الدالّة على أن لا جبر ولا تفويض (3) ، فإذن الظاهر من اللفظ الذمّ بأيّ من المعنيين كان ، فذلك الإشكال لا يخلو عن الإشكال . ولو بنينا على رفع اليد من الظواهر باحتمال أن يكون المراد من اللفظ بعضَ المعاني المحتملة المرجوحة ، لارتفع الأمان . ومنها : رميهم إلى الوقف . وليعلم أوّلاً : أنّ الواقف من وقف على الكاظم عليه السلام ، وربما يقال لهم : الممطورة ، أي الكلاب المبتلّة من المطر ، وكأنّهم اصطلحوا على ذلك بمناسبة كمال الإحتراز عنهم ككمال الإحتراز عن تلك الكلاب . وحكي أنّ بدء الواقفة أنّه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاةُ أموالهم وغيرها ، فحملوها إلى وكيلين لموسى عليه السلام بالكوفة وكان عليه السلام في الحبس

.


1- .المصدر .
2- .فوائد الوحيد البهبهاني : 40 .
3- .انظر الكافي 1 : 159 و160 .

ص: 125

فاتّخذا بذلك دُوراً واشتريا الغلاّتِ ، فلمّا مات موسى عليه السلام وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته عليه السلاموأذاعا في الشيعة أنّه لا يموت ؛ لأنّه القائم ، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة واستبان للشيعة أنّهما إنّما قالا ذلك حرصاً على المال . وكيف كان ، ذمُّهم وتبرّي الشيعةِ عنهم بمكان لا يحتاج إلى البيان . وربما يطلق على الواقف على غيره عليه السلام أيضاً ، لكنّ المطلق ينصرف إلى الأوّل وفَهْم الغير منه يحتاج إلى القرينة ، ومن جملتها عدم إدراكه الكاظمَ عليه السلاموموتُه قبله أو في زمانه كما في سماعة بن مهران ؛ فإنّه لم يُدرك الرضا عليه السلام . فما في مثل الخلاصة من أنّه كان واقفيّاً (1) إن أُريد به معناها المتبادر فهو اشتباه ؛ فتدبّر . ومن جملتها قولهم : «واقفي لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام» كما عن الكشّي في عليّ بن حسان الهاشمي . (2) وأمّا تحقّق الوقف فيه في زمانه أو قبل زمانه ففي غاية البُعد ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكر في سبب الوقف فيه . وفي التعليقة : قال جدّي : الواقفة صنفان : صنف منهم وقفوا عليه في زمانه بأن اعتقدوا كونَه قائمَ آل محمّد ؛ وذلك لشبهة حصلت لهم ممّا ورد عنه وعن أبيه عليه السلامأنّه صاحب الأمر عليه السلام ، ولم يفهموا أنّ كلّ واحد منهم صاحب الأمر أي أمر الإمامة . ومنهم سماعة بن مهران نقل أنّه مات في زمانه وغير معلوم كفر مثل هذا الشخص ؛ لأنّه عرف إمام زمانه ولم تجب عليه معرفة الإمام الذي بعده . نعم لو سمع أنّ الإمام بعده فلان ولم يعتقد صار كافراً . (3) انتهى . وأيّده فيها بأنّ الشيعة من فرط حبّهم دولةَ الأئمّة عليهم السلام وشدّةِ تمنّيهم لدولة قائم

.


1- .خلاصة الأقوال : 227 / 1 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 452 / 851 .
3- .فوائد الوحيد البهبهاني : 41 .

ص: 126

«مولى»

آل محمّد كانوا كثيرا مّا يسألون عنه ، فربما قال واحد منهم عليهم السلام : «فلان» يعني الذي بعدُ ، وما كان يُظهر مرادَه من القائم ؛ مصلحةَ لهم وتسليةً لخواطرهم ، حتّى قال أبو الحسن عليه السلام لعليّ بن يقطين : «إنّ الشيعة تربّى بالأمانيّ منذ مائة سنة » وربما كانوا يشيرون إلى مرادهم وهم لفرط ميلهم وزيادة حرصهم لا يتفطّنون به . قال : هذا ، ولكن سنذكر في ترجمة سماعة ، ويحيى بن القاسم ، وغيرهما أنّهم رووا أنّ الأئمّة اثنا عشر ولعلّ هذا لا يلائم ما ذكره رحمه الله ، ويمكن أن يكون نسبة الوقف إلى أمثالهم لادّعاء الواقفة كونَهم منهم ؛ لإكثارهم من الرواية عنهم أو لروايتهم عنهم ما يوهم الوقف . وكيف كان فالقدح بمجرّد رميهم إلى الوقف بالنسبة إلى الذين ماتوا في زمان الكاظم عليه السلاموالذين رووا أنّ الأئمّة اثنا عشر وكذا مَن روى عن الرضا عليه السلاملا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ الواقفة ما كانوا يروون عنه . وممّا ذكر ظهر حال الناووسيّة أيضاً ولعلّ مثل لفطحيّة أيضاً كذلك . (1) انتهى . وذلك الإشكال في محلّه ، فلابدّ من الفحص عن حال مَن نُسب إلى الوقف ونحوه فإن وُجد القرائن والأمارات على أنّه ليس بالمعنى المتبادر ، وأنّ ذلك إنّما نشأ من التوهّم ، فليُعدّ من الثقات ، وإلاّ فليؤخذ بظاهر اللفظ . هذا بالنسبة إلى من لايعمل بالموثَّق ، وأمّا نحن ففي فسحة عن ذلك إلاّ في مقام الترجيح . ومنها : قولهم : «مولى» وله بحسب اللغة معانٍ معروفةٌ . وأمّا في المقام فعن الشهيد الثاني : «أنّه يطلق على غير العربي الخالص وعلى المعتق وعلى الحليف ، والأكثر في هذا الباب إرادة المعنى الأوّل .» (2) انتهى .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 41 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 389 _ 392 .

ص: 127

أن يروي عن الأئمّة رواة لا حججا

أن يكون رأيه أو روايته في الغالب موافقاً للعامّة

«كاتب الخليفة» أو «الوالي من قِبَله» وأمثالها

أقول : إنّما يتمّ ذلك في غير المضاف ، وأمّا في المضاف كقولهم : «مولى فلان» فلا وجه لهذا المعنى . وأظنّ في غير المضاف أنّ المراد بالمولى كونه من أهل العلم ويسمّونه في العجم ب «ملاّ» مشدّداً وفي العرب بمولى ؛ فتدبّر . فعلى هذا يكون من ألفاظ المدح . قال في التعليقة بعد نقل كلام الشهيد : «والظاهر أنّه كذلك إلاّ أنّه يمكن أن يراد منه النزيل أيضاً ، كما قال جدّي في مولى الجعفي . فعلى هذا لا يحمل على معنى إلاّ بالقرينة ومع انتفائها فالراجح لعلّه الأولى ؛ لما ذكرنا» . (1) أقول : في المضاف يتردّد الأمر بين المعاني الثلاثة ، فيُحتاج في التعيين إلى القرينة ولا يُحتمل فيه المعنى الأوّل ، وفي غير المضاف يتعيّن المعنى الأوّل . ثمّ أقول : الأولى عدّ هذه الكلمة و«أسند عنه» ونحوهما فيما لا يدلّ على المدح والذمّ ؛ فتدبّر . ومنها : أن يروي عن الأئمّة على وجه يظهر منه أخذهم عليهم السلام رُواةً لا حججاً ، كأن يقول : عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ، عن الرسول صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه مظنّة عدم كونه من الشيعة إلاّ أن يظهر من القرائن كونُه منهم ، وذلك إنّما صدر منه لأجل مصلحة كالتقيّة ، أو لتصحيح مضمونها عند المخالفين ، أو تأليفاً لقلوبهم واستعطافاً لهم إلى التشيّع ونحو ذلك . ومنها : أن يكون رأيه أو روايته في الغالب موافقاً للعامّة ؛ فإنّه مظنّة كونه منهم إلاّ أن يظهر خلافه . ومنها : قولهم : «كاتب الخليفة» أو «الوالي من قِبَله» وأمثالها ؛ فإنّ ظاهرها الذمّ والقدح ، ولاسيّما بملاحظة أنّ الغالب فيهم تقليد هذه الأعمال من باب التشهّي وطلب الرئاسة ، فيزيد الظنّ بكونه مقدوحاً .

.


1- .فوائد الوحيد البهبهاني : 44 .

ص: 128

«فلان كان يشرب النبيذ»

وما يُتراءى من عدم تأمّل المشهور _ على ما حكي _ في مثل يعقوب بن يزيد وحذيفة بن منصور ونحوهما من هذه الجهة ، فلعلّه لعدم مقاومتها التوثيقَ المنصوص أو المدحَ المنافي باحتمال كونها بإذنهم عليهم السلام أو تقيّةً وحفظاً لأنفسهم أو غيرهم أو اعتقاد الإباحة أو غير ذلك من الوجوه الصحيحة . إلاّ أن يقال : _ بعد ثبوت كون مقلّد هذه الأعمال من المسلمين _ لا يمكن الجزم بتحقّق هذه الأعمال منهم على وجه الفساد ، بل لا يجوز القدح بمجرّد ذلك ؛ لما تقرّر من أنّ الأصل في أعمال المسلمين الصحّة ولا عبرة بالظنّ الحاصل من الغلبة ، ولا سيّما بعد ملاحظة ما ورد منهم : «ضع أمر أخيك على أحسنه » (1) و«كذّب سمعك وبصرك ما تجد إليه سبيلاً » (2) ونحوهما . ومنها : قولهم : «فلان كان يشرب النبيذ» ، بل قد يذكر ذلك في الأجلّة أيضاً ، وفي بعضهم كانوا يأكلون الطين كما في داود بن القاسم . وكونه موجباً للقدح في غير الأجلاّء واضح إلاّ أن يلاحظ القاعدة المذكورة (3) فيحمل مثل صدور شرب النبيذ المحرّم عنهم أو عن الإجلاّء _ على فرض الثبوت _ على أنّ النبيذ لم يكن من النبيذ المحرّم كما يظهر من بعض الأخبار ، أو كانوا جاهلين بالحرمة ، أو كان ذلك في الأجلّة قبل وثاقتهم وجلالتهم ، فيكون حالهم حالَ الثقات والأجلّة الذين كانوا فاسدي العقيدةِ ورجعوا . وكذلك الكلام في الطين . ولعلّ السرّ في أنّ أهل الرجال لم يذكروا في تراجمهم أنّهم فسّاق بل ذكروا شربَهم النبيذَ وتقليدَهم كتابةَ الخليفة ونحوهما لعدم جواز الحكم بالفسق بمجرّد ذلك . واللّه أعلم .

.


1- .الكافي 2 : 362 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 302 / 3 .
2- .نفس المصادر .
3- .أي حمل فعل المسلم على الصحّة .

ص: 129

الباب الثالث : في ذكر جملة ممّا يميّز به الأسامي

اشاره

الباب الثالثفي ذكر جملة ممّا يميَّز به الأسامي والألقابُ أو الكنى المشتركةُمنها : كلّ واحد من الثلاثة إذا كان الإشتراك في الآخَر إذا كان ذلك المميّز مذكوراً في السند كما في قليل من المواضع كسند الصحيفة مثلاً . ومنها : النسبة كما لو اختلف المشتركون في واحد من الثلاثة في كون كلّ واحد مولى لمن يغاير الآخَر . ومنها : المعصوم الذي كان الراوي من أصحابه ؛ فإنّ أصحابهم مضبوطون في الرجال . ومنها : المكان . ومنها : الزمان . ومنها : الأب . ومنها : الجدّ الداني منه والعالي . ومنها : الراوي . ومنها : المرويّ عنه . والغالب في أسباب الإمتياز هو الأربعة الأخيرة وماعداها في غاية الندرة .

.

ص: 130

[ التمرين الأوّل ]

ومنها : كثرة الرواية كما لو وجدنا مَن يروي عن اثنين مشتركين في الاسم ويكون روايته عن أحدهما غالبةً ومعلوماً في الخارج عن حاله ، فتلك الغلبة تكون بمنزلة التمييز وإن لم يذكره في السند ، ولم يكن المذكور في السند إلاّ ذلك الاسم المشترك . فلو لم يكن روايته عن أحدهما غالبة بالغلبة المعتدّ بها ، بقي على إجماله من تلك الجهة ، ولو كانت غالبةً يحصل الظنّ بأنّ هذا هو ذلك . ومنها : غلبة الاستعمال غلبةً معتدّاً بها كما لو كان أحد المشتركين في الاسم معروفاً بين الرواة بحيث يكون اسمه دائراً بينهم بخلاف الآخر ونحو ذلك من القرائن والأمارات الموجبة للامتياز كما لا يخفى على المتدرّب في الفنّ والعمل . وقد ألّف بعضهم كتاباً مستقلاًّ 1 في ذلك مقسّماً له على استعلام مَن اشترك في الاسم فقط ، ومن اشترك في الاسم والأب ، ومن اشترك في الكنى والنسب والألقاب . والعجب من بعضٍ حيث لا يكتفي بتصحيح الغير ، ويكتفي بتميّزه مع كونهما من باب . وكيف كان ، فالحريّ بنا الآن أن نباشر لتصحيح سندٍ أو سندين تمريناً على العمل ؛ فإنّ مجرّد العلم غالباً لا يكفي في إتقان العمل ، فنقول :

[ التمرين الأوّل ]قال في الكافي في أوائل كتاب الحجّة : محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام . (1) انتهى .

.


1- .الكافي 1 : 188 / 15 .

ص: 131

[ تعيين محمّد بن إسماعيل ]

والظاهر أنّ الكليني رحمه الله يروي عن محمّد بلا واسطة . فأمّا الكليني رحمه الله فأمره أوضحُ من أن يبيّن .

[ تعيين محمّد بن إسماعيل ]وأمّا محمّد بن إسماعيل فبعد ما راجعنا إلى كتب الرجال وجدناه مشتركاً بين محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ، ومحمّدِ بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني الثقة الملاقي لأصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومحمّدِ بن إسماعيل البرمكي _ المعروف بصاحب الصومعة الذي وثّقه النجاشي (1) وضعّفه ابن الغضائري (2) _ ، ومحمّدِ بن إسماعيل الرازي الذي في التعليقة أنّه هو البرمكي (3) ، والظاهر من بعضهم التعدّد وأنّه يروي عن أبي جعفر الثاني عليه السلامبواسطةٍ واحدة ، ومحمّدِ بن إسماعيل بن بزيع من رجال أبي الحسن موسى وأدرك أبا جعفر الثاني ، ومحمّدِ بن إسماعيل النيسابوري الذي يدعى بندفرّ ، وعدّةٍ أُخرى من المجاهيل . كلّهم أحد وعشرون أو اثنان وعشرون رجلاً ، وفي محكيّ المنتقى اثنا عشر رجلاً . 4 فاحتجنا إلى التمييز ، فلم نجد فيه من الوجوه المميّزة إلاّ الراويَ والمرويَّ عنه والقرائنَ الرجاليّة ، بعد العلم بأنّ ذلك ليس هو الأوّلَ والثانيَ . فعن جماعة أنّه ابن بزيع ؛ لأنّ الإطلاق ينصرف إليه ووجودِ التصريح به في بعض الأسناد . ولعلّه وَهَمٌ . ولنقدّم ما يستفاد من الرجال ثمّ نبيّن وجه الوهم . قال الكشّي _ على ما حكي _ : «إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من رجال

.


1- .رجال النجاشي : 341 / 915 .
2- .مجمع الرجال 5 : 152 .
3- .في منتقى الجمان 1 : 43 أنّ محمّد بن إسماعيل مشترك بين سبعة رجال .

ص: 132

أبي الحسن موسى وأدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام» (1) وظاهر هذا الكلام فوته في زمان الجواد عليه السلامومولده عليه السلام في سنة خمس وتسعين ومائة ، ووفاته عليه السلام سنة عشرين ومائتين ، ووفاة الكليني رحمه الله إمّا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة كما عن النجاشي ، (2) أو في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة كما عن الشيخ (3) ، ومولده رحمه اللهغير معلوم التأريخ . وأمّا الفضل بن شاذان فروى عن أبي جعفر الثاني وقبله عن الرضا عليه السلاموكانت وفاته في زمن العسكري عليه السلام . وعن الكشّي أنّ وفاته كانت قبل شهرين من وفاة مولانا العسكري ، ووفاته عليه السلام في سنة ستّين ومائتين (4) ، ومولد الحجّة المنتظر _ عجل اللّه فرجه _ سنة خمس وخمسين ومائتين أو ثمان وخمسين ومائتين ، وسنّه يوم وفاة العسكري كان خمسَ سنين ، وكان مدّة الغيبة الصغرى أربعاً وسبعين سنة . وأوّل غيبته الكبرى سنة ثمان أو تسع وعشرين وثلاثمائة ، سنةَ وفاة عليّ بن محمّد آخِر نوّابه ، فيصادف وفاة الكليني رحمه الله أوّل الغيبة الكبرى . إذا عرفت هذا فاعلم أنّ رواية الكليني رحمه الله الظاهر عن محمّد بن إسماعيل في غاية الكثرة من أوّل الكافي إلى آخره حتّى روى فيه عنه _ على ما قيل _ ما يزيد على خمس مئة . وكون ذلك بالإرسال ممّا لا يخلو عن تدليس ، بل الظاهر من بعض الطرق المذكورة في الكتب _ حيث إنّ المذكور فيه : «حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل » _ أنّه يروي عنه سماعاً ، فإذن كون ذلك ابنَ بزيع يتوقّف إمّا على وجود الكليني في زمن الجواد عليه السلامبحيث يكون حينئذٍ قابلاً لتصنيف الكافي ، وإمّا على بقاء ابن بزيع إلى الغيبة الكبرى وكلا الإحتمالين فاسد .

.


1- .نقل عنه في رجال النجاشي : 331 / 893 .
2- .رجال النجاشي : 378 و377 / 1026 .
3- .الفهرست : 395 / 603 .
4- .اختيار معرفة الرجال : 543 / 1028 .

ص: 133

[ التمرين الثاني ]

أمّا الأوّل فأوّلاً : بأنّ المشهور المصرّحَ به في كلام جملة أنّ الكليني رحمه اللهألّف الكافي في ظرف عشرين سنة ، فيلزم أن يكون تأليف جميع الكافي قبل وفاة مولانا الجواد،فيلزم أن يكون سنّ الكليني زائداً من مائه وثلاثين سنة؛ فإنّ الشخص في أوائل سنّه غير قابل للتصنيف وذلك من البُعد بمكان لا يخفى ؛ فتدبّر . وأبعدُ منه إدراكه زمانَ الجواد والهادي والعسكري _ صلوات اللّه عليهم _ مع عدم روايته في الكافي روايةً واحدة بلا واسطة عن المعصوم ، ولاسيّما بعد ملاحظة شدّة حرصه في ضبط الأخبار ، وأنّ علوّ الإسناد وقلّةَ الوسائط عند المحدّثين أمر مرغوب فيه ، فضلاً عن عدم الواسطة . وثانياً : بأنّ الأمر لو كان كذلك لنبّه عليه علماء الرجال وعدّوه من أصحاب واحد منهم ؛ فإنّ عادتهم على التنبيه على أدونَ من ذلك ، كما لا يخفى على المتتبّع في كتبهم ، بل الظاهر من أوّل الكافي أنّ تصنيفه له في زمان الغيبة لا في زمان شهود الأئمّة ؛ فتدبّر . وأمّا الثاني فأوّلاً : لما استظهرناه من كلام الكشّي من عدم إدراك ابن بزيع الأئمّةَ المتأخّرة عن الجواد . وثانياً : بأنّ مقتضى ذلك إدراكه لستّة من الأئمّة عليهم السلام ، وقد نبّهوا على من أدرك أقلَّ من ذلك ، فكيف أخفَوْا هذه الفضيلة؟! وثالثاً : بأنّ علماء الرجال مصرّحون بأنّ الفضل يروي عن جماعة منهم ابن بزيع (1) وذلك في المقام بالعكس ؛ لأنّ الفضل فيه هو المرويّ عنه ، والعقل والعادة وإن كانا لا يستحيلان ذلك لكنّ الطريقة المعروفة المألوفة نقل المؤخَّر عن المقدّم لا العكس ؛ فإنّه بعيد جدّاً . هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ وفاة ابن بزيع كانت في زمان الجواد ، ووفاة

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 543 / 1029 .

ص: 134

الفضل قبل وفاة العسكري بشهرين ، وبين فوته والجواد أربعون سنة ، فيلزم على هذا الإحتمال أن يروي المقدّم موتُه على موت الفضل بأزيدَ من أربعين سنة عنه ، وهو كما ترى . على أنّ الكليني _ على الظاهر _ لم يدرك الفضل ولم يَرْوِ عنه من غير واسطة ، فبأن لا يدرك ابنَ بزيع _ الذي من رواته الفضلُ _ أولى ، مضافاً إلى سائر القرائن ؛ فإنّ الكليني إنّما يروي عن ابن بزيع بواسطتين ، بل قد يروي عنه بوسائطَ ؛ فإنّ ابن بزيع بالنسبة إليه إمّا في الطبقة الرابعة (1) أو الثالثة ، والمفروض في المقام رواية الكليني عن محمّد بن إسماعيل ، مع أنّ ابن بزيع غالباً مذكور في الكافي باسم أبيه وجدّه ، فترك اسم الجدّ ممّا يوجب الظنّ بأنّه ليس هو ، فسقط الاستدلالان المذكوران (2) لهذا الإحتمال . وعن البهائي : أنّه البرمكي بقرينة أنّ الصدوق يروي عن الكليني بواسطة وعن البرمكي بواسطتين ، فيظهر بحسب الطبقة أنّه ذلك ، وأنّ الكشّي المعاصر لثقة الإسلام الكليني يروي عن البرمكي تارةً بواسطة وأُخرى بدونها ، فينبغي أن يكون هو ذلك ؛ ليشترك المعاصران في ذلك ؛ ولأنّ محمّد بن جعفر الأسدي _ المعروفَ بأبي عبد اللّه الذي كان معاصرَ البرمكي _ توفّي قبل وفاة الكليني رحمه اللهبقريب من ستَّةَ عَشَرَ سنة ، فيقرب زمانه من زمان البرمكي جدّاً . (3) وليت شعري أنّ هذه الوجوه الثلاثةَ هل توجب جواز كونه البرمكيَّ أو تعيينَه ، والمدّعى هو الثاني ، والدليل يوافق الأوّل ؟ ! نعم ، لو كان رواية الصدوق عن البرمكي الراوي عن الفضل بواسطتين إحداهما الكليني ، لطابق الدليل المدّعى وهكذا . مضافاً إلى أنّ الكليني يروي عن البرمكي بواسطة محمّد بن جعفر الأسدي ، كما في باب حدوث العالم وباب

.


1- .إن كانت الوسائط ثلاثة «منه» .
2- .هما ما تقدّم في كلام الجماعة من أنّ الإطلاق منصرف إليه ووجود التصريح به في بعض الأسناد «منه» .
3- .مشرق الشمسين : 75 _ 77 .

ص: 135

الحركة والإنتقال من كتاب التوحيد (1) وفي غيره ، فيذكر الواسطة عند الرواية عنه ويقيّده (2) غالباً ، والمفروض فيما نحن فيه خلافهما . فإن قلت : يَظهر كونه البرمكيَّ بإطباق علمائنا _ كما ادّعاه البهائي _ على تصحيح ما يرويه الكليني عن محمّد بن إسماعيل الذي فيه النزاع ، ولم يتردّد في ذلك إلاّ ابن داود (3) لا غير ، ولم يوثّق أحد من علماء الرجال الموسوم بهذا الاسم _ الذي يمكن أن يكون هو هو _ إلاّ الزعفراني والبرمكي ، لكنّ الزعفراني ممّن لقي أصحاب الصادق عليه السلام كما نصّ عليه النجاشي ، (4) فيبعد بقاؤه إلى عصر الكليني ، فيقوى الظنّ في جانب البرمكي مع كونه رازيّاً كالكليني رحمه الله . قلت : طرق معرفة وثاقة الرجل وكون السند صحيحاً متعدّدةٌ ، والموجودة منها في المقام أُمور : كون الرجل من مشايخ الإجازة وإكثار الكليني الرواية عنه ، وعدم تصريحه في السند بما يتميّز به مع إكثار الرواية عنه ، فمجرّد عدم تصريحهم بالتوثيق لا يوجب عدم الصحّة كما لا يخفى على المتتبّع . ثمّ إنّ ما يبعّد كونَه الزعفرانيَّ يبعّد كونه البرمكيَّ أيضاً ، كما يظهر من النجاشي عند ترجمة عبد اللّه بن داهر (5) . وكون الشخصين من مكان واحد لا دلالة فيه على التميّز كما لا يخفى . فإن قلت : ما ذكرتَ من استفادة التوثيق من الأُمور المذكورة يجري في الكلّ فما المميّز ؟ قلت : أوّلاً : لا حاجة حينئذٍ إلى التمييز . وثانياً : أنّ الظاهر أنّه محمّد بن إسماعيل أبو الحسن النيسابوري

.


1- .الكافي 1 : 78 / 3 .
2- .في «ألف» : «تقييده» .
3- .رجال ابن داود : 306 .
4- .رجال النجاشي : 345 / 933 .
5- .المصدر : 228 / 602 .

ص: 136

المدعوّ ب «بندفرّ» . قال في التعليقة : الذي استقرّ عليه رأي الكلّ في أمثال زماننا أنّه الواسطه بين الكليني والفضل، وينبّه على ذلك أنّ الكشّي في ترجمة الفضل قال : «ذكر أبو الحسن محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبد اللّه بن طاهر عن نيسابورَ بعد أن دعا به واستعلم كتبه وأمره أن يكتبها» . (1) انتهى . وأنّ الكشّي كثيراً مّا يروي عنه بغير واسطة وهو عن الفضل _ مثل الكليني _ ومرتبتهما واحدة ويروي عنه مصرّحاً بنيسابوريّته أيضاً ، وأنّه أحد مشايخ الكليني كما عن المحقّق الداماد (2) ، وأنّه تلميذ الفضل كما عن رواشح الداماد والوافي وأنّه الخصيص به ، وأنّه نيسابوري كالفضل دون غيره . وبعد ما ميّزنا الذات فلنلاحظ وصفه . والمشهور _ على ما حكي _ صحّة حديثه بالصحّة المصطلحة . وعن المنتقى : «عليه جماعة من الأصحاب أوّلهم العلاّمة رحمه الله .» (3) ويدلّ عليه تصحيح العلاّمة وابن داود طريق الشيخ إلى الفضل (4) ، وهو فيه . إلاّ أن يقال : إنّ ابن داود قال في أوّل تنبيهات آخر رجاله : إذا وردت رواية عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ففي صحّتها قولان ؛ فإنّ في لقائه له إشكالاً ، فتقف الرواية لجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيّين معظّمين والخاصّ محكّم على العامّ . (5)

.


1- .رجال ابن داود : 306 .
2- .منهج المقال : 282 .
3- .الرواشح السماويّة : 70 ، الراشحة التاسعة عشر .
4- .المصدر .
5- .خلاصة الأقوال : 276 ؛ رجال ابن داود : 557 .

ص: 137

لكن يرد عليه : أنّ الإشكال إنّما هو في لقاء الكليني لابن بزيع لا النيسابوري ، فليس في كلامه هذا تصريح على ضعف النيسابوري . وكذا يدلّ عليه الوجوه الثلاثة السابقة (1) ، وما حكي من دعوى الإطباق على تصحيح الحديث الذي يرويه الكليني عن محمّد بن إسماعيل _ كما يظهر من ملاحظة كتب القوم في مسألة جواز الإجتزاء بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة (2) _ مضافاً إلى كونه ممدوحاً حدَّ التوثيق . فعن رجال الشيخ في باب من لم يرو عن الأئمّة : «محمّد بن إسماعيل ، يكنّى أبا الحسن وفي بعض النسخ أبا الحسين النيسابوري ، يدعى بَنْدفرّ » . (3) و «بَنْد» _ كفَلْس على ما في كتب اللغة _ : العلم الكبير . (4) و «فرّ القوم» _ بفتح الفاء أو بضمّه _ : خيارهم ، (5) فعلى الإضافة معناه : العلم للخيار ، وعلى التوصيف : العلم الذي هو من الخيار . ودلالة كلا المعنيين على كمال المدح واضحة . وربما يقال : بندقي . (6) ولعلّه سهو . وأمّا مدح صاحب الرواشح ، فله ولأبي الحسن عليّ بن محمّد القتيبي (7) فقد بلغ الغايةَ . وبالجملة : لا ينبغي التأمّل في جلالة الرجل . وأمّا الفضل ، فهو وإن كان مشتركاً بين أشخاص متعدّدة لكن مميَّز باسم أبيه ولااشتراك فيه .

.


1- .الرواشح السماويّة : 70 ، الراشحة التاسعة عشر .
2- .المذكورة في فساد الاحتمال الثاني وهو بقاء ابن بزيع إلى الغيبة الكبرى «منه» .
3- .اُنظر : مدارك الأحكام 3 : 380 .
4- .رجال الطوسي : 496 / 30 .
5- .الصحاح 2 : 450 ؛ القاموس المحيط 1 : 279 .
6- .قاموس المحيط 2 : 109 .
7- .كما في اختيار معرفة الرجال : 538 / 1024 .

ص: 138

[ المراد من العدّة ]

وأمّا حاله ، فهو وإن كان قد غُمز فيه (1) ، لكن لا وجه له ؛ لكمال جلالة شأنه على ما يظهر من كتب الفنّ والأخبار الواردة في مدحه (2) ولا يكافئُه ما ينافيه . وأمّا صفوان بن يحيى ، فهو من أصحاب الإجماع (3) ولم نجد في حقّه إلاّ المدح الزائد على حدّ الوثاقة . (4) وعن الفهرست : «أنّه أوثقُ أهل زمانه عند أهل الحديث وأعبدُهم» . (5) وأمّا منصور بن حازم ، فكذلك (6) إلاّ أنّه ليس كسابقه في الجلالة . فإذن الحديث صحيح . مثال آخَرُ : قال ثقة الإسلام في باب الشرك من كتاب الإيمان والكفر : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد اللّه بن جبلة ، عن سماعة ، عن أبي بصير وإسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلامفي قوله تعالى : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (7) . (8)

[ المراد من العدّة ]وقد أكثر رحمه الله في الرواية بقوله : «عدّة من أصحابنا» فتارةً يروي عنهم عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأُخرى يروي بواسطتهم عن أحمد بن محمّد بن خالد ، وأُخرى يروي عنهم عن سهل بن زياد .

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 538 / 1024 و1026 و1028 .
2- .المصدر : 538 / 1023 و539 / 1025 و1027 .
3- .المصدر : 556 / 1050 .
4- .اُنظر : رجال النجاشى : 197 / 524 ؛ اختيار معرفة الرجال ، أرقام 961 و 962 و 963 و 964 و 966 .
5- .الفهرست : 241 / 356 .
6- .رجال النجاشي : 413 / 1101 .
7- .يوسف (12) : 106 .
8- .الكافي : 2 : 397 / 3 .

ص: 139

والمراد منه في الأوّل (1) _ على حكاية العلاّمة منه (2) _ أحمد بن إدريس القمّي الأشعري وعليّ بن إبراهيم القمي ومحمّد بن يحيى العطار الثقات ، وداود بن كورة وعليّ بن موسى الكُمُنذاني (3) ولم نجد توثيقهم لهما . وفي الثاني _ على الحكاية _ عليّ بن إبراهيم الثقة ، وعليّ بن الحسين وأحمد بن عبد اللّه بن أُميّة وعليّ بن محمّد بن عبد اللّه أُذينة . (4) ومعرفة حال الأوّل (5) وإن كان كافياً ، لكن ينبغى التنبيه على الثلاثة الأُخرى . أمّا الأوّل ، (6) فالظاهر أنّه السعد آبادي (7) لقول الشيخ في رجاله : إنّ الكليني روى عنه ، وهو مؤدّب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري (8) الواسطةِ بينه وبين أحمد بن محمّد البرقي كما يظهر من محكيّ الفهرست (9) . ولعلّه يكفي في جلالته كونُه من مشايخ الإجازة لمثل الكليني وأبي الغالب الزراري أحمد بن محمّد بن سليمان الذي في رجال النجاشي توصيفه بشيخ العصابة في زمنه ووجههم (10) ، وفي ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك توصيفه ب «شيخنا الجليل الثقة» . (11)

.


1- .أي من العدّة في الأوّل أي فيما روى عنهم عن أحمد بن محمّد بن عيسى «منه» .
2- .خلاصة الأقوال : 272 .
3- .في محكيّ المجمع أنّه لقب موسى وعن الخلاصة ضبطه بضمّ الكاف والميم وإسكان النون وفتح الذال المعجمة منسوب إلى كُمُنْذان من قرى قم «منه» .
4- .في حاشية «ب» : «بتقديم الياء» .
5- .في حاشية «ب» : «و هو عليّ بن إبراهيم» .
6- .أي عليّ بن الحسين السعدآبادي .
7- .في حاشية «ب» : «بالذال المعجمة على ضبط العلاّمة ، وهو الموافق لضابطة التزامهم بالتصرّف في المعرّب وخصوص قلب الدال ذالاً» .
8- .رجال الطوسي : 944 / 42 .
9- .المصدر : 944 / 42 .
10- .رجال النجاشي : 84 / 201 .
11- .المصدر : 122 / 313 .

ص: 140

وأمّا الثاني ، (1) فلم نجده في الرجال ؛ وإكثارُ الكليني في الرواية عنه يدلّ على اعتماده عليه ، واحتمل بعضهم كونه ابنَ بنت البرقي . (2) وكذا الكلام في الثالث . (3) وفي الثالث : _ على الحكاية _ أربعة أيضاً وهم : عليّ بن محمّد بن علاّن ، ومحمّد بن أبي عبد اللّه ، ومحمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عقيل الكليني (4) . والأوّل : هو عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني ، ولعلّ علاّن لقب الثلاثة ، وجدّهم أبان فسمّى إبراهيم أو أبان باسم علاّن بمعنى اشتهاره به . ويدلّ على كونه إيّاه شهادة الطبقة ، وتصريح جملة من العلماء بذلك . (5) ورواية ثقة الإسلام عن عليّ بن محمّد الذي يروي عن سهل أكثرُ من أن يحصى . ولعلّه هو المراد من عليّ بن محمّد بن عبد اللّه وعليّ بن محمّد بن بندار الواقعِ كثيراً في أوّل سند الكافي بأن يكون عبد اللّه اسمَ جدّ عليّ ، وبندار لقبَه كما يظهر من النجاشي ، (6) وعلى فرض التعدّد _ كما هو الظاهر لنسبة (7) الأوّل إلى الريّ (8) ، والثاني إلى البرق [رود] (9) _ لا ضير أيضاً ؛ لكون كليهما ثقةً . والثاني : هو محمّد بن جعفر الأسدي ؛ لتصريح النجاشي والعلاّمة _ على ما

.


1- .خلاصة الأقوال : 272 .
2- .أي أحمد بن عبد اللّه بن أُميّة .
3- .طرائف المقال 2 : 311 .
4- .أي عليّ بن محمّد بن عبد اللّه بن أُذينه .
5- .المصدر .
6- .رجال النجاشي : 269 / 703 .
7- .وفي «ب» و«ج» : «من النجاشي» .
8- .رجال النجاشي : 267 / 693 .
9- .المصدر : 269 / 703 .

ص: 141

حكي في ترجمة محمّد بن جعفر _ بأنّه يقال له : محمّد بن أبي عبد اللّه (1) ، فيذكر الوالد تارةً بالاسم وأُخرى بالكنية . ويشهد عليه أيضاً رواية الكليني عن محمّد بن إسماعيل البرمكي بواسطة محمّد بن جعفر تارةً وبواسطة محمّد بن أبي عبد اللّه أُخرى ؛ وكونُه غيرَه بعيد بشهادة الطبقة . ووثّقه جمع . (2) وعن الشيخ _ بعد نقل حكايات عنه _ أنّه مات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغيّر ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنةَ اثنتي عَشْرةَ وثلاثمائة . (3) ويدلّ على جلالته رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه . ويحتمل كونه محمّدَ بن جعفر الرزّاز ؛ فإنّ الذي يظهر من الكليني أنّ محمّد بن جعفر الواقعَ في صدر السند في الكافي اثنان . ويكنّى الأسدي بأبي الحسن ، والرزّاز بأبي العبّاس ، فإذا وردت الرواية عنه ، عن محمّد بن جعفر فإن كان مقروناً بأبي العبّاس أو الرزّاز أو الأسدي فلا اشتباه ، وإن كان مطلقاً فإن كانت الرواية عن البرمكي أو محمّد بن إسماعيل المطلق أو المقيّد بالبرمكي ، فالظاهر أنّه الأسدي ، وإن كان الغالب ذِكْرَ أبيه بالكنية ، فيقال : محمّد بن أبي عبد اللّه ، ولعلّه لرفع الإشتباه . والثالث : هو محمّد بن الحسن الصفّار ؛ لكونه في طبقة ثقة الإسلام ، وتوفّي سنة تسعين ومئتين (4) وبين موته و [موت] ثقة الإسلام ثمان وثلاثون سنة ؛ فتدبّر . وكيف كان ، فتلك العدّة مشتملة على الثقة على أيّ تقدير .

.


1- .رجال النجاشي : 373 / 1020 ؛ خلاصة الأقوال : 160 / 145 وفيه أنّه كان .
2- .الوجيزة في الرجال : 154 / 1618 ؛ حاوي الأقوال 2 : 206 و 4 : 456 و 461 ؛ منهج المقال : 406 ، الخاتمة ، الفائدة السابعة .
3- .الغيبة : 415 _ 417 .
4- .رجال النجاشي : 354 / 948 .

ص: 142

[ سهل بن زياد ]

[ سهل بن زياد ]وأمّا سهل بن زياد ، فاشتراك اسمه مميَّز باسم أبيه ، وهو من الريّ . وأمّا حاله ، فاختلفوا فيها ، واستُدلّ لذمّه وقدحه بوجوه . الأوّل : حكاية الكشّي ، قال : قال عليّ بن محمّد القتيبي : سمعت الفضل بن شاذان _ إلى أن قال _ : ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول : هو أحمقُ . (1) الثاني : قول ابن الغضائري فيه : إنّه كان ضعيفاً جدّاً ، فاسدَ الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري أخرجه من قمَّ ، وأظهر البراءة منه ، ونهى الناس عن السماع منه والروايةِ عنه ، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل . (2) الثالث : قول النجاشي فيه : إنّ سهل بن زياد أبا سعيد الآدمي الرازي كان ضعيفاً في الحديث ، غيرَ معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، وأخرجه من قمَّ إلى الريّ . (3) الرابع : قول الشيخ في الفهرست : «إنّه ضعيف» . (4) الخامس : عدم تعرّض العلاّمة في آخر الخلاصة إلى بيان حال طريق الشيخ إلى سهل ، مع تصريحه بأنّه لا يتعرّض حالَ الطريق إلى من يُردّ روايته . السادس : ذكر العلاّمة وابن داود إيّاه في الباب الثاني من كتابهما الذي عقداه

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 566 / 1068 .
2- .مجمع الرجال 3 : 180 .
3- .رجال النجاشي : 185 / 490 .
4- .الفهرست : 228 / 339 .

ص: 143

في بيان الضعفاء والمجروحين . (1) واستُدلّ لمدحه أيضاً بوجوه : الأوّل : أنّه من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام والهادي عليه السلام والعسكري عليه السلام على قول الشيخ في رجاله . وحكي أنّه وثّقه في الثاني (2) وإن لم يتعرّض لمدحه ولا قدحه في الأوّل (3) والثالث . (4) الثاني : روايته عن ثلاثة من الأئمّة الطاهرين ، ودلالتُه على المدح واضحة . الثالث : كونه كثير الرواية ، وقد عرفت في الباب الثاني عدَّه بعضٌ من أمارات الإعتماد . الرابع : إكثار المشايخ والأجلاّء في الرواية عنه ، لاسيّما ثقة الإسلام في أُصول الكافي وفروعه ، وظهورُه في التعويل عليه واضح . وعن المعراج عن بعض معاصريه عَدُّ حديثه في الصحيح . (5) الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما عن الوجيزة (6) . السادس : أنّ المفيد رحمه الله في رسالته في الردّ على الصدوق ذكر حديثاً عنه مرسلاً ، ورَدَّه وطعن فيه بوجوه كثيرة ، ولم يقدح فيه من جهة السند إلاّ بالإرسال ، ولم يتعرّض لسهل أصلاً . (7) وهذا يدلّ على كونه ضعيفاً عنده . ويمكن الجواب عن الوجوه القادحة .

.


1- .خلاصة الأقوال : 228 / 2 ؛ رجال ابن داود : 460 / 222 .
2- .رجال الطوسي : 416 / 4 .
3- .المصدر : 401 / 1 .
4- .المصدر : 431 / 2 .
5- .لم نعثر على هذا القول في معراج أهل الكمال .
6- .الوجيزة في الرجال : 91 / 883 .
7- .جوابات أهل الموصل (مصنفات الشيخ المفيد) 9 : 21 .

ص: 144

أمّا عن الأوّل ، فبأنّ الظاهر من العبارة كون عدم الإرتضاء للحماقة . سلّمنا ، لكن عدم الإرتضاء غير ظاهر في القدح ، والمعهود المتعارف من إطلاق الأحمق إطلاقه على البليد لا الفاسقِ وفاسدِ العقيدة . وعن الثاني ، فباحتمال أن يكون نسبة فَساد المذهب إليه لشهادة أحمد بن عيسى عليه بالغلوّ ، ويكفي في ردّه حينئذٍ ما حكاه في التعليقة عن جدّه أنّه قال : اعلم أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخرج جماعة من قمَّ ؛ لروايتهم عن الضعفاء وإيرادِهم المراسيل في كتبهم ، وكان اجتهاداً منه والظاهر خطؤه . ولكن كان رئيسَ قمَّ والناس مع المشهورين إلاّ من عصمه اللّه تعالى ، ولو كنتَ تلاحظ ما رواه في الكافي في باب النصّ على الهادي عليه السلاموإنكارَه النصَّ لتعصّب الجاهليّة ، لما كنت تروي عنه شيئاً . ولكنّه تاب ونرجو أن يكون تاب اللّه عليه _ إلى أن قال _ : مع أنّ المشايخ العظام نقلوا عنه كثقة الإسلام والصدوق والشيخ . مع أنّ الشيخ كثيراً مّا يذكر ضعف الحديث بجماعة ولم يتّفق في كتبه مرّة أن يطرح الخبر لسهل بن زياد _ إلى أن قال _ : وأمّا الكتاب المنسوب إليه ومسائله التي سألها عن الهادي عليه السلاموالعسكري عليه السلام فذكرها المشايخ سيّما القمّيّين وليس فيها شيء يدلّ على ضعف في النقل أو غلوّ في الاعتقاد .» (1) انتهى . وعن الثالث ، فبعدم صراحة قول النجاشي في القدح على نفسه ، بل قدْح في حديثه ، ويشهد عليه قوله : «غير معتمد فيه» (2) لا عليه . مضافاً إلى أنّه نسب نسبة الغلوّ والكذب إلى أحمد ، ولعلّ الظاهر منه عدم ثبوتها عنده . وعن الرابع ، فبمعارضة قول الشيخ رحمه الله في الفهرست بتوثيقه في الرجال (3) ،

.


1- .رجال النجاشي : 185 / 490 .
2- .منهج المقال : 177 .
3- .قد مرّ آنفاً فراجع .

ص: 145

[ يحيى بن المبارك ]

[ عبد اللّه بن جبلة ]

والرجال مؤخّر ؛ لما فيه من الحوالات إلى الفهرست . مضافاً إلى ما عرفت من أنّ قولهم : «ضعيف» ليس بظاهر في الفسق حتّى يلاحظ التعارض . وعن الخامس والسادس ، فباحتمال اعتمادهما على تضعيفات ابن الغضائري كما هو عادتهما ، على ما هو ببالي من تصريح جمع . وبعد ضعف ما هو المبنى على الظاهر يظهر ضعف المبنيّ عليه . فحينئذٍ سهل بن زياد ثقة ، ولو كان ضعيفاً ، فضعفه سهل .

[ يحيى بن المبارك ]وأمّا يحيى ، (1) فاشتراكه أيضاً مميَّز باسم أبيه . وأمّا حاله ، فلم نطّلع بعدُ على شيء من حاله إلاّ كونِه من أصحاب الرضا عليه السلامعلى ما حكي عن رجال الشيخ (2) . نعم ، ذلك الوصف يثمر عدم كونه واقفيّاً . ويظهر من إكثار الكليني والشيخ في الرواية عنه في الجملة الإعتناءُ بشأنه .

[ عبد اللّه بن جبلة ]وأمّا عبد اللّه بن جبلة ، فهو ابن جبلة بن حيّان بن أبجر الكندي يكنّى بأبي محمّد . عن رجال النجاشي وخلاصة الأقوال : «عربي صليب ثقة» _ ثمّ قالا : _ «كان عبد اللّه واقفاً ، وكان ثقةً مشهوراً مات سنةَ تسعَ عَشَرَ ومائتين .» (3)

.


1- .أي يحيى بن المبارك الواقعُ في سند مورد المثال .
2- .رجال الطوسي : 395 / 3 .
3- .رجال النجاشي : 216 / 563 ؛ خلاصة الأقوال : 237 / 21 .

ص: 146

[ سماعة ]

[ سماعة ]وأمّا سماعة ، فمشترك بين الحنّاط الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلاموابنِ عبد الرحمان المزني الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام وابنِ مهران الحضرمي الكوفي ، ويتعيّن كونه الأخيرَ برواية عبد اللّه بن جبلة عنه كما يظهر من الاستبصار في باب ما يجب على الشيخ الكبير إذا أفطر من الكفّارة _ حيث روى عن يحيى بن مبارك ، عن عبد اللّه بن جبلة ، عن سماعة بن مهران (1) _ وغيرِه . وأمّا حاله ، ففي محكيّ خلاصة الأقوال : «مات بالمدينة ، ثقة ، وكان واقفيّاً» (2) ومثله عن النجاشي (3) إلاّ قوله : «وكان واقفيّاً» روى عن أبي عبد اللّه عليه السلاموأبي الحسن عليه السلام . وربما يحكى موته في زمان أبي عبد اللّه عليه السلام . وفسادها ظاهر ؛ لرواية ابن مهران عن أبي الحسن موسى عليه السلام كثيراً بحيث لا يحتمل الغلط والإشتباه . واختلف في كونه واقفيّاً على قولين (4) : والأوّل _ كما عرفت _ صريح خلاصة الأقوال . والثاني : لجماعةٍ واستشهدوا له بأمارات : منها : توثيق النجاشي ولا سيّما تكريره مع عدم التنبيه على فساد المذهب ، وهو أضبطُ من العلاّمة . ومنها : روايته أنّ الأئمّة اثنا عشر ، ففي الكافي : عن سماعة ، قال : كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلامفي منزله بمكّةَ ، فقال محمّد بن عمران : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «نحن

.


1- .الاستبصار 2 : 104 / 5 .
2- .خلاصة الأقوال : 228/1 .
3- .رجال النجاشي : 193 / 517 .
4- .القول الأوّل هو كونه واقفيّاً والقول الثاني عدم وقفه .

ص: 147

اثنا عشر محدَّثاً » . فقال له أبو بصير : سمعتَ من أبي عبد اللّه ؟ فحلّفه مرّة أو مرّتين أنّه سمعه ، فقال أبو بصير : لكنّي سمعته من أبي جعفر (1) . وروي ذلك عن الخصال والأمالي أيضاً . (2) ومنها : أنّه يروي عنه مَن لا يروي إلاّ عن ثقة كابن أبي عمير ، وابن أبي نصر ، وصفوان بن يحيى وغيرِهم . ومنها : ما في رجال الكشّي عن بعض الرواة قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك ، ما فعل أبوك ؟ قال : «مضى مثل آبائه» . فقلت : كيف أصنع بحديث حدّثنا به زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه ؟ قال : «إنّ ابني هذا فيه شَبَهٌ من خمسة أنبياءَ يُحسَد كما حُسد يوسف ، ويغيب كما غاب يونس » إلى آخره . قال : «كذب زرعة ، ليس هكذا حديثُ سماعة ، إنّما قال : صاحب هذا الأمر يعني القائم _ عجّل اللّه فرجه _ فيه شبه من خمسة أنبياءَ ولم يقل : ابني» . (3) ومنها : أنّ ابن الغضائري مع إكثاره بالرمي ما رماه ، بل الظاهر اعتقاده العدمَ ؛ لاقتصاره على حكاية موته في حياته . (4) ومنها : أنّ الظاهر من النجاشي وابن الغضائري أنّه لم يدرك الرضا عليه السلام (5) ، فلا يتحقّق الوقف بمعناه المعروف إلاّ بعد موت الكاظم ودرك الرضا عليهماالسلام . ومنها : ما رواه _ أي سماعة _ عن الصادق عليه السلام قال : دخلت عليه ، فقال : «يا سماعة _ إلى أن قال _ : من شرّ الناس عند الناس»

.


1- .الكافي 1 : 534 / 20 .
2- .الخصال : 478 / 45 ؛ لم يوجد في الأمالي إلاّ أنّه نقله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 60 / 23 وكمال الدين : 335 / 6 .
3- .اختيار معرفة الرجال : 477 / 904 .
4- .على ما نقل عنه النجاشى في رجاله : 193 / 517 .
5- .رجال النجاشي : 193 و 194 / 517 .

ص: 148

قلت : ما كَذَبتك يابن رسول اللّه ! نحن شرّ الناس عند الناس سمّونا كفّاراً ورافضيّة ، فنظر إليّ ، ثمّ قال : «كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنّة وسيق بهم إلى النار ، فينظرون إليكم ويقولون : « مَا لَنَا لاَ نَرَى پرِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِنَ الْأَشْرَارِ »؟ (1) يا سماعة بن مهران _ إلى أن قال عليه السلام _ : واللّهِ لا يدخل النار منكم رجل واحدٌ فتنافسوا في الدرجات» . (2) قال في التعليقة : وبالجملة : مثل هذا المشهور لو كان واقفيّاً ، لبعُد خفاؤه على المشايخ المجيزين، كما يبعد سكوتهم بالمرّة مع اطّلاعهم . كيف ؟ ويظهر منهم خلافه . نعم ، في الفقيه في بابين رميه به . (3) لكن هذا غير كافٍ في رفع الإستبعاد فضلاً عن أن يعارض ما قدّمناه ويترجّح عليه ، على أنّه يبعد خفاؤه على النجاشي و[ابن ]الغضائري ، فلعلّهما لم يعتنيا به لما ظهر لهما عند تأمّلهما ، واعتنى الشيخ فنسب ، ويكون الأصل فيه ما في الفقيه كما اتّفق في جمع ؛ (4) لغاية حسن ظنّه به . ولعلّ رمْيَ الصدوق رحمه الله إيّاه لرواية الواقفة عن زرعة ، عنه حديثَ الوقف ، (5) ولم يطّلع على تكذيب الرضا عليه السلامأو لم يعتمد ، أو من إكثار رواية زرعة عنه ، أو نحو ذلك . _ إلى أن قال _ : وبالجملة : حديثه لا يقصر عن حديث الثقات ؛ لما في العُدّة من أنّ الطائفة عملت بما رواه (6) ، مع أنّ هذا هو المشاهدَ منهم ، وكونِه كثيرَ الرواية ومقبولها وسديدها حتّى عند القمّيّين ، حتّى ابن الوليد وأحمد بن محمّد بن عيسى . (7) انتهى ملخّصاً .

.


1- .ص (38) : 62 .
2- .الأمالي للطوسي : 295 / 581 ، ملخّصاً .
3- .الفقيه 2 : 88 / 397 .
4- .كمحمّد بن عيسى وغيره .
5- .قد مرّ آنفاً .
6- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 150 .
7- .منهج المقال : 175 .

ص: 149

[ أبو بصير ]

والحاصل : أنّ نسبة الوقف إلى سماعة إنّما حصلت من الصدوق والشيخ والعلاّمة ، ومستند الأخيرين قول الأوّل ؛ والأماراتُ المذكورة ممّا يحصل منه الظنّ بالوثاقة ؛ لكونها أقوى .

[ أبو بصير ]وأمّا أبو بصير ، فهو كنية لأربعة : عبدِ اللّه بن محمّد الأسدي من أصحاب الباقر عليه السلام (1) ، وعن الكشّي من أصحاب الصادق عليه السلام (2) ، وليثِ بن البختري المرادي الراوي عنهما (3) وعن الكاظم عليه السلام (4) ، ويحيى بنِ القاسم أو ابنِ أبي القاسم الأسدي (5) ، ويوسفَ بنِ الحارث (6) . والأوّل مجهول ، والذي وثّقه جمع يلقّب بالحجّال . (7) والثاني يدلّ على جلالته الأخبار الدالّة على أنّه ومحمّدَ بن مسلم وبريدَ بن معاوية وزرارة بن أعين أوتاد الأرض وأعلام الدين ، القوّامون بالقسط ، القوّالون بالصدق ، والسابقون المقرّبون ، حفّاظ الدين ، وأُمناء أبي جعفر الباقر عليه السلام على حلال اللّه وحرامه ، المخبتون المبشَّرون بالجنّة ، الذين لو لا هم لانقطعت آثار النبوّة واندرست أعلام الدين . (8) وعن ابن الغضائري : «كان أبو عبد اللّه يتضجّر به ويتبرّم ، وأصحابه يختلفون

.


1- .رجال الطوسي : 129 / 26 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 174 / 299 .
3- .كما في رجال النجاشي : 321 / 876 .
4- .الفهرست : 382 / 587 .
5- .رجال النجاشي : 441 / 1187 .
6- .روى عن الباقر عليه السلام . رجال الطوسي : 141 / 17 .
7- .رجال الطوسي : 381 / 18 ؛ رجال النجاشي : 226 / 595 ؛ خلاصة الأقوال : 105 / 18 .
8- .اختيار معرفة الرجال : 170 / 287 .

ص: 150

في شأنه» . (1) قال في محكيّ خلاصة الأقوال : وعندي أنّ الطعن إنّما وقع على دينه لاعلى حديثه ، وهو عندي ثقة . والذي أعتمد عليه قبول رواياته ، وأنّه من أصحابنا الإماميّة ؛ للحديث الصحيح ، وقولُ ابن الغضائري لا يوجب الطعن . (2) وبالجملة : جلالته أجلُّ من أن تخفى ، والأخبار الواردة في ذمّ أبي بصير لا دلالة فيها على الذمّ ، وعلى فرض الدلالة لا يتعيّن كونه المراديَّ ، وعلى فرض التعيين لا يكافئ أخبارَ المدح التي فيها الصحيحُ وغيره . والثالث : هو الحذّاء . ولنذكر هنا جملة من كلمات أهل الرجال ، فلنتعرّض للنقد والإنتخاب . فعن بعض : «يحيى بن القاسم أبو محمّد يُعرف بأبي بصير الأسدي ، مولاهم كوفيّ تابعيّ ، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد اللّه عليه السلام» . (3) وعن جمع تقييده بالحذّاء . (4) وعن خلاصة الأقوال : أبو بصير الأسدي . وقيل : أبو محمّد ، ثقة ، وجيه ، روى عن أبي جعفر عليه السلاموأبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : يحيى بن أبي القاسم ، واسم أبي القاسم إسحاق ، وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام . ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة . (5) وعن عليّ بن أحمد العقيقي : يحيى بن القاسم الأسدي مولاهم ، ولد مكفوفاً ، رأى الدنيا مرّتين ، مسح أبو عبد اللّه على عينيه وقال : «انظر ما ترى ؟» فقال : أرى كوّة في البيت

.


1- .رجال النجاشي : 441 / 1187 .
2- .نقل عنه في خلاصة الأقوال : 137 / 2 .
3- .المصدر .
4- .رجال الطوسي : 333 / 9 .
5- .رجال الطوسي : 140 / 3 ؛ اختيار معرفة الرجال : 476 / 903 .

ص: 151

وقد أرانيها أبوك من قبلك . وعن خلاصة الأقوال بعد حكاية ذلك عن النجاشي : «والذي أراه العملُ بروايته» . (1) وعن الكشّي : محمّد بن مسعود قال : سألت عليّ بن الحسن الفضّال عن أبي بصير ، فقال : كان اسمه يحيى بنَ أبي القاسم ، وكان أبو بصير يكنّى أبا محمّد ، وكان مولى لبني أسد ، وكان مكفوفاً ، وسألته : هل يُتّهم بالغلوّ ؟ فقال : أمّا الغلوّ فلا ، ولكن كان مخلّطاً . (2) وعن حمدويه ذكر عن بعض أشياخه : «يحيى بن قاسم الحذّاء الأزدي واقفي» . (3) والأحسن في المقام أن لا نقتصر في نقل الأقوال على الحكاية على وجه الإجمال ، فنقول : قال الكشّي _ على ما حكي _ في يحيى بن أبي القاسم أبى بصير ويحيى بن القاسم الحذّاء : حمدويه ، ذكر عن بعض أشياخه : يحيى بن القاسم الحذاّء الأزدي واقفي _ إلى أن قال بعد ذكر جملة من الأخبار : _ وما رواه عن عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء في آخره _ : واسم عمّه القاسم الحذّاء . وأبو بصير هذا يحيى بن القاسم يكنّى أبا محمّد . قال ابن مسعود : سألت عليّ بن الحسن بن الفضّال عن أبي بصير هذا : هل كان متّهماً بالغلوّ ؟ فقال : أمّا بالغلوّ فلا ، ولكن كان مخلّطاً . (4) انتهى .

.


1- .خلاصة الأقوال : 264 / 3 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 173 / 296 .
3- .المصدر : 474 / 901 .
4- .المصدر : 476 / 903 .

ص: 152

وهذا الكلام يدلّ على مغايرة الشخصين من وجوه : الأوّل : تكرّر الذكر . والثاني : العطف ؛ حيث عطف أحدهما على الآخر بالواو الدالّة على المغايرة . والثالث : ذكر الأب في الأوّل بالكنية ، وفي الثاني بالاسم ، فابن أبي القاسم مغاير لابن القاسم ، وإن اتّحدا في الاسم . والرابع : ذِكْر أبي بصير في الأوّل وتكنيتُه به دون الثاني ، وذَكَر في الثانى الحذّاء دون الأوّل . والخامس : وضع الظاهر مقام المضمر في قوله : «حمدويه ذكر عن بعض أشياخه : يحيى بن القاسم الحذّاء الأزدي واقفي» ؛ إذ المناسب أن يقول : إنّه واقفي . والظاهر أنّ العدول عن مقتضى الظاهر إلى خلافه لعدم توهّم خلاف المراد ؛ لأنّه إن أتى بالمضمر كان من المحتمل عود الضمير إلى يحيى بن أبي القاسم المذكور أوّلاً . وبعد وضوح التغاير بينهما ، فما في خلاصة الأقوال _ بعد جعل العنوان يحيى بن القاسم الحذّاء بالحاء المهملة _ قال : إنّه من أصحاب الكاظم عليه السلام كان يكنّى أبابصير _ بالباء الموحّده والياء بعد الصاد _ وقيل : إنّه أبو محمّد . واختلف قول علمائنا فيه . قال الشيخ الطوسي : إنّه واقفي ، وروى الكشّي ما يتضمّن ذلك ، قال : وأبو بصير يحيى بن القاسم الحذّاء الأسدي هذا يكنّى أبا محمّد قال محمّد بن مسعود . (1) إلى آخر ما نقلناه من الكشّي . _ ممّا ليس في محلّه ؛ فإنّ هذا النقل مخالف _ كما عرفت _ لما نقلناه عن

.


1- .خلاصة الأقوال : 264 / 3 .

ص: 153

الكشّي ؛ فإنّه لم يمكن فيه إطلاق أبي بصير على يحيى بن القاسم الحذّاء الأزدي ، ولا أنّه يكنّى أبا محمّد . ولعلّ منشأ التوهّم قوله أخيراً : «وأبو بصير هذا يحيى بن القاسم يكنّى أبا محمّد» بجعل المشار إليه لاسم الإشارة يحيى بنَ القاسم الحذّاءَ المذكورَ في العنوان . ولعلّه ليس كذلك بل المشار إليه هو يحيى بنُ أبي القاسم المذكورُ في العنوان أوّلاً ؛ لأمرين : الأوّل : قوله : «أبو بصير هذا» إذ لم يُذكر أبو بصير إلاّ في العنوان بالنسبة إلى الأوّل ، ولعلّ الظاهر أنّ مراد الكشّي التنبيه على أنّ يحيى بن أبي القاسم كما يكنّى بأبى بصير كذا يكنّى بأبي محمّد . ويؤيّد ذلك قول الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام : «يحيى بن القاسم أبو محمّد يُعرف بأبي بصير الأسدي» (1) وعلى هذا فلعلّ لفظ الأب ساقط من عبارة الكشّي والشيخ . والثاني : قول الكشّي في موضع آخَرَ ، حيث قال : محمّد بن مسعود قال : سألت عليّ بن الحسن عن أبي بصير ، فقال : كان اسمه يحيى بنَ أبي القاسم ، فقال : أبو بصير كان يكنّى أبا محمّد ، وكان مولى لبني أسد ، وكان مكفوفاً . (2) فإنّ الظاهر من ذلك _ ظهوراً بيّناً _ أنّ الكنيتين للأسدي لا للحذّاء الأزدي . وقال النجاشي : يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي ، وقيل : أبو محمّد ، ثقة ، وجيه ، روى عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : يحيى بنُ أبي القاسم ، واسم أبي القاسم إسحاق وروى عن أبي الحسن موسى . (3)

.


1- .رجال النجاشي : 441 / 1187 .
2- .رجال الطوسي : 333 / 9 .
3- .اختيار معرفة الرجال : 173 / 296 .

ص: 154

وظاهر كلامه _ حيث لم يجعل عنوانين للاسمين _ الإتّحادُ ؛ فإنّه لو كانا متعدّدين لم يقتصر على عنوان واحد . وفي الفهرست : «يحيى بن القاسم يكنّى أبا بصير ، له كتاب مناسك الحجّ ، رواه عليّ بن أبي حمزة والحسين بن أبي العلاء عنه» (1) وظاهره أيضاً الإتّحاد كسابقه . وفي رجال الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام : «ابن القاسم أبو محمّد يُعرف بأبي بصير الأسدي مولاهم ، كوفي تابعي ، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد اللّه عليه السلام» (2) وفي أصحاب الباقر عليه السلام : «وابن أبي القاسم يكنّى أبا بصير مكفوف واسم أبي القاسم إسحاق» ثمّ بعده بلا فصل : «يحيى بن أبي القاسم الحذّاء » (3) وفي أصحاب الكاظم عليه السلام : «ابن القاسم الحذّاء واقفي» (4) ثمّ قال : «يحيى [ بن ] أبي القاسم يكنّى أبا بصير» . (5) وهذه الكلمات ظاهرة _ ظهوراً يقرب من النصّ _ في مغايرة الواقفي للأسدي ، بل تدلّ على أنّهم ثلاثة ؛ لتعبيره في أصحاب الصادق عليه السلام بابن القاسم من دون ذكر الأب الأسدي ، وفي أصحاب الباقر عليه السلام زاد الأب وقيّده بالمكفوف ، وصرّح بأنّ اسمه إسحاق مضافاً إلى ذكر ابن القاسم في أصحاب الصادق عليه السلامفقط وذكر ابن أبي القاسم في أصحاب الباقر عليه السلاموأصحاب الكاظم عليه السلام والحذّاء فيهما ؛ فهذه ثلاثة . إلاّ أن يقال بسقوط الأب من أصحاب الصادق عليه السلام كما احتملناه سابقاً . والشاهد عليه أنّه لو لا ذلك لذكر ابن أبي القاسم في أصحاب الصادق عليه السلام أيضاً ؛ فإنّه لا يعقل كونه من أصحاب الجدّ وولد الولد دون الولد ، وتركه إحالةً على

.


1- .رجال الطوسي : 333 / 9 .
2- .الفهرست : 504 / 798 .
3- .المصدر : 140 / 2 و3 .
4- .المصدر : 365 / 16 .
5- .المصدر : رقم 18 .

ص: 155

الظهور الظاهرُ عدمه ، كما يظهر من دأب علماء الرجال . وبالجملة : المغايرة بينهما ممّن تعرّض لهما ظاهرة ، فلا وجه للحكم بالاتّحاد كما هو ظاهر خلاصة الأقوال . وأمّا حالهما ، فقد عرفت أنّ الحذّاء واقفي بشهادة الشيخ (1) ، وما نقله الكشّي عن حمدويه _ الذي هو من مشايخه _ عن بعض أشياخه (2) ، وليس بإزائهما ما يصلح للمعارضة . وأمّا الأسدي ، فالظاهر _ وفاقاً لجمع _ أنّه ثقة ؛ لوجوه : الأوّل : قول النجاشي فيه : «ثقة وجيه» (3) وليس لذلك التوثيق معارض بعد وضوح التغاير . الثاني : الصحيح المرويّ في الكشّي _ على ما حكي _ عن ابن أبي عمير ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل ؟ قال : «عليك بالأسدي» يعني أبو بصير . (4) ويؤيّده رواية الكشّي عن شعيب ، عن أبي بصير الناصّةُ على ضمان أبي عبد اللّه عليه السلامالجنّة له . (5) وفيها دلالة واضحة على كون أبي بصير هذا هو المكفوفَ . ولا يتوهّمنّ أنّ أبا بصير هذا غير يحيى بن أبي القاسم المكفوفِ ؛ فإنّ المكنّى بهذه الكنية قد عرفت أنّه أربعة : أحدهم : عبد اللّه بن محمّد الأسدي الكوفي ، وعن رجال الشيخ أنّه من

.


1- .رجال النجاشي : 441 / 1187 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 173 / 296 .
3- .رجال الطوسي : 365 / 16 .
4- .اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 .
5- .المصدر : 171 / 289 و199 / 351 .

ص: 156

أصحاب الباقر عليه السلام (1) ولم يُذكر في كتب الرجال إلاّ مجهولاً . وما وثّقناه سابقاً هو عبد اللّه بن محمّد الأسدي المعروفُ بالحجّال المكنّى بأبي محمّد لا المكنّى بأبي بصير ، فلو كان الأسدي في الصحيح ذاك ، لوثّقوه ؛ لوضوح استفادة (2) التوثيق منه . مضافاً إلى أنّ المرويّ عنه هو أبو عبد اللّه ، وقد عرفت أنّ الشيخ ذكره من أصحاب الباقر عليه السلام إلاّ أن يقال : إنّ الكشّي ذكره من أصحاب الصادق عليه السلام ولا منافاة . نعم ، يستفاد أنّ أبا بصير ذلك ليس عبدَ اللّهَ ، مَن ذكر الكشّي في ترجمة عبداللّه ما حكاه طاهربن عيسى واقتصر به، وأورد الصحيح المذكور في المرادي . والثاني ليث المراديُّ ، والمغايرة بين الأسدي والمرادي واضحة ، فليس هو ذلك . والثالث : يوسف بن الحارث . وفي كونه مكنّى بأبي بصير كلام ذكره بعضٌ من أنّه مكنّى بأبي نصر بالنون ؛ مستدلاًّ بما في رجال الكشّي من أنّ أبا النصر ، يوسفَ بنَ الحارث بتريّ ، قال : واشتبه على الشيخ رحمه الله في أصحاب الباقر عليه السلام من رجاله ، فقرأ أبو بصير يوسف بن الحارث ، وتبعه غيره مثل العلاّمة في خلاصة الأقوال ، فصار على اشتباههم أبو بصير أربعَ ، فإذا وقع في رواية ، حكموا بضعف الحديث ، وهذا خلاف الواقع ؛ فانّهم ثلاثة ، والثلاثة أجلاّء ثقاتٌ والحديث صحيح . وقد خفي هذا على جميع الأعلام . (3) انتهى . أقول : كون الكلّ ثقاتٍ مبنيّ على كون الثالث منهم عبدَ اللّه بن محمّد الحجّال ، وقد عرفت ضعفه .

.


1- .رجال الطوسي : 129 / 26 .
2- .قد سقط «استفادة» عن «ألف» .
3- .مجمع الرجال 5 / 149 باختلاف يسير .

ص: 157

سلّمنا كونه مكنّى بذلك ، لكن قد سمعت قول الكشّي أنّه بتريّ ، فكيف يأمر الإمام بالسؤال عنه ؟ ! فتعيّن كونه الأسديَّ المكفوفَ ، ودلّ الصحيح على كمال قدرته في الأحكام الشرعيّة مضافاً إلى الدلالة على الوثاقة . الثالث : قول الكشّي : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه السلاموأبي عبد اللّه عليه السلام ، وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زراره ، ومعروف بن خَرّبوذ ، وبُرَيد ، أبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمّد بن مسلم . قالوا : وأفقه الستّة زرارة . وعن بعضهم أنّه قال مكان أبي بصير الأسدي : أبو بصير المرادي . (1) وهذه العبارة لو لم تدلّ على التوثيق المصطلح فدلالتها على الجلالة التامّة واضحة . وممّا يدلّ على مدحه أيضاً ما رواه الكشّي بسند لا يخلو من اعتبارٍ : عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، قلت : تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص ؟ فقال : «إي بإذن اللّه تعالى » . ثمّ قال : «اُدنُ منّي» فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت السماء والأرض والبيوت . فقال : «أتحبّ أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أم تعود كما كنت ولك الجنّة الخالص ؟ قلت : أعود كما كنت . فمسح على عيني ، فعُدْتُ . (2) ولعدم ثبوت مكفوفيّة غير الأسدي من كلمات أهل الرجال ، فذلك هو . ودعوى بعضهم مكفوفيّةَ المرادي والأسدي الآخَر غير ثابتة بعدُ . وقد سمعت قول النجاشي سابقاً أنّ يحيى وُلد مكفوفاً ورأى الدنيا مرّتين بمسح أبي جعفر عليه السلام

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 .
2- .المصدر : 174 / 298 .

ص: 158

وأبي عبد اللّه عليه السلام . (1) ثمّ إنّ هنا أخباراً تدلّ على ذمّه : منها : ما عن ابن القياما ، قال : حججت سنة ثلاث وتسعين ومائة وسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، ما فعل أبوك ؟ فقال : «مضى كما مضى آباؤه » . قلت : وكيف أصنع بحديثٍ حدّثني يعقوب بن شعيب ، عن أبي بصير أنّ أبا عبد اللّه عليه السلامقال : إن جاءكم مَن يخبركم أنّ ابنى هذا مات وكُفّن ودُفن وقُبر ونفضوا أيديَهم من تراب قبره ، فلا تصدّقوا به ؟ قال عليه السلام : «كَذَب أبو بصير ليس هكذا حديثُه ، قال : إن جاءكم عن صاحب هذا الأمر» . (2) ويمكن الجواب عنه أوّلاً : بأنّ رواية شعيب عن أبي بصير قرينة على كونه الأسديَّ المكفوفَ ، وهنا الراوي يعقوب بن شعيب ، غاية الأمر كونه أسديّاً ، فلعلّ أبا بصير هو عبد اللّه بن محمّد الأسدي المجهولُ . وثانياً : بأنّ الدلالة على القدح إنّما تتمّ لو قرئ «كذب» بالبناء على الفاعل من المجرّد ولِمَ لا يكون بالبناء على المفعول من المزيد ، ويكون «حديثه» مبتدأً و«قال» خبرَه ، فحاصل المعنى أنّ الإمام يقول : نُسب أبو بصير إلى الكذب ، ليس هذا الذي ذكرته حديثَه إنّما حديثه ذلك . هذا إن كان حديث على زنة فعيل ، وإن كان فعلاً فالدلالة على ما ذكرنا أظهر بناءً على رجوع الفاعل إلى أبي بصير والضمير المنصوب إلى يعقوب . وثالثاً : أنّ غاية ذلك ، الدلالةُ على كونه واقفيّاً . ولعلّ هذا وأمثاله أوجب توهّم الإتّحاد _ كما أشرنا _ والحكمَ بالوقف . لكنّه معارضَ بأخبار دالّة على خلاف ذلك .

.


1- .مرّ نقله في ص 150 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 475 / 902 .

ص: 159

منها : ما أورده الكشّي قال : وجدت في بعض روايات الواقفة : عليّ بن إسماعيل بن يزيد قال : شهدنا محمّد بن عمران البارقي في منزل عليّ بن أبي حمزة وعنده أبو بصير ، قال محمّد بن عمران : سمعت أبا عبد اللّه يقول : «منّا ثمانية محدّثون تاسعهم القائم » فقام أبو بصير فقبّل رأسه . (1) انتهى . على أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السلام : «منّا ثمانية» الأئمّة الذين ينتهي نسبهم إلى أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ويشهد عليه قوله عليه السلام : «تاسعهم القائم» ولم يقل : تاسعهم ابني يعني موسى . وحمله على ما يدلّ على الوقف بأن يكون المراد من الثمانية الرسول وفاطمة إلى الكاظم عليه السلام ممّا ينافيه كونُهم محدّثين ؛ لما في الصحيح المروىّ في باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدَّث من أُصول الكافي (2) ؛ فتدبّر . ومنها : ما رويناه سابقاً عن سماعة (3) ، ومارواه في الباب السادس من العيون في الصحيح ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن عليّ عليهماالسلام تاسعهم قائمهم .» (4) وكون أبي بصير في الأوّل المكفوفَ واضح بقرينة قوله : عليّ بن أبي حمزة ؛ فإنّ الظاهر أنّه قائده وتلميذه . وأمّا في الثاني فلابدّ فيه من التمييز ولعلّنا نشير إليه . ومن الأخبار الذامّة : ما في كتاب النكاح من التهذيب والاستبصار عن شعيب

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 474 / 901 .
2- .الكافي 1 : 176 / 3 .
3- .في الكافي عن سماعة قال : كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزله بمكّة فقال محمّد بن عمران سمعت أبي عبد اللّه . إلى آخره «منه» .
4- .قد رواه الصدوق بهذه الألفاظ في الخصال : 419 / 12 و480 / 50 وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 56 / 17 روى عن النبي صلى الله عليه و آله ما بهذا المضمون .

ص: 160

العقرقوفي ، قال : سألت أبا الحسن(ع) عن رجل تزوّج امرأة لها زوج ولم يعلم . قال : «تُرجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم » . قال : فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي قال : فقال _ واللّه جعفر عليه السلام _ : «يُرجم المرأة ويُجلد الرجل الحدَّ » ومال بيديه إلى صدره يحكّه ما أظنّ صاحبنا تكامل علمُه . (1) وفي معناه ما عن الكشّي : عن حمدان ، عن معاوية ، عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة تزوّجت ولها زوج فظهر عليها ؟ قال : «ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط ؛ لأنّه لم يسأل » . قال شعيب : فدخلت على أبي الحسن ، فقلت له : امرأة تزوّجت ولها زوج ؟ قال : «ترجم المرأة ولا شيء على الرجل » ، فلقيت أبا بصير ، فقلت له : إنّي سألت أبا الحسن عن المرأة التي تزوّجت ولها زوج ؟ قال : قال : «ترجم المرأة ولا شيء على الرجل» . قال : فمسح على صدره وقال : ما أظنّ صاحبنا تناهى علمه بعدُ . (2) والجواب عنه : أنّ رواية شعيب وإن كانت ظاهرةً في كونه الأسديَّ المكفوفَ ولعلّ في قوله : «مسح على صدره وحكّ» إيماءً على ذلك أيضاً ، لكن قد عرفت التصريح بالمرادي على ما في رجال الكشّي ، ولا يقاوم الظاهرُ النصَّ ، مضافاً إلى احتمال أن يكون المراد من الصاحب شعيبا لا مولانا الكاظمَ عليه السلام ، بل هو الظاهر بعد ملاحظة جلالة المرادي ، ولا أقلّ من التساوي والتساقط ؛ فتدبّر . ومنها : ما روي عن حمّاد ، قال :

.


1- .تهذيب الأحكام 7 : 487 / 165 ؛ الاستبصار 3 : 189 / 4 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 171 / 292 .

ص: 161

جلس أبو بصير على باب أبي عبد اللّه عليه السلامليطلب الإذن ، فلم يؤذن له ، فقال : لو كان معنا طبق لأذن ، فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير ، قال : أُفٍّ أُفٍّ ، ما هذا ؟ قال جليسه : هذا كلب شغر في وجهك . (1) وهذا واضح الدلالة على أنّه المكفوف . والجواب عنه : أنّ الظاهر أنّ هذا ممّا مازح به البوّاب _ كما هو المتعارف في يومنا _ بل في قوله : «ليطلب الإذن» دلالة على أنّ المراد : فلم يؤذن له في طلب الإذن ؛ فتدبّر . ولاأقلّ من الإحتمال المساوى . وشغر الكلب على التقدير الأوّل إنّما هو لسوء الأدب بالنسبة إلى خدّام الإمام عليه السلامفلا يصلح قرينةً على كونه بالنسبة إليه عليه السلام . ومع الغضّ عن الكلّ فضعف سند أمثال ذلك ممّا يمنع عن مقاومة مادلّ على المدح ، فلنقتصر على ذلك . فتحصّل من ذلك أنّ المرادي والأسدي المكفوفَ من الثقات ، والأسديَّ الآخَرَ من المجاهيل . وأمّا يوسف بن الحارث _ إن كان مكنّى بتلك الكنية _ فبتريٌّ . فمتى وردت رواية عن أبي بصير كانت مشتركة بين الصحيحة والضعيفة ، محتملةً لهما . وأمّا الحذّاء الواقفي ، فليس ممّن كنّي بذلك . ثمّ إنّ الإشتراك بين الأربعة إنّما هو إذا كان الإمام المرويُّ عنه مولانا الباقرَ عليه السلاموإذا كان مولانا الصادقَ عليه السلام والكاظمَ عليه السلام ، سقط احتمال البتري ؛ لكونه في رجال الشيخ من أصحاب الباقر عليه السلام (2) وسقط المجهول أيضاً ؛ لكونه كذلك فيه إلاّ أنّك

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 173 / 297 .
2- .رجال الطوسي : 141 / 17 .

ص: 162

قد عرفت نقل الكشّي روايته عن الصادق عليه السلام أيضاً . (1) وامّا إذا كان المرويّ عنه مولانا الكاظمَ عليه السلام ، انحصر الأمر بين الثقتين . وعند الإشتراك بين الأربعة ينصرف الإطلاق إليهما ؛ لكون هذه الكنية فيهما أشهرَ _ كما اعترف به جمع _ وبأنّهما كثير الرواية بالنسبة إلى الباقين ، فردُّ الحديث المشتمل سندُه على أبي بصير للاشتراك _ كما وقع من الشهيد الثاني رحمه الله (2) والأردبيلي (3) وصاحب المدارك (4) _ ليس في محلّه . وأمّا المميّز بين الثقتين _ كما قد تقع الحاجة إليه عند التعارض _ فالمرجّح للأسدي أُمور : منها : رواية شعيب العقرقوفي عنه ؛ لما عرفت من أمر المعصوم بسؤاله عنه (5) ، مضافاً إلى كونه ابنَ أُخت يحيى الأسدي . ومنها : رواية عليّ بن أبي حمزة عنه ، كما أشرنا إليه سابقاً من أنّه تلميذه وقائده ، ولما في بعض سند الصدوق في العيون من رواية عليّ بن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم (6) . ومنها : رواية عاصم بن حميد عنه ؛ لما في التهذيب والاستبصار في باب المواقيت من رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير المكفوف (7) . ومنها : رواية الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عنه ؛ لتصريح النجاشي

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 171 و173 / 292 و297 .
3- .مسالك الأفهام 8 : 50 .
4- .مجمع الفائدة والبرهان 1 : 275 و330 .
5- .مدارك الأحكام 1 : 49 و78 و88 .
6- .عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 61 / 28 .
7- .تهذيب الأحكام 2 : 39 / 73 ؛ الاستبصار 1 : 276 / 13 .

ص: 163

بروايته عنه . (1) ومنها : رواية منصور بن حازم ؛ لما في [ أبواب ] طلاق الكافي من رواية منصور عن الأسدي (2) المنصرف إلى المكفوف لا المجهول . ومنها : رواية معلّى بن عثمان عنه ؛ لما في باب الثوبُ يصيبه الدم من الكافي من روايته عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلّي . فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً . (3) ومنها : رواية مثنّى الحنّاط عنه ؛ لما عرفت سابقاً من رواية الكشّي عن مثنّى ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت : تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه . (4) انتهى . ومنها : رواية عبد اللّه بن وضّاح عنه ؛ لما في رجال النجاشي من أنّه «أبو محمّد ، كوفي ، ثقة ، من الموالي ، صاحب أبي بصير يحيى بن القاسم كثيراً ، وعرّف به ، له كتب يعرف منها كتاب الصلاة أكثره عن أبي بصير» . (5) انتهى . والمرجّح للمرادي أيضاً أُمور : منها : روايته عن مولانا الكاظم عليه السلام ؛ لأنّ مولانا الصادق عليه السلام قبض في سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقبض مولانا الكاظم عليه السلام في سنة ثلاث وثمانين ومائة ، والأسدي _ على ما نقلناه من النجاشي (6) بل يظهر عن الشيخ (7) أيضاً _ مات في سنة خمسين ومائة فلم يدرك من مدّة إمامة الكاظم عليه السلام _ التي هي خمس وثلاثون

.


1- .رجال النجاشي : 441 / 1187 .
2- .رجال الطوسي : 333 / 9 .
3- .الكافي 6 : 71 / 3 .
4- .المصدر 3 : 58 / 1 .
5- .اختيار معرفة الرجال : 174 / 298 .
6- .رجال النجاشي : 215 / 560 .
7- .المصدر : 441 / 1187 .

ص: 164

سنة _ إلاّ سنتين . وأمّا المرادي ، فمقتضى ما في الكافي _ من روايته عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : قبض موسى بن جعفر عليه السلام وهو ابن أربع وخمسين سنه _ (1) إدراكُه تمامَ أيّام الإمامة ؛ فإنّك ستعرف أنّ أبا بصير ذلك هو المرادي ، فروايته عن الكاظم عليه السلامأغلبُ بمراتبَ من رواية الأسدي عنه ، فيحصل الظنّ بأنّه هو . هذا إن لم يعلم صدور الرواية في الأواخر ، وإلاّ تعيّن كونه المراديَّ بالتأريخ . ومنها : رواية الحسين بن مختار عنه ؛ لما في رجال الكشّي من روايته عن أبي بصير الذي كان معلّماً للمرأة القرآنَ ، فمازحها بشيء ، وقال له أبو جعفر بعد قدومه إليه : «أيّ شيء قلت للمرأة ؟ » قال : قلت : بيدي هكذا ، وغطّى وجهه ، فقال عليه السلام : «لا تعودنّ إليها» (2) ؛ فإنّ الظاهر منها كونه غيرَ مكفوف ؛ فتدبّر . ومنها : رواية المفضّل بن صالح عنه ؛ لما في رجال النجاشي من أنّه يروي عنه . (3) ويظهر ذلك من الكافي في باب صلاة العيدين . (4) ومنها : رواية عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عنه ؛ للتصريح به في طريق الصدوق إلى عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (5) . ومنها : رواية أبي بصير عنه ؛ لما عرفت . (6) ومنها : رواية عبد اللّه بن مسكان عنه ؛ للتصريح بليث المرادي في روايته عنه في عدّة مواضعَ . (7)

.


1- .الكافي 1 : 486 / 9 .
2- .اختيار معرفة الرجال : 173 / 295 .
3- .رجال النجاشي : 321 / 876 .
4- .الكافي 3 : 460 / 4 .
5- .الفقيه 4 : 459 .
6- .أي رواية أبي بصير عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي كما في تهذيب الأحكام 1 : 39 / 45 .
7- .الكافي 2 : 60 / 2 و309 / 5 و4 : 128 / 3 و ...

ص: 165

وقد وقعت رواية ابن مسكان عن أبي بصير المطلق في تأريخ وفاة الحسن والحسين عليهماالسلام وعليّ بن الحسين عليهماالسلام ومحمّد [ بن ] عليّ الباقر عليهماالسلام وجعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام وموسى بن جعفر _ صلوات اللّه عليهم أجمعين _ في الكافي ، فهو المرادي ؛ لحمل المطلق على المقيّد وصيرورته قرينةً عليه ، ولاسيّما في الأخير ؛ لما عرفت من موت الأسدي في حياة مولانا الكاظم عليه السلام . وما يتوهّم _ من منافاة الأخير لما في رجال النجاشي من أنّ عبد اللّه بن مسكان مات في أيّام أبي الحسن عليه السلام قبل الحادثه _ (1) إنّما يتمّ لو كان المراد به أبا الحسن موسى عليه السلاملِمَ لا يكون أبا الحسن الرضا ، بل لعلّه الظاهر من الإطلاق . ويكون المراد بالحادثة خروجَه من المدينة إلى خراسانَ بأمر المأمون _ عليه ما يستحقّه _ والتماسِه ، وحمْلُ ابن مسكان ذلك على غير ذلك بعيد جدّاً كما لا يخفى . وعن صاحب المعالم وابنه دعوى الإطلاّع على رواية ابن مسكان عن الأسدي . (2) ولعلّه _ على فرض ثبوته _ لا يزاحم الحمل على المرادي إذا كان الراوي ابنَ مسكان . ومنها : رواية أبي أيّوب وابن أبي بكير عنه ؛ لما في الكافي في باب الشكر . (3) ومنها : رواية أبي المعزا عنه ؛ لما في التهذيب في باب بيع الواحد بالاثنين . (4) وقد ذكروا مميّزاتٍ أُخَرَ مثل رواية ابن أبي يعفور أو حمّاد الناب أو سليمان بن خالد وغيرهم عنه ، فلابدّ من كثيرِ تتبّعٍ في أمثال المقامات . ونحن بعدُ _ مع ذلك التفصيل _ في حيرة في تميز أبي بصير الذي يروي عنه سماعة ، كما في مثالنا .

.


1- .رجال النجاشي : 215 / 559 .
2- .لم نظفر على قولهما .
3- .الكافي 7 : 310 / 11 باب دية أهل الكتاب .
4- .تهذيب الأحكام 7 : 105 / 58 .

ص: 166

وربّما يستشكل في كون عاصم بن حميد من مميّزات الأسدي ؛ لما في الفقيه في باب الوقت الذي يحرم فيه الأكل والشرب على الصائم من أنّه روى عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي (1) ، بل يظهر من ضمّ هذه المقالة مع ما سمعت من باب مواقيت التهذيب والاستبصار من رواية عاصم عن أبي بصير المكفوف (2) أنّ المرادي أيضاً مكفوف ، فيختلّ جملة من المميّزات السابقة . ولكن يمكن الجواب عنه : بأنّ ذلك الحديث روي في الكافي مطلقاً (3) وفي التهذيبين مقيّداً بالمكفوف . وفي الفقيه بالمرادي (4) ، فيظهر من ذلك أنّ التقييد نشأ من الإجتهاد ، بل لعلّ التقييد في التهذيبين في مقام الردّ على الصدوق ، فلا يقوم مثل ذلك حجّةً على نقض ما قلناه . نعم ، لو لم يضمّ إلى مقالة الشيخ كونُه أعرفَ بالرجال ، لاشتبه الأمر عند رواية عاصم عن أبي بصير . لكن قد عرفت أنّه لا حاجة إلى التعيين إلاّ عند التعارض ؛ فإنّ المرادي _ كما يظهر من الأخبار _ أوثقُ من الأسدي ، ولعلّ ذلك غير موجود أو قليل ؛ فتدبّر . 5 وأمّا مكفوفيّة المرادي ، فظاهر كلمات علماء الرجال خلافه ؛ حيث نسبوها إلى الأسدي فقط دون المرادي ، مع أنّ بناءهم على ذكر الأوصاف ليثمر في التمييز . وما في منهج المقال في ترجمة زرارة ، عن أبي عبد اللّه أنّه قال : «كيف أصنع بهم وهذا المرادي بين يديَّ ، وقد أُريتُه _ وهو أعمى _ بين السماء والأرض ،

.


1- .تهذيب الأحكام 2 : 39 / 73 ؛ الاستبصار 1 : 276 / 13 .
2- .الكافي 4 : 99 / 5 .
3- .الفقيه 2 : 130 .
4- .إشارة إلى أنّ قلّة التعارض لا توجب عدم الاحتياج إلى التعيين «منه» .

ص: 167

فشكّ وأضمر أنّي ساحر» (1) فمضافاً إلى كونه ضعيف السند ممّا ينافي جلالة المرادي جدّاً . وأمّا إسحاق بن عمّار ، فهو المعركة العظمى ؛ فإنّهم اختلفوا أوّلاً في تعدّده ووحدته، فممّن يظهر منه الثاني: الصدوق ، ومنهم: الشيخ الضابط النجاشي ، قال: إسحاق بن عمّار بن حيّان مولى بني تغلب ، أبو يعقوب الصيرفي ، شيخ من أصحابنا ثقة وإخوته : يونس ، ويوسف ، وقيس ، وإسماعيل وهو في بيت كبير من الشيعة وابنا أخيه : عليُّ بن إسماعيل وشبر بن إسماعيل كانا من وجوه مَن يروي الحديث . روى إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلاموأبي الحسن عليه السلام . (2) إلى آخر ما ذكره . ولمّا لم يذكر في الرجال إلاّ ذلك فالظاهر اعتقاده انحصار إسحاق بن عمّار في ذلك . ومنهم : ظاهر الشيخ في الفهرست ؛ (3) حيث قال فيه : «إسحاق بن عمّار الساباطي ، له أصل وكان فطحيّاً إلاّ أنّه ثقة وأصله معتمد» واقتصر عليه . ومنهم : السيّد أحمد بن طاوس ؛ فإنّه بعد ما أورد الرواية التي رواها الكشّي ، عن محمّد بن مسعود ، عن محمّد بن نصير ، عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن زياد العبدي ، قال : كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا رأى إسحاق بن عمّار وإسماعيل بن عمّار ، قال : «وقد يجمعهما الأقوام ،أي الدنيا والآخرة » . قال : ويبعد أن يقول الصادق عليه السلام هذا ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار كان فطحيّاً والرواية في طريقها ضعفٌ بالعبيدي ، وبزياد ؛ لأنّ زياد بن مروان القندي واقفي . (4)

.


1- .منهج المقال : 146 .
2- .رجال النجاشي : 71 / 169 .
3- .الفهرست : 39 / 52 .
4- .التحرير الطاووسي : 40 و41 ؛ نقل الرواية عن اختيار معرفة الرجال : 402 / 751 .

ص: 168

ومنهم ظاهر المحقّق (1) وجماعةٍ من المتأخّرين (2) ، وقال الشهيد الثاني : «إنّه فطحيّ بغير خلاف لكنّه ثقة» في مسألة ميراث المفقود من المسالك (3) . فقد عرفت أنّ القائلين باتّحاده بين القائل بكونه ثقةً كالنجاشي ، بل يظهر ذلك من الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام حيث قال فيه : «إسحاق بن عمّار ثقة ، له كتاب» (4) وبكونه فطحيّاً . ومن القائلين بالتعدّد البهائي (5) وصاحب الرجال الكبير المحقّق الأسترآبادي بعد ما اختار فيه وفي الوسيط الإتّحاد (6) ؛ حيث قال : «الظاهر من التتبّع أنّ إسحاق بن عمّار اثنان : ابن عمّار بن حيّان الكوفي ، وهو المذكور في رجال النجاشي ، وابن عمّار بن موسى الساباطي ، وهو المذكور في الفهرست ، وأنّ الثاني فطحي دون الأوّل» (7) والتقيّ المجلسي (8) والفاضل الخراساني (9) وصاحب التعليقة (10) وصاحب الرياض 11 . وليعلم أوّلاً أنّ إسحاق بن عمّار بقول مجمل كثير الرواية يروي عن مولانا الصادق عليه السلام ، والراوي عنه في الأغلب صفوان بن يحيى ، وعبد اللّه بن جبلة ، وابن أبي عمير ، وسيف بن عميرة ، والحسن بن محبوب ، ومحمّد بن سنان ،

.


1- .المعتبر 1 : 69 .
2- .كالعلاّمة في خلاصة الأقوال : 200 / 1 ، ومعالم العلماء : 26 / 133 .
3- .مسالك الأفهام 8 : 106 .
4- .رجال الطوسي : 342/3 .
5- .مشرق الشمسين : 95 .
6- .تلخيص المقال : 24 (مخطوط) .
7- .منهج المقال : 53 .
8- .روضة المتّقين 14 : 51 ؛ معالم العلماء : 26 / 133 .
9- .ذخيرة المعاد : 196 .
10- .وحيد البهبهاني في تعليقة منهج المقال : 52 .

ص: 169

وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان ، والحسين بن أبي العلاء ، وعبد اللّه بن مغيرة ، ويونس بن عبد الرحمن ، وهؤلاء يروون عنه أخباراً كثيرة عن أبي الحسن موسى . ثمّ إنّ روايته عن الإمامين الهمامين قد تكون بلا واسطة ، وقد تكون بواسطة واحدة ، وقد يكون بثلاث وسائطَ . والحاصل : أنّ المسمّى بذلك الاسم من أصحاب أئمّة ثلاثة إن كان واحداً وكثيرَ الرواية جدّا ، فإكثار الكلام في استعلام وحدته وتعدّده ، ومدحه وقدحه ليس من التطويل بلا طائل . فنقول : بعد اتّفاقهم على تعدّد عمّار من دون ظهور خلاف : أحدهما ابن موسى الساباطي ، والآخَر ابن حيّان الكوفي الصيرفي ، وأنّ الأوّل ممّن لم يذكروا له إلاّ أخوين : قيس وصبّاح ، وأنّهم كانوا ثقاتٍ في الرواية ، وأنّ عمّاراً كان فطحيّاً ، وأنّ الثاني كان من أصحاب أبي عبد اللّه كما يظهر من الكافي في باب البرّ بالوالدين من رواية عبد اللّه بن مسكان عنه عنه عليه السلام (1) ، وأنّ لابنه إسحاقَ إخوةً ثلاثةً وبني إخوةٍ كما سمعت ، اختلفوا في أنّ إسحاق المعروفَ الكثيرَ الرواية _ كما يظهر من ملاحظة أسانيد روايات الكفّارة (2) الكافي والتهذيبين _ هل هو ابن الفطحي أو ابن الآخَر كما عليه مَبنى القول بالاتّحاد ، أو ابنٌ لهما كما عليه مبنى القول بالتعدّد ؟ ويمكن الاستدلال للأخير بوجوه : منها : ما يظهر ممّا رواه الكشّي عن حمدويه وإبراهيم قالا : حدّثنا أيّوب ، عن ابن المغيرة ، عن عليّ بن إسماعيل بن عمّار ، عن إسحاق ، قال : قلت لأبي عبد اللّه : إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس وأخاف إن حدث حادث أن تغرق أموالنا ؟ قال : فقال : «اجمع أموالك في كلّ شهر ربيع » قال

.


1- .الكافي 2 : 161 / 12 .
2- .كذا في «ب» و في «ج» : «روايات الكافي» و لعلّ الصحيح : «روايات كفّارة الكافي» .

ص: 170

عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع . (1) بناء على استظهار موته في زمان مولانا الصادق عليه السلام منها ، فيكون مغايراً للراوي عن مولانا الكاظم عليه السلاموالذي مات في أيّامه . كما يدلّ عليه ما رواه الكليني : عن أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسَه . فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟ ! فالتفت إلىّ شِبهَ المُغضَب فقال : «يا إسحاق ، قد كان رُشَيد الهجرى يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك» . ثمّ قال : «يا إسحاق ، اصنع ما أنت صانع ؛ فإنّ عمرك قد مضى وفنى وأنّك تموت إلى سنتين، وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون إلاّ يسيراً حتّى تتفرّق كلمتهم ويخونَ بعضهم بعضاً حتّى يشمت بهم عدوّهم ، فكان هذا في نفسك». فقلت : فإنّي أستغفراللّه بما عرض في صدري ، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً حتّى مات ، فما أتى عليهم إلاّ قليل حتّى قام بنو عمّار بأموال الناس فأفلسوا . (2) توضيح : رُشَيد الهُجري _ بضمّ الراء المهملة ، على ما ضبطه في خلاصة الأقوال (3) _ من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهم السلام . (4) وعن الكشّي رواية عن قنواء بنت رشيد الهجري قال الراوي عنها : قلت لها : أخبريني ما سمعتِ من أبيكِ ، قالت : سمعت أبي يقول : أخبرني أميرالمؤمنين عليه السلامفقال : «يا رُشَيد ، كيف صبرك إذا أرسل إليك دَعيُّ بني أُميّة،

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 409 / 767 . قوله «بناءً» قيد لقوله : «يظهر» .
2- .الكافي 1 : 484 / 7 .
3- .خلاصة الأقوال : 72 / 5 .
4- .ويظهر من المجمع فتحها ؛ إذ فيه : الرشيد اسم من أسمائه تعالى _ إلى أن قال _ والرشيد هارون بن محمّد المهديّ أحد خلفاء بني العبّاس _ إلى أن قال _ ورشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا .

ص: 171

فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟» قلت : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، آخر ذلك إلى الجنّة ؟ فقال : «يا رشيد ، أنت معي في الدنيا والآخرة» قالت : فواللّه ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه عبيد اللّه بن زياد دعيّ بني أُميّة فدعاه إلى البراءة من أميرالمؤمنين عليه السلام فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعيّ : فبأيّ ميتة قال لك تموت؟ فقال له : أخبرني خليلي أنّك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ منه، فتقدّمني فتقطّع يدي ورجلي ولساني ، فقال : لا كذلك قوله فيك ، فقدِّموه فاقطعوا يديه ورجليه واتركوا لسانه ، ففعلوا ذلك به ، فقلت : يا أبه ! هل تجد ألماً لما أصابك؟فقال:يا بنيّة،إلاّ كالرخام بين الناس.فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله . فقال : ائتوني بصحيفة ودوات أكتبْ لكم ما يكون إلى يوم الساعة . فأرسل إليه الحجّام حتّى يقطع لسانه فمات رحمه اللهفي ليلته . قال : وكان أمير المؤمنين يسمّيه رشيدَ البلايا ، وكان قد ألقى عليه علم البلايا والمنايا ، وكان في حياته إذا القي الرجل قال له : فلان ، أنت تموت بميتة كذا ، وتقتل أنت يا فلان، بقتلة كذا ، فيكون كما يقول رشيد ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام (1) يقول: «أنت رشيد البلايا » أي تقتل بهذه القتلة ، فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام. وأنت خبير بضعف هذا الوجه ؛ لعدم دلالة الرواية الأُولى على موته في زمان مولانا الصادق عليه السلام بواحد من الدلالات ، فكما تصلح لذلك تصلح لأن يكون إخبار إسحاق بتلك الواقعة لعليّ بن إسماعيل بن عمّار _ الذي هو ابن أخيه على الظاهر _ في أيّام مولانا الكاظم عليه السلام ، أو في أيّام مولانا الصادق عليه السلام على فرض ثبوت كون عليّ من أصحابه عليه السلام ، مضافاً إلى ما عرفت سابقاً من أنّ عمّار الساباطي لم يذكروا له إلاّ أخوين ، وأمّا الأولاد فلا ، بخلاف ابن حيّان ، وكلتا الروايتين متّفقة الدلالة على أنّ ابن عمّار فيهما شخص واحد . (2)

.


1- .اختيار معرفة الرجال : 75 / 131 .
2- .في حاشية «ب» : «لقرينة ذكر الإخوة معه» .

ص: 172

ومنها : أنّ الظاهر من الرواية الثانية أنّ تلك الواقعة إنّما كانت قبل دخوله عليه السلامفي حبس هارون ، والظاهر منها أيضاً عدم مكثه بعد ذلك المجلس إلاّ يسيراً ، فهو يغاير ابن عمّار الحاكي لبعض أحوال الكاظم عليه السلام في السجن من دخول أبي يوسفَ ومحمّد بن الحسن صاحبَيْ أبي حنيفة عليه وإخبارِه عن موت الموكّل عليه في ليلته . (1) وضعف هذا الوجه أيضاً واضح ؛ لعدم المنافاة بين كون الشخصين شخصاً واحداً ؛ لأنّ مدلول الرواية الأُولى أنّ مكث إسحاق بعد الحكاية لم يكن إلاّ يسيراً ، وأين ذلك من عدم إمكان حكايته حالةَ الحبس ، أو كونِه مستبعداً ؟ نعم ، لو كان مُفاد الأُولى موتَ ابن عمّار قبل دخول الحبس ، لاتّضحت المنافاة ، بل لو كان مدلولها ذلك أيضاً يمكن منع المنافاة ؛ لما رواه الصدوق في العيون من أنّ هارون حبسه عليه السلام أوّلاً فدعا عليه فرأى في المنام أسود بيده سيف يقول : أطلق عن موسى بن جعفر عليه السلام وإلاّ ضربتك بسيفي فخاف وأطلقه . وكان يدخل عليه في كلّ خميس كريماً شريفاً إلى أن حبسه ثانياً فلم يطلق عنه حتّى سلّمه إلى سندي بن شاهك وقتله بالسّمّ . (2) فيمكن أن يكون حكاية إسحاق في الحبس أوّلاً وموته قبل الحبس ثانياً . ومنها : أنّ يعقوب بن يزيد قد يروي عن إسحاق بن عمّار بلا واسطة ، فهو يغاير من يروي عنه بثلاث وسائطَ كما في بعض أخبار التهذيب في باب الزيادات من الحدود . (3) وأيضاً قد يروي إسحاق عن أبي جعفر عليه السلام بثلاث وسائطَ كما في الباب الثامن

.


1- .الخرائج والجرائح 1 : 322 / 14 ؛ بحار الأنوار 48 : 64 / 83 .
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 87 / 13 .
3- .تهذيب الأحكام 10 : 151 / 35 وفيه : محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد اللّه بن جبلة ، عن أبي جميلة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

ص: 173

من بصائر الدرجات حيث قال الصفّار : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن إسحاق (1) ، فهو يغاير لإسحاق الراوي عن مولانا الصادق والكاظم عليهماالسلام . والجواب عنه : أنّ يعقوب بن يزيد من أصحاب الرضا عليه السلام ، والصفّارَ من أصحاب العسكري عليه السلام فلا ضير في الرواية عن إسحاق الراوي عن الأئمّة الثلاثة . وأيضاً رواية بعض المعاصرين عن بعضٍ آخَرَ بلا واسطة أو بواسطة _ متّحدة كانت أو متعدّدةً _ غيرُ عزيزة ، فلا وجه للتعدّد ومضافاً إلى كونه خلافَ الأصل . ثمّ إنّه يدلّ على كون ذلك الواحد ابنَ عمّار بن حيّان وجوه : الأوّل : ما سمعت سابقاً ممّا رواه الكشّي ؛ حيث إنّ الظاهر منه أنّ إسحاق وإسماعيل أخوان ، وإذا ضمّ ذلك بالصحيح المرويّ في الكافي في باب البرّ بالوالدين عن عمّار بن حيّان قال : خبرت أبا عبد اللّه ببرّ ابني إسماعيل بي . فقال : «لقد كنت أُحبّه وقد ازددت له حبّاً » (2) دلّ على المطلوب . الثاني : تصريح النجاشي _ كما سمعت _ بأنّه ابن عمّار بن حيّان (3) . ومن المسلّمات بين أهل الرجال أنّه أضبطُ من الشيخ . الثالث : التتبّع في النصوص ؛ حيث صُرّح فيها بالتقييد بالصيرفي كما في الكافي في باب النهي عن الإشراف على قبر النبيّ صلى الله عليه و آله (4) ، وفيه في باب النوادر من أواخر المعيشة (5) وغيرهما ، ولم يوصفوا ابن الساباطي بالصيرفي . ثمّ إنّ النجاشي قال في ترجمة إسحاق بعد ما حكيناه سابقاً : روى إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليه السلام ، ذكر ذلك أحمد بن

.


1- .رجال النجاشي : 71 / 169 .
2- .الكافي 2 : 161 / 12 .
3- .بصائر الدرجات : 33 / 1 .
4- .الكافي 1 : 452 / 1 .
5- .المصدر 5 : 318 / 56 .

ص: 174

محمّد بن سعيد في رجاله . له كتاب نوادر ، يرويه عنه عدّة من أصحابنا . أخبرنا محمّد بن عليّ ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا سعد ، عن محمّد بن الحسين ، قال : حدّثنا غياث بن كلوب عن إسحاق به . (1) ومقتضى ذلك إخباره بأنّ الراوي عن ابن حيّان غياث بن كلوب ، فيظهر من ذلك أنّه ابن حيّان أينما روى غياث عن إسحاقَ بن عمّار ، ولعدم ثبوت إسحاقٍ آخَرَ يظهر أنّه المراد أينما وقع وإن لم يكن الراوي منه غياث . الرابع : الرواية السابقة _ التي نقلناها من الكافي الدالّة على موت إسحاقَ إلى سنتين _ (2) إذا لوحظت مع أنّ الأولاد إنّما كانوا لعمّار بن حيّان ، وابن موسى لم يكن له إلاّ أخوان كما يظهر من كلمات أهل الرجال . مضافاً إلى أنّ عمّار الساباطي كان من مشاهير الرواة ، ولم يتّفق رواية إسحاق عن عمّار فيما حكي ونعلم ، وذاع رواية مصدَّق بن صدقة عنه . ولعمري أنّ ذلك من أقوى الشواهد أنّ إسحاق بن عمّار المعروفَ ليس ابنَ عمّار الراوي المشهور . واحتمال موت أبيه عمّارٍ في صِغَره فلم يَرْوِ عنه ، مدفوع بأنّ عمّارا كثيراً مّا يروي عن أبي عبد اللّه على ما رأينا في الأسانيد (3) ، وإسحاق من رواة الأئمّة الثلاثة كما نبّهنا عليه سابقاً . بقي الكلام في الداعي للشيخ ؛ حيث قال في الفهرست : «إسحاق بن عمّار الساباطي ، له أصل ، وكان فطحيّاً إلاّ أنّه ثقة ، وأصله معتمد عليه» . (4) وربما يقال :

.


1- .رجال النجاشي : 71 / 169 .
2- .الفهرست : 39 / 52 .
3- .تقدّمت في ص 170 .
4- .تهذيب الأحكام 1 : 18 / 42 .

ص: 175

إنّه ما رواه في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن عمّار ، قال سمعت أبا عبد اللّه يقول : «كان موسى بن عمران إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض ، وخدّه الأيسر بالأرض» . قال : فقال إسحاق : رأيت من آبائي من يصنع ذلك . قال محمّد بن سنان : يعني موسى في الحِجر في جوف الليل . (1) وابن الساباطي هو الذي أبوه موسى . ولذا قال في الوافي بعد إيراد الرواية : بيان : «قال» [ يعني ] محمّد بن سنان ، «وقال إسحاق» يعني إسحاق بن عمّار بن موسى ، أي موسى الساباطي جدّ إسحاق . (2) انتهى . ولو كان الداعي ذلك فما أبْيَنَ ضعفَه ، ولا سيّما بعد ما يحكى من الوافي من أنّه بعد إيراد الحديث قال : «وقال إسحاق : رأيت من يصنع ذلك . قال ابن سنان : يعني موسى بن جعفر عليه السلام في الحجر في جوف الليل» ؛ وذلك لأنّ الظاهر أنّ المراد بموسى في كلام ابن سنان هو العبد الصالح ؛ فإنّه ممّن ينبغي أن يحكى فعله لا فعلُ موسى الساباطي _ غيرِ المذكور في الأسانيد إلاّ بتوسّط ذكر ابنه _ في مقابل فعل موسى بن عمران . وهذا المعنى على ما في محكيّ الوافي واضح (3) ، وأمّا على ما في التهذيب فلا يوافق قوله : «رأيت من آبائي» إلاّ أن يحمل على زيادة الناسخ أو تصحيفه ؛ فتدبّر جدّاً . (4) وأمّا حال الرجل ، فقد عرفت ممّا أشرنا سابقاً اتّفاقَ الكلّ على وثاقته ، واحداً

.


1- .تهذيب الأحكام 2 : 110 / 182 .
2- .الوافي 5 : 818 .
3- .لأنّه كما يحتمل التصحيف والزيادة في الأُولى كذا يحتمل الوساطة في الثانية فلا وجه للترجيح .
4- .بأن يكون في الأصل بدلاً من «من آبائي» «من إمامي» ثمّ صحّفه الناسخ .

ص: 176

كان أو متعدّداً ، فطحيّاً كان أو إماميّاً . وعرفت أيضاً أنّ محلّ الحكم بالفطحيّة هو ابن عمّار الساباطي ، وحيث أثبتنا اتّحاده وأن ليس لابن الساباطي عين ولا أثر في الأسانيد ، اتّضح وثاقته بالوثاقة المصطلحة . ودعوى فطحيّته ناشئة إمّا من الإشتباه في التشخيص ، أو من الإشتباه في الوحدة والتعدّد ؛ فتدبّر جدّاً . ثمّ إنّ هناك أخباراً ربما يمكن دعوى استفادة ذمّ الرجل منها : مثل ما رواه الصفّار في البصائر بوسائطه : عن إسحاق بن عمّار ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام أُودّعه ، قال : «اجلس» شِبهَ المُغضَب . ثمّ قال : «يا إسحاق ، كأنّك ترى أنّا من هذا الخلق ؟ أما علمت أنّ الإمام منّا بعد الإمام يسمع في بطن أُمّه ، فإذا وضعتْه أُمّه كتب اللّه على عضده الأيمن «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَ_تِهِى وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » فإذا شبّ وترعرع نُصب له عمود من السماء إلى الأرض ينظر به إلى أعمال العباد» . (1) ومثل ما عن [ أبواب ] نكاح الفقيه في باب حقّ المرأة على الزوج . قال : سأل إسحاق بن عمّار أبا عبد اللّه عن حقّ المرأة على زوجها ، فقال عليه السلام : «يشبع بطنها _ إلى أن قال إسحاق _ بعد حكايته عليه السلام اشتكاءَ خليل الرحمن إلى اللّه تعالى خلقَ سارة ووحيه تعالى إليه أنّ مَثَل المرأة مثل الضلع إن أقمته انكسر ، وإن تركته استمعت به _ : قلت : من قال هذا ؟ فغضب ، ثمّ قال : «هذا واللّه قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله» . (2) ومثل ما في نوادر كتاب الحدود من الكافي عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد اللّه : ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم ، فقال : «وكم

.


1- .بصائر الدرجات : 453 / 9 .
2- .الفقيه 3 : 440 / 4526 _ 4527 .

ص: 177

تضربه ؟» . فقلت : ربّما ضربته مائةً ، فقال : مائةً مائةً! فأعاد ذلك مرّتين . ثمّ قال : «هذا حدّ الزنى اتّق اللّه » . فقلت : جعلت فداك ، فكم ينبغي لي أن أضربه ؟ فقال : «واحداً» . فقلت : واللّه لو علم أنّي ما أضربه إلاّ واحداً ما ترك لي شيئاً إلاّ أفسده . فقال : «فاثنين» قلت : جعلت فداك ، هذا هلاكي إذن ، قال : فلم أزل أُماكسه حتّى بلغ خمسة ، ثمّ غضب ، فقال : «يا إسحاق» (1) إلى آخر الحديث . وأمثال هذه الأخبار ودلالتها على القدح غير ظاهرة . أمّا الأخير ، فلاحتمال قوله : «ربما ضربته مائة» الإخبارَ عن الصادر عنه في الماضي ، كاحتماله إرادةَ إيقاع الضرب بعد ذلك ، والظاهر من أمثال العبارة في مقام الإستفتاء هو الثاني . سلّمنا ، لكن ظهور الأوّل في الماضي معارض لظهور قوله عليه السلام . «وكم تضربه» في الثاني . سلّمنا ، لكن نمنع إيجابَه الفسقَ ؛ إمّا لعدم معلوميّة كونه من الكبائر _ وكونُه بعنوان الإصرار غير معلوم بل في قوله : «ربما» دلالة على وقوعه نادراً _ وإمّا لكونه جاهلاً بالمسألة واعتقاده جواز ذلك . وغضبُه عليه السلام لعلّ الداعيَ إليه إصرار السائل في طلب نهاية مايجوز له في مقام التأديب كما هو المعهود من المفتي عند إصرار المستفتي لا ارتكابه للمحرّم ، ولا أقلّ من الإجمال . وأمّا سابقه ، (2) فلأنّ منشأ استفادة القدح هو الذيل ، وهو غير موجود في الكافي (3) ، ووجوده في الفقيه لا يضرّ ؛ لعدم صراحته في القدح ؛ فإنّ أصل سؤال علّة الحكم ممّا وقع كثيراً من أجلاّء الرواة ولم يتأمّل أحد فيهم من تلك الجهة ؛ فإنّ

.


1- .الكافي 7 : 267 / 34 .
2- .أي عدم ظهور الأخبار في القدح .
3- .الكافي 5 : 513 / 2 .

ص: 178

السؤال لا ينحصر وجهه في كونه في مقام الإنكار والردّ . بل على فرض تسليم الانحصار يمكن أن يقال : إنّ الردّ والإعتراض قد يكون من باب الخطورات القلبيّة والتشكيكات الخياليّة التي تتّفق للإنسان مريداً به دفعها ، والذي يضرّ بالعدالة هو الردّ من باب التعنّت والاستكبار . وغضبه عليه السلاملا يصلح أن يكون قرينة للأخير ؛ لجواز أن يكون لاجل أنّه ما كان يليق عن مثله ذلك . ومن أراد تحقيق ذلك فعليه بملاحظة الصحيح المرويّ في باب ميراث الولد مع الأبوين من مواريث الكافي عن زرارة ليرى (1) ما اتّفق له مع أبي جعفر عليه السلام فإنّه لعلّه فوق ما وقع من إسحاقَ بمراتبَ ولم يقدح فيه أحد لذلك . وأمّا الأوّل ، فعدم دلالته على القدح أظهرُ ؛ لوضوح اختلاف الناس في معرفة مرتبة الإمام عليه السلام واختلاف حالات شخص واحد فيها ، بل يمكن دعوى استفادة المدح منها بملاحظة أنّ كلّ أحد ليس له قابليّة الدخول على الإمام عليه السلام للوداع ، وأنّ مثل هذا الكلام لا يُلقى إلاّ إلى الخواصّ وأهل المعرفة . وبالجملة : لعلّ وثاقة الرجل وجلالته ممّا لا ينبغي التأمّل فيه ، ولاسيّما بعد ملاحظة رواية أجلاّء الأصحاب من الرواة عنه من مثل صفوان بن يحيى وغيره ممّن قيل في حقّه : إنّه لا يروي إلاّ عن ثقة (2) ، ولا سيّما بعد ملاحظة إكثار هؤلاء في الرواية عنه .

.


1- .الكافي 7 : 94 / 3 .
2- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 154 .

ص: 179

خاتمة : في علم الدراية

اشاره

خاتمةفي علم الدرايةعلم الدراية _ على ما في وجيزة البهائي _ : «علم يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفيّة تحمّله وآداب نقله» . (1) _ وعلى ما في شرح الدراية للشهيد الثاني _ : «علم يبحث فيه عن متن الحديث وطرقه من صحيحها وسقيمها وعليلها وما يحتاج إليه ليعرف المقبول منه والمردود» . قال : «وموضوعه الراوي والمرويّ من حيث ذلك ، وغايته معرفة ما يُقبل من ذلك ليُعمل به ، وما يُردّ منه ليُتجنّب ، ومسائله ما يذكر في كتبه من المقاصد (2) » . ولعلّ التعريف الأوّل هو الصواب ؛ لعدم اشتمال الثاني على البحث عن كيفيّة التحمّل وآداب النقل ، مع كونهما من مسائل الفنّ كما يشهد به ملاحظة كتبه . ثمّ إنّ موضوعه على التعريفين هو السند والمتن ، فتخصيصه بالراوي والمرويّ مخدوش من وجهين : أحدهما : أن لا وجه للتخصيص . والثاني : أنّ الراوي _ كما عرفت _ موضوع علم الرجال ، والفرق بين العلمين من كلماتهم ظاهر .

.


1- .الوجيزة (مجلة تراثنا عددان 32 و33) : 411 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 45 .

ص: 180

[ تعريف الخبر والفرق بين الخبر والحديث ]

[ تعريف الخبر والفرق بين الخبر والحديث ]وكيف كان ، فليعلم أنّ الخبر قد يعرّف بكلام لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة مقابلَ الإنشاء ؛ فإنّ الكلام قد يكون نسبته بحيث تحصل من اللفظ ، ويكون اللفظ موجداً لها من غير قصد إلى كونها دالّةً على نسبة حاصلة في الواقع بين الشيئين ، وقد يكون نسبته بحيث يُقصد أنّها ثابتة في نفس الأمر من دون مدخليّة للّفظ في الثبوت وعدمه ، بل إنّما هو كاشف عن أحدهما ومعرّف عنه ، ويسمّى الأوّل بالإنشاء . والثاني بالخبر . وقد يقال : إنّ المراد بالخارج في تعريف الخبر هو الخارج عن مدلول اللفظ وإن كان في الذهن ، ليدخل مثل : علمت . ولعلّ منشأه قلّة التدبّر ؛ فإنّ الخارج هو عالم ترتّب الآثار التامّة بالنسبة إلى الأشياء ، وذلك ممّا يختلف باختلاف الأشياء ، فالخارج لمثل النار والماء هو الخارج عن الذهن ؛ لعدم ترتّب آثارهما التامّة على صورهما الذهنيّة . والخارج لمثل العلم هو نفس حصول الصورة في الذهن أو نفس الصورة الحاصلة . وبعد اختلاف الخارج في حدّ ذاته لا حاجة إلى ذلك البيان . وقد يطلق الخبر على ما يرادف الحديث ، وهو ما يحكي فعل المعصوم أو قوله أو تقريره أو تركه ، فيكون بالمعنى الثاني أخصَّ منه بالمعنى الأوّل . وقد يعرّف بقول المعصوم أو حكاية قوله إنتهى . فبين الخبرين عموم من وجه ، مادّة الاجتماع واضحة ، والإفتراقين قولنا : زيد عالم ، وقوله : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي » (1) ووهنه ظاهر . وأمّا نفس القول والفعل والتقرير فهو السنّة ، فالحديث ما يحكي السنّة . والمراد من الخبر والحديث عندنا ما عرّفناه به أخيراً . وإطلاق الحديث على

.


1- .المسند للشافعي : 54 ؛ سنن الدارمي 1 : 286 ؛ صحيح البخاري 1 : 155 و7 : 77 و8 : 133 .

ص: 181

[ تعريف المتن ]

[ تعريف الإسناد ]

[ تعريف خبر المتواتر والواحد ]

ما ورد من غير المعصوم تجوّز وهو الذي يقتضيه التبادر . وقد يقال : إنّ الحديث أعمُّ من أن يكون قولَ الرسول صلى الله عليه و آله والإمام عليه السلاموفاطمة عليهاالسلاموالصحابي والتابعين وغيرهم من العلماء والصلحاء ونحوهم ، وقد يُخصّ بما جاء من المعصوم ، ويخصّ الخبر بما جاء عن غيره . ولم نجد لذلك القول ما يُعتمد عليه .

[ تعريف المتن ]والمتن لغةً ما اكتنف الصلب من الحيوان ، أو متنا الظَهرِ مكتنفا الصلبِ ، وبه شُبّه المتن من الأرض ، ومَتُن الشيءُ : قوي متنُه ، ومنه : حبلِ متين . فمتن كلّ شيء ما يتقوّم به ذلك الشيء ويتقوّى به كما أنّ الإنسان يتقوّم بالظهر ويتقوّى به . فمتن الحديث لفظه الذي يتقوّم به المعنى ، وهو مقول المعصوم وما في معناه . والسند طريق المتن ، وهو الرواة من قولهم : فلان سَنَد أي معتمَد ، فسمّي الطريق سنداً ؛ لاعتماد الناظرين في صحّة الحديث وضعفه عليه .

[ تعريف الإسناد ]والإسناد رفع الحديث إلى قائله من نبيّ أو إمام أو ما في معناهما ؛ وذلك كما نقلوا حديثاً بسند مخصوص ، فلو اتّفق آخَرُ معه فيه يقال : بالإسناد المذكور . فالإسناد هو الإخبار عن طريق المتن ، والسندُ نفس الطريق ، فاتّضح الفرق بينهما .

[ تعريف خبر المتواتر والواحد ]ثمّ الخبر إن بلغ رُواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم على الكذب واستمرّ ذلك الوصف في جميع الطبقات _ حيث تتعدّد _ فمتواتر .

.

ص: 182

والمراد من أخذ قيد الكثرة أنّ لها لابدّ أن يكون مدخليّة في إفادة العلم ، فدخل في المتواتر ما كانت الكثرة فيه علّة تامّة لحصول العلم أو جزءَ علّةٍ كما لو انضمّت معها القرائن الداخليّة ، وخرج منه ما كانت العلّة التامّة فيه هي القرائن . وإلاّ فآحاد ؛ فمثل حديث «إنّما الأعمال بالنيّات » 1 آحاد ؛ لما اشتهر بين المحدّثين من أنّه ممّا تفرّد بروايته من النبيّ عمرُ ، وإن كان قد خطب به على المنبر فلم يُنكَر عليه ، ثمّ تفرّد به عنه علقمةُ ، ثمّ تفرّد به عن علقمة محمّد بن إبراهيم ، ثمّ تفرّد به يحيى بن سعيد عن محمّد ، ثمّ قيل : إنّه رواه عن يحيى بن سعيد أكثرُ من مائة نفْس ، بل عن أبي إسماعيل الهروي أنّه قال : كتبته من سبعمائة طريقٍ عن يحيى بن سعيد . وعن بعض المتأخّرين أنّ هذا الحديث روي أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلاموأبي سعيد الخُدْري وأنس في الطبقة الأُولى . وعلى هذه الحكاية أيضاً لا يخرج من الآحاد . ومثل حديث : «من كَذَب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعدَه من النار » لعلّه متواتر ؛ لنقله عن النبيّ الجمُّ الغفير من الصحابة وهم أربعون على نقلٍ ، واثنان وستّون على آخَرَ ، ولم يزل العدد في الزيادة في الطبقات اللاحقة بمعنى أنّ هذا الحديث من المتواتر عند من اطّلع على هذه الطرق المتكثّرة في الطرفين والأوساط . فعلى هذا كلّ أخبارنا في الفرعيّات أو جُلُّها آحاد ، وإن كان يُحتمل أن يكون جلّها من المتواترات عند مؤلّفي كتب أخبارنا . وما أنكرنا تحقّقه في أخبارنا إنّما هو التواتر اللفظي ، وأمّا التواتر المعنوي ففي غاية الكثرة في أُصول الشرائع . ثمّ الخبر الواحد إن زادت رواته عن ثلاثة في كلّ مرتبة أو زادت عن اثنين

.

ص: 183

[ أقسام الخبر باعتبار سنده ]

الأوّل : الصحيح

عند بعضهم فمستفيض ، من فاض الماء ، وقد يقال له : المشهور . وقد يجعل النسبة بينهما العمومَ المطلق بجعل المستفيض ما اتّصف بذلك في ابتدائه وانتهائه على السواء و جُعل المشهور أعمَّ من ذلك ، وقد يطلق المشهور على ما اشتهر في الألْسنة وإن اختصّ بإسناده واحد ، بل وإن لم يوجد له إسناد أصلاً . ويقابل المشهورَ بالمعنى الأوّل الغريبُ ، وهو الحديث الذي تفرّد به راوٍ واحدٌ في أيّ موضع وقع التفرّد به من السند وإن تعدّدت الطرق إليه أو منه . وإن كان لا يرويه أقلُّ من اثنين عن اثنين ، سمّي عزيزاً ؛ لقلّة وجوده .

[ أقسام الخبر باعتبار سنده ]ثمّ الخبر باعتبار السند ينقسم إلى أقسام أربعة _ وهذه أُصول الأقسام ، وباقي الأقسام كما سيجيء يرجع إليها وقد أشرنا سابقاً إلى وجه الحاجة إلى ذلك التقسيم وهو انقطاع اليد عن القرائن الموجبة للاطمئنان في كثير من الأخبار ، فلاحظوا المرجّحاتِ الداخليّةَ ، وأسّسوا ذلك لكي ينفعهم في مقام انقطاع اليد عن الأمارات الخارجيّة وفي مقام التعارض _ : الأوّل : الصحيح ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات وإن اعتراه شذوذ ، فخرج ب «اتّصال السند» المقطوع في أيّ مرتبة ، وب «الإنتهاء إلى المعصوم» ما لم ينته إليه ، كما لو انتهى إلى الصحابي أو التابعي ، وشمل «المعصوم» الساداتِ الأربعةَ عَشَرَ _ صلوات اللّه عليهم أجمعين _ وب «نقل العدل» الحسنُ والضعيف ، وب «الإمامي» الموثّقُ ، وبقولنا : «في جميع الطبقات» ما اتّفق فيه بغير الوصف المذكور ولو واحداً . والمراد من الوُصليّة (1) التنبّه على خلاف ما اصطلح عليه العامّة ؛ حيث

.


1- .أي قوله : «وإن اعتراه شذوذ» .

ص: 184

يعرّفون الصحيح ب «ما اتّصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله وسلم عن شذوذ وعلّة» ولعدم اعتبارهم الإماميّةَ في التعريف كثرت أحاديثهم الصحيحة ، وقلّت أحاديثنا الصحيحة . ولاسيّما بعد ملاحظة اكتفائهم في العدالة بعدم ظهور الفسق والبناء على ظاهر حال المسلم ؛ فإنّه عليه جميع الأخبار الحسنة والموثّقة عندنا صحيحة عندهم ، فاندفع التعيير (1) الذي دعا إليه قلّةُ إدراكهم وعدمُ استضاءتهم بالنور . واحترزوا بالقيد الأخير (2) عمّا رواه الثقة مع مخالفته ما روى الناس _ كما ستعرفه في تعريف الثاني _ فلا يكون صحيحاً عندهم ، وكذا الحديث الذي كان فيه أسباب خفيّة قادحة يستخرجها الماهر . وإلى ما ذكرنا في تعريف الصحيح يرجع ما عرّفه به في الذكرى من أنّه «ما اتّصلت رواته إلى المعصوم بعدل إمامي» (3) ؛ فإنّ الغرض منه اتّصال الرواة من بدو السند إلى الوصول إلى المعصوم من دون طروّ قطع أو إرسال ، وكان ذلك الإتّصال في الرواة برواية عدل إمامي عن مثله . فلا يرد عليه ما أورده الشهيد الثاني من أنّ اتّصاله بالعدل المذكور لا يلزم أن يكون في جميع الطبقات بحسب إطلاق اللفظ (4) ؛ وذلك لأنّه لو لم يكن الاتّصال في الجميع ، لم يصدق اتّصال كلّ واحد من الرواة (5) بعدل كما لا يخفى . هذا هو المعنى المتبادر من لفظ الصحيح في مصطلح أهل الدراية . وقد يطلق على سليم الطريق من الطعن وإن اعتراه إرسال أو قطع ، كقولهم : روى

.


1- .حيث قالوا : إنّ أحاديثنا الصحاحَ كثيرة وأحاديثَكم الصحاحَ قليلة «منه» .
2- .أي قولهم : «سلم عن شذوذ وعلّة» «منه» .
3- .ذكرى الشيعة 1 : 48 .
4- .الرعاية في علم الدراية : 78 .
5- .المفهوم من قوله : «رواته إلى المعصوم» فإنّ جمع المضاف يفيد العموم «منه» .

ص: 185

الثاني : الحسن

ابن أبي عمير في الصحيح كذا مع كونه مرسَلاً ، أو في صحيحة كذا . وبعبارة أُخرى يطلق على ما كان رجال طريقه المذكورون من العدل الإمامي وإن اشتمل على أمر آخَرَ بعده ، فيطلقون الصحيح (1) على بعض الأحاديث المرويّة من إمامي عدل بسبب صحّة السند إليه وربما لا يكون ذلك الرجل مذكوراً بقدح ولا مدحٍ ، ومع صحّة السند إليه يطلقون اسم الصحيح عليه لكن بقرينةٍ تفيد ذلك كالتعبير بلفظ «إلى» مثلاً ، كما في خلاصة الأقوال من أنّ طريق الفقيه إلى معاوية بن ميسرة صحيح مع أنّ أهل الرجال لم يوثّقوه ، أو التعبيرِ بلفظ «عن» مثل قولهم : روى في الصحيح عن فلان ؛ فإنّ مثل ذلك التعبير شاهد على أنّ المراد ليس الصحيحَ المصطلح . ثمّ إن كان ذلك الرجل من أهل الإجماع ، أفاد ذلك المرسلُ فائدةَ الصحيح المصطلح عند بعضٍ على بعض الإحتمالات التي ذكرناها في معنى الإجماع . ثمّ إنّا قد نبّهناك سابقاً على مراد القدماء من الصحيح ، وذكرنا النسبة بين الصحيحين وبين الصحيح والمعمول به ؛ فتذكّر . الثاني : الحسن ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بإمامي ممدوح بمدح غير بالغ حدَّ الوثاقة في جميع الطبقات أو في بعضها مع كون الباقي من رجال الصحيح . والمعروف في كلامهم قولهم : «من غير نصّ على عدالته» مكانَ قولنا : «بمدح غير بالغ» وظاهر ذلك أنّ محض العدالة لا يكفي في التسمية ، بل لابدّ من التنصيص به . وتظهر الثمرة في مثل إبراهيم بن هاشم ، فيجوز أن يستفيد القوم من قول علماء الرجال فيه : إنّه «أوّل من نشر أخبار الكوفيّين بقم» (2)

.


1- .ليس «الصحيح» في «ب» .
2- .رجال النجاشي : 16 / 18 ؛ الفهرست : 12 / 6 .

ص: 186

عدالتَه ، ومع ذلك لايصفون حديثه بالصحيح بخلافه على تعبيرنا ؛ فإنّ مقتضاه الدخول في المسمّى بمجرّد كونه عادلاً ، اُستُفيد من التنصيص أو من المدح ؛ فتدبّر . وكيف كان ، فاحترزوا ب «كون الباقي من رجال الصحيح» عمّا لو كان دونه ؛ فإنّه يلحق بالمرتبة الدنيا ، كما لو كان فيه واحدٌ ضعيف أو غير إمامي عدل . ومقتضى قولهم هذا كون الموثّق أدونَ من الحَسَن ، وفيه تأمّل واضح ؛ فإنّ الوثوق بصدور الرواية عن المعصوم في الموثّق أكثرُ وأقوى منه في الحسن ؛ فتدبّر . وعرّفه في الذكرى بأنّه «ما رواه الممدوح من غير نصّ على عدالته» (1) وقصور ذلك عن إفادة المراد واضح ؛ فإنّ المراد من العبارة إن كان ممدوحيّةَ الكلّ فمضافاً إلى الإخلال بذكر قيد الإمامي ، لا ينعكس التعريف ؛ لخروج الفرد الأخير . إلاّ أن يجاب عن الأوّل بأنّ تركه إمّا للوضوح ، أو بقرينة أخذه في تعريف الصحيح العدالةَ والإماميّةَ . ولا يخلو من التعسّف . وإن كان المراد الممدوحيّةَ في الجملة فالأمر أشنعُ ؛ لدخول ما لو كان في السند ممدوح واحد في التعريف ولو كان ما عداه عدلاً غير إماميّ أو ضعيفاً . ثمّ إنّ ما ذكر _ من إطلاق الصحيح على غير المصطلح _ جارٍ هنا أيضاً ، فيقال : حسنة فلان ، وفي الحسن عن فلان . وفي خلاصة الأقوال أنّ طريق الفقيه إلى إدريس بن زيد حسن (2) مع أنّه غير مذكور بمدح ولا قدح . وكذا ذكر جماعة من الأصحاب أنّ رواية زرارة في

.


1- .ذكرى الشيعة 1 : 48 .
2- .خلاصة الأقوال : 281 .

ص: 187

الثالث : الموثّق

مفسد الحجّ إذا قضاه أنّ الأوّل حجّة الإسلام (1) من الحسن مع كونها مقطوعة ، فلابدّ من ملاحظة المثال كي لا يقع المبادرة إلى قدح العلماء بمخالفتهم لما اصطلحوا فيه كما اتّفق لبعضهم . الثالث : الموثّق ، سمّي بذلك ؛ لأنّ رواته ثقة وإن كانوا من غير الاثنى عشريّة ، وفارق بذلك الصحيحَ . وقد يقال له : القويّ ؛ لقوّة الظنّ لأجل التوثيق . وعرّف ب «ما رواه مَن نصّ الأصحاب على توثيقه مع فَساد عقيدته كلاًّ أو بعضاً ، مع وثاقة الباقين بالوثاقة المصطلحة ، أو كونهم من رجال الحسن» . وبعبارة أُخرى : مع عدم اشتمال الباقين على ضعف . والإعتراض الوارد على الشهيد رحمه الله في تعريف الحسن وارد عليه في هذا التعريف ؛ حيث اقتصر فيه إلى قوله : «مع فساد عقيدته» قال في شرح الدراية : التقيّد بنصّ الأصحاب للاحتراز عمّا رواه المخالفون في صحاحهم التي وثّقوا رواتها ؛ فإنّها لا تدخل في الموثّق عندنا ؛ لأنّ العبرة بتوثيق أصحابنا للمخالف ، لا بتوثيق المخالف ؛ لأنّا لا نقبل إخبارهم بذلك . وبهذا يندفع ما يتوهّم من عدم الفرق بين رواية مَن خالفنا ممّن ذكر في كتب حديثنا وما رووه في كتبهم ؛ فإنّ كلّه ملحق بالضعيف عندنا ؛ لصدق تعريفه عليه . (2) انتهى . ولأنّا في بيان الإصطلاح ، فلابدّ لنا من الإقتصار على ماذكره أهله ، ولاسيّما بعد التعبير بقوله : «عندنا» الظاهرِ في دعوى الإتّفاق على ذلك . هذا . ولكن تعريف الشهيد والبهائي غير مقيّد بقيد الأصحاب ، مع احتمال أن يكون مراد من قيّد به من الأصحاب أصحابَ التوثيق ، وهم علماء الرجال لا الإماميّة فقط ؛ فتدبّر .

.


1- .الكافي 4 : 373 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 5 : 317 / 5 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 84 بتفاوت يسير .

ص: 188

الرابع : الضعيف

[ فائدة تقسيم الخبر بالأقسام الأربعة ]

وقد يطلق القويّ على مرويّ الإماميّ غير المذموم ولا الممدوح كنوح بن درّاج وأمثاله . والمراد من فساد العقيدة أعمُّ من أن يكون لكونه من العامّة أو من الخاصّة غير الإماميّة من سائر فرق الشيعة . الرابع : الضعيف ، وهو ما لم يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدّمة باشتمال طريقه على مجهول على رأي فتدبّر ، أو مجروحٍ . ثمّ إنّ الأقسام الأربعة لكلّ واحد منها درجات يتدرّج بحسبها قوّة وضعفاً ، فما رواه الإمامي الثقة الفقيه الورع الضابط أصحّ ممّا رواه الناقص في بعض تلك الأُوصاف . وكذا الكلام في سائر الأقسام .

[ فائدة تقسيم الخبر بالأقسام الأربعة ]ثمّ إنّ هذا التقسيم ممّا لا فائدة فيه عند من يحذو حَذْوَ السيّد في المنع من العمل بخبر الواحد إلاّ لتحصيل التواتر أو القطع في الخبر الواحد على بعض الوجوه ، وعند غيرهم _ ممّن يرى حجّيّة الصحيح والحسن والموثّق _ تظهر الفائدة عند التعارض ، وعند من يرى حجّيّة الصحيح فقط أو مع الحسن تظهر في الحجّيّة وعدمها . وأمّا على مذاقنا _ من أصالة حجّيّة الأخبار المظنون صدورها الذي وجدناه طريقة المحدّثين _ فهذه الأقسام تنفع في مقام حصول الظنّ وعدمه وفي مقام التعارض ؛ فإنّ الظنّ الحاصل من الصحيح أقوى من الظنّ بالصدور الحاصلِ من الحسن . وربما يكون الظنّ بالصدور الحاصلُ من الضعيف المنجبر سنده بالشهرة أقوى من الظنّ الحاصل من الحسن والموثّق ، بل الصحيحِ إن لم يحتمل فيه صدوره عن تقيّة وإلاّ يحمل عليه ، وإن كان الظنّ بصدوره أقوى من الظنّ بصدور الضعيف المنجبر .

.

ص: 189

[ انجبار ضعف الخبر بالشهرة ]

[ انجبار ضعف الخبر بالشهرة ]والمنع من جبر الضعف بالشهرة (1) _ بتخيّل أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ ، والأمر ليس كذلك ؛ فإنّ مَن قبله من العلماء كانوا بين مانع من الخبر الواحد مطلقاً كالمرتضى والأكثر _ على ما نقله جماعة _ وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلى تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّه ، فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجه يجبر ضعفه ليس بمحقّق ، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة : جاء مَن بعده من العلماء واتّبعه عليها الأكثر تقليداً له إلاّ من شذّ منهم . ولو تأمّل المنصف وحرّر المنقّب ، لوجد مرجع ذلك كلّه إلى الشيخ . ومثل هذه الشهرة لا يكفي في جبر الضعف ، بخلاف ثبوت فتوى المخالفين بأخبار أصحابهم ؛ فإنّهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أوّل زمانهم ولم يزالوا في ازدياد _ ضعيف (2) بأنّ الفتوى لم تكن بأمرٍ بِدْعٍ حدث بين المتأخّرين بمتابعة الشيخ ، بل كان ذلك حاصلاً من زمان الأئمّة إلى زماننا ، وعليه شواهدُ في الأخبار أيضاً . والمنع من الخبر الواحد منحصر في أربعة أو خمسة ، ولعلّ ناقله من الأكثر لاحظ دعوى المرتضى رحمه الله الإجماع والضرورة عليه ، وغفل عن سيرة المحدّثين ، وإلاّ فالذي يظهر من أحوال المفيد رحمه الله ومَن تقدّمه نقدُ الأخبار وانتخابها وردّ البعض بالإرسال والضعف ونحو ذلك بحيث يحصل الجزم بأنّ بناءهم كان على العمل بالخبر الواحد في الفرعيّات من دون نكير . ومقتضى ذلك أنّ قبل الشيخ إلى أوائل الأئمّة إمّا الناس كانوا لا يعملون بشيء أو كانوا جميعاً قاطعين ، وكلتا الدعويين مردودة إلى مدّعيها والكاشف عن

.


1- .يأتي خبره بعد عدّة أسطر بقوله : ضعيف .
2- .هذا خبر لقوله : «المنع من جبر الضعف بالشهرة» .

ص: 190

[ فروع الأقسام الأربعة ]

اشاره

بطلانها ملاحظة زماننا في رجوع العوامّ إلى العلماء ، فهل يمكن لأحد دعوى أنّ كلّ عاميّ يحصل له القطع بأنّ هذا الكلام كلام مفتيه ، أو يمكن دعوى كونهم باقين من غير عمل لعدم القطع ؟ ! فمنع تحقّق الشهرة قبل الشيخ ضعيف جدّاً . وأضعف منه نسبة التقليد إلى العلماء الذين هم أركان الدين ، وحصرُ المنقّب في الأدلّه في الشيخ والمحقّق وابن إدريس ؛ فإنّ [الزمان] من زمن الشيخ إلى زماننا يقرب من ألفْ سنة وقد وقع قحط الرجال المنقّبين في تلك المدّة المديدة على زعم هذا القائل . وبالجملة : نحن لا نجسر على تلك النسبة . والشهرة على مذاقنا _ سواء كانت من المتأخّرين أو من القدماء _ جابرة لضعف السند . ولا نبالي بصدور هذه المقالة من مثل الشهيد الثاني والمحمود الحِمْصي وابن طاووس وغيرهم . وأمّا تفصيل الكلام في حجّيّة كلّ تلك الأقسام أو بعضها فهو حظّ الأُصولي ، وحظّ ذلك العلم أن يبيَّن فيه مصطلحاتُ المحدّثين ليترتّب عليه الردّ أو القبول بما يختاره الناظر في علم الأُصول . وبعبارة أُخرى : جملة من مباحث هذا العلم من قبيل علم اللغة ، إلاّ أنّ الغالب فيها بيان المعاني اللغويّة ، والغالبَ فيما نحن فيه بيان المصطلحات الجديدة العارضة للألفاظ لأمر مباين هو وضع الواضع إن كان الوضع تخصيصيّاً أو كثرةُ الإستعمال إن كان تخصّصيّاً .

[ فروع الأقسام الأربعة ]وأمّا فروع الأقسام : فمنها : ما لا يختصّ ببعض خاصّ من الاقسام الأربعة السابقة . ومنها : ما يختصّ . والأوّل أُمور :

.

ص: 191

المسند

المتّصل

المرفوع

المعنعن

منها : المسند ، وهو ما علم سلسلته بأجمعها على ما في وجيزة البهائي (1) ، والأولى أن يعرّف بما اتّصل سنده مرفوعاً من راوٍ إلى منتهاه إلى المعصوم ؛ فتدبّر . و منها : المتّصل ، ويسمّى الموصول أيضاً ، وهو ما كان كلّ واحد من رواته قد سمعه ممّن فوقه أو أخذه وتحمّله بما هو في معنى السماع من الإجازة والمناولة ، سواء كان مرفوعاً إلى المعصوم أو موقوفاً . والنسبة بينهما العموم المطلق . و منها : المرفوع ، وهو ما أُضيف إلى المعصوم من قول أو فعل أو تقرير كأن يقال في الرواية : إنّه قال كذا ، أو فعل كذا ، أو فعل غيره بحضرته فلم ينكره عليه مع الاطّلاع وعدم المانع ، سواء كان إسناده متّصلاً بالمعصوم ، أم منقطعاً بترك بعض رواته ، أو إبهامه . وبينه وبين سابقه العموم من وجه ، كالمرفوع غير المتّصل ، والمتّصل غير المرفوع كالموقوف ، والمرفوع المتّصل . وبينه وبين الأوّل العموم المطلق كسابقه . منها : المعنعن ، وهو ما يقال في سنده : فلان عن فلان ، من غير بيان للحديث والإخبار والسماع . وقد اختلفوا في أنّ الإسناد المعنعن في حكم المرسل ؛ لأنّ العَنْعَنَة أعمّ من الاتّصال ، فيحمل على الأخسّ حتّى يتبيّن الإتّصال ، أو من قبيل المتّصل كما عن جمهور المحدّثين ، بل ادّعي أنّه كاد أن يكون إجماعاً إذا أمكن لقاء الرواي بالعنعنة للمرويّ عنه مع براءته من التدليس . وزاد بعضهم في الشرائط كون الراوي قد أدرك المرويّ عنه إدراكاً بيّناً ، وبعض آخَرُ عليه كونَه معروفاً بالرواية عنه .

.


1- .الوجيزة (تراثنا العددان 32 و33) : 413 .

ص: 192

المعلّق

المفرد

المُدرَج

ولعلّ التحقيق أن يقال : العنعنة بنفسها ظاهرة في اللقاء ، فيحكم باتّصال المعنعن إلى أن يثبت خلافه . وتظهر الثمرة بين ما قلناه وقالوه في صورة الشكّ . ومنها : المعلّق ، وهو ما حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر كقول الشيخ : محمّد بن يعقوب أو روى زرارة عن مولانا الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام ، من تعليق الجدار للاشتراك في قطع الإتّصال . ولا يخرج المعلّق عن المسند إذا عُرف المحذوف من جهة ثقةٍ ، خصوصاً إذا كان من جهة الراوي المعلّق كالمعلّقات في الفقيه والتهذيبين مع ذكر الصدوق والشيخ في آخر الكتاب طريقهما إلى كلّ واحد ممّن ذكراه في أوّل الأسناد ؛ فإنّ ذلك المحذوفَ في قوّة المذكور . وإن لم يُعرف خرج عن المسند بالتعريف الأوّل (1) إلى المرسل أو ما في حكمه ، ولم يخرج أيضاً عنه على التعريف الثاني . وفي شرح الدراية نسبة الخروج وعدمه إلى الصحيح (2) ولا نعرف له وجهاً ؛ إذ لا خصوصيّة للصحيح . ومنها : المفرد ، وهو ما انفرد به راويه عن جميع الرواة أو انفرد به أهل بلد معيّن كمكّة والبصرة مثلاً . ولا يضعّف الحديث بذلك من حيث نفسه ، بل من حيث طروّ المضعّفات كما لو أُلحق بالشواذّ ، فيردّ لذلك . ومنها : المُدرَج ، وهو ما أُدرج فيه كلام بعض الرواة ، فيظنّ لذلك أنّه من المعصوم ، أو يكون عنده متنان بإسنادين فيدرجهما في أحد الإسنادين ويترك الآخر ، أو يسمع حديثاً واحداً من جماعة مختلفين في سنده بأن رواه بعضهم بسندٍ ورواه غيره بغيره ، أو مختلفين في متنه مع اتّفاقهم على سنده ،

.


1- .أي التعريف الأوّل للمسند وهو ما علم سلسلته بأجمعها ، والمراد بالتعريف الثاني قوله : ما اتّصل سنده مرفوعاً من راوٍ إلى منتهاه إلى المعصوم .
2- .الرعاية في علم الدراية : 102 .

ص: 193

المشهور

الغريب

فتُدرِج روايتهم جميعاً على الإتّفاق في المتن في الثاني ، أو السند في الأوّل ، ولا يذكر الإختلاف . قال في شرح الدراية : «وتعمُّد كلّ واحد من الأقسام الثلاثة حرام» (1) ولعلّ وجهه الإغراء بالجهل والتدليس . ومنها : المشهور ، وهو ما شاع عند أهل الحديث خاصّةً بأن نقله منهم رواة كثيرة ، أو عندهم وعند غيرهم كحديث : «إنّما الأعمال بالنيّات » (2) ، أو عند غيرهم خاصّة ولا أصل له عندهم . وهو كثير على ما قيل . وعن بعضٍ أنّ منها : «من آذى ذمّيّاً فأنا خصمه » (3) ومنها : «للسائل حقّ وإن جاء على فرس » (4) ومنها : «يوم نحركم يوم صومكم » (5) ولعلّ المراد _ على فرض كونه حديثاً _ الإشارة إلى النسْ ء المتداول في الجاهليّة . والظاهر من اللفظ (6) عند الإطلاق هو المعنى الأوّل ، وهو المراد بالشهرة في الرواية المدلول عليه بقوله عليه السلام في المقبولة : «خذ بما اشتهر بين أصحابك » . (7) ومنها : الغريب ، إمّا في المتن والإسناد معاً ، وهو المتن الواحد الذي تفرّد بروايته راوٍ واحدٌ أو سلسلة واحدة ، أو في الإسناد فقط كحديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة مثلاً إذا تفرّد واحد بروايته عن آخَرَ غيرهم ، أو في المتن فقط كما لو اشتهر الحديث المفرد فرواه عمّن تفرّد به جماعة كثيرة ؛ فإنّ إسناده متّصف بالغرابة في طرفه الأوّل وبالشهرة في طرفه الآخر ، فيصير المتن

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 104 .
2- .مرّ تخريج الحديث في ص؟؟؟ .
3- .الجامع الصغير للسيوطي 2 : 547 / 8270 .
4- .المصدر .
5- .كشف الخفاء 1 : 144 .
6- .أي لفظ «المشهور» .
7- .عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 / 2 .

ص: 194

المصحَّف

غريباً من تلك الجهة . ومنها : المصحَّف ، ولا ينهض بأعبائه إلاّ الحُذّاق من أهل الفنّ . وذلك قد يكون في السند كتصحيف «مراجم» بالمهملة ثمّ المعجمة ب «مزاحم» بالمعجمة ثمّ المهملة ، و«حريز» بإهمال الأوّل وإعجام الأخير ب «جرير» بعكس ذلك ، ونحو ذلك . وقد وقع ذلك من العلاّمة كثيراً ، يظهر ذلك من مطابقة كتاب خلاصة الأقوال له وإيضاح الاشتباه من أسماء الرواة له لما بينهما من الإختلاف . وقد نبّه الشيخ تقيّ الدين بن داود على كثير من ذلك . وقد يكون في المتن ، وهو أيضاً كثير . ومتعلّق التصحيف إمّا البصر أو السمع ، مثال الأوّل قد عرفت وواضح ، وأمّا الثاني فهو ما يقع الإلتباس فيه في مقام السماع لتقارب الحروف في المخرج ، كما أنّ منشأ الإشتباه في الأوّل تقارب الحروف في الكتابة كتصحيف بعضهم «عاصم الأحول» ب «واصل الاحدب» ونحو ذلك . ثمّ إنّ التصحيف كما يكون في اللفظ قد يكون في المعنى ، كما حكي عن أبي موسى محمّد ابن المفتي العَنَزي أنّه قال : «نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة ، صلّى إلينا رسول اللّه » . يريد بذلك ما روي من أنّه صلّى إلى عنزة (1) ، وهي حربة تنصب بين يدي المصلّي ، فتوهّم أنّه صلّى إلى قبيلتهم بني عنزة . ومن المذكور في الألْسنة أنّ رجلاً كان مسمّى ببشر ، فوجد مرأة مسمّاة بلوّاحة ، فطالبها بتسعة عشر ديناراً أو درهماً ؛ لقوله تعالى : « لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ » (2) لكون اللام للنفع و«على» للضرر والضمير في «عليها» راجع إلى «لوّاحة» . ولو كان له أصل لكان من التصحيفات المعنويّة الغريبة .

.


1- .مقدّمة ابن الصلاح : 170 نقل ذلك عن الدارقطني بصيغة البلاغ .
2- .المدّثّر (74) : 29 .

ص: 195

العالي سنداً

ومنها : العالي سنداً ، وهو قليل الواسطة مع الإتّصال . ويحكى أنّ طلب علوّ الإسناد كان سنّةً عند أكثر السلف ، حتّى كانوا يرحلون _ أي المشايخ _ في أقصى البلاد لأجل ذلك . وثمرته واضحة ؛ فإنّه كلّما قلّت الواسطة يبعد الحديث عن احتمال الخلل المتطرّق إلى كلّ راوٍ ؛ فإنّ كلّ واحد من رجال السند إذا لم يكن معصوماً جائزُ الخطأ فكلّما كثرت الوسائط كثرت مظنّة الخطأ وكلّما قلّت ، قلّت . نعم ، قد يكون طويل السند واجداً لمزيّة مفقودة في العالي سنداً كما لو كانت الوسائط القليلة مجهولة أو متّصفة بأسباب ردّ الخبر ، والطويلة متّصفةً بأسباب قبوله . لكن ذلك أمر خارجي لا مدخليّة له فيما نحن بصدده ، كما أنّ القول بترجيح طول السند مطلقاً _ نظراً إلى أنّ كثرة البحث تقتضي المشقّة فيعظم الأجر _ من ذلك القبيل ، بل وأنزلُ . وللعلوّ أقسام ، أعلاه قرب الإسناد من المعصوم بالنسبة إلى سندٍ آخَرَ طويلٍ ، ثمّ قرب الإسناد من أحد من أئمّة الحديث كالكليني والشيخ والصدوق وأضرابهم ، كما لو كانت الوسائط بين هؤلاء الأئمّة وبين المعصوم في الحديثين متساويةً وكانت الواسطة بيننا وبين تلك الأئمّة في أحدهما أكثرَ ، ثمّ أقدمهما سماعاً فإنّه أعلى من المتأخّر سماعاً وإن اتّفقا في العدد الواقع في الإسناد أو في عدم الواسطة بأن كانا قد رويا عن واحد في زمانين مختلفين لقرب زمانه من المعصوم . وربما يزاد معنى رابعٌ ، وهو تقدّم وفاة الراوي ؛ فإنّه أعلى من إسنادٍ آخَرَ يساويه في العدد مع تأخّر وفاة من هو في طبقته عنه . ولا يساعد دليل على اعتبار العلوّين الأخيرين ، ولا سيّما الأخير ، وإن حكي اعتبارهما عن بعض أئمّة الحديث . ثمّ إنّ اعتبار الثاني أيضاً لأمثالنا خالٍ عن الدليل بعد ثبوت كون الكتب

.

ص: 196

الشاذّ

المسلسل

المعروفة عن المشايخ بالتواتر بل الضرورة بين العلماء . نعم ، ينفع لو كان النقل عنهم على نحو الرواية المصطلحة من دون وجود كتاب لهم ، وحينئذٍ يرجع إلى القسم الأوّل ؛ فتدبّر . ومنها : الشاذّ ، وهو مارواه الثقة مخالفاً لما رواه الأكثر . ووجه التسمية واضح بمقابلة المشهور . ثمّ إن كان المخالف للشاذّ أحفظَ وأضبطَ وأعدلَ ، فهو الشاذّ المردود ، وإن انعكس فلا يردّ من تلك الجهة ، وكذا لو كانا متساويين في تلك الأوصاف . وعن بعضٍ _ ولعلّه المشهور _ ردّ الشاذّ مطلقاً ؛ لقوّة الظنّ بصحّة المشهور وضعف الظنّ بصحّته لشذوذه . وعن بعضٍ قبوله مطلقاً ، وضعفه واضح . هذا إذا كان راوي الشاذّ ثقةً ، وإن كان غيرَ ثقة فحديثه منكر مردود ؛ لجمعه بين الشذوذ وعدم وثاقة راويه . ومنها : المسلسل ، وهو ما تتابع فيه رجال السند في الإسناد على صفة كالتشبيك بالأصابع والأخذ بالشعر أو حالة في الراوي ، قولاً كانت كقوله : سمعت فلاناً يقول : سمعت فلاناً إلى منتهى الإسناد ، أو أخبرنا فلان واللّهِ قال : أخبرنا فلان واللّه إلى المنتهى ، أو فعلاً كحديث التشبيك باليد والقيام حالةَ الرواية والإتّكاء حالتها ، أو بهما معاً كالمسلسل بالمصافحة ؛ فإنّه يتضمّن الوصف بالقول في كلّ واحد وهو : صافحني بالكفّ التي صافحت فلاناً ، والفعل وهو نفس الفعل ، وكالمسلسل بالتلقيم لتصمّنه الوصف بالقول في كلّ واحد ، وهو : لقّمني فلان بيده لقمة لقمة (1) ، وبالفعل وهو نفس التلقيم ، ومثله المسلسل بأطعمني وسقاني وأضافني ونحو ذلك . وقد يتسلسل الحديث باتّفاق أسماء الرواة وأسماء آبائهم أو أنسابهم أو بلدانهم .

.


1- .في «ب» : «لقمته لقمةً» .

ص: 197

المزيد

وقد يقع التسلسل في معظم الإسناد كالمسلسل بالأوّليّة وهو أوّل ما يسمعه كلّ واحد منهم من شيخه من الأحاديث في بعض الأخبار . ووصف التسلسل ممّا ليس له مدخل في قبول الحديث وعدمه ، وإنّما هو فنّ من فنون الدراية يتقيّدون لبيانها ؛ لاشتماله على مزيد الضبط والحرص على أداء الحديث بالحالة التي اتّفق بها عن المعصوم . ومنها : المزيد على غيره من الأحاديث المرويّة في معناه ، وتلك الزيادة قد تقع في المتن بأن يروى فيه كلمة زائدة تتضمّن معنًى لا يستفاد من غيره ، وقد تقع في الإسناد كأن يرويه بعض بإسناد مشتمل على ثلاثة رجال معيّنة مثلاً ، وبعض بتخلّل رابع بين الثلاثة . والأوّل مقبول إذا وقعت الزيادة من الثقة ؛ فإنّه في حكم إيراد حديث مستقلّ . وقد يكون المرويّ بغير زيادة عامّاً بدونها فيصير بها خاصّاً كما في حديث : «وجعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً» (1) فإنّ زيادة «ترابها» ممّا تفرّد بها بعض الرواة ورواية الأكثر بدون تلك الزيادة ، والعموم والخصوص واضح . وقد يقيّد مقبوليّة تلك الزيادة بما إذا لم يكن منافياً لما رواه غيره ، ولا نرى له وجهاً . (2) والثاني كما إذا أسنده وأرسلوه ، وأوصله وقطعوه ، وهو مقبول كالأوّل ؛ إذ يجوز اطّلاع المسنِد والموصِل على ما لم يطّلع عليه غيره . وعن بعضٍ أنّ الإرسال نوعُ قدحٍ في الحديث بناءً على ردّ المرسل فيرجّح على الموصول كما يقدّم الجرح على التعديل عند التعارض . (3) وربما يجاب عنه بمنع الملازمة ، مع وجود الفارق ؛ فإنّ الجرح إنّما يقدّم

.


1- .بحار الأنوار 83 : 278 ؛ مسند أبي عوانة 1 : 303 .
2- .أي المزيد في الإسناد .
3- .وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار : 110 .

ص: 198

على التعديل بسبب زيادة علم الجارح على المعدّل ، والأمر فيما نحن فيه بالعكس ؛ لزيادة علم الموصِل على المرسل ؛ لأنّ من وصل اطّلع على أنّ الراوي للحديث فلان عن فلان إلى آخر السلسلة ، ومن أرسل لم يطّلع على ذلك كلّه ، فترك بعض السند لجهله . (1) وأنت خبير بأنّ المزيد إنّما هو من الخبر الواحد الشخصي ، وهو ما سمعه الراوي عن الإمام الخاصّ في الوقت الخاصّ ، وإلاّ فلو كان في البين خبران مختلفان في بعض المداليل _ اختلافاً يوجب اختلاف الحكم _ جاء فيه حكاية التعارض وملاحظة طرق العلاج . وبعد ثبوت الموضوع وكون الخبر واحداً شخصيّاً فلو كانت الزيادة الموجبة للاختلاف في الحكم في المتن ، لابدّ فيه من ملاحظة أضبطيّة راوي المزيد على راوي الخبر الخالي عن الزيادة إن كان الراوي متعدّداً ، وإن كان واحداً كما لو كان الإختلاف في النسخ فلابدّ من ملاحظة الأُصول والضوابط . ولا ريب أنّ أصالة عدم الزيادة في المزيد معارَض بأصالة عدم السقط في غير المزيد ، فتبقى أصالة عدم صدور الكلمة الزائدة عن المعصوم سليمةً عن المعارض . (2) ولو كان الإختلاف والزيادة في السند فقط مع اتّحاد المتن فلم يدلّ دليل على كون الناقص مرسلاً ؛ لجواز رواية الشخص الواحد خبراً واحداً مرّة عن شخص بلا واسطة ومرّة معها ؛ لجواز سماعه الخبر الواحد عن شخص واحد بالطريقين فيرويه مرّة للراوي عنه كما سمعه أوّلاً ومرّة أُخرى كما سمعه ثانياً إلاّ أن يذبّ عن تكرّر السماع بأصالة العدم ؛ فتدبّر . ومع الإغماض عن ذلك فنقول : إنّ السند على الطريقين إمّا صحيح وإمّا ضعيف وإمّا مختلف ، وعلى الأوّل والثاني يلغو البحث عن رجحان أحد السندين

.


1- .الرواشح السماويّة : 163 ، الراشحة السابعة و الثلاثون .
2- .وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار : 111 .

ص: 199

المختلف

على الآخَر كما هو واضح ، وعلى الثالث فليعلم أوّلاً : أنّ الإختلاف بكون المزيد صحيحاً وغيرِه ضعيفاً غيرُ معقول ، فانحصر الأمر بالعكس كما لو كان الشخص الزائد ضعيفاً . فعلى فرض تسليم غير المزيد مرسلاً يلغو أيضاً ذلك البحثُ عند القائل بعدم حجّيّة المراسيل ؛ لضعف السند على الوجهين . وكذا عند القائل بالحجّيّة ؛ لاعتبار الخبر من هذه الجهة . فجعل المقام من باب تعارض الجارح والمعدِّل ، وإبداء الفارق في مقام الجواب ممّا لا نرى له وجهاً ؛ فتدبّر جدّاً . ومنها : المختلف ، وهو أن يوجد حديثان متضادّان في المعنى ظاهراً . والوصف بالاختلاف إنّما هو بالنظر إلى صنفه لا إلى شخصه ؛ فإنّ الحديث الواحد نفسه ليس بمختلف بل إنّما هو مخالف لغيره . وذكروا أنّ حكمه الجمع بينهما حيث يمكن ، ولو بوجه بعيد يوجب تخصيص العامّ منهما أو تقييد مطلقه أو حمله على خلاف ظاهره ، وإلاّ يمكن الجمع فإن علمنا أنّ أحدهما ناسخ قدّمناه كما في الأخبار النبويّة ، وإلاّ رُجّح أحدهما بالوجه المقرّر في علم الأُصول من صفة الراوي والرواية والكثرة وغيرها . وقالوا : إنّه أهمّ فنون علم الحديث ولا يملك القيام به إلاّ المحققّون من أهل البصائر المتضلّعون من الفقه والأُصول . وقد صنّف فيه الناس كثيراً أوّلهم الشافعي 1 ومن أصحابنا الشيخ أبو جعفر الطوسي ؛ فإنّ مبنى استبصار ه على الجمع بين ما اختلف من الأخبار . وأنت خبير بأنّه لا دليل على لزوم الجمع ولاعلى جواز بناء العمل على أيّ جمع اتّفق ولاسيّما إذا كان بالوجه البعيد . والتحقيق أنّه إن كان شاهد على الجمع أوصار أحد الخبرين بفهم العرف قرينةً صارفة للآخَر عن ظاهره لا بدّ من الأخذ به كما في صلاة العاري للأوّل ،

.

ص: 200

الناسخ والمنسوخ

الغريب لفظاً

وكما لو دلّ أحدهما بظاهره على الحرمة ، والآخَر على الجواز للثاني ؛ فإنّ العرف يفهم منه صرف الحرمة عن الظاهر . وإلاّ لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات المقرّرة في الأُصول . هذا إذا كان الخبران من الأخبار المعتبرة ، وإلاّ سقط ذلك رأساً ، ولا محيص عن الأخذ بالمعتبر . وجمْع الشيخ جمع تبرّعي كما يظهر من أوّل الاستبصار (1) . ومنها : الناسخ والمنسوخ ، فإنّ من الأحاديث ما ينسخ بعضها بعضاً كالكتاب . والناسخ مادلّ على رفع حكم شرعيّ سابق ، والمنسوخ ما رفع حكمه الشرعي بدليل شرعيّ متأخّر منه . وطريقة معرفته النصّ _ كقوله صلى الله عليه و آله : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » (2) أو نقل الصحابي المعتبر كقولهم : كان آخر الأمرين من رسول اللّه تركَ الوضوء ممّا مسّته النار (3) _ أو التأريخُ ؛ فإنّ المتأخّر منهما ناسخ للمتقدّم لما روي عن الصحابة : كنّا نعمل بالأحدث فالأحدث (4) ، أو الإجماعُ كحديث قتل شارب الخمر في المرّة الرابعة (5) نسخه الإجماع حيث لا يتخلّل الحدّ . وأمّا نفس الإجماع فقالوا : إنّه لا ينسخ بنفسه وإنّما يدلّ على النسخ ، وفيه كلام ؛ فإنّ الكلام فيه كسائر الأدلّة الشرعيّة . ومنها : الغريب لفظاً ، وثمرة التقييد الإحتراز عن الغريب المطلق وهو الغريب متناً أو إسناداً _ وقد مرّ _ وهو ما اشتمل متنه على لفظ غامض بعيد عن الفهم لقلّة استعمال في الشائع من اللغة .

.


1- .الاستبصار 1 : 5 .
2- .المسند للشافعي : 361 ؛ المسند لأحمد 1 : 145 و452 و5 : 355 ؛ صحيح مسلم 6 : 82 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 501 ؛ سنن أبي داود 2 : 87 ؛ سنن النسائي 4 : 89 و7 : 234 .
3- .سنن الترمذي 1 : 54 / 59 ؛ سنن النسائي 1 : 108 .
4- .المسند للشافعي : 157 ؛ سنن الدارمي 2 : 9 ؛ سنن مسلم 3 : 141 .
5- .فتح الباري 12 : 71 .

ص: 201

المقبول

وهو فنّ مهمّ من علم الحديث يجب التثبّت فيه أشدَّ تثبّتٍ ؛ لانتشار اللغة وكثرة معاني الألفاظ الغريبة ، فربما ظهر معنى مناسب للمراد والمقصود غيره ممّا لم يقع الوصول إليه . وأوّل من صنّف فيه قيل : إنّه أبو عبيده معمّر بن المثنّى (1) ، وقيل : غيره . (2) ثمّ تصدّى لذلك جمع وتبعهم غيرهم بزوائدَ وفوائدَ كابن الأثير فإنّه بلغ في ذلك النهايةَ ، ثمّ الزمخشري ففاق في الفائق كلّ غاية والهروي في غريبيه غريب القرآن مع الحديث وغير من ذكر من العلماء . ومنها : المقبول، وهو الحديث الذي تلقّوه بالقبول والعمل بمضمونه من غير التفات إلى صحّته وعدمها . وبهذا الإعتبار يدخل هذا النوع في القسم المشترك . ويمكن بملاحظة أنّ الصحيح مقبول مطلقاً إلاّ لعارضٍ جعله من أنواع الضعيف ، ووهنه ظاهر ؛ فإنّ الصحيح كما يطرؤه عدم القبول لعارض كذا الضعيف والموثّق والحسن _ عند من لا يعمل بها _ قد يطرؤه القبول لعارض ، فوصف المقبولة مشترك بين الأقسام ، فلا وجه للاختصاص . وذلك كمقبولة عمر بن حنظلة في حال المتخاصمين وأمرهما بالرجوع إلى رجل من أصحابنا قد روى أحاديثهم وعرف أحكامهم ؛ فإنّها مع اشتمال سندها على محمّد بن عيسى وداود بن الحصين الضعيفين وعمر بن حنظلة وهو ممّن لم ينصّ أصحاب الرجال فيه بجرح ولا تعديل قبل الأصحاب متنها وعملوا بمضمونها ، بل جعلوها عمدة التفقّه واستنبطوا منها شرائطه كلّها . وهذه ثمانيةَ عَشَرَ قسماً من الأقسام المشتركة بين الأقسام ووجه الإشتراك بعد التأمّل واضح .

.


1- .معرفة علوم الحديث : 88 .
2- .كنضر بن شميل . انظر نفس المصدر .

ص: 202

[ أقسام حديث الضعيف ]

الموقوف

[ أقسام حديث الضعيف ]وأمّا المختصّ من الأوصاف بالحديث الضعيف فهو أيضاً أُمور : منها : الموقوف ، وهو ما روي عن مصاحب المعصوم من قول أو فعل أو غيرهما ، متّصلاً كان السند إليه أو منقطعاً . وقد يطلق في غير المصاحب مقيّداً مثل : وقفه فلان عن فلان ، إذا كان الموقوف عليه غيرَ مصاحب . وربما يطلق على الموقوف الأثرُ إذا كان الموقوف عليه من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعلى المرفوع الخبرُ . لكن ذلك الإطلاق في اصطلاح أهل الحديث ممّا لم يثبت ، بل هما عندهم أعمُّ من ذلك ، كما عرفت في تعريف الخبر . وعُدّ من الموقوف تفسير الصحابي للآيات القرآنيّة وبيانهم بسبب نزولها إذا لم يسندوه إلى المعصوم ، وقوله : كنّا نفعل كذا ونقول كذا من دون التقييد بزمان أو التقييد بغير زمان المعصوم أي النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ ذلك لا يستلزم اطّلاعه ولا أمره به حتّى يكون مرفوعاً بل هو أعمّ . وإن أضاف القول أو الفعل إلى زمنه وبيّن اطّلاعه وعدم إنكاره عليه فهو مرفوع إجماعاً ، وإن لم يبيّن الاطّلاع ففي كونه مرفوعاً وجهان عند المحدّثين والأُصوليين : من أنّ الظاهر كون جميع الصحابة فاعلين له على وجه الإستمرار فالظاهر اطّلاعه عليه وتقريره ، مضافاً إلى أنّ الصحابي إنّما ذكر هذا اللفظ في معرض الإحتجاج ولا يصحّ إلاّ إذا كان فعل جميعهم ؛ إذ لا حجّيّة في فعل البعض _ وهذا هو أصحّ القولين عندهم _ ومن أنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ ولم يقم على اعتبار هذا الظنّ بالخصوص دليل إلاّ أن يدرج ذلك في الإجماع المنقول وقيل بحجيّته . وكيف كان ، فلا حجّيّة في الموقوف وإن صحّ سنده ؛ لأنّ مرجعه إلى قول من وقف عليه وقوله ليس بحجّة . وضعف القول بالحجّيّة مطلقاً ظاهر .

.

ص: 203

المقطوع

المرسل

[ حكم العمل بالمرسل ]

ومنها : المقطوع ، وهو ما جاء من التابعين ومن في حكمهم من تابعي مصاحبي الأئمّة من أقوال التابعين وأفعالهم موقوفاً عليهم . ويقال له المنقطع أيضاً . والفرق بينه وبين الموقوف المطلق واضح . وأمّا الموقوف المقيّد ، فالنسبة بينه وبين المقطوع التساوي ، وربما يقال : العموم المطلق ؛ لأنّه يشمل الوقف على التابعي ، والمقطوع ما يختصّ به ، وضعفه مع تعريف الموقوف المقيّد بما سمعت واضح . وكثيراً مّا يطلق الفقهاء الموقوف على المقطوع وبالعكس ، فهما عندهم مترادفان ووجه عدم حجّيّة المقطوع على الإطلاقين واضح . ومنها : المرسل ، وهو ما رواه عن المعصوم مَن لم يدركه ، سواء كان بغير واسطة كما لو قال التابعي : «قال رسول اللّه » أو بواسطةٍ تَرَكها أو أبهمها كقوله : «عن رجل» أو «عن بعض أصحابنا» ونحوه . وهذا هو المعنى العامّ للمرسل المتعارف عند أصحابنا كما حكي . وقد يخصّ المرسل بإسناد التابعي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله من غير ذكر الواسطة ، ويطلق على المرسل المنقطعُ والمقطوعُ أيضاً بإسقاط شخص واحد من إسناده ، والمعضلُ بإسقاط الأكثر .

[ حكم العمل بالمرسل ]والأصحّ عند الأُصوليين والمحدّثين عدم حجّيّة المرسل مطلقاً ؛ للجهل بحال المحذوف ، ومجرّد الرواية عنه ليست تعديلاً له بل أعمّ كما لا يخفى ، إلاّ أن يعلم تحرّز مرسله عن الرواية من غير الثقة كما في ابن أبي عمير من أصحابنا ، على ما ذكره كثير منهم ، (1) وسعيدِ بن المسيّب عند الشافعي (2) .

.


1- .العدّة في أُصول الفقه 1 : 154 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 49 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 138 .

ص: 204

وفي حصول العلم الوجداني بذلك تأمّل واضح ؛ لأنّ مستند العلم إن كان الإستقراءَ في مراسيله بحيث وجدوا المحذوف ثقةً فلو كان ذلك في الكلّ كان الكلّ مسنداً ، وإن كان في الأغلب ففي موضع الشكّ لا يفيد الاستقراء إلاّ الظنّ . ولعلّ حصول القطع من مثل هذا الإستقراء مجرّد فرض . وإن كان حسنَ الظنّ بالمرسِل فمع عدم انحصاره فيمن ذكروه ، لا يفيد العلم . وإن كان إخبارَه بعدم الإرسال إلاّ عن ثقة فمع عدم وجود ذلك الإخبار ، كان مرجعه إلى الشهادة بعدالة الراوي المجهول ، وفي اعتبارها كلام . وظاهر كلام الأصحاب في مراسيل ابن أبي عمير هو الأوّل ، وقد عرفت أنّه لا يفيد العلم . وعلى مذاقنا لاغبار على العمل بمثل تلك المراسيل ؛ لحصول الوثوق بصدوره من المعصوم . وهذا أيضاً من الأمارات على أنّ مدار الأصحاب على ما اخترنا من المسلك ، لا ما يُتوهّم من ظاهر بعض كلماتهم . وربما يقال بحجّيّة المراسيل مطلقاً ، ونقل ذلك القول من جماعة من الجمهور إذا كان المرسِل ثقةٍ . وعن المحصول (1) نقله من الأكثرين ، محتَجّين بأنّ الإخبار عن المعصوم لا يجوز إلاّ عند الظنّ بعدالة الواسطة ، وبأنّ علّة التثبّت هو الفسق ولم يعلم ، وضعف كلا الوجهين واضح . وطريق ما يعلم به الإرسال في الحديث قد يكون جليّاً بالعلم بعدم التلاقي بين الراوي والمرويّ عنه ؛ لعدم إدراك العصر أو عدم الاجتماع مع عدم وجود الوجادة ولا الإجازة عند إدراك العصر ، ومن ثَمَّ احتيج إلى التأريخ ، وقد افتضح أقوامٌ ادّعوا الرواية عن شيوخ ظهر بالتأريخ كذب دعواهم . وقد يكون خفيّاً كما لو عبّر الراوي في الرواية عن المرويّ عنه بصيغةٍ

.


1- .لازال مخطوطاً .

ص: 205

المعلَّل

المدلّس

يحتمل اللُقَى وعدمه مع عدم اللُقَى كما لو قال : «عن فلان» أو «قال فلان» فإنّ العبارتين وإن كانتا ظاهرتين في الإتّصال لكنّ التعبير بهما مع الإرسال أيضاً متداول ، وإذا ظهر بالتثبّت كونه غيرَ راوٍ عنه ، تبيّن الإرسال . وغير خفيّ أنّ ذلك ضرب من التدليس . ومنها : المعلَّل ، ومعرفته من أجلّ علوم الحديث وأدقّها ، وهو ما فيه أسباب خفيّة غامضة قادحة فيه في نفس الأمر ، وظاهره السلامة منها بل الصحّة . وإنّما يتمكّن أهل الخبرة من معرفة ذلك بخبره بطرق الحديث ومتونه ومراتب الرواية مع كونه ضابطاً ثاقباً . ويستعان على إدراك تلك العلل بتفرّد الراوي بذلك الطريق ، أو المتنِ الذي يظهر عليه قرائن العلّة ، وبمخالفة غيره له في ذلك مع انضمام قرائنَ تُنبِّه العارفَ على تلك العلّة من إرسال في الموصول ، أو وقفٍ في المرفوع ، أو دخولِ حديث في حديث ، أو دخولِ وهم واهمٍ ، أو غير ذلك من الأسباب المعلّلة بحيث يغلب على ظنّه ذلك ولا يبلغ اليقين ، وإلاّ لحقه حكم ما تُيُقِّن به من إرسال أو غيره ، فيُحكم به ، أو يتردّد في ثبوت ذلك من دون ترجيح ، فيُتوقّف . وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذه عند الجمهور مانعة من صحّة الحديث على تقدير كون ظاهره الصحّةَ لو لاها . وأمّا عند أصحابنا فذلك غير معتبر في مفهوم الصحّة ، بل اعتباره إنّما هو في قبول الحديث ، وأكثر ما يوجد فيه تلك العلّةُ هو كتاب التهذيب كما يظهر من التأمّل فيه ، مع إخبار أهل الخبرة به . ومنها : المدلّس من الدَلَس بالتحريك ، وهو اختلاط الظلام ، سمّي بذلك لاشتراكهما في الخفاء ؛ فإنّه ما أُخفي عيبه إمّا في الإسناد بأن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه على وجه يوهم أنّه سمعه منه .

.

ص: 206

ومن حقّه بحيث يصير مدلِّساً لا كاذباً أن لا يقول : «حدّثنا» ولا «أخبرنا» وما أشبههما ؛ لأنّه كذب ، بل يقول : «قال فلان» أو «عن فلان» أو «حدّث» أو «أخبر فلان» فإنّ أمثال هذه العبارات وإن كانت أعمَّ من السماع بلا واسطة لكنّها موهمة له ، فيكون مدلِّساً لا كاذباً . وربما لا يُسقط المدلِّس شيخَه ، ولا يوقع التدليسَ في ابتداء السند ، لكن من بعده رجلاً غير مقبول الرواية ليحسن الحديث بذلك . وإمّا في الشيوخ كما لو روى حديثاً عن شيخ سمعه منه لكن لا يحبّ معرفة ذلك الشيخ لغرض ، فيسمّيه أو يكنّيه باسم أو كنية غير معروف بهما ، أو ينسبه إلى قبيلة أو بلد غير معروف بهما ، أو يصفه بما لا يُعرفُ به كي لا يُعرفَ . والتدليس الأوّل مذموم جدّاً ؛ لما فيه من إيهام اتّصال السند مع كونه مقطوعاً ، بل عن بعضٍ أنّ التدليس أخ الكذب . وفي جرح فاعله بذلك أقوال : ممّا ذكر ؛ ومن أنّ التدليس ليس كذباً بل تمويه فلا يضرّ بالوثاقة ، وعلى الأوّل يترك حديث المعروف بالتدليس ، وإن لم يعلم التدليس في ذلك الحديث ، وعلى الثاني يردّ ما فيه ذلك فقط ، ومن أنّ التدليس غير قادح في العدالة فإن صرَّح بالاّتصال ك_ «حدّثنا» و«أخبرنا» قبل ، وإن أتى بالمحتمل _ كما سبق _ فهو في حكم المرسل ؛ لحصول الريبة في الإسناد ولعلّه الأجود . ويعلم عدم اللقاء ، الموجبُ للتدليس بإخباره بنفسه بذلك ، وبجزم العالم المطّلع عليه . ولا يكفى في ذلك وقوع الزيادة في بعض الطرق ؛ لاحتمال أن يكون من المزيد . والتدليس الثاني أخفُّ من الأوّل إن لم يوجب إيهامَ غير مقبول الرواية بمقبولها ؛ لأنّ ذلك الشيخ مع الإغراب به إن عُرف فيرتَّب عليه ما يلزم ، وإن لم يُعرف يصير الحديث مجهولَ السند فيردّ ، لكن فيه تضييع للمرويّ عنه

.

ص: 207

المضطرب

المقلوب

وتوعير لطريق معرفة حاله . ومنها : المضطرب ، وهو ما اختلف راويه _ واحداً أو متعدّداً _ فيه ، متناً أو إسناداً فيروي مرّة بوجه ، وأُخرى على وجه آخَرَ مخالفٍ له . وإنّما يتحقّق الوصف بالاضطراب مع تساوي الروايتين المختلفتين في الصحّة وغيرها بحيث لم يترجّح إحداهما على الأُخرى ببعض المرجّحات . أمّا لو ترجّحت إحداهما على الأُخرى بوجهٍ من وجوه الترجيح _ كأن يكون راويها أحفظَ أو أضبطَ أو أكثرَ صحبةً للمرويّ عنه _ فالحكم للراجح ، ولا يتّصف بالاضطراب . والإضطراب قد يقع في السند بأن يرويه الراوي مرّة عن أبيه ، عن جدّه ، وتارةً عن جدّه بلا واسطة ، وثالثةً عن ثالث غيرهما كما اتّفق ذلك في رواية أمر النبيّ بالخطّ للمصلّي سُتْرَةً حيث لا يجد العصا . (1) وقد يقع في المتن كحديث اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة فرواه في الكافي وفي كثير من نسخ التهذيب بخروجه من الجانب الأيمن ، فيكون حيضاً ، (2) وفي بعض نسخ التهذيب بخروجه من الجانب الأيسر ، فيكون حيضاً (3) ، ولذا اختلفت الفتوى حتّى من الفقيه الواحد . والإضطراب فيه من راوٍ واحد ؛ فإنّه مرفوع إلى أبانٍ في الجهتين . وتسمية صاحب البشرى مثل ذلك إمّا سهو أو اصطلاح خاصّ . ومنها : المقلوب ، وهو ما ورد بطريق فيروى بغيره إمّا بمجموع الطريق أو ببعض رجاله بحيث يكون أجودَ ليُرغب فيه . وربّما يتّفق ذلك سهواً كحديث يرويه محمّد بن أحمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن

.


1- .سنن أبي داود 1 : 183 _ 184 ؛ منتقى الجمان 1 : 9 .
2- .الكافي 3 : 94 / 3 .
3- .تهذيب الأحكام 1 : 385 / 8 .

ص: 208

الموضوع

[ كيفيّة التعرّف على الموضوع ]

يحيى ، وقد يقع ذلك القلب من العلماء بعضهم ببعض ؛ لامتحان الحفظ والضبط كما نقل اتّفاق ذلك لبعض العلماء ببغدادَ . (1) ومنها : الموضوع ، وهو ما اختلقه وصنعه راويه لا مطلقُ حديث الكذوب ؛ فإنّ الكذوب قد يصدق . وهو شرّ أقسام الضعيف ، ولا يحلّ روايته للعالم به إلاّ مبيّناً لحاله ، بخلاف غيره من الضعيف المحتمل للصدق .

[ كيفيّة التعرّف على الموضوع ]ويُعرف الموضوع بإقرار واضعه ، بمعنى أنّه يُحكم عليه حينئذٍ بما يحكم على الموضوع في نفس الأمر ؛ لجواز كذبه في إقراره ، ففي مرحلة الظاهر يُحكم عليه بإقراره كما في المقرّ بالقتل والزنى ونحوهما ؛ فتدبّر ؛ وبركاكة ألفاظه ، وإنّما يقوم بالمعرفة من هذه الجهة مَن يكون اطّلاعه تامّاً ، وذهنه ثاقباً ، وفهمه على القرائن الدالّة على ذلك قويّاً ؛ وبالوقوف على غلطه ووضعه من غير تعمّد كما حكي وقوعه لثابت بن موسى الزاهد في حديث : «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار » فقيل : كان شيخ يحدّث في جماعة فدخل رجل حَسَنُ الوجه ، فقال الشيخ في أثناء حديثه : من كثرت صلاته إلخ ، فوقع لثابت بن موسى أنّه من الحديث فرواه . (2) والواضعون أصناف : منهم : من قصد به التقرّبَ إلى الملوك كما في غياث بن إبراهيم حين دخل على المهديّ بن منصور ، وكان يُعجبه الحمام الطّيّارة ، فروى عن النبيّ صلى الله عليه و آلهأنّه قال : لا سبق إلاّ في خفّ ، أو حافر أو نصل ، أو جناح ، فأمر له بعشْرة آلاف درهم ،

.


1- .تهذيب الأحكام 1 : 385 / 8 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 152 و153 .

ص: 209

فلمّا خرج ، قال المهديّ : أشهد أنّ قفاه قفا كذّابٍ على رسول اللّه ؛ ما قال صلى الله عليه و آله : جناح ، ولكن هذا أراد أن يتقرّب إلينا ، وأمر بذَبْحها ، وقال : أنا حملته على ذلك . (1) ومنهم : قوم من يرتزق به كما اتّفق لأحمد بن يحيى بن مَعِين في مسجد الرصافة . (2) وأعظمهم ضرراً مَن انتسب منهم إلى الزهد بغير علم ، فزعم أنّه وضعه حِسْبَةً للّه تعالى وتقرّباً إليه ؛ ليجذب به قلوب الناس إلى اللّه بالترهيب والترغيب . فقبل الناس موضوعاتِهم ثقةً بهم ؛ لظاهر حالهم بالصلاح والزهد . ويكشف عن ذلك ما روى ابن حيّان عن ابن مهديّ ، قال : قلت لميسرة بن عبد ربّه : من أين جئت بهذه الأحاديث : مَن قرأ كذا فله كذا ؟ فقال : وضعتها أُرغّب الناس فيها . (3) وعن مؤمّل بن إسماعيل ، قال : حدّثني شيخ بفضائل سور القرآن سورة سورة . فقلت له : مَن حدّثك ؟ فقال : حدّثني رجل بالمدائن وهو حيّ ، فسرت إليه ، فقلت : مَن حدّثك ؟ فقال : حدّثني شيخ بواسط وهو حيّ ، فسرت إليه ، فقال : حدّثني شيخ بالبصرة ، فسرت إليه ، فقال : حدّثني شيخ بعبّادان ، فسرت إليه ، فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا فيه قوم من المتصوّفة ومعهم شيخ ، فقال : هذا الشيخ حدّثني ، فقلت : يا شيخ ، مَن حدّثك ؟ فقال : لم يحدّثني أحد ، ولكنّا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعت لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن . (4) وكلّ من أودع هذه الأحاديثَ في تفسيره كالواحدي والثعلبي والزمخشري فقد أخطأ في ذلك .

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 154 .
2- .شرح الألفية للسيوطي : 87 _ 88 .
3- .الموضوعات 1 : 241 ؛ الرعاية في علم الدراية : 157 .
4- .الموضوعات 1 : 241 .

ص: 210

ووضعت الزنادقة كابن أبي العوجاء عبدِ الكريم وغيرِه (1) ، والغلاةُ من فرق الشيعة كأبي الخطّاب (2) ويونس بن ظبيان (3) ويزيد الصائغ (4) وأضرابهم جملةً من الأحاديث ليفسدوا به الإسلام وينصروا به مذهبهم . وعن العقيل ، عن حمّاد بن زيد ، قال : وضعت الزنادقة على رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأربعةَ عَشَرَ ألفَ حديثٍ . (5) وعن عبد اللّه بن يزيد المقري أنّ رجلاً من الخوارج رجع عن بدعته ، فجعل يقول : انظروا هذا الحديث عمّن تأخذون به ؛ فإنّا كنّا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً . (6) وقد ذهبت الكرّاميّة المنسوبة إلى محمّد بن كِرّام _ بكسر الكاف _ وبعض المبتدئة من المتصوّفة إلى جواز وضع الحديث للترغيب والترهيب ترغيباً للناس في الطاعة ، وزجراً لهم عن المعصية . واستدلّوا عليه بما روى في بعض الطرق : «من كَذَب عليَّ متعمّداً ليضلّ به الناس فليتبوّأ مقعَده من النار» (7) وهذه الزيادة قد أبطلها نقلة الحديث . وعن بعض المخذولين أنّه إنّما قال : «من كذب عليّ» ونحن نكذّب له ونقوِّي شرعه . (8) وقد صنّف جمع من العلماء كتباً في بيان الموضوعات كالفاضل الصنعاني

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 159 .
2- .هو محمّد بن أبي زينب مِقلاص الأجدع الأسدي .
3- .الرعاية في علم الدراية : 160 .
4- .المصدر .
5- .الموضوعات 1 : 38 .
6- .الكفاية في علم الرواية : 151 .
7- .الموضوعات 1 : 96 _ 97 .
8- .قد نقله ابن الجوزي في الموضوعات 1 : 98 .

ص: 211

[ أقسام تحمّل الحديث وطرق نقله ]

أوّلاً : في أهليّة التحمّل

الحسن بن محمّد ؛ حيث صنّف كتاب الدرّ الملتقط في تبيين الغلط (1) وغيره . وبالجملة : قد كثرت الأخبار الموضوعة في الأحاديث إلى أن نهض جهابذة النُقّاد بكشف عوارها ومحو عارها ، حتّى عن بعض العلماء أنّه قال : ما ستر اللّه أحداً يكذب في الحديث . وقد عرفت أنّه لا يجوز رواية الموضوع بغير بيان الحال . وأمّا غيره من أفراد الضعيف فمنعوا أيضاً روايته في الأحكام والعقائد ؛ لما يترتّب عليه من الضرر في الأحكام الدينيّة فروعاً وأُصولاً مع عدم بيان الحال . وتساهلوا في روايته من غير بيان في غير الصفات الإلهيّة والأحكام الشرعيّة الإلزاميّة من الترغيب والترهيب والقصص وفضائل الأعمال المشهور بين العلماء . ومنهم من منع من العمل به مطلقاً . ومريد رواية الضعيف أو مشكوك الصحّة بغير إسناد يقول : «روي» أو «بلغنا» أو «ورد» أو «جاء» ونحوها من صيغ التمريض ، ولا يذكره بصيغة الجزم كقوله : «قال المعصوم» أو «فَعَل» ونحوه من الألفاظ الجازمة .

[ أقسام تحمّل الحديث وطرق نقله ]ثمّ إنّ في تحمّل الحديث وطرق نقله فصولاً : أوّلاً : في أهليّة التحمّل . ويُشترط فيه التمييز إن حصل التحمّل بالسماع أو القراءة . والمراد به هنا أن يفرِّق بين الحديث الذي هو بصدد روايته وغيره إن سمعه في أصل مصحَّح ، وإلاّ اعتُبر مع ذلك ضبطُه . واحترز بتحمّله بالسماع وما في معناه عمّا لو كان بنحو الإجازة ، فلا يعتبر فيه ذلك ووجه الاشتراط واضح . ولا يشترط الإسلام ولا البلوغ على الأصحّ ، فلو تحمّل كافراً أو صبيّاً مميّزاً

.


1- .كشف الظنون 1 : 773 .

ص: 212

الثاني : لتحمّل الحديث طرق سبعة
أوّلها : السماع

ورواه مسلماً بالغاً قُبل ، كما اتّفق في جماعة من الصحابة خلا فاً لشذوذ في الأخير ، ولا عبرة به ، وكذا لا عبرة (1) بتحديد السنّ _ المسوِّغ للإسماع _ بعشر سنين أو خمس أو أربع ؛ لاختلاف الناس في مراتب الفهم والتمييز ، فمن فهم الخطابَ وميّز ما يسمعه صحّ وإن كان دون خمس ، ومن لم يكن كذلك لم يصحّ وإن كان ابن خمسين . وعن الفاضل تقيّ الدين الحسن بن داود أنّ صاحبه ورفيقه السيّدَ غياثَ الدين بن طاوس استقلّ بالكتابة واستغنى عن المعلّم وعمرُه أربع سنين . (2) وقد حكي أمثال ذلك كثيراً . وكذا لا يشترط في المرويّ عنه كونُه أكبرَ من الراوي نسباً ولا رتبة وقدراً وعلماً . وقد اتّفق ذلك كثيراً على ما حكى للصحابة فمَن دونهم .

الثاني : لتحمّل الحديث طرق سبعة :أوّلها وأعلاها عند جمهور المحدّثين السماعُ من لفظ الشيخ سواء كان إملاء من حفظه أو كان تحديثَه من كتابه . ووجه الأعلائيّة أنّ الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته ؛ ولأنّه خليفة رسول اللّه وسفيره إلى أُمّته والأخذ منه كالأخذ منه ؛ ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخبر الناس أوّلاً وأسمعهم ما جاء به ، والتقرير على ما جرى بحضرته أولى ؛ ولأنّ السامع أربطُ وأوعى قلباً ، وشغل القلب وتوزُّع البال إلى القارئ أسرعُ . وبعض هذه الوجوه استحسان ، والدليل هو الذي يفيد الأضبطيّة ، وهو الأوّل والأخير ، ومقتضاه كون السامع المخاطب أقوى من السامع غير المخاطب من حضّار مجلس السماع .

.


1- .ليس «لا عبرة» في «ألف» .
2- .رجال ابن داود : 227 و228 .

ص: 213

وفي صحيحة عبد اللّه بن سنان قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام يجيئني القوم فيستمعون منّي حديثكم ، فأضجر ولا أقوى . قال : «فاقرأ عليهم من أوّله حديثاً ومن وسطه حديثاً (1) ومن آخره حديثاً» ولعلّ في عدوله عليه السلامإلى قراءة هذه الأحاديث مع العجز دلالةً على أولويّته على قراءة الراوي ، وإلاّ لأمر بها ؛ فتدبّر . فيقول الراوي حينئذٍ _ في مقام روايته ذلك المسموع لغيره _ : «سمعت فلانا» وهذه العبارة أعلى العبارات في تأديته المسموعَ ؛ لدلالته نصّاً على السماع الذي هو أعلى طرق التحمّل ، ثمّ بعدها أن يقول : «حدّثني» و«حدّثنا» ؛ لدلالتهما أيضاً على قراءة الشيخ عليه ، لكنّهما يحتملان الإجازة والكتابة ؛ لما عن بعضٍ مِن إجازة الإخبار بهذه العبارة فيهما . وعن بعض المحدّثين أنّه كان يقول : «حدّثنا فلان» عند عدم استماعه واستماع أهل المدينة مريداً به ذلك التأويل . وقيل : هما أعلى من الأُولى ؛ لأنّه ليس في «سمعت» دلالةٌ على أنّ الشيخ روى له الحديث وخاطبه به ، وفي «حدّثنا» و«أخبرنا» دلالة على المخاطبة . وفيه : أنّ هذه وإن كانت مزيّةً إلاّ أنّ الخَطْب فيها أسهلُ من احتمال الإجازة والتدليس . ثمّ بعدهما أن يقول : «أخبرنا» ؛ لظهور الإخبار في القول ، ولكن لمكان استعماله في الإجازة والمكاتبة كثيراً كان أدونَ . ثمّ بعده «أنبأنا» و«نبّأنا» ؛ لغلبة هذه اللفظة في الإجازة . وأمّا قول الراوي : «قال لنا» و«ذكر لنا» فهو من قبيل «حدّثنا» فيكون أعلى من «أنبأنا» ؛ فتدبّر . لكنّه ينقص من «حدّثنا» ؛ لدلالته على كونه في مقام التحديث ، ودلالةُ قوله :

.


1- .الكافي 1 : 52 / 5 .

ص: 214

وثانيها : القراءة على الشيخ

«قال لنا» على ما سمع في المذاكرة في المجالس والمناظرة أشبهُ ؛ فتدبّر أيضاً . وأدنى العبارات قوله : «قال فلان» من دون إضافةِ «لي» أو «لنا» ؛ لأنّه بحسب مفهوم اللفظ أعمُّ من السماع أو الوصول إليه ولو بوسائطَ ، وإن كان الظاهر من اللفظ التحمّلَ على نحو السماع كما في «حدّثنا» . وثانيها : القراءة على الشيخ ، ويسمّى العَرْضَ ؛ لأنّ القارئ يعرضه على الشيخ ، سواء كانت القراءة من حفظ القارئ أو من كتاب ، وسواء قرأ ما يحفظه الشيخ أو كان الراوي يقرأ والأصل بيد الشيخ أو يد ثقةٍ غيرِه ، واحتمال سهو الثقة نادر ولا يقدح ، كما لا يقدح ذلك الإحتمال عند قراءة الشيخ . وهذه الطريقة صحيحة اتّفاقاً وإن خالف فيه بعضُ مَن لا يعتدّ به . وإنّما الكلام في أنّ القراءة على الشيخ أقوى من السماع ، أو أدونُ منه ، أو مساوية له ؟ والأشهر الثاني . وعن علماء الحجاز والكوفة الأخيرُ ؛ لتحقّق القراءة على الحالتين مع سماع الآخر . وعن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء » . (1) وعن بعضٍ الأوّلُ ، ولم نجد له وجهاً . والحقّ لعلّه الأوّل (2) ؛ فإنّ المدار في قوّة الحديث على الأعلميّة والأحفظيّة والأضبطيّة ، وممّا نجده في الخارج زيادة الملاحظة عند القراءة من الملاحظة والإلتفات عند السماع ، ولمّا كان المناط على زيادة التفات الشيخ كان قراءة الشيخ أعلى . والرواية المذكورة محمولة على مساواتها في الجملة . والعبارة عن هذه الطريقة أن يقول الراوي عند الرواية : «قرأت على فلان» أو «قرءتم عليه وأنا أسمع وأقرّ الشيخ به» بمعنى عدم الاكتفاء بالقراءة عليه وعدم إنكاره ولا بإشارته بل تلفّظ بما يقتضي الإقرار بكونه مرويَّهُ . وهذان في هذه

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 240 .
2- .أي أنّ القراءة على الشيخ أقوى من السماع .

ص: 215

الطريقة أعلى ؛ لدلالتهما على الواقع صريحاً . ثمّ بعدهما قوله : «حدّثنا» و«أخبرنا قراءةً عليه» . وعن بعض المحدّثين كفايتهما مطلقين وفي قولٍ ثالث تجويزُ إطلاق «أخبرنا» دون «حدّثنا» . ومدرك الأوّل واضح ، والثاني أنّ إقراره به قائم مقام التحديث والإخبار ، ومن ثَمَّ جازا مقترنين بقيد «قراءة عليه» . وضعف التعليل واضح ؛ لأنّ الجواز مع القرينة لا يعطي الجوازَ بدونها كما في سائر المَجازات . ووجه الثالث قوّة ظهور «حدّثنا» في النطق والمشافهة بخلاف «أخبرنا» ؛ فإنّه يُتجوّز به في غير النطق كثيراً . وأوّل الوجوه أظهرها . وفي قولٍ : لو قال الراوي للمرويّ عنه : «أخبرك فلان بكذا» وهو ساكت مُصْغٍ إليه فلم ينكر ذلك صحّ الإخبار والتحديث عنه ، وإن لم يتكلّم بما يقتضي الإقرار به ؛ لأنّ عدالته تمنع عن السكوت عن إنكار ما ينسب إليه من غير صحّة . ومن البيّن أنّ السكوت مع عدم الصحّة أعمُّ من الإقرار ، ولا ينافي العدالة ، فيقول حينئذٍ عند الرواية : «قرئ عليه وهو يسمع» ولا يجوز أن يقول : «حدّثني» ؛ لأنّه كذب ، وما سمعه وحده أو مع الشكّ في سماع الغير يقول : «حدّثني» وما سمعه مع الغير يقول : «حدّثنا» ، ولو عكس الأمر فيهما لقصد التعظيم ودخوله في العموم جاز ؛ لصحّته لغةً وعرفاً إلاّ أنّ التأدية على ما هو المطابق للواقع من دون ملاحظة هذه الأشياء أولى . ومنعوا في الكلمات الواقعة في المصنّفات بلفظ «أخبرنا» و«حدّثنا» من إبدال إحداهما بالآخَر ؛ لاحتمال أن يكون القائل لا يرى التسوية بينهما وكذا الناظر ، فيقع التدليس ولا تجوز الرواية مع كون السامع أو المستمع ممنوعاً من السماع بشواغلَ كالنسخ والتحديث وغيرهما ممّا يوجب عدم فهم المقرّر ، ووجهه واضح .

.

ص: 216

وثالثها : الإجازة
اشاره

ولا يُشترط في صحّة الرواية بالسماعة أو القراءة رؤية الراوي للمرويّ عنه ، بل يجوز ولو من وراء الحجاب إذا عرف الصوت أو عرف أنّه الشيخ بالشهادة ، وظاهرهم الاكتفاء في ذلك بإخبار ثقة . وفيه تأمّل إذا لم يفد القطع . وعن بعضٍ اشتراط الرؤية ؛ لإمكان المماثلة في الصوت . وأنت خبير بأنّ المناط إذا كان القطع لا يجري هذا الإحتمال ، وعلى فرض جريانه يجري في الرؤية أيضاً . وكذا لا يُشترط علم المحدّث بالسامعين ، بل لا يؤثّر منع البعض بعد إسماع الكلّ . نعم ، إذا كان ذلك المنع لتذكّره الخطأَ في الرواية لم يختصّ المنع بذلك البعض ويُقبل قوله فيه . وثالثها : الإجازة ، مأخوذةً من جواز الماء الذي سقته الماشية ، ونحوِه . ومنه قولهم : استجزته فأجازني : إذا سقاك ماءً لماشيتك أو أرضك . فالطالب للحديث يستجيز العالمَ علمَه أي يطلب إعطاءه له على وجه يحصل به الإصلاح لنفسه كما يحصل للأرض والماشية الإصلاح بالماء فيجيز له . وكثيراً مّا يطلق على العلم اسم الماء ، وعلى النفس اسم الأرض ، وعليه يمكن تنزيل قوله تعالى : «وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ» (1) قولِه تعالى : « وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ » (2) وعلى ذلك يتعدّى الإجازة إلى المفعول بغير حرف ، فيقول : أجزتك مسموعاتي . وقيل : الإجازة إذن وتسويغ وهو المعروف ، وعليه يقول : أجزت لك روايةَ كذا . وقد يقال على المعنى الثاني «أجزت لك مسموعاتي» بحذف المضاف وعلى وجه المجاز بالحذف .

.


1- .حج (22) : 5 .
2- .الأنبياء (21) : 30 .

ص: 217

[ حكم الرواية بالإجازة ]

[ حكم الرواية بالإجازة ]ثمّ إنّ المشهور بين المحدّثين والأُصوليّين جواز الرواية والعمل بالإجازة بل عن جماعة دعوى الإجماع على ذلك نظراً إلى شذوذ المخالف . وعن الشافعي في أحد قوليه وجماعةٍ من أصحابه : عدمُ جواز الرواية بها ؛ استناداً إلى أنّ قول المحدّث : «أجزت لك أن تروي عنّي» في معنى : «أجزت لك ما لا يجوز في الشرع» ؛ لأنّه لا يُبيح رواية ما لم يُسمع ، فكان في قوّة «أجزت أن تكذب عليَّ» . (1) وضعفه ظاهر ؛ لأنّ الإجازة عرفاً في قوّة الإخبار بمرويّاته جملةً فهو كما لو أخبره تفصيلاً ، والإخبار غير متوقّف على التصريح نطقاً كما في القراءة على الشيخ ، مضافاً إلى أنّ الإجازة والرواية بها مشروطتان بتصحيح الخبر من المجيز بوجوده في أصل مصحّح مع بقيّة ما يعتبر فيها ، فلا يتحقّق الكذب ، مضافاً إلى أنّ حصر جواز الرواية فيما سُمع تفصيلاً أوّلُ الكلام ، فهذا الاستدلال يُشبه المصادرةَ . ثمّ المجوّزون اختلفوا في ترجيح السماع عليها أو بالعكس بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة التي يعوّل عليها ، وبين عصر المتأخّرين ، ففي الأوّل السماع أرجح ؛ لأنّ السلف كانوا يجمعون الحديث من صحف الناس وصدور الرجال فدعت الحاجة إلى السماع خوفاً من التدليس بخلاف ما بعد تدوينها ؛ لأنّ فائدة الرواية حينئذٍ إنّما هي اتّصال سلسلة الإسناد إلى النبيّ تيمّناً وتبرّكاً ، وإلاّ فالحجّة تقوم بما في الكتب ، ويعرف القويّ منها والضعيف من كتب الجرح والتعديل . ولا يخفى أنّ هذا الوجه إنّما يقتضي الحاجة إلى السماع في العصر الأوّل دون العصر اللاحق لا ترجيحَ السماع في أحدهما ، والإجازةِ في الآخَر ، فما قوّاه في

.


1- .تدريب الراوي : 131 .

ص: 218

[ أقسام الإجازة ]

شرح الدراية (1) ليس في محلّه . والحقّ هو الأوّل (2) ؛ لاشتمال السماع على مزايا غير موجودة في الإجازة كما لا يخفى .

[ أقسام الإجازة ]ثمّ الإجازة إمّا تتعلّق بأمر معيّن لشخص معيّن ، كقوله : «أجزت لك برواية الكتاب الفلاني» ، أو بأمر معيّن لغير معيّن ، كقوله : «أجزت جميع المسلمين» أو «كلَّ أحد» أو «من أدرك زماني» وما أشبه ذلك «الكتابَ الفلانيَّ» أو بعكس ذلك ، كقوله : «أجزت لك رواية جميع مسموعاتي» أو «مرويّاتي» وما أشبه ذلك ، أو بغير معيّن لغير معيّن . وأعلاها الأوّل ؛ لانضباطه بالتعيين حتّى زعم بعضهم أنّه لاخلاف في جوازه وإنّما الخلاف في غير هذا النوع ، وبعده الثالث ؛ لعدم انضباط المَجاز ، ولو قُيّدتْ بوصف خاصّ ، ك_«مسموعاتي من فلان» أو «في بلد كذا» إذا كانت متميّزةً كان أولى ، وربما يعدّ ذلك في درجة الأوّل . وضعفهما ظاهر ؛ فإنّ المناط في القوّة ضبط الروايات وتعيينها ، لا المستجيزُ ؛ فالأولى جعل الأوّل والثاني في درجة واحدة ، وكذا الثالث والرابع . وممّن نقل منه الإجازة على الوجه الأخير (3) السيّد تاج الدين ؛ حيث إنّ الشهيد رحمه الله طلب منه الإجازة له ولأولاده ولجميع المسلمين ممّن أدرك جزءا من حياته جميعَ مرويّاته ، فأجازهم ذلك بخطّه . (4) وتبطل الإجازة بمرويٍّ مجهولٍ ، ككتاب كذا وله كتب كثيرة بذلك الاسم ،

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 262 _ 263 .
2- .أي إنّ السماع أرجحُ .
3- .أي إجازة غير معيّن لغير معيّن .
4- .الرعاية في علم الدراية : 267 .

ص: 219

ولشخص مجهول ، كمحمّد بن أحمد مثلاً وله موافقون في ذلك الاسم والنسب . وتجوز الإجازة لجماعة معيّنين بأنسابهم وأسمائهم وإن لم يَعرف المجيز أعيانَهم ، كما يجوز لو عرفهم بأعيانهم وإن لم يعرفهم بأسمائهم وأنسابهم ؛ لحصول العلم في المقامين في الجملة والخروجِ عن المجهوليّة الصرفة ، والمراد بالجواز وعدمه ترتّب أثر الإجازة وعدمُه . واختلفوا في تعليق الإجازة على مشيّة الغير ، كقوله : «أجزت لمن شاء فلان» فعن المعروف بطلانه ؛ للجهالة . وعن بعضٍ عدم البطلان ؛ لارتفاع الجهالة عند وجود المشيّة . والثاني أظهر ؛ فإنّ سبيله سبيلُ قوله : «جميع المسلمين» وقوله : «أجزت لمن شاء الإجازة» أو «لفلان إن شاء» وقد حكموا فيهما بالصحّة . قالوا : لاتصحّ الإجازة للمعدوم من دون ضميمة بخلافه معها ، كما في الوقف . وعن بعضٍ جوازُها له مطلقاً ؛ لأنّها مجرّد الإذن . وهو الأقوى بملاحظة تجويزهم الإجازةَ لغير المميّز من المجانين والأطفال بغير خلافٍ يُنقل ، مع أنّ سبيلهم في عدم فهم الإجازة سبيل المعدوم ، وقد وقع ذلك من جماعة من فضلائنا على ما حكاه في شرح الدراية ؛ (1) حيث أجازوا لأولادهم عند ولادتهم ، وادّعي وجود خطوطهم بذلك مع تأريخ ولادتهم ، فلعلّ الفرق تحكّم ؛ فتدبّر . ومتى جازت الإجازة للمعدوم فللحمل بطريقٍ أولى ، وكذا للكافر والفاسق والمبتدع ؛ لإمكان الانتفاع بأدائه عند ارتفاع الموانع . قالوا : ولا تجوز الإجازة بما لم يتحمّله المجيز بعدُ ليرويه المستجيز منه إذا تحمّل ؛ لأنّها في حكم الإخبار أو الإذن ولا يعقل الإخبار بما لم يُخبَر به ، ولا أن يأذن فيما لم يَملك ، كما لو وكّل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه .

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 271 .

ص: 220

ورابعها : المناولة
اشاره

ولعلّ الأقوى الجواز وفاقاً لبعض ؛ فإنّها _ سواء كانت في حكم الإخبار أو الإذن _ ليست في حكمهما في جميع الأحكام ، بل يظهر جوازها من جواز الإجازة للمعدوم مع عدم جواز الإخبار والإذن له وكذا توكيله . وقد حكي الإجازة على هذا النحو من جمع من الأفاضل مضافاً إلى دلالة المعنى الأصلي للإجازة _ وهو : إسقاء الماء للماشية _ على جواز ذلك ؛ فإنّ الماء ممّا يتدرّج حصوله إذا كان من العيون . نعم ، يتعيّن على المستجيز حينئذٍ تحقيق ما يتحمّله . ويصحّ للمُجاز له إجازةُ المُجاز لغيره . والقول بانحصار أمره في العمل بنفسه متروك . وإذا كتب المجيز بالإجازة وقصدها ، صحّت بغير تلفّظ ، والإجازة باللفظ والكتابة أولى ؛ لتحقّق حقيقة الإخبار أو الإذن اللذين متعلّقهما اللفظ ، ووجه الاقتصار على الكتابة فقط ؛ لتحقّق الإذن في مثل الوكالة (1) وسائر التصرّفات بها ، واستعمالِ الإخبار توسّعاً في غير اللفظ عرفاً . ورابعها : المناولة ، وأعلاها المقرونة بالإجازة ، فيقول له عند المناوله : «هذا مسموعي من فلان» أو «روايتي منه فارْوِه عنّي» أو «أجزت لك رواية ما فيه عنّي» سواء ملكه الكتاب أو الأصل أو أعاره للنسخ ، ويسمّى ذلك بعرض المناولة . ومرتبته دون السماع ؛ لاشتمال القراءة على ضبط الرواية وتفصيلها بما لا يتّفق بالمناولة . والقول بتساويهما ضعيف . ثمّ دونه أن يناوله سماعَه ويجيزَه له ويمسكَه الشيخ عنده ولا يمكّنَه فيه ، فيرويَه إذا وجده أو ما قوبل به . ولا يكاد يوجد لمثل هذه المناولة مزيّة على الإجازة المجرّدة من المناولة وإن حكي عن المشهور وجودها . وأدونها المناولة المجرّدة عن الإجازة بأن يناوله كتاباً ويقولَ : «هذا سماعي» مقتصراً عليه .

.


1- .في «ج» : «في مثل مملوكاته» .

ص: 221

[ حكم الرواية بالمناولة ]
وخامسها : الكتابة
[ حكم الرواية بالكتابة ]

[ حكم الرواية بالمناولة ]ولعلّ المشهور أنّه لا تجوز الرواية بها . وعن بعضٍ جوازها ؛ لحصول العلم بكونه مرويّاً له مع إشعاره بالإذن له في الرواية . ويدلّ عليه ما عن الكافي بإسناده إلى أحمد بن عمر الحلاّل ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول : أروه عنّي ، يجوز لي أن أرويه عنه ؟ قال : فقال : «إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه » . (1) فلعلّ الجواز أقوى ، ولاسيّما بعد ثبوت الجواز في المراتب اللاحقة كما سيجيء ، ولكنّه إذا روى بالمناولة ، قال : «حدّثنا فلان» أو «أخبرنا مناولةً» غيرَ تارك للقيد ؛ لظهور المطلق في السماع والقراءة . وخامسها : الكتابة ، وهو أن يكتب الشيخ مرويّه لغائب أو حاضر بخطّه أو خطّ غيره مع كتابته بعده بما يدلّ على الأمر بالكتابة .

[ حكم الرواية بالكتابة ]وإذا كانت مقرونةً بإلاجازة ، كانت في الصحّة والقوّة كالمناولة المقرونة بها ، وإن كانت مجرّدة عنها ففي جواز الرواية بها قولان : من حيث إنّ الكتابة لا تقتضي الإجازة ؛ ولأنّ الخطوط تشتبه ، فلا يجوز الإعتماد عليها ، ومن تضمّنها الإجازةَ معنى ؛ لأنّ الكتابة للشخص المعيّن وإرسالَه إليه وتسليمَه إيّاه قرينة قريبة على الإجازة للمكتوب إليه ، وذلك هو الأشهر فيما بينهم ، وهو الأقوى ؛ لما ذكر ؛ ولأنّه يكتفى في الفتاوي الشرعيّة بالكتابة من المفتي مع أنّ خطر الفتوى أعظمُ . نعم ، يعتبر معرفة الخطّ بحيث يحصل الوثوق بعدم التزوير . واشترط بعضهم البيّنة على الخطّ ، وفي لزومه تأمّل واضح وإن كان أحوطَ .

.


1- .الكافي 1 : 52 / 6 .

ص: 222

[ مرتبة الرواية بالمكاتبة ]
وسادسها : الإعلام
[ حكم الرواية بالإعلام ]

[ مرتبة الرواية بالمكاتبة ]وعلى تقدير اعتبار المكاتبة _ كما قوّيناه _ فهي أنزل من السماع حتّى يرجّح عليها مع تساويهما في الصحّة وغيرها من المرجّحات . وقد وقع في مثل ذلك مناظرة بين الشافعي وإسحاقَ في جلود الميتة إذا دُبغت هل تطهر أو لا ؟ قال الشافعي : دباغها طهورها . فقال إسحاق : ما الدليل ؟ فقال : حديث ابن عبّاس عن ابن ميمونة : هلاّ انتفعتم بجلدها ؟ يعني الشاة الميتة . فقال إسحاق : حديث ابن حكيم كتبه إلينا النبيّ عليه السلام قبل موته بشهر : «لاتنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » أشبهَ أن يكون ناسخاً لحديث ابن ميمونة ؛ لأنّه قبل موته بشهر . فقال الشافعي : هذا كتاب وذلك سماع ، فقال إسحاق : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجّة عليهم . فسكت الشافعي (1) . وحيث يروي المكتوبُ إليه ما رواه بالكتابة يقول فيها : «كتب إليّ فلان» أو «حدّثنا فلان» أو «أخبرنا كتابةً» أو «مكاتبة» لا مجرّداً عن القيد ليتميّز عن السماع وما في معناه . والقول بجواز الإطلاق ضعيف ؛ لمكان التدليس . وسادسها : الإعلام ، وهو أن يُعلم الشيخ طالبَ الحديث أنّ هذا الكتاب أو الحديث روايته أو سماعه عن فلان مقتصراً عليه .

[ حكم الرواية بالإعلام ]وفي جواز الرواية به قولان : أحدهما : الجواز ؛ تنزيلاً له منزلة القراءة على الشيخ ، فإنّه إذا قرء عليه شيئاً من حديثه وأقرّ بأنّه روايته من فلان ، جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له : اروه عنّي ؛ وتنزيلاً له منزلة من سمع غيرَه يقرأ بشيء فله

.


1- .الحاوي للفتاوي : 19 _ 20 ؛ الرعاية في علم الدراية : 290 .

ص: 223

وسابعها : الوجادة
اشاره

أن يرويه وإن لم يشهده بل وإن نهاه ، ولأنّه يُشعر بإجازته له كما مرّ في الكتابة وإن كان أضعفَ . والثاني : المنع ؛ لأنّه لم يُجِزْه فكان روايته عنه كاذبةً ، وربما أفرط بعض المجوّزين فأجاز الرواية بالإعلام المذكور وإن نهاه كما في صورة السماع . ولعلّ الأقوى الأوّل ؛ لأنّ المناط في جواز الرواية عن شخص تثبّتُ كون ذلك من مسموعاته ، ولم يدلّ على أزيدَ من ذلك دليل ، والمفروض إعلام الراوي بكون الرواية من باب الإعلام ؛ حذراً من التدليس ، فأيّ مانع من جوازه ؟ وفي معنى الإعلام ما لو أوصى له عند موته أو سفره بكتاب يرويه (1) ، وفيه القولان المذكوران . وسابعها : الوجادة _ بكسر الواو_ وهو مصدر وجد يجد ، مولَّد من غير العرب غير مسموع من العرب الموثوق بعربيّته ، ومنشأ التوليد من العلماء وجدانُهم المصدرَ باختلاف المعنى ، فيقال : وجد ضالّته وجداناً وإجداناً بالواو والهمزة المكسورتين ، ووجد مطلوبه وجوداً وفي المعنى وجد _ مثلّثة الواو _ ووجدة بالكسر ، وفي الحبّ : وجداً . فولّدوا لأخذ العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة ولا إعلام هذه اللفظةَ . فتعريفه أنّه أن يجد إنسان كتاباً أو حديثاً مرويَّ إنسان بخطّه معاصرٍ له أو غير معاصر لم يسمعهما منه هذا الواجدُ ولا له منه إجازة ولا نحوها . فيقول حين الرواية : «وجدت» أو «قرأت» بخطّ فلان» أو «في كتاب فلان بخطّه» ويسوق باقي الإسناد والمتن . وهذا ، الذي استقرّ عليه العمل

.


1- .أي يرويه الموصي .

ص: 224

[ حكم الرواية بالوجادة ]

قديماً وحديثاً . وإن لم يتحقّق الواجد الخطّ قال : «بلغني عن فلان» أو «وجدت في كتابٍ أخبرني فلان أنّه بخطّ فلان» إن كان أخبره به أحد ، وإذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحّة قال في نقله من تلك النسخة : «قال فلان» ، وإلاّ يثق بها قال : «بلغني عن فلان أنّه قال كذا» . والصواب في أمثال ذلك الإحترازُ عن إطلاق اللفظ الجازم في ذلك إلاّ أن يكون الناقل ممّن يعرف صحّة العبارة وسقمها بملاحظة سَوْق العبارة وصدرها وذيلها ، فبعد الوثوق بصحّة العبارة لعلّه لا إشكال في إطلاق اللفظ الجازم فيقول : «قال فلان» .

[ حكم الرواية بالوجادة ]وفي جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان للمحدّثين والأُصوليّين : فعن الشافعي : الجواز ، واستدلّ له بأنّه لو توقّف العمل على الرواية لا نسدّ باب العمل بالمنقول ؛ لتعذرّ شرط الرواية فيها . (1) ولنعم ما قاله صاحب المعالم من أنّ أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنّما يظهر حيث لا يكون متعلّقها معلوماً بالتواتر ونحوه . (2) انتهى . فبعد ثبوت كون الكافي مثلاً من مؤلّفات ثقة الإسلام فأيّ شيء يحصل بالإجازة حتّى يصحّح العمل بأخبارها ، وينتفي عند انتفائها ؟ وحجّة المانع أنّه ممّا لم يحدّث به لفظاً ولا معنى ، فيخرج عن الرواية . وأقول : مقتضى ذلك أن لا يعمل بالقرآن ؛ لأنّ ما نجده في يومنا ليس إلاّ الخطوط والنقوش ، والإجازةُ من اللّه تعالى أو النبيّ صلى الله عليه و آله أو الأئمّة منتفية ، فينتفي كونه قولَ اللّه تعالى لفظاً أو معنى ؛ فتدبّر .

.


1- .تدريب الراوي : 149 _ 150 .
2- .معالم الدين وملاذ المجتهدين : 212 .

ص: 225

[ كيفيّة نقل الحديث ]

[ كيفيّة نقل الحديث ]وأمّا كيفيّة رواية الحديث فقد أشرنا إليها في طرق التحمّل . (1) ولكنّهم اختلفوا فيما به يجوز رواية الحديث : فعن مالك وأبي حنيفه وبعض الشافعيّه أنّه لا حجّيّة إلاّ فيما رواه الراوي من حفظه وتذكّره . ومنهم من أجاز الإعتماد على الكتاب بشرط بقائه على يده ، فلو أخرجه عنها ولو بإعارته لثقة ، لم تجز الرواية منه لغيبته عنه المجوّزةِ للتغيير . والحقّ جواز الرواية من حفظه ومن الكتاب إن خرج من يده مع أمن التغيير ؛ فإنّ الإعتماد في الرواية على الظنّ الغالب الموجب للاطمئنان الحاصل بكلا الأمرين . (2) ومَن لا يعلم مقاصد الألفاظ وما يختلّ به معانيها ومقادير التفاوت بينها لم يجز له رواية الحديث بالمعنى بغير خلاف ، بل يقتصر على رواية ما سمعه باللفظ الذي سمعه ، وإن كان عالماً بذلك ، جاز على الأصحّ كما يشهد به أحوال الصحابة والسلف وكثيراً مّا كانوا ينقلون معنى واحدا بألفاظ مختلفة ، والأخبارُ ورد في ذلك . منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد اللّه : أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص ؟ قال : «إن كنت تريد معانيَه فلا بأس » (3) مضافاً إلى أنّ التعبير للعجمي بلسان العجم جائز اتّفاقاً فبالعربيّة أولى فتدبّر . (4) وقيل : إنّما تجوز الرواية بالمعنى في غير الحديث النبويّ ؛ لأنّه أفصحُ مَن

.


1- .مرّ في ص 212 _ 224 .
2- .الرعاية في علم الدراية : 304 _ 305 .
3- .الكافي 1 : 51 / 2 .
4- .لأنّ التعبير بالعجمي له للاضطرار فالاحتياج إلى تفهيمه لا يكون موجباً لجوازها بالعربيّة فكيف يكون أولى ؟ ! «منه» .

ص: 226

نطق بالضاد ، وفي تراكيبه أسرار ودقائقُ لا يوقَف بها كما هي إلاّ بها ، ومن ثَمَّ قال : «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي ووعاها وأدّاها كما سمعها فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه (1) » ولاريب أنّه أولى وإن كان الاصحّ الأوّلَ . هذا في غير المصنَّفات ، وأمّا فيها فلا يتغيّر أصلاً ؛ لأنّ المجوّز في غيرها إنّما كان لزومَ الحرج الشديد في الجمود على الألفاظ ، وهو غير موجود في المصنّفات المدوّنة إلاّ أن يشير إليه . وينبغي تلك الإشارة في الحديث المرويّ بالمعنى . ولم يجوّز مانعوا الرواية بالمعنى وبعضُ مجوّزيها تقطيعَ الحديث بحيث يروي بعضُه دون بعض إن لم يكن رواه في محلٍّ آخَرَ أو غيرُه تامّاً . ومنهم من منعه مطلقاً . وجوّزه آخرون مطلقاً لمن عرف عدم تعلّق المتروك منه بالمرويّ بحيث لا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه ؛ لأنّ المرويّ والمتروك حينئذٍ بمنزلة خبرين مستقلّين منفصلين ، ولذا ارتكبه السلف من أصحابنا ، وفرّقوه على الأبواب اللائقة به . ويتعلّم من يريد قراءة الحديث قبل الشروع فيها من العربيّة واللغة ما تَسلم به من اللحن ، ففي صحيحة جميل بن دراج قال : قال أبو عبد اللّه : «أعربوا حديثنا ؛ فإنّا قوم فصحاء (2) » . ولا يسلم من التصحيف بذلك بل بالأخذ من أفواه الرحال ومتى سمع بعض حديث من شيخ ، وبعضَه الآخَرَ عن آخَرَ ، روى جملته عنهما مبيِّناً أنّ بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر ، فيصير الحديث مشاعاً بينهما ، فإن كانا ثقتين فالأمر في العمل سهل وإن كان أحدهما مجروحاً لا يجوز به بحال إلاّ إذا تبيّن الجزء الذي رواه الثقة .

.


1- .الكافي 1 : 403 / 1 .
2- .المصدر 1 : 52 / 13 .

ص: 227

[ أسماء الرجال وطبقاتهم ]

[ أسماء الرجال وطبقاتهم ]وأمّا أسماء الرجال وطبقاتهم وما يتّصل به : فالصحابي من لقي النبيَّ صلى الله عليه و آله مؤمناً به ومات على الإسلام وإن تخلّلت رِدّته ، والمراد ب «اللقاء» الأعمّ من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر وإن لم يره ، والتعبير به أولى من التعبير بمن رأى النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لخروج ابن أُمّ مكتوم عن التعريف مع كونه صحابيّاً بغير خلاف . واحترزوا ب «الإيمان به» عمّن لقاه كافراً وإن أسلم بعده أو لقاه مؤمناً بسائر الأنبياء دونه ، وب «الموت على الإسلام» عمّن ارتدّ ومات على الردّة كعبد اللّه بن جحش ونحوه ، ودخل بقولنا : «وإن تخلّلت ردّته» ما إذا رجع إلى الإسلام في حياته وبعده _ سواء لقيه ثانياً أم لا _ على إشكال في الأخير خلافاً في كثير من تلك القيود ؛ لاشتراط بعضِهم عدم تخلّل الإرتداد ، وبعضِهم رواية الحديث ، وبعضِهم كثرة المجالسة وطول الصحبة ، وبعضِهم الإقامةَ سنة وسنتين والغزاوة معه مرّة ومرّتين إلى غير ذلك . ثمّ الصحابة على مراتبَ كثيرةٍ بحسب التقدّم في الإسلام والهجرة والملازمة والقتال معه والقتل تحت رايته والرواية عنه ومكالمته ومشاهدته وإن اشترك الجميع في شرف الصحبة . ويعرف كونه صحابيّاً بالتواتر والإستفاضة والشهرة وإخبار الثقة . وحكمهم عندنا في العدالة حكم غيرهم . وأفضلهم أمير المؤمنين عليه السلام وولداه وهو أوّلهم إسلاماً ، وآخرهم موتاً على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة ، مات سنة مائة من الهجرة . (1)

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 344 .

ص: 228

قيل : وقبض النبيّ صلى الله عليه و آله عن مائة وأربعةَ عَشَرَ ألفَ صحابي . (1) والتابعي من لقي الصحابيَّ بالقيود المذكورة ، واستثنى منها قيد الإيمان به فذلك خاصّ بالنبيّ صلى الله عليه و آله . بقي قسمٌ ثالث بين الصحابي والتابعي اختُلف في إلحاقه بأيّ القسمين وهم المخَضْرَمون الذين أدركوا الجاهليّة والإسلام ولم يَلقَوْا النبيّ ، سواء أسلموا في زمانه كالنجاشي أم لا ؟ واحدهم خضرم كأنّه قُطع من نظرائه الذين أدركوا الصحبة . ثمّ الرواي والمرويّ عنه إن استويا في السنّ أو في الأخذ عن المشايخ فهو النوع الذي يقال له : رواية الأقران ؛ لكونه راوياً عن قرينه وذلك كالشيخ والسيّد ، فإنّهما أقران في طلب العلم والقراءة على المفيد رحمه الله ، فإن روى كلّ منهما عن الآخر فهو النوع الذي يقال له : المدبَّج _ بفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحّدة وآخره الجيم _ مأخوذ من ديباجتَيِ الوجه كأنّ كلاًّ من القرينين يبدّل ديباجة وجهه للآخر ويروي عنه ، وهو أخصّ من الأوّل ، فكلّ مدبَّج أقران ولا عكس . وإن روى عمّن دونه في السنّ أو في اللُقَى أو في المقدار فهو النوع المسمّى برواية الأكابر عن الأصاغر ، كرواية الصحابي عن التابعي ونحو ذلك ، ومن هذا القسم رواية الآباء عن الأبناء والواقع كثيراً في الخارج عكس ذلك . ومن الأوّل رواية العبّاس بن عبد المطّلب عن ابنه الفضل أنّ النبيّ جمع بين الصلاتين بالمزدلفة (2) ، وفي الثاني قد تقع رواية الأبناء عن الآباء وقد تقع روايتهم عن الأجداد في مرتبة واحدة أو أزيدَ وقد يقع التسلسل بأربعةَ عَشَرَ أباً . وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدّم موت أحدهما على الآخر ، فهو النوع المسمّى بالسابق واللاحق .

.


1- .الرعاية في علم الدراية : 345 .
2- .المصدر : 355 .

ص: 229

والرواة ان اتّفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم واختلف أشخاصهم _ سواء اتّفق في ذلك اثنان منها أو أكثرُ _ فهو النوع الذي يقال له : المتّفق والمفترق أي المتّفق في الاسم والمفترق في الشخص . وفائدة معرفته الإحتراز عن أن يُظنّ الشخصان شخصاً واحداً . وذلك كرواية الشيخ ومن سبقه من المشايخ عن أحمد بن محمّد عند الإطلاق ؛ فإنّ هذا الاسم مشترك بين جماعة : منهم أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وأحمد بن محمّد بن الوليد ، وجماعةٌ أُخرى من أفاضل أصحابنا في تلك العصر . وفائدة تلك المعرفة إنّما تظهر عند اشتراكهم في الاسم واختلافهم في الوثاقة وعدمها ، وعند الإشتراك في المقامين لا تظهر الثمرة . وقد أشرنا إلى طرق تلك المعرفة في تمييز المشتركات . وإن اتّفقت الأسماء خطّاً واختُلفت نطقاً فهو النوع الذي يسمّى بالمؤتلف والمختلف ، ومن أجل عدم معرفته يقع التصحيف في الأسماء ، وذلك كجرير _ بإعجام الأوّل وإهمال الأخير _ وحريز بالعكس ، فالأوّل جرير بن عبد اللّه البجلي صحابي ، والآخَرُ حريز بن عبد اللّه السجستاني يروي عن الصادق ، فاسم أبيهما واحد واسمهما مؤتلف ، والمايز بينهما الطبقة ، وكبريد _ بالموحّدة والمهملة _ ابن معاوية العجلي من أصحاب الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام ، ويزيد _ بالمثنّاة والمعجمة _ المشترك بين الثقة والضعيف ونحو ذلك . وقد يقع الإئتلاف والإختلاف في النسبة والصنعة ، كالهمداني _ بسكون الثاني وإهمال الثالث _ نسبةً إلى قبيلة ، والهمذاني _ بفتح الثاني وإعجام الثالث _ نسبةً إلى بلد معروف ، والحنّاط _ بالمهملة والنون _ والخيّاط _ بالمعجمة من فوقُ والمثنّاة من تحتُ _ ونحو ذلك . وإن اتّفقت الأسماء خطّاً ونطقاً واختلفت الآباء نطقاً مع ائتلافهما أو بالعكس فهو النوع الذي يقال له : المتشابه ، كمحمّد بن عَقيل النيسابوري _ بفتح العين _

.

ص: 230

ومحمّد بن عُقيل بضمّها . إلى غير ذلك من الاصطلاحات . هذا ما يسّر اللّه تعالى لنا نظمَه في سلك التحرير من الإشارة إلى بعض فوائد علم الرجال ومصطلحات علم الدراية ، وله الحمد على ذلك ، جعله اللّه تعالى خالصاً لوجهه الكريم ، ونَفَعَنا وإخواننا به . وقد وقع الفراغ منه في يوم الأربعاء ثانيَ عَشَرَ شوّال من شهور سنة ثمانية وخمسين بعد ألف ومائتين من الهجرة في القريب من حائر مولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام في أسوء الأحوال من حيث الدنيا ؛ لاضطراب أهل البلد من توجّه نجيب پاشا إلى بلدهم ، وخوفهم على أنفسهم وعيالهم وأموالهم ، وعلوّ الأسعار ، وانسداد باب الاقتراض ، وعدم وجدان المُؤْنة ، والابتلاء بكثرة العيال ، ولعدم المسكن ، وشدّة مطالبة الديّانين ، وغير ذلك ، فرّج اللّه تعالى عنّا جميع تلك الكُرَب وأحسنها من حيثُ الآخرة ؛ للتلازم غالباً بين التلبّس بتلك الكرب ، وبين كمال التوجّه إليه تعالى . وفّقنا اللّه تعالى لكمال التوجّه إليه في حال البؤس والرخاء بعزّة مَن لُذنا إلى جِواره وأقاريبه المكرمين صاعداً ونازلاً ومساوياً ، ولا يسلّطْ علينا مَن لا يرحمنا من شياطين الإنس والجنّ ، ولا يجعلْنا من الغافلين ، آمينَ ياربّ العالمين .

.

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

. .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

فهرس المنابع

فهرس المنابع1 . آثار عجم ، محمّد نصير فرصت الدوله ، تحقيق : منصور رستگار فسايى . طهران : اميركبير ، 1377ش . 2 . الاحتجاج ، أحمد بن علي الطبرسي (ت 560ه . ق) ، تحقيق : السيد محمّد باقر الخرسان . النجف الأشرف : منشورات دار النعمان ، 1386ه . ق ، الطبعة الاُولى . 3 . اختلاف الحديث ، محمّد بن ادريس الشافعي (ت 204ه . ق) ، تحقيق : عامر احمد حيدر . بيروت : مؤسسة الكتب الثقافية ، الطبعة الثانية ، 1413ه . ق . 4 . اختيار معرفة الرجال = رجال الكشى ، أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت460ه . ق)، تحقيق : حسن المصطفوى . جامعة مشهد المقدسة ، 1348ش ، الطبعة الاُولى . 5 . استقصاء الاعتبار في شرح الإستبصار ، محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني (ت 1030ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت . قم : مؤسسة آل البيت ، 1422ه . ق ، الطبعة الاُولى . 6 . الأمالى ، ابو جعفر محمّد بن على بن الحسين بن بابويه القمى (ت 381ه . ق) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، قم : مؤسسة البعثة ، 1417ه . ق ، الطبعة الاُولى.

.

ص: 256

7 . ايضاح الاشتباه ، العلاّمة الحلّي (ت 726ه . ق) ، تحقيق محمّد الحسّون . قم : مؤسسة النشر الإسلامي، 1411ه . ق ، الطبعة الاُولى . 8 . بحار الانوار ، محمّد باقر المجلسى (ت 1110ه . ق) ، بيروت : مؤسسة الوفاء ، 1403ه . ق ، الطبعة الثانية. 9 . بصائر الدرجات ، ابو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290ه . ق) ، تحقيق : ميرزا محسن كوچه باغى ، طهران : منشورات الأعلمى ، 1404ه . ق ، الطبعة الاُولى . 10 . تاريخ العراق بين الاحتلالين ، المحامى عباس الغراوي . قم : منشورات الشريف الرضي ، 1410ه . ق ، الطبعة الاُولى . 11 . التحرير الطاووسي المستخرج من كتاب حلّ الاشكال ، حسن بن زين الدين (ت 1011ه . ق) ، تحقيق : فاضل الجواهري . قم : مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1411ه . ق ، الطبعة الاُولى . 12 . تكملة الرجال ، عبد النبي الكاظمي (ت 1256ه . ق) ، تحقيق : محمّد صادق بحر العلوم . النجف الأشرف : مكتبة الإمام الحكيم العامة ، مطبعة الآداب . 13 . تنقيح المقال ، عبد اللّه المامقانى (ت 1351ه . ق) ، النجف الأشرف : المطبعة المرتضوية ، طبعة حجرية ، 1352ه . ق . 14 . تهذيب الأحكام ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه . ق) ، تحقيق : حسن الموسوى الخرسان . طهران : دار الكتب الإسلامية، 1364ش ، الطبعة الثالثة . 15 . الجامع الصغير ، جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (ت 911ه . ق) . بيروت : دار الفكر ، 1401ه . ق ، الطبعة الاُولى . 16 . جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية ، محمّد بن محمّد بن نعمان مفيد بغدادي (ت 413ه . ق) . قم : المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413ه . ق ، الطبعة الاُولى . 17 . حاوى الأقوال ، عبد النبي الجزائري (ت 1021ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة الهداية لإحياء التراث . قم ، 1418ه . ق ، الطبعة الاُولى .

.

ص: 257

18 . الحدائق الناضرة ، يوسف البحرانى (ت 1186ه . ق) ، تحقيق : محمّد تقى الايرواني . قم : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين . 19 . الخرائج والجرائح ، أبو الحسين سيعد بن هبة اللّه _ المعروف بقطب الدين الراوندي _ (ت 573ه . ق) . قم : مؤسسة الإمام المهدي بإشراف محمّد باقر الأبطحي الإصفهاني . 20 . الخصال ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي _ المعروف بالشيخ الصدوق _ (ت 381ه . ق) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري . قم : جماعة المدرسين في الحوزة العلمية . 21 . ذخيرة المعاد ، محمّد باقر السبزواري (ت 1090ه . ق) . مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر ، الطبعة الحجرية . 22 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، آقا بزرگ الطهرانى (ت 1389ه . ق) . بيروت : دار الأضواء ، 1403ه . ق ، الطبعة الثالثة . 23 . رجال ابن داود ، تقي الدين الحسن بن علي بن داود (ت 707ه . ق) ، تحقيق : السيّد محمّد صادق بحر العلوم . النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1392ه . ق . 24 . رجال السيد بحر العلوم = الفوائد الرجالية ، سيد محمّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، تحقيق : محمّد صادق بحر العلوم . طهران : مكتبة الصادق ، 1363ه . ق . 25 . رجال الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه . ق) ، تحقيق : جواد القيومي الإصفهاني . قم : مؤسسة النشر الإسلامي، 1415ه . ق ، الطبعة الاُولى . 26 . الرسائل الرجالية ، أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315ه . ق) ، تحقيق : محمّد حسين الدرايتي . قم : دار الحديث ، 1422ه . ق ، الطبعة الاُولى . 27 . الرعاية في علم الدراية ، زين الدين علي بن أحمد _ المعروف بالشهيد الثاني _ (ت 965ه . ق) ، تحقيق : عبد الحسين محمّد البقّال . قم : منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413ه . ق ، الطبعة الثانية .

.

ص: 258

28 . الرواشح السماوية ، محمّد بن محمّد باقر الحسينى _ السيد الداماد _ (ت 1041ه . ق) . قم : منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405ه . ق . 29 . روضة المتقين ، محمّد تقي المجلسي (ت 1070ه . ق) ، تحقيق : السيد حسين الموسوي الكرماني و الشيخ علي پناه الاشتهاردي . قم : بنياد فرهنگ اسلامى كوشانپور ، 1393 _ 1399 ه . ق . 30 . سنن ابن ماجه ، أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (ت 275ه . ق) ، تعليق : محمّد فؤاد عبد الباقي . بيروت : دار الفكر . 31 . سنن الدارمي ، عبد اللّه بن بهرام الدارمي (ت 255ه . ق) . دمشق : مطبعة الإعتدال . 32 . سنن النسائي ، أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه . ق) . بيروت : دار الفكر ، 1348ه . ق ، الطبعة الاُولى . 33 . سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275ه . ق) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحام . بيروت : دار الفكر ، 1410ه . ق ، الطبعة الاُولى . 34 . الصحاح = تاج اللغة والصحاح العربية ، إسماعيل بن حمّاد الفارابي الجوهري ت393ه . ق) ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار . بيروت : دار العلم للملايين ، 1407ه . ق. 35 . صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه . ق) . بيروت : دار الفكر ، 1401ه . ق . 36 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261ه . ق) . بيروت : دار الفكر . 37 . طرائف المقال ، السيد علي أصغر الجابلقي (ت 1313ه . ق) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي . قم : مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1410ه . ق ، الطبعة الاُولى . 38 . عدّة الرجال ، سيد محسن الأعرجي بن الحسن الحسيني الكاظمي (ت 1227ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة الهداية لإحياء التراث . قم : مكتبة اسماعيليان ، 1415ه . ق .

.

ص: 259

39 . علوم الحديث = مقدمة ابن الصلاح ، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمان الشهرزوري (ت 643ه . ق) ، تحقيق : نورالدين عتر . بيروت : دار الفكر المعاصر ، 1406ه . ق. 40 . عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية ، محمّد بن علي بن إبراهيم الإحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 897ه . ق) ، تحقيق : مجتبى العراقي . قم : مطبعة سيد الشهداء ، 1403ه . ق ، الطبعة الاُولى . 41 . عيون أخبار الرضا(ع) ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي _ المعروف بالشيخ الصدوق _ (ت 381ه . ق) ، تحقيق : حسين الأعلمي . بيروت : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1404ه . ق ، الاُولى . 42 . غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، محمّد بن مكي العاملي _ المعروف بالشهيد الأوّل _ (ت 786ه . ق) ، تحقيق و نشر ، قم : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1414ه . ق ، الطبعة الاُولى . 43 . فارسنامه ناصرى ، ميرزا حسن حسينى فسايى ، تحقيق : منصور رستگار فسايى ، طهران : اميركبير ، 1367ه . 44 . فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر العسقلاني (ت 852ه . ق) . بيروت : دار المعرفة للطباعة والنشر ، الطبعة الثانية . 45 . فلاح السائل ، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد الطاووس (ت 664ه . ق) . قم : مكتب الإعلام الإسلامي، 1372ش ، الطبعة الثانية . 46 . فوائد الوحيد البهبهاني ، محمّد باقر بن محمّد أكمل _ الوحيد البهبهاني _ (ت 1206ه . ق) ، تحقيق : محمّد صادق بحر العلوم . قم : مكتب الإعلام الإسلامي، 1404ه . ق . طبع مع «رجال الخاقاني» 47 . فهرست كتب الشيعة واصولهم ، محمّد بن حسن بن علي الطوسي (ت 460ه . ق) ، تحقيق : السيد عبد العزيز الطباطبائي . قم : إعداد مكتبة الطباطبائي ، 1420ه . ق ، الطبعة الاُولى .

.

ص: 260

48 . قاموس المحيط ، محمّد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الشافعي (ت 817ه . ق) . بيروت : دار الجيل . 49 . قوانين الأصول ، ميرزا ابو القاسم القميّ (ت 1231ه . ق) ، طبعة حجرية . 50 . الكافي ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329ه . ق) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري . طهران : دار الكتب الإسلامية، 1367ش ، الطبعة الثالثة. 51 . كتاب الغيبة ، محمّد بن حسن بن علي الطوسي (ت 460ه . ق) ، تحقيق : عباد اللّه الطهراني و علي أحمد ناصح . قم : مؤسسة المعارف الإسلامية، 1411ه . ق ، الطبعة الاُولى . 52 . كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ، محمّد بن حبان البُستى (ت 354ه . ق) ، تحقيق : محمود ابراهيم زيد . بيروت : دار الفكر . 53 . كتاب الموضوعات ، أبو الفرج عبد الرحمان بن عليبن الجوزي القرشي (ت597ه . ق) ، تحقيق : عبد الرحمان محمّد عثمان . بيروت : دار الفكر ، 1403ه . ق ، الطبعة الثانية . 54 . كتاب الوافي ، محمّد محسن فيض كاشاني (ت 1091ه . ق) ، تحقيق : ضياء الحسينى «العلاّمة» الإصفهاني . الإصفهان : مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بإصفهان ، 1406ه . ق ، الطبعة الاُولى . 55 . الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ، شيخ آقا بزرگ الطهرانى (ت 1389ه . ق) ، مخطوط . 56 . كشف الخفاء و مزيل الألباس ، إسماعيل بن محمّد العجلوني الجراحي (ت1163ه . ق). بيروت : دار الكتب العلمية ، 1408ه . ق ، الطبعة الثانية . 57 . كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، حاجي خليفه (ت 1067ه . ق) . بيروت : دار احياء التراث العربي .

.

ص: 261

58 . لب اللباب ، محمّد جعفر شريعتمدار الإسترآبادي (ت 263ه . ق) ، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، قم ، 1378ش ، الطبعة الاُولى . طبع في ضمن مجموعة «ميراث حديث شيعه» في الدفتر الثاني . 59 . اللمعة الدمشقية ، محمّد بن مكي العاملي _ المعروف بالشهيد الأوّل _ (ت 786ه . ق) ، تحقيق : علي الكوراني . قم : دار الفكر ، 1411ه . ق ، الطبعة الاُولى . 60 . المآثر والآثار ، محمّد حسن خان اعتماد السلطنة . طهران : اساطير ، 1368ش. 61 . مجمع الرجال ، زكي الدين عناية اللّه القهبائي (حدود 1016ه . ق) ، تحقيق : ضياء الدين العلاّمة الإصفهاني . قم : مطبوعاتى اسماعيليان . 62 . مجمع الفائدة والبرهان ، أحمد بن محمّد الأردبيلي _ المعروف بالمقدس الأردبيلي _ (ت 993ه . ق) . تحقيق و نشر : قم ، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402 _ 1411ه . ق ، الطبعة الاُولى . 63 . مدارك الأحكام ، السيد محمّد العاملي (ت 1009ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت . قم : 1410ه . ق ، الطبعة الاُولى . 64 . مسالك الأفهام ، زين الدين علي بن أحمد _ المعروف بالشهيد الثاني _ (ت 965ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة المعارف الإسلامية . قم : 1413ه . ق ، الطبعة الاُولى . 65 . مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320ه . ق) . تحقيق و نشر ، قم : مؤسسة آل البيت لاحياء التراث . 66 . المسند ، احمد بن حنبل الشيباني (ت 241ه . ق) ، تحقيق : أحمد الشاكر . بيروت : دار الفكر . 67 . المسند ، محمّد بن ادريس الشافعي (ت 204ه . ق) ، تحقيق : مطبعة بولاق الأميرية . بيروت : دار الكتب العلمية . 68 . مسند أبي عوانة ، أبو عوانة يعقوب بن اسحاق اسفرائني (ت 316ه . ق) . بيروت : دار المعرفة .

.

ص: 262

69 . مشرق الشمسين ، بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي (ت 1030ه . ق) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي . مشهد : مجمع البحوث الإسلامية للآستانة الرضوية ، 1414ه . ق ، الطبعة الاُولى . 70 . معارج الاُصول ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي (ت 676ه . ق) ، إعداد : محمّد حسين الرضوي . قم : مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر ، 1403ه . ق . 71 . معارف الرجال ، محمّد حرز الدين . قم : مكتبة آية اللّه العظمى المرعشى نجفى ، 1405ه . ق . 72 . معالم الدين وملاذ المجتهدين ، جمال الدين حسين بن زين الدين (ت 1011ه . ق) . قم : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، 1406ه . ق ، الطبعة الاُولى . 73 . معالم العلماء ، محمّد بن علي بن شهرآشوب مازندراني (ت 588ه . ق) ، تحقيق : محمّد صادق بحر العلوم . النجف الأشرف : منشورات المطبعة الحيدرية ، 1380ه . ق . 74 . المعتبر في شرح المختصر ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن _ المعروف بالمحقّق الحلّي _ (ت 676 ه . ق) ، تحقيق : لجنة باشراف الشيخ ناصر مكارم شيرازي . قم : مؤسسة سيد الشهداء ، 1364ه . ش ، الطبعة الاُولى . 75 . معراج أهل الكمال ، سليمان بن عبد اللّه الماحوزي (ت 1121ه . ق) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي . قم : مطبعة السيد الشهداء ، 1413ه . ق ، الطبعة الاُولى . 76 . معرفة علوم الحديث ، أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ النيسابوري (ت 405ه . ق) . تحقيق و نشر ، بيروت : دار الآفاق الجديدة ، 1400ه . ق ، الطبعة الرابعة . 77 . مناهج الأحكام والأُصول ، مولى محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي (ت 1209ه . ق) . طهران : كارخانه آقا مير باقر ، الطبعة الحجرية .

.

ص: 263

78 . منتقى الجمان ، جمال الدين حسن بن زين الدين الشهيد الثاني _ صاحب المعالم _ (ت 1011ه . ق) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري . قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، 1362ش ، الطبعة الاُولى. 79 . منتهى المقال ، أبو علي محمّد بن إسماعيل (ت 1316ه . ق) . قم : مؤسسة آل البيت عليهم السلاملاحياء التراث ، 1416ه . ق ، الطبعة الاُولى . 80 . منهج المقال ، ميرزا محمّد الإسترآبادي (ت 1028ه . ق) . طهران ، 1306ه . ق ، طبعة حجرية . 81 . نزهت الأخبار ، محمّد جعفر بن محمّد على خورموجى ، تصحيح : على آل داود . طهران : وزارت الارشاد ، 1380ه . ش . 82 . نهاية الدراية في شرح الوجيزة ، السيد حسن الصدر العاملي الكاظمي (ت 1354ه . ق) ، تحقيق : ماجد الغرباوي . قم : نشر المشعر . 83 . النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ، محمّد بن حسن بن علي الطوسي (ت 460ه . ق) . قم : انتشارات القدس المحمّدي . 84 . الوجيزة (في الرجال) ، محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (ت 1110ه . ق) ، تحقيق : محمّد كاظم رحمان ستايش . طهران : مؤسسة الطباعة والنشر لوزارة الإرشاد ، 1420ه . ق ، الطبعة الاُولى . 85 . الوجيزة في علم الدراية ، بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي (ت 1030ه . ق) ، تحقيق : ماجد الغرباوي . تراثنا : العددان 32 و 33 ، السنة الثامنة ، رجب _ ذوالحجة 1413ه . ق . 86 . وسائل الشيعة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104ه . ق) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت . قم ، الطبعة لااُولى . 87 . هداية المحدّثين إلى طريق المحمدين ، محمّد أمين بن محمّد علي الكاظمي (حدود 1118ه . ق) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، باهتمام السيد محمود المرعشي . قم : مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي ، 1405ه . ق ، الطبعة الاُولى .

.

ص: 264

فهرس الموضوعات .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.